حياة الإمام المنتظر (عج) المصلح الأعظم: دراسة و تحليل

اشارة

حياة الإمام المنتظر (عج) المصلح الأعظم: دراسة و تحليل

نويسنده: باقر شريف قرشي

ناشر : دارالجواد الائمه عليهم السلام - بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدمات

تصدير

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ

الأنبياء 21:105

وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضيٰ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً

النور 24:55

ص: 5

ص: 6

الأهداء

إلي صانع الحضارة الإنسانيّة القائمة علي توحيد اللّه.

إلي محرّر إرادة الإنسان و فكره.

إلي خاتم الأنبياء،و سيّد الكائنات،الرسول محمّد صلّي اللّه عليه و اله.

أرفع هذه الدراسة عن خاتم أوصيائه،و محيي دينه،و مجدّد رسالته،

الأمام المهديّ الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، راجيا التفضّل عليّ بالقبول،لأعدّه ذخرا يوم ألقي اللّه تعالي

المؤلّف

ص: 7

ص: 8

كلمة المحقّق

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الإمام النتظر عجّل اللّه فرجه الشريف حجّة اللّه في الأرض،و شبيه أنبياء اللّه العظام،حيث اتّفقت جميع الأديان علي ظهوره كمصلح عظيم يشيع العدل و الأمن و الرخاء،و يرفع راية الحقّ في جميع أنحاء الأرض، و ينقذ الإنسانيّة المروّعة بالويلات و المصائب.

نعم،سيتحقّق ذلك بإذن اللّه تعالي بعد وصول البشريّة إلي حالة من العجز و الفشل في تحقيق العدالة و الأمن للعالم.

إنّ فكرة الإمام المهدي عليه السّلام فكرة إسلاميّة عقائديّة مقدّسة تهدّد مستقبل الظالمين باعتراف جميع المذاهب الإسلاميّة،فعلي جميع الأجيال الإسلاميّة الاهتمام و التعلّق بها.

فالإمام عليه السّلام حقيقة مضيئة لا بدّ أن يظهر علي مسرح الحياة،فيضيء آفاق الكون بسيرته العادلة و تطبيقه منهج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله.

لذا فلا بدّ للمؤمن في هذه الفترة من انتظار الفرج،و الانتظار من العقائد الراسخة و من المفاهيم الإسلاميّة التي أكّدت عليها الأحاديث، من ذلك قول الإمام الصادق عليه السّلام:«من سرّه أن يكون من أصحاب القائم

ص: 9

فلينتظر و ليعمل بالورع و محاسن الأخلاق و هو منتظر».

كما أنّ علي المؤمنين جميعا الدعاء للإمام عليه السّلام و دوام ذكره عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف.

و بعد ذلك لا يسعني إلاّ أن أحمد اللّه عزّ و جلّ علي ما وفّقني إليه من مراجعة نصوص الكتاب و مصادره ليخرج في طبعته الجديدة هذه بأفضل حلية.

و في الختام أتقدّم بجزيل الشكر و التقدير للحاج ناهي عبد الرضا هلول لمساهمته في طبع الكتاب ليهدي ثواب ذلك إلي روح والدته و أخيه الشهيد سائلا اللّه عزّ و جلّ أن يوفّقه لكلّ مسعي نبيل.

إنّه وليّ التوفيق

مهدي باقر القرشي

/1ذي القعدة1427/ ه

ص: 10

بين يديك

أيّها المصلح العظيم

سيّدي!تتطلّع الدنيا لمقدمك السعيد؛لترفع راية العدل عالية خفّاقة،و تنشر الأمن و الرخاء علي جميع شعوب العالم و امم الأرض،و تنقذ الإنسان من ويلات الظالمين،و كوارث الإرهابيّين،و تطوي أجهزة السياسة الرعناء التي استحلّت ما حرّم اللّه،و كفرت بحقوق الإنسان،و أحالت الأرض إلي جحيم، و صرفت أموال الشعوب علي صنع الأسلحة المبيدة،التي تهلك الحرث و النسل،في حين أنّ ملايين البشر يموتون جوعا.

سيّدي!يا أمل المحرومين و المعذّبين في الأرض!إليك ترنو أبصارهم،و بك تعلّقت آمالهم،لتنقذهم من واقعهم المرير، و تقيم في ربوعهم العدالة الاجتماعيّة،و توزّع عليهم خيرات اللّه،فلا يبقي في ظلال حكمك العادل أحد ينهش جسمه الجوع و الحرمان،و إنّما يعيش الجميع-كما يريد اللّه-برفاهيّة و نعيم و رخاء،لا ترهقهم ذلّة،و لا يخافون دركا،و لا يخشون ظالما.

سيّدي!لقد انهارت الأخلاق،و أقبرت الفضائل،و هبط الإنسان إلي مستوي سحيق ما له من قرار،فقد انعدم الصدق، و ساد الكذب،و عمّ النفاق،و تلاشت الروابط الاجتماعيّة، و لم يعد الإنسان كما يريده اللّه تعالي خليفة في الأرض؛يسير

ص: 11

بالحقّ،و يحكم بالعدل..و ها هي البشريّة تترقّب طلوعك، و تتلهّف إلي حكمك لتنقذها من هذا الانهيار المخيف الذي ينذر بإعادة شريعة الغاب.

سيّدي!لقد جمّدت أحكام الإسلام،و عطّلت حدوده، و لم يبق إلاّ اسمه،و ها هو يعجّ إليك لتحيي آثاره،و تقيم معالمه، و تعيد آياته،حتّي تزدهر الدنيا بعدله،و يأمن الخائفون،و يسعد المستضعفون بحكمه.

ص: 12

تقديم

1- نحن أمام أمل الإنسانيّة المعذّبة التي فتكت بها الحروب...

نحن أمام أمل الإنسانيّة المعذّبة التي فتكت بها الحروب،و دمّرتها أطماع المستعمرين،فهي تتطلّع إلي منقذها العظيم؛ليقيم فيها حكم اللّه تعالي الذي لا غني فيه لأحد و لا استغلال و لا تميّز لقوم علي آخرين.

نحن أمام العدل الصارم الذي يمحو الظلم و الجور،و يسحق الاستعباد،و يشيع الفضيلة و الرحمة و المواساة،و يبسط الإيثار و المودّة بين الناس،فلا ظلّ في حكمه لأي قوي تعبث بالحياة،أو تعيث فسادا في الأرض.

نحن أمام العدل المنتظر الذي هو هبة اللّه،و نعمته الكبري علي الناس،و الذي يملأ قلوب البؤساء و المحرومين رجاء و رحمة،و يوزّع عليهم خيرات اللّه.

نحن أمام قائم آل محمّد عليه السّلام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام الذي أعدّه اللّه تعالي لإصلاح العالم،و تغيير مناهج الأنظمة الفاسدة السائدة فيه،و التي هبطت بالإنسان إلي مستوي سحيق ما له من قرار.

لقد أعدّ اللّه تعالي الإمام المهدي عليه السّلام للقيام بأداء أعظم رسالة إصلاحيّة،فهو الذي يملأ الدنيا قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا.

لقد اختاره اللّه لهذه المهمّة من بين أوليائه؛لأنّه من أصفي الناس طبعا،و من أرقّهم

ص: 13

قلبا،و من أنفذهم بصيرة،و من أكثرهم نكرانا للذات،فهو من أهل بيت زكّاهم اللّه، و أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

2-إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام فهو من أبرز القضايا الإسلاميّة وضوحا...

إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام فهو من أبرز القضايا الإسلاميّة وضوحا،و من أكثرها جلاء، فقد بشّر به الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله-الذي لا ينطق عن الهوي-و كذلك بشّر به أئمّة الهدي عليهم السّلام-الذين هم خزنة علم الرسول،و سدنة حكمته-و ليست أخبارهم به أخبار آحاد قابلة للطعن و التشكيك و التجريح في سند رواتها،و إنّما هي أخبار متواترة، قد حازت الدرجة القطعيّة،و صدّقها أئمّة الحديث،و آمن بها الحفّاظ،مجمعين علي تدوينها في السنن و الصحاح،حتّي صار التشكيك فيها تشكيكا في ضرورة من ضروريّات الدين،و قد نقل الرواة عن النبيّ الأكرم صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«من أنكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل علي محمّد صلّي اللّه عليه و اله» (1).

3-إنّ العقل السليم يؤمن بصورة مطلقة بوجود الإمام المنتظر عليه السّلام و...

إنّ العقل السليم يؤمن بصورة مطلقة بوجود الإمام المنتظر عليه السّلام و بحتميّة ظهوره، فإنّه أمر ممكن عقلا لم يقم أي دليل علمي علي امتناعه و استحالته،فإنّ جميع ما أثير حوله من شبه و أوهام لا تلبث أن تتلاشي أمام الفيض العارم من الأخبار الصحيحة التي أثرت عن نبيّ الإسلام و أوصيائه العظام،و هي تعلن بوضوح و صراحة عن حتميّة ظهوره علي مسرح الحياة ليبدّد الظلم و الجور،و يعيد للإسلام بهجته و نظارته، و بالإضافة إلي تلك الأخبار فإنّ هناك إجماعا عالميّا من الأديان السماويّة و المذاهب

ص: 14


1- عقد الدرر:23.فرائد السمطين:334/2،الحديث 585.أعيان الشيعة:431/4.

الاجتماعيّة،علي ظهور مصلح اجتماعي يقيم الحقّ،و يحكم بالعدل،و لا يدع ظلاّ للغبن و الظلم بين الناس،و أنّ حكمه هو أسمي ما تحلم به البشريّة من التطوّر و التقدّم و الازدهار في جميع أدوارها.

4-و إذا عرضنا قصّة الإمام المهدي عليه السّلام بجميع مفرداتها و شؤونها...

و إذا عرضنا قصّة الإمام المهدي عليه السّلام بجميع مفرداتها و شؤونها علي ضوء البحوث الفلسفيّة،لوجدناها ضروريّة لا غني عن الالتزام و الإيمان بها؛لأنّ للّه تعالي فيضا متّصلا و مستمرا علي عباده لا ينقطع و لا يتخلّف،فقد أفاض عليهم الوجود بعد العدم،و خلقهم بأحسن تقويم،و فضّلهم علي كثير ممّن خلق تفضيلا،و أمر ملائكته بالسجود لأبيهم آدم،و سخّر لهم الشمس و القمر،و أمدّهم بجميع ما يحتاجون إليه.

و إنّ من عظيم عنايته و ألطافه تعالي علي عباده انتشالهم من الضلالة و الضياع، فقد بعث إليهم أنبياءه العظام،كإبراهيم و موسي و عيسي و محمّد صلوات اللّه عليهم، في وقت كانت البشريّة غارقة في الآثام و الموبقات.يقول اللّه تعالي: وَ كُنْتُمْ عَليٰ شَفٰا حُفْرَةٍ مِنَ النّٰارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهٰا (1).

و وصف الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الظروف العصيبة التي رافقت بعثة الرسول محمّد صلّي اللّه عليه و اله بقوله:«أرسله علي حين فترة من الرّسل،و طول هجعة من الأمم،و اعتزام من الفتن،و انتشار من الأمور،و تلظّ من الحروب،و الدّنيا كاسفة النّور،ظاهرة الغرور؛علي حين اصفرار من ورقها،و إياس من ثمرها» (2).

و كذلك يكون خروج الإمام قائم آل محمّد عليه السّلام في الظروف العصيبة التي تجتازها

ص: 15


1- آل عمران 3:103.
2- نهج البلاغة:156/1 و 157.

الإنسانيّة،و هي مروعة بالويلات و الكوارث،فينقذها اللّه بالمصلح العظيم الذي يشيع في أرجائها الأمن و الرخاء،و ينشر العدل و المساواة،و غيرها من القيم الكريمة التي تتطلّع إليها الإنسانيّة.

5-و موضوع الإمام المنتظر عليه السّلام بجميع شؤونه؛ولادة و اختفاء و ظهورا،يشبه...

و موضوع الإمام المنتظر عليه السّلام بجميع شؤونه؛ولادة و اختفاء و ظهورا،يشبه أنبياء اللّه العظام؛دعاة الإصلاح الاجتماعي في الأرض،فهو يشبه نبيّ اللّه موسي بن عمران عليه السّلام في خفاء حمله و ولادته،فقد وضع الطاغية فرعون الرقباء من النساء علي كلّ مولود يولد في مملكته،فإن كان ذكرا أمر بقتله،و إن كان أنثي عفا عنها؛لأنّ الكهنة قد أخبروه بزوال ملكه علي يد فتي يولد في ذلك العصر،و كذلك الإمام المنتظر عليه السّلام فقد أخفي اللّه حمله و ولادته خوفا عليه من طغاة بني العبّاس،فقد أحاطوا دار أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بقوي مكثّفة من الأمن نساء و رجالا للتعرّف علي ولادة وليده الإمام المنتظر،الذي بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله بأنّه آخر خلفائه،فقد أيقن العبّاسيّون بزوال ملكهم علي يده،فحاولوا جاهدين إلقاء القبض عليه و قتله،كما قتلوا آباءه من قبل.

و كذلك شابه الإمام المنتظر عليه السّلام السيّد المسيح عيسي بن مريم عليه السّلام في نطقه بعد ولادته،فقد أشارت إليه السيّدة أمّه أن يكلّم القوم الذين أحاطوا بها بعد ولادته، فأنطقه اللّه قائلا: إِنِّي عَبْدُ اللّٰهِ آتٰانِيَ الْكِتٰابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا* وَ جَعَلَنِي مُبٰارَكاً أَيْنَ مٰا كُنْتُ وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلاٰةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا (1).

و كذلك الإمام المنتظر بعد ولادته تلا الآية الكريمة: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ (2).

ص: 16


1- مريم 19:30 و 31.
2- القصص 28:5.

و كما شابههم في هذه المظاهر الكريمة،فقد شابههم فيما هو أهمّ منها،و هي قيامه بتغيير الأوضاع الاجتماعيّة،و بلورة الفكر الإنساني،و تدميره للظلم و الطغيان.إنّه يقوم بالدور نفسه الذي قام به أنبياء اللّه عليهم السّلام،و يحطّم الجور،و يقضي علي الظلم، و يبسط العدل و الحقّ و الإخاء بين الناس.

6-لا أعتقد أنّ بحثا من البحوث الإسلاميّة قد نال اهتمام العلماء...

لا أعتقد أنّ بحثا من البحوث الإسلاميّة قد نال اهتمام العلماء كموضوع الإمام المنتظر عليه السّلام،فقد بحث من جميع جوانبه و وجهاته علي ضوء الكتاب و السنّة،و قد انبري جمع حاشد من العلماء إلي التأليف في شؤونه،و علامات ظهوره.

و من الجدير بالذكر أنّ الذين ألّفوا فيه من علماء السنّة أكثر من علماء الشيعة، و سنذكر في مظانّ هذا الكتاب قائمة بأسماء بعض تلك الكتب التي تزيد علي خمسين كتابا،حتّي صار التشكيك في أمره شكّا في البديهيّات التي لا يقرّها فيها العقل و لا العرف.

و علي أيّة حال،فإنّ من سخف القول،و ضحالة الفكر إنكار الإمام المهدي عليه السّلام، و أمّا جحود(ابن خلدون)و(المجوسي الكسروي)و(أحمد أمين المصري)،فإنّما هو لعدائهم الآثم،و حقدهم البالغ لأئمّة أهل البيت عليهم السّلام،فقد تحاملوا عليهم في جميع ما كتبوه عنهم،و قد استخفّ بهم القرّاء،و لم يعد لما كتبوه عنهم أي وزن علمي بها.

7-و اتّهمت الشيعة في غير إنصاف،و ألصقت بها أكاذيب سخيفة في شأن عقيدتها بالإمام المنتظر عليه السّلام...

و اتّهمت الشيعة في غير إنصاف،و ألصقت بها أكاذيب سخيفة في شأن عقيدتها بالإمام المنتظر عليه السّلام،فقد قالوا:إنّها تعتقد أنّ الإمام غاب في السرداب الكائن في بيته في(سامرّاء)،و أنّهم يتوقّعون خروجه منه،و قالوا أيضا:إنّهم يأتون إلي سرداب

ص: 17

خاصّ في بابل يترقّبون خروجه منه،إلي غير ذلك في سخف القول و أباطيله.

إنّ عقيدة الشيعة في الإمام المنتظر عليه السّلام،بل و في غيره من مجالاتها العقائديّة،نقيّة مشرقة كالشمس،مشتقّة من صميم الإسلام،و مأخوذة من أئمّة الهدي الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و لم تؤخذ-و الحمد للّه-من كذّاب و وضّاع و منحرف عن دينه،و ليس في جميع بنودها شذوذ و لا انحراف،و لا خروج عن سنن الكون،و نواميس الطبيعة،و هي تواكب المنطق و الفطرة،و تساير المجتمعات الإنسانيّة في جميع عصورها.

إنّ الشيعة تعتقد بأنّ الإمام المنتظر-سلام اللّه عليه-قد غاب عن أبصار السلطة التي كانت تراقبه كأشدّ ما تكون المراقبة لتصفيته جسديّا،فغيابه عن الظالمين كغياب جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله عن أبصار قريش حينما أحاطت بداره لقتله،فخرج من بين أيديهم إلي يثرب،و أناب مكانه في فراشه وصيّه و باب مدينة علمه،الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و القوم لا يشعرون.

و تعتقد الشيعة اعتقادا صريحا بأنّ الإمام المنتظر عليه السّلام لا يظهر من السرداب الذي في(سامرّاء)و لا غاب فيه،و إنّما يظهر في وضح النهار في(مكّة المكرّمة)،و في الكعبة المشرّفة،كما ظهر من تلك البقعة المقدّسة جدّه الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله، و سنتحدّث عن هذه الجهة في غضون هذا الكتاب.

8-و تسأل الناس عن الحكمة من غياب الإمام المنتظر عليه السّلام

و تسأل الناس عن الحكمة من غياب الإمام المنتظر عليه السّلام الغيبة الكبري،و حجبه عن الالتقاء بشيعته و غيرهم،و عدم اشتراكه بأي عمل إيجابي في مجريات الأحداث العالميّة و غيرها،و فيما أحسب أنّ العلّة الحقيقيّة في ذلك قد أخفاها اللّه علي عباده كما أخفي ليلة القدر،و يوم القيامة،و الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة،

ص: 18

و ماهيّة الروح و حقيقتها،و حمل نبيّه موسي بن عمران و ولادته؛و غيابه عليه السّلام من هذا القبيل،و كذلك ظهوره.

و من المؤكّد أنّ الإنسان أقصر ذهنيّا من أن يحيط بحكم الخالق العظيم في تصرّفاته و شؤونه،فهو الذي أبدع تكوين الأشياء،و وضع لها ما يدبّرها من الأنظمة و القوانين التي نجهلها،و للّه تعالي في خلقه حكم بالغة يفهمها الناس حينا،و يقصرون عن فهمها في كثير من الأحيان.

9-لا أكاد أعرف أمرا اهتمّ به الكثيرون من الناس كاهتمامهم بمعرفة علامات ظهور

لا أكاد أعرف أمرا اهتمّ به الكثيرون من الناس كاهتمامهم بمعرفة علامات ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام،و ترقّب خروجه،و فيما أحسب أنّ اهتمامهم البالغ بذلك يعود إلي سأمهم و تذمّرهم من الأنظمة الوضعيّة التي يعيشونها،فقد جرت عليهم المآسي و الويلات،و أغرقت العالم بالفتن و الخطوب،فهم يتشوّقون إلي حكم اللّه الذي يحقّق لهم العدل السياسي و العدل الاجتماعي،و ينقذهم من جور الظالمين و بطش المستبدّين.

لقد ألقت الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و عن أئمّة الهدي عليهم السّلام الأضواء علي كثير من علامات ظهوره عليه السّلام،و التي منها:انهيار الأخلاق،و انعدام الروابط الاجتماعيّة،و فقدان التماسك بين أفراد الأسرة الواحدة،و تخلّي الناس عن تعاليم أديانهم،بحيث يصير المجتمع في سلوكه قريبا من المجتمع الجاهلي،فلا أمر بمعروف،و لا نهي عن منكر،و لا تواصل،و لا توادد،و يصير المسلمون بأقصي مكان من الذلّ و الهوان،تتكالب عليهم الأمم تغصب ثرواتهم،و تتحكّم في قضاياهم و مصيرهم،و يكونون كأعصاب خالية من الروح و الاحساس،و يعرض هذا الكتاب إلي إعطاء صورة متميّزة عن علامات ظهوره عليه السّلام حسب ما نطقت به الأخبار.

ص: 19

10-و من بحوث هذا الكتاب إعطاء لمحة من صفات الإمام المهدي عليه السّلام

و من بحوث هذا الكتاب إعطاء لمحة من صفات الإمام المهدي عليه السّلام،و بعض عناصره النفسيّة؛التي هي-من دون شكّ-امتداد لذاتيّات آبائه و أجداده العظام الذين هم مصدر خير و رحمة و فيض علي الناس علي اختلاف قوميّاتهم و أجناسهم،و من أبرز صفاتهم أنّهم كانوا قوّة ضاربة و قاهرة للطغاة و الظالمين.

يقول سيّد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«الذّليل عندي عزيز حتّي آخذ الحقّ له،و القويّ عندي ضعيف حتّي آخذ الحقّ منه» (1).

و هذه النزعة الكريمة ماثلة بأسمي صورها عند حفيده الإمام المنتظر عليه السّلام،فإنّه -حسبما تواترت به الأخبار-إذا أشرقت الدنيا بظهوره يقوم ببسط العدل،و تدمير الظلم،و يبني مراكز للمساواة و الإنصاف بين الناس،و يطيح بعروش الطغاة الذين أقاموا عروشهم علي الظلم و الطغيان.

11-و يعرض هذا الكتاب إلي ما لاقاه السادة العلويّون و شيعتهم من صنوف التنكيل...

و يعرض هذا الكتاب إلي ما لاقاه السادة العلويّون و شيعتهم من صنوف التنكيل و الاضطهاد من حكّام عصورهم،فقد قابلوهم بمنتهي القسوة و البطش،فقد وضع العبّاسيّون العلويّين و هم أحياء في جدران البيوت،و أقاموا عليهم البناء،كما ألقوا أطفالهم في حوضي دجلة و الفرات،و كان وزراؤهم يتقرّبون إليهم في أيّام الأعياد بتقديم رؤوس العلويّين هدايا لهم،أمّا ما لاقته شيعتهم و محبّوهم من العناء و القهر و الظلم فلا يوصف لمرارته و قسوته.

ص: 20


1- نهج البلاغة:89.

و فيما أحسب أنّ ما عاناه العلويّون من الجور أيّام الحكم العبّاسي هو من أهمّ الأسباب في اختفاء الإمام المنتظر عليه السّلام في أيّام حياة أبيه الحسن العسكري عليه السّلام،و بعد وفاته عليه السّلام فقد بذلت السلطة العبّاسيّة قصاري جهودها للبحث عنه لاعتقاله و تصفيته جسديّا،معتقدين أنّ زوال ملكهم علي يده،و سنعرض صورة في ذلك.

12-و من بحوث هذا الكتاب تحديد الزمان الذي يظهر فيه الإمام المنتظر عليه السّلام

و من بحوث هذا الكتاب تحديد الزمان الذي يظهر فيه الإمام المنتظر عليه السّلام حسبما دلّت عليه الروايات،و كذلك تحديد المكان الذي ينطلق منه صوت الحقّ،و هو مكّة المكرّمة،و في البيت الحرام الذي فرض اللّه تعالي حجّه علي العباد.

كما أنّ من محتويات هذا الكتاب بيان سياسة الإمام عليه السّلام،و منهج حكمه إذا ظهر، فإنّه يشيع الأمن و الرخاء و الاستقرار بين الناس،و يريهم من صنوف العدل ما لم يشاهدوه في جميع فترات التاريخ.

و من بنود هذا الكتاب البحث عن أصحابه،و ما يتمتّعون به من القابليّات الفذّة التي تجعلهم في طليعة المجاهدين و العظماء،الذين يستعين بهم الإمام عليه السّلام علي ما يتبنّاه من نشر المبادئ الكريمة التي تسمو بالحياة الإنسانيّة.هذه بعض مواد بحث الكتاب،و قد ألمحنا لها بإيجاز.

13-و قبل أن أقفل هذا التقديم أري من الحقّ أن أعلن أنّ هذا الكتاب لا يحكي إلاّ صورة موجزة عن حياة هذا الإمام الملهم العظيم

و قبل أن أقفل هذا التقديم أري من الحقّ أن أعلن أنّ هذا الكتاب لا يحكي إلاّ صورة موجزة عن حياة هذا الإمام الملهم العظيم،الذي أعدّه اللّه لإصلاح الدنيا،و إقامة

ص: 21

ما اعوجّ من نظام الدين،لا أقول ذلك تصنّعا أو تواضعا أو غلوّا،و إنّما الواقع الذي يمليه عليّ،فإنّ سيرة هذا الإمام و سيرة آبائه،و حياته و حياتهم،إنّما هي صورة كاملة لحياة جدّهم الرسول العظيم صلّي اللّه عليه و اله،و امتداد لذاتيّاته،و هو صلّي اللّه عليه و اله قد ملأ فم الدنيا بفضائله و علومه،و لا يحيط بكنهه و الكشف عن واقعه أي كتاب،فكذلك أوصياؤه و سدنة علمه و حكمته.

مكتبة الأمام الحسن العامّة النّجف الأشرف

/1ذي القعدة1415/ ه

باقر شريف القريشي

ص: 22

مشرق النور

اشارة

و قبل الحديث عن ولادة المصلح العظيم الإمام المنتظر عليه السّلام،أمل الإنسانيّة و زعيمها،نعرض بإيجاز إلي الأصول الكريمة التي تفرّع منها هذا النور الذي سيضيء جميع آفاق الكون،و يبدّد ظلمات الجهل،و يقضي علي عناصر البغي و الشرّ و الفساد في الأرض،و فيما يلي ذلك:

الأب

أمّا أبو الإمام المنتظر عليه السّلام فهو الإمام الحادي عشر من أئمّة الهدي عليهم السّلام الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،الذي هو من مصادر الفكر و الوعي في دنيا الإسلام،و من سادات المتّقين و المنيبين إلي اللّه تعالي،و هو-بإجماع المؤرّخين-أعظم شخصيّة إسلاميّة فذّة في عصره،و لقد كان الزعيم المطلق للجبهة المعارضة و المعادية للحكم العبّاسي الذي بني علي الظلم و الجور،و تنكّر لحقوق الناس،و قد تعرّض الإمام للسجن و الاضطهاد،و فرضت عليه السلطة الإقامة الجبريّة في(سامرّاء)،و منعت شيعته منعا باتّا من الاتّصال به.و قد بحثنا عن سيرته و شؤونه في كتابنا(حياة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام)،و سنشير إلي بعض شؤونه في البحوث الآتية.

الأمّ

اشارة

أمّا أمّ الإمام المنتظر عليه السّلام فيرجع نسبها إلي أعظم شخصيّة في الروم-حسبما صرّح

ص: 23

به بعض الرواة-فهي بنت(يشوع)الذي ينتهي نسبه إلي قيصر ملك الروم،كما أنّ أمّها ينتهي نسبها إلي(شمعون)الذي هو أحد أوصياء السيّد المسيح و من حواريه (1).

و كانت هذه السيّدة الزكيّة من سيّدات نساء المسلمين في عفّتها و إيمانها و طهارتها،و يكفيها سموّا و فخرا أنّها كانت وعاء لأعظم مصلح اجتماعي في التاريخ بعد أجداده العظام.

و كانت تقابل في بيت زوجها الإمام الحسن عليه السّلام بمنتهي الحفاوة و التكريم؛و ذلك لما تتمتّع به من سموّ الذات،و محاسن الصفات،كما كانت السيّدة الجليلة عمّة الإمام تجلّها و تعظّمها،فقد أحاطها الإمام علما بأنّ الإمام المنتظر سيكون منها (2).

اسمها الشريف

و نقل الرواة أسماء كريمة لهذه السيّدة الزكيّة المعظّمة كانت تسمّي بها،و هي:

1-سوسن (3).

2-ريحانة (4).

3-نرجس (5).

4-صيقل (6).

ص: 24


1- بحار الأنوار:7/51.
2- بحار الأنوار:10/51.
3- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول:143/2،ذكرها باسم:صقيل.
4- بحار الأنوار:15/51.
5- وفيات الأعيان:176/4.الإرشاد:339/2.
6- شرح أصول الكافي:228/6.روضة الواعظين:266.وسائل الشّيعة:253/12.كمال الدين:417.

5-خمط (1).

و إنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّها قد اعتراها النور و الجلاء بسبب حملها بالإمام المهدي عليه السّلام (2).

الثناء عليها

و أثرت عن أئمّة الهدي عليهم السّلام كوكبة من الأحاديث في الثناء علي هذه السيّدة الزكيّة و الإشادة بها،و من بينها هذه الأخبار:

1-خطب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بعد انتهائه من حرب الخوارج في(النهروان)، و قد أدلي في خطابه ببعض الملاحم،و عرض عليه السّلام موضوع خروج المهدي عليه السّلام، و قد أثني علي السيّدة الكريمة أمّه،قال:

«يابن خيرة الإماء،متي تنتظر؟أبشر بنصر قريب من ربّ رحيم» (3).

2-روي أبو بصير،قال:«قلت لأبي عبد اللّه:يابن رسول اللّه،من القائم منكم أهل البيت؟

فقال:يا أبا بصير،هو الخامس من ولد ابني موسي،ذلك ابن سيّدة الإماء،يغيب غيبة يرتاب فيه المبطلون،ثمّ يظهره اللّه عزّ و جلّ فيفتح اللّه علي يده مشارق الأرض و مغاربها...» (4).

3-روي محمّد بن عصام بسنده عن أبي بصير،عن الإمام أبي جعفر-أو الإمام

ص: 25


1- بحار الأنوار:24/51.وفيات الأعيان:176/4.
2- كمال الدين:397/2.
3- ينابيع المودّة:434/3.
4- كمال الدّين:345/2.

أبي عبد اللّه عليهما السّلام-أنّه قال:

«بالقائم علامتان:شامة في رأسه،و شامة بين كتفيه مثل ورقة الآس،ابن سبيّة و ابن خيرة الإماء» (1).

و كثير من أمثال هذه الأحاديث قد أثرت عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و هي تشيد بمكانة هذه السيّدة الكريمة،و لا يضرّ بسموّ منزلتها أنّها أمّة،فقد هدم الإسلام الحواجز بين البشر،و اعتبر التمايز بالتقوي و طاعة اللّه تعالي لا بغيرها.

الوليد المبارك

و أشرقت سماء الدنيا بالوليد العظيم،و المصلح الأكبر الذي يعيد للإسلام بهجته و نعمته علي الناس،و ينقذ الإنسان من ظلمات الجور و الطغيان،و كان من عظيم ألطاف اللّه عليه و عنايته به أن أخفي حمله و ولادته كما أخفي ولادة نبيّه موسي بن عمران عليه السّلام.

فقد روي المؤرّخون أنّ الإمام الزكي الحسن العسكري عليه السّلام دعا عمّته السيّدة الجليلة حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد عليه السّلام،و هي من العلويّات العابدات التي تضارع جدّتها سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام في عفّتها و طهارتها،فلمّا مثلت عنده قابلها الإمام العسكري عليه السّلام بمزيد من الحفاوة و التكريم و قال لها:

«يا عمّة،اجعلي اللّيلة إفطارك عندي،فإنّ اللّه عزّ و جلّ سيسرّك بوليّه و حجّته علي خلقه،خليفتي من بعدي».

و غمرت السيّدة حكيمة موجات من الفرح و السرور،و التفت إلي الإمام قائلة:

«جعلت فداك،يا سيّدي،الخلف ممّن؟».

ص: 26


1- الغيبة/النعماني:216،الحديث 5 و:229،الحديث 10.

فقال لها الإمام:«من سوسن» (1).

و نظرت السيّدة حكيمة إلي سوسن فلم تر عليها أثرا للحمل،فقالت للإمام العسكري عليه السّلام:«إنّها غير حامل».

فتبسّم عليه السّلام و قال لها:«إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل،فإنّ مثلها مثل أمّ موسي لم يظهر بها الحبل،و لم يعلم بها أحد إلي وقت ولادتها؛لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالي في طلب موسي،و هذا نظير موسي» (2).

و قامت السيّدة حكيمة من عند الإمام العسكري عليه السّلام،فلمّا حان وقت صلاة المغرب و العشاء أدّت الصلاتين،ثمّ تناولت الإفطار مع السيّدة سوسن،و بعد ذلك عمدت إلي فراشها فنامت،ثمّ استيقظت و نظرت إلي سوسن فلم تر عليها أثر الولادة،و لمّا حلّ الهزيع الأخير من الليل نهضت فأدّت صلاة الليل،و حينما بلغت الركعة الأخيرة و هي صلاة الوتر،و ثبت السيّدة سوسن و هي فزعة،فأدّت صلاة الليل،و بعد الفراغ منها أحسّت بالطلق،و بادرت نحوها السيّدة حكيمة قائلة:

هل تحسّين شيئا؟

فأجابتها بفزع و اضطراب:إنّي لأجد أمرا شديدا.

و قابلتها السيّدة حكيمة بعطف و حنان قائلة:لا خوف عليك إن شاء اللّه.

و لم يمض قليل من الوقت حتّي ولدت سوسن وليدها العظيم،الذي سيطهّر الأرض من رجس الطغاة و جور المستبدّين،و يقيم حكم اللّه في الأرض.

و فرح الإمام الحسن الزكي كأشدّ ما يكون الفرح بوليده المبارك،و جعل يردّ مقالة الظالمين من حكّام بني العبّاس الذين زعموا أنّهم سيقتلونه و يحرمونه من النسل،1.

ص: 27


1- بحار الأنوار:17/51.
2- بحار الأنوار:13/51.

قائلا:«زعم الظّلمة أنّهم يقتلوني؛ليقطعوا هذا النّسل،فكيف رأوا قدرة اللّه؟!» (1).

مراسيم الولادة

و حملت السيّدة حكيمة الوليد العظيم إلي أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، فاستقبله بمزيد من الابتهاج و السرور،و أجري عليه مراسيم الولادة الشرعيّة،فأذّن في أذنه اليمني،و أقام في أذنه اليسري،فكان أوّل صوت يخترق سمعه:اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه.

لقد غذّاه بهذه الكلمات التي هي سرّ الوجود،و أنشودة الأنبياء،و قد ملأت قلبه،و سرت في عواطفه و مشاعره،و نطق الوليد كما نطق قبله عيسي بن مريم، نطق عليه السّلام بالآية الكريمة: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ* وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا مِنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ (2).

لقد ولد وليّ اللّه و حجّته علي عباده بهذه الصورة من الخفاء و الكتمان خوفا عليه من السلطة العاتية،التي كانت تراقبه كأشدّ ما تكون المراقبة لتقضي عليه.

و تناولت السيّدة حكيمة الوليد المبارك فقبّلته و قالت:شممت منه رائحة طيّبة ما شممت قطّ أطيب منها،و أخذه الإمام العسكري عليه السّلام من يدها ثانية،و قال:

«أستودعك الّذي استودع أمّ موسي،كن في دعة اللّه و ستره و كنفه و جواره».

و خاطب الإمام عمّته قائلا:«ردّيه إلي أمّه،و اكتمي خبر هذا المولود، و لا تخبري به أحدا حتّي يبلغ الكتاب أجله» (3).

ص: 28


1- بحار الأنوار:30/51.
2- القصص 28:5 و 6.
3- بحار الأنوار:19/51.

إطعام عامّ

و أمر الإمام الحسن الزكيّ عليه السّلام بعد ولادة وليده المبارك بشراء كميّات كثيرة من اللحم و الخبز،فوزّعت علي فقراء(سامرّاء) (1)،كما عقّ عنه بسبعين كبشا،و بعث بأربعة منها إلي صاحبه إبراهيم،و كتب إليه بعد البسملة:

«هذه عن ابني محمّد المهديّ،كل منها و أطعم من وجدت من شيعتنا» (2).

تباشر الشيعة بولادته عليه السّلام

و تباشرت الشيعة بولادة إمامها حجّة اللّه علي خلقه،الإمام المنتظر عليه السّلام، و غمرتهم موجات من الفرح و السرور بولادته،و كان من الذين بشّروا به حمزة بن أبي الفتح،فقد قيل له:البشري،ولد البارحة مولود لأبي محمّد،و أمر بكتمانه فقال:

و ما اسمه؟

فقيل له:سمّي بمحمّد،و كنّي بجعفر (3).

التهاني بولادته عليه السّلام

و عمّت الفرحة الكبري بولادة الإمام عليه السّلام جميع أوساط الشيعة،و قد انبري جمع من الأعلام و الأخيار إلي الإمام الزكيّ الحسن عليه السّلام فهنّأوه بولادة وليده المبارك،و كان ممّن هنّأه:الحسن بن الحسين العلوي،قال:«دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ فهنّأته بولادة ابنه القائم» (4)ب(سرّ من رأي)،و لا زالت الشيعة في جميع

ص: 29


1- بحار الأنوار:19/51.
2- بحار الأنوار:28/51.
3- بحار الأنوار:15/51،و الصحيح:أنّه كنّي بأبي جعفر.
4- بحار الأنوار:16/51.الغيبة/الطوسي:230.

عصورها يهنّئ بعضهم بعضا بعيد ولادته الأغرّ،و قد انبري شعراؤهم إلي إظهار فرحهم بعيد ميلاده.

يقول الشيخ محمّد السماوي:

يا ليلة قد أسفرت عن مولد طرب الزّمان به و طاب الحين

و تبلّجت طرق العلي و تبيّنت آي الهدي و أضاء منه الدّين

و توطّد الإسلام و الإيمان و ال تبيان و الإمكان و التّمكين

و تباشر(البيت الحرام)و(طيبة) و معاقل من بعدها و حصون

وضح الهدي و بدا ضمير النّشأة ال أولي و أظهر سرّها المخزون

و تفايض الجود الّذي من أجله قام الوجود و كوّن التّكوين

يهنّئ النّبوّة و الإمامة قائم بالحقّ مرفوع المنار مكين

و يبلّغ الآمال بدر طالع للنّاظرين و مطلع ميمون

ملك عليه من المهابة حاجب لكنّه لسماحة مقرون (1)

و ممّن نظم بهذه المناسبة الشاعر الملهم الشيخ كاظم آل نوح،قال في قصيدة له:

بليلة نصف شعبان علينا أطلّ البشر و هو لها قرين

و للشّرك التّليد هوت صروح و للكفر الطّريف هوت حصون

بمولده استحال الكون نورا قبيل الفجر و انجلت الدّجون

أذلّ اللّه فيه كلّ دين كما قد عزّ للإسلام دين (2)5.

ص: 30


1- منن الرحمن:233/2.
2- المصدر المتقدّم:235.

تسميته عليه السّلام

أمّا اسمه الشريف فهو كإسم جدّه الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله،منقذ البشريّة من الضلال،و كذلك ينقذها حفيده و آخر أوصيائه الاثني عشر عليهم السّلام،و قد اتّفق المؤرّخون و الرواة أنّ الذي سمّاه بهذا الاسم هو جدّه الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله (1).

ألقابه عليه السّلام

اشارة

و قد لقّب الإمام عليه السّلام بألقاب كريمة كان منها ما يلي:

1-المهدي:

و هو من أكثر ألقابه ذيوعا و انتشارا؛لقّب بذلك لأنّه يهدي إلي الحقّ،أو إلي كلّ أمر خفيّ (2)،و قد أضفي هذا اللقب الكريم علي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله.يقول حسّان بن ثابت في رثائه له:

ما بال عيني لا تنام كأنّما كحّلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعا علي المهديّ أصبح ثاويا يا خير من وطأ الحصا لا تبعد (3)

و كان من دعاء النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:«اللّهمّ زيّنا بزينة الإيمان،و اجعلنا هداة مهديّين» (4).

و أطلق هذا اللقب علي الإمام الحسين عليه السّلام.قال سليمان بن صرد-و هو من أعلام التوّابين-:«اللّهمّ ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد،المهدي ابن المهدي» (5).

و قد اختصّ هذا اللقب الكريم بالإمام المنتظر عليه السّلام،فإذا أطلق لا ينصرف إلي

ص: 31


1- عقد الدرر:51،53.
2- بحار الأنوار:30/51.
3- ديوان حسّان بن ثابت:97.
4- مسند الإمام أحمد بن حنبل:264/4.
5- تاريخ الطبري:456/4.

غيره كما ذكر ذلك ابن منظور (1)و الزبيدي (2).

2-القائم:

و من ألقابه الشريفة القائم؛لأنّه يقوم بالحقّ (3)،و أضيف إليه(قائم آل محمّد عليه السّلام).

3-المنتظر:

لقّب بذلك لأنّ المؤمنين ينتظرونه بفارغ الصبر (4).

4-الحجّة:

لقّب بذلك لأنّه حجّة اللّه تعالي علي خلقه و عباده (5).

5-الخلف الصالح:

لقّب بذلك لأنّه أعظم خلف لأسمي أسرة في دنيا الإسلام (6).هذه بعض ألقابه الشريفة.

كنيته عليه السّلام

و الشيء المؤكّد أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله كنّي آخر خلفائه الإمام المنتظر عليه السّلام بأبي عبد اللّه (7).

و قيل:إنّه يكنّي بأبي جعفر،و بأبي القاسم (8).

سنة ولادته عليه السّلام

ولد الإمام المصلح العظيم سنة 255 ه (9)،الموافق سنة 869 م

ص: 32


1- تاج العروس:409/1 و:332/10.
2- لسان العرب:787/3 و:59/15.
3- بحار الأنوار:30/51.
4- بحار الأنوار:30/51.
5- بحار الأنوار:23/51.
6- كمال الدّين:434.
7- عقد الدرر في أخبار المنتظر:56،الحديث 194.
8- روضة الشهداء:326.
9- وفيات الأعيان:451/2.أصول الكافي:514/1.

و قيل:«ولد سنة 232 ه» (1).

و لقد ولد قائم آل محمّد عليه السّلام في ليلة مباركة ميمونة،و هي ليلة النصف من شعبان،و هي من أقدس الليالي،و في بعض الأحاديث أنّها من ليالي القدر،و أنّه يفرق فيها كلّ أمر حكيم،و يستحبّ في تلك الليلة المباركة زيارة أبي الأحرار و ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله الإمام الحسين عليه السّلام.

استحباب الدعاء في ليلة ولادته عليه السّلام

و يستحبّ الدعاء و سائر الأذكار المأثورة عن أئمّة الهدي عليهم السّلام في الليلة التي ولد فيها حجّة اللّه علي خلقه الإمام المنتظر عليه السّلام،و يستحبّ أن يدعي بهذا الدعاء:

«اللّهمّ بحقّ ليلتنا هذه و مولودها،و حجّتك و موعودها،الّتي قرنت إلي فضلها فضلا،فتمّت كلمتك صدقا و عدلا،لا مبدّل لكلماتك،و لا معقّب لآياتك،نورك المتألّق،و ضياؤك المشرق،و العلم النّور في طخياء الدّيجور،الغائب المستور،جلّ مولده،و كرم محتده،و الملائكة شهّده، و اللّه ناصره و مؤيّده،إذا آن ميعاده،و الملائكة أمداده،سيف اللّه الّذي لا ينبو، و نوره الّذي لا يخبو،و ذو الحلم الّذي لا يصبو،مدار الدّهر،و نواميس العصر،و ولاة الأمر،و المنزل عليهم الذّكر ما يتنزّل في ليلة القدر،و أصحاب الحشر و النّشر،تراجمة وحيه،و ولاة أمره و نهيه.

اللّهمّ فصلّ علي خاتمهم و قائمهم،المستور عن عوالمهم.اللّهمّ و أدرك

ص: 33


1- بحار الأنوار:2/51.

بنا أيّامه و ظهوره و قيامه،و اجعلنا من أنصاره،و اقرن ثارنا بثاره،و اكتبنا في أعوانه و خلصائه،و أحينا في دولته ناعمين،و بصحبته غانمين،و بحقّه قائمين،و من السّوء سالمين،يا أرحم الرّاحمين.

و الحمد للّه ربّ العالمين،و صلواته علي سيّدنا محمّد خاتم النّبيّين و المرسلين و علي أهل بيته الصّادقين و عترته النّاطقين،و العن جميع الظّالمين،و احكم بيننا و بينهم يا أحكم الحاكمين».

إنّ الليلة التي ولد فيها قائم آل محمّد عليه السّلام من أقدس الليالي و أعظمها في الإسلام، فقد ولد فيها من يقيم الحقّ و العدل،و يسحقّ الجور و الظلم،و يدمّر كلّ إفك و وثن يعبد من دون اللّه.

عرضه علي الشيعة

و عرض الإمام الزكيّ الحسن عليه السّلام وليده العظيم علي خلّص شيعته و خيارهم ليتعرّفوا عليه،و حتّي لا يجحده جاحد،و لا يشكّ في وجوده مرتاب،فقد روي كلّ من معاوية بن حكيم،و محمّد بن أيّوب،و محمّد بن عثمان،فقالوا:«عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام ولده،و نحن في منزله،و كنّا أربعين رجلا، فقال:«هذا إمامكم من بعدي،و خليفتي عليكم،أطيعوه و لا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا،أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا» (1).

لقد أقام عليهم الحجّة،و عرّفهم بإمام زمانهم من بعده،و ليكونوا شهداء صدق يؤدّون ما رأوه إلي غيرهم.

ص: 34


1- ينابيع المودّة:323/3.كمال الدين:44.

ملامحه و صفاته

أمّا ملامح الإمام المنتظر عليه السّلام و صفاته فكانت كملامح الأنبياء و الأوصياء و صفاتهم،فكان نور الإمامة و هيبة الأنبياء تعلوان علي وجهه الشريف،و قد جاء في وصفه في الروايات ما يلي:

1-روي أبو سعيد الخدري،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«ليبعثنّ اللّه من عترتي رجلا أفرق الثّنايا،أجلي الجبهة،يملأ الأرض عدلا،و يفيض المال فيضا» (1).

و كثير من أمثال هذا الحديث رواه الحفّاظ من أهل السنّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في ملامح حفيده الإمام المنتظر عليه السّلام و صفاته.

2-و وصفه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا فقال:«إنّه أجلي الجبين (2)،أقنا الأنف (3)،ضخم البطن،أذيل الفخذين،أبلج الثّنايا (4)،بفخذه اليمني شامة» (5).

3-روي الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام بسنده عن آبائه،عن سيّد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال و هو علي المنبر:«يخرج رجل من ولدي في آخر الزّمان،أبيض اللّون،مشربّ بالحمرة،مندحّ البطن (6)،عريض الفخذين،عظيم

ص: 35


1- عقد الدرر في أخبار المنتظر:61.
2- أجلي الجبين:أي خفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين،جاء ذلك في مجمع البحرين:391/1.
3- أقنا الأنف:طول الأنف و دقّة عرنينه مع حدب في وسطه-مجمع البحرين:555/3.
4- أبلج الثنايا:أي مشرق الثنايا،و منه الحديث:«كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أبلج الوجه»،أي مشرق الوجه-مجمع البحرين:237/1.
5- ينابيع المودّة:407/3.عقد الدرر:65.
6- مندح البطن:أي متّسع البطن.

مشاش المنكبين (1)،شامة علي لون جلده،و شامة علي شبه شامة النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله»- الحديث (2).

و الشيء المؤكّد الذي نطقت به الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و عن أئمّة الهدي عليهم السّلام أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام من أجمل الناس وجها،و أحسنهم سمتا،قد أشرق وجهه بنور الإمامة التي تحنو لها الجباه و الوجوه،و وصفه الشاعر الملهم السيّد حسن بقوله:

طلع الجمال بوجهه الوضّاح و سري النّسيم بوجهه الفيّاح

رشا كأنّ جبينه صبح بدا أو أنّه نور لكلّ صباح

ناشدته أنت الهلال أجابني طوق الهلال يكون نقش وشاحي

لم أدر من لطف تكوّن جسمه أو أنّه من عالم الأرواح

كتب الجمال علي صفحة خدّه طوفوا فهذي كعبة المرتاح

ماء الشّباب بخدّه مترقرق كزجاجة ضمّت علي مصباح

قد قلت لمّا أن تجلّي وجهه سبحان ربّي خالق الإصباح (3)

شبهه عليه السّلام بالنبيّ صلّي اللّه عليه و اله

أمّا الإمام المنتظر فهو أشبه الناس بجدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،فهو يشبهه في سيرته و جهاده،و ثورته علي الظلم و الطغيان،و تغييره لمناهج الحياة القائمة في عصره؛ من النهب و السلب و الفوضي و القلق و الاضطراب،و إبدالها بمناهجه الرفيعة من

ص: 36


1- المشاش:رؤوس العظام كالمرفقين و الكتفين و الركبتين.
2- كمال الدين:653.
3- منن الرحمن:237/2.

صيانة الحقوق،و إشاعة الأمن و الاستقرار،إلي غير ذلك من مبادئه الرفيعة التي يسعد بها الناس.و كذلك إذا ظهر قائم آل محمّد عليه السّلام فإنّه يقوم بالدور الذي قام به جدّه،فإنّه يحطّم عروش الطغاة و المتجبّرين،و يدمّر معالم السياسة المبنيّة علي الكذب و الدجل و النفاق،و يقيم العدل بجميع رحابه و مفاهيمه.

و قد أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و عن أئمّة الهدي عليهم السّلام كوكبة من الأحاديث،و هي تعلن شبه الإمام المنتظر بجدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،كان منها:

1-روي عبد اللّه بن مسعود عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«يخرج رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي،و خلقه خلقي،يملأ الأرض قسطا و عدلا...» (1).

2-روي حذيفة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:

«لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لبعث اللّه فيه رجلا اسمه اسمي،و خلقه خلقي، يكنّي أبا عبد اللّه،يبايع له النّاس بين الرّكن و المقام،يردّ اللّه به الدّين،و يفتح له فتوحا، فلا يبقي علي وجه الأرض إلاّ من يقول:لا إله إلاّ اللّه.

فقام إليه سلمان فقال:يا رسول اللّه،من أي ولدك هو؟

قال صلّي اللّه عليه و اله:هو من ولد ابني هذا،و ضرب بيده علي الحسين» (2).

3-روت عائشة:أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال:«المهديّ رجل من عترتي،يقاتل علي سنّتي كما قاتلت أنا علي الوحي» (3).

4-روي جابر بن عبد اللّه الأنصاري:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:

«المهديّ من ولدي،اسمه اسمي،و كنيته كنيتي،أشبه النّاس بي خلقا و خلقا،3.

ص: 37


1- عقد الدرر:55.
2- عقد الدرر:56.
3- ينابيع المودّة:263/3.

تكون له غيبة و حيرة تضلّ فيها الأمم،ثمّ يقبل كالشّهاب الثّاقب يملؤها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما» (1).

5-روي الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:بسنده عن جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،قال:

«المهديّ من ولدي،اسمه اسمي،و كنيته كنيتي،أشبه النّاس بي خلقا و خلقا،تكون له غيبة و حيرة،حتّي تضلّ الخلق عن أديانهم،فعند ذلك يقبل كالشّهاب الثّاقب فيملؤها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

6-روي الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أيضا:بسنده عن جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:

«القائم من ولدي اسمه اسمي،و كنيته كنيتي،و شمائله شمائلي،و سنّته سنّتي،يقيم النّاس علي ملّتي و شريعتي،و يدعوهم إلي كتاب ربّي عزّ و جلّ،من أطاعه فقد أطاعني،و من عصاه فقد عصاني،و من أنكره في غيبته فقد أنكرني،و من كذّبه فقد كذّبني،و من صدّقه فقد صدّقني،إلي اللّه أشكو المكذّبين لي في أمره،الجاحدين بقولي في شأنه،و المضلّين لأمّتي عن طريقته، وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (3)» (4).

و هذا الحديث الشريف من أوضح الأحاديث النبويّة،و من أكثرها شمولا لمشابهة الإمام المنتظر عليه السّلام لجدّه الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله،لما يحمل من طاقات نديّة خلاّقة في ميادين الإصلاح الاجتماعي.

7-روي أبو صالح السليلي في كتاب(الفتن)عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام1.

ص: 38


1- كفاية الأثر:67.ينابيع المودّة:386/3.
2- كمال الدين:287.ينابيع المودّة:396/3.
3- الشّعراء 26:227.
4- كمال الدين:411.

أنّه قال:«إلاّ أنّه-أي المهدي-أشبه النّاس خلقا و خلقا و حسنا برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله» (1).

و كثير من أمثال هذه الأحاديث الشريفة قد أثرت عن نبيّ الهدي صلّي اللّه عليه و اله و عن أئمّة العترة الطاهرة عليهم السّلام،و هي تعلن بوضوح عن مشابهة الإمام المنتظر عليه السّلام لجدّه الرسول صلّي اللّه عليه و اله لا في خلقه و أخلاقه التي امتاز بها علي سائر النبيّين فحسب،و إنّما مشابهته له في نزعاته الإصلاحيّة التي منها كفاحه و نضاله في تدمير الظلم و الجور، و إقامة العدل و الحقّ في الأرض.

رواية موضوعة

و ابتلي الفكر الإسلامي بجمهرة كبيرة من الروايات الموضوعة التي افتعلت بعضها لتدعيم الأفكار السياسيّة القائمة في تلك العصور،و التي منها تشويه خصوم السلطة و أعدائها،كما افتعلت بعضها للكيد من الإسلام و الحطّ من قيمه و مبادئه، قد صاغها و ابتدعها الحاقدون علي الإسلام،و الناقمون علي قيمه،و علي رأس المبتدعين لبعض الأخبارهم(الإسرائيليّون)،فقد دسّوا في الأخبار جملة من الأحاديث لتشويه صورة الإسلام و دعم أفكارهم،و من هذه الروايات الرواية التالية:

روي الكنجي و غيره عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«المهدي رجل من ولدي،وجهه كالكوكب الدريّ،اللون لون عربي،و الجسم جسم إسرائيلي،يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،يرضي في خلافته أهل الأرض و أهل السماء،و الطير في الجوّ، يملك عشرين سنة» (2).

أمّا السبب في وضع هذه الرواية و زيفها فهو ما احتوت عليه من أنّ جسم الإمام عليه السّلام كجسم الإسرائيليّين في روائه و نضارته،و هو كذب مفضوح،فإنّ جسم

ص: 39


1- كمال الدين:376،الحديث 7.
2- الفصول المهمّة:284.البيان في أخبار صاحب الزمان:118.عقد الدرر:38.

الإمام عليه السّلام جزء من جسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و من جسم باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،فكيف يشبّه هذا الجسم الطاهر المليء بالهداية و النور بأجسام الإسرائيليّين،الذين جسومهم من أخبث جسوم البشر بما يحملونه من أفكار خبيثة و قذرة و معادية للإسلام،فهم ذئاب البشر،و جراثيم الرذائل،و أكبر الظنّ أنّ هذه الرواية قد وضعها الإسرائيليّون لرفع قذارة أجسامهم التي يحتقرها المسلمون و غيرهم.

ص: 40

عناصره النفسيّة و سيرته

اشارة

أمّا عناصر الإمام المنتظر عليه السّلام و صفاته النفسيّة فهي مشابهة تماما لصفات آبائه الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين،الذين هم من عناصر الرحمة و الإشراق في الأرض،فقد خلقهم اللّه أنوارا،هداية لعباده،و إرشادا لخلقه،و أدلاّء علي مرضاته و طاعته،و من بين مثله العليا و صفاته الرفيعة:

1-سعة علومه

و الشيء المحقّق أنّ الإمام المهدي عليه السّلام من أوسع الناس علما،و من أكثرهم دراية و إحاطة بجميع أنواع العلوم و المعارف،فهو من ورثة علوم جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، و من خزنة حكمته،و من بين علومه إحاطته الكاملة بأحكام الدين،و شؤون شريعة جدّه سيّد المرسلين،و قد أدلي الأئمّة الطاهرون بسموّ مكانته العلميّة قبل أن يخلق، استمعوا إلي أقوالهم:

1-قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في صفته:«هو أوسعكم كهفا،و أكثركم علما، و أوصلكم رحما» (1).

2-روي الحرث بن المغيرة النضري،قال:«قلت لأبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليه السّلام:بأي شيء يعرف المهديّ؟

ص: 41


1- الغيبة/النعماني:214.

قال:بمعرفة الحلال و الحرام،و بحاجة النّاس إليه،و لا يحتاج إلي أحد» (1).

3-قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام:«يكون هذا الأمر-أي الحكم-في أصغرنا سنّا،و أجملنا ذكرا،و يورثه اللّه علما،و لا يكله إلي نفسه» (2).

4-قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام:«إنّ العلم بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه،ينبت في قلب مهديّنا،كما ينبت الزّرع علي أحسن نباته،فمن بقي منكم حتّي يراه،فليقل حين يراه:السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة و النّبوّة،و معدن العلم،و موضع الرّسالة» (1).

و قد ورد عن سعة علومه و معارفه أنّه:«إذا ظهر عليه السّلام يحاجج اليهود بأسفار التّوراة، فيسلم أكثرهم» (2).

و كان عليه السّلام المرجع الأعلي للعالم الإسلامي في أيّام الغيبة الصغري،فقد كان نوّابه الأربعة يرفعون إليه المسائل التي يسأل المسلمون عن أحكامها فيجيبهم عنها،و قد حفلت موسوعات الفقه و الحديث بالكثير من أجوبته،و إليها يستند فقهاء الإماميّة فيما يفتون به من الأحكام.

و من الجدير بالذكر أنّ الشيخ الصدوق نضّر اللّه مثواه،قد احتفظ بالقسم الكثير من تلك الفتاوي المكتوبة أجوبتها بخطّه الشريف.

2-زهده عليه السّلام

أمّا أئمّة أهل البيت عليهم السّلام فقد تشابهت سيرتهم في جميع مجالاتها الفكريّة

ص: 42


1- كمال الدين:653.
2- عقد الدرر:67.

و العمليّة،و التي منها الزهد في الدنيا،و الرفض الكامل لجميع لذائذها و مباهجها، فلا تكاد تقرأ سيرة أحد منهم إلاّ و تجد البارز فيها الإعراض عن الدنيا،فقد طلّق سيّد العترة و باب مدينة علم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الدنيا ثلاث مرّات لا رجعة له فيها،و علي هذا المنهج المشرق سار أبناؤه و أحفاده الأئمّة الطيّبون الطاهرون عليهم السّلام.و قد أثرت جمهرة من أحاديث الأئمّة الطاهرين في زهد الإمام المنتظر عليه السّلام قبل أن يولد،و هذه بعضها:

1-روي معمّر بن خلد،عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنّه قال:«و ما لباس القائم عليه السّلام إلاّ الغليظ،و ما طعامه إلاّ الجشب» (1).

2-روي أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:«ما تستعجلون بخروج القائم، فو اللّه ما لباسه إلاّ الغليظ،و ما طعامه إلاّ الشّعير الجشب» (2).

3-روي كلّ من عليّ بن أبي حمزة و وهب،عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال بحقّ الإمام المنتظر عليه السّلام:«ما لباسه إلاّ الغليظ،و ما طعامه إلاّ الجشب» (3).

و من المحقّق أنّ هذه سيرته في جميع مجالات حياته،و لو لم يكن سلوكه بهذا النحو المشرق لما اختاره اللّه تعالي للقيام بأعظم دور إصلاحي في جميع فترات التاريخ،فهو الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا،و ينقذ الإنسانيّة من غطرسة الحاكمين،و يوزّع خيرات اللّه علي جميع البؤساء و المحرومين.

3-صبره عليه السّلام

و ظاهرة أخري من نزعات الإمام المنتظر عليه السّلام و صفاته النفسيّة:الصبر،و هو من

ص: 43


1- الغيبة/النعماني:285.
2- الغيبة/الطوسي:460.الغيبة/النعماني:233.
3- الغيبة/النعماني:233 و 234.

أعظم الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام محنة،و أشدّهم بلاء،فهو يري في هذه الفترات الطويلة من الزمن الأحداث الجسام التي داهمت العالم الإسلامي،قد مزّقت أشلاءه، و وقعت الأمّة بجميع شرائحها صريعة بأيدي المستعمرين و الكافرين،فأشاعوا فيها الباطل و الجور،و عطّلوا أحكام اللّه و حدوده،و نهبوا ثروات الأمّة،و تحكّموا في قضاياها و مصيرها،و كلّ هذه الأحداث بمرأي من الإمام و مسمع،و قد نخر الحزن قلبه،فإنّه بحكم قيادته الروحيّة و الزمنيّة،و أبوّته العامّة لهذه الأمّة يتحرّق ألما علي جميع ما يحلّ بها من الخطوب و النكبات،و قد خلد عليه السّلام إلي الصبر،و فوّض جميع أموره و شؤونه إلي اللّه تعالي،فبيده مقاليد الأمور،و هو الحاكم المطلق في عباده، و ليس لغيره أي حكم أو رأي.

4-عبادته عليه السّلام

اشارة

و الشيء المحقّق أنّ عبادة الإمام المنتظر عليه السّلام كعبادة آبائه الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، الذين وهبوا حياتهم للّه تعالي،و سري حبّه في أعماق قلوبهم،و دخائل نفوسهم، و قد قطعوا معظم حياتهم صائمين في نهارهم،قائمين في لياليهم،قد أحيوها بالصلاة و الدعاء و الابتهال إلي اللّه تعالي.و قد نقل الرواة جمهرة من أدعيته الشريفة التي كان يدعو في بعضها في قنوته بصلاته،و بعضها في غيرها،و هي تنمّ عن مدي تعلّقه باللّه تعالي و انقطاعه إليه،و فيما يلي بعض تلك الأدعية:

دعاؤه عليه السّلام في قنوت صلاته

كان عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوت صلاته،و هذا نصّه:

«اللّهمّ مالك الملك،تؤتي الملك من تشاء،و تنزع الملك ممّن تشاء، و تعزّ من تشاء،و تذلّ من تشاء،بيدك الخير،إنّك علي كلّ شيء قدير.

يا ماجد،يا جواد،يا ذا الجلال و الإكرام،يا بطّاش يا ذا البطش الشّديد،

ص: 44

يا فعّالا لما يريد،يا ذا القوّة المتين،يا رؤوف،يا رحيم،يا لطيف،يا حيّ حين لا حيّ،أسألك باسمك المخزون المكنون،الحيّ القيّوم،الّذي استأثرت به في علم الغيب عندك،و لم يطّلع عليه أحد من خلقك،و أسألك باسمك الّذي تصوّر به خلقك في الأرحام كيف تشاء،و به تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظّلمات من بين العروق و العظام،و أسألك باسمك الّذي ألّفت به بين قلوب أوليائك،و ألّفت بين الثّلج و النّار،لا هذا يذيب هذا، و لا هذا يطفئ هذا.اللّهمّ و أسألك باسمك الّذي كوّنت به طعم المياه، و أسألك باسمك الّذي أجريت به الماء في عروق النّبات بين أطباق الثّري، و سقت الماء إلي عروق الأشجار بين الصّخرة الصّمّاء،و أسألك باسمك الّذي كوّنت به طعم الثّمار و ألوانها،و أسألك باسمك الّذي به تبدئ و تعيد، و أسألك باسمك الفرد الواحد،المتفرّد بالوحدانيّة،المتوحّد بالصّمدانيّة، و أسألك باسمك الّذي فجّرت به الماء من الصّخرة الصّمّاء،و سقته من حيث شئت،و أسألك باسمك الّذي خلقت به خلقك،و رزقتهم كيف شئت، و كيف تشاء.

يا من لا تغيّره الأيّام و اللّيالي،أدعوك بما دعاك به نوح حين ناداك فأنجيته و من معه،و أهلكت قومه،و أدعوك بما دعاك به إبراهيم خليلك حين ناداك فأنجيته،و جعلت النّار عليه بردا و سلاما،و أدعوك بما دعاك به موسي كليمك حين ناداك ففلقت له البحر فأنجيته و بني إسرائيل،و أغرقت فرعون و قومه في اليمّ،و أدعوك بما دعاك به عيسي روحك حين ناداك فنجّيته من أعدائك،

ص: 45

و إليك رفعته،و أدعوك بما دعاك به حبيبك و صفيّك و نبيّك محمّد صلّي اللّه عليه و آله فاستجبت له،و من الأحزاب نجّيته،و علي أعدائك نصرته، و أسألك باسمك الّذي إذا دعيت به أجبت.

يا من له الخلق و الأمر،يا من أحاط بكلّ شيء علما،يا من أحصي كلّ شيء عددا،يا من لا تغيّره الأيّام و اللّيالي،و لا تتشابه عليه الأصوات، و لا تخفي عليه اللّغات،و لا يبرمه إلحاح الملحّين،أسألك أن تصلّي علي محمّد و آل محمّد خيرتك من خلقك،فصلّ عليهم بأفضل صلواتك،و صلّ علي جميع النّبيّين و المرسلين،الّذين بلّغوا عنك الهدي،و عقدوا لك المواثيق بالطّاعة،و صلّ علي عبادك الصّالحين،يا من لا يخلف الميعاد، أنجز لي ما وعدتني،و اجمع لي أصحابي،و صبّرهم،و انصرني علي أعدائك،و أعداء رسولك،و لا تخيّب دعائي،فإنّي عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك،أسير بين يديك.

سيّدي أنت الّذي مننت عليّ بهذا المقام،و تفضّلت به عليّ دون كثير من خلقك،أسألك أن تصلّي علي محمّد و آل محمّد،و أن تنجز لي ما وعدتني إنّك أنت الصّادق،و لا تخلف الميعاد،و أنت علي كلّ شيء قدير» (1).

و حكي هذا الدعاء الشريف مدي القدرات الهائلة للّه تعالي خالق الكون و واهب الحياة،فهو المكوّن و المبدع لجميع ما في الكون من مخلوقات،كما حكي دعاء2.

ص: 46


1- مهج الدعوات:91-92.

الإمام عليه السّلام طلبه للنصر من اللّه علي أعدائه و أعداء رسوله،و أن يجمع له أصحابه ليقوم بإحياء الدين،و إعلاء كلمة التوحيد.

دعاء آخر له في القنوت

و كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوت بعض صلواته،و هو:

«اللّهمّ صلّ علي محمّد و آل محمّد،و أكرم أولياءك بإنجاز وعدك،و بلّغهم درك ما يأملونه من نصرك،و اكفف عنهم بأس من نصب الخلاف عليك، و تمرّد بمنعك علي ركوب مخالفتك،و استعان برفدك علي فلّ حدّك،و قصد لكيدك بأيدك،و وسعته حلما لتأخذه علي جهرة،و تستأصله علي غرّة،فإنّك اللّهمّ قلت و قولك الحقّ: حَتّٰي إِذٰا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهٰا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهٰا أَنَّهُمْ قٰادِرُونَ عَلَيْهٰا أَتٰاهٰا أَمْرُنٰا لَيْلاً أَوْ نَهٰاراً فَجَعَلْنٰاهٰا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (1)،و قلت: فَلَمّٰا آسَفُونٰا انْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ (2)، و أنّ الغاية عندنا قد تناهت،و إنّا لغضبك غاضبون،و إنّا علي نصر الحقّ متعاصبون،و إلي ورود أمرك مشتاقون،و لإنجاز وعدك مرتقبون،و لحلول وعيدك بأعدائك متوقّعون.

اللّهمّ فأذن بذلك،و افتح طرقاته،و سهّل خروجه،و وطّئ مسالكه، و اشرع شرائعه،و أيّد جنوده و أعوانه،و بادر بأسك القوم الظّالمين،و ابسط

ص: 47


1- يونس 10:24.
2- الزخرف 43:55.

سيف نقمتك علي أعدائك المعاندين،و خذ بالثّأر إنّك جواد مكّار» (1).

و أعلن الإمام عليه السّلام في هذا الدعاء الشريف عن شوقه العارم إلي الظهور؛ليقيم معالم الدين،و يحيي سنّة جدّه سيّد المرسلين صلّي اللّه عليه و اله،و ينتقم من أعداء الإسلام و أعداء التوحيد.

5-شجاعته عليه السّلام

أمّا الإمام المنتظر عليه السّلام فهو من أشجع الناس،و من أربطهم جأشا،و أقواهم عزيمة،فهو كجدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في قوّة بأسه و شجاعته،لقد قاوم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قوي الشرك،و حطّم ركائز الجهل و البغي،و أعلن حقوق الإنسان و كرامته و حقّه في الحياة،و قد قابل صلّي اللّه عليه و اله ذئاب الشرك و ضروس الكفر الذين جهدوا علي أن يلغوا لواء الإسلام،و يقبروا الدين في مهده،إلاّ أنّه صلّي اللّه عليه و اله سحق رؤوسهم،و مزّق جنودهم، و رفع كلمة اللّه عالية في الأرض،و بنفس هذا الدور المشرق يقوم سبطه و خليفته الإمام المنتظر عليه السّلام فيسقي الظالمين و المتجبّرين كأسا مصبّرة،و يعيد للإسلام كرامته و مجده بحزم ثابت لا يعرف الوهن،و لا يخضع لأي عامل من عوامل الضعف و الخوف.

6-صلابته عليه السّلام في الحقّ

الإمام المنتظر عليه السّلام من أصلب المدافعين عن الحقّ،و من أكثرهم تفانيا و اندفاعا لنصرة المظلومين و المضطهدين،لا تأخذه في إقامة الحقّ لومة لائم،شأنه شأن آبائه الأئمّة الطاهرين،الذين ناصروا الحقّ،و قاوموا الباطل،و قدّموا أرواحهم قرابين للعدل الاجتماعي بين الناس.

ص: 48


1- مهج الدعوات:90 و 91.

و إذا أشرقت الدنيا بظهور قائم آل محمّد صلّي اللّه عليه و اله،و سعدت الإنسانيّة بخروجه، فإنّه-سلام اللّه عليه-يقيم الحقّ بجميع رحابه و مفاهيمه،و لا يدع ظلاّ للغبن و الظلم إلاّ حطّمه و قضي عليه.

7-سخاؤه عليه السّلام

أمّا الإمام المنتظر عليه السّلام فهو من أندي الناس يدا،و من أكثرهم جودا،و أعظمهم سخاء،و يجمع الرواة أنّه في أيّام دولته و حكومته يوزّع خيرات اللّه علي جميع الفقراء،بحيث لا يبقي فقير أو محتاج علي وجه الأرض،و حتّي لا يجد من وجبت عليه الزكاة فقيرا يعطيها له؛و لنستمع إلي بعض ما أثر عن كرمه من الأحاديث:

1-روي أبو سعيد،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في قصّة الإمام المهدي عليه السّلام أنّه قال:

«فيجيء الرّجل إليه فيقول:يا مهديّ،أعطني،أعطني،فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» (1).

2-روي ابن عساكر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«يكون في آخر الزّمان خليفة يحثي المال حثيا» (2).

3-روي جابر،قال:«أقبل رجل علي أبي جعفر عليه السّلام و أنا حاضر،فقال:رحمك اللّه،اقبض هذه الخمس مائة درهم فضعها في مواضعها،فإنّها زكاة أموالي.

فقال له أبو جعفر:بل خذها أنت فضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين،و في إخوانك من المسلمين،إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا،فإنّه يقسّم بالسّويّة،و يعدل في خلق الرّحمن البرّ منهم و الفاجر،فمن أطاعه فقد أطاع اللّه،و من عصاه فقد عصي اللّه،

ص: 49


1- منتخب كنز العمّال:262/14 و 273.ينابيع المودّة:257/3.
2- تاريخ مدينة دمشق:186/1.كنز العمّال:263/14.

فإنّما سمّي المهديّ؛لأنّه يهدي لأمر خفيّ،يستخرج التّوراة و سائر الكتب من غار ب(أنطاكية)،فيحكم بأهل التّوراة بالتّوراة،و بين أهل الإنجيل بالإنجيل،و بين أهل الزّبور بالزّبور،و بين أهل الفرقان بالفرقان،و تجمع إليه أموال الدّنيا كلّها،ما في بطن الأرض و ظهرها،فيقول للنّاس:تعالوا إلي ما قطعتم فيه الأرحام،و سفكتم فيه الدّماء، و ركبتم فيه محارم اللّه،فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله» (1).

إلي غير ذلك من الأخبار التي أعلنت أنّه-سلام اللّه عليه-بحر من المكارم و الجود،و أنّه يبرّ بخلق اللّه،و يحسن إليهم،و ينقذهم من العري و الجوع و الحرمان، و يشيع فيهم الغني و الأمن و الاستقرار.9.

ص: 50


1- عقد الدرر:39.

من تراثه الرائع

اشارة

للإمام المنتظر عليه السّلام تراث رائع،حافل بأعلي القيم الإسلاميّة،كان منه بعض أدعيته الشريفة التي هي من مناجم التوحيد،و ذخائر الفكر الإسلامي،كما أنّ من بينها بعض الرسائل التي بعثها لأعلام أصحابه،و خلّص شيعته،و قد تضمّنت بعضها أجوبته عمّا سألوه من الأحكام الشرعيّة،و فيما يلي بعض ذلك:

أدعيته

اشارة

أمّا الدعاء فهو مناجاة مع اللّه،و تبتّل و انقطاع إليه،و هو يمثّل صفاء النفس، و طهارة الضمير،و التعلّق باللّه تعالي،خالق الكون،و واهب الحياة،و قد أثرت عن الإمام الأعظم قائم آل محمّد عليه السّلام بعض الأدعية الشريفة،كان منها ما يلي:

1-دعاؤه عليه السّلام للمسلمين

«اللّهمّ ارزقنا توفيق الطّاعة و بعد المعصية،و صدق النّيّة،و عرفان الحرمة،و أكرمنا بالهدي و الاستقامة،و سدّد ألسنتنا بالصّواب و الحكمة، و املأ قلوبنا بالعلم و المعرفة،و طهّر بطوننا من الحرام و الشّبهة،و اكفف أيدينا عن الظّلم و السّرقة،و اغضض أبصارنا عن الفجور و الخيانة،و اسدد أسماعنا عن اللّغو و الغيبة،و تفضّل علي علمائنا بالزّهد و النّصيحة،و علي المتعلّمين

ص: 51

بالجهد و الرّغبة،و علي المستمعين بالإتّباع و الموعظة،و علي مرضي المسلمين بالشّفاء و الرّاحة،و علي موتاهم بالرّافة و الرّحمة،و علي مشايخنا بالوقار و السّكينة،و علي الشّباب بالإنابة و التّوبة،و علي النّساء بالحياء و العفّة،و علي الأغنياء بالتّواضع و السّعة،و علي الفقراء بالصّبر و القناعة، و علي الغزاة بالنّصر و الغلبة،و علي الأسراء بالخلاص و الرّاحة،و علي الأمراء بالعدل و الشّفقة،و علي الرّعيّة بالإنصاف و حسن السّيرة،و بارك للحجّاج و الزّوّار في الزّاد و النّفقة،و اقض ما أوجبت عليهم من الحجّ و العمرة بفضلك و رحمتك يا أرحم الرّاحمين» (1).

لقد تضرّع الإمام عليه السّلام إلي اللّه تعالي،و توسّل إليه أن يمنّ علي المسلمين بكلّ ما يسمون به من مكارم الأخلاق،و محاسن الآداب،و كلّ ما يقرّبهم إلي اللّه تعالي زلفي.

2-دعاؤه عليه السّلام للمؤمنين

و كان الإمام عليه السّلام يدعو للمؤمنين الصالحين بهذا الدعاء الشريف:

«إلهي بحقّ من ناجاك،و بحقّ من دعاك في البرّ و البحر،صلّ علي محمّد و آله و تفضّل علي فقراء المؤمنين و المؤمنات بالغني و الثّروة،و علي مرضي المؤمنين و المؤمنات بالشّفاء و الصّحّة،و علي أحياء المؤمنين و المؤمنات باللّطف و الكرامة،و علي أموات المؤمنين و المؤمنات بالمغفرة و الرّحمة، و علي غرباء المؤمنين و المؤمنات بالرّدّ إلي أوطانهم سالمين غانمين

ص: 52


1- مصباح الكفعمي:374.

بحقّ محمّد و آله أجمعين» (1).

و حكي هذا الدعاء مدي تعاطف الإمام عليه السّلام و رأفته بالمؤمنين،فقد دعا لهم بكلّ ما يصلحهم في دنياهم و آخرتهم،و تمنّي لهم كلّ خير و سعادة.

3-دعاؤه عليه السّلام لقضاء الحوائج

و كان عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء لقضاء حوائجه و مهامّه،و هذا نصّه بعد البسملة:

«أنت اللّه لا إله إلاّ أنت مبدئ الخلق و معيدهم،و أنت اللّه لا إله إلاّ أنت القابض الباسط،و أنت اللّه لا إله إلاّ أنت مدبّر الأمور و باعث من في القبور، أنت وارث الأرض و من عليها،أسألك باسمك المخزون المكنون الحيّ القيّوم،و أنت اللّه لا إله إلاّ أنت عالم السّرّ و أخفي؛أسألك باسمك الّذي إذا دعيت به أجبت،و إذا سئلت به أعطيت،و أسألك بحقّك علي محمّد و أهل بيته،و بحقّهم الّذي أوجبته علي نفسك أن تصلّي علي محمّد و آل محمّد و أن تقضي لي حاجتي،السّاعة السّاعة،يا سامع الدّعاء يا سيّداه يا مولاه يا غياثاه،أسألك بكلّ اسم سمّيت به نفسك،أو استاثرت به في علم الغيب عندك أن تصلّي علي محمّد و آل محمّد و أن تعجّل خلاصنا من هذه الشّدّة، يا مقلّب القلوب و الأبصار،يا سميع الدّعاء،إنّك علي كلّ شيء قدير، برحمتك يا أرحم الرّاحمين» (2).

ص: 53


1- مصباح الكفعمي:427.
2- منتخب الأثر:254/3.

و يلمس في هذا الدعاء الشريف مدي انقطاع الإمام إلي اللّه تعالي،و التجائه إليه في جميع شؤونه و أموره.

4-دعاؤه عليه السّلام للشفاء من الأسقام

و كان عليه السّلام إذا أصابه سقم و ألمّ به مرض كتب هذا الدعاء الشريف في إناء جديد بتربة سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام،و يصبّ فيه الماء و يشربه:

«بسم اللّه دواء،و الحمد للّه شفاء،و لا إله إلاّ اللّه كفاء،هو الشّافي شفاء، و هو الكافي كفاء،أذهب البأس بربّ النّاس شفاء لا يغادره سقم،و صلّي اللّه علي محمّد و آله النّجباء» (1).

5-زيارة و دعاء

و أوعز الإمام عليه السّلام إلي بعض المؤمنين من شيعته أن يزوروا ناحيته المقدّسة بهذه الزيارة،ثمّ يدعو له عقيبها بما يأتي:

«سلام علي آل ياسين،السّلام عليك يا داعي اللّه و ربّانيّ آياته،السّلام عليك يا باب اللّه و ديّان دينه،السّلام عليك يا خليفة اللّه و ناصر حقّه،السّلام عليك يا حجّة اللّه و دليل إرادته،السّلام عليك يا تالي كتاب اللّه و ترجمانه، السّلام عليك في آناء ليلك و أطراف نهارك،السّلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه،السّلام عليك يا ميثاق اللّه الّذي أخذه و وكّده،السّلام عليك يا وعد اللّه الّذي ضمنه،السّلام عليك أيّها العلم المنصوب،و العلم المصبوب،و الغوث

ص: 54


1- منتخب الأثر:252/3.

و الرّحمة الواسعة وعدا غير مكذوب،السّلام عليك حين تقوم،السّلام عليك حين تقعد،السّلام عليك حين تقرأ و تبيّن،السّلام عليك حين تصلّي و تقنت،السّلام عليك حين تركع و تسجد،السّلام عليك حين تهلّل و تكبّر، السّلام عليك حين تحمد و تستغفر،السّلام عليك حين تصبح و تمسي، السّلام عليك في اللّيل إذا يغشي و النّهار إذا تجلّي،السّلام عليك أيّها الإمام المأمون،السّلام عليك أيّها المقدّم المأمول،السّلام عليك بجوامع السّلام.

أشهدك يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمّدا عبده و رسوله،لا حبيب إلاّ هو و أهله،و أشهدك يا مولاي أنّ عليّا أمير المؤمنين حجّته،و الحسن حجّته،و الحسين حجّته،و عليّ بن الحسين حجّته،و محمّد بن عليّ حجّته،و جعفر بن محمّد حجّته،و موسي بن جعفر حجّته،و عليّ بن موسي حجّته،و محمّد بن عليّ حجّته،و عليّ بن محمّد حجّته،و الحسن بن عليّ حجّته،و أشهد أنّك حجّة اللّه.أنتم الأوّل و الآخر، و أنّ رجعتكم حقّ لا ريب فيها يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا،و أنّ الموت حقّ،و أنّ ناكرا و نكيرا حقّ،و أشهد أنّ النّشر حقّ،و البعث حقّ،و أنّ الصّراط حقّ،و المرصاد حقّ،و الميزان حقّ،و الحشر حقّ،و الحساب حقّ،و الجنّة و النّار حقّ،و الوعد و الوعيد بهما حقّ.

يا مولاي،شقي من خالفكم،و سعد من أطاعكم،فاشهد علي ما أشهدتك عليه،و أنا وليّ لك،بريء من عدوّك،فالحقّ ما رضيتموه،

ص: 55

و الباطل ما أسخطتموه،و المعروف ما أمرتم به،و المنكر ما نهيتم عنه،فنفسي مؤمنة باللّه وحده لا شريك له و برسوله و بأمير المؤمنين و بكم يا مولاي، أوّلكم و آخركم،و نصرتي معدّة لكم،و مودّتي خالصة لكم،آمين آمين».

ثمّ يدعو عقيب هذه الزيارة بهذا الدعاء الشريف:

«اللّهمّ إنّي أسألك أن تصلّي علي محمّد نبيّ رحمتك،و كلمة نورك، و أن تملأ قلبي نور اليقين،و صدري نور الايمان،و فكري نور النّيّات، و عزمي نور العلم،و قوّتي نور العمل،و لساني نور الصّدق،و ديني نور البصائر من عندك،و بصري نور الضّياء،و سمعي نور الحكمة،و مودّتي نور الموالاة لمحمّد و آله عليهم السّلام؛حتّي ألقاك و قد وفيت بعهدك و ميثاقك، فتغشّيني رحمتك يا وليّ يا حميد.

اللّهمّ صلّ علي محمّد حجّتك في أرضك،و خليفتك في بلادك، و الدّاعي إلي سبيلك،و القائم بقسطك،و الثّائر بأمرك.وليّ المؤمنين،و بوار الكافرين،و مجلّي الظّلمة،و منير الحقّ،و النّاطق بالحكمة و الصّدق، و كلمتك التّامّة في أرضك،المرتقب الخائف،و الوليّ النّاصح،سفينة النّجاة،و علم الهدي،و نور أبصار الوري،و خير من تقمّص و ارتدي، و مجلّي العمي،الّذي يملاء الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا، إنّك علي كلّ شيء قدير.

اللّهمّ صلّ علي وليّك و ابن أوليائك،الّذين فرضت طاعتهم،و أوجبت

ص: 56

حقّهم،و أذهبت عنهم الرّجس،و طهّرتهم تطهيرا.

اللّهمّ انصره،و انتصر به لدينك،و انصر به أولياءك و أولياءه و شيعته و أنصاره و اجعلنا منهم.

اللّهمّ أعذه من شرّ كلّ باغ و طاغ،و من شرّ جميع خلقك،و احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله،و احرسه و امنعه من أن يوصل إليه بسوء،و احفظ فيه رسولك و آل رسولك،و أظهر به العدل،و أيّده بالنّصر، و انصر ناصريه،و اخذل خاذليه،و اقصم قاصميه،و اقصم به جبابرة الكفر، و اقتل به الكفّار و المنافقين،و جميع الملحدين حيث كانوا من مشارق الأرض و مغاربها؛برّها و بحرها،و املاء به الأرض عدلا،و اظهر به دين نبيّك صلّي اللّه عليه و آله،و اجعلني اللّهمّ من أنصاره و أعوانه و أتباعه و شيعته، و أرني في آل محمّد عليهم السّلام ما يأملون،و في عدوّهم ما يحذرون؛إله الحقّ آمين،يا ذا الجلال و الإكرام،يا أرحم الرّاحمين» (1).

لقد أرشد الإمام عليه السّلام شيعته بأن يزوره بهذه الزيارة،و يدعون له بهذا الدعاء المبارك،يدعون له بالنصر و التعجيل في ظهوره؛ليقيم الحقّ و يدمّر الباطل،و يرفع كلمة اللّه تعالي عالية في الأرض.

6-دعاؤه عليه السّلام للفرج

من أدعيته الشريفة هذا الدعاء الجليل،و هذا نصّه:

ص: 57


1- بحار الأنوار:3/91-5.

«اللّهمّ ربّ النّور العظيم،و ربّ الكرسيّ الرّفيع،و ربّ البحر المسجور، و منزل التّوراة و الإنجيل و الزّبور،و ربّ الظّلّ و الحرور،و منزل الفرقان العظيم،و ربّ الملائكة المقرّبين و الأنبياء و المرسلين.

أنت إله من في السّماء،و إله من في الأرض،لا إله فيهما غيرك.

و أنت جبّار من في السّماء،و جبّار من في الأرض،لا خالق فيهما غيرك.

اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الكريم،و بنور وجهك المشرق المنير،و ملكك القديم،يا حيّ يا قيّوم.

أسألك باسمك الّذي أشرقت به السّماوات و الأرضون،و باسمك الّذي يصلح به الأوّلون و الآخرون.

يا حيّا قبل كلّ حيّ،و يا حيّا بعد كلّ حيّ،و يا حيّا حين لا حيّ، و يا محيي الموتي،و يا حيّا لا إله إلاّ أنت.يا حيّ يا قيّوم،أسألك أن تصلّي علي محمّد و آل محمّد،و ارزقني من حيث أحتسب،و من حيث لا أحتسب، رزقا واسعا،حلالا طيّبا،و أن تفرّج عنّي كلّ غمّ،و كلّ همّ،و أن تعطيني ما أرجوه و آمله،إنّك علي كلّ شيء قدير» (1).

و حفل هذا الدعاء بتحميد اللّه و تمجيده،و وصفه بأعظم صفاته،و التجاء الإمام عليه السّلام و انقطاعه له،و إيمانه المطلق بأنّ جميع مجريات الأحداث بيده سبحانه و تعالي.7.

ص: 58


1- البلد الأمين:97.

7-دعاؤه عليه السّلام لشيعته

و كان عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء لشيعته أن يفرّج عنهم،و يكشف ما ألمّ بهم من الضيق و الحرمان:

«يا نور النّور،يا مدبّر الأمور،يا باعث من في القبور،صلّ علي محمّد و آل محمّد،و اجعل لي و لشيعتي من الضّيق فرجا،و من الهمّ مخرجا، و أوسع لنا المنهج،و أطلق لنا من عندك ما يفرّج،و افعل بنا ما أنت أهله، يا كريم» (1).

8-دعاؤه عليه السّلام للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله و لأئمّة الهدي عليهم السّلام

و عهد الإمام عليه السّلام لبعض شيعته أن يدعو بهذا الدعاء إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و إلي الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم:

«اللّهمّ صلّ علي محمّد سيّد المرسلين،و خاتم النّبيّين و حجّة ربّ العالمين،المنتجب في الميثاق،المصطفي في الظّلال،المطهّر من كلّ آفة، البريء من كلّ عيب،المؤمّل للنّجاة،المرتجي للشّفاعة،المفوّض إليه دين اللّه.

اللّهمّ شرّف بنيانه،و عظّم برهانه،و أفلج حجّته،و ارفع درجته،و أضئ نوره،و بيّض وجهه،و أعطه الفضل و الفضيلة،و المنزلة و الوسيلة،و الدّرجة

ص: 59


1- مصباح الكفعمي:457.

الرّفيعة،و ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون و الآخرون.

و صلّ علي أمير المؤمنين،و وارث المرسلين،و قائد الغرّ المحجّلين، و سيّد الوصيّين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي الحسن بن عليّ إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي الحسين بن عليّ إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي عليّ بن الحسين إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي محمّد بن عليّ إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي جعفر بن محمّد إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي موسي بن جعفر إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي عليّ بن موسي إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي محمّد بن عليّ إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة

ص: 60

ربّ العالمين.

و صلّ علي عليّ بن محمّد إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي الحسن بن عليّ إمام المؤمنين،و وارث المرسلين،و حجّة ربّ العالمين.

و صلّ علي الخلف الهادي المهديّ إمام المؤمنين،و وارث المرسلين، و حجّة ربّ العالمين.

اللّهمّ صلّ علي محمّد و أهل بيته الأئمّة الهادين العلماء الصّادقين الأبرار المتّقين،دعائم دينك،و أركان توحيدك،و تراجمة وحيك،و حججك علي خلقك،و خلفائك في أرضك؛الّذين اخترتهم لنفسك،و اصطفيتهم علي عبادك،و ارتضيتهم لدينك،و خصصتهم بمعرفتك،و جلّلتهم بكرامتك، و غشّيتهم برحمتك،و ربّيتهم بنعمتك،و غذّيتهم بحكمتك،و ألبستهم نورك، و رفعتهم في ملكوتك،و حففتهم بملائكتك،و شرّفتهم بنبيّك صلواتك عليه و آله.اللّهمّ صلّ علي محمّد و عليهم صلاة زاكية نامية،كثيرة دائمة طيّبة،لا يحيط بها إلاّ أنت،و لا يسعها إلاّ علمك،و لا يحصيها أحد غيرك.

اللّهمّ و صلّ علي وليّك المحيي سنّتك،القائم بأمرك،الدّاعي إليك، الدّليل عليك،حجّتك علي خلقك،و خليفتك في أرضك،و شاهدك علي عبادك.

ص: 61

اللّهمّ أعزّ نصره،و مدّ في عمره،و زيّن الأرض بطول بقائه.

اللّهمّ أكفه بغي الحاسدين،و أعذه من شرّ الكائدين،و ازجر عنه إرادة الظّالمين،و خلّصه من أيدي الجبّارين.

اللّهمّ أعطه في نفسه و ذرّيّته،و شيعته و رعيّته،و خاصّته و عامّته،و عدوّه، و جميع أهل الدّنيا ما تقرّ به عينه،و تسرّ به نفسه،و بلّغه أفضل ما أمّله في الدّنيا و الآخرة،إنّك علي كلّ شيء قدير.

اللّهمّ جدّد به ما امتحي من دينك،و أحي به ما بدّل من كتابك،و أظهر به ما غيّر من حكمك،حتّي يعود دينك به و علي يديه غضّا جديدا خالصا مخلصا،لا شكّ فيه،و لا شبهة معه،و لا باطل عنده،و لا بدعة لديه.

اللّهمّ نوّر بنوره كلّ ظلمة،و هدّ بركنه كلّ بدعة،و اهدم بعزّه كلّ ضلالة، و اقصم به كلّ جبّار،و أخمد بسيفه كلّ نار،و أهلك بعدله جور كلّ جائر، و أجر حكمه علي كلّ حكم،و أذلّ بسلطانه كلّ سلطان.

اللّهمّ أذلّ كلّ من ناواه،و أهلك كلّ من عاداه،و امكر بمن كاده، و استأصل من جحده حقّه،و استهان بأمره،و سعي في إطفاء نوره،و أراد إخماد ذكره.

اللّهمّ صلّ علي محمّد المصطفي،و عليّ المرتضي،و فاطمة الزّهراء، و الحسن الرّضا،و الحسين المصفّي،و جميع الأوصياء مصابيح الدّجي، و أعلام الهدي،و منار التّقي،و العروة الوثقي،و الحبل المتين،و الصّراط

ص: 62

المستقيم،و صلّ علي وليّك و ولاة عهدك،و الأئمّة من ولده،و مدّ في أعمارهم،و زد في آجالهم،و بلّغهم أقصي آمالهم دينا و دنيا و آخرة،إنّك علي كلّ شيء قدير» (1).

و أشاد هذا الدعاء بالنبيّ العظيم صلّي اللّه عليه و اله و بأوصيائه و خلفائه الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، و دعا لهم بسموّ المنزلة الكريمة عند اللّه تعالي،كما حفل بالدعاء لقائم آل محمّد صلّي اللّه عليه و اله ليقيم معالم الدين،و يحيي سنّة جدّه رسول ربّ العالمين.

9-دعاؤه عليه السّلام للخلاص من السجن

و قد علّم الإمام عليه السّلام بعض شيعته هذا الدعاء،و قد كانوا في ظلمات السجون:

«اللّهمّ عظم البلاء،و برح الخفاء،و انكشف الغطاء،و ضاقت الأرض و منعت السّماء،و إليك يا ربّ المشتكي،و عليك المعوّل في الشّدّة و الرّخاء.اللّهمّ صلّ علي محمّد و آل محمّد الّذين أمرتنا بطاعتهم،و عجّل اللّهمّ فرجهم بقائمهم،و أظهر إعزازه،يا محمّد يا عليّ،يا عليّ يا محمّد، اكفياني فإنّكما كافياي.

يا محمّد يا عليّ،يا عليّ يا محمّد،انصراني فانّكما ناصراي.

يا محمّد يا عليّ،يا عليّ يا محمّد،احفظاني فانّكما حافظاي.

يا مولاي يا صاحب الزّمان،يا مولاي يا صاحب الزّمان،يا مولاي يا صاحب الزّمان،الغوث الغوث الغوث،أدركني أدركني أدركني،الأمان

ص: 63


1- البلد الأمين:120-122.مصباح المتهجّد:409.

الأمان الأمان» (1).

إنّ الالتجاء إلي اللّه تعالي و الانقطاع إليه ينجي الإنسان و ينقذه ممّا ألمّ به من محن الأيّام،و خطوب الزمان،و قد جهد أئمّة الهدي عليهم السّلام علي تعليم شيعتهم و إرشادهم إلي بعض الأدعية الشريفة التي تنجيهم من كوارث الزمان.

زيارته للإمام الحسين عليه السّلام

إنّ فاجعة كربلاء و ما جري فيها علي سبط رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و ريحانته الإمام الحسين عليه السّلام من ألوان المحن و الرزايا التي لم يعانها أي مصلح اجتماعي علي امتداد التأريخ،فقد كوت قلوب المسلمين،و أخلدت لهم الأسي و الحزن،و كان من أعظم المفجوعين بها أئمّة الهدي عليهم السّلام من أحفاد الإمام الحسين عليه السّلام،فقد نخر الحزن قلوبهم علي ما جري علي جدّهم من الفجائع و المآسي التي تميد من هولها الجبال.

و من بين الأئمّة المنكوبين بمصاب الإمام الحسين عليه السّلام الإمام المنتظر عليه السّلام،فقد استوعب الألم القاسي نفسه الشريفة،و بكاه بذوب روحه،و تحكي مدي لوعته و أساه زيارته لجدّه الحسين عليه السّلام التي عرفت بزيارة«الناحية المقدّسة»،فقد سكب فيها أحزانه،و عرض فيها ما جري علي جدّه من صنوف الرزايا و الخطوب،و ما عانته بنات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله من المصائب القاسية التي تذوب من مآسيها القلوب، و لنستمع إلي بعض فصول هذه الزيارة التي خرجت إلي أحد نوّابه،و قد سلّم فيها علي بعض الأنبياء الذين اصطفاهم اللّه تعالي و اختارهم لإصلاح عباده،ثمّ قال مسلّما علي جدّه الإمام الحسين عليه السّلام:

السّلام علي الحسين الّذي سمحت نفسه بمهجته،السّلام علي من أطاع

ص: 64


1- البلد الأمين:657.

اللّه في سرّه و علانيته،السّلام علي من جعل اللّه الشّفاء في تربته،السّلام علي من الإجابه تحت قبّته،السّلام علي من الائمّة من ذرّيّته.

و حكي هذا المقطع مدي انقطاع الإمام الحسين عليه السّلام إلي اللّه تعالي،و إطاعته له في سرّه و علانيته،و كان من عظيم طاعته و إخلاصه إلي اللّه أنّه عليه السّلام سمح بمهجته الشريفة و قدّمها قربانا إليه-تعالي-لإحياء دينه،و إعلاء كلمته،و لولاه للفّ لواء الإسلام،و عادت الحياة الجاهليّة بآثامها و شرورها،فقد جهد الأمويّون علي سحق هذا الدين،إلاّ أنّ الإمام الحسين عليه السّلام هو الذي ردّ كيدهم،و أطاح بعروشهم بتضحيته التي هزّت العالم الإسلامي،و أشاعت السخط و الثورات الداخليّة علي الحكم الأموي،حتّي أراح اللّه المسلمين منهم.و قد شكر اللّه تعالي تضحية حبيبه الإمام الحسين عليه السّلام،و أعدّ له في الدار الآخرة من الأجر الجزيل الذي لا يوصف لعظمته، و حباه في الدنيا بكلّ مكرمة،و التي منها أن جعل الشفاء في تربته،و إجابة الدعاء تحت قبّته،و الأئمّة الطاهرين المعصومين من ذرّيّته عليهم السّلام،و من بنود هذه الزيارة قوله عليه السّلام:

«السّلام علي ابن خاتم الأنبياء،السّلام علي ابن سيّد الأوصياء،السّلام علي ابن فاطمة الزّهراء،السّلام علي ابن خديجة الكبري،السّلام علي ابن سدرة المنتهي،السّلام علي ابن جنّة المأوي،السّلام علي ابن زمزم و الصّفا».

و حكت هذه الكلمات الأصول الكريمة التي تفرّع منها سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السّلام،فجدّه خاتم الأنبياء،و سيّد المرسلين،و أبوه سيّد الأوصياء و باب مدينة علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،و أمّه بضعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سيّدة نساء العالمين؛التي يرضي اللّه لرضاها،و يغضب لغضبها،و جدّته خديجة

ص: 65

الكبري التي قام الإسلام بأموالها و تضحيتها،فسلام اللّه علي تلك الأصول، و علي ذلك الفرع الطاهر،الذي أضاء الدنيا بفضله.

و من فصول هذه الزيارة قوله عليه السّلام:

«السّلام علي المرمّل بالدّماء،السّلام علي المهتوك الخباء،السّلام علي خامس أصحاب أهل الكساء،السّلام علي غريب الغرباء،السّلام علي شهيد الشّهداء،السّلام علي قتيل الأدعياء،السّلام علي ساكن كربلاء،السّلام علي من بكته ملائكة السّماء،السّلام علي من ذرّيّته الأزكياء،السّلام علي يعسوب الدّين،السّلام علي منازل البراهين،السّلام علي الائمّة السّادات».

و حفل هذا المقطع ببعض صفات أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام،و التي منها أنّه قد رمّل بدمائه في سبيل اللّه،و هتك حجابه لإقامة شعائر الإسلام،و من صفاته أنّه خامس أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و من صفاته أنّه غريب مظلوم،فقد استشهد بصورة مروّعة في أرض كربلاء،و بكت لعظيم مصابه ملائكة اللّه تعالي.

و يقول الإمام المنتظر عليه السّلام في هذه الزيارة:

«السّلام علي الجيوب المضرّجات،السّلام علي الشّفاه الذّابلات،السّلام علي النّفوس المصطلمات،السّلام علي الارواح المختلسات،السّلام علي الأجساد العاريات،السّلام علي الجسوم الشّاحبات،السّلام علي الدّماء السّائلات،السّلام علي الأعضاء المقطّعات،السّلام علي الرّؤوس المشالات،السّلام علي النّسوة البارزات».

ص: 66

و حفلت هذه الكلمات بما جري علي سبط رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أبنائه و أصحابه من صنوف الظلم و التنكيل من الجيش الأموي،فقد حرّم عليهم الماء حتّي ذبلت شفاههم من شدّة الظمأ،و مزّقت سيوف الأمويّين تلك الأجسام الطاهرة الزكيّة، و رفعت رؤوسهم علي أطراف الرماح،و هي تنير للمجتمع طريق الحريّة و الكرامة و الشرف و الإباء،و من أجل هذه الغايات النبيلة استشهدوا سلام اللّه عليهم،و سبيت نساؤهم من بلد إلي بلد.

و يستمرّ الإمام المنتظر عليه السّلام في زيارته،فيقول:

«السّلام علي حجّة ربّ العالمين،السّلام عليك و علي آبائك الطّاهرين، السّلام عليك و علي أبنائك المستشهدين،السّلام عليك و علي ذرّيّتك النّاصرين،السّلام عليك و علي الملائكة المضاجعين،السّلام علي القتيل المظلوم،السّلام علي أخيه المسموم،السّلام علي عليّ الكبير،السّلام علي عليّ الرّضيع الصّغير».

لقد قدّم الإمام عليه السّلام تحيّاته و سلامه إلي جدّه الإمام الحسين عليه السّلام،و إلي أبنائه المستشهدين بين يديه،و إلي الملائكة الكرام الحافّين بقبره الشريف.

و من بنود هذه الزيارة قوله:

«السّلام علي الأبدان السّليبة،السّلام علي العترة القريبة،السّلام علي المجدّلين في الفلوات،السّلام علي النّازحين عن الأوطان،السّلام علي الرّؤوس المفرّقة عن الأبدان،السّلام علي المدفونين بلا أكفان،السّلام علي المحتسب الصّابر،السّلام علي المظلوم بلا ناصر،السّلام علي ساكن التّربة الزّاكية،السّلام علي صاحب القبّة السّامية».

ص: 67

و سلّم الإمام المنتظر عليه السّلام علي الأبدان الشريفة التي تركها الجيش الأموي الحقير ملقاة بالعراء،و لم يعمدوا إلي مواراتها،حتّي أتاح اللّه لها قوما لم يتلوّثوا بجريمة حرب ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،فدفنوها بثيابها التي مزّقتها سيوف الأمويّين و رماحهم.

و من فصول هذه الزيارة قوله عليه السّلام:

«السّلام علي من طهّره الجليل،السّلام علي من افتخر به جبرئيل،السّلام علي من ناغاه في المهد ميكائيل،السّلام علي من نكثت ذمّته،السّلام علي من هتكت حرمته،السّلام علي من أريق بالظّلم دمه،السّلام علي المغسّل بدم الجراح،السّلام علي المجرّع بكأسات الرّماح،السّلام علي المضام المستباح،السّلام علي المنحور في الوري،السّلام علي من دفنه أهل القري،السّلام علي المقطوع الوتين.السّلام علي المحامي بلا معين،السّلام علي الشّيب الخضيب،السّلام علي الخدّ التّريب،السّلام علي البدن السّليب،السّلام علي الثّغر المقروع بالقضيب،السّلام علي الرّأس المرفوع، السّلام علي الأجسام العارية في الفلوات،تنهشها الذّئاب العاديات، و تختلف إليها السّباع الضّاريات».

و يستمرّ الإمام المنتظر في سلامه علي جدّه الإمام الحسين عليه السّلام ذاكرا مآثره و فضائله،و ما جري عليه من الكوارث و الخطوب التي تنوء من حملها الجبال،إلي أن يقول:

«السّلام عليك يا مولاي،و علي الملائكة المرفرفين حول قبّتك،الحافّين بتربتك،الطّائفين بعرصتك،الواردين لزيارتك،السّلام عليك فإنّي قصدت

ص: 68

إليك،و رجوت الفوز لديك،السّلام عليك سلام العارف بحرمتك، المخلص في ولايتك،المتقرّب إلي اللّه بمحبّتك،البريء من أعدائك،سلم من قلبه بمصابك مقروح،و دمعه عند ذكرك مسفوح،سلام المفجوع الحزين الواله المستكين.سلام من لو كان معك بالطّفوف لوقاك بنفسه حدّ السّيوف، و بذل حشاشته دونك للحتوف،و جاهد بين يديك،و نصرك علي من بغي عليك،و فداك بروحه و جسده،و ماله و ولده،و روحه لروحك فداء،و أهله لاهلك وقاء».

و حكت هذه الكلمات مدي تألّم الإمام عليه السّلام علي فجائع جدّه الإمام الحسين عليه السّلام، فقد ودّ أن يكون معه في ساحة الطفوف ليفديه بنفسه،و يقيه بمهجته،و يدفع عنه ما حلّ به من عظيم الرزايا؛و لنستمع إلي فصل آخر من فصول هذه الزيارة، يقول عليه السّلام:

«فلئن أخّرتني الدّهور،و عاقني عن نصرك المقدور،و لم أكن لمن حاربك محاربا،و لمن نصب لك العداوة مناصبا،فلاندبنّك صباحا و مساء، و لأبكينّ لك بدل الدّموع دما،حسرة عليك،و تأسّفا علي ما دهاك،و تلهّفا حتّي أموت بلوعة المصاب،و غصّة الاكتياب».

أرأيتم تفجّع الإمام المنتظر عليه السّلام و لوعته،و حزنه العميق علي جدّه المظلوم الغريب،الذي انتهكت في قتله حرمة الرسول صلّي اللّه عليه و آله،فالإمام المنتظر عليه السّلام يندبه صباحا و مساء،و يبكيه بدل الدموع دما،و يبقي علي هذه الحال في حزن مستمرّ، حتّي يموت بلوعة مصابه.و من بنود هذه الزيارة قوله عليه السّلام:

«أشهد أنّك قد أقمت الصّلاة،و آتيت الزّكاة،و أمرت بالمعروف،و نهيت

ص: 69

عن المنكر و العدوان،و أطعت اللّه و ما عصيته،و تمسّكت به و بحبله فأرضيته،و خشيته و راقبته و استجبته،و سننت السّنن،و أطفأت الفتن، و دعوت إلي الرّشاد،و أوضحت سبل السّداد،و جاهدت في اللّه حقّ الجهاد، و كنت للّه طائعا و لجدّك محمّد صلّي اللّه عليه و اله تابعا،و لقول أبيك سامعا، و إلي وصيّة أخيك مسارعا،و لعماد الدّين رافعا،و للطّغيان قامعا،و للطّغاة مقارعا،و للأمّة ناصحا،و في غمرات الموت سابحا،و للفسّاق مكافحا، و بحجج اللّه قائما،و للإسلام و المسلمين راحما،و للحقّ ناصرا،و عند البلاء صابرا،و للدّين كالئا،و عن حوزته مراميا».

و حكت هذه الكلمات المثل العليا الماثلة في سبط الرسول صلّي اللّه عليه و آله و ريحانته،فما من فضيلة خلقها اللّه في الدنيا إلاّ و هي من عناصره و ذاتيّاته.و يستمرّ الإمام عليه السّلام في زيارته فيقول:

«تحوط الهدي و تنصره،و تبسط العدل و تنشره،و تنصر الدّين و تظهره، و تكفّ العابث و تزجره،و تأخذ للدّنيء من الشّريف،و تساوي في الحكم بين القويّ و الضّعيف.

كنت ربيع الأيتام،و عصمة الأنام،و عزّ الإسلام،و معدن الأحكام، و حليف الإنعام،سالكا طرائق جدّك و أبيك،مشبها في الوصيّة لاخيك،و فيّ الذّمم رضيّ الشّيم،ظاهر الكرم،متهجّدا في الظّلم،قويم الطّرائق،كريم الخلائق،عظيم السّوابق،شريف النّسب،منيف الحسب،رفيع الرّتب،كثير المناقب،محمود الضّرائب،جزيل المواهب،حليم رشيد منيب جواد عليم

ص: 70

شديد إمام شهيد،أوّاه منيب،حبيب مهيب.

كنت للرّسول صلّي اللّه عليه و اله ولدا،و للقرآن سندا،و للأمّة عضدا، و في الطّاعة مجتهدا،حافظا للعهد و الميثاق،ناكبا عن سبل الفسّاق،باذلا للمجهود،طويل الرّكوع و السّجود،زاهدا في الدّنيا زهد الرّاحل عنها،ناظرا إليها بعين المستوحشين منها،آمالك عنها مكفوفة،و همّتك عن زينتها مصروفة،و ألحاظك عن بهجتها مطروفة،و رغبتك في الآخرة معروفة».

و حكي هذا المقطع ما قام به أبو الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام من نصرة الحقّ، و حماية العدل،و الذبّ عن الإسلام،و نشر القيم الكريمة،و المبادئ العليا التي جاء بها الإسلام،و قد سلك عليه السّلام المنهج و الطريق نفسه الذي سار به جدّه و أبوه،فلم يشذّ عن منهجهما و سنّتهما،مبتغيا بذلك وجه اللّه تعالي و الدار الآخرة.و من فصول هذه الزيارة قوله عليه السّلام:

«حتّي إذا الجور مدّ باعه،و أسفر الظّلم قناعه،و دعا الغيّ أتباعه،و أنت في حرم جدّك قاطن،و للظّالمين مباين،جليس البيت و المحراب،معتزل عن اللّذّات و الشّهوات،تنكر المنكر بقلبك و لسانك علي حسب طاقتك و إمكانك،ثمّ اقتضاك العلم للانكار،و لزمك أن تجاهد الفجّار،فسرت في أولادك و أهاليك و شيعتك و مواليك،و صدعت بالحقّ و البيّنة،و دعوت إلي اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة،و أمرت بإقامة الحدود،و الطّاعة للمعبود، و نهيت عن الخبائث و الطّغيان،و واجهوك بالظّلم و العدوان،فجاهدتهم بعد الايعاذ إليهم،و تأكيد الحجّة عليهم،فنكثوا ذمامك و بيعتك،و أسخطوا ربّك

ص: 71

و جدّك،و بدؤك بالحرب؛فثبتّ للطّعن و الضّرب،و طحنت جنود الفجّار، و اقتحمت قسطل الغبار،مجالدا بذي الفقار،كأنّك عليّ المختار.

و حكت هذه الكلمات جهاد الإمام أبي الأحرار عليه السّلام و مناجزته للحكم الأموي الذي كفر بحقوق الإنسان،و أشاع الظلم و الفساد في الأرض،فلم يسعه السكوت، فانبري إلي ساحات الجهاد المقدّس،ينكر المنكر بقلبه و لسانه و حسامه،و يدعو إلي اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة...و لنستمع إلي فصل آخر من فصول هذه الزيارة.

يقول عليه السّلام:فلمّا رأوك ثابت الجأش،غير خائف و لا خاش،نصبوا لك غوائل مكرهم،و قاتلوك بكيدهم و شرّهم.و أمر اللّعين جنوده فمنعوك الماء و وروده،و ناجزوك القتال،و عاجلوك النّزال،و رشقوك بالسّهام و النّبال، و بسطوا إليك أكفّ الاصطلام،و لم يرعوا لك ذماما،و لا راقبوا فيك أثاما في قتلهم أوليائك و نهبهم رحالك،و أنت مقدّم في الهبوات،و محتمل للأذيّات، قد عجبت من صبرك ملائكة السّماوات.

و مفاد هذه الكلمات أنّ الأمويّين لمّا رأوا الإمام أبا الأحرار كالطود الشامخ ينعي عليهم سياستهم التي شذّت عن كتاب اللّه و سنّة نبيّه،و تزعّمه للقوي المعارضة لهم غير حافل بهم،و لا خائف من سلطانهم قابلوه و ناجزوه بكلّ ما يملكون من الوسائل،و التي كان من أخسّها أنّهم حرموه الماء في كربلاء،حتّي أشرف أطفاله و عياله علي الموت،و رشقوه بسهامهم و نبالهم،و لم يرعوا فيه حرمة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،و قد تحمّل عليه السّلام جميع ما عاناه من الخطوب و الكوارث بصبر عجبت منه ملائكة السماء،و لنستمع إلي فصل آخر من هذه الزيارة.

ص: 72

يقول عليه السّلام:فاحدقوا بك من كلّ الجهات،و أثخنوك بالجراح،و حالوا بينك و بين الرّواح،و لم يبق لك ناصر،و أنت محتسب صابر،تذبّ عن نسوتك و أولادك،حتّي نكسوك عن جوادك،فهويت إلي الارض جريحا،تطؤك الخيول بحوافرها،و تعلوك الطّغاة ببواترها،قد رشح للموت جبينك، و اختلفت بالانقباض و الانبساط شمالك و يمينك،تدير طرفا خفيّا إلي رحلك و بيتك،و قد شغلت بنفسك عن ولدك و أهاليك،و أسرع فرسك شاردا إلي خيامك قاصدا محمحما باكيا.

فلمّا رأين النّساء جوادك مخزيّا،و نظرن سرجك عليه ملويّه،برزن من الخدور،ناشرات الشّعور،علي الخدود لاطمات و للوجوه سافرات، و بالعويل داعيات،و بعد العزّ مذلّلات،و إلي مصرعك مبادرات،و الشّمر جالس علي صدرك،و مولع سيفه علي نحرك،قابض علي شيبتك بيده، ذابح لك بمهنّده،قد سكنت حواسّك،و خفيت أنفاسك،و رفع علي القنا رأسك،و سبي أهلك كالعبيد،و صفّدوا في الحديد فوق أقتاب المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات،يساقون في البراري و الفلوات،أيديهم مغلولة إلي الاعناق،يطاف بهم في الاسواق».

و صوّرت هذه الكلمات مصرع الإمام السبط،و ما عاناه في اللحظات الأخيرة من حياته من صنوف الخطوب و الكوارث التي تتصدّع من هولها الجبال،و لا يقوي علي تحمّلها أي كائن حيّ.

لقد تواكبت علي ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و وارث كمالاته جميع مصائب الدنيا،

ص: 73

يتبع بعضها بعضا،فقد رزئ بأصحابه،و أهل بيته و أولاده،و رآهم مجزّرين كالأضاحي علي صعيد كربلاء،و عياله و أطفاله يستغيثون من شدّة الظمأ.و قد عجّت حرائر النبوّة و مخدّرات الرسالة بالعويل و البكاء لعظم ما نزل بهنّ من البلاء، فهنّ ينظرن إلي النجوم المشرقة من أبناء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هم في غضارة العمر، و نضارة الشباب و قد سبحوا بدمائهم،و تناثرت أشلاؤهم علي صعيد كربلاء، و ينظرن إلي الإمام الممتحن سيّد شباب أهل الجنّة و قد تدافعت علي قتله العصابة المجرمة من جيوش الأمويّين،و قد وجّهوا نحوه جميع ما يملكون من وسائل القتل و الإبادة حتّي تناهبت جسمه الشريف سيوفهم و رماحهم و سهامهم.ينظرن بنات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي هذه الفجائع و قد مزّق الأسي قلوبهنّ،و اختطف الرعب ألوانهنّ، و لا يعلمن ما ذا سيجري لهنّ من صنوف الرزايا و البلاء بعد مصرع سيّد الشهداء عليه السّلام.

لقد كان منظرهنّ أفجع و أقسي ممّا رزئ به الإمام الحسين عليه السّلام،فقد استوعبت نفسه الشريفة رزايا بنات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،و لمّا صرع سبط رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،و رفع رأسه الشريف علي الرمح؛ليقدّم هديّة إلي ابن مرجانة،برزت بنات رسول اللّه علي الخدود لاطمات،و بالعويل داعيات،و قد عمد عبيد ابن مرجانة إلي إحراق أخبيتهنّ،و أوسعوهنّ ضربا بسياطهم،و صفّدوهنّ بالحديد،قد غلّت أيديهنّ و أيدي الأطفال إلي الأعناق،و حملوا علي أقتاب المطايا،يطاف بهم من بلد إلي بلد،ثمّ قدّموا هديّة إلي ابن مرجانة،و إلي سيّده يزيد بن معاوية،فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و لنستمع إلي فصل آخر من هذه الزيارة.يقول عليه السّلام:

«فالويل للعصاة الفسّاق،لقد قتلوا بقتلك الإسلام،و عطّلوا الصّلاة و الصّيام،و نقضوا السّنن و الأحكام،و هدموا قواعد الإيمان،و حرّفوا آيات القرآن،و همجوا في البغي و العدوان.

لقد أصبح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله من أجلك موتورا،و عاد كتاب اللّه

ص: 74

عزّ و جلّ مهجورا،و غودر الحقّ إذ قهرت مقهورا،و فقد بفقدك التّكبير و التّهليل،و التّحريم و التّحليل،و التّنزيل و التّأويل،و ظهر بعدك التّغيير و التّبديل،و الالحاد و التّعطيل،و الاهواء و الاضاليل،و الفتن و الاباطيل،فقام ناعيك عند قبر جدّك الرّسول صلّي اللّه عليه و آله،فنعاك إليه بالدّمع الهطول قائلا:يا رسول اللّه،قتل سبطك و فتاك،و استبيح أهلك و حماك،و سبيت بعدك ذراريك،و وقع المحذور بعترتك و ذويك،فانزعج الرّسول،و بكي قلبه المهول،و عزّاه بك الملائكة و الانبياء،و فجعت بك أمّك الزّهراء» (1).

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض مقاطع هذه الزيارة،و قد شفعت بدعاء ذكره المجلسي عقيب هذه الزيارة،كما ذكر صلاة يصلّيها الزائر عند المرقد الشريف.3.

ص: 75


1- بحار الأنوار:318/98-323.

رسائله عليه السّلام

اشارة

و نقل الرواة مجموعة من رسائل الإمام المنتظر عليه السّلام،كان قد بعثها لأعلام شيعته، و تضمّنت بعضها أجوبته عن المسائل الشرعيّة التي سئل عنها،و كان من بين تلك الرسائل ما يلي:

1-رسالته عليه السّلام إلي أحمد بن إسحاق

أحمد بن إسحاق الأشعري القمّي (1)وافد القمّيّين إلي الأئمّة الطاهرين،و أحد رواتهم العظام،و قد التقي به بعض الشيعة،فناوله كتابا من جعفر ابن الإمام عليّ الهادي عليه السّلام يعرّفه فيه بنفسه،و يخبره أنّه القيّم علي العالم الإسلامي بعد أخيه الإمام الحسن عليه السّلام،و يدّعي أنّ عنده من علم الحلال و الحرام ما يحتاج إليه الناس،و غير ذلك من العلوم،فكتب أحمد إلي الإمام المنتظر رسالة عرّفه بالأمر،و شفع معه كتاب جعفر،فأجابه الإمام عليه السّلام بهذه الرسالة و قد جاء فيها بعد البسملة:

«أتاني كتابك أبقاك اللّه،و الكتاب الّذي أنفذته و أحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه

ص: 76


1- روي أحمد بن إسحاق عن الإمام أبي جعفر الثاني و أبي الحسن عليهما السّلام،و كان من خواص الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام،له كتاب(علل الصوم)و جمع(مسائل الرجال) لأبي الحسن الثالث عليه السّلام،جاء ذلك في النجاشي،قال الشيخ:«أحمد بن إسحاق بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري،أبو عليّ،كبير القدر،و كان من خواصّ أبي محمّد عليه السّلام،و رأي صاحب الزمان عليه السّلام،و هو شيخ القمّيّين و وافدهم. و له كتب،منها كتاب(علل الصلاة)كبير،و(مسائل الرجال)لأبي الحسن الثالث عليه السّلام». و قال الكشّي:إنّ أحمد بن إسحاق كتب إلي الإمام المهدي يستأذنه في الحجّ فأذن له، و بعث له بثوب،فقال أحمد:نعي إليّ نفسي،فانصرف من الحجّ،و مات ب(حلوان). توجد ترجمته بالتفصيل في معجم رجال الحديث:44/2-47.

علي اختلاف ألفاظه،و تكرّر الخطأ فيه،و لو تدبّرته لوقفت علي بعض ما وقفت عليه منه،و الحمد للّه ربّ العالمين حمدا لا شريك له علي إحسانه إلينا،و فضله علينا،أبي اللّه عزّ و جلّ للحقّ إلاّ إتماما،و للباطل إلاّ زهوقا،و هو شاهد عليّ بما أذكره،وليّ عليكم بما أقوله،إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه و يسألنا عمّا نحن فيه مختلفون،إنّه لم يجعل لصاحب الكتاب علي المكتوب إليه و لا عليك و لا علي أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة،و لا طاعة و لا ذمّة،و سأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء اللّه تعالي.

يا هذا،يرحمك اللّه إنّ اللّه تعالي لم يخلق الخلق عبثا،و لا أهملهم سدي،بل خلقهم بقدرته،و جعل لهم أسماعا و أبصارا و قلوبا و ألبابا،ثمّ بعث إليهم النّبيّين مبشّرين و منذرين،يأمرونهم بطاعته،و ينهونهم عن معصيته،و يعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم و دينهم،و أنزل عليهم كتابا،و بعث إليهم ملائكة يأتين بينهم و بين من بعثهم إليهم بالفضل الّذي جعله لهم عليهم،و ما آتاهم من الدّلائل الظّاهرة،و البراهين الباهرة،و الآيات الغالبة.

فمنهم من جعل النّار عليه بردا و سلاما و اتّخذه خليلا،و منهم من كلّمه تكليما و جعل عصاه ثعبانا مبينا،و منهم من أحيا الموتي بإذن اللّه،و أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن اللّه،و منهم من علّمه منطق الطّير و أوتي من كلّ شيء،ثمّ بعث محمّدا صلّي اللّه عليه و اله رحمة للعالمين،و تمّم به نعمته،و ختم به أنبياءه،و أرسله إلي النّاس كافّة،و أظهر من صدقه ما أظهر،و بيّن من آياته و علاماته ما بيّن.

ثمّ قبضه صلّي اللّه عليه و اله حميدا فقيدا سعيدا،و جعل الأمر من بعده إلي أخيه و ابن عمّه و وصيّه و وارثه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،ثمّ إلي الأوصياء من ولده واحدا واحدا،أحيا بهم دينه،و أتمّ بهم نوره،و جعل بينهم و بين إخوانهم و بني عمّهم و الأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقانا بيّنا يعرف به الحجّة من المحجوج،و الإمام من المأموم،

ص: 77

بأن عصمهم من الذّنوب،و برّأهم من العيوب،و طهّرهم من الدّنس،و نزّههم من اللّبس،و جعلهم خزّان علمه،و مستودع حكمته،و موضع سرّه،و أيّدهم بالدّلائل، و لو لا ذلك لكان النّاس علي سواء و لا وعي أمر اللّه عزّ و جلّ كلّ أحد،و لما عرف الحقّ من الباطل،و لا العالم من الجاهل.

و قد ادّعي هذا المبطل المفتري علي اللّه الكذب بما ادّعاه،فلا أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه،أبفقه في دين اللّه؟فو اللّه!ما يعرف حلالا من حرام،و لا يفرّق بين خطأ و صواب،أم بعلم فما يعلم حقّا من باطل،و لا محكما من متشابه،و لا يعرف حدّ الصّلاة و وقتها،أم بورع فاللّه شهيد علي تركه الصّلاة الفرض أربعين يوما،يزعم ذلك لطلب الشّعوذة،و لعلّ خبره قد تأدّي إليكم،و هاتيك ظروف مسكره منصوبة، و آثار عصيانه للّه عزّ و جلّ مشهورة قائمة،أم بآية فليأت بها،أم بحجّة فليقمها، أم بدلالة فليذكرها.قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

حم* تَنْزِيلُ الْكِتٰابِ مِنَ اللّٰهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّي وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّٰا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَ رَأَيْتُمْ مٰا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَرُونِي مٰا ذٰا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمٰاوٰاتِ ائْتُونِي بِكِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ هٰذٰا أَوْ أَثٰارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ* وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ مَنْ لاٰ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِليٰ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعٰائِهِمْ غٰافِلُونَ* وَ إِذٰا حُشِرَ النّٰاسُ كٰانُوا لَهُمْ أَعْدٰاءً وَ كٰانُوا بِعِبٰادَتِهِمْ كٰافِرِينَ (1) .6.

ص: 78


1- الأحقاف 46:1-6.

فالتمس تولّي اللّه توفيقك من هذا الظّالم ما ذكرت لك،و امتحنه و سله عن آية من كتاب اللّه يفسّرها،أو صلاة فريضة يبيّن حدودها و ما يجب فيها؛لتعلم حاله و مقداره، و يظهر لك عواره و نقصانه،و اللّه حسيبه.

حفظ اللّه الحقّ علي أهله،و أقرّه في مستقرّه،و قد أبي اللّه عزّ و جلّ أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام،و إذا أذن اللّه لنا في القول ظهر الحقّ،و اضمحلّ الباطل،و انحسر عنكم،و إلي اللّه أرغب في الكفاية،و جميل الصّنع و الولاية،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل،و صلّي اللّه علي محمّد و آل محمّد» (1).

و حكت هذه الرسالة الطعن بشخصيّة جعفر الذي ادّعي الإمامة،و تجريده تجريدا كاملا من جميع الصفات الكريمة التي تؤهّله لهذا المنصب الرفيع الذي لا يستحقّه إلاّ من كان حاويا لفضائل الدنيا من العلم بما تحتاج إليه الامّة في جميع مجالاتها،و الإحاطة الكاملة بأحكام الشريعة و شؤون الدين،و جعفر جاهل، لا يعرف أي طرفيه أطول،فكيف يدّعي الإمامة.

2-رسالته عليه السّلام إلي العمري و ابنه:

و رفع عثمان بن سعيد العمري و ابنه محمّد رسالة إلي الإمام عليه السّلام أخبراه فيها أنّ الميسمي،و هو من الشيعة،حدّثهما أنّ المختار و هو من الضالّين يدعو الشيعة إلي الإمام لجعفر،فأجابهما الإمام عليه السّلام بهذه الرسالة:

«وفّقكما اللّه لطاعته،و ثبّتكما علي دينه،و أسعدكما بمرضاته،انتهي إلينا ما ذكرتما أنّ الميسميّ أخبركما عن المختار،و مناظرته من لقي،و احتجاجه بأنّه

ص: 79


1- الغيبة/الطوسي:287-290.

لا خلف غير جعفر بن عليّ،و تصديقه إيّاه،و فهمت جميع ما كتبتما به،ممّا قال أصحابكم عنه،و أنا أعوذ باللّه من العمي بعد الجلاء،و من الضّلالة بعد الهدي، و من موبقات الأعمال،و مرديات الفتن،فإنّه عزّ و جلّ يقول: الم* أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ (1)كيف يتساقطون في الفتنة،و يتردّدون في الحيرة،و يأخذون يمينا و شمالا،فارقوا دينهم أم ارتابوا،أم عاندوا الحقّ،أم جهلوا ما جاءت به الرّوايات الصّادقة،و الأخبار الصّحيحة،أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون،إنّ الأرض لا تخلو من حجّة إمّا ظاهرا و إمّا مغمورا،أو لم يروا انتظام أئمّتهم بعد نبيّهم صلّي اللّه عليه و آله واحدا بعد واحد،إلي أن أفضي بأمر اللّه عزّ و جلّ إلي الماضي-يعني الحسن بن عليّ-فقام مقام آبائه عليهم السّلام يهدي إلي الحقّ،و إلي طريق مستقيم،كان نورا ساطعا،و شهابا لامعا،و قمرا ظاهرا،ثمّ اختار اللّه عزّ و جلّ له ما عنده،فمضي علي منهاج آبائه عليهم السّلام حذو النّعل بالنّعل،علي عهد عهده، و وصيّة أوصي بها،ستره اللّه عزّ و جلّ بأمره إلي غايته،و أخفي مكانه بمشيّته للقضاء السّابق،و القدر النّافذ،و فينا موضعه،و لنا فضله،و لو قد أذن اللّه عزّ و جلّ فيما قد منعه،و أزال عنه ما قد جري به حكمه لأراهم الحقّ ظاهرا بأحسن حيلة،و أبين دلالة، و أوضح علامة،و لأبان عن نفسه،و أقام الحجّة،و لكنّ أقدار اللّه لا تغلب،و إرادته لا تردّ،و توقيته لا يسبق،فليدعوا عنهم اتّباع الهوي،و ليقيموا علي أصلهم الّذي كانوا عليه،و لا يبحثوا عمّا ستر عنهم فيأثموا،و لا يكشفوا سرّ اللّه عزّ و جلّ فيندموا، و ليعلموا أنّ الحقّ معنا و فينا،و لا يقول ذلك سوانا إلاّ كذّاب منهمك،و لا يدّعيه غيرنا2.

ص: 80


1- العنكبوت 29:1 و 2.

إلاّ ضالّ غويّ،فليقتصروا منّا علي هذه الجملة دون التّفسير،و يقنعوا من ذلك بالتّعريض دون التّصريح إن شاء اللّه» (1).

و شجب الإمام عليه السّلام في هذه الرسالة ما قام به عميل جعفر من نشره للضلال بين صفوف الشيعة،و إنكاره للإمام المنتظر،و نعي علي أتباعه انحرافهم عن الحقّ، و تردّيهم في مجاهل الفتن و الضلال،كما أعرب الإمام عليه السّلام عن السبب في اختفائه و عدم ظهوره،و أنّه مستند لأمر اللّه تعالي،و ليس للإمام أي اختيار في ذلك.

3-رسالته عليه السّلام إلي بعض شيعته:

حدث شجار بين ابن أبي غانم القزويني و بعض الشيعة في الخلف بعد الإمام الحسن العسكري،فأنكر القزويني الإمام المنتظر،و أصرّ الآخرون علي وجوده، فكتبوا للإمام المنتظر عليه السّلام بما جري بينهم و بين القزويني،فأجابهم الإمام عليه السّلام بهذه الرسالة.و قد جاء فيها بعد البسملة:

«عافانا اللّه و إيّاكم من الضّلالة و الفتن،و وهب لنا و لكم روح اليقين،و أجارنا و إيّاكم من سوء المنقلب إنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدّين،و ما دخلهم من الشّكّ و الحيرة في ولاة أمورهم،فغمّنا ذلك لكم لا لنا،و ساءنا فيكم لا فينا؛لأنّ اللّه معنا و لا فاقة بنا إلي غيره،و الحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا،و نحن صنائع ربّنا، و الخلق بعد صنائعنا (2).

يا هؤلاء،ما لكم في الرّيب تتردّدون،و في الحيرة تنعكسون؟أو ما سمعتم اللّه

ص: 81


1- كمال الدين:462-463.
2- المراد أنّ اللّه اختار أئمّة أهل البيت عليهم السّلام لهداية خلقه،و كذلك هم يختارون من يشاؤون شيعة لهم.

عزّ و جلّ يقول: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)؟أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون و يحدث في أئمّتكم عن الماضين و الباقين منهم عليهم السّلام؟أو ما رأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون إليها، و أعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه السّلام إلي أن ظهر الماضي عليه السّلام،كلّما غاب علم بدا علم، و إذا أفل نجم طلع نجم؟فلمّا قبضه اللّه إليه ظننتم أنّ اللّه تعالي أبطل دينه،و قطع السّبب بينه و بين خلقه،كلاّ ما كان ذلك و لا يكون حتّي تقوم السّاعة،و يظهر أمر اللّه سبحانه و هم كارهون.

و إنّ الماضي عليه السّلام مضي سعيدا فقيدا علي منهاج آبائه؛حذو النّعل بالنّعل،و فينا وصيّته و علمه،و من هو خلفه و من هو يسدّ مسدّه،لا ينازعنا موضعه إلاّ ظالم آثم، و لا يدّعيه دوننا إلاّ جاحد كافر،و لو لا أنّ أمر اللّه تعالي لا يغلب،و سرّه لا يظهر و لا يعلن،لظهر لكم من حقّنا ما تبين منه عقولكم،و يزيل شكوككم،لكنّه ما شاء اللّه كان،و لكلّ أجل كتاب.

فاتّقوا اللّه و سلّموا لنا،و ردّوا الأمر إلينا،فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد، و لا تحاولوا كشف ما غطّي عنكم و لا تميلوا عن اليمين،و تعدلوا إلي الشّمال، و اجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة علي السّنّة الواضحة،فقد نصحت لكم،و اللّه شاهد عليّ و عليكم،و لو لا ما عندنا من محبّة صلاحكم و رحمتكم،و الإشفاق عليكم،لكنّا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنّا به من منازعة الظّالم العتلّ الضّالّ المتتابع في غيّه، المضادّ لربّه،الدّاعي ما ليس له،الجاحد حقّ من افترض اللّه طاعته،الظّالم الغاصب.

و في ابنة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله لي أسوة حسنة و سيردي الجاهل رداءة عمله،و سيعلم9.

ص: 82


1- النساء 4:59.

الكافر لمن عقبي الدّار،عصمنا اللّه و إيّاكم من المهالك و الأسواء و العاهات كلّها برحمته،فإنّه وليّ ذلك و القادر علي ما يشاء،و كان لنا و لكم وليّا و حافظا،و السّلام علي جميع الأوصياء و الأولياء و المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته،و صلّي اللّه علي محمّد و آله و سلّم تسليما» (1).

و أعرب الإمام عليه السّلام في هذه الرسالة عن استيائه البالغ عمّا مني به بعض الشيعة من الانحراف عن الحقّ،و التشكيك في أمره عليه السّلام مع وجود الأمارات الظاهرة،و الأدلّة الحاسمة علي وجوده،و أنّ اللّه تعالي في جميع مراحل وجود الإنسان لا يخلي الأرض من حجّة ينصبه علما لهداية عباده،و إرشادهم إلي طريق الحقّ،كما شجب عليه السّلام المتصدّي للإمامة،و أكبر الظنّ أنّه جعفر الذي نعت بالكذّاب،فقد افتري علي اللّه كذبا،و تحمّل إثما عظيما.

4-رسالته عليه السّلام إلي محمّد الأسدي

و رفع محمّد بن جعفر إلي الإمام رسالة يسأله فيها عن بعض الأحكام الشرعيّة، فأجابه عليه السّلام عنها بما يلي:

«و أمّا ما سألت عنه من الصّلاة عند طلوع الشّمس و عند غروبها،فلئن كان كما يقولون:إنّ الشّمس تطلع بين قرني الشّيطان،و تغرب بين قرني الشّيطان،فما أرغم أنف الشّيطان بشيء أفضل من الصّلاة،فصلّها و أرغم أنف الشّيطان.

و أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف علي ناحيتنا،و ما جعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه، فكلّما لم يسلّم فصاحبه بالخيار،و كلّما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه،احتاج إليه صاحبه أو لم يحتج،افتقر إليه أو استغني عنه.

ص: 83


1- الغيبة/الطوسي:285-287.بحار الأنوار:178/53-180.

و أمّا ما سألت من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا،و يتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا،فمن فعل فهو ملعون،و نحن خصماؤه يوم القيامة،فقد قال النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله:المستحلّ من عترتي ما حرّم اللّه ملعون علي لساني و لسان كلّ نبيّ مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظّالمين لنا،و كان لعنة اللّه عليه لقوله تعالي: أَلاٰ لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَي الظّٰالِمِينَ (1)».

أجاب الإمام عليه السّلام عن بعض الفروع الفقهيّة التي سئل عنها،و هي:

1-مشروعيّة الصلاة عند شروق الشمس و عند غروبها،و لا سند لمن خالف ذلك،كما سخر عليه السّلام من القول بأنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان و تغيب كذلك، فإنّ هذا من مهازل الأفكار و الأقوال.

2-إنّ الوقف الخاصّ علي أهل البيت عليهم السّلام إذا احتاج إليه الواقف قبل تسليمه لهم فله ذلك؛لأنّ له الخيار في فسخ الوقف قبل تسليمه إلي الموقوف عليهم،أمّا بعد تسليمه لهم فليس له الفسخ و الرجوع في الوقف؛و ذلك للزومه،و عدم صحّة الرجوع فيه،و بذلك أفتي فقهاء الإماميّة.

3-عدم جواز التصرّف في الأموال الخاصّة لأهل البيت عليهم السّلام،فمن استحلّها فهو ظالم و غاصب لهم.

5-جوابه عليه السّلام عن أسئلة إسحاق

و رفع إسحاق بن يعقوب رسالة إلي الإمام عليه السّلام ضمّنها عدّة مسائل أشكلت عليه، و ذلك بتوسّط الثقة الزكيّ محمّد بن عثمان،فأجابه الإمام عليه السّلام:

«أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه،و ثبّتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا و بني عمّنا،

ص: 84


1- هود 11:18.كمال الدين:520-521.

فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ و جلّ و بين أحد قرابة،و من أنكرني فليس منّي،و سبيله سبيل ابن نوح عليه السّلام.

و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده،فسبيل إخوة يوسف علي نبيّنا و آله و عليه السّلام.

و أمّا الفقاع (1)فشربه حرام و لا بأس بالشّلماب (2).

و أمّا أموالكم فما نقبلها إلاّ لتطهروا فمن شاء فليصل،و من شاء فليقطع،فما آتانا اللّه خير ممّا آتاكم.

و أمّا ظهور الفرج فإنّه إلي اللّه عزّ و جلّ،و كذب الوقّاتون.

و أمّا قول من زعم أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل،فكفر و تكذيب و ضلال.

و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا،فإنّهم حجّتي عليكم، و أنا حجّة اللّه عليكم.

و أمّا محمّد بن عثمان العمريّ رضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل،فإنّه ثقتي و كتابه كتابي.

و أمّا محمّد بن عليّ بن مهزيار (3)الأهوازيّ فسيصلح اللّه قلبه،و يزيل عنه شكّه.

و أمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب و طهر،و ثمن المغنّية حرام.7.

ص: 85


1- الفقاع:شراب يتّخذ من ماء الشعير-مجمع البحرين:420/3.
2- الشلماب:شراب ليس بمسكر،شاع استعماله في تلك العصور.
3- محمّد بن عليّ بن مهزيار:عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام،و أضاف إنّه ثقة، و كذلك عدّه البرقي،و في(ربيع الشيعة)لابن طاووس أنّه من السفراء و الأبواب المعروفين الذين لا تختلف فيهم الإماميّة،جاء ذلك في معجم رجال الحديث:34/17.

و أمّا محمّد بن شاذان بن نعيم (1)فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت.

و أمّا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع (2)فإنّه ملعون و أصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم و إنّي منهم بريء و آبائي منهم براء.

و أمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النّيران.

و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلي وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث.

و أمّا ندامة قوم قد شكّوا في دين اللّه علي ما وصلونا به،فقد أقلنا من استقال و لا حاجة لنا في صلة الشّاكّين.

و أمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَسْئَلُواي.

ص: 86


1- محمّد بن شاذان بن نعيم:عدّه في الكافي ممّن رأي الإمام المنتظر عليه السّلام،جاء ذلك في معجم رجال الحديث:193/16.
2- محمّد بن مقلاص الأسدي الكوفي(بائع الأبراد):ضالّ،مضلّ،غال،مبتدع،كذّاب، لعنه الإمام الصادق عليه السّلام،و قال:«اللّهمّ العن أبا الخطّاب،فإنّه خوّفني قائما و قاعدا،و علي فراشي،اللّهمّ أذقه حرّ الحديد». و من بدعه أنّه زعم أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السّلام هو اللّه تعالي،و استحلّ جميع ما حرّم اللّه تعالي،و كان أصحابه كلّما ثقلت عليهم فريضة من فرائض اللّه تعالي قصدوه و قالوا له: يا أبا الخطّاب،خفّف عنّا،فيأمرهم بترك الفريضة حتّي تركوا جميع الفرائض،و أباح لأصحابه أن يشهد بعضهم لبعض بشهادة الزور،و قد كتب الإمام الصادق عليه السّلام إلي الآفاق يأمرهم بلعنه،و يحذّرهم من أضاليله. و قد أراح اللّه تعالي العباد من هذا الضالّ،فقتله عيسي بن موسي العبّاسي،توجد له ترجمة مفصّلة في معجم رجال الحديث:257/14-276.الكني و الألقاب:64/1. الكشّي.النجاشي.رجال الطوسي.رجال ابن الغضائري.

عَنْ أَشْيٰاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (1) ،إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ و قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و إنّي أخرج حين أخرج و لا بيعة لأحد من الطّواغيت في عنقي.

و أمّا وجه الإنتفاع في غيبتي فكالإنتفاع بالشّمس إذا غيّبتها عن الأبصار السّحاب، و إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النّجوم أمان لأهل السّماء،فاغلقوا أبواب السّؤال عمّا لا يعنيكم،و لا تتكلّفوا علي ما قد كفيتم،و أكثروا الدّعاء بتعجيل الفرج،فإنّ ذلك فرجكم.

و السّلام عليك يا إسحاق بن يعقوب،و علي من اتّبع الهدي» (2)

و بالإضافة إلي ما حفلت به هذه الرسالة من أجوبة الإمام عليه السّلام عن بعض الأحكام الشرعيّة،فقد حوت ما يلي:

1-إنّ بعض السادة من أبناء عمّ الإمام عليه السّلام الذين أنكروا وجوده مع توفّر العلامات و الأمارات علي وجوده قد حكم الإمام عليهم بالضلال و الانحراف عن الحقّ،و اللّه تعالي يحاسبهم و يعاقبهم علي ذلك.

2-إنّ ظهور الإمام عليه السّلام للقيام بنشر العدل و الحقّ بين الناس ليس بيده و لا بيد غيره،و إنّما هو موكول إلي اللّه تعالي،فهو الذي يحدّد ساعة ظهور وليّه العظيم.

3-إنّ بعض المشعوذين من أعداء الإسلام قد أشاع بين الناس أنّ سيّد الشهداء و أبا الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام لم يستشهد،و إنّما شبّه لقتلته المجرمين أنّه الحسين فقتلوا شبيهه،و هذا القول من أباطيل و أكاذيب القائلين به.

4-إنّ الإمام عليه السّلام قد أشاد بالزكي الثقة محمّد بن عثمان العمري،و أولاه المزيد1.

ص: 87


1- المائدة 5:101.
2- الغيبة/الطوسي:290-293.الاحتجاج:469/2-471.

من التكريم و التأييد،كما وثّق محمّد بن شاذان الذي هو من أعلام الشيعة في دينه و تقواه.

5-إنّه حذّر الشيعة و منعهم من الاتّصال بعصابة(أبي الخطّاب الأجدع)الضالّ الكذّاب،فإنّه و عصابته قد خرجوا عن الإسلام،و لم يرجوا للّه وقارا،فحرّموا ما أباح اللّه،و أباحوا ما حرّم اللّه،و الاتّصال بهم ضلال و غيّ.

6-حذّر الإمام عليه السّلام من يأكل أموال أهل البيت عليهم السّلام بالباطل،فإنّه غاصب لهم، و سيصلي سعيرا.

7-نهي الإمام عليه السّلام عن التعرّض و الخوض في الحكمة الداعية إلي غيابه و عدم ظهوره،فإنّ ذلك ليس باختياره و لا بمشيئته،و إنّما أمره بيد اللّه تعالي،و هو الخبير و العالم بجميع شؤون عباده.

8-عرض الإمام عليه السّلام إلي أنّه مصدر فيض و عطاء للناس في حال غيبته؛لأنّ اللّه تعالي يصرف عنهم العذاب ببركة وجود وليّه و حجّته،فهو أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.

9-إنّ الإمام عليه السّلام أمر شيعته بالدعاء له بالفرج ليقيم الحقّ،و يظهر العدل في الأرض.هذه بعض محتويات الرسالة من المطالب العالية.

6-رسائله عليه السّلام إلي الشيخ المفيد

اشارة

بعث الإمام المنتظر عليه السّلام بعدّة رسائل إلي ثقة الإسلام الشيخ المفيد قدّس سرّه (1)،

ص: 88


1- الشيخ المفيد:هو محمّد بن محمّد بن النعمان،من أعلام الإسلام،و من عظماء علماء الإماميّة.ولد سنة 338 ه،و نشأ نشأة علميّة،و تربّي علي التقي و الصلاح،لم ير مثله في تقواه و صلاحه و تحرّجه في الدين.ألّف ما يقرب من مائتي كتاب في مختلف العلوم و الفنون،و تزعّم الفرقة الإماميّة.توفّي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 413 ه،و كان يوم وفاته مشهودا،فقد شيّع بتشييع حافل،حضره ثمانون ألف رجل من الشيعة،و صلّي علي جنازته الشريف المرتضي ب(ميدان الأشنان)،و رثاه الشاعر الملهم مهيار الديلمي بقصيدة منها: يا مرسلا إن كنت مبلغ ميّت تحت الصّفائح قول حيّ مرسل فجّ الثّري الرّاوي و قل لمحمّد عن ذي فؤاد بالفجيعة مشعل من للخصوم اللّدّ بعدك غصّة في الصّدر لا تهوي و لا هي تعتلي من للجدال إذا الشّفاه تقلّصت و إذا اللّسان بريقه لم يبلل و يعرض في قصيدته التي هي مائة بيت إلي مواهب الشيخ المفيد،و يعدّد قدراته العلميّة،كما رثاه الشريف المرتضي بقصيدة عصماء يقول فيها: إنّ شيخ الإسلام و الدّين و العلم تولّي فأزعج الإسلاما و الّذي كان غرّة في دجي الأي ام أودي فأوحش الأيّاما كم جلوت الشّكوك تعرض في نصّ وصيّ و كم نصرت إماما و خصوم ملأتهم بالحقّ في حومة الخصام خصاما و يذكر الشريف الرضي فضائل الشيخ المفيد في قصيدته،و التي منها مناصرته للحقّ و دفاعه عن عقيدته و مبادئه،و عجز خصومه عن مجاراته. و قد وجدت علي قبره الشريف أبيات في رثائه للإمام المنتظر عليه السّلام،و هي: لا صوّت النّاعي بفقدك إنّه يوم علي آل الرّسول عظيم إن كنت قد غيّبت في جدث الثّري فالعدل و التّوحيد فيك مقيم و القائم المهديّ يفرح كلّما تليت عليك من الدّروس علوم عرضت لترجمته مصادر التاريخ و التراجم بصورة موضوعيّة و شاملة.

ذكر رسالتين منها الشيخ الطبرسي،و هما:

الرسالة الأولي:

«للأخ السّديد،و الوليّ الرّشيد،الشّيخ المفيد،أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد النّعمان،أدام اللّه إعزازه،من مستودع العهد المأخوذ علي العباد.

ص: 89

بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد،سلام عليك أيّها الوليّ المخلص في الدّين،المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،و نسأله الصّلاة علي سيّدنا و مولانا و نبيّنا محمّد و آله الطّاهرين.

و نعلمك-أدام اللّه توفيقك لنصرة الحقّ،و أجزل مثوبتك علي نطقك عنّا بالصّدق- أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة،و تكليفك ما تؤدّيه عنّا إلي موالينا قبلك،أعزّهم اللّه بطاعته،و كفاهم المهمّ برعايته لهم و حراسته،فقف-أيّدك اللّه بعونه-علي أعدائه المارقين من دينه علي ما أذكره،و أعمل في تأديته إلي من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء اللّه.

نحن و إن كنّا ثاوين بمكاننا النّائي عن مساكن الظّالمين،حسب الّذي أراناه اللّه تعالي لنا من الصّلاح،و لشيعتنا المؤمنين في ذلك،ما دامت دولة الدّنيا للفاسقين، فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شيء من أخباركم،و معرفتنا بالذّلّ الّذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلي ما كان السّلف الصّالح عنه شاسعا،و نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون،علي أنّا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللّأواء (1)،أو اصطلمكم (2)الأعداء.

فاتّقوا اللّه جلّ جلاله،و ظاهرونا علي انتياشكم (3)من فتنة قد أنافت (4)عليكم،ع.

ص: 90


1- اللأواء:الشدّة و ضيق المعيشة.
2- اصطلمه:استأصله.
3- انتاشه:أنقذه.
4- أناف:طال و ارتفع.

يهلك فيها من حمّ (1)أجله،و يحمي عنها من أدرك أمله،و هي أمارة الأزوف (2)، و مبائتكم بأمرنا و نهينا،و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون.

اعتصموا بالتّقيّة من شبّ نار الجاهليّة يحششها (3)عصب أمويّة،يهول بها فرقة مهديّة،أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن،و سلك في الطّعن منها السّبل المرضيّة إذا حلّ جمادي الأولي من سنتكم هذه،فاعتبروا بما يحدث فيه،و استيقظوا من رقدتكم لما يكون في الّذي يليه.

ستظهر لكم من السّماء آية جليّة،و من الأرض مثلها بالسّويّة،و يحدث في أرض المشرق ما يحزن و يقلق،و يغلب من بعد علي العراق طوائف عن الإسلام مرّاق، تضيق بسوء فعالهم علي أهله الأرزاق،ثمّ تنفرج الغمّة من بعد بوار طاغوت من الأشرار،ثمّ يسترّ بهلاكه المتّقون الأخيار،و يتّفق لمريدي الحجّ من الآفات ما يؤمّلونه منه علي توفير عليه منهم و اتّفاق،و لنا في تيسير حجّهم علي الإختيار منهم و الوفاق شأن يظهر علي نظام و اتّساق،فليعمل كلّ امرئ منكم بما يقرّب من محبّتنا،و يتجنّب ما يدنيه من كراهتنا،فإنّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة،و لا ينجيه من عقابنا ندم علي حوبة.

و اللّه يلهمكم الرّشد،و يلطف لكم في التّوفيق برحمته»

و قد وقّعه الإمام عليه السّلام بيده العليا،و كتب في أسفله:

«هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الوليّ،و المخلص في ودّنا الصّفيّ،و النّاصر لناا.

ص: 91


1- حمّ:قرب.
2- الأزوف:الاقتراب.
3- حشّ النار:أوقدها.

الوفيّ،حرسك اللّه بعينه الّتي لا تنام،فاحتفظ به،و لا تظهر علي خطّنا الّذي سطرناه بما ضمّناه أحدا،و أدّ ما فيه إلي من تسكن إليه،و أوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء اللّه،و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطّاهرين» (1).

حوت هذه الرسالة أمورا بالغة الأهميّة،و هي:

1-الإشادة بالشيخ المفيد،الذي هو أحد دعائم الإسلام في علمه و فضله و تقواه و شدّة تحرّجه في الدين،و أنّه قد سمح له في مكاتبة الإمام عليه السّلام و الاتّصال به، و تحمّله شرف السفارة بينه و بين الشيعة.

2-إنّ الإمام عليه السّلام قد أشار إلي المكان الذي يقيم به في حال غيبته،و أنّه بعيد عن مساكن الظالمين،و أنّ إقامته فيه محجوب عن أعين الناس،يستند إلي إرادة اللّه تعالي و مشيئته التي قضت بعدم ظهوره ما دامت دولة للفاسقين و الظالمين علي وجه الأرض.

3-من بنود هذه الرسالة أنّ الإمام عليه السّلام يتتبّع بكلّ دقّة جميع شؤون شيعته، و لا يعزب عنه أي أمر من أمورهم،فهو ساهر علي رعايتهم،و دفع البلاء عنهم، و لو لا عنايته بهم لأخذهم الظالمون من كلّ جانب و مكان،و قد أخبرهم عن فتنة و كارثة مدمّرة تحلّ بهم يهلك فيها الكثيرون.

4-إنّه أخبر عن بعض الملاحم التي ستظهر و تتحقّق قبل ظهوره عليه السّلام من حدوث آية جليّة في السماء،و غير ذلك ممّا سنذكره في فصول أخري من هذا الكتاب.

الرسالة الثانية:

وردت علي الشيخ المعظّم الشيخ المفيد نضّر اللّه مثواه،رسالة ثانية من

ص: 92


1- الاحتجاج:497/2-498.

الإمام عليه السّلام بتاريخ /23ذي الحجّة412/ ه،و هذا نصّها بعد البسملة:

«سلام اللّه عليك أيّها النّاصر للحقّ،الدّاعي إليه بكلمة الصّدق،فإنّا نحمد اللّه إليك الّذي لا إله إلاّ هو،إلهنا و إله آبائنا الأوّلين،و نسأله الصّلاة علي سيّدنا و مولانا محمّد خاتم النّبيّين،و علي أهل بيته الطّاهرين.

و بعد،فقد كنّا نظرنا مناجاتك،عصمك اللّه بالسّبب الّذي وهبه اللّه لك من أوليائه، و حرسك به من كيد أعدائه،و شفّعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ (1)من بهماء (2)صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السّباريت (3)من الإيمان،و يوشك أن يكون هبوطنا إلي صحصح (4)من غير بعد من الدّهر،و لا تطاول من الزّمان،و يأتيك نبأ ما يتجدّد لنا من حال،فتعرف بذلك ما نعتمده من الزّلفة إلينا بالأعمال،و اللّه موفّقك لذلك برحمته،فلتكن حرسك اللّه بعينه الّتي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم،حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين،يبتهج لذمارها المؤمنون،و يحزن لذلك المجرمون.

و آية حركتنا من هذه اللّوثة حادثة بالحرم المعظّم من رجس منافق مذمّم،مستحلّ للدّم المحرّم،يعمد بكيده أهل الإيمان،و لا يبلغ بذلك غرضه من الظّلم و العدوان، لأنّنا من وراء حفظهم بالدّعاء الّذي لا يحجب عن ملك الأرض و السّماء،فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب،و ليثقوا بالكفاية منه،و إن راعتهم بها الخطوب،و العاقبة بجميل صنع اللّه سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهيّ عن الذّنوب.ض.

ص: 93


1- الشمراخ:هم صنف من الخوارج من أصحاب عبد اللّه بن شمراخ.قاله الجوهري.
2- البهماء:الشدائد من الأمور.
3- السبريت:القليل التافه.
4- الصحصح:المستوي من الأرض.

و نحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص،المجاهد فينا الظّالمين،أيّدك اللّه بنصره الّذي أيّد به السّلف من أوليائنا الصّالحين،أنّه من اتّقي ربّه من إخوانك في الدّين، و أخرج ممّا عليه إلي مستحقّيه كان آمنا من الفتنة المبطلة،و محنها المظلمة،و من بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته علي من أمر بصلته،فإنّه يكون خاسرا لذلك لأولاده و آخرته،و لو أنّ أشياعنا وفّقهم اللّه لطاعته علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا،و لتعجّلت لهم السّعادة بمشاهدتنا علي حقّ المعرفة،و صدقها منهم بنا،فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل بنا ممّا نكرهه،و لا نؤثره منهم،و اللّه المستعان،و هو حسبنا و نعم الوكيل،و صلاته علي سيّدنا البشير النّذير، محمّد و آله الطّاهرين،و سلّم».

كتب في غرّة شوّال من سنة اثني عشرة و أربعمائة،و وقّع الكتاب بخطّه الشريف،و أضاف فيه:

«هذا كتابنا إليك أيّها الوليّ الملهم للحقّ،العليّ بإملائنا و خطّ ثقتنا،فاخفه عن كلّ أحد،و اطوه،و اجعل له نسخة يطّلع عليها من تسكن إلي أمانته من أوليائنا، شملهم اللّه ببركتنا إن شاء اللّه،الحمد للّه،و الصّلاة علي سيّدنا محمّد النّبيّ،و آله الطّاهرين» (1).

و حفلت هذه الرسالة بما يلي:

1-الإشادة بالشيخ المفيد،علم الإسلام و نبراسه المضيء،فقد نعته الإمام عليه السّلام (الناصر للحقّ)و(الداعي إليه بكلمة الصدق)،و هما من أسمي الصفات التي يتحلّي بها الصالحون و المتّقون من عباد اللّه.5.

ص: 94


1- الاحتجاج:324/2-325.

2-أشار الإمام عليه في هذه الرسالة إلي عدوّ ماكر للشيعة و للشيخ المفيد يكيد لهم في وضح النهار و في غلس الليل،و يبغي لهم الغوائل،و يثير ضدّهم الفتن، و لا يبلغ بذلك غرضه من الظلم و العدوان عليهم.

3-أحاط الإمام عليه السّلام شيعته علما بأنّهم مشمولون بدعائه لهم بالتأييد و التسديد، و السلامة من أعدائهم،و النجاة من ظلم الظالمين،و دعاؤه عليه السّلام لا يحجب عن اللّه تعالي.

4-أمر الإمام عليه السّلام شيعته-بهذه الرسالة-بتقوي اللّه تعالي،و الاجتناب عن معاصيه،و إخراج ما عليهم من الحقوق الشرعيّة،و لو أنّهم اتّقوا و أطاعوا اللّه تعالي إطاعة حقيقيّة لما حجب الإمام عنهم،و لتعجّلت لهم السعادة بمشاهدته،و لكنّ ذنوبهم هي التي حالت بينهم و بين الالتقاء بإمامهم المفدّي سلام اللّه عليه.

هذه بعض البنود التي احتوت عليها هذه الرسالة،و بهذا ينتهي بنا الحديث عن رسائله،و سنذكر كوكبة منها في البحوث الآتية.

ص: 95

نماذج من فقهه عليه السّلام

اشارة

و ما دمنا في البحث عن بعض تراثه الرائع نعرض إلي بعض المسائل الشرعيّة التي رفعتها إليه الشيعة علي يد سفرائه الأزكياء،فأجابهم عليه السّلام عنها،و هذه بعضها:

1-مسائل محمّد بن عبد اللّه بن جعفر

سأل محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الإمام المنتظر عليه السّلام عن مجموعة من المسائل الفقهيّة،و قد أرفقها برسالة جاء فيها بعد البسملة:

«أطال اللّه بقاءك،و أدام اللّه عزّك و تأييدك،و سعادتك و سلامتك،و أتمّ نعمته عليك،و زاد في إحسانه إليك،و جميل مواهبه لديك،و فضله عندك،و جعلني من السوء فداك،و قدّمني قبلك،الناس يتنافسون في الدرجات،فمن قبلتموه كان مقبولا،و من دفعتموه كان وضيعا،و الخامل من وضعتموه،و نعوذ باللّه من ذلك، و ببلدنا-أيّدك اللّه-جماعة من الوجوه يتساوون،و يتنافسون في المنزلة،و ورد أيّدك اللّه كتابك إلي جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة(ص) (1).

و أخرج عليّ بن محمّد بن الحسن بن الملك المعروف ب(ملك بادوكة)و هو ختن(ص)رحمه اللّه من بينهم،فاغتمّ بذلك،و سألني أيّدك اللّه أن أعلمك ما ناله من ذلك،فإن كان من ذنب فيستغفر اللّه منه،و إن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء اللّه،و قد عودّتني-أدام اللّه عزّك-من تفضّلك ما أنت أهل أن تخبرني علي العادة،و قبلك،أعزّك اللّه،فقهاؤنا قالوا:محتاجين إلي أشياء تسأل لنا عنها...».

ص: 96


1- لقد كانت للإمام عليه السّلام مجموعة من الرسائل بعثها إلي خيار الشيعة،و لكنّا لم نعثر عليها سوي ما ذكرناه.الغيبة:375.الاحتجاج:301/2.بحار الأنوار 151/53.

و دلّ هذا الكتاب علي أنّ كاتبه من عناصر الإيمان و التقرّب،فقد كان من العارفين بمنزلة الإمام العظيم صلوات اللّه عليه،ثمّ أعقب بعد هذه الرسالة بالمسائل التالية:

المسألة الاولي:روي لنا عن العالم عليه السّلام أنّه سئل عن إمام قوم صلّي بهم بعض صلاتهم،و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه،فقال:«يؤخّر،و يتقدّم بعضهم،و يتمّ صلاتهم،و يغتسل من مسّه؟».

الجواب:«ليس علي من نحّاه إلاّ غسل اليد،و إذا لم يحدث حادثة تقطع الصّلاة تمّم صلاته مع القوم».

توضيح ما أفاده الإمام-أرواحنا له الفداء-:إنّ إمام الجماعة إذا حدثت به حادثة أثناء الصلاة كالموت،فمن نحّاه عن مكانه و مسّ بدنه فليس عليه إلاّ غسل يده؛لأنّ مسّ بدن الميّت في حال وفاته و قبل برده لا يوجب الغسل،أمّا من ائتمّوا به فلهم أن يقدّموا واحدا منهم ليؤمّهم،و أمّا إذا كانت الحادثة التي نزلت بالإمام غير الموت -كالإغماء مثلا-ثمّ أفاق في أثناء الصلاة،فله أن يتوضّأ و يأتمّ بمن صلّي مكانه.

المسألة الثانية:روي عن العالم أنّ من مسّ ميّتا بحرارته غسل يده،و من مسّه و قد برد فعليه الغسل،و هذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلاّ بحرارة،فالعمل بذلك علي ما هو و لعلّه ينحيه بثيابه و لا يمسّه،فكيف يجب عليه الغسل؟

الجواب:«إذا مسّه علي هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده».

المسألة الثالثة:صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو ركوع أو سجود، و ذكره في حال أخري قد صار فيها من هذه الصلاة،هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟

و قبل عرض جواب الإمام عليه السّلام نذكر صلاة جعفر،و هي من المستحبّات الأكيدة، و تسمّي(صلاة التسبيح)و(صلاة الحبوة)،و الأخبار في استحبابها مشهورة بين

ص: 97

العامّة و الخاصّة،و هي:أربع ركعات بتسليمتين،يقرأ في كلّ منهما الفاتحة و سورة، ثمّ يقول:«سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر»خمس عشرة مرّة، و كذا يقول في الركوع عشر مرّات،و بعد رفع الرأس منه يقول عشر مرّات،و كذا في السجدة الثانية عشر مرّات،و بعد رفع الرأس منها يقول عشر مرّات،و كذا في السجدة الثانية عشر مرّات،و بعد رفع الرأس عشر مرّات،ففي كلّ ركعة خمس و سبعون مرّة،و مجموعها ثلاثمائة تسبيحة (1).

الجواب:«إذا سها في حالة من ذلك،ثمّ ذكر في حالة أخري قضي ما فاته في الحالة الّتي ذكره.لو سها عن بعض الأذكار كالتّسبيحات يأتي بها في المحلّ الآخر و صحّت صلاته».

المسألة الرابعة:المرأة يموت زوجها يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟

الجواب:«تخرج في جنازته».

المسألة الخامسة:هل يجوز في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

الجواب:«تزور قبر زوجها،و لا تبيت عن بيتها».

أقول:عدّة المرأة التي يتوفّي عنها زوجها ترك الزينة التي تعتادها المرأة، و لا مانع من زيارتها لقبر زوجها،و غيره ممّا تحتاج إليه في شؤونها المنزليّة،كما سيوضّحه الإمام عليه السّلام.

المسألة السادسة:هل يجوز لها أن تخرج في قضاء يلزمها،أم لا تخرج و هي في عدّتها؟

الجواب:«إذا كان حقّ خرجت فيه و قضته،و إن كانت لها حاجة و لم يكن لها من6.

ص: 98


1- العروة الوثقي:105/2 و 106.

ينظر فيها خرجت بها حتّي تقضيها،و لا تبيت إلاّ في بيتها».

المسألة السابعة:روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها:أنّ العالم عليه السّلام قال:

«عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كيف تقبل صلاته».

و روي:«ما زكت صلاة من لم يقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ ».

و روي:«أنّ من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثّواب قدر الدّنيا»،فهل يجوز أن يقرأ الهمزة و يدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنّه لا تقبل صلاة و لا تزكو إلاّ بهما؟

أجاب الإمام عليه السّلام عن هذه المسائل الثلاث بما يلي:

الجواب:«الثّواب في السّور علي ما قد روي،و إذا ترك سورة ممّا فيها الثّواب و قرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ أو إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ و ثواب السّورة الّتي ترك،و يجوز أن يقرأ غير هاتين السّورتين و تكون صلاته تامّة،و يكون قد ترك الفضل».

المسألة الثامنة:وداع شهر رمضان متي يكون؟فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول:يقرأ في آخر ليلة منه،و بعضهم يقول:هو في آخر يوم منه إذا رأي هلال شوّال.

الجواب:«العمل في شهر رمضان في لياليه،و الوداع يقع في آخر ليلة منه،فإذا خاف أن ينقص الشّهر جعله في ليلتين».

المسألة التاسعة:قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (1)أنّ رسول9.

ص: 99


1- التكوير 81:19.

اللّه صلّي اللّه عليه و اله المعنيّ به ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (1)،ما هذه الطاعة؟ و أين هي؟

و قد أحال الإمام عليه السّلام الجواب عن هذه الآيات إلي مصادر التفسير،و لم يجب عنها.

2-مسائل أخري لمحمّد

و وجّه محمّد بن عبد اللّه الحميري مسائل أخري إلي الإمام عليه السّلام،و قد رفقها بهذه الكلمات:فرأيك-أدام اللّه عزّك-في تأمّل رقعتي،و التفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلي سائر أياديك عندي،و منّك عليّ،و هذه المسائل:

الأولي:المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلي الركعة الثالثة،هل يجب عليه أن يكبّر؟فإنّ بعض أصحابنا قال:لا يجب عليه التكبير،و يجزيه أن يقول:«بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد».

الجواب:«إنّ فيه حديثين:أمّا أحدهما،فإنّه إذا انتقل من حالة إلي حالة أخري فعليه التّكبير،و أمّا الآخر فإذا رفع رأسه من السّجدة الثّانية فكبّر ثمّ جلس،ثمّ قام، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير،و كذلك في التّشهّد الأوّل يجري مثل هذا المجري،و بأيّهما أخذت من باب التّسليم كان صوابا».

أقول:التكبير في حال القيام من التشهّد الأوّل و غيره ليس بواجب،و المكلّف مخيّر بين ذكره و عدمه.

الثانية:الفصّ(الخماهن)هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟

الجواب:«فيه كراهيّة أن يصلّي فيه،و فيه أيضا إطلاق،و العمل علي الكراهة».

ص: 100


1- التكوير 81:20.

أقول:لم أجد في مصادر اللغة التي بيدي ذكر لفص(الخماهن)الذي تكره فيه الصلاة.

الثالثة:رجل اشتري هديا لرجل غاب عنه،و سأله أن ينحر عنه هديا ب(مني)، فلمّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل و نحر الهدي،ثمّ ذكره بعد ذلك،أيجزي عن الرجل أم لا؟

الجواب:«لا بأس بذلك،و قد أجزأ عن صاحبه».

أقول:و قد أفتي فقهاء الإماميّة علي ضوء هذه الرواية و غيرها ممّا أثر عن أئمّة الهدي عليهم السّلام فقالوا بالإجزاء إن نسي المستودع عنده المال اسم صاحبه،فنحر أو ذبح الهدي عن صاحب المال.

الرابعة:عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة،و لا يغتسلون في الجنابة،و ينسجون لنا ثيابا،فهل يجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟

الجواب:«لا بأس بالصّلاة فيها».

أقول:و إنّما جازت الصلاة في الثياب التي نسجتها المجوس؛و ذلك لعدم العلم بأنّهم مسّوها برطوبة كي تنفعل بنجاستهم،و مع الشكّ في ذلك تجري أصالة الطهارة.

الخامسة:المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة،فإذا سجد يغلط بالسجادة، و يضع جبهته علي(مسح (1)أو نطع (2)،فإذا وقع رأسه وجد السجّادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد؟م.

ص: 101


1- المسح:اللباس.
2- النطع:بساط من الأديم.

الجواب:«ما لم يستو جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» (1).

أقول:يشترط في السجود أن يكون علي الأرض أو ما أنبتت غير المأكول و الملبوس،فإذا سجد علي ما لا يصحّ السجود عليه وجب عليه أن يرفع رأسه و يضع جبهته علي ما يصحّ السجود عليه،و لو كان الالتفات رفع الرأس وجب إعادة السجدة،و الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها (2).

السادسة:المحرم يرفع الظلال،هل يرفع خشب العارية أو الكنيسة (3)و يرفع الجناحين أم لا؟

الجواب:«لا شيء عليه في ترك رفع الخشب».

أقول:من التروك الواجبة للمحرم في حجّ أو عمرة ترك التظليل،فإذا جلس في سيّارة لها ظلّ أو في محمل كذلك وجب عليه أن يكفّر بشاة،أمّا إذا أزيل سقف السيّارة أو المحمل فليس عليه شيء كما أفاد الإمام أرواحنا له الفداء.

السابعة:المحرم يستظلّ من المطر بنطع أو غيره حذرا علي ثيابه،و ما في محمله أن يبتلّ،فهل يجوز ذلك؟

الجواب:«إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه،فعليه دم».

أقول:و إنّما وجبت الشاة علي المحرم الذي استظلّ عن المطر،بسبب استظلاله4.

ص: 102


1- الخمرة:سجّادة صغيرة تعمل من سعف النخل،و تزمّل بالخيوط لأجل السجود عليها- مجمع البحرين:701/1.
2- الإمام الخوئي قدّس سرّه في تعليقة علي العروة الوثقي-في فروع السجود.
3- العماريّة:المحمل الذي يوضع علي الناقة.الكنيسة:شيء يوضع في المحمل أو الرحل، و يلقي عليه ثوب يستظلّ به الراكب،و في الحديث:«لا يركب المحرم في الكنيسة»، و هي للنساء جائز-مجمع البحرين:76/4.

الذي هو من التروك للمحرم.

التاسعة:الرجل يحجّ عن أحد،هل يحتاج أن يذكر الذي حجّ عنه عند عقد إحرامه أم لا؟و هل يجب أن يذبح عمّن حجّ عنه و عن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟

الجواب:«يجزيه هدي واحد،و إن لم يفصل فلا بأس».

أقول:أفاد الإمام عليه السّلام ضمنا بعدم الحاجة إلي ذكر المنوب عنه حين عقد الإحرام؛لأنّ الداعي للنيابة في الحجّ موجود في دخائل النفس،و هو كاف في صحّة العمل،كما أنّ الهدي الواحد يجزي لأنّه هدي عن المنوب عنه لا عن نفس النائب.

العاشرة:هل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خزّ أم لا؟

الجواب:«لا بأس بذلك،و قد فعله قوم صالحون».

أقول:لا مانع من الإحرام في كساء خزّ،و إنّما لا يصحّ الإحرام في صوف و شعر و وبر ممّا لا يؤكل لحمه،و لا في النجس غير المعفو عنه في الصلاة،و لا في المخيط حسبما ذكره الفقهاء (1).

الحادية عشرة:هل يجوز للرجل أن يصلّي في بطيط لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟

الجواب:«جائز».

الثانية عشرة:يصلّي الرجل و في كمّه أو سراويله سكّين أو مفتاح حديد،هل1.

ص: 103


1- اللمعة الدمشقيّة-كتاب الحجّ:231.

يجوز ذلك؟

الجواب:«جائز».

الثالثة عشرة:الرجل يكون معه بعض هؤلاء،و يكون متّصلا بهم بحجّ و يأخذ علي الجادة و لا يحرم هؤلاء،من المسلخ (1)،فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخّر إحرامه إلي(ذات عرق)فيحرم معهم،لما يخاف الشهوة،أم لا يجوز إلاّ أن يحرم من المسلخ؟

الجواب:«يحرم من الميقات،و يلبّي في نفسه،فإذا بلغ إلي ميقاتهم أظهر».

أقول:الاجتياز علي الميقات لمن أراد الحجّ أو العمرة موجب للإحرام منه،فإذا خاف المكلّف علي نفسه من الإحرام من رفقائه الذين لا يرون الإحرام من ذلك الميقات وجب عليه أن يحرم منه و يخفي إحرامه عنهم.

الرابعة عشرة:لبس النعل المعطون،فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريه؟

الجواب:«جائز،و لا بأس به».

أقول:النعل المعطون هو الجلد المدبوغ،و لا مانع من الصلاة فيه.

الخامسة عشرة:الرجل من وكلاء الوقف مستحلّ لما في يده،و لا يرع عن أخذ ماله،ربّما نزلت في قريته و هو فيها،أو أدخل منزله،و قد حضر طعامه فيدعوني إليه،فإن لم آكل من طعامه عاداني و قال:فلان لا يستحلّ أن يأكل من طعامنا،فهل يجوز أن آكل من طعامه،و أتصدّق بصدقة؟و كم مقدار الصدقة؟و إن أهدي هذا الوكيل هدية إلي رجل آخر فأحضر فيدعوني إلي أن أنال منها،و أنا أعلم أنّ الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده،فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟ه.

ص: 104


1- المسلخ:أحد جوانب العقيق،و هو ميقات أهل العراق،و يستحب أن يحرم منه.

الجواب:«إن كان لهذا الرّجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه،و أقبل برّه،و إلاّ فلا».

أقول:إذا علم المكلّف تفصيلا بأنّ من دعاه لتناول الطعام عنده كان من الأموال المغصوبة فليس له من سبيل لتناوله،و إن علم أنّ عنده أموالا من الحلال و أموالا مغصوبة،و شكّ في الطعام الذي قدّم له أو غيره من الهدايا هل هي من الأموال المغصوبة أم من غيرها فهو في سعة من تناولها.

السادسة عشرة:رجل ممّن يقول بالحقّ،و يري المتعة،و يقول بالرجعة،إلاّ أنّ له أهلا موافقة له في جميع أموره،و قد عاهدها أن لا يتزوّج عليها،و لا يتمتّع و لا يتسرّي،و قد فعل هذا منذ تسع عشرة سنة،و وفي بقوله،فربّما عاب عن منزله الأشهر فلا يتمتّع،و لا تتحرّك نفسه أيضا لذلك،و يري أنّ وقوف من معه من أخ و ولد و غلام و وكيل و حاشية ما يقلّله في أعينهم،و يحبّ المقام علي ما هو عليه محبّة لأهله،و ميلا إليها،و صيانة لها و لنفسه؛لا لتحريم المتعة بل يدين للّه بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟

الجواب:«يستحبّ له أن يطيع اللّه تعالي بالمتعة ليزول عنه الحلف بالمعصية و لو مرّة» (1).

أقول:اليمين و النذر إنّما ينعقدان علي الشيء الراجح،أمّا المرجوح فعلا و تركا فلا ينعقدان فيه،و ترك المتعة باليمين ليس مرجوحا،فقد نطق القرآن بحلّيّتها،و أمّا تحريمها فهو من الاجتهاد قبال النصّ فلا يلتفت إليه،و قد عرضت كتب الشيعة إلي بحث هذه المسألة بصورة موضوعيّة و شاملة.5.

ص: 105


1- الاحتجاج:483/2-485.

3-مسائل محمّد

و رفع محمّد بن عبد اللّه الحميري إلي الإمام عليه السّلام مجموعة أخري من المسائل يطلب الإجابة عنها،فأجابه عليه السّلام عنها،و هي:

الأولي:المحرم يجوز أن يشدّ المئزر من خلفه علي عقبه بالطول،و يرفع طرفيه إلي حقويه،و يجمعهما في خاصرته،و يعقدهما و يخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه،و يرفعهما إلي خاصرته و يشدّ طرفيه إلي وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك،فإنّ المئزر الأوّل كنّا نتّزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، و هذا ستر؟

الجواب:«جاز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر شيئا حدثا بمقراظ و لا إبرة يخرجه به عن حدّ المئزر،و غرزه غرزا،و لم يعقده،و لم يشدّ بعضه ببعض و إذا غطّي سرّته و ركبتيه كلاهما فإنّ السّنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السّرّة و الرّكبتين،و الأحبّ إلينا و الأفضل لكلّ أحد شدّه علي السّبيل المألوفة المعروفة للنّاس جميعا إن شاء اللّه تعالي.

أقول:يشترط في ثوبي الإحرام أن يكونا غير مخيطين،و أن لا يكونا معقودين يحيطان بالبدن كلّه،و أمّا الصورة التي سئل عليه السّلام عنها فقد أجاب الإمام عليه السّلام بالجواز.

الثانية:هل يجوز أن يشدّ-أي المحرم-عليه مكان العقد تكّة؟

الجواب:«لا يجوز شدّ المئزر بشيء سواه من تكّة و لا غيرها».

الثالثة:التوجّه للصلاة،هل علي المصلّي أن يقول:«علي ملّة إبراهيم،و دين محمّد صلّي اللّه عليه و اله»،فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه إذا قال:«علي دين محمّد صلّي اللّه عليه و اله»فقد أبدع لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم عن جدّه،

ص: 106

عن الحسن بن راشد،أنّ الصادق عليه السّلام قال للحسن:كيف تتوجّه؟

فقال:أقول:لبّيك و سعديك.

فقال له الصادق:ليس عن هذا أسألك كيف تقول:وجّهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا مسلما؟

قال الحسن:أقول:

فقال الصادق عليه السّلام:إذا قلت ذلك فقل:علي ملّة إبراهيم،و دين محمّد صلّي اللّه عليه و اله، و منهاج عليّ بن أبي طالب،و الائتمام بآل محمّد حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين؟

الجواب:التّوجّه كلّه ليس بفريضة،و السّنّة المؤكّدة فيه الّتي هي كالإجماع الّذي لا خلاف فيه:وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات و الأرض حنيفا مسلما علي ملّة إبراهيم،و دين محمّد،و هدي أمير المؤمنين،و ما أنا من المشركين،إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه ربّ العالمين،لا شريك له،و بذلك أمرت و أنا من المسلمين.

اللّهمّ اجعلني من المسلمين،أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم،بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،ثمّ اقرأ الحمد».

أقول:إنّ هذه الأدعية و الأذكار من السنن المستحبّة،و ليست من الواجبات في الصلاة،و قد عيّن الإمام عليه السّلام كيفيّتهما بما ذكره.

الرابعة:القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه يجوز أن يردّ يديه علي وجهه و صدره،للحديث الذي روي:«إنّ اللّه عزّ و جلّ أجلّ من أن يردّ يدي عبده صفرا،بل يملأها من رحمته»أم لا يجوز،فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه عمل في الصلاة؟

الجواب:ردّ اليدين من القنوت علي الرّأس و الوجه غير جائز في الفرائض،و الّذي

ص: 107

عليه العمل فيه،إذا رجع يده في قنوت الفريضة و فرغ من الدّعاء أن يردّ بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه علي تمهّل و يكبّر،و يركع،و الخبر صحيح و هو في نوافل النّهار و اللّيل دون الفرائض،و العمل به فيها أفضل».

أقول:القنوت من المستحبّات في جميع الصلوات،فريضة كانت أو نافلة، و قد أفاد الإمام عليه السّلام كيفيّته في الفرائض و النوافل.

الخامسة:سجدة الشكر بعد الفريضة،فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة،و إن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟

الجواب:«سجدة الشّكر من ألزم السّنن و أوجبها،و لم يقل:إنّ هذه السّجدة بدعة إلاّ من أراد أن يحدث بدعة في دين اللّه».

إنّ سجدة الشكر للّه تعالي من المستحبّات الأكيدة،و من قال:إنّها بدعة فلا نصيب له من المعرفة و الفقه بدين اللّه،و قد أعقب الإمام عليه السّلام بعد نفي البدعة عنها بقوله:

«فأمّا الخبر المرويّ فيها بعد صلاة المغرب،و الاختلاف في أنّها بعد الثلاث أو بعد الأربع،فإنّ فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض علي الدعاء بعقيب النوافل،كفضل الفرائض علي النوافل،و السجدة دعاء و تسبيح،فالأفضل أن تكون بعد الفرض، فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز».

إنّ سجدة الشكر دعاء و تسبيح،و الأفضل أن تقع بعد الفريضة مباشرة،و يجوز أن تقع بعد نوافل الفريضة.

السادسة:إنّ لبعض إخواننا ممّن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب،

ص: 108

للسلطان فيها حصّة،و أكرته-أي عمّالها-ربّما زرعوا حدودها،و يؤذيهم عمّال السلطان،و يتعرّضون في الكلّ من غلات ضيعته،و ليس لها قيمة لخرابها،و إنّما هي بائرة منذ عشرين سنة،و هو يتحرّج من شرائها لأنّه يقال:إنّ هذه الحصّة من هذه الضيعة كانت قبضت علي الوقف قديما للسلطان،فإن جاز شراؤها من السلطان، و كان ذلك صلاحا له و عمارة لضيعته،و أنّه يزرع هذه الحصّة من القرية البائرة لفصل ماء ضيعته العامرة،و ينحسم عنه طمع أولياء السلطان،و إن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه تعالي.

الجواب:«الضّيعة لا يجوز ابتياعها إلاّ من مالكها أو بأمره،أو رضاء منه».

أقول:إنّ الضيعة التي هي ملاصقة لضيعته،و هي خراب،لا يعلم أنّها ملك للسلطان،فلا يجوز شراؤها منه،و إنّما عليه أن يتحرّي و يعرف مالكها ليشتريها منه، حسبما تفضّل الإمام عليه السّلام.

السابعة:رجل استحلّ امرأة خارجة من حجابها،و كان يحترز من أن يقع له ولد، فجاءت بابن فتحرّج الرجل إلاّ يقبله،فقبله و هو شاك فيه،و جعل يجري النفقة علي أمّه و عليه حتّي ماتت الأمّ،و هو ذا يجري عليه غير أنّه شاكّ فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممّن يحبّ أن يخلطه بنفسه،و يجعله كسائر ولده فعل ذلك،و إن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقّه فعل؟

الجواب:«الإستحلال بالمرأة يقع علي وجوه،و الجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الّذي وقع الإستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء اللّه».

أقول:لم يفصح السائل عن أيّة صورة من صور استحلال المرأة أرادها،فأحال الإمام عليه السّلام الجواب إلي أن يعيّن السائل الصورة التي أرادها.

ص: 109

الثامنة:التماس الدعاء من الإمام عليه السّلام للسائل.

الجواب:«جاد اللّه عليه بما هو جلّ و تعالي أهله،إيجابنا لحقّه،و رعايتنا لأبيه رحمه اللّه،و قربه منّا،و قد رضينا بما علمناه من جميل نيّته،و وقفنا عليه من مخاطبته، المقرّ له من اللّه الّتي يرضي اللّه عزّ و جلّ و رسوله و أولياؤه عليهم السّلام و الرّحمة بما بدأنا.

نسأل اللّه بمسألته ما أمّله من كلّ خير عاجل و آجل،و أن يصلح له من أمر دينه و دنياه ما يجب صلاحه،إنّه وليّ قدير» (1).

أقول:و حكي هذا الدعاء مدي تكريم الإمام عليه السّلام للسائل،و أنّه من عناصر التقوي و الصلاح.

4-مسائل محمّد

و من بين مسائل محمّد بن عبد اللّه الحميري المسائل التالية،و قد شفعها بهذه الرسالة الموجزة:

«أطال اللّه بقاءك،و أدام عزّك و كرامتك،و سعادتك و سلامتك،و أتمّ نعمته عليك،و زاد في إحسانه إليك،و جميل مواهبه لديك،و فضله عليك،و جزيل قسمه لك،و جعلني من السوء كلّه فداك،و قدّمني قبلك».

و هذا نصّ مسائله:

الأولي:إنّ قبلنا مشايخ و عجائز يصومون رجب منذ ثلاثين سنة،و يصلون شعبان و شهر رمضان،و روي لهم بعض أصحابنا:أنّ صومه معصية.

ص: 110


1- الاحتجاج:306/2-309.

الجواب:«يصوم منه أيّاما إلي خمسة عشر يوما،إلاّ أن يصومه عن الثّلاثة أيّام الفائتة للحديث:إنّ نعم شهر للقضاء رجب».

أقول:و حمل الشيخ الحرّ العاملي الرواية علي نفي تأكّد الاستحباب (1).

الثانية:رجل يكون في محمله الثلج كثير-بقامة رجل-،فيتخوّف إن نزل الغوص فيه،و ربّما يسقط الثلج و هو علي تلك الحال،و لا يستوي له أن يلبد شيء منه لكثرته و تهافته،هل يجوز أن يصلّي في المحمل الفريضة؟فقد فعلنا ذلك أيّاما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟

الجواب:«لا بأس به عند الضّرورة و الشّدّة».

أقول:إنّ أدلّة رفع العسر و الحرج حاكمة علي الأدلّة الأوّليّة القاضيّة بلزوم أداء الصلاة علي سطح الأرض،فهذا الحكم يرتفع عند الضرورة.

الثالثة:الرجل يلحق الإمام هو راكع فيركع معه،و يحتسب تلك الركعة،فإنّ بعض أصحابنا قال:إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة.

الجواب:«إذا لحق-أي المأموم-مع الإمام من تسبيح الرّكوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الرّكعة،و إن لم يسمع تكبيرة الرّكوع».

أقول:إذا أدرك المأموم الإمام في حال الركوع قبل أن يرفع رأسه حسبت له ركعة واحدة،و ظفر بثواب الجماعة.

الرابعة:أهل الجنّة هل يتوالدون فيها إذا دخلوا أم لا؟

الجواب:«أهل الجنّة لا حمل فيها للنّساء،و لا ولادة،و لا طمث،و لا نفاس،7.

ص: 111


1- وسائل الشيعة:356/7.

و لا شقاء بالطّفوليّة،و فيها ما تشتهي الأنفس،و تلذّ الأعين،كما قال سبحانه.

فإذا اشتهي المؤمن ولدا خلقه اللّه بغير حمل،و لا ولادة علي الصّورة الّتي يريد، كما خلق آدم».

الخامسة:هل يجوز للرجل أن يتزوّج ابنة امرأته؟

الجواب:«إن كانت ربّيت في حجره فلا يجوز،و إن لم تكن ربّيت في حجره و كانت أمّها في غير عياله،فقد روي أنّه جائز».

أقول:الربيّة تحرم علي زوج أمّها،و تكون كإحدي بناته إن دخل بأمّها،و إن لم يدخل بأمّها و طلّقها أو وهبها المدّة إن كان العقد منقطعا فلا تحرم البنت عليه.

السادسة:طين القبر يوضع مع الميّت في قبره،هل يجوز ذلك أم لا؟

الجواب:«يوضع مع الميّت في قبره،و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه».

أقول:و أكبر الظنّ أنّ المراد بطين القبر الذي يوضع مع الميّت هو طين قبر سيّد شباب أهل الجنّة،و ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله الإمام الحسين عليه السّلام.

السابعة:روي لنا أنّ الصادق عليه السّلام كتب علي إزار ابنه إسماعيل:«يشهد أن لا إله إلاّ اللّه»،فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟

الجواب:«يجوز ذلك».

الثامنة:هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر،و هل فيه فضل؟

الجواب:يسبّح الرجل به،فما من شيء أفضل منه،و من فضله أنّ الرجل ينسي التسبيح،و يدير السبحة فيكتب له التسبيح.

التاسعة:السجدة علي لوح من طين القبر،هل فيها فضل؟

ص: 112

الجواب:«يجوز ذلك،و فيه الفضل».

أقول:الطين قطعة من الأرض،و قد أمرنا بالسجود عليها تعظيما للّه تعالي، و أفضل بقاع الأرض و أشرفها هي كربلاء التي استشهد عليها ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، و سيّد شباب أهل الجنّة،الإمام الحسين صلوات اللّه عليه،فالسجود علي تربة أخذت من كربلاء هو من أفضل أنواع السجود للّه تعالي،و قد تحامل علي الشيعة قوم لا إيمان لهم فقالوا:إنّهم يعبدون التربة الحسينيّة،و قد غاب عنهم أنّهم يسجدون للّه عزّ اسمه علي أفضل بقعة من بقاع أرضه،و لا يسجدون للتربة،و إنّما يسجدون عليها.

العاشرة:الرجل يزور قبور الأئمّة عليهم السّلام،هل يجوز أن يسجد علي القبر أم لا؟

و هل يجوز لمن صلّي عند بعض قبورهم أن يقوم وراء القبر،و يجعل القبر قبلة، و يقوم عند رأسه و رجليه؟و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعل القبر خلفه أم لا؟

الجواب:«أمّا السّجود علي القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة،و الّذي عليه العمل أن يضع خدّه الأيمن علي القبر.

و أمّا الصّلاة فإنّها خلفه،و يجعل القبر أمامه،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه، و لا عن يمينه،و لا عن يساره؛لأنّ الإمام صلّي اللّه عليه و آله لا يتقدّم و لا يساوي».

أقول:لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة عليهم السّلام دون يمينها و شمالها،و الأولي الصلاة عند جهة الرأس علي وجه لا يساوي الإمام عليه السّلام (1).

الحادية عشرة:يجوز للرجل أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبّح أو لا يجوز؟1.

ص: 113


1- العروة الوثقي:401/1.

الجواب:«يجوز ذلك،و الحمد للّه ربّ العالمين».

الثانية عشرة:يجوز للرجل إذا صلّي الفريضة أو النافلة و بيده السبحة أن يديرها و هو في الصلاة؟

الجواب:«يجوز ذلك إذا خاف السّهو و الغلط».

الثالثة عشرة:روي عن(الفقيه)خبر مأثور إذا كان الوقف علي قوم بأعيانهم و أعقابهم،فاجتمع أهل الوقف علي بيعه،و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه،فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم علي البيع،أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلّهم علي ذلك؟و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟

الجواب:«إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه،و إن كان علي قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و متفرّقين إن شاء اللّه».

الرابعة عشرة:هل يجوز للمحرم أن يصير علي إبطه المرتك و التوتيا لريح العرق أم لا يجوز؟

الجواب:«يجوز ذلك،و باللّه التّوفيق».

الخامسة عشرة:الضرير إذا شهد في حال صحّته علي شهادة،ثمّ كفّ بصره، و لا يري خطّه فيعرفه،هل تجوز شهادته أم لا؟و إن ذكر هذا الضرير الشهادة هل يجوز أن يشهد علي شهادته أم لا يجوز؟

الجواب:«إذا حفظ الشّهادة و حفظ الوقت جازت شهادته».

السادسة عشرة:الرجل يقف ضيعة أو دابّة،و يشهد علي نفسه باسم بعض وكلاء الوقف،ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيّر أمره،و يتولّي غيره،هل يجوز أن يشهد

ص: 114

الشاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد،أم لا يجوز ذلك؟

الجواب:«لا يجوز ذلك؛لأنّ الشّهادة لم تقم للوكيل،و إنّما قامت للمالك، و قد قال اللّه: وَ أَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ (1)».

السابعة عشرة:الركعتان الأخيرتان قد كثرت فيهما الروايات،فبعض يروي أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل،و بعض يروي:أنّ التسبيح فيهما أفضل،فالفضل لأيّهما لنستعمله؟

الجواب:«قد نسخت أمّ الكتاب-يعني سورة الحمد-في هاتين الرّكعتين،و الّذي نسخ التّسبيح قول العالم عليه السّلام:كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج (2)إلاّ العليل،أو يكثر عليه السّهو فيتخوّف بطلان الصّلاة عليه».

الثامنة عشرة:يتّخذ عندنا ربّ الجوز لوجع الحلق و البحبحة،يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد،و يدقّ دقّا ناعما،و يصفّي و يطبخ علي النصف،و يترك يوما و ليلة،ثمّ ينصب علي النار،و يلقي علي كلّ ستّة أرطال منه رطل عسل،و يغلي رغوته،و يسحق من النوشادر،و الشبّ اليماني،من كلّ واحد نصف مثقال،و يداف بذلك الماء،و يلقي فيه درهم زعفران المسحوق و يغلي،و تؤخذ رغوته حتّي يصير مثل العسل ثخينا،ثمّ ينزل عن النار و يبرد،و يشرب منه،فهل يجوز شربه أم لا؟

الجواب:«إذا كان كثيرا يسكر أو يغيّر،فقليله و كثيره حرام،و إن كان لا يسكر فهو حلال».

أقول:أجاب الإمام عليه السّلام بما هو المناط في الجواز و عدمه،فإن كان مسكرا فهون.

ص: 115


1- الطلاق 65:2.
2- الخداج:النقصان.

حرام،و إن كان غير مسكر فجائز شربه.

التاسعة عشرة:الرجل تعرض له الحاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا،فيأخذ خاتمين في أحدهما«نعم إفعل»،و في الآخر«لا تفعل»فيستخير اللّه مرارا، ثمّ يري فيهما،فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج،فهل يجوز ذلك أم لا؟و العامل به و التارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوي ذلك؟

الجواب:«الّذي سنّه العالم عليه السّلام في هذه الإستخارة بالرّقاع و الصّلاة».

العشرون:صلاة جعفر بن أبي طالب في أي أوقاتها أفضل أن تصلّي فيه؟ و هل فيها قنوت؟و إن كان ففي أي ركعة منها؟

الجواب:«أفضل أوقاتها صدر النّهار من يوم الجمعة،ثمّ في أيّ الأيّام شئت، و أيّ وقت صلّيتها من ليل أو نهار فهو جائز،و القنوت فيها مرّتان،في الثّانية قبل الرّكوع،و في الرّابعة بعد الرّكوع».

الحادية و العشرون:الرجل ينوي إخراج شيء من ماله،و أن يدفعه إلي رجل من إخوانه،ثمّ يجد في أقربائه محتاجا،أيصرف ذلك عمّن نواه له أو إلي قرابته؟

الجواب:«يصرفه إلي أدناهما و أقربهما من مذهبه،فإن ذهب إلي قول العالم عليه السّلام:

لا يقبل اللّه الصّدقة و ذو رحم محتاج،فليقسّم بين القرابة،و بين الّذي نوي حتّي يكون قد أخذ بالفضل كلّه».

الثانية و العشرون:اختلف أصحابنا في مهر المرأة،فقال بعضهم:إذا دخل بها سقط المهر،و لا شيء لها،و قال بعضهم:هو لازم في الدنيا و الآخرة،فكيف ذلك، و ما الذي يجب فيه؟

ص: 116

الجواب:«إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدّنيا و الآخرة، و إن كان عليه كتاب فيه اسم الصّداق سقط إذا دخل بها،و إن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط باقي الصّداق».

أقول:و علّق الحرّ العاملي علي هذه الرواية بقوله:«أقول:قد عرفت وجهه و أوّله قرينة واضحة علي أنّ علي المرأة الإثبات،و أنّه بدون بيّنة لا يثبت مقدار المهر» (1).

الثالثة و العشرون:روي لنا عن صاحب العسكر-أي الإمام الحسن عليه السّلام-أنّه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشي بوبر الأرانب،فوقع:يجوز،و روي عنه أيضا أنّه لا يجوز،فأي الخبرين يعمل به؟

الجواب:«إنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود،فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال».

أقول:من الشرائط في لباس المصلّي أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و إن كان مذكّي أو حيّا،جلدا كان أو غيره،فلا تجوز الصلاة في جلد غير المأكول و لا شعره و لا صوفه و ريشه و وبره،و لا في شيء من فضلاته،سواء كان ملبوسا أو مخلوطا به،أو محمولا،و استثنوا من ذلك الخزّ الخالص غير المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب (2).

الرابعة و العشرون:سئل بعض العلماء عن معني قول الصادق عليه السّلام:«لا يصلّي في الثّعلب،و لا في الأرانب،و لا في الثّوب الّذي يليه»؟

الجواب:«إنّما عني الجلود دون غيرها».2.

ص: 117


1- وسائل الشيعة:18/15.
2- العروة الوثقي:561/1 و:339/2.

الخامسة و العشرون:يتّخذ بأصفهان ثياب عتابيّة علي عمل الوشا من قزّ أو إبريسم،هل تجوز الصلاة فيها؟

الجواب:«لا تجوز الصّلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان».

السادسة و العشرون:المسح علي الرجلين بأيّهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟

الجواب:«يمسح عليهما معا،فإن بدأ بأحدهما قبل الأخري فلا يبتدئ إلاّ باليمني».

أقول:من أجزاء الوضوء مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلي الكعبين،و يجوز مسح الرجلين معا دفعة واحدة،و إذا أراد التعاقب قالوا يجب أوّلا مسح الرجل اليمني،ثمّ الرجل اليسري،فإذا عكس فقدّم اليسري علي اليمني فليس له ذلك.

السابعة و العشرون:صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن تصلّي أم لا؟

الجواب:«يجوز ذلك».

الثامنة و العشرون:تسبيح فاطمة-سلام اللّه عليها-من سها فجاز التكبير أكثر من أربع و ثلاثين،هل يرجع إلي أربع و ثلاثين أو يستأنف،و إذا سبّح تمام سبعة و ستّين هل يرجع إلي ستّة و ستّين أو يستأنف؟و ما الذي يجب في ذلك؟

الجواب:إذا سها في التّكبير حتّي جاز أربعة و ثلاثين عاد إلي ثلاثة و ثلاثين و بني عليها،و إذا سها في التّسبيح فتجاوز سبعا و ستّين تسبيحة عاد إلي ستّة و ستّين و بني عليها،فإذا جاوز التّحميد مائة فلا شيء عليه» (1).2.

ص: 118


1- الاحتجاج:488/2-492.

و خرج بعد أجوبة هذه المسائل من الإمام عليه السّلام زيارة كتبها ليزار بها،و قد ذكرناها في البحوث السابقة.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض تراثه الرائع الذي يعدّ من أجمل و أروع ما أثر عن أئمّة الهدي عليهم السّلام.

ص: 119

ص: 120

و فيما أعتقد أنّ رغبة القرّاء هي الوقوف علي غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام الصغري و الكبري،و معرفة الأسباب التي دعت إلي حجبه عن العالم الإسلامي،و عدم اشتراكه بأي عمل إيجابي في الأحداث الراهنة التي تمسّ الحياة الإسلاميّة،و قبل أن نعرض لذلك نقدّم إلي القرّاء بعض البحوث التي ترتبط بالموضوع و تتّصل به، و فيما ذلك.

الغيبة الصغري و الكبري

في ظلال أبيه عليه السّلام

و عني الإمام الحسن العسكري عليه السّلام كأشدّ ما تكون العناية بولده الإمام المنتظر المصلح الأكبر،فأحاطه بهالة من الحفاوة و التقدير و التعظيم؛لأنّه بقيّة اللّه في الأرض،الذي أعدّته السماء لإصلاح الدنيا،و إقامة ما اعوجّ من نظام الدين،و إعادة الإسلام نديّا مشرقا ترفّ ألويته علي جميع أنحاء الأرض.

لقد أخفي الإمام الحسن العسكري عليه السّلام أمر ولده الإمام المنتظر عليه السّلام،و كتم أمره خوفا عليه من السلطة العبّاسيّة العاتية التي لا ترقب في أهل البيت عليهم السّلام إلاّ و لا ذمّة، و لا ترجو للّه فيهم وقارا،فأخذت تبحث عنه بحثا دقيقا لإلقاء القبض عليه،و تصفيته جسديّا-كما سنوضّح ذلك-و في الوقت نفسه لم يبق الإمام الحسن العسكري عليه السّلام أمر ولده الإمام المنتظر عليه السّلام مجهولا،و إنّما أظهره لأعلام شيعته،و ثقات أصحابه، و دلّهم عليه،و اجتمع بهم،و قد أذاعوا ذلك،و أشاعوه في جميع الأوساط الشيعيّة

ص: 121

التي تدين بالولاء لأئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و تعتقد بإمامتهم،حتّي أصبح ذلك عندهم أمرا ظاهرا لا خفاء و لا شكّ فيه.

إنّ موضوع الإمام المنتظر عليه السّلام من صميم العقيدة الشيعيّة،و من أوّليّات مبادئهم، فهو آخر خلفاء النبيّ صلّي اللّه عليه و اله الذين نصبهم قادة لأمّته،و أعلاما لدينه،فكان من الطبيعي اهتمام الأوساط الشيعيّة بمعرفته،و الوقوف عليه،و قد أزاح الشكّ عنه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،و ذلك برؤيتهم له،و اجتماعهم به،و سؤالهم منه عن أحكام دينهم،و قد أشرنا إلي ذلك بصورة شاملة في البحوث السابقة.

الإمام العسكري عليه السّلام في ذمّة الخلود

و عاني الإمام الحسن العسكري عليه السّلام صنوفا مرهقة و قاسية من الظلم و الاعتداء من طغاة بني العبّاس،فقد جهدوا علي إنزال أقصي العقوبات به،و التي كان منها أنّهم كانوا ينقلونه من سجن إلي سجن،حتّي قضي معظم حياته القصيرة الأمد في ظلمات السجون،كما حجبوه من الالتقاء بشيعته،و منعوا العلماء و الرواة من الانتهال من نمير علومه،و ضيّقوا عليه حياته الاقتصاديّة غاية التضييق،و يعود السبب في حقدهم البالغ عليه إلي ما يلي:

أوّلا:إنّ الإمام العسكري عليه السّلام في عصره كان أعظم شخصيّة في العالم العربي و الإسلامي،و قد دان شطر كبير من هذه الأمّة بإمامته،و هو في الوقت نفسه لم يساير الحكم العبّاسي،و لم يصانعه،فكان الممثّل الوحيد للجبهة المعارضة للعبّاسيّين الذين جهدوا علي ظلم الناس،و إرغامهم علي ما يكرهون،فكان موقفه من سياستهم سلبيّا و ناقدا و معارضا،فلذا قابلوه بمنتهي القسوة و العذاب.

ثانيا:فزع العبّاسيّين و خوفهم من نجل الإمام و خليفته الإمام المنتظر عليه السّلام،الذي بشّر به الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله،و أعلن أنّه آخر خلفائه الاثني عشر،و أنّه المصلح

ص: 122

الأعظم الذي ينشر العدل السياسي و الاجتماعي،و يقضي علي جميع أفانين الظلم و الجور،و قد خاف العبّاسيّون منه،و اعتقدوا أنّه هو الذي يقضي علي دولتهم القائمة علي الظلم و الجور،و قد حاولوا غير مرّة اغتيال الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ليقضوا علي نسله،كما أدلي عليه السّلام بذلك في بعض رسائله إلي بعض شيعته،فقد جاء فيها«زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النّسل،و قد كذّب اللّه قولهم،و الحمد للّه» (1).و كان ذلك بعد ولادة الإمام المنتظر عليه السّلام.

ثالثا:قيام السادة العلويّين في معظم أنحاء و مناطق الحكم العبّاسي بثورات عارمة للقضاء علي الحكم العبّاسي،مطالبين بتحقيق العدل السياسي في الإسلام، و إعلان حقوق الإنسان التي انتهكتها الطغمة الحاكمة من بني العبّاس،و قد قوبلت ثورات العلويّين بتأييد شامل من جميع الأوساط الإسلاميّة.

و من الطبيعي أنّ ثورات السادة العلويّين قد أوغرت صدور العبّاسيّين علي جميع العلويّين،و جعلتهم يحقدون عليهم،و ينكّلون بهم؛كأفظع و أقسي ما يكون التنكيل،و الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في عصره سيّد العلويّين و عميدهم المطاع، فصبّ عليه العبّاسيّون جام غضبهم،و جرّعوه ألوان الغصص و الآلام،و قابلوه بمنتهي الشدّة و القسوة.

هذه بعض الأسباب التي دعت إلي بغض العبّاسيّين للإمام و حقدهم عليه.

نصّه علي الإمام المنتظر عليه السّلام

لمّا علم الإمام الحسن العسكري عليه السّلام أنّه مفارق لهذه الحياة،نصّ علي إمامة ولده الإمام المنتظر عليه السّلام،و عرّفه لخواص أصحابه،و ثقات شيعته،و من بينهم أحمد بن إسحاق الأشعري،الثقة الزكي،فقد روي أنّه قال:«دخلت علي أبي محمّد

ص: 123


1- حياة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:261.

الحسن بن عليّ عليه السّلام و أنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده،فقال لي مبتدئا:

يا أحمد بن إسحاق،إنّ اللّه تبارك و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم، و لا يخليها إلي أن تقوم السّاعة من حجّة علي خلقه،به يدفع البلاء عن أهل الأرض، و به ينزّل الغيث،و به يخرج بركات الأرض».

و انبري أحمد قائلا:يابن رسول اللّه،من الإمام و الخليفة بعدك؟

و نهض الإمام عليه السّلام مسرعا فدخل البيت،ثمّ خرج و علي عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر،و هو من أبناء ثلاث سنين.

فقال عليه السّلام:يا أحمد،لو لا كرامتك علي اللّه عزّ و جلّ،و علي حججه،ما عرضت عليك ابني هذا،إنّه سمّي باسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و كنيته،الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت ظلما و جورا.

يا أحمد،مثله في هذه الأمّة مثل الخضر،و مثل ذي القرنين،و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلاّ من ثبّته اللّه علي القول بإمامته،و وفّقه فيها للدّعاء بتعجيل فرجه.

و سارع أحمد قائلا:هل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟

و بادر حجّة اللّه الصبي قائلا:أنا بقيّة اللّه في أرضه،و المنتقم من أعدائه،و لا تطلب أثرا بعد عين.

و خرج أحمد من دار الإمام و الفرح ملء نفسه،فلمّا كان اليوم الثاني تشرّف بمقابلة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و بادره قائلا:يابن رسول اللّه،لقد عظم سروري بما مننت به عليّ،فما السنّة الجارية من الخضر و ذي القرنين؟

و راح الإمام يبيّن له السنّة فيهما قائلا:طول الغيبة.

ص: 124

و أسرع أحمد قائلا:يابن رسول اللّه،و إنّ غيبته لتطول؟

فأجابه الإمام:إي و ربّي،حتّي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به،و لا يبقي إلاّ من أخذ اللّه عزّ و جلّ منه عهدا لولايتنا،و كتب في قلبه الإيمان،و أيّده بروح منه.

يا أحمد،هذا أمر من اللّه،و سرّ من سرّ اللّه،و غيب من غيب اللّه،فخذ ما آتيتك و اكتمه،و كن من الشّاكرين تكن معنا في علّيّين» (1).

أمّا مضامين هذا الحديث الشريف،فهي:

أوّلا:إنّ اللّه تعالي منذ خلق الإنسان علي هذه الأرض إلي أن تسلّم مفاتيحها بيده تعالي لا بدّ أن يقيم الحجّة علي عباده،فيبعث إليهم رسله و أنبياءه و أوصياءهم ليبلّغوا رسالة ربّهم،و يقيموا عليهم الحجّة،و هذا من باب اللطف،و هو قاعدة عقليّة أقامها المتكلّمون علي لزوم إقامة الحجّة من اللّه تعالي ليحيي من حيي عن بيّنه، و يهلك من هلك عن بيّنة،و بالإضافة لذلك فإنّ في وجود الحجّة من الثمرات و البركات ما لا يحصي،و التي منها دفع البلاء عن أهل الأرض،و إنزال الغيث من السماء،و غير ذلك.

ثانيا:إنّ اللّه تعالي إذا أنعم علي عباده بخروج المصلح الأكبر الإمام المنتظر عليه السّلام، فإنّهم يظفرون بمكاسب هائلة،و من أهمّها أنّه يقيم العدل السياسي و الاجتماعي في الأرض،و يقضي علي جميع أفانين الظلم و الاعتداء.

ثالثا:إنّ اللّه تعالي يمدّ في عمر الإمام المنتظر عليه السّلام كما أمدّ في عمر الخضر و ذي القرنين،و ليس ذلك علي اللّه بعسير،فقد أقام الأرض و من عليها في الفضاء،كما أقام سائر الكواكب،فليس عليه بعزيز أن يمدّ في عمر وليّه لمصالح هو أدري بها.

رابعا:إنّ اللّه تعالي قد امتحن عباده بطول غيبة وليّه و ناصر دينه،فلا يثبت علي7.

ص: 125


1- كمال الدين و تمام النعمة/الصدوق:216 و 217.

إمامته-بعد طول غيبته-إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

هذه بعض مضامين هذا الحديث الشريف (1).

و من بين الأخبار التي نصّ فيها الإمام الحسن العسكري عليه السّلام علي إمامة ولده الإمام المنتظر عليه السّلام ما رواه الثقة الجليل محمّد بن عثمان العمري،عن أبيه،قال:

«سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ و أنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه:إنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه علي خلقه إلي يوم القيامة،و إنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة.

و أكّد الإمام عليه السّلام صحّة الحديث قائلا:إنّ هذا حقّ،كما أنّ النّهار حقّ.

و سارع شخص في مجلس الإمام قائلا:يابن رسول اللّه،فمن الحجّة و الإمام بعدك؟

فدلّه الإمام علي حجّة اللّه بعده قائلا:ابني محمّد هو الإمام و الحجّة بعدي،من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهليّة،أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون،و يهلك فيها المبطلون،و يكذّب فيها الوقّاتون،ثمّ يخرج فكأنّي أنظر إلي الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف كوفان» (2).

و هذا الحديث الشريف كالحديث السابق في عطائه و مضمونه.

هذه بعض الأحاديث التي نصّت علي إمامة الإمام المنتظر عليه السّلام،و قد أثرت عن أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام طائفة أخري غيرها ذكرناها في البحوث السابقة.2.

ص: 126


1- حياة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:265.
2- كفاية الأثر:292.

اغتيال الإمام العسكري عليه السّلام

و ثقل الإمام أبو محمّد عليه السّلام علي الطاغية المعتمد العبّاسي،فقد هاله و أزعجه ما يسمع من إجماع المسلمين علي تعظيم الإمام و الإقرار له بالفضل،و تقديمه علي جميع العلويّين و العبّاسيّين،فأجمع رأيه علي اغتياله،فدسّ له سمّا قاتلا (1)، فلمّا تناوله تسمّم بدنه الشريف،فلازم الفراش و أخذ يعاني آلاما قاسية و مريرة، و هو صابر محتسب،قد ألجأ ما يعانيه إلي اللّه تعالي.

اضطراب السلطة

و فزعت السلطة العبّاسيّة العاتية كأشدّ ما يكون الفزع من تردّي الحالة الصحيّة للإمام أبي محمّد عليه السّلام،فأوعز المعتمد العبّاسي إلي خمسة من ثقاته و رجال دولته، منهم(نحرير)بملازمة دار الإمام،و التعرّف علي جميع شؤونه و أحواله،و إخباره بكلّ بادرة تحدث،كما أوعز إلي لجنة من الأطباء بإجراء الفحوص عليه صباحا و مساء،و لمّا كان بعد يومين من تناوله السمّ ضعف حاله،فقد فتك به السمّ فتكا ذريعا،و عهد المعتمد إلي الأطباء بملازمة الإمام و عدم مفارقته (2)،كما عهد إلي قاضي القضاة،و يسمّي في هذا العصر ب(وزير العدل)أن يختار من أصحابه عشرة أشخاص ممّن يوثق بهم،فاختار من خيرة رجاله عشرة،و أمرهم بملازمة دار الإمام عليه السّلام.

إلي جنّة المأوي

اشارة

و ثقلت حال الإمام الزكيّ أبي محمّد،و أخذ يدنو إليه الموت سريعا،و قد يئس

ص: 127


1- حياة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:367.
2- الإرشاد:322/2.

الأطباء منه،فاتّجه صوب القبلة،و لسانه يلهج بذكر اللّه تعالي و تلاوة كتابه،و يدعو اللّه ضارعا منيبا أن يقرّبه إليه زلفي،حتّي ارتفعت روحه الطاهرة إلي اللّه تعالي كأسمي و أزكي روح صعدت إلي اللّه تعالي،تحفّها ملائكة الرحمن،و تستقبلها أرواح الأنبياء و الأوصياء.

لقد كان موت الإمام العظيم عليه السّلام في ذلك العصر من أعظم النكبات و الخطوب التي مني بها العالم الإسلامي،لقد فقد المسلمون المصلح الأكبر،الذي كان يسهر علي مصالحهم،و إعلان حقوقهم،و قد عاني في سبيلهم أمرّ و أعتي ألوان المحن.

و ارتفعت الصيحة من دار الإمام عليه السّلام،و علت أصوات السادة العلويّين بالبكاء،فقد فقدوا من كان يحنو عليهم و يعطف.

تجهيزه عليه السّلام

و غسّل جسد الإمام الطاهر،و حنّط،و أدرج في أكفانه،و حمل للصلاة عليه، فانبري أبو عيسي بن المتوكّل فصلّي عليه بأمر من المعتمد العبّاسي (1)،و بعد الفراغ من الصلاة عليه،أمرت السلطة بكشف وجه الإمام،و عرضه علي بني هاشم و العبّاسيّين و قادة الجيش و كتّاب الدولة و رؤساء الدوائر و القضاة،و قال لهم أبو عيسي:«هذا الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا قد مات حتف أنفه علي فراشه، و حضره من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و فلان،و من القضاة فلان و فلان، و من المتطبّبين فلان و فلان...» (2).

ثمّ غطّي وجهه الشريف،و إنّما صنع ذلك لرفع التهمة عن بني العبّاس،من أنّهم

ص: 128


1- و في رواية:«إنّ جعفر عمّ الإمام تقدّم للصلاة عليه،فجذبه الإمام المنتظر عليه السّلام و قال له:أنا أولي بالصّلاة علي أبي،ثمّ صلّي علي الجثمان المقدّس،فربد وجه جعفر،فسأله الحاضرون،فأنكر معرفته به».
2- الإرشاد:323/2.

قد اغتالوا الإمام العسكري عليه السّلام،كما صنعوا ذلك من قبل مع جدّه الإمام موسي الكاظم.

مواكب التشييع

و هرع جميع من كان في سامرّاء إلي دار الإمام للفوز بتشييع جثمان الإمام، و هم ما بين باك و نائح،و قد عطّلت الدوائر الرسميّة و المحلاّت التجاريّة،و أغلقت جميع الأسواق،و كانت سامراء شبيهة بالقيامة (1).

و لم تشهد سامراء في جميع فترات تاريخها مثل ذلك التشييع الحاشد الذي ضمّ موجات من البشر علي اختلاف طبقاتهم و نزعاتهم،و هم يعدّدون فضائل الإمام العسكري عليه السّلام و مآثره،و يذكرون بمزيد من الأسي و اللوعة الخسارة العظمي التي مني بها المسلمون.

في مقرّه الأخير

و جيء بالجثمان المقدّس تحت هالة من التكبير و التعظيم إلي مقرّه الأخير،فدفن في داره إلي جانب أبيه الإمام الزكيّ عليّ الهادي عليه السّلام،و قد واروا معه فلذة من كبد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و صفحة مشرقة من صفحات الرسالة الإسلاميّة.

و وقف السادة العلويّون و بنو العبّاس علي حافّة القبر،و أقبلت الجماهير تعزّيهم و تواسيهم بمصابهم الأليم،و هم يشكرونهم علي ذلك،و انصرف الجميع إلي منازلهم،و قد نخر الحزن قلوبهم علي فقدهم الإمام عليه السّلام (2).

كبس دار الإمام عليه السّلام

و اضطربت السلطة كأشدّ ما يكون الاضطراب في موضوع الإمام المنتظر عليه السّلام،

ص: 129


1- الإرشاد:324/2.دائرة المعارف/البستاني:45/7.
2- حياة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:269.

فكبست دار الإمام العسكري عليه السّلام،و كبسوا الدور و المنازل القريبة من دار الإمام عليه السّلام لئلاّ يكون فيها من نساء الإمام عليه السّلام،كما فتّشت داره تفتيشا دقيقا،و ختم علي جميع ما فيها بختم الدولة،و أوعزت السلطة إلي نساء يفتّشن جواري الإمام و نساءه،فمن كان بها أثر الحمل ألقي عليها القبض،و أخبروا بأنّ جارية يشتبه بأنّها حامل، فسارعت السلطة فأخذتها،و أودعتها في حجرة،و وكّل بها نحرير الخادم و نسوة لحراستها.

و هكذا اتّخذ العبّاسيّون جميع الاجراءات الحاسمة للتفتيش عن الإمام المهدي عليه السّلام لإلقاء القبض عليه،و لكنّ اللّه تعالي حجبه عنهم،و أخفاه عن عيونهم.

وفد القمّيّين

و وفدت جمهرة من القمّيّين و الإيرانيّين و معهم الأموال من الشيعة إلي الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،فلمّا انتهوا إلي سامراء أخبروا بوفاة الإمام عليه السّلام،فسألوا عن القائم مقامه،فأخبرهم بعض عملاء جعفر أنّه الإمام،و أنّه قد خرج متنزّها في دجلة،و معه فريق من المغنّين،فهالهم ذلك؛لأنّ الإمام لا يقترف أي ذنب أو معصية،و صمّم الوفد علي الالتقاء به،و التعرّف علي خبره،فلمّا قفل جعفر إلي منزله خفّوا إليه،فسلّموا عليه،و قالوا له:نحن من قم،و معنا جماعة من الشيعة، و كنّا نحمل إلي سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام الأموال.

و سارع جعفر قائلا:أين هي؟

قالوا:معنا.

و بادر جعفر قائلا:احملوها إليّ.

فطلبوا منه أن يخبرهم عن كمّية الأموال،و من أرسلها إلي الإمام عليه السّلام كما كان يخبرهم بذلك الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،فزجرهم جعفر و صاح بهم:كذبتم،

ص: 130

تقولون علي أخي ما لا يفعله،هذا علم الغيب،و لا يعلمه إلاّ اللّه.

و عجب القوم،و راح بعضهم ينظر إلي بعض،و تميّز جعفر غيظا و غضبا و قال لهم:احملوا إليّ هذا المال.

فردّوا عليه:إنّا قوم مستأجرون وكلاء،و إنّا لا نسلّم المال إلاّ بالعلامة التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن بن عليّ عليهما السّلام،فإن كنت الإمام فبرهن لنا،و إلاّ رددنا الأموال إلي أصحابها يرون فيها رأيهم.

و نهض جعفر مسرعا إلي الخليفة،فأخبره بالأمر مستعينا به علي أخذ الأموال منهم،فبعث خلفهم،فلمّا مثلوا أمامه قال لهم:احملوا هذا المال إلي جعفر.

فقالوا له برجاء:أصلح اللّه أمير المؤمنين،إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال،و أمرونا أن لا نسلّمها إلاّ بعلامة و دلالة،و قد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام.

و سارع الخليفة قائلا:فما كانت العلامة مع أبي محمّد؟

و راحوا يخبرونه عنها قائلين:إنّه كان يصف لنا الدنانير و أصحابها،و الأموال، و كم هي؟فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه،و قد وفدنا إليه مرارا،فكانت هذه علامتنا معه،و قد مات،فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا بما كان يقيمه لنا أخوه،و إلاّ رددناها علي أصحابها.

و تميّز جعفر غضبا،فقال للخليفة:يا أمير المؤمنين،إنّ هؤلاء قوم كذّابون علي أخي،و هذا علم الغيب.

فلم يعن به الخليفة،و استجاب للوفد و قال لجعفر:القوم رسل،و ما علي الرسول إلاّ البلاغ المبين.

و أسقط ما في يد جعفر،و التفت الوفد إلي الخليفة طالبين منه الحماية حتّي

ص: 131

يخرجوا من سامراء،فبعث معهم نقيبا من الشرطة لحراستهم،فلمّا خرجوا من المدينة طلع عليهم شابّ،حسن الوجه،فصاح بأسمائهم واحدا بعد واحد،و قال لهم:أجيبوا مولاكم.

قالوا:أنت مولانا.

قال:معاذ اللّه،أنا عبد مولاكم،فسيروا إليه.

و ساروا معه،و قد ملئت نفوسهم سرورا،فأتوا إلي دار الإمام المهدي عليه السّلام،و كان جالسا علي سرير،كأنّ وجهه الشريف فلقة قمر،و عليه ثياب خضر،فسلّموا عليه، و لمّا استقرّ بهم المجلس بادر الإمام عليه السّلام فأخبرهم بكميّة المال،و بأسماء المرسلين له،و عرّفهم برجالهم،و ما كان معهم من الدواب،و لم يبق بادرة إلاّ أخبرهم بها، فخرّوا للّه ساجدين؛لما هداهم من معرفة الإمام عليه السّلام،ثمّ سألوه عن بعض الأحكام الشرعيّة،فأجابهم عنها،فسلّموه الأموال،و أمرهم أن لا يحملوا شيئا من الأموال إلي سامراء،و أنّه ينصب له وكيلا ببغداد يحملون الأموال إليه،و تخرج بواسطته التوقيعات،كما دفع الإمام عليه السّلام إلي أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمّي الحميري شيئا من الحنوط و الكفن،و قال له:عظّم اللّه أجرك في نفسك،و خرج الوفد،و لمّا بلغوا عقبة همدان توفّي أبو العبّاس (1).

جعفر و الخليفة

و حمل جعفر إلي الخليفة العبّاسي عشرين ألف دينار لمّا توفّي الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،و طلب منه أن يجعله في مرتبة أخيه الحسن،و يصيّره في منزلته، فردّ عليه الخليفة قائلا:«اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا،و إنّما كانت باللّه عزّ و جلّ، و نحن قد جهدنا في حطّ منزلته،و الوضع منها،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ يأبي إلاّ أن يزيده

ص: 132


1- كمال الدين و تمام النعمة:478.

كلّ يوم رفعة،لما كان فيه من الصيانة،و حسن السمت،و العلم و العبادة،فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا،و إن لم تكن بمنزلته و لم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك شيئا» (1).

و حفل كلام الخليفة العبّاسي بالحقّ و الصدق،فإنّ مكانة الإمام عليه السّلام و منزلته-كما يقول-ليست خاضعة للسلطة،و لا بيدها لتهبها لمن تشاء،و إنّما أمرها بيد الخالق العظيم،فهو الذي يختار للإمامة خيار عباده من الذين لا يسبقونه بالقول،و هم بأمره يعملون،و قد جهدت السلطة العبّاسيّة في الحدّ من شأن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و غيره من أئمّة الهدي عليهم السّلام،و قابلتهم بمنتهي الشدّة و القسوة،و أنزلت العقاب الأليم بأتباعهم و شيعتهم لتصرفهم عنهم،فما زادهم ذلك إلاّ وثوقا و إيمانا بهم،و قد خسر جعفر بادّعائه الإمامة،و استعانته بالسلطة لتضفي عليه هذا المركز العظيم.9.

ص: 133


1- منتخب الأثر:459.

الغيبة الصغري

اشارة

و كان من عظيم لطف اللّه تعالي و عنايته بالإمام المنتظر عليه السّلام أن حجبه عن عيون الظالمين من بني العبّاس،الذين جهدوا علي تصفيته جسديّا،فقد غيّبه تعالي عن أبصارهم كما غيّب جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله عن أبصار قريش حينما اجتمعوا علي قتله، فقد خرج من بينهم و هم لا يشعرون،و كذلك الإمام المهدي عليه السّلام،فقد كان في وسطهم و هم لا يرونه.

و نتحدّث في البحوث الآتية عن شؤون الغيبة الصغري للإمام المنتظر عليه السّلام و ما يرتبط بها من بحوث.

الزمان

و كانت الغيبة الصغري للإمام عليه السّلام عند وفاة أبيه الحسن العسكري عليه السّلام سنة 260 ه (1)،ففي هذا الوقت احتجب الإمام عن أعين الناس،إلاّ أنّه كان يلتقي بخيار المؤمنين و الصالحين،كما سنعرض لذلك.

المكان

أمّا المكان الذي احتجب فيه الإمام عليه السّلام فهو في داره الواقعة في سامراء،و التي فيها المرقد الطاهر لجثمان جدّه الإمام عليّ الهادي و أبيه الإمام العسكري عليهما السّلام.

مخاريق و أباطيل

اشارة

و اتّهمت الشيعة في غير إنصاف،و ألصقت بهم أكاذيب ملفّقة لتشويه واقعهم

ص: 134


1- مرآة الجنان:107/2،172.تاريخ الخميس:347/2.تاريخ ابن الوردي:319/1.

المشرق الذي أضاء الحياة الفكريّة في دنيا العرب و الإسلام.

و من بين المخاريق التي ألصقت بهم فيما يخصّ الإمام المنتظر عليه السّلام غيابه في السرداب،أمّا السرداب الذي غاب فيه فقد ذكروا في تعيينه قولين:

1-سرداب في بابل

ذكر ذلك ابن خلدون،قال:«و يزعمون-أي الشيعة-أنّ الثاني عشر من أئمّتهم هو محمّد بن الحسن العسكري،و يلقّبونه ب(المهدي)،دخل في سرداب بدارهم في الحلّة،و تغيّب حين اعتقل مع أمّه،و غاب هناك،و هو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا،و هم يشيرون بذلك إلي الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي،و هم الآن ينتظرونه،و يسمّونه المنتظر لذلك،و يقفون في كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب،و قد قدّموا مركبا فيهتفون باسمه،و يدعونه للخروج حتّي تشتبك النجوم،ثمّ ينفضّون و يرجون الأمر إلي الليلة الآتية،و هم علي ذلك العهد» (1).

و حفل كلام ابن خلدون بالأكاذيب و الحقد علي آل البيت عليهم السّلام،و علي شيعتهم، و من بين أغاليطه ما يلي:

أوّلا:إنكاره لوجود الإمام المنتظر عليه السّلام الذي تواترت بظهوره،و وجوده الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و قد فنّد مقالته الأستاذ المحقّق،و العالم المعروف محمّد أحمد شاكر،فقد قال:«و أمّا ابن خلدون فقد قفا ما ليس به علم،و اقتحم قحما لم يكن من رجالها،و غلبه ما شغله من السياسة،و أمور الدولة و خدمة من كان يخدم من الملوك و الأمراء،فأوهم أنّ شأن المهدي عقيدة شيعيّة،و أوهمته نفسه ذلك، فعقد في مقدّمته المشهورة فصلا طويلا جعل عنوانه(فصل في أمر الفاطمي،

ص: 135


1- مقدّمة ابن خلدون:359.

و ما يذهب إليه الناس من أمره)...» (1).

إنّ عقيدة الشيعة و سائر المسلمين في الإمام المهدي عليه السّلام هي جزء من رسالة الإسلام،فمن أنكره فقد أنكر الإسلام،كما يقول بذلك بعض علماء السنّة،كما سنعرض لذلك في البحوث الآتية.

ثانيا:من أغاليط ابن خلدون في هذا الكلام أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام قد اعتقل مع أمّه في الحلّة و غاب فيها،و هذا كذب مفضوح،و يواجهه ما يلي:

1-إنّ السيّدة والدة الإمام عليه السّلام قد توفّيت قبل وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بسنتين.

2-و لم يذكر أحد من مؤرّخي الشيعة و غيرهم أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام قد اعتقل أو ألقت السلطة العبّاسيّة القبض عليه،لا في الحلّة و لا في غيرها،فما ذكره ابن خلدون عن ذهاب الشيعة إلي ذلك إنّما هو محض افتراء و تشويه لعقيدتهم.

ثالثا:من افتراء ابن خلدون علي الشيعة أنّهم يقفون بباب السرداب الواقع في الحلّة،و يقدّمون مركبا للإمام عليه السّلام و يهتفون باسمه،و يدعونه للخروج حتّي تشتبك النجوم.

إنّ هذه الأكاذيب لم تسمع بها الشيعة،و هي بريئة منها،قد افتعلها عليهم ابن خلدون الذي تجرّد عن كلّ خلق قويم،و ارتطم في الإثم.

2-السرداب في سامراء
اشارة

ذكر جمهرة من مؤرّخي السنّة أنّ الشيعة تذهب إلي أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام قد غاب في السرداب الكائن في داره في سامراء،و كان من الذاكرين لذلك:

ص: 136


1- حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل:492/3،تعليق محمّد أحمد شاكر.
1-السويدي

قال السويدي:«و تزعم الشيعة أنّه غاب في السرداب(بسرّ من رأي)و الحرس عليه سنة 262 ه» (1).

2-ابن تيميّة

زعم ابن تيميّة أنّ الشيعة تعتقد أنّ الإمام عليه السّلام باق في السرداب-الواقع في سامراء-و ينتظرون خروجه منه (2).

3-ابن حجر

ذكر ذلك ابن حجر،و نسبه إلي الشيعة علي رأي ابن خلّكان،و نقل عنه أنّ الشيعة تري أنّه-أي الإمام المهدي عليه السّلام-الإمام المنتظر،و هو صاحب السرداب عندهم، و هم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب ب(سرّ من رأي)دخله في دار أبيه، و أمّه تنظر إليه سنة 265 ه».

و قد أضاف بعد ذلك قائلا:«و لقد أحسن القائل:

ما آن للسّرداب أن يلد الّذي صيّرتموه بجهلكم إنسانا

فعلي عقولكم العفا إذ أنّكم ثلثتم العنقاء و الغيلانا» (3)

حفنة من التراب في فم هذا الشاعر الذي هجا شيعة آل البيت عليهم السّلام بما لم تلتزم به،و لم تقل به،و هو و أمثاله من المنحرفين و الضالّين قد تحاملوا علي الشيعة بمثل هذه الأكاذيب التي لا نصيب لها من الواقع،و التي تنمّ عن أحقاد و أضغان ليست

ص: 137


1- سبائك الذهب:78.
2- منهاج السنّة:81.
3- الصواعق المحرقة:482/2-483.

علي الشيعة،و إنّما هي علي أئمّة الهدي،الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

4-القصيمي

أمّا عبد اللّه القصيمي،فقد تحامل علي الشيعة،و افتري عليهم بشأن الإمام المنتظر عليه السّلام.انظروا إلي أكاذيبه:«و إنّ أغبي الأغبياء،و أجمد الجامدين هم الذين غيّبوا إمامهم في السرداب،و غيّبوا معه قرآنهم و مصحفهم،و من يذهبون كلّ ليلة بخيولهم و حميرهم إلي ذلك السرداب الذي غيّبوا فيه إمامهم ينتظرونه و ينادونه ليخرج إليهم،و لا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام» (1).

و علّق المحقّق الأميني-نضّر اللّه مثواه-علي هذه الكلمات السوداء بقوله:

«و فرية السرداب أشنع،و إن سبقه إليها غيره من مؤلّفي أهل السنّة،لكنّه زاد في الطنبور نفخات بضمّ الحمير إلي الخيول،و ادّعائه اطّراد العادة في كلّ ليلة، و اتّصالها منذ أكثر من ألف عام،و الشيعة لا تري أنّ غيبة الإمام في السرداب، و لا هم غيّبوه فيه،و لا أنه يظهر منه،و إنّما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنّه يظهر بمكّة المعظّمة تجاه البيت،و لم يقل أحد في السرداب» (2).

التحقيق في الموضوع

اشارة

و لا بدّ لنا من وقفة قصيرة للنظر في شأن السرداب المجاور لمرقد الإمامين الهادي و العسكري عليهما السّلام في سامراء،فقد حظي بهالة من التقديس و التعظيم عند عامّة الأوساط الشيعيّة،كما يوجد عليه شبّاك أثري،وضعه عليه الخليفة العبّاسي الناصر لدين اللّه.

ص: 138


1- الصراع بين الإسلام و الوثنيّة:374/1.
2- الغدير:308/3.

إنّ هذا المكان الشريف كان مصلّي لأئمّة ثلاثة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام:الإمام الهادي،و ابنه الحسن العسكري،و ابنه الحجّة المنتظر عليهم السّلام،و لم يذهب أحد من علماء الشيعة و مؤرّخيهم إلي أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام قد غاب في السرداب،سواء أكان السرداب في سامراء أم في الحلّة أم في بغداد.استمعوا إلي ما يقوله بعض علماء الشيعة:

1-الحجّة النوري

قال الحجّة النوري صاحب(المستدرك)في(كشف الأستار):«نحن كلّما راجعنا و تفحّصنا لم نجد لما ذكروه أثرا،بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلا» (1).

2-العلاّمة صدر الدين

قال العلاّمة الحجّة صدر الدين:«ما نسبه إلينا-من غيابه في السرداب-كثير من خواصّ أهل السنّة،فلا أعرف له مدركا،و لم أجد له مستندا» (2).

3-المحقّق الإربلي

قال المحقّق الإربلي:«و الذين يقولون بوجوده لا يقولون إنّه في سرداب، بل يقولون:إنّه موجود يحلّ و يرتحل،و يطوف في الأرض» (3).

4-المحقّق الأميني

و تقدّم كلام المحقّق الأميني في نفيه لهذه الأسطورة التي اتّهمت بها الشيعة في غياب الإمام عليه السّلام في السرداب،و قد أضاف إليه قوله:«و ليت هؤلاء المتقوّلين في

ص: 139


1- كشف الأستار:212.
2- المهدي:155.
3- كشف الغمّة:296/3.

أمر السرداب اتّفقوا علي رأي واحد في الأكذوبة،حتّي لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم،فلا يقول ابن بطوطة في رحلته(الصفحة 198):إنّ هذا السرداب المنوّه به في الحلّة،و لا يقول القرماني في أخبار الدول:إنّه في بغداد،و لا يقول آخرون:

إنّه بسامراء،و يأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو،فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته» (1).

إنّ غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام في السرداب أسطورة لم يقل بها أحد من الشيعة منذ فجر تاريخهم حتّي يوم الناس هذا،و إنّما افتعلها خصومهم و الحاقدون عليهم.

سفراؤه الممجّدون

اشارة

و أقام الإمام المنتظر عليه السّلام كوكبة من خيار العلماء و الصالحين سفراء له،كانوا واسطة بينه و بين الشيعة،و كانت مهمّتهم حمل المسائل الشرعيّة من الشيعة إليه فيجيبهم عنها،و قد ألمحنا إلي بعضها في البحوث السابقة،أمّا السفراء المكرّمون البررة فهم:

1-عثمان بن سعيد العمري
اشارة

و أوّل وكلاء الإمام المنتظر عليه السّلام هو الثقة الزكي الأمين عثمان بن سعيد،فقد شغل مركز النيابة عن الإمام،و كان همزة وصل بينه و بين الشيعة،و نتحدّث بإيجاز عن بعض شؤونه.

خدمته للأئمّة

تولّي عثمان شرف خدمة الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام،و كان له من العمر إحدي عشرة سنة،و قام بما يحتاجون إليه،في وقت كان من أشدّ الأوقات حراجة و محنة علي

ص: 140


1- موسوعة الغدير:309/3.

أهل البيت عليهم السّلام،فقد فرضت السلطة العبّاسيّة،خصوصا في أيّام المتوكّل العبّاسي، الرقابة الشديدة عليهم،و منعت وصول الحقوق الشرعيّة التي تبعثها الشيعة إليهم، و كان عثمان يتظاهر ببيع السمن حتّي لقّب بالسمّان،فكانت الحقوق الشرعيّة تصل إليه،فكان يجعلها في زقاق السمن،و يبعثها إلي الإمام الهادي،و من بعده إلي ولده الحسن العسكري عليهما السّلام،و بذلك رفع الضائقة الاقتصاديّة عنهم،كما تولّي النيابة عن الإمام المنتظر.

وثاقته

كان عثمان ثقة زكيّا عدلا،حسبما نصّت عليه جميع مصادر التراجم،و قد نصّ علي توثيقه الإمام الهادي عليه السّلام.انظروا إلي بعض النصوص في توثيقه:

1-روي أحمد بن إسحاق،قال:«سألت أبا الحسن عليّ الهادي عليه السّلام:من أعامل،و عمّن آخذ،و قول من أقبل؟

فأرشده الإمام عليه السّلام إلي العمري منبع الحقّ و الصدق،قائلا:العمري ثقتي،فما أدّي إليك فعنّي يؤدّي،و ما قال عنّي فعنّي يقول،فاسمع له و أطع،فإنّه الثّقة المأمون» (1).

و قد نال العمري بهذا الثناء العاطر الدرجة الرفيعة من الوثاقة و العدالة و سموّ المنزلة عند الإمام عليه السّلام.

2-سأل شخص الإمام الحسن العسكري عليه السّلام عن العمري،فقال له:«العمريّ و ابنه ثقتان،فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان،و ما قالا لك،فعنّي يقولان،فاسمع لهما و أطعهما،فهما الثّقتان المأمونان» (2).

ص: 141


1- الكافي:329/1،الحديث 1.بحار الأنوار:348/51.تنقيح المقال:245/2.
2- مراقد المعارف:63/2.

3-و من جملة الوثائق في توثيقه،و عظيم مكانته عند الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ما جاء في رسالته إلي إبراهيم بن عبدة النيسابوري،فقد أمره بطاعته و اتّباعه:«و لا تخرجنّ من البلدة حتّي تلقي العمريّ رضي اللّه عنه برضاي عنه،فتسلّم عليه،و تعرفه و يعرفك،فإنّه الطّاهر الأمين العفيف،القريب منّا».

و هذا التوثيق و غيره ممّا يدلّل علي تقوي العمري،و عظيم منزلته عند الإمام عليه السّلام،و أنّه من أوثق الناس،و أشدّهم حريجة في الدين.

نيابته عن الإمام المنتظر عليه السّلام

و تولّي الشيخ العمري الثقة المأمون النيابة المطلقة و الوكالة العامّة عن الإمام المنتظر عليه السّلام،فكان همزة الوصل بين الإمام عليه السّلام و شيعته،و كان يحمل إليه حقوقهم و رسائلهم،و قد حظي بهذه النيابة التي لم يحظ بها غيره من ثقات الشيعة.

وفاته

انتقل إلي حظيرة القدس تحفّه ملائكة الرحمن،و دفن في مقرّه الأخير في بغداد بجانب الرصافة،و له قبر مشيّد يزوره المؤمنون.

قال الشيخ الطوسي:«و كنّا ندخل إليه-أي إلي قبره-و نزوره مشاهرة،و كذلك من وقت دخولي إلي بغداد،و هي سنة 408 ه إلي نيّف و ثلاثين و أربعمائة».

و أضاف:«و عمل الرئيس أبو منصور بن محمّد بن فرج عليه صندوقا،و يتبرّك جيران المحلّة بزيارته» (1).

تأبين الإمام عليه السّلام له

و ابّن الإمام المنتظر عليه السّلام الفقيد العظيم بكلمة رفعها إلي نجله العالم أبي جعفر

ص: 142


1- مراقد المعارف:63/2.

محمّد بن عثمان،جاء فيها:

«إنّا للّه و إنّا إليه راجعون تسليما لأمره،و رضا بقضائه.عاش أبوك سعيدا،و مات حميدا،فرحمه اللّه،و ألحقه بأوليائه و مواليه،فلم يزل مجتهدا في أمرهم،ساعيا في ما يقرّبه إلي اللّه عزّ و جلّ إليهم،نضّر اللّه وجهه،و أقال عثرته.

أجزل اللّه لك الثّواب،و أحسن لك العزاء،و رزيت و رزينا،و أوحشك فراقه و أوحشنا،فسرّه اللّه في منقلبه،و كان من سعادته أن رزقه اللّه ولدا مثلك يخلفه من بعده،و يقوم مقامه بأمره،و يترحّم عليه،و أقول:الحمد للّه فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك و ما جعله اللّه عزّ و جلّ فيك و عندك،و قوّاك و عضدك،و وفّقك و كان لك وليّا و حافظا و راعيا» (1).

و حكت هذه الكلمات مدي حزن الإمام عليه السّلام علي نائبه و وكيله الذي كان عنصرا من عناصر الإيمان و التقوي،كما أعرب الإمام عن ثقته البالغة بولده أبي جعفر محمّد الذي توفّرت فيه جميع المثل العليا و الصفات الرفيعة.

2-محمّد بن عثمان
اشارة

و تولّي محمّد بن عثمان بعد وفاة أبيه شرف النيابة عن الإمام المنتظر عليه السّلام،فقد كان من ثقات الشيعة،و من أعلامهم المبرزين في العلم و التقوي،و كان كأبيه موضع ثقة الجميع،و كانت حقوق الشيعة و استفتاءاتهم ترد علي يده،و هو بدوره يرفعها إلي الإمام عليه السّلام فيجيبهم عنها،و نتحدّث بإيجاز عن بعض شؤونه.

وثاقته و عدالته

و أجمع المترجمون لمحمّد بن عثمان علي وثاقته و عدالته،و أنّ له منزلة جليلة،

ص: 143


1- بحار الأنوار:349/51.

و مكانة معظّمة عند الشيعة،و يكفيه فخرا أنّه تولّي النيابة عن الإمام الحجّة عليه السّلام في حياة أبيه و بعد وفاته (1).

و قد خرج التوقيع من الإمام المنتظر عليه السّلام في سموّ منزلته،و هذه صورته:

«و أمّا محمّد بن عثمان العمريّ رضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل،فإنّه ثقتي،و كتابه كتابي» (2).

و قد سئل الإمام الحسن العسكري عن عثمان العمري فقال عليه السّلام:«العمريّ و ابنه ثقتان،فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان،و ما قالا لك فعنّي يقولان،فاسمع لهما و أطعهما، فإنّهما الثّقتان المأمونان» (3).

و كان من عظيم منزلته،و سموّ شأنه عند الإمام المنتظر عليه السّلام أنّه كتب في حقّه إلي محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ما نصّه:«لم يزل-أي محمّد-ثقتنا في حياة الأب رضي اللّه عنه و أرضاه،و نضّر وجهه،يجري عندنا مجراه،و يسدّ مسدّه،و عن أمرنا يأمر الإبن،و به يعمل،تولاّه اللّه فانته إلي قوله» (4).

التقاؤه بالإمام عليه السّلام في الكعبة

و حجّ محمّد بن عثمان بيت اللّه الحرام،فتشرّف برؤية الإمام المنتظر عليه السّلام، و قد رآه متعلّقا بأستار الكعبة،في المستجار و هو يقول:

«اللّهمّ انتقم بي من أعدائك،اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني» (5).

ص: 144


1- تنقيح المقال:149/3.
2- تنقيح المقال:149/3.
3- بحار الأنوار:348/51.
4- بحار الأنوار:349/51.
5- بحار الأنوار:351/51.

و يروي محمّد أنّ الإمام عليه السّلام يحجّ في كلّ سنة،قال:«و اللّه إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة يري الناس و يعرفهم،و يرونه و لا يعرفونه» (1).

مؤلّفاته

ألّف محمّد بن عثمان مجموعة من الكتب في الفقه و الحديث،التي سمعها من الإمامين الحسن العسكري و المنتظر عليهما السّلام،و من أبيه عثمان بن سعيد و هو ما سمعه من الإمامين،و ذكرت أمّ كلثوم بنت أبي جعفر أنّ كتبه وصلت إلي أبي القاسم الحسين بن روح (2).

نيابته عن الإمام عليه السّلام

و أقام محمّد خمسين سنة يتولّي شرف شؤون النيابة العامّة و الوكالة المطلقة عن الإمام المنتظر عليه السّلام،و كانت الشيعة تحمل إليه الحقوق الشرعيّة ليوصلها إلي الإمام عليه السّلام،كما كانوا يبعثون إليه المسائل الشرعيّة فيجيبهم الإمام عليه السّلام عنها (3).

وفاته

كان أبو جعفر محمّد بن عثمان علي جانب كبير من الإيمان و التقوي،و قد شعر بملاقاة اللّه تعالي،فحفر له قبرا،و جعل ينزل فيه و يقرأ فيه جزءا من القرآن الكريم، كما صنع لوحا كتب فيه آيات من القرآن،و أسماء الأئمّة الطاهرين،و أوصي أن يدفن معه،و لم يمض قليل من الزمن حتّي ألمّت به الأمراض،و اشتدّت به العلل،حتّي صعدت روحه إلي اللّه تعالي كأسمي روح مؤمنة ارتفعت إلي اللّه في ذلك العصر، و كانت وفاته في آخر جمادي الأولي سنة 305 ه.

ص: 145


1- بحار الأنوار:350/51.
2- بحار الأنوار:350/51.
3- بحار الأنوار:352/51.
3-الحسين بن روح رضي اللّه عنه
اشارة

و الحسين بن روح هو النائب الثالث للإمام المنتظر عليه السّلام في زمن الغيبة الصغري، و كان علي جانب كبير من التقوي و الصلاح،و وفور العلم و العقل،كما كان محترما عند الخاصّة و العامّة،و قد رشّحه إلي النيابة العامّة محمّد بن عثمان،لمّا مرض عاده الوجوه و الأشراف من الشيعة و قالوا له:إن حدث بك أمر فمن يكون مكانك؟

فقال لهم:«هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، و السفير بينكم و بين صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه،و الوكيل له،و الثقة الأمين، فارجعوا له في أموركم،و عوّلوا عليه في مهمّاتكم،فبذلك أمرت و قد بلّغت» (1).

و نعرض لبعض أحواله:

مناظرته مع معاند

وجرت مناظرة بينه و بين معاند للحقّ أظهرت مدي قدراته العلميّة،و اطّلاعه الواسع،فقد قال له رجل معاند:إنّي أريد أن أسالك عن شيء؟

فأجابه:سل عمّا بدا لك.

قال:أخبرني عن الحسين عليه السّلام أهو وليّ اللّه؟

و سارع الحسين قائلا:نعم.

و سارع الرجل قائلا:هل يجوز أن يسلّط اللّه عزّ و جلّ عدوّه علي وليّه؟

فانبري الحسين يجيبه قائلا:افهم ما أقول لك:اعلم أنّ اللّه تعالي لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان،و لا يشافههم بالكلام،و لكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم رسلا من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم،و لو بعث إليهم رسلا من غير صفتهم و صورهم لنفروا

ص: 146


1- منتخب الأثر:397.

عنهم،و لم يقبلوا منهم،فلمّا جاؤوهم و كانوا من جنسهم يأكلون،و يمشون في الأسواق،قالوا لهم:أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتّي تأتوا بشيء نعجز عن أن نأتي بمثله، فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه،فجعل اللّه عزّ و جلّ لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها،فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار و الإنذار،فغرق جميع من طغي و تمرّد.

و منهم من ألقي في النار فكانت عليه بردا و سلاما،و منهم من فلق له البحر،و فجّر له من الحجر العيون،و جعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون،و منهم من أبرأ الأكمه و أحيا الموتي بإذن اللّه،و أنبأهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم،و منهم من انشقّ له القمر،و كلّمته البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك،فلمّا أتوا بمثل ذلك، و عجز الخلق من أمّتهم أن يأتوا بمثله كان من تقدير اللّه جلّ جلاله و لطفه بعباده، و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين،و أخري مغلوبين،و في حال قاهرين،و أخري مقهورين،و لو جعلهم عزّ و جلّ في جميع أحوالهم غالبين قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون اللّه عزّ و جلّ،و لما عرف فضل صبرهم علي البلاء و المحن و الاختبار،و لكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوي صابرين،و في العافية و الظهور علي الأعداء شاكرين،و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبّرين، و ليعلم العباد أنّ لهم عليهم السّلام إلها هو خالقهم و مدبّرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله،و يكونوا حجّة للّه ثابتة علي من يجاوز الحدّ فيهم،و ادّعي لهم الربوبيّة أو عاند،و خالف و عصي و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل؛و ليهلك من هلك عن بيّنة،و يحيا من حيّ عن بيّنه.

و دلّت هذه المناظرة علي براعة الحسين و علي قدراته العلميّة،فقد أقام البراهين الحاسمة علي إبطال ما ذهب إليه المعاند،فلم ينبس ببنت شفة،و بان عليه العجز،

ص: 147

و كان محمّد بن إبراهيم بن إسحاق حاضرا في المجلس و قد بهر بكلام الحسين، فأقبل عليه في اليوم الثاني ليسأله عن الدليل الذي أقامه في تفنيد كلام الخصم،هل هو من عنده أو أخذه من أئمّة الهدي عليهم السّلام.

و لمّا استقرّ به المجلس التفت إليه الحسين قائلا:يا محمّد بن إبراهيم،لئن أخرّ من السماء إلي الأرض فتخطفني الطير،أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين اللّه برأيي،و من عند نفسي،بل ذلك من الأصل،و مسموع من الحجّة صلوات اللّه و سلامه عليه» (1).

صلابته رضي اللّه عنه

كان الحسين بن روح قويّ الإرادة،شديد الصلابة في الحقّ،يقول أبو سهل النوبختي:«لو كان الحجّة عليه السّلام تحت ذيله و قرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه» (2).

إيثاره رضي اللّه عنه للتقيّة

و كان الحسين بن روح يؤثر التقيّة و يجاري محيطه الذي كان مشحونا بالبغض و العداء لأهل البيت عليهم السّلام،فقد روي المؤرّخون عنه أن بوّابه لعن معاوية و شتمه، فأمر بطرده من وظيفته التي كان عليها،و بقي البوّاب مدّة يوسّط إليه مختلف الطبقات في إرجاعه فلم يردّه (3).

مع عليّ القمّي

كتب العلاّمة عليّ بن الحسين القمّي رسالة إلي الحسين بن روح يطلب فيها أن

ص: 148


1- منتخب الأثر:491-493.الغيبة/الطوسي:391.
2- بحار الأنوار:359/51.مراقد المعارف:25/1.
3- بحار الأنوار:357/51.

يسأل الإمام عليه السّلام بأن يدعو اللّه تعالي له ليرزقه أولادا فقهاء من زوجته التي هي بنت عمّه،و رفع الحسين طلبه إلي الإمام عليه السّلام،فجاء الجواب:«أنّه لا يرزق من زوجته، و لكنّه سيملك جارية و يرزق منها ولدين فقيهين»،و لم تمض الأيّام حتّي ملك جارية ديلميّة فرزقه اللّه منها ثلاثة أولاد،و هم:محمّد و الحسن و الحسين.

أمّا محمّد و الحسين فكانا من أعلام الفقهاء،و من أفذاذ العلماء،و كانا آيتين في الحفظ،و كان الناس يتعجبّون من سرعة حفظهما و يقولون:إنّ هذا ببركة دعوة الإمام المنتظر عليه السّلام.و أمّا الحسن-و هو الأوسط-فكان مشتغلا بالعبادة و الزهد،و قد آثر العزلة عن الناس (1).

وفاته رضي اللّه عنه

بقي الحسين بن روح سفيرا عن الإمام عليه السّلام إحدي أو اثنتين و عشرين سنة،و كان المرجع الوحيد،و الواسطة الأمينة بين الشيعة و بين الإمام تصل إليه مسائلهم و حقوقهم الشرعيّة،و هو يوصلها إلي الإمام عليه السّلام،و قد مرض و بقي في مرضه أيّاما حتّي أدركته المنيّة،و انتقل إلي رحمة اللّه و رضوانه سنة 326 ه،و قد جهّز و شيّع بتشييع حافل،و دفن في مقرّه الأخير،و مرقده الشريف يقع في بغداد في سوق الشورجة التي هي أهمّ مركز تجاري في بغداد،و الناس تتهافت علي زيارة قبره للتبرّك به.

4-عليّ بن محمّد السّمري
اشارة

أمّا عليّ بن محمّد السّمري،فهو من عناصر التقوي و الإيمان،و يكفي في سموّ شأنه،و عظيم مكانته،و تقلّده للنيابة العامّة عن الإمام المنتظر عليه السّلام بنصّ منه،مع وجود كوكبة من علماء الشيعة و خيارهم،و هو آخر وكلاء الإمام الممجّدين،و بوفاته

ص: 149


1- الغيبة/الطوسي:188.

وقعت الغيبة الكبري،و صارت السفارة العامّة و المرجعيّة العظمي إلي الفقهاء العظام.

و يقول الرواة:إنّه قبل وفاة عليّ السّمري أخرج إلي الناس رسالة موقّعة من الإمام المنتظر عليه السّلام جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم يا عليّ بن محمّد السّمري،أعظم اللّه أجر إخوانك فيك،فأنت ميّت ما بينك و بين ستّة أيّام،فأجمع أمرك و لا توص إلي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك،فقد وقعت الغيبة التّامّة،فلا ظهور إلاّ بعد إذن اللّه تعالي ذكره،و ذلك بعد طول الأمد،و قسوة القلوب، و امتلاء الأرض جورا،و سيأتي علي شيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السّفياني و الصّيحة فهو كذّاب مفتر،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم» (1).

و يواجهنا في هذه الرسالة ما ورد فيها أنّ من يدّعي مشاهدة الإمام عليه السّلام بعد غيبته الكبري فهو كاذب مفتر،مع أنّه من المقطوع-حسبما تواتر نقله-أنّ جمهرة كبيرة من خيار علماء الشيعة و صلحائهم قد تشرّفوا برؤيته و ملاقاته،و قد أوّل ذلك بتأويلات عديدة،كان من أجودها أنّ من يدّعي مشاهدته و نيابته و سفارته عنه علي غرار سفرائه في حال الغيبة الصغري،فهو كاذب مفتر،و فيما أحسب أنّ هذا التوجيه حسن.

وفاته رضي اللّه عنه

و ألمّت الأمراض بعليّ السّمري،و قد دخل عليه خيار الشيعة فقالوا له:

ص: 150


1- معجم رجال الحديث:170/12-171.

من وصيّك من بعدك؟

فأجابهم:للّه أمر هو بالغه.

ثمّ انتقل إلي جوار اللّه،و كانت وفاته في النصف من شهر شعبان سنة 328 ه (1).

ولاية الفقيه

اشارة

و أقام الإمام المنتظر-سلام اللّه عليه-الفقهاء العظام من شيعته ولاة و نوّابا عنه، كما أقامهم الأئمّة الطاهرون ولاة عنهم،و أمروا شيعتهم بالرجوع إليهم أيّام الحكم العبّاسي الذي جهد علي محاربة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،فلم يكن هناك مجال بالرجوع إلي الأئمّة،و أخذ الأحكام منهم،فقد جاء في مقبولة عمر بن حنظلة،قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلي السلطان و إلي القضاة،أيحلّ ذلك؟

قال:من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلي الطّاغوت،و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا،إن كان حقّا ثابتا له؛لأنّ أخذه بحكم الطّاغوت و ما أمر اللّه أن يكفر به.قال اللّه تعالي: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ (2).

قلت:فكيف يصنعان؟

قال عليه السّلام:ينظران من كان منكم ممّن قد روي حديثنا،و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا،فليرضوا به حكما،فإنّي قد جعلته عليكم حاكما،فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ،و الرّادّ علينا رادّ علي اللّه،و هو علي

ص: 151


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:394 و 395.
2- النساء 4:60.

حدّ الشّرك باللّه» (1).

و أعطي الإمام عليه السّلام للفقيه الولاية العامّة،و نصبه حاكما و مرجعا للمسلمين في مختلف شؤونهم الاجتماعيّة،و مثل هذا الحديث مقبولة أو مشهورة ابن خديجة، فقد قال له الإمام أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلي أهل الجور، و لكن انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا،فاجعلوه بينكم،فإنّي قد جعلته قاضيا،فتحاكموا إليه» (2).

و نصب الإمام أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام الفقيه العادل حاكما عامّا،و مرجعا للمسلمين،و نظير هاتين الروايتين التوقيع الصادر من الإمام المنتظر عليه السّلام إلي الشيخ المفيد،فقد جاء فيه:

«و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا،فإنّهم حجّتي عليكم، و أنا حجّة اللّه تعالي عليكم».

لقد نصب الإمام المنتظر عليه السّلام في هذا الحديث و غيره الفقهاء نوّابا عنه،و ألزم شيعته بالرجوع إليهم،و تقليدهم في جميع شؤونهم الدينيّة.

أمّا من يتولّي المرجعية العامّة للمسلمين في زمان غيبة الإمام عليه السّلام،فلا بدّ أن تتوفّر فيه هذه الشروط،و هي:

1-البلوغ.

2-العقل.

3-العدالة.

4-الرجولة.4.

ص: 152


1- وسائل الشيعة-كتاب القضاء:136/27 و 137.
2- وسائل الشيعة-كتاب القضاء:13/27 و 14.

5-الاجتهاد.

6-الحريّة؛علي قول (1).

مسؤوليّات الفقيه

أمّا الفقيه الذي يتقلّد النيابة العامّة عن الإمام عليه السّلام فهو مسؤول عمّا يلي:

1-رعاية العالم الإسلامي بجميع طوائفه و فرقه،و تفقّد شؤونهم،و الذبّ عنهم إذا دهمهم عدوّ،و غزا أرضهم كافر،و قد وقفت المرجعيّة العامّة في النجف الأشرف إلي جانب ليبيا حينما غزاها الإيطاليّون،كما وقفت إلي جانب الفلسطينيّين حينما غزاهم الصهاينة اليهود.

2-الانفاق علي الحوزات العلميّة الدينيّة،و تفقّد جميع شؤونها الاقتصاديّة و العلميّة و الاجتماعيّة.

3-الإنفاق علي الفقراء و البؤساء و المحرومين.

هذه بعض مسؤوليّات الفقهاء الذين نصبهم الإمام عليه السّلام مراجع للعالم الإسلامي، و هنا بحوث مهمّة ذكرها الفقهاء و المعنيّون بالبحوث السياسيّة الإسلاميّة لا مجال لعرضها.

ص: 153


1- العروة الوثقي:13/1.

الغيبة الكبري

اشارة

و بعد انتقال المعظّم عليّ بن محمّد السّمري إلي حظيرة القدس بدأت الغيبة الكبري،و ذلك في سنة 328 ه،و تقلّد الفقهاء العظام المرجعيّة و النيابة العظمي عن الإمام المنتظر عليه السّلام،و في هذه الغيبة كانت للإمام عليه السّلام عدّة التقاءات و مراسلات مع عيون العلماء و المتّقين من أعلام الشيعة،فقد جرت بينه و بين العالم الكبير الشيخ المفيد-نضّر اللّه مثواه-عدّة مراسلات،فقد تلقّي الشيخ المفيد منه ثلاث رسائل، ذكرنا في البحوث السابقة منها رسالتين،كما تواترت الأخبار بالتقائه و اجتماعه مع كوكبة من المؤمنين الصالحين،و سنعرض لذلك في البحوث الآتية:

دجّالون

اشارة

ادّعت عصابة من المنافقين المنحرفين عن الحقّ نيابتهم عن الإمام المنتظر عليه السّلام؛ و ذلك لحسد بعضهم لسفراء الإمام عليه السّلام،و لسرقة الحقوق الشرعيّة من الشيعة، و نعرض لبعضهم:

1-أحمد بن هلال الكرخي
اشارة

كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،و بعد وفاته و تقليد محمّد بن عثمان رضي اللّه عنه النيابة عن الإمام المنتظر عليه السّلام حسده علي ذلك،و الحسد داء خبيث ألقي الناس في شرّ عظيم،فرفض أحمد نيابة محمّد و لم يذعن له،فقالت له الشيعة:

ألا تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان،و ترجع إليه،و قد نصّ عليه الإمام المفترض الطاعة؟

فقال لهم:لم أسمعه ينصّ عليه بالوكالة،و ليس أنكر أباه،فقالوا له:قد سمعه غيرك.

ص: 154

فقال لهم:أنتم و ما سمعتم.

و ظهرت منه عدّة مقالات منكرة أوجبت خروجه عن الدين،و جحوده لبعض الضروريّات الإسلاميّة.

براءة الإمام المنتظر عليه السّلام منه

و لمّا شاعت المنكرات من أحمد بن هلال تبرّأ الإمام عليه السّلام منه،و خرج التوقيع بلعنه،و كان ممّا خرج إلي العمري من الإمام بشأنه في رسالة جاء فيها:

«...و نحن نبرأ إلي اللّه من ابن هلال،لا رحمه اللّه و لا ممّن لا يبرأ منه،و أعلم الإسحاقيّ سلّمه اللّه و أهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر،و جميع من كان سألك و يسألك عنه...» (1).

2-الحسن الشريعي

أمّا الحسن الشريعي فهو كذّاب دجّال،و كان من أصحاب الإمامين الهادي و العسكري عليهما السّلام،إلاّ أنّه ارتدّ علي عقبه،فقد ادّعي لنفسه مقاما عظيما-و هو النيابة عن الإمام المنتظر عليه السّلام-لم يجعله اللّه فيه،و نسب إلي الأئمّة الطاهرين ما لا يليق بهم،و هم براء منه،فتبرّأت منه الشيعة و لعنته،و خرج توقيع الإمام عليه السّلام بلعنه و البراءة منه (2).

3-الحسين بن منصور الحلاّج

كذّاب،مضلّ،منحرف عن الحقّ،ادّعي النيابة عن الإمام المنتظر عليه السّلام،و أخذ يراسل أعيان الشيعة بذلك،فراسل أبا سهل النوبختي العالم الفاضل،و أراد منه

ص: 155


1- رجال الكشّي:450.الغيبة/الطوسي:353.معجم رجال الحديث:151/3.
2- الغيبة/الطوسي:397.الاحتجاج/الطبرسي:289/2.معجم رجال الحديث:178/6.

الانضمام إليه،و وعده بما يريد من المال،فقال له النوبختي:إنّي رجل أحبّ الجواري،و أصبو إليهنّ،و لكنّ الشيب يبعدني عنهنّ،و أحتاج أن أخضب في كلّ جمعة،و لكنّي أتحمّل بذلك مشقّة،و جهدا عسيرا،و أريد أن تغنيني عن الخضاب،و تكفيني مؤونته،و تجعل لحيتي سوداء،فإذا فعلت ذلك صرت طوع إرادتك،و صدّقت مقالتك،و كنت من أعظم أنصارك،و داعية إليك.

فبهت الحلاّج،و أمسك عنه،و انتشرت قصّته،فصار أضحوكة الجميع،و بان أمره،و انكشف دجله إلي الناس (1).

و من مخاريفه أنّه دعا رجلا من الأذكياء إلي داره ليؤمن به،و قال:علامتي أنّي أمدّ يدي إلي البحر،و أخرج سمكة كبيرة منه،فنزل إلي الدار فجاء بسمكة كبيرة حيّة إليه،و قال هذه معجزتي،و طرقت بابه،فخرج و إذا بشخص يطلب منه الخروج معه لمهمّة،فخرج،و نزل الرجل إلي صحن الدار،فرأي ستارا فرفعه،و إذا ببستان فيها حوض مليء بالأسماك،فأخرج منه سمكة حيّة و جعلها إلي جنب تلك السمكة، فجاء الحلاّج فقال له الرجل:و أنا لي معجزة مثل معجزتك،فقد مددت يدي إلي البحر و جئت بسمكة حيّة،فبهت الحلاّج،و أمره بالخروج من الدار؛لأنّ أمره قد انكشف،و ظهر دجله.

و كان يظهر الزهد و التقشّف،رؤي علي بعض جبال اصبهان و عليه مرقعة و بيده ركوة و عكاز و هو يقول:

لئن أمسيت في ثوبي عديم لقد بليا علي حرّ كريم

فلا يحزنك إن أبصرت حالا مغيّرة عن الحال القديم

ولي نفس ستتلف أو سترقي لعمرك بي إلي أمر جسيم1.

ص: 156


1- بحار الأنوار:370/51.

و من شعره:

أريدك لا أريدك للثّواب و لكنّي أريدك للعقاب

و لك مآربي قد نلت منها سوي ملذوذ و جدي بالعذاب

و من حيله:أنّه كان يدفن شيئا من الخبز و الحلوي و الشواء في البريّة،و يخبر بعض أصحابه المطّلعين علي حيله،فإذا أصبح طلب من أصحابه الخروج إلي الصحراء فيسير و معه أصحابه،و طائفة من الناس،فإذا انتهوا إلي ذلك المكان الذي دفن فيه الطعام قال له صاحبه العارف ببدعه:نشتهي الآن كذا و كذا من الطعام، فيتركهم الحلاّج،و يصلّي ركعتين،و يأتيهم صاحبه بما قال له،و بهذا الأسلوب كان يغري السذّج و البسطاء من الناس،حتّي استغوي جماعة،و حتّي كانوا يتبرّكون ببوله،و قيل:إنّه ادّعي الربوبيّة،و وجد له كتاب فيه إذا صام الإنسان ثلاثة أيّام بلياليها و لم يفطر،و يأخذ و ريقات هندباء و يفطر عليها أغناه ذلك عن صوم رمضان، و من صلّي ركعتين من أوّل الليل إلي الغداة غنته عن الصلاة،و من تصدّق بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه عن الحجّ،و من أتي قبور الشهداء ب(مقابر قريش)فأقام فيها عشرة أيّام يصلّي و يدعو و يصوم و لا يفطر إلاّ علي قليل من خبز الشعير و الملح أغناه ذلك عن العبادة،إلي غير ذلك من بدعه.

و نسبت إليه هذه الأبيات:

و اللّه ما طلعت شمس و لا غربت إلاّ و ذكرك مقرون بأنفاسي

و لا جلست إلي قوم أحدّثهم إلاّ و أنت حديثي بين جلاّسي

و لا هممت بشرب الماء من عطش إلاّ و رأيت خيالا منك في كاسي

و لمّا شاعت منكراته رفع أمره إلي المقتدر العبّاسي،فدفعه إلي مدير شرطته ليضربه ألف سوط،فإن مات و إلاّ فيضربه ألف سوط حتّي يموت،و إن لم يمت

ص: 157

يضرب عنقه،و يقطع يديه و رجليه،و يحزّ رأسه،و يحرق جثّته،و ينصب رأسه علي الجسر،ففعل به ذلك في سنة 309 ه (1).

4-محمّد بن عليّ

الشلمغاني،المعروف ب(ابن أبي العزاقر):كان مستقيم الطريقة،فحمله الحسد للشيخ أبي القاسم بن روح وكيل الإمام المنتظر عليه السّلام،فترك مذهبه و اعتنق المذاهب الرديئة،و كان من مذهبه الخبيث ترك العبادات كلّها،و إباحة الفروج من ذوي الأرحام،و أنّه لا بدّ للفاضل أن ينكح المفضول ليولج فيه النور (2).

و قد خرج عن الإمام المنتظر عليه السّلام توقيع يلعن الشلمغاني و البراءة منه علي يد الثقة الزكيّ الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح،و هذا نصّه:

«عرّف أطال اللّه بقاك،و عرّفك اللّه الخير كلّه،و ختم به عملك،من تثق بدينه، و تسكن إلي نيّته من إخواننا أدام اللّه سعادتهم بأنّ محمّد بن عليّ المعروف بالشّلمغاني،عجّل اللّه له النّقمة،و لا أمهله،قد ارتدّ عن الإسلام و فارقه،و ألحد في دين اللّه،و ادّعي ما كفر معه بالخالق جلّ و تعالي،و افتري كذبا و زورا،و قال بهتانا و إثما عظيما،كذب العادلون باللّه،و ضلّوا ضلالا بعيدا،و خسروا خسرانا مبينا.

و إنّا برئنا إلي اللّه تعالي،و إلي رسوله صلوات اللّه عليه و سلامه و رحمته و بركاته، منه،و لعنّاه عليه لعائن اللّه تتري في الظّاهر منّا،و الباطن في السّرّ و الجهر،و في كلّ وقت،و علي كلّ من شايعه و بلغه هذا القول منّا فأقام علي تولاّه بعده» (3).

ص: 158


1- سفينة البحار:296/1.الكني و الألقاب:186/2،و قد طبع له ديوان ضمّ فلسفته و آراءه الشاذّة.
2- الكني و الألقاب:366/2.
3- الاحتجاج:290/2.

و لمّا ظهرت بدعه أخذه السلطان و قتله و صلبه ببغداد (1).

و كان هلاكه في سنة 323 ه (2).

هؤلاء بعض الدجّالين و الكاذبين في عصر الغيبة الصغري،و قد كان بعضهم مدفوعا بدافع الحسد لبعض نوّاب الإمام عليه السّلام علي تقلّدهم لهذا المنصب الخطير، و حرمانهم منه.

مدّعون للمهدويّة

اشارة

و ظهرت علي مسرح الحياة الإسلاميّة جماعة ادّعي كلّ واحد منهم أنّه الإمام المنتظر عليه السّلام؛و ذلك لأغراض سياسيّة،كان من أبرزها-فيما أحسب-الاستيلاء علي الحكم في بلادهم،و إغراء السذّج و البسطاء للاعتقاد بإمامتهم،و الغريب أنّهم ادّعوا ذلك و هم لا يدينون بمذهب أهل البيت عليهم السّلام،و نعرض فيما يلي لبعضهم:

1-مهدي السودان
اشارة

هو من ألمع شخصيّات السودان البارزة،و هو حسني من جهة الأب،و عبّاسي من جهة الأمّ،حسبما يقول مترجموه:«و قد استغلّ الأوضاع السياسيّة المتردّية في السودان التي كانت ترزح تحت نير الحكم التركي الذي أحال الحياة فيها إلي جحيم لا يطاق،فأخذ يبشّر بين السودانيّين أنّه الإمام المهدي الذي ينقذهم من ظلم الأتراك و جورهم،و يوفّر لهم الحياة الكريمة التي ينعمون في ظلالها،و قد قصده أحد المشتغلين بالتنجيم،فحين ما التقي به خرّ علي الأرض مدّعيا أنّه أغمي عليه، و بعد فترة رفع رأسه،فسأله الحاضرون عن سبب إغمائه،فقال:نظرت أنوار

ص: 159


1- الكني و الألقاب:366/2.
2- بحار الأنوار:377/51،و ذكر عرضا مفصّلا لشؤونه و مبتدعاته.

المهديّة علي وجهه فصعقت من شدّة تأثيرها علي حواسي (1).

و أذاع شيخ من السودان بين الناس أنّ زمن ظهور المهدي قد حان،و أنّه سوف يشيد علي ضريحي قبّة،و يختن أولادي،و بعد وفاته قام المهدي ببناء قبّة علي ضريح الشيخ،كما ختن أولاده (2).

ابتداء دعوته

و كانت بداية دعوته بالمهدويّة سنة 1881 م،و قد قام بالدعوة إليه تلامذته الذين كانوا منتشرين في معظم أنحاء السودان،و كان يغدق عليهم المال الوفير ممّا سبّب تهالكهم للدعوة إليه.

من منشوراته

و نشر المهدي مجموعة من المناشير بين السودانيّين،يدعوهم فيها إلي طاعته، و لزوم أمره،و تصديق دعوته،و كان من جملتها هذا المنشور:

«الحمد للّه الوالي،و الصلاة علي سيّدنا محمّد و آله مع التسليم،و بعد:

من العبد المفتقر إلي اللّه محمّد المهدي بن عبد اللّه إلي أحبّائه المؤمنين باللّه و بكتابه.

أمّا بعد:فلا يخفي تغيّر الزمن،و ترك السنين،و لا يرضي بذلك ذوو الإيمان و الفطن،بل أحقّ أن يترك لذلك الأوطار و الوطن لإقامة الدين و السنن،و لا يتواني عن ذلك عاقل؛لأنّ غيرة الإسلام للمؤمن تجبره،ثمّ أحبّائي كما أراد اللّه في أزله و قضائه،تفضّل علي عبده الحقير الذليل بالخلافة الكبري من اللّه و رسوله،و أخبرني سيّد الوجود صلّي اللّه عليه و اله بأنّي المهدي المنتظر،و خلفني(عليه الصلاة و السلام)بالجلوس

ص: 160


1- السودان بين يدي غردون و كتشز:75/1.
2- المصدر المتقدّم:74.

علي كرسيّه مرارا،بحضرة الخلفاء الأربعة،و الأقطاب،و الخضر عليه السّلام،و أيّدني اللّه تعالي بالملائكة المقرّبين،و بالأولياء الأحياء و الميّتين من لدن آدم إلي زماننا هذا، و كذلك المؤمنون من الجنّ،و في ساعة الحرب يحضر معهم أمام جيشي سيّد الوجود صلّي اللّه عليه و اله بذاته الكريمة،و كذلك الخلفاء الأربعة و الأقطاب و الخضر عليه السّلام، و أعطاني سيف النصر من حضرته صلّي اللّه عليه و اله،و أعلمت أنّه لا ينصر عليّ معه أحد،و لو كان الثقلين الإنس و الجنّ.

ثمّ أخبرني سيّد الوجود صلّي اللّه عليه و اله بأنّ اللّه جعل لي علي المهديّة علامة،و هي الخال علي خدّي الأيمن،و كذلك جعل لي علامة أخري تخرج راية من نور،و تكون معي في حالة الحرب،يحملها عزرائيل عليه السّلام،فيثبت اللّه بها أصحابي،و ينزل الرعب في قلوب أعدائي،فلا يلقاني أحد بعداوة إلاّ خذله اللّه.

ثمّ قال لي صلّي اللّه عليه و اله:إنّك مخلوق من نور عنان قلبي،فمن له سعادة صدّق بأنّي المهدي المنتظر،و لكنّ اللّه جعل في قلوب الذين يحبّون الجاه النفاق،فلا يصدّقون حرصا علي جاههم،قال صلّي اللّه عليه و اله:حبّ المال و الجاه ينبتان النفاق في القلب،كما ينبت الماء البقل.

و جاء في الأثر:إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه علي دينكم،و جاء في بعض كتبه القديمة:لا تسأل عنّي عالما أسكره حبّ الدنيا فيصدّك عن طريق محبّتي،فاولئك قطّاع الطريق علي عبادي،و لمّا حصل لي يا أحبّائي من اللّه و رسوله أمر الخلافة الكبري أمرني سيّد الوجود صلّي اللّه عليه و اله بالهجرة إلي ماسة بجبل قدير،و أمرني أن أكاتب بها جميع المكلّفين أمرا عامّا،فكاتبنا بذلك الأمراء و مشايخ الدين، فأنكر الأشقياء،و صدّق الصدّيقون الذين لا يبالون فيما لقوه في اللّه من المكروه، و ما فاتهم من المحبوب المشتهي،بل هم ناظرون إلي وعده سبحانه و تعالي بقوله: تِلْكَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لاٰ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً

ص: 161

وَالْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1).

و حيث أنّ الأمر للّه،و المهديّة أرادها اللّه لعبده الفقير الحقير الذليل محمّد المهدي بن عبد اللّه،فيجب بذلك التصديق لإرادة اللّه،و قد اجتمع السلف و الخلف في تفويض العلم للّه سبحانه،فعلمه سبحانه لا يتقيّد بضبط القوانين،و لا بعلوم المتفنّنين،بل يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ (2).قال تعالي:

وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ (3) ، وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ (4)يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ (5)يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (6).

و قد قال الشيخ محيي الدين ابن العربي في تفسيره علي القرآن العظيم:علم المهدي كعلم الساعة،و الساعة لا يعلم وقت مجيئها علي الحقيقة إلاّ اللّه.

و قال الشيخ أحمد بن إدريس:كذبت في المهدي أربعة عشر نسخة من نسخ أهل اللّه،ثمّ قال:يخرج من جهة لا يعرفونها،و علي حال ينكرونه.

و هذا لا يخفي عليكم أنّ التأليفات الواردة في المهدي منها الآثار و كشف الأولياء و غير ذلك،فيختلف كلّ منها،كما علمت من أنّه يمحو اللّه ما يشاء،و منها الأحاديث،فمنها الضعيف،و المقطوع و المنسوخ و الموضوع،بل الحديث الضعيف ينسخه الصحيح،و الصحيح ينسخ بعضه بعضا،كما أنّ الآيات تنسخها4.

ص: 162


1- القصص 28:83.
2- الرعد 13:39.
3- البقرة 2:255.
4- الأنعام 6:59.
5- القصص 28:68.
6- البقرة 2:105.آل عمران 3:74.

الآيات،و حقيقة ذلك علي ما هي عليه لا يعرفها إلاّ أهل المشاهدة و البصائر،هذا و قد أخبرني سيّد الوجود صلّي اللّه عليه و اله بأنّ من شكّ في مهديّتك فقد كفر باللّه و رسوله -كرّرها صلّي اللّه عليه و اله ثلاث مرّات-و جميع ما أخبرتكم به من خلافتي علي المهديّة...الخ فقد أخبرني به سيّد الوجود صلّي اللّه عليه و اله يقظة في حال الصحّة،و أنا خال من الموانع الشرعيّة،لا بنوم و لا جذب،و لا سكر،و لا جنون،بل متّصف بصفات العقل، أقفو أثر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و أسلّم بالأمر فيما أمر به،و النهي عمّا نهي عنه.

و الهجرة المذكورة بالدين واجبة كتابا و سنّة،قال تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ (1)،و قال صلّي اللّه عليه و اله:من فرّ بدينه من أرض إلي أرض،و إن كان شبرا من الأرض،استوجب الجنّة،و كان رفيق أبيه خليل اللّه إبراهيم،و نبيّه محمّد عليهما الصلاة و السلام،و إلي غير ذلك من الآيات و الأحاديث.

و إجابة داعي اللّه واجبة.قال تعالي: وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ (2)،فإذا فهمتهم ذلك فقد أمرنا جميع المكلّفين بالهجرة إلينا لأجل الجهاد في سبيل اللّه،أو إلي أقرب بلاد منكم لقوله تعالي: قٰاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّٰارِ (3)،فمن دخل عن ذلك دخل في وعيد قوله تعالي: قُلْ إِنْ كٰانَ آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ... (4)، و قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مٰا لَكُمْ إِذٰا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ اثّٰاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا مِنَ الْآخِرَةِ فَمٰا مَتٰاعُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا فِي الْآخِرَةِ إِلاّٰ قَلِيلٌ (5).8.

ص: 163


1- الأنفال 8:24.
2- لقمان 31:15.
3- التوبة 9:123.
4- التوبة 9:24.
5- التوبة 9:38.

فإذا فهمتم ذلك فهلمّوا للجهاد في سبيله،و لا تخافوا من أحد غير اللّه؛لأنّ خوف المخلوق من غير اللّه يعدم الإيمان باللّه،و العياذ باللّه من ذلك،قال تعالي:

فَلاٰ تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي (1) ،و قال تعالي: وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ (2)، لا سيّما و قد وعد اللّه في كتابه العزيز بنصر من ينصر دينه.قال تعالي: إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدٰامَكُمْ (3)،و قال تعالي: إِلاّٰ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّٰهُ (4)، و حيث إن لم تجيبوا داعي اللّه و تبادروا لإقامة دين اللّه تلزمكم العقوبة عند اللّه تعالي لأنّكم أدلّة الخلق و أزمّتها،فمن كان مهتمّا بإيمانه،شفيقا بدينه،حريصا علي أمر ربّه أجاب الدعوة،و اجتمع مع من ينصر دينه.

و ليكن معلومكم أنّي من نسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،فإنّي حسني من جهة أبي و أمّه، و أمّي كذلك من جهة أمّها و أبوها عبّاسي» (5).

و حكت هذه الوثيقة ضروبا من الافتعالات،فقد زعم أنّ جميع ما بشّر به،و قام من أجله كان بايعاز من النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و هو افتراء محض.

استيلاؤه علي السودان

و خاض المهدي معارك رهيبة مع حاكم السودان العامّ رؤوف باشا المصري، فهزمت جيوشه رؤوف باشا،و ساقت الحكومة المصريّة جيشا آخر لقتاله بقيادة جيقلر باشا البافاري،فهاجمه نحو من خمسين ألفا سودانيّا و هزموه،و هاجمه جيش مصري ثالث بقيادة هيكس باشا فابيد الجيش المصري،و انقادت السودان كلّها

ص: 164


1- البقرة 2:150.
2- الأحزاب 33:37.
3- محمّد صلّي اللّه عليه و اله 47:7.
4- التوبة 9:40.
5- تاريخ السودان القديم و الحديث/نعوم شقير.

للمهدي و قطن المهدي أمّ درمان،و أخذ يجمع الجموع للتغلّب علي مصر،و أظهر عداءه العارم للانكليز،و قد استجاب له السودان و راسل الخديوي،و السلطان عبد الحميد و ملكة بريطانيا يخبرهم بدولته و أموره (1).

وفاته

أصيب المهدي بحمي التيفوس و ذلك في ليلة الأربعاء لأربع ليال خلون من شهر رمضان سنة 1302 ه،و استمرّ به المرض أيّاما،و لمّا شعر بدنوّ أجله استخلف من بعده عبد اللّه التعايشي،و كان أمّيّا،و في يوم الاثنين تاسع رمضان توفّي،و بويع بعده خليفته عبد اللّه التعايشي (2)و بذلك انتهت حياته،و هو ألمع شخصيّة في العالم العربي ادّعت المهديّة و النيابة العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله.

2-مهدي تهامة

ظهر مهدي تهامة في اليمن حوالي سنة 1159 م،ادّعي أنّه الإمام المنتظر الذي بشّر به الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله،و تبعه فريق من الأعراب،و قد استطاع القضاء علي دولة الحمدانيّين في صنعاء،و علي الدولة النجاحيّة في زبيد،و أعقبه حفيده عبد النبيّ سنة 1162 م،و أزال دولته توران شاه من قبل صلاح الدين الأيّوبي (3).

3-مهدي السنغال

في سنة 1828 م ظهر في السنغال رجل ادّعي أنّه المهدي المنتظر،و رفع راية الثورة علي الحكم القائم إلاّ أنّه فشل و قتل (4).

ص: 165


1- حاضر العالم الإسلامي:195/2-196.البرهان:308/1.
2- المهديّة في الإسلام:234،نقلا عن البرهان:308 و 309.
3- تاريخ الشعوب الإسلاميّة:324-326.
4- حاضر العالم الإسلامي:195/2،نقلا عن كتاب البرهان في علامات آخر الزمان:282/1.
4-مهدي سوسة

ظهر في سوسة،و هي إحدي مدن المغرب العربي رجل ادّعي أنّه الإمام المنتظر عليه السّلام،و تبعه كثيرون من الغوغاء،و قبل أن يتمّ دعوته و ينشر مبادئه و أهدافه قتل غيلة (1).

5-مهدي الصومال

ادّعي محمّد بن عبد اللّه أنّه الإمام المنتظر،و ذلك في سنة 1899 م،و كانت له نفوذ واسعة في قبيلة أوجادين،و قد حارب البريطانيّين و الإيطاليّين و الأحباش ما يقرب من عشرين عاما،حتّي توفّي سنة 1920 م (2).

هؤلاء بعض من ادّعوا المهدويّة،و بهذا ينتهي بنا الحديث في هذا الفصل.

ص: 166


1- البرهان:281/1،ذكره في البرهان عن عنوان رجال ادّعوا المهديّة.
2- تاريخ الشعوب الإسلاميّة:64.

أضواء علي غيبة الإمام عليه السلام

اشارة

لعلّ أهمّ بحث-فيما أحسب-في هذا الكتاب يتطلّع إليه القرّاء هو البحث عن الأسباب التي دعت إلي غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام عن العالم الإسلامي،و عدم اشتراكه بأيّ عمل في الميادين الاجتماعيّة و السياسيّة،و سائر القضايا المصيريّة للمسلمين، كما يهمّ القرّاء الوقوف علي الأسباب الطبيعيّة التي أدّت إلي امتداد عمر الإمام عليه السّلام إلي قرون و أحقاب من الزمن تزيد في وقتنا علي أكثر من ألف و مائة عام،و لم يخضع لظاهرة الشيخوخة و الهرم لدي الإنسان التي تسبّب تصلّب الأنسجة و الخلايا الجسميّة،و ما يتسرّب إلي الجسم من التسمّم و الميكروبات التي تؤدّي إلي فقدان الحياة و تلاشي الجسم.

هذه بعض الأمور التي نلقي الأضواء عليها،و نبحثها بصورة موضوعيّة و شاملة، كما نبحث عمّا يرتبط،و يتّصل بهذه البحوث،و فيما يلي ذلك:

أسباب الغيبة

اشارة

أمّا غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام فكانت ضروريّة و ملزمة،لا غني للإمام عنها، و نعرض لبعض الأسباب التي حتّمت غيابه:

1-الخوف عليه من العبّاسيّين

اشارة

لقد أمعن العبّاسيّون منذ حكمهم و تولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويّين

ص: 167

و إرهاقهم،فصبّوا عليهم وابلا من العذاب الأليم،و قتلوهم تحت كلّ حجر و مدر، و لنستمع إلي الشعراء و المؤرّخين،فهم يحدّثونا ببعض ما عاناه السادة من العلويّين من الجور و الاضطهاد.

يقول أبو عطاء أفلح بن يسار السندي بحسرة و لوعه علي أسياده العلويّين:

يا ليت جور بني مروان عاد لنا يا ليت عدل بني العبّاس في النار

و يقول شاعر المظلومين و المضطهدين دعبل الخزاعي:

و ليس حيّ من الأحياء نعلمه من ذي يمان و من بكر و من مضر

إلاّ و هم شركاء في دمائهم كما تشارك أيسار علي جزر

قتل و أسرّ و تحريق و منهبة فعل الغزاة بأرض الرّوم و الخزر

أري أميّة معذورين إذ قتلوا و لا أري لبني العبّاس من عذر

و يقول يعقوب بن السكّيت العالم اللغوي (1)في المتوكّل العبّاسي حينما هدم قبر ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و نكّل بزائريه و شيعته،يقول:

تاللّه إن كانت أميّة قد أتت قتل ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبّعوه رميما

و يصف الأمير أبو فراس الحمداني في رائعته الخالدة ما حلّ بأهل البيت عليهم السّلام من صنوف التنكيل و التعذيب،و ما عانوه من الكوارث و الخطوب من بني العبّاس،ة.

ص: 168


1- و قيل الأبيات للبسّامي الشاعر،و قد أخفي اسمه خوفا عليه من السلطة العبّاسيّة العاتية.

يقول بألم و حزن:

إنّي أبيت قليل النّوم أرّقني قلب تصارع فيه الهمّ و الهمم

يا للرّجال أما للّه منتصر من الطّغاة أما للدّين منتقم

بنو عليّ رعايا في ديارهم و الأمر تملكه النّسوان و الخدم

محلأون فأضحي شربهم و شل عند الورود و أوفي ودّهم لمم

و يستمرّ في رائعته المشحونة بالعطف و الولاء علي آل البيت،ثمّ يخاطب بني العبّاس فيهجوهم،يقول:

لا يطغينّ بني العبّاس ملكهم بنو عليّ مواليهم و إن زعموا

أتفخرون عليهم لا أبا لكم حتّي كأنّ رسول اللّه جدّكم

و ما توازن فيما بينكم شرف و لا تساوت بكم في موطن قدم

و لا لكم مثلهم في المجد متّصل و لا لجدّكم معشار جدّهم

و لا لعرقكم من عرقهم شبه و لا نفيلتكم من أمّهم أمم (1)

و يستطرد أبو فراس في هجائه لبني العبّاس،و يصف غدرهم بآل البيت ذلك الغدر الذي هو دون ما لاقوه من بني أميّة،يقول:

هلاّ كففتم عن الدّيباج سوطكم و عن بنات رسول اللّه شتمكم

ما نزّهت لرسول اللّه مهجته عن السّياط فهلاّ نزّه الحرم

ما نال منهم بنو حرب و إن عظمت تلك الجرائر إلاّ دون نيلكمس.

ص: 169


1- نفيلة:جدّة بني العبّاس.

كم غدرة لكم في الدّين واضحة و كم دم لرسول اللّه عندكم

أأنتم آله فيما ترون و في أظفاركم من بنيه الطّاهرين دم

يا جاهدا في مساويهم يكتّمها غدر الرّشيد بيحيي كيف ينكتم

ليس الرّشيد كموسي في القياس و لا مأمونكم كالرّضا إن أنصف الحكم

باءوا بقتل الرّضا من بعد بيعته و أبصروا بعض يوم رشدهم و عموا

إنّ رائعة الحمداني من مناجم الأدب العربي،و هي تاريخ حافل بما عاناه السادة من أهل البيت عليهم السّلام دعاة العدل الاجتماعي في الإسلام من صنوف الجور من طغاة بني العبّاس الذين ناهضوا كلّ دعوة إصلاحيّة،و ارغموا المسلمين علي ما يكرهون.

و يصف ابن الرومي في قصيدته العصماء التي رثي بها الشهيد الخالد يحيي العلوي ما عاناه السادة العلويّون من الظلم و الجور في عهد طغاة بني العبّاس،يقول:

أمامك فانظر أيّ نهجيك تنهج طريقان شتّي مستقيم و أعوج

ألا أيّ هذا الناس طال ضريركم بآل رسول اللّه فاخشوا أو ارتجوا

أكلّ أوان للنّبيّ محمّد قتيل زكيّ بالدّماء مضرّج

تبيعون فيه الدّين شرّ أئمّة فللّه دين اللّه قد كاد يمرج (1)

بني المصطفي كم يأكل النّاس شلوكم لبلواكم عمّا قليل مفرّج

أما فيهم راع لحقّ نبيّه و لا خائف من ربّه يتحرّج

لقد عمهوا ما أنزل اللّه فيكم كأنّ كتاب اللّه فيهم ممجّج (2)ن.

ص: 170


1- شرّ الأئمّة:هم ملوك بني العبّاس.يمرج:يفسد و يضطرب.
2- ممجمج:أي غير مبين.

إنّ ملوك بني العبّاس لم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في عترته و بنيه،فصبّوا عليهم صنوفا مرهقة و مريرة من الظلم و الاعتداء ما لم يشاهد نظيره في قسوته و فضاعته في جميع فترات التاريخ.

و يستمرّ ابن الرومي في رائعته في تقريع الجناة الذين ظلموا السادة العلويّين، و يخصّ بني العبّاس بالذكر،فيقول:

أجنّوا بني العبّاس من شنآنكم و شدّوا علي ما في العباب و أشرجوا (1)

و خلّوا ولاة السّوء منكم و غيّهم فأحر بهم أن يغرقوا حيث لجّجوا

غررتم إذا صدّقتم أنّ حالة تدوم لكم و الدّهر لونان أخرج (2)

لعلّ لهم في منطوي الغيب ثائرا سيسمو لكم و الصّبح في اللّيل مولج (3)

و طلب ابن الرومي في هذه الأبيات من بني العبّاس أن يكفّوا من أحقادهم و شنآنهم علي آل النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و أن يقصوا ولاة السوء و الجور من حكّامهم الذين جهدوا في ظلم السادة العلويّين،و أنزلوا العقاب الصارم بشيعتهم،كما حذّرهم ابن الرومي من مغبّة الدهر و تقلّباته،و أنّهم علي خطأ كبير إن ظنّوا أنّ الحكم و السلطان يدوم لهم،و إنّ العلويّين تحت ظلمهم و جورهم،فلعلّ الزمان يجود بإمام منهم فينتقم من العبّاسيّين و غيرهم من الظالمين لآل البيت عليهم السّلام،و أكبر الظنّ أنّه عني قائم آل محمّد صلوات اللّه عليه.

هذا بعض ما صوّره الشعراء من المآسي التي عاناها السادة العلويّون من طغاة بني العبّاس،التي صبّها العبّاسيّون علي العلويّين.7.

ص: 171


1- العياب:جمع عيبة،و هي التي يجعل في المتاع.الإشراج:شدّ الخريطة.
2- الأخرج:ذو لونين أسود و أبيض.
3- مقاتل الطالبيّين:427.
رسالة الخوارزمي إلي أهالي نيسابور

* رسالة الخوارزمي إلي أهالي نيسابور (1)

و هذه الرسالة التي بعثها أبو بكر الخوارزمي إلي أهالي نيسابور فريدة في بابها، فقد حكت بأمانة و صدق ما جري علي آل بيت النبوّة و معدن العلم و الحكمة من الظلم و التنكيل بعد وفاة النبيّ صلّي اللّه عليه و اله من قبل الأمويّين و العبّاسيّين و غيرهم،و نحن ننقلها بنصّها لأنّها صوّرت مآسي العلويّين بدقّة و شمول،قال:«سمعتم أرشد اللّه سعيكم،و جمع علي التقوي أمركم،ما تكلّم به السلطان الذي لا يتحامل إلاّ علي العدل،و لا يميل إلاّ علي جانب الفضل،و لا يبالي أن يمزّق دينه إذا رقا دنياه، و لا يفكّر في أن يقدّم رضا اللّه إذا وجد رضاه،و أنتم و نحن أصلحنا اللّه و إيّاكم عصابة لم يرض اللّه لنا الدنيا،فذخرنا للدار الآخرة،و رغب بنا عن ثواب العاجل،فأعدّ لنا ثواب الآجل،و قسمنا قسمين:قسم مات شهيدا،و قسم عاش شريدا،فالحيّ يحسد الميّت علي ما صار إليه،و لا يرغب بنفسه عمّا جري إليه.قال أمير المؤمنين و يعسوب الدين عليه السّلام:المحن إلي شيعتنا أسرع من الماء إلي الحدور،و هذه مقالة أسّست علي المحن و ولد أهلها في طالع الهزاهز و الفتن،فحياة أهلها نغص، و قلوبهم حشوها غصص،و الأيّام عليهم متحاملة،و الدنيا عنهم مائلة،فإذا كنّا شيعة أئمّتنا في الفرائض و السنن،و متّبعي آثارهم في كلّ قبيح و حسن،فينبغي أن نتبع آثارهم في المحن».

و حكي هذا المقطع ما تعانيه شيعة آل البيت من صنوف الاضطهاد و الارهاق من حكّام الجور،و أنّ اللّه تعالي ادّخر ما يجري عليهم من المحن و البلوي في الدار الآخرة التي أعدّت جنانها لأولياء اللّه تعالي،فيعوّضهم أضعاف ما عانوه في سبيل محبّتهم لأهل بيت نبيّهم.و الذي يظهر من هذه الكلمات أنّ أهالي نيسابور قد تعرّضوا لأشدّ المحن و الخطوب لولائهم و محبّتهم لأهل البيت عليهم السّلام،فساق لهم

ص: 172


1- رسائل الخوارزمي:121.

أبو بكر هذه الرسالة تعزية و سلوي لهم.

و يستمرّ أبو بكر في رسالته فيقول:«غصبت سيّدتنا فاطمة صلوات اللّه عليها و علي آلها ميراث أبيها صلوات اللّه عليه و علي آله يوم السقيفة،و أخّر أمير المؤمنين عن الخلافة،و سمّ الحسن رضي اللّه عنه سرّا،و قتل أخوه كرّم اللّه وجهه جهرا،و صلب زيد بن عليّ بالكناسة،و قطع رأس زيد بن عليّ في المعركة (1)،و قتل ابناه محمّد و إبراهيم علي يد عيسي بن موسي العبّاسي،و مات موسي بن جعفر في حبس هارون،و سمّ عليّ بن موسي بيد المأمون،و هزم إدريس بفخّ حتّي وقع إلي الأندلس فريدا،و مات عيسي بن زيد طريدا شريدا،و قتل يحيي بن عبد اللّه بعد الأمان و الأيمان،و بعد تأكيد العهود و الضمان».

عرض الخوارزمي في هذه الكلمات المآسي التي حلّت بأهل البيت،و كان من أفجعها ما جري علي سيّدة نساء العالمين،حبيبة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و بضعته فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها من المحن و الخطوب،فقد منعت عن مواريثها في يوم السقيفة ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان،فجميع ما عانته العترة الطاهرة من صنوف الاعتداء و الظلم كان من نتائج ذلك اليوم،فقد أخّر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عن مركزه الذي أقامه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله فيه في يوم غدير خمّ،و توالت الأحداث الرهيبة علي أبناء الرسول صلّي اللّه عليه و اله،فقد سمّ معاوية بن هند سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسن عليه السّلام،و قتل يزيد بن معاوية ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله الإمام الحسين،و أباد العترة الطاهرة علي صعيد كربلاء بصورة لم يشهد التاريخ لها مثيلا في فضاعتها و مرارتها.

و من المآسي التي حلّت بأهل البيت قتل الشهيد الخالد زيد بن عليّ عليه السّلام،فقد قتله الأمويّون،و صلبوه علي جذع النخلة،و استمرّ مصلوبا حفنة من السنين،و هو يضيء للمسلمين طريق الحريّة و الكرامة،و يدعوهم إلي النضال من أجل تحريرهما.

ص: 173


1- قطع رأس زيد بعد المعركة لا في أثنائها.

من الذلّ و العبوديّة،و ممّا عاناه سيّد أهل البيت في عصره الإمام الأعظم موسي بن جعفر عليه السّلام رائد العدالة الاجتماعيّة في عصره،فقد صبّ عليه الطاغية هارون الرشيد جامّ غضبه،و أودعه في ظلمات السجون حتّي توفّي عليه السّلام مسموما شهيدا،و عاني من بعده ولده الإمام الرضا عليه السّلام من طاغية زمانه المأمون العبّاسي،فقد أجبره علي ولاية العهد ثمّ اغتاله بالسمّ بعد ذلك،إلي غير ذلك من المآسي التي جرت علي السادة الأطهار،دعاة العدل و الكرامة في دنيا الإسلام.

و يستمرّ الخوارزمي في ذكر بعض ما جري علي العلويّين من الظلم فيقول:

«هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلويّة طبرستان،و غير قتل محمّد بن زيد، و الحسن بن القاسم الداعي علي أيدي آل ساسان،و غير ما صنعه أبو الساج في علويّة المدينة،حملهم بلا غطاء و لا وطاء من الحجاز إلي سامرّاء،و هذا نفسه قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن عليّ حين أخذه بابويه،و قد ستر نفسه،و واري شخصه يصانع حياته و يدافع وفاته،و لا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيي بن عمر الزيدي خاصّة،و ما فعله مزاحم بن خاقان بعلويّة الكوفة كافّة، و بحسبكم أنّه ليس في بيضة الإسلام بلدة إلاّ و فيها قتيل طالبي تربه،تشارك في قتلهم الأموي و العبّاسي،و أطبق عليهم العدناني و القحطاني.

فليس حيّ من الأحياء نعرفه من ذي يمان و من بكر و من مضر

إلاّ و هم شركاء في دمائهم كما تشارك أيسار علي جزر

و حكت هذه الكلمات ما لاقاه السادة العلويّون و شيعتهم من صنوف القتل و التنكيل من العبّاسيّين،فقد أوعزوا إلي أجهزة أمنهم و مباحثهم بمطاردة العلويّين، و إنزال أقصي العقوبات الصارمة بهم،و قد ذكر الخوارزمي كوكبة من السادة العلويّين الذين نالوا شرف الشهادة علي أيدي العبّاسيّين.

و يستمرّ الخوارزمي في ذكر النكبات التي جرت علي العلويّين،فيقول:«قادتهم

ص: 174

الحميّة إلي المنيّة،و كرهوا عيش الذلّة،فماتوا موت العزّة،و وثقوا بما لهم في الدار الباقية،فسخت نفوسهم من هذه الفانية،ثمّ لم يشربوا كأسا من الموت إلاّ شربها شيعتهم و أولياؤهم،و لا قاسوا لونا من الشدائد إلاّ قاسه أنصارهم و أتباعهم».

و عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلي عزّة العلويّين و كرامتهم،فقد أبوا أن يعيشوا أذلاّء خاضعين لجور العبّاسيّين و ظلمهم،فرفعوا راية الثورة عليهم ليموتوا أحرارا سعداء،و قد تجرّعوا في سبيل حرّيّتهم أشدّ ألوان العذاب و التنكيل،و مثل ما جري عليهم من الظلم جري علي شيعتهم الذين تمرّدوا علي الظلم و الطغيان.

و يمضي الخوارزمي في ذكر ما عاناه العلويّون و شيعتهم من الاضطهاد،فيقول:

«داس عثمان بن عفّان بطن عمّار بن ياسر بالمدينة،و نفي أبا ذر الغفاري،و أشخص عامر بن عبد القيس التميمي،و ضرب الأشتر النخعي،و عدي بن حاتم الطائي، و سيّر عمر بن زرارة إلي الشام،و نفي كميل بن زياد إلي العراق،و جفا أبيّ بن كعب، و عادي محمّد بن حذيفة و ناواه،و عمل في دم ابن سالم ما عمل،و فعل مع كعب ذي الحطبة ما فعل».

عرض الخوارزمي في هذه الكلمات إلي ما اقترفه عثمان بن عفّان عميد الأسرة الأمويّة من التنكيل و الاضطهاد في خيار الصحابة،أمثال الصحابي العظيم عمّار بن ياسر،و الصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري،و أمثالهما من المعارضين لسياسته التي خلقت الرأسماليّة،و ميّزت الأمويّين و آل أبي معيط علي غيرهم،فقد منحهم عثمان الثراء العريض،و حملهم علي رقاب المسلمين،الأمر الذي أدّي إلي إجماع المسلمين علي قتله.

و يستمرّ الخوارزمي في ذكر المآسي التي عاناها أهل البيت و شيعتهم فيقول:

«و اتّبعه في سيرته-أي سيرة عثمان-بنو أميّة،يقتلون من حاربهم،و يغدرون بمن سالمهم،لا يحفلون لمهاجري،و لا يصونون الأنصاري،و لا يخافون اللّه،

ص: 175

و لا يحتشمون الناس،قد اتّخذوا عباد اللّه خولا،و مال اللّه دولا،يهدمون الكعبة، و يستعبدون الصحابة،و يعطّلون الصلاة الموقوتة،و يختمون أعناق الأحرار، و يسيرون في حرم المسلمين سيرتهم في حرم الكفّار،و إذا فسق الأموي فلم يأت بالضلالة عن كلالة».

و حكي هذا المقطع الجرائم و الموبقات التي اقترفها بنو أميّة،فقد ساسوا الناس سياسة لم يألفوها،فحكموا بالظلم و الجور،و احتقروا المصلحين،و أرغموا الناس علي ما يكرهون،إلي غير ذلك من مساوئهم.

و يأخذ الخوارزمي في ذكر ما عاناه أتباع العلويّين من الظلم و الاعتداء من حكّام الأمويّين،فيقول:«قتل معاوية حجر بن عدي الكندي،و عمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكّدة،و المواثيق المغلّظة،و قتل زياد بن سميّة الألوف من شيعة الكوفة،و شيعة البصرة صبرا،و أوسعهم حبسا و أسرا،حتّي قبض اللّه معاوية علي أسوأ أعماله،و ختم عمره بشرّ أحواله،فأتبعه ابنه يجهز علي جرحاه،و يقتل أبناء قتلاه،إلي أن قتل هانئ بن عروة المرادي،و مسلم بن عقيل الهاشمي أوّلا،و عقّب بالحرّ بن زياد الرياحي،و بأبي موسي عمرو بن قرضة الأنصاري،و حبيب بن مظهر الأسدي،و سعيد بن عبد اللّه الحنفي،و نافع بن هلال الجملي،و حنظلة بن أسد الشبامي،و عابس بن أبي شبيب الشاكري في نيف و سبعين من جماعة شيعته،و أمر بالحسين عليه السّلام يوم كربلاء ثانيا،ثمّ سلّط عليهم الدعي ابن الدعي عبيد اللّه بن زياد بالحسين عليه السّلام يوم كربلاء ثانيا،ثمّ سلّط عليهم الدعي ابن الدعي عبيد اللّه بن زياد يصلبهم علي جذوع النخل،و يقتلهم ألوان القتل،حتّي اجتثّ اللّه دابره،ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك،عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك،فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد اللّه أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا،و يغسل عنهم و ضر ما اجترحوا، فصمدوا ضدّ الفئة الباغية،و طلبوا بدم الشهيد،لا يزيدهم قلّة عددهم،و انقطاع مددهم،و كثرة سواد أهل الكوفة بإزائهم إلاّ إقداما علي القتل و القتال،و سخاء بالنفوس و الأموال،حتّي قتل سليمان بن صرد الخزاعي،و المسيّب بن نجبة

ص: 176

الفزاري،و عبيد اللّه بن وال التميمي في رجال من خيار المؤمنين،و علية التابعين و مصابيح الأنام،و فرسان الإسلام».

عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلي ما عانته الشيعة في عهد معاوية بن أبي سفيان من صنوف القتل و التنكيل،فقد سلّط عليهم زياد بن أبيه،فأمعن في قتلهم و مطاردتهم و ظلمهم،فلمّا انتهي دور معاوية أعقبه ولده يزيد،فاقترف من الجرائم ما سوّد به وجه التاريخ،فقد أباد عترة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في وحشيّة قاسية ليس لها مثيل في فظاعتها و مرارتها،و قد انتهكت بذلك حرمة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في أبنائه و ذرّيّته، و لم يكتف ابن مرجانة بما اقترفه مع سيّد شباب أهل الجنّة،و إنّما عمد إلي خيار الشيعة كميثم التمّار،فصلبه علي جذع النخلة،و قد انتفضت كوكبة من خيار الشيعة بعد هلاك الطاغية يزيد،فطالبوا بدم الإمام الحسين عليه السّلام،و هم التوّابون،و استشهد منهم أعلامهم أمثال سليمان بن صرد الخزاعي،و المسيّب بن نجبة الفزاري، و عبد اللّه بن وال التميمي،و غيرهم من مصابيح الإسلام.

و يستمرّ الخوارزمي في عرض المآسي التي جرت علي السادة العلويّين،فيقول:

«ثمّ تسلّط ابن الزبير علي الحجاز و العراق،فقتل المختار بعد أن شفي الأوتار، و أدرك الثار،و أفني الأشرار،و طلب بدم المظلوم الغريب،فقتل قاتله،و نفي خاذله،و أتبعوه أبا عمرة بن كيسان،و أحمر بن شميط،و رفاعة بن يزيد، و السائب بن مالك،و عبد اللّه بن كامل،و تلقطّوا بقايا الشيعة يمثّلون بهم كلّ مثلة، و يقتلونهم شرّ قتلة،حتّي طهّر اللّه من عبد اللّه بن الزبير البلاد،و أراح من أخيه مصعب العباد،فقتلهما عبد الملك بن مروان وَ كَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّٰالِمِينَ بَعْضاً بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (1)بعد ما حبس ابن الزبير محمّد بن الحنفيّة،و أراد إحراقه، و نفي عبد اللّه بن العبّاس،و أكثر إهراقه».9.

ص: 177


1- الأنعام 6:129.

و حكت هذه الكلمات ثورة القائد الملهم العظيم المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي طهّر الأرض من أرجاس الخونة المجرمين،قتلة سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السّلام،فقد طاردهم و قتلهم تحت كلّ حجر و مدر،و قد بليت الأمّة بعبد اللّه بن الزبير و أخيه مصعب،فقد استوليا علي الحجاز و العراق،و أبادا بصورة جماعيّة شيعة أهل البيت عليهم السّلام،و في طليعتهم حاكم العراق المختار و جماعته من عيون المؤمنين و الصالحين،و لكن لم يستقم الأمر لمصعب و أخيه،فقد قتلهما الطاغية عبد الملك بن مروان،فأراح اللّه البلاد و العباد منهما.

و يلقي الخوارزمي نظرة علي شيعة أهل البيت في أيّام عبد الملك بن مروان و غيره من ملوك الأمويّين،فيقول:«فلمّا خلت البلاد لآل مروان سلّطوا الحجّاج علي الحجازيّين،ثمّ علي العراقيّين،فتلعّب بالهاشميّين،و أخاف الفاطميّين،و قتل شيعة عليّ،و محا آثار بيت النبوّة،و جري منه ما جري علي كميل بن زياد النخعي، و اتّصل البلاء مدّة ملك المروانيّة إلي الأيام العبّاسيّة،حتّي إذا أراد اللّه أن يختم مدّتهم بأكثر آثامهم،و يجعل أعظم ذنوبهم في آخر أيّامهم بعث علي بقيّة الحقّ المهمل،و الدين المعطّل زيد بن عليّ،فخذله منافقو أهل العراق،و قتله أحزاب أهل الشام،و قتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي،و معاوية بن إسحاق الأنصاري و جماعة ممّن شايعه و تابعه،و حتّي من زوّجه و أدناه و حتّي من كلّمه و ماشاه».

عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلي حكم المروانيّين،و تسلّطهم علي رقاب المسلمين،فكان من جرائمهم و مخازيهم أن سلّطوا الارهابي المجرم الحجّاج بن يوسف الثقفي علي رقاب المسلمين،فأمعن في قتل الأخيار و المصلحين،و تتبّع شيعة العلويّين فأبادهم،و محا آثار أهل البيت،و قد ضاق الأمر بالشيعة حتّي قام الشهيد الخالد زيد بن عليّ،ففجّر ثورته الكبري التي أعلن فيها حقوق الإنسان، و تحرير إرادة المسلم.

ص: 178

و من المؤسف أنّ أهل الكوفة خانوه و خذلوه،حتّي استشهد سلام اللّه عليه، فتتبّع الأمويّون شيعته و مناصريه فأبادوهم إبادة شاملة.

و يعرض الخوارزمي بعد ذلك إلي زوال حكم الأمويّين و تشكيل الدولة العبّاسيّة، و ما عاناه الشيعة و العلويّون من صنوف الارهاق،فيقول:«فلمّا انتهكوا ذلك الحريم،و اقترفوا ذلك الإثم العظيم غضب اللّه عليهم،و انتزع الملك منهم،فبعث عليهم أبا مجرم-لا أبا مسلم-فنظر لا نظر اللّه إليه إلي صلابة العلويّة،و إلي لين العبّاسيّة،فترك تقاه،و اتّبع هواه،و باع آخرته بدنياه،و افتتح عمله بقتل عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب،و سلّط طواغيت خراسان و خوارج سجستان و أكراد أصفهان علي آل أبي طالب يقتلهم تحت كلّ حجر و مدر،و يطلبهم في كلّ سهل و جبل،حتّي سلّط عليه أحبّ الناس إليه فقتله كما قتل الناس في طاعته،و أخذه بما أخذ الناس في بيعته،و لم ينفعه أن أسخط اللّه برضاه،و أن ركب ما لا يهواه،و حلت من الدوانيقي الدنيا،فخبط فيها عسفا،و تقضي فيها جورا و حيفا،إلي أن مات،و قد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة،و معدن الطيب و الطهارة،قد تتبّع غائبهم،و تلقّط حاضرهم،حتّي قتل عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه الحسني(بالسند)علي يد عمر بن هشام التغلبي،فما ظنّك بمن قرب متناوله عليه، و لان مسّه علي يديه؟و هذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم،و فعله موسي قبله بهم،فقد عرفتم ما توجّه علي الحسين بن عليّ بفخّ من موسي،و ما اتّفق علي عليّ بن الأفطس الحسيني من هارون،و ما جري علي أحمد بن عليّ الزيدي،و علي القاسم بن عليّ الحسني من حبسه،و عليّ بن غسّان حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله،و الجملة أنّ هارون مات و قد حصد شجرة النبوّة،و اقتلع غرس الإمامة و أنتم أصلحكم اللّه أعظم نصيبا في الدين من الأعمش،فقد شتموه،و من شريك فقد عزلوه،و من هشام بن الحكم فقد أخافوه،و من عليّ بن يقطين فقد اتّهموه».

و حكي هذا المقطع المآسي و النكبات التي جرت علي السادة العلويّين و علي

ص: 179

شيعتهم في عهد العبّاسيّين،فقد أسرفوا في ظلمهم،و أمعنوا في قتلهم،و فعلوا بهم ما لم تفعله بهم عتاة بني أميّة،و قد ذكر الخوارزمي قائمة بأسماء السادة العلويّين الذي قتلهم أبو مسلم الخراساني الذي انتقم اللّه منه،فقد أذاقه المنصور الكأس التي سقي به مئات الآلاف من المسلمين،و خصوصا السادة العلويّين،و أعظم ما جري علي العلويّين في عهد المنصور الدوانيقي فقد أسرف هذا الطاغية في قتلهم،فقد انمحت من نفسه جميع أفانين المروة و الشرف،و لم يرع أي حقّ لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في ذرّيّته و بنيه،فقد طاردهم و تتبّعهم تحت كلّ حجر و مدر،فمن عثر عليه قتله أو أودعه في ظلمات السجون،و لمّا هلك هذا الطاغية كانت زنزانة سجونه مليئة بالأبرياء من السادة و شيعتهم،و استمرّ الظلم علي العلويّين من أبناء المنصور و أحفاده،و كان من أقصي ما لا قوه و عانوه في عهد الطاغية هارون،فقد أباد أبناء النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قتلا و تنكيلا،و اعتدي علي سيّد العترة في عصره الإمام الأعظم موسي بن جعفر عليه السّلام،فأودعه حفنة من السنين في سجونه،ثمّ اغتاله بالسمّ.

و يستمرّ الخوارزمي في ذكر ما جري علي العلويّين و شيعتهم من الظلم،فيقول:

«فأمّا في الصدر الأوّل،فقد قتل زيد بن صوحان العبدي،و عوقب عثمان بن حنيف الأنصاري،و خفي حارثة بن قدامة السعدي،و جندب بن زهير الأزدي،و شريح بن هانئ المرادي،و مالك بن كعب الأرحبي،و معقل بن قيس الرياحي،و الحارث الأعور الهمداني،و أبو الطفيل الكناني،و ما فيهم إلاّ من خرّ علي وجهه قتيلا أو عاش في بيته ذليلا،يسمع شتمة الوصيّ فلا ينكر،و يري قتلة الأوصياء و أولادهم فلا يغيّر،و لا يخفي عليكم حرج عامّتهم و حيرتهم،كجابر الجعفي،و كرشيد الهجري،و كزرارة بن أعين،و كفلان و أبي فلان ليس إلاّ أنّهم رحمهم اللّه كانوا يتولّون أولياء اللّه،و يتبرّأون من أعدائه،و كفي به جرما عظيما عندهم و عيبا كبيرا بينهم».

و حكت هذه الكلمات ما عاناه الشيعة من صنوف القتل و الاضطهاد في أيّام الحكم الأموي الأسود؛و ذلك لولائهم لأهل البيت عليهم السّلام الذين فرض اللّه مودّتهم

ص: 180

علي جميع المسلمين.

و يعرج الخوارزمي بعد ذلك إلي ما جري علي الشيعة من الخطوب و الظلم أيّام الحكم العبّاسي الذي هو أشدّ قسوة من الحكم الأموي،فيقول:«و قل في بني العبّاس فإنّك ستجد بحمد اللّه تعالي مقالا،و جل في عجائبهم فإنّك تري ما شئت مجالا.

يجيء فيئهم فيفرّق علي الديلمي و التركي و يحمل إلي المغربي و الفرغاني و يموت إمام من أئمّة الهدي،و سيّد من سادات بني المصطفي،فلا تتبع جنازته، و لا تجصّص مقبرته،و يموت(ضراط)لهم أو لاعب أو مسخرة أو ضارب،فتحضر جنازته العدول و القضاة،و يعمر مسجد التعزية عنه القواد و الولاة،و يسلم فيهم من يعرفونه دهريّا أو سوفسطائيّا،و لا يتعرّضون لمن يدرس كتابا فلسفيّا و مانويّا، و يقتلون من عرفوه شيعيّا،و يسفكون دم من سمّي ابنه عليّا،و لو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلّي بن خنيس قتيل داود بن عليّ،و لو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحا لا يبرأ،و ثائرة لا تطفأ،و صدعا لا يلتئم،و جرحا لا يلتحم،و كفاهم أنّ شعراء قريش قالوا:في الجاهليّة أشعارا يهجون بها أمير المؤمنين عليه السّلام،و يعارضون فيها أشعار المسلمين،فحملت أشعارهم و دوّنت أخبارهم،و رواها الرواة،مثل الواقدي و وهب بن منبّه التميمي،و مثل الكلبي و الشرقي بن القطامي،و الهيثم بن عدي،و داب بن الكناني.

و إنّ بعض شعراء الشيعة يتكلّم في ذكر مناقب الوصيّ و في ذكر معجزات النبيّ صلّي اللّه عليه و اله فيقطع لسانه،و يمزّق ديوانه،كما فعل بعبد اللّه بن عمّار البرقي،و كما أريد بالكميت بن زيد الأسدي،و كما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري،و كما دمّر علي دعبل بن عليّ الخزاعي،مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي،و من عليّ بن الجهم الشامي ليس إلاّ لغلوّهما في النصب و استيجابها مقت الربّ،حتّي أنّ هارون

ص: 181

ابن الخيزران و جعفر المتوكّل علي الشيطان-لا علي الرحمن-كانا لا يعطيان مالا، و لا يبذلان نوالا إلاّ لمن شتم آل أبي طالب،و نصر مذهب النواصب مثل عبد اللّه بن مصعب الزبيري،و وهب بن وهب البختري،و من الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي،و من الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي،فأمّا في أيّام جعفر،فمثل بكّار بن عبد اللّه الزبيري،و أبي السمط بن أبي الجون الأموي،و ابن أبي الشوارب العبشمي».

عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلي المحن الشاقّة و العسيرة التي واجهتها شيعة أهل البيت في عهد الحكم العبّاسي الذي أمعن في إرهاقهم و اضطهادهم، و ذكر الخوارزمي كوكبة من أعلام الشيعة الذين أعدموا و سجنوا لا لذنب اقترفوه، و إنّما لولائهم لعترة نبيّهم صلّي اللّه عليه و اله،كما ذكر الخوارزمي بعض الاجراءات الظالمة التي عملتها للقضاء علي ذكر أهل البيت و التي منها أنّ من يمدحهم و يذكر مآثرهم و مناقبهم يتعرّض للقتل و السجن،و من يهجوهم و يشتمهم تكرمه السلطة،و تغدق عليه المال و الثراء العريض.

و من بنود هذه الوثيقة التي كشفت الغطاء عن المآسي الفظيعة التي عاناها العلويّون و شيعتهم قوله:«و نحن أرشدكم اللّه قد تمسّكنا بالعروة الوثقي،و آثرنا الدين علي الدنيا،و ليس يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا،و لن يحلّ لنا عقدة نقصان من نقص منّا،فإنّ الإسلام بدأ غريبا،و سيعود غريبا كما بدأ،كلمة من اللّه و وصيّة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يورثها من يشاء من عباده،و العاقبة للمتّقين،و مع اليوم غد،و مع السبت أحد.

قال عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه يوم صفّين:لو ضربونا حتّي نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ،و أنّهم علي الباطل،و لقد هزم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،ثمّ هزم،و لقد تأخّر أمر الإسلام ثمّ تقدّم الم* أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ

ص: 182

لاٰ يُفْتَنُونَ (1)،و لو لا محنة المؤمنين و قلّتهم،و دولة الكافرين و كثرتهم لما امتلأت جهنم،حتّي تقول:هل من مزيد،و لما قال اللّه تعالي: وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ ،و لما تبيّن الجزوع من الصبور،و لا عرف الشكور من الكفور،و لما استحقّ المطيع الأجر،و لا احتقب العاصي الوزر،فإن أصابتنا نكبة فذلك ما قد تعوّدناه،و إن رجعت لنا دولة فذلك ما قد انتظرناه،و عندنا بحمد اللّه تعالي لكلّ حالة آلة،و لكلّ مقام مقالة،فعند المحن الصبر،و عند النعم الشكر،و لقد شتم أمير المؤمنين عليه السّلام علي المنابر ألف شهر،فما شككنا في وصيّته،و كذّب محمّد صلّي اللّه عليه و اله بضع عشرة سنة،فما اتّهمناه في نبوّته،و عاش إبليس مدّة تزيد علي المدد،فلم نرقب في لعنته،و ابتلينا بفترة الحقّ،و نحن مستيقنون بدولته،و دفعنا إلي قتل الإمام بعد الإمام،و الرضا بعد الرضا،و لا مرية عندنا في صحّة إمامته،و كان وعد اللّه مفعولا،و كان أمر اللّه قدرا مقدورا،كلاّ سوف تعلمون،ثمّ كلا سوف تعلمون، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،و لتعلمنّ نبأه بعد حين».

و حكت هذه الكلمات صمود الشيعة،و عدم اكتراثها بالضربات القاسية و الموجعة التي تلقّتها من الارهابيّين و المجرمين من أعداء أهل البيت،فلم تنثن في الإسلام،و قد أثبتت الشيعة في مواقفها الصلبة أيّام الحكم الأموي و الحكم العبّاسي أنّها من أصلب المدافعين عن الإسلام،و المناهضين للجور و الطغيان،فقد رفعت راية الإسلام عالية خفّاقة،و لم تحفل بالكوارث و الخطوب التي صبّها عليهم أولئك اللصوص من حكّام الأمويّين و العبّاسيّين.

و يستمرّ الخوارزمي في رسالته فيقول:«اعلموا رحمكم اللّه أنّ بني أميّة الشجرة الملعونة في القرآن،و أتباع الطاغوت و الشيطان،جهدوا في دفن محاسن الوصيّ، و استأجروا من كذب في الأحاديث علي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و حوّلوا الجوار إلي بيت2.

ص: 183


1- العنكبوت 29:1 و 2.

المقدس عن المدينة،و الخلافة-زعموا-إلي دمشق عن الكوفة،و بذلوا في طمس هذا الأمر الأموال،و قلّدوا عليه الأعمال،و اصطنعوا فيه الرجال،فما قدروا علي دفن حديث من أحاديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و لا علي تحريف آية من كتاب اللّه، و لا علي دسّ أحد من أعداء اللّه في أولياء اللّه،و لقد كان ينادي علي رؤوسهم بفضائل العترة،و يبكت بعضهم بعضا بالدليل و الحجّة،لا تنفع في ذلك هيبته-أي هيبة السلطان-و لا يمنع منه رغبة،و لا رهبة،و الحقّ عزيز و إن استذلّ أهله،و كثير و إن قلّ حزبه،و الباطل ذليل و إن رصّع بالشبهة،و قبيح و إن غطّي وجهه بكلّ مليح.

قال عبد الرحمن بن الحكم و هو من أنفس بني أميّة:

سميّة أمسي نسلها عدد الحصي و بنت رسول اللّه ليس لها نسل

و قال غيره:

لعن اللّه من يسبّ عليّا و حسينا من سوقة و إمام

و قال أبو دهبل الجمحي في سمة سلطان بني أميّة و ولاية آل بني سفيان:

تبيت السّكاري من أميّة نوّما و بالطّفّ قتلي ما ينام حميمها

و قال سليمان بن قتّة:

و إنّ قتيل الطّفّ من آل هاشم أذلّ رقاب المسلمين فذلّت

و قال الكميت بن زيد،و هو جار خالد بن عبد اللّه القسري:

فقل لبني أميّة حيث حلّوا و إن خفت المهنّد و القطيعا

أجاع اللّه من أشبعتموه و أشبع من بجوركم أجيعا»

عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلي ما بذله الأمويّون من جهود جبّارة لطمس

ص: 184

فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،فقد سخّروا جميع إمكانيّاتهم الاقتصاديّة و السياسيّة و الإعلاميّة لمحو ذكر العترة الطاهرة،و ستر مناقبهم و مآثرهم،فلم يفلحوا،فقد برزت فضائلهم كأسمي صورة عرفتها الإنسانيّة في جميع مراحل تاريخها،كما ظهرت للعيان صور اللصوص و قطّاع الطرق من أعدائهم الذين نهبوا أموال المسلمين،و أنفقوها علي شهواتهم و رغباتهم،و أرغموا المسلمين علي ما يكرهون.

و يقول الخوارزمي في رسالته:«ما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العبّاس علي رؤوسهم بالحقّ،و إن كرهوا،و بتفضيل من نقصوه و قتلوه.قال منصور بن الزبرقان علي بساط هارون:

آل النّبيّ و من يحبّهم يتطامنون مخافة القتل

أمن النّصاري و اليهود و هم من أمّة التّوحيد في أزل (1)

و قال دعبل بن عليّ،و هو صنيعة بني العبّاس و شاعرهم (2):

ألم تر أنّي من ثمانين حجّة أروح و أغدو دائم الحسرات

أري فيئهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات

و قال عليّ بن العبّاس الرومي،و هو مولي المعتصم:

بكلّ أوان للنّبيّ محمّد قتيل زكيّ بالدّماء مضرّجي.

ص: 185


1- الأزل:الضيق و الشدّة.
2- لم يكن دعبل الخزاعي صنيعة بني العبّاس و شاعرهم،و إنّما كان شاعر السادة العلويّين و مادحهم،و تعرّض في سبيل ذلك لأقسي ألوان المحن و الخطوب،كما يشهد بذلك ما أعلنه دعبل بهذين البيتين من قصيدته الخالدة التي تلاها علي الإمام الرضا عليه السّلام،و فيما أحسب أنّ هذه الفقرة كانت من الناسخ،أو سهوا من الخوارزمي.

و قال إبراهيم بن العبّاس الصولي،و هو كاتب القوم و عاملهم في الرضا لما قرّبه المأمون:

يمنّ عليكم بأموالكم و تعطون من مائة واحدا

و حكت هذه الكلمات ما أعلنه شعراء الشيعة بتفضيل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و أبنائه الأئمّة الطاهرين علي العبّاسيّين و غيرهم،و قد أعلنوا ذلك في أحرج الظروف و أقساها،فقد كان النطع و السيف هو المصير لمن يذكر الأئمّة الطاهرين بخير،إلاّ أنّ أولئك الأبطال لم يحفلوا بما عانوه من القتل و التشريد في سبيل كلمة الحقّ.

و يستمرّ الخوارزمي في رسالته،فيقول:«و كيف لا ينتقصون-أي الشعراء-قوما يقتلون بني عمّهم جوعا و سغبا،و يملأون ديار الترك و الديلم فضّة و ذهبا، يستنصرون المغربي و الفرغاني،و يجفون المهاجري و الأنصاري،و يولّون أنباط السواد وزاراتهم،و قلف العجم قيادتهم،و يمنعون آل أبي طالب ميراث أمّهم،و فيء جدّهم،يشتهي العلوي الآكلة فيحرمها،و يقترح علي الأيّام الشهوة فلا يطعمها، و خراج مصر و الأهواز،و صدقات الحرمين و الحجاز تصرف إلي ابن أبي مريم المديني،و إلي إبراهيم الموصلي،و ابن جامع السهمي،و إلي زلزل الضارب، و برصوما الزامر،و إقطاع بختيشوع النصراني،قوت أهل بلد،و جاري بغا التركي، و الأفشين الأسروشني كفاية أمّة ذات عدد،و المتوكّل يتسرّي باثني عشر ألف سريّة،و السيّد من سادات أهل البيت يتعفّف بزنجيّة أو سنديّة،و صفوة مال الخراج مقصور علي أرزاق الأفاغنة،و علي موائد المخانثة،و علي طعمة الكلابين،و رسوم القرّادين،و علي مخارق و علوية المغنّي،و علي زرزر،و عمر بن بانة الملهي، و يبخلون علي الفاطمي بأكلة أو شربة،يصرفونه علي دانق و حبّة،و يشترون العوادة بالبدر،و يجرون لها ما يفي برزق عسكر،و القوم الذين أحلّ لهم الخمس،و حرمت عليهم الصدقة،و فرضت لهم الكرامة و المحبّة،يتكفّون ضرّا،و يهلكون فقرا،

ص: 186

و يرهن أحدهم سيفه،و يبيع ثوبه،و ينظر إلي فيئه بعين مريضة،و يتشدّد علي دهره بنفس ضعيفة ليس له ذنب إلاّ أنّ جدّه النبيّ،و أباه الوصيّ،و أمّه فاطمة،و جدّته خديجة،و مذهبه الإيمان،و إمامه القرآن».

و حفلت هذه القطعة ببعض المآسي التي عاناها العلويّون،و التي منها فرض الحصار الاقتصادي عليهم من قبل الطغمة العبّاسيّة،فقد منعوهم من أبسط حقوقهم،و ضيّقوا عليهم غاية التضييق،حتّي لم يجد العلويّ ثوبا يستر بدنه، و لا طعاما يسدّ رمقه في حين أنّ أموال الدولة تصرف علي المغنّين و العابثين و الماجنين،و قد ذكر الخوارزمي قائمة بأسمائهم،و قد أنفقت الحكومات العبّاسيّة عليهم الملايين من الأموال،و تركت الشعوب الإسلاميّة ترزح تحت كابوس الفقر و الحرمان.

و من بنود هذه الرسالة ما يلي:«و لقد كانت في بني أميّة مخازي تذكر،و معايب تؤثر،كان معاوية قاتل الصحابة و التابعين،و أمّة آكلة الشهداء الطاهرين،و ابنه يزيد القرود،مربّي الفهود،و هادم الكعبة،و منهب المدينة،و قاتل العترة،و صاحب يوم الحرّة،و كان مروان الوزغ ابن الوزغ،لعن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أباه،و هو في صلبه،فلحقته لعنة اللّه ربّه،و كان عبد الملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض و شملت،و هي توليته الحجّاج بن يوسف الثقفي،فاتك العباد،و قاتل العباد،و مبيد الأوتاد،و مخرّب البلاد،و خبيث أمّة محمّد الذين جاءت به النذر،و ورد فيه الأثر،و كان الوليد جبّار بني أميّة،و ولّي الحجّاج علي المشرق،و قرّة بن شريك علي المغرب،و أنّ سليمان صاحب البطن الذي قتلته بطنه،و مات شبعا و تخمة،و كان يزيد صاحب سلامة و حبابة الذي نسخ الجهاد بالخمر،و قصر أيام خلافته علي العود و الزمر،و أوّل من أغلي سعر المغنّيات،و أعلن بالفاحشات،و ماذا أقول:فيمن أعرق فيه مروان من جانب و يزيد بن معاوية من جانب،فهو ملعون بين ملعونين،و عريق في الكفر بين كافرين،و كان هشام قاتل زيد بن عليّ،مولي يوسف بن عمر الثقفي،و كان الوليد بن

ص: 187

يزيد خليع بني مروان الكافر بالرحمن،الممزّق بالسهام القرآن،و أوّل من قال الشعر في نفي الإيمان،و جاهر بالفسوق و العصيان».

عرض الخوارزمي في هذا المقطع حال ملوك الأمويّين،و ما أثر عنهم من المخازي التي سوّدوا بها وجه التاريخ،و قد عانت الأمّة في ظلال حكمهم الأسود من الخطوب و الكوارث،فقد نهبوا الاقتصاد،و صادروا حريّات الناس،و استعملوا عليهم ذئاب البشريّة،أمثال المجرم الارهابي الحجّاج بن يوسف الثقفي،و أمثاله من القساة المجرمين،فأحالوا الحياة إلي جحيم،فقد أشاعوا الظلم و الفساد بين الناس.

و لنستمع إلي الفصل الأخير من هذه الرسالة،يقول فيها:«و هذه المثالب مع عظمها و كثرتها،و مع قبحها و شنعتها،صغيرة و قليلة في جنب مثالب بني العبّاس الذين بنوا مدينة الجبّارين،و فرّقوا في الملاهي و المعاصي أموال المسلمين،هؤلاء أرشدكم اللّه الأئمّة المهديّون الراشدون،الذين قضوا بالحقّ و به يعدلون،بذلك يقف خطيب جمعتهم،و بذلك تقوم صلاة جماعتهم».

و أعرب الخوارزمي في هذه الكلمات عن مثالب بني العبّاس،و أنّها أفظع بكثير من موبقات بني أميّة و جرائمهم،فقد أنفق العبّاسيّون أموال الأمّة علي شهواتهم و ملاذّهم و لياليهم الحمراء،في حين أنّ الغالبيّة الساحقة من الشعوب الإسلاميّة قد نهشها الجوع و البؤس و الحرمان،و من الغريب أن تضفي الألقاب الكريمة،و النعوت الحسنة علي أولئك الملوك،فيقال عنهم:إنّهم أئمّة مهديّون يقضون بالحقّ و به يعدلون.

و بهذا ينتهي بنا المطاف في الحديث عن هذه الرسالة،التي هي من أوثق البنود السياسيّة،قد حكت بصورة صادقة و موضوعيّة ما عاناه السادة العلويّون و شيعتهم من المآسي و الكوارث المدمّرة من حكّام الأمويّين و العبّاسيّين،و هي تلقي الأضواء علي السبب في اختفاء الإمام المنتظر عليه السّلام،و حجبه عن الناس.

ص: 188

و فيما أحسب أنّ من الأسباب الرئيسة التي دعت إلي فرض الإقامة الجبريّة علي الإمامين الزكيّين الإمام علي الهادي و نجله الإمام الحسن العسكري عليهم السّلام في سامرّاء، و احاطتهما بقوي مكثّفة من الأمن،رجالا و نساء،هي التعرّف علي ولادة الإمام المنتظر لإلقاء القبض عليه،و تصفيته جسديّا،فقد أرعبتهم،و ملأت قلوبهم فزعا ما تواترت به الأخبار عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و عن أوصيائه الأئمّة الطاهرين أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و أنّه هو الذي يقيم العدل،و ينشر الحقّ،و يشيع الأمن و الرخاء بين الناس،و هو الذي يقضي علي جميع أفانين الظلم،و يزيل حكم الظالمين،فلذا فرضوا الرقابة علي أبيه و جدّه،و بعد وفاة أبيه الحسن العسكري عليه السّلام أحاطوا بدار الإمام عليه السّلام،و ألقوا القبض علي بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهنّ،كما ذكرنا ذلك بصورة مفصّلة في البحوث السابقة،فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليه السّلام و عدم ظهوره للنّاس،و قد علّل بذلك في حديث زرارة،فقد روي أنّ الإمام عليه السّلام قال:«إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره.

فبادر زرارة قائلا:لم؟

فقال عليه السّلام:يخاف القتل» (1).

و يقول الشيخ الطوسي:«لا علّة تمنع من ظهور المهدي إلاّ خوفه علي نفسه من القتل؛لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار» (2).

مناقشة الخنيزي

و ناقش أبو الحسن الخنيزي في سبب اختفاء الإمام عليه السّلام خوفه من القتل،قال:

«أمّا دعوي أنّ الإمام المهدي ممتنع من الخروج خوفا من الأعداء فهي من الخيالات

ص: 189


1- الغيبة/الطوسي:329،و روي نحوه في الكافي.
2- المصدر المتقدّم:334.

المنافية أو المخيّلات و الوهميّات المثارة من الحدّة حال الجدال» (1).

و هذا الرأي ليس بوثيق لأنّ السلطة العبّاسيّة لو ظفرت به لقتلته كما قتلت آباءه الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام،فقد فرضت الرقابة الشديدة و المكثّفة علي بيت أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بعد وفاته لإلقاء القبض عليه و قتله،فقد حجبه اللّه تعالي و أخفاه عن العبّاسيّين حفاظا علي حياته و بقائه ليقيم العدل و ينشر الحقّ،و يبسط الأمن في الأرض،في وقت يحدّده اللّه تعالي،و ليس للإنسان رأي أو اختيار في ذلك.

2-الامتحان و الاختبار

و ثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام عليه السّلام،و هو امتحان العباد و اختبارهم و تمحيصهم،فقد أثر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«أما و اللّه ليغيبنّ إمامكم شيئا من دهركم،و لتمحّصنّ حتّي يقال:مات أو هلك،بأيّ واد سلك،و لتدمعنّ عليه عيون المؤمنين،و لتكفأنّ كما تكفأ السّفن في أمواج البحر،فلا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه، و كتب في قلبه الإيمان،و أيّده بروح منه» (2).

لقد جرت سنّة اللّه في عباده امتحانهم و ابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون.قال تعالي: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيٰاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (3)،و قال تعالي: أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ (4)،و غيبة الإمام عليه السّلام من موارد الامتحان،فلا يؤمن بها إلاّ من خلص

ص: 190


1- الدعوة الإسلاميّة:344/2.
2- بحار الأنوار:281/52.
3- الملك 67:2.
4- العنكبوت 29:2.

إيمانه،وصفت نفسه،و صدّق بما جاء عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و الأئمّة الهداة المهديّين من حجبه عن الناس،و غيبته مدّة غير محدّدة،أو أنّ ظهوره بيد اللّه تعالي،و ليس لأحد من الخلق رأي في ذلك،و إنّ مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.

3-الغيبة من أسرار اللّه تعالي

و علّلت غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام بأنّها من أسرار اللّه تعالي التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق،فقد أثر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«إنّما مثل قائمنا أهل البيت كمثل السّاعة لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السّماوات و الأرض،و لا يأتيكم إلاّ بغتة» (1).

و أثر عن الإمام المهدي عليه السّلام أنّه قال لبعض شيعته:«أغلقوا أبواب السّؤال عمّا لا يعنيكم،و لا تتكلّفوا ما قد كفيتم،و أكثروا من الدّعاء بتعجيل الفرج،فإنّ ذلك فرجكم،و السّلام علي من اتّبع الهدي» (2).

و يقول الشيخ مقداد السيوري:«كان الاختفاء لحكمة استأثر بها اللّه تعالي في علم الغيب عنده» (3).

4-عدم بيعته لظالم

و من الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام عليه السّلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم، و قد أثر ذلك عن الإمام الرضا عليه السّلام،فقد روي الحسن بن عليّ بن فضّال،عن أبيه:أنّ الإمام الرضا عليه السّلام قال:«كأنّي بالشّيعة عند فقدهم الثّالث من ولدي كالنّعم يطلبون المرعي فلا يجدونه.

ص: 191


1- البرهان في علامات آخر الزمان:255/1.
2- بحار الأنوار:92/52.
3- مختصر التحفة الاثني عشريّة:119.

فقال له:و لم ذاك يابن رسول اللّه؟قال عليه السّلام:لأنّ إمامهم يغيب عنهم.

قال:و لم؟قال عليه السّلام:لئلاّ يكون في عنقه لأحد حجّة إذا قام بالسّيف» (1).

و أعلن الإمام المنتظر عليه السّلام ذلك بقوله:«إنّه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السّلام إلاّ و أوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و إنّي أخرج حين أخرج،و لا بيعة لأحد من الطّواغيت في عنقي» (2).

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام،و أكبر الظنّ أنّ اللّه تعالي قد أخفي ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره.

تساؤلات

اشارة

و أثيرت بعض الشكوك و الأوهام عن غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام،كان منها ما يلي:

1-ما الفائدة في غيابه؟

و كثر الحديث عن الفائدة في غياب الإمام عليه السّلام،و طعن بعض من لا حريجة له في ذلك،و قال:إنّ وجوده و عدمه في حال الغيبة سواء،و تصدّي المتكلّمون من الشيعة إلي تفنيد ذلك،و أعلنوا كوكبة من الفوائد التي تترتّب علي غيابه،و هي:

أوّلا:إنّ وجود الحجّة و إن كان محجوبا عن الأبصار،إلاّ أنّه أمان لأهل الأرض، كما صرّحت بذلك طائفة من الأخبار،منها:

1-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:«أهل بيتي أمان لأهل الأرض،فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (3).

ص: 192


1- علل الشرائع:245/1.كمال الدين:480.
2- منتخب الأثر:332.
3- ذخائر العقبي:17،و في كنز العمّال:116/6 و مجمع الزوائد:17/10،و فيض القدير:386/6 لفظ الحديث:«النّجوم أمان لأهل السّماء،و أهل بيتي أمان لأمّتي». و في مستدرك الصحيحين:458/3:«إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله خرج ذات ليلة،و قد أخّر صلاة العشاء حتّي ذهب من الليل هنيهة أو ساعة،و الناس ينتظرون في المسجد،فقال:ما تنتظرون؟ فقالوا:ننتظر الصلاة. فقال:إنّكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثمّ قال:أما إنّها صلاة لم يصلّها أحد ممّن كان قبلكم من الأمم. ثمّ رفع رأسه إلي السماء فقال:النّجوم أمان لأهل السّماء،فإن طمست النّجوم أتي أهل السّماء ما يوعدون إلي أن قال:و أهل بيتي أمان لأمّتي،فإذا ذهب أهل بيتي أتي أمّتي ما يوعدون».

2-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:«لا يزال هذا الدّين قائما إلي اثني عشر أميرا من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها» (1).

3-قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«اللّهمّ بلي لا تخلو الأرض من قائم للّه...».

إلي غير ذلك من الأخبار الناطقة بأنّ الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام أمان لأهل الأرض،و أنّ لهم عائدة كبري علي المسلمين بدفع البلاء عنهم،و رفع ما ألمّ بهم من مكروه، و الإمام المهدي عليه السّلام في وجوده و غيابه مصدر خير و رحمة إلي الناس.

ثانيا:إنّ غيابه عن الأبصار يستند إلي عدم صلاح المسلمين،و شيوع الفساد في صفوفهم،و لو كانوا صالحين غير منحرفين عن الحقّ لظهر عليه السّلام،و قد أشار إلي الوجه الأوّل و الثاني المحقّق الطوسي رحمه اللّه،قال:«وجوده-أي الإمام المنتظر عليه السّلام-لطف، و تصرّفه لطف آخر» (2).

ثالثا:إنّ الإمام عليه السّلام في حال غيابه يرعي شيعته،و يمدّهم بدعائه الذي9.

ص: 193


1- منتخب الأثر:27،نقلا عن كشف الأستار:134.
2- التجريد/الطوسي:389.

لا يحجب،و لو لا دعاؤه لهم لما أبقي منهم الظالمون أحدا يتنفّس الصعداء،و قد أعلن الإمام المنتظر عليه السّلام ذلك في إحدي رسائله للشيخ المفيد،فقد قال عليه السّلام:«إنّا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللاّواء،و اصطلمكم الأعداء».

رابعا:إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام أعرب عن الفائدة من غيابه عن الأبصار.قال عليه السّلام:

«و أمّا وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالشّمس إذا غيّبتها الغيوم السّحاب»،و قد سأل سليمان الأعمش بن مهران الإمام الصادق عليه السّلام،فقال له:كيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟

فأجابه الإمام:«كما ينتفعون بالشّمس إذا سترها سحاب».

و أفاد العلاّمة المجلسي في توجيه الحديث وجوها و هي:

«الأوّل:إنّ نور الوجود و العلم و الهداية تصل إلي الخلق بتوسّطه عليه السّلام؛إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق،فلولاهم لم يصل نور الوجود إلي غيرهم،و ببركتهم،و الاستشفاع بهم،و التوسّل إليهم تظهر العلوم و المعارف علي الخلق،و يكشف البلايا عنهم،فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب،كما قال تعالي: وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (1)،و لقد جرّبنا مرارا لا نحصيها أنّه عند انغلاق الأمور و إعضال المسائل،و البعد عن جناب الحقّ تعالي، و انسداد أبواب الفيض لما استشفعنا بهم،و توسّلنا بأنوارهم،فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تتكشّف تلك الأمور الصعبة،و هذا معاين لمن أكحل اللّه عين قلبه بنور الإيمان،و قد مضي توضيح ذلك في(كتاب الإمامة).

الثاني:كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كلّ3.

ص: 194


1- الأنفال 8:33.

آن انكشاف السحاب عنها و ظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر،فكذلك في أيّام غيبته عليه السّلام ينتظر المخلصون من شيعته خروجه و ظهوره في كلّ وقت و زمان.

الثالث:إنّ منكر وجوده عليه السّلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب.

الرابع:إنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب،فكذلك غيبته عليه السّلام أصلح لهم في تلك الأزمان.

الخامس:إنّ الناظر إلي الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب،و ربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها،فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم،و يكون سببا لعميهم عن الحقّ،و تقوي بصائر الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلي الشمس من تحت السحاب و لا يتضرّر بذلك.

السادس:إنّ الشمس قد تخرج من السحاب،و ينظر إليها واحد دون واحد، كذلك يمكن أن يظهر عليه السّلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

السابع:إنّهم كالشمس في عموم النفع،و إنّما لا ينتفع بهم من كان أعمي،كما فسّر في الأخبار قوله تعالي: وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْميٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْميٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً (1).

الثامن:إنّ الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من المنافذ و الشبابيك،و بقدر ما يرتفع عنها من الموانع عنها،فكذلك الخلق،إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون من الموانع عن حواسّهم و مشاعرهم التي هي منافذ قلوبهم من الشهوات النفسيّة و العلائق الجسمانيّة،و بقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانيّة إلي أن ينتهي الأمر إلي حيث يكون بمنزلة من هو تحت2.

ص: 195


1- الإسراء 17:72.

السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب،فقد فتحت لك من هذه الجنّة الروحانيّة ثمانية أبواب» (1).

خامسا:إنّ الفائدة و الحكمة من غيابه مجهولة لدينا،كما صرّحت بذلك بعض الأخبار،فقد روي عبد اللّه بن الفضل الهاشمي،قال:«سمعت الإمام الصادق عليه السّلام يقول:«إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها،يرتاب فيها كلّ مبطل.

و طفق عبد اللّه قائلا:لم جعلت فداك؟

فقال عليه السّلام:الأمر يؤذن لنا في كشفه لكم.

و سارع عبد اللّه قائلا:ما وجه الحكمة في غيبته؟

فأجابه الإمام عليه السّلام:وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيابة من تقدّمه من حجج اللّه تعالي ذكره.

إنّ وجه الحكمة لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره،كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السّفينة،و قتل الغلام،و إقامة الجدار لموسي،إلاّ وقت افتراقهما.

يابن الفضل،إنّ هذا أمر من أمر اللّه،و سرّ من سرّ اللّه عزّ و جلّ،و غيب من غيب اللّه،و متي علمنا أنّه عزّ و جلّ حكيم،صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة،و إن كان وجهها غير منكشف لنا» (2).

هذه بعض الأسباب التي ذكرت عن الفائدة في غيابه،و عدم مشاهدة الناس له.

2-امتداد عمره عليه السّلام

و كثر التساؤل عن امتداد عمر الإمام عليه السّلام،و كيف عاش هذه المدّة الطويلة التي

ص: 196


1- منتخب الأثر:271 و 272.
2- كمال الدين:437 و 438.جلاء العيون:157/3 و 158.

تزيد علي ألف و مائة و خمسين عاما،و لا يخضع لأعراض الشيخوخة و الهرم الذي هو ظاهرة طبيعيّة للإنسان،فإنّ أنسجة جسمه و خلاياه تتصلّب بالتدريج،و كلّما امتد عمر الإنسان فإنّها لا بدّ أن تتعطّل،و ذلك لصراعها مع الميكروبات أو التسمّم الذي يتسرّب إلي جسم الإنسان من خلال ما يتناوله من غذاء مكثّف أو غيره،الأمر الذي يؤدّي إلي مفارقة الحياة.

للجواب عن هذا السؤال نقول:

أوّلا:إنّ إطالة عمر الإنسان أمر ممكن عقلا،و ليس مستحيلا ككون الشيء في آن واحد فردا و زوجا،فلنفرضه كصعود الإنسان إلي القمر أو أي كوكب آخر،فإنّه ممكن عقلا،و قد تحقّق ذلك بعد أن تهيّأت الأسباب الطبيعيّة له،فإطالة عمر الإمام المهدي عليه السّلام أمر ممكن علميّا و خارجيّا،و ذلك بمشيئة اللّه تعالي بعزله للأنسجة التي يتكوّن منها جسم الإنسان عن المؤثّرات الخارجيّة التي تسبّب هرم الجسم و فناءه، و قد تحقّق ذلك في العالم الخارجي،فإنّ نبيّ اللّه تعالي نوح عليه السّلام قد مكث في قومه ألف عام إلاّ خمسين سنة حسب ما نصّ عليه القرآن الكريم،فلماذا نقبل و نؤمن بإطالة عمر نوح و لا نؤمن بإطالة عمر الإمام المنتظر عليه السّلام،و كلّ منهما موكّل بالإصلاح الاجتماعي بين الناس؟

ثانيا:إنّا لو سلّمنا مجاراة أنّ إطالة عمر الإنسان مئات السنين و آلاف السنين أمر غير ممكن عقلا؛لأنّ فيه تعطيلا للقوانين الطبيعيّة التي تقضي بهرم الإنسان و فنائه، إلاّ أنّ ذلك أمر ممكن بالنسبة إليه تعالي وحده،فقد جعل النار التي هي علّة تامّة للإحراق بردا و سلاما علي خليله و نبيّه إبراهيم،قال تعالي: يٰا نٰارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاٰماً عَليٰ إِبْرٰاهِيمَ (1)،و كذلك فلق تعالي البحر لنبيّه موسي عليه السّلام،و أنقذه مع المؤمنين من قومه من الغرق،و أغرق فرعون و جنوده،أليس في ذلك تعطيلا9.

ص: 197


1- الأنبياء 21:69.

للقوانين الطبيعيّة؟فلتكن قوانين الشيخوخة من هذا القبيل.

إنّ عناية اللّه تعالي تتدخّل لتجميد القوانين الطبيعيّة،و إلغاء تأثيرها لإنقاذ أوليائه و أنبيائه،فقد خرج النبيّ صلّي اللّه عليه و اله من داره حينما أحاطت به قريش لتصفيته جسديّا، فستر اللّه عيونهم عن رؤيته،و جعل عليها غشاوة،و كان يمشي بينهم و هم لا يبصرونه.

3-لماذا هذا العمر المديد؟

و ثمّة سؤال آخر طرح علي ساحة هذا الموضوع،و هو:لماذا هذا العمر المديد الذي منحه اللّه تعالي للإمام المنتظر عليه السّلام؟و لم لا يكون عمره كعمر جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و عمر آبائه الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام؟

و الجواب عن ذلك هو أنّ اللّه تعالي قد خصّ الإمام المنتظر عليه السّلام بإصلاح العالم بأسره،و أوكل إليه إنقاذ الإنسان من التيّارات المظلمة التي تعصف بحياته،و تجعله في متاهات سحيقة في مجاهل هذه الحياة،فالإمام المنتظر عليه السّلام آخر مصلح اجتماعي.

فلا بدّ أن تمرّ الأدوار المظلمة التي عاني منها الإنسان الخطوب و المآسي،ليكون هو الفصل الأخير الذي يفجّر النور و يملأ الأرض عدلا و قسطا.

إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام هو العملاق الذي يغيّر مجري تاريخ الحياة،و يقيمها علي أساس مزدهر من الحضارة الكبري التي تعقب الحضارات التي تسود العالم،و التي هي مليئة بالظلم و الجور،فلا بدّ له من العمر المديد ليطّلع علي الدنيا بأسرها، و يقف علي أوجهها المختلفة ليقوم بالإصلاح الشامل لجميع جوانب الحياة.

4-لماذا لم يظهر؟

من الأسئلة التي طرحت حول غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام هي أنّه لماذا لم يظهر

ص: 198

و يقيم حكم اللّه تعالي في الأرض،و ينقذ الإنسان من المحن و الخطوب التي غرق فيها؟

و الجواب عن ذلك أنّ أمر ظهوره لم يكن خاضعا لإرادة الإنسان و مشيئته و رغباته،و إنّما هو بيد اللّه تعالي،فقد أرسل اللّه تعالي نبيّه محمّدا صلّي اللّه عليه و اله إلي العالم بعد مرور خمسة قرون من الجاهليّة،و ذلك بعد أن تحقّق المناخ المناسب و الجوّ العامّ لإنجاح عمليّة التغيير الاجتماعي الذي قام به الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله،و قبل ذلك لم تتوفّر الشروط لبعثه،و كذلك قيام الإمام المهدي عليه السّلام بعمليّة التغيير للأنظمة الاجتماعيّة القائمة في عصره و تبديلها بالأنظمة النديّة الخلاّقة التي يسعد في ظلالها الإنسان،فإنّها تتطلّب مناخا شاملا لجميع أنحاء الأرض،حتّي يتمكّن صلوات اللّه عليه من تنفيذ ذلك (1).

5-كيف يمكن قيام الإمام بالإصلاح العالمي؟

من المسائل التي أثيرت حول الإمام المنتظر عليه السّلام أنّه كيف يقوم فرد واحد بالإصلاح العالمي،و يغيّر منهج الحياة العامّة المليئة بالظلم و الطغيان إلي نظام آمن مستقرّ،تصان فيه جميع الحقوق،بحيث لم يعد في ساحة الوجود ظالم و مظلوم، و لا فقير و محروم،و إنّما تشمل السعادة جميع أبناء البشر علي اختلاف قوميّاتهم و أجناسهم و أديانهم.

و الجواب عن ذلك أنّ الأنظمة العالميّة و الأحداث الكبري التي غيّرت منهج الحياة تستند إلي الأفراد من عظماء البشريّة لا إلي الجماعة،فالنبيّ العظيم محمّد صلّي اللّه عليه و اله هو الذي رفع رسالة اللّه عالية خفّاقة لا الأعمام و لا الأخوال،و هكذا نبيّ اللّه عيسي و موسي و غيرهما من رسل اللّه و دعاة الإصلاح الاجتماعي،فقد قاموا

ص: 199


1- يراجع في تفصيل ذلك بحث حول المهدي/الإمام الصدر:38،39،41.

بدورهم مستقلّين لا منظّمين بأداء رسالتهم الإصلاحيّة،و بذلك يتميّز دور الفرد لا الجماعة خلافا لما ذهب إليه الماركسيّون من إلغاء الفرد في ميدان الإصلاح الشامل،و إنّما يستند إلي الجماعة،و هذه النظريّة ليس لها أي رصيد علمي.

و علي أي حال،فالإمام المهدي عليه السّلام كجدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يقوم ببسط الأمن و الرخاء في العالم،و ينقذ الإنسان من الأزمات و الخطوب،و ينشر المحبّة و الألفة بين جميع أبناء البشر،و تحديد وقت ظهوره بيد اللّه تعالي،و ليس لأحد في ذلك رأي أو اختيار.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض التساؤلات التي أثيرت حول الإمام المنتظر عليه السّلام و غيبته.

ص: 200

المبشّرون بظهوره عليه السلام

اشارة

و أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و عن أوصيائه أئمّة الهدي عليهم السّلام كوكبة من الأخبار،و هي تحمل البشري إلي العالم الإسلامي و سائر أمم العالم بظهور الإمام المنتظر عليه السّلام الذي يقيم ما اعوجّ من نظام الدين،و ينقذ الإنسان من شرور الظالمين و المعتدين،و يبسط الأمن و الرخاء،و يشيع المودّة و الألفة بين جميع الناس،و ينعدم عنهم الخوف و الارهاب في ظلال حكمه،و فيما يلي بعض تلك الأخبار:

1-النبيّ صلّي اللّه عليه و اله

و أثرت عن الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله جمهرة كبيرة من الأخبار بظهور الإمام المهدي عليه السّلام،و هذه نماذج منها:

1-روي حذيفة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال:«لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لبعث اللّه رجلا من ولدي اسمه اسمي،و خلقه خلقي،يكنّي أبا عبد اللّه،يبايع له النّاس بين الرّكن و المقام،يردّ اللّه به الدّين،و يفتح له فتوحا،و لا يبقي علي وجه الأرض إلاّ من يقول:لا إله إلاّ اللّه.

فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه،من أي ولدك؟

قال:من ولد ابني هذا،و ضرب بيده إلي الحسين» (1).

ص: 201


1- عقد الدرر:56،الباب 2،الحديث 41،و أخرجه الكنجي في كتاب البيان في الباب 13،و أسنده إلي حذيفة،و علّق عليه:«هذا حديث حسن رزقناه عاليا».

و معني هذا الحديث أنّ خروج الإمام المهدي عليه السّلام من الأمور الحتميّة التي لا بدّ أن تتحقّق علي مسرح الحياة،فلو لم يبق في الدنيا إلاّ يوم واحد لخرج فيه الإمام المصلح العظيم.

2-روي عبد اللّه بن عمر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال:«يخرج في آخر الزّمان رجل من ولدي،اسمه كإسمي،يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» (1).

و حكي هذا الحديث ما يقوم به الإمام المهدي عليه السّلام من إشاعة الحقّ،و نشر العدل بين الناس،و إقصاء الظلم و الجور عن الأرض

3-روي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:«المهديّ من ولدي، يكون له غيبة و حيرة،تضلّ فيه الأمم،يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السّلام،فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

و أعرب هذا الحديث الشريف عن غيبة الإمام عليه السّلام،و أنّها تكون مصدر حيرة و ذهول لبعض الأمم فيجحدها قوم،و يؤمن بها آخرون،و أنّه إذا ظهر الإمام عليه السّلام فسيأتي بذخائر الأنبياء و الأوصياء،و يملأ الأرض عدلا و قسطا.

4-روي جابر بن عبد اللّه الأنصاري:أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال:«المهديّ من ولدي،اسمه اسمي،و كنيته كنيتي،يكون له غيبة و حيرة تضلّ فيه الأمم،ثمّ يقبل كالشّهاب الثّاقب يملأها عدلا و قسطا،كما ملئت جورا و ظلما» (3).

و هذا الحديث كالسابق في عطائه و مضمونه،و أنّه لا بدّ من ظهور الإمام ليقيم العدل و يحطّم الجور.3.

ص: 202


1- عقد الدرر:56،الباب 2،الحديث 42.
2- فرائد السمطين:335/2،و روي بصورة موجزة في ينابيع المودّة:396/3.
3- ينابيع المودّة:395/3.

5-روي سعيد بن جبير،عن ابن عبّاس،أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:«إنّ عليّا وصيّي،و من ولده القائم المنتظر المهديّ الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما،و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا،إنّ الثّابتين علي القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر.

فقام إليه جابر بن عبد اللّه فقال:يا رسول اللّه،و للقائم من ولدك غيبه؟

قال:إي و ربّي ليمحّص اللّه الّذين آمنوا و يمحق الكافرين.

ثمّ قال:يا جابر،إنّ هذا أمر من أمر اللّه،و سرّ من سرّ اللّه،فإيّاك و الشّكّ، فإنّ الشّكّ في أمر اللّه عزّ و جلّ كفر» (1).

و ألمح هذا الحديث إلي قلّة المؤمنين بالإمام المهدي عليه السّلام في حال غيبته،و أنّهم قلّة نادرة كالكبريت الأحمر،و أنّ غيبته امتحان للعباد،و تمحيص لهم،فلا يؤمن به إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان،و هداه إلي الصراط المستقيم.

إنّ غيبة الإمام عليه السّلام و وقت ظهوره سرّ من أسرار اللّه تعالي لم يطلع عليها أحد من عباده،كما أنّه من المؤكّد أنّ الشاكّ فيه أو المنكر لوجوده لا نصيب له من الإسلام حسب ما دلّ عليه هذا الحديث و غيره.

6-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:«لا تذهب الدّنيا حتّي يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي» (2).

إنّ الدنيا لا تذهب و لا تزول حتّي يحكم قائم آل محمّد عليه السّلام فينشر العدل، و يبسط الأمن و الرخاء،و يحقّق جميع ما جاء به الأنبياء عليهم السّلام من رفع كلمة التوحيد، و تدمير الشرك و الإلحاد.2.

ص: 203


1- بنابيع المودّة:296/3 و 297،الحديث 7.
2- سنن الترمذي:343/3.مسند أحمد بن حنبل:376/1.صحيح أبي داود:310/2.

7-روي حذيفة بن اليمان،قال:«سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يقول:«ويح هذه الأمّة من ملوك جبابرة يقتلون و يطردون المسلمين،إلاّ من أظهر طاعتهم،فالمؤمن التّقيّ يصانعهم بلسانه،و يفرّ منهم بقلبه،فإذا أراد اللّه تبارك و تعالي أن يعيد الإسلام عزيزا قصم كلّ جبّار عنيد،و هو القادر علي ما يشاء،أن يصلح الأمّة بعد فسادها.

يا حذيفة،لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّي يملك رجل من أهل بيتي يظهر الإسلام،و لا يخلف وعده،و هو علي وعده قدير» (1).

و حكي هذا الحديث ما يحلّ بالأمّة الإسلاميّة من النكبات و الخطوب،و ما تعانيه من الظلم و الجور من ملوكها،و إنّ اللّه تعالي يلطف بها،فيبعث لها المصلح العظيم الإمام عليه السّلام فينقذها ممّا هي فيه،و يعيد للإسلام كرامته و مجده.

8-روي أبو سعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:«ينزل بأمّتي في آخر الزّمان بلاء شديد من سلطانهم،لم يسمع بلاء أشدّ منه حتّي تضيق بهم الأرض الرّحبة، و حتّي تملأ الأرض جورا و ظلما،لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظّلم،فيبعث اللّه عزّ و جلّ رجلا من عترتي،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يرضي عنه ساكن الأرض،لا تدّخر الأرض شيئا من بذرها إلاّ أخرجته،و لا السّماء من قطرها شيئا إلاّ صبّه اللّه عليهم مدرارا،يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع (2)، تتمنّي الأحياء (3)الأموات ممّا صنع اللّه بأهل الأرض من خيره» (4).4.

ص: 204


1- ينابيع المودّة:391/3،الحديث 30.البرهان في علامات آخر الزمان:الباب 2.منتخب الأثر:149.كشف الغمّة:272/3.
2- الترديد من الراوي.
3- الأحياء-بكسر الهمزة-:البقاء.
4- مستدرك الحاكم:465/4.

و ألمح هذا الحديث إلي ما ينزل بالمسلمين من البلاء و الظلم و الجور حتّي تضيق بهم الأرض بما رحبت،و ينقدهم اللّه تعالي بوليّه الإمام المنتظر عليه السّلام فيملأ رحاب الأرض عدلا و قسطا و أمنا و رخاء،و تخرج الأرض خيراتها ببركته،حتّي تعمّ النعم جميع سكّان الأرض.

9-روي عليّ الهلالي،عن أبيه،قال:«دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في شكايته التي قبض فيها،فإذا فاطمة عليها السّلام عند رأسه،فبكت حتّي ارتفع صوتها،فرفع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله طرفه إليها،قال:حبيبتي فاطمة،ما الّذي يبكيك؟

فقالت:أخشي الضّيعة من بعدك.

فقال:يا حبيبتي،أما علمت أنّ اللّه اطّلع علي الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته،ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار بعلك،و أوحي إليّ أن أنكحك إيّاه يا فاطمة،و نحن أهل بيت قد أعطانا اللّه سبع خصال،لم يعطها أحدا قبلنا،و لا يعطيها أحدا بعدنا:أنا خاتم النّبيّين،و أكرمهم علي اللّه،و أحبّ المخلوقين إليه،و أنا أبوك،و وصيّي خير الأوصياء،و أحبّهم إلي اللّه،و هو بعلك،و منّا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنّة مع الملائكة حيث يشاء،و هو ابن عمّ أبيك،و أخو بعلك،و منّا سبطا هذه الأمّة،و هما ابناك الحسن و الحسين،و هما سيّدا شباب أهل الجنّة،و أبوهما-و الّذي بعثني بالحقّ-خير منهما.

يا فاطمة،و الّذي بعثني بالحقّ،إنّ منّا مهديّ هذه الأمّة إذا صارت الدّنيا هرجا و مرجا،و تظاهرت الفتن،و تقطّعت السّبل،و أغار بعضهم علي بعض،فلا كبير يرحم صغيرا،و لا صغير يوقّر كبيرا،يبعث اللّه عند ذلك منهما من يفتح حصون الضّلالة و قلوبا غلفة (1)،يقوم بالدّين في آخر الزّمان،كما قمت به في أوّله،و يملأ الدّنيا عدلاة.

ص: 205


1- الغلفة:المحجوبة.

كما ملئت جورا» (1).

و في هذا الحديث الشريف تسلية من النبيّ صلّي اللّه عليه و اله إلي بضعته سيّدة نساء العالمين، السيّدة فاطمة عليها السّلام عمّا تعانيه من الأسي الشديد و الحزن العميق علي فراق أبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة،فقد بشّرها بما أعدّ اللّه له من الكرامة و الفضيلة و المقام العظيم،و كذلك لزوجها باب مدينة علم النبيّ،الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و لولديها سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن و الحسين عليهما السّلام،ثمّ بشّرها بأنّ المهدي المصلح العظيم عليه السّلام هو من ذرّيّتها،و قد سرّت بذلك،و انجاب عنها ما ألمّ بها من فادح الحزن.

10-روي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،قال:«قلت:يا رسول اللّه،أمنّا آل محمّد أم من غيرنا؟

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:لا بل منّا،بنا يختم اللّه الدّين كما فتح اللّه بنا،بنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشّرك،و بنا يؤلّف اللّه بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا،كما ألّف بنا بين قلوبهم بعد عداوة الشّرك،و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشّرك إخوانا» (2).

و حكي هذا الحديث فضل النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و عائدته علي هذه الأمّة،فقد أخرجهم من8.

ص: 206


1- البيان في أخبار صاحب الزمان:116 و 117،الباب التاسع.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان،و علّق عليه بقوله:«هذا حديث حسن عال،رواه الحفّاظ في كتبهم،فأمّا الطبراني فقد ذكره في المعجم الأوسط:56/1،و أمّا أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء،و أمّا عبد الرحمن بن أبي حاتم فقد ساقه في عواليه كما أخرجناه سواء»، إنتهي كلامه. و روي هذا الحديث في ينابيع المودّة:392،و في نور الأبصار:155،و في البرهان في علامات آخر الزمان:574/2،الحديث 8.

الضلالة و الغواية،و هداهم إلي الصراط المستقيم،و كذلك يهديهم حفيده و آخر أوصيائه فيخرجهم من الضلالة،و يقيم معالم العدل و الحقّ في ربوعهم.

11-روي جبر بن نوف،قال:«قلت لأبي سعيد الخدري:و اللّه ما يأتي علينا عام إلاّ و هو شرّ من الماضي،و لا أمير إلاّ و هو شرّ ممّن كان قبله.

فقال أبو سعيد:سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يقول:لا يزال بكم الأمر حتّي يولد في الفتنة و الجور من لا يعرف عندها،حتّي تملأ الأرض جورا،فلا يقدر أحد يقول اللّه، ثمّ يبعث عزّ و جلّ رجلا منّي و من عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا،و تخرج له الأرض أفلاذ كبدها (1)،و يحثو المال حثوا،و لا يعدّه عدّا،حتّي يضرب الإسلام بجرانه» (2).

12-روي أبو سعيد الخدري،قال:«سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يقول علي المنبر:

إنّ المهديّ من عترتي،من أهل بيتي،يخرج في آخر الزّمان،تنزل له السّماء قطرها، و تخرج له الأرض بذرها،فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملأها القوم ظلما و جورا» (3).

هذه نماذج يسيرة من الأحاديث النبويّة الشريفة المتظافرة،و التي روتها العامّة و الخاصّة،و دوّنها الحفّاظ من أئمّة الحديث،و هي تعلن بوضوح عن حتميّة خروج الإمام المنتظر عليه السّلام،و تبشّر العالم الإسلامي بعدله،و بما يقيمه من معالم الحقّ، و صنوف الأمن و الرخاء،بحيث لا تجد الإنسانيّة له مثيلا في جميع أدوارها.0.

ص: 207


1- شبّه الكنوز التي في بطن الأرض بأفلاذ الكبد،و هي شعبها و قطعها،و هذا من الاستعارة العجيبة؛لأنّ شعب الكبد من أشرف الأعضاء الرئيسة،فكذلك الكنوز من جواهر الأرض النفيسة،ذكر ذلك السيّد الرضي في مجازات الآثار النبويّة.
2- بحار الأنوار:68/51.منتخب الأثر:168.
3- الغيبة/الطوسي:180.

2-أمير المؤمنين عليه السّلام

و أثرت طائفة كبيرة من الأحاديث عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،سيّد العترة الطاهرة،و هي تعلن خروج الإمام المنتظر عليه السّلام،كان منها ما يلي:

1-روي أبو وائل،قال:«نظر عليّ عليه السّلام إلي الحسين عليه السّلام فقال:إنّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و سيخرج من صلبه رجل باسم نبيّكم،يخرج علي حين غفلة من النّاس،و إماتة الحقّ،و إظهار الجور،و يفرح لخروجه أهل السّماء و سكّانها،و هو رجل أجلي الجبين،أقني الأنف،ضخم البطن،أذيل الفخذين،بخدّه الأيمن شامة، أبلج الثّنايا،يملأ الأرض عدلا،كما ملئت ظلما و جورا» (1).

حكي هذا الحديث الشريف ما يلي:

-إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام من ذرّيّة سيّد شباب أهل الجنّة،الإمام الحسين عليه السّلام.

-إنّ ظهوره عليه السّلام يكون بغتة،و بصورة لا يتوقّعها الناس.

-إنّ من أمارات ظهوره إماتة الحقّ،و انتشار الجور.

-و حكي هذا الحديث أوصاف الإمام و ملامحه.

-إنّه إذا ظهر الإمام فإنّه يقيم الحقّ بجميع رحابه،و يبسط العدل بجميع مفاهيمه.

2-خطب الإمام أمير المؤمنين خطبة عرض في بعضها إلي الإمام المنتظر عليه السّلام، قال:«و ليكوننّ من يخلفني في أهل بيتي رجل يأمر بأمر اللّه،قويّ يحكم بحكم اللّه، و ذلك بعد زمان مكلح مفصح،يشتدّ فيه البلاء،و ينقطع فيه الرّجاء،و يقبل فيه الرّشاء» (2).

ص: 208


1- عقد الدرر:65،الباب الثالث.
2- كنز العمّال:594/14.

عرض الإمام عليه السّلام إلي وقت خروج الإمام المهدي عليه السّلام،و أنّه يخرج في زمان قد غرق أهله بالبلاء،و عمّتهم الخطوب و الفتن،و إذا خرج فإنّ حكمه يبتني علي إقامة أحكام اللّه تعالي،و السير علي منهاج نبيّه صلّي اللّه عليه و اله.

3-روي الأصبغ بن نباتة،عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«المهديّ منّا في آخر الزّمان،لم يكن في أمّة من الأمم مهديّ ينتظر غيره» (1).

الإمام المهدي عليه السّلام من دوحة النبوّة و الإمامة،و ليس غيره يقوم بالإصلاح الاجتماعي،و يغيّر منهاج الأنظمة القاسية التي ترزح في ظلالها الأمم و الشعوب.

4-روي الإمام الحسين عليه السّلام أنّ أباه الإمام أمير المؤمنين قال له:«التّاسع من ولدك -يا حسين-هو القائم بالحقّ،و المظهر للدّين،و الباسط للعدل.

فقال له الحسين:يا أمير المؤمنين،إنّ ذلك لكائن؟

قال عليه السّلام:إي و الّذي بعث محمّدا بالنّبوّة،و اصطفاه علي جميع البريّة،و لكن بعد غيبة و حيرة،فلا يثبت فيها علي دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين،الّذين أخذ اللّه عزّ و جلّ ميثاقهم بولايتنا،و كتب في قلوبهم الإيمان،و أيّدهم بروح منه» (2).

و أعرب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عمّا يقوم به الإمام المنتظر في أيّام حكومته من نشر الحقّ،و بسط العدل،و إظهار الإسلام،و أنّه لا يظهر إلاّ بعد غيبة و حيرة، فلا يؤمن به إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان،و زاده هدي.

5-قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«سيأتي اللّه بقوم يحبّهم اللّه و يحبّونه،و يملك من هو بينهم غريب،فهو المهديّ،أحمر الوجه،بشعره صهوبة عن أمّه و أبيه،و يكون7.

ص: 209


1- دلائل الإمامة:479.
2- كمال الدين و تمام النعمة:287.

عزيزا في مربّاه،فيملك بلاد المسلمين بأمان،و يصفو له الزّمان،و يسمع كلامه و يطيعه الشّيوخ و الفتيان،و يملأ الأرض عدلا،كما ملئت جورا،فعند ذلك كملت إمامته،و تقرّرت خلافته» (1).

هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،و هي تحمل البشري إلي العالم الإسلامي بظهور منقذه العظيم الذي يحيي الإسلام و يقيم معالمه.

3-الإمام الحسن عليه السّلام

و أثرت عن الإمام الحسن عليه السّلام كوكبة من الأخبار في شأن الإمام المنتظر عليه السّلام،كان منها هذا الحديث حينما صالح طاغية زمانه معاوية بن هند،و قد لامه جماعة من شيعته علي صلحه،فقال عليه السّلام:«و يحكم،ألا تعلمون أنّي إمامكم،مفترض الطّاعة عليكم،و أحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله.

قالوا:بلي.

قال:أما علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السّفينة،و أقام الجدار،و قتل الغلام كان ذلك سخطا لموسي بن عمران؛إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك،و كان ذلك عند اللّه تعالي ذكره حكمة و صوابا.أما علمتم أنّه ما منّا إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه،إلاّ القائم الّذي يصلّي روح اللّه خلفه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يخفي ولادته،و يغيّب شخصه لئلاّ يكون في عنقه بيعة إذا خرج،ذلك التّاسع من ولد أخي الحسين،ابن سيّدة النّساء، يطيل اللّه في عمره،و في غيبته،ثمّ يظهر بقدرته في صورة شابّ دون أربعين سنة، و ذلك ليعلم أنّ اللّه علي كلّ شيء قدير» (2).

ص: 210


1- ينابيع المودّة:338/3.
2- كمال الدين:297.كفاية الأثر:225.

و حكي هذا الحديث الشريف ما يلي:

أوّلا:ضرورة صلح الإمام عليه السّلام مع فرعون زمانه معاوية بن أبي سفيان،فقد كان الصلح ضروريّا بما تحمله هذه الكلمة من معني،فإنّه لو فتح الإمام الحسن عليه السّلام الحرب مع معاوية لكانت الغلبة لمعاوية؛لأنّ جيش الإمام كان مصابا بالانحلال و التفكّك،فقد عاثت به فكرة الخوارج التي حكمت علي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بالمروق من الدين،كما اغتاله ابن ملجم المرادي الذي هو من الأعضاء القياديّين لهذه الفكرة الخبيثة،و بالإضافة لذلك فإنّ الأكثريّة الساحقة في الجيش قد سئمت الحرب،و خلدت إلي الراحة،فقد أرهقتهم إلي حدّ بعيد حروب الجمل و صفّين و النهروان،و قد انساب قادة الجيش إلي دنيا معاوية،و أعطوه عهدا أنّه إن أراد تسليم الإمام الحسن عليه السّلام سلّموه له أسيرا،و قد علم الإمام ذلك،فكيف يفتح باب الحرب مع هذا العدوّ اللدود للإسلام.

و من المؤكّد أنّه لو حاربه الإمام و تغلّب معاوية عليه لأعلن الكفر و الإلحاد كما أعلن ولده يزيد ذلك،و قد عرضنا بصورة موضوعيّة إلي إقامة الأدلّة علي ضرورة الصلح،و أنّه أمر لا بدّ منه في كتابنا(حياة الإمام الحسن عليه السّلام).

ثانيا:إنّ الإمام عليه السّلام عرض إلي الإمام المنتظر عليه السّلام بما يلي:

1-إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام ليس في عنقه بيعة لظالم من حكّام عصره،فقد اختار اللّه تعالي له بقعة يعيش فيها هو و أبناؤه غير خاضعة لحكّام الجور.

2-إنّ الإمام عليه السّلام إذا خرج فإنّ السيّد المسيح عليه السّلام يصلّي خلفه.

3-إنّ اللّه تعالي أخفي ولادة الإمام المنتظر عليه السّلام كما بيّنا ذلك في البحوث السابقة حفظا علي حياته من حكّام بني العبّاس،كما حجبه عن أعين الناس لتلك الحكمة.

4-إنّ اللّه تعالي يطيل عمر وليّه،ثمّ يظهره إلي الناس بصورة شاب،فيقيم الحقّ و العدل في الأرض.

ص: 211

4-الإمام الحسين عليه السّلام

و نقل الرواة طائفة من الأخبار عن سيّد شباب أهل الجنّة و أبي الأحرار،الإمام الحسين عليه السّلام،و هي تبشّر العالم الإسلامي بظهور الإمام المنتظر عليه السّلام.

و هذه بعضها:

1-قال الإمام الحسين عليه السّلام:«في التّاسع من ولدي سنّة من يوسف،و سنّة من موسي،و هو قائمنا أهل البيت،يصلح اللّه تعالي أمره في ليلة واحدة» (1).

لقد شابه الإمام المنتظر عليه السّلام نبيّ اللّه موسي في خفاء حمله و ولادته خوفا عليه من فرعون زمانه،كما ذكرنا ذلك في البحوث السابقة،كما شابه الإمام عليه السّلام يوسف الصديق في سجنه و حجبه عن الناس.

2-و قال عليه السّلام أيضا:«قائم هذه الأمّة هو التّاسع من ولدي،و هو صاحب الغيبة» (2).

3-و قال عليه السّلام:«منّا اثنا عشر أميرا،أوّلهم:أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، و آخرهم:التّاسع من ولدي،و هو القائم بالحقّ،يحيي اللّه به الأرض بعد موتها،و يظهر به دين الحقّ علي الدّين كلّه،و لو كره المشركون،له غيبة يرتدّ فيها قوم،و يثبت علي الدّين فيها آخرون فيؤذون و يقال لهم: مَتيٰ هٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ (3).

أمّا إنّ الصّابرين في غيبته علي الأذي و التّكذيب بمنزلة المجاهدين بالسّيف بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله» (4).

ص: 212


1- كمال الدين:297،الحديث 1.بحار الأنوار:133/51.
2- كمال الدين:298،الحديث 2.
3- يونس 10:48.
4- كفاية الأثر:232.

عرض هذا الحديث الشريف إلي غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام،و أنّها تكون موضع تمحيص و اختبار،فلا يؤمن بوجوده عليه السّلام إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان،و أنّه كالمجاهد بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله.

4-قال الإمام الحسين عليه السّلام:«لصاحب هذا الأمر-يعني المهدي عليه السّلام-غيبتان:

إحداهما تطول حتّي يقول بعضهم مات،و بعضهم ذهب و لا يطّلع علي موضعه أحد من وليّ و لا غيره إلاّ المولي الّذي يلي أمره» (1).

و حكي هذا الحديث غيبة الإمام الصغري،و غيبته الكبري،و اختلاف الناس فيهما،فبين جاحد له،و بين مؤمن به،كما حكي هذا الحديث عن خفاء المكان الذي يقيم فيه الإمام المهدي عليه السّلام،و أنّه لا يعلم به أحد إلاّ اللّه.

5-الإمام زين العابدين عليه السّلام

و أثرت عن زين العابدين،و إمام المتّقين،الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام كوكبة من الأحاديث و هي تبشّر العالم الإسلامي بظهور الإمام المنتظر عليه السّلام،كان منها ما يلي:

1-قرأ الإمام زين العابدين الآية الكريمة: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (2)، فقال عليه السّلام:«و اللّه هم محبّونا أهل البيت،يفعل اللّه ذلك بهم علي يد رجل منّا،و هو مهديّ هذه الأمّة.قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّي يأتي رجل من عترتي،اسمه اسمي،يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (3).

ص: 213


1- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان:847/2.
2- النور 24:55.
3- ينابيع المودّة:245/3.مجمع البيان:267/7.

2-قال الإمام زين العابدين عليه السّلام:«إنّ الآية الكريمة وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ نزلت في القائم المهديّ عليه السّلام» (1).

3-خطب الإمام زين العابدين عليه السّلام في بلاط يزيد حينما كان أسيرا،فكان من جملة خطابه:«و منّا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و وصيّه،و سيّد الشّهداء،و جعفر الطّيّار في الجنّة،و سبطا هذه الأمّة،و المهديّ الّذي يقتل الدّجّال» (2).

4-قال الإمام زين العابدين عليه السّلام:«في القائم سنّة من سبعة أنبياء:سنّة من أبينا آدم، و سنّة من نوح،و سنّة من إبراهيم،و سنّة من موسي،و سنّة من عيسي،و سنّة من أيّوب،و سنّة من محمّد صلّي اللّه عليه و اله.

فأمّا من آدم و نوح فطول العمر،و أمّا من إبراهيم فخفاء الولادة و اعتزال النّاس، و أمّا من موسي فالخوف و الغيبة،و أمّا من عيسي فاختلاف النّاس فيه،و أمّا من أيّوب فالفرج بعد البلوي،و أمّا من محمّد صلّي اللّه عليه و اله فالخروج بالسّيف» (3).

هذه بعض الأخبار التي نقلها رواة الأثر عن الإمام زين العابدين عليه السّلام،و هي تدلّل علي حتميّة ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام.

6-الإمام الباقر عليه السّلام

أمّا ما ورد عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام في شأن الإمام المنتظر عليه السّلام،و حتميّة ظهوره، فطائفة من الأخبار،منها هذا الحديث:

ص: 214


1- ينابيع المودّة:245/3.
2- منتخب الأثر:226.
3- كمال الدين:352.

روي أبو بصير،عن الإمام الباقر،قال عليه السّلام:«في صاحب هذا الأمر سنّة من موسي،و سنّة من عيسي،و سنّة من يوسف،و سنّة من محمّد صلّي اللّه عليه و اله.

فأمّا سنّته من موسي فخائف يترقّب،و أمّا من يوسف فالسّجن و الغيبة،و أمّا من محمّد صلّي اللّه عليه و اله فالقيام بالسّيف،و تبيين آثاره،ثمّ يضع سيفه علي عاتقه بيمينه،فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتّي يرضي اللّه عزّ و جلّ.

فقال أبو بصير:كيف يعلم أنّ اللّه قد رضي؟

قال:يلقي في قلبه الرّحمة» (1).

و ذكر الإمام الباقر عليه السّلام أسماء الخلفاء الاثني عشر عليهم السّلام الذين نصبهم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أعلاما لأمّته،و لمّا بلغ آخره،قال عليه السّلام:«الثّاني عشر الّذي يصلّي خلفه عيسي بن مريم» (2).

7-الإمام الصادق عليه السّلام

و نقل الرواة طائفة من الأخبار عن الإمام الصادق عليه السّلام في شأن الإمام المنتظر، و حتميّة ظهوره،كان منها ما يلي:

1-حدّث السيّد الجليل إسماعيل بن محمّد الحميري،شاعر أهل البيت عليهم السّلام، قال:«كنت أقول بالغلوّ،و أعتقد غيبة محمّد بن الحنفيّة،فمنّ اللّه عليّ بالصادق، جعفر بن محمّد عليهما السّلام،و أنقذني به من النار،و هداني إلي سواء الصراط،فسألته بعد ما صحّت عندي الدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة اللّه عليّ،و علي جميع أهل زمانه،و أنّه الإمام الذي فرض اللّه طاعته،و أوجب الاقتداء به.

ص: 215


1- كمال الدين:308،الحديث 11.
2- كمال الدين:311،الحديث 17.

فقلت له:يا بن رسول اللّه،قد رويت لنا أخبار عن آبائك في الغيبة،و صحّة كونها، فأخبرني بمن تقع؟

فقال عليه السّلام:إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي،و هو الثّاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،أوّلهم:أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،و آخرهم:المهديّ القائم بالحقّ،بقيّة اللّه في الأرض،و صاحب الزّمان،و اللّه لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدّنيا حتّي يظهر،فيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما.

قال السيّد:فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام تبت إلي اللّه جلّ ذكره علي يديه،و قلت قصيدتي التي أوّلها:

فلمّا رأيت النّاس في الدّين قد غووا تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفروا» (1)

إنّ ظهور الإمام المهدي عليه السّلام أمر مفروغ منه عند أئمّة الهدي،و أنّه لا بدّ أن يتحقّق علي مسرح الحياة ليشيع العدل و ينشر الأمن و الرخاء بين الناس،و تسود كلمة التوحيد في جميع أنحاء الأرض.

2-قال الإمام الصادق عليه السّلام في حديث له:«يظهر صاحبنا-يعني الإمام المهدي عليه السّلام-و هو من صلب هذا،و أومأ بيده إلي موسي بن جعفر عليه السّلام،فيملأها عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و تصفو له الدّنيا» (2).

3-قال الإمام الصادق عليه السّلام:«الخلف الصّالح من ولدي،و هو المهدي،اسمه محمّد،و كنيته أبو القاسم،يخرج في آخر الزّمان،يقال لأمّه:نرجس،و علي رأسه2.

ص: 216


1- كمال الدين:321،الحديث 23.
2- الغيبة/الطوسي:42.

غمامة تظلّه عن الشّمس تدور معه حيث ما دار،تنادي بصوت فصيح:هذا المهديّ فاتّبعوه» (1).

و كثير من أمثال هذه الأحاديث الشريفة نقلها الرواة عن الإمام الصادق عليه السّلام،و هي تعلن حتميّة ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام الذي يقيم الحقّ،و يزهق الباطل.

8-الإمام الكاظم عليه السّلام

و نصّ الإمام الكاظم عليه السّلام علي إمامة الإمام المهدي عليه السّلام،و أنّه القائم بالحقّ،فقد روي يونس بن عبد الرحمن،قال:«دخلت علي موسي بن جعفر عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه،أنت القائم؟

فقال:أنا القائم بالحقّ،و لكنّ القائم بالحقّ الّذي يطهّر الأرض من أعداء اللّه، و يملأها عدلا كما ملئت جورا،هو الخامس من ولدي،له غيبة يطول أمدها خوفا علي نفسه،يرتدّ فيها أقوام،و يثبت فيها آخرون.طوبي لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا،الثّابتين علي موالاتنا،و البراءة من أعدائنا،أولئك منّا،و نحن منهم،قد رضوا بنا أئمّة،و رضينا بهم شيعة،فطوبي لهم،ثمّ طوبي لهم،هم و اللّه معنا في درجتنا يوم القيامة» (2).

و حكي هذا الحديث ما يقوم به الإمام المنتظر عليه السّلام من دور إيجابي و فعّال في تطهير الأرض من أعداء اللّه،و تدمير الظالمين و الطاغين،و قد بشّر الإمام الكاظم عليه السّلام المؤمنين بغيبة الإمام و المنتظرين لخروجه.

ص: 217


1- ينابيع المودّة:392/3،الحديث 37.
2- كفاية الأثر:265 و 266.

9-الإمام الرضا عليه السّلام

و أثرت عن الإمام الرضا عليه السّلام كوكبة من الأحاديث،و هي تحمل البشري للمسلمين بظهور مهدي آل محمّد عليه السّلام،و من بينهما ما يلي:

1-وفد شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي علي الإمام الرضا عليه السّلام،و تلا عليه قصيدته الخالدة التي عرض فيها مصائب أهل البيت،و ما عانوه من الظلم و الاضطهاد من حكّام الأمويّين و العبّاسيّين،و كان مطلعها:

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات

و لمّا انتهي من قصيدته إلي قوله:

فلولا الّذي أرجوه في اليوم أو غد تقطّع قلبي أثرهم حسرات

و رفع الإمام رأسه ليستمع إلي أمل الخزاعي الذي لولاه لذهبت نفسه أسي و حسرات،و تلا دعبل قوله:

خروج إمام لا محالة خارج يقوم علي اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزي علي النّعماء و النّقمات

و بكي الامام الرضا عليه السّلام بكاء مرّا و شديدا،و التفت إلي دعبل شاعر المظلومين و المضطهدين فقال له:يا خزاعيّ،نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟و متي يقوم؟

و طفق دعبل قائلا:لا يا مولاي،إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم،يطهّر الأرض من الفساد،يملأها عدلا.

و انبري الإمام عليه السّلام يعرّفه بالإمام المنتظر المصلح الأعظم قائلا:يا دعبل،الإمام

ص: 218

من بعدي ابني محمّد،و بعد محمّد ابنه عليّ،و بعد عليّ ابنه الحسن،و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم،المنتظر في غيبته،المطاع في ظهوره،و لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّي يخرج،فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،و أمّا متي يقوم فإخبار عن الوقت،و قد حدّثني أبي،عن جدّي،عن أبيه،عن آبائه،عن عليّ صلوات اللّه عليه،إنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله قيل له:متي يخرج القائم من ذرّيّتك؟

فقال:مثله كمثل السّاعة لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو عزّ و جلّ،ثقلت في السّماوات لا تأتيكم إلاّ بغتة» (1).

لقد أعرب الإمام عليه السّلام عن حتميّة ظهور حفيده المصلح العظيم،و أنّه أمر محتوم لا بدّ أن يتحقّق علي مسرح الحياة،و لم يحدّد وقت خروجه؛لأنّ ذلك بيد اللّه تعالي،و قد أخفاه عن عباده.

2-روي الحسن بن خالد أنّ الإمام عليّ بن موسي الرضا عليه السّلام قال:«لا دين لمن لا ورع له،و لا إيمان لمن لا تقيّة له،و إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ (2)، أي أعلمكم بالتّقيّة.

فقيل له:إلي متي يابن رسول اللّه؟

قال:إلي يوم الوقت المعلوم،و هو يوم خروج قائمنا،فمن ترك التّقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا.

فقيل له:يا بن رسول اللّه،و من القائم منكم أهل البيت؟

قال:الرّابع من ولدي،ابن سيّدة الإماء،يطهّر اللّه به الأرض من كلّ جور و يقدّسها3.

ص: 219


1- ينابيع المودّة:309/3 و 310،الحديث 1.
2- الحجرات 49:13.

من كلّ ظلم،و هو الّذي يشكّ النّاس في ولادته،و هو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره،و وضع ميزان العدل بين النّاس،فلا يظلم أحد أحدا، و هو الّذي تطوي له الأرض،و لا يكون له ظلّ،و هو الّذي ينادي مناد من السّماء، يسمعه جميع أهل الأرض الدّعاء إليه بقوله:ألا إنّ حجّة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتّبعوه،فإنّ الحقّ فيه و معه،و هو قوله تعالي: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ (1)،و قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يُنٰادِ الْمُنٰادِ مِنْ مَكٰانٍ قَرِيبٍ* يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (2)،أي خروج ولدي القائم المهديّ عليه السّلام» (3).

هذه بعض الأحاديث التي أثرت عن الإمام الرضا عليه السّلام في شأن حفيده الإمام المنتظر عليه السّلام،و أنّه سيكون مصدر إشراق و نور في جميع أنحاء الأرض.

10-الإمام الجواد عليه السّلام

و نصّ الإمام الجواد عليه السّلام علي الإمام المنتظر عليه السّلام،و بشّر العالم الإسلامي بظهوره و ما يبسطه من خير و رحمة علي المجتمع الإنساني،و فيما يلي بعض ما أثر عنه:

1-روي الثقة الزكيّ عبد العظيم الحسني،قال:«دخلت علي سيّدي محمّد بن عليّ،و أنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره؟

فابتدأني هو فقال لي:يا أبا القاسم،إنّ القائم منّا هو المهديّ الّذي يجب أن ينتظر في غيبته،و يطاع في ظهوره،و هو الثّالث من ولدي،و الّذي بعث محمّدا بالنّبوّة،

ص: 220


1- الشعراء 26:4.
2- ق 50:41 و 42.
3- فرائد السمطين:337.كفاية الأثر:371.ينابيع المودّة:297/3،الحديث 8.

و خصّنا بالإمامة،إنّه لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّال اللّه ذلك اليوم حتّي يخرج فيه،فيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما،و إنّ اللّه تبارك و تعالي ليصلح أمره في ليلة،كما أصلح اللّه أمر كليمه موسي؛إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع و هو نبيّ مرسل.

ثمّ قال عليه السّلام:أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج» (1).

لقد دلّل الإمام محمّد الجواد عليه السّلام شيعته و رواة حديثه علي الإمام المنتظر عليه السّلام، و أنّ خروجه من الأمور الحتميّة التي لا بدّ أن تتحقّق علي مسرح الحياة.

2-روي الصقر بن أبي دلف،قال:«سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السّلام يقول:الإمام بعدي ابني عليّ،أمره أمري،و قوله قولي،و طاعته طاعتي،ثمّ سكت.

فقلت له:يابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:فمن الإمام بعد عليّ؟

قال:ابنه الحسن.

قلت:يابن رسول اللّه،فمن الإمام بعد الحسن؟

فبكي عليه السّلام بكاء شديدا،ثمّ قال:إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر.

فقلت له:يا بن رسول اللّه،لم سمّي القائم؟

قال:لأنّه يقوم بعد موت ذكره،و ارتداد أكثر القائلين بإمامته.

فقلت له:و لم سمّي المنتظر؟

قال:إنّ له غيبة يكثر أيّامها،و يطول أمدها،فينتظر خروجه المخلصون،و ينكره المرتابون،و يستهزئ به الجاحدون،و يكذّب فيها الوقّاتون،و يهلك فيها2.

ص: 221


1- كفاية الأثر:276 و 277.كمال الدين و تمام النعمة:351.إعلام الوري:242/2.

المستعجلون،و ينجو فيها المسلّمون» (1).

هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام الجواد عليه السّلام في النصّ علي إمامة حفيده الإمام المنتظر عليه السّلام.

11-الإمام الهادي عليه السّلام

و نقل الرواة طائفة من الأخبار عن الإمام الهادي عليه السّلام في إمامة الإمام المنتظر عليه السّلام، و التبشير بظهوره،و هذه بعضها:

1-روي الصقر بن أبي دلف،قال:«سمعت عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليه السّلام يقول:الإمام بعدي الحسن ابني،و بعده ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

2-روي الفقيه الفاضل السيّد عبد العظيم الحسني،قال:«دخلت علي سيّدي عليّ بن محمّد،فلمّا أبصرني قال لي:مرحبا يا أبا القاسم،أنت وليّنا حقّا.

قال:فقلت له:يابن رسول اللّه،إنّي أريد أن أعرض عليك ديني،فإن كان مرضيّا ثبتّ عليه حتّي ألقي اللّه عزّ و جلّ.

فقال:هات يا أبا القاسم.

فقلت:إنّي أقول:إنّ اللّه تبارك و تعالي ليس كمثله شيء،خارج عن الحدّين:حدّ الإبطال،و حدّ التشبيه،و أنّه ليس بجسم،و لا صورة،و لا عرض،و لا جوهر،بل هو مجسّم-أي خالق-الأجسام،و مصوّر الصور،و خالق الأعراض و الجواهر،و ربّ كلّ شيء،و مالكه و جاعله و محدثه،و إنّ محمّدا عبده و رسوله،خاتم النبيّين،

ص: 222


1- كفاية الأثر:279 و 280.إعلام الوري:243/2.
2- إعلام الوري:247/2.كفاية الأثر:247/2.

لا نبيّ بعده إلي يوم القيامة،و إنّ شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة،و أقول:إنّ الإمام و الخليفة و وليّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،ثمّ الحسن،ثمّ الحسين،ثمّ عليّ بن الحسين،ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد،ثمّ موسي بن جعفر،ثمّ عليّ بن موسي،ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ أنت يا مولاي.

و سكت عبد العظيم،فقال له الإمام الهادي عليه السّلام معرّفا له الإمام بعده:و من بعدي الحسن ابني،فكيف النّاس بالخلف من بعده؟

و طفق عبد العظيم يسأل عن الخلف بعد الحسن قائلا:كيف ذلك يا مولاي؟

فانبري الإمام الهادي قائلا:إنّه-أي الإمام المنتظر عليه السّلام-لا يري شخصه حتّي يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

و أقرّ عبد العظيم و آمن بما أمره الإمام من الاعتراف بغيبة الإمام المهدي،و التفت إليه قائلا:يا أبا القاسم،هذا و اللّه دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده» (1).

12-الإمام العسكري عليه السّلام

و نصّ الإمام الحسن العسكري علي إمامة ولده القائم المنتظر عليه السّلام،و قد ذكرنا في البحوث السابقة جمهرة من النصوص التي نقلها الرواة عنه،و كان منها هذه الروايه:

روي الثقة أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري،قال:«دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام و أنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده،فقال لي مبتدئا:

يا أحمد بن إسحاق،إنّ اللّه تبارك و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السّلام و لا يخليها إلي أن تقوم السّاعة من حجّة للّه علي خلقه،به يدفع البلاء عن أهل

ص: 223


1- كمال الدين و إتمام النعمة:353-354.

الأرض،و به ينزّل الغيث،و به يخرج بركات الأرض.

و انبري أحمد قائلا:يابن رسول اللّه،فمن الإمام و الخليفة بعدك؟

فنهض عليه السّلام مسرعا فدخل البيت،ثمّ خرج و هو يحمل بقيّة اللّه في الأرض،و كأنّ وجهه في إشعاعه القمر ليلة البدر،و كان عمر الإمام ثلاث سنين،و التفت الإمام الحسن إلي أحمد قائلا:يا أحمد بن إسحاق،لو لا كرامتك علي اللّه عزّ و جلّ و علي حججه ما عرضت عليك ابني هذا،إنّه سميّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و كنيّه،الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

يا أحمد بن إسحاق،مثله في هذه الأمّة مثل الخضر عليه السّلام،و مثله مثل ذي القرنين، و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته اللّه عزّ و جلّ علي القول بإمامته، و وفّقه فيها للدّعاء بتعجيل فرجه.

و سارع أحمد قائلا:يا مولاي،فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟

و نطق الإمام المنتظر عليه السّلام،فأراه العلامة التي يطلبها قائلا:أنا بقيّة اللّه في أرضه، و المنتقم من أعدائه،فلا تطلب أثرا بعد عين.

و وقف أحمد علي ما يريده،و اطمئنّ قلبه،و خرج و هو ناعم البال،فلمّا كان اليوم الثاني عاد إلي بيت الإمام،و لمّا تشرّف بمقابلته قال له:يا بن رسول اللّه،لقد عظم سروري بما مننت به عليّ فما السنّة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين؟

فأجابه الإمام عليه السّلام:طول الغيبة،يا أحمد.

و طلب أحمد من الإمام أن يوضّح له طول غيبة الإمام قائلا:يابن رسول اللّه،و إنّ غيبته لتطول؟

فأجابه الإمام:إي و ربّي-يعني لتطول غيبته-حتّي يرجع النّاس عن هذا الأمر أكثر القائلين به و لا يبقي إلاّ من أخذ اللّه عزّ و جلّ عهده لولايتنا،و كتب في قلبه

ص: 224

الإيمان،و أيّده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق،هذا أمر من أمر اللّه،و سرّ من سرّ اللّه،و غيب من غيب اللّه، فخذ ما آتيتك و اكتمه و كن من الشّاكرين تكن معنا غدا في علّيّين» (1).

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأخبار التي نقلها الرواة،و دوّنها الحفّاظ عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و عن أئمّة الهدي عليهم السّلام،و هي تعلن حتميّة خروج الإمام المنتظر عليه السّلام، و قيامه بالاصلاح الشامل لجميع نواحي الحياة،حتّي تملأ الأرض عدلا و قسطا ببركة حكمه.8.

ص: 225


1- كمال الدين و تمام النعمة:357 و 358.

ص: 226

ظهور المصلح العظيم فكرة مقدّسة و قديمة

اشارة

أمّا فكرة ظهور المصلح العظيم الذي تسعد به الإنسانيّة،و ينقذها من المحن و الخطوب فهي قديمة جدّا،قد بشّرت بها الأديان السماويّة،و شاعت في جميع الأوساط العالميّة،كأسمي فكرة تحلم بها البشريّة علي امتداد التاريخ.

إنّ الإنسان المكدود المجهود الذي يعاني أقسي ألوان الظلم و الاضطهاد،و حفّت به الأزمات،و أحاطت به ويلات الحروب التي أشعلتها ذئاب البشريّة في سبيل أهوائها و كبريائها و أطماعها التي منها الانفراد بالحكم،و الاستيلاء علي خيرات اللّه في الأرض،و التحكّم في القضايا المصيريّة للشعوب.

إنّ الإنسان في شرق الأرض و غربها يتطلّع بلهفة إلي منقذه الملهم الذي يغيّر مجري التاريخ،و يقيم دولة الحقّ التي ينعم في ظلالها المحرومون و البائسون، و تنعدم فيه جميع الفوارق الطبقيّة،التي لا تقوم علي أساس التقوي و عمل الخير.

و ممّا لا شبهة فيه أنّ ذلك المصلح العظيم هو مهدي آل محمّد صلوات اللّه عليه الذي تشرق الدنيا بعلمه و عدالته،و حسن سياسته،و قد دلّل عليه جدّه الرسول الأعظم عليه السّلام الذي لا ينطق عن الهوي،و دلّل عليه أوصياؤه،أعمدة التقوي في دنيا الإسلام،كما ألمحنا إلي ذلك في البحوث السابقة.

و علي أي حال،فلابدّ لنا من وقفة قصيرة لنري ما أعلنته الأديان السماويّة بشأن المصلح الملهم،بطل التحرير في العالم،الذي يقيم معالم الحقّ و الحضارة الإلهيّة في الأرض،و فيما يلي ذلك:

ص: 227

المنقذ و المصلح عند النصاري

و عانت الجمهرة المؤمنة من المسيحيّين ضروبا شاقّة و عسيرة من الجور و الاضطهاد في زمن السيّد المسيح و ما بعده،فقد نزل بهم من البلاء ما لا يوصف في عهد نيرون سنة(64 م)،و في عهد تراجان سنة(106 م)،و في عهد ديسيوس سنة(249-251 م).

ففي عهد نيرون اشتدّ بهم العذاب،فقد اتّهمهم بأنّهم الذين أحرقوا روما، فعذّبهم بأنواع العذاب،فكان يضع بعضهم في جلود الحيوانات،و يطرحونهم للكلاب فتنهشهم،كما ألبس بعضهم لباسا مطليّة بالقار،و يجعلهم مشاعل يستضاء بها.

و كان نيرون نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل التي أوقدت من جسوم الأبرياء.

و في عهد تراجان أنزل بهم الذلّ و العذاب الأليم،و قد حدّث بلين في رسالته إلي تراجان عن الطريقة التي كان يعاملهم بها،قال:«جريت مع من اتّهموا بأنّهم نصاري،فكنت أسألهم هل هم مسيحيّون؟فإذا أقرّوا أعيد عليهم السؤال،فإذا أقرّوا بذلك نفذّت فيهم حكم الإعدام،و قد تخلّي فريق من النصاري عن دينهم،و صلوا علي الأرباب،و هي الأصنام،و قدّموا لها الخمور و البخور،و شتموا السيّد المسيح.

و استمرّ الاضطهاد و التعذيب للنصاري حتّي بعد هلاك تراجان،فقد أنزل بهم ديسيوس من البلاء ما تقشعرّ له الأبدان» (1).

عودة المسيح لإصلاح العباد

اشارة

و آمن المسيحيّون بأنّ السيّد المسيح هو المصلح المنتظر،و القائم بالحقّ

ص: 228


1- محاضرات في النصرانيّة/أبو زهرة:26 و 27.

و العدل،و أنّه لا بدّ من عودته إلي الأرض ليقيم دولة الفكر و العلم،و يبسط الأمن و الرخاء في جميع أنحاء العالم،و لنستمع إلي ما صرّحت به أناجيلهم:

1-إنجيل يوحنّا

جاء في هذا الإنجيل:«الحقّ،الحقّ أقول لكم:إنّه سيأتي ساعة و هي الآن،حين يسمع الأموات صوت ابن اللّه و السامعون يحيون،و لا تتعجّبوا من هذا،فإنّه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته،فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة،و الذين عملوا السيّئات إلي قيامة الدّنيوية» (1).

2-إنجيل لوقا

جاء في إنجيل لوقا:«علي الأرض تكون كرب،أمم بحيرة و الناس يخشي عليهم من فوق،و انتظار ما يأتي علي الكون لأنّ قوّة السماوات تتزعزع» (2).

3-إنجيل متّي

جاء في إنجيل متّي جملة من الأحاديث في التبشير عن ظهور السيّد المسيح، و هذه بعضها:

1-«بعد ضيق تلك الأيّام الشمس تظلم،و القمر لا يعطي ضوءه،و النجوم تسقط من السماء،و قوّات السماء تتزعزع،و حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء،و حينئذ تنوح جميع قبائل الأرض،و يبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحاب السماء بقوّة و مجد كثير،فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت،فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصي السماء إلي أقصاها» (3).

ص: 229


1- إنجيل يوحنّا:25/5-28.
2- إنجيل لوقا:25/21-26.
3- إنجيل متّي:29/24.

2-«ففي نصف الليل صار صراخ..هو ذا العريس مقبل» (1).و قد رأيت سابقا بعد الفجر.

3-«كونوا أيضا مستعدّين؛لأنّه في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الإنسان» (2).

و تبشّر هذه الأناجيل بعباراتها المتفكّكة و المضطربة بحتميّة ظهور السيّد المسيح الذي ينقذ المسيحيّين ممّا هم فيه من المحن و الاضطهاد،و كذلك ينقذ غيرهم من الواقع المرير الذي يعيشونه،و قد انتشرت عنهم هذه العقيدة و آمنوا بها علي اختلاف مذاهبهم.

يقول«ول ديورانت»:«كان ثمّة عقيدة مشتركة وحّدت بين الجماعات المسيحيّة المنتشرة في أنحاء العالم هي:أنّ المسيح ابن اللّه،و أنّه سيعود ليقيم مملكته علي الأرض،و أنّ كلّ من يؤمن به سينال النعيم المقيم في الدار الآخرة» (3).

علامات ظهور المسيح

و تذكر بعض أناجيل المسيحيّين علامات ظهور السيّد المسيح،فقد جاء في إنجيل مرقس:«و فيما هو-أي المسيح-جالس علي جبل الزيتون تجاه الهيكل سأله بطرس و يعقوب و يوحنّا و اندراوس علي انفراد،قل لنا:متي يكون هذا-أي خروجك-؟و ما هي العلامة عندما يتمّ جميع هذا؟

فأجابهم يسوع،و ابتدأ يقول:انظروا..لا يضلّكم أحد،فإنّ كثيرين سيأتون باسمي،قائلين:إنّي أنا هو،و يضلّون كثيرين،فإذا سمعتم بحروب،و بأخبار حروب،فلا ترتاعوا؛لأنّها لا بدّ أن تكون،و لكن ليس المنتهي بعد..و ينبغي أن

ص: 230


1- إنجيل متّي:6/25.
2- إنجيل متّي:44/24.
3- المسيح في القرآن و التوراة و الإنجيل:533/1.

يركّزوا أوّلا بالإنجيل في جميع الأمم،فمتي رأيتم رجّة الخراب-التي قال عنها دانيال النبيّ-قائمة حيث لا ينبغي،فحينئذ ليهرب الذين في اليهوديّة إلي الجبال، و الذي علي السطح فلا ينزل إلي البيت،و لا يدخل ليأخذ من بيته شيئا..و الذي في الحقل فلا يرجع إلي الوراء ليأخذ ثوبه..حينئذ إن قال لكم:هو ذا المسيح هنا،هو ذا هناك فلا تصدّقوا،لأنّه سيقوم مسحاء كذبة،و أنبياء كذبة،و يعطون آيّات و عجائب لكلي يضلّوا،لو أمكن المختارين أيضا،فانتظروا أنتم ها أنا قد سبقت، و أخبرتكم بكلّ شيء».

و أضاف يقول بعد هذا الاضطراب و التفكّك:«و أمّا في تلك الأيّام بعد ذلك الضيق،الشمس تظلم،و القمر لا يعطي ضوءه،و نجوم السماء تتساقط،و القوّات التي في السماء تتزعزع،و حينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحاب بقوّة كثيرة و مجد،فيرسل حينئذ ملائكته،و يجمع مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء الأرض إلي أقصاء السماء.

و الحقّ أقول لكم:لا يمضي هذا الجيل حتّي يكون هذا كلّه (1)السماء تزول، و كلامي لا يزول،و أمّا ذلك،و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا الملائكة الذين في السماء،و لا الابن-يعني المسيح-إلاّ الأب» (2).

و المسيحيّون في جميع فترات تاريخهم ينتظرون خروج السيّد المسيح،يقول الأمير شكيب أرسلان:«روي هوارت الفرنساوي صاحب تاريخ العرب أنّ انكليزيا ورد بيت المقدس،و أقام بالوادي الذي يقال إنّه ستكون به الدّنيوية،و شرع كلّ صباح يقرع الطبل منتظرا لحشره.

و سمعت أنّ امرأة انكليزيّة-فيما أظنّ-جاءت القدس و كانت تغلي الشاي كلّ يوم0.

ص: 231


1- لقد مضت أجيال و لم يتحقّق ما تنبّأ به من ظهور السيّد المسيح.
2- المسيح في القرآن و الإنجيل:529 و 530.

لأجل أن تقدّمه للسيّد المسيح ساعة وصوله.

و حدّث لامرتين الشاعر الفرنسي في رحلته لجبل لبنان أنّه زار في قرية جون السيّدة استير ستانوب ابنة أخ الوزير الانكليزي الشهير،فرأي عندها فرسا مسرجا دائما ليكون ركوبه للسيّد المسيح عند وصوله» (1).

هذا بعض ما أعلنه قادة الفكر المسيحي من ظهور السيّد المسيح،و آمن المسلمون بعودته إلي الأرض حسبما تواترت به الأخبار عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و عن أئمّة الهدي عليهم السّلام-كما سنذكر ذلك-و لكن عودته لا ليقيم بنفسه الاصلاح الشامل،و إنّما يكون في موكب الإمام المنتظر بقيّة اللّه في الأرض،و يكون من أتباعه و أنصاره علي إقامة الحقّ،و تغيير منهج الحياة إلي ما هو أفضل،و أعود علي الإنسانيّة بجميع أجناسها و قوميّاتها.

المصلح المنتظر عند اليهود

و من بنود العقائد اليهوديّة ظهور مصلح عظيم يخرج في آخر الزمان فيقيم ما فسد من أخلاق الناس،و يصلح ما غيّرته القوانين و الأنظمة الوضعيّة من طباع المجتمع، و تحدّث ابن القيم عن هذا المصلح الذي تنتظره اليهود بقوله:«إنّهم-أي اليهود- ينتظرون قائما من ولد داود النبيّ إذا حرّك شفتيه بالدعاء ماتت جميع الأمم،و أنّ هذا المنتظر-بزعمهم-هو المسيح الذي وعدوا به» (2).

كيفيّة ظهوره و منهج حكمه

أمّا كيفيّة ظهور مصلح اليهود و منقذهم و منهج حكمه،فيتحدّث أسعياء أحد

ص: 232


1- حاضر العالم الإسلامي/شكيب أرسلان:195/2.
2- المنار المنيف:152.هداية الحياري في أجوبة اليهود و النصاري:133.

أنبيائهم.يقول:«سيخرج من قضيب من جذع يسمّي أبي داود،و ينبت غصن من أصوله،و يحلّ عليه روح الربّ..روح الحكمة و الفهم،روح المشورة و القوّة،روح المعرفة و مخافة الربّ،و تكون سعادته في مخافة الربّ،فلا يقضي بحسب نظر عينيه،و لا يحكم بحسب سمع أذنيه،بل يقضي بالعدل للمساكين،و يحكم بالإنصاف لبائسي الأرض،و يضرب الأرض بقضيب فمه،و يميت المنافق بنفخة شفتيه،و يكون البرّ منطقة مثنيه،و الأمان منطقة حقويه،فيسكن الذئب مع الحمل، و يربض النمر مع الجدي،و العجل و الشبل و الماشية المسمنة معا،و الأسد كالبقر يأكل تينا،و يلعب الرضيع علي حجر الفيل،و يمدّ العظيم يده إلي كن الأفعوان لا يسوءون و لا يفسدون في كلّ جبل قدسي؛لأنّ الأرض امتلأت بمعرفة اللّه،كما تغطّي المياه البحر» (1).

عرض هذا المقطع إلي ما يبسطه هذا المصلح المنتظر من صنوف العدل في جميع أنحاء الأرض،و ما يحقّقه من مكاسب عظيمة للإنسانيّة لم تجده في جميع فترات تاريخها،و من المحقّق الذي لا ريب فيه أن الذي يقوم بتنفيذ ذلك و يحقّقه علي مسرح الحياة إنّما هو مهدي آل محمّد عليه السّلام،فهو الذي يغمر العالم بعدله، و يسوس الناس بسياسة مشرقة لا خداع فيها و لا التواء.

أمارات ظهوره

و وضع اليهود في أسفارهم أمارات و علامات لظهور المصلح الذي ينتظرونه، و هي:

1-اجتماع الأسباط العشرة،و خضوعهم لملك واحد من بيت داود.

ص: 233


1- البرهان في علامات آخر الزمان:122/1 و 123،نقلا عن الكتب التاريخيّة في العهد القديم:47 و 48.

2-هزيمة شعبي يأجوج و مأجوج.

3-انشقاق جبل الزيتون.

4-جفاف وادي مصر.

5-خروج ماء عذب في أورشليم و من بيت المقدس.

6-التماس عشرة رجال من مختلف شعوب العالم من يهودي بالقبض علي طرف ثوبه و الذهاب معه لأنّهم سمعوا أنّ اللّه مع اليهود.

7-هجرة سائر الشعوب إلي أورشليم ليصلّوا فيها للّه.

8-القضاء علي الأشرار في الأرض،و قد ذهبوا إلي أنّ المسيح لن يأتي إلاّ بعد القضاء علي حكم الأشرار من الخارجين علي دين بني إسرائيل،لذلك يجب علي كلّ يهوديّ أن يبذل جهده لمنع اشتراك باقي الأمم في الأرض،كي تظلّ السلطة لليهود وحدهم.

و قبل أن يحكم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب،و يهلك ثلث العالم،و يبقي اليهود سبع سنوات متواليات،يحرقون الأسلحة التي كسبوها بعد النصر،و في ذلك اليوم تكون الأمّة اليهوديّة غاية في الثراء؛لأنّها تكون قد ملكت كلّ أموال العالم،و ستملأ كنوزهم بيوتا كبيرة لا يمكن حمل مفاتيحها و أقفالها إلاّ علي ثلاثمائة حمار،و يدخل الناس كلّهم أفواجا في دين اليهود،و يقبلون جميعا عدا المسيحيّين،فإنّهم يهلكون لأنّهم من نسل الشيطان» (1).

و يمثّل هذا البند أنانية اليهود و حقدهم البالغ علي جميع الأديان،خصوصا المسيحيّة،كما فيه دعوة اليهود بالاستيلاء علي جميع ثروات العالم،حتّي تكون الأمم و الشعوب خاضعة لسيطرتهم و استعمارهم.6.

ص: 234


1- البرهان:128/1،نقلا عن قصّة الديانات:376.

9-و من علامات ظهور المنقذ ما أعلنه بطرس بقوله:«فما أنّ هذه-أي الأديان- كلّها تنحلّ،أي أناس يجب أن يكونوا في سيرة مقدّسة،و تقوي،منتظرين، و طالبين سرعة مجيء الربّ الذي به تدخل السماوات ملتهبة،و العناصر محترقة تذوب،و لكنّنا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة،و أرضا جديدة يسكن فيها البرّ» (1).

10-من أمارات ظهور المصلح عند اليهود ما جاء في تعاليم التلمود:«يجب علي كلّ يهودي أن يبذل جهده لمنع استهلاك باقي الأمم في الأرض،لتبقي السلطة لليهود وحدهم،و إذا تسلّط غير اليهود علي أوطان اليهود حقّ لهؤلاء أن يندبوا و يقولوا يا للعار،و يا للخراب قبل أن تحكم اليهود نهائيا يلزم أن تقوم الحرب علي قدم و ساق،و يهلك ثلثا العالم،و يبقي اليهود سبع سنوات يحرقون الأسلحة التي غنموها بعد النصر،و حينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين و عشرين ذراعا خارجا علي أفواههم.

و تعيش اليهود في حرب عوان مع باقي الشعوب،منتظرين ذلك اليوم،و سيأتي المسيح الحقيقي،و يحصل النصر المنتظر،و تكون الأمّة اليهوديّة إذ ذاك في غاية الإثراء،لأنّها تكون قد حصلت علي جميع أموال العالم،و تحفظ هذه الكنوز في سرايات واسعة لا يمكن حمل مفاتيحها علي أقل من ثلاثمائة حمار» (2).

و في هذا المقطع و غيره ممّا أثر عن أعلام اليهود في هذا الموضوع و غيره دلالة واضحة علي حقدهم البالغ علي جميع البشر،و اهتمامهم بحصر ثروات الأرض و خيرات اللّه عندهم ليسيطروا بذلك علي جميع الشعوب،و يستعمروا جميع الأمم.1.

ص: 235


1- رسالة بطرس الثاني:11/3 و 13.
2- إسرائيل و التلمود/إبراهيم خليل أحمد:60/1.

النعيم الشامل بعد ظهور المنتظر

و يعتقد اليهود أنّه بعد مجيء المنتظر سيعمّ النعيم جميع أنحاء الأرض،و تنتشر البركات،و إنّ حياة الناس ستطول قرونا،و إنّ قامة الرجل ستكون مائتي ذراع (1).

و قالوا:«إنّ أرض إسرائيل ستنبت الخبز و الأقمشة،و ينبت القمح في لبنان عاليا مثل أشجار النخيل،و سيهب هواء بمشيئة اللّه ليجعله دقيقا فاخرا،و حبوب القمح ستكون مثل كلّ الثيران الضخمة» (2).

و كذلك تطرح الأرض فطيرا،و تحمل كلّ حبّة قدر ما كانت تحمله ألف مرّة، و يصير الخمر موفورا،و إنّ كروم العنب ستثمر حتّي أنّ عنقودا واحدا يكفي لثلاثين جرّة من الخمر،و سيرتفع بناء أورشليم ثلاثة أميال،و أبوابها ستكون من لآلئ و أحجار كريمة قامتها ثلاثون ذراعا طولا،و ثلاثون ذراعا عرضا (3)،يزول الفقر، و يصبح الناس كلّهم أصحّاء مستمسكين بالفضيلة،و تسود العدالة و الصداقة و السلام في الأرض (4)،و حينئذ ترجع السلطة لليهود،و كلّ الأمم تخدم ذلك المسيح و تخضع له،و في هذا الوقت يكون لكلّ يهودي ألفان و ثمانمائة عبد يخدمونه، و ثلاثمائة و عشرة ألوان تحت سلطته» (5).

و كثير من أمثال هذه المخاريق آمن بها اليهود،و هي جزء من ركائزهم الدينيّة التي تدعو إلي التحكّم في مصير العالم،و نهب ثرواته.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن هذا المصلح العظيم الذي آمنت به الأديان

ص: 236


1- البرهان:129/1.
2- التلمود تاريخه و تعاليمه:60/1.
3- قصّة الديانات:376.
4- التلمود تاريخه و تعاليمه:61/1.
5- البرهان:130/1،نقلا عن المسيح في القرآن و التوراة و الإنجيل:526.

السماويّة،و اعتقدت بصورة جازمة حتميّة ظهوره،و من المقطوع به أنّه الإمام المنتظر عليه السّلام الذي ستؤمن به النصاري و اليهود،و سائر الأديان و المذاهب الأخري، و أنّ اللّه تعالي يمدّه بالمعجز كما أمدّ أولياءه العظام،و ذلك ليقيم الحقّ و ينشر العدل،و يبسط الأمن و المساواة بين جميع أبناء الأرض.

ص: 237

ص: 238

مؤمنون و منكرون

اشارة

و اتّفق علماء المسلمين علي ضرورة الإيمان بظهور الإمام المهدي عليه السّلام و قيامه في دور حكومته بالاصلاح الشامل لمناهج الحياة،و تدميره للأنظمة الفاسدة التي يرزح تحت وطأتها الإنسان،و إنّ حكومته تعدّ من أعظم الانتصارات و المكاسب التي تظفر بها الإنسانيّة علي امتداد التاريخ.

آمن العلماء و جزموا به،و عدّوه جزءا لا يتجزّأ من رسالة الإسلام،و ذلك للأخبار المتواترة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و عن أئمّة الهدي سلام اللّه عليهم،و قد ذكرنا بنودا منها في البحوث السابقة.

و قد وقع الخلاف في أمر ثانوي،و هو ولادته و وجوده،فآمنت به الشيعة و وافقهم جمهور كبير من علماء السنّة و مؤرّخيهم،و ذهب آخرون إلي أنّه سيولد، و نعرض إلي كلمات كلا الفريقين:

المؤمنون بوجود الإمام المنتظر عليه السّلام

اشارة

و أجمعت الشيعة الإماميّة علي وجود الإمام المنتظر عليه السّلام،و أنّه أمر مفروغ منه، و أنّ اللّه تعالي قد أمدّه بوسائل الحياة التي لا تخضع لعوامل الهرم و الفناء،و ليس ذلك علي اللّه تعالي بعسير،فهو الذي أقام ملايين المجرّات في الفضاء بغير عمد، و أمر الحياة و الممات بيده،فهو الذي يحيي و يميت،و هو علي كلّ شيء قدير،فهو الذي أنام أهل الكهف ثلاثمائة سنة و تسع سنين،ثمّ بعثهم من نومهم و دفعهم إلي

ص: 239

مسرح الحياة،و هو الذي أبقي يونس في بطن الحوت حيّا،و لمّا التجأ إليه تعالي و طلب منه العفو ألقاه الحوت،و لو لا استغفاره لأبقاه حيّا مع الحوت إلي يوم يبعثون،و أمثال هذه البوادر كثيرة في القرآن الحكيم.

و علي أي حال،فإنّا نعرض إلي كلمات الأعلام من علماء السنّة الذين وافقوا الشيعة علي ولادة الإمام المنتظر عليه السّلام،و هم:

1-محمّد بن طلحة الشافعي

قال محمّد بن طلحة بن محمّد القرشي النصيبي:«محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكيّ بن عليّ المرتضي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب المهدي الحجّة،الخلف الصالح،المنتظر عليهم السلام و رحمته و بركاته.

هذا الخلف الحجّة قد أيّده اللّه

هدانا منهج الحقّ و آتاه سجاياه

و أعلي في ذري العليا بالتّأييد مرقاه

و آتاه حلي فضل عظيم فتح اللّه

و قد قال رسول اللّه قولا قد رويناه

و ذو العلم بما قال إذا أدرك معناه

يري الأخبار في المهديّ جاءت عن مسمّاه

و قد أبداه بالنّسبة و الوصف و سمّاه

و يكفي قوله منّي لإشراق محيّاه

ص: 240

و من بضعته الزّهراء مجراه و مرساه»

و أضاف يقول:«أمّا مولده في سرّ من رأي في 23 شعبان سنة 258 ه» (1).

و حكت هذه الكلمات إيمان محمّد بن طلحة بوجود الإمام المنتظر عليه السّلام مستندا إلي أقوال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و أحاديثه فيه.

2-ابن العربي

و نصّ محيي الدين محمّد بن عليّ المعروف ب(ابن العربي)الأندلسي علي إمامة المهدي،و أنّه ولد،و سوف يظهر،قال:«المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشّر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و هو من أهل البيت المطهّر من الحضرة المحمّديّة.

إنّ الإمام إلي الوزير فقير و عليهما فلك الوجود يدور

و الملك إن لم تستقم أحواله بوجود هذين فسوف يبور

إلاّ إله الحقّ فهو منزّه ما عنده فيما يريد وزير

اعلم أيّدنا اللّه و إيّاك،إنّ للّه خليفة يخرج و قد امتلأت الأرض جورا و ظلما، فيملأها قسطا و عدلا،لو لم يبق في الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّي يلي هذا الخليفة من عترة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و من ولد فاطمة سلام اللّه عليها،جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب،و والده الحسن العسكري».

و أضاف يقول:«يواطئ اسمه اسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،يبايع له الناس بين الركن و المقام،يشبه جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في الخلق-بفتح الخاء-و ينزل عنه في الخلق -بضمّها-إذ لا يكون أحد مثل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في أخلاقه،و اللّه تعالي يقول:

ص: 241


1- مطالب السؤول:152/2.

وَ إِنَّكَ لَعَليٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (1) .

هو أجلي الجبهة،أقني الأنف،أسعد الناس به أهل الكوفة،يقسّم المال بالسويّة،و يعدل في الرعيّة،و يفصل في القضيّة،يأتيه الرجل فيقول:يا مهدي، أعطني،و بين يديه المال،فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.

يخرج علي فترة من الدين،يضع اللّه به ما لا يضع في القرآن،يمسي الرجل جاهلا و جبانا فيصبح عالما شجاعا كريما،يمشي النصر بين يديه،يعيش خمسا أو تسعا،يقفو أثر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله».

و أضاف يقول:«يحمل الكلّ،و يعين الضعيف،و يساعد علي نوائب الحقّ، يفعل ما يقول،و يقول ما يفعل،و يعلم ما يشهد،يبيد الظلم و أهله،و يقيم الدين و أهله،و ينفخ الروح في الإسلام،يعزّ اللّه به الإسلام بعد ذلّه،و يحييه بعد موته.

يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتّي لو كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله حيّا لحكم به، فلا يبقي في زمانه إلاّ الدين الخالص عن الرأي،يفرح به عامّة المسلمين أكثر من خاصّتهم،يبايعه العارفون باللّه من أهل الحقائق عن شهود و كشف إلهي.

له رجال إلهيّون يقيمون دعوته،و ينصرونه،هم الوزراء،يحملون أثقال المملكة و يعينونه علي ما قلّده اللّه.

ينزل عليه عيسي بن مريم بالمنارة البيضاء شرقي دمشق،بين مهرودتين،متّكئا علي ملكين:ملك عن يمينه،و ملك عن يساره،يقطر رأسه ماء مثل الجمان،يؤمّ الناس بسنّة رسول اللّه،يكسر الصليب،و يقتل الخنزير» (2).

حفل كلام ابن العربي بالمواد التالية:3.

ص: 242


1- القلم 68:4.
2- الفتوحات المكّيّة:327/3.

أوّلا:إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام خليفة اللّه في أرضه،و هو الذي يقيم منهاج العدل و معالم الحقّ.

ثانيا:إنّ الإمام عليه السّلام يشابه جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في ملامحه و مكارم أخلاقه.

ثالثا:إنّ سياسة الإمام عليه السّلام تتلخّص بما يلي:

1-يقسّم المال بالسويّة،فلا يختصّ به فريق دون فريق،و لا يعطي أي شيء منه محاباة.

2-العدل في الرعيّة،و يتساوي فيه الجميع.

3-إعانة الضعفاء.

4-مساعدة الناس علي ما يمنون به من كوارث الزمان و نوائب الدهر.

5-إقصاء الجور،و تدمير الظلم،بحيث لا يبقي لهما أي ظلّ علي مسرح الحياة.

رابعا:إنّ وزراء الإمام من أتقي الناس،و أكثرهم حريجة في الدين،و هم عون له علي إقامة حكم اللّه في الأرض.

خامسا:إنّ السيّد المسيح ينزل من السماء ليكون عونا للإمام علي أداء رسالته الاصلاحيّة.

هذه بعض النقاط التي عرض لها ابن العربي،و معظمها مستفاد من الأخبار.

3-ابن الصبّاغ المالكي

قال الشيخ نور الدين عليّ بن محمّد،المعروف ب(ابن الصبّاغ المالكي):«الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن»،و ذكر تاريخ ولادته،و دلائل إمامته،و طرفا من أخباره،و غيبته،و مدّة قيام دولته،و غير ذلك (1).

ص: 243


1- الفصول المهمّة:281،ذكره بعنوان عامّ ضمن الفصل الثاني عشر.

4-ابن الأثير

قال عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد الشيباني،المعروف ب(ابن الأثير الجزري):«و فيها-أي في سنة 260 ه-توفّي أبو محمّد العلوي العسكري،و هو أحد الأئمّة الاثني عشر علي مذهب الإماميّة،و هو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامراء،و كان مولده سنة 232 ه» (1).

5-ابن الجوزي

قال شمس الدين أبو المظفّر،يوسف بن فرغلي،المعروف ب(سبط ابن الجوزي):«محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي الرضا بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،و كنيته أبو عبد اللّه و أبو القاسم،و هو الخلف الحجّة،صاحب الزمان،القائم،و المنتظر،و التالي،و هو آخر الأئمّة» (2).

6-أبو الفداء

قال إسماعيل أبو الفداء صاحب حماة في وفاة الإمام الحسن العسكري:«و هو أحد الأئمّة الاثني عشر علي مذهب الإماميّة،و هو والد محمّد المنتظر من سرداب سرّ من رأي علي زعمهم،و كان مولده سنة 235 ه» (3).

إنّ الشيعة لا تعتقد و لا تذهب إلي أنّ الإمام عليه السّلام غاب في السرداب،و لا تنتظر خروجه منه،و إنّما ذهبت إلي أنّه غاب عن أعين الناس،و تنتظر خروجه من بيت اللّه

ص: 244


1- الكامل في التاريخ:373/5.
2- تذكرة الخواصّ:325.
3- تاريخ أبي الفداء:52/2.

الحرام،و قد ألمحنا إلي ذلك في البحوث السابقة.

7-القرماني

قال القرماني:«الإمام أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري،كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين،آتاه اللّه الحكمة كما أوتيها يحيي،و كان مربوع القامة،حسن الوجه و الشعر،أقني الأنف،أجلي الجبهة» (1).

8-ابن خلّكان

قال ابن خلّكان في ترجمة الإمام المنتظر عليه السّلام:«أبو القاسم محمّد بن الحسن بن محمّد الجواد،ثاني عشر من الأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام.ولد يوم الجمعة منتصف رمضان سنة 255 ه» (2).

9-الذهبي

و نصّ الذهبي علي ولادة الإمام المهدي عليه السّلام،قال:«في حوادث سنة 261 ه، و فيها مات الحسن بن عليّ بن الجواد بن الرضا العلويّ،أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم،و هو والد منتظرهم محمّد بن الحسن» (3).

10-سراج الدين الرفاعي

قال شيخ الإسلام أبو المعالي سراج الدين محمّد الرفاعي في ترجمة الإمام

ص: 245


1- أخبار الدول:117.
2- وفيات الأعيان:451/2.
3- تاريخ الإسلام:115/5،و الذهبي معروف بحقده البالغ علي أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و ينطبق عليه قول المتنبّي: سمّيت بالذّهبيّ اليوم تسمية مشتقّة من ذهاب العقل لا الذّهب

أبي الحسن الهادي عليه السّلام:«و لقبه التقيّ،و العالم،و الفقيه،و الأمير،و الدليل، و العسكري.و كان له خمسة أولاد:الإمام الحسن العسكري،و الحسين،و محمّد، و جعفر،و عائشة.فأمّا الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر وليّ اللّه الإمام المهدي عليه السّلام» (1).

11-الشيخ الشبلنجي

و ممّن نصّ علي الإمام المهدي و ولادته و حياته العالم الفاضل الشيخ الشبلنجي، قال:«فصل في ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا،بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.أمّه أمّ ولد يقال لها:نرجس،و قيل:صيقل، و قيل:سوسن،و كنيته:أبو القاسم،و لقّبه الإماميّة ب(الحجّة)و(المهدي)، و(الخلف الصالح)،و(القائم)،و(المنتظر)،و(صاحب الزمان)،و أشهرها (المهدي)،صفته:شاب مرفوع القامة،حسن الوجه و الشعر،يسيل شعره علي منكبيه،أقني الأنف،أجلي الجبهة» (2).

12-سليمان بن خواجة

عرض العالم الفاضل الشيخ سليمان بن خواجة إلي الإمام المنتظر عليه السّلام،و أثبت بصورة حاسمة أنّ المهدي الموعود الذي بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله هو الحجّة محمّد بن الحسن العسكري،و قد بحث عنه بحثا مفصّلا مدعوما بالشواهد» (3).و من الجدير بالذكر أنّ هذا الشيخ حنفي المذهب،صوفي المشرب.

ص: 246


1- صحاح الأخبار:56.
2- نور الأبصار:185.
3- ينابيع المودّة:321/2.

13-عبد الوهاب الشعراني

قال الشيخ العارف عبد الوهاب بن أحمد بن عليّ الشعراني:«و مولده-أي الإمام المنتظر عليه السّلام-ليلة النصف من شعبان سنة 255 ه،و هو باق إلي أن يجتمع بعيسي بن مريم،و هو من أولاد الحسن العسكري عليه السّلام» (1).

14-خير الدين الزركلي

قال خير الدين الزركلي:«محمّد بن الحسن العسكري الخالص بن عليّ الهادي أبو القاسم،آخر الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة،و هو المعروف عندهم بالمهدي، و صاحب الزمان،و المنتظر،و الحجّة،و صاحب السرداب.ولد في سامراء،و مات أبوه و له من العمر نحو خمس سنين،و لمّا بلغ التاسعة أو العاشرة أو التاسعة عشر دخل سردابا في دار أبيه و لم يخرج منه.

قال ابن خلّكان:و الشيعة ينتظرون خروجه في آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأي» (2).

إنّ الشيعة لا تنتظر خروج الإمام المصلح من السرداب في سامراء،و إنّما تنتظر خروجه من بيت اللّه الحرام،و قد أشرنا إلي ذلك و دلّلنا عليه في كثير من بحوث هذا الكتاب.

15-البيهقي

قال البيهقي الشافعي:«اختلف الناس في أمر المهدي،فتوقّف جماعة و أحالوا العلم إلي عالمه،و اعتقدوا أنّه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله».

ص: 247


1- اليواقيت و الجواهر:562/2.
2- الأعلام:80/6.

و أضاف يقول:«و لا امتناع في طول عمره،و امتداد أيّامه كعيسي بن مريم و الخضر» (1).

16-حسين الكاشفي

قال الحسين صاحب التفسير:«محمّد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من الأئمّة الاثني عشر،كنيته أبو القاسم،ولادته في سرّ من رأي» (2).

17-الشعراني

قال الشعراني:«المبحث الخامس و الستّون:في بيان جميع شروط الساعة التي أخبر بها الشارع صلّي اللّه عليه و اله حقّ لا بدّ أن تقع كلّها قبل قيام الساعة،و ذلك كخروج المهدي عليه السّلام،ثمّ الدجّال،ثمّ نزول عيسي،و خروج الدابّة،و طلوع الشمس من مغربها،و فتح سدّ يأجوج و مأجوج،حتّي لو لم يبق من الدنيا إلاّ مقدار يوم واحد لوقع ذلك كلّه» (3).

18-صلاح الدين الصفدي

قال الشيخ صلاح الدين الصفدي:«إنّ المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمّة،أوّلهم سيّدنا عليّ عليه السّلام،و آخرهم المهدي» (4).

19-محمّد البخاري

و ممّن نصّ علي ولادة الإمام عليه السّلام و وجوده الحافظ محمّد بن محمّد البخاري من

ص: 248


1- شعب الإيمان،ذكره العسكري في كتابه المهدي الموعود:182/1.
2- روضة الشهداء:326.
3- اليواقيت و الجواهر:145.
4- ينابيع المودّة:347/3،نقلا عن شرح الدائرة.

أعيان علماء الحنفيّة،قال:«و أبو محمّد-والد الإمام-ولده محمّد رضي اللّه عنهما، معلوم عند خاصّة خواص أصحابه،و ثقات أهله» (1)،ثمّ ذكر كيفيّة ولادة الإمام المنتظر عليه السّلام.

20-السيّد أحمد دحلان

قال السيّد أحمد زيني دحلان في الردّ علي المعتقدين بأنّ المهدي العبّاسي هو الإمام المنتظر،قال:«و الحاصل أنّ الذي تقتضيه الأحاديث النبويّة،و صرّح به العلماء أنّ المهدي المنتظر إلي هذا الوقت لم يظهر،و ذكروا له علامات كثيرة بعضها مضي و انقضي،و بعضها باق لم يظهر،و من أظهر علاماته أنّه يصلحه اللّه في ليلة، و أنّه من ولد فاطمة».

و أضاف يقول:«لكن من المقطوع به أنّه لا بدّ من ظهوره» (2).

هذه بعض الكلمات التي أدلي بها كبار علماء السنّة و الجماعة في ولادة الإمام المهدي عليه السّلام،و حتميّة ظهوره.

و ذكر المحقّق الشيخ حسين النوري في كتابه(كشف الأستار)أربعين عالما و محقّقا من علماء السنّة الذين يؤمنون بوجود الإمام المنتظر،و ضرورة ظهوره.

و ذكر الفاضل الأستاذ الحاج عليّ محمّد عليّ دخيل أسماء مائة و أربعة و أربعين كتابا تعرّضت للإمام المهدي عليه السّلام،و جلّها لعلماء أهل السنّة (3).

ص: 249


1- كشف الأستار:57 و 58.
2- الفتوحات الإسلاميّة:322/2.
3- الإمام المهدي/عليّ محمّد دخيل:310-318.

الكتب المؤلّفة في المهدي عليه السّلام

و ألّف علماء المسلمين كوكبة من الكتب القيّمة في الإمام المهدي عليه السّلام، و قد عرضت لمعظم شؤونه،و إلي ما أثر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في حقّه،و من الجدير بالذكر أنّ ما ألّفه علماء السنّة في الإمام أكثر ممّا ألّفه علماء الشيعة،و هذه بعضها:

1-إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون/أحمد بن صدّيق البخاري، مطبعة الترقّي-دمشق.

2-الأحاديث القاضية بخروج المهدي/محمّد بن إسماعيل الصنعاني.ذكره صدّيق حسن في كتاب الإذاعة.

3-الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح و التعديل/عبد العليم ابن عبد العظيم،و هي رسالة ماجستير قدّمت بجامعة أمّ القري(مكّة المكرّمة) (1).

4-أخبار المهدي/عباد بن يعقوب الرّواجني(المتوفّي سنة 250 ه) (2).

5-أربعون حديثا في المهدي/أبو العلاء الهمداني.

6-أربعون حديثا في المهدي/الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الاصفهاني.

7-ارتقاء الفرق/السخاوي(المتوفّي سنة 902 ه)،ذكره في كتابه المقاصد.

8-الإشاعة لأشراط الساعة/البرزنجي(المتوفّي سنة 1103 ه).

9-الإمام المهدي/الفاضل الحاجّ عليّ محمّد عليّ دخيل،مطبعة الآداب- النجف الأشرف.

ص: 250


1- البرهان في علامات آخر الزمان:1024/2.
2- راجع المهدي المنتظر بين التّصوّر و التّصديق/محمّد حسن آل ياسين:30.

10-بحث حول المهدي/الإمام محمّد باقر الصدر.

11-البحور الزاخرة في علوم الآخرة/محمّد ابن الحاجّ أحمد الحنبلي (المتوفّي سنة 188 ه).

12-البرهان في علامات مهدي آخر الزمان/الشيخ عليّ بن حسام المشهور ب(المتّقي الهندي).يقع في جزئين،و قد حقّقه و علّق عليه:جاسم بن محمّد بن مهلهل الياسين،و قد طبعته شركة ذات السلاسل-الأردن، و الكتاب جامع شامل لمعظم شؤون الإمام،و هو من مصادر بحثنا.

13-بشارة الأنام في ظهور المهدي/مصطفي آل السيّد حيدر الكاظمي.

14-البعث و النشور/البيهقي(المتوفّي سنة 458 ه)-مخطوط.

15-البيان بأخبار صاحب الزمان/أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي(المتوفّي سنة 658 ه)،و قد عرض بصورة موضوعيّة و شاملة إلي أحوال الإمام عليه السّلام،و قدّم له مقدّمة وافية مستوعبة سماحة الحجّة المحقّق السيّد مهدي الخرسان حفظه اللّه.

16-تحديق النظر في أخبار المنتظر/الشيخ محمّد بن عبد العزيز بن مانع (في القرن 14)،مخطوط،توجد نسخة منه بدار الكتب المصريّة.

17-التصريح بما تواتر في نزول المسيح/الكشميري(المتوفّي سنة 1352 ه).

18-تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان/ابن كمال باشا الحنفي (المتوفّي سنة 940 ه).

19-تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان/الشيخ الأقسرائي،مخطوط بمكتبة عارف حكمت في المدينة المنوّرة برقم 7/240/62 ق.

20-التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر و الدجّال و المسيح/الشوكاني

ص: 251

(المتوفّي سنة 1250 ه).ذكره الشوكاني في تفسيره:فتح القدير:4397/1.

21-الجواب المقنع المحرّر في الردّ علي من طغي و تجبّر بدعوي أنّ عيسي هو المهدي المنتظر/محمّد حبيب اللّه الشنقيطي.

22-الخطاب المليح في تحقيق المهدي و المسيح/الشيخ أشرف عليّ التهانوي، و هو باللغة الأورديّة.

23-السنن الواردة في الفتن/أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المقرئ(المتوفّي سنة 444 ه)-مخطوط.

24-الشيعة و الرجعة/العالم المحقّق الشيخ محمّد رضا الطبسي النجفي، و قد تناول موضوع الإمام المنتظر عليه السّلام في الجزء الأوّل الذي يقع في 462 صفحة،و قد بحث موضوع الإمام من جميع جهاته،معتمدا علي أوثق المصادر من الشيعة و السنّة.

25-العرف الوردي في أخبار المهدي/السيوطي(المتوفّي سنة 911 ه)، و هو مطبوع ضمن كتاب الحاوي في الفتاوي للسيوطي.

26-عقد الدرر في أخبار المنتظر-و هو المهدي عليه السّلام-/تأليف العلاّمة يوسف بن يحيي بن عليّ بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي،و قد حقّقه و راجع نصوصه و علّق عليه و خرّج أحاديثه الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوريني،و قد طبع في مكتبة المنار-الأردن،و هو كتاب شامل لمعظم جوانب حياة الإمام عليه السّلام.

27-العواصم من الفتن القواصم/عليّ بن برهان الدين الحلبي الشافعي.

28-الغيبة/الشيخ المفيد.

29-الغيبة/حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ محمّد حرز الدين،تحقيق:حفيده

ص: 252

العلاّمة الشيخ محمّد حسين حرز الدين-مخطوط.

30-الغيبة/شيخ الطائفة الشيخ الطوسي.

31-الغيبة/محمّد بن إبراهيم النعماني.

32-الفتن/نعيم بن حمّاد المروزي(المتوفّي سنة 228 ه).توجد منه نسخ في الرياض و المدينة و مكّة مصوّرة من تركيا و لندن و الهند و العراق (1).

33-فرائد فوائد الفكر في المهدي المنتظر/مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (المتوفّي سنة 1033 ه)-مخطوط،له نسخة في باريس.

34-القطر الشهدي في أوصاف المهدي/منظومة لشهاب الدين أحمد بن إسماعيل الحلواني الشافعي(المتوفّي سنة 1308 ه).

35-القول المختصر في علامات المهدي المنتظر/ابن حجر الهيثمي الشافعي (المتوفّي سنة 974 ه)-مخطوط.

36-كمال الدين و تمام النعمة/الشيخ الصدوق.

37-مختصر الأخبار المشاعة في الفتن و أشراط الساعة/عبد اللّه ابن الشيخ، مطبوع في مطابع الرياض.

38-المشرب الوردي في مذهب المهدي/ملاّ عليّ القاري(المتوفّي سنة 1014 ه).ذكره البرزنجي في أشراط الساعة.

39-الملاحم/أبو الحسن بن المنادي،أحمد بن جعفر(المتوفّي سنة 336 ه) (2).

40-الملاحم و الفتن/رضي الدين عليّ بن طاووس.3.

ص: 253


1- عقد الدرر في أخبار المنتظر:13.
2- عقد الدرر في أخبار المنتظر:13.

41-منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر/العالم الفاضل لطف اللّه الصافي الگلپايگاني،و هو من أجود و أوفي ما ألّف في الإمام المنتظر عليه السّلام،و قد استوعبت أبحاثه معظم شؤون الإمام عليه السّلام،و قد اعتمد علي أوثق المصادر الشيعيّة و السنيّة.

42-المنتظر علي ضوء الحقائق/محمّد حسين الأديب،المطبعة الحيدريّة- النجف الأشرف.

43-المهدي/أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني(أحد أصحاب الصحاح الستّة).

44-المهدي أو أخبار المهدي/أبو نعيم الاصفهاني(المتوفّي سنة 430 ه)- مخطوط.

45-المهدي إلي ما ورد في المهدي/شمس الدين محمّد بن طولون(المتوفّي سنة 953 ه).

46-المهدي الموعود/السيّد محمّد الصدر.

47-مهدي موعود/علي داواني.

48-المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنّة و الإماميّة/العالم الكبير الشيخ نجم الدين جعفر بن محمّد العسكري.يقع في جزئين،و قد عرض بصورة موضوعيّة و مفصّلة إلي شؤون الإمام عليه السّلام مستندا في ذلك إلي مجموعة من الأخبار المتواترة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله،و الأئمّة الهداة من أهل البيت عليهم السّلام،و قد طبع الكتاب في لبنان طبعته دار الزهراء.

49-النجم الثاقب في بيان أنّ المهدي من أولاد عليّ بن أبي طالب.

50-الهديّة المهدويّة/أبو الرجاء محمّد هندي.

ص: 254

مع الشعراء المؤمنين بالإمام المنتظر عليه السّلام

اشارة

و آمن جمهور كبير من الشعراء الملهمين بالإمام المهدي عليه السّلام،و أنّه حقيقة مشرقة لا بدّ أن يظهر،و يضيء آفاق الكون و معالم الحياة،و يقيم منهج اللّه و سنّته علي مسرح الحياة،و قد نظم الشعراء في ذلك أروع ما نظم في الأدب العربي،الأمر الذي يدلّل علي شيوع الإيمان بوجود الإمام المنتظر و حتميّة ظهوره عند جميع الأوساط العلميّة و الأدبيّة،و نحن نعرض لبعضهم:

1-الكميت

و آمن شاعر أهل البيت الكميت بن زيد الأسدي(المتوفّي سنة 126 ه)بالإمام المهدي عليه السّلام كجزء من عقيدته،و ذلك بوحي من أئمّة الهدي الذين عاصرهم،فأشار إلي ذلك في بيت من الشعر له يقول فيه:

متي يقوم الحقّ فيكم متي يقوم مهديّكم الثّاني

2-السيّد الحميري

أمّا السيّد الحميري(المتوفّي سنة 173 ه)فهو الشاعر الملهم،و الهائم بحبّ أئمّة الهدي عليهم السّلام،الذي نافح عنهم في أشدّ الظروف قسوة،و أكثرها محنة،و قد تتبّع أخبار أسياده و نظمها ببليغ نظمه،و قد نظم في غيبة الإمام المنتظر و خروجه هذه الأبيات:

و كذا روينا عن وصيّ محمّد و لم يك فيما قاله بالمكذّب

بأنّ وليّ الأمر يفقد لا يري سنين كفعل الخائف المترقّب

و يقسم أموال العقود كأنّما تضمّنه تحت الصّفيح المنصّب

ص: 255

فيمكث حيّا ثمّ ينبع نبعة كنبعة درّيّ من الأرض يوهب

له غيبة لابدّ أن سيغيبها فصلّي عليه اللّه من متغيّب

3-دعبل الخزاعي

أمّا دعبل الخزاعي(المتوفّي سنة 246 ه)شاعر المظلومين و المضطهدين،فقد اعتقد اعتقادا جازما بحتميّة ظهور الإمام المهدي عليه السّلام،و أنّه ضرورة إسلاميّة،فقد أعلنه الرسول الأعظم و بقيّة أوصيائه العظام الذين عاشرهم دعبل،و قد تلا قصيدته الرائعة التي هزّت أعماق الإمام الرضا عليه السّلام،و قد تضمّنت خروج الإمام المهدي، يقول:

فلولا الّذي أرجوه في اليوم أو غد تقطّع قلبي إثركم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج يسير علي اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزي علي النّعماء و النّقمات

و بادر الإمام الرضا عليه السّلام يعزّز فيه هذه الفكرة قائلا له:يا دعبل،نطق روح القدس علي لسانك،أتعرف من هذا الإمام؟

و سارع دعبل قائلا:لا،إلاّ أنّي سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا و عدلا.

و زاده الإمام توضيحا و تعريفا بالإمام المنتظر:

إنّ الإمام بعدي ابني محمّد،و بعد محمّد ابنه عليّ،و بعد عليّ ابنه الحسن،و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم و هو المنتظر في غيبته فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

ص: 256

و أمّا متي يقوم،فإخبار عن الوقت،لقد حدّثني أبي عن آبائه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:مثله كمثل السّاعة لا تأتيكم إلاّ بغتة.

4-الشهيد زيد بن عليّ عليه السّلام

يشيد الشهيد السعيد زيد بن عليّ عليه السّلام بأهل البيت عليهم السّلام،فهم سادة قريش،و مركز الحقّ و النور،فمنهم خاتم الأنبياء محمّد صلّي اللّه عليه و اله،و خاتم الأوصياء الإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف:

نحن سادات قريش و قدّام الحقّ فينا نحن أنوار الّي من قبل كون الخلق كنّا

نحن منّا المصطفي المختار و المهديّ منّا فبنا قد عرف اللّه و بالحقّ أقمنا (1)

5-الورد بن زيد

أمّا الورد بن زيد الأسدي فهو كأخيه الكميت في شدّة ولائه و إخلاصه لأئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و قد تشرّف بمقابلة الإمام أبي جعفر محمّد الباقر عليه السّلام،و تلا عليه قصيدته التي يمدح فيها الإمام،و عرض في آخرها إلي الإمام المنتظر عليه السّلام،قال:

متي الوليد بسامرّا إذا بنيت يبدو كمثل شهاب اللّيل طلاّع

حتّي إذا قذفت أرض العراق به إلي الحجاز أناخوه بجعجاع

و غاب سبتا و سبتا من ولادته مع كلّ ذي جوب للأرض قطّاع

لا يسأمون به الجواب قد تبعوا أسباط هارون كيل الصّاع بالصّاع

شبيه موسي و عيسي في مغابهما لو عاش عمريهما لم ينعه ناع

ص: 257


1- أعيان الشيعة/السيّد محسن الأمين:71/23.

تتمّة النّقباء المسرعين إلي موسي بن عمران كانوا خير سرّاع

أو كالعيون الّتي يوم العصا انفجرت فانصاع منها إليه كلّ منصاع

إنّي لأرجو له رؤيا فأدركه حتّي أكون له من خير أتباع

بذاك أنبأنا الرّاوون عن نفر منهم ذوي خشية للّه طوّاع

روته عنكم رواة الحقّ ما شرعت آباؤكم خير آباء و شرّاع (1)

و حكت هذه المقطوعة من الشعر ما سمعه الشاعر من أخبار الإمام المهدي عليه السّلام قبل أن يولد،فقد سمع ذلك من الأئمّة الطاهرين الذين كانت علومهم امتدادا لعلوم جدّهم الرسول صلّي اللّه عليه و اله،فقد ورّثهم العلم و الحكمة و فصل الخطاب.

لقد أخبر الشاعر عن بناء سرّ من رأي قبل أن تبني،و أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام سيولد فيها،و أنّه سلام اللّه عليه سيغيب عن الأبصار،و أنّه في سلوكه يضارع أنبياء اللّه العظام،فهو يشبه نبيّ اللّه موسي،و نبيّ اللّه عيسي في غيابهما...و قد تحقّق جميع ذلك.

6-مصعب بن وهب

و كان مصعب بن وهب النوشجاني معاصرا للإمام الرضا عليه السّلام،و قد أعرب في مقطوعة له عن إيمانه بجميع الأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام،و من جملتهم الإمام المهدي عليه السّلام،و ذلك قبل أن يولد الإمام عليه السّلام يقول:

فإن تسألاني ما الّذي أنا دائن به فالّذي أبديه مثل الّذي أخفي

أدين بأنّ اللّه لا شيء غيره قويّ عزيز بارئ الخلق من ضعف

و إنّ رسول اللّه أفضل مرسل به بشّر الماضون في محكم الصّحف

ص: 258


1- مقتضب الأثر:46.

و إنّ عليّا بعده أحد عشرة من اللّه وعد ليس في ذاك من خلف

أئمّتنا الهادون بعد محمّد لهم صفو ودّي ما حييت لهم أصفي

ثمانية منهم مضوا لسبيلهم و أربعة يرجون للعدد الموف (1)

7-محمّد بن إسماعيل الصيمري

و محمّد بن إسماعيل الصيمري من خيار الشيعة،و قد تشرّف بمقابلة الإمام الحسن العسكري،و ذلك بعد وفاة أبيه الإمام الهادي عليه السّلام،و قد ابّنه بقصيدة و عرض فيها إلي الإمام المهدي عليه السّلام.يقول:

عشر نجوم أفلت في فلكها و يطلع اللّه لنا أمثالها

بالحسن الهادي أبي محمّد تدرك أشياع الهدي آمالها

و بعده من يرتجي طلوعه يظلّ جوّاب الفلا جزّالها

ذو الغيبتين الطول الحقّ الّتي لا يقبل اللّه من استطالها

يا حجج الرّحمن إحدي عشرة آلت بثاني عشرها آمالها (2)

8-علي الخوافي

من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام عليّ بن أبي عبد اللّه الخوافي،و لمّا فجع العالم الإسلامي بوفاة الإمام الرضا،و رثاه شعراء عصره كان عليّ ممّن رثاه،و قد تعرّض في قصيدته إلي الإمام المهدي عليه السّلام،يقول:

في كلّ عصر لنا منكم إمام هدي فربعه آهل منكم و مأنوس

ص: 259


1- مقتضب الأثر:48.
2- مقتضب الأثر:53.

أمست نجوم سماء الدّين آفلة و ظلّ أسد الشّري قد ضمّها الخيس

غابت ثمانية منكم و أربعة يرجي مطالعها ما حنّت العيس

حتّي متي يظهر الحقّ المنير بكم فالحقّ في غيركم داج و مطموس (1)

و يتطلّع هذا الشاعر بفارغ الصبر ظهور الإمام عليه السّلام ليشفي غليله من أعداء اللّه الذين انتهكوا جميع الحرمات،و كادوا الإسلام في غلس الليل و في وضح النهار.

9-القاسم بن يوسف

و ممّن آمن بالإمام المنتظر عليه السّلام و يترقّب ظهوره الشاعر القاسم بن يوسف،قال:

إنّي لأرجو أن تنالهم منّي يد تشفي جوي الصّدر

بالقائم المهديّ إن عاجلا أو آجلا إن مدّ في العمر

أو ينقضي من دونه أجلي فاللّه أولي فيه بالعذر (2)

و يتطلّع هذا الشاعر بفارغ الصبر ظهور الإمام عليه السّلام ليشفي غليله من أعداء اللّه الذين انتهكوا جميع الحرمات،و كادوا الإسلام في غلس الليل و في وضح النهار.

10-ابن الرومي

أمّا ابن الرومي(المتوفّي سنة 283 ه)فهو من ألمع شعراء عصره،و قد بكي الشهيد الخالد يحيي العلوي الذي استشهد من أجل المظلومين و المضطهدين،و ثار في وجه الظلم و الاستبداد،و قد رثاه بقصيدة عصماء.

ص: 260


1- مقتضب الأثر:47.
2- الإمام المهدي:284.

و قد عرض فيها لظهور الإمام المهدي عليه السّلام،و هدّد به ولاة الجور من حكّام بني العبّاس.يقول:

غررتم إذا صدّقتم أنّ حالة تدوم لكم و الدّهر لونان أخرج (1)

لعلّ لهم في منطوي الغيث ثائرا سيسمو لكم و الصّبح في اللّيل مولج

بجيش تضيق الأرض من زفراته له زجل ينفي الوحوش و هزمج (2)

إذا شيم بالأبصار أبرق بيضه بوارق لا يسطيعهنّ المحمّج (3)

نوامضه شمس الضّحي فكأنّما يري البحر في أعراضه يتموّج

له وقدة بين السّماء و بينه تلمّ به الطّير العوافي فتهرج (4)

إذا كرّ في أعراضه الطّرف أعرضت حراج تحار العين فيها فتحرج (5)

يؤيّده ركنان ثبتان رجلة و خيل كأرسال الجراد و أوثج (6)

عليها رجال كاللّيوث بسالة بأمثالهم يثني الأبيّ فيعنج (7)

و يستمر ابن الرومي في قصيدته فيصف منعة الإمام و بسالة جيشه الذي يخلص5.

ص: 261


1- الأخرج:ذو لونين:أبيض و أسود.
2- الهزمج:اختلاط الأصوات.
3- شيم:نظر.البيض:ما يلبس من الحديد علي الرأس في الحرب.بوارق:أي ذات لمعان. المحمج:من يحدق نظره،أي لا يستطيع النظر إليها لشدّة لمعانها.
4- الوقدة:شدّة الحرّ.
5- الطرف:البصر.أعرضت:اعترضت.الحراج:مجمع الشجر.تحرج:أي لا تستطيع العين أن تطرف.
6- الرجلة:جمع راجل.الأرسال:القطيع.أوثج:كشف.
7- مقاتل الطالبيّين:654-655.

له و يطيعه،و أنّه سوف يأخذ بثأر آبائه الذين حصدت رؤوسهم أيدي الظالمين من الأمويّين و إخوانهم العبّاسيّين،و أنّه عليه السّلام إذا ظهر سوف يدكّ قلاع الظلم،و ينسف حصون الجور.

11-يحيي بن أعقب

و وصف يحيي بن أعقب الإمام المنتظر عليه السّلام كما وصف منهج حكمه الذي يأمن به المظلومون،و تقام فيه المعطّلة من حدود اللّه،يقول:

أسمر اللّون،مشرق الوجه مليح البها،طريّا جنيّا

يظهر الحقّ و البراهين و العدل فتلقي إذا إماما عليّا

و تطيع البلاد من مشرق الأرض إلي المغربين طوعا جليّا

و تري الذّئب عنده الشّاة ترعي ذاك بالعدل و الأمان حفيّا

يحكم الأربعين في الأرض ملكا و يوفّي كلّ حيّ وفيّا (1)

12-فضل بن روزبهان

مدح الفضل بن روزبهان(المتوفّي سنة 1279 ه)الأئمّة الطيّبين بقصيدة،و عرض لمدح الإمام المنتظر عليه السّلام.يقول:

سلام علي القائم المنتظر أبي القاسم القرم نور الهدي

سيطلع كالشّمس في غاسق ينجيه من سيفه المنتقي

سلام عليه و آبائه و أنصاره ما تدوم السّما (2)

ص: 262


1- ينابيع المودّة:219/3.
2- الإمام المهدي:285.

13-عبد الرحمن البسطامي

و يعدّ عبد الرحمن البسطامي من الشعراء الذين آمنوا بالإمام المنتظر عليه السّلام، و قد استند إيمانه إلي ما روي عن الإمام الرضا عليه السّلام من حتميّة ظهور الإمام المهدي عليه السّلام،و إلي علم الحرف الذي أكّد ذلك.يقول:

و يظهر ميم المجد من آل أحمد و يظهر عدل اللّه في النّاس أوّلا

كما قد روينا عن عليّ الرّضا و في كنز علم الحرف أضحي محصّلا

و يخرج حرف الميم من بعد شينه بمكّة نحو البيت بالنّصر قد علا

فهذا هو المهديّ بالحقّ ظاهر سيأتي من الرّحمن للخلق مرسلا

و يملأ كلّ الأرض بالعدل رحمة و يمحو ظلام الشّرك و الجور أوّلا

ولايته بالأمر من عند ربّه خليفة خير الرّسل من عالم العلا (1)

و قال أيضا:

هيهات ممزوج بلحمي و دمي حبّهم و هم الهدي و الرّشد

حيدرة و الحسنان بعده ثمّ عليّ و ابنه محمّد

و جعفر الصّادق و ابن جعفر موسي و يتلوه عليّ السّيّد

أعني الرّضا ثمّ ابنه محمّد ثمّ عليّ ابنه المسدّد

و الحسن التّالي و يتلو تلوه محمّد بن الحسن المفتقد

فإنّهم أئمّتي و سادتي و إن لحاني معشر و فنّدوا (2)

ص: 263


1- الإمام المهدي:287.ينابيع المودّة:467.
2- الإشاعة لأشراط الساعة:164.

14-أبو الغوث الطهوي المنبجي

أبو الغوث المنبجي يمدح الأئمّة الأطهار،و يعظّم مولد الإمام الحجّة(عج):

هم حجج اللّه اثني عشرة متي عدتهم فثاني عشرهم خلف الحادي

بميلاده الأنباء جاءت شهيرة فأعظم بمولود و أكرم بميلاد (1)

15-ابن أبي الحديد

و اعتقد ابن أبي الحديد(المتوفّي سنة 655 ه)بالإمام المهدي عليه السّلام و حتميّة ظهوره ليقيم دولة العدل و الحقّ،و تمنّي أن تكون أسرته من جيش الإمام و المدافعين عنه،يقول:

لقد علمت بأنّه لا بدّ من مهديّكم و ليومه أتوقّع

يحميه من جند الإله كتائب كاليمّ أقبل زاخرا يتدفّع

فيها لآل أبي الحديد صوارم مشهورة و رماح خطّ شرّع (2)

16-عامر البصري

من الشعراء الذين آمنوا بالإمام المهدي عليه السّلام و حتميّة ظهوره الشاعر عامر البصري،يقول:

إمام الهدي حتّي متي أنت غائب فمنّ علينا يا أبانا بأوبة

تراءت لنا رايات جيشك قادما ففاحت لنا منها روائح مسكة

ص: 264


1- المصلح المنتظر:65.
2- شرح القصائد العلويّات التسع:70.

و بشّرت الدّنيا بذلك فاغتدت مباسمها مفترّة عن مسرّة

مللنا و طال الانتظار فجد لنا بربّك يا قطب الوجود بلقية

17-أبو المعالي

قال أبو المعالي صدر الدين القونوي واصفا الإمام المنتظر عليه السّلام،و مترقّبا ظهوره ليقيم معالم الدين،و يشيد صروح العدل و الحقّ بين الناس،قال:

يقوم بأمر اللّه في الأرض ظاهرا علي رغم شيطانين يمحق للكفر

يؤيّد شرع المصطفي و هو ختمه و يمتدّ من ميم بأحكامها يدري

و مدّته ميقات موسي و جنده خيار الوري في الوقت يخلو عن الحصر

علي يده محق اللّئام جميعهم بسيف قويّ المتن علّك أن تدري

حقيقة ذاك السّيف و القائم الّذي تعين للدّين القويم علي الأمر

لعمري هو الفرد الّذي بان سرّه بكلّ زمان في مضاء له يسري

تسمّي بأسماء المراتب كلّها خفاء و إعلانا كذاك إلي الحشر

أليس هو النّور الأتمّ حقيقة و نقطة ميم منه إمدادها يجري

يفيض علي الأكوان ما قد أفاضه عليه إله العرش في أزل الدّهر

فما ثمّ إلاّ الميم لا شيء غيره و ذو العين من نوّابه مفرد العصر

هو الرّوح فاعلمه و خذ عهده إذا بلغت إلي مدّ مديد من العمر

كأنّك بالمذكور تصعد راقيا إلي ذروة المجد الأثيل علي القدر

و ما قدره إلاّ ألوف بحكمة علي حدّ مرسوم الشّريعة بالأمر

بذا قال أهل الحلّ و العقد فاكتفي بنصّهم المثبوت في الصّحف الزّبر

ص: 265

فإن تبغ ميقات الظّهور فإنّه يكون بدور جامع مطلع الفجر

بشمس تمدّ الكلّ من ضوء نورها و جمع داري الأوج فيها مع البدر (1)

و حكي شعره بعض علامات الظهور اعتمادا علي علم الحرف و غيره من العلوم التي أثرت عن أئمّة الهدي عليهم السّلام.

18-أبو سالم كمال الدين أبو طلحة الشافعي

العلاّمة أبو طلحة الشافعي ينظم بما قاله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله من الأخبار عن الإمام المهدي(عج)بأنّه منهج الحقّ و العدل في الأرض:

فهذا الخلف الحجّة قد أيّده اللّه هدانا منهج الحقّ و آتاه سجاياه

و أعلي في ذري العلياء بالتّأييد مرقاه و قد قال رسول اللّه قولا قد رويناه

و ذو العلم بما قال إذا أدرك معناه يري الأخبار في المهديّ جاءت بمسماه (2)

19-الخليعي

و آمن أبو الحسن جمال الدين الملقّب ب«الخليعي»(المتوفّي حدود سنة 750 ه) بالإمام المنتظر عليه السّلام،و قال في قصيدة له يتشوّق إلي ظهوره:

طلاب العلي بالسّمهري المقوّم و ضرب الطّلي مرمي إلي كلّ مغنم

و ضربة عضب باتر الحدّ مرهف و صهوة مهر أعوجيّ مطهّم

ألا في سبيل اللّه نفس تقدّمت و تاقت إلي نصر الإمام المعظّم

إلي نصر مغوار طويل نجاده علي فتك أعداء الإله مصمّم

ص: 266


1- ينابيع المودّة:468/3 و 469.
2- مطالب السؤول:79/2.

إلي القائم المهديّ من آل أحمد إلي العروة الوثقي إلي البطل الكمي

كريم نجاد طالبيّ مناسب إلي ذروة المجد الحسينيّ ينتمي

مناقب جلّت أن تعدّ لواصف فبالعقل لا تحصي و لا بالتّوهّم

يقوم مع الرّكن اليمانيّ قانتا يؤمّ بروح اللّه عيسي بن مريم

و من حوله غرّ الملائك عكّف و أنصاره من كلّ أشوس معلّم

و يسري و أسد الغاب حول ركابه إلي منهج يهدي إلي الرّشد أقوم (1)

20-السيّد علي خان

و ممّن نظم في الإمام المهدي عليه السّلام السيّد علي خان الموسوي الحويزي،قال:

أو قائم مهديّ جبّار السّماء مهديّ الوري من ليل جهل غاسق

ذي حملة إن هال يوم كريهة لم يخش خوض بواسل و بوارق

للمال أكرم واهب للدّين أحسن ناشر للفتن أعظم راتق

تشتاق صحبته أنابيب القنا و له حنين سوابغ و سوابق

الخضر حاجبه و عيسي تلوه يتلوه بين عوالم و خوالق

ذي سيرة نبويّة من عدلها لم يخش ليث الغاب قلب الناهق

اللّه يظهره و يدني وقته فعسي يطيب به فؤاد الوامق

21-بهاء الدين العاملي

أمّا بهاء الدين العاملي محمّد بن الحسين(المتوفّي سنة 1031 ه)،فهو ألمع

ص: 267


1- منن الرحمن:230/2.

شخصيّة علميّة في عصره،و من أكابر علماء الشيعة،و قد ألّف في مختلف الفنون و العلوم،كالفقه و التفسير و الهيئة و الفلك و الحساب و الهندسة و الجفر و الرمل و غيرها،و له شعر رائع في الإمام المنتظر عليه السّلام كان منه هذه القصيدة الرائعة التي أسماها(وسيلة الفوز و الأمان في مدح صاحب الزمان)،و هذا نصّها:

سري البرق من نجد فجدّد تذكاري عهودا بحزوي و العذيب و ذي قار

و هيّج من أشواقنا كلّ كامن و أجّج في أحشائنا لاعج النّار

ألا يا لليلات الغوير و حاجر سقيت بهطّال من المزن مدرار

و يا جيرة بالمأزمين خيامهم عليكم سلام اللّه من نازح الدّار

خليليّ ما لي و الزّمان كأنّما يطالبني في كلّ وقت بأوتار

فأبعد أحبابي و أخلي مرابعي و أبدلني من كلّ صفو بأكدار

و عادل بي من كان أقصي مرامه من المجد أن يسمو إلي عشر معشار

ألم يدر أنّي لا أذلّ لخطبه و إن سامني خسفا و أرخص أسعاري

مقامي بفرق الفرقدين فما الّذي يؤثّره مسعاه في خفض مقداري

و إنّي امرؤ لا يدرك الدّهر غايتي و لا تصل الأيدي إلي سبر أغواري

و حكت هذه الأبيات شكواه و تذمّره من الزمان الذي أبعده،و فرّق ما بينه و بين أحبّته،فأخلي مرابعه و مجالسه منهم؛كما شكا من الدهر الذي ساوي بينه و بين اناس لا يصلون إلي مكانته و لا يبلغون شأوه.

ثمّ أعرب بعد ذلك عن صلابته و شدّة عزيمته،و أنّه لا يبالي بما صنع به الدهر، فإنّه لا يدرك غايته،و لا تصل الأيدي إلي سبر أغواره.

و يستمرّ البهائي في قصيدته الرائعة،فيقول:

ص: 268

و يصمي فؤادي ناهد الثّدي كاعب بأسمر خطّار و أحور سحّار

و أنّي سخيّ بالدّموع لوقفة علي طلل بال و دارس أحجار

و ما علموا أنّي امرؤ لا يروعني توالي الرّزايا في عشيّ و إبكار

و أعرب في البيت الأخير عن قوّة شخصيّته التي لا يروعها الرزايا و الخطوب عليها،ثمّ يقول:

و معضلة دهماء لا يهتدي لها طريق و لا يهدي إلي ضوئها السّاري

تشيب النّواصي دون حلّ رموزها و يحجم عن أغوارها كلّ مغوار

أجلت جياد الفكر في حلباتها و وجّهت تلقاها صوائب أنظاري

لقد دهمت الشيخ كارثة دهماء مروعة تشيب من حولها النواصي،و لا يستطيع أحد حلّ رموزها،و لنستمع إلي موقفه منها،يقول:

أأضرع للبلوي و أغضي علي القذي و أرضي بما يرضي به كلّ مخوار

و أفرح من دهري بلذّة ساعة و أقنع من عيشي بقرص و أطمار

إذا لا وري زندي و لا عزّ جانبي و لا بزغت في قمّة المجد أقماري

و لا انتشرت في الخافقين فضائلي و لا كان في المهديّ رائق أشعاري

خليفة ربّ العالمين،فظلّه علي ساكن الغبراء من كلّ ديّار

هم العروة الوثقي الّذي من بذيله تمسّك لا يخشي عظائم أوزار

إمام هدي لاذ الزّمان بظلّه و ألقي إليه الدّهر مقود خوّار

و معني هذه الأبيات أنّه لن يخضع لما ألمّ به من نوائب الدهر،و لا يرضي بما يرضي به الأذلاّء و ضعاف النفوس من الخنوع للذلّ و القهر،و إنّما يبقي مصمّما علي

ص: 269

إبائه و عزّة نفسه.أنّه قد لاذ بإمام العصر-صلوات اللّه عليه-الذي امتدّ ظلّه علي جميع سكّان الأرض،و يستمرّ البهائي في رائعته فيصف سعة علوم الإمام فيقول:

علوم الوري في جنب أبحر علمه كغرفة كفّ أو كغمسة منقار

فلو زار إفلاطون أعتاب قدسه و لم يعشه عنها سواطع أنوار

رأي حكمة قدسيّة لا يشوبها شوائب أنظار و أدناس أفكار

بإشراقها كلّ العوالم أشرقت بما لاح في الكونين من نورها السّاري

إمام الوري طود النّهي منبع الهدي و صاحب سرّ اللّه في هذه الدّار

به العالم السّفلي يسمو و يعتلي علي العالم العلوي من دون إنكار

و منه العقول العشر تبغي كمالها و ليس عليها في التّعلّم من عار

همام لو السّبع الطّباق تطابقت علي نقض ما يقضيه من حكمه الجاري

لنكّس من أبراجها كلّ شامخ و سكّن من أفلاكها كلّ دوّار

و تحدّث البهائي في هذه الأبيات عن سعة علوم الإمام و شمول معارفه،و أنّه لا يضارعه أحد في هذه الظاهرة،و أنّ إفلاطون لو تشرّف بمقابلته لرأي من حكم الإمام و قدسيّته ما تعنو له الجباه،و أنّ الدنيا لتسمو بالإمام علي سائر العوالم و الأكوان.

كما تحدّث البهائي عن أصالة قضاء الإمام عليه السّلام،و أنّ السبع الطباق لو تطابقت علي نقض حكمه لما استطاعت،و يستمرّ البهائي في رائعته فيقول:

أيا حجّة اللّه الّذي ليس جاريا بغير الّذي يرضاه سابق أفكار

و يا من مقاليد الزّمان بكفّه و ناهيك عن مجد به خصّه الباري

أغث حوزة الإيمان و اعمر ربوعه فلم يبق منها غير دارس آثار

ص: 270

و أنقذ كتاب اللّه من يد عصبة عصوا و تمادوا في عتوّ و إصرار

و في الدّين قد قاسوا و عاثوا و خبّطوا بآرائهم تخبيط عشواء معثار

و أنعش قلوبا في انتظارك قرّحت و أضجرها الأعداء أيّة إضجار

و خلّص عباد اللّه من كلّ غاشم و طهّر بلاد اللّه من كلّ كفّار

و عجّل فداك العالمون بأسرهم و بادر علي اسم اللّه من غير إنظار

تجد من جنود اللّه خير كتائب و أكرم أعوان و أشرف أنصار

و طلب الشيخ البهائي بهذه الأبيات أن يعجّل الإمام في ظهوره لينقذ حوزة الإيمان و الإسلام من جور الظالمين و استبدادهم،فقد عاثوا فسادا بجميع مقوّمات الحياة،و لنستمع إلي آخر الأبيات من قصيدته،يقول:

أيا صفوة الرّحمن دونك مدحة كدرّ عقود في ترائب أبكار

يهنّي ابن هاني إن أتي بنظيرها و يعنو لها الطّائيّ من بعد بشّار

إليك البهائيّ الحقير يزفّها كغانية ميّاسة القدّ معطار

تغار إذا قيست لطافة نظمها بنفحة أزهار و نسمة أسحار

إذا ردّدت زادت قبولا كأنّها أحاديث نجد لا تملّ بتكرار

و انتهت هذه القصيدة الرائعة،و هي تدلّ علي براعة البهائي و ضلوعه في الأدب العربي؛إذ ليس في قصيدته كلمة يمجّها السمع،و ينفّر منها الطبع،كما دلّت قصيدته علي ولائه المطلق،و إيمانه العميق بالإمام المهدي عليه السّلام.

22-الحرّ العاملي

الشيخ الحرّ العاملي(المتوفّي سنة 1104 ه)من أعاظم علماء الإماميّة،يذكر في

ص: 271

قصيدته ألقاب الإمام،و تواتر النصّ بولادته،و غيبته،و خروجه في آخر الزمان بالنصّ و البرهان:

لقبه المهديّ و المنتظر و القائم المكرّم المطهّر

تواتر النّصّ بأنّه ولد من الفريقين و أنّه ولد

و كم رآه رجل ففازا إذ شاده الرّشاد و الإعجازا

لذاك قد تواتر الأخبار بذاك و الأنباء و الآثار

و غاب غيبتين صغري امتدّت و كانت الشّدّة فيها اشتدّت

و غيبة أخري إلي ذي الآن و أنّه لصادي الزّمان

لكنّه لا بدّ من أن يخرجا و بعد شدّة تلاقي الفرجا

و غيبة تواترت أخبارها و اشتهرت من قبلها آثارها

و طول عمر هكذا مرويّ ينقله العدوّ و الوليّ

خروجه في آخر الزّمان قد صحّ بالنّصّ و البرهان

23-السيّد حيدر الحلّي

اشارة

أمّا السيّد حيدر الحلّي فهو كالشريف الرضي في مواهبه و عبقرياته،و سائر نزعاته النفسيّة التي منها الإباء عن الضيم،و الشموخ عن الذلّ.

لقد تألّق هذان العلمان في سماء الشرق العربي،و أفاضا عليه صفحات مشرقة في الأدب العالي،التي تعدّ من مناجم الثقافة،خصوصا في رثاء جدّهما زعيم الإنسانيّة،و رائد حركاتها التحرّريّة الإمام الحسين عليه السّلام،فقد رثياه بذوب روحيهما، و بلغ بهما الحزن عليه أقصاه.

و للسيّد حيدر كوكبة من القصائد الخالدة في رثاء جدّه الإمام الحسين عليه السّلام

ص: 272

لم ينضم مثلها في عالم الرثاء،و قد استنهض في كثير منها بالإمام المنتظر عليه السّلام، و طلب منه الخروج ليطهّر الأرض من ذئاب البشريّة و علوج الشرك و أنصار الأمويّين، استمعوا إلي بعض ما يقوله:

من حامل لوليّ الأمر مألكة تطوي علي نفثات كلّها ضرم

يابن الأولي يقعدون الموت إن نهضت بهم لدي الرّوع في وجه الضّبا الهمم

الخيل عندك ملّتها مرابطها و البيض منها عري أغمادها السّأم

لا تطهر الأرض من رجس العدي أبدا ما لم يسل فوقها سيل الدّم العرم

بحيث موضع كلّ منهم لك في دماه تغسله الصّمصامة الخذم

أعيذ سيفك أن تصدي حديدته و لم تكن فيه تجلي هذه الغمم

قد آن أن تمطر الدّنيا و ساكنها دما أغرّ عليه النّقع مرتكم

حران أن تدمغ هام القوم صاعقة من كفّه و هي السّيف الّذي علموا

نهضا فمن بظباكم هامه فلقت ضربا علي الدّين فيه اليوم يحتكم

و تلك أنفالكم في الغاصبين لكم مقسومة و بعين اللّه تقتسم

و يستمرّ السيّد حيدر الحلّي في رائعته للإمام قائلا:

و إنّ أعجب شيء أن أبثّكها كأنّ قلبك خال و هو محتدم

ما خلت تقعد حتّي تستثار لهم و أنت أنت و هم فيما جنوه هم

لم تبق أسيافهم منكم علي ابن تقي فكيف تبقي عليهم لا أبا لهم

فلا و صفحك إنّ القوم ما صفحوا و لا و حلمك إنّ القوم ما حلموا

فحمل أمّك قدما أسقطوا حنقا و طفل جدّك في سهم الرّدي فطموا

ص: 273

لا صبر أو تضع الهيجاء ما حملت بطلقة معها ماء المخاض دم

هذا المحرّم قد وافتك صارخة ممّا استحلّوا به أيّامه الحرم

يملأن سمعك من أصوات ناعية في مسمع الدّهر من إعوالها صمم

تنعي إليك دماء غاب ناصرها حتّي أريقت و لم يرفع لكم علم

و يستمرّ السيّد حيدر في عرض مآسي كربلاء،و ما جري من أهوال الكوارث و الخطوب علي أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام،و يطلب من مهديّ آل محمّد عليه السّلام أن يعجّل في ظهوره لينتقم من الظالمين و الراضين بإبادة عترة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و ما أكثرهم في كلّ زمان و مكان.

رائعة أخري للسيّد حيدر

و للسيّد حيدر رائعة أخري في الإمام المنتظر عليه السّلام يستعرض فيها ما ألمّ بالإسلام من المحن و الخطوب،و تجميد أحكامه،ثمّ يعرّج ثانيا إلي رثاء أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السّلام؛الذي هزّ الضمير العالمي بما حلّ به من عظيم المصائب و الآلام.

يقول السيّد حيدر:

اللّه يا حامي الشّريعة أتقرّ و هي كذا مروعه

بك تستغيث و قلبها لك عن جوي يشكو صدوعه

تدعو و جرد الخيل مص غية لدعوتها سميعه

و تكاد ألسنة السّيوف تجيب دعوتها سريعه

فصدورها ضاقت بسرّ الموت فأذن أن تذيعه

و يستمرّ السيّد حيدر في استنهاض الإمام عليه السّلام فيقول:

مات التّصبّر في انتظا رك أيّها المحيي الشّريعه

ص: 274

فانهض فما أبقي التّحمّل غير أحشاء جزوعه

قد مزّقت ثوب الأسي و شكت لواصلها القطيعه

فالسّيف إنّ به شفاء قلوب شيعتك الوجيعه

فسواه منهم ليس ينعش هذه النّفس الصّريعه

كم ذا القعود و دينكم هدمت قواعده الرّفيعه

تنعي الفروع أصوله و أصوله تنعي فروعه

فيه تحكّم من أباح الي وم حرمته المنيعه

و يعرض السيّد حيدر المآسي و النكبات التي مني بها الإسلام،و ابتلي بها المسلمون،و عرّج بعد ذلك إلي مصائب سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام الخالدة في دنيا الأحزان،فيقول مخاطبا الإمام المنتظر عليه السّلام:

ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الطّفّ الفظيعه

أتري تجيء فجيعة بأمضّ من تلك الفجيعه

حيث الحسين علي الثّري خيل العدي طحنت ضلوعه

قتلته آل أميّة ظام إلي جنب الشّريعه

و رضيعه بدم الوريد مخضّب فاطلب رضيعه (1)

إنّ في رثاء الحلّي لجدّه أبي الأحرار ما يفتّت القلوب،فقد رثاه بذوب روحه و بكاه أمرّ البكاء و أقساه،و حسب أنّه من المنكوبين بهذه الفاجعة الكبري التي ما أصيب المسلمون و لا امتحنوا بمثلها،فقد أخلدت لهم الأسي و الحزن فلم يرع السفّاكون المجرمون من بني أميّة أي حرمة للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله في ذرّيّته و أهل بيته،0.

ص: 275


1- ديوان السيّد حيدر الحلّي:260.

فقد حصدت سيوفهم بوحشيّة قاسية رؤوس أولئك الأحرار الذين ثاروا من أجل تحرير الإنسان من الظلم و الاستبداد.

24-عبد الغني العاملي

أمّا الشيخ عبد الغني العاملي،فهو سليل العالم الكبير الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي مؤلّف(وسائل الشيعة)،و هو من عيون كتب الإماميّة في الحديث، و التي يرجع إليها الفقهاء،و قد نظم الشيخ عبد الغني ديوانا في الإمام المنتظر عليه السّلام، و قد طبع بالمطبعة الحيدريّة سنة 1339 ه،و ممّا جاء في إحدي قصائده:

يا إمام الهدي و خير مليك جعل اللّه جنده الأملاكا

لم تزل راعيا بعيني رؤوف لنفوس طول النّوي ترعاكا

قد مددنا إليك كفّ رجاء خاب من مدّ كفّه لسواكا

إنّما نعمة اللّه فينا و نعيم الجنان من نعماكا

و قال في قصيدة أخري من ديوانه:

متي مليك الوري في نور طلعته يجلو دياجي الرّزايا عن رعيّته

متي ينادي المنادي باسمه علنا هذا إمام الهدي بشري لشيعته

متي يقوم بأمر اللّه قائمنا فيصلح الدّين و الدّنيا بنهضته

متي يقوم لنصر الدّين ناصره و ينشر الرّاية العظمي لنجدته

فمن سواه لدين اللّه منتصر و مستجيب إذا يدعو لدعوته

فها هو الدّين أمسي باسمه لهجا و مستغيثا بحاميه و حجّته

مقوّم كلّ معوجّ يسام به بماضيين شبا الماضي و عزمته

لم يأت من منذر أو مرسل زمنا إلاّ و بشّره الباري بدولته

ص: 276

لا نكر حين أمنّي النّفس نصرته فالرّسل كانت تمنّي نيل نصرته

و غير بدع إذا ما همت فيه هوي فإنّما الخلق تنجو في محبّته

و هو الّذي يملأ الدّنيا كما ملئت بظلم كلّ ظلوم في عدالته

و هو الأمان لأهل الأرض قاطبة أزمّة الدّين و الدّنيا بقبضته

و هو المعزّ لمن والاه منتظرا مذلّ جمع العدي في عزّ دولته

و هو الّذي الملأ الأدني يفوز به و يسعد الملأ الأعلي بخدمته

و هو المثير عجاج الحرب حيث بدا فيأخذ الثّأر موتورا بثورته

مدمّر الكفر ماحي الشّرك صارمه و ساحق كلّ طاغوت بسطوته

تمحو الضّلال و تحيي الرّشد إمرته طوبي لكلّ امرئ يبقي لإمرته

و هو الإمام الّذي تحكي حكومته حكومة المصطفي المحيي بحكمته

شمائل المصطفي تحكي شمائله كما بطلعته يبدو كطلعته

نطقا و خلقا و أخلاقا يوافقه و أسما كما أنّه يكني بكنيته

يقوم أمرا كما قام النّبيّ به و أنّه سائر فيه بسيرته

يدعو الأنام إلي إحياء سنّته مقوّما كلّ معوجّ بدعوته

مشيّدا دينه في حدّ صارمه و موضحا نهجه محيي لسنّته

يعيد شخص الهدي غضّا شباه إذا يلغي ضلال العدي ميل لجدّته

إمام حقّ يحقّ الحقّ مرهفه و يمحق الباطل السّاجي بغيبته

و القصيدة علي هذا الغرار في جودتها و حسن سبكها،و قد تضمّنت في كثير من أبياتها للأحاديث النبويّة التي أثرت في الإمام المنتظر عليه السّلام،و الديوان كلّه في الإمام عليه السّلام،و فيه من غرر الشعر العربي،و قد دلّ علي براعة الشاعر،و تفوّقه

ص: 277

في إبداعه و نظمه.

25-إبراهيم حسن قفطان

و من الشعراء الذين نظموا في الإمام المنتظر عليه السّلام الشيخ إبراهيم حسن قفطان (المتوفّي سنة 1199 ه).قال رحمه اللّه:

متي أمتطي نهد الجزارة فارها بدولة سلطان الوري مدرك الثّار

إمام يرانا و هو عنّا محجّب إلي طلعة منه ببارقه الشاري

تعود به الدّنيا شبابا نعيمها لها زهو أزهار و يانع أثمار

و يملأها بالعدل من بعد جورها و يكلأها من موبقات و أخطار

و تخصب أقطار البلاد بنائل لها من نداه لا بوابل أمطار

و يحني علينا دولة الدّين غضّة تضيء بأنوار و تزهو بأنوار

و من أبيات هذه القصيدة قوله:

لقد عقد اللّه اللّوا و الولا له فقام مطاعا بين نهي و إنذار

يبشّر جبريل به كلّ عالم و يدعو إلي آثاره خير آثار

هلمّوا إلي الدّاعي إلي اللّه و احذروا مقامي وعوا يا أيّها النّاس إنذاري

يحيط بعلم الكائنات و علّة لها و عليها شاهد يوم إقرار

26-السيّد رضا الهندي

نظم الأديب البارع و الفاني في حبّ آل البيت عليهم السّلام هذه اللوحة في الإمام المنتظر عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف.

ص: 278

يا صاحب العصر أدركنا فليس لنا ورد هنيء و لا عيش لنا رغد

طالت علينا ليالي الانتظار فهل يابن الزّكيّ لليل الانتظار غد

فاكحل بطلعتك الغرّ لنا مقلا يكاد يأتي علي إنسانها الرّمد

ها نحن مرمي لنبل النّائبات و هل يغني اصطبار و هي من درعه الزّرد

كم ذا يؤلّف شمل الظّالمين لكم و شملكم بيدي أعدائكم بدد

فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت بها النّوائب لمّا خانها الجلد

هب أنّ جندك معدود فجدّك قد لاقي بسبعين جيشا ما له عدد

27-الشيخ محمّد السماوي

نظم الشيخ محمّد السماوي كوكبة من القصائد في الإمام المنتظر عليه السّلام كان منها هذه الأبيات من إحدي قصائده،قال:

يهني النّبوّة و الإمامة قائم بالحقّ مرفوع المنار مكين

و يبلّغ الآمال بدر طالع للنّاظرين و مطلع ميمون

ملك عليه من المهابة حاجب لكنّه بسماحة مقرون

فالخيل تسبح و الفوارس تدّري فيما قضي التّعويل و التّمرين

و السّمر تشرع و المواضي تنتضي شوقا لما يأتي لها و يكون

فمن السّوابح الفوارس و القنا و البيض كم ماجت هناك متون

قد أعربت فيه السّواجع بالهنا لكنّما إعرابها تلحين

ما لاح حتّي تعفّر جبهة منه و يسجد للإله جبين

يتلوننّ علي الّذين استضعفوا وعد لعمرك بالوفا مضمون

ص: 279

يا مدرك الأوتار كم طالت لها عنق و كم مدّت إليك عيون

لا وعدك الجاري لنا متخلّف كلاّ من الوفا ممنون

لكنّما الأرجاء لم يطمح به طرف و لم يشمخ به عرنين

سرعان ما قد غبت عن مقل الوري فلها إليك تلفّت و حنين

أتري تقرّ العين و هي كئيبة و يسرّ فيك القلب و هو حزين

و يعود روض العدل و هو منوّر و يجود ماء الفضل و هو معين

فأراك أقدر ما أري ترنو إلي لوح القضا و تقول كن فيكون

و تقيم عدل الأرض حتّي لا يري متظلّم فيها و لا مسكين

فأقوم أنشد في ثناك مدائحي و أقول أنت البحر و هي النّون (1)

و دلّت هذه اللوحة علي براعة السماوي و تفوّقه في ميدان الأدب كما دلّت علي إيمانه العميق بالإمام المنتظر عليه السّلام،و أنّه يترقّب ظهوره لينشر العدل و يقيم الحقّ و يدمّر الظلم و الجور.

و بهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض الشعراء الذين آمنوا بالإمام المنتظر و ترقّبوا ظهوره،كما ينتهي بنا الحديث عن المؤمنين بظهوره عليه السّلام ليقيم الحقّ و العدل، و يحيي الإسلام،و يميت الكفر و الظلم و الاستبداد.2.

ص: 280


1- منن الرحمن:233/2.

المنكرون للإمام عليه السّلام

اشارة

و أنكر جماعة من المؤرّخين الإمام المنتظر عليه السّلام،و نعوا علي الشيعة إيمانهم به، كان من بينهم من يلي:

1-ابن خلدون

عقد ابن خلدون فصلا في مقدّمته أنكر فيه علي أئمّة الحديث رواياتهم عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في الإمام المهدي عليه السّلام،و إيمانهم بها،و زعم أنّ تلك الروايات لا أصل لها،و قد تصدّي للردّ عليه المحقّق و العالم المعروف الأستاذ أحمد محمّد شاكر، قال:«و أمّا ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم،و اقتحم قحما لم يكن من رجاله، و عليه ما شغله من السياسة،و أمور الدولة،و خدمة من كان يخدم من الملوك و الأمراء،فأوهم أنّ شأن المهدي عقيدة شيعيّة أو أوهمته نفسه ذلك،فعقد في مقدّمته المشهورة فصلا طويلا جعل عنوانه فصل في أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس من أمره» (1).

و يأخذ الأستاذ أحمد محمّد شاكر في تفنيد ابن خلدون،و أنّ إنكاره للإمام عليه السّلام إنكار لضرورة من ضروريّات الدين،فقد تواترت الأخبار عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في شأن المهدي عليه السّلام،و أنّه لا مجال بأيّة حال للريب و الطعن فيها.

2-محمّد أمين البغدادي

و أنكر محمّد أمين البغدادي الشهير ب(السويدي)وجود الإمام المنتظر عليه السّلام، و ذهب إلي أنّه سيولد،قال:«و زعمت الشيعة أنّه غاب في السرداب ب(سرّ من رأي)و الحرس عليه سنة 262 ه،و أنّه صاحب السيف القائم قبل قيام الساعة،

ص: 281


1- حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل:44/6،الحديث 3571.

و له قبل قيامه غيبتان:أحدهما أطول من الأخري» (1).

قلت:و ممّا يبطل كون المهدي محمّد هذا هو المنتظر قبل الساعة اصولهم التي أسّسوها للإمامة،و هي ما ذكروه في كتبهم من أنّ نصب الإمام واجب علي اللّه تعالي،و أنّه لا يجوز علي اللّه أن يخلي الزمان من الإمام،و عندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الاثني عشر الذين ذكرناهم،و هم الذين يوجبون العصمة لهم،فيقتضي أنّ اللّه قد ترك ما هو واجب عليه من عدم نصب المهدي إماما بعد موت أبيه،بل أخّر ذلك إلي آخر الزمان.

3-أحمد كسروي

أمّا أحمد كسروي فهو مجوسي،و قد تحامل علي الشيعة،و كذّب و افتري عليهم،قال فيما يخصّ الإمام المهدي عليه السّلام:«ثمّ لمّا مات الحسن العسكري و ذلك في عام 260 ه كانت هناك الداهية الدهياء،فإنّ الحسن لم يكن له عقب فتحيّر الروافض و تفرّقوا فرقا،فذهبت طائفة إلي أنّ الإمامة قد انقطعت و تمّت،و اتّبعت فئة منهم جعفر بن عليّ أخا الحسن.

و قام عثمان بن سعيد من أمناء الحسن،و أتي بدعوي من أعجب الدعاوي، فادّعي أنّ الحسن له ولد في الخامس من سنيّه مختف في السرداب لا يظهر لأحد و هو الإمام بعد أبيه» (2).

و أحمد كسروي معروف في اتّجاهاته و عمالته للإنكليز،و ليس أوهن قولا من قوله:إنّ عثمان بن سعيد أحد نوّاب الإمام هو الذي ادّعي أنّ الحسن العسكري له ولد،و هو الإمام المنتظر،و أنّه لا يظهر لأحد،فإليه تستند دعوي المهدويّة،

ص: 282


1- سبائك الذهب:78.
2- التشيّع و الشيعة:31.

و هذا افتراء محض،فقد ذكرنا في البحوث السابقة سيلا من الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و عن أئمّة الهدي عليهم السّلام،و هي تحمل البشري للعالم الإسلامي بظهور المهدي عليه السّلام،و أنّه يقيم ما اعوجّ من الدين،و يعيد للإسلام نضارته و أيّامه.

4-أحمد أمين

أمّا أحمد أمين فهو كأحمد كسروي المجوسي في عدائه لأئمّة الهدي الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و قد عرف بحقده البالغ علي الشيعة، و انتقاصه لهم من دون أن يستند إلي مصدر من مصادرهم-كما اعترف به-و إنّما يستند إلي ما اترعت نفسه من البغض و الكراهية لأعظم طائفة في الإسلام و غيره قد تبنّت الحقّ،و رفعت شعار العدل،و تمرّدت علي الظلم و الطغيان.

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي:«للشيعة أكبر الفضل في إغناء المضمون الروحي للإسلام،و إشاعة الحياة الخصبة القويّة العنيفة التي وهبت هذا الدين البقاء قويّا عنيدا،قادرا علي إشباع النوازع الروحيّة للنفوس حتّي أشدّها تمرّدا و قلقا، و لولاها لتحجّر في قوالب جامدة» (1).

و علي أيّة حال،فقد ألّف أحمد أمين رسالة أنكر فيها الإمام المهدي،و عاب علي الشيعة إيمانهم به،و لم يعر أي اهتمام لما روته الصحاح الستّة من الأحاديث النبويّة المتواترة في الإمام المهدي عليه السّلام،و قد تصدّي للردّ عليه سماحة الأستاذ حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ محمّد أمين زين الدين،كما ردّه سماحة الحجّة المغفور له الشيخ محمّد علي الزهيري،و قد صدّر الكتاب سماحة الإمام الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء،و قال:«إنّ قضيّة الغائب المنتظر أرواحنا فداه عقيدة راسخة،و قاعدة شامخة مبنيّة علي أصول مثبتة،و قواعد رصينة،لا يمكن التنصّل

ص: 283


1- دراسات إسلاميّة/عبد الرحمن بدوي

عنها،و الخروج منها،و أصبحت أمرا مفروغا عنه» (1).

5-شكري أفندي

و من المنكرين للإمام عليه السّلام شكري أفندي البغدادي،فقد نظم قصيدة أعرب فيها عن شكوكه و إنكاره للإمام عليه السّلام،كان منها:

أيا علماء العصر يا من لهم خبر بكلّ دقيق حار من دونه الفكر

لقد حار منّي الفكر في الغائب الّذي تحيّر فيه النّاس و التبس الأمر

فمن قائل في القشر لبّ وجوده و من قائل قد ذبّ عن لبّه القشر

و قد تصدّي علماء النجف الأشرف للردّ عليها،فقد ألّف الحاج المحقّق ميرزا حسين النوري الطبرسي كتابا للردّ عليه أسماه(كشف الأستار عن الحجّة الغائب عن الأبصار)،ذكر فيه النصّ علي ولادته و وجوده مستندا في ذلك إلي أربعين عالما من أكابر علماء السنّة،كما نظم قصيدة عصماء الإمام الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء نضّر اللّه مثواه في الردّ عليه،مطلعها:

بنفسي بعيد الدّار قرّبه الفكر و أدناه من عشّاقه الشّوق و الذّكر

و قد طبعت القصيدة مستقلّة،كما طبعت في إلزام الناصب.

ص: 284


1- ضحي الإسلام:241/3.

علامات ظهوره عليه السلام

اشارة

و ألقت الأخبار الأضواء و المؤشّرات علي علامات ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام، و حدّدت الزمان و المكان اللذين يظهر فيهما.أمّا الأخبار التي تحدّثت عن علامات ظهوره،فبعضها حتميّ لا بدّ أن يتحقّق علي مسرح الحياة،و بعضها غير حتميّ، و نعرض إلي الجهة الأولي.

العلامات الحتميّة

اشارة

و أجمعت الأخبار علي ضرورة تحقّق بعض العلامات قبل ظهور الإمام عليه السّلام، و هذه بعضها:

انتشار الظلم

من العلامات البارزة لخروج الإمام المهدي عليه السّلام انتشار الظلم،و شيوع الجور، و انعدام الأمن و الاستقرار،حتّي تصبح الحياة قاتمة مليئة بالأحداث و الخطوب، و يعيش الإنسان علي أعصابه من كثرة ما يعانيه من الخوف و الإرهاب،و قد خيّمت علي المجتمع الإنساني الحياة الجاهليّة بآثامها و شرورها،و تسابق الناس إلي المنكر حتّي عاد بينهم معروفا.

أمّا الإسلام فإنّه يعود غريبا كما بدأ،قد جمدت طاقاته،و أجهزت عليه الدول الكبري الظالمة التي ترغم الناس علي ما يكرهون،و التي تستغلّ ثروات المسلمين،

ص: 285

و تنهب إمكانيّاتهم الاقتصاديّة،و تجعلهم تحت مناطق نفوذها.

و علي أيّة حال،فالذي يدعم ما ذكرناه كوكبة من الأخبار،كان من بينها ما يلي:

1-روي أبو سعيد الخدري:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:ستكون بعدي فتن،منها فتن الأحلاس (1)يكون فيها هرب و حرب،ثمّ من بعدها فتن كلّما قيل انقطعت تمادت حتّي لا يبقي بيت من العرب إلاّ دخلته،و لا مسلم إلاّ وصلته،حتّي يخرج رجل من عترتي» (2).

و معني هذا الحديث أنّه ستدهم بلاد المسلمين و غيرهم فتن رهيبة،و أحداث دامية،حتّي لا يبقي بيت من بيوت العرب إلاّ دخلته،و لا بيت من بيوت المسلمين إلاّ شملته تلك الفتن و الكوارث.

2-روي أبو سعيد الخدري:«أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال:لا يزال بكم الأمر-أي الشدّة و الضيق-حتّي يولد في الفتنة و الجور من لا يعرف عندها حتّي تملأ الأرض جورا، فلا يقدر أحد يقول:اللّه،ثمّ يبعث اللّه عزّ و جلّ رجلا منّي و من عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا،و تخرج له الأرض أفلاذ كبدها،و يحثو المال حثوا،و لا يعدّ عدّا حتّي يضرب الإسلام بجرانه» (3).

و معني هذا الحديث أنّ الأرض ستملأ بالظلم و الجور حتّي يبلغ الحال أنّ الإنسان لا يستطيع أن يتفوّه بكلمة اللّه تعالي،فقد سيطرت القوي الإلحاديّة علي جميع أنحاء الأرض،و حالت بين الخالق العظيم و بين الناس،فعند ذلك يبعث اللّه وليّه3.

ص: 286


1- الأحلاس:جمع حلس،و هو الثوب الذي يلي ظهر البعير،شبّهها به للزومها و دوامها- نهاية ابن الأثير:456/1.
2- عقد الدرر:80.
3- أمالي الطوسي:513.

العظيم لينقذ الناس ممّا هم فيه من البلاء و الضيق،و يعيد للإسلام نضارته و رحمته للناس.

3-و روي أيضا:«أنّ نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:ينزل بامّتي في آخر الزّمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشدّ منه،حتّي تضيق عليهم الأرض الرّحبة،و حتّي تملأ الأرض جورا و ظلما،و لا يجد المؤمن محلاّ يلتجئ إليه من الظّلم،فيبعث اللّه عزّ و جلّ رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،يرضي عنه ساكن السّماء و ساكن الأرض،لا تدّخر الأرض من بذرها شيئا إلاّ أخرجته، و لا السّماء من قطرها شيئا إلاّ صبّه اللّه عليهم مدرارا،يعيش فيهم سبع سنين،أو ثمان،أو تسع،تتمنّي الأحياء الأموات ممّا صنع اللّه عزّ و جلّ بأهل الأرض من خيره» (1).

و حكي هذا الحديث ما يمني به المسلمون من الخطوب و الكوارث من جرّاء ملوكهم الذين يحكمون فيهم بالظلم حتّي تمتلأ الأرض بالجور،ثمّ يبعث اللّه تعالي مهديّ آل محمّد عليه السّلام رحمة للعباد،فيملأ الأرض رحمة و خيرا،و يقضي علي جميع أفانين الظلم و الجور.

4-قال صلّي اللّه عليه و اله:«سيكون بعدي خلفاء،و من بعد الخلفاء أمراء،و من بعد الأمراء ملوك،و من بعد الملوك جبابرة،ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» (2).

ألقي هذا الحديث الأضواء علي حكّام المسلمين،و قسّمهم إلي أقسام،فبعضهم خلفاء،و بعضهم ملوك،و بعضهم جبابرة،يملأون البلاد ظلما و جورا،ثمّ يبعث اللّه7.

ص: 287


1- عقد الدرر:73.
2- كنز العمّال:265/14،الحديث 38667.

المنقذ العظيم،مهديّ آل محمّد عليه السّلام،فيحطّم أولئك الجبابرة و يقيم حكم اللّه في الأرض.

5-روي عوف بن مالك:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:كيف أنتم-يا عوف- إذا افترقت الأمّة علي ثلاث و سبعين فرقة،واحدة منها في الجنّة و سائرهنّ في النّار؟

و سارع عوف قائلا:كيف ذلك؟

فأجابه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله موضّحا له ما يجري علي المسلمين قائلا:إذا كثرت الشّرط،و ملكت الإماء،و قعدت الجهلة علي المنابر،و اتّخذ الفيء دولا،و الزّكاة مغرما،و الأمانة مغنما،و تفقّه في دين اللّه لغير اللّه،و أطاع الرّجل امرأته،و عقّ أمّه، و أقصي أباه،و لعن آخر هذه الأمّة أوّلها،و ساد القبيلة فاسقهم،و كان زعيم القوم أرذلهم،و أكرم الرّجل اتّقاء شرّه،فيومئذ يكون ذلك فيه يفزع النّاس إلي الشّام و إلي مدينة يقال لها دمشق من خير مدن الشّام،فتحصّنهم من عدوّهم.

فقيل له:يا رسول اللّه،و هل تفتح الشام؟

قال صلّي اللّه عليه و اله:وشيكا،ثمّ تقع الفتنة بعد فتحها،ثمّ تجيء فتنة غبراء مظلمة،ثمّ تتبع الفتن بعضها بعضا،حتّي يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي» (1).

و تحدّثت هذه الرواية عمّا يصاب به العالم الإسلامي من التحلّل و الفساد و انحراف المسلمين عن المبادئ القيّمة و المثل العليا التي جاء بها الإسلام،و تسود من جرّاء ذلك الفتن و الكوارث حتّي ينقذ اللّه المسلمين بوليّه الإمام المنتظر فيحيي الدين،و يقيم معالم الإسلام.2.

ص: 288


1- كنز العمّال:183/11 و 184.،و قريب منه في العرف الوردي:67/2.

6-قال صلّي اللّه عليه و اله:«منّا مهديّ هذه الأمّة إذا صارت الدّنيا هرجا و مرجا (1)،و تظاهرت الفتن،و تقطّعت السّبل،و أغار بعضهم علي بعض،فلا كبير يرحم صغيرا،و لا صغير يوقّر كبيرا،فيبعث اللّه عند ذلك مهديّنا،التّاسع من صلب الحسين عليه السّلام،يفتح حصون الضّلالة و قلوبا غلفا،يقوم في الدّين في آخر الزّمان كما قمت به في أوّل الزّمان،يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» (2).

و أعرب هذا الحديث عمّا تمني به الحياة العامّة من ضروب قاسية من الفتن و القلق و الاضطراب،و فقدان المقاييس،حتّي يبعث اللّه المنقذ العظيم،فيغيّر الحياة،و يبني طرقا لسعادة الناس و أمنهم و رخائهم.

7-روي عن الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام أنّه قال:«لا يظهر المهديّ إلاّ علي خوف شديد من النّاس،و زلزال و فتنة و بلاء يصيب النّاس،و طاعون قبل ذلك، و سيف قاطع بين العرب،و اختلاف شديد في النّاس،و تشتّت في دينهم،و تغيّر في حالهم،حتّي يتمنّي المتمنّي الموت صباحا و مساء من عظم ما يري من كلب النّاس، و أكل بعضهم بعضا،فخروجه عليه السّلام إذا خرج يكون عند اليأس و القنوط من أن يري فرجا،فيا طوبي لمن أدركه و كان من أنصاره،و الويل كلّ الويل لمن خالفه و خالف أمره» (3).

و ألقت هذه الرواية الأضواء علي وقت خروج الإمام عليه السّلام،و أنّه لا يظهر حتّي تمتلئ الدنيا بالظلم و الجور،و يشيع الخوف و الإرهاب بين الناس حتّي يتمنّي الرجل مفارقة الحياة ليسلم ممّا يعانيه من الآلام النفسيّة،و أنّ ظهور الإمام عليه السّلام من الأمور7.

ص: 289


1- الهرج:الفتن و القتل.المرج:اضطراب الأمور و فسادها.
2- بحار الأنوار:266/52.
3- عقد الدرر:97.

الحتميّة،إلاّ أنّه يكون في وقت يأس الناس و قنوطهم من تغيير الأوضاع الاجتماعيّة، أو إزاحة ما هم فيه من الظلم و الجور.

8-و تحدّث الإمام أبو جعفر عليه السّلام في مجتمع من شيعته عن الإمام المنتظر عليه السّلام، فقال:«و القائم منّا منصور بالرّعب-أي رعب أعدائه-مؤيّد بالظّفر،تطوي له الأرض،و تظهر له الكنوز،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب،و يظهر اللّه دينه علي الدّين كلّه و لو كره المشركون،فلا يبقي في الأرض خراب إلاّ عمّره،و لا تدع الأرض شيئا من نباتها إلاّ أخرجته،و يتنعّم النّاس في زمانه نعمة لم يتنعّموا مثلها قطّ.

فانبري إليه شخص فقال له:متي يخرج قائمكم؟

فأجابه الإمام عن علامات ظهوره فقال:إذا تشبّه الرّجال بالنّساء،و النّساء بالرّجال،و ركبت ذوات الفروج السّروج،و أمات النّاس الصّلوات،و اتّبعوا الشّهوات،و أكلوا الرّبا،و استخفّوا بالدّماء،و تعاملوا بالرّبا،و تظاهروا بالزّنا،و شيّدوا البناء،و استحلّوا الكذب،و أخذوا الرّشا،و اتّبعوا الهوي،و باعوا الدّين بالدّنيا، و قطعوا الأرحام،و منّوا بالطّعام (1)،و كان الحلم ضعفا،و الظّلم فخرا،و الأمراء فجرة،و الوزراء كذبة،و الأمناء خونة،و الأعوان ظلمة،و القرّاء فسقة،و ظهر الجور، و كثر الطّلاق،و بدا الفجور،و قبلت شهادة الزّور،و شربت الخمور،و ركب الذّكور الذّكور،و استغنت النّساء بالنساء،و اتّخذوا الفيء مغنما،و الصّدقة مغرما،و اتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم،و خرج السّفيانيّ من الشّام،و اليمانيّ من اليمن،و قتل غلام من آل محمّد بين الرّكن و المقام،و صاح صائح من السّماء بأنّ الحقّ معه و مع أتباعه، فعند ذلك خروج قائمنا،فإذا خرج أسند ظهره إلي الكعبة،و اجتمع إليه ثلاثمائة».

ص: 290


1- في نسخة:«و ظنّوا بالطعام».

و ثلاثة عشر رجلا من أتباعه،فأوّل ما ينطق به هذه الآية: بَقِيَّتُ اللّٰهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1).

ثمّ يقول:أنا بقيّة اللّه و خليفته و حجّته عليكم،فلا يسلّم مسلّم عليه إلاّ قال:السّلام عليك يا بقيّة اللّه في الأرض،فإذا اجتمع عنده العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقي يهوديّ و لا نصرانيّ،و لا أحد ممّن يعبد غير اللّه إلاّ آمن به و صدّقه،و تكون الملّة واحدة ملّة الإسلام،و كلّما كان في الأرض من معبود سوي اللّه فتنزل عليه نار من السّماء فتحرقه» (2).

و ألقت هذه الرواية الأضواء علي كثير من علامات ظهور الإمام عليه السّلام،و التي ترجع إلي انهيار المجتمع و إصابته بكثير من عوامل التحلّل و الفساد.

أشراط الساعة

اشارة

و تحدّثت بعض الروايات عمّا يجري في آخر الزمان من الفتن و الأزمات،و أكبر الظنّ أنّها من علامات ظهور الإمام عليه السّلام،و نذكر منها حديثين:

الحديث الأوّل:روي عطاء بن أبي رباح،عن حبر الأمّة عبد اللّه بن عبّاس،قال:

«حججنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله حجّة الوداع،فأخذ باب الكعبة،ثمّ أقبل علي الناس بوجهه و خاطبهم قائلا:

ألا أخبركم بأشراط السّاعة؟

فانبري إليه سلمان الفارسي،و كان من أدني الناس إليه،فقال:بلي يا رسول اللّه.

فأخذ النبيّ يدلي عليهم بما سيجري و يكون قائلا:إنّ من أشراط القيامة إضاعة

ص: 291


1- هود 11:86.
2- الفصول المهمّة/ابن الصباغ المالكي:292 و 293.

الصّلاة،و اتّباع الشّهوات،و الميل مع الأهواء،و تعظيم المال،و بيع الدّين بالدّنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن و جوفه،كما يذوب الملح في إناء ممّا يري من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره.

و بهر سلمان فقال:أهذا لكائن يا رسول اللّه؟!

فقال صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،إنّ عندها يليهم أمراء جورة،و وزراء فسقة،و عرفاء ظلمة،و أمناء خونة.

و سارع سلمان قائلا:إنّ هذا لكائن يا رسول اللّه؟!

فقال صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،إنّ عندها يكون المنكر معروفا، و المعروف منكرا،و يؤتمن الخائن،و يخوّن الأمين،و يصدّق الكاذب،و يكذّب الصّادق.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن يا رسول اللّه؟!

فأجابه صلّي اللّه عليه و اله:إيّ و الّذي نفسي بيده يا سلمان،فعندها إمارة النّساء،و مشاورة الإماء،و قعود الصّبيان علي المنابر،و يكون الكذب ظرفا،و الزّكاة مغرما،و الفيء مغنما،و يجفو الرّجل والديه،و يبرّ صديقه،و يطلع الكوكب المذنّب.

و انبري سلمان قائلا:إنّ هذا لكائن يا رسول اللّه؟!

فقال صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها تشارك المرأة زوجها في التّجارة،و يكون المطر قيظا،و يغيظ الكرام غيظا،و يحتقر الرّجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق،إذ قال هذا لم أبع شيئا،و قال هذا لم أربح شيئا،فلا تري إلاّ ذامّا للّه.

و سارع سلمان قائلا:إنّ هذا لكائن يا رسول اللّه؟!

ص: 292

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إنّ هذا لكائن،و الّذي نفسي بيده يا سلمان،فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم،و إن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم،و ليطؤون حرمتهم، و ليسفكنّ دماءهم،و ليملؤنّ قلوبهم رعبا،فلا تراهم إلاّ وجلين خائفين،مرعوبين مرهوبين.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،إنّ عندها يؤتي شيء من المشرق و شيء من المغرب يلون أمّتي،فالويل لضعفاء أمّتي منهم،و الويل لهم من اللّه،لا يرحمون صغيرا،و لا يوقّرون كبيرا،و لا يتجاوزون عن مسيء،أخبارهم خفاء،جثثهم جثت الادميّين،و قلوبهم قلوب الشّياطين.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن يا رسول اللّه؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها يكتفي الرّجال بالرّجال، و النّساء بالنّساء،و يغار علي الغلمان كما يغار علي الجارية في بيت أهلها،و تشبّه الرّجال بالنّساء،و النّساء بالرّجال،و يركبن ذوات الفروج السّروج،فعليهنّ من أمّتي لعنة اللّه.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن يا رسول اللّه؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،إنّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع و الكنائس،و تحلّي المصاحف،و تطوّل المنارات،و تكثر الصّفوف بقلوب متباغضة،و ألسن مختلفة.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها تحلّي ذكور أمّتي

ص: 293

بالذّهب،و يلبسون الحرير و الدّيباج،و يتّخذون جلود النّمور صفاقا.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها يظهر الرّبا،و يتعاملون بالغيبة و الرّشا،و يوضع الدّين و ترفع الدّنيا.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها يكثر الطّلاق،فلا يقام للّه حدّ،و لن يضرّ اللّه شيئا.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها تظهر القينات و المعازف،و يليهم أشرار أمّتي.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها يحجّ أغنياء أمّتي للنّزهة، و يحجّ أوساطها للتّجارة،و يحجّ فقراؤهم للرّياء و السّمعة،فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللّه و يتّخذونه مزامير،و يكون أقوام يتفقّهون لغير اللّه،و يكثر أولاد الزّنا،و يتغنّون بالقرآن،و يتهافتون بالدّنيا.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،ذاك إذا انتهكت المحارم، و اكتسبت المآثم،و سلّط الأشرار علي الأخيار،و يفشو الكذب،و تظهر اللّجاجة، و تفشو الفاقة،و يتباهون في اللّباس،و يمطرون في غير أوان المطر،و يستحسنون الكوبة و المعازف،و ينكرون الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،حتّي يكون المؤمن

ص: 294

في ذلك الزّمان أذلّ من الأمّة،و يظهر قرّاؤهم و عبّادهم فيما بينهم التّلاوم،فاولئك يدعون في ملك السّماوات:الأرجاس و الأنجاس.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها لا يخشي الغنيّ إلاّ الفقير،حتّي أنّ السّائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في يده شيئا.

قال سلمان:إنّ هذا لكائن؟!

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان،و عندها يتكلّم الروبيضة.

فقال سلمان:ما الروبيضة يا رسول اللّه،فداك أبي و أمّي؟

قال صلّي اللّه عليه و اله:يتكلّم في أمر العامّة من لم يكن يتكلّم،فلم يلبثوا إلاّ قليلا حتّي تخور الأرض خورة فلا يظنّ كلّ قوم إلاّ أنّها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء اللّه،ثمّ ينكثون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها.

قال:ذهبا و فضّة،ثمّ أومأ بيده إلي الأساطين،فقال:مثل هذا،فيومئذ لا ينفع ذهب و لا فضّة،فهذا معني قوله: فَقَدْ جٰاءَ أَشْرٰاطُهٰا (1)» (2).

و هذا الحديث علي تقدير صحّته و سلامة سنده قد كشف عمّا يحدث في آخر الزمان من ابتعاد المسلمين عن دينهم،و إصابتهم بكثير من التحلّل و الانحراف و فساد الأخلاق،و عندها تتحقّق أشراط الساعة،و أكبر الظنّ أنّها كناية عن خروج الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام.

الحديث الثاني:رواه حمران،قال:«جري حديث الشيعة عند الإمام6.

ص: 295


1- محمّد صلّي اللّه عليه و اله 47:18.
2- الميزان في تفسير القرآن:394-396.

الصادق عليه السّلام،فقال:«إنّي سرت مع أبي جعفر المنصور و هو في موكبه،و هو علي فرس،و بين يديه خيل،و أنا علي حمار إلي جانبه،فقال لي:يا أبا عبد اللّه،قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا اللّه من القوّة،و فتح لنا من العزّ،و لا تخبر النّاس أنّك أحقّ بهذا الأمر منّا و أهل بيتك،فتغرينا بك و بهم.

فقال له الإمام:من رفع هذا إليك عنّي فقد كذب.

فقال لي:أتحلف علي ما تقول؟

فقلت:إنّ النّاس سحرة-يعني يحبّون أن يفسدوا قلبك عليّ-فلا تمكّنهم من سمعك،فإنّا إليك أحوج منك إلينا.

فقال لي:أتذكر يوم سألتك هل لنا ملك؟فقلت:نعم،طويل عريض شديد، فلا تزالون في مهلة من أمركم،و فسحة من دنياكم،حتّي تصيبوا منّا دما حراما في شهر حرام،في بلد حرام،فعرفت أنّه قد حفظ الحديث.

فقلت:لعلّ اللّه عزّ و جلّ أن يكفيك،فإنّي لم أخصّك بهذا،و إنّما هو حديث رويته،ثمّ لعلّ غيرك من أهل بيتثك يتولّي ذلك،فسكت عنّي.

فلمّا رجعت إلي منزلي أتاني بعض موالينا،فقال:جعلت فداك،و اللّه لقد رأيتك في موكب أبي جعفر و أنت علي حمار و هو علي فرس،و قد أشرف عليك يكلّمك كأنّك تحته،فقلت بيني و بين نفسي:هذا حجّة اللّه علي الخلق و صاحب هذا الأمر الّذي يقتدي به،و هذا الآخر-يعني المنصور-يعمل بالجور،و يقتل أولاد الأنبياء، و يسفك الدّماء في الأرض بما لا يحبّ اللّه و هو في موكبه و أنت علي حمار،فداخلني في ذلك شكّ حتّي خفت علي ديني و نفسي.

قال عليه السّلام:فقلت:لو رأيت من كان حولي و بين يديّ،و من خلفي،و عن يميني،

ص: 296

و عن شمالي من الملائكة لاحتقرته و احتقرت ما هو فيه.

فقال:الآن سكن قلبي.

ثمّ قال:إلي متي هؤلاء يملكون أو متي الراحة منهم؟

فقال الإمام:أليس تعلم أنّ لكلّ شيء مدّة؟

قال:بلي.

فقال عليه السّلام:هل ينفعك علمك أنّ هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة عين؟إنّك لو تعلم حالهم عند اللّه عزّ و جلّ و كيف هي؟كنت لهم أشدّ بغضا،و لو جهدت و جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشدّ ما هم فيه من الإثم لم يقدروا فلا يستفزّنّك الشّيطان،فإنّ العزّة للّه و لرسوله و للمؤمنين،و لكنّ المنافقين لا يعلمون.

ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا،و صبر علي ما يري من الأذي و الخوف هو غدا في زمرتنا؟فإذا رأيت الحقّ قد مات و ذهب أهله،و رأيت الجور قد شمل البلاد،و رأيت القرآن قد خلق،و أحدث ما ليس فيه،و وجّه علي الأهواء،و رأيت الدّين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء،و رأيت أهل الباطل قد استعلوا علي أهل الحقّ،و رأيت الشّرّ ظاهرا لا ينهي عنه و يعذر أصحابه،و رأيت الفسق قد ظهر،و اكتفي الرّجال بالرّجال، و النّساء بالنّساء،و رأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله،و رأيت الفاسق لا يكذّب، و لا يردّ عليه كذبه و فريته،و رأيت الصّغير يستحقر الكبير،و رأيت الأرحام قد تقطّعت،و رأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه،و لا يردّ عليه قوله،و رأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة،و رأيت النّساء يتزوّجن بالنّساء،و رأيت الثّناء قد كثر،و رأيت الرّجل ينفق المال في غير طاعة اللّه،فلا ينهي،و لا يؤخذ علي يديه،و رأيت النّاظر يتعوّذ باللّه ممّا يري فيه المؤمن من الإجتهاد،و رأيت الجار يؤذي جاره و ليس له مانع،

ص: 297

و رأيت الكافر فرحا لما يري في المؤمن،مرحا لما يري في الأرض من الفساد، و رأيت الخمور تشرب علانية،و يجتمع عليها من لا يخاف اللّه عزّ و جلّ،و رأيت الامر بالمعروف ذليلا،و رأيت الفاسق فيما لا يحبّ اللّه قويّا محمودا،و رأيت أصحاب الكيان يحقّرون،و يحتقر من يحبّهم،و رأيت سبيل الخير منقطعا،و سبيل الشّرّ مسلوكا،و رأيت بيت اللّه قد عطّل،و يؤمر بتركه،و رأيت الرّجل يقول ما لا يفعله، و رأيت الرّجال يتمنّون للرّجال و النّساء للنّساء،و رأيت الرّجل معيشته من دبره، و معيشة المرأة من فرجها،و رأيت النّساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرّجال، و رأيت التّأنيث في ولد العبّاس قد ظهر،و أظهروا الخضاب،و امتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها،و أعطوا الرّجال الأموال علي فروجهم،و تنوفس في الرّجل،و تغاير عليه الرّجال،و كان صاحب المال أعزّ من المؤمن،و كان الرّبا ظاهرا لا يغيّر،و كان الزّنا يمتدح به النّساء،و رأيت المرأة تصانع زوجها علي الرّجال،و رأيت أكثر النّاس و خير بيت من يساعد النّساء علي فسقهنّ،و رأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، و رأيت البدع و الزّنا قد ظهر،و رأيت النّاس يعتدّون بشاهد الزّور،و رأيت الحرام يحلّل،و رأيت الحلال يحرّم،و رأيت الدّين بالرّأي،و عطّل الكتاب و أحكامه،و رأيت اللّيل لا يستخفي به من الجرأة علي اللّه،و رأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلاّ بقلبه، و رأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّه عزّ و جلّ،و رأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر،و يباعدون أهل الخير،و رأيت الولاة يرتشون في الحكم،و رأيت الولاية قبالة لمن زاد،و رأيت ذوات الأرحام ينكحن و يكتفي بهنّ،و رأيت الرّجل يقتل علي التّهمة و الظّنّة،و يغاير علي الرّجل الذّكر فيبذل له نفسه و ماله،و رأيت الرّجل يعيّر علي إتيان النّساء،و رأيت المرأة تقهر زوجها،و تعمل ما لا يشتهي،و تنفق علي زوجها،و رأيت الرّجل يكري امرأته و جاريته،و يرضي بالدّنيء من الطّعام و الشّراب،

ص: 298

و رأيت الأيمان باللّه عزّ و جلّ كثيرة علي الزّور،و رأيت القمار قد ظهر،و رأيت الشّراب يباع ظاهرا ليس له مانع،و رأيت النّساء يبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر،و رأيت الملاهي قد ظهرت يمرّ بها لا يمنعها أحد أحدا،و لا يجترئ أحد علي منعها،و رأيت الشّريف يستذلّه الّذي يخاف سلطانه،و رأيت أقرب النّاس من الولاة يمتدح بشتمنا أهل البيت،و رأيت من يحبّنا يزوّر و لا تقبل شهادته،و رأيت الزّور من القول يتنافس فيه،و رأيت القرآن قد ثقل علي النّاس استماعه،و خفّ علي النّاس استماع الباطل، و الجار يكرم الجارّ خوفا من لسانه،و رأيت الحدود قد عطّلت[تعطّلت]،و عمل فيها بالأهواء،و رأيت المساجد قد زخرفت،و رأيت أصدق النّاس عند النّاس المفتري الكذب،و رأيت الشّرّ قد ظهر،و السّعي بالنّميمة و البغي قد فشا،و رأيت الغيبة تستملح و يبشّر بها النّاس بعضهم بعضا،و رأيت طلب الحجّ و الجهاد لغير اللّه،و رأيت السّلطان يذلّ للكافر المؤمن،و رأيت الخراب قد أديل من العمران،و رأيت الرّجل معيشته من بخس المكيال و الميزان،و رأيت سفك الدّماء يستخفّ بها،و رأيت الرّجل يطلب الرّئاسة لغرض الدّنيا،و يشهر نفسه بخبث اللّسان ليتّقي و تسند إليه الأمور، و رأيت الصّلاة قد استخفّ بها،و رأيت الرّجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، و رأيت الميّت ينشر من قبره و يؤذي و تباع أكفانه،و رأيت الهرج قد كثر،و رأيت الرّجل يمسي نشوانا و يصبح سكرانا،لا يهمّ بما النّاس فيه،و رأيت البهائم تنكح، و رأيت البهائم يفرس بعضها بعضا،و رأيت الرّجل يخرج إلي مصلاّه و يرجع،و ليس عليه شيء من ثيابه،و رأيت قلوب النّاس قد قست،و جمدت أعينهم،و ثقل الذّكر عليهم،و رأيت السّحت قد ظهر يتنافس فيه،و رأيت المصلّي إنّما يصلّي ليراه النّاس، و رأيت الفقيه يتفقّه لغير الدّين يطلب الدّنيا و الرّئاسة،و رأيت النّاس مع من غلب، و رأيت طالب الحلال يذمّ و يعيّر،و طالب الحرام يمدح و يعظّم.

ص: 299

و رأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبّ اللّه،لا يمنعهم مانع،و لا يحول بينهم و بين العمل القبيح أحد،و رأيت المعازف ظاهرة في الحرمين،و رأيت الرّجل يتكلّم بشيء من الحقّ،و يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر،فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع،و رأيت النّاس ينظر بعضهم إلي بعض،و يقتدون بأهل الشّرّ،و رأيت مسلك الخير،و طريقه خاليا لا يسلكه أحد،و رأيت الميّت يهزأ به فلا يفزع له أحد،و رأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة و الشّرّ أكثر ممّا كان،و رأيت الخلق و المجالس لا يتابعون إلاّ الأغنياء و رأيت المحتاج يعطي علي الضّحك به، و يرحم لغير وجه اللّه،و رأيت الآيات في السّماء لا يفزع إليها أحد،و رأيت النّاس يتسافدون كما تتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوّفا من النّاس،و رأيت الرّجل ينفق الكثير في غير طاعة اللّه،و يمنع اليسير في طاعة اللّه،و رأيت العقوق قد ظهر، و استخفّ بالوالدين،و كانا من أسوأ النّاس حالا عند الولد،و يفرح بأن يفتري عليهما، و رأيت النّساء قد غلبن علي الملك و غلبن علي كلّ أمر لا يؤتي إلاّ ما لهنّ فيه هوي.

و رأيت ابن الرّجل يفتري علي أبيه،و يدعو علي والديه،و يفرح بموتهما،و رأيت الرّجل إذا مرّ به يوم و لم يكسب فيه الذّنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر يري كئيبا حزينا يحسب أنّ ذلك اليوم عليه و ضيّعه من عمره،و رأيت السّلطان يحتكر الطّعام،و رأيت أموال ذوي القربي تقسم في الزّور و يتقامر بها،و تشرب بها الخمور،و الخمر يتداوي بها،و توصف للمريض و يستشفي بها،و رأيت النّاس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و ترك التّديّن به،و رأيت رياح المنافقين و أهل النّفاق قائمة،و رياح أهل الحقّ لا تحرّك، و رأيت الأذان بالأجر و الصّلاة بالأجر،و رأيت المساجد محتشدة ممّن لا يخاف اللّه، مجتمعون فيها للغيبة،و أكل لحوم أهل الحقّ و يتواصفون فيها شراب المسكر،

ص: 300

و رأيت السّكران يصلّي بالنّاس و هو لا يعقل و لا يشان بالسّكر،و إذا سكر أكرم و اتّقي و خيف و ترك لا يعاقب و يعذر بسكره،و رأيت من أكل أموال اليتامي يحمد بصلاحه، و رأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّه،و رأيت الولاة يأتمنون الخونة للطّمع، و رأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق و الجرأة علي اللّه،يأخذون منهم و يخلّونهم و ما يشتهون،و رأيت المنابر يؤمر عليها بالتّقوي و لا يعمل القائل بما يأمر، و رأيت الصّلاة قد استخفّ بأوقاتها،و رأيت الصّدقة بالشّفاعة لا يراد بها وجه اللّه، و تعطي لطلب النّاس،و رأيت النّاس همّهم بطونهم و فروجهم،لا يبالون بما أكلوا و ما نكحوا،و رأيت الدّنيا مقبلة عليهم،و رأيت أعلام الحقّ قد درست.

فكن علي حذر و اطلب إلي اللّه عزّ و جلّ النّجاة،و إنّما يمهلهم لأمر يراد بهم،فكن مترقّبا،و اجتهد ليراك اللّه عزّ و جلّ في خلاف ما هم عليه،فإن نزل بهم العذاب عجلت إلي رحمة اللّه،و إن أخّرت ابتلوا،و كنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة علي اللّه عزّ و جلّ،و اعلم أنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين،و أنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين» (1).

إلي هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأخبار التي ذكرت أشراط الساعة،و هي صريحة في انهيار أخلاق الناس،و تحلّلهم من جميع المبادئ و القيم التي يسمو بها الإنسان،و عودتهم إلي مآثم الحياة الجاهليّة و شرورها،و أغلب الظنّ أنّها من أمارات و علائم ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام،فإنّه لا يظهر إلاّ بعد تمادي الناس في الإثم، و انتشار الرذائل،و شيوع المنكر،و انعدام الروابط الاجتماعيّة،و تفكّك الأسر، فلم تعد بينها رابطة المحبّة و المودّة و الألفة.0.

ص: 301


1- الكافي:36/8-42.إثبات الهداة:86/3-90.الميزان في تفسير القرآن:396/5-400.
خروج الدجّال

و من بين الأمارات الحتميّة خروج الدجّال،و ظهوره علي مسرح الحياة،و قيامه بتضليل الرأي العامّ،و انقياد اليهود لحكمه،و تماديهم في الولاء له،و إغراؤه للسذّج و البسطاء بالأموال،حتّي يكون قوّة ضاربة يسيطر علي بعض مناطق العالم الإسلامي.و علي أيّة حال،فلا بدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عن الدجال.

تظافر الأخبار بظهوره

و تظافرت الأخبار بحتميّة ظهور الدجّال قبل خروج الإمام المنتظر عليه السّلام،و هذه بعضها:

1-روي هشام بن عامر،قال:«سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يقول:ما بين خلق آدم إلي قيام السّاعة أمر أكبر من الدّجّال» (1).

و معني الحديث أنّ الدجّال من أهمّ الأحداث التي تجري في عالم الوجود؛ و ذلك لما يصحبه من الفتن و الدجل و إراقة الدماء.

2-روي أنس بن مالك عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«ما من نبيّ إلاّ أنذر أمّته الدّجّال الأعور الكذّاب،ألا إنّه أعور،و إنّ ربّكم ليس بأعور،مكتوب بين عينيه:كافر» (2).

لقد حذّر الأنبياء أجمعهم من فتنة الدجّال و إغرائه و دعواه الكاذبة التي تصدّ عن الحقّ،و تلقي الناس في شرّ عظيم.

3-روت أسماء بنت يزيد بن السكن،قالت:«كان النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في بيتي فذكر الدجّال،فقال:إنّ بين يديه ثلاث سنين:سنة تمسك السّماء فيها ثلث قطرها،

ص: 302


1- عقد الدرر:258.
2- عقد الدرر:257.صحيح البخاري:103/8.

و الأرض ثلثي نباتها.

و الثّانية:تمسك السّماء ثلثي قطرها،و الأرض ثلثي نباتها.

و الثّالثة:تمسك السّماء قطرها كلّه،و الأرض نباتها كلّه،فلا يبقي ذات ضرس و لا ذات ظلف،و لا ذات خفّ من البهائم إلاّ هلكت،و إنّ من أشرّ فتنته أنّه يأتي الأعرابيّ فيقول:أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنّي ربّك؟

فيقول:بلي،فتمثل الشّياطين له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا،و أعظمه و أسمنه،قال:و يأتي الرّجل قد مات أخوه،و مات أبوه فيقول:أرأيت إن أحييت لك أباك و أحييت لك أخاك،ألست تعلم أنّي ربّك؟

فيقول:بلي،فتمثل له الشّياطين نحو أبيه و نحو أخيه.

قالت أسماء:ثمّ خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله لحاجة،ثمّ رجع،و القوم في اهتمام و غمّ ممّا حدّثهم به،فأخذ صلّي اللّه عليه و اله بناصيتي الباب،و التفت إلي أسماء فقال لها:مهيم أسماء؟

فقالت أسماء:يا رسول اللّه،لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجّال.

فقال صلّي اللّه عليه و اله:إن يخرج و أنا حيّ فأنا حجيجه،و إلاّ فإنّ ربّي خليفتي علي كلّ مؤمن.

فقالت أسماء:يا رسول اللّه،إنّا و اللّه لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتّي نجوع، فكيف بالمؤمنين يومئذ؟

فقال صلّي اللّه عليه و اله:يجزئهم ما يجزئ أهل السّماء من التّسبيح و التّقديس» (1).

4-روي أبو أمامة الباهلي،قال:«خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله فكان أكثر خطبته حديثاة.

ص: 303


1- عقد الدرر:261،أخرجه أحمد في مسنده:456/6،و رواه البغوي في مصابيح السنّة.

حدّثناه عن الدجّال،و حذّرناه،فكان من قوله أن قال:إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ اللّه آدم أعظم من فتنة الدّجّال،و إنّ اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ حذّر أمّته الدّجّال،و أنا آخر الأنبياء،و أنتم آخر الأمم،و هو خارج فيكم لا محالة،فإن يخرج و أنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكلّ مسلم،و إن يخرج من بعدي فكلّ امرئ حجيج نفسه،و اللّه خليفتي علي كلّ مسلم،و إنّه يخرج من خلّة بين الشّام و العراق،فيعيث يمينا،و يعيث شمالا.

يا عباد اللّه،فاثبتوا فإنّي سأصفه لكم وصفا لم يصفه إيّاه نبيّ قبلي.إنّه يبدأ فيقول:

أنا نبيّ،و لا نبيّ بعدي،ثمّ يثنّي فيقول:أنا ربّكم،و لا ترون ربّكم حتّي تموتوا،و إنّه أعور،و إنّ ربّكم ليس بأعور،مكتوب بين عينيه كافر،يقرأه كلّ مؤمن كاتب أو غير كاتب (1)،و إنّ من فتنته أنّ معه جنّة و نارا،فناره جنّة و جنّته نار (2)،فمن ابتلي بناره فليستغث باللّه،و ليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا و سلاما كما كانت النّار علي إبراهيم.

و إنّ من فتنته أن يقول لأعرابي:أرأيت إن أبعث لك أباك و أمّك أتشهد أنّي ربّك؟ فيقول:نعم،فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه و أمّه،فيقولان:يا بنيّ،اتّبعه فإنّه ربّك.

و إنّ من فتنته أن يسلّط علي نفس واحدة فيقتلها و ينشرها بالمنشار حتّي تلقي8.

ص: 304


1- عقد الدرر:267.و قال النووي في شرح صحيح مسلم:40/8:«الصحيح الذي عليه المحقّقون إنّ هذه الكتابة علي ظاهرها،و أنّها كتابة حقيقيّة جعلها اللّه آية و علامة من جملة العلامات القاطعة بكفر الدجّال و كذبه و إبطاله يظهرها اللّه لكلّ مسلم كاتب و غير كاتب، و يخفيها عمّن أراد شقاوته و فتنته.
2- روي حذيفة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«إنّ الدّجّال يخرج،و إنّ معه ماء و نارا،فأمّا الّذي يراه النّاس ماء فنار تحرق،و أمّا الّذي يراه النّاس نارا فماء بارد عذب،فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الّذي يراه نارا،فإنّه ماء عذب طيّب»-صحيح مسلم:196/8.

شقّتين،ثمّ يقول:انظروا إلي عبدي هذا فإنّي أبعثه الآن،ثمّ يزعم أنّ له ربّا غيري، فيبعثه اللّه تعالي و يقول له الخبيث:من ربّك؟فيقول:ربّي اللّه،و أنت عدوّ اللّه،أنت الدّجّال،و اللّه ما كنت بعد أشدّ بصيرة بك منّي اليوم» (1).

و ألقي هذا الحديث-و الذي قبله-الأضواء علي دعاوي الدجّال،و أنّه يدّعي الربوبيّة،و يضلّ الناس بما عنده من وسائل الدجل و الخبث.

ألقابه

و لم يتّضح لنا اسم الأعور الدجّال،فقد عرف بلقبه،و من ألقابه الأخري:

المسيح،و السبب في لقبه هذا اللقب أمور:

1-إنّه ممسوح العين.

2-إنّه يمسح الأرض يقطعها أو يطوفها كلّها،إلاّ مكّة و المدينة و بيت المقدس (2).

كنيته

و كني الدجّال،هي:

1-أبو يوسف.

2-أمير السلام أو إله فتي كرست،لقّبه بذلك اليهود (3).

3-الرئيس،لقّبه بذلك النصاري (4).

4-الدكتاتور (5).

ص: 305


1- عقد الدرر:267 و 268.
2- الفتن/ابن كثير:172.
3- المسيح الدجّال:237. (4 و 5) المسيح الدجّال:238.

5-الحاكم الأعلي1.

أوصافه

أمّا صفات الأعور الدجّال فهي قبيحة تنمّ عن شروره و آثامه،و قد أعلنت الأخبار بعض صفاته و ملامحه،فقد أثر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله ما يلي:

1-«إنّه أعور العين اليسري» (1).

2-«أعور العين اليمني كأنّ عينه عنبة طافئة» (2).

3-«إنّه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفي كأنّها نخاعة في جنب جدار» (3).

و علي أيّة حال،فهو أعور،سواء كانت عينه اليمني أم اليسري.

4-«إنّه هيجان أزهر» (4)،أي أبيض فيه حمرة.

5-«عريض الجبهة،مشرف الجيد» (5).

6-«جفال الشّعر» (6)،أي شعره كثيف ملتفّ.

رواية موضوعة

روي الضحّاك:«أنّ الدجال ليس له لحية،وافر الشارب،طول وجهه ذراعان، و قامته في السماء ثمانون ذراعا،و عرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعا،ثيابه و خفّاه

ص: 306


1- صحيح مسلم:195/8.
2- البخاري:141/4 و:79/8.
3- مستدرك الحاكم:537/4.
4- مسند أحمد بن حنبل:240/1.مجمع الزوائد:337/7.
5- مستدرك الحاكم:535/4.
6- صحيح مسلم:195/8.

و سرجه و لجامه بالذهب و الجوهر،علي رأسه تاج مرصّع بالذهب و الجوهر،في يده طبرزن هيئته هيئة المجوس،ترسه ترس فارسيّة،و كلامه الفارسيّة،تطوي له الأرض و لأصحابه طيّا طيّا،يطأ مجامعها،و يرد مناهلها إلاّ المساجد الأربعة:مسجد مكّة و مسجد المدينة و مسجد بيت المقدس و مسجد الطور» (1).

و هذا الجسم بهذه الكيفيّة من الارتفاع و العرش خارج عن أجسام الإنسان، و يكون فصيلة أخري و لم تنصّ أيّة رواية علي ذلك.

بلاء المؤمنين به

و يبتلي المؤمنون به.يقول بعض العلماء:«ليس علي أهل القدر حديث أشدّ من حديث الدجّال» (2).

يقول النووي:«إنّه شخص ابتلي اللّه به عباده،و أقدره علي أشياء من مقدورات اللّه سبحانه» (3).

«و تظهر علي يده بعض الآيات كإنزال المطر و غيره حتّي يكون فتنة لمن رآه، و لكنّ اللّه تعالي يكشف زيفه للمؤمنين الأخيار،و يؤمن به السذّج و البسطاء ممّن اظلمّت نفوسهم» (4).

و أثر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخّرت له أنهار الأرض و ثمارها،فمن تبعه أطعمه و أكفره» (5).

ص: 307


1- الأنس الجليل بتاريخ القدس و الخليل:233/1.
2- كتاب السنّة/ابن عاصم:173/1.
3- شرح مسلم:58/18.
4- الفتاوي الكبري/ابن تيميّة:456/20.التواتر:368.
5- مجمع الزوائد:346/7.

إنّه مصدر فتنة و بلاء و اختبار إلي الناس،فمن آمن به فقد صرف من الإسلام، و من كفر به و جحده فهو المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للإيمان،و إنّه ليفتك بالمؤمنين فتكا ذريعا،و ينزل بهم أقسي و أشدّ ألوان العذاب.

جنوده و أتباعه

أمّا جنود الدجّال و أتباعه فمعظمهم من اليهود الذين هم السبب لكلّ فتنة و فساد في الأرض،و قد أثر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«الدّجّال أوّل من يتبعه سبعون ألفا من اليهود،عليهم السّيجان (1)،و معه سحرة اليهود يعملون العجائب و يرونها للنّاس فيضلّونهم بها» (2).

و في رواية أخري:«يتبع الدّجّال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطّيالسة و ثلاثة عشر ألف امرأة» (3).

و يقول الرسول صلّي اللّه عليه و اله:«يخرج إليه غوغاء النّاس»،و الغوغاء معظمهم من السواد الذين تغويهم الدعاية حيثما شاءت.

و من أتباعه ذوو الأطماع،ففي الحديث النبوي:«ليصحبنّ الدّجّال أقوام يقولون:

إنّا لنصحبه و إن لنعلم أنّه كافر،و لكن نصحبه لنأكل من طعامه،و نرعي من الشّجر،فإذا غضب اللّه نزل عليهم جميعا» (4).

إيمان اليهود بالدجّال

و تؤمن اليهود بالدجّال،و ينصبونه قائدا أعلي لهم،و يرون أنّه المسيح

ص: 308


1- السيجان:ملابس مصنوعة من الصوف.
2- المسيح الدجّال:248. (3 و 4) المسيح الدجّال:249.

الموعودون به،و يقولون:هذا هو حقّا المسيح الذي طالما انتظرناه،هذا هو الذي يتكلّم كتابنا المقدّس عنه (1).

إنّ اليهود يؤمنون بالدجّال لأنّه يحمل أفكارهم،و يشاركهم أحقادهم علي الإسلام،و هو سيدخل المعارك ضدّ المسلمين لتحقيق أطماع الصهيونيّة التي تمدّه بالمال و السلاح.

أمارات ظهوره

أمّا أمارات ظهور الدجّال فهي أن يمني الناس بكوارث اجتماعيّة و اقتصاديّة، و التي منها:شيوع الظلم و الجور،و انتشار الفساد،و انعدام التوازن بين أفراد المجتمع و داخل الأسرة،كما أنّ من الأمارات جفاف المياه،و قلّة الزراعة،و انتشار القحط، و شيوع البطالة،و فقدان العمل،و انعدام المستوي الثقافي و الحضاري،و غير ذلك من الآفات الاجتماعيّة المدمّرة.

و في الحديث النبوي:«يكون قبل خروجه سنون خمس جدب،يهلك كلّ ذي حافر» (2).

و يأتيهم الدجّال بالطعام لإغرائهم،و صدّهم عن سبيل اللّه تعالي،إنّه يأتيهم بالطعام في وقت ينهش الجوع أجسامهم،و قد عجزت التكنولوجيا من توفير الطعام لهم.

و في الحديث:«إنّا أعلم بما مع الدّجّال من الرّجال،معه نهران يجريان:أحدهما رأي العين ماء أبيض،و الآخر:رأي العين نار تتأجّج» (3).

ص: 309


1- المسيح الدجّال:134.
2- مجمع الزوائد:347/7.
3- رواه أحمد بن حنبل في مسنده:386/5 و 405.صحيح مسلم:195/8.
تسخير الكنوز له

و من بلاء الدجّال و فتنته أنّه يخرج المعادن من الأرض،ففي الحديث:«يمرّ بالخربة فيقول لها:أخرجي كنوزك،فتتبعه كنوزها» (1).

و في حديث آخر:«إنّه يأمر الأرض أن تنبت،فتنبت» (2).

و معني ذلك أنّه يستخدم السحر في سبيل أغراضه و غوايته للخلق،فالسحر سلاحه الوحيد الذي يسيطر به علي البسطاء الذين لم يكن لهم أي رصيد من العلم و التقوي.

نهايته

و نهاية هذا المجرم الخطير تكون علي يد الإمام المنتظر عليه السّلام،المنقذ الأعظم، فقد روي الإمام الصادق عليه السّلام بسنده عن آبائه،عن جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه ذكر خروج الدجّال،و القرية التي يخرج منها،و بعض أوصافه،و أنّه يدّعي الالوهيّة،و أنّه في أوّل يوم من خروجه يتبعه سبعون ألفا من اليهود و أولاد الزنا و المدمنين للخمر، و المغنّين،و أصحاب اللهو،و الأعراب،و النساء.

و قال عليه السّلام:«فيبيح الزّنا و اللّواط و سائر المناهي حتّي يباشر الرّجال النّساء و الغلمان في أطراف الشّوارع،عراة،و علانية،و يفرط أصحابه في أكل لحم الخنزير،و شرب الخمور،و ارتكاب أنواع الفسق و الفجور،و يسخّر آفاق الأرض إلاّ مكّة و المدينة و مراقد الأئمّة عليهم السّلام،فإذا بلغ في طغيانه،و ملأ الأرض من جوره و جور أعوانه يقتله من يصلّي خلفه عيسي بن مريم،و هو الإمام المهدي عليه السّلام» (1).

ص: 310


1- منتخب الأثر:602 و 603.

إنّ الدجّال الذي يقود حملة إرهابيّة من أجل الصهيونيّة العالميّة فيشيع الخراب، و ينشر الفساد،و يحارب اللّه تعالي،تكون نهايته علي يد أعظم مصلح اجتماعي.

خروج السفياني

اشارة

من العلامات الحتميّة لظهور الإمام المنتظر عليه السّلام:خروج السفياني،و هو من أعمدة الشرّ و الفساد في الأرض،و لا بدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عنه:

نسبه

نصّت بعض المصادر أنّ السفياني من نسل خالد بن يزيد (1)حفيد أبي سفيان العدوّ الأوّل للرسول و للإسلام،و هذه الأسرة لم تنجب إلاّ أعداء الإسلام،و خصوم القرآن،و أراذل البشريّة.

ملامحه

أمّا ملامحه،فهي:«ضخم الهامة،و بوجهه أثر الجدري،و بعينه نكتة بيضاء» (2).

صفاته النفسيّة

أمّا نزعاته،فهي تحمل الشرّ و الإثم و الظلم و الاعتداء علي الناس،فهو إنسان ممسوخ،من أقذر من عرفتهم الإنسانيّة،فإنّه إذا ظهر يقتل الصبيان،و يبقر بطون النساء (3)،و يقتل الأبرياء،إلي غير ذلك من ظلمه و موبقاته.

ص: 311


1- عقد الدرر:107،الباب الرابع،الحديث 122،و في حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنّ اسمه حرب بن عنبسة بن مرّة بن سلمة بن يزيد بن عثمان بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان»،و معني ذلك أنّه مولود قبل الإمام المنتظر عليه السّلام،و مختف عن الأبصار،و في مشارق الأنوار:102:«أنّ السّفياني من ذرّيّة أبي سفيان».
2- عقد الدرر:107 و 108.
3- عقد الدرر:108.
حديث للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عن السفياني

و أدلي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بحديث مهمّ عن السفياني،أعرب فيه عن جرائمه و موبقاته،و ما يقترفه من الظلم و الجور.قال عليه السّلام بعد ما ذكر اسمه:

«إنّه ملعون في السّماء،ملعون في الأرض،أشدّ خلق اللّه جورا،و أكثر خلق اللّه ظلما».

و ذكر عليه السّلام أمورا،ثمّ قال:

«ثمّ يخرج إلي الغوطة،فما يبرح حتّي يجتمع النّاس إليه،و يلحق بهم أهل الضّغائن فيكون في خمسين ألفا،ثمّ يبعث إلي كلب (1)،فيأتيه منهم مثل السّيل، و يكون في ذلك الوقت رجال البربر يقاتلون رجال الملك من ولد العبّاس،فيفاجئهم السّفيانيّ في عصائب أهل الشّام،فتختلف الثّلاث رايات،رجال ولد العبّاس و هم التّرك و الدّيلم و العجم راياتهم سوداء،و راية البربر صفراء،و راية السّفيانيّ حمراء، فيقتتلون ببطن الوادي في الأردنّ قتالا شديدا،فيقتل فيما بينهم ستّون ألفا،فيغلب السّفيانيّ،و إنّه ليعدل فيهم حتّي يقول القائل:ما كان يقال فيه إلاّ كذب،و اللّه إنّهم لكاذبون،لو يعلمون ما تلقي أمّة محمّد صلّي اللّه عليه و اله منه ما قالوا ذلك،فلا يزال يعدل حتّي يسير و يعبر الفرات،و ينزع اللّه من قلبه الرّحمة.ثمّ يسير إلي الموضع المعروف بقرقيسيا،فيكون له بها وقعة عظيمة و لا تبقي بلد إلاّ بلغه خبره فيداخلهم من ذلك الجزع.ثمّ يرجع إلي دمشق،و قد دان له فيجيّش:جيشا إلي المدينة (2)،

ص: 312


1- كلب:لقب لإحدي القبائل العربيّة،و يعرفون ب(بني كلاب).
2- المدينة:هي مدينة الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و اله.

و جيشا إلي المشرق.

فأمّا جيش المشرق فيقتلون بالزّوراء (1)سبعين ألفا،و يبقرون بطون ثلاثمائة امرأة، و يخرج الجيش من الزّوراء إلي الكوفة فيقتل بها خلقا.

و أمّا جيش المدينة بعد أن يفعلوا بالمدينة ما أحبّوا يخرجون منها إلي مكّة، و إذا توسّطوا البيداء صاح بهم صائح و هو جبرئيل،فلا يبقي منهم أحد إلاّ خسف اللّه تعالي به،و يكون في آخر(أثر)الجيش رجلان يقال لهما:بشير،فيبشّرهم (2)، و الآخر:نذير فيرجع إلي السّفيانيّ فيخبره بما نال الجيش عند ذلك،و أنّهم-أي البشير و النذير-من جهينة.

ثمّ يهرب قوم من ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله إلي بلد الرّوم،فيبعث السّفيانيّ إلي ملك الرّوم:ردّ إليّ عبيدي،فيردّهم إليه،فيضرب أعناقهم علي الدّرج شرق مسجد دمشق، فلا ينكر ذلك عليه،ثمّ يسير في سبعين ألفا نحو العراقين:الكوفة و البصرة،ثمّ يدور الأمصار،و يحلّ عري الإسلام عروة بعد عروة،و يقتل أهل العلم،و يحرق المصاحف،و يخرّب المساجد،و يستبيح الحرام،و يأمر بضرب الملاهي و المزامير في الأسواق،و الشّرب علي قوارع الطّرق،و يحلّل الفواحش،و يحرّم عليهم كلّ ما فرض اللّه تعالي عليهم من الفرائض،و لا يرتدع عن الظّلم و الفجور،بل يزداد تمرّدا و عتوّا،و يقتل كلّ من اسمه:أحمد،و محمّد،و عليّ،و جعفر،و حمزة،و حسن، و حسين،و فاطمة،و زينب،و رقيّة،و أمّ كلثوم،و خديجة،و عاتكة،حنقا و بغضام.

ص: 313


1- الزوراء:هي بغداد.
2- البشير:يبشّر بخروج الإمام المنتظر عليه السّلام.

لآل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله.

ثمّ يبعث فيجمع الأطفال،و يغلي الزّيت لهم،فيقولون:إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا؟فيأخذ منهم اثنين حسنا و حسينا فيصلبهما.

ثمّ يسير إلي الكوفة،فيفعل بهم كما فعله بالأطفال،و يصلب علي باب مسجدها طفلين أسماؤهما حسن و حسين،فتغلي دماؤهما كما غلي دم يحيي بن زكريّا عليهما السّلام، فإذا رأي ذلك أيقن بالهلاك و البلاء،فيخرج هاربا منها متوجّها إلي الشّام،فلا يري في طريقه أحدا يخالفه،فإذا دخل دمشق اعتكف علي شرب الخمر و المعاصي،و يأمر أصحابه بذلك،و يخرج السّفيانيّ و بيده حربة،فيأخذ امرأة حاملا فيدفعها إلي بعض أصحابه و يقول:افجر بها في وسط الطّريق.فيفعل ذلك،و يبقر بطنها،فيسقط الجنين من بطن أمّه،فلا يقدر أحد أن يغيّر ذلك.

و ذكر الإمام عليّ عليه السّلام أوصاف الإمام المهدي عليه السّلام،و أوصاف أصحابه و عددهم، و أوصاف السيّد الحسني الذي يبايع الإمام هو و أصحابه بعد ما يرون الكرامة و المعجزة منه،و أضاف الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ذلك قائلا:

«و تقع الضّجّة في الشّام،ألا إنّ أعراب الحجاز قد خرجوا إليكم،فيقول السّفيانيّ لأصحابه:ما تقولون في هؤلاء القوم؟

فيقولون:هم أصحاب نبل و إبل،و نحن أصحاب القوّة و السّلاح،اخرج بنا إليهم، فيرونه قد جبن،و هو عالم بما يراد منه،فلا يزالون حتّي يخرج بخيله و رجاله بمائتي ألف و ستّين ألفا حتّي ينزلوا بحيرة طبريّة،فيسير المهديّ عليه السّلام بمن معه و لا يحدث في بلد حادثة إلاّ الأمن و الأمان و البشري،و عن يمينه جبرئيل،و عن شماله ميكائيل عليهما السّلام، و النّاس يلحقونه من الآفاق،حتّي يلحقوا السّفيانيّ علي بحيرة طبريّة.

ص: 314

و يغضب اللّه عزّ و جلّ علي السّفيانيّ و جيشه،و يغضب سائر خلقه عليهم،حتّي الطّير في السّماء،فترميهم بأجنحتها،و إنّ الجبال لترميهم بصخورها،فتكون وقعة يهلك اللّه فيها جيش السّفياني،و يمضي هاربا،فيأخذه رجل من الموالي اسمه صباح،فيأتي به إلي المهديّ عليه السّلام،و هو يصلّي العشاء الآخرة فيبشّره،فيخفّف في الصّلاة و يخرج.

و يكون السّفيانيّ قد جعلت عمامته في عنقه و سحب،فيوقفه بين يديه فيقول السّفيانيّ للمهديّ:يابن عمّي،منّ عليّ بالحياة أكون سيفا بين يديك،و أجاهد أعداءك.

و المهديّ جالس بين أصحابه،و هو أحيي من عذراء،فيقول:خلّوه،فيقول أصحاب المهديّ:يابن بنت رسول اللّه،تمنّ عليه بالحياة و قد قتل أولاد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله!ما نصبر علي ذلك.

فيقول:شأنكم و إيّاه،اصنعوا به ما شئتم،و قد كان خلاّه و أفلته.فيلحقه صباح في جماعة إلي عند السّدرة،فيضجعه و يذبحه،و يأخذ رأسه و يأتي به المهديّ،فينظر شيعته إلي الرّأس،فيكبّرون و يهلّلون،و يحمدون اللّه تعالي علي ذلك.

ثمّ يأمر المهديّ عليه السّلام بدفنه،ثمّ يسير في عساكره فينزل دمشق،و قد كان أصحاب الأندلس أحرقوا مسجدها و أخربوه،فيقيم في دمشق مدّة،و يأمر بعمارة جامعها» (1).

و الحديث بناء علي صحّة سنده،قد ألمّ بشؤون السفياني،و أنّه إرهابي مجرم سفّاك للدماء،مبيح لجميع ما حرّمه اللّه،و أنّ نهايته تكون علي يد الإمام المهدي عليه السّلام.1.

ص: 315


1- المهدي الموعود المنتظر:97/2-100،نقلا عن عقد الدرر:91.
مدّة حكمه

أمّا مدّة حكم السفياني و تمرّده و ظلمه فهي ثمانية أشهر (1)،ففي هذه المدّة القصيرة يشيع الإرهاب،و يقتل الأبرياء،و في أيّامه يخرج أمل المستضعفين مهدي آل محمّد عليه السّلام.

الرايات السود

و من العلائم الحتميّة تشكيل جيش إسلامي يرفع الرايات السود،و أكبر الظنّ أنّها إنّما صنعت سودا حدادا علي سيّد الشهداء،و ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله الإمام الحسين عليه السّلام،الذي هو أبو الشهداء في جميع العصور،و نعرض لبعض الأخبار التي أعلنت أنّ رفع الجيوش للرايات السود من علامات ظهور الإمام عليه السّلام،و فيما يلي ذلك:

1-روي ثوبان:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:إذا رأيتم الرّايات السّود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها،فإنّ فيها خليفة اللّه المهديّ» (2).

2-روي الحسن بسنده:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ذكر بلاء يلقاه أهل بيته،...حتّي يبعث اللّه راية من المشرق سوداء،من نصرها نصره اللّه،و من خذلها خذله اللّه،حتّي يأتوا رجلا اسمه كاسمي فيولّوه أمرهم،فيؤيّده اللّه و ينصره» (3).

3-روي جابر عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال:«تنزل الرّايات الّتي تخرج من

ص: 316


1- ينابيع المودّة:220/3.
2- كنز العمّال:261/14،الحديث 38651.
3- الصواعق المحرقة:474/2.الملاحم و الفتن/ابن طاووس:100/1.العرف الوردي: 68/2.

خراسان إلي الكوفة،فإذا ظهر المهديّ عليه السّلام بمكّة بعثت إليه بالبيعة» (1).

4-روي عبد اللّه بن مسعود،قال:«بينما نحن عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله إذ أقبل فتية من بني هاشم،فلمّا رآهم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله اغرورقت عيناه و تغيّر لونه.

قلت:ما نزال نري في وجهك شيئا نكرهه؟

فقال:إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة علي الدّنيا،و إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا،حتّي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود،فيسألون الخير فلا يعطونه،فيقاتلون،فينصرون،فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه،حتّي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا،فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا علي الثّلج» (2).

5-روي جلال الدين السيوطي بسنده:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:تخرج من خراسان رايات سود،فلا يردّها شيء حتّي تنصب ب(إيليا).

قال ابن كثير:«هذه الروايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني، فاستلب بها دولة بني أميّة،بل رايات سود أخري تأتي صحبة المهدي» (3).

6-روي عامر أبو الطفيل:«أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال له:يا عامر،إذا سمعت الرّايات السّود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك،فاكسر ذلك القفل و ذلك الصّندوق،حتّي تقتل تحتها،فإن لم تستطع فتدحرج حتّي تقتل تحتها» (2).4.

ص: 317


1- الفتن/ابن حمّاد:84. (2 و 3) كنز العمّال:267/14،الحديث 38677.
2- كنز العمّال:278/11،الحديث 31514.

إلي غير ذلك من الأحاديث التي أعلنت خروج الرايات السود من خراسان أو من المشرق،و هي مقدّمة لظهور الإمام المنتظر عليه السّلام.

النداء من السماء

اشارة

من العلامات الحتميّة لظهور الإمام المنتظر عليه السّلام نداء ملك في السماء يبشّر بظهوره،و يدعو الناس إلي متابعته،و الأخبار التي أعلنت ذلك عدّة طوائف، و هي:

الطائفة الأولي:

صرّحت أنّه إذا خرج الإمام المنتظر عليه السّلام يكون علي رأسه ملك ينادي:أنّ هذا هو المهدي فاتّبعوه،و هذه بعض الأخبار التي أعلنت ذلك:

1-روي عبد اللّه بن عمر:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:يخرج المهديّ و علي رأسه غمامة فيها ملك ينادي:هذا خليفة اللّه المهديّ،فاتّبعوه» (1).

2-قال محمّد بن الصبّان الشافعي:جاء في الروايات«أنّه-أي الإمام المهدي- عند ظهوره ينادي فوق رأسه ملك:هذا المهديّ خليفة اللّه،فاتّبعوه،فتذعن له النّاس،و يشربون حبّه،و أنّه يملك الأرض شرقها و غربها،و أنّ الّذين يبايعونه أوّلا بين الرّكن و المقام بعدد أهل بدر» (2).

3-أخرج أبو نعيم،عن ابن عمر:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:يخرج المهديّ و علي رأسه ملك ينادي:هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه» (3).

ص: 318


1- العرف الوردي:61/2.نور الأبصار:155.ينابيع المودّة:385/3 و 296.
2- إسعاف الراغبين(علي هامش نور الأبصار):149.
3- فرائد السمطين:316/2.
الطائفة الثانية:

أعلنت أنّ ملكا ينادي في السماء:أنّ الإمام المنتظر عليه السّلام قد خرج فاتّبعوه؛ و لنستمع إلي بعض الأحاديث التي أعلنت ذلك:

1-قال الإمام الرضا عليه السّلام:«إذا خرج-أي الإمام المنتظر عليه السّلام-أشرقت الأرض بنوره،و وضع ميزان العدل بين النّاس،فلا يظلم أحد أحدا،و هو الّذي تطوي له الأرض،و لا يكون له ظلّ،و هو الّذي ينادي مناد من السّماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدّعاء له،يقول:ألا إنّ حجّة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتّبعوه،فإنّ الحقّ فيه و معه،و هو قول اللّه: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ » (1).

2-روي ربعي بن خراش،عن حذيفة حديث السفياني،و قال:«إنّه يضرب أعناق من فرّ إلي بلد الرّوم بباب دمشق،فإذا كان ذلك نادي مناد من السّماء:

ألا أيّها النّاس،إنّ اللّه قد قطع عنكم مدّة الجبّارين و المنافقين و أشياعهم،و وليّكم خير أمّة محمّد صلّي اللّه عليه و اله،فالحقوه بمكّة،فإنّه المهديّ،و اسمه أحمد بن عبد اللّه» (2).

3-روي حذيفة بن اليمان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قصّة السفياني،و ما يقترفه من الفجور و الإثم،قال صلّي اللّه عليه و اله:«فعند ذلك ينادي مناد من السّماء:يا أيّها النّاس،إنّ اللّه قد قطع عنكم مدّة الجبّارين و المنافقين و أشياعهم،و وليكم خير أمّة محمّد صلّي اللّه عليه و اله فالحقوه بمكّة فإنّه المهديّ،و اسمه أحمد بن عبد اللّه» (3).

ص: 319


1- فرائد السمطين:337/2.الشعراء 26:4.
2- الملاحم و الفتن:141،الباب 70.
3- عقد الدرر:119.

4-قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«انتظروا الفرج في ثلاث.

فقيل له:و ما هنّ؟

قال:اختلاف أهل الشّام بينهم،و اختلاف الرّايات السّود من خراسان،و الفزعة في شهر رمضان.

فقيل له:و ما الفزعة في شهر رمضان؟

قال:مناد من السّماء يوقظ النّائم،و يفزع اليقظان،و تخرج الفتاة من خدرها، و يسمع النّاس كلّهم،فلا يجيء رجل من أفق من الآفاق إلاّ يحدّث أنّه سمعها» (1).

5-قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«إذا نادي مناد من السّماء إنّ الحقّ في آل محمّد صلّي اللّه عليه و اله،فعند ذلك يظهر المهديّ علي أفواه النّاس،و يسرّون فلا يكون لهم ذكر غيره» (2).

و بهذه المضامين أثرت أحاديث كثيرة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و أهل بيته عليهم السّلام (3)،و هي تعلن أنّ من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السّلام نداء ملك من السماء بظهوره.

الطائفة الثالثة:

و قد صرّحت بأنّ الملك الذي ينادي بظهور الإمام عليه السّلام هو جبرئيل،استمعوا إلي هذا الحديث:

قال الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:«الصّوت في شهر رمضان في ليلة الجمعة،فاسمعوا

ص: 320


1- الغيبة/النعماني:251.عقد الدرر:104 و 105.
2- عقد الدرر:52.
3- عقد الدرر:144 و 145،و عرض لها بصورة مفصّلة المحقّق الكبير الشيخ نجم الدين العسكري في كتابه المهدي الموعود المنتظر:14/2-55.

و أطيعوا.و في آخر النّهار صوت الملعون إبليس ينادي أنّ فلانا-لعلّه السفياني-قتل مظلوما،يشكّك النّاس و يفتنهم،فكم في ذلك اليوم من شاكّ يتحيّر».

قال عليه السّلام:«فإذا سمعتم ذلك الصّوت في رمضان-يعني الصوت الأوّل-فلا تشكّوا أنّه صوت جبرئيل،و علامة ذلك أنّه ينادي باسم المهدي،و باسم أبيه» (1).

هذه بعض الأحاديث التي أعلنت عن حتميّة نداء ملك من السماء،جبرئيل عليه السّلام أو غيره،يخبر الناس في جميع أنحاء الأرض بخروج الإمام المنتظر عليه السّلام.

صلاة المسيح خلف الإمام المهدي عليه السّلام

من العلامات الحتميّة لظهور الإمام المنتظر عليه السّلام نزول السيّد المسيح إلي الأرض، و مبايعته للإمام،و صلاته خلفه،فإذا رأي النصاري ذلك آمنوا بالإسلام،و اعتنقوه، و رفضوا المسيحيّة.استمعوا لبعض الأخبار التي أعلنت ذلك:

1-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:«ينزل عيسي بن مريم عند انفجار الصّبح ما بين مهرودين، و هما ثوبان أصفران من الزّعفران،أبيض،أصهب الرّأس،أفرق الشّعر،كأنّ رأسه يقطر دهنا،بيده حربة يكسر الصّليب،و يقتل الخنزير،و يهلك الدّجّال،و يقبض أموال الإمام عليه السّلام،و يمشي خلفه أهل الكهف،و هو الوزير الأيمن للقائم و حاجبه و نائبه،و يبسط في المغرب و المشرق الأمن» (2).

2-أدلي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بحديث عن الدجّال،و ما يقترفه من الآثام و الموبقات،ثمّ عرج الإمام عليه السّلام علي السيّد المسيح فقال:«إذا كان يوم الجمعة،

ص: 321


1- عقد الدرر:105،الباب الرابع،الحديث 148.منتخب الأثر:556.
2- غاية المرام:697،نقلا عن تفسير الثعلبي.و أخرج الحديث في عقد الدرر:339.

و قد أقيمت الصّلاة،نزل عيسي بن مريم بثوبين مشرقين حمر،كأنّما يقطر من رأسه الدّهن،رجل الشّعر،صبيح الوجه،أشبه خلق اللّه بإبراهيم عليه السّلام فيلتفت المهديّ فينظر عيسي،فيقول لعيسي:يابن البتول،صلّ.فيقول:لك أقيمت الصّلاة،فيتقدّم المهديّ عليه السّلام فيصلّي بالنّاس و يصلّي عيسي خلفه،و يبايعه،و يخرج عيسي فيلقي الدّجّال فيطعنه،فيذوب كما يذوب الرّصاص» (1).

3-روي أبو أمامة الباهلي،قال:«خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و ذكر في خطبته الدجّال و ما يحدثه من الفتن،ثمّ قال:و إمام النّاس رجل صالح-و هو المهدي-فيقال له:

صلّ الصّبح،فإذا كبّر و دخل في الصّلاة نزل عيسي بن مريم،فإذا رآه ذلك الرّجل-أي المهدي-عرفه،فيرجع القهقري ليتقدّم عيسي بن مريم،فيضع عيسي يده بين كتفيه فيقول له:صلّ،فإنّما أقيمت لك الصّلاة،فيصلّي عيسي بن مريم وراءه،ثمّ يقول:

افتحوا الباب،فيفتحون الباب،و مع الدّجّال يومئذ سبعون ألف يهوديّ ذي سلاح و سيف محلّي،فإذا نظر إلي عيسي ذاب كما يذوب الرّصاص في النّار،أو الثّلج في الماء،ثمّ يخرج فيقول عيسي:إنّ لي فيك ضربة لن تفوتني بها،فيدركه عند باب الشّرقي فيقتله،و لا يبقي شيء ممّا خلق اللّه يتواري به يهوديّ إلاّ أنطق اللّه ذلك الشّيء لا شجر و لا حجر و لا دابّة إلاّ قال:يا عبد اللّه المسلم،هذا كافر فاقتله إلاّ الغرقدة (2)فإنّها من شجرهم،و لا تنطق،و يكون عيسي في أمّتي حكما عدلا،و إماما مقسطا، فيدقّ الصّليب،و يقتل الخنزير،و يضع الجزية،و يترك الصّدقة» (3).

ص: 322


1- عقد الدرر:274 و 275،و انظر 229 و 230.
2- الغرقدة:شجرة الغضا و العوسج.
3- عقد الدرر:270-271.المهدي الموعود:236/2-238،نقلا عن الملاحم و الفتن:110/2 و 111.

4-قال محيي الدين بن عربي:«و اعلم أنّ المهدي-عجّل اللّه فرجه-إذا خرج يفرح به جميع المسلمين،خاصّتهم و عامّتهم،و له رجال إلهيّون يقيمون دعوته، و ينصرونه؛هم الوزراء،يتحمّلون أثقال المملكة عنه،يعينونه علي ما قلّده اللّه، و ينزل عليه عيسي بن مريم بالمنارة البيضاء شرقي دمشق،متّكئا علي ملكين ملك عن يمينه و ملك عن يساره» (1).

لقد تظافرت الأخبار بنزول السيّد المسيح من السماء و مبايعته للإمام،و قيامه بدور إيجابي و نشط في مناصرة الإمام و تسديده لسياسته الهادفة إلي نشر العدل و إشاعة الحقّ بين الناس.

هذه بعض العلامات الحتميّة التي لا بدّ أن تتحقّق علي مسرح الحياة حتّي يخرج صوت العدالة الإنسانيّة،الإمام المنتظر عليه السّلام،و قد ذكرت مصادر الأخبار علامات أخري،كخروج اليماني،و قتل النفس الزكيّة،و طلوع الشمس من المغرب،و غير ذلك،فمن أراد الوقوف عليها فليراجع مصادر الحديث و الأخبار.3.

ص: 323


1- الفتوحات المكّيّة:327/3.

ص: 324

زمان ظهوره عليه السلام و مكانه

اشارة

و ألقت الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و أئمّة الهدي عليهم السّلام الأضواء و المؤشّرات علي زمان ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام،و مكان خروجه،و منهج حكمه،و سمة أصحابه،و نعرض بإيجاز لهذه البحوث:

الزمان

اشارة

أمّا الزمان الذي يخرج فيه الإمام المهدي عليه السّلام فهو يوم السبت عاشر محرّم،و هو اليوم الذي استشهد فيه سيّد الشهداء و أبو الأحرار،الإمام الحسين عليه السّلام.استمعوا إلي بعض الأحاديث التي أعلنت ذلك:

1-روي أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:«يخرج القائم يوم السّبت يوم عاشوراء،اليوم الّذي قتل فيه الحسين عليه السّلام» (1).

2-روي عليّ بن مهزيار عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر عليه السّلام أنّه قال:«كأنّي بالقائم يوم عاشوراء يوم السّبت،قائما بين الرّكن و المقام،بين يديه جبرئيل ينادي:

البيعة للّه،فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

ص: 325


1- كمال الدين:654.
2- الغيبة/الشيخ الطوسي:453.

3-روي أبو بصير عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يخرج القائم إلاّ في وتر من السّنين:سنة إحدي أو ثلاث أو خمس،أو سبع أو تسع،و يقوم في يوم عاشوراء، و يظهر يوم السّبت العاشر من المحرّم قائما بين الرّكن و المقام،و شخص قائم علي يديه ينادي البيعة..البيعة،فيسير إليه أنصاره من أطراف الأرض يبايعونه،فيملأ اللّه تعالي به الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما،ثمّ يسير من مكّة حتّي يأتي الكوفة، فينزل علي نجفها،ثمّ يفرّق الجنود منها إلي جميع الأمصار» (1).

وقت نداء الملك

أمّا وقت نداء الملك أو جبرئيل بظهور الإمام المهدي عليه السّلام فهو في ليلة الثالث و العشرين من شهر رمضان المبارك،و قد دلّت علي ذلك بعض الروايات،منها:

رواية محمّد بن مسلم،قال:«سأل رجل الإمام أبا عبد اللّه عليه السّلام،فقال له:متي يظهر قائمكم؟

قال عليه السّلام:إذا كثرت الغواية،و قلّت الهداية-إلي أن قال:-فعند ذلك ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان،و يقوم في يوم عاشوراء» (2).

و قيل:«إنّ صيحة الملك تكون في شهر رمضان،و خروج الإمام يكون في شوّال في وتر من السّنين» (3).

سعة سلطانه

و الإمام المنتظر عليه السّلام هو أوّل حاكم في الإسلام يمتدّ حكمه في شرق الأرض

ص: 326


1- منتخب الأثر:465،نقلا عن كشف الأستار:223 و 224.
2- كشف الأستار:222.
3- ينابيع المودّة:220/3.

و غربها،فلا يكون في الدنيا حكم غير حكمه،و قد تظافرت الأخبار بذلك، و هذه بعضها:

1-روي ابن عبّاس:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال:إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه علي الخلق بعدي لاثنا عشر،أوّلهم أخي،و آخرهم ولدي.

قيل:يا رسول اللّه،من أخوك؟

قال:عليّ بن أبي طالب.

قيل:فمن ولدك؟

قال:المهديّ الّذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا،لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّي يخرج فيه ولدي المهديّ،فينزل روح اللّه عيسي بن مريم فيصلّي خلفه،و تشرق الأرض بنور ربّها،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب» (1).

2-روي أبو سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«لا تنقضي الدّنيا حتّي يملك الأرض رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله جورا،يملك سبع سنين» (2).

3-روي عبد اللّه بن عبّاس،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«ملك الأرض أربعة:

مؤمنان و كافران،فالمؤمنان:ذو القرنين و سليمان،و الكافران:بختنصّر و نمرود، و سيملكها خامس من أهل بيتي» (3).2.

ص: 327


1- ينابيع المودّة:165/3.غاية المرام:692.
2- عقد الدرر:236.
3- عقد الدرر:19 و 20.العرف الوردي:81/2.

و تظافرت الأحاديث عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و أوصيائه عليهم السّلام أنّ الإمام المنتظر يملك الدنيا بأسرها،و تدين بإمامته جميع شعوب العالم و أمم الأرض.

منهج حكمه

أمّا منهج حكم الإمام المنتظر عليه السّلام و سياسته فهو نشر العدل،و بسط الأمن و الرخاء بين جميع الناس.

إنّ سياسته علي ضوء كتاب اللّه و سنّة نبيّه،و يسير بسيرة جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،رائد العدالة الاجتماعيّة في الأرض،و يملأ الأرض عدلا و حقّا، و قد وردت كوكبة من الأخبار بذلك،و لنستمع إلي بعضها:

1-روي جابر عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام،قال:«يظهر المهديّ بمكّة عند العشاء، و معه راية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و قميصه و سيفه،و علامات نور و بيان،فإذا صلّي العشاء نادي بأعلي صوته:أذكّركم اللّه أيّها النّاس و مقامكم بين يدي ربّكم،و قد اتّخذ الحجّة، و بعث الأنبياء،و أنزل الكتاب،يأمركم أن لا تشركوا به شيئا،و أن تحافظوا علي طاعته و طاعة رسوله صلّي اللّه عليه و اله،و أن تحيوا ما أحيي القرآن،و تميتوا ما أمات،و تكونوا أعوانا علي الهدي،و وزراء علي التّقوي،فإنّ الدّنيا قد دنا فناؤها و زوالها،و آذنت بالوداع،و إنّي أدعوكم إلي اللّه و رسوله،و العمل بكتابه،و إماتة الباطل،و إحياء السّنّة» (1).

علي هذا النهج المشرق يسير داعية اللّه في الأرض يحيي الإسلام،و يرفع كلمة اللّه عالية في الأرض،و يميت الباطل،و يحقّ الحقّ،و يحيي كتاب اللّه،و سنّة نبيّه، و تعود للإسلام نضارته.

2-قال الإمام أبو جعفر عليه السّلام:«إذا قام قائمنا فإنّه يقسم بالسّويّة،و يعدل في خلق

ص: 328


1- الملاحم و الفتن/ابن طاووس:64،الباب 129.

الرّحمن،البرّ منهم و الفاجر» (1).

3-و قال عليه السّلام أيضا:«إذا قام قائمنا حكم بالعدل،و ارتفع في أيّامه الجور،و أمنت به السّبل،و أخرجت الأرض بركاتها،و ردّ كلّ حقّ إلي أهله» (2).

4-و عنه عليه السّلام:«يبلغ من ردّ المهديّ المظالم حتّي لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتّي يردّه» (3).

إنّ سياسة الإمام و منهجه في أيّام حكمه إقامة العدل بجميع رحابه و مفاهيمه، و إماتة الباطل،و إحياء سنن الإسلام.

إنّ منهج حكم الإمام المنتظر عليه السّلام امتداد ذاتي لمنهج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و منهج وصيّه و باب مدينة علمه،الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،فهو يقوم بالدور الذي قاما به، و قد سأل عبد اللّه بن عطاء المكّي الإمام الصادق عليه السّلام عن منهج حكم الإمام المنتظر عليه السّلام،فقال:«يهدم ما قبله كما صنع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و يستأنف الإسلام من جديد» (4).

أصحابه

اشارة

أمّا أصحاب الإمام المنتظر عليه السّلام فهم من خيار البشر في تقواهم و ورعهم و تحرّجهم في الدين،و نلمح بإيجاز إلي بعض شؤونهم:

ص: 329


1- بحار الأنوار:29/51.
2- الإرشاد:384/2.
3- الملاحم و الفتن/ابن طاووس:68،الباب 139.
4- الغيبة/النعماني:231.
سمتهم

و ألمحت بعض الأخبار إلي سمات أصحاب الإمام المنتظر عليه السّلام،فقد جاء في وصفهم ما يلي:

1-روي محمّد بن الحنفيّة:«أنّ رجلا سأل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عن الإمام المهدي،فقال عليه السّلام:يخرج في آخر الزّمان-ثمّ ذكر الإمام أوصاف أصحابه فقال:- فيجمع اللّه تعالي له قوما قزع كقزع السّحاب،يؤلّف اللّه بين قلوبهم،لا يستوحشون إلي أحد،و لا يفرحون بأحد يدخل فيهم» (1).

و معني هذا الحديث أنّهم علي بصيرة من أمرهم،و بيّنة من ربّهم،فلا يفرحون بمن التحق بهم،و لا يستوحشون بمن خرج منهم،قد ألّف اللّه بين قلوبهم،و أترعت نفوسهم الإيمان و حبّ اللّه،و التفاني في خدمة الإسلام،و الذبّ عن قيمه و أهدافه.

2-من كلام للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في وصفهم،قال:«قوم لم يمنّوا علي اللّه بالصّبر،و لم يستعظموا بذل أنفسهم في الحقّ،حتّي إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدّة البلاء حملوا بصائرهم علي أسيافهم،و دانوا لربّهم بأمر واعظهم» (2).

و حفل كلام الإمام بأروع آيات المدح و الثناء لأصحاب المنتظر عليه السّلام،دعاة الحقّ، و أنصار الإسلام،و حملة القرآن.

3-قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في وصفهم:«يجاهدهم في اللّه قوم أذلّة عند المتكبّرين،في الأرض مجهولون،و في السّماء معروفون» (3).

4-قال محيي الدين بن عربي:«يبايعه-أي الإمام المهدي-العارفون باللّه من

ص: 330


1- مستدرك الحاكم:554/4.تلخيص المستدرك/الذهبي:554/4. (2 و 3) ينابيع المودّة:437/3.

أهل الحقائق،عن شهود و كشف بتعريف إلهي،رجال إلهيّون يقيمون دعوته و ينصرونه،هم الوزراء،يحملون أثقال المملكة،و يعينونه علي ما قلّده اللّه تعالي».

و أضاف قائلا:«إنّ اللّه سيتوزر له طائفة خبّأهم في مكنون غيبه،أطلعهم اللّه كشفا و شهودا علي الحقائق» (1).

و هؤلاء الصفوة من المتّقين الأخيارهم أصحاب الإمام المنتظر عليه السّلام،و ولاة أموره، و وزراؤه الذين يقيمون معه الحقّ،و يؤسّسون العدل،و يدمّرون قلاع الظلم و الجور.

عددهم

أمّا عدد أصحاب الإمام الذين يبايعونه،فهم كعدد أصحاب بدر.

روي عبد اللّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:«المفقودون من فرشهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر،فيصبحون بمكّة،و هو قول اللّه عزّ و جلّ:

أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّٰهُ (2) ،و هم أصحاب المهديّ» (3).

و روي سليمان بن هارون العجلي،قال:«سمعت جعفر الصادق عليه السّلام يقول:إنّ أصحاب هذا الأمر-يعني القائم-محفوظون،لو ذهب النّاس جميعا أتي اللّه بأصحابه،و هم الّذين قال اللّه فيهم: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّٰهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكٰافِرِينَ (4)» (5).

ص: 331


1- تاريخ الخميس:321/2،نقلا عن الفتوحات المكّيّة:327/3.
2- البقرة 2:148.
3- منتخب الأثر:596.
4- المائدة 5:54.
5- ينابيع المودّة:237/3.

و قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«و اللّه إنّي لأعرفهم-أي أصحاب الإمام المهدي عليه السّلام- و أعرف أسماءهم و قبائلهم،و اسم أميرهم،و هم قوم يحملهم اللّه كيف شاء،من القبيلة الرّجل و الرّجلين-حتّي بلغ تسعة-فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر،و هو قول اللّه: أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّٰهَ عَليٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)،حتّي أنّ الرّجل ليحتبي فلا يحلّ حبوته حتّي يبلغه اللّه في ذلك» (2).

و روي أبو خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال:«المفقودون من فرشهم (3)ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،عدّة أهل بدر،و يصبحون بمكّة،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً ،و هم أصحاب القائم» (4).

مكان البيعة

اشارة

أمّا مكان بيعة أصحاب الإمام المنتظر عليه السّلام للإمام فهو في أقدس مكان و أجلّه، و هو ما بين الركن و مقام إبراهيم في بيت اللّه الحرام،و قد تواترت الأخبار بذلك (5).

شروط الإمام علي المبايعين له

و ذكر الرواة أنّ الإمام عليه السّلام يشترط علي من يبايعه في مكّة بما يلي:

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام-بعد وصفه لأصحاب الإمام المهدي عليه السّلام-:«إنّه

ص: 332


1- البقرة 2:148.
2- الغيبة/الشيخ الطوسي:477،و في الملاحم و الفتن/ابن طاووس:104/2 ذكر الإمام عليه السّلام في بعض خطبه أسماء أصحاب المنتظر و أسماء قبائلهم و بلدانهم.
3- و في نسخة:«المفتقدون».
4- كمال الدين:593.
5- عقد الدرر:136.الصواعق المحرقة:477/2.

يقول:بايعوا علي أربعين خصلة،و اشترطوا عشر خصال.

فقال الأحنف:ما هي؟

فقال عليه السّلام:يبايعونه علي أن لا يسرقوا،و لا يزنوا،و لا يقتلوا،و لا يهتكوا حريما محرّما،و لا يسبّوا مسلما،و لا يهجموا منزلا،و لا يضربوا أحدا إلاّ بحقّ،و لا يركبوا الخيل الهمالج (1)،و لا يتمنطقوا بالذّهب،و لا يلبسوا الخزّ،و لا يلبسوا الحرير، و لا يلبسوا النّعال الصّرّارة (2)،و لا يخرّبوا مسجدا،و لا يقطعوا طريقا،و لا يظلموا يتيما،و لا يخيفوا سبيلا،و لا يحتسبوا مكرا،و لا يأكلوا مال اليتيم،و لا يفسقوا بغلام،و لا يشربوا الخمر،و لا يخونوا الأمانة،و لا يخلفوا العهد،و لا يحبسوا طعاما من برّ أو شعير،و لا يقتلوا مستأمنا،و لا يتبعوا منهزما،و لا يسفكوا دما،و لا يجهزوا علي جريح،و يلبسوا الخشن من الثّياب،و يوسّدوا الخدود علي التّراب (3)،و يأكلوا الشّعير،و يرضون بالقليل،و يجاهدون في اللّه حقّ جهاده،و يشمّون الطّيب، و يكرهون (4)النّجاسة.

و يشترط لهم علي نفسه ألاّ يتّخذ صاحبا،و يمشي حيث يمشون،و يكون من حيث يريدون،و يرضي بالقليل،و يملأ الأرض بعون اللّه عدلا كما ملئت جورا،يعبد اللّه حقّ عبادته» (5).9.

ص: 333


1- الهمالج:فارسي معرّب،و هو من البراذين التي تمشي مشيا شبه الهرولة.
2- الصرارة:هو جلد العقبان التي تأكل الحياة.
3- في الأصل:«و يوسّدوا التّراب علي الخدود»،و العكس هو الصحيح،و هو كناية عن تواضعهم.
4- الكراهة تحمل علي الحرمة لا علي معناها الظاهر.
5- المهدي الموعود:11/2،نقلا عن الملاحم و الفتن/ابن طاووس:149،الباب 79.

و تهدف هذه الخصال إلي نشر العدل،و بسط المساواة،و إقامة حكم اللّه تعالي في الأرض بحيث لا يبقي ظلّ لكبرياء الحكّام و لا لأعوانهم.

إنّ الحكم الذي ينشده الإسلام هو أن يتساوي الحاكم و المحكوم في جميع الحقوق و الواجبات،و لا يكون امتياز للحاكم علي غيره من أبناء الشعب،و هو أسمي ما تحلم به البشريّة من العدل و الكرامة الذي تصبو إليه.

حامل لواء الإمام عليه السّلام

أمّا حامل لواء الإمام المهدي عليه السّلام فهو فذّ من أفذاذ العلويّين،و قد صرّحت الأخبار الواردة عن أئمّة الهدي عليهم السّلام باسمه،و هو شعيب بن صالح،و هو الذي يأتي من خراسان يقود جيشا عظيما لمبايعة الإمام عليه السّلام و نصرته (1).

و قيل:إنّه من تميم،و هو الذي يهزم السفياني حتّي ينزل بيت المقدس فيوطّئ للإمام المهدي سلطانه،و تكون المدّة بين خروجه و بين تسليمه الأمر للإمام اثنان و سبعون شهرا (2).

و روي أنّ لواء الإمام عليه السّلام قد كتب عليه«البيعة للّه» (3)،و هو يرمز إلي أنّ بيعة الإمام إنّما هي بيعة للّه،و أنّ حكمه حكم اللّه تعالي.

مدّة حكمه

و اختلف الرواة في مدّة حكم الإمام المهدي عليه السّلام و ذلك لاختلاف الروايات، و هذه بعضها:

ص: 334


1- كنز العمّال:588/4.
2- الملاحم و الفتن:52 الباب 62.
3- الملاحم/ابن طاووس:68،الباب 141.

1-«إنّ حكمه أربعون سنة»،روي ذلك عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام (1).

2-«مدّة حكمه ثلاثون سنة» (2).

3-«إحدي و عشرون سنة مدّة حكمه» (3).

انتشار الخير في أيّامه

و تظافرت الأخبار بانتشار الخير و البركات في أيّام حكم الإمام عليه السّلام،و هذه بعض الأخبار:

1-روي أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«تنعم أمّتي فيه-أي في حكم المهدي-نعمة لم ينعموا مثلها قطّ،تؤتي الأرض أكلها لا تدّخر عنهم شيئا،و المال يومئذ كدوس يقوم الرّجل فيقول:يا مهديّ،أعطني،فيقول:خذ» (4).

2-روي أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:«يخرج في آخر أمّتي المهديّ، يسقيه اللّه الغيث،و تخرج الأرض نباتها،و يعطي المال صحاحا،و تكثر الماشية، و تعظم الأمّة» (5).

3-أدلي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بحديث عن الإمام المهدي عليه السّلام جاء فيه:

«يبعث المهديّ إلي أمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين النّاس،و ترعي الشّاة و الذّئب

ص: 335


1- عقد الدرر:240-241.
2- عقد الدرر:306.
3- إسعاف الراغبين(بهامش نور الأبصار):153.انظر عقد الدرر:239،عشرون سنة و غيرها.
4- مستدرك الحاكم:558/4.سنن ابن ماجة:1367/2.
5- مستدرك الحاكم:557/4-558.

في مكان واحد».

و أضاف:

«و يذهب الشّرّ،و يبقي الخير،و يزرع الإنسان مدّا و تخرج له سبعة أمداد،كما قال اللّه تعالي،و يذهب الزّنا،و شرب الخمر،و يذهب الرّبا،و يقبل النّاس علي العبادات و الشّرع و الدّيانة و الصّلاة في الجماعات،و تطول الأعمار،و تؤدّي الأمانات،و تحمل الأشجار،و تتضاعف البركات،و تهلك الأشرار،و تبقي الأخيار،و لا يبقي من يبغض أهل البيت» (1).

و بهذا تنتهي الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب،سائلين اللّه تعالي أن يعجّل فرج وليّه العظيم لينقذ المسلمين من واقعهم المرير،فقد أحاطت بهم ذئاب البشريّة تنهب ثرواتهم،و تسلب حرّيّتهم و كرامتهم،و تجرّعهم أقسي ألوان المحن و الخطوب،و التي من أمرّها و أقساها أنّها عمدت إلي إخراج المسلمين عن أوطانهم و ديارهم في فلسطين،و استبدلت مكانهم اليهود الذين جلبتهم من جميع أقطار الدنيا،و جعلت فلسطين وطنا لهم،و زوّدتهم بجميع أنواع الأسلحة المتطوّرة ليكونوا قوّة ضاربة ضدّ العالم الإسلامي،و يتحكّموا في مصير المسلمين سياسيا و اقتصاديّا،فأيّ هوان مثل هذا الهوان؟

اللهمّ إنّا نشكو إليك تظافر القوي الكافرة علي إذلال المسلمين،و إرغامهم علي ما يكرهون،فأنقذهم اللّهمّ بوليّك العظيم الذي ادّخرته لنصرة دينك،و إعلاء كلمتك،و قهر أعدائك.

و إنّ خير ما نختم به هذا الكتاب هو الدعاء للإمام المنتظر عليه السّلام بهذا الدعاء الشريف الذي دعا به له جدّه الإمام الرضا عليه السّلام،قال:6.

ص: 336


1- منتخب الأثر:474،نقلا عن كشف الأستار:186.

«اللّهمّ ادفع عن وليّك و خليفتك و حجّتك علي خلقك،و لسانك المعبّر عنك،النّاطق بحكمتك،و عينك النّاظرة بإذنك،و شاهدك علي عبادك، الجحجاح المجاهد العائذ بك،العابد عندك،و أعذه من شرّ جميع ما خلقت و برأت و أنشأت و صوّرت،و احفظه من بين يديه،و من خلفه،و عن يمينه، و عن شماله،و من فوقه،و من تحته بحفظك الّذي لا يضيع من حفظته به، و احفظ فيه رسولك و آبائه أئمّتك و دعائم دينك،و اجعله في ودائعك الّتي لا تضيع،و في جوارك الّذي لا يخفر،و في منعك و عزّك الّذي لا يقهر،و آمنه بأمانك الوثيق الّذي لا يخذل من آمنته به،و اجعله في كنفك الّذي لا يرام من كان فيه،و انصره بنصرك العزيز،و أيّده بجندك الغالب،و قوّة بقوّتك،و أردفه بملائكتك،و وال من والاه،و عاد من عاداه،و البسه درعك الحصينة،و حفّه بالملائكة حفّا.

اللّهمّ اشعب به الصّدع،و ارتق به الفتق،و أمت به الجور،و أظهر به العدل،و زيّن بطول بقائه الأرض،و أيّده بالنّصر،و انصره بالرّعب،و قوّ ناصريه،و اخذل خاذليه،و دمدم من نصب له،و دمّر من غشّه،و اقتل به جبابرة الكفر و عمده و دعائمه،و اقصم به رؤوس الضّلالة،و شارعة البدع، و مميتة السّنّة،و مقوّية الباطل،و ذلّل به الجبّارين،و أبر به الكافرين،و جميع الملحدين في مشارق الأرض و مغاربها،و برّها و بحرها،و سهلها و جبلها، حتّي لا تدع منهم ديّارا،و لا تبقي لهم آثارا.

اللّهمّ طهّر منهم بلادك،و اشف منهم عبادك،و أعزّ به المؤمنين،و أحيي به

ص: 337

سنن المرسلين،و دارس حكم النّبيّين،و جدّد به ما امتحي من دينك،و بدّل من حكمك حتّي تعيد دينك به و علي يديه جديدا غضّا محضا صحيحا لا عوج فيه و لا بدعة معه،و حتّي تنير بعدله ظلم الجور،و تطفئ به نيران الكفر،و توضح به معاقد الحقّ و مجهول العدل،فانّه عبدك الّذي استخلصته لنفسك،و اصطفيته علي غيبك،و عصمته من الذّنوب،و برّأته من العيوب، و طهّرته من الرّجس،و سلّمته من الدّنس.

اللّهمّ فانّا نشهد له يوم القيامة و يوم حلول الطّامّة أنّه لم يذنب ذنبا، و لا أتي حوبا،و لم يرتكب معصية،و لم يضيّع لك طاعة،و لم يهتك لك حرمة،و لم يبدّل لك فريضة،و لم يغيّر لك شريعة،و أنّه الهادي المهتدي الطّاهر التّقيّ النّقي الرّضيّ الزّكيّ.

اللّهمّ أعطه في نفسه و أهله و ولده و ذرّيّته و أمّته و جميع رعيّته ما تقرّ به عينه،و تسرّ به نفسه،و تجمع له ملك المملكات كلّها،قريبها و بعيدها، و عزيزها و ذليلها،حتّي يجري حكمه علي كلّ حكم،و يغلب بحقّه كلّ باطل.

اللّهمّ اسلك بنا علي يديه منهاج الهدي،و المحجّة العظمي،و الطّريقة الوسطي الّتي يرجع إليها الغالي،و يلحق بها التّالي،و قوّنا علي طاعته،و ثبّتنا علي مشايعته،و امنن علينا بمتابعته،و اجعلنا في حزبه و القوّامين بأمره، و الصّابرين معه،الطّالبين رضاك بمناصحته حتّي تحشرنا يوم القيامة في

ص: 338

أنصاره و أعوانه و مقوّية سلطانه.

اللّهمّ و اجعل ذلك لنا خالصا من كلّ شكّ و شبهة و رياء و سمعة،حتّي لا نعتمد به غيرك،و لا نطلب به إلاّ وجهك،و حتّي تحلّنا محلّه،و تجعلنا في الجنّة معه،و أعذنا من السّامة و الكسل و الفترة،و اجعلنا ممّن تنتصر به لدينك،و تعزّ به نصر وليّك،و لا تستبدل بنا غيرنا،فانّ استبدالك بنا غيرنا عليك يسير،و هو علينا كثير.

اللّهمّ صلّ علي ولاة عهده،و الأئمّة من بعده،و بلّغهم آمالهم،و زد في آجالهم،و أعزّ نصرهم،و تمّم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم،و ثبّت دعائمهم،و اجعلنا لهم أعوانا،و علي دينك أنصارا،فانّهم معادن كلماتك، و خزّان علمك،و أركان توحيدك،و دعائم دينك،و ولاة أمرك،و خالصتك من عبادك،و صفوتك من خلقك،و أولياؤك و سلائل أوليائك،و صفوة أولاد نبيّك،و السّلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته» (1).2.

ص: 339


1- البلد الأمين:81 و 82.

ص: 340

المحتويات

الإهداء 7

كلمة المحقّق 9

بين يديك أيّها المصلح العظيم 11

تقديم 13-22

مشرق النور 23-40

الأب 23

الأمّ 23

اسمها الشريف 24

الثناء عليها 25

الوليد المبارك 26

مراسيم الولادة 28

إطعام عامّ 29

تباشر الشيعة بولادته عليه السّلام 29

التهاني بولادته عليه السّلام 29

تسميته عليه السّلام 31

ألقابه عليه السّلام 31

1-المهدي 31

2-القائم 32

3-المنتظر 32

ص: 341

4-الحجّة 32

5-الخلف الصالح 32

كنيته عليه السّلام 32

سنة ولادته عليه السّلام 32

استحباب الدعاء في ليلة ولادته عليه السّلام 33

عرضه علي الشيعة 34

ملامحه و صفاته 35

شبهه عليه السّلام بالنبيّ صلّي اللّه عليه و اله 36

رواية موضوعة 39

عناصره النفسيّة و سيرته 41-50

1-سعة علومه 41

2-زهده عليه السّلام 42

3-صبره عليه السّلام 43

4-عبادته عليه السّلام 44

دعاؤه عليه السّلام في قنوت صلاته 44

دعاء آخر له في القنوت 47

5-شجاعته عليه السّلام 48

6-صلابته عليه السّلام في الحقّ 48

7-سخاؤه عليه السّلام 49

من تراثه الرائع 51-119

أدعيته 51

1-دعاؤه عليه السّلام للمسلمين 52

2-دعاؤه عليه السّلام للمؤمنين 52

ص: 342

3-دعاؤه عليه السّلام لقضاء الحوائج 53

4-دعاؤه عليه السّلام للشفاء من الأسقام 54

5-زيارة و دعاء 54

6-دعاؤه عليه السّلام للفرج 57

7-دعاؤه عليه السّلام لشيعته 59

8-دعاؤه عليه السّلام للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله و لأئمّة الهدي عليهم السّلام 59

9-دعاؤه عليه السّلام للخلاص من السجن 63

زيارته للإمام الحسين عليه السّلام 64

رسائله عليه السّلام 76

1-رسالته عليه السّلام إلي أحمد بن إسحاق 76

2-رسالته عليه السّلام إلي العمري و ابنه 79

3-رسالته عليه السّلام إلي بعض شيعته 81

4-رسالته عليه السّلام إلي محمّد الأسدي 83

5-جوابه عليه السّلام عن أسئلة إسحاق 84

6-رسائله عليه السّلام إلي الشيخ المفيد 88

الرسالة الأولي 89

الرسالة الثانية 92

نماذج من فقهه عليه السّلام 96

1-مسائل محمّد بن عبد اللّه بن جعفر 96

2-مسائل أخري لمحمّد 100

3-مسائل محمّد 106

4-مسائل محمّد 110

ص: 343

الغيبة الصغري و الكبري 121-166

في ظلال أبيه عليه السّلام 121

الإمام العسكري عليه السّلام في ذمّة الخلود 122

نصّه علي الإمام المنتظر عليه السّلام 123

اغتيال الإمام العسكري عليه السّلام 127

اضطراب السلطة 127

إلي جنّة المأوي 127

تجهيزه عليه السّلام 128

مواكب التشييع 129

في مقرّه الأخير 129

كبس دار الإمام عليه السّلام 129

وفد القمّيّين 130

جعفر و الخليفة 132

الغيبة الصغري 134

الزمان 134

المكان 134

مخاريق و أباطيل 134

1-سرداب في بابل 135

2-السرداب في سامراء 136

الذين قالوا بغيبة الإمام في سرداب داره من مؤرخي السنّة:

1-السويدي 137

2-ابن تيميّة 137

3-ابن حجر 137

ص: 344

4-القصيمي 138

التحقيق في الموضوع 138

رأي علماء الشيعة:

1-الحجّة النوري 139

2-العلاّمة صدر الدين 139

3-المحقّق الإربلي 139

4-المحقّق الأميني 139

سفراؤه الممجّدون 140

1-عثمان بن سعيد العمري رضي اللّه عنه 140

خدمته للأئمّة 140

وثاقته 141

نيابته عن الإمام المنتظر عليه السّلام 142

وفاته 142

تأبين الإمام عليه السّلام له 142

2-محمّد بن عثمان رضي اللّه عنه 143

وثاقته و عدالته 143

التقاؤه بالإمام عليه السّلام في الكعبة 144

مؤلّفاته 145

نيابته عن الإمام عليه السّلام 145

وفاته 145

3-الحسين بن روح رضي اللّه عنه 146

مناظرته مع معاند 146

صلابته رضي اللّه عنه 148

ص: 345

إيثاره رضي اللّه عنه للتقيّة 148

مع عليّ القمّي 148

وفاته رضي اللّه عنه 149

4-عليّ بن محمّد السّمري رضي اللّه عنه 149

وفاته رضي اللّه عنه 150

ولاية الفقيه 151

مسؤوليّات الفقيه 153

الغيبة الكبري 154

دجّالون 154

1-أحمد بن هلال الكرخي 154

براءة الإمام المنتظر عليه السّلام منه 155

2-الحسن الشريعي 155

3-الحسين بن منصور الحلاّج 155

4-محمّد بن عليّ 158

مدّعون للمهدويّة 159

1-مهدي السودان 159

ابتداء دعوته 160

من منشوراته 160

استيلاؤه علي السودان 164

وفاته 165

2-مهدي تهامة 165

3-مهدي السنغال 165

4-مهدي سوسة 166

ص: 346

5-مهدي الصومال 166

أضواء علي غيبة الإمام عليه السّلام 167-200

أسباب الغيبة 167

1-الخوف عليه من العبّاسيّين 167

رسالة الخوارزمي إلي أهالي نيسابور 172

مناقشة الخنيزي 189

2-الامتحان و الاختبار 190

3-الغيبة من أسرار اللّه تعالي 191

4-عدم بيعته لظالم 191

تساؤلات 192

1-ما الفائدة في غيابه؟192

2-امتداد عمره عليه السّلام 196

3-لماذا هذا العمر المديد؟198

4-لماذا لم يظهر؟198

5-كيف يمكن قيام الإمام بالإصلاح العالمي؟199

المبشّرون بظهوره 201-225

1-النبيّ صلّي اللّه عليه و اله 201

2-أمير المؤمنين عليه السّلام 208

3-الإمام الحسن عليه السّلام 210

4-الإمام الحسين عليه السّلام 212

5-الإمام زين العابدين عليه السّلام 213

6-الإمام الباقر عليه السّلام 214

7-الإمام الصادق عليه السّلام 215

ص: 347

8-الإمام الكاظم عليه السّلام 217

9-الإمام الرضا عليه السّلام 218

10-الإمام الجواد عليه السّلام 220

11-الإمام الهادي عليه السّلام 222

12-الإمام العسكري عليه السّلام 223

ظهور المصلح العظيم فكرة مقدّسة و قديمة 227-237

المنقذ و المصلح عند النصاري 228

عودة المسيح لإصلاح العباد 228

1-إنجيل يوحنّا 229

2-إنجيل لوقا 229

3-إنجيل متّي 229

علامات ظهور المسيح 230

المصلح المنتظر عند اليهود 232

كيفيّة ظهوره و منهج حكمه 232

أمارات ظهوره 233

النعيم الشامل بعد ظهور المنتظر 236

مؤمنون و منكرون 239-284

المؤمنون بوجود الإمام المنتظر عليه السّلام 239

1-محمّد بن طلحة الشافعي 240

2-ابن العربي 241

3-ابن الصبّاغ المالكي 243

4-ابن الأثير 244

5-ابن الجوزي 244

ص: 348

6-أبو الفداء 244

7-القرماني 245

8-ابن خلّكان 245

9-الذهبي 245

10-سراج الدين الرفاعي 245

11-الشيخ الشبلنجي 246

12-سليمان بن خواجة 246

13-عبد الوهاب الشعراني 247

14-خير الدين الزركلي 247

15-البيهقي 247

16-حسين الكاشفي 248

17-الشعراني 248

18-صلاح الدين الصفدي 248

19-محمّد البخاري 248

20-السيّد أحمد دحلان 249

الكتب المؤلّفة في المهدي عليه السّلام 250

مع الشعراء المؤمنين بالإمام المنتظر عليه السّلام 255

1-الكميت 255

2-السيّد الحميري 255

3-دعبل الخزاعي 256

4-الشهيد زيد بن عليّ عليه السّلام 257

5-الورد بن زيد 257

6-مصعب بن وهب 258

ص: 349

7-محمّد بن إسماعيل الصيمري 259

8-علي الخوافي 259

9-القاسم بن يوسف 260

10-ابن الرومي 260

11-يحيي بن أعقب 262

12-فضل بن روزبهان 262

13-عبد الرحمن البسطامي 263

14-أبو الغوث الطهوي المنبجي 264

15-ابن أبي الحديد 264

16-عامر البصري 265

17-أبو المعالي 266

18-أبو سالم كمال الدين أبو طلحة الشافعي 265

19-الخليعي 266

20-السيّد علي خان 267

21-بهاء الدين العاملي 267

22-الحرّ العاملي 271

23-السيّد حيدر الحلّي 272

رائعة أخري للسيّد حيدر 274

24-عبد الغني العاملي 276

25-إبراهيم حسن قفطان 278

26-السيّد رضا الهندي 278

27-الشيخ محمّد السماوي 279

المنكرون للإمام عليه السّلام 281

ص: 350

1-ابن خلدون 281

2-محمّد أمين البغدادي 281

3-أحمد كسروي 282

4-أحمد أمين 283

5-شكري أفندي 284

علامات ظهوره 285-323

العلامات الحتميّة 285

انتشار الظلم 285

أشراط الساعة 291

خروج الدجّال 302

تظافر الأخبار بظهوره 302

ألقابه 305

كنيته 305

أوصافه 306

رواية موضوعة 306

بلاء المؤمنين به 307

جنوده و أتباعه 308

إيمان اليهود بالدجّال 308

أمارات ظهوره 309

تسخير الكنوز له 310

نهايته 310

خروج السفياني 311

نسبه 311

ص: 351

ملامحه 311

صفاته النفسيّة 311

حديث للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عن السفياني 312

مدّة حكمه 316

الرايات السود 316

النداء من السماء 318

صلاة المسيح خلف الإمام المهدي عليه السّلام 321

زمان ظهوره و مكانه 325-339

الزمان 325

وقت نداء الملك 326

سعة سلطانه 326

منهج حكمه 328

أصحابه 329

سمتهم 330

عددهم 331

مكان البيعة 332

شروط الإمام عليه السّلام علي المبايعين له 332

حامل لواء الإمام عليه السّلام 334

مدّة حكمه 334

انتشار الخير في أيّامه 335

المحتويات 341-352

ص: 352

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.