دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام

اشارة

سرشناسه:ايرواني، باقر، 1328 -

عنوان و نام پديدآور:دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام/ باقر الايرواني.

وضعيت ويراست:[ويراست ؟].

مشخصات نشر:قم : مركزالمصطفي(ص) العالمي للترجمه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهري:3 ج.

فروست:مركزالمصطفي صلي الله عليه و آله العالمي للدراسات والتحقيق؛ 16.

شابك:دوره 978-964-195-706-5 : ؛ 100000 ريال: ج.1 978-964-195-707-2 : ؛ ج.2 978-964-195-708-9 : ؛ 55000 ريال (ج. 2، چاپ هشتم) ؛ ج.3 978-964-195-709-6 : ؛ 700000 ريال (ج. 3، چاپ هشتم) ؛ ج.4 978-964-195-710-2 : ؛ 85000 ريال (ج. 4، چاپ هشتم)

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:كتابنامه.

موضوع:فقه جعفري -- قرن 14

رده بندي كنگره:BP183/5/الف86د4 1392

رده بندي ديويي:297/342

شماره كتابشناسي ملي:3202203

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

الجزء الأول

المدخل

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف الخلق محمد و علي أهل بيته الطيبين الطاهرين لا اعتقد ان فكرة الحاجة إلي تجديد النظر في كتبنا الدراسية ممّا يختلف فيها اثنان من طلاّب حوزاتنا و بالأخص في المجال الفقهي.

فالطالب ينهي مرحلة السطوح و لا يشعر من نفسه اجتياز نصف الشوط أو ربعه إلي مرحلة الاجتهاد. و السبب واضح لان ما يدرسه من كتب لم يشيد لزرع روح الاجتهاد في نفس الطالب. فهو يبقي مهما كرّرها و أمثالها سنوات بعيدا عن المقصود الأساسي، بل ان تلك الكتب لم يوضع الحجر الأساس فيها لتكون محورا للدراسة. و تبقي ألفاظها المطلسمة عائقا عن تلقي الفكرة بوضوح ليعود الذهن قادرا علي هضمها و التأمّل في صحّتها و سقمها فهو بعد ان يصطادها و يحل الطلاسم يعود منهكا عاجزا عن التأمّلات التي تنبغي لطالب العلم و التي بها يأخذ بالتطوّر و التقدّم خطوات إلي الإمام.

ص: 7

و لا أظن ان الأفكار الدقيقة التي توصّل إليها علماؤنا الأبرار بحاجة إلي تعقيد أكثر من خلال الألفاظ و الرموز.

و إلي جانب ذلك يدخل طالب الحوزة مرحلة السطوح و يخرج و لا يجد أمامه ما يمثّل ذلك القسم الهائل من الروايات الذي يواجهه في مرحلة الخارج. فهو لا يعرف صورة واضحة عنها و لا يعرف كيف العلاج حالة التعارض بالرغم من ان المجتهد لا يكون مجتهدا إلاّ بذلك.

و هو لا يعرف لاستصحاب العدم الأزلي و كيفية تطبيقه رسما و لا اثرا بل الاصول العملية بشكل عام لا يعرف كيفية تطبيقها.

و بتعبير شامل لا يعرف ربط ما قرأه في علم الاصول بما يحتاج إلي استنباطه من أحكام في الفقه. و يبقي التلاقح بين الفقه و الاصول خفيّا عليه إلي ان يجتاز فترة طويلة في بحوث الخارج.

لهذه الأسباب و غيرها عادت فكرة النظر في مناهج الدراسة قضية ضرورية، و لكن الفكرة بقدر ما هي ضرورية صعبة المنال و الطريق إليها ذو أشواك، فمن الذي يتصدّي و كيف يتصدّي و كيف يقبل منه و كيف و كيف و كيف....

ان قوّة الاخلاص التي تسلّح بها أمثال الشهيد الثاني و الشيخ الأعظم ليس لها نظير، و هي كما نعلم ذات دور فعّال في فوزهما و نجاحهما. فالكاتب مهما أوتي من قوي علمية و جودة في الكتابة يبقي بحاجة ماسة إلي التوفيق الإلهي لقبول عمله و انجازه و سدّه الفراغ بشكل جيّد، و ذلك لا يتمّ إلاّ بالإخلاص و العمل للّه سبحانه لا غير.

و انطلاقا من قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور اخذت تلك الفكرة التي عاشت معنا فترة من الزمن قوّة تنبثق إلي عالم الفعلية من خلال

ص: 8

هذا الكتاب الذي كتب ليكون بمنزلة دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي يدرسها الطالب بعد اجتيازه دراسة بعض المتون الفقهية.

و بعد ان تمّت كتابة بعض فصول الكتاب عرضتها علي بعض الاخوة فلاحظ عليها وجود دقّة في بعض المواضع التي قد لا تتناسب و افتراض الطالب في مراحله الاولي. و من هنا حاولنا تجريده من تلك المواضع الدقيقة فنشأ من ذلك القسم الأوّل و كان هذا هو القسم الثاني.

و حاول الكتاب تأكيد نقاط اشير من بينها إلي:

1 - عرض مقدار غير قليل من الروايات في كلّ مسألة ليكون الطالب علي أهبة الاستعداد لمواجهة ذلك الكم العظيم من الروايات في مرحلة الخارج.

2 - عرض الروايات المتعارضة و توضيح طريقة علاجها.

3 - تأكيد ربط أحكام الفقه بقواعد الاصول لتتضح بذلك فائدة علم الاصول و مقدار الحاجة إليه.

4 - الإشارة الي بعض النكات الرجالية ليستعد الطالب لمواجهة التفاصيل في مرحلة الخارج و ليتفاعل معها في وقت أقرب.

5 - حاول الكتاب ان لا يجود بالألفاظ و لا يشح بها و يضغط بعض الأفكار العميقة في عبارات صغيرة حفاظا علي العلاقة بين التلميذ و استاذه.

6 - عملية عرض الأحكام الفقهية و الاستدلال عليها لم تتم إلاّ في بعض قليل ممّا أشار إليه فقهاؤنا الأبرار لأنّ مقصودنا تدريب الطالب علي عملية الاجتهاد و تقديم رأس الخيط له، و ذلك لا يتوقّف علي استعراض جميع الأحكام و الاستدلال عليها بل ان ذلك التوسّع يوجب

ص: 9

التشويش علي الطالب و عدم الوصول إلي المقصود.

7 - طريقة الاستدلال لم تقم علي أساس رأي فقيه معين بل نلاحظ ما هو الأنسب لتدريب الطالب.

و نرجو من الأساتذة الكرام في المواضع الميسرة التي لا تكلف التلاميذ شيئا توجيههم إلي بعض التمرينات؛ فنحن نشير في كل مسألة إلي رواية واحدة من بين مجموع روايات ان كانت، و بإمكان الأساتذة مطالبة التلاميذ بالفحص عن رواية اخري صحيحة السند و عرضها عليهم.

كما اننا التزمنا الإشارة إلي كون الرواية صحيحة أو موثّقة و المناسب للأساتذة الكرام توضيح ذلك من خلال بيان حال كل راو واقع في السند ليتم تعرّف الطالب علي حال رجال أحاديثنا الأمر الذي سوف يسهّل عليه كثيرا ممّا يواجهه في مرحلة الخارج.

و يبقي الكتاب كمحاولة لا أكثر تحتاج في سدّ فجواتها و اصلاح ما فيها من خلل إلي بذل محاولات اخري من قبل أساتذة أكثر كفاءة، و اليد الواحدة إذا لم تتمكن من حمل الثقيل فبتعاون الأيدي يتيسر كل عسير.

و آخر دعوانا ان الحمد للّه ربّ العالمين و نسأل جميع اخواننا الدعاء بالقبول و التوفيق الالهي.

باقر الايرواني 3 /صفر المظفر/ 1417 ه قم المشرّفة

ص: 10

التكليف و شروطه

اشارة

1 - شرائط التكليف 2 - علامات البلوغ

ص: 11

ص: 12

1 - شرائط التكليف

اشارة

لا يثبت التكليف إلاّ بشروط: العقل و القدرة و البلوغ. و في شرطية الإسلام خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما شرطية العقل

فلحكم العقل القطعي و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «لما خلق اللّه العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك و لا أكملتك إلاّ في من أحب. اما اني اياك آمر و اياك أنهي و اياك اعاقب و إيّاك اثيب»(1) و غيره.

2 - و اما شرطية القدرة

فلحكم العقل القطعي و قوله تعالي:

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها (2) .

3 - و اما شرطية البلوغ

علي تقدير التمييز فيمكن التمسك لها

ص: 13


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
2- البقرة: 286.

بحديث رفع القلم الوارد في موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة، فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم. و الجارية مثل ذلك إن اتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم»(1) ، و في رواية ابن ظبيان المتقدّمة(2).

و الموثقة و إن كانت تامّة سندا إلاّ انها تدل علي ما لا يلتزم به، و هو بلوغ الذكر بثلاث عشرة سنة، و هو موهن لها.

و دعوي انها تدل علي مطلبين: أصل شرطية البلوغ و تحققه بثلاث عشرة سنة، و سقوطها عن الحجّية بلحاظ الثاني لا يستلزم سقوطها عنها بلحاظ الأوّل مدفوعة بانه تفكيك بين مدلولي الفقرة الواحدة و هو ليس عرفيا و ليس تفكيكا بين فقرة و اخري.

و رواية ابن ظبيان ضعيفة سندا لاشتمالها علي عدّة مجاهيل، و لا يمكن الحكم بحجّيتها إلاّ بناء علي كبري الجابرية بفتوي المشهور.

و علي تقدير انكار الكبري المذكورة فبالامكان الاستعانة لإثبات الشرطية باستصحاب عدم توجه التكاليف - الثابت حالة فقدان التمييز - بناء علي ترجيح الاستصحاب علي التمسّك بعموم العام عند الدوران بينهما فيما إذا خرج فرد من العام في زمان معيّن و شك في حاله بعد ذلك، و إلاّ كان المناسب التمسّك بإطلاق أدلّة التكاليف.

4 - و اما بالنسبة إلي شرطية الإسلام

فقد ذهب المشهور إلي

ص: 14


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 12.
2- القسم الأول من الكتاب 41:1.

عدمها تمسكا بإطلاق الأدلّة من قبيل قوله تعالي: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ... (1) ، بل و خصوص بعضها من قبيل قوله تعالي: وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (2).

أجل إذا أسلم الكافر لا يجب عليه القضاء لقاعدة «الإسلام يجبّ ما قبله» الثابتة بالسيرة القطعية في زمان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله علي العفو عمّا سلف، و بمثل قوله تعالي: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (3).

بل لا يمكن توجه الأمر بالقضاء إليه في العبادات لما أشار إليه صاحب المدارك من ان التكليف بالقضاء بشرط الإسلام خلف قاعدة الإسلام يجبّ ما قبله، و التكليف لا بشرطه خلف اشتراط قصد القربة(4).

2 - علامات البلوغ

اشارة

يثبت البلوغ لدي المشهور بما يلي: خروج المني، و نبات الشعر الخشن علي العانة، و اكمال خمس عشرة سنة قمرية في الذكر و تسع في الانثي، و الشاك في بلوغه يبني علي عدمه.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحقّق البلوغ بما ذكر

فلم ينسب فيه الخلاف إلاّ الي الشيخ

ص: 15


1- آل عمران: 97.
2- فصلت: 6-7.
3- الأنفال: 38.
4- مدارك الأحكام 289:4.

و ابن حمزة حيث ذهبا إلي تحقّقه في الانثي بعشر و إلي ابن الجنيد حيث نسب له تحقّقه في الذكر بأربع عشرة سنة(1).

و تدلّ عليه رواية حمران: «سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت له: متي يجب علي الغلام ان يؤخذ بالحدود التامّة و يقام عليه و يؤخذ بها؟ قال: إذا خرج عنه اليتم و أدرك. قلت: فلذلك حدّ يعرف به؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامّة و اخذ بها و اخذت له. قلت: فالجارية متي تجب عليها الحدود التامّة و تؤخذ بها و يؤخذ لها؟ قال: ان الجارية ليست مثل الغلام، ان الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع اليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع...»(2).

بيد انها ضعيفة السند بحمزة و عبد العزيز لعدم ورود توثيق في حقهما، و لئن أمكن توثيق حمزة باعتبار رواية صفوان و ابن أبي عمير عنه إلاّ ان المشكلة تبقي من ناحية عبد العزيز علي حالها.

و رواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم...»(3) ضعيفة بالكناسي أيضا.

و ليس في المقام رواية تامّة الدلالة و السند تدل علي مختار المشهور بكامله إلاّ بناء علي كبري الجابرية لمن يراها.

أجل لإثبات تحقّق بلوغ الذكر بإكمال خمس عشرة سنة يمكن التمسّك باستصحاب عدم توجه الأحكام إليه قبل ذلك - بناء علي المبني1.

ص: 16


1- الحدائق الناضرة 349:20.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامة الحديث 1.

المتقدّم - بعد فرض عدم احتمال توقف توجهها علي أزيد من ذلك.

و هكذا الحال في الانثي لو فرض عدم احتمال توقف توجهها علي أكثر من بلوغ التسع.

و تبقي علامية الاحتلام قد يستدل عليها بقوله تعالي: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (1).

إلاّ انه قابل للتأمّل باعتبار احتمال الخصوصية للاستئذان من بين بقية الأحكام.

و الاولي الاستدلال لها بما رواه الصدوق بسنده إلي صفوان عن إسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ابن عشر سنين يحجّ، قال:

عليه حجّة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت»(2) فان ايجاب حج الإسلام عند الاحتلام يدل علي تحقق البلوغ عند ذلك.

و المقصود من صفوان هو ابن يحيي دون ابن مهران الجمال لان الراوي كثيرا عن إسحاق هو ابن يحيي بخلاف ابن مهران فانه لم تعهد روايته عنه.

و سند الصدوق إلي الجمال و ان أمكن التأمّل فيه من ناحية موسي بن عمر إلاّ انه إلي ابن يحيي صحيح لا خدشة فيه.

و اما نبات الشعر علي العانة فيبقي بلا دليل إلاّ الرواية السابقة بناء علي كبري الجابرية.

ثمّ ان في المقام روايات تدل علي تحقق البلوغ في الذكر بأربع عشرة سنة أو بثمان سنين، و في الانثي بثلاث عشرة سنة - و قد تقدّمت1.

ص: 17


1- النور: 59.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.

الإشارة إلي بعضها - أو بسبع، فان تحقّق هجران الأصحاب لها سقطت عن الحجيّة بذلك و إلاّ كان المرجع هو الاستصحاب لو فرضت حجيّة كلّ واحد من المتعارضين في نفسه و تساقطهما بالمعارضة.

2 - و اما ان الشاك في بلوغه يبني علي العدم

فلاستصحاب عدم تحقّق البلوغ الذي هو استصحاب موضوعي. و بقطع النظر عنه يجري استصحاب عدم توجه الأحكام، و بقطع النظر عنه تجري البراءة.

هذا لو كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية.

و اما إذا كان بنحو الشبهة المفهومية فلا يجري استصحاب عدم تحقّق البلوغ ككل شبهة مفهومية - لانتفاء الشك و تردد الأمر بين اليقين بالبقاء و اليقين بالارتفاع - و يتعيّن المصير الي استصحاب عدم توجه الأحكام، و بقطع النظر عنه فإلي البراءة.

ص: 18

العبادات

اشارة

1 - الطهارة 2 - الصلاة 3 - الصوم 4 - الزكاة 5 - الخمس 6 - الحجّ

ص: 19

كتاب الطّهارة

اشارة

1 - أقسام المياه و أحكامها 2 - أحكام التخلي 3 - الوضوء 4 - الغسل 5 - التيمم 6 - النجاسات 7 - المطهّرات

ص: 20

1 - أقسام المياه و أحكامها
تقسيم الماء
اشارة

ينقسم الماء إلي مطلق و مضاف.

و المضاف طاهر في نفسه و ليس بمطهر من الحدث و لا من الخبث.

و إذا لاقي نجاسة تنجس جميعه مهما كان مقداره.

و المطلق إذا كان كثيرا - كرا - لا يتنجّس إلاّ بتغيّر أحد أوصافه، و بحكم الكثير ذو المادة.

و إذا كان قليلا يتنجّس بمجرّد ملاقاة النجس أو المتنجس إلاّ إذا كان متدافعا.

و إذا شك في كرية الملاقي فمع احراز حالته السابقة يحكم بما تقتضيه، و مع عدمه يحكم بطهارته.

و في تحديد مقدار الكر أقوال.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة المضاف في نفسه

فلقاعدة الطهارة المستفادة من

ص: 21

موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كل شيء نظيف حتي تعلم انّه قذر، فاذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك»(1) ، و استصحابها.

2 - و اما انه ليس بمطهر من الحدث

فيكفي لإثباته استصحاب بقاء الحدث بعد عدم الدليل علي ارتفاعه به، بل و يمكن إقامة الدليل علي العدم بمثل قوله تعالي: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (2) ، فانه بالإطلاق يدل علي المطلوب.

3 - و اما انه ليس بمطهر من الخبث

فتدلّ عليه رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام: «يجزئ من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزئ من البول إلاّ الماء»(3) ، فانه بضمّ عدم الفصل بين البول و غيره يثبت المطلوب.

و علي تقدير ضعف الرواية بالقاسم بن محمّد الجوهري الوارد في سندها - حيث لم تثبت وثاقته إلاّ من خلال كامل الزيارات بناء علي وثاقة كل من يرد فيه - فيكفي لإثبات المطلوب استصحاب بقاء الخبث.

4 - و اما تنجسه بمجرّد الملاقاة

فأمر متسالم عليه، و يمكن استفادته من موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «ان عليّا عليه السّلام سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر فأرة. قال: يهرق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل»(4) ، فانه بضمّ عدم الفصل يثبت العموم.

و السكوني و ان لم يكن من أصحابنا إلاّ ان ذلك لا يضرّ بعد ثبوت

ص: 22


1- وسائل الشيعة الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث 4.
2- النساء: 43.
3- وسائل الشيعة الباب 30 من أحكام الخلوة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الماء المضاف الحديث 3.

وثاقته بعبارة الشيخ المنقولة في العدة(1).

5 - و امّا عدم تنجّس المطلق - إذا كان كرّا - بالملاقاة

فلصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(2) و غيره.

6 - و امّا تنجّسه عند تغير أحد أوصافه الثلاثة

فلصحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كلّما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضّأ من الماء و اشرب، فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب»(3) ، فانها باطلاقها تشمل الكرّ.

7 - و امّا تنجس القليل بملاقاة عين النجاسة

فلمفهوم صحيح معاوية المتقدّم.

و امّا تنجسه بالمتنجّس أيضا فهو المعروف بين الأصحاب خلافا لجماعة منهم الشيخ الآخوند بدعوي انه لا إجماع علي ذلك، إضافة إلي انّه لا خبر يدل عليه لا بالخصوص و هو واضح، و لا بالعموم لأنّ المنسبق من لفظ «شيء» في صحيح معاوية المتقدّم عين النجاسة، و معه يكون المرجع استصحاب الطهارة. و بقطع النظر عنه قاعدة الطهارة.

و فيه: ان جملة من النصوص تشمل ملاقاة المتنجس أيضا. ففي صحيح شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الإناء قبل ان يغسلها، انّه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده

ص: 23


1- العدة في أصول الفقه 149:1.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.

شيء»(1) ، فانّه يمكن التمسّك بإطلاق المفهوم لإثبات المطلوب.

8 - و اما استثناء حالة التدافع

فلانه لو كان المائع يتدافع من العالي مثلا و لاقت النجاسة السافل فلا يتنجس العالي بل السافل فقط، اما لأنه مع التدافع يتحول المائع إلي مائعين بالنظر العرفي، و لا موجب مع تنجّس أحدهما لتنجّس الثاني، أو لأنّ العرف لا يري تأثر العالي بالنجاسة، و مسألة كيفية السراية حيث لم يرد فيها نص خاص فلا بدّ من تنزيلها علي ما يراه العرف.

9 - و اما انّه مع الشك في كرية الملاقي و احراز حالته السابقة
اشارة

يحكم بما تقتضيه

فللاستصحاب.

و اما انه مع عدم احرازها يحكم بالطهارة لاستصحاب الطهارة و بقطع النظر فلقاعدة الطهارة المستفادة من موثقة الساباطي المتقدّمة.

وجوه في مقابل قاعدة الطهارة
اشارة

و قد يتمسك في مقابل قاعدة الطهارة و استصحابها بجملة من الوجوه من قبيل:

الأوّل: التمسك بعموم ما دلّ علي تنجس كل ماء لاقي نجاسة،

كموثقة سماعة: «و لا تشرب من سؤر الكلب إلاّ ان يكون حوضا كبيرا يستقي منه»(2).

و فيه: انه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية - لخروج الكرّ منه و يشك في فردية المشكوك للعام أو للمخصص - و هو غير جائز،

ص: 24


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 3.

لوجود حجتين، و ادخال المشكوك تحت احداهما بلا مرجح.

الثاني: التمسك بالقاعدة الميرزائية

القائلة بأن الاستثناء من الحكم الالزامي أو ما يلازمه إذا تعلّق بعنوان وجودي فلا بدّ عرفا من إحراز ذلك العنوان في ارتفاع الحكم الالزامي أو ما يلازمه. و عليه فالحكم بالانفعال لا ترفع اليد عنه مع عدم احراز الكرية(1).

و فيه: ان القاعدة المذكورة و ان تمسك بها الشيخ النائيني في موارد متعدّدة الا انها غير ثابتة.

الثالث: التمسك بقاعدة المقتضي و المانع

، بتقريب: ان الملاقاة مقتضية للتنجيس و الكرية مانعة، و مع إحراز المقتضي و الشك في المانع يبني علي تحقّق المقتضي.

و فيه: ان القاعدة المذكورة لم يحرز ثبوتها لدي العقلاء و لا تستفاد من النصوص.

الرابع: التمسك باستصحاب العدم الأزلي للكرية

بتقريب: ان موضوع الانفعال مركّب من القلّة و الملاقاة، و الجزء الأوّل محرز بالاستصحاب، و الثاني بالوجدان فيثبت الحكم.

و فيه: ان ما ذكر وجيه بناء علي حجيّة الاستصحاب في الاعدام الأزلية.

الخامس: التمسّك باستصحاب العدم النعتي للكرية

بتقريب: ان أصل الماء هو المطر، و هو ينزل قطرة قطرة، و معه يكون كلّ ماء مسبوقا بالقلّة حين نزوله مطرا فتستصحب قلّته. و بضم الاستصحاب

ص: 25


1- أجود التقريرات 195:2، و فوائد الأصول 384:3.

الي الوجدان يثبت تمام الموضوع للانفعال.

و فيه: ان القلّة المحرزة في بدء الخلقة لا تجدي في الفروض العادية التي يؤخذ فيها ماء من البحر دفعة في ظرف كبير يشك في كونه كرّا.

و عليه فالرجوع إلي استصحاب الطهارة أو أصالة الطهارة يبقي بلا مانع بعد البناء علي بطلان الوجوه الخمسة المذكورة.

مقدار الكر

10 - و اما تحديد الكر بالمساحة

ففيه أقوال، و المعروف منها قولان:

أحدهما: ما كان كل من أبعاده الثلاثة يساوي ثلاثة أشبار، و نتيجته ان الكر - 27 شبرا.

ثانيهما: ما كان كل من أبعاده الثلاثة يساوي ثلاثة أشبار و نصفا، و نتيجته ان الكر شبرا.

اما القول الأوّل فتدل عليه صحيحة إسماعيل بن جابر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الماء الذي لا ينجسه شيء، قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته»(1) ، بتقريب: ان الذراع عبارة عن شبرين، و السعة لا يراد بها الطول أو العرض بل ما يسعه السطح.

و ظاهر تحديدها بذراع و شبر كونها كذلك من جميع الجهات، و ذلك لا يتمّ إلاّ في الشكل الدائري.

و في تحصيل حجم الدائرة يضرب نصف القطر(2) * نصف

ص: 26


1- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.
2- و القطر بعد كونه نفس السعة يساوي حسب الفرض ثلاثة أشبار.

المحيط * العمق.

و حيث ان نسبة المحيط إلي القطر ثلاثة إلي واحد تقريبا - و ان كانت بالدقّة - فنصف المحيط - شبرا.

و من ثم تصبح النتيجة شبرا.

و قد يناقش في السند بأن ظاهر الوسائل ان الشيخ ينقلها من كتاب محمّد بن أحمد بن يحيي الذي له طرق صحيحة إليه في المشيخة و الفهرست إلاّ ان الأمر ليس كذلك فانه يرويها بطريق خاص في الاستبصار(1) يشتمل علي أحمد بن محمد بن يحيي، و في التهذيب(2) علي أحمد بن محمد بن الحسن، و كلاهما لم يوثقا إلاّ بناء علي كفاية شيخوخة الإجازة.

و اما القول الثاني فيدل عليه صحيح أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء»(3).

و بعد التعارض نقول: علي تقدير عدم صحّة سند القول الأوّل يتعيّن المصير إلي الثاني.

و اما بناء علي صحته و لو بالاستعانة بصحيحة إسماعيل بن جابر الاخري(4) فحيث لا يمكن الجمع العرفي بينهما و لا الترجيح7.

ص: 27


1- الاستبصار 10:1.
2- التهذيب 41:1.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الماء المطلق الحديث 6.
4- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 7.

بالموافقة للكتاب و المخالفة للعامة يتساقطان و يلزم الرجوع إلي القاعدة، و هي تقتضي نتيجة القول الثاني لان الأقل من متي ما شك في تنجسه بالملاقاة فمقتضي عموم انفعال كلّ ماء بالملاقاة تنجّسه، و لا يضرّ إجمال المخصص مفهوما بعد كونه منفصلا.

و متي ما شك في كفاية المرة عند الغسل به فاستصحاب النجاسة - بناء علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية - يقتضي بقاءها.

هذا كلّه لو لم ندخل في الحساب روايات و فرضيات أخري و إلاّ فالنتيجة قد تتغيّر، و ذلك ما يحتاج إلي مستوي أعلي من البحث.

الأسآر
اشارة

الأسآر كلّها طاهرة و يحل تناولها إلاّ سؤر الكلب و الخنزير و الكافر. نعم يكره سؤر ما لا يحل أكل لحمه شرعا عدا الهر. و امّا سؤر المؤمن فهو شفاء.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة السؤر

فلانه بعد عدم الدليل علي نجاسته يجري استصحاب طهارته. و بقطع النظر عنه أو لعدم جريانه في الشبهات الحكمية بما في ذلك الترخيصية يمكن التمسّك بقاعدة الطهارة.

2 - و اما جواز التناول

فللاستصحاب، و بقطع النظر عنه فلأصل البراءة بعد عدم الدليل علي الحرمة.

3 - و اما نجاسة سؤر الثلاثة

فلملاقاته للنجس.

4 - و اما كراهة سؤر ما لا يحل لحمه

فلكونها مقتضي الجمع بين

ص: 28

ما دلّ علي الجواز كصحيحة العباس(1): «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة... و الوحش و السباع فلم أترك شيئا إلاّ سألته عنه فقال عليه السّلام:

لا بأس به»(2) و بين ما دلّ علي المنع كمفهوم موثقة عمّار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... كلّ ما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره و اشرب»(3) ، فان الوصف لوروده مورد التحديد يدل علي المفهوم.

5 - و اما عدم كراهة سؤر الهر

فلما ورد في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في كتاب علي عليه السّلام: ان الهر سبع و لا بأس بسؤره و اني لأستحيي من اللّه ان ادع طعاما لان الهر أكل منه»(4) ، فانه لا وجه للاستحياء مع الكراهة.

6 - و اما الشفاء في سؤر المؤمن

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء»(5) و غيرها.

2 - أحكام التخلي
اشارة

المشهور حرمة استقبال القبلة و استدبارها حالة التخلي.

و يطهر موضع البول بغسله بالماء فقط مرّة واحدة، و قيل مرّتين.

ص: 29


1- ورد في الطبع القديم للوسائل:... عن الفضل عن العباس، و الصواب: عن الفضل ابي العباس، و هو المعروف بالبقباق الذي هو من ثقات أصحابنا. و قد نقلها الحرّ بشكل صحيح في الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الأسآر الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الأسآر الحديث 2.
5- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب الأشربة المباحة الحديث 1.

و اما موضع الغائط فيطهر أيضا بكل جسم قالع للنجاسة.

و البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء محكوم بالبولية إلاّ مع طول المدّة بنحو يطمئن بعدم بقاء بول في المجري.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الاستقبال و الاستدبار

فمتسالم عليها إلاّ من بعض المتأخّرين كصاحب المدارك حيث اختار الكراهة(1).

و قد يستدل بمرفوعة محمّد بن يحيي: «سئل أبو الحسن عليه السّلام: ما حدّ الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها»(2).

لكنها ضعيفة سندا بالرفع، و دلالة باعتبار ان السياق قرينة علي إرادة الأدب الإسلامي إلاّ بناء علي استفادة الوجوب و التحريم من حكم العقل دون الوضع.

و عليه فيشكل الحكم بالحرمة لان المستند ان كان هو الإجماع فهو محتمل المدرك علي تقدير تحققه، و إن كان هو الروايات فهي ضعيفة.

و إذا قيل: ان الروايات و ان كانت ضعيفة السند و الدلالة إلاّ ان استناد الأصحاب إليها يجبر ذلك حيث يتولّد اطمئنان بصدقها.

و بكلمة اخري: ان التسالم - علي تقدير تحقّقه - ان كان مستندا الي الروايات فذلك موجب للاطمئنان بحقانيتها، و ان لم يكن مستندا إليها فيلزم ان يكون حجّة لكاشفيته التعبّدية عن وصول الحكم إلي

ص: 30


1- مدارك الاحكام 158:1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 2.

المجمعين من الامام عليه السّلام يدا بيد.

و بهذه الطريقة يمكن ان تثبت للإجماعات المدركية أو محتملة المدرك قيمة في مقام الاستدلال.

قلنا: هذا وجيه لو انحصر المدرك المحتمل برواية واحدة و لم نحتمل وجود مدرك آخر للمجمعين غيرها، اما اذا كانت الروايات متعدّدة - كما هو الحال في المقام حيث توجد أكثر من رواية صالحة للدلالة - فلا يتم ما ذكر لاحتمال استناد نصف المجمعين إلي هذه الرواية و نصفهم الآخر إلي الرواية الاخري، و بذلك لا يتولّد اطمئنان بحقانيّة الرواية.

2 - و اما طهارة موضع البول بغسله بالماء فقط

فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا صلاة إلاّ بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار. بذلك جرت السنّة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله. و اما البول فانه لا بدّ من غسله»(1).

و الرواية صحيحة لان سند الشيخ إلي الحسين بن سعيد صحيح.

و الحسين نفسه و بقية الرجال هم من أجلاّء أصحابنا.

3 - و اما كونه مرّة واحدة

فلعدّة روايات كصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا انقطعت درة البول فصبّ الماء»(2) ، فإن إطلاق الصبّ يصدق بالمرة الواحدة.

و القول بالتعدّد مبني علي المناقشة في الرواية السابقة و أمثالها بعدم كونها في مقام البيان من الناحية المذكورة، و هو يقتضي التعدّد

ص: 31


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 1.

يقتضي التعدّد لاستصحاب النجاسة بناء علي جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية.

و تؤكّد اعتبار التعدّد رواية البزنطي: «سألته عن البول يصيب الجسد. قال: صبّ عليه الماء مرّتين، انّما هو ماء»(1) ، بناء علي صدق الاصابة علي الواصل من الجسد إليه.

أجل مع إنكار الاستصحاب و دلالة الرواية المذكورة يتعيّن الرجوع إلي قاعدة الطهارة عند الغسل مرّة واحدة.

ثمّ ان في رواية البزنطي مشكلتين ينبغي الالتفات إليهما:

الاولي: ان الرواية المذكورة رواها ابن إدريس في مستطرفاته(2).

و طريقه إليها حيث لم يذكره فهو مجهول و ساقط عن الاعتبار إلاّ ما ينقله عن أصل محمّد بن علي بن محبوب الأشعري فانه صرّح بانه رآه بخط الشيخ الطوسي، و الشيخ له طريق معتبر إلي ابن محبوب علي ما في الفهرست(3).

الثانية: ان الرواية مضمرة، و هي ساقطة عن الاعتبار من الناحية المذكورة أيضا.

و يمكن الجواب: اما ببيان ان البزنطي من أجلاّء الأصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الإمام عليه السّلام أو ببيان ان ذكر الضمير بدون مرجع قضية غير مألوفة في اللغة العربية، فلا يليق بالعارف بأساليب الكلام إذا دخل علي جماعة من الناس ان يقول: سألته من دون ذكر5.

ص: 32


1- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب احكام الخلوة الحديث 9.
2- السرائر: 473.
3- الفهرست: 145.

مرجع الضمير.

و معه يلزم في موارد ذكر الضمير بدون مرجع وجود عهد خاص بين الطرفين لمرجع الضمير اعتمدا عليه في تشخيص المرجع، و بسبب ذلك ذكر الضمير.

و حيث لا يوجد شخص يليق ان يكون معهودا في الأوساط الشيعيّة إلاّ الإمام عليه السّلام فيتعيّن ان يكون هو المرجع.

و إذا قيل: لعل هناك شخصا غير الإمام عليه السّلام كان معهودا بين الطرفين اعتمدا علي عهده في ذكر الضمير و لا يتعيّن كون المعهود هو الإمام عليه السّلام.

قلنا: ان المضمر كالبزنطي مثلا حيث انه لم يحتكر الرواية علي نفسه بل حدّث بها غيره أو سجّلها في أصله فذلك يدل علي انه أراد نقلها لجميع الأجيال. و حيث لا يوجد شخص تعهده الأجيال جميعا إلاّ الإمام عليه السّلام فيثبت بذلك رجوع الضمير إليه عليه السّلام.

و الفارق بين البيانين اختصاص الأوّل بما إذا كان المضمر من أجلاّء الأصحاب بخلاف الثاني فانه عام للجميع.

4 - و اما الحكم بالبولية علي الخارج قبل الاستبراء بالرغم من

اقتضاء قاعدة الطهارة الحكم بعدم ذلك

فللروايات الحاكمة بانتقاض الطهارة أو ببولية المشتبه، كمفهوم صحيحة محمّد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل بال و لم يكن معه ماء. قال: يعصر أصل ذكره إلي طرفه ثلاث عصرات، و ينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من

ص: 33

البول و لكنه من الحبائل»(1).

5 - و اما الاكتفاء بطول المدّة

فلان المطلوب بالاستبراء نقاء المحل فمع الاطمئنان به تترتّب فائدته.

هذا مضافا إلي التمسّك باستصحاب عدم خروج البول، و بقطع النظر عنه فبقاعدة الطهارة فان الحاكم عليهما - و هو الصحيحة المتقدّمة - يختص بغير هذه الحالة.

3 - الوضوء
كيفية الوضوء
اشارة

يجب في الوضوء غسل الوجه ما بين قصاص الشعر و الذقن طولا و ما بين الابهام و الوسطي عرضا. و المشهور عدم جواز النكس.

ثم غسل اليدين بتقديم اليمني من المرفق إلي أطراف الأصابع بدون نكس.

ثم مسح مقدّم الرأس بمقدار المسمّي.

ثم مسح الرجلين إلي الكعبين كذلك، بمسح اليمني باليمني اولا و اليسري باليسري، و يجوز فيه النكس، و يلزم كونه بنداوة الوضوء.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوضوء مركّب من غسلين و مسحين

فيكفي لإثباته كتاب اللّه العزيز: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي

ص: 34


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 2.

اَلْكَعْبَيْنِ (1) فان الأرجل عطف علي محل المجرور كما يقتضيه الظهور و صحيحة زرارة الآتية في الرقم 3.

2 - و اما تحديد الوجه

بما ذكر فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي ان يوضأ الذي قال اللّه عزّ و جلّ، فقال: الوجه الذي قال اللّه و أمر اللّه عزّ و جلّ بغسله الذي لا ينبغي لأحد ان يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر و ان نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطي و الابهام من قصاص شعر الرأس إلي الذقن و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه.

و ما سوي ذلك فليس من الوجه. فقال له الصدغ من الوجه؟ فقال: لا»(2).

و طريق الصدوق إلي زرارة صحيح في المشيخة. و بقطع النظر عنه يكفي طريق الكليني.

ثمّ ان الظاهر ان التحديد بما ذكر ملحوظ بنحو الطريقيّة دون الموضوعية، و معه يلزم رجوع الانزع و الاغم و طويل الأصابع و قصيرها الي المتعارف.

3 - و اما عدم جواز النكس

فقد يستدل له:

تارة بالأخبار البيانية كصحيحة زرارة: «حكي لنا أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمني فأخذ كفّا من ماء فأسدلها علي وجهه من أعلي الوجه ثمّ مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسري في الإناء فأسدلها علي اليمني ثمّ مسح جوانبها ثمّ أعاد اليمني في الإناء ثمّ صبّها علي اليسري فصنع بها كما صنع

ص: 35


1- المائدة: 6.
2- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 1.

باليمني ثمّ مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدهما في الإناء»(1) حيث أسدل عليه السّلام الماء من أعلي الوجه.

و اخري بأصالة الاشتغال حيث لا يقطع بالفراغ مع النكس.

و يرد الأوّل ان الفعل أعمّ من الوجوب.

و الثاني انه بعد ثبوت إطلاق الآية الكريمة - الذي هو دليل اجتهادي - لا معني للرجوع إلي الأصل.

و لو قطعنا النظر عن الإطلاق فالأصل الجاري هو البراءة علي ما هو الصحيح في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين إلاّ بناء علي ان الواجب هو الطهارة المسببة - دون نفس الغسل و المسح - الذي لازمه صيرورة المقام من قبيل الشك في المحصل. و لكنه مرفوض فان مقتضي ظاهر آية الوضوء وجوب نفس الغسل و المسح.

و مع التنزل فوجوب الاحتياط في موارد الشك في المحصل الشرعي بعد كون وظيفة الشارع بيانه أوّل الكلام بل مقتضي عموم أدلّة البراءة الشرعية عدمه.

و من خلال هذا كلّه اتّضح جواز النكس لإطلاق الأمر بالغسل، و بقطع النظر عنه يمكن التمسك بأصل البراءة.

هذا و لكن الاحتياط بالعدم - حذرا من مخالفة المشهور - لا ينبغي تركه.

4 - و اما وجوب غسل اليدين بالمقدار المذكور فهو مقتضي آية

الوضوء.

ص: 36


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10.

و هل المرفق يجب غسله أيضا؟ ان الآية الكريمة لا دلالة لها من هذه الناحية. أجل ورد في بعض الأخبار البيانية: «... ثم غمس يده اليسري فغرف بها ملأها ثمّ وضعه علي مرفقه اليمني... ثمّ غرف بيمينه ملأها فوضعه علي مرفقه اليسري...»(1) و ظاهر كل ما يذكر فيها الوجوب إلاّ إذا دلّ من الخارج دليل علي العدم. و إذا لم نقبل هذا و قلنا ان الفعل أعم من الوجوب فليس لنا إلاّ التسالم علي ذلك و عدم نقل الخلاف إلاّ عن زفر من العامة(2).

5 - و اما عدم جواز النكس في غسل اليدين و لزوم تقديم اليمني

و المسح علي مقدّم الرأس و كفاية مسمّي المسح و اعتبار المسح علي

الرجلين دون الغسل

فقد تقدّمت الإشارة إليه في القسم الأوّل من الكتاب(3).

6 - و اما لزوم الاستيعاب الطولي ما بين رءوس الأصابع إلي

الكعبين

فقد وقع محلاّ للخلاف فاكتفي جماعة منهم صاحب الحدائق بمسح البعض(4).

و الآية الكريمة شاهد علي قول المشهور بناء علي قراءة النصب التي لا تقدّر معها الباء - المستفاد منها التبعيض - في الأرجل و وضوح كون الغاية راجعة إلي تحديد الممسوح دون المسح بقرينة جواز النكس جزما. و معه فلا يقال بأن انتهاء المسح إلي الكعبين

ص: 37


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 2.
2- جواهر الكلام 160:2.
3- القسم الأول من الكتاب: 79.
4- الحدائق الناضرة 294:2.

لا يستلزم ابتداءه من رءوس الأصابع.

و لا يمكن التمسّك لكفاية مسح البعض بصحيحة زرارة و بكير:

«تمسح علي النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك، و إذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلي أطراف الأصابع فقد أجزأك»(1) بدعوي دلالتها علي كفاية مسح شيء من المحدود.

و الوجه فيه: ان ما ذكر يتم بناء علي كون الموصول تفسيرا للقدمين لا لشيء، و حيث انّها مجملة من هذه الناحية فيعود ظهور الآية بلا مزاحم.

7 - و اما الكعبان

فالمعروف إلي زمان العلاّمة انّهما قبتا القدمين و هو فسّرهما بالمفصل بين الساق و القدم(2).

و الروايات ان لم تكن مؤيّدة للمشهور فلا أقل من تضاربها، و هكذا كلمات اللغويين متضاربة من هذه الناحية.

و المناسب ان يقال: ان شدّة الابتلاء بالمسألة كلّ يوم تؤكد ان المعني المعروف قبل العلاّمة هو الصحيح لأنه اما توارثوه جيلا بعد جيل عن المعصوم عليه السّلام أو انّهم استندوا إلي فهمهم ذلك من الروايات، و خطأ الجميع بعيد.

هذا مضافا إلي ان الكعب بمعني الارتفاع و الارتفاع البارز ليس إلاّ القبة.

هذا كله بالقياس إلي الامامية.

ص: 38


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 4.
2- جامع المقاصد 220:1.

و اما غيرهم فقد فسّروا الكعب بالعظمين الناتئين عن يمين الساق و شمالها(1).

و استدلوا بان الكعب في كل رجل لو كان واحدا فالمناسب التعبير ب «إلي الكعاب»، كما قال تعالي: إِنْ تَتُوبا إِلَي اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (2) لمّا كان لكل واحدة قلب واحد.

و فيه: ان الاستعمال بنحو الجمع في بعض الموارد لا يدل علي انحصار الصحة به.

8 - و امّا كفاية المسمّي عرضا في مسح الرجلين

فهو المشهور و خالف الشيخ الصدوق حيث اختار لزوم مسحهما بتمام الكفّ (3).

و قد يستدل له بصحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه علي الأصابع فمسحها إلي الكعبين إلي ظاهر القدم. فقلت: جعلت فداك لو ان رجلا قال باصبعين من أصابعه هكذا فقال لا إلاّ بكفيه (بكفه) كلّها»(4).

و المناسب ان يقال: مقتضي آية الوضوء بناء علي قراءة الجر كفاية المسح بقدر المسمّي عرضا لتقدير الباء.

و اما علي قراءة النصب فلا يلزم الاستيعاب لجميع القدم و لا المسح بمقدار الكفّ لمنافاة ذلك و كون المسح إلي الكعب بمعني القبة، فان المسح إلي ذلك لا يمكن تحقّقه إلاّ بمقدار اصبع أو اصبعين اللهم إلاّ إذا فسّر

ص: 39


1- التفسير الكبير 165:6، و احكام القرآن للجصاص 436:2، و تفسير القرطبي 96:6.
2- التحريم: 4.
3- من لا يحضره الفقيه 28:1.
4- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4.

الكعبان بحدهما لا بنفسهما لكنه تحميل علي الآية الكريمة.

و إذا كان هذا المقدار يكفي في ردّ الصحيحة السابقة لصدق عنوان كونها مخالفة للكتاب فالأمر واضح، و ان رفضنا ذلك - كأن يدعي ان المورد من قبيل المطلق و المقيّد - فيمكن ان يقال ان المسح بتمام الكفّ لو كان لازما لذاع و اشتهر لشدّة الابتلاء و الحال ان ذلك لم يعرف إلاّ من الصدوق.

شرائط الوضوء
اشارة

يلزم في الوضوء: النية، بمعني قصد الفعل بداعي امتثال أمر اللّه سبحانه، و طهارة الماء، و إباحته، و إطلاقه، و الترتيب، و الموالاة، و المباشرة.

و المشهور اعتبار طهارة الأعضاء، و عدم المانع من استعمال الماء شرعا.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم النية بالمعني المتقدّم

فلانه لازم العبادية.

اما كيف نثبت العبادية و النصوص خالية منها؟

قد يربط ذلك بمسألة ان الأصل في مشكوك العبادية هو العبادية أو التوصليّة فإذا بني علي اقتضائه العبادية - لما افيد في الكفاية من عدم احراز تحقّق غرض المولي إلاّ بقصد القربة - تثبت بذلك العبادية في المقام.

بيد ان المبني قابل للتأمّل لأنه مبني علي استحالة أخذ قصد التقرّب في متعلّق الامر، امّا بعد امكانه - كما هو الصحيح - فيستكشف من اطلاقه كونه توصليا.

و مع التنزل يمكن التمسك بالبراءة لنفي احتمال المدخلية في

ص: 40

الغرض بعد إمكان بيانها بجملة خبرية.

و الاولي التمسك بالارتكاز الواضح لدي كل متشرّع علي عبادية الوضوء و ذلك يكشف عن وصوله يدا بيد من المعصوم عليه السّلام.

و ممّا يؤكّد ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود»(1) ، فان الصلاة ما دامت قربية فأركانها الأساسية التي منها الطهور يلزم ان تكون كذلك أيضا.

و من خلال هذا تتّضح مبطلية الرياء للوضوء و لكل عمل عبادي بل هو محرّم و من الكبائر لكونه شركا باللّه سبحانه.

و في الحديث: «لو ان عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»(2) ، و الشرك حرام و لازم الحرمة البطلان.

و في الحديث الصحيح عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «يؤمر برجال إلي النار...

فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا: كنّا نعمل لغير اللّه، فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممّن عملتم له»(3).

و في حديث صحيح آخر عنه صلّي اللّه عليه و آله: «سئل فيما النجاة غدا؟ فقال: إنّما النجاة في ان لا تخادع اللّه فيخدعكم فانه من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الايمان، و نفسه يخدع لو يشعر. قيل له: فكيف يخادع اللّه؟ قال:

يعمل بما أمره اللّه ثم يريد به غيره. فاتقوا اللّه في الرياء فانه الشرك1.

ص: 41


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الركوع الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 11.
3- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.

باللّه. ان المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر، حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له»(1).

2 - و اما انه لا تلزم النية بأكثر من ذلك

- كإحضار صورة العمل أو نيّة القضاء و الاداء أو نيّة الوجوب و الندب - فلعدم الدليل إلاّ إذا توقف تمييز العمل علي ذلك، كمن عليه صلاة الصبح قضاء و اداء.

3 - و اما اعتبار طهارة الماء

فللنصوص المتواترة كموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري ايهما هو و ليس يقدر علي ماء غيره. قال:

يهريقهما جميعا و يتيمم»(2) و غيرها. و الحكم من واضحات الفقه.

4 - و اما اعتبار إباحته

فلانه بدونها يكون التوضؤ تصرفا غصبيا محرّما فيستحيل اتّصافه بالعبادية.

5 - و اما اعتبار اطلاقه

فيدل عليه إطلاق قوله تعالي:... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا... (3).

و لم ينقل الخلاف في ذلك إلاّ عن الشيخ الصدوق فجوّز الوضوء بماء الورد(4) لرواية يونس عن أبي الحسن عليه السّلام: «قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضّأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك»(5). و لا بدّ من

ص: 42


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 16.
2- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 2.
3- المائدة: 6.
4- مدارك الاحكام 110:1-111.
5- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الماء المضاف الحديث 1.

توجيهها بشكل و آخر بعد هجران الأصحاب لمضمونها. علي ان في سندها سهلا.

6 - و اما اعتبار الترتيب

فهو أمر متسالم عليه. و يقتضيه صحيح زرارة: «سئل أحدهما عليهما السّلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه، و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان»(1) و غيره.

و اما الآية الكريمة فلا يمكن استفادة الترتيب منها لا من حيث الواو لعدم دلالتها علي الترتيب و لا من حيث الفاء لكونها تفريعية غير دالة علي ذلك، كقولك: إذا رأيت العالم فقبّل وجهه و يده.

7 - و اما اعتبار الموالاة

فمقتضي اطلاق أدلّة الوضوء عدمه إلاّ أنّ صحيحة معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ربّما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجف وضوئي، فقال:

أعد»(2) دلّت علي اعتبار الموالاة بمعني عدم الجفاف.

و موردها يختص بحالة الجفاف للتأخير، أما الجفاف لا لذلك - كما لو كان الجوّ حارّا - فلا تشمله و يمكن التمسّك لتصحيحه بالاطلاقات.

8 - و اما اعتبار المباشرة

فهو متسالم عليه. و يمكن ان يستفاد من آية الوضوء إذ بدونها لا يتحقق اسناد الفعل إلي الفاعل الذي يدل علي اعتباره ظاهر الآية.

9 - و اما اعتبار طهارة الأعضاء

فقد ذهب إليه المشهور إلاّ انه

ص: 43


1- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 3.

لا دليل عليه سوي التعدي من غسل الجنابة الذي دلّت صحيحة زرارة(1) و غيرها علي لزوم غسل المواضع المتنجسة قبله أو لأنّ تنجّس الأعضاء يستلزم تنجس الماء، و قد مرّ اعتبار طهارته.

و يندفع الأوّل باحتمال الفارق.

و الثاني بعدم تنجس الماء مع الارتماس في الكثير أو فرض طهارة الغسالة المتعقبة بطهارة المحل.

و عليه فلا وجه لاعتبار طهارة الأعضاء إذا لم يلزم من نجاستها تنجس الماء.

10 - و اما اعتبار عدم المانع

فالمناسب ان يقال: ان المانع تارة هو المزاحمة بالأهم و اخري هو الحرج أو الضرر و ثالثة خوف العطش.

و في الأوّل يمكن تصحيح الوضوء بفكرة الترتّب.

و في الثاني يبطل لعدم الأمر به بعد وجود الحاكم عليه و هو دليل لا ضرر أو لا حرج، و بارتفاع الأمر لا يبقي ما يدلّ علي الملاك ليمكن تصحيحه به فان الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية في الحجّية.

إلاّ ان يقال ان الورود مورد الامتنان قرينة علي ارتفاع الوجوب فقط دون الملاك و إلاّ يلزم بطلانه في حق من تحمّل الضرر و الحرج و هو خلف الامتنان.

و في الثالث يحكم بالبطلان لان صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش. أ يغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم و كذلك إذا أراد

ص: 44


1- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 5.

الوضوء»(1) دلّت علي ارتفاع الأمر بالوضوء، و معه لا يمكن تصحيحه لا به لعدمه و لا بالملاك لعدم الكاشف عنه.

نواقض الوضوء
اشارة

ينتقض الوضوء: بالبول، و الغائط، و خروج الريح، و النوم، و كل ما يزيل العقل، و الاستحاضة القليلة و المتوسطة، و الجنابة.

و في حكم البول البلل المشتبه قبل الاستبراء.

و المستند في ذلك:

1 - اما الانتقاض بالأربعة الأولي أي البول، و الغائط، و خروج الريح، و النوم

فهو متسالم عليه. و تدل عليه صحيحة زرارة: «قلت لأبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر و الدبر من الغائط و البول أو مني أو ريح و النوم حتي يذهب العقل...»(2) و غيرها من الأخبار الكثيرة.

و سند الشيخ إذا كان ضعيفا بابن الوليد لعدم الاكتفاء بشيخوخة الإجازة فيمكن الاستعانة بطريق الكليني أو الصدوق.

2 - و اما الانتقاض بما يزيل العقل

فأمر متسالم عليه. و يمكن ان يستأنس له بذيل الصحيحة المتقدّمة: «و النوم حتي يذهب العقل».

و التسالم ان لم يكن مستندا الي مثل هذه الرواية فهو كاشف عن وصول الحكم يدا بيد من المعصوم عليه السّلام، و ان كان مستندا إليها ارتفعت دلالتها الي مستوي الاطمئنان.

ص: 45


1- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب التيمم الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2.
3 - و اما الانتقاض بالاستحاضة القليلة

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء»(1).

و لم ينسب الخلاف في المسألة إلاّ إلي ابن أبي عقيل حيث لم يوجب عليها شيئا و ابن الجنيد حيث أوجب عليها الغسل لكل يوم مرّة(2).

4 - و اما الانتقاض بالاستحاضة المتوسطة

فلموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا، و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرّة و الوضوء لكل صلاة...»(3).

و هي تدل علي ان المستحاضة الكبيرة لا تنتقض طهارتها بل عليها الغسل ثلاث مرّات.

و بقطع النظر عن ذلك يكفينا استصحاب بقاء الطهارة بلا حاجة إلي دليل ينفي انتقاضها. أجل هو يتم بناء علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

5 - و اما الانتقاض بالمني

فلصحيحة زرارة السابقة.

6 - و اما الانتقاض بالجماع

فلصحيحة أبي مريم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في الرجل يتوضأ ثمّ يدعو جاريته فتأخذ بيده حتي ينتهي الي المسجد فان من عندنا يزعمون انها الملامسة فقال:

ص: 46


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1.
2- الحدائق الناضرة 277:3.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 6.

لا و اللّه، ما بذلك بأس، و ربما فعلته، و ما يعني بهذا إلاّ المواقعة في الفرج»(1).

و أبو مريم هو عبد الغفار بن القاسم قد وثّقه النجاشي(2).

7 - و اما ان البلل المشتبه قبل الاستبراء بحكم البول

فلما تقدّم في أحكام التخلي.

متي يجب الوضوء؟
اشارة

يجب الوضوء للصلاة الواجبة - ما عدا الصلاة علي الميت - و للاجزاء المنسية، و لصلاة الاحتياط، و للطواف الواجب، و بالنذر و اخويه.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوبه للصلاة الواجبة

فهو من الضروريات، و تدلّ عليه آية الوضوء(3) و النصوص المتواترة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا صلاة إلاّ بطهور»(4) و غيرها.

2 - و اما عدم وجوبه في المستثني

فلما يأتي عند البحث عنه.

3 - و اما وجوبه للأجزاء المنسية و لصلاة الاحتياط

فلأنهما جزء من الصلاة، بل الثانية صلاة حقيقة فتكون مشمولة لإطلاق النصوص.

4 - و اما وجوبه للطواف الواجب

فلصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «... و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه علي غير وضوء.

ص: 47


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 4.
2- رجال النجاشي: 173، منشورات مكتبة الداوري.
3- المائدة: 6.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث 1.

قال: يقطع طوافه و لا يعتدّ به»(1). و هي صحيحة في ثلاث من طرقها الأربع.

5 - و اما وجوبه في المورد الأخير

فلوجوب الوفاء بالنذر و أخويه.

أحكام خاصة بالوضوء
اشارة

من تيقن الحدث و شك في الطهارة أو بالعكس بني علي الحالة السابقة.

و من شك في الطهارة بعد الصلاة بني علي صحتها و توضأ لما يأتي.

و من شك فيها أثناءها قطعها و استأنفها بعد الوضوء.

و من شك في حاجبية الموجود أو وجود الحاجب قبل الوضوء أو أثناءه فلا بدّ له من تحصيل اليقين أو الاطمئنان بعدمه، و لو كان بعده بني علي صحته اما مطلقا أو مع احتمال الالتفات علي الخلاف.

و كذا يبني علي الصحة مع العلم بوجود الحاجب و الشكّ في ان الوضوء قبله أو بعده.

و من كان بعض أعضاء وضوئه متنجسا و توضأ و شك في تطهيرها بني علي الصحة و بقاء النجاسة فيجب غسلها لما يأتي من أعمال.

و المستند في ذلك:

1 - اما البناء علي الحالة السابقة المتيقنة

فللاستصحاب.

2 - و اما البناء علي الصحة لمن شك في الطهارة بعدها

فلقاعدة الفراغ المستندة إلي موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضي فامضه كما هو»(2) و غيرها.

ص: 48


1- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الطواف الواجب الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 3.
3 - و اما وجوب الوضوء لما يأتي

فللزوم احراز شرط العمل قبل الاشتغال به بعد فرض عدم جريان قاعدة الفراغ بلحاظه. و هي و ان جرت بلحاظ العمل السابق إلاّ انها ليست حجّة في اثبات لوازمها غير الشرعية.

4 - و اما وجوب الوضوء لمن شك في الأثناء

فللزوم احراز الشرط بلحاظ ما يأتي، و قاعدة الفراغ و ان جرت بلحاظ الأجزاء السابقة إلاّ انها ليست حجّة في اثبات لوازمها غير الشرعيّة.

5 - و اما ان الشاك في حاجبية الموجود يلزمه تحصيل اليقين أو

الاطمئنان

فلان اللازم غسل الوجه و اليدين و الذمة مشتغلة بذلك فيلزم تحصيل اليقين بالفراغ. و استصحاب عدم تحقّق الحجب لا يجدي لأنه أصل مثبت.

و إذا قيل: ان هذا مقتضي القاعدة إلاّ ان صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال: تحرّكه حتي يدخل الماء تحته أو تنزعه. و عن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف تصنع؟ قال:

ان علم ان الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ»(1) دلّت في ذيلها علي عدم لزوم تحصيل العلم بوصول الماء و كفاية الشك.

كان الجواب: ان صدرها يدل علي لزوم تحصيل العلم، و مع التهافت بين الصدر و الذيل لا يبقي ما يمنع من التمسّك بمقتضي القاعدة.

ص: 49


1- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب الوضوء الحديث 1.
6 - و اما الوجه في كفاية الاطمئنان

فلانعقاد السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عن التمسّك به.

7 - و اما لزوم ذلك حالة الشك في وجود المانع

فلما تقدّم نفسه.

و المشهور ذهب إلي العدم، و لعلّه لاستصحاب عدم وجود الحاجب، و لكنه مثبت إذا الواجب تحصيل غسل الوجه و اليدين و هو ليس لازما شرعيّا لعدم وجود الحاجب.

و إذا قيل: ان سيرة المتشرّعة جارية علي عدم الفحص كما ادّعي ذلك صاحب الجواهر(1) و الشيخ الانصاري(2).

كان الجواب: ان ذلك اما من جهة الغفلة أو الاطمئنان بالعدم، و اما عند الشك فانعقاد سيرتهم علي ما ذكر مشكوك، و يكفي الشك في ذلك بعد لزوم الاقتصار في الدليل اللبّي علي القدر المتيقّن.

8 - و اما البناء علي الصحة إذا كان الشك بعد الفراغ

فلقاعدة الفراغ.

هذا و قد ذهب جمع من الأعلام إلي اشتراط احتمال الالتفات في جريانها لنكتتين:

أ - ان القاعدة لم تشرع لتأسيس مطلب تعبّدي علي خلاف المرتكزات العقلائية، و واضح ان العقلاء انّما يلغون الشك عند عدم القطع بالغفلة حين العمل.

ب - التمسّك بنكتة الاذكرية و الأقربية المشار إليها في موثقة

ص: 50


1- جواهر الكلام 288:2.
2- فرائد الأصول 327:2، طبعة دار الاعتصام.

بكير بن أعين: «... هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك»(1) و رواية محمد بن مسلم الواردة في من شك بعد الفراغ من الصلاة في انّه صلّي ثلاثا أو أربعا: «و كان حين انصرف أقرب إلي الحق منه بعد ذلك»(2) فان مقتضاها الاقتصار علي الموارد التي يحتمل فيها الالتفات.

و تحقيق الحال يحتاج الي مستوي أعلي من البحث.

9 - و اما البناء علي الصحّة عند الشك في تقدّم الوضوء و تأخّره

عن وجود الحاجب

فلقاعدة الفراغ.

10 - و اما الحكم بالصحة في الفرع الأخير

فلقاعدة الفراغ. و الوجه في الحكم ببقاء النجاسة هو الاستصحاب بعد عدم حجية القاعدة في إثبات لوازمها غير الشرعية.

وضوء الجبيرة
اشارة

إذا كان علي بعض أعضاء الوضوء جبيرة - لجرح أو قرح أو كسر - فمع امكان إيصال الماء تحتها بلا ضرر و لو بغمسها أو نزعها يجب ذلك و إلاّ لزم المسح عليها.

و مع عدم وضع الجبيرة و انكشاف الموضع يكفي في الجرح و القرح غسل ما حولهما و في الكسر التيمم.

و اللاصق الحاجب كالقير تجب إزالته، و مع عدم الإمكان يجب التيمم إن لم يكن في موضعه و إلاّ فاللاّزم الجمع بين التيمم و الوضوء.

ص: 51


1- وسائل الشيعة الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 3.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب نزع الجبيرة أو غمسها مع الامكان

فلانه مقتضي ما دل علي وجوب الوضوء علي المتمكن منه.

2 - و اما وجوب المسح عليها مع التعذر

فللروايات الخاصة - و ان كانت القاعدة تقتضي التيمم لعدم القدرة علي الوضوء التام - كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك في مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضّأ و يمسح عليها إذا توضأ؟ فقال: ان كان يؤذيه الماء فليمسح علي الخرقة»(1).

و إذا كان مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء؟ و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ فقال:

يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر و يدع ما سوي ذلك ممّا لا يستطيع غسله و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته»(2) مطلقا و غير دال علي مسح موضع الجبيرة إلاّ انه قابل للتقييد بما ذكر.

و الروايتان و ان كانتا ناظرتين إلي المسح في موضع الغسل إلاّ انه بالأولوية يثبت ذلك في موضع المسح أيضا.

ثم ان المذكور في صحيحة الحلبي و ان كان هو القرحة إلاّ ان الجواب يفهم منه عدم الاختصاص بها.

3 - و اما وجوب غسل ما حول الجرح و القرح المكشوفين

ص: 52


1- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 1.

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله»(1) اما لان عدم افتراض التعصيب يولّد نفسه ظهورا في المكشوف أو لأنّ ضمّها الي صحيحة الحلبي يولد ذلك.

ثمّ ان الصحيحة و ان كانت واردة في الجرح دون القرح إلاّ انه لا يحتمل الاختصاص به بل القرح جرح في حقيقته.

4 - و اما وجوب التيمم في الكسر

فلانه مقتضي القاعدة إذ مع عدم وجود نص علي الخلاف يجب التيمم عملا بقوله تعالي: فَلَمْ تَجِدُوا... (2) بعد بطلان قاعدة الميسور سندا أو دلالة. و النص المتقدّم وارد في الكسير المجبور.

5 - و أما وجوب إزالة الحاجب

فلتوقف صدق الغسل و المسح علي ذلك.

6 - و اما وجوب التيمم مع عدم إمكان الإزالة

فلانه مقتضي القاعدة، لوجوب التيمم علي كل من لا يمكنه استعمال الماء.

7 - و اما وجوب الجمع في الفرض الأخير

فللعلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو التيمم بعد ضمّ قاعدة عدم سقوط الصلاة بحال.

ص: 53


1- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 3.
2- المائدة: 6.
4 - الغسل
أسباب الغسل
اشارة

الأسباب الموجبة للغسل ستة: الجنابة، و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة، و مسّ الميّت، و الموت.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الغسل لأحد الستّة

فللروايات الكثيرة كموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «غسل الجنابة واجب و غسل الحائض إذا طهرت واجب و غسل المستحاضة (الاستحاضة) واجب إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين و للفجر غسل، و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة و الوضوء لكل صلاة، و غسل النفساء واجب، و غسل الميّت واجب»(1).

هكذا روي الكليني. و زاد الشيخ و الصدوق: «و غسل من مسّ ميّتا واجب».

2 - و اما الحصر في الستة

فهو المشهور. و توجد بعض الروايات الدالّة علي وجوب غيرها كالغسل للإحرام و للجمعة.

و لكن يردها: ان ذلك لو كان واجبا لذاع و اشتهر خصوصا مع كثرة الابتلاء ببعضها.

ص: 54


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الجنابة الحديث 3.
الجنابة
بم تتحقّق الجنابة؟
اشارة

تتحقّق الجنابة بأحد سببين: خروج المني، و الجماع في قبل المرأة أو الدبر.

و يلحق بالأوّل خروج الرطوبة المشتبهة بعد الغسل و قبل الاستبراء بالبول.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحقّقها بخروج المني

فللروايات المتضافرة كصحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المفخّذ عليه غسل؟ قال: نعم إذا أنزل»(1) و غيرها.

2 - و اما تحققها بالجماع في قبل المرأة

فللضرورة و التسالم و إطلاق الآية الكريمة: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ... (2) ، و الروايات المتواترة، كصحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متي يجب الغسل؟ فقال: إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم»(3).

3 - و اما تحققها بالجماع في دبرها

فهو المشهور، لإطلاق الآية:

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ... و اطلاق بعض الأخبار، كصحيحة محمّد بن

ص: 55


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 1.
2- النساء: 43.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2.

مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته متي يجب الغسل علي الرجل و المرأة؟ فقال: إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم»(1).

نعم ورد في بعض الروايات ما يدلّ علي عدم تحقّقها بذلك، كمرسلة البرقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أتي الرجل المرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما، و ان أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها»(2).

إلاّ انها ضعيفة بالارسال. و غيرها و ان كان صحيح السند لكنّه ضعيف الدلالة.

4 - و هل يوجب الوط ء في دبر الذكر الجنابة أيضا؟

المشهور ذلك اما للإجماع المدعي من قبل السيّد المرتضي، أو لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة أو لرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من جامع غلاما جاء يوم القيامة جنبا لا ينقيه ماء الدنيا، و غضب اللّه عليه و لعنه و أعدّ له جهنّم و ساءت مصيرا. ثم قال: ان الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك»(3).

و الكل قابل للتأمّل.

أما الأوّل فلان الاجماع لم يثبت تحقّقه. و علي فرض تحقّقه فهو محتمل المدرك.

و اما الثاني فلان الصحيحة منصرفة إلي دخول الرجل بالمرأة بالدخول المتعارف، أي في قبلها أو في دبرها أيضا، و انّما أطلق عليه السّلام

ص: 56


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب النكاح المحرّم الحديث 1.

اتّكالا علي العهد الذهني الثابت بين الناس، و ليس في مقام بيان ان عنوان الادخال متي ما صدق كفي في تحقّق الجنابة. و هل يحتمل ان الادخال لو كان في فم المرأة أو في فرج حيوان من الحيوانات يكفي في تحقّق الجنابة؟!

و نحن إذا لم نجزم باتكال الامام عليه السّلام علي العهد المذكور عند ما أطلق لفظ الادخال فلا أقل من احتماله، و هو يكفي في سقوطه عن صلاحية الاستدلال به.

و اما الثالث فلان الرواية ناظرة الي جنابة معنوية اخري غير الجنابة الدنيوية التي هي محل حديثنا التي تزول بالغسل.

و مع قطع النظر عن ذلك يمكن ان يقال ان الرواية ناظرة الي الجنابة المتحقّقة بإنزال المني في دبر الذكر و ليس إلي مطلق الجماع و لو بلا انزال لان الرواية كأنها تريد ان تقول: من جامع غلاما جماعا أوجب جنابته فسوف يجيء... ان من المحتمل ان يكون مقصودها ذلك، و معه فلا تكون دالة علي تحقّق الجنابة بمجرّد الجماع و لو من دون انزال.

هذا كلّه بقطع النظر عن سندها و إلاّ فالحضرمي لم تثبت وثاقته إلاّ بناء علي كبري وثاقة جميع رجال أسانيد كامل الزيارات.

و يبقي الاحتياط أمرا مناسبا. و هو يتحقّق بالجمع بين الوضوء و الغسل للعلم الإجمالي بثبوت أحدهما علي المكلّف إلاّ إذا كان علي وضوء قبلا فيكفيه الغسل.

5 - و اما لحوق الرطوبة المشتبهة بالمني حكما

فللأخبار الكثيرة كصحيحة ابن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج من احليله

ص: 57

بعد ما اغتسل شيء، قال: يغتسل و يعيد الصلاة إلاّ ان يكون بال قبل ان يغتسل فانه لا يعيد غسله»(1).

متي يجب الغسل؟
اشارة

يجب غسل الجنابة لما تقدّم نفسه في موارد وجوب الوضوء بإضافة الصوم علي تفصيل.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب غسل الجنابة للصلاة

فلقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ ... وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا... (2). مضافا إلي نصوص كثيرة واردة في أبواب شتّي.

2 - و اما وجوبه للاجزاء المنسية و صلاة الاحتياط

فلأنهما جزء من الصلاة.

3 - و اما اشتراطه في الطواف

فلصحيحة علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام: «قال: سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف قال: يقطع الطواف و لا يعتدّ بشيء ممّا طاف...»(3).

علي ان ما دلّ علي اشتراط الوضوء في الطواف يدلّ علي اشتراط الغسل فيه بالأولوية.

4 - و اما اشتراطه في صحّة الصوم في الجملة

فهو مشهور بل متسالم عليه. و تدلّ عليه صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام:

ص: 58


1- وسائل الشيعة الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 6.
2- المائدة: 6.
3- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 4.

«سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتّي يصبح متعمّدا قال: يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه»(1).

نعم ذهب البعض إلي عدم الشرطية - في من تعمّد البقاء - استنادا إلي بعض النصوص الضعيفة سندا أو دلالة(2).

ثمّ ان غسل الجنابة لا يجب في نفسه بل يجب لما ذكر من المشروط بالطهارة إذا وجب لأصالة البراءة عن الوجوب النفسي بعد عدم الدليل عليه.

أجل يجب للنافلة بمعني الوجوب الشرطي دون التكليفي.

المحرّمات علي الجنب
اشارة

يحرم علي الجنب مسّ لفظ الجلالة، و مس كتابة القرآن الكريم، و دخول المساجد لا للاجتياز الا المسجدين فانه لا يجوز فيهما الاجتياز أيضا، و وضع شيء فيها، و قراءة آيات العزائم.

و يجدر الحاق المشاهد المشرفة بالمساجد.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة مس لفظ الجلالة

فهي المشهور. و تدل عليها موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه...»(3).

و في السند أحمد بن محمد بن يحيي و يمكن التغلب علي مشكلته من خلال شيخوخة الاجازة - بناء علي كفايتها - أو الطرق الاخري

ص: 59


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 1.

المذكورة في القواعد الرجاليّة.

نعم بازائها جملة من الأخبار دلّت علي جوازه عمدتها موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «سألته عن الجنب و الطامث يمسّان أيديهما الدراهم البيض؟ قال: لا بأس»(1).

إلاّ ان مقتضي الجمع حمل الأخيرة علي مسّ غير الموضع المشتمل علي اسم الجلالة، و معه فلا وجه لحمل الاولي علي الكراهة لعدم تعارضهما.

2 - و اما حرمة مسّ كتابة القرآن الكريم

فلإطلاق موثقة أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن قرأ في المصحف و هو علي غير وضوء؟ قال: لا بأس و لا يمسّ الكتاب»(2) ، بتقريب ان الجنب من مصاديق من لا وضوء له، بل قد يتمسّك بالأولوية.

و اما قوله تعالي: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (3) فلا دلالة له علي إنشاء حرمة المس بل هو اخبار عن عدم ادراك دقائقه لغير المعصومين عليهم السّلام.

و اما حرمة وضع شيء في المساجد و الدخول فيها إلاّ بنحو

الاجتياز

فللنصوص الكثيرة كصحيحة زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين...

و يأخذان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا...»(4).

ص: 60


1- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث 1.
3- الواقعة: 79.
4- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب الجنابة الحديث 2.

و يدلّ علي حرمة الدخول لا بنحو الاجتياز قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري ... وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (1).

ثم ان المستثني في غير المسجدين عنوان الاجتياز الذي لا يتحقّق الا بالدخول من باب و الخروج من آخر، و لكن الوارد في رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «للجنب ان يمشي في المساجد كلّها و لا يجلس فيها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله»(2) ، و عنوان المشي لا يتوقّف علي افتراض بابين و الدخول من واحد و الخروج من آخر.

الا ان السند يشتمل علي سهل بن زياد الذي فيه كلام.

و علي فرض صحة السند و التعارض بينها و بين صحيحة زرارة و محمد بن مسلم فالترجيح مع الصحيحة لموافقتها للكتاب الكريم الدال علي ان المدار علي عنوان العبور الذي هو عبارة اخري عن الاجتياز.

4 - و اما حرمة دخول المسجدين و لو اجتيازا

فلصحيح جميل بن دراج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال:

لا، و لكن يمر فيها كلّها إلاّ المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله»(3).

5 - و اما حرمة قراءة آيات العزائم

فلصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قلت له: «الحائض و الجنب هل يقرآن من القرآن شيئا؟ قال:

نعم ما شاءا إلاّ السجدة...»(4). و السجدة ان لم تكن ظاهرة في الآية

ص: 61


1- النساء: 43.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب الجنابة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب الجنابة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 4.

- دون السورة - فهي مجملة يؤخذ بالقدر المتيقّن منها و يرجع في الزائد إلي إطلاق ما دل علي جواز قراءة الجنب للقرآن أو إلي الأصل.

6 - و اما المشاهد المشرفة

فقد قيل بإلحاقها بالمساجد اما:

لان روح المسجدية - و هي شرافة المكان و كونه محلا للعبادة - متحقّقة فيها بنحو أتمّ.

أو لان ترك مكث الجنب و دخوله فيها نحو من تعظيم لشعائر اللّه سبحانه التي هي من تقوي القلوب.

أو لصحيحة بكر بن محمد: «خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبد اللّه عليه السّلام فلحقنا ابو بصير خارجا من زقاق و هو جنب و نحن لا نعلم حتي دخلنا علي ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: فرفع رأسه إلي ابي بصير فقال:

يا ابا محمد أما تعلم انه لا ينبغي لجنب ان يدخل بيوت الأنبياء؟! قال:

فرجع ابو بصير و دخلنا»(1).

و الكل كما تري.

اما الاول فلاحتمال الخصوصية لعنوان المسجدية.

و اما الثاني فلان تعظيم شعائر اللّه سبحانه بجميع مراتبه ليس واجبا.

و اما الثالث فلعدم ظهور جملة: «لا ينبغي» في الحرمة.

و عليه فالالحاق لا بدّ و ان يكون مبنيا علي الاحتياط دون الفتوي.

كيفية الغسل
اشارة

الغسل علي نحوين: ارتماسي يغمس فيه جميع البدن في الماء دفعة

ص: 62


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الجنابة الحديث 1.

عرفية، و ترتيبي يغسل فيه الرأس و الرقبة أوّلا ثم الطرف الأيمن ثم الأيسر.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز الارتماس

فلصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«و لو ان رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة اجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده»(1) و غيرها.

2 - و اما كفاية الدفعة العرفية و عدم لزوم الدفعة الدقية

فلان ذلك هو المفهوم عرفا من قوله عليه السّلام: «ارتماسة واحدة».

3 - و اما جواز الترتيبي

فلصحيحة زرارة الاخري «قلت: كيف يغتسل الجنب؟ فقال: ان لم يكن أصاب كفّه شيء غمسهما في الماء ثمّ صب علي رأسه ثلاث أكف ثمّ صب علي منكبه الأيمن مرتين و علي منكبه الأيسر مرّتين فما جري عليه الماء فقد أجزأه»(2).

و بها يقيد اطلاق قوله عليه السّلام الوارد في بيان الغسل الترتيبي في صحيحة زرارة الاولي: «ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلي قدميك».

و لا يضرّها الاضمار بعد كون المضمر زرارة بل قد يقال لا يضرّ الاضمار مطلقا لبيان تقدّمت الإشارة إليه سابقا.

و الصحيحة واضحة في اعتبار الترتيب بالشكل المتقدّم إلاّ انّه قد يقال بعدم اعتباره بين الجانبين لموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«المرأة تغتسل و قد امتشطت بقرامل و لم تنقض شعرها كم يجزيها من الماء؟ قال: مثل الذي يشرب شعرها و هو ثلاث حفنات علي رأسها.

ص: 63


1- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2.

و حفنتان علي اليمين و حفنتان علي اليسار ثم تمرّ يدها علي جسدها كلّه»(1) بتقريب ان حفنتين من الماء لا تكفيان لغسل تمام الأيمن من دون امرار اليد و المفروض انّه عليه السّلام ذكر الامرار بعد الصبّ علي الأيسر.

و عليه يلزم حمل الصحيحة علي الاستحباب.

أحكام خاصّة بغسل الجنابة
اشارة

لا تعتبر الموالاة و لا عدم النكس في غسل الجنابة بل في كل غسل. كما و انه يجزئ عن الوضوء.

و إذا كان علي المكلف أسباب متعدّدة للغسل جاز له الإتيان بغسل واحد بنيّة الجميع أو الإتيان بخصوص غسل الجنابة فانه مجزئ عن الغير.

و المحدث اثناء غسل الجنابة يعيده علي قول.

و إذا شكّ المكلف في صدور غسل الجنابة منه أعاده.

و إذا شكّ في صحّته بعد الفراغ منه بني علي صحّته.

و إذا شكّ في صدوره بعد الصلاة حكم بصحّتها و لزمه فعله لما يأتي ان لم يصدر منه حدث أصغر بعد الصلاة و إلاّ جمع بين الغسل و الوضوء بل يلزم إعادة الصلاة إذا كان الشكّ في الوقت.

و إذا علم إجمالا اما بنقصان ركن في صلاته أو ببطلان غسله وجبت عليه إعادة الصلاة دون الغسل.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم اعتبار الموالاة بين الأجزاء في الترتيبي

فلإطلاق ما ورد في بيان كيفية الغسل كقوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «ثم تغسل

ص: 64


1- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الجنابة الحديث 6.

جسدك من لدن قرنك إلي قدميك»(1).

بل ورد ما يدلّ علي عدم اعتبارها كصحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام لم ير بأسا ان يغسل الجنب رأسه غدوة و يغسل سائر جسده عند الصلاة»(2).

2 - و اما عدم وجوب البدأة بالأعلي

فهو المعروف. و يمكن استفادة ذلك من موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثمّ ليصبّ علي رأسه ثلاث مرّات ملء كفّيه، ثم يضرب بكفّ من ماء علي صدره، و كفّ بين كتفيه»(3) ، بتقريب ان إطلاق الصبّ علي الصدر يصدق و لو من دون صبّ من أعلي نقطة فيه.

3 - و اما عدم اعتبار الموالاة و لا عدم النكس في كلّ غسل

فيكفي في إثباته عدم ورود كيفية خاصة في غير غسل الجنابة، فانه يدل علي وحدة الكيفية في الجميع.

و لأنه لو كانا معتبرين شرعا لذاع ذلك و اشتهر بعد كثرة الابتلاء بغير غسل الجنابة أيضا.

4 - و اما اجزاؤه عن الوضوء

فلقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ ... وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (4) الدال علي ان وظيفة الجنب هي الغسل و وظيفة غيره الوضوء و التفصيل قاطع للشركة.

و لموثقة عمّار: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا اغتسل من

ص: 65


1- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 8.
4- المائدة: 6.

جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: لا، ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل...»(1).

5 - و اما كفاية الاتيان بغسل واحد بنيّة الجميع

فلصحيحة زرارة:

«إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الحجامة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة فاذا اجتمعت عليك حقوق (اللّه) أجزأها غسل واحد. قال: ثم قال: و كذلك المرأة...»(2).

6 - و اما اجزاء غسل الجنابة لو قصده عن غيره

فللصحيحة المذكورة أيضا لأنه المتيقن، بل قد يستفاد منها اجزاء أي غسل قصد عن غيره.

7 - و اما القول بوجوب إعادته لو أحدث في أثنائه

فاستدل له بقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ ... وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا... (3). حيث دل علي ان المحدث القائم الي الصلاة علي قسمين اما جنب وظيفته الغسل، أو غيره و وظيفته الوضوء، و حيث ان المحدث بالأصغر أثناء الغسل يصدق عليه انه محدث قام إلي الصلاة و المفروض انه جنب لعدم اتمامه الغسل فوظيفته الغسل، أي مخاطب ب فَاطَّهَّرُوا ، و الخطاب المذكور ظاهر في إيجاد - الغسل - بتمامه لا اتمامه فيلزم اعادة الغسل من رأس. و بضم قاعدة «التفصيل قاطع للشركة» ينتفي احتمال وجوب ضم الوضوء.

ص: 66


1- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الجنابة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 43 من أبواب الجنابة الحديث 1.
3- المائدة: 6.

ثم ان الأقوال في المسألة ثلاثة. و ما تقدم احدها.

و القول الثاني هو اتمام الغسل مع الوضوء.

اما اتمامه فلسكوت الاخبار المبيّنة لكيفية الغسل عن اشتراط عدم الحدث في أثنائه.

و اما وجوب الوضوء فلإطلاق ما دلّ علي ان الحدث موجب للوضوء كما في موثقة بكير: «قال لي ابو عبد اللّه عليه السّلام: إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ»(1) و غيرها.

و القول الثالث هو اتمام الغسل لما تقدم مع عدم الحاجة إلي الوضوء لان اطلاق ما دلّ علي وجوب الوضوء عند الحدث مقيّد بموثقة عمار المتقدمة الدالة علي ان غسل الجنابة ليس بعده و لا قبله وضوء.

8 - و اما وجوب الإعادة لو شك في صدور الغسل

فلاستصحاب عدمه.

9 - و اما البناء علي صحّة الغسل لو شك فيه بعد الفراغ منه

فلقاعدة الفراغ المستفادة من موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

«كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضي فامضه كما هو»(2).

10 - و اما صحّة الصلاة لو شك بعدها في صدور الغسل

فلقاعدة الفراغ بالنسبة للصلاة، و هي مانعة من جريان استصحاب عدم الغسل و إلاّ يلزم لغوية تشريع القاعدة، إذ ما من مورد تجري فيه الا و الاستصحاب واقف إلي جنبها.

11 - و اما لزوم إعادته لما يأتي

فلاستصحاب عدم الغسل.

ص: 67


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل الحديث 3.

و صحّة الصلاة بقاعدة الفراغ لا تستلزم ثبوت لوازمها التي منها كونه مغتسلا.

12 - و اما وجوب الجمع بين الغسل و الوضوء علي تقدير صدور

الحدث الأصغر

فللعلم الإجمالي بوجوب اما الغسل أو الوضوء.

13 - و اما اعادة الصلاة أيضا إذا كان الشكّ في الوقت

فلعدم جريان قاعدة الفراغ لتشكل علم إجمالي بعد صدور الحدث الأصغر بوجوب إعادة الصلاة السابقة بعد الغسل - علي تقدير عدم الاغتسال - أو الوضوء للصلاة اللاحقة - علي تقدير الاغتسال - فيجب الجمع بين الأطراف.

14 - و اما عدم وجوب إعادة الصلاة إذا كان الشكّ خارج الوقت

فللشكّ في صدق فوت الصلاة - لاحتمال الاغتسال قبلها - الذي هو موضوع وجوب القضاء فتجري البراءة عن وجوبه.

15 - و اما وجوب إعادة الصلاة دون الغسل في الفرض الأخير

فللعلم ببطلان الصلاة علي كل حال فتجري قاعدة الفراغ بلحاظ الغسل بلا معارض.

الحيض
ما هو الحيض؟
اشارة

هو الدم الخارج من المرأة في كل شهر غالبا. و هو أسود أو أحمر حار عبيط يخرج بدفق و حرقة في الغالب.

و أقلّه ثلاثة و أكثره عشرة. و يعتبر فيه الاستمرار العرفي في الثلاثة الأولي و ان يكون بعد البلوغ و قبل اليأس.

ص: 68

و المستند في ذلك:

1 - اما تفسيره

بما ذكر فلقضاء الواقع الخارجي بذلك.

2 - و التقييد ب «غالبا» احتراز عن بعض الحالات

، كما في المضطربة و نحوها.

3 - و اما انه بالصفات المذكورة

فلعدّة روايات كصحيحة حفص بن البختري: «دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره. قال: فقال لها: ان دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة اصفر بارد فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة. قال: فخرجت و هي تقول: و اللّه ان لو كان امرأة ما زاد علي هذا»(1). و المراد بالسواد الحمرة الشديدة و إلاّ فلم ير دم بلون الفحم.

4 - و امّا التقييد ب «الغالب»

فللاحتراز عن الحالات التي يحكم فيها بالحيض من دون وجود الصفات، كالصفرة في أيّام العادة أو قبلها بيوم أو يومين.

5 - و اما تحديده قلّة و كثرة بما ذكر

فلعدّة روايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام و أكثره ما يكون عشرة أيّام»(2).

و أما مثل موثقة سماعة: «سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض فتقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة أيّام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء. قال: فلها ان تجلس و تدع الصلاة ما

ص: 69


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 1.

دامت تري الدم»(1) فمحمول علي بيان الحكم الظاهري و انها تعمل ظاهرا بوظيفة الحائض فان انقطع قبل الثلاثة انكشف كونه استحاضة و إلاّ انكشف كونه حيضا واقعا.

و إذا لم يتم هذا و نحوه طرحناها لمخالفتها السنّة القطعيّة باعتبار ان تلك متواترة إجمالا.

6 - و اما اعتبار الاستمرار في الثلاثة

فلاقتضاء الحكم بكون أقلّه ثلاثة لذلك، فان ظاهره ان الدم الواحد لا يقلّ عن ذلك، و مع تقطّعه لا يكون واحدا فان الوحدة مساوقة للاتصال عرفا أيضا.

و مع غضّ النظر عن ذلك فمقتضي إطلاق أدلة الأحكام كوجوب الصلاة و... ترتّبها ما لم يثبت المقيّد، و القدر المتيقن منه حالة الاتصال في الثلاثة، فإن الاطلاق كما يتمسّك به عند الشك في أصل التقييد كذلك يتمسّك به عند الشك في زيادته.

7 - و اما ان المدار علي الاستمرار العرفي

- الذي يتحقق مع الانقطاع اليسير أيضا - دون الدقي فلأنه مقتضي لزوم حمل الألفاظ علي مفاهيمها العرفية.

8 - و اما اعتبار كونه بعد البلوغ فمتسالم عليه.

و تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ثلاث يتزوجن علي كل حال - إلي ان قال - و التي لم تحض و مثلها لا تحيض.

قلت: و متي يكون ذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين...»(2).

9 - و اما اعتبار كونه قبل اليأس فمتسالم عليه أيضا

، و تدلّ عليه

ص: 70


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب الحيض الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب العدد الحديث 5.

جملة من الروايات عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «حدّ التي يئست من المحيض خمسون سنة»(1).

متي يحكم بالتحيض؟
اشارة

و تتحيض المرأة بمجرّد رؤية الدم إذا كان بالصفات أو في العادة أو قبلها بيوم أو يومين.

و المبتدأة التي تراه أوّل مرّة و المضطربة التي لم تستقرّ لها عادة تحكم عليه بذلك بشرط الصفات.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحيض ذات العادة إذا رأته بالصفات

فلإطلاق ما دل علي «ان دم الحيض حار أسود...» للمرئي في العادة و غيرها. و مع الشك في استمراره ثلاثا يحكم بذلك للاستصحاب الاستقبالي.

2 - و اما التحيض برؤيته في العادة و ان لم يكن بالصفات

فلصحيحة محمّد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تري الصفرة في أيّامها؟ فقال: لا تصلّي حتي تقضي أيّامها»(2) ، و غيرها.

3 - و اما الحاق التقدّم بيوم أو يومين

فلموثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة تري الصفرة فقال: «ان كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض»(3).

4 - و اما تحيض المبتدأة و المضطربة بالقيد المذكور

فلإطلاق ما

ص: 71


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب الحيض الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 2.

دل علي ان دم الحيض حار أسود... منضما الي الاستصحاب الاستقبالي.

تجاوز العادة
اشارة

إذا تجاوز الدم العادة فمع تجاوزه العشرة يحكم بالتحيض بمقدار العادة و إلاّ حكم علي الجميع بذلك و ان لم يكن الزائد بصفة الحيض. و قيل باشتراط ذلك.

و كلّ دم حكم عليه بالحيض فالدم الثاني لا يمكن الحكم عليه بذلك إلاّ مع تخلّل أقل الطهر.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه مع التجاوز عن العشرة يحكم بالتحيض بمقدار العادة

فلصحيحة يونس عن غير واحد سألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحيض و السنة في وقته فقال: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سنّ في الحيض ثلاث سنن...

اما إحدي السنن فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحضتها بلا اختلاط عليها ثم استحاضت فاستمر بها الدم و هي في ذلك تعرف أيّامها و مبلغ عددها... تدع الصلاة قدر اقرائها أو قدر حيضها...»(1).

و لا تضرّ رواية يونس عن غير واحد اما لأنه من أصحاب الاجماع أو ان أقل ذلك ثلاثة و لا يحتمل اجتماعهم علي الكذب خصوصا مع افتراضهم من مشايخ يونس.

2 - و اما انه مع عدم التجاوز يحكم علي جميعه بذلك و ان لم يكن

بالصفات

فلقاعدة الامكان - المدعي عليها الاجماع و التصيّد من

ص: 72


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 1.

الروايات - القائلة ب «ان كل دم يمكن ان يكون حيضا فهو حيض»، و حيث فرض عدم التجاوز فبالامكان ذلك فيحكم عليه بالحيض.

3 - و اما وجه القول الآخر فهو ان الدم ما بعد العادة ما دام لم يكن

بالصفات

فهو مشمول لما ورد من ان الصفرة في غير أيّامها ليست بحيض، كما في صحيحة محمّد بن مسلم(1) و لإطلاق ما دلّ علي ان دم الاستحاضة أصفر كما في صحيحة حفص بن البختري(2).

4 - و اما اعتبار فصل أقل الطهر

فلصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا يكون القرء في أقل من عشرة أيّام فما زاد. أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلي ان تري الدم»(3) و غيرها.

أحكام الحيض
اشارة

لا تصح الصلاة و الصوم و الطواف و الاعتكاف من الحائض إلاّ بعد الانقطاع و الاغتسال. و تقضي الصوم دون الصلاة.

و يحرم عليها ما يحرم علي الجنب، و يحرم وطؤها قبل انقطاع الدم. و قيل باختصاصه بالقبل. و كيفية غسلها كغسل الجنابة.

و لا يصحّ طلاقها علي تفصيل مذكور في باب الطلاق.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم صحّة الثلاثة منها

فأمر متسالم عليه بل هو في بعضها ضروري و يستفاد من الروايات، كصحيحة زرارة عن أبي

ص: 73


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1.

جعفر عليه السّلام: «إذا كانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصلاة...»(1). و موثقة سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة قال: تصوم شهر رمضان إلاّ الأيام التي كانت تحيض فيها ثم تقضيها بعد»(2) و موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت؟ قال: تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه - الي ان قال - و كل شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت»(3) فانها ظاهرة في انه متي ما حلّت لها الصلاة جاز لزوجها إتيانها و طوافها بالبيت.

و اما عدم صحّة الاعتكاف منها فباعتبار اشتراطه بالصوم.

2 - و اما اعتبار الانقطاع و الاغتسال

فلأنها قبل الانقطاع حائض و قبل الاغتسال محدثة فلا تصح تلك منها لاشتراطها بالطهارة.

3 - و اما انها تقضي الصوم دون الصلاة

فلصحيحة زرارة:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصيام، قال: ليس عليها ان تقضي الصلاة و عليها ان تقضي صوم شهر رمضان»(4) و غيرها.

4 - و اما انه يحرم عليها ما يحرم علي الجنب

فلان معظم الروايات الواردة في محرّمات الجنابة ذكر عنوان الحائض أيضا أو ذكرها بما انها أحكام لمطلق المحدث كحرمة المسّ.

ص: 74


1- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الحيض الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الحيض الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 8.
4- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب الحيض الحديث 2.
5 - و اما حرمة وطئها

فأمر مسلم و تدل عليه الآية الكريمة:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّي يَطْهُرْنَ (1) .

6 - و اما كفاية انقطاع الدم في جواز الوط ء

فلصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيّامها قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسّها ان شاء قبل ان تغتسل»(2) و غيرها.

و اما ما دل علي المنع و انه «لا، حتي تغتسل»(3) فمحمول علي الكراهة بقرينة ما دل علي الجواز طبقا لقاعدة الجمع العرفي بين الظاهر و الصريح.

و لو لا الروايات المجوّزة كان المناسب الحكم ببقاء الحرمة للاستصحاب بناء علي جريانه في الشبهات الحكمية و عدم معارضته باصالة عدم الجعل الزائد.

7 - و اما وجه القول باختصاص التحريم بالقبل

فلموثقة عبد الملك بن عمرو: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ما لصاحب المرأة الحائض منها فقال: كل شيء ما عدا القبل منها بعينه»(4) و غيرها فانها بإطلاقها تشمل الدبر.

و إذا عورض الاطلاق المذكور بإطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان

ص: 75


1- البقرة: 222.
2- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب الحيض الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب الحيض الحديث 7.
4- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب الحيض الحديث 1.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و لا بأس ان يأتيها بعلها إذا شاء إلاّ أيّام حيضها فيعتزلها زوجها»(1) حيث يدل علي المنع حتي من الدبر.

كان الجواب: ان دلالة الأوّل بالعموم و الثاني بالاطلاق و عند التعارض يقدم العموم.

و مع تسليم التساوي يتساقطان و يرجع إلي أصل البراءة أو مطلقات جواز الوط ء في الدبر إن كانت.

و كل هذا - كما تعلم - مبني علي جواز الوط ء في الدبر في غير حالة الحيض.

8 - و اما وجه وحدة الغسل

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي كيفية اخري مغايرة لغسل الجنابة إذ مع عدم الوحدة، لا بدّ من البيان خصوصا بعد كثرة الابتلاء.

علي أنه قد ورد في موثقة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «غسل الجنابة و الحيض واحد»(2).

الاستحاضة
ما هي الاستحاضة؟
اشارة

الاستحاضة دم يخرج في غير وقت العادة الشهرية و الولادة، و ليس من جرح أو بكارة.

و يكون في الغالب أصفر باردا رقيقا، لا حرقة فيه، عكس دم الحيض، و لا حدّ لقليله و لا لكثيره، و لا يلزم فصل أقل الطهر بين أفراده.

ص: 76


1- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب الحيض الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الحيض الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحديد دم الاستحاضة

بما ذكر: فهو من القضايا الواضحة الوجدانية.

2 - و اما كونه بما ذكر من الصفات

فلصحيحة حفص بن البختري - التي أشرنا إليها في صفات الحيض - و غيرها.

3 - و اما انه لا حدّ لقليله و لا لكثيره

فلإطلاق الأخبار و التسالم علي ذلك.

4 - و اما عدم اعتبار فصل أقل الطهر بين أفراده

فلإطلاق الأخبار أيضا.

أقسام الاستحاضة
اشارة

دم الاستحاضة علي ثلاثة أقسام: قليل لا يغمس القطنة، و كثير يغمسها و لا يسيل، و أكثر يغمسها و يسيل.

و المشهور ان حكم الأوّل وجوب الوضوء لكل صلاة مع تبديل القطنة.

و حكم الثاني مضافا إلي ما ذكر الاغتسال مرّة واحدة. و المعروف كونه قبل صلاة الصبح.

و حكم الثالث مضافا الي ما ذكر الاغتسال ثلاث مرّات لصلاة الصبح و الظهرين و العشاءين. و قيل بعدم وجوب الوضوء في القسم المذكور.

و المستند في ذلك:

1 - اما انقسامها إلي الأقسام الثلاثة بالشكل المتقدم

فهو المشهور. و يمكن استفادته من صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المستحاضة تنظر أيامها... و ان كان الدم لا يثقب الكرسف

ص: 77

توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء»(1) بضميمة صحيحة زرارة: «... فان جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل و ان لم يجز الدم الكرسف، صلّت بغسل واحد»(2).

و يمكن استفادة الأقسام الثلاثة أيضا من صحيحة الحسين بن نعيم الصحاف المطولة المعقدة(3).

هذا و لكن عن الآخوند الخراساني تقسيم دم الاستحاضة علي أساس اللون و الكمية، فان كان أحمر فمع ثقبه الكرسف - مع التجاوز أو بدونه - تجب أغسال ثلاثة، و مع عدم ثقبه يجب غسل واحد.

و ان كان أصفر فمع كثرته العرفية - دون الاصطلاحية التي هي بمعني تجاوز الدم عن الكرسف - تجب أغسال ثلاثة، و مع قلّته العرفية يجب الوضوء لكل صلاة. و استند في ذلك إلي الجمع بين الروايات(4).

2 - و أما وجوب الوضوء لكل صلاة علي المستحاضة القليلة

فلصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة: «و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء»(5).

3 - و اما لزوم تبديلها القطنة

فمشهور و قد يمكن استفادته ممّا ورد في المتوسطة في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا

ص: 78


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 5.
3- الكافي 95:3 باب الحبلي تري الدم الحديث 1.
4- مستمسك العروة الوثقي 386:3.
5- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1.

عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة... فان ظهر عن الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر»(1) ، بضميمة عدم الفصل أو استفادته ممّا ورد في منع حمل النجس في الصلاة خصوصا أحد الدماء الثلاثة.

4 - و اما وجوب الغسل قبل صلاة الصبح علي المستحاضة

المتوسطة

فلصحيحة زرارة: «و ان لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد»(2) فانها و ان لم تصرّح بكون الغسل لصلاة الصبح إلاّ ان ذلك - علي ما قيل - ممّا انعقد عليه الإجماع بل الضرورة، كما عن طهارة الشيخ.

هذا مضافا إلي ان الغسل حيث لا يحتمل كون وجوبه نفسيّا بل للصلاة فمن المناسب كونه قبل صلاة الصبح لأنها أوّل صلاة في اليوم.

5 - و اما وجوب الوضوء عليها لكل صلاة

فلموثقة سماعة:

«المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف، اغتسلت لكل صلاتين، و للفجر غسلا، و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرّة و الوضوء لكل صلاة...»(3).

6 - و اما تبديل القطنة أو تطهيرها

فلموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه المتقدّمة.

ثم ان التبديل حيث انه ملحوظ بنحو الطريقية للطهارة فمن المناسب قيام الغسل مقامه.

ص: 79


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 6.
7 - و اما وجوب اغسال ثلاثة علي المستحاضة الكثيرة

فلصحيحة زرارة المتقدّمة: «فان جاز الدم الكرسف تعصبت، و اغتسلت ثمّ صلّت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل...»(1).

8 - و اما وجوب تبديلها القطنة

فلفحوي ما دل علي وجوبه في المتوسطة لأنها تزيد علي المتوسطة دما.

9 - و امّا توجيه القول بعدم وجوب الوضوء عليها

فلصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة حيث قالت: «المستحاضة تنظر أيامها... فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر...

و للمغرب و العشاء غسلا... و تغتسل للصبح... و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء...»(2) فانه بضم قاعدة «التفصيل قاطع للشركة» تدل علي المطلوب.

و لعل أوضح منها موثقة سماعة المتقدّمة.

كما و يمكن التمسّك بموثقة عمّار الساباطي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال: لا، ليس عليه قبل و لا بعد، قد أجزأه الغسل. و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد أجزأها الغسل»(3). فانها تدلّ علي إجزاء كلّ غسل عن الوضوء، و قد خرجنا عن ذلك في

ص: 80


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الجنابة الحديث 3.

المستحاضة المتوسطة للنص.

ان قلت: ان وجوب الوضوء لكل صلاة في المتوسطة يدل بالأولوية علي ذلك في الكثيرة.

قلت: الأولوية ممنوعة لاحتمال قيام تكرّر الغسل مقام تكرّر الوضوء.

ثم انّه بقطع النظر عن كل ذلك يكفينا أصل البراءة بعد عدم الدليل و بطلان الأولوية.

النفاس
اشارة

ما هو النفاس؟ النفاس هو الدم الخارج حين الولادة. و أكثره عشرة و لا حدّ لأقلّه.

و إذا لم يتجاوز العشرة فكلّه نفاس، و إذا تجاوزها فمقدار العادة في الحيض نفاس و الزائد استحاضة.

و تترك النفساء الصلاة و الصوم مع قضاء الثاني. و يحرم وطؤها و لا يصحّ طلاقها.

و يجب عليها الاغتسال عند انقطاع الدم بكيفية غسل الجنابة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان النفاس ما ذكر و ليس الولادة نفسها و لا الدم الخارج

قبلها و لا خصوص ما يخرج بعدها

فلموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«المرأة يصيبها الطلق أيّاما أو يوما أو يومين فتري الصفرة أو دما،

ص: 81

قال تصلّي ما لم تلد...»(1) و غيرها.

2 - و اما ان أكثره عشرة و ليس ثمانية عشر أو أكثر

فهو المشهور. و قد يستدلّ له:

تارة: بروايات الاستظهار. كرواية يونس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت تري؟ قال: فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيّام...»(2) بناء علي ان الباء «بعشرة» بمعني إلي.

و ثانية: - بعد المناقشة في تلك الرواية سندا بأحمد أو دلالة بضعف تفسير حرف بآخر - بالشهرة الفتوائية، فانها و ان لم تكن حجّة في نفسها إلاّ ان كون المسألة عامّة البلوي يدل علي ان أكثر النفاس عشرة و إلاّ لبان الأكثر.

و ثالثة: بأن المقام من صغريات دوران أمر المخصص بين الأقل و الأكثر و في مثله يتمسّك بعموم العام - و هو ما دل علي وجوب الصلاة و الصوم و نحو ذلك علي المكلف - في الزائد علي المتيقن.

و رابعة: بأصالة عدم النفاس أو اصالة عدم احكامه. و لا يعارض باستصحاب النفاس بناء علي عدم جريان الاستصحاب في التدريجيات، و لا باستصحاب أحكامه لعدم احراز بقاء الموضوع.

و هذه الوجوه و ان أمكنت المناقشة في أغلبها إلاّ ان بعضها - كالثالث - وجيه.

هذا و نسب الي المرتضي و جماعة ان أكثر النفاس ثمانية عشر

ص: 82


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب النفاس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب النفاس الحديث 3.

يوما لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ان أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة ان تحتشي بالكرسف و الخرق و تهل بالحجّ فلما قدموا مكة و قد نسكوا المناسك، و قد أتي لها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و أ له ان تطوف بالبيت و تصلّي و لم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك»(1).

و فيه انها تدل علي ان النفاس لا يزيد علي ثمانية عشر يوما لا ان أكثره ثمانية عشر فلعلّها لو سألت قبل ذلك لأجيبت بذلك أيضا.

3 - و اما انه لا حدّ لأقلّه

فلإطلاق الأخبار حيث لم تقيّد النفاس من حيث القلّة بوقت.

4 - و اما كون الدم كلّه نفاسا مع عدم تجاوز العشرة، و مع

التجاوز فبمقدار العادة

فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له:

النفساء متي تصلّي؟ قال: تقعد قدر حيضها و تستظهر بيومين فان انقطع الدم و إلاّ اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت»(2).

فان الاستظهار بيومين هو لطلب ظهور حال الدم و تجاوزه العشرة لترجع إلي عادتها و عدمه ليكون مجموعه نفاسا.

5 - و اما حرمة وطئها

فلموثقة مالك بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال: نعم إذا مضي لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد ان يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل

ص: 83


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب النفاس الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب النفاس الحديث 2.

ثم يغشاها ان أحب»(1).

6 - و اما بطلان طلاقها

فلصحيحة زرارة عنهما عليهما السّلام: «انهما قالا إذا طلّق الرجل في دم النفاس أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق»(2).

7 - و امّا وجوب الاغتسال عند انقطاع الدم بكيفية غسل الجنابة

فلان عدم بيان كيفية خاصة لهذا الغسل حتي في رواية واحدة مع ابتلاء عامّة النساء به يستكشف منه ان كيفيته كغسل الجنابة.

8 - و اما وجوب تركها الصلاة و الصوم مع قضائه

فلصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن النفساء تضع في شهر رمضان بعد صلاة العصر أ تتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال:

تفطر ثم لتقض ذلك اليوم»(3) و صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام:

«النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة»(4).

مس الميت
اشارة

مس الميت قبل تغسيله سبب لأمرين: نجاسة العضو الماس بشرط الرطوبة، و وجوب الغسل إذا كان المس لميت الإنسان بعد برده.

و هكذا يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي أو الميت إذا كانت

ص: 84


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب النفاس الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب مقدّمات الطلاق الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب النفاس الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب النفاس الحديث 1.

مشتملة علي عظم.

و لا يجوز قبل الغسل مسّ كتابة القرآن، و الصلاة، و كل عمل مشروط بالطهارة.

و كيفية الغسل كغسل الجنابة.

و المستند في ذلك:

1 - اما تنجّس العضو

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما أصاب الثوب»(1) و هي و ان دلّت بإطلاقها علي النجاسة حال الجفاف أيضا إلاّ انها تقيد بحال الرطوبة بالارتكاز.

2 - و اما وجوب الغسل

فلصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يغمض الميت أ عليه غسل؟ قال: إذا مسّه بحرارته فلا، و لكن إذا مسّه بعد ما يبرد فليغتسل...»(2).

3 - و اما اشتراط وجوبه بمسّ ميت الإنسان

فلصحيح الحلبي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يمسّ الميتة أ ينبغي ان يغتسل منها؟ فقال: لا، انما ذلك من الإنسان»(3).

بل لا نحتاج إلي ذلك بعد قصور المقتضي و جريان البراءة.

4 - و اما اعتبار كونه بعد برده

فلصحيحة ابن مسلم المتقدّمة.

5 - و اما اعتبار كونه قبل تغسيله

فلصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: مس الميت عند موته و بعد غسله و القبلة

ص: 85


1- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب غسل المس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب غسل المس الحديث 2.

ليس بها بأس»(1).

6 - و اما القول بوجوب الغسل في مس القطعة المبانة من الحي

فهو المشهور و لعلّه لمرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسّه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب علي من يمسه الغسل»(2) أو غيرها. إلاّ ان السند ضعيف.

و جابرية الشهرة لم تثبت كبري و لا صغري بل عن المحقّق ان العامل بالرواية قليل(3).

7 - و اما القول بوجوب الغسل في مس القطعة المبانة من الميت

فقد يستدل له بالمرسلة المتقدمة بعد ضمّ الأولوية و باستصحاب وجوب الغسل بالمس الثابت قبل الانفصال و بان الحكم الثابت للمركب ثابت لأجزائه.

و يرد الأوّل: ضعف المرسلة.

و الثاني: بانه تعليقي.

و الثالث: بأن موضوع الحكم مس الميت، و هو لا يصدق بمس الجزء المنفصل.

8 - و اما اشتراط الاشتمال علي العظم

فهو المعروف و لعلّه للمرسلة، و يكفي في إثباته أصل البراءة بعد عدم الدليل.

9 - و اما حرمة مس كتابة القرآن الكريم قبل الغسل

فلان المستفاد من أدلّة وجوب الغسل - علي من مس ميتا - ان المس حدث

ص: 86


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب غسل المس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب غسل المس الحديث 1.
3- المعتبر في شرح المختصر 352:1.

فينتقض معه الوضوء، و معه يحرم المس لقوله تعالي: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (1) فان المراد من المس لا يختص بالمس المعنوي بمعني درك الحقائق بل يعمّ المس الظاهري للكتابة لموثقة إبراهيم بن عبد الحميد حيث روي عن أبي الحسن عليه السّلام: «المصحف لا تمسّه علي غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه و لا تعلقه ان اللّه تعالي يقول: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ »(2).

10 - و اما حرمة الصلاة قبل الغسل فلتحقق الحدث و انتقاض

الوضوء بالمس و عدم ارتفاعه إلاّ بالغسل

كما يستفاد من صحيحة ابن مسلم المتقدّمة: «... و لكن إذا مسّه بعد ما يبرد فليغتسل».

11 - و اما لزوم الغسل لكل عمل مشروط بالطهارة

فلما تقدّم.

12 - و اما ان كيفية غسل المس كغسل الجنابة

فلعدم ورود كيفية خاصّة له عنهم عليهم السّلام مع انّه عام البلوي فيدل ذلك بالاطلاق المقامي علي وحدة الكيفية. علي ان الغسل طبيعة واحدة بالارتكاز و الاختلاف انّما هو في الأسباب بل يدل علي ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من غسل ميتا و كفّنه اغتسل غسل الجنابة»(3) الظاهر - بعد ضرورة عدم كون الغسل موجبا للجنابة - في ارادة التشبيه و انه يغتسل كغسل الجنابة.

ص: 87


1- الواقعة: 79.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب غسل المس الحديث 1.
غسل الجبيرة
اشارة

و في الغسل مع فرض الكسر المجبور يجب المسح علي الجبيرة و مع انكشافه يجب التيمم و في حالة الجرح أو القرح المعصب يجب المسح عليه و مع كونهما مكشوفين يكفي غسل ما حولهما أو التيمم.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الاغتسال علي الكسير المجبور مع المسح علي

الجبيرة و عدم انتقال وظيفته الي التيمم

فلصحيحة كليب الأسدي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: ان كان يتخوّف علي نفسه فليمسح علي جبائره و ليصل»(1) و هي باطلاقها تشمل الغسل.

و قد يناقش سندها بعدم توثيق كليب الأسدي إلاّ من خلال كامل الزيارة.

و يمكن الجواب: ان رواية صفوان لكتابه و تلويح الامام الصادق عليه السّلام بانه من مصاديق قوله تعالي: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلي رَبِّهِمْ (2) يمكن ان يدل علي وثاقته.

و إذا قيل: ان ابن أبي عمير روي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يؤمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة»(3) و هو يدل علي ان وظيفة الكسير التيمم.

ص: 88


1- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 8.
2- هود: 23.
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب التيمم الحديث 10.

كان الجواب: انها مرسلة، و مراسيل ابن أبي عمير حتّي لو قبلناها لشهادة الشيخ بانه لا يروي إلاّ عن ثقة(1) إلاّ ان ذلك يختص بصورة التصريح باسم الراوي لئلاّ يكون المورد من باب التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية بعد الالتفات الي روايته عن عدد قليل من الضعاف.

2 - و اما وجوب التيمم مع انكشاف الكسر

فهو مقتضي القاعدة الأولية مع عدم نص خاص في المقام.

3 - و أما وجوب المسح علي الجرح أو القرح المعصبين

فلصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في وضوء الجبيرة بعد تقييد اطلاقها بمسح موضع الجبيرة. بل قد يتمسك بصحيحة كليب الأسدي بناء علي عدم فهم الخصوصية للكسر في جوابها.

4 - و اما التخيير بين التيمم و غسل ما حول الجرح و القرح

المكشوفين:

فلصحيحة محمّد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال: لا بأس بأن لا يغتسل و يتيمم»(2) فان ظهورها في التخيير قريب.

الموت
الاحتضار
اشارة

إذا حضرت الإنسان الوفاة فالمشهور وجوب توجيهه إلي القبلة كفاية بنحو لو جلس كان وجهه إلي القبلة.

ص: 89


1- العدة في الاصول 154:1.
2- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب التيمم الحديث 5.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب التوجيه إلي القبلة

فهو المشهور. و لعلّه لرواية الصدوق في العلل عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق (النزع) و قد وجّه بغير (إلي غير) القبلة، فقال: وجهوه الي القبلة فانكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة...»(1) أو للسيرة المستمرة علي التوجيه.

و فيه: ان الرواية لا تدل علي الوجوب بقرينة التعليل بل ضعيفة سندا كما يظهر بالمراجعة. و كبري الانجبار لو سلمت فهي غير ثابتة صغري.

و اما السيرة فهي لا تدل علي الوجوب.

2 - و اما كونه كفاية

فلتحقق الغرض بقيام واحد به.

3 - و اما كونه بالكيفية المذكورة

فهو المعروف و يمكن استفادته من رواية الصدوق المتقدّمة.

تغسيل الميّت
اشارة

يجب تغسيل الميت كفاية بثلاثة أغسال: بماء السدر أوّلا و بماء الكافور ثانيا، و بالماء القراح ثالثا بكيفية غسل الجنابة.

و يجب في الأوّلين خلط الماء بالسدر و الكافور بمقدار يوجب صدق عنوان المخلوط بهما عليه من دون خروجه إلي الاضافة.

و يجب في المغسّل ان يكون مماثلا إلاّ بالنسبة الي الزوج و الزوجة أو بالنسبة إلي الطفل الذي لم يتجاوز ثلاث سنين أو المحارم.

ص: 90


1- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب الاحتضار الحديث 6.

و يستثني من وجوب التغسيل الشهيد في معركة مع الإمام أو نائبه الخاص أو في حفظ بيضة الإسلام. و من وجب قتله برجم أو قصاص يغتسل قبل ذلك و يحنّط و يكفّن ثم يقتل.

و المستند في ذلك:

1 - اما أصل وجوب تغسيل الميت

فهو ممّا لا خلاف فيه، و قد دلّت عليه النصوص، كموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «غسل الجنابة واجب - إلي ان قال - و غسل الميت واجب»(1).

2 - و اما كونه كفاية

فلما تقدّم في الاحتضار.

3 - و اما كونه بثلاثة أغسال

فللنصوص كصحيحة ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن غسل الميت فقال: اغسله بماء و سدر ثم اغسله علي أثر ذلك غسلة اخري بماء و كافور و ذريرة ان كانت، و اغسله الثالثة بماء قراح، قلت ثلاث غسلات لجسده كلّه؟ قال:

نعم...»(2).

4 - و اما كونه بكيفية غسل الجنابة

فيكفي فيه عدم الدليل علي كيفية اخري كما تقدّم في غسل النفاس بل الدليل موجود كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا أردت غسل الميت - إلي ان قال - ثم تبدأ بكفّيه و رأسه ثلاث مرّات بالسدر، ثمّ سائر جسده، و ابدأ بشقّه الأيمن...»(3) و غيرها.

5 - و اما اعتبار القيدين في ماء السدر و الكافور

فهو المشهور

ص: 91


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب غسل الميت الحديث 2.

لصحيحة ابن مسكان المتقدّمة و صحيحة يعقوب بن يقطين حيث ورد فيها: «و يجعل في الماء شيء من السدر و شيء من كافور»(1).

6 - و اما اعتبار المماثلة فلجملة من الأخبار المعتبرة الدالّة علي

دفن الميّت بدون تغسيل مع فقد المماثل أو المحارم

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله عن المرأة تموت في السفر و ليس معها ذو محرم و لا نساء، قال: تدفن كما هي بثيابها، و عن الرجل يموت و ليس معه إلاّ النساء ليس معهنّ رجال، قال: يدفن كما هو بثيابه»(2).

7 - و اما وجه استثناء الزوجين

فهو المشهور لمعتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلاّ النساء قال: تغسله امرأته أو ذو قرابته ان كان له... و في المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها»(3).

كما و يمكن التمسّك في الجملة بصحيحة الحلبي السابقة بعد ضمّ دلالة التقرير.

و هل يجوز نظر أحد الزوجين إلي عورة الآخر عند التغسيل؟

نعم يجوز ذلك، اما لان العلقة الزوجية باقية و لا تزول بالموت لأنّ الروايات تدلّ علي جواز النظر إلي الشعر و لمس الأعضاء، و ذلك يفهم منه بقاء الزوجية أو لاستصحاب بقاء الزوجية و جواز النظر بناء علي جريان الاستصحاب في الأحكام و عدم معارضته بأصالة عدم الجعل الزائد، بل الاستصحاب المذكور جار حتي علي المبني المذكور

ص: 92


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب غسل الميت الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب غسل الميت الحديث 3.

لاختصاصه بالأحكام الإلزامية دون الترخيصية التي لا تحتاج إلي جعل، فانه فيها لا يعارض استصحاب بقائها بأصالة عدم الجعل الزائد.

و مع التنزل و التسليم بعدم جريان الاستصحاب يكفينا أصل البراءة.

8 - و اما وجه استثناء الطفل

فهو المشهور و يكفي لإثباته ان الأخبار الدالّة علي اعتبار المماثلة غير شاملة للطفل لاختصاصها بالرجل و المرأة.

مضافا إلي ما ورد في تغسيل الصبي كموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الصبي تغسله امرأة قال: إنّما يغسل الصبيان النساء، و عن الصبية تموت و لا تصاب امرأة تغسلها قال: يغسلها رجل أولي الناس بها»(1).

9 - و اما التقييد بثلاث سنين - بالرغم من ان عنوان الرجل

و المرأة لا يصدق ما دام لم يتحقّق البلوغ

- فهو مشهور، و تدلّ عليه رواية أبي نمير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: حدّثني عن الصبي الي كم تغسله النساء؟ فقال: إلي ثلاث سنين»(2). و بضم الأولوية يتعدّي الي الصبية.

بيد انها ضعيفة بأبي نمير لكونه مجهولا إلاّ بناء علي كبري الانجبار بفتوي المشهور.

و الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور بناء علي انكار الكبري المذكورة أمر في محله.

ص: 93


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب غسل الميت الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب غسل الميّت الحديث 1.
10 - و اما استثناء المحارم

فلموثقة سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و ليس عنده إلاّ نساء قال: تغسله امرأة ذات محرم منه، و ان كانت امرأة ماتت معها رجال و ليس معها امرأة و لا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها و ان كان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثيابها»(1) و غيرها.

11 - و اما استثناء الشهيد بأحد القيود الثلاثة

فلإطلاق صحيحة أبان بن تغلب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يقتل في سبيل اللّه أ يغسل و يكفن و يحنط؟ قال: يدفن كما هو في ثيابه إلاّ ان يكون به رمق (فان كان به رمق) ثم مات فانه يغسل و يكفّن و يحنّط و يصلّي عليه...»(2) ، فان قوله: «يقتل في سبيل اللّه» يشمل الثلاثة و لا يختص اطلاقه بأحدها.

12 - و اما الكيفية الخاصّة في من يقتل برجم أو قصاص فهي مما

لا خلاف فيها.

و قد دلّت عليها رواية مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان و يصلّي عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك...»(3).

إلاّ انها ضعيفة بابن شمون و غيره و لا تنهض إلاّ بناء علي كبري الجابرية.

أجل يمكن الاستدلال علي عدم وجوب الغسل بعد القصاص أو الرجم بكون المسألة ابتلائيّة في عصرهم عليهم السّلام فلو كان الغسل واجبا لاشتهر و ذاع.

ص: 94


1- وسائل الشيعة الباب 20 من أبواب غسل الميت الحديث 9.
2- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب غسل الميت الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
التحنيط
اشارة

يجب كفاية بعد تغسيل الميت مسح مساجده السبعة بالكافور الطاهر المسحوق.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي وجوب التحنيط بالنحو المتقدم

فلصحيحة زرارة عنهما عليهما السّلام: «إذا جففت الميت عمدت الي الكافور فمسحت به آثار السجود و مفاصله كلّها و اجعل في فيه و مسامعه و رأسه و لحيته من الحنوط و علي صدره و فرجه. و قال: حنوط الرجل و المرأة سواء»(1) و غيرها.

2 - و اما كونه كفاية

فلما تقدّم في تغسيل الميت.

3 - و اما اختصاص وجوب التحنيط بالمساجد السبعة

مع ان المذكور في الصحيحة السابقة و غيرها أكثر من ذلك فلموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحنوط للميت فقال: اجعله في مساجده»(2) الدالة علي الاختصاص المذكور الموجب لحمل تحنيط غيرها المذكور في بقية الروايات علي الاستحباب.

4 - و اما اعتبار كونه طاهرا

فلانه المرتكز في أذهان المتشرعة إذ الشارع اعتبر الطهارة في الكفن و بدن الميت بل أمر بقرض الكفن و غسل البدن لو تنجسا فيطمأن بعدم رضاه بوجود النجاسة مع الميت.

5 - و اما اعتبار كونه مسحوقا

فلمعتبرة يونس حيث نقل

ص: 95


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب التكفين الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب التكفين الحديث 1.

عنهم عليهم السّلام فيها: «ثم اعمد الي كافور مسحوق...»(1). مضافا الي انه ممّا يقتضيه تعبيره عليه السّلام بالمسح.

تكفين الميت
اشارة

يجب تكفين الميّت كفاية بثلاث قطع بعد تغسيله، احداها ساترة ما بين سرته و ركبته تسمّي بالمئزر، و الاخري ما بين المنكبين إلي نصف الساق تسمّي بالقميص، و الثالثة تغطي جميع البدن و هي الازار.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي أصل وجوب التكفين فهو ممّا لا خلاف فيه.

و تدلّ عليه النصوص الكثيرة كصحيحة زرارة حيث نقل فيها عن الباقر عليه السّلام: «انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب...»(2).

2 - و اما كونه كفاية

فلما تقدّم في تغسيل الميت.

3 - و اما كونه بثلاث قطع

فلم ينسب الخلاف فيه إلاّ إلي سلار.

و يدل عليه صحيح زرارة المتقدّم و غيره.

4 - و اما كون القطع بالكيفية المذكورة

فهو المعروف. و قد يستدل له بأن الكيفية المذكورة هي التي جرت عليها السيرة المستمرة فلو كان اللاّزم غيرها لذاع بعد كون المسألة عامة البلوي.

و قد يقال باستفادة ذلك من صحيحة يونس عنهم عليهم السّلام الواردة في تحنيط الميت و تكفينه: «ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الازار ثم ابسط القميص عليه...»(3) ، فان الحبرة لا تطلق إلاّ علي ما يكون ساترا

ص: 96


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب التكفين الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب التكفين الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب التكفين الحديث 3.

لجميع البدن. و الازار لغة هو المئزر - و ان كان يطلق في تعبير الفقهاء أحيانا علي غيره - المعبر عنه بالوزرة التي تكون عادة ساترة بين السرّة و الركبة. و القميص كان يستر قديما المنكبين إلي نصف الساق.

و إذا قيل: ان في سند الرواية مشكلتين: اشتماله علي إبراهيم بن هاشم و هو لم يوثق و رواية إبراهيم لها عن رجاله و هم مجهولون.

كان الجواب عن الاولي ان الوارد في حق إبراهيم انه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم. و تمكنه من نشره في أوساط تلك المدرسة المعروفة بالتشدّد يدل علي كونه في أعلي درجات الوثاقة.

هذا مضافا إلي اكثار ولده الرواية عنه و وقوعه في اسناد كامل الزيارات بناء علي كفاية مثل ذلك.

و نلفت النظر إلي ان طرح رواياته يستلزم طرح ربع روايات الكافي أو أكثر.

و عن الثانية بأن اجتماع ثلاثة - التي هي أقل الجمع - علي الكذب بعيد و يحصل الاطمئنان بعدمه.

الصلاة علي الميت
اشارة

تجب الصلاة علي الميّت المسلم كفاية بعد تغسيله و تكفينه إذا كان عمره ست سنين بالتكبير خمسا يؤتي بالشهادتين بعد الاولي، و الصلاة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بعد الثانية، و الدعاء للمؤمنين بعد الثالثة، و الدعاء للميّت بعد الرابعة ثم يكبّر للخامسة و ينصرف.

و لا تعتبر الطهارة بقسميها، و لا الستر و لا إباحة اللباس.

أجل يلزم استقبال القبلة، و كون رأس الميت إلي يمين المصلي.

و المستند في ذلك:

ص: 97

1 - اما وجوب الصلاة علي الميت

فأمر متسالم عليه بل كاد يكون من ضروريات الإسلام، و تدلّ عليه موثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام: «صلّ علي من مات من أهل القبلة و حسابه علي اللّه»(1).

و ليس في سند الرواية - بعد صحّة طريق الشيخ إلي سعد - من يتأمّل فيه سوي طلحة إلاّ انه يكفي في صحّة الأخذ برواياته تعبير الشيخ بأن كتابه معتمد(2).

2 - و اما الاختصاص بالمسلم

فللسيرة و عموم التعليل في قوله تعالي: وَ لا تُصَلِّ عَلي أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلي قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ (3) ، و موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت، قال: لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه و لا يقوم علي قبره و ان كان أباه»(4) ، فانها تعمّ غير النصراني من أقسام الكافر بالأولوية. و الصلاة و ان لم تذكر في الرواية إلاّ ان المفهوم منها شمول النهي لها.

3 - و اما كونه بنحو الكفاية

فلما تقدّم في تغسيل الميّت. مضافا الي موثقة إسحاق بن عمّار: «ان الجنازة لا يصلّي عليها مرّتين»(5) الواردة في من فاتته الصلاة.

4 - و اما كونها بعد تغسيله و تكفينه

فلعدم الخلاف في ذلك - كما

ص: 98


1- وسائل الشيعة الباب 37 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 2.
2- الفهرست: 86.
3- التوبة: 84.
4- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1.
5- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 23.

ادّعي - فان تمّ و إلاّ فلا دليل ظاهر عليه بل أصالة البراءة تقتضي عدم الاشتراط. و قد يستفاد ذلك من عطف الصلاة علي التكفين و الغسل في عدّة نصوص بالواو(1) بعد كونه عليه السّلام في مقام البيان.

5 - و اما اشتراط الوجوب بست

فهو مشهور و يمكن استفادته من صحيحة زرارة: «مات ابن لأبي جعفر عليه السّلام فأخبر بموته فأمر به فغسل و كفن و مشي معه و صلّي عليه... فقال: اما انه لم يكن يصلّي علي مثل هذا - و كان ابن ثلاث سنين - كان علي عليه السّلام يأمر به فيدفن و لا يصلّي عليه. و لكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله. قلت:

فمتي تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين»(2).

و احتمال ان المقصود متي تجب الصلاة اليومية عليه مدفوع بذكر فاء التفريع و السياق.

أجل يرد عليها انّها أخصّ من المدعي لاعتبارها قيدا آخر و هو عقله للصلاة.

و من الغريب ما ينسب إلي ابن أبي عقيل من عدم وجوب الصلاة علي من لم يبلغ لأنها استغفار و دعاء للميّت و هو غني عن ذلك(3). و هو كما تري.

6 - و اما وجوب خمس تكبيرات

فللأخبار الكثيرة كصحيحة

ص: 99


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب غسل الميت الحديث 1، و الباب 38 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1، 5.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 3.
3- جواهر الكلام 6:12.

عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... التكبير علي الميت خمس تكبيرات»(1).

7 - و اما تعين الكيفية المذكورة

فهو المشهور، و لا دليل تام عليه، نعم تجب الصلاة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و الدعاء للميت للرواية الصحيحة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ليس في الصلاة علي الميت قراءة و لا دعاء مؤقت، تدعو بما بدا لك، و أحقّ الموتي ان يدعي له المؤمن و ان يبدأ بالصلاة علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(2). و قد يتأمّل في دلالتها علي وجوب الصلاة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.

و اما الكيفية المتداولة اليوم فقد دلّت علي مشروعيتها بعض الروايات بدون تعين.

8 - و امّا عدم اشتراط الطهارة بقسميها

فيكفي فيه عدم الدليل بعد اختصاص أدلّة الاشتراط - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا... (3) - بالصلاة الحقيقية، و هي دعاء.

بل موثقة يونس بن يعقوب تنفي اشتراط الطهارة الحدثية صراحة. و التعليل فيها ينفي الخبثية أيضا. قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنازة اصلّي عليها علي غير وضوء؟ فقال: نعم إنّما هي تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل...»(4).

9 - و اما عدم اعتبار الستر و إباحة اللباس

فلعدم الدليل أيضا،

ص: 100


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1.
3- المائدة: 6.
4- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 3.

و معه يتمسك بالبراءة.

10 - و اما لزوم استقبال المصلّي القبلة

فهو المعروف. و يمكن استفادته من معتبرة الحلبي: «سألته عن الرجل و المرأة يصلّي عليهما، قال: يكون الرجل بين يدي المرأة ممّا يلي القبلة فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل ممّا يلي يساره، و يكون رأسها أيضا ممّا يلي يسار الإمام، و رأس الرجل ممّا يلي يمين الامام»(1) و غيرها.

11 - و اما لزوم كون رأس الميت إلي يمين المصلي

فمتسالم عليه، و يمكن استفادته من المعتبرة السابقة.

دفن الميت
اشارة

يجب كفاية دفن الميّت المسلم بعد تكفينه بمواراته في الأرض بحيث يؤمن علي جسده من السباع و إيذاء رائحته الناس.

و يلزم وضعه علي جانبه الأيمن موجّها بوجهه إلي القبلة.

و لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفّار و بالعكس، كما لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتكه، و لا يجوز الدفن في قبر ميّت قبل اندراسه.

و نبش قبر المؤمن محرّم إلاّ في موارد خاصّة، كما لو كان لمصلحة الميت أو لدفع مفسدة عنه، أو لكونه لم يغسل أو يكفّن أو تبين بطلان ذلك أو لان في ترك نبشه ضررا ماليّا.

و التوديع المتعارف عند البعض غير جائز.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الدفن

فمما لا خلاف فيه و يقتضيه ارتكاز

ص: 101


1- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 7.

المتشرعة و النصوص المتفرّقة الخاصّة.

2 - و اما كونه بنحو الكفاية

فلما تقدّم في تغسيل الميت.

3 - و اما الاختصاص بالمسلم

فلما تقدّم في الصلاة عليه.

4 - و اما كونه بعد تكفينه

فواضح.

5 - و اما كونه بالمواراة في الأرض

فيقتضيه التسالم و ظاهر لفظ الدفن المذكور في الروايات.

6 - و اما اعتبار الوصفين في المواراة

فلان ظاهر الروايات ان الدفن احترام للميت، و هو لا يتحقّق إلاّ بما ذكر.

7 - و اما اعتبار وضعه بالكيفية المذكورة

فلم تدل عليه رواية إلاّ ان يقال بأن صحيحة يعقوب بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الميت كيف يوضع علي المغتسل موجّها وجهه نحو القبلة أو يوضع علي يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسّر، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره»(1). دلّت علي ان للوضع في القبر كيفيّة خاصّة، و حيث ان السيرة الخارجية جرت علي وضعه علي جانبه الأيمن و لم يرد ردع عنها علم ان الكيفية المعتبرة شرعا هي تلك الكيفية.

8 - و اما عدم جواز دفن المسلم في مقبرة الكفّار و بالعكس

فلا دليل عليه سوي لزوم اهانة المسلم في كلتا الحالتين.

9 - و اما عدم جواز دفن المسلم في مكان يوجب هتكه

فلحرمة إهانة المؤمن و هتكه بالضرورة.

10 - و اما عدم جواز الدفن قبل الاندراس

فلاستلزامه النبش المحرّم.

ص: 102


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب غسل الميت الحديث 2.

أجل إذا لم يكن بحاجة لذلك فلا دليل علي التحريم، و مجرّد سبق الأوّل لا يولّد له حقّا في المنع من دفن الثاني.

11 - و اما حرمة نبش قبر المؤمن فلمحذور الهتك.

و إلاّ فلا دليل خاص علي ذلك. و الإجماع ان كان ثابتا فلعلّه من هذه الجهة فيكون مدركيا.

12 - و اما جوازه للمصلحة أو دفع المفسدة

فلعدم لزوم الهتك آنذاك.

13 - و اما جوازه إذا لم يغسل أو يكفن أو تبيّن بطلان ذلك

فلعدم تحقّق الدفن الصحيح و لا يلزم الهتك لتحصيل ذلك.

14 - و اما جوازه إذا كان في تركه ضرر مالي

فلتزاحم حق الميت في عدم هتكه و حق مالك المال في عدم الاضرار به فلو لم يرجّح حق الحي و لم يناقش في عدم صدق الهتك فالحقّان متساويان. و يبقي عموم «الناس مسلّطون علي أموالهم» الثابت بالسيرة العقلائية مقتضيا جواز النبش.

أجل يلزم ان يكون المال معتدا به عند العقلاء و لم يكن القبر لعظيم.

15 - و اما عدم جواز التوديع

فلظهور أدلّة وجوب الدفن في الدفن المتعارف فبقاؤه مدّة من دون دفن غير جائز.

أجل إذا دفن حقيقة و قصد نقله بعد فترة فلا مانع لتحقّق الدفن حقيقة. و لجواز النبش فيما إذا كان لمصلحة أهم، كنقله إلي المشاهد المشرّفة.

ص: 103

5 - التيمم
كيفية التيمم
اشارة

يتحقّق التيمم بضرب باطن اليدين علي الأرض ثمّ مسحهما بالجبهة و الجبينين من قصاص الشعر إلي طرف الأنف الأعلي و الحاجبين، ثم مسح باطن اليد اليسري بتمام ظاهر اليمني من الزند إلي أطراف الأصابع ثم مسح ظاهر اليسري بباطن اليمني كذلك.

و تكفي الضربة الواحدة لذلك. و يصحّ التيمم علي مطلق وجه الأرض.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم الضرب و عدم الاكتفاء بالوضع

فهو المعروف بتقريب ان الروايات في ذلك مختلفة، ففي صحيحة زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التيمم، فضرب بيده علي الأرض...»(1) و في صحيحته الاخري: «... فوضع أبو جعفر عليه السّلام كفّيه علي الأرض...»(2) ، و حيث ان المورد من باب الاطلاق و التقييد فيلزم تقييد الوضع بالضرب.

و فيه: ان ذلك ليس بأولي من القول بكون ذكر الضرب من باب كونه أحد فردي التخيير، و بناء عليه يكفي مطلق الوضع و ان كان الاحتياط بالضرب في محله.

2 - و اما انه بالباطن بالرغم من ان ضرب اليد يصدق بضرب

الظاهر أيضا

فباعتبار كونه الفرد المتعارف فلو كانت الأخبار البيانية

ص: 104


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب التيمم الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب التيمم الحديث 5.

تقصد الأعمّ لنبهت علي ذلك.

و هذا البيان لتوجيه رأي المشهور ان تم و إلاّ فمقتضي اطلاق قوله تعالي: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ... (1) كفاية الضرب و المسح و لو بالظاهر إلاّ انه لا ينبغي الحياد عن جادة الاحتياط.

3 - و اما انه يلزم الضرب بكلتا اليدين دون الواحدة

فللتعبير بالكفين في صحيحة زرارة الثانية. و التعبير باليد في الاولي لا ينافي ذلك بعد كونها - اليد - من قبيل الجنس.

و هل يلزم كون الضرب دفعة؟ قد يقال: مقتضي صحيحة زرارة الثانية الواردة في مقام تعليم التيمم ذلك، إذ لو كان الامام عليه السّلام قد وضعهما علي التدريج لنبّه زرارة علي ذلك، لأنها حالة لافتة للنظر.

و فيه: ان فعل الامام عليه السّلام لعلّه من باب اختيار الفرد الأفضل و لا يدل علي التعيين.

4 - و اما المسح بالكيفية المذكورة فقد وقع محل اختلاف بين

الفقهاء

فالمنسوب إلي المشهور وجوب مسح الجبهة من قصاص الشعر إلي طرف الأنف. و عن بعض وجوب مسح الوجه الذي ظاهره الاستيعاب.

و سبب ذلك اختلاف الروايات، فان بعضها عبّر بمسح الوجه، و بعضها بمسح الجبين. و لم ترد رواية صحيحة تعبر بمسح الجبهة.

فمن الأول صحيحة الكاهلي: «سألته عن التيمم، قال: فضرب بيده علي البساط فمسح بهما وجهه. ثم مسح كفّيه احداهما علي ظهر الاخري»(2).

ص: 105


1- المائدة: 6.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب التيمم الحديث 1.

و من الثاني صحيحة زرارة: «... ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه احداهما بالاخري...»(1).

و يمكن ان يقال في مقام الجمع: لا اشكال في ان مسح تمام الوجه ليس بلازم لمكان الباء في الآية الكريمة. و لكن أي قسم منه يجب مسحه؟ انه الجبينان.

و به يرتفع التعارض بين الطائفتين، إذ من مسح جبينيه يصدق انه مسح وجهه.

و تبقي الجبهة لا دليل علي وجوب مسحها سوي التسالم الفقهي علي ذلك.

5 - و اما التحديد بكون المسح من قصاص الشعر إلي طرف

الأنف و الحاجبين

فلتوقف صدق مسح الجبهة و الجبينين علي ذلك. و اما الحاجبان أنفسهما فلا يجب مسحهما إلاّ من باب المقدّمة العلمية.

6 - و اما مسح اليدين بالشكل المذكور

فلصحيحتي زرارة و الكاهلي المتقدّمتين.

7 - و اما كفاية الضربة الواحدة

ففيه خلاف. فقيل بذلك. و قيل باعتبار التعدد. و قيل بالواحدة فيما كان بدلا من الوضوء، و باعتبار التعدّد فيما كان بدلا من الغسل.

و المناسب كفاية الواحدة مطلقا فان الامام عليه السّلام في مقام الارشاد الي كيفية التيمم في الصحيحتين السابقتين ضرب مرّة للوجه و اليدين لا أكثر.

ص: 106


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب التيمم الحديث 8.

و إذا قيل ان الوارد في صحيحة إسماعيل بن همام عن الرضا عليه السّلام: «التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين»(1).

كان الجواب: انها محمولة علي الاستحباب بقرينة ما تقدّم.

8 - و اما صحّة التيمم بمطلق وجه الأرض

ففيه خلاف. فقيل بذلك، و قيل بعدم صحته إلاّ علي التراب كما عن السيّد المرتضي.

و الصحيح الأوّل لقوله تعالي: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (2) ، فانه و ان نسب الي بعض اللّغويين تفسير الصعيد بالتراب، إلاّ ان المناسب تفسيره بمطلق وجه الأرض - كما عليه أكثر اللغويين - لقوله تعالي:

فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (3) . و لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة علي صعيد واحد»(4) أي أرض واحدة.

و تدل علي كفاية مطلق الأرض الروايات الشريفة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو؟ قال:

ليس عليه ان يدخل الركية لان ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمم»(5).

و طريق الصدوق إلي الحلبي صحيح في المشيخة، و بغض النظر عنه يكفي طريق البرقي.

و إذا قيل هي معارضة بمثل صحيحة محمّد بن حمران و جميل انهما سألا أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس

ص: 107


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب التيمم الحديث 3.
2- المائدة: 6.
3- الكهف: 40.
4- معالم الزلفي الباب 23.
5- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 1.

معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلّي بهم؟ فقال: لا، و لكن يتيمم الجنب و يصلّي بهم فان اللّه عزّ و جلّ جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا»(1).

و طريق الصدوق في المشيخة صحيح. و بغض النظر عنه يكفي أحد الطريقين الآخرين.

قلنا: انها لا تدلّ علي الحصر، و مع فرض المعارضة يتساقطان.

و نرجع الي الأصل و هو يقتضي البراءة من التقييد.

و لا يعارض بالبراءة من الإطلاق لأنها تقتضي التقييد و هو خلف المنة.

و بذلك يتّضح ان آية الصعيد لو كانت مجملة أمكن الرجوع للأصل أيضا و هو يقتضي النتيجة نفسها.

مسوّغات التيمم
اشارة

يجب التيمم عند عدم وجدان الماء بعد الفحص عنه بمقدار غلوة سهم في الأرض الحزنة و سهمين في السهلة، و عند الخوف من الوصول إليه أو خوف المكلف علي نفسه أو غيره من استعماله، و عند وجود الحرج في تحصيله، و عند ضيق الوقت، و عند المزاحمة بواجب يتعيّن صرف الماء فيه.

و من توضأ في مورد وجوب التيمم - لضرر أو حرج أو مزاحمة - غفلة أو جهلا فقد قيل بصحته منه إذا لم يكن محرما واقعا. بل قد يقال في مورد

ص: 108


1- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب التيمم الحديث 2.

ضيق الوقت بصحته حتي مع العمد ما دام قاصدا امتثال أمر الوضوء المتوجّه إليه فعلا.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب التيمم عند عدم الماء

فلقوله تعالي:... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1) ، و الروايات(2).

2 - و اما وجوب الفحص

فلا تدل عليه الآية الكريمة بل الروايات كصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب...»(3) ، و غيرها، و لقاعدة الاشتغال فان المكلّف يعلم بوجوب الصلاة عليه مع الطهارة اما المائية أو الترابية فيلزمه بحكم العقل تحصيلهما معا إذ لو تيمم بلا فحص كان امتثاله احتماليا.

3 - و اما كون الفحص بالمقدار المذكور

فلموثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «يطلب الماء في السفر ان كانت الحزونة فغلوة، و ان كانت سهولة فغلوتين»(4).

و السكوني و ان كان ثقة لدعوي الشيخ في بحث حجيّة الخبر من العدة عمل الطائفة برواياته(5) ، إلاّ ان المشكلة تبقي في النوفلي إلاّ بناء علي وثاقة رجال كامل الزيارة، أو ان عمل الطائفة بروايات السكوني يلازم عملها بروايات النوفلي - و لا أقل التي يرويها عن السكوني - و إلاّ

ص: 109


1- المائدة: 6.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التيمم.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 2.
5- العدة في اصول الفقه 149:1.

يلزم عدم امكان عملها بروايات السكوني بعد كون النوفلي الراوي الغالب عنه.

4 - و اما وجوب التيمم في حالات الخوف

فيمكن استفادته من الآية الكريمة فان المراد من عدم الوجدان عدم التمكّن بقرينة ذكر المرض، و حيث ان حفظ النفس و العرض واجب فيصدق عدم التمكن من الماء عند الخوف علي النفس أو العرض.

و اما حالة الخوف علي المال فان لم يصدق معها عدم التمكّن من الماء فيمكن اثبات جواز التيمم فيها بصحيحة يعقوب بن سالم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع»(1) بناء علي وثاقة معلي بن محمد من خلال كامل الزيارة، بل يمكن التمسّك بقاعدة لا ضرر.

5 - و اما وجوبه في حالة الحرج

فلقاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالي: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (2).

6 - و اما وجوبه عند ضيق الوقت

فهو المشهور. و تدل عليه آية التيمم بناء علي عمومية عدم الوجدان لعدم التمكّن من ناحية ضيق الوقت، و صحيحة زرارة: «... فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل»(3).

و منه يتضح ان ما ذهب إليه صاحب المدارك و جماعة من عدم

ص: 110


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب التيمم الحديث 2.
2- الحج: 78.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1.

مشروعية التيمم عند ضيق الوقت قابل للمناقشة.

قال في المدارك: «لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتي ضاق الوقت عن الطهارة المائية و الاداء فهل يتطهر و يقضي أو يتيمم و يؤدي؟ فيه قولان، أظهرهما الأوّل... لان الصلاة واجب مشروط بالطهارة، و التيمم انما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء، و الحال ان المكلف واجد للماء متمكن من استعماله غاية الأمر ان الوقت لا يتسع لذلك، و لم يثبت كون ذلك مسوّغا للتيمم»(1).

و محل كلامه و ان كان خاصا بغير المقام الا ان تعليله يدل علي مخالفته في المقام أيضا.

7 - و اما وجوب التيمم عند المزاحمة

فلأن الأمر بالأهم معجّز مولوي عن المهم فيصدق معه عدم الوجدان بمعني عدم التمكّن.

8 - و اما القول بصحة الوضوء في حق من يجب عليه التيمم - لضرر

أو حرج أو مزاحمة - إذا صدر منه غفلة أو جهلا

فلان المانع من فعلية الأمر بالوضوء ليس إلاّ فعلية التكليف المقابل و المفروض سقوطه بالجهل و الغفلة.

و دليل نفي الحرج و الضرر حيث انه امتناني فيلزم ان لا يشمل المقام - لأنّه يؤدي إلي بطلان الوضوء و هو خلاف المنة - و مع عدم شموله فلا موجب للبطلان.

9 - و امّا اعتبار عدم الحرمة واقعا - كالأرمد الذي يضره الماء ضررا بالغا

ص: 111


1- مدارك الاحكام 185:2.

فلان المحرم لا يقع مصداقا للواجب، و إلاّ يلزم اجتماع الضدّين.

10 - و اما القول بالصحة في الفرع الأخير

فللأمر النفسي الاستحبابي - بناء علي ثبوته - بعد وضوح عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه.

أحكام خاصّة بالتيمم
اشارة

لا يجوز التيمم لصلاة قبل دخول وقتها، و يجوز بعده حتي مع سعته بشرط اليأس من التمكّن.

و من تيمم لصلاة لعذر و دخل وقت اخري جازت المبادرة إليها و لكنه يعيدها مع ارتفاعه في أثنائه.

و لا يجوز إراقة ماء الوضوء أو الغسل و لا إبطالهما بعد دخول الوقت. و من فعل ذلك انتقلت وظيفته الي التيمم و يجوز ذلك قبل دخوله.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم الصحة قبل الوقت

فللقصور في دليل المشروعية فان آية التيمم دلّت علي مشروعيته عند القيام للصلاة الذي هو عبارة اخري عن دخول الوقت. و انما جاز الوضوء و الغسل قبل الوقت باعتبار طلبهما النفسي. و إذا أنكر الاستحباب النفسي للوضوء و قيل باختصاصه بالغسل فبالامكان تصحيحه من باب التهيؤ لانعقاد سيرة المتشرّعة علي الوضوء قبل الوقت تهيّؤا لإقامة الجماعة أوّل الوقت، و السيرة المذكورة مفقودة في التيمم.

2 - و اما الجواز بعد الوقت مع اليأس

فلان عدم جواز البدار - بناء

ص: 112

علي استفادته من الروايات - ليس إلاّ من جهة احتمال الحصول علي الماء المفقود مع اليأس.

3 - و اما جواز المبادرة للصلاة مع التيمم لسابقة

فلفرض وقوعه صحيحا. و احتمال الوجدان بعد ذلك منفي بالاستصحاب الاستقبالي.

4 - و اما وجوب الإعادة مع الارتفاع في أثنائه

فلعدم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء عن الأمر الواقعي.

5 - و اما حرمة الإراقة و الإبطال بعد الوقت

فلكون ذلك تعجيزا بسوء الاختيار عن امتثال الواجب الفعلي.

6 - و اما وجوب التيمم مع العصيان

فلتحقق موضوعه.

7 - و اما جواز ذلك قبل الوقت

فلان الصلاة بالنسبة للوقت واجب مشروط لا معلّق.

6 - النجاسات
النجاسات عشر:
البول و الغائط
اشارة

و هما نجسان من كل حيوان محرم الأكل ذي نفس سائلة إلاّ بول الطائر و ذرقه.

و مع الشك في القيدين يحكم بطهارتهما.

و المستند في ذلك:

1 - اما الحصر في العشر

فللاستقراء.

ص: 113

2 - و اما نجاستهما في الجملة

فهي من الامور التي لم يقع فيها خلاف.

و تدل عليها روايات متعدّدة كصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:

«سألته عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرّتين»(1) ، و مفهوم موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»(2).

3 - و اما اعتبار حرمة الأكل في الحكم بالنجاسة

فللمفهوم المتقدّم. و اما اعتبار النفس السائلة فلموثقة الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس»(3) بتقريب ان الموت قد يستلزم التفسخ و خروج ما في الجوف من بول و خرء و بالرغم من ذلك حكم عليه السّلام بطهارة المائع بدون تقييد.

4 - و اما استثناء الطائر

فلصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله و خرئه»(4).

و إذا قلت: انه لا بدّ من تقييد الصحيحة بما إذا كان الطائر مأكول اللحم لصحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(5) فانهما متعارضان بالعموم من وجه، و لا وجه لتقديم إطلاق الاولي علي إطلاق الثانية. بل يلزم تساقطهما في

ص: 114


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 12.
3- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب النجاسات الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب النجاسات الحديث 1.
5- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 2.

مادة المعارضة و هي الطائر غير مأكول اللحم. و يرجع آنذاك الي اطلاقات نجاسة البول كصحيح ابن مسلم المتقدّم.

قلت: ان لازم ما ذكر الغاء خصوصية الطائر من الاعتبار، و كلّما دار الأمر بين إطلاقين يلزم من تقديم أحدهما إلغاء خصوصية العنوان المأخوذ في الآخر عن الاعتبار بخلاف تقديم الآخر قدم الآخر.

5 - و اما الحكم بالطهارة عند الشك في كون الحيوان ذا نفس

فلاستصحاب العدم الأزلي لكون الحيوان ذا نفس. و بقطع النظر عنه يجري استصحاب العدم الأزلي للنجاسة الثابت قبل صيرورة الشيء المشكوك فضلة. و علي تقدير عدم التسليم بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية يمكن التمسّك بقاعدة الطهارة بناء علي جريانها عند الشك في النجاسة الذاتية.

6 - و اما الحكم بالطهارة عند الشك في حرمة أكل الحيوان

فللوجوه المتقدّمة نفسها.

المني و الميتة
اشارة

و هما نجسان من ذي النفس. و المقطوع من الحي بمنزلة الميتة - إلاّ مثل البثور و نحوها - و هكذا المقطوع من الميتة إلاّ ما لا تحله الحياة من ميتة طاهر العين. و المراد بالميتة غير المذكي شرعا. و المأخوذ من سوق أو يد المسلمين مع الشك في التذكية محكوم بالحل و الطهارة بخلاف المأخوذ من الكافر، فانه مع عدم احتمالها محكوم بالنجاسة و الحرمة، و مع احتمالها حكم المشهور بذلك أيضا. و قيل بطهارته دون حل الأكل و الصلاة.

ص: 115

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي نجاسة المني إذا كان من الإنسان

فللتسالم، و قضاء الضرورة، و دلالة الأخبار الكثيرة، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «المني يصيب الثوب، قال: ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كلّه»(1).

و ما دل علي الطهارة كصحيحة زرارة: «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفّف فيه من غسله، فقال: نعم لا بأس به إلاّ ان تكون النطفة فيه رطبة فان كانت جافة فلا بأس»(2). لا بدّ من تأويله علي وجه لا ينافي النجاسة أو يحمل علي التقية أو يطرح لمخالفته للضرورة.

و اما إذا كان من غير الإنسان فلصحيحة محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام:

«ذكر المني و شدده و جعله أشدّ من البول»(3). فان اللام في المني و البول للجنس، و حيث ان البول من المحرم ذي النفس نجس فالمني كذلك.

و لا يصحّ التمسّك بصحيحة ابن مسلم الاولي لمكان التعبير بالاصابة المنصرف إلي مني الإنسان.

2 - و امّا نجاسة مني ذي النفس إذ كان محللا

فللإجماع و إلاّ فمقتضي عموم موثقة ابن بكير: «... فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شيء منه جائز...»(4) طهارته للعموم.

ص: 116


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 1.
3 - و اما طهارة مني ما لا نفس له

فلقصور أدلّة النجاسة عن شموله بل و للدليل علي طهارته، و هو موثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام: «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة»(1) فان اطلاقه يشمل المني، بل حتي بناء علي اختصاصه بالميتة يمكن الاستدلال به بعد اطلاقه لحالة التفسّخ و اختلاط المني بالماء. و هي من حيث السند موثقة، بناء علي وثاقة مشايخ الإجازة الذين منهم أحمد.

4 - و اما نجاسة الميتة بالقيد المذكور

فذلك متسالم عليه و قد دلّت عليه روايات كثيرة - يمكن دعوي تواترها الإجمالي بل لم يرد في الأعيان النجسة ما ورد في الميتة - كصحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فان كان جامدا فألقها و ما يليها، و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به»(2).

و اما ما دل علي الطهارة من قبيل ما رواه الصدوق مرسلا، عن الصادق عليه السّلام: «سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما تري فيه؟ فقال: لا بأس...»(3) ، فيكفي في ردّه الإرسال.

و من الغريب ان صاحب المدارك نسب القول بالطهارة الي الصدوق باعتبار انه روي في كتابه بعض الأخبار الدالّة علي الطهارة، و قد التزم في المقدّمة ان لا يورد إلاّ ما يفتي به و يحكم بصحته(4).

ص: 117


1- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب النجاسات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث 5.
4- مدارك الاحكام 268:2-269.

إذ فيه: انه روي أخبار النجاسة أيضا و هل يمكن فتواه بالمتناقضين.

5 - و اما طهارة ميتة ما لا نفس له

فلأصالة الطهارة بعد القصور في مقتضي النجاسة مضافا الي موثقة الساباطي المتقدّمة في البول و الغائط الدالّة علي الطهارة في المقام.

6 - و اما ان المقطوع من الحي بمنزلة الميتة

فلموثقة عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت»(1).

7 - و اما استثناء البثور و نحوها

فللقصور في المقتضي، حيث لا يصدق عليها عنوان الميتة أو ما أخذت الحبالة.

8 - و اما ان المقطوع من الميت نجس

فلان الحكم بنجاسة شيء يفهم منه عرفا نجاسة أجزائه لعدم دخالة الهيئة التركيبية في ذلك.

9 - و اما استثناء ما لا تحلّه الحياة

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح»(2) فانها بمقتضي عموم التعليل تشمل غير الصوف أيضا.

10 - و اما تفسير الميتة بما ذكر و عدم اختصاصها بما مات حتف

أنفه

فلموثقة سماعة: «إذا رميت و سميت فانتفع بجلده. و اما الميتة فلا»(3) ، فانها تدل علي ذلك بالمقابلة.

ص: 118


1- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب الصيد الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 68 من أبواب النجاسات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 49 من أبواب النجاسات الحديث 2.
11 - و اما الحكم بالحل و الطهارة علي المأخوذ من سوق

المسلمين

فلكونه امارة - و هي مقدّمة علي الأصل - بمقتضي صحيحة فضيل و زرارة و محمّد بن مسلم انهم «سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدري ما يصنع القصّابون، فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه»(1). هذا مضافا الي السيرة القطعية للمتشرعة علي عدم الفحص عند الشراء من سوق المسلمين.

12 - و اما الحكم بذلك علي المأخوذ من يد المسلم أيضا

فلان سوق المسلمين بعنوانه و بما هو محلات متعددة لا مدخلية له في الحكم بالحل بل هو حجّة من باب كاشفيته عن يد المسلم فالمدار - علي هذا - علي يد المسلم دون السوق.

13 - و اما عدم الحكم بذلك عند الأخذ من الكافر مع عدم احتمالها

فواضح للجزم بكونه ميتة. و اما مع احتمالها فلأصالة عدم التذكية المنقح لموضوع النجاسة و الحرمة و الحاكمة علي أصالة الحل و الطهارة لكونها أصلا سببيّا.

14 - و اما وجه الرأي الآخر فهو ان موضوع النجاسة عنوان

الميتة الذي هو وجودي

- لأنها عبارة عمّا زهقت روحه بسبب غير شرعي - بخلاف حرمة الأكل و الصلاة، فان موضوعها عدم التذكية، فبأصالة عدم التذكية تثبت الحرمة دون النجاسة إذ باستصحاب الأمر العدمي لا يثبت الأمر الوجودي إلاّ بناء علي حجيّة الأصل المثبت.

اما ان موضوع حرمة الأكل عدم التذكية فلقوله تعالي: حُرِّمَتْ

ص: 119


1- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب الذبائح الحديث 1.

عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ ... وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (1).

و اما ان موضوع حرمة الصلاة ذلك أيضا فلقوله عليه السّلام في موثقة ابن بكير: «فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله... إذا علمت انه ذكي»(2).

و اما ان موضوع النجاسة هو الميتة فلعدم الدليل علي ترتبها علي غير المذكي و يكفي ذلك لإجراء أصالة الطهارة عند الشك في التذكية.

و تحقيق الحال أكثر يحتاج إلي مستوي أعلي من البحث.

الدم
اشارة

و هو نجس من ذي النفس. و مع الشك في القيد يحكم بطهارته. و الدم في البيضة و المتخلّف في الذبيحة طاهر. و الخارج بالحك مع الشك في دميته كذلك. و هكذا المشكوك من جهة الظلمة. و لا يجب الاستعلام و ان أمكن بسهولة.

و المستند في ذلك:

1 - اما نجاسة الدم

في الجملة فللتسالم بين المسلمين بل هو من ضروريات الإسلام، و للروايات الكثيرة الواردة في موارد خاصة كقلع السن، و دم الرعاف، و دم الجروح.

و من هنا يشكل الحصول علي عموم يقضي بنجاسة طبيعي الدم.

اللهم إلاّ ان يتمسّك بالارتكاز القاضي بالموجبة الكليّة أو بإطلاق موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال: كلّ ما

ص: 120


1- المائدة: 3.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.

أكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب... إلاّ ان تري في منقاره دما، فان رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه و لا تشرب»(1).

2 - و اما طهارته من غير ذي النفس

فيكفي لإثباتها القصور في مقتضي النجاسة بناء علي عدم تمامية العموم و إلاّ أمكن التمسّك بموثقة حفص بن غياث بالتقريب المتقدّم عند البحث عن طهارة مني غير ذي النفس.

3 - و اما الحكم بالطهارة مع الشك في القيد

فلأصالة عدم كون الحيوان ذا نفس - لو كان الشك في ان له نفسا أو لا - أو لأصالة عدم كونه من الشاة مثلا - لو كان الشك في حاله و انه من الشاة أو السمك - بناء علي جريان الأصل في الاعدام الأزلية، و بناء علي عدمه يتمسك بأصالة الطهارة بناء علي جريانها عند الشك في النجاسة الذاتية كما هو المعروف.

بل المناسب التمسك باصالة الطهارة حتي علي تقدير التسليم بجريان الاستصحاب في الاعدام الازلية لان جريانه لا يثبت الطهارة - بناء علي ان طهارة دم ما لا نفس له هو من باب القصور في المقتضي - من دون التمسك باصالة الطهارة، و مع التمسك بها تكون هي المستند للحكم بالطهارة بلا حاجة إلي ضم غيرها إليها.

4 - و اما الحكم بطهارة دم البيضة

فلأصالة الطهارة بعد قصور الارتكاز و اطلاق موثقة عمار عن الشمول لذلك. هكذا يمكن ان يقال.

و المسألة محل خلاف.

ص: 121


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث 4.
5 - و اما الحكم بطهارة المتخلّف

فهو متسالم عليه و تقتضيه اصالة الطهارة بناء علي عدم العموم في دليل نجاسة الدم. و مع التسليم بوجوده يمكن التمسك بسيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام علي عدم تطهير الملابس و نحوها الملاقية للدم المتخلّف.

و الحكم علي الدم بالطهارة في هذين الموردين لا ينافي حرمة تناوله لإطلاق قوله تعالي: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ... (1).

6 - و اما الحكم بالطهارة علي الخارج بالحك مع الشك

فلأصالة عدم كونه دما بنحو العدم الأزلي. و مع عدم التسليم به يمكن التمسّك بأصالة الطهارة بناء علي جريانها عند الشك في النجاسة الذاتية.

7 - و اما الحكم بالطهارة علي المشكوك لظلمة

فلذلك أيضا.

8 - و اما عدم وجوب الاستعلام

فلكون الشبهة موضوعية. و قد اتفق علي عدم لزوم الفحص فيها.

و في صحيحة زرارة الثانية: «... فهل عليّ إن شككت في انه اصابه شيء ان أنظر فيه؟ فقال: لا و لكنّك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك...»(2) ، و لا خصوصية للمورد.

الخمر و النبيذ المسكر و الفقاع
اشارة

الثلاثة المذكورة محكومة بالنجاسة لدي المشهور. و قيل بنجاسة كلّ مسكر مائع.

و العصير العنبي يحرم بالغليان قبل ذهاب ثلثيه و لكنه لا ينجس.

ص: 122


1- البقرة: 173.
2- وسائل الشيعة الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث 1.

و اما العصير الزبيبي و التمري فلا يحرم بذلك فضلا عن تنجسه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الخمر فقد اختلف في طهارته و نجاسته

تبعا لاختلاف دلالة الروايات الكثيرة علي الطهارة و النجاسة.

مثال الأوّل: صحيحة الحناط: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال: لا بأس»(1).

و مثال الثاني: موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس... و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال:

تغسله ثلاث مرّات...»(2).

و في مقام الجمع يقال: بما ان الاولي صريحة في الطهارة بخلاف الثانية فلا بدّ من تأويل الثانية اما بحملها علي الاستحباب أو علي ان الغسل ليس من جهة النجاسة أو علي غير ذلك.

و اذا انكرت عرفية الجمع المذكور فلربّما يقال بلزوم تقديم أخبار النجاسة لصحيحة علي بن مهزيار: «قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد إلي أبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك روي زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس بأن تصلّي فيه انّما حرّم شربها، و روي عن غير زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال:

إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله ان عرفت موضعه، و ان لم تعرف موضعه فاغسله كلّه و ان صلّيت فيه فأعد صلاتك

ص: 123


1- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب النجاسات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب النجاسات الحديث 1.

فاعلمني ما آخذ به فوقع عليه السّلام بخطه و قرأته: خذ بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام»(1) بدعوي ان الامام عليه السّلام قدم اخبار النجاسة بعد نظره إلي كلتا الطائفتين المتعارضتين.

و فيه: لعل تقديم قول أبي عبد اللّه عليه السّلام من باب أرجحية التنزه عن الثوب الذي أصابه خمر و ليس من باب تنجس الثوب.

و إذا قيل: لم لا نقدّم أخبار النجاسة لموافقتها للكتاب الكريم:

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (2) أو مخالفتها للعامة علي مستوي عمل سلاطينهم.

كان الجواب: لم يثبت كون الرجس بمعني النجس. و تبرير عمل السلاطين بعد فتوي علمائهم بالنجاسة لا معني له.

و باستحكام التعارض و التساقط يرجع إلي قاعدة الطهارة. و بذلك نصل إلي نتيجة الجمع العرفي نفسها و ان كان الاحتياط مناسبا.

2 - و اما النبيذ و المسكر المائع

فلا إشكال في حرمته لصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام: «ان اللّه عزّ و جلّ لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(3). و انما الاشكال في نجاسته. و بعد ان عرفنا عدم ثبوتها للخمر فأولي ان لا تكون ثابتة لغيره.

3 - و اما الفقاع

فهو اما خمر حقيقة ذو اسكار ضعيف أو خمر تنزيلا لمكاتبة ابن فضال: «كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن الفقاع

ص: 124


1- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 2.
2- المائدة: 90.
3- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1.

فقال: هو الخمر و فيه حدّ شارب الخمر»(1). و لا أقل لا نحتمل ان حكمه أشدّ من الخمر.

4 - و اما العصير العنبي

فلا إشكال في حرمته بالغليان قبل ذهاب ثلثيه و لا خلاف في ذلك لصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«كل عصير أصابته النار فهو حرام حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه»(2).

و انما الاشكال في نجاسته فان الحرمة لا تلازمها، كما ان صيرورته مسكرا - علي تقدير تسليمها - لا يلازمها لما تقدّم.

و قد يستدلّ علي ذلك بصحيحة معاوية بن عمار بنقل التهذيب:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ علي الثلث و انا أعرفه انّه يشربه علي النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه علي النصف؟ فقال: خمر لا تشربه. قلت:

فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه علي الثلث و لا يستحله علي النصف يخبرنا ان عنده بختجا علي الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه قال: نعم»(3) فان البختج هو العصير المطبوخ علي ما ذكر في الوافي(4). و إطلاق تنزيله منزلة الخمر يقتضي ترتيب جميع آثاره - التي منها النجاسة - عليه.

و يرده: انه بناء علي نجاسة الخمر لم يثبت ان البختج مطلق العصير المطبوخ، و لعلّه حصة خاصة منه، و هو ما استمر به الغليان

ص: 125


1- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1.
3- تهذيب الاحكام 122:9 رقم 526.
4- الوافي 654:20.

حتي صار ثخينا المعبر عنه في الفارسية ب «رب»، و معلوم ان تنزيل هذه الحصة منزلة الخمر - من جهة احتمال اسكارها قبل ذهاب الثلثين - لا يستلزم تطبيق أحكام الخمر علي مطلق العصير المطبوخ.

علي ان الاطلاق في التنزيل غير ثابت، و لعلّه بلحاظ خصوص حرمة التناول بقرينة التعقيب بجملة «لا تشربه».

و مع التنزل لم يثبت وجود لفظة «الخمر» في الحديث فان الكليني(1) لم يذكرها بل ان صاحب الوسائل(2) و الوافي(3) نقلاها عن الشيخ بدونها.

و اصالة عدم الزيادة في جانب الشيخ لا تتقدّم علي أصالة عدم النقيصة في جانب الكليني بعد أضبطية الثاني و اختلاف النقل عن الشيخ.

و عليه فلا دليل علي النجاسة بل الدليل علي الطهارة ثابت و هو الاستصحاب، فانه جار حتي بناء علي عدم جريانه في الشبهات الحكمية الكلية - للمعارضة باصالة عدم الجعل الزائد - لاختصاص ذلك بالاحكام الالزامية دون الترخيصية لعدم حاجتها إلي جعل.

و بقطع النظر عن الاستصحاب تجري أصالة الطهارة بناء علي ما هو المعروف من جريانها في موارد الشك في النجاسة الذاتية.

5 - و اما العصير الزبيبي

فلا إشكال في طهارته لعدم ما يوجب احتمال العدم و انما الاشكال في حرمته. و أخبار حرمة العصير

ص: 126


1- الكافي 421:6.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4.
3- الوافي 655:20.

بالغليان لا يمكن التمسّك بها لعدم صدق العصير عليه كما هو واضح.

و الرواية المنقولة عن أصل زيد النرسي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الزبيب يدق و يلقي في القدر ثم يصب عليه الماء و يوقد تحته فقال لا تأكله حتي يذهب الثلثان...»(1) لا يمكن الاعتماد عليها لعدم توثيق زيد، و لم تثبت صحّة نسبة الأصل المتداول إليه لعدم الطريق المعتبر.

و اما استصحاب الحرمة الثابتة قبل الجفاف فلا يجري لاختلاف الموضوع، فان موضوع الحرمة السابقة هو العصير و هو غير صادق علي الزبيب.

هذا مضافا الي انه تعليقي و هو لا يجري اما لمعارضته باستصحاب الحكم التنجيزي، أو لان استصحاب الحكم المشروط لا يثبت فعليته إلاّ بنحو الأصل المثبت، أو لان الجعل لا شك في بقائه فلا معني لاستصحابه و المجعول لا يقين بحدوثه و الحكم بنحو القضية الشرطية أمر انتزاعي.

و عليه فالمناسب الحكم بحليته اما للاستصحاب أو لقاعدة الحلية.

6 - و اما العصير التمري

فلا موجب لاحتمال حرمته إلاّ روايات العصير، و هي غير صادقة عليه كما هو واضح.

الكافر
اشارة

الحكم بنجاسة الكتابي هو المشهور. و بالأولي بالنسبة لغيره.

ص: 127


1- مستدرك وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة.

و المستند في ذلك:

1 - اما نجاسة الكتابي

فقد ذهب إليها المشهور بل كاد يكون ذلك إجماعا. و الروايات في ذلك مختلفة و هي في كلا الجانبين كثيرة.

مثال روايات النجاسة: صحيحة سعيد الأعرج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر اليهودي و النصراني فقال: لا»(1).

و مثال روايات الطهارة: صحيحة العيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال: إذا كان من طعامك و توضأ فلا بأس»(2).

و يمكن الجمع بان روايات النجاسة لا تدل علي اثبات النجاسة الذاتية بل علي النجاسة العرضية الحاصلة بملاقاة النجاسات كالخنزير و نحوه. أو بتعبير آخر كأنها تريد ان تقول: ان أصالة الطهارة لا تجري في حق الكتابي بل المسلم فقط، و من هنا قالت الصحيحة الثانية: «إذا كان من طعامك و توضأ فلا بأس».

و هذا أولي من حمل الأخبار الاولي علي الكراهة. كما انه أولي من دعوي ترجيحها لموافقتها الكتاب الكريم: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ... (3)

بدعوي ان أهل الكتاب مشركون لأنهم يقولون بالتثليث. و هو أولي أيضا من حمل الأخبار الثانية علي التقية.

اما أولويته من الأوّل فلانه لا تصل النوبة إليه بعد الجمع الذي ذكرناه.

ص: 128


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 54 من أبواب النجاسات الحديث 1.
3- التوبة: 28.

و اما أولويته من الثاني و الثالث فلان الترجيح بما ذكر فرع المعارضة و المفروض عدمها.

2 - و اما غير الكتابي فنجاسته كادت تكون متسالما عليها.

و قد يستدل عليه بالآية المتقدّمة. بيد ان الاشكال واضح حيث لم يثبت ان نجس - بفتح الجيم - بمعني نجس بكسرها، و لا يبعد كون المقصود النجاسة المعنوية خصوصا ان التفريع يناسب ذلك.

أجل يستثني من ذلك الناصبي لموثقة عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و إيّاك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم فان اللّه تبارك و تعالي لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه»(1).

و يبقي الاحتياط تحفظا من التسالم المدعي في المسألة أمرا لازما.

بقيّة النجاسات
اشارة

و من النجاسات الكلب و الخنزير البريّان.

و اما عرق الجنب من حرام فقيل بنجاسته أو بحرمة الصلاة فيه.

و المستند في ذلك:

1 - اما نجاسة الكلب و الخنزير البريّين

فمتسالم عليها. و دلّت علي ذلك مجموعة من الروايات.

ص: 129


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 5.

مثالها في الكلب: الموثقة المتقدّمة في الناصبي.

و مثالها في الخنزير: صحيحة علي بن جعفر: «... و سألته عن خنزير يشرب من اناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرّات»(1).

و الروايات التي ظاهرها المعارضة لا بدّ من توجيهها بشكل و آخر.

2 - و اما التخصيص بالبريين

فلان لفظ «الكلب» و «الخنزير» حقيقة في البريين، و اطلاقهما علي البحريين مجاز للمشابهة. و مع التسليم بالوضع للأعم فيمكن دعوي الانصراف، بل ورد في صحيحة ابن الحجّاج: «سأل أبا عبد اللّه رجل و أنا عنده عن جلود الخز فقال: ليس بها بأس. فقال الرجل: جعلت فداك انها علاجي في بلادي و انما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس»(2) ، و بعموم التعليل يتعدّي الي الخنزير.

3 - و اما عرق الجنب من حرام

فقد دلّت بعض الروايات علي نجاسته أو عدم جواز الصلاة فيه لكنها جميعا ضعيفة، ففي حديث علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه السّلام: «لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فانه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم»(3). لكنها ضعيفة سندا بالإرسال و دلالة لعدم فرض العرق فانها ناظرة الي بدن الزاني و تقتضي نجاسته.

ص: 130


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 3.

و في رواية الفقه الرضوي: «ان عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه و ان كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتي يغسل»(1) لكن الكتاب المذكور لم تثبت نسبته الي الامام الرضا عليه السّلام.

و عليه فمقتضي أصالة الطهارة و البراءة من تقيد الصلاة بعدمه طهارته و جواز الصلاة معه.

بعض أحكام النجاسة
اشارة

يشترط في حصول التنجس الرطوبة المسرية، و إذا لاقت النجاسة الجسم الغليظ اختصت بالموضع.

و في تنجيس المتنجس كلام طويل.

و تناول النجس محرم دون غيره مما لا يشترط فيه الطهارة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اشتراط الرطوبة في حصول التنجس بالرغم من اطلاق

بعض الأدلّة

كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل. قال: تغسل المكان الذي أصابه»(2) - فللارتكاز العرفي الذي يعد بمنزلة القرينة المتصلة، و لموثق ابن بكير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط. قال: كل شيء يابس زكي»(3) و غيره. علي

ص: 131


1- الفقه الرضوي: 4 السطر 18.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب النجاسات الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 5.

ان التعبير بالغسل نفسه يرشد إلي ذلك لأنه عبارة عن إزالة الأثر.

2 - و اما اعتبار السراية في الرطوبة فللارتكاز نفسه

، علي انه يلزم في المكان الكبير الرطب ان النجاسة إذا أصابت نقطة في شماله تنجس جنوبه و جميع بقاعه و هو بعيد.

3 - و اما اختصاص التنجس بموضع الملاقاة في الجسم الغليظ

فللارتكاز المتقدّم و روايات عديدة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

«إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها و ما يليها و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به. و الزيت مثل ذلك»(1) و غيرها.

4 - و اما مسألة تنجيس المتنجس
اشارة

فقد وقع الكلام فيها في ان المنجسية هل هي من اللوازم الخاصّة بأعيان النجاسة أو تعمّ المتنجسات؟ و علي الثاني هل هي ثابتة للمتنجس و لو بالوسائط أو لخصوص المتنجس بلا واسطة بعد الالتفات الي انحصار محل الكلام بالمتنجس غير المشتمل علي عين النجاسة و إلاّ فهو منجّس بلا إشكال.

و قد استدل لكل من القولين بأدلّة متعددة نشير إلي بعضها:

أدلّة تنجيس المتنجس
اشارة

القول بالتنجيس بشكل مطلق هو المشهور بل ادعي عليه الإجماع، و يمكن الاستدلال له بما يلي:

ص: 132


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب المضاف الحديث 1.
الأوّل: التمسّك بما دلّ علي لزوم غسل الإناء الذي شرب منه الكلب

(1) بتقريب ان الماء المتنجس بولوغ الكلب لو لم ينجس فلما ذا يلزم غسل الاناء؟ بعد الالتفات الي ان الكلب لا يصيب بفمه أو لسانه الإناء عادة.

الثاني: التمسّك بما دلّ علي وجوب التعدّد في غسل الإناء

المتنجس

(2) بتقريب انه لا حاجة الي غير الغسلة الاولي بعد زوال عين النجاسة بها سوي كونه منجسا لما يوضع فيه.

الثالث: التمسّك بما دلّ علي عدم جواز الشرب أو الوضوء من

الماء القليل الذي لاقته يد قذرة

(3) - بعد وضوح صدق عنوان اليد القذرة علي المتنجسة - فانه لا وجه لذلك سوي تنجس الماء باليد المتنجسة.

الرابع: ما دلّ علي عدم جواز جعل الخل في الدن المتنجس بالخمر

إلاّ إذا غسل(4) فانه لا وجه للزوم غسل الدن إلاّ تنجيسه لما يوضع فيه.

أدلّة عدم تنجيس المتنجس
الأوّل: التمسّك بصحيحة حكم بن حكيم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أبول فلا اصيب الماء و قد أصاب يدي شيء من البول فامسحه بالحائط و بالتراب ثم تعرق يدي فأمس بها وجهي أو بعض جسدي أو يصيب

ص: 133


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب النجاسات الحديث 3.
2- و تأتي الأدلّة علي ذلك عند البحث عن كيفية تطهير الإناء.
3- كصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر. وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 7.
4- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب النجاسات الحديث 1.

ثوبي قال: لا بأس به»(1) فانه لا وجه لنفي البأس إلاّ عدم تنجيس المتنجس.

و قد يناقش باحتمال ان يكون ذلك من جهة عدم الجزم باصابة الجسد أو الثوب للموضع النجس المتعرق فتجري أصالة الطهارة.

الثاني: التمسّك بصحيحة حفص الأعور

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل؟ قال: نعم»(2).

و فيه: انها إذا كانت قابلة للتقييد بما دلّ علي وجوب الغسل فبها و إلاّ كانت معارضة فلا يصح التمسّك بها.

الثالث: ما ذكره الشيخ الهمداني

من ان لازم تنجيس المتنجس تنجس جميع البلد الواحد فان الحليب المجلوب من القري يعلم عادة بتنجس بعضه نتيجة عدم المبالاة بمسائل الطهارة و النجاسة، و بصنع الاجبان منه و غيرها و أكل البعض منه سوف يتنجس الفم و اليد و الثياب، و بالاختلاط بآخرين سوف تنتقل النجاسة اليهم أيضا و يلزم و من ثمّ تنجس كل البلد و افراده.

و الشيء نفسه يأتي في ماء السبيل الذي يشرب منه بعض الأطفال غير المبالين فانهم سوف ينقلون النجاسة بالشكل المذكور.

و الأمثلة لذلك كثيرة. و هذا يعني لغوية تشريع الحكم بوجوب اجتناب المتنجس لعدم امكان امتثاله.

بل بقطع النظر عن هذا يلزم وجوب اجتناب جميع الأبنية لان أدوات البناء قد تنجّست يوما و لو بسبب استعمالها في بناء كنيف و لم

ص: 134


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب النجاسات الحديث 2.

تجر العادة علي تطهيرها لدي كل بناء، و من اجتنبها عدّ موسوسا(1).

و ما افيد وجيه بناء علي تنجيس المتنجس و لو بالوسائط، اما بناء علي اشتراط التنجيس بعدم الواسطة أو بواسطة واحدة فلا يتم ما ذكر.

ثم انه من خلال هذا العرض الموجز لبعض أدلّة الطرفين اتضح ان المناسب الأخذ بأدلّة التنجيس. و بمراجعتها نلاحظ ان موردها ما إذا كان المتنجس مائعا أو جامدا و لكن الملاقي له مائع، و معه فالثوب المتنجس مثلا لا ينجّس اليد أو الثوب الآخر.

كما ان موردها المتنجس بواسطة أو واسطتين و لا تعمّ غيره.

و أيضا موردها ما إذا كان المتنجس ماء و التعدّي إلي سائر المائعات يحتاج إلي ضم الإجماع علي عدم الفصل لو تم.

5 - و اما عدم جواز تناول النجس

فهو متسالم عليه بل من الضروريات، و تدلّ عليه صحيحة البزنطي: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة. قال: يكفئ الإناء»(2) و غيرها من الروايات الكثيرة.

6 - و اما عدم جواز بقيّة التصرّفات ممّا هو مشروط بالطهارة

فلفرض اشتراطها بالطهارة.

و إذا قيل: ان رواية تحف العقول: «أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام و محرّم لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلّب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام»(3) دلّت

ص: 135


1- مصباح الفقيه، كتاب الطهارة: 579.
2- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

علي حرمة جميع التصرّفات.

كان الجواب: هي ضعيفة السند و ذات متن ركيك. مضافا الي دلالة الروايات الكثيرة علي جواز الانتفاع بالنجس في بعض المجالات كرواية أليات الغنم المقطوعة منها و هي أحياء لإذابتها و الاسراج بها(1).

أحكام أخري للنجاسة
اشارة

و ما يجلب من الأدوية و الأدهان و نحوهما ممّا لا يعتبر في حلّيته التذكية محكوم بالطهارة.

و المشتبه بالنجس يجب اجتنابه.

و الملاقي لطرف الشبهة محكوم بالطهارة لدي المشهور.

و المستند في ذلك:

1 - اما الحكم بالطهارة في الأدوية و نحوها

فلأصالة الطهارة.

و يمكن استفادة ذلك أيضا من روايات متعددة كصحيحة عبد اللّه بن سنان: «سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر اني اعير الذميّ ثوبي و أنا أعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فأغسله قبل ان أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ و لا تغسله من أجل ذلك فانك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجّسه فلا بأس ان تصلّي فيه حتي تستيقن انه نجّسه»(2) و غيرها.

2 - و اما عدم الحكم بالطهارة فيما يشترط في حليته التذكية

فلأصالة عدم التذكية الحاكمة علي أصالة الطهارة. أجل ذلك يتم علي

ص: 136


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 74 من أبواب النجاسات الحديث 1.

مسلك المشهور و اما علي المسلك الآخر فيحكم بالطهارة دون الحل.

3 - و اما ان المشتبه يجب اجتنابه

فلتعارض أصليّ الطهارة الموجب لمنجزية العلم الإجمالي أو للعلم الإجمالي نفسه علي الخلاف بين المسلكين في منجزية العلم الإجمالي.

و تدل علي ذلك أيضا موثقة سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل معه اناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو و ليس يقدر علي ماء غيره. قال: يهريقهما جميعا و يتيمم»(1).

4 - و اما حكم المشهور بطهارة الملاقي فلجريان أصالة الطهارة
اشارة

فيه بلا معارض.

اما كيف ذلك و الحال انه يتشكل بعد الملاقاة علم إجمالي جديد اما بنجاسته أو نجاسة طرف الملاقي؟

أجيب عن ذلك
اشارة

بعدّة أجوبة:

الأوّل: ما أفاده الشيخ الأعظم

من ان تنجيز العلم الإجمالي فرع تعارض الاصول في أطرافه، و هي ليست متعارضة في العلم الثاني لان أصل الطهارة في الملاقي حاكم علي أصل الطهارة في الملاقي فتقع المعارضة بين الأصل في الملاقي و الأصل في طرفه، و بعد التساقط تصل النوبة الي الأصل في الملاقي بلا معارض.

و انما اختصت المعارضة بالأصلين الأوّلين لأنهما في رتبة واحدة، و المعارضة لا تدخل فيها إلاّ الاصول ذوات الرتبة الواحدة(2).

اما لما ذا تختص المعارضة بذلك؟ يحتاج ذلك الي مستوي أعلي من البحث.

ص: 137


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 2.
2- فرائد الاصول 33:2، طبعة دار الاعتصام.
الثاني: ما أفاده الشيخ العراقي

من ان العلم الثاني ليس بمنجز لتنجز أحد طرفيه بمنجز سابق - و ما تنجز لا يقبل التنجز ثانية - و شرط منجزية العلم الإجمالي قابليته لتنجيز معلومه علي كل تقدير(1).

الثالث: ما ذكره جماعة

من ان الأصل في طرف الملاقي بعد ما سقط بالمعارضة الاولي فلا يدخل في معارضة جديدة مع الأصل في الملاقي لأنّ الساقط لا يعود.

مناقشة الأجوبة الثلاثة
اشارة

و كل ما ذكر قابل للمناقشة.

اما الجواب الأوّل

فلان لازم حصر المعارضة بالأصول ذوات الرتبة الواحدة ورود الشبهة الحيدرية. و حاصلها لزوم جواز شرب الملاقي دون الوضوء به لان أصلي الطهارة إذا سقطا في المعارضة الاولي تصل النوبة الي الأصلين في المرتبة الثانية ممّا يكون في رتبة واحدة، و هما أصل الطهارة في الملاقي و أصل الحل في طرف الملاقي، و بعد تعارضهما و تساقطهما تصل النوبة الي أصل الحل في الملاقي، و بذلك تثبت حلّيّة شربه دون طهارته، و مع عدم طهارته لا يجوز الوضوء به.

و هذه نتيجة غريبة لا قائل بها فان كل من قال بجواز الشرب قال بصحّة الوضوء(2).

و اما الجواب الثاني

فلان التنجز حيث انه قضية اعتبارية فلا مانع

ص: 138


1- نهاية الافكار 358:3.
2- من جملة المتعرضين إلي نقل الشبهة الحيدرية الشيخ العراقي في نهاية الافكار 362:3.

من تنجز المتنجز. و لا يلزم بذلك اجتماع المثلين المستحيل لاختصاصه بالامور التكوينية.

و اما الجواب الثالث

فلان قضية الساقط لا يعود تختص بالسقوط التكويني دون الاعتباري الذي هو عبارة اخري عن عدم شمول دليل الأصل للساقط.

و بهذا كلّه اتضح ان الاصول الثلاثة تدخل في معارضة واحدة و تتساقط، و من ثمّ لا يمكن الحكم بطهارة الملاقي.

وسائل اثبات النجاسة
اشارة

تثبت نجاسة الشيء بالعلم و اخبار ذي اليد و شهادة عدلين بل و بخبر الثقة.

و اما الطهارة فلا تحتاج إلي وسائل احراز.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت النجاسة بالعلم

فلحجيّته عقلا بل إليه تنتهي حجيّة كلّ حجّة، و لو لا حجّيّته استحال اثبات أي حقيقة.

2 - و اما ثبوتها بالثاني

فلحجّيّة اخبار ذي اليد بشكل عام اما للسيرة العقلائيّة أو لعموم التعليل الوارد في رواية حفص بن غياث لإثبات حجيّة اليد و انه «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(1) أو للروايات الخاصة، كصحيحة معاوية الواردة في الزيت الذي مات فيه جرذ و انه يبيعه و يبين ذلك للمشتري ليستصبح به(2) ، فانه لا فائدة في البيان لو لا حجيّة اخبار ذي اليد، و كموثقة ابن بكير الواردة في من أعار

ص: 139


1- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

رجلا ثوبا فصلّي فيه و هو لا يصلّي فيه و انه لا يعلمه و لو أعلمه أعاد(1) ، فانه لا وجه للإعادة لو لا حجيّة اخبار ذي اليد.

3 - و اما شهادة العدلين

و خبر الثقة فيأتي البحث عنهما في وسائل اثبات دخول الوقت تحت عنوان «أحكام خاصة بالوقت» من كتاب الصلاة.

4 - و اما عدم حاجة الطهارة إلي وسائل احراز

فلان احتمالها يكفي بعد تشريع قاعدة الطهارة.

و من الغريب ما نسب الي بعض من عدم ثبوت النجاسة إلاّ بالعلم الوجداني تمسّكا بقاعدة الطهارة المغياة بالعلم بالنجاسة(2) غفلة منه عن أخذ العلم في الغاية بنحو الطريقية - الذي لازمه قيام الامارات مقامه - دون الموضوعية.

و أغرب من ذلك ما نسب إلي بعض آخر من كفاية مطلق الظن في إثبات النجاسة(3) غفلة منه انه لا يغني من الحق شيئا.

الطهارة و الصلاة
اشارة

يشترط في صحّة الصلاة طهارة ثياب المصلّي و بدنه إلاّ فيما يأتي استثناؤه.

و الجاهل بوجود النجاسة تصحّ صلاته بخلاف الناسي فان المشهور وجوب الإعادة عليه.

ص: 140


1- وسائل الشيعة الباب 47 من أبواب النجاسات الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 244:5.
3- جواهر الكلام 168:6، و الحدائق الناضرة 244:5.

و اذا عرضت أثناء الصلاة فان أمكن إزالتها مع الحفاظ علي صورة الصلاة وجب ذلك و إلاّ استؤنفت مع السعة و لزم الاستمرار مع الضيق.

و المشهور حرمة تنجيس المساجد و وجوب المبادرة إلي تطهيرها. و هكذا المصحف الشريف و المشاهد المشرفة و التربة الحسينية.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الطهارة في ثياب المصلي

فمما لا كلام فيه. و تدل عليه الروايات الكثيرة في النجاسات المتفرّقة كصحيحة زرارة: «قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت أثره إلي ان اصيب له الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صلّيت ثم اني ذكرت بعد ذلك. قال: تعيد الصلاة و تغسله...»(1).

و اضمارها لا يضرّ بعد كون المضمر زرارة. و هي تدل علي ان الشرطية كانت من المرتكزات الواضحة لدي زرارة.

و يمكن استفادة شرطية الطهارة بعنوانها - و ان ادعي عدم وجود مثل ذلك - من صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر اني اعير الذميّ ثوبي و أنا أعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فأغسله قبل ان اصلّي فيه فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك فانك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجسه...»(2) و صحيحة العلاء الآتية.

2 - و اما اعتبارها في البدن

فهي ثابت بالأولوية، و يمكن استفادته من بعض الروايات الخاصة أيضا.

ص: 141


1- وسائل الشيعة الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 74 من أبواب النجاسات الحديث 1.
3 - و اما الصحة في حقّ الجاهل

فهي مقتضي قاعدة لا تعاد بناء علي ان المقصود من الطهور خصوص الطهارة من الحدث. و تدل علي ذلك أيضا صحيحة زرارة المتقدّمة في فقرة اخري منها: «قلت: فان ظننت انه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسله و لا تعيد...»(1) و غيرها.

4 - و اما عدم الصحة في حق الناسي

فهو المشهور. و قد دلّت عليه روايات كثيرة كصحيحة زرارة المتقدّمة و غيرها. إلاّ ان بازائها صحيحة العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسي ان يغسله فيصلّي فيه ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له»(2).

و قد يقال: ان الاولي لكثرتها تشكل سنّة قطعية فتطرح الثانية لمخالفتها لذلك فان المخالف للكتاب انما يلزم طرحه لأنه يمثّل حكم اللّه سبحانه القطعي فيلزم التعدّي الي مخالف السنّة القطعيّة أيضا.

و قد يقال أيضا: بلزوم طرح الثانية لموافقتها للعامة.

و يردهما: ان ذلك فرع صدق عنوان الخبرين المختلفين، و مع امكان الجمع العرفي لا يصدق ذلك. و الجمع يتحقق بحمل الاولي علي الاستحباب و الثانية علي نفي الوجوب.

و دعوي ان ذلك وجيه في الأحكام المولوية دون الإرشادية كما في المقام إذ لا معني لاستحباب الفساد مدفوعة بأن من الوجيه تعدّد مراتب الفساد شرعا - لان مثل ذلك معقول في الأمر الاعتباري -

ص: 142


1- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 41.

و يستحب في بعضها الإعادة.

و استهجان جملة «يستحب الفساد» ليس إلاّ استهجانا علي مستوي الألفاظ و إلاّ فلو أبدلنا كلمة «الفساد» ب «الإعادة» ارتفع ذلك.

و عليه فمقتضي القاعدة عدم وجوب الإعادة و إن كان الاحتياط - حذرا من مخالفة المشهور - أمرا لا ينبغي تركه.

5 - و اما الحكم حالة عروض النجاسة في الاثناء مع امكان الإزالة

بدون زوال صورة الصلاة

فلاقتضاء القاعدة له إذ لم تثبت شرطية الطهارة في أكوان الصلاة التي ليست أجزاء لها فاذا فرض الشك جرت البراءة من ذلك. هذا مضافا إلي دلالة صحيحة زرارة: «... و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمّ بنيت علي الصلاة لأنك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك...»(1) و غيرها.

6 - و اما وجوب الاستئناف مع السعة في حالة عدم امكان الحفاظ

علي صورة الصلاة علي تقدير الازالة

فللتمكن من الاتيان بالمأمور به.

هذا مضافا إلي دلالة صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة فقال: ان قدر علي ماء عنده يمينا و شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصلّ ما بقي من صلاته، و ان لم يقدر علي ماء حتي ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته»(2) و غيرها علي ذلك.

7 - و اما انه مع عدم السعة يستمر في صلاته

فلانه بعد عدم سقوطها بحال يلزم سقوط شرطية الطهارة و الاتيان بالميسور. هذا

ص: 143


1- وسائل الشيعة الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 6.

مضافا إلي امكان المناقشة في شمول إطلاق دليل شرطية الطهارة في الصلاة لمثل هذه الحالة.

8 - و اما حرمة تنجيس المساجد

فلم يتأمل فيها إلاّ صاحب المدارك(1) و الحدائق(2). و قد يستدل لها بقوله تعالي: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (3) أو: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (4) أو بالحديث النبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة»(5) أو بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... فيصلح المكان الذي كان حشا زمانا ان ينظف و يتّخذ مسجدا؟ فقال: نعم إذا القي عليه من التراب ما يواريه فإن ذلك ينظّفه و يطهّره»(6) ، أو بموثقة الحلبي:

«نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان فقال: ان بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له: إن بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا، فقال: لا بأس ان الأرض تطهّر بعضها بعضا»(7).

و الكل كما تري.

أما الأوّل و الثاني: فلاحتمال إرادة الطهارة و النجاسة المعنويتين.

و اما الثالث فلضعفه سندا بالارسال، و دلالة لاحتمال إرادة

ص: 144


1- مدارك الاحكام 305:2-306.
2- الحدائق الناضرة 294:5.
3- الحج: 26.
4- التوبة: 28.
5- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
6- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
7- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 4.

المساجد علي الأرض بمعني المساجد السبعة.

و اما الرابع فلان عدم جواز اتخاذ الحش مسجدا لعدم التناسب بل كمال المنافاة بينهما لا يلازم عدم جواز تنجيس المسجد بقطرة من البول أو المتنجس به.

و اما الخامس فلاحتمال نظر الرواية إلي تقذّر الرجل الذي يتنافي و شرطية الطهارة في بدن المصلّي.

و عليه فلا دليل واضح من النصوص علي حرمة تنجيس المسجد إلاّ التسالم الذي ان تمّ صلح ان يكون مدركا للتنزل إلي الاحتياط الوجوبي.

و إذا قيل: لما ذا لا نقرّب دليلة التسالم بانه إن لم يكن مستندا إلي الوجوه المتقدّمة فهو كاشف عن وصول مضمونه من المعصوم عليه السّلام يدا بيد، و ان استند إليها كان داعما لدلالتها لعدم احتمال خطأ جميع الاعلام.

كان الجواب: هذا يتم مع عدم تعدّد المستند و إلاّ احتمل استناد كلّ مجموعة إلي مستند معيّن.

و من الغريب استدلال صاحب الحدائق علي الجواز بموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة قال: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة»(1) بدعوي ان اطلاقها يشمل ما إذا كان المكان مسجدا(2).

و وجه الغرابة: ان الموثقة ليست في مقام البيان من هذه الناحية5.

ص: 145


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث 8.
2- الحدائق الناضرة 294:5.

و إلاّ فهل يحتمل شمولها لحالة غصبية الأرض؟

9 - و اما وجوب التطهير

فلعدم احتمال كون المحرم خصوص احداث التنجيس بل مدلول التسالم و النصوص - علي تقدير تماميتها - أعمّ من ذلك.

10 - و اما حرمة تنجيس المصحف الشريف

فهي واضحة علي تقدير استلزامه هتك حرمته، و اما إذا لم يستلزم ذلك فيمكن التمسّك بدليل حرمة مسّ المحدث له بعد ضم الأولوية العرفية.

11 - و اما حرمة تنجيس المشاهد المشرّفة

فلان حرمة تنجيس المساجد ليست تعبّدية بل لحرمتها قطعا، و حيث ان المشاهد لا تقلّ حرمة عن المساجد - لما يستفاد من أدلّة ثواب زيارتها و الصلاة عندها - فيلزم اشتراكها معها في الحكم. هذا ان لم يستوجب التنجيس الهتك و إلاّ فالأمر أوضح.

12 - و اما حرمة تنجيس التربة الحسينية

فلاستلزامه الهتك، و هي تدور مداره.

النجاسة المستثناة في الصلاة
اشارة

يستثني من عدم جواز الصلاة مع النجاسة دم القروح و الجروح ما دامت لم تبرأ مع فرض المشقة النوعية في إزالته، و الدم الأقلّ من الدرهم سعة إذا لم يكن من نجس العين أو الميتة أو غير المأكول، و ما لا تتمّ الصلاة به وحده، وثوب المربية للصبي الذكر بشرط غسله في اليوم مرّة.

و كما يعفي عن دم الجروح فكذا عن القيح و الدواء المصاحب.

ص: 146

و الدم المشكوك في كونه من الجروح معفو عنه. و كذا المشكوك كونه بقدر الدرهم.

و المستند في ذلك:

1 - اما العفو عن دم القروح و الجروح في الصلاة في الجملة

فلم يقع فيه تأمّل من أحد، و انما الاشكال في اعتبار استمرار السيلان في العفو و في اعتبار المشقة النوعية أو الشخصية في التبديل أو التطهير.

و قد ورد في موثقة أبي بصير: «دخلت علي ابي جعفر عليه السّلام و هو يصلّي فقال لي قائدي ان في ثوبه دما فلما انصرفت قلت له: ان قائدي أخبرني ان بثوبك دما، فقال لي: ان بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتي تبرأ»(1).

و هي تدل علي عدم اعتبار دوام السيلان بل البرء. و استفاد البعض من اطلاقها عدم اعتبار المشقة الشخصية. و إذا شكك في الاطلاق المذكور باعتبار ان الرواية تحكي عن قضية شخصية فبالامكان استفادة ذلك من موثقة سماعة: «سألته عن الرجل به الجرح و القرح فلا يستطيع ان يربطه و لا يغسل دمه. قال: يصلّي و لا يغسل ثوبه كل يوم إلاّ مرّة فانه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة»(2) فانها تدلّ علي كفاية المشقّة النوعية و عدم اعتبار المشقّة الشخصية.

و هل يمكن القول بعدم اعتبار المشقة النوعية أيضا؟ كلا لعدم اطلاق في الأخبار يمكن التمسّك به لنفيها، و معه يلزم الرجوع إلي اطلاق دليل مانعية الدم.

2 - و اما العفو عمّا دون الدرهم

فلصحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور:

ص: 147


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث 2.

«قلت لأبي عبد اللّه: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسي ان يغسله فيصلّي ثم يذكر بعد ما صلّي أ يعيد صلاته؟ قال:

يغسله و لا يعيد صلاته إلاّ ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة»(1) و غيرها.

3 - و اما اعتبار ان لا يكون من نجس العين

فلان دليل العفو ناظر الي العفو من جهة النجاسة الدموية لا أكثر، و معه يلزم الرجوع في دم نجس العين إلي إطلاق مانعية الدم.

4 - و اما اعتبار ان لا يكون من الميتة

فللنكتة نفسها في نجس العين.

5 - و اما اعتبار ان لا يكون من غير المأكول

فلان كون الشيء من أجزاء مالا يؤكل لحمه مانع مستقل بنفسه - لموثقة ابن بكير: «و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكاه الذابح أو لم يذكه»(2) - في مقابل النجاسة الدموية، و قد ذكرنا ان دليل العفو عمّا دون الدرهم ناظر الي نفي المانعية من جهة النجاسة الدموية لا أكثر.

ثم انه مع التنزل و تسليم الإطلاق في دليل العفو عمّا دون الدرهم فسوف تقع المعارضة بينه و بين إطلاق دليل مانعية اجزاء ما لا يؤكل لحمه بنحو العموم من وجه، و مادة الاجتماع التي تقع فيها المعارضة هي دم ما لا يؤكل لحمه دون الدرهم، و معه اما ان يقدم الثاني لأنّ دلالته أقوي باعتبار انها بالعموم بواسطة أداة «كل» بخلاف الثاني فإنّ

ص: 148


1- وسائل الشيعة الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.

دلالته بالإطلاق أو لأنهما يتساقطان و يرجع إلي إطلاق دليل مانعية الدم.

6 - و اما العفو عمّا لا تتمّ الصلاة به

فللقصور في دليل المانعية لكون موضوعه الثوب. و علي تقدير تماميته يمكن التمسّك بموثق زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة و التكة و الجورب»(1).

7 - و اما العفو عن ثوب المربية للصبي

فهو المشهور بل كاد يكون إجماعا. و تدل عليه رواية أبي حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: تغسل القميص في اليوم مرّة»(2) لكنها ضعيفة سندا من جهات متعدّدة.

إلاّ ان يقال: ان تسالم الأصحاب علي الحكم المذكور ان لم يكن مستندا الي الرواية المذكورة فهو كاشف عن وصوله يدا بيد من المعصوم عليه السّلام و ان كان مستندا إليها فهو ممّا يوجب الوثوق بصدورها.

بيد ان هذا يتم لو لم نحتمل التعدّد في جهة عملهم بالرواية و إلاّ لم يحصل الوثوق من عملهم، و في المقام نحتمل ان بعضا عمل بها لكونه بانيا علي حجية كل ما في الكتب الأربعة، و بعضا آخر عمل بها لكونه بانيا علي وثاقة رجال سندها، و بعضا ثالثا عمل بها لكون مضمونها موافقا للشهرة، و هكذا.

8 - و اما التقييد بالذكر

فلانه مركز الرواية و لو احتمالا. و القطع

ص: 149


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب النجاسات الحديث 1.

بعدم الخصوصية عهدته علي مدّعيه.

9 - و اما العفو عن القيح و الدواء

فلأنهما مصاحبان غالبا لموضع الجرح فالعفو عن دمه يدل بالالتزام علي العفو عنه و إلاّ يلزم التخصيص بالنادر و هو مستهجن.

10 - و اما المشكوك في كونه من الجروح

فحيث لا يمكن التمسّك باستصحاب العدم النعتي لعدم الحالة السابقة المتيقنة و لا بإطلاق دليل مانعية الدم لأنه تمسّك به في الشبهة المصداقية فيتعين الرجوع إلي البراءة عن تقيد الصلاة بعدمه لأنّ المانعية انحلالية بعدد أفراد الدم الذي يكون من غير الجروح، و الشك في فردية فرد شك في ثبوت مانعية جديدة فتجري البراءة منها.

أجل بناء علي جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية يمكن استصحاب عدم كونه من الجروح الثابت قبل وجوده و يتنقح بذلك موضوع دليل مانعية الدم و يتمسّك بإطلاقه.

11 - و اما العفو عن المشكوك في كونه بقدر الدرهم

فلاستصحاب العدم النعتي لأنّ الدم حينما يخرج من البدن يخرج تدريجا. و بقطع النظر عن ذلك يمكن استصحاب العدم الأزلي لوصف كونه بقدر الدرهم - بناء علي جريانه - و بقطع النظر عنه حيث لا يمكن التمسك بعموم مانعية الدم لكونه تمسّكا به في الشبهة المصداقية فيتعيّن التمسّك بالبراءة من المانعية بالبيان المتقدّم.

ص: 150

7 - المطهّرات
اشارة

يطهر المتنجس بأحد الامور التالية:

1 - الماء
اشارة

و هو مطهّر لكل متنجس بما في ذلك الماء المتنجس. أجل لا يطهر به المضاف ما دام مضافا.

و اعتبر المشهور في حصول الطهارة به انفصال ماء الغسالة بالمقدار المتعارف بعصر و نحوه.

و يلزم في تطهير الأواني إذا تنجست بولوغ الكلب الغسل بالقليل ثلاثا أولاهن بالتراب، و بالكثير مرّة واحدة بعد الغسل بالتراب.

و إذا تنجّست بشرب الخنزير أو بموت الجرذ فيها طهرت بالغسل سبعا بلا فرق بين القليل و الكثير.

و في غير ذلك تطهر بالغسل ثلاثا بالقليل و مرّة بالكثير إلاّ في أواني الخمر فتحتاج إلي الثلاث حتي في الكثير.

هذا في الأواني.

و اما غيرها فالبدن إذا تنجس بالبول يطهر بغسله في القليل مرّتين و في الكثير مرّة، و الثياب إذا تنجّست بالبول تطهر بغسلها مرّتين في غير الجاري و فيه مرّة.

و اما بقيّة الأجسام إذا تنجست بالبول فالمشهور لزوم غسلها مرّتين في القليل أيضا.

ص: 151

هذا في التنجس بالبول و في غيره تكفي المرّة مطلقا.

و المشهور في ماء المطر ان مجرّد اصابته للمتنجس توجب طهارته بلا حاجة إلي عصر أو تعدّد.

و في طهارة ماء الغسالة و نجاسته أقوال.

و المستند في ذلك:

1 - اما مطهرية الماء في الجملة

فمن الامور البديهية التي يقتضيها ارتكاز المتشرّعة المتوارث يدا بيد عن المعصوم عليه السّلام.

و يمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالي: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (1) بناء علي إرادة المطهرية الاعتبارية الشرعية - لا كونه طاهرا في نفسه أو كونه مطهّرا طهارة عرفية من الاقذار العرفية - و ضم إحدي مقدّمتين: عدم القول بالفصل أو نشوء جميع المياه من المطر.

و بصحيح داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون»(2).

كما يمكن التمسّك بأوامر الغسل الواردة في مثل الثوب و البدن و نحوهما.

2 - و اما مطهريّته لكل متنجس

فمتسالم عليها إلاّ في مثل المضاف.

و يمكن التمسّك لها: اما بما دلّ علي مطهريّته في بعض الموارد

ص: 152


1- الفرقان: 48.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث 4.

الخاصّة كالثوب و البدن بعد إلغاء خصوصية المورد أو بموثقة عمار الواردة في من رأي فأرة متسلخة في إنائه الذي توضأ أو غسل ثيابه به و انه: «يغسل كل ما أصابه ذلك الماء»(1) ، فان مقتضي العموم فيها مطهرية الماء لكل متنجس من غير السوائل بذلك.

3 - و اما مطهريته للماء المتنجس

فلعموم التعليل في صحيحة ابن بزيغ عن الرضا عليه السّلام: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ ان يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتي يذهب الريح و يطيب طعمه لأنّ له مادة»(2) ، فإذا اتصل القليل المتنجس بالكر كفي في حصول الطهارة له.

4 - و اما عدم تطهيره للمضاف

فلم يخالفه - إلاّ العلامة - للقصور في المقتضي فان التعدي لا وجه له بعد احتمال الخصوصية. و موثقة عمّار لا يمكن التمسّك بها لعدم صدق الغسل.

أجل تطهيره له من باب الاستهلاك و السالبة بانتفاء الموضوع أمر علي مقتضي القاعدة.

5 - و اما اعتبار انفصال الغسالة

فقد يستدل له بعدم صدق الغسل إلاّ بذلك فمن صبّ الماء علي يده المتنجسة و بقي متجمّعا وسطها لا يصدق انه غسلها.

و مع التنزل و الشك في اعتباره عرفا في مفهومه فالاستصحاب يقتضي بقاء النجاسة و عدم ارتفاعها إلاّ به بناء علي جريانه في الأحكام الكلية.

و ينبغي الالتفات الي انه علي تقدير اعتبار العصر فهو معتبر

ص: 153


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث 12.

كمقدّمة لانفصال الغسالة لا بما هو هو، فلو أمكن تحقّق الانفصال بغيره كفي.

6 - و اما ان حكم الاناء الذي ولغ فيه الكلب ما تقدم

فلصحيحة البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث سأله فيه عن الكلب فقال: «رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثم بالماء (مرّتين)»(1). بناء علي وجود كلمة «مرّتين» حسب نقل المحقّق في المعتبر(2). و اما بناء علي عدم وجودها فإطلاقها و ان اقتضي كفاية المرّة إلاّ ان موثقة عمّار الآتية دلّت علي ان الاناء المتنجس بأي نجاسة يجب غسله ثلاث مرّات، و لا يحتمل ان الولوغ أضعف نجاسة من غيره.

و بذلك تصبح الموثقة مقيّدة للصحيحة، و في الوقت نفسه تصير الصحيحة مقيّدة للموثقة من ناحية لزوم التعفير في خصوص ولوغ الكلب. و هذا يعني ان كل واحدة تصبح مقيّدة للأخري من جهة.

7 - و اما اختصاص ما ذكر بالقليل

فلان الموثقة - المقيّدة للصحيحة - الدالّة علي اعتبار التعدّد مختصة بالقليل كما يظهر بأدني تأمّل، فيبقي إطلاق الصحيحة علي حاله في غير القليل.

8 - و اما وجوب الغسل سبعا في شرب الخنزير

فلصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرّات»(3). و اطلاقها يعمّ الغسل بالكثير.

9 - و اما وجوب الغسل سبعا بموت الجرذ

فلموثّق عمار

ص: 154


1- وسائل الشيعة الباب 70 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- المعتبر في شرح المختصر 458:1.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الأسآر الحديث 2.

الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرّات»(1) و اطلاقها يعمّ الغسل بالكثير أيضا.

10 - و اما وجوب التطهير ثلاثا بالقليل في غير ذلك

فلموثق عمّار الساباطي المتقدّم، فقد ورد فيه: «سئل عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرك فيه ثمّ يفرغ منه و قد طهر...»(2).

11 - و اما الاكتفاء بالمرّة في الغسل بالكثير

فلإطلاق دليل مطهرية الغسل - المتمثل في مثل موثق عمّار نفسه حيث ورد في بعض فقراته السؤال عمّن رأي فأرة متسلخة في انائه فأجاب عليه السّلام: «يغسل كل ما أصابه ذلك الماء»(3) - الذي يقتصر في تقييده علي مورد الموثقة و هو الغسل بالقليل.

12 - و اما استثناء أواني الخمر

فلإطلاق موثقة عمّار المتقدّمة:

«و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرّات»(4).

13 - و اما وجوب غسل البدن عند تنجّسه بالبول مرّتين في القليل

و واحدة في الكثير

فلصحيحة أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين»(5)

ص: 155


1- وسائل الشيعة الباب 53 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 53 من أبواب النجاسات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب النجاسات الحديث 1.
5- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 3.

و غيرها، فان التعبير بالصبّ يختص بالقليل، و يبقي الغسل بالكثير و حالة التنجس بغير البول مشمولين لإطلاق دليل مطهرية الغسل فتكفي المرّة.

14 - و اما حكم الثياب

فيدل عليه صحيح محمّد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله في المركن مرّتين فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة»(1) ، فانه يدلّ علي الاكتفاء بالمرّة في خصوص الجاري و لزوم التعدّد في غيره. كما انه يختص بحالة تنجّس الثياب بالبول و تبقي حالة التنجّس بغيره مشمولة لإطلاق دليل مطهرية الغسل.

هذا و قد قيل بان تخصيص المرّتين بالمركن يدل علي كفاية المرّة في غيره من أقسام الكثير من دون خصوصية للجاري و انما خصص بالذكر من باب المثال. و بناء عليه تثبت كفاية المرّة في مطلق الكثير.

15 - و اما لزوم المرّتين

لدي المشهور في القليل في بقيّة الأجسام إذا تنجست بالبول فللتعدي من البدن و الثوب إلي غيرهما و عدم فهم الخصوصية، إلاّ ان عهدة التعدي و فهم عدم الخصوصيّة علي مدعيها.

16 - و اما كفاية المرّة في التنجس بغير البول

فلإطلاق دليل مطهرية الغسل بعد عدم المقيد.

17 - و اما الحكم بكفاية اصابة ماء المطر بلا حاجة إلي عصر أو

تعدّد

فمشهور لم تعرف فيه نسبة الخلاف للمتقدّمين. و تدلّ عليه

ص: 156


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 1.

مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1). بناء علي تمامية كبري الانجبار.

و إذا قيل: ان النسبة بينها و بين ما دل علي اعتبار التعدّد هي العموم من وجه - لأنّ المرسلة تدلّ علي كفاية الرؤية حتي فيما يحتاج تطهيره إلي تعدّد و الآخر يدل علي اعتبار التعدّد حتي إذا كان الغسل بالمطر - فلما ذا تقديم المرسلة.

كان الجواب: ان تقديم الآخر يلزم منه إلغاء خصوصية ماء المطر، و كلّما دار الأمر بين دليلين يلزم من تقديم أحدهما إلغاء خصوصية الآخر بخلاف تقديم الآخر قدم الآخر.

18 - و اما ماء الغسالة

ففيه مشكلة صارت منشأ لتعدّد الأقوال فيه.

و حاصل المشكلة: ان الماء القليل حينما يغسل به الثوب المتنجّس اما ان يلتزم ببقائه علي الطهارة مع ملاقاته للنجاسة، و هذا خلف قاعدة تنجّس الماء القليل بملاقاة النجاسة، أو يلتزم بنجاسته من حين إصابته للثوب، و هو بعيد إذ النجس كيف يطهّر و هل فاقد الشيء يعطيه، أو يلتزم ببقائه علي الطهارة و بعد انفصاله عن الثوب يتنجّس و هو بعيد أيضا إذ مع طهارته كيف يتنجّس بالانفصال و هل الانفصال من أسباب التنجّس.

و لأجل هذا قيل بطهارته مطلقا، و قيل بنجاسته كذلك، و قيل بالتفصيل بين الغسلة المزيلة و غيرها، فيكون في الاولي نجسا بخلافه

ص: 157


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث 5.

في الثانية، و قيل بطهارته في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل و نجاسته في غيرها.

و قد يستدل علي طهارته المطلقة: بأنّ مدرك تنجس القليل بالملاقاة إذا كان مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(1). فهو لا يدلّ علي التنجس بكل ملاقاة بما في ذلك الحاصلة بالغسل فان المنطوق في القضية المذكورة ما دام سالبة كلية فبالمفهوم يثبت ارتفاع ذلك السلب الكلي لأنّ نقيض السلب الكلّي هو الإيجاب الجزئي دون الايجاب الكلّي.

و تحقيق الحال أوسع من ذلك يحتاج إلي مستوي أعلي من البحث.

2 - الأرض
اشارة

الأرض تطهر باطن القدم و مثل الحذاء و أطرافهما بالمقدار المتعارف بالمشي عليها أو بالمسح بها بشرط زوال عين النجاسة بهما.

و إذا تحقّق المشي عند ظلمة الجو و شك في كون الممشي عليه أرضا أو لا لم يحكم بالطهارة.

و المستند في ذلك:

1 - اما كون الأرض مطهرة لباطن القدم و مثل الحذاء

فلم ينقل فيه الخلاف إلاّ عن الخلاف(2). و يدل عليه صحيح الحلبي: «نزلنا في مكان

ص: 158


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.
2- فان فيه عبارة قد توحي بذلك حيث ورد فيه: «إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه بالأرض حتي زالت تجوز الصلاة فيه عندنا... دليلنا: ان بيّنا فيما تقدّم ان ما لا تتمّ الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة فيه و ان كانت فيه نجاسة، و الخف لا تتم الصلاة فيه بانفراده». الخلاف 66:1 المسألة 185.

بيننا و بين المسجد زقاق قذر فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان، فقال: ان بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له: ان بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا، فقال: لا بأس ان الأرض تطهّر بعضها بعضا...»(1) و غيره.

و بعموم التعليل يمكن التعدي الي مثل الحذاء.

و السند صحيح فان محمّد بن إسماعيل يمكن توثيقه.

2 - و اما طهارة الأطراف بالمقدار المتعارف

فلإطلاق الصحيح بعد ندرة اصابة الباطن فقط.

علي ان بعض الأحاديث فرضت ان القدم ساخت في العذرة(2) و لا فصل بين القدم و غيرها.

3 - و اما كفاية المسح بها

فلعموم التعليل المتقدّم.

4 - و اما اشتراط زوال عين النجاسة بهما فواضح.

أجل لا يلزم زوالها بهما، بل يكفي زوالها بخرقة ثم المشي أو المسح ما دامت الرطوبة باقية لعدم احتمال الفرق و عموم التعليل، بل قد يقال بعدم اعتبار الرطوبة لعموم التعليل.

5 - و اما عدم الحكم بالطهارة إذا شك في كون الممشي عليه

أرضا

فلعدم إحراز الشرط، و هو المشي علي الأرض أو المسح بها، و قاعدة الطهارة لا تجري للاستصحاب.

ص: 159


1- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 4.
2- بانفراده جازت الصلاة فيه و ان كانت فيه نجاسة، و الخف لا تتم الصلاة فيه بانفراده». الخلاف 66:1 المسألة 185.
3 - الشمس
اشارة

الشمس تطهّر الأرض و كلّ غير منقول كالأشجار و الأبواب بشرط ان ييبس المحل استنادا الي الاشراق، و لو بمشاركة الريح في الجملة.

و المستند في ذلك:

1 - اما كون الشمس مطهّرة للأرض

فهو المشهور - و قيل انها توجب جواز السجود و التيمم دون الطهارة - و يدل عليه صحيح زرارة:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن البول يكون علي السطح أو في المكان الذي يصلّي فيه، فقال: إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر»(1) و غيره.

و احتمال إرادة النظافة من الطهارة في زمان الامام الباقر عليه السّلام دون المعني المصطلح بعيد. و سند ابن بابويه إلي زرارة صحيح في المشيخة.

2 - و اما كونها مطهرة لكل غير منقول

فهو المشهور. و يدل عليه:

أ - إطلاق صحيحة زرارة لغير الأرض من الألواح و الأخشاب المفروشة عليها. و يتعدّي إلي غير المفروشة كالمثبتة في البناء - كالأبواب و غيرها - بعدم القول بالفصل.

ب - رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السّلام: «يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(2). لكنها ضعيفة بالحضرمي و عثمان الا بناء علي تمامية كبري جابرية الشهرة أو الاكتفاء برواية القميين - كأحمد بن محمّد بن عيسي - للرواية. و كلاهما محل تأمّل.

ص: 160


1- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 5.

ثم ان إطلاق الرواية لما ينقل لا بد من تقييده بالإجماع علي عدم تطهيرها لذلك.

3 - و اما اشتراط اليبوسة بواسطة الاشراق

فلظاهر صحيحة زرارة.

4 - و اما ان مشاركة الريح غير مضرّة

فلإطلاق ما دل علي مطهرية الشمس فانه ناظر الي المتعارف و هو اشتراك الريح مع الاشراق في عملية التجفيف في الجملة.

4 - الاستحالة
اشارة

النجس أو المتنجس إذا استحال إلي جسم آخر يطهر، كالخشب إذا صار رمادا دون مثل الطين إذا تحوّل خزفا.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة ما استحال كالخشب

فلتبدل الموضوع المحكوم عليه بالنجاسة الي موضوع جديد فيشمله دليل طهارته اجتهاديا كان - كما لو استحالت النطفة انسانا حيث قام الدليل علي طهارة الانسان - أم فقاهتيا كقاعدة الطهارة، و لا مجال لاستصحاب النجاسة لتبدّل الموضوع عرفا. و منه تعرف المسامحة في عدّ الاستحالة من المطهرات.

2 - و اما عدم طهارة مثل الطين إذا تحوّل خزفا

فلعدم الاستحالة بعد كونهما بنظر العرف موضوعا واحدا و كون الاختلاف في أوصافه.

ص: 161

5 - الانقلاب
اشارة

إذا انقلب الخمر خلاّ طهر، و يطهر بالتبع اناؤه و اشترط المشهور عدم ملاقاته نجاسة خارجية.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة الخمر - بناء علي نجاسته - بانقلابه خلاّ

فللنصوص المستفيضة، كموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتي صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال: إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس»(1).

2 - و اما طهارة الاناء تبعا

فلما تقدم نفسه بالدلالة الالتزامية، لعدم امكان تحقق الطهارة و الحلية الفعليتين مع بقاء الاناء علي نجاسته.

3 - و اما بقاء النجاسة مع ملاقاته نجاسة خارجية - كالدم أو يد

الكافر و نحو ذلك - قبل الانقلاب

فقد يعلل بان ما دل علي الطهارة بالانقلاب ناظر الي النجاسة الخمرية دون النجاسة العارضة.

و قد يجاب بان الخمر إذا لم يقبل التنجس ثانيا، و بقيت نجاسته خمرية فقط، فلا مانع من شمول الاخبار له - لانحصار النجاسة بالخمرية - و إلا أمكن شمولها له أيضا بإطلاقها فان صنّاع الخمر لا يتحفظون عليه عادة من اصابة النجاسة له.

ص: 162


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3.
6 - الانتقال
اشارة

إذا صار النجس جزءا من حيوان طاهر طهر، كدم الانسان إذا صار جزءا من البق و نحوه.

و المستند في ذلك:

السيرة و اطلاق ما دل علي طهارة أجزاء المنتقل إليه

كموثقة غياث عن جعفر عن أبيه: «لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف»(1).

هذا مضافا الي امكان التمسّك بقاعدة الطهارة بناء علي عدم وجود عموم يدل علي نجاسة كلّ دم.

7 - الإسلام
اشارة

الإسلام مطهر للكافر بجميع أجزائه بل و لثيابه.

و المستند في ذلك:

1 - اما مطهرية الإسلام للكافر

فلزوال موضوع النجاسة، و شمول ما دل علي طهارة المسلم له.

2 - و اما كونه مطهرا لجميع أجزائه كالعرق و البصاق

فلان نجاستها كانت تبعا لنجاسة بدنه و قد زالت، و للسيرة و عدم أمرهم عليهم السّلام بتطهير بدنهم مع عدم خلوّه منها غالبا.

3 - و اما مطهريته للثياب أيضا

فللسيرة و عدم أمرهم عليهم السّلام بتطهيرها، لكن القدر المتيقن منها حالة عدم التنجس بنجاسة خارجية.

ص: 163


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5.
8 - التبعية
اشارة

إذا أسلم الكافر تبعه ولده في الطهارة. و إذا سبي المسلم طفلا تبعه في الطهارة إذا لم يكن معه أحد آبائه. و أواني الخمر - بناء علي نجاسته - تطهر بالتبع إذا انقلبت خلاّ. و أواني العصير العنبي - بناء علي نجاسته - تطهر بالتبع إذا ذهب ثلثاه. و يد المغسل للميت و السدة التي يغسل عليها و الثياب التي يغسل فيها تتبع الميت في الطهارة.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة الولد باسلام أحد أبويه

فلقاعدة الطهارة بعد قصور دليل نجاسته و هو الاجماع الذي هو دليل لبي يقتصر فيه علي القدر المتيقن، و هو ما إذا لم يسلم أحد أبويه.

و اما قاعدة التبعية لأشرف الأبوين فلا يمكن التمسّك بها لأنّ مستندها رواية حفص: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك، فقال: اسلامه اسلام لنفسه و لولده الصغار....»(1) و هي ضعيفة بالقاساني و القاسم بن محمد.

2 - و اما تبعية الأسير غير البالغ للمسلم

فلما تقدم نفسه.

3 - و اما اختصاص التبعية بغير البالغ

فلكون البالغ موضوعا مستقلاّ للنجاسة بعد صدق عنوان اليهودي و نحوه عليه.

4 - و اما اختصاص الحكم بمن لم يكن معه أحد آبائه

فللإجماع

ص: 164


1- وسائل الشيعة الباب 43 من أبواب الجهاد الحديث 1.

علي تبعيته له في النجاسة إذا كان معه.

5 - و اما طهارة أواني الخمر إذا انقلبت خلاّ

فلما تقدّم في مطهرية الانقلاب.

6 - و اما طهارة أواني العصير العنبي إذا ذهب ثلثاه

فللسيرة، و ما دلّ علي طهارته بذهاب ثلثيه، إذ طهارته مع بقاء الاناء نجسا لغو ظاهر.

7 - و اما طهارة يد المغسل و غيرها

فللسيرة القطعية علي عدم تطهيرها بعد التغسيل. أو للإطلاق المقامي، فان سكوت النصوص عن التعرّض لوجوب تطهيرها يدل علي طهارتها تبعا لطهارة الميت.

9 - زوال عين النجاسة
اشارة

تطهر بواطن الإنسان و جسد الحيوان بزوال عين النجاسة عنهما بل في تنجسها تأمل.

و هكذا التأمّل في سراية النجاسة إلي الطاهر إذا كانت الملاقاة في الباطن سواء كانا متكونين في الباطن أو كان النجس في الباطن و الطاهر خارجيّا أو بالعكس.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة البواطن

بما ذكر فلانعقاد السيرة القطعية للمتشرّعة علي ذلك، فمن تنجس باطن اذنه بخروج الدم لا يغسله بالماء و هكذا من تنجس باطن أنفه أو ما بين أسنانه. و في موثقة عمّار: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه ان يغسل باطنه

ص: 165

يعني جوف الأنف؟ فقال: إنّما عليه ان يغسل ما ظهر منه»(1).

بل في تنجس البواطن تأمّل علي ما سيأتي.

2 - و اما طهارة جسد الحيوان

بما ذكر فللسيرة أيضا، حيث لا يتحرز من الهرة و الدجاج و نحوهما مع العلم باصابة الدم و سائر النجاسات لفمها و سائر أعضائها اما حين الولادة أو حين السفاد أو بقية الحالات مع الشك في ورود المطهر بل العلم بعدمه. و إذا فرض وقوع الفأرة في سمن و خروجها حيّة فلا يلزم التحرز منه بالرغم من تنجس موضع بعرها و بولها و هو يدل علي ما ذكرناه. و قد ورد في موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... كلّ شيء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه إلاّ ان تري في منقاره دما...»(2). و هو يدل بوضوح علي ما ذكرناه. بل ان روايات طهارة سؤر الفأرة و الهرة و نحوهما تدل علي ذلك أيضا.

بل ان في تنجس جسد الحيوان بالملاقاة تأمّلا.

3 - و الوجه في التأمّل قصور مقتضي التنجس عن الشمول لمثل

البواطن و جسد الحيوان.

اما البواطن فالداخلية منها كالمعدة و الأمعاء فواضح إذ الدليل اما الروايات الخاصّة من قبيل «دم أصاب الماء أو الثوب..» فعدم شمولها بيّن لنظرها إلي الملاقاة الخارجيّة، أو موثقة عمّار الواردة في الفأرة المتسلخة في إناء الماء و انه «يغسل كل ما أصابه ذلك الماء»(3) و هي

ص: 166


1- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.

لا تشمل مثل ذلك أيضا.

و اما غير الداخلية - كباطن الأنف و الاذن و الفم - فلان تلك الأدلّة اما منصرفة عنها أو مخصصة بالسيرة المتقدّمة، و إذا سقط الدليل عن الحجيّة في مدلوله المطابقي فلا يعود حجّة في مدلوله الالتزامي، و معه يتمسّك بأصالة الطهارة.

و إذا قيل: كيف تكون السيرة مخصصة للعمومات و الحال ان حجّيّتها متوقفة علي عدم الردع و هي صالحة لذلك؟

كان الجواب: ان عدم الردع نحتاج إليه في سيرة العقلاء دون سيرة المتشرّعة الواصل مضمونها يدا بيد من المعصوم عليه السّلام.

و اما جسد الحيوان فلعدم شمول أوامر الغسل له اما لأنه ليس من شأنه ان يغسل أو للانصراف، و بعد سقوط المدلول المطابقي عن الحجّيّة لا يعود المدلول الالتزامي حجّة، و معه يتمسّك بأصالة الطهارة.

4 - و اما التأمّل في السراية في بقية الفروض
اشارة

فقد اتضح ممّا سبق:

اما حالة كون النجس و الطاهر باطنيين معا

- كباطن الأنف الملاقي للدم - فلعدم الدليل علي نجاسة الدم في الباطن - إذ الأدلّة ناظرة إلي الدم الخارجي و احتمال الخصوصيّة موجود - أو لعدم الدليل علي كون الملاقاة في الباطن مقتضية لذلك.

و اما حالة كون النجس خارجيّا و الطاهر باطنيّا

- كالدم الخارجي إذا أصاب باطن الأنف أو الاذن - فلعدم الدليل علي كون الملاقاة في الباطن مقتضية لذلك إذ الأدلّة واردة في الملاقاة الخارجية، و احتمال الخصوصية موجود.

ص: 167

و اما إذا كانت النجاسة باطنية و الملاقي خارجيا

- كالسن الصناعي الملاقي لدم الفم - فلعدم الدليل علي نجاسة ما في الباطن أو لعدم الدليل علي كون الملاقاة الباطنية موجبة لذلك.

و اما إذا كانا خارجيين و تحققت الملاقاة في الباطن

- كما لو تحققت الملاقاة في الباطن بين اصبع نجسة و اخري طاهرة - فالظاهر عدم قصور الأدلّة عن شمول مثله.

10 - الغيبة
اشارة

إذا تنجّست ثياب الإنسان أو بعض توابعه حكم عليها بالطهارة إذا غاب و احتمل تطهيره لها فيما إذا لم يكن ممّن لا يبالي بالنجاسة و كان يستعملها فيما يعتبر فيه الطهارة.

و المستند في ذلك:

1 - اما مطهرية الغيبة

لما ذكر فلسيرة المتشرّعة المانعة من جريان الاستصحاب.

2 - و اما اعتبار احتمال التطهير

فواضح للجزم أو الاطمئنان ببقاء النجاسة بدون ذلك.

3 - و اما اعتبار القيدين الأخيرين

فلان السيرة دليل لبّي يقتصر فيه علي المتيقن، و هو مورد تواجد القيدين.

بل بالإمكان دعوي الجزم بعدم انعقادها، إذ مستندها ظهور حال المسلم في تجنبه استعمال النجس فيما يشترط فيه الطهارة، و هو يختص بحالة تواجد القيدين.

ص: 168

11 - استبراء الجلال
اشارة

يطهر عرق الجلال و لبنه و خرؤه و بوله باستبرائه.

و للشك في حدوث الجلل أو بقائه صور يختلف حكمها.

و المستند في ذلك:

1 - اما طهارة العرق بالاستبراء

فلان صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تأكل اللحوم الجلالة و ان أصابك من عرقها شيء فاغسله»(1) علّق وجوب الغسل علي عنوان الجلل فبزواله بالاستبراء يزول أيضا.

2 - و اما طهارة لبنه بما ذكر

فلان صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة»(2) قد علّق الحكم علي ذلك فيزول بزواله.

و هذا مبني علي استفادة النجاسة من حرمة الشرب كما هو واضح.

3 - و اما طهارة البول و الخرء بذلك

فلان صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) قد علّق وجوب الغسل علي عنوان «ما لا يؤكل لحمه» فإذا زال بالاستبراء زال هو أيضا، و بعد ضم عدم الفصل بين البول و الخرء يثبت الحكم في الخرء أيضا.

أجل هذا كلّه مبني علي ان يكون المقصود من عنوان «ما لا يؤكل

ص: 169


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 2.

لحمه» ما كان كذلك و لو بالعارض و عدم اختصاصه بما كان كذلك بالذات، فان استظهر ذلك و إلاّ تمسكنا بأصل الطهارة.

4 - و المراد من الاستبراء منعه من التغذي بالعذرة حتي يزول

عنه الاسم.

و قد حددت بعض الروايات الفترة في الدجاج بثلاثة أيّام و في البط بخمسة و في الشاة بعشرة و...(1) إلاّ انها لضعفها السندي لا يمكن الاعتماد عليها و يعود المدار علي زوال اسم الجلل عرفا.

5 - و اما حالات الشك في الجلل
اشارة

فهي كالآتي:

الاولي: ان يشك في حدوث الجلل بنحو الشبهة المفهومية.

الثانية: ان يشك في حدوثه بنحو الشبهة الموضوعية.

الثالثة: ان يشك في بقائه بنحو الشبهة المفهومية.

الرابعة: ان يشك في بقائه بنحو الشبهة الموضوعية.

اما الحالة الاولي ان يشك في حدوث الجلل بنحو الشبهة المفهومية

فلا يجري فيها الاستصحاب الموضوعي - لعدم الشك بل الأمر يدور بين اليقين بالبقاء و اليقين بالارتفاع - و لا الاستصحاب الحكمي لعدم الجزم ببقاء الموضوع بل لا بدّ من الرجوع إلي عموم ما دل علي حليّة الدجاج مثلا و طهارة بوله و خرئه لان ما دل علي نجاستهما من الجلال حيث انه منفصل فيكون المقام من موارد دوران مفهوم المخصص المنفصل بين الأقل و الأكثر فيتمسّك بالعموم لانعقاد ظهور العام فيه و هو حجّة ما لم يزاحم بحجّة أقوي و هي لم تتحقّق إلاّ في الأقلّ.

و اما الحالة الثانية أن يشك في حدوثه بنحو الشبهة الموضوعية.

فيتمسّك فيها باستصحاب عدم حدوث الجلل

ص: 170


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة.

و لا يجوز فيها التمسّك بالعموم السابق لكونه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية و هو لا يجوز لوجود حجّتين و ادخال المشكوك تحت احداهما بلا مرجّح.

و اما الحالة الثالثة أن يشك في بقائه بنحو الشبهة المفهومية.

فلا يجري فيها الاستصحاب الموضوعي و لا الحكمي لما تقدّم في الحالة الاولي و يتعيّن الرجوع إلي العموم المتقدّم.

و اما الحالة الرابعة أن يشك في بقائه بنحو الشبهة الموضوعية.

فلا يجوز فيها التمسّك بالعموم المتقدّم لكونه تمسّكا به في الشبهة المصداقية و يتعيّن الرجوع الي الاستصحاب، و بذلك يحكم بالنجاسة بخلافه في الحالات الثلاث السابقة فانه يحكم فيها بالطهارة.

12 - خروج الدم من الذبيحة
اشارة

إذا خرج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف حكم علي المتخلّف بالطهارة.

و المستند في ذلك:

اما اصالة الطهارة

بناء علي عدم وجود عموم يقتضي نجاسة كل دم.

أو سيرة المتشرّعة

علي عدم اجتناب ما يتخلّف في الذبيحة من الدم، و إلاّ يلزم عدم جواز أكل اللحم لاتصال بعض قطع الدم به غالبا بنحو لا يمكن إزالتها مهما بالغ الشخص في الغسل.

ص: 171

ص: 172

كتاب الصّلاة

اشارة

1 - الصلاة اليومية 2 - صلاة المسافر 3 - صلاة الجماعة 4 - صلاة الجمعة

ص: 173

ص: 174

الصلاة الواجبة

الواجب من الصلاة: اليومية بما في ذلك الجمعة، و صلاة الطواف، و الصلاة علي الميّت، و الآيات، و ما التزم بنذر و نحوه، و قضاء الولد الأكبر ما فات عن والده.

و المستند في ذلك:

اما الضرورة و الروايات الكثيرة كما في اليومية، أو اقتضاء القاعدة كما في الملتزم بنذر و نحوه، أو الروايات الخاصّة المذكورة في محلّها كما في غير ذلك.

1 - الصلاة اليومية
الصلاة اليومية خمس: الصبح ركعتان، و المغرب ثلاث، و البقية أربع.
اشارة

و في السفر و الخوف تقصر الرباعية الي ركعتين.

و المستند في ذلك:

ص: 175

1 - اما ان اليومية خمس و عدد ركعاتها ما ذكر

فبالضرورة من الدين. و تدل عليه الروايات أيضا.

2 - و اما قصر الرباعية في السفر

فذلك من ضروريات المذهب الجعفري و تدلّ عليه الروايات أيضا.

3 - و اما قصرها عند الخوف

فمحل اختلاف. و قد نقل في الحدائق(1) أقوالا ثلاثة: قصرها بشرط السفر، و قصرها مطلقا، و قصرها في الحضر بشرط ادائها جماعة.

و الصحيح وجوب قصرها مطلقا لقوله تعالي: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا... (2) ، فان حمل الضرب علي خصوص ما كان بمقدار المسافة بلا وجه. و التقييد به محمول علي الغالب من طرو الخوف عند الضرب حيث يجابه العدو.

و يدل علي ذلك أيضا ما رواه الصدوق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: صلاة الخوف و صلاة السفر تقصران جميعا؟ قال:

نعم، و صلاة الخوف أحقّ ان تقصر من صلاة السفر، لأنّ فيها خوفا»(3).

و هل عند السفر تقصر ثانية فتصير الثنتان واحدة؟ دلّت بعض الروايات علي ذلك(4) ، إلاّ انه لا قائل بها، و من هنا حملها

ص: 176


1- الحدائق الناضرة 265:11.
2- النساء: 101.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 2، 3، 4.

الحرّ علي التقيّة(1).

شرائط الصلاة
أوقات اليومية
اشارة

وقت الظهرين من الزوال إلي الغروب. و المشهور اختصاص الظهر بأوّله و العصر بآخره. و العشاءين من المغرب إلي نصف الليل. و المشهور اختصاص المغرب و العشاء كذلك. و يمتدّ وقتهما للمضطرّ إلي الفجر الصادق. و وقت الصبح من الفجر إلي طلوع الشمس.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان بداية وقت الظهرين هو الزوال

فقد اتّفق عليه المسلمون، و لم ينسب الخلاف فيه إلاّ إلي ابن عباس و الحسن و الشعبي فجوزوا للمسافر الصلاة قبل الزوال(2). و قد يستشهد له من أحاديثنا بمعتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك»(3) و لكنها لمخالفتها لضرورة الدين لا بد من حملها علي بعض المحامل كالنافلة مثلا.

و يدلّ من القرآن الكريم علي كون البداية الزوال قوله تعالي: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ... (4). و الدلوك هو الزوال.

و من السنّة الشريفة روايات ربّما تتجاوز الثلاثين فيها الصحاح

ص: 177


1- وسائل الشيعة نهاية الباب 1 من أبواب صلاة الخوف و المطاردة.
2- جواهر الكلام 75:7.
3- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 9.
4- الإسراء: 78.

المتعدّدة كرواية ابن بابويه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان:

المغرب و العشاء الآخرة»(1). و السند في المشيخة صحيح.

و في مقابل ذلك روايات كثيرة تدل علي ان الوقت بعد مضي فترة من الزوال اما بمقدار صيرورة الظل الحادث بعد الزوال بمقدار ذراع أو بمقدار قدم أو بغير ذلك.

مثال الأوّل الذي تتجاوز رواياته العشر: رواية الصدوق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن وقت الظهر فقال: ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس. ثم قال: ان حائط مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان قامة و كان إذا مضي منه ذراع صلّي الظهر و إذا مضي منه ذراعان صلّي العصر.

ثم قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال:

لمكان النافلة. لك ان تتنفل من زوال الشمس إلي ان يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت الفريضة و تركت النافلة و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة»(2).

و مثال الثاني الذي يبلغ روايتين أو أكثر: صحيحة الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن وقت الظهر أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت»(3).7.

ص: 178


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب المواقيت الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب المواقيت الحديث 17.

و يمكن الجواب عن هذه الروايات و غيرها اما بأن الناظر إليها يفهم منها ان الغرض من جعل التأخير أداء النافلة - فمن لم تكن ثابتة في حقّه كالمسافر أو لم يرد اداءها فمن حقّه اداؤها بداية الزوال - أو لوجود الحاكم القاضي بتقدم الاولي و هو ما رواه الشيخ بسنده الي سعد بن عبد اللّه عن محمّد بن أحمد بن يحيي قال: «كتب بعض أصحابنا إلي أبي الحسن عليه السّلام: روي عن آبائك القدم و القدمين(1) و الأربع و القامة و القامتين و ظل مثلك و الذراع و الذراعين فكتب عليه السّلام: لا القدم و لا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة(2) و هي ثمان ركعات فان شئت طولت و ان شئت قصرت ثمّ صلّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة و هي ثمان ركعات ان شئت طولت و إن شئت قصرت ثمّ صلّ العصر»(3) فانها ناظرة الي الطائفتين و تقدّم الاولي.

و مع التنزل عن الجوابين المذكورين لا بدّ من طرح الثانية لمخالفتها لصريح القرآن الكريم و ما هو الثابت بين الأصحاب بالضرورة.

2 - و اما ان وقت الظهرين يمتد إلي الغروب

فهو المشهور بين أصحابنا. و تدلّ عليه جملة من الروايات كصحيحة معمر بن يحيي:

ص: 179


1- الظاهر ان المناسب: القدمان بالرفع. و هكذا في القامتين و الذراعين.
2- في مجمع البحرين 369:2: «السّبحة بالضم خرزات يسبّح بها. و السبحة أيضا: التطوع من الذكر و الصلاة و منه قضيت سبحتي».
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب المواقيت الحديث 13.

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: وقت العصر إلي غروب الشمس»(1) ، و غيرها.

و اختار جماعة منهم صاحب الحدائق(2) ان الامتداد المذكور خاص بذوي الاعذار دون المختار استنادا إلي بعض الروايات كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لكل صلاة وقتان، و أوّل الوقت أفضله، و ليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ في عذر من غير علّة»(3).

و فيه: ان جملة «أوّل الوقت أفضله» تدل علي جواز التأخير و إلاّ لم يكن وجه للتعبير بقوله «أفضله».

و تؤكّد ما ذكرناه روايات الموتور كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: الموتور أهله و ماله من ضيّع صلاة العصر، قلت: و ما الموتور أهله و ماله؟ قال: لا يكون له في الجنّة أهل و لا مال يضيّعها فيدعها متعمّدا حتّي تصفرّ الشمس و تغيب»(4) فان كون الجنّة مقرّا لمن يتعمّد في التأخير يدل علي جواز التأخير اختيارا.

و لو ضمّت هذه إلي صحيحة ابن سنان لكانت جملة «و ليس لأحد ان يجعل...» واضحة في انه ليس له ذلك و إلاّ كان موتورا.

و من الغريب ما في الحدائق(5) في وجه الجمع بأن الاولي مطلقة6.

ص: 180


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 13.
2- الحدائق الناضرة 89:6.
3- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب المواقيت الحديث 13.
4- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 10.
5- الحدائق الناضرة 92:6.

فتقيد بالثانية، إذ فيه ان حالة العذر ليست طبيعية، و حمل الإطلاق علي مثله بعيد.

3 - و اما اختصاص الظهر بأوّل الوقت و العصر بآخره

فهو المشهور. و ينسب الي الشيخ الصدوق و غيره اختيار عدم الاختصاص، غايته يجب تقديم الظهر لشرطية الترتيب.

و الثمرة تظهر في من صلّي العصر غفلة في أوّله فانه علي الأوّل تقع باطلة في حين علي الثاني تقع صحيحة لأنها لم تفقد سوي شرط الترتيب المختص بحالة الالتفات لقاعدة لا تعاد.

و تظهر أيضا في من صلّي الظهر في الآخر غفلة.

و يمكن الاستدلال للثاني بعدّة روايات منها الروايات الكثيرة الواردة بمضمون: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(1).

و استدل للأوّل بعدّة روايات منها رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتي يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضي ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتي يبقي من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتي تغيب الشمس»(2).

و هي و ان كانت واضحة الدلالة إلاّ انها ضعيفة بالإرسال.

و قد يدفع الضعف بالانجبار بعمل الأصحاب تارة و بان في السند الحسن بن علي بن فضال، و قد ورد في حقّ بني فضال: «خذوا

ص: 181


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب المواقيت.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 7.

ما رووا و ذروا ما رأوا»(1).

و يرد الاولي ان الاستناد إليها غير ثابت بعد وجود روايات اخري في الباب. علي انه لو ثبت فهو غير نافع ما لم يحصل الاطمئنان بسببه بصدق الرواية.

و يرد الثانية ان مستندها رواية الشيخ في الغيبة بسنده المنتهي الي عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ الجليل الحسين بن روح رحمه اللّه. قال: «سئل الشيخ عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل له:

فكيف نعمل بكتبه و بيوتنا منه ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما و قد سئل عن كتب بني فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منه ملاء؟ فقال صلوات اللّه عليه: خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا»(2) إلاّ انها ضعيفة سندا بالكوفي لجهالته و دلالة حيث يراد ان فساد العقيدة لا يحول دون الأخذ بالرواية و ليس المقصود الشهادة بصحّة جميع رواياتهم كما شهد الإمام العسكري عليه السّلام بصحّة جميع ما في كتاب يوم و ليلة ليونس حينما أدخله أبو هاشم الجعفري عليه و أخذ بتصفّحه بقوله: «هذا ديني و دين آبائي و هو الحقّ كلّه»(3).

و عليه فلا وجه لإصرار الشيخ الأعظم في صلاته(4) و غيره علي صحّة السند من جهة بني فضال.5.

ص: 182


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 13.
2- الغيبة: 239.
3- رجال الكشي رقم: 915.
4- الغيبة للشيخ الطوسي: 25.

و بعد ضعف مستند الأوّل يتعيّن الأخذ بالثاني.

4 - و اما ان بداية صلاة المغرب هو الغروب

فأمر متّفق عليه و انما الاختلاف فيما يتحقّق به الغروب، فالمشهور اعتبر ذهاب الحمرة المشرقية، و غيره اكتفي بالاستتار.

و الأخبار الدالّة علي القولين كثيرة و ان كان الدال علي الثاني أكثر حيث تبلغ عشرين أو أكثر، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها»(1).

و ما يمكن دعوي دلالته علي الأوّل يتجاوز العشر الا انه بين ما هو ضعيف الدلالة أو السند أو ضعيف من كلتا الناحيتين كرواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها»(2).

ان الرواية المذكورة ضعيفة سندا بالقاسم و دلالة حيث تدل علي ان انعدام الحمرة طريق لاكتشاف تحقق الاستتار من دون دلالة علي الحصر. و المنبّه علي ذلك الوجدان حيث يقتضي بأن الاستتار يتحقّق قبل انعدام الحمرة، أجل متي ما كانت الحمرة منعدمة فالاستتار متحقّق جزما. و كأن الرواية في صدد بيان طريق ميسّر لتعرّف الاستتار و هو انعدام الحمرة إذ كثيرا ما تحجب الأبنية عن الرؤية.

ثم انه مع التنزل و التسليم بتمامية السند و الدلالة يمكن القول بانها لا تقاوم الروايات السابقة لأنها صريحة في كفاية الاستتار بخلاف هذه

ص: 183


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 16.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 1.

فانها ظاهرة في اعتبار زوال الحمرة، و معلوم انه عند تعارض النص و الظاهر يلزم تأويل الظاهر بقرينة النص، و ذلك بالحمل علي ارادة الطريقية التكوينية لا حراز تحقق الاستتار أو غير ذلك.

و من الغريب ان يعكس الامر جماعة - كصاحب الوسائل مثلا(1) - و يقولوا بان روايات اعتبار ذهاب الحمرة أوضح دلالة و أبعد عن التأويل.

و إذا قيل: ان غياب القرص لا يراد به معناه العرفي بل الشارع ضمّن المغرب و الغيبوبة معني شرعيّا لا يتحقّق إلاّ بزوال الحمرة.

كان الجواب: ان الألفاظ لا بدّ من حملها علي معانيها العرفية و لا ينبغي تحميل المصطلحات الفقهية علي الروايات.

و ذكر الشيخ النائيني في المقام ان المورد من موارد المطلق و المقيّد، فان روايات الاستتار تدلّ بإطلاقها علي تحقّق المغرب بالاستتار سواء انعدمت الحمرة أم لا في حين ان روايات الحمرة تحدّد المغرب بالاستتار و زيادة، و هي انعدام الحمرة، فيكون ذلك علي وزان جاءني الأمير فانه لا يمتنع تقييده بما دلّ علي مجيء الأمير مع أتباعه(2).

و فيه: ان كلتا الطائفتين بما انهما واردتان في مقام التحديد فينعقد لكلّ واحدة مفهوم يتحقّق بسببه التباين بينهما فاحداهما تقول:

يتحقّق وقت المغرب بالاستتار سواء انعدمت الحمرة أم لا، و الاخري تقول: يتحقّق المغرب بالانعدام و لا يكفي الاستتار. و المثال المناسب ما1.

ص: 184


1- وسائل الشيعة 130:3.
2- كتاب الصلاة تقرير بحث الشيخ النائيني للشيخ الآملي 28:1.

لو قيل: متي وقت الدرس فاجيب تارة انه الساعة الاولي و اخري انه الساعة الثانية فهل يمكن ان يقال بعدم التعارض بينهما و انهما من باب المطلق و المقيّد لأنّ الأوّل يدل علي ان الوقت الساعة الاولي سواء انضمّت ساعة ثانية أم لا في حين ان الثاني يدل علي اعتبار الانضمام.

و اجيب عن التعارض أيضا بأن روايات الاستتار لموافقتها للعامّة محمولة علي التقيّة.

و فيه: ان الحمل علي التقية لا معني له بعد إمكان الجمع الدلالي.

مضافا إلي ان المناسب للتقيّة صدور رواية واحدة أو ثنتين لا عشرين.

و اجيب أيضا بترجيح روايات الحمرة من جهة ان اعتبار انعدام الحمرة كاد يكون من شعارات الشيعة.

و فيه: ان مجرّد الشعارية لا يثبت المطلوب فان الشهادة الثالثة شعار للشيعة و ليست واجبة.

و من هذا كلّه يتّضح أرجحيّة روايات الاستتار و ان كان الاحتياط أمرا لا ينبغي تركه.

5 - و قد وقع الاختلاف في نهاية المغرب

فالمشهور انها إلي نصف الليل. و قيل إلي غيبوبة الشفق. و الأوّل هو الوجيه لقوله تعالي:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (1) الدال علي جواز إيقاع الظهرين و المغربين إلي غسق الليل و هو انتصافه علي ما في صحيحة زرارة(2) ، نعم خرج الظهران بالدليل الخاص حيث يلزم ايقاعهما قبل المغرب و يبقي الباقي مشمولا للإطلاق.

ص: 185


1- الاسراء: 78.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب اعداد الفرائض الحديث 1.

و تؤيّد ذلك رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلي نصف الليل إلاّ ان هذه قبل هذه»(1).

و اما الروايات المعارضة كموثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن وقت المغرب قال: ما بين غروب الشمس الي سقوط الشفق»(2) فلمخالفتها لإطلاق الكتاب الكريم لا بدّ من طرحها.

علي ان الفترة ما بين الغروب و زوال الشفق قصيرة فلو فرض انحصار الوقت بها لانتشر ذلك و ذاع.

و عليه فالوقت يمتدّ إلي نصف الليل بل للمضطر يمتد إلي الفجر لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء أو نسي فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما...»(3). و لا يبعد كون النوم و النسيان مثالا لمطلق المعذور.

6 - المعروف ان بداية صلاة العشاء ما بعد صلاة المغرب

. و قيل عند سقوط الشفق. و الأوّل هو الوجيه لإطلاق آية الغسق و لعدّة روايات كصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة و انما فعل ذلك ليتسع الوقت علي امّته»(4).

ص: 186


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 24.
2- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب المواقيت الحديث 14.
3- وسائل الشيعة الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب المواقيت الحديث 2.

و اما مثل صحيحة الحلبي: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام متي تجب العتمة؟ قال: إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة...»(1) فمحمولة علي الأفضلية فان لم تقبل ذلك تطرح لموافقة الأولي للكتاب الكريم.

7 - المشهور امتداد وقت العشاء إلي نصف الليل

. و عن الشيخ المفيد و الطوسي امتداده إلي ثلثه(2).

و الصحيح الأوّل لإطلاق آية الغسق و لعدّة روايات كصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لو لا اني أخاف ان أشقّ علي أمّتي لأخّرت العتمة إلي ثلث الليل. و أنت في رخصة إلي نصف الليل و هو غسق الليل...»(3). و المعارض مدفوع بما سبق.

8 - و اما اختصاص المغرب بأوّل الوقت و العشاء بآخره

فلمرسلة داود بن فرقد المتقدّمة عند البحث عن الظهرين. و قد عرفت التأمّل فيها.

9 - و اما امتداد العشاءين إلي طلوع الفجر للمضطر

فلصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء أو نسي فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما و ان خشي ان تفوته احداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة...»(4) و غيرها.

10 - و اما ان بداية صلاة الصبح طلوع الفجر

فلا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ

ص: 187


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الحدائق الناضرة 193:6.
3- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 7.
4- وسائل الشيعة الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 3.

اَلْفَجْرِ (1) فان المراد من قرآن الفجر هو صلاة الصبح، و لا وجه لنسبتها إلي الفجر إلاّ كون بدايتها ذلك.

و دلّت عليه الروايات الكثيرة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة»(2).

11 - و اما ان نهايتها طلوع الشمس

فهو المشهور. و قيل إلي طلوع الحمرة المشرقية للمختار و إلي طلوع الشمس لغيره.

و المناسب الأوّل لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس»(3).

و اما مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلي ان يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام...»(4) فمحمول بقرينة الاولي علي بيان الأفضل.

علامات الأوقات
اشارة

و علامة الفجر - أي الصادق - التبين التقديري.

و علامة الزوال زيادة الظلّ أو حدوثه.

ص: 188


1- الاسراء: 78.
2- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب المواقيت الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب المواقيت الحديث 6. و لا تأمّل في سند الرواية إلاّ من ناحية موسي بن بكر، و يمكن إثبات وثاقته من خلال ما رواه الكليني من دفع صفوان كتاب موسي الي ابن سماعة قائلا: «هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا». كتاب الميراث من الكافي 97:7، باب ميراث الولد مع الزوج الحديث 3.
4- وسائل الشيعة باب 26 من أبواب المواقيت الحديث 5.

و منتصف الليل نصف ما بين الغروب إلي طلوع الفجر. و قيل إلي طلوع الشمس.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان المراد من الفجر هو الصادق دون الكاذب

فموضع وفاق بين المسلمين. و تدل عليه روايات متعدّدة شبه فيها الفجر الصادق بالقبطية البيضاء و بنهر سوراء بخلاف الكاذب فانه شبّه بذنب السرحان، ففي صحيحة أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: متي يحرم الطعام و الشراب علي الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال: إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء»(1). و في صحيحة علي بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الفجر هو الذي إذا رأيته كان معترضا كأنه بياض نهر سوراء»(2).

2 - و اما ان علامة الفجر هي التبين

فلقوله تعالي: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (3).

3 - و اما ان المراد به التقديري دون الفعلي

فلان التبين يؤخذ عرفا

ص: 189


1- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب المواقيت الحديث 2. الفجر الكاذب نور يظهر في السماء صاعدا كالعمود منفصلا عن الافق و سرعان ما ينعدم و تتعقبه ظلمة. و يشبّه بذنب السرحان - الذئب - لان باطن ذنبه ابيض و بجانبيه سوادا. و الفجر الصادق نور يظهر بعد ذلك منبسطا في عرض الافق كنصف دائرة. و يشبّه بالقبطية البيضاء و بنهر سوراء، فان القبطية - بضم القاف - ثياب رقاق بيض تنسب إلي القبط و هم أهل مصر. و سوري موضع ببابل من العراق فيه نهر.
3- البقرة: 187.

بنحو الطريقيّة دون الموضوعية فهو طريق لإثبات تحقّق ذلك الوقت الواقعي. و لو كان مأخوذا بنحو الموضوعيّة بحيث يلزم تحققه بالفعل لزم الحكم بعدم تحقق الفجر في حالة وجود الغيم أو غيره من الموانع إلاّ بعد فترة طويلة. كما يلزم ان يكون الفجر في الليلة الواحدة متحققا علي تقدير تحقق الخسوف فيها و غير متحقق علي تقدير عدمه، و هو بعيد جدا.

و بهذا يتّضح ان ما اختاره الشيخ الهمداني(1) و بعض الأعلام المتأخّرين من اختلاف الفجر باختلاف كون الليلة مقمرة أو لا موضع تأمّل.

و إذا قيل: إذن كيف يحكم الفقهاء في باب تنجس الماء الكثير بالتغيّر بكون المدار علي التغيّر الفعلي.

كان الجواب: ان ظاهر كل عنوان اعتباره بنحو الفعليّة إلاّ إذا دلّت القرائن علي الخلاف، و هي ثابتة كما أشرنا إليه.

4 - و اما الزوال فله عدّة علامات منها ما اشير إليه

، فانه كلّما

ص: 190


1- قال في مصباح الفقيه: 25 «مقتضي ظاهر الكتاب و السنّة و كذا فتاوي الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر و تبيّنه في الافق بالفعل فلا يكفي التقدير مع القمر لو أثّر في تأخّر تبين البياض المعترض في الافق. و لا يقاس ذلك بالغيم و نحوه فان ضوء القمر مانع عن تحقّق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر، و الغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقّق». أقول: في الفرق خفاء، فان نور القمر كنور المصابيح الكهربائية في زماننا، فكما ان الثاني لا يمنع من تحقق البياض فكذا الاول، و مجرد ان احدهما تحت اختيارنا دون الآخر لا يصلح فارقا. و ان شئت قلت: ان تحقق البياض ناشئ من الموقعية الخاصة للشمس لا من عدم ضوء القمر ليكون - ضوء القمر - مانعا من تحققه و انما دوره المانعية من رؤية البياض كما يمنع نور المصابيح الكهربائية من ذلك.

وضع شاخص عمودي علي الأرض يحدث له ظل طويل إلي جانب المغرب بشروق الشمس و يأخذ تدريجا بالنقصان إلي ان تصل الشمس إلي خط نصف النهار فينتهي و يأخذ بالزيادة بعد ذلك. و تلك الزيادة دليل علي عبور الشمس خط نصف النهار الذي به يتحقق الزوال.

هذا إذا لم تصر الشمس مسامتة للشاخص و الا - كما في مكة المكرّمة في بعض أيّام السنة - انعدم.

و هذه العلامة مضافا إلي كونها وجدانية اشير إليها في رواية سماعة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك متي وقت الصلاة فأقبل يلتفت يمينا و شمالا كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت هذا تطلب؟ قال: نعم، فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ثمّ قال: ان الشمس إذا طلعت كان الفيء طويلا ثم لا يزال ينقص حتي تزول فإذا زالت زاد فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر...»(1).

و من العلائم صيرورة الشمس علي الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب حيث يصير خط نصف النهار ما بين الحاجبين فإذا مالت إلي الحاجب الأيمن كان ذلك دليلا علي انحرافها عن خط نصف النهار.

و هي مضافا إلي كونها وجدانية قد اشير إليها في رواية المجالس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت علي حاجبه الايمن»(2).

5 - و اما ان المدار في منتصف الليل إلي طلوع الفجر و ليس إلي

طلوع الشمس

فللوجدان العرفي - كما لو قيل لشخص جئني في الليل

ص: 191


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 5.

و جاء قبل طلوع الشمس بربع ساعة فانه لا يعدّ ممتثلا - و صحيحة مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «متي اصلّي صلاة الليل؟ فقال: صلها آخر الليل»(1) و غيرها ممّا هو بهذا المضمون أو ما يقرب منه.

6 - و اما القول الآخر

فاستدل له بقوله تعالي: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (2). فان الغسق عبارة عن شدّة الظلمة و فسّر في الروايات بمنتصف الليل، و واضح ان شدّة الظلمة تتحقّق في المنتصف بمعني ما بين الغروب إلي طلوع الشمس و ليس بمعني المنتصف بين الغروب و الفجر فانه ببزوغ الشمس تتنوّر الأشياء و تبلغ شدّة ذلك حينما تصل الي خط نصف النهار ثم يأخذ بالضعف و تظلّم الأشياء بالتدريج إلي ان تصل الشمس خط نصف الليل من الجانب الثاني فتبلغ الظلمة أوجها. و بذلك يثبت ان المنتصف عبارة عن النصف من الغروب إلي طلوع الشمس.

و فيه: ان المفروض تفسير الغسق بشدّة الظلمة لا بأشدّها، و معه فلا يتوقّف تطبيق الغسق علي نصف الليل علي إرادة المنتصف إلي طلوع الشمس.

أحكام خاصة بالوقت
اشارة

لا تجزئ الصلاة إلاّ مع احراز دخول الوقت بعلم أو بيّنة أو اذان الثقة العارف أو اخبار الثقة.

و من أحرز دخوله فصلّي و لم يقع شيء منها فيه وقعت باطلة، و مع وقوع شيء منها فيه فالمشهور صحّتها.

ص: 192


1- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب المواقيت الحديث 6.
2- الاسراء: 78.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة إلي عدم الاجزاء مع عدم الاحراز

فلقاعدة الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني و استصحاب عدم دخول الوقت.

و من الغريب ما اختاره صاحب الحدائق(1) من الاكتفاء بالظن بدخول الوقت استنادا إلي طائفتين من الروايات القابلة للمناقشة فراجع.

2 - و اما كفاية البيّنة في الاحراز

فهي تتمّ بناء علي عموم دليل حجيّة البيّنة لمثل المقام.

و المدرك لحجّيّتها أحد أمرين:

الأوّل: التمسّك بما دل علي حجّيتها في باب القضاء كقوله صلّي اللّه عليه و آله في صحيحة هشام بن الحكم: «انما أقضي بينكم بالبيّنات و الايمان»(2) فان ذلك و ان كان خاصّا بباب القضاء إلاّ انه يمكن تعدية ذلك إلي المقام بالأولوية فان جعل الحجيّة لبيّنة المدّعي المعارضة دائما للقواعد الموافقة لقول المنكر من قبيل قاعدة اليد و نحوها من الامارات العقلائية يستلزم جعلها للبيّنة في المقام الذي ليس فيه معارض سوي استصحاب عدم دخول الوقت بالأولي.

و نوقش ذلك بعدم القطع بالأولوية بعد احتمال ان تكون حجية البيّنة في باب القضاء لأجل فصل الخصومة الذي لولاه لاختل النظام و ليس لأجل كشفها عن الواقع ليقال بان حجيتها في غير المقام تستلزم

ص: 193


1- الحدائق الناضرة 295:6.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب كيفية الحكم و الدعوي الحديث 1.

حجيتها في المقام لعدم الفرق لو لم يكن المقام أولي بالحجية.

الثاني: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ شيء هو لك حلال حتّي تعلم انّه حرام بعينه فتدعه... و الأشياء كلّها علي هذا حتّي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة»(1).

و نوقش الاستدلال بالرواية المذكورة بانها خاصّة بموارد الشكّ في الحل و الحرمة دون مثل المقام. مضافا الي احتمال كون المقصود من البيّنة معناها اللغوي و هو ما يتبين به الأمر لا شهادة العدلين فانه معني اصطلاحي حادث. علي ان مسعدة لم تثبت وثاقته إلاّ بناء علي كبري وثاقة كل من ورد في كامل الزيارة.

و سواء تمّ هذان الوجهان للتعميم أم لا فالبحث المذكور غير مهم بناء علي حجيّة خبر الثقة بشكل مطلق.

3 - و اما اذان الثقة

فالمعروف حجيّته لأنه من مصاديق خبر الثقة و لبعض النصوص الخاصّة من قبيل صحيحة ذريح المحاربي: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ الجمعة باذان هؤلاء فانهم أشدّ شيء مواظبة علي الوقت»(2).

و ذهب البعض إلي عدم حجّيته لنصوص اخري من قبيل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام: «في الرجل يسمع الاذان فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا غير انه يظن لمكان الاذان انه طلع، قال:

لا يجزيه حتي يعلم انه قد طلع»(3).

ص: 194


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الاذان الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 58 من أبواب المواقيت الحديث 4.

و فيه: ان الرواية المذكورة و ان كانت صحيحة باعتبار ان الحرّ ينقلها من كتاب علي بن جعفر و طريقه إليه صحيح حيث يمر بالشيخ الطوسي الذي له طريق صحيح إليه في الفهرست(1) إلاّ انها مطلقة من حيث كون المؤذن ثقة أو لا فيمكن حملها علي غيره خصوصا ان السائل فرض حصول الشك له في دخول الوقت و العادة قاضية بعدمه مع فرض الوثاقة.

4 - و اما خبر الثقة

فحجّيّته في المقام بل في مطلق الموضوعات محل خلاف. و قد ذكر الشيخ النائيني ان آية النبأ قاصرة الدلالة علي حجيّة خبر العادل، و المهم هو السنّة و هي خاصة بباب الأحكام، و لو كانت مطلقة يلزم تقييدها برواية مسعدة التي ورد فيها: «و الامور كلّها علي هذا حتي يستبين غير ذلك أو تقوم به البيّنة»(2).

و فيه: ان السيرة العقلائية قد انعقدت علي التمسّك بخبر الثقة و لم يثبت الردع الشرعي فتكون ممضاة. و رواية مسعدة لا تصلح للردع لا لعدم ثبوت وثاقة مسعدة - فان احتمال صدق الرواية يستلزم احتمال الردع و هو يكفي لعدم احراز الامضاء - بل لان هذا المقدار من الردع لا يكفي بعد استحكام السيرة و قوّتها فان قوّة الردع لا بدّ و ان تتناسب و قوّة المردوع.

و ممّا يؤكّد حجيّة خبر الثقة في الموضوعات الروايات الخاصّة في الموارد المتفرّقة و التي منها الرواية السابقة و غيرها ممّا دل علي حجيّة اذان الثقة.

ص: 195


1- الفهرست: 88.
2- كتاب الصلاة للشيخ الآملي 62:1.

و منها: موثقة سماعة: «سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: ان هذه امرأتي و ليست لي بيّنة. فقال:

ان كان ثقة فلا يقربها و ان كان غير ثقة فلا يقبل منه»(1).

هذا و يمكن أيضا استفادة حجيّة خبر الثقة بشكل مطلق من صحيحة أحمد بن إسحاق حيث ورد فيها عن أبي الحسن عليه السّلام: «العمري و ابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعني يؤدّيان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و أطعهما فانهما الثقتان المأمونان»(2).

5 - و اما ان من وقعت تمام صلاته قبل الوقت يعيد

فلعدم تحقّق المأمور به و قاعدة لا تعاد بعد كون الوقت من المستثني.

6 - و اما ما ذهب إليه المشهور

فيمكن الاستدلال له برواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا صليت و أنت تري انك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»(3) إلاّ ان إسماعيل مجهول، و القاعدة تقتضي الإعادة.

القبلة
اشارة

يجب استقبال القبلة في جميع الصلوات الواجبة، و هي المكان الذي فيه الكعبة المشرّفة. و من صلّي إلي غير القبلة خطأ فإن كان انحرافه ما بين المشرق و المغرب صحّت صلاته، و ان كان أكثر أعاد في الوقت دون خارجه.

و المستند في ذلك:

ص: 196


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب المواقيت الحديث 1.
1 - اما وجوب الاستقبال في الصلاة الواجبة

فلتسالم جميع المسلمين عليه بل و قضاء الضرورة. و تدل عليه جملة من النصوص، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا صلاة إلاّ إلي القبلة...»(1) و حديث: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود»(2) ، و سند ابن بابويه إلي زرارة في كلا الحديثين صحيح في المشيخة.

2 - و اما النافلة

فمقتضي إطلاق صحيحة زرارة اعتبار القبلة فيها، و لكن دلّت جملة من الروايات علي جواز المشي فيها كصحيحة يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام... قلت: يصلّي و هو يمشي؟ قال: نعم يومي إيماء و ليجعل السجود أخفض من الركوع»(3) فان لازم جواز المشي عرفا سقوط شرطية القبلة. و الصحيحة محمولة علي النافلة لعدم احتمال إرادة الفريضة منها.

3 - و اما ان القبلة هي المكان المذكور

فهو القول الصحيح في تحديد المقصود من القبلة. و قيل: هي البنية نفسها إلاّ ان ذلك باطل للزوم انعدام القبلة بانهدام البنية و لا تعود بإعادة بنائها. و أيضا يلزم منه بطلان صلاة البلدان الواقعة أعلي أو أخفض من مكة.

بل و في بعض الأخبار إشارة إلي ردّ القول المذكور، ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله رجل قال: صلّيت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك و الكعبة تحتي؟ قال: نعم انها

ص: 197


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب القبلة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب القبلة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب القبلة الحديث 4.

قبلة من موضعها إلي السماء»(1).

و سند الشيخ إلي الطاطري و إن كان ضعيفا في المشيخة(2) بابن كيسبة - و اما ابن عبدون فهو من مشايخ النجاشي المحكوم بوثاقتهم، و ابن الزبير من مشايخ الإجازة - لكنّه صحيح في الفهرست(3).

و لكن يبقي علي القول الصحيح و انها المكان الذي فيه البنية بطلان صلاة بعض الصف الطويل فان كل جدار للكعبة المشرّفة إذا كان يساوي 24 ذراعا فلازمه بطلان صلاة الصف بالمقدار الزائد علي ما ذكر و تنحصر صحّة الصلاة بمن يخرج من موقفه خط مستقيم إلي الكعبة.

و يرده: ان المدار علي المواجهة العرفية دون الدقية، و هي تتسع بزيادة البعد، فقبر الامام الحسين عليه السّلام قد لا تصدق مواجهته من قرب إلاّ في حقّ خمسة أشخاص بينما من بعد يمكن ان يواجهه أهل بلد كامل.

و هذا معني العبارة التي تقول: «جهة المحاذاة مع البعد متسعة» أو «ان الجرم الصغير كلّما ازداد بعدا ازداد محاذاة».

4 - و اما صحة الصلاة لمن لم يزد انحرافه عمّا بين المشرق

و المغرب

- أي كان انحرافه عن القبلة أقل من 90 درجة - فلجملة من النصوص كصحيحة معاوية بن عمّار انه سأل الصادق عليه السّلام: «عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيري انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال له: قد مضت صلاته، و ما بين المشرق

ص: 198


1- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب القبلة الحديث 1.
2- مشيخة تهذيب الاحكام: 76.
3- الفهرست: 92.

و المغرب قبلة»(1). و طريق الصدوق إلي معاوية صحيح في المشيخة.

و إذا قلت: كيف لا تجب الإعادة و القبلة من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد.

قلت: من صلّي ما بين المشرق و المغرب فقد صلّي الي القبلة و لم يختل في حقّه شرط القبلة و انما هو مختل في من زاد انحرافه عن ذلك و لذا تجب عليه الإعادة.

5 - و اما ان من زاد انحرافه عن ذلك تجب عليه الإعادة دون

القضاء

فلجملة من النصوص كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا صلّيت و أنت علي غير القبلة و استبان لك أنك صليت و أنت علي غير القبلة و أنت في وقت فأعد و ان فاتك الوقت فلا تعد»(2).

الطهارة

يعتبر في صحّة الصلاة الطهارة من الحدث و الخبث.

و البحث عن ذلك تقدّم في كتاب الطهارة.

ستر العورة
اشارة

لا تصح الصلاة إلاّ مع ستر العورة. و هي في الرجل القضيب و الانثيان و الدبر و في المرأة جميع بدنها إلاّ الوجه - بمقدار ما يبرز عند الخمار - و الكفين إلي الزندين و القدمين إلي الساقين.

و يعتبر في الساتر مضافا إلي طهارته إباحته - علي المشهور - و عدم كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه و لا من أجزاء غير المذكي التي تحلّها الحياة.

ص: 199


1- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 1.

كما يعتبر في حقّ الرجال ان لا يكون من الذهب و الحرير الخالص.

و المشكوك من غير جهة الإباحة تجوز الصلاة فيه.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم الستر في الصلاة

فهو متسالم عليه. و قد جاء في المستمسك(1) ان استفادة الشرطية من النصوص حتي لحالة عدم الناظر غير ممكنة و العمدة هو الإجماع.

هذا و الظاهر امكان ذلك، ففي صحيحة صفوان انه كتب إلي أبي الحسن عليه السّلام يسأله «عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيّهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلّي فيهما جميعا»(2) فانه بترك الاستفصال يفهم وجوب الستر و إلاّ كان المناسب الاكتفاء بالصلاة عاريا حالة الأمن من الناظر.

و سند الصدوق و الشيخ إلي صفوان صحيح.

2 - و اما ان العورة في حق الرجل ما ذكر دون ما زاد كالعجان

فيكفي لنفي الزيادة عدم الدليل عليها، و لإثبات المقدار المذكور بعض الروايات كصحيحة زرارة الواردة في الرجل و المرأة اللذين سلبت ثيابهما و أرادا الصلاة: «... و ان كان رجلا وضع يده علي سوأته ثمّ يجلسان فيوميان ايماء و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما...»(3).

3 - و اما تحديد عورة المرأة في الصلاة بما ذكر

فهو المعروف

ص: 200


1- مستمسك العروة الوثقي 251:5.
2- وسائل الشيعة الباب 64 من أبواب النجاسات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 50 من أبواب لباس المصلي الحديث 6.

و ان كان ينسب الي ابن الجنيد ان مقدارها كما في الرجل و الي ابن زهرة و ابي الصلاح و الشيخ انها جميع البدن ما عدا موضع السجود(1).

و المناسب ان يقال: يمكن استفادة وجوب ستر المرأة بدنها في الجملة من روايات الملحفة كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام: «المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال: تلتف فيها و تغطي رأسها و تصلي فإن خرجت رجلها و ليس تقدر علي غير ذلك فلا بأس»(2).

و انما الإشكال بلحاظ بعض مواضع البدن كالرأس و الشعر و العنق.

اما الرأس فقد ذكرت الصحيحة وجوب تغطيته بيد انه ورد في موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة ان تصلّي و هي مكشوفة الرأس»(3).

الا انه لا بدّ من تأويلها بشكل و آخر لهجران الأصحاب لمضمونها.

و اما الشعر فتدلّ علي وجوب ستره الصحيحة المتقدّمة فيما إذا لم يكن طويلا لأنّ تغطية الرأس لا تتحقّق إلاّ بتغطيته، و اما الطويل فلا دليل علي وجوب ستره.

و لا يمكن الاستدلال علي ذلك بصحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام:5.

ص: 201


1- الحدائق الناضرة 7:7.
2- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب لباس المصلي الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب لباس المصلي الحديث 5.

«صلّت فاطمة عليها السّلام في درع و خمارها علي رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و اذنيها»(1) فان الفعل لا يدل علي الوجوب.

و دعوي ان الامام عليه السّلام ليس في صدد نقل قصّة بل بيان حكم شرعي مدفوعة باحتمال ان الحكم الذي يريد عليه السّلام بيانه هو الاستحباب.

و اما العنق فمقتضي صحيحة فضيل المتقدّمة عدم وجوب ستره.

أجل يمكن الاستدلال علي ذلك بروايات الخمار و ان المرأة لا بدّ و ان تتخمّر، ففي موثقة ابن أبي يعفور: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: ازار و درع و خمار...»(2) و الخمار - كما هو واضح - يستر العنق بل الصدر كما قال تعالي: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلي جُيُوبِهِنَّ (3).

و صحيحة فضيل لا تعارض ذلك لا مكان حملها علي حالة التعذّر.

4 - و اما استثناء الوجه

فيكفي فيه القصور في المقتضي. و علي تقدير تماميته تكفي روايات الخمار لإثبات ذلك.

و اما الكفّان و القدمان فيكفي لا ثبات استثنائهما القصور في المقتضي.

أجل قد يقال بالنسبة الي القدمين بأن المفهوم من ذيل صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة وجوب سترهما حالة التمكن.

و يرده: ان مفهوم ذلك هو الايجاب الجزئي دون الايجاب الكلّي.

5 - و اما المقدار الذي يجوز كشفه من الوجه

فهو ما يبرز عند

ص: 202


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب لباس المصلي الحديث 8.
3- النور: 31.

التخمّر تمسّكا بروايات الخمار.

نعم مقتضي صحيحة فضيل الحاكية لخمار الصديقة الطاهرة عليها السّلام جواز كشف أكثر من ذلك إلاّ ان تحمل علي حالة التعذر.

و اما التحديد في القدمين و الكفّين بمقدار الساقين و الزندين فللاتفاق علي عدم جواز الكشف أكثر من ذلك.

6 - و اما الاباحة في لباس المصلّي

فلم تدل علي اعتبارها رواية.

و اختلف الأعلام في ذلك فقيل بالاعتبار حتي في المحمول و قيل بالتفصيل بين الساتر الفعلي و غيره و قيل بالعدم مطلقا. و في الكافي نسبة ذلك الي الفضل بن شاذان و انه كان يقول: «لو ان رجلا غصب ثوبا أو أخذه و لبسه بغير اذنه فصلّي فيه لكانت صلاته جائزة و كان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهيّ عن ذلك صلّي أو لم يصل...»(1).

و استدل علي الاشتراط بما يلي:

أ - ما ذكره جماعة منهم الشيخ النائيني من ان الهوي الي الركوع جزء من الصلاة و حيث انه حركة غصبية للثوب فيكون محرما و من ثمّ باطلا، و بطلان الجزء يستلزم بطلان الكل.

و توجيه جزئية الهوي: ان الركوع يبتدأ من حين الهوي و هو جزء منه و لا يبتدأ من بعد الهوي لان القيام المتعقّب بالركوع - أي الحاصل بعده الركوع - ركن. و عنوان القيام المتعقّب بالركوع لا يتحقّق إذا لم يكن الهوي جزءا من الركوع للزوم حصول فاصل بين القيام و الركوع

ص: 203


1- فروع الكافي 94:6.

باجنبي و المفروض ان الركن الواجب هو القيام المتصل به الركوع، و هكذا الكلام بالنسبة للهوي إلي السجود(1).

و فيه: ان الحركة إلي الركوع و السجود تغاير حركة الثوب فالاولي قائمة ببدن المصلّي و الثانية بالثوب، و مع اختلاف المحل لا تكون واحدة ليقال ان الحركة إلي الركوع و السجود مع افتراض كونها غصبية محرمة تقع باطلة و لا تكون مصداقا للواجب. أجل الحركتان متقارنتان و ليستا متّحدتين.

ب - ان الركوع و السجود علّتان لتحريك الثوب، و حيث ان علّة المحرم محرمة فيلزم حرمتهما و من ثمّ بطلانهما لأنهما عبادة.

و فيه: ان علة الحرام لا تكون محرمة إلاّ إذا كانت علّة تامّة، و الركوع و السجود ليسا كذلك إذ عدم نزع الثوب مقارنا للركوع جزء أيضا لعلّة التحرّك.

و إذا قيل: المفروض عدم تحقّق النزع فيلزم تمامية العلّة.

كان الجواب: إذا كانت العلّة مركبة فالمحرم هو المجموع أو الجزء الأخير. هذا مضافا إلي ان الحرمة علي تقدير التسليم بها غيرية و هي لا تمنع من التقرّب.

ج - ان التستر حيث انه واجب في الصلاة فلا يجوز ان يكون بالمغصوب لاستحالة ان يكون الحرام مصداقا للواجب.

و فيه: ان التستر ليس واجبا بل الواجب نتيجته و هو الانستار، و لا محذور في كونه واجبا و مقدّمته محرّمة.1.

ص: 204


1- تقريرات الكاظمي لبحث استاذه النائيني في الصلاة 366:1.

علي ان التستر ليس واجبا مولويّا بل شرطيّا، و لا محذور في كون المحرم مصداقا للواجب الشرطي.

7 - و اما اعتبار عدم كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه

فلموثقة ابن بكير: «سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فأخرج كتابا زعم انه املاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتي يصلّي في غيره...»(1).

و دعوي صاحب المدارك ان «الروايات لا تخلو من ضعف في السند أو الدلالة و المسألة محل إشكال»(2) مدفوعة بالموثقة المذكورة. و لعل ما ذكره مبني علي رأيه في اشتراط العدالة في رواة الرواية.

8 - و اما اعتبار ان لا يكون من أجزاء الميتة

فلموثقة ابن بكير المتقدّمة حيث ورد في ذيلها: «فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره... و كلّ شيء منه جائز إذا علمت انه ذكي» و غيرها.

9 - و اما استثناء ما لا تحلّه الحياة

فلصحيحة الحلبي: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح»(3) و غيرها. و بعموم التعليل يتعدي إلي غير الصوف.

10 - و اما عدم جواز لبس الذهب للرجال

فلموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه لأنه من لباس أهل

ص: 205


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.
2- مدارك الأحكام 162:3-163.
3- وسائل الشيعة الباب 68 من أبواب النجاسات الحديث 1.

الجنّة»(1). و بضمّ قاعدة النهي عن العبادة مفسد لها يثبت فساد الصلاة.

و اما وجه اختصاص الحكم بالرجال فمن جهة تخصيص النهي في الموثقة بالرجل.

11 - و اما انه لا يكون من الحرير الخالص

فلمكاتبة محمّد بن عبد الجبّار: «كتبت إلي ابي محمد عليه السّلام أسأله هل يصلّي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحلّ الصلاة في حرير محض»(2).

و اما التخصيص بالرجال فلموثقة سماعة: «لا ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض و هي محرمة...»(3) بناء علي ان تخصيص المنع بالمرأة حالة احرامها يفهم منه عدم المحذور فيه في غير حالة الاحرام، و لو لا ذلك كان مقتضي اطلاق المكاتبة شمول الحكم للمرأة.

12 - و اما عدم جواز الصلاة في المشكوك إباحته

فلأصالة عدم طيب نفس المالك.

و اما جواز الصلاة في المشكوك من غير جهة الإباحة فلأصالة البراءة من وجوب الصلاة المقيّدة بعدم لبس المشكوك بعد وضوح كون المانعية انحلالية بعدد افراد المانع في الخارج.

مكان المصلّي
اشارة

لا تصح الصلاة في المكان المغصوب إلاّ إذا اذن المالك. و لا في المكان

ص: 206


1- وسائل الشيعة الباب 30 من أبواب لباس المصلي الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب لباس المصلي الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب لباس المصلي الحديث 4.

المشترك لأحد الشركاء بدون إذن البقيّة.

و يعتبر في مسجد الجبهة زيادة علي ما ذكر كونه أرضا أو ممّا انبتته من غير المأكول و الملبوس أو من القرطاس.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار إباحة المكان

فهو المشهور. و نسب الخلاف إلي الفضل بن شاذان.

و علي تقدير اعتبارها فهل هي لازمة في جميع أجزاء الصلاة أو في خصوص محل السجود؟ المعروف هو الأوّل. و المناسب هو الثاني.

اما انه لا يعتبر ذلك في غير السجود فلان مثل الركوع هيئة خاصّة بين أجزاء الإنسان و لا يحصل بها تصرّف زائد علي أصل الكون في المغصوب، فالشخص يقال له: لا تتواجد في المغصوب و لا يقال له: إذا تواجدت فلا تنحن، و معه فلا يكون محرّما بحرمة زائدة علي أصل الكون.

و اما انه يعتبر ذلك في محل السجود فلان السجود نحو من القاء الثقل علي الأرض و هو نحو من التصرّف الزائد فيها.

2 - و اما الصحّة مع الاذن

فلتحقّق الإباحة للمأذون.

3 - و اما انه يعتبر إذن جميع الشركاء في المشترك

فلان المالك لما كان هو المجموع - لفرض الاشاعة - فيعتبر إذنه.

4 - و اما انه يعتبر في مسجد الجبهة ما ذكر

فيأتي بيان مستنده عند البحث عن السجود.

ص: 207

مقدّمات الصلاة
اشارة

الاذان و الإقامة

يستحبّ الاذان و الاقامة قبل الصلاة اليومية خصوصا المغرب و الغداة.

و يسقط الاذان عزيمة للعصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر و للعشاء ليلة المزدلفة إذا جمعت مع المغرب.

و يسقطان معا عمّن دخل في الجماعة التي اذن لها و اقيم و عمّن دخل المسجد قبل تفرّق الجماعة و عمّن سمع شخصا آخر يؤذن و يقيم للصلاة.

و فصول الاذان: التكبير أربع ثم الشهادة بالتوحيد ثم الشهادة برسالة النبي صلّي اللّه عليه و آله ثم حيّ علي الصلاة ثم حي علي الفلاح ثمّ حي علي خير العمل ثم اللّه أكبر ثمّ جملة لا إله إلاّ اللّه. كل ذلك مرّتان.

و بالكيفية نفسها الاقامة و جميع فصولها مرّتان إلاّ التهليل آخرها فانه مرّة.

و يزاد فيها بعد الحيعلات قبل التكبير جملة «قد قامت الصلاة» مرّتين.

و تستحب بعد الشهادتين الشهادة الثالثة لعليّ عليه السّلام بالولاية و إمرة المؤمنين من دون ان تكون جزءا منهما.

و المستند في ذلك:

1 - اما استحباب الاذان و الاقامة

فمن المسلّمات. و تدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أذنت و أقمت صلّي خلفك صفّان من الملائكة و إذا أقمت صلّي خلفك صف من الملائكة»(1) و غيرها. و مقتضي إطلاقها الشمول للمرأة و السفر و الفرادي

ص: 208


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الاذان و الإقامة الحديث 3.

و المرض و القضاء أيضا.

هذا و قد قيل بوجوبهما في الجماعة و في الصبح و المغرب استنادا إلي ظهور بعض الروايات الذي لا بدّ من رفع اليد عنها بصراحة صحيحة صفوان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و الاذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل»(1).

هذا مضافا إلي انهما لو كانا واجبين لاشتهر ذلك و شاع لشدّة الابتلاء و لما اختص القول بالوجوب بنادر.

2 - و اما الخصوصيّة للمغرب و الغداة

فلصحيحة صفوان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و لا بد في الفجر و المغرب من اذان و إقامة في الحضر و السفر لأنه لا يقصّر فيهما في حضر و لا سفر»(2).

3 - و اما سقوط الاذان في الموردين

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «السنّة في الاذان يوم عرفة ان يؤذن و يقيم للظهر ثمّ يصلّي ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير اذان. و كذلك المغرب و العشاء بمزدلفة»(3) ، و الحكم يختص بحالة الجمع بقرينة التعبير ب «ثمّ» الدال علي الاتصال، كما انه يختص بالموجود في عرفة للتعبير بضمير الغائب دون المخاطب. مضافا الي امكان استفادة ذلك من الذيل.

4 - و اما سقوطهما عن الداخل في جماعة

فللسيرة القطعيّة و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يدخل المسجد و قد صلّي القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال: ان كان دخل و لم يتفرّق الصف صلّي

ص: 209


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الاذان و الاقامة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الاذان و الاقامة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 36 من أبواب الاذان و الاقامة الحديث 1.

باذانهم و إقامتهم»(1) فانها تدل علي حكم المقام بالأولوية.

و التخصيص بما إذا اذنت و أقامت لكون ذلك هو القدر المتيقن فيتمسّك في غيره بالإطلاقات.

5 - و اما سقوطهما عن الداخل في المسجد قبل تفرّق الجماعة

فلصحيحة أبي بصير السابقة.

6 - و اما سقوطهما عمّن سمعهما من الغير

فلموثقة عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: كنّا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة فقال: قوموا فقمنا فصلّينا معه بغير اذان و إقامة. قال: و يجزيكم اذان جاركم»(2). و عمرو بن خالد قد وثّقه ابن فضال حسب نقل الكشي(3).

و صدرها و ان دلّ علي كفاية سماع الإقامة لسقوطهما إلاّ ان ذيلها قد يفهم منه ان اذان الجار يجزي عن اذانكم إذا سمعتموه.

7 - و اما كيفية الاذان و الاقامة

بما تقدّم فيكفي في إثباتها توارثها خلفا عن سلف علي المآذن كل يوم من دون نقل خلاف بين أرباب المذهب في ذلك. أجل يظهر من بعض الروايات(4) اختلاف في ذلك كجعل التكبير في بداية الاذان مرّتين و نحو ذلك. و هي ان لم تقبل التوجيه لا بدّ من طرحها لما ذكر.

و اما التغيير - بتبديل و نحوه - الموجود عند غيرنا فهو طارئ بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله باعترافهم فلا يعتدّ به.

ص: 210


1- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب الاذان و الاقامة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 30 من أبواب الاذان و الاقامة الحديث 3.
3- اختيار معرفة الرجال 498:3، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.
4- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الاذان و الاقامة.
8 - و اما ان الشهادة الثالثة ليست جزءا

فلاتفاق أرباب المذهب علي ذلك. قال الشيخ الصدوق: «و المفوضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا زادوا بها في الاذان... و في بعض رواياتهم... أشهد ان عليّا ولي اللّه مرّتين... و لا شكّ في ان عليّا ولي اللّه و أمير المؤمنين حقّا و ان محمّدا و آله صلّي عليهم خير البرية لكن ليس ذلك في أصل الأذان... و انما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا»(1).

أجل هي لا بقصد الجزئية راجحة و شعار للشيعة، و يكفي لإثبات رجحانها و لو من باب التسامح في أدلّة السنن حديث الاحتجاج عن الامام الصادق عليه السّلام: «... فاذا قال أحدكم لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه فليقل علي أمير المؤمنين»(2).

أجزاء الصلاة
النية
اشارة

و المراد منها قصد عنوان الصلاة مع كون الباعث أمر اللّه سبحانه.

و يعتبر تعيين الصلاة إذا كانت صالحة لوجهين.

و لا تلزم نيّة القضاء و الاداء عند عدم اشتغال الذمّة بالقضاء أو عند تردّد ما اشتغلت به بينهما.

و عند شك المكلف و هو في الصلاة في نيّتها ظهرا أو عصرا ينويها ظهرا ان لم يأت بها - الظهر - قبلا و إلاّ بطلت.

ص: 211


1- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الاذان و الاقامة الحديث 25.
2- الاحتجاج 158:1.

و لا يجوز العدول من صلاة لأخري إلاّ في الادائيتين المترتبتين مع الدخول في الثانية قبل الاولي فانه يعدل الي الاولي مع التذكر في الاثناء أو بعدها و الا في القضائيتين مع الدخول في اللاحقة و تذكر ان عليه سابقة فانه يعدل لزوما إليها في المرتبتين و جوازا في غيرهما و الا مع الدخول في الحاضرة و تذكر ان عليه فائتة فانه يجوز له العدول إليها.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه يعتبر قصد عنوان الصلاة

فلان المركب الاعتباري لا يتحقّق إلاّ بقصده.

2 - و اما انه يلزم كون الباعث أمر اللّه سبحانه

فلان ذلك لازم العبادية المسلمة بالضرورة.

و بذلك يتّضح بطلان العبادة حالة الرياء لفقد النيّة اللازمة، بل هو محرم و مبطل بقطع النظر عن ذلك، ففي صحيحة زرارة و حمران عن أبي جعفر عليه السّلام: «لو ان عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و ادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»(1) ، فان التعبير بالشرك يدل علي الحرمة التي لازمها البطلان في العبادات.

3 - و اما اعتبار التعيين في حالة امكان وقوعها علي وجهين -

كصلاة الفجر و نافلتها

- فلعدم تحقّق العنوان بدون قصده.

و اما عدم اعتباره في حالة العدم - كنذر نافلتين - فلعدم التعين لهما حتي في علم اللّه سبحانه، بل قصد المعينة غير ممكن.

4 - و اما لزوم قصد الاداء أو القضاء عند الاشتغال بالقضاء

ص: 212


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 11.

فلعدم حصول التعيين بدون ذلك بخلافه لو لم تكن مشتغلة به فلا يلزم ذلك لعدم الموجب له.

و اما عدم لزومه في حالة اشتغالها بصلاة و ترددها بين القضاء و الاداء فلحصول الامتثال بقصد امتثال الأمر المتوجه فعلا.

5 - و اما نيّتها ظهرا للمتردّد و هو في الصلاة إذا لم يأت بها قبلا

فباعتبار ان الواقع لا يخلو من أحد احتمالين فان كان نواها واقعا عصرا فمن اللازم العدول بها إلي الظهر للزوم العدول من اللاحقة الي السابقة لمن لم يأت بها كما سيأتي. و ان كان قد نواها واقعا ظهرا فالأمر أوضح.

و اما الحكم بالبطلان في حالة اداء الظهر فلاحتمال نيّتها ظهرا واقعا، و العدول من السابقة الي اللاحقة غير جائز كما سيأتي.

6 - و اما العدول في الموارد المذكورة

فمقتضي القاعدة عدم جوازه فان الاجزاء السابقة ما دام قد اتي بها بنيّة العصر فوقوعها لغيرها يحتاج إلي دليل، و قد تمّ في الادائيتين المترتبتين عند عدم الاتيان بالسابقة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «... إذا نسيت الظهر حتي صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولي ثم صلّ العصر فانما هي أربع مكان أربع...»(1). و قد رواها الكليني عن حماد بطريقين، و إذا شكك في احدهما بمحمّد بن إسماعيل فيكفي الآخر.

7 - و اما العدول إلي السابقة من القضائيتين

فلكونه مقتضي

ص: 213


1- وسائل الشيعة الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1.

عموم التعليل في الصحيحة السابقة. و اما كونه لزوما في المرتبتين فلان المستفاد من أدلّة وجوب القضاء ثبوت أحكام الاداء للقضاء. و اما عدم لزومه في غيرهما فلعدم الموجب لذلك.

8 - و اما جوازه في المورد الأخير

فلكونه مقتضي عموم التعليل بل يستفاد ذلك من بعض الفقرات الاخري للصحيحة المتقدّمة.

و اما عدم وجوب العدول فذلك مبنيّ علي عدم وجوب تقديم القضاء.

9 - و اما تخصيص جواز العدول بالموارد المذكورة و عدم جوازه

في غيرها - كالعدول من السابقة إلي اللاحقة لمن تذكر الاتيان بالسابقة

- فللتمسك بمقتضي القاعدة بالبيان المتقدم.

تكبير الاحرام
اشارة

التكبير (اللّه أكبر) ركن تبطل بتركه العمدي و السهوي الصلاة. كما تبطل بزيادته العمدية دون السهوية. و يجب فيه القيام التام. و الأخرس يأتي به علي قدر ما يمكنه.

و يستحب حالته رفع اليدين إلي الاذنين أو مقابل الوجه أو الي النحر مستقبلا بباطنهما القبلة.

و يستحب التكبير سبعا عند الشروع.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب التكبير للصلاة

فيكفي لإثباته الضرورة في الإسلام. و تدلّ عليه طوائف مختلفة من الروايات، منها الوارد في ناسي التكبير، كصحيحة زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل ينسي

ص: 214

تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد»(1).

2 - و اما كون الصيغة «اللّه أكبر» و لا تجزي ترجمتها أو مرادفها

أو تغيير هيئتها - بالرغم

من ان الوارد في الروايات اعتبار أصل التكبير دون صيغته الخاصة و مع الشك في تعينها تنتهي النوبة الي أصل البراءة منه - فهو لارتكاز ذلك في أذهان المتشرّعة الذي لا منشأ له سوي وصوله يدا بيد من الشارع المقدّس.

3 - و اما بطلان الصلاة بتركه العمدي

فلكونه مقتضي جزئيته.

4 - و اما بطلانها بتركه السهوي

فلكونه مقتضي القاعدة إذ المركب ينعدم بانعدام جزئه و لو سهوا. و حديث لا تعاد(2) لا يمكن التمسّك به لنفي البطلان لكونه ناظرا إلي من دخل في الصلاة، و التارك للتكبير و لو سهوا لا يكون داخلا في الصلاة.

هذا مضافا إلي دلالة جملة من الروايات علي ذلك كالصحيحة المتقدّمة و غيرها.

و إذا قيل: ان صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نسي ان يكبّر حتي دخل في الصلاة فقال: أ ليس كان من نيّته ان يكبر؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته»(3) دلّت علي عدم البطلان.

كان الجواب: بعد هجران الأصحاب لمضمونها لا بدّ من توجيهها و لو بحملها علي ناسي بقيّة التكبيرات السبع غير الافتتاح، و لو لا ذلك

ص: 215


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 1.
2- و هو قوله عليه السّلام: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود...» وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب القراءة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 9.

كان المناسب حمل الاولي علي الاستحباب.

5 - و اما البطلان بالزيادة العمدية

فللعموم في صحيحة أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1).

و حديث لا تعاد لا يمكن التمسّك به كحاكم علي الصحيحة لعدم كونه ناظرا إلي حالة العمد.

و دعوي ان الصحيحة لا تشمل الزيادة العمدية لندرتها في حياة المؤمن مدفوعة بان الاختصاص بالنادر قبيح دون التعميم له.

6 - و اما عدم البطلان بالزيادة السهوية

فلعموم حديث لا تعاد بناء علي شموله لحالة الزيادة أيضا و هو حاكم علي صحيحة أبي بصير المتقدّمة.

و دعوي اختصاصه بالنقيصة لعدم تصوّر الزيادة في الطهور و القبلة و الوقت مدفوعة بأن ذلك لا يمنع من عمومه بعد تصورها في الباقي.

7 - و اما اعتبار القيام التام حالته

بمعني عدم الجلوس حالته فيدل عليه جميع ما دلّ علي اعتبار القيام حالة الصلاة للقادر بعد وضوح جزئية التكبير لها. هذا مضافا الي موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«... و كذلك ان وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتي افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه ان يقطع صلاته...»(2).

و اما اعتباره بمعني استقامة الصلب و عدم الانحناء فيدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من لم يقم صلبه

ص: 216


1- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب القيام الحديث 1.

فلا صلاة له»(1) و صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثم ركع قبل ان يرفع الامام رأسه فقد أدرك الركعة»(2).

8 - و اما ان الأخرس يأتي بما أمكنه

فلانه بعد عدم احتمال سقوط الصلاة عنه يتعيّن عليه الإتيان بالميسور.

أجل في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته باصبعه»(3) ، و القراءة في الصلاة تشمل التكبير بل ثبوت الحكم فيه أولي منه فيها. و لكن الاشكال في النوفلي حيث لم يوثق إلاّ بناء علي أحد طريقين تقدّمت الإشارة إليهما في أبحاث سابقة.

9 - و اما رفع اليدين حالة التكبير بالشكل المتقدّم

فلصحيحة صفوان: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتي يكاد يبلغ اذنيه»(4) و صحيحة منصور بن حازم: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه و استقبل القبلة ببطن كفّيه»(5).

و صحيحة معاوية بن عمار: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه اسفل من وجهه قليلا»(6). و الجمع بينها يقتضي حملها علي

ص: 217


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب القيام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 59 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 4.
4- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 1.
5- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 6.
6- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 2.

تأتي الاستحباب بأي واحد من الأشكال الثلاثة.

10 - و اما استحباب التكبير سبعا

فلصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أدني ما يجزي من التكبير في التوجه إلي الصلاة تكبيرة واحدة و ثلاث تكبيرات و خمس و سبع أفضل»(1).

القيام
اشارة

المعروف بين المتأخّرين ركنية القيام حالة تكبير الاحرام و قبيل الركوع.

و في غير ذلك يكون واجبا غير ركني.

و من لا يتمكّن من القيام يصلّي جالسا، فان لم يتمكّن فمضطجعا علي الجانب الأيمن مستقبل القبلة و إلاّ فبما أمكن.

و من قدر علي القيام في بعض الصلاة بعّض.

و إذا دار الأمر بين القيام للجزء السابق و اللاحق رجح السابق.

و المستند في ذلك:

1 - اما مقدار ركنية القيام

فقد وقع محلا للاختلاف. و المختار لدي جمع من المتأخرين ركنيته في الحالتين المتقدّمتين لأنه لو نظرنا الي مقتضي القاعدة الأوّلية فالمناسب ركنيته في جميع الحالات لأنّ ذلك مقتضي جزئية كل جزء. و لو ضممنا النظر الي حديث لا تعاد فالمناسب عدم ركنيته مطلقا لعدم كونه أحد الخمسة المستثناة. و الخروج عن ذلك يحتاج إلي دليل و هو مفقود إلاّ في حالة تكبيرة الاحرام لما ورد في موثقة عمّار المتقدّمة: «ان وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتي افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته»(2) و حالة قبيل الركوع

ص: 218


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 9.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب القيام الحديث 1.

لتقوم مفهوم الركوع بالقيام القبلي حيث انه عبارة عن الانحناء الخاص عن قيام و الاخلال به اخلال به.

و دعوي عدم تقوّمه بذلك بدليل تحقّقه من الجالس مدفوعة بأن الجالس حيث ان وظيفته اداء الركوع عن جلوس فلا يكون ركوعه متقوّما بذلك بل بالاستقامة الجلوسية بخلافه في من وظيفته القيام.

2 - و اما الانتقال الي الجلوس عند عدم القدرة علي القيام

فينبغي أن يكون من الواضحات بعد عدم سقوط الصلاة بحال. و قد دلّت عليه صحيحة جميل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعدا؟ فقال: ان الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم»(1) و غيرها.

3 - و اما الاضطجاع علي الأيمن لمن لا يمكنه الجلوس

فلموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّي اما أن يوجه فيومي إيماء. و قال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام علي جانبه الأيمن ثم يومي بالصلاة فان لم يقدر أن ينام علي جنبه الأيمن فكيف ما قدر فانه له جائز و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء»(2). و العدل لكلمة «اما» في الصدر غير مذكور، و من هنا قيل ان روايات عمّار لا تخلو من اضطراب.

ثمّ ان في كلمات الفقهاء ان من لم يتمكن من الاضطجاع علي الأيمن يضطجع علي الأيسر. و قد يوجّه ذلك بأن موثقة سماعة قالت:

ص: 219


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب القيام الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب القيام الحديث 10.

«سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال: فليصل و هو مضطجع»(1) و هي تدل علي لزوم الاضطجاع اما علي الأيمن أو الأيسر، و قد خرجنا عن إطلاقها في المتمكن بلزوم الأيمن لأجل موثقة عمار.

و فيه: انه و ان كان وجيها بمقتضي الصناعة إلاّ أن التصريح في موثقة عمّار «فان لم يقدر أن ينام علي جنبه الأيمن فكيف ما قدر» يأباه.

أجل لا بأس بالمصير الي مقالة المشهور من باب الاحتياط.

4 - و اما الحكم بالتبعيض للقادر علي القيام في بعض الصلاة

فينبغي أن يكون من الواضحات. و يمكن استفادته من صحيحة جميل المتقدّمة: «إذا قوي فليقم».

5 - و اما ترجيح الجزء السابق عند الدوران

فلانه بعد قدرته علي القيام في الجزء السابق يشمله قوله عليه السّلام في صحيحة جميل: «إذا قوي فليقم». و هذا من دون فرق بين كون القيام الركني هو الأوّل أو الثاني.

و لا نعرف وجها لترجيح القيام الركني - كما اختاره بعض الفقهاء - أو التخيير كما اختاره بعض آخر.

القراءة
تلزم في الأوليتين من الصلاة قراءة الحمد
اشارة

. و في الفريضة - علي قول معروف - قراءة سورة كاملة.

و المشهوران البسملة جزء من كل سورة فتجب قراءتها معها إلاّ براءة.

و يجب عند البسملة تعيين السورة.

و المستند في ذلك:

ص: 220


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب القيام الحديث 5.
1 - اما وجوب الفاتحة في الأوليتين

فلارتكاز المتشرعة و التسالم و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات»(1) و غيرها.

و اما سيرة المتشرّعة المنعقدة علي التزام قراءة الفاتحة فهي لا تدلّ علي الوجوب إلاّ إذا رجعت إلي الارتكاز.

ثم ان الصحيحة لا تدل علي وجوب ذلك في كلتا الركعتين فلا بد من ضمّ الارتكاز.

2 - و اما وجوبها في النافلة أيضا

فللإطلاق.

3 - و اما قراءة سورة كاملة بعد الحمد

فقد وقع الاختلاف في وجوبها بسبب اختلاف الروايات فقد روي الكليني عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن يحيي عن محمد بن عبد الحميد عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر»(2).

و يمكن أن يقال: هي لا تدل علي وجوب قراءة السورة بل ان من أراد قراءتها فليقرأ واحدة بلا زيادة و لا نقيصة. علي ان سندها اشتمل علي محمّد بن عبد الحميد، و قد قال النجاشي: «محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر. روي عبد الحميد عن أبي الحسن موسي، و كان ثقة من أصحابنا الكوفيين. له كتاب النوادر...»(3). و من المحتمل رجوع

ص: 221


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2.
3- رجال النجاشي: 239، منشورات مكتبة الداوري.

الضمير في «و كان» الي عبد الحميد لا إلي محمّد، و يكفي الاجمال في عدم ثبوت وثاقته إلاّ أن يستظهر بقرائن رجوعه إليه.

علي أن أحمد بن محمد بن يحيي مشترك لم يوثق سوي من هو شيخ للصدوق بناء علي كفاية شيخوخة الإجازة.

ثمّ انه مع تمامية الرواية دلالة و سندا تعارضها صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة»(1).

و يتحقّق الجمع بحمل الاولي علي الاستحباب. و لا معني بعد امكانه لحمل الثانية علي التقيّة.

و احتمال حمل الثانية علي حالة الضرورة و الاستعجال بقرينة صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا»(2) حمل للإطلاق علي الفرد النادر و هو مستهجن.

4 - و اما جزئية البسملة

فينبغي أن تكون من المسلّمات بالنسبة إلي الفاتحة. و تدل عليه صحيحة محمّد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال: نعم. قلت: بسم اللّه الرحمن الرحيم من السبع؟ قال: نعم، هي أفضلهن»(3).

و اما جزئيتها من بقيّة السور - عدا براءة - فقد ادعي عليها الاجماع بل ربما عدّ ذلك من المسلّمات، و قد يستدلّ له بصحيحة

ص: 222


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2.

معاوية بن عمّار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إذا قمت للصلاة اقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم. قلت: فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال: نعم»(1) ، بتقريب ان السؤال عن الاستحباب بعد عدم المعني له لوضوحه فلا بدّ و ان يكون عن الوجوب، و هو ملازم للجزئية لعدم احتمال إرادة الوجوب النفسي.

و فيه: ان الثابت أصل الوجوب و هو الذي يمكن دعوي الاجماع عليه و كونه من المسلّمات دون الجزئية. و دعوي عدم احتمال إرادة الوجوب النفسي في الصحيحة عهدتها علي مدّعيها.

و عليه فالحكم بالجزئية بحيث تترتّب آثارها - التي منها عدّها آية في صلاة الآيات أو لزوم تعيين السورة عند قراءتها - مشكل.

5 - و اما وجوب تعيين السورة عند قراءتها

فهو محل للخلاف.

و قد استدل الشيخ الأعظم - و وافقه جمع من المتأخّرين - علي ذلك بأنّ البسملة بعد ما كانت جزءا من كلّ سورة فلا تتحقّق قراءة سورة التوحيد مثلا إلاّ بقراءة جميع آياتها - التي منها البسملة - بعنوان كونها سورة التوحيد و بقصدها(2).

و الاستدلال المذكور مبني - كما تري - علي جزئية البسملة من كل سورة، و قد تقدّم التأمّل فيه.

أحكام القراءة
اشارة

قيل يجب حذف همزة الوصل في الدرج و إثبات همزة القطع. و ترك

ص: 223


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5.
2- مستمسك العروة الوثقي 181:6.

الوقوف بالحركة و الوصل بالسكون. و يجب المد في الواو المضموم ما قبلها و الياء المكسور ما قبلها و الألف المفتوح ما قبلها إذا كان بعدها سكون لازم أو همزة و ان لم تكن ساكنة. و الادغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف يرملون. و ادغام لام التعريف إذا دخلت علي الشين أو احدي أخواتها و اظهارها مع بقيّة الحروف.

و يجب الجهر بالقراءة علي الرجال في الصبح و الأوّليتين من المغرب و العشاء و الاخفات في غير ذلك إلاّ البسملة و صلاة الجمعة بل الظهر يومها فيستحب في الاولي و الأخيرة و يجب في الثانية. و المكلّف بالخيار في غير القراءة.

و مناط الجهر و الاخفات الصدق العرفي.

و من جهر في موضع الاخفات أو عكس ناسيا أو جاهلا لم يعد.

و من نسي القراءة حتي ركع مضي.

و المصلّي بالخيار في ثالثة المغرب و أخيرتي الرباعية بين الفاتحة و التسبيح.

و تجب الموالاة العرفية بين حروف الكلمة و كلمات الآية الواحدة و آي السورة الواحدة.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة إلي همزة الوصل و القطع

فيتّضح الحال فيهما بعد الالتفات إلي ان خصوصيّات القراءة علي نحوين: خصوصيات للمقروء و خصوصيّات للقراءة. و الاولي يرجع بعضها إلي المادة - كزيادة حرف و نقصانه و تبديله - و بعضها الآخر إلي الصورة كالحركة الخاصة للحرف و تقدّمه و تأخّره.

ص: 224

و الثانية ترتبط بالقراءة نفسها كمدّ الحرف و ادغامه.

و الذي يجب مراعاته خصوصيّات المقروء بنحويها لا خصوصيات القراءة إذ الواجب علي المكلف قراءة القرآن النازل منه سبحانه و ذلك يتوقّف علي ملاحظة خصوصيّات المقروء دون القراءة إذ هي غالبا تجويدية لا دليل علي اعتبارها في صحّة القراءة و انّما هي من محسناتها.

أجل إذا فرض أن فقدان بعضها يوجب استهجانها بحيث تنصرف عنها أوامر القراءة كانت مراعاتها لازمة.

و بذلك يتّضح أن حذف همزة الوصل عند الدرج أمر غير لازم إذا أمكن الاتيان بها بدون استهجان.

و دعوي ان الاتيان يعدّ من الغلط من غير خلاف بين علماء الأدب مدفوعة بعدم الدليل علي حجّيّة اتفاقهم بعد فرض عدم الاستهجان.

نعم بالنسبة إلي همزة القطع يلزم اثباتها لأنها جزء من الكلمة و اسقاطها كإسقاط بقيّة الحروف أمر غير جائز.

2 - و اما الوقوف بالسكون و الوصل بالحركة

فقد اتّضح عدم الدليل علي لزومه بعد رجوع الخصوصيّة الي القراءة و عدم الاستهجان في المخالفة. أجل لا بأس بالتنزل إلي الاحتياط الاستحبابي مراعاة لجانب المشهور.

3 - و اما المد في الموارد المذكورة

فحيث انه من خصوصيات القراءة و لا استهجان في تركه بل انه في نفسه قضيّة غير مألوفة في الكلام العادي فلا تجب مراعاته إلاّ إذا توقف إظهار الحرف عليه، كما في

ص: 225

كلمة «ضالين» حيث لا تظهر الألف أو اللام بدونه.

و اما حديث الخطاف المروي في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد و أحمد بن أبي عبد اللّه جميعا عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن محمّد بن يوسف التميمي عن محمّد بن جعفر عن أبيه قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: استوصوا بالصنينات خيرا - يعني الخطاف - فانّهنّ آنس طير الناس بالناس. ثم قال: و تدرون ما تقول الصنينية إذا هي مرّت و ترنّمت تقول بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين حتي قرأ أمّ الكتاب فإذا كان في آخر ترنّمها قالت و لا الضالين مدّها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و لا الضالين»(1) فضعيف سندا من جهات و دلالة لاختصاصه بالضالين و عدم دلالة الفعل علي الوجوب.

4 - و اما الادغام في المورد الأوّل

فقد نقل عن ابن الحاجب و الرضي لزومه(2) إلاّ أنّ ذلك لا يصلح للحجيّة بعد عدم لزوم الاستهجان من تركه. أجل ادغام اللام إذا دخلت علي الشين و اخواتها لازم لا لتصريح علماء الأدب بذلك بل للاستهجان بدونه.

5 - و اما وجوب الجهر بالقراءة علي الرجال فيما ذكر و الاخفات

في غيره

فهو المشهور. و نسب الخلاف الي السيّد المرتضي و ابن الجنيد و صاحب المدارك و الذخيرة فاختاروا الاستحباب(3). و يقع الكلام تارة في أصل الوجوب و اخري في تعيين موضعه.

أما أصل الوجوب فقد يستدل له تارة بالسيرة المتصلة بزمن

ص: 226


1- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الصيد الحديث 4.
2- مستمسك العروة الوثقي 241:6.
3- مستمسك العروة الوثقي 200:6.

المعصوم عليه السّلام علي مراعاة الجهر فيما ذكر. و لكن الفعل - كما نعرف - أعم من الوجوب.

و اخري برواية الفضل بن شاذان عن الامام الرضا عليه السّلام الواردة في بيان علل بعض الأحكام: «ان الصلوات التي يجهر فيها انما هي في أوقات مظلمة فوجب ان يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة فان أراد أن يصلّي صلّي... و الصلاتان اللّتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها الي السماع»(1). لكنها تختص بالجماعة و لا تدل علي لزوم الاخفات في صلوات النهار. علي ان سند الصدوق الي الفضل محل للتأمّل كما يظهر من مراجعة المشيخة.

و المناسب الاستدلال بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه و أخفي فيما لا ينبغي الاخفاء فيه، فقال:

أي ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة. فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه و قد تمّت صلاته»(2).

و سند الصدوق و الشيخ إلي زرارة صحيح. و يكفي صحّة أحدهما.

و الدلالة واضحة.

إلاّ انها قد تعارض بصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل»(3). و لأجلها رفع صاحب المدارك اليد عن ظهور الاولي في الوجوب و حملها علي الاستحباب.6.

ص: 227


1- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 6.

و ما افيد وجيه لو لم تكن الثانية مضطربة المتن اما بعد اضطرابها - حيث فرض أن الفريضة يجهر فيها و لا معني لان يسأل بعد ذلك هل عليه أن لا يجهر - فلا بدّ من طرحها أو حملها علي غير القراءة كالتشهّد و الاذكار و يكون السؤال عن وجوب أن لا يجهر فيها.

و اما بالنسبة الي تعيين مورد الجهر و الاخفات فلم ترد رواية تامّة الدلالة و السند فيه.

و بالإمكان الاستدلال له بالتلفيق بين صحيح زرارة المتقدّم و سيرة المتشرّعة فان الصحيح يدلّ علي لزوم الجهر في بعض أفراد الصلاة و لزوم الاخفات في بعض آخر، و هو و ان كان مجملا من حيث المصداق إلاّ انه بضمّ السيرة القطعيّة يتشخّص ذلك.

6 - و اما عدم وجوب الجهر علي المرأة

فلأصل البراءة بعد قصور المقتضي عن اثبات الوجوب لاختصاص صحيح زرارة المتقدّم بالرجل. و قاعدة الاشتراك المستندة إلي الاجماع لا يمكن تطبيقها في مورد عدم تحقّقه. علي ان الجهر لو كان واجبا لاشتهر و ذاع لشدّة الابتلاء.

و يؤيّد ذلك خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «و سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال: لا...»(1).

و اما الاستدلال علي ذلك بكون صوت المرأة عورة فضعيف لعدم الدليل علي ذلك بل الدليل علي عدمه لتحدّث الأئمة عليهم السّلام مع النساء علي ما يظهر من روايات كثيرة مع عدم الضرورة(2). بل قد يستفاد ذلك من

ص: 228


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3.
2- ورد في موثّقة أبي بصير: «كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخلت عليه أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ يسرك ان تسمع كلامها؟ فقلت: نعم، قال فاذن لها قال: و اجلسني معه علي الطنفسة قال: ثم دخلت فتكلمت فاذا هي امرأة بليغة...». وسائل الشيعة الباب 106 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه الحديث 1.

قوله تعالي: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (1) و مع التنزّل فلازم ذلك الاختصاص بحالة سماع الرجال. كما ان لازمه الحرمة دون عدم الوجوب.

7 - و اما الجهر بالبسملة

فهو في الجهرية واجب لكونها جزءا من القراءة، و اما في الإخفاتية فالمشهور استحبابه - و قيل بوجوبه - و يدل عليه صحيح صفوان: «صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم اللّه الرحمن الرحيم فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم و أخفي ما سوي ذلك»(2) فان الاحتمالات في جهر الإمام عليه السّلام ثلاثة، و المتعيّن هو الاستحباب إذ الإباحة منفية بالمواظبة أيّاما و الوجوب منفي لكون الفعل أعمّ منه.

و قد يستدلّ علي الوجوب برواية سليم بن قيس الهلالي: «خطب أمير المؤمنين فقال:... و ألزمت الناس الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم...»(3) لكنّه ضعيف دلالة لاحتمال النظر الي الصلاة الجهرية في مقابل العامة الذين يخفتون بها، و سندا لا من جهة سليم لإمكان توثيقه بل من جهة الإرسال فيها لبعد رواية إبراهيم بن عثمان الذي

ص: 229


1- الاحزاب: 32.
2- كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ يسرك ان تسمع كلامها؟ فقلت: نعم، قال فاذن لها قال: و اجلسني معه علي الطنفسة قال: ثم دخلت فتكلمت فاذا هي امرأة بليغة...». وسائل الشيعة الباب 106 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الوضوء الحديث 3.

هو من أصحاب الصادق عليه السّلام عنه.

و بهذا يتّضح عدم إمكان الاستدلال للاستحباب بما رواه الشيخ عن الامام العسكري عليه السّلام: «علامات المؤمن خمس... و الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم»(1) لضعفه سندا بالإرسال و دلالة لاحتمال النظر الي الصلاة الجهرية.

8 - و اما لزوم الجهر في صلاة الجمعة

فلروايات متعدّدة كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليقعد قعدة بين الخطبتين و يجهر بالقراءة»(2) و غيره.

9 - و اما الظهر يوم الجمعة

فيظهر من عدّة روايات لزوم الجهر فيها كصحيح الحلبي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم»(3) و غيره إلاّ أنّ في مقابلها صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في غير الجمعة في الظهر و لا يجهر الامام فيها بالقراءة انّما يجهر إذا كانت خطبة»(4) و غيره.

و الجمع بينهما يقتضي حمل الاولي علي الاستحباب و الثانية علي نفي الوجوب لأنها واردة مورد توهّم الوجوب فلا تفيد التحريم.

10 - و اما كون المكلّف بالخيار في غير القراءة

فيكفي لإثباته أصل البراءة بعد عدم الدليل علي الإلزام بشيء إلاّ ان النوبة لا تصل إليه

ص: 230


1- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب المزار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 73 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 73 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 73 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 8.

بعد وجود الدليل الاجتهادي علي التخيير و هو صحيح علي بن يقطين:

«سألت أبا الحسن الماضي عليه السّلام عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت؟ فقال: إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر»(1) و غيره.

11 - و اما ان المناط في الجهر و الاخفات علي العرف

فلعدم تحديد الشارع لهما المستلزم لإيكالهما إليه. و به يتّضح بطلان تحديد الجهر باسماع الغير أو ظهور جوهر الصوت و الاخفات باسماع النفس أو عدم ظهور جوهر الصوت فان ذلك لا وجه له إلاّ أن يقصد تحديدهما العرفي بذلك.

12 - و اما عدم الاعادة في من جهر موضع الاخفات أو عكس

فلاقتضاء قاعدة لا تعاد لذلك في الناسي بل الجاهل أيضا بناء علي عموميّتها له - خلافا للشيخ النائيني - لإطلاق لسان دليلها و هو صحيح زرارة(2). هذا مضافا إلي التصريح بذلك في صحيح زرارة المتقدّم في الرقم 5.

13 - و اما ان نسيان القراءة لا يضرّ بالصلاة

فلإطلاق حديث لا تعاد لذلك بل صريحه، و اما التحديد بالركوع فلان التذكر قبله تذكر في المحل فيلزم الاتيان بها. و الحكم المذكور منصوص عليه في أحاديث اخري فراجع(3).

14 - و اما التخيير في غير الأوليتين

فلموثق علي بن حنظلة عن

ص: 231


1- وسائل الشيعة الباب 20 من أبواب القنوت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 27، 28، 29، من أبواب القراءة في الصلاة.

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال:

ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب و ان شئت فاذكر اللّه فهو سواء. قال: قلت فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما و اللّه سواء إن شئت سبحت و إن شئت قرأت»(1) و غيره. و لا إشكال في السند الا من ناحية ابن حنظلة لعدم توثيقه.

و قد يدفع ذلك تارة بورود ابن فضال في السند الذي قيل عن روايات عائلته: «خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا»(2) أو بورود ابن بكير الذي هو من أصحاب الاجماع.

إلاّ ان كلا الطريقين قابل للمناقشة.

اما الأوّل فلما تقدّم عند البحث عن وقت الظهرين.

و اما الثاني فلاحتمال كون المراد من الاجماع صحّة الرواية من ناحية أصحاب الإجماع أنفسهم لا أكثر.

هذا و يمكن التغلب علي المشكلة بتوثيق ابن حنظلة نفسه استنادا الي ما رواه الصفار بسند صحيح عن عبد الأعلي بن أعين من ان الامام الصادق عليه السّلام خاطبه بقوله: «لا تقل هكذا يا أبا الحسن فانك رجل ورع»(3).

و عليه فالموثق حجّة و يدل علي التخيير. إلاّ انه توجد في المقام طائفتان متعارضتان من الروايات.

احداهما صحيحة معاوية بن عمّار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن8.

ص: 232


1- وسائل الشيعة الباب 42 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 13.
3- بصائر الدرجات: 328.

القراءة خلف الامام في الاخيرتين فقال: الامام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و ان شئت فسبّح»(1).

و ثانيتهما: صحيحة سالم بن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كنت امام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين و علي الذين خلفك أن يقولوا سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و هم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلي الذين خلفك ان يقرءوا فاتحة الكتاب و علي الامام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين»(2).

و قد يجمع بينهما بحمل الأمر في الاولي علي الاستحباب بقرينة الثانية أو يحمل الأمر في كلّ منهما علي التخيير بقرينة الاخري و لكنهما كما تري.

و المناسب الحكم باستقرار التعارض بينهما و التساقط و الرجوع الي موثق ابن حنظلة لأنه بمنزلة المطلق الفوقاني. و علي تقدير ضعف سنده يرجع إلي البراءة من خصوصيّة التعيين و النتيجة واحدة.

15 - و اما اعتبار الموالاة العرفية

فلتوقف صدق عنوان السورة أو الآية أو الكلمة علي ذلك عرفا.

الركوع
و هو واجب في كل ركعة مرّة عدا صلاة الآيات. كما انه ركن تبطل الصلاة
اشارة

بزيادته و نقيصته عمدا و سهوا عدا صلاة الجماعة.

و المستند في ذلك:

1 - اما أصل وجوب الركوع في الصلاة

فهو من ضروريات الدين

ص: 233


1- وسائل الشيعة الباب 42 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 13.

و مورد تسالم المسلمين. و تدل عليه روايات كثيرة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود»(1) و غيرها.

2 - و اما انه مرّة في كل ركعة

فهو من ضروريات الدين أيضا.

و يمكن استفادته من الروايات المبيّنة لكيفية الصلاة(2) و غيرها.

3 - و اما استثناء صلاة الآيات

فللروايات الكثيرة الواردة في بيان كيفيتها(3).

4 - و اما انه ركن تبطل الصلاة بزيادته العمدية و السهوية

فلقاعدة لا تعاد المستفادة من حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود. ثم قال:

القراءة سنّة و التشهّد سنّة و لا تنقض السنّة الفريضة»(4) ، فإنّه باطلاقه يشمل الزيادة. و مجرّد عدم تصوّرها في بعض افراد المستثني لا يمنع من انعقاد الاطلاق بلحاظ ما أمكن.

5 - و اما استثناء الجماعة

فلصحيحة علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يركع مع الامام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الامام، قال: يعيد بركوعه معه»(5) و غيرها.

ص: 234


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الركوع الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1، 10.
3- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.
4- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5.
5- وسائل الشيعة الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
واجبات الركوع
اشارة

و يلزم فيه الانحناء بقصد الخضوع قدر ما تصل أطراف الأصابع إلي الركبتين، و الطمأنينة بقدر الذكر الواجب، و رفع الرأس منه حتي الانتصاب التام.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم الانحناء بقصد الخضوع

فلتقوّم مفهوم الركوع لغة بذلك.

2 - و اما التحديد بذلك

فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلي ركبتيك أجزأك ذلك...»(1).

و للكليني إلي حماد ثلاث طرق يكفي صحّة بعضها لمن تأمّل في محمّد بن إسماعيل.

و إذا قيل بأن بعض الروايات دلّ علي لزوم الانحناء بمقدار وصول الراحة(2).

كان الجواب: يلزم حملها علي الاستحباب بقرينة الاولي.

3 - و اما لزوم الطمأنينة في الركوع

فلصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... فإذا ركع فليتمكن...»(3) بناء علي تفسير التمكن بالطمأنينة.

و اما صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «بينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي فلم يتم ركوعه و لا

ص: 235


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب الركوع الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب اعداد الفرائض الحديث 14.

سجوده فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: نقر كنقر الغراب لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ علي غير ديني»(1) فيدل علي عدم جواز النقر دون اعتبار الطمأنينة.

4 - و اما لزومه بقدر الذكر الواجب

فلأن الذكر الواجب يلزم الاتيان به حين الركوع الواجب دون مطلق الركوع، و حيث ان الواجب من الركوع هو ما كان مع الطمأنينة فيثبت لزوم الاتيان بالذكر اثناء الركوع مع الطمأنينة.

5 - و اما وجوب رفع الرأس منه مع الانتصاب التام

فلما ورد في تعليم الامام الصادق عليه السّلام الصلاة لحماد: «... ثم ركع... ثم استوي قائما فلما استمكن من القيام قال: سمع اللّه لمن حمده... ثم قال: يا حمّاد هكذا صلّ»(2). و بالذيل لا يبقي مجال للإشكال بأن الفعل لا يدلّ علي الوجوب.

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتي ترجع مفاصلك...»(3).

و الاشتمال علي بعض الآداب لا يمنع من استفادة الوجوب بناء علي مسلك حكم العقل في باب الدلالة علي الوجوب.

أحكام الركوع
اشارة

و من نسي الركوع و ذكره قبل السجود رجع إلي القيام و ركع. و كذلك إذا ذكره قبل الدخول في السجدة الثانية.

و الذكر الواجب فيه: «سبحان ربي العظيم و بحمده» أو «سبحان اللّه» ثلاثا

ص: 236


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الركوع الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب افعال الصلاة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث 9.

بل مطلق الذكر إذا كان بقدر الثلاث الصغريات.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم تدارك الركوع

لمن تذكره قبل السجود فلاقتضاء القاعدة ذلك حيث لا يلزم سوي زيادة الهوي و القيام و هما غير مضرين بصحة الصلاة لحديث لا تعاد. هذا مضافا إلي دلالة صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة»(1) بالمفهوم علي ذلك.

و المراد بالركعة الركوع كما هو واضح.

2 - و اما اعتبار الرجوع الي القيام

فلأنه بدونه لا يتحقّق الركوع إذ هو الانحناء بعد القيام.

3 - و اما لزوم التدارك قبل الدخول في السجدة الثانية

فلاقتضاء القاعدة ذلك فان زيادة سجدة واحدة غير مضرة بصحة الصلاة لعدم كونها ركنا، مضافا إلي استفادة ذلك من صحيحة أبي بصير المتقدّمة.

ثمّ ان الوجه في عدم ركنية السجدة الواحدة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل صلّي فذكر انه زاد سجدة.

قال: لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»(2) و غيرها.

4 - و اما بالنسبة إلي ذكر الركوع

فقد ورد فيه أربع طوائف من الأخبار، ففي بعضها: «سبحان ربي العظيم و بحمده» ثلاثا - كما في صحيحة حمّاد(3) - و في ثان الاكتفاء بواحدة - كما في صحيحة هشام

ص: 237


1- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الركوع الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب الركوع الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1.

بن سالم(1) - و في ثالث الاكتفاء بجملة: «سبحان اللّه» ثلاثا - كما في صحيحة معاوية(2) - و في رابع الاكتفاء بقدر ذلك، كما في صحيح مسمع(3).

و الجمع العرفي يقتضي الحمل علي التخيير، غايته قد يكون البعض أفضل من الآخر كالأوّل بالنسبة الي الثاني.

السجود
تجب في كل ركعة سجدتان، و هما ركن تبطل الصلاة بنقصانهما أو
اشارة

زيادتهما العمدية و السهوية، و لا تبطل بزيادة أو نقص واحدة سهوا.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب سجدتين في كل ركعة

فللضرورة مضافا إلي طوائف من النصوص يستفاد منها ذلك، منها ما ورد في من نسي الثانية و تذكرها قبل أو بعد الركوع، كصحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتي قام فذكر و هو قائم انه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض في صلاته حتي يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء»(4).

2 - و اما بطلان الصلاة بنقصانها عمدا

فهو متسالم عليه، و يقتضيه افتراض الجزئية فانه من مقتضياتها، و اما عدمه في فوات

ص: 238


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الركوع الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الركوع الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الركوع الحديث 4.
4- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب السجود الحديث 1.

السجدة الواحدة و غيرها من الأجزاء غير الركنية فهو يختصّ بالنسيان للدليل الخاصّ، كالصحيحة السابقة.

3 - و اما بطلانها بنقصانهما سهوا

فلكونهما أحد أفراد المستثني في صحيحة لا تعاد المتقدّمة في الركوع. و يقتضيه أيضا صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود»(1) حيث عد السجود من مقوّمات الصلاة المقتضي لانتفائها بانتفاء أحدها.

4 - و اما بطلانها بزيادتهما عمدا أو سهوا

فلإطلاق صحيحة أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2) و لقاعدة لا تعاد بناء علي شمولها للزيادة كما يقتضيه اطلاق الحديث.

و مجرّد عدم تصوّرها في بعضها لا يقتضي الاختصاص بلحاظ الباقي الممكن فيه ذلك.

5 - و اما عدم بطلانها بزيادة سجدة واحدة

فلصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل صلّي فذكر انه زاد سجدة، قال: لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة»(3) المقيّدة لإطلاق صحيحة أبي بصير المتقدمة.

6 - و اما عدم بطلانها بنقصانها

فلصحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة و غيرها.

ص: 239


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب السجود الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الخلل الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب الركوع الحديث 2.
واجبات السجود
اشارة

و يلزم ان يكون السجود علي الأرض أو ما أنبتته - من غير المأكول أو الملبوس - أو القرطاس. و الأفضل أن يكون علي التربة الحسينية علي مشرّفها آلاف التحية و السلام.

و يعتبر - إضافة إلي وضع الجبهة علي الأرض و نحوها - السجود علي ستة أعضاء: الكفّين و الركبتين و ابهامي القدمين.

و لا يلزم في غير الجبهة مماسة ما يصح السجود عليه.

و يلزم فيه الذكر، بالنحو المتقدّم في الركوع، و الطمأنينة و رفع الرأس من السجدة الاولي منتصبا، و تساوي موضع الجبهة و الموقف إلاّ إذا كان الاختلاف بمقدار أربع أصابع مضمومة.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم كون السجود علي ما ذكر

فلصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال: السجود لا يجوز إلاّ علي الأرض أو علي ما أنبتت الأرض إلاّ ما اكل أو لبس»(1). و السند إلي هشام صحيح في المشيخة.

و هكذا كانت سيرة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كما حدث البخاري عن ميمونة:

«كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يصلّي علي الخمرة»(2) ، و مسلم عن عائشة ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لها: «ناوليني الخمرة من المسجد، قالت فقلت: اني حائض، فقال: ان حيضتك ليست في يدك»(3).

ص: 240


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 1.
2- صحيح البخاري، كتاب الصلاة، الباب 21 في الصلاة علي الخمرة، الحديث 381.
3- صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد، الحديث 11. و الخمرة كما في هامش الصحيح المذكور هي السجادة التي يضع عليها الرجل جزء وجهه حالة سجوده من حصير أو نسيجة من خوص.

نعم ورد في رواية داود الصير في جواز السجود علي القطن و الكتان، فقد سئل أبو الحسن الثالث عليه السّلام: «هل يجوز السجود علي القطن و الكتّان من غير تقية؟ فقال: جائز»(1). و الجمع بالتقييد غير ممكن بعد انحصار الملبوس النباتي عادة بالقطن و الكتان، كما لا يمكن الجمع بالحمل علي الكراهة لتساويهما في درجة الظهور.

و المناسب أن يقال ان رواية داود معارضة في نفس موردها برواية أبي العباس الفضل بن عبد الملك: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا يسجد إلاّ علي الأرض أو ما أنبت الأرض إلاّ القطن و الكتّان»(2). و بعد التساقط نرجع الي عموم صحيحة هشام المقتضي للمنع.

هذا كلّه بناء علي غض النظر عن ضعف رواية داود به - لعدم ثبوت و ثقاته إلاّ من خلال كامل الزيارة - و رواية أبي العباس بالقاسم و إلاّ فلا حاجة إلي ملاحظتهما رأسا.

2 - و اما جواز السجود علي القرطاس

فلصحيحة علي بن مهزيار قال: «سأل داود بن فرقد أبا الحسن عليه السّلام عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: يجوز»(3) و غيرها.

و هل يجوز السجود عليه مطلقا أو بشرط عدم اتخاذه من غير النبات كالحرير و الصوف أو بشرط اتخاذه من النبات غير المأكول

ص: 241


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 6.
3- و الخمرة كما في هامش الصحيح المذكور هي السجادة التي يضع عليها الرجل جزء وجهه حالة سجوده من حصير أو نسيجة من خوص.

و الملبوس؟ أقوال ثلاثة. و ما يمكن التمسّك بإطلاقه هو الصحيحة المذكورة و لكن قد يشكك فيه بأن نظر الصحيحة إلي عدم مانعية الكتابة من جواز السجود علي القرطاس و ليست بصدد إثبات جواز السجود عليه لينعقد لها إطلاق.

3 - و اما اعتبار السجود علي الأعضاء الستّة

مضافا للجبهة فلصحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: السجود علي سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الابهامين من الرجلين»(1).

4 - و اما وجه الأفضليّة علي ما ذكر

فلما رواه معاوية بن عمار:

«كان لأبي عبد اللّه عليه السّلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللّه عليه السّلام فكان إذا حضرته الصلاة صبّه علي سجادته و سجد عليه، ثم قال عليه السّلام:

ان السجود علي تربة أبي عبد اللّه عليه السّلام يخرق الحجب السبع»(2).

و روي الشيخ الصدوق رحمه اللّه عن الامام الصادق عليه السّلام: «السجود علي طين قبر الحسين عليه السّلام ينوّر إلي الأرضين السبعة، و من كانت معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السّلام كتب مسبحا، و ان لم يسبح بها»(3).

علي اننا في غني عمّا ذكر و يكفينا كونها التربة التي انسال عليها - في سبيل إرجاع الحياة إلي خط الإسلام - دم فلذة كبد الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و من فاز بنصرته من أهل بيته و أصحابه الكرام: «طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم».

5 - و اما عدم اعتبار المماسة بلحاظ بقية الأعضاء

فلصحيحة

ص: 242


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب السجود الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 1.

الفضيل و بريد عن أحدهما عليهما السّلام: «لا بأس بالقيام علي المصلّي من الشعر و الصوف إذا كان يسجد علي الأرض، و ان كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه و السجود عليه»(1). هذا مضافا الي القصور في المقتضي لاعتبار مماستها فان الأمر بالسجود علي الأرض و نباتها منصرف الي وضع الجبهة بخصوصها و معه يتمسّك بالبراءة من اعتبارها بلحاظ الباقي.

6 - و اما لزوم الذكر فيه بالنحو المتقدّم في الركوع

فلوحدة النصوص فيهما، ففي صحيحة هشام: «... و في السجود: سبحان ربي الأعلي...»(2) و في صحيح مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا و ليس له و لا كرامة ان يقول: سبح، سبح سبح»(3) ، و الجمع يقتضي التخيير.

7 - و اما لزوم الطمأنينة فيه

فلصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله أبو بصير و أنا جالس عنده - إلي أن قال - و إذا سجد فلينفرج و ليتمكّن»(4) ، بتقريب ان الأمر فيها للإرشاد الي شرطية التمكن و الاستقرار في تحقق السجود الشرعي، و بالالتزام تدل علي اشتراطه اثناء الذكر الواجب للزوم ايقاع الذكر المأمور به أثناء السجود الشرعي، بل قد تدلّ علي اشتراطه في الذكر المستحب أيضا للتقريب بعينه.

ص: 243


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الركوع الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الركوع الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب اعداد الفرائض و نوافلها الحديث 14.
8 - و أمّا لزوم رفع الرأس من السجدة الاولي و الجلوس منتصبا

فلصحيحة أبي بصير قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «... و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتي ترجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك»(1).

9 - و اما اعتبار التساوي فيما ذكر:

فلحسنة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن السجود علي الأرض المرتفع فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»(2) ، و مقدار اللبنة ذاك الزمان علي ما قيل أربع أصابع مضمومة.

و لموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المريض أ يحل له أن يقوم علي فراشه و يسجد علي الأرض؟ قال: فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد علي الأرض، و ان كان أكثر من ذلك فلا»(3) ، و الاولي تدل علي اغتفار الارتفاع و الثانية علي اغتفار الانخفاض.

بعض أحكام السجود
اشارة

و من نسي السجدتين و تذكرهما قبل الركوع عاد إليهما، و إذا تذكرهما بعده بطلت.

و من نسي سجدة واحدة و تذكرها قبل الركوع رجع إليها، و إذا كان بعده مضي و قضاها بعد السلام.

ص: 244


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث 9.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب السجود الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب السجود الحديث 2.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم الاتيان بالسجدتين لو نسيهما و تذكر قبل الركوع

فلمقتضي القاعدة، لبقاء محل التدارك بعد عدم الدخول في ركن آخر.

هذا مضافا إلي انه لو جاز العود لتدارك السجدة الواحدة - كما سيأتي - مع انها ليست ركنا فجوازه في السجدتين أولي.

2 - و اما بطلان الصلاة مع التذكر بعد الركوع

فلمقتضي القاعدة أيضا لنقص الركن لو استمر و زيادته - بزيادة الركوع - لو تداركهما.

3 - و اما الحكم في نسيان السجدة الواحدة

فلصحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة أول بحث السجود.

التشهد
اشارة

و هو واجب في الثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الثانية. و في الثلاثية و الرباعية مرّتين ثانيتهما بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الأخيرة.

و تركه السهوي لا يبطل الصلاة. و من ذكره قبل الركوع أتي به و إلاّ مضي في صلاته و سجد سجدتي السهو بعد تمامها و الأولي قضاؤه أيضا.

و كيفيته «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد ان محمّدا عبده و رسوله اللّهم صلّ علي محمّد و آل محمّد».

و المستند في ذلك:

1 - أما وجوبه في المواضع المذكورة

فهو متسالم عليه بل كاد يكون ضروريا، أجل قد يعسر استفادة محله الواجب من النصوص إلاّ في الثانية من الظهر و غيرها، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك

ص: 245

في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهد و قم فأتم صلاتك...»(1).

و قد يتوهّم أن صحيحة عبيد بن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ فقال: تمّت صلاته و انما التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهّد»(2). تدل علي استحبابه.

و الجواب: ان السنّة في مصطلح النصوص بمعني ما سنّه الرسول صلّي اللّه عليه و آله في مقابل الفرض بمعني ما أوجبه اللّه تعالي.

2 - و اما عدم بطلان الصلاة بتركه سهوا

فلقاعدة لا تعاد المستفادة من صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، ثم قال: القراءة سنّة و التشهّد سنّة و لا تنقض السنّة الفريضة»(3) ، فإنّه يدل في موضعين منه علي ذلك.

3 - و اما وجوب تداركه لمن ذكره قبل الركوع

فلصحيحة الحلبي المتقدّمة آنفا.

4 - و اما لزوم سجود السهو علي الناسي

فلصحيحة أبي بصير:

«سألته عن الرجل ينسي أن يتشهّد قال: يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(4) و غيرها.

5 - و اما عدم وجوب قضائه

فلان بعض النصوص و ان كان

ص: 246


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب التشهد الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب التشهد الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب التشهد الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب التشهد الحديث 6.

ظاهرها وجوبه كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتي ينصرف فقال: إن كان قريبا رجع إلي مكانه فتشهد و إلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه، و قال:

انما التشهّد سنّة في الصلاة»(1). إلاّ أنّه لأجل صحيحة أبي بصير السابقة و غيرها يحمل ذلك علي الرجحان أو التشهد الأخير.

6 - و أمّا كيفيّته بما تقدّم

فهو المشهور - و نسب إلي بعض الاكتفاء بالشهادة الاولي في التشهّد الأوّل، و الي الصدوق رحمه اللّه الاكتفاء بجملة «بسم اللّه و باللّه» بدل الشهادتين - و لا توجد رواية تدل عليها بكاملها بل هي ثابتة بالجمع بين الروايات كصحيحة محمّد بن مسلم:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام التشهّد في الصلوات؟ قال: مرّتين. قلت: كيف مرّتين؟ قال: إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد ان محمّدا عبده و رسوله. ثم تنصرف...»(2) ، و صحيحة أبي بصير و زرارة: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله من تمام الصلاة إذا تركها متعمّدا فلا صلاة له»(3).

و هي و ان لم تدل علي تعيين الموضع إلاّ أنه تكفي لذلك السيرة القطعية، أجل لا يستفاد من الصحيحة تعيين الكيفية الخاصّة للصلاة بل قد يستفاد من اطلاقها جواز غيرها. و الاعتماد علي السيرة ان تمّ و إلاّ فيجري أصل البراءة من خصوصيّة التعيين، بل قد يجتزأ بمطلق الشهادتين تمسّكا بإطلاق بعض النصوص، كصحيح سورة بن كليب:

ص: 247


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب التشهد الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب التشهد الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب التشهد الحديث 1.

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدني ما يجزي من التشهد قال: الشهادتان»(1) إلاّ أنّه مقيّد بما تقدّم.

التسليم
اشارة

و هو آخر أجزاء الصلاة. و به يتحقّق الخروج منها و تحلّ منافياتها.

و له صيغتان: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته. و بأيّهما بدأ كان الثاني مستحبّا.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب التسليم

فهو المشهور - و نسب إلي بعض الاستحباب - و يدل عليه موثق أبي بصير: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل صلّي الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف.

قال: فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتمّ صلاته فان آخر الصلاة التسليم»(2) و غيره.

و اما ما رواه الصدوق بقوله: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم»(3) فهو ضعيف بالإرسال إلاّ بناء علي حجيّة مراسيله التي هي بلسان قال. و هكذا الروايات الاخري التي هي بهذا المضمون ضعيفة السند.

ثم انه قيل باستحباب التسليم استنادا الي بعض النصوص من قبيل صحيح ابن مسلم المتقدّم في كيفية التشهد حيث ورد في ذيله:

«ثم تنصرف».

ص: 248


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب التشهد الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التسليم الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التسليم الحديث 8.

و فيه: ان طريق الانصراف ما دام قد عيّن شرعا بالتسليم فينحصر به و لا يحمل علي الانصراف العادي.

2 - و أمّا التخيير في صيغة التسليم

فهو المشهور بين المتأخرين، و يقتضيه الجمع بين صحيحة الحلبي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كل ما ذكرت اللّه عزّ و جلّ به و النبي صلّي اللّه عليه و آله فهو من الصلاة. و ان قلت: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(1). و موثقة الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له إني اصلّي بقوم. فقال: تسلّم واحدة و لا تلتفت. قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام عليكم...»(2) كما ان مقتضي ذلك اتّصاف الأوّل بالوجوب و الثاني بالاستحباب لدي الجمع بينهما.

منافيات الصلاة
اشارة

للصلاة منافيات تبطل بها، و هي: الحدث بكلا قسميه و لو سهوا، و الالتفات الفاحش عن القبلة، و ما كان ماحيا لصورتها لدي المتشرّعة، و التكلّم العادي عمدا، و القهقهة، و تعمّد البكاء إذا كان لأمور الدّنيا أو لذكر ميّت، و التكفير بقصد الجزئيّة، و قول آمين بعد الفاتحة بقصد الجزئية.

و المستند في ذلك:

1 - اما مبطلية الحدث

فللتسالم عليها و ضرورة الفقه. و امّا شرطية الطهارة فهي و ان كانت مسلمة إلاّ أن الصلاة اسم للاجزاء دون الاكوان المتخللة فلا يمكن التمسّك بها لإثبات بطلانها إذا أحدث المصلي

ص: 249


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب التسليم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب التسليم الحديث 3.

في كون منها و تطهر بسرعة بحيث لم يقع جزء منها مع الحدث. و كذلك لا يمكن التمسّك بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «و سألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده علي أنفه و خرج من المسجد حتي أخرج الريح من بطنه ثم عاد الي المسجد فصلّي فلم يتوضّأ هل يجزيه ذلك؟ قال: لا يجزيه حتي يتوضّأ و لا يعتدّ بشيء ممّا صلّي»(1) إذ لعل عدم الاعتداد بما مضي من جهة كثرة الفعل الماحية لصورة الصلاة.

أجل لا بأس بالتمسّك بصحيحة الاخري: «سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم ان ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال:

يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتدّ بشيء ممّا صلّي إذا علم ذلك يقينا»(2).

ثم ان في بعض النصوص(3) ما يدل بظاهره علي عدم مبطلية الحدث أثناء الصلاة و ان بالامكان الوضوء و البناء علي ما مضي، و لكنه لمخالفته لما سبق لا بدّ من حمله علي بعض المحامل أو طرحه.

2 - و اما التعميم

لحالة السهو فلإطلاق معقد الضرورة و التسالم و الصحيحة المتقدّمة.

3 - و اما مبطلية الالتفات الفاحش

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و ان كنت قد تشهدت فلا تعد»(4) ، و اما صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته

ص: 250


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 9، 11.
4- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2.

قال: لا»(1) فلا بدّ من حملها علي الفاحش لما تقدّم.

و هل يلزم أن يكون الالتفات بكل البدن؟ لا يبعد ذلك لصحيحة زرارة: «سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله»(2) فان الظاهر كون المقصود: بكل البدن و ليس بكل الالتفات كما قيل.

4 - و اما ما كان ماحيا للصورة

فهو مبطل من باب ان المطلوب هو الصلاة، و مع الفعل الماحي تنعدم بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

اما ما لم يكن ماحيا فلا دليل علي مبطليته كابتلاع بقايا الطعام الموجودة في الفم أو السكر الذائب تدريجا.

و بهذا يتّضح ان ما ورد في صحيحة سعيد الاعرج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك اني أكون في الوتر و أكون قد نويت الصوم فأكون في الدعاء و أخاف الفجر فأكره أن أقطع علي نفسي الدعاء و أشرب الماء و تكون القلّة امامي قال: فقال لي: فاخط اليها الخطوة و الخطوتين و الثلاث و اشرب و ارجع الي مكانك و لا تقطع علي نفسك الدعاء»(3). يمكن توجيهه علي مقتضي القاعدة. و طريق ابن بابويه إلي الأعرج صحيح في المشيخة إذ ليس فيه إلاّ عبد الكريم بن عمرو الذي قال عنه النجاشي: «ثقة ثقة»(4) ، و لا ينافي ذلك قول الشيخ في حقّه:

ص: 251


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2.
4- رجال النجاشي: 172، منشورات مكتبة الداوري.

«واقفي خبيث»(1) ، لقرب كون المقصود خبيث العقيدة من جهة الوقف.

5 - و اما مبطلية التكلّم عمدا

فقد تمّ التسالم عليها. و تدلّ عليها صحيحة الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام: «ابن علي ما مضي من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا. و ان تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك»(2) و غيرها.

6 - و اما التقييد بالعادي

فللانصراف عن غيره كالذكر و الدعاء، و مع عدم الدليل علي البطلان به يتمسّك بالبراءة من مانعيته، بل في جملة من النصوص التصريح بعدم مانعيته كصحيحة علي بن مهزيار:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي به ربه، قال: نعم»(3) و غيرها.

7 - و اما التقييد بالعمد

فللتصريح بالعفو عن السهوي في الصحيحة المتقدّمة. بل لا حاجة إلي ذلك بعد وجود قاعدة لا تعاد.

8 - و اما مبطلية القهقهة

فلصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة»(4) و غيرها. و لا بدّ من التقييد بحالة العمد لقاعدة لا تعاد.

9 - و اما مبطلية البكاء

فيمكن الاستدلال له برواية أبي حنيفة:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال: إن بكي لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر

ص: 252


1- رجال الشيخ الطوسي: 354.
2- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.

ميّتا له فصلاته فاسدة»(1) لكنها ضعيفة بأبي حنيفة و النعمان بن عبد السلام إلاّ بناء علي تمامية كبري الانجبار بعمل المشهور. و لا بدّ من حمل ذكر الميت علي المثال لمطلق امور الدنيا بقرينة المقابلة.

و بالجملة ان تمّت الرواية و إلاّ فالحكم محل إشكال فيما إذا لم يكن - البكاء - ماحيا للصورة لعدم الدليل و المرجع البراءة.

10 - و اما تقييده بالتعمّد

فلقاعدة لا تعاد.

11 - و اما مبطلية التكفير

فقد يستدل لها بصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يضع يده في الصلاة و حكي اليمني علي اليسري فقال: ذلك التكفير لا يفعل»(2) أو بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «... و لا تكفّر فانّما يصنع ذلك المجوس»(3) إلاّ انهما لا تدلاّن علي الحكم الوضعي بل التكليفي خصوصا لو ضممنا إليهما ما رواه علي بن جعفر في كتابه: «سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدي يديه علي الاخري بكفه أو ذراعه؟ قال: لا يصلح ذلك فان فعل فلا يعود له»(4) فان عدم الأمر بالإعادة يدل علي ما ذكرناه.

و عليه فلا موجب للبطلان بالتكفير إلاّ إذا قصد به الجزئية فيكون زيادة عمدية و قد دلّت صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(5) علي بطلان الصلاة بها.

ص: 253


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 5.
5- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب الخلل الحديث 2.
12 - و اما التأمين

فان كان بقصد الجزئية فبمطليته علي القاعدة لما تقدّم. و ان لم يكن بالقصد المذكور و لا بقصد الدعاء فمبطليته علي القاعدة أيضا لأنه تكلّم عمدي. و اما إذا كان بقصد الدعاء فلا وجه لمبطليته لأنه كسائر الأدعية. إلاّ أنّه قد يقال بمبطليته في الحالة المذكورة أيضا لإطلاق صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كنت خلف امام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها فقل أنت الحمد للّه ربّ العالمين و لا تقل آمين»(1) و غيرها إلاّ انه لا يبعد انصرافها إلي الحالة الاولي.

و علي تقدير التنزل لا تدلّ علي الحكم الوضعي بل علي الحكم التكليفي و هو لا يلازم فساد مجموع القراءة أو الصلاة.

في الشكوك
أحكام الشكوك
اشارة

من شك في ادائه الصلاة لزمه فعلها في الوقت دون خارجه.

و الشاك في جزء أو شرط بعد الفراغ لا يلتفت.

و كثير الشك لا يعتني و يبني علي وقوع المشكوك فيما إذا لم يكن مفسدا و إلاّ بني علي عدمه.

و المرجع في صدق عنوان كثير الشك العرف. و مع الشك في حدوثه أو بقائه يبني علي الحالة السابقة.

و الامام يرجع عند شكّه إلي المأموم و بالعكس.

و من شك في فعل بعد الدخول في غيره يبني علي تحقّقه، و إذا كان قبله يأتي به.

ص: 254


1- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.

و من شك في صحّة المأتي به يبني علي ذلك و ان لم يدخل في غيره.

و الظن في عدد الركعات كاليقين بخلاف الظن في الأفعال فان حكمه حكم الشك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الشاك في اداء الصلاة يلزمه فعلها في الوقت

فلاستصحاب عدم الاداء. و بقطع النظر عن ذلك تكفي قاعدة «الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني» للزوم الاحراز. علي إنّا في غني عن ذلك بعد صحيحة زرارة و فضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «متي استيقنت أو شككت في وقت فريضة انك لم تصلها أو في وقت فوتها انك لم تصلها صلّيتها. و ان شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتي تستيقن، فان استيقنت فعليك أن تصلّيها في أي حالة كنت»(1).

2 - و اما عدم وجوب القضاء علي الشاك خارج الوقت

فلسقوط الأمر بالاداء بخروج الوقت اما بالامتثال أو بالعصيان، و الأمر بالقضاء تكليف جديد موضوعه الفوت - لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

«أربع صلوات يصليها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتي ما ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة...»(2) و غيرها(3) - و اذا شك في صدقه و من ثم في وجوب القضاء امكن التمسك بالبراءة لنفي ذلك.

ص: 255


1- وسائل الشيعة الباب 60 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب مواقيت الصلاة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب قضاء الصلاة.

و لا يمكن التمسّك باستصحاب عدم الاتيان في الوقت لإثباته إلاّ بنحو الأصل المثبت، و معه يتمسّك بالبراءة لنفيه.

هذا كلّه بقطع النظر عن ذيل صحيحة زرارة و فضيل المتقدّمة و إلاّ فهو كالصريح في المدعي، و يدل علي تأسيس قاعدة الحيلولة.

3 - و اما ان الشاك في جزء أو شرط لا يلتفت بعد الفراغ

فلقاعدة الفراغ المستفادة من موثقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضي فامضه كما هو»(1) ، و موثقة بكير بن أعين:

«قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضّأ. قال: هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(2) و غيرهما. و التعليل يعمّ جميع موارد الشكّ بعد الفراغ.

4 - و اما عدم اعتناء كثير الشكّ

فلصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان»(3).

و المراد من السهو في استعمال كثير من الروايات الشك، و في موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا، فقال عليه السّلام: لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتي يستيقن يقينا»(4) و غير ذلك.

و مقتضي الأمر بالمضي و التعليل ان ذلك من الشيطان لزوم

ص: 256


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الخلل الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الخلل الحديث 5.

البناء علي ما تصحّ معه الصلاة فقد يكون ذلك بالبناء علي فعل المشكوك و قد يكون بالبناء علي عدمه كما إذا احتمل زيادة ركن.

5 - و اما الرجوع الي العرف

فلكونه المرجع في تحديد مفاهيم الألفاظ - فإنّ اللفظ أمر عرفي من إنسان عرفي إلي إنسان عرفي فلا بدّ من حمله علي مفهومه العرفي - إلاّ مع ورود تحديد شرعي علي الخلاف، و هو لم يرد، فإنّ صحيحة محمّد بن أبي حمزة عن الامام الصادق عليه السّلام: «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو»(1) لا تدلّ علي الحصر في ذلك بقرينة كلمة «من» الظاهرة في التبعيض.

6 - و اما ان الشاكّ في الحدوث أو البقاء يرجع إلي الحالة السابقة

فللاستصحاب.

7 - و اما رجوع كل من الامام و المأموم إلي الآخر

فلصحيحة حفص بن البختري عن الامام الصادق عليه السّلام: «ليس علي الامام سهو و لا علي من خلف الامام سهو»(2) و غيرها فإنّه لا معني للنفي إلاّ إرادة رجوع كلّ إلي الآخر مع حفظه.

8 - و اما البناء علي تحقّق المشكوك بعد الدخول في غيره

فلقاعدة التجاوز المستفادة من صحيحة زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل شك في الاذان و قد دخل في الإقامة، قال: يمضي. قلت: رجل شك في الاذان و الإقامة و قد كبّر، قال: يمضي. قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ، قال: يمضي. قلت: شكّ في القراءة و قد ركع، قال: يمضي. قلت: شك

ص: 257


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 3.

في الركوع و قد سجد، قال: يمضي علي صلاته. ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء»(1) و غيرها.

9 - و اما لزوم الاتيان بالمشكوك قبل ذلك

فلمفهوم الشرط في ذيل الصحيحة المتقدّمة. مضافا إلي اقتضاء الاستصحاب و قاعدة لزوم الفراغ اليقيني بعد الاشتغال اليقيني لذلك.

10 - و اما ان الشاك في صحّة المأتي به يبني عليها و ان لم يدخل

في غيره

فلموثقة محمّد بن مسلم المتقدّمة في رقم (3) و غيرها.

11 - و اما ان الظنّ في عدد الركعات كاليقين

فلصحيحة أبي العباس عن الصادق عليه السّلام: «إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا و وقع رأيك علي الثلاث فابن علي الثلاث، و ان وقع رأيك علي الأربع فابن علي الأربع فسلّم و انصرف، و ان اعتدل و همك فانصرف و صل ركعتين و أنت جالس»(2) و غيرها، فإنّ موردها و ان كان هو الشك بين الثلاث و الأربع إلاّ أن الفقيه يمكن أن يفهم - بعد ملاحظة بقيّة الروايات - عدم الخصوصيّة له.

12 - و اما ان حكم الظن في الأفعال حكم الشك

فلاختصاص ما سبق بالركعات و لا موجب للتعدّي إلي غيره، و معه يلزم التمسّك بمقتضي قاعدة التجاوز فإنّ عنوان الشك الوارد فيها يراد به لغة خلاف اليقين لا خصوص حالة تساوي الطرفين فإنّ ذلك مصطلح منطقي حادث متأخّرا لا ينبغي تحميله علي الروايات.

ص: 258


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 1.
الشكّ في عدد الركعات
اشارة

الشك في عدد الركعات من الثنائية و الثلاثية و الأوّليتين من الرباعية مبطل لها.

و الشاك بين الاثنتين و الثلاث بعد إتمام الذكر الواجب للسجدة الأخيرة يبني علي الثلاث و يحتاط بركعة قائما أو بركعتين جالسا.

و الشاك بين الثلاث و الأربع يبني علي الأربع و يحتاط علي المشهور كذلك.

و الشاك بين الثنتين و الأربع بعد إتمام الذكر الواجب للسجدة الأخيرة يبني علي الأربع و يحتاط بركعتين من قيام.

و الشاك بين الثنتين و الثلاث و الأربع بعد إتمام الذكر الواجب للسجدة الأخيرة يبني علي الأربع و يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس.

و الشاك بين الأربع و الخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة يبني علي الأربع و يسجد سجدتي السهو.

و الشاك بين الأربع و الخمس حال القيام يهدمه و يكون كالشاك بين الثلاث و الأربع.

و المستند في ذلك:

1 - ان الأصل الأوّلي بمقتضي اطلاق دليل الاستصحاب و ان

اقتضي لزوم البناء علي الأقلّ عند الشك في عدد الركعات و لكنّه قد طرأ

عليه التقييد في المقام

بما دل علي لزوم البناء علي الأكثر و الاتيان بما يحتمل نقصانه بعد التسليم. ففي موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«يا عمّار اجمع لك السهو كلّه في كلمتين. متي ما شككت فخذ بالأكثر

ص: 259

فإذا سلّمت فأتم ما ظننت أنّك نقصت»(1). و طريق ابن بابويه إلي عمّار صحيح.

و عليه فلا بدّ بمقتضي الأصل الثانوي المذكور من الحكم بصحّة كل صلاة يحتمل فيها النقصان مع البناء علي الأكثر عند الشك إلاّ إذا دلّ الدليل الخاصّ علي العكس فيلتزم بتخصيصه كما سوف نري ذلك في الثنائية و غيرها.

2 - اما البطلان بالشكّ في الأوّليتين

فلم ينسب فيه الخلاف إلاّ إلي الصدوق حيث حكم بالتخيير بين الإعادة و البناء علي الاقل(2). و قد دلّ علي رأي المشهور ما يتجاوز عن خمس عشرة رواية كصحيحة زرارة:

«قال أبو جعفر عليه السّلام: كان الذي فرض اللّه علي العباد عشر ركعات و فيهنّ القراءة و ليس فيهن و هم - يعني سهوا - فزاد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهنّ قراءة. فمن شك في الأوّليتين أعاد حتي يحفظ و يكون علي يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(3) و غيرها.

و في مقابل ذلك أربع روايات دلّت علي البناء علي الأقلّ كصحيحة ابي يعفور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يدري أ ركعتين صلّي أم واحدة؟ قال: يتمّ بركعة»(4).

و لا يمكن الجمع بالحمل علي التخيير لإباء مثل صحيحة زرارة عن ذلك.

ص: 260


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 329:12.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الخلل الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 22.

و المناسب طرحها من باب مخالفتها للسنّة القطعيّة - الثابتة بالروايات المتكثرة - فإنّ المخالف للكتاب ما دام يطرح لكونه (الكتاب الكريم) يمثّل الحكم الإلهي القطعي فكذلك يلزم في المخالف لها.

3 - و اما بطلان الثنائية بالشك

فلعدّة روايات كموثقة سماعة:

«سألته عن السهو في صلاة الغداة فقال: إذا لم تدر واحدة صلّيت أم اثنتين فأعد الصلاة من أوّلها. و الجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة لأنها ركعتان»(1) و غيرها.

و لا يضر اضمار الموثقة بعد كون المضمر من الأجلّة الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام أو لان ذكر الضمير بلا مرجع معهود أمر غير مألوف، و حيث لا يوجد من هو معهود لدي الجميع سوي الامام عليه السّلام فيتعيّن رجوع الضمير إليه.

ثمّ انه يمكن التمسّك للبطلان أيضا بالروايات السابقة الدالة علي البطلان بالشك في الأوّليتين كما هو واضح.

هذا و في مقابل ما ذكر موثقة عمّار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لم يدر صلّي الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال: يتشهّد و ينصرف ثم يقوم فيصلّي فإن كان قد صلّي ركعتين كانت هذه تطوّعا و ان كان قد صلّي ركعة كانت هذه تمام الصلاة...»(2).

بيد انه يلزم طرحها لمخالفتها للسنّة القطعية علي ما تقدّم. هذا مضافا إلي هجران مضمونها لدي الأصحاب فان الصدوق قد نسب إليه في المسألة التخيير بين الإعادة و البناء علي الأقل دون البناء علي الأكثر.

ص: 261


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الخلل الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الخلل الحديث 12.

هذا كلّه في الفجر: و اما تعميم الحكم لكل ثنائية فيمكن إثباته بعموم التعليل الوارد في موثقة سماعة المتقدّمة.

4 - و اما بطلان المغرب بالشكّ

فللروايات الكثيرة كصحيحة حفص و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا شككت في المغرب فأعد...»(1) و غيرها. هذا و لكن ورد في موثقة عمّار المتقدّمة: «... قلت: فصلّي المغرب فلم يدر اثنتين صلّي أم ثلاثا قال: يتشهّد و ينصرف ثم يقوم فيصلّي ركعة فإن كان صلّي ثلاثا كانت هذه تطوّعا و إن كان صلّي اثنتين كانت هذه تمام الصلاة. و هذا و اللّه ممّا لا يقضي أبدا»(2) إلاّ ان المضمون المذكور مهجور لدي الأصحاب لعدم قائل به فإنّ المنسوب الي الصدوق التخيير بين الإعادة و البناء علي الأقل دون الأكثر. و لعل الذيل يشير به الامام عليه السّلام إلي ان ذلك - أي المضمون المذكور - ممّا لا يحكم به أحد.

5 - و اما ان حكم الشك بين الثنتين و الثلاث ما تقدّم

فهو المشهور و إن كان المنقول عن الصدوق في الفقيه البناء علي الأقلّ و في المقنع الحكم بالبطلان و عن والده التخيير بين البناء علي الأقل - مع التشهد في كلّ ركعة - و البناء علي الأكثر(3).

و يدل علي حكم المشهور - بالرغم من عدم ورود رواية خاصّة - عموم موثقة عمّار المتقدّمة. بيد أن الموثقة المذكورة تعين القيام في ركعة الاحتياط دون التخيير بينه و بين الجلوس إلاّ أن يقطع بعدم الفرق

ص: 262


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الخلل الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الخلل الحديث 12.
3- الحدائق الناضرة 210:9.

بين هذه الصورة و الصورة الآتية التي قيل فيها بالتخيير كما نسب التعليل بذلك إلي المشهور.

ثمّ انه توجد في هذه الصورة ثلاث روايات ثنتان تدلاّن علي لزوم البناء علي الأقل و هما صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «... رجل لا يدري اثنتين صلّي أم ثلاثا؟ قال: ان دخل الشك بعد دخوله في الثالثة مضي في الثالثة ثمّ صلّي الاخري و لا شيء عليه و يسلّم»(1) بتقريب ان المقصود من الدخول في الثالثة الدخول فيما يحتمل كونه ثالثة ثمّ يصلّي الثالثة و الرابعة و يسلّم.

و يردها: ان ما في اليد يحتمل كونه ثانية أيضا، و قد تقدّم وجود ما يتجاوز عن خمس عشرة رواية تدل علي البطلان بالشك قبل إحراز الثنتين فيكون ما ذكر مخالفا للسنّة القطعيّة فيطرح.

و صحيح العلاء: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صلّي ركعتين و شك في الثالثة قال: يبني علي اليقين فإذا فرغ تشهد و قام قائما فصلّي ركعة بفاتحة الكتاب»(2).

و يرده: ان المقصود من البناء علي اليقين هو البناء علي الأكثر و الاحتياط بعد السلام بركعة إذ لو كان المقصود البناء علي الأقل فلا وجه للاحتياط بركعة.

و الرواية الثالثة صحيحة عبيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّي أم ثلاثا؟ قال: يعيد، قلت: أ ليس يقال لا يعيد2.

ص: 263


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الخلل الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الخلل الحديث 2.

الصلاة فقيه؟ قال: إنّما ذلك بين الثلاث و الأربع»(1). و لكنّها مخالفة للروايات الكثيرة الدالّة علي دخول السهو في الأخيرتين - و التي تشكّل عنوان السنّة القطعيّة - فإنّه بناء علي الصحيحة المذكورة يلزم دخول السهو في خصوص الرابعة.

6 - و اما التقييد باتمام مقدار الذكر الواجب

فلانه به يتحقّق إكمال الركعتين الأوّليتين اللتين لا يدخل فيهما السهو، ففي صحيح محمّد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و لا يدري أ واحدة صلّي أم ثنتين؟ قال: يستقبل حتي يستيقن أنّه قد أتمّ. و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(2) و غيره دلالة واضحة علي ذلك.

7 - و اما ان حكم الشكّ بين الثلاث و الأربع ما تقدّم

فيقتضيه عموم موثقة عمّار المتقدّمة و بعض الروايات الخاصة كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ان كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا و لم يذهب و همك إلي شيء فسلم ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب...»(3).

و إذا قيل: إن صحيحة محمّد بن مسلم: «... و من سها فلم يدر ثلاثا صلّي أم أربعا و اعتدل شكّه قال: يقوم فيتمّ ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس...»(4) تدل علي لزوم البناء علي الأقل لأنّ المقصود يقوم فيتمّ ركعة رابعة.

ص: 264


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الخلل الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الخلل الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الخلل الحديث 5.
4- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الخلل الحديث 4.

كان الجواب: لو كان ذلك هو المقصود فلا معني لصلاة الاحتياط بعد ذلك.

8 - و اما التخيير في ركعة الاحتياط

فقد قيل هو مقتضي الجمع بين الأخبار لكننا لم نعثر علي رواية معتبرة تدل علي جواز القيام إلاّ ان يستفاد ذلك من صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «... إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع قام فأضاف إليها أخري و لا شيء عليه و لا ينقض اليقين بالشك و لا يدخل الشك في اليقين و لا...»(1) فإنّه بضم قوله «قام فأضاف...» الي النهي عن الخلط قد يستفاد اعتبار الاتيان بركعة منفصلة من قيام.

و يبقي علي هذا الاحتياط بتعيّن الجلوس مناسبا.

9 - و اما حكم الشك بين الثنتين و الأربع

بما تقدّم فهو المشهور - و قيل بالتخيير بينه و بين الاستئناف و بالتخيير بينه و بين البناء علي الأقل - لعموم موثقة عمّار المتقدّمة و لصحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام:

«... من لم يدر في اثنيين هو أو في أربع قال: يسلّم و يقوم فيصلّي ركعتين ثمّ يسلّم و لا شيء عليه»(2) و غيره.

و إذا قيل: كيف الموقف مع مضمرة محمّد بن مسلم: «سألته عن الرجل لا يدري صلّي ركعتين أم أربعا قال: يعيد الصلاة»(3).

كان الجواب: إذا قلنا بعدم إمكان التخيير في الأوامر الإرشادية يتمّ التساقط و نرجع إلي عموم موثقة عمّار المتقدّمة. و إذا قلنا بإمكانه

ص: 265


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الخلل الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الخلل الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الخلل الحديث 7.

فيمكن أن يجاب بأن محمّد بن مسلم نفسه روي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّي ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع؟ قال: يسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب و يتشهّد و ينصرف و ليس عليه شيء»(1). و من البعيد سؤاله عن قضية واحدة مرّتين فتسقط لعدم العلم بالصادر.

و ممّا يؤكّد ذلك انه لو كان - لنكتة - قد سأل مرّتين فمن المناسب سؤاله الامام عليه السّلام عن نكتة اختلاف الجواب.

10 - و اما اعتبار اتمام الذكر الواجب

فلانه بدونه لا يحرز اتمام الأوليتين.

11 - و اما ان حكم الشاك بين الثنتين و الثلاث و الأربع ما ذكر

فيقتضيه عموم موثقة عمّار المتقدّمة فإن أحد الطرق التي يحصل بها إتمام ما يحتمل نقصانه هو ذلك. هذا مضافا الي دلالة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لا يدري اثنتين صلّي أم ثلاثا أم أربعا، فقال: يصلّي ركعتين من قيام ثمّ يسلّم ثمّ يصلّي ركعتين و هو جالس»(2) علي ذلك. و السند صحيح بناء علي وثاقة العطار من خلال شيخوخة الإجازة.

و إذا كانت نسخ الفقيه مختلفة حيث ورد في بعضها «ركعة» فبالإمكان تقوية احتمال نسخة «ركعتين» إلي درجة الاطمئنان ببعض القرائن التي منها مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل صلّي فلم يدر اثنتين صلّي أم ثلاثا أم أربعا، قال:

ص: 266


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الخلل الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الخلل الحديث 1.

يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم...»(1).

و انما لم نعدها دليلا بنفسها من جهة انا حتي لو قبلنا كبري عدم رواية ابن أبي عمير و صاحبيه إلاّ عن ثقة فذلك ينفع فيما لو صرّح باسم من يروي عنه ليحرز بذلك عدم الجارح له دون ما لو سكت لصيرورة المقام من قبيل الشبهة المصداقية بعد ثبوت جرح خمسة من مشايخه كعلي بن حديد و يونس بن ظبيان.

12 - و اما التقييد باتمام الذكر

فلما تقدّم.

13 - و اما حكم الشاك بين الأربع و الخمس بعد ذكر السجدة

الأخيرة

فلا يمكن استفادته من عموم موثقة عمّار بل من صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا لم تدر خمسا صلّيت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس ثم سلّم بعدهما»(2) و غيرها.

و التقييد بما بعد ذكر السجدة الأخيرة لاستظهاره من التعبير بالفعل الماضي «صلّيت».

14 - و اما الحكم علي الشاك بين الأربع و الخمس حالة القيام

بما تقدم فلانه مصداق حقيقة للصورة الثانية التي وردت فيها صحيحة الحلبي: «... ان كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا...»(3) ، إذ ما دام الشك حالة القيام فلا يصدق: خمسا صليت أم أربعا بل يصدق: ثلاثا صلّيت أم أربعا.

ص: 267


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الخلل الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب الخلل الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الخلل الحديث 5.

و انما يهدم القيام - و لا تكمل الركعة كما هو الحال في من شك بين الثلاث و الأربع حقيقة - من جهة جزم المكلف بإكمال الرابعة لفرض بنائه علي ذلك.

أجل لا بدّ من افتراض عدم الدخول في الركوع و إلاّ كان زيادة ركنية لأنه قد بني علي كون الركعة السابقة رابعة.

و بهذا يتّضح ان المقصود من التعبير ب «حال القيام» حال ما قبل الركوع.

كما يتضح انه لا محذور في الحكم بصحة الصلاة سوي الزيادة الحاصلة بعد الركعة المبني علي انها رابعة و لا ضير في ذلك لحديث لا تعاد بعد عدم كونها زيادة ركنية.

2 - صلاة المسافر
أحكام المسافر
اشارة

تقصر الصلاة الرباعية بالسفر إلي ثنتين بشرط:

القصد المستمر لقطع المسافة (ثمانية فراسخ) امتدادية أو ملفقة و لو لمن لم يرد الرجوع في اليوم نفسه.

و عدم قصد المرور بالوطن أو إقامة عشرة قبل بلوغ المسافة.

و أن يكون السفر مباحا.

و عدم اتخاذ السفر عملا.

و ان لا يكون ممّن بيته معه.

و الوصول الي حد الترخّص، و هو المكان الذي لا يري فيه أهل البلد أو لا يسمع فيه صوت اذانه.

ص: 268

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم القصر في السفر و عدم التخيير بينه و بين الاتمام

- كما هو لدي العامة - فمما لم يقع فيه خلاف بيننا بل هو من الضروريات.

و في الحديث: ان التقصير صدقة منّ اللّه سبحانه بها علي المسافرين. و هل يسر أحدكم إذا تصدّق بصدقة أن ترد عليه(1).

و في حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سمي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قوما صاموا حين أفطر و قصر عصاة و قال هم العصاة إلي يوم القيامة و انا لنعرف أبناءهم و أبناء أبناءهم إلي يومنا هذا»(2).

2 - و اما ان القصر يختص بالرباعية و بحذف ركعتين

فهو من الضروريات أيضا. و يمكن استفادته من بعض النصوص(3).

3 - و اما اشتراط القصر بقصد قطع مسافة معينة

فهو ممّا لا خلاف فيه بيننا. و نسب إلي داود بن علي الظاهري و محمّد بن الحسن الاكتفاء بصدق عنوان المسافر(4).

4 - و اما ان مقدار المسافة المعيّنة ثمانية فراسخ

فلم ينقل الخلاف فيه إلاّ عن الكليني فقيل باكتفائه بأربعة(5). و لعلّ ذلك لاقتصاره علي ذكر روايات البريد تحت الباب الذي عنونه ب «حد المسير

ص: 269


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب صلاة المسافر.
4- الحدائق الناضرة 300:11، و جواهر الكلام 193:14.
5- الحدائق الناضرة 316:11.

الذي تقصر فيه الصلاة».

و علي أي حال دلّت الروايات الكثيرة التي تتراوح بين 20-30 رواية علي تحديد المسافة بما ذكر، فقد ورد التعبير بالثمان، و بياض يوم، و بريدين، و 24 ميلا، و مسيرة يوم، و بريد في بريد. و الكل واحد.

و بعض الروايات عبّر ببريد ذاهبا و بريد جائيا، و بريد، و مسيرة 12 ميلا، و أربعة فراسخ. و ذلك محمول علي من يقصد الرجوع(1).

و في مقابل هذا المجموع دلّت روايات ثلاث علي غير ذلك، ففي صحيحة زكريا بن آدم انها مسيرة يوم و ليلة(2) و في رواية أبي بصير انها مسيرة يومين(3) و في صحيحة ابن أبي نصر انها ثلاثة برد(4).

و قد قيل بلزوم حملها علي التقيّة لوجود أقوال لبعض العامّة توافق مضمون كلّ واحدة منها.

و فيه: ان مجرّد وجود قول لبعض العامّة لا يصحح الحمل علي التقيّة بعد عدم كون الطابع العام كذلك. اللّهمّ إلاّ إذا بنينا علي ما اختاره صاحب الحدائق من عدم اشتراط الحمل علي التقية باختبار العامة لمضمون الرواية بل يكفي كون الغرض القاء الخلاف في الأوساط الشيعية تحفّظا عليها من وحدة الكلمة المستلزمة لمعروفية رأيهم(5).

إلاّ ان هذا الرأي ضعيف لأنّ الأمر بالأخذ بالمخالف و طرح1.

ص: 270


1- يمكن مراجعة مجموع الروايات المذكورة في الأبواب الاولي من صلاة المسافر من وسائل الشيعة.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10.
5- الحدائق الناضرة، المقدمة الاولي من مقدمات الكتاب 4:1.

الموافق يدل علي اختصاص الحمل علي التقية بحالة الموافقة فقط.

و لعلّ الأنسب أن يقال: ان روايات تقدير المسافة بثمان لكثرتها الكاثرة يمكن أن تشكّل عنوان السنّة القطعية و يلزم طرح الروايات الثلاث لمخالفتها لها لأنّ الأمر بطرح مخالف الكتاب الكريم ليس إلاّ من جهة انه (الكتاب الكريم) يمثّل حكم اللّه سبحانه القطعي و ذلك ثابت في السنّة القطعية أيضا فيلزم طرح مخالفها.

5 - و اما اعتبار القصد

فلموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ و يأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اخري أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك، ثمّ ينزل في ذلك الموضع. قال: لا يكون مسافرا حتي يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة»(1) أي لا يصير مسافرا شرعا إلاّ إذا سار بقصد الثمانية.

و يمكن الاستدلال علي المدعي أيضا بأنّ تحقّق قطع المسافة خارجا لما لم يكن معتبرا في وجوب القصر فيلزم كون المعتبر هو القصد.

و بكلمة اخري: لما جاز التقصير عند حدّ الترخص مع عدم تحقّق قطع المسافة خارجا فلازم ذلك كون المدار علي قصد القطع.

6 - و اما انه لا يلزم في المسافة أن تكون امتدادية بل تكفي

التلفيقية

فلان الروايات في المقام علي ثلاثة أصناف:

بعضها، كموثقة سماعة: «سألته عن المسافر في كم يقصر

ص: 271


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.

الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم و هي ثمانية فراسخ»(1) جعل المدار علي الثمانية.

و بعضها الآخر كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ»(2) جعل المدار علي أربعة.

و ثالث، كصحيح معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أدني ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال: بريد ذاهبا و بريد جائيا»(3) جعل المدار علي البريد ذاهبا إذا انضم إليه البريد جائيا.

و بالثالث يحصل الجمع بين الأولين، بل في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن التقصير، قال: في بريد. قلت:

بريد؟ قال: انه ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه»(4) تصريح بذلك.

7 - و اما عدم اعتبار الرجوع في اليوم نفسه في المسافة الملفقة

فقد وقع محلا للاختلاف فالمنسوب إلي المشهور أن قاصد الرجوع ليومه ملزم بالتقصير و غيره بالخيار بينه و بين الاتمام. و عن ثان الالزام بالاتمام لمن لم يقصد الرجوع ليومه. و عن ثالث الالزام بالقصر مطلقا. و هو الصحيح لوجهين:

الأوّل: التمسّك بإطلاق صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة: «قال:

بريد ذاهبا و بريد جائيا». و دعوي انصرافه إلي العود في نفس اليوم أو الليلة لا نعرف لها وجها خصوصا في مثل ذلك الزمان.

ص: 272


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 13.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.

الثاني: التمسّك بما دلّ علي ان أهل مكّة إذا قصدوا الحجّ و خرجوا إلي عرفات قصروا كصحيح معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات؟ فقال: ويلهم أو ويحهم و أي سفر أشد منه.

لا تتمّ»(1) و غيره بعد الالتفات إلي ان المسافة إلي عرفات أربعة فراسخ و العود ليس في اليوم نفسه.

و إذا لم يلزم العود في اليوم نفسه فبأي مقدار يجوز أن تكون الفترة المتخللة؟ مقتضي اطلاق صحيح معاوية عدم تحديدها بشيء.

غايته يلزم تقييد الإطلاق بأمرين: صدق عنوان المسافر و عدم تحقّق أحد قواطع السفر من قبيل قصد إقامة عشرة أو البقاء ثلاثين يوما و نحو ذلك.

و وجه الأوّل: ان ظاهر بعض الروايات - كموثق عمّار المتقدّم في الرقم 5 - اناطة وجوب القصر بصدق عنوان المسافر.

و وجه الثاني واضح.

هذا و قد يستدلّ علي وجوب التمام لمن لا يريد الرجوع في يومه بصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم: «سألته عن التقصير، قال: في بريد.

قلت: في بريد؟ قال: انه ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه» فان السفر الشاغل لليوم لا يتحقّق إلاّ بالعودة في اليوم نفسه.

و فيه: ان ذيل الصحيح ليس له ظهور قوي يصلح لمعارضة روايات عرفات و لا بدّ من حمله علي بعض المحامل من قبيل ان ضم الاياب الي الذهاب يساوي من حيث المقدار شغل اليوم. و لو كان المدار1.

ص: 273


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.

علي ذلك بنحو الدقة يلزم عدم ثبوت التقصير علي من كان ذهابه و عوده في ليلة واحدة أو كان ذهابه في اليوم و إيابه في الليل متّصلا به.

8 - و اما اعتبار استمرار القصد

فلانه مع عدمه اما ان يفرض الرجوع و عدم الاستمرار في قطع المسافة، و لزوم الاتمام فيه واضح لعدم تحقّق المسافة التي هي شرط القصر، أو يفرض الاستمرار في قطع المسافة، و في مثله يجب الاتمام أيضا لأنّ ظاهر موثقة عمّار المتقدّمة الدالة علي اعتبار القصد اعتباره في جميع المسافة.

9 - و اما اعتبار عدم قصد المرور بالوطن

فلم ينقل فيه خلاف.

و تحقيق حاله يحتاج إلي البحث عن نقطتين:

احداهما: لما ذا كان المرور بالوطن و لو بدون قصد مسبق قاطعا لحكم السفر بحيث يحتاج الي قصد مسافة جديدة بعده و لا ينضم ما سبق إلي ما يأتي؟

ثانيتهما: لما ذا كان قصد المرور بالوطن مانعا من الحكم بالقصر و ان لم يتحقّق المرور به فعلا؟

اما بالنسبة الي النقطة الأولي فلان الخارج من وطنه ثانيا كالخارج منه أوّلا في ان دليل وجوب القصر يحكم عليه بعدم ثبوت القصر إلاّ بعد ثمانية فراسخ من بعد الوطن.

و اما بالنسبة إلي النقطة الثانية فلان ظاهر دليل اعتبار القصد - و هو موثق عمّار المتقدّم في الرقم 5 - اعتبار صدق المسافر طيلة المسافة و ان يكون القصد منذ البداية متعلّقا بالمسافة التي يصدق طيلتها عنوان المسافر.

ص: 274

10 - و اما اعتبار عدم قصد الاقامة قبل بلوغ المسافة

فهو ممّا لا خلاف فيه أيضا. و يحتاج توضيح الحال فيه إلي بيان نقطتين:

الأولي: لما ذا كانت الإقامة في مكان قبل بلوغ المسافة و لو بدون قصد مسبق قاطعة للسفر بحيث يحتاج القصر إلي قصد مسافة جديدة و لا ينضم ما يأتي إلي ما سبق؟

الثانية: لما ذا كان قصد الإقامة قبل بلوغ المسافة قاطعا للسفر و لو لم تتحقّق الإقامة فعلا؟

اما بالنسبة الي النقطة الاولي فالحال فيها واضح بناء علي ان الاقامة عشرة قاطعة للسفر موضوعا و حكما - لا حكما فقط - حيث يصير محل الإقامة بمنزلة الوطن.

و اما بناء علي قاطعيتها للحكم فقط فيشكل الأمر لصدق عنوان المسافر طيلة المسافة المقصودة.

و قد يستدل لذلك بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكّة، فإذا خرج إلي مني وجب عليه التقصير فإذا زار البيت أتمّ الصلاة، و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلي مني حتي ينفر»(1) ، فإنّه دلّ علي ان الخروج الأول إلي مني يوجب القصر لفرض قصد الذهاب إلي عرفات التي يبلغ الذهاب إليها و العود منها مقدار المسافة، و هذا بخلافه في الخروج الثاني فإنّه لا يوجب القصر لعدم قصد المسافة، و هذا لا يتمّ إلاّ بناء علي ان الاقامة عشرة في مكان قاطعة للسفر السابق و يحتاج العود إلي

ص: 275


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.

القصر الي قصد مسافة جديدة و إلاّ كان المناسب الحكم بالقصر في الخروج الثاني إلي مني أيضا.

و لربّما يمكن التمسّك لذلك أيضا بصدر الرواية: «و هو بمنزلة أهل مكة».

بل قد يتمسّك لذلك أيضا باستصحاب وجوب التمام الثابت في محل الإقامة و قبل بلوغ حدّ الترخص.

و في الكلّ نظر.

أما الأوّل فلان الإقامة عشرة انما تمنع من القصر لو لم ينتف مفعولها بالسفر الشرعي، و المفروض تحقّقه بالسفر الي عرفات، و معه فالحكم بالاتمام في الخروج الثاني الي مني قضية لا ينفع الاستدلال بها في المقام.

و اما الثاني فلاحتمال كون المقصود من جملة: «و هو بمنزلة أهل مكّة» انه بمنزلتهم في الحكم بوجوب التمام لا أكثر.

و اما الثالث فلان الأصل لا تصل النوبة إليه بعد المطلقات الدالة علي ثبوت القصر في حق المسافر ثمانية فراسخ. هذا مضافا الي كونه تعليقيّا، إذ المستصحب هو وجوب اداء الصلاة الجديدة تماما ان حلّ وقتها في المكان السابق.

هذا و قد يستدل علي المطلوب بوجهين آخرين:

أحدهما: تطبيق القاعدة الكليّة التي استفادها بعض الأعلام من النصوص، و هي ان كلّ من وجب عليه اداء الصلاة تماما لا تنتقل وظيفته إلي القصر إلاّ بقصد ثمانية فراسخ لموثق سماعة: «سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، و ذلك بريدان،

ص: 276

و هما ثمانية فراسخ»(1) ، فانه يستفاد منه ان المكلف لا تنتقل وظيفته من التمام الي القصر إلاّ بعد قصد ثمانية فراسخ. و في محل الاقامة حيث ان الوظيفة هي التمام فلا بد للانتقال الي القصر من قصد مسافة جديدة.

ثانيهما: ان يستظهر ممّا دلّ علي وجوب القصر من حين الوصول إلي حدّ الترخص و حتي نهاية السفر ان وظيفة المكلف لا تصير قصرا إلاّ إذا كان يجب عليه القصر من حين بلوغ حدّ الترخص و حتي آخر المسافة، و معه فإذا كانت الوظيفة هي التمام وسط المسافة - كما هو المفروض في المقام لفرض تحقّق الإقامة في الاثناء - فلا تنتقل الي القصر بعد بلوغها.

و هذان الوجهان ان تمّ أحدهما أو كلاهما أخذنا به و إلاّ ينحصر المدرك بعدم الخلاف في حكم المسألة الذي يصلح الاستناد إليه في مقام الاحتياط دون الفتوي.

و امّا النقطة الثانية فالوجه فيها واضح بناء علي زوال عنوان المسافر بالإقامة موضوعا، فانه يضم إلي مقدّمة اخري و هي انه يلزم في الحكم بالقصر قصد المسافة التي يصدق طيلتها عنوان المسافر، فان تمّ ذلك و إلاّ فالحكم باعتبار عدم قصد الإقامة مشكل.

11 - و اما اعتبار إباحة السفر

فلم ينقل فيه خلاف. و تدلّ عليه صحيحة عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج الي الصيد أ يقصر أو يتمّ؟ قال: يتمّ، لأنه ليس بمسير حقّ»(2) و غيرها. و مقتضي التعليل عدم الفرق بين كون المسير بنفسه معصية

ص: 277


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4.

أو كون الغاية منه ذلك.

12 - و اما اعتبار عدم اتخاذ السفر عملا

فهو مورد للاتفاق في الجملة. و مهم الروايات ثلاث:

الأولي: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان»(1).

الثانية: صحيحة زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري و الكري(2) و الراعي و الاشتقان لأنه عملهم»(3).

الثالثة: موثقة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه: «سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته و الأمير الذي يدور في امارته و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلي سوق و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدّنيا و المحارب الذي يقطع السبيل»(4).

و لا اشكال في وجوب التمام علي من كان السفر بنفسه عملا له، و انما الكلام في من كان السفر مقدّمة لعمله فان مثله لم يقع التعرّض له في كلمات المتقدّمين بل المتأخرين أيضا فلم يتعرّض له مثلا في كلام

ص: 278


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
2- كري كغنيّ: كثير المشي. و كأنّ المراد به من يكري نفسه للمشي. و الاشتقان أمين البيدر أو البريد. هكذا في الوافي 165:7.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.

الشيخ الهمداني أو السيّد الطباطبائي.

و قد يقال بوجوب التمام عليه لوجهين:

الأوّل: التمسّك بالتعليل: «لأنه عملهم» في صحيح زرارة فإنه يشمل من كان السفر مقدّمة لعمله بقرينة بعض الأمثلة كالراعي.

الثاني: التمسّك بجملة «و ليس له مقام» في الرواية الاولي، فإنّه يدل علي ان المدار علي عدم الاستقرار في مكان خاصّ و لو لم يكن السفر بنفسه عملا.

و بهذا يتّضح الحال في حكم مثل الطبيب الذي يسافر إلي محل عمله كل يوم أو يومين فإنّه يتم لصدق عنوان «لأنه عملهم» عليه من دون فرق بين محل عمله و الطريق.

كما يتّضح وجوب التمام علي من يهاجر الي مدينة للبقاء فيها فترة طويلة لطلب العلم أو غيره لأنه لا يصدق عليه عنوان المسافر و هو فيها، و قد تقدم ان المستفاد من موثق عمار - المتقدم في الرقم 5 - اناطة وجوب القصر بصدق عنوان المسافر. أجل في الطريق اليها لا يتمّ لأنه لا يصدق عليه ان السفر عمله، كما ان عنوان المسافر ليس مسلوبا منه و هو فيه.

و يبقي تحديد الفترة التي يزول فيها عنوان المسافر قضية راجعة إلي العرف، و هي تتأثر بالعوارض الخارجيّة كشراء دار و اتخاذ عمل و ما شاكل ذلك.

13 - و اما اعتبار أن لا يكون ممّن بيته معه

فلموثق إسحاق بن عمّار: «سألته عن الملاحين و الاعراب هل عليهم تقصير؟ قال: لا،

ص: 279

بيوتهم معهم»(1). علي ان القاعدة تقتضي ذلك أيضا فإنّه لعدم الاستقرار في مكان معيّن لا يصدق عنوان المسافر عليه حتّي يجب القصر فيتمسّك بالمطلقات الدالة علي وجوب الاتمام علي طبيعي المكلف.

14 - و اما اعتبار بلوغ حدّ الترخّص

فهو المشهور. و نسب إلي علي بن بابويه والد الشيخ الصدوق جواز التقصير من حين الخروج من المنزل(2).

و اختلف المشهور في ان المعتبر كلا الخفاءين أو احدهما علي البدل أو خصوص خفاء الاذان أو خصوص خفاء الجدران. و منشأ ذلك اختلاف الروايات و كيفية الجمع بينها.

اما ما دل علي اعتبار خفاء الجدران فصحيح محمّد بن مسلم:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد السفر فيخرج متي يقصر؟ قال: إذا تواري من البيوت»(3).

و اما ما دل علي اعتبار خفاء الاذان فصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن التقصير، قال: إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الاذان فأتم، و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الاذان فقصر. و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»(4).

و في مقام الجمع قد يطبق ما قرأناه في علم الاصول في مبحث

ص: 280


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.
2- الحدائق الناضرة 405:11.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.

تعدّد الشرطيتين المختلفتين شرطا المتحدتين جزاء. و لكنّه غير صحيح لأنّ خفاء الاذان أو الجدران ليس هو الشرط الحقيقي لوجوب التقصير بل امارة علي الشرط الحقيقي و هو سلوك مقدار معيّن.

و المناسب حمل كل واحد من الخفاءين علي العلامية علي الشرط الحقيقي.

و إذا قيل: ان تعدّد العلامة علي الشيء الواحد إنّما يحسن في حالة عدم اختلافهما البين، و في المقام يوجد الاختلاف المذكور فان خفاء الاذان يحصل قبل خفاء الجدران. و جعل علامتين من هذا القبيل قبيح لكونه أشبه بالأقلّ و الأكثر الذي لا يعقل جعل التخيير فيه.

كان الجواب: ما دام الشارع يقصد التسهيل علي العباد بالاكتفاء الممكن لأي واحدة من العلامتين فلا قبح.

قواطع السفر
اشارة

ينقطع السفر بالمرور بالوطن، أو العزم علي الإقامة عشرة متوالية في مكان واحد، أو البقاء في مكان واحد ثلاثين يوما مع التردّد.

و المستند في ذلك:

1 - اما قاطعية الوطن

فلعدم صدق عنوان المسافر ما دام الشخص في وطنه، و المستفاد من موثق عمّار - المتقدّم في رقم 5 - و غيره ان القصر حكم خاص بالمسافر.

هذا مضافا الي اقتضاء صحيح حماد بن عثمان: «في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر

ص: 281

إنّما المنزل الذي توطنه»(1) و غيره لذلك.

هذا لو كان المقصود من قاطعية الوطن وجوب التمام فيه. و اما لو كان المقصود عدم ضمّ ما يأتي إلي ما سبق و لزوم ملاحظة المسافة من جديد فقد تقدّم وجهه سابقا.

و هل المقصود من الوطن خصوص الأصلي أو يعمّ المستجد؟ تحقيق ذلك غير مهم بعد الاكتفاء بعدم صدق عنوان المسافر علي ما تقدم.

2 - و اما قاطعية الإقامة عشرة

فهي من المسلّمات. و تدلّ علي ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: أ رأيت من قدم بلدة الي متي ينبغي له أن يكون مقصّرا و متي ينبغي أن يتمّ؟ فقال: إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة و ان لم تدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج أو بعد غد فقصر ما بينك و بين ان يمضي شهر، فان تمّ لك شهر فأتم الصلاة و ان أردت أن تخرج من ساعتك»(2) و غيرها.

3 - و اما اعتبار العزم و عدم كفاية البقاء المجرّد

فللتقييد في الصحيحة المتقدّمة بالايقان.

4 - و اما اعتبار التوالي

فلظهور كلمة «العشرة» في ذلك.

5 - و اما اعتبار وحدة المكان

فلأن الوارد في الروايات التعبير بالمكان و الأرض و البلد و الضيعة. و كل ذلك ظاهر في الوحدة.

أجل لا يضرّ قصد الخروج إلي بساتين البلد و أحيائه و أطرافه لأنها تعدّ جزءا منه عرفا.

ص: 282


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.
6 - و اما وجوب التمام علي المتردّد ما بعد الثلاثين

فلصحيحة زرارة المتقدّمة و غيرها.

3 - صلاة الجماعة
أحكام الجماعة
اشارة

تستحب الجماعة في جميع الفرائض عدا صلاة الطواف. و لا تشرع في النوافل الأصليّة.

و أقل ما تنعقد به اثنان أحدهما الإمام.

و لا تشترط في انعقادها نيّة الامام الامامة إلاّ في الجمعة و العيدين الواجبة.

و تدرك بالتكبير ما دام الامام لم يرفع رأسه من الركوع، و إذا كبّر المأموم و شك في بقاء الامام راكعا جري الاستصحاب.

و المستند في ذلك:

1 - اما استحباب الجماعة في الجملة فممّا لا إشكال فيه

بل ينبغي عدّ ذلك في الصلاة اليومية من الضروريات. و انما الاشكال وقع في وجود عموم يمكن به اثبات مشروعيتها في جميع الصلوات بحيث يحتاج الخروج عنه إلي مخصص.

و أحسن ما يمكن التمسّك به رواية الشيخ بسنده الي حمّاد عن حريز عن زرارة و فضيل: «قلنا له الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال:

الصلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنّه سنّة.

من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(1).

ص: 283


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

و هي من حيث السند تامّة فان الشيخ و ان لم يذكر لها سندا الي حمّاد في المشيخة و ما ذكره من الطرق الثلاث في الفهرست(1) قابل للتأمّل إلاّ ان سند الكليني صحيح.

و تقريب الدلالة: ان جملة «و لكنّها سنّة» عطف علي «بمفروض».

و التقدير: و ليس الاجتماع بمفروض و لكنّه سنّة في الصلوات كلّها. و هذا يدلّ علي ثبوت العموم الافرادي لها.

و دعوي الانصراف إلي خصوص اليومية لا يتناسب و جملة «في الصلوات كلّها».

و دعوي انها واردة لبيان حكم الجماعة و انها مستحبة و ليست فريضة و لم ترد لبيان أصل المشروعية ليتمسّك بإطلاقها في مورد الشكّ. مدفوعة بأن ورودها لذلك لا يتنافي و بيانها لهذا الحكم أيضا بالتبع بقرينة جملة «في الصلوات كلّها».

و دعوي انها ناظرة الي اثبات الاستحباب لخصوص الصلاة التي ثبت فيها مشروعية الجماعة، و معه فلا يمكن التمسّك بها لإثبات المشروعية في مورد الشك.

مدفوعة بأنّ التعبير بجملة «في الصلوات كلّها» يتنافي و إرادة العهد المذكور.

2 - و اما استثناء صلاة الطواف

فلوجهين:

الأوّل: ما ذكره الشيخ النائيني و آخرون من عدم معهودية الاتيان بصلاة الطواف جماعة. بل لم ينقل ذلك عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في حجّة الوداع

ص: 284


1- الفهرست: 61.

بالرغم من نقل كثير من خصوصيّات تلك الحجّة، و ذلك يدل علي عدم مشروعيتها فيها و يكون بمنزلة المخصص المتصل(1).

الثاني: قصور عموم الصحيحة في نفسه لأنه ناظر إلي الصلوات التي لها وقت محدّد بقرينة «و ليس الاجتماع بمفروض...» بحيث يكون التارك لذلك الاجتماع خارجا عن طريق المسلمين، و واضح عدم مثل ذلك لصلاة الطواف.

3 - و اما عدم مشروعيتها في النافلة

فللقصور في المقتضي بقرينة التعبير بجملة «الصلاة فريضة». مضافا الي عدم معهودية ذلك زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله رغم شدّة اهتمامه بالجماعة. أجل في خصوص نوافل شهر رمضان جوّز الخليفة الثاني الجماعة فيها و استمر ذلك الي يومنا، و قد جاءت صحيحة الفضلاء عن الامامين الباقر و الصادق عليهما السّلام: «ان الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة»(2) ناظرة الي ذلك. و قد ورد في الحديث ان أمير المؤمنين عليه السّلام فترة خلافته حاول الردع عن ذلك فضجّ الناس بنداء «وا عمراه و عمراه» فتنازل عليه السّلام و قال:

«صلّوا» كما ورد ذلك في موثقة الساباطي(3) أو نادي بعض عسكر الامام عليه السّلام: «يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر» كما في رواية سليم بن قيس الهلالي(4).

4 - و اما التقييد بالأصلية

فلان ما كان فريضة بالأصل مشمول

ص: 285


1- كتاب الصلاة للشيخ الكاظمي 360:2.
2- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 4.

لجملة «الصلاة فريضة» إذ المنصرف منها ما كان فريضة بالأصل.

5 - و اما انعقادها باثنين

فلصحيح زرارة الوارد في الرجلين: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: نعم، و يقوم الرجل عن يمين الرجل»(1) و لصحيح الفضيل بن يسار الوارد في الرجل و المرأة:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أصلّي المكتوبة بأمّ علي فقال: نعم تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك»(2).

6 - و اما عدم اعتبار نية الامام للإمامة

فلم ينقل فيه خلاف. و قيل بأنّه لا يوجد إطلاق يمكن التمسّك به لإثبات ذلك إذ صحيح زرارة و فضيل المتقدّم ناظر الي العموم الافرادي دون الاحوالي.

و قيل بإمكان التمسّك بإطلاق قولهم عليهم السّلام: «صل خلف من تثق به». و لكن هو علي تقدير وجوده لا إطلاق له من هذه الناحية.

و لعلّ الأولي الاستدلال بما دل علي جواز ائتمام المأموم المسافر بالامام المقيم و انه بعد انهائه الأوّليتين يجوز له الائتمام به في الأخيرتين(3) بالرغم من غفلة الامام عادة عن مثل ذلك. هذا مضافا الي ان مثل ذلك لو كان معتبرا لنبّه عليه لكثرة الابتلاء به.

7 - و اما استثناء الجمعة و العيدين الواجبة

فلان صحّة الصلاة فيهما متقوّمة بالجماعة فلا بد من قصد كل واحد من المأمومين و الامام لذلك.

8 - و اما ان ادراك الركعة يتحقّق بذلك

فتدلّ عليه الروايات الكثيرة كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل إذا أدرك

ص: 286


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب أحكام الجماعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب أحكام الجماعة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة.

الامام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثمّ ركع قبل أن يرفع الامام رأسه فقد أدرك الركعة»(1).

كما تدل عليه الروايات الدالة علي ان الداخل للمسجد إذا خاف رفع الامام رأسه من الركوع كبّر و مشي(2).

و هكذا الروايات الدالّة علي استحباب إطالة الامام ركوعه ليلتحق المأموم به(3).

إلاّ أن في مقابل ذلك أربع روايات كلّها تنتهي إلي محمّد بن مسلم - و هي علي هذا بحكم رواية واحدة أو ثنتين - عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الامام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(4) تدل علي النهي عن الدخول في الجماعة بعد تكبير الامام للركوع.

إلاّ ان صراحة تلك تقتضي حمل النهي في هذه علي الكراهة. و مع التنزّل و تسليم استحكام التعارض تتقدّم تلك لأنها لكثرتها بمنزلة السنّة القطعية.

9 - و اما مسألة شك المأموم بعد تكبيره في بقاء الامام راكعا

فقد ذكر بعض الأعلام ان بالإمكان اجراء استصحاب بقاء الامام راكعا إلي حين تحقّق ركوع المأموم فيما إذا كان تاريخ ركوع المأموم معلوما و تاريخ رفع الامام رأسه مجهولا. و لا بدّ أيضا من فرض ان موضوع الحكم ليس هو الاقتران و إلاّ لم يثبت بالاستصحاب المتقدّم

ص: 287


1- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
3- وسائل الشيعة الباب 50 من أبواب صلاة الجماعة.
4- وسائل الشيعة الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

لأنه لازم عقلي.

و ذكر آخرون: ان موضوع الحكم في صحيحة سليمان حيث انه القبلية - لا ذوات الأجزاء - فلا يثبت بالاستصحاب لعدم الحالة السابقة للقبلية لتستصحب بل مقتضي الاستصحاب عدم تحقّقها.

و بهذا يتّضح ان الأعلام قد ربطوا المسألة بكون الموضوع ذوات الأجزاء أو القبلية.

و يمكن أن يقال: ان مثل هذه الملاحظة الدقيقة لألفاظ الرواية و ان الوارد فيها لفظ قبل أو غيره - كما نجده في كلمات الأعلام في مسائل متعدّدة - قضية قابلة للتأمّل لأنّ الراوي كثيرا ما ينقل الرواية بمعناها - ففي صحيح ابن مسلم قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أسمع الحديث منك فأزيد و أنقص. قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس»(1) - و هو لا يلاحظ مثل هذه التدقيقات التي تحتاج إلي دراسة اصوليّة ذات سنوات متوالية.

بل حتي لو كان التعبير بنفسه للإمام عليه السّلام فليس بالإمكان ذلك أيضا لأنه عليه السّلام يخاطب اناسا عرفيين لا اصوليين فلو كان يقصد من كلمة «قبل» الإشارة إلي العنوان الانتزاعي لكان من المناسب إيضاح ذلك بشكل أوسع.

و المفهوم من الصحيحة بعد رفع اليد عن مثل هذه التدقيقات اعتبار تحقّق ركوع المأموم عند ما يكون الإمام راكعا، و معه فلدي الشك في بقاء الإمام راكعا لدي ركوع المأموم يجري استصحاب بقائه.9.

ص: 288


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث 9.
شرائط الإمام
اشارة

يلزم أن يكون الإمام رجلا إذا كان المأموم كذلك و عادلا صحيح القراءة.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز إمامة المرأة للرجال

فهو من المسلّمات. و يكفي لإثباته اصالة عدم المشروعية بعد فقدان الدليل علي الجواز، فان صحيحة زرارة و فضيل المتقدّمة في صدر البحث عن الجماعة ليس لها عموم احوالي. هذا مضافا إلي ان السؤال في بعض الروايات عن جواز إمامة المرأة لمثلها ظاهر في المفروغية عن عدم جواز إمامتها لغيرها، ففي موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تؤم النساء، فقال:

لا بأس به»(1).

2 - و اما اعتبار العدالة

فقد قيل إنّه من متفرّدات الإمامية. و استدل له:

تارة بموثقة سماعة: «سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّي الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال: إن كان إماما عدلا فليصلّ اخري و ينصرف و يجعلهما تطوّعا و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. و ان لم يكن امام عدل فليبن علي صلاته كما هو و يصلّ ركعة اخري و يجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد ان محمّدا عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته علي ما استطاع فإن التقيّة واسعة...»(2).

ص: 289


1- وسائل الشيعة الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 11.
2- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

و اخري بصحيحة عمر بن يزيد: «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام لا بأس به في جميع اموره عارف غير انه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّا قاطعا»(1) فإنّه جعل المدار علي العقوق لأنه ملازم للفسق دون الغلظة التي لا تلازمه كما إذا كانت لأجل الأمر بالمعروف.

و ثالثة بصحيح عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام: «الأغلف لا يؤم القوم و ان كان أقرأهم لأنه ضيّع من السنّة أعظمها...»(2).

و رابعة برواية سعد بن إسماعيل عن أبيه: «قلت للرضا عليه السّلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر اصلّي خلفه؟ قال: لا»(3).

و الكل كما تري.

اما الأوّل فلاحتمال ان يراد من العدل ما يقابل المخالف لا ما يقابل الفاسق بقرينة التعليل في الذيل.

و اما الثاني فلاحتمال خصوصية للعقوق لأنه من أعظم الكبائر.

و اما الثالث فلان تضييع أعظم السنّة لا يستلزم ان كل من ضيّع السنّة لا يجوز الاقتداء به.

و اما الرابع فلضعف الرواية سندا بسعد و أبيه لإهمالهما، و دلالة لأنها لا تدلّ علي ان من ارتكب ذنبا أو ذنبين - بدون أن يصدق عليه عنوان المقارف للذنوب - لا تجوز الصلاة خلفه.0.

ص: 290


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أحكام صلاة الجماعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أحكام صلاة الجماعة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أحكام صلاة الجماعة الحديث 10.

و لا يبقي إلاّ الاجماع، و هو لاحتمال مدركيته لا يصلح للاستناد.

و اما اصالة عدم المشروعية في مثل هذه المسألة ذات الابتلاء الشديد - و مع التأكيد علي حضور الجماعات - لا تصلح للمدركية إذ لو كانت العدالة شرطا لأشير إليها لما ذكر.

و عليه فبمقتضي القواعد لا دليل علي الشرطية إلاّ ان الاتفاق علي اعتبارها يحول دون جزم الفقيه بالفتوي بعدم الاعتبار و يحتم عليه الانتقال إلي الاحتياط في اعتبارها.

3 - و اما اعتبار صحّة القراءة

فهو متسالم عليه. و يمكن توجيهه بأن القراءة ليست ساقطة عن المأموم رأسا و انما الامام وكيل و ضامن لها، و لا معني لضمانه و وكالته إذا لم يأت بها صحيحة، ففي صحيحة سليمان بن خالد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ يقرأ الرجل في الاولي و العصر خلف الامام و هو لا يعلم انه يقرأ؟ فقال: لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلي الامام»(1) ، و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله رجل عن القراءة خلف الامام، فقال: لا، ان الامام ضامن للقراءة...»(2).

و بقطع النظر عن ذلك تكفي اصالة عدم المشروعية لأنّ مقتضي إطلاق أدلّة القراءة لزومها علي كلّ مصلّ، و الخارج بنحو القدر المتيقن الجماعة عند صحّة قراءة الامام.

ص: 291


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أحكام صلاة الجماعة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 30 من أحكام صلاة الجماعة الحديث 3.
4 - صلاة الجمعة
اشارة

في وجوب صلاة الجمعة عصر الغيبة اختلاف كبير. و هي كالصبح ركعتان إلاّ انها مسبوقة بخطبتين يقوم الامام في الاولي و يحمد اللّه و يثني عليه و يوصي بتقوي اللّه و يقرأ سورة ثم يجلس قليلا و يقوم في الثانية و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و أئمة المسلمين و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي أصل الحكم
اشارة

فمحل خلاف. و المشهور ثلاثة أقوال: الوجوب التعييني و التخييري و عدم المشروعية. و المهم ملاحظة الأدلّة.

اما الآية الكريمة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلي ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (1) فلا تدلّ علي وجوب عقدها ابتداء بل متي ما عقدت و نودي لها لزم الحضور. و مقتضي الإطلاق عدم شرطية ظهور الامام عليه السّلام، و يقتصر في تقييده علي بقيّة الشروط التي دلّ الدليل علي اعتبارها و ليس منها الحضور.

و اما الروايات فهي:

الاولي: صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «إنّما فرض اللّه عزّ و جلّ

ص: 292


1- الجمعة: 9.

علي الناس من الجمعة إلي الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عزّ و جلّ في جماعة و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمي و من كان علي رأس فرسخين»(1). و بمقتضي إطلاق كلمة الناس تشمل الجميع إلي يوم القيامة بما في ذلك عصر الغيبة.

و ممّا يدعم ذلك استثناؤها لعناوين ليس أحدها المكلّف في عصر الغيبة.

إلاّ أنّها ليست ظاهرة في وجوب اقامتها ابتداء بل أعمّ منه و من وجوبها عند النداء لها.

الثانية: صحيحة زرارة الاخري عن الامام الباقر عليه السّلام: «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام. فان ترك رجل من غير علّة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض...»(2). و التعبير بجملة «و الاجتماع إليها فريضة» يدل علي ان الاجتماع لصلاة الجمعة أمر واجب ابتداء.

و يردها: ان التعبير بكلمة «مع الامام» يدل علي افتراض وجود إمام و مأمومين و جماعة منعقدة و انه بعد انعقادها يجب الحضور و التجاوب معها.

الثالثة: صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم قالا: «سمعنا أبا جعفر محمّد بن علي يقول: من ترك الجمعة ثلاثا متواليات بغير علّة1.

ص: 293


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1.

طبع اللّه علي قلبه»(1).

و يردّها: ان المقصود من ترك حضور الجمعة، و هذا يعني وجود صلاة جمعة و انعقادها و لا يدلّ علي لزوم عقدها ابتداء. علي ان دلالة «طبع اللّه علي قلبه» علي الالزام غير واضحة.

الرابعة: صحيحة منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: الجمعة واجبة علي كل أحد لا يعذر الناس فيها إلاّ خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي»(2).

و يردّها: ان من المحتمل كون المقصود انه بعد انعقادها لا يعذر من الحضور فيها أحد و إلاّ كان المناسب استثناء فرد سادس و هو من لا يتمكن من إقامتها نتيجة عدم اجتماع العدد و التصدي لإقامتها.

الخامسة: موثقة الفضل بن عبد الملك: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات فإذا كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمس نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(3). و قريب منها صحيحة زرارة(4).

و يردها: ان المقصود جاز لهم أن يجمعوا لا أنّهم ملزمون بذلك بقرينة روايات الفرسخين كصحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «تجب الجمعة علي كل من كان منها علي فرسخين»(5) فلو5.

ص: 294


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 11.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 16.
3- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6.
4- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 4.
5- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5.

كانت إقامتها ابتداء لازمة وجب علي من بعد فرسخين أن يقيمها في بلده لا أنه يعذر من الحضور فقط.

هذا مضافا إلي ان إقامتها ابتداء لو كانت واجبة تعيينا لاشتهر ذلك و شاع لشدّة الابتلاء في حين نري ان ذلك لم يكن معهودا لدي أصحاب الأئمّة عليهم السّلام ففي صحيحة زرارة: «حثّنا أبو عبد اللّه عليه السّلام علي صلاة الجمعة حتي ظننت انه يريد أن نأتيه فقلت نغدوا عليك فقال: لا انما عنيت عندكم»(1). و في صحيحة عبد الملك عن أبي جعفر عليه السّلام:

«مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه قال: قلت كيف أصنع؟ قال:

صلّوا جماعة يعني صلاة الجمعة»(2).

و من خلال هذا ننتهي الي ان صلاة الجمعة واجبة تعيينا في مرحلة البقاء دون الحدوث.

أدلة عدم المشروعية
اشارة

استدل لعدم المشروعية بعدّة وجوه(3):

الأوّل: ما نسب إلي ابن إدريس من ان وجوب الظهر ثابت بيقين

و لا يعدل عنه إلاّ بيقين مثله

لأنّ اليقين لا ينقضه الشك أبدا للإجماع و للرواية الصحيحة: «ليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا»(4).

و فيه: ان وجوب الظهر يوم الجمعة مشكوك و لم يثبت بيقين.

ص: 295


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2.
3- ذكرت في الحدائق الناضرة 436:9 و غيره.
4- وسائل الشيعة الباب 41، 44 من أبواب النجاسات.

و التفسير الذي ذكره للرواية باطل.

الثاني: ان شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه، و هو منتف

زمن الغيبة.

و فيه: ان الشرط المذكور أوّل الكلام بل هو منفي بعدم إشارة النصوص إليه.

الثالث: دعاء الامام السجّاد في الصحيفة ليوم الجمعة:

«اللّهمّ ان هذا المقام مقام لخلفائك و أصفيائك... قد ابتزوها و أنت المقدّر لذلك...

حتي عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين...»(1).

و فيه: انه لا إشكال في كون الامام عليه السّلام أحقّ باداء الجمعة مع وجوده و ذلك من مناصبه الخاصّة كالقضاوة و الولاية و انما الكلام في غيبته.

2 - و اما انها ركعتان كالصبح

فهو مضافا إلي كونه من المسلّمات يستفاد من موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صلاة الجمعة مع الامام ركعتان، فمن صلّي وحده فهي أربع ركعات»(2) و غيره.

3 - و اما انه تتقدّمها خطبتان يقرأ فيهما ما ذكر

فلموثق سماعة الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يخطب يعني امام الجمعة و هو قائم يحمد اللّه و يثني عليه ثم يوصي بتقوي اللّه ثمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و علي أئمة المسلمين و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات فإذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلّي بالناس ركعتين...»(3) و غيره.

ص: 296


1- الصحيفة السجّادية دعاء رقم 48.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2.

كتاب الصّوم

اشارة

1 - مفطرات الصوم 2 - شرائط صحّة الصوم 3 - أحكام عامّة للصوم

ص: 297

ص: 298

1 - مفطرات الصوم
اشارة

الصوم هو الامساك قربة عن المفطرات. و هي:

1 - الأكل و الشرب بلا فرق بين المعتاد و غيره و لا بين الطريق المعتاد و غيره، و لا بين القليل و الكثير.

و لا يجوز ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس إذا وصل فضاء الفم.

و لا بأس باستعمال الابرة أو القطرة في الاذن و نحوهما و كذا تناول ما تجمع من البصاق في الفم.

و لا يجب تخليل الأسنان إلاّ مع العلم بوصول الطعام إلي الجوف بتركه.

2 - الجماع قبلا أو دبرا فاعلا أو مفعولا.

و لو قصد الجماع و شك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة وجب القضاء دون الكفارة.

و إذا قصد التفخيذ فدخل في أحد الفرجين بلا قصد لم يجب القضاء.

3 - إنزال المني بعد تهيئة الأسباب المؤدية إليه، اما إذا نزل بلا قصد فلا شيء.

ص: 299

4 - تعمد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر.

5 - الكذب علي اللّه سبحانه أو رسوله صلّي اللّه عليه و آله أو أحد المعصومين عليهم السّلام في رأي كثير.

6 - ايصال الغبار الي الحلق في رأي.

7 - رمس الرأس في الماء.

8 - الاحتقان بالمائع. و مع الشكّ يجوز.

9 - تعمّد القيء.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار القربة في الصوم شرعا بالرغم من عدم اعتبارها

فيه لغة

فلارتكاز المتشرّعة الذي لا يحتمل وصوله من غير الشرع.

و يمكن استفادته أيضا من الأحاديث الدالّة علي بناء الإسلام علي خمسة: الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية(1) ، فانه لا يحتمل بناء الإسلام علي الإمساك غير القربي. علي ان الانضمام الي الصلاة و نحوها التي هي قربية جزما قد يؤكد الدلالة علي المطلوب.

2 - و اما اعتبار كونه عن المفطرات الخاصة

فمضافا إلي قضاء ارتكاز المتشرّعة بذلك تدل عليه الأدلّة الدالّة علي مفطرية ما ذكر بعد ضمّ البراءة عن مفطرية غيرها إليها.

3 - و اما مفطرية الأكل و الشرب

فمضافا إلي وضوحها بين جميع المسلمين يدل عليها قوله تعالي: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ (2) ،

ص: 300


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات.
2- البقرة: 187.

و صحيحة محمّد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء»(1) و غيرها. و لا يضرّ عدم صحّة طريق الصدوق الي ابن مسلم بعد صحّة بعض طرق الشيخ في الرواية المذكورة.

4 - و اما التعميم للمعتاد و غيره

فلان حذف المتعلّق يدل علي العموم. و احتمال الاختصاص بالمعتاد - كما ينسب إلي السيّد المرتضي و ابن الجنيد منّا و الحسن بن صالح و أبي طلحة الأنصاري من غيرنا(2) - لم يعرف له وجه سوي ان الطعام و الشراب الواردين في الصحيحة المتقدّمة لا يصدق علي غير المعتاد لكنه مندفع باحتمال كون المراد منهما المعني المصدري لا الذوات الخارجية ليستفاد الاختصاص، و مع الاحتمال تصير مجملة لا تصلح للوقوف امام المطلقات كالآية الكريمة.

5 - و اما التعميم من الناحيتين الأخيرتين

فللإطلاق.

6 - و اما عدم جواز ابتلاع ما وصل إلي الفم من الرأس أو الصدر

فلصدق الأكل أو الشرب عليه. أجل مع عدم وصوله إليه لا يصدق عليه ذلك و لا أقل من الشك فيتمسّك بالبراءة.

7 - و اما جواز الابرة و القطرة

فلعدم صدق الأكل و الشرب عليهما فتجري البراءة.

8 - و اما جواز ابتلاع البصاق

فلانصراف اطلاقات النهي عن الأكل و الشرب عن مثل ذلك. و يؤكّد ذلك سيرة المتشرّعة الجارية عليه.

ص: 301


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- مصباح الفقيه 364:14.
9 - و اما جواز ترك التخليل

فلان ما يصل الي الجوف - علي تقدير تركه - حالة النوم أو غيرها لا يكون عن عمد - بعد ما كان مقتضي الاستصحاب عدم وصوله الي الجوف - حتي يكون مفطرا بل تركه كوضع الطعام الي جنب الصائم إذا احتمل تناوله له حالة نومه. أجل مع العلم بالوصول يكون مصداقا للتعمّد.

10 - و اما مفطرية الجماع

فهي من الضروريات، و يدل عليها قوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ ... حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (1) و صحيحة ابن مسلم المتقدّمة و غيرها.

11 - و اما التعميم من الجهتين

فلإطلاق ما سبق.

12 - و اما ان الشاك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة يجب عليه

القضاء

فلقصده ارتكاب المفطر. و اما عدم وجوب الكفارة فلأصالة عدم تحقّق موجبها.

ثم انه لا اشكال في ان الجماع الموجب للغسل ليس الا ما كان بمقدار الحشفة لصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متي يجب الغسل؟ فقال: إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل. فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم»(2) و غيرها. و اما الجماع المحرم علي الصائم و الموجب لبطلان صومه فلا دليل علي تقيده بذلك الا اذا استفدنا من الروايات ان المحرّم في باب الصوم هو الجماع

ص: 302


1- البقرة: 187.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2.

الموجب للجنابة و الغسل.

13 - و اما عدم وجوب القضاء علي من تحقّق الدخول منه مع

قصده التفخيذ

فلعدم تعمّده.

14 - و اما مفطرية انزال المني

فهي متسالم عليها. و يدل عليها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتي يمني. قال: عليه من الكفارة مثل ما علي الذي يجامع»(1) فان وجوب الكفارة يدل بالالتزام علي المفطرية و وجوب القضاء. و هو ان اختص بالعبث بالأهل إلاّ أنّه يمكن التعدّي منه إلي سائر الأسباب بالأولوية.

و يؤكد التعميم صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: ان ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني»(2) فانه يمكن أن يستفاد منه ان نزول المني بما هو و بقطع النظر عن السبب مفطر.

15 - و اما انه لا شيء إذا نزل بلا قصد

فلان المفطر هو الفعل الاختياري إذ بعد قصور المقتضي يتمسّك في غيره بالبراءة.

و منه يتّضح عدم مفطرية الاحتلام. علي انه ورد في صحيحة عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء و الاحتلام و الحجامة...»(3).

كما يتّضح ان المحتلم يجوز له في النهار الاستبراء و ان علم

ص: 303


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

بوجود بقايا من المني في المجري فان نزوله من نتائج الاحتلام السابق الذي حكم بأنّه لا يفطر الصائم.

أجل خصوص قضاء شهر رمضان يضر فيه الاصباح جنبا و ان لم يكن عن تعمّد لصحيحة عبد اللّه بن سنان: «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل و لا يغتسل حتي يجيء آخر الليل و هو يري ان الفجر قد طلع. قال: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره»(1) و غيرها.

16 - و اما مفطرية تعمّد البقاء علي الجنابة

فهي المشهور - و نسب الخلاف الي الصدوق و الداماد و الأردبيلي(2) - لموثق أبي بصير عن عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتي أصبح. قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا...»(3) و غيره. و وجوب الكفارة يدل بالالتزام علي المفطرية و وجوب القضاء.

نعم في مقابل ذلك صحيح حبيب الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثم يؤخر الغسل متعمّدا حتي يطلع الفجر»(4) و صحيح العيص بن القاسم:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل

ص: 304


1- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- الحدائق الناضرة 113:13-114.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.

فأخّر الغسل حتي طلع الفجر، فقال: يتم صومه و لا قضاء عليه»(1).

و يرد الأوّل عدم إمكان تصديق مضمونه، خصوصا مع ملاحظة التعبير ب «كان» الدالة علي الشأنية فلا بدّ من حمله علي بعض المحامل.

و الثاني مطلق لا بدّ من حمله علي غير حال العمد لصراحة الموثق في النظر إلي العمد.

و إذا تمّ الجمع العرفي بما ذكر و إلاّ يستقر التعارض و يتعيّن الأخذ بالموثق لموافقة الثاني للتقيّة.

17 - و اما مفطرية الكذب علي من ذكر

فقد ذهب إليها كثير. و تدلّ عليها موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الكذب علي اللّه و علي رسوله و علي الأئمة عليهم السّلام يفطر الصائم»(2) و غيرها.

هذا و لكن المناسب حمل ذلك علي الاخلال بمرتبة القبول و الكمال لا علي الفساد حقيقة بقرينة حصر المفطر في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في ثلاث.

و إذا قيل: ان دلالة الصحيحة علي نفي وجود مفطر آخر بالإطلاق فيقيّد.

كان الجواب: ان لسانها يأبي قبول التقييد كما هو واضح.

و ممّا يؤكّد عدم كون الناقضية حقيقية موثّقة أبي بصير: «سمعت أبا عبد اللّه يقول: الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم. قال: قلت له:

هلكنا. قال: ليس حيث تذهب، انما ذلك الكذب علي اللّه و علي رسوله

ص: 305


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.

و علي الأئمّة عليهم السّلام»(1) فان ناقضية الكذب للوضوء ما دامت ليست حقيقية فبقرينة وحدة السياق يثبت كون المقصود ذلك في مفطريته للصوم أيضا.

و عليه فالحكم بمفطرية الكذب لا ينبغي أن يكون إلاّ علي مستوي الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور.

18 - و اما الغبار

فقيل بإيجابه للقضاء و الكفارة. و قيل بإيجابه القضاء فقط. كما اختلف في تقييده بالغليظ و عدمه. و المستند في المسألة رواية سليمان بن حفص المروزي: «سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فان ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح»(2).

هذا و المناسب حملها علي الرجحان و الاستحباب - ان كانت قابلة لذلك - بقرينة وحدة السياق مع المضمضة و الاستنشاق و شمّ الرائحة التي هي ليست من المفطرات جزما.

و التفكيك في السياق الواحد لو قبلناه بناء علي مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب فإنّما نقبله لو اشتمل علي أمرين مثلا - حيث يقال ان مدلولهما الطلب فقط فلا يلزم من إرادة الوجوب من أحدهما و الاستحباب من الآخر تفكيك في المدلول الوضعي - دون مثل جملة «فان ذلك مفطّر» التي مدلولها الوضعي ثبوت المفطرية.

هذا مضافا الي ان الرواية المذكورة معارضة بموثقة عمرو بن

ص: 306


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

سعيد عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه فقال: جائز لا بأس. قال: و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه. قال: لا بأس»(1) و بصحيحة ابن مسلم المتقدّمة الحاصرة للمفطرات في ثلاثة و التي لسانها آب عن التقييد كما تقدّم.

و عليه يتعيّن حمل رواية المروزي علي الاستحباب ان كانت قابلة لذلك و الا يتم التعارض و التساقط و الرجوع الي البراءة.

هذا بقطع النظر عن السند و إلاّ فبالامكان المناقشة تارة من ناحية المروزي حيث لم يثبت توثيقه إلاّ من خلال كامل الزيارات لمن يري ذلك و اخري من ناحية الاضمار بعد عدم كون المضمر من أجلة الرواة.

و اثبات الشيخ و الصفار لها في كتابيهما(2) غير نافع فإنّه تبجح باجتهادهما. و الأنسب التمسّك بالبيان المتقدّم في أبحاث سالفة لإثبات حجّيّة كلّ رواية مضمرة.

و من كل هذا يتّضح عدم الوجه في الحكم بمفطرية الغبار.

19 - و اما رمس الرأس

فالمشهور مفطريته - و قيل بحرمته التكليفيّة فقط - لصحيحة ابن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء»(3). إلاّ أن في مقابلها موثقة إسحاق بن عمّار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا عليه

ص: 307


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
2- تهذيب الاحكام 214:4.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

قضاء ذلك اليوم؟ قال: ليس عليه قضاؤه و لا يعودن»(1).

و قد يجمع بحمل الاولي علي الحرمة التكليفيّة بقرينة نفي وجوب القضاء في الثانية.

و فيه: ان لازم هذا حمل الاضرار علي الاضرار بالصائم بما هو مكلّف و ليس علي الاضرار بحيثية الصوم. و هو بعيد جدّا.

و قد يجمع بحمل الاولي علي الكراهة الوضعية و المرتبة الضعيفة من البطلان و يكون المقصود من النهي عن العود النهي الكراهتي.

و فيه: ان لازم ذلك التفكيك في السياق الواحد للصحيحة. و هو بعيد جدّا أيضا.

و قد يقال: ان التعارض بينهما مستقر و تحمل الثانية علي التقية.

و فيه: انه وجيه لو لم يمكن تفسير الثانية بما يرتفع به التعارض بأن يقال: ليس المقصود من الارتماس عمدا ارتماس المكلف و هو عالم بحرمة الارتماس و بكونه صائما و انما المقصود انه بالرغم من التفاته الي كونه صائما ارتمس لجهله بحرمة الارتماس و أجاب عليه السّلام بنفي القضاء تطبيقا لقانون: «أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه»(2).

و النتيجة من كل هذا الحكم بمفطرية الارتماس لا من جهة ترجيح الصحيحة لمخالفتها للتقية بعد استقرار التعارض بل لما ذكر.

20 - و اما الاحتقان بالمائع

فلا إشكال في حرمته التكليفيّة - و لم ينسب الخلاف إلاّ إلي ابن الجنيد(3) - لصحيحة ابن أبي نصر عن أبي

ص: 308


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- الحدائق الناضرة 144:13.

الحسن عليه السّلام: «الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان، فقال:

الصائم لا يجوز له أن يحتقن»(1) ، و هي و إن كانت ضعيفة بسهل في طريق الكليني لكنّها صحيحة بأحد الطريقين الآخرين.

و الاحتقان إذا لم يحكم بانصرافه الي المائع فلا بدّ من تقييده بذلك لموثقة الحسن بن فضال: «كتبت الي أبي الحسن عليه السّلام ما تقول في التلطف بالاشياف(2) يستدخله الإنسان و هو صائم؟ فكتب: لا بأس بالجامد»(3).

و هي إذا كانت ضعيفة بطريق الكليني فليست كذلك بطريق الشيخ.

و هل يحكم بالمفطرية أيضا؟ لا يبعد ذلك، لقرب ظهور النهي في باب المركبات عرفا في الارشاد الي المانعية و الفساد علي تقدير المخالفة.

و ممّا يؤكّد ذلك ان السائل قد فرض الحاجة الي الاحتقان و معه لا معني للجواب بالحرمة التكليفيّة بل لا بدّ ان يكون ناظرا للإرشاد إلي الفساد.

21 - و اما جواز الاحتقان مع الشك في كونه بالمائع أو الجامد

فلانه مع كون الشبهة مفهومية يشك في سعة النهي عن الاحتقان للمشكوك و يكون المورد من الشبهة الحكمية التحريمية و الأصل فيها البراءة. و مع كونها موضوعية فحيث لا يمكن التمسّك بالعام - لكون الشبهة مصداقية - فيتمسّك بالبراءة.

أجل هذا يتم بناء علي انصراف الاحتقان الي المائع. و اما بناء

ص: 309


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
2- التلطف: ادخال الشيء في الفرج. و الاشياف: جمع شيف نوع من الدواء.
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.

علي عمومه و التقييد بالموثقة فاللازم الاجتناب.

اما علي تقدير كون الشبهة مفهومية فللزوم التمسّك بالعام في مورد المخصص المنفصل المجمل مفهوما.

و اما علي تقدير كونها موضوعية فلان الموضوع للنهي هو الاحتقان و ان لا يكون بالجامد، و الجزء الأوّل محرز بالوجدان و الثاني ان لم يمكن احرازه بالاستصحاب النعتي - لعدم احراز حالته السابقة - فبالامكان احرازه باستصحاب العدم الأزلي بناء علي جريانه.

نعم بناء علي عدم جريانه يكون المورد مجري للبراءة لعدم إمكان التمسّك بالعموم لكون الشبهة مصداقية.

هذا إذا كنّا نرفض القاعدة الميرزائية القائلة: ان «الترخيص المعلّق علي عنوان وجودي متي ما استثني من حكم لزومي فلا يثبت الترخيص إلاّ مع إحراز العنوان الوجودي»(1) و إلاّ فالمناسب لزوم الاجتناب أيضا.

22 - و اما تعمّد القيء

فالمشهور مفطريّته - خلافا لابن إدريس فاختار حرمته التكليفيّة فقط (2) - لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه»(3) و غيرها.

و اما صحيحة عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام:

ص: 310


1- اجود التقريرات 195:2. فوائد الاصول 384:3.
2- السرائر 378:1.
3- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

«ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء و الاحتلام و الحجامة»(1) فلا بدّ من حملها علي من ذرعه لما سبق.

2 - شرائط صحّة الصوم
اشارة

يشترط في صحّة الصوم: الإسلام و العقل و الخلو من الحيض و النفاس و السفر الموجب للقصر - إلاّ السفر مع الجهل أو من الوطن و ما بحكمه بعد الزوال أو إليه أو إلي المحل الذي يعزم فيه علي الإقامة قبل الزوال - و المرض المضر. و يكفي الخوف لإحرازه. و لا تعتبر فعليّته. و يكفي خوف مطلق الضرر. و قول الطبيب الحاذق حجّة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الإسلام

فمتسالم عليه. و هو واضح بناء علي عدم شمول الخطاب بالتكاليف للكفّار فإنّ صحّة العمل فرع شمول الخطاب.

و اما بناء علي شموله فقد استدلّ بجملة من الآيات الكريمة كقوله تعالي: وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَ بِرَسُولِهِ (2) فانه بضم الاولوية تعمّ سائر الموارد، و بالنصوص الدالة علي اعتبار شرطية الولاية المفقودة لدي الكافر، كصحيحة عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و كذلك هذه الامة العاصية المفتونة بعد نبيّها صلّي اللّه عليه و آله و بعد تركهم الامام الذي نصبه نبيّهم صلّي اللّه عليه و آله لهم فلن يقبل اللّه لهم عملا و لن يرفع لهم حسنة حتّي يأتوا اللّه من حيث

ص: 311


1- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 8.
2- التوبة: 54.

أمرهم و يتولوا الامام الذي أمروا بولايته و يدخلوا من الباب الذي فتحه اللّه و رسوله لهم»(1) و غيرها.

و منه يتضح اعتبار شرطية الايمان أيضا.

هذا و بالإمكان مناقشة النصوص المذكورة بكونها ناظرة الي القبول الذي يعني ارتفاع العمل إلي ساحة القدس و هو مغاير للصحّة بمعني تحقّق الامتثال و فراغ الذمّة. قال تعالي: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (2) و في حديث الصلاة: «... فإن قبلت قبل سائر عمله، و إذا ردّت رد عليه سائر عمله»(3). و في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من قبل اللّه عزّ و جلّ منه صلاة واحدة لم يعذبه، و من قبل منه حسنة لم يعذبه»(4) و في صحيحة العيص بن القاسم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «و اللّه انه ليأتي علي الرجل خمسون سنة ما قبل اللّه منه صلاة واحدة فأي شيء أشدّ من هذا. و اللّه انكم لتعرفون من جيرانكم و أصحابكم من لو كان يصلّي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها. ان اللّه لا يقبل إلاّ الحسن فكيف يقبل ما استخف به»(5). و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع له إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه. و انما أمرنا بالنافلة ليتمّ لهم بها ما نقصوا من الفريضة»(6).3.

ص: 312


1- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 5.
2- المائدة: 27.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب اعداد الفرائض الحديث 10.
4- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب اعداد الفرائض الحديث 7.
5- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب اعداد الفرائض الحديث 2.
6- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب اعداد الفرائض الحديث 3.

و عليه فمهم المستند هو التسالم.

2 - و اما شرطية العقل

فلعدم تأتي النيّة بدونه. علي ان الخطاب بالتكليف إذا لم يكن شاملا للمجنون فلا يبقي دليل علي الصحة بعد ذلك.

3 - و اما الخلو من الحيض و النفاس

فلصحيحة العيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس. قال: تفطر حين تطمث»(1) و غيرها. و هي صحيحة بطرقها الثلاث. و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تلد بعد العصر أ تتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال:

تفطر و تقضي ذلك اليوم»(2) و هي صحيحة بطريقيها بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة.

هذا و لكن في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل و تشرب، و ان عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل و لتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب»(3). و ليس في السند من يتوقف من ناحيته إلاّ الأحمر و لكن الشيخ المفيد قد عدّه في رسالته العددية من الأمناء علي الحلال و الحرام عند تعرضه لشهر رمضان و انه قد ينقص أو يزيد(4). إلاّ أن الرواية مهجورة لدي الأصحاب و لم يعرف عامل بها

ص: 313


1- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4.
4- الدر المنثور للشيخ علي حفيد صاحب المعالم 131:1.

فتسقط بذلك عن الاعتبار.

4 - و اما شرطية عدم السفر

فهي من المسلّمات - و لم ينسب الخلاف إلاّ الي المفيد في غير شهر رمضان(1) - و يدل عليها قوله تعالي:

وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) و موثقة سماعة:

«سألته عن الصيام في السفر قال: لا صيام في السفر قد صام ناس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فسمّاهم العصاة، فلا صيام في السفر إلاّ الثلاثة أيّام التي قال اللّه عزّ و جلّ في الحجّ»(3) و غيرها.

5 - و اما اعتبار إيجاب السفر للقصر

فلصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت قصرت»(4) و غيرها.

6 - و اما استثناء المسافر الجاهل بلزوم الافطار

فلصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه»(5) و غيرها.

و اطلاقها يشمل الجاهل بأصل الحكم أو ببعض الخصوصيّات، كلزوم الافطار علي من سافر قبل الزوال و عاد بعده.

و إذا قيل: هي معارضة بصحيحة معاوية بن عمّار: «... إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه، و عليه الإعادة»(6) ، فإنّها بإطلاقها

ص: 314


1- الحدائق الناضرة 185:13.
2- البقرة: 185.
3- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
5- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5.
6- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.

تشمل الجاهل أيضا.

قلنا: ان تلك صالحة لتقييد هذه فتقيدها بالعالم بمقتضي قانون الإطلاق و التقييد.

أجل يلزم أن لا يحصل العلم بالحكم أثناء النهار و إلاّ لم يصح الصوم لأنه يصدق آنذاك انه صام بعلم لا بجهالة.

كما يختص الحكم بالجاهل دون الناسي، إذ صحيحة العيص اخرجت الجاهل فقط فيبقي الناسي مشمولا لإطلاق صحيحة معاوية.

7 - و اما استثناء السفر بعد الزوال

فهو رأي مشهور حيث قيل بإيجاب السفر قبل الزوال للإفطار بخلاف ما كان بعده. و قيل ان المدار علي النية فمن بيّتها ليلا أفطر و إلاّ أتمّ. و قيل بايجاب مطلق السفر للإفطار بلا تقييد. و قيل بأن المدار في الافطار علي التبييت و الخروج قبل الزوال و بانتفاء أحدهما يجب الصوم. و قيل غير ذلك. و منشأ ذلك اختلاف النصوص. و المهم منها طائفتان:

الاولي: ما دلّ علي ان الخروج قبل الزوال موجب للإفطار بخلاف ما كان بعده. و تتمثل هذه في ثلاث أو أربع روايات منها صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: ان خرج قبل الزوال فليفطر، و ان خرج بعد الزوال فليصم...»(1).

الثانية: ما دل علي ان من بيّت النيّة يفطر دون من لم يبيت.

و تتمثّل هذه في خمس روايات تقريبا. و المعتبر منها موثقة علي بن

ص: 315


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.

يقطين عن أبي الحسن موسي عليه السّلام: «الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و ان لم يحدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و ان لم يحدّث نفسه من الليلة ثم بدا له في السفر من يومه أتمّ صومه»(1).

و التعارض ثابت بينهما في موردين: السفر قبل الزوال بدون نيّة مسبقة، و السفر بعده مع النية.

و بعد استقرار التعارض يمكن ترجيح الاولي من جهة مخالفتها للتقيّة علي ما قيل، و بذلك يثبت الرأي الأوّل المشهور.

و إذا تمّ هذا و إلاّ فالمناسب التساقط في مادتي المعارضة و الرجوع إلي إطلاق الكتاب الكريم الدالّ علي لزوم الافطار فيهما. و يبقي احتياط الفقيه في فتواه أمرا مناسبا.

8 - و اما المسافر العائد إلي وطنه

فالمشهور التفصيل فيه بين قدومه قبل الزوال فعليه الصوم ان لم يكن قد أفطر و ما بعده فليس له ذلك لموثق أبي بصير: «سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان، فقال: ان قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به»(2) و غيره. أجل هو قبل الوصول الي وطنه بالخيار لصحيح محمّد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار، قال: إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام و إن شاء أفطر»(3) و غيره.

ص: 316


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.
9 - و اما الداخل بلدا يعزم فيه علي الإقامة فعليه صومه ان وصله

قبل الفجر و له ذلك ان وصله قبل الزوال

لصحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و ان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه و ان شاء صام»(1). هذا و لكن المعروف وجوب الصوم عليه متي ما وصل قبل الزوال بدون تفرقة بين ما قبل الفجر و ما بعده.

10 - و اما اعتبار عدم المرض المضرّ

فيدل عليه كتاب اللّه العزيز وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) و النصوص الشريفة.

و اما اعتبار استلزامه للضرر فللانصراف إليه و التصريح به في صحيح محمّد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ المريض إذا نقه في الصيام؟ فقال: ذلك إليه هو أعلم بنفسه إذا قوي فليصم»(3) و غيره.

11 - و اما كفاية الخوف

فلأن ذلك طريق عقلائي في باب تشخيص الضرر، و حيث لم يرد ردع عنه فيكون حجّة. هذا مضافا الي التصريح به في صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصائم إذا خاف علي عينيه من الرمد أفطر»(4) ، و لا تحتمل الخصوصيّة للمورد.

12 - و اما عدم اعتبار فعلية المرض بل يكفي خوف حدوثه

بالرغم من اقتضاء ظاهر الآية الكريمة اعتبار فعليته

فلعدم احتمال

ص: 317


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
2- البقرة: 185.
3- وسائل الشيعة الباب 20 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.
4- وسائل الشيعة الباب 19 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.

اعتبار ذلك بل النكتة هي الخوف من المرض المستقبلي بلا خصوصيّة لوجوده الفعلي. علي أن في صحيحة حريز السابقة دلالة كافية.

13 - و اما التعدّي إلي مطلق الضرر - كمن به جرح يخاف طول

برئه

- فلفهم العرف المثالية من ذكر المرض في الآية الكريمة.

14 - و اما حجّيّة قول الطبيب الحاذق

فلانه طريق عقلائي لا ردع عنه فيلزم الأخذ به و ان لم يحصل خوف. أجل مع حصول العلم بخطئه أو الاطمئنان فلا حجيّة له لأنه كسائر الحجج التي يختص جعلها بحالة الشكّ. و بهذا يتّضح ان الحجّة في باب المرض اما الخوف الوجداني من الضرر أو قول الطبيب.

3 - أحكام عامّة للصوم
اشارة

لا يتحقّق الافطار و وجوب القضاء بما سبق إلاّ مع العمد و الاختيار - فيما عدا البقاء علي الجنابة - بلا فرق بين رمضان و غيره. و الجاهل بالمفطرية كالعالم عامد لدي المشهور.

و كفارة الإفطار مخيّرة بين الخصال الثلاث. و العاجز يكفيه الاستغفار. و إذا تمكّن بعد ذلك وجبت عليه.

و الشاك في طلوع الفجر يجوز له البقاء علي ارتكاب المفطر. و لو انكشف طلوعه فعليه القضاء فقط مع عدم المراعاة. و لو بقي علي حالة الشكّ فلا شيء عليه. و الشاك في الغروب لا يجوز له ارتكاب المفطر، و لو فعل فعليه القضاء و الكفارة إلاّ إذا اتّضح دخوله.

و الناوي لارتكاب المفطر بدون تحقّقه الفعلي يجب عليه القضاء فقط.

ص: 318

و لا يصح الصوم الندبي ممّن عليه القضاء.

و الشيخ و الشيخة إذا شق عليهما الصوم فلهما الإفطار بل لا يحق لهما الصوم و يتعيّن عليهما الفداء و هو مدّ من طعام. و الحكم نفسه يجري علي من به داء العطش و المرضعة ذات اللبن القليل و الحامل المقرب التي يضرّ بها أو بحملها الصوم إلاّ ان عليهما القضاء.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار العمد في تحقّق الافطار

فللقصور في المقتضي و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر.

قال: لا يفطر، انما هو شيء رزقه اللّه فليتم صومه»(1) و غيرها. و بالتعليل يمكن التعدي الي غير الأكل و الشرب.

بل يمكن استفادة ذلك من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة:

«لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء»(2) فان الاجتناب صادق مع الارتكاب لا عن عمد.

و لربّما يستفاد ذلك من قاعدة: «كل ما غلب اللّه عليه فليس علي صاحبه شيء» المنصوص عليها في أكثر من حديث(3) ، و من حديث رفع النسيان(4) بناء علي عدم اختصاصه برفع العقوبة الاخروية.

2 - و اما استثناء البقاء علي الجنابة

فلوجوب القضاء في النومة

ص: 319


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب من يصح منه الصوم.
4- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

الثانية لصحيح معاوية بن عمّار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في أوّل الليل ثم ينام حتي يصبح في شهر رمضان. قال: ليس عليه شيء. قلت: فإنّه استيقظ ثم نام حتي أصبح، قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة»(1).

3 - و اما عدم الفرق بين رمضان و غيره

فلإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة و غيرها، و لا يضر اختصاص بعض النصوص برمضان.

4 - و اما ان الجاهل بالمفطرية كالعالم فعلّل بأنّه عامد و قاصد

غايته لا يعلم بالمفطرية

فتشمله اطلاقات أدلّة المفطرية.

و فيه: ان في المقام روايتين تدلاّن علي نفي القضاء فضلا عن الكفارة:

احداهما: موثقة زرارة و أبي بصير: «سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتي أهله في شهر رمضان و أتي أهله و هو محرم و هو لا يري إلاّ ان ذلك حلال له. قال: ليس عليه شيء»(2).

و طريق الشيخ الي ابن فضال و ان كان مشتملا علي الزبيري الذي لم يوثق إلاّ أنّه لكونه من مشايخ الإجازة يسهل الأمر فيه.

و علي تقدير عدم الاكتفاء بشيخوخة الاجازة فقد يقال في التغلّب علي الإشكال من ناحيته بأنّ طريق النجاشي و الشيخ الي ابن فضال يبتدئ بابن عبدون، غايته ان ابن عبدون في طريق الشيخ يحدّث عن الزبيري عن ابن فضال بينما في طريق النجاشي لا يحدّث عن الزبيري بل طريقه الي ابن فضال صحيح، و بما انه لا يحتمل ان ما حدّث به ابن

ص: 320


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 12.

عبدون الشيخ مغاير لما حدّث به النجاشي فيثبت ان كل ما حدّث به الشيخ عن شيخه ابن عبدون قد وصل بالطريق الآخر الصحيح للنجاشي(1).

و الاخري: صحيح عبد الصمد بن بشير: «... أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه»(2) فان مورده و ان كان هو المحرم الذي لبس قميصا حالة الاحرام إلاّ ان المورد لا يخصص الوارد.

و بهذا يتّضح ان ما اختاره ابن إدريس و صاحب الحدائق(3) من نفي وجوب القضاء عن الجاهل فضلا عن الكفارة وجيه، و لكن يبقي من المناسب للفقيه الاحتياط في فتواه تحرزا من مخالفة المشهور.

5 - و اما التخيير في خصال الكفارة

فهو المشهور و نسب الي العماني اعتبار الترتيب(4). و الاخبار علي طوائف. و المهم منها اثنتان:

احداهما: ما دل علي التخيير، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر. قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»(5) و غيرها.

ثانيتهما: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام: «سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما

ص: 321


1- معجم رجال الحديث 82:1.
2- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- الحدائق الناضرة 60:13-66.
4- الحدائق الناضرة 218:13.
5- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

عليه؟ قال: عليه القضاء و عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا، فان لم يجد فليستغفر اللّه»(1) و غيرها. و الرواية صحيحة لأنّ الحر له طريق معتبر إلي جميع الكتب التي ينقل عنها الشيخ و التي من جملتها كتاب علي بن جعفر، و الشيخ له طريق صحيح إليه.

و يمكن الجمع بحمل الثانية علي الاستحباب بقرينة الاولي. و مع التنزل و التسليم بالمعارضة يلزم ترجيح الاولي لمخالفتها للتقيّة. و مع التنزل أيضا يتمّ التعارض و التساقط و الرجوع الي الأصل و هو يقتضي البراءة من الترتيب لأنه كلفة زائدة مجهولة. و النتيجة واحدة علي جميع التقادير.

6 - و اما كفاية الاستغفار للعاجز

فلذيل الصحيحة المتقدّمة.

7 - و اما وجوبها مع التمكّن المتأخّر

فلان الكفارة ليس لها وقت محدّد ليكون وجوبها الجديد بعد الانتقال الي الاستغفار بحاجة الي دليل، بل يبقي دليل وجوبها ملاحقا للمكلف عند تمكّنه.

8 - و اما ان الشاكّ في طلوع الفجر يجوز له تناول المفطر

فللاستصحاب الموضوعي، و بقطع النظر عنه يجري الاستصحاب الحكمي، و بقطع النظر عنه يجوز التمسّك بالبراءة. و بعد هذا لا يبقي وجه للحاجة الي وجوب الامساك من باب المقدّمة العلمية.

9 - و اما ان عليه القضاء لو انكشف الطلوع

فلانه لم يأت بالواجب و هو الامساك ما بين الحدّين. و ما تقدّم من الاصول ينفعه في رفع الحكم

ص: 322


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 9.

التكليفي دون الوضعي. هذا ما تقتضيه القاعدة، إلاّ ان موثقة سماعة:

«سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان.

قال: ان كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأي الفجر فليتم صومه و لا إعادة عليه. و ان كان قام فأكل و شرب ثم نظر الي الفجر فرأي انه قد طلع الفجر فليتم صومه و يقض يوما آخر لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة»(1) فصلت بين المراعاة و عدمها.

10 - و اما انه لا شيء عليه مع بقاء حالة الشكّ

فلأصل البراءة بعد عدم المحرز لموضوع وجوب القضاء و الكفارة.

11 - و اما ان الشاك في الغروب لا يجوز له ارتكاب المفطر

فللاستصحاب و قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

12 - و اما ان عليه القضاء و الكفارة

فلانه بالاستصحاب الموضوعي يتنقح موضوعهما بعد ضم الوجدان الي الأصل.

13 - و اما مع اتضاح دخوله

فلعدم تحقّق موضوعهما، غايته تثبت العقوبة من باب التجري.

14 - و اما ان فاقد النية المتواصلة عليه القضاء

فلانه لم يأت بالواجب و هو الامساك عن قصد قربي. و اما عدم وجوب الكفارة فلعدم ارتكابه المفطر الذي هو موضوعها.

15 - و اما عدم صحّة التطوّع ممّن عليه القضاء

فلصحيحة الحلبي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟

ص: 323


1- وسائل الشيعة الباب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.

فقال: لا حتي يقضي ما عليه من شهر رمضان»(1) و غيرها.

16 - و اما الشيخ و الشيخة فمع عدم الحرج يجب عليهما الصوم

لعدم المقيد لإطلاقات الوجوب. و مع الحرج ينتفي عنهما الوجوب لقاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالي: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (2) و لقوله تعالي: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (3) فان الإطاقة تعني تحمّل الشيء مع المشقّة و ذلك غير الطاقة بمعني القدرة.

و ليس الحكم منسوخا بقوله تعالي: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (4) بدعوي ان الآية الكريمة تدلّ علي ان حكم المتمكّن من الصوم في صدر الشريعة هو التخيير بين الفداء و الصوم - وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ - ثم نسخ بالآية الاخري.

فان ما ذكر مبني علي تفسير الاطاقة بالقدرة و لكنه ليس كذلك كما أسلفنا. و جملة وَ أَنْ تَصُومُوا... لا ترجع الي من يطيق الصوم ليثبت التخيير بل الي صدر الآية و هو قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ... (5).

فكأنّه يراد بذلك تحريض الأصحاء علي الصوم و انه خير لكم. و اما

ص: 324


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.
2- الحج: 78.
3- البقرة: 184.
4- البقرة: 185.
5- البقرة: 183-184.

قوله: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ فهو تحريض علي الصوم الندبي.

و بهذا يتّضح أن حكم المطيق هو الفداء فقط دون التخيير بينه و بين الصوم كما اختاره جملة من الأعلام بتصوّر دلالة الآية الكريمة علي التخيير.

و إذا كان في الآية الكريمة إجمال ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان:

«سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان، قال: يتصدّق كل يوم بما يجزئ من طعام مسكين»(1) و غيرها دلالة واضحة.

17 - و اما ان الفداء مدّ من طعام

فلصحيحة محمّد بن مسلم:

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام و لا قضاء عليهما، و ان لم يقدرا فلا شيء عليهما»(2) إلاّ ان في صحيحته الاخري: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام... و يتصدّق كلّ واحد منهما في كل يوم بمدّين من طعام»(3).

و يمكن الجمع اما بدعوي الاطمئنان بوحدة الرواية - و حمل اختلاف الامامين المسموع عنهما الحديث علي الاشتباه - و مع عدم الدليل علي صحّة أحد النقلين يتمسّك بالأصل المقتضي للبراءة عن المدّ الزائد، أو بحمل الرواية الثانية علي الاستحباب.

18 - و اما من به داء العطش

فحكمه يتّضح من صحيحة محمّد بن مسلم السابقة.

ص: 325


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
19 - و اما المرضعة و الحامل

فيدل علي حكمهما صحيح محمّد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما ان تفطرا في شهر رمضان لأنهما لا تطيقان الصوم و عليهما ان تتصدّق كلّ واحد منهما في كل يوم تفطر فيه بمدّ من طعام و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد»(1).

20 - و اما التقييد بالاضرار

فللتعليل المذكور في الصحيح المتقدّم.

ص: 326


1- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.

كتاب الزّكاة

اشارة

1 - بم تتعلّق الزكاة 2 - شرائط عامة 3 - شرائط الوجوب في الانعام 4 - شرائط الوجوب في النقدين 5 - شرائط الوجوب في الغلات 6 - المستحقّون للزكاة 7 - أوصاف المستحقين 8 - أحكام عامة 9 - زكاة الفطرة و شرائط وجوبها

ص: 327

ص: 328

1 - بم تتعلّق الزكاة؟

تتعلّق الزكاة بتسعة أشياء: الأنعام الثلاثة، و النقدين، و الغلاّت الأربع.

و المستند في ذلك: الروايات المستفيضة، ففي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «فرض اللّه عزّ و جلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال. و سنّها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في تسعة أشياء و عفا عمّا سواهن:

في الذهب و الفضة، و الإبل و البقر و الغنم، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عمّا سوي ذلك»(1).

و في صحيحة ابن مهزيار زيادة هي: «... فقال له القائل: عندنا شيء كثير يكون أضعاف ذلك، فقال: و ما هو فقال له: الارز فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: أقول لك ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وضع الزكاة علي تسعة أشياء و عفا عمّا سوي ذلك و تقول عندنا ارز و عندنا ذرة...»(2).

إلاّ ان بإزاء ذلك روايات اخري متعدّدة دلّت علي ثبوتها في غير

ص: 329


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 6.

ذلك أيضا، ففي صحيحة محمد بن مسلم: «سألته عن الحبوب ما يزكي منها؟ قال عليه السّلام: البرّ و الشعير و الذرة و الدخن و الارز و السلت و العدس و السمسم، كل هذا يزكي و أشباهه»(1).

و يمكن الجمع بحمل الثانية علي الاستحباب. و إذا شكك في عرفية الجمع المذكور أمكن الرجوع في مادة المعارضة الي أصل البراءة، و النتيجة واحدة علي كلا التقديرين، و هي نفي الوجوب و إن أمكن علي الأوّل إثبات الاستحباب بخلافه علي الثاني.

2 - شرائط عامّة
اشارة

لا تجب الزكاة إلاّ مع البلوغ، و العقل، و الحرية، و الملكية، و التمكّن من التصرّف، و النصاب.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار البلوغ في النقدين

فمتسالم عليه و في غيرهما مختلف فيه.

و يمكن التمسّك للاعتبار المطلق بحديث رفع القلم(2) - بناء علي تمامية سنده و لو للانجبار بشهرة العمل - فان دعوي اختصاصه برفع خصوص الأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة - كشركة الفقير في أموال الصبي مع تكليف الولي بالدفع - لا وجه لها بعد إطلاق القلم المرفوع.

كما يمكن التمسّك بما دلّ علي نفي الزكاة في مال اليتيم

ص: 330


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات.

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ليس في مال اليتيم زكاة»(1) ، فان الخصوصية لليتم - الذي يختص صدقه بما قبل البلوغ - غير محتملة.

و قد يقال ورد في صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام انهما قالا: «ليس علي مال اليتيم في الدين و المال الصامت شيء، فامّا الغلاّت فعليها الصدقة واجبة»(2). و مقتضاها الوجوب في الغلاّت، و تبقي المواشي مسكوتا عنها فيرجع في نفيها الي إطلاق حديث رفع القلم أو نفيها في مال اليتيم، و بقطع النظر عن ذلك يكفينا أصل البراءة.

و هذا وجيه لو لم تكن الصحيحة المذكورة معارضة بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس في مال اليتيم زكاة و ليس عليه صلاة و ليس علي جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة...»(3) و إلاّ فالمرجع بعد التعارض إطلاق حديث رفع القلم، و بقطع النظر عنه فأصل البراءة.

2 - و اما اعتبار العقل

فيكفي لإثباته حديث رفع القلم. و بغض النظر عن ذلك يكفينا القصور في المقتضي، فإنّ أدلّة وجوب الزكاة حيث انها تدل علي الحكم التكليفي فلا يحتمل شمولها للمجنون. و توجيه التكليف بالاخراج الي الولي حيث انه مشكوك فينفي بأصل البراءة.

3 - و اما اعتبار الحرية

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله رجل و انا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال:

ص: 331


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 11.

لا و لو كان له ألف ألف درهم...»(1) و غيرها.

هذا بناء علي ان العبد يملك - كما هو ظاهر الصحيحة - و إلاّ فالأمر أوضح.

ثم انه لا فرق بين القن و المدبر و أمّ الولد و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا و إلاّ فالمشهور ذهب الي الوجوب إذا كان ما يقع مقابل القسم المتحرّر بعد التوزيع بالغا مقدار النصاب.

4 - و اما اعتبار الملكية

فهو من المسلّمات فلا تجب الزكاة علي الموهوب قبل قبضه و لا علي الموصي به قبل قبول الموصي له و لا علي المباحات العامّة و لا علي ما كان ملكا للجهة، كالبستان الموقوف علي العلماء.

و الوجه: اقتضاء الأصل لذلك بعد الشكّ في اعتبار الملكيّة. مضافا الي ظاهر قوله تعالي: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ (2) ، فان عنوان «أموالهم» لا يصدق إلاّ مع الملكية الشخصية.

5 - و اما اعتبار التمكّن من التصرّف

فهو متسالم عليه أيضا فلا تجب الزكاة في المسروق و المجحود و نحوهما.

و تدل عليه موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل ماله عنه غائب لا يقدر علي أخذه. قال: فلا زكاة عليه حتي يخرج فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فان كان يدعه متعمّدا و هو يقدر علي أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين»(3) و غيرها.

ص: 332


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 3.
2- التوبة: 103.
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 7.

و سند الشيخ الي ابن فضال يمكن تصحيحه بعد كون الزبيري من مشايخ الاجازة.

و اما النصاب فهو و ان كان من الشرائط العامة إلاّ انه لاختلاف كمّه باختلاف ما تجب فيه الزكاة نتعرّض له في الشرائط الخاصّة.

3 - شرائط الوجوب في الانعام
اشارة

يلزم لوجوب الزكاة في الأنعام - بعد الشرائط العامة - توفر:

أ - النصاب. و هو في الابل اثنا عشر: 5: شاة، 10: شاتان، 15: ثلاث شياه، 20: أربع شياه، 25: خمس شياه، 26: بنت مخاض، 36: بنت لبون، 46، حقة، 61: جذعة، 76: بنتا لبون، 91: حقتان، 121: في كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون.

و في البقر نصابان: 30: تبيع، 40: مسنة. و الزائد عفو الي ان يمكن حسابه بالثلاثين أو بالأربعين أو بهما.

و في الغنم خمسة نصب: 40: شاة، 121: شاتان، 201: ثلاث شياه، 301:

أربع شياه، 400 فما زاد: في كل 100 شاة.

و الزائد عن كل نصاب عفو حتي يبلغ النصاب الآخر.

ب - السوم فترة الحول. و لا يضر بوجوب الزكاة علفها في أوقات قليلة إذا لم ينتف معه عنوان كونها سائمة.

ج - عدم كونها عوامل.

د - مرور حول عليها عند مالكها جامعة للشرائط.

و المستند في ذلك:

ص: 333

1 - اما ان نصاب الابل ما ذكر

فلعدّة روايات كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ليس فيما دون الخمس من الابل شيء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة الي عشرة، فاذا بلغت عشرا ففيها شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الي خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فان زادت علي خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون الي خمس و أربعين، فان زادت واحدة ففيها حقة، و انما سمّيت حقّة لأنها استحقت أن يركب ظهرها الي ستين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة الي خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون الي تسعين، فان زادت واحدة فحقتان الي عشرين و مائة، فان زادت علي العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقّة و في كل أربعين ابنة لبون»(1) و غيرها.

و طريق الصدوق الي عمر بن اذينة صحيح علي ما في المشيخة.

هذا و لكن ورد في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في صدقة الابل في كل خمس شاة الي أن تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثم ليس فيها شيء حتي تبلغ خمسا و ثلاثين، فإذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون ثم...»(2).

و من المظنون وقوع الاشتباه بالحذف. و التقدير: فاذا بلغت ذلك و زادت واحدة ففيها ابنة مخاض... فإذا بلغت خمسا و ثلاثين و زادت

ص: 334


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب زكاة الانعام الحديث 6.

واحدة ففيها ابنة لبون...

2 - و اما نصاب البقر

فتدلّ عليه صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقل من ذلك شيء، و في أربعين بقرة مسنة، و ليس فيما بين الثلاثين الي الأربعين شيء حتي تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، و ليس فيما بين الأربعين الي الستين شيء، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان الي السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة الي الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنة الي تسعين...»(1).

3 - و اما نصاب الغنم

فتدل عليه صحيحة الفضلاء أيضا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في كل أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شيء، ثم ليس فيها شيء حتي تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت علي مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتي تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت علي المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ثم ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتي تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتي تبلغ أربعمائة، فإذا تمّت أربعمائة كان علي كل مائة شاة...»(2).

هذا و لكن في صحيحة محمّد بن قيس: انها إذا بلغت ثلاثمائ ة

ص: 335


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب زكاة الانعام الحديث 1.

و كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة(1).

و لازم ذلك كون النصب أربعة و انكار النصاب الخامس. و الي ذلك ذهب جماعة من الأصحاب.

و التعارض ان استقر و لم يمكن الجمع بينهما فالمناسب طرح الصحيحة الثانية لموافقتها للجمهور.

و هناك اشكال مشهور و هو انه ما الفائدة من النصاب الخامس بعد ان كانت الفريضة عليه و علي النصاب الرابع واحدة.

و أجاب المحقّق في شرائع الإسلام بقوله: «و تظهر الفائدة في الوجوب و في الضمان»(2).

و المقصود: ان الأربعمائة بناء علي كونها نصابا مستقلاّ فمحل الوجوب هو الاربعمائة، و لازم ذلك عدم جواز ذبح بعضها قبل اخراج الفريضة، و هذا بخلاف ما لو كان عنده ثلاثمائة و تسعون مثلا فإنّه يجوز ذبح بعضها ما دام قد بقي ثلاثمائة و واحدة.

و أيضا إذا تلفت واحدة من الأربعمائة بلا تفريط، فإنّه يسقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة واحدة من الشياه الأربع، و هذا بخلاف ما لو كان عنده ثلاثمائة و تسعون مثلا فإنه لا يسقط من الفريضة شيء.

4 - و اما اعتبار السوم

فعليه اتفاق المسلمين. و تدلّ عليه صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «ليس علي العوامل من الابل

ص: 336


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب زكاة الانعام الحديث 2.
2- شرائع الإسلام 108:1، انتشارات استقلال.

و البقر شيء و انما الصدقات علي السائمة المرعية...»(1) و غيرها.

و طريق الشيخ الي الحسين بن سعيد صحيح. و بقية أفراد السند ثقات.

5 - و اما علفها وقتا قليلا كيوم خلال السنة

فقيل ينتفي معه الوجوب. و قيل ان المدار علي ملاحظة أكثر أيام السنة، فإذا كانت في خمسة أشهر معلوفة و في سبعة سائمة وجبت الزكاة و إذا انعكس الأمر لم تجب.

و المناسب كون العبرة بالصدق العرفي كما هو الحال في بقيّة المفاهيم، فإذا كان علفها خمسة أيّام لا يضرّ عرفا بصدق عنوان كونها سائمة وجبت، و إذا فرض عدم صدقه لم تجب.

و في مورد الشكّ في الصدق العرفي تجب تمسّكا بإطلاق وجوب الزكاة علي الأنعام لأن المخصص المنفصل إذا كان مجملا مفهوما و دار أمره بين الأقل و الأكثر يلزم الرجوع في مورد الشك الي الاطلاق.

أجل إذا كان إجمال المخصص مصداقيا فلا يجوز التمسك بالإطلاق لعدم جوازه في الشبهة المصداقية. بل يجب الرجوع الي استصحاب الحالة السابقة ان كانت، و مع عدمها فإلي استصحاب العدم الأزلي لعنوان السائمة بناء علي حجيّته و إلاّ فإلي أصل البراءة.

6 - و اما انه يلزم أن لا تكون عوامل

فللصحيحة المتقدّمة و غيرها.

إلاّ انه هنا يوجد معارض و هو موثق إسحاق بن عمّار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال: نعم عليها زكاة»(2).

ص: 337


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب زكاة الانعام الحديث 8.

و الجمع بالحمل علي الاستحباب ان لم يكن عرفيا فلا بدّ من طرح المعارض اما لهجرانه بين الأصحاب و عدم قائل به أو لحمله علي التقيّة.

و الكلام فيما إذا كانت عوامل في بعض الحول هو الكلام المتقدم في السوم.

7 - و اما اعتبار مرور الحول

فللصحيحة المتقدّمة حيث ورد في ذيلها: «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه»(1) و غيرها.

4 - شرائط الوجوب في النقدين
اشارة

يلزم لوجوب الزكاة في النقدين - مضافا الي الشرائط العامّة - توفر:

أ - النصاب. و هو في الذهب عشرون مثقالا، و من ثمّ أربعة أربعة.

و الفريضة ربع عشر. و في الفضة مائتا درهم، و من ثمّ أربعون أربعون.

و الفريضة كذلك.

ب - الضرب بسكة المعاملة.

ج - مضي حول.

و المشهور وجوب الزكاة في المغشوش إذا كان الخالص يبلغ النصاب.

و مع الشك لا يجب الاختبار.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان نصاب الذهب ما ذكر

فلروايات كثيرة تتجاوز العشر

ص: 338


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب زكاة الانعام الحديث 1.

كموثق علي بن عقبة و عدّة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال الي أربعة و عشرين، فإذا أكملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار الي ثمانية و عشرين فعلي هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(1) و غيرها.

و الدينار الشرعي يعادل مثقالا واحدا بوزن 18 حمصة. و ربع عشر العشرين نصف دينار، و بضم الأربعة تكون الفريضة ثلاثة أخماس دينار.

و بإزاء الروايات المذكورة صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال... و ليس في أقل من أربعين مثقالا شيء»(2). و مثلها صحيحة زرارة(3).

و الجمع بالحمل علي الاستحباب ان لم يكن عرفيا فالمناسب الأخذ بالطائفة الاولي لأنها لكثرتها تشكّل عنوان السنّة القطعية، و بذلك يصدق علي الطائفة الثانية عنوان المخالف للسنّة القطعية فيلزم طرحها، فان المخالف للكتاب الكريم انما يطرح لكونه مخالفا للدليل القطعي - و ذلك صادق علي المخالف للسنّة القطعية - و لا خصوصية لعنوان الكتاب الكريم و مخالفته.

2 - و اما ان نصاب الفضة ما ذكر

فلم ينقل فيه خلاف. و يدل عليه موثق زرارة و بكير ابني اعين حيث سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول: «في

ص: 339


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 13.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 14.

الزكاة... ليس في أقل من مائتي درهم شيء، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك. و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلاّ خمسة الدراهم، فإذا بلغت أربعين و مائتي درهم ففيها ستّة دراهم، فإذا بلغت ثمانين و مائتي درهم ففيها سبعة دراهم، و ما زاد فعلي هذا الحساب...»(1) و غيره.

و محمّد بن إسماعيل المذكور في السند هو الزعفراني - الذي هو ثقة عين - حيث يروي ابن فضال عنه.

3 - و اما اعتبار الضرب بسكّة المعاملة

فممّا لا خلاف فيه. و تدلّ عليه صحيحة علي بن يقطين عن أبي ابراهيم عليه السّلام: «يجتمع عندي الشيء الكثير قيمته فيبقي نحوا من سنة أ نزكيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة. و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء. قلت: و ما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش. ثم قال: إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شيء من الزكاة»(2) و غيرها.

و المراد بالمنقوش ما كان كذلك بسكة المعاملة و إلاّ فالسبيكة قد يكون فيها نقش أيضا.

و يمكن التمسّك أيضا بما دلّ علي نفيها في الحلي كصحيحة هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ليس علي الحلي زكاة»(3) و غيرها.

ص: 340


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 10.
2- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب زكات الذهب و الفضة الحديث 2.

و بذلك يتّضح عدم تعلّق الزكاة بالذهب و الفضة في مثل زماننا.

و إذا هجرت السكة لم ينتف الوجوب للاستصحاب التعليقي بناء علي حجّيته فيستصحب الوجوب علي تقدير مرور الحول الثابت قبل الهجران و إلاّ فالمرجع البراءة.

4 - و اما اعتبار مضي حول

فلصحيحة ابن يقطين المتقدّمة.

5 - و اما وجه ما ذهب اليه المشهور

فلانه بعد بلوغ الخالص مقدار النصاب يكون موضوع الوجوب ثابتا.

و المناسب دوران الأمر مدار صدق عنوان الذهب و الفضة، فمتي ما كان مقدار الغش كبيرا بحيث لا يصدق العنوان فلا وجوب حتي مع بلوغ الخالص مقدار النصاب، و مع صدقه تجب حتي مع عدم بلوغ الخالص ذلك ما دام المجموع بمقدار النصاب لأنّ ذلك لازم كون مصب الحكم عنوان الذهب و الفضة.

6 - و اما انه لا يجب الاختبار

- بناء علي كون المدار علي بلوغ الخالص مقدار النصاب - فلان الشبهة موضوعية، و المشهور عدم وجوب الفحص فيها لإطلاق أدلّة البراءة. و إنّما لم يتمسّك به في الشبهة الحكمية للمقيد، و هو أدلّة وجوب التفقه و غيرها.

5 - شرائط الوجوب في الغلات
اشارة

يلزم لوجوب الزكاة في الغلات الأربع - مضافا الي الشرائط العامّة - توفّر:

أ - النصاب. و هو خمسة أوسق - 60 صاعا - التي تساوي 847 كيلوغراما تقريبا.

ص: 341

و الفريضة نصف العشر فيما يستقي بالوسائل المعدّة من المالك كالماكنة و نحوها، و العشر فيما يستقي لا كذلك.

و وقت تعلّق الوجوب - لدعوي المشهور - اشتداد الحب في الحنطة و الشعير و الاحمرار و الاصفرار في ثمر النخل و الانعقاد حصرما في العنب.

و الأوجه جعل المدار علي صدق العنوان.

و يلزم الدفع حين التصفية و الاقتطاف.

ب - ثبوت الملكية عند تعلّق الوجوب و لو بغير الزراعة.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي مقدار النصاب

فقد دلّت عليه روايات كثيرة قد تتجاوز العشر، ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر. و ما كان منه يسقي بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر. و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا. و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيء. و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ في هذه الأربعة أشياء»(1).

هذا و في مقابل ذلك موثق الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟ قال: في ستّين صاعا»(2). و مثله حديثان آخران يدلاّن علي مقدار أقلّ ممّا دلّت عليه صحيحة زرارة.

ص: 342


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زكاة الغلات الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زكاة الغلات الحديث 10.

و إذا أمكن الجمع العرفي بحمل الثانية علي الاستحباب تعيّن المصير إليه و إلاّ استقر التعارض و تعيّن طرح الثانية لأنّ الاولي لكثرتها تكوّن سنّة قطعية، و المخالف لها مطروح لنفس نكتة طرح المخالف للكتاب الكريم.

و إذا لم يتم ما ذكر أيضا تعيّن كذلك الأخذ بمضمون الاولي لأنه عند بلوغ المقدار النصاب الذي دلّت عليه الاولي يقطع بتعلّق الوجوب بخلاف ما إذا بلغ ما دلّت عليه الثانية فإنّه حيث لا يقطع بالوجوب يجري أصل البراءة لنفيه.

2 - و اما ان مقدار الفريضة ما ذكر

فللصحيحة السابقة و غيرها.

3 - و اما ان وقت تعلق الوجوب لدي المشهور ما ذكر

فقد استدل له بعدّة وجوه ضعيفة كالإجماع، و ان الحنطة و الشعير يصدقان عند اشتداد الحب و التمر عند الاحمرار أو الاصفرار، و بان الزكاة لو كانت مقصورة علي التمر و الزبيب لأدّي ذلك الي ضياع الزكاة لأنه يحتال بجعل العنب و الرطب دبسا و خلاّ.

و المناسب أن يقال: إن المدار علي صدق العنوان تمسّكا بظاهر قوله عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب...».

علي ان ذلك مقتضي أصل البراءة في بعض الحالات لا جميعها، إذ من اشتري كميّة من الرطب و جفّفه و كان بمقدار النصاب فعلي القول الثاني تجب الزكاة علي المشتري، و ذلك مخالف لأصل البراءة.

و تظهر الثمرة بين القولين أيضا في الفترة ما بين الاشتداد مثلا و صدق العنوان فإنّه علي المشهور لا يجوز التصرّف إلاّ بعد الخرص و ضمان الزكاة بخلافه علي الثاني.

ص: 343

4 - و اما ان الدفع لا يجب إلاّ فيما ذكر

فلأن سكوت النصوص عن تحديد وقت الدفع كاشف عن لزومه في الوقت الذي يتعارف فيه الاقتطاف. مضافا الي قضاء السيرة القطعية المستمرة علي ذلك.

5 - و اما اشتراط التملّك وقت الوجوب فهو بديهي

لأنّ الوجوب يتعلّق بالمالك دون غيره.

و اما عدم اشتراط التملك بالزراعة فلان النصوص و ان كانت قاصرة عن إثبات التعميم لعدم كونها في مقام البيان من الجهة المذكورة إلاّ ان اتّفاق المسلمين علي ذلك كاف في إثبات المطلوب.

6 - المستحقّون للزكاة
اشارة

مصرف الزكاة كما يلي:

1، 2 - الفقير و المسكين. و الثاني أسوأ حالا من الأوّل.

و المراد منه من لا يملك مئونة السنة له و لعياله فعلا و قوّة.

و يعطي حتي يغني بحسب شأنه في الحاجة.

و مدّعي الفقر يصدّق مع الوثوق أو عدم العلم بكون حالته السابقة هي الغني.

3 - العاملون عليها. و هم المنصوبون لأخذ الزكاة و ضبطها و ايصالها و سائر شئونها. و لا يلزم فيهم الفقر.

4 - المؤلفة قلوبهم. و هم ضعيفو الإسلام يدفع لهم من الزكاة ليحسن إسلامهم. و قيل بعموم ذلك للكفّار فيدفع لهم من الزكاة لاستمالتهم الي الإسلام أو الدفاع عن المسلمين أو جهاد الكفّار.

ص: 344

5 - الرقاب. و هم العبيد يدفع لهم من الزكاة ليعتقوا اما لأنهم مكاتبون مكاتبة مطلقة أو مشروطة و بحاجة الي اداء مال الكتابة أو لأنهم تحت الشدّة أو لأجل عتقهم و لو لم يكونوا كذلك.

6 - الغارمون. و هم من أثقلتهم الديون و عجزوا عن ادائها بشرط عدم صرفها في المعصية. و لا يلزم عدم ملكهم لمئونة السنة.

و من عليه الزكاة إذا كان له دين علي غارم يجوز له احتسابه من الزكاة. كما يجوز وفاؤه إذا كان لغيره و لو بدون اطلاع الغارم.

7 - سبيل اللّه. و هو جميع سبل الخير لا خصوص الجهاد.

8 - ابن السبيل. و هو المسافر الذي نفدت نفقته. و لربما اشترط عدم تمكّنه من الاستدانة و بيع بعض أمواله في بلده و عدم كون السفر للمعصية.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحديد المصرف بمن ذكر

فلم ينسب فيه خلاف لأحد - أجل وقع الكلام في ان عدده سبعة بجعل الفقير و المسكين صنفا واحدا كما فعل في الشرائع(1) أو ثمانية - و يكفي لإثبات ذلك قوله تعالي: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (2).

2 - و اما ان الثاني أسوأ حالا

فلصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام انه سأله عن الفقير و المسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل

ص: 345


1- شرايع الإسلام 120:1 انتشارات استقلال.
2- التوبة: 60.

و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل»(1) و غيره.

و قيل بافتراقهما عند الاجتماع و باجتماعهما عند الافتراق.

و تحقيق الحال في ذلك غير مثمر بعد عدم وجوب البسط. نعم تظهر الثمرة في غير المقام، كما إذا نذر شخص أو وقف أو أوصي للفقراء و المساكين مع قصده لمعني اللفظ إجمالا.

3 - و اما ان المراد من الفقير ما ذكر

فهو المشهور. و يدل عليه صحيح أبي بصير: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت: فان صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال: زكاته صدقة علي عياله و لا يأخذها إلاّ أن يكون اذا اعتمد علي السبعمائة أنفذها في أقل من سنة فهذا يأخذها...»(2) و غيره.

و اما ما ورد في صحيح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فإن كان بالمصر غير واحد؟ قال: فاعطهم ان قدرت جميعا. ثم قال: لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها»(3) فهو علي تقدير وروده في الزكاة يمكن حمله علي من لم يكن بحاجة الي ما زاد عن الأربعين.

4 - و اما ملاحظة مئونة العيال أيضا

فلاستفادة ذلك من صحيح أبي بصير المتقدّم، بل ان نفقة العيال جزء من نفقة الشخص فلا تحتاج ملاحظتها الي ورود دليل خاص.

5 - و اما كفاية ملك مقدار النفقة بالقوّة

فلانه مضافا الي وضوح

ص: 346


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 51:4 الحديث 131.

الأمر - و الا يلزم استحقاق أكثر الناس للزكاة - يدل علي ذلك صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سويّ و لا لمحترف و لا لقوي. قلنا: ما معني هذا؟ قال: لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر علي أن يكفّ نفسه عنها»(1) و غيره.

و منه يتّضح الحال في طالب العلم، فإنّه لا يجوز له الأخذ من سهم الفقراء ما دام يمكنه العمل بما لا يتنافي و طلبه العلم و يليق بشأنه. و قيل بأن ذلك خاص بحالة عدم الوجوب و إلاّ استحق مطلقا لأنّ الوجوب مانع من تحقّق القدرة علي التكسب. و لعل الأوّل أنسب.

6 - و اما ان الفقير يعطي من الزكاة حتي يغني

فهو ممّا تقتضيه القاعدة مضافا الي موثق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كم يعطي الرجل من الزكاة؟ قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إذا أعطيت فاغنه»(2) و غيره.

و منه يتّضح الوجه في مراعاة الشأنية فإنّه بدون ملاحظتها لا يصدق الاغناء.

هذا مضافا إلي إمكان استفادة ذلك من روايات اخري(3).

7 - و اما ان مدّعي الفقر يصدّق مع الوثوق

فلحجّية الاطمئنان بالسيرة العقلائيّة الممضاة بعدم الردع.

و اما العمل بالحالة السابقة مع عدم الوثوق فلاستصحابها.

و اما مع الجهل بالحالة السابقة و عدم الوثوق فيمكن الحكم بجواز تصديقه لاستصحاب عدم غناه اما بنحو استصحاب العدم النعتي لو

ص: 347


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة الحديث 2، 3،...

أمكن - لأنّ الحالة السابقة لكل إنسان عادة هي الفقر - أو بنحو استصحاب العدم الأزلي بناء علي جريانه و عدم جريان الأوّل.

8 - و اما تفسير العاملين بما ذكر

فهو من باب الأخذ بظاهر اللفظ في الاطلاق. و به يتّضح الوجه في عدم اشتراط الفقر، مضافا الي التمسّك بقرينة المقابلة.

9 - و اما تفسير المؤلفة قلوبهم بخصوص المسلمين المذكورين

فيستند الي دلالة بعض الروايات علي ذلك، ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: و المؤلفة قلوبهم. قال: هم قوم وحدوا اللّه عزّ و جلّ و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه و شهدوا ان لا إله إلاّ اللّه و ان محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد صلّي اللّه عليه و آله فأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّي اللّه عليه و آله أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم...»(1).

و استظهار الاختصاص لو تم تكون الصحيحة بسببه مقيّدة لإطلاق الآية الكريمة إلاّ أن ذلك قد يتأمّل فيه فيكون الإطلاق محكّما.

10 - و اما تفسير الرقاب بالسعة المذكورة

فيكفي لإثباته التمسّك بإطلاق الآية الكريمة.

11 - و اما اعتبار العجز عن اداء الدين في الغارمين بالرغم من

إطلاق الآية الكريمة

فللجزم بالقيد المذكور من الخارج.

12 - و اما اعتبار عدم الصرف في المعصية

فلم ينسب فيه الخلاف إلي أحد. و قد دلّت عليه روايتان كلتاهما ضعيفة السند:

ص: 348


1- اصول الكافي 411:2 الحديث 2.

احداهما: ما رواه القمي في تفسيره بشكل مرسل: «فسّر العالم عليه السّلام فقال:... و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه...»(1).

ثانيتهما: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيي عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكني أبا محمّد قال:

«سأل الرضا عليه السّلام رجل و أنا أسمع - الي أن قال عليه السّلام - فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، فإن كان أنفقه في معصية اللّه عزّ و جلّ فلا شيء له...»(2).

و لئن كان هناك إجماع فلا يمكن الاعتماد عليه لأنه محتمل المدرك. و كبري انجبار ضعف السند باعتماد المشهور ان سلمت فالصغري لا يجزم بتحقّقها.

و دعوي ان مستند الاجماع ان كان هو الروايتين تثبت حجّيتهما بالانجبار و الا كان تعبّديا و حجّة مدفوعة باحتمال استناد بعض المجمعين الي احداهما و البعض الآخر الي الاخري.

و المناسب أن يقال في توجيه الاشتراط المذكور: اننا لا نحتمل جواز الدفع من سهم الغارمين لمن استدان للمعصية، إذ لازم ذلك التشجيع علي صدورها. أجل هذا يتم في غير من تاب، و اما التائب فالحكم بعدم جواز اعطائه مبني علي الاحتياط تحفّظا من مخالفة الاجماع المحتمل.

13 - و اما عدم اعتبار العجز عن مئونة السنة

فلإطلاق الآية

ص: 349


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب الدين الحديث 3.

الكريمة. و اما ما ورد من انه «لا تحلّ الصدقة لغني»(1) فلا ينافي ما ذكرناه لأنّ المالك لمئونة السنة مع عجزه عن وفاء دينه ليس غنيا.

14 - و اما جواز احتساب الدين من الزكاة

فلصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن دين لي علي قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون علي قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم»(2) و صحيحه الآخر:

«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل عارف فاضل توفي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضي عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: نعم»(3). و مورده و ان كان هو الميّت و لكن لا خصوصيّة له.

15 - و اما تفسير سبيل اللّه بما ذكر فهو للإطلاق

. و تفسيره بخصوص الجهاد - كما عن بعض - اما للانصراف أو لبعض الأخبار الضعيفة(4) غير سديد.

16 - و اما تفسير ابن السبيل بما ذكر

فهو لكونه المعني اللغوي له.

و اما اشتراط عدم التمكن من الاستدانة و بيع بعض الأموال فهو مختار المشهور.

و قد يناقش بإطلاق الآية الكريمة.

و يمكن أن يقال انه مع التمكّن ممّا ذكر بسهولة فلا يصدق عنوان

ص: 350


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الوصايا الحديث 4.

ابن السبيل أو هو منصرف عنه علي الأقل.

أجل اشتراط عدم المعصية قابل للتأمّل بعد إطلاق الآية الكريمة.

و الاحتياط أمر مناسب تحفّظا من مخالفة دعوي عدم الخلاف علي الاشتراط.

7 - أوصاف المستحقّين
اشارة

يلزم في المستحقّ للزكاة توفر:

1 - الايمان، فلا يعطي الكافر و لا المخالف إلاّ من سهم المؤلفة قلوبهم و سبيل اللّه في الجملة. و إذا استبصر المخالف أعاد الزكاة فقط إذا لم يضعها في محلّها.

2 - أن لا يكون من أهل المعاصي بحيث يوجب الدفع إليه التشجيع علي ذلك.

3 - ان لا يكون واجب النفقة علي المزكي فإنّه لا يجوز الدفع إليه إلاّ في المجال الذي لا يجب فيه الإنفاق. أجل يجوز له أخذها من غير من تجب عليه نفقته إذا لم يكن قادرا عليها أو ممتنعا منها مع عدم إمكان اجباره.

و يجوز لمن تجب نفقته علي غيره دفع زكاته إليه مع فقره.

4 - ان لا يكون هاشميّا إذا كانت الزكاة من غيره إلاّ مع الاضطرار.

و المحرّم من الصدقة خصوص الزكاة الواجبة دون غيرها.

و الهاشمي هو المنتسب الي هاشم بالأب دونه بالامّ.

و لا يثبت الانتساب بمجرّد الدعوي بل لا بد من البينة أو الاطمئنان.

و المستند في ذلك:

ص: 351

1 - اما عدم جواز دفع الزكاة إلي الكافر

فهو متسالم عليه. و يمكن التمسّك له بالروايات الدالّة علي عدم جواز دفعها إلي المخالف بعد ضمّ الأولويّة، ففي صحيح بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة لأنه يضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية، و اما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء»(1).

و اما جواز دفعها من سهم المؤلفة قلوبهم فلما تقدّم عند البحث عن المؤلفة قلوبهم.

و اما جواز دفعها من سهم سبيل اللّه في الجملة، فكما لو كان الصرف علي المخالف أو الكافر لمصلحة المؤمن فان ذلك يرجع في حقيقته الي الصرف علي المؤمن، و في غير ذلك لا يجوز الصرف حتي من السهم المذكور لإطلاق النص المانع للصرف من سهم سبيل اللّه أيضا.

و اما عدم وجوب الإعادة مع الصرف في المحل المناسب فلعدم الموجب لذلك بل النص السابق لبريد يدل بوضوح علي ذلك.

2 - و اما اعتبار ان لا يكون من أهل المعاصي فقد يقال بأن الوجه

فيه شرطية العدالة.

و فيه ان شرطية العدالة و ان نسبت الي جماعة - اما لدعوي الإجماع أو للنهي عن الركون الي الظالمين أو لقاعدة الاشتغال أو لأنّ الفاسق ليس بمؤمن - إلاّ انها غير ثابتة لعدم تمامية ما استدل به

ص: 352


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

عليها كما هو واضح.

و قد يقال بأن العدالة و ان لم تكن شرطا إلاّ انه يلزم تجنب الكبائر كشرب الخمر و الزنا لما رواه أبو خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول...، و ان لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس اعفاء عن المسألة...»(1) ، بتقريب ان المراد من «ليس بهم بأس» عدم صدور الكبائر لو لم تستفد شرطية العدالة.

أو لما رواه داود الصّرمي مضمرا: «سألته عن شارب الخمر يعطي من الزكاة شيئا؟ قال: لا»(2).

و فيه: ان حديث أبي خديجة و ان أمكن تصحيح سنده - باعتبار ان طريق الشيخ الي ابن فضال و ان كان فيه الزبيري إلاّ انه يمكن توثيقه من خلال شيخوخة الإجازة. و سالم بن مكرم و ان تعارض فيه توثيق النجاشي بتضعيف الشيخ إلاّ ان توثيق النجاشي مقدّم اما لما قيل من أضبطيته أو لأنّ كلام الشيخ متعارض في نفسه لما نقله العلاّمة من توثيقه له في موضع آخر - إلاّ أنّه قابل للتأمّل دلالة لاحتمال إرادة معني آخر من نفي البأس ككونه غير مخالف للحقّ.

و حديث الصّرمي و ان أمكن التغلّب علي اضماره بالبيان العام في جميع المضمرات إلاّ ان الصّرمي نفسه لم يثبت توثيقه إلاّ بناء علي تمامية كبري وثاقة جميع من ورد في أسانيد كامل الزيارات.

و بهذا يتّضح عدم تمامية دليل علي الشرط المذكور إلاّ إذا فرض ان الدفع له موجب لتشجيعه علي المعصية فلا يجوز، لا لكون ذلك1.

ص: 353


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

مستلزما للإعانة علي الإثم - ليقال بعدم الدليل علي حرمة ذلك، فإن الثابت حرمته بقوله تعالي: وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (1) حرمة التعاون - بل لأنّ ذلك خلف وجوب النهي عن المنكر أو لأنّ التشجيع علي المعصية تعلم مبغوضيّته بعنوانه شرعا.

3 - و اما اعتبار الشرط الثالث

فمتسالم عليه. و يدل عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الامّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنّهم عياله و لازمون له»(2) و غيره.

و قد يعارض ذلك بمكاتبة عمران بن إسماعيل القمّي: «كتبت الي أبي الحسن الثالث عليه السّلام: «ان لي ولدا رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب عليه السّلام: ان ذلك جائز لك»(3) و نحوه مرسل محمد بن جزك(4).

إلاّ انهما ضعيفان بالقمّي في الأوّل حيث لم يوثق و بالإرسال في الثاني. مضافا الي هجرانهما لدي الأصحاب المسقط عن الحجّية.

4 - و اما وجه الاستثناء - كالإنفاق لقضاء دين من تجب نفقته

فللتمسّك بالمطلقات بعد اختصاص المانع بالنفقة اللازمة.

5 - و اما جواز أخذها من غير من تجب عليه النفقة

فلانه فقير و لا يشمله الدليل المانع ما دام لا قدرة علي الانفاق أو مع الامتناع و عدم

ص: 354


1- المائدة: 2.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
4- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 4.

امكان الاجبار علي البذل.

و من ذلك يتّضح الوجه في جواز دفعها الي من تجب عليه النفقة فإنّه مع فرض فقره لا يعود مانع من دفعها إليه.

6 - و اما اشتراط ان لا يكون هاشميّا إذا كانت الزكاة من غير

هاشمي

فمتسالم عليه. و يدلّ عليه موثق زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم علي بعض تحل لهم؟ فقال: نعم، ان صدقة الرسول صلّي اللّه عليه و آله تحلّ لجميع الناس من بني هاشم و غيرهم، و صدقات بعضهم علي بعض تحلّ لهم، و لا تحلّ لهم صدقات انسان غريب»(1) و غيره من الروايات الكثيرة.

7 - و اما جوازها مع الاضطرار

فيكفي لإثباته حديث الرفع عمّا اضطروا إليه(2) ، مضافا الي دلالة بعض النصوص الخاصّة عليه(3).

8 - و اما ان المحرم خصوص الزكاة دون الصدقة المندوبة بل

و الواجبة كالكفارات و ردّ المظالم و اللقطة

فلموثق إسماعيل بن الفضل الهاشمي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة التي حرّمت علي بني هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة»(4) و غيره.

و سند الحديث بطريق الشيخ و ان كان قابلا للتأمّل باعتبار القاسم بن محمّد - أي الجوهري، فإنّه لم تثبت وثاقته إلاّ بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات - إلاّ انه بطريق الشيخ

ص: 355


1- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 5.

الكليني معتبر فإنّه رواه عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن غير واحد عن ابان بن عثمان عن إسماعيل، و لا مشكلة إلاّ من ناحية تخيّل الإرسال عن غير واحد، لكنّه غير مهم بعد عدم اطلاق التعبير المذكور عرفا علي الأقلّ من ثلاثة، و استبعاد اجتماع ثلاثة علي الكذب بنحو يحصل الاطمئنان بالعدم. بل قد يقال ان التعبير المذكور ظاهر عرفا في أن المنقول عنهم الحديث مشهورون لا حاجة الي التصريح بأسمائهم.

9 - و اما ان المدار في الانتساب علي الأب

فقد نسب فيه الخلاف الي السيّد المرتضي و صاحب الحدائق فقالا بكفاية الانتساب بالام استنادا الي ان ولد البنت ولد أيضا(1).

و فيه: ان ذلك و ان كان صادقا - و لذا كان أولاد فاطمة صلوات اللّه عليها أولادا لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و عيسي من ذريّة إبراهيم عليهما السّلام - إلاّ ان المدار ليس علي ذلك بل علي صدق عنوان بني هاشم، و هو كعنوان قبيلة بني تميم الذي لا يكفي فيه الانتساب بالامّ.

علي ان لازم ذلك استحقاق أكثر الناس للخمس و حرمة الزكاة عليهم لقلّة وجود شخص لا تكون إحدي جدّاته هاشميّة، و هو بعيد.

10 - و اما عدم كفاية الدعوي في ثبوت الانتساب

فقد نسب الخلاف في ذلك الي الشيخ كاشف الغطاء قدّس سرّه قياسا علي الفقر حيث تقبل دعواه(2).

لكنه قياس مع الفارق لأن استصحاب عدم الغني بنحو العدم النعتي أو الأزلي جار في صالح دعوي الفقر بخلافه في دعوي

ص: 356


1- الحدائق الناضرة 390:12.
2- مستمسك العروة الوثقي 311:9.

الانتساب، فان استصحاب العدم الأزلي للانتساب الي هاشم ينفي صحّة دعوي الانتساب.

و لا يعارض ذلك باصالة عدم الانتساب الي غير هاشم لعدم الأثر لها، فان الموضوع لاستحقاق الزكاة عدم الانتساب الي هاشم دون الانتساب الي غيره.

و عليه فلا بدّ من طريق شرعي لإثبات الانتساب اما بالبينة - لما تقدّم في ابحاث سابقة من ان دليل حجّيّتها و ان كان خاصّا بباب القضاء إلاّ انه يمكن التعدّي الي سائر الأبواب ببعض التقريبات - أو بالاطمئنان لانعقاد السيرة العقلائيّة علي العمل به، و هي حيث لم يردع عنها فيستكشف امضاؤها.

و دعوي ان السيرة قد انعقدت أيضا علي الحكم بانتساب من هو مشهور بين أهل البلد بذلك و ان لم يحصل اطمئنان، و حيث انه لم يردع عنها فهي ممضاة مدفوعة بأن انعقاد مثل هذه السيرة زمن المعصوم عليه السّلام غير معلوم لانعقادها تلك الفترة - جزما أو احتمالا - علي دفع الخمس و الزكاة الي المعصوم عليه السّلام أو حاكم البلاد.

8 - أحكام عامة
اشارة

يجوز للمالك عزل الزكاة و التصرّف في الباقي و يصير المعزول ملكا للمستحقين و يكون أمانة بيده لا يضمنه إلاّ مع التفريط. و لا يجوز تبديله بعد العزل.

و يجوز اخراج الزكاة من غير العين بالنقود. و في جوازه من غيرها تأمّل.

ص: 357

و مع دفع الزكاة باعتقاد الفقر و اتضاح العدم يلزم استرجاعها مع تعينها بالعزل، و مع تلفها لا يكون ضمان مع عدم التفريط بل يضمنها المدفوع إليه إذا كان يعلم بواقع الحال.

و كل ما ذكر يأتي مع اتضاح عدم استحقاق المدفوع إليه من جهة اخري غير عدم الفقر.

و من دفع باعتقاد وجوب الزكاة عليه و بان العدم لم يجزه ذلك و جاز له الاسترجاع مع بقاء العين و المطالبة ببدلها مع علم المدفوع إليه بواقع الحال.

و لا يجب البسط علي الأصناف الثمانية بل يجوز دفعها لصنف واحد بل لفرد واحد منه.

و لا يجب دفعها الي الفقيه إلاّ إذا طلبها.

و يجوز نقلها الي بلد آخر حتّي مع وجود المستحق.

و هي من العبادات التي تحتاج الي قصد القربة.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز العزل

فهو و ان كان علي خلاف القاعدة إلاّ انه بعد ثبوت الدليل علي ولاية المالك يؤخذ به، و هو مثل صحيح يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيء من يسألني؟ فقال: إذا حال الحول فاخرجها من مالك لا تخلطها بشيء ثمّ اعطها كيف شئت...»(1) و غيره.

و مع ثبوت الولاية علي العزل و تحقّقه تترتّب عليه ثمراته

ص: 358


1- وسائل الشيعة الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

المذكورة في المتن و غيرها بخلاف ما إذا لم تثبت فإنّه لا يجوز التصرّف و يوزع التالف لكونه لازم الإشاعة.

و هذه الولاية ثبتت في باب الزكاة فقط و لم تثبت في باب الخمس فبالعزل فيه لا يتعيّن الحق.

2 - و اما جواز الاخراج من غير العين بالنقود

فلم ينسب فيه الخلاف لأحد في الغلات و النقدين. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن خالد البرقي: «كتبت الي أبي جعفر الثاني عليه السّلام: هل يجوز ان أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير و ما يجب علي الذهب دراهم قيمة ما يسوي أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب: ايّما تيسر يخرج»(1) و غيره.

و هو و ان كان خاصّا ببعض ما يجب فيه الزكاة و بالاخراج بخصوص الدراهم إلاّ انه بعد عدم احتمال الخصوصية يمكن الحكم بالتعميم - و ان نسب الي المقنعة عدم جواز ذلك في الأنعام - خصوصا بعد الالتفات الي قوله: «الا أن يخرج من كل شيء ما فيه» الظاهر في السؤال عن مطلق الاعيان الزكوية دون خصوص ما ذكر في صدر السؤال.

3 - و اما وجه التأمّل في جواز الاخراج من غير النقود

فباعتبار عدم الدليل علي ذلك سوي أحد أمرين:

أحدهما: التمسّك بما دلّ علي جواز احتساب الدين من الزكاة بعد الالتفات الي ان الدين قد لا يكون من النقود.

ص: 359


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 1.

ثانيهما: صحيحة يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أري ان ذلك خير لهم فقال: لا بأس»(1).

و يمكن المناقشة باحتمال لزوم ملاحظة حال الفقير، و هو يستفيد من النقود أكثر.

و الأمر الأوّل لا ينافي ما ذكرناه لأنه بالاحتساب يحصل تفريغ ذمّة الفقير، و ذلك أمر هو في صالحه، و لا يمكن استفادة التعدّي منه.

و الأمر الثاني خاص بفرض عملية هي خير للفقير و لا يمكن استفادة جواز الاخراج من غير النقود إذا لم يكن ذلك خيرا للفقير، علي ان من المحتمل كون المقصود اشتري لهم ذلك بعد دفع الزكاة لهم لا قبل ذلك.

4 - و اما وجوب استرجاعها مع تعيّنها بالعزل و اتضاح عدم الفقر

فواضح بعد تعيّنها للزكاة و اشتغال الذمّة بدفعها بالخصوص. أجل مع عدم تعيّنها بالعزل لا يلزم استرجاعها بل يجوز دفع البديل عنها فيما إذا أمكن و إلاّ لزم استرجاعها أيضا مقدّمة لأداء الواجب.

5 - و اما انه لا ضمان مع تلفها لو لم يكن تفريط

فلانه بعد عزلها تتعيّن حقّا للجهة و تبقي أمانة بيد المالك لا يضمنها إلاّ مع التفريط، كما لو دفعها من دون حجّة معتبرة.

و اما ان المدفوع إليه يضمنها مع اطلاعه علي واقع الحال فلقاعدة علي اليد.

ثم ان المناسب مع عدم تفريط المالك و عدم اطلاع المدفوع إليه

ص: 360


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة الحديث 4.

عدم ضمانها و تحقّق التلف من الجهة.

و إذا قيل: ان المناسب ضمان المالك مطلقا لأنّ المال المعزول ملك للجهة فدفع غير المالك المال الي شخص بدون اذن المالك لا يسقط الضمان بل يكون صاحب المال و المدفوع إليه ضامنين، غايته إذا دفع صاحب المال الي الجهة البديل أمكنه الرجوع علي المدفوع إليه ان لم يكن مغررا من قبله.

قلنا: ان ولي الجهة بعد ان اذن في العزل و بقاء المعزول امانة و دفعه علي طبق حجّة معتبرة فما معني الضمان؟!

هذا كلّه مع افتراض العزل و إلاّ فضمان صاحب المال واضح حتي مع سلوكه الحجّة المعتبرة.

6 - و اما عدم الإجزاء مع اعتقاد الوجوب و اتّضاح العدم

فلعدم الموجب له.

و اما جواز الاسترجاع فواضح لعدم تحقّق الانتقال.

و اما جواز المطالبة بالبدل مع العلم بواقع الحال فلقاعدة علي اليد.

7 - و اما انه لا يجب البسط

فلعدم احتمال ذلك بل عدم امكانه إذ الفقراء و المساكين و... جمع محلي باللام الدالة علي الاستغراق، و الدفع بنحو الاستغراق لجميع الأصناف لو أمكن فهو غير محتمل في نفسه.

و الدفع الي واحد من كل صنف لا شاهد عليه.

علي ان وجوب البسط لا شاهد له سوي دعوي ظهور اللام في الملك، و هذا الظهور لو سلم فهو يتم لو كانت داخلة علي جميع الأصناف و لو تقديرا و الأمر ليس كذلك لإباء ثلاثة أو أربعة منها عن ذلك.

ص: 361

علي ان البسط لو كان لازما لاشتهر و ذاع لشدّة الابتلاء بالمسألة و الحال انه لم ينسب الخلاف في ذلك إلاّ الي بعض العامّة.

هذا كلّه لو قطعنا النظر عن الروايات و إلاّ فالأمر أوضح، ففي صحيحة أحمد بن حمزة: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال:

نعم»(1).

8 - و اما عدم وجوب دفعها الي الفقيه

فلعدم الدليل علي ذلك خلافا للشيخ المفيد حيث نسب إليه ذلك تمسّكا بظاهر قوله تعالي: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ... (2) الدال علي وجوب الدفع الي النبي صلّي اللّه عليه و آله بالملازمة، و حيث ان الفقيه نائب الامام عليه السّلام و بمنزلته و هو بمنزلة النبي صلّي اللّه عليه و آله فيثبت الحكم له أيضا(3).

و فيه: ان الأمر بالأخذ لا يقصد منه معناه المطابقي ليدل بالالتزام علي وجوب الدفع، فإنّه كناية عن تشريع وجوب الزكاة، و إلاّ فلا يحتمل وجوب أخذه صلّي اللّه عليه و آله بما هو أخذ، و هل يحتمل ان توزيع المالك ضريبة ماله لا يجوز و لو كان باستئذان منه صلّي اللّه عليه و آله؟!

هذا لو قطعنا النظر عن الروايات و إلاّ فمراجعتها في الأبواب المختلفة يوجب قطع الفقيه بعدم اشتراط ذلك.

ثم ان هذا كلّه لو لم يطالب بها الفقيه، و اما لو طالب بها لمصلحة خاصّة فمن اللازم دفعها إليه لوجوب إطاعته.

ص: 362


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
2- التوبة: 103.
3- مستمسك العروة الوثقي 313:9.

و الفارق بين سهم الامام عليه السّلام حيث يجب دفعه الي الفقيه و بين الزكاة حيث لا يجب دفعها إليه ان الخمس ملك منصب الإمامة أو شخص الامام عليه السّلام فيلزم انتقاله الي الفقيه الذي هو نائب الامام عليه السّلام بخلاف الزكاة فانها ليست كذلك.

9 - و اما جواز نقلها

فيدلّ عليه مضافا الي الأصل عدّة روايات كصحيح أحمد بن حمزة: «سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد الي بلد آخر و يصرفها في اخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم»(1) و غيره.

10 - و اما انها من العبادات

فلقضاء ارتكاز المتشرّعة بذلك. علي ان كونها من الأركان المبني عليها الإسلام قد يستفاد منه ذلك.

9 - زكاة الفطرة و شرائط وجوبها
تجب زكاة الفطرة علي البالغ العاقل الغني الحرّ غير المغمي عليه طيلة
اشارة

وقت الوجوب.

و اعتبر المشهور اجتماع الشرائط قبل الغروب من ليلة العيد آنا ما حتي تحقّقه.

و المستند في ذلك:

1 - الزكاة علي نحوين: زكاة مال - و هي ما تقدّم - و زكاة فطرة.

و لا إشكال في وجوبها. و النصوص بذلك كثيرة. و قد فسّرت الزكاة في

ص: 363


1- وسائل الشيعة الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 4.

قوله تعالي: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّي * وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّي (1) بذلك، كما في بعض الأخبار(2).

و الفطرة اما بمعني الافطار حيث تجب يوم الفطر، أو بمعني الدين فتكون زكاة الإسلام، أو بمعني الخلقة، حيث تحفظ صاحبها من الموت، ففي الحديث عن الامام الصادق عليه السّلام: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق أجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنّك ان تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت»(3).

2 - و اما اشتراط وجوبها بالبلوغ و العقل

فيكفي لإثباته القصور في المقتضي، مضافا الي حكومة حديث رفع القلم(4) بالبيان المتقدّم في زكاة المال.

و يمتاز المقام ببعض الأخبار الخاصّة، ففي صحيح محمد بن القاسم بن الفضيل: «انه كتب الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامي إذا كان لهم مال فكتب عليه السّلام:

لا زكاة علي يتيم»(5). و حيث لا تحتمل الخصوصيّة لليتيم - المختص بغير البالغ - فيتعدّي الي غيره.

هذا فيما إذا لم يعل بهما أحد و إلاّ وجبت علي المعيل.

3 - و اما اعتبار الغني - ملك قوت السنة

فلم ينسب فيه الخلاف

ص: 364


1- الأعلي: 14-15.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 5.
4- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
5- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.

إلي أحد. و يدل عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال: لا»(1) و غيره.

و في مقابل ذلك صحيح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الفقير الذي يتصدّق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال: نعم يعطي ممّا يتصدّق به عليه»(2).

و قد يجمع بحمل الثاني علي الاستحباب، و هو ان تمّ عرفا و إلاّ استقرت المعارضة و لزم طرح الثاني لهجران الأصحاب له.

4 - و اما اشتراط الحرية

فلا مستند له سوي التسالم. أجل بناء علي انه لا يملك يكون الحكم علي طبق القاعدة لكونه فقيرا.

هذا في غير المكاتب، و اما فيه فالمنسوب الي الشيخ الصدوق(3) الحكم بالوجوب استنادا الي صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام:

«المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو علي من كاتبه؟ و تجوز شهادته؟ قال: الفطرة عليه و لا تجوز شهادته»(4).

و لأجل اشتمال الحديث علي الحكم بعدم جواز شهادة المكاتب الذي لا يقول به الأصحاب و حذرا من مخالفة مشهور الأصحاب يكون المناسب التنزل من الفتوي بالوجوب الي الاحتياط.

5 - و اما اعتبار عدم الاغماء

فهو المشهور و لكن لا دليل عليه فتشمله اطلاقات الأدلّة. أجل مع استيعابه لتمام وقت الوجوب يكون

ص: 365


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.
3- مستمسك العروة الوثقي 389:9.
4- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 3.

السقوط وجيها لأنه ما دام كذلك لا يكون مكلّفا بالاداء، و الخطاب بالقضاء بعد ذلك يحتاج الي دليل و هو لفقدانه تجري البراءة عنه.

و إذا قيل: أو ليس يلزم اجتماع الشرائط قبيل الغروب.

قيل: المفروض عدم ثبوت شرطية عدم الاغماء بعد.

6 - و اما اعتبار اجتماع الشرائط قبل الغروب

فيدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة(1) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر، قال: ليس عليهم فطرة، و ليست الفطرة إلاّ علي من أدرك الشهر»(2) فإنّه يدل بوضوح علي لزوم ادراك شهر رمضان من دون خصوصية للمورد. و من هنا اعتبر المشهور لزوم تحقّق الشروط قبل الغروب بآن و استمرارها إليه ليصدق إدراك الشهر و لا يكفي تحققها بعده.

أجل إذا حصل إدراك الشروط مقارنا للغروب فالاحتياط يقتضي لزوم الفطرة لاحتمال صدق الادراك عرفا بذلك.

هذا بناء علي عدم المناقشة في سند الرواية من ناحية محمّد بن علي ما جيلويه و البطائني باعتبار شيخوخة الاجازة في الأوّل و رواية الأعاظم و وكالة الامام عليه السّلام في الثاني و إلاّ فلا بدّ من الرجوع الي القاعدة و هي تقتضي كفاية تحقّق الشروط و لو بعد الغروب ما دام لم ينته وقت الوجوب. أجل يستثني من ذلك المولود أو من أسلم بعد الغروب فإنّه

ص: 366


1- في وسائل الشيعة: علي بن حمزة. و هو اشتباه. و الصواب كما في المصدر الأصلي: علي بن أبي حمزة.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1.

لا تجب الفطرة عليه أو اخراجها عنه لصحيح معاوية بن عمّار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا، قد خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا»(1).

وقت الوجوب
اشارة

المشهور ابتداء وقت الوجوب بغروب ليلة العيد و انتهاؤه بزوال يومه لمن لم يصلّ صلاة العيد.

و قيل بأن الابتداء طلوع الفجر.

و مع عزلها في الوقت المذكور يجوز تأخير دفعها لغرض عقلائي.

و مع عدم الدفع و العزل الي الزوال تدفع بعد ذلك بنيّة القربة المطلقة.

و يجوز تقديم دفعها من بداية الشهر.

و مع عزلها تتعيّن.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي وقت الوجوب

فهناك امور ثلاثة ينبغي التفرقة بينها إذ:

تارة يبحث متي يلزم اجتماع شرائط الوجوب؟ هل عند الغروب أو عند طلوع الفجر؟

و اخري يبحث متي يبتدئ الوجوب؟ هل يبتدئ عند الغروب أو عند الطلوع؟ و تظهر الثمرة في من مات ما بين الفترتين، فعلي الغروب يلزم اخراجها عنه بخلافه علي الطلوع.

ص: 367


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.

و ثالثة يبحث متي يلزم دفعها الي مصرفها؟ هل يجوز ذلك ليلا أو يلزم أن يكون في النهار أو يجوز التأخير طيلة شوال؟

اما بالنسبة الي البحث الأوّل فالمدار علي الغروب كما تقدّم.

و اما بالنسبة الي البحث الثالث فيأتي التعرّض له إن شاء اللّه تعالي.

و عليه فالكلام هو في البحث الثاني.

و المشهور كون البداية الغروب.

و يمكن الاستدلال له بحديثي معاوية المتقدّمين، فان اعتبار اجتماع الشرائط قبيل الغروب و ان كان لا يلازم كون وقت الوجوب ذلك بل يحتمل كونه طلوع الفجر، بأن يتعلّق الوجوب عند الطلوع لمن جمع الشرائط قبيل الغروب إلاّ أن ذلك لا ينفي الظهور العرفي في كون وقت الوجوب هو الغروب عند السكوت عن تحديد وقت آخر له و إلاّ لما جعل المدار عليه في اجتماع الشرائط.

2 - و اما القول الثاني فوجهه صحيحة العيص بن القاسم:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متي هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر. قلت:

فان بقي منه شيء بعد الصلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقي فنقسمه»(1) فان اليوم بما انه يبدأ من طلوع الفجر فيلزم تحقّق الوجوب من بدايته إذ ذلك مصداق ما قبل الصلاة من يوم الفطر.

و فيه: ان من المحتمل نظرها الي تحديد وقت الدفع دون وقت الوجوب. و معه يبقي وجه القول السابق بلا معارض فيتعيّن الأخذ بمقتضاه.

ص: 368


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 5.
3 - و اما استمرار وقتها الي الزوال

فلا دليل واضح عليه من الروايات بيد انه هو المعروف بين الفقهاء. و تحقيق ذلك غير مهم بعد لزوم اخراجها بعد الزوال أيضا، ففي صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل اخرج فطرته فعزلها حتي يجد لها أهلا، فقال: إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ و إلاّ فهو ضامن لها حتي يؤديها الي أربابها»(1).

و انما كان الاحتياط يقتضي دفعها بنيّة القربة المطلقة بعد الزوال لما دلّت عليه بعض الروايات من ان زكاة الفطرة تصدق علي المدفوع قبل صلاة العيد بخلاف المدفوع بعده فهو صدقة، ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و اعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل و بعد الصلاة صدقة»(2).

و اما ان من يصلّي صلاة العيد يخرجها قبل الصلاة فيمكن استفادته من بعض الروايات كصحيحة العيص السابقة علي احتمال و موثقة إسحاق بن عمّار الآتية.

4 - و اما ان من عزلها في وقتها يجوز له التأخير لغرض عقلائي

فقد دلّت عليه موثقة إسحاق بن عمّار: «سألته عن الفطرة، فقال: إذا عزلتها فلا يضرّك متي أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة»(3) و غيرها.

و الموثقة و ان كانت بطريق الشيخ مضمرة إلاّ انها بطريق الصدوق ليست كذلك.

و اما اعتبار الغرض العقلائي في التأخير فلأجل أن لا يتحقّق

ص: 369


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 4.

التهاون في أداء الواجب.

و الاحتياط يقتضي الاسراع في دفعها لاحتمال كون المقصود من بعدية الصلاة هو البعدية العرفية.

5 - و اما جواز تقديمها من بداية الشهر

فلصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «... و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان الي آخره»(1).

6 - و اما عدم جواز تبديلها بعد العزل

فلان ظاهر ما دل علي العزل تعيّنها به، و لا دليل علي الولاية علي التبديل بعد ذلك.

أحكام عامّة
اشارة

يجب اخراج زكاة الفطرة علي كلّ مكلّف عن نفسه و عن كل من يعول به و عن الضيف مع صدق العيلولة دون من دعي الي الافطار.

و الواجب صاع من القوت الغالب و هو ثلاثة كيلوات تقريبا. و يجزئ دفع القيمة.

و لا يلزم اتحاد المخرج عن نفسه و عياله بل يجوز الاختلاف بلحاظ افراد العيال أيضا.

و لا يجوز نقلها الي بلد آخر إلاّ مع عدم المستحق أو سفر من عليه الزكاة إليه.

و مصرفها مصرف زكاة المال.

و لا يلزم المؤسسات و الشركات دفع الفطرة عن العاملين فيها.

ص: 370


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 4.

و المستند في ذلك:

1 - اما دوران الوجوب مدار العيلولة

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من اخوانه فيحضر يوم الفطرة. فقال: نعم الفطرة واجبة علي كلّ من يعول من ذكر أو انثي صغير أو كبير حرّ أو مملوك»(1) و غيرها.

2 - و منه يتّضح الحال في الضيف و ان وجوب دفع الفطرة عنه

منوط بصدق كونه يعوله

، فإذا كان شخص ضيفا علي غيره قبل حضور يوم الفطرة ثم حضر يوم الفطرة لزمت فطرته علي المضيف فيما إذا صدق انه يعوله. فصدق عنوان الضيف وحده لا يكفي، كما لا يلزم بقاؤه طيلة شهر رمضان أو في النصف الأخير منه و غير ذلك من الأقوال في المسألة.

و هل يلزم نزول الضيف قبل دخول ليلة العيد أو يكفي نزوله بعد ذلك؟ انه بناء علي كون وقت الوجوب هو الغروب يلزم ان يكون نزوله قبل ذلك، و اما بناء علي استمرار وقت الوجوب الي الزوال فيكفي دخوله بعد ذلك ما دام يصدق عليه كونه من العيال في الفترة المذكورة.

3 - كما يتّضح من خلال هذا ان من دعا غيره الي الافطار ليلة

العيد

فلا تلزمه فطرته لعدم صدق انه يعوله عرفا.

4 - و اما ان الفطرة صاع

فلا خلاف فيه. و تدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الفطرة: جرت السنّة

ص: 371


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.

بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير، فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس فقال: نصف صاع من بر بصاع من شعير»(1) و غيرها.

و هناك روايات دلّت علي ان الفطرة نصف صاع، من قبيل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صدقة الفطرة... عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين»(2) و غيرها.

و لا يمكن حملها علي التقيّة - خلافا للشيخ - لأنّ ذلك ممكن في الحنطة دون غيرها إذ فيها جعل عثمان الفريضة نصف صاع دون غيرها.

و المناسب سقوطها عن الحجيّة لهجرانها لدي الأصحاب.

5 - و اما المدار علي القوت الغالب

- بالرغم من ان الوارد في بعض الروايات الغلات الأربع أو بإضافة غيرها كالأقط - فلصحيحة زرارة و ابن مسكان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الفطرة علي كل قوم ممّا يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره»(3) و غيرها، فإنّه لأجلها يلزم حمل ما ورد فيه عنوان الغلاّت الأربع و نحوها علي المثالية. و يؤكّد ذلك اختلاف الروايات في عدد المذكور فيها.

ثم انه مع التنزل و التسلم بالمعارضة تكون النتيجة هي هي حيث يلزم الرجوع الي اصالة البراءة عن الخصوصية بناء علي ما هو

ص: 372


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 11.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1.

الصحيح من جريانها في موارد الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

6 - و اما ان مقدار الصاع ما ذكر

فلأن الصاع يساوي أربعة أمداد، و المدّ ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا علي ما قيل.

7 - و اما اجزاء القيمة فممّا لا خلاف فيه

لموثقة إسحاق بن عمّار الصيرفي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سمّيتها؟ قال: نعم، إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد»(1) و غيرها.

و هل يلزم أن تكون القيمة بالنقود أو يجزئ غيرها؟ قد يقال بالاجزاء لموثقة إسحاق بن عمّار الاخري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بالقيمة في الفطرة»(2).

و يمكن الجواب بانصراف كلمة القيمة الي النقود. و مع التنزل يكون التعليل في الموثقة السابقة مقيّدا.

هذا علي تقدير احتمال تعدّد الرواية و إلاّ فحيث لا يعلم الصادر فينبغي الاقتصار علي المتيقن و هو ما تقتضيه الموثقة الاولي و النتيجة هي هي.

8 - و اما جواز اختلاف المخرج

فلإطلاق الروايات، و مع التنزل و عدم كونها في مقام البيان من هذه الناحية فيكفي الأصل.

9 - و اما نقل الفطرة

فالمشهور جوازه كما في زكاة المال إلاّ أن مقتضي موثقة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و لا تنقل من أرض الي

ص: 373


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 9.

أرض...»(1) و غيرها عدم الجواز.

و اما جواز نقلها مع عدم المستحق فلعدم احتمال سقوط وجوب ايصالها إلي مصرفها.

و اما جواز دفعها في البلد الآخر مع السفر فلعدم صدق نقلها.

10 - و اما ان مصرفها مصرف زكاة المال

فلأنّها مصداق للزكاة و الصدقة فيشملها اطلاق آية الزكاة الواردة لبيان مصرفها.

و لا معارض سوي صحيحة الحلبي السابقة حيث ورد فيها انها لفقراء المسلمين و صحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: لمن تحل الفطرة؟ قال: لمن لا يجد»(2).

بيد انهما ليستا واضحتين في الحصر ليصلحا للتقيد. هذا مضافا الي هجران الأصحاب لمضمون الصحيحة الاولي علي ما تقدّم و ورود سهل في سند الثانية. و يبقي الاحتياط أمرا مناسبا.

11 - و اما عدم لزوم دفع الفطرة عن العاملين في الشركات

فلعدم صدق العيلولة عرفا و انصراف نصوص العيلولة الي الشخص دون الجهة حتي بناء علي كونها مالكة.

ص: 374


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 4.

كتاب الخمس

اشارة

1 - ما يجب فيه الخمس 2 - أحكام خاصة بفاضل المؤونة 3 - كيف يقسم الخمس؟

ص: 375

ص: 376

1 - ما يجب فيه الخمس
اشارة

يجب الخمس في سبعة أشياء: غنائم الحرب إذا كانت بإذن الامام عليه السّلام، و إلاّ كانت بأجمعها له لو كانت الحرب في عصر الظهور. هذا في غير الأرض و اما هي فمحل للخلاف.

و المعادن إذا بلغت عشرين دينارا. و مع الشك في بلوغها ذلك لا يجب التخميس و لا الاختبار. و من أخرج معدنا من أرض غيره بدون إذنه ملكه و لزمه الخمس إذا لم يكن من توابعها عرفا. و الخمس لا يتعلّق إلاّ بالباقي بعد استثناء مئونة التحصيل إذا كان المجموع بقطع النظر عن الاستثناء بالغا حدّ النصاب.

و الكنز إذا بلغ عشرين دينارا و كان من الذهب أو الفضة المسكوكين دون مطلق الجواهر فضلا عمّا يعمّ غيرها و إن قيل بذلك. و الكلام في استثناء المؤونة هو الكلام في المعدن.

و ما اخرج من الماء بالغوص إذا بلغ دينارا بعد استثناء المؤونة.

و المال المختلط بالحرام إذا لم يتميّز و لم يعرف صاحبه و لا مقداره.

ص: 377

و مصرفه كغيره.

و الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم.

و ما يفضل من مئونة السنة.

و المستند في ذلك:

1 - اما أصل وجوب الخمس

فهو من ضروريات الدين. و قد دلّ عليه قوله تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ... (1).

نعم وقع الخلاف بيننا و بين غيرنا في عموم الحكم لغير غنائم الحرب، فقال غيرنا بالاختصاص و بذلك لا يبقي مورد للخمس في زماننا أو يقل في حين ان المعروف بيننا العموم لوجهين:

الأوّل: ان الغنيمة لغة تعمّ مطلق الفائدة دون خصوص غنائم الحرب(2) كما ورد ذلك في قوله تعالي: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ (3).

و السياق لا يدلّ علي الاختصاص لا مكان أن يكون ذلك من باب تطبيق الكلّي علي بعض مصاديقه.

الثاني: الروايات الخاصّة الآتية فيما بعد ان شاء اللّه الدالة علي ثبوت الخمس في موارد اخري غير غنائم الحرب.

ص: 378


1- الأنفال: 41.
2- ففي القاموس في مادة غنم: «غنم بالكسر... الفوز بالشيء بلا مشقّة». و في لسان العرب: «الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقّة». و في كتاب العين 426:4: «الغنم: الفوز بالشيء في غير مشقّة».
3- النساء: 94.
2 - و اما ثبوته في غنائم الحرب

فهو القدر المتيقن من الآية الكريمة بل ذلك موردها.

3 - و اما اعتبار اذن الامام عليه السّلام

فلانه بدونه تكون بأجمعها له عليه السّلام.

و تدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع أمير أمره الامام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم أربعة أخماس، و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(1) ، فان الشرطيّة الاولي تدلّ بمفهومها علي المطلوب.

4 - و اما التقييد بعصر الظهور

فلان القدر المتيقن من صحيحة معاوية السابقة عصر الظهور و لا إطلاق لها لغيره و معه فيتمسّك بإطلاق آية الغنيمة في عصر الغيبة.

5 - و اما الأرض

فالمشهور ان حكمها حكم غيرها. و يمكن مناقشة ذلك باعتبار قصور إطلاق الآية الكريمة عن شمولها بتقريب ان الأرض المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين الي يوم القيامة و ليست ملكا شخصيّا لكل فرد ليصدق انها غنيمة له و من ثمّ يجب عليه تخميسها.

6 - و اما المعادن

فلا إشكال في وجوب الخمس فيها لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس»(2) و غيرها ممّا هو كثير. علي ان إطلاق آية الغنيمة كاف. أجل بناء علي التمسّك بالإطلاق المذكور لا يعتبر النصاب الخاص

ص: 379


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.

بخلافه بناء علي التمسّك بالروايات الخاصّة.

7 - و اما اعتبار بلوغها عشرين دينارا

فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا»(1).

إلاّ انها معارضة بروايته الاخري عن محمّد بن علي بن أبي عبد اللّه عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال:

إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(2).

و قد ترد بضعفها بجهالة الراوي لها فإنّه لم يوثق بل لم يرد اسمه في الروايات إلاّ هنا و في مورد ثان.

و يمكن دفع ذلك برواية البزنطي عنه الذي هو أحد الثلاثة بل من أصحاب الإجماع بناء علي كفاية مثل ذلك.

و بعد تمامية الروايتين سندا و تمامية المعارضة بينهما قد يجاب بحمل الثانية علي الاستحباب و الاولي علي الوجوب، فان تمّ مثل ذلك و لم يناقش فيه باختصاصه بالأحكام التكليفية أخذنا به و إلاّ طرحنا الثانية لشذوذها و عدم نسبة العمل بها إلاّ الي أبي الصلاح الحلبي.

8 - و اما عدم الوجوب مع الشك

فلاستصحاب عدم بلوغ النصاب بنحو العدم النعتي إذا كان الاخراج تدريجيا أو بنحو العدم الأزلي - بناء

ص: 380


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5.

علي حجيّته - إذا لم يكن كذلك أو للبراءة إذا تعذّر الرجوع الي الاستصحاب.

9 - و أمّا عدم وجوب الاختبار

فلعدم الدليل عليه بعد اطلاق أدلّة البراءة. و العلم الإجمالي بوقوع كثير من الناس في المخالفة علي تقدير عدم الاختبار غير منجز بعد رجوعه إلي الشك البدوي في وقوع المكلف - إذا التفت إلي نفسه فقط - في المخالفة و عدمها. و اهتمام الشارع بإدراك الواقع في مثل هذه الموارد لا يمكن الجزم به.

10 - و اما المخرج للمعدن من أرض غيره بدون اذنه

فتارة يفترض انه من توابعها - كما لو كان المعدن علي بعد مترين أو ثلاثة في عمق الأرض - و اخري لا يكون كذلك، كما لو كان علي بعد عشرة كيلومترات أو عشرين.

فعلي الأوّل يكون المعدن لمالك الأرض لأنّ السيرة جرت علي عدّ مالك الأرض مالكا لتوابعها من الأعلي و الأسفل.

و علي الثاني يكون للمخرج لأنّ كونه لمالك الأرض اما لنكتة الاحياء و الحيازة أو للسيرة. و كلتاهما غير تامتين إذ الاحياء و الحيازة صادقان علي الأرض نفسها دون ما كان في أعماقها، و السيرة دليل لبّي يقتصر فيه علي القدر المتيقن دون الابعاد العليا و السفلي البعيدة، و لذا لا يحتمل أحد ان مرور الطائرات في فضاء الأرض المملوكة للغير يتوقّف جوازه علي اجازته.

و عليه فمن أدخل مكائنه أرض الغير و استنبط من أعماقها البعيدة النفط أو غيره من المعادن كان آثما لا أكثر.

11 - و اما ان الذي يجب تخميسه هو الباقي بعد استثناء مئونة التحصيل

ص: 381

فلما ورد بنحو القانون العام عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

«الخمس بعد المؤونة»(1). علي ان موضوع وجوب الخمس ليس إلاّ الغنيمة و الفائدة - كما دلّت عليه آية الغنيمة - و انما وجب في المعدن و نحوه من باب كونه مصداقا للغنيمة، و من الواضح ان العنوان المذكور لا يصدق إلاّ علي الباقي بعد استثناء المؤونة.

12 - و اما ان المدار علي بلوغ المجموع مقدار النصاب دون

خصوص الباقي بعد استثناء المؤونة

فلإطلاق البلوغ في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر المتقدّمة، و معه فلا مجال لما اختاره صاحب الجواهر من لزوم كون المتبقي بمقدار النصاب تمسّكا بأصل البراءة بتقريب ان وجوب الخمس يقطع به إذا كان المتبقي بمقدار النصاب و اما إذا كان المجموع قبل الاستثناء بالغا ذلك فحيث يشكّ في تعلّق الخمس به فينفي بالأصل(2).

13 - و اما تعلّق الخمس بالكنز فمما لا إشكال فيه

لصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن أبي عمير الخامس»(3) و غيرها.

و لا إشكال في السند من ناحية أحمد و لا من ناحية الإرسال.

اما عدم الإشكال من ناحية أحمد فليس ذلك لترحم أو ترضي

ص: 382


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
2- جواهر الكلام 83:16.
3- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 7.

الصدوق عليه بل لتعبيره عنه بكونه ثقة ديّنا(1).

و اما عدم الإشكال من ناحية الارسال فلان عدد مشايخ ابن أبي عمير 400 تقريبا و الذين لم تثبت وثاقتهم 5، و حيث ان التعبير ب «غير واحد» يراد به عادة ثلاثة فما فوق فاحتمال كون مجموع الثلاثة هم من الخمسة الذين لم تثبت وثاقتهم ضعيف جدّا إذ

14 - و اما اعتبار بلوغ عشرين دينارا

فلصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(2). بعد الالتفات الي ان الزكاة لا تجب إلاّ في عشرين دينارا.

15 - و اما اعتبار كونه من الذهب و الفضة المسكوكين

فلأن ذلك مقتضي التعبير بالمثلية في الصحيحة السابقة، إذ الزكاة - فيما عدا الغلات و الأنعام - لا تجب إلاّ في الذهب و الفضة المسكوكين.

16 - و اما وجه القول بالتعميم

فلاستظهار إرادة التماثل من حيث الكم فقط من الصحيحة السابقة دونه من حيث الكم و الجنس.

17 - و اما ان المدار في ملاحظة المؤونة هو المدار في المعدن

فلوحدة النكتة.

18 - و اما وجوب الخمس فيما اخرج بالغوص

فلصحيحة ابن أبي

ص: 383


1- كمال الدين، باب ما روي عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام في النص علي القائم عليه السّلام. ثم ان الوارد في وسائل الشيعة: «و عن أحمد بن زياد عن جعفر الهمداني». و الصواب: «و عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني».
2- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 2.

عمير المتقدّمة و صحيحة عمّار بن مروان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس»(1) و غيرهما.

و المناقشة في سندها من ناحية عمّار بن مروان لتردّده بين اليشكري الثقة و الكلبي الذي لم تثبت وثاقته مدفوعة بانصراف الاسم المذكور عند إطلاقه الي الأوّل لأنه صاحب الكتاب المعروف.

ثم ان النسبة بين ما تدلّ عليه الصحيحة الثانية - و هو الاخراج من البحر و ان لم يكن بالغوص - و بين ما تدل عليه الصحيحة الاولي - و هو الاخراج بالغوص و ان لم يكن من البحر - هي العموم من وجه.

و من هنا وقع الكلام في ان المدار هل علي اجتماعهما باعتبار وجود الصلاحية في كل منهما لتقييد الآخر، أو ان المدار علي كفاية أحدهما باعتبار عدم الموجب للتقييد بعد كونهما مثبتين و عدم التنافي بينهما، أو ان المدار علي صدق عنوان الغوص باعتبار ان التعبير بما يخرج من البحر ناظر الي الحالة الغالبة و هي كون الاخراج من البحر بالغوص، أو ان المدار علي الاخراج من البحر و ان لم يكن بالغوص باعتبار ان التعبير بالغوص ناظر الي الحالة الغالبة و هي كون الغوص في البحر، أو ان المدار علي اخراج الجواهر النفيسة و لو لم يكن ذلك من البحر و لا بالغوص باعتبار عدم فهم العرف الخصوصية للعنوانين؟ و لعل الأوجه كون المدار علي الغوص لاحتمال الخصوصية له دون البحر لعدم احتمال الخصوصية له.6.

ص: 384


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6.
19 - و اما اعتبار البلوغ دينارا

فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمّد بن علي بن أبي عبد اللّه المتقدّمة في المعادن.

20 - و اما ان المدار علي ذلك بعد استثناء المؤونة

فلما تقدّم في المعادن.

21 - و اما المختلط بالحرام

فقد دلّت علي وجوب تخميسه صحيحة عمّار المتقدّمة و غيرها.

22 - و اما اعتبار عدم التميز

فلانه مع فرضه يكون لكل من المالين حكمه الخاص.

23 - و اما اعتبار الجهالة بصاحبه

فللصحيحة المتقدّمة. و مع معرفته تصل النوبة الي التصالح لتعيين المقدار المجهول.

24 - و اما اعتبار الجهالة بمقداره

فقد وقع محلاّ للاختلاف فقيل بعموم الحكم لحالة العلم التفصيلي بالمقدار. و قيل باشتراط عدمه.

و قيل باعتبار الجهل المطلق بحيث لا يعلم حتّي بنحو الاجمال و انه أقل من مقدار الخمس مثلا.

و الأوجه الأخير لعدم احتمال وجوب اخراج الخمس علي من علم بأن الحرام أكثر من الخمس بكثير أو أقلّ منه بكثير بل المفهوم من الصحيحة تقدير الحرام بالخمس تعبّدا عند الجهل المطلق.

و مع قصور الصحيحة يلزم في حالة المعرفة بالمقدار و جهالة صاحبه التعامل معه معاملة مجهول المالك و ذلك بالتصدّق به عن صاحبه لصحيحة يونس بن عبد الرحمن: «سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام و أنا حاضر - الي أن قال - فقال: رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما ان صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه

ص: 385

معنا فأي شيء نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة. قال:

لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه...»(1) و غيرها.

و دعوي صاحب الحدائق(2) اختصاصها بخصوص المتميز و لا تعمّ المجهول مالكه المختلط كما في المقام مدفوعة بعدم احتمال الفرق.

25 - و اما بالنسبة الي مصرفه فقيل هو الفقراء كسائر الصدقات

لموثقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أتي رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: اني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك فان اللّه رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال»(3).

و هي تدل بوضوح علي التصدّق به علي خلاف صحيحة عمّار السابقة الظاهرة في ان مصرف الخمس مصرف بقيّة الموارد.

و السند لا بأس به لإمكان توثيق السكوني و النوفلي و ابراهيم بن هاشم ببيان أو بيانات تقدّمت في أبحاث سابقة.

و يمكن أن يقال في وجه الجمع بحمل لفظ الصدقة علي المعني اللغوي العام، و هو كل ما يتقرّب به إلي اللّه سبحانه بما في ذلك الخمس، فان هذا المعني ان لم يكن هو الظاهر من لفظ الصدقة في نفسه فلا بدّ

ص: 386


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث 2.
2- الحدائق الناضرة 365:12.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 4.

من الحمل عليه بقرينة صحيحة عمّار.

26 - و اما وجوب الخمس في الأرض التي اشتراها الذمّي من

المسلم

فلصحيحة أبي عبيدة الحذاء: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ايّما ذمّي اشتري من مسلم أرضا فان عليه الخمس»(1) ، فإنّه لا غبار علي سندها بطريق الشيخ و ان كانت ضعيفة بطريق الصدوق لجهالته و بطريق المحقّق الي الحسن بن محبوب لجهالته أيضا.

27 - و اما فاضل المؤونة
اشارة

فلم ينسب الخلاف في وجوب الخمس فيه إلاّ لابن الجنيد و ابن أبي عقيل لعبارة غير واضحة في ذلك(2).

و تدل علي ذلك مضافا الي إطلاق آية الغنيمة النصوص الخاصّة التي كادت تبلغ حدّ التواتر، كموثقة سماعة: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخمس فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(3). و إطلاقها مقيّد بما دلّ علي كونه بعد المؤونة، كما في صحيحة علي بن مهزيار: «كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمداني... فكتب و قرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان»(4).

و عدم وثاقة الهمداني لا تضرّ بعد قراءة ابن مهزيار بنفسه لجواب الإمام عليه السّلام.

و يدلّ علي ذلك أيضا: ان المسألة عامّة البلوي، و لازم ذلك شدّة وضوح حكم المسألة في عصر الأئمّة عليهم السّلام، و حيث لا يحتمل أن يكون

ص: 387


1- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
2- جواهر الكلام 46:16.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6.
4- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 4.

ذلك الحكم الواضح هو العدم - و إلاّ لما اتّفق الفقهاء إلاّ من شذّ علي الوجوب - فيلزم أن يكون هو الوجوب.

و بهذه الطريقة يمكن التعويض عن التمسّك بالإجماع ان أشكل عليه بأنّه محتمل المدرك.

اشكالان في المقام
اشارة

هناك اشكالان يرتبطان بوجوب الخمس في فاضل المؤونة:

أحدهما: انه لم يرد في كتب الحديث و التاريخ ان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و الامام

أمير المؤمنين عليه السّلام قد أخذا الخمس من فاضل المؤونة

، بل لم يعهد هذا القسم من الخمس إلاّ من زمن الصادقين عليهما السّلام حيث صدرت منهما الروايات الدالّة علي وجوبه.

و هذا قد يجعل منطلقا للتشكيك في ثبوت وجوب هذا القسم أو علي الأقل يجعل قرينة علي ان وجوبه لم يكن بتشريع الهي بل من باب الولاية الحكومتية الذي لازمه الاختصاص بفترة الولاية.

ثانيهما: ورد في روايات كثيرة تحليل الأئمة عليهم السّلام الخمس للشيعة

و اسقاطه عنهم

، و لازم ذلك عدم وجوب دفعه في عصرنا، فقد روي أبو خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رجل و أنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق انما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه. فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميّت

ص: 388

منهم و الحي و ما يولد منهم الي يوم القيامة فهو لهم حلال...»(1).

و يمكن الجواب عن الأول

بأن بيان الاحكام مبني علي التدريج و إلاّ يأتي الاشكال أيضا في الوضوء و الصلاة و الصوم و غيرها حيث ان بيان كثير من أحكامها تمّ علي يد عدل القرآن الكريم.

هذا مضافا الي ورود مؤشرات كثيرة تدلّل علي ثبوته في عصر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أو بآية الغنيمة(2).

بل في بعض الروايات إشارة واضحة إلي وجود بعض الأيادي التي قد لعبت دورها في الوقوف امام هذه الفريضة الالهية، فقد روي الشيخ الكليني بسند ينتهي إلي سليم بن قيس الهلالي: «خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فحمد اللّه و أثني عليه... ثم قال: ألا ان أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتباع الهوي و طول الأمل... ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال: قد عملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته و لو حملت الناس علي تركها و حوّلتها إلي مواضعها و إلي ما كانت في عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لتفرّق عني جندي حتي أبقي وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي... أ رأيتم لو امرت بمقام إبراهيم عليه السّلام فرددته إلي الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و رددت فدك إلي ورثة فاطمة عليها السّلام و رددت صاع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كما كان... و انفذت خمس

ص: 389


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة الباب 4 من الأنفال الحديث 8، 21. و الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5. و في رسائل النبي صلّي اللّه عليه و آله الي القبائل و غيرها اشارة الي هذا القسم من الخمس فراجع معالم المدرستين 111:2.

الرسول كما انزل اللّه عز و جل و فرضه... و حرّمت المسح علي الخفين...

اذن لتفرقوا عني. و اللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان الا في فريضة و أعلمتهم ان اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادي بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر... و اللّه المستعان علي من ظلمنا و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم»(1).

و رجال السند ثقات بل ذلك غير مهم بعد احتمال صدق الرواية كما هو واضح.

كما يمكن الجواب عن الثاني

بأن فكرة التحليل تعبير آخر عن تعطيل فريضة الخمس في زمن الغيبة بل و في زمن الحضور أيضا، و هذا واضح البطلان لأنه يتنافي و أدلّة تشريع وجوب الخمس من الكتاب و السنّة في أشياء خاصّة، و لاستلزامه تعجيز منصب الامامة عن ادارة شئونه لفقدان ما يستعين به و هو الخمس كما أشار الأئمّة: أنفسهم الي ذلك في بعض الروايات(2).

و التأمّل في نصوص التحليل يعطي ان المقصود ان الشيعي إذا وصله شيء قد تعلّق به الخمس من غيره فلا يلزمه تخميسه لا انه إذا تعلّق به الخمس عنده فلا يلزمه دفعه فتأمّل صحيحة أبي خديجة السابقة و غيرها تجد صدق ما نقول.

ص: 390


1- الكافي 58:8 باب خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام.
2- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب الأنفال الحديث 2، 3، 5، 6، 7.
2 - أحكام خاصة بفاضل المؤونة
اشارة

يجب الخمس في مطلق الفائدة و ان لم تكن بالاكتساب خلافا للمشهور - إلاّ الميراث المحتسب، و الهدية التي ليس لها خطر، و المهر، و عوض الخلع - بعد استثناء مئونة السنة.

و الوجوب يتعلّق من بداية حصول الفائدة و ان جاز التأخير الي نهاية السنة ارفاقا.

و مبدأ السنة بداية حصول الربح. و لكل ربح سنة تخصّه.

و لا خمس في مال الصبي و المجنون.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوبها في مطلق الفائدة

فلإطلاق آية الغنيمة و بعض النصوص كموثق سماعة المتقدّم.

و احتمال الاختصاص بما كان من طريق الاكتساب اما لدعوي الاجماع، أو لدعوي ان المسألة ابتلائية فلو كان يجب في مطلق الفائدة لاشتهر، أو لدعوي سقوط مثل موثق سماعة عن الاعتبار لاعراض المشهور عنه، أو لغير ذلك واضح التأمّل.

2 - و اما استثناء الميراث المحتسب و الهدية المذكورة

فلصحيحة علي بن مهزيار حيث ورد فيها: «... فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه هي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها

ص: 391

خطر، و الميراث الذي لا يحتسب...»(1).

5 - و اما استثناء المهر و عوض الخلع

فلعدم صدق الفائدة عليهما بعد كون الأوّل في مقابل منح الزوجة زمام أمرها بيد الزوج، و الثاني في مقابل تنازل الزوج.

و منه يتضح وجاهة الحكم بعدم ثبوت الخمس في الدية المأخوذة مقابل الجناية، حيث لا يصدق عنوان الفائدة بعد فرض الجناية.

6 - و اما استثناء المؤونة

فلمكاتبة الهمداني المتقدّمة و غيرها. هذا في غير مئونة تحصيل الربح، و اما هي فلا يحتاج استثناؤها الي دليل لعدم صدق الفائدة إلاّ بلحاظ ما زاد عليها.

7 - و اما تقدير المؤونة بالسّنة

فللإطلاق المقامي، فإن مئونة الشخص تقدّر عادة بالسنة دون الشهور أو الأيام، و حيث إنّ النصوص اطلقت كلمة المؤونة فلا بدّ ان يكون ذلك من باب الحوالة علي العادة المذكورة.

8 - و اما ان التعلّق من بداية حصول الفائدة

فلامكان استفادة ذلك من آية الغنيمة و موثقة سماعة المتقدّمة، فإن ظاهر فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ و «ففيه الخمس» ان ذلك من حين صدق الغنيمة و الفائدة.

9 - و اما جواز التأخير

فمضافا الي انعقاد السيرة القطعية عليه يمكن التمسّك له بأن الخمس لما كان بعد استثناء المؤونة المقدرة بسنة و هي تدريجية الحصول فيلزم من ذلك جواز التأخير.

10 - و اما تحديد بداية السنة

فقيل بكونه بداية الشروع في

ص: 392


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5.

التكسب في من عمله ذلك و بداية حصول الفائدة في من ليس عمله ذلك.

و لعل ذلك هو الرأي المشهور.

و الوجه فيه: ان مصداق سنة الربح عرفا في المتكسب هو بداية التكسب و في غيره بداية حصول الفائدة.

و لعل الأنسب جعل المدار علي بداية حصول الفائدة مطلقا لأنّ عنوان سنة الربح لم يرد في النصوص بل الوارد «الخمس بعد مئونته و مئونة عياله»، و ظاهر لفظ المؤونة ما كان مئونة بالفعل دون ما كان مئونة سابقا، فإذا اريد استثناء المؤونة من الفائدة التي تتحقّق فيما بعد لم يصدق حين تحقّق الفائدة انه استثني منها ما كان مئونة بالفعل بل ما كان مئونة سابقا.

هذا مضافا الي ان استثناء المؤونة من الفوائد حصل بمخصص منفصل، و كلّما دار أمر المخصص المنفصل بين الأقل و الأكثر يلزم الاقتصار علي الأقل، و هو المؤونة المصروفة بعد تحقّق الربح.

11 - و اما ان لكل ربح سنة تخصه أو للمجموع سنة واحدة

فقد وقع محلاّ للاختلاف.

و تظهر الثمرة فيما لو حصلت فائدة بداية محرم مثلا بمقدار مائة، و في بداية صفر فائدة ثانية بمقدار خمسين، و صرف المكلف في الفترة المتخلّلة بينهما مقدار مائة و عشرين، فإنّه علي الثاني لا يجب تخميس العشرين بخلافه علي الأوّل لأنّ المؤونة لا تستثني قبل بداية سنة الفائدة.

و هكذا تظهر الثمرة في ملاحظة نهاية السنة، فإنّه علي الثاني تنتهي بنهاية ذي الحجة بخلافه علي الأوّل فإنّها نهاية محرّم، و لازم

ص: 393

ذلك ان المؤونة قبل نهاية محرم و بعد نهاية ذي الحجة تستثني علي الأوّل بخلافه علي الثاني.

و عليه فكل من الرأيين له فائدة للمكلف من جهة.

و لعلّ المشهور هو الثاني و ان كان المناسب هو الأوّل باعتبار ان كلّ فرد من الفائدة موضوع مستقل لوجوب التخميس، و ملاحظة مجموع الأرباح ربحا واحدا يحتاج الي دليل، و هو مفقود.

و دعوي ان ملاحظة سنة لكل فائدة لا يخلو من عسر علي المكلّفين لصعوبة ملاحظة كل فائدة فائدة بشكل مستقل و ذات سنة مستقلة مدفوعة بأن ذلك يلزم لو كان ما ذكر أمرا متعيّنا و لكنه ليس كذلك فان بإمكان المكلف جعل سنة واحدة للمجموع بشرط عدم استثناء العشرين و أمثالها من الفائدة الحاصلة بداية صفر.

12 - و اما انه لا خمس علي الصبي و المجنون

فلإطلاق القلم المرفوع لقلم الوضع أيضا و لا وجه لتخصيصه بقلم التكليف فيكون حاكما علي الأدلّة الأوّلية.

و بعد هذا لا وجه لاحتمال توجه التكليف الي الولي، و علي تقدير فرضه فهو منفي بالبراءة.

أجل في خصوص المال المختلط بالحرام ينحصر طريق التحليل بالتخميس في حق الصبي أيضا.

3 - كيف يقسم الخمس؟
اشارة

المشهور تقسيم الخمس الي ستّة أسهم ثلاثة منها للإمام عليه السّلام و ثلاثة

ص: 394

لبني هاشم لا علي نحو البسط.

و في كيفية صرف السهم المبارك للإمام عليه السّلام خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما التقسيم الي الستة

- خلافا للشافعي و أبي حنيفة حيث نسب اليهما التقسيم الي خمسة بحذف سهم اللّه سبحانه(1) - فتدلّ عليه آية الغنيمة، فإنّه بناء علي إرادة مطلق الفائدة من الغنيمة فالأمر واضح، و اما بناء علي اختصاصها بغنيمة الحرب فالدليل الدال علي وجوب الخمس في بقيّة الأقسام من دون بيان المصرف يدل علي لزوم كون التقسيم بالنحو المذكور في آية الغنيمة و إلاّ لأشير إلي غيره.

و بعد دلالة آية الغنيمة علي المطلوب لا حاجة الي ملاحظة الروايات و ان كانت كثيرة(2).

2 - و اما ان الثلاثة الاولي منها للإمام عليه السّلام

فلصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الامام الرضا عليه السّلام: «سئل عن قول اللّه عز و جل:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبي ، فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و ما كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فهو للإمام. فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: ذاك الي الامام، أ رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كيف يصنع أ ليس إنّما كان يعطي علي ما يري كذلك الامام»(3).

ص: 395


1- جواهر الكلام 89:16.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.
3- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب قسمة الخمس الحديث 1.

و علي هذا فهي في مثل زماننا ترجع الي امامنا المنتظر أرواحنا له الفداء.

بيد ان هذا مبني علي ما فهمه المشهور من كون ملكية الامام عليه السّلام لها هي ملكية شخصية، و اما بناء علي كون ملكيته لها بما هو صاحب المنصب - و ان كونه الامام حيثية تقييدية لا تعليلية، كما قد يدعم ذلك التعبير في الصحيحة بالامام دون ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله - فتكون في مثل زماننا راجعة الي منصب الامامة و الولاية و يتصرّف فيه الفقيه من باب انتقال ذلك المنصب إليه.

3 - و اما بالنسبة الي الأسهم الثلاثة الأخيرة

فالمشهور انها لخصوص بني هاشم و ان البسط غير لازم بل هي ملك للجامع بين الأصناف الثلاثة.

اما انها لخصوص بني هاشم - خلافا للعامة، و لربّما ينسب إلي ابن الجنيد أيضا(1) - فقد ادعي انه من الضروريات التي لا تحتاج الي دليل و ان كانت بعض النصوص(2) ذات السند الضعيف قد دلّت عليه إلاّ ان ضعفها غير مهم بعد الضرورة.

و اما ان البسط غير لازم فلان الوارد كلمة «اليتامي» و «المساكين» بنحو الجمع المحلي باللام، و لازم ذلك بناء علي إرادة ظاهر الآية استيعاب جميع أفراد اليتامي و المساكين، و هو لو كان ممكنا غير محتمل في نفسه.

ص: 396


1- جواهر الكلام 88:16.
2- من قبيل رواية ابن بكير عن بعض أصحابه. وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب قسمة الخمس الحديث 2.

كما انه يلزم حفظ حصّة ابن السبيل لو لم يكن موجودا في البلد، و هو غير محتمل أيضا.

و بهذا يظهر أيضا ضعف احتمال لزوم البسط علي الجامع في كل صنف و يتعيّن كون المقصود بيان المصرفية و ان الجامع بين الأصناف الثلاثة مصرف لنصف الخمس.

و في مقابل هذا الرأي المشهور رأي يقول بأن جميع الخمس ملك لمنصب الامامة لتدار به شئون المنصب و ليس نصفه ملكا للأصناف الثلاثة الأخيرة و لا للجامع بينها، غايته ان الامام عليه السّلام يصرف عليها بما يراه صلاحا، فهي علي هذا مصرف و ليس هناك ملكية حتي للجامع.

و يمكن أن يستشف ذلك من حذف اللام - الدالة علي الملكية - من الأصناف الأخيرة و من التأمّل في ذيل صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر المتقدّمة.

و يظهر من صاحب الجواهر الميل الي ذلك حيث قال: «... بل لو لا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوي ظهور الأخبار في ان الخمس جميعه للإمام عليه السّلام و ان كان يجب عليه الانفاق منه علي الأصناف الثلاثة الذين هم عياله...»(1).

و تحقيق الحال في ذلك يحتاج الي مستوي أعلي من البحث.

4 - و اما كيفية صرف السهم المبارك للإمام عليه السّلام زمن الغيبة
اشارة

فقد نقل صاحب الحدائق(2) في ذلك أربعة عشر قولا لا يجدي التعرّض لها.

و المناسب الالتفات الي الأقوال الثلاثة للمتأخّرين:
اشارة

ص: 397


1- جواهر الكلام 155:16.
2- الحدائق الناضرة 437:12.
أ - ما اختاره صاحب الجواهر و مصباح الفقيه(1) من التعامل معه

أ - ما اختاره صاحب الجواهر و مصباح الفقيه(1) من التعامل معه

معاملة مجهول المالك

باعتبار ان المستفاد ممّا دلّ علي لزوم التصدّق في مجهول المالك كون العبرة بعدم امكان الوصول الي المالك لا بجهالته و ان كان المفروض فيها ذلك.

ب - ان الأمر في السهم المبارك يدور بين دفنه أو إيداعه مع

الوصيّة به يدا بيد

أو غير ذلك من الاحتمالات التي يعرّض فيها السهم المبارك للإتلاف بلا مبرّر عقلائي فلا بدّ أن نتصرّف بما نحرز معه رضا الامام عليه السّلام، و ليس ذلك إلاّ صرفه في تشييد الدين و دعائمه، و من أوضح مصاديق ذلك صرفه في مجال الحوزات العلمية التي يحفظ الدين ببقائها.

و يضاف الي ذلك ان الفقيه حيث انه أعرف بموارد الصرف الصحيحة أو يحتمل إناطة رضا الامام عليه السّلام بكون الصرف تحت إشراف الفقيه فيلزم استئذانه أو دفعه إليه.

قال الشيخ النائيني: «ثم ان وجوب اداء سهم الامام عليه السّلام الي الفقيه ليس إلاّ من باب انه أبصر بموارد صرفه بعد العلم بأنّه عليه السّلام لو كان حاضرا لصرفه»(2).

ج - ان الخمس بتمامه ملك لمنصب الامامة و ليس لشخص

الإمام عليه السّلام

، فإن التعبير بكلمة «الامام» في صحيحة ابن أبي نصر المتقدّمة يوحي بأنّ الإمامة حيثية تقييدية لا تعليلية. مضافا الي إمكان استفادة ذلك من روايات اخري.

ص: 398


1- جواهر الكلام 177:16 كتاب الخمس من مصباح الفقيه 158.
2- منية الطالب 327:1.

و مع فرض كونه ملك المنصب و انتقال المنصب الي الفقيه يلزم تسليمه إليه لإدارة شئون المنصب و التي منها دعم الحوزات العلمية.

و من هذا يتّضح ان كلا القولين الأخيرين متفقان علي لزوم صرف السهم المبارك في دعم الحوزات العلمية و ما شاكل ذلك إلاّ ان الطريق الي ذلك مختلف. و لربما تترتّب علي ذلك بعض الثمرات.

ص: 399

ص: 400

كتاب الحجّ

اشارة

1 - الحجّ و أحكام وجوبه 2 - الصورة الاجمالية للحجّ 3 - مواقيت الاحرام 4 - تفاصيل أفعال الحجّ و العمرة 5 - محرّمات الاحرام

ص: 401

ص: 402

1 - الحج و أحكام وجوبه
اشارة

وجوب الحج فوري مرّة واحدة مع اجتماع الشرائط - و يصطلح عليها بحجّة الإسلام - و هي: البلوغ، و العقل، و الحرية، و الاستطاعة المتحقّقة بوجدان النفقات اللاّزمة ذهابا و إيابا - لمن قصد العودة أو ذهابا فقط لمن لم يقصدها - وسعة الوقت، و السلامة علي النفس و المال و العرض، و التمكن من استئناف الوضع المعيشي بعد العودة بدون حرج، و عدم المزاحمة بواجب أهم.

و الحج مع اختلال هذا الأخير يقع مصداقا لحجّ الإسلام و ان كان الفاعل آثما بخلاف اختلال غيره فانه لا يقع كذلك.

و إذا تلفت النفقات أثناء الذهاب أو قبل اتمام أعمال الحج لم يجزئ ما أتي به عن حجّ الإسلام.

و لا يلزم تحقّق الاستطاعة في بلد المكلف بل يكفي تحقّقها في المكان الذي هو فيه.

و السعي لتحصيل الاستطاعة غير لازم و لو بقبول الهبة فيما إذا لم تكن

ص: 403

مقيّدة بالحج.

أجل مع البذل يجب الحج.

و تكفي إباحة النفقات و لا تلزم ملكيتها.

و من كان بحاجة الي دار أو زواج أو ما شاكل ذلك من ضروريات الحياة يلزمه تقديم الحج الا مع لزوم الحرج.

و هكذا المرأة التي يمكنها الحج بمهرها أو هدايا الزواج أو ببيع بعض حليّها التي استغنت عنها لكبر.

و هكذا من كانت له دار واسعة بإمكانه تبديلها أو بيع بعضها فانه يجب ذلك ما دام لا يلزم الحرج.

و من عليه دين في ذمّة الناس يمكنه الحج به يلزمه استحصاله إذا لم يكن فيه حرج. بل قد يقال بأن من استقرض ما يمكّنه من الحج بدون حرج في قضائه يجب عليه.

و من تمكّن من نفقات الحج قبل موسمه استقرّ عليه الوجوب و لزمه التحفّظ علي الاستطاعة.

و من استقر عليه الحج و سوّف حتي عجز عن المباشرة أو تيسّرت له النفقات و لم يتمكن من البداية تجب عليه الاستنابة ما دام هناك يأس من امكانية المباشرة.

و من استقر عليه الوجوب يلزمه تهيئة المقدّمات و الخروج في وقت يثق بإدراكه الحج.

و كما يجب الحج مرّة تجب العمرة كذلك لدي اجتماع الشرائط السابقة أو عند إرادة دخول مكّة في غير حالات الاستثناء.

و من استطاع و سوّف استقرّ في ذمّته و لزمه الاتيان به و لو تسكعا

ص: 404

الا مع فرض الحرج.

و المستند في ذلك:

1 - الحج من الفرائض الضرورية في الإسلام و التي بني عليها.

قال تعالي: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (1). و في الحديث الصحيح: «بني الإسلام علي خمسة أشياء: علي الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية»(2).

و في صحيحة ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيا»(3).

و هل يحكم بكفر تارك الحج لا عن عذر كما هو ظاهر الآية الكريمة؟ كلا، إذ من المحتمل إرادة كفران النعمة - من الكفر - مقابل شكرها لا إرادة ما يقابل الإسلام، و المعني من لم يشكر نعمة الهداية إلي الإسلام بالعمل بالوظائف فان اللّه غنيّ عنه، و هذا ما قد يعبّر عنه بالكفر العملي.

أجل من تركه لإنكار وجوبه من دون شبهة حكم عليه بالكفر لاستلزام ذلك انكار الرسالة.

2 - و اما انه فوري فهو من ضروريات الإسلام أيضا.

و يدلّ عليه حكم العقل فإنّ الأمر و ان لم يوضع للفورية الا ان كل واجب يلزم عقلا الاتيان به فورا الا إذا حصل وثوق بعدم فواته بالتأخير، و حيث ان الإنسان

ص: 405


1- آل عمران: 97.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.

لا وثوق له عادة بالبقاء الي السنة الثانية فيلزمه الاسراع الي الاتيان به.

علي ان بالإمكان استفادة ذلك من النصوص أيضا كصحيح المحاربي المتقدّم، فان الفورية إذا لم تكن واجبة فلما ذا يموت التارك للحج من دون عذر يهوديّا أو نصرانيا، ان العقوبة مع جواز التراخي لا وجه لها.

3 - و اما انه مرّة واحدة

فهو من الواضحات أيضا إذ لو كان يجب أكثر من ذلك لاشتهر لشدّة الابتلاء بالمسألة و الحال لم ينسب الخلاف الا الي الشيخ الصدوق حيث أفتي بوجوبه في كلّ عام علي أهل الثروة و الجدّ استنادا الي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام: «ان اللّه عزّ و جلّ فرض الحج علي أهل الجدة في كلّ عام...»(1).

قال في العلل: «و الذي اعتمده و أفتي به ان الحج علي أهل الجدة في كل عام فريضة»(2).

و لأجل وضوح حكم المسألة شكّك في العروة الوثقي(3) في صحّة النسبة. و لا وجه للتشكيك الا ما أفاده بعض الأعلام من ان: «المقام العلمي الرفيع للصدوق يأبي صدور ذلك منه لما عرفت من انه من الواضحات. نسأله تعالي العصمة، انه أرحم الراحمين»(4).

هذا مضافا الي إمكان استفادة الحكم من بعض الروايات(5) الآبي

ص: 406


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- علل الشرائع: 405، و وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
3- العروة الوثقي بداية الفصل الأوّل من كتاب الحج.
4- مستمسك العروة الوثقي 5:10.
5- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب وجوب الحج.

لسانها عن التخصيص.

4 - و اما اشتراط البلوغ و العقل

فلما تقدم من شرطيتهما العامة لكل تكليف. هذا مضافا الي موثقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ابن عشر سنين يحج، قال: عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت»(1) و غيرها.

5 - و اما اشتراط الحرية

فمما لا خلاف فيه. و يدلّ عليه صحيح الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام: «... ليس علي المملوك حجّ و لا عمرة حتي يعتق»(2) و غيره.

6 - و اما اعتبار نفقات الحج في تحقق الاستطاعة

فلصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قوله عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلي سربه له زاد و راحلة»(3) و غيرها. و حيث لا يحتمل إرادة خصوص عين الزاد و الراحلة فلا بدّ من إرادة ما يعمّ ملك ثمنها.

و هل تعتبر امكانية الراحلة في تحقّق الاستطاعة في حق القادر علي المشي بدون حرج أيضا؟ نعم ذلك هو المعروف بين الفقهاء. و يدل عليه إطلاق الصحيحة السابقة و غيرها.

هذا و لكن وردت روايات توحي بعدم اعتبار ذلك، ففي صحيحة معاوية بن وهب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه دين أ عليه ان

ص: 407


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب وجوب الحج الحديث 7.

يحجّ؟ قال: نعم، ان حجّة الإسلام واجبة علي من أطاق المشي من المسلمين. و لقد كان أكثر من حجّ مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مشاة. و لقد مرّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد و العناء فقال: شدّوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم»(1).

و يظهر من صاحب الوسائل اختياره لمضمونها حيث عنون الباب بباب وجوب الحج علي من أطاق المشي.

الا انه لهجران مضمونها لدي الأصحاب - خصوصا و قد افترضت الجهد الذي قد يساوق الحرج - يلزم حملها علي بعض المحامل.

و يؤيّده ان المسألة عامة البلوي فلو كان ما ذكر تامّا لاشتهر و ذاع بين الفقهاء.

و لو لا ذلك كان المناسب تقييد الأولي بالحاجة بقرينة الثانية كسائر موارد الإطلاق و التقييد.

7 - و تقييد النفقات بقيد «اللازمة» يقصد به اخراج مثل نفقات

هدايا الحج

، فإن القدرة عليها لم تؤخذ في صحيحة هشام فلا تكون معتبرة.

8 - و اما عدم اعتبار نفقة العود لمن لا يريد ذلك

فواضح لعدم الموجب لذلك. بل يمكن ان يقال ان من يمكنه البقاء في مكة بلا حرج فلا موجب لأخذ نفقة الاياب بعين الاعتبار في حقه بل يلزمه السكن هناك لتحقق الاستطاعة في حقّه فيشمله إطلاق الآية الكريمة.

ص: 408


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
9 - و اما اعتبار سعة الوقت

فلصيرورة التكليف بما لا يطاق بدون فرض ذلك. أجل يلزم التحفّظ علي الاستطاعة الي السنة الثانية لما سيأتي من ان الاستطاعة يلزم التحفّظ عليها متي ما تحقّقت و ليس لها وقت مخصوص بعد إطلاق الآية الكريمة.

10 - و اما اعتبار السلامة علي ما ذكر

فيمكن استفادته من الآية الكريمة - لعدم صدق الاستطاعة بدون ذلك - مضافا الي الروايات الخاصّة كصحيحة هشام المتقدّمة.

كما يمكن التمسّك بقاعدة لا ضرر.

و إذا قيل: ان الحج بنفسه مبني علي الضرر لذهاب جملة كبيرة من المال بسببه.

قلنا: ان ذلك وجيه في المقدار الذي يستدعيه طبع الحج دون ما زاد.

و هل يلزم لسقوط الوجوب اليقين بعدم السلامة أو يكفي مجرّد الخوف؟

المناسب الثاني لان الخوف طريق عقلائي في باب الضرر، و قد جرت عليه سيرة العقلاء الممضية بعدم الردع.

11 - و اما اعتبار التمكن من المواصلة عند الاياب

فمهم الدليل عليه قاعدة نفي الحرج المستندة إلي قوله تعالي: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1).

12 - و اما اعتبار عدم المزاحم الأهم

- كما إذا استلزم الحج فوات

ص: 409


1- الحج: 78.

علاج لازم لمريض أو التأخير في قضاء لازم لدين - فلدخول المورد تحت باب التزاحم القاضي بتقديم الأهم، فانّ دليل الحج و دليل الواجب الآخر مطلقان فيقع التزاحم بينهما في مقام الامتثال.

و هكذا الحال إذا توقّف الحج علي ارتكاب محرم كركوب الطائرة المغصوبة، فان المورد يدخل تحت باب التزاحم فيقدم الأهم.

13 - و اما انه يقع مصداقا لحج الإسلام عند ترك الأهم

فلان ذلك لازم باب التزاحم بناء علي امكان فكرة الترتّب حيث يكون الأمر بالمهم مشروطا بترك الاشتغال بالأهم، فعند عدم الاشتغال به يقع المهم صحيحا بواسطة الأمر الترتبي.

و اما انه لا يقع مصداقا عند تخلف غير ذلك فلأخذه في موضوع حجّ الإسلام اللازم منه عدم تحققه عند تخلّفه، بخلاف عدم المزاحمة بالأهم فإنّه لم يؤخذ كذلك و انما كان معتبرا من باب المزاحمة.

14 - و اما ان النفقات إذا تلفت - لسرقة و نحوها - قبل اتمام الحج

لم يقع ما أتي به مصداقا لحج الإسلام

فلان الاستطاعة شرط في حج الإسلام حدوثا و بقاء فإذا تلفت النفقات قبل الاتمام كشف ذلك عن عدم الاستطاعة بقاء، و هذا بخلاف التلف بعد الاتمام، فان اعتبار الاستطاعة بلحاظ العود هو لقاعدة نفي الحرج و هي لأجل كونها امتنانية لا تدلّ علي الشرطية في الحالة المذكورة لأنه يلزم خلف الامتنان.

هذا و مسألة عدم اجزاء حج المتسكع حدوثا أو بقاء عن حج الإسلام أمر متسالم عليه بين الفقهاء. و لو لا التسالم المذكور تمكن المناقشة باعتبار ان المستفاد من الأدلة ان الحج الواجب هو مرّة واحدة تسمّي بحجّة الإسلام، و الاستطاعة شرط لوجوبها لا لوقوعها حج

ص: 410

الإسلام، فقوله تعالي: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ... (1)

ناظر الي اثبات الوجوب و انه لا يستقر الا علي المستطيع و لا يدل علي ان من حجّ بدون استطاعة ثم استطاع يتوجّه اليه الوجوب من جديد.

15 - و اما عدم اعتبار الاستطاعة من البلد

فلعدم الدليل علي ذلك، فإذا تحققت من مكان آخر أمكن التمسّك بإطلاق الآية الكريمة لصدق الاستطاعة. و عليه فلو وصل شخص بشكل و آخر الي مكّة من دون استطاعة، و قبل ان يحرم لعمرة التمتّع أهدي له شخص كامل النفقات من الميقات و حتي العودة الي وطنه كفاه ذلك في تحقق الاستطاعة.

16 - و اما ان تحصيل الاستطاعة غير لازم

فلان مقدمة الوجوب لا يجب تحصيلها كما هو واضح.

و إذا قيل: مع القدرة علي الاكتساب - خصوصا إذا كان بسهولة - تصدق الاستطاعة للحج عرفا و من ثمّ يكون إطلاق الآية الكريمة شاملا.

قلنا: ان ظاهر صحيحة هشام المتقدّمة المفسّرة للاستطاعة بوجدان الزاد و الراحلة وجدانهما الفعلي و لو بثمنهما لا مجرّد القدرة علي ذلك.

17 - و اما عدم لزوم قبول الهبة غير المقيّدة بالحج

فلان ذلك نحو من الاكتساب الذي تقدّم عدم وجوبه.

و اما إذا كانت مقيّدة به فالمناسب و ان كان عدم لزوم قبولها لما سبق نفسه الا ان روايات متعدّدة دلّت علي ان من عرض عليه الحج يجب عليه، ففي صحيحة محمّد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فان

ص: 411


1- آل عمران: 97.

عرض عليه الحج فاستحيي، قال: هو ممّن يستطيع الحج. و لم يستحيي و لو علي حمار أجدع أبتر...»(1) ، و من وهب له بشرط الحج يصدق عليه:

عرض عليه الحج.

و من ذلك يتّضح الحال في من بذل له و دعي إليه فان الوجوب يستقر عليه لصدق عرض الحج عليه.

18 - و اما كفاية الاباحة

فلصدق الاستطاعة المأخوذة في الآية الكريمة معها.

و دعوي انه لا مجال للتمسّك بهذا بعد تفسير الاستطاعة في صحيحة هشام المتقدّمة بمن له زاد و راحلة الظاهر في اعتبار الملكية مدفوعة بأنّ ظاهر اللام الاختصاص - دون الملك - و ذلك صادق مع الإباحة.

و دعوي ان الإباحة المالكية إذا كانت كافية فيلزم كفاية الاباحة الشرعية الثابتة في المباحات العامّة أيضا، و هو بعيد مدفوعة بأنّا نلتزم تحقّق الاستطاعة بعد الاستيلاء لصدق عنوان «له زاد و راحلة» بخلافه قبل ذلك فانه لا يصدق.

19 - و اما وجوب الحج علي من كان بحاجة الي دار و نحو ذلك

فلصدق الاستطاعة المفسّرة في صحيحة هشام السابقة بالزاد و الراحلة. أجل مع الحرج - المشقّة الشديدة - لا يثبت الوجوب لحكومة قاعدة نفي الحرج علي الأدلّة الأوّلية التي منها دليل وجوب الحج علي المستطيع.

ص: 412


1- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.

و من ذلك يتّضح الحال في بقيّة الفروع بما في ذلك حالة القرض، فإنّه و ان لم يكن لازما - لكونه نحوا من التكسب غير اللازم - الا أنّه بعد تحقّقه بمقدار نفقات الحج يكون المكلف مالكا للنفقات فيستقرّ عليه الوجوب الا مع الحرج في الوفاء.

20 - و اما الوقت اللازم تحقّق الاستطاعة فيه بحيث لا يجوز

تفويتها بعد ذلك

ففيه خلاف.

و المعروف انه خروج القافلة الاولي.

و اختار في العروة الوثقي كونه التمكّن من المسير و ان لم تخرج القافلة بعد(1).

و اختار جماعة منهم الشيخ النائيني كونه أشهر الحج(2).

و المناسب عدم التقيّد بوقت خاص لان ظاهر الآية الكريمة وجوب الحج كلّما صدقت الاستطاعة من دون اشتراط وقت خاص، فلو حصلت في محرم وجب الحج آنذاك غايته بنحو الواجب المعلّق. و الثمرة تظهر في لزوم التحفّظ علي الاستطاعة و لزوم تهيئة المقدّمات بنحو الواجب الموسع.

أجل يلزم لتحقّق الاستطاعة مضافا الي توفّر النفقات حصول الصحة و تخلية السرب لان الثلاثة اخذت عناصر للاستطاعة في صحيحة هشام المتقدّمة.

و علي هذا: من تمكّن من نفقات الحج و لكنه لم يكن ذا صحّة أو لم يكن مخلي السرب فليس ذا استطاعة و من ثمّ لا يلزمه التحفّظ علي

ص: 413


1- العروة الوثقي، كتاب الحج، فصل شرائط وجوب حجة الإسلام، الشرط 3، المسألة 23.
2- دليل الناسك: 36، طبعة مؤسسة المنار.

الاستطاعة من حيث النفقات. اما اذا اجتمعت في زمان فمن اللازم التحفّظ عليها حتي و لو كان ذلك في محرّم.

21 - و اما وجوب الاستنابة في الموردين

فقد دلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه فان عليه ان يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له»(1) و غيره.

و هو باطلاقه يشمل الموردين.

و هل يكفي في المورد الثاني العذر في سنة الاستطاعة أو لا بد من استمراره؟ قد يقال: بأنّ مقتضي إطلاق الصحيح هو الأوّل.

بيد أنّه يلزم حمله علي إرادة الثاني بحيث يكون المقصود حال بينه و بين أصل الحج مرض أو... لا حال بينه و بين الحج في سنة الاستطاعة، إذ لو كان المقصود هو الثاني لاشتهر ذاك و شاع لشدّة الابتلاء بالمسألة و الحال ان المشهور هو العدم بل ادعي عليه الاجماع.

و هل يلزم في النائب ان يكون صرورة؟ المشهور عدم اعتبار ذلك، و المناسب اعتباره لظاهر الصحيح. أجل يتنزل الي الاحتياط الوجوبي تحفّظا من مخالفة المشهور.

و يختص ذلك بما إذا كان المنوب عنه حيّا لأنه مورد الصحيح و لا يعمّ الميّت لأصل البراءة بعد عدم الدليل علي الاعتبار.

هذا لو لم يكن إطلاق في أدلة الاستنابة عن الميت الذي استقر عليه الحج و الا كان هو المرجع دون أصل البراءة.

ص: 414


1- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب وجوب الحج الحديث 2.

ثم انه قد يناقش في أصل وجوب الاستنابة لرواية سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رجلا أتي عليّا و لم يحجّ قط فقال: اني كنت كثير المال و فرطت في الحج حتي كبرت سنّي، فقال: فتستطيع الحج؟ فقال: لا، فقال له علي عليه السّلام: إن شئت فجهّز رجلا ثم ابعثه يحجّ عنك»(1) ، فان التعليق علي المشيئة يدل علي عدم الوجوب.

و يمكن ردّ ذلك بضعف السند بسلمة حيث لم تثبت وثاقته، و بأن المقصود: ان كنت خائفا و تحب تفريغ ذمتك فاستنب، و هذا لا يتنافي و وجوب الاستنابة.

22 - و اما وجوب تهيئة المقدّمات

فلحكم العقل بوجوب ما لا يتم الواجب الا به، بمعني ان المكلف لا يكون معذورا عقلا بتركه للواجب بسبب تركها. أجل ان وجوبها موسع ما دام يوثق بعدم فوات الواجب بعدم الاسراع في تهيئتها.

23 - و اما الوقت الذي يجب فيه الخروج فيما إذا فرض تفاوت

القوافل في وقت الخروج

فقيل بلزومه مع الاولي و ان وثق بإدراك الحج مع الثانية، و قيل بجواز الخروج مع الاخري ما دام يحتمل الإدراك معها.

و المناسب عدم جواز التأخير الا مع الوثوق بالإدراك مع التأخّر لان التحفظ علي أداء الواجب لازم عقلا، و الوثوق طريق عقلائي في مثل ذلك.

ثم انه لو كان واثقا و لكن لم يتحقق منه الادراك لعارض فهل يستقر الحج في ذمّته بحيث يلزمه اداؤه في السنة الثانية و لو تسكعا؟ كلا لأنه لم يتوان حتي يستقر عليه.

ص: 415


1- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب وجوب الحج الحديث 3.

أجل يلزمه التحفظ علي الاستطاعة الي السنة الثانية لما تقدّم من ان العناصر الثلاثة للاستطاعة اذا تحققت في أي وقت يستقر الوجوب في الذمة و لا يجوز تفويتها. و لكن لو فاتت لعذر فلا يلزم التسكع لعدم كونه ممّن سوّف بعد استقرار الوجوب عليه.

24 - و اما العمرة

فلا إشكال في وجوبها علي من استطاع للحج اما لأنّها جزء المركب الواحد - كما في حجّ التمتع - أو لأنّها واجب مستقل.

و ليس مستند الوجوب قوله تعالي: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1) أو فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ (2) لقصورهما عن إثبات ذلك كما هو واضح، بل لان ذلك مضافا الي كونه من المسلّمات تدلّ عليه جملة من الروايات، كصحيح معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «العمرة واجبة علي الخلق بمنزلة الحج علي من استطاع إليه سبيلا لان اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ »(3) و غيره.

كما لا إشكال في ان الآتي بعمرة التمتّع تسقط عنه فريضة العمرة لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضي ما عليه من فريضة العمرة»(4) و غيره.

و ينحصر البحث بعد هذا في من استطاع للعمرة المفردة و لم يستطع للحج.

ص: 416


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 158.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 8.
4- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1.

و الكلام تارة يقع في القريب الذي وظيفته غير حجّ التمتّع و اخري في البعيد الذي وظيفته ذلك.

اما القريب فيمكن التمسّك بصحيح معاوية المتقدّم لإثبات وجوبها و فوريتها عليه.

و اما البعيد فلا يبعد دلالة الصحيح علي الوجوب في حقه أيضا الا انه لا بدّ من حمله علي غيره لان المسألة ابتلائية، فلو كان الوجوب ثابتا في حقّه لاشتهر و ذاع و الحال ان المعروف بين الفقهاء عدم الوجوب، بل قال في العروة الوثقي: «أرسله بعضهم إرسال المسلّمات»(1).

25 - و اما اعتبار الاحرام لدخول مكّة

فلصحيح محمّد بن مسلم:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام: هل يدخل الرجل مكّة بغير احرام؟ قال: لا، الا مريضا أو من به بطن»(2) و غيره.

و حيث ان الاحرام لا يكون الا بحج أو عمرة فتتعيّن العمرة إذا لم يكن الوقت وقتا للحج.

و يستثني من ذلك من يتكرّر منه الدخول جلبا لحوائج الناس، ففي صحيح رفاعة بن موسي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان الحطابة و المجتلبة أتوا النبي صلّي اللّه عليه و آله فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا»(3).

و نسب الي المشهور التعدي الي كل من تكرّر منه الدخول و لو لم ينطبق عليه عنوان المجتلب فهما منهم عدم الخصوصية لعنوان الاجتلاب.

ص: 417


1- العروة الوثقي، كتاب الحج، فصل أقسام العمرة، المسألة 2.
2- وسائل الشيعة الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 2.

و هذا الاحتمال و ان كان وجيها في من تكرر منه الدخول لحاجة عقلائيّة - كمن يتكرّر منه ذلك لمراجعة طبيب - الا ان التعدي لغير ذلك مشكل فينبغي الاقتصار علي موضع النصّ و الرجوع في غيره الي عموم صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم.

و يستثني من ذلك أيضا الداخل قبل مضي الشهر القمري الذي تحقّق فيه الاحرام السابق للعمرة المفردة أو لحجّ التمتّع لموثق إسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يجيء فيقضي متعة ثم تبدو له الحاجة فيخرج الي المدينة و الي ذات عرق أو الي بعض المعادن، قال: يرجع الي مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه لان لكلّ شهر عمرة...»(1).

و تقييد الشهر بالقمري لأنه المتبادر من النص.

كما ان المتبادر ما بين الهلالين دون ثلاثين يوما الا مع القرينة، كما في أشهر العدة لبعد موت الأزواج بداية الشهر الهلالي.

26 - و اما ان من استطاع و سوّف استقر في ذمّته و لزمه التسكع

فمتسالم عليه. و لا يبعد استفادته من الآية الكريمة لان ظاهرها ان من استطاع في زمان كفي ذلك في استقرار الوجوب عليه و ان زالت ما دام ذلك بسوء الاختيار، و خرجت من ذلك حالة الزوال لا بذلك للعلم من الخارج بانتفاء الوجوب فيها.

و مع التنزل يمكن استفادة ما ذكر من صحيحة المحاربي المتقدّمة الدالّة علي ان من مات و لم يحجّ من دون حاجة تجحف به

ص: 418


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 8.

فليمت يهوديّا أو نصرانيّا، فإن المقصود فليمت كذلك لو استطاع و لم يحج، و بإطلاقها تشمل حالة زوال الاستطاعة أيضا، و بذلك يثبت الوجوب و لو تسكعا و الا فلا وجه للموت يهوديا أو نصرانيّا.

و اما التقييد بعدم الحرج فلقاعدة نفي الحرج الحاكمة علي الأدلّة الأوّلية. مضافا الي امكان استفادة ذلك من صحيحة المحاربي المتقدّمة أيضا.

2 - الصورة الإجمالية للحج
اشارة

الحج علي ثلاثة أقسام: تمتع و إفراد و قران.

و التمتع مركب من عمرة و حج متأخّر عنها.

و العمرة تبتدأ بالاحرام من أحد المواقيت الآتية ثم الطواف حول الكعبة ثم صلاته ثم السعي بين الصفا و المروة ثم التقصير.

و الحج يبتدأ بالاحرام من مكة ثم الوقوف في عرفات من ظهر تاسع ذي الحجّة و حتي المغرب ثم الوقوف في المزدلفة من الفجر الي طلوع الشمس ثم رمي جمرة العقبة في مني يوم العاشر ثم الذبح أو النحر فيها في اليوم المذكور ثم الحلق أو التقصير فيها أيضا ثم طواف الحج و صلاته ثم السعي ثم طواف النساء و صلاته. و يلزم المبيت في مني ليلة الحادي و الثاني عشر و رمي الجمار صبيحة اليومين، و النفر من مني بعد زوال اليوم الثاني عشر.

و الافراد يشترك مع التمتّع فيما ذكر الا انه في الافراد لا تكون العمرة المحرم لها من مكّة متقدّمة، كما لا يعتبر الاتصال بينهما، و لا يلزم فيه

ص: 419

الذبح و النحر، و يجوز فيه تقديم الطواف و السعي علي الوقوفين اختيارا، و الاحرام له يكون من أحد المواقيت الآتية لإحرام عمرة التمتع، و يجوز فيه بعد الاحرام للحج الطواف المندوب.

و القران يشترك مع الافراد في جميع ما ذكر الا انه فيه يصطحب الحاج معه الهدي حال الاحرام. و في عقد احرامه يكون مخيّرا بين التلبية و الاشعار أو التقليد.

و حج الإسلام من حاضري المسجد الحرام يلزم كونه قرانا أو إفرادا و من غيرهم تمتّعا.

و المكلّف بالخيار في غير حج الإسلام و ان كان التمتع أفضل.

و المستند في ذلك:

1 - اما انقسام الحج الي الثلاثة

فمما لا خلاف فيه بين المسلمين.

و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمّار: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

الحج ثلاثة أصناف: حج مفرد و قران و تمتع بالعمرة الي الحج، و بها أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و الفضل فيها و لا نأمر الناس الا بها»(1) و غيرها.

و اما تركب حج التمتع ممّا ذكر فكذلك. و يدلّ عليه قوله تعالي:

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ (2) و الروايات الكثيرة.

و يظهر من بعض النصوص ان تشريع الحج ابتداء كان بنحو الافراد و القران، و في حجّة الوداع شرع التمتّع، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين حجّ حجّة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتي أتي الشجرة فصلّي بها ثم قاد راحلته

ص: 420


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
2- البقرة: 196.

حتي أتي البيداء فأحرم منها و أهلّ بالحج و ساق مائة بدنة و أحرم الناس كلّهم بالحج لا ينوون عمرة و لا يدرون ما المتعة حتي إذا قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مكّة طاف بالبيت و طاف الناس معه ثم صلّي ركعتين عند المقام و استلم الحجر، ثم قال: ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ به فأتي الصفا فبدأ بها ثم طاف بين الصفا و المروة سبعا، فلمّا قضي طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم ان يحلوا و يجعلوها عمرة و هو شيء أمر اللّه عزّ و جلّ به فأحلّ الناس... و قال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني:

يا رسول اللّه علّمنا كأنّا خلقنا اليوم، أ رأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكلّ عام، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا، بل للأبد. و ان رجلا قام فقال:

يا رسول اللّه نخرج حجّاجا و رءوسنا تقطر؟ فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: انك لن تؤمن بهذا أبدا...»(1).

2 - و اما كيفية العمرة

فتستفاد من الصحيحة المتقدّمة و غيرها.

و اما كيفية الحج فقد لا نعثر علي نص يجمعها كاملة الا أنّا في غني عن ذلك بعد اتفاق جميع المسلمين علي اصولها الأساسية عدا طواف النساء. اضافة الي انها محل ابتلاء جميع المسلمين علي طول الزمان فعدم اختلافهم فيها يدل علي تلقيها من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يدا بيد جزما بل إذا جاءنا نص مخالف لها طرحناه ان لم يقبل التأويل.

و هل يجب في عمرة التمتع طواف النساء؟ المعروف هو العدم، الا ان الشهيد نقل عن بعض الأصحاب من دون تعيينه وجوبه(2).

و النصوص تدلّ علي العدم، ففي صحيحة صفوان بن يحيي: «سأله أبو

ص: 421


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 14.
2- الدروس: 91.

حارث عن رجل تمتّع بالعمرة الي الحج فطاف و سعي و قصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد الرجوع من مني»(1).

و في مقابل ذلك رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام:

«إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتعا فطاف بالبيت و صلّي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا و المروة و قصّر فقد حلّ له كل شيء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة»(2).

الا انها لا تصلح للمعارضة لاحتمال نظرها - كما ذكر الشيخ(3) - الي الحج. و لا قرينة علي نظرها الي العمرة الا من جهة كلمة «قصّر» لكون التقصير في الحج قبل دخول مكة الا انّها مدفوعة بأن نقل الشيخ متعارض، ففي التهذيب(4) و ان كانت الكلمة المذكورة ثابتة و لكنها في الاستبصار(5) غير ثابتة، و معه يبقي احتمال نظر الصحيحة الي الحج بلا معارض.

هذا بقطع النظر عن هجرانها لدي الأصحاب و عدم نسبة العمل بها الا الي بعض غير معروف و الا فهي ساقطة عن الحجيّة.

ثم انه مع التنزل و التسليم بالمعارضة و التساقط يكون المرجع هو البراءة، و النتيجة واحدة.2.

ص: 422


1- وسائل الشيعة الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 7. و الوارد في الوسائل بدل كلمة «طوافا»: «طوافان». و هو اشتباه في اشتباه. و الصواب كما في المصدر الأصلي: «طوافا».
3- تهذيب الاحكام 163:5.
4- التهذيب 162:5.
5- الاستبصار 244:2.

هذا كلّه علي تقدير وثاقة المروزي لكبري وثاقة رجال كامل الزيارة و الا فلا تصل النوبة الي كلّ ما ذكرناه.

3 - و اما بالنسبة الي الفارق الأوّل بين حجّ التمتّع و الافراد

فينبغي ان يكون من الواضحات تركب حجّ التمتع من فعلين: العمرة و الحج، كما ينبغي ان يكون من الواضحات تقدّم العمرة بنحو اللزوم.

و يستفاد ذلك من صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أهلّ بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكّة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعي بين الصفا و المروة ان يفوته الموقف، قال: يدع العمرة، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه»(1) و غيره ممّا دلّ علي انقلاب الوظيفة الي الافراد عند تضيق الوقت عن ادراك العمرة قبل الحج، فلو كان يجوز الإتيان بها بعده لم يكن وجه لانقلاب الوظيفة.

و اما حج الافراد - و هكذا القران - فليس مركبا، فان العمرة ليست جزءا منه، و الترك العمدي لها لا يؤثر علي الحج بل يكون عصيانا للأمر الاستقلالي المتعلّق بها، فان الحج كما يجب في العمر مرّة بسبب الاستطاعة كذلك العمرة علي ما تقدّم فلو فرض امتثال أمرها قبلا بسبب الاستطاعة لها فلا يلزم عند الاتيان بحج الافراد الاتيان بها.

و هذا لم يقع فيه بحث و انما وقع في ان المكلف لو استطاع لهما في وقت واحد فهل يلزمه تقديم امتثال الأمر بالحج؟ المشهور ذلك و لكن لا دليل عليه.

4 - و اما انه لا يعتبر الاتصال بين حج الافراد و العمرة المفردة

فلما

ص: 423


1- وسائل الشيعة الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.

تقدّم من استقلالية الأمر بكل منهما، و من هنا يصح الاتيان بأحدهما في عام و بالآخر في آخر. و هذا بخلافه في حجّ التمتّع و عمرته فانهما بمنزلة العمل الواحد و الآتي بالعمرة محتبس حتي يأتي بالحج كما ورد في صحيحة زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: كيف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا أتي مكة طاف و سعي أحل من كل شيء و هو محتبس ليس له ان يخرج من مكة حتّي يحجّ»(1) و غيرها.

و ورد في صحيح معاوية بن عمّار انّه صلّي اللّه عليه و آله: «شبك أصابعه بعضها الي بعض و قال: دخلت العمرة في الحج الي يوم القيامة»(2).

5 - و اما ان المتمتع يلزمه الهدي

فذلك من ضروريات الفقه.

و يكفي لإثبات قوله تعالي: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (3). و الروايات كثيرة.

و اما ان المفرد لا يلزمه ذلك فمن المسلّمات أيضا. و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن المفرد قال: ليس عليه هدي و لا أضحية»(4) و غيرها.

و الشيخ و ان لم يذكر في المشيخة طريقه الي معاوية الا ان الطريق الأوّل إليه في الفهرست(5) صحيح، و هو كاف.

6 - و اما جواز تقديم طواف الحج و سعيه

فهو المشهور. و قد دلّت

ص: 424


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أقسام الحج الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أقسام الحج الحديث 4.
3- البقرة: 196.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 4.
5- الفهرست: 166.

عليه صحيحة زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المفرد للحج يدخل مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال: سواء»(1) و غيرها، و هي و ان اختصت بطواف الحج الا ان موثقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء؟ قال: لا، انّما طواف النساء بعد ما يأتي من مني»(2) دلّت علي جواز تقديم السعي أيضا دون طواف النساء.

و اما عدم جواز ذلك في حجّ التمتّع فهو المعروف بدون نقل خلاف. و لو رجعنا الي الروايات وجدنا روايتين أو ثلاثا تدلّ علي الجواز، ففي صحيحة علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف و يسعي بين الصفا و المروة قبل خروجه الي مني قال: لا بأس به»(3).

و بإزائها رواية أبي بصير: «رجل كان متمتعا و أهلّ بالحج، قال:

لا يطوف بالبيت حتي يأتي عرفات، فان هو طاف قبل ان يأتي مني من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف»(4).

و هي لو كانت صحيحة السند أمكن ان تقيد الأولي بحالة العلّة لكنها ضعيفة بإسماعيل بن مرار - الا بناء علي تمامية كبري وثاقة جميع رجال كامل الزيارة - و بالبطائني.

و عليه فالمناسب العمل بمقتضي الأولي لو لا اتفاق الأصحاب علي5.

ص: 425


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أقسام الحج الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 14 من أقسام الحج الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 13 من أقسام الحج الحديث 3.
4- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.

التفصيل، اما بعده فالوجيه التنزل الي الاحتياط تحفظا من مخالفتهم.

أجل بناء علي تمامية فكرة انجبار ضعف السند بفتوي المشهور كبري و صغري تعود رواية أبي بصير حجّة و تقيد الأولي و تتجه الفتوي علي طبق ما عليه المشهور.

7 - و اما ان الاحرام للأفراد من أحد المواقيت

فلأن من مرّ علي ميقات يلزمه الاحرام منه و لا يجوز له تجاوزه بلا احرام كما تأتي الإشارة إليه في المواقيت.

هذا إذا لم يكن المفرد داخل مكّة أو دون الميقات و الا كفاه الاحرام من مكانه لما يأتي من ان من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله.

و هذا كلّه بخلافه في المتمتع فانه يحرم لحجه من مكة بلا خلاف.

و تدل عليه صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

من أين أهلّ بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك و ان شئت من المسجد و ان شئت من الطريق»(1). و السؤال عن حج التمتع كما هو واضح.

8 - و اما عدم جواز الطواف المندوب بعد الاحرام لحج التمتّع

فهو قول الأكثر. و تدل عليه صحيحة الحلبي: «سألته عن رجل أتي المسجد الحرام و قد أزمع بالحج أ يطوف بالبيت؟ قال: نعم ما لم يحرم»(2).

و إذا خالف المحرم فطاف فهل عليه شيء؟ المذكور في كلمات جمع من الفقهاء تجديد التلبية بعد الطواف. بيد ان الروايات لم تذكر ذلك، بل ربّما يستفاد من بعضها العدم، ففي موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام: «... و سألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم

ص: 426


1- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب المواقيت الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 83 من أبواب الطواف الحديث 4.

يري البيت خاليا فيطوف به قبل ان يخرج، عليه شيء؟ فقال: لا»(1).

أجل ورد ذلك في المفرد و القارن، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «اني اريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الي الجعرانة فاحرم منها بالحجّ. فقلت له: كيف أصنع إذا دخلت مكّة أقيم الي التروية لا أطوف بالبيت؟ قال: تقيم عشرا لا تأتي الكعبة، ان عشرا لكثير، ان البيت ليس بمهجور، و لكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت واسع بين الصفا و المروة.

قلت له: أ ليس كل من طاف و سعي بين الصفا و المروة فقد أحلّ؟ فقال:

انك تعقد بالتلبية. ثم قال: كلّما طفت طوافا و صلّيت ركعتين فاعقد طوافا بالتلبية»(2). و نحوه صحيح معاوية بن عمّار(3).

و عليه فالمناسب عدم وجوب تجديد التلبية الا ان الاحتياط - تحفظا من مخالفة الفقهاء و لاحتمال وحدة الحكم بين أقسام الحج من هذه الناحية - أمر مناسب.

هذا كلّه في الطواف المندوب بعد الاحرام لحج التمتع.

9 - و اما الطواف المندوب بعد الاحرام لحج الافراد

فحيث لا دليل علي المنع منه فيتمسك بأصل البراءة. بل ان المستفاد من صحيحة ابن الحجاج المتقدّمة جواز ذلك مع تجديد التلبية.

10 - و اما ان القارن كالمفرد الا في اصطحاب الهدي

فمضافا الي كونه من المسلّمات تدل عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي

ص: 427


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب أقسام الحج الحديث 2.

عبد اللّه عليه السّلام: «لا يكون القارن الا بسياق الهدي، و عليه طوافان بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة، كما يفعل المفرد فليس بأفضل من المفرد الا بسياق الهدي»(1) و غيرها.

و اما التخيير في عقد الاحرام بين الامور الثلاثة فتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يوجب الاحرام ثلاثة أشياء: التلبية، و الاشعار، و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم»(2) و غيرها، فان التخيير بين الثلاثة المذكورة لا يتصوّر الا في حقّ القارن لأنه الذي يسوق الهدي القابل للإشعار و التقليد.

11 - و اما التفصيل بين حاضري المسجد الحرام

إذ يجب عليهم القران أو الافراد و بين غيرهم حيث يلزمهم التمتّع فلقوله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (3).

و المشهور تفسير حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بمن كان بينه و بين المسجد الحرام دون ثمانية و اربعين ميلا - المساوية لستّة عشر فرسخا أو لما يقرب من تسعين كيلومترا - لصحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو

ص: 428


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 20.
3- البقرة: 196.

ممّن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة»(1).

و هي واضحة في ملاحظة المسافة من المسجد الحرام و ليس من مكة لأنّها واردة لتفسير الآية الكريمة التي اخذت المسجد الحرام بعين الاعتبار.

و تبقي الروايات الاخري التي تحدّد المسافة بشكل آخر ساقطة عن الاعتبار لهجران الأصحاب لها.

ثم ان الآية الكريمة و الصحيحة إذا لم تكونا ظاهرتين في عدم جواز التمتع لحاضري المسجد الحرام فصحيحة الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس لأهل مكة... متعة...»(2) و غيرها واضحة في ذلك.

12 - و اما ان المكلف بالخيار في غير حجّ الإسلام مع أفضلية

التمتع

فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر: «سألت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها و ذلك في سنة اثنتي عشرة و مائتين، فقلت: بأي شيء دخلت مكة مفردا أو متمتعا؟ فقال: متمتعا، فقلت له: ايما أفضل:

المتمتع بالعمرة الي الحج أو من أفرد و ساق الهدي؟ فقال: كان أبو جعفر عليه السّلام يقول: المتمتع بالعمرة الي الحج أفضل من المفرد السائق للهدي، و كان يقول: ليس يدخل الحاج بشيء أفضل من المتعة»(3) و غيرها.

و إذا قيل: ان اطلاق الصحيحة المذكورة لا يمكن التمسّك به لمعارضته بإطلاق صحيحة الفضلاء المتقدّمة الدالّة علي ان أهل مكّة

ص: 429


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.

ليس لهم متعة حتي في الحج الاستحبابي.

قلنا: ان المعارضة خاصة بأهل مكة، و غيرهم باق تحت إطلاق صحيحة ابن أبي نصر بلا معارض. و معه فالإشكال في الحكم بالتخيير يختص بأهل مكة دون البعيد.

هذا و بالإمكان استفادة التخيير لأهل مكة في الحج الاستحبابي من روايات اخري من قبيل صحيحة البجلي: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ربّما حججت عن أبيك، و ربما حججت عن أبي، و ربما حججت عن الرجل من اخواني، و ربما حججت عن نفسي فكيف أصنع؟ فقال: تمتع. فقلت: اني مقيم بمكة منذ عشر سنين، فقال: تمتع»(1).

3 - مواقيت الاحرام
اشارة

لا يصح الاحرام الا من المواقيت العشرة و هي: مسجد الشجرة، و وادي العقيق، و الجحفة، و يلملم، و قرن المنازل - و هذه وقتها صلّي اللّه عليه و آله لأهلها و لمن يمرّ عليها - و مكة لإحرام حج التمتع، و المنزل الذي يكون دون الميقات الي مكة فان لصاحبه الاحرام منه، و الجعرانة لأهل مكة في حج القران أو الافراد أو من كان بحكم أهلها، و هو المجاور لها بعد سنتين، و محاذاة مسجد الشجرة لمن يمرّ من طريق المدينة، و أدني الحلّ لإحرام العمرة المفردة لمن هو بمكة و أراد الاتيان بها.

و لا يجوز الاحرام قبل المواقيت المذكورة و لا بعدها الا لناذر الاحرام قبلها

ص: 430


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.

أو للخائف من عدم ادراك العمرة المفردة في رجب علي تقدير تأخير الاحرام الي الميقات.

و لا يجوز الاحرام عند الشك في الوصول الي الميقات بل لا بدّ من اليقين أو الاطمئنان أو حجّة شرعية.

و المستند في ذلك:

1 - اما الخمسة الأولي

فهي ميقات لكل من يمرّ عليها - كقاصد عمرة التمتع، أو النائي عن مكة إذا أراد العمرة المفردة أو حج الافراد أو القران - لصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لا تجاوزها الا و أنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة. و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله»(1) و غيرها من الروايات الكثيرة.

و إذا كان محمّد بن إسماعيل الوارد في طريق الكليني لم تثبت وثاقته فبالامكان التعويض بطريق الصدوق بل بالطريق الثاني للكليني.

ثم ان هناك كلاما في ان ذا الحليفة بتمامه ميقات أو خصوص مسجد الشجرة منه أو هما مترادفان بحيث يكون مسجد الشجرة اسما لمجموع ذي الحليفة و ليس لجزء منه. و لكل واحد من الاحتمالات الثلاثة شواهده من الروايات.

ص: 431


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2.

و الاحتياط يقتضي الاحرام من مسجد الشجرة بخصوصه كما هو واضح.

و يجدر الالتفات الي ما لمحت له الصحيحة من ان توقيت المواقيت المذكورة لأهل الآفاق من قبل النبي صلّي اللّه عليه و آله حين لم يكن للإسلام أثر فيها هو من دلائل النبوّة.

2 - و اما انها لا تختص بأهلها بل لكل من يمرّ عليها

فلصحيحة صفوان بن يحيي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «... ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها...»(1).

3 - و اما ان مكّة ميقات احرام حج التمتع

فقد تقدّمت الإشارة إليه.

و اما ان من كان منزله دون الميقات فهو ميقاته فقد دلّت عليه صحيحة معاوية السابقة.

و اما ان الجعرانة ميقات لمن ذكرناه فتدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة حيث ورد فيها: «اني اريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجّة فاخرج الي الجعرانة فاحرم منها بالحج...»(2) ، فانها تدلّ علي ان ذلك وظيفة أهل مكة و تسري الي غيرهم بالمجاورة.

هذا و لكن المنسوب الي المشهور ان احرام من ذكر هو من مكة أو المنزل دون الجعرانة تمسكا بإطلاق صحيحة معاوية السابقة الدالّة علي ان «من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله».

و التأمّل في ذلك واضح لانصراف ما ذكر الي من كان منزله

ص: 432


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 1.

واقعا بين مكة و الميقات و لا يشمل من كان من أهل مكّة.

4 - و اما محاذاة مسجد الشجرة

فقد دلّت عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستّة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء»(1) و غيرها.

و هل تكفي المحاذاة في غير مسجد الشجرة أيضا؟ قيل بذلك.

و المناسب الاختصاص لاحتمال الخصوصية لمسجد الشجرة و لا يمكن الجزم بعدمها.

و ما هو المقصود من المحاذاة؟ ذكر في العروة تفسيران لذلك(2) ، كلاهما لا يخلو من إشكال.

و المناسب تفسيرها بكون الميقات علي اليمين أو اليسار حين مواجهة الشخص لمكّة المكرّمة. و لا يلزم ان يكون الميقات و موقف الشخص واقعين علي خط مستقيم بحيث يحدث حين مواجهته لمكة مثلث قائم الزاوية، زاويته القائمة نقطة المحاذاة، و وترها الخط المستقيم الواصل بين مكّة و الميقات، بل تكفي المحاذاة العرفية بلا حاجة إلي التدقيقات المذكورة كما هو واضح.

5 - و اما ان أدني الحل ميقات لما ذكر

فتدلّ عليه صحيحة جميل بن دراج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجّة ثم تقيم حتي تطهر فتخرج إلي التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة. قال ابن

ص: 433


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- العروة الوثقي، كتاب الحج، فصل المواقيت، الميقات التاسع.

أبي عمير: كما صنعت عائشة»(1).

و موردها و ان كان هو العمرة المفردة بعد حج الافراد الا أنّه يمكن اثبات التعميم من هذه الناحية و من ناحية الخروج إلي غير التنعيم من نقاط أدني الحل بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أراد ان يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما»(2).

و سند الصدوق الي عمر بن يزيد صحيح علي ما في مشيخة الفقيه.

6 - و اما انه لا يجوز الاحرام بعد المواقيت

فهو صريح صحيحة معاوية المتقدّمة.

و اما انه لا يجوز قبلها فلصحيحة عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و من أحرم دون الوقت فلا احرام له»(3) و غيرها.

و قد شبّه في بعض النصوص(4) من يحرم قبل الميقات طلبا لفضيلة زيادة الاحرام بمن يصلّي ستّا بدل أربع طلبا لزيادة الفضيلة.

7 - و اما جواز الاحرام قبل الميقات بالنذر

فلصحيحة الحلبي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة، قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال»(5) و غيرها.

ص: 434


1- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب المواقيت الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 6.
5- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 1.

و انكار ابن ادريس لصحّة مثل النذر المذكور لاستلزامه لغوية تشريع المواقيت(1) قابل للتأمّل بعد ظهور الفائدة لذلك في غير حالة النذر.

كما ان الاشكال في صحّة مثل النذر المذكور باعتبار ان شرط انعقاد النذر رجحان متعلقه في نفسه قابل للتأمّل من جهة ان اشتراط رجحان متعلّق النذر ليس حكما عقليّا كي لا يقبل التخصيص. هذا مضافا الي الوجوه الاخري المذكورة في كفاية الاصول(2).

8 - و اما جواز ذلك للخائف من عدم إدراك رجب

فلموثقة إسحاق بن عمار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يجيء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه هلال شعبان قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخّر الاحرام الي العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال:

يحرم قبل الوقت لرجب فان لرجب فضلا و هو الذي نوي»(3).

9 - و اما عدم جواز الاحرام للشاكّ في الوصول الي الميقات

فلاستصحاب عدم الوصول إليه.

4 - تفاصيل أفعال الحج و العمرة
كيفية الاحرام
اشارة

يلزم لتحقيق الاحرام:

ص: 435


1- السرائر 526:1.
2- كفاية الاصول 225:1، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.
3- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 2.

قصد الفعل الخاص بداعي امتثال أمر اللّه سبحانه.

و التلفّظ بالتلبيات الأربع: «لبيك اللّهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك».

و بها يتحقّق الاحرام.

و لبس الرجال ثوبين - بعد التجرّد عما يحرم لبسه علي المحرم - باتزار أحدهما و ارتداء الآخر.

و ليس ذلك شرطا في صحة الاحرام بل هو واجب تعبّدا. و يكفي تحقّقه حين عقد الاحرام و لا تلزم الاستدامة.

و لا يلزم الاقتصار علي الثوبين بل تجوز الزيادة.

و يلزم فيهما الشروط المعتبرة نفسها في لباس المصلّي من الطهارة و غيرها. كما يلزم المرأة ان لا تلبس الحرير.

و لا يشترط في صحة الاحرام الطهارة من الحدث و ان كان يلزم في ثوبي الاحرام الطهارة من الخبث.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار قصد الاحرام

فلأنّه من الأفعال القصدية التي لا تتحقّق الا بذلك.

و المقصود من الاحرام تحريم المكلف علي نفسه الأشياء الآتي ذكرها، فقصد الاحرام عبارة اخري عن قصد التحريم المذكور.

و اما اعتبار قصد الخصوصيّة - و كونه احرام حج أو عمرة، و كون الحج تمتّعا أو قرانا أو افرادا، و كونه عن نفسه أو عن غيره، و ما شاكل ذلك - فلما تقدّم نفسه.

و اما لزوم كون الداعي امتثال أمر اللّه سبحانه فلان العبادية لا تتحقّق الا بذلك.

ص: 436

و بذلك اتضح عدم اعتبار التلفّظ بالنيّة و لا الاخطار و لا نيّة الوجه للبراءة من كلّ ذلك بعد عدم الدليل علي الاعتبار.

أجل قد يستفاد من بعض النصوص استحباب التلفظ في خصوص المقام دون بقيّة العبادات، ففي صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: اني اريد ان أتمتّع بالعمرة الي الحج فكيف أقول؟ قال: تقول: اللهم اني اريد ان اتمتع بالعمرة إلي الحج علي كتابك و سنّة نبيّك، و إن شئت أضمرت الذي تريد»(1).

و السند إلي ابن أبي عمير صحيح بطرقه الثلاث، و هو و حماد من أجلّة أصحابنا.

2 - و اما اعتبار التلبيات الأربع

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... التلبية ان تقول: لبيك اللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج لبيك... و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام، و هي الفريضة، و هي التوحيد، و بها لبي المرسلون...»(2) و غيرها.

و هي واضحة في ان الأربع الاول واجبة دون الباقي. و هي واضحة أيضا في اعتبار ادائها بشكلها الصحيح و عدم الاجتزاء بالملحون لأنه عليه السّلام لم يقل: ينعقد الاحرام بالتلبيات الأربع ليقال بأنّها تصدق علي الملحون أيضا، بل قال: ان تقول هكذا، و من الواضح انه عليه السّلام لا يتلفّظ بالملحون، و معه فالاجتزاء بغير ذلك يحتاج إلي دليل، و هو مفقود.

ص: 437


1- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 40 من أبواب الاحرام الحديث 2.

ثم ان انعقاد الاحرام بخصوص التلبية ينحصر بغير حج القران و الا ففيه يتحقّق الانعقاد بالاشعار و التقليد أيضا كما تقدّم الوجه في ذلك سابقا.

ثم انه قيل في صورة التلبية: «لبيك اللّهم لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك» غير انه لم يعرف نص يتضمن ذلك.

3 - و اما انه لا ينعقد الاحرام بمجرد لبس الثوبين من دون نيّة أو

معها بل لا بد من التلبية

، كتكبيرة الاحرام بالنسبة للصلاة فلصحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله ان يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب»(1) و غيرها.

4 - و اما بالنسبة الي اعتبار لبس الثوبين

فلم ينقل فيه خلاف بين المسلمين الا ان الروايات قاصرة عن اثبات وجوب ذلك، فان ما يمكن التمسّك به:

اما الروايات الواردة لبيان كيفية الاحرام من قبيل صحيحة معاوية بن وهب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التهيؤ للإحرام، فقال: اطل بالمدينة فإنّه طهور و تجهز بكل ما تريد، و إن شئت استمتعت بقميصك حتي تأتي الشجرة فتفيض عليك الماء و تلبس ثوبيك إن شاء اللّه»(2).

أو روايات تجريد الصبيان من فخ، كصحيحة أيوب أخي أديم:

«سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام من أين يجرّد الصبيان؟ فقال: كان أبي يجرّدهم

ص: 438


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب الاحرام الحديث 3.

من فخ»(1) ، بتقريب انه لو لا لزوم لبس ثوبي الاحرام لا موجب لتجريدهم.

أو ما ورد في الاحرام من المسلخ من وادي العقيق، من قبيل مكاتبة الحميري إلي صاحب الزمان أرواحنا له الفداء: «الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متّصلا بهم يحجّ و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخّر إحرامه الي ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الا ان يحرم من المسلخ فكتب إليه في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فإذا بلغ إلي ميقاتهم أظهره»(2) ، بتقريب انه عليه السّلام قال: «ثم يلبس الثياب» أي ثياب الاحرام، و ذلك يدل علي وجوب ذلك.

و الكل قابل للتأمّل:

أما الأول فلان الأمر بلبس الثوبين اقترن بالأمر بآداب شرعية مستحبة، و ذلك يزعزع من ظهور الأمر في الوجوب الا بناء علي مسلك استفادة الوجوب من حكم العقل دون الوضع، و هو قابل للتأمّل.

و اما الثاني فلان فعل الامام عليه السّلام لا يدل علي الوجوب بل أقصي ما يدل عليه هو الرجحان الأعمّ من الوجوب.

و اما الثالث فلاحتمال ان يكون المقصود من الثياب هي الثياب العادية، أي يحرم من المسلخ و يلبس ثيابه العادية و تكون تلبيته في نفسه فإذا بلغ ميقاتهم أظهر انه يحرم منه. هذا مضافا إلي امكان المناقشة في سند الرواية، فانها بطريق الطبرسي ضعيفة لجهالة0.

ص: 439


1- وسائل الشيعة الباب 47 من أبواب الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.

الطريق بينه و بين الحميري، و بطريق الشيخ في الغيبة ضعيفة أيضا لان الشيخ و ان ذكر طريقه في كتاب الغيبة بقوله: «أخبرنا جماعة عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود القمي، قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي و املاء أبي القاسم الحسين بن روح...»(1) الا ان النوبختي مجهول لم يذكر في كتب الرجال.

و المناسب في توجيه الوجوب ان يقال: ان وجوب لبس الثوبين من القضايا التي توارثها المسلمون خلفا عن سلف، و هو من بديهيات الحج لديهم، و لا بدّ ان يكون ذلك قد وصل اليهم من المعصوم عليه السّلام.

و الروايات جاءت مشيرة الي الارتكاز المذكور و معتمدة عليه بعد اتفاق جميع المسلمين عليه. و هو أقوي من الحاجة إلي إثباته من خلال الروايات.

5 - و امّا وجه عدم وجوب لبس الثوبين علي المرأة

فلان الوجه في الوجوب امّا قاعدة الاشتراك أو روايات الحائض، من قبيل موثقة يونس بن يعقوب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تريد الاحرام، قال:

تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب احرامها، و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة»(2) ، فإن قوله عليه السّلام: «دون ثياب احرامها» يدل علي وجوب لبسها ثوبي الاحرام.

و كلاهما قابل للتأمّل.

امّا الأوّل فلان مستند قاعدة الاشتراك ليس الا الضرورة، و القدر المتيقّن منها حالة الاتفاق في جميع الخصائص، و المفروض في المقام

ص: 440


1- الغيبة: 228 و نقل الطريق المذكور صاحب الوسائل في الفائدة الثانية من الخاتمة.
2- وسائل الشيعة الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 2.

احتمال الخصوصية للرجال.

و اما الثاني فلان التعبير بجملة «دون ثياب احرامها» يدل علي مشروعية لبس ثوبي الاحرام للمرأة دون الوجوب. مضافا الي اشتمال السياق علي جملة من المستحبّات، و هو يزعزع الظهور في الوجوب الا علي مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب.

و التقريب السابق في الرجال لا يتمّ هنا إذ القدر المتيقّن من البداهة و التوارث خلفا عن سلف هو لزوم الثوبين للرجال لا أكثر. و معه فالمرجع هو البراءة الا ان الاحتياط تحفّظا عن مخالفة المشهور أمر في محله.

6 - و اما لزوم التجرّد ممّا يحرم لبسه

فلان ذلك من لوازم الاحرام الذي يراد تحقيقه. أجل لو كان اللباس السابق ليس من المخيط و لا من الامور الاخري التي تحرم علي المحرم فلا محذور في اشتمال بدن المحرم عليه تحت الثوبين أو فوقهما.

بل حتي لو فرض ان اللباس السابق كان من المحرمات علي المحرم فإنّه لا يمنع من تحقّق الاحرام، غايته يكون المكلّف آثما أو عليه الكفارة أيضا لا ان احرامه لا ينعقد.

7 - و اما ان لبس الثوبين يلزم ان يكون بنحو الاتزار و الارتداء

فمضافا الي انعقاد السيرة المتوارثة عليه قد يستفاد من صحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ذكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الحج فكتب الي من بلغه كتابه فمن دخل في الإسلام... فلما نزل الشجرة أمر الناس

ص: 441

بنتف الابط و حلق العانة و الغسل و التجرّد في ازار و رداء...»(1).

و هل يلزم ان يكونا بمقدار خاص؟ كلا، و انّما المدار علي الصدق العرفي، و هو يتحقّق بما إذا كان الازار ساترا من السرة الي الركبة، و الرداء ساترا المنكبين و شيئا من الظهر.

8 - و اما ان ذلك واجب تعبّدا

فلما تقدّم من قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار: «يوجب الاحرام ثلاثة أشياء: التلبية، و الاشعار، و التقليد...»(2) ، حيث يدل علي ان الاحرام يتحقّق بما ذكر لا بها مع لبس الثوبين.

و إذا كان الصحيح قاصر الدلالة أمكن التمسّك بالصحيح الآخر لمعاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أحرم و عليه قميصه، فقال: ينزعه و لا يشقّه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه»(3) و غيره، بتقريب ان المقصود احرامه في القميص من دون لبس الثوبين لا معهما.

9 - و اما عدم اعتبار الاستدامة

فللبراءة بعد عدم الدليل علي اعتبارها.

10 - و اما جواز الزيادة

فللبراءة أيضا بعد عدم الدليل علي اعتبار العدم، بل ان الدليل علي الجواز موجود و هو صحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يتردي بالثوبين؟ قال: نعم و الثلاثة إن شاء

ص: 442


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 15.
2- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 20.
3- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.

يتقي بها البرد و الحر»(1).

و إذا كان طريق الشيخ قابلا للتأمّل بابن سنان فطريق الكليني لا غبار عليه.

11 - و اما انه يلزم فيهما ما يشترط في لباس المصلّي

فلصحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس ان تحرم فيه»(2).

و الصحيح قد رواه المشايخ الثلاثة بطريق صحيح في الجميع.

12 - و اما ان المرأة لا يجوز لها لبس الحرير حالة احرامها

فلصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين»(3) و غيره.

13 - و اما عدم اشتراط الطهارة من الحدث

فللبراءة بعد عدم الدليل. بل الدليل علي عدم الاعتبار موجود كموثقة يونس بن يعقوب المتقدّمة الواردة في الحائض.

و اما اعتبارها من الخبث في ثوبي الاحرام فلما تقدّم من صحيح حريز الدال بإطلاقه علي اعتبارها فيهما.

و اما البدن فتعتبر طهارته من الخبث في خصوص حالة الطواف و صلاته كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي، و الزائد عن ذلك تجري البراءة من شرطية الطهارة فيه بعد عدم الدليل علي اعتبارها فيه.

ص: 443


1- وسائل الشيعة الباب 30 من أبواب الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 27 من أبواب الاحرام الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9.
الطواف
اشارة

يعتبر في الطواف مضافا الي النيّة: الطهارة من الحدث بقسميه و من الخبث، و الختان للذكور، و ستر العورة.

و الشاكّ في الطهارة من الحدث يلزمه تحصيلها الا إذا كانت حالته السابقة الطهارة أو فرض طرو الشك بعد الفراغ من الطواف، غايته يلزمه تحصيلها للصلاة.

و الشاكّ في الطهارة من الخبث يبني علي تحقّقها مطلقا الا إذا كانت الحالة السابقة هي النجاسة.

و يلزم في الطواف مضافا الي الشروط الأربعة المتقدّمة كون الأشواط سبعة متوالية، يبتدئ كل واحد منها بالحجر الأسود و ينتهي به، مع جعل الكعبة علي اليسار في كل حالاته، و ادخال حجر إسماعيل في المطاف، و الخروج عن الكعبة و شاذروانها، و السير بخطوات مختارة، و ضبط عدد الأشواط، و عدم القران بين طوافين، و عدم الخروج في الأثناء عن المطاف علي تفصيل، و عدم الزيادة علي سبعة أشواط.

و اعتبر المشهور في الطواف ان يكون بين الكعبة و مقام إبراهيم و بمقدار ذلك من الجوانب الاخري.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار النيّة بمعني قصد الطواف

فلأنّه من الامور القصدية التي لا تتحقّق الا به.

و اما اعتبارها بمعني قصد القربة فلأن ذلك لازم عباديته.

أما كيف نثبت عباديته؟ ذلك اما بارتكاز المتشرّعة المتوارث يدا

ص: 444

بيد عن المعصوم عليه السّلام، أو لان الحج ليس الا عبارة عن مجموع الأجزاء التي أحدها الطواف، و حيث انّه عبادي - لأنه ممّا بني عليه الإسلام كما في الحديث الشريف(1) ، و لا يحتمل بناء الإسلام علي أمر غير عبادي - فيلزم كونه عباديا أيضا.

2 - و اما اشتراطه بالطهارة من الحدث بكلا قسميه

فلم ينقل فيه خلاف. و يدلّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام:

«سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف، قال:

يقطع الطواف و لا يعتدّ بشيء ممّا طاف. و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انّه علي غير وضوء، قال: يقطع طوافه و لا يعتدّ به»(2) و غيره.

لكنّه معارض برواية زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل طاف بالبيت علي غير وضوء: قال: لا بأس»(3).

و النسبة بينهما هي التباين لشمول كلّ منهما للواجب و المندوب.

و المناسب بمقتضي القاعدة لو لم يكن مرجح لأحدهما التساقط و الرجوع إلي البراءة، الا انّه توجد روايات مفصلة بين الطواف الواجب فتلزم فيه الطهارة و المندوب فلا تلزم فيه، كموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: رجل طاف علي غير وضوء، فقال: ان كان تطوّعا فليتوضّأ و ليصل»(4) ، فإنّه دال علي شرطية الطهارة في الطواف الواجب و عدمها في المندوب. و يصلح مثل ذلك وجها للجمع بين

ص: 445


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات.
2- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 10.
4- وسائل الشيعة الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 8.

الحديثين السابقين بحمل الأوّل علي الواجب و الثاني علي المندوب.

هذا كلّه علي تقدير صحّة سند الثاني و غض النظر عن ضعف سند الشيخ الي الشحام بأبي جميلة و الا فالنوبة لا تصل إلي ما ذكر.

3 - و اما اعتبار الطهارة من الخبث

فقد يستدل له بحديث يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رأيت في ثوبي شيئا من دم و أنا أطوف، قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن علي طوفك»(1).

و لكنه ضعيف بطريق الصدوق بالحكم بن مسكين - الا بناء علي كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات - و بطريق الشيخ بمحسن بن أحمد فإنّه لم يوثق.

و قد يستدل علي ذلك بالنبوي المشهور: «الطواف بالبيت صلاة»(2) ، و لكنه واضح الوهن لعدم وروده من طرقنا.

و لأجل ذلك مال صاحب المدارك الي الكراهة(3).

ثم انه علي تقدير صحّة سند الحديث قد يعارض بما رواه البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه، فقال: اجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر»(4) بدعوي انه يدل علي عدم شرطية الطهارة.

ص: 446


1- وسائل الشيعة الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- سنن النسائي 222:5 و سنن الدارمي 44:2.
3- مدارك الاحكام 117:8.
4- وسائل الشيعة الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3.

و يمكن الجواب بكونه ناظرا الي من التفت الي النجاسة بعد الفراغ من الطواف فلا يعارض ما تقدّم.

هذا مضافا الي ضعف سنده بالارسال حتي بناء علي تمامية كبري ان الثلاثة لا يروون الا عن ثقة، فان مثل ذلك نافع فيما لو صرّح باسم الراوي، اما مع عدم التصريح باسمه فحيث نعلم من الخارج برواية البزنطي عن بعض الضعاف فلا يمكن الأخذ بروايته في المقام لاحتمال ان المرسل عنه من اولئك الضعاف و يكون التمسّك بالكبري السابقة تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقية لفرض ان المقام يشتمل علي كبري عامّة قد طرأ عليها المخصص و لا يعلم ان الفرد المشكوك داخل في أي واحد منهما.

و النتيجة ان الفتوي بشرطية طهارة اللباس أثناء الطواف غير ممكنة لضعف مستندها، و الأصل يقتضي البراءة الا ان التنزل إلي الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور أمر لازم.

هذا كلّه في اللباس.

و اما البدن فلم ترد رواية تدلّ علي اعتبار الطهارة فيه الا ان ما دل علي اعتبارها في اللباس يمكن ان يدل علي اعتبارها فيه لعدم الفرق بل و للأولوية العرفية.

و عليه فالمناسب التنزّل الي الاحتياط بلحاظ البدن أيضا.

4 - و اما اعتبار الختان للذكور

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الا غلف لا يطوف بالبيت، و لا بأس ان تطوف المرأة»(1) و غيرها.

ص: 447


1- وسائل الشيعة باب 33 من أبواب مقدمات الطواف ح 1.

و هي كما نري مطلقة تشمل غير البالغين أيضا و الطواف المستحب.

و علي هذا فلو حجّ الصبي و هو غير مختون فلا يحق له بعد البلوغ الزواج الا بعد تدارك طواف النساء.

و هل الحكم يعمّ الصبي غير المميّز أيضا؟ يمكن ان يقال بقصور النص عن شموله لأنه ناظر الي من يصدق عليه انّه يطوف بالبيت، و الصبي غير المميّز لا يطوف بل يطاف به، و معه يتمسّك بالبراءة من الشرطية في حقه.

5 - و اما اعتبار ستر العورة

فهو المشهور. و قد يستدلّ له تارة بإطلاق التنزيل في الحديث المشهور المتقدّم: «الطواف بالبيت صلاة»، و اخري بالروايات المتعدّدة الواردة بلسان: «لا يطوفنّ بالبيت عريان»(1).

و الأوّل تقدّم ما فيه.

و الثاني ضعيف السند في جميع الروايات التي ورد فيها فراجع.

و مع التنزّل و غضّ النظر عن ذلك باعتبار ان تعدّدها يورث للفقيه الاطمئنان بصدور المضمون المذكور فيمكن ان يقال انّها لا تدلّ علي المطلوب لان النسبة بين الطواف عاريا المنهي عنه و بين عدم ستر العورة العموم من وجه، فقد يتحقّق الأوّل دون الثاني، كمن يطوف بغير ثوب و قد ستر عورته بالطين، و قد يفرض العكس، كمن يطوف في ثوب مثقوب تري العورة من خلاله.

ص: 448


1- وسائل الشيعة الباب 53 من أبواب الطواف.

و عليه فما عليه الفتوي لا تدلّ عليه الروايات، و ما تدلّ عليه غير ملتزم لدي الأصحاب.

و من ثمّ لا يمكن الفتوي بشرطية الستر في الطواف و يلزم التنزّل الي الاحتياط.

6 - و اما ان الشاكّ في الطهارة من الحدث يلزمه تحصيلها

فللزوم احراز الشرط و الا لم يتحقّق الفراغ اليقيني بعد الاشتغال اليقيني.

أجل لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة تصير محرزة بالاستصحاب، و هكذا لو كان الشكّ بعد الفراغ من الطواف لصيرورتها محرزة بقاعدة الفراغ المستندة الي موثق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضي فامضه كما هو»(1) و غيره.

و اما لزوم تحصيلها بلحاظ صلاة الطواف فلعدم تحقّق الفراغ بلحاظها.

و جريانها بلحاظ الطواف لا يستلزم تحقّق الطهارة واقعا كي لا تبقي حاجة لإحرازها من جديد بلحاظ الصلاة، و انما الشارع قد حكم بعدم الاعتناء بالشك ما دام ذلك بعد الفراغ، و هذا الحكم يختص بما فرغ منه و هو الطواف دون ما لم يفرغ منه كالصلاة.

أجل إذا فرض طرو الشكّ بعد الفراغ من الطواف و الصلاة معا حكم بصحتهما، غايته يلزم تحصيل الطهارة بلحاظ الأعمال الجديدة الاخري المشروطة بالطهارة لو كانت.

ص: 449


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 3.
7 - و اما ان الشاكّ في الطهارة من الخبث يبني علي تحقّقها

فلقاعدة الطهارة.

و اما استثناء المسبوق بالنجاسة فلاستصحابها الحاكم علي قاعدة الطهارة.

8 - و اما ان عدد الأشواط سبعة

فمما لا خلاف فيه بين المسلمين.

و يمكن ان يستفاد من الروايات الدالّة علي ان الشاكّ بين ستّة أشواط و سبعة يعيد، كصحيحة معاوية بن عمّار: «سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة، قال: يستقبل. قلت:

ففاته ذلك، قال: ليس عليه شيء»(1) و غيرها.

و هكذا الروايات الدالّة علي ان من طاف ثمانية يضيف إليها ستّة، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قلت له: رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية أشواط، قال: يضيف إليها ستّة. و كذلك إذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستّة»(2) و غيرها.

9 - و اما اعتبار التوالي

فلأنّه عمل واحد مركّب من سبعة أشواط، و هو لا يصدق عرفا الا مع التوالي عرفا، كعنوان الاذان و الصلاة فانّهما لا يصدقان عرفا بدون توال بين أجزائهما.

10 - و اما ان البدء و الختم بالحجر الأسود

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه

ص: 450


1- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 10.
2- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 12.

من الحجر الأسود إلي الحجر الأسود»(1).

و كلا طريقي الكليني و الصدوق إلي معاوية صحيح.

و يدل علي ذلك أيضا السيرة القطعية المتوارثة بين جميع المسلمين، و لو كان الواجب غير ذلك لبان.

و هناك كلام في أنّه هل يلزم مقارنة الجزء المقدّم من البدن لأوّل جزء من الحجر؟ ثم ما هو الجزء المقدّم من البدن فهل هو الأنف أو إبهام الرجل أو غير ذلك؟

و كل هذا تدقيق زائد لا حاجة إليه. و اللازم بمقتضي الصحيحة المتقدّمة صدق ان الطواف من الحجر و إليه و ان لم يكن الجزء المقدّم من البدن مقارنا لبداية الحجر.

و من أراد الاحتياط فبامكانه الوقوف قبل الحجر بقليل بقصد تحقّق الطواف من بداية الحجر و يكون الاتيان بالزائد من باب المقدّمة العلمية.

11 - و اما ان اللازم جعل الكعبة علي يسار الطائف دون يمينه أو

استقبالها أو استدبارها

فلربما يعسر استفادة وجوب ذلك من النصوص.

الا أنّه تكفينا السيرة القطعيّة المتوارثة بين المسلمين علي الطواف كذلك و انّه الكيفية الصحيحة لا غيرها. و هذا ما قد يعبّر عنه بالإجماع العملي.

كما انه يلزم ان تكون الحركة بنحو دائري بحيث يصدق عليها

ص: 451


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3.

الطواف بالبيت و حوله المأمور به في قوله تعالي: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1). و لا يلزم حرف الطائف كتفه اليسري عند مروره بالاركان، فان مثل ذلك تدقيقات لا دليل عليها بل و تسلب روحانية الطواف و لا يحتمل وجوبها.

و صحيحة الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «طاف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي ناقته العضباء...»(2) خير شاهد علي ذلك.

12 - و اما لزوم ادخال الحجر في الطواف

، بمعني الطواف خارجه لا بينه و بين الكعبة فمتسالم عليه. و يشهد له صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم، فان الاختصار في الحجر عبارة اخري عن الطواف بينه و بين الكعبة.

و هل عند الاختصار يعاد الطواف من جديد بالكامل أو خصوص الشوط الذي وقع فيه ذلك؟ ظاهر الصحيح الأوّل، في حين ان صريح صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال: يعيد ذلك الشوط»(3) الثاني. و يلزم التصرّف في ظهور الأوّل بحمله علي إرادة الشوط، لان العرف يري الصريح قرينة علي التصرّف في الظاهر.

13 - و اما لزوم الخروج عن الكعبة

فلان اللازم الطواف بالبيت، و هو لا يتحقّق الا بذلك.

و اما الشاذروان فهو بحكم الكعبة لأنه من أساس البيت و قاعدته

ص: 452


1- الحج: 29.
2- وسائل الشيعة الباب 81 من أبواب الطواف الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1.

الباقي بعد عمارته أخيرا.

ثمّ انه علي تقدير الشكّ في دخول الشاذروان في البيت و عدمه فاللازم خروجه من المطاف لان الفراغ اليقيني عمّا اشتغلت به الذمّة يقينا، و هو الطواف بالبيت لا يتحقق الا بذلك.

14 - و اما اعتبار الاختيار في الخطوات

- بحيث لا يكفي ما لو حمله الزحام بنحو ارتفعت رجلاه من الأرض و لم يتحقّق منه المشي علي الأرض - فلأنّه بدون ذلك لا ينتسب الطواف الي المكلّف و لا يصدق انه طاف بالبيت المأمور به في قوله تعالي: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1).

15 - و اما اعتبار عدم الشكّ

فلصحيحة حنان بن سدير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل طاف فاوهم قال طفت أربعة أو طفت ثلاثة... قال: ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف، و ان كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شكّ من الرابع انه طاف فليبن علي الثلاثة فإنّه يجوز له»(2) و غيرها.

و يتعدّي من مورد الصحيحة إلي غيره لعدم احتمال الخصوصيّة له.

أجل إذا كان الشكّ بين السبعة و الثمانية يبني علي صحّة الطواف و انه سبعة لصحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية، فقال: اما السبعة فقد استيقن و انما وقع و همه علي الثامن فليصلّ ركعتين»(3).

ص: 453


1- الحج: 29.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب الطواف الحديث 1.

و هي كما تري تدلّ علي بطلان الطواف لو كان الشكّ بين الستّة و السبعة أو كان بين الستّة و السبعة و الثمانية.

كما يتّضح انه لو كان الشكّ في طواف النافلة يبني علي الأقل.

و لو شكّ الطائف في صحّة ما أتي به بعد الفراغ منه بني علي صحّته لقاعدة الفراغ المستفادة من موثق ابن مسلم: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضي فامضه كما هو»(1).

و هكذا يبني علي الصحّة لقاعدة الفراغ لو شك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف و تجاوز محلّه بالدخول في صلاة الطواف مثلا.

بل قد دلّ علي ذلك بالخصوص صحيح ابن مسلم نفسه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة، قال: فليعد طوافه. قيل: انه قد خرج و فاته ذلك، قال: ليس عليه شيء»(2).

و إذا كان في سند الصحيح قد ورد عبد الرحمن بن سيابة الذي لم تثبت وثاقته فقد يقال - علي ما ذكر صاحب الوسائل معلقا علي الرواية - بأنّ عبد الرحمن المذكور هو ابن أبي نجران الثقة، و تفسيره بابن سيابة غلط.

16 - و اما اعتبار عدم القران و لزوم الفصل بركعتي الطواف

فالنصوص في ذلك علي ثلاث طوائف:

ما دلّ علي عدم الجواز مطلقا، كرواية البزنطي: «سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن، فقال: لا، الا اسبوع

ص: 454


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 1.

و ركعتان، و انما قرن أبو الحسن عليه السّلام لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة»(1).

الا ان السند يشتمل علي علي بن أحمد بن اشيم و هو لم تثبت وثاقته الا بناء علي وثاقة جميع رجال كامل الزيارات أو وثاقة كل من روي عنه أحمد بن محمّد بن عيسي.

و ما دلّ علي الجواز مطلقا، كصحيحة زرارة: «ربما طفت مع أبي جعفر عليه السّلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة، ثم ينصرف و يصلّي الركعات ستّا»(2).

و سند الشيخ الصدوق الي زرارة صحيح علي ما في المشيخة.

و ما دلّ علي التفصيل بين الطواف الواجب فلا يجوز فيه ذلك و بين غيره فيجوز، كصحيحة زرارة الاخري: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انّما يكره ان يجمع الرجل بين الاسبوعين و الطوافين في الفريضة و اما في النافلة فلا بأس»(3).

و بالأخيرة يجمع بين الطائفتين بحمل الاولي علي الفريضة و الثانية علي النافلة.

و قد يقال: بعد تفصيل الأخيرة لا يضرّ ضعف الاولي سندا.

الا ان ذلك وجيه لو لم يكن الوارد فيها - الأخيرة - كلمة «يكره»، اما بعد كون الوارد ذلك فلا يمكن الجزم بعدم الجواز بمجرّد الاقتصار علي ملاحظة الأخيرة.1.

ص: 455


1- وسائل الشيعة الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1.

و ان شئت قلت: من يري تمامية الطائفة الاولي سندا لا يضرّه ورود كلمة «يكره» في الطائفة الثالثة لأنه يحملها علي عدم الجواز بقرينة ذلك، اما من لا يري تماميّتها فلا يمكنه تفسير الكراهة بذلك و يتعيّن عليه الرجوع إلي البراءة.

17 - و اما الخروج عن المطاف

فتارة يتحقّق بدخول الكعبة، و اخري بالمرور علي الشاذروان، و ثالثة بالدخول في الحجر، و رابعة بغير ذلك.

فإن كان بدخول الكعبة فمقتضي صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في من كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها، قال: يستقبل طوافه»(1) بطلان الطواف رأسا.

و طريق الشيخ الصدوق الي ابن أبي عمير صحيح. و هو و ابن البختري من أجلاّء أصحابنا.

و إذا قيل: ان الوارد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله، كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه و خالف السنّة»(2) بطلان الطواف بدخول الكعبة قبل تجاوز النصف لا مطلقا.

قلنا: هي واردة في المورد المذكور و ليس لها مفهوم تدل بواسطته علي نفي البطلان في غيره، و معه يبقي إطلاق صحيحة ابن البختري علي حاله و صالحا للتمسّك به لإثبات البطلان مطلقا.

و معه يتّضح التأمّل فيما هو المنسوب إلي المشهور من التفصيل

ص: 456


1- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 3.

بين تحقّق ذلك قبل تجاوز النصف فيبطل الطواف رأسا و بين تحقّقه بعده فيبطل الشوط الذي تحقّق فيه ذلك فقط.

ان التفصيل المذكور لا وجه له و المناسب ما ذكرناه.

و اما المرور علي الشاذروان فلا يمكن الاجتزاء به لما تقدّم من عدم احراز الطواف حول البيت عند المرور به.

و هل يبطل الطواف رأسا أو بمقدار المرور به؟ الظاهر الثاني، لان ما دلّ علي بطلان الطواف بدخول الكعبة منصرف عن المرور علي الشاذروان.

و اما المرور بالحجر فقد تقدّم ان المناسب بطلان الشوط الذي تحقّق فيه ذلك لا أكثر.

و اما الخروج عن المطاف بغير ذلك - كما إذا تحقّق بالخروج خارج المسجد - فله أسباب متعدّدة، و المتداول منها الخروج لتجديد الطهارة بسبب طرو الحدث أو الخبث.

اما إذا كان لطرو الحدث فالمشهور - بل لم يعرف الخلاف في ذلك - هو التفصيل بين ما إذا كان ذلك قبل بلوغ النصف فيبطل الطواف و بين ما إذا كان بعده فيؤتي بالباقي بعد الوضوء. و تدلّ علي ذلك مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: يخرج و يتوضأ، فإن كان جاز النصف بني علي طوافه، و ان كان أقل من النصف أعاد الطواف»(1).

بيد أنّها مرسلة في كلا طريقيها، غايته المرسل في احدهما جميل1.

ص: 457


1- وسائل الشيعة الباب 40 من أبواب الطواف الحديث 1.

و في الآخر ابن أبي عمير. و لأجل ذلك تكون ساقطة عن الاعتبار.

و إذا قيل: انه بناء علي كبري عدم إرسال الثلاثة الا عن ثقة لا تبقي مشكلة من ناحية الارسال.

قلنا: ان الكبري المذكورة لا يمكن الانتفاع منها في حالة عدم التصريح باسم المرسل عنه لنكتة تقدّمت الإشارة إليها سابقا.

أجل يمكن الاستعانة بكبري أخري، و هي كبري انجبار ضعف السند بفتوي المشهور بل بالفتوي التي لم يعرف فيها مخالف مع فرض شدّة الابتلاء بالمسألة، الأمر الذي قد يورث للفقيه الاطمئنان بحقانية مضمون المرسلة.

و اما إذا كان الخروج لطرو الخبث فالمعروف عن جماعة التفصيل السابق أيضا بين التجاوز عن النصف و عدمه، و لكن لا رواية هنا تدلّ علي ذلك، بل مقتضي حديث يونس بن يعقوب الذي أشرنا إليه عند الاستدلال علي شرطية الطهارة من الخبث في الطواف هو البناء علي ما سبق بعد التطهير مطلقا. و التعدي من طرو الحدث إلي طرو الخبث لا نعرف له وجها بعد احتمال الخصوصيّة لطرو الحدث.

و المناسب ان يقال: ان أصل شرطية الطهارة من الخبث في الطواف كانت مبنية علي الاحتياط. و بناء علي هذا الاحتياط يكون المناسب للمكلّف هو الاحتياط بإتيان طواف بقصد الأعمّ من التمام و الاتمام لو طرأ عليه الخبث قبل تجاوز النصف فإنّه بذلك يدرك الواقع جزما بخلاف ما إذا كان طروه بعد النصف فإنّه يكتفي بالاتمام بعد التطهير.

18 - و اما من زاد في طوافه

فان كان عن عمد بطل لصحيحة عبد اللّه

ص: 458

بن محمّد عن أبي الحسن عليه السّلام: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة. و كذلك السعي»(1).

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون الزائد شوطا كاملا أو أقلّ أو أكثر.

و عبد اللّه بن محمّد و ان كان مشتركا بين الثقة و غيره الا ان المعروف الذي يروي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام مردّد بين الحضيني و الحجال المزخرف، و كلاهما ثقة.

و ان كان عن سهو فمقتضي صحيحة أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: يعيد حتي يثبته»(2) البطلان، في حين مقتضي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «في كتاب علي عليه السّلام: إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستّا...»(3) و غيرها لزوم الإكمال بستّة.

و قد يجمع بينهما بالحمل علي التخيير بتقريب ان ظاهر كل واحدة تعيّن متعلّقها فترفع اليد عنه بصراحة الآخر في جواز متعلّقه.

و الاحتياط يقتضي الاتيان بسبعة أشواط - لا بستّ - بقصد الأعمّ من التمام و الاتمام، فإنّه بذلك يحرز الواقع.

و هل ما ذكر يختص بمن زاد شوطا كاملا عن سهو أو يعمّ من زاد بعض شوط أيضا؟ المناسب هو الأوّل لنظر كلتا الصحيحتين الي0.

ص: 459


1- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 11.
2- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10.

ذلك، بل الثانية واضحة في الاختصاص. و معه تكون حالة زيادة بعض شوط غير منظور إليها في الروايات فيتمسّك بالبراءة من وجوب الإعادة أو الإضافة و يكتفي بقطع الشوط الزائد.

لا يقال: لم لا نتمسّك بإطلاق صحيحة عبد اللّه بن محمّد لإثبات البطلان.

فإنّه يقال: هي خاصّة بالزيادة العمدية بقرينة التشبيه بالزيادة المبطلة في الصلاة التي هي خاصّة بحالة العمد.

و النتيجة: ان الزيادة العمدية و لو كانت ببعض شوط مبطلة، بخلاف السهوية، فانها إذا كانت بعض شوط قطع الشوط الزائد، و إذا كانت شوطا كاملا فالحكم التخيير بمقتضي الصناعة أو الاحتياط بالشكل المتقدّم.

19 - و اما اعتبار ان يكون الطواف ما بين البيت و المقام

فهو المشهور استنادا الي رواية محمّد بن مسلم: «سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت. قال: كان الناس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت، فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف. و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلّها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لأنه طاف في غير حد، و لا طواف له»(1).

ص: 460


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1. و الرواية تشير الي ما هو المنقول من ان المقام كان متّصلا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالبيت فالطواف يكون بهما معا و ليس بخصوص البيت، ثم بعد ذلك و في عهد الخليفة الثاني غيّر المقام إلي ما هو عليه اليوم. و حدّ المكان الذي يلزم ايقاع الطواف فيه واحد في كلا الزمانين. و قد روي الشيخ الصدوق بسنده الصحيح إلي زرارة: «... و كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السّلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتي حوّله أهل الجاهلية الي المكان الذي هو فيه اليوم، فلما فتح النبي صلّي اللّه عليه و آله مكّة ردّه إلي الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السّلام، فلم يزل هناك الي ان ولي عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال له رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال ائتني به فأتاه فقاسه ثم ردّه الي ذلك المكان» من لا يحضره الفقيه 158:2. و النسع بالكسر سير ينسج عريضا ليشد به الرحل. و في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود: «قلت للرضا عليه السّلام: أ صلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله؟ قال: حيث هو الساعة» وسائل الشيعة الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1.

و بناء علي هذا يلزم ضيق محل الطواف من جانب الحجر بعد اعتبار الطواف خارجه بيد انه لا بدّ من حمل الرواية علي بيان الأفضلية بقرينة صحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام، قال: ما أحبّ ذلك و ما أري به بأسا فلا تفعله الا ان لا تجد بدا»(1) الواضحة في جواز الطواف خلف المقام.

هذا كلّه بقطع النظر عن ضعف سند الأولي بياسين الضرير و الا فالأمر أوضح.

و بذلك تتّضح وجاهة ما ينسب الي الصدوق من الجواز مطلقا و لو اختيارا.

و لعل وجه النسبة ايراده لصحيحة الحلبي في كتابه(2) الذي قال في مقدمته: «و لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلي ايراد ما افتي به و أحكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة فيما2.

ص: 461


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 2.
2- من لا يحضره الفقيه 249:2.

بيني و بين ربي»(1).

هذا في غير حالة عسر الطواف في المقدار المذكور و الا فالجواز خارجه لا ينبغي التأمّل فيه لعدم احتمال ان الشريعة تفرض علي الطائفين التجمّع جميعا في المقدار المذكور. هذا مضافا الي وضوح صحيحة الحلبي في ذلك.

ركعتا الطواف
اشارة

يلزم لكل طواف واجب الإتيان بعده بلا فاصل عرفي بركعتين خلف المقام أو أحد جانبيه مخيّرا في قراءتهما بين الجهر و الاخفات.

و المستند في ذلك:

1 - اما أصل وجوب صلاة الطواف

فمن الضروريات بين المسلمين. و تدلّ عليه مضافا الي ذلك السيرة المتوارثة علي الاتيان بها بنحو الوجوب لدي جميع المسلمين.

بل ان قوله تعالي: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (2) دليل واضح علي ذلك بعد الجزم بإرادة صلاة الطواف كما يستفاد من سياق الآية و الروايات الكثيرة(3).

و يمكن ان يضاف إلي ذلك النصوص الدالّة علي لزوم الاتيان بها عند تذكر عدم الاتيان بها، ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتي طاف

ص: 462


1- من لا يحضره الفقيه 3:1.
2- البقرة: 125.
3- وسائل الشيعة الباب 72، 74 من أبواب الطواف.

بين الصفا و المروة ثم ذكر، قال: يعلّم ذلك المكان ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الي مكانه»(1).

2 - و اما اعتبار عدم الفاصل العرفي

فلصحيحة محمّد بن مسلم:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ركعتي طواف الفريضة، فقال: وقتهما إذا فرغت من طوافك...»(2) و غيرها.

3 - و اما لزوم الاتيان بهما خلف المقام أو أحد جانبيه

فقد يستدلّ له بصحيح معاوية بن عمّار: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السّلام فصلّ ركعتين و اجعله اماما و اقرأ في الاولي منهما سورة التوحيد و في الثانية قل يا أيّها الكافرون ثم...»(3) ، فان الأمر بجعله اماما يدل علي لزوم الصلاة خلفه.

الا ان اشتمال السياق علي بعض المستحبات يمنع استفادة الوجوب منها الا بناء علي مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب.

و الاولي التمسك بقوله تعالي: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (4) فان اتخاذه مصلي لا يكون الا بالصلاة خلفه أو الي أحد جانبيه.

أجل إذا لم تمكن الصلاة كذلك لشدّة الزحام جاز التأخّر لعدم احتمال سقوط الصلاة رأسا.

4 - و اما التخيير في كيفية القراءة

فللبراءة من وجوب أحد

ص: 463


1- وسائل الشيعة الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 7.
3- وسائل الشيعة الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3.
4- البقرة: 125.

النحوين بخصوصه بعد عدم الدليل علي تعينه.

السعي
اشارة

و هو واجب في العمرة و الحج سبعة أشواط يبتدئ الشوط الأوّل و كل شوط فرد بالصفا و ينتهي بالمروة و البقية بالعكس.

و تعتبر فيه النيّة دون ستر العورة و الطهارة.

و لم يعتبر المشهور الموالاة بين أشواطه.

و لا يعتبر فيه المشي راجلا. أجل يعتبر السير من الطريق المتعارف و ان لا يكون بنحو القهقري أو علي اليسار أو اليمين.

و يجوز تأخير السعي عن الطواف و صلاته الي الليل لا إلي الغد.

و الزيادة في السعي عن عمد مبطلة له دون ما إذا كانت عن جهل.

و الشكّ في عدد الأشواط مبطل الا إذا كان بعد الفراغ.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب السعي في العمرة و الحج

فمتسالم عليه. و تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة يدا بيد علي فعله فيهما بنحو الوجوب.

و يحتمل استفادة ذلك أيضا من قوله تعالي: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (1).

و إذا كان في دلالتها علي الوجوب قصور فبضم صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... أو ليس قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ

ص: 464


1- البقرة: 158.

يَطَّوَّفَ بِهِما ، ألا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لان اللّه عزّ و جلّ قد ذكره في كتابه و صنعه نبيّه»(1) يرتفع ذلك.

و إذا كان في طريق الصدوق الي محمّد بن مسلم تأمّل فليس مثل ذلك في طريقه إلي زرارة. و يكفي في صحّة الرواية عنهما صحّة طريقه الي أحدهما.

2 - و اما ان البداية من الصفا و الختم بالمروة دون العكس

فقد يستدلّ له بصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ثمّ امش و عليك السكينة و الوقار فاصعد عليها حتي يبدو لك البيت فاصنع عليها كما صنعت علي الصفا ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة»(2).

بيد ان اشتمال السياق علي بعض الآداب الشرعيّة المستحبة يمنع من الظهور في الوجوب الا بناء علي مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب، و هو قابل للتأمّل.

و الأنسب التمسّك بما دلّ علي ان من بدأ سعيه بالمروة يعيده، كما في صحيح معاوية بن عمّار الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعي و يبدأ بالصفا قبل المروة»(3) و غيره.

و اما ان الأشواط سبعة فهو من الضروريات بين المسلمين. و يدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار الأوّل: «ثم طف بينهما سبعة أشواط».

ص: 465


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب السعي الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1.

و اما ان الذهاب شوط و الاياب شوط و ليس المجموع واحدا فلصحيحة هشام بن سالم: «سعيت بين الصفا و المروة انا و عبيد اللّه بن راشد فقلت له: تحفّظ عليّ، فجعل يعدّ ذاهبا و جائيا شوطا واحدا...

فأتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: قد زادوا علي ما عليهم ليس عليهم شيء»(1). بل يمكن استفادة ذلك من صحيح معاوية الأوّل.

3 - و اما اعتبار النيّة

، بمعني قصد الفعل و كونه عن قربة فلما تقدّم في الطواف.

4 - و اما عدم اعتبار ستر العورة

فللبراءة بعد عدم الدليل.

5 - و هكذا بالنسبة الي الطهارة بقسميها

. و هذا بخلافه في الطواف فان الدليل قد دلّ علي اعتبار ذلك فيه.

بل إضافة إلي ذلك قد دلّ الدليل هنا علي عدم اعتبار الطهارة، ففي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان تقضي المناسك كلّها علي غير وضوء الا الطواف فان فيه صلاة، و الوضوء أفضل»(2) و غيرها دلالة علي عدم اعتبار الوضوء في شيء من أعمال الحج عدا الطواف و صلاته.

و إذا قيل: ان صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «الرجل يصلح ان يقضي شيئا من المناسك و هو علي غير وضوء؟ قال: لا يصلح الا علي وضوء»(3) دلّت علي اعتبار الطهارة.

ص: 466


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب السعي الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب السعي الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب السعي الحديث 8.

قلنا: لا بدّ من حملها علي بيان الأفضلية جمعا بينها و بين ما تقدّم.

و إذا قيل: ان موثقة ابن فضال عن أبي الحسن عليه السّلام: «لا تطوف و لا تسعي الا بوضوء»(1) نهت عن الطواف و السعي بلا وضوء، و لا يمكن حمل النهي علي التنزيه بقرينة الطواف.

قلنا: يمكن حمله علي مطلق طلب الترك الجامع بين التحريم و الكراهة، كما في قولنا: لا تصل و لا تقرأ القرآن بلا وضوء، بالرغم من علمنا بلزوم الوضوء في الصلاة دون قراءة القرآن.

6 - و اما عدم اعتبار الموالاة

فاحسن ما يمكن الاستدلال له إطلاق الدليل أو ما دلّ علي جواز الجلوس في اثنائه، كما في صحيح الحلبي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: نعم ان شاء جلس علي الصفا و المروة و بينهما فليجلس»(2) و غيره.

بيد ان الإطلاق لو عثرنا عليه فيمكن الجواب عنه بأن السعي عمل واحد لا يتحقّق عرفا الا مع الحفاظ علي هيئته الاتصالية التي تختل بالفاصل الكبير.

و اما ما دلّ علي جواز الجلوس فغير نافع لان الجلوس الذي يتحقّق عادة بربع ساعة أو نصفها لا يضرّ عرفا بالهيئة الاتصالية.

و عليه فالمناسب اعتبار الموالاة التي تحفظ معها الهيئة الاتصالية العرفية.

ص: 467


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب السعي الحديث 7. هكذا ورد في نسخ الحديث. و المناسب: لا تطف و لا تسع....
2- وسائل الشيعة الباب 30 من أبواب السعي الحديث 1.
7 - و اما عدم اعتبار المشي راجلا

فللإطلاق ان كان و الا فالبراءة من الاشتراط. هذا مضافا الي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يسعي بين الصفا و المروة راكبا، قال: لا بأس، و المشي أفضل»(1) و غيره.

8 - و اما اعتبار السير من الطريق المتعارف و عدم اجزاء الذهاب

و الاياب من المسجد الحرام مثلا

فلانصراف الطواف بهما المستفاد اعتباره من قوله تعالي: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (2) عن مثل ذلك. أجل لا يلزم ان يكون السير علي نحو الخط المستقيم.

9 - و اما اعتبار ان لا يكون المشي بنحو القهقري

و نحو ذلك فلما تقدّم من الانصراف نفسه. أجل لا يضرّ الالتفات بالوجه لعدم الانصراف بلحاظه فيتمسّك بالإطلاق.

10 - و اما عدم جواز تأخير السعي الي الغد

فلصحيحة العلاء بن رزين عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلي غد؟ قال: لا»(3).

و اما جواز التأخير الي الليل فلا يحتاج الي دليل بل هو مقتضي أصل البراءة ان لم يكن إطلاق علي ان الدليل ثابت و هو صحيحة محمّد بن مسلم: «سألت أحدهما عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخّر الطواف

ص: 468


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 2.
2- البقرة: 158.
3- وسائل الشيعة الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 3.

بين الصفا و المروة؟ قال: نعم»(1).

و هل جواز التأخير الي الليل مشروط بالعذر كالإعياء؟ كلا، لان مورد صحيحة ابن مسلم و ان كان ذلك الا انه مذكور في كلام السائل دون الامام عليه السّلام ليثبت له المفهوم، و معه فيتمسك بالأصل.

11 - و اما ان الزيادة عن عمد مبطلة

فلصحيحة عبد اللّه بن محمّد المتقدّمة في زيادة الطواف.

و اما انها إذا كانت عن جهل فلا تكون مبطلة فلصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة في اثبات ان عدد الأشواط سبعة.

12 - و اما ان الشكّ في عدد الأشواط مبطل

فلم يعرف فيه خلاف، و يمكن ان يستفاد من صحيح سعيد بن يسار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل متمتع سعي بين الصفا و المروة ستّة أشواط ثم رجع الي منزله و هو يري انه قد فرغ منه و قلّم أظافيره و احلّ، ثم ذكر انه سعي ستّة أشواط، فقال لي: يحفظ انه قد سعي ستّة أشواط؟ فان كان يحفظ انه قد سعي ستّة أشواط فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما. فقلت: دم ما ذا؟ قال: بقرة. قال: و ان لم يكن حفظ انه قد سعي ستّة فليعد فليبتدئ السعي حتي يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة»(2) ، فان ذيله يدل علي ذلك. و لا يحتمل الخصوصية للمورد، بل يعمّ ذلك ما إذا كان الشكّ بشكل آخر.

و اما ان الشكّ بعد الفراغ لا يعتني به فلقاعدة الفراغ المستفادة من موثق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «كل ما شككت فيه ممّا قد

ص: 469


1- وسائل الشيعة الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب السعي الحديث 1.

مضي فامضه كما هو»(1).

و لا إشكال في تحقّق الفراغ فيما إذا قصر المحرم ثم شكّ.

و اما إذا شكّ قبل التقصير و بعد الانصراف عن المسعي أو قبل ذلك فقد يقال بكونه من الشكّ بعد الفراغ أيضا.

و هو وجيه علي تقدير فوات الموالاة المعتبرة بين أشواط السعي، و اما إذا فرض عدم فواتها فالشكّ شكّ في المحل فيكون مبطلا.

التقصير
اشارة

يجب في عمرة التمتّع بعد السعي التقصير من شعر الرأس أو غيره أو الاظفار بآلة أو بغيرها. و لا يكفي الحلق و لا النتف.

و لا تجب المبادرة الي فعله بعد السعي. و ليس له محل خاص. و به تحل جميع محرّمات الاحرام ما عدا الحلق. و تجب فيه نيّة القربة كسائر الأجزاء.

و المستند في ذلك:

1 - اما أصل وجوب التقصير في عمرة التمتّع

فمن ضروريات الدين. و هكذا كونه بعد السعي. و تدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلّم أظفارك و ابق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء...»(2) و غيرها.

و هي و إن كانت ظاهرة في اعتبار التقصير من جميع ما ذكر الا انّه لا بدّ من حمل ذلك علي الأفضلية لصحيحة جميل بن دراج و حفص

ص: 470


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4.

بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «محرم يقصر من بعض و لا يقصر من بعض، قال: يجزيه»(1).

2 - و اما الاجتزاء بالتقصير من أي أقسام الشعر

فلإطلاق صحيحة جميل و حفص.

و اما التعميم للأدلة و غيرها فللإطلاق أيضا.

3 - و اما عدم كفاية الحلق و النتف

فلأنهما غير المأمور به، و اجزاؤهما عنه يحتاج إلي دليل، و هو مفقود. بل الدليل علي عدم الاجزاء موجود، كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «...

و ليس في المتعة الا التقصير»(2).

و إذا قيل: ان أوّل الحلق تقصير فيلزم اجزاؤه.

قلنا: ان العرف يري المغايرة بينهما.

4 - و اما عدم وجوب المبادرة و عدم المحل الخاص له

فللإطلاق.

و بقطع النظر عنه يمكن التمسّك بالبراءة.

5 - و اما حليّة جميع المحرّمات

فللتصريح بذلك في صحيحة معاوية السابقة.

و اما استثناء الحلق فلصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«متمتع حلق رأسه بمكّة، قال: ان كان جاهلا فليس عليه شيء، و ان تعمّد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء، و ان تعمّد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه»(3).

ص: 471


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 2.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 5.

و هي إذا كانت ضعيفة بطريق الكليني من جهة علي بن حديد فبطريق الصدوق المذكور في المشيخة صحيحة.

و دلالتها ظاهرة، فان وجوب التكفير - بعد مضي ثلاثين يوما من أوّل شوال الذي هو أوّل أشهر الحج - يلازم عرفا الحرمة. و معه تكون مخصصة لصحيحة معاوية السابقة.

هذا و لكن المختار لدي المشهور جواز الحلق أيضا بعد التقصير.

و فتواهم هذه علي خلاف الرواية مع وجودها بين أيديهم تقف حائلا دون الجزم بالفتوي بالتحريم و تجعل الفقيه يعدل الي الاحتياط.

6 - و اما لزوم قصد القربة

فلما تقدّم في الطواف

الوقوف بعرفات
اشارة

يجب - بعد الاحرام لحج التمتع من داخل مكة علي ما تقدّم، و بكيفية احرام العمرة نفسها الا بفارق النيّة - الحضور في عرفات بالوقوف أو الجلوس أو بغير ذلك عن قصد.

و اعتبر المشهور كونه من ظهر التاسع ذي الحجّة إلي الغروب. و الركن من ذلك المسمي.

و الموقف الاختياري ما ذكر، و الاضطراري لذوي الاعذار المسمّي ليلة العيد.

و تحرم الافاضة قبل الغروب. و علي من تعمّد ذلك بدنة.

و تلزم متابعة القاضي إذا حكم بالهلال و لو مع العلم بالمخالفة و يسقط به الوجوب.

و المستند في ذلك:

ص: 472

1 - اما أصل وجوب الحضور في عرفات في الجملة

فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة بين المسلمين و المتصلة بزمن الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله علي فعل ذلك بنحو اللزوم. و في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الحاكي لكيفية حجّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «... ثم مضي الي الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون إلي جنبها فنخاها ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيّها الناس انّه ليس موضع اخفاف ناقتي بالموقف، و لكن هذا كلّه موقف، و أومأ بيده الي الموقف فتفرّق الناس و فعل مثل ذلك بمزدلفة فوقف حتي وقع القرص قرص الشمس ثم أفاض...»(1).

و يمكن استفادة الوجوب من الروايات الآتية الدالة علي حرمة الافاضة من عرفات قبل الغروب.

ثم ان المتمتع يبقي بالخيار في الاحرام للحج ما دام بإمكانه ادراك الموقف في عرفات، ففي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«المتمتع له المتعة الي زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج إلي زوال الشمس من يوم النحر»(2).

2 - و اما عدم تعيّن الحضور في كيفية خاصة

فللسيرة القطعية المتوارثة و لأنه لو كان الواجب كيفية خاصة لاشتهر ذلك و ذاع بعد شدّة الابتلاء بالمسألة بين جميع المسلمين. بل يمكن التمسّك بالاطلاق المقامي لصحيحة معاوية السابقة بعد وضوح كون المقصود من الوقوف الكينونة و ليس في مقابل الجلوس.

ص: 473


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 15.

هذا و قد ورد في صحيح حمّاد بن عيسي: «رأيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام بالموقف علي بغلة رافعا يده إلي السماء...»(1). بل ان صحيح معاوية السابق ظاهر في أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان جالسا علي ناقته.

و بقطع النظر عن كل ذلك يكفينا أصل البراءة.

و عليه فاستشكال الفاضل الهندي في الاكتفاء بغير الوقوف من ناحية عدم صدق الوقوف عليه لغة و لا عرفا(2) واضح التأمّل.

3 - و اما اعتبار القصد

و عدم الاكتفاء بالنوم أو الاغماء طيلة الفترة فلان ذلك كباقي أفعال الحج التي يعتبر فيها القصد عن قربة، و مع فرض النوم و الاغماء المستوعب لا يمكن تحقّق ذلك.

أجل لا محذور من تحقّق القصد المذكور بداية الوقت ثم النوم لما تقدّم من عدم اعتبار تحقّق الكون ضمن كيفية خاصة.

4 - و اما وقت الواجب من حيث المنتهي

فلم يقع فيه خلاف. و تدلّ عليه صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة»(3) و غيرها.

و اما من حيث المبدأ فالمشهور كونه زوال يوم التاسع. و لكنّه لا يستفاد من النصوص، بل المستفاد كونه بعد الزوال بمقدار اداء الغسل و الصلاتين بل و أكثر، ففي صحيحة معاوية بن عمّار «... فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع

ص: 474


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.
2- كشف اللثام 356:1.
3- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

التلبية حتي وقف بالمسجد فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم ثمّ صلّي الظهر و العصر بأذان واحد و اقامتين ثم مضي الي الموقوف فوقف به...»(1).

و الاحتياط - تحفّظا من مخالفة المشهور - يقتضي الابتداء به من الزوال خصوصا لمن لا يريد الاشتغال بالغسل و نحوه.

5 - و اما ان الركن من الوقوف الذي يبطل الحج بتركه عمدا هو

المسمّي دون المجموع و ان كان ذلك واجبا

فهو مورد تسالم الأصحاب. و قد يستفاد من صحيحة مسمع المتقدّمة كلا الحكمين:

وجوب الوقوف إلي الغروب و الا لم تستقر البدنة علي من أفاض قبله، و كون الركن هو المسمّي و الا لبطل الحج بالإفاضة قبل الغروب.

و لكن أقصي ما يستفاد منها ان المجموع ليس ركنا و لا يستفاد منها ان الركن يتحقّق بلحظة، فان السؤال عن الافاضة قبل الغروب ناظر الي ما هو المتداول لدي العامّة من افاضتهم قبل الغروب بفترة قصيرة و ليس إلي الافاضة قبل الغروب بساعات.

و عليه فإثبات ركنية المسمّي لا يمكن الا من خلال تسالم الأصحاب.

6 - و اما ان الموقف الاضطراري لعرفات هو المسمّي ليلة العيد

فهو مورد تسالم الأصحاب أيضا. و يستفاد من صحيحة الحلبي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتّي يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض

ص: 475


1- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4.

فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتي يأتي عرفات. و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن اللّه تعالي أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل»(1) و غيرها.

و سند الشيخ الي موسي بن القاسم صحيح في المشيخة، و هكذا منه الي الحلبي كما يظهر بالمراجعة.

و دلالتها علي كفاية المسمّي من الوقوف الاضطراري واضحة.

7 - و اما حرمة الافاضة قبل الغروب و وجوب البدنة علي من تعمّد

ذلك

فقد دلّت عليه صحيحة مسمع المتقدّمة.

و هل علي من أفاض قبل الغروب و رجع قبله أيضا نادما الكفارة؟ قيل: نعم لإطلاق النصّ. و قيل: لا لعدم صدق الافاضة قبل الغروب ما دام هو في عرفات حين الغروب.

و المناسب التفصيل بين من أفاض وسط الفترة و عاد فلا بدنة عليه لانصراف النص عنه، و بين من أفاض قبيل الغروب و عاد بسرعة فتستقر عليه لإطلاق النص.

8 - و اما لزوم متابعة قاضي العامة إذا حكم بالهلال تكليفا و لو

مع العلم بمخالفته للواقع

فذلك من المسلّمات للنصوص الكثيرة الآمرة بالتقية، ففي صحيحة معمّر بن خلاد: «... قال أبو جعفر عليه السّلام: التقية من ديني و دين آبائي. و لا ايمان لمن لا تقية له»(2) و غيرها.

ص: 476


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الحديث 4.

و انّما الكلام في الاجزاء. و مقتضي القاعدة هو العدم لأنه مع الشك في تحقّق يوم عرفة يكون مقتضي الاستصحاب عدم تحقّقه، و من ثمّ لا يحرز تحقّق الواجب و هو الوقوف في عرفات يوم التاسع بل أحرز بمقتضي الاستصحاب عدمه.

و عليه فالاجزاء يحتاج إلي دليل نخرج به عن مقتضي القاعدة بعد ما كانت مثل صحيحة معمر ناظرة الي الحكم التكليفي لا أكثر و ما يمكن التمسّك به أمران:

أ - صحيحة أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام: «... الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحي يوم يضحي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس»(1).

و هي تدل بوضوح علي ذوق الشارع في القضايا العامة و انه يلزم متابعة الجمهور بما في ذلك يوم عرفة و ان لم يكن مذكورا في الرواية.

بل ان لزوم المتابعة في الأضحي تدل عرفا علي لزوم المتابعة في عرفة أيضا.

و هي باطلاقها أيضا تشمل حالة العلم بالخلاف.

و سندها تام الا من ناحية أبي الجارود حيث لم يوثق في كتب الرجال. الا انه يمكن التغلّب علي المشكلة من ناحيته باعتبار ان الشيخ المفيد في رسالته العددية عدّه من جملة الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام الذين لا مطعن عليهم(2).

ب - ان المسألة ابتلائية بشكل كبير منذ عهد الأئمة عليهم السّلام و لم يصدر منهم حكم بعدم الاجزاء و بوجوب الوقوف في اليوم الآخر.م.

ص: 477


1- وسائل الشيعة الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 7.
2- و الرسالة مذكورة في كتاب الدر المنثور 122:1 للشيخ علي حفيد صاحب المعالم.

و إذا قيل: لعل عدم صدور ذلك لأجل التقيّة و الحفاظ علي دماء شيعتهم.

قلنا: ان عدم إمكان الوقوف و لو بنحو المرور في اليوم الثاني و لا لواحد من شيعتهم أمر لا يقبل التصديق.

و إذا قيل: ان السيرة المتقدّمة دليل لبّي، و حيث إنّه لا إطلاق له فينبغي الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و هو حالة عدم العلم بالمخالفة.

قلنا: ان السيرة المذكورة بعد ما صارت طبعا للمتشرّعة فمن المحتمل ان يسيروا عليها حتي مع العلم بالخلاف. و ينبغي للشارع حفاظا علي أغراضه الوقوف دون امتدادها الي مثل الحالة المذكورة، و حيث لم يصدر منه ردع فذلك يكشف عن قبوله لها بما لها من امتداد متوقّع.

هذا كلّه مضافا الي ان سماحة الشريعة و تساهلها مع اتباعها بالشكل الذي يلمسه الفقيه واضحا لدي مراجعته للنصوص يبعّد من احتمال وجوب إعادة الحج من قابل عند العلم بالخلاف لمن لا يتمكّن من الوقوف في اليوم الثاني.

الوقوف في المزدلفة
اشارة

بعد إفاضة الحاج من عرفات يلزمه الحضور قبل طلوع شمس اليوم العاشر في المزدلفة و يلبث حتي طلوعها.

و المشهور في البداية طلوع الفجر، بل قيل بوجوب المبيت أيضا.

و الركن هو المسمّي ما بين الطلوعين بل في فرض الجهل هو المسمّي

ص: 478

و لو قبل طلوع الفجر.

و قد رخص للنساء و الضعفاء الوقوف ليلا و الإفاضة قبل طلوع الفجر الي مني لرمي جمرة العقبة.

و الموقف الاختياري في المزدلفة ما ذكر. و الاضطراري لذوي الأعذار المسمّي من طلوع الشمس إلي زوال يوم العيد. و للنساء و الضعفاء المسمّي ليلا كما تقدّم.

و المستند في ذلك:

1 - اما أصل وجوب الحضور في المزدلفة - المشعر الحرام،

جمع

- فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة. و يدل عليه أيضا قوله تعالي: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (1) ، و صحيحة الحلبي السابقة: «... فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج» و غيرها.

2 - و اما وجوب البقاء حتي طلوع الشمس

فلم ينقل فيه خلاف.

و يمكن استفادته من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تجاوز وادي محسر حتي تطلع الشمس»(2) ، فان وادي محسر حيث انه من حدود المشعر الحرام فالنهي عن تجاوزه قبل الطلوع يدلّ علي لزوم المكث في المشعر الحرام حتي الطلوع.

و إذا قيل: ان الوارد في موثقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام: أي ساعة أحبّ إليك ان أفيض من جمع؟ قال: قبل ان تطلع الشمس بقليل فهو أحبّ الساعات إليّ. قلت: فان مكثنا حتي تطلع

ص: 479


1- البقرة: 198.
2- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

الشمس؟ قال: لا بأس»(1) ، و هي تدلّ علي جواز الخروج قبل الطلوع.

قلنا: ان الافاضة تعني الشروع في الخروج، و هو يحتاج الي وقت كبير خصوصا مع افتراض الزحام، و من ثمّ يلزم تحقّق الخروج بعد طلوع الشمس.

3 - و اما بداية وقت الواجب فالمشهور انه طلوع الفجر.

و قد يستدل له:

بصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أصبح علي طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل، و ان شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمد اللّه عزّ و جلّ واثن عليه... ثم ليكن من قولك: اللّهمّ ربّ المشعر الحرام...»(2) ، فان الأمر بالاصباح في المشعر الحرام يدل علي عدم جواز التأخّر عن طلوع الفجر.

و بالروايات المجوزة للنساء و الصبيان بالافاضة ليلا(3) ، حيث تدلّ علي ان ما بعد الليل - الذي بدايته طلوع الفجر - هو بداية وقت الوجوب.

و كلاهما قابل للتأمّل.

اما صحيح معاوية فلاشتمال سياقه علي المستحبّات المانع من الظهور في الوجوب الا علي مسلك حكم العقل، و هو قابل للتأمّل.

و اما روايات الإفاضة ليلا فهي تتلاءم أيضا و كون بداية وقت الوجوب ما بعد طلوع الفجر بساعة أو قبله بساعة مثلا و لا يختص تلاؤمها مع كون البداية طلوع الفجر فقط.

ص: 480


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر.

و من كلّ هذا يتّضح ان الحكم بوجوب الحضور من بداية طلوع الفجر مبني علي الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور و الا فأصل البراءة ينفي ذلك.

4 - و اما القول بوجوب المبيت

فقد يستدلّ له بالتأسي، و بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة»(1) ، حيث يدل علي لزوم المبيت غايته لا يجوز تجاوز الحياض التي هي حدّ من حدود المزدلفة، و بصحيح معاوية المتقدّم الآمر بالاصباح علي طهر، فان ذلك يلازم المبيت في المزدلفة و الا فكيف يتحقّق الاصباح فيها؟

و الكل كما تري.

إمّا الاول فلان التأسي يعني الاتيان بالفعل علي النحو الذي أتي به صلّي اللّه عليه و آله، ان واجبا فواجب و ان مستحبا فمستحب، و حيث لا يعلم انّه أتي به بنحو الوجوب - بل أقصي ما يدل عليه الفعل هو عدم الحرمة أو مطلق الرجحان - فلا يثبت لزوم فعله بنحو الوجوب.

و اما الثاني فلان أقصي ما يدلّ عليه النهي هو ان من كان في المزدلفة لا يحقّ له تجاوز الحياض ليلا و لا يدلّ علي لزوم التواجد فيها ليلا.

و اما الثالث فلان الاصباح علي طهر علي تقدير وجوبه يتحقّق امتثاله بدخول المزدلفة قبل طلوع الفجر بدقيقة أو أكثر.

و عليه فالحكم بوجوب المبيت في المزدلفة ليلة العاشر لا يمكن اثباته بدليل بل الدليل - و هو أصل البراءة - يقتضي العدم.

ص: 481


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
5 - و اما ان الركن هو المسمّي ما بين الطلوعين

فلصحيحة الحلبي السابقة: «... فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج»(1) و غيرها، فان الادراك يتحقّق بالمسمّي في فترة الوقوف الواجب.

6 - و اما امتداد الركن الي المسمّي ليلا في حق الجاهل

فلصحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض الناس، قال: ان كان جاهلا فلا شيء عليه، و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»(2).

و سندها إذا كان قابلا للتأمّل بطريق الكليني من ناحية سهل فبطريق الشيخ الصدوق ليس فيها ذلك.

7 - و اما الترخيص في الافاضة ليلا لمن ذكر

فلصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رخّص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء ان يفيضوا عن جمع بليل، و ان يرموا الجمرة بليل، فإذا أرادوا ان يزوروا البيت و كلوا من يذبح عنهن»(3) و غيرها.

8 - و اما امتداد الموقف الاضطراري

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أفاض من عرفات الي مني فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع»(4) و غيرها.

و هي و ان لم تقيد امتداد الموقف الي الزوال الا ان ذلك ورد في من

ص: 482


1- وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6.
4- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

لم يدرك كلا الموقفين، و هو كاف، ففي صحيحة عبد اللّه بن المغيرة:

«جاءنا رجل بمني فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا... فدخل إسحاق بن عمّار علي أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج»(1).

رمي جمرة العقبة
اشارة

بعد الافاضة من المزدلفة إلي مني يلزم رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر بين طلوع الشمس و غروبها - الا لمن استثني كما تقدّم فإنّه يجوز له الرمي ليلة العيد - بسبع حصيات عن قربة واحدة تلو الاخري لا دفعة مع احراز وصولها إليها بالرمي.

و يعتبر ان تكون من الحرم. و اعتبر المشهور ان تكون ابكارا.

و مع الشك في الاصابة يبني علي العدم الا إذا حصل بعد الدخول في واجب آخر أو بعد الليل.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب رمي جمرة العقبة يوم العاشر

فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة علي فعل ذلك بنحو الوجوب. و يمكن ان يستفاد ذلك من صحيحة أبي بصير المتقدّمة الدالّة علي ترخيص الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و آله للنساء في الافاضة بليل و رمي الجمرة، فان المقصود من الجمرة المعرّفة بلام العهد جمرة العقبة. و الترخيص المذكور يدل علي وجوب ذلك نهارا و لأجل خوف الزحام نهارا رخّص

ص: 483


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6.

في ذلك ليلا.

و النصوص الاخري التي يستفاد منها ذلك بالدلالة الالتزامية كثيرة. و لعلّه لا يوجد ما يدل علي ذلك بالمطابقة الا صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خذ حصي الجمار ثم آت الجمرة القصوي التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها...»(1) ، بيد انه لاشتمال سياقها علي المستحبّات لا ينعقد لها ظهور في الوجوب و لا يصح الاستدلال بها الا علي مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب.

2 - و اما انه بين طلوع الشمس و غروبها

فلصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رمي الجمار من طلوع الشمس الي غروبها»(2) و غيرها.

و الصحيحة قد رواها الكليني بسند صحيح إلي صفوان. و صفوان يرويها عن الامام عليه السّلام بطريقين أحدهما موثق بإسحاق و الآخر صحيح.

3 - و امّا انه بسبع حصيات

فمتسالم عليه بين المسلمين. و يمكن استفادته من صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أخذ إحدي و عشرين حصاة فرمي بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص.

قال: فليرجع و ليرم كلّ واحدة بحصاة...»(3) و غيرها، بتقريب انها و ان كانت واردة في رمي ما بعد اليوم العاشر الا اننا لا نحتمل الفرق بين رمي جمرة العقبة مستقلاّ يوم العاشر و بين رميها مع الجمرتين الآخريتين ما بعد العاشر.

ص: 484


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
2- المصدر السابق باب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6.
3- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب العود الي مني الحديث 1.
4 - و اما اعتبار القربة

فلما تقدّم في الطواف.

5 - و اما اعتبار التوالي

فلا يمكن استفادته من النصوص بشكل صريح الا أنّه يكفي لإثباته السيرة القطعيّة المتوارثة علي فعل ذلك بنحو اللزوم.

و تؤيّد ذلك الروايات الدالّة علي استحباب التكبير عند رمي كل واحدة من الحصيات(1) و رميها خذفا(2).

6 - و اما اعتبار احراز الاصابة

فلان المطلوب رمي الجمرة لا مطلق الرمي، و الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

7 - و اما اعتبار كون الاصابة بالرمي دون الوضع

فلان أحدهما مغاير للآخر، و بالوضع لا يصدق عنوان الرمي المطلوب.

8 - و اما اعتبار ان تكون من الحرم

فممّا لا إشكال فيه، و يدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «حصي الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك، و ان أخذته من غير الحرم لم يجزئك»(3) و غيره.

9 - و اما اعتبار ان تكون أبكارا

فقد ادعي عليه الاجماع. و قد دلّت عليه رواية عبد الأعلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تأخذ من حصي الجمار»(4) ، و مثلها رواية حريز(5).

بيد ان الاولي ضعيفة بسهل و الثانية بياسين الضرير و الارسال.

ص: 485


1- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب رمي جمرة العقبة.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.
5- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.

و الاجماع علي تقدير تحقّقه لا عبرة به لاحتمال مدركيته.

و معه يعود الحكم باعتبار البكارة مبنيّا علي الاحتياط تحفّظا من مخالفة الاجماع المدعي.

10 - و اما عدم الاعتداد مع الشكّ في الاصابة

فللاستصحاب و قاعدة الاشتغال.

و اما عدم الاعتداد بالشكّ مع الدخول في واجب آخر فلقاعدة التجاوز المستفادة من صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء»(1).

و انما لم تطبق قاعدة الفراغ المستندة الي موثقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضي فامضه كما هو»(2) و التي ليست مشروطة بالدخول في الغير باعتبار ان صدق المضي فرع احراز تحقّق العمل و الفراغ منه و الشك في صحّته بنحو مفاد كان الناقصة، و المفروض في المقام الشكّ في أصل التحقّق الذي هو مفاد كان التامّة.

و اما عدم الاعتناء بالشكّ بعد خروج الوقت فلقاعدة الحيلولة المستفادة من صحيحة زرارة و فضيل عن أبي جعفر عليه السّلام: «متي استيقنت أو شككت في وقت فريضة انك لم تصلها... صلّيتها. و ان شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك...»(3) ، فان الخصوصية للصلاة غير محتملة.

ص: 486


1- وسائل الشيعة الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 60 من أبواب المواقيت للصلاة الحديث 1.
الذبح أو النحر
اشارة

يجب في حج التمتع - بعد الرمي - ذبح واحد من الغنم أو البقر أو نحر واحد من الإبل في مني عن قربة.

و المشهور اعتبار ايقاعه في اليوم العاشر و نهارا الا للخائف فيجوز ليلا.

و في كيفية تقسيم الهدي بعد ذبحه خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب ما ذكر

فممّا لا خلاف فيه لقوله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام الوارد في المتمتع: «... و عليه الهدي. قلت: و ما الهدي؟ فقال:

فضله بدنة و أوسطه بقرة و آخره شاة»(2) و غيره.

نعم اختار الشيخ في المبسوط و الخلاف عدم وجوبه علي المتمتع المكي باعتبار رجوع اسم الاشارة: «ذلك لمن لم يكن...» المذكور بعد ذلك الي الهدي(3).

و هو كما تري لان ظاهر الآية الكريمة رجوع ذلك الي التمتع دون الهدي، علي ان الروايات المفسّرة لها(4) واضحة في ذلك.

2 - و اما انه بعد الرمي

فلصحيح معاوية بن عمار عن أبي

ص: 487


1- البقرة: 196.
2- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 5.
3- المبسوط 207:1، و الخلاف 272:2.
4- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب أقسام الحج.

عبد اللّه عليه السّلام: «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك...»(1) و صحيح أبي بصير المتقدّم في من يفيض من المشعر ليلا من النساء و الضعفاء، و غير ذلك من النصوص.

أجل إذا قدم علي الرمي جهلا أو نسيانا اجتزأ به لصحيح جميل بن دراج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق، قال: لا ينبغي الا ان يكون ناسيا. ثم قال: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أتاه اناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول اللّه اني حلقت قبل ان أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل ان أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي ان يؤخروه الا قدّموه، فقال: لا حرج»(2) و غيرها.

و الرواية صحيحة بطرقها الثلاث.

3 - و اما التخيير بين الحيوانات الثلاثة

فلصحيح زرارة المتقدّم و غيره.

4 - و اما ان محلّه مني

فلم يعرف فيه خلاف. و يمكن استفادته من قوله تعالي: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (3) ، حيث يدل ان للهدي محلا خاصّا معهودا، و لا محل يمكن عهده الا مني.

و يدل عليه أيضا صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره، فقال: ان كان نحره بمني فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و ان كان نحره في غير مني لم

ص: 488


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4.
3- البقرة: 196.

يجزئ عن صاحبه»(1) و غيره.

بل ان السيرة القطعيّة المتوارثة علي تعين ذلك خير دليل عليه.

و هل يلزم الحاج مباشرته الذبح بنفسه؟ كلا، لان المستفاد من دليل وجوب الهدي و هو الآية الكريمة و صحيح زرارة المتقدّمان اعتبار تحقّق الهدي من المكلّف خارجا، و ذلك لا يتوقّف علي تحقّق المباشرة، فيتمسّك بالإطلاق ان فرض، و الا بالبراءة من شرطية المباشرة.

هذا مضافا الي ان العادة قد جرت علي عدم تصدي كل فرد للذبح، و هذا نفسه قرينة علي إرادة الأعمّ.

و هل يكفي الذبح في المذابح المستحدثة فعلا التي يقال بكونها خارج مني؟

و الجواب: اذا فرض انها في وادي محسر - الذي هو الحدّ بين مني و المشعر - فينبغي الحكم بالجواز لاتساع مني إليه إذا ضاقت بالناس، ففي موثق سماعة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إذا كثر الناس بمني و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلي وادي محسر...»(2).

و اذا فرض انها خارجه فمع التمكن من الذبح في أيّام التشريق أو الي نهاية ذي الحجّة يلزم تأخير الذبح إليها لعدم ثبوت تعين الذبح يوم العيد كما سيأتي بل ذلك مقتضي الاحتياط لا أكثر، و معه فإذا أمكن الذبح فيها الي آخر ذي الحجة تعيّن لما يستفاد من صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزئ عنه، فان4.

ص: 489


1- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4.

مضي ذو الحجّة أخّر ذلك الي قابل من ذي الحجّة»(1) من امتداد وقت الذبح طيلة شهر ذي الحجة لغير المتمكّن.

و إذا لم يمكن الذبح فيها مع التأخير اكتفي بالذبح في المذابح الفعلية بعد عدم احتمال سقوط أصل الهدي عن الوجوب.

5 - و اما اشتراط القربة

فلما تقدّم في الطواف.

6 - و اما اعتبار ان يكون الهدي يوم العيد

فقد يستدلّ له بالتأسي، و بما دلّ علي تأخّر الحلق عن الذبح كقوله تعالي: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (2) بعد كون زمان الحلق يوم العيد.

و كلاهما قابل للتأمّل.

اما الأوّل فلما تقدّم عند البحث عن وجوب المبيت بمني ليلة العيد.

و اما الثاني فلعدم ثبوت تعين الحلق يوم العيد كما سيأتي.

و عليه فلا دليل علي تعين يوم العيد للذبح بل قد يستفاد من صحيحة كليب الأسدي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النحر، فقال: اما بمني فثلاثة أيّام و اما في البلدان فيوم واحد»(3) و غيرها الامتداد ثلاثة أيّام.

هذا و لكن الاحتياط تحفّظا عن مخالفة المشهور لا ينبغي تركه.

7 - و اما اعتبار ان يكون في النهار

فهو المشهور. و قد يستدل له بالسيرة القطعية المتوارثة علي الذبح نهارا، و بالتعبير عن يوم العاشر بيوم النحر، و بصحيح معاوية بن عمار السابق: «إذا رميت الجمرة فاشتر

ص: 490


1- وسائل الشيعة الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1.
2- البقرة: 196.
3- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 6.

هديك»(1) بعد ضمّ ما تقدّم من لزوم ايقاع الرمي في النهار، و بما دلّ علي ان الخائف مرخص له في الذبح ليلا، كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الخائف، انه لا بأس ان يضحي بالليل»(2) و غيرها، فان الترخيص لخصوص الخائف بذلك يدلّ علي ان غيره يلزمه الذبح نهارا.

و الكل كما تري.

اما الأوّل فلان السيرة لم يحرز انعقادها علي تعين ذلك.

و اما الثاني فلان التعبير بذلك لأجل جواز ايقاع النحر يوم العاشر و لا يلزم افتراض تعيّن ذلك فيه.

و اما الثالث فأقصي ما يستفاد من الصحيح جواز الذبح بعد الرمي في مقابل عدم جوازه قبل ذلك. و لا أقل من اجماله من هذه الناحية و احتمال كون المقصود ما ذكرناه فيسقط عن صلاحية الاستدلال به.

و اما الرابع فلان أقصي ما يدل عليه الترخيص في الذبح للخائف ليلة العيد ان الذبح لغيره لا يجوز ايقاعه في الليل بل لا بد من ايقاعه في اليوم التالي، و لكن هل يلزم ان يكون ذلك في نهار اليوم التالي فقط؟ ان ذلك لا يستفاد منه.

أجل ما ذكر يتم بناء علي كون المقصود من الليل مطلق الليل لا خصوص ليلة العاشر و لكنه كما تري.

و عليه فلا دليل علي لزوم ايقاع الذبح في نهار اليوم العاشر و ان2.

ص: 491


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة باب 7 من أبواب الذبح الحديث 2.

كان الاحتياط أمرا لا ينبغي تركه.

8 - و اما مصرف الهدي

فقيل بتقسيمه أثلاثا: ثلثا لصاحبه و ثلثا للفقراء و ثلثا هدية للمؤمنين.

و قد يقرّب ذلك بقوله تعالي: فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (1) بعد ضمّه الي قوله تعالي: فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ... (2) ، فان الآيتين الكريمتين تشتركان في الدلالة علي وجوب الأكل، و تدل الاولي علي وجوب اطعام البائس الذي هو الفقير غير المتمكن من الخروج و الطواف بالأبواب، و الثانية علي وجوب اطعام القانع - الذي يقنع بما اعطي - و المعتر، و هو المار الذي يتوقع اطعامه.

و حيث ان القانع و المعتر لم يؤخذ في مفهومهما عنوان الفقر فيكون المستفاد من مجموع الآيتين لزوم التقسيم إلي ثلاث حصص: حصة للحاج نفسه و حصة للفقراء و حصة هدية للمؤمنين.

و يمكن استفادة التقسيم الثلاثي من الروايات أيضا، كصحيحة شعيب العقرقوفي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة. قلت: أي شيء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدّق بثلث»(3) و غيرها. و هي و ان كانت واردة في سياق البدنة الذي هو مستحب في العمرة الا انه لا يحتمل الاختصاص بذلك.

هذا و قد ذهب البعض الي ان القانع و المعتر قسمان من الفقير، و بذلك يكون المستفاد من الآيتين لزوم التقسيم الي قسمين لا ثلاثة:

ص: 492


1- الحج: 28.
2- الحج: 36.
3- وسائل الشيعة الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18.

قسم للحاج و قسم للفقراء.

هذا و يمكن ان يقال: ان الأمر بالأكل لا يقصد منه وجوب ذلك بل هو عرفا في أمثال المقام يقصد منه الإباحة و رفع الحظر - نظير ما إذا دفع لشخص مبلغ من المال و قيل له خذ مقدارا منه و ادفع الباقي الي الفقراء - و معه لا تكون الآيتان دالتين علي وجوب أخذ الحاج و أكله بل علي وجوب الدفع الي الفقراء لا أكثر.

و الرواية ان لم تكن مختصة بموردها هي محمولة علي جواز التقسيم كذلك و ليس علي لزومه لان الآيتين الكريمتين دلتا علي وجوب اطعام الثلاثة الذين هم مصاديق للفقير حسب الفرض و لم تشر الي الاهداء.

هذا و لكن الاحتياط بالتقسيم اثلاثا للرواية المذكورة و غيرها و خروجا عن شبهة الخلاف أمر حسن.

الحلق أو التقصير
اشارة

يجب - بعد الرمي و الذبح - الحلق عن قربة في مني. و المشهور اعتبار ان يكون في اليوم العاشر نهارا.

و علي المرأة التقصير، و الرجل بالخيار بينه و بين الحلق في غير حجّه الأوّل، و اما فيه فمورد خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الحلق أو التقصير في الجملة

فمما تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة علي الاتيان بذلك بنحو الوجوب.

و الروايات الدالّة علي ذلك كثيرة، كصحيحة جميل المتقدّمة عند

ص: 493

البحث عن لزوم تأخر الذبح عن الرمي.

و قد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالي: لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ... (1) ، وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ... (2).

2 - و اما ان ذلك بعد الرمي و الذبح

فهو المشهور. و يمكن استفادته من صحيحة جميل المتقدّمة و غيرها، فانها تدل علي ان وظيفة الحلق بعد الذبح، و حيث ان الذبح بعد الرمي علي ما تقدّم فيكون الحلق متأخّرا عن كليهما.

أجل ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله، فان أحببت ان تحلق فاحلق»(3) جواز الحلق بعد شراء الهدي و ان لم يذبح.

و لا محذور في العمل بها - بعد صحّة سندها بطريق الشيخ دونه بطريق الكليني و الصدوق لورود البطائني فيه الذي وقع محلاّ للكلام - و ان كان الاحتياط بتأخيره عن الذبح حسنا.

3 - و اما اعتبار القربة

فلما تقدّم في الطواف.

4 - و اما اعتبار ان يكون في مني

فلما ورد من ان الناسي يرجع الي مني للحلق فيها أو القاء شعره فيها، كما في صحيحة الحلبي:

ص: 494


1- الفتح: 27.
2- البقرة: 196.
3- وسائل الشيعة الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 7.

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يقصر من شعره أو يحلقه حتي ارتحل من مني، قال: يرجع الي مني حتي يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا»(1) و غيرها، فانها تدل علي المطلوب.

5 - و اما اعتباره يوم العيد نهارا

فاستدل له بالتأسي و السيرة المتوارثة.

و كلاهما قابل للتأمّل.

اما الأوّل فلما تقدّم أكثر من مرّة.

و اما الثاني فلان السيرة انعقدت علي أصل لزوم الحلق و ليس علي تعينه في النهار.

و عليه فلا دليل علي اعتبار الايقاع في النهار من يوم العيد.

و مقتضي البراءة نفي ذلك و ان كان الاحتياط حسنا.

6 - و اما تعين التقصير علي النساء

فتقتضيه السيرة القطعية المتوارثة علي ذلك و استنكار الحلق. و تدل عليه أيضا صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس علي النساء حلق و عليهنّ التقصير...»(2).

و اما ان الرجل بالخيار في غير حجّه الأوّل فيكفي لإثباته البراءة من الخصوصية. علي ان الروايات الآتي بعضها متّفقة علي ذلك.

و اما بالنسبة الي الحج الأوّل فقيل بالخيار أيضا. و استدل له بقوله تعالي: لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ... (3) ، بتقريب

ص: 495


1- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
3- الفتح: 27.

ان اللّه سبحانه قد وعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و أصحابه بدخول المسجد الحرام بعد عام الحديبية بعضهم حالقا و بعضهم مقصّرا. و المشهور ان ذلك كان لأداء عمرة مفردة تعرف بعمرة القضاء، الا ان حمل الآية الكريمة علي ذلك - و هكذا علي حج الافراد أو القران أو عمرة التمتّع - غير ممكن لان المكلف لا يدخل و هو حالق أو مقصّر بل يكون كذلك بعد الدخول، و يختص ذلك بالداخل لحجّ التمتع بعد فراغه من أعمال مني، و حيث ان حجّ التمتّع المذكور يلزم فرضه صرورة - لان المسلمين لم يحجّوا بعد الإسلام حجّا قبل ذلك - فيثبت تخير الحاج فيه بين الحلق و التقصير.

و فيه: لعل دخول البعض مقصرين من باب وجود أذي في رأسه يمنعه من الحلق و ليس من باب تصدي بعض المسلمين له كوظيفة تخييرية.

هذا مضافا الي ان دخول البيت بعد اعمال مني في حجّ التمتّع مسبوق بالدخول له في عمرة التمتّع الذي هو ليس مقرونا بالحلق أو التقصير، و غضّ النظر عن ذلك الدخول بالرغم من سبقه أمر مستهجن.

علي ان بالامكان ان يكون مع المسلمين الداخلين نساء، و التعبير ب «مقصرين» بلحاظهن.

و عليه فالآية الكريمة لا دلالة لها علي التخيير.

و إذا رجعنا الي الروايات وجدنا خمسا أو أكثر تدلّ علي التعيين، كصحيحة معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ينبغي للصرورة ان يحلق، و ان كان قد حجّ فإن شاء قصر و إن شاء حلق. فاذا لبد شعره أو عقصه فان

ص: 496

عليه الحلق و ليس له التقصير»(1) و غيرها، فانها تدل علي ان الصرورة يحلق و غيره بالخيار الا إذا كان قد لبّد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل أو عقصه و عقده بعد جمعه.

و إذا قيل: ان معاوية نفسه قد روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و ان أنت لم تفعل فمخير لك التقصير، و الحلق في الحج أفضل...»(2). و هو دال بإطلاقه علي ان غير الملبد و المعقص بالخيار و لو في الحج الأوّل.

قلنا: المقصود بقرينة روايته الاولي انه بالخيار في غير الصرورة.

و النتيجة: المناسب تعين الحلق في الحج الأوّل. و لا أقل من التنزّل الي الاحتياط.

طواف الحج و صلاته و السعي و طواف النساء
اشارة

يجب - بعد الحلق أو التقصير - العود الي مكّة المكرّمة لأداء مناسك ثلاثة:

طواف الحج و صلاته، و السعي، و طواف النساء و صلاته. و كيفية ذلك كما تقدّم في عمرة التمتع.

و المشهور عدم جواز تأخير الأعمال المذكورة عن اليوم الحادي عشر.

و طواف النساء واجب مستقل عن الحج لا يوجب تركه و لو عمدا فساده غايته تبقي النساء محرمة، و هو واجب علي النساء أيضا.

ص: 497


1- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الأعمال الثلاثة

فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة علي فعلها بنحو اللزوم، و علي ذلك إجماع المسلمين، و الروايات المطبقة علي ذلك فوق حدّ الاحصاء.

2 - و اما انها متأخّرة عن الحلق و التقصير

فمن المسلّمات. و تدل عليه صحيحة جميل المتقدّمة عند البحث عن تأخّر الذبح عن الرمي.

أجل مع تقديمها جهلا أو نسيانا لا تلزم الإعادة لنفس الصحيحة المتقدمة.

3 - و اما ان الكيفية واحدة

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... فإذا أتيت البيت يوم النحر... طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ثم صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين... ثم اخرج الي الصفا فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة...»(1) و غيرها.

و منه يتّضح عدم جواز تأخير السعي عن طواف الحج إلي غد لان المستند المتقدّم في عمرة التمتّع مطلق فراجع.

4 - و اما انه لا يجوز تأخير الأعمال عن اليوم الحادي عشر

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المتمتع متي يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخّر...»(2) و غيرها.

هذا و لكن ما ذكر يلزم حمله علي الاستحباب بقرينة موثقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت، تؤخّر الي

ص: 498


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 8.

يوم الثالث؟ قال: تعجيلها أحبّ إليّ و ليس به بأس ان أخّرها»(1) و غيرها.

بل ان ما ذكر محمول علي الأفضلية أيضا حيث يجوز التأخير عن أيّام التشريق لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل نسي ان يزور البيت حتي أصبح، قال: لا بأس، انا ربّما أخرته حتي تذهب أيّام التشريق و لكن لا تقرب النساء و الطيب»(2).

يبقي الي متي يجوز التأخير عن أيّام التشريق؟ ان الصحيحة ساكتة عن ذلك، و مقتضي البراءة جواز التأخير الي آخر ذي الحجّة دون ما زاد علي ذلك لان الحج - الذي هو عبارة عن مجموع أفعاله التي منها طواف الحج - يلزم تحقيقه في أشهره لقوله تعالي: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (3) ، و آخرها نهاية ذي الحجة.

هذا و الاحتياط بالاسراع في الاتيان بها أمر لا ينبغي تركه.

5 - و اما ان طواف النساء ليس جزءا من الحج

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و طواف بعد الحج و هو طواف النساء...»(4) و غيرها. و هي و ان كانت واردة في حج القران الا انه لا يحتمل الفرق بينه و بين التمتّع.

6 - و اما انه لا يختص بالرجال

فلإطلاق دليل وجوبه كالصحيحة السابقة. هذا مضافا الي دلالة نصوص خاصّة علي ذلك كصحيحة

ص: 499


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 2.
3- البقرة: 197.
4- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.

الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة. و ان لم تطهر الي يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت الي مني فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج. ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها»(1) و غيرها.

المبيت بمني و النفر
اشارة

يجب علي الحاج المبيت بمني ليلة الحادي و الثاني عشر و النفر بعد الزوال من اليوم الثاني عشر ان أراد النفر الأوّل. و لا يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر الا إذا لم يتق الصيد أو دخل عليه الليل في اليوم الثاني عشر و هو في مني.

و المبيت الواجب ليس بلحاظ تمام الليلة بل في أحد نصفيها.

و يستثني من المبيت الواجب: المعذور لمرض أو خوف، و المشتغل بالعبادة في مكة تمام ليلته أو الباقي منها إذا خرج من مني بعد دخول الليل، و من زار البيت و خرج من مكة إلي مني و تجاوز عقبة المدنيين فانه يجوز له المبيت في الطريق قبل ان يصل الي مني.

و المستند في ذلك:

1 - هناك امور تجب في الحج من دون ان تعدّ أجزاء له و لا يبطل

ص: 500


1- وسائل الشيعة الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1.

و لو مع تركها عمدا - غايته قد تجب علي ذلك كفارة خاصة - و انما هي واجبات استقلالية مطلوبة بعد الفراغ منه، كما هو الحال في طواف النساء و أعمال مني بعد اليوم العاشر.

و الوجه في ذلك بالنسبة الي طواف النساء قد تقدّم.

و اما بالنسبة الي أعمال مني فلصحيحة معاوية بن عمّار المبيّنة لأعمال مكة عند العودة اليها حيث ورد فيها: «... فإذا أتيت البيت يوم النحر طف بالبيت سبعة أشواط... ثم اخرج الي الصفا... فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء أحرمت منه الا النساء. ثم ارجع الي البيت و طف به اسبوعا آخر ثم تصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم قد احللت من كل شيء و فرغت من حجّك كلّه و كل شيء أحرمت منه»(1).

2 - اما ان المبيت واجب في الليلتين المذكورتين فممّا انعقدت

عليه السيرة القطعية المتوارثة.

و تدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تبت ليالي التشريق الا بمني، فان بت في غيرها فعليك دم. فان خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل الا و أنت في مني الا ان يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة، و ان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك ان تصبح في غيرها»(2) و غيرها.

بل يمكن استفادة ذلك في الجملة من قوله تعالي: وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ، مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقي (3) ، فان المقصود من الأيّام المعدودات أيّام التشريق،

ص: 501


1- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب العود الي مني الحديث 8.
3- البقرة: 203.

كما ورد في النصوص(1).

3 - و اما لزوم المبيت ليلة الثالث عشر علي من لم يتق الصيد

فلصحيحة حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأوّل... و هو قول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقي ، فقال: اتقي الصيد»(2) و غيرها.

و الرواية صحيحة لان محمّد بن يحيي الذي يروي عن حمّاد و إن كان في هذه الطبقة مردّدا بين الخزاز و الخثعمي الثقتين و الصيرفي الذي لم يوثق الا أنّه منصرف الي الخزاز لأنه صاحب الكتاب المشهور.

ثم انه لا إشكال في اختصاص الحكم بمن اتقي غير انه وقع الخلاف في ان المقصود الاتقاء من الصيد بخصوصه أو يعمّ الاتقاء من النساء أيضا بل قيل من مطلق محرمات الاحرام بل ذكر الشيخ النائيني في مناسكه: ان الأحوط المبيت ليلة الثالث عشر لمن اقترف كبيرة من الكبائر و ان لم تكن من محرمات الاحرام(3). بل قيل بوجوب المبيت المذكور علي مطلق الصرورة و ان اتقي.

و هذه الأقوال اما ذات مستند ضعيف أو لا يعرف لها مستند أصلا.

4 - و اما ان من اتقي إذا أراد النفر الأوّل يلزمه ذلك بعد زوال اليوم

الثاني عشر

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من تعجل في

ص: 502


1- وسائل الشيعة الباب 8 من أبواب العود الي مني.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب العود الي مني الحديث 3.
3- دليل الناسك: 431، منشورات مدرسة دار الحكمة.

يومين فلا ينفر حتي تزول الشمس فإن أدركه المساء بات و لم ينفر»(1) و غيرها.

و هي كما تدل علي المطلوب تدل علي جواز النفر الثاني قبل الزوال.

و لا تعارض الصحيحة برواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأوّل قبل الزوال»(2) لضعفها سندا بسليمان بن أبي زينبة فانه مجهول و بعدم عمل الأصحاب بها.

5 - و اما وجوب المبيت ليلة الثالث عشر لمن دخل عليه الليل في

اليوم الثاني عشر

و هو في مني فلصحيحة السابقة.

6 - و اما عدم وجوب المبيت تمام الليلة و الاكتفاء بأحد النصفين

فلم يقع فيه خلاف و انما الخلاف في ان أي واحد من النصفين يلزم اختياره. و المشهور لزوم اختيار النصف الأوّل.

و لعل ذلك باعتبار ان عنوان البيتوتة المأمور به في النصوص لا يصدق عرفا الا علي من بات من بداية الليل.

و هذا جيد لو لم تدل النصوص نفسها علي التخيير، و لكنها قد دلّت علي ذلك، كما في صحيحة معاوية بن عمار السابقة و غيرها.

7 - و اما استثناء الأوّل

فلقاعدة: «ما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر»(3) التي قال عنها الامام الصادق عليه السّلام: «هذا من الأبواب التي يفتح

ص: 503


1- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب العود الي مني الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 9 من أبواب العود الي مني الحديث 11.
3- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 13.

كل باب منها ألف باب»(1).

هذا مضافا الي امكان تطبيق قاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالي: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (2).

8 - و اما استثناء الثاني

فلصحيحة معاوية بن عمّار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي و الدعاء حتي طلع الفجر، فقال: ليس عليه شيء، كان في طاعة اللّه عزّ و جلّ»(3).

و هي صحيحة بكلا طريقيها. و تدلّ علي ان المدار علي الاشتغال بمطلق الطاعة لا خصوص الطواف و السعي.

و اما استثناء الخارج من مني بعد دخول الليل إذا اشتغل بالمناسك بقيتها فلصحيحة معاوية المذكورة في الرقم 2، حيث ورد فيها: «فان خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل الا و أنت في مني الا ان يكون شغلك نسكك»(4).

9 - و اما الاستثناء الثالث

فلصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم، و ان كان قد خرج منها فليس عليه شيء و ان أصبح دون مني»(5) و غيرها.

و هي تدل علي جواز المبيت في الطريق بشرط زيارة البيت أوّلا،

ص: 504


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 9.
2- الحج: 78.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب العود الي مني الحديث 13.
4- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب العود إلي مني الحديث 8.
5- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب العود إلي مني الحديث 16.

و ان يكون الخروج من البيت بقصد التوجّه الي مني، و ان يكون المبيت وسط الطريق الي مني لا في شقة السكن المتداولة يومنا هذا، فانها ليست في الطريق الي مني.

ثم ان الصحيحة قد رواها الشيخ بسند صحيح كما يلي: محمّد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و رواها الكليني مع الإرسال كما يلي: علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن بعض أصحابنا.

و حيث لا نحتمل ان جميلا قد سمعها مرّتين: مرّة مباشرة من الامام عليه السّلام و مرّة بالواسطة بل سمعها بأحد الشكلين فتسقط عن الحجيّة لاحتمال انه سمعها بالواسطة، و حيث نجهل الواسطة فلا تكون حجّة.

الا ان ما ذكر غير مهم بعد ورود المضمون المذكور بالألفاظ نفسها في بعض الروايات الصحيحة الاخري(1).

ثم انه ورد في صحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السّلام:

«الرجل يزور فينام دون مني، فقال: إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس ان ينام»(2) اشتراط تجاوز عقبة المدنيين. و قد يتصوّر كونه تقييدا إضافيا زائدا علي المضمون المذكور في صحيحة جميل.

الا ان الأمر ليس كذلك فان عقبة المدنيين حد لمكّة القديمة، و الخروج من مكة المأخوذ في صحيحة جميل لا يتحقّق الا بتجاوزها،5.

ص: 505


1- و لا يبعد ان يكون التعبير الوارد في ذيل صحيحة معاوية المذكورة في الرقم 2: «أو قد خرجت من مكة» اشارة الي هذا الاستثناء أيضا.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب العود إلي مني الحديث 15.

فالمعتبر فيهما علي هذا الأساس واحد.

رمي الجمار
اشارة

يجب في اليوم الحادي و الثاني عشر رمي الجمار الثلاث: الأولي ثم الوسطي ثم جمرة العقبة بالكيفية نفسها المذكورة في رمي جمرة العقبة يوم العاشر.

و قيل بلزوم الرمي يوم الثالث عشر لمن بات في مني ليلته.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الرمي في اليومين المذكورين

فقد لا نعثر علي نص صحيح يدل بالمطابقة عليه الا انّه تكفينا السيرة القطعية المتوارثة علي فعل ذلك بنحو الوجوب من قبل جميع المسلمين.

و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ارم في كل يوم عند زوال الشمس و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة»(1).

و يمكن التشكيك في استفادة الوجوب منها باعتبار اشتمال السياق علي بعض المستحبات الا بناء علي مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب.

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتي انتهي الي مني فعرض له عارض فلم يرم حتي غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته و الاخري ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس

ص: 506


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.

و الاخري عند زوال الشمس»(1) و هي و ان دلّت علي الوجوب في اليوم الحادي عشر و لكن لا يستفاد منها الوجوب لليوم الثاني عشر.

و عليه ينحصر المدرك بالسيرة المتوارثة.

2 - و اما ان الرمي في اليومين المذكورين يلزم ان يكون بالترتيب

المذكور

فلا يستفاد من الروايات السابقة بل من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال: يعيدها علي الوسطي و جمرة العقبة»(2) و غيرها.

3 - و اما ان الكيفية واحدة

فلإطلاق النصوص المتقدّمة عند البحث عن كيفية رمي جمرة العقبة.

4 - و اما وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر لمن بات

فهو المشهور، و لكن لا دليل عليه الا رواية دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام: «يرمي في أيّام التشريق الثلاثة الجمرات، كل يوم يبتدأ بالصغري ثم الوسطي ثم الكبري»(3).

و رواية الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السّلام: «ترمي يوم الثاني و الثالث و الرابع في كلّ يوم بإحدي و عشرين حصاة...»(4).

و صحيحة معاوية بن عمّار الحاكية لقصّة حجّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و انه أقام بمني حتي كان اليوم الثالث من آخر أيّام التشريق ثم رمي الجمار(5).

ص: 507


1- وسائل الشيعة الباب 15 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب العود الي مني الحديث 1.
3- مستدرك الوسائل 152:10 الحديث 11732.
4- مستدرك الوسائل 152:10 الحديث 11733.
5- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4.

و الكل قابل للتأمّل.

اما الأوّلي فلان روايات القاضي نعمان المصري في الكتاب المذكور - الذي ألّفه للدولة الفاطمية و أمر الخليفة الوعّاظ بالوعظ به و جعل لمن يحفظه مالا(1) - مراسيل. علي ان الرواية المذكورة تدل علي وجوب الرمي في اليوم الثالث حتي في حق من لم يبت في مني، و ذلك ممّا لا قائل به.

و اما الثانية فلان نسبة الكتاب الي الامام الرضا عليه السّلام غير ثابتة و ان أصرّ علي ذلك بعض أعلامنا(2). علي ان الرواية تدلّ علي وجوب الرمي في اليوم الثالث بل الرابع بشكل مطلق، و هذا لا قائل به من جهتين.

و اما الثالثة فلان أقصي ما يدل عليه فعل المعصوم عليه السّلام الرجحان دون الالزام.

و عليه فلا دليل علي الوجوب المذكور بل مقتضي أصل البراءة عدمه.

و يبقي الاحتياط أمرا لازما تحفّظا من مخالفة رأي المشهور الذي كاد يكون مجمعا عليه.

5 - محرّمات الاحرام
اشارة

إذا انعقد الاحرام حرمت جملة من الأشياء، بعضها علي مطلق المحرم، و بعضها علي خصوص الرجال، و بعضها علي خصوص النساء،

فالأقسام
اشارة

علي هذا ثلاثة:

ص: 508


1- الذريعة 197:8.
2- كالشيخ يوسف البحراني في حدائقه في مواضع متعددة منها 25:1-26.
القسم الأوّل أي الأشياء التي حرمت علي مطلق المحرم
صيد البر
اشارة

لا يجوز للمحرم الصيد البري اصطيادا و ذبحا و أكلا و إمساكا و اعانة و لو بالإشارة، بخلاف البحري فإنّه يجوز فيه ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الصيد البري بمختلف الأساليب المذكورة

فمتسالم عليها. و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (1) ، فإنّه بإطلاقه يشمل جميع ما ذكر. و دلّ علي حرمة القتل قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (2).

و الروايات كثيرة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا أنت حلال في الحرم، و لا تدلنّ عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر إليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمّده»(3) و غيرها.

و الصحيحة تدل علي ان حرمة الصيد ليست من شئون الاحرام فقط بل هي من شئون الحرم أيضا.

2 - و اما حلية صيد البحر

فيدلّ عليها قوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ (4).

ص: 509


1- المائدة: 96.
2- المائدة: 95.
3- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
4- المائدة: 96.

بل لا حاجة الي ذلك و يكفي تقييد الصيد في الآية الأولي - لو قصرنا النظر عليها - بالبر، فإنّه يدل بالمفهوم علي حليّة غير البري اما مطلقا أو في الجملة علي الخلاف في مفهوم الوصف.

بل لا حاجة الي ذلك، و يكفينا أصل البراءة - لو قصرنا النظر علي الآية الاولي - بعد توجه التحريم إلي خصوص صيد البر.

الاستمتاع
اشارة

يحرم علي المحرم من النساء: الجماع، و التقبيل و لو بدون شهوة، و المسّ بشهوة، و النظر المؤدي الي الامناء. و لا يحرم غير ذلك.

و يحرم علي المرأة مثل ذلك.

و يحرم أيضا الاستمناء و اجراء عقد الزواج و يقع باطلا.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الجماع

فلقوله تعالي: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (1) ، فان الرفث هو الجماع لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «... الرفث: جماع النساء، و الفسوق: الكذب و المفاخرة. و الجدال: قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه»(2) و غيره.

بيد انّه لا يشمل احرام العمرة المفردة للتعبير ب أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ و ب اَلْحَجِّ .

أجل يمكن التمسك بإطلاق كلمة الاحرام الواردة في الروايات، كصحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله ان

ص: 510


1- البقرة: 197.
2- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.

يأتي النساء ما لم يعقد التلبية»(1) و غيرها.

2 - و اما حرمة التقبيل و لو بدون شهوة

، فلصحيحة مسمع أبي سيّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يا أبا سيّار: ان حال المحرم ضيّقة، فمن قبّل امرأته علي غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة. و من قبّل امرأته علي شهوة فأمني فعليه جزور و يستغفر ربه»(2) ، فان ثبوت الكفارة يفهم منه عرفا التحريم خصوصا بعد ملاحظة قوله عليه السّلام: «حال المحرم ضيقة».

و سند الكليني الي ابن محبوب إذا كان ضعيفا بسهل فطريقه الثاني إليه صحيح فراجع.

3 - و اما حرمة المس بشهوة

فلصحيحة مسمع السابقة حيث ورد في ذيلها: «و من مسّ امرأته بيده و هو محرم علي شهوة فعليه دم شاة.

و من نظر الي امرأته نظر شهوة فأمني فعليه جزور. و من مسّ امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شيء عليه»(3) بالتقريب السابق.

4 - و اما حرمة النظر المؤدي الي الامناء

فللصحيحة السابقة.

و اما النظر بلا شهوة فلا إشكال في عدم حرمته لان المسّ من غير شهوة إذا لم يكن محرّما فبالاولي لا يكون النظر من غير شهوة محرّما.

و إذا قيل: ان الصحيحة نفت ثبوت شيء - و هو الكفارة - عند المس من غير شهوة و هذا لا ينافي ثبوت التحريم غايته من دون كفارة.

ص: 511


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.

قلنا: هذا صحيح و لكنها بالتالي لا تدلّ علي ثبوت التحريم أيضا بل هي ساكتة من الناحية المذكورة فتجري البراءة.

5 - و اما النظر مع الشهوة من دون امناء

فلا دليل علي تحريمه.

و إذا قيل: ورد ان المحرم يقول حالة الاحرام: «احرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب...»(1) ، و هو يدل علي حرمة مطلق الاستمتاع علي المحرم لا خصوص الجماع.

قلنا: ان ذلك تعليم لأدب إسلامي و لا يمكن ان يستفاد منه حكم شرعي الزامي. كيف و لازم ما ذكر حرمة مطلق الاستمتاع كالاستمتاع بالصوت أو التحدّث، و التزام حرمة مثل ذلك بعيد جدّا.

6 - و اما عدم حرمة غير ذلك

فللبراءة بعد عدم الدليل.

و استفادة ذلك من جملة «احرم لك شعري...» قد تقدّم ما فيها.

و إذا قيل: ان المستفاد من مجموع النصوص المتقدّمة تحريم الشارع لمطلق الاستمتاع.

قلنا: نعم يستفاد ذلك إذا كان الاستمتاع علي مستوي الجماع أو التقبيل أو المسّ بشهوة أو النظر المؤدي الي الامناء، و اما ما كان دون هذا المستوي فلا يستفاد تحريمه.

7 - و اما حرمة مثل ذلك علي المرأة أيضا

فلان المستفاد من النصوص المتقدّمة ان حرمة ما تقدّم هو من شئون الاحرام و الحج و ليست من شئون خصوص الرجل المحرم.

ص: 512


1- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1.
8 - و اما الاستمناء

فهو محرم في نفسه لقوله تعالي: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغي وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (1) بتقريب ان الفرج كناية عن الاستمتاع الجنسي و ان المؤمن ينحصر استمتاعه الجنسي بزوجته و ملك اليمين، و إذا تجاوز ذلك كان عاديا.

و لكن إذا رفضنا التقريب المذكور و هكذا النصوص الدالة علي تحريمه في نفسه(2) فبالامكان الحكم بتحريمه في خصوص المقام لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتي يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما علي الذي يجامع»(3) فإنّه يفهم منه ان الكفارة لخصوصية الامناء دون العبث بالأهل، و اللازم العرفي للكفارة كما قلنا التحريم.

9 - و اما حرمة العقد

و بطلانه فممّا لا خلاف فيهما لصحيحة عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج. و ان تزوّج أو زوّج محلا فتزويجه باطل»(4) و غيرها.

و اما الشهادة عليه و التعرض للخطبة فقد ورد تحريمهما في رواية الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المحرم لا ينكح

ص: 513


1- المؤمنون: 5-7.
2- وسائل الشيعة الباب 28 من أبواب النكاح المحرم.
3- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.

و لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح...»(1) ، و لكن لأجل الإرسال لا يصلح التمسّك بها الا للحكم بحسن الاحتياط بتركهما.

الطيب
اشارة

يحرم علي المحرم استعمال الطيب شمّا أو أكلا أو مسّا. و في عموم الحكم لكل طيب أو خصوص الزعفران و العود و المسك و الورس و العنبر خلاف.

و لا يمسك المحرم أنفه عن الرائحة الكريهة و يمسك عن الرائحة الطيبة.

و يحرم شمّ الرياحين التي تفوح منها رائحة طيبة الا بعض أقسامها البرية كالأذخر و الخزامي و نحوهما.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الطيب في الجملة

فممّا لا خلاف فيها، و انّما الخلاف في عمومها لمطلق الطيب أو خصوص بعض أقسامه.

و الروايات علي طائفتين طائفة تعمّ كل طيب و طائفة تختص ببعض أفراده.

مثال الاولي: صحيحة الحلبي و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المحرم يمسك علي أنفه من الريح الطيبة و لا يمسك علي أنفه من الريح الخبيثة»(2). و هي صحيحة بطرقها الثلاث أو الأربع.

و مثال الثانية: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تمسّ شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك علي أنفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليها من الريح المنتنة فإنّه لا ينبغي للمحرم ان يتلذّذ بريح طيبة و اتق الطيب في زادك... و انما يحرم عليك من الطيب

ص: 514


1- وسائل الشيعة الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 24 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.

أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران...»(1).

و في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و العود»(2).

و الجمع العرفي يقتضي تخصيص الطائفة الاولي المطلقة بالطائفة الثانية المصرّحة بأن الطيب المحرّم يختص بالافراد المذكورة.

هكذا يمكن ان يقال بادئ الأمر.

و أوجه من ذلك ان يقال: ان تخصيص الأربعة المتقدّمة بالذكر هو لأجل كونها الافراد المتعارفة للطيب تلك الفترة و الا فهناك أنواع أحسن طيبا في زماننا، و لا نحتمل حليتها و حرمة تلك بالخصوص بعد وضوح ان حرمة الأربعة ليست الا من باب منافاة رائحتها الطيبة لروح الاحرام.

و لعلّ تعبير الإمام عليه السّلام في صحيحة معاوية: «فإنّه لا ينبغي للمحرم ان يتلذّذ بريح طيبة» واضح في ذلك.

يبقي شيء، و هو ان روايات الطائفة الثانية اختلفت في الفرد الرابع و انه العود أو الورس، و قد يتخيّل - بناء علي تخصيص التحريم بالمذكورات - التعارض و التساقط من هذه الناحية.

و المناسب ان يقال: بحرمتهما معا اما ببيان ان رواية الورس صريحة في حرمته و ظاهرة بإطلاق مفهومها في نفي حرمة العود، في حين ان رواية العود بعكس ذلك، فيقيد إطلاق مفهوم كل واحدة بصراحة الأخري طبقا لقاعدة الجمع العرفي التي تقول: إذا اجتمع5.

ص: 515


1- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8.
2- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 15.

صريح و ظاهر متنافيان كانت صراحة الصريح قرينة علي تأويل الظاهر.

أو ببيان انه بعد التعارض يحصل العلم إجمالا بحرمة أحد الفردين، و حيث لا يمكن تشخيصه فتلزم الفقيه الفتوي بوجوب الاحتياط بتركهما.

2 - و اما حرمة جميع انحاء الاستعمال

فلإطلاق التعليل في صحيحة معاوية: «فإنّه لا ينبغي للمحرم ان يتلذّذ بريح طيبة»، بل و للتصريح بحرمة الأكل في بعض النصوص المتقدمة.

3 - و اما حرمة الإمساك عن الرائحة الكريهة و وجوبه عن الرائحة

الطيبة

فللتصريح بذلك في الروايات السابقة.

4 - و اما حرمة شمّ الرياحين

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تمس ريحانا و أنت محرم، و لا شيئا فيه زعفران، و لا تطعم طعاما فيه زعفران»(1) و غيرها، فان النهي عن المس كناية عن تحريم الشم و الا فلا يحتمل ان المسّ بما هو مسّ محرم. كما لا بدّ ان يكون المقصود من الرياحين ما كان منها ذا رائحة طيبة و الا فما ليس كذلك لا تحتمل حرمته أيضا.

و اما استثناء الافراد البرية فلصحيح معاوية بن عمّار: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس ان تشمّ الاذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و أشباهه و أنت محرم»(2).

و المقصود من الاشباه كل نبات بري ذي رائحة طيبة من دون

ص: 516


1- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 25 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.

اتخاذ مادة الطيب منه.

التزين
اشارة

يحرم علي المحرم مطلق التزين، و المشهور عدم اختصاص ذلك بصورة قصد الزينة به، و يستثني الخاتم لا بقصد التزين به، و حلي المرأة المعتادة لها قبل الاحرام بشرط عدم إظهارها للرجال.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة مطلق التزين

فلإطلاق التعليل في صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تنظر في المرآة و أنت محرم لأنه من الزينة»(1) و غيرها و الرواية صحيحة بطريق الكليني و بكلا طريقي الصدوق.

2 - و اما اطلاق الحرمة

فلإطلاق النصّ السابق و غيره. بيد ان بالإمكان دعوي الاختصاص بما إذا كان ذلك بقصد التزين لما يستفاد من بعض روايات الخاتم، ففي رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة»(2) ، فإنّ قوله:

«للزينة» يفهم منه ان لبس الزينة لغرض الزينة محرم دون مطلق ما يصدق عليه ذلك.

و اختصاص المورد بالخاتم لا يؤثر علي الفهم المذكور.

و احتمال ان المقصود: لا يلبسه لأنه يصدق عليه الزينة بعيد.

و إذا نوقش بضعف سند الرواية بصالح بن السندي حيث لم تثبت وثاقته الا بناء علي كبري وثاقة جميع رجال كامل الزيارات التي هي قابلة للمناقشة فبالإمكان التعويض بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي

ص: 517


1- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.

عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، و اما للزينة فلا»(1) و غيرها.

و منه يتضح ان الحكم بحرمة مطلق الزينة و ان لم يكن بقصدها مبني علي الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور.

3 - و اما استثناء الخاتم لا بقصد الزينة

فلموثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب»(2). و هي بإطلاقها تشمل ما إذا كان معدودا من الزينة، كما هو الغالب.

و اما اشتراط ان لا يكون بقصد الزينة فلرواية مسمع المتقدّمة ان تمّت سندا أو لصحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة.

4 - و اما استثناء حلي المرأة المعتادة بالشرط المذكور

فلصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال... تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أ تنزعه إذا أحرمت أو تتركه علي حاله؟ قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»(3).

النظر الي المرآة
اشارة

لا يجوز للمحرم النظر الي المرآة للزينة. و يستحب لمن نظر فيها لزينة تجديد التلبية.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة النظر الي المرآة في الجملة

فلا ينبغي الاشكال فيها

ص: 518


1- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.

لصحيحة حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنّه من الزينة»(1) و غيرها.

و هل يحرم ذلك مطلقا أو فيما إذا كان بقصد الزينة؟ المشهور هو الأوّل و اختاره الشيخ النائيني في مناسكه(2).

و يمكن توجيهه بأن قوله: «فإنّه من الزينة» يدل علي تنزيل كل نظر الي المرآة منزلة الزينة فيكون محرما، و ليس المقصود: فيما إذا قصدت الزينة.

و فيه: ان المقصود تنزيل الافراد المتعارفة من النظر الي المرآة منزلة ذلك دون مثل النظر للتأكّد من عدم وجود حاجب علي البشرة مثلا منزلة ذلك، فإنّ التنزيل المذكور في مثل ذلك غير مستساغ عرفا.

و بقطع النظر عن ذلك تكفينا صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة»(3).

2 - و اما رجحان تجديد التلبية

فلصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فان نظر فليلب»(4).

و انما لم يحكم بوجوب ذلك مع انه ظاهرها لعدم قائل من الأصحاب بذلك. علي ان المسألة ابتلائية فلو كان ذلك ثابتا لاشتهر مع انه لا يعرف قائل به.

ص: 519


1- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- دليل الناسك: 153.
3- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
4- وسائل الشيعة الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
الاكتحال
اشارة

لا يجوز الاكتحال بالكحل الأسود للزينة، و لا يجوز بغيره أيضا بقصدها.

هذا في غير حالة الضرورة و الا جاز بلا تأمّل.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الاكتحال

فلا إشكال فيها في الجملة، و إنّما الإشكال في حدودها لأجل اختلاف النصوص، إذ بعضها دلّ علي الحرمة مطلقا، و بعضها دلّ علي الحرمة في خصوص الأسود، و بعضها دلّ علي الجواز إذا لم يكن للزينة، و بعضها دلّ علي الحرمة إذا كان بالأسود و بقصد الزينة.

مثال الأوّل: صحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عن المرأة تكتحل و هي محرمة؟ قال: لا تكتحل...»(1).

و مثال الثاني: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، ان السواد زينة»(2).

و مثال الثالث: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فامّا للزينة فلا»(3).

و مثال الرابع: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه الا كحل أسود لزينة»(4).

ص: 520


1- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 14.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
3- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
4- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 13.

و المناسب الأخذ بالطائفة الأخيرة لأنّها أخصّ من الجميع، فيحرم الاكتحال بالأسود إذا كان يقصد الزينة و ان كان الاحتياط يقتضي تجنّب الأسود مطلقا لعدّه في الطائفة الثانية بأنّه زينة.

2 - و اما حرمة الاكتحال بغير الأسود إذا كان بقصد الزينة

فلما تقدّم من حرمة مطلق قصد التزين.

لا يقال: ان الطائفة الأخيرة تدلّ بمفهومها علي انتفاء الحرمة عند انتفاء السواد أو قصد الزينة و عدم ثبوتها الا باجتماعهما.

فإنّه يقال: إنّ المفهوم في المقام مفهوم الوصف - أسود - و هو إنّما يثبت بشكل مطلق أو في الجملة فيما إذا لم تكن فائدة لذكر الوصف غير افادة المفهوم، و هي في المقام موجودة لاحتمال ان يكون ذكره من باب ان قصد الزينة لا يتحقّق الا معه عادة.

3 - و اما الجواز في حالة الضرورة

فلقاعدة: «ما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر»(1). مضافا الي التصريح بذلك في بعض النصوص(2). بل يكفينا أصل البراءة بعد قصور المقتضي في نفسه.

اخراج الدم
اشارة

لا يجوز للمحرم اخراج الدم الا لضرورة أو بسبب السواك.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة اخراج الدم في الجملة

فلصحيحة معاوية بن عمّار:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم

ص: 521


1- وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 13.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 10، 14.

يدم أو يقطع الشعر»(1) ، و صحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك؟ قال: نعم و لا يدمي»(2).

2 - و اما الجواز للضرورة

فلقاعدة العذر المتقدّمة مضافا الي بعض النصوص الخاصّة الواردة في الحجامة(3) و الدمل(4) و الجرب(5).

3 - و اما استثناء حالة السواك

فلصحيحة معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: المحرم يستاك؟ قال: نعم. قلت: فان أدمي يستاك؟ قال: نعم هو من السنّة»(6).

الفسوق
اشارة

يحرم الفسوق حالة الاحرام بشكل آكد. و هو الكذب و السب و المفاخرة.

و المراد من المفاخرة ما استلزم نفي فضيلة عن الآخرين.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الفسوق في الجملة

فممّا لا إشكال فيها لقوله تعالي:

اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (7) . و قد فسّر الفسوق في صحيحة معاوية بن عمّار:

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوي اللّه... فان اللّه يقول: فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج، فالرفث:

ص: 522


1- وسائل الشيعة الباب 71 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- وسائل الشيعة الباب 62 من أبواب تروك الاحرام.
4- وسائل الشيعة الباب 70 من أبواب تروك الاحرام.
5- وسائل الشيعة الباب 71 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
6- وسائل الشيعة الباب 71 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
7- البقرة: 197.

الجماع، و الفسوق: الكذب و السباب، و الجدال: قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه»(1) و غيرها بالكذب و السباب، و هو بالمعني المذكور و ان كان ثابت الحرمة بقطع النظر عن الاحرام الا ان فيه آكد.

ثم ان تخصيص الكذب المفسّر به الفسوق بخصوص الكذب علي اللّه أو رسوله أو أحد الأئمّة صلوات اللّه عليهم جميعا كما هو المختار لبعض(2) لا وجه له بعد إطلاق الصحيحة.

2 - و اما تفسيره بالمفاخرة أيضا

فلصحيحة علي بن جعفر:

«سألت أخي موسي عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما علي من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، و الفسوق: الكذب و المفاخرة، و الجدال: قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه»(3).

و قد يقال كما في الحدائق الناضرة: «الخبران المذكوران قد تعارضا فيما عدا الكذب و تساقطا... فيؤخذ بالمتفق عليه منهما و يطرح المختلف فيه من كل من الجانبين»(4).

و المناسب الحكم بحرمة المفاخرة و السباب أيضا للوجه الأوّل المتقدّم في مسألة تحريم الطيب عند البحث عن حرمة الورس و العود.

3 - و اما تفسير المفاخرة بما ذكر

فلان بيان الشخص فضيلة لنفسه بدون نفيها عن غيره اما ليس من المفاخرة لغة أو هي منصرفة عن ذلك عرفا.

ص: 523


1- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- المهذب للقاضي ابن البراج 221:1، و الغنية: 513.
3- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
4- الحدائق الناضرة 459:15.
الجدال
اشارة

يحرم الجدال علي المحرم. و هو قول «لا و اللّه أو بلي و اللّه». و في اختصاص التحريم بحالة المخاصمة و بخصوص اللفظين المذكورين خلاف. أجل لا يعمّ التحريم ما إذا كان الغرض التكريم أو فرض الاضطرار الي ذلك لإثبات حق أو إبطال باطل.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحريم الجدال باللفظين المذكورين علي المحرم

فللآية الكريمة السابقة بضميمة تفسير الصحيحين.

2 - و اما المخاصمة

فقد يقال بعدم اعتبارها لإطلاق التفسير في الصحيحين.

و الأرجح اعتبارها لان التفسير و ان كان مطلقا الا انّه للجدال المأخوذ في مفهومه عرفا الخصومة فيكون السكوت عن اعتبار ذلك من باب وضوح الاعتبار. مضافا الي ان التصدير بكلمة «لا» و «بلي» يساعد علي الاعتبار.

3 - و اما خصوص اللفظين المذكورين

فقد يقال باعتباره لاختصاص التفسير بذلك.

و الأرجح عدم الاعتبار لموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه. و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه»(1) ، فان مقتضي اطلاق «ثلاثة ايمان» التعميم.

ص: 524


1- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 7.

و احتمال ان المراد: ثلاثة ايمان بصيغة بلي و اللّه و لا و اللّه ضعيف، إذ التكرار لا حاجة له - إذا كان الحلف بالصيغة المذكورة - في ثبوت الحرمة و الكفارة.

أجل مقتضي الموثق اشتراط الثلاث - عند الحلف بغير الصيغة المذكورة - في الحلف الصادق لثبوت التحريم و الكفارة، و كفاية المرة في الحلف الكاذب.

4 - و اما اعتبار ان لا يكون الغرض التكريم

فلصحيحة أبي بصير:

«سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه: و اللّه لا تعمله فيقول: و اللّه لأعملنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا، انما أراد بهذا اكرام أخيه، انما كان ذلك ما كان للّه عزّ و جلّ فيه معصية»(1).

و هي إذا كانت بطريقين من طرقها الأربع قابلة للتأمّل من حيث السند فبطريقيها الآخرين تامّة.

5 - و اما الجواز عند الاضطرار

فلحديث رفع الاضطرار(2).

قتل هوام الجسد
اشارة

لا يجوز للمحرم قتل القمل - بل غيره أيضا في قول - في حالة عدم التضرّر.

و يجوز القاء القمل و غيره و نقله من مكان الي آخر من الجسد.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز قتل القمل

فلموثق زرارة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يحك المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمّد

ص: 525


1- وسائل الشيعة الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

قتل دابة»(1) فان ما يكون في الرأس عادة هو القمل.

2 - و اما غير القمل كالبق و البرغوث

فقد يتمسّك لحرمة قتله بإطلاق الدابة في الموثق السابق.

و لكنه كما تري، فان ما يكون في الرأس عادة هو القمل دون غيره.

و قد يتمسّك لذلك بحديث معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«اتق قتل الدواب كلّها...»(2). و لكنه ضعيف السند بإبراهيم النخعي، فإنّه مجهول الحال.

و عليه فالحكم بحرمة قتل غير القمل مبني علي الاحتياط.

3 - و اما الحكم بالجواز في حالة الضرر

فلصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... كلّ شيء ارادك فاقتله»(3). مضافا الي امكان التمسّك بقاعدة نفي الضرر.

4 - و اما جواز القاء القمل و غيره

فلما ورد في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المحرم يلقي عنه الدواب كلّها الا القملة فانها من جسده، و ان أراد ان يحوّل قملة من مكان إلي مكان فلا يضرّه»(4) ، فانه يدل علي جواز القاء غير القمل و بالاولي جواز تحويله. علي انه يكفينا أصل البراءة.

و بالنسبة الي القمل لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الصحيح في

ص: 526


1- وسائل الشيعة الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
2- وسائل الشيعة الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9.
3- وسائل الشيعة الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9.
4- وسائل الشيعة الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.

التحريم الي الكراهة لما ورد في صحيح مرة مولي خالد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة، فقال: القوها أبعدها اللّه غير محمودة و لا مفقودة»(1).

و مرة و ان لم يوثق في كتب الرجال و لكن يمكن إثبات وثاقته باعتبار رواية صفوان عنه.

ثم انه علي تقدير التعارض و عدم التسليم بعرفية الحمل علي الكراهة فالأصل بعد التساقط يقتضي البراءة، و النتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

الادّهان
اشارة

لا يجوز للمحرم الادّهان و لو بما ليس له رائحة طيبة الا عند الحاجة لعلاج.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الادهان

فهي المشهور لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتي تحل»(2) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها الشمول لما ليس فيه رائحة طيبة.

و قد رواها جميع المشايخ الثلاثة بإسناد صحيح فراجع.

و لا يعارض ما ذكر بصحيح هشام بن سالم: «قال له ابن أبي يعفور: ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام؟ فقال: قبل و بعد و مع ليس به بأس...»(3) لأن ذلك ناظر الي ما قبل الاحرام.

ص: 527


1- وسائل الشيعة الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
2- وسائل الشيعة الباب 29 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 30 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
2 - و اما الجواز مع الحاجة

فلأنّه مع وصولها الي حدّ الاضطرار أو التضرّر فواضح لقاعدة نفي الاضطرار و الضرر، و اما مع عدم وصولها الي ذلك فلصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت»(1) و غيرها، فانها باطلاقها دالّة علي المطلوب.

إزالة الشعر عن البدن
اشارة

لا يجوز للمحرم إزالة الشعر عن بدنه أو بدن غيره و لو محلا. كما لا يجوز إزالته بواسطة المحل أيضا.

و يستثني من حرمة الإزالة حالات الضرورة أو التساقط بسبب الوضوء.

و يجوز الحك و ان احتمل تساقط بعض الشعر معه.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الازالة بالحلق

فلقوله تعالي: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (2) ، و هو باطلاقه شامل لجميع افراد الحج و لكلا فردي العمرة.

و اما حرمتها و لو بغيره فلصحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»(3) و غيرها.

و السند بطريق الشيخ إذا لم تثبت صحّته من جهة عبد الرحمن فبطريق الصدوق صحيح.

ص: 528


1- وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- البقرة: 196.
3- وسائل الشيعة الباب 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.

و المفهوم من الصحيحة حرمة قطع الشعر من أي موضع من مواضع البدن اما للإطلاق أو لفهم عدم الخصوصية.

2 - و اما عدم جواز إزالته عن بدن غيره المحل أيضا

فلصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يأخذ المحرم من شعر الحلال»(1). و هو يدل علي عدم جواز الأخذ من شعر المحرم أيضا لان الاقتصار علي الأخذ من شعر الحلال هو عرفا من باب الاقتصار علي بيان الفرد الخفي و ليس لخصوصيّة فيه.

و إذا كان الصحيح مرسلا بطريق الصدوق فهو مسند - و السند صحيح - في طريق الكليني و الشيخ، بل يمكن الحكم بالحجّية بطريق الصدوق أيضا بناء علي حجيّة مراسيله التي هي بلسان قال دون روي.

ثم انّه بناء علي هذا الحكم يتّضح ان المحرم إذا أنهي الأعمال و أراد التقصير أو الحلق فلا يجوز له تقصير اخوانه أولا بل يقصر لنفسه أولا أو يحلق ثم لغيره الا ان يدعي انصراف النص عن الحالة المذكورة.

3 - و اما عدم جواز إزالته بواسطة المحل فيمكن اثباته

بإطلاق صحيحة حريز المتقدّمة أو بأن المفهوم عرفا من حرمة قطع المحرم شعره حرمة ذلك عليه و لو تسبيبا و بواسطة غيره.

4 - و اما الجواز عند الضرورة

فلحديث نفي الاضطرار(2) أو قاعدة نفي الضرر. علي ان قوله تعالي: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ

ص: 529


1- وسائل الشيعة الباب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1) و اف باثبات المطلوب بعد ضمّ عدم احتمال الخصوصية للرأس.

5 - و اما الجواز حالة الوضوء

فلصحيح الهيثم بن عروة التميمي:

«سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان، فقال: ليس بشيء، ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(2).

هذا إذا كان المحرم يجزم بتحقّق التساقط و الا فالجواز علي طبق القاعدة للأصل كما سيأتي.

6 - و اما جواز الحك عند احتمال التساقط

فللاستصحاب الاستقبالي علي تقدير حجّيته و الا فللبراءة في الشبهة الموضوعية.

تقليم الأظفار
اشارة

لا يجوز للمحرم قص أظفاره و لا تقليمها الا في حالة الضرر و الأذي.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة القص

فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره، قال: لا يقصّ شيئا منها إن استطاع. فإن كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام»(3) و غيرها.

و موردها و ان كان هو القص الا انه يمكن ان يستفاد منها حرمة التقليم أيضا. و مع القصور يمكن التعويض بصحيحة زرارة عن أبي

ص: 530


1- البقرة: 196.
2- وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب بقية كفّارات الاحرام الحديث 6.
3- وسائل الشيعة الباب 77 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.

جعفر عليه السّلام: «من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه.

و من فعله متعمّدا فعليه دم»(1).

و المراد من الأظافير ما يشمل البعض و لا تختص بتقليم المجموع.

2 - و اما استثناء حالة الأذي

فلصحيحة معاوية.

و بالاولي تدل علي الجواز في حالة الضرر. مضافا الي امكان التمسّك بقاعدة نفي الضرر.

الارتماس
اشارة

لا يجوز للمحرم رمس كامل رأسه في الماء. و في جواز الرمس في غير الماء خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي حرمة الرمس

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول: لا تمسّ الريحان و أنت محرم...

و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك»(2) و غيرها.

و هل حرمة الارتماس لكونه مصداقا لتغطية الرأس كي يترتّب علي ذلك اختصاصها بالرجال و عمومها لرمس بعض الرأس و بغير الماء، أو لكونه بما هو هو قد توجّهت إليه الحرمة؟

الصحيح الثاني، فان ذلك ظاهر الصحيحة. بل ان الارتماس ليس من مصاديق التغطية عرفا.

2 - و اما اعتبار رمس كامل الرأس

فلان ذلك ظاهر الصحيحة.

ص: 531


1- وسائل الشيعة الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5.
2- وسائل الشيعة الباب 58 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
3 - و اما الرمس في غير الماء

فالمناسب جوازه لأصالة البراءة بعد اختصاص الصحيحة بالرمس في الماء. أجل بناء علي كون حرمة الارتماس من فروع التغطية يكون المناسب التعميم للرمس في غير الماء، و لكن قد عرفت ان ذلك خلاف الظاهر.

و يبقي الاحتياط بترك الرمس حتي في غير الماء أمرا مناسبا.

حمل السلاح
اشارة

لا يجوز للمحرم لبس السلاح و حمله. و قيل بعموم الحكم لآلات التحفّظ.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز لبس السلاح

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرم إذا خاف العدوّ يلبس السلاح فلا كفارة عليه»(1) و غيرها، فان مفهومها يدلّ علي عدم جواز اللبس مع عدم الخوف.

2 - و اما الحمل فيمكن الحكم بحرمته فيما إذا عدّ المحرم مسلّحا

لعدم احتمال خصوصية للّبس.

أجل لا يكفي ان يكون السلاح إلي جانب المحرم أو في متاعه بنحو لا يعدّ مسلّحا لأصالة البراءة بعد عدم شمول النصّ لذلك.

3 - و اما التعميم لآلات التحفظ

فلا وجه له بعد عدم شمول عنوان السلاح لها.

ص: 532


1- وسائل الشيعة الباب 54 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
القسم الثاني أي الأشياء التي حرمت علي الرجال خاصة
لبس المخيط
اشارة

يحرم علي الرجل المحرم من الملابس المخيطة القميص(1) و الدرع(2) و القباء(3) و السروال(4) و الثوب المزرر(5). و تحرم الخمسة المذكورة حتي لو تمّ صنعها عن غير طريق الخياطة كالمصنوعة عن طريق النسج.

و لا يحرم استعمال ما ذكر إذا لم يصدق عليه عنوان اللبس.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة لبس المخيط

فهي المشهور بل ربّما ادّعي عليها الاجماع الا انه لم يرد في شيء من النصوص ما يدلّ علي حرمة لبس مطلق المخيط و انما الوارد حرمة لبس الخمسة السابقة.

فالقميص دلّت صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبّي و عليه قميصه فقال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اني كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا عن شيء و أفتوني هؤلاء ان أشقّ قميصي و أنزعه من قبل رجلي و ان حجّي فاسد و ان عليّ بدنة... قال: فأخرجه من رأسك فإنّه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمرا بجهالة

ص: 533


1- و هو كل ثوب يسلك في العنق.
2- و هو كل ثوب له يدان أو فتحتان يمكن ادخال اليدين فيهما.
3- و هو ثوب يلبس فوق الملابس.
4- و هو كلّ لباس تستر به العورة.
5- و هو كلّ ثوب له ازرار يمكن عقد بعضها ببعض.

فلا شيء عليه...»(1) و غيرها علي حرمة لبسه.

و الثوب المزرر و الدرع و السراويل دلّت علي حرمة لبسها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تلبس ثوبا له ازرار و أنت محرم الا ان تنكسه، و لا ثوبا تدرعه، و لا سراويل...»(2) و غيرها.

و القباء دلّت علي حرمة لبسها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اضطر المحرم الي القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء»(3) و غيرها.

إذن لبس مطلق المخيط لا دليل علي تحريمه الا الاجماع المدعي أو فهم المثالية من النصوص السابقة لمطلق المخيط. و كلاهما كما تري.

أجل لا ينبغي ترك الاحتياط بترك لبس مطلق المخيط لشبهة الاجماع.

2 - و اما حرمة لبس الخمسة المذكورة و لو لم تكن مخيطة

فلإطلاق النصوص المتقدّمة و عدم تقييدها بما إذا كانت مخيطة.

3 - و اما عدم حرمة الخمسة في غير حالة اللبس

فللبراءة بعد عدم شمول النصوص له.

4 - و اما اختصاص حرمة ما تقدّم بالرجال

فلصحيحة العيص بن القاسم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب

ص: 534


1- وسائل الشيعة الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
2- وسائل الشيعة الباب 35 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.

غير الحرير و القفازين(1)»(2) و غيرها.

الخف و الجورب
اشارة

لا يجوز للرجل المحرم لبس الخف و الجورب. و قيل بعدم جواز لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم. و لا محذور في ستر تمام ظهر القدم بلا لبس.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز لبس الخف و الجورب

فلصحيحة رفاعة بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المحرم يلبس الجوربين؟ قال: نعم و الخفين إذا اضطر إليهما»(3) و غيرها.

و إذا كان طريق الكليني إلي رفاعة ضعيفا بسهل فطريق الصدوق صحيح، و يكفي صحّة أحد الطريقين.

2 - و اما القول بعدم جواز لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم

فقد يوجّه بفهم عدم الخصوصيّة للخف و الجورب و ان المدار علي ستر تمام ظهر القدم، الا ان ذلك كما تري.

3 - و اما عدم المحذور في الستر بلا لبس

فلاختصاص الصحيحة بعنوان اللبس فيتعدّي الي كل لبس يتحقّق به ستر تمام ظهر القدم و لا وجه للتعدي الي غير اللبس.

4 - و اما اختصاص الحرمة بالرجال

فللقصور في المقتضي لاختصاص مورد الروايات بالرجل. هكذا ذكر جماعة منهم

ص: 535


1- القفاز كرمّان: شيء يعمل لليدين يحشي بقطن تلبسهما المرأة للبرد و يكون لهما ازرار تزر علي الساعدين.
2- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9.
3- وسائل الشيعة الباب 51 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.

صاحب الحدائق(1).

و عهدة الدعوي المذكورة علي مدّعيها.

و الأنسب ان يقال: ان المسألة عامّة البلوي فلو كان لا يجوز ذلك للنساء لاشتهر، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ان اظهار المرأة المؤمنة لقدميها قضية علي خلاف طبعها الايماني.

بل قد يستشم الاختصاص بالرجال من صحيحة العيص المتقدّمة في لبس المخيط.

ستر الرأس
اشارة

لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه بثوب أو غيره حتي بعضه، أجل لا محذور في وضع اليد عليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز الستر

فلصحيحة عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «المحرمة لا تتنقب لان احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه»(2) و غيرها.

و هي صحيحة السند بكلا طريقيها فراجع.

2 - و اما التعميم للثوب و غيره و لتمام الرأس و بعضه

فلإطلاق الصحيحة.

3 - و اما جواز وضع اليد

فاذا لم نقل بانصراف الصحيحة عنه فيمكن التمسّك بصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان يضع المحرم ذراعه علي وجهه من حرّ الشمس و لا بأس ان يستر

ص: 536


1- الحدائق الناضرة 444:15.
2- وسائل الشيعة الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.

بعض جسده ببعض»(1).

4 - و اما جواز ذلك للمرأة

فللبراءة بعد القصور في المقتضي، بل ان الصحيحة واضحة في اختصاص الحكم بالرجال.

ثم انه لو قطعنا النظر عن ذلك و فرضنا ان الوارد في الصحيحة كلمة «المحرم» فمع ذلك لا بدّ من تخصيص الحكم بالرجال لعدم احتمال جواز مشي المرأة المحرمة في الشوارع مكشوفة الرأس.

التظليل
اشارة

يحرم علي الرجل المحرم التظليل بما هو متحرّك، و لا يعمّ التحريم ظل الخيمة و المنزل. و في التعميم للاستظلال الجانبي و في الليل خلاف. و لا إشكال في جوازه للنساء كما يجوز للرجال حالة الخوف علي الصحّة و نحوها.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة التظليل في الجملة

فمشهورة بين أصحابنا و لم ينسب الخلاف الا الي ابن الجنيد - و انه قال: «يستحب للمحرم ان لا يظلّل علي نفسه لان السنّة بذلك جرت»(2) ، و لعلّه لا يقصد المعني المصطلح للاستحباب - و السبزواري حيث أخذ في تقريب الاستحباب(3).

و الصحيح هو الحرمة للنصوص الكثيرة، ففي موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟

ص: 537


1- وسائل الشيعة الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 470:15.
3- الحدائق الناضرة 476:15.

قال: لا، الا مريض أو من به علّة و الذي لا يطيق حرّ الشمس»(1).

و في صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:

هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا، الا ان يكون شيخا كبيرا»(2).

و في صحيحة عبد اللّه بن المغيرة: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن أحرمت له...»(3). و الاضحاء: البروز للشمس.

بل يظهر ان مسألة حرمة التظليل كانت موردا للنزاع من القديم بين مدرسة أهل البيت عليهم السّلام التي تري الحرمة حالة السير دونه حالة النزول في الخباء و المنزل و بين المدرسة المقابلة التي تري الحلية المطلقة، ففي صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «قال أبو حنيفة: أيش فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان السنّة لا تقاس»(4).

و بعد هذا يتّضح ان التعبير ب «ما يعجبني» الوارد في صحيحة الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب القبة؟ فقال: ما يعجبني ذلك»(5) و الذي تمسّك به السبزواري لتقريب الاستحباب لا يعارض دلالة ما سبق علي الوجوب لالتئامه معه.

2 - و اما التخصيص بالظلّ المتحرّك

- كظلّ المظلّة و السيارة

ص: 538


1- وسائل الشيعة الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9.
3- وسائل الشيعة الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 11.
4- وسائل الشيعة الباب 66 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
5- وسائل الشيعة الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.

و الطائرة - في مقابل الثابت - كظل السقوف و الجسور و الأشجار - فلان المفهوم من الروايات نهي المحرم عن إيجاد ظل عليه بمظلّة و نحوها دون ما لم يحدثه هو، كيف و لو كان التحريم عامّا يلزم عدم جواز الاحرام تحت القسم المسقوف في مسجد الشجرة و تحري المحرم الطرق التي ليس فيها سقوف و لا أشجار، و هذا أمر بعيد جدّا و الا لاشتهر لشدّة الابتلاء به و لا نعكس علي الروايات.

بل ان الظل الكائن في المنزل و الخباء قد ثبت بالروايات جوازه و لذا أشكل علي أهل البيت عليهم السّلام بوجه الفرق بينه و بين الظلّ المتحرّك كما ورد في صحيحة البزنطي المتقدّمة.

3 - و اما جواز الاستظلال في الخيمة و المنزل

فواضح بناء علي اختصاص التحريم بالظلّ المتحرّك. و اما بناء علي التعميم فلا بدّ من استثناء ما ذكر لصحيحة البزنطي المتقدّمة و غيرها.

و يظهر من الصحيحة المذكورة ان الاستثناء المذكور كان واضحا في الأوساط الشيعية و لذا أشكل بعدم الفرق.

4 - و اما التظليل الجانبي

- كما في حالة رفع القسم الأعلي من السيّارة أو المشي في ظلّ السيارة - فقيل بحرمته تمسكا بإطلاق النصوص المتقدّمة.

و المناسب: الحكم بجوازه ما دام يصدق عنوان الاضحاء معه، فان ابن المغيرة سأل الامام عليه السّلام عن التظليل للمحرم فأجاب عليه السّلام بلزوم تحقّق الاضحاء، و هذا يعني انه كلّما تحقّق عنوان الاضحاء كان ذلك كافيا.

5 - و اما التظليل ليلا

فقيل بعدم جوازه أيضا لان الاستظلال عبارة

ص: 539

عن التستر من شيء، و لا يلزم ان يكون ذلك الشيء شمسا بل يكفي ان يكون الريح و البرد المتحقّقين ليلا. ان التظليل بهذا المعني ثابت ليلا أيضا فيكون محرما بمقتضي إطلاق النهي عن التظليل في موثقة إسحاق بن عمّار.

و المناسب الحكم بالجواز لانصراف التظليل المنهي عنه الي التظليل بالشمس. مضافا الي ان المستفاد من صحيحة ابن المغيرة حصر التظليل المحرم بالتستر من الشمس كما تقدّم.

6 - و اما جوازه للنساء

فمن المسلّمات. و تدل عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن المحرم يركب القبة؟ فقال: لا.

قلت: فالمرأة المحرمة، قال: نعم»(1) و غيرها.

7 - و اما الجواز للرجال حالة الخوف و نحوها

فلحديث رفع الاضطرار(2) و قاعدة نفي الضرر و التصريح به في موثقة إسحاق السابقة و غيرها.

القسم الثالث أي الأشياء التي حرمت علي النساء خاصة
ستر الوجه
اشارة

لا يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بنقاب(3) و غيره. و يستثني من ذلك انزال ما علي رأسها من خمار و نحوه تحجّبا من الأجنبي.

كما لا يجوز لها لبس القفازين و الحرير الخالص.

ص: 540


1- وسائل الشيعة الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- النقاب كاللّثام للرجل يستر الفم و قسما من الأنف.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز ستر الوجه

فلصحيحة عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «المحرمة لا تتنقّب لان احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه»(1) و غيرها. و بالتعليل يتعدّي الي كلّ ما يستر الوجه و ان لم يكن نقابا.

2 - و اما استثناء الاسدال من الستر المحرم

فلصحيحة حريز: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المحرمة تسدل الثوب علي وجهها إلي الذقن»(2) و غيرها.

3 - و اما عدم جواز لبس القفازين و الحرير

فلصحيحة العيص المتقدّمة في لبس المخيط.

و اما التقييد بالخلوص فلموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه...»(3) و غيرها.

متي الاحلال؟
اشارة

بالاحرام يحرم جميع ما تقدّم. و بالحلق أو التقصير يحل الجميع عدا ثلاثة:

النساء و الطيب و الصيد.

و المستند في ذلك:

1 - اما حلية ما عدا الثلاثة بما ذكر

فمن المسلّمات. و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من

ص: 541


1- وسائل الشيعة الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
3- وسائل الشيعة الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 7.

كل شيء أحرم منه الا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه الا النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه الا الصيد»(1) و غيرها.

2 - و اما النساء فتحلّ بطواف النساء.

و هو من المسلّمات - بل سمّي بذلك لذلك - و تدل عليه الصحيحة السابقة و غيرها.

3 - و اما الطيب

فقد دلّت بعض الروايات، كصحيحة يونس بن يعقوب عن أبي الحسن موسي عليه السّلام: «جعلت فداك رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمي الجمرة و لم يحلق، قال: لا بأس»(2) علي حليته - قبل الحلق - بالرمي.

و بعضها دلّ علي حليّته بعد طواف الحج، كصحيحة معاوية السابقة.

و الطائفة الأولي لهجرانها بين الأصحاب و عدم العامل بها ساقطة عن الحجّيّة. علي ان بالإمكان حملها علي صورة الجهل.

و بقطع النظر عن ذلك تتعارض مع صحيحة معاوية، و المرجع بعد التساقط إطلاق ما دلّ علي تحريم المحرّمات بالاحرام، فإنّه يلزم التمسّك به ما لم يثبت التحليل.

و مع التنزل و عدم تمامية الاطلاق المذكور يكون المرجع هو استصحاب التحريم، و النتيجة واحدة.

أجل بناء علي عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية

ص: 542


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 12.

يلزم الرجوع إلي البراءة في مورد الشكّ في الجعل الزائد، و معه تختلف النتيجة.

و الطائفة الثانية معارضة بما دلّ علي حليّة الطيب بالحلق و ان المحرّم بعده خصوص النساء، كما في صحيحة سعيد بن يسار:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع، قلت: إذا حلق رأسه يطليه بالحناء؟ قال: نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شيء الا النساء، رددها عليّ مرّتين أو ثلاثا»(1).

و يمكن الجمع بحمل الاولي علي الكراهة. أجل لو لم يكن الجمع المذكور مقبولا عرفا في المقام يحصل التعارض و التساقط و يلزم الرجوع الي الاطلاق السابق، و تكون النتيجة بقاء الحرمة بعد الحلق عكس نتيجة الجمع العرفي.

و لو فرض عدم تمامية الاطلاق فالمرجع هو الاستصحاب، و تبقي النتيجة كما هي.

نعم بناء علي عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية يلزم الرجوع الي البراءة، و تكون النتيجة متقاربة مع الجمع العرفي.

4 - و اما الصيد

فمقتضي صحيحة معاوية السابقة حليته من حيث الاحرام بعد الحلق الا أنّ مقتضي روايته الاخري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من نفر في النفر الأوّل متي يحل له الصيد؟ قال: إذا زالت الشمس من اليوم الثالث»(2) بقاء الحرمة الي زوال الشمس من اليوم الثالث.

ص: 543


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7.
2- وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب العود الي مني الحديث 4.

و لكن حيث لا يعرف عامل بهذه الرواية - بل هي ضعيفة في كلا طريقيها بالحكم بن مسكين - فالمناسب التنزل الي الاحتياط بترك الصيد الي زوال الثالث عشر.

و لو لا ذلك لكان المناسب ان تكون الرواية المذكورة مقيّدة لإطلاق مفهوم الصحيحة الاولي لمعاوية.

هذا علي تقدير عرفية التقييد المذكور و الا حصل التعارض و التساقط و لزم الرجوع الي الاطلاق المتقدّم - ان كان - أو الاستصحاب، و النتيجة واحدة علي جميع التقادير. و انما تختلف لو رجعنا الي البراءة علي فرض عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

ص: 544

كتاب الجهاد

اشارة

1 - وجود الجهاد 2 - أحكام مرتبطة بالجهاد 3 - أحكام مرتبطة بالأراضي

ص: 545

ص: 546

1 - وجوب الجهاد
اشارة

جهاد الكفّار واجب مع وجود الإمام عليه السّلام حتي يسلموا أو يعطوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب أو حتي يسلموا إن كانوا من غيرهم. و قيل بلزوم ذلك في عصر الغيبة أيضا.

و الوجوب المذكور كفائيّ. و شرطه التكليف و الذكورة و القدرة. هذا في الجهاد.

و أمّا الدفاع إذا دهم المسلمين عدوّ يخشي منه علي بيضة الإسلام، فواجب بشرط القدرة لا غير اتفاقا.

و هكذا إذا كان المسلم في أرض المشركين و غشاه عدوّ خاف منه علي نفسه.

و إذا اقتتلت طائفتان من المسلمين وجب الإصلاح بينهما فإن لم يجد وجب قتال الباغية حتي تفيء إلي أمر اللّه سبحانه.

و يحرم الجهاد في الأشهر الحرم أو في الحرم إلاّ أن يبدأ الخصم بذلك.

ص: 547

و المستند في ذلك:

1 - أمّا وجوب الجهاد في الجملة

فهو من ضروريات الدين. و يدلّ عليه أيضا قوله تعالي: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (1) ، فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ (2) و غيرهما من الآيات الكثيرة. و الروايات في ذلك فوق حدّ الإحصاء(3).

2 - و أمّا كون الوجوب ثابتا مع وجود الإمام عليه السّلام

فلأنّه القدر المتيقّن من أدلّة وجوب الجهاد.

3 - و أمّا التخيير بين الأمرين في أهل الكتاب

فلقوله تعالي: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (4).

4 - و أمّا تعيّن القتال حتي يتحقق الإسلام في غير أهل الكتاب

فلان الآية الكريمة المتقدّمة الدالّة علي أخذ الجزية مختصّة بأهل الكتاب و يبقي إطلاق الآيات المتقدّمة الدالة علي وجوب القتال حتي تحقق الإسلام علي حاله بالنسبة إلي غيرهم. هذا مضافا إلي دلالة جملة من الروايات علي ذلك(5).

5 - و أمّا وجه القول بشمول الوجوب لعصر الغيبة أيضا

فيكفي فيه

ص: 548


1- الأنفال: 39.
2- النساء: 74.
3- وسائل الشيعة الباب 1 و ما بعده من أبواب جهاد العدوّ.
4- التوبة: 29.
5- وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ.

إطلاق الآيات الكريمة المتقدّمة. و لا دليل علي التقييد سوي أحد أمور ثلاثة:

أ - صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون اللّه عزّ و جلّ»(1) و غيرها ممّا دلّ علي حرمة الخروج بالسيف قبل قيام القائم عجل اللّه تعالي فرجه الشريف.

و الجواب عنها واضح لعدم نظرها إلي قتال الكفار للدعوة إلي الإسلام بل إمّا إلي الثورات الداخلية التي كان يقوم بها بعض العلويين ضد السلطة العباسية بدوافع خاصّة غير إسلامية، أو إلي بعض الحركات التي كانت تقوم تحت شعار المهدويّة.

و يؤيّد ذلك رواية زكريا: «و من رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت»(2).

ب - رواية أو صحيحة بشير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: إني رأيت في المنام أني قلت لك: ان القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير فقلت لي: نعم هو كذلك. فقال أبو عبد اللّه: هو كذلك هو كذلك»(3) و نحوها غيرها. إلاّ انها لو تمّت سندا قاصرة دلالة لكونها ناظرة إلي الخروج مع الظالم و القتال معه.

ج - التمسك بالإجماع المدّعي علي الشرطيّة. و هو - لو كان ثابتا حقا - محتمل المدرك، و بالإمكان استناده إلي الروايات التي تقدّم ضعف دلالتها. و قد صرّح صاحب الجواهر بما ذكر و انه لو لا الإجماع فبالإمكان1.

ص: 549


1- وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب جهاد العدوّ الحديث 6.
2- الكافي 297:8 الحديث 456.
3- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب جهاد العدوّ الحديث 1.

المناقشة في الشرطية لعموم أدلة الجهاد، و يظهر منه الميل إلي نفي الشرطية بل اختيار ذلك(1).

و من خلال ما ذكرناه يتّضح ان القول المذكور هو المناسب لما يقتضيه إطلاق الأدلة.

6 - و أمّا ان الوجوب كفائي

فلان الغرض ما دام يتأتّي بقيام جماعة به فلا وجه للعينية. أجل عند عدم قيام من به الكفاية يصير عينيا.

7 - و أمّا اشتراطه بالتكليف و القدرة

فلكونهما من الشرائط العامّة علي ما تقدّم.

و أمّا اشتراطه بالذكورة فلانعقاد السيرة القطعيّة زمن الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله علي عفو النساء عن ذلك. علي ان بالإمكان استفادة ذلك من بعض الروايات الخاصّة(2).

8 - و أمّا وجوب الدفاع في الحالة المتقدّمة

فلضرورة وجوب الحفاظ علي بيضة الإسلام علي الجميع مع القدرة.

9 - و أمّا لزوم ذلك علي المسلم في أرض المشركين

فلوجوب الحفاظ علي النفس من الهلاك لقوله تعالي: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ (3). مضافا إلي دلالة صحيحة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون، قال: علي المسلم أن يمنع نفسه و يقاتل عن حكم اللّه و حكم

ص: 550


1- جواهر الكلام 41:21.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب جهاد العدوّ الحديث 1.
3- البقرة: 195.

رسوله، و أمّا أن يقاتل الكفار علي حكم الجور و سنّتهم فلا يحلّ له ذلك»(1).

و طلحة و إن لم يوثق إلاّ انه يكفي للاعتماد علي رواياته تعبير الشيخ عن كتابه بكونه معتمدا(2).

10 - و أمّا حكم الطائفتين المقتتلتين من المسلمين

فيدل عليه قوله تعالي: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَي الْأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّي تَفِيءَ إِلي أَمْرِ اللّهِ (3).

11 - و أمّا حرمة القتال في الأشهر الحرم

فلقوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ (4) ، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (5).

12 - و أمّا جوازه مع بدء الخصم

فلانه آنذاك دفاع تقتضيه الضرورة و لقوله تعالي: اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (6).

13 - و أمّا حرمته في الحرم إلاّ مع البدأة

فلقوله تعالي:

وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّي يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (7) بعد ضمّ عدم القول بالفصل في حرمة القتال بين كونه في المكان القريب من المسجد الحرام و البعيد عنه ما دام ذلك في الحرم، هذا

ص: 551


1- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب جهاد العدوّ الحديث 3.
2- فهرست الشيخ الطوسي: 86، رقم 362.
3- الحجرات: 9.
4- البقرة: 217.
5- التوبة: 5.
6- البقرة: 194.
7- البقرة: 191.

مضافا إلي نكتة الدفاع المتقدمة.

2 - أحكام الجهاد
اشارة

الجهاد كما يجب بالنفس كفاية، فكذلك بالمال فيجبان كفاية معا علي القادر. و مع التمكّن من أحدهما فقط كان هو الواجب.

و الفرار من الزّحف محرّم إلاّ لتحرّف في القتال أو تحيّز إلي فئة(1).

و الهجرة من بلد الكفر واجبة لمن يضعف عن اقامة واجبات الإسلام إلاّ لمن لا يتمكن من ذلك و هو المستضعف من الرّجال و النّساء و الولدان.

و تستحب المرابطة لحفظ الثغور إلاّ إذا كانت البلاد الاسلامية في معرض الخطر فتجب.

و المستند في ذلك:

1 - أمّا وجوب الجهاد بالمال أيضا

فلقوله تعالي: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (2) و غيره من الآيات الكريمة. علي ان الدعوة إلي الإسلام لمّا كانت واجبة بالضرورة كان ما تتوقّف عليه واجبا بالضرورة أيضا.

ص: 552


1- التحرّف هو من الحرف بمعني الطرف و الجانب، و المراد: الابتعاد عن وسط المعركة إلي جانبها ليمكن الكرّ علي العدو بشكل أقوي. و التحيّز من الحيّز بمعني المكان، و المراد: الذهاب إلي مكان آخر فيه جماعة من المسلمين تمكن الاستعانة بهم.
2- التوبة: 41.

و أمّا كون ذلك بنحو الكفاية أيضا فلتأتّي الغرض بذلك.

و أمّا وجوب أحدهما عند القدرة عليه دون الآخر فلكونه مقتضي استقلاليّة وجوب كل واحد منهما.

2 - و أمّا حرمة الفرار إلاّ في الحالتين

فلقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلي فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (1).

3 - و أمّا وجوب الهجرة من بلد الكفر في الحالة المتقدّمة

فلقوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ... (2). و الروايات في ذلك كثيرة(3).

4 - و أمّا استحباب المرابطة

فهو من الامور المسلّمة. و يدلّ عليه ما رواه محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرباط ثلاثة أيام، و أكثره أربعون يوما، فإذا كان ذلك فهو جهاد»(4) و غيره.

و أمّا وجوبه في حالة المعرضية للخطر فلوجوب الحفاظ علي الإسلام و أرضه.

ص: 553


1- الأنفال: 15-16.
2- النساء: 97-98.
3- وسائل الشيعة الباب 36 من أبواب جهاد العدوّ.
4- وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب جهاد العدوّ الحديث 1.
3 - أحكام مرتبطة بالأراضي
اشارة

الأرض المفتوحة عنوة إذا كانت محياة حالة الفتح فهي ملك لجميع المسلمين. و أمرها بيد وليّ الأمر، فله تقبيلها مقابل الخراج بما يراه صلاحا. و لا يجوز بيع رقبتها و لا وقفها و لا هبتها.

و يصرف وليّ الأمر الخراج في المصالح العامّة للمسلمين. و ذلك معني ملكية جميع المسلمين لها.

و إذا كانت ميّتة فهي لمن أحياها، و هكذا كلّ أرض ميّتة.

و المستند في ذلك:

1 - أمّا ملكية الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين

فتدلّ عليها صحيحة محمد الحلبي الواردة في أرض السواد:(1) «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد. فقلت: الشراء من الدهاقين(2) ، قال: لا يصلح إلاّ أن تشتري منهم علي أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها...»(3) و غيرها.

2 - و أمّا ان أمرها بيد وليّ الأمر

فلان ذلك مقتضي ملكيّتها لجميع المسلمين، علي ان الصحيحة السابقة واضحة في ذلك. و من ذلك يتّضح

ص: 554


1- و هي أرض العراق المفتوحة عنوة زمن الخليفة الثاني.
2- الدهقان - بكسر الدال و ضمّها - يطلق علي رئيس القرية و التاجر، و من له مال و عقار، و هو اسم اعجمي مركب من (ده) و (قان).
3- وسائل الشيعة الباب 21 من أبواب عقد البيع الحديث 4.

الوجه في عدم جواز بيعها و ما شاكله. نعم يجوز بيع الحق لعدم المانع من ذلك.

3 - و أمّا صرف الحاصل فيما ذكر

فلان ذلك معني ملكية جميع المسلمين لها، و لا يتصور معني صحيح لها غير ذلك، علي ان بعض الروايات قد دلت عليه كمرسلة حمّاد بن عيسي عن بعض أصحابه(1).

4 - و أمّا ان الأرض الميّتة حالة الفتح ملك لمن أحياها

فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من أحيا أرضا مواتا فهي له»(2) و غيرها، فانها باطلاقها تشمل الموات من المفتوحة عنوة.

لا يقال: ان الإطلاق المذكور معارض بإطلاق ما دلّ علي ان الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين بما في ذلك الموات حالة الفتح، فلما ذا الترجيح للأول؟

فإنه يقال: لم يثبت الإطلاق الثاني، فان صحيحة الحلبي واردة في أرض السواد و هي محياة حالة الفتح، و لا توجد رواية اخري يمكن التمسّك بإطلاقها.

ص: 555


1- وسائل الشيعة الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ الحديث 2.
2- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث 6.

ص: 556

كتاب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر

اشارة

ص: 557

ص: 558

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان أكيدان - بنحو الكفاية - إذا كان المعروف بالغا حدّ الوجوب. و لا يختصّ ذلك بصنف.

و شرط الوجوب معرفتهما و احتمال التأثير و الإصرار و تنجّزهما و عدم لزوم الضّرر علي الآمر أو غيره.

و لهما مراتب ثلاث: الإنكار بالقلب ثم باللسان ثم باليد. و لا ينتقل إلي اللاحقة مع إجداء السابقة.

و في جواز الانتقال إلي الجرح أو القتل خلاف.

و يتأكّد الوجوب علي المكلف بالنسبة إلي أهله.

و المستند في ذلك:

1 - أمّا أصل وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

فمتسالم عليه بل هو بالغ حدّ الضرورة. و يمكن استفادته من قوله تعالي: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

ص: 559

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) ، يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ... (2) ، خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ... (3) بعد ضم قاعدة الاسوة المستفادة من قوله تعالي: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (4).

و في رواية محمد بن عرفة: «سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول:

لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»(5).

و في روايته الاخري: «إذا أمّتي تواكلت الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاع من اللّه»(6).

بل قيل بالوجوب عقلا بقطع النظر عن ورود الشرع به و إن أمكنت المناقشة بعدم حكم العقل بالإلزام بل بالرجحان.

2 - و أمّا كون الوجوب بنحو الكفاية

فقد وقع محلا للخلاف فقيل بكونه عينيّا تمسّكا بالأصل و ظاهر الخطابات المتوجّهة إلي الجميع.

لكن ذلك مدفوع بعدم المعني للعينية بعد إمكان تأتّي الغرض بفعل البعض، و معه لا يبقي مجال للتمسّك بالأصل.

كما ان التمسّك بظاهر الخطابات لا وجه له بعد كون الخطاب في الكفائي عاما أيضا، حيث يتوجّه التكليف في البداية إلي الجميع و لكنه يسقط بفعل البعض.

ص: 560


1- آل عمران: 104.
2- لقمان: 17.
3- الأعراف: 199.
4- الأحزاب: 21.
5- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الأمر و النهي الحديث 4.
6- وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب الأمر و النهي الحديث 5.

و مما يؤكّد الكفائية الآية الاولي بناء علي كون «من» للتبعيض.

ثم انه إذا حصل الجزم بأحد الاحتمالين أخذنا به و إلاّ وصلت النوبة إلي الأصل العملي و هو يقتضي الكفائيّة، للشك في توجّه التكليف بعد تصّدي البعض له.

لا يقال: ان الخطاب في البداية حيث هو متوجّه إلي الجميع، فالشك عند تصدّي البعض له شك في السقوط، و هو مجري لقاعدة الاشتغال و الاستصحاب.

فإنّه يقال: ان الخطاب في الكفائي في البداية و إن كان موجّها إلي كل فرد لكنه مشروط بعدم قيام الآخرين به.

و تظهر الثمرة بين الاحتمالين فيما لو تصدّي له من به الكفاية و لم يتحقق الغرض بعد، فعلي الكفائيّة يسقط عن البقية بخلافه علي العينية.

و هذه الثمرة إن تمّت فبها و إلاّ فتصوّر الثمرة بين الاحتمالين مشكل.

3 - و أمّا تقييد المعروف ببلوغه حدّ الوجوب

فلأنه بدونه يكون مستحبا و الأمر به كذلك. و أمّا عدم تقييد المنكر فلعدم تصوّر ذلك فيه.

4 - و أمّا عدم اختصاص الأمر و النهي بصنف - كالحاكم السياسي

و رجال الدين

- فلإطلاق الأدلّة و عدم المقيّد لها.

و قد يستدلّ علي التقييد بالآية الاولي المتقدّمة و بقوله تعالي:

اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (1) .

و يرد الأول: ان الآية المتقدّمة أدلّ علي العكس حيث وجّهت التكليف

ص: 561


1- الحج: 41.

إلي الجميع بتهيئة أمّة.

و الثاني: بان وصف المتمكّنين في الأرض بذلك لا يدلّ علي اختصاص الوظيفة بهم.

5 - و أمّا اشتراط الوجوب بالمعرفة

فلان القدرة علي امتثال التكليف بالأمر بما هو معروف و النهي عما هو منكر فرع العلم بأنهما كذلك.

و هل هي شرط للوجوب أو للواجب؟ مقتضي إطلاق الخطابات هو الثاني.

و علي هذا يجب التعلم علي من يعلم بان بعض الناس في مجتمعه يرتكب المعصية و يترك الطاعة من دون تمييز بينهما. أجل، مع الشك في صدور ذلك لا يجب التعلم لعدم إحراز موضوع الخطاب، و مقتضي الأصل البراءة و من ثمّ لا يجب الأمر و النهي.

و لئن وجب التعلّم فذلك من باب وجوب التفقه في الدين، و هو مطلب آخر.

هذا إلاّ ان المنسوب إلي جملة من الأعلام اختيار كونه شرطا للوجوب تمسّكا برواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول و سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: أ واجب هو علي الامّة جميعا؟ فقال: لا. فقيل له: و لم؟ قال: إنما هو علي القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا علي الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلي أيّ من أيّ يقول من الحق إلي الباطل(1). و الدليل علي ذلك كتاب اللّه عزّ و جلّ قوله:

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ

ص: 562


1- قال في الوافي 182:15: «يقول من الحق إلي الباطل، كأنّه من كلام الراوي؛ و معناه أنّهم يدعون الناس من الحق إلي الباطل لعدم اهتدائهم سبيلا إليهما...».

اَلْمُنْكَرِ (1) فهذا خاصّ غير عام...»(2).

و فيه: ان سند الرواية ضعيف بمسعدة فانه لم يوثّق.

و قد تقرّب شرطية العلم لأصل التكليف بان الواجب النهي عن المنكر، و المنكر بمنزلة الموضوع للحكم، و المقصود متي ما تحقق المنكر خارجا وجب الردع عنه، فإذا لم يعلم بالمنكر فلا يحرز تحقّق الموضوع، و من ثمّ لا تحرز فعليّة التكليف ليجب التعلم.

و فيه: ان هذا وجيه لو لم يعلم المكلف إجمالا بصدور بعض المنكرات بالفعل أو علي طول خط الزمان في مجتمعه الذي يعيش فيه، أمّا بعد العلم كذلك - كما يقتضيه الواقع في كل زمان - فلا يتمّ ما ذكر.

6 - و أمّا اعتبار احتمال التأثير

فللزوم اللغوية بدون ذلك.

و هل يعتبر عدم الظن بعدم التأثير؟ كلاّ لإطلاق الخطابات و عدم لزوم محذور اللغوية.

ثم ان احتمال التأثير ليس شرطا في جميع مراتب النهي الآتية و إنّما هو شرط في الأخيرتين دون الاولي التي هي الردع بالقلب، فان تلك من لوازم الإيمان و لا معني لاشتراطها بذلك بل هي ليست من مصاديق الأمر و النهي.

7 - و أمّا اعتبار الإصرار

فلعدم الموضوع لهما بدون ذلك بل قد يحرمان آنذاك للعنوان الثانوي.

و هل يسقط التكليف بالظن بعدم الإصرار؟ قد يقال: كلاّ لإطلاق الخطابات و الاقتصار علي المتيقّن في تقييده.

ص: 563


1- آل عمران: 104.
2- وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب الأمر و النهي الحديث 1.

و المناسب سقوطه ما دام يحتمل عدم الإصرار لان الإصرار ما دام قيدا في الموضوع فمع عدم إحرازه لا يحرز الموضوع و من ثمّ يكون التمسّك بالإطلاق تمسّكا به في الشبهة المصداقية، و حيث انه لا يجوز فلا يبقي مانع من الرجوع إلي أصل البراءة.

8 - و أمّا اعتبار التنجّز

فلأنّه بدونه - كما لو كان المرتكب معذورا لاشتباهه في الموضوع أو في الحكم اجتهادا او تقليدا - لا يصدق المنكر في حقّه ليلزم ردعه، نعم اذا تكرر الاشتباه و كان المورد ممّا يهتمّ به الشارع المقدس فلا بدّ من التنبيه. و هكذا لو فرض ان وقوع المشتبه سبب لتشجيع الآخرين علي المعصية و صدورها فانه يجب التنبيه حذرا من صدور العصيان من الآخرين و ليس من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

9 - و أمّا اعتبار عدم الضرر

فلقاعدة نفي الضرر المنصوص عليها في صحيحة زرارة(1) و غيرها بناء علي ما هو المشهور من تفسيرها بنفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

و يستثني من ذلك ما إذا كان المورد مهمّا و بحاجة إلي الأمر و النهي بالرغم من لزوم الضرر، فيلزمان ما دام يعلم ببقاء ملاكهما حتي مع لزوم الضرر.

و الطريق لإحراز الضرر لا يختصّ بالعلم بل يكفي الخوف لأنه طريق عقلائي في مثل ذلك و لم يرد عنه ردع شرعي فيستكشف إمضاؤه.

10 - و أمّا المراتب الثلاث

فالدال عليها من السنّة الشريفة ضعيف

ص: 564


1- وسائل الشيعة الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 3.

كما لا يوجد عليها دال من الكتاب الكريم الا انا في غني عن ذلك فان الاولي من لوازم الايمان التي لا تنفك عنه بناء علي تفسيرها بالانزعاج القلبي لا باظهار الانزعاج و الإعراض و إلا كانت كالأخيرتين من مصاديق الأمر و النهي، بل لو تصوّرنا مرتبة رابعة حكمنا بوجوبها بلا حاجة إلي دليل خاصّ تمسكا بإطلاق أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

11 - و أمّا الانتقال إلي اللاحقة بتعذّر السابقة

فلا دليل معتبر من الروايات عليه إلاّ ان بالإمكان إثبات ذلك بتقريبين:

احدهما: ان من يقرأ نصوص الباب يفهم ان الغرض تحقيق المعروف و الإقلاع عن المنكر فإذا فرض إمكان تحقيق ذلك بالمرتبة الأخف فليس عقلائيا الانتقال إلي الأشدّ و لا تجويز ذلك.

ثانيهما: التمسّك بقانون اُدْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (1) فإنّ الدعوة بالحكمة لا تتم إلاّ بالتدرّج.

و بهذا يتّضح ان إطلاق خطابات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يمكن التمسّك به بعد ما ذكر.

كما يتّضح لزوم التدرّج في كلّ واحدة من المراتب إذا كانت قابلة للتفاوت.

12 - و في جواز الجرح و القتل كلام ينبغي تسرية ذلك إلي الضرب

أيضا.

و ذلك لأمرين:

أحدهما: ان الأمر و النهي لا يصدقان إلاّ علي ما كان أمرا و نهيا

ص: 565


1- النحل: 125.

بالقول و اللسان و لا يعمّان ما كان ضربا أو جرحا أو قتلا، و معه تبقي الامور المذكورة تحت دليل الحرمة.

و فيه: ان المفهوم من النصوص مطلوبيّة تحقيق المعروف و الارتداع عن المنكر بأي وسيلة أمكنت و لا خصوصية للألفاظ.

ثانيهما: علي تقدير التسليم بعمومية الأمر و النهي لما ذكر يقع ذلك طرفا للمعارضة مع أدلّة حرمة إيذاء المؤمن و ضربه و جرحه و قتله. و بعد المعارضة ينبغي الرجوع إلي استصحاب الحرمة الحاكم علي أصالة البراءة.

و فيه: ان دليل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ناظر إلي العنوان الثانوي، في حين ان دليل حرمة الإيذاء و نحوه ناظر إلي العنوان الأوّلي، و عند المعارضة بين دليلين من هذا القبيل يقدّم الأول بلا خلاف.

و المناسب أن يقال: أمّا القتل فلا يجوز لان المفهوم من أدلة النهي نهي الشخص عن المنكر فلا بدّ من افتراض بقاء الشخص لينهي عن المنكر.

و أمّا بالنسبة إلي الضرب و الجرح فلا محذور في التمسّك بإطلاق الخطابات لإثبات وجوبهما.

أجل مقتضي الاحتياط بالنسبة إلي الجرح الاستئذان من الحاكم الشرعي حفاظا علي النظام من الاختلال و الهرج و المرج لو جاز ذلك لكل أحد.

13 - و أمّا التأكد بلحاظ الأهل

فلثبوت مسئولية خاصّة علي ربّ الاسرة اتجاه أفراد عائلته، لقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ

ص:566

وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ (1).

ثمّ انه بتأكد وجوب فعل المعروف و ترك المنكر و تتأكّد المسؤولية علي المعلّم بلحاظ التلاميذ و الملك بلحاظ الرعيّة و رجل الدين بلحاظ أفراد المجتمع المؤمن، فإن التزيّي بلباس المعروف و خلع رداء المنكر يحقق بنفسه أسلوبا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

قال صاحب الجواهر: «من أعظم أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خصوصا بالنسبة إلي رجل الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه و مندوبه و ينزع رداء المنكر محرّمه و مكروهه و يستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة و ينزّهها عن الأخلاق الذميمة، فإنّ ذلك منه سبب تامّ لفعل الناس المعروف و نزعهم المنكر»(2).

بل يمكن أن يقال: ان سموّ المنزلة بنفسه سبب لتضاعف العقوبة و ازديادها كما يستفاد ذلك بوضوح من القاعدة القرآنية: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَي اللّهِ يَسِيراً * وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (3).

ص: 567


1- التحريم: 6.
2- جواهر الكلام 382:21.
3- الأحزاب: 30.

المجلد 2

اشارة

سرشناسه:ايرواني، باقر، 1328 -

عنوان و نام پديدآور:دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام/ باقر الايرواني.

وضعيت ويراست:[ويراست ؟].

مشخصات نشر:قم : مركزالمصطفي(ص) العالمي للترجمه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهري:3 ج.

فروست:مركزالمصطفي صلي الله عليه و آله العالمي للدراسات والتحقيق؛ 16.

شابك:دوره 978-964-195-706-5 : ؛ 100000 ريال: ج.1 978-964-195-707-2 : ؛ ج.2 978-964-195-708-9 : ؛ 55000 ريال (ج. 2، چاپ هشتم) ؛ ج.3 978-964-195-709-6 : ؛ 700000 ريال (ج. 3، چاپ هشتم) ؛ ج.4 978-964-195-710-2 : ؛ 85000 ريال (ج. 4، چاپ هشتم)

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:كتابنامه.

موضوع:فقه جعفري -- قرن 14

رده بندي كنگره:BP183/5/الف86د4 1392

رده بندي ديويي:297/342

شماره كتابشناسي ملي:3202203

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

الجزء الثاني

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف الخلق و أكرمهم محمّد و علي أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

و بعد هذا هو الجزء الثاني من كتابنا دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي المذهب الجعفري، أسأله تعالي ان ينفع به اخواننا الاعزاء طلاب الحوزات العلمية و ان يجعله بذرة لبرمجة كتبنا الدراسية تنضح بجهود بقية اخواني الافاضل الاعزاء.

فشكرا لك اللهم علي نعمك و آلائك و حمدا لك علي توفيقك و عنايتك فكم يا ربّ من صعب ذل بلطفك، و كم من عسير تيسر بجودك، انك جواد كريم رءوف رحيم، و ما توفيقي الا بك عليك توكلت و إليك انيب.

باقر الايرواني

18 /ربيع الاول/ 1419 ه

قم المشرّفة

ص: 7

ص: 8

العقود

اشارة

1 - البيع

2 - الاجارة

3 - المزارعة

4 - المساقاة

5 - الشركة

6 - الضمان

7 - الحوالة و الكفالة

8 - الصلح

9 - الوكالة

10 - المضاربة

11 - القرض

12 - الرهن

13 - الهبة

14 - الوديعة

15 - العارية

16 - السبق و الرماية

17 - النكاح

ص: 9

ص: 10

كتاب البيع

اشارة

1 - شروط عقد البيع

2 - شروط المتعاقدين

3 - شروط العوضين

4 - الخيارات

5 - الربا

6 - بيع الصرف

7 - بيع السلف

8 - محرمات في الشريعة

ص: 11

ص: 12

1 - شروط عقد البيع
اشارة

يعتبر في البيع الإيجاب و القبول بكلّ ما يدلّ عليهما و لو لم يكن صريحا أو كان ملحونا أو ليس بعربي و لا بماض.

و يعتبر التطابق بين الايجاب و القبول دون الموالاة بينهما أو تأخّر القبول.

و ذهب المشهور إلي اعتبار التنجيز.

و لا يعتبر اللفظ في تحقّق البيع و تكفي المعاطاة. و الملك الحاصل بها لازم.

و يعتبر فيها ما يعتبر في العقد اللفظي من شروط العقد و العوضين و المتعاقدين.

و تثبت فيها الخيارات كما تثبت فيه.

و هي تجري في جميع المعاملات إلاّ ما خرج بالدليل كالنكاح و الطلاق و النذر و اليمين.

و المستند في ذلك:

1 - امّا البيع

ففي تحديد حقيقته خلاف بالرغم من بداهتها إجمالا

ص: 13

و عدم ثبوت حقيقة شرعية أو متشرعية له.

و قد نقل الشيخ الأعظم عدّة آراء في ذلك لعلّ أجودها ما اختاره هو قدّس سرّه من انّه تمليك عين بعوض(1).

و الإشكال عليه بشموله للشراء و الاستيجار - حيث ان المشتري بقبوله يملّك ماله بعوض و مستأجر العين يملّك الاجرة بعوض - مدفوع بما ذكره الشيخ نفسه من ان ذلك مدلول تضمني و إلاّ فالشراء و الاستيجار يدلان مباشرة علي التملّك بعوض.

و بعد هذا التحديد لا تبقي حاجة لما ذكره غير واحد من المتأخّرين من ان البيع «نقل المال بعوض بما ان العوض مال لا لخصوصية فيه، و الاشتراء هو إعطاء الثمن بإزاء ما للمشتري غرض فيه بخصوصه في شخص المعاملة»(2).

ان إضافة التقييد المذكور وجيهة لو لم نتمكّن من دفع الإشكال السابق بما تقدّم و إلاّ فلا حاجة إليها.

علي ان ذكر المال يستلزم اعتبار مالية المبيع في صدق البيع لغة و هو بلا ملزم. إضافة إلي شمول التعريف للإجارة و عدم اختصاصه بالبيع.

2 - و اما اعتبار الايجاب و القبول في البيع

فلأنّه عقد و ليس إيقاعا، و هو متقوّم بهما.

3 - و امّا الاكتفاء بكل ما يدلّ عليهما و لو لم يكن صريحا

فلأنّه بعد ظهور اللفظ في البيع و صدق عنوانه - و لو كان الاستعمال بنحو

ص: 14


1- كتاب المكاسب 239:1، انتشارات اسماعيليان.
2- منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 13:2 الطبعة 28 و تعليقة الشهيد الصدر علي منهاج الصالحين 20:2.

المجاز أو الكناية - يشمله إطلاق أدلّة الامضاء كقوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1).

و مع الأصل اللفظي المذكور لا تصل النوبة إلي الأصل العملي المقتضي للاقتصار علي القدر المتيقّن لاستصحاب عدم ترتّب الأثر عند الانشاء بغيره.

لا يقال: ان الأصل العملي يقتضي - كالأصل اللفظي - نفي شرطية ما يشك في شرطيّته، فإنّ حديث البراءة يعمّ الأحكام الوضعية أيضا حيث طبّقه الامام عليه السّلام لنفي الصحّة عن الحلف المكره عليه، كما في صحيحة صفوان و البزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام(2). و بارتفاع الشرطية المشكوكة بالبراءة لا يبقي مجال للتمسّك بأصالة عدم ترتّب الأثر لأنّ الشك فيه مسبب عن الشك في الشرطية.

فإنّه يقال: إنّ الشك في الشرطية يرجع في روحه إلي الشكّ في ترتّب الأثر علي الفاقد للقيد المحتمل اعتباره، و الأصل في مثله لا يقتضي البراءة بل عدم ترتّب الأثر.

و بكلمة اخري: ان مرجع الشك في الشرطية إلي علم و شك، أي إلي علم بأن الواجد للقيد يترتّب عليه الأثر جزما، و شك في ترتّبه علي الفاقد، و عند الشك في ترتّب الأثر لا معني للبراءة.

و بهذا يتّضح الفارق بين المقام و مسألة الشك بين الأقل و الأكثر الارتباطيين حيث يتمسّك فيها بالبراءة.

و الفارق: انّه في تلك المسألة يرجع الشك إلي العلم بتعلّق التكليف2.

ص: 15


1- البقرة: 275.
2- وسائل الشيعة 164:16 الباب 12 من كتاب الإيمان الحديث 12.

بتسعة أجزاء مثلا و الشك في تعلّقه بما زاد، و البراءة تقتضي نفي ذلك لأنّ لازمه ثبوت الكلفة الزائدة، و حيث إنّها مشكوكة فيمكن نفيها بالبراءة. و هذا بخلافه في المقام فإنّ مرجع الشك إلي العلم بترتّب الأثر و الامضاء علي الواجد للقيد و الشك في ترتّب ذلك علي الفاقد، و الأصل عدمه.

4 - و امّا الجواز بالملحون و غير الماضي أو العربي

فلإطلاق أدلّة الامضاء المتقدّمة.

و دعوي اعتبار العربية من باب وجوب التأسي بالنبيّ صلّي اللّه عليه و آله حيث كان يعقد بها، مدفوعة بأنّ التأسي يراد به الإتيان بالفعل علي النحو الذي كان يأتي به صلّي اللّه عليه و آله، و حيث نحتمل ان اجراءه صلّي اللّه عليه و آله العقد بالعربية كان من باب اجراء العقد بأحد أساليبه و طرقه فلا يمكن إثبات اللزوم من خلال ذلك و يبقي إطلاق أدلّة الامضاء بلا مقيّد.

و دعوي اعتبار الماضوية من جهة صراحة الماضي في الانشاء بخلاف المضارع و الأمر فانّهما أشبه بالوعد و الاستدعاء مدفوعة بأنّ الدلالة العرفية علي البيع إذا كانت متحقّقة فلا محذور في التمسّك بإطلاق أدلّة الامضاء.

5 - و اما اعتبار المطابقة

فلتوقّف صدق عنوان العقد و البيع و التجارة عن تراض علي ذلك.

6 - و امّا الموالاة

فقد قال جماعة - منهم الشهيد الأوّل في قواعده(1) - باعتبارها.

ص: 16


1- القواعد و الفوائد 234:1.

و وجّه الشيخ الأعظم ذلك بأن الايجاب و القبول بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، و مع الفاصل الطويل لا يصدق عنوان العقد(1).

و استدلّ الشيخ النائيني بأنّ حقيقة العقد خلع و لبس، فالموجب يخلع ثوب سلطانه علي المال و يلبسه القابل، و مع تحقّق الفصل يتحقّق الخلع بلا لبس، و من ثمّ لا يتحقّق العقد لأنّه عبارة عن مجموع الخلع و اللبس دون الخلع وحده(2).

و كلا الوجهين كما تري.

امّا الأوّل فلصدق عنوان المعاقدة ما دام الموجب لم يعرض عن إيجابه حتّي مع تخلّل الفصل الطويل.

و امّا الثاني فلأنّ اللبس إذا تحقّق و لو بعد فاصل طويل يصدق آنذاك تحقّق اللبس و الخلع و من ثمّ يصدق في ذلك الوقت تحقّق العقد.

علي ان اللبس و الخلع في اعتبار الموجب متحقّقان بمجرّد قوله بعت و لو لم ينضم القبول، و في اعتبار الشرع و العقلاء لم يتحقّق خلع قبل القبول بل يتحقّق هو و اللبس بعد القبول، فالانفكاك غير متصوّر في كلا الاعتبارين.

و عليه فالمناسب صحّة القبول حتّي مع الفصل الطويل ما دام الموجب لم يتراجع عن إيجابه.

7 - و امّا جواز تأخّر الايجاب

فلأنّ عنوان البيع و العقد صادقان مع التأخّر أيضا، و معه يتمسّك بإطلاق دليل إمضائهما.

هذا و لكن الشيخ الأعظم فصّل بين ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل

ص: 17


1- كتاب المكاسب 292:1، انتشارات إسماعيليان.
2- منية الطالب 111:1.

لفظ قبلت فلا يجوز و بين ما إذا كان بمثل لفظ اشتريت فيجوز بتقريب انّه يعتبر في القبول دلالته علي أمرين: الرضا بالايجاب و إنشاء القابل نقل ماله في الحال إلي الموجب علي وجه العوضية، و مع تقدّم لفظ قبلت لا تكون الدلالة علي الأمر الثاني ثابتة، و هذا بخلاف ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل لفظ اشتريت فإنّ دلالته علي كلا الأمرين ثابتة بالرغم من تقدّمه(1).

و فيه: ان المهم صدق عنوان العقد و البيع، و هو متحقّق حالة تقدّم القبول مطلقا، و مع تحقّقه يتمسّك بإطلاق دليل الامضاء.

8 - و امّا اعتبار التنجيز و عدم صحّة العقد مع التعليق
اشارة

فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع، و استدلّ عليه بعدّة وجوه ضعيفة نذكر منها:

أ - ما افيد في الجواهر

من ان ظاهر دليل وجوب الوفاء بالعقد هو ترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّقه، فإذا لم يشمله من حين تحقّقه و لم يجب الوفاء به من حين حدوثه - لفرض التعليق - فلا دليل علي ترتّب الأثر و وجوب الوفاء بعد ذلك(2).

و فيه: انّنا نلتزم بترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّق العقد، بيد ان وجوب الوفاء يعني الالتزام بمدلول العقد، و مدلوله قد يكون هو النقل من حين تحقّق العقد فيلزم الحكم بتحقّق النقل من ذلك الحين، و قد يكون هو النقل بعد حصول المعلّق عليه فيلزم الحكم بتحقّق النقل عند تحقّق المعلّق عليه.

ص: 18


1- كتاب المكاسب 286:1، انتشارات إسماعيليان.
2- جواهر الكلام 198:23.
ب - ما أشار إليه السيّد العاملي

من ان الأسباب الشرعية لمّا كانت توقيفية فيلزم الاقتصار فيها علي القدر المتيقّن و هو العقد العاري من التعليق(1).

و فيه: ان العمل بإطلاق أدلّة الامضاء كاف في تحقّق التوقيف.

ج - ما أفاده الشيخ النائيني

من ان العقود المتعارفة هي المنجزة، و المعلّقة ليست متداولة إلاّ لدي الملوك و الدول أحيانا، و أدلّة الامضاء منصرفة إلي العقود المتعارفة(2).

و فيه: ان صغري الدعوي المذكورة لم تثبت تماميتها.

د - التمسّك بالإجماع المدّعي في المسألة.

و فيه: ان الاتفاق لو تمّ واقعا فهو ليس حجّة لعدم كاشفيته عن رأي المعصوم عليه السّلام بعد كونه محتمل الاستناد إلي المدارك السابقة.

و عليه فالحكم باعتبار التنجيز غير ممكن إلاّ علي سبيل الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور و الإجماع المدعي.

9 - و امّا المعاطاة فقد وقعت موردا للاختلاف.
اشارة

و قد نقل الشيخ الأعظم قدّس سرّه ستّة أقوال فيها، أهمّها: إفادتها الملك اللاّزم، و إفادتها الملك الجائز، و إفادتها لإباحة التصرّف لا غير(3).

و المختار لدي المتأخّرين إفادتها الملك كالعقد اللفظي لوجوه:
أ - التمسّك بإطلاق قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ

(4) بتقريب ان

ص: 19


1- مفتاح الكرامة 166:4.
2- منية الطالب 113:1.
3- كتاب المكاسب 247:1، انتشارات إسماعيليان.
4- البقرة: 275.

المراد من حليّة البيع امّا الحليّة الوضعيّة - كما تقتضيها نسبة الحل إلي الأمر الاعتباري دون الفعل الخارجي - و بذلك يثبت المطلوب، لأنّها عبارة عن النفوذ و الامضاء، أو الحلية التكليفية - التي تقتضيها وحدة السياق حيث يراد من تحريم الربا تحريمه تكليفا بل و يقتضيها ظهور الحلّ نفسه في ذلك - و بذلك يثبت المطلوب أيضا، لأنّ الحل التكليفي ليس منسوبا إلي البيع نفسه لعدم احتمال حرمته تكليفا ليدفع بإثبات جوازه بل هو منسوب إلي التصرّفات المترتّبة عليه، و لازم إباحة جميع التصرّفات المترتّبة عليه صحّته و إفادته للملك.

و قد اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه الثاني - إرادة الحل التكليفي - و قرّب الدلالة بما ذكرناه(1).

ب - التمسّك بإطلاق المستثني في قوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ

(2) بتقريب ان الأكل كناية عن التملّك و الاستيلاء، فكل تملّك بالأسباب الباطلة منهيّ عنه إلاّ ان تكون تجارة عن تراض، و حيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض فتثبت صحّتها بالبيانين السابقين.

ج - التمسّك بإطلاق قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

(3) ، فإنّ المعاطاة عقد، غايته عقد فعلي لا قولي، و الوفاء بالعقد عبارة اخري عن إتمامه و عدم نقضه فيثبت وجوب الوفاء بالمعاطاة و عدم جواز نقضها و من ثمّ تثبت إفادة المعاطاة للملك بل اللزوم بخلاف الآيتين السابقتين

ص: 20


1- كتاب المكاسب 248:1، انتشارات إسماعيليان.
2- النساء: 29.
3- المائدة: 1.

فإنّه قد يشكك في دلالتهما علي اللزوم.

د - التمسّك بسيرة العقلاء علي ترتيب آثار الملك اللازم علي

المعاطاة

، فإنّ سيرة المتشرّعة و ان أمكن التشكيك في اتصالها بزمن المعصوم عليه السّلام باعتبار ان الفقهاء قبل زمن المحقّق الثاني كانوا يفتون بعدم إفادتها الملك، و معه لا يمكن الجزم بانعقادها بوصف انّهم متشرّعة علي إفادتها الملك إلاّ ان سيرة العقلاء لا مجال للتشكيك في انعقادها، و بعدم ثبوت الردع عنها يثبت الامضاء.

لا يقال: الردع ثابت برواية خالد بن الحجاج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل يجيء فيقول: اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا، قال: أ ليس ان شاء ترك و ان شاء أخذ؟ قلت: بلي، قال: لا بأس، انّما يحلّ الكلام و يحرم الكلام»(1) ، فإنّ لازم حصر المحلّل بالكلام عدم انعقاد البيع بالمعاطاة.

فإنّه يقال: هذا مبنيّ علي ان المراد: لا يكون الشيء حلالا أو حراما بمجرّد القصد أو الفعل، و هذا باطل جزما، فإنّ إباحة التصرّف في المعاطاة ثابتة جزما و لا تحتمل حرمة التصرّف عند افتراض رضا المالك بالتصرّف.

اضافة الي ان هذا المعني لا يتناسب و مورد الرواية.

و المناسب تفسيرها بأن من طلب من غيره اشتراء شيء له من غيره فمتي ما كان الكلام الدائر بينهما علي مستوي المقاولة و المواعدة فهو كلام محلّل، و متي ما كان علي مستوي إيجاب البيع و إيقاعه قبل الشراء من الغير فهو كلام محرّم. و بناء عليه تكون الرواية أجنبية عن

ص: 21


1- وسائل الشيعة 376:12 الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

المقام و مرتبطة بمسألة من باع ثم ملك.

علي ان مثل السيرة المذكورة لاستحكامها القوي لا تكفي في تحقّق الردع عنها رواية واحدة ذات لسان غير صريح.

هكذا ينبغي الجواب.

و لا يمكن ان يضاف إلي ذلك ضعف سند الرواية بخالد بن الحجاج حيث لم تثبت وثاقته.

و الوجه في ذلك: ان ضعف سند الرواية لا ينفي احتمال صدورها و من ثمّ احتمال الردع بها عن السيرة المسقط لها عن الاعتبار.

10 - و امّا ان الملك الحاصل بها لازم فللسيرة

- اذ كما هي منعقدة علي حصول الملك بها كذلك هي منعقدة علي كونه لازما - و آية الأمر بالوفاء بالعقود بالبيان المتقدّم.

و مع التنزّل و فرض الشك في كون الملك الحاصل بها لازما أو جائزا فلا بدّ من الحكم باللزوم لأصالة اللزوم التي يمكن الاستدلال لها بعدّة وجوه منها:

أ - التمسّك باستصحاب بقاء الملك و عدم زواله بفسخ أحد الطرفين بدون رضا صاحبه.

لا يقال: لا يجري الاستصحاب لأنّ الملك الجائز يجزم بعدم بقائه، و اللاّزم يشك في أصل حدوثه.

فإنّه يقال: نحن نستصحب بقاء ذلك الملك الواحد الذي حدث بالمعاطاة حيث نشك في ارتفاعه و بقائه و يكون من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثاني.

و الإشكال المذكور سيّال في جميع موارد الاستصحاب المذكور،

ص: 22

و جوابه ما ذكرناه.

أجل جريان الاستصحاب المذكور مبني علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة اصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

ب - التمسك بعموم الحديث النبوي: «الناس مسلطون علي أموالهم»(1) بتقريب ان مقتضي السلطنة عدم زوال الملكية عن المالك بغير اختياره، و من المعلوم ان جواز الفسخ و التملّك بدون رضا المالك مناف لسلطنته فلا يكون جائزا.

و الوجه المذكور وجيه بناء علي تمامية سند الحديث و لكنّه ضعيف لأنّه لم يرو إلاّ في عوالي اللآلي بشكل مرسل.

ج - التمسّك بحديث النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(2) ، فانّ الفسخ و أخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس بحلال بمقتضي الحديث.

د - التمسّك بقوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (3) ، فإنّ الفسخ و أخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس تجارة عن تراض فيدخل تحت أكل المال بالباطل المنهي عنه.

ه - التمسّك بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) بالبيان1.

ص: 23


1- عوالي اللآلي 222:1، 457، و 138:2، و 208:3.
2- وسائل الشيعة 3:19 الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
3- النساء: 29.
4- المائدة: 1.

المتقدّم.

11 - و امّا انّه يعتبر في المعاطاة كلّ ما يعتبر في العقد اللفظي من

شروط

فلأنّه بعد ما كانت مصداقا عرفا للعقد و البيع فيثبت لها كلّ ما يثبت لهما تمسّكا بالإطلاق.

و منه يتّضح الوجه في ثبوت الخيارات فيها.

12 - و امّا جريانها في جميع المعاملات

فلأنّه بعد ما كانت مصداقا حقيقيّا لكلّ فرد من أفراد المعاملات فيشملها إطلاق دليل إمضاء تلك المعاملة و أحكامها.

13 - و امّا وجه استثناء ما ذكر

فللدليل الخاصّ الدال علي اعتبار اللفظ في كل واحد منها حسبما يأتي في محلّه ان شاء اللّه تعالي.

2 - شروط المتعاقدين
اشارة

يلزم في المتعاقدين: البلوغ إذا لم يكن دورهما دور الآلة، و القصد، و العقل و الاختيار، و مالكية التصرّف - بأن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عنه أو وليّا عليه و ليس بممنوع التصرّف لسفه أو فلس - و إلاّ كان العقد فضوليّا تتوقّف صحّته علي الاجازة.

و القول ببطلانه ضعيف حتي مع فرض منع المالك مسبقا أو فرض بيع الفضولي لنفسه.

و في كون الاجازة كاشفة أو ناقلة خلاف.

و تظهر الثمرة في موارد.

و المستند في ذلك:

ص: 24

1 - امّا اعتبار البلوغ
اشارة

فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع، و قد يستدلّ له بما يلي:

أ - التمسّك بقوله تعالي: وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ

(1) ، فإنّ ظاهره إناطة جواز تصرّف الصبي ببلوغ النكاح الذي هو كناية عن تجاوز فترة الصبا.

و هو و ان كان خاصّا باليتيم و بالتصرّف في أموال نفسه دون التصرّف في أموال غيره إلاّ أنّه يمكن التعميم بضم عدم القول بالفصل بل و الأولويّة بلحاظ التصرّف في أموال الغير.

و فيه: ان الآية الكريمة ناظرة إلي دفع الأموال إلي الصبي و انّه لا يجوز قبل البلوغ و لا تدلّ علي بطلان معاملاته فيما إذا كان الدافع بعد تمامية المعاملة هو الولي.

ب - التمسّك برواية حمران

عن أبي جعفر عليه السّلام: «... ان الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين... جاز أمرها في الشراء و البيع...

و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتّي يبلغ خمس عشرة سنة...»(2).

و فيه: ان دلالتها و ان كانت واضحة إلاّ انّها ضعيفة السند علي ما تقدّم في البحث عن شرائط التكليف.

ج - التمسّك بحديث رفع القلم

الذي رواه ابن ظبيان: «... أما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّي يحتلم، و عن المجنون حتّي

ص: 25


1- النساء: 6.
2- وسائل الشيعة 30:1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 2.

يفيق، و عن النائم حتّي يستيقظ»(1) بدعوي ان المرفوع ليس خصوص المؤاخذة بل مطلق القلم بما في ذلك قلم الاحكام الوضعية.

و فيه: انّه ضعيف سندا - لاشتماله علي عدّة مجاهيل - و دلالة باعتبار ان وروده مورد الامتنان قرينة علي اختصاصه بما يكون في رفعه منة و لا يشمل مثل المقام الذي لا يكون في الرفع منة.

د - التمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عمد الصبي و خطؤه واحد»(2) ، فإنّ مقتضاه عدم ترتّب الأثر علي العقد الصادر من الصبي لأنّه كالصادر منه خطأ.

و فيه: ان الحديث ناظر إلي خصوص باب الجناية و لا يمكن تعميمه لغيره لأنّه لمّا نزّل العمد منزلة الخطأ يلزم ان نفترض وجود أثرين: أثر موضوعه العمد و أثر موضوعه الخطأ كي يكون مقتضي التنزيل ترتيب أثر الخطأ حالة العمد، و من المعلوم ان وجود أثرين من هذا القبيل يختص بباب الجناية، فالجناية العمدية لها أثر خاص و الجناية الخطئية لها أثر خاص، و لا يتصوّر ذلك في غير باب الجناية، فمثلا لو أكل الصبي متعمّدا في صومه فلا يمكن تنزيل ذلك منه منزلة الأكل خطأ فإن الأكل خطأ ليس له أثر خاص إذ الكفّارة و ان كانت منتفية في الأكل الخطئي و لكن ليس ذلك لكون الخطأ بعنوانه موضوعا لذلك بل لأنّ موضوع وجوب الكفارة هو العمد فعند انتفائه تنتفي الكفارة لانتفاء موضوعها.

أجل لو كان الحديث يقول: عمد الصبي كعدمه أمكن تعميمه لغير

ص: 26


1- وسائل الشيعة 32:1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 307:19 الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 2.

باب الجناية و لكن المفروض تنزيله العمد منزلة الخطأ.

ه - التمسّك بالإجماع المدعي في المسألة

. قال الشيخ الأعظم:

«... فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة و إلاّ فالمسألة محل إشكال»(1).

و فيه: ان الاتفاق لو تمّ يحتمل استناده إلي المدارك السابقة فلا يجزم بكاشفيته عن رأي المعصوم عليه السّلام.

و - و أحسن ما يمكن التمسّك به صحيحة أبي الحسين الخادم

بيّاع اللؤلؤ

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله أبي - و أنا حاضر - عن اليتيم متي يجوز أمره؟... قال: إذا بلغ و كتب عليه الشيء جاز أمره إلاّ ان يكون سفيها أو ضعيفا»(2).

و السند صحيح فإنّ أبا الحسين الخادم هو آدم بن المتوكّل الذي وثّقه النجاشي(3).

2 - و امّا استثناء حالة الآلية

فلأنّ البالغين إذا تمّ الاتفاق بينهما و كان الصبي مجرّد وكيل في اجراء العقد لم يصدق ان الأمر أمره ليحكم عليه بعدم النفوذ بل أمر البالغين، و لا أقل هو منصرف عن ذلك.

و معه يبقي إطلاق أدلّة الامضاء بلا مانع من شموله.

3 - و امّا اعتبار القصد

فلتقوّم عنوان العقد و البيع و التجارة عن تراض بذلك.

4 - و امّا اعتبار العقل

فواضح إذا فرض فقدان القصد، و امّا علي

ص: 27


1- كتاب المكاسب 338:1، انتشارات إسماعيليان.
2- وسائل الشيعة 143:13 الباب 2 من كتاب الحجر الحديث 5.
3- رجال النجاشي: 76، منشورات مكتبة الداوري.

تقدير وجوده فالحكم ببطلان عقده مشكل.

و دعوي صاحب الجواهر: «عدم اعتبار قصده و كون لفظه كلفظ النائم بل أصوات البهائم»(1) مدفوعة بأن القياس علي النائم و البهائم في غير محلّه بعد فقدان القصد فيهما.

و التمسّك بحديث رفع القلم قد تقدّم ما فيه.

و لا يبقي إلاّ الاجماع، و هو لاحتمال مدركيته لا يصلح مستندا إلاّ للحكم علي مستوي الاحتياط.

5 - و امّا اعتبار الاختيار و عدم صحّة بيع المكره فلوجوه:
أ - ان المكره فاقد لطيب النفس

، و قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في صحيحة زيد الشحّام: «... لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(2).

ب - ان التجارة مع فقدان الاختيار ليست عن تراض

، و لا يجوز الأكل إلاّ مع التجارة عن تراض كما قال تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (3).

ج - التمسّك بحديث رفع التسعة

الذي رواه حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: وضع عن أمّتي تسعة أشياء: السهو و النسيان و ما اكرهوا عليه...»(4) ، فإنّ مقتضي اطلاق الحديث الشمول لمثل المقام و عدم اختصاصه برفع المؤاخذة أو الاحكام التكليفية.

و يكفي لإثبات التعميم استشهاد الإمام عليه السّلام به لرفع الحكم

ص: 28


1- جواهر الكلام 265:22.
2- وسائل الشيعة 3:19 الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
3- النساء: 29.
4- وسائل الشيعة 345:5 الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.

الوضعي، كما في صحيحة صفوان و البزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام(1).

6 - و امّا عقد الفضولي

فالمشهور صحّته بالاجازة، و ذهب جمع منهم صاحب الحدائق إلي بطلانه مع الاجازة أيضا(2).

و استدل المشهور بعدّة وجوه نذكر منها:

أ - ان الصحّة يمكن تخريجها علي طبق القاعدة بلا حاجة إلي دليل خاص، فان العقد بعد اجازته ينتسب إلي المالك و يصدق انّه عقده فيشمله آنذاك اطلاق خطاب أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (3) و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (5) بعد فرض عدم تقيده بما إذا كان الاستناد إلي المالك ثابتا حدوثا و بعد وضوح قابلية الأمر الاعتباري - كالعقد - علي خلاف الأمر التكويني للاستناد إلي غير موجده بالاذن أو بالاجازة.

و هذا الوجه هو ما أشار إليه الشيخ الأعظم بقوله: «لعموم أدلّة البيع و العقود»(6).

ب - التمسّك برواية عروة البارقي قال: «قدم جلب فأعطاني النبي صلّي اللّه عليه و آله دينارا فقال: اشتر بها شاة، فاشتريت شاتين بدينار، فلحقني رجل فبعت احداهما منه بدينار، ثم أتيت النبي صلّي اللّه عليه و آله بشاة و دينار فردّه عليّ، و قال: بارك اللّه لك في صفقة يمينك. و لقد كنت أقوم بالكناسة أو

ص: 29


1- وسائل الشيعة 164:16 الباب 12 من كتاب الايمان الحديث 12.
2- الحدائق الناضرة 378:18.
3- البقرة: 275.
4- المائدة: 1.
5- النساء: 29.
6- كتاب المكاسب 367:1، انتشارات إسماعيليان.

قال بالكوفة فأربح في اليوم أربعين ألفا»(1) ، بتقريب ان شراءه الشاتين بدينار و إن أمكن توجيهه بما يخرج به عن الفضولية إلاّ ان بيعه لإحدي الشاتين فضولي جزما، و النبي صلّي اللّه عليه و آله قد أمضي بيعه المذكور بقوله:

«بارك...».

و السند و ان كان ضعيفا، إلاّ انّه قد يقال - كما في الجواهر -:

«أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده»(2).

و ناقش الشيخ الأعظم الدلالة باحتمال ان بيع عروة و قبضه و اقباضه كان مقرونا بعلمه برضا النبي صلّي اللّه عليه و آله بذلك، و المعاملة تخرج عن الفضولية باقترانها بذلك و ان كان ظاهر المشهور يدل علي العدم و اعتبار الاذن أو الاجازة في تحقّق الانتساب و انتفاء الفضولية(3).

ج - التمسّك بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثم قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني، فقال: خذ وليدتك و ابنها، فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه - يعني الذي باعه الوليدة - حتي ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيّع(4) الابن قال أبوه: ارسل ابني، فقال:

لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني، فلمّا رأي ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجازي.

ص: 30


1- مستدرك الوسائل 245:13، و مسند أحمد بن حنبل 376:4.
2- جواهر الكلام 277:22.
3- كتاب المكاسب 366:1-368، انتشارات إسماعيليان.
4- اي المشتري، فان لفظ البيّع يطلق علي البائع و المشتري.

بيع ابنه»(1).

و نوقشت دلالتها بعدم عمل الأصحاب بها في موردها - و هو الاجازة بعد الردّ التي هي غير مجدية اجماعا - فكيف يمكن العمل بها في غيره.

و الوجه في تحقّق الردّ قبل الاجازة امور ثلاثة: أخذ الوليدة و ابنها، و رفع الخصومة إلي الإمام عليه السّلام الذي لا معني له لو لا الرد، و مناشدة المشتري الامام عليه السّلام علاج المشكلة، و لو لا الردّ لما كان لها وجه.

د - التمسّك بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيّده، فقال: ذاك إلي سيّده، ان شاء أجازه و ان شاء فرّق بينهما، قلت: أصلحك اللّه، ان الحكم بن عتيبة و ابراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: ان أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ اجازة السيّد له، فقال أبو جعفر عليه السّلام: انّه لم يعص اللّه و انّما عصي سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(2) ، بتقريب ان التعليل يدلّ علي ان اجازة من بيده الأمر كافية في تصحيح عقد الفضولي.

و الاشكال علي ذلك واضح، إذ المفروض في مورد الرواية صدور العقد ممّن ينبغي صدوره منه - و هو العبد الزوج - غايته هو فاقد لرضا من يعتبر رضاه - و هو المولي - فإذا رضي ينبغي وقوع العقد صحيحا، و هذا بخلافه في سائر الموارد فإنّ العقد لا يفرض فيها صدوره ممّن ينبغي صدوره منه.1.

ص: 31


1- وسائل الشيعة 591:14 الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 523:14 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

و هناك روايات اخري استدلّ بها علي المطلوب، إلاّ ان الكلّ أو الأغلب قابل للمناقشة، و يكفينا اقتضاء القاعدة لإثبات المطلوب.

7 - و امّا القول بالبطلان

فاستدلّ له بعدّة وجوه، نذكر منها:

أ - التمسّك بقوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) ، فإنّه يدلّ بمقتضي مفهوم الحصر أو مفهوم الوصف علي ان غير التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض ليس بسبب مبيح لأكل مال الغير، و معلوم ان التجارة في الفضولي ليست تجارة عن تراض.

و فيه: ان التجارة انّما تنتسب إلي المالك متي ما أجاز، و آنذاك يصدق انها تجارة عن تراض.

ب - التمسّك بما ورد في صحيحة سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من ان النبي صلّي اللّه عليه و آله: «... نهي عن بيع ما ليس عندك»(2).

و نظيره ما ورد في روايات العامّة من نهيه صلّي اللّه عليه و آله حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده(3) ، فإنّ المقصود من ذلك الكناية و انه لا تبع ما لا تملكه أو لا تبع ما لا تقدر علي تسليمه لعدم كونك مالكا له، و حيث ان النهي في أمثال المقام ظاهر في الارشاد فيكون دالاّ علي فساد بيع الفضولي.

و فيه: ان البيع انّما ينتسب إلي المالك حينما يجيزه، و آنذاك يصدق ان بيعه بيع لما عنده و ليس لما ليس عنده.

ص: 32


1- النساء: 29.
2- وسائل الشيعة 374:12 الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
3- سنن الترمذي 534:3.
8 - و اما تعميم الحكم بالصحة لحالة منع المالك مسبقا

فلأنّ ما يتصوّر كونه مانعا هو ان العقد إذا وقع منهيّا عنه فذلك النهي حيث انه مستمر إلي ما بعد العقد آنا ما فيلزم علي تقدير اجازة المالك سبقها بالرد، و الاجازة المسبوقة بالرد لا تنفع في تصحيح العقد علي ما هو المعروف بين الأصحاب.

و فيه: ان كبري عدم اجداء الاجازة المسبوقة بالردّ لو كانت مسلّمة و تمّ الاجماع المدعي عليها فصغراها غير محقّقة في المقام لأن الثابت بعد العقد مع النهي المسبق هو الكراهة الباطنية من قبل المالك، و المانع من اجداء الاجازة هو إنشاء الرد قبلا دون مجرّد الكراهة الباطنية.

9 - و اما التعميم لحالة بيع الفضولي لنفسه

- كما هو الحال في الغاصب عادة - فلاقتضاء القاعدة لذلك بالبيان المتقدّم، و القصد المذكور لا يصلح مانعا إلاّ علي بيانات ضعيفة نذكر منها:

أ - عدم تحقّق قصد البيع و المعاوضة الحقيقية، فانه ليس منها - المعاوضة الحقيقية - قصد دخول الثمن في كيس من لم يخرج منه المثمن، كما هو الحال في الفضولي الذي يقصد البيع لنفسه، و معه فلا تنفع الاجازة.

و اجيب بانّ الفضولي يقصد ادخال الثمن في كيس مالك المثمن، غايته يعتبر نفسه هو الملك للمثمن و ينزّل نفسه منزلته، و معه فقصد المعاوضة الحقيقية متحقّق بعد تنزيل الفضولي نفسه منزلة المالك و قصده ادخال الثمن في كيس مالك المثمن بعد التنزيل المذكور.

ب - ان الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فالاجازة ان تعلّقت بذلك

ص: 33

فيلزم وقوع المعاملة للفضولي و دخول الثمن في ملكه، و ان تعلّقت بالبيع للمالك فهو لم ينشأ.

و ان شئت قلت: يلزم ان ما انشأ لم يجز، و ما اجيز لم ينشأ.

و اجيب بانّ جملة «بعت» الصادرة من الفضولي تدلّ علي تمليك المبيع للمشتري بازاء الثمن، و امّا ان الثمن يدخل في كيس من فهو مسكوت عنه، غايته مقتضي المعاوضة الحقيقية دخوله في كيس مالك المثمن، و حيث ان الفضولي ينزّل نفسه منزلة المالك للمثمن فيكون قاصدا ادخال الثمن في ملكه بعد التنزيل المذكور.

و باتضاح هذا يقال: ان الاجازة الصادرة من المالك تتعلّق بما تدلّ عليه كلمة «بعت» و ما تقتضيه المعاوضة الحقيقية و لا تتعلّق بما قصده الفضولي بعد تنزيل نفسه منزلة المالك للمثمن.

10 - و امّا ان الاجازة كاشفة أو ناقلة

فمحل خلاف.

و وجه النقل واضح، فانّ السبب الناقل ليس مجرّد العقد بل العقد عن رضا، و حيث ان الرضا يتحقّق بالاجازة فيلزم تحقّق النقل عند تحقّقها.

و وجه الكشف امور متعدّدة، نذكر منها:

أ - ما ذكره الشهيد و المحقّق الثانيان: «من ان العقد سبب تام في حصول الملك لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و تمامه في الفضولي انّما يعلم بالاجازة، فإذا أجاز تبيّن كونه تامّا فوجب ترتّب الملك عليه و إلاّ لزم ان لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شيء آخر، و لا دليل

ص: 34

يدل عليه»(1).

و فيه: كيف يكون العقد تمام السبب؟! و علي تقديره لا تبقي حاجة إلي الاجازة.

اللهم إلاّ ان يكون المقصود ان السبب هو العقد المتعقّب بالاجازة، فمع حصولها يعلم بتحقّق العقد المتعقّب من حين صدوره.

و هو جيّد ثبوتا إلاّ انّه لا دليل اثباتا علي مدخلية وصف التعقّب، بل ظاهر قوله تعالي: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ مدخلية وصف التراضي نفسه لا التعقّب به.

ب - ما جاء عن فخر الدين من انها «لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود لأن العقد حالها عدم»(2).

و فيه: ان قياس الامور الاعتبارية علي الامور التكوينية قياس مع الفارق، فمن الوجيه اعتبار العقد مؤثّرا من حين تحقّق الاجازة و ان كان معدوما آنذاك.

و المناسب ان يقال: ان المالك حيث يجيز العقد من حين صدوره و ليس من حين الاجازة فيلزم ان تثبت الملكية بعد الاجازة من حين العقد، فاعتبارها من حين الاجازة إلاّ ان المعتبر - الملكية - سابق و من حين العقد.

و هذا نحو من الكشف قد يصطلح عليه بالكشف الانقلابي، بمعني انه قبل الاجازة لا ملكية من حين صدور العقد غير انه بالاجازة ينقلب الواقع إلي حدوث الملكية من حين صدور العقد.ن.

ص: 35


1- جامع المقاصد 74:4، و قريب من ذلك عبارة الروضة البهية 314:1.
2- كتاب المكاسب 388:1، انتشارات إسماعيليان.

و لا يصل الامر بعد امكان الكشف بالنحو المذكور إلي ما تبناه الشيخ الأعظم من الكشف الحكمي، و هو انه بالاجازة لا تحدث الملكية من حين العقد بل تترتب جميع أحكامها من حين العقد(1).

ان ما ذكره لا وجه له بعد ان كان المجيز يجيز العقد من حين صدوره، إذ لازم الاجازة بالشكل المذكور تحقّق الملكية بعد الاجازة من حين صدور العقد.

علي ان اعتبار ترتّب جميع آثار الملكية من حين العقد دون الملكية نفسها لعلّه لا يخلو من تهافت.

و بهذا يتّضح ان المحتملات في الكشف ثلاثة: الكشف الحقيقي، و الكشف الانقلابي، و الكشف الحكمي.

و المقصود من الأوّل: ان اعتبار الملكية من حين العقد ثابت قبل تحقّق الاجازة ما دامت الاجازة تحصل بعد ذلك في علم اللّه سبحانه.

و المقصود من الثاني: ان اعتبار الملكية من حين العقد يثبت بعد تحقّق الاجازة لا قبلها.

و المقصود من الثالث: انه بالاجازة تترتّب آثار الملكية من حين العقد دون نفسها.

و بضم هذه المحتملات إلي النقل يصير المجموع أربعة(2). -

ص: 36


1- كتاب المكاسب 391:1، انتشارات إسماعيليان.
2- و لربما يصطلح علي الكشف الانقلابي بالمعني الذي ذكرناه بالكشف الحكمي، و يفسّر الكشف الانقلابي بكاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن، فهي لم تكن قبل الاجازة و يتبدّل الواقع إلي الملكية بسبب الاجازة في مقابل: أ - الكشف الحقيقي الذي تفرض فيه كاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد من دون افتراض انها لم تكن قبل الاجازة. ب - و في مقابل الكشف الحكمي الذي يفترض فيه اعتبار المالك من حين الاجازة الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن من دون فرض كاشفية الاجازة.
11 - و اما الثمرة

فتظهر في موارد متعدّدة.

و علي سبيل المثال تظهر الثمرة بين الكشف و النقل في النماء المتخلّل بين العقد و الاجازة، فنماء المبيع للبائع و نماء الثمن للمشتري علي النقل، في حين ان الأمر بالعكس علي الكشف.

و تظهر بين أفراد الكشف في من اشتري جارية بالفضولية و أولدها و أجاز المالك بعد ذلك، فانّه علي الكشف الحقيقي يكون الوط ء حلالا و تصير بذلك أم ولد، بينما علي الكشف الانقلابي و الحكمي يكون الوط ء زنا و لا تصير أم ولد، لأنّ الوط ء ليس وطأ في الملك حدوثا بل هو كذلك - علي الكشف الانقلابي - بقاء، فإذا استظهر من أدلّة أمّ الولد اعتبار كون الوط ء في الملك حدوثا لم تصر بذلك أم ولد.

و تظهر الثمرة بين الكشف الانقلابي و الحكمي فيما إذا بنينا في المثال السابق علي كفاية تحقّق الوط ء في الملك بقاء، فانّه علي الكشف الانقلابي تصير الأمة أم ولد بخلافه علي الكشف الحكمي، فانّ الوط ء في الملك غير متحقّق حتي بقاء.

3 - شرائط العوضين
اشارة

يلزم في العوضين ملكيتهما، و القدرة علي تسليمهما إلاّ مع الضم لما يمكن تسليمه، و ضبطهما بالكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة - و تكفي

ص: 37

المشاهدة فيما ينضبط بها -، و معرفة جنسهما و صفاتهما التي تختلف باختلافها القيمة.

و يلزم في المبيع ان يكون عينا.

و قيل باشتراط مالية العوضين.

و مع تخلّف الشروط المذكورة يقع البيع باطلا، بيد انه لا يحرم التصرّف مع رضا الطرفين به حتي علي تقدير البطلان، كما هو المتداول بين عوام الناس.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الملكية و عدم جواز بيع مثل السمك و الطير قبل

أخذهما من الماء و الهواء

فقد استدل له ببعض الروايات من قبيل ما كتبه الامام العسكري عليه السّلام إلي الصفار: «لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك»(1).

و المناسب ان يستدل علي ذلك بانّ البيع تمليك بعوض فإذا لم يكن الشخص مالكا فكيف يملّك غيره. و هذا من دون فرق بين البائع و المشتري.

و امّا الرواية المذكورة و ما شاكلها فهي ضعيفة الدلالة لأنّها ناظرة في جملة «لا يجوز بيع ما ليس يملك» إلي ان من باع ما هو مملوك لغيره فلا يمضي بيعه، و هذا من الواضح أجنبي عن المطلوب اثباته، و قد تقدم الحديث عنه في شرائط المتعاقدين.

2 - و اما القدرة علي التسليم

فلم يعرف خلاف في اعتبارها.

ص: 38


1- وسائل الشيعة 252:12 الباب 2 من أبواب عقد البيع الحديث 1.

و استدلّ علي ذلك بعدّة وجوه نذكر منها:

أ - التمسّك بالنبوي المعروف: «نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر»(1) بعد تفسير الغرر بالمخاطرة المتحقّقة بشراء ما لا يقدر علي تسليمه.

و فيه: انّه ضعيف سندا - للإرسال - و دلالة لإمكان اندفاع الغرر باشتراط الخيار علي تقدير عدم تحقّق التسليم خلال مدّة مضبوطة.

و أيضا يمكن تصوّر اندفاع الغرر فيما إذا أمكنت الاستفادة من المبيع بالرغم من عدم القدرة علي تسلمه، كما في العبد الآبق حيث يمكن عتقه في كفارة و الدار المغصوبة حيث يمكن وقفها علي من هي بيدهم و ذريتهم ما تناسلوا.

ب - ما تمسّك به الشيخ النائيني من زوال المالية عمّا لا يقدر علي تسليمه(2).

و فيه: انه لو سلم باعتبار شرطية المالية في العوضين - و سيأتي التأمّل في ذلك - لا نسلم بزوال المالية بعدم القدرة فانّه مخالف للوجدان.

ج - ان الاقدام علي المعاملة التي لا قدرة فيها علي التسليم سفهي.

و فيه: ان السفاهة منتفية في حالة امكان الانتفاع كما في المثالين السابقين.

و مع غضّ النظر عن ذلك يمكن أن يقال: لا دليل علي بطلان المعاملة السفهية بل مقتضي اطلاق مثل «أحل اللّه البيع» امضاؤها و عدم اشتراط ان لا تكون كذلك. أجل تصرّف السفيه في أمواله باطل لا1.

ص: 39


1- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- منية الطالب 378:1.

ان المعاملة السفهية باطلة.

د - ان أكل المال بازاء ما لا يقدر علي تسليمه أكل له بالباطل، و هو منهي عنه بمقتضي قوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1).

و فيه: ان من المحتمل أن يكون المقصود: لا تأكلوا أموالكم بالأسباب الباطلة و ليس لا تأكلوها بلا مقابل. و يكفي الاحتمال في المقام حيث تعود المطلقات بلا مانع يمنع من التمسّك باطلاقها.

ه - التمسّك بالنبوي المتقدّم في الفضولي: «لا تبع ما ليس عندك».

و فيه: انه لو تمّ سنده فمن المحتمل ان يكون المقصود الكناية عن عدم الملكية و ليس عن عدم القدرة علي التسليم، و يكفي الاحتمال لما تقدّم.

و - و أحسن ما يمكن التمسّك به الروايات الناهية عن بيع الآبق بلا ضميمة، كما في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله، قال: لا يصلح إلاّ ان يشتري معه شيئا آخر و يقول: اشتري منك هذا الشيء و عبدك بكذا و كذا، فان لم يقدر علي العبد كان الذي نقّده فيما اشتري منه»(2).

و إذا لم يحتمل اختصاص مثل الرواية المذكورة بموردها أمكنت الفتوي باعتبار الشرط المذكور و إلاّ فلا بدّ من التنزل إلي الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور و الاجماع المدعي علي الشرطية.

3 - و اما وجه الاستثناء

فواضح من خلال الموثقة المتقدّمة بعد فهم العرف عدم الخصوصية لموردها.

ص: 40


1- النساء: 29.
2- وسائل الشيعة 263:12 الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروط الحديث 2.
4 - و اما اعتبار ضبط العوضين

فلا خلاف فيه بين الأصحاب، و تدلّ عليه روايات كثيرة من قبيل:

أ - صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد، قال: لا بأس به»(1) ، فانّها تدلّ علي ارتكاز عدم جواز بيع المعدود بلا عدّ، و الامام عليه السّلام قد أمضي الارتكاز المذكور. و موردها و ان كان هو المعدود إلاّ ان الخصوصية له غير محتملة فيتعدّي إلي غيره.

ب - صحيحة محمد بن حمران: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اشترينا طعاما فزعم صاحبه انّه كاله فصدّقناه و أخذناه بكيله، فقال: لا بأس، فقلت: أ يجوز ان أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: لا، اما انت فلا تبعه حتي تكيله»(2).

و اما حديث نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر(3) فهو ضعيف سندا - للإرسال - و دلالة باعتبار ان الجهل بالمقدار لا يلازم الغرر بمعني الخطر، فمن باع شيئا مردّدا بين كونه مثقال ذهب أو نصف مثقال بدرهم صدق عليه الجهل بمقدار المبيع من دون صدق الغرر بمعني المخاطرة.

هذا كلّه بالنسبة إلي المبيع.

و اما اعتبار ضبط الثمن فيمكن ان يستفاد من الروايات السابقة

ص: 41


1- وسائل الشيعة 259:12 الباب 7 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 256:12 الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

بعد تنقيح المناط و الغاء العرف خصوصية المورد حيث يفهم ان المعلومية معتبرة في العوضين بلا خصوصية للمبيع.

5 - و اما كفاية المشاهدة فيما ينضبط بها

فلأنّ المستفاد من النصوص السابقة اعتبار معلومية العوضين فإذا تحقّقت بالمشاهدة كفت، و لا دليل علي اعتبار ما هو أكثر منها.

6 - و اما اعتبار ضبط الجنس و الصفات

فلأنّ مورد النصوص السابقة و ان كان هو المقدار إلاّ ان المفهوم منها اعتبار المعلومية الرافعة للجهالة، و ذلك لا يتحقّق بضبط المقدار دون الجنس و الصفات.

7 - و اما اعتبار ان يكون المبيع عينا و عدم صحّة كونه منفعة أو

عملا

فلأنّ ذلك ان لم يكن هو المتبادر من لفظ البيع علي خلاف الاجارة - التي يتبادر منها التعلّق بالمنفعة أو العمل - فلا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك، و معه لا يصحّ التمسّك بالعمومات لأنّه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، و هو لا يجوز لأنّ الحكم لا يتكفّل باثبات موضوعه.

أجل يصح أن لا يكون الثمن عينا لعدم احتمال اعتبار ذلك في المفهوم العرفي للبيع.

8 - و اما القول باشتراط المالية

فقد يستدلّ له بما في المصباح من كون البيع مبادلة مال بمال(1).

و فيه: ان الاطلاقات العرفية أعم من ذلك، فالورقة الصغيرة ليست مالا و لكن باعتبار اشتمالها علي دعاء خاص لي كامل الاعتقاد به أقدم علي شرائها و يصدق البيع و الشراء علي ذلك من دون تشكيك.

ص: 42


1- المصباح المنير 77:1.

و مع تحقّق الصدق في زماننا فباستصحاب القهقري - أو اصالة عدم النقل - يثبت الوضع للمعني الوسيع عصر صدور النصوص.

و إذا قيل: مع عدم المالية تقع المعاملة باطلة لكونها سفهية.

قلنا: سفهية المعاملة أوّل الكلام لفرض وجود غرض عقلائي خاص بالمشتري.

و لو تنزّلنا فبالامكان أن نقول: لم يقم دليل علي اشتراط صحّة المعاملة بعدم كونها سفهية بالبيان المتقدّم.

و من خلال هذا يتّضح امكان تصحيح بيع الدم و العذرة و الحشرات و ما شاكل ذلك علي تقدير التسليم بعدم ماليّتها.

9 - و اما وجه ما ذكر أخيرا

فباعتبار ان جواز التصرّف منوط بالرضا و طيب النفس كما دلّ عليه حديث النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(1).

4 - الخيارات
اشارة

الخيار الثابت في المعاملات علي أقسام:

1 - خيار المجلس
اشارة

1 - و هو ثابت لخصوص المتبايعين في مجلس البيع و يستمر ما دام لم يتم التفرّق بينهما.

ص: 43


1- وسائل الشيعة 3:19 الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.

و لا يثبت للوكيل في مجرّد اجراء الصيغة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اصل ثبوت خيار المجلس في الجملة

فممّا لا إشكال فيه، و قد دلّت عليه الروايات المستفيضة، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: البيّعان بالخيار حتي يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام»(1).

و في مقابل ذلك موثق غياث بن ابراهيم: «قال علي عليه السّلام: إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و ان لم يفترقا»(2).

و هو ان أمكن توجيهه بحمل التصفيق المذكور فيه علي ما قصد به اسقاط الخيار فلا اشكال و إلاّ يلزم طرحه لمخالفته لإجماع الأصحاب و الضرورة الثابتة بينهم، بل ان كثرة الروايات الدالة علي ثبوته يمكن ان تشكّل عنوان السنّة القطعية، و المخالف لها يلزم طرحه، لأن المخالف للكتاب انّما لزم طرحه لا لمخالفة الكتاب بعنوانها بل لأن الكتاب الكريم يمثّل دليلا قطعيّا فيلزم طرح كل ما يخالف الدليل القطعي.

2 - و اما اختصاصه بالمتبايعين و عدم شموله لمطلق المتعاقدين

فللقصور في المقتضي.

3 - و اما التعبير ب «مجلس البيع»

فهو من باب ذكر الفرد الغالب و إلاّ فلو جري العقد حالة المشي ثبت الخيار أيضا لعدم تعبير النص بالمجلس.

ص: 44


1- وسائل الشيعة 345:12 الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 347:12 الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 7.
4 - و اما ان الغاية افتراقهما دون الافتراق عن المجلس

فلتعبير الصحيحة ب «حتي يفترقا» الظاهر في الافتراق بينهما دون افتراقهما عن المجلس.

5 - و اما عدم ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة فقط

فلانصراف عنوان «البيّع» عنه، بل لا يحتمل ثبوته له بعد ما كان الغرض من الخيار هو التروي و الارفاق اللذين لا معني لهما في حقّه.

و قد يضاف إلي ذلك: ان الوكيل المذكور وكيل في اجراء الصيغة فقط و ليس في الفسخ عن المالك، لكنّه قابل للتأمّل، فان عدم ثبوت حق الفسخ له من المالك لا ينافي ثبوته له بما هو عاقد من قبل الشرع تعبّدا.

و من خلال ما ذكرناه يتّضح الحال في الوكيل في تمام شئون المعاملة و ان المناسب ثبوت الخيار له لعدم انصراف عنوان «البيّع» عنه.

2 - خيار الحيوان
اشارة

2 - و هو ثابت لمشتري الحيوان ثلاثة أيّام، و قيل: بثبوته لبايعه أيضا.

و إذا كان الثمن حيوانا ثبت لبايعه أيضا.

و مبدأ الثلاثة من حين العقد دون التفرّق.

و يكفي التلفيق لو كان العقد أثناء النهار.

و تدخل الليلتان المتوسّطتان في مدّة الخيار، و هكذا الليلة الثالثة عند التلفيق.

و المستند في ذلك:

1 - امّا ان خيار الحيوان ثلاثة أيّام

فلا خلاف فيه في الجملة،

ص: 45

و الروايات به مستفيضة، ففي صحيحة ابن مسلم المتقدّمة: «و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام».

2 - و اما ان الخيار للمشتري بالرغم من عدم دلالة الصحيحة

السابقة عليه

فللتصريح بذلك في جملة من الروايات الاخري، كصحيحة علي بن رئاب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما(1) ؟ فقال: الخيار لمن اشتري ثلاثة أيّام نظرة»(2).

و في موثقة ابن فضال: «سمعت أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيّام»(3).

3 - و اما القول بثبوته للبائع أيضا

فيمكن الاستدلال له بصحيحة اخري لمحمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا»(4).

و فيه: ان بالإمكان الجمع بحمل الصحيحة المذكورة علي حالة كون كلا العوضين حيوانا لصراحة صحيحة ابن رئاب في اختصاص الخيار بالمشتري.

و مع التنزّل يستقرّ التعارض بين الصحيحتين و يتعيّن الحكم بالاختصاص بالمشتري أيضا، امّا لترجيح صحيحة ابن رئاب باعتبار موافقتها للكتاب الكريم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال علي لزوم كل عقد من

ص: 46


1- المناسب: كليهما.
2- وسائل الشيعة 350:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 3.

طرف البائع ما عدا فترة خيار المجلس الخارجة بالتخصيص، أو لأنه بعد استقرار التعارض يتساقطان و يلزم الرجوع للقاعدة، و هي تقتضي اللزوم من طرف البائع، فإن قوله عليه السّلام في روايات خيار المجلس:

«البيّعان بالخيار حتي يفترقا»(1) يدل بإطلاقه علي اللزوم بعد الافتراق في الحيوان و غيره و من طرف البائع و المشتري، و يقتصر في الخروج عنه علي القدر المتيقّن، و هو ثبوت خيار الحيوان لمشتري الحيوان.

4 - و امّا ثبوته للبائع إذا كان الثمن حيوانا

فللتمسّك بإطلاق عنوان «صاحب الحيوان» الوارد في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة، فإنه كما يشمل المشتري حالة كون المثمن حيوانا كذلك يشمل البائع حالة كون الثمن حيوانا.

و لا موجب لرفع اليد عن الاطلاق المذكور سوي أحد امور ثلاثة:

اما انصراف عنوان «صاحب الحيوان» لخصوص المشتري لكون ذلك الحالة الغالبة، أو التصريح في صحيحة ابن رئاب بثبوت الخيار للمشتري فقط، أو تقييد صاحب الحيوان في موثقة ابن فضال بالمشتري.

و الكل كما تري.

اما الأوّل فلعدم كون الغلبة الوجودية موجبة لتقييد اطلاق المطلق.

و اما الثاني فلأنّ الصحيحة صرّحت بثبوته للمشتري فقط من جهة فرض كون المبيع حيوانا فقط.

ص: 47


1- وسائل الشيعة 345:12 الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.

و اما الثالث فلأنّ تقييد صاحب الحيوان بالمشتري يمكن أن يكون:

اما لدفع احتمال كون المقصود منه الصاحب الأوّل للحيوان، و هو البائع.

أو لوروده مورد الغالب من كون صاحب الحيوان مشتريا، فان الغلبة قد يصحّ تنزيل التقييد عليها دون اطلاق المطلق.

أو لوصف الحيوان - دون صاحبه - بانه مشتري، بان تكون كلمة «المشتري» بصيغة المبني للمفعول دون الفاعل.

5 - و اما ان مبدأ الثلاثة هو العقد دون التفرّق - خلافا لجماعة -

فلظاهر صحيحة ابن مسلم المتقدّمة، فإنها دالّة علي ان الخيار الذي ينتهي بالتفرّق يستمر في الحيوان إلي ثلاثة أيّام، و من الواضح ان خيار المجلس الذي ينتهي بالتفرّق يبتدئ من حين العقد فيلزم أن يكون الأمر كذلك في خيار الحيوان.

و بهذا يتّضح التأمّل فيما استدل به علي كون البداية هي التفرّق من استصحاب عدم حدوث الخيار قبل انقضاء المجلس، أو استصحاب عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد، أو بانّه يلزم اجتماع سببين علي مسبب واحد.

و وجه التأمّل:

اما بالنسبة إلي الاستصحابين فلأن النوبة لا تصل إلي الدليل الفقاهتي مع وجود الدليل الاجتهادي.

علي ان الاستصحاب الأوّل مثبت لأنّ المطلوب اثبات عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد، و هو لازم غير شرعي لعدم حدوثه قبل

ص: 48

انقضاء المجلس.

و اما بالنسبة إلي الأخير فلأن قياس الامور الاعتبارية علي الامور التكوينية قياس مع الفارق.

6 - و اما دخول الليلتين

فلأن اليوم و ان كان ظاهرا في خصوص بياض النهار إلاّ ان المستفاد من الروايات استمرار الخيار الواحد، و لازمه دخول الليلتين.

7 - و اما كفاية التلفيق

فلأن ذلك هو المفهوم عرفا من التحديد بثلاثة أيّام و نحوه، فهو يفهم ان العقد لو وقع بداية بياض النهار استمر ثلاثة من دون تكسير، و لو وقع أثناء بياض النهار استمر إلي أثناء بياض اليوم الرابع.

و هذا البيان نفسه يأتي في عشرة الاقامة و ثلاثة الحيض و عشرته.

8 - و اما دخول الليلة الثالثة حالة التلفيق

فلما تقدّم في دخول الليلتين.

3 - خيار الشرط
اشارة

3 - و هو الثابت بسبب اشتراطه في العقد للمتعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي.

و يلزم لدي المشهور ضبط المدّة المجعول فيها الخيار و عدم تردّدها بين الزيادة و النقصان.

و من أفراد الخيار المذكور بيع العين علي أن يكون للبائع الخيار في استرجاعها عند ردّ الثمن نفسه - علي تقدير وجوده - أو مثله - علي تقدير

ص: 49

عدمه - خلال فترة معيّنة. و يصطلح عليه ببيع الخيار.

كما يجوز للمشتري أيضا اشتراط الخيار عند ردّ العين خلال فترة معينة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الخيار يثبت باشتراطه

فلعدّة وجوه نذكر منها:

أ - التمسّك بقاعدة «المسلمون عند شروطهم» المستفادة من صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(1).

و نوقش ذلك بأن شرط الخيار مخالف للكتاب الكريم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال علي لزوم كل عقد، و للسنّة الشريفة - فإذا افترقا فلا خيار - الدالّة علي لزوم البيع بعد الافتراق.

و يمكن الجواب بانّ اللزوم و وجوب الوفاء ليسا بمعني وجوب ابقاء العقد بعد الافتراق تعبّدا بل هما بمعني حرمة التخلّف عمّا تمّت عليه المعاقدة، و هو لا يتنافي مع اشتراط الخيار في بداية المعاقدة.

ب - التمسّك بإطلاق قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2) الشامل للبيع المشتمل علي الخيار.

ج - التمسّك بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيّام للمشتري. و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط»(3) ، فانّها تدلّ علي ان ثبوت الخيار في غير الحيوان يمكن أن يتمّ من خلال الشرط.

ص: 50


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- البقرة: 275.
3- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 1.
2 - و اما جواز اشتراطه للأجنبي

فلإطلاق الوجوه المتقدّمة كلا أو جلا.

3 - و اما اعتبار ضبط المدّة

فلا وجه له سوي صيرورة البيع نفسه غرريا لدي جهالة الشرط، و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر(1).

بيد انه قد تقدّم ضعف سند الحديث، و يبقي الحكم مبنيا علي الاحتياط تحفّظا من مخالفة الاجماع المدعي في المسألة.

4 - و اما بيع الخيار فالوجه في صحّته:

أ - التمسّك بالبيان المتقدّم في خيار الشرط حيث انه من مصاديقه.

ب - التمسّك بالروايات الخاصّة من قبيل موثقة إسحاق بن عمّار:

«حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلي بيع داره فجاء إلي أخيه فقال: ابيعك داري هذه و تكون لك أحبّ إليّ من ان تكون لغيرك علي ان تشترط لي ان انا جئتك بثمنها إلي سنة ان تردّ عليّ، فقال: لا بأس بهذا...»(2).

و دلالة الموثقة و ان كانت واضحة إلاّ ان سندها قابل للتأمّل، فإن الشيخ الطوسي نقلها كما ذكر(3) ، في حين ان الشيخ الصدوق نقلها عن إسحاق هكذا: «سأله رجل و أنا عنده فقال:...»(4) ، و الشيخ الكليني نقلها عن إسحاق هكذا: «أخبرني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله رجل و أنا

ص: 51


1- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 355:12 الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- التهذيب 23:7.
4- الفقيه 128:3.

عنده فقال له...»(1).

و هي بالنقلين الأوّلين لا إشكال فيها إلاّ انها بالنقل الثالث محل اشكال لأن السامع من الامام عليه السّلام الذي ينقل إسحاق الرواية عنه مجهول، و لعلّه غير ثقة، و معه يحصل التعارض في النقل، إذ من البعيد تعدّد النقل الحاصل من إسحاق بل هو اما قال: سمعت ممّن سمع الامام عليه السّلام أو قال: سمعت الامام عليه السّلام و قد سأله رجل و أنا عنده، و حيث لا مرجّح للثاني فتسقط الرواية عن الاعتبار.

و لكن لئن لم يمكنّا تصحيح سند الموثقة المذكورة فبالامكان التعويض عنها بروايات اخري، كموثقة معاوية بن ميسرة(2).

5 - و اما انه يلزم ردّ الثمن نفسه علي تقدير وجوده و بدله علي

تقدير عدمه

فلأن ذلك من لوازم الفسخ المقتضي لرجوع كل واحد من العوضين إلي صاحبه عند وجوده و بدله علي تقدير عدمه.

6 - و اما جواز اشتراط الخيار المذكور للمشتري أيضا

فلأن الروايات الخاصّة و ان لم تشمل ذلك الا انه يكفي اقتضاء القاعدة بالبيان المتقدّم.

4 - خيار تخلّف الشرط
اشارة

4 - كل من اشترط شرطا في العقد صريحا أو ضمنا و كان غير مخالف للشرع و لا لمقتضي العقد يلزم الوفاء به. و عند تخلّف المشروط عليه عن القيام به يثبت للشارط الخيار.

ص: 52


1- الكافي 171:5.
2- وسائل الشيعة 355:12 الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الشرط الذي يجب الوفاء به هو ما كان مذكورا في

العقد بأحد النحوين

فباعتبار انه عبارة عن الالتزام ضمن الالتزام، فإذا لم يكن ضمن العقد يكون التزاما ابتدائيّا و ليس شرطا ليشمله عموم «المسلمون عند شروطهم».

2 - و اما اعتبار ان لا يكون مخالفا للشرع فلوجهين:

أ - عدم احتمال الزام الشارع بالوفاء لما كان مخالفا له.

ب - تقييد وجوب الوفاء في صحيحة ابن سنان السابقة بذلك.

3 - و اما اعتبار ان لا يكون مخالفا

لمقتضي العقد - كالبيع بلا ثمن - فلوجهين:

أ - ان الوفاء بالعقد حيث يتنافي مع مضمون الشرط فيلزم أحد أمرين: اما عدم وجوب الوفاء بالعقد و من ثمّ بطلانه، أو عدم وجوب الوفاء بالشرط و من ثمّ بطلانه، و علي كلا التقديرين يلزم بطلان الشرط و عدم وجوب الوفاء به.

ب - ان الشرط إذا كان مخالفا لمقتضي العقد فهو مخالف للكتاب الكريم الدال علي ترتّب مقتضي العقد عليه.

4 - و اما وجوب الوفاء بالشرط تكليفا فلوجوه:

أ - التمسّك بقوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1) ، فانه يدل علي ان الوفاء بالشرط لا ينفك عن الإسلام، و عدمه لا ينفك عن عدمه، و لازم ذلك وجوب الوفاء بالشرط.

ص: 53


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

ب - التمسّك بقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، اما بتقريب ان المقصود من العقود هو العهود - كما روي ذلك عبد اللّه بن سنان عن الامام الصادق عليه السّلام(2) ، و العهد صادق علي الشرط - أو بتقريب ان العقد إذا وجب الوفاء به فيلزم الوفاء بالشرط أيضا لأنه جزء ممّا تمّ التعاقد عليه.

ج - التمسّك بالروايات الخاصّة، من قبيل موثقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عليه السّلام ان علي بن أبي طالب عليه السّلام كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحل حراما»(3) ، فانها واضحة في وجوب الوفاء.

و موردها و ان كان عقد النكاح الا انه يتعدّي إلي غيره اما لعدم القول بالفصل أو لأن التعليل ينفي احتمال الخصوصية.

و بهذا يتّضح ان ما أفاده الشهيد في اللمعة - من عدم وجوب الوفاء بالشرط و ان فائدته تنحصر في جواز الفسخ عند تخلّفه(4) - قابل للتأمّل.

5 - و اما ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط

فلأن مرجع الاشتراط عرفا إلي تعليق الالتزام بالعقد علي تحقّق الشرط خارجا، فعند عدم تحقّقه لا التزام بالعقد الذي هو عبارة اخري عن جعل الشارط الخيار لنفسه عند تخلّف الشرط.

ص: 54


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 248:16 الباب 25 من كتاب النذر و العهد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 354:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 5.
4- اللمعة الدمشقية كتاب التجارة الفصل 9 الخيار 10.

و وجّه الشيخ الأعظم ثبوت الخيار بقوله: «إذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه»(1).

5 - خيار الغبن
اشارة

5 - و هو ثابت من حين العقد للمغبون - بايعا كان أو مشتريا - مع جهله بالحال لا علي الفورية بل يجوز التأخير لغرض عقلائي.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الخيار عند الغبن

فلا إشكال فيه و انما الاشكال في تخريجه الفني.

و قد ذكرت عدّة تقريبات، أوجهها التمسّك بفكرة الشرط الضمني بتقريب ان كل عاقد عاقل يشترط ضمن العقد لنفسه الخيار - اشتراطا ضمنيّا - علي تقدير كونه مغبونا و كون التفاوت فاحشا.

2 - و اما انه من حين العقد

- خلافا للقول بكونه عند ظهور الغبن - فلأن المشترط ضمنا ثبوت الخيار عند ثبوت الغبن واقعا و ان لم يظهر، و عليه إذا فسخ المغبون قبل ظهور غبنه وقع صحيحا.

3 - و اما التعميم للبائع و المشتري

فلاشتراك النكتة.

4 - و اما اعتبار الجهل

فلاختصاص نكتة الخيار المتقدّمة بحالة الجهل.

5 - و اما فورية خيار الغبن

فمحل خلاف.

و استدل لها بان الخيار علي خلاف الأصل فيقتصر فيه علي

ص: 55


1- كتاب المكاسب 33:3، انتشارات إسماعيليان.

المتيقن. و أوضح المحقّق الثاني الأصل بان «العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و الا لم ينتفع به»(1).

و استدل للتراخي بالاستصحاب، و هو يتم بناء علي تمامية أمرين:

أ - جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي و عدم اختصاصه بموارد الشك في الرافع خلافا للشيخ الأعظم و النائيني.

ب - جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة أصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

و المناسب ان يقال: ان التأخير إذا كان لغرض عقلائي - كانتظار حضور الغابن - فلا يسقط به الخيار و انما يسقط إذا كان في التأخير دلالة علي الاغماض عن الخيار، فان النكتة المتقدّمة لثبوت الخيار تقتضي ما ذكرناه.

6 - خيار العيب
اشارة

6 - كل من انتقل إليه بالبيع أو الشراء ما فيه عيب كان له ردّه. و المشهور جواز المطالبة بالارش أيضا الا مع احداث حدث فيه فيتعيّن الارش.

و يسقطان مع العلم بالعيب او البراءة من العيوب.

و لا فورية في اعمال الخيار المذكور.

و الخيار في الردّ يعمّ جميع المعاملات و ان كان الارش خاصا بالبيع.

و المستند في ذلك:

ص: 56


1- كتاب المكاسب 292:2، انتشارات إسماعيليان.
1 - اما جواز ردّ المعيب

فقد دلّت عليه عدّة روايات، و لكنّها خاصّة بموردها من قبيل صحيحة ميسر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل اشتري زق زيت فوجد فيه درديا(1) قال: فقال: ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه، و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه علي صاحبه»(2).

الا ان الحكم يمكن اثباته علي طبق القاعدة بلا حاجة إلي رواية، و ذلك بالتمسّك بفكرة الشرط الضمني، فان كل من يقدم علي معاملة يشترط ضمنا السلامة و الخيار لنفسه علي تقدير عدمها.

2 - و اما التعميم للبائع و المشتري

فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمني بالمشتري.

3 - و اما التخيير بين الردّ و الارش الذي صار له المشهور

فلا رواية تدلّ عليه و انما الوارد ثبوت الارش عند حصول بعض التصرّفات المانعة من الرد. و يجوز ان يكون ذلك من باب تعيّن الرد حالة عدم التصرف، و الارش حالة التصرّف و ليس من باب تعين أحد طرفي التخيير بتعذّر الآخر.

أجل ورد في الفقه الرضوي: «فان خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه ان شاء ردّه و ان شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة ارش العيب»(3).

ص: 57


1- الدردي في الزيت و نحوه: ما يبقي في اسفله.
2- وسائل الشيعة 419:12 الباب 7 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.
3- مستدرك الوسائل الباب 12 من أبواب الخيار الحديث 3. و الظاهر زيادة الالف في (أو).

بيد ان الكتاب المذكور ساقط عن الاعتبار لعدم ثبوت نسبته إلي الامام الرضا عليه السّلام و ان أصرّ علي ذلك بعض الأصحاب كصاحب الحدائق(1).

نعم من يري حجية الشهرة الفتوائية و الاجماعات المنقولة فبامكانه الاستناد إليها، و الا فالمناسب اختصاص الارش بحالة عدم امكان الردّ بسبب التصرّف لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أيما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»(2).

و السند يشتمل علي موسي بن بكر الواسطي، و هو لم يوثق في كتب الرجال الابناء علي كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد تفسير القمي.

أجل ورد في الحديث ان أبا الحسن عليه السّلام أرسل خلفه و قال له:

«مالي أراك مصفرّا أ لم آمرك بأكل اللحم؟ فأجاب ما أكلت غيره منذ أمرتني، فقال عليه السّلام: كيف تأكله؟ فقال: طبيخا، قال: كله كبابا. و بعد جمعة أرسل خلفه الامام عليه السّلام فإذا الدم قد عاد في وجهه و أرسله إلي الشام في بعض حوائجه»(3).6.

ص: 58


1- الحدائق الناضرة 25:1. و للشيخ النوري في مستدركه 230:19-322 بحث مفصّل عن الكتاب المذكور.
2- وسائل الشيعة 362:12 الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- الكافي 319:6.

و لكن الحديث ضعيف سندا لان الراوي له الواسطي نفسه، و دلالة لان اعتناء الامام عليه السّلام بصحّته و ارساله في بعض حوائجه لا يلازم الوثاقة.

و الاولي الاستدلال علي قبول رواياته بما رواه الشيخ الكليني بطريق معتبر عن الحسن بن محمد بن سماعة: «دفع إليّ صفوان كتابا لموسي بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسي بن بكر و قرأته عليه فإذا فيه: موسي بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة. قال صفوان: هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا»(1).

4 - و اما سقوط الرد و الارش حالة العلم أو البراءة

فلقصور فكرة الشرط الضمني و النصوص المتقدّمة عن الشمول لمثل ذلك.

5 - و اما انه لا فورية في الخيار المذكور

فذلك واضح بالنسبة إلي الرد لان الاشتراط الضمني لم تؤخذ فيه الفورية في اعمال الخيار.

و اما بالنسبة الي الارش فعدم فوريته مقتضي اطلاق صحيحة زرارة، و مع التنزّل و التسليم بدعوي انها في مقام بيان أصل الخيار دون خصوصياته فلا أقلّ من اطلاقها المقامي.

6 - و اما ان الرد بالعيب يعمّ جميع المعاملات

فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمني بالبيع بل تعم غيره.

اجل يختص الارش بالبيع لاختصاص صحيحة زرارة - التي هي مدركه - به.

ص: 59


1- الكافي 97:7.
7 - خيار التأخير
اشارة

7 - من باع من دون قبض العوضين و لا أحدهما فالبيع عليه لازم ثلاثة ايام و له الفسخ بعدها ما دام لم يشترط تأخير قبضهما أو أحدهما. و يصطلح عليه بخيار التأخير.

و متي ما تمّت المعاملة يلزم تسليم العوضين بعدها فاذا امتنع احدهما كان للآخر الفسخ، و لا يختص هذا بالبيع بخلاف ما سبق.

و من باع ما يسرع إليه الفساد - كبعض الفواكه - فالامهال ليس إلي ثلاثة، بل الي ما قبل طروه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الخيار بالتأخير

فلا إشكال فيه في الجملة. و تدلّ عليه عدّة روايات، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتي آتيك بثمنه. قال: ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام و الا فلا بيع له»(1).

و لا يضر ضعفها بعلي بن حديد في أحد طريقي الكليني بعد سلامة بقيّة طرقها من ذلك.

و قد يستفاد من نفي الإمام عليه السّلام البيع بقوله: «و الا فلا بيع له» بطلان البيع اما من الأساس أو بعد الثلاثة دون ثبوت الخيار للبائع، و بذلك لا تكون دالّة علي ما ذهب إليه المشهور.

الا ان ذلك ضعيف باعتبار ان المقصود تسهيل الأمر علي البائع

ص: 60


1- وسائل الشيعة 356:12 الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.

و هو يتحقّق بنفي اللزوم من ناحيته، كيف و هل يحتمل ان البائع لا يحق له الانتظار أكثر من ثلاثة متبرّعا.

و بعد هذا لا تبقي حاجة إلي ما أفاده الشيخ الأعظم بقوله: «و كيف كان فلا أقل من الشك فيرجع إلي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع.

و توهم كون الصحّة سابقا في ضمن اللزوم فترتفع بارتفاعه، مندفع بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحّة و انما هو حكم مقارن له في خصوص البيع الخالي من الخيار»(1).

2 - و اما اشتراط عدم قبض العوضين و لا أحدهما

فللتصريح بذلك في الصحيحة المتقدّمة.

و اما اعتبار عدم اشتراط التأخير فلأن ذلك هو المنصرف من الصحيحة.

3 - و اما انه يلزم تسليم العوضين بعد تمامية المعاملة

فلأن كل طرف يملك بالمعاملة ما انتقل إليه فالتأخير من دون رضاه غير جائز الا مع الانصراف اليه، و هو غير ثابت بل الثابت عكسه.

4 - و اما انه يحق للآخر الفسخ علي تقدير امتناع أحدهما

فذلك للاشتراط الضمني علي احتفاظ كل منهما بالخيار لنفسه علي تقدير امتناع الآخر من التسليم.

5 - و اما اختصاص خيار التأخير بالبيع

فلاختصاص صحيحة زرارة السابقة و غيرها به، و هذا بخلاف جواز الفسخ علي تقدير امتناع أحدهما من التسليم فان نكتته عامة لغير البيع أيضا.

ص: 61


1- كتاب المكاسب 299:2، انتشارات إسماعيليان.
6 - و اما بيع ما يسرع إليه الفساد

فقد دلّت بعض الروايات علي ثبوت الخيار فيه بعد دخول الليل إذا كان يفسده المبيت كما في رواية محمد بن أبي حمزة أو غيره عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه و يتركه حتي يأتيه بالثمن، قال: ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الا فلا بيع له»(1).

و لكنها ضعيفة السند بالارسال. و لا بدّ من حملها علي حالة تحقّق الفساد بالمبيت، اما إذا كان يتحقّق في وسط النهار مثلا فالخيار لا بدّ و ان يكون ثابتا قبيل ذلك بنحو يمكن بيعه لو فسخ.

و الوجه في ذلك هو الاشتراط الضمني الارتكازي إذ العاقل لا يقدم علي اتلاف ماله بلا مقابل.

8 - خيار الرؤية
اشارة

8 - من اشتري اعتمادا علي رؤية سابقة أو علي وصف بدون رؤية ثم وجده علي خلاف ذلك كان بالخيار بين الردّ و الامساك.

و لا يحق له المطالبة بالارش كما لا يسقط خياره ببذل البائع الارش أو ابدال العين باخري.

و الخيار يثبت للبائع أيضا إذا كان قد رأي المبيع أو اعتمد علي وصف ثم انكشف الخلاف.

بل يثبت الخيار للبائع أو المشتري إذا اتّضح الخلاف في الثمن.

و ليس الخيار المذكور ثابتا بنحو الفورية.

ص: 62


1- وسائل الشيعة 359:12 الباب 11 من أبواب الخيار الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الخيار عند تخلّف الرؤية أو الوصف

فهو المعروف بين الأصحاب، و استدل له بصحيح جميل بن دراج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما ان نقذ المال صار الي الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انه لو قلب منها و نظر إلي تسعة و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية»(1).

و هو ان تمت دلالته علي المطلوب فلا إشكال و الا أمكن التمسّك بفكرة الاشتراط الضمني، فان من يشتري اعتمادا علي الرؤية أو الوصف يشترط لنفسه الخيار ضمنا و ارتكازا علي تقدير التخلّف.

و السيرة العقلائية المنعقدة علي استحقاق المشتري للفسخ عند التخلّف واضحة في ذلك.

2 - و اما انه لا تجوز المطالبة بالارش و لا يسقط الخيار ببذله و لا

بالابدال بعين اخري

فلأن ثبوت الارش يحتاج إلي دليل، و هو خاص بالعيب، و مقتضي الاشتراط الضمني ثبوت الحق في الفسخ دون الارش أو الابدال.

3 - و اما التعميم للبائع و لانكشاف الخلاف في الثمن

فلعموم نكتة الاشتراط الضمني.

4 - و اما عدم اعتبار الفورية في اعمال الخيار

فلعدم اقتضاء فكرة الاشتراط الضمني لذلك.

ص: 63


1- وسائل الشيعة 361:12 الباب 15 من أبواب الخيار الحديث 1.
5 - الربا
في حرمة الربا و موارد تحققه و شروطه
اشارة

الربا حرام بالضرورة، و يتحقّق في موردين:

أ - القرض. و يأتي البحث عنه في كتاب القرض إن شاء اللّه تعالي.

ب - و البيع. و ذلك فيما إذا بيع أحد المتّحدين جنسا بالآخر مع زيادة أحدهما زيادة عينية أو حكمية و افتراض كونهما من المكيل أو الموزون، فشروط تحقّقه في البيع - علي هذا - ثلاثة.

و في عموم التحريم لغير البيع - كالصلح - خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الربا

فهي من الضروريات. و قد دلّ عليها الكتاب الكريم في أكثر من موضع، كقوله تعالي: اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ... وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (1) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (2).

و ما ورد في السنّة الشريفة كثير، ففي موثق عبد اللّه بن بكير: «بلغ أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل انه كان يأكل الربا و يسمّيه اللبأ(3) ، فقال: لئن

ص: 64


1- البقرة: 275.
2- البقرة: 278-279.
3- اللبأ بكسر اللام و فتح الباء و الهمزة بعدها: أوّل لبن الام. و المقصود المبالغة في حليّته بالتشبيه بأوّل لبن الام.

أمكنني اللّه منه لأضربن عنقه»(1).

و في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم»(2).

2 - و اما شموله لكلا الموردين المذكورين دون احدهما و دون ما

زاد عليهما

فلدلالة الدليل علي ثبوته فيهما دون ما زاد فتجري البراءة عنه.

3 - و اما اعتبار الشروط الثلاثة في تحقّق الربا في البيع

فذلك واضح بالنسبة إلي اشتراط الزيادة في أحد الطرفين لتقوّم مفهوم الربا بذلك لغة إذ هو عبارة عن الزيادة.

و اما الشرطان الآخران فقد دلّت عليهما روايات كثيرة. و قد جمعت الشروط الثلاثة موثقة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن البيضة بالبيضتين، قال: لا بأس به، و الثوب بالثوبين، قال: لا بأس به، و الفرس بالفرسين، فقال: لا بأس به. ثم قال: كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد»(3).

4 - و اما ان الزيادة تعمّ الحكمية
اشارة

- كبيع أحد المتماثلين مع اشتراط كنس المسجد أو اداء صلاة الليل مثلا في جانب احدهما، أو كون احدهما نقدا و الآخر نسيئة - و لا تختص بالعينية فلا وضوح للروايات فيه.

ص: 65


1- وسائل الشيعة 429:12 الباب 2 من أبواب الربا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 423:12 الباب 1 من أبواب الربا الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 448:12 الباب 16 من أبواب الربا الحديث 3.
و قد يستدل علي ذلك بالوجوه التالية:

أ - التمسك بما دلّ علي اعتبار المماثلة و عدم الزيادة، كصحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، و السويق بالسويق مثلا بمثل، و الشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به»(1).

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الفضة بالفضة مثلا بمثل، و الذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة و لا نقصان الزائد و المستزيد في النار»(2).

و صحيحة الوليد بن صبيح: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام: الذهب بالذهب، و الفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر»(3).

و تقريب الدلالة: انه مع الزيادة و لو حكمية يصدق الفضل بينهما و لا يصدق البيع مثلا بمثل.

ب - التمسك برواية خالد بن الحجاج: «سألته عن الرجل كان لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة وزنا، قال: لا بأس ما لم تشترط، قال: و قال: جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط»(4) ، فانها تدل بالاطلاق علي ان الشرط و لو كان بنحو الزيادة الحكمية موجب لها.

ج - التمسك بالإجماع المدعي في المسألة.

ص: 66


1- وسائل الشيعة 440:12 الباب 9 من أبواب الربا الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 456:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 457:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 476:12 الباب 12 من أبواب الصرف الحديث 1.

و الكل كما تري.

اما الاول فلان ظاهر المثلية هو المماثلة في القدر لا من جميع الجهات. و هكذا ظاهر الفضل هو الفضل من حيث القدر.

و اما الثاني فلان رواية خالد ضعيفة سندا به - لعدم توثيقه و ان كان اخوه يحيي الراوي عنه قد وثّقه النجاشي - و دلالة لاختصاص موردها بالقرض.

هذا كله مضافا إلي كون الرواية مضمرة، و علي المسلك القائل بعدم حجية المضمرات الا إذا كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير المعصوم عليه السّلام يشكل العمل بها لان خالدا ليس كذلك.

و اما الثالث فلان الاجماع لو ثبت و غض النظر عن نسبة الخلاف إلي الأردبيلي و ابن ادريس فهو محتمل المدرك، و معه لا يمكن الجزم بكاشفيته عن رأي الامام عليه السّلام يدا بيد. و من هنا رفض بعض كالسيد اليزدي التعميم(1) ، و لكن الحكم بذلك بنحو الاحتياط امر لازم لا ينبغي الحياد عنه.

5 - و اما الخلاف في التعميم لغير البيع بالرغم من اطلاق الاخبار

المتقدمة الدالة علي اعتبار المماثلة

فلاحتمال انصرافها إلي خصوص البيع، و معه يتمسك بالبراءة عن التحريم في غير البيع.

و المناسب التعميم لوهن دعوي الانصراف.

اجل لا يبعد التخصيص بما إذا كان الصلح بين العينين - كما لو

ص: 67


1- ملحقات العروة الوثقي 5:2.

قيل: صالحتك علي هذا المثقال من الذهب بهذين المثقالين - دون ما إذا كان بين غيرهما - كما لو قيل: صالحتك علي ان اهب لك هذا المثقال من الذهب مقابل ان تهب لي مثقالين من الذهب - لصدق عنوان الفضة بالفضة مثلا في الاول دونه في الثاني.

احكام خاصة بالربا
اشارة

يتخلص من الربا - لدي المشهور - بضم غير الجنس إلي الطرف الناقص - كبيع كيلوين من الارز بكيلو من الارز و كيلو من العدس - او بضم غير الجنس إلي كل من الطرفين و لو مع التفاضل فيهما، كبيع كيلوين من الارز مع كيلوين من العدس بكيلو من الارز و كيلو من العدس، لوقوع الزيادة مقابل الضميمة في الصورة الاولي، و وقوع كل جنس في مقابل مخالفه تعبدا و ان لم يقصد المتعاقدان ذلك في الصورة الثانية.

كل ذلك مع افتراض العوضين حالّين.

و يلزم عند بيع الذهب المصوغ بغيره و الفضة المصوغة بغيرها تساويهما، و معه لا يجوز بيع مثقال من الذهب المصوغ بمثقال من الذهب غير المصوغ منضما إلي اجرة الصياغة.

و لا يجوز ان يقول شخص لآخر: ابيعك هذا المثقال من الفضة الجيدة بمثقال من الفضة الرديئة بشرط ان تخيط لي ثوبا مثلا، و يجوز العكس بان يقول: خط لي ثوبا علي ان ابيعك المثقال الجيد بالمثقال الرديء.

و المشهور عدم تحقق الربا بين الوالد و ولده و المولي و مملوكه و الزوج و زوجته و المسلم و الحربي اذا اخذ المسلم الفضل.

و يجوز بيع الاوراق النقدية بعضها بالآخر مع اختلاف العملة - نقدا

ص: 68

و نسيئة - حتي مع فرض التفاضل في المالية، بل يجوز مع اتحادها أيضا إذا افترض كون العوضين شخصيين.

كما يجوز أيضا بيع الصكوك علي ثالث بأقل إذا كانت تعبر واقعا عن دين.

و العملة النقدية إذا كانت مصنوعة من الفضة و نحوها من المعادن الموزونة لا يجوز تبديلها إلي ابعاضها مع فرض التفاضل بين الاصل و الابعاض و فرض كونها خالصة.

و الربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه و كتابته و الشهادة عليه.

و الحنطة و الشعير في باب الربا جنس واحد و ان كانا في غيره جنسين.

و من تعامل بالربا و هو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت و تاب فلا يلزمه ارجاعه.

و من ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تميزها فلا شيء عليه و الا لزم ردها علي مالكها مع معرفته، و مع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

و المستند في ذلك:

1 - اما التخلص من الربا بما ذكر

فهو علي طبق القاعدة لو كان ايقاع كل جنس مقابل ما يخالفه مقصودا للمتعاقدين كما هو واضح.

و اما إذا لم يكن مقصودا فالانصراف إلي المخالف يحتاج إلي دليل. و قد دلّت عدّة روايات علي ذلك لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:

«... اشتري الف درهم و دينارا بالفي درهم، فقال: لا بأس بذلك ان ابي كان اجرأ علي أهل المدينة مني فكان يقول هذا، فيقولون: انما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم يعط الف درهم و لو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، و كان يقول لهم: نعم الشيء الفرار من الحرام

ص: 69

إلي الحلال»(1).

و اضمارها لا يضر بعد كون ابن الحجاج من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام أو للبيان العام المتقدم أكثر من مرة.

و صحيحته الاخري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان محمد بن المكندر يقول لأبي عليه السّلام: يا ابا جعفر رحمك اللّه و اللّه انا لنعلم انك لو اخذت دينارا و الصرف بثمانية عشر فدرت المدينة علي ان تجد من يعطيك عشرين ما وجدته، و ما هذا الا فرار، فكان ابي يقول: صدقت و اللّه و لكنه فرار من باطل إلي حق»(2).

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بألف درهم و درهم بألف درهم و دينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به»(3).

و هناك رأي لبعض المتأخرين يخصّص جواز التخلص بالضميمة بما إذا كان الارز الزائد مثلا في هذا الجانب مع الارز الناقص في الجانب الآخر متساويين من حيث المالية تقريبا و اريد بالضميمة التخلص من محذور تفاوت المقدار اللازم منه الربا.

و هو غير بعيد لقرب انصراف نصوص الضميمة إلي خصوص الحالة المذكورة.

2 - و اما اعتبار كون العوضين حالين

فلاختصاص مورد

ص: 70


1- وسائل الشيعة 466:12 الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 467:12 الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 468:12 الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 4.

النصوص المجوّزة بذلك.

3 - و اما لزوم التساوي بين المصوغ و غيره

، و من ثمّ عدم جواز اشتراط اجرة الصياغة فلان المصوغ و غيره جنس واحد و يشملهما النص المتقدم: «الذهب بالذهب، و الفضة بالفضة، الفضل بينهما هو الربا المنكر»، و معه يكون اشتراط الاجرة فضلا موجبا للربا.

و بكلمة اخري: المصوغ و غيره هما كالجيد و الرديء و الوسخ و النظيف، و المكسور و غيره، فكما ان كل واحد من هذه يعد مع مقابله واحدا و يلزم تساويهما فكذلك في المصوغ و غيره.

و قد ادعي صاحب الجواهر عدم الخلاف و الاشكال في المسألة(1).

4 - و اما عدم جواز بيع احد المثقالين بالآخر بشرط خياطة ثوب

مثلا

فواضح للزوم محذور الربا - بناء علي تعميم الزيادة اللازم منها الربا للزيادة الحكمية - فان الجيد و الرديء جنس واحد لا يجوز التفاضل فيه.

و اما جواز العكس - الذي هو من الوسائل التي يتخلص بها من الربا - فلصحيح ابي الصباح الكناني: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول للصائغ: صغ لي هذا الخاتم و ابدل لك درهما طازجا بدرهم غلة(2) ، قال: لا بأس»(3).

بل قد يقال باقتضاء القاعدة لذلك لان ابدال الجيد بالرديء وقع

ص: 71


1- جواهر الكلام 13:24.
2- الطازج هو الخالص. و الغلة - بكسر الغين - المغشوش.
3- وسائل الشيعة 480:12 الباب 13 من أبواب الصرف الحديث 1.

اجرا للخياطة من دون وقوع الخياطة شرطا في البيع لتلزم الزيادة فيه.

5 - و اما عدم تحقق الربا بين من ذكر

فقد دلت عليه بعض الروايات الضعيفة، كرواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «ليس بين الرجل و ولده و بينه و بين عبده و لا بين أهله ربا...»(1) ، و هي ضعيفة بياسين الضرير. و رواية عمر بن جميع عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «ليس بيننا و بين اهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم و نأخذ منهم و لا نعطيهم»(2) ، و هي ضعيفة بمعاذ بن ثابت و غيره.

و لا يمكن الركون إلي الروايتين المذكورتين بعد ضعفهما السندي الا بناء علي كبري الانجبار بعمل المشهور و الا فالاحتياط يبقي أمرا مناسبا.

6 - و اما جواز بيع العملة مع اختلافها

فلعدم تحقق محذور الربا بعد اختلاف جنس العوضين و عدم كونهما من المكيل و الموزون.

و إذا قلت: ان الرصيد الذي تعبر عنه الأوراق النقدية قد يكون واحدا كالذهب الذي هو من الموزون.

قلنا: ان المعاوضة لم تجر علي الرصيد بل علي الاوراق ذات الاعتبار بسبب الرصيد.

7 - و اما انه مع اتحاد العملة تجوز المعاملة حتي مع التفاضل في

فرض كون العوضين شخصيين

فلما تقدم من ان الاوراق النقدية ليست من قبيل المكيل و الموزون.

و اما عدم جوازها مع التفاضل في فرض كون العوض نسيئة في

ص: 72


1- وسائل الشيعة 436:12 الباب 7 من أبواب الربا الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 436:12 الباب 7 من أبواب الربا الحديث 2.

الذمة فلان المعاملة ترجع في روحها إلي القرض و ان ابرزت مبرز البيع لان شرط البيع تحقق المغايرة بين الثمن و المثمن، و في المورد لا مغايرة، فان الثمن ينطبق علي المثمن مع زيادة.

و إذا نوقش ما ذكر بان المغايرة المعتبرة في البيع يكفي في تحققها كون المثمن عينا خارجية و الثمن أمرا كليا في الذمة أمكن ذكر تقريب آخر، و هو ان المعاملة المذكورة بحسب الارتكاز العرفي قرض لأنه عبارة عن تبديل المال المثلي الخارجي بمثله في الذمة، و هو صادق في المقام.

8 - و اما جواز بيع الصك بالاقل إذا كان يعبّر عن دين واقعا

فلانه بيع حقيقة في غير المكيل و الموزون.

و اما عدم جوازه مع عدم وجود دين واقعا فلان شرط صدق البيع وجود عوضين، و هو مفقود في الفرض إذ لا يوجد حق في الذمة ليقع عوضا، فالمعاملة المذكورة في حقيقتها اقراض بفائدة يبرز مبرز البيع.

9 - و اما عدم جواز تبديل العملة المعدنية مع التفاضل

فلأنها من الموزونات فيلزم مع التفاضل محذور الربا.

اجل مع خروجها عن كونها من الموزونات و صيرورتها من المعدودات - كما في المصنوعة من النحاس عادة - يزول المانع من التفاضل.

و اما الجواز مع فرض كونها مخلوطة بمعدن آخر - كما هو الغالب - فلحصول الضميمة المانعة من تحقق محذور الربا حسبما تقدم. بيد انه يلزم في الضميمة ان لا تكون مستهلكة و فاقدة للمالية.

10 - و اما تعميم حرمة الربا للدفع و الشهادة عليه و كتابته

ص: 73

فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

آكل الربا و موكله و كاتبه و شاهداه فيه سواء»(1) و غيرها.

11 - و اما ان الحنطة و الشعير في باب الربا واحد

فلصحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يصلح الشعير بالحنطة الا واحد بواحد»(2) و غيره.

و اما قصر الحكم بالوحدة علي باب الربا فلانه مخالف للقاعدة المقتضية لدوران الاحكام مدار الاسماء فيقتصر في المخالفة علي مورد النص.

12 - و اما عدم لزوم ردّ الربا علي الآخذ مع الجهل و التوبة بعد

الالتفات

فهو ما عليه جماعة من الفقهاء. و يدل عليه قوله تعالي: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهي فَلَهُ ما سَلَفَ (3) ، فان تخصيصه بنفي العقوبة أو بما وقع من ربا زمن الجاهلية لا وجه له.

و مع التنزل تكفينا الروايات الكثيرة، كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يأكل الربا و هو يري انه له حلال، قال: لا يضره حتي يصيبه متعمدا، فاذا اصابه فهو بالمنزل الذي قال اللّه عز و جل»(4).

و صحيحة ابي المعزا: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كلّ ربا اكله الناس

ص: 74


1- وسائل الشيعة 430:12 الباب 4 من أبواب الربا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 439:12 الباب 8 من أبواب الربا الحديث 5.
3- البقرة: 275.
4- وسائل الشيعة 430:12 الباب 5 من أبواب الربا الحديث 1.

بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم اذا عرف منهم التوبة...»(1) و غيرهما.

و اذا قيل: ان قوله تعالي: وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ (2) يدل علي لزوم ردّ الزيادة، و بذلك يعارض ما تقدم.

قلنا: ما سبق ناظر إلي حالة الجهل و الالتفات و التوبة بعد ذلك في حين ان هذه ظاهرة في حالة التعمد، و لا أقل من امكان حملها علي ذلك.

13 - و اما التعميم للجاهل بالحكم و الموضوع

فلإطلاق ما تقدم.

14 - و اما ارث ما فيه الربا

فيدل علي حكمه صحيحة ابي المعزا المتقدمة حيث ورد فيها: «... لو ان رجلا ورث من أبيه مالا و قد عرف ان في ذلك المال ربا و لكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله. و ان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا...»(3) و غيرها.

و ابو المعزا هو حميد بن المثني الكوفي الصيرفي ثقة ثقة علي ما ذكر النجاشي(4).

ص: 75


1- وسائل الشيعة 431:12 الباب 5 من أبواب الربا الحديث 2.
2- البقرة: 279.
3- وسائل الشيعة 431:12 الباب 5 من أبواب الربا الحديث 2.
4- رجال النجاشي 96 منشورات مكتبة الداوري. و توجد نسخة ثانية في ابي المعزا و هي: ابو المغراء.
6 - بيع الصرف
اشارة

و هو بيع الذهب أو الفضة باحدهما مسكوكين كانا أو لا.

و يشترط - لدي المشهور - في صحة البيع المذكور التقابض قبل تحقق الافتراق بينهما حتي مع وحدة الجنس.

و إذا كان العوضان متحدي الجنس يلزم تساويهما أيضا، بخلاف ما إذا كانا مختلفي الجنس فانه لا يلزم تساويهما و ان لزم التقابض.

و يختص لزوم التقابض بالبيع دون الصلح.

و لا يجري حكم الصرف علي الأوراق النقدية لو بيع بعضها ببعض.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان بيع الصرف ما ذكر

فهو من واضحات الفقه و لم ينقل فيه خلاف. بيد ان تحديد المقصود منه غير مهم لعدم ترتب حكم علي العنوان المذكور شرعا، و انما المهم ملاحظة حكم بيع الصرف، و هو لزوم التقابض قبل الافتراق، و انه لأي بيع ثبت.

و الحكم المذكور لم يثبت في الروايات الا لبيع الذهب بالفضة أو بالعكس و لم يثبت لبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فلاحظ صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضة الا يدا بيد»(1) ، و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشتريت ذهبا

ص: 76


1- وسائل الشيعة 458:12 الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 3.

بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتي تأخذ منه و ان نزا حائطا فانز معه»(1) و غيرهما تجد ذلك واضحا فيها.

و عليه لا بدّ في تعميم الحكم بلزوم التقابض في حالة وحدة الجنس من التمسك بالتسالم و عدم القول بالفصل. فان تمّ ذلك و الا فالمناسب عدم لزوم ذلك فيها.

اجل يلزم عدم كون احدهما مؤجلا و الا لزمت الزيادة الحكمية - التي تقدم في البحث عن الربا - منع المشهور من جوازها.

2 - و اما التعميم لغير المسكوك

فلإطلاق النصوص.

3 - و اما ان التقابض شرط في الصحة

فلما تقدم من النصوص، فان الامر في باب المعاملات ظاهر في الارشاد الي الشرطية دون الحكم التكليفي.

و عليه فاحتمال وجوب التقابض في باب الصرف وجوبا تكليفيا بحيث يؤثم علي عدمه ضعيف.

ثم ان المنسوب للمحقق الأردبيلي عدم لزوم التقابض وضعا، بدعوي عدم صراحة الاخبار في ذلك، فان تعبير «يدا بيد» كناية عن كون العوضين نقدا لا مؤجلين و ليس كناية عن التقابض(2).

و فيه: ان التعبير المذكور ان لم يكن ظاهرا في اعتبار التقابض فلا أقل من اجماله، و يكفينا آنذاك دليلا علي لزوم التقابض صحيحة منصور لصراحتها في ذلك.

اجل يمكن ان يناقش بان الروايات السابقة و ان كانت دالة علي

ص: 77


1- وسائل الشيعة 459:12 الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 8.
2- الحدائق الناضرة 279:19.

شرطية التقابض الا انه ورد في روايات ثلاث ما ظاهره عدم اعتبار التقابض. ففي موثقة عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة، قال: لا بأس»(1).

و هي ان ثبت هجران الاصحاب لمضمونها - و غض النظر عن نسبة الخلاف إلي الشيخ الصدوق في عدم اعتبار التقابض - سقطت عن الحجية و الا فالمناسب الجمع بحمل الاولي علي رجحان التقابض دون لزومه، بناء علي قبول الاوامر الارشادية للحمل علي مثل ذلك و عدم اختصاصه بالاوامر التكليفية، و الا فالمناسب تحقق التعارض و التساقط و الرجوع إلي دليل اطلاق حلية البيع و التجارة عن تراض القاضي بعدم اعتبار الشرطية، و معه تكون النتيجة متحدة مع ما سبق تقريبا.

و بالجملة فكرة الهجران ان تمت صغري و كبري حكم بالاشتراط و الا فالمناسب عدم الاشتراط أو التنزل إلي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

4 - و اما ان المدار ليس علي الافتراق عن المجلس بل علي

افتراقهما

فذلك واضح من خلال صحيحة منصور المتقدمة.

5 - و اما انه مع الاتحاد يلزم التساوي في الكم

فللتحفظ من محذور الربا.

6 - و اما اختصاص اعتبار التقابض بالبيع

فلاختصاص الروايات بذلك.

ص: 78


1- وسائل الشيعة 460:12 الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 11.

هذا و بالامكان ان يقال بالتعميم للصلح بناء علي انه ليس معاملة مستقلة في مورد افادته فائدة البيع بل هو هو مع اختلاف الالفاظ.

7 - و اما عدم جريان حكم الصرف علي الاوراق النقدية

فلأنها ليست ذهبا أو فضة، و التعامل ليس عليهما بل عليها و انما هما سبب لاعتبارها.

7 - بيع السلف
اشارة

لا يجوز السلف أو السلم - و هو شراء كلي إلي أجل بثمن حال عكس النسيئة - إذا كان كلا العوضين من الذهب أو الفضة سواء اختلفا في الجنس أم اتحدا، و يجوز في غير ذلك - بشرط عدم اتحاد جنسهما فيما إذا كانا من المكيل أو الموزون - سواء كانا معا من العروض أم كان أحدهما من ذلك و الآخر ذهبا أو فضة.

و يلزم فيه - مضافا إلي الشرط المتقدم - ما يلي:

أ - ذكر الاوصاف الرافعة للجهالة، فما لا يمكن ضبطه بها لا يصح السلف فيه.

ب - قبض الثمن قبل التفرق علي المشهور.

ج - تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو العدد إذا كان المبيع من المكيل و نحوه.

د - ضبط أجل المبيع.

ه - تمكن البائع من دفع المبيع في الوقت الذي تعهد بالدفع فيه أو في المكان الخاص لو شرط.

ص: 79

و لو طرأ العجز بعد ذلك أو اتضح تخير المشتري بين الصبر و اخذ الثمن بلا زيادة أو الاتفاق علي دفع شيء آخر بدله.

و لا يلزم تعيين مكان التسليم.

و من اشتري شيئا سلفا يجوز له بيعه علي بائعه بشرط عدم زيادة الثمن علي الثمن السابق لو كان من جنسه.

و اما بيعه علي غير بائعه فالمشهور عدم جوازه قبل حلول الاجل.

هذا في غير المكيل و الموزون.

و اما فيهما فلا يجوز البيع قبل القبض مرابحة حتي بعد حلول الاجل علي المشهور.

و كما ينعقد بيع السلف بالايجاب من البائع بلفظ بعت و نحوه و القبول من المشتري بلفظ قبلت و نحوه ينعقد أيضا بالايجاب من المشتري بلفظ اسلفتك أو اسلمتك الثمن في المبيع الموصوف بكذا إلي اجل كذا و قبول البائع بلفظ قبلت و نحوه.

و المستند في ذلك:

1 - اما صحة بيع السلم في الجملة

فمما لا خلاف فيها. و تدل علي ذلك الروايات الخاصة الدالة علي شرطية بعض الشروط فيه، كصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بالسلم في الحيوان و المتاع إذا وصفت الطول و العرض. و في الحيوان إذا وصفت اسنانها»(1) ، و موثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلي أجل معلوم و لا تسلمه إلي

ص: 80


1- وسائل الشيعة 56:13 الباب 1 من أبواب السلف الحديث 10.

دياس و لا إلي حصاد»(1) و غيرهما.

بل يمكن اثبات ذلك بالادلة العامة من قبيل قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2) و نحوه.

2 - و اما عدم الصحة إذا كان العوضان من الذهب و الفضة مع

اتحاد الجنس

فلمحذور الربا اللازم حتي مع التساوي في المقدار بناء علي تعميم المنع للزيادة الحكمية أيضا، مضافا إلي كون ذلك من الصرف - لدي المشهور - الذي يلزم فيه التقابض.

و اما عدم الصحة إذا كانا من الذهب و الفضة مع اختلاف الجنس فلكون ذلك من الصرف المعتبر فيه التقابض.

و اما اعتبار ان لا يكونا من المكيل أو الموزون عند اتحاد الجنس فلكي لا يلزم محذور الربا.

و اما الصحة سواء كانا معا من العروض أم كان احدهما كذلك فللمطلقات الخاصة و العامة المتقدمة.

و بذلك يتضح التأمل فيما ينسب إلي ابن الجنيد من «منع اسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن و الزيت»(3).

3 - و اما اعتبار ضبط الاوصاف الرافعة للجهالة

فلصحيحة زرارة السابقة و غيرها، فان اعتبار ذكر الطول و العرض و الاسنان يدل عرفا علي ذلك و الا فلا خصوصية للأوصاف المذكورة.

ص: 81


1- وسائل الشيعة 58:13 الباب 3 من أبواب السلف الحديث 5.
2- البقرة: 275.
3- الحدائق الناضرة 10:20.

هذا مضافا إلي اعتبار معلومية العوضين في مطلق البيع كما تقدم.

4 - و اما اعتبار قبض الثمن قبل التفرق

فهو مشهور بين الاصحاب بل ادعي عليه الاجماع.

و قد اعترف في الجواهر و الحدائق بعدم وجود مستند لذلك سوي الاجماع المدعي(1).

فان تمّ الاجماع و ثبتت كاشفيته عن رأي المعصوم عليه السّلام بنحو الجزم كان هو الحجة و الا فالمناسب التنزل عن الفتوي إلي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

5 - و اما اعتبار الضبط بالكيل و نحوه

فلاعتبار ذلك في مطلق البيع لدي الاصحاب.

6 - و اما اعتبار ضبط الاجل

فلموثقة غياث السابقة و غيرها.

مضافا إلي انه لو لا ذلك يلزم الغرر المنهي عنه في مطلق البيع لدي المشهور.

7 - و اما اعتبار امكان الدفع في الوقت أو المكان المقررين

فلانه بدون ذلك لا يتحقق القصد إلي العقد.

و مع التنزل تكفينا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع فاقاوله علي الربح ثم اشتريه فابيعه منه، فقال: أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك؟ قلت: بلي، قال:

فلا بأس به. قلت: فان من عندنا يفسده، قال: و لم؟ قلت: قد باع ما ليس

ص: 82


1- جواهر الكلام 289:24، و الحدائق الناضرة 15:20.

عنده؟ قال: فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده، قلت: بلي، قال: فانما صلح من اجل انهم يسمونه سلما، ان ابي كان يقول: لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه»(1).

8 - و اما تخير المشتري بين الصبر و اخذ رأس ماله لو تعذر

تسليم المبيع

فيمكن اثباته من خلال الاشتراط الضمني، فان للمتعاقدين في باب السلم اشتراطا ضمنيا عادة علي ثبوت حق الفسخ للمشتري ان تعذر علي البائع تسليم المبيع.

و مع التنزل تكفينا موثقة عبد اللّه بن بكير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها و لم يستوف سلفه، قال: فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(2) و غيرها.

9 - و اما عدم جواز الفسخ بزيادة علي الثمن أو نقصان

فلان ذلك مقتضي الفسخ الموجب لرجوع العوضين إلي حالتهما الاولي.

علي ان موثقة ابن بكير السابقة دالة علي ذلك أيضا.

و مع التنزل و التسليم بعدم ظهورها في ذلك يمكن التمسك بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أعطي رجلا ورقا في وصيف إلي أجل مسمّي فقال له صاحبه:

لا نجد لك وصيفا، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا، قال: فقال: لا يأخذ الا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه اول مرة لا يزداد عليه شيئا»(3).

10 - و اما جواز التراضي علي شيء آخر

فهو مقتضي القاعدة

ص: 83


1- وسائل الشيعة 374:12 الباب 7 من أبواب احكام العقود الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 72:13 الباب 11 من أبواب السلف الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 70:13 الباب 11 من أبواب السلف الحديث 9.

لرجوع ذلك إلي معاملة جديدة اتفقا عليها.

علي ان موثقة يعقوب بن شعيب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع طعاما بدراهم فلما بلغ ذلك الاجل تقاضاه فقال: ليس عندي دراهم خذ مني طعاما، قال: لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء»(1) و غيرها قد دلت علي ذلك أيضا.

11 - و اما انه لا يلزم تعيين مكان الدفع

فلاقتضاء الاطلاق الانصراف إلي البلد الذي تمّ العقد فيه.

12 - و اما جواز بيع المبيع علي بايعه بالشرطين

فلانه مقتضي التمسك بالمطلقات العامة من قبيل أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2) و نحوه.

و هذا من دون فرق بين كون البيع بعد حلول الاجل أو قبله، و بغير جنس الثمن أو به إذا لم تكن زيادة.

و اما عدم جوازه إذا كان بجنس الثمن مع الزيادة فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة و غيرها.

و هي لا تختص بصورة حلول الاجل بل مطلقة من الناحية المذكورة. و علي تقدير نظرها إلي خصوص ذلك فيمكن الحكم بالتعميم من باب عدم احتمال الخصوصية.

13 - و اما عدم جواز بيعه علي غير بائعه قبل حلول الاجل

فهو مشهور بدون ان يدل عليه نص خاص. و مقتضي القاعدة جوازه.

و قد صرح في الجواهر و الحدائق(3) بانحصار المستند في

ص: 84


1- وسائل الشيعة 71:13 الباب 11 من أبواب السلف الحديث 10.
2- البقرة: 275.
3- جواهر الكلام 320:24، و الحدائق الناضرة 46:20.

الاجماع المدعي.

و قد يقال: ان عدم جواز البيع قبل حلول الاجل هو علي مقتضي القاعدة لعدم استحقاق المشتري المبيع آنذاك ليمكنه بيعه.

و الجواب: ان اشتغال ذمة البائع للمشتري يحصل بتمامية العقد و لو لم يحل الاجل و انما الاجل شرط في استحقاق المطالبة بالفعل.

اجل لربما يحكم بعدم الجواز لو فرض كون الثمن مؤجلا لصدق عنوان بيع الدين بالدين، و قد روي طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يباع الدين بالدين»(1).

و طلحة و ان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد(2) يكفي في قبول رواياته.

الا انه تمكن المناقشة أيضا بان ظاهر النهي عن بيع الدين بالدين بيع ما كان دينا قبل العقد بما كان دينا قبله أيضا و لا يشمل بيع ما كان دينا قبله بما صار دينا بسببه، كما هو المفروض في المقام.

و الملخص: ان جواز البيع هو مقتضي القاعدة ما دام قد فرض ارادة البيع بأجل أيضا يزيد علي السابق أو يساويه.

و عليه فالفتوي بعدم الجواز في الفرض المذكور يبتني علي حصول الاطمئنان للفقيه بمثل الاجماعات المذكورة و الا فالمناسب التنزل إلي الاحتياط تحفظا من مخالفة شبهة الاجماع.

14 - و اما عدم جواز بيع المكيل و الموزون قبل قبضه مرابحة

فهو علي خلاف القاعدة و من صغريات مسألة بيع المبيع قبل قبضه.

ص: 85


1- وسائل الشيعة 64:13 الباب 8 من أبواب السلف الحديث 2.
2- الفهرست للشيخ الطوسي: 86 الرقم 362.

و المنسوب إلي الشيخ المفيد الكراهة في خصوص المكيل و الموزون، و إلي الشيخ عدم الجواز في خصوص الطعام(1) ، و الي الأردبيلي الجواز مطلقا(2).

و المشهور عدم الجواز في خصوص المكيل و الموزون لصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه الا ان توليه فإذا لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه»(3) و غيرها.

هذا و لكن ورد في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه، قال: لا بأس. و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله؟ قال: لا بأس»(4).

و مقتضي الجمع حمل الروايات الاولي علي الكراهة إذا لم يحتمل للطعام خصوصية و الا يكون المناسب التفصيل بين الطعام فيجوز بيعه قبل قبضه و بين غيره من المكيل و الموزون فلا يجوز.

لا يقال: ان صحيحة ابن دراج لا يمكن الاخذ بها لكونها معارضة بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال، قال: لا يصلح له ذلك»(5).

فانه يقال: ان جملة «لا يصلح» قابلة للحمل علي الكراهة فلا5.

ص: 86


1- الحدائق الناضرة 168:19.
2- الحدائق الناضرة 172:19.
3- وسائل الشيعة 390:12 الباب 16 من أبواب احكام العقود الحديث 12.
4- وسائل الشيعة 388:12 الباب 16 من أبواب احكام العقود الحديث 6.
5- وسائل الشيعة 388:12 الباب 16 من أبواب احكام العقود الحديث 5.

تتحقق المعارضة.

15 - و اما انعقاد بيع السلف بما تقدم من الصيغ

فللمطلقات العامة من قبيل قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) و نحوه.

8 - محرّمات في الشريعة
اشارة

في الشريعة الاسلامية محرّمات كثيرة يحرم التكسب بها - ان كانت قابلة لذلك - لحرمتها في نفسها، نذكر من بينها:

الغناء
اشارة

يحرم الغناء و لو في الرثاء و الدعاء و قراءة القرآن و نحو ذلك و حتي من دون انضمام محرم آخر إليه. و كذا يحرم استماعه.

و يستثني منه الحداء و ما كان في الاعراس للنساء إذا لم يقترن به محرم.

و الميزان في صدقه كون الكيفية مناسبة لمجالس اللهو و أهل الفسوق.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الغناء في الجملة

فمتفق عليها من غير الكاشاني و السبزواري. و يدل عليها الكتاب الكريم: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (2) ، وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (3) لتفسير الزور بالغناء في صحيحة زيد الشحام: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله

ص: 87


1- البقرة: 275.
2- الحج: 30.
3- لقمان: 6.

تعالي: و اجتنبوا قول الزور، قال: قول الزور الغناء»(1) و تفسير لهو الحديث بذلك أيضا في عدة روايات(2).

و إذا اشكل بان ما يراد اثبات تحريمه هو الغناء بمعني الكيفية اللهوية الخاصة القائمة بالكلام الباطل أو الاعم دون الكلام نفسه، و ما ذكر لا يدل علي تحريم الكيفية بل علي تحريم الكلام الباطل، أمكن التمسك بالروايات:

كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «الغناء مما وعد اللّه عليه النار، و تلا هذه الآية: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي... (3).

و صحيحة الريان بن الصلت: «سألت الرضا عليه السّلام يوما بخراسان عن الغناء و قلت: ان العباس ذكر عنك انك ترخص في الغناء، فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء فقلت: ان رجلا اتي ابا جعفر عليه السّلام فسأله عن الغناء فقال: يا فلان إذا ميّز اللّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل، فقال: قد حكمت»(4) ، فان انكاره عليه السّلام للترخيص يدل علي المطلوب.

و صحيحة مسعدة بن زياد: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل: بأبي انت و أمي اني ادخل كنيفا ولي جيران و عندهم جوار يتغنين و يضربن بالعود فربما اطلت الجلوس استماعا مني لهنّ، فقال عليه السّلام:

لا تفعل. فقال الرجل: و اللّه ما اتيتهن انما هو سماع اسمعه باذاني3.

ص: 88


1- وسائل الشيعة 225:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 226:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7، 11.
3- وسائل الشيعة 226:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
4- وسائل الشيعة 227:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 13.

فقال عليه السّلام: باللّه انت، اما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً... (1).

و صحيحة عبد الاعلي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الغناء فقلت: انهم يزعمون ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رخّص في ان يقال: جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيكم فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ... (2).

و صحيحة ابراهيم بن ابي البلاد: «قلت لأبي الحسن الاول عليه السّلام:

جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن اربعة عشر الف دينار و قد جعل لك ثلثها، فقال: لا حاجة لي فيها، ان ثمن الكلب و المغنية سحت»(3) ، فان سحتية الثمن تدل علي حرمة الغناء و الا فلا وجه لكونه سحتا.

2 - و اما تعميمه لغير الكلام الباطل كالدعاء و نحوه

فلان المفهوم عرفا من الغناء الكيفية الخاصة بقطع النظر عن المادة، و لذا من سمع من بعيد صوتا بالكيفية الخاصة المناسبة لمجالس اهل الفسوق حكم بكونه غناء و لو لم يميز مادته.

و يؤكد ما ذكرناه صحيحة عبد الاعلي المتقدمة فان الجمل المذكورة فيها ليست باطلة المضمون و مع ذلك كذّب عليه السّلام ترخيصها.

و قد يقال باختصاص التحريم بما إذا كانت المادة باطلة، اما لأخذ ذلك في مفهوم الغناء، كما يستفاد من صحيحة زيد الشحام

ص: 89


1- وسائل الشيعة 957:2 الباب 18 من أبواب الاغسال المسنونة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 228:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15.
3- وسائل الشيعة 87:12 الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

المتقدمة(1) ، او لما ذكره المحقق الأردبيلي من انعقاد سيرة المتشرعة علي حضور مآتم أهل البيت عليهم السّلام و استماعهم إلي ألحان قراءة الخطيب بدون انكار منهم(2) ، او لما ذكره المحقق النراقي من التمسك باطلاق أدلة قراءة القرآن الكريم و الدعاء و الرثاء(3).

و الكل كما تري.

اما الاول فلان صحيحة الشحام لم تحكم بان الكلام الباطل هو الغناء لينحصر الغناء بالكلام الباطل و انما حكمت بان الغناء هو فرد من الكلام الباطل، و واضح ان الغناء لو تحقق بقراءة الدعاء امكن ان يصدق عليه عنوان الكلام الباطل و لو باعتبار كيفيته.

و اما الثاني فلعدم احراز اتصال السيرة بزمن المعصوم عليه السّلام ليثبت تلقيها منه لو لم يحرز عدم ذلك.

و اما الثالث فلان ادلة الحث علي قراءة القرآن مثلا ناظرة إلي قراءة القرآن بما هي و بقطع النظر عما يصاحبها و الا فهل يحتمل كونها حاثّة عليها حتي لو استلزمت ايذاء نائم مثلا؟

و مما يؤكد عدم مدخلية المادة - مضافا إلي ما تقدم - ان لازم مدخليتها ندرة تحقق الغناء المحرّم لعدم كون المادة في الغالب كذبا و باطلا بل و يلزم عدم حرمة عنوان الغناء و الغاء خصوصيته كما هو واضح.

3 - و اما تعميم التحريم لحالة عدم انضمام محرّم إليه

- من

ص: 90


1- محاضرات في الفقه الجعفري 352:1.
2- مجمع الفائدة و البرهان 61:8.
3- مستند الشيعة 644:2.

دخول الرجال علي النساء و استعمال الآلات الموسيقية و التكلم بالباطل - فلان ظاهر مثل قوله عليه السّلام في صحيحة ابن مسلم المتقدمة:

«الغناء مما وعد اللّه عليه النار» حرمة الغناء نفسه لا انه مباح و الحرمة ثابتة لما يقارنه.

هذا و لكن المختار لدي المحققين الكاشاني و السبزواري عدم حرمة الغناء في نفسه بل هي ثابتة لما يقارنه(1).

و قد يستدل لذلك ببعض الروايات، من قبيل:

صحيحة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال»(2).

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح؟ قال: لا بأس به ما لم يعص به»(3).

بيد ان بالامكان مناقشتهما.

اما الاولي فلأنها ناظرة إلي الغناء في الاعراس و انه جائز فيما إذا لم يدخل الرجال، و الالتزام باستثنائه ممكن كما سيأتي و لا تدل علي نفي البأس عن اجر مطلق المغنية.

و اما الثانية فلا اشكال في سندها لأنها بطريق قرب الاسناد و ان كانت ضعيفة بعبد اللّه بن الحسن لكونه مجهول الحال الا ان الحر رواها من كتاب علي بن جعفر، و طريقه إليه صحيح - حيث ان له طرقا5.

ص: 91


1- الوافي 218:17 و كفاية الاحكام: 86.
2- وسائل الشيعة 85:12 الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 85:12 الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

صحيحة إلي جميع الكتب التي روي عنها الشيخ الطوسي(1) و التي منها كتاب علي بن جعفر(2) ، و طريق الشيخ بدوره إلي الكتاب المذكور صحيح في الفهرست(3) - غير انها لا تفي بتمام مطلوب الكاشاني لأنها تدل علي جواز الغناء في نفسه في الموارد الثلاثة المذكورة فيها لا أكثر، و بذلك تكون مخصصة لما سبق.

و مع التنزل تتحقق المعارضة بين هذه و ما دلّ علي حرمة الغناء نفسه، و الترجيح لما دلّ علي حرمة الغناء في نفسه لمخالفته للعامة.

4 - و اما ان الاستماع حرام

فلصحيحة مسعدة المتقدمة. مضافا إلي امكان استفادة ذلك من الحكم بكون ثمن المغنية سحتا، إذ لا وجه لذلك ما دامت المنفعة محللة.

و يؤيد ذلك ما ورد من ان الاستماع إلي المغنيات نفاق(4).

5 - و اما الحداء فالمشهور استثناؤه.

و الوارد من غير طرقنا ان النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعبد اللّه بن رواحة: «حرّك بالنوق فاندفع يرتجز و كان عبد اللّه جيد الحداء، و كان مع الرجال، و كان انجشة مع النساء فلما سمعه تبعه فقال صلّي اللّه عليه و آله لا نجشة: رويدك، رفقا بالقوارير»(5) و استفيد من ذلك التقرير، و لكنها غير تامة سندا، كما هو واضح، و لا دلالة، حيث لم يأمر صلّي اللّه عليه و آله ابن رواحة بالحداء و لم تتضح كيفية ارتجازه ليثبت التقرير.

ص: 92


1- راجع الفائدة الخامسة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة 50:20.
2- راجع الفائدة الرابعة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة 39:20.
3- فهرست الشيخ الطوسي: 87 الرقم 367.
4- وسائل الشيعة 88:12 الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
5- سنن البيهقي 227:10.

و اما من طرقنا فالوارد عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خنا(1)»(2).

و هو جيد لو تمّ سندا و لم يناقش من ناحية النوفلي.

الا ان بالامكان ان يقال بخروج الحداء عن الغناء تخصصا لا تخصيصا، كما احتمل ذلك في الجواهر(3) ، و معه لا حاجة إلي البحث عن دليل الاستثناء.

6 - و اما استثناء الاعراس

فلصحيحة ابي بصير المتقدمة و غيرها.

و اما اعتبار عدم انضمام المحرّم فلان المستثني عنوان الغناء دون ما زاد. مضافا إلي امكان فهم ذلك من صحيحة ابي بصير، بل يفهم منها أيضا تخصيص الجواز بالنساء.

7 - و اما ان الميزان في صدق الغناء مناسبة الكيفية لمجالس أهل

الفسوق

فلم يذكر في كلمات المشهور بل المذكور فيها ان الغناء هو الصوت المشتمل علي الترجيع او المشتمل علي الترجيع مع الطرب، و ما شاكل ذلك.

و المناسب الرجوع إلي العرف - لأنه المرجع في تحديد مفاهيم الالفاظ - و هو يحدده بما ذكرناه. و عادة يتحقق ذلك فيما إذا كان الصوت من شأنه الاطراب.

ص: 93


1- الخنا: الفحش في الكلام.
2- وسائل الشيعة 306:8 الباب 37 من أبواب آداب السفر الحديث 1.
3- جواهر الكلام 51:22.

و عند الشك بنحو الشبهة الموضوعية يكون المرجع هو البراءة كما هو واضح.

ثم ان المفهوم من الغناء عرفا ما ذكرناه، و لكن لو فرض الشك فيه بنحو الشبهة المفهومية و تردده بين السعة و الضيق فالمناسب الاقتصار علي القدر المتيقن و اجراء البراءة عن حرمة الزائد.

الغيبة
اشارة

تحرم الغيبة، و هي «أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه». و لا تتحقق الا بذكر المؤمن في غيبته بعيبه المستور امام سامع و لو من دون كراهته و لا قصد الانتقاص.

و تستثني من حرمة الغيبة موارد منها: المتجاهر بالفسق، و الاحتياط يقتضي الاقتصار علي ذكره بما تجاهر به، و الظالم فانه تجوز للمظلوم غيبته، و الاحتياط يقتضي أيضا الاقتصار علي بيان ما تحقق به الظلم و عند من يتوقع منه ازالته.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الغيبة في الجملة

فمن ضروريات الدين. و يدل عليها الكتاب الكريم: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (1) ، و الاخبار المتواترة، كموثقة ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية للّه و حرمة ماله كحرمة دمه»(2) و غيرها.

ص: 94


1- الحجرات: 12.
2- وسائل الشيعة 599:12 الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 12.

و التدقيق في سندها غير مهم بعد تواترها.

و اما الاجماع فلا يمكن التمسك به بعد كونه مدركيا.

2 - و اما تحديد الغيبة

فلا يمكن الاعتماد فيه علي كلمات اللغويين لاختلافها و عدم دقتها في ذكر القيود، بل لا مجال للرجوع إليها بعد تحديد الروايات لها، ففي صحيحة عبد الرحمن بن سيابة: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه. و اما الامر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا»(1). و قريب من ذلك صحيحة داود بن سرحان(2).

و ابن سيابة و ان لم يوثق بالخصوص الا انه قد يتساهل من ناحيته، اما لوروده في كامل الزيارات، أو لرواية ابن ابي عمير عنه، او لاشتمال السند علي يونس الذي هو من اصحاب الاجماع، او لكونه وكيل الامام الصادق عليه السّلام في تقسيم الاموال علي عوائل من قتل مع عمه زيد.

و مع التنزل تكفينا صحيحة ابن سرحان حيث لا مشكلة في سندها الا من ناحية المعلي بن محمد، فانه و ان لم يوثق بل قيل في حقه:

انه مضطرب الحديث و المذهب(1)، الا انه يمكن التساهل من ناحيته بعد اكثار الحسين بن محمد الاشعري شيخ الشيخ الكليني الرواية عنه.

3 - و اما اعتبار ان يكون ذكره بالعيب في غيبته

فلتقوم مفهوم الغيبة به. و لربما تلمح الآية الكريمة إلي اعتباره حيث وصفت الاخ بكونه ميتا، و ما ذاك الا لتشبيه غيابه المعتبر في الغيبة بموته.

ص: 95


1- رجال النجاشي: 296 منشورات مكتبة الداوري.

و ينبغي ان يكون واضحا ان نفي صدق عنوان الغيبة عند افتراض الحضور لا يعني نفي الحرمة بل قد تكون ثابتة بشكل اقوي لثبوت ملاك تحريم الغيبة و زيادة.

4 - و اما اعتبار ان يكون المذكور عيبا

فيمكن استفادته من التعبير ب «تقول فيه»، «ستره اللّه عليه»، بل و من الآية الكريمة أيضا، فان أكل لحم الاخ ميتا لا يتحقق الا بذكر عيوبه.

و بهذا يتضح ان الذكر بما ليس عيبا فضلا بما هو كمال ليس من الغيبة في شيء و ان كان صاحبه كارها لذلك.

و اما ما ورد في وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله لأبي ذر: «... قلت يا رسول اللّه:

و ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره»(1) فهو علي تقدير صحة سنده منصرف إلي ما يكره ذكره من العيوب فلاحظ ذيل الحديث: «اعلم انك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، و إذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته»(2).

اجل قد يحرم ذلك من جهة عنوان آخر غير الغيبة كإيذاء المؤمن مثلا بناء علي حرمته بعرضه العريض الشامل لمثل المقام.

5 - و اما اعتبار كون العيب مستورا

فهو صريح الروايتين السابقتين.

و اما اعتبار وجود السامع فلأن كشف العيب المستور لا يتحقق الا بذلك.

و صحيحة ابن سيابة و ان لم تذكر لفظ الكشف الا ان ارادته واضحة و الا فلا معني لأخذ قيد الستر.

ص: 96


1- وسائل الشيعة 598:12 الباب 152 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
2- المصدر نفسه.
6 - و اما عدم اعتبار الكراهة

فلإطلاق الصحيحتين السابقتين.

و لا يمكن تقييد الاطلاق المذكور بالنبوي المتقدم بعد ضعف سنده و احتمال ان تكون كلمة «يكره» مبنية للمجهول.

و احتمال ان حرمة الغيبة هي من باب ان من حق المؤمن ان لا يذكر بعيوبه فإذا اسقط الحق المذكور - فيما إذا فرض رضاه بذكر عيوبه - فلا موجب لبقاء الحرمة ضعيف لعدم الدليل علي كون حرمة الغيبة هو من باب الحق بل بالامكان دعوي كونها من باب الحكم الشرعي بقرينة اطلاق الصحيحتين.

7 - و اما عدم اعتبار قصد الانتقاص

فلإطلاق الصحيحتين، بل مع فرض قصد الانتقاص تثبت الحرمة حتي في بيان العيب الظاهر، و الحال ان ظاهر صحيحة ابن سيابة نفي الحرمة عن بيان العيوب الظاهرة لا نفي موضوع الغيبة فقط.

8 - و اما استثناء المتجاهر بالفسق

فلرواية هارون بن الجهم عن الصادق عليه السّلام: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» الا انها ضعيفة بأحمد بن هارون شيخ الشيخ الصدوق - و مجرّد ترضيه عنه(1) لا يدل علي توثيقه له - بل تمكن الخدشة السندية في باقي روايات الاستثناء المذكور.

الا انه يمكن ان يقال ان تعددها و مفروغية الحكم لدي الاصحاب يصحح للفقيه التساهل من الناحية المذكورة.

هذا كله إذا لم يخصص الحكم بالجواز بخصوص ما تحقق

ص: 97


1- كما في الخصال: 33 باب الاثنين الحديث 1.

التجاهر به و الا فلا يحتاج الاستثناء إلي دليل لعدم صدق عنوان الغيبة بلحاظه.

9 - و اما ان الحكم بالجواز يختص بالفسق المتجاهر به او الاعم

فمحل خلاف، فقد استظهر صاحب الحدائق عدم الاختصاص(1).

و اختار الشهيد الثاني الاختصاص(2).

و فصّل الشيخ الأعظم بين ما كان دون المتجاهر به في القبح فيلحق بالمتجاهر به في جواز الغيبة به و بين غيره فلا يلحق به. قال قدّس سرّه:

«و ينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح، فمن تجاهر باللواط - العياذ باللّه - جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجنبيات...»(3).

و المناسب التعميم تمسكا باطلاق الروايات خصوصا ان ظاهرها كون الحكم من باب التخصيص دون التخصص.

و اما ما ذكره الشيخ الاعظم فقابل للتأمل، فان الدليل القائل مثلا:

من تجاهر بالزنا جازت غيبته بذلك يدل بالملازمة علي ان من تجاهر بالنظر الي الاجنبية جازت غيبته بذلك أيضا، و لا يدل بالملازمة علي ان النظر الي الاجنبية لو لم يكن متجاهرا به تجوز غيبته به أيضا.

هذا كله بمقتضي الصناعة العلمية. و لكن يبقي الاحتياط بالاقتصار علي غيبته في خصوص ما تجاهر به امرا لا ينبغي الحياد عنه.

ص: 98


1- الحدائق الناضرة 166:18.
2- كشف الريبة: 80.
3- كتاب المكاسب 298:1، منشورات دار الحكمة.
10 - و اما استثناء الظالم

فمتفق عليه لقوله تعالي: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ (1).

و مقتضي اطلاقه جواز الجهر بالسوء حتي في غير ما تحقق الظلم به و عند من لا يتوقع منه ازالة الظلم خصوصا لو لوحظ التعبير ب «الجهر» الظاهر في الاشاعة و عدم الاقتصار في البيان عند شخص دون آخر.

و يبقي الاحتياط بالاقتصار علي القدر المتيقن امرا لا ينبغي الحياد عنه بل قد يشكّك في انعقاد الاطلاق من الناحية الاولي.

القمار
اشارة

القمار حرام إذا كان مع الرهن و بآلاته الخاصة بل يكفي توفر احدهما في ثبوت التحريم لدي المشهور.

و اما إذا فرض فقدان كلا الامرين - كالمصارعة و المسابقة بأشكالها المختلفة إذا لم تكن مع الرهن - فالمناسب الحكم بالجواز.

و المراد من آلات القمار ما تداول التقامر بها و لو في عصرنا المتأخّر.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة إلي معني القمار

فقد اختلف اللغويون بل الفقهاء أيضا في تحديده من حيث اخذ العوض و كون اللعب بخصوص آلاته الخاصة في مفهومه(2).

ص: 99


1- النساء: 148.
2- ففي الصحاح، مادة «قمر»: قمرت الرجل إذا لا عبته فيه فغلبته. -

قال الشيخ الأعظم: «القمار... و هو - بكسر القاف - كما عن بعض اهل اللغة: الرهن علي اللعب بشيء من الآلات المعروفة، و حكي عن جماعة انه قد يطلق علي اللعب بهذه الاشياء مطلقا و لو من دون رهن.

و به صرح في جامع المقاصد(1). و عن بعض ان اصل المقامرة المغالبة»(2).

و عليه فالشبهة بلحاظ مفهوم القمار مفهومية لتردده بين السعة و الضيق. و حكمها - كما هو واضح - الاقتصار في الحكم بالتحريم مثلا علي القدر المتيقن، و هو المفهوم الضيق و اجراء البراءة بلحاظ ما زاد.

2 - و اما حرمته

فلا اشكال فيها، و هي مورد اتفاق المسلمين.

و يدل عليها من الكتاب الكريم قوله تعالي: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (3) ، فان الميسر

ص: 100


1- و نص عبارة المحقق الكركي: «و اصل القمار: الرهن علي اللعب بشيء من هذه الأشياء. و ربما أطلق علي اللعب بها مطلقا. و لا ريب في تحريم اللعب بذلك و ان لم يكن رهن». جامع المقاصد 24:4.
2- - و في اساس البلاغة: القمار خداع. و قامرته: غلبته. و في لسان العرب: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه، و هو التقامر. و في المصباح المنير: قامرته عليه: غلبته في القمار. و في القاموس: قامره مقامرة... راهنه فغلبه. و في مجمع البحرين: تقامروا: لعبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك. و أصل القمار: الرهن علي اللعب بالشيء من هذه الأشياء. و في اساس البلاغة: القمار خداع. و قامرته: غلبته. و في لسان العرب: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه، و هو التقامر. و في المصباح المنير: قامرته عليه: غلبته في القمار. و في القاموس: قامره مقامرة... راهنه فغلبه. و في مجمع البحرين: تقامروا: لعبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك. و أصل القمار: الرهن علي اللعب بالشيء من هذه الأشياء.
3- المائدة: 90.

هو القمار كما دلت عليه الروايات(1) و كلمات اهل اللغة(2).

و من السنة الشريفة روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، كصحيحة زيد الشحام: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (3) قال: الرجس من الاوثان: الشطرنج، و قول الزور: الغناء»(4).

و موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن اللعب بالشطرنج و النرد»(5).

و صحيحة معمر بن خلاد عن ابي الحسن عليه السّلام: «النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كل ما قومر عليه فهو ميسر»(6).

3 - و اما تحريم ما كان اللعب فيه مع الرهن و بالآلات الخاصة

فلانه القدر المتيقن من ادلة التحريم السابقة.

4 - و اما ما كان بآلات القمار المتداولة بدون رهن

فقد يستدل علي حرمته بوجوه نذكر منها:

أ - التمسك باطلاق الآية الكريمة حيث لم يؤخذ في وجوب

ص: 101


1- روي الوشاء عن ابي الحسن عليه السّلام: «الميسر هو القمار» وسائل الشيعة 119:12 الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- ففي لسان العرب، مادة «يسر»: الياسر من الميسر و هو القمار. و في مجمع البحرين: الميسر: القمار... و يقال سمّي ميسرا لتيسر اخذ مال الغير فيه من غير تعب و مشقة.
3- الحج: 30.
4- وسائل الشيعة 237:12 الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 238:12 الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
6- وسائل الشيعة 242:12 الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

الاجتناب عن الميسر فيها وجود الرهن.

و فيه: ان المفروض الشك في صدق عنوان «القمار» بدون الرهن، و التمسك بالاطلاق فرع احراز صدق عنوان المطلق علي المشكوك.

ب - التمسك بما دلّ علي ان المؤمن مشغول عن اللعب، كما في رواية عبد الواحد بن المختار: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام... عن اللعب بالشطرنج فقال: ان المؤمن لمشغول عن اللعب»(1).

و قد تمسك الشيخ الأعظم بهذا الوجه في جملة ما تمسك به لإثبات التحريم في محل الكلام(2).

و فيه: ان ما ذكر لو تمّ سندا لا دلالة له علي التحريم كما هو واضح.

ج - التمسك بما دلّ علي حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج - كموثقة السكوني المتقدمة - بتقريب ان اللعب بما ذكر يصدق و لو بلا مراهنة.

و فرق بين ذلك و بين القمار، فان صدق الثاني و ان كان من المحتمل توقفه علي المراهنة الا ان الاول لا يتوقف علي ذلك جزما.

و دعوي الشيخ الاعظم: انصراف اطلاق النهي عن اللعب بما ذكر إلي الحالة المتعارفة و هي حالة ثبوت الرهن(3) ، قابلة للتأمل، فان غلبة الوجود لا توجب الانصراف، و علي تقدير التنزل يمكن التأمل في دعوي الغلبة المذكورة.

و المناسب في مناقشة الوجه المذكور ان يقال: ان النهي المذكور1.

ص: 102


1- وسائل الشيعة 239:12 الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11.
2- كتاب المكاسب 322:1، منشورات دار الحكمة.
3- كتاب المكاسب 320:1.

خاص بالنرد و الشطرنج و لا يعم اللعب بغيرهما من آلات القمار.

و دعوي عدم الفصل او الحمل علي المثالية غير واضحة.

د - التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة حيث ورد فيها:

«و كل ما قومر عليه فهو ميسر».

و فيه: ما تقدم من الشك في صدق عنوان «ما قومر عليه» عند عدم وجود الرهن.

و عليه فالمناسب في هذه الصورة الحكم بالتحريم إذا كان اللعب بآلات النرد و الشطرنج و يكون الحكم بالحرمة في غير ذلك مبنيا علي الاحتياط.

5 - و اما إذا كان اللعب بغير آلات القمار مع افتراض وجود الرهن

- كالمراهنة في باب المصارعة او حمل الاثقال او سائر المسابقات - فقد استدل علي تحريمه بعدة وجوه نذكر منها:

أ - التمسك برواية العلاء بن سيابة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش. و ما سوي ذلك فهو قمار حرام»(1).

و فيه: ان السند ضعيف بالعلاء نفسه حيث لم يوثق الا بناء علي كفاية رواية ابن ابي عمير - الذي هو احد الثلاثة - عنه.

ب - التمسك بمرسلة الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام: ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل. و قد سابق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اسامة بن زيد و اجري الخيل»(2).

ص: 103


1- وسائل الشيعة 349:13 الباب 3 من السبق و الرماية الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 347:13 الباب 1 من السبق و الرماية الحديث 6.

و الجواب عنها واضح لضعف سندها بالارسال.

الا انه قد يحكم بحجية مراسيل الشيخ الصدوق لأحد البيانات الثلاثة التالية:

الاول: انه قدّس سرّه ذكر في مقدمة كتابه: «و لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلي ايراد ما افتي به و احكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربي تقدّس ذكره»(1) ، و ذلك يدل علي انه لا يذكر في كتابه الا الاخبار الصحيحة.

و فيه: ان الصحيح في مصطلح المتقدمين عبارة عن كل خبر يجب العمل به و لو لاحتفافه ببعض القرائن الموجبة للاطمئنان بصدوره - دون ما كان رواته عدولا امامية، فانه مصطلح متأخر - و لعل بعض تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

الثاني: انه ذكر في مقدمة كتابه أيضا ان «جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول و اليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد اللّه السجستاني و كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي و كتب علي بن مهزيار الاهوازي...»(2) ، و مع استخراج الأحاديث من كتب مشهورة عليها اعتماد الاصحاب لا تبقي حاجة إلي وجود طريق صحيح.

و فيه: ان شهرة الكتاب و التعويل عليه لا يعني صحة جميع احاديثه و انما يعني ان التعويل عليه هو طابعه العام، فكتاب الكافي مثلا يصدق عليه انه كتاب مشهور و عليه معول الشيعة مع عدم الحكم بصحة جميع احاديثه.ه.

ص: 104


1- الفقيه 3:1.
2- المصدر نفسه.

الثالث: التمسك بالرأي المفصّل في مراسيل الصدوق بين ما إذا عبّر ب «روي عن الصادق عليه السّلام» فلا تكون حجة، و بين ما إذا عبّر ب «قال الصادق عليه السّلام» فتكون حجة لان ذلك يدل علي جزمه بصدور الحديث و الا لما جازت له النسبة بنحو الجزم، و كيف ينسب الامامي إلي امامه قولا لا يجزم بصدوره عنه.

و فيه: ان تعبيره ب «قال» و ان دلّ علي جزمه بصدور الرواية الا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة جميع رجال سندها، بل قد يكون ذلك لاحتفافها بنظره بقرائن أوجبت اطمئنانه بصدورها، و لعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

ج - التمسك برواية العياشي في تفسيره عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شيء. قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم»(1).

و فيه: ان علي تقدير تمامية سندها - و عدم المناقشة من ناحية ياسر الخادم لجهالته بل و جهالة طريق العياشي إليه - قد تناقش دلالتها بان مفادها حرمة العوض لا حرمة اللعب نفسه.

د - التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة، حيث ورد فيها:

«و كل ما تقومر عليه فهو ميسر».

و فيه: ان المفروض الشك في صدق عنوان «تقومر عليه» علي اللعب بغير الآلات المتداولة. مضافا إلي انها ناظرة إلي تحريم العوض دون اللعب نفسه.

ه - دعوي الجزم بعدم مدخلية اللعب بالآلات المتداولة في صدق9.

ص: 105


1- وسائل الشيعة 243:12 الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.

عنوان القمار - و لذا لو فرض انعدام الآلات القديمة و تبدلها إلي آلات جديدة فهل يحتمل انتفاء الحرمة؟! - بل المناط صدق اللعب مع الرهان و لو لم يكن اللعب بالآلات المتعارفة.

و لا يشكل علي ذلك بلزوم صدق القمار إذا فرض التسابق مع الرهان في حفظ سورة او بناء عمارة او كتابة كتاب و ما شاكل ذلك، و الحال ان الالتزام بذلك بعيد جدا.

إذ يجاب بان عنوان اللعب في مثل ذلك غير صادق.

6 - و اما عدم التحريم في الصورة الاخيرة

فلأصل البراءة بعد عدم الدليل علي التحريم، إذ الموجب له اما التمسك بما دلّ علي حرمة القمار، أو التمسك بما تقدم من «ان المؤمن لمشغول عن اللعب»، أو التمسك بمثل صحيحة حفص عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل»(1).

و الكل كما تري.

اما الاول فللشك في صدق القمار.

و اما الثاني فلانه لا يدل علي الحرمة، بل لا يمكن الالتزام بها، كيف و هل يحتمل ان اللهو و اللعب باللحية أو بالمشي في الازقة و الاسواق عبثا أو بنقض الغزل من بعد قوة انكاثا و ما شاكل ذلك محرم؟

و اما الثالث فلاحتمال كون السبق بفتح السين و الباء معا - بمعني المال المجعول رهنا - و ليس بفتح السين و سكون الباء.

7 - و اما تعميم آلات القمار

لما تداول في عصرنا الحاضر فلعدم احتمال الخصوصية لتلك.

ص: 106


1- وسائل الشيعة 348:13 الباب 3 من السبق و الرماية الحديث 1.

كتاب الاجارة

اشارة

1 - حقيقة الاجارة

2 - من خصوصيات عقد الاجارة

3 - شرائط العوضين

4 - الضمان في باب الاجارة

5 - احكام عامة للإجارة

ص: 107

ص: 108

1 - حقيقة الاجارة
اشارة

الاجارة عقد يتضمن تمليك المنفعة - التي هي عمل أو غيره - بعوض.

و هي مشروعة بالضرورة.

و لها شرائط يرتبط بعضها بالمتعاقدين - هي شرائط المتعاقدين نفسها في باب البيع - و بعضها بالعوضين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حقيقة الاجارة ما ذكر

فهو ما جاء في كلمات غير واحد من الأصحاب. و هو مبني علي كون الاجارة فعل المؤجر، كتعريف البيع بانه تمليك عين بعوض. و اما بناء علي كونها فعل الطرفين - كما في النكاح - فالمناسب تعريفها بانها عقد يتضمن المعاوضة علي المنفعة.

2 - و اما ان المنفعة قد تكون عملا او غيره

فواضح. و قد تكون الاجارة علي العمل - كإيجار الشخص للبناء او الخياطة و نحوهما - و قد تكون للعين، كإيجار الدار للسكن.

و يطلق علي مستحق المنفعة بالاجارة عنوان المستأجر، و علي

ص: 109

مستحق الاجرة في اجارة الاعيان عنوان المؤجر و في الاجارة علي العمل عنوان الاجير.

3 - و اما شرعية الاجارة

فثابتة بقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (2) ، و بالروايات الواردة لبيان احكامها التي تأتي الاشارة إلي بعضها، بل بالضرورة التي لا يحتاج معها إلي دليل.

4 - و اما شرائط المتعاقدين فبما انها لا تختلف عن شرائط

المتعاقدين في باب البيع عددا و مدركا

فلا حاجة إلي التكرار.

2 - من خصوصيات عقد الاجارة
اشارة

يعتبر في الاجارة الايجاب و القبول، ففي اجارة الدار مثلا يصح الايجاب من صاحب الدار بلفظ آجرتك الدار و القبول من الآخر بلفظ قبلت و نحوه، كما يصح العكس فيقول الآخر: استأجرت دارك و يقول صاحب الدار:

قبلت.

و تتحقق الاجارة بالمعاطاة.

و هي من العقود اللازمة التي لا تنفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

و المشهور جواز الاجارة المعاطاتية الا اذا تصرف احدهما فيما انتقل إليه.

و المستند في ذلك:

ص: 110


1- المائدة: 1.
2- النساء: 29.
1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في الاجارة

فلأنها من العقود.

و اما صحة الايجاب و القبول بكلا الشكلين فلإطلاق الامر بالوفاء بالعقد الصادق فيهما.

2 - و اما صحة الاجارة بالمعاطاة

فلان ذلك هو مقتضي القاعدة، فانه بعد صدق العقد بالمعاطاة و عدم انحصار تحققه باللفظ يشمله اطلاق قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و يكون الخروج عن ذلك و الحكم باعتبار اللفظ فقط هو المحتاج إلي الدليل. و قد قام الدليل في بعض الموارد - كالنكاح و الطلاق و النذر و اليمين - و يبقي غيرها مشمولا لمقتضي القاعدة.

هذا و قد فصّل الشيخ النائيني بين الاجارة في الاعيان فتصح فيها المعاطاة و الاجارة في الاعمال فلا تصح فيها، بتقريب ان التعاطي يمكن تحققه خارجا في اجارة الاعيان و لا يمكن تحققه في اجارة الاعمال، فان أحد الطرفين إذا دفع اجرة الخياطة فلا يتحقق من الآخر تسليم العمل حين دفع الاجرة بل يتحقق بعد ذلك من باب كونه وفاء بالعقد و ليس من باب كونه محققا و إنشاء له(2).

و فيه: انه بدفع الاجرة يمكن تحقق الايجاب و القبول الفعليين، فبالدفع من احد الطرفين يتحقق الايجاب و بأخذ الطرف الثاني يتحقق القبول و لا يتوقف تحقق العقد الفعلي علي صدور دفع من الثاني عند دفع الاول.

بل يمكن تحقق العقد الفعلي بلا دفع الاجرة أيضا، كما إذا دفع

ص: 111


1- المائدة: 1.
2- التعليقة الشريفة للشيخ النائيني علي العروة الوثقي، الفصل 1 من كتاب الاجارة.

المستأجر قطعة القماش إلي الخياط و تسلمها الخياط منه بقصد تحقق العقد بذلك.

3 - و اما ان الاجارة من العقود اللازمة

فلان ذلك مقتضي الاصل في كل عقد علي ما هو المستفاد من قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) - فان مقتضي وجوب الوفاء بالعقد عدم جواز نقضه من دون رضا الطرف الآخر - و من استصحاب بقاء الملك الثابت قبل فسخ احدهما، و من الوجوه الاخري لإثبات اللزوم التي تقدمت الاشارة إليها في كتاب البيع.

و يمكن ان تضاف هنا الروايات الواردة في خصوص المقام، كصحيحة علي بن يقطين: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكاري من الرجل البيت او السفينة سنة او اكثر من ذلك او أقلّ، قال: الكراء لازم له إلي الوقت الذي تكاري إليه. و الخيار في أخذ الكراء إلي ربها ان شاء أخذ و ان شاء ترك»(2) و غيرها.

4 - و اما تحقق الانفساخ بالتقايل

فلان الحق لا يعدو المتعاقدين بعد وضوح ان اللزوم حقي لا حكمي.

و اما جواز الفسخ بالخيار الثابت لأحدهما او كليهما فواضح لأنه مقتضي اشتراط الخيار النافذ بقوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(3).

و اما جوازه عند تخلف الشرط فلان مرجع الاشتراط عرفا الي تعليق الالتزام بالعقد علي تحقق الشرط خارجا، فعند عدم تحققه لا

ص: 112


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 249:13 الباب 7 من احكام الاجارة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

التزام بالعقد الذي هو عبارة اخري عن جعل الشارط لنفسه الخيار عند تخلف الشرط.

5 - و اما ان الاجارة المعاطاتية جائزة لدي المشهور الا عند

التصرف

فذلك للإجماع المدعي علي عدم لزوم المعاطاة بشكل عام الا عند التصرف.

و المناسب هو الحكم باللزوم تمسكا باطلاق قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و غيره من الوجوه المذكورة لإثبات لزوم المعاطاة في باب البيع فراجع.

و اما الاجماع المدعي فغير ثابت خصوصا مع مدركيته المحتملة.

3 - شرائط العوضين
اشارة

يلزم في العوضين: المعلومية، و القدرة علي التسليم، و الملكية، و امكان الانتفاع بالعين مع بقائها فلا تصح اجارة الخبز للأكل مثلا، و ان تكون المنفعة مباحة فلا تصح الاجارة لفعل المحرم، و ان تكون العين صالحة لاستيفاء المنفعة منها فلا تصح اجارة الارض للزراعة إذا لم تمكن زراعتها، و تمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة فلا تصح اجارة الحائض لكنس المسجد.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار معلومية العوضين

فقد يستدل له:

ص: 113


1- المائدة: 1.

تارة بلزوم الغرر علي تقدير عدم المعلومية، و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(1).

و اخري بالنبوي: «من استأجر أجيرا فليعلمه اجره»(2).

و ثالثة بما دل علي لزوم اعتبار ضبط الكيل و الوزن و العدد في باب البيع(3) ، بعد وضوح عدم الخصوصية له.

و رابعة بما أفاده بعض الاعلام من ان المعاملات لدي العقلاء مبنية علي حفظ التساوي في مقدار مالية العوضين. و لعلهم يستغنون عن التصريح بذلك لوضوحه. و من هنا يثبت الخيار عندهم في حالات الغبن. و عليه فالمعاملة علي المجهول المتضمنة للغرر خارجة عن المعاملات العقلائية و ينصرف عنها دليل الامضاء لاختصاص نظره بالمعاملات العقلائية(4).

و خامسة بتسالم الاصحاب علي ذلك.

و الكل كما تري.

اما الاول فلان الثابت في كتب الحديث: «نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر»(5) ، و ليس: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر.

هذا بقطع النظر عن السند و الا فالاشكال أوضح.

و إذا قيل: ان ذلك يستفاد من رواية الشيخ الصدوق في معاني3.

ص: 114


1- تذكرة الفقهاء، كتاب الاجارة، المسألة 2 من الركن 3 في الفصل 2.
2- مستدرك الوسائل الباب 3 من أبواب الاجارة الحديث 1.
3- راجع الرقم 4 من بحث شرائط العوضين في كتاب البيع.
4- مستند العروة الوثقي، كتاب الاجارة: 33.
5- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

الاخبار، حيث ورد فيها: انه صلّي اللّه عليه و آله: «نهي عن المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة... و هذه بيوع كان اهل الجاهلية يتبايعونها فنهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عنها لأنها غرر كلها»(1) ، فان التعليل يدل علي المنع من الغرر بدون اختصاص بالبيع.

قلنا: ان التعليل المذكور هو من الشيخ الصدوق قدّس سرّه دون النبي صلّي اللّه عليه و آله فراجع. علي ان السند ضعيف بعدة مجاهيل.

و اما الثاني فلضعف الحديث سندا. و مع التنزل يمكن فرض العلم بالمشاهدة فيما إذا كانت الاجرة من المكيل او الموزون.

و اما الثالث فباعتبار ان الغاء الخصوصية للبيع لا يمكن الجزم به، و لذا يقال في ردّ الاستدلال بحديث النهي عن الغرر: ان الثابت هو النهي عن بيع الغرر، فلو فرض عدم الخصوصية للبيع كفي ورود النهي عن بيع الغرر.

و اما الرابع فباعتبار ان التساوي في المالية و ان كان معتبرا لدي العقلاء الا ان الطريق إليه لا ينحصر لديهم بالكيل و الوزن و العد بل يكتفون بالتخمين الحاصل من المشاهدة أيضا.

و اما الخامس فالتسالم مع احتمال المدرك لا حجية له كما هو واضح.

و عليه فالحكم باعتبار معلومية العوضين ينبغي ابتناؤه علي الاحتياط.

2 - و اما اعتبار القدرة علي التسليم

فقد تقدمت الاشارة في باب

ص: 115


1- وسائل الشيعة 266:12 الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 13.

البيع إلي مستندات ذلك و كانت كلها ضعيفة ما عدا الاخير، و هو روايات جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة، و التعدي منه إلي الاجارة مبني علي الغاء خصوصية البيع.

و يمكن الاستدلال في خصوص الاجارة بان مثل منفعة الدار مع عدم القدرة علي التسليم تتصرم شيئا فشيئا، و من ثمّ لا تكون مملوكة في اعتبار العقلاء لصاحب الدار ليمكنه نقلها.

و هذا الوجه - كما نري - يختص بحالة تعذر التسليم واقعا، اما مع الشك و فرض عدم التعذر واقعا فلا مانع من الحكم بالصحة.

3 - و اما اعتبار الملكية

فواضح، إذ غير المالك لا يمكنه تمليك الغير، فان فاقد الشيء لا يعطيه. بل تحقق النقل من دون رضا المالك خلاف قاعدة السلطنة الثابتة له و قاعدة لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفس منه.

هذا كله مضافا إلي ان الخطاب بالوفاء بالعقود منصرف الي الملاّك الذين هم أصحاب العقد حقيقة دون غيرهم.

اجل لا يقع النقل من غير المالك باطلا رأسا بل موقوفا علي الاجازة، كما هو شأن كل عقد فضولي.

4 - و اما اعتبار امكان الانتفاع بالعين مع بقائها

فلتقوّم حقيقة الاجارة بذلك، فان تمليك منفعة العين دونها يستبطن ذلك.

5 - و اما اعتبار اباحة المنفعة

فاستدل له بما يلي:

أ - ما أفاده الشيخ النائيني من ان المنفعة المحرمة ليست مملوكة ليمكن تمليكها. قال قدّس سرّه: «ان اشتراط مملوكية المنفعة يغني عن هذا

ص: 116

الشرط، فان المنفعة المحرمة غير مملوكة»(1).

ب - ان المنفعة إذا كانت محرمة فلا يمكن تسليمها شرعا، و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، و قد تقدم ان القدرة علي التسليم شرط في صحة الاجارة.

ج - التمسك برواية جابر أو صابر: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال: حرام اجره»(2) ، بتقريب ان حرمة الاجر يكشف عن بطلان المعاملة.

الا ان الرواية المذكورة لو تمت سندا و لم تحتمل لموردها - و هو الخمر - خصوصية معارضة بصحيحة عمر بن اذينة: «كتبت إلي ابي عبد اللّه عليه السّلام اسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر و الخنازير، قال: لا بأس»(3).

د - ان المنفعة ما دامت محرمة فتسليمها و الوفاء بالعقد يكون محرما، و إذا لم يجب الوفاء بالعقد لم يمكن اثبات صحته، فان صحة العقد تستكشف من وجوب الوفاء، فاذا فرض عدمه فلا يمكن استكشافها.

6 - و اما اعتبار قابلية العين لاستيفاء المنفعة منها

فباعتبار ان المنفعة إذا لم تكن قابلة للاستيفاء فهي ليست ملكا لصاحب العين ليمكنه تمليكها.

ص: 117


1- راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني علي العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الشرط 5 من شرائط العوضين.
2- وسائل الشيعة 125:12 الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 126:12 الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
7 - و اما اعتبار تمكن المستأجر من الانتفاع بالعين

فقد يوجّه بما ذكره الشيخ النائيني من «ان هذا المثال(1) قد خرج باشتراط مملوكية المنفعة و اباحتها»(2).

و فيه: ان المنفعة - كنس المسجد - مباحة لعدم حرمة كنس الحائض للمسجد بما هو كنس للمسجد، و انما المحرم هو مكث الحائض في المسجد الموقوف عليه الكنس، و حرمة هذا لا تستلزم حرمة مقارناته و الا فهل يحتمل استلزام حرمة المكث لحرمة تحريك اليد؟

و الانسب ان يعلل اعتبار الشرط المذكور بان استيفاء المنفعة ما دام مستلزما لارتكاب محرم شرعي فلا يجب الوفاء بالاجارة، و من ثمّ لا يمكن استكشاف الصحة لأنها لازم لوجوب الوفاء فاذا لم يثبت لم يمكن استكشاف لازمه.

4 - الضمان في باب الاجارة
اشارة

مستأجر العين امين عليها لا يضمن تلفها او تعيبها الا إذا تعدّي أو فرّط.

و هكذا الحال في الاجير إذا دفع له المستأجر العين ليعمل فيها.

و اذا باشر الطبيب من خلال عملية جراحية علاج المريض و تضرر بذلك كان ضامنا الا اذا اخذ البراءة مسبقا و لم يكن مقصرا في اعمال اجتهاده.

ص: 118


1- أي مثال اجارة الحائض لكنس المسجد الذي ذكره السيد الطباطبائي.
2- راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني علي العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الشرط 7 من شرائط العوضين.

و إذا وصف الدواء من دون ان يباشر العلاج و تضرر المريض بذلك فقد قيل: بعدم الضمان أيضا.

و إذا أفسد الخيّاط أو البنّاء أو النّجار أو الختّان أو أي عامل آخر كان ضامنا كالطبيب المباشر ما دام قد تجاوز الحدّ المأذون فيه.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم ضمان المستأجر للعين

فللقصور في المقتضي، فان الضمان لو كان ثابتا فليس له مدرك سوي قاعدة علي اليد، و هي لا تشمل مثل يد المستأجر، لان مستند القاعدة المذكورة ليس الا السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع، و هي لا تشمل مثل يد المستأجر، و لا أقلّ من الشك فيقتصر علي القدر المتيقن.

و مع التنزل و فرض تمامية المقتضي يكفينا للحكم بعدم الضمان وجود المانع، و هو الروايات الواردة في عدم ضمان الامين، كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته»(1).

بل و الروايات الواردة في خصوص باب الاجارة، كصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تكاري دابة إلي مكان معلوم فنفقت الدابة، فقال: ان كان جاز الشرط فهو ضامن. و ان كان دخل واديا لم يوثقها فهو ضامن. و ان وقعت في بئر فهو ضامن لأنه لم يستوثق منها»(2).

2 - و اما الضمان مع التعدي أو التفريط

فلقاعدة علي اليد

ص: 119


1- وسائل الشيعة 229:13 الباب 4 من أحكام الوديعة الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 281:13 الباب 32 من الاجارة الحديث 2.

و الصحيحتين المتقدمتين.

3 - و اما عدم ضمان الاجير للعين التي يعمل فيها

فلما تقدم نفسه في عدم ضمان المستأجر.

4 - و اما ضمان الطبيب عند مباشرته للعلاج و تضرر المريض

فلقاعدة من اتلف، و موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه و الا فهو له ضامن»(1).

بل يمكن التمسك أيضا بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده، فقال: كل عامل أعطيته أجرا علي ان يصلح فأفسد فهو ضامن»(2).

و إذا قيل: مع اذن المريض للطبيب في مباشرة علاجه لا يبقي موجب للضمان.

قلنا: ان الاذن كان في العلاج دون الافساد.

5 - و اما استثناء حالة أخذ البراءة

فلموثقة السكوني المتقدمة.

و إذا قيل: لا تصح البراءة لأنها من قبيل اسقاط ما لم يجب.

قلنا: هذا يتم لو اريد تخريج الحكم علي طبق القاعدة، اما بعد وجود النص فلا مجال لمثل الاشكال المذكور.

6 - و اما القول بعدم الضمان عند وصف الدواء من دون مباشرة

العلاج

فلان المستند للضمان اما موثقة السكوني المتقدمة أو قاعدة الاتلاف أو قاعدة الغرور.

ص: 120


1- وسائل الشيعة 195:19 الباب 24 من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 275:13 الباب 29 من أحكام الاجارة الحديث 19.

و الكل لا يمكن التمسك به.

اما الاول فلان ظاهر كلمة «تطبب» مباشرة الطبابة و العلاج خارجا.

و اما الثاني فلان الاتلاف لا ينتسب إلي شخص الا اذا كان مباشرا له او كان سببا أقوي من المباشر بحيث يسند الفعل إليه عرفا، كما لو كان المريض فاقدا للإرادة لصغر و نحوه، اما مع فرض الاختيار التام للمريض فلا ينسب الاتلاف الي الطبيب.

و اما الثالث فلعدم صدق الغرور مع جهل الغار، و لا أقلّ من الشك.

7 - و اما ضمان الخيّاط و غيره لما يفسده

فلقاعدة من اتلف و صحيحة الحلبي المتقدمة.

هذا إذا تجاوز الحدّ المأذون فيه.

و اما مع عدم تجاوزه - كما لو قال صاحب القماش للخياط: فصّله بهذا الشكل فامتثل ثم اتضح الخلل و سقوط القماش بذلك عن صلاحية الانتفاع أو فرض أمر الختّان بالختن ثم اتضح ان اصل الختان مضر و مات المختون بذلك - فينبغي التفصيل بين ما شاكل مثال القماش فلا ضمان - للإذن الرافعة للضمان، و الاتلاف ان صدق فهو ما دام باذن المالك فلا يوجب الضمان - و بين مثال الختن فيحكم بثبوت الضمان لان الختّان بالتالي هو القاتل، غايته هو معذور في ذلك، و حيث ان دم المسلم لا يبطل(1) فيلزم الحكم بضمان الدية لأنه من قبيل القتل الخطئي.

ص: 121


1- لصحيحة عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل وجد مقتولا لا يدري من قتله، قال: ان كان عرف له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم...». وسائل الشيعة 109:19 الباب 6 من أبواب دعوي القتل الحديث 1.

اجل مع اخذ الختّان البراءة مسبقا فلا يبعد عدم الضمان لموثقة السكوني المتقدمة بناء علي عدم فهم الخصوصية للتطبّب.

5 - أحكام عامة في باب الاجارة
اشارة

لا يثبت في الاجارة خيار المجلس و لا خيار الحيوان و لا خيار التأخير ثلاثة أيام و تجري فيها بقية الخيارات، كخيار العيب و الغبن و تخلف الشرط و نحوها.

و اذا تحقق عقد الاجارة ملك كل طرف بالعقد نفسه ما استحقه علي الآخر، فالاجير يملك الاجرة و لو لم يقم بالعمل و المستأجر يملك العمل و لو لم يدفع الاجرة. و يجب علي كل واحد منهما تسليم ما عليه الا اذا كان الآخر ممتنعا.

و يحق لمستأجر العين ايجارها علي آخر ما دام لم يشترط عليه - و لو ضمنا - استيفاءه المنفعة مباشرة. و استشكل بعض في تسليم العين إلي المستأجر الثاني بدون اذن المؤجر.

و لا يجوز لمستأجر الدار ايجارها علي آخر بأكثر من الاجرة السابقة الا ان يحدث فيها حدثا او تكون الاجرة الثانية مغايرة للأولي جنسا.

و من استؤجر لأداء عمل بدون اشتراط المباشرة عليه و لو ضمنا يجوز له استيجار غيره للقيام بذلك العمل فيما إذا كانت الاجرة مساوية أو أكثر، اما إذا كانت أقل فلا الا إذا أتي ببعض العمل.

ص: 122

و في جواز الاجارة علي اداء الواجبات خلاف مشهور.

و من استأجر محلاّ تجاريا أو غيره إلي فترة محددة فعليه بعد انتهائها تخليته إذا طالب بذلك المالك و لا يحق له ايجاره علي شخص آخر من دون اذن الا إذا تمّ الاتفاق - لبناء عرفي خاص أو عام - علي ذلك مسبقا و لو مقابل مبلغ معين قد يعبر عنه في بعض الاعراف بحق السرقفلية، فيجوز آنذاك للمستأجر عدم التخلية و تجديد عقد الايجار بل يجوز له أيضا رفع اليد عن حقه في البقاء و التنازل بالمحل لثالث ازاء مبلغ معين من النقود قد يعبّر عنه بحق السرقفلية أيضا.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم ثبوت الخيارات الثلاثة في الاجارة

فلاختصاص مدرك ثبوتها بالبيع، كصحيحة محمد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا»(1) ، و صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتي آتيك بثمنه، قال: ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيام و الا فلا بيع له»(2).

2 - و اما ثبوت بقية الخيارات

فلان مدرك ثبوتها يعم غير البيع أيضا، فخيار العيب و الغبن ثابتان من خلال فكرة الاشتراط الضمني، و هي لا تختص بالبيع. و هكذا الخيار الثابت باشتراطه أو بتخلف الشرط، فانه لا يختص بالبيع.

و بالجملة: مدرك الخيارات الثلاثة السابقة حيث انه التعبد

ص: 123


1- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 356:12 الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.

فيقتصر علي مورده، بخلاف بقية الخيارات فان مدركها ليس هو التعبد بل مقتضي القاعدة الذي لا اختصاص له بالبيع.

3 - و اما ان كان واحد مالك ما له علي الآخر بمجرد العقد

فباعتبار كونه سببا تاما للملكية بمقتضي قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

4 - و اما وجوب التسليم علي كل واحد منهما

فلان ذلك لازم ملكية الآخر لما في يده.

و اما عدم لزوم التسليم عند امتناع الآخر فلان ذلك مقتضي الشرط الضمني الارتكازي علي ثبوت الحق لكل منهما في الامتناع عند امتناع الآخر.

5 - و اما جواز ايجار العين من قبل المستأجر الاول

فلانه مالك للمنفعة و ليس من شروط صحة الاجارة ملكية العين.

اجل مع اشتراط استيفائه المنفعة مباشرة فلا يجوز له ذلك لقاعدة المسلمون عند شروطهم التي دلت عليها صحيحة عبد اللّه بن سنان(2).

6 - و اما الاشكال في جواز تسليم العين

فقد صار إليه جمع من الاعلام(3) باعتبار ان العين ملك لصاحبها، و التصرف فيها بالتسليم إلي ثالث تصرف في ملك الغير من دون اذنه فلا يجوز.

و فيه: ان الاذن ثابتة لان اذن المالك للمستأجر الاول في الاستيلاء علي العين كانت باعتبار انه مالك للمنفعة و ليس بما هو فلان، و حيث ان

ص: 124


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- و ممن استشكل السيد الطباطبائي في العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الفصل 5.

الوصف العنواني المذكور منطبق علي المستأجر الثاني فيجوز تسليمه اليها و استيلاؤه عليها.

اجل لا يجوز تعريض العين للخطر بايجارها من شخص لا يتحفظ عليها بشكل كامل.

و مما يؤكد ذلك ان المستأجر الاول يجوز له استضافة بعض الضيوف لأيام من دون حاجة الي استئذان المالك، فإذا جاز ذلك جاز ايجار العين للضيف و تصرفه فيها بلا حاجة إلي استئذان.

هذا كله بقطع النظر عن الروايات و الا فالأمر أوضح. و قد روي علي بن جعفر - بطريق صحيح - عن أخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال: ان كان شرط ان لا يركبها غيره فهو ضامن لها و ان لم يسم فليس عليه شيء»(1) ، فانها تدل علي جواز اركاب الغير، و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون ذلك باجرة أو بدونها.

و في صحيحة ابي المعزا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يؤاجر الارض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها، قال: لا بأس...»(2).

7 - و اما عدم جواز ايجار الدار من قبل المستأجر الاول بأكثر من

الاجرة الاولي الا مع احداث حدث

فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به، قال:

لا يصلح ذلك الا ان يحدث فيها شيئا»(3) و غيرها.

ص: 125


1- وسائل الشيعة 255:13 الباب 16 من أحكام الاجارة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 260:13 الباب 20 من أحكام الاجارة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 263:13 الباب 22 من الاجارة الحديث 4.
8 - و اما اعتبار اتحاد جنس الاجرة في عدم جواز الزيادة

فلان عنوان «الاكثر» لا يصدق الا مع اتحاد جنس الاجرتين، فاذا كانت احداهما دينارا و الاخري كتابا فلا يصدق ان هذا أكثر من ذاك إذا تفاوتا في القيمة الا مع العناية.

اجل إذا كانت كلتا الاجرتين من النقود و اختلفتا في نوعية النقد فلا يبعد صدق عنوان الاكثر عرفا إذا تفاوتا في المالية.

9 - و اما ان المستأجر لعمل يجوز له استيجار غيره إذا كانت

الاجرة مساوية أو أكثر

فلكونه مقتضي القاعدة ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

و اما عدم جواز ذلك إذا كانت أقل الا مع اداء بعض العمل فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلي آخر فيربح فيه، قال: لا، الا ان يكون قد عمل فيه شيئا»(1) و غيرها.

10 - و اما الخلاف في جواز الاجارة علي الواجبات

فينبغي ان تستثني منه الحالات التالية:

أ - ما إذا لم تعد للباذل فائدة من وراء الاجارة، كالاستيجار لأداء الصلاة الواجبة اليومية عن العامل نفسه. و لا اشكال في بطلان الاجارة في مثل ذلك.

و تتصور الفائدة فيما إذا كان الواجب كفائيا و أراد الباذل اسقاطه عن نفسه فاستأجر غيره.

ص: 126


1- وسائل الشيعة 265:13 الباب 23 من الاجارة الحديث 1.

ب - ما إذا فهم من الادلة مطلوبية تحقيق الفعل مجانا، كما في تعليم الاحكام و الافتاء و تجهيز الميت و الاذان و نحو ذلك. و في مثله لا اشكال في بطلان الاجارة كما هو واضح.

ج - ما إذا علم بمطلوبية ايقاع الفعل في الخارج و لو مع الاجرة، كما هو الحال في المهن التي يتوقف عليها النظام كالطبابة و الخبازة و البقالة و ما شاكل ذلك. و في مثله لا اشكال في جواز الاجارة كما هو واضح.

و بعد هذا يقع الكلام تارة في البحث عن مانعية حيثية الوجوب من جواز الاجارة و اخري عن مانعية حيثية قصد التقرب المعتبر في العبادات من صحة الاجارة.

اما المانعية من الحيثية الاولي فذكر لها عدة تقريبات نشير من بينها إلي:

الاول: ما نقله الشيخ الأعظم من ان الشيء إذا كان واجبا فهو مملوك للّه سبحانه، و مع كون الشيء مملوكا للغير فلا يمكن تمليكه لان الشخص إذا لم يملك فعله فكيف يملّكه لغيره(1).

و فيه: ان وجوب الفعل يستدعي الزام ايجاده دون الملكية اعتبارا ليلزم ما ذكر.

الثاني: ما أفاده الشيخ النائيني من ان شرط صحة الاجارة بل كل معاملة كون الفعل و الترك معا تحت سلطان الاجير، و مع فرض ايجاب الفعل لا يكون الترك تحت سلطانه بل يكون ممتنعا عليه شرعا،ة.

ص: 127


1- كتاب المكاسب 432:1، منشورات دار الحكمة.

و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا(1).

و فيه: ان القدرة بمعني تساوي الطرفين لا دليل علي اعتبارها و انما الثابت اعتباره هو القدرة علي تسليم متعلق الاجارة بمعني الامكان التكويني، و هو متحقق في محل الكلام.

الثالث: ما استند إليه الشيخ الأعظم، و هو ان العمل إذا كان واجبا علي الاجير بقطع النظر عن الاجارة فيجوز اجباره علي ايقاعه و لو لم يستأجر عليه، و معه فلا تعود فائدة من وراء الاجارة.

قال قدّس سرّه: «... لان أخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله اكل للمال بالباطل لان عمله هذا لا يكون محترما لان استيفاءه منه لا يتوقف علي طيب نفسه لأنه يقهر عليها مع عدم طيب النفس و الامتناع»(2).

و فيه: ان الثابت قبل الاجارة حق عام لجميع المكلفين في المطالبة بايقاع الفعل من باب الامر بالمعروف، و هذا بخلافه بعد الاجارة، فانه يثبت حق شخصي خاص لخصوص المستأجر في المطالبة بالفعل من باب المطالبة بملكه.

و عليه فلا منع من حيثية الوجوب.

و اما المانعية من الحيثية الثانية فتقريبها ان الباعث علي الاتيان بالعمل إذا كان هو استحقاق الاجرة فكيف يتأتي قصد القربة من الاجير؟!

و فيه: ان الاجرة لم تجعل علي ذات الفعل بل علي الفعل بقصدة.

ص: 128


1- منية الطالب للخوانساري 15:1.
2- كتاب المكاسب 437:1، منشورات دار الحكمة.

العبادية و التقرب، فما لم يؤت به كذلك لا يكون الاجير مستحقا لها، و هذا معناه ان الاجارة تكون مؤكدة لطلب قصد التقرب و ليست منافية له، إذ ما لم يقصد الاجير التقرب لا يكون مستحقا للأجرة.

و هذا ما أطلق عليه الآخوند الخراساني بفكرة الداعي إلي الداعي(1) ، فان ذات الفعل يؤتي بها بقصد القربة، و الداعي لقصد القربة هو تحصيل الاجرة.

و إذا قلت: كيف نتصور قصد التقرب لأجل تحصيل الاجرة؟! ما هذا الا مجرد ألفاظ.

قلنا: لا يلزم في الداعي لقصد القربة ان يكون هو اللّه سبحانه بشكل محض، ان هذا لا يتصور الا من امير المؤمنين عليه السّلام و بقية المعصومين صلوات اللّه عليهم بل اللازم صدور قصد التقرب و لو لدواع اخري، كالإتيان بصلاة الرزق أو نزول المطر بقصد التقرب طلبا للرزق أو نزول المطر، و كالإتيان بالصلاة بقصد التقرب طلبا للتخلص من النار أو حبّا لدخول الجنّة.

و ما دام هذا ممكنا فبالامكان في مقامنا أيضا اتيان الاجير بالصلاة بقصد التقرب طلبا لتحصيل الاجرة.

و في الحقيقة يمكن ان نفهم من خلال هذا ان المطلوب في باب العبادات هو قصد القربة علي هذا المستوي و بالمقدار المذكور.

و عليه فلا مانع من الاجارة علي الواجبات لا من حيثية الوجوب و لا من حيثية العبادية.م.

ص: 129


1- كفاية الاصول 124:1، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.
11 - و اما وجوب التخلية بعد انتهاء عقد الاجارة

فلانه هو المسوغ للتصرف فاذا انتهي يعود المالك مسلطا علي ملكه و لا يجوز التصرف فيه من دون طيب نفسه.

12 - و اما انه يجوز للمالك اخذ السرقفلية

فلان لكل ذي حق التنازل عن حقه مقابل ما يشاء.

و اما ان للمستأجر ذلك أيضا فلانه مقابل تنازله عن حقه في البقاء و عدم التخلية المتولد له بسبب الاتفاق مع المالك.

13 - و اما كفاية التباني العام

فلانه محقق للاشتراط الضمني.

ص: 130

كتاب المزارعة

اشارة

1 - حقيقة المزارعة

2 - شرائط المزارعة

3 - أحكام عامة في باب المزارعة

ص: 131

ص: 132

1 - حقيقة المزارعة
اشارة

المزارعة عقد يتضمن الاتفاق علي زرع شخص أرض غيره بحصة من حاصلها. و هي مشروعة بلا كلام.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحديد المزارعة

بما ذكر فمضافا إلي كونه من واضحات الفقه يمكن استفادته من روايات باب المزارعة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان: «الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول: ثلث للبقر و ثلث للبذر و ثلث للأرض، قال: لا يسمي شيئا من الحب و البقر و لكن يقول: ازرع فيها كذا و كذا ان شئت نصفا و ان شئت ثلثا»(1) و غيرها.

و عدم اسناد الحديث الي الامام عليه السّلام غير مهم بعد كون الناقل عنه ابن سنان الذي لا تحتمل في حقه الرواية عن غيره عليه السّلام.

علي ان عدم اسنادها كذلك انما هو في رواية الكليني و الا ففي

ص: 133


1- وسائل الشيعة 200:13 الباب 8 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 5.

رواية الشيخ اسندت إلي ابي عبد اللّه عليه السّلام(1).

2 - و اما شرعيتها

فليست محلا للخلاف عندنا بل عند أكثر علماء الإسلام علي ما في الجواهر(2).

و تدل عليها الضرورة الفقهية و الروايات الخاصة كالصحيحة المتقدمة و غيرها.

و هناك بحث عن امكان اثبات شرعيتها بمقتضي القاعدة و قطع النظر عن الروايات الخاصة و عدمه.

فقيل بعدم الامكان، بتقريب ان المزارعة تتضمن تمليك العامل حصته من الناتج، و حيث انه لا وجود لها حين العقد فلا يمكن تمليكها عقلائيا لان غير الموجود ليس بمملوك كي يقبل التمليك. و هل تري امكان ان يبيع الشخص السمكة التي سيصطادها بعد ساعة أو يهب الشيء الذي يشتريه بعد ذلك؟ كلا، انه ليس عقلائيا، و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) و نحوه منصرف عنه.

و عليه فيحتاج اثبات الصحة إلي دليل خاص غير مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

و هذا الكلام لا يختص بالمزارعة بل يعم ما كان علي شاكلتها، كالمضاربة و المساقاة.

و لربما يشير الي اختيار هذا الاحتمال صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث تمسك - في تعليل عدم جواز اجارة الارض للزراعة بما يخرج منها -

ص: 134


1- حسب بعض نسخ التهذيب علي ما اشير اليه في هامش الطبعة القديمة من وسائل الشيعة.
2- جواهر الكلام 2:27.
3- المائدة: 1.

ب «ضرورة اعتبار ملكية الاجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة خارجا أو ذمة، و لا شيء منهما في الفرض»(1). و صرّح باختياره و الدفاع عنه بعض الاعلام من المتأخرين(2).

و في مقابل هذا ما بني عليه المشهور من امكان التمسك بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3).

و علّل ذلك السيد الطباطبائي بان ما يحصل في المستقبل هو في نظر العرف بمنزلة الموجود كمنافع العين(4).

و تترتب علي هذا الخلاف آثار متعددة، فلو شك في جواز تقدم القبول في المزارعة او انعقادها بغير العربية و ما شاكل ذلك صح التمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لإثبات الجواز علي الاحتمال الثاني، في حين لا يصح ذلك علي الاحتمال الاول، و يتعين عليه التمسك باطلاق دليل صحة المزارعة ان كان ثابتا و الا لم يمكن الحكم بالجواز.

2 - شرائط المزارعة
اشارة

يلزم في المزارعة:

1 - الايجاب و القبول. و يكفي فيهما كل لفظ دال عليهما - مثل زارعتك أو سلّمت إليك الارض لتزرعها علي كذا - و لو بغير العربية و الماضوية.

ص: 135


1- جواهر الكلام 11:27.
2- مستند العروة الوثقي، كتاب الاجارة: 335.
3- المائدة: 1.
4- العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الفصل 6.

و لا يلزم ان يكون الايجاب من المالك و لا تقدمه و لا كونه لفظا بل يجوز ان يكون الايجاب باللفظ و القبول بالفعل او يكونا معا بالفعل.

2 - ان يكون كل من المالك و الزارع بالغا عاقلا مختارا و ليس بمحجور عليه لسفه أو فلس.

اجل إذا لم يشارك الزارع بمال فلا يلزم اشتراط عدم المحجورية في حقه.

3 - ان يكون الناتج مشتركا بين المالك و الزارع و ليس خاصا بأحدهما و الا لم تصح المعاملة مزارعة.

4 - ان يكون الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة، فلو شرط لأحدهما الاختصاص بما يحصل اولا أو من هذه القطعة من الارض و للآخر ما يحصل ثانيا أو من تلك القطعة لم تصح.

5 - تعيين الحصة بالكسر المشاع، فلو قال: ازرع و اعطني مقدارا ما مشاعا لم تصح.

6 - تعيين المدة بداية و نهاية إذا لم يكن هناك انصراف يقتضي التعيين.

7 - ان تكون المدة بمقدار صالح لإدراك الناتج فيها.

8 - قابلية الارض للزراعة و لو بالعلاج، فلو كانت سبخة أو لا يمكن وصول الماء إليها أو ما شاكل ذلك فلا تصح.

9 - تعيين نوع المزروع إذا لم يقصدا التعميم لأي نوع كان و لم يكن هناك انصراف إلي نوع معين.

10 - تعيين الارض مع ترددها بين قطعتين أو أكثر إذا لم يكن هناك انصراف و لم يقصد التعميم لأي أرض وقع الاختيار عليها.

11 - تعيين المصارف من البذر و نحوه و كونها علي أي واحد منهما إذا لم يكن هناك انصراف.

ص: 136

12 - ان تكون الارض و نحوها مملوكة و لو منفعة او يكون التصرف فيها نافذا بوكالة او ولاية.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في المزارعة

فلأنها عقد لا ايقاع كما هو واضح.

و اما التعميم من الجهات الاخري فلصدق العقد في جميعها، و مقتضي اطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ثبوت الصحة و اللزوم في جميعها.

هذا بناء علي رأي المشهور.

و اما بناء علي الرأي الآخر فالأمر مشكل لعدم وجود اطلاق في ادلة مشروعية المزارعة يدل علي امضائها في جميع الحالات المتقدمة، فلاحظ صحيحة ابن سنان المتقدمة. و علي منوالها غيرها.

و دعوي وجود مثل هذا الاطلاق في ادلة مشروعية المزارعة عهدتها علي مدعيها.

2 - و اما اعتبار البلوغ و ما تلاه

فقد تقدم وجهه في مبحث شروط المتعاقدين من كتاب البيع، فان ما ذكر هناك عام لمطلق العقود فلاحظ.

3 - و اما ان الزارع لا يشترط فيه عدم المحجورية إذا لم يشارك

بمال

فلان السفيه و المفلس ممنوعان من التصرف المالي فاذا فرض عدم المشاركة بمال فلا يعود وجه للاشتراط المذكور.

هذا بناء علي الرأي المشهور من عدم منع السفيه من التصرفات

ص: 137


1- المائدة: 1.

غير المالية(1).

و اما بناء علي منعه حتي من مثل جعل نفسه عاملا في المزارعة و المساقاة و نحوهما فيلزم في الزارع عدم السفه حتي اذا لم يشارك بمال.

4 - و اما اعتبار الاشتراك في الناتج

فلاعتباره في المزارعة حسبما يفهم من بعض النصوص، فقد ورد في صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقبل الارض بحنطة مسماة(2) و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به»(3). و الحكم متسالم عليه.

هذا بناء علي الرأي المشهور الذي يري امكان التمسك بالعمومات.

و اما بناء علي الرأي الآخر فيكفي لاعتبار الشرط المذكور عدم الدليل علي صحة المزارعة في عدم حالة عدم الاشتراك في النماء.

5 - و اما اعتبار الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة و تعيين

الحصة بالكسر المشاع

فلما سبق في اعتبار اصل الاشتراك.

6 - و اما اعتبار تعيين البداية و النهاية للمدة

فقد يستدل له بحديث نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(4) او بالإجماع.

ص: 138


1- قال صاحب الجواهر في جواهره 58:26 «لان السفه لم يسلبه... اهلية مطلق التصرف بل في ماله خاصه... كما هو واضح خلافا لبعض العامة».
2- اي بحنطة مقدّرة بغير الكسر المشاع، بان يقول مثلا: بعشرين كيلوغراما. و قيّد الشيخ في الاستبصار 128:3 النهي في الرواية بما اذا كانت الحنطة المسماة من نفس حاصل الارض، اما اذا كانت من حاصل موجود بالفعل من غيرها فلا بأس بذلك.
3- وسائل الشيعة 199:13 الباب 8 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 3.
4- تذكرة الفقهاء، كتاب الاجارة، المسألة 2 من الركن 3 في الفصل 2.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فلما تقدم في مبحث الاجارة عند البحث عن شرائط العوضين.

و اما الثاني فلاحتمال مدركيته.

و الاولي الاستدلال لذلك بان المدة إذا لم تكن متعينة بداية و نهاية فلا يمكن تعلق الامر بوجوب الوفاء بالعقد لان ما لا تعين له حتي في علم اللّه سبحانه كيف يتعلق به وجوب الوفاء؟

اجل إذا حددت البداية و جعلت النهاية أدراك الحاصل كفي ذلك لأنه نحو من التعيين.

7 - و اما اعتبار ان تكون المدة بمقدار يمكن ادراك الناتج فيها

فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المقصود من المزارعة و يكون الاقدام عليها لغوا و لا يشملها دليل الامضاء.

8 - و اما اعتبار القابلية للزراعة

فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المزارعة، و من ثمّ لا يمكن ان يشملها دليل الامضاء.

9 - و اما اعتبار تعيين نوع المزروع فيما إذا لم يقصد التعميم

و لم يفرض الانصراف

فقد جاءت الإشارة إليه في كلمات غير واحد من الفقهاء.

و هو وجيه مع اختلاف نوع الزرع المقصود لكل واحد منهما، لان وجوب الوفاء بالعقد علي طبق مقصود احدهما بلا مرجح، و علي طبق مقصودهما معا غير ممكن لفرض التنافي. و اما مع عدم الاختلاف في المقصود واقعا فلا مستند للبطلان سوي التمسك بحديث: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر، و قد تقدم في مبحث الاجارة عدم

ص: 139

ثبوت كونه رواية.

10 - و اما اعتبار تعيين الارض

فلما تقدم نفسه في اعتبار تعيين نوع المزروع.

11 - و اما لزوم تعيين من عليه المصارف إذا لم يكن هناك

انصراف

فلان العقد بدون ذلك لا يمكن تعلق وجوب الوفاء به، إذ وجوب الوفاء ببذل المصارف من خصوص احدهما بلا مرجح، و وجوبه بالبذل من كليهما امر علي خلاف مقصودهما.

12 - و اما اعتبار ملكية الارض و نحوها او نفوذ التصرف فيها

فلأنه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

3 - أحكام عامة في باب المزارعة
اشارة

المزارعة عقد لازم لا تنفسخ الا بالتقايل أو الفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

و لا يلزم في البذر ان يكون من العامل بل يجوز ان يكون من المزارع أيضا أو منهما.

كما لا يلزم في الارض ان تكون من المزارع و يجوز كونها من العامل.

بل قد يقال: ان المزارعة تحتاج إلي امور أربعة: الارض و البذر و العمل و العوامل.

و يصح ان يكون من احدهما احد هذه و من الآخر البقية، او من كل منهما اثنان منها، او من احدهما بعض احدها و من الآخر البقية، او الاشتراك في الكل.

و يجوز لكل من المالك و العامل بعد ظهور الناتج تقبل حصة الآخر بمقدار

ص: 140

معين من الناتج نفسه بعد التخمين، و لا يضر لو اتضحت بعد ذلك الزيادة أو النقيصة.

و يجوز للعامل ما دام لم تشترط عليه مباشرة الزرع بنفسه ان يؤجر الغير او يزارعه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان المزارعة عقد لازم لا ينفسخ الا بما ذكر

فلما تقدم في مبحث الاجارة تحت عنوان «من أحكام عقد الاجارة».

2 - و اما البذر

فقد يقال بلزوم كونه علي العامل تمسكا بصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و سألته عن المزارعة فقال:

النفقة منك و الارض لصاحبها، فما اخرج اللّه من شيء قسّم علي الشطر و كذلك اعطي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها علي ان يعمروها و لهم النصف مما اخرجت»(1).

الا انه يلزم حملها علي المتعارف في تلك الفترة - خصوصا بعد ملاحظة الاستشهاد بسيرة النبي صلّي اللّه عليه و آله - لصراحة بقية الروايات في جواز عدم كونه علي العامل، كما في موثقة سماعة: «سألته عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر و البقر و تكون الارض و الماء و الخراج و العمل علي العلج، قال: لا بأس به»(2) و غيرها.

علي ان الحكم متسالم عليه بين الاصحاب. بل قد يدعي ان سيرة المزارعين المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام هي علي ذلك.

ص: 141


1- وسائل الشيعة 203:13 الباب 10 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 204:13 الباب 12 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 1. و العلج هو الرجل الضخم من الكفار او مطلق الكافر.
3 - و اما جواز كون الارض من العامل

فلموثقة سماعة المتقدمة.

4 - و اما وجه القول بجواز الاشتراك في الامور الاربعة بأي شكل

فقد علّله الشيخ البحراني بقوله: «لإطلاق الاذن في المزارعة من غير تقييد بكون بعض بخصوصه من احدهما»(1).

و هذا الاطلاق ان كان ثابتا فيه و الا فبالامكان التعويض عنه بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) بناء علي رأي المشهور.

5 - و اما جواز تقبل حصة الآخر بمقدار من الناتج نفسه بعد التخمين

فوجهه:

أ - التمسك بمقتضي القاعدة، فان الناتج بعد اشتراكه بين الطرفين فمن حقهما تقسيمه بالشكل الذي يتفقان عليه، فان الحق لا يعدوهما. و هو واضح. و يأتي إن شاء اللّه تعالي توضيح أكثر للوجه في مشروعية القسمة في مبحث القسمة من كتاب القضاء.

ب - ما أفاده السيد الطباطبائي من امكان ارجاع ذلك إلي الصلح غير المعاوض، فكأنهما يتسالمان علي ان تكون حصة احدهما من المال المشترك كذا مقدار و البقية للآخر. و علي ذلك يصح ايقاع عملية التقبيل هذه بلفظ الصلح(3).

ج - التمسك بالروايات الخاصة، كصحيحة يعقوب بن شعيب:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول احدهما لصاحبه: اختر اما ان تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمي و تعطيني

ص: 142


1- الحدائق الناضرة 323:21.
2- المائدة: 1.
3- العروة الوثقي، كتاب المزارعة، المسألة 20.

نصف هذا الكيل اما زاد أو نقص، و اما ان آخذه انا بذلك، قال: نعم لا بأس به»(1) و غيرها.

6 - و اما تقييد ذلك بما بعد ظهور الناتج

فلانه قبل ذلك لا حنطة و شعير مثلا ليمكن تقسيمه، و هل يمكن تقسيم المعدوم.

7 - و اما انه لا يضر اتضاح الزيادة او النقيصة بعد ذلك

فلإقدام كل منهما علي اجراء عقد القسمة او الصلح بالشكل المذكور فيلزم بمقتضي لزوم كل عقد.

هذا بناء علي كون المدرك الوجهين الاولين.

و اما بناء علي الوجه الثالث فلظهور الصحيحة في ذلك.

8 - و اما جواز ايجار العامل شخصا لمباشرة الزرع

فواضح بعد عدم اشتراط المباشرة بنفسه و اشتغال ذمته بذلك.

و اما جواز مزارعته للغير فلعدم اشتراط صحة المزارعة بملك المزارع للأرض بل يكفي كونه مالكا للتصرف فيها فتشمله ادلة صحة المزارعة بل مثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) أيضا، بناء علي رأي المشهور.

ص: 143


1- وسائل الشيعة 18:13 الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 1.
2- المائدة: 1.

ص: 144

كتاب المساقاة

اشارة

1 - حقيقة المساقاة

2 - شرائط المساقاة

3 - أحكام عامة في باب المساقاة

ص: 145

ص: 146

1 - حقيقة المساقاة
اشارة

المساقاة عقد يتضمن الاتفاق علي سقي شخص اشجار شخص ثان أو غيرها و اصلاح شئونها إلي مدة معينة بحصة من حاصلها. و هي مشروعة جزما.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحديد المساقاة بما ذكر

فهو من واضحات الفقه. و يمكن استفادته من صحيحة يعقوب الآتية.

و فرقها عن المزارعة ان العامل في الثانية يقوم بزرع الارض بحصة من الناتج بعد فرض انها غير مزروعة، بخلافه في المساقاة، فان المفروض ثبوت الاشجار و غرسها في الارض قبل العقد، و دور العامل السقي و اصلاح شئون ما هو مغروس بحصة من الناتج.

2 - و اما شرعيتها

فقد قال في الجواهر: «هي جائزة بالإجماع من علمائنا و أكثر العامة خلافا لأبي حنيفة و زفر فانكراها

ص: 147

للجهالة و الغرر»(1).

و تدل علي ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«... سألته عن رجل يعطي الرجل ارضه و فيها ماء او نخل او فاكهة و يقول: اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما اخرج اللّه عز و جل منه، قال: لا بأس»(2) و غيرها.

و الخلاف السابق بين المشهور و غيره في امكان تصحيح المزارعة علي طبق القاعدة و بقطع النظر عن الروايات الخاصة و عدمه آت هنا أيضا لوحدة النكتة.

2 - شرائط المساقاة
اشارة

يلزم في المساقاة توفر:

1 - الايجاب و القبول بالشكل المتقدم في المزارعة.

2 - البلوغ و العقل في المالك و العامل و عدم الحجر بالنحو المتقدّم في المزارعة.

3 - ان يكون المغروس مملوكا و لو منفعة فقط أو يكون التصرف فيه نافذا بوكالة أو ولاية.

4 - معلومية الاشجار في مقابل التردّد.

5 - ان تكون الاصول ذات جذور ثابتة في الارض، كما في النخل و أشجار الفواكه، فلا تصح علي ما لا ثبوت لعروقه في الارض، كالبطّيخ و الباذنجان

ص: 148


1- جواهر الكلام 50:27.
2- وسائل الشيعة 202:13 الباب 9 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 2.

و غيرهما من الخضر.

6 - تحديد المدة بداية و نهاية، و ان تكون بمقدار تصلح لبلوغ الثمرة.

و يكفي بلوغ الثمرة تحديدا للنهاية.

7 - ان يكون العقد قبل بلوغ الثمرة أو بعدها مع افتراض الحاجة إلي السقي أو غيره. اما مع فرض الحاجة إلي مجرد الحفظ و القطف فالصحة محل خلاف.

8 - تعيين حصة كل من المالك و العامل بنحو الكسر المشاع.

9 - تعيين ما علي كل واحد منهما من اعمال إذا لم يكن هناك انصراف.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة إلي الشرطين الاولين

فلما تقدم في المزارعة.

2 - و اما اعتبار ملك المنفعة او التصرف

فلانه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

3 - و اما اعتبار معلومية الاشجار - بمعني عدم ترددها -

فلان تعلق وجوب الوفاء بهذا المعين او بذاك المعين ترجيح بلا مرجح، و تعلقه بكليهما امر علي خلاف مقصودهما. و المردد لا تحقق له ليمكن تعلق ذلك به.

و اما المعلومية في مقابل الجهل فقد يقال باعتبارها لا لحديث نفي الغرر - لعدم ثبوت كونه رواية علي ما تقدم في مبحث الاجارة. اضافة إلي امكان القول بان مثل المساقاة مبنية علي الغرر و الجهل من الاساس فلا معني للتمسك بلحاظها بالحديث المذكور - و لا للإجماع لاحتمال مدركيته بل لان مورد صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة قد فرضت فيه المعلومية لدي الطرفين فلا يبقي ما يدل علي صحتها مع

ص: 149

عدم المعلومية بناء علي عدم امكان تصحيح المساقاة بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1). و اما بناء علي امكان ذلك - كما عليه المشهور - فاعتبار ذلك قابل للتأمل، و لا بدّ من التنزل الي الاحتياط في الفتوي تحفظا من مخالفة المشهور.

4 - و اما اعتبار كون الاصول ثابتة

فلا يتم الا بناء علي عدم امكان تصحيح مثل المساقاة بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ - حيث يقال: ان مورد صحيحة يعقوب خاص بما كان له اصل ثابت، و تصحيح المساقاة في غير ذلك لا دليل عليه - و اما بناء علي الرأي الآخر فلا وجه للاشتراط المذكور.

بل قد يقال: لا وجه له حتي علي الرأي الاول، لان مورد الصحيحة و ان كان مختصا بما له اصل ثابت الا ان تخصيص ذلك بالذكر لم يجئ في كلام الامام عليه السّلام بل في كلام السائل، و حيث لا يحتمل ثبوت خصوصية لذلك عرفا فيمكن تعميم الحكم إلي غيره.

5 - و اما اعتبار تحديد المدة

فلانه بدون ذلك لا تعيّن للعقد في الواقع ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

و اما اعتبار ان تكون المدة بمقدار تبلغ فيه الثمرة فلانه بدون ذلك لا يمكن ثبوت حصة العامل، و من ثمّ يكون العقد لغوا و لا معني لتعلق وجوب الوفاء به.

و اما كفاية بلوغ الثمرة حدا للنهاية فلأن ذلك نحو من التحديد.

و لعله هو المتعارف الذي يبعد عدم شمول دليل الامضاء له.

ص: 150


1- المائدة: 1.
6 - و اما عدم تقييد صحة المساقاة بما قبل بلوغ الثمرة

فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

و اما عدم اعتبار الحاجة إلي خصوص السقي فلان عطف الاعمار علي السقي في الصحيحة: «اسق هذا من الماء و اعمره» هو من عطف العام علي الخاص، و هو يدل علي كفاية الاعمار بأي شكل كان و لو لم يكن بالسقي. و التعبير بالمساقاة تعبير فقهي لوحظ فيه أهم افراد الاعمار و هو السقي و الا فالرواية لم تعبّر بذلك لتفهم الخصوصية للسقي.

و لو قيل باعتبار الخصوصية للسقي باعتبار انه منصوص عليه في الصحيحة يلزم ان يقال باعتبار الخصوصية أيضا للأعمار غير السقي لأنه مذكور في الصحيحة أيضا، و هو غير محتمل.

و اما الخلاف في الاكتفاء بالحاجة إلي الحفظ و القطف فلأنهما ليسا نحوا من الاعمار ليكونا مشمولين للصحيحة.

اجل بناء علي صحة التمسك بالعمومات يتوجه الحكم بالصحة و لو لم يكن ذلك بعنوان المساقاة.

7 - و اما اعتبار تعيين الحصة و كون ذلك بالكسر المشاع

فواضح بناء علي عدم جواز التمسك بالعمومات و الا فالتعيين يكون معتبرا دون كونه بالكسر المشاع، إذ مع تردد الحصة لا يمكن ثبوت وجوب الوفاء لان تعلقه بلحاظ أحد الاحتمالين دون الآخر بلا مرجح، و المردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

ثم انه بناء علي جواز التمسك بالعمومات لا يعتبر تعيين الحصة بالكسر المشاع في باب المساقاة و لكن يلزم ذلك في باب المزارعة.

ص: 151

و وجه الفرق: انه في المزارعة فهم من مثل صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقبل الارض بحنطة مسماة و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به»(1) اعتبار تعيين الحصة بالكسر المشاع و يكون ذلك بمنزلة المقيّد للعمومات، و هذا بخلافه في المساقاة، فان صحيحة يعقوب لا يفهم منها عدم الصحة عند عدم تعيين الحصة بنحو الكسر المشاع و انما ذلك موردها لا أكثر.

8 - و اما اعتبار تعيين الاعمال

فلما تقدم في المزارعة.

3 - احكام عامة في باب المساقاة
اشارة

المساقاة عقد لازم لا ينفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ بالخيار إذا فرض اشتراطه او تخلف بعض الشروط.

و في جواز المساقاة علي الاشجار التي لا ثمر لها و انما ينتفع بورقها - كالحناء - خلاف.

و يجوز اجراء عقد المساقاة علي الاشجار التي لا تحتاج إلي السقي لاستغنائها بماء المطر و نحو ذلك ما دامت بحاجة إلي الاعمار من جهات اخري.

و لا يلزم علي العامل مباشرة العمل بنفسه بل يجوز له استيجار غيره لذلك ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

و إذا كان البستان يشتمل علي أنواع مختلفة من الاشجار فتجوز المساقاة

ص: 152


1- وسائل الشيعة 199:13 الباب 8 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 3.

علي النصف مثلا في النخيل و الربع في شجر التفاح، و هكذا.

و يجوز ان يشترط احدهما علي الآخر مضافا إلي حصته شيئا آخر، كبناء بيت له أو دفع مبلغ من النقود و ما شاكل ذلك.

و لو قال المالك للعامل: ساقيتك بالنصف ان سقي بالناضح و بالثلث ان سقي بالسيح لم تقع المساقاة صحيحة.

و المغارسة - و هي ان يدفع شخص أرضه لغيره للغرس فيها مع الاشتراك في المغروس - باطلة علي المشهور. اجل مع فرض الاشتراك في الشجر من حين العقد و قبل الغرس صحيحة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان المساقاة لازمة لا تنفسخ الا بما ذكر

فقد تقدم ذلك في مبحث الاجارة فلاحظ.

2 - و اما الخلاف في جواز المساقاة علي الاشجار التي لا ثمر لها

فباعتبار ان مورد صحيحة يعقوب هو الشجر المثمر.

الا ان المناسب هو الحكم بالتعميم لان مورد الصحيحة و ان كان ما ذكر لكنه قد وقع في سؤال السائل و لا يفهم العرف له خصوصية فبتنقيح المناط ينبغي التعدي.

هذا لو لم نقل بجواز التمسك بالعمومات و الا فالأمر أوضح.

3 - و اما عدم توقف صحة عقد المساقاة علي الحاجة إلي السقي

فلما تقدم من ان عطف الاعمار علي السقي في صحيحة يعقوب هو من عطف العام علي الخاص، و ذلك يدل علي ان المدار في صحة المساقاة علي الحاجة إلي الاعمار بأي شكل كان من دون خصوصية للسقي.

هذا بناء علي عدم امكان التمسك بالعمومات و الا فالحكم

ص: 153

بالصحة أوضح.

4 - و اما ان العامل يجوز له استيجار غيره إذا لم تشترط عليه

المباشرة بنفسه

فواضح لان الذمة تكون مشغولة بالاعمار الكلي، و هو مما يمكن تحققه باستيجار الغير له.

5 - و اما جواز المساقاة بحصص مختلفة باختلاف الاشجار

فلانحلال العقد إلي عقود متعددة بعدد أنواع الاشجار.

6 - و اما جواز اشتراط شيء آخر اضافة إلي الحصة

فلانه بعد عدم مخالفته لمقتضي العقد و لا للكتاب و السنة الشريفين يكون اشتراطه صحيحا و واجب الوفاء بمقتضي قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

7 - و اما عدم وقوع المساقاة صحيحة في فرض كون الحصة هي

النصف ان سقي بالناضح و الثلث ان سقي سيحا

فلما تقدم من ان التردد مانع من الصحة، إذ تعلق وجوب الوفاء بأحدهما بخصوصه ترجيح بلا مرجح، و تعلقه بكليهما أمر علي خلاف مقصودهما، و المردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

8 - و اما بطلان المغارسة

فقد علل:

تارة باقتضاء الاصل لذلك بعد عدم الدليل علي صحتها، فان عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) ناظر إلي اثبات اللزوم للعقد الصحيح و ليس لإثبات صحة مشكوك الصحة كما هو رأي صاحب الجواهر(3).

ص: 154


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- المائدة: 1.
3- جواهر الكلام 59:27.

و اخري بان الاثر للإنشاء لا بدّ و ان يكون مقارنا له - كما هو المستفاد من قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث يجب الوفاء بالعقد بمجرّد تحققه - و لذا لا يمكن الانشاء من الآن للبيع او الطلاق بعد يوم.

و حيث انه في باب المغارسة يصير صاحب الارض مالكا للأشجار بعد الغرس لا من حين العقد فيلزم ما ذكر من الانفكاك الذي لا دليل علي صحة العقد معه.

ص: 155

ص: 156

كتاب الشّركة

اشارة

1 - حقيقة الشركة

2 - من أحكام الشركة بالمعني الأوّل

3 - من أحكام الشركة بالمعني الثاني

ص: 157

ص: 158

1 - حقيقة الشركة
اشارة

تطلق الشركة علي معنيين:

أ - كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بنحو الاشاعة.

ب - الاتفاق بين طرفين أو أزيد علي الاتجار بمالهم مع الاشتراك في الربح و الخسارة.

و هي بالمعني الثاني عقد، و لأجله صحّ ادراجها في العقود بخلافه بالمعني الاول فانها ليست عقدا.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحقق الشركة بالمعني الاول

فهو من الامور الواضحة.

فالاخوة مثلا إذا ورثوا مالا او حقا كانت الشركة فيه فيما بينهم بالمعني المذكور.

و هكذا تتحقق بالمعني المذكور إذا افترض اشتراك شخصين في حيازة المباحات، كاصطياد مجموعة من الاسماك بواسطة شبكة.

او افترض امتزاج مالين لشخصين باختيار او بغيره من دون

ص: 159

تميز لأحدهما من الآخر بنحو عدّا عرفا موجودا واحدا، كامتزاج حنطة بحنطة او دقيق حنطة بدقيق حنطة او شعير. و اما إذا كان المزج بنحو لا يعدّان موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة و ان لم يمكن التمييز، كما إذا اختلطت دنانير شخص بدنانير غيره، أو عباءة شخص بعباءة غيره، أو حنطة شخص بشعير غيره، فانه حيث لا يعدّ الخليط موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة بل يلزم الفرز ان امكن، و ان لم يمكن الا بكلفة بالغة فمع اتفاقهما علي الصلح فلا مشكلة و الا اجبرهما الحاكم عليه.

و قيل بالمصير إلي القرعة مع عدم اتفاقهما علي الصلح. و هو جيد في مثال العباءة و الدنانير حيث لا يعرف المالك فيشخص بالقرعة لان «كل مجهول ففيه القرعة»(1) ، بخلافه في مثال اختلاط الحنطة بالشعير، فانه لا معني للمصير إلي القرعة بعد تشخص مالك الحنطة عن مالك الشعير بل يتعيّن المصير إلي الصلح ان اتفقا عليه و الا اجبرهما الحاكم عليه.

و قد يفترض تحقق الشركة بالمعني الاول أيضا فيما إذا امتلك شخصان أو أزيد شيئا واحدا بشراء أو صلح أو هبة و نحوها.

كما تتحقق أيضا بعملية التشريك المنصوص عليها في الاخبار، كمن كان عنده شيء و طلب منه غيره تشريكه فيه، بان قال له: شرّكني في نصفه بكذا مقدار، فانه إذا قبل تحققت فيه الشركة بالمعني المذكور، فاذا حصل ربح أو نقصان اشتركا في ذلك.

و الوجه فيه - مضافا إلي امكان دعوي انعقاد السيرة العقلائية1.

ص: 160


1- وسائل الشيعة 189:18 الباب 13 من أبواب كيفية الحكم الحديث 11.

عليه الممضاة بعدم ردع الشارع عنها - التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يشارك في السلعة، قال: ان ربح فله و ان وضع فعليه»(1) و غيرها.

و الشركة في كل الأمثلة التي أشرنا إليها تتحقق بنحو الاشاعة.

و قيل بامكان تحققها أيضا في موارد اخري بنحو الكلي في المعين أو بنحو استقلال الشركاء في التصرف، كما في شركة الفقراء في الزكاة، و بني هاشم في الخمس، و الموقوف عليهم في الاوقاف العامة.

2 - و اما الشركة بالمعني الثاني

فهي مما انعقدت عليها السيرة العقلائية المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام الممضاة بعدم الردع عنها، و مشمولة للعمومات، كقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

بل يمكن التمسك لإثبات صحتها بموثقة النوفلي عن السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام كره مشاركة اليهودي و النصراني و المجوسي الا ان تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم»(3) و غيرها.

و قد تقدم ان السكوني و ان لم يرد في حقه توثيق خاص الا ان دعوي الشيخ في عدته عمل الطائفة برواياته(4) كاف في التساهل من ناحيته.

و اما النوفلي فيمكن اثبات وثاقته اما من خلال و روده في اسناد

ص: 161


1- وسائل الشيعة 174:13 الباب 1 من أبواب أحكام الشركة الحديث 1.
2- المائدة: 1.
3- وسائل الشيعة 176:13 الباب 2 من أحكام الشركة الحديث 2.
4- العدة في الاصول 149:1.

تفسير القمي أو كامل الزيارات - بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من ورد في أحد الكتابين المذكورين - أو من خلال عمل الطائفة بروايات السكوني، فانه يدل بالالتزام علي عملهم بروايات النوفلي بعد ان كان اكثر روايات السكوني واصلا بطريق النوفلي.

2 - من أحكام الشركة بالمعني الاول
اشارة

لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في العين المشتركة بالمعني الاول الا باذن البقية.

و إذا طالب بعض الشركاء بالقسمة لزمت اجابته ان لم يلزم منها تضرر البعض أو الكل. و في حالة عدم لزومه تلزم الاجابة سواء كانت قسمة افراز - بمعني عدم احتياج المال المشترك في تقسيمه إلي تعديل سهامه لتساوي أجزائه في القيمة - أم قسمة تعديل.

و القسمة عقد لازم لا يجوز فسخها من دون تراض. و لو ادعي وقوع الغلط فيها لم يقبل ذلك الا بالبينة.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز التصرف في العين المشتركة الا بموافقة بقية

الشركاء

فلعدم جواز التصرف في مال الغير الا بطيب نفسه.

2 - و اما لزوم الاجابة إلي القسمة مع عدم التضرر

فللسيرة العقلائية المنعقدة علي ان لكل مالك الحق في المطالبة بفرز ماله عن مال شريكه، و حيث لا يحتمل حدوث السيرة المذكورة في الازمنة المتأخرة بل يجزم باتصالها بزمن المعصوم عليه السّلام فتكون كاشفة عن

ص: 162

رضاه عليه السّلام بمضمونها بعد عدم ردعه عنها.

و اما استثناء حالة لزوم الضرر فلقاعدة نفي الضرر بناء علي كون المراد منها نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

3 - و اما ان لزوم الاجابة إلي القسمة لا يفرّق فيه بين شكلي

القسمة

فلعموم السيرة المتقدمة.

4 - و اما ان القسمة عقد لازم لا يجوز فسخه بدون تراض من

الاطراف

فلأصالة اللزوم في كل عقد - و قد تقدمت الاشارة إلي مستندها في باب البيع - التي يلزم التمسك بها ما دام لم يثبت بالدليل الجواز.

5 - و اما عدم قبول دعوي الغلط فيها

فلأصالة الصحة - في كل عقد لم يثبت فساده - الثابتة بالسيرة العقلائية غير المردوع عنها.

6 - و اما استثناء حالة اقامة البينة

فلان كل من ادعي شيئا علي خلاف الاصل فيمكنه اثبات دعواه باقامة البينة عليها لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1).

و يأتي التعرض من جديد إن شاء اللّه تعالي في كتاب القضاء الي مبحث القسمة تحت عنوان «قسمة المال المشترك».

3 - من أحكام الشركة بالمعني الثاني
اشارة

لا تصح الشركة العقدية لدي المشهور الا بمزج مالي الشريكين اما قبل

ص: 163


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

العقد أو بعده بنحو لا يتميزان.

و هي ذات اشكال متعددة لا تصح الا في واحد منها، و هو ما تقدم من التعاقد علي الاشتراك في ربح و خسارة المالين بعد الاتجار بهما.

و يصطلح عليها بشركة العنان.

و اما بقية أشكالها فباطلة(1) ، و هي:

أ - شركة الابدان. و هي التعاقد علي عمل كل واحد من الطرفين بصورة مستقلة و في مجاله الخاص مع اقتسام الربح الحاصل لكل واحد، كما لو قرّر حلاّقان اقتسام اجرة الحلاقة التي يحصلان عليها في كل يوم.

ب - شركة الوجوه. و هي التعاقد بين شخصين لا يملكان مالا بل وجاهة بين الناس فقط علي شراء كل واحد منهما بثمن ثابت في ذمته فقط شيئا لكلا الطرفين ثم بيعه بعد ذلك و اداء الثمن بعده و اقتسام الربح الحاصل.

ج - شركة المفاوضة. و هي التعاقد علي اقتسام كل ما يستفيده أحد الطرفين من ارث أو وصية أو ربح تجارة و نحو ذلك، و هكذا تحمل الطرفين كل ما يرد علي احدهما من خسارة.

و يلزم في الشركة العقدية الصحيحة الايجاب و القبول و البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس.

و يتساوي الشريكان في الربح و الخسارة مع تساوي المالين، و مع الزيادة5.

ص: 164


1- و قد اتفقت كلمة اصحابنا علي ذلك علي ما في جامع المقاصد 13:8 و لم ينسب الخلاف الا الي الاسكافي فان العلامة في المختلف: 479 قد نقل عنه جواز شركة الوجوه و الاعمال. هذا ما عليه اصحابنا. و اما العامة فقد ذهب بعضهم الي جواز بعض الاشكال المذكورة فلاحظ المغني لابن قدامي 111:5.

فبالنسبة ربحا و خسارة. و لو شرطت زيادة لأحدهما فمع كونها في مقابل العمل أو زيادته فلا اشكال و الا لم يجز ذلك علي قول.

و التصدي للعمل في عقد الشركة يتبع ما تمّ الاتفاق عليه بين الطرفين، فاذا اتفقا علي تصدي احدهما فقط أو كليهما بنحو الاستقلال أو الانضمام كان السير علي طبق ذلك لازما.

و هكذا الحال بالنسبة إلي تعيين الكيفية الخاصة للعمل فانها تتبع ما تمّ الاتفاق عليه.

و عقد الشركة جائز، بمعني ثبوت الحق لكل من الشريكين في التراجع عن اذنه في التصرف.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار المزج لدي المشهور

فلا مستند له سوي الاجماع المدعي في المسألة، فان تمّ كان هو المدرك و الا فمقتضي العمومات - كقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) - عدم الاعتبار، كما أكد ذلك السيّد اليزدي في العروة الوثقي(2).

و إذا قلت: مع افتراض تحقق المزج تكون الشركة متحققة به فما الفائدة بعد ذلك من اجراء عقد و أي شيء يترتب عليه؟

قلت: مع افتراض تحقق المزج الموجب للإشاعة تنحصر فائدة العقد في الاذن في التصرف في المال المشترك و يكون في روحه راجعا إلي الاذن في التصرف و توكيل احدهما الآخر فيه.

و اما مع عدم تحقق المزج أو افتراض تحققه بنحو غير موجب

ص: 165


1- المائدة: 1.
2- العروة الوثقي، كتاب الشركة، المسألة 4.

للإشاعة - بناء علي انكار الاجماع رأسا أو دعوي قيامه علي اعتبار اصل المزج و لو لم يوجب الاشاعة - فمرجع العقد إلي تمليك كل واحد من الطرفين حصة من ماله للآخر.

و عليه تكون حقيقة عقد الشركة راجعة اما إلي الاذن في التصرف أو الي تمليك حصة من المال للآخر.

و علي الاول يكون معني اشتركنا: اشتركنا في الاذن في التصرف.

و علي الثاني يكون المعني: اشتركنا في الملك.

2 - و اما الوجه في صحة شركة العنان

فقد تقدم عند البحث عن حقيقة الشركة.

و اما الوجه في عدم صحة شركة الابدان فواضح علي رأي المشهور المعتبر للامتزاج الذي هو مفقود فيها. و اما بناء علي عدم اعتباره فقد قيل في وجه عدم الصحة: ان ربح العمل المستقبلي معدوم حين العقد، و تمليك المعدوم أمر غير عقلائي و تحتاج صحته إلي قيام دليل خاص عليه، و هو مفقود.

و بهذا نفسه يمكن توجيه بطلان شركة الوجوه و المفاوضة، فان المزج - بناء علي اعتباره - مفقود، و بناء علي عدمه يكون المورد من موارد تمليك المعدوم، فان ربح ما يشتري في الذمة أو الفوائد المستقبلية التي تحصل من خلال الارث أو الوصية و نحوهما مفقود حين اجراء عقد الشركة، و تمليك ذلك تمليك للمعدوم.

3 - و اما اعتبار الايجاب و القبول في الشركة العقدية الصحيحة

فلان ذلك لازم افتراض كونها عقدا.

ص: 166

و يكفي كل ما يدل عليهما، كقول احدهما: تشاركنا مع قبول الآخر، بل لا يبعد الاكتفاء بالمعاطاة، كما لو مزج المالان بقصد الاشتراك في التجارة و ما يترتب عليها من ربح أو خسارة، فانه بعد صدق العقد بذلك يشمله عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

و اما اعتبار البلوغ و بقية الشروط فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

4 - و اما التساوي في الربح و الخسارة مع تساوي المالين و الا

فبالنسبة

فذلك لقاعدة تبعية الربح و النماء للمال.

5 - و اما جواز اشتراط الزيادة في مقابل العمل أو زيادته

فلانه شرط سائغ و مشمول لعموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(2).

6 - و اما القول بعدم جواز اشتراط الزيادة مع تساوي المالين

و العمل

فقد علل بكونه اكلا للمال بالباطل، و قد نهي عنه في قوله تعالي:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (3) .

و اما وجه القول بجواز ذلك فهو التمسك بعموم «المسلمون عند شروطهم».

و دعوي انه مخالف لمقتضي العقد مدفوعة بانه مخالف لمقتضي اطلاقه لا لأصله.

7 - و اما تبعية التصدي للعمل و كيفيته لما تمّ الاتفاق عليه

فلأن عقد الشركة علي ما تقدم يرجع اما إلي الاذن في التصرف أو إلي تمليك

ص: 167


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- النساء: 29.

الحصة، و علي كلا التقديرين يكون تحديد الاذن و التمليك أمرا راجعا إلي الآذن و المملك.

8 - و اما ان عقد الشركة جائز

فلان مرجعه - كما قلنا - اما الي الاذن في التصرف او التمليك.

اما علي التقدير الاول فالامر واضح لان من حق كل آذن التراجع عن اذنه.

و اما علي التقدير الثاني فلان كل واحد من الطرفين و ان ملك حصة من مال الآخر بسبب العقد الا ان من حقه عدم الاذن في التصرف فيها و التراجع عنها.

ص: 168

كتاب الضمان

اشارة

1 - حقيقة الضمان

2 - شرائط الضمان

3 - من أحكام الضمان

ص: 169

ص: 170

1 - حقيقة الضمان
اشارة

الضمان - بمعناه المصطلح عليه لدي فقهائنا - هو التعهد بالدين للغير بنحو ينتقل من ذمة المضمون عنه إلي ذمة الضامن.

و اما عند غيرنا فهو ضم ذمة إلي ذمة بحيث تعود ذمة الضامن و المضمون عنه مشغولتين للمضمون له و يحق له الرجوع علي ايهما شاء.

و له اطلاق بمعني ثان، و هو التعهد بالمال للغير و تحمل مسئوليته من دون اشتغال ذمة الضامن بالفعل و براءة ذمة المضمون عنه، كما هو علي المعني الاصطلاحي.

و هو مشروع بكلا معنييه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الضمان بالمعني الاصطلاحي الذي تترتب عليه براءة ذمة

المضمون عنه بمجرد الضمان و اشتغال ذمة الضامن

فمشروعيته من بديهيات الفقه.

و يمكن التمسك لذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان - التي رواها

ص: 171

المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة - عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال: إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت»(1).

هذا في الضمان بمعناه المصطلح عندنا.

و اما بمعناه المصطلح عليه عند غيرنا فالمعروف بين الاصحاب عدم صحته حتي مع التصريح بارادته الا انه ذكر البعض امكان تصحيحه من خلال التمسك بالعمومات(2).

2 - و اما الضمان بمعناه الثاني

فهو متداول لدي العقلاء، كضمان شخص الدين للدائن ان لم يؤده المديون أو ضمان الدار لمشتريها إذا ظهرت مستحقة للغير أو ضمان الثمن للبائع ان ظهر كذلك.

3 - و اما شرعية الضمان بمعناه الاصطلاحي

فقد اتضح وجهها.

و اما شرعيته بالمعني الثاني فللسيرة العقلائية المنعقدة عليه المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام و الممضاة بعدم الردع. مضافا إلي امكان التمسك بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) بناء علي افادته اللزوم و الصحة لا خصوص اللزوم.

ص: 172


1- وسائل الشيعة 150:13 الباب 2 من أبواب أحكام الضمان الحديث 1.
2- العروة الوثقي، كتاب الضمان، المسألة 2.
3- المائدة: 1.
2 - شرائط الضمان
اشارة

يلزم لتحقق الضمان توفر:

1 - الايجاب من الضامن و القبول من المضمون له بكل ما يدل عليهما.

و لا يلزم رضا المضمون عنه.

2 - كون الضامن و المضمون له بالغين عاقلين مختارين و ليسا محجرا عليهما لسفه، بخلاف المضمون عنه، فانه لا يلزم فيه ذلك.

و يلزم أيضا عدم فلس المضمون له دون الضامن.

3 - التنجيز علي المشهور، فلا يصح لو قال انا ضامن ان اذن لي فلان أو ان لم يف المديون دينه. اجل لا يعتبر ذلك في الضمان بالمعني الثاني.

4 - ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه فلا يصح اقرض فلانا و انا ضامن.

نعم يصح ذلك في الضمان بمعناه الثاني.

5 - تعيّن الدين و المضمون له و المضمون عنه، بمعني عدم تردده، فلا يصح ضمان أحد الدينين و لو لشخص معين علي شخص معين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد معين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو علي واحد معين.

و اما ما نسب إلي بعض من لزوم العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب فغريب.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقق الضمان

فلانه نحو من المعاقدة التي لا تتم الا بذلك.

ص: 173

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلانه بذلك يتحقق العقد فيشمله عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، كما يتحقق بذلك عنوان الضمان فتشمله صحيحة ابن سنان المتقدمة.

2 - و اما عدم اعتبار رضا المضمون عنه

فلصحة الضمان التبرعي، الذي هو بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا بدون ضمان حيث لا يعتبر فيه رضاه.

اجل إذا استلزم الضمان التبرعي اهانة المضمون عنه - كتبرع وضيع بضمان دين انسان شريف - حرم تكليفا و لكنه لا يلزم عدم الصحة وضعا.

3 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده في الضامن و المضمون له

فلأنهما طرفا العقد، و ذلك معتبر في مطلق طرفي العقد.

و اما عدم اعتبار ما ذكر في المضمون عنه فلانه اجنبي عن العقد.

علي انه إذا جاز كونه ميتا - كما هو مورد صحيحة ابن سنان المتقدمة - جاز كونه صبيا أو مجنونا أو مكرها أو سفيها لعدم الفرق، بل لعل ذلك أولي.

و اما اشتراط عدم فلس المضمون له فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله و لو بنقلها، و واضح ان لازم قبوله الضمان نقل دينه من ذمة إلي ذمة.

و اما عدم اشتراط فلس الضامن فلان المفلّس ممنوع من التصرف في أعيان أمواله دون ذمته. و هل يحتمل عدم جواز اقتراضه؟

ص: 174


1- المائدة: 1.
4 - و اما اعتبار التنجيز في نظر المشهور

فقد علّله السيد اليزدي بقوله: «لا دليل عليه بعد صدق الضمان و شمول العمومات العامة الا دعوي الاجماع في كل العقود»(1).

و اما عدم اعتباره في الضمان بالمعني الثاني فلكون القدر المتيقن من معقد الاجماع هو الضمان بالمعني الاول، و معه لا يعود مانع من التمسك بالسيرة العقلائية و العموم.

5 - و اما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه

فلانه بدونه لا يمكن نقل ما في ذمته إلي ذمة اخري.

و اما عدم اشتراطه في الضمان بالمعني الثاني فلانه تعهد و تحمل للمسئولية من دون اشتماله علي نقل ما في ذمة إلي ذمة اخري ليعتبر فيه ذلك.

6 - و اما اعتبار التعيّن و عدم التردد في الدين و المضمون له

و المضمون عنه

فلانه بدونه لا يمكن تحقق القصد إلي الضمان، فان تحقق الضمان بلحاظ هذا الدين دون ذاك بلا مرجح، و بلحاظهما خلاف المقصود، و المردد بما هو مردد لا خارجية له ليمكن تحقق الضمان بلحاظه.

و هذا نفسه يجري في فرض تردد المضمون له أو المضمون عنه.

7 - و اما غرابة اعتبار العلم بوصف و نسب المضمون عنه

و المضمون له

فلان ذلك لا دليل عليه، كيف و هو غير معتبر في البيع الذي هو اكثر قيودا من سائر العقود.

ص: 175


1- العروة الوثقي، كتاب الضمان، الشرط 7 من شروط الضمان.
3 - من أحكام الضمان
اشارة

إذا ضمن الضامن باذن المضمون عنه و تحقق الاداء منه جاز له الرجوع عليه.

و إذا لم يكن باذنه أو لم يؤد لإبراء لم يجز له الرجوع عليه. بل لو تمّ التصالح علي نصف المبلغ مثلا و الابراء عن الباقي لم يجز الرجوع بالجميع بل بما أدّي.

و إذا ابرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمة المضمون عنه أيضا.

و إذا ابرأ ذمة المضمون عنه كان ذلك لغوا.

و الضمان لازم من طرف الضامن و المضمون له.

و إذا أدي الضامن الدين من غير جنسه لم يجز له اجبار المضمون عنه بالدفع من خصوص جنس ما أدي.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز رجوع الضامن علي المضمون عنه مع عدم

تحقق الاداء

فمما لا اشكال فيه. و يمكن استفادته من موثق عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه، قال: ليس له الا الذي صالح عليه»(1) ، فانه يدل علي ان السبب في اشتغال ذمة المضمون عنه هو الاداء و قبله لا اشتغال.

هذا و قد قيل ان الحكم المذكور هو علي خلاف القاعدة فانها

ص: 176


1- وسائل الشيعة 153:13 الباب 6 من أحكام الضمان الحديث 1.

تقتضي جواز الرجوع بمجرد تحقق الضمان، إذ كما اشتغلت ذمة الضامن بمجرد الضمان كذلك يلزم بالمقابل اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بمجرد الضمان ادّي الضامن أو لم يؤد(1).

2 - و اما عدم جواز الرجوع مع عدم الاذن في الضمان

فلانه تبرع من الضامن لا يسوّغ رجوعه، و هو اشبه باداء دين الغير تبرعا و من دون ضمان.

3 - و اما انه لا يرجع مع الابراء أو يرجع بما ادّي في فرض الابراء من

الباقي

فلاستفادة ذلك من الموثق المتقدم.

4 - و اما براءة ذمة المضمون عنه لو ابرأ المضمون له الضامن

فواضحة، إذ البراءة للمضمون له قد تحققت بمجرد الضمان، و اما البراءة للضامن فلما تقدم من تفرع جواز الرجوع علي المضمون عنه علي الاداء.

5 - و اما ان ابراء المضمون عنه لغو فلان ذمته برئت بمجرد

الضمان

فلا معني لإبرائها.

اجل إذا فهم ان المقصود اسقاط الدين رأسا برئت بذلك ذمة الضامن.

6 - و اما ان عقد الضمان لازم

فلان رجوع الدين إلي ذمة المضمون عنه و اشتغالها به ثانيا بعد براءتها منه و انتقاله إلي ذمة الضامن يحتاج إلي دليل، و هو مفقود، و الاصل في كل عقد هو اللزوم كما تقدم في مبحث البيع.

ص: 177


1- العروة الوثقي، كتاب الضمان، المسألة 13.
7 - و اما ان الضامن لو ادّي الدين من غير جنسه فلا يجوز له

اجبار المضمون عنه بالدفع من جنس ما ادّاه

فباعتبار عدم امر المضمون عنه الضامن بذلك و انما هو تصرف تبرعي منه.

نعم مع امر المضمون عنه بذلك فللضامن الحق في ذلك لاقتضاء الامر نفسه لذلك بالسيرة العقلائية.

ص: 178

كتاب الحوالة و الكفالة

اشارة

1 - حقيقة الحوالة

2 - شرائط الحوالة

3 - من أحكام الحوالة

4 - الكفالة و بعض أحكامها

ص: 179

ص: 180

1 - حقيقة الحوالة
اشارة

الحوالة معاملة تتضمن نقل المدين ما في ذمته من دين إلي ذمة غيره باحالة الدائن عليه.

و هي مشروعة جزما.

و المعروف كونها عقدا خلافا لبعض المتأخرين حيث اختار كونها ايقاعا.

و هي متقومة بطرفين: المحيل و المحال دون المحال عليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان معني الحوالة ما ذكر

فهو من بديهيات الفقه.

و الفرق بينها و بين الضمان - المتضمن أيضا لنقل ما في ذمة إلي ذمة اخري - ان الحوالة معاملة بين المدين و الدائن، حيث ينقل الاول ما في ذمته إلي ذمة غيره بخلاف الضمان، فانه معاملة بين الدائن و الاجنبي، حيث ينقل الثاني ما في ذمة المدين إلي ذمته.

2 - و اما انها مشروعة

فأمر متسالم عليه.

و يمكن الاستدلال لذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع،

ص: 181

و بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، و بالروايات الخاصة، كصحيحة ابي أيوب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يحيل الرجل بالمال أ يرجع عليه؟ قال: لا يرجع عليه أبدا الا ان يكون قد أفلس قبل ذلك»(2) و غيرها.

3 - و اما انها عقد

فلتضمنها تصرفا في مال المحتال الذي هو تحت سلطانه و في ذمة المحال عليه التي هي تحت سلطانه فيلزم قبولهما، و لا يكفي إنشاء المحيل فقط لتكون ايقاعا.

و اما كونها ايقاعا فقد اختاره السيد اليزدي قدّس سرّه، حيث قال: «الذي يقوي عندي كونها من الايقاع غاية الامر اعتبار الرضا من المحتال أو منه و من المحال عليه، و مجرد هذا لا يصيّره عقدا، و ذلك لأنها نوع من وفاء الدين و ان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلي ذمة المحال عليه، فهذا النقل و الانتقال نوع من الوفاء و هو لا يكون عقدا و ان احتاج إلي الرضا من الآخر، كما في الوفاء بغير الجنس، فانه يعتبر فيه رضا الدائن و مع ذلك ايقاع»(3).

و ما أفاده يمكن التأمل فيه باعتبار ان الحوالة تتضمن نقلا للدين من ذمة إلي اخري فكيف تكون وفاء.

ص: 182


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 158:13 الباب 11 من أبواب أحكام الضمان الحديث 1. و المراد: أ يرجع المحال علي المحيل؟ قال: لا، الا اذا اتضح ان المحال عليه كان قد حصل له الفلس قبل الحوالة. هذا هو المقصود و ان كان تعبير الصحيحة قد يوهم كون المقصود: الا ان يكون المحيل قد افلس قبل ذلك، و لكنه غير مقصود جزما لعدم مدخلية افلاس المحيل في جواز الرجوع عليه. هذا مضافا الي ان الاصحاب لم يفهموا الا ما اشرنا اليه.
3- العروة الوثقي، كتاب الحوالة، الشرط 1 من شروط الحوالة.

و مع التنزل و التسليم بكونها كالوفاء بغير الجنس فذلك لا يوجب كونها ايقاعا لان كون المقيس عليه من قبيل الايقاع اول الكلام بل هو عقد لكونه معاوضة بين الدين و الجنس الآخر.

4 - و اما تقوّمها بالمحيل و المحتال فقط

فلان المحال عليه و ان اعتبر رضاه اما مطلقا أو فيما إذا كان بريئا أو كانت الحوالة بغير الجنس الا ان ذلك لا يصيّره من أركان العقد، فان مجرد اشتراط رضاه لا يدل علي كونه طرفا و ركنا، كما هو الحال في رضا المالك في عقد الفضولي.

و قيل باحتمال اعتبار قبوله علي حدّ اعتبار قبول المحال فيكون العقد مركبا من ايجاب و قبولين. و لكنه بعيد.

و الثمرة بين اعتبار قبوله بنحو الركنية و بين اعتباره لا بنحوها انه علي الاول يعتبر في قبوله ما يعتبر في الايجاب و القبول من الموالاة و نحوها بخلافه علي الثاني.

2 - شرائط الحوالة
اشارة

يلزم في صحة الحوالة توفر:

1 - الايجاب من المحيل و القبول من المحتال بكل ما يدل عليهما.

2 - البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه في المحيل و المحتال الا في الحوالة علي البريء فلا يعتبر عدم الحجر في المحيل.

و اما المحال عليه فلا يعتبر فيه شيء من ذلك الا إذا كانت الحوالة علي البريء أو بغير الجنس.

ص: 183

3 - التنجيز علي المشهور.

4 - ثبوت الدين في ذمة المحيل فلا يصح في غير الثابت و لو مع تحقق سببه، كمال الجعالة قبل العمل فضلا عما إذا لم يتحقق سببه، كالحوالة بما سيقترضه.

5 - عدم تردد المال المحال فلا تصح الحوالة بأحد الدينين من دون تعيين.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في الحوالة

فلأنها عقد. و احتمال كونها ايقاعا ضعيف علي ما تقدم.

كما تقدم ان رضا المحال عليه لو اعتبرناه فهو ليس علي حدّ القبول الركني بل علي حدّ رضا المالك في عقد الفضولي.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل علي الايجاب و القبول فقد تقدم وجهه عند البحث عن الضمان و غيره.

2 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده في المحيل و المحال

فلان نقل الدين و التصرف فيه قائم بهما فيلزم فيهما ما ذكر.

3 - و اما انه في الحوالة علي البريء لا يلزم عدم الحجر في المحيل

فلانه لا يملك شيئا في ذمة المحال عليه ليمنع من التصرف فيه بل ما يصدر منه هو اشغال لذمة الغير بما ثبت في ذمته هو.

اجل يعتبر فيه البلوغ و العقل و الاختيار لعدم الاثر لعقد الصغير و المجنون و المكره.

4 - و اما ان المحال عليه لا يعتبر فيه شيء من ذلك

فلوضوح ان لمن يملك المال في ذمة الصغير و المجنون و من لم يرض بالحوالة، الحقّ في تمليكه لغيره و نقله إليه. بالرغم من فرض الصغر و الجنون

ص: 184

و عدم الرضا. و سيأتي - ان شاء اللّه تعالي - توضيح ذلك ثانية تحت عنوان «من احكام الحوالة».

و اما اعتبار ذلك فيه إذا كان بريء الذمة أو كانت الحوالة بغير الجنس فلانه بالحوالة يحصل تصرف في ذمته فلا بدّ من بلوغه و عقله و اختياره و عدم سفهه.

اجل لا يعتبر عدم فلسه إذا كان بريء الذمة لجواز اشغال المفلس ذمته بخلاف السفيه فانه ليس له اشغال ذمته بدون اذن وليه.

5 - و أما التنجيز

فلا مستند لاعتباره سوي الاجماع فان تمّ و كان كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام أخذنا به و الا فلا وجه لاعتباره الا علي مستوي الاحتياط.

6 - و اما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المحيل

فلان الحوالة نقل من المحيل الدين الثابت في ذمته الي ذمة اخري، و المعدوم لا يقبل النقل.

7 - و اما اعتبار تعيّن المحال

فلان المردد لا تحقق له ليمكن نقله من ذمة الي اخري.

3 - من أحكام الحوالة
اشارة

يعتبر في صحة الحوالة موافقة المحيل و المحال دون المحال عليه الا إذا كانت علي البريء أو بغير الجنس. و قيل باعتبار رضاه مطلقا.

و هي لازمة لا يجوز فسخها بدون التراضي الا إذا اتضح كونها علي مفلس.

و يجوز اشتراط الفسخ لكل واحد من الثلاثة.

و بتحققها تبرأ ذمة المحيل و ان لم يبرئه المحال و تشتغل ذمة المحال عليه

ص: 185

للمحال و تبرأ من اشتغالها للمحيل ان كانت الحوالة من الجنس نفسه و بمقدار مساو.

و إذا قضي المحيل الدين بعد تمامية الحوالة تبرأ بذلك ذمة المحال عليه و جاز للمحيل الرجوع عليه ان كان ذلك بطلب منه.

و يجوز الترامي في الحوالة بل و الدور فيها.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار موافقة المحيل و المحال في صحة الحوالة

فلأنها تتضمن نقل المحيل الدين الثابت في ذمته للمحال فيتوقف علي رضاهما.

و اما عدم اعتبار رضا المحال عليه فلان المال ملك للمحيل فله نقله إلي أي ذمة شاء.

و دعوي اعتبار رضاه لاختلاف الناس في كيفية الاقتضاء سهولة و صعوبة مدفوعة بعدم الدليل علي اعتبار تساوي الطرفين في كيفية الاقتضاء في صحة النقل، و لذا يصح بيع الدين و ان لم يرض المدين بالرغم من اختلاف المشتري في الاقتضاء سهولة و صعوبة.

2 - و اما استثناء حالة الحوالة علي البريء أو بغير الجنس

فلعدم ثبوت السلطنة للمحيل علي اشغال الذمة البريئة رأسا أو من الجنس الخاص.

3 - و اما وجه القول باعتبار رضا المحال عليه مطلقا

فقد اتضح مع جوابه.

4 - و اما ان الحوالة لازمة

فلأصالة اللزوم في كل عقد. مضافا إلي دلالة صحيحة ابي ايوب المتقدمة عليه فراجع.

ص: 186

و اما استثناء الحوالة علي المفلس فللصحيحة نفسها.

5 - و اما جواز اشتراط خيار الفسخ للثلاثة

فلان الحوالة و ان كانت لازمة الا ان لزومها ليس حكميا بل حقي، و معه فيمكن التمسك بعموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

6 - و اما براءة ذمة المحيل بمجرد تحقق الحوالة و لو مع عدم

ابراء المحال

فللصحيحة المتقدمة.

و قد يقال بالتوقف علي ابراء المحال لصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يحيل الرجل بمال كان له علي رجل آخر فيقول له الذي احتال: برئت مما لي عليك، فقال: إذا ابرأه فليس له ان يرجع عليه، و ان لم يبرئه فله ان يرجع علي الذي احاله»(2).

و الجواب: ان الصحيحة المذكورة معارضة بالصحيحة السابقة الدالة علي تحقق البراءة بالحوالة الا مع اتضاح كونها حوالة علي مفلس، و لصراحة الثانية فيما تدل عليه يلزم حمل الاولي علي بعض المحامل - تطبيقا لقاعدة متي ما اجتمع النص و الظاهر تصرف في الثاني بقرينة الاول - من قبيل ان يقال: ان المقصود من الابراء هو قبول الحوالة دون الابراء نفسه، فيراد بقوله عليه السّلام: «إذا ابرأه فليس...»: إذا قبل المحال الحوالة فليس له الرجوع علي المحيل.

7 - و اما انه بعد تحقق الحوالة تشتغل ذمة المحال عليه للمحال

و تبرأ من اشتغالها للمحيل

فلانه بعد اشتغالها للمحال - الذي هو لازم براءة ذمة المحيل من دين المحال - يلزم براءتها من الاشتغال للمحيل

ص: 187


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 158:13 الباب 11 من أحكام الضمان الحديث 2.

لعدم احتمال اشتغالها لاثنين.

8 - و اما براءة ذمة المحال عليه بقضاء المحيل للدين مع جواز

رجوعه إليه ان لم يكن تبرعا

فلانه كقضاء شخص اجنبي آخر الدين الذي حكمه براءة ذمة المدين و جواز رجوع الاجنبي عليه ان لم يكن ذلك تبرعا، و واضح ان المحيل بعد تحقق الحوالة يصبح أجنبيا لبراءة ذمته.

9 - و اما جواز الترامي و الدور في الحوالة

فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

4 - الكفالة و بعض أحكامها
اشارة

الكفالة - و هي التعهد باحضار المدين و تسليمه إلي الدائن عند طلبه ذلك - مشروعة، و لكنها مكروهة.

و يعتبر فيها الايجاب من الكفيل بكل ما يدل علي تعهده و التزامه و القبول من المكفول له بكل ما يدل عليه. و في اعتبار رضا المكفول خلاف.

و متي لم يحضر الكفيل المكفول في الموعد المقرر حبس حتي يحضره أو يؤدي ما عليه.

و من حق الكفيل - إذا ادي ما علي المكفول - الرجوع عليه ان كان الاداء بطلب منه.

و يلزم الكفيل التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان معني الكفالة ما ذكر

فمن الواضحات، فاذا اراد شخص الاقتراض فمن حق المقرض طلب الكفيل من المقترض ليقوم باحضاره

ص: 188

في الموعد المقرر. و هكذا من باع شيئا و خاف من المشتري عدم احضاره الثمن فان من حقه طلب الكفيل منه. و غير ذلك من الأمثلة.

و تفترق الكفالة عن الحوالة و الضمان في ان الاولي تعهد بالنفس بخلاف الاخيرتين فانهما تعهد بالمال.

2 - و اما انها مشروعة

فمن بديهيات الفقه.

و يمكن التمسك لإثبات ذلك بالسيرة العقلائية المنعقدة علي ذلك و الممضاة بعدم الردع، و بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و بالروايات الخاصة، كصحيحة داود بن سرحان حيث: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الكفيل و الرهن في بيع النسيئة، قال: لا بأس»(1).

3 - و اما كراهتها

فلحديث الامام الصادق عليه السّلام: «الكفالة خسارة غرامة ندامة»(2) و غيرها.

4 - و اما اعتبار الايجاب من الكفيل و القبول من المكفول له

فلأن ذلك مقتضي كون الكفالة عقدا قائما بالكفيل و المكفول له.

و اما رضا المكفول له فقيل بعدم اعتباره تمسكا بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) لصدق عقد الكفالة باتفاق الكفيل و المكفول له و لو بدون رضا المكفول.

و قيل باعتباره للشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الرجوع إلي استصحاب عدم ترتب الاثر دون عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لكون المورد من الشبهة المصداقية.

ص: 189


1- وسائل الشيعة 155:13 الباب 8 من أحكام الضمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 154:13 الباب 7 من أحكام الضمان 2.
3- المائدة: 1.

فالخلاف علي هذا ينشأ من كون رضا المكفول علي تقدير اعتباره هل هو شرط في الصحة لينفي بالاطلاق مع الشك في اعتباره أو ركن لكي لا تتحقق الكفالة بدونه.

و مال صاحب الجواهر قدّس سرّه إلي اعتبار رضا المكفول باعتبار ان الركنية محتملة، و ذلك يكفي لعدم صحة التمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

5 - و اما جواز حبس الكفيل مع عدم احضاره المكفول في الموعد

المقرر

فلموثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أتي أمير المؤمنين برجل قد تكفّل بنفس رجل فحبسه و قال: اطلب صاحبك»(2) و غيرها.

و اما الاكتفاء باداء الكفيل الدين في تخلية سبيله فلانه معه تفرغ ذمة المدين و لا يعود موجب لبقاء الكفالة.

6 - و اما جواز رجوع الكفيل علي المكفول لو كان اداؤه الدين

بطلب منه

فلدلالة الطلب نفسه علي ذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

و اما عدم جواز الرجوع مع عدم الطلب فلعدم الموجب.

7 - و اما لزوم التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول

فلانه مقتضي وجوب مقدمة الواجب و لو عقلا.

ص: 190


1- جواهر الكلام 188:26.
2- وسائل الشيعة 156:13 الباب 9 من أحكام الضمان الحديث 1.

كتاب الصّلح

اشارة

1 - حقيقة الصلح

2 - شرائط الصلح

3 - من أحكام الصلح

ص: 191

ص: 192

1 - حقيقة الصلح
اشارة

الصلح معاملة مضمونها التسالم بين شخصين علي تمليك مال أو اسقاط دين أو حق بعوض أو مجانا.

و لا اشكال في مشروعيته.

و هو عقد مستقل بنفسه و لا يرجع إلي سائر العقود و ان افاد فائدتها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حقيقة الصلح

هي التسالم المذكور فلفهم ذلك منه عرفا.

2 - و اما انه عقد مشروع

فهو من بديهيات الفقه.

و قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (1) ، و عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و يدل علي ذلك بوضوح قول الامام الصادق عليه السّلام في صحيح

ص: 193


1- النساء: 128.
2- المائدة: 1.

حفص بن البختري: «الصلح جائز بين الناس»(1) ، و صحيح الحلبي:

«الرجل يكون عليه الشيء فيصالح فقال: إذا كان بطيب نفس من صاحبه فلا بأس»(2) و غيرهما.

هذا كله مضافا إلي انعقاد السيرة العقلائية الممضاة عليه.

3 - و اما انه عقد مستقل و لا يرجع إلي غيره و ان افاد فائدته

فلأن ما يفهم من عنوانه عرفا شيء مغاير للمفهوم من سائر المعاملات.

بل ان نفس اثبات احكام خاصة لعنوانه الخاص في النصوص يدل علي كونه شيئا مغايرا لغيره.

و في تسالم الاصحاب علي عدم اشتراط معلومية المصالح عليه و اشتراطهم لها في عوضي البيع دلالة واضحة علي ارتكاز المغايرة عندهم.

و عليه فهو و ان افاد فائدة البيع إذا كان علي عين بعوض و فائدة الهبة إذا كان علي عين بلا عوض و فائدة الاجارة إذا كان علي منفعة بعوض و فائدة الابراء إذا كان علي اسقاط حق أو دين الا ان ذلك لا يستلزم كونه نفسها، فان الاشتراك في النتيجة بين شيئين لا يدل علي كونهما واحدا.

و عليه فاحكام بقية العقود و شرائطها لا يمكن تسريتها إليه، فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه من الخيارات الخاصة و اعتبار قبض العوضين في المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين، و ما افاد فائدة الهبة لا يعتبر فيه قبض العين كما هو معتبر فيها.

ص: 194


1- وسائل الشيعة 164:13 الباب 3 من أحكام الصلح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 166:13 الباب 5 من أحكام الصلح الحديث 3.

و منه يتضح ان ما هو المنسوب إلي شيخ الطائفة من كون الصلح بيعا تارة و هبة اخري و...(1) قابل للتأمل.

2 - شرائط الصلح
اشارة

يلزم في تحقق الصلح توفر:

1 - الايجاب و القبول مطلقا حتي إذا كان مفيدا للإبراء. و يكفي فيهما كل ما يدل عليهما.

2 - ان لا يكون مستلزما لتحليل محرم أو بالعكس.

3 - البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في المتصالحين. و هكذا عدم الحجر لفلس أو سفه في من تقتضي المصالحة التصرف في ماله.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في الصلح

فلكونه عقدا.

و اما ان ذلك معتبر فيه حتي إذا أفاد فائدة الابراء فلان ذلك مقتضي كونه عقدا مستقلا.

و اما انه يكفي كل ما يدل علي الايجاب و القبول فلأنه بذلك يصدق عنوان الصلح فتشمله الاطلاقات العامة و الخاصة.

2 - و اما اعتبار عدم استلزامه لتحليل الحرام و بالعكس

فلعدم احتمال امضاء الشارع للمعاملة المتضمنة لذلك.

و في موثقة اسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام

ص: 195


1- المبسوط 288:2.

ان علي بن ابي طالب عليه السّلام كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما»(1) ، فانه ان لم يفهم من الشرط ما يشمل مطلق المعاملة فبالامكان التعدي من باب تنقيح المناط و الغاء الخصوصية.

و في مرسلة الشيخ الصدوق قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه. و الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا»(2).

و هي حجة بناء علي تمامية التفصيل في مراسيل الصدوق بين ما إذا كانت بلسان روي فلا تكون حجة و بين ما إذا كانت بلسان قال فتكون حجة، فانه بناء علي هذا تكون حجة - لأنها بلسان قال - فضلا عمّا إذا بني علي الكبري القائلة بحجية جميع روايات الشيخ الصدوق في كتابه كتاب من لا يحضره الفقيه لوجوه تقدمت في كتاب البيع عند البحث عن حرمة القمار.

3 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده

فلكون ذلك من الشرائط العامة.

3 - من أحكام الصلح
اشارة

لا يلزم في جواز الصلح وجود نزاع مسبق.

و تجوز الاستعانة به في كل مورد الا إذا استلزم تحريم الحلال أو بالعكس.

ص: 196


1- وسائل الشيعة 354:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 164:13 الباب 3 من أحكام الصلح الحديث 2.

و هو عقد لازم لا ينفسخ الا بالاقالة أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما اثناءه.

و تغتفر الجهالة في الصلح حتي مع امكان معرفة المصالح عليه بشكل تام و من دون مشقة.

و في جواز التصالح علي الجنس الربوي بمماثله مع التفاضل خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم اعتبار النزاع المسبق في صحة الصلح

فلان ذلك من قبيل حكمة التشريع التي لا تمنع من التمسك باطلاق الدليل. و لفظ الصلح و ان كان مشعرا باعتبار سبق ذلك الا انه ليس بشكل يمنع من التمسك بالاطلاق.

2 - و اما جواز الاستعانة بالصلح في كل مورد

فلإطلاق دليل مشروعيته.

و اما اعتبار ان لا يكون مستلزما لتحريم حلال و بالعكس فلما تقدم.

3 - و اما انه عقد لازم

فلأصالة اللزوم في كل عقد التي تقدم مدركها في مبحث البيع.

و اما جواز الفسخ بالاقالة و الخيار فلان لزوم الصلح حقي لا حكمي.

4 - و اما اغتفار الجهالة - خلافا للمنسوب إلي الشافعي من اعتبار

العلم في المصالح عليه و المصالح به

(1) - فلإطلاق صحيح حفص

ص: 197


1- جواهر الكلام 218:26.

و صحيح الحلبي السابقين.

و مع التنزل و افتراض نظرهما إلي أصل التشريع دون الخصوصيات يمكن التمسك بصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما»(1).

و احتمال ان المنظور للحديث الابراء دون الصلح مدفوع بان ظاهره المعاوضة التي لا مجال لها الا في الصلح.

5 - و اما ان الجهالة مغتفرة حتي مع امكان تحصيل العلم

فللإطلاق أيضا.

6 - و اما الخلاف في جواز التصالح علي الجنس الربوي بمماثله

مع التفاضل

فيستند إلي الاخبار الدالة علي اعتبار المماثلة، فانه قد يدعي انصرافها إلي خصوص البيع فيلزم اختصاص التحريم به و قد ينكر ذلك و يتمسك باطلاقها فيلزم تعميم التحريم للصلح أيضا.

و من تلك الاخبار صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، و السويق بالسويق مثلا بمثل، و الشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به»(2).

و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الفضة بالفضة مثلا بمثل،

ص: 198


1- وسائل الشيعة 166:13 الباب 5 من أحكام الصلح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 440:12 الباب 9 من أبواب الربا الحديث 2.

و الذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة و لا نقصان»(1).

و صحيحة الوليد بن صبيح: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام: الذهب بالذهب، و الفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر»(2).2.

ص: 199


1- وسائل الشيعة 456:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 457:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 2.

ص: 200

كتاب الوكالة

اشارة

1 - حقيقة الوكالة

2 - من أحكام الوكالة

ص: 201

ص: 202

1 - حقيقة الوكالة
اشارة

الوكالة عقد يتضمن تسليط الغير علي معاملة أو ما هو من شئونها كالقبض و الاقباض.

و هي أمر يغاير الاذن و النيابة.

و لا شك في مشروعيتها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوكالة عقد

فهو المشهور. و خالف في ذلك السيد اليزدي فاختار عدم توقف تحققها علي القبول، بدليل انه لو قال الموكل للوكيل: وكلتك في بيع داري فباعها صحّ البيع حتي مع الغفلة عن قصد النيابة و إنشاء القبول بالبيع. و أيضا لو كانت عقدا لزم مقارنة القبول لإيجابها، و الحال ان من الجائز توكيل الغائب الذي يصله خبر الوكالة بعد فترة.

ثم ذكر قدّس سرّه: ان هذا لا يعني ان القبول لو تحقق بعد الايجاب فلا تكون عقدا، بل المقصود ان بالامكان وقوعها بنحو الايقاع تارة

ص: 203

و بنحو العقد اخري(1).

هذا و المناسب كونها عقدا لقضاء الارتكاز العقلائي بتوقف تحققها علي القبول، و الذي لا يحتاج إلي ذلك هو الاذن، و هما شيئان متغايران و ليسا شيئا واحدا.

و صحة البيع التي أشار إليها في القرينة الاولي تحتمل ان تكون من جهة الاذن دون الوكالة.

و الموالاة بين الايجاب و القبول التي اشار إليها في القرينة الثانية لم يثبت اعتبارها في العقد بشكل مطلق لو سلم بثبوت اعتبارها في الجملة.

و ما ذكره من تحققها احيانا بالايجاب و القبول معا غير واضح، إذ لو كان الايجاب كافيا في تحققها فلا دور لضم القبول، و من ثمّ يلزم ان تكون ايقاعا دائما.

2 - و اما انها تسليط يتضمن ما ذكر

فلان ذلك هو المفهوم منها عرفا.

و اما تخصيصها بالتسليط علي المعاملة و ما هو من شئونها دون جميع الاشياء فلما يأتي من اختصاص الوكالة بالاشياء التي لم يعتبر الشارع فيها الصدور بالمباشرة، و ليست تلك الا المعاملة و القبض و الاقباض.

3 - و اما ان الوكالة امر يغاير الاذن

فواضح، فان الاذن لا يتوقف تحققه علي القبول بخلاف الوكالة.

ص: 204


1- ملحقات العروة الوثقي 119:2.

و الوكالة تنفسخ بفسخ الوكيل، بخلاف الاذن، فانه لا يرتفع برفض الماذون.

و تصرف الوكيل يقع صحيحا و ان عزله الموكل ما دام لم يبلغه خبر العزل، بخلافه في الاذن، فان التصرف يقع باطلا مع التراجع و ان لم يبلغ الماذون ذلك.

4 - و اما مغايرة الوكالة للنيابة

فواضحة أيضا، إذ في الوكالة ينتسب الفعل الي الموكل، بخلافه في النيابة، فالحج الآتي به النائب لا ينتسب إلي المنوب عنه، بخلافه في مثل البيع الذي يأتي به الوكيل، فانه ينتسب إلي الموكل.

و النيابة قد تقع تبرعية، بخلاف الوكالة، فانه لا يتصور فيها ذلك.

5 - و اما مشروعية الوكالة

فهي من البديهيات لاستقرار سيرة العقلاء و نظامهم عليها.

و في صحيح معاوية بن وهب و جابر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«من وكّل رجلا علي امضاء امر من الامور فالوكالة ثابتة ابدا حتي يعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها»(1).

و قد يستدل علي ذلك بقوله تعالي: فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ (2) ، اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا (3). و لكنه كما تري.

و اما عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) فلا يمكن التمسك به في المقام

ص: 205


1- وسائل الشيعة 285:13 الباب 1 من أحكام الوكالة الحديث 1.
2- الكهف: 19.
3- يوسف: 93.
4- المائدة: 1.

للتسالم علي جواز الوكالة و عدم لزومها.

2 - من أحكام الوكالة
اشارة

يعتبر في الوكالة الايجاب و القبول بكل ما يدل عليهما.

و تتحقق بكتابة الموكل إلي الوكيل - و لو كان في بلد آخر - متي ما قبل و لو بعد فترة.

و المشهور عدم جواز التعليق فيها و ان جاز في متعلقها.

و هي من العقود الجائزة و لكن الوكيل لو تصرف قبل بلوغه عزل الموكل وقع تصرفه صحيحا.

و تلزم متي ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة.

و إذا اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة فقد قيل بلزومها أيضا.

و تبطل بموت الموكل و جنونه و اغمائه.

و تصح في كل ما لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه مباشرة. و يعرف ذلك من بناء العرف و ارتكاز المتشرعة.

و لا يحق للوكيل التعدي عما حدّد له الا إذا كان المفهوم عرفا ان المذكور هو من باب احد الافراد و ليس من باب التحديد.

و لا يضمن الوكيل ما يتلف الا إذا تعدّي أو فرّط. و لا تبطل بذلك وكالته.

و عند الاختلاف في تحقق التعدي و التفريط يؤخذ بقول الوكيل مع يمينه و عدم البينة للموكل.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقق الوكالة

فلأنها عقد.

ص: 206

2 - و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما

فلإطلاق دليل شرعيتها بعد فرض تحققها.

و منه يتضح الوجه في تحققها بالكتابة.

و التسالم علي اعتبار الموالاة في العقود ان فرض تحققه فلا يجزم بشموله للوكالة ان لم يدع الجزم بعدم شموله لها.

3 - و اما عدم جواز التعليق في الوكالة نفسها

فقد علّله صاحب الجواهر بالإجماع القائم بكلا قسميه علي عدم جواز التعليق في مطلق العقود(1).

و يمكن ان يقال: انه لا يمكن الجزم بشمول الاجماع المذكور لمثل الوكالة، و القدر المتيقن منه هو البيع و الاجارة و ما شاكلهما من المعاوضات، كما نبه عليه السيد اليزدي(2) ، و معه يعود اطلاق دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك به.

4 - و اما جواز التعليق في متعلق الوكالة دونها

- كما إذا قال الموكّل: انت وكيلي من الآن في بيع داري متي ما ارتفع سعرها - فواضح لان الاجماع علي عدم جواز التعليق في الوكالة ان ثبت فهو ناظر الي تعليق الوكالة نفسها دون حالة التعليق في متعلقها مع فرض اطلاقها، و لا أقلّ من كون ذلك هو القدر المتيقن منه فيعود دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك باطلاقه.

5 - و اما ان الوكالة من العقود الجائزة

فقد ادعي عدم الخلاف فيه.

و صحيح معاوية و جابر المتقدم واضح الدلالة علي ذلك، الا انه خاص

ص: 207


1- جواهر الكلام 352:27.
2- ملحقات العروة الوثقي 121:2.

بتراجع الموكل فلا بدّ من ضم عدم القول بالفصل أو دعوي تنقيح المناط و الغاء الخصوصية.

6 - و اما صحة تصرف الوكيل مع عزل الموكل له ما دام لم يبلغه

خبر العزل

فقد دل عليه الصحيح المتقدم و غيره.

و يظهر من خلال بعض النصوص ان المسألة كانت محل خلاف بيننا و بين غيرنا، فغيرنا كان يفصّل بين النكاح فيبطل بالعزل و لو لم يصل خبره إلي الوكيل و بين غيره فلا يبطل، ففي الحديث ان العلاء بن سيابة سأل الامام الصادق عليه السّلام عن حكم المسألة فأجابه بصحة فعل الوكيل ما دام لم يصله خبر العزل. ثم سأل الامام عليه السّلام العلاء قائلا: «ما يقول من قبلكم في ذلك؟... قلت: نعم يزعمون انها لو وكّلت رجلا و اشهدت في الملأ و قالت في الخلاء(1): اشهدوا اني قد عزلته أبطلت(2) وكالته بلا ان تعلم في العزل، و ينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة، و في غيره لا يبطلون الوكالة الا ان يعلم الوكيل بالعزل، و يقولون: المال منه عوض لصاحبه و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد فقال عليه السّلام: سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم و أفسده، ان النكاح احري و احري ان يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد...»(3).

7 - و اما لزوم الوكالة متي ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم

بنحو شرط النتيجة

- كما لو اشترطت الزوجة في عقد نكاحها ان تكون وكيلة عن زوجها في طلاق نفسها متي ما سجن أو ساء خلقه أو غير

ص: 208


1- في تهذيب الاحكام 215:6 و الفقيه 48:3: و قالت في الملأ.
2- في تهذيب الاحكام 215:6: بطلت وكالته و ان لم يعلم العزل.
3- وسائل الشيعة 286:13 الباب 2 من أحكام الوكالة الحديث 2.

ذلك - فهو المشهور لأنها و ان كانت جائزة في حدّ نفسها الا ان ذلك لا ينافي لزومها بسبب الاشتراط.

اجل تردد المحقق في كتاب الرهن من شرائعه فيما لو اشترطت في عقد الرهن وكالة المرتهن في بيع العين المرهونة متي لم يتم تسديد القرض في الموعد المقرر(1) ، الا انه كما تري.

هذا و قد زاد بعض الاعلام قائلا: لو اشترطت الوكالة ضمن العقد الجائز لزم العمل بالشرط ما دام العقد باقيا و ان جاز فسخ العقد فيزول لزوم الشرط بالتبع(2).

ثم انه إذا افترض اشتراط الوكالة ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل كان العمل بالشرط واجبا تكليفا الا انه لو عصي المشترط عليه فلا يلزم سوي الاثم و لا تتحقق الوكالة.

8 - و اما القول بلزومها لو اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة

فهو من جهة لزوم العمل بالشرط

بمقتضي قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(3).

و توهم لزوم الدور مندفع بان لزوم الشرط ليس موقوفا علي بقاء الوكالة بل علي ايقاع عقدها و قد حصل.

9 - و اما انها تبطل بموت الموكل و جنونه و اغمائه

فقد قيل: انه لا مستند له سوي الاجماع(4).

الا انه يمكن ان يقال: ان الوكالة هي في روحها اذن خاص تترتب

ص: 209


1- شرائع الإسلام 334:2 انتشارات استقلال.
2- ملحقات العروة الوثقي 122:2.
3- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
4- جواهر الكلام 362:27.

عليه بعض الخصوصيات، و معه فمن المناسب بطلانها بما ذكر لزوال الاذن بذلك.

لا يقال: علي هذا يلزم الحكم ببطلان الوكالة في حالة نوم الموكل.

فانه يقال: الوجدان قاض بالفرق، و لذا لو كان الاذن لا بنحو الوكالة يحكم بزوالها و عدم جواز التصرف بالموت و نحوه دون طرو النوم.

10 - و اما صحة الوكالة في خصوص ما لا يتعلق غرض الشارع

بايقاعه بالمباشرة - كالوضوء و الغسل مثلا

- فواضح و الا يلزم خلف الفرض.

و اما وجه الاستناد إلي ارتكاز المتشرعة في تحديد مطلوبية المباشرة فلان الارتكاز المذكور يكشف عن وصول مضمونه يدا بيد من الامام عليه السّلام بعد افتراض عدم احتمال وجود منشأ آخر له غير ذلك.

و اما الاستناد الي العرف في ذلك أيضا فلحجية ما يفهمه من النص من خلال تحكيم مناسبات الحكم و الموضوع و غيرها من القرائن.

11 - و اما انه لا يحق للوكيل التعدي عما حدد له

فلان الوكالة ترجع في روحها إلي الاذن فلا بد من الاقتصار علي حدودها.

12 - و اما عدم ضمان الوكيل إذا لم يتعد و لم يفرّط

فلانه امين، و هو لا يضمن الا بذلك.

و اما انه لا تبطل الوكالة بالتعدي و التفريط فلان جعلها من الموكل لم يكن محدّدا بما إذا لم يحصل ذلك.

13 - و اما تقديم قول الوكيل عند الاختلاف في تحقق التعدي أو

التفريط

فلموافقة قوله الاصل فيحتاج المدعي لخلاف ذلك في اثبات دعواه إلي البينة فإذا لم تكن قدّم قول من وافق قوله الاصل مع اليمين.

ص: 210

كتاب المضاربة

اشارة

1 - حقيقة المضاربة

2 - شرائط المضاربة

3 - من أحكام المضاربة

ص: 211

ص: 212

1 - حقيقة المضاربة
اشارة

المضاربة معاملة بين طرفين تتضمن دفع المال من أحدهما و العمل من الآخر مع اقتسام الربح.

و هي مشروعة جزما.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان معني المضاربة ما ذكر

فهو من المسلمات التي لا خلاف فيها.

اجل عرّفها جمع - كصاحب الجواهر و العروة الوثقي - بدفع الانسان مالا إلي غيره ليتجر به علي ان يكون الربح بينهما(1).

و الاولي ما ذكرناه لأنها معاملة و تعاقد بين طرفين يتضمن دفع المال من احدهما و ليست دفع المال نفسه الذي هو فعل خارجي.

و فرقها عن القرض ان المال علي فرض القرض ينتقل جميعه

ص: 213


1- جواهر الكلام 338:26، و العروة الوثقي: بداية كتاب المضاربة.

إلي الطرف الثاني مقابل ضمانه لما يساويه، بخلافه علي فرض المضاربة، فان المال يبقي علي ملك مالكه و يعمل العامل فيه مقابل قسم من الربح.

و فرقها عن الاجارة ان الارباح علي فرض الاجارة تكون بأجمعها للمالك، و للعامل الاجرة، بخلافه في المضاربة، فان الارباح من البداية تكون بين الطرفين حسب الاتفاق.

2 - و اما مشروعيتها فمما لا كلام فيها.

و تدل علي ذلك نصوص كثيرة، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهي ان يخرج به فخرج، قال: يضمن المال، و الربح بينهما»(1) و غيرها.

و هي صحيحة بكلا طريقيها فراجع.

و يظهر منها ان صحة المضاربة في الجملة امر مفروغ منه و ان السؤال وقع عن بعض خصوصياتها.

و هل يمكن التمسك لإثبات صحتها بالعمومات من قبيل قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و نحوه؟

ان هذا سؤال تقدم الجواب عنه في مبحث المزارعة و ذكرنا ان المشهور قال بجواز ذلك خلافا لبعض حيث اختار عدم جواز ذلك.

و قد تقدم ان النزاع المذكور تترتب عليه جملة من الثمرات.

ص: 214


1- وسائل الشيعة 281:13 الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.
2- المائدة: 1.
2 - شرائط المضاربة
اشارة

يلزم في تحقق المضاربة توفر:

1 - الايجاب من المالك و القبول من العامل بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

2 - البلوغ و العقل و الاختيار في المالك و العامل. و يلزم في المالك أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس.

3 - تعيين الحصة و عدم ترددها، و ان يكون تعيينها بنحو الكسر المشاع الا اذا افترض وجود تعارف خارجي يوجب انصراف الاطلاق إليه.

4 - كون الربح بينهما، فلا يصح جعل مقدار منه لأجنبي الا مع افتراض قيامه بعمل.

5 - ان يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلي شخص مال ليشتري به سيارة لحمل المسافرين مع اقتسام الاجرة او دفع إلي خباز أو بقال و نحوهما مال ليصرف في حرفتهم مع اقتسام الارباح لم يكن ذلك مضاربة.

6 - قدرة العامل علي مباشرة التجارة بنفسه إذا اشترط عليه ذلك.

7 - ان يكون رأس المال عينا و ليس دينا، فلو كان لشخص علي آخر دين لم يجز جعله مضاربة الا بعد قبضه.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في المضاربة

فواضح بعد كونها عقدا.

ص: 215

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فللتمسك باطلاق ادلة مشروعيتها بعد فرض تحقق الدلالة عليها.

و من ذلك يتضح الوجه في تحققها بالمعاطاة.

2 - و اما اعتبار البلوغ و العقل و الاختيار في المالك و العامل

فلأنها من الشرائط العامة المعتبرة في كل عقد.

و اما اعتبار عدم الحجر علي المالك فلانه من خلال المضاربة يتحقق منه التصرف في أمواله، و شرط جواز ذلك عدم الحجر.

و اما عدم اعتبار ذلك في العامل فباعتبار انه لا يتحقق منه تصرف في ماله و انما يحاول تحصيل مال و ذلك ليس ممنوعا منه.

هذا و قد تقدم في كتاب المزارعة وجود رأي يعتبر ذلك في العامل أيضا.

3 - و اما اعتبار تعيين الحصة و عدم ترددها

فلان الحصة المرددة لا وجود لها ليمكن تمليكها للعامل.

و هل يلزم تعيين الحصة بمعني معلوميتها و عدم كونها مجهولة، كما لو قال المالك: ضاربتك بحصة تساوي الحصة المجعولة في مضاربة فلان مع افتراض انهما يجهلان ذلك؟

المشهور ذلك لحديث: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(1).

و المناسب عدم اعتبار ذلك لما تقدم في مبحث الاجارة من ضعف الحديث سندا بل لم يثبت كونه رواية.

4 - و اما اعتبار كون تعيين الحصة بالكسر المشاع

فلان ذلك

ص: 216


1- تذكرة الفقهاء، كتاب الاجارة، المسألة 2 من الركن 3 في الفصل 2.

مقوّم لمفهوم المضاربة، إذ لو عينت لا بذلك - كما لو قال المالك:

ضاربتك علي ان يكون لك مائة دينار - كان المورد مصداقا للإجارة أو الجعالة.

و اما كفاية الانصراف فلأن به يتحقق التعيين.

5 - و اما اعتبار كون الربح بينهما و عدم صحة جعل قسم منه

لأجنبي

فلأن ظاهر روايات المضاربة كون الربح بينهما لا غير.

علي انه يكفي الشك في جواز الجعل للأجنبي في الحكم بعدم الجواز بناء علي رأي المشهور القائل بعدم امكان التمسك بالعمومات لإثبات صحة المضاربة.

و اما استثناء حالة قيام الاجنبي بعمل فلأنه بفرض قيامه بعمل يكون عاملا آخر في المضاربة، و من ثمّ سوف تكون المضاربة بين المالك و عاملين، و ذلك مما لا محذور فيه كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

6 - و اما اعتبار كون الاسترباح بالتجارة

فلان ذلك دخيل في مفهوم المضاربة.

و لا أقل من احتمال ذلك، و يكفي ذلك، حيث يلزم الرجوع إلي اصالة عدم ترتب الاثر.

و هل يمكن تصحيح المعاملة - التي لا يكون الاسترباح فيها بالتجارة - بواسطة العمومات؟

نعم يمكن ذلك بناء علي رأي المشهور القائل بامكان تصحيح المضاربة و ما شاكلها من خلال العمومات.

7 - و اما اعتبار قدرة العامل علي المباشرة إذا كانت مقصودة

فلأنه بدون ذلك لا يمكن تحقق القصد إلي المعاملة و لا يمكن تعلق

ص: 217

وجوب الوفاء بها.

و هذا مطلب سار في كل معاملة و لا يختص بالمضاربة.

8 - و اما اعتبار كون رأس المال عينا و ليس بدين

فللقصور في المقتضي و وجود المانع.

اما القصور في المقتضي فلان عنوان اعطاء المال المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة و غيرها ظاهر في دفع العين و لا يشمل الدين. و لا أقلّ من الشك فلا يمكن التمسك بها لإثبات مشروعيتها.

و اما المانع فهو موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل له علي رجل مال فيتقاضاه و لا يكون عنده فيقول: هو عندك مضاربة، قال: لا يصلح حتي تقبضه منه»(1).

و هي معتبرة السند بطرقها الاربع فراجع.

و السكوني و النوفلي و ان لم يوثقا بشكل خاص الا ان بالامكان التساهل في امرهما لبيان مرّ في بعض الأبحاث.

هذا و قد نسب إلي المشهور اعتبار ان يكون رأس المال من الذهب و الفضة المسكوكين و ادعي الاجماع علي ذلك.

الا ان المناسب التعميم للأوراق النقدية لصدق عنوان المال - المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة و غيرها - عليها.

و الاجماع المدعي - بمعني الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام - لم يثبت تحققه.

ص: 218


1- وسائل الشيعة 187:13 الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.
3 - من أحكام المضاربة
اشارة

عقد المضاربة جائز و يحق للطرفين التراجع عنه متي شاءا الا إذا اشترط عدم الفسخ الي فترة محددة.

و مع تحقق الخسارة في التجارة لا يضمن العامل منها شيئا الا إذا تجاوز الحدّ المقرر له.

و إذا اشترط المالك تقسيم الخسارة كان الشرط صحيحا علي قول.

و لا يحق للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو غيره الا مع كسب الاذن من المالك.

و إذا حدّد المالك كيفية التصرف بالمال لزم السير علي طبقها و الا لزم السير علي طبق ما هو المتعارف.

و يجوز تعدد العامل في باب المضاربة مع اتحاد المالك سواء اتحد المال أم تميز.

و تبطل المضاربة بموت كل من العامل أو المالك.

و الربح وقاية لرأس المال، فلو ربح العامل في تجارة و خسر في اخري بعدها او حصل تلف جبر ذلك بالربح.

و العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره من غير توقف علي الانضاض - بمعني تحويل الاجناس إلي نقود - أو القسمة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان عقد المضاربة جائز بالرغم من ان المناسب

لأصالة اللزوم في مطلق العقود لزومه فعلل تارة بالإجماع و انه الحجة في

ص: 219

الخروج عن قاعدة اللزوم، و اخري بان عقد المضاربة يرجع في روحه إلي الاذن في التصرف من احدهما و القبول من الآخر كالعارية، و للآذن التراجع عن اذنه متي شاء.

2 - و اما ان المضاربة تلزم باشتراط عدم الفسخ

فلوجوب الوفاء بالشرط المستفاد من قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

و دعوي ان الشرط باطل لمنافاته لمقتضي العقد مدفوعة بانه مناف لإطلاقه لا لأصله.

و دعوي ان الشرط في العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به مدفوعة بان عموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم» يعم كل شرط بما في ذلك الواقع ضمن العقد الجائز.

اجل إذا كان مفاد الشرط شيئا آخر غير عدم الفسخ فيجوز فسخ العقد فيسقط الشرط و الا فما دام العقد باقيا فالوفاء بالشرط واجب.

و اما إذا كان مفاد الشرط عدم الفسخ كما في المقام فيترتب عليه عدم جواز الفسخ. و لكن لو فرض ان المشروط عليه خالف و فسخ فهل يقع الفسخ أو لا؟

قيل: لا. و اختاره السيد اليزدي(2).

و المناسب وقوعه لان مفاد قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم» الوجوب التكليفي من دون ترتب اثر وضعي عليه. اجل يكون الفاسخ آثما و عاصيا.

3 - و اما عدم تحمل العامل للخسارة الا مع التجاوز عن الحد المقرر له

ص: 220


1- وسائل الشيعة 353:12 باب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- العروة الوثقي، كتاب المضاربة، المسألة 2 من فصل شرائط عقد المضاربة.

فلصحيحة ابي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يعمل بالمال مضاربة، قال: له الربح و ليس عليه من الوضيعة شيء الا ان يخالف عن شيء مما امر صاحب المال»(1) و غيره.

4 - و اما القول بصحة اشتراط تحمل الطرفين للخسارة

فوجهه ان ذلك ليس شرطا مخالفا لمقتضي العقد بل لإطلاقه.

و المناسب التفصيل بين اشتراط تحمل الطرفين للخسارة فيبطل و بين افتراض كون الخسارة علي المالك فقط الا ان العامل يلزمه تقديم مال و لو بعنوان الهدية إلي المالك يعادل مقدار الخسارة فيصح.

اما البطلان في الاول فلان ظاهر صحيحة الكناني المتقدمة و غيرها كون الخسارة علي المالك لا غير، و مقتضي اطلاقها كونها عليه حتي مع اشتراط تقسيطها.

و اما الصحة في الثاني فلان مفاد الشرط ليس تحمل العامل شيئا من الخسارة بل هو اشتراط لأمر آخر غير الخسارة، فكما انه يصح اشتراط المالك علي العامل خياطة ثوب له كذلك يصح اشتراط اهداء مال له بمقدار نصف الخسارة علي فرض تحققها.

5 - و اما عدم جواز خلط رأس المال بغيره

فلان ظاهر كلام المالك التجارة برأس المال بشخصه من دون خلط بغيره، و لا يجوز التصرف في مال الغير الا بالنحو الماذون من قبله.

6 - و اما انه مع تحديد المالك لكيفية التصرف يلزم السير علي

طبقها

فلعدم جواز التصرف في ملك الغير الا باذنه.

ص: 221


1- وسائل الشيعة 181:13 الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 3.

و اما انه مع عدم التحديد الخاص يلزم السير علي طبق المتعارف فباعتبار ان الاطلاق ينصرف الي ما هو المتعارف.

7 - و اما جواز تعدد عامل المضاربة

فلكونها في الواقع منحلة الي مضاربتين و بمنزلة مضاربة المالك من البداية كل واحد منهما علي نصف المال. و الاتحاد في مقام الانشاء لا ينافي التعدد في مقام الواقع.

هذا مع اتحاد المال. و اما مع تميّزه فالامر أوضح.

8 - و اما بطلان المضاربة بموت العامل

فلاختصاص الاذن به.

و اما بطلانها بموت المالك فلانتقال المال بموته إلي وارثه، و ابقاؤها يحتاج إلي عقد جديد.

9 - و اما ان الربح وقاية لرأس المال و يجبر التلف و الخسارة به

فلاقتضاء عقد المضاربة نفسه لذلك، فان المجعول للعامل ليس هو الحصة من الربح في كل معاملة بعينها بل في مجموع المعاملات بما هو مجموع، و مع افتراض الربح في تجارة سابقة و الخسارة في تجارة لاحقة لا يصدق تحقق الربح بلحاظ مجموع المعاملات.

10 - و اما ان العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره

فلوجهين:

أ - ان ذلك مقتضي اشتراط كون الربح بينهما.

و دعوي ان الربح لا يصدق تحققه قبل الانضاض مدفوعة بان ذلك مخالف للوجدان، فان العقلاء يرون تحقق الربح بمجرد ارتفاع القيمة السوقية للشيء و لو قبل تحويله إلي نقد. كيف و لو كان الربح غير صادق فيلزم عدم استحقاق العامل لشيء لو فسخ المالك قبل الانضاض.

ص: 222

ب - التمسك بصحيح محمد بن ميسر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل دفع إلي رجل الف درهم مضاربة فاشتري اباه و هو لا يعلم، فقال:

يقوّم فإذا زاد درهما واحدا اعتق و استسعي في مال الرجل»(1) ، بتقريب ان العامل لو لم يملك حصته بمجرد ظهور الربح لما انعتق ابوه عليه.1.

ص: 223


1- وسائل الشيعة 188:13 الباب 8 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.

ص: 224

كتاب القرض

اشارة

1 - حقيقة القرض

2 - شرائط القرض

3 - ربا القرض

4 - من أحكام القرض

ص: 225

ص: 226

1 - حقيقة القرض
اشارة

القرض عقد يتضمن تمليك شخص ماله لآخر مع ضمانة في ذمته بمثله ان كان مثليا و بقيمته ان كان قيميا.

و هو أخصّ من الدين.

و الاقراض مشروع بنحو السنة المؤكدة.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه عقد

فقد ادّعي عليه في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه(1).

و اما انه يتضمن التمليك مع الضمان فلا خلاف فيه أيضا.

و يؤكده فهم العرف منه ذلك.

ان قلت: ان كلاّ من البيع و القرض يشتمل علي التمليك بعوض فما الفارق بينهما؟

ص: 227


1- جواهر الكلام 1:25.

قلت: أجاب الشيخ الاعظم عن ذلك بان البيع يشتمل علي معاوضة، فالبائع يملّك المبيع بعوض بخلاف القرض فانه لا يشتمل علي المعاوضة بل هو تمليك للعين مع ضمانها، و لذا يصح للبائع عرفا ان يقول: انشأت معاوضة علي مالي بخلافه في القرض(1).

2 - و اما انه اخص من الدين

فلان الدين كل مال كلي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الاسباب، كالضمان و بيع السلم و النسيئة و الاجارة مع كون الاجر كليا في الذمة و النكاح مع كون المهر كليا و الجناية بالنسبة إلي ارشها و الزوجية بالنسبة إلي النفقة، إلي غير ذلك من الأسباب التي احدها القرض.

و علي هذا الأساس فكل قرض دين بخلاف العكس.

و يطلق علي من اشتغلت ذمته بالمدين أو المديون، و علي الآخر بالدائن، و عليهما بالغريم.

و بهذا يتضح ان المقصود من كلمة «الدين» في قول الفقهاء:

«لا يجوز بيع الدين بالدين» هذا المعني دون خصوص القرض.

3 - و اما ان الاقراض مسنون بنحو السنّة المؤكدة

فللأحاديث الكثيرة، كقوله صلّي اللّه عليه و آله: «من اقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوي و طور سيناء حسنات، و ان رفق به في طلبه جاز به علي الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب. و من شكا إليه اخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه عز و جل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين»(2).

ص: 228


1- كتاب المكاسب 17:2، منشورات دار الحكمة.
2- وسائل الشيعة 88:13 الباب 6 من أبواب الدين الحديث 5.

و المسنون بنحو مؤكد - كما هو واضح - الاقراض الذي هو فعل المقرض دون الاقتراض الذي هو فعل المقترض فانه ليس بمستحب بل قد تستفاد مبغوضيته من النصوص، ففي الحديث: «إيّاكم و الدين فانه شين الدين»(1) ، و عنه صلّي اللّه عليه و آله: «من اراد البقاء و لا بقاء فليباكر الغداء، و ليجوّد الحذاء، و ليخفف الرداء، و ليقل مجامعة النساء. قيل: و ما خفّة الرداء؟ قال: قلّة الدين»(2).

2 - شرائط صحة القرض
اشارة

يلزم لصحة القرض توفر:

1 - قبض المقترض المال المقترض و الا فلا يملكه.

2 - البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم السفه في المتعاقدين، و عدم الفلس في خصوص المقرض.

3 - كون المال عينا فلا يصح لو كان دينا أو منفعة. و كذا لا يصح لو كان مرددا بين فردين من العين.

4 - كون المال مما يصح تملكه شرعا فلا يصح اقراض مثل الخمر و الخنزير.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان القبض شرط في صحة القرض

بحيث لا يحصل الملك قبله فلا وجه له سوي الاجماع و الا فالقاعدة تقتضي تحقق الملك بمجرد

ص: 229


1- وسائل الشيعة 77:13 الباب 1 من أبواب الدين الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 77:13 الباب 1 من أبواب الدين الحديث 5.

تمام العقد و ان لم يتحقق القبض.

قال في الجواهر: «لو لا الاجماع لاتجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض علي حسب غيره من العقود التي لا ريب في ظهور الادلة في اقتضائها التمليك ضرورة صدق مسماها بها»(1).

و دعوي ان اسم القرض لا يصدق الا بالقبض لا نعرف لها وجها.

ثم ان هناك قولا باشتراط التصرف أيضا بعد القبض في تحقق الملك. و لكنه كما تري، اذ اطلاق الأدلة ينفيه و ان كان مقتضي استصحاب عدم ترتب الاثر - لو لا ذلك - اعتباره لو فرض الشك في ذلك.

2 - و اما اعتبار البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في المقرض

و المقترض

فلأنها من الشرائط العامة في كل عقد.

و اما اعتبار عدم السفه فلان السفيه ممنوع من كل تصرف مالي.

و اما اعتبار عدم الفلس في المقرض فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله.

و اما عدم اعتبار ذلك في المقترض فلان السفيه ممنوع من التصرف في امواله دون التصرف في ذمته باشغالها.

3 - و اما اعتبار كون المال المقترض عينا و عدم صحة القرض لو

كان دينا أو منفعة

فلما تقدم من اشتراط القبض في صحة القرض، و امكان ذلك مختص بالاعيان.

و اما عدم صحة القرض مع تردد المال بين فردين فلان تحقق

ص: 230


1- جواهر الكلام 23:25.

التمليك بلحاظ هذا الفرد دون ذاك بلا مرجح، و المردد لا تحقق له.

4 - و اما اعتبار كون المال مما يصح تملكه

فواضح لان القرض تمليك للمال فلا بدّ من كون متعلقه قابلا لذلك.

3 - ربا القرض
اشارة

يحرم الربا في القرض، و ذلك باشتراط المقرض دفع زيادة في القدر أو الصفة علي المقدار المقترض.

و يجوز للمقترض اشتراط التسديد بالاقل.

و لا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين كونها راجعة إلي المقرض أو غيره.

و إذا تبرع المقترض بدفع الزيادة بدون اشتراط جاز قبولها، بل ذلك مستحب.

و لا يجوز - علي قول - اقراض مقدار من المال مع اشتراط ايجاد دار مثلا أو بيعها بأقل من اجرة او ثمن المثل، و يجوز العكس.

و يصح بيع الدين بمال موجود و ان كان أقل منه ما لم يستلزم الربا و لا يصح بيعه بدين مثله، كما اذا كان شخص يستحق علي ثان مائة كيلو من الحنطة و للثاني علي الاول مائة كيلو من الشعير و اريد بيع احدهما بالآخر.

و لا يجوز تأجيل الدين عند حلوله بزيادة. أجل يجوز تعجيل المؤجل و لو باسقاط بعضه.

و الربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه و كتابته و الشهادة عليه.

و من تعامل بالربا و هو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت و تاب فلا يلزمه ارجاعه.

ص: 231

و من ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تمييزها فلا شيء عليه و الا لزمه ردّها علي مالكها مع معرفته، و مع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الربا في الجملة فهي من ضروريات الإسلام

لدلالة صريح الكتاب العزيز عليها كما تقدمت الاشارة إلي ذلك في البيع عند البحث عن ربا المعاوضة.

و اما تحقق الربا المحرم في القرض و عدم اختصاصه بالمعاوضة فهو من المسلّمات التي لم يقع فيها شك.

و قد دلت علي ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينارا و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا، قال: لا يصلح إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح...»(1).

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام:

«و سألته عن رجل أعطي رجلا مائة درهم علي أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر، قال: هذا الربا المحض»(2) و غيرهما.

و الصحيحة الثانية و ان كانت ضعيفة السند بطريق قرب الاسناد بعبد اللّه بن الحسن الا انها صحيحة في طريقها الثاني لوجودها في كتاب علي بن جعفر الذي يرويه صاحب الوسائل عن الشيخ، و هو عن علي بن جعفر بطريق صحيح. و قد تقدم توضيح ذلك اكثر

ص: 232


1- وسائل الشيعة 105:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 108:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 18.

من مرة في ابحاث سابقة(1).

ثم انه توجد بعض الروايات التي قد يستشف منها جواز الربا في القرض، ففي أكثر من رواية ورد: «خير القرض ما جرّ منفعة»(2).

الا انه لا بدّ من حملها علي صورة عدم الاشتراط لما دلّ علي التفصيل بين ما إذا كان جرّ المنفعة في القرض بسبب الاشتراط فلا يجوز و بين ما إذا لم يكن بسببه فيجوز، كما في موثقة إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشيء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا»(3).

و يظهر من خلال بعض النصوص ان تلك الروايات جاءت ردّا علي غيرنا القائل بعدم جواز جرّ القرض للمنفعة و لو بدون اشتراط، ففي صحيحة محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا و يعطيه الرهن إما خادما و إما آنية و إما ثيابا فيحتاج إلي شيء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له قال: إذا طابت نفسه فلا بأس. قلت: ان من عندنا يروون ان كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، فقال: أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة»(4).

2 - و اما عدم الفرق بين كون الزيادة في الصفة أو القدر

فلإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة: «لا يصلح إذا كان

ص: 233


1- راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».
2- وسائل الشيعة 104:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 5، 6، 8، 16.
3- وسائل الشيعة 103:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 104:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 4.

قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

3 - و اما جواز اشتراط المقترض دفع الاقل

فلعدم ما يدل علي المنع من ذلك فيتمسك بأصل البراءة.

4 - و اما عدم الفرق بين رجوع الزيادة إلي المقرض أو غيره

فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

5 - و اما جواز قبول الزيادة من دون اشتراط

فلموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة و غيرها.

6 - و اما استحباب دفع الزيادة إذا لم يكن مع الاشتراط

فلأنها نوع من مقابلة الاحسان بالاحسان، بل ذلك هو الفضل المندوب إليه، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ان أبي عليه السّلام كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليها الدراهم الجياد الجلال فيقول: يا بني ردها علي الذي استقرضتها منه فأقول: يا أبه ان دراهمه كانت فسولة و هذه أجود منها فيقول: يا بني ان هذا هو الفضل فاعطه إيّاها»(1).

7 - و اما القول بعدم جواز الاقراض بشرط ايجار الدار أو بيعها

بالأقل

فلانه مصداق لقوله عليه السّلام في صحيحة يعقوب المتقدّمة: «لا يصلح إذا كان قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

و اما جواز الايجار أو البيع بالأقل بشرط القرض فلانه ليس

ص: 234


1- وسائل الشيعة 478:12 الباب 12 من أبواب الصرف الحديث 7. و الفسولة من الفسل و هو الرديء من كل شيء. و قوله عليه السّلام: «ان هذا هو الفضل» يحتمل كونه اشارة الي قوله تعالي: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ البقرة 237.

مصداقا للقرض الذي جرّ شيئا و انما هما مصداق للبيع أو الاجارة التي جرت نفعا، و ذلك لم يرد النهي عنه، بل هما قد شرّعا لذلك. هكذا يمكن توجيه القول المذكور، الا انه قد يقال في المقابل: ان المستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة عدم الجواز في كلتا الحالتين فراجع.

8 - و اما ان الدين يجوز بيعه بمال موجود و ان كان أقل منه

ما دام لا يلزم منه الربا

فلإطلاق ادلة صحة البيع و مشروعيته.

و اما عدم صحة بيعه بدين مثله حتي مع التساوي فلموثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يباع الدين بالدين»(1).

و لا مشكلة في سندها الا من جهة طلحة حيث لم يوثق في كتب الرجال، الا ان الامر فيه سهل بعد قول الشيخ في الفهرست: «طلحة بن زيد له كتاب و هو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد»(2).

ثم انه ورد النهي عن بيع الدين بالدين بلسان آخر، ففي دعائم الإسلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «انه نهي عن الكالئ بالكالئ(3)»(4).

9 - و اما عدم جواز تأجيل الدين الحال بزيادة

فمما لا خلاف فيه لكونه ربا و جعل زيادة عن المقدار المستحق لأجل الاجل.

و اما جواز تعجيل المؤجل باسقاط بعض الدين فلانه ليس فيه جعل للزيادة ليلزم محذور الربا.

ص: 235


1- وسائل الشيعة 99:13 الباب 15 من أبواب الدين الحديث 15.
2- الفهرست: 86.
3- الكالئ بالكالئ: بيع الدين بالدين، كما في لسان العرب 147:1.
4- مستدرك الوسائل 405:13.

علي ان كلا الحكمين يمكن استفادته من صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الرجل يكون عليه دين إلي أجل مسمّي فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا واضع لك بقيته، أو يقول:

انقدني بعضا و امدّ لك في الاجل فيما بقي فقال: لا أري به بأسا ما لم يزد علي رأس ماله شيئا يقول اللّه عز و جل: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ (1).

10 - و اما حرمة دفع الربا أيضا و كتابته و الشهادة عليه و ما تلا

ذلك من الحكمين

فقد تقدم وجهه في ربا المعاوضة من البيع.

4 - من أحكام القرض
اشارة

يعتبر في القرض الايجاب و القبول بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و لا يلزم في المال المقترض أن يكون من النقود، كما لا يعتبر تعيين مقداره و اوصافه. نعم علي المقترض تحصيل العلم بذلك مقدمة لأدائه.

و هو عقد لازم، بمعني عدم جواز فسخه لإرجاع العين لو كانت موجودة.

نعم مع فرض عدم تحديده بأجل تجوز المطالبة بالوفاء بدفع المثل إذا كان مثليا و القيمة إذا كان قيميا في أي وقت.

و مع عدم تحديد القرض بأجل فليس للدائن الامتناع عن قبض الدين إذا دفعه المدين، و هكذا إذا كان مؤجلا و فرض حلول الاجل. و اما قبل حلوله فيمكن الحكم بجواز ذلك إذا كان التأجيل حقا له.

ص: 236


1- وسائل الشيعة 120:13 الباب 32 من ابواب الدين الحديث 1، و الباب 7 من أبواب الصلح الحديث 1، و الآية 279 من سورة البقرة.

و لا يلزم تحديد القرض بأجل معيّن بل لو حدّد بأجل فالمشهور عدم لزومه الا إذا اشترط ضمن عقد لازم غير القرض.

و المال المقترض إذا كان مثليا يثبت في ذمّة المقترض مثله، و إذا كان قيميا تثبت قيمته.

و إذا كان مثليا فلا محذور في دفع القيمة مع التراضي.

و لا يلزم مع وجود العين المقترضة تسديد القرض بها و ان جاز ذلك مع موافقة الطرفين.

و يجب علي المدين عند مطالبة الدائن الاداء فورا ان قدر علي ذلك و لو ببيع بعض أملاكه الا الاملاك التي هو بحاجة ماسة إليها بحسب حاله و شرفه و يقع في ضيق شديد لو بيعت و قضي منها الدين، كدار سكناه و ما شاكلها، و يعبر عنها بالمستثنيات في قضاء الدين.

و إذا لم يكن لدي المدين شيء يقضي به دينه غير المستثنيات حرمت مطالبته و يلزم انظاره إلي ميسرة.

و إذا كان الدين مؤجلا و مات المدين حلّ الاجل. و إذا مات الدائن بقي الاجل علي حاله و ليس لورثته المطالبة به قبل حلوله.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقّق القرض

فلأن ذلك مقتضي افتراض كونه عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل مشروعية القرض بعد افتراض صدقه.

و من ذلك يتّضح وجه الاكتفاء بالمعاطاة.

2 - و اما انه لا يلزم في المال المقترض كونه من النقود

فمتسالم

ص: 237

عليه. و يقتضيه اطلاق أدلة مشروعيته.

و تؤيد ذلك رواية الصباح بن سيابة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان عبد اللّه بن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال: انا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر، فقال عليه السّلام: نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين عددا فتكون فيه الكبيرة و الصغيرة فلا بأس»(1) و غيرها.

3 - و اما عدم اعتبار تعيين مقدار المال المقترض و أوصافه

فلإطلاق دليل شرعيته.

و اما لزوم تحصيل العلم بمقداره من باب المقدمة للأداء فلوجوب مقدمة الواجب.

4 - و اما ان عقد القرض لازم، بمعني عدم جواز الفسخ و الالزام

بارجاع العين المقترضة

فمحل خلاف. و المنسوب إلي شيخ الطائفة عدم اللزوم.

و المناسب هو اللزوم تمسكا باصالة اللزوم في كل عقد.

نعم إذا فرض عدم تحديد الوفاء بأجل معيّن فتجوز للمقترض المطالبة ببدل العين، لان مقتضي عقد القرض ضمان المقترض للبدل دون العين نفسها، و حيث فرض عدم التحديد بأجل فيلزم جواز المطالبة به في أي وقت.

5 - و اما عدم جواز امتناع الدائن من قبض الدين مع عدم التأجيل

أو فرض حلول الأجل

فلان من حق كل شخص مشغول الذمة تفريغ

ص: 238


1- وسائل الشيعة 109:13 الباب 21 من أبواب الدين الحديث 1.

ذمته من الاشتغال ما دام لم يجعل حق الامتناع للطرف الاخر ضمن العقد.

و اما جواز امتناع الدائن من قبض الدين قبل حلول الاجل فقد وقع محلا للخلاف.

و المناسب التفصيل بين ما إذا كان اشتراط الاجل حقا للمدين فقط و ما إذا كان حقا للدائن فقط.

فعلي الاول لا يحق له الامتناع لأنه لا يصدق الاشتراط من ناحيته ليشمله عموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

و علي الثاني يحق له ذلك حيث يصدق في حقه ذلك فيشمله العموم.

6 - و اما عدم لزوم تحديد القرض بأجل معين

فلإطلاق دليل شرعيته.

و اما عدم لزوم الاجل المذكور في عقد القرض فباعتبار ان الشرط يتبع في لزومه و جوازه لزوم العقد و جوازه، و حيث ان المشهور يري القرض من العقود الجائزة فيلزم كون الشرط المذكور فيه جائزا أيضا.

هذا و المناسب الحكم بلزوم الاجل لأنه لو سلّم بجواز عقد القرض فذلك لا يمنع من لزوم الشرط المذكور فيه بعد ما كان مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم» شاملا للشرط المذكور ضمن العقد الجائز أيضا.

ص: 239


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

هذا مضافا إلي إمكان استفادة لزوم الاجل من قوله تعالي:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ (1) .

بل يمكن استفادته من الروايات الآتية الدالة علي حلول أجل الدين بموت المدين، فانها تدل علي لزوم الاجل بدون فرض الموت.

7 - و اما ان المال المقترض يثبت مثله في ذمة المقترض إذا كان

مثليا و قيمته إذا كان قيميا

فلان المقرض بعد جعله المقترض ضامنا لا للعين نفسها بل لبدلها يلزم ما ذكر إذ البدل الأقرب مع فرض كون الشيء مثليا هو المثل و مع كونه قيميا هو القيمة و يلزم من ثمّ ان يكون ذلك هو الملحوظ للمقرض عند تضمينه للمقترض بالبدل.

8 - و اما جواز دفع القيمة عن المثلي في فرض تراضي الطرفين

فلان الحق لا يعدوهما فيجوز لهما الاتفاق كيفما أحبا.

9 - و اما عدم لزوم التسديد بالعين المقترضة نفسها لو كانت

موجودة

فلان المفروض صيرورتها ملكا للمقترض بالقرض، و الضمان تعلّق ببدلها.

و اما جواز ذلك مع توافق الطرفين فلان الحق لا يعدوهما.

و اما انه مع عدم موافقة المقرض بقبول العين فلا يجوز اجباره علي ذلك فمن جهة انه اشترط الضمان بالبدل و اشتغال الذمة به.

10 - و اما لزوم تسديد الدين فورا مع المطالبة عند فرض كونه

حالا أو قد حلّ أجله

فلعدم جواز الامتناع أو التواني عن اداء

ص: 240


1- البقرة: 282.

الحقوق لأصحابها.

و اما استثناء دار السكن و نحوها فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تباع الدار و لا الجارية في الدين، ذلك انه لا بدّ للرجل من ظل يسكنه و خادم يخدمه»(1) و غيرها، فان موردها و ان كان خاصا بالدار و الجارية الا ان مقتضي التعليل التعدي إلي غيرهما من الاشياء التي لا بدّ منها في حياة الإنسان.

11 - و اما عدم جواز المطالبة مع الاعسار

فلقوله تعالي: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلي مَيْسَرَةٍ (2).

12 - و اما حلول الاجل بموت المدين

فلموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «إذا كان علي الرجل دين إلي أجل و مات الرجل حلّ الدين»(3) و غيرها.

و اما عدم حلولها بموت الدائن فلان الحلول بالموت حكم علي خلاف القاعدة فيقتصر فيه علي مورد النص.

هذا مضافا إلي انه قد يفهم ذلك من الموثقة، باعتبار تخصيصها حلول الاجل بموت المدين.

ص: 241


1- وسائل الشيعة 95:13 الباب 11 من أبواب الدين الحديث 1.
2- البقرة: 280.
3- وسائل الشيعة 97:13 الباب 12 من أبواب الدين الحديث 3.

ص: 242

كتاب الرّهن

اشارة

1 - حقيقة الرهن

2 - شرائط صحة الرهن

3 - من أحكام الرهن

ص: 243

ص: 244

1 - حقيقة الرهن
اشارة

الرهن عقد يتضمن جعل مال وثيقة للتأمين علي دين أو عين مضمونة.

و هو مشروع بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الرهن عقد و يتضمن ما ذكر

فهو من الواضحات.

و الفهم العرفي خير شاهد عليه.

2 - و اما صحة جعل الرهن وثيقة علي العين المضمونة أيضا -

كالعين المغصوبة إذا طالب صاحبها الغاصب أو غيره ضمن عقد لازم

بالرهن عليها

- فلإطلاق ما يأتي من دليل مشروعية الرهن.

3 - و اما ان الرهن مشروع

فهو من ضروريات الإسلام. و يدل علي ذلك الكتاب الكريم: وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلي سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (1) ، و الروايات الكثيرة، كصحيحة محمد بن مسلم عن

ص: 245


1- البقرة: 283.

احدهما عليهما السّلام: «سألته عن السلم في الحيوان و في الطعام و يؤخذ الرهن، فقال: نعم استوثق من مالك ما استطعت. قال: و سألته عن الرهن و الكفيل في بيع النسية، فقال: لا بأس»(1) و غيرها.

و القول باختصاص مشروعية الرهن بحالة السفر تمسكا بالآية الكريمة ضعيف، فان ذكر السفر مبني علي الغالب من عدم تواجد الكاتب فيه، و هو كذكره في قوله تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (2). علي انه يكفينا اطلاق السنة الشريفة.

و عليه فما ينسب إلي بعض العامة من عدم جواز الارتهان في الحضر(3) لا وجه له خصوصا و ان لازم التمسك بالآية الكريمة لاعتبار السفر اشتراط فقدان الكاتب للدين في مشروعية الرهن عليه، و هو غير محتمل و لم يقل به القائل المذكور.

2 - شرائط صحّة الرهن
اشارة

يشترط لصحّة الرهن توفر:

1 - الايجاب من الراهن و القبول من المرتهن بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

2 - البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في الراهن و المرتهن. و عدم الحجر

ص: 246


1- وسائل الشيعة 121:13 الباب 1 من أبواب أحكام الرهن الحديث 5.
2- النساء: 43.
3- جواهر الكلام 98:25.

علي الراهن لسفه أو فلس.

3 - كون المرهون عينا مملوكة يجوز بيعها و شراؤها، فلا يصح رهن الدين و لا المنفعة و لا مثل الخمر و لا مثل الطير في الهواء و الوقف و لو كان خاصا.

4 - كون ما يرهن عليه دينا ثابتا في الذمة لفعلية سببه من اقتراض أو اسلاف مال أو شراء نسية فلا يصح الرهن علي ما سيقترض أو علي ثمن ما سيشتري و نحو ذلك.

5 - قبض المرتهن للعين المرهونة حدوثا و لا تلزم استدامة ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقّق الرهن

فهو مقتضي كونه عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فلانه بعد صدق عنوان الرهن يصح التمسك باطلاق دليل مشروعيته.

2 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده

فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

و اما اعتبار عدم الحجر علي الراهن فلان السفيه و المفلس لا يصح منهما التصرّف في أموالهما.

و اما عدم اعتبار ذلك في المرتهن فلانه بالرهن لا يتصرف في ماله.

3 - و اما اعتبار كون المرهون عينا

فلان الدين لا يمكن تحقق القبض فيه، و هو شرط في صحة الرهن كما سيأتي.

بل لا يصح تعلق الرهن بالدين حتي بناء علي انكار شرطية القبض باعتبار ان الغرض من الرهن - و هو الاستيثاق -

ص: 247

لا يتحقق بالدين.

و اما عدم صحة تعلقه بالمنفعة فلانه لو تصورنا فيها تحقق القبض فيمكن ان يقال: هي من الموجودات المتصرمة تدريجا و ليست موجودا قارّا ليمكن ان تكون وثيقة علي الدين.

و اما اعتبار كون المرهون أمرا مملوكا فلان غير القابل للملك في نفسه - كالخمر - أو غير المتصف به بالفعل لا يحصل به الاستيثاق.

و منه يتضح الوجه في اعتبار كون العين المرهونة أمرا صالحا للبيع و الشراء و لا يكفي أن تكون مثل الطير في الهواء أو الوقف.

4 - و اما اعتبار ثبوت الدين في الذمة حالة العقد

فلان الرهن وثيقة علي مال المرتهن الذي هو ثابت في ذمة الغير، فقبل ثبوت الدين في الذمة لا يصدق الرهن و الاستيثاق. و لا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك، و هو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر بعد عدم جواز التمسك باطلاق دليل المشروعية لكون المورد شبهة مصداقية.

5 - و اما اعتبار القبض في صحة الرهن

فمحل خلاف. و مقتضي القاعدة عدم اعتباره تمسكا باطلاق دليل شرعيته.

و دعوي ان عنوانه لا يصدق الا بالقبض غير مقبولة.

و المناسب اعتباره لا لأجل التقييد به في الآية الكريمة - فان ذكره فيها هو من جهة انها بصدد بيان طريقة للاستيثاق علي الدين، و ذلك لا يتحقق بمجرد الارتهان من دون قبض و ليست بصدد بيان شرطية ذلك لتحقّق الارتهان شرعا، علي ان السياق يلوح عليه بوضوح كونه في صدد الارشاد إلي جملة من الآداب و السنن - بل لقوله عليه السّلام في

ص: 248

صحيحة محمد بن قيس: «لا رهن الا مقبوضا»(1).

و ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه من احتمال ان يكون ذكر القبض لا من باب الشرطية بل لأنه بدونه لا يحصل الاطمئنان و الاستيثاق خصوصا و ان المنفي هو العين المرهونة لا العقد الذي هو القابل للاتصاف بالصحة و الفساد(2) كما تري.

6 - و اما عدم لزوم استدامة القبض

فلانه لا يظهر من صحيحة محمد بن قيس اعتبار ذلك، و هي مجملة من الجهة المذكورة فيرجع لنفي احتمال اعتبار الاستدامة إلي اطلاق ادلة شرعية الرهن لقاعدة ان العام إذا خصص بمجمل مفهوما فيقتصر في تخصيصه علي القدر المتيقن لبقاء الظهور في العموم علي الحجية فيما زاد عليه بلا معارض.

3 - من احكام الرهن
اشارة

لا يلزم في العين المرهونة أن تكون ملكا لمن عليه الدين بل يصح رهن ملك الغير إذا استعير لذلك.

و الرهن لازم من جهة الراهن فلا يصح له التراجع عنه الا برضا المرتهن أو ايفائه الدين.

و يجوز لمالك العين المرهونة التصرّف فيها بما لا يتنافي و الاستيثاق - كركوب الحيوان إذا كان رهنا - و اما ما يتنافي - مثل بيع الحيوان أو ذبحه - فلا يجوز الا اذا اذن المرتهن به. و اما المرتهن فلا يجوز له التصرف

ص: 249


1- وسائل الشيعة 123:13 الباب 3 من أحكام الرهن الحديث 1.
2- جواهر الكلام 104:25.

مطلقا الا باذن المالك.

و إذا حلّ موعد الدين و طالب به المرتهن و لم يؤد فلا يجوز له بيع العين المرهونة و استيفاء دينه منها الا إذا كان وكيلا في ذلك من البداية أو اذن له مالكها فيما بعد. و اذا لم يكن وكيلا عنه و لم يأذن له في ذلك بعد طلبه منه جاز له البيع. و يبقي الفاضل علي مقدار الدين - ان كان - أمانة بيده.

و لا يضمن المرتهن العين المرهونة إذا تلفت أو تعيبت ما دام لم يتحقق منه التعدي او التفريط، و من ثمّ يرجع بتمام ماله الذي يستحقه علي الراهن و لا ينقص منه شيء.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم لزوم كون العين المرهونة ملكا للراهن و كفاية اذن

مالكها في رهنها

فلإطلاق دليل شرعية الرهن.

2 - و اما لزوم الرهن من طرف الراهن

فلأصالة اللزوم في مطلق العقود التي تقدم مستندها في مبحث البيع.

علي ان الغرض من الرهن و هو الاستيثاق لا يتأتي مع الجواز من طرف الراهن.

3 - و اما جواز تصرف مالك العين المرهونة فيها بما لا يتنافي

و الاستيثاق

فلانه مالك، و لا موجب لمنعه بعد عدم كون تصرفه منافيا للاستيثاق.

و يؤكد ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

«رجل رهن جاريته قوما أ يحل له أن يطأها؟ فقال: ان الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها، قلت: أ رأيت ان قدر عليها خاليا؟ قال:

ص: 250

نعم لا أري به بأسا»(1).

و اما ما يروي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله من ان «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن»(2) فضعيف السند، فان ابن أبي جمهور قد رواه في درر اللآلي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله مرسلا.

و بهذا يتضح ان تأكيد صاحب الجواهر علي عدم جواز تصرّف الراهن بشتي أشكاله استنادا إلي الحديث المتقدم و الي التنافي بين الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن و بين جواز التصرّف(3) قابل للتأمّل.

4 - و اما عدم جواز تصرف المرتهن في العين المرهونة بشكل

مطلق

فلان ذلك مقتضي عدم جواز التصرف في مال الغير بدون اذنه.

5 - و اما عدم جواز بيع المرتهن العين المرهونة إذا حلّ وقت

المطالبة و لم يسدد الدين

فلأنها ملك للغير، و لا يجوز التصرف فيه من دون اذنه.

و جعلها وثيقة علي الدين لا يلازم تجويز بيعها لاستيفاء الدين لعدم انحصار الاستيفاء بذلك بل يمكن ذلك بتصدي الراهن نفسه للبيع.

نعم مع افتراض كسب الوكالة في البيع مسبقا لا يعود اشكال في البيع و لو من دون استئذان.

6 - و اما انه يجوز للمرتهن البيع عند افتراض عدم الوكالة و الاذن

فمن جهة ان التعاقد علي الرهن يستبطن التعاقد علي ان يكون للمرتهن

ص: 251


1- وسائل الشيعة 133:13 الباب 11 من أحكام الرهن الحديث 1.
2- مستدرك الوسائل 426:13.
3- جواهر الكلام 195:25.

الحق في البيع لاستيفاء حقه مع عدم تصدي الراهن نفسه للبيع و لا اذنه فيه.

و قيل بان النوبة لا تصل الي المرتهن ما دام يمكن للحاكم الشرعي التصدي لذلك فانه صاحب الولاية علي الممتنع، و اذا لم يمكن للحاكم التصدي لسبب و آخر فآنذاك تصل النوبة إلي المرتهن.

و هو جيد ان لم نفترض تمامية ما أشرنا إليه من التعاقد المستبطن.

7 - و اما عدم ضمان المرتهن تلف العين المرهونة و تعيبها من

دون تعدّ و تفريط

فلان ذلك مقتضي كون يده يد امانة.

و تؤكد ذلك الروايات الكثيرة، كصحيحة جميل بن دراج: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن: هو من مال الراهن و يرجع المرتهن عليه بماله»(1) و غيرها.

هذا و يوجد في مقابل الروايات المذكورة روايات اخري تدل علي ضمان المرتهن و انه ينقص مما له علي الراهن بمقداره، كموثقة ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في الرهن فقال: ان كان أكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدي الفضل إلي صاحب الرهن، و ان كان أقل من ماله فهلك الرهن أدّي إليه صاحبه فضل ماله، و ان كان الرهن سواء فليس عليه شيء»(2) و غيرها.

و يمكن الجمع بحمل الأولي علي صورة عدم التفريط و الثانية علي صورة التفريط.

ص: 252


1- وسائل الشيعة 125:13 الباب 5 من أبواب أحكام الرهن الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 129:13 الباب 7 من أبواب أحكام الرهن الحديث 3.

و مما يؤيّد ذلك موثقة إسحاق بن عمار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك، أعلي الرجل ان يرد علي صاحبه مائتي درهم؟ قال: نعم لأنه اخذ رهنا فيه فضل و ضيّعه. قلت: فهلك نصف الرهن قال: علي حساب ذلك. قلت:

فيترادّان الفضل؟ قال: نعم»(1).2.

ص: 253


1- وسائل الشيعة 129:13 الباب 7 من أبواب أحكام الرهن الحديث 2.

ص: 254

كتاب الهبة

اشارة

1 - حقيقة الهبة

2 - من أحكام الهبة

ص: 255

ص: 256

1 - حقيقة الهبة
اشارة

الهبة عقد يتضمّن تمليك عين بلا عوض.

و شرعيتها واضحة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الهبة عقد

فأمر متسالم عليه. و تدل عليه قاعدة سلطنة الانسان علي نفسه و أمواله، فان خروج المال من الواهب بدون رضاه أمر علي خلاف سلطنته علي أمواله، و دخوله في ملك الموهوب له بدون موافقته أمر علي خلاف سلطنته علي نفسه.

و أيضا انعقاد سيرة العقلاء علي احتياجها إلي الايجاب و القبول شاهد يصلح التمسك به في المقام بعد فرض امضائها المستكشف بسبب عدم الردع.

2 - و اما تضمن عقدها التمليك بلا عوض

فهو من الواضحات.

و فهم العرف خير دليل عليه.

و لا يشكل عليه بخروج الهبة المعوضة بالرغم من كونها أحد

ص: 257

فردي الهبة، فان العوض فيها ليس في مقابل العين الموهوبة و عوضا عنها بل التمليك فيها مجاني لكنه مشروط بتمليك مجاني آخر.

و الفرق بينها و بين الهدية و الصدقة مع ان الاخيرتين هما تمليك مجاني أيضا هو ان الهدية تمليك مجاني بقصد التكريم و التعظيم، و الصدقة تمليك مجاني بقصد القربة، بخلاف الهبة فانها تمليك مجاني ملحوظ لا بشرط من ناحية القصدين المذكورين فتكون أعمّ منهما أو بشرط لا فتكون مباينة لهما.

3 - و اما شرعيتها

فأمر بديهي، كيف و قد جرت عليها سيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع، و سيرة المتشرّعة، بل و سيرة أهل بيت العصمة بما في ذلك جدّهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و ما انحال الرسول الاعظم صلّي اللّه عليه و آله فدكا لبضعته الطاهرة عليها السّلام الا عبارة اخري عن الهبة، فانهما واحد، غايته لوحظ في الإنحال تعلقه بالارحام.

و الروايات الدالة علي شرعيتها كثيرة. و سيأتي بعضها فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1) ، و قوله: وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً (2) بعد عدم اختصاص الايتاء بالمهر.

ص: 258


1- النساء: 4.
2- البقرة: 229.
2 - من أحكام الهبة
اشارة

لا تتحقّق الهبة الا بايجاب من الواهب و قبول من الموهوب له بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و يلزم ان يتوفر في الواهب البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس.

و يعتبر القبض في صحّة الهبة و ان يكون عن اذن الواهب الا في هبة ما في يد الغير له.

و لا تلزم فيه الفورية و لا كونه في مجلس العقد.

و يلزم في الموهوب ان يكون عينا فلا تصح هبة المنافع. و اما الدين فتصح هبته علي غير من هو عليه دون من هو عليه.

و الهبة عقد جائز يصح فيها الرجوع الا إذا كانت معوضة، أو لذي رحم، أو قصد بها القربة، أو فرض تحقق التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين بعينها.

و لا يلزم في صحّة الرجوع عن الهبة ان يكون امام الموهوب له.

و المستند في ذلك:

1 - اما توقف تحقق الهبة علي الايجاب و القبول

فلأن ذلك مقتضي كونها عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

2 - و اما انه يعتبر في الواهب البلوغ و ما بعده

فلان الهبة عقد

ص: 259

و تصرف في المال، و كلاهما مشروط بما ذكر.

و اما انه لا يعتبر ذلك في الموهوب له فلصحة الهبة إلي الصبي و المجنون و المحجور عليه بالضرورة، غايته يلزم في الاولين نيابة الولي عنهما في القبول.

3 - و اما توقف صحة الهبة علي القبض

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الهبة لا تكون أبدا هبة حتي يقبضها»(1) و غيرها.

و قد يقال: توجد في المقابل صحيحة أبي المعزا أو أبي بصير:

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض قسّمت أو لم تقسّم. و النحل لا تجوز حتي تقبض»(2) ، فانها تدل علي صحة الهبة قبل تحقق القبض سواء فسر الجواز باللزوم - كما هو الظاهر - أم بالصحة.

و الجواب: ان النتيجة لا تتغيّر، فان الطائفتين حيث يتعذر الجمع العرفي بينهما تتساقطان و يلزم الرجوع إلي الاصل، و هو يقتضي عدم ترتب الأثر قبل القبض.

و إذا قيل: لا تصل النوبة إلي الأصل لوجود المرجح للطائفة الثانية، و هو موافقتها للكتاب العزيز أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) الدال علي ترتب الأثر بمجرّد العقد.

قلنا: ان الكتاب العزيز يدل علي لزوم الهبة قبل القبض و هو مخالف لكلتا الطائفتين، و معه كيف يمكن الترجيح به، فان ما هو مفاده

ص: 260


1- وسائل الشيعة 336:13 الباب 4 من أحكام الهبات الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 335:13 الباب 4 من أحكام الهبات الحديث 4.
3- المائدة: 1.

لا يمكن الترجيح به و ما يمكن الترجيح به ليس مفادا له.

4 - و اما اعتبار كون القبض باذن الواهب

فهو المشهور. و هو جيد لانصراف ما دل علي اعتبار القبض في صحة الهبة إلي ذلك. بل ان من المحتمل ان تكون كلمة «يقبضها» من باب الافعال.

و منه يتضح النظر فيما اختاره السيّد اليزدي قدّس سرّه من عدم اعتبار الاذن تمسكا بالاطلاق و ان الأصل عدم شرطية ذلك و ان القدر المتيقن اعتبار وصول المال إلي يد المتهب، و لذا لو كان بيده كفي(1).

5 - و اما عدم اعتبار القبض في هبة ما في يد الغير

فلتحققه من دون حاجة إلي تجديده.

6 - و اما عدم لزوم الفورية في القبض و لا كونه في مجلس العقد

فلإطلاق الصحيحة الدالة علي اعتبار القبض.

7 - و اما عدم صحة هبة المنافع

فلأنها موجود تدريجي متصرم لا يمكن تحقق القبض فيه.

و اما صحة هبة الدين علي غير من هو عليه فلانه بعد امكان قبضه بقبض فرد منه لا يعود مانع من التمسك باطلاق دليل شرعيتها.

و دعوي ان ما في الذمة - الذي تعلقت به الهبة - لا يمكن قبضه، و ما يمكن قبضه و هو الفرد الخارجي ليس الكلي نفسه، مدفوعة بان الكلي الطبيعي موجود بوجود افراده في نظر العرف أيضا و يمكن قبضه و اقباضه من خلال الفرد.

و اما عدم صحة هبة الدين علي من هو عليه فلان ذلك ابراء لا هبة

ص: 261


1- ملحقات العروة الوثقي 165:2.

و يترتب عليه احكامه دون احكامها فلا يجوز الرجوع في الموهوب، كما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له علي الرجل الدراهم فيهبها له، أله ان يرجع فيها؟ قال: لا»(1).

8 - و اما جواز الرجوع في الهبة و كونها عقدا جائزا بالرغم من

اقتضاء اصالة اللزوم لعكس ذلك

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«اذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع و إلاّ فليس له»(2) و غيرها.

9 - و اما استثناء الهبة المعوضة

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا عوّض صاحب الهبة فليس له ان يرجع»(3) و غيرها.

و اما استثناء الهبة لذي الرحم فلصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها ان شاء، حيزت أو لم تحز الا لذي رحم فانه لا يرجع فيها»(4) و غيرها.

و اما استثناء الهبة التي قصد بها القربة فلصحيحة محمد بن مسلم الاخري عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا يرجع في الصدقة اذا أبتغي وجه اللّه»(5) و غيرها.

و اما استثناء حالة التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين فلصحيحة الحلبي المتقدمة.

ص: 262


1- وسائل الشيعة 332:13 الباب 1 من أحكام الهبات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 341:13 الباب 8 من أحكام الهبات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 341:13 الباب 9 من أحكام الهبات الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 338:13 الباب 6 من أحكام الهبات الحديث 2.
5- وسائل الشيعة 334:13 الباب 3 من أحكام الهبات الحديث 2.

ثم انه يوجد في المقابل روايات اخري معارضة، كموثقة داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و اما الهبة و النحلة فانه يرجع فيها حازها او لم يحزها و ان كانت لذي قرابة»(1) و غيرها.

و يمكن ان يقال: ما دام لا يمكن الجمع فتتحقق المعارضة و يلزم ترجيح الطائفة الاولي لموافقتها لإطلاق الكتاب الدال علي وجوب الوفاء بالعقود أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

10 - و اما عدم لزوم ان يكون الرجوع امام الموهوب له

فلإطلاق ما دلّ علي جواز الرجوع و عدم تقييده بما إذا كان امامه.

ص: 263


1- وسائل الشيعة 339:13 الباب 6 من أحكام الهبة الحديث 3.
2- المائدة: 1.

ص: 264

كتاب الوديعة

اشارة

1 - حقيقة الوديعة

2 - من أحكام الوديعة

ص: 265

ص: 266

1 - حقيقة الوديعة
اشارة

الوديعة عقد يتضمن استئمان الغير في حفظ المال. و يصطلح علي الغير بالودعي و المستودع، و علي الآخر بالمودع.

و هي مشروعة بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوديعة عقد

فواضح، إذ لا يكفي مجرد إيجاب المودع في تحققها بل لا بدّ من قبول الودعي و الا لم يكن له السلطنة علي نفسه، و هو خلف قانون السلطنة.

2 - و اما انها عقد يتضمن ما ذكر

فهو من واضحات الفقه، و يقتضيه الفهم العرفي.

3 - و اما مشروعية عقد الوديعة

فمن البديهيات لانعقاد سيرة العقلاء و المتشرعة عليه، و للكتاب العزيز الصريح في ذلك في موارد

ص: 267

متعددة، كقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (1) ، فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ (2).

و الروايات في ذلك كثيرة، كرواية أبي كهمس: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عبد اللّه بن أبي يعفور يقرئك السلام قال: و عليك و عليه السلام، إذا أتيت عبد اللّه فاقرئه السلام و قل له: ان جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به علي عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فالزمه، فان عليّا عليه السّلام انما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بصدق الحديث و اداء الأمانة»(3) و غيره.

2 - من أحكام الوديعة
اشارة

يعتبر في تحقق الوديعة الايجاب من المودع و القبول من الودعي بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و يجب ردّ الوديعة إلي صاحبها عند المطالبة بها و لو لم يكن مؤمنا ما دام ليس غاصبا.

و من طلب من الغير ان يكون ماله وديعة لديه و لم يقبل الغير ذلك و لم يتسلمه و مع ذلك تركه المالك عنده فلا يضمنه لو تلف أو تعيّب.

و عقد الوديعة جائز من الطرفين و ان كان مؤجلا بأجل محدّد الا مع اشتراط عدم فسخه إلي ذلك الأجل و لو ضمن عقد الوديعة نفسه، فانه يلزم الوفاء آنذاك، و لكن مع الفسخ ينفسخ و يكون الفاسخ بذلك آثما.

ص: 268


1- النساء: 58.
2- البقرة: 283.
3- وسائل الشيعة 218:13 الباب 1 من أحكام الوديعة الحديث 1.

و لو فسخ الودعي لزمه ايصال المال إلي صاحبه فورا، و إذا لم يفعل ذلك من دون عذر شرعي و تلف يكون ضامنا.

و يجب علي الودعي الحفاظ علي الوديعة بما هو المتعارف في الحفظ لأمثالها، و إذا لم يفعل ذلك يكون مفرّطا.

و الودعي لا يضمن تلف الوديعة و تعيّبها الا مع التعدي أو التفريط.

و لا يحق للودعي التصرف في الوديعة.

و من أحسّ بامارات الموت يلزمه ايصال الوديعة إلي صاحبها أو وكيله، و إذا لم يمكنه ذلك يلزمه الايصاء بها و العمل بما يضمن به وصولها إلي صاحبها بعده.

و الامانة علي قسمين: مالكية و شرعية، و الحكم في كليهما واحد.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوديعة لا تتحقق الا بالايجاب و القبول

فهو مقتضي كونها عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فلإطلاق دليل شرعيتها بعد صدق عنوانها.

2 - و اما وجوب ردّ الوديعة الي صاحبها عند مطالبته بها و لو لم

يكن مؤمنا

فلإطلاق قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (1).

و في الحديث عن الامام الصادق عليه السّلام: «ادّوا الامانة و لو إلي قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام»(2).

ص: 269


1- النساء: 58.
2- وسائل الشيعة 224:13 الباب 2 من أحكام الوديعة الحديث 12.
3 - و اما التقييد بعدم كون صاحب الوديعة غاصبا

فلان الواجب هو ردّ الامانة إلي أهلها، و ذلك لا يتحقق بالدفع إلي الغاصب بل فعل ذلك موجب للضمان لأنه تعدّ علي الامانة.

و اما عدم ضمان من ترك عنده شيء و قد تلف أو تعيب من دون قبوله لذلك و لا تسلمه إيّاه فلعدم صدق عنوان الوديعة - الموقوف علي تحقق القبول - كي يجب التحفّظ عليه بعد وضوح ان أموال الغير لا يجب التحفظ عليها ابتداء.

4 - و اما ان عقد الوديعة جائز

فذلك واضح بلحاظ المودع لأنه من ناحيته لا يعدو الاذن في حفظ ماله، و للآذن حق التراجع عن اذنه متي شاء.

و اما بلحاظ الودعي فلا وجه لجواز تراجعه قبل انتهاء الاجل - ما دام العقد قد حدّد به - سوي التسالم علي ذلك.

قال صاحب الجواهر: «و هو - التسالم - الحجّة في تخصيص الآية و غيرها من أدلّة اللزوم»(1).

5 - و اما عدم جواز الفسخ ما دام قد اشترط عدم الفسخ

فلعموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(2).

و دعوي ان الوديعة عقد جائز فيكون الشرط المذكور فيها جائزا أيضا مدفوعة بان عموم وجوب الوفاء بالشروط لا يختص بالشرط المذكور في العقد اللازم.

و اما تحقق الفسخ مع مخالفة الشرط فلان العموم السابق ليس

ص: 270


1- جواهر الكلام 106:27.
2- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

بناظر الي الأثر الوضعي بل التكليفي فقط.

6 - و اما ان الودعي يلزمه ايصال الوديعة إلي صاحبها لو فسخ

فلوجوب ردّ الامانات إلي أهلها كما دلّ عليه قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (1).

و اما الضمان لو فسخ الودعي و لم يوصل الوديعة إلي صاحبها و تلفت أو تعيبت فلان ذلك من التفريط في أمر الوديعة.

7 - و اما وجوب التحفظ علي الوديعة بما هو المتعارف في أمثالها

فلاستبطان قبول الودعي الوديعة تعهّده بذلك.

علي ان ردّ الامانة إلي أهلها واجب، و التحفظ المذكور مقدّمة له فيكون واجبا.

8 - و اما عدم ضمان الودعي التلف و التعيب لو حصل من دون

تعدّ أو تفريط

فللحديث الصحيح عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته و لا تأتمن الخائن و قد جربته»(2).

علي ان بالامكان ان يقال: ان التعاقد علي الاستيداع يستبطن عرفا التعاقد علي ذلك أيضا.

9 - و اما عدم جواز التصرف في الوديعة

فلان ذلك مقتضي عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه، بل لا معني للأذن في التصرّف و الا كان المورد عارية لا وديعة.

10 - و اما ان من أحسّ بامارات الموت يلزمه ما ذكر

فلان ذلك مقتضي التحفظ الواجب في أمر الامانة، و من دونه يصدق التفريط.

ص: 271


1- النساء: 58.
2- وسائل الشيعة 229:13 الباب 4 من أحكام الوديعة الحديث 10.
11 - و اما انقسام الامانة إلي مالكية و شرعية

فواضح إذ المودع تارة هو المالك فتكون الامانة مالكية، و اخري هو الشارع فتكون شرعية، كما في باب اللقطة، حيث اذن الشارع بالالتقاط و التحفظ علي المال كأمانة.

و اما وحدة حكم القسمين فلانه بعد صدق عنوان الامانة في كليهما ينبغي تطبيق جميع أحكامه عليهما.

ص: 272

كتاب العارية

اشارة

1 - حقيقة العارية

2 - من أحكام العارية

ص: 273

ص: 274

1 - حقيقة العارية
اشارة

العارية عقد يتضمن تسليط شخص غيره علي عين للانتفاع بها مجانا.

و هي مشروعة بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان العارية عقد

فينبغي عدّه من الواضحات، فان جواز الانتفاع بملك الغير يتحقق تارة من خلال اذن الشخص بالتصرف في ملكه، و هو بهذا اللحاظ ايقاع لا يتوقف علي قبول الطرف الثاني، و اخري من خلال العارية، و هو بهذا اللحاظ عقد يتوقف علي القبول.

2 - و اما ان عقد العارية يتضمن التسليط المجاني علي الانتفاع

فمما لا كلام فيه. و يقتضيه فهم العرف منها ذلك.

و فرق العارية عن الاجارة ان الثانية تمليك للمنفعة بعوض و الاولي تمليك للانتفاع مجانا.

3 - و اما شرعية العارية

فمن واضحات الفقه، و تدل علي ذلك سيرة العقلاء و المتشرعة و الروايات الكثيرة، كصحيح أبي بصير عن

ص: 275

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي صفوان بن امية فاستعار منه سبعين درعا باطراقها (باطرافها) فقال: أ غصبا يا محمّد؟ فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: بل عارية مضمونة»(1) و غيره.

2 - من أحكام العارية
اشارة

لا تتحقق الاعارة الا بايجاب من المعير و قبول من المستعير بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و لا يلزم في المعير ان يكون مالكا للعين بل تكفي ملكيته للمنفعة باجارة و نحوها فيما إذا لم يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه.

و يعتبر في العين المعارة امكان الانتفاع بها مع بقاء عينها، اما إذا لم يمكن ذلك فلا تصح الاعارة، كما هو الحال في مثل الخبز و الدهن.

و يلزم المستعير ان لا يستفيد من العين المعارة الا في حدود ما جرت عليه العادة، فان تجاوز ضمن. و إذا نقصت بسبب الاستعمال المأذون فيه فلا ضمان.

و العين المعارة لا يضمنها المستعير ما دام لم يتحقق منه التعدي أو التفريط الا اذا اشترط عليه الضمان أو فرضت العين من الذهب أو الفضة.

و العارية جائزة من الطرفين و ان كانت مؤجلة الا مع اشتراط عدم فسخها إلي أجل معين فيجب الوفاء الا انه لو خولف الشرط تحقق الفسخ و ان كان الفاسخ آثما بذلك.

ص: 276


1- وسائل الشيعة 236:13 الباب 1 من أحكام العارية الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما توقف تحقق العارية علي الايجاب و القبول

فهو مقتضي كونها عقدا.

و اما انها تتحقق بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فللتمسك باطلاق دليل شرعيتها بعد فرض صدق عنوانها.

2 - و اما انه لا يلزم في المعير ان يكون مالكا للعين بل يكفي كونه

مالكا للمنفعة

فباعتبار ان التسليط علي الانتفاع لا يتوقف علي ملكية العين بل تكفي فيه ملكية المنفعة ما دام لم يشترط استيفاؤها بالمباشرة.

3 - و اما اعتبار بقاء العين المعارة عند الانتفاع بها

فلانه بدون ذلك لا يمكن تمليك الانتفاع.

4 - و اما عدم جواز الاستفادة من العين المعارة الا في حدود ما

جرت عليه العادة

فلانصراف الاذن في الانتفاع بالعين - الذي تتضمنه الاعارة - إلي الانتفاعات المتعارفة فيها.

5 - و اما عدم ضمان النقصان الطارئ علي العين بسبب

استعمالها

فلان ذلك من لوازم الاذن في الانتفاع بها مجانا.

6 - و اما عدم ضمان المستعير للعين المعارة ما دام لم يحصل

منه تعدّ أو تفريط الا مع اشتراط الضمان

فهو مقتضي قاعدة عدم ضمان الامين. مضافا إلي الروايات الخاصة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه الا ان يكون

ص: 277

اشترط عليه»(1).

7 - و اما ضمان عارية الذهب و الفضة

فلموثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه أو أبي إبراهيم عليهما السّلام: «العارية ليس علي مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فانهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا»(2).

ان قلت: لا بدّ من تقييد الذهب و الفضة بخصوص الدنانير و الدراهم لصحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تضمن العارية الا ان يكون قد اشترط فيها ضمان الا الدنانير فانها مضمونة و ان لم يشترط فيها ضمانا(3)»(4) ، و صحيحة عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس علي صاحب العارية ضمان الا ان يشترط صاحبها الا الدراهم فانها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط»(5).

قلت: ان التقييد المذكور ليس عرفيا لان لازمه الحمل علي الفرد النادر، إذ شرط صحة العارية علي ما تقدم امكان الانتفاع بالعين مع بقائها، و هذا لا يتحقق عادة في الدنانير و الدراهم و ان كان يتحقق نادرا كما في اعارتها للتزيّن بها او لرهنها كما ذكر صاحب الجواهر.

و عليه فتكون النتيجة ان العارية ليس فيها ضمان الا مع الاشتراط أو كونها من قبيل الذهب و الفضة.

ص: 278


1- وسائل الشيعة 236:13 الباب 1 من أحكام العارية الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 240:13 الباب 3 من أحكام العارية الحديث 4.
3- المناسب: ضمان بالرفع كما في تهذيب الاحكام 183:7 و الاستبصار 126:3.
4- وسائل الشيعة 239:13 الباب 3 من أحكام العارية الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 240:13 الباب 3 من أحكام العارية الحديث 3.
8 - و اما ان العارية جائزة من الطرفين بالرغم من كون المناسب

لزومها - طبقا لأصالة اللزوم

- فللتسالم علي ذلك. و هو جيد، فان العارية في روحها ترجع إلي الاذن في التصرف، و للآذن التراجع عن اذنه متي أحب.

و اما انه مع اشتراط عدم الفسخ لا يجوز فسخها تكليفا و ان ترتّب الاثر وضعا فلما تقدم عند البحث عن الوديعة.

ص: 279

ص: 280

كتاب السّبق و الرّماية

اشارة

1 - حقيقة السبق و الرماية

2 - من أحكام السبق و الرماية.

ص: 281

ص: 282

1 - حقيقة السبق و الرماية
اشارة

السبق - بسكون الباء - معاملة تتضمن اجراء الخيل و ما شابهها في حلبة السباق لمعرفة الاجود منها.

و الرماية معاملة تتضمن رمي السهام نحو الهدف للتعرف علي الحاذق من المترامين.

و هما مشروعان دون خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان السبق و الرماية عقدان

فباعتبار انهما لا يتحققان إلاّ بعد اتفاق شخصين أو أكثر عليهما، و لا يكفي الايجاب من طرف واحد لتحققهما.

أجل بناء علي كونهما جعالة - كما هو المنسوب للشيخ و العلاّمة(1) - فهما ايقاع و لا حاجة في تحققهما إلي القبول بل يكفي

ص: 283


1- جواهر الكلام 223:28.

البذل، كما يكفي في مثل: من ردّ عليّ سيارتي المسروقة فله كذا.

الا ان ذلك جيد لو كان البذل من شخص ثالث أجنبي، و اما إذا كان منهما باتفاق بينهما فكونهما جعالة بعيد.

2 - و اما ان العقدين المذكورين يتضمنان ما ذكر

فأمر متسالم عليه.

3 - و اما شرعية المعاملتين المذكورتين

فيمكن استفادتها من عموم قوله تعالي: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (1) ، فان الغرض من السبق و الرماية تدريب المسلمين علي الفنون العسكرية و تهيئتهم لمواجهة الكفار في ساحة القتال، و ذلك مصداق واضح لإعداد القوة المأمور بها في الآية الكريمة.

و قد يقال بامكان استفادة ذلك من قوله تعالي: إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا (2) و لكنّه قابل للتأمّل كما هو واضح.

و اما الروايات في هذا المجال فكثيرة، كموثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أجري الخيل و جعل سبقها(3) أواقي من فضة»(4) ، و صحيحة حفص بن البحتري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كان يحضر الرمي و الرهان(5).

ص: 284


1- الأنفال: 60.
2- يوسف: 17.
3- السبق بفتح السين و الباء: العوض المجعول للسابق. و يقال له: الخطر - بفتح الحاء و الطاء - أيضا. و السبق بفتح السين و سكون الباء: مصدر بمعني المعاملة المتقدمة. و الأواقي: جمع أوقية.
4- وسائل الشيعة 345:13 الباب 1 من أحكام السبق و الرماية الحديث 10.
5- وسائل الشيعة 348:13 الباب 2 من أحكام السبق و الرماية الحديث 4.
2 - من أحكام السبق و الرماية
اشارة

يعتبر في تحقق السبق و الرماية الايجاب و القبول بكل ما يدل عليهما.

و يصح اجراء هاتين المعاملتين علي وسائل القتال الحديثة و لا يختص بما إذا كان علي السيف و السهام و الخيل و الابل و ما شاكل ذلك.

و لا يلزم في صحة المسابقة وجود المحلّل، و هو شخص يدخل في المسابقة من دون ان يبذل عوضا و انما يجري فرسه مع المتراهنين علي انه ان سبق كان له العوض و ان لم يسبق لم يخسر شيئا(1).

و يجوز في العوض المقرر للسابق - السبق - ان يكون من أحد الطرفين أو من شخص ثالث أجنبي أو من بيت المال.

و العبرة في تحقق السبق علي الصدق العرفي الا اذا تمّ الاتفاق علي غيره.

و العقد في السبق و الرماية لازم لا يجوز فسخه الا مع اشتراط الخيار.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقق السبق و الرماية

فلان ذلك مقتضي كونهما عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل المشروعية.

2 - و اما ان صحة هاتين المعاملتين لا تنحصر بالوسائل القديمة

فباعتبار ان النصوص و ان اقتصرت عليها، كما في صحيحة حفص عن

ص: 285


1- و انما سمي بالمحلل لان القائل باشتراط وجوده في صحة المسابقة يري ان وجوده محلل لها و عدمه محرّم لها.

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل»(1) الا ان تخصيصها بالذكر هو من جهة كونها الوسائل الحربية المتداولة تلك الفترة و لا ينبغي فهم الخصوصية لها. كيف و هل يحتمل انتهاء فترة تشريع المسابقة و الرماية و عدم امتداده لمثل زماننا أو هل يحتمل ان التشريع ممتدّ مع لزوم الاقتصار علي الوسائل القديمة؟! كلا، لا يحتمل هذا و لا ذاك. و بطلان الاحتمالين يساوق الحكم بعموم النتيجة(2).

3 - و اما المحلّل فقد قيل باشتراط وجوده في حلية العقد.

و نسب ذلك إلي ابن الجنيد استنادا منه الي خبر لا يوجد في كتبنا(3).

و المناسب عدم اعتبار وجوده في صحّة العقد تمسّكا باطلاق دليل المشروعية.

4 - و اما جواز ان يكون السبق من أجنبي أو بيت المال أو

المتراهنين

فلإطلاق دليل المشروعية.

5 - و اما ان العبرة في تحقق السبق علي الصدق العرفي

فلكونه

ص: 286


1- وسائل الشيعة 348:13 الباب 3 من أحكام السبق و الرماية الحديث 1. قيل: بان الخف إشارة إلي الابل و الفيلة، و النصل إشارة إلي السهم و السيف و الحربة، و الحافر إشارة إلي الفرس و البغل و الحمار.
2- و لعل المورد المذكور يمكن عدّه مصداقا من مصاديق تأثير عنصر الزمان في عملية الاجتهاد الذي قد يفهم من بعض كلمات المحقق الأردبيلي في مبحث الصلاة من كتابه مجمع الفائدة و البرهان 436:3 - حيث قال: «و لا يمكن القول بكلية شيء بل تختلف الاحكام باعتبار الخصوصيات و الاحوال و الازمان و الامكنة و الاشخاص، و هو ظاهر. و باستخراج هذه الاختلافات و الانطباق علي الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف امتياز اهل العلم و الفقهاء شكر اللّه سعيهم و رفع درجاتهم» - و اكّده بعض الاعلام من المتأخرين في صحيفة النور 98:21.
3- جواهر الكلام 226:28.

المقصود للمتعاقدين حينما تعاقدا علي ثبوت العوض للسابق.

6 - و اما ان السبق و الرماية عقدان لازمان

فلكون ذلك مقتضي اصالة اللزوم في مطلق العقود.

أجل بناء علي كونهما من مصاديق الجعالة دون العقد ينبغي الحكم بجوازهما لكون الجعالة من المعاملات الجائزة كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

ص: 287

ص: 288

كتاب النّكاح

اشارة

1 - النكاح و بعض أحكامه

2 - ولاية الأبوين

3 - أحكام النظر

4 - من يحرم العقد عليها

5 - الزواج المؤقت

6 - أحكام النفقة

7 - أحكام القسمة

ص: 289

ص: 290

1 - النكاح و بعض أحكامه
اشارة

النكاح عقد يتضمن إنشاء علقة الزوجية الخاصة. و هو دائم و منقطع و ملك يمين.

و يتحقق الدائم بقول الزوجة للزوج: زوجتك نفسي علي كذا و قول الزوج بعد ذلك: قبلت الزواج علي كذا.

و المنقطع بقولها: متعتك نفسي علي كذا و لمدة كذا و قول الزوج بعد ذلك:

قبلت التمتع علي كذا و لمدّة كذا.

و يلزم في الايجاب و القبول ان يكونا لفظيين.

كما يلزم في الايجاب ان يكون بلفظ الزواج أو النكاح.

و في تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع اشكال.

و المشهور اعتبار العربية و الماضوية في اجراء العقد.

و لا يلزم في الايجاب تقدمه علي القبول بل يجوز ان يكون الايجاب من الزوج و القبول من الزوجة و ان كان الاحتياط أمرا لا ينبغي الحياد عنه.

و ليس من اللازم علي الزوجين مباشرة العقد بأنفسهما بل يجوز لهما

ص: 291

التوكيل في ذلك.

و لا مانع من كون الوكيل واحدا عن الطرفين، بل يجوز ان يكون الزوج وكيلا عن الزوجة فيجري الايجاب بالوكالة و القبول بالاصالة، كما يجوز ان تكون هي وكيلة عنه فتوجب بالاصالة و تقبل بالوكالة.

و إذا لم يباشر الزوجان العقد و أوكلاه إلي الغير فلا يجوز لهما الاستمتاع الجنسي بما في ذلك النظر الا بعد الاطمئنان باجراء الوكيل للعقد.

و لا يعتبر في صحة النكاح عندنا الاشهاد.

و يلزم في صحة نكاح البكر مضافا إلي موافقتها موافقة وليها، و هو أبوها أو جدها لأبيها. و اما الثيب فتكفي موافقتها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان النكاح هو العقد المذكور و ليس الوط ء

فهو المشهور.

و يشهد له الكتاب العزيز، فانه لم يعهد فيه استعمال لفظ النكاح في الوط ء.

و اما انقسامه الي الاقسام الثلاثة فهو من ضروريات المذهب بل الدين. و يأتي بيان الدليل علي شرعية النكاح المنقطع فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

2 - و اما تحقق العقد الدائم و المنقطع بالصيغة المتقدمة

فهو محل وفاق بل هو القدر المتيقن من الصيغة الصحيحة التي يقع بها العقد.

3 - و اما اعتبار الايجاب و القبول اللفظيين و عدم الاكتفاء

بالتراضي

فقد ادعي في الحدائق اجماع العامة و الخاصة عليه(1).

ص: 292


1- الحدائق الناضرة 18:23.

و قد يستدل علي ذلك بانه:

أ - لو لا ذلك لم يبق فارق بين النكاح و السفاح.

و التأمل فيه واضح، فان الفارق ثابت بقطع النظر عن ذلك، و هو انه في النكاح يوجد اعتبار للزوجية بخلافه في السفاح.

ب - و بما ورد في تعليم صيغة النكاح المنقطع، فقد روي ابان بن تغلب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول:

أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما، و تسمي من الاجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فاذا قالت: نعم فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولي الناس بها»(1) و غيرها.

و هي و ان كانت واردة في النكاح المنقطع الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

و دلالتها واضحة، فانها ظاهرة في ارتكاز المفروغية من اعتبار الصيغة في ذهن ابان و السؤال وقع بلحاظ بعض الخصوصيات.

علي ان قوله عليه السّلام في الذيل: «فاذا قالت: نعم فقد رضيت و هي امرأتك» يدل بالمفهوم علي عدم تحقق الزوجية من دون قول الزوجة نعم بعد قول الزوج لها أتزوجك متعة...

هذان وجهان لاعتبار الصيغة.

و لعل الأجدر الاستدلال علي ذلك بارتكاز اعتبار الصيغة في تحقق النكاح في اذهان جميع المتشرعة الصغير منهم و الكبير و الرجل1.

ص: 293


1- وسائل الشيعة 466:18 الباب 14 من أبواب المتعة الحديث 1.

و المرأة و العالم و الجاهل، و لا منشأ لذلك سوي الوصول من المعصوم عليه السّلام يدا بيد.

4 - و اما تحقق عقد النكاح بلفظ الزواج و النكاح

فمما لا إشكال فيه.

و يدل علي انعقاده بلفظ الزواج قوله تعالي: فَلَمّا قَضي زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (1) و حديث ابان المتقدم و غيره.

و علي انعقاده بلفظ النكاح قوله تعالي: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ (2) و غيره من الاستعمالات القرآنية المعبرة بلفظ النكاح.

5 - و اما الاشكال في تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع

فباعتبار انه لم يرد في شيء من النصوص الشرعية التعبير عن الدائم بلفظ التمتع ليحكم بصحة الانشاء به، و من الواضح انه لا تصح الاستعانة بكل لفظ بل لا بدّ من الاقتصار علي ما تداول التعبير به شرعا أو عرفا.

و اذا قيل: يمكن التمسك بالنصوص الدالة علي انقلاب العقد المنقطع دائما اذا لم يذكر الاجل نسيانا.

قلنا: لو كان لدينا نص بالمضمون المذكور بحيث يكون ناظرا إلي حالة النسيان لأمكن التمسك به و يثبت المطلوب و لكن ليس لدينا نص كذلك بل الوارد في مثل موثقة عبد اللّه بن بكير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان سمي الاجل فهو متعة و ان لم يسم الاجل فهو نكاح بات»(3) ، و القدر المتيقن من ذلك هو ان الصيغة اذا كان يمكن ان يقع بها العقد دائما

ص: 294


1- الاحزاب: 37.
2- النساء: 22.
3- وسائل الشيعة 469:14 الباب 20 من ابواب المتعة الحديث 1.

و منقطعا - كصيغة زوجت و انكحت - فبذكر الاجل يقع العقد مؤقتا و بعدمه يقع دائما و لا يمكن ان يستفاد منه ان العقد ينقلب دائما مهما كانت الصيغة و لو مثل متعت، فانه ليس في مقام البيان من هذه الناحية و الا يلزم صحة التمسك به لإثبات تحقق عقد النكاح بأي صيغة كانت حتي مثل صيغة اتخذتك بعلا او فراشا او لباسا.

6 - و اما اعتبار العربية في صيغة العقد

فقد يستدل له:

تارة بعدم صدق العقد إذا لم يكن بالعربية.

و اخري بان القدر المتيقن من العقد الصحيح هو العقد بالعربية، و تحققه بغيرها يحتاج إلي دليل، و هو مفقود، و الاصل يقتضي عدم ترتب الأثر.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فواضح.

و اما الثاني فلعدم احتمال منع الشارع من الزواج إذا لم يتمكن الزوجان من النطق بالعربية.

هذا مضافا إلي ان المستفاد من قوله تعالي: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ... (1) مطلوبية عنوان النكاح من دون قيد زائد، و حيث ان العقد بغير العربية يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا و ممضيا.

ثم ان التفصيل بين امكان توكيلهما شخصا يعقد بالعربية فلا يجوز لهما العقد بغير العربية و بين عدم الامكان فيجوز لهما ذلك، بعيد لعدم امكان تتميمه بالدليل.

ص: 295


1- النور: 32.

أجل الاحتياط بالاقتصار علي حالة عدم امكان التوكيل أمر مناسب بل لازم.

7 - و اما اعتبار الماضوية

فقد يستدل له:

تارة بكون العقد بالماضي هو القدر المتيقن من العقد الصحيح، و غيره مشكوك فتجري بلحاظه اصالة عدم ترتب الاثر.

و اخري بأن الماضي صريح في الانشاء بخلاف غيره.

و ثالثة بان تجويز غير الماضي يؤدي إلي انتشار الصيغة و عدم وقوفها عند حدّ معين.

و الجواب:

امّا عن الاخير فبان انتشار الصيغة و عدم وقوفها عند حدّ لا يشكّل محذورا.

و اما عن الاولين فبما تقدم من ان المستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية كل ما يصدق عليه عنوان النكاح من دون قيد زائد، و حيث ان الانشاء بغير الماضي يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا.

هذا مضافا إلي ما تقدم في روايات النكاح المنقطع من انه يقول:

أتزوجك...

8 - و اما عدم اعتبار تقدم الايجاب

فلصدق عنوان النكاح بدون ذلك، و المستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية عنوان النكاح لا أكثر.

بل جواز ذلك يستفاد بوضوح من روايات المتعة التي تقدمت الاشارة إلي بعضها.

و من خلال هذا يتضح الوجه في جواز كون الايجاب من الزوج و القبول من الزوجة.

ص: 296

9 - و اما الاكتفاء بالتوكيل

فلإطلاق دليل مشروعية الوكالة - الذي تقدمت الاشارة إليه عند البحث عن الوكالة - و الروايات الخاصة، كصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل يريد ان يزوّج اخته... فان قالت: زوّجني فلانا زوّجها ممن ترضي»(1) و غيرها.

و علي هذا يكفي ان يقول وكيل الزوجة لوكيل الزوج: زوجت موكلتي فلانة موكلك فلانا علي مهر كذا، ثم يقول وكيل الزوج: قبلت الزواج عن موكلي علي المهر المذكور.

و إذا كانت الزوجة قد وكلت فقط كفي ان يقول وكيلها للزوج:

زوجتك موكلتي علي مهر كذا ثم يقول الزوج: قبلت الزواج علي المهر المذكور.

و إذا كان الزوج قد وكّل فقط كفي ان تقول الزوجة لوكيل الزوج:

زوجت نفسي موكلك علي مهر كذا، ثم يقول وكيل الزوج: قبلت الزواج عن موكلي علي المهر المذكور.

10 - و اما جواز تولي شخص واحد طرفي العقد

فلعدم المانع منه بعد شمول اطلاق ادلة مشروعية الوكالة له.

و اتحاد الموجب و القابل لا محذور فيه بعد كفاية المغايرة الاعتبارية.

و منه يتضح الوجه في جواز تولي الزوج أو الزوجة كلا طرفي العقد.

ص: 297


1- وسائل الشيعة 211:14 الباب 7 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ان قلت: ان موثقة عمار الساباطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «امرأة تكون في أهل بيت فتكره ان يعلم بها اهل بيتها أ يحل لها ان توكّل رجلا يريد ان يتزوجها تقول له: قد وكلتك فاشهد علي تزويجي؟ قال: لا. قلت له: جعلت فداك و ان كانت ايّما قال: و ان كانت ايّما. قلت: فان وكّلت غيره بتزويجها منه، قال: نعم»(1) تدل علي عدم جواز تولي الزوج كلا طرفي العقد.

قلت: هي أجنبية عن ذلك، فانها ناظرة إلي ان الزوج إذا كان وكيلا فلا يصلح ان يكون شاهدا بل الشاهد لا بدّ من كونه مغايرا للوكيل في التزويج.

11 - و اما عدم جواز الاستمتاع للزوجين إلاّ بعد التأكّد من اجراء

الوكيل للعقد

فلاستصحاب عدم تحققه.

12 - و اما عدم اعتبار الاشهاد في النكاح

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي اعتباره فيتمسك آنذاك باطلاق ادلة صحة النكاح. علي انه قد قام الدليل علي عدم اعتبار ذلك حتي اصبح ذلك من معالم مذهبنا.

و في الحديث ان الامام الكاظم عليه السّلام قال لأبي يوسف القاضي: «ان اللّه امر في كتابه بالطلاق و أكّد فيه بشاهدين و لم يرض بهما الا عدلين و أمر في كتابه بالتزويج فاهمله بلا شهود فاثبتم شاهدين فيما اهمل و أبطلتم الشاهدين فيما اكّد»(2).

13 - و اما توقف صحة نكاح البكر علي موافقتها و موافقة وليّها

بخلاف الثيب

فيأتي بيان الوجه فيه إن شاء اللّه تعالي في البحث التالي.

ص: 298


1- وسائل الشيعة 217:14 الباب 10 من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 68:14 الباب 43 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
2 - ولاية الابوين
اشارة

للأب و الجد للأب الولاية علي الصغيرين في تزويجهما، و علي المجنون البالغ المتصل جنونه ببلوغه. بل قيل بثبوتها عليه في حالة الانفصال أيضا.

و في ثبوت الولاية لهما علي البكر البالغة خلاف، بخلاف الثيب فانه لا خلاف في استقلالها في أمرها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الولاية للأب و الجد

فلم ينسب فيه خلاف لأحد - سوي ابن أبي عقيل حيث نسب له انكار الولاية للجد(1) - للروايات الكثيرة، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم. قلت:

فهل يجوز طلاق الاب؟ قال: لا»(2) و غيرها.

و لعل انكار ابن ابي عقيل ولاية الجد ناشئ من اقتصار الرواية المذكورة و غيرها علي خصوص الاب.

و لكنه يندفع بكون الجد مصداقا للأب، و بالروايات الاخري الدالة علي ان الجد و الاب لو تزاحما في اعمال الولاية قدّم الجد، كصحيحة محمد بن مسلم الاخري عن أحدهما عليهما السّلام: «اذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز علي ابنه، و لابنه أيضا ان يزوجها. فقلت: فان هوي ابوها رجلا

ص: 299


1- جواهر الكلام 171:29.
2- وسائل الشيعة 220:14 الباب 12 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

وجدها رجلا فقال: الجد أولي بنكاحها»(1) و غيرها.

2 - و اما اختصاص الولاية بالجد للأب دون ما لو كان للأمّ

فتدل عليه - مضافا إلي كفاية القصور في المقتضي - صحيحة ابن مسلم المتقدمة، فانها ظاهرة في اختصاص الولاية بالجد للأب.

3 - و اما ولاية الاب و الجد علي المجنون

فلصحيحة أبي خالد القماط: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال: و لم لا يطلق هو؟ قلت: لا يؤمن إن طلّق هو ان يقول غدا:

لم أطلق أو لا يحسن ان يطلّق قال: ما أري وليّه الا بمنزلة السلطان»(2) و غيرها، فان القدر المتيقن في المراد من الولي هو الاب و الجد. و إذا ثبت كونه بمنزلة السلطان في الطلاق ثبت كونه كذلك في النكاح بالاولوية.

و بقطع النظر عن الصحيحة المذكورة يمكن التمسك باستصحاب الولاية الثابتة قبل البلوغ بناء علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة استصحاب بقاء المجعول باستصحاب عدم الجعل الزائد.

4 - و اما القول بعموم الولاية لحالة الجنون الطارئ بعد البلوغ

الذي ذهب إليه بعض الفقهاء

فيمكن الاستدلال له باطلاق الصحيحة السابقة و ما هو بمضمونها.

5 - و اما ولاية الابوين في زواج البكر
اشارة

فقد وقعت محلا للاختلاف، فقيل باستقلالهما في ذلك، و قيل باستقلالها، و قيل بالتشريك.

و منشأ ذلك اختلاف الروايات، فانها علي طوائف نذكر من بينها:
اشارة

ص: 300


1- وسائل الشيعة 217:14 الباب 11 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 329:15 الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
1 - ما دلّ علي استقلال الاب.

و هو روايات متعددة تبلغ ستا أو اكثر و فيها الصحاح، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء أ لها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب»(1) و غيرها.

2 - ما دلّ علي اعتبار اذن الاب من دون دلالة علي الاستقلالية،

و هو روايات متعددة تبلغ ستا أو أكثر و فيها الصحاح أيضا، كصحيحة ابن ابي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تنكح ذوات الآباء من الابكار الا باذن آبائهن»(2) و غيرها.

3 - ما دلّ علي اعتبار اذن البكر و عدم استقلال الاب

، و هو روايتان:

احداهما: صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تستأمر البكر و غيرها و لا تنكح الا بامرها»(3).

ثانيتهما: صحيحة صفوان: «استشار عبد الرحمن موسي بن جعفر عليه السّلام في تزويج ابنته لابن أخيه فقال: افعل و يكون ذلك برضاها، فان لها في نفسها نصيبا. قال: و استشار خالد بن داود موسي بن جعفر عليه السّلام في تزويج ابنته علي بن جعفر فقال: افعل و يكون ذلك برضاها فان لها في نفسها حظّا»(4).

4 - ما دلّ علي استقلال البكر في امرها.

و لا توجد رواية صريحة

ص: 301


1- وسائل الشيعة 203:14 الباب 3 من أبواب عقد النكاح الحديث 11.
2- وسائل الشيعة 208:14 الباب 6 من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 214:14 الباب 9 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 214:14 الباب 9 من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

تدل علي ذلك سوي رواية سعدان بن مسلم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير اذن أبيها»(1).

و لا بدّ من اسقاط هذه الرواية من الحساب لان الروايات الدالة علي اعتبار اذن الاب استقلالا أو في الجملة هي الجملة هي اثنتا عشرة رواية بل أكثر، و لكثرتها تشكّل عنوان السنة القطعية، و يلزم طرح المخالف للسنة القطعية لان المخالف للكتاب العزيز انما وجب طرحه من جهة انه - الكتاب العزيز - يمثّل حكما قطعيا و ليس لخصوصية فيه، و المخالف للسنة القطعية حيث انه مخالف للحكم القطعي فيلزم طرحه أيضا.

هذا مضافا إلي ان الرواية ضعيفة السند في نفسها لا فقط لان سعدان لم تثبت وثاقته الا بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من ورد في كامل الزيارات أو تفسير القمي بل اضافة إلي ذلك هي مبتلاة بالاشكال من ناحية اخري، فان الشيخ رواها مرّة بسنده إلي محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن سعدان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام... و اخري رواها عن محمد بن أحمد بن يحيي عن العباس عن سعدان عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام...(2) ، و بما ان من البعيد سماع سعدان الرواية من الامام عليه السّلام مرتين فلا يمكن الجزم بعدم وجود واسطة مجهولة بين سعدان و الامام عليه السّلام فتسقط من الاعتبار.

و عليه فالأمر يبقي دائرا بين الطوائف الثلاث الأول.

و الجميع يشترك في الدلالة علي اعتبار اذن الاب في الجملة، و لا معارضة فيما بينها من هذه الناحية، و انما المعارضة بلحاظ الزائد،8.

ص: 302


1- وسائل الشيعة 214:14 الباب 9 من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 459:14 الباب 11 من أبواب المتعة الحديث 8.

و هو اعتبار موافقتها أيضا، و تتساقط بلحاظ هذا الزائد و يلزم الرجوع إلي الأصل. و النتيجة علي ذلك اعتبار موافقة الطرفين: الأب، و البنت.

اما الأب فلفرض دلالة الروايات علي اعتبار اذنه بلا معارضة.

و اما البنت فباعتبار اننا نشك في ترتب الاثر علي العقد من دون موافقتها، و الاصل يقتضي عدم ترتبه.

5 - و اما ان المعتبر اذن ابيها أو جدّها

فباعتبار ان الجد للأب أب حقيقة فيشمله ما دلّ علي اعتبار اذن الأب.

6 - و اما ان الثيب تستقل في امرها

فالنصوص و الفتاوي متفقة عليه. و قد تقدمت الاشارة إلي بعض تلك النصوص ضمن الحديث عن البكر.

3 - أحكام النظر
اشارة

لا يجوز للرجل النظر إلي بدن الاجنبية و لو من دون تلذذ. و استثني جمع من الفقهاء من ذلك الوجه و الكفين.

و في جواز نظر المرأة إلي الرجل خلاف.

و يجوز لكل من الرجل و المرأة النظر إلي بدن مماثله ما عدا العورة.

و يستثني من حرمة النظر إلي الاجنبية مقام المعالجة و حالة الضرورة كالإنقاذ من الغرق أو الحرق و نحوهما فانه يجوز النظر بل اللمس أيضا.

كما يستثني النظر إلي القواعد من النساء و الصبية غير البالغة.

و لا يلزم المرأة التحجب من الصبي غير البالغ و ان كان ذلك أفضل.

و يجوز لمن أراد التزوّج بامرأة النظر إلي وجهها و كفيها و شعرها

ص: 303

و محاسنها.

و في نظر المرأة إلي من تريد الزواج به قول بالجواز.

و يجوز النظر إلي غير المسلمة و كل امرأة لا تنتهي إذا نهيت بشرط عدم التلذذ.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة النظر إلي بدن الاجنبية في الجملة و لو لم يكن بتلذذ

فهو من واضحات الفقه. و يمكن استفادته من قوله تعالي: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلي جُيُوبِهِنَّ (1) ، و الروايات الآتية التي تستثني الوجه و الكفين من حرمة الابداء، و غير ذلك من الروايات الواردة في الموارد المتفرقة.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ... (2)، فان حرمة الابداء امام الغير تستلزم حرمة نظره عرفا. و المراد بالزينة ان كان مواضعها فالأمر واضح، و ان كان نفسها فحرمة ابدائها تستلزم حرمة ابداء موضعها بالاولوية العرفية.

و اما الاستدلال بقوله تعالي: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ... (1) فقابل للتأمّل لان غض البصر ليس بمعني تركه رأسا بل بمعني عدم الطمع في الشيء و جعله مغفولا عنه.

علي انه قد يقال: بان المراد غضّ البصر عن خصوص الفروج بقرينة السياق.

2 - و اما استثناء الوجه و الكفين لدي جمع من الفقهاء

فلعدّة وجوه

ص: 304


1- النور: 30.

نذكر منها:

أ - التمسك بصحيحة الفضيل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال اللّه: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ؟ قال: نعم، و ما دون الخمار من الزينة و ما دون السوارين»(1) ، فان الوجه لا يستره الخمار، و الكف فوق السوار لا دونه فتكون الصحيحة دالة علي جواز ابدائهما.

الا ان الاستدلال بها يحتاج إلي ضم مقدمة اخري، و هي ان جواز الابداء يستلزم جواز نظر الغير، و قد ترفض الملازمة المذكورة، و لذا يجوز للرجل عدم ستر بدنه من دون استلزام ذلك لجواز نظر المرأة اليه.

ب - التمسك برواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم(2).

و دلالتها علي جواز ابداء الوجه و الكفين في الجملة واضحة.

الا انه يرد عليها ما يرد علي الصحيحة السابقة. مضافا الي اشتمال سندها علي القاسم بن عروة الذي لم تثبت وثاقته.

ج - التمسك بقوله تعالي: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلي جُيُوبِهِنَّ ، فان تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل علي عدم وجوب ستر الوجه و الا كان اولي بالذكر من الجيب لان الخمار لا يستر الوجه عادة بل الجيب.

و دلالتها لا تتم الا بضم الملازمة السابقة.3.

ص: 305


1- وسائل الشيعة 145:14 الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 146:14 الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

د - التمسك بصحيحة ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها اما كسر و اما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء أ يصلح له النظر إليها؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها ان شاءت»(1) ، فانها تدل بوضوح علي ان بعض جسد المرأة يصلح النظر إليه، و حيث لا يحتمل انحصاره بغير الوجه و الكفين فيكونان القدر المتيقن للموضع الذي يجوز النظر إليه.

هذه وجوه أربعة لاستثناء الوجه و الكفين من حرمة النظر.

و قد اتضح ان الملازمة المتقدمة ان لم تتم فلا بدّ من التفصيل بين الابداء من قبل المرأة فيجوز و بين نظر الأجنبي فلا يجوز. أجل إذا تمت دلالة صحيحة الثمالي فيمكن ان يستفاد منها جواز النظر أيضا.

هذا و يمكن ان يقال: ان غاية ما يقتضيه انكار الملازمة فقدان الدليل علي جواز نظر الرجل الا ان هذا وحده لا يكفي للحكم بحرمته إذا لم يكن لدليل حرمة النظر إلي بدن الاجنبية اطلاق يشمل الوجه و الكفين لإمكان التمسك آنذاك بأصل البراءة.

و قد يتمسك لإثبات حرمة النظر بما يأتي من الروايات الدالة علي جواز النظر لمريد التزوج إلي وجه و كفي المرأة، فانه يدل علي عدم جواز النظر في غير حالة ارادة التزوج.

أو بصحيحة محمد بن الحسن الصفار: «كتبت إلي الفقيه عليه السّلام في1.

ص: 306


1- وسائل الشيعة 172:14 الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

رجل أراد ان يشهد علي امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له ان يشهد عليها و هي من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان انها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها أو لا يجوز له الشهادة عليها حتي تبرز و يثبتها بعينها؟ فوقع عليه السّلام: تتنقب و تظهر للشهود ان شاء اللّه»(1) ، فانها تدل علي عدم جواز النظر إلي وجه المرأة لو لا الحاجة إلي ذلك للشهادة و الا لم يكن حاجة للأمر بالتنقب.

و اما ما دل علي ان النظر سهم من سهام ابليس و انه زنا العين(2) فلا دلالة له علي التحريم كما هو واضح.

و من خلال هذا يتضح ان القائل بجواز النظر لا بدّ له اما من دعوي القصور في المقتضي لحرمة النظر أو دعوي الملازمة العرفية بين جواز الابداء و جواز النظر.

3 - و اما نظر المرأة إلي الرجل

فقد ادعي الاجماع علي مساواته لنظر الرجل في محل المنع و الجواز.

و فيه: ان الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام لم يتضح ثبوته، بل السيرة القطعية للمتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام علي خلاف ذلك، فالرجال يخرجون و رءوسهم و أعناقهم مكشوفة، و النساء يختلطن معهم في الازقة و الأسواق فلو كان نظر المرأة إلي ما تعارف للرجل كشفه حين خروجه من بيته محرّما لزم القول اما بوجوب تستر الرجال أو عدم جواز الاختلاط أو جواز الاختلاط و التحدث مع حرمة النظر. و الكل غير محتمل.

ص: 307


1- تهذيب الاحكام 255:6.
2- وسائل الشيعة 138:14 الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح.

و بهذا يثبت جواز نظر النساء إلي ما تعارف للرجال ابرازه.

و قد يستدل علي الجواز - مضافا إلي ما تقدم - بعدم وجود روايات يسأل فيها الاصحاب عن حكم نظر النساء إلي الرجال.

و السبب في ذلك يعود اما إلي وضوح الحرمة لديهم أو الشك في ذلك أو وضوح الجواز. و المتعين هو الاخير، لبطلان الاول لعدم احتمال أوضحية حرمة نظر النساء إلي الرجال من حرمة نظر الرجال إلي النساء، و الثاني لان المناسب له صدور السؤال من الأصحاب.

و في مقابل هذا قد يستدل علي الحرمة:

اما بقوله تعالي: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ... (1).

أو بما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي: «استأذن ابن أم مكتوم علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و عنده عائشة و حفصة فقال لهما: قوما فادخلا البيت فقالتا: انه أعمي فقال: ان لم يركما فانكما تريانه»(2).

أو بما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ان فاطمة قالت له في حديث: خير للنساء ان لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال فقال صلّي اللّه عليه و آله: فاطمة مني»(3).

أو بما رواه الطبرسي أيضا عن أم سلمة قالت: «كنت عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و عنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم و ذلك بعد ان أمر بالحجاب فقال: احتجبا فقلنا يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أ ليس أعمي لا يبصرنا؟ فقال:3.

ص: 308


1- النور: 31.
2- وسائل الشيعة 171:14 الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 172:14 الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

أ فعمياوان انتما أ لستما تبصرانه»(1).

و الكل كما تري.

اما الاول فلما تقدم من عدم مساوقة غضّ البصر لترك النظر رأسا.

و اما الثاني فلأنه علي تقدير تمامية دلالته علي التحريم هو ضعيف السند بالارسال لبعد عصر البرقي عن عصر النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و اما الاخيران فلضعفهما بالارسال علي تقدير تمامية دلالتهما.

4 - و اما جواز النظر إلي بدن المماثل ما عدا العورة

فهو من الضروريات، و تقتضيه سيرة المسلمين، و روايات باب الحمام الناهية عن دخول الحمام الا بمئزر(2).

بل لا حاجة إلي دليل علي الجواز بعد كونه مقتضي الاصل الذي خرج منه خصوص النظر الي العورة بالدليل الشرعي، كصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينظر الرجل إلي عورة أخيه»(3) و غيرها.

5 - و اما استثناء مقام المعالجة

فلصحيحة الثمالي المتقدمة.

و اما قاعدة نفي الضرر و قوله عليه السّلام: «و ليس شيء مما حرّم اللّه الا و قد أحلّه لمن اضطر إليه»(4) فيدلان علي جواز تكشف المرأة لدي الاجنبي و لا يدلان علي جواز نظر الطبيب، فانه ليس مضطرا و لا متضررا.

ص: 309


1- وسائل الشيعة 172:14 الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 367:1 الباب 9 من أبواب آداب الحمام.
3- وسائل الشيعة 363:1 الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 690:4 الباب 1 من أبواب القيام الحديث 7.

ان قلت: ان اثبات الجواز في حق المرأة دون الطبيب المعالج تلزم منه اللغوية.

قلت: انها تلزم لو كان الدليل علي جواز تكشف المرأة دليلا خاصا دون ما لو كان اطلاقا، كما هو المفروض في المقام، إذ لا يلزم الغاء الدليل رأسا بل الغاء اطلاقه، و هو لا محذور فيه.

6 - و اما استثناء حالة الضرورة

فلدخول المورد تحت باب التزاحم المقتضي لتقديم الأهم.

و منه يتضح ان الحكم بالجواز يعمّ كل حالة مزاحمة تكون مراعاتها أهم في نظر الشارع من مراعاة حرمة النظر أو اللمس.

7 - و اما استثناء النظر إلي القواعد من النساء

فلقوله تعالي:

وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ (1) .

8 - و اما جواز النظر إلي الصبية غير البالغة

فللقصور في المقتضي، فان حرمة النظر ان كانت مستفادة من الضرورة الفقهية فالقدر المتيقن منها النظر إلي البالغة. و ان كانت مستفادة من آية حرمة ابداء الزينة فهي خاصة بالبالغة أيضا. و ان كانت مستفادة مما دلّ علي استثناء الوجه و الكفين من حرمة الابداء فهو خاص بالبالغة أيضا.

و اما ما دلّ علي ان النظر سهم من سهام ابليس فقد تقدم قصور دلالته عن افادة حرمة النظر.

9 - و اما تكشف المرأة لدي غير البالغ

فمقتضي المفهوم في قوله

ص: 310


1- النور: 60.

تعالي: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلي عَوْراتِ النِّساءِ (1) عدم جوازه الا ان مقتضي صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين. و لا تغطّي المرأة شعرها منه حتي يحتلم(2) الجواز. و لا بدّ من تقييد اطلاق مفهوم الآية الكريمة بها.

10 - و اما جواز النظر إلي المرأة التي يراد التزوج بها

فهو محل وفاق في الجملة لجملة من النصوص، كصحيح هشام بن سالم و حماد بن عثمان و حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بان ينظر الي وجهها و معاصمها إذا أراد ان يتزوجها»(3) ، و موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام: «رجل ينظر إلي محاسن امرأة يريد ان يتزوجها قال: لا بأس انما هو مستام فان يقض أمر يكون»(4).

و ذهب بعض الفقهاء إلي جواز النظر إلي جميع بدنها ما عدا العورة تمسكا باطلاق بعض الروايات، كصحيحة محمد بن مسلم:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يريد ان يتزوج المرأة أ ينظر إليها؟ قال:

نعم، انما يشتريها بأغلي الثمن»(5).

و انما استثنيت العورة للتسالم علي عدم جواز النظر إليها.

و دعوي الشيخ الاعظم ان تخصيص جواز النظر في صحيحة

ص: 311


1- النور: 31.
2- وسائل الشيعة 169:14 الباب 126 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 59:14 الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2. و المعاصم: جمع معصم، و هو موضع السوار من الساعد.
4- وسائل الشيعة 60:14 الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8.
5- وسائل الشيعة 59:14 الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

الفضلاء بالوجه و المعاصم لا يظهر له وجه الا اختصاصهما بجواز النظر فيكون ذلك مقيدا لإطلاق صحيحة ابن مسلم(1) ، مدفوعة بان تخصيص ذلك بالذكر لا يوجب صلاحيته لتقييد غيره الا بناء علي ثبوت المفهوم للقلب، و هو محل رفض.

11 - و اما نظر المرأة إلي من تريد الزواج به

فقد اختار الشيخ الأعظم جوازه لأنه إذا جاز نظر الرجل إلي من يريد الزواج بها لأنه يبذل أغلي الثمن فيجوز نظر المرأة إليه بالاولي لأنها تبذل أغلي المثمن خصوصا و ان بامكان الرجل التخلص بالطلاق بخلاف المرأة فانها لا تتمكن من ذلك(2).

و فيه: ان بذلها لأغلي المثمن يقتضي جواز معرفتها بالثمن، و هو المهر لا بالزوج، فانه ليس هو الثمن للبضع المبذول.

12 - و اما جواز النظر إلي غير المسلمة

فلموثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا حرمة لنساء أهل الذمة ان ينظر إلي شعورهن و أيديهن»(3).

و التقييد بنساء أهل الذمة لا خصوصية له بل يجوز النظر إلي مطلق غير المسلمة، فان تخصيص نساء أهل الذمة بالذكر هو من باب دفع توهم ان عقد الذمام يمنحهن نحوا من الاحترام.

علي انه بقطع النظر عن ذلك يمكن التمسك باطلاق صحيحة عباد بن صهيب: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بالنظر إلي رءوس أهل

ص: 312


1- كتاب النكاح للشيخ الأعظم: 39.
2- كتاب النكاح: 43.
3- وسائل الشيعة 149:14 الباب 112 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

تهامة و الاعراب و أهل السواد و العلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون»(1).

و منه يتضح جواز النظر إلي كل من لا تنتهي إذا نهيت.

و اما اعتبار عدم التلذذ بالنظر فللتسالم الفقهي عليه، و لولاه كان مقتضي الاطلاق الجواز مطلقا.

4 - من يحرم العقد عليها
اشارة

يحرم علي الرجل العقد علي مجموعة من النساء.

و منشأ التحريم اما النسب أو السبب.
اشارة

و الحرمة الثابتة بسبب ما ذكر علي نحوين: دائمة و مؤقتة.

و المستند في ذلك:

1 - اما النسب

فانه تحرم به سبعة أصناف: الام و ان علت، و البنت و ان سفلت، و الاخت لأب أو لأم أو لهما، و العمة و ان علت، و الخالة و ان علت، و بنت الاخ و ان نزلت، و بنت الاخت و ان نزلت.

قال تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ (2).

و تعميم التحريم للبنت النازلة ليس الا لصدق عنوان البنت عليها فيشملها اطلاق الآية الكريمة، و هكذا الحال بالنسبة إلي بقية التعميمات المذكورة في بقية الاصناف فانها ليست الا لأجل التمسك بالاطلاق.

ص: 313


1- وسائل الشيعة 149:14 الباب 113 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1. و المراد من العلوج: الكفار.
2- النساء: 23.

و الحرمة كما لا يخفي ثابتة من الطرفين، فمثل الاصناف السبعة من الرجال يحرم علي النساء أيضا، فيحرم الاب و ان علا علي البنت، و الولد و ان سفل علي الام، و هكذا.

و حرمة الاصناف السبعة بالنسب لا تختص بالنسب الشرعي بل تعم ما يحصل بالزنا أيضا، فيحرم الولد من الزنا علي الزانية و امها و اختها و علي أم الزاني و اخته و هكذا، فان المراد من الاصناف السبعة المشار إليها في الآية الكريمة هو عناوينها اللغوية و الا فالشريعة لم تأت بمصطلح جديد في هذا المجال، فبنت الرجل مثلا هي من تولدت من مائه سواء كان ذلك بنكاح شرعي أم لا، و أم الابن هي من ولدته سواء كان ذلك بنكاح شرعي أم لا. و الشريعة لا تدخّل لها في هذا المجال سوي انها نفت التوارث في فرض الزنا و الا فبقية الاحكام تترتب تمسكا بالاطلاق بعد عدم تقييد الاصناف السبعة بما إذا كان صدقها من طريق النكاح الشرعي.

و أيضا لا فرق في النسب المتولد من النكاح الشرعي بين ان يكون بسبب العقد أو وط ء الشبهة، تمسكا بالاطلاق.

2 - و اما السبب

فالمراد به غير النسب من مناشئ التحريم، و هي:

المصاهرة و ما يلحق بها من الرضاع، و الاعتداد، و استيفاء العدد، و الكفر، و الاحرام، و اللعان.

و يأتي الحديث عن المناشئ المذكورة إن شاء اللّه تعالي.

3 - و اما انقسام الحرمة إلي دائمة و مؤقتة

فواضح، فالدائمة كحرمة الاصناف السبعة النسبية مثلا، و المؤقتة كحرمة اخت الزوجة، و بنت الزوجة غير المدخول بها، و المطلقة ثلاثا، و بنت اخ او اخت

ص: 314

الزوجة و غير ذلك.

مناشئ التحريم بالسبب
أ - المصاهرة و ما يلحق بها
اشارة

للمصاهرة و ما بحكمها عدة احكام:

1 - تحرم زوجة كل من الاب و ان علا و الابن و ان نزل علي الاخر بمجرد العقد و لو منقطعا، و من دون فرق بين كون الابوة و البنوة بالنسب أو بالرضاع.

2 - تحرم علي الزوج أم زوجته و ان علت بمجرد العقد و ابنتها و ان نزلت بشرط الدخول بالام سواء كانت في حجره أم لا. اما مع عدم الدخول فتحرم ما دامت الام في عقده.

3 - تحرم علي الزوج اخت زوجته جمعا لا عينا.

4 - يحرم علي الزوج العقد علي بنت اخ او اخت زوجته الا باذنها. و اما العكس فجائز بلا حاجة إلي اذن.

5 - من زني بخالته حرم عليه العقد علي بنتها. و قيل بالحاق العمة بذلك، بل قيل بتعميم الحكم لمطلق المزني بها.

6 - إذا لاط البالغ بغلام و تحقق منه الدخول حرمت عليه مؤبدا بنت الملوط به و اخته و امه فيما إذا كان اللواط سابقا علي العقد دون ما لو كان لاحقا.

7 - من تزوّج بذات البعل عالما بذلك حرمت عليه مؤبدا، و مع الجهل تحرم مؤبدا أيضا بشرط الدخول بها.

8 - من زني بذات البعل حرمت عليه مؤبدا لدي المشهور.

ص: 315

9 - إذا زنت المرأة ففي جواز الزواج بها قبل توبتها خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة زوجة كل من الابن و الاب علي الآخر

فمما لا خلاف فيها، و هي من ضروريات الفقه بل الدين. و قد دلّ عليها قوله تعالي:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ (1) ، وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (2).

و قد ورد في صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «لو لم تحرم علي الناس أزواج النبي صلّي اللّه عليه و آله لقول اللّه عز و جل: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً... حرمن علي الحسن و الحسين بقول اللّه عز و جل: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ... و لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده»(3).

و اما كفاية مجرد العقد و لو من دون دخول أو مع افتراض كونه منقطعا فلإطلاق ما تقدم.

و اما تعميم الحكم للأب و ان علا و الابن و ان نزل فللإطلاق المتقدم، مضافا إلي خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدمة الواردة في الجد.

و اما التعميم للرضاع فلقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(4).

ص: 316


1- النساء: 22.
2- النساء: 22.
3- وسائل الشيعة 313:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 280:14 الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2 - و اما حرمة أمّ الزوجة مطلقا و بنتها بشرط الدخول

فمما لا اشكال فيه لقوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ (1).

و مقتضي اطلاق فقرة «و امهات نسائكم» ثبوت حرمة أمّ الزوجة و لو من دون دخول بها بخلاف الربيبة حيث قيدت حرمتها بالدخول بامها.

و احتمال رجوع قيد مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي... إلي قوله: وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أيضا بعيد جدا لطول الفصل، و لزوم التكرار في كلمة النساء، و لزوم استعمال كلمة «من» في معنيين - إذ علي تقدير تعلقها بالربائب تكون نشوية و علي تقدير تعلقها بالنساء تكون بيانية - و هو مخالف للظاهر حتي علي تقدير فرض امكانه.

3 - و اما التعميم لام الزوجة و ان علت

فللتمسك بالاطلاق.

و اما التعميم لبنت الزوجة و ان نزلت فقد يستشكل استفادته من الآية الكريمة الا ان في اطلاق الروايات كفاية حيث استعانت بكلمة «البنت» مطلقة، كما في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السّلام قال: «إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالام فإذا لم يدخل بالام فلا بأس ان يتزوج بالابنة. و إذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الام. و قال: الربائب عليكم حرام كنّ في الحجر أو لم يكنّ»(2) و غيرها.

ص: 317


1- النساء: 23.
2- وسائل الشيعة 352:14 الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

علي ان المسألة متسالم عليها.

و اما التعميم لكون الربيبة في الحجر و عدمه فلان التقييد به في الآية الكريمة لا موضوعية له بل اشارة إلي الحالة الغالبة تنبيها علي انها كبنت الزوج حيث تربت في حجره فكيف يتزوج بها.

علي ان الموثقة المتقدمة و غيرها قد صرحت بالتعميم، و المسألة متسالم عليها.

4 - و اما عدم جواز العقد علي بنت الزوجة ما دام قد فرض العقد

علي امها مسبقا و لو من دون دخول بها

فلانه مع العقد عليها - البنت - يصدق علي الام عنوان «امهات نسائكم»، و هو يوجب التحريم متي ما صدق بمقتضي اطلاق الآية الكريمة، فالجمع بينهما بنحو يكون عقدهما صحيحا معا غير ممكن فيتعين بطلان احدهما، و حيث ان العقد علي الام قد فرض وقوعه صحيحا و انقلابه الي البطلان يحتاج إلي دليل فيتعين بطلان العقد علي البنت.

هذا ما تقتضيه القاعدة و ان كان الاحتياط يقتضي الحكم ببطلان كلا العقدين و تجديد العقد علي الام من جديد. و لو أراد العقد علي البنت فعليه بطلاق الام اولا ثم العقد عليها بعد ذلك.

5 - و اما حرمة اخت الزوجة جمعا لا عينا

فلا خلاف فيه بين المسلمين لدلالة صريح الكتاب العزيز: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (1) علي ذلك. و الروايات في المسألة كثيرة(2).

ص: 318


1- النساء: 23.
2- وسائل الشيعة الباب 24 و ما بعده من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
6 - و اما حرمة العقد علي بنت اخ او اخت الزوجة الا باذنها و جواز

العكس مطلقا

فلموثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا تزوّج ابنة الاخ و لا ابنة الاخت علي العمة و لا علي الخالة الا باذنهما، و تزوّج العمة و الخالة علي ابنة الاخ و ابنة الاخت بغير اذنهما»(1) و غيرها.

و إذا قيل: قد روي علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام: «سألته عن امرأة تزوج علي عمتها و خالتها قال: لا بأس»(2) ، و هي باطلاقها تدل علي الجواز بلا حاجة إلي اذن.

و في مقابلها صحيحة ابي عبيدة: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لا تنكح المرأة علي عمتها و لا علي خالتها و لا علي اختها من الرضاعة»(3) ، و هي تدل علي عدم الجواز مطلقا فكيف التوفيق بينهما؟

قلنا: انه بقرينة موثقة محمد بن مسلم المتقدمة يمكن الجمع العرفي بحمل الاولي علي فرض الاذن و الثانية علي فرض عدمه و ينحل بذلك التعارض.

7 - و اما ان الزنا بالخالة يوجب تحريم بنتها

فهو المشهور لصحيحة محمد بن مسلم: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و انا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع يتزوج ابنتها؟ قال: لا. قلت:

انه لم يكن افضي إليها انما كان شيء دون شيء فقال: لا يصدق

ص: 319


1- وسائل الشيعة 375:14 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 375:14 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3. و في تهذيب الاحكام 333:7: تزوجت علي....
3- وسائل الشيعة 376:14 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.

و لا كرامة»(1).

و قد يتوقف في الحكم تارة من جهة متن الرواية و اخري من جهة سندها.

اما من جهة المتن فلان تكذيب الامام عليه السّلام الفاعل في اخباره مناقشة صغروية لا تتناسب و مقام الامامة و غير لائق به.

و اما من جهة السند فباعتبار ان الشيخ الكليني روي بسنده إلي ابي ايوب عن محمد بن مسلم انه: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و انا جالس عن رجل...(2) في حين ان الشيخ الطوسي روي الرواية نفسها بسنده إلي ابي ايوب ان محمد بن مسلم هو الذي سأل الامام عليه السّلام عن رجل نال...(3).

و كلتا المناقشتين لا وجه لها.

اما الاولي فلاحتمال وجود مصلحة في المناقشة الصغروية قد اطلع عليها الامام عليه السّلام.

و اما الثانية فلان مثل الاختلاف المذكور لا يضر بصحة الرواية.

8 - و اما العمة

فلا نص يدل علي الحاقها بالخالة، و الحاقها مبني علي عدم القول بالفصل أو الاولوية القطعية. و كلاهما محل تأمّل.

و علي هذا فلا تمكن الفتوي بالالحاق و لا بدّ من التنزل الي الاحتياط لاحتمال عدم الفصل.

9 - و اما تعميم الحكم بحرمة الزواج ببنت مطلق المزني بها

فتدل

ص: 320


1- وسائل الشيعة 329:14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 329:14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

عليه مجموعة من الروايات، كصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام:

«سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أ يتزوج بابنتها؟ قال: لا»(1) و غيرها.

و في مقابل ذلك مجموعة اخري تدل علي العكس، كصحيحة سعيد بن يسار: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج ابنتها؟ قال: نعم يا سعيد، ان الحرام لا يفسد الحلال»(2) و غيرها.

و قد يجمع بينهما بحمل الاولي علي الكراهة لصراحة الثانية في الجواز.

و هو جيد بناء علي قبول الاحكام الوضعية للحمل علي الكراهة.

و اما إذا بني علي عدم قبولها لذلك تتحقق المعارضة المستقرة و يلزم ترجيح الطائفة المجوّزة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3).

و مع التنزل يتساقطان و يتمسك بالاطلاق المذكور كمرجع لا كمرجح. و النتيجة واحدة علي جميع التقادير.

10 - و اما ان اللواط يوجب تحريم زواج اللائط باخت و بنت و ام

الملوط به

فلم ينقل في ذلك خلاف بين الاصحاب. و قد دلت علي ذلك مرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل يعبث بالغلام قال: إذا أوقب حرمت عليه ابنته و اخته»(4).

ص: 321


1- وسائل الشيعة 322:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 324:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- النساء: 24.
4- وسائل الشيعة 339:14 الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1. ثم ان ضمير الغائب يرجع الي الغلام دون الرجل و لو بقرينة عدم حكم الاصحاب بحرمة شيء علي المفعول. نعم نقل في الجواهر 448:29 ان الشيخ حكي عن بعض الاصحاب التحريم عليه أيضا، ثم قال: و لعله لاحتمال عود الضمير في الاخبار الي كل من الفاعل و المفعول، و لكنه استبعد ذلك باعتبار ان المحدث عنه هو الرجل.

و قد يحاول التغلب علي مشكلة ارسالها من خلال الاستعانة بكبري وثاقة كل من يروي عنه أحد الثلاثة بناء علي تماميتها.

الا انه يمكن ان يقال في المقابل بان الكبري المذكورة علي تقدير تماميتها لا تنفع في المقام لان خمسة من مشايخ ابن أبي عمير تقريبا قد ثبت ضعفهم، و من المحتمل كون المرسل عنه في الرواية المذكورة هو من أحد الخمسة المذكورة، و معه يكون التمسك بالكبري المذكورة تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و ينحصر مورد التمسك بها بما إذا صرح باسم المروي عنه حتي ينتفي معه احتمال كونه من أحد الخمسة.

و عليه فمشكلة الارسال باقية علي حالها الا انه يمكن التعويض بموثقة ابراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل لعب بغلام هل تحل له امه؟ قال: ان كان ثقب فلا»(1) و غيرها.

و هي و ان كانت خاصة بالام الا انه لعدم التفصيل بينها و بين الاخت و البنت يمكن التعدي إليهما.

و تؤيد ذلك الروايات الاخري المشتمل بعضها علي ذكر الاخت و بعضها الآخر علي البنت(2) ، فان ضعف اسنادها لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

11 - و اما التقييد بما إذا كان الفاعل بالغا و المفعول به صبيا

فلان

ص: 322


1- وسائل الشيعة 341:14 الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- راجع وسائل الشيعة 339:14 الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ذلك هو المستفاد من الموثقة لتقييدها الفاعل بالرجل و المفعول به بالغلام.

و دعوي صدق عنوان الرجل علي الفاعل و لو بعد بلوغه فيقال انه «رجل لعب و ثقب» و ان كان ذلك قد تحقق منه مسبقا، و أيضا التحريم خارج مخرج الغالب، مدفوعة بان الاول مخالف للظاهر، فان ظاهر قول القائل «رجل ثقب» كونه فعل ذلك حال كونه رجلا، كقولنا: «مسافر صلّي قصرا» و الثاني مجرد احتمال لا يمنع من الرجوع إلي البراءة في غير مورد النص.

12 - و اما التقييد بما إذا كان اللواط سابقا علي العقد

فلان الموثقة و ان كانت مطلقة من هذه الناحية الا انه يستفاد من جملة النصوص الاخري ان ما يطرأ بعد العقد لا يرتفع به الحل الثابت سابقا، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سئل عن الرجل يفجر بامرأة أ يتزوج ابنتها؟ قال: لا، و لكن ان كانت عنده امرأة ثم فجر بامها أو اختها لم تحرم عليه امرأته، ان الحرام لا يفسد الحلال»(1) و غيرها.

و موردها و ان كان هو الزنا الا انه بعموم التعليل يمكن تسرية الحكم الي اللواط أيضا.

13 - و اما ان من تزوج بذات البعل تحرم عليه مؤبدا

فلعدة روايات كموثقة اديم بن الحر: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «التي تتزوج و لها زوج يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا»(2) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها ثبوت الحرمة المؤبدة حتي مع الجهل و عدم الدخول.

ص: 323


1- وسائل الشيعة 326:14 الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 341:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

الا ان في مقابلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم فطلقها الاول أو مات عنها ثم علم الاخير أ يراجعها؟ قال: لا حتي تنقضي عدتها»(1).

و هي واردة في صورة الجهل، و مقتضاها عدم تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الجهل سواء تحقق الدخول أم لا.

و اللازم علي هذا تخصيص الاولي بالثانية و تكون النتيجة هي تحقق الحرمة المؤبدة في صورة العلم و عدمها في صورة الجهل من دون فرق في كلتا الحالتين بين فرض تحقق الدخول و عدمه.

هذا و يوجد في مقابل الصحيحة الثانية صحيحة ثالثة رواها زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «إذا نعي الرجل إلي أهله أو أخبروها انه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الاول فان الاول احق بها من هذا الاخير دخل بها الاول أو لم يدخل بها و ليس للاخر ان يتزوجها ابدا و لها المهر بما استحلّ من فرجها»(2) ، و هي تدل علي تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الدخول.

و هذه ان كانت ناظرة إلي خصوص حالة الجهل كالصحيحة الثانية كانت - الثالثة - أخص مطلقا منها - الثانية - فتخصصها بفرض عدم الدخول، و تكون النتيجة انتفاء الحرمة المؤبدة مع الجهل و عدم الدخول و ثبوتها مع فرض الجهل و الدخول، و اما حالة العلم فالحرمة المؤبدة ثابتة فيها للموثقة. و بذلك نصل إلي النتيجة التي أشرنا إليها في المتن.6.

ص: 324


1- وسائل الشيعة 341:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 342:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

هذا لو فرض ان الصحيحة الثالثة ناظرة إلي خصوص حالة الجهل.

و اما إذا كانت مطلقة من هذه الناحية فتكون النسبة بينهما - الثانية و الثالثة - هي العموم من وجه. و يتعارضان في فرض الجهل و الدخول و يتساقطان فيه و يلزم الرجوع بعد التساقط إلي اطلاق موثقة اديم لان المقيد له - و هو الصحيحة الثانية - مبتلي بالمعارض. و بذلك نصل إلي النتيجة نفسها أيضا.

14 - و اما ان من زني بذات البعل حرمت عليه مؤبدا

فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع.

و استند في ذلك إلي:

أ - التمسك بدعوي الاولوية القطعية و ان الزواج بذات البعل إذا أوجب الحرمة الابدية فالزنا بها اولي بايجابه لذلك.

و فيه: ان الاولوية ممنوعة، فان الاحكام الشرعية تعبدية و لا طريق لنا إلي معرفة ملاكاتها.

ب - التمسك بما في الفقه الرضوي: «و من زني بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها و أراد الذي زني بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا»(1).

و فيه: ان الكتاب المذكور لم تثبت نسبته إلي إمامنا الرضا عليه السّلام ليمكن الاعتماد عليه.

ج - التمسك بدعوي الاجماع التي نقلها بعض الفقهاء.

و فيه: ان تحقق الاجماع غير ثابت. و علي تقدير ثبوته لا يمكن

ص: 325


1- مستدرك الوسائل 387:14 الرقم 17048.

الحكم بحجيته لكونه محتمل المدرك.

و مع عدم ثبوت الدليل علي الحرمة المؤبدة يمكن التمسك لإثبات الحلية و ترتب الاثر بعموم قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1).

هذا كله في الزواج أو الزنا بذات البعل. و اما الزواج و الزنا بالمعتدة فيأتي حكمه إن شاء اللّه تعالي عند البحث عن الاعتداد.

15 - و اما الزواج بالزانية

فلا اشكال في جوازه علي فرض توبتها حتي علي تقدير كونها مشهورة بالزنا لأنها مع التوبة تعود كغيرها لقوله تعالي: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ (2) ، و انما الاشكال في فرض عدم التوبة.

و قد يقال بعدم الجواز لقوله تعالي: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ (3).

و لكنه ضعيف، فان من المحتمل كون الآية الكريمة بصدد الاخبار عن الواقع الخارجي - و ان الزاني لا يتحقق منه الوط ء و الزنا الا بزانية أو مشركة و الزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك - دون إنشاء التحريم و التحليل و الا يلزم الحكم بجواز نكاح المسلم الزاني المشركة و جواز نكاح المشرك الزانية المسلمة، و لم يقل به أحد.

و عليه لا بدّ من ملاحظة الروايات. و هي علي طائفتين:

أ - فبعضها دلّ علي عدم جواز الزواج بالزانية الا علي فرض توبتها، كصحيحة أبي بصير: «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد

ص: 326


1- النساء: 24.
2- الفرقان: 70.
3- النور: 3.

ان يتزوجها فقال: إذا تابت حلّ له نكاحها...»(1) و غيرها.

ب - و بعضها دلّ علي الجواز مطلقا، كصحيحة علي بن رئاب:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم قال:

نعم و ما يمنعه و لكن إذا فعل فليحصّن بابه مخافة الولد»(2) و غيرها.

و حيث ان حمل الثانية علي فرض التوبة بعيد يتحقق التعارض بين الطائفتين. و إذا لم ترجّح الثانية لموافقتها لإطلاق قوله تعالي:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3) فلا أقلّ من التساقط و الحكم بالجواز للإطلاق المتقدم.

هذا لو خلينا نحن و الطائفتين المذكورتين.

الا انه قد يقال بوجود طائفة ثالثة تدل علي التفصيل بين المعلنة بالزنا فلا يجوز نكاحها و بين غيرها فيجوز، كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا و لا يتزوج الرجل المعلن بالزنا الا بعد أن تعرف منهما التوبة»(4).

و المناسب تقييد الطائفة الثانية الدالة علي الجواز مطلقا بهذه و تكون النتيجة هي الجواز في غير المعلنة. و بعد هذا التقييد تصبح الطائفة الثانية أخص مطلقا من الطائفة الاولي فتخصصها و تصبح النتيجة هي اختصاص الحرمة بالمعلنة و الجواز في التائبة و غير المعلنة.1.

ص: 327


1- وسائل الشيعة 332:14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 334:14 الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- النساء: 24.
4- وسائل الشيعة 335:14 الباب 13 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

هكذا قد يقال.

الا ان بالامكان مناقشته باعتبار ان صحيحة الحلبي يلزم حملها علي التنزيه دون التحريم بقرينة السياق لأنه ورد في فقرتها الثانية «و لا يتزوج الرجل...»، و مضمون الفقرة المذكورة لا يمكن الالتزام به للجزم بعدم الحرمة في جانب الرجل.

و اذا أراد الزاني التزوج بمن زني بها فهل يلزمه استبراؤها؟ قد يقال: نعم لموثقة اسحاق بن حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتي تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله ان يتزوجها...»(1).

و هي و ان كانت ضعيفة بطريق الكليني بالارسال الا انها صحيحة بطريق الشيخ.

و من هنا يكون العمل بها وجيها الا انه لاعراض المشهور عن العمل بمضمونها يكون المناسب هو التنزل إلي الاحتياط دون الفتوي.

ب - الرضاع
إذا ارضعت امرأة ولد غيرها - ضمن الشروط الآتية - ترتبت علي ذلك
اشارة

حرمة النكاح في الجملة و بالشكل التالي:

1 - صيرورة المرضعة اما للرضيع، و صاحب اللبن ابا له، و اخوتهما اخوالا و اعماما له، و اخواتهما عمات و خالات له، و اولادهما اخوة له. و هكذا تصير المرضعة جدة لأبناء الرضيع و صاحب اللبن جدا لأبناء الرضيع.

ص: 328


1- وسائل الشيعة 331:14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

و الضابط الكلي: ان كل عنوان نسبي من العناوين السبعة المتقدمة إذا حصل مثله في الرضاع يكون موجبا للتحريم كالحاصل بالولادة، و اما إذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين فلا يكون موجبا لانتشار التحريم - الا في الاستثناء الآتي - و ان حصل بسببه عنوان خاص لو كان حاصلا بالولادة لكان ملازما مع أحد تلك العناوين، كما لو ارضعت امرأة أحد اخوين فانها تحرم عليه لصيرورتها اما له و لا تحرم علي الاخ الآخر لأنها تصير بالرضاع أم اخيه، و هي ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب و انما تحرم فيه لكونها إما امّا نسبية أو زوجة الأب.

2 - تحرم علي ابي الرضيع بنات المرضعة النسبيات دون الرضاعيات.

و تحرم أيضا بنات صاحب اللبن النسبيات و الرضاعيات. و هذان هما الاستثناءان من الضابط الكلي المتقدم.

3 - يحرم الرضيع علي أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا و علي أولاد المرضعة ولادة لا رضاعا.

4 - في جواز زواج اولاد ابي المرتضع الذين لم يرتضعوا من اللبن بأولاد المرضعة نسبا و اولاد الفحل مطلقا خلاف.

5 - لا فرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا علي العقد أو لاحقا له، فمن كانت له زوجة صغيرة و أرضعتها زوجته الكبيرة او بنته حرمت عليه لصيرورتها بنتا له، و هكذا في بقية الأمثلة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الرضاع سبب لتحقق حرمة النكاح في الجملة

فهو من ضروريات الدين. و يدل عليه قوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... أُمَّهاتُكُمْ

ص: 329

اَللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ (1) ، و قول الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(2) ، و قول صادق أهل البيت عليهم السّلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة»(3).

هذا ما ورد بنحو الضابط الكلي و الا فالوارد في الموارد المتفرقة فوق حدّ الاحصاء.

2 - و اما صيرورة المرضعة امّا للرضيع و صاحب اللبن ابا له

و...

فباعتبار ان الآية الكريمة و ان كانت خاصة بالامهات و الاخوات الا ان ذلك لا يقتضي قصر الحرمة عليهما - و ان نسب اختيار ذلك إلي بعض العامة(4) - بعد استفادة عموم التنزيل من الروايات.

3 - و اما قصر الحرمة علي ما إذا حصل بالرضاع احد العناوين

السبعة دون ما يلازمها

فلأن ذلك هو المستفاد من قوله صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، فان ظاهره النظر إلي العناوين الثابت تحريمها في الشريعة، و ليست هي الا السبعة دون ما يلازمها.

ثم انه مع التنزل و فرض اجمال دليل التنزيل من هذه الناحية و احتمال ارادة عموم المنزلة منه يلزم الرجوع إلي الأصل المستفاد من قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (5) ، كما تقتضيه القاعدة في مورد تردد المخصص المنفصل بين الاقل و الاكثر، و النتيجة واحدة

ص: 330


1- النساء: 23.
2- وسائل الشيعة 280:14 الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1، 3، 4.
3- وسائل الشيعة 281:14 الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- جواهر الكلام 309:29.
5- النساء: 24.

علي كلا التقديرين.

و بهذا يتضح النظر فيما صار إليه المحقق المير محمد باقر الداماد من استفادة عموم المنزلة من دليل التنزيل و الّف رسالة في ذلك و نسب ما صار إليه إلي المشهور مستندا في ذلك تارة إلي ظهور الأحاديث في افادة عموم المنزلة، و اخري إلي ان حرمة زواج ابي المرتضع بأولاد المرضعة بنكتة «ان ولدها صارت بمنزلة ولدك»، كما دلت عليه صحيحة أيوب بن نوح الآتية لا تتم الا بناء علي عموم المنزلة(1).

و كلا الوجهين المذكورين قابلان للتأمل.

اما الاول فلما تقدم.

و اما الثاني فلان ثبوت حرمة الزواج في المورد المذكور و تنزيل اولاد المرضعة منزلة اولاد ابي المرتضع لا يدل علي ارادة عموم المنزلة من مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، بل لعله الحاق حكمي - لا اكثر - دلّ الدليل الخاص عليه.

ثم ان الثمرة في هذا الخلاف كبيرة، فعلي رأي المشهور تنحصر دائرة انتشار الحرمة بالمرتضع و فروعه من جهة و المرضعة و صاحب اللبن و اصولهما و فروعهما و من كان في طبقتهما من جهة اخري، و لا يتعدي ما سوي ذلك لان العناوين السبعة لا تتحقق الا فيما ذكر، بخلافه بناء علي عموم المنزلة، فان الحرمة تتعدي إلي اصول المرتضع و من كان في طبقته من جهة و المرضعة و صاحب اللبن7.

ص: 331


1- الحدائق الناضرة 386:23-387.

و اصولهما و فروعهما و من كان في طبقتهما من جهة اخري.

اجل هناك استثناء - علي رأي المشهور - تأتي الاشارة إليه إن شاء اللّه تعالي في الرقم 4، 5.

4 - و اما انه تحرم علي ابي المرتضع بنات المرضعة

بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك - حيث لا يصرن بالاضافة إليه الا اخوات لولده، و اخت الولد ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب و انما تحرم اما لكونها بنتا أو ربيبة - فلصحيحة ايوب بن نوح: «كتب علي بن شعيب إلي ابي الحسن عليه السّلام: امرأة ارضعت بعض ولدي هل يجوز لي ان اتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه السّلام: لا يجوز ذلك لك لان ولدها صارت بمنزلة ولدك»(1) و غيرها.

و اما قصر الحكم علي بنات المرضعة من النسب دون الرضاع فلظهور كلمة «الولد» في الصحيحة في ذلك، و في غيره يتمسك باصالة الحل المستفادة من قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2).

ان قلت: لم لا نتمسك باطلاق دليل تنزيل الرضاع منزلة النسب لإثبات تنزيل بنات المرضعة رضاعا منزلة بناتها نسبا فيحرم الجميع علي ابي المرتضع.

قلت: المفروض في المقام كون بنات المرضعة بنات رضاعية لها من لبن فحل آخر غير الذي ارتضع الرضيع من لبنه - و إلاّ حرمن أيضا كما تأتي الاشارة إليه في الرقم 5 - و شرط التنزيل و تحقق الاخوة الرضاعية بين المرتضعين و من ثمّ الحرمة وحدة الفحل كما يأتي إن

ص: 332


1- وسائل الشيعة 306:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- النساء: 24.

شاء اللّه تعالي. و اذا لم تكن حرمة بينهما فلا تسري الحرمة الي ابي المرتضع، فان الرواية سؤالا و جوابا ناظرة الي اولاد المرضعة الذين يحرمون علي المرتضع و ان مثل هؤلاء الاولاد هل يحرمون علي ابي المرتضع بعد ما حرموا علي ابنه؟ و اما اولادها الذين لا يحرمون علي المرتضع فعدم حرمتهم علي ابي المرتضع مما لا تأمل فيه و لا يخطر ببال السائل السؤال عن حكمهم بالاضافة اليه و هم خارجون عن مفروض الرواية و داخلون في عمومات الحل.

5 - و اما انه يحرم علي ابي المرتضع بنات صاحب اللبن

- و هو ما يعبر عنه في لسان الفقهاء بجملة: لا ينكح ابو المرتضع في أولاد صاحب اللبن نسبا و رضاعا - بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك - بالبيان المتقدم - فلصحيحة علي بن مهزيار: «سأل عيسي بن جعفر بن عيسي أبا جعفر الثاني عليه السّلام: ان امرأة ارضعت لي صبيا فهل يحل لي ان اتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما اجود ما سألت، من هاهنا يؤتي ان يقول الناس: حرمت عليه امرأته، من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره»(1) فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي ارضعت لي هي ابنة غيرها فقال: «لو كنّ عشرا متفرقات ما حلّ لك شيء منهن و كنّ في

ص: 333


1- اي من هاهنا يأتي الجهل علي الناس حيث يقولون: ان لبن الفحل يحرّم زوجة الفحل عليه، و لكنه اشتباه، فان لبن الفحل لا يوجب ذلك بل يوجب ما ذكرت و هو حرمة بنت صاحب اللبن علي ابي المرتضع. هكذا فسّر في الوافي 247:21 العبارة المذكورة. و فسّرها الحرّ في هامش وسائله بشكل آخر فراجع. و الأمر سهل بعد عدم توقف الاستدلال بالصحيحة علي فهم المراد من الجملة المذكورة.

موضع بناتك»(1).

و اما التعميم لبنات صاحب اللبن من الرضاع أيضا فلفرض وحدة الفحل هنا فيقوم الرضاع مقام النسب.

6 - و اما حرمة الرضيع علي بنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعا

فلأنهن اخوات من الاب و الام او من الاب فقط، و الاخوات هن من العناوين المحرّمة بالنسب فتحرم في الرضاع أيضا.

و اما حرمة من ينتسب إلي المرضعة بالبنوة ولادة فلكونهم اخوة من الام فيحرمون.

و اما عدم حرمة من ينتسب إلي المرضعة بالبنوة رضاعا فلعدم اتحاد الفحل الذي هو شرط في انتشار الحرمة.

7 - و اما زواج اولاد ابي المرتضع ببنات المرضعة ولادة و بنات

صاحب اللبن ولادة أو رضاعا

فقد اختار الشيخ في الخلاف و النهاية عدم جوازه، بتقريب ان التعليل في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة يدل علي تنزيل بنات صاحب اللبن منزلة بنات ابي المرتضع، و هكذا التعليل في صحيحة ايوب بن نوح يدل علي تنزيل بنات المرضعة منزلة بنات ابي المرتضع، و لازم ذلك صيرورة اولاد ابي المرتضع اخوة لبنات صاحب اللبن و لبنات المرضعة، و معه لا يجوز لهم الزواج بهنّ (2).

و فيه: ان التنزيل في الصحيحتين قد ثبت بلحاظ ابي المرتضع فقط، و ذلك لا يستلزم اخوة بنات صاحب اللبن و بنات المرضعة لأولاد ابي المرتضع، إذ التعبد يتحدّد بدائرته و لا يسري إلي غيرها بعد ما لم

ص: 334


1- وسائل الشيعة 296:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
2- الحدائق الناضرة 399:23.

تكن الملازمة شرعية، و من هنا قيل بعدم حجية الاصل المثبت.

و عليه فالمناسب هو الحكم بالجواز تمسكا بعموم قوله تعالي:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1) .

8 - و اما عدم الفرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا

علي العقد أو لاحقا

فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لو ان رجلا تزوج جارية رضيعة فارضعتها امرأته فسد النكاح»(2) و غيرها.

بل يكفينا اطلاق ما دلّ علي تنزيل الرضاع منزلة النسب بلا حاجة إلي خاص.

شروط الرضاع المحرم
اشارة

لا يوجب الرضاع انتشار الحرمة الا إذا تحققت الشروط التالية:

1 - حصول اللبن من ولادة شرعية.

2 - الارتضاع من الثدي فلا يكفي غيره، كشرب اللبن المحلوب.

3 - عدم تجاوز الرضيع للحولين.

4 - خلوص اللبن فلا يكفي إذا كان ممزوجا بغيره مما يسلبه اسم اللبن.

5 - كون اللبن بتمامه من رجل واحد، فلو ولدت المرأة من زوجها الاول و تزوجت بآخر و حملت منه و قبل ان تلد ارضعت بلبن ولادتها الاولي صبيا عشر رضعات ثم بعد ولادتها الثانية اكملتها بخمس - اما من دون تخلل المأكول و المشروب أو مع فرض تخللهما بناء علي عدم اخلال فصلهما في نشر الحرمة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي - لم يكف ذلك

ص: 335


1- النساء: 24.
2- وسائل الشيعة 302:14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

لانتشار الحرمة.

6 - وحدة المرضعة، فلو كانت لرجل واحد زوجتان اشتركتا في ارضاع طفل واحد خمس عشرة رضعة لم يكف ذلك.

7 - ان يكون الارتضاع موجبا لإنبات اللحم و شد العظم. و الطريق الشرعي لإحراز ذلك ارتضاع يوم و ليلة أو تحقق عشر رضعات متوالية. و قيل خمس عشرة رضعة.

8 - عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي و الزماني بخلافه في التحديد الكيفي فانه لا يعتبر فيه ذلك.

و اما الفصل بالاكل و الشرب فلا يعتبر عدمه في التحديد الكيفي و في الخمس عشرة رضعة بخلافه في التحديد الزماني فانه يعتبر فيه عدمه.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار كون اللبن من ولادة شرعية

فلا خلاف فيه. و يمكن استفادته من صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل قال: هو ما ارضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة اخري فهو حرام»(1) ، بتقريب ان اسناد اللبن إلي الفحل و الولد يدل علي اعتبار الوط ء و الحمل و الولادة. و التعبير ب «امرأتك» يدل علي اعتبار العقد الشرعي و عدم كفاية الولادة عن زنا.

و يدل عليه أيضا في الجملة صحيح يونس بن يعقوب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية و غلاما من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟

ص: 336


1- وسائل الشيعة 294:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.

قال: لا»(1).

2 - و اما اعتبار صدق عنوان الارتضاع من الثدي

فلأن الحكم في الادلة انيط بعنوان الارضاع و الرضاعة و نحو ذلك، و هو لا يصدق عرفا من دون الامتصاص من الثدي، و لذا لا يقال لمن شرب الحليب المحلوب من البقرة انه ارتضع منها بخلاف ما لو امتصه من ثديها.

و مع التنزل و التسليم بصدقه بدون ذلك فيمكن ان يقال بانصرافه إلي النحو المتعارف منه، و فيما عداه يرجع إلي عموم قوله تعالي:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2) .

3 - و اما اعتبار ان يكون الرضاع في الحولين للمرتضع

فهو المعروف بين الاصحاب لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا رضاع بعد فطام»(3). و ظاهرها و ان كان يدل علي كون المدار علي الفطام الفعلي دون الوصول إلي سن الفطام، و هو الحولان الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لرواية حماد بن عثمان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا رضاع بعد فطام، قلت: و ما الفطام؟ قال: الحولين الذي قال اللّه عز و جل»(4) ، حيث فسرت الفطام بالحولين دون الفطام الفعلي. و سندها و ان اشتمل علي سهل الا ان الامر فيه سهل ان شاء اللّه تعالي.

ثم انه لو رفضنا الرواية المذكورة يلزم جعل المدار علي الفطام الفعلي سواء كان بعد الحولين أم قبلهما.

ص: 337


1- وسائل الشيعة 302:14 الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- النساء: 24.
3- وسائل الشيعة 291:14 الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 291:14 الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.

و إذا قيل: ان صحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرضاع بعد الحولين قبل ان يفطم محرّم»(1) تدل علي ان الرضاع بعد الحولين موجب لنشر الحرمة أيضا.

قلنا: انه يلزم ترجيح رواية حماد - بناء علي تمامية سندها و عدم امكان الجمع بينها و بين صحيحة داود - اما لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أو لمخالفتها للتقية علي ما قيل(2).

و مع التنزل و فرض عدم المرجح لا بدّ من التساقط في مادة المعارضة و الرجوع إلي الاطلاق المتقدم كمرجع لا كمرجح.

هذا كله في المرتضع.

و اما ولد المرضعة فهل يشترط كونه في الحولين؟ ذكر في جامع المقاصد ان في المسألة قولين:

أ - الاشتراط لقوله عليه السّلام: «لا رضاع بعد فطام»، فانه يتناول ولد المرضعة.

ب - عدم الاشتراط لان المتبادر من الحديث المتقدم المرتضع دون ولد المرضعة.

و اختار هو قدّس سرّه القول المذكور تمسكا بأصالة عدم الاشتراط (3).

و كان من المناسب ان يتمسك لإثباته باطلاق مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة في الرقم 1، فان الخارج منه هو المرتضع،2.

ص: 338


1- وسائل الشيعة 292:14 الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7.
2- القائل بذلك هو الشيخ الطوسي حيث ذكر في كتابه تهذيب الاحكام 318:7 معلقا علي صحيحة داود ما نصه: «و يجوز ان يكون خرج مخرج التقية لأنه مذهب لبعض العامة».
3- جامع المقاصد 221:12.

حيث دلّ الدليل الخاص علي اعتبار كونه في الحولين، و اما ولد المرضعة فلم يدل دليل علي خروجه منه - لانصراف الحديث المتقدم الي المرتضع - فيبقي مشمولا له.

4 - و اما اعتبار الخلوص

فلان نشر الحرمة يتوقف علي صدق عنوان ارتضاع اللبن، و مع المزج الموجب لسلب الاسم لا يصدق ذلك.

5 - و اما اعتبار كون اللبن لفحل واحد

فهو المشهور. و يمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة حيث ورد فيها: «هو ما ارضعت امرأتك من لبنك»، فان عنوان لبنك لا يصدق مع تعدد الفحل.

و منه يتضح الوجه في اعتبار وحدة المرضعة، فان ظاهر كلمة «امرأتك» هو شخص امرأتك دون جنسها.

هذا مضافا إلي تصريح موثقة زياد بن سوقة الآتية باعتبار كلا الامرين.

ثم ان وحدة الفحل كما هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضع و المرضعة و الفحل و... كذلك هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضعين، فلو ارتضع اثنان من مرضعة واحدة بلبن فحلين لم تنتشر الحرمة بينهما و ان انتشرت بين كل واحد منهما مع المرضعة و الفحل و...

و تدل علي ذلك صحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له ان يتزوج اختها لأمها من الرضاعة؟ فقال: ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل، فان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن

ص: 339

فحلين فلا بأس بذلك»(1) و غيرها.

و خالف ذلك الشيخ الطبرسي و الفيض الكاشاني و اختارا انتشار الحرمة بين المرتضعين حتي مع عدم وحدة الفحل(2).

6 - و اما تحديد مقدار الرضاع الناشر للحرمة

فقد وقع محلا للخلاف. و منشؤه اختلاف الروايات.

و هي مع اختلافها اتفقت علي التحديد الكيفي و ان الارضاع متي ما اوجب نبات اللحم و شد العظم تحقق به نشر الحرمة.

بل يظهر منها ان المدار في نشر الحرمة هو التحديد الكيفي، و جاء التحديد الزماني و الكمي كطريق لا حراز ذلك ما نجد ذلك واضحا في صحيحة علي بن رئاب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: ما انبت اللحم و شدّ العظم. قلت: فتحرّم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنه لا تنبت اللحم و لا تشد العظم عشر رضعات»(3) و غيرها.

و الاختلاف في الروايات ينحصر في ضبط التحديد الكمي، ففي بعضها اكتفي بعشر رضعات متوالية، و في بعضها الآخر اعتبر خمس عشرة رضعة.

مثال الاول: صحيحة عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الغلام يرضع الرضعة و الثنتين فقال: لا يحرّم، فعددت عليه حتي أكملت عشر رضعات فقال: إذا كانت متفرقة فلا»(4).

ص: 340


1- وسائل الشيعة 294:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
2- مجمع البيان 28:2، و الوافي 248:21.
3- وسائل الشيعة 283:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 283:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.

و مثال الثاني: موثقة زياد بن سوقة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو ان امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و ارضعتها امرأة اخري من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما»(1).

و لو كنّا نحن و صحيحة ابن رئاب مع صحيحة عمر بن يزيد لكنّا نجمع بينهما بتقييد صحيحة ابن رئاب الدالة علي عدم الاكتفاء بعشر رضعات بحالة عدم التوالي بقرينة صحيحة عمر بن يزيد الا انه بعد ادخال موثقة زياد في الحساب يتحول التعارض الي التعارض المستقر، حيث تدل موثقة زياد علي عدم الاكتفاء بعشر رضعات حتي مع التوالي بخلاف صحيحة عمر بن يزيد حيث تدل علي الاكتفاء بها مع التوالي.

و لا يمكن الترجيح من خلال الموافقة و المخالفة للتقية لان الجمهور يكتفي اما بمسمي الرضاع أو الرضعة الواحدة أو سبع أو خمس رضعات و ليس القول بالعشر - فضلا عن الخمس عشرة رضعة - معروفا بينهم(2).».

ص: 341


1- وسائل الشيعة 283:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- قال الجزيري في كتابه الفقه علي المذاهب الاربعة 228:4: «ان الشافعية و الحنابلة يقولون: ان الرضاع لا يحرّم الا اذا كان خمس مرات، و المالكية و الحنفية يقولون: ان الرضاع يحرّم مطلقا قليلا كان او كثيرا و لو قطرة. و قد استدل الشافعية و الحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان فيما انزل اللّه في القرآن ان عشر رضعات معلومات يحرّمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هنّ فيما يقرأ من القرآن».

كما لا يمكن الترجيح من خلال موافقة الكتاب العزيز لان قوله تعالي: وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ (1) لا نظر له إلي تحديد المدة.

و هكذا قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2) يثبت الحل لما عدا الامهات و الاخوات من الرضاعة من دون دلالة علي ما يتحقق به ذلك.

و مع استقرار التعارض و عدم المرجح يتساقطان و يلزم الرجوع الي الاصل بلحاظ كل اثر بخصوصه، فبالنسبة إلي صحة العقد علي من رضعت عشرا يستصحب عدم ترتب الاثر، و بالنسبة إلي جواز النظر تجري البراءة علي فرض عدم وجود عموم يصلح التمسك به.

و مراعاة الاحتياط للفقيه و العامي قضية لا ينبغي الحياد عنها.

7 - و اما اعتبار عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي

فلدلالة موثقة زياد و صحيحة عمر بن يزيد علي ذلك بوضوح.

و اما اعتبار ذلك في التحديد الزماني فلانصراف عنوان اليوم و الليلة إلي ذلك.

و اما عدم اعتبار ذلك في التحديد الكيفي فلان اللازم بناء عليه نبات اللحم و اشتداد العظم، و لا يهم بعد تحققه ثبوت الفصل بأي شيء كان لإطلاق النصوص من هذه الناحية.

8 - و اما ان الفصل بالاكل و الشرب لا يعتبر عدمه في التحديد

بخمس عشرة رضعة

فلان موثقة زياد قد قيدت الفاصل الذي يعتبر

ص: 342


1- النساء: 23.
2- النساء: 24.

عدمه بالرضاع من امرأة اخري، و هذا بخلافه لو اخذنا برواية العشر فإنه يعتبر عدم الفصل بذلك لاعتبار التوالي فيها الذي لا يصدق مع الفصل بالاكل و الشرب.

و اما انه لا يعتبر عدم الفصل بذلك في التحديد الكيفي فلان المعتبر فيه اشتداد العظم و نبات اللحم كيفما اتفق لفرض اطلاق الروايات من هذه الناحية.

و اما انه يعتبر عدم الفصل بذلك في التقدير الزماني فلعدم صدق عنوان اليوم و الليلة مع الفصل المذكور.

اجل لا يضر مثل شرب الماء و الدواء بمقدار قليل لأنه امر متعارف في اليوم و الليلة و لا يضر بالصدق عرفا.

ج - الاعتداد
اشارة

لا يجوز الزواج بالمرأة في عدتها من الغير.

و تحرم مؤبدا مع علمهما أو علم احدهما بالصغري و الكبري و لو مع عدم الدخول. و مع الدخول تحرم كذلك و لو مع جهلهما بذلك.

و لا فرق في الدخول بين كونه في القبل أو الدبر.

و من زني بامرأة في عدتها الرجعية حرمت عليه مؤبدا لدي المشهور.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الزواج بالمعتدة من الغير

فهو من ضروريات الدين.

و قد دلّ علي ذلك الكتاب الكريم في الجملة. قال تعالي: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا

ص: 343

بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (1) ، فانها بالمفهوم تدل علي المطلوب.

و قال: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2) ، فان المقصود من وجوب التربص - و لا أقلّ بقرينة الآية الاولي - هو الامتناع عن الزواج.

و قال تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ (3) ، فانه لا معني لإحصاء العدة الا اذا فرض حرمة الزواج فيها.

و قال: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (4) ، فانه لا معني لوجوب التربص - و لو بقرينة ذيلها - الا حرمة زواجها بالغير.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

و اما الروايات فيمكن استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية و غيرها.

2 - و اما التقييد بما إذا كانت العدة من الغير

فباعتبار ان المفهوم من نصوص تشريع العدة كون المنع من الزواج هو لاحترام ذي العدة.

و اذا شكك في ذلك امكن التمسك بنصوص الزواج المؤقت الدالة علي جواز تجديد الزوج العقد في العدة - بعد ضم عدم القول بالفصل -

ص: 344


1- البقرة: 232.
2- البقرة: 228.
3- الطلاق: 1.
4- البقرة: 234.

كما في صحيح محمد بن مسلم حيث سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة فقال: «ان اراد ان يستقبل امرا جديدا فعل، و ليس عليها العدة منه، و عليها من غيره خمسة و اربعون ليلة»(1) و غيره.

3 - و اما الحرمة المؤبدة

فلا بدّ لإثباتها من الاستعانة بالروايات.

و هي علي طوائف أربع:

الاولي - ما دلّ علي الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية - ما دلّ علي نفيها مطلقا.

الثالثة - ما دلّ علي التفصيل بين حالة العلم فتحرم مؤبدا و حالة الجهل فلا تحرم.

الرابعة - ما دلّ علي التفصيل بين فرض الدخول فتحرم مؤبدا و بين عدمه فلا تحرم.

مثال الاولي: رواية محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها قال: يفرّق بينهما و لا تحل له ابدا»(2).

و سندها لا يخلو من اشكال لاشتماله علي عبد اللّه بن بحر الذي لم تثبت وثاقته الابناء علي تمامية كبري وثاقة جميع رجال تفسير القمي.

و مثال الثانية: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام: «سألته عن امرأة تزوجت قبل ان تنقضي عدتها قال: يفرّق بينها و بينه و يكون خاطبا من الخطاب»(3).

و سندها في رواية قرب الاسناد و ان اشتمل علي عبد اللّه بن

ص: 345


1- وسائل الشيعة 475:14 الباب 23 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 350:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 22.
3- وسائل الشيعة 349:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 19.

الحسن الذي هو مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل قد رواها من كتاب علي بن جعفر نفسه، و طريقه إليه صحيح كما تقدم أكثر من مرّة(1).

و مثال الثالثة: موثقة إسحاق بن عمار: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام:

بلغنا عن ابيك ان الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا فقال:

هذا إذا كان عالما فإذا كان جاهلا فارقها و تعتد ثم يتزوجها نكاحا جديدا»(2).

و مثال الرابعة: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع و تزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر و عشرا فقال: ان كان دخل بها فرّق بينهما و لم تحل له ابدا و اعتدت ما بقي عليها من الاول و استقبلت عدة اخري من الآخر ثلاثة قروء و ان لم يكن دخل بها فرّق بينهما و اعتدت بما بقي عليها من الاول و هو خاطب من الخطاب»(3).

و الطائفتان الاخيرتان متعارضتان بالعموم من وجه لدلالة احداهما علي الحرمة المؤبدة مع العلم سواء تحقق الدخول أم لا، و ثانيتهما علي الحرمة المؤبدة مع الدخول سواء فرض الجهل أم لا، و الجمع بينهما كما يمكن بتقييد منطوق كل واحدة بمنطوق الاخري الذي لازمه تحقق الحرمة المؤبدة عند تحقق العلم و الدخول كذلك يمكن بتقييد مفهوم كل واحدة بمنطوق الاخري، و لازمه كفاية العلم او6.

ص: 346


1- راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».
2- وسائل الشيعة 347:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10.
3- وسائل الشيعة 346:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

الدخول في تحقق الحرمة المؤبدة.

و الارجح هو الجمع بالشكل الثاني لعدم المعارضة بين المنطوقين ليعمل التقييد فيهما و انما هي بين اطلاق المفهومين، و معه يكون المناسب تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخري و تكون النتيجة تحقق الحرمة المؤبدة عند افتراض احد الامرين: العلم أو الدخول.

و بعد هذا يمكن رفع التعارض بلحاظ الطائفة الاولي و الثانية أيضا، و ذلك بحمل الاولي علي فرض الدخول أو العلم و الثانية علي فرض عدمهما، فان العرف يجمع بين الطائفتين المطلقتين بالشكل المذكور بقرينة الطائفة المفصلة.

ثم ان الطائفة الاولي و ان كانت ضعيفة السند بناء علي انكار الكبري المتقدمة الا ان حذفها لا يؤثر علي النتيجة التي تمّ التوصل إليها كما هو واضح.

هذا كله فيما تقتضيه قواعد الجمع العرفي.

و قد دلت صريحا علي النتيجة المذكورة صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها و دخل بها لم تحل له ابدا عالما كان أو جاهلا، و ان لم يدخل حلت للجاهل و لم تحل للآخر»(1).

4 - و اما ان علم احدهما يكفي في تحقق الحرمة المؤبدة

فهو واضح لو كان العالم هو الزوج لكون ذلك مورد موثقة اسحاق المتقدمة.

و اما لو كان العالم هو الزوجة فيمكن التمسك بذيل صحيحة

ص: 347


1- وسائل الشيعة 345:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

الحلبي المتقدمة، فانه باطلاقه يشمل الزوجة، و عدم ثبوت الحلية لها بالرجوع كاف في اثبات المطلوب.

5 - و اما ان المقصود من العلم الموجب للحرمة المؤبدة هو العلم

بالصغري و الكبري

فباعتبار ان ظاهر الروايات المتقدمة و ان كان هو ارادة العلم بالعدة الا ان العلم بها لما كان يلازم العلم بالحرمة عادة فيثبت ان المراد من العلم - الذي هو سبب للحرمة المؤبدة - هو العلم بالموضوع و الحكم معا و لا يكفي العلم باحدهما في تحقق الحرمة المؤبدة.

و لو قطعنا النظر عن هذا فيمكن استفادة ذلك بوضوح من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه السّلام: «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أ هي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال: لا، اما إذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما تنقضي عدتها و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت: بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم بجهالته انها في عدة؟ فقال: احدي الجهالتين اهون من الاخري، الجهالة بان اللّه حرّم ذلك عليه، و ذلك بانه لا يقدر علي الاحتياط معها فقلت: و هو في الاخري معذور؟ قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يتزوجها...»(1).

6 - و اما كفاية الدخول في الدبر في تحقق الحرمة المؤبدة

فلإطلاق ما تقدم.

7 - و اما ان من زني بالمرأة في عدتها الرجعية تحرم عليه مؤبدا

ص: 348


1- وسائل الشيعة 345:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

فيمكن اثباته من خلال مقدمتين:

أ - ان المعتدة الرجعية زوجة حقيقة خلافا للمشهور القائل بترتب احكام الزوجة عليها من دون ان تكون زوجة حقيقة.

ب - ان الزنا بذات البعل موجب للحرمة المؤبدة.

اما المقدمة الاولي فيمكن استفادتها من صحيحة سعد بن ابي خلف: «سألت ابا الحسن موسي عليه السّلام عن شيء من الطلاق فقال: «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه»(1) و غيرها مما اشتمل علي التعبير بكلمة «بانت»، فانها ظاهرة في بينونة الزوجية نفسها - لا بينونة احكامها - في الطلاق البائن، و بقاء الزوجية و عدم بينونتها في الطلاق الرجعي الا بانقضاء العدة.

و اما المقدمة الثانية فقد تقدم(2) تبني المشهور لها لوجوه ثلاثة.

و بهذا اتضح ان تخريج الحرمة المؤبدة في حق الزاني بالمعتدة الرجعية لا يتم الا علي رأي المشهور القائل بتمامية المقدمة الثانية.

كما انه لا مجال للمشهور المنكر للمقدمة الاولي تخريج الحرمة المؤبدة الا بالتشبث بالإجماع المدعي في المسألة.

8 - و اما قصر الحكم علي المعتدة الرجعية دون البائنة او المعتدة

بعدة الوفاة

فللتمسك بالاصل المستفاد من قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3) بعد قصور المانع عن الشمول لغير المعتدة الرجعية.

ص: 349


1- وسائل الشيعة 436:15 الباب 20 من أبواب العدد الحديث 1.
2- في الرقم 14 تحت عنوان «المصاهرة».
3- النساء: 24.
د - استيفاء العدد
اشارة

لا تجوز الزيادة في العقد الدائم علي اربع زوجات.

و من كانت عنده اربع و طلّق واحدة رجعيا فلا يجوز له الزواج بالخامسة الا بعد انتهاء العدة.

و من طلّق زوجته ثلاثا و قد تخللت بينها رجعتان او ما بحكمهما و لم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه حتي تنكح زوجا غيره. و اذا تكرر الطلاق بعد ذلك حرمت في السادس كما سبق و في التاسع مؤبدا علي بيان يأتي في باب الطلاق إن شاء اللّه تعالي.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز الزيادة علي اربع

فمما لا خلاف فيه بين المسلمين. و يمكن استفادته من قوله تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (1) ، فان العدد و ان لم يكن له مفهوم الا ان ذلك فيما إذا لم يسق في مقام التحديد و الا ثبت له، و ظاهر الآية الكريمة سوقها لذلك.

و الروايات الدالة علي ذلك كثيرة، كصحيح زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جمع الرجل اربعا و طلّق احداهن فلا يتزوج الخامسة حتي تنقضي عدة المرأة التي طلّق. و قال: لا يجمع ماءه في خمس»(2) و غيره.

و احتمال كون المقصود تحريم وط ء الخامسة دون اصل الزواج

ص: 350


1- النساء: 3.
2- وسائل الشيعة 399:14 الباب 2 من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.

لقوله عليه السّلام: «لا يجمع ماءه في خمس» ضعيف، لان ظاهره الكناية عن الزواج، و مع التنزل تكفينا الروايات الاخري.

2 - و اما التخصيص بالعقد الدائم

فلا خلاف فيه. و تدل عليه الروايات الكثيرة، كصحيحة زرارة: «قلت: ما يحل من المتعة؟ قال: كم شئت»(1) و غيرها.

و لا يضرها الاضمار بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه السّلام. علي ان بالامكان التعويض عنها بالروايات الاخري.

و إذا قيل: ان موثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قالت عن المتعة: «هي احد الاربعة»(2) ، و هذا يدل علي الخلاف.

قلنا: لا بدّ من توجيهها بشكل و آخر لعدم التزام احد بمضمونها.

و يمكن حملها علي ارادة الاحتياط تحفظا من انكار المخالفين، كما دلت عليه بوضوح صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «قال ابو جعفر عليه السّلام: اجعلوهن من الاربع فقال له صفوان بن يحيي: علي الاحتياط؟ قال: نعم»(3).

3 - و اما عدم جواز الزواج بالخامسة لمن طلّق واحدة رجعيا

فلا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة و غيرها.

و اما تقييد الطلاق بما إذا كان رجعيا فهو المشهور باعتبار

ص: 351


1- وسائل الشيعة 446:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 448:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث 10.
3- وسائل الشيعة 448:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

انقطاع العصمة في البائن.

و المناسب التعميم لإطلاق الصحيحة المتقدمة و غيرها الا ان يثبت اجماع تعبدي علي خلافه فيكون مقيدا.

ه - الكفر
اشارة

لا يجوز للمسلم الزواج بالكافرة غير الكتابية. و في جوازه بالكتابية خلاف.

و اما المسلمة فلا يجوز لها الزواج بغير المسلم مطلقا.

و لا يجوز للمسلم الزواج بالكتابية علي زوجته المسلمة بدون اذنها حتي بناء علي جواز زواج المسلم بالكتابية.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز زواج المسلم بالكافرة غير الكتابية

فقد ادعي عليه الاجماع، و قد يستدل له بقوله تعالي: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّي يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَي النّارِ (1).

و لكنه - كما تري - خاص بالمشركة و لا يعمّ مطلق الكافرة الا ان يتمسك باحد البيانين التاليين:

أ - ان ذيل الآية الكريمة: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَي النّارِ ينفي الخصوصية للمشركة.

ب - التمسك بالغاية - حتي يؤمنّ - حيث تدل علي ان المسلم

ص: 352


1- البقرة: 221.

لا يجوز له الزواج بغير المؤمنة.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فلان ذيل الآية الكريمة وارد مورد الحكمة فلا يمكن التمسك به لإثبات التعميم، بل لا ينفع التمسك به حتي علي تقدير وروده مورد العلة لأنه يدل آنذاك علي عدم ثبوت النهي إذا لم تتحقق الدعوة بالفعل الي النار، كما إذا كان بين الزوجين نفرة لا يمكن تحقق الدعوة إلي النار معها.

و اما الثاني فلاحتمال ان لا يكون المقصود من الايمان في الغاية الإسلام بل الايمان باللّه سبحانه بنحو التوحيد و من دون شرك.

و الاولي الاستدلال بقوله تعالي: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ (1) ، فان العصم جمع عصمة، و هي ما يعتصم به كالعقد. و الكوافر جمع كافرة. و المراد نهي المؤمنين عن الاستمرار في نكاح الكوافر لانقطاع العصمة بالاسلام. و إذا ثبت هذا بقاء ثبت ابتداء بالاولوية.

و علي هذا يتمسك باطلاق الآية الكريمة الا ان يقوم دليل علي الخلاف في مورد فيقيد به في ذلك المورد.

2 - و اما الكتابية

فيمكن القول بجواز زواج المسلم بها انقطاعا بل دواما أيضا - خلافا لما قيل من عدم الجواز مطلقا أو في خصوص الدائم - لصحيحة معاوية بن وهب و غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية و النصرانية فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية و النصرانية؟ فقلت له: يكون له فيها الهوي، قال: ان فعل

ص: 353


1- الممتحنة: 10.

فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير...»(1) و غيرها.

هذا و قد يستدل علي عدم الجواز بما يلي:

أ - التمسك بالآية المتقدمة وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّي يُؤْمِنَّ بعد تفسير المشرك بما يعمّ الكتابي لقوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصاري الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ... اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ (2).

و فيه: ان كلمة «المشرك» منصرفة عن الكتابي. و التعبير في قوله تعالي: سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ لا يتنافي مع دعوي الانصراف المذكورة، و لذا نلاحظ عطف الكتابي علي المشرك في جملة من الآيات، كقوله تعالي: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ... (3)

و غيره.

ب - التمسك بقوله تعالي: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ... (4) ، بتقريب ان الزواج بالكتابية لما كان موجبا لموادتها المنهي عنها فيلزم ان يكون محرما.

و فيه: انه لا تلازم بين الزواج و المودة. و مع التنزل يمكن القول بان المنهي عنه هو موادة من حادّ اللّه و رسوله من حيث الوصف المذكور لا2.

ص: 354


1- وسائل الشيعة 412:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
2- التوبة: 30-31.
3- البقرة: 105.
4- المجادلة: 22.

مطلقا بل يمكن القول بعدم دلالتها علي التحريم رأسا.

ج - التمسك بموثقة زرارة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن نكاح اليهودية و النصرانية فقال: لا يصلح للمسلم ان ينكح يهودية و لا نصرانية انما يحل منهنّ نكاح البله»(1).

و فيه: ان التعبير بجملة «لا يصلح» لا يدل علي التحريم بل هو أعم منه.

3 - و اما عدم جواز زواج المسلمة بالكافر

فلا خلاف فيه، و يمكن استفادته من قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (2) ، فان النهي في مرحلة البقاء يلازم النهي في مرحلة الحدوث ان لم يكن ذلك اولي.

و يمكن استفادة ذلك أيضا من روايات متعددة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أسلمت امرأة و زوجها علي غير الإسلام فرّق بينهما»(3) و غيرها.

4 - و اما عدم جواز الزواج بالكتابية علي المسلمة

فلعدة روايات، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا تتزوج اليهودية و النصرانية علي المسلمة»(4) و غيرها.

بل في بعضها يضرب الزوج ثمن حدّ الزاني، كما في صحيح

ص: 355


1- وسائل الشيعة 414:14 الباب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
2- الممتحنة: 10.
3- وسائل الشيعة 421:14 الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 418:14 الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر المتعة الحديث 1.

هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل تزوج ذمية علي مسلمة، قال:

يفرّق بينهما و يضرب ثمن حدّ الزاني اثنا عشر سوطا و نصفا فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ و لم يفرّق بينهما...»(1).

و دلالتها واضحة في ان عدم الجواز حق للمسلمة و ليس حكما شرعيا ليمتنع ارتفاعه باذنها أو رضاها المتاخر.

و، ز - الاحرام و اللعان
اشارة

لا يجوز للمحرم الزواج حالة احرامه سواء كانت المرأة محرمة أيضا أم لا.

و لو فعل ذلك مع علمه بالحرمة حرمت عليه مؤبدا سواء دخل بها أم لا.

و من قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا اذا لا عنها فانه يدرأ بذلك الحدّ عن نفسه و لكنه يحرم عليها مؤبدا.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز زواج المحرم حالة احرامه

فلا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة يونس بن يعقوب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يتزوج؟ قال: لا، و لا يزوّج المحرم المحل»(2) و غيرها.

2 - و اما الحرمة المؤبدة

فالروايات فيها علي ثلاث طوائف:

الاولي - ما دلّ علي الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية - و ما دلّ علي عدمها مطلقا.

الثالثة - و ما دلّ علي التفصيل بين فرض العلم بالحرمة فتثبت الحرمة مؤبدا و بين عدمه فلا تثبت.

مثال الاولي: موثقة اديم بن الحر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرم

ص: 356


1- وسائل الشيعة 419:14 الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 378:14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

إذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرّق بينهما، و لا يتعاودان ابدا»(1).

و مثال الثانية: صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحل فقضي ان يخلي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا حتي يحل، فاذا احلّ خطبها ان شاء و ان شاء اهلها زوجوه، و ان شاءوا لم يزوجوه»(2).

و مثال الثالثة: صحيحة زرارة و داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحل له أبدا»(3).

و التعارض بين الاولي و الثانية - بقطع النظر عن الثالثة - و ان كان مستقرا الا انه بعد ملاحظة الثالثة يمكن الجمع عرفا بحمل الاولي علي فرض العلم بالحرمة و الثانية علي فرض الجهل. و بذلك نصل إلي النتيجة المذكورة في المتن.

و اما التعميم لفرض الدخول و عدمه فلإطلاق النصوص من هذه الناحية.

3 - و اما ان من قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا إذا لاعنها

فيأتي وجهه في باب الحدود ان شاء اللّه تعالي.

و اما ثبوت الحرمة المؤبدة باللعان فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يقذف امرأته قال: يلاعنها ثم يفرّق

ص: 357


1- وسائل الشيعة 91:9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 92:9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 378:14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

بينهما فلا تحل له أبدا»(1) و غيرها.

5 - الزواج المؤقت
اشارة

الزواج المؤقت - و هو ما يصطلح عليه بعقد التمتع - مشروع بلا اشكال.

و يعتبر فيه الايجاب و القبول اللفظيان، و تعيين المهر و الاجل، و بدون ذلك يبطل.

كما يعتبر فيه الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه بحيضتين كاملتين تلحظان بعد ذلك. و إذا فرض انها لا تحيض و هي في سن من تحيض لزمها الاعتداد بخمسة و اربعين يوما. هذا في غير الصغيرة و اليائس و التي لم يدخل بها، و اما هنّ فلا عدة عليهنّ.

هذا في غير موت الزوج أثناء الاجل و الا لزمها الاعتداد بأربعة أشهر و عشرة أيام.

و الولد المتحقق به ملحق بالزوج و له جميع حقوق الولد الثابتة في العقد الدائم.

و لا تستحق الزوجة فيه النفقة و لا توارث بينها و بين الزوج لو تحقق موت احدهما في الاجل الا مع الاشتراط.

كما انه لا طلاق فيه بل تحصل البينونة بانتهاء المدة أو هبة ما تبقي منها.

و لا يجوز للمسلم التمتع بالكافرة غير الكتابية.

و لا يصح - عند المشهور - تجديد العقد دائما أو منقطعا قبل انتهاء الاجل.

ص: 358


1- وسائل الشيعة 379:14 الباب 32 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

و يجوز للمتمتع بها اشتراط عدم الدخول بها و لكنها لو أذنت بعد ذلك جاز.

و المستند في ذلك:

1 - اما شرعية الزواج المؤقت

فهي من شعار الامامية و ضرورات مذهبهم، بل ذلك مورد اتفاق جميع المسلمين و ان اختلفوا في نسخه بعد ذلك.

و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (1).

و أحاديثنا في ذلك متواترة بل و أحاديث غيرنا كذلك.

فمن أحاديثنا صحيح زرارة: «جاء عبد اللّه بن عمير الليثي إلي ابي جعفر عليه السّلام فقال: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: احلّها اللّه في كتابه و علي سنّة نبيه، فهي حلال إلي يوم القيامة فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا و قد حرّمها عمر و نهي عنها؟ فقال: و ان كان فعل، فقال: فاني اعيذك باللّه من ذلك ان تحل شيئا حرّمه عمر فقال له: فانت علي قول صاحبك و انا علي قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فهلمّ ألاعنك ان الحق ما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و ان الباطل ما قال صاحبك...»(2) و غيره.

و من احاديث غيرنا ما رواه البخاري و مسلم عن جابر بن عبد اللّه و سلمة بن الاكوع قالا: «خرج علينا منادي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: ان

ص: 359


1- النساء: 24.
2- وسائل الشيعة 437:14 الباب 1 من أبواب المتعة الحديث 4.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد اذن لكم ان تستمتعوا، يعني متعة النساء»(1).

و بعد اتفاق السنّة الشريفة من كلا الطرفين علي ذلك لا معني للإشكال في دلالة الآية الكريمة بدعوي ان الاستمتاع ليس بمعني عقد التمتع بل بمعني الدخول المتحقق في العقد الدائم و ان الآية بصدد بيان ان الدخول موجب لاستحقاق المهر كاملا(2) ، ان هذا لا يجدي بعد دلالة السنّة الشريفة و اتفاق المسلمين علي ذلك(3).

اجل قد تنفع في المقام دعوي نسخ المشروعية، الا ان صدور ذلك من النبي صلّي اللّه عليه و آله ان لم يكن مقطوع العدم فهو مشكوك فيه، و معه يجري استصحاب عدم النسخ الذي هو حجة لدي الجميع بما في ذلك المنكر لحجية الاستصحاب في باب الاحكام الكلية.

و صدور النهي من بعد زمان النبي صلّي اللّه عليه و آله و ان كان مسلما(4) الا انهه:

ص: 360


1- صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة الرقم 1405، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن نكاح المتعة آخرا الرقم 5117.
2- احكام القرآن لأبي بكر الجصاص 184:2 و تفسير القرطبي 129:5 و تفسير الرازي 10: 51.
3- من جملة من نقل الاتفاق علي اباحة المتعة في صدر الإسلام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 51:10.
4- روي مسلم في باب نكاح المتعة في صحيحة الرقم 1409 عن ابي نضرة قال: «كنت عند جابر بن عبد اللّه فأتاه آت فقال: ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما». و روي الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 52:10 عن عمران بن الحصين: «نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تعالي و لم تنزل بعدها آية تنسخها و امرنا بها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و تمتعنا بها و مات و لم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء». و نقل في الصفحة نفسها من تفسيره عن الطبري في تفسيره عن علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه: «لو لا ان عمر نهي الناس عن المتعة ما زني الا شقي». و نقل في الصفحة نفسها أيضا ان الخليفة الثاني قال في خطبته: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم انا انهي عنهما و اعاقب عليهما». و قد روي المضمون المذكور البيهقي في سننه 206:7. و روي أحمد في مسنده 325:3: «تمتعنا متعتين علي عهد رسول اللّه: الحج و النساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا». و روي احمد في مسنده أيضا 95:2 عن عبد اللّه بن عمر الذي كان يفتي بجواز التمتع: «كيف تخالف أباك و قد نهي عن ذلك؟ فقال لهم: ويلكم ألا تتقون... أ فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحق أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر».

لا ينفع بعد ما كان نسخ الاحكام حقا خاصا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و في عصره لوضوح ان حلاله حلال إلي يوم القيامة و حرامه حرام إلي يوم القيامة(1).

و من الجرأة علي اللّه سبحانه مقالة من اجاب: «ان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع»(2) ، ان اللّه سبحانه يقول عن نبيّه: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (3) ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحي إِلَيَّ (4) و في مقابله يقال: ان النبي مجتهد كبقية أفراد البشر دون أي فرق، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً (5).5.

ص: 361


1- ورد المضمون المذكور في صحيحة زرارة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي 58:1.
2- الجواب المذكور نقله القوشجي في شرحه علي تجريد الاعتقاد: 374 في مقام الدفاع عن الخليفة الثاني - الذي صعد المنبر و قال: ايها الناس ثلاث كنّ علي عهد رسول اللّه انا انهي عنهن و احرّمهن و اعاقب عليهن و هي متعة النساء و متعة الحج و حيّ علي خير العمل - من دون تعليق عليه.
3- النجم: 3-4.
4- «لو لا ان عمر نهي الناس عن المتعة ما زني الا شقي». و نقل في الصفحة نفسها أيضا ان الخليفة الثاني قال في خطبته: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم انا انهي عنهما و اعاقب عليهما». و قد روي المضمون المذكور البيهقي في سننه 206:7. و روي أحمد في مسنده 325:3: «تمتعنا متعتين علي عهد رسول اللّه: الحج و النساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا». و روي احمد في مسنده أيضا 95:2 عن عبد اللّه بن عمر الذي كان يفتي بجواز التمتع: «كيف تخالف أباك و قد نهي عن ذلك؟ فقال لهم: ويلكم ألا تتقون... أ فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحق أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر».
5- الكهف: 5.

و إذا قيل في الرد علي مشروعية المتعة: «سمي الزنا سفاحا لانتفاء احكام النكاح عنه من ثبوت النسب و وجوب العدة و بقاء الفراش، و لما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معني الزنا»(1).

قلنا: هذه مناقشة للّه سبحانه و لرسوله الاكرم صلّي اللّه عليه و آله حيث ثبتت المشروعية عنهما في بداية الشريعة بالاتفاق. علي انه سيأتي اعتبار الامور الثلاثة المذكورة في الزواج المؤقت كالدائم.

و إذا قيل: ان ايجار المرأة نفسها كل فترة من الزمن لرجل يتنافي و الاحصان المؤكد عليه في الشريعة و يتلاءم مع السفاح.

بل جواز المتعة يتنافي مع قوله تعالي: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (2) ، فان المتمتع بها ليست زوجة و لا ملك يمين فيكون الزواج بها من العدوان المحرم.

علي ان التحريم الصادر من الخليفة الثاني لم يكن من قبل نفسه بل هو مبيّن و منفّذ له، و إذا كان النهي قد نسبه إلي نفسه فهو بهذا المعني(3).

قلنا: لا تنافي بين الزواج المؤقت و الاحصان إذا ما فهمنا شروطه كما ينبغي. كيف و لو كان يلزم منه ذلك عاد الاشكال الي تشريعه الثابت في عهد الرسول صلّي اللّه عليه و آله جزما؟!

و المنافاة مع الآية الكريمة لا نعرف لها وجها بعد ما كانت المتعة5.

ص: 362


1- القول المذكور هو للجصاص في احكام القرآن 186:2.
2- المعارج: 29-30.
3- القول المذكور هو لمحمد رشيد رضا في تفسير المنار 13:5.

فردا حقيقيا للزواج، غايته هي زواج مؤقت له تمام خصوصيات الزواج الدائم الا من بعض الجهات.

و الدفاع المذكور أخيرا دفاع بما لا يرضي به صاحبه و هو أوهن من بيت العنكبوت.

2 - و اما ان الزواج المؤقت لا يتحقق الا بايجاب و قبول لفظيين

فباعتبار انه فرد من الزواج فيشمله ما تقدم اعتباره في الزواج الدائم.

بل ان الزواج المؤقت اختص بروايات دلت علي اعتبار ذلك فيه، و قد تقدمت الاشارة إلي بعضها سابقا.

ثم ان الصيغة التي يقع بها الزواج المذكور ان تقول المرأة: متعتك أو أنكحتك أو زوجتك نفسي بمهر كذا إلي أجل كذا ثم يقول الرجل:

قبلت.

و كل ما تقدم من ابحاث في الزواج الدائم - كاعتبار العربية أو تقدّم الايجاب أو كونه من المرأة أو... آت هنا لكونه فردا حقيقيا للزواج كالدائم.

3 - و اما اعتبار تعيين المهر و الاجل في الزواج المؤقت و بطلانه

عند عدم ذلك

فلصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكون متعة الا بأمرين: أجل مسمي و اجر مسمي»(1) و غيرها.

4 - و اما وجوب الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه

فلا اشكال فيه في الجملة، و انما الاشكال في مقدار العدة، حيث دلت بعض الروايات علي انه حيضتان في من تحيض و خمسة و أربعون يوما في

ص: 363


1- وسائل الشيعة 465:14 الباب 17 من أبواب المتعة الحديث 1.

من لا تحيض و هي في سن من تحيض، في حين دلّ بعضها الآخر علي كونه حيضة واحدة في من تحيض و خمسة و اربعين يوما في من لا تحيض.

مثال الاول: صحيحة اسماعيل بن الفضل الهاشمي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة فقال: الق عبد الملك ابن جريح فسله عنها فان عنده منها علما، فلقيته فأملي عليّ شيئا كثيرا في استحلالها و كان فيما روي لي فيها... فاذا انقضي الاجل بانت منه بغير طلاق... و عدتها حيضتان و ان كانت لا تحيض فخمسة و أربعون يوما قال: فأتيت بالكتاب ابا عبد اللّه عليه السّلام فقال: صدق و اقرّ به...»(1).

و مثال الثاني: صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة المتعة ان كانت تحيض فحيضة، و ان كانت لا تحيض فشهر و نصف»(2).

و الجمع العرفي بينهما بحمل الاولي علي الاستحباب متعذر اما لان الاوامر الارشادية لا تقبل ذلك مطلقا او لأنها و ان قبلت ذلك و لكن بشرط ان يكون لسانها لسان الامر دون لسان الاخبار كما هو المفروض في المقام.

و مع تعذر الجمع العرفي يكون التعارض مستقرا فيلزم الرجوع إلي المرجحات - موافقة الكتاب الكريم و مخالفة التقية - و حيث انها غير متوفرة في المقام يتعين التساقط و الرجوع إلي الاصل، و هو يقتضي اعتبار الحيضتين للشك في ترتب الاثر علي العقد الثاني قبل مضي ذلك فيستصحب عدمه. و لا مجال للرجوع إلي قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما1.

ص: 364


1- وسائل الشيعة 447:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 473:14 الباب 22 من أبواب المتعة الحديث 1.

وَراءَ ذلِكُمْ (1) لكونه ناظرا الي العموم الافرادي دون الاحوالي.

5 - و اما اعتبار كمال الحيضتين بعد انتهاء الاجل او الابراء و عدم

كفاية الحيضة التي يقع انتهاء الاجل او الابراء في اثنائها

فهو واضح بناء علي ترجيح صحيحة الهاشمي لان ظاهر التعبير «و عدتها حيضتان» هو ما ذكر، و اما بناء علي التساقط و الرجوع إلي الاصل فالامر كذلك أيضا كما هو واضح.

6 - و اما عدم لزوم الاعتداد علي الصغيرة و اليائس و التي لم

يدخل بها

فتدل عليه رواية عبد الرحمن بن الحجاج: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:

ثلاث يتزوجن علي كل حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض قال: قلت:

و ما حدّها؟ قال: إذا اتي لها أقلّ من تسع سنين، و التي لم يدخل بها و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض...»(2) و غيرها.

و سندها و ان اشتمل علي سهل بن زياد الا ان الامر فيه سهل إن شاء اللّه تعالي.

7 - و اما ان عدتها من الوفاة اربعة أشهر و عشرة ايام

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة زرارة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال: اربعة اشهر و عشرا، ثم قال:

يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلي المرأة حرة كانت أو أمة و علي أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشرا...»(3) و غيرها.

ص: 365


1- النساء: 24.
2- وسائل الشيعة 406:15 الباب 2 من أبواب العدد الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 484:15 الباب 52 من أبواب العدد الحديث 2.

بل يمكن التمسك بعموم قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً... (1).

و إذا قيل: انه ورد في رواية علي بن يقطين عن ابي الحسن عليه السّلام:

«عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة و اربعون يوما»(2) ، و في رواية الحلبي عن ابيه عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال: خمسة و ستون يوما»(3) و هذا يتنافي مع ما تقدم.

قلنا: لو تمّ سند الروايتين و لم يناقش في الاولي من ناحية احمد بن هلال و في الثانية من ناحية الارسال تحقق التعارض بينهما من جهة و بين صحيحة زرارة من جهة اخري و ينبغي ترجيح الثانية لموافقتها للكتاب الكريم.

8 - و اما ان الولد ملحق بالزوج فهو من واضحات الفقه.

و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث عن المتعة قلت: «أ رأيت إن حبلت فقال: هو ولده»(4) و غيرها.

بل لا نحتاج إلي رواية خاصة بعد قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»(5).

و اما ترتب جميع حقوق الولد - الثابتة في العقد الدائم - عليه

ص: 366


1- البقرة: 234.
2- وسائل الشيعة 485:15 الباب 52 من أبواب العدد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 485:10 الباب 52 من أبواب العدد الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 488:14 الباب 33 من أبواب المتعة الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 568:14 الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 4.

فباعتبار ان ذلك لازم كونه ولده، إذ يشمله آنذاك اطلاق أدلة احكام الولد الثابتة لعنوانه.

9 - و اما عدم استحقاق المتمتع بها للنفقة

فقد ادعي صاحب الجواهر الاجماع علي ذلك(1). و استدل له الشيخ البحراني بما دلّ علي انها لا تطلّق و لا تورث و انما هي مستأجرة، قال قدّس سرّه: «و من المعلوم ان الاجير لا نفقة له»(2).

و كان من المناسب له الاستدلال لذلك أيضا برواية هشام بن سالم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اتزوج المرأة متعة مرة مبهمة فقال: ذلك اشد عليك ترثها و ترثك و لا يجوز لك ان تطلقها الا علي طهر و شاهدين قلت: اصلحك اللّه فكيف أ تزوجها قال: اياما معدودة بشيء مسمّي مقدار ما تراضيتم به فاذا مضت ايامها كان طلاقها في شرطها و لا نفقة و لا عدة لها عليك»(3).

و لعل دلالتها واضحة الا ان سندها يشتمل علي موسي بن سعدان و عبد اللّه بن القاسم اللذين لم تثبت وثاقتهما، و لكن ذلك غير مهم علي مباني الشيخ البحراني قدّس سرّه.

هذان وجهان لإثبات عدم وجوب الانفاق علي المتمتع بها.

و كلاهما كما تري.

و الأنسب ان يستدل علي ذلك بان المسألة عامة البلوي، و حكمها

ص: 367


1- جواهر الكلام 303:31.
2- الحدائق الناضرة 98:25.
3- تهذيب الاحكام 267:7، و وسائل الشيعة 470:14 الباب 20 من ابواب المتعة الحديث 3.

لا بدّ ان يكون واضحا بين الاصحاب، و حيث لا يحتمل ان يكون هو وجوب الانفاق - و الا لانعكس ذلك علي الروايات و كلمات الاصحاب، و الحال ان الامر بالعكس تماما - فيتعين ان يكون هو عدم الوجوب، و هو المطلوب.

10 - و اما انه لا توارث في الزواج المؤقت الا مع الاشتراط

فهو المشهور. و الروايات في هذا المجال علي ثلاث طوائف:

الاولي - ما دلّ علي عدم الارث من دون تفصيل.

الثانية - ما دلّ علي الارث مع الشرط.

الثالثة - ما دلّ علي الارث الا مع اشتراط العدم.

مثال الاولي: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... و لا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الاجل»(1).

و السند يشتمل علي موسي بن بكر، و هو لم يوثق في كتب الرجال الا انه تقدم في ابحاث سابقة توجيه وثاقته.

و مثال الثانية: صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام:

«تزويج المتعة نكاح بميراث و نكاح بغير ميراث، ان اشترطت كان و ان لم تشترط لم يكن»(2).

و مثال الثالثة: موثقة محمد بن مسلم: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و انما الشرط بعد النكاح(3)»(4) ، بناء علي ان المقصود: اذا لم يشترطا عدم

ص: 368


1- وسائل الشيعة 2487:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 485:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 1.
3- لعل المقصود ان الشروط يلزم ان تذكر ضمن عقد النكاح و بعد كلمة «أنكحت».
4- وسائل الشيعة 486:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 2.

الارث، و اما اذا كان المقصود: إذا لم يشترطا الاجل فهي أجنبية عن المقام و لا بدّ من حذف الطائفة الثالثة من الحساب.

ثم ان المعارضة تنحصر بين الطائفة الثالثة و الثانية و الا فالاولي ليست طرفا للمعارضة بعد كونها بمنزلة المطلق القابل للتقييد بأي واحدة من الطائفتين الاخيرتين.

و كلتا الطائفتين متفقتان علي ثبوت الارث مع الاشتراط و انما التعارض عند فرض عدم الاشتراط، فالثانية تدل علي عدم الارث و الثالثة تدل علي ثبوته.

و بعد التعارض في هذا المقدار يتساقطان و يلزم الرجوع إلي الطائفة الاولي لأنها بمنزلة العام الفوقاني، و من ثمّ تكون النتيجة ثبوت الارث عند اشتراطه لكونه مورد اتفاق الطائفتين الاخيرتين و عدم ثبوته عند عدم اشتراطه تمسكا باطلاق الطائفة الاولي.

و بذلك نصل إلي النتيجة التي صار اليها المشهور.

و من هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من الحكم بعدم الارث حتي مع اشتراطه بدعوي ان مقتضي عقد التمتع عدم الارث، فاشتراطه مخالف لمقتضي العقد بل هو علي حد اشتراط ارث غير الوارث المعلوم بطلانه بسبب مخالفته للكتاب و السنة(1).

و وجه التأمل: انه اتضح من خلال ما ذكرناه ان عقد التمتع لا يقتضي الارث في حالة عدم الاشتراط و الا فيقتضيه لاتفاق الطائفتين الاخيرتين علي ذلك.0.

ص: 369


1- جواهر الكلام 195:30.
11 - و اما انه لا طلاق في عقد التمتع بل تحصل البينونة بانتهاء

الاجل

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة الهاشمي المتقدمة و غيرها.

و اما انه يصح للزوج هبة ما يبقي من الاجل و تبين بذلك فهو مما لا خلاف فيه أيضا. و تدل عليه صحيحة علي بن رئاب: «كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضي اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقع عليه السّلام: لا يرجع»(1) و غيرها.

و هي تدل علي المفروغية من جواز الابراء و انما السؤال عن جواز التراجع عنه.

و اضمارها لا يضر بحجيتها للبيان المتقدم في ابحاث سابقة لإثبات حجية المضمرات بشكل عام.

12 - و اما عدم جواز الزواج المؤقت بالكافرة غير الكتابية

فلما تقدم نفسه من الوجه في العقد الدائم.

13 - و اما انه لا يصح تجديد العقد عليها قبل انتهاء الاجل

فهو المشهور. و استدل لذلك صاحب الجواهر بوجوه ثلاثة:

أ - ان العقد إذا كان يؤثر من حينه يلزم محذور تحصيل الحاصل، و ان كان يؤثر بعد انتهاء الاجل يلزم تأخر الاثر عن المؤثر، و هو مستحيل.

ب - التمسك بمفهوم صحيحة ابي بصير: «لا بأس ان تزيدك

ص: 370


1- وسائل الشيعة 483:14 الباب 29 من أبواب المتعة الحديث 1.

و تزيدها إذا انقطع الاجل فيما بينكما تقول لها استحللتك بأجل آخر برضا منها و لا يحلّ ذلك لغيرك حتي تنقضي عدتها»(1).

ج - التمسك برواية ابان بن تغلب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها علي شهر ثم انها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز ان يزيدها في اجرها و يزداد في الايام قبل ان تنقضي ايامه التي شرط عليها فقال: لا، لا يجوز شرطان في شرط. قلت: فكيف يصنع؟ قال: يتصدق عليها بما بقي من الايام ثم يستأنف شرطا جديدا»(2). هذا ما افيد في الجواهر(3).

و الكل كما تري.

اما الاول فلان محذور تحصيل الحاصل يختص بالامور التكوينية دون الامور الاعتبارية، و ما المانع من تأثير العقد تأكيد الحاصل بلحاظ الفترة الباقية و التأسيس بلحاظ ما بعد انتهاء الاجل.

و اما الثاني فباعتبار انه لا يبعد نظر صحيحة ابي بصير في مفهومها الي انه يجوز بعد انتهاء الاجل تجديد العقد من دون توقف علي انتهاء العدة و ليست ناظرة إلي ما هو المقصود في محل الكلام.

و اما الثالث فباعتبار ان رواية ابان و ان كانت تامة الدلالة الا ان الشيخ الكليني قد رواها بطرق ثلاث تشترك جميعا في ابراهيم بن الفضل الهاشمي الذي لم تثبت وثاقته.

و عليه فالحكم بعدم الجواز لا بدّ من ابتنائه علي الاحتياط - تحفظا0.

ص: 371


1- وسائل الشيعة 475:14 الباب 23 من أبواب المتعة الحديث 2.
2- الكافي 458:5.
3- جواهر الكلام 202:30.

من مخالفة المشهور - دون الفتوي.

14 - و اما جواز اشتراط عدم الوط ء

فالظاهر انه لا خلاف فيه.

و تدل عليه صحيحة عمار بن مروان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: رجل جاء إلي امرأة فسألها ان تزوجه نفسها فقالت: ازوجك نفسي علي ان تلتمس مني ما شئت من نظر و التماس و تنال مني ما ينال الرجل من اهله الا ان لا تدخل فرجك في فرجي و تتلذذ بما شئت فاني اخاف الفضيحة، قال: ليس له الا ما اشترط»(1).

بل بالامكان التمسك باطلاق موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام ان علي بن ابي طالب عليه السّلام كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما»(2).

و اما انه يجوز الوط ء لو تنازلت عن شرطها فباعتبار ان ما اشترطته كان حقا لها لا عليها، و من حق كل صاحب حق التنازل عن حقه.

و من هذا يتضح التأمل فيما نسب إلي العلامة من عدم جواز الوط ء حتي مع التنازل بتقريب ان العقد لم يتشخص الا بذلك الشرط، و خلافه ليس مندرجا في العقد(3).

علي ان المسألة تشتمل علي نص خاص، و هو ما رواه اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل تزوج بجارية عاتق علي ان لا يفتضها

ص: 372


1- وسائل الشيعة 491:14 الباب 36 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 487:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 9.
3- الحدائق الناضرة 198:24.

ثم اذنت له بعد ذلك قال: إذا اذنت له فلا بأس»(1).

6 - أحكام النفقة
اشارة

يجب علي الزوج الانفاق علي زوجته الدائمة بما هو المتعارف من حيث الطعام و السكن و الملابس و ما شاكل ذلك بشرط ان لا تكون متمردة علي القيام بحقوقه الزوجية.

و إذا خرجت من بيت زوجها معلنة للتمرد فلا نفقة لها. و اما إذا لم يكن عن تمرد فلا تستحق النفقة الا بعد عودها.

و إذا لم يقم الزوج بالنفقة الواجبة اشتغلت ذمته بها.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الانفاق علي الزوجة

فهو في الجملة من ضروريات الفقه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ...

وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) ، فان مقتضي المعاشرة بالمعروف هو الانفاق بالشكل المتعارف من حيث المسكن و الطعام و ما شاكل ذلك.

و اختصاص الآية الاولي بالزوجة المولود لها ليس مضرا بعد

ص: 373


1- وسائل الشيعة 45:15 الباب 36 من أبواب المهور الحديث 2. و العاتق: الجارية اول ما تدرك او الجارية التي لم تتزوج.
2- البقرة: 233.
3- النساء: 19.

عدم احتمال اختصاص الحكم بها.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

و اما الروايات فهي كثيرة، كصحيحة ابي بصير: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا علي الامام ان يفرّق بينهما»(1) و غيرها.

2 - و اما التقييد بالزوجة الدائمة

- بالرغم من شمول اطلاق ما تقدم للمنقطعة - فقد تقدم وجهه عند البحث عن الزواج المؤقت.

3 - و اما ان المدار علي المتعارف

فيمكن ان يقرب ببيانين:

أ - التمسك بفكرة الاطلاق المقامي، بان يقال: ان اثبات وجوب الانفاق من دون تحديده كما و كيفا يدل علي احالة الامر في المسألة الي العرف و ما هو المتعارف عنده.

ب - ان التقييد بكلمة «بالمعروف» في الآيتين الكريمتين يدل بوضوح علي المطلوب.

4 - و اما تعميم الانفاق الواجب لغير الطعام و الملابس

فللتمسك باطلاق الامر بالمعاشرة بالمعروف.

و لا يمكن تقييده بمدلول الآية الكريمة الاولي أو بالصحيحة لعدم ثبوت المفهوم لهما، بل الرزق في الآية يحتمل ان يراد به العموم دون خصوص الرزق للطعام، و الا فالسكن ليس مذكورا فيهما، و هل يحتمل عدم وجوب النفقة من ناحيته؟

ص: 374


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 2.

و هل المدار في النفقة الواجبة علي ملاحظة شأن الزوجة أو شأن الزوج أو شأن كليهما؟ لا يبعد أرجحية الأخير، فان المعاشرة بالمعروف تصدق مع ملاحظة شأن الاثنين دون احدهما.

5 - و اما اعتبار ان لا تكون الزوجة متمردة علي القيام بالحقوق

الزوجية

فباعتبار ان المعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية الكريمة لا تقتضي الا لزوم انفاق الزوج علي زوجته في حالة قيامها بحقوقه و الا فتركه للإنفاق لا يعدّ امرا مخالفا للمعاشرة بالمعروف.

و إذا قيل: ان الآية الكريمة المذكورة و ان كانت ضيقة المدلول الا ان هذا لا ينافي التمسك باطلاق الآية الاخري و الصحيحة المقتضي لوجوب الانفاق حتي مع النشوز.

قلنا: بما ان الآية الكريمة واردة مورد التحديد فتدل علي المفهوم الصالح لتقييد الاطلاق في غيرها.

6 - و اما عدم استحقاق النفقة مع الخروج عن تمرد

فلما تقدم من اشتراط وجوب النفقة بعدم التمرد علي الحقوق الزوجية.

و اما عدم استحقاقها مع الخروج بلا تمرد الا بعد العود فلموثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ايّما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتي ترجع»(1).

و السكوني و النوفلي و ان لم يوثقا بشكل خاص الا انه تقدم في ابحاث سابقة امكان توجيه حجية رواياتهما.

7 - و اما انشغال ذمة الزوج بالنفقة اذا لم يؤدها

فيمكن استفادته

ص: 375


1- وسائل الشيعة 230:15 الباب 6 من أبواب النفقات الحديث 1.

من قوله تعالي: وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ (1) ، فان التعبير بكلمة «علي» ظاهر في إرادة الحكم الوضعي دون مجرّد الحكم التكليفي.

7 - احكام القسمة
اشارة

في وجوب القسمة بين الزوجات في مبيت الليالي ابتداء أو بعد الشروع خلاف، فقيل بعدم الوجوب الا بالشروع، و قيل بالوجوب ابتداء.

و في وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت وجه.

و الواجب في المبيت هو المضاجعة دون المواقعة.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب القسمة في مبيت الليالي

فلا اشكال فيه في الجملة، فان لكل انسان الحق في الزواج بأربع نساء بالعقد الدائم، و إذا بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من البقية ليلة الا إذا تنازلت واحدة عن حقها فله ان يضع ليلتها حيث شاء.

و إذا كانت عنده ثلاث زوجات و بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من الأخيرتين بالمثل - الا مع التنازل فكما تقدم - و تبقي له ليلة يضعها حيث شاء.

و إذا كانت عنده زوجتان و بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند الاخري ليلة - الا مع التنازل - و كانت له ليلتان يضعهما حيث شاء.

ص: 376


1- البقرة: 233.

و هذا المقدار لم يقع محلا للخلاف بين الفقهاء و انما الخلاف في لزوم الشروع و عدمه في التقسيم ابتداء، فهل يلزم من كانت عنده زوجتان مثلا الشروع في المبيت، بان يبات عند هذه ليلة ثم عند الاخري ليلة و يضع الليلتين الاخيرتين من الاربع حيث شاء أو لا يلزمه ذلك بل له الحق في ان لا يبات عندهما رأسا؟

قيل بلزوم الشروع في التقسيم ابتداء. و قيل لا يلزم ذلك و لكنه لو شرع بالمبيت عند واحدة لزمه المبيت عند الاخري أيضا و يعود حرا في الليلتين الاخيرتين، و إذا تمت الليالي الاربع فلا يلزمه الشروع في المبيت من جديد و لكنه لو شرع لزمه المبيت عند الاخري بالمثل، و هكذا.

و الخلاف نفسه يسري إلي من كانت عنده زوجة واحدة، فانه علي القول الاول يلزمه المبيت عندها ليلة من كل اربع ليال، بخلافه علي القول الثاني فانه لا يلزمه ذلك.

و ليس المنشأ لهذا الاختلاف اختلاف الروايات بل هو القصور في مدلولها عن افادة تعيين احد الاحتمالين بخصوصه، كما نلاحظ ذلك في صحيحة محمد بن مسلم: «سألته عن الرجل تكون عنده امرأتان و احداهما أحبّ إليه من الاخري، قال: له أن يأتيها ثلاث ليال و الاخري ليلة، فان شاء أن يتزوج اربع نسوة كان لكل امرأة ليلة فلذلك كان له ان يفضّل بعضهن علي بعض ما لم يكنّ أربعا»(1) و غيرها.

و لا يضر اضمارها بعد ما كان المضمر مثل محمد بن مسلم الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه السّلام.3.

ص: 377


1- وسائل الشيعة 81:15 الباب 1 من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.
2 - اما القول بعدم وجوب القسمة الا بالشروع

فيمكن الاستدلال له بالبيانين التاليين:

أ - التمسك باصالة البراءة عن وجوب التقسيم ابتداء بعد قصور الصحيحة المتقدمة و ما هو بمضمونها عن افادته.

ب - التمسك بموثقة اسحاق بن عمار حيث: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن حق المرأة علي زوجها قال: يشبع بطنها و يكسو جثتها و ان جهلت غفر لها»(1) و ما هو بمضمونها، بتقريب انها بصدد بيان حق الزوجة علي زوجها و لم يذكر منه المبيت عندها فيدل ذلك علي عدم وجوبه ابتداء.

و كلا الوجهين تامان لو فرض عدم تمامية ما يستدل به علي الوجوب ابتداء و الا فلا معني للتمسك بأصل البراءة و يلزم تقييد الموثقة، فان دلالتها علي نفي الوجوب ابتداء بالاطلاق فيقيد.

3 - و اما القول بوجوب القسمة ابتداء

فقد يستدل له بما يلي:

أ - التمسك بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يتزوج الامة علي الحرة قال: لا يتزوج الامة علي الحرة و يتزوج الحرة علي الامة. و للحرة ليلتان و للأمة ليلة»(2) و ما هو بمضمونها.

و فيه: ان من المحتمل ان يكون المقصود من ذلك انه لو أراد المبيت فيلزمه تخصيص الحرة بليلتين و الأمة بليلة واحدة لا ان ذلك واجب عليه ابتداء.

ص: 378


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 88:15 الباب 8 من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.

ب - التمسك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم 1، حيث ورد فيها «فان شاء ان يتزوج اربعة نسوة كان لكل امرأة ليلة»، فان مقتضي اطلاقها ان لكل امرأة من الاربع ليلة سواء شرع في القسمة أم لا.

و فيه: ان المقصود من جملة «كان لكل امرأة ليلة» عدم جواز تفضيل بعضهن علي بعض لا استحقاق كل واحدة ليلة، و لا أقل من احتمال ذلك، و معه لا يصح التمسك بالاطلاق.

ج - التمسك باطلاق قوله تعالي: وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) ، بتقريب انه يدل علي وجوب فعل كل ما هو مصداق للمعاشرة بالمعروف، و من جملته المبيت عند الزوجة. و الاطلاق المذكور حجة ما لم يدل دليل علي تقييده، و حيث لم يدل دليل علي نفي وجوب المبيت ابتداء فيكون الاطلاق محكّما.

و الظاهر ان الوجه المذكور متين، و في ضوئه يمكن الحكم بوجوب القسمة ابتداء.

4 - و اما الوجه في وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت

فمستنده رواية ابراهيم الكرخي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له اربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهن، فاذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في هذا اثم؟ قال: انما عليه ان يبيت عندها في ليلتها و يظل عندها في صبيحتها و ليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك»(2).

ص: 379


1- النساء: 19.
2- وسائل الشيعة 84:15 الباب 5 من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.

و ابراهيم و ان لم يوثق بالخصوص الا انه تكفي رواية ابن ابي عمير عنه(1) بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من روي عنه أحد الثلاثة.

5 - و اما عدم وجوب المواقعة

فلأصل البراءة بعد عدم الدليل علي وجوبها.

هذا لو قطعنا النظر عن رواية الكرخي المتقدمة و الا كانت هي الدليل.

ثم انه قد يشكك في وجوب المضاجعة - و هي النوم مع الزوجة في فراش واحد قريبا منها بحيث لا يعدّ هاجرا لها - أيضا باعتبار ان الروايات دلت علي وجوب المبيت دون المضاجعة عنده، و معه يتمسك لنفي وجوبها بأصل البراءة.

ص: 380


1- كما ورد في الكافي 292:2 الحديث 11.

الإيقاعات

اشارة

1 - الطلاق

2 - الظهار

3 - الايلاء

4 - اللعان

5 - اليمين و النذر و العهد

6 - الوصية

7 - الوقف

8 - الجعالة

9 - الشفعة

ص: 381

ص: 382

كتاب الطّلاق

اشارة

1 - حقيقة الطلاق

2 - شرائط صحة الطلاق

3 - أقسام الطلاق

4 - أحكام العدّة

5 - من أحكام الخلع و المباراة

6 - من أحكام الطلاق

ص: 383

ص: 384

1 - حقيقة الطلاق
اشارة

الطلاق ايقاع يتضمّن إنشاء الزوج للفرقة بعد تحقّق الزوجية الدائمة.

و هو مشروع بضرورة الدين من الزوج فقط إلاّ في موارد خاصّة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الطلاق ايقاع متقوّم بالايجاب بلا مدخلية للقبول في

تحققه

فهو من بديهيات الفقه. و يمكن استفادته من النصوص المذكورة في ثنايا الابحاث الآتية.

و اما ان حقيقته ما ذكر فهو من بديهيات اللغة و الشرع.

و اما اختصاص مورده بفرض الزواج الدائم فلما يأتي ان شاء اللّه تعالي.

2 - و اما انه مشروع

فهو من ضروريات دين الإسلام. و يدل علي ذلك أيضا ترتيب الاحكام الخاصة عليه في الكتاب الكريم. قال تعالي:

ص: 385

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ... (1) ، اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ... (2) ، وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ... (3) ، إلي غير ذلك من الآيات الكريمة.

و اذا كان الزواج أحبّ شيء إلي اللّه سبحانه فالطلاق أبغض شيء اليه. و قد ورد في الحديث الشريف عنه صلّي اللّه عليه و آله: «ما من شيء أحب إلي اللّه عز و جل من بيت يعمر بالنكاح. و ما من شيء أبغض إلي اللّه عز و جل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة، يعني الطلاق»(4).

و في حديث آخر: «تزوجوا و لا تطلقوا، فان الطلاق يهتز منه العرش»(5).

أجل هذا يختص بحالة الوئام بين الزوجين أو وجود مشاكل لا ينحصر علاجها بالطلاق و الا لم يكن مبغوضا لعدم احتمال المبغوضية شرعا في مثل ذلك. مضافا الي دلالة جملة من الروايات علي ذلك. و قد ورد في الحديث ان أبا جعفر عليه السّلام «كانت عنده امرأة تعجبه و كان لها محبا فأصبح يوما و قد طلّقها و اغتم لذلك فقال له بعض مواليه: لم طلقتها؟ فقال: اني ذكرت عليا عليه السّلام فتنقصته فكرهت ان الصق جمرة من جهنم بجلدي»(6). بل روي عن الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله: «خمسة لا يستجاب لهم: رجل جعل اللّه بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه و عنده ما1.

ص: 386


1- البقرة: 228.
2- البقرة: 229.
3- البقرة: 231.
4- وسائل الشيعة 266:15 الباب 1 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 268:15 الباب 1 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
6- وسائل الشيعة 269:15 الباب 3 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

يعطيها و لم يخلّ سبيلها...»(1).

يبقي كيف نثبت مشروعية الطلاق في حالة الوئام و عدم وجود الضرورة؟

و الجواب: انه بعد ضرورة ذلك بين جميع المسلمين لا نبقي بحاجة إلي دليل بل الضرورة نفسها دليل علي ذلك.

هذا مضافا الي انه لو لم يجز عند عدم الضرورة لانعكس ذلك علي الروايات لكون المسألة عامة البلوي.

بل يمكن التمسك باطلاق بعض النصوص، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتي تحيض و تخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين...»(2) و غيرها.

3 - و اما اختصاص مشروعية الطلاق بالزوج

فهو من الضروريات التي لا تحتاج الي دليل.

بل ان القصور في مقتضي التعميم كاف وحده لإثبات الاختصاص.

و تؤيد الاختصاص مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة و شرطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق فقال: خالف السنة و ولي الحق من ليس اهله، و قضي ان علي الرجل الصداق و ان بيده الجماع و الطلاق و تلك السنة»(3) ،

ص: 387


1- وسائل الشيعة 271:15 الباب 5 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 348:15 الباب 2 من أبواب اقسام الطلاق الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 340:15 الباب 42 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

و الحديث النبوي: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(1).

4 - و اما موارد الاستثناء التي يصح فيها الطلاق من غير الزوج

فيأتي التحدث عنها فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

2 - شرائط صحة الطلاق
اشارة

يلزم لوقوع الطلاق صحيحا توفر:

1 - البلوغ فلا يصح طلاق الصبي و ان بلغ عشرا بل و لا طلاق وليه عنه.

2 - العقل فلا يصح طلاق المجنون الا اذا كان بالغا فانه يجوز لوليه الطلاق مع اقتضاء المصلحة لذلك.

3 - الاختيار فلا يصح طلاق المكره.

4 - القصد فلا يصح طلاق السكران و الهازل و غيرهما ممن لا قصد له.

5 - التنجيز فلا يقع الطلاق لو قال الزوج لزوجته: انت طالق ان فعلت كذا.

6 - تعيين المطلقة فلا يصح لو قال الزوج: احدي زوجاتي طالق.

7 - ان تكون الزوجة في حالة طهر - من الحيض و النفاس - لم يواقعها فيه.

و يستثني من ذلك:

أ - ما اذا كان المطلّق غائبا، فان الطلاق يقع صحيحا منه حتي مع اتضاح عدم طهرها حالته بشرطين: عدم امكان معرفته لحالها، و مضي فترة يعلم بحسب عادتها انتقالها من طهر الي آخر. و الاحتياط يقتضي ان تكون شهرا و أحوط من ذلك أن تكون ثلاثة اشهر.

ص: 388


1- كنز العمال 155:5 الرقم 3151.

و في حكم الغائب الحاضر الذي لا يمكنه معرفة حال زوجته كالمسجون.

ب - ما اذا كانت حاملا و قد استبان حملها فانه يصح طلاقها و ان لم تكن علي طهر او كانت في طهر المواقعة.

ج - ما اذا لم تكن مدخولا بها.

د - ما اذا كانت صغيرة لم تبلغ سنّ التكليف و قد دخل بها الزوج و ان كان ذلك محرما.

ه - ما اذا كانت قد بلغت سنّ اليأس.

و - المسترابة - و هي من كانت في سن من تحيض و لا تحيض لخلقة او لعارض اتفاقي من رضاع أو مرض طارئ و ما شاكل ذلك - فانه يجوز طلاقها و ان كان ذلك في طهر المجامعة بشرط مضي ثلاثة اشهر علي المواقعة الاخيرة.

8 - ان يكون الزواج دائما فلا يقع بالمتمتع بها بل تتحقق الفرقة بانتهاء المدة او هبة المقدار المتبقّي منها.

9 - اشهاد رجلين عادلين. و لا يلزم ان يعرفا المطلقة بنحو يصح منهما الشهادة عليها.

10 - الصيغة الخاصة، و هي: «انت طالق» أو «زوجتي طالق» أو «فلانة طالق» و ما أشبه ذلك من الصيغ المشتملة علي كلمة «طالق». و لا يصح بصيغة «فلانة مطلقة» أو «طلقت فلانة».

و تجزئ الترجمة عند تعذر النطق بالعربية.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار البلوغ في المطلّق

فهو المشهور بين المتأخرين -

ص: 389

خلافا للشيخين و جماعة من القدماء(1) - لعدة امور:

أ - التمسك بحديث رفع القلم عن الصبي حتي يحتلم(2) ، فان مقتضي اطلاقه الشمول لقلم الوضع أيضا.

و ضعف سنده منجبر بعمل الاصحاب - كما تقدم غير مرة - بناء علي تمامية كبري الانجبار.

ب - اتفاق الاصحاب علي اعتبار البلوغ في باب البيع و سائر المعاملات المالية. و الطلاق ان لم يكن اولي باعتبار ذلك فيه فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج - الروايات الخاصة، من قبيل موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «لا يجوز طلاق الغلام حتي يحتلم»(3) و غيرها.

و الحسين ثقة لان ظاهر كلام النجاشي: «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي. و اخوه الحسن يكني ابا محمد ثقة. رويا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام...»(4) رجوع التوثيق الي الحسين دون الحسن.

الا ان في مقابل ذلك عدة روايات تدل علي العكس، من قبيل ما رواه الشيخ في تهذيبه عن الكليني بسنده الموثق عن ابن بكير عن ابيي.

ص: 390


1- جواهر الكلام 5:32. و في تهذيب الاحكام لشيخ الطائفة 75:8 ما نصه: «طلاق الصبي جائز اذا عقل الطلاق. و حدّ ذلك عشر سنين. يدل علي ذلك ما رواه...».
2- وسائل الشيعة 30:1 الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
3- وسائل الشيعة 325:15 باب 32 من ابواب مقدمات الطلاق حديث 8.
4- رجال النجاشي: 38 منشورات مكتبة الداوري.

عبد اللّه عليه السّلام: «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين»(1) ، و رواية ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين»(2).

و لا يضر الارسال في السند بعد كون المرسل ابن ابي عمير بناء علي رأي المشهور من حجية مراسيله من دون تفصيل. و المناسب - بناء علي تمامية سند هذه الطائفة - الجمع بينها و بين الاولي بالتقييد فتحمل الاولي علي من كان عمره أقلّ من عشر.

و لا يقف امام ذلك حديث رفع القلم لإمكان تخصيصه.

هذا و لكن الاحتياط باعتبار البلوغ امر لازم تحفظا من مخالفة المشهور و لإمكان التشكيك في سند روايات الطائفة الثانية، فان الرواية الاولي و ان كانت معتبرة السند حسب نقل التهذيب الا انها في الكافي لم تذكر بالسند المذكور بل بسند آخر فراجع(3).

و صحة الرواية الثانية تبتني علي مسلك المشهور في مراسيل ابن ابي عمير، بل ان النسخ قد اختلفت في كيفية نقل متن الرواية، ففي بعضها: «لا يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» و في بعضها الآخر:

«يجوز» بدون كلمة النفي.

2 - و اما عدم ثبوت الولاية لولي الصبي في الطلاق

فأمر لا خلاف فيه. و يكفي لإثباته القصور في المقتضي. و مع التنزل يمكن التمسك بالروايات الخاصة كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام:

ص: 391


1- تهذيب الاحكام 77:8 الرقم 173.
2- وسائل الشيعة 324:15 الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- الكافي 124:6.

«الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال: اذا كان ابواهما اللذان(1) زوجاهما فنعم. فقلت: فهل يجوز طلاق الاب؟ قال: لا»(2) و غيرها.

3 - و اما عدم صحة الطلاق من المجنون

فلعدم تحقق القصد منه و للروايات الخاصة، كصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن طلاق السكران و عتقه فقال: لا يجوز. قال: و سألته عن طلاق المعتوه قال: و ما هو؟ قال: قلت: الاحمق الذاهب العقل قال: لا يجوز»(3) و غيرها.

4 - و اما انه يجوز الطلاق لولي المجنون

فهو المشهور لصحيحة أبي خالد القماط: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال: و لم لا يطلق هو؟ قلت: لا يؤمن ان طلق هو ان يقول غدا: لم أطلق او لا يحسن ان يطلق، قال: ما اري وليه الا بمنزلة السلطان»(4) و غيرها.

هذا و قد نسب الخلاف في المسألة إلي ابن ادريس تمسكا بان الاصل بقاء العقد و بالنبوي: «الطلاق بيد من اخذ بالساق»(5).

و فيه: ان الاصل لا مجال له مع الدليل الاجتهادي. و النبوي علي تقدير تماميته سندا قابل للتقييد بصحيحة القماط و غيرها.

ثم انه لا يبعد ان يكون قوله عليه السّلام: «و لم لا يطلق هو» ناظرا الي فرضية عدم زوال العقل بشكل كامل او الي حالة الجنون الادواري مع

ص: 392


1- الظاهر ان الصواب: اللذين.
2- وسائل الشيعة 220:14 الباب 12 من أبواب عقد النكاح الحديث 1، و 326:15 الباب 33 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث.
3- وسائل الشيعة 328:15 الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 329:15 باب 35 من ابواب مقدمات الطلاق حديث 1.
5- الحدائق الناضرة 155:25.

فرض الافاقة، كما نبّه عليه في الحدائق(1).

5 - و اما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بما اذا كان - المجنون -

بالغا

فلانه بدون فرض ذلك يكون مشمولا لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة علي ان الاب لا يجوز له الطلاق بالولاية.

و اذا قيل: كما ان لصحيحة ابن مسلم اطلاقا كذلك لصحيحة القماط اطلاق فلما ذا تقديم الاطلاق الاول؟

قلنا: انه يمكن التشكيك في ثبوت الاطلاق لصحيحة القماط لأنها تدل علي ثبوت السلطنة للولي في المورد الذي يكون للمجنون الحق في الطلاق لو لا جنونه، و ذلك لا يتم الا اذا كان المجنون بالغا بناء علي عدم ثبوت الحق لغير البالغ في الطلاق.

ثم انه مع التنزل و فرض تعارض الاطلاقين و تساقطهما يلزم الرجوع إلي الاصل و هو يقتضي عدم ترتب الاثر علي طلاق الولي.

و بذلك تكون النتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

6 - و اما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بالمصلحة

بالرغم من اطلاق الروايات من هذه الناحية فباعتبار الجزم بان الولاية المجعولة للولي ليست تكريما له بل لحاجة المولي عليه الي من يتصرف عنه تحقيقا لمصالحه.

7 - و اما عدم صحة طلاق المكره

فأمر لا خلاف فيه، و يدل عليه حديث الرفع(2) و الروايات الخاصة، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن طلاق المكره و عتقه فقال: ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه

ص: 393


1- الحدائق الناضرة 154:25.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

بعتق...»(1) و غيرها.

8 - و اما اعتبار القصد

فللتسالم علي تبعية العقود و الايقاعات للقصد. هذا مضافا الي الروايات الخاصة الواردة بلسان: «لا طلاق الا لمن اراد الطلاق»(2).

9 - و اما التنجيز

فمدركه منحصر بالإجماع المدعي علي اعتباره و الا فغير قابل للتأمل من قبيل:

أ - منافاة التعليق لقاعدة عدم تأخر المعلول عن علته.

ب - ان ظاهر الروايات فعلية الطلاق بمجرد تحقق الصيغة، و اشتراط تأخره الي حصول المعلق عليه شرع جديد.

و قد تمسك بهذين الوجهين صاحب الجواهر(3).

و وجه التأمل:

اما في الاول فلان العلة ليست هي الصيغة بمجردها بل مع الشرط فلا تأخر.

و اما في الثاني فلانه لا توجد رواية تدل بوضوح علي ذلك. و مع التنزل يمكن دعوي نظرها إلي الحالة الغالبة، و هي التنجيز.

هذا و يظهر الخلاف في المسألة من الشهيد الثاني في المسالك حيث رجح جواز التعليق لعدة وجوه نذكر منها:

أ - القياس علي الظهار، حيث دلت النصوص علي جواز التعليق فيه.

ص: 394


1- وسائل الشيعة 331:15 الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 285:15 الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق.
3- جواهر الكلام 78:32.

ب - ان في التعليق حكمة لا تحصل في العقد المنجز، فان الزوجة قد تخالف زوجها في بعض مقاصده فتفعل ما يكرهه، و الزوج يكره طلاقها من حيث انه ابغض الحلال فيحتاج الي التعليق علي فعل ما يكرهه كي اذا امتنعت يحصل غرضه او خالفت تكون هي المختارة لطلاقها(1).

و كلاهما كما تري.

و المناسب اعتبار التنجيز و لو علي مستوي الاحتياط تحفظا من مخالفة الاجماع المدعي.

هذا اذا فرض وجود مطلقات تدل علي مشروعية الطلاق المعلق و الا كفي القصور في المقتضي حيث يجري آنذاك استصحاب بقاء النكاح بناء علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

بل يمكن تقريب جريان الاستصحاب حتي بناء علي الرأي المذكور، بان يستصحب بقاء اباحة الاستمتاعات، فان القائل بالمنع من جريان الاستصحاب في الاحكام يخصّص ذلك بالاحكام الالزامية دون الترخيصية، اذ لا جعل فيها ليعارض استصحاب بقائها باستصحاب عدم الجعل الزائد.

10 - و اما اعتبار تعيين المطلقة

فهو المشهور. و يمكن الاستدلال له بانه مع عدم التعيين اما ان يقع الطلاق بالواحدة المرددة من الزوجات او بالواحدة بنحو الكلي في المعين.

ص: 395


1- مسالك الافهام 15:2.

و كلاهما لا يمكن المصير اليه.

اما الاول فلعدم معقولية الفرد المردد.

و اما الثاني فلان ثبوت الطلاق للواحدة الكلية و ان كان امرا ممكنا - كتعلق البيع بكيلو كلي من صبرة معينة - غايته تعيّن تلك الواحدة الكلية بواسطة القرعة الا ان ذلك يحتاج الي دليل يدل عليه، و لا دليل يدل علي صحة طلاق الواحدة الكلية مع تعيينها بالقرعة.

و تؤيد اعتبار التعيين رواية محمد بن احمد بن مطهر: «كتبت إلي ابي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام اني تزوجت اربع نسوة و لم اسأل عن اسمائهن ثم اني اردت طلاق احداهن و تزويج امرأة اخري فكتب عليه السّلام انظر الي علامة ان كانت بواحدة منهن فتقول: اشهدوا ان فلانة التي بها علامة كذا و كذا هي طالق ثم تزوّج الاخري اذا انقضت العدّة»(1).

و من ذلك يتضح النظر فيما نسب الي جماعة كالشيخ و ابن البراج و المحقق و العلامة و الشهيد من وقوع الطلاق صحيحا مع عدم التعيين لوجهين: اصالة عدم الاشتراط، و عموم مشروعية الطلاق(2).

و وجه النظر:

اما بالنسبة الي الاصل المذكور فلانه لا اساس له ان لم يرجع الي التمسك بالعموم الذي هو الوجه الثاني.

و اما العموم فهو غير مستفاد من النصوص.

11 - و اما اعتبار ان تكون الزوجة طاهرة بطهر لم يواقعها فيه

زوجها

فأمر متسالم عليه. و تدل عليه النصوص المستفيضة، كصيحة

ص: 396


1- وسائل الشيعة 400:14 الباب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 181:25.

زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث قال: «اما طلاق السنة فاذا اراد الرجل ان يطلق امرأته فلينتظر بها حتي تطمث و تطهر فاذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين...»(1).

و صحيحة الفضلاء عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «اذا طلّق الرجل في دم النفاس او طلّقها بعد ما يمسها فليس طلاقه اياها بطلاق»(2) و غيرهما.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (3) ، فان المقصود اذا أردتم طلاق النساء فطلقوهنّ لزمان عدتهن بحيث يأخذ زمان العدة بالشروع من حين تحقق الطلاق، و ليس ذلك الا بان يقع الطلاق في طهر لا مواقعة فيه فان العدة كما يأتي - ان شاء اللّه تعالي - هي ثلاثة قروء بمعني ثلاثة اطهار، فلو وقع الطلاق في الحيض لم يمكن شروع العدة - بالمعني المذكور - من حين الطلاق كما هو واضح، و لو وقع في طهر المواقعة لم يمكن ذلك أيضا لان المقصود من الاطهار الثلاثة هي الاطهار الخالية من المواقعة، و معه فيحتاج إلي مرور ثلاثة اطهار جديدة منفصلة عن الطلاق.

12 - و اما استثناء حالة غيبة المطلّق

فأمر متسالم عليه للروايات المتعددة الواردة بلسان: «خمس يطلقهن أزواجهن متي شاءوا: الحامل المستبين حملها، و الجارية التي لم تحض، و المرأة التي قعدت من

ص: 397


1- وسائل الشيعة 280:15 الباب 9 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 279:15 الباب 9 من ابواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- الطلاق: 1.

المحيض، و الغائب عنها زوجها، و التي لم يدخل بها»(1).

و سند الروايات المذكورة جلا أو كلا صحيح فراجع.

13 - و اما تعميم الحكم بالصحة لما اذا اتضح عدم الطهر واقعا

حالة الطلاق

فللتمسك باطلاق الروايات المذكورة بل و للتصريح بالتعميم فيها بلفظ «متي شاءوا»، علي انه قد يقال بان الطهر واقعا لو كان معتبرا يلزم عدم ثبوت الخصوصية لعنوان غيبة المطلّق.

14 - و اما اعتبار عدم امكان معرفة حالها و مضي فترة يعلم فيها

بالانتقال

فلانه لا يحتمل اعتبار عنوان الغيبة بنحو الموضوعية و لا يحتمل ان مجرد غيبة الزوج في الساعات الاولي كاف لجواز الطلاق حتي مع امكان تحصيل العلم بسهولة او فرض العلم ببقاء طهر المواقعة او كونها في حالة حيض او نفاس.

15 - و اما الاحتياط باعتبار مضي شهر

فلموثق ابن سماعة:

«سألت محمد بن ابي حمزة متي يطلق الغائب؟ فقال: حدثني اسحاق بن عمار او روي اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام او ابي الحسن عليه السّلام قال: اذا مضي له شهر»(2).

و انما كان الحكم بنحو الاحتياط دون الفتوي باعتبار ان لسان الروايات السابقة: «خمس يطلقهن ازواجهن متي شاءوا...» يأبي التقييد، فانه لو كان مضي الشهر معتبرا لم يكن للغائب الطلاق متي شاء.

و من القريب جدا ان يكون اعتبار مضي الشهر من باب انه الفترة التي يحرز فيها عادة بالانتقال من طهر إلي آخر. و يترتب علي ذلك انه

ص: 398


1- وسائل الشيعة 306:15 الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق.
2- وسائل الشيعة 308:15 الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

لو تمّ الاحراز قبل مضي الفترة المذكورة كان ذلك كافيا للحكم بصحة الطلاق.

و لكن مع ذلك كله يبقي الاحتياط باعتبار مضي الشهر حتي مع تحقق الاحراز قبله امرا وجيها.

16 - و اما احوطية اعتبار مضي ثلاثة أشهر

فلموثقة اسحاق بن عمار الاخري: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: الغائب الذي يطلّق اهله كم غيبته؟ قال: خمسة أشهر، ستة أشهر. قال: حدّ دون ذا قال: ثلاثة أشهر»(1) ، فان ظاهرها و ان كان يقتضي الالزام بمضي ثلاثة أشهر الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لعدم احتمال ان مضي المدة المذكورة معتبر حتي مع الجزم بالانتقال من طهر الي آخر، فان حال الغائب ليست أسوأ من حال الحاضر.

و عليه فمع الجزم بالانتقال لا يعتبر مضي ثلاثة أشهر و ان كان ذلك أحوط حفاظا علي العمل بظاهر الموثقة.

17 - و اما ان الحاضر بحكم الغائب اذا لم يمكنه معرفة حال

زوجته

فلما تقدم من عدم احتمال ان تكون لغيبة المطلّق موضوعية بل الخصوصية لعدم امكان معرفة حال الزوجة الملازم عادة للغيبة.

و عليه فيسري حكم الغيبة إلي الحضور الذي هو بمنزلتها.

و مما يدل علي ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة سرا من اهلها و هي في منزل اهله و قد اراد ان يطلقها و ليس يصل اليها فيعلم طمثها اذا طمثت

ص: 399


1- وسائل الشيعة 308:15 الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.

و لا يعلم بطهرها اذا طهرت فقال: هذا مثل الغائب عن اهله يطلّق بالاهلة و الشهور...»(1).

18 - و اما استثناء الحامل المستبين حملها

فهو لما تقدم من الروايات الواردة بلسان: «خمس يطلقهن ازواجهن متي شاءوا: الحامل المستبين حملها...».

و اما انه يصح طلاقها حتي اذا لم تكن علي طهر أو كانت في طهر المواقعة فللتقريبات الثلاثة المتقدمة في الرقم 13.

19 - و اما استثناء غير المدخول بها و الصغيرة و اليائس

فللروايات المتقدمة نفسها.

و اذا قيل: لم نحمل فقرة «و الجارية التي لم تحض» علي خصوص الصغيرة و لا نحملها علي مطلق الجارية التي لا تحيض و لو كانت في سن من تحيض، كما هو المنسوب إلي شرح النافع(2) ؟

قلنا: ان الوارد في الفقرة المتقدمة: «و الجارية التي لم تحض» لا «و الجارية التي لا تحيض»، و التعبير المذكور ظاهر في الجارية التي لم يحن وقت حيضها.

هذا مضافا الي ان الوارد في بعض روايات المسألة: «و التي لم تبلغ المحيض»(3) ، و هو صريح في المدعي.

20 - و اما ان المسترابة يجوز طلاقها بعد مضي ثلاثة أشهر من

المواقعة الاخيرة

فلم ينسب فيه الخلاف لأحد. و يدل عليه صحيح

ص: 400


1- وسائل الشيعة 310:15 الباب 28 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- الحدائق الناضرة 179:25.
3- وسائل الشيعة 306:15 الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

اسماعيل بن سعد الاشعري: «سألت الرضا عليه السّلام عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق؟ قال: تطلق بالشهور»(1).

و اذا كان في المراد من كلمة «الشهور» اجمال لعدم تشخص عدد الاشهر فيمكن من خلال مراجعة روايات عدة المرأة المسترابة(2) تحصيل الاطمئان بارادة ثلاثة أشهر.

علي انه ورد في مرسلة داود بن ابي يزيد العطار عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة يستراب بها و مثلها تحمل و مثلها لا تحمل و لا تحيض و قد واقعها زوجها كيف يطلقها اذا اراد طلاقها؟ قال: ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها»(3) التصريح بذلك. و هي و ان كانت مرسلة الا ان ضمها الي تلك يوجب الاطمئنان بارادة ذلك.

هذا و يمكن ان يقال: ان كلمة «الشهور» جمع يصدق علي الثلاثة، و ارادة الاقل غير محتملة، و ارادة ما زاد تحتاج الي دليل، و مقتضي الاطلاق الاكتفاء بالثلاثة.

21 - و اما انه لا طلاق في عقد التمتع

فامر متسالم عليه. و استدل له في الحدائق بما دلّ علي حصول الفرقة بانتهاء المدة بلا حاجة إلي طلاق، كصحيح محمد بن اسماعيل عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «قلت له الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر، قال: اذا كان شيئا

ص: 401


1- وسائل الشيعة 414:15 الباب 4 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 17.
2- وسائل الشيعة 410:15 الباب 4 من أبواب العدد.
3- وسائل الشيعة 335:15 الباب 40 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

معلوما الي أجل معلوم قال: قلت: و تبين بغير طلاق؟ قال: نعم»(1).

و فيه: ان هذا المضمون تكرر في الروايات الا انه لا ينفي امكان وجود سبب ثان لتحقق الفرقة - أثناء المدة - و هو الطلاق.

و من هنا قال في الجواهر: «لم يحضرني من النصوص ما يدل علي عدم وقوع الطلاق بالمتمتع بها. نعم فيها ما يدل علي حصوله بانقضاء المدة و بهبتها و لكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها لا مكان تعدد الاسباب»(2).

هذا و بالامكان تحصيل بعض الروايات علي ذلك من قبيل رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «المتعة ليست من الاربع لأنها لا تطلق و لا ترث و انما هي مستأجرة»(3) ، و رواية الحسن الصيقل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أ تحل للأول؟ قال: لا، لان اللّه يقول: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها (4) و المتعة ليس فيها طلاق»(5).

و هاتان الروايتان ان تمّ سندهما - و لم يناقش في الاولي بالقاسم بن عروة و في الثانية بالصيقل - كانتا هما المستند و الا انحصر المدرك بالتسالم.4.

ص: 402


1- وسائل الشيعة 478:14 الباب 25 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 28:32.
3- وسائل الشيعة 495:14 الباب 43 من أبواب المتعة الحديث 1.
4- البقرة: 230.
5- وسائل الشيعة 369:15 الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
22 - و اما تحقق الفرقة بهبة ما تبقي من المدة

فأمر متسالم عليه.

و تدل عليه صحيحة علي بن رئاب: «كتبت اليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضي اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقع عليه السّلام: لا يرجع»(1) و غيرها.

23 - و اما اعتبار الاشهاد في الطلاق

فهو من شعار الامامية. و قد تقدم في بداية البحث عن النكاح حوار الامام الكاظم عليه السّلام مع ابي يوسف القاضي فراجع.

و يدل علي ذلك قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ ... * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (2).

و احتمال رجوع الامر بالاشهاد الي الامساك و الرجعة بعيد لتخلل الفاصل المانع من ذلك.

و الروايات في المسألة كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، كصحيحة الفضلاء عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «... و ان طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع و لم يشهد علي ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه اياها بطلاق»(3) و غيرها.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يوهم بعدم اعتبار العدالة في الشاهدين، كما في صحيحة عبد اللّه بن المغيرة: «قلت لأبي الحسن

ص: 403


1- وسائل الشيعة 483:14 الباب 29 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- الطلاق: 1-2.
3- وسائل الشيعة 282:15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.

الرضا عليه السّلام: رجل طلّق امرأته و اشهد شاهدين ناصبيين، قال: كل من ولد علي الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»(1) و علي منوالها صحيحة البزنطي(2).

و هما ان أمكن توجيههما - بدلالتهما علي سعة معني العدالة لما يشمل حسن الظاهر و المعروفية بالصلاح - و الا يلزم طرحهما لمخالفتهما لصريح القرآن الكريم.

24 - و اما عدم اعتبار تشخيص المطلقة بنحو تصح الشهادة

عليها

فهو المشهور. و خالف في ذلك صاحب المدارك قائلا: «... فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق و ان لم يعلما المطلق و المطلقة بوجه بعيد جدا بل الظاهر انه لا أصل له في المذهب، فان النص و الفتوي متطابقان علي اعتبار الاشهاد. و مجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمي اشهادا قطعا»(3).

و ما أفاده قابل للتأمل، فان اعتبار المعرفة التفصيلية لا دليل عليه بل الدليل علي عدمه، و هو اطلاق أدلة اعتبار الشهادة.

و دعوي عدم صدق الاشهاد بدون المعرفة التفصيلية مدفوعة بان الاشهاد بمرتبته العالية و ان لم يكن صادقا و لكنه بمرتبة ما صادق، و هو كاف، لعدم الدليل علي اعتبار الاكثر.

و يظهر من صاحب الجواهر عدم اعتبار المعرفة الاجمالية أيضا،

ص: 404


1- وسائل الشيعة 290:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 282:15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
3- الحدائق الناضرة 247:25. و لصاحب المدارك شرح علي المختصر النافع من كتاب النكاح إلي آخر النذر باسم نهاية المرام في شرح مختصر شرايع الإسلام. و هو لم يطبع بعد.

فلو كان لشخص عدة زوجات و قال: زوجتي طالق قاصدا لمعينة لا يعرفها الشاهدان كفي ذلك تمسكا باطلاق الادلة(1).

هذا و يمكن أن يضاف الي التمسك بالاطلاق النصوص الخاصة، كصحيحة صفوان عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «سئل عن رجل طهرت امرأته من حيضها فقال: فلانة طالق و قوم يسمعون كلامه و لم يقل لهم اشهدوا أيقع الطلاق عليها؟ قال: نعم هذه شهادة»(2) ، و صحيحة ابي بصير: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد و مهورهن مختلفة قال: جائز له و لهن. قلت:

أ رأيت ان هو خرج الي بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع و اشهد علي طلاقها قوما من أهل تلك البلاد و هم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسّم ميراثه؟ قال: ان كان له ولد...»(3) و غيرهما.

و مما يؤكد عدم اعتبار المعرفة التفصيلية سيرة المتشرعة. قال صاحب الحدائق معلقا علي مختار صاحب المدارك: «ما ذكرنا من الاكتفاء بالمعرفة الاجمالية هو الذي جري عليه مشايخنا الذين عاصرناهم و حضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه. و اما ما ادّعاه رحمه اللّه فلم أقف له علي موافق»(4).

25 - و اما ان صيغة الطلاق ما تقدم

فلصحيحة محمد بن مسلم

ص: 405


1- جواهر الكلام 106:32.
2- وسائل الشيعة 302:15 الباب 21 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 303:15 الباب 23 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- الحدائق الناضرة 251:25.

حيث «سأل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قال لامرأته: انت عليّ حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية قال: هذا كله ليس بشيء انما الطلاق ان يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل ان يجامعها: أنت طالق أو اعتدي يريد بذلك الطلاق و يشهد علي ذلك رجلين عدلين»(1) و غيرها.

و المذكور فيها جملة: «انت طالق» و لكنه يتعدّي إلي غيرها مما اشتمل علي كلمة «طالق» من جهة انه في الطلاق لا يلزم ان يواجه الزوج به زوجته و يخاطبها به بل يجوز ايقاعه عند غيبتها التي لا يتأتي معها الخطاب بضمير «أنت».

و هل يتحقق الطلاق بجملة «اعتدي»؟ المناسب ذلك - لو لم يثبت تسالم علي الخلاف - تمسكا بالصحيحة المذكورة و غيرها. و نسب القول بذلك إلي ابن الجنيد(2).

الا انه اذا ثبت تسالم الاصحاب علي عدم القول بذلك فالمتعين الاقتصار علي الصيغة المتقدمة و لا أقل من كون ذلك هو مقتضي الاحتياط اللازم.

26 - و اما إجزاء الترجمة عند تعذر النطق بالعربية

فلان الطلاق لم يشرّع لخصوص العرب.

و هل يلزم توكيل العربي ان أمكن؟ المناسب هو العدم لعدم الدليل علي ذلك. أجل الاحتياط بالتوكيل أمر لا ينبغي تركه.

ص: 406


1- وسائل الشيعة 295:15 الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 199:25.
3 - أقسام الطلاق
اشارة

ينقسم الطلاق إلي القسمين التاليين:

الأول: بدعي. و هو ما كان فاقدا للشرائط المتقدمة. و حكمه البطلان.

و يلحق بالقسم المذكور الطلاق ثلاثا من دون تخلل رجعة في البين - بان يقول المطلق: انت طالق ثلاثا أو يقول: انت طالق انت طالق انت طالق قاصدا بذلك تعدد الطلاق - الا انه لا يبطل رأسا بل تقع لدي المشهور طلقة واحدة دون ما زاد.

الثاني: سني. و هو الطلاق الجامع للشرائط المتقدمة، و هو علي نحوين:

1 - بائن. و هو ما لا يحق للزوج الرجوع فيه الي المطلقة سواء كان لها عدة أم لا، و مصاديقه ستة:

أ - طلاق الصغيرة التي لم تبلغ سن المحيض حتي مع فرض الدخول بها عمدا أو اشتباها.

ب - طلاق اليائس.

ج - الطلاق قبل الدخول.

و المرأة في هذه الانحاء الثلاثة للطلاق ليست لها عدة.

د - المطلقة بالطلاق الثالث المسبوق بطلاقين قد تعقبتهما عودة برجوع أو عقد جديد فانها تحرم علي زوجها حتي ينكحها رجل آخر و يفارقها بموت أو طلاق. فيجوز آنذاك للأول العقد عليها بعد انتهاء العدة.

ه - طلاق الخلع و المباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت.

و - طلاق الحاكم الشرعي لزوجة الممتنع من الانفاق و الطلاق.

ص: 407

2 - رجعي. و هو ما يحق للزوج الرجوع فيه في العدة سواء رجع بالفعل أم لا، و مصداقه كل ما عدا الأفراد الستة المتقدمة.

ثم ان الرجعي ينقسم بدوره إلي عدي و غيره.

و يراد من العدي ان يطلّق الزوج زوجته علي الشرائط ثم يراجع قبل الخروج من العدة و يواقع ثم يطلقها في غير طهر المواقعة ثم يراجعها و يواقعها ثم يطلقها في طهر آخر. و بذلك تحرم عليه حتي تنكح زوجا غيره، فاذا طلقها او مات جاز للأول الزواج بها بعد انتهاء العدة.

هذا هو الطلاق العدي. و اذا تكرر حرمت في السادس أيضا حتي تنكح آخر بالشكل المتقدم، و في التاسع تحرم مؤبدا.

و الطلاق العدي بالمعني المذكور متقوم بأمرين:

أولهما: تخلل رجعتين. و لا يكفي وقوع عقدين جديدين أو عقد و رجعة.

ثانيهما: تحقق المواقعة بعد كل رجعة.

فطلاق العدة علي هذا مركب من ثلاث طلقات: ثنتان منها رجعية و واحدة - و هي الثالثة - بائنة.

و لا خلاف في تحقق الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع في الطلاق العدي بالتفسير المذكور. كما لا خلاف - من غير ابن بكير - في تحقق الحرمة في كل طلاق ثالث بأي شكل اتفق. و انما الخلاف في تحقق الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع فيما اذا لم يكن عديا بالمعني المتقدم و المشهور صار الي العدم.

ثم ان الطلاق السني له ثلاثة اطلاقات:

أ - سني بالمعني الأعم. و هو كل طلاق جامع للشرائط مقابل الطلاق البدعي الفاقد لبعضها. و هذا الاطلاق هو ما تقدمت الاشارة إليه.

ص: 408

ب - سني مقابل العدي. و هو ما تتحقق به الرجعة في العدة من دون مواقعة.

ج - سني بالمعني الأخص. و هو ما لا تتحقق فيه الرجعة في العدة بل تنقضي ثم يتزوجها الزوج بعقد جديد.

و المستند في ذلك:

1 - اما التقسيم الي البدعي و السني

فهو - كما تقدم - باعتبار الواجدية للشرائط المتقدمة و عدمها، فما كان فاقدا لها هو بدعي نسبة إلي البدعة بمعني المحرم، أي غير المشروع، و ما كان واجدا لها هو سني نسبة الي السنة بمعني المشروع.

و المعروف في كلمات بعض الاصحاب - كالمحقق و غيره - اصطلاح البدعي علي أقسام ثلاثة من الطلاق غير المشروع - و ليس علي جميع مصاديقه و ان كانت كلها باطلة - هي: طلاق الحائض و النفساء في غير موارد الاستثناء، و الطلاق في طهر المقاربة، و طلاق الثلاث من غير تخلل رجعة(1).

و الأمر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح.

2 - و اما ان البدعي باطل

فلان المشروط عدم عند عدم شرطه.

هذا في مذهبنا. و اما الجمهور فقد اتفقت كلمتهم علي الصحة مع الاثم(2).

ص: 409


1- شرايع الإسلام 558:3 انتشارات استقلال.
2- قال الجزيري: «اذا طلّق الزوج امرأته طلاقا بدعيا فانه تسن له رجعتها... و يحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحدا أو أكثر باتفاق الائمة الاربعة. و خالفهم بعض الشواذ الذين لا يعوّل علي آرائهم. راجع الفقه علي المذاهب الأربعة 274:4 مبحث ما يترتب علي الطلاق البدعي من الاحكام.

هذا كله في غير الطلاق ثلاثا بلا تخلل رجعة، و اما هو فيقع واحدا عندنا كما سيتضح وجهه.

3 - و اما الطلاق ثلاثا بدون تخلل رجعة

فقد اتفقت كلمة أصحابنا علي بطلانه، بمعني عدم وقوعه ثلاثا خلافا للجمهور(1). و اتفقت أيضا علي وقوعه واحدا في حالة الولاء، أي تكرار جملة «انت طالق» ثلاث مرات، و اختلفت في حالة الارسال و عدم التكرار، بان قيل: «انت طالق ثلاثا».

و لو لا حظنا مقتضي القاعدة فالمناسب هو التفصيل، ففي حالة الولاء يقع واحدا لان جملة «انت طالق» الاولي تقتضي تحقق الطلاق

ص: 410


1- قال الجزيري: «يملك الرجل الحرّ ثلاث طلقات و لو كان زوجا لأمة و يملك العبد طلقتين و لو كان زوجا لحرة، فاذا طلّق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة، بان قال لها: انت طالق ثلاثا لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الاربعة. و هو رأي الجمهور. و خالفهم في ذلك بعض المجتهدين، كطاوس و عكرمة و ابن اسحاق، و علي رأسهم ابن عباس رضي اللّه عنهم، فقالوا: انه يقع به واحدة لا ثلاث، و دليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و ابي بكر و سنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه اناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» الفقه علي المذاهب الأربعة 303:4 مبحث تعدد الطلاق. هذا و قد جاءت روايات أهل البيت عليهم السّلام ترد بشدة علي الطلاق ثلاثا و انه لا يقع الا واحدة أو ليس بشيء و انه مخالف لكتاب اللّه عزّ و جلّ. نعم هو مخالف لكتاب اللّه الناطق بان اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ البقرة: 229. ان تعريف الطلاق بالألف و اللام يدل علي ان الطلاق المشروع هو المرتان لا غير، و واضح ان عنوان المرتين لا يصدق الا مع التفرقة بين الطلاقين.

و تشملها العمومات الدالة علي تحقق الطلاق بصيغة «انت طالق»(1).

و مجرد تكرارها ثانية و ثالثة لا يمنع من صحتها و وقوع الطلاق الواحد.

و اما في حالة الارسال فمع قصد ايقاع الطلاق بجملة «انت طالق» ثم اعتبار كونه ثلاثا عند التلفظ بلفظ «ثلاثا» فالمناسب وقوع واحد لما تقدم، و مع قصد ايقاع الثلاث بمجموع الجملة لا بخصوص قيد «ثلاثا» فالمناسب البطلان رأسا لان ما قصد لا يمكن ان يقع و ما يمكن ان يقع لم يقصد.

هذا بمقتضي القاعدة.

و لو رجعنا الي الروايات وجدناها علي طائفتين:

الاولي: ما دلت علي وقوع طلاق واحد من دون تفصيل بين حالة الولاء و حالة الارسال. و هي متعددة، كصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام:

«سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد و هي طاهر قال: هي واحدة»(2) ، و صحيحة الاسدي و الحلبي و ابن حنظلة جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الطلاق ثلاثا في غير عدة(3) ان كانت علي طهر فواحدة و ان لم تكن علي طهر فليس بشيء»(4).

الثانية: ما دلت علي البطلان رأسا، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «من طلّق ثلاثا في مجلس فليس بشيء. من خالف كتاب اللّه1.

ص: 411


1- كصحيحة محمد بن مسلم المشار اليها في الرقم 25 من مبحث شرائط صحة الطلاق.
2- وسائل الشيعة 311:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- يراد من الطلاق في غير عدة الطلاق الذي لا يتعقبه رجوع في العدة.
4- وسائل الشيعة 311:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

عز و جل ردّ الي كتاب اللّه عز و جل و ذكر طلاق ابن عمر»(1) و غيرها.

و قد جمع في الحدائق بحمل الاولي علي حالة الولاء و الثانية علي حالة الارسال مستندا في ذلك الي ان روايات الطائفة الاولي قد اشتملت علي تعبير «الطلاق ثلاثا»، و هو لا يصدق الا مع تكرار جملة «انت طالق» ثلاثا نظير ما لو قيل: سبّح اللّه عشرا فانه لا يصدق علي قول: «سبحان اللّه عشرا»(2).

و فيه: ان التعبير ب «طلّق ثلاثا في مجلس واحد» وارد في كلتا الطائفتين لا في خصوص الاولي.

و لعل الانسب حمل الطائفة الثانية علي نفي وقوعه ثلاثا لان النفي في جملة «فليس بشيء» مطلق فيقيد بالثلاث بقرينة الطائفة الاولي.

هكذا يقال أو يقال بحمل الطائفة الثانية علي من طلّق ثلاثا في حالة عدم الطهر بقرينة صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «من طلّق امرأته ثلاثا في مجلس و هي حائض فليس بشيء. و قد ردّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله طلاق ابن عمر اذ طلق امرأته ثلاثا و هي حائض فأبطل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذلك الطلاق و قال: كل شيء خالف كتاب اللّه و السنة ردّ الي كتاب اللّه»(3) ، فان صحيحة ابي بصير بقرينة استشهادها بطلاق ابن عمر واضحة في النظر الي حالة الطلاق بدون طهر.

و علي كلا التوجيهين تبقي الطائفة الاولي بلا معارض فيتمسك باطلاقها لإثبات تحقق طلقة واحدة عند الطلاق ثلاثا سواء كان بنحو9.

ص: 412


1- وسائل الشيعة 313:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
2- الحدائق الناضرة 239:25.
3- وسائل الشيعة 313:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9.

الولاء أم بنحو الارسال.

اللهمّ الا ان يقال بعدم صدق عنوان الطلاق ثلاثا في حالة الارسال - كما هو ليس ببعيد - فينحصر نظر الطائفة الاولي بحالة الولاء و يلزمنا في حالة الارسال الرجوع الي مقتضي القاعدة بالبيان المتقدم.

4 - و اما ان طلاق الصغيرة و اليائس و غير المدخول بها بائن

فباعتبار انه لا عدة لها، و معه فلا يتمكن المطلّق من الرجوع اليها. و يأتي ان شاء اللّه تعالي في مبحث أحكام العدة الوجه في عدم وجوب العدة علي الثلاث المذكورة.

5 - و اما ان المطلقة بالطلاق الثالث تحرم علي زوجها حتي

ينكحها آخر

فهو من ضرورات الفقه بل الدين. و يدل عليه قوله تعالي:

اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ... * فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ (1). و هي باطلاقها تشمل حالة العودة بعد كل طلقة بالرجوع أو بعقد جديد.

و الروايات في المسألة كثيرة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره و يذوق عسيلتها»(2) و غيرها. و هي مطلقة كالآية الكريمة.

6 - و اما تعميم مفارقة المحلل لما اذا كانت بالموت

- بالرغم من

ص: 413


1- البقرة: 229-230.
2- وسائل الشيعة 353:15 الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10. و العسيلة: الجماع أو اللذة، فان العرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا.

التقييد في الآية الكريمة بالطلاق - باعتبار ان المفهوم من الروايات ان المهم في حصول التحليل ذوق المحلل لعسيلة المطلقة دون تطليقه لها بعنوانه. هذا مضافا الي التصريح بالتعميم في موثقة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... فاذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتي تنكح زوجا غيره فاذا تزوجها غيره و لم يدخل بها و طلقها او مات عنها لم تحل لزوجها الاول حتي يذوق الآخر عسيلتها»(1) و غيرها.

7 - و اما ان الطلاق في الخلع و المباراة بائن ما دام لم ترجع

الزوجة في البذل

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الخلع و المباراة تطليقة بائن و هو خاطب من الخطاب»(2).

و اما التقييد بعدم رجوع الزوجة في البذل فلانه مع رجوعها يحق للزوج الرجوع أيضا، و هو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة البقباق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المختلعة ان رجعت في شيء من الصلح يقول لا رجعن في بضعك»(3).

8 - و اما ان طلاق الممتنع من الانفاق و الطلاق بائن

فلان النصوص و ان لم تدل علي ذلك بل دلت علي ثبوت الولاية في الطلاق، كما في صحيحة ابي بصير: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعم ما يقيم صلبها كان

ص: 414


1- وسائل الشيعة 366:15 الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 417:15 الباب 8 من أبواب العدد الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 499:15 الباب 7 من أبواب الخلع و المباراة الحديث 3.

حقا علي الامام ان يفرّق بينهما»(1) و غيرها، الا انه لا بدّ من كونه بائنا و الا يلزم نقض الغرض و عدم الفائدة في طلاق الحاكم.

9 - و اما ان الطلاق الرجعي هو ما جاز للزوج الرجوع فيه سواء

رجع بالفعل أم لا

فهو من واضحات الفقه، و يدل عليه قوله تعالي:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ (2) .

10 - و اما تفسير الطلاق العدي بما ذكر

فهو متسالم عليه. و تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... و اما طلاق العدة الذي قال اللّه عز و جل: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ (3) فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتي تحيض و تخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين و يراجعها من يومه ذلك ان احبّ او بعد ذلك بأيام قبل ان تحيض و يشهد علي رجعتها و يواقعها حتي تحيض، فاذا حاضت و خرجت من حيضها طلّقها تطليقة اخري من غير جماع يشهد علي ذلك ثم يراجعها أيضا متي شاء قبل ان تحيض و يشهد علي رجعتها و يواقعها و تكون معه الي ان تحيض الحيضة الثالثة فاذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع و يشهد علي ذلك فاذا فعل ذلك فقد

ص: 415


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 2.
2- البقرة: 228.
3- الطلاق: 1.

بانت منه و لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره»(1) و غيرها.

و يستفاد من الصحيحة اضافة بعض القيود الاخري للطلاق العدي أكثر مما نقلناه في تفسير الفقهاء، من قبيل ان يكون الرجوع قبل ان تحيض الحيض الاول و لا يكفي الرجوع اثناء العدة متي ما تحقق.

ثم انه ذكر الشهيد الثاني في الروضة ان اطلاق الطلاق العدي علي مجموع الطلقات الثلاث المتقدمة يشتمل علي المسامحة، فان الطلاق العدي هو الاول و الثاني دون الثالث، فانه ليس عديّا حيث لا يمكن الرجوع فيه(2).

و الامر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح فيمكن افتراض وضع مصطلح الطلاق العدي للطلقات الثلاث بالشكل المتقدم.

11 - و اما الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع العدي

فمتسالم عليها.

و تدل علي ذلك رواية زرارة و داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«... و الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره ثلاث مرات و تزوج ثلاث مرات لا تحل له ابدا»(3) و غيرها.

و ليس في السند من يتأمل فيه سوي المثني - فانه مشترك بين جماعة لم تثبت وثاقة بعضهم - و الامر فيه سهل بعد رواية البزنطي عنه بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من روي عنه أحد الثلاثة.

هذا من حيث السند.

و اما الدلالة فالقدر المتيقن منها هو الطلاق العدي.

ص: 416


1- وسائل الشيعة 348:15 الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- الروضة البهية 131:2.
3- وسائل الشيعة 358:15 الباب 4 من أقسام الطلاق الحديث 4.
12 - و اما الحرمة في كل طلاق ثالث - بأي شكل اتفق - حتي تنكح

زوجا آخر

فلم ينسب الخلاف فيها الا الي عبد اللّه بن بكير الذي هو من الفطحية. و يدل علي ذلك الكتاب الكريم و الروايات المتقدمة في الرقم 5.

و المنسوب الي ابن بكير(1) ان المطلقة بالطلاق الثالث لا تحرم علي زوجها بل اذا انتهت عدة الطلاق الثالث جاز لزوجها العقد عليها بلا توقف علي نكاح شخص آخر فيما اذا لم يكن الطلاق عديا، و اما العدي فلا خلاف فيه حتي منه.

و مستنده في ذلك غير واضح فتارة يستند الي رواية رفاعة و اخري الي ان ذلك امر رزقه اللّه اياه.

روي الشيخ الكليني عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن محمد بن زياد و صفوان عن رفاعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل طلّق امرأته حتي بانت منه و انقضت عدتها ثم تزوجت زوجا آخر فطلقها أيضا ثم تزوجت زوجها الاول أ يهدم ذلك الطلاق الاول؟ قال: نعم. قال ابن سماعة: و كان ابن بكير يقول: المطلقة اذا طلقها زوجها ثم تركها حتي تبين ثم تزوجها فانما هي علي طلاق مستأنف. قال: و ذكر الحسين بن هاشم انه سأل ابن بكير عنها فأجابه بهذا الجواب فقال:

سمعت في هذا شيئا؟ قال: رواية رفاعة. قال: ان رفاعة روي اذا دخل بينهما زوج فقال: زوج و غير زوج عندي سواء. فقلت: سمعت في هذا شيئا؟ قال: لا، هذا مما رزق اللّه من الرأي. قال ابن سماعة: و ليس نأخذ

ص: 417


1- و لربما يظهر ذلك من الشيخ الصدوق أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه 320:3. و الرأي المذكور لابن بكير قد أشارت اليه الرواية الآتية و نقل في جواهر الكلام 129:32 و الروضة البهية 131:2 و غيرهما.

بقول ابن بكير، فان الرواية اذا كان بينهما زوج»(1).

و مناقشة رأي ابن بكير واضحة، فان مقتضي اطلاق الآية الكريمة و الرواية المتقدمتين في الرقم 5 عدم الفرق بين الطلاق العدي و غيره في تحقق الحرمة بالطلاق الثالث حتي تنكح زوجا غيره. و لا مقيد للإطلاق المذكور سوي صحيحة رفاعة، و لكنها خاصة بما اذا تزوج رجل آخر بالمطلقة بعد الطلاق، و محل الكلام فيما اذا لم يتخلل الزواج بآخر بين الطلقات.

13 - و اما الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع اذا لم يكن عديّا

فالمشهور عدمها.

و المناسب عدم الفرق بين العدي و غيره، ففي كليهما تثبت الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع لإطلاق رواية زرارة و داود بن سرحان المتقدمة في الرقم 11. و لا وجه لتخصيصها بالطلاق العدي الا اذا تمّ اجماع تعبدي علي ذلك.

قال في الجواهر - بعد ذكر رواية زرارة و داود و غيرها من الروايات الاخري - ما نصه: «الا ان الجميع كما تري لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع في الطلاق العدي علي الوجه المزبور بل ظاهره الاطلاق. فالعمدة حينئذ الاجماع»(2).

و المناسب تحفظا من مخالفة المشهور و الاجماع المدعي التنزل من الفتوي بالتعميم الي الاحتياط.

14 - و اما الاطلاقات الثلاثة للطلاق السني

فالوجه فيها:

ص: 418


1- وسائل الشيعة 353:15 الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
2- جواهر الكلام 122:32.

اما بالنسبة الي الاطلاق الاول فواضح لان كل طلاق جمع الشرائط فهو سني، بمعني انه مشروع.

و اما بالنسبة الي الاطلاق الثاني فلان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم 10 اختصاص الطلاق العدي بما تحقق فيه الرجوع بعد الطلاق و المواقعة، و معه فالطلاق الذي يتحقق الرجوع بعده بلا مواقعة هو سني بالمعني المقابل للعدي.

و اما بالنسبة الي الاطلاق الثالث فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني علي طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتي تمضي اقراؤها فاذا مضت اقراؤها فقد بانت منه و هو خاطب من الخطّاب ان شاءت نكحته و ان شاءت فلا...»(1).

4 - أحكام العدة
اشارة

تجب العدة - بمعني وجوب التربص علي المرأة فترة معينة بترك الزواج فيها اما مع ثبوت الحق لزوجها في الرجوع اليها أو بدونه - علي:

1 - المطلقة فيما اذا كانت مدخولا بها و لم تكن صغيرة و لا يائسا و الا فلا عدة عليها. و مقدارها ثلاثة قروء، أي ثلاثة اطهار.

و يكفي في الطهر الاول مسماه فاذا طلقت و قد بقيت من طهرها فترة قليلة ثم مرّ بها طهران تامان آخران فبمجرد رؤية دم الحيضة الثالثة

ص: 419


1- وسائل الشيعة 344:15 الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

تخرج من العدة.

هذا في غير المسترابة. و اما هي - بان كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض - فعدتها ثلاثة أشهر.

كما ان هذا كله في غير الحامل. و اما الحامل فتنتهي عدتها بوضع الحمل.

2 - المتوفي عنها زوجها. و مقدارها أربعة أشهر و عشرة أيام. من دون فرق بين حالات الزوج من كونه كبيرا أو صغيرا. و من دون فرق بين حالات الزوجة من كونها صغيرة أو كبيرة، يائسا او لا، مدخولا بها او لا، دائمة أو متمتعا بها.

هذا في غير الحامل.

و اما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة و وضع الحمل.

و يلزم علي الزوجة اذا كانت كبيرة عاقلة الحداد خلال عدة الوفاة، و ذلك بترك كل ما يعدّ زينة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه، فيلزم ترك التزين بالكحل و الطيب و الخضاب و الحمرة و الملابس التي تعدّ زينة عرفا و ما شاكل ذلك.

و يجوز مثل تنظيف البدن و تمشيط الشعر و ما شاكل ذلك مما لا يعدّ زينة.

3 - الموطوءة شبهة. و عدتها عدة المطلقة.

4 - المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ لعيب و نحوه او بانفساخ لارتداد أو رضاع و نحوهما. و عدتها كعدة المطلقة.

أجل اذا ارتدّ الزوج عن فطرة فالعدة عدة الوفاة.

5 - المتمتع بها. و عدتها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الأجل أو هبة المقدار المتبقي.

ص: 420

هذا اذا لم تكن حاملا.

و اما الحامل فعدتها ان لم تكن من الوفاة تنتهي بوضع الحمل، و ان كانت منها فأبعد الاجلين من ذلك و من اربعة اشهر و عشرة ايام.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب العدة في الجملة

فهو من واضحات الفقه بل من ضروريات الدين. و يدل عليه الكتاب الكريم في جملة من المواضع، كقوله تعالي: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ (1) ، وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (2) ، وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (3) ،... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها (4).

و اما الروايات فهي فوق حدّ الاحصاء. و سيوافيك بعضها فيما يلي من أبحاث إن شاء اللّه تعالي.

2 - و اما تفسير العدة بما تقدم

فهو من واضحات الفقه. و تدل عليه الآيات الكريمة السابقة.

3 - و اما وجوب العدة علي المطلقة

فقد اتضح مما سبق. و اما عدم

ص: 421


1- البقرة: 228.
2- الطلاق: 4.
3- البقرة: 234.
4- الأحزاب: 49.

وجوب العدة علي غير المدخول بها فهو مما لا كلام فيه. و يدل عليه قوله تعالي:... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ، و الروايات الشريفة، كصحيحة أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فقد بانت منه و تزوج من ساعتها ان شاءت»(1) و غيرها.

4 - و اما الصغيرة و اليائس

فالمشهور بين الاصحاب عدم ثبوت العدة عليهما. و خالف في ذلك السيد المرتضي فأثبتها عليهما(2).

و منشأ الخلاف في ذلك أمران: الآية الكريمة و الروايات.

اما الآية الكريمة: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ... (3) فقد استدل بها السيد المرتضي علي مدعاه بتقريب انها تدل بوضوح علي ثبوت العدة ثلاثة أشهر للآيسات و اللائي لم يحضن. و لا يوجد ما يحول دون الاخذ بذلك سوي الشرط - إِنِ ارْتَبْتُمْ - فانه لا يتلاءم مع افتراض عدم بلوغ سن الحيض او تجاوزه و لكنه يمكن تفسيره بالجهل، اي ان عدتهن ثلاثة أشهر ان كنتم جاهلين و غير عالمين بمقدارها.

و يؤيده ما ورد في شأن النزول من ان البعض سأل النبي صلّي اللّه عليه و آله عن السبب في عدم ذكر عدد بعض النساء - كالكبار و الصغار و اولات الاحمال - في القرآن الكريم فنزلت الآية الكريمة.

هذا هو المقصود من الارتياب. و ليس المقصود الارتياب في انها

ص: 422


1- وسائل الشيعة 404:15 الباب 1 من أبواب العدد الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 431:25.
3- الطلاق: 4.

يائس أو لا، اذ فرض في الآية الكريمة اليأس من الحيض، و مع الارتياب بالمعني المذكور لا يأس.

هذا توضيح ما أفاده قدّس سرّه(1).

و اما الروايات فهي علي طائفتين، فهناك مجموعة تبلغ أربعا أو أكثر دلت علي عدم ثبوت العدة لليائس و الصغيرة، كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن التي قد يئست من المحيض و التي لا يحيض مثلها، قال: ليس عليها عدة»(2) و غيرها.

و هناك مجموعة تقرب من مقدار الطائفة الاولي دلت علي ثبوت العدة عليهما و انها ثلاثة اشهر، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر و الجارية التي قد يئست و لم تدرك الحيض ثلاثة أشهر...»(3).

و هذا الاختلاف بين الروايات هو سبب آخر لعدم وضوح حكم المسألة.

و السيد المرتضي لم يعر أهمية للأخبار المذكورة. و لعل ذلك نشأ من مبناه في مسألة حجية الخبر.

و اما رأي المشهور ففي مقام الدفاع عنه يمكن أن يقال:

اما بالنسبة إلي الآية الكريمة فالمناسب لو كان المقصود ما ذكره السيد المرتضي في تفسير معني الارتياب التعبير بالجهل دون الارتياب. علي ان جميع الاحكام واردة في حالة الجهل بها فلا وجه8.

ص: 423


1- الحدائق الناضرة 433:25.
2- وسائل الشيعة 404:15 الباب 1 من أبواب العدد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 408:15 الباب 2 من أبواب العدد الحديث 8.

لتقييد خصوص الحكم المذكور بذلك.

و عليه يتعين ان يكون المقصود: ان ارتبتم في تحقق اليأس لهن واقعا و عدمه فعدتهن... و لازم ذلك انه مع عدم الارتياب - بان كان يجزم باليأس - فلا عدة عليهن لا بالاقراء و لا بالاشهر اذ لا يحتمل ثبوت العدة عليهن بشكل آخر.

و التعبير عنهن ب اَللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وجيه بعد افتراض انهن اشرفن علي سن اليأس و احتمل ذلك في حقهن.

و اما قوله: وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ فليس من البعيد أن يكون المراد منه: و اللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. و الارتياب لا يتصور في حق التي لم تحض الا اذا فرض انها في سن من تحيض و لم تحض.

و عليه فالآية الكريمة أجنبية عن الصغيرة التي هي ليست في سن من تحيض.

يبقي انه لو كان المقصود من الارتياب هذا المعني فالمناسب ان يعبر: ان ارتبن لا إِنِ ارْتَبْتُمْ .

و الجواب: ان التعبير المذكور وجيه بعد ان كان ارتياب الرجال يؤثر علي موقفهم، حيث لا يجوز لهم آنذاك الزواج بهن اثناء الاشهر الثلاثة و يجوز لأزواجهن الرجوع إليهن.

و اما بالنسبة الي الروايات فاذا أمكن الجمع بحمل الثانية علي الاستحباب بقرينة الاولي فلا اشكال.

و اذا لم يمكن ذلك لعدم عرفية الجمع المذكور يلزم ترجيح الاولي

ص: 424

لموافقة الثانية للتقية(1).

و مع التنزل يلزم التعارض و التساقط. و من ثمّ لا يبقي دليل علي لزوم العدة علي اليائس و الصغيرة و يكون المرجع هو اطلاقات جواز النكاح. و علي جميع التقادير الثلاثة تعود النتيجة واحدة.

5 - و اما ان العدة ثلاثة قروء

فلصريح الآية الكريمة: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ... (2).

و اما ان القرء هو بمعني الطهر دون الحيض فالروايات فيه متعارضة، فهناك مجموعة دلت علي انه بمعني الطهر و مجموعة اخري علي انه بمعني الحيض.

مثال الاولي: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «الاقراء هي الاطهار»(3). و في صحيحته الاخري: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي ان الاقراء التي سمي اللّه عز و جل في القرآن انما هو الطهر فيما بين الحيضتين فقال: كذب، لم يقل برأيه و لكنه انما بلغه عن علي عليه السّلام. فقلت: كان علي عليه السّلام يقول ذلك؟ فقال: نعم، انما القرء الطهر الذي يقرؤ فيه الدم فيجمعه فاذا جاء المحيض دفعه»(4) و غيرهما.

و مثال الثانية: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة التي

ص: 425


1- نقل الجزيري في كتاب الفقه علي المذاهب الأربعة 482:4 ان الحنفية قالوا بثبوت العدة علي الصغيرة. و هكذا المالكية و الشافعية قالت بثبوت العدة عليها لو كانت تطيق الوط ء.
2- البقرة: 228.
3- وسائل الشيعة 424:15 الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 224:15 الباب 14 من أبواب العدد الحديث 4.

تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء، و هي ثلاث حيض»(1).

و التعارض بين الطائفتين مستقر.

و يمكن ترجيح الاولي اما لأنها مخالفة للتقية - حسب دعوي الشيخ الطوسي(2) او لموافقتها للكتاب الكريم اما ببيان ان القرء عبارة عن الجمع، و جمع الدم و حبسه يتحقق في حالة الطهر - كما تشير إلي ذلك صحيحة زرارة المتقدمة - فيكون القرء متحققا حالة الطهر أو ببيان ان ظاهر الآية الكريمة ان مدة التربص التي هي ثلاثة قروء تبتدئ من حين الطلاق، و ذلك لا يتم الا بتفسير القرء بالطهر.

6 - و اما انه يكفي في الطهر الاول مسماه

، و من ثمّ يكفي في انتهاء العدة مجرد رؤية دم الحيضة الثالثة فتدل عليه الروايات الكثيرة، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت له: اصلحك اللّه رجل طلق امرأته علي طهر من غير جماع بشهادة عدلين فقال: اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها و حلت للأزواج. قلت له: اصلحك اللّه ان اهل العراق يروون عن علي عليه السّلام انه قال: هو احق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة فقال: فقد كذبوا»(3) و غيرها، فان مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام: «اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها» انه برؤية الدم الثالث تنتهي العدة سواء كان الطلاق قد وقع في بداية الطهر الاول أو قبيل نهايته بلحظة.

و بناء علي هذا فأقل زمان يمكن تحقق العدة فيه ستة و عشرون

ص: 426


1- وسائل الشيعة 425:15 الباب 14 من أبواب العدد الحديث 7.
2- نقل ذلك الحر العاملي في وسائله 225:15 من أبواب العدد الباب 14 في ذيل الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 426:15 الباب 15 من أبواب العدد الحديث 1.

يوما و لحظتان، بان يفترض ان طهرها الاول لحظة ثم تحيض ثلاثة ايام ثم تري أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض ثلاثة ايام ثم تري أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض. و بمجرد رؤية هذا الدم الاخير لحظة من اوله تنقضي العدة. و طبيعي ان هذه اللحظة الاخيرة خارجة عن العدة و دورها دور الكاشف عن تمامية الطهر الثالث.

7 - و اما ان عدة المسترابة ثلاثة اشهر

فيدل عليه قوله تعالي:

وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ... (1) ، فان فقرة وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ تدل علي المطلوب، أي و اللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر.

و الارتياب في التي لا تحيض لا يتصور الا في المسترابة كما تقدم في الرقم 4.

و الاخبار في المسألة كثيرة، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة اشهر...»(2) و غيرها.

8 - و اما ان عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل

فهو المشهور. و يدل عليه قوله تعالي: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) ، و الروايات الشريفة، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «طلاق الحامل واحدة فاذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه»(4) و غيرها.

ص: 427


1- الطلاق: 4.
2- وسائل الشيعة 412:15 الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7.
3- الطلاق: 4.
4- وسائل الشيعة 418:15 الباب 9 من أبواب العدد الحديث 3.

و في مقابل ذلك قول الشيخ الصدوق و آخرين بان عدتها اقرب الاجلين من الوضع و الاقراء او ثلاثة اشهر تمسكا بصحيحة ابي الصباح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «طلاق الحامل واحدة و عدتها اقرب الاجلين»(1) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «طلاق الحبلي واحدة و أجلها ان تضع حملها و هو أقرب الاجلين»(2) و غيرهما(3).

و لا يخفي ان الواو في فقرة: «و هو أقرب الاجلين» حالية لا استئنافية، اذ قد يكون الوضع أقرب الاجلين و قد لا يكون.

هذا قول الشيخ الصدوق.

و لا تبعد وجاهته لان الآية الكريمة و الطائفة الاولي من الروايات مطلقة من حيث كون الوضع أقرب الاجلين أو لا فتقيد بالطائفة الثانية الدالة علي ان الوضع تنتهي به العدة فيما اذا كان أقرب الاجلين.

و لأجل هذا مال صاحب الجواهر الي القول المذكور(4).

9 - و اما ان عدة المتوفي زوجها اربعة اشهر و عشرة ايام

فهو من ضروريات الفقه بل الدين. و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (5).

و اما ما تضمنه قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَي الْحَوْلِ (6) فهو تشريع قبل نزول

ص: 428


1- وسائل الشيعة 418:15 الباب 9 من ابواب العدد الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 419:15 الباب 9 من ابواب العدد الحديث 6.
3- جواهر الكلام 252:32.
4- جواهر الكلام 253:32.
5- البقرة: 234.
6- البقرة: 240.

آية العدة و منسوخ بها.

و الروايات في المسألة كثيرة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال للنساء: اف لكن قد كنتنّ قبل ان ابعث فيكن و ان المرأة منكن اذا توفي عنها زوجها اخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها ثم قالت: لا امتشط و لا اكتحل و لا اختضب حولا كاملا و انما امرتكن بأربعة أشهر و عشرا ثم لا تصبرن»(1) و غيرها.

10 - و اما التعميم بلحاظ جميع الحالات المتقدمة

فلإطلاق ما تقدم من الآية الكريمة و الروايات الشريفة.

اجل دلت رواية محمد بن عمر الساباطي: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل بها قال: لا عدة عليها. و سألته عن المتوفي عنها زوجها من قبل ان يدخل بها قال: لا عدة عليها، هما سواء»(2) علي اشتراط الدخول في ثبوت عدة الوفاة، لكنها مضافا الي ضعف سندهما بالساباطي نفسه ساقطة عن الحجية لهجران الاصحاب لمضمونها.

11 - و اما ان عدة الحامل المتوفي عنها زوجها أبعد الاجلين

فهو مما لا خلاف فيه. و قد يستدل له بانه مقتضي الجمع بين قوله تعالي:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (3) ، و قوله تعالي: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ

ص: 429


1- وسائل الشيعة 451:15 الباب 30 من أبواب العدد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 462:15 الباب 35 من أبواب العدد الحديث 4.
3- البقرة: 234.

حَمْلَهُنَّ (1) بتقريب ان الحامل مشمولة لكلتا الآيتين الكريمتين، و امتثال الامر فيهما لا يحصل الا بالاعتداد بأبعد الاجلين.

و فيه: ان آية الاحمال ناظرة إلي خصوص المطلقة فلاحظ.

و الانسب الاستدلال لذلك بالروايات الخاصة، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الحامل المتوفي عنها زوجها تنقضي عدتها آخر الاجلين»(2) و غيرها.

12 - و اما الحداد

(3) فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه. و قد دلت عليه صحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المتوفي عنها زوجها قال: لا تكتحل للزينة و لا تطيب و لا تلبس ثوبا مصبوغا...»(4) و غيرها.

و قد فهم منها الاصحاب حرمة كل ما يعدّ زينة. قال في الحدائق:

«و المفهوم من هذه الاخبار ان الحداد هو ترك كل ما يعدّ زينة في البدن أو اللباس و ان اختلف ذلك باختلاف العادات في البلدان فيحكم علي كل بلد بما هو المعتاد فيها»(5).

اجل قيّد بعض الاصحاب - و منهم السيد اليزدي - التزين المنهي عنه بما يعدّ زينة للزوج(6).

و لعله استند في ذلك الي موثقة عمار الساباطي عن ابي

ص: 430


1- الطلاق: 4.
2- وسائل الشيعة 455:15 الباب 31 من أبواب العدد الحديث 1.
3- الحداد من الحدّ بمعني المنع، فان الزوجة حيث تمنع نفسها من التزين فهي حادة.
4- وسائل الشيعة 450:15 الباب 29 من أبواب العدد الحديث 2.
5- الحدائق الناضرة 470:25.
6- ملحقات العروة الوثقي 63:2.

عبد اللّه عليه السّلام: «سأله عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحل لها ان تخرج من منزلها في عدتها؟ قال: نعم و تختضب و تكتحل و تمتشط و تصبغ و تلبس المصبغ و تصنع ما شاءت بغير زينة لزوج»(1).

الا ان الموثقة قد ترمي بهجران الاصحاب لها لاشتمالها علي جواز صنع ما شاءت بشرط ان لا يكون معدودا من مصاديق الزينة للزوج، و هو مما لا يقول به الاصحاب.

13 - و اما جواز ما لا يعدّ زينة

فلأصل البراءة بعد قصور المقتضي للتحريم. هذا لو لم يستفد من اخبار الحداد نفسها جواز ذلك و الا كانت هي الدليل، لعدم وصول النوبة الي الاصل العملي بعد فرض وجود الدليل الاجتهادي.

14 - و اما تقييد وجوب الحداد بما اذا كانت الزوجة كبيرة عاقلة

فلأن غيرها لا تكليف عليها، و وجوب الحداد تكليفي.

15 - و اما ثبوت العدة في وط ء الشبهة

فقد نفي السيد اليزدي الاشكال و الخلاف في ذلك(2). و تدل عليه صحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا التقي الختانان وجب المهر و العدة و الغسل»(3) و غيرها، فانها باطلاقها تشمل وط ء الشبهة. و الزنا خرج بالمخصص.

و لكن كيف نثبت ان العدة هي بمقدار عدة المطلقة؟ ذلك بالبيانات التالية:

أ - ان السكوت عن مقدار العدة مع كونه عليه السّلام في مقام البيان يدل

ص: 431


1- وسائل الشيعة 451:15 الباب 29 من أبواب العدد الحديث 7.
2- ملحقات العروة الوثقي 58:2.
3- وسائل الشيعة 65:15 الباب 54 من أبواب المهور الحديث 4.

علي ان عدتها كعدة المطلقة - و هي العدة المعروفة للمرأة التي لم يمت زوجها - و لو كانت غيرها لبيّن عليه السّلام ذلك.

ب - التمسك بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر. و عدة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء...»(1) ، فانها تدل علي ان عدة المرأة بشكل عام فيما اذا كانت مستقيمة الحيض هي ثلاثة قروء فتشمل محل كلامنا، و الخروج عن ذلك هو الذي يحتاج الي دليل.

ج - التمسك بصحيحة الحلبي الاخري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع و تزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر و عشرا فقال: ان كان دخل بها فرّق بينهما و لم تحل له ابدا و اعتدت ما بقي عليها من الاول و استقبلت عدة اخري من الآخر ثلاثة قروء...»(2) ، فان وط ء الشبهة هو القدر المتيقن منها و قد دلت علي ان العدة له ثلاثة قروء.

16 - و اما وجوب العدة علي المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ او

انفساخ

فلا اشكال فيه. و تدل عليه صحيحة ابن البختري المتقدمة.

و اما ان مقدارها كعدة المطلقة فللصحيحة الاولي المتقدمة للحلبي و غيرها.

و اما ان عدة المرتد زوجها عن فطرة هي عدة الوفاة فلموثقة الساباطي: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمدا صلّي اللّه عليه و آله نبوته و كذّبه، فان دمه مباح لمن سمع

ص: 432


1- وسائل الشيعة 412:15 الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 346:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتد، و يقسّم ماله علي ورثته، و تعتد امرأته عدة المتوفي عنها زوجها، و علي الامام ان يقتله و لا يستتيبه»(1).

17 - و اما ان عدة المتمتع بها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الاجل

أو هبة المقدار المتبقي من الاجل

فقد تقدم بيانه في مبحث النكاح المؤقت من كتاب النكاح.

18 - و اما ان عدتها من الوفاة اذا كانت حاملا ابعد الاجلين

فهو مما لا خلاف فيه علي ما في الجواهر(2). و تدل علي ذلك الروايات الخاصة التي تقدّمت الاشارة إليها في الرقم 11، فانها باطلاقها تشمل المتمتع بها.

و اما ان عدتها في غير الوفاة اذا كانت حاملا وضع الحمل فلقوله تعالي: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) ، فانه و ان كان ناظرا الي المطلقات دون المتمتع بها التي ليس لها طلاق، الا انه حيث لا يحتمل ان يكون حال المتمتع بها اشد من حال المطلقة في العقد الدائم فيعمها ذلك.

5 - من أحكام الخلع و المباراة
اشارة

الخلع - بضم الخاء - هو طلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها. و هو مشروع جزما.

ص: 433


1- وسائل الشيعة 545:18 الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3.
2- جواهر الكلام 200:30.
3- الطلاق: 4.

و تشترط فيه - مضافا الي الشروط المتقدمة في الطلاق - كراهة الزوجة لزوجها، و عدم كراهة الزوج لزوجته، و بذل الزوجة للفدية عن طيب نفس.

و الصيغة الخاصة للخلع: «خلعتك علي كذا»، او «انت او هي مختلعة علي كذا»، او «انت او هي او فلانة طالق علي كذا».

و الجمع باتباع الخلع بالطلاق - بأن يقول الزوج او وكيله: «خلعتك علي كذا فانت طالق» - اولي.

و يعتبر - لدي المشهور - عدم الفصل بين إنشاء البذل و الطلاق بما يخل بالموالاة العرفية.

و يجوز في الفدية ان تكون بمقدار المهر او أقلّ او اكثر.

و الطلاق في الخلع بائن ما دام لم ترجع الزوجة عن البذل في العدة.

و المباراة(1) تساوي الخلع في الاحكام المتقدمة و تفارقه في:

أ - اعتبار الكراهة من كلا الطرفين فيها بخلافه في الخلع فان الكراهة معتبرة من الزوجة فقط.

ب - ان لا يكون الفداء اكثر من مقدار المهر فيها.

ج - انها تقع بلفظ الطلاق - بان يقول الزوج: انت طالق علي كذا، أو يقول:

بارأتك علي كذا فانت طالق - و لا يكفي الانشاء بلفظ المباراة وحده.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الخلع يتميز عن الطلاق بأمرين - الفدية من الزوجة

و كراهتها

- فهو من واضحات الفقه. و تدل عليه مضافا الي ذلك نصوص المشروعية التالية.

ص: 434


1- المبارأة - بالهمز و قد تخفف الفا - هي المصالحة. يقال: بارأه بمعني صالحه. و المرأة بارأها بمعني صالحها علي الفراق. القاموس المحيط 8:1.
2 - و اما انه مشروع

فهو مما لا اشكال فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (1) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يحل خلعها حتي تقول لزوجها: و اللّه لا ابرّ لك قسما و لا اطيع لك امرا و لا اغتسل لك من جنابة و لأوطئن فراشك و لآذنن عليك بغير اذنك و قد كان الناس يرخصون فيما دون هذا فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما اخذ منها فكانت عنده علي تطليقتين باقيتين و كان الخلع تطليقة...»(2) و غيرها.

و عليه فالمشروعية لا تأمل فيها بل عن جماعة منهم شيخ الطائفة اختيار وجوبه عند تمرد الزوجة علي القيام بحقوق الزوجية بحجة ان النهي عن المنكر واجب و هو لا يتم الا بالخلع(3).

و التأمل في ذلك واضح باعتبار عدم تمامية المقدمة الثانية. و من هنا حمل في الحدائق الوجوب في كلام الشيخ علي الثبوت(4).

3 - و اما ان الخلع طلاق و ليس فسخا

فهو المشهور خلافا لشيخ الطائفة حيث اختار كونه فسخا لأنه لا ينشأ بلفظ الطلاق بل و لا ينوي به ذلك.

و الثمرة تظهر في عدّه من جملة الطلقات الثلاث و عدمه.

ص: 435


1- البقرة: 229.
2- الكافي 139:6 الباب الخلع الحديث 1.
3- جواهر الكلام 3:33.
4- الحدائق الناضرة 555:25.

و المناسب كونه طلاقا لتصريح الروايات بذلك، كصحيحة الحلبي السابقة و غيرها.

و زاد في الجواهر ما نصه: «بل لو قلنا انه فسخ امكن دعوي اجراء حكم الطلاق عليه للنصوص المزبورة»(1).

4 - و اما اعتبار اجتماع شرائط صحة الطلاق في الخلع - من

حضور شاهدين و كون الزوجة طاهرة بطهر لم تواقع فيه و... -

فباعتبار انه لما كان فردا من الطلاق فتثبت له أحكامه.

هذا مضافا الي ان بعض الشرائط الخاصة للطلاق قد دلت الروايات الخاصة علي ثبوتها للخلع، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام هل يكون خلع او مباراة الا بطهر؟ فقال:

لا يكون الا بطهر»(2) و غيرها.

5 - و اما اعتبار كراهة الزوجة لزوجها في تحقق الخلع

فهو من المسلمات، بل يمكن اعتبار كون الكراهة قد وصلت حدا يؤدي الي ترك الحقوق الثابتة للزوج علي زوجته لقوله تعالي: إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ... (3) و صحيحة الحلبي السابقة و غيرها.

هذا و قد وقع الكلام بين الاعلام في ان التلفظ بالكلمات المذكورة في صحيحة الحلبي هل هو شرط في صحة الخلع او يكفي تحقق الكراهة إلي المستوي المذكور و لو من دون تلفظ بذلك؟

ص: 436


1- جواهر الكلام 10:33.
2- وسائل الشيعة 496:15 الباب 6 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 1.
3- البقرة: 229.

المناسب لو خلينا و ظاهر الصحيحة المتقدمة و ما شاكلها اعتبار التلفظ بالكلمات السابقة الا ان قوله تعالي: إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ يدل علي ان المدار علي وصول الكراهة الي حدّ يخاف من ترك الحدود الالهية من دون مدخلية للتلفظ بما ذكر.

و تؤكد ما ذكرناه السيرة الجارية علي اجراء الخلع بدون فحص عن صدور الكلمات المذكورة.

و هل يلزم في الكراهة ان تكون ذاتية - بمعني نشوئها عن مناشئ غير طارئة بعد الزواج كقبح منظر الزوج و فقره و سوء خلقه - أو يكفي كونها عارضة و ناشئة من اسباب طارئة بعد ذلك كالتزوج باخري؟

أجاب صاحب الحدائق بما نصه: «المستفاد من كلام من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين هو الاول. و قد حضرناه في غير موضع و قد كانوا لا يوقعون الخلع الا بعد تحقيق الحال و مزيد الفحص و السؤال في ثبوت الكراهة الذاتية و عدم الكراهة العارضية...»(1).

و يرده: ان الآية الكريمة و صحيحة الحلبي مطلقتان من الناحية المذكورة. و لعله لذلك قال صاحب الجواهر: «و هو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب و لا سنة»(2).

6 - و اما اعتبار عدم كراهة الزوج لزوجته

فلانه مع كراهته أيضا يكون المورد من مصاديق المباراة دون الخلع.

7 - و اما اعتبار بذل الزوجة للفداء

فلتقوم حقيقة الخلع بذلك و من

ص: 437


1- الحدائق الناضرة 576:25.
2- جواهر الكلام 44:33.

دونه لا يكون خلعا بل طلاقا بشكله المتعارف.

8 - و اما اعتبار ان يكون بذل الفداء عن طيب نفس الزوجة

فلقوله تعالي: وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ (1). بل بقطع النظر عن ذلك لا مسوغ لإكراهها علي بذل ذلك فانه مصداق للظلم المحرم. اضافة الي دلالة حديث: «رفع عن امتي ما استكرهوا عليه»(2) علي عدم ترتب الاثر علي ذلك.

9 - و اما ان الصيغة الخاصة «خلعتك او انت او هي مختلعة علي

كذا»

فلانه بعد ما لم ترد صيغة خاصة في النصوص لانشاء الخلع فيلزم الحكم بالاكتفاء بكل صيغة دالة علي إنشاء الخلع - و من ذلك ما تقدم - تمسكا بالاطلاق اللفظي ان امكن تحصيله و الا فبالاطلاق المقامي.

10 - و اما الاكتفاء بصيغة «هي او انت او فلانة طالق علي عوض

كذا»

فباعتبار ان الخلع لما كان مصداقا من مصاديق الطلاق فيلزم الاكتفاء فيه بصيغة الطلاق، غايته يلزم اضافة العوض لان ذلك هو المائز بين الخلع و الطلاق المتعارف.

11 - و اما الجمع باتباع الخلع بالطلاق

فقد اختار اعتباره الشيخ قدّس سرّه و جماعة(3). و قد يستدل له برواية موسي بن بكر عن العبد الصالح: «قال علي عليه السّلام: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة»(4).

ص: 438


1- النساء: 19.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- جواهر الكلام 6:33.
4- وسائل الشيعة 490:15 الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 1.

و فيه: انها لو تمت سندا و لم يناقش من ناحية موسي بن بكر هي ضعيفة دلالة لإجمال المقصود منها.

و ما ذكره الشيخ قدّس سرّه لو استفيد منها يلزم الحكم بجواز تأخير الطلاق عن الخلع حتي بفترة طويلة ما دامت العدة باقية. و هذا بعيد و ان استظهر في الحدائق من بعض كلمات القائلين بالقول المذكور الالتزام بذلك(1) ، و لكنه غريب.

هذا و يظهر من بعض الروايات ان الخلاف في اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق كان ثابتا في عصر الأئمة عليهم السّلام، و لذلك تكرر السؤال عن ذلك فلاحظ صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين علي طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: تبين منه و ان شاءت ان يرد اليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت. فقلت: فانه روي لنا انه لا تبين منه حتي يتبعها بطلاق قال: ليس ذلك اذا خلع. فقلت: تبين منه؟ قال: نعم»(2) و غيرها.

و بالجملة: لا دليل علي اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق لعدم الدليل - فيتمسك بالاطلاق اللفظي ان كان و الا فبالاطلاق المقامي - بل و للدليل علي العدم، كصحيحة ابن بزيع و غيرها.

نعم لا اشكال في ان الاتباع اولي خروجا من خلاف الشيخ و غيره و امتثالا للمضمون المحتمل لرواية موسي بن بكر.

12 - و اما اعتبار عدم الفصل بين إنشاء الفدية و الطلاق

فهو

ص: 439


1- الحدائق الناضرة 564:25-565.
2- وسائل الشيعة 492:15 الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 9.

المشهور. و استدل له في الجواهر:

تارة بان الخلع معاوضة بين بذل الفداء و إنشاء الطلاق فهو علي هذا كسائر المعاوضات لقول امير المؤمنين عليه السّلام: «لكل مطلقة متعة الا المختلعة فانها اشترت نفسها»(1) ، و موثقة البقباق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«المختلعة ان رجعت في شيء من الصلح يقول لأرجعن في بضعك»(2).

و اخري بان القدر المتيقن من نصوص الباب حالة التحفظ علي الموالاة، و الاصل عدم الصحة فيما سوي ذلك(3).

و يرده:

اما بالنسبة الي الاول فلان الحديثين ليسا واضحين في المعاوضة. و كيف يمكن الالتزام بذلك و الحال ان رجوع الزوجة عن البذل لا يستوجب بطلان الطلاق بل صيرورته رجعيا؟ هذا مضافا الي ان اعتبار الموالاة في باب المعاوضة اول الكلام.

و اما بالنسبة الي الثاني فباعتبار انه لا مجال للأصل بعد وجود الاطلاق و لو المقامي.

و عليه فالمناسب عدم اعتبار الموالاة و يكفي استمرار عزمها علي البذل. و لكن الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور امر لازم.

13 - و اما انه يجوز في الفدية ان تكون بقدر المهر او اكثر او أقلّ

فلعدم الدليل علي اشتراط حدّ معين بل و للدليل علي العدم، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «المباراة يؤخذ منها دون الصداق، و المختلعة

ص: 440


1- وسائل الشيعة 503:15 الباب 11 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 499:15 الباب 7 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.
3- جواهر الكلام 14:33.

يؤخذ منها ما شاء او ما تراضيا عليه من صداق او اكثر...»(1) و غيرها.

14 - و اما ان الخلع طلاق بائن

فمما لا خلاف فيه لصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الخلع و المباراة تطليقة بائن و هو خاطب من الخطاب»(2).

و اما انه يجوز للزوج الرجوع عند رجوعها عن البذل فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و لا رجعة للزوج علي المختلعة و لا علي المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها»(3). و موثقة البقباق المتقدمة في الرقم 12.

15 - و اما ان المباراة كالخلع في جميع الاحكام الا في الاحكام

الثلاثة

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد يستفاد من رواية زرارة:

«سألت ابا جعفر عليه السّلام عن عدة المختلعة كم هي؟ قال: عدة المطلقة.

و لتعتد في بيتها. و المبارئة بمنزلة المختلعة»(4).

فان تمت الدلالة علي العموم و لم يناقش في السند من ناحية المعلي بن محمد فلا مشكلة و الا فيمكن تصيد ذلك من مجموع النصوص، كصحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «لا مباراة الا علي طهر من غير جماع بشهود»(5) و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة في الرقم 14 و غيرهما، فانه بضم النصوص المذكورة

ص: 441


1- وسائل الشيعة 493:15 الباب 4 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 495:15 الباب 5 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 499:15 الباب 7 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 503:15 الباب 10 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 4.
5- وسائل الشيعة 498:15 الباب 6 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 7.

بعضها الي بعض قد يستفاد الحكم المذكور.

16 - و اما انه يعتبر في المباراة الكراهة من كلا الطرفين

فهو علي ما في الحدائق امر مقطوع به في كلام الاصحاب(1). و يمكن استفادته من موثقة سماعة: «سألته عن المباراة كيف هي؟ فقال: يكون للمرأة شيء علي زوجها من مهر أو من غيره و يكون قد اعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه فتقول المرأة لزوجها: ما اخذت منك فهو لي، و ما بقي عليك فهو لك و ابارئك فيقول الرجل لها: فان انت رجعت في شيء مما تركت فانا أحق ببضعك»(2).

و لا يضر اضمارها بطريق الكليني بعد ما كانت مسندة في طريق الشيخ.

اجل ان الشيخ رواها بسنده عن علي بن الحسن، اي ابن فضال، و طريقه اليه يشتمل علي علي بن محمد بن الزبير الذي لم يذكر في حقه توثيق خاص. الا ان الامر من ناحيته سهل بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

17 - و اما انه يعتبر في المباراة ان لا تكون الفدية اكثر من المهر

فهو مما لا خلاف فيه، و انما الخلاف في اعتبار ان لا تكون مساوية له أيضا بل أقلّ.

و ظاهر صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المباراة تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك و اتركني او تجعل لها من قبلها شيئا فيتركها الا انه يقول: فان ارتجعت في شيء فانا املك ببضعك.

ص: 442


1- الحدائق الناضرة 623:25.
2- وسائل الشيعة 500:15 الباب 8 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.

و لا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه»(1) بل صريحها جواز كونها مساوية.

الا انه قد يقال بكونها معارضة بصحيحة زرارة المتقدمة في الرقم 13 الدالة علي اعتبار كونها أقلّ من مقدار المهر.

و يمكن الجمع بينهما بحمل الوارد في صحيحة زرارة «دون الصداق» علي اعتبار ان لا تكون ازيد من مقدار المهر، فان صحيحة ابي بصير صريحة في جواز كونها بمقداره بينما صحيحة زرارة ظاهرة في اعتبار كونها أقلّ منه فيؤول الظاهر بقرينة الصريح طبقا للقاعدة العرفية: كلما اجتمع دليلان متنافيان احدهما صريح و الآخر ظاهر أوّل الظاهر بقرينة الصريح.

و اذا تمّ هذا فلا مشكلة و الا كان التعارض مستقرا و يلزم ترجيح صحيحة ابي بصير لموافقة مضمونها لقوله تعالي: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (2).

و عليه فالنتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

18 - و اما انه لا تصح المباراة بلفظ «بارأتك علي كذا» من دون

اتباع بالطلاق

فقد ادعي المحقق اتفاق الاصحاب عليه»(3). و لو لا ذلك كان من الوجيه الحكم بعدم الحاجة الي الاتباع بذلك لصحيحة حمران:

«سمعت ابا جعفر عليه السّلام يتحدث قال: المباراة(4) تبين من ساعتها من غير

ص: 443


1- وسائل الشيعة 500:15 الباب 8 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 4.
2- البقرة: 229.
3- شرايع الإسلام 623:3 انتشارات استقلال.
4- في تهذيب الاحكام 102:8: المبارئة....

طلاق و لا ميراث بينهما...»(1) و غيرها.

و المناسب تحفظا من مخالفة الاتفاق المحتمل التنزل عن الفتوي بعدم اعتبار الاتباع بالطلاق الي الاحتياط باعتباره.

6 - من أحكام الطلاق
اشارة

اذا طلّق غير الامامي زوجته بطلاق صحيح علي مذهبه فاسد علي مذهبنا جاز للإمامي الزواج بها بعد انقضاء عدتها. هذا اذا كانت الزوجة غير امامية أيضا. و اذا كانت امامية جاز لها التزوج بالغير أيضا.

و يجوز للزوج في الطلاق الرجعي الرجوع علي زوجته ما دامت العدة لم تنته. و يتحقق الرجوع باللفظ، كقول رجعتك و لو بغير العربية، و بالفعل كالتقبيل بشهوة و نحوه مع قصد الرجوع به. اجل خصوص الوط ء يتحقق به الرجوع و لو من دون قصده. و اما لو قبّل أو لا مس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك فالمشهور تحقق الرجعة به.

و المطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما ما دامت في العدة فيجب الانفاق عليها، و لا يجوز لها الخروج بغير اذنه، و يجوز الدخول عليها بغير اذن.

و هذا بخلاف المطلقة بائنا فانها بمنزلة الاجنبية و لا تترتب عليها الاحكام المذكورة.

و لا يجوز اخراج المطلقة من دار سكناها عند الطلاق الا ان تأتي بفاحشة مبينة.

ص: 444


1- وسائل الشيعة 501:15 الباب 9 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.

و كل زوجة تستحق علي زوجها النفقة اذا لم تنشز بالخروج من بيته بغير اذنه. و اذا امتنع من الانفاق عليها جاز لها رفع امرها الي الحاكم الشرعي ليلزمه بأحد امرين عليه: اما الانفاق او الطلاق. فان امتنع من كليهما جاز للحاكم ان يطلقها اذا طلبت ذلك و يقع الطلاق بائنا.

و اذا فقد الزوج و انقطع خبره عن زوجته، فان كانت تعلم ببقائه علي قيد الحياة فعليها بالصبر الي ان يرجع و ليس لها المطالبة بالطلاق الا اذا ثبت للحاكم الشرعي هجرانه لها و تعمّد اخفاء موضعه لكي لا يلزمه بالطلاق او الانفاق فيجوز له في مثل ذلك الطلاق اذا طلبته.

هذا اذا كانت الزوجة تعلم بحياته.

و اما اذا لم تعلم بذلك و كان يحتمل موته فتارة يفرض وجود مال للزوج يتم من خلاله تأمين نفقة الزوجة او يفرض ان وليه يقوم بالانفاق عليها فليس لها المطالبة بالطلاق، و اخري يفرض عدم ذلك فيجوز لها رفع امرها الي الحاكم الشرعي فيؤجلها اربع سنين و يأمر بالفحص عنه خلال المدة المذكورة فاذا انقضت و لم تتبين حاله امر الحاكم وليه بطلاقها و اجبره علي ذلك، فان لم يكن له ولي او لم يمكن اجباره طلقها الحاكم بنفسه و اعتدت بمقدار عدة الوفاة، و جاز لها التزوج بعد انتهائها. و اذا عاد الزوج بعد ذلك لم يكن له حق عليها و كانت اجنبية عنه.

و اذا حصل لزوجة الغائب من خلال تراكم القرائن علم بموت زوجها جاز لها الزواج بعد العدة من دون حاجة الي مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد علي علمها.

و الطلاق و ان كان بيد الزوج الا انه يجوز للزوجة ان تشترط علي زوجها اثناء عقد النكاح ان تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها متي ما سجن لفترة

ص: 445

سنة مثلا أو أدمن المواد المخدرة او سافر و انقطعت اخباره لفترة محددة و ما شاكل ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان غير الامامي اذا طلّق زوجته بطلاق صحيح في مذهبه

فاسد في مذهبنا فيجوز للإمامي الزواج بها بعد انتهاء عدتها

فلقاعدة الالزام المستفادة من جملة من النصوص من قبيل:

أ - ما رواه الشيخ بسنده الي الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد اللّه بن جبلة عن غير واحد عن علي بن ابي حمزة حيث سأل ابا الحسن عليه السّلام: «المطلقة علي غير السنة أ يتزوجها الرجل؟ فقال: الزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم و تزوجوهن فلا بأس بذلك»(1).

و طريق الشيخ الي الحسن معتبر علي ما في المشيخة(2).

و الارسال عن «غير واحد» لا مشكلة من ناحيته لان مصداق التعبير المذكور عرفا ثلاثة فما زاد، و اجتماع العدد المذكور علي الكذب بعيد جدا و يحصل الاطمئنان بعدمه. و لئن كانت هناك مشكلة فهي من ناحية البطائني الذي فيه كلام طويل، و قد ورد عن الامام الرضا عليه السّلام: «انه أقعد في قبره فسئل عن الائمة عليهم السّلام فأخبر بأسمائهم حتي انتهي إليّ فسئل فوقف فضرب علي رأسه ضربة امتلأ قبره نارا»(3).

هذا و لكن استناد الاصحاب الي الرواية و تعبيرهم بمضمونها يجبر ضعفها بناء علي ما هو المشهور من تمامية كبري جابرية ضعف

ص: 446


1- وسائل الشيعة 321:15 الباب 3 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
2- لاحظ المشيخة المذكورة في نهاية تهذيب الاحكام 75:10.
3- اختيار معرفة الرجال 705:2 الرقم 755 طبع مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

السند بشهرة العمل.

ب - ما رواه الكليني بسنده الي عمر بن اذينة عن عبد اللّه بن محرز: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل ترك ابنته و اخته لأبيه و امه فقال:

المال كله لابنته و ليس للأخت من الاب و الام شيء. فقلت: فانا قد احتجنا الي هذا و الميت رجل من هؤلاء الناس و اخته مؤمنة عارفة قال: فخذلها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم و قضاياهم. قال ابن اذينة: فذكرت ذلك لزرارة فقال: ان علي ما جاء به ابن محرز لنورا»(1).

و هي تدل علي ثبوت حق المقاصة النوعية و انه ما داموا يأخذون منكم فانتم خذوا منهم بالمقابل أيضا.

و تبقي المشكلة من ناحية ابن محرز فانه لم يوثق الا ان تعبير زرارة بان علي روايته نورا قد يسهّل الامر من هذه الناحية.

ج - صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الاحكام قال: تجوز علي اهل كل ذوي دين ما يستحلون»(2).

ثم ان المسألة بقطع النظر عن قاعدة الالزام تشتمل علي روايات خاصة بها من قبيل موثقة عبد الرحمن البصري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له امرأة طلقت علي غير السنة فقال: تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج»(3) و غيرها.

2 - و اما ان الزوجة الامامية يجوز لها التزوج بالغير اذا طلقها

زوجها غير الامامي بطلاق صحيح في مذهبه فاسد في مذهبنا

فلقاعدة

ص: 447


1- وسائل الشيعة 484:17 الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 484:17 الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 320:15 الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

الالزام المتقدمة.

3 - و اما انه يجوز للزوج الرجوع علي زوجته في العدة الرجعية

فهو من المسلمات بل من ضروريات الدين. و يدل علي ذلك قوله تعالي:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ... اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (1) ، وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (2). و الروايات في ذلك كثيرة. و قد تقدمت الاشارة اليها خلال الابحاث السابقة.

4 - و اما ان الرجوع يتحقق بالفعل أيضا و لا ينحصر بالقول

فلانه بعد تحقق إنشاء الرجوع عرفا بالفعل فلا وجه لعدم الاكتفاء به بعد وجود المطلقات.

5 - و اما تحقق الرجوع بالوط ء و ان لم يقصد به الرجوع

فلرواية محمد بن القاسم: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحدّ، و ان غشيها قبل انقضاء العدة كان غشيانه اياها رجعة لها»(3).

الا انه قد يشكل في سندها من ناحية محمد بن القاسم، فان الثابت وثاقته هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي لقول النجاشي: «ثقة هو و ابوه و عمه العلاء و جده الفضيل»(4) ، الا انه يروي

ص: 448


1- البقرة: 228-229.
2- البقرة: 231.
3- وسائل الشيعة 400:18 الباب 29 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
4- رجال النجاشي: 256 منشورات مكتبة الداوري.

عن الامامين الكاظم و الرضا عليهما السّلام و لم تذكر روايته عن الامام الصادق عليه السّلام، و من هنا يتولد احتمال انه شخص آخر، خصوصا و ان الشيخ ذكر في رجاله اسم محمد بن القاسم البصري و قال من دون توثيق: «هو من أصحاب الصادق عليه السّلام»(1).

نعم بناء علي تمامية كبري الجابرية لا مشكلة، بل ادعي في الجواهر عدم الخلاف بيننا و انعقاد الاجماع بقسميه علي ذلك(2).

6 - و اما التقبيل و اللمس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك

فقد ادعي في الجواهر عدم الخلاف في تحقق الرجوع به أيضا(3).

هذا و لكن لا يوجد نص يدل علي ذلك، فان تمّ الاجماع الكاشف فبها و الا فالأمر مشكل و ينبغي العمل علي طبق الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

7 - و اما ان المطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما

فهو من المسلمات للنصوص الدالة علي وجوب الانفاق عليها و ثبوت التوارث بينهما و الحث علي تزيينها لزوجها و جواز دخول زوجها عليها بلا اذن، كقوله تعالي: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ... (4) ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ... (5) ، و صحيحة ابي بصير عن ابي

ص: 449


1- رجال الشيخ: 300.
2- جواهر الكلام 180:32.
3- المصدر نفسه.
4- الطلاق: 6.
5- الطلاق: 1.

عبد اللّه عليه السّلام: «المطلقة تعتد في بيتها و تظهر له زينتها لعل اللّه يحدث بعد ذلك امرا»(1) ، و رواية محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «المطلقة تسوق(2) لزوجها ما كان له عليها رجعة و لا يستأذن عليها»(3) ، و صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... حتي تطمث طمثتين فتنقضي عدتها بثلاث حيض و قد بانت منه... و عليه نفقتها و السكني ما دامت في عدتها، و هما يتوارثان حتي تنقضي عدتها»(4) و غيرها.

و الروايات المذكورة كما تري تتلاءم مع بقاء الزوجية حقيقة أو حكما. أجل الحديث الاخير بقرينة التعبير ب «بانت منه» ظاهر في بقائها حقيقة.

8 - و اما ان المطلقة بائنا ليست زوجة و لا تترتب عليها احكامها

فهو من المسلمات أيضا. و يمكن استفادته من النصوص السابقة و غيرها. بل لا حاجة الي البحث عن نص و يكفي القصور في المقتضي بعد فرض زوال عنوان الزوجية بالطلاق البائن.

9 - و اما انه لا يجوز اخراجها من دار سكناها عند الطلاق

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ

ص: 450


1- وسائل الشيعة 437:15 الباب 21 من أبواب العدد الحديث 1.
2- هكذا في الطبعة القديمة للوسائل. و في الكافي 91:6 تشوفت. و الظاهر ان الصواب: تشوف، كما هو المنقول عن بعض نسخ الكافي. يقال: تشوفت المرأة: تزينت و أظهرت زينتها كما عن لسان العرب 185:9.
3- وسائل الشيعة 437:15 الباب 21 من أبواب العدد الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 344:15 الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ... (1) . و الروايات في ذلك كثيرة(2).

10 - و اما وجوب الانفاق علي الزوجة

فهو من المسلمات. و يدل عليه قوله تعالي: وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) ، أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ (4).

و هذه الآية الاخيرة و ان كانت واردة في المطلقة الا انه يفهم منها ثبوت ذلك لغيرها بالاولوية.

و قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَي النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلي بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (5).

و الروايات في ذلك فوق حدّ الاحصاء و سنشير الي بعضها فيما يأتي ان شاء اللّه تعالي.

و اما التقييد بعدم نشوزها بالخروج من البيت بغير اذنه فلموثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ايما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتي ترجع»(6) و غيرها.

هذا اذا كان نشوزها بخروجها من البيت بغير اذن.

و اما اذا كان بغير ذلك فالمشهور سقوط النفقة أيضا. و لكن لا دليل علي ذلك بعد اطلاق ما تقدم. و الاحتياط لا ينبغي تركه.

ص: 451


1- الطلاق: 1.
2- راجع وسائل الشيعة 434:15 الباب 18 من أبواب العدد.
3- البقرة: 233.
4- الطلاق: 6-7.
5- النساء: 34.
6- وسائل الشيعة 229:15 الباب 6 من أبواب النفقات الحديث 1.
11 - و اما انه مع امتناع الزوج من الانفاق يحق للزوجة ان ترفع

امرها الي الحاكم الشرعي ليلزمه باحد الامرين

فتدل عليه صحيحة ابي بصير: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من كان عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا علي الامام ان يفرّق بينهما»(1) ، و صحيحة ربعي بن عبد اللّه و الفضيل بن يسار جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قوله تعالي: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ (2) قال: ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و الا فرّق بينهما»(3) و غيرهما.

و التقييد بثبوت الولاية لخصوص الحاكم باعتبار ان الصحيحة الاولي دلت علي ثبوت الولاية لمنصب الامامة، و القدر المتيقن في المنتقل اليه المنصب المذكور هو الحاكم الشرعي. و الصحيحة الثانية لا اطلاق لها، اذ هي ليست في صدد بيان من يقوم بالتفريق فينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و هو الامام عليه السّلام او الحاكم الشرعي.

و التقييد بامتناعه من الانفاق باعتبار انه مع انصياعه للإنفاق يصدق عليه آنذاك عنوان «انفق عليها» الوارد في الصحيحة الثانية.

و التقييد بامتناع الزوج من الطلاق باعتبار انه مع استعداده للتصدي للطلاق بنفسه لا يحتمل وصول النوبة الي الحاكم الشرعي.

هذا و قد يقيد ثبوت الولاية علي الطلاق للحاكم الشرعي بما اذا لم يمكن الانفاق من مال الزوج و لو ببيع بعض أمواله و لم يمكن أيضا

ص: 452


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 2.
2- الطلاق: 7.
3- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 1.

اجباره علي الطلاق.

و فيه: ان اطلاق الحديثين السابقين ينفي ما ذكر الا ان يستفاد ذلك من الروايات الآتية في المفقود خبره. فان تمّ ذلك و الا يبقي التقييد المذكور مبنيا علي الاحتياط.

12 - و اما ان طلاق الحاكم يقع بائنا في حالة امتناع الزوج من

الانفاق و الطلاق

فقد تقدم وجهه عند البحث عن اقسام الطلاق.

13 - و اما ان زوجة المفقود خبره يلزمها الصبر و ليس لها

المطالبة بالطلاق اذا علم ببقائه حيا

فيكفي لإثباته القصور في مقتضي ثبوت الولاية للحاكم. و مع التنزل فالمانع ثابت و هو صحيحة بريد بن معاوية الآتية.

14 - و اما انه يجوز للحاكم الطلاق اذا ثبت له هجران الزوج

و تعمده لإخفاء موضعه

فذلك لما تقدم في الرقم 11 من ثبوت الولاية للحاكم الشرعي عند الامتناع من الطلاق و الانفاق.

15 - و اما انه اذا لم يعلم بحياة الزوج فيجوز للحاكم اجراء الطلاق

علي ضوء البيان المتقدم

فذلك لعدة روايات، كصحيحة بريد بن معاوية: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال: ما سكنت عنه و صبرت فخلّ عنها. و ان هي رفعت أمرها الي الوالي اجّلها اربع سنين ثم يكتب الي الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه فان خبّر عنه بحياة صبرت و ان لم يخبر عنه بحياة حتي تمضي الاربع سنين دعا ولي الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال؟ فان كان للمفقود مال انفق عليها حتي تعلم حياته من موته. و ان لم يكن له مال قيل للولي: انفق عليها فان فعل فلا سبيل لها الي ان تتزوج ما انفق عليها. و ان ابي ان

ص: 453

ينفق عليها اجبره الوالي علي ان يطلق تطليقة في استقبال العدة و هي طاهر فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فان جاء زوجها قبل ان تمضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له ان يراجعها فهي امرأته و هي عنده علي تطليقتين. و ان انقضت العدة قبل ان يجيء و يراجع فقد حلت للأزواج و لا سبيل للأول عليها»(1) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المفقود اذا مضي له اربع سنين بعث الوالي او يكتب الي الناحية التي هو غائب فيها... قلت: فانها تقول: فاني اريد ما تريد النساء قال: ليس ذاك لها و لا كرامة فان لم ينفق عليها وليه او وكيله امره ان يطلقها»(2).

16 - و اما ان عدتها هي بمقدار عدة الوفاة و ان لم تكن هي عدة

الوفاة

فلموثقة سماعة: «... فان لم يوجد له خبر حتي تمضي الاربع سنين امرها ان تعتد اربعة أشهر و عشرا ثم تحل للأزواج فان قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة و ان قدم و هي في عدتها اربعة أشهر و عشرا فهو أملك برجعتها»(3).

17 - و اما انه يجوز لزوجة الغائب اذا حصل لها العلم بموت

زوجها الزواج بعد العدة من دون حاجة الي مراجعة الحاكم

فذلك لحجية العلم و شمول أدلة جواز تزوج المتوفي زوجها بعد العدة لها.

و اما انه لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد علي علمها فلان علم كل شخص حجة في حق نفسه خاصة، و استصحاب بقاء الزوج

ص: 454


1- وسائل الشيعة 389:15 الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 390:15 الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 390:14 الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

علي قيد الحياة جار في حقه.

18 - و اما جواز اشتراط الزوجة ضمن عقد النكاح الوكالة عن

الزوج في طلاق نفسها متي ما سجن او...

فلانه شرط مشروع فيكون صحيحا و واجب الوفاء كسائر الشروط. و انما الذي لا يجوز لها اشتراطه هو كون امر الطلاق بيدها متي ما سجن او... انه لا يجوز باعتبار ان امر الطلاق بيد الزوج لا غير كما تقدم.

ص: 455

ص: 456

كتاب الظّهار

اشارة

1 - الظهار و حكمه

2 - شرائط الظهار

ص: 457

ص: 458

1 - الظهار و حكمه
اشارة

الظهار - و هو تنزيل الزوج زوجته بمنزلة أمّه او غيرها من محارمه في حرمة نكاحها بمثل صيغة: انت عليّ كظهر أمي - حرام.

و به تحرم علي الزوج زوجته حتي يكفّر.

و لا يجب التكفير بمجرد التلفّظ من دون ارادة العود.

و اذا كفّر لإرادة العود قبل الوط ء فلا تجب عليه اخري بعده، بخلاف ما لو وطئها بدون تكفير فانه تلزمه كفارتان احداهما للوط ء و الاخري لإرادة العود.

و اذا صبرت الزوجة بعد الظهار فلا اعتراض و الا رفعت امرها الي الحاكم الشرعي و خيّر الزوج بين التكفير و الرجوع و بين الطلاق فان لم يختر احدهما انظره ثلاثة اشهر من حين المرافعة فان انقضت و لم يختر احد الامرين حبسه و ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتي يختار احدهما.

و الكفارة هي عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان

ص: 459

لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. و ان عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الظهار ما ذكر فهو من واضحات الفقه و اللغة.

و تدل عليه الروايات الآتية ان شاء اللّه تعالي.

2 - و اما انه يقع بصيغة «انت عليّ كظهر أمي»

فامر لا خلاف فيه، و هو القدر المتيقن من الصيغة التي يقع بها الظهار. و يستفاد ذلك من صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الظهار ظهاران فاحدهما ان يقول:

انت عليّ كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفّر فاذا قال: انت عليّ كظهر أمي ان فعلت كذا و كذا ففعل و حنث فعليه الكفارة حين يحنث»(1) و غيرها.

هذا و قد وقع الخلاف في انعقاده فيما لو قال: انت عليّ كظهر عمتي و خالتي او غيرهما من المحارم او قال: انت عليّ كشعر او بطن او صدر أمي. و التعرض لذلك ليس بمهم.

3 - و اما انه حرام فهو من المسلمات

، و يدل عليه قوله تعالي:

اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) ، و صحيح حمران عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان امير المؤمنين عليه السّلام قال: ان امرأة من المسلمين اتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ان فلانا

ص: 460


1- وسائل الشيعة 530:15 الباب 16 من كتاب الظهار الحديث 7.
2- المجادلة: 2.

زوجي قد نثرت له بطني(1) و اعنته علي دنياه و آخرته فلم ير مني مكروها و انا اشكوه الي اللّه و إليك قال: فما تشكينه؟ قالت: انه قال لي اليوم: انت عليّ حرام كظهر أمي و قد اخرجني من منزلي فانظر في امري فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ما انزل اللّه عليّ كتابا اقضي به بينك و بين زوجك و انا اكره ان اكون من المتكلفين فجعلت تبكي و تشتكي ما بها الي اللّه و الي رسوله و انصرفت فسمع اللّه محاورتها لرسوله و ما شكت اليه فانزل اللّه عز و جل بذلك قرآنا: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها... فبعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي المرأة فاتته فقال لها: جئني(2) بزوجك فاتته به فقال: أقلت لامرأتك هذه انت عليّ حرام كظهر أمي؟ فقال: قد قلت ذلك فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: قد انزل اللّه فيك قرآنا فقرأ عليه ما انزل اللّه... فضم امرأتك إليك فانك قد قلت منكرا من القول و زورا قد عفا اللّه عنك و غفر لك فلا تعد...»(3) و غيره.

و بالجملة لا اشكال في حرمة الظهار لوصفه بالمنكر و الزور في الآية الكريمة و للنهي عن العود اليه في الرواية الشريفة.

هذا و قد نسب الي قائل غير معروف بانه محرم لا عقاب عليه لتعقيبه بالعفو في الآية السابقة(4).

و فيه: ان العفو ثابت للفاعل الاول باعتبار جهله بالتحريم و ليس لكل فاعل حتي مع علمه بذلك.3.

ص: 461


1- اي اكثرت له الولد من بطني.
2- و في المصدر اي الكافي 152:6 جيئيني.
3- وسائل الشيعة 506:15 الباب 1 من كتاب الظهار الحديث 2.
4- جواهر الكلام 129:33.
4 - و اما انه يحرم بالظهار وط ء الزوجة قبل التكفير

فيدل عليه صريح الآية الكريمة: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا... (1) و صحيح الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد ان يتم علي طلاقها قال: ليس عليه كفارة. قلت: ان اراد ان يمسها؟ قال:

لا يمسها حتي يكفّر. قلت: فان فعل فعليه شيء؟ قال: اي و اللّه انه لآثم ظالم. قلت: عليه كفارة غير الاولي؟ قال: نعم يعتق أيضا رقبة»(2) و غيره.

5 - و اما انه لا يجب التكفير بمجرد التلفظ بالظهار من دون ارادة

العود

فيدل عليه ظاهر الآية الكريمة و صحيح الحلبي السابق و غيره. بل يكفي لنفي ذلك القصور في المقتضي بلا حاجة الي دليل يدل علي النفي.

6 - و اما تعدد الكفارة بالوط ء قبل التكفير و عدم تعددها عند

التكفير قبل الوط ء

فيستفاد من صحيح الحلبي السابق و غيره.

7 - و اما ان الزوجة اذا صبرت فلا اعتراض

فباعتبار انها صاحبة الحق فمع تنازلها فلا موجب للاعتراض.

و اما انها اذا رفعت امرها الي الحاكم خيّره علي البيان المتقدم فقد يستدل له بموثق ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر من امرأته قال: ان اتاها فعليه عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا و الا ترك ثلاثة اشهر، فان فاء و الا اوقف حتي

ص: 462


1- المجادلة: 3.
2- وسائل الشيعة 527:15 الباب 15 من كتاب الظهار الحديث 4.

يسأل: لك حاجة في امرأتك او تطلقها؟ فان فاء فليس عليه شيء و هي امرأته، و ان طلق واحدة فهو املك برجعتها»(1).

و لكنه - كما تري - لا يدل علي التضييق في المأكل و المشرب فلا بدّ من اتمام ذلك بالتسالم و عدم الخلاف أو ان يبني علي التعدي من روايات باب الايلاء الدالة علي التضييق(2) الي باب الظهار بناء علي عدم فهم الخصوصية.

هذا و قد ورد في بعض الكلمات انه اذا لم يجده كل ذلك طلقها الحاكم. و لكنه قابل للتأمل، اذ لا نص يدل علي ذلك و ليس موردا للاتفاق فلاحظ.

8 - و اما ان الكفارة ما تقدم

فتدل عليه الآية الكريمة: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً (3) و موثق ابي بصير المتقدم و نحوه.

و اما انه اذا عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما فيدل عليه موثق ابي بصير الآخر: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدق و لا يقوي علي الصيام قال: يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة ايام»(4).

ص: 463


1- وسائل الشيعة 533:15 الباب 18 من كتاب الظهار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 545:15 الباب 11 من أبواب الايلاء.
3- المجادلة: 3-4.
4- وسائل الشيعة 558:15 الباب 8 من أبواب الكفارات الحديث 1.
2 - شرائط الظهار
اشارة

يلزم لتحقق الظهار حضور شاهدين عادلين يسمعان قول المظاهر. كما يلزم بلوغه و عقله و اختياره و قصده و عدم غضبه.

و يلزم في الزوجة المظاهرة الدخول بها و كونها علي طهر لم تواقع فيه.

و لا يقع الظهار اذا قصد به الاضرار بالزوجة. و هكذا لا يقع اذا قصد به الزجر، كما لو قال الزوج: فلانة كظهر أمي عليّ ان تركت الصلاة.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه يلزم في تحقق الظهار حضور شاهدين عادلين

فقد ادعي في الجواهر عدم وجدانه الخلاف في ذلك(1). و يدل عليه صحيح حمران: «قال ابو جعفر عليه السّلام: لا يكون ظهار في يمين و لا في اضرار و لا في غضب، و لا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(2).

اجل يظهر الخلاف من الشهيد الثاني حيث ذكر ان النص عبّر بلزوم كونهما مسلمين لا اكثر(3).

و فيه: ان الإسلام وحده لا تحتمل كفايته اذ شهادة الفاسق الذي لا رادع له عن الكذب كيف تحتمل كفايتها و ما هي فائدتها؟! فالرواية علي هذا اطلقت اعتمادا علي وضوح الامر. و قد ورد في صحيحة بن ابي

ص: 464


1- جواهر الكلام 105:33.
2- وسائل الشيعة 509:15 الباب 2 من كتاب الظهار الحديث 1.
3- مسالك الافهام 76:2.

يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم...»(1).

2 - و اما اعتبار بلوغ الزوج المظاهر و عقله

فلعدة امور:

أ - التمسك بحديث رفع القلم(2) المتقدم في ابحاث سابقة، بناء علي شمول اطلاقه لقلم الوضع أيضا. و ضعف سنده منجبر بعمل المشهور بناء علي تمامية كبري الجابرية.

ب - اتفاق الاصحاب علي اعتبار البلوغ و العقل في البيع و سائر التصرفات، و الظهار ان لم يكن اولي بذلك فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج - ان الادلة الدالة علي حصول التحريم بالظهار ناظرة الي خصوص البالغ العاقل بقرينة اثباتها لعنوان الزور و المنكر و لوجوب الكفارة علي ارادة العود، و يبقي غيره بلا دليل يدل علي حصول التحريم به فيتمسك بالاستصحاب.

هذا كله لو فرض تحقق القصد الي الظهار - كما في العاقل - و الا فالامر اوضح.

3 - و اما اعتبار الاختيار

فلحديث نفي الاكراه(3).

و اما اعتبار القصد فلانه بدونه لا يصدق عنوان الظهار. علي ان بعض الروايات قد دلت علي ذلك، كموثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا طلاق الا ما اريد به الطلاق و لا ظهار الا ما اريد به

ص: 465


1- وسائل الشيعة 288:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
3- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

الظهار»(1) و غيرها.

و اما اعتبار عدم الغضب فلصحيح حمران المتقدم. و مقتضي اطلاقه الشمول لحالة ثبوت القصد أيضا.

4 - و اما اعتبار الدخول بالزوجة في تحقق الظهار بها

فقد وقع محلا للخلاف. و المناسب اعتباره لصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال: لا يقع عليها ايلاء و لا ظهار»(2) و غيره.

هذا و لكن نسب الي الشيخ المفيد و السيد المرتضي عدم الاعتبار(3). و قد يستدل له اما باطلاق الآية الكريمة او بما رواه الشيخ الكليني بسنده الي ابن فضال عمن اخبره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يكون الظهار الا علي مثل موضع الطلاق»(4) بتقريب ان صحة الطلاق ليست مشروطة بالدخول فيلزم ان يكون الامر في الظهار كذلك.

و فيه:

اما بالنسبة الي اطلاق الآية الكريمة فهو قابل للتقييد بصحيح محمد بن مسلم المتقدم.

و اما بالنسبة الي رواية ابن فضال فهي تدل علي ان الظهار لا يصح في المورد الذي لا يصح فيه الطلاق و لا تدل علي انه كلما صح الطلاق صح الظهار.

ص: 466


1- وسائل الشيعة 510:15 الباب 3 من كتاب الظهار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 516:15 الباب 8 من كتاب الظهار الحديث 2.
3- جواهر الكلام 124:33.
4- وسائل الشيعة 509:15 الباب 2 من كتاب الظهار الحديث 3.

هذا مضافا الي ضعف سندها بالارسال الا بناء علي المسلك القائل بحجية كل رواية ورد في سندها احد بني فضال استنادا الي ما رواه الشيخ الطوسي عن عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي اللّه عنه قال: «سئل الشيخ - يعني ابا القاسم - رضي اللّه عنه عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل له: فكيف نعمل بكتبه و بيوتنا منه ملاء؟ فقال: اقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما و قد سئل عن كتب بني فضال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات اللّه عليه: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا»(1).

و المسلك المذكور قابل للتأمل لضعف الرواية المذكورة سندا بعبد اللّه الكوفي، فانه مجهول الحال، و دلالة حيث تدل علي انه لا موجب للتوقف من ناحية بني فضال اذا وردوا في سند رواية لا ان الرواية تكون حجة حتي مع ضعفها من جهات اخري.

5 - و اما اعتبار وقوعه في طهر لم يواقع فيه

فلصحيح حمران المتقدم.

و هل شرطية الطهر تختص بما اذا كان الزوج حاضرا كما هو الحال في الطلاق؟ مقتضي اطلاق الصحيح المتقدم نفي الاختصاص المذكور الا ان المشهور - بل في الجواهر نفي الخلاف في ذلك(2) - علي الاختصاص. و معه يكون المناسب العمل علي وفق ما يقتضيه الاحتياط.

ص: 467


1- الغيبة للشيخ الطوسي: 239.
2- جواهر الكلام 123:33.
6 - و اما انه لا يصح الظهار اذا قصد به الاضرار او الزجر

فلصحيح حمران المتقدم و صحيح صفوان عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يصلي الصلوات او يتوضأ فيشك فيها بعد ذلك فيقول: ان اعدت الصلاة أو اعدت الوضوء فامرأته عليه كظهر امه و يحلف علي ذلك بالطلاق فقال: هذا من خطوات الشيطان ليس عليه شيء»(1) و غيرهما.

هذا مضافا إلي ما يأتي في مبحث اليمين من عدم صحته الا باللّه سبحانه.

ص: 468


1- وسائل الشيعة 513:15 الباب 6 من كتاب الظهار الحديث 4.

كتاب الإيلاء

اشارة

1 - ما هو الايلاء

2 - من أحكام الايلاء

ص: 469

ص: 470

1 - ما هو الايلاء؟
اشارة

الايلاء هو الحلف علي ترك مواقعة الزوجة - الدائمة المدخول بها - ابدا او مدة تزيد علي أربعة أشهر بقصد ايذائها و الاضرار بها دون ما اذا لم يكن كذلك، كما اذا حلف علي ذلك حفاظا علي صحته أو صحتها.

و مع فقدان بعض القيود المذكورة لا ينعقد الحلف ايلاء و ان انعقد يمينا و ترتبت عليه آثاره اذا اجتمعت شروطه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الايلاء ما ذكر

فهو معناه شرعا و الا فهو لغة بمعني مطلق الحلف. و الفعل آلي يؤلي.

و قد كان الايلاء في الجاهلية نحوا من الطلاق كالظهار، فاذا غضب الزوج علي زوجته حلف علي عدم مواقعتها قاصدا بذلك تضييق الخناق عليها فلا يطلق سراحها - كما في الطلاق - لتتزوج من غيره و لا يعود اليها ليعيش معها.

و قد جاء قوله تعالي: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ

ص: 471

أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) متعرضا الي حكم الايلاء و محددا للفترة التي يتمكن الزوج فيها من اتخاذ القرار النهائي، و هي اربعة أشهر فاما ان يعود و يعيش معها او يخلي سبيلها بالطلاق. و من الطبيعي ان يشجّع الكتاب الكريم علي الاول، و لذا قال: فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

2 - و اما اعتبار دوام العقد

فهو المشهور. و يدل عليه:

أ - قوله تعالي: وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ... فانه ظاهر في اعتبار قبول الزوجة المؤلّي منها للطلاق و هو لا يتم الا في الدائمة.

ب - ان من لوازم صحة الايلاء جواز مطالبة الزوجة بالوط ء، و هو لا يتم الا في الدائمة.

ج - التمسك بصحيحة عبد اللّه بن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا ايلاء علي الرجل من المرأة التي يتمتع بها»(2).

د - اذا شك في ترتب الاثر بايلاء المتمتع بها يستصحب عدم ترتب الاثر لو فرض القصور في المقتضي.

و من ذلك يتضح التأمل فيما هو المنسوب الي السيد المرتضي من وقوعه بالمتمتع بها تمسكا بعموم الآية الكريمة الذي لا يخصصه عود الضمير الي البعض. و جواز المطالبة بالوط ء لم يثبت كونه من لوازم مطلق الايلاء بل خصوص الايلاء المتعلق بالزوجة الدائمة(3).

و وجه التأمل: ان عود الضمير الي البعض اذا لم يستلزم

ص: 472


1- البقرة: 226-227.
2- تهذيب الاحكام 8:8 الرقم 22.
3- جواهر الكلام 308:33.

التخصيص فلا أقلّ من استلزامه الاجمال و عدم انعقاد العموم، و معه يرجع الي الاستصحاب بلا مانع. علي انه بناء علي المبني المعروف من حجية الخبر يكفينا التمسك بالصحيحة.

3 - و اما اشتراط الدخول

فلم يعرف فيه خلاف للروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «في المرأة التي لم يدخل بها زوجها قال: لا يقع عليها ايلاء و لا ظهار»(1) و غيرها(2).

4 - و اما اعتبار ان تكون الفترة المحلوف علي ترك الوط ء فيها

تزيد علي اربعه اشهر

فتدل عليه رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت له: رجل آلي ان لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر فقال: لا يكون ايلاء حتي يحلف علي اكثر من اربعة اشهر»(3).

لكنها قابلة للتأمل سندا من ناحية القاسم بن عروة فانه لم تثبت وثاقته.

و قد يعوض عنها بصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين اربعة أشهر استعدت عليه فاما ان يفيء و اما ان يطلق فان تركها من غير مغاضبة او يمين فليس بمؤل»(4) ، فانه يستفاد منها انه يكون مؤليا لو ترك وطأها اربعة اشهر عن يمين.

و علي اي حال لم يعرف خلاف في الحكم المذكور.

ص: 473


1- وسائل الشيعة 516:15 الباب 8 من كتاب الظهار الحديث 2.
2- يمكن مراجعة بقية الروايات في وسائل الشيعة 538:15 الباب 6 من أبواب الايلاء.
3- وسائل الشيعة 538:15 الباب 6 من أبواب الايلاء الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 535:15 الباب 1 من أبواب الايلاء الحديث 2.
5 - و اما اعتبار ان يكون الحلف علي ترك الوط ء بقصد الاضرار

فلا خلاف فيه. و تدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اتي رجل امير المؤمنين فقال: يا امير المؤمنين ان امرأتي ارضعت غلاما و اني قلت: و اللّه لا اقربك حتي تفطميه فقال: ليس في الاصلاح ايلاء»(1).

و اذا شكك في السند من ناحية النوفلي الراوي عن السكوني فبالامكان التعويض بصحيحة حفص بن البختري المتقدمة، فانه بالامكان استفادة ذلك منها فلاحظ.

6 - و اما انه عند فقدان بعض الشرائط المتقدمة لا ينعقد ايلاء

فواضح

، فان ذلك مقتضي الشرطية و من لوازمها.

و اما انه ينعقد يمينا فلان الايلاء يمين و لا وجه للتوقف في انعقاده يمينا بعد فرض توفر شرائط ذلك.

2 - من احكام الايلاء
اشارة

لا ينعقد الايلاء - كمطلق اليمين - الا باسمه تعالي.

و اذا تمّ بشرائطه فمع صبر الزوجة فلا اعتراض و الا رافعته الي الحاكم الشرعي فان تراجع خلال اربعة اشهر و واقعها خلال ذلك فهو و الا الزمه بأحد امرين: الرجوع او الطلاق. و اذا لم يستجب سجنه و ضيّق عليه في المأكل و المشرب حتي يختار احدهما.

و في بداية الاشهر الاربعة و انها من حين المرافعة او من حين

ص: 474


1- وسائل الشيعة 537:15 الباب 4 من أبواب الايلاء الحديث 1.

الايلاء خلاف.

و علي الزوج اذا واقع زوجته - خلال الفترة المذكورة او قبلها او بعدها - التكفير الا اذا فرض التحديد بفترة معينة و تحققت المواقعة بعد انتهائها.

و كفارة الايلاء ككفارة حنث اليمين التي يأتي بيانها في المحل المناسب ان شاء اللّه تعالي.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه لا ينعقد الايلاء الا اذا كان الحلف باللّه سبحانه

فلانه فرد من اليمين فيعتبر فيه ما يعتبر فيه. علي انه يمكن استفادة ذلك من الروايات الخاصة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الايلاء ما هو؟ فقال: هو ان يقول الرجل لامرأته: و اللّه لا اجامعك كذا و كذا...»(1).

2 - و اما انه اذا تمّ الايلاء و صبرت الزوجة فلا اعتراض

فواضح باعتبار انها صاحبة الحق و لصاحب الحق التنازل عن حقه.

و اما انها اذا لم تصبر فلها الحق في رفع امرها الي الحاكم الشرعي فلدلالة الروايات المتعددة عليه. و قد سبق بعضها و يأتي بعضها الآخر.

و اما ان للحاكم الحق في الالزام بأحد الامرين عند انتهاء المدة فذلك لازم جواز رفع القضية الي الحاكم و الا كان رفعها اليه لغوا. علي ان ذلك يستفاد من بعض الروايات الآتية.

3 - و اما ان الحاكم يضيّق عليه في المأكل و المشرب اذا امتنع من الامرين في نهاية المدة

ص: 475


1- وسائل الشيعة 541:15 الباب 9 من أبواب الايلاء الحديث 1.

فقد دلت عليه رواية حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المؤلي اذا أبي ان يطلق قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام يجعل له حظيرة من قصب و يجعله فيها و يمنعه من الطعام و الشراب حتي يطلق»(1) و غيرها.

و لكن الجميع ضعيف السند فلاحظ. و لا بدّ من اتمام المطلب بالتسالم ان تمّ.

ثم انه اذا امتنع المؤلي من اختيار احد الامرين اما مع التضييق عليه في المأكل و المشرب او بدونه فهل للحاكم التصدي للطلاق؟ نعم له ذلك لموثق سماعة: «... و ان لم يف بعد اربعة اشهر حتي يصالح اهله او يطلّق جبر علي ذلك و لا يقع طلاق فيما بينهما حتي يوقف و ان كان بعد الاربعة اشهر فان أبي فرّق بينهما الامام»(2).

4 - و اما بداية المدة

فالمشهور انها من حين المرافعة. و الروايات مختلفة:

أ - فمنها ما دلّ علي ان البداية هي المرافعة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الايلاء هو ان يحلف الرجل علي امرأته ان لا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر و ان رفعته الي الامام انظره اربعة اشهر...»(3) و غيرها.

ب - و منها ما دلّ علي انها تحقق الايلاء، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ايما رجل آلي من امرأته... فانه يتربص به اربعة

ص: 476


1- وسائل الشيعة 545:15 الباب 11 من ابواب الايلاء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 542:15 الباب 9 من أبواب الايلاء الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 541:15 الباب 8 من أبواب الايلاء الحديث 6.

اشهر ثم يؤخذ بعد الاربعة اشهر فيوقف فاذا فاء...»(1).

و المناسب علي تقدير استقرار التعارض ترجيح الثانية لموافقتها لظاهر الكتاب الكريم الدال علي اتحاد وقت الايلاء و التربص.

هذا و لكن الشهرة حيث انها علي وفق مضمون الاولي فينبغي العمل علي وفق الاحتياط.

5 - و اما لزوم الكفارة

فهو مما لا اشكال فيه من جهة تحقق حنث اليمين.

و منه يتضح الوجه في كونها ككفارة حنث اليمين.

و هل يلزم دفعها بعد الوط ء او قبله؟ قد يقال بلزوم كونها قبله تمسكا بظاهر رواية منصور: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل آلي من امرأته فمرت اربعة اشهر قال: يوقف فان عزم الطلاق بانت منه و عليها عدة المطلقة و الا كفر عن يمينه و امسكها»(2).

الا ان سندها قابل للتأمل، فان الشيخ الصدوق رواها بسنده عن ابان بن عثمان عن منصور. و طريقه الي ابان صحيح في المشيخة(3).

و ابان نفسه ثقة لكونه من اصحاب الاجماع الا ان المشكلة هي من ناحية منصور، فان ابان بن عثمان يروي عن منصور بن حازم الذي هو ثقة و عن منصور الصيقل الذي لم تثبت وثاقته، فالمشكلة هي من حيث منصور لتردده بين الثقة و غيره.

و عليه فالمناسب ان تكون الكفارة بعد الوط ء لأنه آنذاك يتحقق

ص: 477


1- وسائل الشيعة 539:15 الباب 8 من أبواب الايلاء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 547:15 الباب 12 من أبواب الايلاء الحديث 3.
3- مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه 83:4.

حنث اليمين فيلزم التكفير لأجله.

6 - و اما عدم ثبوت الكفارة اذا كانت اليمين محدّدة بفترة و تحققت

المواقعة بعد انتهائها

فالامر فيه واضح لعدم تحقق الحنث آنذاك.

و ينبغي الالتفات الي ان الحنث هنا يختلف عنه في سائر الموارد فهو جائز بل واجب بعد انقضاء المدة و مطالبتها و امر الحاكم.

و يختلف الايلاء أيضا عن سائر موارد اليمين بانعقاده بالرغم من كون مخالفته راجحة علي خلاف سائر الموارد فانها لا تنعقد في مثل ذلك.

ص: 478

كتاب اللّعان

اشارة

1 - ما هو اللعان

2 - صيغة اللعان

3 - من أحكام اللعان

ص: 479

ص: 480

1 - ما هو اللعان؟
اشارة

اللعان مباهلة بين الزوجين علي وجه خاص يترتب عليها دفع حدّ أو نفي ولد. و يثبت في موردين:

1 - القذف بالزنا، فانه لا يجوز قذف المسلم بالزنا حتي مع تراكم القرائن علي صحة النسبة الا مع الاطلاع علي ذلك بنحو اليقين. و يلزم حدّ القاذف حدّ القذف حتي مع يقينه بصحة النسبة. و لكن بامكانه دفع الحدّ عن نفسه إذا فرض أحد أمرين:

أ - اقامة شهود أربعة يشهدون بذلك.

ب - ان يكون القاذف هو الزوج و المقذوف هو الزوجة، فان بامكان الزوج دفع الحد عن نفسه من خلال اللعان بالكيفية الآتية فيما اذا لم تكن له بينة.

2 - نفي الولد، فانه لا يجوز للشخص اذا ولدت زوجته طفلا نفيه عنه حتي اذا فجرت و ظن بعدم كونه منه لتراكم بعض القرائن ما دام يمكن تولده منه. اجل مع القطع بعدم كونه منه - كما اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من

ص: 481

حين الزواج - يجوز له نفيه عنه بل قد يقال بوجوبه و لكن لا ينتفي شرعا في مرحلة الظاهر الا اذا لاعن او قامت البينة علي عدم امكان تولده منه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان اللعان ما ذكر

فهو من واضحات الفقه. و يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (1).

و قد ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «ان عباد البصري سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال:

ان رجلا من المسلمين أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه أ رأيت لو ان رجلا دخل منزله فرأي مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع؟ فأعرض عنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فانصرف الرجل و كان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته قال: فنزل الوحي من عند اللّه عز و جل بالحكم فيها قال: فأرسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي ذلك الرجل فدعاه فقال:

أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا؟ فقال: نعم فقال له: انطلق فايتني بامرأتك فان اللّه عز و جل قد انزل الحكم فيك و فيها قال: فاحضرها زوجها فوقفها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال للزوج: اشهد اربع شهادات باللّه انك لمن الصادقين فيما رميتها به قال: فشهد قال: ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

ص: 482


1- النور: 6-9.

امسك و وعظه. ثم قال: اتق اللّه فان لعنة اللّه شديدة ثم قال: اشهد الخامسة ان لعنة اللّه عليك ان كنت من الكاذبين قال: فشهد فأمر به فنحي. ثم قال عليه السّلام للمرأة: اشهدي اربع شهادات باللّه ان زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به قال: فشهدت ثم قال لها: امسكي فوعظها ثم قال لها: اتقي اللّه فان غضب اللّه شديد، ثم قال لها: اشهدي الخامسة ان غضب اللّه عليك ان كان زوجك من الصادقين فيما رماك به قال:

فشهدت قال: ففرّق بينهما و قال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما»(1).

2 - و اما ثبوت اللعان في مورد القذف

فهو المشهور. و تدل عليه الآية الكريمة و صحيحة ابن الحجاج المتقدمة و غيرها.

هذا و نسب الي الشيخ الصدوق عدم ثبوت اللعان في مورد القذف و انحصاره بنفي الولد و انه في القذف يتعين الجلد ثمانين مستندا في ذلك الي صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يقع اللعان حتي يدخل الرجل بامرأته و لا يكون اللعان الا بنفي الولد»(2).

و التأمل في ذلك واضح، فان الحديث المذكور مضافا الي معارضته بخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «لا يكون اللعان الا بنفي الولد. و قال: اذا قذف الرجل امرأته لا عنها»(3) هو مخالف بنحو صريح للآية الكريمة المتقدمة فيلزم طرحه أو تأويله بما ذكره الشيخ

ص: 483


1- وسائل الشيعة 586:15 الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 604:15 الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 2. و قد نقل رأي الشيخ الصدوق هذا في الجواهر 5:34.
3- وسائل الشيعة 604:15 الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 1.

الطوسي و نحوه(1).

و اذا كان الشيخ الصدوق قد حصر سبب اللعان بنفي الولد فعلي العكس تماما ما ذهب إليه بعض الاعلام من الاشكال في ثبوت اللعان في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف و ينحصر الامر لإثبات انتفاء الولد في مثل ذلك بالبينة.

و لعل منشأ الاشكال ان صحيحة ابي بصير المتقدمة الدالة علي ثبوت اللعان في مورد نفي الولد تدل علي حصر اللعان بالمورد المذكور و حيث ان المضمون المذكور مخالف لصريح الكتاب الكريم الدال علي ثبوت اللعان في مورد القذف فيلزم طرح الصحيحة لأجل ما ذكر، و من ثمّ نعود في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف فاقدين للدليل علي ثبوت اللعان.

الا ان هذا البيان - كما تري - وجيه لو فرض انحصار مدرك اللعان في مورد نفي الولد بالصحيحة المتقدمة، و لكن سيأتي وجود غيرها.

3 - و اما انه لا يجوز القذف من دون يقين

فهو مما لا تأمّل فيه فانه من الرمي الموجب للّعنة في الدنيا و الآخرة، و هو من الافك الذي نهي عنه المؤمنون. قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (2). و قال تعالي في قصة الافك: لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً

ص: 484


1- راجع ما نقله الحر في ذيل الحديث لمعرفة تأويل الشيخ الطوسي.
2- النور: 23-24.

وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ * وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ * وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (1) .

و في الحديث: «جاءت امرأة الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه اني قلت لأمتي: يا زانية فقال: هل رأيت عليها زنا فقالت: لا فقال: اما انها ستقاد منك(2) يوم القيامة فرجعت الي أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت: اجلديني فأبت الأمة فأعتقتها ثم أتت الي النبي صلّي اللّه عليه و آله فأخبرته فقال: عسي أن يكون به»(3).

4 - و اما ان القاذف يحدّ حدّ القذف - ثمانين جلدة

- فلقوله تعالي:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) .

و اما ان القاذف يحدّ حتي مع يقينه بصحة النسبة فلإطلاق الآية الكريمة.

5 - و اما اندفاع الحدّ عن القاذف بلعانه

فللآية الكريمة المتقدمة في الرقم 1.

ص: 485


1- النور: 12-16.
2- في التهذيب 80:10: سيقاد لها منك.
3- وسائل الشيعة 431:18 الباب 1 من أبواب حد القذف الحديث 4.
4- النور: 4.

و اما تقييد اللعان بعدم وجود البينة فللتقييد بذلك في الآية الكريمة نفسها.

6 - و اما ثبوت اللعان في مورد نفي الولد

فيستفاد من صحيحة الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل لاعن امرأته و انتفي من ولدها ثم اكذب نفسه بعد الملاعنة و زعم ان الولد ولده هل يرد عليه ولده؟ قال: لا و لا كرامة لا يرد عليه و لا تحل له الي يوم القيامة»(1) و غيرها.

7 - و اما عدم جواز نفي الولد في حالة امكان الانتساب

فلقاعدة الفراش المستندة الي قوله صلّي اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» الذي رواه الفريقان.

فمن طرقنا روي سعيد الاعرج في صحيحة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن رجلين وقعا علي جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر»(2).

و المقصود من قوله عليه السّلام: «للذي عنده» المولي المالك للجارية كما نبّه عليه الكاشاني(3).

و من طرق غيرنا ما رواه مسلم بسنده الي عائشة: «اختصم سعد بن ابي وقاص و عبد بن زمعة في غلام فقال سعد: هذا يا رسول اللّه ابن أخي عتبة بن ابي وقاص عهد إليّ انه ابنه، انظر الي شبهه. و قال عبد بن زمعة: هذا اخي يا رسول اللّه ولد علي فراش ابي من وليدته فنظر رسول

ص: 486


1- وسائل الشيعة 601:15 الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 568:14 الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 4.
3- الوافي 1407:23.

اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي شبهه فرأي شبها بيّنا بعتبة فقال: هو لك يا عبد، الولد للفراش و للعاهر الحجر...»(1).

8 - و اما جواز نفيه عند عدم امكان الانتساب

فلان الفراش لا يتحقق بمجرد العقد خلافا لأبي حنيفة حيث نسب اليه تحققه بذلك فقد نقل العيني: «شذّ ابو حنيفة فيما اذا عقد شخص علي امرأة و طلقها عقيب النكاح من غير امكان الوط ء فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد حيث ألحقه بالزوج. و هذا خلاف ما جرت به عادة اللّه من ان الولد انما يكون من ماء الرجل و المرأة»(2) بل يتحقق بالعقد مع امكان الالتحاق بالزوج، فان القاعدة شرعت في حالات الشك في الانتساب اذ مع الجزم بالانتساب الي الزوج فلا معني لان يعبدنا الشارع بالالحاق به لأنه تعبد بما هو معلوم بالوجدان، كما لا معني للتعبد مع الجزم بعدم امكان الالتحاق اذ لا يمكن التعبد بما يجزم بعدمه.

9 - و اما وجوب نفيه في حالة الجزم بعدم الانتساب

فلأجل ان لا ترتب عليه أحكام الولد من الميراث و النكاح و النظر الي المحارم و غير ذلك مما يعلم بمبغوضية الشارع لترتيبه.

10 - و اما انه لا ينتفي الولد شرعا في مرحلة الظاهر من دون

لعان أو بينة

فلقاعدة الفراش الحاكمة بالالتحاق ظاهرا بصاحب الفراش.

ص: 487


1- صحيح مسلم كتاب الرضاع الباب 10 الولد للفراش و توقي الشبهات الحديث 1457.
2- عمدة القاري 110:11 و هو شرح العيني لصحيح البخاري.
2 - كيفية اللعان
اشارة

و كيفية اللعان أن يبدأ الرجل و يقول أربع مرّات - بعد قذفها أو نفي الولد -:

«اشهد باللّه اني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها او نفي ولدها»، ثم يقول مرة واحدة: «لعنة اللّه عليّ ان كنت من الكاذبين».

و اذا تمّ اللعان بالنحو المذكور من الرجل حدّت المرأة حدّ الزنا ان كان قد قذفها بالزنا أو نفي ولدها بنحو يوجب قذفها بالزنا. و بامكانها بدورها ان تدفع الحد عن نفسها بلعانها هي بأن تقول اربع مرات: «اشهد باللّه انه لمن الكاذبين في مقالته»، ثم تقول مرة واحدة: «ان غضب اللّه عليّ ان كان من الصادقين».

و المستند في ذلك:

1 - اما كيفية اللعان بالشكل المتقدم

فتستفاد من الآية الكريمة و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين سابقا في الرقم 1.

2 - و اما انه بلعان الزوج يثبت الحد علي الزوجة و بامكانها دفعه

عنها بلعانها

فتمكن استفادته من الآية الكريمة نفسها حيث قالت:

وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ... (1) كما هو واضح.

3 - و اما تقييد نفي الولد بما اذا استلزم القذف

فلانه بدون ذلك لا يثبت في حق المرأة ما يستوجب اقامة الحدّ عليها.

ص: 488


1- النور: 7.
3 - من أحكام اللعان
اشارة

اذا تمّ اللعان من الزوج أو الزوجة ترتبت الاحكام التالية:

1 - انفساخ عقد النكاح.

2 - الحرمة المؤبدة، فلا تحل للزوج حتي بعقد جديد.

و هذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان من دون فرق بين كونه للقذف أو لنفي الولد.

3 - سقوط الحدّ عن الزوج - اذا تحقق منه القذف بالزنا او نفي الولد بنحو موجب للقذف - بلعانه و يسقط عنها بلعانها. اما اذا لاعن هو و نكلت هي حدت هي دونه. و اذا لم يلاعن هو أيضا حدّ هو دونها.

4 - اذا كان التلاعن لنفي الولد ترتب عليه انتفاء الولد عن الرجل و بقي ملتحقا بالمرأة فقط و من ثمّ ينتفي التوارث بينهما بل بينه و بين كل من ينتسب بواسطته كالجد و الجدة و الاخ و الاخت للأب و العم و العمة، و يبقي منحصرا بينه و بين امه و من ينتسب بواسطتها.

و اذا لاعن هو دونها انتفي عن الرجل فقط أيضا و لا يثبت في حق المرأة شيء الا اذا كان نفي الولد بنحو موجب للقذف فيثبت عليها الحد الا ان تلاعن.

و من الاحكام ان انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا لاحتمال كونه من وط ء شبهة. و عليه فلا يجوز له رميها بالزنا الا مع اليقين.

و لا يتمكن الزوج من لعان زوجته اذا قذفها بالزنا الا اذا ادعي المشاهدة و لم تكن له بينة و الا تعين عليه اقامتها لنفي الحدّ و لا تصل النوبة

ص: 489

الي اللعان.

و لا يثبت اللعان عند قذف الزوجة اذا كانت خرساء او صماء بل تحرم بمجرد القذف من دون توقف علي لعان.

و لا يثبت اللعان لنفي الولد مع كون الزوجة متمتعا بها او غير مدخول بها.

و لا يقع اللعان الا عند الحاكم الشرعي و بطلب منه فلو بادرا اليه قبل طلبه لم يصح.

و يلزم ان يكونا قائمين عند التلفظ بصيغة اللعان.

و المستند في ذلك:

1 - اما ترتب انفساخ العقد و الحرمة المؤبدة علي مطلق اللعان

فهو مما لا اشكال فيه. و يستفاد ذلك في لعان القذف من صحيحة عبد الرحمن المتقدمة و غيرها، و في لعان نفي الولد من صحيحة الكناني المتقدمة و غيرها.

بل يمكن ان يقال: ان المستفاد من صحيحة عبد الرحمن ان الحرمة المؤبدة هي من شئون اللعان بلا خصوصية لكونه لأجل القذف.

2 - و اما سقوط الحدّ عن الرجل و المرأة بلعانهما

فيستفاد من قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ... (1) و من صحيحة ابن الحجاج المتقدمة فلاحظ.

و اما انه اذا لاعن هو دونها حدّت دونه فيستفاد من الآية الكريمة

ص: 490


1- النور: 6-9.

لأنها ظاهرة في ان لعان كل واحد من الزوجين موجب لدرء الحدّ عن نفسه، بل قد يستفاد من صحيحة ابن الحجاج أيضا.

و اما انه اذا لم يلاعن الرجل أيضا حدّ دونها فباعتبار تحقق القذف منه فيحد، و اما هي فحيث لم يثبت في حقها المقذوف به فلا موجب لحدها.

3 - و اما انه اذا تلاعنا لنفي الولد ترتب عليه انتفاؤه عنه دونها

فواضح.

اما عدم انتفائه عنها فلعدم الموجب اذ هي لم تنفه عنها.

و اما انتفاؤه عنه فلانه لو لا ذلك لم تكن للعانة فائدة.

و تدل علي كلا الحكمين صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«المرأة يلاعنها زوجها و يفرّق بينهما الي من ينسب ولدها؟ قال: الي امه»(1).

4 - و اما عدم التوارث بين الولد و الرجل و من ينتسب بواسطته

فلان ذلك لازم انتفائه عنه باللعان.

5 - و اما انه اذا لاعن الرجل فقط انتفي الولد عنه أيضا

فلانه لازم اللعان و فائدته.

و اما عدم ثبوت الحدّ علي المرأة فلعدم الموجب لذلك بعد عدم قذفها بالزنا.

و اما انها تحدّ لو لم تلاعن فيما اذا كان نفي الولد بنحو موجب لقذفها بالزنا فباعتبار دخول المورد آنذاك تحت عنوان القذف بالزنا.

ص: 491


1- وسائل الشيعة 608:15 الباب 14 من أبواب اللعان الحديث 2.
6 - و اما ان نفي الولد لا يلازم كونه ابن زنا و من ثمّ لا يجوز رمي

المرأة بالزنا الا مع اليقين

فواضح.

7 - و اما ان الزوج لا يتمكن من اللعان عند القذف الا اذا ادعي

المشاهدة

فهو مما لا اشكال فيه لصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«اذا قذف الرجل امرأته فانه لا يلاعنها حتي يقول: رأيت بين رجليها رجلا يزني بها»(1) و غيرها.

و اما اختصاص اللعان بحالة فقدان البينة فقد تقدم انه يستفاد من الآية الكريمة.

8 - و اما عدم ثبوت اللعان في مورد قذف الزوجة الخرساء أو

الصماء

فلم يظهر فيه خلاف بين الاصحاب. و يدل عليه صحيح الحلبي و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل قذف امرأته و هي خرساء، قال: يفرّق بينهما»(2) و غيرها، فان مقتضي اطلاقها ثبوت التحريم من دون لعان.

و في موثقة اسماعيل بن ابي زياد(3) عن جعفر عن ابيه ان عليا قال: «ليس بين خمس من النساء و أزواجهن ملاعنة... و الخرساء ليس بينها و بين زوجها لعان انما اللعان باللسان»(4).

و الحديثان - كما تري - ناظران الي الخرساء فالتعميم الي الصماء يحتاج الي التمسك بتسالم الاصحاب ان تمّ.

ص: 492


1- وسائل الشيعة 594:15 الباب 4 من أبواب اللعان الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 602:15 الباب 8 من أبواب اللعان الحديث 1.
3- و هو السكوني.
4- وسائل الشيعة 598:15 الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 12.
9 - و اما عدم ثبوت اللعان لنفي الولد مع فرض التمتع بالزوجة أو

عدم الدخول

فلصحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها»(1) و صحيحة ابي بصير المتقدمة: «لا يقع اللعان حتي يدخل الرجل بامرأته...»(2).

10 - و اما اعتبار ان يكون اللعان عند الحاكم

فقد ذكر في الجواهر: ان ذلك قد صرّح به جماعة من الاصحاب(3).

و لا يظهر بوضوح من الروايات اعتبار ما ذكر. اجل ورد في صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام كيف الملاعنة؟ فقال: يقعد الامام و يجعل ظهره الي القبلة و يجعل الرجل عن يمينه و المرأة عن يساره»(4) و غيرها ما يدل علي قعود الامام حالة الملاعنة الا ان ذلك لا يدل علي شرطية الكون حالة الملاعنة عند الامام.

و لكن مع ذلك يمكن الاستدلال بما يلي:

أ - ان اللعان نحو من الشهادة او الحلف، و هما من وظائف الحاكم و لا يصحّان الا لديه.

ب - ان الدليل علي شرطية اداء اللعان عند الحاكم و ان لم يكن ثابتا الا انه في نفس الوقت لا دليل علي صحته و ترتب الاثر عليه لدي غير الحاكم فان النصوص لا اطلاق فيها من هذه الناحية. و معه ينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و هو ما اذا كان الاداء لدي الحاكم اذ في

ص: 493


1- وسائل الشيعة 605:15 الباب 10 من أبواب اللعان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 604:15 الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 2.
3- جواهر الكلام 53:34.
4- وسائل الشيعة 588:15 الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 5.

غير ذلك يشك في ترتب الاثر فيستصحب عدمه.

و بالوجهين المذكورين يمكن التمسك أيضا لإثبات اعتبار طلب الحاكم لأداء اللعان في صحته.

11 - و اما انه يعتبر قيام المتلاعنين حالة ادائهما اللعان

فهو منقول عن جملة من الاصحاب. و يمكن استفادته من صحيح علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الملاعنة قائما يلاعن أم قاعدا قال: الملاعنة و ما أشبهها من قيام»(1).

ص: 494


1- وسائل الشيعة 588:15 الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 6.

كتاب اليمين و النّذر و العهد

اشارة

1 - اليمين المبحوث عنها

2 - من أحكام اليمين

3 - من أحكام النذر

4 - من أحكام العهد

ص: 495

ص: 496

1 - اليمين المبحوث عنها
اشارة

اليمين التي يجب الوفاء بها و تترتب علي مخالفتها الكفارة هي المأتي بها لتأكيد ما التزمه المكلف علي نفسه.

و اما اذا كانت لتأكيد الاخبار فهي محرمة اذا كانت علي خلاف الواقع و يكون الحالف مأثوما - الا اذا كانت لدفع ظلم عن الحالف نفسه او سائر المؤمنين - و لكن لا كفارة فيها.

و اذا كانت للمناشدة فلا كفارة فيها و لا اثم في المخالفة.

و المستند في ذلك:

1 - اليمين لها أقسام ثلاثة:

أ - اليمين التي يقصد بها تأكيد الاخبار عن الماضي او المستقبل، كقول القائل: و اللّه اني جئت امس او اجيء غدا، او و اللّه اني لم اتلف ملك فلان او و اللّه سأتلفه، و ما شاكل ذلك.

و اليمين المتداولة من المدعي عليه - او المدعي احيانا - في باب الدعوي هي من هذا القبيل.

ص: 497

ب - اليمين التي يستعان بها في مقام الطلب و المناشدة، كقول القائل: اقسم عليك باللّه ان تفعل كذا.

ج - اليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه الشخص علي نفسه، كما اذا التزم بترك التدخين و اكّده بقوله: «و اللّه لا أدخّن»، فانه لا يقصد بذلك الاخبار عن عدم تدخينه في المستقبل و تأكيده من خلال القسم، كما هو الحال في القسم الاول بل هناك التزام بترك ذلك و تأكيد ذلك الالتزام بواسطة اليمين.

و اليمين التي هي محل البحث و يقال انه يجب الوفاء بها و يوجب حنثها الكفارة هي ما كان من قبيل القسم الاخير، و اما غيرها فلا يجب الوفاء به بل لا معني لذلك لعدم وجود التزام ليجب الوفاء به او لتحرم مخالفته فالمخالفة غير متصورة ليتحقق الحنث و تجب الكفارة. اجل مخالفة اليمين للواقع المخبر عنه متصورة و لكنها شيء آخر غير مخالفة الحالف نفسه لليمين.

2 - و اما انه يجب الوفاء باليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه

المكلف علي نفسه

فهو من واضحات الفقه. قال تعالي: وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها (1) ، لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (2) ، لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ... وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (3).

3 - و اما وجوب الكفارة في مخالفة اليمين من القسم الاول

فهو

ص: 498


1- النحل: 91.
2- البقرة: 225.
3- المائدة: 89.

من المسلمات. و يدل عليه قوله تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ (1) ، اي اذا حلفتم و نكثتم كما هو واضح.

4 - و اما ان اليمين لتأكيد الاخبار لا كفارة فيها

فهو متسالم عليه و لم ينسب الخلاف في ذلك الا الي الشافعي(2). و قد تقدم الوجه في ذلك.

و اما انها تحرم اذا كانت كاذبة فهو باعتبار حرمة الكذب بل تتضاعف الحرمة لانطباق عنوان آخر و هو الحلف باللّه كاذبا. و اذا كان ذلك في باب الدعوي و فصل الخصومة تضاعف الاثم و الحرمة اكثر.

و قد يعبر عنها باليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الاثم.

و في الحديث عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان في كتاب علي عليه السّلام ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من اهلها(3) و تثقل الرحم(4) ، يعني انقطاع النسل»(5).

و في حديث آخر: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: من حلف علي يمين و هو يعلم انه كاذب فقد بارز اللّه»(6).

ص: 499


1- المائدة: 89.
2- جواهر الكلام 265:35.
3- أي: خالية من أهلها.
4- و في بعض النسخ: تنغل. يقال نغل الجرح، أي فسد. و المراد في الحديث: تفسد الرحم بالعقم.
5- وسائل الشيعة 144:16 الباب 4 من أبواب الايمان الحديث 1.
6- وسائل الشيعة 144:16 الباب 4 من أبواب الايمان الحديث 4.
5 - و اما استثناء حالة دفع الظلم

فلعدة روايات كصحيحة اسماعيل بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته... عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال: لا جناح عليه. و سألته هل يحلف الرجل علي مال اخيه كما يحلف علي ماله؟ قال: نعم»(1) و غيرها.

هذا اذا لم يصل الامر الي درجة الاضطرار او الاكراه و الا فالامر اوضح لحديث: «رفع عن امتي ما اضطروا اليه و ما استكرهوا عليه»(2).

و هل يلزم لجواز الحلف كذبا عدم امكان التخلص بالتورية؟ مقتضي اطلاق الصحيحة السابقة عدم اعتبار ذلك.

6 - و اما عدم ترتب اثر - من الكفارة و الاثم - علي يمين المناشدة

فلقوله تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (3) و لموثق حفص و غير واحد من اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يقسم علي اخيه قال: ليس عليه شيء انما اراد اكرامه»(4) و غيره.

و في صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قول اللّه عز و جل:

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ قال: هو لا و اللّه و بلي و اللّه»(5).

بل لا نحتاج الي نص خاص و يكفينا مقتضي القاعدة اذ المحلوف عليه لم يحلف ليلزم به و الحالف نفسه لم يتحقق منه التزام بفعله

ص: 500


1- وسائل الشيعة 162:16 الباب 12 من أبواب الايمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- البقرة: 225.
4- وسائل الشيعة 209:16 الباب 42 من ابواب الايمان الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 174:16 الباب 17 من ابواب الايمان الحديث 3.

لتحرم عليه مخالفته.

اجل يكره هذا النحو من اليمين بل تكره اليمين الصادقة الاخبارية أيضا لقوله تعالي: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (1). و لو بقينا نحن و النهي المذكور فالمناسب هو الحرمة الا ان قوله تعالي بعد ذلك: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (2) يدل علي ان اليمين التي يجب الالتزام بها و يحرم حنثها هي اليمين التي معها قصد و التزام قلبيان.

و في حديث الامام الصادق عليه السّلام: «اجتمع الحواريون الي عيسي عليه السّلام فقالوا: يا معلم الخير ارشدنا فقال: ان موسي نبي اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و انا آمركم ان لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين»(3). و في حديث الرسول صلّي اللّه عليه و آله: «من اجلّ اللّه ان يحلف به اعطاه اللّه خيرا مما ذهب منه»(4).

2 - من أحكام اليمين
اشارة

لا تنعقد اليمين الا اذا كانت باللّه سبحانه من دون فرق بين ان يكون بلفظ الجلالة أو بسائر اسمائه بل و بترجمة ذلك أيضا.

و لا تحرم اذا كانت بغيره سبحانه و لكنها لا تنعقد.

ص: 501


1- البقرة: 224.
2- البقرة: 225.
3- وسائل الشيعة 140:16 الباب 1 من ابواب الايمان الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 140:16 الباب 1 من ابواب الايمان الحديث 3.

و صيغتها: و اللّه او باللّه او تاللّه ان افعل كذا اما مع التعليق علي حصول شيء او بدونه. و مع التعليق لا يجب الوفاء بها الا مع حصول المعلق عليه.

و لا تنعقد بالنية من دون تلفظ بذلك.

و يلزم في متعلق اليمين ان يكون راجحا و لو بحسب المصلحة الشخصية للحالف، فلو كان مرجوحا من البداية لم تنعقد، و لو صار كذلك بعد ذلك انحلت.

و لا تنعقد يمين الولد مع نهي والده و تنحل مع نهيه عنها بعد ذلك. و هكذا الحال بالنسبة الي يمين الزوجة مع نهي الزوج.

و اذا حلف المكلف علي صوم شهر ففي جواز الفصل و لزوم الوصل يتبع قصده.

و الحنث الموجب للكفارة هو ما صدر عن عمد دون ما لو صدر عن نسيان او اكراه او اضطرار او جهل.

و من خالف عمدا يحنث و تجب عليه الكفارة و لا يلزمه الوفاء بعد ذلك.

و كفارة حنث اليمين: عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فان عجز صام ثلاثة ايام متوالية.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان اليمين لا تنعقد اذا كانت متعلقة بغير اللّه سبحانه

فقد يستدل له بصحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (1)وَ النَّجْمِ إِذا هَوي (2) و ما اشبه ذلك فقال: ان للّه عز و جل ان يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه ان يقسموا

ص: 502


1- الليل: 1.
2- النجم: 1.

الا به»(1) و ما كان بمضمونها حيث تدل علي حرمة القسم بغير اللّه سبحانه و من ثمّ علي عدم صحته.

الا ان الاستدلال المذكور تام لو لم يكن هناك معارض يدل علي جواز الحلف بغيره سبحانه من قبيل صحيحة علي بن مهزيار: «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام الي داود بن القاسم: اني قد جئت و حياتك»(2) ، فانه عليه السّلام حلف بحياة داود انه قد جاء فيلزم حمل الاولي علي الكراهة.

و الانسب الاستدلال علي ذلك بالوجهين التاليين:

أ - التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في كتاب علي عليه السّلام ان نبيا من الانبياء شكا الي ربه فقال: يا رب كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد؟ قال: فأوحي اللّه اليه احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلفهم به. و قال: هذا لمن لم تقم له بينة»(3) ، فانه بقرينة ورودها في مقام البيان يمكن ان يستفاد منها اختصاص الحلف الذي يترتب عليه اثر بما اذا كان به سبحانه دون ما اذا كان بغيره. و مورده و ان كان باب القضاء الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

ب - التمسك بالاصل، فانه اذا شككنا في ترتب الاثر علي اليمين المتعلقة بغير اللّه سبحانه نستصحب عدم وجوب الوفاء و الكفارة.

2 - و اما انه لا فرق في الحلف باللّه سبحانه بين لفظ الجلالة

و سائر اسمائه

فلإطلاق لفظ «اسمه» في صحيحة سليمان «و اضفهم الي اسمي». بل يمكن التمسك باطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن

ص: 503


1- وسائل الشيعة 191:16 الباب 30 من ابواب الايمان الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 195:16 الباب 30 من ابواب الايمان الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 167:18 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

مسلم: «و ليس لخلقه ان يقسموا الا به».

لا يقال: ان موثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «اذا قال الرجل: اقسمت او حلفت فليس بشيء حتي يقول: اقسمت باللّه او حلفت باللّه»(1) دلت علي عدم انعقاد اليمين الا اذا كانت متعلقة بلفظ الجلالة.

فانه يقال: ان الموثقة في صدد بيان ان كلمة «اقسمت» او «حلفت» لا تجدي وحدها ما لم تنضم اليها ضميمة، اما ان تلك الضميمة هل هي خصوص لفظ الجلالة او الاعم فليست في مقام البيان من ناحيته.

3 - و اما اجزاء الترجمة

فوجهه واضح و هو التمسك بالاطلاق أيضا.

4 - و اما انه لا تحرم اليمين المتعلقة بغيره سبحانه - كالأنبياء

و الاولياء و غير ذلك

- فلصحيحة ابن مهزيار المتقدمة. و بقطع النظر عن ذلك تكفينا البراءة بعد قصور مقتضي التحريم.

و اما انها لا تنعقد فللأصل بعد القصور في المقتضي.

5 - و اما ان صيغة اليمين ما تقدم

فلان الحلف باللّه سبحانه صادق في كل ذلك.

و اما صحتها مع التعليق و بدونه فلإطلاق ادلة وجوب الوفاء باليمين لكلتا الحالتين.

و اما ان اليمين المعلقة لا يجب الوفاء بها قبل حصول المعلق عليه فباعتبار ان الالتزام من الحالف يختص بذلك، و لا التزام قبل حصول

ص: 504


1- وسائل الشيعة 171:16 الباب 15 من ابواب الايمان الحديث 3.

المعلق عليه ليجب الوفاء به.

6 - و اما عدم انعقاد اليمين بمجرد النية من دون تلفظ بالصيغة

فلانه بدون ذلك لا يصدق عنوان اليمين ليجب الوفاء بها.

7 - و اما انه يعتبر الرجحان في متعلق اليمين و لو بلحاظ

المصلحة الشخصية

فلصحيحة سعيد الاعرج: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحلف علي اليمين فيري ان تركها افضل و ان لم يتركها خشي ان يأثم أ يتركها؟ قال: اما سمعت قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»(1) ، فانها تدل علي اعتبار ملاحظة الخير في المتعلق. و مقتضي اطلاقه كفاية كون المتعلق خيرا و لو بلحاظ المصالح الشخصية.

و اذا فرض التساوي من جميع الجهات فهل يجب العمل بمقتضي اليمين؟ نعم لان الصحيحة قالت: «اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»، و مفهوم ذلك انه اذا لم تر خيرا من يمينك - و ذلك صادق عند التساوي - فلا تدعها.

هذا و لكن رواية حمران: «قلت لأبي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام:

اليمين التي تلزمني فيها الكفارة؟ فقالا: ما حلفت عليه مما للّه فيه طاعة ان تفعله فلم تفعله فعليه الكفارة، و ما حلفت عليه مما للّه فيه المعصية فكفارته تركه، و ما لم يكن فيه طاعة و لا معصية فليس هو بشيء»(2) دلت علي انه عند التساوي لا تلزم مراعاة اليمين، بل و دلت علي ان المدار هو علي ملاحظة المرجحات الدينية دون الدنيوية الا انه مما

ص: 505


1- وسائل الشيعة 175:16 الباب 18 من ابواب الايمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 183:16 الباب 24 من ابواب الايمان الحديث 2.

يهوّن الخطب ضعف سندها بحمزة بن حمران فلاحظ.

8 - و اما انه اذا صار متعلق اليمين مرجوحا بعد اليمين انحلت

فلأن ذلك مورد صحيحة الاعرج و قد دلت علي الانحلال.

9 - و اما عدم انعقاد يمين الولد و الزوجة مع نهي الوالد او الزوج

فلصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها...»(1) و غيرها.

و هل تنعقد اليمين مع عدم صدور الاذن من الوالد أو الزوج لأجل عدم اطلاعه علي اليمين؟ لا يبعد الانعقاد لان التعبير المذكور في الصحيحة مجمل فيحتمل ان يكون المقصود منه: لا يمين مع الردع و يحتمل أن يكون: لا يمين مع عدم الاذن و لو من دون ردع، و مع اجمال المخصص ينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و فيما زاد يرجع إلي عمومات وجوب الوفاء باليمين.

10 - و اما التعميم لحالة الردع في مرحلة البقاء

فلإطلاق الصحيحة المتقدمة.

11 - و اما ان من حلف علي صوم شهر يتبع في لزوم الوصل

و جواز الفصل قصده

فباعتبار ان الحنث يتحقق بمخالفة الالتزام التابع لكيفية القصد.

و قد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة سعد بن اسماعيل الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عن رجل حلف و ضميره علي غير

ص: 506


1- وسائل الشيعة 155:16 الباب 10 من ابواب الايمان الحديث 2.

ما حلف، قال: اليمين علي الضمير»(1) و غيرها.

12 - و اما ان الحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عن عمد

فباعتبار ان متعلق اليمين للحالف عادة هو التزام الفعل و عدم المخالفة عن عمد و اختيار فاذا تحققت المخالفة لا عن عمد فلا يتحقق الحنث لتجب الكفارة.

علي ان بالامكان التمسك بحديث رفع النسيان و الاكراه و الاضطرار(2) و بصحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في الجاهل:

«أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه»(3).

هذا و المنسوب الي جماعة من العامة تحقق الحنث و ثبوت الكفارة في الجميع(4) و لكنه مردود بما سبق.

13 - و اما ان من خالف عن عمد لا يجب عليه الوفاء بعد ذلك

فلأن متعلق اليمين التزام واحد بترك جميع الحصص فاذا تحققت المخالفة مرة انخرم ذلك الالتزام الواحد و لا يمكن الوفاء بعد ذلك ليجب. اجل اذا كان الالتزام متعددا - كمن حلف علي ترك التدخين فترة شهر بنحو كان يقصد تعدد الالتزام بالترك بعدد الايام - تعدد الوفاء و الحنث أيضا.

14 - و اما ان كفارة حنث اليمين ما تقدم

فلقوله تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ

ص: 507


1- وسائل الشيعة 179:16 الباب 21 من ابواب الايمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من ابواب جهاد النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 125:9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
4- جواهر الكلام 339:35.

كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ (1) .

و اما اعتبار التوالي في الايام الثلاثة بالرغم من اقتضاء الاطلاق جواز التفريق فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «صيام ثلاثة ايام في كفارة اليمين متتابعات»(2) و غيرها.

3 - من أحكام النذر
اشارة

النذر هو التزام الشخص في ذمته بفعل شيء او تركه للّه سبحانه. و الوفاء به واجب، و تترتب علي مخالفته الكفارة.

و صيغته: للّه عليّ كذا ان حصل كذا.

و لا ينعقد بمجرد النية من دون تلفظ بذلك.

و في انعقاده من دون تعليقه علي شرط كلام.

و في إجزاء الترجمة خلاف.

و يشترط في انعقاده رجحان متعلقه بنحو يعدّ طاعة للّه سبحانه فلا ينعقد لو تعلق بالمباح الذي لا يعدّ فعله طاعة له سبحانه. و إذا زال الرجحان بعد الانعقاد انحل.

و لا يشترط في صحة نذر الولد اذن الوالد مسبقا. اجل مع نهيه المسبق لا ينعقد. و اذا نهي عنه بعد ذلك انحل.

و يشترط في صحة نذر الزوجة اذن الزوج اذا كان متعلقه منافيا لحقه في

ص: 508


1- المائدة: 89.
2- وسائل الشيعة 280:7 الباب 10 من ابواب بقية الصوم الواجب الحديث 4.

الاستمتاع، بل ذهب المشهور الي اعتبار اذن الزوج حتي اذا لم يكن منافيا لحقه ما دام يستلزم التصرف في مالها.

و اذا نذر المكلف صوم يوم معين و اراد السفر جاز له ذلك و لو من دون ضرورة و يفطر ثم يقضيه بدون كفارة. و هكذا لو طرأ مرض او غيره من الموانع.

و من نذر صوم شهر ففي جواز الفصل او لزوم الوصل يتبع قصده. و مع الشك في كيفية قصده يلزم اتباع ظاهر اللفظ.

و من نذر مالا للنبي صلّي اللّه عليه و آله او أحد الائمة عليهم السّلام او الاولياء ففي كيفية صرفه يتبع قصده. و مع الشك في كيفية القصد يلاحظ ظاهر لفظ الناذر و هو يقتضي الصرف فيما يرجع الي شئون المنذور له.

و في تحديد كفارة حنث النذر خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان النذر هو الالتزام المتقدم

فهو من واضحات الفقه التي يعرفها كل متشرع.

و اما ان الوفاء به واجب فهو من واضحات الفقه أيضا. و يدل عليه قوله تعالي: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (1) ، وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (2) ، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (3).

و يستفاد ذلك أيضا من روايات ثبوت الكفارة بالحنث و غيرها.

ص: 509


1- الحج: 29.
2- البقرة: 270.
3- الإنسان: 7.

و اما انه تترتب علي مخالفته الكفارة فهو مما لا اشكال فيه. و يدل عليه صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا و لا يسميه قال: ان سميته فهو ما سميت، و ان لم تسم شيئا فليس بشيء. فان قلت: للّه عليّ فكفارة يمين»(1) و غيره.

2 - و اما ان صيغته ما تقدم

فهو مما لا اشكال فيه. و يدل عليه صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا قال الرجل: عليّ المشي الي بيت اللّه و هو محرم بحجة او عليّ هدي كذا و كذا فليس بشيء حتي يقول: للّه عليّ المشي الي بيته او يقول: للّه عليّ ان احرم بحجة او يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا»(2) و غيره.

3 - و اما عدم انعقاده بمجرد النية

فلانه بدون التلفظ بالصيغة لا يصدق عنوان النذر. و مع التنزل و فرض الشك في صدق عنوان النذر يكفينا استصحاب عدم ترتب الاثر. مضافا الي امكان استفادة اعتبار التلفظ من صحيح منصور المتقدم فلاحظ.

4 - و اما انعقاد النذر اذا لم يكن معلقا علي شرط - المعبر عنه

بنذر التبرع

- فهو بالمشهور. و قيل بعدم ذلك.

و المنشأ المهم للخلاف دعوي عدم صدق عنوان النذر مع التبرع و انه لغة الوعد بشرط، و الاصل عدم النقل، و معه فلا يمكن التمسك بعمومات وجوب الوفاء بالنذر. بل ان لم يجزم بالدعوي المذكورة فلا أقلّ من احتمالها، و معه لا يمكن التمسك بالعمومات أيضا لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 510


1- وسائل الشيعة 222:16 الباب 2 من أبواب النذر و العهد الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 219:16 الباب 1 من أبواب النذر و العهد الحديث 1.

و قد يؤيد اعتبار التعليق علي الشرط - كما صنع في الجواهر(1) - بصحيح منصور بن حازم المتقدم فانه ورد في ذيله: «... او يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا»، و هو بالمفهوم يدل علي انه اذا لم تذكر الصيغة مع التعليق فلا ينعقد النذر.

5 - و اما الخلاف في اجزاء الترجمة

فوجهه ان مقتضي صحيح منصور اعتبار التلفظ بالشكل المذكور فيه، و لازمه عدم اجزاء غير العربية. و لا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك و هو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر.

و في المقابل يمكن ان يقال: ان تشريع النذر كسائر التشريعات الاسلامية لم يرد خاصا بالعرب، و هل يحتمل ان غير العربي ليس من حقه النذر؟!

6 - و اما اعتبار رجحان متعلق النذر بنحو يعدّ فعله طاعة للّه

سبحانه

فباعتبار ان المكلف من خلال النذر يجعل الفعل للّه سبحانه و يقول للّه عليّ كذا، و لا معني لأن يلتزم بفعل للّه سبحانه الا اذا كان مطلوبا و طاعة له، و حيث ان المباح المتساوي طرفاه ليس مطلوبا و طاعة له سبحانه فلا معني لجعله للّه بمثل صيغة: للّه عليّ حتي اذا فرض وجود رجحان دنيوي فيه من بعض الجهات.

7 - و اما انه ينحل اذا زال الرجحان

فباعتبار انه معه لا يصدق بقاء كون الفعل للّه سبحانه فيزول عنوان النذر بقاء و ينحل بهذا المعني.

8 - و اما عدم اعتبار اذن الوالد مسبقا في صحة نذر الولد

فلعدم

ص: 511


1- جواهر الكلام 368:35.

وجود نص يدل علي اعتبار ذلك فيتمسك بعمومات النذر لنفي ذلك. اجل مع النهي يزول الرجحان فلا ينعقد حدوثا و ينحل بقاء.

9 - و اما عدم انعقاد نذر الزوجة اذا كان منافيا لحق الزوج في

الاستمتاع

فواضح لكون المتعلق مرجوحا آنذاك.

و اما اذا لم يكن منافيا لحقه فالمشهور اختار عدم انعقاده أيضا لصحيح عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس للمرأة مع زوجها امر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها الا باذن زوجها الا في حج او زكاة او بر والديها او صلة رحمها»(1). نعم مع عدم كون نذرها مستلزما للتصرف في مالها و لا منافيا لحقه ينعقد و يجب الوفاء به تمسكا بالعمومات.

هذا و يمكن ان يقال: ان صحيح ابن سنان ناظر الي بيان حكم اخلاقي بقرينة اشتماله علي ما لا يمكن الالتزام به، كعدم جواز صدقة الزوجة و هبتها لشيء من مالها من دون اذن الزوج، و عليه فالمناسب العمل علي وفق الاحتياط.

10 - و اما ان من نذر صوم يوم معين و اراد السفر جاز له ذلك

و لو من دون ضرورة

و يقضي يوما بدله فهو حكم مخالف للقاعدة، فان المناسب عدم جواز السفر مقدمة لامتثال النذر الذي هو واجب الا ان صحيحة علي بن مهزيار: «كتبت اليه - يعني الي ابي الحسن عليه السّلام - يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر او اضحي او ايام التشريق او سفر او مرض هل

ص: 512


1- وسائل الشيعة 237:16 الباب 15 من أبواب النذر و العهد الحديث 1.

عليه صوم ذلك اليوم او قضاؤه و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه: قد وضع اللّه عنه الصيام في هذه الايام كلها و يصوم يوما بدل يوم ان شاء اللّه...»(1) دلت علي جواز السفر مع القضاء. كما دلت علي عموم الحكم لسائر الاعذار غير السفر.

11 - و اما ان من نذر صوم شهر فجواز الفصل او لزوم الوصل

يتبع قصده

فقد تقدم وجهه في اليمين فلاحظ.

و اما انه مع الشك في القصد يلزم متابعة ظاهر اللفظ فباعتبار ان الناذر التزم بما يدل عليه ظاهر اللفظ.

12 - و اما ان من نذر مالا للنبي صلّي اللّه عليه و آله او غيره يتبع في كيفية

صرفه قصده

فقد اتضح وجهه مما تقدم.

13 - و اما كفارة حنث النذر فقيل: انها ككفارة مخالفة اليمين.

و قيل ككفارة من افطر يوما من شهر رمضان.

و منشأ الخلاف اختلاف الروايات، فبعضها دلّ علي الاول، كما في صحيح الحلبي المتقدم في الرقم 1، و بعضها دلّ علي الثاني، كما في رواية عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عمن جعل للّه عليه ان لا يركب محرما سمّاه فركبه، قال: لا. و لا اعلمه الا قال: فليعتق رقبة او ليصم شهرين متتابعين او ليطعم ستين مسكينا»(2).

و التعارض بينهما مستقر. و قد ترجح الثانية لموافقة الاولي لروايات العامة الدالة علي ان كفارة حنث النذر كفارة يمين(3). الا ان

ص: 513


1- وسائل الشيعة 233:16 الباب 10 من أبواب النذر و العهد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 575:15 الباب 23 من ابواب الكفارات الحديث 7.
3- الفقه علي المذاهب الأربعة 129:2، و سنن البيهقي 69:10-72.

المناسب ترجيح الاولي لضعف سند الثانية بعبد الملك اذ لم يرد في حقه توثيق سوي ان الكشي نقل رواية ينتهي سندها الي عبد الملك نفسه و ان الامام الصادق عليه السّلام قال له: «اني لأدعو اللّه لك حتي اسمي دابتك او قال: ادعو لدابتك»(1) ، و هي لو تمت دلالة علي التوثيق فليست تامة سندا من جهة ان الراوي عبد الملك نفسه.

4 - من أحكام العهد
اشارة

العهد التزام مع اللّه سبحانه بفعل شيء او تركه بصيغة عاهدت اللّه او عليّ عهد اللّه ان افعل كذا، مع التعليق علي شرط او بدونه. و الوفاء به واجب.

و تترتب علي مخالفته الكفارة.

و المشهور عدم انعقاده بمجرد النية و القصد القلبي من دون تلفظ بالصيغة.

و لا يعتبر في متعلقه الرجحان الشرعي بنحو يعدّ طاعة له سبحانه.

و كفارة مخالفة العهد: عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان العهد ما ذكر

فينبغي ان يكون من واضحات الفقه.

و اما ان صيغته «عاهدت اللّه او عليّ عهد اللّه ان افعل كذا» فلتحقق العهد بذلك عرفا فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد.

ص: 514


1- رجال الكشي الرقم 246.

و اما صحته مع التعليق علي شرط و بدونه فلإطلاق الادلة الآتية الدالة علي مشروعية العهد و وجوب الوفاء به.

و اما ان الوفاء به واجب فمما لا اشكال فيه لقوله تعالي: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (1) ، وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (2) ، وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (3) ، فان المراد بالعهد في الآيات الكريمة المذكورة اما خصوص العهد الاصطلاحي او ما يعمّ النذر و اليمين، و علي التقديرين يثبت المطلوب.

و في حديث عبد اللّه بن سنان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) قال: العهود»(5).

2 - و اما ترتب الكفارة علي مخالفة العهد

فهو من الامور المسلمة بين الاصحاب و تأتي دلالة بعض الروايات عليه.

3 - و اما عدم انعقاده بمجرد القصد القلبي

فهو المعروف بين الاصحاب. الا انه قد يقال بعدم تقوّم عنوان العهد عرفا بالابراز بالصيغة اللفظية فبقصد العهد قلبا يتحقق و تشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد. و هذا بخلاف النذر فان عنوانه لا يصدق عرفا من دون ابراز لفظي له. مضافا الي دلالة بعض الروايات علي اعتبار الابراز اللفظي فيه فراجع.

ص: 515


1- الاسراء: 34.
2- الانعام: 152.
3- النحل: 91.
4- المائدة: 1.
5- وسائل الشيعة 25:16 الباب 25 من أبواب النذر و العهد الحديث 3.

و بالجملة: مع الجزم بصدق عنوان العهد علي مجرد القصد القلبي فيلزم وجوب الوفاء به تمسكا بالعمومات. و اما اذا لم يجزم بذلك فلا يمكن التمسك بها - لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية - و يتعين الرجوع الي الاصل لنفي ترتب الاثر.

4 - و اما عدم اعتبار كون متعلق العهد طاعة كما هو معتبر في

النذر

فلعدم جريان التقريب السابق هناك فيه. و مقتضي اطلاق دليل وجوب الوفاء به الشمول لما يكون متساوي الطرفين شرعا.

5 - و اما ان كفارة مخالفة العهد ما تقدم

فهو المشهور بين الاصحاب. و يدل عليه ما رواه احمد بن محمد بن عيسي في نوادره عن ابي جعفر الثاني عليه السّلام: «رجل عاهد اللّه عند الحجر ان لا يقرب محرما ابدا فلما رجع عاد الي المحرم فقال ابو جعفر عليه السّلام: يعتق او يصوم او يتصدق علي ستين مسكينا. و ما ترك من الامر اعظم و يستغفر اللّه و يتوب اليه»(1) و غيره.

ص: 516


1- وسائل الشيعة 248:16 الباب 25 من أبواب النذر و العهد الحديث 4.

كتاب الوصيّة

اشارة

1 - الوصية بقسميها

2 - الوصية ايقاع

3 - من أحكام الوصي

4 - من أحكام الوصية

ص: 517

ص: 518

1 - الوصية بقسميها
اشارة

الوصية إنشاء يتضمن تمليكا او عهدا بتصرف معين بعد الوفاة.

و هي علي قسمين: تمليكية و عهدية.

و الاولي هي ما تضمنت إنشاء ملكية عين او اختصاص حق بعد الوفاة - كالوصية بكون قسم من المال لشخص معين او لجهة معينة كالفقراء - و اركانها ثلاثة: الموصي، و الموصي به، و الموصي له.

و الثانية هي ما تضمنت العهد بتولي تصرف معين بعد الوفاة، كالوصية بتمليك شخص او جهة مقدارا من المال او الوصية بالدفن في مكان معين او بولاية شخص علي الاطفال القاصرين او بالتصرف في المال ببناء مسجد به او حسينية و ما شاكل ذلك. و اركانها ثلاثة أيضا: الموصي، و الوصي، و الموصي به. و مع تعلق الموصي به بالغير - كالوصية بتمليك الوصي مقدارا من المال لشخص - تكون اطرافها اربعة باضافة الموصي له.

و هي مشروعة بنحو الاستحباب بل بنحو الوجوب احيانا.

ص: 519

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوصية ما تقدم

فهو من واضحات الفقه.

و اما انقسامها الي ما ذكر فكذلك حيث ان متعلق الوصية تارة يكون هو الملكية او الاختصاص بنحو شرط النتيجة، و اخري هو التمليك او الاختصاص بنحو شرط الفعل او تصرفا آخر غير التمليك.

و الوصية في الاول تمليكية و في الثاني عهدية.

2 - و اما انها مشروعة

فهو من ضروريات الدين. و يدل علي ذلك قوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

و موردها و ان كان خاصا بالوصية للوالدين و الاقربين الا ان فقرة:

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ تدل علي امضاء مطلق الوصية للاستشهاد بها في بعض الروايات علي نفوذ مطلق الوصية، ففي صحيحة محمد بن مسلم: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الرجل اوصي بماله في سبيل اللّه قال: اعطه لمن اوصي له به و ان كان يهوديا او نصرانيا ان اللّه عز و جل يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ »(2).

و قال تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ... (3) ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ

ص: 520


1- البقرة: 180-181.
2- وسائل الشيعة 411:13 الباب 32 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
3- المائدة: 106.

يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1).

و تدل علي المشروعية أيضا السيرة القطعية بين المتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام.

3 - و اما انها مشروعة بكلا قسميها

فامر متسالم عليه و يقتضيه اطلاق الآية الكريمة الاولي و السيرة القطعية.

4 - و اما انها مشروعة بنحو الاستحباب

فهو من واضحات الفقه.

و يدل علي ذلك قوله عليه السّلام: «ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة الا و وصيته تحت رأسه»(2) ، «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية»(3).

و في وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام: «يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي... يا علي من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته و لم يملك الشفاعة»(4).

5 - و اما انها قد تجب

فيأتي بيانه عند التعرض لأحكام الوصية ان شاء اللّه تعالي.

2 - الوصية ايقاع
اشارة

صحة الوصية العهدية لا تتوقف علي القبول. نعم للوصي الرد - و لكن لا

ص: 521


1- النساء: 11-12.
2- وسائل الشيعة 352:13 الباب 1 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 352:13 الباب 1 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 8.
4- وسائل الشيعة 357:13 الباب 6 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.

يلزم من ذلك بطلان الوصية رأسا بل بطلان وصياته - بشرطين: كون ذلك في حياة الموصي، و بلوغه الرد. بل قد يضاف الي ذلك امكان الايصاء الي شخص آخر. هذا اذا لم يكن العمل بها حرجيا و الا جاز ردها حتي مع اختلال ما تقدم.

اجل في خصوص الولد قد يقال بوجوب قبوله الوصية اذا دعاه والده الي ذلك.

و اما الوصية التمليكية فالمشهور ذهب الي اعتبار قبول الموصي له في صحتها فتكون علي رأيهم عقدا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان صحة الوصية العهدية لا تتوقف علي القبول

فهو رأي غير واحد من الفقهاء. و تدل عليها الروايات الدالة علي وجوب العمل بالوصية علي الوصي اذا لم يرد او ردّ و لم يبلغ الموصي ذلك، كصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا اوصي الرجل الي اخيه و هو غائب فليس له ان يرد عليه وصيته لأنه لو كان شاهدا فأبي ان يقبلها طلب غيره»(1) و غيرها، فان القبول لو كان معتبرا جاز الرد مطلقا بل لم يتوقف بطلانها علي الرد و يكفي عدم القبول.

هذا و يمكن التمسك أيضا باطلاق قوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (2) بعد تفسيره بمطلق الايصاء علي ما تقدم.

2 - و اما جواز الرد بالشروط الثلاثة المتقدمة

فيمكن استفادته من

ص: 522


1- وسائل الشيعة 398:13 الباب 23 من أحكام الوصايا الحديث 3.
2- البقرة: 181.

صحيح منصور المتقدم و غيره.

و اما جواز الرد مع الحرج فلقاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالي: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1).

3 - و اما انه مع ردّ الوصي في مورد جوازه لا يلزم بطلان الوصية

رأسا

فلان اقصي ما يستلزمه الرد خلو الوصية من الوصي و هو لا يقتضي بطلانها.

4 - و اما وجوب قبول الولد للوصية اذا دعاه والده الي ذلك

فلرواية علي بن الريان: «كتبت الي ابي الحسن عليه السّلام: رجل دعاه والده الي قبول وصيته هل له ان يمتنع من قبول وصيته؟ فوقع عليه السّلام: ليس له ان يمتنع»(2) بناء علي التسامح في امر سهل الوارد في سندها.

5 - و اما اعتبار المشهور للقبول في الوصية التمليكية

فقد يستدل له بالوجهين التاليين:

أ - ان تحقق الملك بدون قبول الموصي له مخالف لقاعدة سلطنة الانسان علي نفسه الثابتة بالسيرة العقلائية، فان دخول شيء في ملك الغير قهرا مناف لذلك. و ثبوت مثله في الارث هو لدليل خاص فلا مجال معه للتعدي عنه.

ب - التمسك باستصحاب عدم الانتقال الي الموصي له بدون قبوله.

و كلا الوجهين قابلان للتأمل بعد اطلاق الآية الكريمة فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (3).

ص: 523


1- الحج: 78.
2- وسائل الشيعة 400:13 الباب 24 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
3- البقرة: 181.

اجل ادعي الاجماع في المسألة علي اعتبار القبول. و هو ان تمّ كان هو المدرك الا انه غير تام لكونه محتمل المدرك.

و مما يدعم عدم اعتبار القبول صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في رجل اوصي لآخر و الموصي له غائب فتوفي الموصي له الذي اوصي له قبل الموصي قال: الوصية لوارث الذي اوصي له. قال: و من اوصي لأحد شاهدا كان او غائبا فتوفي الموصي له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي اوصي له الا ان يرجع في وصيته قبل موته»(1) و ما كان بمضمونها، فان مقتضي اطلاقها لزوم الدفع الي الوارث حتي مع عدم قبول الموصي له و لا وجه للدفع اليه الا تحقق ملك مورثه و الانتقال منه اليه.

نعم قد يلتزم بمانعية الرد عن تحقق الملك بالرغم من اقتضاء اطلاق الآية الكريمة نفيه أيضا و لا وجه له سوي الاجماع المدعي في المسألة.

قال السيد اليزدي: «و يحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها بل يكون الرد مانعا.

و دعوي انه يستلزم الملك القهري و هو باطل في غير مثل الارث مدفوعة بانه لا مانع منه عقلا. و مقتضي عمومات الوصية ذلك. مع ان الملك القهري موجود في مثل الوقف»(2).1.

ص: 524


1- وسائل الشيعة 409:13 الباب 30 من أحكام الوصايا الحديث 1.
2- العروة الوثقي كتاب الوصية مسألة 1 من مسائل الفصل 1.
3 - من احكام الوصي
اشارة

اذا عيّن الموصي شخصا للقيام بتنفيذ وصيته تعيّن و الا فالنوبة تصل الي الحاكم الشرعي فيتولي تنفيذ الوصية بنفسه او يعيّن شخصا لذلك.

و دور الوصي في الوصية التمليكية بذل المال للموصي له لا اكثر بخلافه في الوصية العهدية فانه يتولي التصرف الموصي به.

و اذا ظهرت من الوصي خيانة ضم الحاكم الشرعي اليه من يمنعه منها، فان لم يمكن عزله و نصب غيره.

و اذا مات الوصي قبل تنفيذ الوصية كلا او بعضا نصب الحاكم الشرعي وصيا لتنفيذها.

و يجوز لكل من الاب و الجد للأب الوصية بالولاية - القيمومة - علي الطفل بعد موته مع فقد الآخر. و لا تصح من غيرهما و لا مع وجود الآخر.

و وظيفة القيّم مع عدم تحديد جهة معينة له التصدي للشئون المرتبطة بالطفل من تربيته و حفظ امواله و الانفاق عليه و استيفاء دينه و وفاء ما عليه من دين و ما شاكل ذلك.

و يجوز للموصي نصب ناظر علي الوصي وظيفته: اما ابداء النظر بنحو لا يكون تصرف الوصي نافذا الا اذا وافق نظره، او الاشراف علي عمل الوصي بحيث يكون تحت نظره ليعترض عليه و يردعه اذا رأي منه مخالفة لمقررات الوصية من دون ان يلزم الوصي بمتابعة رأيه بل يكفي اطلاعه علي عمله الموافق بنظره - الوصي - لمقررات الوصية. و لعل الغالب تداوله في جعل الناظر هو هذا المعني.

ص: 525

و اذا حدّد الموصي ولاية الوصي بجهة معينة لزم الاقتصار علي محل الاذن و كان المرجع بلحاظ الجهات الاخري هو الحاكم الشرعي.

و يجوز للقيّم علي اليتيم اخذ اجرة مثل عمله. و الاحتياط يقتضي الاقتصار علي ما اذا كان فقيرا و لم يكن مال اليتيم قليلا.

و يجوز ذلك للوصي أيضا - غير القيّم علي اليتيم - فيما اذا كان لعمله اجرة و لم تقم القرينة علي ارادة المجانبة.

و المستند في ذلك:

1 - اما تعيّن من عيّنه الموصي لتنفيذ الوصية

فهو مما لا اشكال فيه. و تقتضيه الادلة الدالة علي امضاء الوصية من الآيات الكريمة و غيرها. بل صحيح منصور المتقدم صريح في ذلك.

2 - و اما ان النوبة تصل الي الحاكم الشرعي مع عدم تعيين احد

لذلك

فلأنه بعد الحكم شرعا بصحة الوصية - تمسكا باطلاقات صحة الوصية - يلزم تصدي بعض لتنفيذها، و اذا دار امر ذلك البعض بين كونه مطلق عدول المؤمنين او خصوص الحاكم الشرعي فينبغي الاقتصار علي من يتيقن باذن الشارع له في التصدي و هو الحاكم الشرعي و يكون تصدي غيره موردا لاستصحاب عدم ترتب الاثر.

بل قد يتمسك لذلك أيضا بمكاتبة اسحاق بن يعقوب: «سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: اما ما سألت عنه ارشدك اللّه و ثبتك... و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة

ص: 526

حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه...»(1).

3 - و اما ان الحاكم الشرعي بالخيار بين تصديه بنفسه او تعيين

شخص آخر

فلعدم اقتضاء ما تقدم للزوم تصدي الحاكم بنفسه بل هو اعم من ذلك.

4 - و اما ان دور الوصي في الوصية العهدية هو البذل لا اكثر

فباعتبار ان تملك الموصي له او اختصاصه بالحق يتحقق بمجرد موت الموصي بلا حاجة الي تمليك من الوصي فدوره لا يعدو بذل ما تحقق ملكه او اختصاصه بمجرد الموت، و هذا بخلافه في الوصية العهدية فان التمليك او التصرف الآخر لا بدّ من قيام الوصي به لان الوصية تعلقت به بنحو شرط الفعل.

5 - و اما ان الوصي اذا ظهرت منه خيانة ضم الحاكم اليه من يمنعه

منها

فهو مقتضي وجوب تنفيذ الوصية بعد الالتفات الي عدم لياقة الخائن لذلك.

هذا اذا لم يستظهر من الوصية كون الايصاء مقيدا بعدم الخيانة و الا يخرج عن كونه وصيا بمجرد الخيانة.

و من هذا يتضح الوجه في ثبوت الحق للحاكم في عزل الخائن و نصب غيره اذا لم يمكن منعه من الخيانة المجددة بضم آخر اليه.

6 - و اما انه اذا مات الوصي قبل تنفيذ الوصية نصب الحاكم غيره

فقد اتضح وجهه من خلال ما اشير اليه في الرقم 2.

7 - و اما انه يجوز لكل من الاب و الجد نصب القيم علي اطفالهما بعد الوفاة

ص: 527


1- وسائل الشيعة 101:18 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 9.

فهو مما لا خلاف فيه. و يمكن استفادة ذلك من موثقة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن رجل أوصي إلي رجل بولده و بمال لهم و اذن له عند الوصية ان يعمل بالمال و ان يكون الربح بينه و بينهم فقال: لا بأس به من أجل ان أباه(1) قد اذن له في ذلك و هو حي»(2).

و هي تشمل الجد أيضا لكونه أبا.

و موردها و ان كان خاصا بالمضاربة الا انه يمكن التعدي الي غيره اما تمسكا بعموم التعليل الوارد في ذيلها او بعدم القول بالفصل.

و يمكن التمسك أيضا بالروايات الدالة علي جواز جعل قيم علي الاطفال في الجملة، فانها و ان لم تحدد من له حق الجعل الا ان القدر المتيقن من ذلك هو الاب و الجد خصوصا اذا لا حظنا الروايات الدالة علي ان الاب و الجد لهما الولاية علي تزويج الصغيرين(3) فانها اذا لم تدل باستقلالها علي جواز جعل القيم عليهما من باب الاولوية فلا أقلّ هي تدل علي المطلوب بعد ضمّها الي الروايات المتقدمة.

8 - و اما ان ولايتهما تختص بحالة فقد الآخر

فللأصل بعد عدم الاطلاق في دليل ولاية كل منهما.

و اما عدم ثبوت الولاية لغيرهما فللأصل بعد عدم الدليل خلافا لابن

ص: 528


1- المناسب: اباهم، كما في طبعة مؤسسة آل البيت عليه السّلام لوسائل الشيعة.
2- وسائل الشيعة 478:13 الباب 92 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1. و قد اشتمل سندها علي الحسن بن علي بن يوسف - و هو ابن البقاح الراوي لكتاب المثني بن الوليد علي ما ذكر النجاشي في ترجمة المثني - الذي وثّقه النجاشي في رجاله: 29 منشورات مكتبة الداوري.
3- وسائل الشيعة 207:14 الباب 6 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

الجنيد حيث جعل للأم الولاية بعد الاب اذا كانت رشيدة(1). و لم يتضح مستنده في ذلك.

9 - و اما ان وظيفة القيم ما تقدم

فلانصراف جعل الولاية له الي جعلها بلحاظ ذلك.

10 - و اما نصب الناظر بأحد المعنيين المتقدمين

فلا اشارة اليه في الروايات بل و لا في كلمات المتقدمين من فقهائنا الا انه مع ذلك يمكن تصحيحه من خلال اطلاقات صحة الوصية و امضائها علي ما هي عليه كقوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (2).

11 - و اما لزوم الاقتصار علي محل الاذن مع تحديد الولاية بجهة

معينة

فلأن ذلك مقتضي وجوب العمل بالوصية و عدم تجاوزها.

و اما ان المرجع في الجهات الاخري هو الحاكم الشرعي فلانه بلحاظ تلك تعود الوصية بلا نصب وصي، و قد تقدم ان المرجع في مثل ذلك هو الحاكم الشرعي.

12 - و اما انه يجوز للقيم علي اليتيم اخذ اجرة مثل عمله ان كانت له

اجرة

فلقوله تعالي: وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (3).

و قد تسالم الاصحاب علي جواز اخذ الاجرة في الجملة و اختلفوا في

ص: 529


1- جواهر الكلام 277:28.
2- البقرة: 181.
3- النساء: 6.

مقدارها و انه اجرة المثل او مقدار الكفاية او أقلّ الامرين. و المستفاد من الآية الكريمة استحقاق اجرة المثل فانها المصداق لعنوان المعروف.

و تؤكد ذلك صحيحة هشام بن الحكم: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عمن تولي مال اليتيم ما له ان يأكل؟ فقال: ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الاجر لهم فليأكل بقدر ذلك»(1) و غيرها.

و اما الفقر فيمكن رفع اليد عن اعتباره لان الآية و ان اشتملت علي الامر الظاهر في الوجوب الا ان المادة تتناسب مع الندب. و يبقي الاحتياط باعتبار ذلك امرا في محله.

13 - و اما الاحتياط باعتبار ان لا يكون مال اليتيم قليلا

فلرواية ابي الصباح الكناني: «عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس ان يأكل بالمعروف اذا كان يصلح لهم اموالهم، فان كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا»(2) ، فان ضعف سندها بمحمد بن الفضيل - حيث لم يحرز كونه النهدي الثقة - و اعراض المشهور عن الفتوي بمضمونها يقتضيان التنزل عن الفتوي باعتبار ذلك الي الاحتياط.

14 - و اما انه يجوز للوصي غير القيم علي اليتيم اخذ اجرة المثل

فلان ذلك مقتضي الامر بالعمل لا علي نحو المجانية المقتضي لضمان اجرة المثل للسيرة العقلائية.

ص: 530


1- وسائل الشيعة 186:12 الباب 72 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 185:12 الباب 72 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3.
4 - من أحكام الوصية
اشارة

ينعقد الايجاب في الوصية بكل ما يدل عليه و لو كتابة.

و الواجبات الموسعة - كقضاء الصلاة و الصوم و اداء الكفارات و النذور و... - تتضيق لدي المشهور و تجب المبادرة الي ادائها مع الامكان عند ظهور امارات الموت. و اذا لم يمكن اداؤها يجب الايصاء بها الا مع العلم بقيام الوارث او غيره بها.

و هكذا اموال الناس - من الوديعة و نحوها - اذا كانت عند شخص فانه يجب عليه ردها مع الامكان عند ظهور امارات الموت، و مع عدم الامكان يجب الايصاء بها.

هذا في غير الديون. و اما هي فيجب اداؤها أيضا عند ظهور امارات الموت، و مع عدم الامكان او كونها مؤجلة يجب الايصاء بها اذا خيف ضياعها بدون ذلك.

و لا تصح الوصية الا بمقدار الثلث دون ما زاد عليه الا باجازة الورثة بعد الوفاة.

و في الاجتزاء بها حال الحياة خلاف. و الاجازة لازمة لا يمكن التراجع بعدها. و اذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز دون غيره.

و الميزان في تحديد مقدار الثلث ملاحظة حال الموت دون الوصية، فلو اوصي شخص بعين و كانت بمقدار نصف امواله حين الوصية و صارت بمقدار الثلث حين الموت صحت الوصية في تمامها. و اذا انعكس الامر

ص: 531

فكانت بمقدار الثلث حين الوصية و ازيد منه حين الوفاة نفذت بمقدار الثلث و توقفت فيما زاد علي اجازة الورثة.

و الواجبات المالية - و هي الاموال المشتغلة بها الذمة، كالمال المقترض و ثمن المبيع و الخمس و الزكاة و... - تخرج من الاصل و ان لم يوص بها بلا خلاف.

و اما الواجبات غير المالية فقد وقعت محلاّ للخلاف.

و اذا تعددت الوصايا و كان بعضها يخرج من الاصل - كالزكاة - و بعضها لا يخرج منه - كالصلاة - يبدأ باخراج الاول من الاصل، و مع بقاء شيء منه يصرف ثلثه في الثاني و يتمم من الباقي ان لم يف مع فرض اجازة الورثة.

هذا اذا لم يعيّن الموصي اخراج الوصايا من الثلث و الا اخرج الجميع من الثلث ان وسعها و يتمم من الباقي ان لم يسع مع فرض اجازة الورثة.

و اذا فرض عدم الامرين بدأ بما يخرج من الاصل فيخرج من الثلث اولا، فان بقي منه شيء صرف فيما لا يخرج من الاصل، و ان لم يبق منه شيء بطلت الوصية بلحاظه.

و المستند في ذلك:

1 - اما انعقاد ايجاب الوصية بكل ما يدل عليه

فلإطلاق الآية الكريمة: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ ... فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (1) الدال علي امضاء عنوان الوصية متي ما صدق.

2 - و اما تضيق الواجبات الموسعة عند ظهور امارات الموت

ص: 532


1- البقرة: 180-181.

فباعتبار ان جواز تأخير الامتثال منوط بسعة الوقت، اما مع الظن بعدمها - بسبب ظهور امارات الموت - فلا معني له.

هذا ما عليه المشهور. و هو وجيه مع فرض قيام اجماع قولي او عملي علي اناطة جواز التأخير بعدم ظن الضيق كما ادعاه بعض الاعلام(1) و الا فالمناسب جعل المدار في التضيق و عدمه علي العلم او الاطمئنان بالتمكن من الامتثال و عدمه - و ليس علي الظن بالتمكن و عدمه - فمن لم يطمئن بتمكنه من الامتثال لو اخّر تلزمه المبادرة اليه و لو لم تظهر امارات الموت عليه.

و الوجه في ذلك: ان كل تكليف لا بدّ عقلا من المبادرة الي امتثاله الا مع العلم او الاطمئنان بالتمكن لو لم يبادر. و جعل المدار علي ظهور امارات الموت و عدمه بلا وجه.

3 - و اما وجوب الايصاء بها عند عدم التمكن من مباشرة الامتثال

فواضح بعد عدم سقوطها عن الذمة بالموت. و لا محذور في اعتبار اشتغال الذمة بشيء بعد الموت. و ثمرته لزوم تفريغها تسبيبا قبل الموت من خلال الوصية بها.

4 - و اما وجوب ردّ أموال الناس من الوديعة و غيرها عند ظهور

امارات الموت

فباعتبار ان ردّ الامانة الي اهلها واجب. هذا ما عليه المشهور.

و المناسب ان يقال: ان ردّها واجب اذا لم يطمئن باداء الوارث لها و الا فلا موجب لذلك، فان اللازم في باب الامانة حفظها، و هو متحقق مع

ص: 533


1- مستمسك العروة الوثقي 541:14.

الاطمئنان باداء الوارث لها، اما ردّها مع فرض عدم مطالبة صاحبها بها فليس واجبا.

و ينبغي الالتفات الي ان اداء الوارث لها اذا كان موقوفا علي الايصاء بها و الاشهاد عليها وجب ذلك من باب وجوب مقدمة الواجب و لو عقلا.

5 - و اما ان الديون يجب اداؤها عند ظهور امارات الموت اذا كانت

حالّة

فهو مذكور في كلمات غير واحد من الاعلام.

و المناسب ان يقال: انه مع مطالبة المالك بها يجب اداؤها اذا كانت حالة سواء ظهرت امارات الموت أم لا، و مع عدم مطالبته بها فلا موجب للإلزام بادائها، فجعل الامر دائرا مدار ظهور امارات الموت و عدمه بلا وجه.

6 - و اما انه لا تصح الوصية الا بمقدار الثلث

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد دلت عليه روايات متعددة، كموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت احق بماله ما دام فيه الروح يبين فيه(1) فان قال:

بعدي فليس له الا الثلث»(2) و غيرها.

و نسب الخلاف في ذلك الي الشيخ علي بن بابويه و انه اجازها في جميع التركة(3).

و قد يستدل له بثلاث روايات:

ص: 534


1- قال في الوافي 67:24 «ابان فيه: اي عزله عن ماله و سلّمه الي المعطي له في مرضه و لم يعلّق اعطاءه علي الموت».
2- وسائل الشيعة 367:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 12.
3- جواهر الكلام 281:28.

أ - رواية محمد بن عبدوس: «اوصي رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فكتب اليه: رجل اوصي إليّ بجميع ما خلّف لك و خلّف ابنتي اخت له فرأيك في ذلك فكتب إليّ: بع ما خلّف و ابعث به إليّ فبعت و بعثت به اليه فكتب إليّ: قد وصل»(1).

ب - رواية عمار بن موسي الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح اذا اوصي به كله فهو جائز»(2).

ج - موثقة علي بن الحسن بن فضال: «مات محمد بن عبد اللّه بن زرارة و أوصي الي اخي احمد بن الحسن و خلّف دارا و كان اوصي في جميع تركته ان تباع و يحمل ثمنها الي ابي الحسن عليه السّلام فباعها فاعترض فيها ابن اخت له و ابن عم له فاصلحنا امره(3) بثلاثة دنانير. و كتب اليه احمد بن الحسن و دفع الشيء بحضرتي الي ايوب بن نوح فاخبره انه جميع ما خلف و ابن عم له و ابن اخته عرض و اصلحنا امره بثلاثة دنانير فكتب: قد وصل ذلك و ترحّم علي الميت و قرأت الجواب»(4).

و يمكن التأمل في ذلك:

اما الاوليتان فهما ضعيفتا السند - الاولي بمحمد بن عبدوس فانه مجهول و الثانية بعمر بن شداد و السري فانهما مجهولان أيضا - و قد تحملان علي صورة اجازة الورثة.

و اما الاخيرة فلا يبعد نظرها الي صورة اجازة الورثة و جلب7.

ص: 535


1- وسائل الشيعة 369:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 16.
2- وسائل الشيعة 370:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 19.
3- المناسب هنا و فيما يأتي: أمرهما.
4- وسائل الشيعة 369:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 17.

رضاهم بثلاثة دنانير.

7 - و اما نفوذها مع اجازة الورثة بعد الوفاة

فباعتبار ان الحق لا يعدوهم.

8 - و اما الاجتزاء باجازة الورثة حال حياة مورثهم

فالقاعدة و ان اقتضت عدمه لكونهم آنذاك ليسوا اصحاب حق ليتمكنوا من اسقاطه الا ان الروايات قد دلت علي النفوذ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أوصي بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم ان يردّوا ما اقروا به؟ فقال: ليس لهم ذلك، و الوصية جائزة عليهم اذا اقرّوا بها في حياته»(1) و غيرها.

و بعد الروايات لا يبقي مجال للقول بعدم النفوذ كما هو المنسوب الي الشيخ المفيد و غيره(2).

9 - و اما عدم امكان التراجع عن الاجازة

فواضح اذا كانت الاجازة بعد الوفاة لأنها انعقدت صحيحة و انتقل المال الي الموصي له، و انقلابها الي البطلان بالتراجع يحتاج الي دليل.

10 - و اما انه اذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت في حق

المجيز فقط

فامر واضح بعد انحلال الحق و بعد كونه واحدا ارتباطيا.

11 - و اما ان المدار في الثلث علي ملاحظته حين الوفاة

فلأنه المنصرف عرفا من فقرة: «فان قال بعدي فليس له الا الثلث» الواردة في موثقة الساباطي المتقدمة، اي فليس له الا الثلث بعد وفاته.

هذا مضافا الي امكان استفادة ذلك من صحيحة محمد بن قيس:

ص: 536


1- وسائل الشيعة 371:13 الباب 13 من أحكام الوصايا الحديث 1.
2- جواهر الكلام 286:28.

«قلت له: رجل أوصي لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ يعني الموصي فقال: يجاز لهذا الوصية من ماله و من ديته»(1) و غيرها.

الا ان هذا كله لو لم يتضح من خلال القرائن ارادة ما هو ثلث حين الوصية كما هو واضح.

12 - و اما ان الواجبات المالية تخرج من الاصل و ان لم يوص بها

فلا خلاف فيه، و يدل عليه قوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (2) ، فان عطف الدين علي الوصية يدل علي لزوم اخراجه من التركة و ان لم يوص به.

هذا مضافا الي دلالة الروايات الكثيرة، كصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: ان الدين قبل الوصية ثم الوصية علي اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب اللّه»(3) و غيرها.

13 - و اما الواجبات غير المالية - كالصلاة و غيرها

- فقد وقعت محلا للخلاف فقيل بلزوم اخراجها من الاصل قبل الارث أيضا كالديون المالية. و قيل باخراجها من الثلث.

و استدل علي الاول بانها دين، و كل دين لا بدّ من اخراجه من الاصل.

اما الصغري فلما رواه الشيخ الصدوق باسناده عن سليمان بن

ص: 537


1- وسائل الشيعة 372:13 الباب 14 من أحكام الوصايا الحديث 1.
2- النساء: 11.
3- وسائل الشيعة 406:13 الباب 28 من أحكام الوصايا الحديث 2.

داود المنقري عن حماد بن عيسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال لقمان لابنه:

... يا بني اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها و استرح منها فانها دين...»(1).

و اما الكبري فللآية الكريمة المتقدمة الدالة علي لزوم اخراج الدين من التركة قبل الارث و لقصة الخثعمية التي: «أتت الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ان فرض الحج قد ادرك ابي و هو شيخ لا يقدر علي ركوب الراحلة أ يجوز ان احج عنه؟ قال صلّي اللّه عليه و آله: يجوز. قالت: يا رسول اللّه ينفعه ذلك؟ قال صلّي اللّه عليه و آله: أ رأيت لو كان علي ابيك دين فقضيته أما كان يجزئ؟ قالت: نعم. قال: فدين اللّه أحق»(2).

هكذا استدل جماعة منهم السيد اليزدي قدّس سرّه(3).

و يمكن التأمل في كلتا المقدمتين.

اما الصغري فلان استعمال لفظ «الدين» في وصية لقمان في الصلاة مسامحي اريد به بيان اهمية الصلاة و انها كالدين في لزوم المبادرة الي تفريغ الذمة منه. علي انه لو تم فهو خاص بالصلاة و لا يعم مطلق الواجبات.

هذا بقطع النظر عن سند الشيخ الصدوق الي المنقري - الذي ورد فيه القاسم بن محمد الاصفهاني الذي لم يوثق - و الا فالامر اوضح.

و اما الكبري فباعتبار ان لفظ «الدين» في الآية الكريمة منصرفر.

ص: 538


1- وسائل الشيعة 323:8 الباب 52 من أبواب آداب السفر الي الحج الحديث 1.
2- مستدرك الوسائل 26:8 الباب 18 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.
3- العروة الوثقي المسألة 3 من فصل صلاة الاستيجار.

الاخراج من الاصل(1).

و النتيجة ان الواجبات المالية تخرج من الاصل اوصي بها او لا، و غير المالية لا تخرج من الاصل اوصي بها او لا.

14 - و اما انه اذا تعددت الوصايا و يبدأ باخراج ما يخرج من الاصل

منه

فواضح، اذ الواجبات المالية تخرج من الاصل اوصي بها او لا.

15 - و اما انه يخرج الجميع من الثلث مع طلبه لذلك

فواضح أيضا لأنه مقتضي وجوب العمل بالوصية فيخرج الجميع منه اذا وسع ذلك.

و اما انه اذا لم يسع ذلك فيبدأ باخراج ما يخرج من الاصل فباعتبار ان اخراجه من التركة لازم، و حيث لم يرد اخراجه من الاصل فيخرج من الثلث.

و اما انه اذا لم يبق شيء من الثلث - بعد اخراج ما يخرج من الاصل - تبطل الوصية بلحاظ ما لا يخرج من الاصل فباعتبار ان ذلك لازم تعين الاخراج من الثلث و فرض تقديم الاول.

ص: 539


1- علي ان القصة المذكورة وردت في صحيحي البخاري و مسلم من دون فقرة الاستشهاد، فقد روي مسلم في صحيحه الباب 71 باب الحج عن العاجز لزمانة و هرم و نحوهما او للموت من كتاب الحج 973:2 عن عبد اللّه بن عباس: «كان الفضل بن عباس رديف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر اليها و تنظر اليه فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصرف وجه الفضل الي الشق الآخر، قالت: يا رسول اللّه ان فريضة اللّه علي عباده في الحج ادركت ابي شيخا كبيرا لا يستطيع ان يثبت علي الراحلة أ فأحج عنه؟ قال: نعم، و ذلك في حجة الوداع». و راجع صحيح البخاري 572:2 الباب 24 حج المرأة عن الرجل من كتاب جزاء الصيد.

ص: 540

كتاب الوقف

اشارة

1 - حقيقة الوقف

2 - من شرائط الوقف

3 - من أحكام الوقف

4 - من أحكام الحبس

5 - من أحكام الصدقة بالمعني الأخص

ص: 541

ص: 542

1 - حقيقة الوقف
اشارة

الوقف إنشاء يتضمن تحبيس العين و تسبيل الثمرة. و قد يعبر عنه بالصدقة.

و هو مشروع بلا اشكال.

و في كونه عقدا يعتبر فيه القبول خلاف.

و هو يشتمل تارة علي موقوف عليه فيكون متقوما بثلاثة اطراف: الواقف و العين الموقوفة و الموقوف عليه و اخري لا يشتمل علي ذلك فيكون متقوما بطرفين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوقف ما تقدم

فهو من واضحات الفقه. و يقتضيه ارتكاز المتشرعة الذي لا تأمل فيه. و في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «حبّس الاصل و سبّل الثمرة»(1).

ص: 543


1- مستدرك الوسائل 47:14.
2 - و اما انه قد يعبر عنه بالصدقة

فهو واضح لمن راجع النصوص، فلاحظ صحيحة ربعي بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تصدّق امير المؤمنين عليه السّلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما تصدّق به علي بن ابي طالب و هو حي سوي تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتي يرثها اللّه الذي يرث السماوات و الارض و اسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن، فاذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين»(1) و غيرها.

قال في الحدائق: «لا يخفي علي من له انس بالاخبار و من جاس خلال تلك الديار ان الوقف في الصدر الاول اعني زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله و زمن الأئمة عليهم السّلام انما يعبر عنه بالصدقة»(2).

و يمكن ان يقال: ان لفظ الصدقة مصطلح مشترك بين الوقف و الحبس و الصدقة بمعناها الاخص، الا ان الاول تخرج فيه العين عن ملك الواقف مع حبسها عن التصرف فيها بالنقل بالبيع و نحوه، و الثاني تبقي فيه العين علي ملك الحابس و يكون التمليك للمنفعة، و في الثالث تنتقل العين الي المتصدق عليه مع جواز تصرفه فيها بأي نحو أحب.

هذه ثلاثة معاني للصدقة. و تطلق علي معني رابع، و هو فريضة الزكاة، كما قال تعالي: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها... (3).

3 - و اما ان الوقف مشروع

فهو من المسلّمات بين جميع المسلمين

ص: 544


1- وسائل الشيعة 304:13 الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 4.
2- الحدائق الناضرة 128:22.
3- التوبة: 60.

بل يستفاد من النصوص رجحانه فلاحظ صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال:

صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و سنة هدي سنّها فهي يعمل بها بعد موته، او ولد صالح يدعو له»(1) و غيرها.

4 - و اما ان الوقف يعتبر فيه القبول

فهو ظاهر كل من عبّر عنه بالعقد كالمحقق الحلي، حيث قال: «الوقف عقد ثمرته تحبيس الاصل و اطلاق المنفعة»(2).

و قد يستدل علي ذلك:

تارة باستصحاب عدم ترتب الاثر بدونه.

و اخري بان ادخال الشيء في ملك الغير بدون رضاه خلاف قاعدة سلطنة الانسان علي نفسه.

و المناسب عدم الاعتبار لوجوه:

أ - التمسك باطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن الحسن الصفار:

«الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها ان شاء اللّه»(3) ، حيث يدل علي ان الوقف كلما صدق كان ممضي بالكيفية المرسومة فيه، و واضح ان صدق عنوان الوقف عرفا لا يتوقف علي القبول بل يتحقق بمجرد الايجاب فيلزم كونه ممضيا حتي مع عدم القبول.

ب - التمسك بصحيحة ربعي السابقة الحاكية لوقف امير المؤمنين عليه السّلام حيث لم يشر فيها الي القبول.

ص: 545


1- وسائل الشيعة 292:13 الباب 1 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.
2- شرائع الإسلام 442:2 انتشارات استقلال.
3- وسائل الشيعة 295:13 الباب 2 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.

ج - التمسك بسيرة المتشرعة الجارية علي عدم مراعاة القبول حين الوقف. و لو كان ذلك معتبرا لانعكس علي النصوص و السيرة بعد شدة الابتلاء بالوقف.

و بهذا يتضح بطلان الوجهين السابقين لإثبات الاعتبار.

و وجه ذلك: ان النوبة تصل اليهما اذا لم يفترض وجود ما يمكن التمسك به لإثبات عدم الاعتبار، و قد تقدم وجوده.

كما اتضح من خلال هذا ضعف التفصيل باعتبار القبول اذا كان الوقف علي جماعة معينين و عدم اعتباره اذا كان علي جهة عامة كالفقراء.

و وجه الضعف: ان مقتضي ما تقدم عدم اعتبار القبول في الوقف بشكل مطلق كلما صدق عنوانه.

5 - و اما ان الوقف يشتمل تارة علي موقوف عليه و اخري لا يشتمل

عليه

فذلك باعتبار ان الواقف تارة يخرج العين الموقوفة من ملكه من دون ادخالها في ملك الغير، كما في وقف المساجد، فان مرجعه الي اخراج المسجد من الملك و تحريره و فكه من دون ادخاله في ملك احد، و في مثله لا موقوف عليه، و اخري يدخلها في ملك الغير، كما في الوقف علي الاولاد او الفقراء او العلماء، و في مثله يكون الموقوف عليه ثابتا، و هو الاولاد و نحوهم.

ثم ان في خروج العين الموقوفة بالوقف من ملك الواقف خلافا بين الاصحاب. و المشهور خروجها. و المنسوب الي ابي الصلاح بقاؤها علي

ص: 546

ملك الواقف(1). هذا في غير المساجد، و اما هي فلا اشكال في خروجها بالوقف من ملك الواقف لان مرجعه الي التحرير و فك الملك كما تقدم.

2 - من شرائط الوقف
اشارة

يعتبر في تحقق الوقف ابرازه بكل ما يدل عليه - و لا تكفي النية - مثل وقفت و نحوه بما في ذلك المعاطاة، كما لو سلّم الواقف الفرش الي متولي شئون المشاهد المشرفة بقصد الوقف. بل ربما يتحقق بغير ذلك أيضا، كما لو بني شخص حسينية بقصد كونها وقفا.

و في اعتبار قصد القربة فيه خلاف.

و يعتبر في لزومه اذا كان خاصا قبض الموقوف عليه بل قيل باعتباره في صحته أيضا. اجل لا يلزم ان يكون ذلك بنحو الفورية. و يكفي في الوقف الذري قبض الطبقة الاولي.

و يعتبر في الوقف أيضا التأبيد، فلو انشأ الوقف لفترة عشرين سنة مثلا لم يقع وقفا. و في وقوعه حبسا خلاف. و في صحة الوقف علي من ينقرض عادة - كالوقف علي ثلاثة بطون من الاولاد - خلاف أيضا.

و يعتبر في العين الموقوفة ان تكون قابلة للانتفاع بها مع بقاء عينها فلا يصح وقف الأطعمة و الفاكهة و ما شاكلها.

و يعتبر في الموقوف عليه وجوده فلا يصح الوقف علي المعدوم، كالوقف علي من يوجد بعد ذلك.

ص: 547


1- الحدائق الناضرة 223:22.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه يعتبر في صحة الوقف ابرازه بما يدل عليه و لا تكفي

النية وحدها

فباعتبار عدم صدق عنوانه بدون ذلك.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليه فهو مقتضي اطلاق دليل الامضاء، كقوله عليه السّلام في صحيحة الصفار السابقة: «الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها» الدال علي امضاء الوقف كلما صدق و بكيفيته الخاصة، فاذا انشأ شخص الوقف بالفارسية او بالجملة الاسمية و صدق انه وقف علي هذه الكيفية شمله قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» و ثبت امضاء اصل الوقف و كيفيته الخاصة.

و منه يتضح النظر فيما يظهر من صاحب الحدائق من الميل الي لزوم الاقتصار علي لفظ «وقفت، و تصدقت» باعتبار ورودهما في الاخبار حيث قال قدّس سرّه: «لا يبعد الانحصار في هذين اللفظين وقوفا علي ما خالف الاصل علي مورد النص، بمعني ان الاصل بقاء الملك لمالكه، و الذي ورد من الصيغة المخرجة منحصر في هذين اللفظين»(1).

2 - و اما تحقق الوقف بالمعاطاة و غيرها

فلانه بعد صدق عنوان الوقف عرفا يكون مشمولا لإطلاق دليل الامضاء، كقوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

و تؤكد ذلك سيرة المتشرعة الجارية علي عدم التقيد بالصيغة.

3 - و اما اعتبار قصد القربة في صحة الوقف

فهو ظاهر كلام بعض الاصحاب. و قد يستدل علي ذلك بمقدمتين:

ص: 548


1- الحدائق الناضرة 129:22.

أ - ان الوقف صدقة، كما يستفاد ذلك من صحيحة ربعي المتقدمة و غيرها.

ب - ان كل صدقة يشترط فيها قصد القربة، كما دلت عليه صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة و لا عتق الا ما اريد به وجه اللّه عز و جل»(1) و غيرها.

و فيه: ان المقدمة الاولي لا تدل علي ان كل وقف صدقة و يحتمل ان الصدقة حصة خاصة منه و هو ما قصد به التقرب.

و المناسب عدم اعتبار ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» الدال علي امضاء كل ما يصدق عليه مفهوم الوقف عرفا، و من الواضح ان مفهوم الوقف لا يستبطن عرفا قصد التقرب.

و من هذا يتضح بطلان التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر من دون قصد التقرب.

و وجه البطلان: ان الاصل لا تصل النوبة اليه مع وجود الدليل الاجتهادي.

و مما يؤكد عدم اعتبار قصد التقرب انعقاد سيرة المتشرعة علي الوقف من دون خطور ذلك في اذهانهم بل يوقفون لنفع اولادهم لا غير و لا يحتمل ان مثل الوقوف المذكورة باطلة.

4 - و اما القبض

فلا اشكال في اعتباره في الجملة - و ان كانت القاعدة تقتضي عدم ذلك - فلو تحقق الوقف من دون قبض جاز للواقف التراجع و لو مات رجع ميراثا، ان هذا المقدار لا اشكال فيه و انما

ص: 549


1- وسائل الشيعة 319:13 الباب 13 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.

الاشكال في ان ذلك شرط للصحة و الانتقال او شرط للّزوم.

و الثمرة تظهر في النماء في الفترة المتخللة بين الوقف و القبض.

و المشهور كونه شرطا للصحة بينما الروايات لا يظهر منها اكثر من كونه شرطا في اللزوم فلاحظ صحيحة صفوان بن يحيي عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدو له ان يحدث في ذلك شيئا فقال: ان كان وقفها لولده و لغيرهم ثم جعل لها قيّما لم يكن له ان يرجع فيها. و ان كانوا صغارا و قد شرط ولايتها لهم حتي بلغوا فيحوزها لهم لم يكن له ان يرجع فيها. و ان كانوا كبارا و لم يسلّمها اليهم و لم يخاصموا(1) حتي يحوزوها عنه(2) فله ان يرجع فيها لأنهم لا يحوزونها(3) عنه و قد بلغوا»(4) ، فانها دلت علي جواز الرجوع قبل التسليم، و ذلك لا يقتضي اكثر من عدم اللزوم.

و ورد في مكاتبة محمد بن جعفر الاسدي لمولانا الحجة ارواحنا له الفداء: «و اما ما سألت عنه من الوقف علي ناحيتنا و ما يجعل لنا ثم يحتاج اليه صاحبه فكل ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار، و كل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج او لم يحتج...»(5). و هي صريحة في نفي اللزوم فقط.

و نقل محمد بن مسلم في صحيحه عن ابي جعفر عليه السّلام انه قال في8.

ص: 550


1- قيل بان المقصود لم تقع خصومة بينه و بينهم ليجبروه من خلالها علي القبض و التسليم.
2- المناسب: منه. و هكذا في كلمة «عنه» الثانية.
3- و في الوافي 550:10 نقل عن نسخة: «لم يحوزوها».
4- وسائل الشيعة 298:13 الباب 4 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 4.
5- وسائل الشيعة 300:13 الباب 4 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 8.

الرجل يتصدق علي ولده و قد ادركوا: «اذا لم يقبضوا حتي يموت فهو ميراث فان تصدّق علي من لم يدرك من ولده فهو جائز لان والده هو الذي يلي امره»(1). و هي لو كانت ناظرة الي الوقف دون الصدقة بمعناها الخاص لا تدل علي كون القبض شرطا للصحة، اذ لعل الوقف يقع صحيحا بنحو الجواز و ينفسخ بالموت.

و بالجملة مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون علي...» صحة الوقف و لزومه بدون اشتراط القبض. و النصوص المذكورة لا تدل علي اكثر من كونه شرطا في اللزوم فيلزم الحكم بالصحة من دون لزوم جمعا بين الاطلاق المتقدم و النصوص المذكورة.

5 - و اما تقييد اعتبار القبض بما اذا كان الوقف خاصا

فلأن النصوص المتقدمة لا يظهر منها اكثر من ذلك و تبقي الاوقاف العامة مشمولة لمقتضي القاعدة بلا حاجة الي قبض الحاكم الشرعي نيابة عن الجهة العامة.

6 - و اما انه لا تلزم الفورية في القبض

فهو لإطلاق النصوص المتقدمة. بل حتي لو فرض انها مجملة و لم يكن لها اطلاق كفي اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

7 - و اما كفاية قبض الطبقة الاولي في الوقف الذري

فلان قبض جميع الطبقات امر غير ممكن ليحتمل اعتباره. علي انه مع فرض عدم الدليل علي اعتبار قبض جميع الطبقات فبالامكان نفي احتمال ذلك باطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف...».

ص: 551


1- وسائل الشيعة 297:13 الباب 4 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.
8 - و اما اعتبار التأبيد في تحقق الوقف

فقد يستدل عليه:

تارة بتقوّم مفهومه بذلك.

و اخري بان وقوف الائمة عليهم السّلام التي حكتها الروايات - كصحيحة ربعي المتقدمة في بداية الحديث عن الوقف - كانت مؤيدة.

و ثالثة بالتمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر بعد كون القدر المتيقنة صحته هو المؤبد.

و الجميع كما تري.

اذ الاول غير ثابت.

و الثاني لا دلالة له علي الانحصار.

و الثالث لا مجال له بعد اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون..».

و من هنا قال السيد اليزدي: «فالعمدة: الاجماع ان تمّ»(1).

9 - و اما وجه القول ببطلان الوقف المقيد بمدة و عدم وقوعه حبسا

فواضح، فان الحبس لم يقصد فكيف يقع؟

و اما وجه وقوعه حبسا فباعتبار ان قصد الوقف المؤقت قصد لحقيقة الحبس. و لا يضر اعتقاد كونه وقفا بعد إنشاء ما هو حبس حقيقة.

و اذا قيل: ان الوقف و الحبس متباينان لاقتضاء الاول خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليه بخلافه في الحبس فان العين باقية علي ملك المحبّس.

قلنا: ان خروج العين عن ملك الواقف ليس هو مقتضي الوقف بما

ص: 552


1- ملحقات العروة الوثقي 192:2.

هو وقف بل هو ناشئ من التأبيد، و المفروض عدم قصده.

10 - و اما الوقف علي من ينقرض فقيل بصحته وقفا. و قيل بصحته

حبسا. و قيل ببطلانه.

و لعل الاوجه هو الاول، اذ الاجماع و ان انعقد علي اعتبار التأبيد و لكنه في مقابل التوقيت بمدة و لا يعلم بشموله لمثل المقام فيقتصر علي القدر المتيقن بعد كون الدليل لبيا لا اطلاق فيه، و يعود التمسك باطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» بلا مانع.

11 - و اما اعتبار ان تكون العين الموقوفة قابلة للانتفاع بها مع

بقائها

فباعتبار تقوّم الوقف عرفا بحبس العين فاذا لم يمكن حبسها عند الانتفاع بها فلا يمكن تحققه.

12 - و اما اعتبار وجود الموقوف عليه

فقد يستدل له:

أ - تارة بان الوقف تمليك و لا يعقل تمليك المعدوم لان الملكية صفة وجودية تستدعي محلا موجودا.

ب - و اخري بان القبض شرط في صحة الوقف، و هو متعذر مع انعدام الموقوف عليه.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فلان الملكية وصف اعتباري، و الاعتبار سهل المؤونة فيمكن اعتبار المعدوم مالكا.

و اما الثاني فلان الفورية في القبض ليست لازمة. و علي فرض التسليم بها يكفي قبض المتولي او الحاكم الشرعي.

و لضعف المستندين المذكورين قال السيد اليزدي: «الانصاف انه ان تمّ الاجماع علي عدم صحة الوقف علي المعدوم الذي سيوجد و الا

ص: 553

فالاقوي صحته. و تحقق الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام دونه خرط القتاد»(1).

3 - من احكام الوقف
اشارة

اذا تمّ الوقف فلا يجوز للواقف تغيير كيفيته التي انشأ عليها و يكون اجنبيا عنه كسائر الافراد. اجل يجوز له حين إنشائه جعل التولية لنفسه او لغيره او لهما. بل يجوز جعلها بنحو يحق للمتولي تفويض الامر بنصب متول آخر في حياته او بعدها حسب نظره. و مع عدم جعلها لأحد تنتهي النوبة الي الحاكم الشرعي فيما اذا لم يكن الوقف بنحو التمليك.

و المتولي المنصوب يستحق اجرة مثل عمله ان لم تجعل له بنحو المجانية.

و الموقوف علي مشهد من المشاهد المقدسة يصرف في مصالحه.

و الموقوف علي المعصومين عليهم السّلام يصرف في كل ما يوجب احياء ذكرهم.

و اذا وقف شيء علي مسجد مثلا فخرب او لم يحتج الي الصرف فيه لانقطاع المارة عنه او لغير ذلك يصرف في مسجد آخر ان امكن و الا ففي وجوه البر الاقرب فالاقرب.

و لا يجوز بيع العين الموقوفة الا في موارد:

الاول - اذا طرأ الخراب عليها بنحو يحذر من عدم امكان الانتفاع بها رأسا او الا بنحو يسير يكاد يلحق بالعدم.

الثاني - اذا اشترط الواقف بيعها عند كون البيع اعود او الاحتياج الي ثمنها

ص: 554


1- ملحقات العروة الوثقي 110:2.

او ما شاكل ذلك.

الثالث - اذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم الي حدّ لا يؤمن التلف علي النفوس و الاموال.

الرابع - اذا احرز ان الواقف لاحظ حين الوقف عنوانا خاصا في العين، كعنوان المدرسة او البستان مثلا و فرض زوال ذلك العنوان.

الخامس - اذا طرأت علي العين طوارئ كان بقاؤها مؤديا الي خرابها المسقط لها عن الانتفاع المعتد به و امكان البيع بعد ذلك.

هذا كله في غير المساجد. و اما هي فلا يجوز بيعها مطلقا.

و المتصدي للبيع هو المتولي المنصوب من قبل الواقف لإدارة شئون الوقف ان فرض انه قد نصب شخصا لذلك و الا فالحاكم الشرعي.

و اذا جاز بيع العين الموقوفة و بيعت بالفعل صرف الثمن في شراء عين اخري اقرب الي الأولي و توقف علي نهج وقف الأولي.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه لا يجوز للواقف تغيير كيفية الوقف بعد تماميته

فباعتبار خروج العين عن ملكه فكيف يريد التصرف؟

هذا مضافا الي امكان استفادة ذلك من قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون..» حيث يدل علي ان الوقف بعد تماميته يبقي علي ما هو عليه من دون امكان التصرف فيه.

و اما جواز جعل الواقف التولية حين إنشاء الوقف باحد الاشكال المتقدمة فلدلالة قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» علي ذلك.

2 - و اما ثبوت التولية للحاكم الشرعي اذا لم تجعل لغيره

فباعتبار ان تولي شخص خاص لإدارة شئون الوقف قضية ضرورية، و اذا دار

ص: 555

الامر بين كون ذلك الشخص هو خصوص الحاكم الشرعي او مطلق عدول المؤمنين تعيّن كونه الحاكم الشرعي لكونه القدر المتيقن.

و اما استثناء حالة الوقف بنحو التمليك - كالوقف علي الاولاد - فباعتبار ان الوقف اذا كان له مالك تعيّن تصديه لأنه الاولي بادارة شئون ملكه و لا معني لتصدي الغير له.

3 - و اما استحقاق المتولي للأجرة

فلانعقاد سيرة العقلاء علي كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان.

و اما التقييد بحالة عدم جعلها بنحو المجانية فلاختصاص السيرة بذلك.

4 - و اما ان الموقوف علي المشهد او احد المعصومين عليهم السّلام يصرف

فيما ذكر

فباعتبار ان الوقف علي شيء ينصرف عرفا الي الصرف في مصالحه و شئونه.

5 - و اما ان الموقوف علي المسجد يصرف في مسجد آخر ان امكن

و الا ففي وجوه البر متي ما خرب او لم يحتج الي الصرف فلأن ذلك هو المقصود للواقف عند إنشاء الوقف.

6 - و اما عدم جواز بيع العين الموقوفة في غير موارد الاستثناء

فهو مما لا خلاف فيه. و يمكن استفادته من عدة روايات كصحيحة ابي علي بن راشد: «سألت ابا الحسن عليه السّلام قلت: جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفرت المال خبّرت ان الارض وقف فقال: لا يجوز شراء الوقوف...»(1) و غيرها.

ص: 556


1- وسائل الشيعة 303:13 الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.

بل قد يقال: ان عدم البيع مستبطن في مفهوم الوقف، و لا حاجة معه الي دليل خاص، حيث تكون ادلة امضاء الوقف دالة بالتضمن علي عدم جواز البيع.

7 - و اما جواز بيع العين الموقوفة في المورد الاول

فقد علّله الشيخ الاعظم قدّس سرّه بالقصور في المقتضي لان الدليل علي عدم جواز البيع اما الاجماع او صحيحة ابي علي المتقدمة او قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

و الكل كما تري.

اما الاول فلان القدر المتيقن منه غير المقام.

و اما الثاني فلانصرافه عن مثل الفرض.

و اما الثالث فلانه ناظر الي امضاء الكيفية المرسومة في الوقف لا اكثر(1).

و مع قصور مقتضي المنع لا يعود مانع يمنع من التمسك باطلاق ادلة مشروعية البيع.

هذا و يمكن ان يقال: ان الواقف قد اراد البيع في مثل هذه الحالة، و ذلك نافذ منه لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

8 - و اما جواز البيع في المورد الثاني

فلإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» بل تمسك الشيخ الاعظم(2) لذلك أيضا باطلاق قوله عليه السّلام:

«المسلمون عند شروطهم»(3).

9 - و اما الجواز في المورد الثالث

فلصحيحة علي بن مهزيار:

ص: 557


1- المكاسب للشيخ الاعظم 76:2 انتشارات اسماعيليان.
2- المكاسب 87:2.
3- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 2.

«و كتبت اليه: ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده(1)... فكتب اليه بخطه و اعلمه ان رأيي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف ان يبيع الوقف امثل(2) فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال و النفوس»(3). بل بقطع النظر عن ذلك يمكن ان يقال: ان الواقف يجوّز البيع في مثل هذه الحالة و يريده فيشمله اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

10 - و اما الجواز في المورد الرابع

فباعتبار ضيق الجعل من البداية، فانه قد جعل الوقف ابتداء مقيدا بالعنوان الخاص فاذا فرض ارتفاعه يلزم ارتفاعه أيضا.

11 - و اما الجواز في المورد الخامس

فلترخيص الواقف ارتكازا في البيع في مثل ذلك فيشمله اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

12 - و اما ان المساجد لا يجوز بيعها مطلقا

فباعتبار انها ليست ملكا ليمكن بيعها بل الوقف فيها بنحو فك الملك و تحريره كما تقدم.

13 - و اما لزوم كون المتصدي للبيع في الموارد المتقدمة

هو المتولي المنصوب ان كان و الا فالحاكم الشرعي فباعتبار ان البيع لا يصح الا من المالك او ممن له الولاية و الا كان فضوليا.

14 - و اما لزوم صرف الثمن عند بيع العين في شراء عين اخري بالنحو المتقدم

ص: 558


1- كلمة «بعده» لا توجد في الفقيه 178:4.
2- في الفقيه 179:4 «ان كان قد علم اختلاف ما بين أصحاب الوقف و ان بيع الوقف أمثل فليبع فانه ربما...».
3- وسائل الشيعة 305:13 الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 6.

فلانه هو المطلوب للواقف ارتكازا فتلزم مراعاته لقوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

4 - من أحكام الحبس
اشارة

الحبس إنشاء يتضمن تسليط الغير علي شيء لاستيفاء منفعته - اما مع الاطلاق او خلال فترة محدودة - مع بقائه علي ملك مالكه من دون ان يحقّ للمحبّس عليه التصرف فيه بالنقل بالبيع و نحوه.

و هو مشروع بلا اشكال.

و يتحقق بلفظ التحبيس، كقول الحابس: حبّست - لفترة سنة مثلا او مع اطلاق المدة - مكتبتي علي اهل العلم او سيارتي علي المحتاج اليها.

و اذا كانت العين المحبّسة ارضا قابلة للسكن اصطلح علي الحبس بالسكني، فالسكني - التي هي مصداق للحبس - إنشاء يتضمن جعل حق السكن للغير مع بقاء العين علي ملك مالكها.

و الحبس - سواء كان في العين القابلة للسكن أم لا - متي ما قيّد بفترة محددة كسنة مثلا اصطلح عليه بالرقبي. و متي ما قيّد بعمر الحابس او المحبّس عليه اصطلح عليه بالعمري.

و السكني و العمري و الرقبي هي من العقود التي تحتاج الي القبول بل الحبس كذلك اذا كان علي الشخص دون الجهة.

و يشترط في تحقق اللزوم القبض، و من دونه يجوز التراجع.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الحبس ما ذكر

فهو من واضحات الفقه. و فرقه عن الوقف

ص: 559

ان العين في الوقف تخرج عن ملك مالكها - مع دخولها في ملك الموقوف عليه او بدونه - بخلافه في الحبس فانها باقية علي ملك مالكها و ترجع بعد موته الي ورثته. و في الوقف يعتبر التأبيد بخلافه في الحبس فانه لا يلزم فيه ذلك.

2 - و اما انه مشروع

فمن المسلمات. و قد دلت عليه روايات كثيرة الا انه لم يرد فيها لفظ الحبس بل لفظ الصدقة الا في الرواية الحاكية لقصة ابن ابي ليلي التي رواها المحمدون الثلاثة بسند صحيح عن عمر بن اذينة: «كنت شاهدا عند ابن ابي ليلي و قضي في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره و لم يوقّت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن ابي ليلي و حضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار فقال ابن ابي ليلي: اري ان ادعها علي ما تركها صاحبها فقال محمد بن مسلم الثقفي: اما ان علي بن ابي طالب عليه السّلام قد قضي في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال: و ما علمك؟ قال: سمعت ابا جعفر محمد بن علي عليه السّلام يقول: قضي علي عليه السّلام بردّ الحبيس و انفاذ المواريث فقال له ابن ابي ليلي: هذا عندك في كتابك؟ فقال: نعم قال: فارسل و ائتني به فقال له محمد بن مسلم: علي ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث قال: لك ذلك قال: فأحضر الكتاب واراه الحديث عن ابي جعفر عليه السّلام في الكتاب فردّ قضيته»(1). فانها دلت علي ان من حبس شيئا من دون تحديد المدة فبموته يرجع الي ورثته و يردّ الحبس، و هذا يكشف عن صحة الحبس في الجملة.

3 - و اما تحقق الحبس بلفظ حبست

فمما لا خلاف فيه. و هو القدر

ص: 560


1- وسائل الشيعة 328:13 الباب 5 من أحكام السكني و الحبس الحديث 1.

المتيقن من الانشاء الذي يتحقق به. بل حكم الاصحاب بتحققه بكل ما يدل عليه و لو فعلا.

4 - و اما التفرقة بين الحبس و اخواته بما تقدم

فهو مورد تسالم الفقهاء. و قد دلت علي مشروعية تلك روايات متعددة، كصحيحة حمران: «سألته عن السكني و العمري فقال: الناس فيه عند شروطهم ان كان قد شرط حياته فهي حياته و ان كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتي يفنوا ثم يردّ الي صاحب الدار»(1) ، و صحيحة الحسين بن نعيم عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل جعل سكني داره لرجل ايام حياته او له و لعقبه من بعده قال: هي له و لعقبه كما شرط»(2).

5 - و اما ان السكني و اخواتها عقود تحتاج الي قبول

فقد ادعي عليه الاجماع. و لولاه امكن التمسك باطلاق مثل الصحيحتين المتقدمتين لنفي اعتبار ذلك.

و اما التفرقة في الحبس بين كونه علي الشخص فيعتبر فيه القبول و بين كونه علي غيره فلا يعتبر فيه ذلك فلا مدرك له سوي الاجماع أيضا.

6 - و اما اشتراط القبض في تحقق اللزوم

فلا وجه له سوي الاجماع المدعي و الا فمقتضي اطلاق الروايات نفي اعتبار ذلك. اجل مع عدم تعيين وقت في السكني فيجوز التراجع حتي مع تحقق القبض للروايات الخاصة، كموثقة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و سألته عن الرجل يسكن

ص: 561


1- وسائل الشيعة 325:13 الباب 2 من أحكام السكني و الحبس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 325:13 الباب 2 من أحكام السكني و الحبس الحديث 2.

رجلا و لم يوقّت شيئا قال: يخرجه صاحب الدار اذا شاء»(1).

و هكذا الحال في الحبس غير المؤقت اذا مات الحابس فان العين ترجع الي ورثته لصحيح ابن اذينة المتقدم.

5 - من احكام الصدقة بالمعني الاخص
اشارة

تستحب الصدقة بمعناها الاخص، و هي الاحسان للغير بقصد القربة.

و المعروف انها عقد تحتاج الي ايجاب و قبول. و يعتبر فيها قصد القربة.

و تجوز من غير الهاشمي علي الهاشمي. و تجوز علي الغني أيضا.

و المستند في ذلك:

1 - اما استحباب الصدقة بمعناها الاخص

فهو من المسلمات. و قد ورد الحث عليها في روايات كثيرة، من قبيل: «ان الصدقة تقضي الدين و تخلف بالبركة»(2) ، «الصدقة تدفع ميتة السوء»(3) ، «تصدقوا فان الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم اللّه»(4) ، «داووا مرضاكم بالصدقة»(5) ، «يستحب للمريض ان يعطي السائل بيده و يأمر السائل ان يدعو له»(6) ، «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الايدي ثلاثة فيد اللّه العليا، و يد المعطي التي تليها، و يد السائل السفلي فاعط الفضل و لا تعجز

ص: 562


1- وسائل الشيعة 327:13 الباب 4 من أحكام السكني و الحبس الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 255:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 225:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 257:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 8.
5- وسائل الشيعة 258:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 18.
6- وسائل الشيعة 262:6 الباب 5 من أبواب الصدقة الحديث 2.

نفسك»(1) ، و من الالفاظ الموجزة للرسول صلّي اللّه عليه و آله التي لم يسبق اليها: «اليد العليا خير من اليد السفلي»(2) ، «بكّروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها»(3) ، «من تصدق بصدقة حين يصبح اذهب اللّه عنه نحس ذلك اليوم»(4).

بل قد يستدل علي ذلك بقوله تعالي: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ (5).

و يلحق بالصدقة كل احسان و ان لم يكن بالمال ففي الحديث الصحيح: «كل معروف صدقة»(6).

2 - و اما ان الصدقة عقد تحتاج الي ايجاب و قبول

فهو المشهور، و لا دليل عليه سوي الشهرة و الاجماع المدعي. و من هنا قال السيد اليزدي:

«لا اشارة في شيء من الاخبار علي اعتبار اللفظ فيها علي كثرتها فما ادري من اين اشترطوا فيها الايجاب و القبول و جعلوها من العقود؟»(7).

و المناسب التفصيل بين مواردها فان كانت بنحو التمليك احتاجت الي ايجاب و قبول و ان كانت بنحو البذل و الاحسان المجردين كفي الاذن في الصرف.

و يمكن ان نعدّ من جملة مصاديق الصدقة التبرع بمقدار من المال

ص: 563


1- وسائل الشيعة 263:6 الباب 5 من أبواب الصدقة الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 263:6 الباب 5 من أبواب الصدقة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 266:6 الباب 8 من أبواب الصدقة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 266:6 الباب 8 من أبواب الصدقة الحديث 2.
5- التوبة: 104.
6- وسائل الشيعة 321:6 الباب 41 من أبواب الصدقة الحديث 2.
7- ملحقات العروة الوثقي 274:2.

للمناسبات الحسينية و نحوها من المناسبات الدينية او جمع مقدار من المال لبناء حسينية او تزويج مؤمن او علاج مريض و ما شاكل ذلك فان الكل يشترك في كونه احسانا بالمال بقصد القربة.

بل قد يعدّ من الصدقة التبرع للصناديق الخيرية المتعارف احداثها في زماننا و التي يقطع فيها المتبرع علاقته بالمال الذي يتبرع به، اما اذا بذل المال للصندوق لغرض الاقراض به من دون قطع العلاقة به فلا يبعد كون مرجعه الي التوكيل في التصرف دون الصدقة لأنه يعتبر فيها قطع العلاقة بالمتبرع به.

3 - و اما اعتبار قصد القربة فيها

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة و لا عتق الا ما اريد به وجه اللّه عز و جل»(1) و غيره.

4 - و اما جواز صدقة غير الهاشمي للهاشمي

فلإطلاق نصوص الصدقة بعد اختصاص دليل المنع بالصدقة الواجبة التي هي زكاة المال و زكاة الفطرة. و مع التنزل عن ذلك يكفينا الاصل.

5 - و اما جواز الصدقة علي الغني

فهو مقتضي اطلاق اخبار الصدقة، بل في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة الي غني او فقير فتصدقوا و لو بشقّ التمرة...»(2). و بقطع النظر عن ذلك يكفينا الاصل.

ص: 564


1- وسائل الشيعة 320:13 الباب 13 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 265:6 الباب 7 من أبواب الصدقة الحديث 5.

كتاب الجعالة

اشارة

1 - حقيقة الجعالة

2 - من أحكام الجعالة

ص: 565

ص: 566

1 - حقيقة الجعالة
اشارة

الجعالة - بكسر الجيم و قد تضم - إنشاء يتضمن الالتزام بعوض علي عمل.

و ترجع في حقيقتها الي كونها ايقاعا عاما يتحقق بمجرد الايجاب، كقول من يريد بيع داره: من باع داري فله كذا، او خاصا كقول الشخص السابق موجها الخطاب لشخص آخر معين: ان بعت داري فلك كذا.

و هي مشروعة.

و تفترق عن الاجارة بعدّة فوارق.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الجعالة ما تقدم

فهو من واضحات الفقه.

و اما انها ايقاع لا تحتاج الي قبول فهو المعروف. و يدل عليه:

أ - ان الجاعل بايجابه للجعالة لا يتصرف في سلطان الغير ليحتاج الي قبوله.

ب - السيرة العقلائية التي يأتي التمسك بها، فانها قاضية بعدم الحاجة الي القبول.

ص: 567

و قد يقال بالحاجة الي القبول و لكن يكفي في تحققه شروع العامل في العمل، فان سيرة العقلاء لا تأبي الحاجة الي القبول بالمقدار المذكور.

2 - و اما شرعية الجعالة

فأمر متسالم عليه في الجملة. و يدل علي ذلك:

أ - قوله تعالي: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (1) ، بعد ضم استصحاب حكم الشريعة السابقة عند الشك في نسخه.

ب - الروايات الخاصة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابي يسأل ابا عبد اللّه عليه السّلام و أنا اسمع فقال: ربما امرنا الرجل فيشتري لنا الارض و الدار و الغلام و الجارية و نجعل له جعلا، قال: لا بأس»(2) ، فانه ليس المقصود ندفع له بعد ذلك لا بعنوان الجعالة و الا لقيل: نعطيه، بل المقصود نقرر له ذلك من البداية بعنوان الجعالة.

و كصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن جعل الآبق و الضالة، قال: لا بأس به»(3) ، فان المقصود السؤال عن الجعالة علي ردّ الآبق و الضالة.

ج - السيرة العقلائية، فانها انعقدت علي كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان، فمن طلب من غيره تعمير داره او حمل متاعه في سيارته كان ذلك سببا للضمان اما باجرة المثل ان لم تقرر اجرة معينة او بما قرر ان فرض ذلك، و حيث ان السيرة المذكورة لا يحتمل حدوثها

ص: 568


1- يوسف: 72.
2- وسائل الشيعة 138:16 الباب 4 من أبواب الجعالة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 136:16 الباب 1 من أبواب الجعالة الحديث 1.

بعد عصر المعصومين عليهم السّلام و لم يصدر ردع عنها فيستكشف امضاؤها.

3 - و اما ان الايجاب يجوز ان يكون عاما تارة و خاصا اخري

فيدل عليه اطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة و السيرة العقلائية.

4 - و اما الفوارق بين الاجارة و الجعالة

فهي متعددة من قبيل:

أ - ان الاجارة عقد تتوقف علي الايجاب و القبول في حين ان الجعالة ايقاع يكفي في تحققها الايجاب.

ب - في الاجارة يستحق الاجير الاجرة بمجرد العقد و تنشغل ذمته بالعمل للمستأجر بمجرد ذلك أيضا بخلافه في الجعالة فانه لا تنشغل ذمة الجاعل بالجعل بمجرد الايجاب بل بعد العمل، كما لا تنشغل ذمة العامل بالعمل للجاعل بمجرد ذلك.

ج - لا بدّ من تعيين العوضين في الاجارة بخلافه في الجعالة.

2 - من أحكام الجعالة
اشارة

يجوز الجهل بعوضي الجعالة، كأن يقول شخص: من اصلح سيارتي فله كذا مقدار مع فرض عدم العلم بما يتطلبه الاصلاح من عمل و اجهزة، او يقول: من باع داري بكذا فله الزائد. اجل يلزم ان لا يكون مجهولا بشكل كامل، كما لو قال: من باع داري بكذا فله شيء و الا بطلت الجعالة و استحق العامل اجرة المثل.

و يجوز للجاعل التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل و لا يجوز ذلك بعد الشروع الا مع التوافق مع العامل.

ص: 569

و اذا شرع العامل في العمل فلا يجب عليه اتمامه الا اذا فرض طرو عنوان ثانوي، كما لو قال الجاعل للطبيب: ان اجريت عملية لعيني فلك كذا فانه لا يحق له التوقف عن اتمام العملية بعد الشروع فيها فيما اذا كان ذلك موجبا للضرر.

و لا يستحق العامل للجعل الا باتمامه للعمل. و اذا اتي ببعضه و اراد التوقف فلا يستحق بالنسبة الا اذا كان طلب العمل لم يلحظ بنحو الترابط. و قد يكون من هذا القبيل طلب بعض الوزارات في الدولة تعبيد عدّة شوارع او بناء عدّة عمارات و ما شاكل ذلك و اراد العامل التوقف عن تعبيد او بناء بعضها.

و لا يستحق العامل الجعل الا اذا قصد اداء العمل بقصد تحصيل الجعل، اما اذا قام به متبرعا او كان جاهلا بالجعالة او غافلا عنها فلا يستحق شيئا.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز الجهل بعوضي الجعالة

فهو رأي لبعض الاصحاب.

و يدل عليه عموم السيرة المتقدمة و اطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، فان ما يتطلبه ردّ الآبق و الضالة غير محدد، و مقدار الجعل لم تفترض معلوميته و مع ذلك نفي عليه السّلام البأس من دون تفصيل.

و اما حديث نفي الغرر فهو علي تقدير تمامية سنده خاص بالبيع، كما تقدمت الاشارة اليه عند البحث عن الاجارة.

2 - و اما اعتبار ان لا يكون الجهل بالعوضين بشكل كامل

فيمكن توجيهه بان التعامل مع الجهل بالعوض بشكل كامل ليس عقلائيا، و ادلة امضاء المعاملات منصرفة عن التعامل غير العقلائي.

و مع التنزل يمكن ان نقول: ان مدرك مشروعية الجعالة منحصر

ص: 570

بالوجوه الثلاثة المتقدمة و هي لم يحرز شمولها لحالة الجهل الكامل، و معه يلزم التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر عند الشك في ثبوت الامضاء.

3 - و اما انه مع بطلان الجعالة يستحق العامل اجرة المثل

فباعتبار ان استحقاقه للأجرة المسماة لمّا لم يثبت لفرض بطلان الجعالة فلا بدّ من ضمان اجرة المثل لان الجاعل قد طلب العمل، و هو سبب للضمان.

4 - و اما جواز التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل

فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. و يكفي لإثباته عدم الدليل علي اللزوم.

و اما عدم جوازه بعد شروع العامل فتقتضيه السيرة العقلائية المتقدمة.

5 - و اما عدم لزوم اتمام العامل للعمل بعد شروعه فيه

فلعدم الدليل علي ذلك.

و اما لزوم الاستمرار مع العنوان الثانوي فتقتضيه السيرة المتقدمة.

6 - و اما عدم استحقاق العامل للجعل الا بعد اتمام العمل

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي الاستحقاق قبل ذلك.

و اما انه اذا اتي ببعضه و اراد التوقف فلا يستحق شيئا فلان الجعل قد جعل علي اتمام العمل حسب الفرض.

و اما ثبوت الاستحقاق بالنسبة اذا فرض عدم ملاحظة الترابط فلأن ذلك يعني انحلال الجعالة الي جعالات متعددة بعدد الابعاض المتصورة.

ص: 571

7 - و اما عدم استحقاق العامل للجعل اذا اتي بالعمل متبرعا او

غافلا او جاهلا

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي الاستحقاق، فان السيرة دليل لبي يلزم الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و النصوص منصرفة عن مثل ذلك.

ص: 572

كتاب الشّفعة

اشارة

1 - حقيقة الشفعة

2 - من أحكام الشفعة

ص: 573

ص: 574

1 - حقيقة الشفعة
اشارة

الشفعة حق ثابت للشريك في اخذ حصة شريكه - اذا باعها لثالث - بالثمن المقرر في البيع. و يصطلح علي صاحب الحق المذكور بالشفيع.

و هي ايقاع يتوقف تحققه علي إنشاء الشريك له بلا حاجة الي القبول.

و شرعيتها امر مسلّم به.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الشفعة هي ما تقدم

فمما لا كلام فيه.

و اما انها ايقاع يتوقف علي إنشاء الايجاب من دون حاجة الي القبول فامر واضح لأنها شرّعت لأخذ الحصة من المشتري حفظا لأولوية الشفيع فلا يحتمل اعتبار قبوله.

2 - و اما انها مشروعة

فقد دلت عليه جملة من الروايات، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكون الشفعة الا لشريكين ما لم يقاسما، فاذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة»(1) ، و موثقة ابي

ص: 575


1- وسائل الشيعة 320:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 1.

العباس البقباق: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الشفعة لا تكون الا لشريك»(1) ، و رواية عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الارضين و المساكن و قال: لا ضرر و لا ضرار. و قال: اذا ارّفت الأرف(2) و حدّت الحدود فلا شفعة»(3) الي غير ذلك من الروايات.

و ينبغي الالتفات الي ان ثبوت حق الشفعة جاء تخصيصا لقاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير من دون طيب نفسه كما هو واضح، و لا محذور في ذلك، فان القاعدة المذكورة ليست حكما عقليا كي لا تقبل التخصيص.

2 - من أحكام الشفعة
اشارة

يتحقق اعمال حق الشفعة بكل ما يدل علي ذلك من قول - كقول الشفيع اخذت الحصة المبيعة بثمنها - او فعل، كما اذا دفع الشفيع الثمن و اخذ الحصة.

و يشترط في ثبوتها:

أ - عدم تقسيم العين المشتركة بفرز الحصص.

ب - ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر.

ص: 576


1- وسائل الشيعة 315:17 الباب 1 من أبواب الشفعة الحديث 1.
2- اي اذا رسمت الحدود. و العطف تفسيري. و المقصود الردّ علي من يقول بأن الشفعة ثابتة بعد تقسيم الارض و تعيين حصة كل شريك.
3- وسائل الشيعة 319:17 الباب 5 من أبواب الشفعة الحديث 1.

ج - تسديد الثمن و لا يكفي اعمال حق الشفعة من دون ذلك.

د - ان يكون المدفوع بمقدار الثمن بدون زيادة او نقيصة سواء كان مساويا للقيمة السوقية أم لا.

ه - ان تكون العين المشتركة من الاشياء غير المنقولة و قابلة للقسمة كالدور و البساتين و الاراضي. و في ثبوتها في غير القابل للقسمة و في المنقول خلاف.

و في اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة خلاف.

و لا تثبت الشفعة بالجوار، فلو اراد شخص بيع داره فلا تحق لجاره المطالبة بها بالشفعة.

و حق الشفعة قابل للإسقاط بدون عوض او معه، و لكنه لا يقبل الانتقال الي الغير بالنقل اليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان اعمال حق الشفعة يتحقق بكل ما يدل علي ذلك من قول

او فعل

فيمكن استفادته من الروايات السابقة، فانها اذا كانت مشتملة علي اطلاق لفظي فهو المطلوب و الا امكن التمسك بالاطلاق المقامي، بتقريب ان اثبات حق الشفعة للشريك من دون بيان ما به يتحقق اعماله يدل علي ايكال الامر الي العرف و ان الشارع ليس له تحديد خاص في هذا المجال بل كل ما يدل علي اعمال الحق المذكور في نظر العرف فهو كاف.

2 - و اما انه يشترط في ثبوت حق الشفعة عدم فرز الحصص

فهو من المسلمات عندنا. و قد دلت عليه روايات كثيرة كصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة و غيرها.

ص: 577

و يظهر من رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجود رأي مقابل لمدرسة اهل البيت عليهم السّلام يري ثبوت حق الشفعة حتي مع فرز الحصص فلاحظ.

3 - و اما اعتبار ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر

فهو المشهور. و قد دلت عليه عدة روايات كصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة و غيرها.

الا ان في مقابل ذلك روايتين احداهما للسكوني و الاخري لطلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه السّلام و كلتاهما بلسان: «الشفعة علي عدد الرجال»(1).

و قد حملها الشيخ علي التقية(2) ، فان تمّ ذلك و الا تساقط المتعارضان و لزم الرجوع الي الاصل المقتضي لعدم حلّ التصرف من دون طيب نفس المالك فان القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور ما اذا كانت الشركة بين اثنين، و اما اذا كانت بين اكثر فيشك في الخروج عن الاصل فيتمسك به ان فرض عدم وجود اطلاق في الروايات يدل علي ثبوت حق الشفعة في حالة اشتراك العين بين اكثر من اثنين.

هذا كله اذا لم نناقش في سند الاولي بالنوفلي الراوي عن السكوني و في الثانية بطلحة بن زيد و الا فلا مشكلة من الاساس.

4 - و اما اعتبار تسديد مقدار الثمن عقيب اعمال الحق

فينبغي ان يكون من الواضحات، اذ لا يحتمل ثبوت حق الشفعة و انتقال العين الي الشفيع باعماله الشفعة مع عدم ادائه الثمن، و هل ذلك الا الضرر المنفي بقاعدة لا ضرر؟

ص: 578


1- وسائل الشيعة 322:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 5.
2- تهذيب الاحكام 166:7.

هذا مضافا الي ان روايات الشفعة لا اطلاق لها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار علي مورد اليقين، و هو ما اذا تمّ اداء الثمن.

اجل قد يقال: انه مع طلب الشفيع انظاره لتهيئة الثمن فلا بد من امهاله ثلاثة ايام علي ما دلت عليه رواية علي بن مهزيار: «سألت ابا جعفر الثاني عليه السّلام عن رجل طلب شفعة ارض فذهب علي ان يحضر المال فلم ينض(1) فكيف يصنع صاحب الارض ان اراد بيعها أ يبيعها او ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: ان كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة ايام فان اتاه بالمال و الا فليبع و بطلت شفعته في الارض. و ان طلب الاجل الي ان يحمل المال من بلد الي آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الي تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة ايام اذا قدم، فان وافاه و الا فلا شفعة له»(2). و لكنها ضعيفة بالهيثم بن ابي مسروق النهدي فانه لم يوثق، و لا يمكن العمل بها الا بناء علي كبري الجابرية بعمل المشهور.

5 - و اما ان الشفيع لا يمكنه تملك الحصة الا بدفع مقدار الثمن

بدون زيادة و لا نقيصة

فتدل عليه رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الشفعة في الدور أ شيء واجب للشريك؟ و يعرض علي الجار فهو احق بها من غيره؟(3) فقال: الشفعة في البيوع

ص: 579


1- نض المال ينض اذا تحول الي نقد بعد ان كان متاعا.
2- وسائل الشيعة 324:17 الباب 10 من أبواب الشفعة الحديث 1.
3- لعل المقصود: هل يلزم عرض الدور - التي يراد بيعها - علي الجار و يكون أحق بها من غيره؟ و أجاب عليه السّلام عن هذه الفقرة من السؤال بالنفي و ان الشفعة تختص بالشركاء.

اذا كان شريكا فهو احق بها بالثمن»(1) ، الا ان سندها يشتمل علي يزيد بن اسحاق شعر، و هو لم يوثق. اجل بناء علي تمامية كبري الجابرية بموافقة فتوي المشهور لا اشكال خصوصا اذا لاحظنا كلام صاحب الجواهر الذي يقول فيه: «لا خلاف بين الخاصة و العامة نصا و فتوي في ان الشفيع يأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد»(2).

ثم انه يمكن ان نسلك طريقا آخر لإثبات فتوي المشهور بان يقال:

ان الروايات حيث لا اطلاق فيها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن، و هو ما اذا كان البذل لما يساوي مقدار الثمن.

6 - و اما انه لا يفرّق بين ان يكون مقدار الثمن مساويا للقيمة

السوقية او لا

فلإطلاق البيانين المتقدمين من هذه الناحية.

7 - و اما ثبوت الشفعة في الاعيان غير المنقولة القابلة للقسمة

فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب و هو القدر المتيقن من مورد حق الشفعة.

و اذا رجعنا الي الروايات وجدنا ان بعضها يدل علي ثبوت حق الشفعة في جميع الاشياء كصحيحة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان او ارض او متاع»(3) لكنها ضعيفة بالارسال.

و اذا لاحظنا رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجدناها تدل علي ثبوت الشفعة في الدور و الاراضي. و هي ضعيفة السند بعقبة نفسه

ص: 580


1- وسائل الشيعة 316:17 الباب 2 من أبواب الشفعة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 326:37.
3- وسائل الشيعة 319:17 الباب 5 من أبواب الشفعة الحديث 1.

و بمحمد بن عبد اللّه بن هلال الراوي عنه حيث لم يوثقا.

و اما بقية الروايات فهي لا اطلاق فيها من هذه الناحية، كصحيحة عبد اللّه بن سنان و موثقة البقباق المتقدمتين.

و المناسب بعد هذا ان يقال: ان الروايات المتقدمة و غيرها يستفاد منها ثبوت حق الشفعة في الجملة، و يدور الامر في مورده بين كونه جميع الاشياء او خصوص بعضها فيلزم الاقتصار علي القدر المتيقن، و هو الامور غير المنقولة من دون تفصيل بينها لعدم احتمال ذلك.

اجل قد يقال باعتبار كونها قابلة للقسمة - فلا تثبت في مثل الآبار - لان التعبير في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «ما لم يقاسما» قد يفهم منه اعتبار قابلية الشيء للقسمة.

و اما الاشياء المنقولة فقد دلت صحيحة عبد اللّه بن سنان: «مملوك بين شركاء اراد احدهم بيع نصيبه قال: يبيعه. قلت: فانهما كانا اثنين فاراد احدهما بيع نصيبه فلما اقدم علي البيع قال له شريكه: اعطني قال: هو احق به ثم قال عليه السّلام: لا شفعة في الحيوان الا ان يكون الشريك فيه واحدا»(1) علي ثبوته في الحيوان. و التعدي منه الي مطلق الاشياء غير المنقولة يتوقف علي فهم عدم الخصوصية للحيوان.

ان قلت: ان صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس في الحيوان شفعة»(2) دلت علي عدم ثبوت الشفعة في الحيوان فتعارض صحيحة ابن سنان.

قلت: يمكن تقييد نفي الشفعة فيها بما اذا كان الشركاء اكثر6.

ص: 581


1- وسائل الشيعة 322:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 322:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 6.

من اثنين.

8 - و اما اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة

فيمكن ان يوجّه بان ثبوت الحق المذكور حكم علي خلاف الاصل فيلزم الاقتصار علي القدر المتيقن، و هو ثبوته في اول زمان امكان اعماله.

و تؤيد ذلك رواية السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام التي ورد فيها:

«للغائب شفعة»(1) ، فان الحق اذا كان متراخيا فلا وجه لتخصيص الغائب بالذكر و ان له شفعة.

و اما ما ورد من ان «الشفعة لمن واثبها»(2) ، «و الشفعة كحلّ العقال»(3) فلم يرد من طرقنا.

و قد يقال بكونه متراخيا الي الحد الذي يلزم فيه الضرر تمسكا بالاستصحاب، فانه جار الا بناء علي المبني القائل بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية او في موارد الشك في المقتضي.

الا ان المناسب ان يقال باعتبار الفورية العرفية لان ثبوتها بمقدار ازيد من ذلك امر غير محتمل لاستلزامه ايقاع المشتري في الضرر، و حق الشفعة شرّع لدفع الضرر و لا يحتمل تشريعه بنحو يستوجب توجيه الضرر علي الغير. و بعد هذا لا يبقي مجال لاحتمال جريان الاستصحاب.

9 - و اما عدم ثبوت الشفعة بالجوار

فيكفي لإثباته القصور في المقتضي. و تؤيد ذلك رواية الغنوي المتقدمة.

ص: 582


1- وسائل الشيعة 320:17 الباب 6 من أبواب الشفعة الحديث 2.
2- نيل الاوطار للشوكاني 87:6.
3- سنن البيهقي 108:6.
10 - و اما قبول حق الشفعة للإسقاط بدون عوض او معه

فلانه حق و لا يحتمل كونه حكما شرعيا لكي لا يقبل الاسقاط.

و اما عدم قابليته للنقل فيكفي لإثباته عدم الدليل علي قبوله لذلك.

ص: 583

المجلد 3

اشارة

سرشناسه:ايرواني، باقر، 1328 -

عنوان و نام پديدآور:دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام/ باقر الايرواني.

وضعيت ويراست:[ويراست ؟].

مشخصات نشر:قم : مركزالمصطفي(ص) العالمي للترجمه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهري:3 ج.

فروست:مركزالمصطفي صلي الله عليه و آله العالمي للدراسات والتحقيق؛ 16.

شابك:دوره 978-964-195-706-5 : ؛ 100000 ريال: ج.1 978-964-195-707-2 : ؛ ج.2 978-964-195-708-9 : ؛ 55000 ريال (ج. 2، چاپ هشتم) ؛ ج.3 978-964-195-709-6 : ؛ 700000 ريال (ج. 3، چاپ هشتم) ؛ ج.4 978-964-195-710-2 : ؛ 85000 ريال (ج. 4، چاپ هشتم)

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:كتابنامه.

موضوع:فقه جعفري -- قرن 14

رده بندي كنگره:BP183/5/الف86د4 1392

رده بندي ديويي:297/342

شماره كتابشناسي ملي:3202203

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

الجزء الثالث

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف خلقه و علي أهل بيته الطيّبين الطاهرين

و بعد

فهذا هو الجزء الثالث و الأخير من دورتنا الفقهية الاستدلالية الموسومة ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي المذهب الجعفري»، و بإكمال الطالب لها يكون قد تمّ له الاطلاع علي دورة فقهية في امهات المسائل مع الاستدلال عليها باحدث طرق الاستدلال التي تداولها فقهاؤنا الكرام. و من خلال فهمها و استيعابها يشعر الطالب في أعماقه بتقدمه خطوة الي الإمام نحو ملكة الاستنباط.

و إذا كان الكتاب يشتمل علي مواضع تأمل كثيرة فهو في ظني جيد بشكل عام و يحقق بعض الأهداف المنشودة. و باصلاح بقية الاخوة الفضلاء لما زاغ عنا يتم كامل الهدف ان شاء اللّه تعالي.

أسأله عزّ و جلّ بحق محمّد و آل محمّد ان ينفع به من كتب لأجلهم و يجعله خالصا لوجهه الكريم انه سميع مجيب.

باقر الايرواني 28 /رجب/ 1419 ه قم المشرّفة

ص: 6

الأحكام

اشارة

1 - القضاء

2 - الشهادات

3 - الاقرار

4 - اللقطة

5 - الأطعمة و الأشربة

6 - الصيد و الذباحة

7 - الأنفال و المشتركات

8 - الارث

9 - الحدود

10 - القصاص

11 - الديات

ص: 7

ص: 8

كتاب القضاء

اشارة

1 - القضاء في الشريعة

2 - الشروط اللازمة في القاضي

3 - كيفية القضاء

4 - شروط سماع الدعوي

5 - وسائل الاثبات

6 - قسمة المال المشترك

7 - احكام عامة في القضاء

ص: 9

ص: 10

1 - القضاء في الشريعة
اشارة

القضاء واجب كفائي. و هو منصب جليل و خطير.

و حكم القاضي نافذ علي الجميع و لا يجوز نقضه من قبل قاض آخر الا مع فرض فقدان الاول للشروط المعتبرة في القاضي أو فرض مخالفة حكمه لما ثبت بنحو القطع من الكتاب و السنة الشريفين.

و القاضي علي نحوين: القاضي المنصوب و قاضي التحكيم. و حكم كليهما نافذ.

و في جواز اخذ الاجرة علي القضاء كلام بخلاف الرشوة فانها محرمة علي الآخذ و الدافع بلا خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - المعروف لدي المتقدمين تحديد القضاء بالولاية علي الحكم

شرعا بين المتخاصمين لفصل الخصومة

، و لدي المتأخرين بالحكم بين المتخاصمين لرفع الخصومة دون مجرد الولاية.

و لعل الانسب الجمع بين الامرين و تحديده بالحكم لفصل

ص: 11

الخصومة ممن له الولاية علي ذلك شرعا، فان المفهوم لدي المتشرعة من القضاء ذلك دون مجرد الحكم و لو ممن لا ولاية له عليه و لا مجرد الولاية من دون الحكم.

و قد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالي: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (1).

و المطلب لا يستحق الاطالة بعد عدم ترتب ثمرة عليه.

ثم ان حكم القاضي يختلف عن فتوي المفتي في ان الثاني بيان للأحكام الكلية بحسب ما يؤدي إليه نظر المجتهد، بخلاف الاول فانه تطبيق لتلك الاحكام الكلية علي الوقائع الخاصة، فالقضاء علي هذا يكون في طول الفتوي و متفرعا عليها.

و يضاف إلي ذلك ان الفتوي لا تكون حجة الا في حق مقلدي المفتي بخلاف القضاء فانه نافذ في حق الجميع كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

و فرق ثالث هو ان نظر المجتهد في الفتوي يكون محكّما في بيان الحكم الكلي دون تطبيقه علي مصاديقه فان ذلك وظيفة المقلد دون المجتهد، و هذا بخلافه في القضاء فان التطبيق راجع إلي القاضي بل ذلك هو وظيفته.

2 - و اما انه واجب فلتوقف حفظ النظام عليه.

مضافا الي انه مقدمة لتحقيق المعروف و الانتهاء عن المنكر.

و اما انه كفائي فلان الغرض - و هو حفظ النظام - يتحقق بتصدي

ص: 12


1- ص: 26.

من به الكفاية له.

3 - و اما ان القضاء منصب جليل

فلانه منصب الانبياء: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (1) ، بل هو منصب اشرف الخلق نبينا صلّي اللّه عليه و آله: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ (2) و الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين، ففي الحديث ان امير المؤمنين عليه السّلام قال لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي أو وصي نبي أو شقي»(3) ، و منهم صلوات اللّه عليهم منح للمجتهدين، ففي صحيحة ابي خديجة: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:... انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه...»(4).

و اما انه منصب خطير فلما ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتي يقضي بين الناس فاما إلي الجنة و اما إلي النار»(5).

و في حديث آخر: «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين»(6).

و في حديث ثالث: «ان النواويس(7) شكت الي اللّه عز و جل شدّة

ص: 13


1- ص: 26.
2- النساء: 105.
3- وسائل الشيعة 7:18 الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 4:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.
5- وسائل الشيعة 167:18 الباب 12 من أبواب آداب القاضي الحديث 2.
6- وسائل الشيعة 8:18 الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث 8.
7- النواويس: موضع في جهنم علي ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين في مادة: «نوس».

حرها فقال لها عز و جل: اسكتي فان مواضع القضاة أشد حرا منك»(1).

4 - و اما نفوذ حكم القاضي و عدم جواز نقضه حتي من حاكم

آخر

فلوجهين:

أ - التمسك بمقبولة عمر بن حنظلة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت... قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم اللّه...»(2) ، فان الذيل يدل بوضوح علي ان الحكم اذا كان علي طبق القواعد فعدم قبوله استخفاف بحكم اللّه سبحانه.

و ليس في السند من يتأمل فيه سوي ابن حنظلة نفسه حيث لم يوثق، بيد انه قد يتساهل في امره لرواية صفوان - الذي هو أحد الثلاثة - عنه، بناء علي كفاية ذلك في اثبات الوثاقة. مضافا الي ان يزيد بن خليفة قد روي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوقت فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذن لا يكذب علينا»(3). و يزيد و ان لم يوثق و لكن روي عنه يونس الذي هو من اصحاب الاجماع بناء علي كفاية ذلك في قبول الرواية.

ص: 14


1- وسائل الشيعة 160:18 الباب 6 من أبواب آداب القاضي الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 99:18 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.
3- الكافي 275:3.

يضاف الي ذلك ان تلقي الاصحاب للرواية بالقبول قد يورث للفقيه الوثوق بصدورها.

ب - ان القضاء شرّع لفصل الخصومة فلا بدّ من نفوذه و الا يلزم نقض الغرض.

هذا كله اذا لم يفترض حلّ الخصومة بيمين المدعي عليه و الا امكن ان يضاف الي ذلك التمسك بصحيحة عبد اللّه بن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوي له. قلت له:

و ان كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم و ان اقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسامة ما كان له و كانت اليمين قد ابطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه»(1).

5 - و اما وجه الاستثناء

فلان الشروط اذا لم تكن متوفرة في القاضي فلا يكون منصوبا من قبلهم عليهم السّلام. كما ان الحكم اذا كان علي خلاف الموازين الشرعية - كالحكم بلا بينة و من دون علم الحاكم - فلا يصدق ان الحاكم قد حكم بحكمهم ليكون عدم قبوله استخفافا بحكم اللّه سبحانه.

و بالجملة: الحكم علي خلاف الموازين الشرعية هو كلا حكم و لا يتم فيه شيء ممّا سبق.

و اما اعتبار ان تكون المخالفة مخالفة لما ثبت اعتباره بنحو القطع فلانه بدون ذلك يعود الحكم مشمولا لقوله عليه السّلام: «فاذا حكم

ص: 15


1- وسائل الشيعة 179:18 الباب 9 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

بحكمنا...» اذا المراد فاذا حكم علي طبق الموازين الشرعية التي يؤدي اليها نظره.

6 - و اما القاضي المنصوب و قاضي التراضي

فيقصد من الاول من كان منصوبا للقضاء من قبل الشرع قبل ان يتراضي عليه المتخاصمان، و من الثاني من كان منصوبا من قبل الشرع بعد تراضي المتخاصمين عليه.

و تدل علي الاول مقبولة ابن حنظلة المتقدمة حيث قال عليه السّلام: «فاني قد جعلته عليكم حاكما»(1) و صحيحة ابي خديجة المتقدمة أيضا:

«انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه»(2).

و قد يستدل علي ذلك أيضا بفكرة حفظ النظام بتقريب ان مقتضي حفظ النظام لزوم نصب القاضي، و ذلك القاضي المنصوب هو المجتهد لان مقتضي الاصل عدم نفوذ حكم احد علي غيره، و القدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

و عليه فحتي لو قطعنا النظر عن الروايتين السابقتين فبالإمكان التمسك بالتقريب المذكور لإثبات المطلوب.

و اما الثاني فقد يستدل عليه بالبيانين التاليين:

أ - التمسك بقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (3) ، فانه باطلاقه

ص: 16


1- وسائل الشيعة 99:18 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 4:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.
3- النساء: 58.

يشمل قاضي التراضي و يدل علي نفوذ الحكم بالعدل حتي لو كان صادرا من غير المجتهد المنصوب شرعا.

ب - التمسك بصحيحة الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ربما كان بين الرجلين من اصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منّا فقال عليه السّلام: ليس هو ذاك انما هو الذي يجبر الناس علي حكمه بالسيف و السوط»(1). و دلالته واضحة.

7 - و اما اخذ الاجرة علي القضاء

فقد قيل بعدم جوازه اما لان القضاء واجب، و حيثية الوجوب نفسها تمنع من اخذ الاجرة، او لان حيثية القضاء بخصوصها تمنع من ذلك.

اما المنع من الحيثية الاولي فقد ذكرت له عدّة تقريبات اشرنا الي بعضها في كتاب الاجارة عند البحث عن جواز الاجارة علي الواجبات.

و قد اتضح عدم المنع من الحيثية المذكورة.

و اما المنع من الحيثية الثانية فيمكن اثباته من خلال صحيحة عمار بن مروان: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كل شيء غل من الامام فهو سحت. و السحت انواع كثيرة منها: ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة، و منها اجور القضاة و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر...»(2).

و قد يقال: انها ناظرة الي القضاة المنصوبين من قبل الظلمة بقرينة التعبير بكلمة «منها» أي و من جملة ما اصيب من اعمال ولاة الظلمة اجور القضاة. و القرينة علي رجوع ضمير «منها» الي ما ذكر و ليس الي كلمة «أنواع كثيرة» عدم تكرار كلمة «منها» مع البقية.

ص: 17


1- وسائل الشيعة 5:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 64:12 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 12.

و فيه: ان المناسب لو كان ذلك هو المراد التعبير بكلمة «منه» بدل «و منها».

علي ان اعمال مثل هذه التدقيقات و تحميلها علي الروايات امر زائد علي طاقة الراوي الذي ينقل بالمعني و لا يلتفت الي مثل هذه الدقائق.

و عليه فالتمسك بالصحيحة تام.

و قد يضاف الي ذلك انه قد علم من مذاق الشارع ارادته لصدور القضاء و الافتاء بنحو المجانية لأنهما من شئون تبليغ الرسالة و قد قال تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... (1).

ثم ان المنع من اخذ الاجرة علي القضاء لا يمنع من جواز ارتزاق القاضي من بيت المال لأنه معدّ لمصالح المسلمين.

و مما يؤكد جواز الارتزاق تأكيد امير المؤمنين عليه السّلام في عهده الي مالك الاشتر عند تعرضه للقضاء و القاضي: «... و اكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته الي الناس..»(2).

8 - و اما حرمة الرشوة

فهي من الضروريات. و قد دلّ عليها قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَي الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (3).

و في الروايات ان: «الرشا في الحكم هو الكفر باللّه»(4).

ص: 18


1- الشوري: 23.
2- وسائل الشيعة 163:18 الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث 9.
3- البقرة: 188.
4- وسائل الشيعة 162:18 الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 3.
2 - الشروط اللازمة في القاضي
اشارة

يلزم في القاضي: البلوغ، و العقل، و الذكورة، و طهارة المولد، و العدالة، و الايمان، و الاجتهاد بل الاعلمية في قول.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي اعتبار البلوغ

فلان الوارد في صحيحة ابي خديجة المتقدمة عنوان الرجل: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:... انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا...»(1) ، فان اللقب و ان كان لا مفهوم له الا انه لوروده مورد التحديد لمن نصب شرعا للقضاء يثبت له المفهوم، بل بقطع النظر عن ذلك يكفي التمسك بالاصل، فانه يقتضي عدم نفوذ حكم أي شخص علي غيره و خرج من ذلك الرجل، و مع الشك في خروج غيره منه يتمسك به.

اجل التمسك بالاصل ينفع لو لم يكن لمقبولة ابن حنظلة اطلاق و الا تعين البيان الاول.

2 - و اما اعتبار العقل

فللمقيّد المتصل اللبي.

3 - و اما اعتبار الذكورة

فلما تقدم في وجه اعتبار البلوغ.

و لا ينبغي ان يفهم من هذا تفضيل الإسلام للرجل علي المرأة، فان الجميع من حيث الكرامة بدرجة واحدة: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ

ص: 19


1- وسائل الشيعة 4:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

أَتْقاكُمْ (1) ، فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثي (2) ، بل ذلك تمييز في الوظائف علي اساس ما يملكه كل واحد من الصنفين من تركيبة فسلجية خاصة به.

و يبقي اضافة الي ذلك نظام الاسرة بحاجة الي حنان الام و نشاطها البيتي اكثر من حاجة وظائف الدولة لها بعد امكان تصدي الرجل لها بشكل اتم.

و لا يعني هذا عدم وجود شواذ في الرجال أو في النساء، فلربّ امرأة أفقه من رجل - كما ورد في الحديث(3) - و أسمي في نشاطها و عقلها و تدبيرها و لا يكون نظام الاسرة بحاجة اليها الا ان التشريع ينظر الي الاعم الاغلب من الافراد.

4 - و اما اعتبار طهارة المولد

فلم ينقل فيه خلاف.

و قد يستدل له اما بانصراف صحيحة ابي خديجة الي غير ولد الزنا او بان عدم قبول شهادته و امامته في الصلاة يفهم منه عدم قبول قضائه بالاولوية العرفية او علي الاقل يفهم منه ان ذوق الشارع علي عدم منح الوظائف بشكل عام لولد الزنا.

و لا ينبغي ان يفهم من هذا تحميل الإسلام الوزر علي الولد البريء، فان عدم منحه الوظائف اما وليد عدم تفاعل المجتمع مع ولد الزنا الذي هو اثر وضعي للجريمة التي ارتكبها الزاني و هو الذي يتحمل وزرها، او وليد بعض السلبيات الكامنة في ولد الزنا التي تسبب

ص: 20


1- الحجرات: 13.
2- آل عمران: 195.
3- الكافي 306:4.

الزاني اليها.

5 - و اما اعتبار العدالة

فهو اما لما ذكره السيد اليزدي قدّس سرّه و غيره من ان الفاسق ظالم لنفسه، و الترافع اليه نحو ركون اليه، و قد قال تعالي: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (1) ، او لان القضاء منصب رفيع و خطير فكيف يمنح لغير العادل الذي لا يؤمن انحرافه، او لان غير العادل اذا لم تقبل شهادته فبالاولي لا يقبل قضاؤه.

6 - و اما اعتبار الايمان

فلصحيحة ابي خديجة و مقبولة ابن حنظلة المتقدمتين.

7 - و اما اعتبار الاجتهاد

فلأن المدرك لنصب القاضي من قبل الشارع اما توقف حفظ النظام علي ذلك او مثل مقبولة ابن حنظلة.

فعلي الاول يكون الوجه في اعتبار الاجتهاد هو ان مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لأي شخص علي غيره، و القدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

و علي الثاني يكون الوجه في اعتبار الاجتهاد هو ان عنوان «روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا» الوارد في مقبولة ابن حنظلة لا يصدق الا علي المجتهد.

و اذا كان عنوان «رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» الوارد في صحيحة ابي خديجة مطلقا و قابلا للانطباق علي غير المجتهد أيضا فلا بدّ من تقييده بالاجتهاد المستفاد اعتباره من المقبولة.

و من هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من عدم

ص: 21


1- العروة الوثقي 5:3. و الآية 113 من سورة هود.

اعتبار الاجتهاد في القاضي لوجهين:

أ - التمسك باطلاق قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (1) الدال علي طلب الحكم بالعدل و لو من خلال التقليد.

ب - ان المستفاد من الروايات جعل الولاية المطلقة للمجتهد، و لازم ولايته المطلقة ثبوت الحق له في نصب من يقضي بين الناس علي طبق فتاواه. ثم اخذ قدّس سرّه بذكر بعض ما يستفاد منه ثبوت الولاية المطلقة للمجتهد(2).

و وجه التأمل: انه بعد دلالة المقبولة علي اعتبار الاجتهاد لا يبقي مجال للتمسك باطلاق الآية الكريمة و تكون دائرة الولاية الثابتة للمجتهد ضيقة و غير شاملة لنصب غير المجتهد فان المجتهد يثبت له ما هو الثابت للإمام عليه السّلام، فاذا كان الثابت للإمام عليه السّلام نصب خصوص المجتهد فتكون حدود ولاية الفقيه خاصة بذلك أيضا.

اجل لا يبعد في حالة اتساع دائرة الحكومة الاسلامية و عدم كفاية عدد المجتهدين لإدارة القضاء ثبوت الحق للحاكم الشرعي في نصب غير المجتهد للقضاء حفظا للنظام من الاختلال.

و ليس ذلك من باب توكيل المجتهد غيره في القضاء عنه - فان صحة التوكيل تختص بالامور الاعتبارية و بعض الامور التكوينية كالقبض مثلا، و ليس القضاء منها - بل ذلك من باب ثبوت الحق للمجتهد في جعل منصب القضاء لغيره لأجل المحافظة علي النظام.0.

ص: 22


1- النساء: 58.
2- جواهر الكلام 15:40.
8 - و اما الاعلمية

فقد يستدل علي اعتبارها بأحد البيانات التالية:

أ - انه بناء علي استكشاف نصب القاضي من خلال فكرة حفظ النظام يقال ان الاصل عدم نفوذ قضاء اي شخص في حق غيره، و القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور من باب حفظ النظام هو قضاء المجتهد الاعلم. اجل لا يحتمل ارادة الاعلم بلحاظ جميع العالم لأنه شخص واحد و لا يمكن تصديه للقضاء بين جميع الناس و انما المحتمل هو الاعلم ممن في البلد او ما يقربه.

ب - التمسك بما ورد في عهد الامام عليه السّلام للأشتر: «اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك»(1).

ج - ان الروايات الدالة علي النصب و ان كانت مطلقة الا ان حكم العقل القطعي بترجيح الاعلم اشبه بالقرينة المتصلة. و لا يبعد اعتماد اطلاق النص علي الوضوح المذكور.

3 - كيفية القضاء
اشارة

اذا طرحت دعوي في مال علي الحاكم يلزمه للقضاء فيها تشخيص المدعي و تمييزه عن المدعي عليه ثم ملاحظة جواب الثاني، و هو لا يخلو من:

أ - اما ان يعترف بكون الحق مع المدعي فيلزمه الحاكم بذلك.

ص: 23


1- وسائل الشيعة 163:18 الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 9.

ب - او ينكر فيطالب الحاكم المدعي بالبينة فان لم يقمها حلف المدعي عليه و تسقط بذلك الدعوي. و ان لم يحلف و ردّ اليمين علي المدعي و فرض حلفه تثبت بذلك الدعوي.

و ان نكل عن كلا الامرين - الحلف و الرد - ففي القضاء عليه بمجرد ذلك أو بشرط ردّ الحاكم اليمين علي المدعي و حلفه خلاف.

ج - أو يسكت - أي لا يعترف و لا ينكر - فالحكم كما في حالة الانكار، بيد انه اذا كان يدعي الجهل بالحال امكن للمدعي طلب احلافه علي نفي العلم ان لم يصدّقه في دعواه الجهل.

و في الحالتين الاخيرتين اذا حلف المدعي عليه فلا تسمع البينة بعد ذلك من المدعي حتي لدي حاكم آخر كما لا تحق له المقاصة أيضا.

و الحاكم لا يحق له طلب الحلف من المدعي عليه الا بعد طلب المدعي احلافه.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم تشخيص الحاكم المدعي و تمييزه عن المدعي عليه

فلكي يطالب المدعي بالبينة مع فرض انكار المدعي عليه، فان اقامها ثبت ما ادعاه و الا ألزم المدعي عليه بالحلف و سقطت الدعوي لصحيحة جميل و هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) و غيرها.

2 - و اما ان الحاكم يلزم المدعي عليه مع اعترافه

فلحجية الاقرار.

3 - و اما ان الحاكم يطالب المدعي بالبينة عند انكار المدعي عليه

ص: 24


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

فلقاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه الثابتة بالصحيحة المتقدمة و غيرها.

4 - و اما ان المدعي عليه بالخيار بين الحلف فتسقط الدعوي

الموجهة اليه و بين ردّ اليمين علي المدعي و الزام المدعي عليه عند حلفه

فلصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يدعي و لا بينة له، قال: يستحلفه، فان ردّ اليمين علي صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»(1) و غيرها.

5 - و اما الخلاف في القضاء بمجرد النكول عن الامرين أو بشرط

ردّ الحاكم اليمين علي المدعي و حلفه

فسببه عدم وجود رواية تدل بوضوح علي أحد الاحتمالين.

و قد استدل السيد اليزدي و جماعة آخرون علي عدم القضاء بمجرد نكول المدعي عليه عن الحلف و الرد بالبيانين التاليين:

أ - التمسك بالأصل المقتضي لعدم نفوذ قضاء أي شخص في حق غيره، و القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور حالة ردّ المدعي عليه اليمين علي المدعي او ردّ الحاكم عليه ذلك، و اما حالة عدم تحقق الرد من أحد الطرفين فهي للشك في خروجها عن الاصل يحكم ببقائها تحته.

ب - التمسك بما دلّ علي ان القضاء بين الناس انما هو بالبينات و الايمان - كما دلت علي ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان.

ص: 25


1- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

و بعضكم الحن بحجته من بعض، فايما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانما قطعت له به قطعة من النار»(1) - بتقريب ان المدعي اذا لم تكن له بينة و المدعي عليه لم يحلف فالقضاء آنذاك علي المدعي عليه قضاء من دون بينة و لا يمين فلا يكون نافذا(2).

و اذا اشكل بان هناك رواية تدل علي القضاء بمجرد النكول عن الامرين، و هي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يدّعي عليه الحق و لا بينة للمدعي، قال: يستحلف أو يرد اليمين علي صاحب الحق فان لم يفعل فلا حق له»(3) ، حيث تدل بوضوح علي ان المدعي عليه مخير بين امرين: الحلف او رد اليمن علي المدعي فان لم يفعلهما فلا حق له و يقضي عليه من دون حاجة الي ردّ اليمين علي المدعي.

امكن الجواب بان سند الرواية لو تمّ - و لم يناقش فيه من ناحية القاسم بن سليمان الذي تبتني وثاقته علي قبول كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير القمي - فهي معارضة بالعموم من وجه بصحيحة هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ترد اليمين علي المدعي»(4) ، فان مقتضي اطلاق الرواية الاولي ان المدعي عليه اذا لم يفعل الامرين فلا حق له و يقضي عليه سواء ردّ الحاكم اليمين علي المدعي أم لا، في حين ان مقتضي اطلاق الرواية الثانية ان اليمين يلزم ردها علي المدعي سواء كان الراد هو المدعي عليه او الحاكم.3.

ص: 26


1- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- العروة الوثقي 67:3.
3- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3.

و بعد التعارض و التساقط في مادة الاجتماع يبقي الوجهان السابقان بلا مانع يمنع من الرجوع اليهما و التمسك بهما.

6 - و اما ان حكم حالة السكوت نفس حكم حالة الانكار

فلإطلاق صحيحة جميل و هشام المتقدمة الدالة علي ان البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه. غايته انه في حالة الانكار يلزم حلف المدعي عليه علي نفي الحق واقعا، و اما في حالة السكوت و دعوي المدعي عليه الجهل بالحال فبامكان المدعي طلب احلافه علي الجهل و عدم العلم بالحال و ليس علي نفي الحق واقعا لفرض عدم انكاره.

7 - و اما ان حلف المدعي عليه يمنع من قبول البينة بعد ذلك

و المقاصة

فلصحيحة ابن ابي يعفور المتقدمة عند البحث عن عدم جواز نقض حكم القاضي.

و لا ينبغي ان يفهم من هذا صيرورة المال حلالا واقعا للحالف، كلا بل هو حرام واقعا لو كان كاذبا في حلفه. و دلالة صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة علي ذلك واضحة.

8 - و اما ان الحاكم لا يجوز له احلاف المدعي عليه قبل طلب

المدعي

فلان عدم طلب المدعي لذلك يعني غلقه للدعوي و لو مؤقتا و ذلك حق ثابت له.

4 - شروط سماع الدعوي
اشارة

يلزم لسماع الدعوي من المدعي - لدي المشهور - تحقق:

أ - البلوغ و العقل.

ص: 27

ب - ان يكون جازما في دعواه لا ظانا أو محتملا. و يستثني من ذلك ما اذا دفع الانسان ماله الي شخص كوديعة و نحوها و ادعي تلفه فانه مع اتهامه يضمن الا ان يقيم البينة علي نفي اتهامه.

ج - ان تكون دعواه لنفسه او لمن له الولاية او الوكالة عنه.

د - ان يكون متعلق الدعوي امرا سائغا فلا تسمع الدعوي من المسلم علي غيره باشتغال ذمته بالخمر او ما شاكله.

ه - ان يكون المتعلق ذا اثر شرعي فلا تسمع دعوي الهبة او الوقف من دون اقباض.

و - ان يكون المدعي به معلوما في الجملة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار البلوغ فعلّل بانه لو لم تكن للصبي بينة

فليس له طلب احلاف المدعي عليه كما لا يتمكن من الحلف لو ردّ المدعي عليه ذلك.

بل اذا كان للصبي ولي - يمكنه اقامة البينة و التصدي للحلف او طلبه - فلا دليل علي وجوب سماع دعوي الصبي، و ذلك يكفي في رفضها بعد عدم لزوم الاخلال بالنظام و اقرار الظلم حيث فرض وجود ولي بامكانه التصدي.

و في مقابل هذا قد يقال بلزوم قبول دعوي الصبي لو كانت له بينة لعدم احتمال الخصوصية لبلوغ المدعي بعد فرض وجود البينة و بلزوم رفضها مؤقتا الي ان يبلغ لو لم تكن له.

هذا بالنسبة الي شرطية البلوغ.

و اما بالنسبة الي شرطية العقل فوجه اعتبارها واضح.

ص: 28

2 - و اما اعتبار الجزم في الدعوي

فهو المشهور. و علل ذلك:

تارة بانتفاء عنوان المدعي مع عدم الجزم، و بانتفائه لا يمكن تطبيق قاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه.

و تارة اخري بان في سماع الدعوي من دون جزم ضررا علي المدعي عليه من حيث الزامه اما بالاقرار او الانكار. و قد نسب هذان الوجهان الي صاحب الرياض(1).

و ثالثة بان من لوازم الدعوي الصحيحة امكان ردّ اليمين علي المدعي، و هو هنا منتف لعدم تمكن المدعي من الحلف بعد عدم جزمه.

و رابعة بان المدعي اذا ادعي سرقة مثلا علي شخص فالاصل يقتضي عدم ذلك و براءة ذمة المدعي عليه، و هذا الاصل كما هو حجة للمدعي عليه هو حجة علي المدعي، و معه فلا يحق له الزام المدعي عليه بشيء. و هذا بخلافه عند فرض الجزم فان الاصل لا يكون حجّة علي المدعي لفرض جزمه، و شرط حجية الاصل الشك و عدم العلم(2).

3 - و اما وجه الاستثناء

فاستدل عليه بصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن قصّار دفعت اليه ثوبا فزعم انه سرق من بين متاعه، قال: فعليه ان يقيم البينة انه سرق من بين متاعه و ليس عليه شيء، فان سرق متاعه كله فليس عليه شيء»(3) و غيرها.

و هي و ان كانت ضعيفة بطريق الشيخ الكليني بالارسال الا انها بطريق الشيخ الصدوق و الطوسي صحيحة.

ص: 29


1- جواهر الكلام 156:40.
2- مباني التكملة 12:1.
3- وسائل الشيعة 272:13 الباب 29 من أحكام الاجارة الحديث 5.
4 - و اما اعتبار ان تكون دعوي المدعي لنفسه او لمن له

الولاية عليه او الوكالة عنه

فلانصراف قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) عن المدعي الذي هو اجنبي عن الدعوي و لا ارتباط له بها.

و أضاف السيد اليزدي قدّس سرّه التمسك باصالة عدم وجوب السماع و عدم وجوب الجواب علي المدعي عليه(2).

5 - و اما اعتبار كون متعلق الدعوي امرا سائغا

فواضح بعد عدم اشتغال الذمة شرعا بغيره.

6 - و اما اعتبار كون المتعلق ذا اثر شرعي

فلعدم الفائدة في قبول الدعوي في غير ذلك.

7 - و اما اعتبار المعلومية في الجملة

فلأن المجهول بشكل كلي - كما لو قال المدعي: لي عليه شيء - لا يمكن الالزام به لتردده بين ما تسمع فيه الدعوي و ما لا تسمع.

اجل اذا فسره بما يمكن الالزام به قبل ذلك منه و تحصل آنذاك دعوي ثانية.

و اذا قال: لي عليه فرس مثلا طلب منه تحديده باعتبار ان للفرس أنواعا متعددة، فان لم يمكنه تحديده لعدم علمه التفصيلي بما يستحقه فلا يبعد المصير الي القرعة لتعيينه اذا فرض قيام البينة علي استحقاق الفرس في الجملة.

ص: 30


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- العروة الوثقي 36:3.
5 - وسائل الاثبات
اشارة

الوسائل التي يعتمد عليها الحاكم للإثبات و حل الخصومة هي: البينة، و اليمين، و الاقرار، و القرعة، و علم الحاكم نفسه.

و اما قاعدة العدل و الانصاف فهي علي تقدير تماميتها ليست وسيلة لحل الخصومة.

و المستند في ذلك:

1 - اما البينة فهي حجة لإثبات دعوي المدعي بخلاف اليمين

فانها حجة لإسقاط المدعي عليه الدعوي عن نفسه. و هكذا هي حجة للمدعي لإثبات دعواه لو ردت عليه من قبل المدعي عليه أو الحاكم.

و المستند لحجيتهما قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «انما اقضي بينكم بالبينات و الأيمان...»(1) و غيره علي ما تقدم.

ثم ان هناك كلاما في حجية البينة من المدعي عليه و انه هل تختص الحجة من ناحيته باليمين او تعم البينة أيضا؟

و لا يبعد ان يقال بحجيتها من ناحيته أيضا، فان ما ورد من ان:

«البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(2) لا يدل علي نفي الحجية عن بينة المدعي عليه بل غاية ما يدل عليه هو مطلوبية اليمين منه، و معه فتكون البينة من المدعي عليه حجّة أيضا تمسكا باطلاق دليل حجية البينة، غايته لا يكتفي منه بها بل لا بدّ من ضم اليمين اليها

ص: 31


1- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

تمسكا باطلاق «و اليمين علي من ادعي عليه».

و الثمرة تظهر فيما لو أقام كل من المدعي و المدعي عليه البينة، فانه تتعارض البينتان و تتساقطان و تبقي يمين المدعي عليه هي المحكم.

2 - و اما الاقرار فلا اشكال في حجيته

. و ليس ذلك للحديث المشهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «اقرار العقلاء علي انفسهم جائز»(1) فانه كما قال صاحب الوسائل في ذيل الحديث المذكور: «رواه جملة من علمائنا في كتبهم الاستدلالية من دون ان يعرف له مستند غير ذلك» بل ذلك للسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

و اذا قلت: كيف يجعل الاقرار وسيلة للإثبات في باب القضاء و الحال ان مدارك القضاء قد حصرت بالبينات و الايمان حيث قال صلّي اللّه عليه و آله:

«انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان. و بعضكم ألحن بحجته من بعض فايّما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانّما قطعت له به قطعة من النار»(2) ؟

قلت: ان الحديث ناظر الي حالة الخصومة، و مع فرض الاقرار لا خصومة.

هذا مضافا الي ان دلالته علي الحصر قابلة للتأمل، فانه في صدد بيان اني استند في باب القضاء الي البينة و اليمين، و لربما لا يكونان مصيبين و يأخذ أحد الطرفين ما ليس حقا له و هو فرح بذلك و لا يلتفت الي اني قد قلت: «قطعت له به قطعة من النار»، انه في صدد بيان هذا،

ص: 32


1- وسائل الشيعة 133:16 الباب 3 من ابواب الاقرار الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

و ليس في صدد بيان ان المستندات في باب القضاء منحصرة بالبينة و اليمين.

3 - و اما القرعة

فتدل علي حجيتها سيرة العقلاء و السنة الشريفة.

اما السيرة فانعقادها علي العمل بالقرعة واضح. و حيث لا ردع عنها شرعا فيستكشف امضاؤها.

و اما السنة فالدال منها في الموارد الخاصة المتفرقة كثير الا ان ما يدل علي حجيتها بشكل عام روايتان:

أ - رواية محمد بن حكيم بل صحيحته: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن شيء فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة. قلت: ان القرعة تخطئ و تصيب. قال: كل ما حكم اللّه به فليس بمخطئ»(1) ، فانه و ان لم يحدد فيها المقصود من كلمة «شيء»، و من المحتمل اختصاصه بمورد معين الا ان ذلك لا يمنع من استفادة العموم منها فان العبرة بعموم الجواب، و لا يضر بذلك اختصاص السؤال بمورد معين.

ب - صحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل قال: اول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة. قال: يقرع بينهم فمن اصابه القرعة اعتق. قال: و القرعة سنة»(2) ، فان موردها و ان كان خاصا الا انه بواسطة الذيل يمكن استفادة التعميم.

هذا و قد يستدل من الكتاب الكريم أيضا بالآيتين الكريمتين التاليتين:

أ - وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

ص: 33


1- وسائل الشيعة 189:18 الباب 13 من أبواب كيفية الحكم الحديث 11.
2- وسائل الشيعة 187:18 الباب 13 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.

فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (1) ، فان المساهمة عبارة اخري عن الاقتراع، و حيث قد شارك فيه النبي يونس عليه السّلام فيدل ذلك علي حجية الاقتراع.

ب - وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (2) ، فان إلقاء الاقلام في الماء لتعيين الكفيل لمريم عبارة اخري عن الاقتراع، و حيث قد شارك فيه النبي زكريا عليه السّلام فيدل ذلك علي حجيته.

بيد ان دلالة الآيتين الكريمتين لو تمت فهي خاصة بموردهما و لا تنفعان في غيره.

ثم انه قد يشكل علي حجية القرعة في باب القضاء بما تقدم عند البحث عن حجية الاقرار و ان قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان» قد حصر مدارك القضاء بالبينة و اليمين، و ذلك يدل علي عدم حجية القرعة.

و الجواب عن ذلك ما تقدم و ان الدلالة علي الحصر قابلة للتأمل.

4 - و اما حكم القاضي استنادا الي علمه

فقد ذكر صاحب الجواهر: ان المشهور بل المتفق عليه جواز حكم القاضي بعلمه في حقوق الناس و حقوق اللّه سبحانه و لم ينسب الخلاف الا الي ابن الجنيد حيث منع مطلقا.

و أنكر عليه بان الامامية مطبقة علي جواز ذلك، و لذا ينكرون علي ابي بكر مطالبته الصديقة الطاهرة سلام اللّه عليها بالبينة علي ان أباها

ص: 34


1- الصافات: 139-141.
2- آل عمران: 44.

قد أنحلها فدكا و قالوا: انه ما دام يعلم بعصمتها و انها لا تدعي الا حقا فلا وجه لمطالبتها بالبينة لان البينة لا وجه لها مع العلم بالصدق(1).

و قد استدل علي اعتبار علم القاضي بوجوه نذكر منها:

أ - ان البينة جعلت حجة لكاشفيتها، و من المعلوم ان العلم اقوي منها كاشفية فيلزم ان يكون حجة بالاولوية.

ب - التمسك بما دلّ علي وجوب الحكم بالعدل و الحق، كقوله تعالي: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (2) ، وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (3) ، بتقريب ان الحاكم لو علم ان هذا زان مثلا فاذا حكم بزناه و ثبوت الحدّ عليه كان ذلك حكما بالحق و العدل فيكون جائزا بل واجبا.

ج - انه في باب السرقة و الزنا علق الحكم بالحدّ علي عنوان فرض العلم بتحققه حيث قال تعالي: اَلسّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (4) ، اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ... (5) ، فان الخطاب موجّه للحكام و المراد: ايها الحكام متي ما فرض انكم علمتم بتحقق عنوان الزنا و السرقة فعليكم اجراء الحد، اذ السارق و الزاني هو من تلبس بالوصف دون من قامت عليه البينة او اقر بذلك.

و اذا ثبتت حجية علم الحاكم في حدود اللّه سبحانه ثبت ذلك في2.

ص: 35


1- جواهر الكلام 88:40.
2- ص: 26.
3- النساء: 58.
4- المائدة: 38.
5- النور: 2.

حقوق الناس بالاولوية.

د - التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في كتاب علي عليه السّلام: ان نبيا من الانبياء شكا الي ربه فقال: يا رب كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد؟ قال: فأوحي اللّه اليه: احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلفهم به، و قال: هذا لمن لم تقم له بينة»(1) ، فانه يدل علي جواز قضاء الحاكم فيما اذا رأي الواقعة و شهدها. و الظاهر من نقل القصة في الحديث امضاء ما نقل فيها من حكم.

هذه وجوه اربعة. و اذا امكنت المناقشة في بعضها ففي الباقي كفاية.

و لا موجب للتوقف في المسألة الا حصر مستندات القضاء في قوله صلّي اللّه عليه و آله: «انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان»(2) في خصوص البينة و اليمين او ان قضاء الحاكم بعلمه يورث له التهمة التي يلزم ان ينزّه نفسه عنها.

و الاول مدفوع بان الحديث لو كان دالا علي الحصر فهو ناظر الي الحالة الغالبة الفاقدة للعلم.

و الثاني يدفع بان افتراض عدالة الحاكم و اخباره برؤية الواقعة يدفع عنه التهمة. علي انه قد يشكك في مانعية التهمة ما دامت في سبيل اقامة حدّ من حدود اللّه سبحانه.

5 - و اما قاعدة العدل و الانصاف

فقد وقع الخلاف في حجيتها.

و يمكن الاستدلال علي ذلك بقوله تعالي: وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ

ص: 36


1- وسائل الشيعة 167:18 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (1) .

و اذا سلّم بتمامية القاعدة المذكورة و الحكم بلزوم تنصيف المال المتنازع فيه عند تساوي المتنازعين فيه من حيث وجدان البينة او اليد او فقدانهما فهي - كما هو واضح - ليست وسيلة لإثبات كون الحق في هذا الجانب او ذاك بل هي بمنزلة الأصل العملي الذي يرجع اليه الفقيه عند فقدان الوسيلة المثبتة للحكم.

6 - قسمة المال المشترك
اشارة

قسمة الشركاء ما اشترك بينهم صحيحة. و يجبر الممتنع عليها فيما اذا لم يلزم منها ضرر - اما اذا لزم منها ذلك علي الكل او البعض فتصح مع التراضي و لا يجوز الاجبار - سواء كانت قسمة افراز أم قسمة تعديل أم قسمه رد. غايته في الاخيرة ان تمّ الاتفاق علي تعيين الراد فلا مشكلة و الا عيّن بالقرعة.

و اذا كان المال المشترك غير قابل للقسمة حتي مع الرد فمع التراضي علي تقبّل البعض له و دفع حصة الآخر من القيمة فلا مشكلة و الا أجبرا علي بيعه و تقسيم الثمن بينهما.

و القسمة عقد مستقل لازم لا يحق فسخها الا مع التراضي.

و المدعي لوقوع الغلط فيها بعد تحققها لا يقبل ذلك منه الا بالبينة. و ليس له احلاف صاحبه الا اذا ادعي علمه بذلك فله احلافه علي عدم العلم.

ص: 37


1- النساء: 58.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان القسمة - التي هي تعيين حصة أحد الشريكين او

الشركاء و فرزها عن حصة الآخر - صحيحة

فهي من الامور الواضحة.

و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ (1) ، و السيرة العقلائية المنعقدة علي ذلك الممضاة بعدم الردع.

بل مع فرض التراضي يمكن التمسك بقاعدة سلطنة الناس علي اموالهم.

2 - و اما جواز الاجبار

فلا يمكن التمسك لإثباته بقاعدة السلطنة لكونها معارضة بالمثل في حق الطرف الثاني، بل ذلك للسيرة المتقدمة المنعقدة علي جواز الاجبار أيضا.

و اما التخصيص بحالة عدم لزوم الضرر فلان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

3 - و اما انها تصح حالة الضرر مع التراضي

فللسيرة و قاعدة السلطنة.

4 - و اما عدم الفرق بين افراد القسمة في الصحة و جواز الاجبار

فلعموم السيرة المتقدمة، فانها لا تفرّق بين ان تكون القسمة قسمة افراز - و هي قسمة العين المشتركة ذات الاجزاء المتساوية من جهة القيمة - أو قسمة تعديل - و هي قسمة العين المشتركة ذات الاجزاء غير المتساوية من حيث القيمة التي لا بدّ فيها من تعديل السهام - او قسمة

ص: 38


1- النساء: 8.

رد، و هي القسمة التي لا تمكن الا برد احد الشركاء الي الآخر شيئا من الخارج.

5 - و اما اللجوء الي القرعة لتعيين الراد اذا لم يتم الاتفاق عليه

فلأنها لكل امر مجهول.

6 - و اما ان غير القابل للقسمة حتي مع الرد - كما في العبد

المشترك مثلا - يباع و يقسم ثمنه

فلقضاء السيرة بذلك.

7 - و اما انها عقد مستقل فلأنها في روحها معاملة يراد بها تعيين

الحصص

، و هي بهذا المعني لا ترجع الي البيع و لا إلي غيره من المعاملات.

8 - و اما انها عقد لازم

فلان ذلك هو مقتضي الاصل في كل معاملة استنادا الي قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) - الدال علي لزوم الوفاء بكل عقد، و لازم ذلك عدم صحة الفسخ من دون تراض - و غيره من الوجوه التي تقدّمت الاشارة إليها في أوائل كتاب البيع.

9 - و اما ان المدعي لوقوع الغلط في القسمة تلزمه اقامة البينة

فلان الاصل في كل عقد يشك في فساده هو الصحة طبقا لأصالة الصحة، و المدعي للفساد لا يصدّق الا اذا اثبت مدعاه بالبينة لقاعدة «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه».

10 - و اما ان مدعي الغلط له احلاف صاحبه اذا ادعي علمه به

فلانه مدعي عليه آنذاك و وظيفته اليمين، بخلاف ذلك فيما لو لم يدع عليه العلم بالغلط فانه ليس له احلافه آنذاك لعدم كونه مدعي عليه.

ص: 39


1- المائدة: 1.
7 - احكام عامة في باب القضاء
اشارة

المدعي هو من خالف قوله الحجة. و قيل غير ذلك.

و هو مطالب بالبينة بلا حاجة الي ضم يمينه الا في الدعوي علي الميت بدين.

و المدعي عليه يطالب باليمين دون البينة الا في موردين، أحدهما: قد تقدم عند البحث عن شروط سماع الدعوي. و ثانيهما: باب القتل، فان المدعي يمكنه اثبات دعوي القتل بالبينة، و مع عدمها لا تسقط دعواه بيمين المدعي عليه بل لا بدّ من اقامته البينة علي نفي القتل عنه.

و الحلف لا يصح الا باللّه سبحانه و بأسمائه الخاصة و لو مع الترجمة.

و لا يتوجه اليمين علي المنكر في باب الحدود بل الاثبات ينحصر بالبينة او الاقرار.

و الدعوي علي الغائب مسموعة اذا أقام المدعي البينة علي ما يدعيه و يأخذ الحاكم بحقه من اموال المدعي عليه بعد طلب كفيل منه علي المال، و يبقي الغائب علي حجته اذا رجع. و لو اثبت عدم استحقاق شيء عليه يسترجع الحاكم ما دفعه الي المدعي.

و اذا كان لشخص مال في يد غيره جاز له اخذه منه من دون استئذانه ان لم يستلزم ذلك تصرفا في ملكه.

هذا اذا كان المال عينا.

و اما اذا كان دينا في ذمته فمع اعترافه و بذله لا يجوز اخذه منه من دون استئذانه. و هكذا لو كان غير باذل له و كان امتناعه بحق.

ص: 40

اجل اذا كان امتناعه بظلم جازت المقاصة بلا حاجة الي استئذان من الحاكم الشرعي.

و من ادعي مالا لا يد لأحد عليه حكم له به بلا مطالبة بالبينة.

و من ادعي مالا في يد غيره و فرض انكاره:

فتارة يفرض عدم البينة لأحدهما فيحلف ذو اليد و يحكم له به. و مع عدم حلفه و رده اليمين علي المدعي و فرض حلفه يحكم له به. و مع عدم حلفه هو أيضا يحكم به لذي اليد.

و اخري يفترض وجود البينة للمدعي فيحكم له به.

و ثالثة يفترض وجودها لذي اليد فيحكم له به أيضا مع يمينه.

و رابعة يفترض وجود البينة لكليهما فيحكم به لذي اليد مع حلفه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الضابط في تحديد المدعي

فقد وقع فيه الاختلاف بين الاعلام بعد اتفاقهم علي كونه المطالب بالبينة. و منشأ الاختلاف عدم ورود تحديد شرعي له ليكون عليه المعول. و من هنا قيل:

أ - ان المدعي هو من اذا ترك ترك.

و فيه: ان هذا يتم فيما لو ادعي شخص علي آخر دينا او عينا او غيرهما، و لا يتم فيما اذا اعترف الآخر بالدين و ادعي ايفاءه او اعترف بأخذ العين عارية او وديعة و ادعي ارجاعها فانه مدع جزما مع انه اذا ترك لا يترك.

ب - ان المدعي هو كل من يدعي شيئا و يري العقلاء كونه ملزما

ص: 41

بالاثبات(1).

و فيه: ان تحديد المدعي بمن يدعي شيئا هو تفسير للشيء بنفسه و اشبه بتفسير الماء بالماء.

و اما تحديده بمن يكون ملزما لدي العقلاء بالاثبات فهو تحديد للمدعي من خلال حكمه - فان العقلاء يرون أيضا ان علي المدعي الاثبات، و ليس ذلك حكما خاصا بالشرع - و هو غير ممكن لان اثبات الحكم لموضوع فرع كون ذلك الموضوع محددا في نفسه و بقطع النظر عن حكمه.

ج - ما يظهر من الجواهر و صرّح باختياره الآشتياني و غيره من ان المرجع في تحديد المدعي هو العرف، فكل من صدق عليه عرفا عنوان المدعي ثبت كونه كذلك و كان ملزما بالبينة(2).

و هذا التحديد و ان كان من جهة جيدا لان الشرع ما دام لم يتصدّ لتحديد مفهوم المدعي فالمرجع يكون هو العرف، كما هو الحال في كل مفهوم لم يرد فيه تحديد شرعي، ان هذا امر مسلّم به الا ان الكلام هو في تحديد نظر العرف و انه من هو المدعي في نظر العرف ليكون ملزما بالبينة.

و لعل المناسب ان يقال: ان المدعي في نظر العرف هو من خالف قوله الحجة، فاليد حجة كاشفة عن الملكية، و استصحاب الحالة السابقة حجة علي بقائها، و من خالف في دعواه احدي هاتين الحجتين و ما شاكلهما فهو المدعي و يكون ملزما بالاثبات لأنه يدعي شيئا يخالف6.

ص: 42


1- مباني التكملة 42:1.
2- جواهر الكلام 371:40، و كتاب القضاء للآشتياني: 336.

ما عليه الحجة بخلاف المدعي عليه فان قوله موافق للحجة.

و لعل هذا هو مقصود من فسّر المدعي بمن خالف قوله الأصل او الظاهر بعد اخذ الأصل او الظاهر كمثال لمطلق الحجة.

2 - و اما ان المدعي لا يطالب باليمين اضافة الي البينة

فلدلالة قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) علي ذلك بعد الالتفات الي ان التفصيل قاطع للشركة.

3 - و اما وجه استثناء الدعوي علي الميت

فيأتي في كتاب الشهادات ان شاء اللّه تعالي.

4 - و اما ان المدعي عليه يطالب بالبينة في باب القتل لدفع دعوي

القتل عن نفسه

فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم ان البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه، و حكم في دمائكم ان البينة علي من ادعي عليه و اليمين علي من ادعي لئلا يبطل دم امرئ مسلم»(2) و غيرها.

و هي و ان كانت مطلقة من حيث اعتبار اللوث(3) و عدمه الا انه لا بدّ من تخصيصها بذلك، فان ذلك مضافا الي كونه متسالما عليه بين الاصحاب يمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها في كتاب القصاص إن شاء اللّه تعالي. و يأتي أيضا ان المدعي عليه اذا لم تكن له بينة فبامكان المدعي اثبات دعواه بقسامة خمسين رجلا.

ص: 43


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 171:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3.
3- اللوث: كل امارة تورث الظن بصدق المدعي في دعواه نسبة القتل الي شخص، كوجود شخص بيده سلاح متلطخ بالدم عند قتيل. مجمع البحرين: مادة «لوث».
5 - و اما ان الحلف لا يصح الا باللّه سبحانه

فلصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة: «في كتاب علي عليه السّلام ان نبيا من الأنبياء شكا الي ربه فقال: يا رب كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد؟ قال:

فأوحي اللّه اليه: احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلّفهم به. و قال: هذا لمن لم تقم له بينة»(1).

و هي تدل علي صحة الحلف بجميع اسمائه عز و جل لإطلاق كلمة «اسمي» في جملة «و اضفهم الي اسمي». كما يدل ذلك أيضا علي اجزاء الترجمة.

ثم انه قد يستدل علي عدم صحة الحلف الا باللّه سبحانه و اسمائه بالروايات المطلقة الناهية عن القسم بغيره سبحانه حتي في غير باب القضاء، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (2) ، وَ النَّجْمِ إِذا هَوي (3) و ما أشبه ذلك، فقال: ان للّه عز و جل ان يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه ان يقسموا الا به»(4) فانها تدل باطلاقها علي حرمة القسم بغير اللّه سبحانه حتي في باب القضاء، و لازم ذلك عدم كفاية القسم بغيره سبحانه.

الا انه لا بد من حمل مثل الرواية المذكورة علي الكراهة بقرينة ما دلّ علي جواز القسم بغير اللّه سبحانه، من قبيل صحيحة علي بن مهزيار: «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام الي داود بن القاسم: اني قد

ص: 44


1- وسائل الشيعة 167:18 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- الليل: 1.
3- النجم: 1.
4- وسائل الشيعة 191:16 الباب 30 من أبواب الايمان الحديث 3.

جئت و حياتك»(1) و غيرها.

6 - و اما عدم توجه اليمين الي المنكر في باب الحدود

فلموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه السّلام: «ان رجلا استعدي عليا عليه السّلام علي رجل فقال انه افتري عليّ، فقال علي عليه السّلام للرجل: أفعلت ما فعلت؟ فقال: لا. ثم قال علي عليه السّلام للمستعدي: أ لك بينة؟ فقال: ما لي بينة فاحلفه لي قال علي: ما عليه يمين»(2).

و اذا لم يكن للموثقة المذكورة اطلاق لغير موردها فيمكن التمسك بموثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه عن امير المؤمنين عليهم السّلام: «لا يستحلف صاحب الحد»(3).

و عليه فلو ادعي شخص ان فلانا قذفني مثلا فلا بد من اقامته البينة و الا تسقط دعواه بلا حاجة الي يمين المدعي عليه.

7 - و اما ان الدعوي علي الغائب مسموعة

فلصحيحة جميل عن جماعة من اصحابنا عنهما عليهما السّلام: «الغائب يقضي عليه اذا قامت عليه البينة و يباع ماله و يقضي عنه دينه و هو غائب، و يكون الغائب علي حجته اذا قدم. قال: و لا يدفع المال الي الذي اقام البينة الا بكفلاء»(4).

و هي اذا كانت ضعيفة في بعض طرقها فيمكن التعويض ببقية طرقها التي أشار اليها صاحب الوسائل.

و لا يشكل عليها بالارسال حيث عبّر «عن جماعة من أصحابنا»

ص: 45


1- وسائل الشيعة 195:16 الباب 30 من أبواب الايمان الحديث 14.
2- وسائل الشيعة 336:18 الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 336:18 الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 216:18 الباب 26 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

بدون تشخيصهم.

فانه يجاب بان الجماعة - التي أقلها ثلاثة - لا يحتمل اجتماعها علي الكذب و عدم وجود ثقة من بينهم خصوصا و هم مشايخ لجميل بن دراج الذي هو من أعاظم الرواة.

علي انه في بعض الطرق الاخري قد صرح هكذا: عن جميل عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام فراجع(1).

و اذا قيل: ان الرواية المذكورة معارضة برواية الحميري في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «لا يقضي علي غائب»(2).

قلنا: هي مطلقة فيمكن حملها بقرينة الرواية السابقة علي ان المقصود: لا يقضي عليه بنحو كامل بل يبقي علي حجته او انه لا يقضي عليه من دون كفلاء.

هذا مضافا الي ضعف سندها بأبي البختري وهب بن وهب الذي قيل عنه: انه اكذب اهل البرية(3).

8 - و اما جواز اخذ الشخص ماله اذا كان في يد غيره بدون

استئذانه ما دام لا يستلزم ذلك تصرفا في ملكه

فلقاعدة الناس مسلطون علي اموالهم الثابتة بسيرة العقلاء.

و التقييد بعدم استلزام ذلك التصرف في ملك الغير باعتبار ان ذلك هو القدر المتيقن من معقد السيرة.

ص: 46


1- ذيل الحديث في وسائل الشيعة.
2- وسائل الشيعة 217:18 الباب 26 من أبواب كيفية الحكم الحديث 4.
3- اختيار معرفة الرجال الرقم 558.
9 - و اما ان المال اذا كان دينا فلا يجوز اخذه بدون استئذان

مع فرض الاعتراف و البذل

فلان الكلي في الذمة لا يتشخص في الفرد الخارجي الا بتشخيص صاحب الذمة المشغولة.

و نفس النكتة المذكورة تأتي لو كان الامتناع عن البذل بحق.

10 - و اما جواز المقاصة مع الامتناع بغير حق

فلصحيحة داود بن زربي: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي ان آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه»(1) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها عدم الحاجة الي الاستئذان من الحاكم الشرعي، بل بعد ثبوت الاذن من الشرع لا تعود حاجة الي الاستئذان المذكور.

و اذا قيل: من المحتمل ان ما صدر من الامام عليه السّلام كان اذنا خاصا، و معه لا يمكن التمسك بالاطلاق او بصدور الاذن من الشرع.

قلنا: ان الراوي سوف ينقل الاذن الي غيره و يفهم الجميع من ذلك الاذن العام فلو كان مقصوده عليه السّلام الاذن الخاص احتاج ذلك الي تقييد بعد ما كان - الاذن الخاص - مجرد احتمال يبرز في خصوص الاوساط العلمية و ليس في نطاق اوسع.

11 - و اما ان من ادعي مالا لا يد لأحد عليه حكم له به بلا مطالبة

بالبينة

فلقاعدة قبول دعوي المدعي بلا منازع الثابتة بسيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع.

ص: 47


1- وسائل الشيعة 202:12 الباب 83 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

و تدل علي ذلك أيضا صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه الف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه»(1).

12 - و اما ان المدعي لما في يد غيره يحكم بكونه لذي اليد مع

يمينه اذا لم تكن بينة لأحدهما

فلان صاحب اليد مدعي عليه فيقبل قوله بيمينه ما دام لا بينة.

أجل مع عدم حلفه و ردّه اليمين علي المدعي يحكم له به علي تقدير حلفه، و مع عدم حلفه يحكم به لذي اليد لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يدعي و لا بينة له، قال: يستحلفه فان ردّ اليمين علي صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»(2) و غيرها.

بل يمكن التمسك بقاعدة اليد التي هي امارة علي الملك لإثبات كونه لذي اليد اذا ردّ اليمين علي المدعي و لم يحلف.

13 - و اما الحكم بالمال للمدعي مع وجود البينة له

فواضح.

14 - و اما الحكم به لذي اليد مع يمينه اذا كانت له بينة

فلما تقدمت الاشارة اليه - عند البحث عن وسائل الاثبات - من ان مقتضي اطلاق قوله صلّي اللّه عليه و آله: «و اليمين علي من ادعي عليه» ان اليمين ثابتة علي المدعي عليه حتي مع اقامته البينة.

و اذا قيل: ان صحيحة حماد بن عثمان: «بينما موسي بن عيسي في داره التي في المسعي يشرف علي المسعي اذ رأي ابا الحسن

ص: 48


1- وسائل الشيعة 200:18 الباب 17 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

موسي عليه السّلام مقبلا من المروة علي بغلة فامر ابن هياج - رجلا من همدان منقطعا اليه - ان يتعلق بلجامه و يدعي البغلة فاتاه فتعلق باللجام و ادعي البغلة فثني ابو الحسن عليه السّلام رجله و نزل عنها و قال لغلمانه: خذوا سرجها و ادفعوا اليه فقال: و السرج أيضا لي فقال: كذبت، عندنا البينة بانه سرج محمد بن علي، و اما البغلة فانّا اشتريناها منذ قريب و انت اعلم و ما قلت»(1) تدل علي ان صاحب اليد اذا كانت له بينة فلا يحتاج الي اليمين.

قلنا: انه عليه السّلام لم يقل: اني لا احتاج الي يمين بل قال انت كاذب لان عندي بينة علي كذبك، فالبينة قد اكتفي بها عليه السّلام في الحكم بكذب المدعي و ليس للاكتفاء بها في مقام اسقاط الدعوي.

15 - و اما تقديم قول ذي اليد مع حلفه علي تقدير وجود البينة له

و للمدعي

فلموثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رجلين اختصما الي امير المؤمنين عليه السّلام في دابة في ايديهما و اقام كل واحد منهما البينة انها نتجت عنده فاحلفهما علي عليه السّلام فحلف احدهما و أبي الآخر ان يحلف فقضي بها للحالف. فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما و اقاما البينة، فقال: احلفهما فايهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين. قيل: فان كانت في يد احدهما و اقاما جميعا البينة؟ قال: اقضي بها للحالف الذي هي في يده»(2) حيث يدل ذيلها علي ما ذكرنا.

بل ان القاعدة تقتضي ذلك أيضا، فانه بعد تعارض البينتين

ص: 49


1- وسائل الشيعة 214:18 الباب 24 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 182:18 الباب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.

و تساقطهما يعود صاحب اليد بلا مزاحم فيقدم قوله مع يمينه.

و اذا قيل: ان الحجة من المدعي عليه هي اليمين دون البينة، و معه فلا تقع بينته معارضة لبينة المدعي لتسقط الاخيرة عن الاعتبار.

قلنا: ان قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) لا يدل علي عدم اعتبار البينة من المدعي عليه، بل يدل بمقتضي اطلاقه علي ان المطلوب منه اليمين و ان البينة و حدها لا يكتفي بها منه ما لم تنضم اليها اليمين. و عليه تعود البينة من المدعي عليه حجة بمقتضي اطلاق دليل حجية البينة و تقع طرفا للمعارضة لبينة المدعي.1.

ص: 50


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

كتاب الشّهادات

اشارة

1 - شرائط الشاهد

2 - اختلاف الحقوق في الاثبات

3 - احكام عامة في باب الشهادات

ص: 51

ص: 52

1 - شرائط الشاهد
اشارة

يلزم لقبول شهادة الشاهد في مطلق موارد الشهادة ما يلي:

1 - البلوغ فلا تقبل شهادة غير البالغ الا في القتل فانه يؤخذ باول كلامه.

و في التعدي الي الجرح خلاف. هذا في الصبي. و اما الصبية فينبغي الجزم بعدم قبول شهادتها.

2 - العقل.

3 - العدالة.

4 - الإسلام بل الايمان فلا تقبل شهادة غير المسلم علي المسلم - الا الذمي في الوصية بالمال اذا لم يوجد شاهدان عادلان من المسلمين - و لا شهادة غير المؤمن.

5 - طهارة المولد الا في الشيء اليسير.

6 - ان لا تجر الشهادة نفعا و لا تدفع ضررا، كشهادة الشريك لشريكه بانه اشتري من ثالث عينا لهما او شهادة بعض افراد العاقلة بجرح شهود الجناية.

ص: 53

7 - ان لا يكون الشاهد ذا عداوة دنيوية مع المشهود عليه و لو لم توجب فسقا.

8 - ان لا يكون سائلا بكفه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الصبي غير المميز

فلا يمكن تحقق الشهادة منه. و اما المميز فقد يمكن تحصيل بعض المطلقات الشاملة لشهادته، كقوله تعالي: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ (1) ، وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (2).

الا انه علي تقدير تمامية الاطلاق المذكور - و عدم المناقشة بكون الخطابات المذكورة في مقام بيان الحث علي الشهادة و طلبها لا أكثر - لا بدّ من تقييده بصحيحة محمد بن حمران: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة الصبي فقال: لا، الا في القتل يؤخذ بأول كلامه و لا يؤخذ بالثاني»(3) و غيرها.

و قد تعارض الصحيحة المذكورة و غيرها اما بموثقة طلحة بن زيد عن الامام الصادق عن ابيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام: «شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا او يرجعوا الي اهلهم»(4) ، أو بموثقة عبيد بن زرارة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة الصبي و المملوك، فقال: علي قدرها يوم اشهد تجوز في الامر الدون و لا تجوز

ص: 54


1- النساء: 6.
2- النساء: 15.
3- وسائل الشيعة 252:18 الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 253:18 الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث 6.

في الامر الكبير»(1).

الا انه يمكن الجواب عن الاولي بانها و ان كانت تامة سندا - لان طلحة و ان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد(2) يسهّل الامر في رواياته - الا انها خاصة بشهادة الاطفال بعضهم علي بعض و ليس علي البالغين. علي ان بالامكان تقييدها بمورد القتل.

و عن الثانية بهجرانها لدي الاصحاب و عدم قائل بمضمونها، و ذلك يوجب سقوطها عن الحجية.

ثم انه مما يؤكد عدم حجية شهادة غير البالغ قوله تعالي:

وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ (3) ، فان اعتبار بلوغ الشاهد في باب الدين يدل علي اعتباره في غيره اما بالاولوية او بتنقيح المناط و الغاء الخصوصية.

2 - و اما انه يؤخذ بأول كلام الصبي

فللصحيحة المتقدمة.

و اعتبر البعض في القبول عدم التفرق مستندا الي موثقة طلحة المتقدمة. و لكنك قد عرفت نظرها الي شهادة الصبيان فيما بينهم و ليس علي البالغين.

3 - و اما الجرح

فقد قيل بقبول شهادة الصبي فيه أيضا بالاولوية، بل خصّ المحقق في الشرائع قبول شهادة الصبي بذلك(4) ، و هو غريب.

و في مقابل هذا يمكن ان يقال باختصاص القبول بمورد القتل

ص: 55


1- وسائل الشيعة 253:18 الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث 5.
2- فهرست الشيخ الطوسي: 86 الرقم 362.
3- البقرة: 282.
4- شرائع الإسلام 910:4، انتشارات استقلال.

لاحتمال وجود خصوصية في نظر الشارع، و هي المحافظة علي الدماء.

بل ان لازم القول بالاولوية التعدي الي جميع الموارد الاخري لأنها دون القتل.

4 - و وجه الجزم في رفض شهادة الصبية

ان مثل صحيحة محمد بن حمران المتقدمة جاءت استثناء من شرطية البلوغ و ليس من شرطية الذكورة.

5 - و اما العقل

فاعتباره واضح. اجل في الادواري لا محذور في قبول شهادته حالة افاقته لإطلاق الادلة. و المناسب ان يكون ذلك - كما قال المحقق -: «بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنه و استكمال فطنته»(1).

6 - و اما العدالة

فلا اشكال في اعتبارها في الشاهد في الجملة.

و قد قال تعالي في شاهدي الطلاق: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (2). و قال في شاهدي الوصية: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (3). و قال في شاهدي كفارة الصيد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (4) ، بناء علي ارادة الشاهدين لتشخيص قيمة الصيد المقتول دون الرسول و الامام عليهما السّلام اللذين

ص: 56


1- شرائع الإسلام 911:4، انتشارات استقلال.
2- الطلاق: 2.
3- المائدة: 106.
4- المائدة: 95.

يقومان بتشخيص الكفارة في كل صيد و ان في النعامة بدنة و في الظبي شاة و نحو ذلك - كما دلت عليه بعض الروايات(1) - و الا كانت خارجة عن محل الكلام.

و في موثقة عبد اللّه بن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: ان تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا.... و الدلالة علي ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته...»(2).

و فيها دلالة واضحة علي شرطية العدالة لا بمعناها الدقيق بل بمعني حسن الظاهر.

و الرواية قد رويت بطريقين، ورد في احدهما احمد بن محمد بن يحيي العطار الذي تبتني وثاقته علي كبري وثاقة مشايخ الاجازة و لا أقلّ المعروفين منهم، و في ثانيهما محمد بن موسي الهمداني الذي قد استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة(3).

و يمكن التعويض عنها - بناء علي عدم تمامية سندها - بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: لاي.

ص: 57


1- التهذيب 314:6 الحديث 867.
2- وسائل الشيعة 288:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- لا حظ ترجمة محمد بن أحمد بن يحيي الاشعري في رجال النجاشي: 245، من منشورات مكتبة الداوري.

بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا»(1) ، بناء علي تنقيح المناط و الغاء خصوصية المملوك.

و اما بقية الروايات فهي بين ما دلّ علي مانعية الفسق او الاكتفاء بالخير او الصلاح او العفة و الصون فراجع.

و قد يفهم الفقيه من كل هذا ان العدالة بمعناها الدقيق المتداول بين الفقهاء ليست شرطا بل هي شرط بمعني حسن الظاهر و العفة و المعروفية بالخير.

7 - و اما اشتراط الإسلام

فهو من واضحات الفقه. و قد دلت علي ذلك موثقة سماعة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة اهل الملة فقال: لا تجوز الا علي اهل ملتهم»(2) و غيرها.

و اما الاستثناء المذكور فمما لا خلاف فيه لقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ... (3) و الروايات الكثيرة(4).

و اما الايمان فلا اشكال في اشتراطه اذا كان غير المؤمن معاندا لأنه فاسق، و الحديث الشريف يقول: «كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول:...

لا اقبل شهادة الفاسق الا علي نفسه» كما في صحيح محمد بن قيس(5).

ص: 58


1- وسائل الشيعة 253:18 الباب 23 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 284:18 الباب 38 من أبواب الشهادات الحديث 2.
3- المائدة: 106.
4- و هي مذكورة في وسائل الشيعة 287:18 الباب 40 من ابواب الشهادات، و 390:13 الباب 20 من أحكام الوصايا.
5- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 4.

و اما اذا كان مستضعفا فالمشهور عدم قبول شهادته أيضا - حيث لم يفصلوا في رفض شهادة غير المؤمن بين القسمين - الا ان الشهيد الثاني قدّس سرّه شكّك في ذلك و ابرز احتمال قبول شهادته بل اختار ذلك لوجود المقتضي و فقدان المانع.

اما وجود المقتضي فلا طلاق مثل قوله عليه السّلام - في صحيحة محمد بن مسلم -: «لو كان الامر إلينا لأجزنا شهادة الرجل اذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(1).

و اما فقدان المانع فلان ما يتصور كونه مانعا ليس الا صدق عنوان الفاسق عليه، و هو مدفوع، باعتبار ان صدقه يختص بالمعاند، اي الذي يفعل المعصية و هو يعلم انها معصية دون من يرتكبها و هو يعتقد انها طاعة. ثم اضاف قائلا: ان تحقق العدالة لا يختص بالامامي بل تتحقق في جميع اهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم(2).

8 - و اما اعتبار طهارة المولد

فقد دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لا تجوز شهادة ولد الزنا»(3) و غيرها.

و يستثني من ذلك الشيء اليسير لصحيحة عيسي بن عبد اللّه:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا تجوز الا في الشيء اليسير اذا رأيت منه صلاحا»(4).

ص: 59


1- وسائل الشيعة 291:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 8.
2- مسالك الافهام 401:2.
3- وسائل الشيعة 276:18 الباب 31 من أبواب الشهادات الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 276:18 الباب 31 من أبواب الشهادات الحديث 5.
9 - و اما اعتبار ان لا تجر الشهادة نفعا

، كشهادة الشريك فقد يستدل عليه بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ثلاثة شركاء شهد اثنان علي [عن] واحد، قال: لا تجوز شهادتهما»(1).

و دلالتها واضحة - بعد حمل حرف الجر علي ارادة معني اللام منه - الا انها معارضة بموثقته الاخري: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ثلاثة شركاء ادعي واحد و شهد الاثنان، قال: يجوز»(2). و وجه المعارضة:

اما لأنهما رواية واحدة لاستبعاد صدور النقلين المذكورين بعد كون القضية المسؤول عنها واحدة و الراوي لها واحدا، و هو عبد الرحمن، بل الراوي عن الراوي واحد أيضا، و مع وحدة الرواية و عدم تشخيص ما هو الصادر تسقط كلتاهما عن الاعتبار.

او لان الصادر و ان كان متعددا واقعا الا انه لأجل التنافي لا يمكن الاخذ بشيء منهما.

و قد يستدل أيضا بموثقة ابان التي رواها الشيخ الصدوق باسناده عن فضالة عن ابان: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن شريكين شهد احدهما لصاحبه، قال: تجوز شهادته الا في شيء له فيه نصيب»(3).

و هي و ان كانت تامة دلالة الا انها معارضة سندا برواية الشيخ الطوسي لها باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابان عمن

ص: 60


1- وسائل الشيعة 272:18 الباب 27 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 272:18 الباب 27 من أبواب الشهادات الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 272:18 الباب 27 من أبواب الشهادات الحديث 3.

اخبره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام(1) ، فانه لاستبعاد سماع ابان الرواية من الامام عليه السّلام مرتين: مرة بلا واسطة و اخري مع الواسطة تسقط عن الاعتبار لان وجود الواسطة المجهولة يبقي ثابتا و لا نافي له.

و الاولي الاستدلال علي ذلك بالوجهين التاليين:

أ - التمسك بموثقة سماعة: «سألته عما يرد من الشهود، قال:

المريب، و الخصم و الشريك و دافع مغرم و الاجير و العبد و التابع و المتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم»(2) ، فان المنصرف من شهادة الشريك المردودة هو شهادته لشريكه فيما هو مشترك بينهما.

ب - ان الحكم ثابت بمقتضي القاعدة، فان الشريك اذا شهد بشراء عين مشتركة لهما يصير الشاهد مدعيا و المدعي شاهدا، و عدم جواز مثل ذلك لا يحتاج إلي دليل.

10 - و اما عدم قبول شهادة من يدفع عن نفسه بشهادته ضررا

فلانه بمنزلة المدعي عليه فلا وجه لقبول شهادته و يصدق عليه عنوان الخصم المذكور في موثقة سماعة المتقدمة.

11 - و اما اعتبار عدم العداوة الدنيوية

فلموثقة اسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «لا تقبل

ص: 61


1- كما اشار الي ذلك صاحب الوسائل في ذيل الحديث السابق.
2- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 3. و المريب هو كالفاسق أو جالب النفع او الاعم منهما. و دافع مغرم هو من يدفع الغرامة بشهادته، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية. و التابع هو من لا رأي له و يتبع غيره في جميع اموره. و قد يفسر بمن يخدم غيره او يأكل من طعامه.

شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين»(1).

و اطلاقها يقتضي عدم الفرق بين استلزام العداوة للفسق و عدمه هذا في العداوة الدنيوية.

و اما العداوة الاخروية فلا تمنع جزما فانها تؤكد العدالة، و الموثقة منصرفة عن مثلها. و قد ورد في صحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «تجوز شهادة المسلمين علي جميع اهل الملل و لا تجوز شهادة اهل الذمة علي المسلمين»(2).

12 - و اما منع السؤال بالكف عن قبول الشهادة

فلصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن موسي عليهما السّلام: «سألته عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته؟ فقال: كان ابي لا يقبل شهادته اذا سأل في كفه»(3) و غيرها.

و المقصود ما اذا اتخذ ذلك حرفة دون ما لو تحقق مرة أو مرتين لعارض، للانصراف عن مثل ذلك.

2 - اختلاف الحقوق في الاثبات
اشارة

تثبت الدعوي بمقتضي الاصل الاولي بالبينة، اي بشهادة رجلين عدلين.

و خرج عن ذلك:

ص: 62


1- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 5. و ذو المخزية هو من وقع في بلية يشار اليه بها كالمحدود قبل توبته و ولد الزنا.
2- وسائل الشيعة 284:18 الباب 38 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 281:18 الباب 35 من أبواب الشهادات الحديث 1.

1 - دعوي الدين(1) علي الميت، فانها لا تثبت بالبينة و حدها بل مع ضم يمين المدعي.

2 - دعوي الدين علي الحي، فانها كما تثبت بشهادة رجلين كذلك تثبت بشهادة رجل و يمين المدعي، و برجل و امرأتين، و بامرأتين و يمين المدعي.

3 - دعوي عين من الاموال علي الحي، فانها تثبت بما سبق ما عدا الرجل و المرأتين.

4 - اللواط و المساحقة، فانهما لا يثبتان الا بشهادة اربعة رجال عدول.

5 - الزنا، فانه لا يثبت الا بشهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة و امرأتين بل برجلين و اربع نساء، غايته يثبت الجلد بذلك دون الرجم.

6 - النكاح و الدية، فانهما كما يثبتان بشهادة عدلين كذلك يثبتان برجل و امرأتين.

7 - العذرة، و العيوب الباطنية للنساء، و الرضاع، و كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه فانه يثبت باربع نساء.

8 - الوصية لشخص بمال، فانه يثبت ربعه بشهادة امرأة واحدة، و نصفه بشهادة ثنتين، و علي هذا المنوال.

و هكذا لو شهدت القابلة بل مطلق المرأة باستهلال الطفل عند فرض موت أبيه، فانه يرث ربع التركة بذلك. و لو شهدت ثنتان بذلك ورث النصف، و علي هذا المنوال.

و هكذا لو شهدت المرأة بالقتل، فانه يثبت ربع الدية. و اذا شهدت ثنتانك.

ص: 63


1- يراد بالدين مطلق المال الذي اشتغلت به الذمة اعم من كونه بالقرض او الغصب او الاتلاف او البيع و ما شاكل ذلك.

بذلك يثبت نصفها، و علي هذا المنوال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاصل الاولي في الاثبات هو البينة

، بمعني شهادة رجلين عدلين فلان ذلك هو المنصرف من كلمة «البينة» المعتبرة في الاثبات في مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي»(1) أو «انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان»(2).

و علي تقدير التشكيك في ذلك يمكن التمسك بالاطلاق المقامي، فان الوسيلة المعروفة في الاثبات هي شهادة عدلين، و السكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا علي ذلك.

2 - و اما اعتبار ضم يمين المدعي الي البينة في دعوي الدين علي

الميت

فلم ينقل فيه خلاف.

و استدل علي ذلك بصحيحة محمد بن يحيي: «كتب محمد بن الحسن يعني الصفار الي ابي محمد عليه السّلام: هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له علي رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع: اذا شهد معه آخر عدل فعلي المدعي يمين... و كتب أو تقبل شهادة الوصي علي الميت [بدين] مع شاهد آخر عدل؟ فوقع: نعم من بعد يمين»(3) ، بتقريب ان قوله عليه السّلام في الذيل: «نعم من بعد يمين» يراد به: بعد يمين المدعي لا يمين الوصي الذي هو أحد الشاهدين بقرينة التعبير في الصدر: «فعلي المدعي يمين»، فاطلاق كلمة «اليمين» في الذيل جاء اعتمادا علي

ص: 64


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 273:18 الباب 28 من أبواب الشهادات الحديث 1.

تقييدها بالمدعي في الصدر.

و اذا قيل: ان صدر الحديث يدل علي لزوم اليمين مع البينة حتي اذا كانت الدعوي للميت لا عليه، و ذلك مما لا يلتزم به فيتعين الحمل علي الاستحباب، الامر الذي يوجب التشكيك في لزوم اليمين في الفقرة الاخيرة.

قلنا: الفقرتان مستقلتان، و عدم امكان الالتزام بالوجوب في الاولي لا يستلزم عدمه في الثانية.

و مما يؤيد الحاجة الي اليمين في الدعوي علي الميت رواية عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه: «قلت للشيخ عليه السّلام... و ان كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلي المدعي اليمين باللّه الذي لا إله الا هو لقد مات فلان و ان حقه لعليه، فان حلف و الا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها او غير بينة قبل الموت فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البينة...»(1) الضعيفة ب «ياسين الضرير» الذي لا توثيق له.

3 - و اما ثبوت الدين علي الحي برجل و يمين المدعي

فمما لا اشكال فيه. و قد دلت عليه روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين و لم يجز في الهلال الا شاهدي عدل»(2).

و يظهر من بعض النصوص ان ابا حنيفة كان منكرا لذلك، فقد

ص: 65


1- وسائل الشيعة 173:18 الباب 4 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 193:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

ورد في صحيحة البزنطي: «سمعت الرضا عليه السّلام يقول: قال ابو حنيفة لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تجيزون شهادة واحد و يمين؟ قال: نعم، قضي به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قضي به علي عليه السّلام بين أظهركم بشاهد و يمين، فتعجب ابو حنيفة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أتعجب من هكذا؟ انكم تقضون بشاهد واحد في مائة شاهد، فقال له: لا نفعل، فقال: بلي تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله و انما هو رجل واحد»(1).

4 - و اما ثبوت ذلك برجل و امرأتين

فلقوله تعالي: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ (2) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «....

تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: نعم...»(3) و غيرها.

5 - و اما ثبوت ذلك بامرأتين و يمين المدعي

فلصحيحة الحلبي الاخري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف باللّه ان حقه لحق»(4) و غيرها.

و المراد من شهادة النساء شهادة امرأتين لان الديون حيث يكفي لا ثباتها رجل و يمين فيلزم ان يكون القائم مقام الرجل هو المرأتين.

6 - و اما ان الاعيان تثبت بشاهد و يمين

فلإطلاق بعض النصوص، من قبيل صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

ص: 66


1- وسائل الشيعة 196:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 17.
2- البقرة: 282.
3- وسائل الشيعة 258:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 198:18 الباب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3.

«كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(1).

و اما ثبوتها بامرأتين مع اليمين فلصحيحة منصور بن حازم الاخري: «ان ابا الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام قال: «اذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز»(2).

و الطريق و ان اشتمل علي محمد بن علي ماجيلويه - الذي يروي بواسطته الشيخ الصدوق الرواية المذكورة - الذي لم يذكر بتوثيق في كتب الرجال الا ان الامر فيه سهل بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

و اما انها لا تثبت برجل و امرأتين فلاختصاص دليل اعتبار ذلك - و هو الآية الكريمة و صحيحة الحلبي المتقدمتان في الرقم 4 - بالدين فيتمسك بالاصل في غيره.

الا ان المنسوب الي المشهور هو التعدي اما لإلغاء خصوصية المورد او لان الاعيان اذا كانت تثبت برجل و يمين المدعي فيلزم ان تثبت برجل و امرأتين أيضا لقيام المرأتين مقام اليمين. و كلاهما كما تري.

7 - و اما ان اللواط و المساحقة لا يثبتان الا باربعة رجال

فقد ذكر صاحب الجواهر عدم عثوره في النصوص علي ما يدل علي ذلك و ان كان ذلك امرا متسالما عليه بين الأصحاب(3).

بيد ان بالامكان التمسك في المساحقة بقوله تعالي: وَ اللاّتِي

ص: 67


1- وسائل الشيعة 193:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 197:18 الباب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
3- جواهر الكلام 154:41.

يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (1) ، فان الفاحشة لا تختص بالزنا.

و اما بالنسبة الي اللواط فقد يتمسك لاعتبار الاربعة بمقدمتين:

احداهما: ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات كما تدل عليه بعض النصوص الآتية.

ثانيتهما: ان كل اقرار واحد منزل منزلة شهادة واحدة، كما تدل عليه بعض النصوص الآتية أيضا.

و لازم المقدمتين المذكورتين عدم ثبوت اللواط الا باربع شهادات.

اما الدال علي المقدمة الاولي فهو صحيحة مالك بن عطية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «بينما امير المؤمنين عليه السّلام في ملاء(2) من أصحابه اذ اتاه رجل فقال: يا امير المؤمنين عليه السّلام اني اوقبت(3) علي غلام فطهرني فقال له: يا هذا امض الي منزلك لعل مرارا(4) هاج بك. فلما كان من غد عاد اليه فقال له: يا امير المؤمنين اني اوقبت علي غلام فطهرني فقال له:

اذهب الي منزلك لعل مرارا هاج بك حتي فعل ذلك ثلاثا بعد مرته الاولي، فلما كان في الرابعة قال له: يا هذا ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة احكام فاختر ايهن شئت. قال: و ما هنّ يا امير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت او اهداب - اهداء(5) - منء.

ص: 68


1- النساء: 15.
2- في الوافي 335:15: ملأ.
3- الايقاب: الادخال.
4- جاء في مجمع البحرين في مادة مرر: «المرّة: خلط من اخلاط البدن غير الدم. و الجمع مرار بالكسر».
5- و في الوافي 335:15: او دهداء.

جبل مشدود اليدين و الرجلين او احراق بالنار. قال: يا امير المؤمنين ايهنّ أشدّ عليّ؟ قال: الاحراق بالنار، قال: فاني قد اخترتها يا امير المؤمنين، فقال: خذ لذلك اهبتك فقال: نعم. قال: فصلّي ركعتين ثم جلس في تشهده فقال: اللهمّ اني قد أتيت من الذنب ما قد علمته و اني تخوفت من ذلك فأتيت الي وصي رسولك و ابن عم نبيك فسألته ان يطهّرني فخيرني ثلاثة أصناف من العذاب، اللهمّ فاني اخترت اشدهن، اللهم فاني اسألك ان تجعل ذلك كفارة لذنوبي و ان لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثم قام و هو باك حتي دخل الحفيرة التي حفرها له امير المؤمنين عليه السّلام و هو يري النار تتأجج حوله. قال: فبكي امير المؤمنين عليه السّلام و بكي اصحابه جميعا فقال له امير المؤمنين عليه السّلام: قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء و ملائكة الأرض، فان اللّه قد تاب عليك(1) فقم و لا تعاودن شيئا مما فعلت»(2).

و اما الدال علي المقدمة الثانية فهو ما رواه سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة: «ان امرأة أتت امير المؤمنين عليه السّلام فقالت: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني طهرك اللّه فان عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع فقال: ممّ اطهرك؟ قالت: من الزنا، فقال لها: فذات بعل انت أم غير ذات بعل فقالت: ذات بعل فقال لها: فحاضرا كان بعلك أم غائبا؟ قالت: حاضرا، فقال: انتظري حتي تضعي ما في بطنك ثم ائتيني فلما ولت عنه من حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه شهادة فلم تلبث ان أتته فقالت: اني وضعت فطهرني... قال: اذهبي حتي ترضعيه1.

ص: 69


1- و من هنا يقول الاصحاب بان من اقرّ بحدّ ثم تاب كان الامام مخيرا في اقامته.
2- وسائل الشيعة 423:18 الباب 5 من ابواب حد اللواط الحديث 1.

فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم انهما شهادتان فلما أرضعته عادت اليه فقالت: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني... قال: اذهبي فاكفليه حتي يعقل ان يأكل و يشرب و لا يتردي من سطح و لا يتهور في بئر فانصرفت و هي تبكي فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه ثلاث شهادات... و في الرابعة رفع امير المؤمنين عليه السّلام رأسه الي السماء و قال: اللهم اني قد اثبت ذلك عليها اربع شهادات و انك قد قلت لنبيك صلوات اللّه عليه و آله فيما اخبرته من دينك: يا محمد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاداني...»(1).

8 - و اما ان الزنا لا يثبت بأقل من اربعة

فمما لا اشكال فيه. و قد دلّ علي ذلك قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (2) ، إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... لَوْ لا جاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ.. (3) ، وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (4).

و الروايات في ذلك كادت تبلغ حدّ التواتر، من قبيل موثقة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لا يرجم الرجل و المرأة حتي يشهد عليهما

ص: 70


1- الفقيه 22:4، و قد نقل الحر الرواية المذكورة بعدة طرق بعضها صحيح، كطريق الشيخ الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن خلف بن حماد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فراجع وسائل الشيعة 377:18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
2- النور: 4.
3- النور: 11-13.
4- النساء: 15.

اربعة شهداء علي الجماع و الايلاج و الادخال كالميل في المكحلة»(1).

و اما انه يثبت بثلاثة رجال و امرأتين، و برجلين و اربع نساء بالنسبة الي الجلد فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم. و ان شهد عليه رجلان و اربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم و لكن يضرب حدّ الزاني»(2).

9 - و اما ثبوت النكاح برجل و امرأتين

فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: تجوز اذا كان معهن رجل...»(3).

و بالصحيحة المذكورة يمكن الجمع بين بعض النصوص المجوزة مطلقا(4) و بعضها الآخر المانع مطلقا(5).

و اما ثبوت الدية بذلك فلصحيحة جميل بن دراج و محمد بن حمران عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلنا: أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده، ان عليا عليه السّلام كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم»(6) ، فانه بعد ضمها الي موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في

ص: 71


1- وسائل الشيعة 371:18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 401:18 الباب 30 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 258:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 11.
5- وسائل الشيعة 267:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 42.
6- وسائل الشيعة 258:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 1.

القود»(1) يفهم ان الذي لا يثبت بشهادة النساء في باب القتل هو القود دون الدية، اذ بعدم ثبوت الدية يلزم بطلان دم المسلم بخلاف نفي القود مع ثبوت الدية فانه لا يلزم منه ذلك.

10 - و اما ثبوت العذرة و ما تلاها بأربع نساء

فلموثقة عبد اللّه بن بكير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تجوز شهادة النساء في العذرة و كل عيب لا يراه الرجل»(2) ، و صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:... تجوز شهادة النساء و حدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه...»(3) و غيرهما.

و بذلك يتضح الحال في الرضاع فانه مما لا يراه الرجال.

و اما اعتبار ان تكون النساء اربعا مع اطلاق النصوص فلأن القائم مقام رجلين هو اربع نساء.

11 - و اما ان الوصية تثبت بالنحو المتقدم

فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام عن امير المؤمنين عليه السّلام: «قضي في وصية لم تشهدها الا امرأة فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية»(4) و غيرها.

هذا و قد ورد في بعض الروايات عدم نفوذ شهادة النساء في الوصية مطلقا، من قبيل صحيحة عبد الرحمن: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها الا امرأة، تجوز شهادتها؟ قال:

ص: 72


1- وسائل الشيعة 264:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 29.
2- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 396:13 الباب 22 من أحكام الوصايا الحديث 4.

تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس...»(1).

و قد تحمل علي الوصية العهدية بقرينة الاولي الواردة في الوصية التمليكية. و نتيجة ذلك التفصيل بين الوصية اليه و الوصية له، فالاولي لا تثبت بشهادة النساء مطلقا في حين ان الثانية تثبت بالنحو المتقدم.

12 - و اما ان القابلة تمضي شهادتها بلحاظ الربع

فلصحيحة عمر بن يزيد: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع الي الارض فشهدت المرأة التي قبّلتها انه استهل و صاح حين وقع الي الارض ثم مات، قال:

علي الامام ان يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام»(2) و غيرها.

و اذا كان بعض النصوص دالا باطلاقه علي ثبوت تمام التركة بشهادة القابلة - من قبيل صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:... تجوز شهادة القابلة و حدها في المنفوس(3) - فلا بدّ من رفع اليد عن اطلاقه بالصحيحة المتقدمة.

و اما تعميم الحكم لمطلق المرأة فلما يستفاد من بعض النصوص، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم: «سألته تجوز شهادة النساء و حدهن؟ قال: نعم في العذرة و النفساء»(4) و غيرها.

علي ان ما دلّ علي ثبوت ربع التركة بشهادة القابلة ليس له دلالة

ص: 73


1- وسائل الشيعة 262:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 21.
2- وسائل الشيعة 259:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 262:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 19.

علي تقييد الحكم بها بل كان ذلك مورد السؤال، و معه يتعدي الي غيره لعدم فهم الخصوصية بلا حاجة الي البحث عن اطلاق يعم مطلق المرأة.

و اما ان الدية يثبت ربعها بشهادة المرأة الواحدة و نصفها بشهادة ثنتين و هكذا فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام:

«قضي امير المؤمنين عليه السّلام في غلام شهدت عليه امرأة انه دفع غلاما في بئر فقتله فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(1) ، فان جملة «بحساب شهادة المرأة» تدل علي ثبوت النصف بشهادة المرأتين، و هكذا.

و اذا قيل: ان الجملة المذكورة غير ثابتة في طريق الشيخ الصدوق(2).

قلنا: هذا لا يستلزم عدم ثبوتها بعد ورودها بطريق الشيخ الطوسي الذي هو طريق معتبر.

علي ان حذف الجملة المذكورة في طريق الشيخ الصدوق لعله من باب وضوح الامر لبعد ثبوت تمام الدية بشهادة المرأة الواحدة.

3 - احكام عامة في باب الشهادات
اشارة

لا تجوز الشهادة الا مع العلم بالمشهود به عن حس او ما يقرب منه، كالحاصل من التواتر.

ص: 74


1- وسائل الشيعة 263:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 26.
2- لا حظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

و تحمّل الشهادة مع الدعوة الي ذلك واجب خلافا لصاحب الجواهر. و كذا اداؤها بعد التحمل فيما اذا تحققت الدعوة الي التحمل و الا ثبت التخيير بين الاداء و عدمه الا اذا كان احد الطرفين ظالما فيجب اداؤها مطلقا.

و قد تسالم الاصحاب علي اعتبار شرط آخر في وجوب الاداء، و هو طلبه و الا فالتبرع بالشهادة يوجب رفضها.

و تقبل الشهادة علي الشهادة في حقوق الناس - كالطلاق و النسب - دون حقوق اللّه سبحانه سواء كانت خاصة أم مشتركة.

و لا يعتبر الاشهاد الا في الطلاق و الظهار. اجل يستحب في النكاح و البيع و الدين.

و تصدّق المرأة في دعواها انها خلية و ان عدتها قد انقضت الا اذا ادعت ذلك بشكل مخالف للعادة الجارية بين النساء، كما اذا ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات. فانها لا تصدق الا اذا شهدت النساء من بطانتها ان عادتها سابقا كانت كذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار العلم في جواز الشهادة

فلأنها قسم من الاخبار الجازم و هو لا يجوز بدون العلم و الا يلزم الكذب.

هذا مضافا الي صحيحة معاوية بن وهب: «قلت له: ان ابن ابي ليلي يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان و تركها ميراثا و انه ليس له وارث غير الذي شهدنا له، فقال: اشهد بما هو علمك. قلت: ان ابن أبي ليلي يحلفنا الغموس، فقال: احلف انما هو علي علمك»(1).

ص: 75


1- وسائل الشيعة 245:18 الباب 17 من أبواب الشهادات الحديث 1.

ان قلت: ان رواية حفص بن غياث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال له رجل: اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال: نعم.

قال الرجل: اشهد انه في يده و لا اشهد انه له فلعله لغيره فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أ فيحل الشراء منه؟ قال: نعم فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: فلعله لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه و يصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز ان تنسبه الي من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(1) دلت علي جواز الشهادة عند عدم العلم بالمشهود به استنادا الي اليد.

قلت: هي لو تمت سندا - و لم يناقش في طريق الشيخ و الكليني من ناحية القاسم بن يحيي الذي لم تثبت و ثقاته الا بناء علي كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارة و لا في طريق الصدوق من ناحية القاسم بن محمد الاصفهاني - لا بدّ من حملها علي الشهادة بالملكية الظاهرية التي تولدها اليد دون الملكية الواقعية، اذ بعد عدم العلم بها كيف يجوز الاخبار الجازم عنها و الشهادة عليها، و لو جاز ذلك جاز ان يشهد الحاكم بها و جميع الناس الذين يعرفون بان هذا صاحب يد و لم تبق بعد ذلك حاجة الي المطالبة بالبينة.

و ان قلت: ان موثقة معاوية بن وهب دلت علي جواز الاستناد في الشهادة الي الاستصحاب، حيث ورد فيها: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يكون له العبد و الامة قد عرف ذلك فيقول: أبق غلامي أو امتي فيكلفونه(2) القضاة شاهدين بان هذا غلامه او امته لم يبع و لم يهبه.

ص: 76


1- وسائل الشيعة 215:18 الباب 25 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
2- المناسب: فيكلفه.

أ نشهد علي هذا اذا كلفناه؟ قال: نعم»(1).

قلت: لا بدّ من فرض ان العبد كان يدعي انه حر او لا أقلّ لم يكن رقا للمدعي من البداية لا انه يعترف بكونه رقا له من البداية و لكنه بيع او وهب او تحرر و الا لكان هو المكلف بالبينة. و بناء علي هذا يكفي لدحض دعوي العبد شهادة معاوية ان هذا كان عبدا لهذا سابقا و لا اعلم انه بيع او وهب، اي يشهد علي الملكية السابقة و عدم العلم بزوالها دون ان يشهد علي عدم ذلك واقعا.

هذا مضافا الي معارضة الرواية المذكورة برواية معاوية بن وهب الاخري(2) الواردة في القضية نفسها حيث دلت علي عدم جواز الشهادة الا انها ضعيفة باسماعيل بن مرار.

2 - و اما ان مستند العلم لا بدّ من كونه الحس او ما يقرب منه

فذلك:

اما لان سكوت الروايات عن بيان مستند الشهادة يفهم منه ايكال القضية الي العرف، و هو يعتبر ما ذكر.

او لان الشهادة عن حدس لا دليل علي اعتبارها فلا تكون حجة بخلاف ما كانت عن حس، فانها القدر المتيقن من دليل جواز الشهادة، و هكذا اذا كان مستندها يقرب من الحس، حيث لا يحتمل الفرق بينها و بين ما اذا كانت مستندة الي الحس مباشرة.

ثم انه مما يؤيد اعتبار الحس او ما يقرب منه في مستند الشهادة رواية علي بن غراب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تشهدن بشهادة حتي

ص: 77


1- وسائل الشيعة 246:18 الباب 17 من أبواب الشهادات الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 246:18 الباب 17 من أبواب الشهادات الحديث 2.

تعرفها كما تعرف كفك»(1) ، فان ضعفها بابن غراب و غيره لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

و مثلها ما رواه المحقق في الشرائع عن النبي صلّي اللّه عليه و آله مرسلا حينما سئل عن الشهادة: «هل تري الشمس؟ علي مثلها فاشهد أو دع»(2).

3 - و اما وجوب تحمل الشهادة مع الدعوة اليه فهو المعروف بين

الاصحاب

لقوله تعالي: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (3) بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف، و صحيحة ابي الصباح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قوله تعالي: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا قال: لا ينبغي لأحد اذا دعي الي شهادة ليشهد عليها ان يقول لا اشهد لكم عليها»(4) و غيرها.

هذا و قد نقل صاحب الجواهر عن ابن ادريس ان الآية الكريمة ناظرة الي اداء الشهادة دون تحملها بقرينة التعبير بكلمة «الشهداء» الظاهرة في تمامية الشهادة و تحققها.

و أضاف صاحب الجواهر قائلا: ان ملاحظة ما قبل الآية المذكورة و ما بعدها يعطي انها في صدد بيان بعض الآداب الشرعية، فانظر الي قوله تعالي: وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ ... وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً (5) ، و معه يكون المناسب حمل

ص: 78


1- وسائل الشيعة 250:18 الباب 20 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 250:18 الباب 20 من أبواب الشهادات الحديث 3.
3- البقرة: 282.
4- وسائل الشيعة 225:18 الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 2.
5- البقرة: 282.

فقرة الاستشهاد علي بيان الكراهة.

ثم أضاف: و اما الروايات فقد ورد فيها التعبير ب «لا ينبغي» المشعر بالكراهة. و عليه فالانصاف عدم خلو القول بعدم الوجوب و انه مستحب بل تركه مكروه من قوة(1).

و فيه: ان بعض الروايات ظاهر في الالزام، من قبيل ما رواه داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يأب الشاهد ان يجيب حين يدعي قبل الكتاب»(2).

و السند صحيح بناء علي ان امر سهل الوارد فيه سهل.

و تؤيد ذلك رواية جراح المدائني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا دعيت الي الشهادة فأجب»(3) ، فان جراح و القاسم بن سليمان و ان لم يوثقا الا من خلال كامل الزيارة لكن ذلك لا يمنع من عدّها مؤيدة.

و اما التعبير ب «لا ينبغي» الوارد في الروايات التي أشار اليها فهو ليس ظاهرا في الكراهة ليمنع من الاخذ بظهور ما ذكر بل دال علي الجامع الاعم خلافا لبعض حيث اختار دلالته علي الالزام.

و اما التشكيك في دلالة الآية الكريمة فهو مبني علي الرأي المشهور في الدلالة علي الوجوب و التحريم، و اما بناء علي مسلك حكم العقل فلا موجب له. و مع التنزل يكون السياق موجبا لتزلزل الظهور في الالزام دون ان يوجب الظهور في الكراهة ليمتنع الاخذ بظهور الروايتين المتقدمتين في الالزام.3.

ص: 79


1- جواهر الكلام 182:41.
2- وسائل الشيعة 226:18 الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 225:18 الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 3.
4 - و اما وجوب الاداء

فلم ينقل فيه خلاف. و يدل عليه قوله تعالي: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (1) ، بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف، و قوله تعالي: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (2) لا طلاقه الشامل للأداء.

و مجرد ذكر ذلك بعد طلب الاستشهاد بشهيدين لا يدل علي الاختصاص بالتحمل.

و مما يؤيد الوجوب الروايات الدالة علي ذلك، فان ضعف سندها لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

5 - و اما اشتراط وجوب الاداء بالدعوة الي التحمل

فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «اذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار ان شاء شهد و ان شاء سكت الا اذا علم من الظالم فيشهد و لا يحل له ان لا يشهد»(3) و غيرها. و لولاها كان المناسب الوجوب مطلقا لإطلاق الآيتين الكريمتين.

6 - و اما استثناء حالة ظلم احد الطرفين

فلوجوب ازالة الظلم و الصحيحة المتقدمة.

7 - و اما التبرع باداء الشهادة

فلا اشكال بين الاصحاب في عدم وجوبه بالرغم من ان مقتضي المطلقات عكس ذلك. قال تعالي: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ (4) ، وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ

ص: 80


1- البقرة: 283.
2- البقرة: 282.
3- وسائل الشيعة 232:18 الباب 5 من أبواب الشهادات الحديث 4.
4- البقرة: 140.

يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (1) ، وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ (2).

و انما الاشكال في رفض الشهادة التبرعية و عدمه. و قد فصّل في هذا المجال بين ما اذا كان مورد الشهادة التبرعية حقوق الناس فترفض و ما اذا كان حقوق اللّه سبحانه فتقبل.

اما الرفض في الاول فلان التبرع في الشهادة موجب لتطرق التهمة، و للحديث النبوي: «ثم يفشو الكذب حتي يشهد الرجل قبل ان يستشهد»(3) ، «ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها»(4) و غيرهما.

و اما القبول في الثاني فعلّله المحقق في الشرائع بعدم وجود المدعي فيه لاختصاص الحق باللّه سبحانه او لاشتراك الكل في ذلك، كما في الشهادة للمصالح العامة كالقناطر و المدارس(5).

و التفصيل المذكور بما اشتمل عليه من الاستدلال كما تري.

و المناسب قبول الشهادة التبرعية لان ما ذكر بعد عدم صلاحيته للمانعية تعود المطلقات - من قبيل: وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ (6) و غيره - سالمة عن المقيد من الناحية المذكورة فيتمسك باطلاقها.

هذا مضافا الي امكان التمسك بموثقة سماعة المتقدمة: «سألته2.

ص: 81


1- البقرة: 282.
2- الطلاق: 2.
3- سنن ابن ماجه 64:2.
4- مسند احمد 426:4.
5- شرايع الإسلام 917:4، انتشارات استقلال.
6- الطلاق: 2.

عما يرد من الشهود، قال: المريب، و الخصم...»(1) ، حيث لم يذكر المتبرع من جملة الاقسام.

8 - و اما الشهادة علي الشهادة

فهي مقبولة عندنا من دون خلاف.

و لا تثبت شهادة الاصل الا بشهادة رجلين.

و يظهر من بعض الاخبار الاكتفاء بشهادة الواحد، كما دلت عليه صحيحة البزنطي المتقدمة، حيث قال الامام الصادق عليه السّلام لأبي حنيفة «... بلي تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله و انما هو رجل واحد»(2). و من هنا جاءت نصوصنا تؤكد اعتبار شهادة اثنين.

و المستند لثبوت الشهادة بالشهادة امران:

أ - اقتضاء القاعدة لذلك، فان شهادة الاصل كسائر الأشياء مشمولة لإطلاق أدلة حجية الشهادة.

ب - النصوص الخاصة، كموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليه السّلام: «كان لا يجيز شهادة رجل علي رجل الا شهادة رجلين علي رجل»(3) و غيرها.

ثم انه ورد في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه: «ان عليا عليه السّلام قال: لا اقبل شهادة رجل علي رجل حي و ان كان باليمين»(4).

و يمكن حمل ذلك علي كون المقصود: لا اجيز شهادة شخص

ص: 82


1- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 196:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 17.
3- وسائل الشيعة 298:18 الباب 44 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 298:18 الباب 44 من أبواب الشهادات الحديث 3.

واحد من دون انضمام ثان اليه لإثبات شهادة الاصل.

و مما يؤكد ذلك موثقته الاخري، حيث ورد فيها: «ان عليا عليه السّلام كان لا يجيز شهادة رجل علي شهادة رجل الا شهادة رجلين علي شهادة رجل»(1).

9 - و اما استثناء حدود اللّه سبحانه

فلموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليه السّلام: «كان لا يجيز شهادة علي شهادة في حدّ»(2) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون الحد خاصا باللّه سبحانه او مشتركا كما هو واضح.

10 - و اما عدم اعتبار الاشهاد في غير الطلاق و الظهار

فللأصل بعد عدم الدليل علي الاعتبار.

و اما اعتباره في الطلاق فمما لا خلاف فيه عندنا لقوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ ... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (3).

و اذا لم تكن في ذلك دلالة واضحة علي اعتبار الاشهاد في الطلاق فيمكن الاستعانة بصحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين، قال:

ليس هذا طلاقا. قلت: فكيف طلاق السنّة؟ فقال: يطلقها إذا طهرت من

ص: 83


1- وسائل الشيعة 298:18 الباب 44 من أبواب الشهادات الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 299:18 الباب 45 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- الطلاق: 1-2.

حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال اللّه عز و جل في كتابه، فان خالف ذلك ردّ الي كتاب اللّه»(1) و غيرها.

و اما اعتباره في الظهار فمما لا خلاف فيه أيضا لصحيحة حمران: «قال ابو جعفر عليه السّلام... لا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(2) و غيرها.

11 - و اما استحباب الاشهاد في النكاح

فهو المشهور بيننا - علي العكس عند غيرنا حيث اعتبروا لزومه فيه و عدم لزومه في الطلاق - لصحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن اذا كانت المرأة منكرة، فقال: لا بأس به. ثم قال: ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟ قلت: يقولون لا تجوز الا شهادة رجلين عدلين فقال: كذبوا لعنهم اللّه، هوّنوا و استخفوا بعزائم اللّه و فرائضه و شددوا و عظموا ما هوّن اللّه، ان اللّه أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد، و النكاح لم يجئ عن اللّه في تحريمه [عزيمة] فسنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في ذلك الشاهدين تأديبا...»(3) و غيرها.

و هي كما تدل علي نفي وجوب الاشهاد في النكاح تدل علي استحبابه فيه.

هذا و المنسوب الي ابن ابي عقيل لزوم الاشهاد في الدائم(4).

ص: 84


1- وسائل الشيعة 282:15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 509:15 الباب 2 من كتاب الظهار الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 265:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 35.
4- جواهر الكلام 40:29.

و تدل علي ذلك رواية مهلب الدلال: «كتبت الي ابي الحسن عليه السّلام: ان امرأة كانت معي في الدار ثم انها زوجتني نفسها و اشهدت اللّه و ملائكته علي ذلك، ثم ان أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه السّلام: التزويج الدائم لا يكون الا بولي و شاهدين، و لا يكون تزويج متعة ببكر. استر علي نفسك و اكتم رحمك اللّه»(1).

الا انها مضافا الي ضعف سندها بالمهلب و الفضل بن كثير المدائني مخالفة للروايات الكثيرة الدالة علي عدم اعتبار ذلك، بل كاد يكون ذلك من شعار الامامية. علي ان رائحة صدورها تقية تفوح منها.

12 - و اما استحباب الاشهاد في الدين و البيع

فلقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ ... وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ... (2) بعد وضوح لزوم رفع اليد عن ظهوره في الوجوب و الحمل علي الاستحباب للضرورة و السيرة القطعية.

و قد يقال: ان الآية الكريمة لا تدل علي استحباب الاشهاد شرعا بل علي طلبه ارشادا لا أكثر.

13 - و اما تصديق المرأة في دعوي كونها خلية

فلموافقة ذلك للأصل فلا تحتاج الي بينة، كما لا تحتاج الي يمين لعدم كونها مدعي عليها.

و اما تصديقها في انقضاء العدة بالرغم من مخالفة ذلك للأصل

ص: 85


1- وسائل الشيعة 459:14 الباب 11 من ابواب المتعة الحديث 11.
2- البقرة: 282.

فلصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «العدة و الحيض للنساء، اذا ادعت صدقت»(1).

و اما انها لا تصدق اذا ادعت ما يخالف عادة النساء فلعدم وجود المثبت لذلك.

و اما كفاية شهادة النساء من بطانتها بان عادتها سابقا كانت كذلك فلموثقة اسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام: «ان امير المؤمنين قال في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال: كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضي علي ما ادعت فان شهدن صدقت و الا فهي كاذبة»(2).3.

ص: 86


1- وسائل الشيعة 596:2 الباب 47 من أبواب الحيض الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 596:2 الباب 47 من ابواب الحيض الحديث 3.

كتاب اللّقطة

اشارة

1 - اللقطة و اقسامها 2 - من احكام اللقطة بالمعني الاخص 3 - من احكام اللقيط 4 - من احكام الضالة 5 - من احكام مجهول المالك

ص: 87

ص: 88

1 - اللقطة و أقسامها
اشارة

اللقطة(1) كل مال ضائع اذا اخذ و كان مالكه مجهولا.

و المستند في اعتبار القيود الثلاثة هو:

اما بالنسبة الي القيد الاول

فلتقوّم عنوان اللقطة بالضياع، فمن تبدل حذاؤه مثلا بحذاء الغير من دون معرفة صاحبه فلا يصدق علي ذلك عنوان اللقطة و ان صدق عنوان مجهول المالك.

و منه يتضح ان النسبة بين عنوان اللقطة و عنوان مجهول المالك هو العموم و الخصوص المطلق، فكل لقطة هي مجهول المالك من دون عكس.

و يأتي فيما بعد - إن شاء اللّه تعالي - الفرق بين العنوانين من حيث الحكم.

و اما بالنسبة الي القيد الثاني

فلانه بمجرد رؤية الشيء من دون

ص: 89


1- بضم اللام و فتح القاف او تسكينها.

أخذه لا يصدق عنوان اللقطة. و هكذا لو فرض امر شخص غيره بالاخذ فانه لا يصدق العنوان المذكور بالنسبة اليه ما دام لم يتصد بنفسه للأخذ.

و اما القيد الثالث

فاعتباره واضح.

ثم ان المال الضائع تارة يكون طفلا و اخري حيوانا و ثالثة غير ذلك.

و يصطلح علي الاول باللقيط، و علي الثاني بالضالة، و علي الثالث باللقطة او باللقطة بالمعني الاخص.

و لكل واحد من الاقسام الثلاثة احكامه الخاصة به. و المهم منها هو الثالث.

2 - من احكام اللقطة بالمعني الاخص
اشارة

يجوز اخذ اللقطة - و ان كان ذلك مكروها - بما في ذلك لقطة حرم مكة زادها اللّه شرفا.

و يلزم فيها تعريفها و الفحص عن مالكها لمدة سنة فان لم يعثر عليه كان الملتقط بالخيار بين تملكها مع الضمان او التصدق بها مع الضمان او ابقائها امانة في يده بلا ضمان.

هذا اذا لم تكن دون الدرهم الشرعي(1) و إلاّ جاز اخذها بلا تعريف.

كما ان هذا يختص بغير لقطة حرم مكة زادها اللّه شرفا، و اما هي فحكمها

ص: 90


1- المقصود من الدرهم الشرعي هو الفضة التي تعادل قيمتها ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا.

بعد التعريف سنة التصدق بها لا غير.

و المعروف ان التصدق لا بدّ ان يكون بقصد كونه عن صاحبها.

و اللقطة التي لا يمكن تعريفها - اما لفقدانها العلامة الخاصة المميزة لها عن غيرها او لان مالكها سافر الي مكان بعيد لا يمكن الوصول اليه او لان الملتقط يخاف الخطر او التهمة لو عرّف و ما شاكل ذلك - يسقط وجوب تعريفها. و المناسب وجوب التصدق بها و عدم جواز تملكها.

و في جواز دفع الملتقط اللقطة الي الحاكم الشرعي و سقوط وجوب التعريف عنه بذلك خلاف.

و المناسب دفع اللقطة - اذا اريد التصدق بها - الي خصوص الفقراء دون الاغنياء.

كما ان المناسب دفعها الي الغير و لا يكفي احتساب الملتقط لها علي نفسه اذا كان فقيرا.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز اخذ اللقطة

- بالرغم من اقتضاء القاعدة الاولية عدم ذلك - فللروايات الخاصة التي يأتي بعضها. علي انه يكفي لإثبات ذلك تسالم الاصحاب.

و اما ان ذلك مكروه فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام:

«سألته عن اللقطة قال: لا ترفعوها فان ابتليت فعرّفها سنة فان جاء طالبها و الا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك الي أن يجيء لها طالب»(1) و غيرها.

ص: 91


1- وسائل الشيعة 350:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 3.

و انما حمل النهي علي الكراهة - بالرغم من ظهوره في التحريم - لدلالة موثقة زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن اللقطة فأراني خاتما في يده من فضة قال: ان هذا مما جاء به السيل و انا اريد ان أتصدق به»(1) علي جواز الالتقاط.

علي ان الجواز قضية واضحة في اذهان المتشرعة، و ذلك بنفسه صالح للقرينية علي حمل النهي علي الكراهة.

2 - و اما لقطة الحرم المكي

ففي جواز اخذها خلاف. و قد يستدل علي عدم الجواز:

أ - بقوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً (2) بتقريب ان جعل الحرم المكي آمنا يلازم تحريم اخذ اللقطة منه.

ب - و بصحيحة الفضيل بن يسار: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن لقطة الحرم فقال: لا تمس ابدا حتي يجيء صاحبها فيأخذها. قلت: فان كان مالا كثيرا قال: فان لم يأخذها الا مثلك فليعرفها»(3).

ج - و بصحيحة يعقوب بن شعيب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن اللقطة و نحن يومئذ بمني فقال: اما بأرضنا هذه فلا يصلح، و اما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله»(4).

و الكل كما تري.

ص: 92


1- وسائل الشيعة 358:17 الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث 3.
2- العنكبوت: 67.
3- وسائل الشيعة 361:9 الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 361:9 الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.

اما الاول فلان جواز اخذ لقطة الحرم لغرض تعريفها و ايصالها الي صاحبها لا ينافي جعله آمنا، فان المراد من جعله آمنا كون الانسان فيه آمنا علي نفسه و ماله من القتل و النهب و لو بحق.

و اما الثاني فلان الصحيحة بلحاظ ذيلها ادلّ علي الجواز.

و اما الثالث فلان تعبير «لا يصلح» بعد ملاحظة صحيحة فضيل السابقة يراد به الكراهة.

و عليه فالمناسب هو القول بالجواز مع الكراهة.

و قد يؤكد الجواز - مضافا الي ما تقدم - بصحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم و تعرّف سنة، فان وجدت صاحبها و الا تصدقت بها، و لقطة غيرها تعرف سنة فان لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك»(1).

3 - و اما انه يلزم في اللقطة التعريف لمدة سنة و بعدها يثبت

التخيير بين الامور الثلاثة المتقدمة

فهو المعروف بين الاصحاب.

و يمكن الاستدلال علي ذلك:

اما بالنسبة الي جواز التصدق مع الضمان فقد يتمسك له برواية حفص بن غياث: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فان اصاب صاحبها ردها عليه و الا

ص: 93


1- وسائل الشيعة 361:9 الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 4.

تصدق بها، فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر(1) و الغرم، فان اختار الاجر فله الاجر، و ان اختار الغرم غرم له و كان الاجر له»(2). و قد رواها المشايخ الثلاثة.

و تمكن المناقشة في سندها لا من ناحية حفص - فان امره سهل بالرغم من كونه عامي المذهب لتعبير الشيخ عنه: «له كتاب معتمد»(3) و ان الطائفة قد عملت باخباره(4) - بل من ناحية اخري.

اما طريق الشيخ فبلحاظ علي بن محمد القاساني - الذي لم يوثق بل غمز عليه احمد بن محمد بن عيسي علي ما نقل النجاشي(5) - و بالقاسم بن محمد المعروف ب «كاسولا» الذي قال عنه النجاشي: «لم يكن بالمرضي»(6).

و اما طريق الشيخ الكليني فهو ضعيف بذلك و بالارسال.

و اما طريق الشيخ الصدوق فهو ضعيف بالقاسم بن محمد حيث ان طريقه الي المنقري في مشيخة الفقيه يمر به(7).

و المناسب - بعد ضعف سند رواية حفص - الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدّق بها؟ و لمن5.

ص: 94


1- اي الثواب.
2- وسائل الشيعة 368:17 الباب 18 من أبواب اللقطة الحديث 1.
3- الفهرست: 61 الرقم 232.
4- العدة في الاصول: 61.
5- رجال النجاشي: 180، منشورات الداوري.
6- رجال النجاشي: 222.
7- لاحظ مشيخة الفقيه المذكورة في آخر الجزء الرابع من الفقيه: 65.

الاجر؟ هل عليه ان يرد علي صاحبها او(1) قيمتها؟ قال: هو ضامن لها و الاجر له الا ان يرضي صاحبها فيدعها و الاجر له»(2).

و سندها تام لأنها بطريق قرب الاسناد و ان كانت ضعيفة ب «عبد اللّه بن الحسن» حيث انه مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل رواها من كتاب علي بن جعفر و طريقه اليه صحيح علي ما أوضحنا في أبحاث سابقة.

و اما بالنسبة الي جواز التملك مع الضمان فقد يستدل عليه بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اللقطة يجدها الرجل و يأخذها قال: يعرفها سنة فان جاء لها طالب و الا فهي كسبيل ماله»(3) الا انها لا تدل علي الضمان، و من هنا نحتاج الي ما يدل علي ذلك. و قد يستدل عليه برواية حنان: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و انا اسمع عن اللقطة فقال: تعرّفها سنة فان وجدت صاحبها و الا فانت احق بها. و قال: هي كسبيل مالك.

و قال: خيّره اذا جاءك بعد سنة بين اجرها و بين ان تغرمها له اذا كنت اكلتها»(4) ، و لكنها ضعيفة ب «ابي القاسم» فانه مجهول الحال.

و الاولي ان يستدل علي ذلك:

اما بالاولوية، بتقريب ان الضمان اذا كان ثابتا في حالة التصدق فبالأولي يكون ثابتا في حالة التملك.

او بصحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليه السّلام:7.

ص: 95


1- الظاهر ان كلمة «او» زائدة.
2- وسائل الشيعة 352:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 349:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 350:17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحديث 7.

«سألته عن رجل اصاب شاة في الصحراء هل تحلّ له؟ قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: هي لك او لأخيك او للذئب فخذها و عرّفها حيث اصبتها، فان عرفت فردّها الي صاحبها، و ان لم تعرف فكلها و انت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها عليه»(1) ، بناء علي التعدي من الضالة الي اللقطة و عدم فهم الخصوصية لذلك.

ثم ان جملة: «و الا فهي كسبيل ماله» الواردة في صحيحة الحلبي قد يستفاد منها ان اللقطة تصير بعد التعريف و عدم العثور علي المالك ملكا للملتقط بلا حاجة الي قصده. و في المقابل قد لا يستفاد منها الا جواز التصرف و الانتفاع بها كما ينتفع بالملك. و تبقي القضية بعد هذا مرهونة باستظهار الفقيه.

و اما بالنسبة الي الاحتفاظ باللقطة بلا ضمان فيمكن استفادة جوازه من صحيحة الحلبي المتقدمة، فان جعل اللقطة كسبيل اموال الملتقط يدل بوضوح علي جواز الاحتفاظ بها من دون ضمان.

و اذا قلت: ان صحيحة علي بن جعفر الاخري: «و سألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم او ثوبا او دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتي يجيء طالبها فيعطيها اياه، و ان مات اوصي بها، فان اصابها شيء فهو ضامن»(2) قد دلت علي الضمان.

قلت: لا بدّ من حملها علي حالة التعدي او التفريط و الا كانت ساقطة عن الاعتبار لهجران مضمونها لدي الاصحاب.3.

ص: 96


1- وسائل الشيعة 365:17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 352:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 13.
4 - و اما ان اللقطة دون الدرهم الشرعي يجوز اخذها بلا حاجة

الي تعريف

فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. و يمكن الاستدلال عليه بأحد امرين:

أ - رواية الشيخ الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام:... و ان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها...»(1).

ب - مرسلة محمد بن ابي حمزة عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن اللقطة قال: تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا. قال:

و ما كان دون الدرهم فلا يعرّف»(2).

و كلتا الروايتين ضعيفة السند بالارسال الا ان يقال بكبري الانجبار بفتوي المشهور او يقال - بالنسبة الي خصوص الرواية الاولي - بحجية جميع روايات كتاب من لا يحضره الفقيه او بحجية كل ما ارسله الشيخ الصدوق بلسان قال.

و عليه فان قلنا باحد هذه المباني او قلنا بتحقق الا جماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام فلا مشكلة و يلزم التفصيل بين ما دون الدرهم و غيره، اما اذا رفضنا كل ذلك فالمناسب عدم التفصيل و الحكم بلزوم التعريف في كليهما.

ثم انه بناء علي عدم وجوب التعريف هل يكون الحكم هو وجوب التصدق او جواز التملك؟ المعروف بين الاصحاب جواز قصد التملك، و لكنا اذا لا حظنا الرواية الثانية نراها ساكتة عن ذلك، و لو لاحظنا الرواية الاولي رأيناها تدل علي تحقق الملك القهري بمجرد الاخذ من

ص: 97


1- وسائل الشيعة 351:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 354:17 الباب 4 من أبواب اللقطة الحديث 1.

دون حاجة الي قصده علي خلاف ما عليه المشهور بين الاصحاب من الحاجة الي ذلك.

5 - و اما ان لقطة الحرم المكي تعرّف سنة ثم يتصدق بها و لا

يجوز تملكها

فهو المشهور بين الاصحاب بل ادعي في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه(1). و تدل عليه صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم 2، فانها تدل علي عدم جواز التملك لقاعدة التفصيل قاطع للشركة.

و هل وجوب التعريف و التصدق يعمّ اللقطة التي لا تبلغ الدرهم أيضا؟ المعروف بين الاصحاب عدم ذلك، فاللقطة الاقل من ذلك لا يلزم تعريفها و التصدق بها حتي اذا كانت في الحرم.

و لعل الوجه في ذلك ان صحيحة ابراهيم بن عمر لا اطلاق لها للّقطة الاقل من الدرهم حيث انها تتحدث عن اللقطة التي يجب تعريفها سنة سواء كانت في الحرم أم في غيره، و ليست هي الا ما كانت درهما فما زاد، و معه تعود مرسلة محمد بن ابي حمزة - الشاملة باطلاقها للقطة الحرم - بلا معارض فيتمسك باطلاقها.

6 - و اما ان التصدق لا بدّ ان يكون عن صاحبها

فهو المعروف في كلمات الاصحاب الا ان الروايات خالية منه. و لعل ذلك للانصراف اليه و الا فالمناسب كفاية التصدق المطلق لو لا كونه اولي من جهة موافقته للاحتياط.

7 - و اما ان المناسب في اللقطة التي لا يمكن تعريفها هو التصدق بها لا غير

ص: 98


1- جواهر الكلام 290:38.

فباعتبار ان جواز تملك مال الغير و التصرف فيه من دون احراز رضاه امر علي خلاف قاعدة «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه»(1) و لا بدّ من الاقتصار علي المورد الذي دل الدليل فيه علي جوازه، و هو بعد التعريف سنة، و في غير ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك - بعد تعذر تطبيق حكم اللقطة التي هي مصداق من مصاديق مجهول المالك - و هو التصدق.

8 - و اما جواز دفع اللقطة الي الحاكم الشرعي و سقوط وجوب

التعريف عن الملتقط بذلك

فقد ذكر صاحب الجواهر في توجيهه بانه ولي الغائب في الحفظ بل قد يقال بوجوب القبول عليه لأنه معدّ لمصالح المسلمين(2).

و فيه: ان ولاية الحاكم مختصة بالمورد الذي لم يجعل الشارع فيه الولاية للغير فانه ولي من لا ولي له، و في المقام قد جعلها للملتقط حيث جعل له الحق في التصدق. اجل لا بأس بدفع اللقطة اليه علي ان تبقي امانة بيده و يستمر الملتقط بالتعريف طول السنة، و اذا انتهت و لم يجد المالك تخير بين الامور الثلاثة المتقدمة أو يوكل الامر في ذلك الي الحاكم.

9 - و اما ان المناسب دفع اللقطة - اذا اريد التصدق بها - الي

خصوص الفقراء

فباعتبار ان المتبادر من مفهوم التصدق لزوم الفقر في المتصدق عليه و لا أقلّ من الشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الاحتياط بعد عدم امكان التمسك بالاطلاق لأنه تمسك به في الشبهة

ص: 99


1- وسائل الشيعة 424:3 الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.
2- جواهر الكلام 368:38.

المصداقية، و هو غير جائز.

10 - و اما اعتبار الدفع الي الغير و عدم الاكتفاء باحتساب الملتقط

اللقطة صدقة علي نفسه

فلان ظاهر طلب التصدق في مثل صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم 2 هو المغايرة و انه تصدق علي الغير.

3 - من احكام اللقيط
اشارة

يجب اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف و رعايته و الانفاق عليه سواء علم بتعمد اهله لنبذه عجزا عن تربيته او خوفا من الفضيحة او لغير ذلك أم علم بضياعه من اهله أم علم بهلاك اهله و بقائه وحده أم جهل حاله.

و لا فرق في ذلك بين كونه طفلا رضيعا او اكبر من ذلك ما دام هو بحاجة ماسة الي من يتكفل شئونه.

و الملتقط احق باللقيط من غيره الي ان يبلغ فان له الحق آنذاك في ان يوالي من شاء بعد ان يرد علي الملتقط كل ما انفق عليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف

فلانه بعد كونه نفسا محترمة فالحفاظ عليه يكون واجبا بالضرورة.

و اما عدم الفرق بين كون الطفل رضيعا او اكبر من ذلك فلعموم النكتة المتقدمة.

2 - و اما ان الملتقط احق من غيره ما دام اللقيط لم يبلغ

فلان الاسبقية نفسها تمنح صاحبها حقا بالسيرة العقلائية الممضاة من

ص: 100

خلال عدم ثبوت الردع عنها.

هذا مضافا الي امكان استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن العرزمي عن ابي عبد اللّه عن ابيه عليهما السّلام: «المنبوذ حر، فاذا كبر فان شاء توالي الي الذي التقطه و الا فليرد عليه النفقة و ليذهب فليوال من شاء»(1) الدالة علي لزوم رد النفقة بعد البلوغ اذا اراد ان يوالي الغير.

4 - من احكام الضالة
اشارة

الحيوان المملوك للغير اذا عثر عليه في الصحراء و نحوها من الامكنة التي لا يؤمن فيها من السباع و نحوها و كان قادرا علي حفظ نفسه - اما لكبر جثته او سرعة عدوه كالبعير و نحوه - فلا يجوز اخذه، و من فعل ذلك كان ضامنا له و لا تبرأ ذمته من ضمانه الا بدفعه الي مالكه، و لا يزول الضمان عنه بارساله في الموضع الذي اخذ فيه، و يلزم تعريفه، و مع اليأس من الوصول الي مالكه و معرفته يتصدق به.

و اذا كان لا يقدر علي حفظ نفسه - كما في الشاة و نحوها - فلا يجب اخذه و ان جاز و يلزم تعريفه في موضع الالتقاط، و مع عدم معرفة صاحبه يجوز التصرف فيه بالاكل و نحوه مع ضمان قيمته بعد ذلك لو عاد صاحبه و لم يرض بما حصل.

و اذا عثر علي الحيوان في الامكنة العامرة التي يؤمن فيها من السباع عادة فلا يجوز اخذه، و مع الاخذ يضمن، و يلزم تعريفه و يبقي الي ان يؤدي الي

ص: 101


1- وسائل الشيعة 371:17 الباب 22 من أبواب اللقطة الحديث 3.

مالكه، و مع اليأس عنه يتصدق به.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز اخذ الحيوان في الصحراء و نحوها ما دام قادرا

علي حفظ نفسه

فهو مقتضي قاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير ما دام لا يحرز طيب نفسه، المستندة الي قوله صلّي اللّه عليه و آله: «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه»(1).

هذا مضافا الي دلالة صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سأل رجل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن الشاة الضالة بالفلاة فقال للسائل: هي لك او لأخيك او للذئب. قال: و ما احب ان امسها. و سئل عن البعير الضال فقال للسائل: ما لك و له، خفه حذاؤه، و كرشه سقاؤه، خل عنه»(2) و غيرها علي ذلك. و السؤال في ذيلها و ان كان خاصا بالبعير الا ان الجواب يستفاد منه العموم لكل حيوان قادر علي حفظ نفسه.

2 - و اما ضمان من اخذ الحيوان القادر علي حفظ نفسه

فهو مقتضي قاعدة علي اليد الثابتة بالسيرة العقلائية الممضاة من خلال عدم الردع عنها.

3 - و اما بقاء الضمان بعد الاخذ الي ان يتم تسليمه الي مالكه و لا

يكفي ارساله

فلقضاء قاعدة علي اليد بذلك و ان الضمان يستمر الي ان يتمّ التسليم بشكل كامل الي المالك.

4 - و اما لزوم تعريف الحيوان

فلانه مقدمة للإيصال الي المالك المفروض وجوبه.

ص: 102


1- وسائل الشيعة 424:3 الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 364:17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحديث 5.

و اما انه مع اليأس عنه يتصدق به فلان ذلك حكم مجهول المالك علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

5 - و اما ان الحيوان اذا كان لا يقدر علي حفظ نفسه فلا يجب

اخذه

فلان الحفاظ علي مال الغير لا دليل علي وجوبه.

و اما جواز اخذه - بالرغم من اقتضاء القاعدة عدم جوازه - فلصحيحة معاوية المتقدمة. و موردها و ان كان خاصا بالشاة الا ان المستفاد من الجواب التعميم لغيرها.

و اما لزوم تعريفه فلانه مقدمة للإيصال الي المالك المفروض وجوبه. هذا مضافا الي دلالة صحيحة علي بن جعفر - المتقدمة في احكام اللقطة الرقم 3 - علي ذلك. و هي كما تدل علي لزوم التعريف تدل أيضا علي جواز الانتفاع مع الضمان.

6 - و اما انه لا يجوز اخذ الحيوان الضائع في الامكنة العامرة

فهو مقتضي قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير من دون احراز طيب نفسه.

و اما انه يضمن مع الاخذ و يلزم تعريفه و يبقي الضمان الي ان يؤدي الي المالك و مع اليأس عنه يتصدق به فقد اتضح مما تقدم.

5 - من احكام مجهول المالك
اشارة

عنوان اللقطة لا يرادف عنوان مجهول المالك.

و حكم اللقطة ما تقدم، في حين ان حكم المال المجهول مالكه هو الفحص عنه الي حدّ اليأس - من دون تقيد بمدّة سنة - فان تحقق تصدق به.

ص: 103

و اذا كان المالك معلوما و تعذر الوصول اليه و كسب الاجازة منه في تحديد كيفية التصرف فحكمه حكم المال المجهول مالكه.

و عليه فمن أخذ قلما او مسبحة او غير ذلك من الغير لقضاء حاجة فعلية له و لم يعرف ممن اخذ ذلك او كان يعرفه و لكن لا يعرف خبره فحكمه حكم مجهول المالك دون اللقطة.

و هكذا الحال في من اودع بعض اثاث بيته في دار شخص و سافر من دون ان يعرف خبره فانه يلزم تطبيق حكم مجهول المالك عليه دون اللقطة.

و هكذا الحال في سائر الأمثلة التي لا يكون فيها عنوان الضياع متحققا.

و من خلال هذا يتضح الحال في من تبدل حذاؤه او عباءته اشتباها فانه يجري في مثل ذلك حكم مجهول المالك و لا يجوز التصرف الا مع احراز رضا المالك. و في جواز المقاصة اشكال خصوصا اذا كان الاشتباه منه لا من الغير.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان عنوان اللقطة عنوان آخر يغاير عنوان مجهول المالك

فواضح، اذ اللقطة فرد من افراد مجهول المالك و لا تصدق عرفا الا مع الضياع. و قد رتب عليها شرعا حكم خاص، و هو وجوب الفحص عن المالك لمدة سنة ثم مع عدم العثور عليه يتخير بين امور ثلاثة حسبما تقدم حتي مع فرض عدم اليأس من العثور عليه، و هذا بخلاف عنوان مجهول المالك غير اللقطة فان الفحص عن مالكه لازم من دون تقيد بمدة سنة بل المدار - حسبما هو المختار لجملة من الاصحاب و تدل عليه بعض الروايات الآتية - علي اليأس منه، و مع تحققه لا يتخير بين الامور الثلاثة بل يتعين التصدق.

ص: 104

2 - و اما الفرق بين اللقطة و مجهول المالك في الحكم

فمستنده:

اما بالنسبة الي اللقطة فهو ما تقدم من الروايات.

و اما بالنسبة الي مجهول المالك فهو ما يظهر من بعض الروايات، كصحيحة يونس بن عبد الرحمن: «سئل ابو الحسن الرضا عليه السّلام و انا حاضر... رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فاي شيء نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة. قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع. قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه. قال له: علي من جعلت فداك؟ قال: علي اهل الولاية»(1) ، و صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل كان له علي رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أحي هو أم ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا. قال: اطلب. قال: فان ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال: اطلبه»(2).

بل يمكن التمسك لا ثبات وجوب الفحص في مجهول المالك الي حد اليأس بقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (3).

3 - و اما تعميم حكم مجهول المالك للمال المعلوم مالكه مع تعذر

الوصول اليه

فباعتبار ان مورد الروايات السابقة هو معلوم المالك

ص: 105


1- وسائل الشيعة 357:17 الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 583:17 الباب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 2. و سند الصحيحة الذي سجله الحر في الوسائل ضعيف - لعدم ثبوت وثاقة ابن عون و ابي ثابت - الا ان هناك سندا آخر صحيحا أشار اليه الشيخ في تهذيبه 188:6.
3- النساء: 58.

و انما تعدينا الي مجهول المالك لأجل الغاء الخصوصية عرفا.

4 - و اما اعتبار تعذر كسب الاجازة من المالك المعلوم

فباعتبار انه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون طيب نفسه فاذا امكن كسب الاجازة في تحديد كيفية التصرف فلا يجوز من دونه.

5 - و اما الحكم المذكور لتبدل العباءة او الحذاء

فواضح اذ مع احراز رضا المالك بالتصرف بنحو خاص فلا تعود مشكلة، و مع عدم احراز ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك.

و اما وجه الاشكال في جواز المقاصة فباعتبار ان مستندها خاص بمورد التعمد و المفروض في محل كلامنا هو الاشتباه فلاحظ صحيحة داود بن رزين: «قلت لأبي الحسن موسي عليه السّلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه»(1).

و اما اوضحية الاشكال في جواز المقاصة في حالة كون الاشتباه من الشخص نفسه دون الغير فباعتبار ان مستند جواز المقاصة علي تقدير عمومه لحالة الاشتباه خاص بما اذا كان الاشتباه من الغير لا من الشخص نفسه.

ص: 106


1- وسائل الشيعة 201:12 الباب 83 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

كتاب الاقرار

اشارة

1 - حقيقة الاقرار و مدرك حجيته

2 - من أحكام الاقرار

ص: 107

ص: 108

1 - حقيقة الاقرار و مدرك حجيته
اشارة

الاقرار اخبار الشخص عن حق ثابت عليه او نفي حق له علي غيره.

و هو حجة و نافذ علي المقر بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حقيقة الاقرار ما ذكر

فمما لا تأمل فيه، فان لفظ الاقرار - بناء علي كون مدرك حجية الاقرار لفظيا - ظاهر عرفا فيما ذكرناه.

و اذا كان مدرك الحجية هو السيرة العقلائية فهي تقتضي ثبوت الحجية للإقرار بالمعني المذكور.

ثم ان لازم كون الاقرار اخبارا خروجه عن العقود و الايقاعات و كونه شيئا ثالثا في مقابلهما كما هو واضح.

و ينبغي التفرقة بين قاعدة حجية الاقرار و قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، فان معني الاولي: ان من أقرّ علي نفسه بشيء كان ملزما به، في حين ان معني الثانية: ان من كان له الحق في تصرف معين فاخباره عن تحققه نافذ، فالزوج ما دام له الحق في طلاق زوجته

ص: 109

فاخباره عن تحققه نافذ، و الوكيل في بيع دار و نحوها بما ان له الحق في ايقاع ذلك فاخباره عن تحققه نافذ.

2 - و اما ان الاقرار حجة علي المقر و ملزم به

فلا ينبغي التأمل فيه للسيرة العقلائية علي ذلك. و هي حجة بسبب عدم الردع عنها الكاشف عن امضائها.

هذا هو مدرك حجية اقرار العاقل علي نفسه.

و اما الحديث المشهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «اقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(1) فلا وجود له في كتب الحديث و انما هو مذكور في الكتب الاستدلالية لفقهائنا - من دون سند - كما اشار الي ذلك الحر العاملي(2).

و دعوي صاحب الجواهر انه حديث نبوي مستفيض او متواتر لا نعرف وجهها(3) ، فانه لم يثبت كونه حديثا ليكون مستفيضا او متواترا.

و اما شهرة العمل به - علي تقدير كونه حديثا - فهي لو تمت صغري و كبري فلا يمكن الاعتماد عليها في المقام لاحتمال ان استنادهم اليه ليس لكونه حديثا صادرا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله حقا بل لان مضمونه مضمون عقلائي لا يحتاج الي رواية.

و عليه فالمدرك منحصر بالسيرة العقلائية.

و اما الاستدلال علي حجية الاقرار بمثل قوله تعالي: أَ أَقْرَرْتُمْ

ص: 110


1- وسائل الشيعة 133:16 الباب 3 من ابواب الاقرار الحديث 2، مستدرك الوسائل (نقلا عن عوالي اللآلي) 369:13.
2- وسائل الشيعة 133:16.
3- جواهر الكلام 3:35.

وَ أَخَذْتُمْ عَلي ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا (1) ، وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ (2) ، أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي (3) فهو كالاستدلال بحكم العقل - بتقريب ان العاقل حيث انه لا يكذب علي نفسه بما يضره فاذا اقرّ علي نفسه بشيء حصل القطع بصدق المضمون المقر به - لا يخفي ما فيه.

2 - من احكام الاقرار
اشارة

لا يلزم الشخص باقراره الا اذا كان اخباره - بثبوت الحق عليه او انتفائه عنه - بنحو الجزم دون الاحتمال او الظن.

و لا يكون الاقرار حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في ضرر المقر دون الآثار التي هي في صالحه او التي هي مرتبطة بالغير و هو أجنبي عنها.

و لا تختص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين بل يكفي كل ما يدل عليه و لو بالاشارة او الدلالة الالتزامية.

و لو عقّب المقر اقراره بما يضاده فان كان ذلك تراجعا منه عن اقراره فلا ينفذ بخلاف ما اذا كان تفسيرا و توضيحا.

و لو قال المقر هذا الشيء لفلان ثم قال بل لفلان فالمشهور ذهب الي لزوم دفعه الي الاول و غرامة قيمته للثاني.

و لو قال لفلان عليّ مال ألزم بتوضيحه.

و من ادعي زوجية امرأة و صدّقته قبل ذلك منه. و لو انكرت ذلك و لم تكن

ص: 111


1- آل عمران: 81.
2- التوبة: 102.
3- الاعراف: 172.

له بينة ألزم بترتيب ما عليه من الآثار.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاقرار لا يكون ملزما للمقر الا اذا كان بنحو الاخبار

الجازم

فلقصور السيرة عن الشمول الا لمثل ذلك. و لا أقلّ من الشك في الشمول، و هو كاف في اثبات المطلوب.

2 - و اما ان الاقرار لا يكون حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في

ضرر المقر

فباعتبار ان الاقرار علي النفس لا يصدق الا بلحاظ ذلك.

و منه يتضح لزوم التفكيك في كل اقرار بلحاظ آثاره فيلزم المقر بالآثار التي هي في ضرره دون غيرها، فلو أقر بابوة شخص له ألزم بالانفاق عليه دون العكس.

3 - و اما عدم اختصاص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين

و كفاية الاشارة و الدلالة الالتزامية

فلإطلاق السيرة العقلائية من هذه الناحية.

4 - و اما التفصيل - فيما لو عقّب المقر اقراره بما يضاده - بين ما

كان تراجعا فلا يقبل و بين ما اذا كان تفسيرا فيقبل

فلاقتضاء السيرة - التي هي المستند لحجية الاقرار - لذلك.

5 - و اما انه لو قال المقر هذا الشيء لفلان ثم قال بل لفلان دفع

الي الاول و غرم قيمته للثاني

فقد علله المشهور بان دفع العين للأول هو باعتبار حجية الاقرار الاول، و دفع القيمة الي الثاني هو باعتبار ان المقر باقراره الاول قد حال بينه و بينها فهو كالمتلف.

6 - و اما ان المقر يلزم بالتوضيح لو قال لفلان عليّ مال

فباعتبار ان ذمة المقر لما ثبت اشتغالها بالمال بمقتضي الاقرار فمن اللازم

ص: 112

تفريغها - علي تقدير المطالبة - و هو لا يتحقق الا بذلك.

7 - و اما ان من ادعي زوجية امرأة و صدّقته قبل ذلك منهما و حكم

بالزوجية

فلقاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» الثابتة بالسيرة العقلائية.

و اما ان المرأة لو أنكرت ألزم بترتيب الآثار التي هي عليه - كحرمة التزويج بأمّها أو أختها - فباعتبار حجية الاقرار علي النفس.

و اما بقية الآثار - كجواز النظر و نحوه - فحيث انه لا تدخل تحت القاعدة المذكورة فتعود بلا مثبت.

اجل بالنسبة الي الانفاق بالخصوص يمكن ان يقال بعدم وجوبه لأنه مقابل التمكين - اذ مع عدمه تكون ناشزا، و هي لا نفقة لها - المفروض عدمه.

ص: 113

ص: 114

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

1 - حيوان البحر 2 - حيوان البر 3 - الطيور 4 - ما يحرم من الحيوان المذبوح 5 - التحريم الطارئ

ص: 115

ص: 116

افراد ما يحرم تناوله ما يحرم تناوله تارة يكون من الحيوان و اخري من غيره. و نقصر الحديث - خوف الاطالة - علي الاول.

و الحديث يقع تاره عن حيوان البحر، و اخري عن حيوان البر، و ثالثة عن الطيور، و رابعة عما يحرم من الحيوان المذبوح، و خامسة عن التحريم الطارئ علي الحيوان في حالات معينة.

1 - حيوان البحر
اشارة

كل حيوان يعيش في الماء محرم ما عدا قسمين: السمك الذي له فلس(1) ، و الطيور المائية.

و اذا شك في وجود الفلس بني علي الحرمة. اما اذا شك في فلسية الموجود بني علي الحلية.

ص: 117


1- و قد عبّر عن الفلس في الروايات بالقشر.

و المستند في ذلك:

1 - اما انحصار الحلية في الحيوانات التي تعيش في الماء

بما تقدم فمرجعه الي دعويين:

الاولي: حلية السمك الذي له فلس، و الطيور المائية.

الثانية: حرمة ما عدا ذلك.

اما بالنسبة الي الدعوي الاولي فيدل عليها امران:

أ - التمسك بأصل الحل - الذي هو الاصل الاولي في الاشياء - المستند الي مثل قوله تعالي: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلي طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ... (1) ، و قوله صلّي اللّه عليه و آله: «رفع عن امتي... ما لا يعلمون»(2) ، و غير ذلك.

ب - الروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت له: رحمك اللّه انا نؤتي بسمك ليس له قشر فقال: كل ما له قشر من السمك، و ما ليس له قشر فلا تأكله»(3) و غيرها.

هذا بالنسبة الي السمك.

و اما الطيور فيأتي التحدث عنها تحت عنوان الطيور إن شاء اللّه تعالي.

و اما بالنسبة الي الدعوي الثانية فهي متسالم عليها بين الاصحاب و ان نسب صاحب الجواهر الي بعض متأخري المتأخرين الوسوسة في ذلك بل الميل الي الحلّ في الجملة. و ربما ينسب ذلك الي الشيخ

ص: 118


1- الانعام: 145.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 397:16 الباب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.

الصدوق أيضا و لكنه لم يثبت(1).

و علي اي حال يمكن التمسك لذلك بموثقة عمار بن موسي الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الربيثا فقال: لا تأكلها فانا لا نعرفها في السمك يا عمار»(2).

ان قلت: ان الربيثا التي هي مورد الموثقة قد وردت روايات تدل علي حليتها من قبيل صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: «كتبت الي ابي الحسن الرضا عليه السّلام: اختلف الناس عليّ في الربيثا فما تأمرني به فيها؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس بها»(3). و لازم ذلك حمل النهي عن أكلها علي الكراهة، و معه فكيف يتمسك بالتعليل؟

قلت: ان ذلك لا ينافي حجية التعليل و جواز التمسك به، فانه علي اي حال يستفاد منه عدم حلية غير السمك، غايته بالنسبة الي خصوص الربيثا يلتزم بحليتها و ان لم تكن من السمك(4) للروايات الصريحة في جوازها.

2 - و اما تقييد حلية السمك بما اذا كان ذا فلس

فهو المعروف بين الاصحاب بل كاد يكون ذلك متسالما عليه بينهم. و تدل عليه الروايات الكثيرة التي من جملتها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

الا ان في مقابل ذلك روايات تستفاد منها حلية ما ليس له فلس، كصحيحة محمد بن مسلم الاخري: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الجري

ص: 119


1- جواهر الكلام 243:36.
2- وسائل الشيعة 408:16 الباب 12 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 407:16 الباب 12 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
4- بيد ان الفيض الكاشاني في الوافي 42:19 ذكر ان الربيثا نوع من السمك.

و المارماهي و الزمّير و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ قال لي: يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الانعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلي... (1) قال: فقرأتها حتي فرغت منها فقال: انما الحرام ما حرّم اللّه و رسوله في كتابه و لكنهم قد كانوا يعافون اشياء فنحن نعافها»(2) و غيرها.

و قد يجاب عنها اما بانه لا اعتبار بها بعد كثرة الروايات الدالة علي تقيّد الحل بالفلس او بلزوم حملها علي التقية.

و كلاهما كما تري، فان الجمع العرفي - بالحمل علي الكراهة - ما دام ممكنا فلا تصل النوبة الي ما ذكر، فان ذلك فرع التعارض المستقر المفروض عدمه.

و عليه فلا مناص لأجل ردها الا دعوي تسالم الاصحاب علي خلافها و هجرانهم لمضمونها حتي قال صاحب الجواهر: «لا تنبغي الوسوسة في الحكم المذكور خصوصا في مثل هذا الزمان الذي كاد يكون من ضروري المذهب»(3).

3 - و اما انه اذا شك في وجود الفلس يبني علي الحرمة

فلاستصحاب عدمه.

و اما انه اذا شك في فلسية الموجود يبني علي الحلية فلان مرجع الشك المذكور الي الشك في سعة الحرمة و شمولها لمثل الحيوان المذكور فيبني علي البراءة.

ص: 120


1- الانعام: 145.
2- وسائل الشيعة 404:16 الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 20.
3- جواهر الكلام 250:36.
2 - حيوان البر
اشارة

الحيوان الذي يعيش في البر تارة يكون اهليا و اخري وحشيا.

اما الاهلي فتحل منه الانعام الثلاث و الخيل و البغال و الحمير و ان كانت الثلاثة الاخيرة مكروهة.

و اما الوحشي فيحل منه البقر و كبش الجبل(1) و الحمر الوحشية و الغزلان و اليحامير(2).

و هل ينحصر الحل - في حيوان البر - بما ذكر؟ يشكل ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما حلية الانعام الثلاث

فهي من ضروريات الدين. و يدل عليها مضافا الي ذلك:

أ - قوله تعالي: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (3) ، وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ

ص: 121


1- كبش الجبل - علي ما قيل - هو الضأن و المعز الجبليان.
2- اليحمور حيوان شبيه بالابل. و قيل هو دابة وحشية لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كل سنة.
3- النحل: 5.

حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ.. (1) .

ب - و بقطع النظر عن ذلك يكفينا اصل الحل.

2 - و اما حلية لحم الخيل و البغال و الحمير

فهي المشهور بين الاصحاب. و نسب الخلاف الي الشيخ المفيد و الحلبي حيث حرّم الاول البغال و الحمير و الهجين من الخيل(2) ، و الثاني خصوص البغال(3).

و تدل علي الحلية - مضافا الي الاصل - صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «انهما سألاه عن اكل لحوم الحمر الاهلية فقال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن اكلها يوم خيبر و انما نهي عن اكلها في ذلك الوقت لأنها كانت حمولة الناس و انما الحرام ما حرّم اللّه في القرآن»(4) ، و صحيحة محمد بن مسلم الاخري عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن لحوم الخيل و البغال و الحمير فقال: حلال و لكن الناس يعافونها»(5) و غيرهما.

و في مقابل ذلك نصوص دلت علي النهي عن اكلها، من قبيل صحيح ابن مسكان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام... عن اكل الخيل و البغال فقال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عنها و لا تأكلها الا ان تضطر اليها»(6) ، و صحيح سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن لحوم البراذين(7)

ص: 122


1- الانعام: 142-144.
2- الهجين هو ما كان احد ابويه غير عربي.
3- جواهر الكلام 268:36.
4- وسائل الشيعة 390:16 الباب 4 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 393:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
6- وسائل الشيعة 393:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
7- البرذون هو التركي من الخيل في مقابل العراب.

و الخيل و البغال فقال: لا تأكلها»(1).

و ذكر في الجواهر ان بالامكان ترجيح الطائفة الاولي باعتبار موافقتها للكتاب الكريم و مخالفتها للعامة(2).

هذا و لكن المناسب الجمع بحمل الثانية علي الكراهة فان الاولي صريحة في الجواز و الثانية ظاهرة في التحريم، و العرف يجمع بتأويل الظاهر بحمله علي الكراهة بقرينة الصريح.

و عليه فالتعارض غير مستقر لا مكان الجمع العرفي بينهما، و معه لا تصل النوبة الي اعمال المرجحين السابقين فان اعمال المرجحات فرع التعارض المستقر، و المفروض عدمه.

و من خلال الجمع العرفي المتقدم اتضح وجه الحكم بكراهة اكل لحم الثلاثة.

3 - و اما ان الخمسة من الحيوان الوحشي يحل اكل لحمها

فلم يعرف فيه خلاف. و يدل عليه:

أ - أصل الحل بالبيان المتقدم في بداية البحث.

ب - النصوص الخاصة، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام:

«سألته عن ظبي او حمار وحش او طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمتي يؤكل؟ قال: كله ما لم يتغير اذا سمي و رمي»(3) ، و صحيحة سعد بن سعد: «سألت الرضا عليه السّلام عن اللامص فقال: و ما هو؟ فذهبت أصفه فقال: أ ليس اليحامير؟ قلت: بلي، قال: أ ليس تأكلونه

ص: 123


1- وسائل الشيعة 394:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.
2- جواهر الكلام 269:36.
3- وسائل الشيعة 34:17 الباب 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 5.

بالخل و الخردل و الابزار؟ قلت: بلي، قال: لا بأس به»(1) ، و صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال في إيل يصطاده رجل فيقطعه الناس و الرجل يتبعه أ فتراه نهبة(2) ؟ قال: ليس بنهبة و ليس به بأس»(3) ، فان الأيل هو بقر الجبل.

و يبقي كبش الجبل لا رواية خاصة فيه الا انه يمكن التمسك لا ثبات حليته بقوله تعالي: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ (4) ، بناء علي تفسير الأنثيين بالاهلي و الوحشي، بل حتي لو فسر بالذكر و الانثي فبالامكان التمسك بالاطلاق.

4 - و اما وجه الاشكال في حصر حلّ حيوان البر بما ذكر

فباعتبار ان ادلة حلية ما تقدم لا يستفاد منها حصر الحل بذلك، و معه يبقي غيره علي اصل الحل الا ما دل الدليل علي تحريمه بعنوانه الخاص، و هو ما يلي:

أ - نجس العين، كالكلب و الخنزير، فان حرمة لحمه هي من لوازم نجاسته العينية، كما هو واضح.

ب - السباع(5) ، كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و الضبع و...

و لا خلاف في تحريمها. و يدل علي ذلك صحيح داود بن فرقد عن ابي

ص: 124


1- وسائل الشيعة 34:17 الباب 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 2.
2- أي هل يعدّ أخذ الناس له نهبا و غصبا محرما بعد فرض ان الرجل قد جرحه.
3- وسائل الشيعة 275:16 الباب 17 من أبواب الصيد الحديث 2.
4- الانعام: 143.
5- السبع: كل حيوان مفترس. و قيل: هو كل حيوان له ظفر و ناب. و الناب هو السن الذي يتم به الافتراس.

عبد اللّه عليه السّلام: «كل ذي ناب من السباع و مخلب من الطير حرام»(1) ، و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يصلح اكل شيء من السباع، اني لا كرهه و اقذره»(2).

و مقتضي الصحيح الاول اعتبار وجود الناب بخلاف الصحيح الثاني فان مقتضاه عدم اعتبار ذلك علي تقدير وجود سبع لا ناب له.

و قد يجمع بحمل المطلق علي المقيد بناء علي ثبوت المفهوم للمقيد.

و هو وجيه لو لا موثقة سماعة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المأكول من الطير و الوحش فقال: حرّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كل ذي مخلب من الطير و كل ذي ناب من الوحش فقلت: ان الناس يقولون: من السبع فقال لي:

يا سماعة السبع كله حرام و ان كان سبعا لا ناب له و انما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هذا تفضلا الي ان قال: و كل ما صف و هو ذو مخلب فهو حرام»(3) الدالة علي حرمة مطلق السبع.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يدل علي عدم حرمة السبع، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سئل عن سباع الطير و الوحش... فقال: ليس الحرام الا ما حرم اللّه في كتابه...»(4) و غيرها، الا انها ساقطة عن الحجية لهجران مضمونها بين الاصحاب.

ج - المسوخ، كالقردة و الخنازير و... و لا خلاف في تحريمها. و تدل6.

ص: 125


1- وسائل الشيعة 387:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 388:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 388:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 394:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 6.

علي ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن اكل الضب فقال: ان الضب و الفأرة و القردة و الخنازير مسوخ»(1) ، و موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «حرّم اللّه و رسوله المسوخ جميعها»(2) و غيرهما.

د - الحشرات. و هي كل حيوان يأوي ثقوب الارض، كالحية و العقرب و الجرذ و الفأرة و... و لم يعرف خلاف في حرمتها، الا انه لا دليل علي ذلك سوي رواية دعائم الإسلام عن امير المؤمنين عليه السّلام: «انه نهي عن الضب و القنفذ و غيره من حشرات الارض»(3).

و تمامية الحكم المذكور تتوقف علي احد الامور التالية:

الاول: ان الرواية و ان كانت ضعيفة السند - باعتبار انها مرسلة بل هذا هو الطابع العام علي روايات دعائم الإسلام - الا انها تعود حجة بناء علي تمامية كبري انجبار الرواية الضعيفة بفتوي المشهور علي و فقها.

الثاني: البناء علي حجية الشهرة الفتوائية كمدرك لإثبات الحكم الشرعي كما هو رأي المشهور بعد الالتفات الي ان حرمة الحشرات امر مشهور لو لم تكن مجمعا عليها.

الثالث: ان الحكم بحرمة الحشرات اجماعي - علي ما قيل - و الاجماع حجة بالرغم من كونه محتمل المدرك، بتقريب ان المجمعين اما ان يكونوا قد استندوا الي رواية الدعائم، و هذا يدل علي حقانية مضمونها، او لم يستندوا اليها، و هذا يعني ان الاجماع تعبدي و قد6.

ص: 126


1- وسائل الشيعة 379:16 الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 380:16 الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
3- مستدرك وسائل الشيعة 170:16.

وصل الحكم المجمع عليه يدا بيد من المعصوم عليه السّلام.

و ينبغي الالتفات الي ان من مصاديق الحشرات الديدان فهي محرمة علي هذا، الا انه ينبغي ان يستثني من ذلك الديدان المتكونة في الفاكهة.

و الوجه في ذلك اما القصور في المقتضي، باعتبار ان الشهرة او الاجماع دليل لبي ينبغي الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و هو غير ذلك، او لوجود المانع و هو انعقاد سيرة المتشرعة علي التسامح مع ديدان الفاكهة.

هذه عناوين اربعة قد ثبت التحريم فيها.

و ربما يضاف اليها خامس، و هو عنوان الخبائث و يحكم بحرمة مثل الخنافس و الخفاش و القمل و غيرها من جهته - حتي مع فرض عدم دخولها تحت احد العناوين السابقة - استنادا الي مثل قوله تعالي:

يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ (1) .

و هو وجيه لو كان المراد من الخبائث ما تشمئز منه النفوس و لم يحتمل كون المراد منها الاعمال السيئة.

هذا و قد ادعي الاجماع علي حرمة مثل الزنابير و الذباب و البق و الفراش و الديدان و ما شاكل ذلك.

و لعل النكتة كونها من الخبائث، بل ان بعضها هو من المسوخ - علي ما قيل - كالزنابير.7.

ص: 127


1- الاعراف: 157.
3 - الطيور
اشارة

يحل كل حيوان طائر الا اذا:

أ - كان سبعا، أي ذا مخلب.

ب - أو كان صفيفه اكثر من دفيفه(1).

ج - أو لم تكن له قانصة و لا حوصلة و لا صيصية(2).

و الطير متي ما احرز حال صفيفه حكم بمقتضاه من دون ان تصل النوبة الي ملاحظة القانصة و نحوها و انما يلحظ ذلك في الطير الذي لا يعرف حال صفيفه.

و عليه فعند التعارض بين العلامة الثانية و الثالثة تقدم الثانية.

ص: 128


1- صفيف الطائر بسطه لجناحيه حالة طيرانه، كما هو الحال في جوارح الطير. و دفيفه تحريكه لجناحيه.
2- القانصة هي للطير بمنزلة المصارين في غيره، و تجتمع فيها الاجسام الصلبة، و يعبر عنها في الفارسية ب «سنك دان». و الحوصلة للطير كالمعدة لغيره، و تكون في آخر العنق عادة. و هذان العضوان يختص بهما الطائر الذي يأكل الحبوب ليسهل عليه من خلالهما هضم ما يعسر هضمه. و هما مفقودان في جوارح الطيور التي تأكل اللحوم لان اللحم سريع الهضم. و الحبّ متي ما اجتمع في الحوصلة يلين من خلال افرازاتها الخاصة و يستعد للهضم في القانصة. و قد قيل: ان افرازات القانصة تحلل ما كان في غاية الصلابة، بل ان قانصة النعامة قابلة لتحليل الحديد. هذا كله في القانصة و الحوصلة. و اما الصيصة فهي شوكة خلف رجل الطائر خارجة عن قدمه، و هي له بمنزلة الابهام للإنسان.

و يكفي عند فقدان العلامة الثانية وجود احد الامور الثلاثة و لا يلزم وجود جميعها.

و لا فرق في الاحكام المذكورة للطائر بين كونه طير بر او طير ماء.

و قد وقعت بعض الطيور الخاصة محلا للخلاف، كالغراب و اللقلق مثلا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان كل طائر هو محكوم بالحلية الا اذا انطبق عليه احد

العناوين المذكورة

فلأن ذلك مقتضي اصل الحل.

2 - و اما حرمة السبع من الطائر

فهي مما لا يعرف فيها خلاف.

و تدل عليها صحيحة داود بن فرقد و موثقة سماعة المتقدمتان في الرقم 4 من حيوان البر - و غيرهما.

3 - و اما حرمة ما يصفّ

فلم يعرف فيها خلاف. و تدل عليها صحيحة زرارة: «سأل ابا جعفر عليه السّلام عما يؤكل من الطير فقال: كل ما دفّ و لا تأكل ما صفّ»(1) ، و موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل ما صفّ و هو ذو مخلب فهو حرام...»(2) و غيرهما. و المراد كل ما دفّ اكثر و لا تأكل ما صفّ اكثر - كما فهم الفقهاء - و ليس المراد ما كان كذلك دائما، اذ كل ما يصف يدف أيضا و العكس بالعكس كما هو واضح.

4 - و اما حرمة الطائر الفاقد للقانصة و الحوصلة و الصيصة

فلم يعرف فيها خلاف. و تدل عليها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: الطير ما يؤكل منه؟ فقال: لا تأكل ما لم تكن له

ص: 129


1- وسائل الشيعة 420:16 الباب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 421:16 الباب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 2.

قانصة»(1) ، و موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل من طير البر ما كانت له حوصلة و من طير الماء ما كانت له قانصة... و القانصة و الحوصلة يمتحن بهما الطير ما لا يعرف طيرانه و كل طير مجهول»(2) ، و رواية ابن بكير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة»(3).

و قد ورد في سند الاخيرة سهل. و الامر فيه ان كان سهلا فلا مشكلة و الا فحجيتها - من حيث علامية الصيصة التي لم ترد الا فيها - تبتني علي القول بكبري الانجبار.

5 - و اما ان العلامة الثالثة هي في طول فقدان العلامة الثانية

فيمكن استفادته من موثقة سماعة المتقدمة.

هذا و يمكن ان يقال: ان العلامتين المذكورتين متلازمتان في الوجود الخارجي عادة بل ان العلامة الثانية ملازمة للأولي أيضا، فان اكثرية الصفيف هي من لوازم الطيور الجوارح ذات المخلب باعتبار قوتها بخلاف الدفيف فانه من لوازم الطير الضعيف الذي لا يكون من الجوارح.

و ربما يقال اكثر من ذلك: و هو ان الميزان الاساسي في تحريم الطيور كونها من السباع - اي ذات مخلب - و اما كثرة الصفيف فهي علامة علي ذلك، و فقدان الامور الثلاثة المتقدمة هو علامة علي العلامة المذكورة.

ص: 130


1- وسائل الشيعة 418:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 419:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 419:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.

و الوجه فيه:

اما بلحاظ ان فقدان الامور الثلاثة علامة علي العلامة المذكورة فقد اتضح مما سبق.

و اما ان اكثرية الصفيف لو حظت علامة علي اثبات السبعية و ان الملاك هو السبعية فيتضح بملاحظة موثقة سماعة المتقدمة في الرقم 4 من حيوان البر حيث قالت في بدايتها: «حرّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كل ذي مخلب من الطير...»(1) ، و هذا يدل علي كون الميزان في التحريم كون الطير ذا مخلب، ثم قالت في ذيلها: «و كل ما صف و هو ذو مخلب فهو حرام»، و هذا يدل علي اخذ الصفيف علامة علي كون الطائر ذا مخلب و الا فمن المعلوم عدم اعتبار الاجتماع، بل قيل ان الوارد في بعض النسخ: «فهو ذو مخلب»(2) و هو واضح فيما ذكرناه.

و يترتب علي هذا انا لو علمنا بكون الحيوان ليس ذا مخلب فمجرد اكثرية الصفيف لا تكون موجبة لتحريمه.

6 - و اما الاكتفاء بأحد الثلاثة في ثبوت الحل للحيوان

فباعتبار ان ذكرها في الروايات متفرقة دليل علي عدم اعتبار اجتماعها. هذا مضافا الي دلالة موثقة سماعة و رواية ابي بكير - المتقدمتين في الرقم 4 - علي ذلك بوضوح.

7 - و اما عدم الفرق بين طير البر و طير الماء في الاحكام المتقدمة

فباعتبار اطلاق النصوص المتقدمة، بل ان رواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل من الطير ما كانت له قانصة و لا مخلب له. قال:

ص: 131


1- وسائل الشيعة 388:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
2- جواهر الكلام 307:36.

و سئل عن طير الماء فقال: مثل ذلك»(1) صريحة في التعميم.

8 - و اما الغراب

فمنشأ الخلاف في تحريمه اختلاف الروايات فيه، فان صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «ان اكل الغراب ليس بحرام انما الحرام ما حرّم اللّه في كتابه...»(2) دلت علي حليته، في حين ان صحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الغراب الابقع و الاسود أ يحل اكلهما؟ فقال: لا يحل اكل شيء من الغربان زاغ و لا غيره»(3) دلت علي حرمته.

و التعارض مستقر. و المناسب ترجيح الاولي لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلي طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ... (4).

اجل لو لا المرجح المذكور كان المناسب التساقط و الحكم بالحرمة تمسكا باطلاق الروايات الدالة علي حرمة كل ما كان له مخلب، حيث نقل وجود المخلب في جميع اقسام الغراب(5).

هذا كله لو فرض حجية صحيحة زرارة في نفسها. اما اذا قلنا بعدم حجيتها - من باب هجران الاصحاب لمضمونها، فانهم لم يلتزموا

ص: 132


1- وسائل الشيعة 419:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 396:16 الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 396:16 الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3. و الابقع: هو ما خالط بياضه لون آخر. و الزاغ نوع من الغربان اسود صغير و قد يكون احمر المنقار و الرجلين. هذا و قد قيل بان الغراب علي اربعة اقسام، و الزاغ و الابقع هما من جملتها.
4- الانعام: 145.
5- جواهر الكلام 303:36.

بقاعدة ليس الحرام الا ما حرّم اللّه في كتابه، كما تقدمت الاشارة الي ذلك عند البحث عن حرمة السباع - فتبقي صحيحة علي بن جعفر بلا معارض و يلزم الاخذ بمضمونها و الحكم بالحرمة.

و بهذا اتضح ان الحكم بالحرمة هو المناسب علي تقديرين، و الحكم بالحلية هو المناسب علي تقدير واحد.

9 - و اما الخلاف في اللقلق

فليس لاختلاف النصوص فيه - فانه لا نص فيه بالخصوص - بل للاختلاف في تحقق ضوابط التحريم السابقة فيه و عدمه.

و قد قيل بوجود احدي العلامات الثلاث السابقة فيه فيلزم الحكم بحليته. و هذا وجيه اذا لم يثبت ان صفيفه اكثر، اما اذا ثبت ذلك - كما ادعي - فالمناسب الحكم بالحرمة و لا ينفع وجود احدي الثلاث السابقة فيه لما تقدم.

4 - ما يحرم من الحيوان المذبوح
اشارة

اذا ذبح الحيوان الذي يحل اكله لم يجز تناول جملة من الاشياء منه هي:

الدم، الخصيتان، القضيب، المثانة، الغدد(1) ، الطحال، المرارة.

و زاد المشهور اشياء اخري، كالفرج، و المشيمة(2) ، و خرزة الدماغ(3) ،

ص: 133


1- هي اجسام مدورة تشبه البندق.
2- و هي موضع الولد.
3- هي حبة بقدر الحمصة موجودة في وسط الدماغ.

و النخاع(1) ، و العلباءين(2) ، و حدقة العين(3) ، و الفرث.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة السبعة الاولي

فهي ما عليه المشهور، بل قد يدعي الاتفاق علي حرمة الدم و الخصيتين و القضيب و الطحال. و تدل علي ذلك صحيحة ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه السّلام: «حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم، و الخصيتان، و القضيب، و المثانة، و الغدد، و الطحال، و المرارة»(4) و غيرها. بل ان حرمة الدم هي من ضروريات الإسلام. و قد دلّ علي ذلك قوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ... (5) و غيره مما ورد في الكتاب الكريم.

و مقتضي الاطلاق حرمة الدم بجميع اقسامه بما في ذلك دم ما لا نفس له كالسمك.

اجل ينبغي ان يعفي من ذلك ما كان تابعا للّحم من دون ان يكون له وجود عرفي متميز، بل قد يتأمل في حرمة دم السمك من هذه الناحية.

2 - و اما حرمة البقية

فقد دلت عليها روايات(6) لا تخلو من ضعف

ص: 134


1- هو خيط ابيض في وسط فقار الظهر.
2- هما عصبان ممتدان علي الظهر من الرقبة الي الذنب.
3- و هي الحبة الناظرة منها لا جسم العين كله.
4- وسائل الشيعة 437:16 الباب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1. و السند بطريق الكليني اذا كان قابلا للمناقشة من ناحية عبيد اللّه الدهقان فهو بنقل البرقي في محاسنه لا اشكال فيه.
5- المائدة: 3.
6- وسائل الشيعة 437:16 الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة.

سندي. و بناء علي تمامية كبري الانجبار يمكن الافتاء بمضمونها. بل ان المحقق مال الي التحريم في المثانة و المرارة و المشيمة من جهة كونها من الخبائث(1).

5 - التحريم الطارئ
اشارة

قد تعرض الحرمة علي الحيوان المحلل بامور نذكر منها:

أ - الجلل، بان يتغذي الحيوان علي عذرة الانسان الي حدّ يصدق انها غذاؤه.

و تزول الحرمة بمنعه من التغذي بذلك الي ان يزول عنه اسم الجلل.

ب - وط ء الانسان لحيوان، فانه بذلك يحرم لحمه و لبنه و نسله. و قد قيل باختصاص التحريم بذوات الاربع.

ج - الموت، بمعني زهاق روح الحيوان من دون تذكية، فانه بذلك يحرم بجميع أجزائه الا ما لا تحله الحياة، كاللبن و البيضة اذا اكتست قشرها الاعلي و الانفحة(2).

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الجلال

فهي المشهور بين الاصحاب. و تدل عليها صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تأكل لحوم الجلالات

ص: 135


1- شرايع الإسلام 752:4، انتشارات استقلال.
2- الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء - و قد تكسر - و تشديد الحاء و تخفيفها: شيء اصفر يستخرج من بطن الجدي الراضع قبل ان يأكل فيعصر في صوف فيغلظ و يستعمل كخمرة للجبن. و يعبر عنه في الفارسية ب «پنيرمايه».

و ان اصابك من عرقها فاغسله»(1) و غيرها.

و نسب الي الاسكافي و الشيخ الحكم بالكراهة دون التحريم. و لا وجه له - علي ما ذكر في الجواهر(2) - سوي الاصل الذي لا بدّ من رفع اليد عنه بالصحيحة.

و عن السبزواري الميل الي الكراهة أيضا بتقريب ان مستند التحريم اخبار لا تدل الا علي الرجحان، و هي معارضة في الوقت نفسه بالعمومات الدالة علي الحل(3).

و فيه: ان النهي ظاهر في التحريم، و معه لا مجال للعمل بالعمومات للزوم رفع اليد عن العموم بعد وجود المخصص له.

2 - و اما قصر الجلال علي ما تغذي بعذرة الانسان و عدم التعميم

لما تغذي بغيرها من النجاسات

فلانه اذا لم يجزم بكون ذلك هو معني الجلاّل لغة فلا أقل من كونه القدر المتيقن، و يبقي الزائد مشمولا لأصل البراءة بعد عدم امكان التمسك بالعموم لكونه تمسكا به في الشبهة المصداقية، و هو لا يجوز، لان الحكم لا يتكفل اثبات موضوعه.

و بكلمة اخري: ان المورد داخل تحت الشبهة المفهومية الناشئة من تردد المفهوم بين السعة و الضيق، و في مثله ينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و يجري في الزائد المشكوك اصل البراءة.

3 - و اما التقييد بما اذا كان التغذي الي حدّ يصدق ان ذلك غذاؤه

فلانه من دون ذلك ان لم يجزم بعدم صدق عنوان الجلال فلا أقل من

ص: 136


1- وسائل الشيعة 431:16 الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 272:36.
3- جواهر الكلام 273:36.

الشك، و هو كاف في عدم تطبيق حكم الجلال لدخول المورد تحت الشبهة المصداقية التي لا يجوز فيها التمسك بالعموم.

4 - و اما زوال التحريم بمنع الحيوان من التغذي بذلك الي

ان يزول عنه اسم الجلل

فلان النهي كان متعلقا بعنوان الجلل فاذا زال زال.

و اما تحديد الفترة بمقدار معين - كأربعين يوما في الناقة و عشرين في البقرة و... - فمستنده اخبار ضعيفة فلاحظ (1).

5 - و اما حرمة موطوء الانسان

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، و عن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام، و عن اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم موسي عليه السّلام: «الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعا: ان كانت البهيمة للفاعل ذبحت فاذا ماتت احرقت بالنار و لم ينتفع بها و ضرب هو خمسة و عشرين سوطا ربع حد الزاني...»(2) ، و موثقة سماعة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بهيمة: شاة أو ناقة أو بقرة فقال: عليه ان يجلد حدا غير الحد(3) ثم ينفي من بلاده الي غيرها. و ذكروا(4) ان لحم تلك البهيمة محرم و لبنها»(5) و غيرهما.

و يمكن ان يستفاد من الصحيحة حرمة النسل، حيث قالت: «و لم

ص: 137


1- وسائل الشيعة 433:16 الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- وسائل الشيعة 570:18 الباب 1 من ابواب نكاح البهائم الحديث 1.
3- أي يحد أقل من حدّ الزنا، فان الزاني يحدّ بمائة في حين ان هذا يحد بخمسة و عشرين سوطا ربع حد الزاني.
4- قال المجلسي: اي الائمة عليهم السّلام. ثم قال: و لعله من كلام يونس او سماعة.
5- وسائل الشيعة 571:18 الباب 1 من ابواب نكاح البهائم الحديث 2.

ينتفع بها».

6 - و اما اختصاص التحريم بذوات الاربع

فقد صار اليه جماعة باعتبار ان ذلك هو المنصرف عرفا من كلمة البهيمة، و معه يتمسك في غير ذلك بأصل البراءة.

7 - و اما حرمة الميتة فامر

متسالم عليه بل هو من ضروريات الدين. قال تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ ... وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (1). و في الذيل دلالة واضحة علي حصر الحل بالمذكي و كون المراد من الميتة غير المذكي لا خصوص ما مات حتف انفه.

ثم ان حرمة الميتة لا تختص بما كان له نفس سائلة بل تعم غيره كالسمك مثلا لإطلاق دليل التحريم، اجل تختص النجاسة بميتة ذي النفس الا ان ذلك مطلب آخر.

8 - و اما استثناء ما ذكر من حرمة الميتة

فلصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس به. قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت، قال: لا بأس به.

قلت: و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة فقال: كل هذا لا بأس به»(2) و غيرها.

و انما قيدنا البيضة بما اذا اكتست القشر الاعلي فلموثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال:

ص: 138


1- المائدة: 3.
2- وسائل الشيعة 449:16 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 10.

ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها»(1)..»

ص: 139


1- وسائل الشيعة 448:16 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 6. و من جملة روايات المسألة ما رواه الشيخ الكليني في الكافي 256:6 بسنده الي ابي حمزة الثمالي قال: «كنت جالسا في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله اذ اقبل رجل فسلّم فقال: من أنت يا عبد اللّه؟ قلت: رجل من اهل الكوفة. فقلت: ما حاجتك فقال لي: أ تعرف ابا جعفر محمد بن علي عليهما السّلام فقلت: نعم فما حاجتك إليه؟ قال: هيّأت له اربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته و ما كان من باطل تركته، قال ابو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق و الباطل؟ قال: نعم، فقلت له: فما حاجتك إليه اذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل؟! فقال لي: يا اهل الكوفة انتم قوم لا تطاقون اذا رأيت ابا جعفر عليه السّلام فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتي اقبل ابو جعفر عليه السّلام و حوله اهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضي حتي جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه. قال ابو حمزة: فجلست حيث اسمع الكلام و حوله عالم من الناس، فلما قضي حوائجهم و انصرفوا التفت الي الرجل فقال له: من انت؟ قال: انا قتادة بن دعامة البصري فقال له ابو جعفر عليه السّلام: أنت فقيه اهل البصرة؟ قال: نعم، فقال له ابو جعفر عليه السّلام: ويحك يا قتادة ان اللّه عز و جل خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا علي خلقه فهم اوتاد في ارضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلا ثم قال: اصلحك اللّه و اللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدامك قال له ابو جعفر عليه السّلام: و يحك أ تدري أين أنت؟ أنت بين يدي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ [النور: 36-37] فانت ثمّ و نحن اولئك. فقال له قتادة: صدقت و اللّه جعلني اللّه فداك و اللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين. قال قتادة: فاخبرني عن الجبن، قال: فتبسم ابو جعفر عليه السّلام ثم قال: رجعت مسائلك الي هذا؟ قال: ضلت عليّ فقال: لا بأس به فقال: انه ربما جعلت فيه انفحة الميت قال: ليس بها بأس ان الانفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم. ثم قال: و انما الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة فقال قتادة: لا و لا آمر بأكلها فقال له ابو جعفر عليه السّلام: و لم؟ فقال: لأنها من الميتة، قال له: فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال: نعم، قال: فما حرّم عليك البيضة و حلّل لك الدجاجة...»

ص: 140

كتاب الصّيد و الذّباحة

اشارة

(وسائل التذكية) 1 - وسائل تحقق التذكية

أ - الذبح

ب - النحر

ج - الاصطياد

2 - ما يقبل التذكية و أثرها

ص: 141

ص: 142

1 - وسائل تحقق التذكية
اشارة

لا يجوز اكل لحم الحيوان المحلل شرعا الا اذا كان مذكي. و تتحقق التذكية بالذبح و النحر و الاصطياد.

أ - الذبح
اشارة

لا تتحقق تذكية الحيوان شرعا بالذبح الا اذا توفر ما يلي:

1 - قطع الاعضاء الاربعة: المريء و الحلقوم و الودجين(1).

2 - اسلام الذابح، فلا تحل ذبيحة الكافر بما في ذلك الكتابي و ان تحققت منه التسمية علي المشهور.

3 - الذبح بالحديد، فلا يحل الحيوان اذا كان الذبح بغيره الا في حالة عدم وجوده فيجوز بغيره مما يتحقق به قطع الاعضاء الاربعة المتقدمة.

4 - ذكر اسم اللّه سبحانه حالة الذبح.

5 - استقبال القبلة بالحيوان حالة ذبحه.

ص: 143


1- المريء: مجري الطعام. و الحلقوم: مجري النفس، و محله فوق المريء. و الودجان: عرقان غليظان يجري فيهما الدم محيطان بالحلقوم، و قيل بالمريء.

6 - قصد الذبح بقطع الاعضاء، فلا يكفي الذبح من السكران و الصبي و النائم، بل لا يكفي لو وقعت السكين علي الاعضاء و قطعتها او حرك الذابح السكين علي الاعضاء لا بقصد الذبح فتحقق حصوله مع التسمية.

7 - خروج الدم بالمقدار المتعارف مع تحريك الحيوان بعض اطرافه - كالرجل او الذنب او الاذن و ما شاكل ذلك - بعد الذبح. بل يلزم في الدم الخارج ان لا يكون متثاقلا في خروجه.

و قد يقال باختصاص اعتبار حركة بعض الاطراف في حلية الذبيحة فيما اذا شك في حياتها قبل الذبح، اما مع احرازها فلا يعتبر ذلك.

هذه شروط تحقق التذكية.

و لا تجوز ابانة رأس الحيوان عمدا او انخاعه(1) قبل خروج روحه و لكنه لا يحرم بذلك.

و الذبح بواسطة المكائن الحديثة جائز و لا اشكال فيه ما دامت الشروط المتقدمة متوفرة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اشتراط حلية الحيوان بالتذكية

فينبغي ان يكون من الواضحات لقوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ ... وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (2).

و يمكن ان يقال: ان ذلك شرط فيما كانت روحه زاهقة، اما ما كان علي قيد الحياة فيجوز اكله بالرغم من عدم تحقق تذكيته - كما في

ص: 144


1- النخاع هو الخيط الابيض الممتد وسط الفقار من الرقبة الي الذنب. و الانخاع اصابة النخاع بالسكين لقطعه.
2- المائدة: 3.

ابتلاع السمك داخل الماء و هو حي او اكل بقية الحيوانات التي هي علي قيد الحياة ان امكن ذلك فيها - لان الآية الكريمة و ان حصرت الحل بالمذكي الا انها منصرفة الي الحيوان الذي ليس علي قيد الحياة، و معه يبقي الحي مشمولا لأصل البراءة.

2 - و اما حصر الوسائل التي تتحقق بها التذكية بالامور الثلاثة

المتقدمة

فلدلالة الروايات علي ذلك كما سيتضح.

3 - و اما اعتبار قطع الاعضاء الاربعة

فهو المشهور. و لا مستند له من الروايات سوي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن المروة و القصبة و العود يذبح بهنّ الانسان اذا لم يجد سكينا؟ فقال: اذا فري الاوداج فلا بأس بذلك»(1). و المقصود من الاوداج هي الاعضاء الاربعة المتقدمة لعدم احتمال ارادة شيء آخر غيرها.

و سندها معتبر بطريق الشيخ الطوسي و بكلا طريقي الشيخ الكليني فلاحظ.

الا ان في مقابل ذلك صحيحة زيد الشحام: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود اذا لم تصب الحديدة اذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به»(2) الدالة علي كفاية قطع الحلقوم.

و المناسب الاخذ بمضمون الصحيحة المذكورة، فان صحيحة ابن الحجاج هي في صدد بيان ان وسيلة الذبح لا بدّ ان تكون لها القابلية

ص: 145


1- وسائل الشيعة 308:16 الباب 2 من ابواب الذبائح الحديث 1. و المروة: الحجر الحاد. و القصب: نبات مائي يكثر عند المستنقعات.
2- وسائل الشيعة 308:16 الباب 2 من ابواب الذبائح الحديث 3.

علي قطع الاوداج، اما انه يلزم قطع جميعها او بعضها فليست بصدده، و معه تبقي صحيحة الشحام بلا معارض.

هذا و لكن تحفّظ الفقيه عن مخالفة المشهور باحتياطه في الفتوي امر مناسب.

و هل يلزم عند قطع الاعضاء بقاء الخرزة - المعبر عنها بالجوزة - في العنق او يجوز بقاؤها في الجسد؟

و الجواب: المهم تحقق قطع الاوداج كلا او خصوص الحلقوم، و اما بقاء الجوزة في هذا المحل او ذاك فغير مهم بعد فرض تحقق ما ذكر.

اجل قيل بان تلك الاعضاء الاربعة متصلة بالجوزة بحيث اذا لم تبق في العنق بتمامها و لم يقع الذبح من تحتها فلا يمكن تحقق قطعها، الا ان هذا مطلب آخر فان صحّ لزم ابقاء الجوزة في العنق للجهة المذكورة لا لأنه مطلوب في نفسه.

4 - و اما اعتبار الإسلام في الذابح

فهو المشهور بين الاصحاب، بل في الجواهر انه كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا(1).

و اذا رجعنا الي الروايات وجدناها علي طوائف مختلفة، نذكر من بينها:

أ - ما دل علي النهي عن ذبيحة غير المسلم بشكل مطلق، كصحيحة حميد بن المثني عن العبد الصالح عليه السّلام: «سأله عن ذبيحة اليهودي و النصراني فقال: لا تقربوها»(2) و غيرها. و بالاولوية يتعدي الي بقية اصناف الكفار من غير اهل الكتاب.

ص: 146


1- جواهر الكلام 80:36.
2- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 30.

ب - ما دل علي الجواز بشكل مطلق، كصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة اهل الكتاب و نسائهم فقال: لا بأس به»(1) و غيرها.

ج - ما دلّ علي التفصيل بين سماع التسمية منهم فتحل الذبيحة و بين عدمه فلا تحل، كصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و عن زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام انهما قالا في ذبائح اهل الكتاب: «فاذا شهدتموهم و قد سموا اسم اللّه فكلوا ذبائحهم، و ان لم تشهدوهم فلا تأكلوا، و ان اتاك رجل مسلم فأخبرك انهم سموا فكل»(2) و غيرها.

د - ما دلّ علي عدم الحلية حتي مع التسمية، كرواية زيد الشحام:

«سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة الذمي فقال: لا تأكله ان سمي و ان لم يسم»(3) ، و موثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: كلوا من طعام المجوس كله ما خلا ذبائحهم فانها لا تحل و ان ذكر اسم اللّه عليها»(4).

الا ان هذه الطائفة لا بدّ من حذفها من الحساب لضعف سند الاولي بالمفضل بن صالح الذي لم يوثق بل ضعف، و اختصاص الثانية بالمجوسي الذي يحتمل ان يكون النهي عن ذبيحته من باب انه ليس من اهل الكتاب.

و عليه نبقي نحن و الطوائف الثلاث الاولي.

و قد يقال بترجيح الطائفة المانعة و حمل غيرها علي التقية - كما2.

ص: 147


1- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 34.
2- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 38.
3- وسائل الشيعة 346:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 348:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 12.

اختار ذلك صاحب الجواهر(1) - باعتبار ان من يلقي نظرة علي اخبار المسألة يحصل له القطع بذلك، فلاحظ مثل صحيحة شعيب العقرقوفي حيث يقول: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام و معنا ابو بصير و اناس من اهل الجبل يسألونه عن ذبائح اهل الكتاب فقال لهم ابو عبد اللّه عليه السّلام: قد سمعتم ما قال اللّه عز و جل في كتابه فقالوا له: نحب أن تخبرنا فقال لهم: لا تأكلوها. فلما خرجنا قال ابو بصير: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته و اباه جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا اليه فقال لي ابو بصير:

سله فقلت له: جعلت فداك ما تقول في ذبائح اهل الكتاب فقال: أ ليس قد شهدتنا بالغداة و سمعت؟ قلت: بلي فقال: لا تأكلها»(2).

الا ان ما ذكر قابل للتأمل فان الحمل علي التقية فرع التعارض المستقر و عدم امكان الجمع العرفي، و هو في المقام ممكن، فانه بواسطة الطائفة الثالثة يمكن الجمع بين الطوائف بحمل الاولي علي حالة عدم تحقق التسمية و الثانية علي حالة تحققها.

بل يمكن تعميم التفصيل المذكور لغير الكتابي أيضا، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «كل ذبيحة المشرك اذا ذكر اسم اللّه عليها و انت تسمع و لا تأكل ذبيحة نصاري العرب»(3).

اجل هي معارضة بموثقة الحسين بن علوان المتقدمة، الا ان التعارض ليس مستقرا لإمكان حملها علي الكراهة بقرينة الصحيحة بعد ضعف احتمال كونها مخصصة للصحيحة - باستثناء المجوسي2.

ص: 148


1- جواهر الكلام 85:36.
2- وسائل الشيعة 350:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 25.
3- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 32.

من بين اقسام الكافر - و لو لأجل عدم القائل بذلك.

و النتيجة: ان مقتضي الصناعة هو التفصيل بين التأكد من تحقق التسمية فيحكم بالحل و بين عدمه فلا يحكم به، الا ان الشهرة بين الاصحاب علي عدم الحل مطلقا يحول دون جزم الفقيه بالتفصيل المذكور و من ثمّ تفرض عليه التنزل الي الاحتياط في الفتوي.

5 - و اما عدم جواز الذبح الا بالحديد

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الذبيحة بالليطة و بالمروة فقال: لا ذكاة الا بحديدة»(1) ، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في الرقم 3 و غيرهما.

و اذا قيل: لم لا تفسر الحديد بكل فلز حاد بقرينة جعل المقابلة بين الليطة و المروة و بين الحديد.

قلنا: هذا مجرد احتمال، و هو ليس حجة ما دام لم يرتق الي مستوي الظهور، فان الحجة هي الظهور دون مجرد الاحتمال.

و ينبغي الالتفات الي انه قد تداول في زماننا صنع السكاكين من الاستيل، و قد وقع الكلام في كونه مصداقا للحديد كي يجوز الذبح به او لا.

و المنقول عن بعض اهل الخبرة انه حديد مصفي مشتمل علي خليط من مواد اخري كالحديد نفسه فانه مشتمل علي مواد اخري أيضا. و علي هذا لا بدّ من ملاحظة نسبة الخليط في الاستيل، فاذا كانت مقاربة لنسبته في الحديد المتعارف - و لعل الغالب هو ذلك -

ص: 149


1- وسائل الشيعة 307:16 الباب 1 من أبواب الذبائح الحديث 1. و الليطة بفتح اللام: القشر الظاهر من القصبة. و المروة: الحجر الحاد.

جاز الذبح به.

6 - و اما عدم حلية الحيوان مع ذبحه بغير الحديد عمدا

فلأن ذلك لازم نفي الذكاة الا مع الحديد.

7 - و اما جواز الذبح بغير الحديد اذا لم يمكن الذبح به

فمما لا اشكال فيه. و تدل عليه صحيحة ابن الحجاج المتقدمة في الرقم 3 و غيرها.

ثم ان المراد من عدم وجود الحديد مطلق عدم الوجود و لو من دون ضرورة الي الذبح تمسكا بعدم استفصال الامام عليه السّلام في مقام الجواب.

و اما رواية محمد بن مسلم: «قال ابو جعفر عليه السّلام في الذبيحة بغير حديدة قال: اذا اضطررت اليها فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر»(1) الدالة علي اعتبار الاضطرار فقد اجاب عنها في الجواهر(2) باحتمال كون المراد من الاضطرار مطلق الحاجة الي الذبح فلا تنافي غيرها.

و هذا ان تمّ فهو و الا انحصرت المناقشة بالسند، فانه ورد فيه عبد اللّه بن محمد، و هو مجهول الحال.

و من خلال هذا يتضح ان ما افاده بعض الاعلام من تقييد جواز الذبح بغير الحديد بحالة خوف تلف الحيوان بتأخير ذبحه او الاضطرار الي ذلك لا يخلو من تأمل.

8 - و اما اعتبار ذكر اسم اللّه سبحانه حين الذبح

فهو مما لا خلاف

ص: 150


1- وسائل الشيعة 309:16 الباب 2 من أبواب الذبائح الحديث 4.
2- جواهر الكلام 102:36.

فيه. و يدل عليه قوله تعالي: فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (1) ، و قوله:

وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2) ، و صحيحة محمد بن مسلم:

«سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الرجل يذبح و لا يسمي قال: ان كان ناسيا فلا بأس اذا كان مسلما و كان يحسن ان يذبح و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح»(3) و غيرها.

اجل مع تركها نسيانا لا تحرم للصحيحة المذكورة و غيرها، و هذا بخلاف تركها جهلا، فانها تحرم لا طلاق دليل الشرطية، و لاستفادة ذلك من تقييد نفي البأس في الصحيحة بالنسيان.

ان قلت: لما ذا لا نتمسك بحديث الرفع عن الناسي(4) مضافا الي الصحيحة.

قلت: ان حديث الرفع اما ان نتمسك به لرفع جزئية الذكر في حالة النسيان من دون اثبات تحقق التذكية بالباقي او نتمسك به لإثبات كلا المطلبين.

و الاول غير نافع، لأنه اذا لم يثبت تحقق التذكية بالباقي فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان، فان الحلية فرع ثبوت التذكية، و المفروض عدم احرازها.

و الثاني غير ممكن لان حديث الرفع يتكفل النفي دون الاثبات.

اذن لا يمكن التمسك بحديث الرفع في المقام.1.

ص: 151


1- الانعام: 118.
2- الانعام: 121.
3- وسائل الشيعة 326:16 الباب 15 من أبواب الذبائح الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

و هل تلزم العربية في الذكر؟ مقتضي اطلاق ادلة اعتبار الذكر عدمه و ان كان ذلك هو المناسب للاحتياط.

9 - و اما اعتبار استقبال القبلة بالذبيحة

فهو مورد لتسالم الاصحاب. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن الذبيحة فقال: استقبل بذبيحتك القبلة»(1) و غيرها.

اجل ان الشرطية تختص بحالة الالتفات و لا تعم حالة النسيان و الجهل و الاضطرار لصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال: لا بأس اذا لم يتعمد»(2) و غيرها، فان التعمد لا يصدق في الحالات المتقدمة.

10 - و اما اعتبار قصد الذبح

فهو معروف في كلمات الاصحاب.

و علّله الشيخ النراقي ب «ان المتبادر من الذبح المحلل هو الصادر من القاصد»(3).

و لعل الانسب من ذلك ان يقال: ان التذكية المحللة للأكل قد نسبت الي الفاعل في قوله تعالي: إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (4) ، و المفهوم عرفا من نسبة المادة الي الفاعل صدورها منه بالاختيار و القصد، فلو قيل: اكل فلان الطعام فالمفهوم انه اكله عن قصد و اختيار، و هذا الانصراف ان لم يجزم به في كلمة «ذكيتم» فلا أقلّ من كونه محتملا، و معه يشك في تحقق التذكية المعتبرة شرعا مع عدم ذلك و الأصل عدمه.

ص: 152


1- وسائل الشيعة 324:16 الباب 14 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 325:16 الباب 14 من أبواب الذبائح الحديث 3.
3- مستند الشيعة 389:15.
4- المائدة: 3.
11 - و اما اعتبار خروج الدم

فيمكن استفادته من صحيحة زيد الشحام المتقدمة، حيث ورد فيها: «اذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» و غيرها.

و اما اعتبار كونه بالمقدار المتعارف فلان ذلك هو المنصرف من جملة: «و خرج الدم».

و اما اعتبار الحركة فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن الذبيحة فقال: اذا تحرك الذنب او الطرف او الاذن فهو ذكي»(1) و غيرها.

ثم ان مقتضي الصحيحة الاولي الاكتفاء بخروج الدم و عدم اعتبار الحركة في حين ان مقتضي الصحيحة الثانية اعتبار الحركة و عدم اعتبار خروج الدم. و المقام من صغريات مسألة «اذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء» المعروفة في علم الاصول و التي يقع فيها التعارض بين اطلاق المفهوم في كل جملة مع المنطوق في الجملة الاخري. و قد ذكرت هناك عدة وجوه للجمع، اهمها اثنان: تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخري، و نتيجة ذلك الاكتفاء باحد الشرطين في تحقق الجزاء، و تقييد اطلاق المنطوق في كل واحدة بمنطوق الاخري، و نتيجة ذلك كون مجموع الشرطين شرطا واحدا، فالجزاء لا يتحقق الا اذا تحقق مجموع الشرطين، بخلافه علي الاول فانه يكفي في تحقق الجزاء تحقق احد الشرطين.

و قد اختار جمع من الاعلام الاول و افتوا في ضوء ذلك بكفاية

ص: 153


1- وسائل الشيعة 320:16 الباب 11 من أبواب الذبائح الحديث 3.

الحركة او خروج الدم.

هذا و لكن المناسب هو الثاني حتي لو اخترنا في تلك المسألة الاول.

و الوجه في ذلك: صحيحة ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك و يهراق منها دم كثير عبيط فقال: لا تأكل، ان عليا عليه السّلام كان يقول: اذا ركضت الرجل او طرفت العين فكل»(1) ، فانها تدل علي ان خروج الدم لا يكفي وحده بل لا بدّ من الحركة، و هذا واضح في ان تحقق احد الامرين لا يكفي في ثبوت التذكية فيتعين المصير الي الثاني، و هو اعتبار الاجتماع.

ثم ان اللازم في تحرك بعض الاطراف ان يكون بعد الذبح و لا يكفي كونه قبله لدلالة صحيحة ابي بصير عليه بوضوح.

12 - و اما اعتبار عدم تثاقل الدم في خروجه

فتدل عليه صحيحة بكر بن محمد: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام اذا جاءه محمد بن عبد السلام فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: ان رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها... فقال:... فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا و اطعموا، و ان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه»(2).

و الدلالة واضحة، و انما الكلام في السند.

و توضيح الحال فيه: ان الصحيحة رويت بثلاث طرق هي:

أ - الشيخ باسناده عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن

ص: 154


1- وسائل الشيعة 321:16 الباب 12 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 321:16 الباب 12 من أبواب الذبائح الحديث 2.

سليم الفراء عن الحسين بن مسلم(1).

ب - الكليني عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليم الفراء عن الحسين بن مسلم(2).

ج - الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن اسحاق عن بكر بن محمد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام(3).

و الطريقان الاولان لا يخلوان من الاشكال من ناحية الحسين بن مسلم، فانه مجهول الحال و الا فبقية افراد السند لا مشكلة من ناحيتهم.

و اما الطريق الثالث فهو صحيح، فان صاحب الوسائل له طريق معتبر الي الحميري، حيث ان الشيخ الطوسي له طريق معتبر الي قرب الاسناد ذكره في الفهرست(1)، و صاحب الوسائل يروي الكتاب المذكور بطرق معتبرة تنتهي الي الشيخ الطوسي كما اشار الي ذلك في خاتمة الوسائل(2).

و اما الحميري فهو عبد اللّه بن جعفر الثقة الجليل(3).

و اما احمد بن اسحاق الاشعري فهو الثقة الجليل الذي تشرف نظره برؤية حجة اللّه في ارضه أرواحنا له الفداء(4).

و اما بكر بن محمد فهو الازدي الثقة(5).8.

ص: 155


1- الفهرست 102 الرقم 429.
2- قد ذكر ان قرب الاسناد من جملة مصادره في الوسائل في 40:20 في الفائدة الرابعة. و ذكر طريقه الي المصدر المذكور و غيره في 50:20-54 في الفائدة الخامسة.
3- رجال النجاشي: 152، منشورات مكتبة الداوري، الفهرست 102 الرقم 429.
4- الفهرست: 26 الرقم 68، رجال النجاشي: 66.
5- رجال النجاشي: 78.

و عليه فلا مشكلة من حيث سند الرواية، اذ يكفي في صحتها صحة بعض طرقها.

13 - و اما القول باختصاص اعتبار حركة الاطراف بحالة الشك

في حياة الذبيحة دون حالة احرازها

فمستنده أحد امرين:

أ - رواية ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك اذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فانها لك حلال»(1).

الا انها قابلة للمناقشة دلالة و سندا.

اما دلالة فلأنها تدل علي اعتبار الحركة قبل الذبح لا بعد الذبح، و الحال ان القائل باعتبار الحركة يخصص ذلك بما بعد الذبح.

و اما سندا فباعتبار ورود سهل فيه، بناء علي ان امره ليس سهلا.

ب - ان المفهوم من الروايات الدالة علي اعتبار حركة الذبيحة بعد الذبح الطريقية الي احراز الحياة الذي لازمه عدم اعتبار ذلك عند احراز الحياة.

و فيه: ان احتمال ذلك و ان كان وجيها الا ان الجزم به مشكل.

14 - و اما عدم جواز قطع رأس الذبيحة قبل ان تخرج روحها

فقد صار اليه جمع من الاصحاب لصحيحة محمد بن مسلم - المتقدمة في الرقم 8 عند البحث عن التسمية - و غيرها.

هذا و لكن المنسوب الي كثير من الاصحاب الكراهة بل عن الشيخ في خلافه دعوي الاجماع علي ذلك(2) ، و من هنا يكون المناسب التنزل

ص: 156


1- وسائل الشيعة 320:16 الباب 11 من أبواب الذبائح الحديث 5.
2- جواهر الكلام 121:36.

من الفتوي بالتحريم الي الاحتياط.

و اما نخع الذبيحة فتدل علي النهي عنه الصحيحة المتقدمة، بيد ان المشهور بين الاصحاب علي ما قيل هو الكراهة(1) ، بل عن الشيخ في مبسوطه نفي الخلاف عن ذلك(2) ، و معه يكون المناسب التنزل الي الاحتياط أيضا.

ثم انه بناء علي تحريم ابانة الرأس و الانخاع هل تحرم الذبيحة بذلك؟ اختار جمع من الاصحاب ذلك بدعوي ان الذبح الشرعي هو عبارة عن قطع الاوداج الاربعة فقط، فاذا اضيف شيء علي ذلك خرج الذبح عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا و يجري ذلك مجري ما لو قطع عضو من اعضاء الحيوان فمات بسبب انضمام ذلك(3).

و فيه: ان مقتضي ما دلّ علي جواز الاكل عند فري الاوداج او خصوص الحلقوم عدم اشتراط حلية الاكل بما زاد علي ذلك. اجل بالنسبة الي الذكر و الاستقبال و غير ذلك خرج بالدليل المقيد. و اما بالنسبة الي الابانة و الانخاع فحيث لا يدل دليل تحريمهما علي تحريم الاكل فيعود ذلك مشمولا للإطلاق المتقدم.

هذا كله في حالة تعمد الابانة و الانخاع و الا فلا اشكال في عدم التحريم التكليفي و الوضعي لموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «اذا اسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا6.

ص: 157


1- لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 130:11.
2- جواهر الكلام 135:36.
3- لاحظ جواهر الكلام 123:36.

بأس بأكلها»(1) و غيرها.

هذا بناء علي كون كلمة «السكين» فاعلا، و اما بناء علي كونها مفعولا فيستفاد نفي الحرمة الوضعية حتي في حالة التعمد.

15 - و اما ان الذبح بالمكائن الحديثة جائز مع اجتماع الشروط

المتقدمة

فللتمسك باطلاق ما دل علي حلية الحيوان بالتذكية أو بفري الاوداج. و لا يتصور وجود مانع من حلية الحيوان الا:

أ - عدم وضعه علي الارض حالة ذبحه.

ب - عدم استقرار الحياة الطبيعية فيه بسبب توجيه الشحنة الكهربائية اليه ليخمد عن الاضطراب و التحرك.

ج - عدم تحقق الذبح بالسكين.

د - عدم مقارنة ذكر اللّه سبحانه عند ذبح كل حيوان بل قد يتخلل فاصل في البين.

ه - عدم تحقق ذكر اللّه سبحانه من الذابح باعتبار عدم وجود ذابح في البين.

و الكل لا يصلح للمانعية.

اما الاول فلعدم اعتبار وضع الحيوان علي الارض حالة تذكيته لعدم الدليل علي ذلك بل هو منفي باطلاق ما دلّ علي الحلية عند تحقق فري الاوداج.

و اما الثاني فلعدم الدليل علي اعتبار استقرار الحياة بشكلها الطبيعي بل ذلك منفي بالاطلاق المتقدم.

ص: 158


1- وسائل الشيعة 316:16 الباب 9 من أبواب الذبائح الحديث 6.

و اما الثالث فلعدم اعتبار السكين بعنوانه بل يكفي مطلق الحديد.

و اما الرابع فلان الفاصل الزمني اذا كان قليلا و لم يكن مانعا عرفا من صدق مقارنة ذكر اسم اللّه عند ذبح الحيوان فلا مشكلة.

و اما الخامس فباعتبار ان من يضغط علي الزر الكهربائي يصدق عليه عرفا عنوان الذابح فاذا ذكر اسم اللّه ذلك الحين و كان مسلما حسب الفرض فلا تبقي مشكلة.

ب - النحر
اشارة

تختص الابل من بين بقية الحيوانات بان تذكيتها لا تتحقق الا بالنحر، و ذلك بطعن الآلة الحديدية في لبتها(1) سواء كان ذلك حالة قيامها أم في غيرها من الحالات.

و لا بدّ من تحقق جميع الشرائط المتقدمة غير الاول منها.

و النحر خاص بالابل و لا تتحقق التذكية به في بقية الحيوانات.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان التذكية في الابل تتحقق بالنحر

فهو مما لا اشكال فيه.

و تدل عليه الروايات المذكورة في باب الحج و ان صاحب البدنة ينحرها، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن البدنة تنتج أ يحلبها؟ قال: احلبها حلبا غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا...»(2) و غيرها.

و كذلك لا اشكال في ان تذكية غير الابل لا تتحقق بالنحر،

ص: 159


1- اللبة: الموضع المنخفض في أعلي الصدر متصلا بالعنق.
2- وسائل الشيعة 134:10 الباب 34 من ابواب الذبح الحديث 7.

و ذلك لأمرين:

أ - الاصل، حيث يشك في تحقق التذكية بالنحر، و الاصل عدمها.

ب - صحيحة صفوان: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن ذبح البقر من المنحر فقال: للبقر الذبح، و ما نحر فليس بذكي»(1) و غيرها.

و انما الاشكال في وجه عدم جواز تذكية الابل بالذبح بعد شمول اطلاق ادلة تحقق التذكية بفري الاوداج لها. و لا دليل يمكن التمسك به لتقييد الاطلاق المذكور سوي:

أ - التمسك بمثل صحيحة معاوية بن عمار: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:

النحر في اللبة، و الذبح في الحلق»(2).

و فيه: انها تدل علي ان بعض الحيوانات تتحقق فيه التذكية بالنحر و لا تدل علي ان هذا البعض لا تتحقق فيه التذكية بغير النحر.

ب - التمسك بقوله تعالي: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (3) ، فانه ظاهر في وجوب النحر و تعينه، و حيث لا يجب نحر غير الابل فيثبت وجوب النحر فيها و تعينه.

و فيه: ان من المحتمل ان يكون المقصود من الامر في كلمة «و انحر» رفع اليدين بالتكبير حالة الصلاة، كما دلت علي ذلك بعض الاخبار(4).

ج - التمسك برواية الشيخ الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام: كلّ م.

ص: 160


1- وسائل الشيعة 312:16 الباب 5 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 309:16 الباب 3 من أبواب الذبائح الحديث 1.
3- الكوثر: 2.
4- وسائل الشيعة 725:4 الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام.

منحور مذبوح حرام، و كلّ مذبوح منحور حرام»(1) ، فانها تدل علي ان ما ينحر يحرم اذا ذبح، و حيث ان الذي ينحر هو الابل فيلزم ان تكون حراما لو ذبحت.

و فيه: ان السند ضعيف بالارسال الا ان يبني علي حجية مراسيل الشيخ الصدوق التي هي بلسان قال، أو يبني علي حجية جميع روايات الفقيه اما لأنها مستخرجة من كتب مشهورة عليها المعول و اليها المرجع او لأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصد الي ايراد ما يفتي به و يحكم بصحته و يعتقد انه حجة فيما بينه و بين ربه تقدس ذكره و تعالت قدرته حسبما اشار اليه في مقدمة كتابه المذكور(2).

اما من لم يبن علي هذا و لا علي حجية الشهرة الفتوائية - التي هي منعقدة في مقامنا علي تعيّن النحر في الابل - فالحكم عنده بذلك مشكل.

و من هنا مال الشيخ الأردبيلي الي جواز ذبح الابل بمقتضي الصناعة و ان احتاط باعتبار انه طريق السلامة(3).

2 - و اما ان النحر يتحقق بطعن السكين و نحوها في اللبة

فهو مما لا اشكال فيه. و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

و اما جواز النحر في حال القيام و غيره فلإطلاق الصحيحة المتقدمة و غيرها.

3 - و اما انه لا بدّ من توفر جميع شرائط التذكية المتقدمة ما عدا الاول منها

ص: 161


1- وسائل الشيعة 313:16 الباب 5 من أبواب الذبائح الحديث 3.
2- من لا يحضره الفقيه 3:1.
3- مجمع الفائدة و البرهان 99:11.

فباعتبار اطلاق ادلة اعتبارها و عدم اختصاصها بما اذا كانت التذكية بالذبح فلاحظ.

ج - الاصطياد
اشارة

تتحقق التذكية بالاصطياد في ثلاثة من الحيوانات: الحيوان الوحشي طير أو غيره، و السمك، و الجراد.

- الحيوان الوحشي
اشارة

لا تتحقق التذكية في الحيوان الوحشي بالاصطياد الا اذا كانت وسيلة ذلك احد امرين: كلب الصيد او السلاح.

الاصطياد بالكلب
اشارة

اما كلب الصيد فعضه للحيوان و جرحه له هو بمنزلة ذبحه. و لا تتحقق به الذكاة الا اذا توفرت الامور التالية:

1 - ان يكون الكلب معلّما للاصطياد. و يتحقق ذلك فيما اذا كان ينبعث اذا بعثه صاحبه و ينزجر اذا زجره.

2 - ان لا يأكل ما يمسكه الا نادرا.

3 - ذكر اللّه سبحانه عند ارساله.

4 - ارساله للاصطياد، فلا تتحقق الذكاة لو استرسل بنفسه.

5 - ان يكون المرسل مسلما.

6 - استناد موت الحيوان الي جرح الكلب، اما اذا استند الي سبب آخر من تعب او اصطدام و نحو ذلك فلا يحل.

7 - عدم ادراك صاحب الكلب الحيوان حيا مع تمكنه من ذبحه، بان يدركه ميتا او حيا في زمان لا يسع لذبحه.

ص: 162

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاصطياد لا تتحقق به التذكية الا في الثلاثة المتقدمة

فلوجهين:

أ - ان النصوص الشرعية قد دلت علي تحقق تذكية الثلاثة بالاصطياد، و يبقي غيرها مشمولا لأصالة عدم تحقق التذكية لو اصطيد و شك في تحقق التذكية بذلك.

ب - ان عنوان الاصطياد لا يصدق الا بلحاظ الحيوان الوحشي و لا يصدق بلحاظ الاهلي كالبقر و الدجاج و ما شاكل ذلك. و هذا المعني واضح، و قد أشير اليه في رواية الافلح عن علي بن الحسين عليه السّلام: «... لو ان رجلا رمي صيدا في و كره فأصاب الطير و الفراخ جميعا فانه يأكل الطير و لا يأكل الفراخ، و ذلك ان الفراخ ليست بصيد ما لم تطر و انما تؤخذ باليد و انما يكون صيدا اذا طار»(1).

و الفارق بين الوجهين انه علي الثاني يجزم بعدم تحقق التذكية فلا تصل النوبة الي اصالة عدم التذكية، بخلافه علي الاول، فانه يفترض الشك في تحقق التذكية فتصل النوبة الي ذلك.

2 - و اما ان التذكية بالاصطياد لا تتحقق الا اذا كانت الوسيلة هي

كلب الصيد دون بقية الجوارح

فلوجهين أيضا:

أ - ان الدليل قد دلّ علي تحقق التذكية بما ذكر و يشك في تحققها بغير ذلك فيتمسك باصالة عدم التذكية.

ب - ان الروايات قد دلّت علي انحصار وسيلة التذكية بكلب

ص: 163


1- وسائل الشيعة 291:16 الباب 31 من أبواب الصيد الحديث 1.

الصيد، كما في صحيحة ابي عبيدة الحذاء عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... قلت:

فالفهد قال: ان أدركت ذكاته فكل. قلت: أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟ قال:

لا، ليس شيء يؤكل منه مكلب(1) الا الكلب»(2) و غيرها.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (3) ، فان تقييد الجوارح بقيد «مكلبين»(4) قد يفهم منه ان مطلق الجوارح لا يجوز الاصطياد بها بل بخصوص الكلاب التي قد دربت علي الاصطياد.

الا ان في مقابل ذلك روايات دلت علي تحقق التذكية بغير الكلب أيضا، كصحيحة زكريا بن آدم: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن الكلب و الفهد يرسلان فيقتل فقال: هما مما قال اللّه مُكَلِّبِينَ فلا بأس بأكله»(5) و غيرها.

و حيث ان التعارض بين الطائفتين مستقر فيلزم اعمال المرجحات، و بما ان الاولي هي الموافقة للكتاب الكريم بناء علي تمامية دلالته فيلزم ترجيحها. و مع التنزل يلزم ترجيحها أيضا للزوم حمل الثانية علي التقية بقرينة صحيحة الحلبي: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كان ابي عليه السّلام يفتي و كان يتقي و نحن نخاف في صيد البزاة و الصقورة، و اما4.

ص: 164


1- أي مدرب علي الاصطياد.
2- وسائل الشيعة 259:16 الباب 6 من أبواب الصيد الحديث 1.
3- المائدة: 4.
4- أي مدربين للكلب علي الاصطياد.
5- وسائل الشيعة 260:16 الباب 6 من أبواب الصيد الحديث 4.

الآن فانّا لا نخاف و لا يحل صيدها الا ان تدرك ذكاته...»(1) و غيرها.

و مع التنزل و التسليم بالتساوي تتساقطان و يلزم الرجوع إلي الأصل، و النتيجة واحدة علي جميع التقادير.

و من خلال هذا يتضح التأمل فيما ينسب الي ابن ابي عقيل من جواز الاصطياد بغير الكلاب من السباع المعلمة كالفهد و النمر و غيرهما(2).

هذا كله بالنسبة الي الاصطياد بالكلب.

و اما الاصطياد بالسلاح فيأتي البحث عنه مستقلا إن شاء اللّه تعالي.

3 - و اما اعتبار ان يكون الكلب معلّما

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه الوجهان التاليان:

أ - التمسك بالآية الكريمة المتقدمة، حيث قيدت الجوارح بما اذا كانت مكلّبة و قد علّمت. و التكليب هو تدريب الكلب علي الاصطياد.

ب - التمسك بصحيحة ابي عبيدة الحذاء: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسرح كلبه المعلم و يسمي اذا سرحه قال: يأكل مما أمسك عليه، فان ادركه قبل قتله ذكاه، و ان وجد معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه»(3) و غيرها.

4 - و اما ان كون الكلب معلّما

يتحقق بما ذكر فليس ذلك لتحديد شرعي بل لان المفهوم عرفا من كون الكلب معلّما هو ذلك.

ص: 165


1- وسائل الشيعة 264:16 الباب 9 من أبواب الصيد الحديث 3.
2- جواهر الكلام 9:36.
3- وسائل الشيعة 250:16 الباب 1 من أبواب الصيد الحديث 2.
5 - و اما اعتبار ان لا يأكل ما يمسكه الا نادرا

فهو المشهور بين الاصحاب. و استدل عليه بما يلي:

أ - التمسك باصالة عدم تحقق التذكية فيما اذا كان الكلب معتادا علي أكل ما يمسكه.

و فيه: ان الاصل لا مجال له بعد اطلاق مثل قوله تعالي: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ... (1).

ب - ان عنوان المعلم لا يصدق مع الاكل بنحو معتاد.

و فيه: ان ذلك وجيه لو كان اكله المعتاد لمجموع الحيوان او لغالبه، اما اذا كان لجزء يسير منه فلا يضر ذلك بصدق العنوان المذكور.

ج - التمسك بقوله تعالي: فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (2) ، فان الامساك علينا لا يصدق مع اعتياد الاكل.

و فيه: ان ذلك لا يصدق لو فرض اكل الكلب لجميع الحيوان دون ما لو ابقي بعضه او غالبه.

د - التمسك بالروايات الدالة علي ذلك، كموثقة سماعة: «سألته عما امسك عليه الكلب المعلم للصيد... قال: لا بأس ان تأكلوا مما امسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه، فاذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه»(3) و غيرها.

و لا يضر اضمار الموثقة اما لان المضمر من اجلاء الاصحاب

ص: 166


1- المائدة: 4.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 255:16 الباب 2 من أبواب الصيد الحديث 16.

الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام او للبيان العام في جميع المضمرات الذي تقدمت الاشارة اليه في ابحاث سابقة.

و فيه: ان الروايات المذكورة معارضة بغيرها، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و اما ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل منه و ان اكل منه»(1) و غيرها. و التعارض غير مستقر لإمكان الجمع عرفا بحمل الاولي علي الكراهة بقرينة الثانية.

و النتيجة انه لا دليل علي الشرط المذكور غير ان ما صار اليه مشهور الاصحاب هو مقتضي الاحتياط.

6 - و اما اعتبار ذكر اللّه سبحانه عند ارسال الكلب

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (2) ، وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3) ، و صحيحة الحلبي: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: من ارسل كلبه و لم يسم فلا يأكله»(4) و غيرها.

و هل يعتبر تحقق الذكر عند الارسال او يكفي كونه بعده و قبل الاصابة؟ في ذلك خلاف بين الاصحاب. و لا يبعد استفادة الاول من الصحيحة المتقدمة.

7 - و اما اعتبار ارسال الكلب للاصطياد و لا يكفي استرساله من

قبل نفسه

فلم يعرف فيه خلاف. و قد يستدل عليه بما يلي:

ص: 167


1- وسائل الشيعة 253:16 الباب 2 من أبواب الصيد الحديث 9.
2- المائدة: 4.
3- الانعام: 121.
4- وسائل الشيعة 271:16 الباب 12 من أبواب الصيد الحديث 5.

أ - التمسك باصالة عدم التذكية - كما صنع في الجواهر(1) - المقتصر في الخروج عنها بالمتيقن، و هو الارسال للصيد.

و فيه: ان ذلك لا وجه له بعد ثبوت الاطلاق في الآية الكريمة و غيرها.

ب - التمسك برواية ابي بكر الحضرمي - برواية علي بن ابراهيم في تفسيره - عن ابي عبد اللّه عليه السّلام حيث ورد في ذيلها: «اذا ارسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته»(2).

و فيه: انها ضعيفة دلالة و سندا.

اما دلالة فلأنها مسوقة لبيان وجوب التسمية عند الارسال لا لبيان وجوب الارسال و وجوب التسمية عنده.

و اما سندا فلان الحضرمي - عبد اللّه بن محمد الحضرمي - لم يوثق الا بناء علي وثاقة كل من ورد في اسانيد كامل الزيارة.

ج - التمسك برواية القاسم بن سليمان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله أ يأكل منه؟ فقال: لا»(3).

و فيه: انها قابلة للمناقشة دلالة و سندا.

اما دلالة فلاحتمال ان يكون عدم جواز الاكل من جهة عدم التسمية و ليس من جهة عدم الارسال.

و اما سندا فلعدم ثبوت وثاقة القاسم بن سليمان.1.

ص: 168


1- جواهر الكلام 27:36.
2- وسائل الشيعة 251:16 الباب 1 من أبواب الصيد الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 269:16 الباب 11 من أبواب الصيد الحديث 1.

د - ان ذكر اللّه سبحانه حيث انه معتبر حين الارسال فيلزم لتحقيق المقارنة الارسال للاصطياد و لا يكفي استرسال الكلب من قبل نفسه.

و هذا وجيه بناء علي اعتبار المقارنة دون ما اذا لم نعتبرها او اعتبرناها في حالة الارسال دون الاسترسال.

و من خلال هذا كله يتضح ان الحكم باعتبار الشرط المذكور لا بدّ ان يكون مبنيا علي الاحتياط دون الفتوي.

8 - و اما اعتبار اسلام المرسل

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد يستدل عليه بما يلي:

أ - انه من دون اسلام المرسل يشك في تحقق التذكية، و مقتضي الاصل عدمها.

و فيه: ان ذلك وجيه لو لم يكن لدينا مثل اطلاق الآية الكريمة المتقدمة.

ب - ان الاصطياد فرد من التذكية، و حيث يعتبر فيها الإسلام فيعتبر فيه أيضا.

و فيه: ان الكبري لم تثبت بنحو الموجبة الكلية، بل قد تقدم في التذكية بالذبح وجاهة القول بتحقق التذكية بالذبح من غير المسلم اذا تحقق معه ذكر اللّه سبحانه.

ج - التمسك برواية السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كلب المجوسي لا تأكل صيده الا ان يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله...»(1).

ص: 169


1- وسائل الشيعة 273:16 الباب 15 من أبواب الصيد الحديث 3.

و فيه: ان الرواية لو تمت سندا و لم يناقش من ناحية النوفلي - الذي لم تثبت وثاقته الا من خلال كامل الزيارة - فبالامكان المناقشة في دلالتها لاحتمال ان يكون الوجه في اعتبار ارسال المسلم هو عدم تحقق ذكر اللّه سبحانه من المجوسي او لعدم الاكتفاء بتدريبه و ليس لاعتبار الارسال من المسلم بعنوانه.

د - التمسك بالشهرة الفتوائية علي اعتبار اسلام المرسل.

و هذا وجيه بناء علي حجية الشهرة الفتوائية في اثبات الحكم.

و من خلال هذا يتضح ان الحكم باعتبار اسلام المرسل - عند من لا يقول بحجية الشهرة الفتوائيه - لا بدّ ان يكون مبنيا علي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور بل دعوي عدم الخلاف في المسألة.

9 - و اما اعتبار استناد موت الحيوان الي جرح الكلب فقط دون

المجموع منه و من الضميمة

فينبغي ان يكون واضحا باعتبار ان الادلة قد دلت علي تحقق التذكية بجرح الكلب و لم تدل علي تحققه بالمجموع المركب منه و من الضميمة، و اذا شك في تحقق التذكية بذلك فبالامكان التمسك باصالة عدم التذكية.

10 - و اما اعتبار عدم ادراك الحيوان في وقت يسع لتذكيته

فيمكن تقريبه بوجهين:

أ - التمسك بأصالة عدم التذكية، فان الخارج منها هو الحالتان المتقدمتان دون ما زاد.

و هذا وجيه بناء علي عدم تحقق الاطلاق في أدلة تحقق التذكية بالاصطياد.

ب - التمسك بصحيحة محمد بن مسلم و غير واحد عنهما عليهما السّلام:

ص: 170

«قالا في الكلب يرسله الرجل و يسمي قالا: ان اخذته فادركت ذكاته فذكه»(1) و غيرها.

الاصطياد بالسلاح
اشارة

لا تتحقق تذكية الحيوان الوحشي بالسلاح الا اذا توفرت الامور التالية:

1 - ان تكون الآلة مما يصدق عليها عنوان السلاح، كالسيف و السكين و السهم و طلقات البندقية.

2 - ان يكون الصائد مسلما.

3 - ذكر اللّه سبحانه عند استعمال السلاح للاصطياد.

4 - ان يكون الرمي بقصد الاصطياد، فلو رمي هدفا معينا لا بقصد الاصطياد فأصاب غزالا مثلا فقتله لم يحل.

5 - ادراك الحيوان ميتا او حيا في وقت لا يتسع لتذكيته.

6 - ان يكون السلاح مستقلا في قتله.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان التذكية بالاصطياد بالسلاح لا تثبت الا في الحيوان

الوحشي

فلان عنوان الاصطياد لا يتحقق بلحاظ غيره كما تقدم.

2 - و اما اعتبار صدق عنوان السلاح علي آلة الاصطياد

فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه ثم بقي ليلة او ليلتين لم يأكل منه سبع و قد علم ان سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه ان شاء»(2) و غيرها.

ص: 171


1- وسائل الشيعة 257:16 الباب 4 من أبواب الصيد الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 273:16 الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1. و التقييد بعدم اكل السبع هو لاحتمال عدم تحقق القتل بالسلاح فقط بل به و بجرح السبع غير الكلب الذي لا تتحقق التذكية بواسطته.

و منه يتضح الوجه في جواز الاصطياد بالبندقية، فانها مصداق للسلاح.

اجل يلزم في الطلقات ان تكون بنحو صالح للنفوذ في بدن الحيوان و خرقه، اما اذا لم تكن كذلك بل كانت تقتل الحيوان بسبب ضغطها او ما فيها من الحرارة المحرقة فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان لصحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا رميت بالمعراض(1) فخرق فكل، و ان لم يخرق و اعترض فلا تأكل»(2) و غيرها.

و هل يلزم في السلاح ان يكون من جنس الحديد؟ كلا تمسكا بالاطلاق.

3 - و اما اعتبار اسلام الصائد بالسلاح

فهو المعروف بين الاصحاب، و ليس فيه كلام آخر يغاير ما تقدم عند البحث عن اعتبار اسلام الصائد بالكلب.

4 - و اما اعتبار ذكر اللّه سبحانه

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3) ، و الروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن قيس المتقدمة و غيرها.

5 - و اما اعتبار ان يكون الرمي بقصد الاصطياد

فيمكن التمسك له بالبيان المتقدم في الذبح.

ص: 172


1- المعراض: سهم لا يشتمل علي حديدة في طرفه و يكون دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه.
2- و التقييد بعدم اكل السبع هو لاحتمال عدم تحقق القتل بالسلاح فقط بل به و بجرح السبع غير الكلب الذي لا تتحقق التذكية بواسطته.
3- الانعام: 121.
6 - و اما اعتبار ادراك الحيوان ميتا او في وقت لا يتسع لتذكيته

فلا وجه له سوي تعميم ما ذكر في الاصطياد بالكلب للمقام لعدم فهم الخصوصية.

علي ان الحكم مشهور و بناء علي حجية الشهرة الفتوائية يصلح ذلك بنفسه للمدركية.

اما من رفض هذا و ذاك فالحكم عنده يكون مبنيا علي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

7 - و اما اعتبار استقلال السلاح في قتل الحيوان

فللبيان المتقدم في الاصطياد بالكلب.

السمك و الجراد
اشارة

لا بدّ لحلية السمك من تذكيته المتحققة باصطياده بأخذه حيا اما من الماء او من خارجه لو و ثب اليه بنفسه او نضب الماء.

و تتحقق أيضا فيما اذا نصب الصائد شبكة أو صنع حظيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء و هو حي.

و لو أخرج السمك من الماء و هو حي ثم ربط بخيط و نحوه و ارجع اليه و مات فيه حرم.

و لو القي السم في الماء و طفا السمك بسببه فلا يحل الا اذا اخذ حيا.

و لا يلزم في صائد السمك الإسلام و لا ذكره للّه سبحانه. و علي هذا تتحقق تذكية السمك من الكافر و لكن لا يكون اخباره عن تحققها حجة الا مع الاطمئنان بصدقه.

ص: 173

و تذكية الجراد تتحقق بأخذه من الهواء و لو من الكافر و من دون ذكر اللّه سبحانه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان السمك لا يحل الا بالتذكية

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه النصوص الآتية ان شاء اللّه تعالي.

و اما قوله تعالي: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا (1) ، و قوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ (2) بناء علي تفسير الصيد بالمصيد فلا يدلان علي نفي الحاجة الي التذكية كما هو واضح.

2 - و اما ان تذكية السمك تتحقق باصطياده و اخذه

فهو مما لا خلاف فيه أيضا. و تدل عليه موثقة ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيد المجوس للسمك حين يضربون للشبك و لا يسمون او يهودي قال: لا بأس انما صيد الحيتان(3) اخذها»(4) و غيرها.

3 - و اما ان السمك الذي يكون خارج الماء

- اما لأنه وثب اليه او نضب عنه الماء - لا يحل الا بأخذه حيا و لا يكفي مجرد موته خارج الماء فباعتبار ان التذكية تدور مدار عنوان الاخذ فلا بدّ من تحققه.

هذا مضافا الي صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام: «سألته عن سمكة و ثبت من نهر فوقعت علي الجد(5) من النهر فماتت هل يصلح

ص: 174


1- النحل: 14.
2- المائدة: 96.
3- الحيتان جمع حوت و هي السمكة.
4- وسائل الشيعة 363:16 الباب 32 من أبواب الذبائح الحديث 5.
5- الجدّ بالضم و التشديد: شاطئ النهر.

اكلها؟ قال: ان اخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها و ان ماتت قبل ان تأخذها فلا تأكلها»(1).

و اما مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب الماء عنه»(2) فلا بدّ من تقييده بما اذا لم يؤخذ حيا.

هذا و لكن ورد في بعض الروايات حل السمك بخروجه من الماء و اضطرابه و ان لم يؤخذ، كما في صحيحة زرارة: «قلت له: سمكة ارتفعت فوقعت علي الجدد فاضطربت حتي ماتت، آكلها؟ فقال: نعم»(3) و غيرها.

و الاضمار لا يضرها بعد كون المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام.

الا ان مثل الصحيحة المذكورة ان ثبت هجران الاصحاب لمضمونها كان ساقطا عن الحجية و الا فالحكم بعدم الاكتفاء بمثل ذلك لا بدّ ان يكون مبنيا علي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

4 - و اما تحقق التذكية بنصب الشبكة او الحظيرة و موت السمك

فيها بعد نضوب الماء

فهو مما لا خلاف فيه. و يمكن توجيهه ببيانين:

أ - ان عنوان اخذ السمك من الماء صادق عرفا بنصب الشبكة و غيرها للاصطياد.

ب - التمسك بصحيحة الحلبي: «سألته عن الحظيرة من القصب

ص: 175


1- وسائل الشيعة 366:16 الباب 34 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 367:16 الباب 34 من أبواب الذبائح الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 367:16 الباب 34 من أبواب الذبائح الحديث 5.

تجعل في الماء للحيتان فتدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها فقال:

لا بأس، ان تلك الحظيرة انما جعلت ليصاد بها»(1) و غيرها. و بقرينة التعليل يتعدي الي غير الحظيرة من الاجهزة التي تعدّ للاصطياد.

هذا لو مات السمك في الحظيرة و نحوها بعد نضوب الماء.

و يمكن ان تستفاد من اطلاق الصحيحة الحلية و تحقق التذكية حتي علي تقدير الموت قبل نضوب الماء.

الا ان في مقابل ذلك رواية عبد المؤمن: «امرت رجلا ان يسأل لي ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صاد سمكا و هنّ احياء ثم اخرجهن بعد ما مات بعضهن فقال: ما مات فلا تأكله، فانه مات فيما كان فيه حياته»(2).

و هي اذا لم يناقش في سندها - من ناحية عبد المؤمن نفسه باعتبار تردده بين عبد المؤمن بن القاسم الانصاري الثقة و بين غيره، و من ناحية ذلك الرجل الوسيط، حيث انه مجهول الحال - فبالامكان حملها علي الكراهة بقرينة صحيحة الحلبي، فان ذلك قد يكون اقرب عرفا من تقييد الصحيحة بحالة الموت بعد نضوب الماء.

و عليه فالحكم بحلية السمك لو مات في الحظيرة حتي قبل نضوب الماء وجيه تمسكا باطلاق الصحيحة بعد ردّ المعارض بما تقدم.

5 - و اما حرمة السمك لو اخرج من الماء ثم ارجع اليه و مات فيه

فلوجهين:

أ - ان عنوان الاخذ لا يفهم العرف منه الموضوعية التامة بحيث

ص: 176


1- وسائل الشيعة 368:16 الباب 35 من أبواب الذبائح الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 368:16 الباب 35 من أبواب الذبائح الحديث 1.

يكفي حتي مع ارجاع السمك الي الماء بل يفهم منه الاخذ المقيد بعدم الارجاع.

ب - التمسك بصحيحة ابي ايوب حيث: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و ارسلها في الماء فماتت أ تؤكل؟ فقال: لا»(1).

6 - و اما عدم حلية السمك لو طفا بالقاء السم

فباعتبار ان التذكية لا تتحقق الا بالاخذ او الاصطياد بتوسط الحظيرة، و المفروض عدمهما، و معه فلا يحل الا اذا اخذ من الماء و هو بعد حي.

7 - و اما انه لا يعتبر في صائد السمك الإسلام

فهو مما لا كلام فيه. و تدل عليه موثقة ابي بصير المتقدمة في الرقم 2 و غيرها.

و اما انه لا يعتبر ذكر اللّه سبحانه فلصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيد الحيتان و ان لم يسمّ فقال: لا بأس به»(2) و غيرها.

8 - و اما عدم حجية إخبار الكافر عن تحقق تذكية السمك

فباعتبار ان الاصل عدم التذكية، و لا يمكن رفع اليد عنه الا بالاطمئنان - الذي هو حجة بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها شرعا - او يد المسلم او سوق المسلمين او البينة الشرعية بل و إخبار الثقة علي قول.

9 - و اما ان تذكية الجراد تتحقق بما ذكر

فلا خلاف فيه بين الاصحاب، فكما ان تذكية السمك تتحقق بأخذه فكذلك تذكية الجراد.

و تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام: «سألته عما اصاب

ص: 177


1- وسائل الشيعة 365:16 الباب 33 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 360:16 الباب 31 من أبواب الذبائح الحديث 1. و المناسب: إن لم يسمّ... بدون الواو، الا ان العبارة جاء كذلك في وسائل الشيعة و المصادر الأصلية.

المجوس من الجراد و السمك أ يحل أكله؟ قال: صيده ذكاته، لا بأس»(1) و غيرها.

و اما عدم اعتبار الإسلام في الصائد فتدل عليه الصحيحة المتقدمة و غيرها.

و اما عدم اعتبار ذكر اللّه سبحانه فيمكن استفادته من الصحيحة المتقدمة أيضا.

اجل هو مستفاد من اطلاقها، و معه فيمكن ان يقال ان الاطلاق المذكور معارض باطلاق قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2) بنحو العموم من وجه، و الاطلاق الثاني ان لم يكن مقدما باعتبار كونه قرآنيا فلا أقلّ من التساقط و الرجوع الي اصالة عدم التذكية، و من ثمّ يكون ذكر اللّه سبحانه واجبا، و ينحصر المدرك لنفي الاعتبار - بعد اقتضاء الصناعة للاعتبار - بالتسالم.

2 - ما يقبل التذكية و اثرها
اشارة

التذكية تتحقق بالذبح و بالاصطياد علي ما تقدم. و كل حيوان - حتي محرم الاكل الا نجس العين بل الحشرات علي قول - يقبل التذكية بأحد الطريقين المذكورين.

نعم اذا كان الحيوان اهليا فتذكيته لا تكون الا بالذبح، و اذا كان وحشيا فتتحقق بالذبح و بالاصطياد.

ص: 178


1- وسائل الشيعة 364:16 الباب 32 من أبواب الذبائح الحديث 8.
2- الانعام: 121.

و اثر التذكية في محلل الاكل حلية لحمه و طهارته و طهارة الجلد و جواز البيع بناء علي عدم جواز بيع الميتة النجسة.

و اثرها في محرم الاكل طهارة لحمه و جلده و حلية الانتفاع به فيما تعتبر فيه الطهارة، كجعل الجلد وعاء للدهن و نحوه.

هذا كله فيما اذا كان للحيوان نفس سائلة.

و اما اذا لم يكن له ذلك، فان كان محلل الاكل - كالسمك و الجراد - فاثر تذكيته حلية اللحم، و ان كان محرم الاكل - كالحية - فلا اثر لتذكيته.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان كل حيوان يقبل التذكية

فهو محل للخلاف بين الاعلام، فقيل بان الاصل الاولي في كل حيوان عدم قبوله للتذكية الا ما خرج بالدليل، باعتبار ان التذكية ليست مجرد فري الاوداج مع سائر الشرائط، بل هي المجموع المذكور مع ضميمة اخري، و هي قابلية المحل للتذكية، فاذا شك فيها - كما في المسوخ و الحشرات - فمقتضي استصحاب عدم التذكية هو عدم تحققها.

و قيل - و هو الاوجه - بان الاصل الاولي يقتضي قبول كل حيوان للتذكية الا ما خرج بالدليل، كنجس العين لان القابلية حتي لو سلمنا باعتبارها فبالامكان ان نقول: ان مقتضي بعض الروايات وجود القابلية المذكورة في كل حيوان و قبوله للتذكية، كصحيحة علي بن يقطين:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود قال: لا بأس بذلك»(1) ، فان نفي البأس عن جميع الجلود

ص: 179


1- وسائل الشيعة 255:3 الباب 5 من ابواب لباس المصلي الحديث 1.

يدل بالاطلاق علي جواز لبسها في الصلاة، و من ثمّ علي قبولها للتذكية.

و كموثقة سماعة: «سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال: اذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و اما الميتة فلا»(1) و غيرهما.

اجل بالنسبة الي الحشرات - كالفار و ابن عرس - قد يدعي انصراف العمومات المذكورة عنها.

2 - و اما ان اثر التذكية في محلل الاكل ما تقدم

فباعتبار ان غير المذكي هو ميتة شرعا، و هي نجسة و محرمة الاكل و لا يجوز بيعها فاذا فرض تحقق التذكية ارتفعت الآثار المذكورة.

3 - و اما ان مثل السمك لا اثر لتذكيته الا حلية اللحم

فباعتبار ان ميتته طاهرة فيجوز آنذاك استعمالها فيما تعتبر فيه الطهارة بل يجوز بيعها بناء علي جواز بيع الميتة الطاهرة.

4 - و اما انه لا اثر لتذكية محرم الاكل مما لا نفس له

فلانه طاهر و محرم الاكل علي كل حال.

ص: 180


1- وسائل الشيعة 453:16 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.

كتاب الأنفال و المشتركات

اشارة

1 - الأنفال (ملكية الامام عليه السّلام أو الدولة)

2 - انحاء الملكية و وسائل تحصيلها

3 - من أحكام المشتركات

ص: 181

ص: 182

1 - الانفال (ملكية الامام عليه السّلام أو الدولة)
اشارة

للأنفال - التي هي ملك النبي صلّي اللّه عليه و آله و الامام من بعده او ملك الدولة - مصاديق متعددة اختلف الفقهاء في ضبطها، نذكر منها:

1 - الاراضي الميتة(1) التي لا رب لها.

2 - الاراضي التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال.

3 - المعادن اما مطلقا او علي تفصيل.

4 - أسياف(2) البحار.

5 - بطون الأودية.

6، 7 - رءوس الجبال و الآجام(3).

ص: 183


1- و هي الارض التي لا يمكن الانتفاع بها الا بعد اصلاحها و اعمارها، كالصحاري.
2- مفردها سيف - بكسر السين - هو بمعني الساحل.
3- الآجام: جمع أجمة - بالتحريك - و هي الأرض المملوءة بالقصب أو بالشجر الملتف بعضه ببعض.

8 - قطائع الملوك و صفاياهم(1).

9 - غنائم الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه السّلام.

10 - ميراث من لا وارث له.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الانفال للنبي صلّي اللّه عليه و آله و الامام عليه السّلام من بعده

فهو من ضروريات الدين. و يدل عليه الكتاب الكريم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ... (2) ، بعد الالتفات الي ان كل ما كان للنبي صلّي اللّه عليه و آله فهو للإمام عليه السّلام بالضرورة.

و المراد من الانفال(3) الاموال المملوكة للنبي صلّي اللّه عليه و آله و للإمام عليه السّلام من بعده زيادة علي ما لهما من سهم الخمس.

و قد تداول في كلمات الفقهاء الحكم علي الانفال بكونها ملك النبي صلّي اللّه عليه و آله و الامام عليه السّلام، و قد يستظهر من ذلك كونها ملكا شخصيا لهما، و ربما يستدل له بظهور كلمة الرسول و الامام في ملك الشخص، الا ان في مقابل ذلك قولا بكونها ملك المنصب و الدولة بدليل عدم انتقالها بالارث.

و بناء علي هذا القول يكون البحث عن الانفال ضروريا لأنه بحث عن

ص: 184


1- قطائع الملوك هي الأراضي التي اقتطعها الملوك لا نفسهم. و صفاياهم هي الاموال المنقولة النفيسة للملوك غير الأرض.
2- الانفال: 1.
3- الانفال: جمع نفل - بسكون الفاء و فتحها - بمعني الزيادة. و منه صلاة النافلة، حيث انها زيادة علي الفريضة. و منه قوله تعالي: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ الاسراء: 79، اي زيادة لك، و منه أيضا قوله تعالي: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً الانبياء: 72، أي زيادة علي ما سأل. و الاموال الخاصة بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و بالامام عليه السّلام حيث انها زيادة علي مالهما من سهم الخمس فهي نفل.

ممتلكات الدولة التي تستعين بها علي ادارة شئونها.

و في الحديث الشريف: «الانفال هو النفل. و في سورة الانفال جدع الانف(1)»(2).

2 - و اما ان الاراضي الميتة هي للإمام عليه السّلام

فهو مما لا خلاف فيه سواء لم يجر عليها ملك مالك - كما في الصحاري - او جري و لكنه لم يبق له وجود.

و قد دلت علي ذلك مرسلة حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام: «... و الانفال... كل ارض ميتة لا رب لها...»(3) ، و الروايات المعبّرة بالارض الخربة، كصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بأيديهم و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(4) و غيرها.

و قد فهم الفقهاء من الأرض الخربة الأرض الميتة(5).

و المعروف في كلمات الفقهاء تقييد الارض بالميتة. و يمكن ان يقال بكون المدار علي عدم وجود مالك للأرض حتي لو كانت عامرة، كالغابات و الجزر المشتملة علي الاشجار و الفواكه لموثقة اسحاق بن عمار: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال فقال: هي القري التي قد

ص: 185


1- اي قطع أنف الخصوم. قال في الوافي 302:10: «يعني في هذه السورة قطع أنف الجاحدين لحقوقنا و ارغامهم».
2- وسائل الشيعة 373:6 الباب 2 من أبواب الأنفال الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 365:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 364:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 1.
5- الخرب لغة: ما يقابل العامر.

خربت... و كل ارض لا رب لها...»(1).

و مرسلة حماد المتقدمة و ان ورد فيها التقييد بالميتة الا انه لا مفهوم له لوروده مورد الغالب. هذا لو قطعنا النظر عن السند و الا فلا تعود صالحة للمعارضة.

و من خلال هذا يتضح ان الارض اذا لم يكن لها مالك فهي للإمام عليه السّلام او للدولة سواء كانت ميتة او عامرة، و اذا كان لها مالك فليست كذلك سواء كانت ميتة او عامرة، فان الارض ما دام لها مالك فمجرد موتها و خرابها لا يستوجب خروجها عن ملكه.

و بعض النصوص و ان كانت مطلقة و تعدّ كل ارض خربة جزءا من الانفال من دون تقييد بعدم وجود رب لها - كما في صحيحة حفص بن البختري المتقدمة و غيرها - الا انه بقرينة الروايات الاخري و تسالم الفقهاء لا بدّ من تقييدها بذلك، فلاحظ موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة، حيث ورد فيها: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي اهلها... و كل ارض لا رب لها...»، فلو كان الخراب وحده كافيا لصيرورة الشيء من الانفال فلا داعي الي التقييد بالانجلاء او عدم وجود رب لها.

اجل هناك كلام في الارض المملوكة بالاحياء(2) هل تزول ملكية المحيي لها بطرو الخراب عليها او لا، و قد دلت صحيحة الكابلي الآتية ان شاء اللّه تعالي و غيرها علي زوالها، الا ان ذلك خاص بما اذا كانة.

ص: 186


1- وسائل الشيعة 371:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 20.
2- يأتي فيما بعد ان شاء اللّه تعالي ان الارض الميتة و ان كانت ملكا للإمام عليه السّلام و لكنه يجوز لأي فرد من الناس احياؤها و يثبت بذلك تملكها او الحق فيها علي احتمالين في المسألة.

سبب الملك هو الاحياء دون ما لو كان مثل الارث و الشراء.

3 - و اما الارض التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال - اما

بانجلاء اهلها عنها او بتمكينهم المسلمين منها طوعا

- فلا خلاف في كونها من الانفال لقوله تعالي: وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (1) ، و لصحيحة حفص بن البختري المتقدمة، و صحيحة معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع امير امّره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم اربعة اخماس(2) ، و ان لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(3) و غيرهما.

و ينبغي تعميم الارض المذكورة للمحياة أيضا، اذ الميتة هي للإمام عليه السّلام بقطع النظر عن الاستيلاء عليها من دون قتال، و حفظا للمقابلة بين هذا القسم و سابقه لا بدّ من التعميم المذكور.

ثم انه قد وقع الخلاف في اختصاص القسم المذكور بالارض

ص: 187


1- الحشر: 6. و الفيء لغة بمعني الرجوع. و المراد منه في الآية الكريمة الغنيمة التي يتم الحصول عليها بدون قتال. و الإيجاف هو السير السريع. و الركاب هي الابل. و المعني: الذي ارجعه اللّه علي رسوله من اموال بني النضير و خصّه به هو لم تسيروا عليه بفرس و لا ابل حتي يكون لكم فيه حق.
2- الموجود في الطبع القديم لوسائل الشيعة «ثلاثة أخماس» و الصواب ما ذكرناه.
3- وسائل الشيعة 365:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 3.

و عمومه لكل ما يغنمه المسلمون من الكفار بغير قتال، و لعل المشهور هو الاول، حيث قيدوا القسم المذكور بالارض، الا ان المستفاد من الصحيحتين السابقتين العموم.

ان قلت: انه قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم...»(1) و غيرها التقييد بالارض، و حيث ان ذلك وارد مورد التحديد فيدل علي المفهوم، و من ثمّ يلزم تقييد الصحيحتين السابقتين به.

قلنا: انه لا بدّ من رفع اليد عن المفهوم و حمل الصحيحة علي بيان بعض افراد الانفال دون افادة الحصر لصراحة صحيحة معاوية المتقدمة في الاستيعاب و الشمول و عدم الفرق بين الارض و غيرها.

4 - و اما المعادن

فقد اختار جمع من اعلام المتقدمين - كالشيخ و الكليني و المفيد و الطوسي و...(2) - كونها من الانفال بما في ذلك الموجودة في الملك الشخصي للأفراد، غايته قد اباحها الائمة عليهم السّلام لكل من اخرجها بعد اداء خمسها. و تشهد لذلك موثقة اسحاق المتقدمة:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال فقال: هي القري التي خربت و انجلي أهلها... و كل أرض لا ربّ لها و المعادن منها...»(3) و غيرها.

و في مقابل هذا القول قولان آخران:

أحدهما: انها من المباحات العامة و الناس فيها شرع.

و قد وجّه ذلك بالاصل و السيرة بل و بدلالة اخبار وجوب الخمس

ص: 188


1- وسائل الشيعة 367:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 10.
2- نقل ذلك في جواهر الكلام 129:16.
3- وسائل الشيعة 371:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 20.

فيها، ضرورة انه لا معني لوجوب الخمس علي غير الامام عليه السّلام ما دامت هي ملكا له. مضافا الي ان ظاهرها كون الباقي بعد الخمس هو للمخرج باصل الشرع لا بتمليك الامام عليه السّلام.

ثانيهما: التفصيل بين المعادن المستخرجة من ارض الانفال و بين المستخرجة من غيرها فالاولي هي من الانفال بخلاف الثانية. و يساعد علي التفصيل المذكور ان بعض النسخ في موثقة اسحاق المتقدمة قد اشتملت علي كلمة «فيها» بدل «منها» اي و المعادن في الارض التي لا رب لها، بل ان من الوجيه كون ذلك هو المقصود حتي بناء علي كون النسخة «منها» فالضمير لا يرجع الي الانفال بل الي ما ذكرناه.

و لعل البحث المذكور علمي بحت و لا اثر عملي له لان التخميس واجب علي كل حال و انما الكلام في أربعة الأخماس الباقية هل هي ملك للمخرج بتحليل من اللّه ابتداء او بتمليك من الامام عليه السّلام.

5 - و اما أسياف البحار

فقد اشير الي كونها من الانفال في الشرائع(1). و لا يوجد نص شرعي يدل علي كونها كذلك، الا انه لا حاجة اليه بعد كونها من قبيل الارض التي لا ربّ لها التي تقدم كونها من الانفال.

6 - و اما بطون الاودية

فقد اشير اليها في صحيحة حفص - المتقدمة في الرقم 2 - و غيرها.

و مقتضي ذكرها في مقابل الارض الخربة كونها من الانفال بعنوانها. و لازم ذلك ان لا تكون للمسلمين فيما اذا كانت جزءا من

ص: 189


1- شرائع الإسلام 137:1، انتشارات استقلال.

الارض المفتوحة عنوة و محياة حين الفتح بل تكون للإمام عليه السّلام.

كما ان لازم ذلك أيضا ان تكون للإمام عليه السّلام لو فرض وجودها في ملك خاص بالغير.

7 - و اما رءوس الجبال و الآجام

فقد ادعي عدم الخلاف في كونهما من الانفال. و قد ورد ذكرهما في اخبار ضعيفة السند، كمرسلة حماد المتقدمة «... و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام...»(1) و غيرها.

و الحكم بعدّهما من الانفال يبتني اما علي تمامية كبري الانجبار او علي ضم عدم القول بالفصل، بتقريب ان مستند عدّ بطون الاودية من جملة الانفال حيث انه صحيح السند فيلزم من ذلك عدّ رءوس الجبال و الآجام من جملة الانفال أيضا لعدم القول بالفصل بين الثلاثة.

هذا لو قبلنا احد المبنيين المذكورين و الا فينحصر الوجه في عدّهما من جملة الانفال بكونهما مصداقين للأرض التي لا ربّ لها.

و هل الحكم بعدّهما من الانفال يعمّ حالة كونهما جزءا من ملك الغير؟ و الجواب: انه علي المبنيين المتقدمين يلزم الحكم بالعموم بخلافه بناء علي المبني الاخير.

8 - و اما ان قطائع الملوك و صفاياهم من الانفال

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل علي ذلك صحيحة داود بن فرقد: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شيء»(2) ، و موثقة سماعة: «سألته عن الانفال فقال: كل ارض خربة او شيء يكون للملوك فهو خالص

ص: 190


1- وسائل الشيعة 365:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 366:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 6.

للإمام و ليس للناس فيها سهم...»(1) و غيرهما.

9 - و اما ان غنيمة الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه السّلام هي له

بأجمعها

فقد ادعي في الجواهر انه المشهور بين الاصحاب(2). و تدل عليه:

أ - مرسلة الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس»(3).

و ضعفها السندي لا يضر بناء علي تمامية كبري الانجبار.

ب - صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الرقم 3، فان القيد المذكور فيها «امره الامام» يدل بالمفهوم علي المطلوب.

هذا و لكن اختار العلامة في المنتهي مساواة ذلك لما يغنم باذن الامام عليه السّلام في انه ليس فيه الا الخمس(4).

و علّق في المدارك(5) علي ذلك بانه جيد لإطلاق الآية الكريمة:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ... (6) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمسا و يطيب له»(7).

ص: 191


1- وسائل الشيعة 367:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 8.
2- جواهر الكلام 126:16.
3- وسائل الشيعة 369:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 16.
4- منتهي المطلب 554:1.
5- مدارك الاحكام 418:5.
6- الأنفال: 41.
7- وسائل الشيعة 340:6 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8.

و لعل الجواب واضح، فان اطلاق الآية الكريمة قابل للتقييد. و ما تضمنته الصحيحة يمكن تخريجه اما علي التحليل منه عليه السّلام لذلك الشخص او علي الاذن له في تلك الغزوة.

10 - و اما ان ميراث من لا وارث له هو من الانفال

فقد ادعي عليه الاجماع. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «من مات و ليس له وارث من قرابته... فماله من الانفال»(1) و غيرها.

2 - انحاء الملكية و وسائل تحصيلها
اشارة

لملكية الثروة الطبيعية(2) ثلاثة أنحاء:

1 - ملكية جميع المسلمين بالنسبة الي الارض الخراجية، اي الارض المفتوحة باذن الامام عليه السّلام عنوة(3) المحياة حالة الفتح.

2 - ملكية الامام عليه السّلام أو الدولة بالنسبة الي الانفال.

3 - الملكية الشأنية بالنسبة الي المباحات العامة.

اما ما كان من النحو الاول فامره بيد ولي الامر فله دفع الارض الخراجية الي من شاء مقابل الخراج(4) بما يراه صلاحا، و لا يجوز بيعها و لا وقفها و لا هبتها و لا تملكها بنحو الملك الشخصي.

و يصرف ولي الامر الخراج في المصالح العامة للمسلمين.

ص: 192


1- وسائل الشيعة 547:17 الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة الحديث 1.
2- المقصود من الثروة الطبيعية الارض و ما فيها و ما عليها.
3- بفتح العين و سكون النون، بمعني القهر و القوة.
4- الخراج: اجرة الارض.

و اما النحو الثاني فتنتقل الارض فيه بالاحياء الي المحيي ملكا او حقا، و المعدن باستخراجه الي المخرج، و الآجام بحيازتها الي الحائز.

و اما ما كان من النحو الثالث - كالماء و الطيور و الاسماك و ما شاكل ذلك - فيملك بالحيازة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الارض المفتوحة عنوة هي لجميع المسلمين

- الحاضرين و الغائبين و المتجددين بعد ذلك

- و لا تختص بالمقاتلين فلم يعرف فيه خلاف بيننا و ان نسب الي بعض العامة اختصاص الغانمين بها كغيرها من الغنائم(1). و يدل علي ذلك صحيح الحلبي: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد(2) ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد. فقلت:

الشراء من الدهاقين(3) ، قال: لا يصلح الا ان تشري منهم علي ان يصيرها للمسلمين، فاذا شاء ولي الامر ان يأخذها أخذها...»(4) و غيره.

و قد يشكل بان السواد لم يفتح باذن الامام عليه السّلام فهو من الانفال لا للمسلمين، و الحكم المذكور في الصحيحة بانه للمسلمين لا بدّ من حمله علي الصدور للتقية.

و قد يجاب بصدور الاذن منه عليه السّلام، فان الخليفة الثاني كان

ص: 193


1- جواهر الكلام 157:21.
2- اي ارض العراق المفتوحة عنوة في عصر الخليفة الثاني.
3- الدهقان بكسر الدال و ضمها يطلق علي رئيس القرية و التاجر و من له مال و عقار. و هو اسم اعجمي مركب من (ده) و (قان).
4- وسائل الشيعة 274:12 الباب 21 من ابواب عقد البيع الحديث 4.

يستشير امير المؤمنين عليه السّلام في ذلك. و في مشاركة عمار في تلك المعارك و تولي سلمان ولاية المدائن بل قبول الامام الحسن عليه السّلام التوجه الي محاربة يزدجرد دلالة واضحة علي ذلك.

و هذا الجواب ان صحّ و ثبت تحقق الاذن فهو و الا فبالامكان ان يجاب بان الحكم في الصحيحة المتقدمة بكون ارض السواد للمسلمين بعد معلومية اعتبار الاذن يدل بالالتزام علي صدورها منه عليه السّلام. و الحمل علي التقية بعد امكان الافتراض المذكور لا وجه له.

2 - و اما تقييد الفتح بما اذا كان باذن الامام عليه السّلام

فلما تقدم من كون المفتوح بغير اذنه عليه السّلام هو من الانفال.

و اما تقييد الفتح بكونه عنوة فلما تقدم من كون المفتوح بلا قتال هو من الانفال.

و اما تقييد الارض بما اذا كانت محياة حين الفتح فلأن الارض الميتة هي من الانفال علي ما تقدم.

3 - و اما الترديد في ملكية الانفال بين كونها للإمام عليه السّلام او للدولة

فقد تقدمت الاشارة الي وجهه سابقا.

كما تقدمت الاشارة الي الوجه في ملكية الامام عليه السّلام للأنفال فراجع.

4 - و اما كون الملكية في النحو الثالث شأنية

فلان كل فرد من الناس له شأنية تملك المباحات العامة بالحيازة.

اما كيف يمكن اثبات الاباحة العامة للأشياء ما سوي الارض الخراجية و الانفال؟ يمكن اثباته بوجهين:

أ - ان ثبوت الملكية لخصوص الامام عليه السّلام او لجميع المسلمين هو

ص: 194

الذي يحتاج الي دليل، بخلاف كون الشيء ليس مملوكا لأحد بل لكل شخص الحق في تملكه بالحيازة فانه لا يحتاج الي دليل، بل هو مقتضي الاصل المستفاد من مثل قوله تعالي: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (1).

ب - التمسك بسيرة المتشرعة، فانها منعقدة علي تملك الماء و الطيور و الاسماك و الحيوانات و الاعشاب و ما شاكل ذلك بالحيازة، و لا يحتمل نشوء مثل السيرة المذكورة عن تهاون و تسامح، فانها منعقدة في حق جميع المتشرعة، و ذلك يكشف عن وصولها يدا بيد من معدن العصمة و الطهارة.

و مما يؤيد ذلك في الجملة رواية محمد بن سنان عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن ماء الوادي فقال: ان المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء»(2) و غيرها.

5 - و اما ان امر الارض الخراجية بيد ولي المسلمين

فلان ذلك مقتضي ملكيتها لجميع المسلمين. علي ان صحيحة الحلبي السابقة واضحة في ذلك.

و اما انحصار التصرف الجائز فيها بدفعها مقابل الخراج فهو لازم ابقاء عينها لجميع المسلمين مع التصرف فيها وفق مصلحتهم.

اجل لا بأس ببيع الحق الثابت فيها لفقدان المانع و وجود المقتضي، بل قيل بجواز بيعها تبعا للآثار.

و اما صرف ولي الامر الخراج في صالح المسلمين فلان ذلك لازم

ص: 195


1- البقرة: 29.
2- وسائل الشيعة 331:17 الباب 5 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

ملكية جميع المسلمين لها. بل قد يقال بانه لا معني لملكية جميع المسلمين لها الا استحقاقهم لصرف واردها في مصالحهم، و لا يتصور معني صحيح لملكية الجميع لها الا ذلك.

6 - و اما ان الارض الميتة - التي هي من مصاديق النحو الثاني -

يجوز احياؤها و تنتقل الي المحيي

فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب.

و يدل علي ذلك أمران:

أ - السيرة المستمرة للمتشرعة علي التصرف في الارض الموات و احيائها من دون احتمال نشوء ذلك عن التساهل و التسامح.

ب - صدور الاذن من اصحاب تلك الارض بذلك، كما دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من أحيا أرضا مواتا فهي له»(1) و غيرها. اجل دلت بعض النصوص الاخري علي ان الاذن المذكور ليس بنحو المجانية بل مشروط بدفع الاجرة الا اذا كان المحيي من الشيعة فانه لا يجب عليه ذلك، فلاحظ صحيحة ابي خالد الكابلي عن ابي جعفر عليه السّلام: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، انا و اهل بيتي الذين أورثنا الارض و نحن المتقون و الارض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها، فان تركها و اخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها حتي يظهر القائم عليه السّلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها

ص: 196


1- وسائل الشيعة 327:17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 6.

و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و منعها الا ما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم علي ما في ايديهم و يترك الارض في ايديهم»(1) التي يستفاد منها جملة من الامور، و هي:

أ - ان الارض بأجمعها ملك للّه سبحانه.

ب - ان الارض ما دامت ملكا له سبحانه فمن حقه ان يملّكها لمن اراد من عباده.

ج - انه سبحانه قد ملّك الارض عباده المتقين، و هم اهل البيت عليهم السّلام، فجميع الكرة الارضية - علي هذا - هي لأهل البيت عليهم السّلام(2).ل.

ص: 197


1- وسائل الشيعة 329:17 الباب 3 من ابواب احياء الموات الحديث 2.
2- و هذا المعني قد اشارت اليه روايات متعددة، و قد كان قديما محلا للتساؤل بين اصحاب الائمة عليهم السّلام أنفسهم فقد ورد في الكافي 409:1 «لم يكن ابن ابي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا و كان لا يغبّ [يقال زر غبّا تزدد حبا، اي زر يوما و اترك يوما] اتيانه ثم انقطع عنه و خالفه و كان سبب ذلك ان ابا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام و وقع بينه و بين ابن ابي عمير ملاحاة [اي منازعة] في شيء من الامامة، قال ابن ابي عمير: الدنيا كلها للإمام عليه السّلام علي جهة الملك و انه اولي بها من الذين هي في ايديهم و قال ابو مالك: ليس كذلك املاك الناس لهم الا ما حكم اللّه به للإمام من الفيء و الخمس و المغنم فذلك له و ذلك أيضا قد بيّن اللّه للإمام اين يضعه و كيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم و صارا اليه فحكم هشام لأبي مالك علي ابن ابي عمير فغضب ابن ابي عمير و هجر هشاما بعد ذلك». و قد يقال: ان هذا المعني - ملكية الامام عليه السّلام لجميع الكرة الارضية - مخالف للضرورة القاضية بانّا نملك هذه القطعة من الارض او تلك بالبيع او الشراء و ما شاكل ذلك و لا يحتمل احد ان تلك القطعة لا حق لنا في بيعها و شرائها باعتبار انها ملك لغيرنا. و الجواب: ان الارض بأجمعها هي لأهل البيت عليهم السّلام و لكنهم تنازلوا عن ملكهم لمن احياها - اما بنحو التمليك او بنحو احقية التصرف - مع المقابل او بدونه. و الالتزام بذلك ليس فيه اي مخالفة للضرورة. و لعل هذا هو مقصود الشيخ الهمداني في كتابه مصباح الفقيه 8:14 و السيد الشهيد الصدر في اقتصادنا 482:2 حينما تعرضا للجواب عن الاشكال.

د - انهم عليهم السّلام قد تنازلوا عن الارض لكل من احياها مقابل اداء الخراج.

ه - ان كل من لم يواصل احياء الارض حتي خربت فلبقية المسلمين الحق في احيائها و يكون المحيي الجديد احق بها.

و - ان الشيعة - أعزّهم اللّه تعالي - لهم الحق في احياء الارض بدون مقابل تفضلا منهم عليهم السّلام عليهم.

و الفترة الزمنية التي لوحظ فيها هذا الحكم الاخير و ان كانت هي فترة ظهور القائم - ارواحنا له الفداء - الا انه يمكن ان يفهم من ذلك التعميم.

و في المقام تساؤل علمي محصله: ان الارض اذا كانت لأهل البيت عليهم السّلام فصدور الاذن في الاحياء من احدهم يبقي ساري المفعول طيلة فترة حياة صاحب الاذن فقط و لا يمكن استفادة العمومية لمثل زماننا.

و هذا و ان كان مجرد احتمال و لكنه كاف في الحكم بلزوم الاقتصار علي الفترة المتيقنة.

و الجواب: ان الاحتمال المذكور و ان كانت بعض النصوص لا تأباه الا انه بملاحظة بعضها الآخر ضعيف بل منتف، ففي صحيحة الكابلي نلاحظ ان امير المؤمنين عليه السّلام يأمر بدفع الخراج الي الائمة الطيبين الطاهرين الذين يأتون من بعده حتي يظهر القائم - ارواحنا له الفداء - و هذا لا يلتئم مع الاحتمال المذكور.

7 - و اما الترديد في امر الاحياء بين كونه مولّدا للملك او للحق

فهو باعتبار وجود احتمالين في المسألة فيحتمل انتقال ملكية الارض

ص: 198

من الامام عليه السّلام او الدولة الي المحيي و صيرورتها ملكا شخصيا له، و يحتمل بقاء ملكيتها السابقة علي ما هي عليه و لا يتولد للمحيي سوي أولويته من غيره في التصرف فيها.

و قد صار مشهور الفقهاء الي الاحتمال الاول تمسكا بظهور اللام في قولهم عليهم السّلام: «من أحيا ارضا مواتا فهي له» في افادة الملكية.

في حين صار الشيخ الطوسي الي الاحتمال الثاني، حيث يقول:

«فاما الموات فانها لا تغنم و هي للإمام خاصة، فان احياها احد من المسلمين كان اولي بالتصرف فيها و يكون للإمام طسقها(1)»(2).

و قد صار الي ذلك أيضا الفقيه السيد محمد بحر العلوم قدّس سرّه في بلغته(3).

و يمكن توجيه ذلك بان فرض الاجرة - المعبر عنها بالطسق - لا يتناسب مع انتقال العين الي المحيي بل يتناسب مع انتقال المنفعة فقط.

و اما اللام فلا ظهور لها في الملك فانها جارية مجري قول مالك الأرض للفلاحين عند تحريضهم علي عمارة الارض: من عمرها و حفر انهارها فهي له، فانه ليس المقصود انتقال العين الي الفلاح بل أحقيته من غيره و تقدمه علي من سواه.

8 - و اما المعادن

فقد تقدم الخلاف في كونها من الانفال او لا، و لكن علي تقدير جميع الاقوال الثلاثة في المسألة يجوز استخراجها

ص: 199


1- الطسق: الاجرة.
2- المبسوط 29:2.
3- بلغة الفقيه: 98.

و تملكها بعد اخراج خمسها.

و الوجه في ذلك امران:

أ - انعقاد السيرة القطعية بين المتشرعة علي ذلك.

ب - التمسك بصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال: عليها الخمس جميعا»(1) و غيرها، فانها تدل بوضوح علي ملكية المخرج لما اخرجه من المعدن بعد التخميس.

ثم ان المعادن علي قسمين: ظاهرة و باطنة(2).

و قد قال كثير من الفقهاء عن المعادن الظاهرة بانها تملك بمقدار ما يحوزه الشخص منها حتي لو كان ذلك المقدار زائدا عن حاجته، و عن المعادن الباطنة بانها تملك للمنقّب فيما اذا وصل الي المعدن نفسه، و اما اذا حفر و لم يصل اليه كان ذلك تحجيرا يفيد الأحقية و الاولوية دون الملكية.

و في مقابل هذا قول آخر يري ان الشخص لو نقّب و وصل اليا.

ص: 200


1- وسائل الشيعة 342:6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
2- يوجد تفسيران للمعدن الباطن و المعدن الظاهر: الاول: ان المعدن الظاهر هو ما كان موجودا علي سطح الارض و لا يحتاج الوصول اليه الي بذل مئونة عمل، كالملح و القير و ما شاكل ذلك، و الباطن هو ما توقف استخراجه علي الحفر و العمل، كما في الذهب و الفضة. ثانيهما: ان المعدن الظاهر هو المعدن الذي لا يحتاج في ابراز طبيعته و خصائصه المعدنية الي بذل جهود من دون فرق بين كونه علي سطح الارض او في اعماقها، بخلاف الباطن فانه ما احتاج الي ذلك حتي و لو لم يوجد في اعماق الارض، كما هو الحال في الحديد و الذهب و الفضة و نحوها.

المعدن فلا يملك الا مقدار حاجته دون ما زاد عليها بأضعاف مضاعفة و يبقي الاستثمار بمجموع المعدن حقا للدولة او للإمام عليه السّلام بوصفه الولي الشرعي.

و وجه القول المذكور: اننا لا نملك نصا شرعيا يدل علي ان الحيازة سبب للملك ليتمسك باطلاقه لإثبات تحقق الملكية حتي للمقدار الزائد عن حاجة الشخص، بل المدرك هو السيرة الممتدة الي عصر التشريع حيث كان الفرد يحوز المعدن من دون صدور ردع شرعي عن ذلك، و من الواضح ان ما انعقدت عليه السيرة ذلك الحين هو الحيازة في حدود حاجة الفرد نفسه و لم توجد في تلك الفترة الاجهزة الحديثة التي يتمكن الفرد من خلالها من حيازة ما يزيد علي حاجته بأضعاف مضاعفة.

و عليه يبقي المقدار الزائد علي الحاجة بلا دليل يدل علي تملك الحائز له، و من ثم يبقي علي حالته السابقة، و هي كونه من المشتركات العامة.

هذا كله بالنسبة الي المعادن الظاهرة.

و اما المعادن الباطنة فحيث ان فيها حفرا يصل الشخص من خلاله الي المعدن فقد يقال ان الحفر نفسه نحو من الإحياء و الحيازة للمعدن، و بما ان إحياء الشيء و حيازته سبب لتملكه فيلزم ان يكون الحفر مع الوصول الي المعدن سببا لتملكه، و مع عدم الوصول اليه سببا للتحجير و الاولوية.

و في الجواب عن ذلك يمكن ان يقال: انّا لو سلمنا بكون ذلك نحوا من الإحياء و الحيازة لمجموع المعدن الا انه لا نملك دليلا يدل علي

ص: 201

تحقق ملك مجموع المعدن بهذا النحو من الإحياء و الحيازة علي ما تقدم توضيحه.

و اذا قلت: ان الدليل موجود، و هو مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة علي تعلق الخمس بالمعدن عند استخراجه، فانها تدل بالالتزام علي تملك المخرج للباقي مهما بلغ مقداره بعد اخراج الخمس.

قلنا: ان مثل الصحيحة المذكورة ناظرة الي المورد الذي يفترض فيه تملك الشخص للمعدن باستخراجه له، اما ما هو ذلك المورد فليست ناظرة اليه.

9 - و اما جواز حيازة الآجام بل الغابات - بناء علي ملكية

الامام عليه السّلام او الدولة لها

- فينبغي ان لا يقع موردا للتأمل لانعقاد السيرة القطعية علي الحيازة فيها.

اجل المناسب تحديد ذلك بالمقدار الذي لا يزيد علي حاجة الفرد الحائز بأضعاف مضاعفة لما تقدمت الاشارة اليه.

10 - و اما تحقق الانتقال في النحو الثالث بالحيازة

فهو مما لا اشكال فيه للسيرة القطعية المنعقدة علي ذلك، فمن اصطاد الاسماك او الطيور او اي ثروة طبيعية اخري ملكها، و من قام بالحفر و وصل الي عين ماء كان مجرد ذلك كافيا في تحقق حيازته لها.

هذا و لكن لا يبعد ان يقال في مثل عين الماء بلزوم فسح المجال للآخرين متي ما اشبع الحافر حاجته منها لعدم الجزم بانعقاد السيرة - التي هي المدرك في باب الحيازة - الا بالمقدار المذكور.

و دعوي صاحب الجواهر عدم وجوب بذل الزائد اما لأصل البراءة

ص: 202

او لقاعدة الناس مسلطون علي اموالهم(1) مدفوعة بان الاصل المذكور معارض باصل البراءة من حرمة الاستيلاء و الاخذ من دون رضا الحافر.

و تطبيق قاعدة السلطنة فرع كون تمام ماء العين مالا للحافر، و ذلك عين المتنازع فيه.

3 - من احكام المشتركات
اشارة

من كان مالكا لأرض كان مالكا لما تشتمل عليه من معدن او كنز علي المشهور.

و من كان مالكا لأرض كان مالكا لعين الماء التي يتم كشفها فيها علي المشهور أيضا.

و من حاز لآخر تبرعا او وكالة عنه فالمال للحائز دون الآخر. و اما لو كان ذلك باجارة فقيل بكونه للمستأجر دون الحائز الاجير.

و التحجير - بوضع سياج و نحوه للأرض الميتة - و ان لم يكن كالإحياء في افادة الملك و لكنه يفيد الاولوية.

و الناس و ان كان لهم حق الاحياء او التحجير في اراضي الموات الا ان لولي المسلمين المنع منهما فيما اذا كان ذلك موجبا للإخلال بالنظام.

و من سبق الي مكان في المسجد او المشاهد المشرفة فهو احق به ما دام شاغلا له بما لا يتنافي مع ذلك المكان المقدس. و اذا فارقه بنية العود

ص: 203


1- جواهر الكلام 123:38.

و كان تاركا لبعض رحله فيه فهو احق به من غيره.

و وضع الرحل قبل دخول وقت الصلاة بقصد الاستفادة من المحل عند دخوله لا يولّد حقا لصاحب الرحل مع افتراض الفاصل الزمني المعتد به.

و المستند في ذلك:

1 - اما تبعية ما في أعماق الارض من المعدن و الكنز لها في

الملكية

فقد يوجّه بانه نماء لها، و نماء المال يتبع اصله في الملكية.

و فيه: ان المقام ليس مصداقا للنماء و الثمرة بل مصداق للظرف و المظروف، و واضح ان ملكية الظرف لا تلازم ملكية المظروف.

اذن ما عليه المشهور لا يتم الا اذا انعقد اجماع تعبدي او سيرة عقلائية عليه و الا فتخريجه علي طبق القاعدة مشكل.

2 - و اما تبعية عين الماء لصاحب الارض في الملكية

فقد يوجّه بما يلي:

أ - التمسك بفكرة النماء المتقدمة.

و الجواب: ما تقدم.

ب - ان كشف العين نحو حيازة لها، و الحيازة سبب للملكية.

و فيه: ان ما ذكر يتم لو فرض وجود نص شرعي يدل علي ذلك ليتمسك باطلاقه، و لكنه مفقود، و المستند لذلك ليس الا السيرة العقلائية، و هي لا يمكن التمسك بها في المقام لعدم الجزم بانعقاد مثلها في عصر الائمة عليهم السّلام.

و مع التنزل و افتراض انعقادها فتارة يفترض انعقادها من المتشرعة بما هم متشرعة، و اخري يفترض انعقادها منهم بما هم عقلاء.

ص: 204

و الاول لا يمكن الجزم به.

و الثاني لا ينفع لان سيرة العقلاء لا تكون حجة الا في فرض الجزم بعدم الردع عنها ليتحقق العلم بالامضاء، و الجزم المذكور لا يمكن حصوله بعد مثل رواية عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بين... اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء»(1).

و اذا قيل: ان الرواية المذكورة ضعيفة السند بعقبة نفسه و بعبد اللّه بن محمد بن هلال فانهما مجهولا الحال.

قلنا: ان احتمال صدور الرواية موجود جزما، و معه فكيف يحصل الجزم بعدم صدور الردع؟

و بكلمة اخري: ان احتمال صدور الردع و لو بسبب وجود رواية ضعيفة يكفي لعدم حجية السيرة.

و هذه نكتة مهمة في باب السيرة العقلائية تنبغي مراعاتها.

هذا كله مضافا الي امكان ان يقال باشتمال المقام علي رواية تامة السند تردع عن السيرة، و هي موثقة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن النطاف و الاربعاء. قال: و الاربعاء ان يسني مسناة فيحمل الماء فيسقي به الأرض ثم يستغني عنه فقال: فلا تبعه و لكن اعره جارك. و النطاف ان يكون له الشرب فيستغني عنه فيقول:أ.

ص: 205


1- وسائل الشيعة 333:17 الباب 7 من ابواب احياء الموات الحديث 2. و المقصود: لا يمنع الماء الفاضل عن الحاجة الذي يترتب عليه عدم نزول اصحاب المواشي تلك المنطقة و يترتب علي امتناعهم من نزولها المنع من فاضل الكلأ.

لا تبعه، اعره اخاك او جارك»(1).

و النتيجة من كل هذا: انه لا دليل علي تبعية عين الماء و المعادن و نحوهما للأرض في الملكية بل ذلك باق علي الاباحة العامة الا اذا فرض تصدي مالك الارض نفسه للحفر و التنقيب فان ذلك يولّد له اولوية علي غيره و لكن في حدود حاجته علي ما تقدم توضيحه سابقا.

ثم انه لا ينبغي ان يفهم من الحكم بعدم تبعية العين او المعدن لصاحب الارض في الملكية جواز دخول الآخرين في تلك الارض لمحاولة التوصل الي ذلك، كلا انه تصرف في مال الغير من دون اذنه، و هو لا يجوز، و لكنه لو فرض عصيان شخص لذلك و تعديه علي الحق المذكور و دخوله ارض الغير و استخراجه المعدن و نحوه كان ذلك له و احق به من غيره بالرغم من عصيانه في المقدمة.

بل يمكن تصوير ذلك من دون عصيان في المقدمة، كما لو حاول الشخص المذكور الوصول الي المعدن من خلال حفر طريق في اعماق الارض من ارضه الي ارض الغير المشتملة علي المعدن، انه في مثل ذلك لا يلزم التصرف في ملك الغير لان المالك لأرض لا يملكها الي منتهي تخومها و لا الي عنان السماء - بل الي ما يمكن ان يصل في تصرفه اليه - لعدم قيام دليل علي ذلك بل الدليل قائم علي عكسه، و لذا لا يعدّ سير الطائرات في أجواء السماء و سير الحفارات في الاعماق الساحقة للأرض تصرفا في املاك الآخرين.

3 - و اما ان من حاز لآخر تبرعا فالمال للحائز دون الآخر

فلان

ص: 206


1- وسائل الشيعة 333:17 الباب 7 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

مدرك تحقق الملكية بالحيازة ليس الا السيرة، و هي تقتضي ملكية الحائز نفسه دون غيره. و مجرد قصد الحيازة عن الغير لا يجعل الغير حائزا حقيقة.

4 - و اما ان الامر كذلك في من حاز عن الغير وكالة

فللنكتة المتقدمة نفسها، فان الحيازة سبب لملكية الحائز نفسه دون غيره.

و اذا قيل: انه بعد افتراض تحقق عقد الوكالة فسوف يصدق علي الموكل نفسه عنوان الحائز لان فعل الوكيل ينتسب الي الموكل بسبب عقد الوكالة.

قلنا: ان ما ذكر وجيه في الامور الاعتبارية - كالبيع و الاجارة و نحوهما - فانه بالتوكيل فيها ينتسب فعل الوكيل الي الموكل فيقال:

فلان باع داره، و الحال ان وكيله باعها؛ و اما الامور التكوينية الخارجة عن دائرة الاعتبار فلا يتحقق الانتساب المذكور فيها و لا معني للوكالة فيها فلا يصح ان يقال لمن وكّل غيره في الاكل او الشرب عنه: انه اكل او شرب. و حيث ان الحيازة هي من الامور التكوينية دون الاعتبارية فلا تقبل الوكالة و لا تنتسب حيازة الوكيل الي الموكل.

5 - و اما حيازة الاجير - التي هي محل ابتلاء في زماننا

حيث يستأجر الشخص او الدولة عمالا للحفر و التنقيب - فقد يقال باقتضائها لملكية المستاجر لأحد الوجوه التالية:

أ - ان عمل الاجير - و هو الحيازة - ملك للمستأجر بسبب عقد الاجارة، و حيث ان المحاز يعدّ ثمرة و نتيجة للحيازة فيلزم تملك المستأجر له فان من يملك الأصل يملك نتائجه.

و فيه: ان البيضة تعدّ عرفا نماء للدجاجة فالمالك للدجاجة يكون

ص: 207

مالكا للبيضة، و هذا بخلافه في المعدن فانه لا يعدّ عرفا نماء للحيازة الا بنحو المجاز.

ب - انه بعقد الاجارة يصدق عنوان الحائز حقيقة علي المستأجر، فالحيازة حيازته، و لازم ذلك تملكه للمعدن باعتبار انه حائز حقيقة.

و فيه: ان اقصي ما يترتب علي عقد الاجارة صيرورة المستأجر مالكا لحيازة الاجير لا انه حائز حقيقة.

و مع التنزل فيمكن القول بان دليل التملك بالحيازة حيث انه السيرة التي هي دليل لبي فينبغي الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و هو ما لو تحققت الحيازة و تمّ صدقها حقيقة بتصدي الشخص نفسه دون اجيره.

ج - ان مقتضي اطلاق ادلة صحة الاجارة صحة كل اجارة بما في ذلك الاجارة علي الحيازة، و لازم ذلك تملك المستأجر لما يحوزه الاجير و الا كانت بلا منفعة عائدة الي المستأجر فتكون سفهية و باطلة.

اذن الاجارة علي الحيازة ما دامت صحيحة بمقتضي اطلاق ادلة صحة الاجارة فيلزم تملك المستأجر لما يحوزه الاجير.

و فيه: ان ادلة صحة الاجارة تدل علي صحتها في كل مورد لا تكون فيه سفهية، اي انها مشروطة بعدم كونها سفهية، و في المقام اذا لم يملك المستأجر ما يحوزه الاجير يلزم كون الاجارة سفهية و غير مشمولة لأدلة صحة الاجارة، و اذا كان يملك ذلك فلا تكون سفهية و من ثمّ تكون مشمولة لأدلة صحة الاجارة. و يترتب علي هذا انّا لو شككنا في المقام في تملك المستأجر لما يحوزه الاجير فسوف نشك في سفهية الاجارة و عدمها، و مع الشك المذكور لا يصح التمسك باطلاق

ص: 208

ادلة صحة الاجارة لإثبات صحتها لأنه تمسك بالاطلاق في الشبهة المصداقية، و هو غير جائز لان الحكم لا يثبت موضوعه.

د - ان السيرة العقلائية في زماننا قائمة علي تملك المستاجر لما يحوزه الاجير، فلاحظ عمليات التنقيب عن المعادن التي تتم علي ايدي مجموعة من العمال من خلال تعاقد بعض الشركات معهم، و هل يحتمل أحد ان المالك لتلك المعادن المستخرجة هم العمال دون الشركة؟

و فيه: ان الاستشهاد بمثال الشركة المذكور قابل للمناقشة، فان السيرة و ان كانت منعقدة في زماننا علي ما ذكر الا ان ذلك غير نافع ما لم يثبت امتدادها الي عصر المعصوم عليه السّلام ليكون سكوته و عدم ردعه عنها كاشفا عن امضائها، و من الواضح ان الامتداد المذكور ان لم يجزم بعدمه فلا أقل من الشك فيه، و معه فلا يمكن الحكم بحجيتها.

الا انه بالرغم من هذا يمكن التمسك بالسيرة، بتقريب انه اذا قيل لشخص اذهب الي تلك الشجرة و اقتطف ثمارها مقابل كذا اجرة او بدونها حكم بكونها للمستأجر او الموكل. ان هذا امر قريب في السيرة العقلائية، و من البعيد جدا عدم امتداد مثل السيرة المذكورة الي عصر المعصوم عليه السّلام، و حيث انه لم يردع عنها فيثبت امضاؤها.

و اذا ثبتت السيرة في المثال المذكور فلا بدّ لأجل التعدي الي مثال الشركات و ما شاكله من ضم مقدمة لا بدّ من بحثها في مسألة السيرة من علم اصول الفقه، و هي ان المقدار الذي يراد استكشاف امضائه من قبل الشارع بواسطة السيرة هل ينبغي الاقتصار فيه علي مقدار ما انعقدت عليه السيرة في عصر المعصوم عليه السّلام علي مستوي العمل بالفعل، او يتعدي الي ما تقتضيه النكتة العقلائية للسيرة بدائرتها

ص: 209

الوسيعة بالرغم من بروز بعضها لا جميعها علي مستوي العمل؟

و قد اختار كل واحد من الاحتمالين بعض الاعلام(1).

و نحن اذا اخترنا الاحتمال الاول لم يمكنّا التعدي الي مثال الشركات و لكن اذا اخترنا الاحتمال الثاني امكن ذلك كما هو واضح.

6 - و اما التحجير فالمعروف بين الفقهاء كونه سببا لتولد حق

الاولوية.

و يمكن توجيه ذلك بأحد الامور التالية:

أ - دعوي انعقاد الاجماع علي ذلك.

و فيه: ان الاجماع لو صحّ تحققه فهو ليس كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام لاحتمال استناد المجمعين الي ما يأتي من الوجوه.

ب - ما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من احاط حائطا علي أرض فهي له»(2).

و فيه: انه ضعيف السند، اذ روي في عوالي اللآلي عن سمرة بن جندب عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، و السند الي سمرة غير معلوم، و علي تقدير العلم به فهو غير نافع لان حال سمرة غير خاف علي أحد.

ج - ما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من سبق الي ما لا يسبقه اليه المسلم فهو احق به»(3).

و فيه: ان السند ضعيف بالارسال.

ص: 210


1- فقد جاء اختيار الاحتمال الاول في المستمسك 215:1 المسألة 9 من فصل احكام البئر عند البحث عن ثبوت الكرية بقول صاحب اليد. في حين جاء اختيار الاحتمال الثاني في فقه الشيعة 75:2 و التنقيح 329:1، و قد تعرض السيد الشهيد الي ذلك في بحوثه الفقهية 2: 127 و في الحلقة الثالثة 189:1-190.
2- عوالي اللآلي 480:3 الحديث 3.
3- عوالي اللآلي 480:3 الحديث 4.

د - ما هو المنقول عن ابن نما شيخ المحقق الحلي من ان التحجير حيث انه يعدّ شروعا في الاحياء فيكون مفيدا للملك كالإحياء لإطلاق قوله صلّي اللّه عليه و آله: «من أحيا ارضا مواتا فهي له»(1).

و لعل هذا هو أوجه ما يمكن التمسك به في المقام و لكنه بناء عليه يكون التحجير مفيدا للملك دون حق الاولوية.

7 - و اما ان لولي الأمر المنع من الاحياء و التحجير حفاظا علي

النظام

فواضح لأنهما و ان جازا بالعنوان الاولي الا ان فسح المجال من هذه الناحية بدون تحديد قد يسبّب الاخلال بالنظام فلولي الامر المنع منهما بالعنوان الثانوي لأنه المسؤول عن حفظ النظام.

8 - و اما ان الشاغل للمكان المقدس احق به من غيره ما دام

شاغلا له

فهو من المسلمات لقضاء السيرة بأحقية السابق الي المكان المشترك من غيره ما دام شاغلا له و ان طالت الفترة.

و اما التقييد بما اذا لم يكن اشغال المحل منافيا لذلك المكان المقدس فالوجه فيه واضح.

9 - و اما ان من فارق المكان الذي كان شاغلا له مع ترك بعض

رحله فيه

فهو احق به فقد ادعي عدم الخلاف فيه.

و قد يستدل عليه بما يلي:

أ - التمسك بالحديث الوارد: «اذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد اليه فهو احق به»(2).

و فيه: انه لم يرد من طرقنا فلا يمكن الاعتماد عليه.

ص: 211


1- جواهر الكلام 74:38.
2- سنن البيهقي 151:6.

ب - التمسك برواية محمد بن اسماعيل عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: نكون بمكة او بالمدينة او الحيرة او المواضع التي يرجي فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجيء آخر فيصير مكانه فقال: من سبق الي موضع فهو احق به يومه و ليلته»(1).

و فيه: انه ضعيف سندا بالارسال و دلالة باعتبار ان مضمونه مهجور لدي الاصحاب حيث يلتزمون بدوران الاحقية مدار شغل المحل و ليس مدار اليوم و الليلة.

ج - التمسك بموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الي مكان فهو احق به الي الليل...»(2).

و فيه: انه من حيث السند و ان امكن الحكم باعتباره - اذ لا مشكلة فيه الا من حيث طلحة، و هو و ان لم يوثّق بالخصوص و لكن يكفي لاعتباره تعبير الشيخ عنه في الفهرست بان له كتابا معتمدا(3) - الا ان دلالته قابلة للتأمل، فان تحديد الفترة ب «الي الليل» ان كان راجعا الي السوق و المسجد معا فيرده ما تقدم من عدم التزام الاصحاب بتحديد الفترة الي الليل. و ان كان راجعا الي السوق فقط - باعتبار ان فترة الحاجة الي السوق تتحدد بذلك و يبقي المسجد يدور الامر فيه مدار الحاجة من دون تحديد بالليل - فهذا و ان كان وجيها، و لكنه غير نافع لان لازمه زوال الحق بانتفاء الحاجة و مفارقة المحل سواء نوي العود2.

ص: 212


1- وسائل الشيعة 542:3 الباب 56 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 542:3 الباب 56 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
3- الفهرست: 86 الرقم 362.

أم لا، و سواء أ بقي شيء من الرحل أم لا.

د - التمسك بمرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم»(1).

و فيه: انه لو قيل باعتبار السند - من جهة ان ابن ابي عمير لا يروي و لا يرسل الا عن ثقة حسبما ذكر الشيخ في العدة(2) - فالدلالة ضعيفة لان المراد منها مردد بين احتمالين، فاما ان يكون المقصود ان سوق المسلمين كمسجدهم في ان من سبق يكون احق من غيره، او يكون المقصود هو احق من غيره ما دام شاغلا للمحل، و كلاهما لا ينفعان.

اما الاول فلعدم تحديد مقدار الاحقية فيه.

و اما الثاني فلان لازمه ارتفاع الاحقية بمفارقة المحل كما تقدم.

و من خلال هذا يتضح ان الاستناد الي الروايات لإثبات الحكم المذكور مشكل.

و لعل الاولي التمسك بسيرة العقلاء، فانها منعقدة في الاماكن العامة المشتركة علي عدم سقوط الحق بمفارقة المحل بعد ابقاء شيء من الرحل فيه. و حيث ان السيرة المذكورة لم يردع عنها فتكون ممضاة و حجة.

اجل لا بدّ ان تكون فترة المفارقة قصيرة فان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

10 - و اما ان وضع الرحل في المسجد و نحوه قبل دخول الوقت بقصد اشغاله بعد دخول الوقت لا يولّد حقا لصاحبه

ص: 213


1- وسائل الشيعة 300:12 الباب 17 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
2- العدة في الاصول: 63.

فلعدم دلالة دليل عليه.

اجل قد يقال بان عنوان السبق المذكور في مرسل محمد بن اسماعيل و موثقة طلحة صادق بمجرد وضع الرحل فتثبت الاحقية بذلك.

و لكن قد تقدمت المناقشة في السند و الدلالة معا فلاحظ.

هذا اذا كان الفاصل الزمني طويلا.

و اما اذا كان قصيرا فقد يدعي انعقاد سيرة العقلاء في الاماكن العامة المشتركة علي ثبوت الحق بذلك.

ص: 214

كتاب الارث

اشارة

1 - ما يوجب الارث

2 - فروض الارث

3 - الارث بالفرض و بالقرابة

4 - الحجب

5 - العول و التعصيب

6 - من تفاصيل ارث الطبقات

7 - من تفاصيل الارث بالزوجية

ص: 215

ص: 216

1 - ما يوجب الارث
اشارة

يوجب الارث امران: النسب و السبب.

اما النسب فترث به ثلاث طوائف هي:

1 - الاب و الام المباشران، و الاولاد ذكورا و اناثا و ان نزلوا.

2 - الاجداد و الجدات و ان علوا كأب الجد و جده، و الاخوة و الاخوات و أولادهم و ان نزلوا.

3 - الاعمام و العمات و الاخوال و الخالات و ان علوا - كعم او خال الاب او الام او الجد او الجدة - و اولادهم و ان نزلوا.

و كل طائفة من هذه لا ترث مع وجود الطائفة السابقة عليها و لو واحدا الا اذا فرض وجود احد موانع الارث الآتية.

و اما السبب فهو عبارة عن الزوجية و الولاء(1).

ص: 217


1- الولاء نحو ولاية يترتب عليها الارث. و هو ينشأ اما بسبب العتق او التعاقد علي ضمان الجريرة او الامامة.

و الولاء علي ثلاثة انحاء مترتبة: ولاء العتق ثم و ولاء ضامن الجريرة(1) ثم ولاء الامامة.

و مع تحقق المصداق للولاء السابق لا تصل النوبة الي الولاء اللاحق.

و الارث بالولاء لا تصل النوبة اليه الا بعد فقدان جميع طوائف النسب بخلاف الارث بالزوجية فانه يجتمع مع الارث بالنسب.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الموجب للإرث هو النسب تارة و السبب اخري و ان

طوائف النسب ثلاث بخلاف السبب

فانه علي نحوين فيمكن عدّه من واضحات الفقه و لم يقع فيه خلاف و ان كان لا يوجد نص يدل علي ذلك بالترتيب المذكور، و لكن ذلك غير مهم بعد تسالم الاصحاب عليه. اجل قد يستفاد ذلك من ضم النصوص بعضها الي البعض الآخر.

2 - و اما ان كل طائفة من طوائف النسب لا ترث مع وجود

سابقتها

فهو متسالم عليه و يمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها عند البحث عن تفاصيل ارث الطبقات.

و هكذا الحال في اجتماع الارث بالزوجية مع جميع طبقات النسب فانه متسالم عليه و تأتي الاشارة الي بعض الروايات الدالة عليه عند البحث عن تفاصيل الارث بالزوجية.

ص: 218


1- المراد به تعاقد شخصين علي ان احدهما اذا تحققت منه جناية يقوم الآخر بدفع الدية عنه في مقابل ان يرثه اذا مات و لم يكن له وارث فيقول له: عاقدتك علي ان تعقل عني و ترثني فيقول الآخر: قبلت. و المراد من العقل الدية. و تعقل عني: تدفع عني دية جنايتي. و هذا التعاقد قد يكون من كلا الطرفين و قد يكون من احدهما.
2 - فروض الارث
اشارة

الارث بالنسب أو بالسبب تارة يكون بالفرض(1) و اخري بالقرابة.

و الفروض هي: النصف، الربع، الثمن، الثلثان، الثلث، السدس.

و تفصيل ذلك:

1 - اما النصف فهو لثلاثة:

أ - البنت الواحدة.

ب - الاخت للأبوين او للأب فقط اذا لم يكن معها اخ.

ج - الزوج مع عدم الولد للزوجة و ان نزل.

2 - و اما الربع فهو لاثنين:

أ - الزوج مع الولد للزوجة و ان نزل.

ب - الزوجة مع عدم الولد للزوج و ان نزل.

و الزوجة ان كانت واحدة اختصت به و الا قسّم بينهن بالسوية.

3 - و اما الثمن فهو للزوجة مع الولد للزوج و ان نزل.

و هي ان كانت واحدة اختصت به و الا قسّم بينهن بالسوية.

4 - و اما الثلثان فهو لاثنين:

أ - البنتين فصاعدا اذا لم يكن معهن ابن مساو.

ب - الاختين فصاعدا للأبوين او للأب فقط مع عدم الاخ.

5 - و اما الثلث فهو لاثنين:

ص: 219


1- يراد بالفرض السهم المذكور في القرآن الكريم.

أ - الام مع عدم الولد للميت و ان نزل و عدم الاخوة علي تفصيل يذكر في باب الحجب.

ب - الاخ و الاخت من الام مع التعدد.

6 - و اما السدس فهو لثلاثة:

أ - لكل واحد من الابوين مع فرض وجود الولد للميت و ان نزل.

ب - الام مع وجود الاخوة للأبوين او للأب علي تفصيل يذكر في باب الحجب.

ج - الاخ الواحد من الام او الاخت الواحدة منها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الارث يكون بالفرض تارة و بالقرابة اخري

فباعتبار ان الوارث اما ان يفرض له سهم محدد مذكور في القرآن الكريم او لا يكون له ذلك بل يرث من باب قاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (1). و الاول ارث بالفرض و الثاني ارث بالقرابة.

2 - و اما ان الفروض محصورة في الستة المتقدمة

فيتضح ذلك من خلال مراجعة كتاب اللّه العزيز كما سنشير الي ذلك.

3 - و اما ان النصف للأصناف الثلاثة المتقدمة

فلقوله تعالي:

وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ (2) ، يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (3) إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ (4) ،

ص: 220


1- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
2- النساء: 11.
3- سيأتي معني الكلالة في الرقم 9.
4- النساء: 176.

وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ (1) .

و تقييد البنت بما اذا كانت واحدة باعتبار ان فرض الاكثر الثلثان.

و تقييد الاخت بكونها للأبوين او للأب لما سيأتي من ان الاخت من الام فقط ترث الثلث مع التعدد و السدس مع وحدتها.

و التقييد بما اذا لم يكن معها اخ باعتبار انه مع وجوده يكون الارث بالقرابة.

4 - و اما تعميم ولد الزوجة - الذي عدمه شرط في ارث الزوج

للنصف - للنازل

فهو للتمسك باطلاق كلمة الولد في قوله تعالي:

إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ .

5 - و اما ان الربع لمن تقدم

فلقوله تعالي: فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ ... وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ (2)

و تعميم الولد للنازل هو للتمسك بالاطلاق كما تقدم.

و اما ان الربع يقسّم بالتساوي علي الزوجات مع تعددهن فلان ذلك لازم اثبات الربع لهن، اذ ثبوته لخصوص واحدة بلا مرجح، و ثبوته للجميع مع التفاضل ترجيح بلا مرجح فيتعين ثبوته للجميع بنحو التساوي.

و تؤيد ذلك رواية العبدي(3) فلاحظ.

6 - و اما ان الثمن لمن تقدم

فلقوله تعالي: فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ

ص: 221


1- النساء: 12.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 511:17 الباب 2 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.

اَلثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ (1) .

و قد اتضح الوجه في تعميم الولد للنازل مما تقدم. كما اتضح الوجه في اشتراك الزوجات في الثمن بالسوية مع التعدد.

7 - و اما ان الثلثين لمن تقدم

فلقوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ (2). و المراد اثنتان فما فوق بضرورة الفقه. و لقوله تعالي: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ (3).

و التقييد بعدم الابن باعتبار انه معه يكون الارث بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

و اما تقييد الابن بالمساوي فباعتبار ان غير المساوي - كابن الابن - لا اثر لوجوده.

و اما تقييد الاختين بكونهما للأبوين او للأب فقط و بعدم الاخ فقد اتضح وجهه من خلال ما تقدم في الرقم 3.

8 - و اما ان الثلث لمن ذكر

فلقوله تعالي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (4) ، وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ (5).

ص: 222


1- النساء: 12.
2- النساء: 11.
3- النساء: 176.
4- النساء: 11.
5- النساء: 12.
9 - و اما ان السدس لمن تقدم

فلقوله تعالي: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ... فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (1) ، وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً (2) أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (3).

3 - الارث بالفرض و بالقرابة
اشارة

ثم ان الوارث بالفرض او بالقرابة ينقسم الي:

1 - من يرث بالفرض دائما من دون ان يرد عليه شيء، و هو الزوجة، فان لها الربع مع عدم الولد للميت، و الثمن معه، و لا يرد عليها شيء.

2 - من يرث بالفرض دائما مع الرد عليه احيانا، كالأم، فانه مع انفرادها يرد عليها الفاضل عن الثلث. و كالزوج فانه مع عدم وجود وارث سوي

ص: 223


1- النساء: 11.
2- المراد من الكلالة في هذه الآية الكريمة و التي سبقتها في رقم 3 الاخوة و الاخوات، غايته ان المراد منها في هذه الآية الاخوة و الاخوات من الام و في الآية الاخري الاخوة و الاخوات من الابوين او الاب، كما دلت علي ذلك صحيحة بكير بن اعين الواردة في الباب 3 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 2. و الكلالة في الاصل مصدر بمعني الاحاطة. و منه الاكليل لإحاطته بالرأس. و قد قال الراغب: «الكلالة اسم لما عدا الولد و الوالد من الورثة». و ظاهر كلامه بل صريحه انها اسم للوارث الذي لا يكون ولدا و لا والدا. و قد قيل: انها تطلق أيضا علي الميت الذي ليس له والد و لا ولد. ثم ان كلمة «كان» في الآية الكريمة يحتمل كونها ناقصة و ان «رجل» اسمها و «يورث» و صف لرجل و «كلالة» خبرها، و يحتمل ان تكون - اي كان - تامة، و ان «رجل يورث» فاعلها، و كلالة مصدر وضع موضع الحال.
3- النساء: 12.

الامام عليه السّلام يرد عليه الفاضل عن النصف.

3 - من يرث بالفرض تارة و بالقرابة اخري، كالأب، فانه يرث السدس بالفرض مع وجود الولد و بالقرابة مع عدمه. و كالبنت و البنات فانهن يرثن مع الابن بالقرابة و بدونه بالفرض، الي غير ذلك من الموارد.

4 - من لا يرث الا بالقرابة، كالابن، و الاخوة للأبوين او للأب، و الجد، و الاعمام و الاخوال.

5 - من لا يرث بالفرض و لا بالقرابة بل بالولاء، و هو المعتق و ضامن الجريرة و الامام عليه السّلام.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الزوجة ترث بالفرض دائما

فلانه اما ان يكون للميت ولد او لا، و علي كلا التقديرين قد ذكر سهمها في القرآن الكريم.

و اما انه لا يرد عليها شيء زائد علي فرضها حتي لو لم يكن وارث غيرها من الطوائف الثلاث النسبية بل يكون الباقي للإمام عليه السّلام - بعد فرض عدم تحقق ولاء العتق و ضمان الجريرة - فهو المشهور.

و المسألة ذات أقوال ثلاثة: ردّ الباقي عليها، و عدمه فيكون الفاضل للإمام عليه السّلام، و التفصيل بين زمان الحضور فلا يرد عليها بل عليه عليه السّلام و بين زمان الغيبة فيرد عليها.

و منشأ الاختلاف هو الاخبار، ففي مجموعة منها حكم بعدم الرد عليها، كصحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام: «رجل توفي و ترك امرأته قال: للمرأة الربع، و ما بقي فللإمام»(1) و غيرها.

ص: 224


1- وسائل الشيعة 515:17 الباب 4 من أبواب ميراث الازواج الحديث 4.

و في مقابل ذلك صحيحة اخري لأبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل مات و ترك امرأته قال: المال لها»(1).

و قد يجمع اما بحمل الثانية علي تبرعه عليه السّلام بحصته او بحمل الزوجة علي كونها من الاقارب فانها ترث جميع المال، كما دلّ عليه صحيح محمد بن القاسم بن الفضيل: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل مات و ترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها قال: يدفع المال كله اليها»(2).

2 - و اما ان الام ترث بالفرض دائما

فأمر واضح لأنه اما ان يكون للميت ولد او لا، و سهمها علي كلا التقديرين قد اشير اليه في القرآن الكريم كما تقدم.

و اما انها اذا انفردت يرد عليها الباقي فلا خلاف فيه بيننا خلافا لغيرنا حيث قالوا بكونه للعصبة(3).

3 - و اما ان الزوج مع انفراده يرد عليه الباقي

فهو المشهور، و قد دلت عليه روايات كثيرة، كصحيحة ابي بصير: «قرأ عليّ ابو عبد اللّه عليه السّلام فرائض علي عليه السّلام فاذا فيها: الزوج يحوز المال كله اذا لم يكن غيره»(4) و غيرها.

و اما ما ورد في موثق جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

ص: 225


1- وسائل الشيعة 516:17 الباب 4 من أبواب ميراث الازواج الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 517:17 الباب 5 من أبواب ميراث الازواج الحديث 1.
3- يأتي معني العصبة ان شاء اللّه تعالي عند البحث عن العول و التعصيب.
4- وسائل الشيعة 512:17 الباب 3 من أبواب ميراث الازواج الحديث 2.

«لا يكون الردّ علي زوج و لا زوجة»(1) فلا بدّ من تأويله او رد علمه الي اهله لعدم مقاومته للروايات الكثيرة التي كادت تصل الي حدّ السنة القطعية.

و منه يتضح ان ما ينسب الي الديلمي من الميل الي كون الباقي للإمام عليه السّلام(2) لا يمكن المصير اليه.

4 - و اما ان الاب يرث بالفرض تارة و بالقرابة اخري

فواضح، اذ مع وجود الولد يرث السدس كما دلت عليه الآية الكريمة المذكورة في الرقم 9 من البحث السابق، و مع عدمه يرث بآية اولي الارحام: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (3).

5 - و اما البنت و البنات فمع عدم وجود الابن المساوي لهن يرثن

النصف او الثلثين

كما تقدم في الرقمين 2، 5 من البحث السابق، و مع وجود الابن يرثن بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

6 - و اما ان الابن و من بعده لا يرثون الا بالقرابة

فواضح لعدم ذكر سهم خاص بهم في الكتاب الكريم فيرثون بالقرابة بمقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

7 - و اما ان المولي المعتق و ضامن الجريرة و الامام عليه السّلام لا يرثون

بالفرض و لا بالقرابة

فواضح اذ لم يذكر سهم خاص بهم في الكتاب الكريم ليرثوا بالفرض و ليسوا من الارحام ليرثوا بالقرابة بمقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

ص: 226


1- وسائل الشيعة 513:17 الباب 3 من أبواب ميراث الازواج الحديث 8.
2- جواهر الكلام 80:39.
3- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
4 - الحجب
اشارة

قد يتحقق حجب الوارث عن الارث كلا او بعضا بسبب وارث آخر او مانع من الموانع.

و هو علي نحوين: حجب حرمان و حجب نقصان.

و الاول له مصاديق متعددة هي:

1 - حجب كل طبقة لاحقة بالطبقة السابقة.

2 - حجب الاقرب للأبعد في افراد الطبقة الواحدة.

3 - الحجب بالكفر.

4 - الحجب بالقتل عمدا ظلما.

5 - الحجب بالرقية و بالزنا و باللعان.

و الثاني له موردان: حجب الولد، و حجب الاخوة للأم عما زاد علي السدس.

و شرط حجب الاخوة ما يلي:

1 - ان يكونوا رجلين فصاعدا او رجلا و امرأتين او اربع نساء.

2 - ان يكونوا للأبوين او للأب فقط و لا يكفي كونهم للأم.

3 - ان يكونوا منفصلين بالولادة فلا يكفي كونهم حملا.

4 - ان يكونوا مسلمين و احرارا.

5 - ان يكون الاب حيا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الحجب علي نحوين

فواضح، فان الحاجب تارة يمنع المحجوب من الارث رأسا فيكون حجبه حجب حرمان، و اخري يمنعه

ص: 227

من بعض الارث فيكون حجبه حجب نقصان. و مصاديق كل واحد من القسمين قد اشير اليها في المتن.

2 - و اما ان كل طبقة لاحقة تحجب بالطبقة السابقة

فهو من واضحات الفقه و مما لا خلاف فيه بين المسلمين و تأتي ان شاء اللّه تعالي في مطاوي الابحاث الآتية بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك.

و اما حجب افراد الطبقة الواحدة بعضها لبعض فواضح، فان الاقرب منهم يمنع الا بعد لقاعدة اولي الارحام، فالولد يمنع ولد الولد، و الاخ يمنع ولد الاخ، و الجد يمنع اباه، و الاعمام و الاخوال و أولادهم و ان نزلوا يمنعون اعمام الاب و اخواله.

3 - و اما الحجب بالكفر

فهو مما لا خلاف فيه، فالكافر لا يرث المسلم، بخلاف المسلم فانه يرث الكافر. و النصوص في ذلك مستفيضة، كصحيحة جميل و هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «روي الناس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله انه قال: لا يتوارث اهل ملتين قال: نرثهم و لا يرثونا، ان الإسلام لم يزده في حقه الا شدة»(1) و غيرها. و قد دلت الصحيحة علي ان المراد من الحديث النبوي المشهور الدال علي نفي التوارث بين اهل ملتين هو نفي التوارث من الطرفين لا نفيه حتي من طرف واحد.

4 - و اما تحقق الحجب بالقتل عمدا ظلما

فهو مما لا خلاف فيه، فالقاتل لا يرث المقتول. و الروايات في ذلك متواترة، كصحيحة ابي عبيدة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن امرأة شربت دواء و هي حامل و لم يعلم بذلك زوجها فالقت ولدها فقال: ان كان له عظم و قد نبت عليه اللحم

ص: 228


1- وسائل الشيعة 376:17 الباب 1 من ابواب موانع الارث الحديث 14.

عليها الدية تسلّمها الي ابيه، و ان كان حين طرحته علقة او مضغة فان عليها اربعين دينارا او غرّة(1) تؤديها الي ابيه. قلت له: فهي لا ترث ولدها من ديته مع ابيه؟ قال: لا، لأنها قتلته فلا ترثه»(2) و غيرها.

5 - و اما التقييد بكون القتل عمدا

فهو المشهور. و يدل عليه صحيح عبد اللّه بن سنان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل امه أ يرثها؟ قال: ان كان خطأ ورثها، و ان كان عمدا لم يرثها»(3) و غيره.

و اما ما ورد في رواية العلاء بن فضيل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و لا يرث الرجل الرجل اذا قتله و ان كان خطأ»(4) و مثله في رواية الفضيل بن يسار(5) فهو ضعيف السند بمحمد بن سنان في الاول و بالارسال و غيره في الثاني فلاحظ.

6 - و اما التقييد بكون القتل ظلما

فلا خلاف في اعتباره. و قد يوجّه بانصراف دليل المنع الي القتل العمدي فيبقي القاتل خطأ مشمولا لمطلقات الارث.

و يؤيد التقييد بالظلم رواية حفص بن غياث التي رواها الشيخ و الصدوق بسندهما عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث:

«سألت جعفر بن محمد عليهما السّلام عن طائفتين من المؤمنين احداهما باغية و الاخري عادلة اقتتلوا فقتل رجل من اهل العراق اباه او ابنه او اخاه او

ص: 229


1- الغرّة - بالضم - عبد او أمة. و في بعض الأحاديث تحديد قيمتها بأربعين دينارا.
2- وسائل الشيعة 390:17 الباب 8 من ابواب موانع الارث الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 392:17 الباب 9 من ابواب موانع الارث الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 392:17 الباب 9 من ابواب موانع الارث الحديث 4.
5- وسائل الشيعة 392:17 الباب 9 من ابواب موانع الارث الحديث 3.

حميمه و هو من اهل البغي و هو وارثه أ يرثه؟ قال: نعم لأنه قتله بحق»(1).

و المنقري المعروف بابن الشاذكوني و ان كان ثقة، و هكذا الحال بالنسبة الي حفص، فانه ثقة، الا ان طريق العلمين الي المنقري ضعيف بالقاسم بن محمد الاصفهاني الذي لم تثبت وثاقته فلاحظ (2) ، الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

7 - و اما الحجب بالرقية

فلا خلاف فيه، فالرق في الوارث او الموروث مانع من الارث لصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام:

«لا يتوارث الحر و المملوك»(3) و غيرها.

8 - و اما الحجب بالزنا

فلا خلاف فيه أيضا، فلا توارث بين الولد و الزاني و لا بينه و المزني بها. و الروايات في ذلك متعددة، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ايّما رجل وقع علي وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعي ولدها فانه لا يورث منه شيء فان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال:

الولد للفراش و للعاهر الحجر»(4) و غيرها.

و قيل بوقوع التوارث بينه و بين المزني بها و من يتقرب بها لموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: ولد الزنا و ابن الملاعنة ترثه امه و اخواله و اخوته لأمه

ص: 230


1- وسائل الشيعة 397:17 الباب 13 من ابواب موانع الارث الحديث 1.
2- مشيخة الفقيه: 65، فهرست الشيخ: 77.
3- وسائل الشيعة 399:17 الباب 16 من ابواب موانع الارث الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 566:17 الباب 8 من ابواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه الحديث 1.

او عصبتها»(1).

و يمكن الجواب بأن مقتضي التعليل في صحيحة الحلبي نفي التوارث مطلقا. و الموثقة المذكورة يمكن حملها علي حالة كون الوط ء من طرف المرأة بالشبهة كما ذكره صاحب الوسائل في ذيل الموثقة فلاحظ.

9 - و اما الحجب باللعان

فلا اشكال فيه، فعلاقة الارث تنقطع بين الوالد و من يتقرب به و بين ولده و تبقي بينه و بين امه و من يتقرب بها.

و قد تقدمت الاشارة الي ذلك عند البحث عن اللعان.

10 - و اما ان الولد قد يحجب غيره حجب نقصان

فواضح فهو:

أ - يحجب الابوين عما زاد علي السدس الا اذا فرض كونه بنتا واحدة قد اجتمعت معهما - فانه يبقي سدس يرد عليهم اخماسا - او اجتمعت مع احدهما، فانه يبقي ثلث يرد عليهما ارباعا.

و الا اذا فرض اجتماع احدهما مع البنتين فصاعدا فانه يبقي سدس يرد عليهما اخماسا.

ب - و يحجب الزوج او الزوجة عن نصيبهما الاعلي الي الادني.

11 - و اما حجب الاخوة للأم عما زاد علي السدس

- بالرغم من انهم لا يرثون معها - فهو مما لا تأمل فيه لقوله تعالي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (2).

12 - و اما انه يعتبر في حجب الاخوة للأم عما زاد علي السدس الشرط الاول

ص: 231


1- وسائل الشيعة 569:17 الباب 8 من ابواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 9.
2- النساء: 11.

فامر متسالم عليه. و يدل عليه صحيح ابي العباس(1) عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ترك الميت اخوين فهم اخوة مع الميت حجبا الام عن الثلث، و ان كان واحدا لم يحجب الام. و قال: اذا كنّ اربع اخوات حجبن الام عن الثلث لأنهن بمنزلة الاخوين. و ان كنّ ثلاثا لم يحجبن»(2). و يمكن ان يستفاد من التعليل المذكور فيه حاجبية الاخ الواحد اذا اجتمع مع الاختين.

13 - و اما انه يعتبر في حجب الاخوة ان يكونوا للأبوين او للأب

فقط

فلا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة زرارة: «... فان كان له اخوة يعني الميت يعني اخوة لأب و أم او اخوة لأب فلأمه السدس و للأب خمسة أسداس. و انما وفّر للأب من اجل عياله. و الاخوة لام ليسوا لأب فانهم لا يحجبون الام عن الثلث و لا يرثون...»(3) و غيرها.

14 - و اما اعتبار الانفصال بالولادة

فهو المشهور. و يدل عليه انصراف عنوان «الاخوة» المذكور في الآية الكريمة عن الحمل، بل قد يمنع صدق عنوان الاخوة مع عدم الانفصال.

15 - و اما اعتبار الإسلام و الحرية

فهو متسالم عليه. و يدل عليه صحيح محمد بن مسلم: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المملوك و المشرك يحجبان اذا لم يرثا؟ قال: لا»(4) و غيره.

و قد يناقش بظهوره في ارادة حجب الحرمان دون النقصان.

ص: 232


1- اي البقباق.
2- وسائل الشيعة 456:17 الباب 11 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 455:17 الباب 10 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 459:17 الباب 14 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.

و فيه: انه ان لم يكن ظاهرا في الثاني فلا أقلّ من شموله له فيتمسك بالاطلاق او احتمال شموله فيتمسك بعدم الاستفصال.

16 - و اما اعتبار حياة الاب

فهو المشهور. و يدل علي ذلك ظاهر الآية الكريمة وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ . و هي ان دلت علي اعتبار حياة الاب و الا فلا ريب في اختصاصها بها فتبقي حالة عدم الحياة مشمولة لإطلاق ما دلّ علي ان لها الثلث.

هذا مضافا الي دلالة صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم 13 علي ذلك، حيث ورد في ذيلها: «... ان مات رجل و ترك امه و اخوة و اخوات لأب و ام، و اخوة و اخوات لام و ليس الاب حيا فانهم لا يرثون و لا يحجبونها لأنه لم يورث كلالة»(1).

بل ان حكمة الحجب المذكورة في الصحيحة تدل علي المطلوب أيضا فلاحظ.

5 - العول و التعصيب
اشارة

اذا كان جميع الورثة ذوي فروض فتارة تفترض فروضهم مساوية لستة أسداس، و اخري يفترض كونها اكثر من ذلك، و ثالثة يفترض كونها أقل.

مثال الاولي ما لو فرض ان الوارث ابوان و بنتان.

و مثال الثانية ما لو فرض ان الوارث زوج و اخت للأب و اختان للأم.

ص: 233


1- وسائل الشيعة 458:17 الباب 12 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 3. ثم انه يحتمل ان يكون المقصود من التعليل «لأنه لم يورث كلالة» انه لا ترثه الكلالة - اي الاخوة - لوجود الاقرب، و انما يورث كلالة اذا لم يوجد الاقرب.

و مثال الثالثة لو فرض ان الوارث بنت واحدة لا غير.

و الاولي لا اشكال فيها.

و الثانية هي مورد العول(1) الذي ذهب اليه غيرنا و قالوا بورود النقص علي جميع ذوي الفروض علي نسبة فرضه كما يرد النقص علي الديّان بنسبة دينهم.

و ذهبت الامامية الي استحالة العول و ان النقص يدخل علي بعض منهم دون بعض، ففي المثال السابق يدخل النقص علي الاخت من الابوين.

و الثالثة هي مورد التعصيب الذي ذهب اليه غيرنا، بمعني اعطاء الزائد للعصبة(2) - و هم الذكور من اقارب الميت ممن ينتسب اليه من دون واسطة كالأخ او بواسطة ذكر كالعم(3) و ابنه و ابن الاخ(4) - فلو ترك الميت بنتا يدفع اليها نصف المال و يدفع النصف الآخر للأخ او ابنه ان كان او للعم او ابنه.

و قالت الامامية ببطلان ذلك و لزوم ردّ النصف الثاني الي البنت نفسها.

هذا اذا كان جميع الورثة ذوي فروض. و في ذلك ينحصر مورد العول و التعصيب.

اما اذا كان بعضهم ذا فرض دون بعض دفع الي ذي الفرض فرضه و أعطي الباقي لغيره.ي.

ص: 234


1- المراد من العول زيادة مجموع السهام علي ستة أسداس. يقال: عالت الناقة ذنبها اذا رفعته. و سميت الزيادة في المقام عولا لارتفاع مجموع السهام علي التركة التي هي ستة أسداس.
2- في الصحاح: عصبة الرجل: بنوه و قرابته لأبيه. و انما سمو عصبة لأنهم عصبوا، اي احاطوا به، فالاب طرف و الابن طرف و العم جانب و الاخ جانب.
3- فان العم هو اخ الاب فيكون منتسبا بواسطة الاب.
4- و ربما تعمم للأنثي او للمنتسب بواسطة الانثي.

و اما اذا لم يكن في الورثة ذو فرض - كما في الاعمام و الاخوال - قسمت بينهم التركة علي بيان يأتي فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الصورة الاولي لا اشكال فيها

فواضح.

2 - و اما ان الصورة الثانية هي مورد العول

فباعتبار ان للزوج نصفا و للأخت من الابوين النصف و للأختين من الام الثلث، و المجموع يزيد علي ستة أسداس بمقدار ثلث.

و اول من قال بالعول و لزوم ادخال النقص علي الجميع بالنسبة هو الخليفة الثاني كما طفحت بذلك كتب القوم. قال ابن قدامي المتوفي سنة 630 ه: «اول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي اللّه عنه فجمع الصحابة للمشهورة فيها فقال العباس: اري ان تقسم المال بينهم علي قدر سهامهم فأخذ به عمر رضي اللّه عنه و اتبعه الناس علي ذلك»(1). و خالف في ذلك ابن عباس متحديا بالمباهلة، و من هنا سميت المسألة المذكورة بمسألة المباهلة. يقول ابن قدامي: «روي عن ابن عباس انه قال في زوج و اخت و أم: من شاء باهلته ان المسائل لا تعول.

ان الذي أحصي رمل عالج(2) عددا أعدل من ان يجعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا. هذان نصفان ذهبا بالمال فأين الثلث فسميت هذه

ص: 235


1- المغني لا بن قدامة 26:7. و قد جاء نقل ذلك في احكام القرآن للجصاص 114:2 و المستدرك للحاكم النيسابوري 4: 340 و السنن الكبري للبيهقي 253:6 و كنز العمال للمتقي الهندي 7:6.
2- عالج اسم موضع كثير الرمل.

المسألة مسألة المباهلة لذلك»(1).

و قد تبع ابن عباس في خلافه هذا مولاه امير المؤمنين عليه السّلام كما سيتضح.

3 - و اما استحالة العول في مذهب الامامية

فباعتبار انه يستحيل علي الحكيم العالم ان يفرض في مال ما لا يقوم به، ان ذلك لا يصدر من جاهل فضلا عن رب العزة الحكيم العالم، فان النصفين اذا ذهبا بالمال فأين موضع الثلث. و من هنا جاءت روايات اهل البيت عليهم السّلام تردّ بلهجة شديدة علي فكرة العول. يقول محمد بن مسلم: «اقرأني ابو جعفر عليه السّلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي املاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و خط علي عليه السّلام بيده فاذا فيها: ان السهام لا تعول»(2).

و في موثقة ابي بصير: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ربما اعيل السهام حتي يكون علي المائة او أقلّ او اكثر فقال: ليس تجوز ستة ثم قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: ان الذي أحصي رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول علي ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة»(3).

و ورد في صحيحة الحضرمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان ابن

ص: 236


1- المغني 26:7. يبقي الاشكال في انه كيف ترث الاخت مع وجود الام؟
2- وسائل الشيعة 423:17 الباب 6 من أبواب موجبات الارث الحديث 11.
3- وسائل الشيعة 423:17 الباب 6 من أبواب موجبات الارث الحديث 9. ثم ان في المراد من قوله عليه السّلام: «لم تجز ستة» احتمالين: 1 - ان السهام المذكورة في القرآن الكريم ستة فلو دخل النقص علي من له فرض اعلي و ادني يلزم صيرورة السهام أكثر من ستة، و هذا بخلاف ما لو دخل علي من له حدّ اعلي فقط فانه لا يلزم ذلك، حيث انه لو لم يرث الحدّ الاعلي ورث الباقي بالقرابة. 2 - ان التركة ستة اسداس و لا يمكن ان يشرّع الحكيم تعالي الارث بما يزيد علي ذلك.

عباس يقول: ان الذي يحصي رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول من ستة فمن شاء لاعنته عند الحجر ان السهام لا تعول من ستة»(1).

4 - و اما ما ذهبت اليه الامامية من دخول النقص علي بعض دون

بعض

فقد تبعوا في ذلك أئمتهم عليهم السّلام.

و ضابط ذلك البعض الذي يدخل عليه النقص هو ان يكون ذا فرض واحد بحيث لو تغير عنه ورث الباقي بالقرابة الذي قد يكون زائدا او ناقصا. ان مثل هذا يدخل عليه النقص بخلاف من قرّر له القرآن الكريم فرضين اعلي و ادني فان مثله لا يدخل عليه النقص لفرض تشريع سهم معين له لا يتجاوزه.

ففي مثال الزوج و الاخت من الابوين و الاختين من الام يدخل النقص علي الاخت للأبوين لان فرضها النصف و اذا تغير بسبب انضمام الاخ لها ورثت الباقي مع اخيها بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين، و لا يدخل علي الزوج لان فرضه النصف عند عدم الولد و ينتقل عنه - بسبب وجود الولد - الي الربع. و هكذا لا يدخل النقص علي الاختين من الام لان فرضهما الثلث و لا يتغير الي ارث الباقي بانضمام اخ او اخت ثالثة بل يبقي هو الثلث.

هذا هو الضابط.

و الدليل عليه صحيحة عمر بن اذينة: «قال زرارة: اذا اردت ان تلقي العول فانما يدخل النقصان علي الذين لهم الزيادة من الولد و الاخوة من الاب، و اما الزوج و الاخوة من الام فانهم لا ينقصون مما

ص: 237


1- وسائل الشيعة 423:17 الباب 6 من أبواب موجبات الارث الحديث 12.

سمي لهم شيئا»(1).

و النقل في الصحيحة و ان كان عن زرارة دون الامام عليه السّلام الا انه لا يحتمل كونه اجتهادا من زرارة بعد صحبته الاكيدة للإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام - و التي اطلع خلالها علي صحيفة الفرائض المكتوبة بخط امير المؤمنين و املاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(2) - التي لا تبقي معها حاجة الي إعمال الاجتهاد، خصوصا في مثل الحكم المذكور الذي هو توقيفي محض و لا يقبل الاجتهاد.

و مما يؤيد الضابط المتقدم حديث ابن عباس: «... سبحان اللّه العظيم أ ترون ان الذي أحصي رمل عالج عددا جعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري: فمن اول من اعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لما التفت الفرائض عنده و دفع بعضها بعضا فقال: و اللّه ما أدري أيكم قدّم اللّه و أيكم أخّر و ما أجد شيئا هو أوسع من ان اقسّم عليكم هذا المال بالحصص فادخل علي كل ذي سهم ما دخل عليه من عول الفرائض و ايم اللّه لو قدّم من قدّم اللّه و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة فقال له زفر: و ايها قدّم اللّه و ايّها أخّر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها اللّه عن فريضة الا الي فريضة فهذا ما قدّم اللّه و اما ما أخّر فلكل7.

ص: 238


1- وسائل الشيعة 425:17 الباب 7 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.
2- اطلع جملة من اصحاب الائمة عليهم السّلام علي الصحيفة المذكورة كزرارة و محمد بن مسلم و ابي بصير و عبد الملك بن أعين فلاحظ الأحاديث 4، 6، 11 من الباب 6 من ابواب موجبات الارث و الحديث 5 من الباب 17 من ابواب ميراث الابوين و الاولاد. و في بعض الروايات تشبيه تلك الصحيفة بأنها كفخذ الرجل مطويا فلاحظ الباب 6 من ابواب ميراث الازواج الحديث 17.

فريضة اذا زالت عن فرضها لم يبق لها الا ما بقي فتلك التي أخّر، فاما الذي قدّم فالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع الي الربع لا يزيله عنه شيء، و الزوجة لها الربع فاذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت الي الثمن لا يزيلها عنه شيء، و الام لها الثلث فاذا زالت عنه صارت الي السدس و لا يزيلها عنه شيء، فهذه الفرائض التي قدّم اللّه.

و اما التي أخّر ففريضة البنات و الاخوات لها النصف و الثلثان فاذا ازالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما بقي فتلك التي أخّر، فاذا اجتمع ما قدّم اللّه و ما أخّر بدئ بما قدّم اللّه فأعطي حقه كاملا فان بقي شيء كان لمن أخّر، و ان لم يبق شيء فلا شيء له»(1).

و الرواية و ان لم تسند الي معدن العصمة و الطهارة بل الطريق الي ابن عباس لا يخلو من مناقشة الا ان كل ذلك لا يمنع من الاستناد اليها علي مستوي التأييد.

5 - و اما ان التعصيب باطل

فينبغي أن يكون من الواضحات بل هو من ضروريات مذهبنا لكونه علي خلاف القاعدة القرآنية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (2). و قد جاء في الحديث:

«المال للأقرب و العصبة في فيه التراب»(3).

و لقد اجاد صاحب الجواهر في تعليقه علي القول بالتعصيب و العول و انه «غصن من شجرة انكار الامامة و الضلال الذي أشار اليه

ص: 239


1- وسائل الشيعة 426:17 الباب 7 من أبواب موجبات الارث الحديث 6.
2- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
3- وسائل الشيعة 431:17 الباب 8 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بمفهوم قوله: ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا»(1). و قد تابع قدّس سرّه في ذلك مولاه و مولي كل مؤمن و مؤمنة حيث قال عليه أفضل الصلاة و السلام: «يا ايتها الامة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدّمتم من قدّم اللّه و أخّرتم من أخّر اللّه و جعلتم الولاية و الوراثة لمن جعلها اللّه ما عال ولي اللّه(2) و لا طاش سهم من فرائض اللّه(3) و لا اختلف اثنان في حكم اللّه و لا تنازعت الامة في شيء من أمر اللّه. ألا و عند علي علمه من كتاب اللّه فذوقوا و بال امركم و ما فرطتم فيما قدمت أيديكم و ما اللّه بظلام للعبيد»(4).

6 - من تفاصيل ارث الطبقات
- ارث الطبقة الاولي
اشارة

اذا انفرد الاب او الام ورث جميع المال. و اذا انفردا معا بالتركة كان للأم الثلث مع عدم الحاجب و الباقي للأب، و مع الحاجب لها السدس و الباقي للأب.

و اذا اجتمع الزوج او الزوجة مع احد الابوين كان للزوج - لو فرض - النصف و للزوجة - لو فرضت - الربع و الباقي للأب بالقرابة او للأم فرضا وردا.

ص: 240


1- جواهر الكلام 110:39.
2- اي ما مال عن الحق الي الباطل.
3- طاش السهم عن الهدف بمعني عدل عنه.
4- وسائل الشيعة 426:17 الباب 7 من أبواب موجبات الارث الحديث 5.

و اذا اجتمع الزوج او الزوجة مع الابوين معا كان للزوج النصف - لو فرض - و للزوجة الربع - لو فرضت - و للأم الثلث و الباقي للأب.

و اذا انفرد الابن كان له تمام المال بالقرابة.

و اذا انفردت البنت كان لها التمام أيضا.

و اذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الأنثيين.

و اذا انفرد الابنان او الابناء كان لهما او لهم تمام المال بالسوية.

و اذا انفردت البنتان او البنات كان لهما اولهنّ التمام بالسوية أيضا.

و اذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الأنثيين.

و يقوم اولاد الاولاد و ان نزلوا مقام الاولاد في مقاسمة الابوين و حجبهما عن اعلي السهمين الي أدناهما.

و لا يرث ولد الولد مع وجود الولد و ان كان انثي.

و يرث - ولد الولد - نصيب من يتقرب به، فولد البنت يرث نصيب امه ذكرا كان او انثي، و يرث ولد الابن نصيب ابيه ذكرا كان او انثي.

و لو كان للميت اولاد بنت و اولاد ابن كان لأولاد البنت الثلث نصيب امهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين و لأولاد الابن الثلثان نصيب ابيهم يقسم بينهم كذلك.

و يحبي الولد الاكبر الذكر للميت بأربعة اشياء من تركة ابيه: ثياب بدنه، و خاتمه، و سيفه، و مصحفه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاب يرث جميع المال مع انفراده

فلعدم كونه ذا فرض، و معه فيرث بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... ، و حيث لا مشارك له حسب الفرض فيلزم استحقاقه للجميع.

ص: 241

و اما ان الام ترث جميع المال مع انفرادها فلان لها الثلث بالفرض و الباقي بالقرابة.

2 - و اما حالة انفراد الابوين و ما بعدها

فامرها واضح.

3 - و اما ان للابن المنفرد تمام التركة بالقرابة

فلانه لا فرض له فيرث جميع المال بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... .

و اما ان للبنت المنفردة تمام التركة أيضا فلان لها النصف بالفرض و الباقي بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... .

و اما انه عند اجتماع الابن و البنت يقسم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فلعدم الفرض لهما فيرثان بالقرابة و يقسم بينهما طبقا للقاعدة المذكورة.

4 - و اما ان للإبنين المنفردين تمام التركة بالسوية

فلانه لا فرض لهما فيرثان ذلك بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... بالسوية.

و اما ان للبنتين او البنات المنفردات تمام المال بالسوية أيضا فباعتبار ان للبنتين فصاعدا الثلثين بالفرض و الباقي بالقرابة و يقسم الجميع بالسوية.

و اما انه مع اجتماع البنين و البنات يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين فلانه لا فرض لهما بل يرثان بالقرابة و يلزم تقسيمه طبقا للقاعدة المذكورة.

5 - و اما قيام اولاد الاولاد و ان نزلوا ذكورا و اناثا مقام آبائهم في

مقاسمة الابوين و حجبهم من اعلي السهمين الي أدناهما

فهو المعروف بين الاصحاب. و خالف في ذلك الشيخ الصدوق و حكم باختصاص الابوين بالارث. قال قدّس سرّه: «اربعة لا يرث معهم أحد الا زوج او زوجة:

ص: 242

الابوان، و الابن، و البنت. هذا هو الاصل لنا في المواريث، فاذا ترك الرجل ابوين و ابن ابن او بنت بنت فالمال للأبوين، للأم الثلث و للأب الثلثان، لان ولد الولد انما يقومون مقام الولد اذا لم يكن هناك ولد و لا وارث غيره و الوارث هو الاب و الام. و قال الفضل بن شاذان رحمه اللّه خلاف قولنا في هذه المسألة و اخطأ قال: ان ترك ابن ابنة و ابنة ابن و ابوين فللأبوين السدسان و ما بقي فلبنت الابن من ذلك الثلثان و لابن البنت من ذلك الثلث تقوم ابنة الابن مقام ابيها و ابن البنت مقام امه. و هذا مما زلّ به قدمه عن الطريقة المستقيمة، و هذا سبيل من يقيس»(1).

و علّق المحقق علي رأي الصدوق بقوله: «و هو متروك»(2). و زاد صاحب الجواهر ان بالامكان تحصيل الاجماع علي خلافه(3).

و يمكن الاستدلال للمشهور بوجهين:

1 - التمسك بقوله تعالي: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (4) ، فان مقتضي كلمة «ولد» فيها الشمول لولد الولد و ان نزل، و اذا كان ولد الولد حاجبا للأبوين الي السدسين فلازم ذلك ان لا يكون لهما معه جميع المال و الا فلمن يكون الباقي؟

2 - التمسك بالنصوص الخاصة، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «بنات الابنة يرثن اذا لم يكن بنات كنّ مكان1.

ص: 243


1- من لا يحضره الفقيه 196:4.
2- شرائع الإسلام 825:4، انتشارات استقلال.
3- جواهر الكلام 118:39.
4- النساء: 11.

البنات»(1) ، و موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ابن الابن يقوم مقام ابيه»(2).

و في مقابل هذا قد يستدل الشيخ الصدوق بوجهين أيضا:

1 - التمسك بقاعدة الاقرب يمنع الابعد.

2 - التمسك بصحيحة سعد بن ابي خلف عن ابي الحسن عليه السّلام:

«بنات الابنة يقمن مقام البنات اذا لم يكن للميت بنات و لا وارث غيرهن، و بنات الابن يقمن مقام الابن اذا لم يكن للميت اولاد و لا وارث غيرهن»(3) ، و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج(4) ، بتقريب انهما دلا علي ان شرط القيام مقام الابن و الابنة فقدان الوارث، و مع وجود الابوين يصدق وجود الوارث.

و الجواب:

اما بالنسبة الي الوجه الاول فلا معني للتمسك به بعد وجود النص الدال علي القيام.

و اما بالنسبة الي الوجه الثاني فيمكن القول بتحقق معارضة بنحو العموم من وجه بين الصحيحتين الاوليتين من جانب و الصحيحتين الاخيرتين من جانب آخر، فان الاوليتين تدلان باطلاقهما علي قيام الابناء مقام آبائهم حتي مع وجود الابوين للميت، و الاخيرتين تدلان باطلاقهما علي اشتراط القيام بعدم وجود وارث بما في ذلك4.

ص: 244


1- وسائل الشيعة 449:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 449:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 449:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 450:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 4.

الابوان. و مع التعارض نرجع الي اطلاق الآية الكريمة: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (1) الدال علي ارث ولد الولد مع الابوين بالبيان المتقدم، و نأخذ به اما كمرجح أو كمرجع بعد التساقط، و النتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

6 - و اما ان ولد الولد لا يرث مع وجود الولد و لو كان انثي

فهو مما لا خلاف فيه، فان الاقرب يمنع الابعد. علي ان صحيحة سعد بن ابي خلف المتقدمة واضحة في المدعي فلاحظ.

7 - و اما ان اولاد الاولاد يرثون نصيب من يتقربون به

فهو المشهور. و يدل عليه:

1 - النصوص المتقدمة الدالة علي قيام الاولاد مقام الآباء، فان ظاهرها ارادة التنزيل لا في اصل الارث فقط بل فيه و في كيفيته و الا لاكتفي بذكر اولاد الاولاد من دون تفصيل في الذكر بين اولاد البنين و اولاد البنات فانه مجرد تطويل يمكن الاستغناء عنه.

2 - صحيحة ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان في كتاب علي عليه السّلام ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا ان يكون وارث اقرب الي الميت منه فيحجبه»(2).

هذا و قد خالف في المسألة السيد المرتضي حيث اختار لزوم قسمة الميراث بينهم كأولاد الصلب من غير ملاحظة لمن يتقربون به لأنهم اولاد حقيقة فتشملهم الآية الكريمة: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ

ص: 245


1- النساء: 11.
2- وسائل الشيعة 418:17 الباب 2 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ... (1) . و لو لا قاعدة الاقرب لشاركوا آباءهم في الارث(2).

و التأمل في ذلك واضح بعد ملاحظة الوجهين السابقين.

8 - و اما انه لو اجتمع اولاد البنت و اولاد الابن دفع الي اولاد البنت

الثلث يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين - و ليس بالسوية

كما هو الحال في كلالة الام - فهو المشهور لصدق الاولاد عليهم حقيقة فيدخلون في عموم يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ... .

و نسب الي القاضي و الشيخ لزوم اقتسامهم للثلث بالسوية بدعوي ان التقرب بالانثي يقتضي ذلك كما هو الحال في كلالة الام(3).

و التأمل فيه واضح، فان ذلك لا يعدو القياس، اذ كون حكم كلالة الام ذلك لا يقتضي تعميم الحكم لكل من ينتسب بواسطة الانثي و لو لم تكن اما.

9 - و اما اختصاص الولد الذكر الاكبر بالاربعة المتقدمة

فهو علي ما ذكر صاحب الجواهر مما انفردت به الامامية و معلومات مذهبهم، و بذلك تظافرت نصوصهم عن ائمتهم عليهم السّلام(4).

و من جملة النصوص صحيحة ربعي بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا مات الرجل فسيفه و مصحفه و خاتمه و كتبه و رحله و راحلته و كسوته لأكبر ولده. فان كان الاكبر ابنة فللأكبر

ص: 246


1- النساء: 11.
2- جواهر الكلام 124:39.
3- جواهر الكلام 126:39.
4- جواهر الكلام 127:39.

من الذكور»(1).

و صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا هلك الرجل و ترك ابنين فللأكبر السيف و الدرع و الخاتم و المصحف، فان حدث به حدث فللأكبر منهم»(2).

و صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت اذا مات فان لابنه الاكبر السيف و الرحل و الثياب ثياب جلده»(3).

و المعروف بين الاصحاب تحديد المحبو بالاربعة المتقدمة الا انه لا يوجد نص يجمعها بل هي كما تراها. و من هنا صار البعض الي الاستحباب مستندا في ذلك الي اختلاف الاخبار في بيان العدد كما و كيفا.

و قد علّق علي ذلك صاحب الجواهر بان الاختلاف المذكور لا يصلح قرينة علي الاستحباب ضرورة عدم كون مطلق الاختلاف دالا علي ذلك و الا فاغلب الاخبار في غالب الاحكام مختلفة. نعم لو بلغ الاختلاف الي حدّ اوجب القطع بارادة الاستحباب كما في اخبار البئر اتجه الحكم به، و ليس المقام من ذلك قطعا.

ثم اضاف قائلا: علي ان من المحتمل ارادة القميص من الدرع لا الحديد و يلحق به غيره من ثياب البدن بالإجماع. و اشتمال الخبر علي ما لا يقول به احد من الطائفة لا يخرجه عن الحجية و الا كان ذلك نقضا علي القائلين بالاستحباب أيضا لأنه لم يحك عن احد منهم استحباب5.

ص: 247


1- وسائل الشيعة 439:17 الباب 3 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 440:17 الباب 3 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 440:17 الباب 3 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 5.

غير الاربعة.

هذا حصيلة ما افاده صاحب الجواهر(1).

و التعارض بين ظاهر الاصحاب و ظاهر الاخبار واضح. و الا نسب تحفظا من مخالفة الظاهرين المذكورين المصير الي التصالح بنحو من الانحاء.

ثم انه بناء علي ما صار اليه الاصحاب هل يحكم باختصاص الذكر الاكبر بالاربعة مجانا او بالقيمة؟ المنسوب الي المرتضي قدّس سرّه كونه بالقيمة. و ثمرة خصوصية الاكبر هي الاختصاص بالعين من بين الورثة(2).

و فيه: ان ظاهر الاخبار المتقدمة هو المجانية فلاحظ.

ارث الطبقة الثانية
اشارة

اذا لم يخلّف الميت قريبا من الطبقة الثانية غير اخيه لأبويه ورث المال كله بالقرابة، و مع التعدد يقسّم بينهم بالسوية.

و للأخت الواحدة من الابوين بانفرادها جميع المال أيضا نصف بالفرض و نصف يردّ بالقرابة.

و للأختين او الاخوات من الابوين المال كله، يرثن ثلثيه بالفرض و الباقي بالقرابة.

و اذا خلّف الميت اخوة و اخوات لأبويه اقتسموا جميع المال بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

ص: 248


1- جواهر الكلام 130:39.
2- جواهر الكلام 132:39.

و للأخ المنفرد من الام و الاخت المنفردة منها المال كله السدس بالفرض و الباقي يرد بالقرابة.

و للاثنين فصاعدا من الاخوة من الام ذكورا او اناثا او ذكورا و اناثا المال كله ثلثه بالفرض و الباقي بالقرابة يقسم بينهم بالسوية و ليس بالتفاضل.

و كلالة الاب فقط تقوم مقام كلالة الابوين عند فقدها و لا ترث معها.

و الجد اذا انفرد له المال كله لأب كان او لام. و كذا الحال في الجدة اذا انفردت.

و لو اجتمع جد او جدة او هما لام مع جد او جدة او هما لأب كان لمن يتقرب بالام الثلث بالسوية و لمن يتقرب بالاب الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاخ يرث المال كله بالقرابة مع انفراده

فمما لا اشكال فيه. و يدل عليه:

أ - قوله تعالي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ (1) ، فان الذيل يدل باطلاقه علي ان الاخ يرث جميع التركة مع عدم شريك له في طبقته و عدم وارث من الطبقة الاولي.

ب - صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل مات و ترك اخاه و لم يترك وارثا غيره قال: المال له...»(2).

2 - و اما انه مع تعدد الاخوة تقسم التركة بينهم بالسوية

فذلك مقتضي الاشتراك في المال الواحد و بطلان الترجيح بلا مرجح.

ص: 249


1- النساء: 176.
2- وسائل الشيعة 479:17 الباب 2 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 1.
3 - و اما ان الاخت الواحدة من الابوين لها المال كله

فهو من المسلمات حيث ترث نصفا بالفرض لقوله تعالي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ ...

وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ (1) و نصفا بالقرابة لقوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... (2).

4 - و اما ان الاختين او الاخوات من الابوين يرثن المال كله فلا

كلام فيه فلهن الثلثان بالفرض

لقوله تعالي: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ (3) و الثلث الآخر بالقرابة لآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... .

5 - و اما ان الميت اذا خلّف اخوة و اخوات لأبويه قسّم المال بينهم

للذكر مثل حظ الأنثيين

فلا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) و الروايات الخاصة(5).

6 - و اما ان الواحد اخا او اختا من الام له السدس بالفرض

فمما لا تأمل فيه لقوله تعالي: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (6). و المراد من الكلالة في الآية الكريمة كلالة الام بخلافه في آخر سورة النساء فان المقصود كلالة الابوين او الاب لصحيحة بكير بن أعين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و الذي عني اللّه تبارك و تعالي في قوله: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ

ص: 250


1- النساء: 176.
2- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
3- النساء: 176.
4- المصدر نفسه.
5- وسائل الشيعة الباب 2 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد.
6- النساء: 12.

أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ (1) انما عني بذلك الاخوة و الاخوات من الام خاصة. و قال في آخر سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ يعني اختا لأب و أم او اختا لأب...»(2).

و اما ان الباقي يرد عليهما بالقرابة فواضح لآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

و اما ان الاثنين فصاعدا من الاخوة للأم يرثون جميع المال فواضح، اذ الثلث يرثونه بالفرض لقوله تعالي في الآية السابقة: فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ، و الباقي يرثونه بالقرابة لآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

اما كيف نثبت لزوم تقسيم الباقي - المردود بالقرابة - بالسوية أيضا بعد الالتفات الي اختصاص الآية الكريمة الدالة علي التسوية في التقسيم بخصوص الثلث المدفوع بالفرض؟ يمكن اثبات ذلك اما ببيان ان الثلث اذا كان يقسّم بينهم بالسوية بنص الآية الكريمة فيلزم ذلك في غير الثلث أيضا لعدم احتمال الفرق او ببيان ان التفاضل في التقسيم هو الذي يحتاج الي دليل - و الا فوحدة سبب الاستحقاق تقتضي التساوي في كيفيته - و قد ثبت ذلك في حق الاخوة من الابوين او الاب لقوله تعالي في آخر سورة النساء: وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءًء.

ص: 251


1- النساء: 12.
2- وسائل الشيعة 481:17 الباب 3 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 2 و الآية 176 من سورة النساء.

فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1) ، و في حق الاولاد لقوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (2) ، و لم يثبت في حق الاخوة من الام فيلزم الحكم بالتساوي.

7 - و اما ان كلالة الاب تقوم مقام كلالة الابوين عند فقدها و لا

ترث معها

فلم يعرف فيه خلاف. و قد وجّه ذلك بأن اصل ارثها هو مقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ ، و اما انها لا ترث الا بعد فقد كلالة الابوين فباعتبار ان ما كان واجدا لسببين هو اقرب ممن كان واجدا لسبب واحد، و الاقرب مقدّم بمقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

و يؤيد ذلك خبر يزيد الكناسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و اخوك لأبيك و امك اولي بك من اخيك لا بيك...»(3) و غيره.

8 - و اما ان الجد او الجدة اذا انفردا كان لهما جميع المال

فينبغي ان يكون واضحا لفرض عدم وجود مشارك لهما ليدفع له بعضه.

9 - و اما انه اذا اجتمع الجد او الجدة او هما للأم مع المماثل كان

لمن يتقرب بالام الثلث و لمن يتقرب بالاب الباقي

فهو المشهور. و يدل عليه:

أ - عموم ما دل علي ارث كل قريب نصيب من يتقرب به كصحيحة ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان في كتاب علي عليه السّلام ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا ان يكون وارث اقرب الي

ص: 252


1- النساء: 176.
2- النساء: 11.
3- وسائل الشيعة 502:17 الباب 13 من ابواب ميراث الاعمام و الاخوال الحديث 1.

الميت منه فيحجبه»(1).

ب - موثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «اذا لم يترك الميت الا جدّه من قبل ابيه و جدّ ابيه و جدته من قبل امه و جدة امه كان للجدة من قبل الام الثلث و سقط جدة الام و الباقي للجد من قبل الاب و سقط جد الاب»(2).

و سند الشيخ الي ابن فضال و ان اشتمل علي الزبيري الذي لم يوثّق الا ان الامر فيه سهل بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

10 - و اما ان المدفوع لجدودة الام يقسّم بينهم بالسوية بخلاف

المدفوع الي جدودة الاب

فانه يقسم بالتفاوت فقد ذكر صاحب الجواهر اني لم أجد فيه خلافا و ان وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين(3).

و يمكن التمسك لإثبات التقسيم بالتفاضل في جدودة الاب بصحيحة زرارة و بكير و محمد و الفضيل و بريد عن أحدهما عليهما السّلام: «ان الجد مع الاخوة من الاب يصير مثل واحد من الاخوة ما بلغوا... و ان ترك اخوة و اخوات لأب و أم أو لأب و جدا فالجد احد الاخوة و المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. و قال زرارة: هذا مما لا يؤخذ عليّ فيه قد سمعته من أبيه و منه قبل ذلك و ليس عندنا في ذلك شك و لا اختلاف»(4) ، فانها دلت علي ان الجد للأب بمنزلة الاخ للأب، و من ثمّ

ص: 253


1- وسائل الشيعة 418:17 الباب 2 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 498:17 الباب 9 من أبواب موجبات الارث الحديث 2.
3- جواهر الكلام 154:39.
4- وسائل الشيعة 490:17 الباب 6 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 9.

يفهم ان الجدة للأب هي بمنزلة الاخت للأب، و حيث يلزم التفاضل بين الاخ و الاخت للأب اذا اجتمعا فيلزم ذلك في الجد و الجدة للأب أيضا.

و اما لزوم التساوي في جدودة الام فيمكن الاستدلال لا ثباته بأن التفاضل هو المحتاج الي اثبات و الا فالمناسب هو التساوي كما تقدم بيانه.

ارث الطبقة الثالثة
اشارة

يرث الاعمام او العمات و الاخوال او الخالات الميت مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة.

و اذا انفرد العم او العمة او الخال او الخالة كان له جميع المال.

و عند اجتماع الخئولة و العمومة يكون للأولي الثلث و للثانية الباقي.

و اذا اجتمع الاخوال و الخالات اقتسموا حصتهم بالسوية.

و اذا اجتمع الاعمام و العمات اقتسموا حصتهم بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاعمام او العمات و الاخوال او الخالات يرثون الميت

فأمر مسلم. و تدل عليه الروايات الآتية.

و اما انهم يرثون مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة فهو المعروف. و استدل عليه بقاعدة الاقرب يمنع الابعد، و بصحيحة ابي بصير: «الخال و الخالة يرثان اذا لم يكن معهما احد يرث غيرهم ان اللّه تبارك و تعالي يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ

ص: 254

اللّهِ »(1). و بضم عدم القول بالفصل و ملاحظة التعليل يتعدي الي العم و العمة.

هذا و لكن المنسوب الي الفضل بن شاذان قسمة المال نصفين اذا اجتمع الخال و الجدة للأم(2).

2 - و اما انه اذا انفرد العم او العمة او الخال او الخالة كان له

جميع المال

فأمر واضح، اذ مع عدم وارث آخر يلزم ارثه للجميع و الا يلزم خلف الفرض.

3 - و اما انه عند اجتماع الخئولة مع العمومة يكون للأولي الثلث

و للثانية الباقي

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة الخزاز المتقدمة في الرقم 9، و صحيحة ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شيء من الفرائض فقال لي: ألا اخرج لك كتاب علي عليه السّلام؟ فقلت: كتاب علي عليه السّلام لم يدرس؟ فقال: ان كتاب علي عليه السّلام لا يدرس فأخرجه فاذا كتاب جليل و اذن فيه: رجل مات و ترك عمه و خاله فقال: للعم الثلثان و للخال الثلث»(3) و غيرهما.

4 - و اما ان الاخوال و الخالات اذا اجتمعوا اقتسموا حصتهم

بالسوية

فلم يعرف خلاف فيه. و وجهه ان التفاضل هو الذي يحتاج الي اثبات كما تقدم بيانه.

و اما ان الاعمام و العمات اذا اجتمعوا اقتسموا حصتهم بالتفاضل

ص: 255


1- انفال آيه 75
2- جواهر الكلام 172:39.
3- وسائل الشيعة 504:17 الباب 2 من ابواب ميراث الاعمام و الاخوال الحديث 1.

فهو المشهور. و يدل عليه خبر سلمة بن محرز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال في عم و عمة: للعم الثلثان و للعمة الثلث»(1). و لكنه ضعيف بسلمة لعدم ثبوت و ثقاته الا ان يبني علي كبري الانجبار بعمل المشهور او بوثاقة كل من روي عنه احد الثلاثة.

و صحيحة الخزاز المتقدمة لا يمكن التمسك بها في المقام فلاحظ.

و الاولي كما قيل الرجوع الي الصلح.

7 - من تفاصيل الارث بالزوجية
اشارة

يختص الزوجان من بين سائر الورثة في مشاركتهما لجميع طبقات الارث و لا يختص ارثهما بحالة فقدان الغير.

و يرث الزوج مع عدم الولد للزوجة النصف، و معه و ان نزل الربع.

و ترث الزوجة مع عدم الولد للزوج الربع، و معه و ان نزل الثمن.

و اذا انفرد الزوج بالارث و لم يشاركه غيره سوي الامام عليه السّلام ورث النصف بالفرض و الباقي بالرد بخلاف ما اذا انفردت الزوجة فانها ترث الربع و الباقي يدفع للإمام عليه السّلام.

و اذا تعددت الزوجات اشتركن بالسوية في الربع او الثمن.

و الزوج يرث النصف او الربع من جميع التركة بخلاف الزوجة فانها ترث الربع او الثمن من المنقولات، و اما غيرها فتحرم من الارض عينا و قيمة و ترث من الثابت علي الارض - كالبناء و الاشجار و الابواب و نحوها -

ص: 256


1- وسائل الشيعة 506:17 الباب 2 من ابواب ميراث الاعمام و الاخوال الحديث 9.

قيمة لا عينا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الزوجين يشاركان بقية الورثة

فهو من واضحات الفقه.

و تدل عليه جملة من الروايات، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا يرث مع الام و لا مع الاب و لا مع الابن و لا مع الابنة الا الزوج و الزوجة. و ان الزوج لا ينقص من النصف شيئا اذا لم يكن ولد، و الزوجة لا تنقص من الربع شيئا اذا لم يكن ولد، فاذا كان معهما ولد فللزوج الربع و للمرأة الثمن»(1) و غيرها.

2 - و اما ان الزوج يرث النصف او الربع و الزوجة الربع او الثمن

بالتفصيل المتقدم

فهو مما لا كلام فيه، و قد تقدمت الاشارة اليه عند بيان فروض الارث.

3 - و اما ان الزوج لو انفرد ورث جميع المال النصف فرضا

و الباقي ردا في حين ان الزوجة لو انفردت ورثت الربع فقط و الباقي يرد

علي الامام عليه السّلام

فقد تقدم وجهه عند بيان الارث بالفرض و بالقرابة.

4 - و اما ان الزوجات مع تعددهن يرثن الثمن او الربع بالسوية

فقد تقدم وجهه عند بيان فروض الارث.

5 - و اما ان الزوج يرث من جميع التركة

فامر مسلم. و يكفي لإثباته اطلاق ما دلّ علي ان له النصف او الربع.

6 - و اما ان الزوجة ترث بالتفصيل المتقدم

فهو المشهور بين اصحابنا بل ان حرمانها من بعض التركة مما لا خلاف فيه. و تدل علي

ص: 257


1- وسائل الشيعة 510:17 الباب 1 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.

ذلك عدة روايات، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القري و الدور و السلاح و الدواب شيئا، و ترث من المال و الفراش و الثياب و متاع البيت مما ترك. و تقوّم النقض(1) و الابواب و الجذوع و القصب فتعطي حقها منه»(2) و غيرها، فانها تدل في صدرها علي نفي ارث الزوجة من الارض عينا و قيمة، و في ذيلها علي ثبوت ارثها من قيمة ما علي الارض، و في الوسط علي ثبوت ارثها من المنقولات، بل لا حاجة في هذا الاخير إلي دلالة رواية كما هو واضح.

و يبقي السلاح و الدواب - المذكوران في الصدر - لا بدّ من الحاقهما ببقية المنقولات و رفع اليد عن ظهور الصحيحة لاتفاق الاصحاب علي ذلك.

ثم انه في مقابل هذه الصحيحة و غيرها صحيحة الفضل بن عبد الملك و ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته او ارضها من التربة شيئا او يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال: يرثها و ترثه من كل شيء ترك و تركت»(3) ، فانها تدل علي ان الزوجة كالزوج ترث من جميع التركة.

و قد ينسب العمل بمضمون الصحيحة المذكورة الي الاسكافي(4).9.

ص: 258


1- النقض - بالضم علي وزن قفل. و قيل بالفتح أيضا علي وزن حمل. بل قال في الوافي 25: 781 هو بكسر النون - بمعني المنقوض، اي ما انتقض من البنيان. و قد ذكر الشهيد الثاني في المسالك 333:2 أن ما اشتمل عليه الخبر من السلاح و الدواب منفي بالإجماع.
2- وسائل الشيعة 517:17 الباب 6 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 522:17 الباب 7 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.
4- جواهر الكلام 207:39.

و اجيب عنها بانها محمولة علي التقية(1). و ربما يؤيد ذلك ان ظاهر كلام السائل المفروغية في الاوساط التي كان يعيشها عن عدم ارث الزوجة من جميع التركة فلاحظ.

و في المسألة قول بارث الزوجة من عين الارض علي تقدير كونها ذات ولد. و ربما يظهر اختيار ذلك من المحقق(2).

و قد يستدل عليه بصحيحة عمر بن اذينة: «النساء اذا كان لهن ولد اعطين من الرباع»(3) ، فان الرباع جمع ربع بمعني المنزل.

و يردها: انها مقطوعة. و لا قطع بنقلها عن الامام عليه السّلام، و الظن لا يغني من الحق شيئا.2.

ص: 259


1- جواهر الكلام 210:39.
2- شرائع الإسلام 835:4، انتشارات استقلال.
3- وسائل الشيعة 523:17 الباب 7 من ابواب ميراث الازواج الحديث 2.

ص: 260

كتاب الحدود

اشارة

1 - موجبات الحد

2 - التعزير

3 - اقامة الحدود في عصر الغيبة

ص: 261

ص: 262

1 - موجبات الحدّ
اشارة

العقوبة الشرعية تارة تكون حدا و اخري تعزيرا.

و يجب الحدّ عند ارتكاب محرمات معينة نذكر من بينها:

الاول: الزنا
اشارة

يتحقق الزنا بايلاج مقدار الحشفة في فرج امرأة من دون عقد و لا شبهة و لا ملك. و لا فرق في ذلك بين القبل و الدبر.

و حدّه هو:

1 - القتل تارة. و ذلك في:

أ - الزنا باحدي المحارم النسبية كالأم و البنت. و في تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببية او بالرضاع خلاف.

ب - زنا الذمي بالمسلمة.

ج - الزنا بالاجنبية عن اكراه لها.

د - الزاني ثلاثا، فانه اذا جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة.

2 - و الجلد اخري. و ذلك في:

ص: 263

أ - الزاني او الزانية اذا لم يكونا محصنين.

ب - المرأة الزانية و لو كانت محصنة اذا زني بها غير البالغ.

3 - و الرجم ثالثة. و ذلك في الزاني المحصن و الزانية المحصنة اذا كان الزاني بها بالغا.

4 - و الجلد و الرجم معا رابعة. و ذلك في الشيخ الزاني او الشيخة المزني بها اذا كانا محصنين.

5 - و خامسة يلزم الجلد و جزّ(1) شعر الرأس و النفي من البلد لفترة سنة.

و ذلك في الرجل البكر(2) اذا زني.

و الاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته و كونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها و هو متمكن من وطئها متي شاء و لا يمتنع عليه ذلك لغيبة او حبس او ما شاكل ذلك.

و الاحصان في المرأة لا يتحقق الا مع حريتها و كونها ذات زوج دائم قد دخل بها.

و لا يثبت الحدّ بالزنا الا مع البلوغ و العقل و الاختيار و العلم بالحكم و الموضوع.

و لا يثبت الزنا في حق شخص الا بامرين: اقراره اربع مرات او قيام البينة عليه التي هي عبارة عن شهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة و امرأتين بل يثبت بشهادة رجلين و اربع نساء غايته يثبت بذلك الجلد دون الرجم.

و يعتبر في شهادة الشهود ان تكون عن حس و رؤية مع وحدة المشهود بهل.

ص: 264


1- الجزّ: القطع.
2- البكر هو من تزوج و لم يدخل. و يأتي تفسيره في صحيحة الحلبي بمن املك - اي تزوج - و لم يدخل.

زمانا و مكانا، و لو شهدوا من دون ذلك حدّوا هم دون المشهود عليه.

و يلزم اداء الشهود للشهادة سوية فلو شهد بعضهم حدّوا حدّ القذف و لم ينتظر اتمام العدد.

و يلزم الاسراع في اقامة الحدود بعد اداء الشهادة و لا يجوز تأجيلها.

و يدفن الرجل اذا اريد رجمه الي حقويه(1) و المرأة الي موضع الثديين.

و يبدأ الامام بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار و يبدأ الشهود بذلك ان كان قد ثبت بواسطة البينة.

و يستحب اعلام الناس به ليحضروه بل يجب حضور طائفة عند اقامته.

و ينبغي ان تكون الا حجار صغارا.

و يجلد الزاني و هو قائم علي الحالة التي و جد عليها ان عاريا فعاريا و ان كاسيا فكاسيا و يتقي الوجه و المذاكير.

و تجلد الزانية و هي جالسة مرتدية ثيابها.

و يؤمر من يراد رجمه باغتسال غسل الميت و يكفن و يحنط ثم يرجم الي ان يموت و يصلي عليه بعد ذلك و يدفن في مقابر المسلمين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان العقوبة الشرعية تكون تارة حدا و اخري تعزيرا

فواضح لان الشرع اما ان يكون قد حدّد مقدار العقوبة علي مخالفة التكليف الشرعي او يكون قد اوكل امر ذلك الي نظر الحاكم الشرعي.

و الاول هو الحدّ و الثاني هو التعزير.

2 - و اما ان الزنا موجب للحدّ

فهو من ضروريات الدين، و صريح

ص: 265


1- الحقو بفتح الحاء: معقد الازار.

الكتاب الكريم: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (1) ناطق بذلك.

3 - و اما ان الزنا يتحقق بايلاج مقدار الحشفة

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «جمع عمر بن الخطاب اصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها و لا ينزل؟ فقالت الانصار: الماء من الماء. و قال المهاجرون:

اذا التقي الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر لعلي عليه السّلام: ما تقول يا ابا الحسن؟ فقال علي عليه السّلام: أ توجبون عليه الحدّ و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من الماء؟ اذا التقي الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر: القول ما قال المهاجرون و دعوا ما قالت الأنصار»(2) ، و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته متي يجب الغسل علي الرجل و المرأة؟ فقال: اذا ادخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم»(3) ، و غيرهما فانها دلت علي ان موضوع وجوب الغسل و المهر و الحد شيء واحد و هو التقاء الختانين. و يتحقق ذلك - التقاء الختانين - بادخال مقدار الحشفة، كما هو واضح(4) ، و قد دلت عليه صحيحة محمد بن اسماعيل

ص: 266


1- النور: 2.
2- وسائل الشيعة 470:1 الباب 6 من ابواب الجنابة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 469:1 الباب 6 من ابواب الجنابة الحديث 1.
4- ذكر الرازي عند تفسير قوله تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المائدة 6: ان ختان الرجل هو الموضع الذي تقطع فيه جلدة الغلفة. و اما ختان المرأة فيتضح بعد الالتفات الي ان شفريها محيطان بثلاثة أشياء: ثقبة في اسفل الفرج هي مدخل الذكر و مخرج الحيض و الولد، و ثقبة اخري فوق ذلك مثل احليل الذكر هي مخرج البول، و هناك شيء ثالث فوق ثقبة البول هو موضع ختانها و فيه جلدة رقيقة تشبه عرف الديك، و ختانها يتحقق بقطع تلك الجلدة. و الحشفة اذا غابت حاذي ختانها ختانه. لا حظ تفسير الرازي 168:6 عند تفسير آية الوضوء من سورة المائدة.

بن بزيع: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متي يجب الغسل؟ فقال: اذا التقي الختانان فقد وجب الغسل.

فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال نعم»(1).

4 - و اما عدم الفرق بين القبل و الدبر

فهو المشهور. و نقل ابن حمزة قولا لقائل غير معروف كون الادخال في دبر المرأة لواطا(2).

و قد يستدل علي التعميم المذكور اما بان الوارد في خطابات الحدّ عنوان الزنا و الفجور و الاتيان، و اطلاق ذلك صادق علي اتيان المرأة في دبرها، او بالتمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة: «اذا ادخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» بعد وضوح انصرافها عن الادخال في غير الموضعين.

و لا ينافي ذلك التحديد بالتقاء الختانين في بعض الروايات المتقدمة - كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة - لأنها ناظرة الي الحالة الغالبة، و هي الوط ء في القبل.

اما كيف نثبت اعتبار دخول مقدار الحشفة بلحاظ الدبر أيضا؟ لا بدّ ان يدعي ان المفهوم مما دلّ علي اعتبار غيبوبة الحشفة اعتبار ذلك في مطلق الدخول و عدم الخصوصية للقبل من هذه الناحية.

ص: 267


1- وسائل الشيعة 469:1 الباب 6 من ابواب الجنابة الحديث 2.
2- جواهر الكلام 261:41.
حدّ الزنا
5 - و اما ثبوت القتل في الزنا بالمحارم النسبية

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة ابي ايوب: «سمعت ابن بكير بن أعين يروي عن احدهما عليهما السّلام: من زني بذات محرم حتي يواقعها ضرب ضربة بالسيف اخذت منه ما اخذت. و ان كانت تابعة ضربت ضربة بالسيف اخذت منها ما اخذت...»(1) ، و صحيحة جميل بن دراج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ اين هذه الضربة؟ قال: تضرب عنقه او قال: تضرب رقبته»(2) و غيرهما.

و قد يشكل بعدم دلالتهما علي لزوم تحقق القتل بالضربة بل هما تدلان علي اعتبار الضرب بالسيف بأي مقدار اثر.

و قد يجاب بان المراد عرفا من مثل تعبير «تضرب عنقه» الكناية عن القتل دون المدلول المطابقي. و التعبير بجملة «اخذت منه ما اخذت» لا يراد به الاشارة الي عدم لزوم تحقق القتل بل الي عدم لزوم التحفظ في مقام ايقاع الضربة. هذا مضافا الي ان المسألة لم يعرف فيها خلاف.

اجل ورد في رواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين عليه السّلام:

«الرجل يقع علي اخته قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت فان عاش خلّد في السجن حتي يموت»(3). و نحوها رواية محمد بن

ص: 268


1- وسائل الشيعة 385:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 385:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 387:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

عبد اللّه بن مهران عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام(1). و لكنهما لضعف سندهما - الاولي بعامر لعدم ثبوت وثاقته، و الثانية بالارسال و بمحمد بن عبد اللّه الذي لم تثبت وثاقته أيضا - لا تصلحان للمعارضة.

و اذا قلت: ان موثقة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا زني الرجل بذات محرم حد حدّ الزاني الا انه اعظم ذنبا»(2) دلت علي عدم الخصوصية للزنا بذات محرم.

قلت: ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فلا تصلح للمعارضة.

ثم ان المستفاد من الروايات اعتبار تحقق القتل بأمرين: ضرب الرقبة و كونه بالسيف. و الحكم بالتعدي الي القتل بغير ذلك - كالقتل برصاص المسدس و نحوه في الصدر او الرأس و نحوهما - يتوقف علي عدم فهم الخصوصية.

6 - و اما الخلاف في تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببيات

- كالزنا بام الزوجة او بنتها - و المحرمات من الرضاع

فينشأ من دعوي اطلاق النصوص فيحكم بالتعميم، و من دعوي الاجماع او انصرافها عن مثل ذلك فيحكم بالاختصاص.

7 - و اما ثبوت القتل في زنا الذمي بالمسلمة

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة حنان بن سدير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن يهودي فجر بمسلمة قال: يقتل»(3).

و المعروف في كلمات الاصحاب تخصيص الحكم بالذمي الا انه

ص: 269


1- وسائل الشيعة 385:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 386:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.
3- وسائل الشيعة 407:18 الباب 36 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

ينبغي التعدي الي غيره لإطلاق الصحيحة بل قد يدعي الجزم بعدم الخصوصية.

8 - و اما ثبوت القتل في الزنا بالمرأة عن اكراه لها

فلم يعرف فيه خلاف أيضا. و تدل عليه صحيحة بريد العجلي: «سئل ابو جعفر عليه السّلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها قال: يقتل محصنا كان او غير محصن»(1) و غيرها.

و اما صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا كابر الرجل المرأة علي نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها او عاش»(2) فلا تصلح للمعارضة لهجران الاصحاب لمضمونها بل لم يفرض فيها تحقق الزنا.

9 - و اما القتل في المرة الرابعة اذا فرض تكرر الزنا و الجلد ثلاث

مرات

فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه موثقة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: الزاني اذا زني يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة، يعني جلد ثلاث مرات»(3) و غيرها.

و قيل يقتل في المرة الثالثة كسائر اصحاب الكبائر استنادا الي صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام: «اصحاب الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(4) ، و لكنها - كما

ص: 270


1- وسائل الشيعة 381:18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 382:18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 387:18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 388:18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

نقل الحر عن شيخ الطائفة(1) - مطلقة فتقيد بغير الزاني لأجل الموثقة.

10 - و اما ان الجلد ثابت في حق الزاني او الزانية اذا لم يكونا

محصنين

فهو مما لا خلاف فيه للآية الكريمة: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (2) ، و الروايات الشريفة، كموثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الحر و الحرة اذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة، فاما المحصن و المحصنة فعليهما الرجم»(3) و غيرها.

11 - و اما ان المرأة اذا زني بها صبي تجلد و لا ترجم حتي و لو

كانت محصنة

فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زني بامرأة قال: يجلد الغلام دون الحد و تجلد المرأة الحدّ كاملا. قيل: فان كانت محصنة، قال: لا ترجم لان الذي نكحها ليس بمدرك و لو كان مدركا رجمت»(4).

12 - و اما ثبوت الرجم في حق الزاني و الزانية المحصنين

فهو مما لا خلاف فيه للروايات المتعددة، كموثقة سماعة المتقدمة في الرقم 10 و غيرها.

هذا في غير الشيخ و الشيخة. و اما هما فاللازم في حقهما الجمع بين الجلد و الرجم كما سيأتي. بل قيل بلزوم ذلك في حق الشابين أيضا و اختاره المحقق الحلي(5).

ص: 271


1- راجع ذيل الحديث في الوسائل.
2- النور: 2.
3- وسائل الشيعة 347:18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 362:18 الباب 9 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
5- شرائع الإسلام 937:4، انتشارات استقلال.

و اما تقييد ثبوت الرجم في حق الزانية المحصنة بما اذا كان الزاني بها بالغا فلما تقدم.

و قيل بأن الحكم في حق الزاني ذلك أيضا فلا يثبت في حقه الرجم اذا كانت المزني بها مجنونة أو صبية بل يثبت الجلد و اختاره المحقق قدّس سرّه أيضا(1).

13 - و اما ثبوت الجلد و الرجم معا في حق الشيخ و الشيخة

المحصنين

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم. و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة»(2).

و اطلاقها و ان اقتضي ثبوت الجمع في حق غير المحصن أيضا الا انه قد يقال بلزوم تقييده بالاحصان لصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة ان يجلدا مائة. و قضي للمحصن الرجم و قضي في البكر و البكرة اذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما و هما اللذان قد املكا و لم يدخل بها»(3) ، فان فقرة: «و قضي للمحصن الرجم» تدل علي ان الرجم خاص بالمحصن و لا يثبت في حق غيره.

و هل تدل الفقرة المذكورة علي ثبوت الرجم وحده و من دون جلد

ص: 272


1- شرائع الإسلام 937:4، انتشارات استقلال.
2- وسائل الشيعة 348:18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9. و البكر و البكرة هما من تزوج و لم يدخل. و قد عبّر عنهما في بعض الروايات بمن املك و لم يدخل.
3- وسائل الشيعة 347:18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

في حق المحصن - لتعارض صحيحة الحلبي - أو هي ساكتة من هذه الناحية؟ لا يبعد الثاني. و معه فلا تعارض صحيحة الحلبي الدالة علي اضافة الجلد الي الرجم.

14 - و اما ثبوت الجلد و الجز و النفي من البلد في حق البكر

فتدل عليه صحيحة حنان: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و أنا اسمع عن البكر يفجر و قد تزوج ففجر قبل ان يدخل بأهله، فقال: يضرب مائة و يجز شعره و ينفي من المصر حولا و يفرّق بينه و بين أهله»(1).

هذا و قد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام: «سألته عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها فزني ما عليه؟ قال: يجلد الحد و يحلق رأسه و يفرّق بينه و بين أهله و ينفي سنة»(2) التعبير بالحلق بدل الجز، و الجمع يقتضي الحمل علي التخيير بينهما.

هذا و قد قيل بأن الجلد و الجز و النفي لا يختص بالبكر بل يعم كل زان غير محصن. و ممن اختار ذلك المحقق قدّس سرّه(3).

و اما الحكم بالتفريق فلا بدّ من حمله علي الاولوية دون الكناية عن الانفساخ و تحقق الحرمة المؤبدة لعدم احتمال ذلك فقهيا.

ثم ان الحكم بجز الشعر او حلقه يختص بالرجل و لا يعمّ المرأة من دون نقل خلاف في ذلك، و يكفي لإثباته القصور في المقتضي فلاحظ.

اجل الحكم بالتغريب عن البلاد يعمها - و ان استشكل فيه جمع

ص: 273


1- وسائل الشيعة 359:18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 359:18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.
3- شرائع الإسلام 937:4، انتشارات استقلال.

من الفقهاء - لدلالة صحيحتي محمد بن قيس و الحلبي المتقدمتين في الرقم 13 - علي ذلك.

الاحصان
15 - و اما ان الاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام:

«قضي امير المؤمنين عليه السّلام في العبيد اذا زني احدهم ان يجلد خمسين جلدة و ان كان مسلما او كافرا او نصرانيا و لا يرجم و لا ينفي»(1) و غيرها.

و اما انه يعتبر في احصان الرجل أيضا كونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها و هو يتمكن من وطئها متي شاء فتدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «لا يرجم الغائب عن اهله و لا المملك الذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة»(2) ، فان الفقرة الثالثة تدل علي اعتبار دوام الزوجية و الثانية علي اعتبار الدخول بها و الاولي علي اعتبار التمكن من وطئها متي ما شاء، إذ الغيبة تلحظ عرفا بنحو الطريقية الي عدم التمكن من الوط ء.

و بقطع النظر عن ذلك يمكن استفادة المطلوب بوضوح من صحيحة إسماعيل بن جابر عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت: ما المحصن رحمك اللّه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن»(3)

ص: 274


1- وسائل الشيعة 402:18 الباب 32 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 355:18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 351:18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

و صحيحة حريز: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحصن، قال: الذي يزني و عنده ما يغنيه»(1) و غيرهما.

ثم انه ورد في صحيحة عمر بن يزيد السابقة ذيل بالشكل التالي:

«قلت: ففي أي حدّ سفره لا يكون محصنا؟ قال: اذا قصر و افطر فليس بمحصن»(2) ، و هو يدل علي ان الاحصان ينتفي بالسفر الموجب لقصر الصلاة و الافطار في الصوم و ليس بكل غياب. و لكن ذلك يلزم تأويله أو طرحه لعدم قائل به من الاصحاب، و لذا قال المحقق: «و في رواية مهجورة دون مسافة التقصير»(3).

16 - و اما ان المرأة لا يتحقق احصانها الا مع حريتها

فأمر لا خلاف فيه. و يمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، فان كلمة «العبيد» يفهم منها العموم و عدم الخصوصية للذكورة.

و اما اعتبار ان يكون لها زوج فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم الا ان يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل»(4) و غيرها.

و اما اعتبار ان يكون الزوج قد دخل بها فيمكن استفادته من صحيحة محمد بن مسلم الاخري عن احدهما عليهما السّلام: «سألته عن قول اللّه عز و جل: فَإِذا أُحْصِنَّ (5) قال: احصانهن ان يدخل بهن. قلت: ان لم

ص: 275


1- وسائل الشيعة 352:18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 356:18 الباب 4 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
3- شرائع الإسلام 933:4، انتشارات استقلال.
4- وسائل الشيعة 355:18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
5- النساء: 25.

يدخل بهن أما عليهن حدّ؟ قال: بلي»(1).

و اما اعتبار دوام الزوجية فأمر متسالم عليه بين الاصحاب. و قد يستدل عليه بموثقة اسحاق بن عمار: «... قلت: فان كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟ فقال: لا، انما هو علي الشيء الدائم عنده»(2) ، بتقريب ان المراد من قوله: «انما هو...» ان الاحصان لا يكون الا في الشيء الدائم من دون فرق بين احصان الرجل و احصان المرأة.

شرائط ثبوت حدّ الزنا
17 - و اما اعتبار البلوغ و العقل في ثبوت حدّ الزنا

فأمر متسالم عليه. و يكفي لا ثباته ما تقدم في أوائل الكتاب من اشتراط كل تكليف بالبلوغ و العقل و ان فاقدهما قد رفع عنه القلم.

أجل قد يقال بلزوم تأديب الصبي من باب التعزير حسب ما يراه الحاكم مصلحة لدلالة بعض النصوص علي ذلك، ففي رواية بريد الكناسي عن ابي جعفر عليه السّلام: «... قلت: الغلام اذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود علي تلك الحال؟ قال: اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلها علي مبلغ سنه...»(3).

و اما اعتبار الاختيار فأمر متسالم عليه أيضا، و يكفي لا ثباته

ص: 276


1- وسائل الشيعة 358:18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 352:18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 314:18 الباب 6 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.

حديث الرفع(1).

18 - و اما اعتبار العلم بالحكم و الموضوع

فلانه بدونه يكون الوط ء بالشبهة و لا يصدق عنوان الزنا ليثبت حكمه. هذا مضافا الي دلالة جملة من النصوص عليه، كصحيحة عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي و عليه قميصه فقال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اني كنت رجلا أعمل و اجتمعت لي نفقة فحيث احج لم اسأل أحدا عن شيء و افتوني هؤلاء ان اشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي و ان حجي فاسد و ان عليّ بدنة فقال له... اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه...»(2) ، فانها باطلاقها تشمل المقام. و مجرد ورودها في باب الحج لا يمنع من انعقاد الاطلاق فيها.

و اما حديث «ادرءوا الحدود بالشبهات»(3) فقد رواه الشيخ الصدوق بشكل مرسل و لا يمكن الاستناد اليه الا بناء علي حجية مراسيل الشيخ الصدوق بشكل مطلق او خصوص ما كان الارسال فيها بلسان قال او بناء علي تمامية كبري الانجبار.

و دعوي صاحب الرياض ان النص الدال علي قاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات» متواتر(4) لا نعرف وجهها.

ص: 277


1- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من ابواب جهاد النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 125:9 الباب 45 من ابواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 337:18 الباب 24 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 4.
4- رياض المسائل 495:2.
الوسائل المثبتة للزنا
19 - و اما ان الزنا لا يثبت الا بالاقرار اربع مرات

فهو المشهور.

و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «رجل قال لامرأته: يا زانية انا زنيت بك قال: عليه حدّ واحد لقذفه اياها، و اما قوله:

انا زنيت بك فلا حدّ فيه الا ان يشهد علي نفسه اربع شهادات بالزنا عند الامام»(1) و غيرها. و هي باطلاقها تشمل الجلد أيضا و لا تختص بالرجم و ان كانت بعض الروايات الاخري خاصة به فلاحظ.

و اما صحيحة الفضيل: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من اقرّ علي نفسه عند الامام بحق من حدود اللّه مرة واحدة حرا كان او عبدا او حرة او امة فعلي الامام ان يقيم الحد عليه... الا الزاني المحصن فانه لا يرجمه حتي يشهد عليه اربعة شهداء... فقال له بعض اصحابنا: يا ابا عبد اللّه فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة علي نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال: اذا اقرّ علي نفسه عند الامام بسرقة قطعه فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه...»(2) التي يستفاد منها كفاية الاقرار مرة واحدة في ثبوت الجلد فلا بدّ من حملها علي التقية لاشتمالها علي ما يخالف مذهب اصحابنا من ناحيتين: دلالتها علي عدم ثبوت الرجم بالاقرار اربع مرات بل بخصوص شهادة اربعة، و دلالتها علي نفوذ اقرار العبد و الامة،

ص: 278


1- وسائل الشيعة 446:18 الباب 13 من أبواب حدّ القذف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 343:18 الباب 32 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 1.

و كلاهما لا يلتزم به اصحابنا.

ثم انه هل يلزم في الاقرار اربع مرات - بعد كونه هو المعتبر - وقوعه في اربعة مجالس او يكفي وقوعه في مجلس واحد؟ قيل بالاول.

و المناسب الثاني لإطلاق ما تقدم فلاحظ.

20 - و اما ان البينة التي يثبت بها الزنا هي ما تقدم

فقد اتضح وجهه في باب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات».

21 - و اما انه يعتبر في الشهادة ان تكون عن حس و رؤية

فهو مما تسالم عليه الاصحاب. و تدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «حدّ الرجم ان يشهد اربعة انهم رأوه يدخل و يخرج»(1) و غيرها.

و هل يلزم رؤية نفس الادخال و الاخراج و الشهادة بانهم رأوا ذلك كالميل في المكحلة؟ يظهر من الاصحاب ذلك. و لعلهم استندوا الي موثقة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لا يرجم الرجل و المرأة حتي يشهد عليهما اربعة شهداء علي الجماع و الايلاج و الادخال كالميل في المكحلة»(2).

و لكن احتمال اعتبار ذلك بعيد جدا، فان لازمه سدّ باب الشهادة علي الزنا الا نادرا لعدم امكان تحقق ذلك في الخارج عادة، و الحال ان الشهادة علي الزنا قد تحققت مرارا في زمن الرسول صلّي اللّه عليه و آله و من بعده.

و المناسب الاكتفاء برؤية المقدمات و الافعال الملازمة لتحقق الدخول كالميل في المكحلة، و الموثقة لا تدل علي اعتبار رؤية الايلاج

ص: 279


1- وسائل الشيعة 371:18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 371:18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

نفسه بل تدل علي ان الشهادة علي الزنا بشكل مطلق لا تكفي بل لا بدّ من الشهادة علي تحقق الايلاج كالميل في المكحلة و ليس علي رؤية ذلك.

22 - و اما انه يعتبر وحدة المشهود به زمانا و مكانا

فلانه بدونه لا يتحقق قيام البينة علي الزنا الواحد.

و اما ان الشهود يحدون مع عدم وحدة المشهود به فلأنه اذا لم يثبت الزنا بشهادتهم تكون شهادتهم مصداقا للقذف بالزنا فيلزم حدهم حدّ القذف.

و اما انه اذا لم يؤدّ الشهود شهادتهم سوية يحدّ من سبق بشهادته حدّ القذف فلموثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السّلام:

«في ثلاثة شهدوا علي رجل بالزنا فقال علي عليه السّلام: أين الرابع؟ قالوا: الآن يجيء فقال علي عليه السّلام: حدّوهم فليس في الحدود نظرة ساعة»(1) و غيرها.

23 - و اما لزوم التعجيل في اقامة الحدود من دون تأجيل

فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب. و تدل عليه موثقة السكوني السابقة.

كيفية اقامة الحدّ
24 - و اما ان الرجل يدفن الي حقويه و المرأة الي صدرها

فهو المشهور. و تدل عليه موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تدفن المرأة الي وسطها ثم يرمي الامام و يرمي الناس بأحجار صغار. و لا يدفن الرجل اذا رجم الا الي حقويه»(2) و غيرها.

ص: 280


1- وسائل الشيعة 372:18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 374:18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

و لا يبعد كون المقصود من الوسط موضع الثديين بقرينة صحيحة ابي مريم عن ابي جعفر عليه السّلام: «اتت امرأة امير المؤمنين عليه السّلام فقالت: اني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها فتحولت حتي استقبلت وجهه فقالت: اني قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت: اني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت: اني فجرت فأمر بها فحبست و كانت حاملا فتربص بها حتي وضعت، ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة... و أدخلها الحفيرة الي الحقو و موضع الثديين...»(1).

25 - و اما ان الامام يبدأ بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار و الا

فالبينة تبدأ بذلك

فهو ما عليه المشهور. و تدل عليه رواية صفوان عمّن رواه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا اقرّ الزاني المحصن كان اول من يرجمه الامام ثم الناس فاذا قامت عليه البينة كان اول من يرجمه البينة ثم الامام ثم الناس»(2). و لأجل انها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها الا بناء علي احد امور ثلاثة: تمامية كبري الانجبار بعمل المشهور او البناء علي وثاقة كل من روي عنه احد الثلاثة او البناء علي حجية الرواية اذا ورد في سندها احد بني فضّال و ان اشتمل علي الضعف من بعض النواحي. و اما اذا لم نبن علي الامور المذكورة فيلزم علي الامام البدأة مطلقا تمسكا باطلاق موثقة سماعة المتقدمة.

بل يلزم البناء علي النتيجة المذكورة حتي لو قبلنا بكبري الامر الثاني، فان رواية احد الثلاثة عن شخص و ان كانت من دلائل وثاقته الا انه حيث لم يذكر باسمه في الرواية فنحتمل وجود جارح له و لذلك

ص: 281


1- وسائل الشيعة 380:18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 374:18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

يدخل المقام في مورد تعارض الجرح و التعديل و يسقط توثيقه عن الاعتبار.

26 - و اما استحباب اعلام المؤمنين

فتدل عليه عدة روايات، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام ان امير المؤمنين عليه السّلام: «أتاه رجل بالكوفة فقال: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهّرني و ذكر انه أقرّ اربع مرات الي ان قال: ثم نادي في الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام علي هذا الرجل الحد...»(1) و غيرها.

و الصحيحة و ان كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ الكليني الا انه لا غبار عليها في طريقها الآخر، حيث ان لصاحب الوسائل طريقا صحيحا الي تفسير القمي اشار اليه في آخر الوسائل(2) ، و القمي بدوره له طريق صحيح الي ابي بصير و قد نقله الحرّ في ذيل الصحيحة فلاحظ.

و اما وجوب حضور طائفة من المؤمنين فيدل عليه قوله تعالي:

وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (3) .

27 - و اما انه ينبغي ان تكون الحجار صغارا

فلموثقة سماعة المتقدمة في الرقم 24 و غيرها.

28 - و اما ان الزاني يجلد قائما اذا كان رجلا و قاعدا اذا كان امرأة

و يتقي الوجه و المذاكير

فتدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام:

ص: 282


1- وسائل الشيعة 342:18 الباب 31 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 3.
2- فقد نقل في الفائدة الرابعة 43:20 ان تفسير القمي هو من جملة الكتب التي ينقل منها ثم ذكر في الفائدة الخامسة 49:20 طرقه الصحيحة الي تفسير القمي و غيره.
3- النور: 2.

«يضرب الرجل الحد قائما و المرأة قاعدة، و يضرب علي كل عضو و يترك الرأس و المذاكير»(1).

و اما ان الرجل يجلد علي الحالة التي وجد عليها ان كاسيا فكاسيا و ان عاريا فعاريا فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام: «... و يضرب الزاني علي الحال التي وجد عليها، ان وجد عريانا ضرب عريانا، و ان وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه»(2).

و طلحة و ان لم يوثق في كتب الرجال الا ان شهادة الشيخ بالاعتماد علي كتابه - حيث قال: «طلحة بن زيد. له كتاب. و هو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد»(3) يسهّل الامر فيه.

و عليه فلا مشكلة من ناحية طلحة الا انه في مقابل موثقته موثقة اسحاق بن عمار: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال:

أشد الجلد. قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه...»(4). و هي ان امكن حملها علي حالة وجدانه عاريا ثم اكتسي بعد ذلك فلا مشكلة و الا فالمناسب تحقق التعارض فيما اذا وجد و هو مكتس. و مع التساقط يكون المرجع اطلاق مثل قوله تعالي: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (5) و تكون النتيجة جواز جلده و هو مكتس2.

ص: 283


1- وسائل الشيعة 369:18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 370:18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.
3- فهرست الشيخ الطوسي: 86 الرقم 362.
4- وسائل الشيعة 369:18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.
5- النور: 2.

ان وجد كذلك.

29 - و اما ان المرأة تجلد و هي مرتدية لثيابها

فيكفي لإثباته القصور في المقتضي، فان ما دلّ علي الجلد عاريا يختص بالرجل. علي انه لا يحتمل وجوب او جواز ابراز بدنها.

30 - و اما ان من يراد رجمه يؤمر باغتسال غسل الميت اولا ثم

يكفن و يحنط

فهو المشهور بين الاصحاب، بل قد يدعي عدم الخلاف فيه. و تدل عليه رواية مسمع كردين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان و يصلّي عليهما...»(1). و هي واضحة الدلالة علي المطلوب الا انها ضعيفة السند بطرقها الأربع من عدة جهات فلاحظ. و لا يمكن الاعتماد عليها الا بناء علي تمامية كبري الجابرية.

31 - و اما انه يصلي علي الزاني بعد رجمه و يدفن في مقابر

المسلمين

فهو واضح لاقتضاء القاعدة له، فان المرجوم لا يخرج عن الإسلام بارتكابه الذنب و رجمه. هذا مضافا الي دلالة بعض الروايات علي ذلك، كصحيحة ابي مريم المتقدمة في الرقم 24 حيث ورد في آخرها ان المرأة المرجومة لما ماتت قيل للإمام عليه السّلام: «فكيف نصنع بها؟ قال: فادفعوها الي أوليائها و مروهم ان يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم»(2).

ص: 284


1- وسائل الشيعة 703:2 الباب 17 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 380:18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.
الثاني: اللواط
اشارة

حدّ اللائط و الملوط به - اذا كانا مكلفين - القتل بأحد الاساليب التالية:

1 - الاحراق بالنار.

2 - الدحرجة من شاهق مشدود اليدين و الرجلين.

3 - الضرب بالسيف ثم الاحراق بالنار.

4 - الرجم.

و حدّ اللواط مع الايقاب(1) ما تقدم، و مع عدمه - و ذلك بالتفخيذ - مائة جلدة، الا اذا تكرر مرتين مع الحد فانه يقتل في الثالثة.

و يثبت اللواط بالاقرار اربع مرات و بشهادة اربعة رجال عدول.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ اللواط احد الامور المتقدمة

فهو المشهور بين الاصحاب، بل لعل الحكم في الملوط به كاد يبلغ حدّ التسالم. و تدل عليه صحيحة مالك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان امير المؤمنين عليه السّلام قال لرجل اقرّ عنده باللواط اربعا: يا هذا ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر ايهن شئت، قال: و ما هن يا امير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة منك ما بلغت او اهداب [اهداء](2) من جبل مشدود اليدين و الرجلين او احراق بالنار»(3) ، و صحيحة عبد الرحمن العرزمي: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: وجد رجل مع رجل في امارة

ص: 285


1- لاط به: لصق به. و الايقاب: الادخال.
2- و في الوافي 335:15: او دهداء.
3- وسائل الشيعة 419:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 1.

عمر فهرب احدهما و اخذ الآخر فجيء به الي عمر فقال للناس: ما ترون في هذا؟ فقال هذا: اصنع كذا، و قال هذا: اصنع كذا. قال: فما تقول يا ابا الحسن؟ قال: اضرب عنقه فضرب عنقه. قال: ثم اراد ان يحمله فقال: مه انه بقي من حدوده شيء قال: أي شيء بقي؟ قال: ادع بحطب فدعا عمر بحطب فأمر به امير المؤمنين عليه السّلام فأحرق به»(1) ، و موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: لو كان ينبغي لأحد ان يرجم مرتين لرجم اللوطي»(2).

و مورد بعض هذه الروايات و ان كان هو اللائط الا انه يمكن التعميم للملوط به اما بضم عدم القول بالفصل او لان المستفاد من الروايات ان عقوبة الملوط به اشد من عقوبة اللائط - فلاحظ صحيحة حماد بن عثمان: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل اتي رجلا، قال: عليه ان كان محصنا القتل، و ان لم يكن محصنا فعليه الجلد. قلت: فما علي المؤتي به؟ قال: عليه القتل علي كل حال محصنا كان او غير محصن»(3) - فاذا ثبت ما سبق في حق اللائط فيلزم ثبوته في حق الملوط به بالاولوية.

ثم ان المشهور ان حكم اللائط القتل حتي اذا لم يكن محصنا، و لكن بعض الروايات - كصحيحة حماد المتقدمة و غيرها - دلت علي ان اللائط يجلد و لا يقتل فيما اذا لم يكن محصنا. و المناسب العمل علي طبقها لمن لا يري سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عن4.

ص: 286


1- وسائل الشيعة 420:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 420:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 417:18 الباب 1 من ابواب حد اللواط الحديث 4.

العمل بها.

ثم ان بعض الفقهاء ذكر في جملة أساليب القتل في اللواط القاء جدار علي اللائط او الملوط به. و لا مستند لذلك سوي الفقه الرضوي(1) الذي لم يثبت كونه رواية. و مع التنزل فهو من قسم المراسيل.

2 - و اما تقييد ثبوت الحد علي اللواط بحالة فرض التكليف

فباعتبار رفع القلم عن الصبي و المجنون. اجل يؤدب الصبي علي ذلك لصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول: ان في كتاب علي عليه السّلام اذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل و ادب الغلام. و ان كان ثقب و كان محصنا رجم»(2). و المراد من قوله: «ضرب الرجل» ضرب الحد و الا فهما في اصل الضرب مشتركان.

و يؤيد ذلك رواية ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أتي امير المؤمنين عليه السّلام بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود فأمر به عليه السّلام فضرب بالسيف حتي قتل و ضرب الغلام دون الحد و قال: أما لو كنت مدركا لقتلتك لإمكانك اياه من نفسك بثقبك»(3) ، فان سندها و ان كان ضعيفا من ناحية بكر بن صالح بل و من ناحية سهل و محمد بن سنان علي قول الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

ص: 287


1- مستدرك الوسائل 80:18.
2- وسائل الشيعة 421:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 418:18 الباب 2 من ابواب حد اللواط الحديث 1.
الثالث: حدّ التفخيذ
3 - و اما ان حدّ التفخيذ من دون ايقاب مائة جلدة

فهو المشهور. و قد يستفاد من صحيحة ابي بصير المتقدمة، فان التعبير بقوله عليه السّلام: «و ان كان ثقب...» يدل علي وقوع شيء من الرجل دون الثقب في مفروض الفقرة السابقة، و ليس هو الا التفخيذ. و مع فرض الاطلاق يلزم التقييد بالتفخيذ للاتفاق علي عدم ثبوت مائة جلدة في النوم المجرد.

اجل ورد في صحيحة الحسين بن سعيد: «قرأت بخط رجل أعرفه الي ابي الحسن عليه السّلام و قرأت جواب ابي الحسن عليه السّلام بخطه: هل علي رجل لعب بغلام بين فخذيه حد، فان بعض الصحابة روي انه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه؟ فكتب: لعنة اللّه علي من فعل ذلك. و كتب أيضا هذا الرجل و لم أر الجواب: ما حدّ رجلين نكح احدهما الآخر طوعا بين فخذيه ما توبته؟ فكتب القتل»(1) ان حدّ التفخيذ هو القتل. و لكنه لا يمكن الاعتماد عليها لان الرجل الكاتب مجهول. و تعبير ابن سعيد بقوله: «اعرفه» لا يدل علي توثيقه، و لو دلّ فهو لا ينفي وجود الجارح المعارض بعد ما لم يذكر اسمه، و المفروض ان جواب الامام عليه السّلام لم يره ابن سعيد.

4 - و اما ان من تكرر منه التفخيذ مرتين و حدّ يقتل في الثالثة

فلإطلاق صحيحة يونس عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام: «اصحاب

ص: 288


1- وسائل الشيعة 417:18 الباب 1 من ابواب حد اللواط الحديث 5.

الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(1).

و قيل: بل يقتل في الرابعة. و كأن ذلك من باب القياس علي الزاني، حيث تقدم ان من جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة. الا ان القياس المذكور لا وجه له بعد دلالة الصحيحة المتقدمة علي القتل في مطلق الكبائر في المرة الثالثة، و الخارج منها هو الزنا لا غير.

5 - و اما ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات دون الاقل من ذلك

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة مالك بن عطية المتقدمة في الرقم 1، حيث ورد فيها: «فلما كان في الرابعة قال له: يا هذا ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر...»(2) ، فان اللواط لو كان يثبت بالاقرار ثلاثا او بمرة واحدة لم يكن وجه لتأخير العقوبة الي الاقرار الرابع.

و اما انه يثبت بشهادة اربعة رجال فباعتبار انه تقدم في بحث الشهادات تحت عنوان: «اختلاف الحقوق في الاثبات» ان كل اقرار واحد هو بمنزلة شهادة واحدة، فاذا كان اللواط لا يثبت بأقل من اربعة اقرارات فيلزم ان لا يثبت بأقل من اربع شهادات.

الرابع: السحق
اشارة

*الرابع: السحق(3)

حدّ السحق مائة جلدة. و مع التكرر مرتين مع الحد يلزم القتل في الثالثة.

ص: 289


1- وسائل الشيعة 313:18 الباب 5 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 422:18 الباب 5 من ابواب حد اللواط الحديث 1.
3- السّحق: دلك المرأة فرجها بفرج أخري. و قد كني عنه في بعض الروايات باللواتي مع اللواتي، فلاحظ وسائل الشيعة الباب 24 من ابواب النكاح المحرم الحديث 4.

و يثبت - السحق - بأربعة رجال عدول.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ السحق مائة جلدة

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة محمد بن ابي حمزة و هشام و حفص كلهم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال: حدها حد الزاني فقالت المرأة: ما ذكر اللّه ذلك في القرآن فقال: بلي. قالت: و أين هنّ؟ قال:

هن اصحاب الرّس»(1) و غيرها. و المقصود من قوله عليه السّلام: «حدّها حدّ الزاني» الاشارة الي الجلد و لو بقرينة صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «السّحاقة تجلد»(2).

و المشهور ان ذلك حدّ للمحصنة أيضا. و قيل: بل ذلك حدّ غير المحصنة و اما هي فحدّها الرجم.

2 - و اما انه مع التكرر و اقامة الحد مرتين يلزم القتل في الثالثة

فقد تقدم وجهه عند بيان حدّ التفخيذ.

3 - و اما ان السحق يثبت بأربعة رجال

فقد تقدم وجهه في باب الشهادات.

ص: 290


1- وسائل الشيعة 424:18 الباب 1 من ابواب حد السحق الحديث 1. ثم انه لا بدّ ان يكون المقصود من ذكر السحق في القرآن الكريم هو ذكر اصله و ذاته لا حدّه و الا فحدّه لم يذكر في آية اصحاب الرس و لا في غيرها. و المنقول ان فعل قوم لوط هو اللواط و فعل اصحاب الرس هو المساحقة.
2- وسائل الشيعة 425:18 الباب 1 من ابواب حد السحق الحديث 2.
الخامس: القذف
اشارة

حدّ القذف - و هو رمي الغير بالزنا او اللواط - ثمانون جلدة. و لا يثبت الا مع احصان المقذوف.

و لو قذف الوالد ولده لم يحد لأجله.

و اذا تقاذف شخصان درئ الحدّ عنهما و لكن يعزران.

و مع تكرر القذف من القاذف و حدّه مرتين يقتل في الثالثة.

و سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أو بضعته الطاهرة سلام اللّه عليها أو احد الائمة من ابنائها صلوات اللّه عليهم اجمعين يجب علي سامعه قتله بلا حاجة الي الاستئذان من الحاكم الشرعي الا ان يخاف علي نفسه الضرر.

و يثبت القذف بشهادة رجلين عادلين و بالاقرار مرة واحدة.

المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ القذف ثمانون جلدة

فيدل عليه صريح الكتاب العزيز: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1). و مورده و ان كان خاصا برمي المحصنة الا انه يتعدي الي رمي المحصن اما بتنقيح المناط او بضم عدم القول بالفصل.

و بقطع النظر عن ذلك تكفينا صحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام:

«امرأة قذفت رجلا قال: تجلد ثمانين جلدة»(2) و غيرها.

2 - و اما اعتبار احصان المقذوف في ثبوت الحدّ علي القاذف

فهو

ص: 291


1- النور: 4.
2- وسائل الشيعة 432:18 الباب 2 من ابواب حد القذف الحديث 1.

مما لا خلاف فيه، اذ الآية الكريمة ان لم يكن لها مفهوم تنفي به الحدّ عن رمي غير المحصن فلا أقل من القصور في المقتضي فيتمسك بالبراءة.

و المراد من الاحصان العفة عن الزنا بنحو لا يكون الشخص متظاهرا به، فالمتظاهر لا حدّ في قذفه بل قد يحكم بعدم التعزير أيضا لعدم احترامه.

ثم انه يعتبر في ثبوت الحدّ مضافا الي احصان المقذوف امور اخري، كإسلامه و بلوغه و عقله و حريته لدلالة الروايات علي ذلك(1).

3 - و اما ان الاب لا يحدّ لو قذف ولده

فلصحيحة محمد بن مسلم:

«سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل قذف ابنه بالزنا قال: لو قتله ما قتل به و ان قذفه لم يجلد له...»(2).

و السند تام، فان الشيخ الكليني رواها عن شيخه علي بن ابراهيم بسند صحيح عن محمد بن مسلم، و الشيخ قد رواها بدوره أيضا عن علي بن ابراهيم بالسند السابق الصحيح عن محمد بن مسلم. و الشيخ و ان لم يكن معاصرا لعلي بن ابراهيم و لا يمكن ان يروي عنه مباشرة الا انه قد ذكر طريقه اليه في المشيخة و الفهرست، و هو في كليهما صحيح فلاحظ (3).

4 - و اما ان المتقاذفين يعزران من دون حدّ

فهو مما لا خلاف فيه.

و تدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أتي

ص: 292


1- وسائل الشيعة الباب 1، 4، 5 من أبواب حد القذف.
2- وسائل الشيعة 447:18 الباب 14 من أبواب حد القذف الحديث 1.
3- مشيخة تهذيب الاحكام: 29 و الفهرست: 89 الرقم 370.

امير المؤمنين عليه السّلام برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه قال: فدرأ عنهما الحد و عزرهما»(1) و غيرها.

5 - و اما ان القاذف يقتل في الثالثة لو حدّ مرتين حدّ القذف

فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

6 - و اما ان ساب النبي صلّي اللّه عليه و آله يقتله السامع

فهو مما لا خلاف فيه.

و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان رجلا من هذيل كان يسبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فبلغ ذلك النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: من لهذا؟ فقام رجلان من الانصار فقالا: نحن يا رسول اللّه فانطلقا حتي أتيا عربة(2) فسألا عنه فاذا هو يتلقي غنمه فقال: من أنتما و ما اسمكما؟ فقالا له:

أنت فلان بن فلان؟ قال: نعم، فنزلا فضربا عنقه. قال محمد بن مسلم فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: أ رأيت لو ان رجلا الآن سبّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أ يقتل؟ قال: ان لم تخف علي نفسك فاقتله»(3).

و اما الحاق البضعة الطاهرة و أولادها الائمة الطيبين الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين بالنبي صلّي اللّه عليه و آله فهو لا يحتاج الي دليل خاص بعد الضرورة الثابتة من الخارج علي كون حكم الجميع واحدا.

و قد يستفاد المطلوب من صحيحة هشام بن سالم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه السّلام؟ فقال لي: حلال الدم

ص: 293


1- وسائل الشيعة 451:18 الباب 18 من أبواب حد القذف الحديث 2. ثم ان الوارد في الفقيه 39:4 «قذف كل واحد منهما صاحبه في بدنه...» من دون كلمة «بالزنا». و الظاهر ان احدي الكلمتين: «بالزنا»، «في بدنه» زائدة.
2- عربة اسم موضع كان بالقرب من المدينة. و في بعض النسخ: عرنة - كهمزة - الذي هو الموضع المعروف في عرفات.
3- وسائل الشيعة 460:18 الباب 25 من أبواب حد القذف الحديث 3.

و اللّه لو لا ان تعمّ به بريئا»(1).

7 - و اما عدم الحاجة الي استئذان الحاكم الشرعي

فقد يستفاد من اطلاق الروايات المتقدمة.

و اذا نوقش بان ما صدر من الامام عليه السّلام هو اذن خاص منه و لا يمكن استفادة عدم اعتبارها من الاطلاق امكن التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عمن شتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام:

يقتله الادني فالادني قبل ان يرفع الي الامام»(2).

و اما اعتبار عدم خوف الضرر فهو مقتضي قاعدة نفي الضرر، مضافا الي التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم 6.

8 - و اما ان القذف يثبت بالبينة و الاقرار مرة واحدة

فلإطلاق دليل حجيتهما، و الخروج عنه يحتاج الي دليل و هو مفقود. و قد تقدم في كتاب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات» ما ينفع في المقام فراجع.

السادس: شرب المسكر
اشارة

الحدّ في شرب الخمر و بقية المسكرات ثمانون جلدة يضرب الشارب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان رجلا و من فوق الثياب ان كان امرأة.

ص: 294


1- وسائل الشيعة 461:18 الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 1. ثم انه ورد في هامش الكافي 270:7 نقلا عن العلاّمة المجلسي في مقام التعليق علي جملة «لو لا ان تعم به بريئا» ما نصه: «اي انت او البلية بسبب القتل من هو بريء منه».
2- وسائل الشيعة 554:18 الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 1.

و من حدّ مرتين لشرب الخمر قتل في الثالثة.

و يثبت الشرب بشهادة عدلين او الاقرار مرة واحدة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ شرب الخمر ثمانون جلدة

فهو مما لا خلاف فيه.

و تدل عليه روايات كثيرة، كصحيحة بريد بن معاوية: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ان في كتاب علي عليه السّلام يضرب شارب الخمر ثمانين، و شارب النبيذ ثمانين»(1).

و اما ان ذلك حدّ شرب بقية المسكرات أيضا فلصحيحة الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد»(2) و غيرها.

2 - و اما ان الشارب يضرب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان

رجلا

فتدل عليه صحيحة ابي بصير: «سألته عن السكران و الزاني، قال:

يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين»(3). و اضمارها لا يضر بحجيتها بعد ما كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا يحتمل في حقهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام.

و اما ان المرأة تضرب من وراء الثياب فيكفي لا ثباته القصور في المقتضي. هذا مضافا الي ان المرأة عورة و لا يحتمل اعتبار تجريدها من الثياب.

3 - و اما ان من حدّ علي شرب الخمر مرتين قتل في المرة الثالثة

ص: 295


1- وسائل الشيعة 468:18 الباب 4 من ابواب حد المسكر الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 473:18 الباب 7 من ابواب حد المسكر الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 474:18 الباب 8 من ابواب حد المسكر الحديث 1.

فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

4 - و اما ان شرب المسكر يثبت بشهادة عدلين او بالاقرار مرة

واحدة

فقد تقدم وجهه في حدّ القذف.

السابع: السرقة
اشارة

الحدّ في السرقة قطع الاصابع الاربع للسارق من اليد اليمني مع ترك الراحة و الابهام، فان تكررت منه قطعت رجله اليسري من وسطها، فان تكررت منه ثالثة خلّد في الحبس الي ان يموت، و ان تكررت منه رابعة في الحبس قتل.

و لا يحدّ السارق الا اذا كانت قيمة المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب بوزن 18 حبة. هذا هو المشهور. و قيل بكفاية كونه بمقدار خمس المثقال المتقدم.

كما لا يحدّ الا اذا كان المال في مكان محرز لم يؤذن بالدخول فيه.

و المشهور ان السرقة لا تثبت الا بشهادة عدلين او الاقرار مرتين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الحدّ في السرقة ما ذكر

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه موثقة سماعة بن مهران: «اذا اخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم، فان عاد استودع السجن، فان سرق في السجن قتل»(1) و غيرها.

و الموثقة اذا كانت مقطوعة(2) بطريق الشيخ الكليني فهي مسندة

ص: 296


1- وسائل الشيعة 493:18 الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 4.
2- الرواية المقطوعة هي الرواية التي ينقل الراوي فيها الحكم من دون اسناد الي الامام عليه السّلام و لا ذكر ضمير يحتمل رجوعه اليه، بخلاف المضمرة، فانه يفترض فيها ذكر ضمير يحتمل رجوعه الي الامام عليه السّلام من قبيل: «قلت له:...».

الي الامام عليه السّلام في طريق الشيخ الطوسي(1).

و اذا كانت - الموثقة - مجملة من حيث المقدار المقطوع فبملاحظة موثقة اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه السّلام: «تقطع يد السارق و يترك ابهامه و صدر راحته و تقطع رجله و يترك له عقبه يمشي عليها»(2) يرتفع ذلك.

و اما صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: من اين يجب القطع؟ فبسط اصابعه و قال من هاهنا، يعني من مفصل الكف»(3) فهي ساقطة عن الاعتبار بعد هجران الاصحاب لمضمونها.

2 - و اما اعتبار كون المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

في كم يقطع السارق؟ قال: في ربع دينار. قلت له: في درهمين؟ قال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ. قلت له: أ رأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ و هل هو عند اللّه سارق؟ فقال:

كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه و احرزه فهو يقع عليه اسم السارق و هو عند اللّه سارق و لكن لا يقطع الا في ربع دينار او اكثر، و لو قطعت ايدي السراق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين»(4).

ص: 297


1- لاحظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.
2- و لا ذكر ضمير يحتمل رجوعه اليه، بخلاف المضمرة، فانه يفترض فيها ذكر ضمير يحتمل رجوعه الي الامام عليه السّلام من قبيل: «قلت له:...».
3- وسائل الشيعة 489:18 الباب 4 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 482:18 الباب 2 من أبواب حد السرقة الحديث 1.

و هناك روايات تدل علي التحديد بغير ذلك من قبيل صحيحة محمد بن مسلم الاخري عن ابي جعفر عليه السّلام: «أدني ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار»(1) و غيرها. و المعارضة بينهما مستقرة.

و قد يقال: ان المناسب تقديم الثانية لموافقتها لإطلاق الكتاب، فان مقتضي اطلاق الآية الكريمة وجوب القطع في السرقة مطلقا و لكن علم من الخارج عدم ثبوت القطع في الاقل من الخمس فترفع اليد عن الاطلاق بهذا المقدار، و اما التقييد بمقدار ازيد فحيث انه غير معلوم فيلزم الاخذ بالاطلاق بلحاظه و يكون حجة و مرجحا للطائفة الثانية علي الاولي.

3 - و اما اعتبار ان يكون المال في مكان محرز لا اذن بالدخول

فيه

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه، يعني الحمامات و الخانات و الارحية(2)»(3) ، و هكذا موثقته الاخري: «لا يقطع الا من نقب بيتا او كسر قفلا»(4).

4 - و اما ثبوت السرقة بشهادة عدلين

فهو لإطلاق دليل حجية البينة.

و اما اعتبار الاقرار مرتين فلرواية جميل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا

ص: 298


1- وسائل الشيعة 483:18 الباب 2 من أبواب حد السرقة الحديث 3.
2- الارحية جمع رحي.
3- وسائل الشيعة 509:18 الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 509:18 الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 3.

يقطع السارق حتي يقر بالسرقة مرتين...»(1) و غيرها.

و دلالة الرواية و ان كانت واضحة الا ان في سندها علي بن السندي الذي قد يتأمل في وثاقته باعتبار عدم النص عليها في كتب الرجال، و هكذا بقية الروايات فان سندها ضعيف كما يتضح من خلال المراجعة. و مع التنزل فهي معارضة بصحيحة الفضيل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان اقرّ الرجل الحر علي نفسه مرة واحدة عند الامام قطع»(2). و بعد التعارض يعود التمسك بقاعدة «اقرار العقلاء علي انفسهم جائز» لإثبات حجية الاقرار مرة واحدة بلا مانع.

ثم ان هذا كله بالنسبة الي الحدّ. و اما الغرم فلا خلاف في لزومه بالاقرار مرة واحدة لإطلاق قاعدة الاقرار و عدم المقيد لها من هذه الناحية.

الثامن: المحاربة و الافساد
اشارة

المحارب - و هو من شهر السلاح لإخافة الناس و الافساد في الارض - يقتل او يصلب او يقطع مخالفا(3) أو ينفي من الارض.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ المحارب ما ذكر

فواضح بعد دلالة صريح الآية الكريمة عليه: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ

ص: 299


1- وسائل الشيعة 488:18 الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 6.
2- وسائل الشيعة 488:18 الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 3.
3- بان تقطع يده اليمني مع رجله اليسري.

أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (1) .

و قد وقع الكلام في ان الانحاء الاربعة المذكورة هل هي ثابتة بنحو التخيير لولي الامر أو هي بنحو الترتيب حسب اختلاف الجناية.

و لو خلينا نحن و الآية الكريمة لاستفدنا منها التخيير خصوصا بعد ملاحظة صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... كل شيء في القران أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء»(2) ، الا ان في المقابل روايات قد يستفاد منها الترتيب. و كلمات الفقهاء في المقام مضطربة تبعا لاضطراب الروايات.

2 - التعزير
اشارة

كل من خالف الشريعة بفعل محرم او ترك واجب من دون عذر و لم يرد تحديد شرعي لمقدار عقوبته عاقبه الحاكم الشرعي بما يراه صلاحا. و في بعض الروايات تحديد ذلك بما دون اربعين ضربة.

و المستند في ذلك أمران:

1 - ان المحافظة علي النظام قضية لا بدّ منها

، و قد اهتم بها الإسلام، و هي لا تتحقق الا بتشريع التعزير علي مخالفة اي مقرر شرعي. و حيث ان منح هذا الحق لجميع الناس امر غير محتمل لأنه بدوره يوجب اختلال النظام فلا بدّ من ثبوته لطائفة معينة، و بما ان القدر

ص: 300


1- المائدة: 33.
2- وسائل الشيعة 295:9 الباب 14 من ابواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.

المتيقن من ذلك هو الحاكم الشرعي فيتعين اختصاص الحق به.

و مما يؤكد ذلك فعل امير المؤمنين عليه السّلام - حيث كان يراقب الاسواق و يعزر كل من خالف المقررات الشرعية - و الروايات الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة، كصحيحة ابي العباس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: ما للرجل يعاقب به مملوكه؟ فقال: علي قدر ذنبه»(1) الواردة في تأديب المملوك، و موثقة اسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم قال: و كم تضربه؟ قلت: ربما ضربته مائة فقال: مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرتين. ثم قال: حدّ الزنا؟! اتق اللّه. فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن اضربه؟ فقال: واحدا. فقلت:

و اللّه لو علم اني لا اضربه الا واحدا ما ترك لي شيئا الا افسده قال:

فاثنين فقلت: هذا هو هلاكي قال: فلم ازل أماكسه حتي بلغ خمسة ثم غضب فقال: يا اسحاق ان كنت تدري حدّ ما اجرم فاقم الحدّ فيه و لا تعدّ حدود اللّه»(2) الواردة في تأديب الغلام.

2 - صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ. قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، و لكن دون اربعين فانها حدّ المملوك. قلت: و كم ذاك؟ قال: علي قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه»(3) و ما كان بمضمونها.

و سند الصحيحة بطريق الشيخ الكليني و ان كان قد يتأمل فيه من ناحية المعلي بن محمد - حيث انه لم يوثق بل ضعّف - الا انه بطريق

ص: 301


1- وسائل الشيعة 339:18 الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 339:18 الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 584:18 الباب 10 من ابواب بقية الحدود الحديث 3.

الشيخ الصدوق لا خدشة فيه فلاحظ.

3 - اقامة الحدود في عصر الغيبة
اشارة

يجوز للحاكم الشرعي اقامة الحدود في عصر الغيبة.

و المستند في ذلك أمران:

1 - ان الحكمة المقتضية لتشريع الحدود

- و هي الوقوف امام الفساد و الفجور - لا يحتمل اختصاصها بعصر الحضور.

2 - التمسك باطلاق ادلة وجوب اقامة الحدود،

كقوله تعالي:

اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (1) ، وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (2) ، فانه يقتضي وجوب اقامة الحدود في كل زمان، و حيث لا يحتمل جواز تصدي اي شخص لذلك - للزوم محذور اختلال النظام - فيلزم تصدي طائفة خاصة لذلك، و القدر المتيقن منها هو المجتهدون العدول.

و تؤيد ذلك رواية اسحاق بن يعقوب: «سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: اما ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك الي ان قال: و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه...»(3) ، فان اسحاق و ان لم يذكر

ص: 302


1- النور: 2.
2- المائدة: 38.
3- وسائل الشيعة 101:18 الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 9.

بتوثيق في كتب الرجال الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

و اذا قيل: ان التمسك بالوجهين المذكورين تام لو لم يقم دليل علي حصر وظيفة اقامة الحدود بالامام عليه السّلام، و ذلك الدليل موجود، و هو رواية دعائم الإسلام عن الامام الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام: «لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة الا بامام عدل»(1). و قريب منها رواية الجعفريات(2).

قلنا: يلزم حمل الرواية المذكورة علي كون المقصود ان ذلك لا يصلح لغير الامام عليه السّلام مع افتراض حضوره و عدم غيبته، اي يلزم حملها علي زمن الحضور و الا فهل يحتمل عدم جواز الحكم لغير الامام عليه السّلام في زمان الغيبة؟! ان لازم ذلك الفوضي و عدم استقرار النظام.

هذا لو قطعنا النظر عن سند الدعائم و الا فالمناقشة أوضح باعتبار ان رواياته مراسيل لم يذكر اسنادها.2.

ص: 303


1- مستدرك الوسائل 13:6 الباب 5 من ابواب صلاة الجمعة الحديث 4.
2- مستدرك الوسائل 13:6 الباب 5 من ابواب صلاة الجمعة الحديث 2.

ص: 304

كتاب القصاص

اشارة

1 - القصاص و أقسامه

2 - قصاص النفس

3 - وسائل اثبات القتل عمدا

4 - من احكام قصاص النفس

5 - قصاص ما دون النفس

ص: 305

ص: 306

1 - القصاص و اقسامه
اشارة

القصاص - بكسر القاف و هو الجزاء علي الجناية بمثلها - مشروع بل حياة للبشرية.

و هو يتعلق بالنفس تارة و بما دونها اخري.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان القصاص ما ذكر

فهو من واضحات اللغة و الفقه.

2 - و اما انه مشروع

فهو من ضروريات الإسلام.

و الاشكال علي تشريعه بانه مخالف للإنسانية و العاطفة ناشئ عن الجهل او التجاهل بفلسفته.

و قد اشار الكتاب الكريم في كثير من آياته الي تشريع القصاص، و في بعضها الاشارة الي فلسفته، كقوله تعالي: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ (1) ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلي بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ

ص: 307


1- البقرة: 179.

قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً (1) ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثي بِالْأُنْثي... (2) ، وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (3) ، وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (4) ، وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ... (5).

و يدل علي ذلك بالعموم قوله تعالي: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (6) ، وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (7) ، وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (8) ، وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ (9).

ثم ان الآيات الكريمة المذكورة كما دلت علي شرعية القصاص دلت أيضا علي حرمة قتل المؤمن ظلما بل ان ذلك من ضروريات الإسلام، و النصوص الدالة علي ذلك كثيرة(10).

و كما يحرم قتل الانسان الآخر يحرم أيضا قتل الانسان نفسه، و ذلك مما لا ينبغي التأمل فيه. و قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ لاس.

ص: 308


1- المائدة: 32.
2- البقرة: 178.
3- الانعام: 151.
4- الاسراء: 33.
5- المائدة: 45.
6- الشوري: 41.
7- الشوري: 40.
8- النحل: 126.
9- البقرة: 194.
10- راجع وسائل الشيعة 2:19 الباب الاول و ما بعده من ابواب القصاص في النفس.

تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً (1) . و قد روي ابو ولاد الحناط في صحيحة:

«سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها»(2).

ثم ان حرمة قتل الانسان الآخر لا تختص بما اذا كان واجدا للروح بل تعمّ الحمل الذي هو نطفة أو علقة. و تدل علي ذلك موثقة اسحاق بن عمار: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها، قال: لا، فقلت: انما هو نطفة فقال: ان اول ما يخلق نطفة»(3).

و بهذا اتضح ان الحرمة تعم ما اذا كان الحمل من الزنا لإطلاق الموثقة. و يأتي في باب الديات ان شاء اللّه تعالي ثبوت الدية في اسقاط الحمل و بيان مقدارها.

2 - قصاص النفس
اشارة

لا يثبت الحق لأولياء المقتول في الاقتصاص من القاتل الا اذا تمت الشروط التالية:

الاول: ان يكون القتل بنحو العمد.

الثاني: التساوي في الحرية و العبودية، فيقتل الحر بالحر و العبد بالعبد و لا

ص: 309


1- النساء: 29-30.
2- وسائل الشيعة 13:19 الباب 5 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 15:19 الباب 7 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.

يقتل الحر بالعبد بل يغرم قيمته يوم قتله مع تعزيره بالضرب الشديد.

الثالث: التساوي في الدين، فلا يقتل المسلم بالكافر - و ان لزم تعزيره فيما اذا لم يكن القتل جائزا - بل يغرم ديته لو كان ذميا.

الرابع: ان لا يكون القاتل ابا للمقتول فلا يقتل الاب بقتله لابنه بل يعزر و يلزم بالدية.

الخامس: ان يكون القاتل بالغا عاقلا و الا فلا يقتل و تلزم العاقلة بالدية.

السادس: ان يكون المقتول محقون الدم فلا قصاص في القتل السائغ، كقتل سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أو أحد الائمة عليهم السّلام أو قتل المهاجم دفاعا و ما شاكل ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حق القصاص لا يثبت الا اذا كان القتل بنحو العمد
اشارة

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضي اولياء المقتول ان يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية و احبّ ذلك القاتل فالدية»(1) و غيرها.

و لا اشكال في ظهور الصحيحة في ثبوت حق القصاص في موارد القتل العمدي، و اما ظهورها في نفيه في غير ذلك فلو شكك فيه فبالامكان الاستعانة بالنصوص الدالة علي ثبوت الدية و نفي القصاص في موارد القتل خطأ و الشبيه بالعمد، كقوله تعالي: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (2) فانه باطلاقه يدل

ص: 310


1- وسائل الشيعة 37:19 الباب 19 من ابواب قصاص النفس الحديث 3.
2- النساء: 92.

علي ان الخطأ بكلا قسميه تثبت فيه الدية دون القصاص.

و الحكم متسالم عليه بيننا و ان نسب الي مالك القول بلزوم القود في الشبيه بالعمد. و علّق صاحب الجواهر علي ذلك بقوله: «لكن الاجماع و السنة بل و الكتاب علي خلافه ضرورة عدم صدق قتل المؤمن متعمدا عليه»(1).

متي يصدق القتل متعمدا؟

ثم انه لا اشكال عرفا في صدق القتل متعمدا فيما اذا قصد القاتل القتل بآلة يتحقق بها القتل غالبا. و اما اذا قصده بآلة لا يتحقق بها القتل الا نادرا او لم يقصده و لكن كانت الآلة يتحقق بها القتل غالبا فلا يبعد صدقه أيضا.

اما في الحالة الاولي فلفرض القصد الي القتل فيها و هو كاف عرفا لصدق القتل متعمدا. و قد يستدل عليه أيضا بصحيحة الحلبي:

«قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: العمد كل ما اعتمد شيئا(2) فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة(3) فهذا كله عمد، و الخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره»(4) و غيرها، فان الوكزة و نحوها ليست من الوسائل القاتلة غالبا و بالرغم من ذلك عدت الاستعانة بها من مصاديق القتل العمدي، و ما ذاك الا لتحقق القصد الي القتل.

ص: 311


1- جواهر الكلام 4:43.
2- اي قصد شيئا.
3- الوكز: الضرب بجميع الكف.
4- وسائل الشيعة 24:19 الباب 11 من ابواب القصاص في النفس الحديث 3.

و اما في الحالة الثانية فلان الاستعانة بالآلة التي يعلم بترتب القتل عليها عادة لا تنفك عن قصده بالتبع. و تؤكد ذلك صحيحة ابي العباس الفضل بن عبد الملك عن عبد الملك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد. قال: سألته عن...»(1) ، فان مقتضي اطلاقها ان الضرب بالحديدة - الذي هو مما يترتب عليه القتل عادة - هو من مصاديق القتل العمدي و ان لم يقصد الضارب القتل.

و سند الرواية و ان كان ضعيفا بطريق الكليني و الشيخ الا انه صحيح بطريق الشيخ الصدوق، و هو كاف لاعتبار الرواية. و صدر الرواية «اذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد» و ان لم يكن مذكورا في طريق الكليني و الشيخ الا ان ذلك ليس بمهم بعد كونه مذكورا في الطريق الصحيح و هو طريق الشيخ الصدوق.

اقسام القتل

ثم ان القتل علي اقسام ثلاثة: القتل عمدا، و القتل الشبيه بالعمد، و القتل بنحو الخطأ المحض المعبر عنه في بعض الروايات بالقتل الذي لا شك فيه(2).

و الفارق بينها ان القاتل اذا كان قاصدا للقتل او كانت الآلة التي استعان بها قاتلة غالبا فالقتل عمدي.

و اذا كان قاصدا لفعل معين من دون قصد القتل و لا ترتب القتل

ص: 312


1- وسائل الشيعة 26:19 الباب 11 من ابواب القصاص في النفس الحديث 9.
2- لاحظ الباب 11 من ابواب القصاص في النفس من الوسائل الأحاديث 7، 9، 13، 17، 19.

عليه غالبا فالقتل شبيه بالعمد، كالضرب تأديبا بالعصا فيتفق القتل و كإجراء الطبيب عملية جراحية لا يترتب عليها الموت عادة فيتفق حصوله من دون قصده.

و اذا كان غير قاصد للفعل المعين فضلا عن فرض قصد القتل أو كون الآلة قاتلة غالبا فالقتل بنحو الخطأ المحض، كمن وجّه طلقة مسدسه الي حيوان فأصابت انسانا او كان يصلحه فانطلقت منه رصاصة فقتلت انسانا.

و حكم القتل العمدي القصاص الا مع التراضي علي الدية في حين ان حكم القتل في النحوين الاخيرين هو الدية، غايته في القتل الشبيه بالعمد يتحملها القاتل لكنها في القتل خطأ تتحملها عاقلة الجاني.

2 - و اما ان الحر يقتل بالحر و العبد بالعبد

فمما لا اشكال فيه، و هو القدر المتيقن من مورد تشريع القصاص و قد قال تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ (1).

و اما ان الحرّ لا يقتل بالعبد فلم يعرف فيه خلاف للروايات الكثيرة، كصحيحة ابي بصير عن أحدهما عليهما السّلام: «قلت له: قول اللّه عز و جل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثي بِالْأُنْثي فقال: لا يقتل حر بعبد و لكن يضرب ضربا شديدا و يغرم ثمنه دية العبد»(2) و غيرها.

اجل ورد في بعض الروايات ما يدل علي الخلاف، كموثقة

ص: 313


1- البقرة: 178.
2- وسائل الشيعة 70:19 الباب 40 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.

اسماعيل بن ابي زياد(1) عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام: «انه قتل حرا بعبد قتله عمدا»(2) ، و موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السّلام: «ليس بين الرجال و النساء قصاص الا في النفس و ليس بين الأحرار و المماليك قصاص الا في النفس...»(3) ، و موثقة السكوني الاخري عن جعفر عن ابيه عن علي عليه السّلام: «ليس بين العبيد و الاحرار قصاص فيما دون النفس»(4).

الا ان الروايات الثلاث المذكورة و ان كانت دلالة بعضها واضحة غير انها ساقطة عن الاعتبار اما لهجران الاصحاب لمضمونها او لمخالفتها للكتاب الكريم حيث يستفاد من الآية المتقدمة ان الحر لا يقتل بالعبد فلاحظ.

3 - و اما ان المدار علي قيمة العبد يوم قتله

فلانه اليوم الذي تشتغل فيه ذمة القاتل بالقيمة.

4 - و اما اعتبار التساوي في الدين

فلم يعرف فيه خلاف للنصوص المتعددة، كصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا يقاد مسلم بذمي في القتل و لا في الجراحات و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي علي قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»(5) و غيرها.

و مورد النصوص و ان كان هو الذمي الا انه يتعدي الي غيره -

ص: 314


1- و هو المعروف بالسكوني.
2- وسائل الشيعة 72:19 الباب 40 من ابواب القصاص في النفس الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 139:19 الباب 22 من ابواب قصاص الطرف الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 139:19 الباب 22 من ابواب قصاص الطرف الحديث 3.
5- وسائل الشيعة 80:19 الباب 47 من ابواب القصاص في النفس الحديث 5.

كالحربي و المستأمن - بالاولوية القطعية التي هي واضحة بلحاظ المستأمن أيضا لان الذمي مستأمن و زيادة فاذا ثبت الحكم له ثبت لمن دونه بالاولوية القطعية.

5 - و اما لزوم التعزير

فلما تقدم في البحث عن الحدود من ثبوته علي ارتكاب اي محرم من المحرمات.

6 - و اما لزوم دفع الدية لو كان المقتول ذميا

فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

7 - و اما اعتبار ان لا يكون القاتل ابا للمقتول

فهو مما لا خلاف فيه لصحيحة حمران عن أحدهما عليهما السّلام: «لا يقاد والد بولده و يقتل الولد اذا قتل والده عمدا»(1) و غيرها.

و اما انه يعزر فلما تقدم من ثبوته علي ارتكاب اي محرم.

و اما لزوم دفع الدية فلقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» المستفادة من صحيحة عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في رجل وجد مقتولا لا يدري من قتله، قال: ان كان له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم لان ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته علي الامام...»(2) و غيرها.

علي ان صحيحة ظريف قد دلت في ذيلها علي ذلك حيث ورد فيها: «و يكون له الدية و لا يقاد»(3).

ص: 315


1- وسائل الشيعة 56:19 الباب 32 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 109:19 الباب 6 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 58:19 الباب 32 من ابواب القصاص في النفس الحديث 10.
8 - و اما اعتبار ان يكون القاتل بالغا عاقلا

فأمر لا خلاف فيه لحديث رفع القلم(1) المشتهر بين الاصحاب. اجل هو لا يدل علي لزوم تحمل العاقلة للدية، و لا بدّ من الاستناد في ذلك الي الروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «كان امير المؤمنين عليه السّلام يجعل جناية المعتوه علي عاقلته خطأ كان أو عمدا»(2) ، و موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل علي العاقلة»(3) و غيرهما.

9 - و اما اعتبار ان يكون المقتول محقون الدم

فواضح اذ بعد جواز القتل لا معني للاقتصاص من القاتل بل لا مجال أيضا لاحتمال ثبوت الدية.

3 - وسائل اثبات القتل عمدا
اشارة

يثبت القتل عمدا بوسائل ثلاث: الاقرار و لو مرة واحدة، و بالبينة بمعني شهادة رجلين عدلين، و بالقسامة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت القتل عمدا باقرار القاتل

فلإطلاق دليل حجية الاقرار المتمثل في السيرة العقلائية علي نفوذ اقرار كل عاقل عليه. و تؤكد ذلك صحيحة الفضيل: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: و من أقرّ علي نفسه عند الامام

ص: 316


1- وسائل الشيعة 30:1 الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات.
2- وسائل الشيعة 307:19 الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 307:19 الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث 3.

بحق حد من حدود اللّه في حقوق المسلمين فليس علي الامام ان يقيم عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتي يحضر صاحب الحق او وليه فيطالبه بحقه، قال: فقال له بعض اصحابنا: يا ابا عبد اللّه فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة علي نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال:

اذا اقرّ علي نفسه عند الامام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه. قال: و اما حقوق المسلمين فاذا اقرّ علي نفسه عند الامام بفرية لم يحدّه حتي يحضر صاحب الفرية او وليه. و اذا اقرّ بقتل رجل لم يقتله حتي يحضر اولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم»(1).

هذا و المنسوب الي جماعة - كالشيخ و ابن ادريس و غيرهما - اعتبار الاقرار مرتين. و علّق صاحب الجواهر علي ذلك بقوله: «و لا نعرف له وجها الا الاحتياط في الدماء الذي لا يعارض الادلة. مع انه معارض بمثله و عدم بطلان دم المسلم»(2).

و ما ذكره وجيه. و يمكن ان يضاف اليه بان ذلك لو تمّ فلازمه اعتبار الاقرار اربع مرات فان ذلك معتبر في الزنا، و القتل ليس بأدون منه.

2 - و اما ثبوت ذلك بالبينة

فلانصراف كلمة البينة في قوله صلّي اللّه عليه و آله:

«البينة علي من ادعي»(3) ، و قوله: «انما اقضي بينكم بالبينات

ص: 317


1- وسائل الشيعة 344:18 الباب 32 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 1.
2- جواهر الكلام 204:42.
3- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من ابواب الشهادات الحديث 1.

و الايمان»(1) الي شهادة رجلين عدلين. و علي تقدير التشكيك في الانصراف المذكور يمكن التمسك بالاطلاق المقامي، فان الوسيلة المعروفة للإثبات هي شهادة رجلين عدلين، و السكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا علي ذلك.

3 - و اما القسامة
اشارة

(2) فالاتكال عليها كوسيلة للإثبات مخالف للقاعدة الاولية، اذ مقتضي قاعدة «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه» ان كل من ادعي شيئا فلا تثبت دعواه الا اذا اقام البينة عليها، و لكن شذّ من ذلك مورد الدم فان ولي المقتول اذا ادعي ان القاتل فلان فان كانت له بينة علي ذلك حكم بصدق دعواه و ان لم تكن له بينة فالمناسب للقاعدة المتقدمة وصول النوبة الي يمين المدعي عليه، و لكن لأجل النصوص الخاصة انعكست القاعدة في ذلك فالمدعي عليه لا يمكنه دفع الدعوي عن نفسه باليمين بل ينحصر دفعها بالبينة التي تشهد بنفي نسبة القتل اليه، و اذا لم تكن له بينة فبامكان المدعي اثبات دعواه من خلال حلف خمسين رجلا من أقاربه أو غيرهم علي صدق دعواه. و قد دلت علي ذلك عدة نصوص، كصحيحة بريد بن معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة علي

ص: 318


1- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من ابواب الشهادات الحديث 1.
2- القسامة - بفتح القاف - هي الايمان التي يؤديها جماعة او هي الجماعة التي تؤدي الايمان. و يحتمل صدقها عليهما معا. و قد قيل بان القسامة كانت جاهلية و قد اقرها الإسلام. و يظهر من بعض الاخبار انها سنّة شرّعها الرسول صلّي اللّه عليه و آله، فلاحظ رواية ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن القسامة اين كان بدوها؟ فقال: كانت من قبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لما كان بعد فتح خيبر تخلّف رجل من الانصار...» وسائل الشيعة 118:19 الباب 10 من ابواب دعوي القتل الحديث 5. بناء علي قراءة «قبل» بكسر الاول و فتح الثاني.

المدعي و اليمين علي المدعي عليه الا في الدم خاصة فان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بينما هو بخيبر اذ فقدت الانصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا فقالت الانصار: ان فلان اليهودي قتل صاحبنا فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للطالبين: اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقده برمته(1) ، فان لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلا أقده برمته فقالوا يا رسول اللّه:

ما عندنا شاهدان من غيرنا و انا لنكره ان نقسم علي ما لم نره فوداه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال: انما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي اذا رأي الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة...»(2). و موثقة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في اموالكم ان البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه، و حكم في دمائكم ان البينة علي المدعي عليه و اليمين علي من ادعي لئلا يبطل دم امرئ مسلم»(3) و غيرهما.

ثم انه توجد عدة اسئلة ترتبط بالمقام نذكر من بينها:
الاول: هل يشترط في قبول القسامة اللوث ؟

*الاول: هل يشترط في قبول القسامة اللوث(4) ؟

مقتضي اطلاق

ص: 319


1- اقدت القاتل بالمقتول: قتلته قصاصا. و الرمة - بضم الراء - قطعة حبل يشدّ بها القاتل عند اخذه الي محل القصاص لئلا يهرب. هذا في الاصل، و لكنه قد تستعمل - لمناسبة أو بدونها - بمعني جميع، يقال أخذت الشيء برمته، اي أخذته كله و جميعه. و المراد في الرواية ذلك.
2- وسائل الشيعة 114:19 الباب 9 من أبواب دعوي القتل الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 115:19 الباب 9 من ابواب دعوي القتل الحديث 4.
4- اللوث: كل امارة توجب الظن بصدق المدعي، كما اذا وجد عند المقتول شخص قد شهر السلاح الملوث بالدم او اخبر صبي باني رأيت فلانا يزاول عملية القتل و ما شاكل ذلك من الامارات الموجبة للظن.

النصوص عدم اعتبار ذلك الا انه لا بدّ من رفع اليد عنه لتسالم الاصحاب علي اعتبار ذلك، فانه علي ما قيل لم يعرف الخلاف الا من المحقق الأردبيلي القائل: «كأن لهم علي ذلك اجماعا او نصا ما اطلعت عليه»(1).

و قد يستدل - مضافا الي التسالم - بجملة «انما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس» الواردة في بعض روايات المسألة(2) بتقريب ان الاحتياط للدماء لا يتم الا مع فرض اللوث، و بدونه يلزم هدرها، فان الفاسق قد ينسب القتل الي بعض و يقيم عليه القسامة فيقتص من المدعي عليه و يذهب بذلك دمه هدرا.

الثاني: هل يجوز ان يكون المدعي احد الخمسين او يلزم ان يكون

خارجا عنهم؟

يجوز ان يكون احدهم كما هو مقتضي ظاهر صحيحة بريد المتقدمة فلاحظ.

الثالث: هل يلزم في الايمان الخمسين ان تكون من خمسين رجلا

او يجوز تكرارها من الرجل الواحد اذا كان العدد أقلّ من ذلك؟

مقتضي صحيحة بريد المتقدمة هو الاول، الا ان المنسوب الي المشهور هو الثاني بل ادعي تسالم الاصحاب عليه. و يدعم ذلك ان النصوص قد دلت علي ان العلة في تشريع القسامة هي الاحتياط للدماء فاذا كان يعتبر ان يكون عدد الحالفين خمسين رجلا يلزم عدم امكان تحقق الاحتياط لندرة تحصيل خمسين رجلا.

ص: 320


1- جواهر الكلام 230:42.
2- فلاحظ صحيحة عبد اللّه بن سنان الواردة في وسائل الشيعة 116:18 الباب 9 من ابواب دعوي القتل الحديث 9.

و لك ان تقول بصيغة اخري: ان لازم اعتبار خمسين رجلا لغوية تشريع القسامة لندرة حصول ذلك.

ثم ان المدعي اذا كان وحده و لم يكن له قوم او امتنعوا عن ذلك فهل يجوز له تكرار اليمين خمسين مرة؟ نقل صاحب الجواهر الجواز عن غير واحد من الاصحاب بل نقل عن صاحب الرياض نفي الخلاف في ذلك(1).

الرابع: ان العدد اذا كان أقلّ من خمسين و قلنا بجواز تكرار اليمين

من الرجل الواحد فهل يلزم تقسيمها علي العدد بالسوية او لا؟

قد يقال بعدم لزوم ذلك لان اليمين بمقدار خمسين متحققة علي كلا التقديرين.

و الانسب ان يقال بلزوم التقسيم بالسوية لان مقتضي النصوص اعتبار خمسين رجلا، و انما خرجنا عنها للتسالم و محذور اللغوية، و من الواضح ان ذلك لا يقتضي جواز التكرار كيفما اتفق بل يلزم اعتبار التساوي لأنه في غير ذلك لا دليل علي نفوذ القسامة فينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن.

4 - من احكام قصاص النفس
اشارة

اذا قتل الرجل المرأة عمدا اقتص منه بعد ردّ نصف ديته الي اوليائه.

و اذا اكره شخص غيره علي قتل ثالث و توعده علي المخالفة فلا يجوز له قتله سواء كان ما توعد به ما دون القتل او هو.

ص: 321


1- جواهر الكلام 246:42.

و الحكم في القتل العمدي هو القصاص دون التخيير بينه و بين المطالبة بالدية الا اذا فرض تراضي الطرفين علي ذلك.

و المشهور ان جواز المبادرة الي القصاص مشروط بالاستئذان من ولي المسلمين.

و في تحديد من له حق القصاص خلاف.

و مع تعدد الاولياء فلا يبعد القول بجواز اقتصاص كل واحد منهم مستقلا و من دون اذن البقية.

و اذا اقتص بعض الاولياء مع رضا البقية فلا اشكال و الا ضمن المقتص حصتهم من الدية ان طالبوا بها، و يضمنها لورثة الجاني علي تقدير العفو عن القصاص و الدية.

و المشهور لزوم كون الاقتصاص بالسيف دون غيره.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الرجل لو قتل المرأة متعمدا اقتص منه بعد ردّ نصف

ديته الي اوليائه

فلم يعرف فيه خلاف لما يأتي في باب الديات - ان شاء اللّه تعالي - من ان دية المرأة نصف دية الرجل فاذا جاز الاقتصاص منه لزم ردّ نصف الدية الي اوليائه، كما دلت علي ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يقتل المرأة متعمدا فاراد اهل المرأة ان يقتلوه، قال: ذاك لهم اذا ادّوا الي اهله نصف الدية. و ان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل...»(1) و غيرها.

هذا و في مقابل ذلك رواية السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان امير

ص: 322


1- وسائل الشيعة 59:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 3.

المؤمنين عليه السّلام قتل رجلا بامرأة قتلها عمدا...»(1) ، و موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عليه السّلام: «ان رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه السّلام بينهما قصاصا و الزمه الدية»(2).

و يمكن الجواب:

اما عن الرواية الاولي فانها - لو تمت سندا و لم يناقش من ناحية النوفلي الذي لم يرد في حقه توثيق - مطلقة قابلة للتقييد بصحيحة الحلبي و غيرها الدالة علي لزوم دفع نصف الدية.

و اما عن الرواية الثانية فانها لو امكن حملها علي كون المراد عدم جعل القصاص مجردا عن ردّ نصف الدية فلا مشكلة و الا فهي ساقطة عن الاعتبار لهجران الاصحاب لمضمونها.

2 - و اما ان من اكره علي قتل ثالث فلا يجوز له قتله ان كان ما

توعد به دون القتل

فالامر فيه واضح اذ يحرم قتل المؤمن ظلما و من دون حق، و لا ترتفع الحرمة بالاكراه علي ما دون القتل.

و بكلمة اخري: المورد داخل تحت باب التزاحم فيلزم تقديم الاهم جزما او احتمالا، و هو حرمة قتل المؤمن.

و اذا قيل: لم لا ترتفع الحرمة بحديث رفع التسعة(3) ؟

قلنا: حيث ان الحديث مسوق مساق الامتنان علي النوع فيلزم عدم شموله للموارد التي يلزم فيها خلاف ذلك كما هو المفروض في المقام لو قيل بالشمول.

ص: 323


1- وسائل الشيعة 61:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 14.
2- وسائل الشيعة 62:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 16.
3- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من ابواب جهاد النفس الحديث 1.
3 - و اما انه لا يجوز القتل حتي اذا كان المتوعد به هو القتل أيضا

فلما دلّ علي انه لا تقية في الدماء، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فليس تقية»(1) و غيرها.

و لو لا ذلك لكان المناسب جواز القتل لان المورد داخل تحت باب التزاحم، اذ الامر يدور بين واجب - حفظ النفس - و حرام - قتل النفس المحترمة - و حيث لا ترجيح فلا بدّ من الحكم بالتخيير.

و اذا قيل: ان المقام أشبه بقتل شخص لأكله في المخمصة الذي لا يعدّ به كونه مضطرا بل هو قاتل ظلما و عدوانا فيلزم الاقتصاص منه.

قلنا: انه مع فرض دخول المورد تحت باب التزاحم و الحكم بالتخيير لا يصدق كون القتل ظلما و عدوانا فيجوز القتل، غايته يلزم دفع الدية لقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» التي تقدمت الاشارة الي مستندها فيما سبق.

و بالجملة: ان القاعدة تقتضي جواز القتل لو لا قاعدة لا تقية في الدماء بناء علي شمولها لموارد الاكراه كما يظهر من الشيخ الاعظم في المكاسب(2).

4 - و اما ان الحكم في القتل العمدي هو القصاص

فهو المشهور.

و يدل عليه ظاهر الكتاب الكريم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ... (3) و غيره، و النصوص الخاصة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان:

ص: 324


1- وسائل الشيعة 483:11 الباب 31 من ابواب الامر و النهي الحديث 1.
2- المكاسب 399:1، منشورات دار الحكمة.
3- البقرة: 178.

«سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضي اولياء المقتول ان يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية و احب ذلك القاتل فالدية»(1).

هذا و لكن المنسوب الي الاسكافي و العماني الحكم بتخيير اولياء المقتول بين القصاص و المطالبة بالدية(2). و يمكن الاستدلال علي ذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان و ابن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال: ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و ان كان قتله لغضب او لسبب من امر الدنيا فان توبته ان يقاد منه، و ان لم يكن علم به انطلق الي اولياء المقتول فاقرّ عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه اعطاهم الدية و اعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و اطعم ستين مسكينا توبة الي اللّه عز و جل»(3).

و قد يدعم ذلك ان ولي الدم اذا رضي بالدية و تمكن القاتل من دفعها لزمه ذلك من باب وجوب الحفاظ علي النفس من الهلاك.

و المناسب ما ذهب اليه المشهور اذ الصحيحة معارضة بالصحيحة السابقة تعارضا مستقرا و يلزم تقديم السابقة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم الدال علي ان ولي المقتول له الولاية علي القصاص فقط.

و اما ما ذكر ثانيا فهو لا يدل علي تخير ولي المقتول بل يدل علي انه لو رضي بالدية لزم القاتل قبول ذلك حفاظا علي نفسه.1.

ص: 325


1- وسائل الشيعة 37:19 الباب 19 من ابواب قصاص النفس الحديث 3.
2- جواهر الكلام 278:42.
3- وسائل الشيعة 19:19 الباب 9 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
5 - و اما انه مع تراضي الطرفين علي الدية يسقط القصاص

فباعتبار ان الحق لا يعدو الطرفين فاذا تراضيا علي الدية بمقدارها الشرعي او غيره جاز لهما ذلك. علي ان صحيحة عبد اللّه بن سنان السابقة واضحة في ذلك.

6 - و اما ان جواز المبادرة الي القصاص مشروط بالاستئذان من

ولي المسلمين

فقد ادعي عدم الخلاف فيه. و الاستناد اليه وجيه لو فرض تحقق تسالم بين الكل بنحو يكون كاشفا عن وصول الحكم من الامام عليه السّلام يدا بيد و الا فالمناسب التمسك باطلاق ادلة جواز القصاص.

7 - و اما من له حق القصاص فقيل هو كل من يرث المال عدا

الزوج و الزوجة.

اما انه هو كل من يرث المال فلعموم ادلة الارث من آية اولي الارحام(1) و غيرها. و اطلاق قوله تعالي: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (2) بناء علي كون المقصود من الولي مطلق الوارث لا حصة خاصة منه.

و اما استثناء الزوج و الزوجة فللتسالم علي ذلك. و يمكن استفادته من موثقة البقباق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «هل للنساء قود او عفو؟ قال: لا، و ذلك للعصبة»(3).

و قيل: ان من له حق القصاص هو كل وارث للمال غير النساء و الزوج و الزوجة و من يتقرب بالام.

و الوجه في ذلك هو الموثقة المتقدمة فانها حصرت حق القصاص

ص: 326


1- الانفال: 75.
2- الاسراء: 33.
3- وسائل الشيعة 432:17 الباب 8 من ابواب موجبات الارث الحديث 6.

بالعصبة، و هم بنوه و قرابته لأبيه(1).

و قد تناقش الموثقة بمناقشتين:

الاولي: ان الشيخ قال بعد ذكره للموثقة: «قال: علي بن الحسن: هذا خلاف ما عليه اصحابنا»(2). و علّق في الوسائل بعد نقل ما ذكر عن الشيخ بما نصه: «اقول: هذا محمول علي التقية»(3).

و عليه فالموثقة لا يمكن العمل بها اما لكونها محمولة علي التقية او لكونها علي خلاف ما عليه اصحابنا.

و الجواب:

اما عن الاول فان الحمل علي التقية فرع تعارض الروايتين، و المفروض عدم وجود المعارض.

و اما عن الثاني فان نقل الشيخ عن ابن فضال مرسل لا يمكن الاعتماد عليه. علي ان عبارته قد لا يظهر منها الا ان مضمون الموثقة مخالف لما عليه مشهور الاصحاب، و معه يدخل المورد تحت كبري سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها، و لربما يبني علي عدم تماميتها فلا تعود لدينا مشكلة بناء علي ذلك.

الثانية: ان شيخ الطائفة روي الموثقة عن علي بن الحسن بن فضال، و طريقه اليه في المشيخة و الفهرست(4) يمرّ بعلي بن محمد بن1.

ص: 327


1- في الصحاح: عصبة الرجل: بنوه و قرابته لأبيه. و انما سموا عصبة لأنهم عصبوا، اي أحاطوا به، فالاب طرف، و الابن طرف، و العم جانب، و الاخ جانب.
2- التهذيب 397:9.
3- وسائل الشيعة 433:17.
4- راجع المشيخة: 55 نهاية الجزء العاشر من تهذيب الاحكام، الفهرست: 92 الرقم 381.

الزبير، و هو لم يوثق بناء علي عدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

و قد يجاب عن ذلك بان المخبر بكتب ابن فضال للشيخ و النجاشي واحد، و هو احمد بن عبدون، فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي، و بما ان للنجاشي الي تلك الكتب طريقا آخر معتبرا(1) فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضا معتبرة.

8 - و اما جواز الاقتصاص لكل واحد من الاولياء بلا حاجة الي

كسب الاذن من البقية

فهو رأي معروف. و يدل عليه ظاهر الآية الكريمة:

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (2) ، فان الحكم ما دام مجعولا لطبيعي الولي فيلزم انحلاله بعدد افراده كما في سائر الموارد التي ينحل فيها الحكم بانحلال موضوعه.

و احتمال كون الحق قائما بالمجموع او بالجامع بنحو صرف الوجود بعيد بل ظاهر الآية تعلقه بالجامع بنحو الانحلال.

9 - و اما انه علي تقدير اقتصاص بعض الاولياء من دون اذن

البقية

فعليه دفع مقدار حصته من الدية ان طالب بذلك، و يدفع ذلك الي ورثة الجاني علي تقدير العفو عن القصاص و الدية فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل و له أمّ و اب و ابن، فقال الابن: انا اريد ان اقتل قاتل ابي، و قال الاب: انا اريد ان اعفو، و قالت الام: انا اريد ان آخذ الدية فقال:

فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية، و يعطي ورثة القاتل السدس

ص: 328


1- رجال النجاشي: 183، منشورات مكتبة الداوري.
2- الاسراء: 33.

من الدية حق الاب الذي عفا و ليقتله»(1).

10 - و اما لزوم كون الاقتصاص بالسيف

فتدل عليه صحيحة الحلبي و ابي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قالا: «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتي مات أ يدفع الي ولي المقتول فيقتله؟ قال: نعم و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجيز عليه بالسيف»(2).

الا انه قد يقال بان ذكر السيف هو من باب كونه آلة القتل المتداولة تلك الفترة، و معه فلا تدل علي الحصر و الاختصاص.

5 - قصاص ما دون النفس
اشارة

يجوز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا متي ما تمت الشروط السابقة في قصاص النفس.

و لا يشترط التساوي في الذكورة و الانوثة، فلو جنت المرأة علي الرجل اقتص منها. اجل لو جني هو عليها اقتصت منه بعد ردّ التفاوت اليه اذا بلغت دية الجناية الثلث و الا فلا ردّ، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون ردّ شيء اليه و لكن لو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد ردّ نصف دية يده اليه.

و يجوز القصاص أيضا في الجروح فيما اذا امكن ضبطها، بان كان يمكن القصاص، بمقدار الجرح و الا تعينت الدية.

ص: 329


1- وسائل الشيعة 83:19 الباب 52 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 95:19 الباب 62 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا

فهو من ضروريات الإسلام. و يدل عليه قوله تعالي: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ (1) ، و العمومات المذكورة عند البحث عن قصاص النفس. و الروايات في ذلك كثيرة. و ستأتي الاشارة الي بعضها ان شاء اللّه تعالي.

2 - و اما اعتبار شروط قصاص النفس في المقام أيضا

فهو مما تسالم عليه الاصحاب. و تدل علي ذلك الادلة المتقدمة لشروط القصاص في النفس فانها عامة. و اذا كان في بعضها قصور عن اثبات التعميم فالتسالم القطعي كاف لإثبات ذلك.

3 - و اما ان جواز القصاص ليس مشروطا بالتساوي في الذكورة

و الانوثة

فيدل عليه اطلاق الآية المتقدمة، مضافا الي قضاء الروايات الخاصة - التي ستأتي الاشارة الي بعضها - بذلك.

هذا و في المقابل دلت موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السّلام:

«ليس بين الرجال و النساء قصاص الا في النفس...»(2) علي ان المرأة لا تقتص من الرجل.

و يردها:

اولا: ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فتكون ساقطة عن الاعتبار.

ص: 330


1- المائدة: 45.
2- وسائل الشيعة 139:19 الباب 22 من ابواب قصاص الطرف الحديث 2.

و ثانيا: انها معارضة للروايات الآتية الدالة علي ان للمرأة حق القصاص من الرجل، و حيث ان المعارضة مستقرة فتقدم الروايات الدالة علي جواز القصاص لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم.

4 - و اما ان المرأة يجوز لها الاقتصاص من الرجل لو جني عليها

بشرط ردّ التفاوت فيما اذا بلغت دية الجناية الثلث

فهو يتضمن مطلبين:

احدهما: ان المرأة تساوي الرجل في دية الاعضاء ما دام لم يحصل تجاوز عن الثلث.

ثانيهما: ان المرأة يجوز لها القصاص من الرجل بشرط رد التفاوت ان حصل تجاوز عن الثلث و الا جاز لها القصاص من دون ردّ.

اما بالنسبة الي المطلب الاول فيأتي ما يدل عليه في باب الديات ان شاء اللّه تعالي.

و اما بالنسبة الي المطلب الثاني فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل فقأ عين امرأة فقال: ان شاءوا ان يفقئوا عينه و يؤدوا اليه ربع الدية، و ان شاءت ان تأخذ ربع الدية. و قال في امرأة فقأت عين رجل: انه إن شاء فقأ عينها و الا اخذ دية عينه»(1).

5 - و اما جواز القصاص في الجروح

فيدل عليه قوله تعالي:

وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ (2) ، و اطلاق قوله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (3) و نحوه.

ص: 331


1- وسائل الشيعة 124:19 الباب 2 من ابواب قصاص الطرف الحديث 1.
2- المائدة: 45.
3- النحل: 126.

و اما اعتبار امكان ضبط الجرح فواضح لعدم جواز القصاص من دون مماثلة: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (1) ، بل مع عدم المماثلة لا يصدق عنوان القصاص.4.

ص: 332


1- البقرة: 194.

كتاب الدّيات

اشارة

1 - الدية و أقسامها

2 - مقادير الديات

3 - من أحكام القتل و الديات

ص: 333

ص: 334

1 - الدية و اقسامها
اشارة

الدية - بكسر الدال و تخفيف الياء - غرامة مالية شرعت كجزاء علي ارتكاب الجناية.

و هي مشروعة بالكتاب و السنة القطعية.

و تنقسم الي المقدّرة شرعا و غيرها.

و هي ثابتة في موارد خاصة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان تحديد الدية ما تقدم

فهو من واضحات اللغة و الفقه.

و اما انها مشروعة فهو من ضروريات الإسلام. و يدل عليه قوله تعالي: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (1) ، و الروايات الكثيرة التي تأتي الاشارة الي بعضها.

2 - و اما انقسامها الي المقدّرة شرعا و غيرها

فباعتبار ان الجناية

ص: 335


1- النساء: 92.

تارة يكون لها تقدير شرعي و اخري لا يكون لها ذلك. و يصطلح علي الاول بالدية، و علي الثاني بالارش او الحكومة.

و يتم تعيين الارش وفق طريقة يأتي بيانها فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

و الدية بكلا قسميها تؤخذ من الجاني ان كانت الجناية عمدية أو شبه ذلك و من العاقلة ان لم تكن كذلك.

3 - و اما موارد ثبوتها

فهي:

أ - الخطأ المحض و الشبيه بالعمد. و ثبوت الدية فيهما دون القود امر متسالم عليه بيننا. و يدل عليه قوله تعالي: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (1) ، فانه باطلاقه يشمل الخطأ بكلا قسميه. و يمكن استفادة ذلك من الروايات أيضا - و لكن الطابع العام عليها ضعف السند - كرواية الفضل بن عبد الملك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفارة، هو الرجل يضرب الرجل و لا يتعمد؟ قال: نعم...»(2) و غيرها.

هذا و قد تقدمت في بداية البحث عن القصاص الاشارة الي خلاف مالك فلاحظ.

ب - الموارد التي لا يثبت فيها القصاص بالرغم من كون القتل عمدا، كقتل الاب ولده او المسلم الذمي. و قد تقدمت الاشارة الي وجه ثبوت الدية في مثل ذلك في بداية البحث عن القصاص.

ج - الموارد التي لا يمكن فيها القصاص، كبعض الجروح التي لا

ص: 336


1- النساء: 92.
2- وسائل الشيعة 28:19 الباب 11 من ابواب القصاص في النفس الحديث 19.

يمكن ضبطها. و قد تقدمت الاشارة الي ذلك في نهاية البحث عن القصاص.

د - موارد القصاص فيما اذا تراضي الطرفان علي الدية. و قد تقدمت الاشارة الي ذلك في مبحث القصاص تحت عنوان «من أحكام قصاص النفس».

2 - مقادير الديات
اشارة

الديات المقدرة شرعا هي علي انحاء مختلفة نشير الي بعضها(1):

دية القتل عمدا.
اشارة

دية قتل المسلم عمدا - اذا تمّ التراضي عليها - احد امور ستة:

مائة من الابل الفحولة المسنّة(2).

او مائتا بقرة.

او الف دينار ذهب(3).

او عشرة آلاف درهم فضة(4).

ص: 337


1- حيث ان الديات المقدّرة شرعا كثيرة جدا، و استيعابها يوجب التطويل و يورث الملل اقتصرنا علي البعض المهم منها.
2- المسنّة من الابل - علي ما قيل - هي ما دخلت في السنة السادسة.
3- المقصود الدينار الشرعي الذي مقداره مثقال ذهب بوزن 18 حمصة. و قيل بان الدينار الشرعي يعادل اربعة غرامات من الذهب و ربع الغرام تقريبا، فالدية علي هذا اربعة كيلوات من الذهب و ربع الكيلو تقريبا.
4- المقصود الدرهم الشرعي الذي هو من الفضة و يعادل 12/6 حمصة. و قيل بان الدرهم الشرعي يعادل ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا، فالدية علي هذا ثلاثون كيلوغراما الا ربع الكيلو من الفضة تقريبا.

او الف شاة.

او مائتا حلّة(1). و كل حلة ثوبان: ازار و رداء.

و استيفاؤها يكون ضمن فترة سنة.

و يجوز الاستيفاء بالاوراق النقدية المتداولة في زماننا مع تعذر الستة أو تراضي الطرفين علي ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية القتل عمدا ما تقدم

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سمعت ابن ابي ليلي يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الابل فأقرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثم انه فرض علي اهل البقر مائتي بقرة، و فرض علي اهل الشاة ألف شاة ثنية(2) ، و علي اهل الذهب الف دينار، و علي اهل الورق عشرة آلاف درهم، و علي اهل اليمن الحلل مائتي حلة. قال عبد الرحمن بن الحجاج: فسألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عما روي ابن ابي ليلي فقال: كان علي عليه السّلام يقول: الدية الف دينار - و قيمة الدينار عشرة دراهم - و عشرة آلاف لأهل الامصار، و علي اهل البوادي مائة من الابل و لأهل السواد مائتا(3) بقرة او الف

ص: 338


1- الحلّة - بضم الاول، و الجمع حلل و حلال - مطلق الثوب او خصوص الثوب الساتر لجميع البدن. و الفقهاء فسروها بالثوبين، بل قد يقال: ان ذلك هو معناها لغة، ففي المصباح المنير: «الحلة بالضم لا يكون الا ثوبين من جنس واحد»، و نحو ذلك ذكر في غير المصباح.
2- الثنية من الغنم: ما دخل في السنة الثالثة.
3- الوارد في الطبع القديم من وسائل الشيعة: مائة بقرة. و هو اشتباه، فان الموجود في المصادر الاصلية للصحيحة و هي الكتب الاربعة: مائتا - مائتي - بقرة.

شاة»(1) و غيرها.

و موضع الاستشهاد نقل ابن الحجاج عن الامام عليه السّلام و الا فما نقله - في صدر الصحيحة - عن ابن ابي ليلي ليس حجة كما هو واضح.

و منه يتضح ان مستند عدّ مائتي حلّة من جملة افراد الدية ينحصر بالتسالم الفقهي علي ذلك و الا فكلام ابن ابي ليلي - الذي ذكر فيه ذلك - ليس حجة.

ثم ان المذكور في الصحيحة: ان علي اهل السواد مائتي بقرة و علي... و هذا لا ينبغي أن يفهم منه التعيين بل هو وارد مورد الارفاق و التسهيل كما هو واضح.

و ينبغي الالتفات الي ان المعروف بين الفقهاء بل ادعي عدم الخلاف فيه ان التخيير بين الافراد الستة ثابت للجاني دون اولياء المجني عليه. و هو ان لم يستفد من الصحيحة المتقدمة فيكفي لإثباته كونه مقتضي الاصل.

و ينبغي الالتفات أيضا الي ان المسألة تشتمل علي روايات اخري قد تدل علي مضامين اخري تغاير مضمون الصحيحة المتقدمة من بعض الجهات، و لكن لأجل عدم القائل بها و هجران الاصحاب لها تكون ساقطة عن الحجية.

2 - و اما انه يعتبر في الابل ان تكون فحولة مسنّة

فهو رأي معروف. و تدل عليه صحيحة معاوية بن وهب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن دية العمد فقال: مائة من فحولة الابل المسان...»(2) و غيرها.

ص: 339


1- وسائل الشيعة 141:19 الباب 1 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 146:19 الباب 2 من ابواب ديات النفس الحديث 2.
3 - و اما ان استيفاء دية العمد يكون ضمن فترة سنة

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة ابي ولاد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان علي عليه السّلام يقول: تستأدي دية الخطأ في ثلاث سنين، و تستأدي دية العمد في سنة»(1).

4 - و اما جواز الاستيفاء بالاوراق النقدية مع التعذر او التراضي

فواضح لأنه مع التعذر حيث لا يحتمل سقوط الدية رأسا فيتعين الرجوع الي البدل الاقرب و هو الاوراق النقدية.

و اما انه مع التراضي يجوز ذلك فاوضح لان الحق لا يعدو الطرفين.

ثم انه لو فرض وجود بعض الافراد الستة فهل يحق للجاني الزام اولياء المجني عليه بقبول الاوراق النقدية؟ المناسب هو العدم لان ظاهر الصحيحة الالزام بالاعيان نفسها فمع التمكن منها لا وجه للإلزام بالبدل.

دية الشبيه بالعمد
اشارة

دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الامور الستة المتقدمة غير انه يعتبر في الابل ان تكون اربعون منها خلفة من بين ثنية الي بازل عامها، و ثلاثون حقة و ثلاثون بنت لبون(2).

ص: 340


1- وسائل الشيعة 150:19 الباب 4 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
2- الخلفة - بفتح الحاء و كسر اللام - هي الحامل من النوق. و الثنية من الابل: ما دخل في السنة السادسة. و البازل من الابل هو ما دخل في التاسعة. يقال: هو بازل، اي طلع نابه. و اذا دخل في العاشرة قيل هو بازل عام. و علي هذا يكون المقصود انه تجب اربعون من الابل الحامل التي عمرها بين ست الي عشر سنوات. و الحقة هي الناقة الداخلة في الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت ان يحمل عليها. و بنت اللبون هي الناقة الداخلة في الثالثة. سميت بذلك لان امها قد وضعت و صار لها لبن.

و تستوفي من الجاني خلال سنوات ثلاث.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الافراد الستة أيضا

فباعتبار اطلاق صحيحة عبد الرحمن المتقدمة.

2 - و اما انه يعتبر في الابل ما ذكر من الاوصاف

فهو رأي معروف. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال امير المؤمنين عليه السّلام في الخطأ شبه العمد ان يقتل بالسوط او بالعصا او بالحجر ان دية ذلك تغلظ و هي مائة من الابل: منها اربعون خلفة من بين ثنية الي بازل عامها، و ثلاثون حقة، و ثلاثون بنت لبون»(1).

و هي اذا كانت ضعيفة السند ببعض طرقها ففي بعضها الآخر كفاية فلاحظ.

3 - و اما انها تستوفي من الجاني دون العاقلة

فهو المشهور بين الاصحاب. و يدل عليه اطلاق الآية الكريمة: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (2) ، فانها ظاهرة في ان

ص: 341


1- وسائل الشيعة 146:19 الباب 2 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
2- و البازل من الابل هو ما دخل في التاسعة. يقال: هو بازل، اي طلع نابه. و اذا دخل في العاشرة قيل هو بازل عام. و علي هذا يكون المقصود انه تجب اربعون من الابل الحامل التي عمرها بين ست الي عشر سنوات. و الحقة هي الناقة الداخلة في الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت ان يحمل عليها. و بنت اللبون هي الناقة الداخلة في الثالثة. سميت بذلك لان امها قد وضعت و صار لها لبن.

الدية ثابتة علي الجاني، و باطلاقها تشمل كلا قسمي الخطأ، غايته خرج الخطأ المحض - الذي تجب فيه الدية علي العاقلة - بالدليل الخاص.

4 - و اما انها تستوفي في سنين ثلاث

فلصحيحة ابي ولاد المتقدمة.

هذا و لكن المشهور انها تستوفي في سنتين لا ثلاث، الا انه لا دليل علي ذلك سوي الاجماع المدعي من بعض. و عليه فالمناسب العمل بالصحيحة بناء علي ان اعراض المشهور عن رواية لا يوجب سقوطها عن الاعتبار.

دية الخطأ المحض
اشارة

دية الخطأ المحض احد الامور الستة المتقدمة - غايته يلزم في الابل ان تكون ثلاثون منها حقة و ثلاثون بنت لبون و عشرون بنت مخاض(1) و عشرون ابن لبون - و تستوفي من العاقلة خلال سنين ثلاث.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية الخطأ المحض احد الامور الستة السابقة أيضا

فلنفس ما تقدم في القتل الشبيه بالعمد.

2 - و اما انه تلزم في الابل الاوصاف السابقة

فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:... و الخطأ يكون فيه ثلاثون حقة و ثلاثون ابنة لبون و عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون ذكر»(2).

ص: 342


1- بنت المخاض هي الناقة التي دخلت في الثانية. و سميت بذلك لان امها قد حملت.
2- وسائل الشيعة 146:19 الباب 2 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
3 - و اما انها تستوفي من العاقلة

فأمر لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام... و الاعمي جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما...»(1).

و اما انها تستوفي في سنوات ثلاث فللصحيحة المذكورة و صحيحة ابي ولاد المتقدمة.

دية الجوارح

في الجناية علي العين الواحدة نصف الدية و علي كلتيهما الدية كاملة.

و هكذا الحال في الجناية علي الاذن الواحدة و الأذنين و الشفة الواحدة و الشفتين و اليد الواحدة و اليدين و الرجل الواحدة و الرجلين. و في استئصال اللسان الدية كاملة.

و المستند في ذلك:

ان ما ذكر لا خلاف فيه. و تقتضيه قاعدة «ان كل ما كان منه في الجسد واحد ففيه الدية كاملة و ما كان فيه اثنان ففي كل واحد منهما نصف الدية و فيهما معا الدية كاملة» المستفادة من صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين و العينين. قلت: رجل فقئت عينه، قال: نصف الدية.

قلت: فرجل قطعت يده، قال: فيه نصف الدية...»(2) و غيرها.

و من ذلك يتضح الوجه في حكم البقية.

ص: 343


1- وسائل الشيعة 306:19 الباب 10 من ابواب العاقلة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 214:19 الباب 1 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
دية الاصابع

في قطع كل واحد من اصابع اليد عشر دية اليد، و في قطع كل اصبع من اصابع الرجل عشر دية الرجل.

و المستند في ذلك:

ان ما ذكر هو المشهور. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اصابع اليدين و الرجلين سواء في الدية في كل اصبع عشر من الابل»(1) و غيرها.

و في مقابل ذلك صحيحة ظريف عن امير المؤمنين عليه السّلام: «... ففي الابهام اذا قطع ثلث دية اليد... و في الاصابع في كل اصبع سدس دية اليد...»(2).

الا ان الصحيحة المذكورة لاعراض المشهور عنها ساقطة عن الاعتبار بناء علي تمامية كبري سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها و تعود الصحيحة الاولي بناء علي ذلك سالمة من المعارض و يتم رأي المشهور.

دية الضرب

دية اللطمة علي الوجه اذا احمرّ دينار و نصف، و اذا اخضرّ فثلاثة دنانير، و اذا اسودّ ستة دنانير(3). و اذا كان ذلك في البدن فالدية نصف ما

ص: 344


1- وسائل الشيعة 294:19 الباب 39 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 229:19 الباب 12 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
3- مرّ المقصود من الدينار تحت عنوان «دية القتل عمدا».
في الوجه.

و المستند في ذلك:

ان ما ذكر هو المشهور. و تدل عليه موثقة اسحاق بن عمار - برواية الشيخ الصدوق - عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في اللطمة يسود اثرها في الوجه ان ارشها ستة دنانير، فان لم تسود و اخضرّت فان ارشها ثلاثة دنانير، فان احمارّت و لم تخضارّ فان ارشها دينار و نصف. و في البدن نصف ذلك»(1) و غيرها.

و الوارد في الموثقة و ان كان هو كلمة «اللطمة» الظاهرة في الضرب باليد الا ان المناسب هو التعدي الي غير الضرب و الي غير ما كان باليد للقطع بعدم الخصوصية لذلك.

دية الحمل
اشارة

في اسقاط الحمل اذا كان نطفة عشرون دينارا، و اذا كان علقة أربعون دينارا، و اذا كان مضغة ستون دينارا، و اذا كان فيه عظم ثمانون دينارا، و اذا كسي لحما مائة دينار، و اذا و لجته الروح ألف دينار ان كان ذكرا و خمسمائة ان كان أنثي.

و الحكم المذكور يعم ما اذا زاولت الام نفسها عملية الاسقاط و لو بشرب دواء و نحوه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية الحمل ما ذكر

فهو المعروف بين الاصحاب. و تدل

ص: 345


1- وسائل الشيعة 295:19 الباب 4 من ابواب ديات الشجاج و الجراح الحديث 1.

عليه صحيحة ظريف عن امير المؤمنين عليه السّلام: «جعل دية الجنين مائة دينار، و جعل مني الرجل الي ان يكون جنينا خمسة أجزاء، فاذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار، و ذلك ان اللّه عز و جل خلق الانسان من سلالة(1) و هي النطفة فهذا جزء ثم علقة فهو جزءان ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء ثم عظما فهو اربعة أجزاء ثم يكسي لحما فحينئذ تمّ جنينا فكملت لخمسة أجزاء مائة دينار، و المائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا، و للعلقة خمسي المائة أربعين دينارا، و للمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا، و للعظم أربعة أخماس المائة ثمانين دينارا، فاذا كسي اللحم كانت له مائة كاملة فاذا نشأ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة ان كان ذكرا، و ان كان انثي فخمسمائة دينار...»(2) و غيرها.

2 - و اما ان الحكم المذكور يعمّ ما اذا زاولت الام نفسها عملية

الاسقاط

فباعتبار اطلاق الصحيحة المتقدمة. و تدفع الدية - كما هو واضح - الي الاب.

3 - من احكام القتل و الديات
اشارة

تجب علي القاتل عمدا - مضافا الي الدية لو تمّ التراضي عليها - كفارة الجمع.

ص: 346


1- السلالة: ما استل من الشيء. و تطلق علي النسل و الولد، يقال: هو سلالة طيبة و من سلالة طيبة، اي من نسل طيب.
2- وسائل الشيعة 237:19 الباب 19 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.

و تجب أيضا في القتل الشبيه بالعمد و الخطأ المحض و لكنها مرتبة، فيجب العتق، فان لم يمكن فصيام شهرين متتابعين، فان لم يمكن فاطعام ستين مسكينا.

و الجناية تارة يكون لديتها مقدّر شرعي و اخري لا يكون. و يصطلح علي الاول بالدية و علي الثاني بالارش او الحكومة. و يتمّ تعيين الارش بواسطة الحاكم الشرعي بعد استعانته بذوي عدل.

و دية المرأة نصف دية الرجل في القتل. و اما في غيره فديتها تساوي دية الرجل - فيما اذا كان لها مقدّر شرعي - ما لم تبلغ الثلث و الا رجعت الي نصف دية الرجل.

و من حفر حفيرة فوقع فيها شخص او وضع حجرا فعثر به شخص فجرح او مات فان كان ذلك في ملكه فلا ضمان، و ان كان في الطريق العام ضمن الا اذا كان ذلك لمصلحة العابرين. و الكلام نفسه يأتي في من القي قشر موز او بطيخ و نحو ذلك فزلق بسببه شخص فجرح او مات.

و العاقلة التي يلزمها تحمّل دية الجناية في الخطأ المحض هي عصبة الجاني، اي الرجال المتقربون اليه بالاب، كالاخوة و الاعمام و أولادهم و ان نزلوا. و ليس من العاقلة الصبي و المجنون و المرأة.

و التقسيم علي افراد العاقلة يتم بالتساوي و من دون فرق بين الغني و الفقير و القريب و البعيد.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه تجب علي القاتل عمدا - مضافا الي الدية اذا تمّ

التراضي عليها - كفارة الجمع

فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب.

و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كفارة الدم

ص: 347

اذا قتل الرجل المؤمن متعمدا فعليه ان يمكّن نفسه من اوليائه، فان قتلوه فقد ادّي ما عليه اذا كان نادما علي ما كان منه عازما علي ترك العود. و ان عفا عنه فعليه ان يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا و ان يندم علي ما كان منه و يعزم علي ترك العود...»(1) و غيرها.

2 - و اما ان الكفارة مرتبة في قتل الخطأ بكلا قسميه

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان أيضا: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:... و اذا قتل خطأ ادي ديته الي اوليائه ثم اعتق رقبة فان لم يجد صام شهرين متتابعين فان لم يستطع اطعم ستين مسكينا مدا مدا. و كذلك اذا و هبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه و بين ربه لازمة»(2).

الارش او الحكومة
3 - و اما ان الدية قد لا يكون لها مقدّر شرعي

فيجب دفع ما يصطلح عليه بالارش او الحكومة فهو من المسلمات فانه لا يحتمل عدم ثبوت دية في الموارد التي ليس فيها مقدّر شرعي و الا يلزم اما ذهاب دم المسلم هدرا أو نقصان الإسلام في تشريعه، و كلاهما غير محتمل.

و يمكن استفادة ذلك من النصوص، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... ان عندنا الجامعة. قلت: و ما الجامعة؟ قال: صحيفة فيها كل حلال و حرام و كل شيء يحتاج اليه الناس حتي الارش في الخدش، و ضرب بيده إليّ فقال: أ تأذن يا أبا محمد؟ قلت: جعلت فداك انما انا لك

ص: 348


1- وسائل الشيعة 579:15 الباب 28 من ابواب الكفارات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 559:15 الباب 10 من ابواب الكفارات الحديث 1.

فاصنع ما شئت فغمزني بيده و قال: حتي ارش هذا»(1) ، فان ارش الخدش لم يرد فيه مقدّر شرعي فلا بدّ و ان يكون المقصود الاشارة الي الارش.

و من ذلك صحيحة ابي عبيدة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن أعمي فقأ عين صحيح فقال: ان عمد الاعمي مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله فان لم يكن له مال فالدية علي الامام و لا يبطل حق امرئ مسلم»(2) ، فان التعليل يدل علي ان حق المسلم لا يذهب هدرا حتي فيما لا يكون هناك مقدر شرعي، فلو لم يحكم بالارش يلزم ذهابه هدرا.

و أوضح من ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«دية اليد اذا قطعت خمسون من الابل. و ما كان جروحا دون الاصطلام(3) فيحكم به ذوا عدل منكم»(4).

4 - و اما انه يتم تعيين الارش بواسطة الحاكم الشرعي بعد

الاستعانة بذوي عدل

فيمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة فانها و ان لم تصرح بان المتصدي لتعيين الارش هو الحاكم الا ان ذلك هو المقصود جزما، «فانه لا بدّ من وجود شخص يتصدي هو لتعيين العدول و اتخاذ القرار بعد ذلك. بل من دون افتراض مثل الشخص المذكور يلزم ازدياد المشاكل تعقيدا، و القدر المتيقن من ذلك الشخص هو الحاكم الشرعي. و لا اطلاق في الصحيحة من هذه الناحية ليمكن

ص: 349


1- وسائل الشيعة 271:19 الباب 48 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 65:19 الباب 35 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- الاصطلام: الاستئصال.
4- وسائل الشيعة 299:19 الباب 9 من ابواب ديات الشجاج و الجراح الحديث 1.

التمسك به لا ثبات الاكتفاء بتصدي اي شخص عادل لذلك.

يبقي شيء، و هو ان اي طريق يسلكه العدلان لتعيين الارش؟ ان ذلك لم تتعرض له الروايات. و المعروف في كلمات الاصحاب - كما في الشرائع(1) و غيرها - ان المجروح يفترض مملوكا ثم يقوّم صحيحا تارة و معيبا بالجرح اخري و يؤخذ من دية النفس بحساب التفاوت بين القيمتين.

و لعل الاولي من ذلك ان يقال: ان الحكمين يلحظان اولا الديات المقدّرة شرعا للنفس و الاطراف و غيرهما ثم ينسب غير المنصوص الي المنصوص و يعيّن مقدار الارش في ضوء ذلك حسبما يتوصل اليه اجتهادهما.

دية المرأة
5 - و اما ان دية المرأة نصف دية الرجل في القتل

فلا خلاف فيه بين الاصحاب. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا قتلت المرأة رجلا قتلت به. و اذا قتل الرجل المرأة فان أرادوا القود ادّوا فضل دية الرجل علي دية المرأة و أقادوه بها، و ان لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة. و دية المرأة نصف دية الرجل»(2) و غيرها.

و اما ان دية المرأة في غير القتل تساوي دية الرجل ما لم تبلغ الثلث و الا رجعت الي نصف دية الرجل فتدل عليه صحيحة ابان بن

ص: 350


1- شرائع الإسلام 1045:4، انتشارات استقلال.
2- وسائل الشيعة 59:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 2.

تغلب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل قطع اصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الابل. قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون.

قلت: قطع ثلاثا، قال: ثلاثون. قلت: قطع اربعا، قال: عشرون. قلت:

سبحان اللّه يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون و يقطع اربعا فيكون عليه عشرون! ان هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان فقال: مهلا يا ابان هذا حكم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ان المرأة تعاقل(1) الرجل الي ثلث الدية فاذا بلغت الثلث رجعت الي النصف. يا ابان انك اخذتني بالقياس، و السنة اذا قيست محق الدين»(2) و غيرها من الروايات الكثيرة.

حكم الحفيرة و نحوها
6 - و اما ان من حفر حفيرة او وضع حجرا و وقع او عثر بذلك

شخص فجرح او مات ضمن ان كان ذلك في غير ملكه

فلصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها فقال: عليه الضمان لان كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان»(3) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الشيء يوضع علي الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره

ص: 351


1- كلمة «تعاقل» مشتقة من العقل بمعني الدية - سميت بذلك اما لان من معاني العقل المنع، و الدية تمنع صاحبها من الجرأة علي الجناية او باعتبار ان الدية كانت ابلا تعقل عند ولي المقتول - و المقصود ان المرأة تستحق العقل و هو الدية بمقدار دية الرجل و تساويه في ذلك الي حدّ الثلث.
2- وسائل الشيعة 268:19 الباب 44 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 179:19 الباب 8 من ابواب موجبات الضمان الحديث 1.

فقال: كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه»(1) و غيرهما.

و اما تقييد الضمان بما اذا لم يكن ذلك لمصلحة العابرين فيمكن استفادته من صحيحة الحلبي حيث اخذت قيد الاضرار. و موردها و ان كان وضع شيء لكنه لا مدخلية له جزما فتعم حفر الحفيرة أيضا.

7 - و اما تعميم التفصيل المتقدم لقشر البطيخ و الموز و نحوهما

فلصحيحة الحلبي المتقدمة حيث ان الوارد فيها كلمة «شيء»، و هي مطلقة تشمل ما ذكر. بل ان قوله عليه السّلام: «كل شيء يضر بطريق...» يمكن ان يستفاد منه ذلك أيضا حتي لو قطعنا النظر عن اطلاق كلمة «شيء».

العاقلة
8 - و اما تفسير العاقلة بالعصبة

فهو المعروف في كلمات الفقهاء.

و يمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام:

«قضي امير المؤمنين عليه السّلام علي امرأة اعتقت رجلا و اشترطت ولاءه و لها ابن فالحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه(2) دون ولدها»(3). و قريب من ذلك ما جاء في صحيحة الآخر عن ابي جعفر عليه السّلام: «... فقضي بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا احدث حدثا يكون فيه عقل»(4).

9 - و اما ان العصبة تختص بالمتقربين بالاب

و لا تشمل

ص: 352


1- وسائل الشيعة 181:19 الباب 9 من ابواب موجبات الضمان الحديث 1.
2- المناسب: عنها، كما جاء ذلك عند ذكر الحديث في جواهر الكلام 415:43.
3- وسائل الشيعة 52:16 الباب 39 من ابواب العتق الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 53:16 الباب 40 من ابواب العتق الحديث 1.

المتقربين بالام فهو المشهور بين الاصحاب. و وجهه: ان ذلك هو معني العصبة لغة كما تقدمت الاشارة الي ذلك سابقا(1).

10 - و اما ان الصبي و المجنون ليس من العاقلة

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه حديث رفع القلم حتي بناء علي اختصاصه بقلم التكليف، فان ثبوت الدية علي العاقلة تكليف محض و من البعيد ان يكون حكما وضعيا.

و اما ان المرأة ليست من العاقلة فباعتبار اختصاص العاقلة لغة بالذكور.

11 - و اما ان التقسيم يتم بالتساوي

فباعتبار ان ما دلّ علي كون الدية علي العاقلة يدل بنفسه علي ذلك، فان التقسيط بشكل آخر يحتاج الي دليل، و هو مفقود.

و قيل: ان امر التقسيم بيد الامام عليه السّلام أو نائبه.

و قيل: ان علي الغني نصف دينار و علي الفقير ربعه.

و كلاهما لا دليل عليه. و المناسب ما تقدم.

12 - و اما عدم الفرق بين الغني و الفقير

فلعدم الدليل علي الاختصاص بالغني. اجل اذا كان الفقير عاجزا عن الدفع اختص العقل بغيره لان ثبوت الدية علي العاقلة - كما تقدم - تكليف محض، و هو لا يعم العاجز.

13 - و اما عدم اختصاص العقل بالقريب

فلأن لفظ العاقلة يشمل البعيد أيضا، و لا دليل علي التقييد.

ص: 353


1- لاحظ مبحث العول و التعصيب من كتاب الارث.

تمّ بتوفيق اللّه سبحانه و رعاية حجّته في ارضه - روحي و ارواح العالمين له الفداء - كتابي هذا الموسوم ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي» في مدينة قم المشرّفة جوار كريمة اهل البيت عليهم السّلام السيدة فاطمة المعصومة عليها و علي آبائها الكرام افضل التحية و السلام في صباح يوم الاثنين 27 /صفر المظفر/ 1419 ه. و كان آخر ما كتبته كتاب الانفال و المشتركات.

اللهم اني اشكرك علي هذه النعمة و علي جميع نعمك عليّ و أسألك بحق محمد و آل محمد صلّي اللّه عليه و آله ان تجعله موردا لاستفادة اخوتي الاعزاء طلبة الحوزات العلمية انك كريم جواد سميع الدعاء.

باقر الايرواني

ص: 354

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.