المدخل الی دراسه نص الغدیر

اشارة

سرشناسه:آصفی، محمدمهدی، 1317 -

عنوان و نام پديدآور:المدخل الی دراسه نص الغدیر/ المولف محمد مهدی الاصفی.

مشخصات نشر:قم: المجمع العالمی لاهل البیت (ع)، المعاونیه الثقافیه، 1433ق= 1390.

مشخصات ظاهری:202 ص.؛ 5/13× 20 س م.

شابک:964-529-119-4

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:عربی

يادداشت:چاپ قبلی: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1376.

يادداشت:چاپ اول: 1386 (فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه: ص [185] - 196.

موضوع:غدیر خم

امامت

شناسه افزوده:مجمع جهانی اهل بیت (ع). معاونت فرهنگی

رده بندی کنگره:BP223/5/آ6م4 1391

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م85-47130

خیراندیش دیجیتالی : جناب آقای سید علی بحرینی به نیابت از مرحومه حاجیه خانم کسایی _گروه هم پیمانان موعود غدیر.

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

المدخل الی دراسة نصّ الغدیر

ص: 4

اهل بیت فی القرآن الکریم

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

سوره الاحزاب آیه 33

ص: 5

اهل البیت في السنة النبویة

إِنِّی تَارِکٌ فِیکُمُ الثَّقَلَیْنِ کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی ما إِنْ تَمَسَّکْتُمْ بهما لَنْ تَضلُّوا أبَداً

ص: 6

كلمة المجمع

إن تراث أهل البيت علیهم السلام الذي اختزنته مدرستهم وحفظه من الضياع اتباعهم يعبر عن مدرسة جامعة لشتی فروع المعرفة الإسلامية. وقد استطاعت هذه المدرسة أن تربي النفوس المستعدة للاغتراف من هذا المعين، وتقدم للأمة الإسلامية كبار العلماء المحتذين لطی أهل البيت الرسالية، مستوعبين إثارات وأسئلة شتى المذاهب والاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلامية وخارجها، مقدمين لها أمتن الأجوبة والحلول على مدى القرون المتتالية.

وقد بادر المجمع العالمي لأهل البيت - منطلقة من مسؤولياته التي أخذها على عاتقه . للدفاع عن حريم الرسالة وحقائقها التي ضب عليها أرباب الفرق والمذاهب وأصحاب الاتجاهات المناوئة للإسلام، مقتفيأ خطى أهل البيت وأتباع مدرستهم الرشيدة التي حرصت في الرد على التحديات المستمرة، وحاولت أن تبقى على الدوام في خط المواجهة وبالمستوى المطلوب في كل عصر.

إن التجارب التي تختزنها کتب علماء مدرسة أهل البيت في هذا المضمار فريدة في نوعها ؛ لأنها ذات رصيد علمي يحتكم الى العقل والبرهان ويستجب الهوى والتعصب المذموم، ويخاطب العلماء

ص: 7

والمفكرين من ذوي الاختصاص خطابا يستسيغه العقل وتتقبله الفطرة السليمة.

وقد حاول المجمع العالمي لأهل البيت أن يقدم لطلاب الحقيقة مرحلة جديدة من هذه التجارب الغنية من خلال مجموعة من البحوث والمؤلفات التي يقوم بتصنيفها مؤلفون معاصرون من المنتمين لمدرسة أهل البيت ، أو من الذين أنعم الله عليهم بالإلتحاق بهذه المدرسة الشريفة، فضلا عن قيام المجمع بنشر وتحقيق ما يتوخى فيه الفائدة من مؤلفات علماء الشيعة الأعلام من القدامى أيضا لتكون هذه المؤلفات منهلا عذبا للنفوس الطالبة للحق، لتنفتح على الحقائق التي تقدمها مدرسة أهل البيت الرسالية للعالم أجمع، في عصر تتكامل فيه العقول وتتواصل النفوس والأرواح بشكل سريع وفريد.

ونتقدم بالشكر الجزيل لسماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي لهذا الجهد العلمي الذي نضعه بين يدي قراء العربية ولكل الإخوة الذين ساهموا في اخراجه.

وكلنا أمل ورجاء بأن نكون قد قدمنا ما استطعنا من جهد أداء لبعض ما علينا تجاه رسالة ربنا العظيم الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.

ص: 8

الاتّجاهات الثلاثة في مسألة الإمامة

من خلال قراءة في تاريخ الفقه والكلام الإسلاميين نلتقي ثلاثة اتجاهات وآراء في مسألة الإمامة والولاية بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهي:

أولاً: نظرية انعقاد الإمامة بالغلبة والثورة المسلّحة.

ثانياً: نظرية الاختيار.

هاتان النظريتان لجمهور أهل السنّة.

ثالثاً: نظرية النص، وهي نظرية الشيعة الإمامية.

وفيما يلي نحاول، إن شاء اللّه، إلقاء نظرة على كلٍّ من هذه النظريات الثلاث ونقدها ومناقشتها.

ص: 9

ص: 10

الاتجاه الاول: انعقاد الامامة بالثورة المسلحة و نقده

اشارة

ص: 11

ص: 12

أولاً: انعقاد الإمامة بالثورة المسلّحة (الغلبة)

اشارة

يذهب جمهور فقهاء أهل السنّة إلى انعقاد الإمامة للحاكم بالثورة المسلحة والسيطرة على مواقع القوة وإسقاط النظام بالقوة العسكرية، ولا يحتاج انعقاد الإمامة حينئذٍ إلى عقد البيعة من قِبَل جمهور المسلمين أو من جانب أهل الحل والعقل. وهذا مذهب معروف وقديم عند أهل السنّة.

يقول أبو يعلى الفرّاء: قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس بن مالك العطار: (ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً بَرّاً كان أو فاجراً).

وقال أحمد أيضاً في رواية أبي الحرث: يخرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم، تكون الجمعة مع من غلب. واحتج بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة، وقال: (نحن مع من غلب)(1).

ص: 13


1- الأحكام السلطانية لأبي يعلى: 23، 24.

ويقول التفتازاني في (شرح المقاصد): إذا مات الإمام وتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقهر الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له. وكذا إذا كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر، إلا أنّه يُعصى بما فعل، ويجب طاعة الإمام ما لم يخالف حكم الشرع سواءً كان عادلاً أو جائراً(1).

ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان: وجمهور العلماء على انعقادها بهذا الطريق سواء أكانت شروط الإمامة متوافرة في هذا المتغلب أو لم تتوافر فيه، حتى ولو كان المتغلب فاسقاً أو جاهلاً انعقدت إمامته(2)، بل لو تغلبت امرأة على الإمامة انعقدت لها(3)، وكذا إذا تغلب عليها عبد(4)؛ وذلك لأنّ العلماء ينظرون إلى أنّه لو قيل بعدم انعقاد إمامة المتغلب لأدّى ذلك إلى وقوع الفتن بالتصادم بين المتغلب ومعاونيه، وبين الإمام الموجود ومن يقف بجانبه، ولانتشر الفساد بين الناس بعدم انعقاد الأحكام التي صدرت عن هذا المتغلب، إذ يلزم عليه عدم صحة زواج من زوّجها؛ لأنه لا ولي لها، وإنّ من يتولّى إمامة المسلمين بعده عليه أن يقيم الحدود أولاً ويأخذ الجزية ثانياً.0.

ص: 14


1- شرح المقاصد 233:5.
2- مآثر الأنافة في معالم الخلافة لأحمد بن عبد اللّه القلقشندي 58:1.
3- إرشاد الساري للقسطلاني 263:10.
4- إرشاد الساري للقسطلاني 264:10.

بل إنّ العلماء نصّوا على أنّه لو تغلب آخر على هذا المتغلب فقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إماماً(1)، فالعلماء يقارنون بين نوعين من الشر، فيختارون أهونهما إلى الأُمّة، ولا يفتون بتعريضها لأعظم الشرّين(2).

المناقشة:

وهذا كلام لا يسلم من المؤآخذة والمناقشة، ونلخّص نحن مؤآخذاتنا على هذا الاستدلال في ثلاث نقاط:

النقطة الأُولى: أنّ الأصل في الموقف الشرعي من الفئات التي تغتصب السلطة الشرعيّة ليس هو الاستسلام والقبول والانقياد، وإنما الرفض والرد وتحريم الركون.

حتى فيما إذا عجزت الأُمّة عن أداء فريضة النهي عن المنكر كان من غير الممكن إحباط الثورة المسلّحة، ونصرة الإمام المغلوب على أمره.

أقول: حتى في هذه الحالة يكون الكفّ عن المقاومة والرفض استثناءً وليس بأصل، والأصل هو المقاومة، ولا ننفي هذا الاستثناء في ظرفه الخاص به، إلا أنّ الاستثناء يبقى استثناءً، ولا

ص: 15


1- حاشية ابن عابدين 428:3.
2- رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي: 293-294.

يتحوّل إلى أصل.

وعندما نستعرض كلمات هؤلاء الأعلام نجد أنهم يقررون الحكم بالتسليم والركون والانقياد وحرمة المعارضة والمقاومة على نحو الأصل، وليس على نحو الاستثناء.

وقد قرأنا قبل قليل كلمة الإمام أحمد برواية عبدوس بن مالك القطان: ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً، برّاً كان أو فاجراً.

النقطة الثانية: أنَّ مآل هذا الاستدلال - إذا سَلِمَ من المؤآخذة الأُولى - إلى قاعدة الضرر المعروفة لدى الفقهاء، والتي تبتني على الحديث المعروف عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام »(1).

الاستدلال بقاعدة الضرر

وتقرير الاستدلال ب (قاعدة الضرر): أنّ المقاومة والرفض إذا كانا يتسببان للمؤمنين بضرر بليغ وكان الضرر فيها أكبر من نفعها... فإنّ قاعدة الضرر ترفع الحكم بتحريم الركون للظالم، كما ترفع الحكم

ص: 16


1- نصب الراية لأحاديث الهداية / الزيلعي 384:4. من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 334:4 حديث 5718.

بوجوب المقاومة والرد، إذا كانت هذه المقاومة سبباً للإضرار بالمؤمنين.

فإنّ القاعدة في هذه الحالة تكون - كما يقول علماء الأصول - حاكمة على إطلاقات الأحكام الأولية المقتضية للمقاومة والرد والرفض، وترفع إطلاقها، وتقيّدها بما إذا لم تكن ضررية، كما أنّ وجوب الصلاة والوضوء والصوم في إطلاقات وجوبها يرتفع في حالات الضرر. ومهمّة دليل الضرر هو التصرف في ناحية المحمول ورفع الحكم فيما إذا كان ضررياً، سواءً كان حكماً تكليفياً كما في الأمثلة المتقدمة، أو حكماً وضعياً كاللزوم في المعاملات الضررية.

قاعدة الضرر رافعة وليست بمشرّعة

والمناقشة في هذا الاستدلال واضحة، فإنّ دليل الضرر يرفع الحكم الذي ينشأ منه الضرر على المكلّف، سواءً كان حكماً تكليفياً كوجوب الصلاة والصيام، أو حكماً وضعياً كاللزوم في المعاملة، دون أن يكون لدليل (الضرر) تأثير في وضع الحكم الذي يكون عدمه ضررياً للمكلف سواءً في ذلك الحكم الوضعي والحكم التكليفي.

ولذلك يقول الفقهاء: إنّ دليل الضرر رافع فقط وليس بمشرّع ولا واضع.

فلا يمكن إثبات الضمان مثلاً بقاعدة الضرر في المعاملات التي

ص: 17

يترتب فيها الضرر على عدم الضمان.

وعليه فلا يمكن الاستدلال بهذا الدليل بأكثر من رفع الإلزام بمقاومة الحاكم الظالم المتغلب، ورفع وجوب النهي عن المنكر، ومقاومة الفئة الظالمة المتغلبة على الأمر.

وهذا هو أقصى ما يمكن استفادته من دليل الضرر الذي هو روح الاستدلال الذي قرأناه في النص المتقدم، ولا يتكفل دليل الضرر إثبات شرعية الإدارة التي قامت بصورة غير مشروعة، وانعقاد الإمامة للحاكم الذي فرض سلطانه على المسلمين بالانقلاب العسكري، من دون بيعة ورضاً من المسلمين.

كما لا يثبت دليل الضرر صحة الزواج الذي يعقده الحاكم الذي جاء بطريقة غير مشروعة لغير البالغة ولغير البالغ، ولا يثبت له الحق في إجراء الحدود الشرعية، أو شرعية نزع الأملاك وجباية الأموال، فإنّ مقتضى دليل الضرر - كما ذكرنا - لا يزيد على الرفع، ولا يصل إلى مرحلة الوضع.

وليس ما وراء هذا الدليل دليل آخر للحكم بوجوب الانقياد للظالم المتغلب على البلاد والعباد.

النقطة الثالثة: وأبلغ من ذلك كله في مجافاة روح الإسلام تصريح فريق من الفقهاء بانعقاد الإمامة للحاكم المتغلب حتى إذا كان فاسقاً، ظاهر الفسق، جاهلاً، بيّن الجهل، فاجراً، مجاهراً بالمنكرات، لا

ص: 18

يتورّع عنها.

وقد أوجبوا طاعة الحاكم المنتصر المتغلب مع كل هذه الصفات، والقرآن والسنّة الصحيحة صريحان في الرفض، والرد، والمقاومة، ووجوب النهي عن المنكر، وحرمة الركون والطاعة.

يقول تعالى: (وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) هود: 113.

ويقول تعالى: (وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) * (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ) الشعراء: 151-152.

ويقول تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) الإنسان: 24.

ويقول تعالى: (وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً) النساء: 115.

ويقول تعالى: (وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) الكهف: 28.

ويقول تعالى: (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)

ص: 19

(وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء: 60.

ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً) النساء: 97.

وهذه الآية الكريمة وإن كانت تخص من حيث المورد المستضعفين من المسلمين من الذين لم يهاجروا مع رسول اللّه إلى المدينة، ولم يلتحقوا به، إلا أنّ المورد لا يخصص الوارد، وتبقى الآية المباركة على شمولها في الدلالة على وجوب رفض الظلم والاستكبار والاستضعاف بكل الأشكال والوسائل حتى لو اقتضى الأمر الهجرة.

ويقول تعالى: (وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) الشورى: 39.

ويأمر القرآن بقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر اللّه: (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ) الحجرات: 9.

والآية الكريمة، وإن كانت نازلة في مورد الاقتتال بين المؤمنين، ولكنها صريحة وواضحة في الأمر برفض البغي، وقتال الباغي حتى يفيء إلى حكم اللّه.

ص: 20

في (الدر المنثور) عن رسول اللّه: « إنّ رحى الإسلام ستدور، فحيث ما دار القرآن فدوروا به، يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرّقا. إنّه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم وإن عصيتموهم قتلوكم ». قالوا: يا رسول اللّه، فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: « تكونوا كأصحاب عيسى عليه السلام: نشروا بالمناشير، ورفعوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية »(1).

وفي (نهج السعادة): قال أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام محزوناً يتنفّس فقال: « كيف أنتم وزمان قد أظلكم، تعطّل فيه الحدود ويتّخذ المال فيه دولاً، ويعادى فيه أولياء اللّه، ويوالى فيه أعداء اللّه؟ » قلنا: يا أمير المؤمنين، فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال: « كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام: نشروا بالمناشير وصلبوا على الخشب، موت في طاعة اللّه - عزَّ وجلَّ - خير من حياة في معصية اللّه »(2)5.

ص: 21


1- الدر المنثور 125:3 في تفسير الآية 78 من سورة المائدة.
2- (نهج السعادة 639:2 رقم 345.

ص: 22

الاتجاه الثاني: نظرية الاختيار و نقدها

اشارة

ص: 23

ص: 24

ثانياً: نظرية الاختيار

اشارة

ذهب القائلون بهذه النظرية إلى انعقاد الإمامة باختيار أهل الحل والعقد من المسلمين(1)، واعتبروا هذا الاختيار كاشفاً عن إذن اللّه تعالى، وعلى هذا الأساس جعلوا اختيار الناس للإمام مصدراً لشرعية الولاية والإمامة.

تنعقد الإمامة بالبيعة

اشارة

وعلى هذا الرأي تنعقد الإمامة والولاية للحاكم بصورة فعليّة وناجزة ببيعة جمع من أهل الحل والعقد يمثلون عادةً إرادة مساحة واسعة من الأمّة أو ببيعة مباشرة من شريحة كبيرة من الأمّة، بكيفية وكمية يعتدّ بها عادة في أمثال هذه المسائل التي يربطها الشارع بإرادة الجمهور، إذا كان الحاكم يستجمع الشروط التي يطلبها الشارع في الإمام. وإلى هذا الرأي يذهب جمهور فقهاء أهل السنّة ومتكلميهم، وفيما يلي نذكر بعض كلمات أعلام الجمهور:

ص: 25


1- راجع شرح المقاصد 234:5، وشرح المواقف للشيخ أبي علي 351:8.
1 - رأي الماوردي

يقول أبو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفّى (450 هجري): فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفّحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها، فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً، وأكملهم شروطاً، ومن يسرع الناس إلى طاعته، ولا يتوقفون عن بيعته، فإذا تعيّن لهم من بين الجماعة من أدّاهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه، فإن أجاب إليها بايعوه عليها، وانعقدت ببيعتهم له الإمامة، فلزم كافة الأُمّة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته(1).

2 - رأي القاضي عبد الجبار

ويقول القاضي عبد الجبار المتوفّى (415 هجري) في (المغني): وإن أقام بعض أهل الحل والعقد إماماً سقط وجوب نصب الإمام عن الباقين، وصار من أقاموه إماماً، ويلزمهم إظهار ذلك بالمكاتبة والمراسلة، لئلا يتشاغل غيرهم بإمام غيره، وقد وقعت الكفاية، ولئلا يؤدي ذلك إلى الفتنة. فعدم مبايعة سائر أفراد الأُمّة لا يؤثر في انعقاد الإمامة؛ لأنّ العقد تمّ بمجرد مبايعة أهل الحل والعقد، ولا يكون العقد صحيحاً إذا لم يبايع الإمام أهل الحل والعقد(2).

ص: 26


1- الأحكام السلطانية للماوردي: 7.
2- المغنى في أبواب التوحيد والعدل، إملاء القاضي عبد الجبار بن أحمد راجع 11 الجزء - العشرين - القسم الأول في الإمام: 303 ط - 1966 م.
3 - رأي القرطبي

ويقول أبو عبد اللّه القرطبي المتوفّى (671 هجري) في (الجامع لأحكام القرآن): الطريق الثالث لإثبات الإمامة: إجماع أهل الحل والعقد، وذلك أنّ الجماعة في مصر من أمصار المسلمين إذا مات إمامهم ولم يكن لهم إمام ولا استخلف، فأقام أهل ذلك المصر الذي هو حضرة الإمام وموضعه إماماً لأنفسهم اجتمعوا عليه ورضوه، فإنّ كلّ من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الإمام، إذا لم يكن الإمام معلناً بالفسق والفساد؛ لأنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها، ولا يسع أحد التخلف عنها، لما في إقامة إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البين. قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن، إخلاص العمل للّه، ولزوم الجماعة، ومناصحة ولاة الأمر، فإنّ دعوة المسلمين من ورائهم محيطة »(1).

4 - رأي ابن تيمية
اشارة

ويقول ابن تيمية المتوفّى (728 هجري) في كتابه (منهاج السنّة): الإمامة عندهم - أهل السنّة - تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له

ص: 27


1- تفسير القرطبي 185:1-186 في تفسير الآية 30 من سورة البقرة.

مقصود الإمامة. فإنّ المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً. ولهذا قال أئمة السنّة: من صار له قدرة وسلطان أن يفعل بهما مقصود الولاية فهو من اولي الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم، ما لم يأمروا بمعصية اللّه، فالإمامة ملك وسلطان، والملك لا يصير ملكاً بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة، إلاّ أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكاً بذلك(1).

ويرى (القلانسي) ومن تبعه أنّ الإمامة تنعقد بعلماء الأمّة الذين يحضرون موضع الإمام، وليس لذلك عدد مخصوص(2).

أقل عدد تنعقد به البيعة

ويتسامح الكثير من فقهاء السنّة ومتكلميهم في العدد الذي تنعقد ببيعتهم الإمامة، فمنهم من يحدد الحد الأدنى منه بالأربعين، ومنهم بالخمسة، ومنهم من يكتفي بالثلاثة، ومنهم من يكتفي بالاثنين، ومنهم من يكتفي ببيعة رجل واحد في انعقاد الإمامة، وإليك طرفاً من كلماتهم:

ص: 28


1- منهاج السنّة النبوية 141:1.
2- رئاسة الدولة للدكتور محمد رأفت عثمان: 265 نقلاً عن أُصول الدين للبغدادي: 281.
5 - رأي صاحب المواقف (الإيجي)

يقول القاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي المتوفّى (756 هجري) في (المواقف): وتثبت الإمامة ببيعة أهل الحل والعقد، خلافاً للشيعة. ثم قال: إذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقم دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف(1).

6 - رأي الماوردي أيضاً
اشارة

وقال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفّى (450 هجري) في (الأحكام السلطانية): اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحل من كلّ بلد، ليكون الرضاء به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً... وقالت طائفة أُخرى: أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالاً بأمرين:

أحدهما:

أنّ بيعة أبي بكر رضي الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها...

والثاني:

أنّ عمر رضي الله عنه جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين.

ص: 29


1- المواقف: 399-400 المقصد الثالث فيما يثبت به الإمامة.

وقال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين... وقالت طائفة أُخرى: تنعقد بواحد؛ لأنّ العباس قال لعلي: امدد يدك أبايعك فيقول الناس: عم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان(1).

7 - رأي الجبائي والمحلّي وسليمان بن جرير

وذهب الجبائي من المعتزلة إلى أنّ الإمامة تنعقد بخمسة يجتمعون على عقدها(2). وذكر جلال الدين المحلّي في شرحه على (منهاج الطالبين) للنووي: أنّ الإمامة تنعقد بالبيعة من قبل أربعة(3)، ونقل أنها تنعقد بمبايعة ثلاثة؛ لأنها جماعة لا يجوز مخالفتهم(4).

وقيل: إنّ الإمامة تنعقد ببيعة رجلين من أهل الورع والاجتهاد. وهو رأي منسوب إلى سليمان بن جرير الزيدي، وطائفة من المعتزلة(5).

ويذهب إلى انعقاد الإمامة ببيعة عدد محدود وقليل طائفة من

ص: 30


1- الأحكام السلطانية للماوردي: 6-7.
2- الفِصل في الملل والنحل لابن حزم 167:4.
3- شرح جلال الدين المحلّي على منهاج الطالبين للنووي 173:4، طبعة محمد علي صبيح.
4- شرح جلال الدين المحلّي على منهاج الطالبين للنووي 173:4، طبعة محمد علي صبيح.
5- أُصول الدين للبغدادي: 281 برواية د. محمد رأفت عثمان في كتاب رئاسة الدولة: 265.

أعلام السنّة و فقهائهم، لا نريد أن نطيل الوقوف بذكر كلماتهم في هذه المقالة(1).

ويذهب عدد من الفقهاء إلى انعقاد الإمامية ببيعة شخص واحد فقط كما ذكرنا.

8 - رأي إمام الحرم الجويني

يقول إمام الحرمين الجويني المتوفّى (478 هجري) في (الإرشاد) إلى قواطع الأدلة في أُصول الاعتقاد):

اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع، بل تنعقد الإمامة وإن لم تُجمع الأُمّة على عقدها... فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة لم يثبت عدد معدود ولا حدّ محدود، فالوجه الحكم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد(2).

9 - رأي للقرطبي أيضاً

ويقول القرطبي المتوفى (671 هجري) في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد، فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس، حيث قال: لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد... قال الإمام أبو المعالي: من انعقدت له الإمامة بعقد

ص: 31


1- من هذه المصادر النووي والرملي في منهاج الطالبين وشرحه 390:7.
2- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أُصول الاعتقاد: 424، طبعة مطبعة السعادة بمصر.

واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغيّر أمر. قال: وهذا مجمع عليه(1).

10 - رأي الأشعري

ويروي عبد القاهر البغدادي عن أبي الحسن الأشعري المتوفّى (330 هجري): أنّ الإمامة تنعقد لمن يصلح لها بعقد رجل واحد من أهل الاجتهاد والورع، إذا عقدها لمن يصلح لها، فإذا فعل ذلك وجب على الباقين طاعته(2).

يقول البزدوي: وحُكي عن الأشعري أنّه قال: إذا عقد واحد من أهل الرأي والتدبير وهو مشهور، لواحد هو أفضل الناس عقد الخلافة يصير خليفة(3).

وهذا رأي معروف لدى فقهاء أهل السنّة ومتكلميهم.

وقد اشترط بعضهم في صحة انعقاد الإمامة بواحد الإشهاد على البيعة. يقول النووي في الروضة: الأصح لا يشترط الإشهاد إن كان العاقدون جمعاً، وإن كان واحداً اشترط الإشهاد(4).

ص: 32


1- الجامع لأحكام القرآن 186:1.
2- أُصول الدين لعبد القاهر البغدادي: 280-281 بحكاية د. محمد رأفت عثمان في رئاسة الدولة: 266.
3- أُصول الدين للبزدوي: 189 بحكاية د. محمد رأفت عثمان في رئاسة الدولة 266.
4- الروضة للإمام النووي برواية د. محمد رأفت عثمان: 267.

أضواء على نظرية الاختيار

نقد نظرية الاختيار
اشارة

هذا مذهب جمهور (أهل السنّة) في الإمامة.

وحيث إنّ نظرية (الاختيار) هي الأساس في شرعية الإمامة والولاية عند طائفة واسعة من المسلمين وهم أهل السنّة، في مقابل نظرية (النص) التي يتبنّاها الشيعة الإمامية، فسوف نقف عند هذه النظرية وقفة طويلة للمناقشة والنقد والبحث.

إجمال النقد

لا يعتمد شيء من هذه الكلمات التي نقلناها عن أعلام أهل السنّة في نظرية الاختيار نصّاً صريحاً من كتاب اللّه وسنة رسوله. فلا نجد نصاً في الكتاب وما صَحّ من سنة رسول اللّه في الإذن بولاية من اختاره المسلمون إماماً لهم باتفاق أهل الحل والعقد، أو بأكثريتهم، أو بمبايعة خمسة أو ثلاثة أو واحد من أهل الحل والعقد، أو بمبايعة جمع غفير من الناس، ولا نجد إذناً من اللّه تعالى بولاية من تغلّب على

ص: 33

الأمر بالعنف والقوة. ولا يصح إسناد شيء من هذه الولايات إلى اللّه تعالى، ولا نجد في النصوص الإسلامية إثباتاً لشرعية شيء من هذه الولايات على الإطلاق.

وبناء على ذلك فإنّ إسناد شيء من هذه الولايات إلى اللّه تعالى يُعد من الافتراء على اللّه الذي تستنكره الآية الكريمة من سورة يونس: (قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ) يونس: 59 (وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ) (وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ.)

والولاية والحاكمية والسيادة على الناس للّه تعالى فقط: في محكم كتاب اللّه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ) * يوسف: 40، 67، الأنعام: 57.

وعليه فإن الولاية من دون إذن الله ولاية محرّمة يحظرها الله تعالى على عباده، يقول تعالى: (وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) الأعراف: 3 (وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ) هود: 20.

فإذا كانت الولاية من دون إذن اللّه محظورة ومحرّمة على المؤمنين، وهو صريح القرآن، ولم تكن الولاية بالاختيار يعتمد إذناً صريحاً من اللّه ورسوله في نص من كتاب اللّه أو ما صحّ من سنّة

ص: 34

رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلا محالة لا يبقى دليل على شرعية مثل هذه الولايات مهما يكن حجم أهل الحل والعقد ومساحة البيعة، فإذا سقطت نظرية (الاختيار) عن الاعتبار فلا محالة تكون نظرية (النص) هي الأساس في مسألة الولاية والإمامة. وهذا إجمال للنقد.

ولا بدّ لهذا الإجمال من تفصيل وشرح في ضوء كتاب اللّه، وإليك هذا التفصيل.

تفصيل النقد
مناقشة أدلة أصل (الاختيار)
اشارة

أصل (الاختيار) في الإمامة لا بدّ أن يعتمد إحدى الفرضيتين الآتيتين:

1 - فرضية حق تقرير المصير.

2 - فرضية التفويض.

وفيما يلي توضيح إجمالي لكلٍّ من هاتين الفرضيتين:

أولاً: فرضية حقّ تقرير المصير السياسي
اشارة

إنّ أصل (الاختيار) في نصب الحاكم مذهب سياسي شائع في الأنظمة الحديثة، وبموجب هذا المذهب يختار الناس بالوسائل الديمقراطية الميسّرة الحاكم الذي يلي أمر الناس.

ص: 35

وهذا الأصل يعتمد في الأنظمة السياسية الحديثة مبدأ حقّ تقرير المصير، وهو مذهب فكري وسياسي معروف في المجتمعات الحديثة.

نظرية العقد الاجتماعي

وهذا المذهب يعتمد نظرية (العقد الاجتماعي) المعروفة، وهي أفضل الصيغ العلمية التي تعالج مسألة (شرعية الدولة) في الأنظمة السياسية العلمانية منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى اليوم.

وظهرت النواة الأُولى لهذه النظرية على يد الفيلسوف الإنجليزي توماس هابس (1588-1679) في القرن السابع عشر الميلادي، وتطورت على يد الطبيب والفيلسوف الإنجليزي جان لاك (1632-1707) وتكاملت وبلغت صيغتها العلمية الكاملة على يد جان جاك روسو الفرنسي في ظروف الثورة الفرنسية. وتعتمد هذه النظرية أصولاً ثلاثة رئيسية وهي:

1 - نفي ولاية وقيمومة إنسان على إنسان آخر.

2 - تقرير مبدأ ولاية الإنسان على نفسه، وحقّه في تقرير مصيره، ويعتقد أصحاب هذه النظرية أنّ هذا الحقّ حقّ ذاتي للإنسان.

3 - يحقّ للإنسان أن ينقل حقّه في تقرير مصيره إلى غيره بموجب العقد الاجتماعي الذي يتمّ به نقل هذه السلطة من الأفراد إلى

ص: 36

الهيئة الحاكمية، وتتولّى الهيئة الحاكمة بموجبه حق والقيمومة على المجتمع.

وهذه الولاية التي يمارسها الحكام على الناس في نظرية العقد الاجتماعي هي بالذات ولاية الناس على أنفسهم، فإن الناس بالفطرة وبالذات، بموجب هذه النظرية، قيّمون على أنفسهم، ويملكون أمر أنفسهم إلاّ أنهم يخوّلون الهيئة الحاكمة التي يختارونها للحكم أمر هذه القيمومة والولاية. فتنتقل هذه الولاية من الناس إلى الحكام بموجب الاتفاق والعقد الذي يتعاقد عليه الناس والهيئة الحاكمة.

وإذا صحّت هذه النظرية، فإن أصل الاختيار يمكن أن يعتمد مبدأ حقّ الإنسان في تقرير مصيره السياسي، ويكون اختيار الحاكم للولاية والإمامة من قبل الناس بناءً على هذا الحقّ الذاتي الذي يملكه كلّ إنسان وبذلك يكون أصل الاختيار أصلاً شرعياً، كما تكون ولاية الشخص الذي يختاره الناس للإمامة والولاية على أنفسهم مشروعة.

وهذا أصل باطل باتفاق فقهاء المسلمين، وسوف يأتي توضيحه.

ثانياً: فرضية التفويض

وإذا كان لا يصحّ في الإسلام مبدأ حقّ الإنسان في تقرير مصيره السياسي، ولا يمكن اعتماد هذا المبدأ في شرعية (الاختيار)، فإنّ من الممكن افتراض مبدأ آخر أساساً لشرعية (الاختيار) وهو فرضية (التفويض)، وفي هذه الفرضية نفترض وجود تخويل من ناحية اللّه

ص: 37

تعالى للناس في انتخاب الإمام والحاكم الذي يلي أُمورهم.

فإنّ الإنسان في النظرية الإسلامية إذا كان لا يملك من أمره شيئاً - كما سوف نتحدّث عن ذلك - ويكون أمره كلّه إلى اللّه تعالى، إلا أنّ من الممكن افتراض وجود إذن وتخويل من اللّه تعالى للنّاس أن يختاروا لأنفسهم إماماً يلي أمرهم، ويتولّى الحكم فيهم. وهذا افتراض ممكن على حدّ الثبوت، إذا وجدنا له إثباتاً في الشريعة.

وهذا الافتراض يصحّح أصل (الاختيار)، كما يصحّح شرعية ولاية الحاكم الذي يتمّ نصبه بموجب أصل الاختيار.

ونحن فيما يلي سوف نحاول إن شاء اللّه أن نُلقي بعض الأضواء على كلٍ من هذين الافتراضين، ونبحث عن إمكان كلّ منهما في مرحلة الثبوت وعن أدلّة إثباته. فإذا انتهينا إلى صحّة وثبوت أيّ منهما فإن أصل (الاختيار) يكون أصلاً مشروعاً لا محالة.

وإن لم تقاوم هاتان الفرضيتان النقود والمؤاخذات العلمية الموجهة إليهما، ولم نجد لهما دليلاً على الإثبات فلا محالة ينبغي أن نعتمد أصل (التنصيص) في مسألة الإمامة، ونتوقف عن قبول أصل (الاختيار)، أساساً شرعياً للإمامة في الإسلام. وهذا بحث دقيق وعسير.

نسأل اللّه تعالى أن يأخذ فيه بأيدينا إلى الصراط المستقيم، ويجنبنا المزالق التي تعترض هذا الطريق.

ص: 38

أوّلاً: مناقشة فرضية (حق تقرير المصير) ودراسة ومناقشة فرضية (العقد الاجتماعي)
اشارة

إن أفضل الصيغ العلمية التي تعبّر عن هذه الفرضية بصورة علمية دقيقة هي نظرية (العقد الاجتماعي)، كما ذكرنا قبل قليل، وهي فرضية يفترضها علماء الفلسفة السياسية للإجابة عن السؤال عن مصدر شرعية الدولة، ورغم أن هذه النظرية هي أفضل صيغة وصلت إليها الفلسفة السياسية حتى اليوم لشرعية الدولة العلمانية الحديثة إلا أنها واجهت نقوداً علمية من قبل علماء الفلسفة السياسية لم تتمكن من الإجابة عنها بصورة كافية.

ومن هذه النقود: الملاحظات التي ذكرها العالم الإنكليزي هارولد. ج. لاسكي في كتابه (المدخل إلى السياسة)، ونحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل النظرية ولا في تفاصيل النقود.

وإنما الذي يهمنا أن نقول: إنّ هذه الفرضية تتولى تفسير شرعية الدولة العلمانية الحديثة، بناءً على النظرية المادية في الكون والحياة، ولذلك فهذه النظرية - أو الفرضية - لا تصلح للإجابة عن هذا السؤال في الدولة الشرعية التي تنطلق من قاعدة الإيمان بأنّ اللّه تعالى هو مصدر كل السلطات والصلاحيات في حياة الإنسان.

ومن هذا المنطلق نستطيع أن نشخص بدقة موقف الإسلام من فرضية (العقد الاجتماعي)، والنظام السياسي القائم على هذه الفرضية (الديمقراطية).

ص: 39

نقد الديمقراطية

تبتني (الديمقراطية) بمعناها العلمي على أساسين اثنين:

أولهما:

سيادة الشعب، في مقابل الدكتاتورية السياسية التي تمنح السيادة للحاكم، ويحقّ للشعب بموجب هذه السيادة الذاتية أن يقرر مصيره بنفسه، ويحقّ له أن يحوّل هذه السيادة إلى الهيئة الحاكمة بموجب نظرية العقد الاجتماعي.

وثانيهما:

حقّ الناس في التشريع، وهو حقّ ثابت في النظرية الديمقراطية، يحقّ له فيها أن يشرّع ما يراه صالحاً، ويحقّ له أن يحوّل هذا الحقّ بموجب العقد الاجتماعي إلى الهيئات التشريعية التي تنوب عنه في التشريع.

والإسلام يردّ كلاً من هذين الفرضين، فليس للإنسان في الإسلام سيادة على نفسه وعلى الآخرين ولا يحقّ للإنسان في الإسلام أن يشرع لنفسه أو لغيره.

إنّ نظرية (العقد الاجتماعي) تنفي فقط سيادة الإنسان على غيره من حيث الأصل، إلا ما يكون من ولاية إنسان على آخر بموجب التفاهم والتعاقد (بالعقد الاجتماعي). أمّا الإسلام فينفي سيادة الإنسان على نفسه وعلى غيره، ويحصر حقّ السيادة والولاية في اللّه تعالى.

يقول تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ) * يوسف: 40، 67، الأنعام: 57. وليس لأحد من دون اللّه

ص: 40

تعالى سيادة وولاية على غيره، وعلى نفسه.

(إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ) ال عمران 154 (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف 26، (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ) الكهف 44 (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) الشورى: 9، (أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) الكهف: 102، (وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ) هود: 20، (قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) الأنعام: 14، وليس من حقّ الإنسان في الإسلام أن يشرّع ديناً ونظاماً لنفسه في الحياة الدنيا. (أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) آل عمران: 83، (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) الأعراف: 3، وهذا وذاك - حق السيادة وحق التشريع - أصلان في الإسلام يرتبطان مباشرة ب (بالله تعالى)، وهو من مسلمات الإسلام، ويرتبط مباشرة ب - (التوحيد).

والديمقراطية تنفي كلاً من هذين الأصلين، وتعتمد الشعب مصدراً شرعياً للسيادة وللتشريع، وهو أمر يتقاطع تقاطعاً صريحاً مع

ص: 41

أصل التوحيد؛ ولهذا السبب فإنّ الديمقراطية وإن كانت متبناة سياسياً من قبل أنظمة ومجتمعات غير إلحادية، إلا أنّ الفلسفة الحاكمة عليها هي (الإلحاد).

وهذا إجمال لا بدّ له من تفصيل وشرح، فإنّ (الولاية) و (الإمامة) في الإسلام ترتبط بمسألة (التوحيد) ارتباطاً مباشراً، فهي أشبه (بالأصول) منها إلى (الفروع). وينبغي أن نتناول هذه المسألة، ونتعامل معها بطريقة منطقية وعقلية على هدي كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ونتجاوز الأساليب والوسائل غير العلمية التي لا تنتهي بنا إلى حجّة ويقين.

وسوف نتحدث إن شاء اللّه عن قضية (الولاية) في الإسلام، وعلاقتها المباشرة بالتوحيد، وعن التوحيد في الولاء، والشرك في الولاء.

الولاية والإمامة وعلاقتها بالتوحيد

الولاية تعتبر أساساً من أهم أُسس فهم المجتمع الإسلامي، والنسيج الذي يتألف منه هذا المجتمع الذي يعبّر عنه القرآن بالأُمّة الوسط: (وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة: 143.

ص: 42

ونحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا البحث العميق في الإسلام، وإنما نريد فقط أن نقتصر في هذا البحث على العلاقة القائمة ما بين الإمام والرعية، وأنّ هذه العلاقة قائمة على أساس فكري واضح ومحدد، توضحه الآية السادسة من سورة الأحزاب المباركة بصورة دقيقة، يقول تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.)

وهذا المعنى من (الأولوية) الثابتة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في محكم القرآن، هو الثابت لأئمة المسلمين من بعده.

ونحن نبحث عن معنى الولاية الثابتة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذه الآية المباركة، ثم نبحث عن انتقال هذه الولاية إلى أئمة المسلمين وولاة الأمر من بعد الرسول صلى الله عليه و آله.

نظرة في آية الأحزاب

الآية الكريمة السادسة من سورة الأحزاب واضحة في تشخيص وتحديد العلاقة التي تربط رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهذه الأُمّة، وهي علاقة الأولوية: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) .

ومعنى (الأولوية) تقديم إرادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمؤمنين على إرادة المؤمنين بأنفسهم. وهذا التقديم نستفيده بشكل واضح من صيغة (أفعل التفضيل) الواردة في الآية المباركة: أَوْلى.

وإنما يصح هذا التقديم عندما تتزاحم الإرادتان إرادة الحاكم

ص: 43

وإرادة المحكوم، فتتقدم حينئذٍ إرادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله على إرادة المؤمنين.

وهذه (الأولوية) هي (الولاية) الثابتة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله على الناس من جانب اللّه. ولم يذكر أحد لهذه الأولوية اسماً غير (الولاية)، ولم ينفِ أحد هذه (الأولوية) عن ولاية رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أُمّته.

وهذه (الأولوية) هي جوهر الحاكمية وحقيقتها وليس لحاكمية أحد على آخر معنى غير تقديم وتحكيم إرادة الحاكم على المحكومين عند تزاحم الإرادات.

وهذه الولاية ثابتة لأئمة المسلمين وولاة الأُمور من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهو ما نفهمه من نص (الغدير) المعروف عندما سأل رسول الله صلى الله عليه و آله جماهير المسلمين في (غدير خم) عند عودته من حجة الوداع: « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » قالوا: بلى. قال: « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وواضح أنّ هذه الولاية التي يقرّرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليٍّ من بعده هي نفسها الولاية التي منحها اللّه تعالى له في قوله عَزّ شأنه: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.)

وهذه الولاية وحق الطاعة هي التي يذكرها القرآن للّه ولرسوله ولأُولي الأمر في سياق واحد في آية النساء: (أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا)

ص: 44

(الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء: 59.

فلا معنى للولاية والحاكمية، كما ذكرنا، غير هذه الأولوية، وأولوية إرادة الحاكم على إرادة المحكوم ليست من المقولات التي تقبل التشكيك، فإنّ حقيقة كل (ولاية) هي تقديم إرادة الحاكم على المحكوم، وتحكيم إرادة الأول على الثاني.

مبدأ الاستناد إلى الحجّة

وإذا ثبتت هذه الحقائق، فلا بدّ في إثبات ولاية إنسان على الآخر من الاستناد إلى حجّة قطعية لإسناد الولاية والحاكمية إليه من جانب اللّه تعالى أو رسوله صلى الله عليه و آله في نص عام أو خاص، ومن دون استناد هذه الولاية إلى اللّه تكون هذه الولاية من الولاية من دون اللّه تعالى وقد حرّمها اللّه وحظرها على عباده يقول تعالى: (وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) الأعراف: 3 ويقول تعالى (: وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ) هود: 20.

ومن دون إثبات قطعي لاستناد الولاية إلى اللّه تعالى تكون دعوى الولاية من الافتراء على اللّه، وهو حرام وظلم، ومن أقبح أنواع الظلم.

ص: 45

يقول تعالى: (قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ) يونس: 59، (، وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) * (وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ) (وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ)

فلا يجوز الولاية من غير الاستناد إلى اللّه، ولا تصح السنة والإسناد إلى الله من غير إثبات قطعي لهذا الاستناد.

وإذا اتخذنا هاتين النقطتين أصلين، فلا يجوز التمسك بحق تقرير المصير أساساً للاختيار، وقد تحدثنا عنه بما فيه الكفاية إن شاء اللّه.

ثانياً: مناقشة فرضية التفويض الإلهي
اشارة

وإذا سقط علميّاً مبدأ (حقّ تقرير المصير)، وثبت لدينا أنّ هذا الحقّ للّه تعالى فقط، وليس لأحد من دون اللّه تعالى مثل هذا الحق... ننتقل إلى السؤال التالي: هل هناك تفويض من جانب اللّه تعالى للناس في اختيار الإمام (بموجب الشروط والصفات العامة) التي تقررها الشريعة أم لا؟

فإذا وجدنا مثل هذا التفويض في النصوص الإسلامية الصريحة والصحيحة فإنّ مبدأ (الاختيار) عندئذٍ يستند إلى نص شرعي صريح

ص: 46

وصحيح، وهو (نص التفويض)، ولا يبقى مجال للمناقشة والتشكيك في شرعية مبدأ (الاختيار) أساساً لانتخاب الإمام والحاكم في المجتمع الإسلامي.

ومبدأ (التفويض) ليس بمعنى حقّ الناس في تقرير أمر السيادة والولاية، وليس بمعنى نفي الولاية الإلهية المطلقة على الناس، كما تقرره الديمقراطيّة. ونحن على يقين أنّه ليس هناك من أهل العلم من الفقهاء والمتكلمين من يذهب إلى أنّ مبدأ (الاختيار) يعتمد أصل (حق تقرير المصير) على الطريقة الديمقراطيّة... فهذا كلام لايمكن أن يقول فيه فقيه.

إذن لا يبقى أساس شرعي لمبدأ الاختيار غير (التفويض) من جانب اللّه، وهو الأساس الوحيد لمبدأ الاختيار.

وليس بين مبدأ (التفويض) و (التوحيد) تقاطع مطلقاً، كما كان ذلك في العلاقة بين (التوحيد) و (حقّ تقرير المصير) على الطريقة الديمقراطيّة، إلاّ أنّ الشأن كل الشأن في وجود نص يدل على التفويض، بما يتطلبه من الصراحة ووثاقة السند، ولم نعثر نحن على مثل هذا النص، ولو كان لبان، كما يقول أهل العلم، ولم يطل الاختلاف في أمر الإمامة والولاية بين المسلمين إلى هذا الحدّ.

ومن عجب أنّ أمر شرعية الولاية السياسية في تاريخ الإسلام تعتمد مبدأ (الاختيار)، ومبدأ الاختيار قائم على أساس (التفويض).

وليس بين أيدينا نص صريح وصحيح يثبت هذا التخويل والتفويض من جانب اللّه تعالى.

ص: 47

عدم الدليل دليل العدم

وإذا علمنا أنّ حق الولاية والسيادة والحكم للّه تعالى فقط، ولا يشاركه فيه غيره، فلا ينتقل هذا الحق إلى أحد من الناس بغير إذن اللّه، وبدون تفويض صريح منه.

وما لم يثبت التفويض بدليل واضح من اللّه لا يحق لأحد من الناس أن يمارس سيادة وولاية على غيره.

ولما كانت فرضية التفويض أساساً لمبدأ الاختيار، فلا يمكن عادة أن يكون هناك نص في تفويض هذا الحق من اللّه تعالى إلى الناس، ثم يضيع هذا النص فيما ضاع من تراثنا التشريعي.

فإنّ مثل هذا النص يكتسب أهمية كبرى، نظراً لأنّه هو الأساس الوحيد لشرعية الاختيار، فلا يمكن أن يضيع مثل هذا النص الذي اعتمده المسلمون منذ وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى نهاية عصر الخلافة في شرعية أمر الاختيار، والشرعيّة السياسيّة لولاية الخلفاء الذين تولوا أُمور الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

ولذلك نقول: إنّ عدم وجود دليل على التفويض في مثل هذه الحالة دليل على عدم التفويض.

ص: 48

قراءة في أدلّة التفويض

لما كان أمر اختيار الإمام من شؤون اللّه تعالى وحده، وليس لأحد من دون اللّه أن يختار لنفسه أو لغيره إماماً، فلا بدّ أن يكون تفويض هذا الحق من اللّه تعالى إلى عباده بنص صريح من اللّه تعالى أو رسوله صلى الله عليه و آله. ولا سبيل إلى إثبات مثل هذا التفويض بغير ذلك.

وقد استعرضتُ المناهج الفقهية والأُصولية والكلامية التي يذكرها الفقهاء والمتكلمون لإثبات التفويض، كما استعرضتُ نصوص باب الإمارة والولاية في كتب الحديث، والأبواب المقاربة لها، فلم أجد دليلاً مقنعاً، ولا نصاً في التفويض، بالمعنى الدقيق لكلمة النص. وبين يدي طائفة من الأدلة والنصوص التي قد يُتمسّك بها على التفويض، وهي أهم ما في هذا الباب، وأكثر ما يمكن التمسّك به، أُوردها فيما يلي لنتأمل فيها.

وسوف أتحدث عن أدلة التفويض في مرحلتين:

في المرحلة الأُولى أستعرض الأدلة التي يتمسّك بها القائلون بمبدأ الاختيار على شرعية الجانب (الكبروي) من التفويض، وأقصد بالجانب الكبروي من هذه المسألة: الأدلة على شرعية مبدأ التفويض بصورة كليّة، بغض النظر عن تطبيقات هذه المسألة.

وفي المرحلة الثانية أتحدث عن الأدلة التي يتمسّك بها القائلون بمبدأ الاختيار على الجانب (الصغروي) من التفويض، وأقصد

ص: 49

بالجانب الصغروي من هذه المسألة: الجانب التطبيقي من مسألة التفويض، في مقابل الجانب المبدئي والكلي من شرعية التفويض.

فإنّ شرعية (التفويض)، على فرض صحتها، لا تتم لواحد أو اثنين من الناس، فلا يمكن أن يفوّض اللّه تعالى واحداً أو اثنين من الناس أمر الإمامة، فيخولهم اختيار الإمام لعامة الأُمّة، ويُلزم الناس جميعاً بطاعتهم.

ولا يمكن أن تجتمع الأُمّة عادةً على إمام ليكون تفويض الأمّة كلها هو المصداق الوحيد للتفويض الشرعي؛ لأنّ مثل هذا التفويض لا يحل مشكلة شرعية اختيار الإمام، لامتناع اجتماع الناس على إمام واحد عادة.

إذن نتساءل، بماذا تتحقق شرعية التفويض إذا كان من غير الممكن أن يجتمع الناس عادة على إمام واحد؟ وما هو التطبيق والمصداق للتفويض الشرعي؟ وما هو مصداق الاختيار المشروع للإمام؟ وهذا هو الجانب (الصغروي) التطبيقي لمسألة التفويض.

وفيما يلي نستعرض إن شاء اللّه أدلة التفويض في كلٍ من هاتين المرحلتين ونناقشها:

ص: 50

أولاً: أدلة الجانب الكبروي (المبدئي) لمسألة التفويض
1 - مبدأ الإباحة الأوّلية

يستند البعض إلى نظرية (الإباحة الأوّلية) في الإسلام في فرضية (حقّ تقرير المصير) أو (فرضية التفويض).

ولا بدّ من إيضاح لهذه المسألة لنعرف موقع هذه المسألة من مسألة الولاية والإمامة وإمكان الاستناد إليها لإثبات (حقّ تقرير المصير) أو على الأقل لإثبات فرضية (التفويض).

الإباحة الأولية مسألة معروفة، تختلف فيها آراء الإسلاميّين في علم الأصول، وتعرف ب (مسألة الحظر والإباحة).

والخلاف في هذه المسألة في أنّ الأصل الأوّلي في التصرف في الأشياء، إذا لم يرد دليل من ناحية الشارع على الحرمة، هل هو الحظر حتى يثبت خلافه أو الإباحة حتى يثبت خلافها؟ فالقائلون بالحظر يستدلون بأنّ ذلك من التصرف في ملك اللّه وسلطانه، وهو بحاجة إلى إذن وترخيص من اللّه تعالى، والمفروض في المسألة عدم صدور مثل هذا الإذن والترخيص.

ص: 51

والقائلون بالإباحة يستدلون بنصوص إسلامية كثيرة من الكتاب والسنّة علي أنّ اللّه تعالى قد أذن لعباده في التصرف فيما لم يرد فيه حظر من ناحيته، وأباح لهم أن يسعوا في مناكب الأرض ويأكلوا من رزقه إلا ما حرّمه عليهم.

وأكثر الإسلاميّين يذهبون مذهب (الإباحة) في هذه المسألة، بينما يتوقّف القائلون بالحظر عن التصرف حتى يرد إذن خاص أو عام من اللّه تعالى(1).

ولا يمكن أن يستند القائلون بحق الإنسان في تقرير مصيره إلى هذه الإباحة، أو يستند على الأقل إليها في التفويض من جانب اللّه تعالى للإنسان في أمر نفسه وتقرير مصيرها.

لأنّ اللّه تعالى قد صرّح في كتابه بأنه تعالى قد حظر على عباده كل ولاية وقيمومة من دونه، واختص هو سبحانه وتعالى وحده بهذه الولاية والقيمومة لنفسه ولمن أذن لهم بهذه الولاية والقيمومة في حياة الإنسان، والقرآن الكريم صريح في ذلك.

قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ) ، وقال تعالى (: وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ.)

وهاتان الآيتان والآيات الأُخرى الواردة على طريقة الحصر فين.

ص: 52


1- وتختلف هذه المسألة عن الخلاف المعروف في الأُصول في مسألة (البراءة) و (الاحتياط). وليس هنا محل التفصيل في الفارق بين هاتين المسألتين.

انحصار الحاكمية والولاية في اللّه تعالى، وتوحيد الحاكمية والولاية، صريحة في نفي المصير للإنسان ونفي تفويض هذا الحق إليه من جانب الله لمن يعرف أساليب القرآن.

على أننا سوف نناقش دلالة مبدأ الإباحة العامة على التفويض مرة أُخرى من غير هذا المنطلق عند مناقشة قاعدة التسليط بصورة أكثر تفصيلاً ووضوحاً، فانتظر ذلك فإنه قريب إن شاء اللّه.

2 - قاعدة التسليط

ومن ذلك قاعدة التسليط المعروفة في الفقه، وفحوى هذه القاعدة ولاية الإنسان على نفسه، ومن شؤون هذه الولاية أن يحقّ للناس أن يختاروا لأنفسهم إماماً يتولى أُمورهم.

وللمناقشة في دلالة هذه القاعدة على (التفويض) مجال واسع، فإنّ أدلة هذه القاعدة - على فرض صحتها - واردة في مورد الأموال، والتعدي منها إلى الأنفس يحتاج إلى عناية.

وأقول: على فرض صحة القاعدة، وصحة الاستدلال بها على الولاية الشاملة على الأنفس... فلا يصح الاستدلال بها على تفويض أمر الإمامة إلى الناس، فإن مجال تطبيقات هذه القاعدة هي الاختيارات التي تتعلق بشؤون الأفراد كما في مسألة أصالة (الإباحة) في مسألة (الحظر والإباحة) المعروفة، فإنّ قاعدة التسليط وأصالة

ص: 53

الإباحة على فرض دلالتهما على المطلوب واردتان في موارد الاختيارات التي تتعلق بشؤون الأفراد، ولا يمكن أن نتمسّك بها في مثل أمر الإمامة الذي يتعلق بأمر الأُمّة كلها.

فليس من الممكن - عادةً - تحصيل إجماع الأُمّة على إمامة شخص وولايته.

وعندئذِ فإمّا أن تنفذ القاعدة والأصل في كل فرد فرد سلباً وإيجاباً، فيتحول أمر الولاية والإمامة إلى فوضى لا يقرّها الشرع ولا العقل، وإما أن نلغي إرادة الأقلية ونأخذ بإرادة الأكثرية، وهو نقض للقاعدة وللأصل معاً، فتستبطن القاعدة نقض نفسها.

ولا يمكن الدفاع عن هذا (النقض) بضرورة التفكيك في تطبيق القاعدة بين الأكثرية التي تختار إماماً لنفسها والأقلية التي ترفضه، فتنفذ القاعدة في الأكثرية، ونلغيها في الأقلية بحكم العقل، بادعاء أنّ هذه القاعدة ليست قاعدة عقلية آبية للتخصيص، وإنما هي قاعدة شرعية تقبل التخصيص بحكم العقل.

فإذا كان تطبيق القاعدة في مورد الأكثرية والأقلية مجتمعين يؤدي إلى خلل وفساد في المجتمع، فإن العقل يحكم بضرورة إلغاء القاعدة في مورد الأقلية، وتخصيصها بالأكثرية.

أقول: لا يمكن الدفاع عن تطبيق قاعدة التسليط على الإمامة بمثل هذا الدفاع؛ وذلك لأنّ لإلغاء حق الأقلية في اختيار الإمام وجهاً

ص: 54

آخر لا يمكن توجيهه، وهو تحكيم إرادة الأكثرية السياسية على الأقلية، فإنّ الحاكم المرشح من قبل الأكثرية يحكم الأقلية بالضرورة، وهو بمعنى تحكيم إرادة الأكثرية على الأقلية... وهذا شيء آخر غير إلغاء حق الأقلية في اختيار الإمام وحرمانها من ممارسة حقها في اختيار الإمام، والتفكيك في تطبيق قاعدة التسليط بين الأقلية والأكثرية.

وبتعبير آخر: هو نحو من ولاية الأكثرية على الأقلية، ولا يتم بناءً على المنطلق (التوحيدي) الذي انطلقنا منه إلا بتفويض من اللّه تعالى للأكثرية في اختيار الإمام للأقلية، بل في اختيار الإمام للجيل القابل الذي يواجه أمراً واقعاً لم يشترك في تقريره واختياره، ولم يؤخذ برأيه فيه.

فنعود مرة أُخرى إلى مسألة (التفويض) من جانب اللّه للأكثرية في تقرير مصير الأقلية، ومصير الجيل القادم الذي لم يبلغ سن النضج الشرعي بعد، ومن دون إثبات هذا التفويض من جانب اللّه تعالى لا يحق للأكثرية إلزام الأقلية بولاية شخص، ولا يحق لها إلزام الجيل المقبل برأيها وقرارها.

ونحن لم نجد من خلال الاستعراض للنصوص الواردة في الكتاب وما صح من حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله مثل هذا التفويض.

وبتوضيح آخر: أنّ القاعدة تسلِّط الإنسان على أن يفعل ما يشاء

ص: 55

فيما يتعلق بنفسه وماله، في غير ما حرّم اللّه تعالى، وفي غير ما تعلق به حقوق الآخرين، ولا تسلِّط الإنسان على اختيارات الآخرين وشؤونهم وحقوقهم، ولا تفوّضه أن يتصرف في حقوق الآخرين، من دون إذنهم.

فللإنسان أن يبيع ما يشاء من أمواله أو يهديه، أو يتصرف فيها بما يرى في غير ما حرم اللّه، وفي غير ما يتعلق به حقوق الآخرين. وليس له أن يبيع أموال الآخرين أصالة ووكالة ما لم يفوّضه الآخرون في ذلك.

وسرّ ذلك أنّ هذه القاعدة تسلِّط الإنسان على ما يتعلق بنفسه وشؤونه ولا تفوّضه في شؤون الآخرين.

وبعد هذا التوضيح نعود إلى تطبيق القاعدة والأصل على مسألة الإمامة العامة والولاية...

فنقول: إن القاعدة تسلِّط الإنسان على طاعة من يحب في غير معصية اللّه تعالى، كما أنّ الأصل يبيح له ذلك، وهذا أمر يتعلق به، فله أن يطيع من يحب في غير معصية، وله أن يخالف من يحب مخالفته في غير معصية... وهذا هو حد دلالة القاعدة والأصل.

ولكن ما لا يصح له أن يختار إماماً وحاكماً للجميع، فهذا ليس من شأنه، وإنما هو من شأن اللّه تعالى الذي يملك الحكم والولاية على الجميع (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ.)

ص: 56

وكذلك الأمر في (الأصل)، فإنّ أصالة الإباحة تبيح له فقط التصرف فيما خلق اللّه تعالى لعباده من رزق، ولم يفوّضه هذا الأصل التصرّف فيما يتعلق بشؤون الآخرين وحقوقهم.

وعليه فلا يمكن التمسك بالقاعدة والأصل لإثبات التفويض من جانب اللّه تعالى للإنسان في اختيار الإمام وولي الأمر للأُمّة.

إذن نستطيع أن نقول بعد هذا الاستطراد: إنّ القواعد والأصول الفقهية من قبيل (قاعدة التسليط) و (أصالة الإباحة الأولية) لا يمكن التمسك بها في توجيه شرعية مسألة الاختيار في أمر الإمامة، وتبقى دلالة هذه القاعدة وذلك الأصل في دائرة الشؤون الفردية فقط، دون الشؤون المتعلقة بالأُمّة في أمر السيادة والولاية وأمثالها.

على أنّ هذه القاعدة، إذا صحّت دلالتها، لا تزيد على أفضل التقادير على تمكين الناس من طاعة من يريدون طاعته فيما يصح لهم أن يفعلوه بأنفسهم، وتمكّن الحاكم بالمقابل من الأمر والنهي وإلزام الناس بالطاعة في نفس الدائرة التي سلّط الناس عليها. ولا تدل بوجه من الوجوه على شرعية التصرفات التي لا تصح إلا من الإمام، ولم يسلِّط اللّه الناس عليها، مثل تزويج غير البالغة، وتطليق المرأة عن زوجها، وإجراء الحدود الشرعية ومسائل الجباية، وغير ذلك من الأُمور التي لا تصح إلا من الإمام، وهي كثيرة.

فإنّ قاعدة التسليط لا تزيد على تمكين الإمام من إلزام الناس بما

ص: 57

سلّط اللّه الناس عليها.

والأُمور التي ذكرناها لا تدخل في دائرة الأُمور التي سلّط اللّه الناس عليها، وتقع خارج مساحة قاعدة التسليط بالضرورة، وهي من مقوّمات الإمامة والولاية، ولا تتم الإمامة والولاية إلا بها.

3 - أصالة اللزوم في العقود
اشارة

معنى هذه النظرية شرعية وأصالة اللزوم في كل التزام وعقد، إلا ما خرج بدليل، انطلاقاً من قوله تعالى (أوفوا بالعقود)، والوفاء بالعقد هو الالتزام به ولزومه من الناحية الشرعية.

والأمر بين الأُمّة والإمام عقد شرعي قائم بطرفين هما الأُمّة والإمام، ومضمون هذا العقد الطاعة من طرف والعدالة ورعاية مصالح الأمّة من جانب آخر، فيتعهد الإمام للأُمّة برعاية مصالح الأُمّة والعدل بين الرعية، وتتعهد الأُمّة له بالطاعة. وقد أمر اللّه تعالى المؤمنين بالوفاء بالعقود.

مناقشة نظرية العقد

تعتمد هذه النظرية سلطان الإنسان على نفسه وماله، فإذا كان الإنسان يملك نفسه وماله جاز له أن يعطي حق السيادة على نفسه للحاكم بموجب عقد واتفاق فيما بين الأُمّة وبين الإمام، وعندئذِ لا

ص: 58

يصح له أن يتراجع عن قراره، ويلزمه هذا العقد بموجب قانون وجوب الوفاء بالعقود المستخرج من آية الوفاء بالعقود في القرآن في سورة المائدة.

ولكننا نشك في الأصل الذي يعتمده قانون شرعيّة العقد وأصالة اللزوم في العقود، وهو سلطان الإنسان على نفسه، فقد سبق أن ناقشنا قاعدة التسليط ودلالتها على مبدأ التفويض، ولا يصح من العقود ولا يلزم إلا ما جعل اللّه تعالى للإنسان فيه سلطاناً عليه، في ما ملّك اللّه عباده من أنفسهم وأموالهم وسلّطهم عليه صح لهم أن يتنازلوا عنه ويمنحوه لمن يشاؤون بالعقود والاتفاقيات، ولزمهم الوفاء بالعقد، وما لم يملّكهم اللّه تعالى ولم يسلّطهم عليه من أنفسهم وأموالهم، فلا يصح لهم أن يتنازلوا عنه بعقد أو غيره.

إذن الكلام يرجع مرة أُخرى إلى قاعدة (التسليط). وقد ناقشنا هذه القاعدة من قبل، فلا نعيد المناقشة.

4 - التمسك بأدلة (وجوب نصب الإمام) و (طاعة أولي الأمر)
اشارة

وقد يستند بعض الفقهاء والمتكلمين إلى:

أ - أدلة وجوب نصب الإمام على عموم المسلمين.

ب - أدلة وجوب طاعة أُولي الأمر في تصحيح فرضية (التفويض)، وفي شرعية (الاختيار)

ص: 59

وتوضيح هذا الاستناد:

إن أدلة وجوب نصب الإمام على المسلمين تستبطن تفويض المسلمين أمر اختيار الإمام، وهذا التفويض يصحّح شرعيّة (الاختيار) هذا في النقطة الأُولى.

وفيما يتعلق بأدلة وجوب طاعة أُولي الأمر: يستند بعض الفقهاء في وجوب طاعة المتصدين للحكم وتقرير شرعيّة ولايتهم إلى إطلاق قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) باعتبار أنّ إطلاق أُولي الأمر يقتضي وجوب الطاعة لكل من يتولى أمر المسلمين، مهما كان مصدر ولايته (النص) أو (الاختيار) أو (استخدام القوة).

ولنا ملاحظات جوهرية على هذا المستند وذاك، نوردها فيما يلي إن شاء اللّه.

لا يثبت الحكم موضوعه:

روح المؤآخذة التي ترد على هذا الدليل أنّ أدلة وجوب نصب الإمام لا تدل على أكثر من وجوب نصب الإمام الذي يأذن به اللّه تعالى، ولا يتكفل الدليل إثبات هذا الإذن، على نحو العموم أو الخصوص في الشخص المرشح للولاية.

وبتعبير آخر: الحكم بوجوب نصب الإمام يتكون من موضوع

ص: 60

وحكم،

أمّا الموضوع فهو الشخص المؤهل للحكم، أو المأذون له بالولاية على المسلمين، من جانب اللّه، وأمّا الحكم فهو وجوب النصب، ووجوب تمكينه من الحكم ووجوب طاعته.

والحكم يترتّب على موضوعه الشرعي المحدد، وهو الشخص الذي أذن اللّه تعالى بتنصيبه للإمامة.

فعند ثبوت الموضوع في الخارج يتحقق الحكم، ويجب النصب، وعند انتفاء الموضوع في الخارج ينتفي الحكم، فإنّ الحكم يثبت بثبوت موضوعه وينتفي بانتفاء موضوعه، ولا يثبت الحكم موضوعه.

فيبقى التساؤل عن الدليل على شرعية الانتخاب والاختيار وشرعية تصدي الشخص الذي تمّ انتخابه من جانب الناس لأمر الولاية والحكم على قوّته، ولا يكون في الأمر بوجوب النصب، ولا الحكم بوجوب الطاعة دليل على شرعية ولاية المنصوب باختيار الناس، ما لم يرد دليل شرعي على صلاحيّة المتصدين للحكم للولاية والإمامة، من جانب اللّه تعالى وصلاحية الناس في اختيار الإمام من جانب اللّه تعالى.

لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة:

ولأنّ هذه الشبهة تتفق بين حين وآخر لبعض الفقهاء والمتكلمين، لا بدّ من توضيح أكثر لهذا النقد الذي شرحناه آنفاً.

ص: 61

فأقول: إنّ القضايا الحقيقية من قبيل (وجوب طاعة أُولي الأمر) و (وجوب مبايعة أُولي الأمر) تتكون من موضوع وحكم، والحكم هو وجوب الطاعة والبيعة والالتزام بها، وحرمة نقضها، والموضوع هو أُولو الأمر،

والحكم يترتّب على موضوعه الحقيقي الموجود في الخارج، أو (الموضوع التقديري)، ولذلك فإنّ كل قضية حقيقية تنحل إلى قضية شرطية، يكون فيها المقدّم (الشرط) هو الموضوع، والتالي (النتيجة) هو الحكم، ويكون معنى وجوب طاعة أُولي الأمر وجوب الطاعة، إذا تصدّى ولي الأمر بحدوده وشروطه الحقيقية لأمر الولاية، وشروطه وحدوده الحقيقية هي التي يحدّدها اللّه تعالى على نحو العموم أو الخصوص، ومن دون ذلك لا يكون الشخص المرشّح لولاية الأمر ولياً للأمر.

والقضية الحقيقية إنما تتكفل إثبات الحكم عند تحقّق موضوعه، فإذا شككنا في موضوع خارجي أنه مصداق للموضوع أو لا، فلا يمكن التمسك بإطلاق الموضوع أو عمومه لإدخال المصداق المشكوك فيه في عموم الموضوع أو إطلاقه.

فإذا أُمرنا بمراجعة الأطباء مثلاً على نحو العموم أو الإطلاق، في حالات المرض، وشككنا في موضوع خارجي (شخص متصدّى للطبابة) أنّه طبيب أم لا، فلا يمكن التمسك بعموم مراجعة الأطباء أو

ص: 62

إطلاقه لإدخال المصداق المشكوك فيه في الأطباء، ووجوب مراجعته والأخذ بمشورته الطبيّة.

ولذلك يقول علماء الأُصول: إنّ القضية الحقيقية لا يثبت موضوعها في موارد الشك في المصداق، ولا يمكن التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية، إذا ورد مخصص على العموم، واحتملنا دخول مصداق من المصاديق المشتبه به في المخصص، فيكون خارجاً عن العموم، أو في العام فيكون غير مشمول للمخصص.

وعلماء الأُصول يذهبون، قولاً واحداً، إلى عدم جواز التمسك بالعموم في مثل هذه الموارد إذا كانت الشبهة في المصداق، وهي مسألة عقلية لا تحتاج إلى أكثر من تصور أطراف هذه المسالة للجزم بالحكم.

ان موضوع الحكم بمبايعة أولي الأمر وتمكينهم من الحكم وطاعتهم والدفاع عنهم هو الذين أذن الله تعالى بإمامتهم للمسلمين... وما لم يثبت بدليل قطعي هذا الإذن من جانب الله لا تجب البيعة ولا الطاعة.

فإذا شككنا في هذا الإذن للشخص المتصدي للولاية (على نحو الشك في الانطباق والمصداق) انتفى الحكم بالطاعة قطعاً، فلا يشمل الأمر بطاعة أُولي الأمر إلا الذين نعلم بأن اللّه تعالى أذن لهم بالولاية، وولاّهم أُمور الناس، ولا يمكن الاستناد إلى هذه الآية في الحكم

ص: 63

بطاعة المتصدين للحكم ما لم نعلم انطباق الإذن بالولاية عليهم، وما لم يرد نص صريح عموماً أو خصوصاً من اللّه تعالى أو رسوله بتنصيبهم أو تأهيلهم للحكم، وليس فيما بين أيدينا من كتاب الله أو مما صح من حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله مثل هذا النص.

5 - نصوص التأمير

روى أبو داود في (السنن) عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم »(1) وعن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم »(2). فإنّ هذا (التأمير) من التفويض في التأمير، وما يصح في ثلاثة في سفر يصح في الجماعة في سفر وحضر، وما يصح في الجماعة يصح في الأُمّة.

وهو قياس غريب، وغرابته أنه قياس مع الفارق، ولا يصح قياس جماعة أو رهط في السفر يتخذون لأنفسهم أميراً، يرجعون إليه فيما يختلفون فيه ب - (الأُمّة) في عرضها العريض في أمر الولاية والإمامة. ولا يمكن أن يكون هذا الحديث وأمثاله سنداً ودليلاً لمثل هذا الأمر.

ص: 64


1- سنن أبي داود: 36:3 ح 2608، 2609.
2- سنن أبي داود: 36:3 ح 2608، 2609.

على أنّ مثل هذا التأمير لا يلزم رفقة السفر بالطاعة، بالتأكيد، ولم يخلق اللّه تعالى بعدُ الفقيهَ الذي يفتي بموجب هذه الرواية بحرمة مخالفة الأمير الذي يختاره الثلاثة أو الأربعة من بينهم، ووجوب طاعته في كل شيء يختلفون فيه من أُمور السفر.

إذن هذه الطاعة من الطاعة التطوعية غير الملزمة حتى في موردها، فضلاً عن الموارد التي تقاس بها، والإمارة غير ملزمة.

6 - تأمير الخلفاء الثلاثة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وروى أحمد بن حنبل في (المسند) (175/1 ح 861) في مسند علي عليه السلام قال: « قيل يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، من يؤمّر بعدك؟ قال: إن تؤمّروا أبا بكر رضي الله عنه تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر رضي الله عنه تجدوه قوياً أميناً، لا يخاف في اللّه لومة لائم. وإن تؤمّروا علياً رضي الله عنه، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الصراط المستقيم ».

وأمارات الوضع على هذه الرواية أوضح من أن تخفى.

ولست أعرف موقعاً لكلمة «ولا أراكم فاعلين» فإن كان المقصود الإمارة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله مباشرة فهذه الكلمة لا تخصّ علياً عليه السلام وحده، وإنما تشمل الخليفة الثاني والثالث أيضا، ً وإن كان المقصود بالخلافة مطلقاً، فقد فعل الناس ذلك، وأمّروا علياً عليه السلام عليهم بعد مصرع

ص: 65

عثمان بن عفان.

والوصف الوارد في هذه الرواية عن علي عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بخلافة الخليفة الأول والثاني يختلف عن الوصف الذي يصف به الإمام خلافة أبي بكر وعمر في خطبة الشقشقية، كما في (نهج البلاغة). ولا نستطيع أن نجمع بين رأي الإمام في خلافة الخليفة الأول والثاني وبين الرواية المنسوبة إليه عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

7 - البيعة لخليفتين

روي في الصحيح عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما »(1).

فقد يتمسّك بها في أنّ الخلافة تنعقد بالبيعة ولا تحتاج إلى النص، ولذلك فقد تنعقد البيعة لخليفتين، ولا يمكن ذلك إلا على مبدأ الاختيار والتفويض والاكتفاء به عن النص. وهذا أكثر ما يمكن أن توجّه به هذه الرواية في مسألة (التفويض في الإمامة).

ومع الغض عن بعض الملاحظات الواردة في متن الرواية من قبيل كلمة (الخليفة) و (الخليفتين) فإنها من المصطلحات المستحدثة

ص: 66


1- صحيح مسلم: 4:61:128 كتاب الإمارة.

بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، أقول: إنّ هذه الرواية ليست بصدد بيان الوسائل الشرعية لانعقاد الإمامة والخلافة، وإنما هي فقط بصدد دفع مفسدة تعدد محاور الولاية والحكم في المسلمين، وما يؤدي ذلك إليه من فساد في المجتمع وهلاك للحرث والنسل في الصراع على السلطة، ولدفع هذه المفسدة يجب على المسلمين أن يقتلوا ثاني الخليفتين، لتستقر أمورهم السياسية.

8 - شرعية البيعة والشورى في كلمات الإمام عليه السلام
اشارة

روى الشريف الرضي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما تولّى الخلافة بعث جرير بن عبد اللّه البجلي بكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان يطلب فيه منه البيعة. وهذا نص الكتاب برواية الشريف:

«

بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك للّه رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة رَدّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه اللّه ما تولّى»(1).

ص: 67


1- نهج البلاغة: 366 كتاب 6.

قال الزبير بن بكار في (الموفقيات)(1): إنّ علياً عليه السلام لما بعث جريراً إلى معاوية خرج وهو لا يرى أحداً قد سبقه إليه، قال: فقدمت على معاوية فوجدته يخطب الناس، وهم حوله يبكون حول قميص عثمان وهو معلق على رمح مخضوب بالدم فدفعت إليه كتاب علي عليه السلام فقال معاوية: أقم فإنّ الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا....

ثم جاءه كتاب آخر من الوليد بن عُقبة، فلما جاءه هذا الكتاب وصل بين طومارين أبيضين ثم طواهما، وكتب عنوانهما ودفعهما إليّ، لا أعلم ما فيهما ولا أظنهما إلا جواباً، وبعث معي رجلاً من بني عبس، فخرجنا حتى قدمنا إلى الكوفة، واجتمع الناس في المسجد، لا يشكون أنها بيعة أهل الشام، فلما فتح علي عليه السلام الكتاب لم يجد شيئاً، وقال العبسي فقال: إني أحلف باللّه لقد تركت تحت قميص عثمان أكثر من خمسين ألف شيخ خاضبي لحاهم بدموع أعينهم متعاقدين متحالفين ليقتلن قتلته في البر والبحر، ثم دفع إلى علي عليه السلام كتاباً من معاوية ففتحه فوجد فيه:

أتاني أمر فيه للنفس غُمّة وفيه أجتداع للأُنوف أصيلُ

مصابُ أميرِ المؤمنين وهدّة تكاد لها صمُّ الجبال تزولُ(2)0.

ص: 68


1- الأخبار الموفقيات: 620 رقم 405.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد: 38:14-40.
كلمة ابن أبي الحديد

يقول عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح هذا الكتاب: واعلم أنّ هذا دال بصريحه على كون الاختيار طريقاً إلى الإمامة، كما يذكره أصحابنا المتكلمون، لأنّه احتج على معاوية ببيعة أهل الحل والعقد له، ولم يراع في ذلك إجماع المسلمين؛ لأنّ سعد بن عبادة لم يبايع، ولا أحد من أهل بيته وولده، ولأن علياً وبني هاشم ومن انضوى إليهم لم يبايعوا في مبدأ الأمر وامتنعوا، ولم يتوقف المسلمون في تصحيح إمامة أبي بكر وتنفيذ أحكامه على بيعتهم. وهذا دليل على صحة (الاختيار) وكونه طريقاً إلى الإمامة، وإنه لا يقدح في إمامته عليه السلام امتناع معاوية من البيعة وأهل الشام.

فأما الإمامية فتحمل هذا الكتاب منه عليه السلام على التقيّة، وتقول: إنّه ما كان يمكنه أن يصرح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال، ويقول له: أنا منصوص عليّ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعهود إلى المسلمين أن أكون خليفة فيهم بلا فصل، فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين، وتفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة.

وهذا القول من الإمامية دعوى لوعضدها دليل لوجب أن يقال بها، ويصار إليها، ولكن لا دليل لهم على ما يذهبون إليه من الأُصول التي تسوقهم إلى حمل هذا الكلام على التقية(1).

ص: 69


1- شرح النهج لابن أبي الحديد: 36:14-37.
نقد كلام ابن أبي الحديد

وليس ابن أبي الحديد مصيباً فيما يراه من دلالة كتاب علي عليه السلام على شرعية مبدأ الاختيار، ونستطيع أن نفهم هذه الحقيقية من خلال نقطتين:

النقطة الأُولى: أن الإمام عليه السلام ليس بصدد بيان رأيه في شرعية البيعة والاختيار في هذا الكتاب، وإنما يخاطب بهذا الكلام معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية لا يعترف بالنص، ولا يريد أن يتخلى عن ولاية الشام، ويطمع في إمرة المؤمنين، ولا طمع للإمام في أن يقنع معاوية بن أبي سفيان بوجهة نظره ورأيه في الإمامة، ولا طمع للإمام في أن ينصاع معاوية للحق، فهو عليه السلام يعلم أن معاوية مقدم على التجنّي عليه وعلى المسلمين فيقول له في هذا الكتاب نفسه: « فتجنّ ما بدا لك والسلام ».

وإنما يريد الإمام في هذا الكتاب أن يلزم معاوية أمام الملأ من أهل الشام بإمامته وطاعته ولزوم بيعته وحرمة مخالفته بما يلتزم به، فقد انعقدت له الإمامة بما انعقد من قبله للخلفاء الثلاثة.

فلم ينعقد على خلافة أحدهم إجماع المسلمين، ولم تضرّ بشرعية خلافة أحدهم مخالفة من خالف من المسلمين، إذا اجتمع وجوه الأنصار والمهاجرين، وعلى ذلك فإنّ معاوية ملزم بالاستجابة لبيعة المسلمين للإمام من بعد خلافة عثمان، فقد بايعه من وجوه الأنصار

ص: 70

والمهاجرين الذين بايعوا من قبله أبا بكر وعمر، فلا يكون تخلف معاوية وأهل الشام ناقضاً لبيعته إذا اجتمع على بيعته من اجتمع على بيعة الشيخين من قبله.

فليس لمعاوية ولا لأهل الشام أن يردوا بيعة الإمام عليه السلام، كما ليس لأهل المدينة أن يختاروا غير من اختاره شيوخ المهاجرين والأنصار.

وكتاب الإمام عليه السلام إلى معاوية صريح في هذا الإفحام والإلزام لمعاوية أمام الملأ من أهل الشام بما يلتزم به، وليس في هذا الكتاب أيّة إشارة إلى أن الإمام عليه السلام يقرّر في هذا الكتاب رأيه في مسألة (الاختيار)، وإنّما هو كتاب سياسي لإحراج معاوية وإفحامه في مسألة الاختيار والبيعة.

النقطة الثانية: أنّ الإمام لم يكن يرى أنّ بيعة وجوه المسلمين وأصحاب الحل والعقد منهم سبب شرعي كاف في انعقاد الإمامة والخلافة، ولم يكن يعتقد بشرعية بيعة الخليفة الأوّل حتى بعد اجتماع وجوه المهاجرين والأنصار في المدينة عليه واستقرار خلافته. وبقي الإمام قابضاً يده عن البيعة حتى رأى أن لموقفه من خلافة الخليفة مردوداً سلبياً على الإسلام فبايع عندئذٍ.

يقول عليه السلام في ذلك: « فواللّه ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه و آله عن أهل بيته، ولا أنهم مُنَحُّوهُ عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه. فأمسكت يدي حتى

ص: 71

رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه و آله فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم.... فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين »(1).

وكذلك كان رأي الإمام في خلافة الخليفة الثاني والثالث من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، يقول عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان: « ولقد علمتم أني أحق الناس من غيري، وواللّه لأسلّمن ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه »(2).

فالإمام عليه السلام يرى أنّ الخلافة كانت من حقه، وأنّ تنحيتها عنه كان جوراً سلّم بها ما سلمت أُمور المسلمين، إيثاراً لمصلحة الأُمة على مصلحته.

وفي جواب كتاب معاوية إليه عن بيعته لأبي بكر التي تمت بالرغم من رغبته، يقول عليه السلام: « وقلت: إني كنت أُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أُبايع، ولعمر اللّه لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً، ما لم يكن شاكّاً في دينه، ولا مرتاباً بيقينه »(3).8.

ص: 72


1- نهج البلاغة: 451 كتاب 62.
2- نهج البلاغة: 102 خطبة 74.
3- نهج البلاغة: 387 كتاب 28.

وله عليه السلام كلام كثير وواضح في أنّ الخلافة كانت له من بعد رسول الّله صلى الله عليه و آله خاصة، روى كثيراً منها الشريف في النهج، يقول عليه السلام: « فواللّه ما زلت مدفوعاً عن حقّي، مستَأثَراً عليّ منذ قبض اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله حتى يوم الناس هذا »(1).

وقال في جواب بعض أصحابه، وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به، فقال عليه السلام: « يا أخا بني أسد، إنك لقلق الوضين، ترسل في غير سَدَد، ولك بعد ذمامة الصِهر وحق المسألة، وقد استعلمت فاعلم: أما الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن الأعلون نسباً، والأشدّون برسول اللّه صلى الله عليه و آله نَوْطاً، فإنها كانت أَثَرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم للّه »(2).

ويقول عليه السلام: « وقد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص، فقلت: بل أنتم واللّه لأحرص وأبعد، وأنا أخَصُّ وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تَحولُون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه »(3).

ثم يقول عليه السلام: « اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي، ثم قالوا: ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه »(4).2.

ص: 73


1- نهج البلاغة: 53، خطبة 6.
2- نهج البلاغة: 231، خطبة 162.
3- المصدر السابق: 246، خطبة 172.
4- المصدر السابق: 246، خطبة 172.

وللإمام كلام كثير يرويه الشريف في (النهج) على هذا النمط.

ولسنا نشك نحن في بيعة الإمام للخلفاء الثلاثة الأُول، وإنما نشك كل الشك أن تكون هذه البيعة قائمة على أساس الإيمان بشرعية البيعة، وشرعية الخلافة القائمة على البيعة، أو شرعية مبدأ (الاختيار)، وإنما كانت قائمة على مصلحة وحدة الموقف الإسلامي، والإيمان بخطر انثلام هذه الوحدة على الإسلام نفسه.

ومن يقرأ (الشقشقية) لا يشك في أنّ الإمام كان يعتقد بأنّ بيعة المهاجرين والأنصار غير ملزمة له، ولا يشك أنّ رأي الإمام في خلافة الخلفاء الثلاثة من قبله لم يكن إيجابياً، ولا يشك في أنّ الإمام عليه السلام كان يرى أنّ الخلافة له من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

يقول عليه السلام فيما جرى عليه من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً » فإن كان كلام الإمام حجة، وكان (نهج البلاغة) حجة، فإنّ الشقشقية من كلام الإمام في (نهج البلاغة)، وإن كان غير ذلك فلا حجة في النص السابق.

وليس هناك نص أقوى من هذه الكلمة في الدلالة على عدم اعتراف الإمام بشرعية البيعة وشرعية الخلافة القائمة على هذه البيعة، واستحقاقه للخلافة من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله دون غيره.

قال مصدِّق(1): كان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل، فقلت له:نة

ص: 74


1- هو مصدِّق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي، توفي ببغداد سنة

أتقول: إنّها - الشقشقية - منحولة؟

فقال: لا واللّه، وإني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مصدّق.

قال: فقلت له: إن كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه اللّه تعالى.

فقال: أنّى للرضي، ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأُسلوب؟ قد وقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خَلٍّ ولا خَمر.

ثم قال: واللّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي(1).

والنتيجة التي نستخلصها من ضم هاتين النقطتين أنّ هذا الكتاب كتبه الإمام عليه السلام إلى معاوية على سبيل الجدل والإفحام له بما يعلن لأهل الشام أنه يلتزم به ويتبناه، ولا يمثل هذا الكلام رأي الإمام في شرعية مبدأ (الاختيار)، لما عرفنا بالضرورة من رأي الإمام في مسألة الاختيار، وفي خلافة الخلفاء الثلاثة من قبله، فيما رواه الشريف من كلامه في (نهج البلاغة)،(2) وفيما رواه المؤرخون من موقفه من خلافة3.

ص: 75


1- (605) هجري، ذكره القفطي في إنباه الرواة.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد: 205:1 خطبة 3.

الخليفة الأول بالاتفاق، ومن دون خلاف.

فهذا الكلام إذن لا يكون حجة في شرعية مبدأ (الاختيار) على كل حال.

حكم العقل بالتفويض

نعم، لا نعترض على حكم العقل بحسن التفويض من جانب اللّه تعالى إن لم نظفر بنص شرعي صريح في تفويض الأكثرية لأمر اختيار الإمام، فإنّ العقل يحكم بالضرورة في هذه الحالة بحسن التفويض من جانب اللّه تعالى للأكثرية في اختيار الإمام، وهذا هو حكم (العقل العملي) كما يقول علماء الأُصول، ويحكم (العقل النظري) بالملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع وهو سيد العقلاء، وواهب العقل للعقلاء.

وبضم هذين الحكمين إلى بعض يكتشف العقل حكم التفويض من الشارع للأكثرية في أمر انتخاب الإمام.

أقول: لا اعتراض على هذا الحكم العقلي في حد ذاته، بعيدا عن ملابسات هذه المسأله، و لكنه يستتبع أمرا آخر، لا أظن أحدا يتقبله، و اليك توضيح ذلك ضمن النقاط التالية:

1 - ان مسألة الامامة من أعظم ضرورات الحياة السياسية و الاجتماعية، و لا غنى للأمة عنها في كل الحالات و الظروف.

ص: 76

2 - و قد خص الله تعالى أمر الولاية و السيادة و الحاكمية لذاته، تبارك و تعالى، و لم يشرك أحدا من خلقه فيها، إلا أن يكون في إمتداد إذنه و أمره، فقال تعالى: (: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ) . يوسف: 40، 67، الأنعام: 57.

3 و قد ترك الله تعالى أمر الولاية و الامامة في حياة الناس من دون بيان أو بلاغ في كتابه، أو حديث رسوله صلى الله عليه و آله، فلم ينص على أحد من بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و بعد ذلك بالامامة، و لم يفوض الناس صريحا أمر الاختيار بالأكثرية، أو بأي منهج آخر: (وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مريم: 64 و هل يمكن أن يترك الله أمرا بهذه الدرجة من الضرورة و الأهمية من دون بيان أو بلاغ، و يختص هو سبحانه، بأمر السيادة و الحاكمية، ثم لا ينص على أحد و لم يفوض الناس أمر الاختيار... و قد تعهد سبحانه و تعالى لعباده بالبلاغ و البيان المبين، يقول تعالى (: (وَ ما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يس: 17 (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) التغابن: 12 (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ) المائده: 99

و يدل بوضوح على صواب ما ذكرناه أن أحدا من علماء المسلمين في الفقه و الكلام من الماضين و المعاصرين، لم يستند على التفويض

ص: 77

بهذا الدليل العقلي.

ولا يمكن الدفاع عن وجهة النظر هذه في اللجوء إلى حكم العقل بادّعاء ضياع النصوص المتعلقة بالتفويض فيما ضاع من حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإنّ خطورة هذه النصوص وأهميتها السياسية، وارتباطها بأخطر قضية وأهمها في حياة المسلمين بعد مسألة التوحيد تمنع من هذا الاحتمال. فلا يمكن أن يضيع نص بهذه الأهمية تتعلق به شرعية خلافة الخلفاء بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

ولم يروِ لنا المؤرخون وأصحاب السير فيما رووا لنا من أحداث اجتماع المسلمين يوم وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سقيفة بني ساعدة وانتخاب الخليفة نصاً يتضمن هذا التفويض الذي نبحث عنه في هذا المدخل.

ص: 78

ثانياً: الجانب الصغروي (التطبيقي) من التفويض
اشارة

في العنوان الأول تحدّثنا عن أصل التفويض وشرعية الاختيار والأدلّة التي يمكن يتمسك بها القائلون بالاختيار على إثبات التفويض، من اللّه تعالى للإنسان في أمر الولاية والإمامة السياسية، والآن نتحدث عن الجانب الصغروي والتطبيقي لمسألة التفويض والأدلّة التي يذكرها العلماء على ذلك.

ونقصد بالجانب الصغروي: المفردات التي تثبت حجيتها في الشريعة من القائلين بالاختيار... وهذه المفردات من مصاديق وصغريات (الاختيار).

وحجية هذه المصاديق تدل على ثبوت التفويض من جانب الله للناس في هذه الموارد على الاقل في أمر الإمامة والولاية.

وللايضاح نقول:

ان البيعة من مصاديق وصغريات الاختيار بمعنى ان البيعة هي في الواقع عملية اختيار الحاكم وانتخابه للامامة السياسية.

وقد ثبت في الشريعة شرعية البيعة وثبوت شرعية البيعة في

ص: 79

الشريعة يدل على ثبوت شرعية الاختيار، وهو يدل على ثبوت التفويض من جانب الله تعالى للناس في أمر الإمامة في هذا المورد على الاقل.

وهذا هو الجانب الصغروي ولهذه المسألة.

وقد ذكر الفقهاء والمتكلمون ثلاثة مصاديق لتفويض الأُمة حق اختيار الامام نذكرها تباعاً ونناقشها مناقشة صغروية، بعد ان ناقشنا اصل مبدأ الاختيار من الناحية الكبروية.

وهذه الثلاثة هي:

1 - الإجماع.

2 - البيعة.

3 - الشورى.

وفيما يلي نبحث إن شاء اللّه عن هذه المصاديق الثلاثة للاختيار وأدلة حجيتها وما يرد عليها من مناقشات، ومؤآخذات:

ص: 80

1 - الإجماع
القيمة التشريعية للإجماع

لعلّ من أوجه ما ذكروا لحجية الإجماع من دليل هو قوله صلى الله عليه و آله: «لا تجتمع أُمتي على خطأ» و «لا تجتمع أُمتي على ضلالة».

وبغض النظر عن المناقشة في سند هاتين الروايتين، فإنّ دلالتهما على حجّية الإجماع واضحة، وتسلم من كثير من المناقشات التي ترد على الأدلّة الأُخرى التي يذكرونها سنداً لحجيّة الإجماع، إلا أنّ الحجية لا تثبت للإجماع في هاتين الروايتين، وما بمضمونها من روايات أُخرى، إلا عندما يكون الإجماع اتفاقاً من قبل الأُمة جميعاً، فإنّ صريح الروايتين هو إعطاء صفة العصمة للأُمة، وتأويل الأُمة بالفقهاء وأهل العلم والرأي منها توجيه وتكلف في تفسير الرواية.

وليس أقل من أن نشك في حجية إجماع آخر غير إجماع الأُمة، والشك في الحجية مساوق لعدمها، فإنّ قوام حجية الدليل هو الجزم واليقين بدلالته، وإذا طرأ الشك في حجيته ودلالته تنتقض حجيته، ولم يعد بعد حجة ودليلاً، فتختص حجية الإجماع إذن بما إذا اتفقت الأُمة جميعاً على رأي خاص فيعصمها اللّه تعالى عند ذلك عن الخطأ. وهذا هو معنى عصمة الأُمة.

ومن المستحيل أن يكون الإجماع بهذا المعنى سنداً لشرعية

ص: 81

الخلافة والإمامة في حال من الأحوال، فإنّ مسألة الإمامة والخلافة من المسائل التي يكثر فيها عادة الاختلاف، فترضي قوماً وتسخط آخرين، ولا يمكن أن يكون الإجماع سنداً لمسألة من هذ ا القبيل. ولم نعهد في تاريخ الإسلام، ولا مرة واحدة على الأقل، أنّ الخلافة استقرّت لأحد من المسلمين بإجماع من الأُمة، ورضيها الجميع من دون استثناء.

فلا يمكن إذن أن يسند الشارع شرعية الخلافة والإمامة إلى إجماع الأُمة، ما دام الإجماع بهذا المعنى أمراً يمتنع تحققه في مسألة من هذا القبيل.

الدليل الاستنادي

وحتى لو تساهلنا في الأمر، واعتبرنا إجماع أهل الحل والعقد، وأهل العلم والرأي كافياً في انعقاد الإمامة، فإنّ الإجماع مع ذلك لا يمكن أن يحل محل النص في شرعية البيعة، فإنّ دليل الإجماع يختلف عن الكتاب والسُّنّة، في أنه ليس دليلاً قائماً بالذات، ولا وجود له على نحو الاستقلال في قبال الكتاب والسُّنّة، وإنّما يستند في الكشف عن الحكم الشرعي دائماً على السُنّة.

وتفصيل هذا الإجمال: إننا حينما نفحص الإجماع من حيث المحتوى نجد أنه تراكم من الآراء والفتاوى، متفقة من حيث الشكل

ص: 82

والمضمون، واتفاق من الفقهاء وأهل العلم والرأي في إسناد حكم إلى اللّه تعالى.

ونقف هنا عند كلمة (إسناد حكم إلى اللّه)، فإنّ حقيقة الإجماع أن يتفق المجمعون على رأي واحد في إسناد الحكم إلى اللّه.

ومن الواضح أنّ إسناد حكم إلى اللّه تعالى لا يجوز من دون دليل شرعي بالنسبة إلى المجمعين أنفسهم، وفي مرحلة سابقة على تحقق الإجماع، فإذا تحقّق الإجماع كان سنداً شرعياً للفقهاء بعد ذلك في الحكم، غير أن الأمر ليس كذلك في مرحلة تحقق الإجماع، وبالنسبة إلى المجمعين أنفسهم، فإنّ عليهم أن يستندوا في رأيهم على سند شرعي من كتاب أو سُنّة، وليس من الجائز قطعاً أن يجتمع الفقهاء في عصر من العصور اعتباطاً، ومن دون مستند شرعي على حكم من الأحكام، فيكون حكماً شرعياً. ولا يجوز أن يستندوا إلى الإجماع، لأن الإجماع حاصل بآرائهم، وليس من الجائز أن يسند المجمعون إلى الإجماع، فأنه من الدور الممتنع عقلاً.

وبتعبير آخر: إذا سألنا الفقهاء في مسألة إجماعية عن المستند الذي يعتمدونه في هذا الحكم الشرعي، فإنّ موقفهم في الجواب لا محالة ينشعب إلى موقفين اثنين: أمّا الفقهاء الذين لحقوا انعقاد الإجماع، فإنهم يعتمدون على الإجماع السابق عليهم، وهو موقف صحيح من دون ريب، بناءً على حجية إجماع الفقهاء، وأمّا بالنسبة إلى

ص: 83

المجمعين أنفسهم، فليس من الجائز أن يعتمدوا على الإجماع؛ لأنّ الإجماع ينعقد باتفاقهم في الرأي وإلا كان من الدور الباطل قطعاً.

والسؤال هنا عن مستند كل واحد من المجمعين في رأيه الذي يكون مقدمة لانعقاد الإجماع، فلا يجوز أن يكون رأياً اعتباطياً غير قائم على مستند شرعي، كما لا يجوز أن يكون مستنداً على الإجماع.

فلا بدّ إذن أن يعتمد المجمعون على مستند في الرأي.

وليس للفقهاء أن يفتوا بحكم شرعي، أو يروا رأياً في حكم من أحكام اللّه من دون وجود دليل أو مستند شرعي على ذلك.

فلا يكون الإجماع إذن سنداً لحكم شرعي، إلا إذا كان يقوم عند المجمعين أنفسهم فرداً فرداً على مستند شرعي يصحّ الاستناد إليه.

ولذلك قالوا: إنّ دليل الإجماع دليل طريقي كاشف ولا موضوعية له في الحكم، بمعنى أنّه دائماً طريق ومرآة للكشف عن المستند الشرعي للحكم، وليس هو في حد ذاته مستنداً للحكم الشرعي.

قال في (كشف الأسرار): واعلم أنّ عند عامة الفقهاء والمتكلمين لا ينعقد الإجماع إلا عن مأخذ ومستند؛ لأنّ اختلاف الآراء والهمم يمنع عادةً من الاتفاق على شيء إلا عن سبب يوجبه، ولأنّ القول في الدين بغير دليل خطأ.

إذن الدليل هو الموصل إلى الحق، فإذا فقد لا يتحقّق الإجماع،

ص: 84

إنّما يتقوم بآرائهم. ومن المستحيل مع ذلك أن تتقوم آراؤهم بالإجماع، فإن ذلك هو الدور الذي لا يشك أحد في استحالته بأن يكون الرأي عند الفقهاء، ويقع في رتبة سابقة على الاتفاق والاختلاف، فإذا تحقّق الرأي من ناحية الفقهاء، يتحقّق بعد ذلك الاتفاق أو الاختلاف.

فكيف يجوز أن يعتمد الفقيه في رأيه على الاتفاق الذي يتحقّق في رتبة لاحقة وفيما بعد الوصول إليه؟! فلو اتفقوا على شيء من غير دليل، لكانوا مجمعين على الخطأ، وذلك قادح في الإجماع(1).

ويقول العلامة الحلي: لا يجوز الإجماع إلا عن دليل، وإلا لزم الخطأ على كل الأُمة(2).

ضياع المستند

وقد يثار السؤال التالي: فما هي فائدة الإجماع إذن ما دامت حجية الإجماع متوقفة على وجود مستند شرعي؟ فإنّ المستند الشرعي في هذا الحال إن وجد، فهو الدليل الذي يعتمده الفقيه في الفتوى، وليس الإجماع، وإن لم يوجد فلا حجيته لهذا الإجماع؟ وهو سؤال وجيه.

ص: 85


1- كشف الأسرار لعبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري: 262:2 طبعة شركة الصحافة العثمانية - تركيا.
2- مبادئ الأُصول: 195.

والجواب: أنّ المستند الشرعي الذي يستند إليه الإجماع - عند تحقّق الإجماع - قد يضيع بعد ذلك ويختفي فيما يضيع ويختفي من الأدلّة والمستندات الشرعية، فيكشف الإجماع عن وجود مستند شرعي يصح الاعتماد عليه.

فإذا ما واجه الفقيه حكماً مجمعاً عليه من الكتب الفقهية، ولم يعثر على دليله، اكتفى بالإجماع دليلاً عليه وحكم به، باعتبار أنّ الإجماع لا بدّ أن يقوم - عند تحقّقه - على مستند شرعي صحيح استند إليه المجمعون، فإذا ضاع ذلك المستند، فإنّ الإجماع يكشف عنه.

ولهذا السبب فإنّ الاعتماد على الإجماع، يؤول في واقع الأمر إلى الاعتماد على الدليل الذي يستند إليه المجمعون، وإذا كان هذا الدليل قد اختفى فإن الإجماع يكشف عنه على نحو الإجمال.

وهذا هو ما يعنيه الفقهاء من أنّ الإجماع ليس أصلاً قائماً بذاته، وإنّما هو حكاية عن أصل شرعي، وطريق إليه يكشف عنه ويستند إليه.

مستند الإجماع

ونعود مرة أخرى القهقري إلى مسألة اختيار أول خليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، إماماً للمسلمين، وتوجيه مشروعية هذا

ص: 86

الاختيار بإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد منهم(1) على هذا الاختيار فنقول:

إن هذا الإجماع وان صح يكون حجة لمن يأتي بعد انعقاد الاجماع في مشروعية أول خليفة بعد رسول الله.

ولكننا نتساءل عن مستند الصحابة وأهل الحل والعقد الذين اجمعوا على خلافة الخليفة الأول... فلا بد أن يكون للصحابة الذين انتخبوا الخليفة الأول إماما للمسلمين يومئذ مستنداً شرعياً يصحح لهم ذلك، حق الاختيار من جانب الله بالعموم أولى بالخصوص، ونقصد بكلمة الخصوص: أن يكون الإجماع مسنداً لمشروعية انتخاب الخليفة الأول خصوصاً.

ونقصد بكلمة العموم أن يكون الإجماع سنداً لمشروعية الانتخاب بشكل عام، ومشروعية انتخاب الخليفة الأول مصداق لهذه المشروعية.

ونحن نناقش كلاً من هذين الاجتماعين:..

ص: 87


1- لا يصح دعوى إجماع الصحابة على اختيار الخليفة الأول إماما للمسلمين يومئذ، ولا إجماع أهل الحل والعقد، البتة، لما نعرضه بضرورة التاريخ والسير، من اختلاف الصحابة وأهل الحل والعقد منهم يومئذ في انتخاب الخليفة... ولكننا نفترض حصول الإجماع من قبل الصحابة جميعاً، أو من قبل أصحاب الحل والعقد منهم في اختيار او ل خليفة بعد رسول الله إماما للمسلمين فنقول...
الإجماع الأول

وهو الإجماع على شرعية انتخاب خصوص الخليفة الأول وليس من شك أن سند شرعية هذا الاختيار من قبل الصحابة لايمكن أن يكون الإجماع نفسه، لان الإجماع يتحقق بأجتماعهم على اختيار الخليفة الأول... ونحن نتساءل عن شرعية الاختيار من قبل الصحابة قبل أن يتحقق الإجماع.

فلا بد أن يستند المجمعون أنفسهم على إذن شرعي صريح في انتخاب الخليفة الأول خصوصاً، يكون مستنداً شرعياً لهم في انتخاب خليفة للمسلمين، وهذا المستند لايمكن أن يكون من الكتاب.

فإنّ القرآن محفوظ بأجمعه لم يمسه تحريف أو تغيير أو ضياع، ولا يمكن أن يكون المستند حكماً عقلياً عند من يرى العقل حجة، فإنّ الناس سواء في أحكام العقل، ولا معنى لضياع المستند واختفائه في مثل هذا الحال. ولم يبقَ في البين احتمال آخر غير أن يكون مستند الإجماع من السُّنّة، بعد أن عرفنا عدم إمكان تجرد الإجماع من مستند ودليل شرعي.

ومن الممكن في مثل هذا الحال، أن يضيع هذا المستند، فيكون الإجماع حاكياً عنه ودليلاً عليه.

فالإجماع إذن ليس دليلاً شرعياً قائماً بالذات وأصلاً برأسه، كما كان الأمر كذلك في الكتاب والسنة، وإنما هو أصل حاكٍ يكشف عن

ص: 88

وجود نص مفقود من السنة دائماً.

والآن، بعد هذه الجولة في حجيّة الإجماع نقول: إنّ الإجماع على انتخاب شخص للإمامة لا يكون حجّة بذاته، وإنّما يكون حجّة بما يستند إليه من النص بناءً على ما تقدّم من ضرورة وجود مستند للإجماع من السنة. وعندئذٍ يكون النص هو الحجّة، والإجماع كاشف عنه فقط، وليس للإجماع حيثية ذاتية في الحجيّة.

ولا ريب في أنّ النص حجة في تعيين الإمام، وهو ما نريد إثباته من (نظرية النص) في الإمامة والولاية. ولا يمكن أن يخفى هذا النص عن المجمعين أنفسهم (وهو جيل الإجماع)؛ لأنّ المفروض أنّ إجماعهم يستند إلى هذا النص(1)، كما لا يمكن أن يضيع هذا النص عن الجيل الذي يلي جيل الإجماع في مسألة خطيرة شديدة الحساسية والأهمية، مثل مسألة خلافة رسول اللّه صلى الله عليه و آله. فلو كانت خلافة الخليفة الأول قد تمّت بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإجماع المسلمين، فلا بدّ أن يستند هذا الإجماع إلى نصّ صريح من رسول اللّه صلى الله عليه و آله عرفه جميع المسلمينه.

ص: 89


1- إنّما يقول العلماء بعدم تمامية (الإجماع المستند) فيما إذا كان الإجماع يستند اجتهاداً معيناً لإمكان التشكيك في الاجتهاد الذي كان أساساً للإجماع، وعليه فإذا شككنا في سلامة الاجتهاد وصحته يسقط الإجماع عن الحجيّة رأساً وليس كذلك الإجماع الذي يستند نصاً شرعياً ضاع بمرور الزمن، وبقي الإجماع كاشفاً عنه، فإنّ هذا هو القدر المتيقن من حجيّة الإجماع، ولا يكون الإجماع حجّة من دونه.

من المهاجرين والأنصار يومذاك.

ومن دون ذلك لا يكون هذا الإجماع حجة، لما تقدم من البحث عن طبيعة حجيّة الإجماع.

ولو صح مثل هذا النص عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في خلافة الخليفة الأول لما أمكن أن يضيع ويختفي من كتب الحديث والسيرة.

وكيف يمكن أن يضيع مثل هذا النص من كتب الحديث والسيرة، وعليه تتعلق أهم قضية في تاريخ المسلمين السياسي؟ وكيف يمكن أن نتصوّر أنّ نصاً خاصاً ورد في الخليفة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وكان الصحابة يومئذٍ على علم به، وأجمعوا على نصب الخليفة للخلافة - كما يقول هؤلاء - استناداً إليه، ثم لا يبقى أثر أو خبر عن هذا النص؟

فالإجماع إذن لم يستند إلى نص شرعي خاص، ومثل هذا الإجماع لا يكون حجّة لعدم وجود مستند شرعي للمجمعين أنفسهم على اختيار الإمام من نص من كتاب أو سُنّة، فلا يكون هذا الإجماع حجة قطعاً لا لجيل المجمعين، ولا للجيل الذي يلي جيل الإجماع.

الإجماع الثاني

وهو الإجماع على مشروعية الاختيار بشكل عام بتفويض عام من الله لعباده في مسألة الإمامة.

ص: 90

وانتخاب الخليفة الأول إلا مصداقاً من مصاديق نظرة شرعية الاختيار بالتفويض من عند الله.

ونتحدث من هنا على افتراض وجود مثل هذا الإجماع، ولم نتحقق من ثبوته في المصادر الفقهية بعد(1).

فنقول إن هذا الإجماع لا بد أن يعتمد في الجيل الذي ينعقد به الاجماع على مستند شرعي واضح من كتاب أو سنة أو عقل.

ولا يمكن أن يكون مستنده الإجماع بالضرورة، لأنه من توقف الشيء على نفسه، وهو من الدور الممتنع وذلك واضح بأدنى تأمل.

فلا بد أن يكون مستند الإجماع إذن الكتاب والسنة أو العقل، ولا غير.

وقد سبق أن نفينا إمكان ذلك في الإجماع الأول...

ونقول هنا أيضاً إن مستند المجمعين في الجيل الذي انعقد به الإجماع لا يكون الكتاب بالضرورة، لوجود الكتاب بين أيدينا من دون نقص ولا زيادة، وليس فيه اثر من التفويض الإلهي في أمر الإمامة والسيادة.

ولا يمكن أن يكون (العقل) لعدم وجود حكم عقلي بالتفويضض.

ص: 91


1- لا نعرف لهذا الإجماع مصدرا علميا موثوقاً، ولكننا نتحدث عنه، على الفرض، كما تحدثنا على اصل حصول إجماع على انتخاب الخليفة الأول من قبل الصحابة، على الفرض.

الإلهي أيضا، بالضرورة الاشتراك العقلاء جميعا في العقل، ولو كان للعقل حكم بالتفويض لم يختص به ذلك الجيل دون سائر الأجيال، ولا يمكن أن يكون نصاً صريحا من السنة النبوية قد ضاع لان نصا بهذه المثابة من الاهمية لا يمكن أن يضيع... فان على هذا النص تتوقف شرعية الخلافة والإمرة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وكيف يمكن أن يضيع من أيدي العلماء والمحدثين من العلماء من جيل الصحابة إلى التابعين وتابعي التابعين نص بهذه الدرجة من الأهمية، مع حرصهم الكبير على الاحتفاظ بأحاديث رسول الله صلى الله عليه و آله إذن هذا الإجماع إذا تم، لا يستند على مستند شرعي من كتاب أو سنة أو عقل... ومثل هذا الإجماع فاقد للقيمة العلمية.

الاستناد إلى القياس

نعم، قيل: إنّ الإجماع على اختيار الخليفة الأول كان يستند إلى القياس.

وهذا أمر يقتضي منا أن نقف عنده قليلاً. فقد روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله خلف أبا بكر للصلاة بالمسلمين في مكانه، في اليوم الأخير من حياته، وقاس المسلمون عليه أمر الخلافة فقالوا: رضيه رسول اللّه لأمر ديننا، ونرضاه نحن لأمر دنيانا.

ص: 92

قال في فتح الغفار في معرض الحديث عن القياس والتمثيل له: كالإجماع على خلافه أبى بكر قياسا على إمامته في الصلاة، حتى قيل: رضيه رسول اللّه لأمر ديننا، أفلا نرضاه لأمر دنيانا؟ كذا في (التلويح).

وهو قياس مع الفارق.

أولاً: فان الإمامة في الصلاة، تختلف عن إمامة المسلمين خلافه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله. فالإمامة في الصلاة تجوز لأي شخص عدل من المسلمين، بينما لا تجوز الإمامة، كما سبق أن ذكرنا، إلا بتعيين من جانب اللّه تعالى. وقد خلف النبي صلى الله عليه و آله آخرين من الصحابة مكانه للصلاة عندما كان يخرج إلى الغزو خارج المدينة، ولم يستند احد من المسلمين إلى مثل هذه التعيينات التي صدرت منه صلى الله عليه و آله في حياته، ليقيس عليه أمر الإمامة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله خلافه عنه.

وثانيا: ليست حجية القياس أمراً مجمعا عليه بين المسلمين، ولا يمكن اعتماده أساساً للاستنباط.

وثالثا: أن صلاه أبى بكر بالمسلمين بأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله موضع كلام، والروايات فيها مضطربة قلقه، والأقوال فيها مختلفة. ولا نريد أن نخوض هذا البحث، إلا إننا على ثقه أن القاريء لو قدر له أن يجمع الروايات الواردة في صلاه أبى بكر، ويقارن بعضها إلى بعض لم يخرج عنها بمحصل قطعا.

ص: 93

2 - البيعة
القيمة التشريعية للبيعة

في البيعة ثلاثة آراء فقهية معروفة

الرأي الأول

ليس للبيعة قيمة تشريعية في أمر الولاية والطاعة أو الجهاد، وتقتصر بناءً على هذا الرأي قيمة (البيعة) في تأكيد التزام المكلّف بالطاعة لولي الأمر الذي ثبتت ولايته على المسلمين، والالتزام بالقتال والجهاد الذي فرضه اللّه تعالى على عباده بقيادة وإمرة ولي الأمر، وبناءً على هذا الرأي فلا تُنشئ ولا تُثبت البيعة ولاية لأحد.

وهذا هو أرجح الآراء الفقهية، كما اعتقد، فقد طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المسلمين البيعة في أربعة مواقع: في (العقبة الأُولى) وفي (العقبة الثانية) وعند الشجرة في (بيعة الرضوان) ويوم (غدير خم).

والبيعة الأُولى (بيعة الدعوة).

والثانية والأخيرة (بيعة الإمرة) له وللوصي من بعده.

والثالثة (بيعة الجهاد).

فهذه ثلاثة أنواع من البيعة في (الدعوة) و (الولاية) و (الجهاد)، وفي كل هذه البيعات لم تكن البيعة سبباً فقهياً لإحداث وجوب

ص: 94

الطاعة في الدعوة والولاية والجهاد.

فإن الاستجابة للدعوة واجبة بحكم العقل، والدفاع عن الدعوة واجب بحكم العقل والشرع، وطاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله والالتزام بإمرته وقيادته في السلم والحرب واجب بحكم الشرع، وكان على المسلمين الاستجابة للدعوة والدفاع عنها وتبنّيها، وطاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، والقتال دون الدعوة من دون هذه البيعات جميعاً.

إذن ليست للبيعة قيمة فقهيّة في أمر الولاية والإمامة، وإنما هي أداة وأُسلوب لتعميق وتأكيد ارتباط الأُمة بالولاية.

وهذا هو الرأي الأول في البيعة وعلاقتها بالأمرة والطاعة.

علاقة البيعة بالطاعة

والرأي الثاني: أنّ البيعة شرط في صحة الطاعة، ولا علاقة للبيعة بتعيين (ولي الأمر)، كما لا علاقة للبيعة بوجوب الطاعة لولي الأمر، فإنّ وجوب الطاعة لولي الأمر وتعيين ولي الأمر ثابت ومنجز قبل البيعة، فلا تكون البيعة سبباً لوجوب الطاعة ولا لتعيين ولي الأمر و إنما هو شرط لصحة الطاعة فقط.

و مثال ذلك علاقة الوضوء بالصلاة، فإنّ الوضوء لا يحدث وجوباً

ص: 95

للصلاة، ووجوب الصلاة ثابت قبل الوضوء وبعد الوضوء بكل خصوصياتها، وإنما الوضوء شرط في صحة الصلاة، ويسمّي علماء الأُصول هذه العلاقة عادةً ب - (مقدمة الواجب).

وبناءً على هذا الرأي لا يكون للبيعة تأثير في تعيين ولي الأمر، ولا في وجوب طاعته.

والرأي الثالث

أنّ علاقة البيعة بطاعة ولي الأمر من الناحية الفقهية هي التسبيب لوجوب طاعة ولي الأمر الذي بايعه المسلمون، فلا تجب طاعة ولي الأمر قبل البيعة، وبالبيعة يثبت وجوب الطاعة، فتكون البيعة سبباً لوجوب طاعة ولي الأمر، كما في علاقة الاستطاعة بوجوب الحج، حيث لا يجب الحج قبل الاستطاعة، غير أنّ اللّه تعالى لا يطلب من المكلّف تحقيق الاستطاعة، إلا أنّ البيعة واجبة على المكلّف لإقامة الدولة الإسلامية وإقرار الأمن وتطبيق حدود اللّه، فإذا تحقّقت البيعة وجبت الطاعة بمقتضى البيعة، وليس وجوب البيعة ناشئاً من وجوب الطاعة، كما كان الأمر كذلك في (مقدمة الواجب) في الرأي الثاني، ويصطلح علماء الأُصول على هذه العلاقة عادة ب - (مقدمة الوجوب) مقابل (مقدمة الواجب).

وبناءً على هذا الرأي تكون البيعة سبباً في إحداث وجوب الطاعة، ومن دون البيعة لا تجب الطاعة.

ص: 96

وهذا رأي في علاقة البيعة بالطاعة، ولا نستبعد هذا الرأي في عصر الغيبة، غير أنّ وجوب البيعة وتسبيبها لوجوب الطاعة ليس بمعنى أنّ البيعة تعيّن ولي الأمر، فلا علاقة للبيعة ووجوبها وإيجابها للطاعة بمسألة تعيين الإمام، فلو أنّ الناس بايعوا من لم يأذن اللّه تعالى ببيعته لم تصح بيعتهم ولا تحدث هذه البيعة وجوباً للطاعة لمن بايعه الناس، وإنما توجب البيعة الطاعة إذا كانت البيعة لمن أذن اللّه تعالى بطاعته وأمر ببيعته. فالشأن إذن فيمن يأذن اللّه تعالى ويأمر بطاعته وبيعته.

فإن كان هناك دليل قطعي بتفويض أمر الاختيار إلى المسلمين ضمن الشروط والأوصاف التي يحددها الشارع فهو المرجع، وإن لم يكن لنا مثل هذه الحجة على عموم التفويض فليس في شرعية البيعة ووجوبها وتسبيبها لطاعة ولي الأمر دلالة على أن اللّه تعالى فوّض الأُمة أمر انتخاب الإمام ضمن الشروط والمواصفات العامة التي يذكرها الفقهاء. وليس بوسع الناس أن يمنحوا بالبيعة شخصاً من بينهم الولاية على أنفسهم حتى ضمن المواصفات والشروط العامة ما لم ترد حجّة شرعية قطعية على ذلك، ولا تكون (البيعة) مصدراً لشرعية (الاختيار).

ص: 97

3 - الشورى
اشارة

ويتمسك بعض الفقهاء بأدلة (الشورى) في إثبات فرضية الاختيار استناداً إلى قوله تعالى: (وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) الشورى: 38، وإلى قوله تعالى: (وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران: 159.

فإنّ الآية الأُولى إقرار للشورى كمصدر للقرار، وتثبيت لشرعية القرار الذي يقرّه أهل الشورى، وفي الآية الثانية أمر بالشورى، ولا معنى للأمر بالشورى إن لم تكن الشورى مصدراً شرعياً للقرار.

واختيار شخص لولاية الأمر ونصبه للحكم والولاية من جملة هذه القرارات التي يوكل القرآن أمرها إلى الشورى، ويشملها إطلاق الأمر في كلٍّ من الآيتين الكريمتين... هكذا يقول بعض الفقهاء.

القيمة التشريعية للشورى

وللمناقشة في دلالة هاتين الآيتين على إعطاء الشورى صفة القرار مجال واسع، فليس في أيّ من هاتين الآيتين دلالة على أنّ الشورى مصدر للقرار، وملزمة لعموم الناس.

ص: 98

ولا تزيد هذه الآية وتلك عن إقرار أصل الشورى والأمر بها، وليس في أيّ منهما دلالة أو إشارة على الإلزام بما يراه أهل الشورى من الرأي، سواءً كانت الشورى فيما بين الناس في شؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية أو فيما بين الحاكم وأهل الشورى من الرعية، وبين إقرار الشورى والأمر بها، كمبدأ سياسي واجتماعي، وبين الإلزام بها بون بعيد، وليس معنى الإقرار بالشورى هو الإلزام والالتزام بنتيجة الشورى.

فإنّ الأمر بالنصيحة والتناصح فيما بين المسلمين شيء ولزوم الأخذ بالنصيحة أمر آخر ولا علاقة له بالأمر الأول، ويحتاج إلى دليل آخر غير الدليل على الأمر الأول.

والقرآن الكريم نفسه يصرح بهذا التفكيك بين الأمرين في الآية الثانية، فيأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالشورى: (وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) . ثم يأمره أن يتوكل على اللّه فيما يعزم عليه هو.

يقول القرطبي(1) في تفسير هذه الآية: الشورى مبنيّة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولاً إلى الكتاب والسنة إن أمكنه، فإذا أرشده اللّه تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلاً عليه.4.

ص: 99


1- تفسير القرطبي: 162:4.

ويقول البلاغي في (آلاء الرحمن)(1): (وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) الذي يعرض، أي واستصلحهم واستمل قلوبهم بالمشاورة، لا لأنهم يفيدونه سداداً وعلماً بالصالح، كيف وأنّ اللّه مسدّده (وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى) النجم: 3-4، (فَإِذا عَزَمْتَ) على ما أراك اللّه بنور النبوة، وسدّدك فيه (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) آل عمران: 159.

ويقول السيد عبد اللّه شبّر(2) في تفسير هذه الآية: فإذا عزمت على شيء بعد الشورى، فتوكّل على اللّه في إمضائه.

يقول الفيض الكاشاني(3) في تفسير هذه الآية (فَإِذا عَزَمْتَ:) فإذا وطّنت نفسك على شيء بعد الشورى فتوكّل على اللّه في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنّه لا يعلمه سواه.

فالقرآن إذن يصرّح بهذا التفكيك بين الأمر بالشورى وإقرارها، وبين الإلزام والالتزام بها، وليس معنى الأمر بالشورى وإقرارها الإلزام والالتزام بها، وروى الشريف الرضي في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال لعبد اللّه بن عباس، وقد أشار عليه1.

ص: 100


1- آلاء الرحمن: 362:1.
2- تفسير شبر: 102.
3- تفسير الصافي: 395:1.

في شيء لم يوافق رأيه: « عليك أن تشير عليّ فإذا خالفتك فأطعني »(1).

فالشورى أذن لازمة بمقتضى آية الشورى، ولكنها غير ملزمة.

القيمة التوجيهية للشورى

ويبقى أنّ نتساءل: فما فائدة الشورى إذاً، لو كانت غير ملزمة؟

والجواب: أنّ في الشورى قيمة توجيهية كبيرة في تنضيج الرأي وتسديده، وفي استمالة قلوب الناس وإشراكهم في صناعة القرار، ولا تقتصر فائدة الشورى على الإلزام والالتزام لتفقد الشورى فائدتها إذا سلبنا عنها صفة الإلزام والالتزام.

وإذا اتضحت هذه النقطة في التفكيك بين الأمرين نقول: إنّ الآيتين الكريمتين لا تدلان على أكثر من إقرار الشورى والأمر بها، ولا تدلان بوجه على إعطاء الشورى قيمة القرار والإلزام.

وبناءً على ذلك فلا تكون الشورى من مصادر القرار في الفقه، ولا يكون لأهل الشورى قرار ملزم على عامة الناس، ولا على أولياء الأُمور.

ومن أوضح البديهيات أنّ مسألة اختيار ولي الأمر، ونصب

ص: 101


1- الوسائل: 4:428/8 كتاب الحج باب 24 من أبواب أحكام العشرة، وفي نهج البلاغة: 531 رقم 321 من قصار الحكم «لك أن تشير عليّ وأرى، فإن عصيتك فأطعني».

الحاكم لا يتم من دون قرار ملزم لعامة الناس، ومن دون وجود قرار ملزم بالنصب لا يكون النصب ملزماً للناس، ولا شرعياً، ولا يكون بوسع الحاكم من الناحية الشرعية أن يلزم الناس بقرار إذا كان نصبه للأمر قد تم من دون قرار ملزم لعامة الناس.

الخلاصة والنتيجة

و بعد هذه الجولة في ما يمكن أن يُستند إليه من أدلة (التفويض) من الناحية المبدئية والتطبيقية (الكبروية والصغروية) ننتهي إلى رأي محدد نتخذه أساساً في مسألة الإمامة العامة وهو:

1 - أنّ اللّه تعالى اختص لنفسه أمر الولاية والحكم (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ.)

2 - وليس للإنسان حقّ بتقرير المصير في أمر السيادة والتشريع، كما في الديمقراطية.

3 - ولم يفوّض اللّه تعالى أمر اختيار الإمام إلى الناس، لا على نحو الإطلاق، ولا ضمن شروط ومواصفات شرعية فيما قرأنا من كتاب اللّه، وما صح من سُنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

4 - ولا يمكن أن تهمل الشريعة بيان أمر خطير مثل مسألة التفويض في أمر الإمامة، إذا كان التفويض أمراً مشروعاً عند الشارع وسبباً شرعياً لانعقاد

ص: 102

الإمامة... فليس من الممكن أن يهمل الشارع أمراً خطيراً مثل هذه المسألة، ولا يمكن أن يكون للشارع في ذلك تصريح تلقّاه المسلمون، وضاع هذا التصريح فيما بعد؛ وذلك لأنّ من غير الممكن عادة أن يضيع نصّ هام وخطير ترتبط به حياة الأُمة السياسية، فإنّ الضرورة قاضية باهتمام المسلمين بمثل هذا النص وتداوله جيلاً بعد جيل.

5 - إذن لا يكاد أن يثبت مبدأ (الاختيار) أمام هذه المناقشات والمؤاخذات، ولم يذكر أصحاب هذا المذهب دليلاً قوياً على رأيهم في (الاختيار) لا يمكن التشكيك فيه ولا يناله النقد.

ويفقد هذا المبدأ قيمته العلمية بناءً على ذلك على كلٍّ من الافتراضين المعروفين:

أ - فرضية الحق الذاتي للناس في تقرير المصير واختيار الحاكم.

ب - وفرضية التفويض الإلهي للناس في أمر اختيار الإمام في (الإمامة العامة).

6 - إذن لا يبقى أمامنا في مسألة الإمامة غير خيار واحد، وهو مبدأ (النص) من اللّه تعالى ورسوله في تعيين الإمام، إماماً بعد إمام.

ومن الطبيعي أنّ هذه النظرية تختص ب - (الإمامة العامة) ولا علاقة لها بالولاة والعمال الذين يعينهم إمام المسلمين لأعماله وولاياته.

وفيما يلي نلقي إن شاء اللّه نظرة على نظرية النص، وإليك ذلك.

ص: 103

ص: 104

الاتجاه الثالث: نظرية النص و تأسيسها

اشارة

ص: 105

ص: 106

ثالثاً: نظرية النص

اشارة

ذكرنا فيما سبق من هذا البحث أنّ (الاختيار) لا بدّ أن يقوم على أحد افتراضين:

إما فرضية الحق الذاتي لتقرير المصير.

وإما فرضية التفويض من اللّه تعالى.

ونفينا احتمال الفرض الأول من وجهة نظر القرآن الكريم نفياً مطلقاً، وأمّا صحة الفرض الثاني فيتوقّف على إثبات (التفويض) بدليل قطعي من كتاب اللّه أو سنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإن لم يثبت ذلك كان لا بدّ لنا من اعتماد نظرية (النص) لعدم وجود طريق ثالث معقول يمكن اعتماده.

وفيما يلي نبحث نحن إن شاء اللّه عن نظرية النص من حيث الجذور والأُصول، وسوف ننطلق في دراسة هذه النظرية من جذورها التوحيدية، ونواصل حلقات الموضوع بشكل متسلسل ومترابط إن شاء اللّه. و دور النقاط الستة الاولى في هذا المسلسل لتأسيس (أصل النص) و نقد (نظرية الاختيار) و نوصي القراء بإعادة قراءة كلامنا

ص: 107

المتقدم في نقد المذهب الديمقراطي، و نقد نظرية العقد الاجتماعي،

إستنادا إلى النقاط القرآنية الستة التي نتحدث عنها إن شاء الله فيما يلي من هذا البحث.

1 - توحيد الخلق

يقول تعالى: (يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ) فاطر: 3. (ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ) الأنعام: 102.

ولم تكن مسألة توحيد الخلق محط الصراع بين حركتي الشرك والتوحيد في تاريخ الصراع العقائدي، فقد كان أهل الكتاب والمشركون عموماً يؤمنون بوحدة الخالق وتوحيد الخلق، ولم يشذ من هذا الإيمان إلا الملحدون الذين كانوا يرفضون الإيمان بالغيب على الإطلاق.

2 - توحيد الأُلوهية

أ - الإله كما نفهم من القرآن هو الحاكم المهيمن على الكون.

(وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الزخرف: 84.

(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ)

ص: 108

(حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) * (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) النمل: 60-61.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) الزمر: 5.

ب - وهو المهيمن الحاكم على وجود الإنسان.

(قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) الأنعام: 46.

ج - ويعزّ، ويذلّ، ويعطي الملك لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء.

(قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) آل عمران: 26.

(وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (1) مريم: 81.

وينصر... (وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) يس: 74.

ويغني... (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْ ءٍ لَمّا)ن.

ص: 109


1- هذه الآية تدل على أنّ العرب كانوا يفهمون أن الإله هو مصدر عزّ الإنسان.

(جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) هود: 101.

ويضر، وينفع... (وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّهِ) (1) يونس: 18.

(وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً) الفرقان: 3.

ويتولّى رزق عباده... (يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ) فاطر: 3.

د - وهو بذلك يستحق من الإنسان العبادة.

(وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) * (أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَ لا يُنْقِذُونِ) يس: 22-23.

(ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ) الأنعام: 102.ً.

ص: 110


1- كذلك هذه الآية تدل على أنّ من خصائص الأُلوهية أنّ الإله يضرّ وينفع، ولمّا كان هؤلاء الناس يعبدون من دون اللّه ما لا يضرهم ولا ينفعهم يستنكر القرآن عبادتهم له واتخاذهم له إلهاً.

ويستحق الدعاء... (وَ لا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ) القصص: 88.

ويحق له التشريع... (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ) الشورى: 21. ويستحق التبعية والطاعة... (أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) الفرقان: 43. وإنما اتخذوا أهواءهم آلهة بالتبعية والطاعة والانقياد لأهوائهم وشهواتهم.

ه - وإذا عرفنا أنّ (الإله) هو القوة المهيمن، والحاكم على الكون والإنسان، وأنه بسبب هذه الهيمنة المطلقة يعزّ، ويذلّ، وينصر، ويغني، ويعطي، ويمنع، ويضر، وينفع، وهو لذلك يستحق من الإنسان الدعاء والعبادة والتسليم... ويحق له وحده أن يتولى التشريع، والحكم، والسيادة في حياة الإنسان...

أقول: إذا عرفنا هذه الحقائق فإنّ القرآن يقرّر أنّ الأُلوهية وحدة لا تتجزأ، ولا تتعدد، وهي المصدر الشرعي للولاية المطلقة في حياة الإنسان، ولما كانت هذه الهيمنة والولاية لا تتعدد ولا تتجزأ (وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ) الزخرف: 84، فإنّ اللّه تعالى هو وحده الحاكم والمشرّع في حياة الإنسان، وهو وحده مصدر كل ولاية، وسيادة، وحاكمية في حياة الإنسان، وليس لغيره من دون إذنه ولاية وحاكمية

ص: 111

وسيادة على حياة الإنسان، وهذا هو معنى توحيد الأُلوهية.

يقول تعالى: (وَ قالَ اللّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ) النحل: 51.

(وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ * إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) النحل: 20-22.

(وَ لا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ) القصص: 88.

3 - توحيد الربوبية

(الربّ) في القرآن يأتي بمعنيين اثنين:

أ - يأتي بمعنى التربية والاستصلاح، والرعاية، والتدبير.

يقول الراغب في (المفردات)(1): الربّ في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام. وبهذا المعنى استعمل القرآن هذه الكلمة كثيراً.

(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) * (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه: 49-50.

ص: 112


1- المفردات للراغب الأصفهاني: 184 مادة (ربّ).

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ) * (فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ) يونس: 31-32.

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) فاطر: 13.

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) الأعراف: 54.

ب - ويأتي الرب بمعنى المالك.

يقول تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) * (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش: 3-4.

وربّ البيت هو مالك البيت... (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) المؤمنون: 86.

ص: 113

(رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ) الصافات: 5.

(وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) النجم: 49.

ج - ويحقّ للرب بموجب هذا التدبير والاستصلاح والرعاية للكون وللإنسان والمُلك المطلق للكون والإنسان أن ينيب إليه الناس ويدعوه (وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) الزمر: 8.

ويستحق بذلك على الناس الحمد (فَلِلّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الجاثية: 36 (، الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الفاتحة: 1.

ويستحق على الناس الاستغفار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً) نوح: 10.

ويستحق بذلك على الناس العبادة (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) * (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش: 3-4.

(رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مريم: 65، (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء: 92.

ص: 114

ويستحق على عباده الإتباع والطاعة (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) الأعراف: 3.

ويستحق على عباده الإيمان والطاعة (وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ) هود: 59.

ويستحق على عباده الطاعة والانقياد وأن يوجهوا وجوههم إليه (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) * (... فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ) * (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام: 76-79.

د - ولم يكن يشك أحد من المشركين في ربوبية اللّه تعالى، كما لم يشكّوا في أنّه تعالى هو وحده الخالق، وقد كانوا يؤمنون بتوحيد الخالق دون الربوبية، فكانوا يقولون فيها بالتعدد والتجزؤ والشرك، وكانوا يرون أنّ للملائكة والجن والأرواح والنجوم حظّاً في تدبير الكون والإنسان، وحظّاً في رعاية حياة الإنسان واستصلاحه واستصلاح الكون.

هذا فيما يتعلق بالشرك في المعنى الأوّل من معنيي (الربّ)، وأمّا

ص: 115

الشرك الذي كانوا يقترفونه في المعنى الثاني من معنيي (الربّ) فهو في اعتبار الإنسان شريكاً للّه تعالى في الملك.

وبذلك كانوا يرون للملوك والحكّام الذين كانوا يملكون البلاد أنّهم أرباب هذه البلاد، ويحق لهم بموجب هذه الربوبية العبوديّة والطاعة والتبعيّة والولاية من الناس وكان ملاك ذلك كّله هو (الملك).

فقد كان نمرود - طاغية عصر إبراهيم عليه السلام - يدّعي الربوبية، وكان السبب في هذه الدعوى هو أن آتاه اللّه الملك.

تأمّلوا في هذه الآيات المباركة:

(أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ...) البقرة: 258. وكان فرعون - طاغية عصر موسى عليه السلام - يدّعي الربوبية، يقول تعالى: (فَكَذَّبَ وَ عَصى) * (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) * (فَحَشَرَ فَنادى) * (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) النازعات: 21-24. وكان ملاك هذه الربوبية عنده (الملك).

يقول تعالى: (وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ) الزخرف: 51.

والقرآن يقرر في مقابل دعوى تجزئة الملك وتعدّد المالكية، وتعدّد التدبير، وتجزئته: وحدة التدبير والملك، وبالتالي

ص: 116

توحيد الربوبية.

يقول تعالى: (قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ ءٍ) الأنعام: 164.

(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) المزمل: 9.

(قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) الأنبياء: 56.

وهذا هو أصل (توحيد الربوبية).

4 - توحيد التشريع

للربوبية والأُلوهية استحقاقات واختصاصات تخص (الإله) و (الرب) في حياة الناس، ومن هذه الاساحقاقات حقّ التشريع في حياة الإنسان.

وقد اختص تعالى لنفسه بهذا الحق في حياة الإنسان، وذلك أنّ اللّه تعالى وحده الإله الحاكم في حياة الإنسان (وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ) الزخرف: 84.

وهو وحده (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ) المعارج: 40 و (رَبّ النّاس)، أنشأهم، وربّاهم، ويملكهم، ويدبّر أُمورهم (... بِرَبِّ النّاسِ) * (مُلْكِ)

ص: 117

(النّاسِ) * (إِلهِ النّاسِ) فهو بالضرورة يحق له وحده أن يشرّع للناس، فإنّ التشريع يحدّد من حرية الإنسان بالضرورة ولا يحقّ لأحد أن يحدّد من حرية الآخرين إلا إذا كان يملك أُمورهم، وكان المدبر المهيمن الحاكم عليهم، وهو اللّه تعالى فقط، ولا يشاركه فيه أحد، فإنّ الخلق، والتدبير، والهيمنة، والملك في نظر القرآن كل لا يتجزأ ولا يتعدّد. فلا ملك بالحقيقة، ولا سلطان، ولا هيمنة، ولا تدبير لغير اللّه تعالى في حياة الإنسان، إلا أن يكون بإذن اللّه وفي امتداد سلطان اللّه وملكه وهيمنته وتدبيره.

وتوحيد الخلق، والتدبير، والهيمنة، والملك يقتضي توحيد التشريع بالضرورة، فلا يحق لأحد أن يشرّع للآخرين إلا بإذنه وأمره.

فالحكم حكمان ولا ثالث لهما، فإمّا أن يكون الحكم للّه وبأمر اللّه فهو دين اللّه، وإمّا أن يكون لغير اللّه فهو من حكم الجاهلية.

يقول تعالى: (أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة: 50.

والقرآن صريح في توحيد التشريع، يقول تعالى: (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) المائدة: 44.

ويقول تعالى: (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ)

ص: 118

(الظّالِمُونَ) المائدة: 45.

ويقول تعالى: (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) المائدة: 47.

فلا يحق لأحد أن يشرّع لحياة الناس، ولا يحق للناس أن يأخذوا بشرع ودين غير شرع اللّه ودينه وحكمه.

5 - توحيد الحاكمية والسيادة

والحق الآخر الذي اختص اللّه تعالى به لنفسه بالأُلوهية والربوبية هو: حقّ الحاكمية والسيادة في حياة الإنسان، وشرعية الولاية والحاكمية والسيادة في حياة الناس لا تنفك عن الملك والسلطان والتدبير والهيمنة التكوينية للّه تعالى على الكون والإنسان، ومن يملك هذا الملك والسلطان والهيمنة بالتكوين، يملك شرعية الولاية والسلطان والسيادة في حياة الناس بالأمر والنهي. والعلاقة بين تلك وهذه علاقة بديهية بحكم العقل.

ويقرر القرآن توحيد السيادة والحاكمية بصراحة ووضوح بقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) الأنعام: 57.

والآية الشريفة واضحة في حصر الولاية والحاكمية في اللّه تعالى،

ص: 119

وتوحيدها فيه تعالى.

ويقول تعالى: (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) القصص: 70.

6 - توحيد التشريع والولاية والسيادة في اللّه من مقولة واحدة:

وهذه الحاكمية من خصائص الأُلوهية والربوبية، كما أنّ حق التشريع من خصائص الأُلوهية والربوبية، وتوحيد الربوبية والأُلوهية يقتضي توحيد التشريع والسيادة للّه تعالى في حياة الإنسان.

وليس من شك أنّ حق التشريع خاص باللّه تعالى، ولا يحق لأحد في دين اللّه أن يشرّع، والتشريع محظور على كل أحد، وليس فيما قلنا في أمر التشريع وانحصاره في اللّه تعالى وحظره على غيره تعالى في القرآن شك أو ريب، ودليل ذلك هو ما سبق من الآيات الشريفة الدالة على كفر وظلم وفسق الذين لا يحكمون بما أنزل اللّه، وليس من وراء ذلك دليل آخر أقوى من هذا الدليل، وهذه الحجة القائمة على انحصار حق التشريع في اللّه قائمة في أمر الولاية والسيادة والحكم أيضاً، وهذا هو معنى توحيد الحاكمية والسيادة في الإسلام.

وعليه فلا بدّ في أمر الولاية والسيادة في حياة الناس من أحد أمرين: إما التفويض العام الصريح من اللّه أو رسوله، أو النص الخاص.

ص: 120

وإذا عرفنا انتفاء الدليل على التفويض العام الذي هو مبنى قاعدة الاختيار، فلا يبقى من أساس لشرعية الولاية والسيادة غير النص الخاص.

واليك فيما يلي طائفة من الشواهد من كتاب الله على هذا التنصيص (النص الخاص):

7 - النصوص الخاصة بالولاية في القرآن الكريم:

واللّه تعالى هو وحده الذي ينصب أولياء من جانبه على الناس، ويأذن بولايتهم، ويأمر بطاعتهم، فتكون ولايتهم امتداداً لولاية اللّه تعالى، يقول تعالى:

(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الأحزاب: 6.

(قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً...) البقرة: 124.

8 - النص على إمامة إبراهيم عليه السلام وذريته:

يقول تعالى: (وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) البقرة: 124.

وهذه الآية صريحة في أنّ اللّه تعالى جعل إمامة الناس

ص: 121

لإبراهيم عليه السلام ولمن لم يقترف ظلماً ممن يصطفيه اللّه تعالى للإمامة من ذرية إبراهيم عليه السلام.

والإمامة هنا ليست هي النبوّة والرسالة، فقد كان إبراهيم عليه السلام نبيّاً يوحى إليه من اللّه قبل هذا الوقت وأرسله اللّه تعالى إلى قومه، ليدعوهم إليه وينقذهم من الشرك، وحباه اللّه تعالى بالإمامة في كبره، بعد ولادة اسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وبعد أن ابتلاه اللّه تعالى بالكواكب والقمر والشمس، وبالأصنام، وبالنار، وبالهجرة، وبذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وهي امتحانات صعبة وعسيرة ابتلاه اللّه بها، فلما أتمهنّ إبراهيم عليه السلام جعل اللّه تعالى له الإمامة.

وليس من شك أنّ هذه الإمامة غير النبوّة، فقد كان إبراهيم نبيّاً من قبل، تجب طاعته بحكم اللّه تعالى، يقول تعالى: (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) النساء: 64. فقد كان إذن من قبل أن تعهد إليه الإمامة من جانب اللّه نبيّاً ومطاعاً، فلا بدّ أن تكون الإمامة أمراً آخر غير النبوّة والرسالة، والطاعة فيها غير الطاعة التي تتطلبها النبوّة.

يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسيره القيّم (الميزان)(1): (والقصة إنّما وقعت في أواخر عهد إبراهيم عليه السلام بعد كبره، وتولّد إسماعيل وإسحاق له، وإسكانه إسماعيل وأُمّه بمكة كما68

ص: 122


1- تفسير الميزان 267:1-268

تنبّه به بعضهم أيضاً.

والدليل على ذلك قوله عليه السلام - على ما حكاه اللّه سبحانه بعد قوله تعالى له: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً) -: (وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ، فإنه عليه السلام قبل مجيء الملائكة ببشارة إسماعيل وإسحاق ما كان يعلم ولا يظن أن سيكون له ذرية من بعده، حتى إنه بعد ما بشّرته الملائكة بالأولاد خاطبهم بما ظاهره اليأس والقنوط، كما قال تعالى: (وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) * (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) * (قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) * (قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) * (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) الحجر: 51-55. وكذلك زوجته على ما حكاه اللّه تعالى في قصة بشارته أيضاً، إذ قال تعالى: (وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) * (قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عَجِيبٌ) * (قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هود: 71-73.

وكلامهما كما ترى يلوح منه آثار اليأس والقنوط ولذلك قابلته الملائكة بنوع كلام فيه تسليتهما وتطييب أنفسهما، فما كان هو ولا أهله يعلم أن سيُرزق ذرية.

وقوله عليه السلام: (وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) بعد قوله تعالى: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ)

ص: 123

إمَاماً قول من يعتقد لنفسه ذرية، وكيف يسع من له أدنى ذُربة بأدب الكلام، وخاصة مثل إبراهيم الخليل في خطاب يخاطب به ربه الجليل أن يتفوه بما لا علم له به؟

ولو كان ذلك لكان من الواجب أن يقول: ومن ذريتي إن رزقتني ذرية أو ما يؤدّي هذا المعنى، فالقصة واقعة كما ذكرنا في أواخر عهد إبراهيم عليه السلام).

9 - لا يعهد اللّه تعالى الإمامة إلى من اقترف ظلماً في حياته:

وبالتأمل في آية (إمامة إبراهيم) نلتقي حقيقة أُخرى غير جعل الإمامة لإبراهيم عليه السلام، وهي حقيقة ذات أهمية كبيرة في مسألة الإمامة، وتلك الحقيقة هي أنّ اللّه تعالى لا يعهد أمر الإمامة العامة (الكبرى) للناس إلى من اقترف ظلماً في حياته.

فإنّ الآية الكريمة ذات فصلين، الفصل الأول يتعلق بإمامة إبراهيم عليه السلام للناس والفصل الثاني عن طلب إبراهيم عليه السلام الإمامة لذريته (قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) فأخبره تعالى أنّ عهد اللّه لا ينالُ الظالمين، فلا يحقّ لإبراهيم عليه السلام أن يطلب الإمامة للظالمين من ذرّيته، ولا ينال الظالمون الإمامة.

وكل تجاوز لحدود اللّه تعالى ظلم، وهذا حكم اللّه تعالى في حدوده وحرماته، يقول تعالى (: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ)

ص: 124

(ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق: 1.

ويقول تعالى (: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) البقرة: 229.

إذن القرآن الكريم يقرر حقيقتين هامتين:

الأُولى: أنّ الإمامة، وهي عهد اللّه، لا تنال الظالمين.

والثانية: أنّ كل تجاوز لحدود اللّه ظلم.

ومن ضمِّ هاتين النقطتين نصل إلى نقطه ثالثة وهي اشتراط العصمة في الإمامة.

وبهذه الآية الكريمة يستدل الشيعة الإمامية على اشتراط العصمة في الإمام، فإنّ الآية الكريمة تنفي الإمامة عن كل من قارف ظلماً، وهذه هي (العصمة) بعينها، ولا دليل لنا لصرف عنوان الظلم عن ظاهره الذي يصرّح به القران (وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) البقرة: 229.

ويستدلون بهذه الآية على أن من قارف ظلماً من (شرك) أو (ذنب) فلا يناله عهد اللّه تعالى بالإمامة، وإن كان قد صدر منه هذا الظلم في فترة سابقة من حياته ثم تاب وحسُنت توبته وصلح.

يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (وقد سُئِل بعض أساتيذنا رحمهم اللّه عن تقريب دلالة الآية على عصمة

ص: 125

الإمام. فأجاب: أنّ الناس بحسب القسمة العقلية أربعة أقسام:

1 - من كان ظالماً في جميع عمره.

2 - ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره.

3 - ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره.

4 - ومن هو بالعكس من هذا.

وإبراهيم عليه السلام أجل شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع - إذا كان الظلم هو الشرك باللّه أو ما يشبه الشرك - فبقي قسمان، وقد نفى اللّه أحدهما، وهو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر وهو الّذي يكون غير ظالم في جميع عمره)(1).

كما يستدلون بهذه الآية على إناطة أمر الإمامة بالنص من جانب اللّه ورسوله وعدم الاكتفاء باختيار الناس، فإنّ العصمة إذا كانت شرطاً في إسناد الإمامة، فلا يمكن إناطة الإمامة إلى أحد إلا بالنص، لتعذر معرفة هذا الشرط على الناس.

10 - الإمامة والنبوّة:

ولا يبقى إلا أن يقول أحد: إنّ الإمامة التي حبا اللّه تعالى بها عبده وخليله إبراهيم عليه السلام هي النبوّة، وليس غيرها، وعندئذٍ تنتفي دلالة الآية الكريمة على لزوم العصمة للإمام إذا كان المقصود بالإمامة في الآية

ص: 126


1- الميزان 274:1.

الكريمة النبوّة، وليس أمراً آخر ما وراء النبوة.

وقد أصرَّ قوم على ذلك من غير أن يفصحوا عن سبب هذا الإصرار، ولكن هذا الإصرار لا يصنع شيئاً بالتأكيد، فإن الآية الكريمة واضحة في أنّ الإمامة غير النبوّة، وقد كان إبراهيم عليه السلام نبيّاً عندما خاطبه اللّه تعالى بالإمامة وجعله إماماً، وقد شرحنا ذلك في الفقرة السابقة من هذا البحث.

ونزيد الآن أنّ هذه الإمامة التي حبا اللّه تعالى بها عبده وخليله إبراهيم عليه السلام إنما جعلها اللّه تعالى له بعد أن أتم إبراهيم عليه السلام الكلمات. وقد أتم إبراهيم عليه السلام الكلمات، في كبر سنه وتقدّم عمره، وعليه فلا يمكن أن تكون الإمامة في هذه الآية المباركة هي النبوّة؛ لأنّ إبراهيم عليه السلام كان نبيّاً مطاعاً عندما خاطبه تعالى بهذا الخطاب.

11 - الكلمات التي أتمّها إبراهيم عليه السلام:

والكلمات التي ابتلى اللّه تعالى بها عبده وخليله إبراهيم عليه السلام هي الابتلاءات الصعبة التي ابتلاه بها فأتمّهن إبراهيم عليه السلام، والتي يذكر القرآن منها هي قصّة الكواكب والقمر والشمس، وتحدّي قومه في عبادة اللّه تعالى، واستنكار عبادة الكواكب والشمس والقمر، وقصة كسر الأصنام في المعبد، وقصة إلقائه في النار، وتسيير أهله أُمّ إسماعيل، وإسماعيل إلى وادٍ غير ذي زرع، ثم بعد ذلك محاولة ذبح

ص: 127

ولده إسماعيل وهي أشقّهن وأصعبهن.

وقد قال تعالى عنها: (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) الصافات: 102، 106.

تلك هي الابتلاءات التي ابتلى بها اللّه تعالى عبده وخليله إبراهيم، وبهذه الابتلاءات استحقّ إبراهيم عليه السلام أن يجعله اللّه تعالى إماماً... والآية الكريمة صريحة في ذلك وواضحة (وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ) ... وهذا دليل على أنّ الإمامة التي حبا اللّه تعالى بها إبراهيم هي أمر وراء النبوّة والرسالة، وذلك أنّه عليه السلام أتم هذه الكلمات في كبر سنه وشيخوخته، وقد كان في ذلك الوقت نبيّاً ورسولاً، من جانب اللّه تعالى ومطاعاً بأمره.

ويذهب بعض المفسرين مذاهب مثيرة للاستغراب في تفسير هذه الكلمات، ومن ذلك ما رواه بعضهم أنّ هذه الكلمات هي الخصال العشرة التي تسمّى خصال الفطرة، وهي قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وتقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، والاستحداد!!!

يقول الشيخ محمد عبده في التعليق على هذه الرواية: إنّ هذا من الجرأة الغريبة على القرآن، ولا شك عندي في أنّ هذا مما أدخله اليهود على المسلمين ليتخذوا دينهم هزواً، وأي سخافة أشد من

ص: 128

سخافة من يقول: إنّ اللّه تعالى ابتلى نبيّاً من أجلّ الأنبياء بمثل هذه الأُمور، وأثنى عليه بإتمامها، وجعل ذلك كالتمهيد لجعله إماماً للناس وأصلاً لشجرة النبوّة، وإنّ هذه الخصال لو كلِّف بها صبي مميّز لسهل عليه إتمامها، ولم يعد ذلك منه أمراً عظيما(1).

يقول الشيخ رشيد رضا صاحب (تفسير المنار): (كتب إليه رجل من المشتغلين بالعلم في سوريا كتاباً عقب قراءته رأي الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية في مجلة المنار(2)، يقول فيه: إنّ تفسير الكلمات بخصال الفطرة مروي عن ترجمان القرآن ابن عباس - رضي الله عنه فكيف يخالفه فيه، وشدد النكير في ذلك، وأطنب في مدح ابن عباس.

وقد أرسل إليَّ الأُستاذ كتابه عند وصوله، وكتب عليه: الشيخ رشيد يجيب هذا الحيوان.

فكتبت إليه، وكان صديقاً لي، كتاباً لطيفاً كان مما قلته فيه على ما أتذكر: إننا لم نَرَ أحداً من المفسرين ولا من أئمة العلماء التزم موافقة ابن عباس في كل ما يروى عنه وإن صح سنده عنده، فكيف إذا لم يصح؟ وقد قال الشيخ محمد عبده: إنّه يُجل ابن عباس عن هذهر.

ص: 129


1- تفسير المنار 454:1.
2- مجلة (المنار) التي كان يصدرها الشيخ رشيد رضا وكان ينشر فيها آراء ودروس الشيخ محمد عبده في تفسير القرآن الكريم على صفحاتها تباعاً، ولذلك اشتهر فيما بعد هذا التفسير بتفسير المنار.

الرواية ولا يصدقها)(1).

ومن الغريب أن ينفي الشيخ محمد عبده مع ذلك أن يكون ما رآه إبراهيم عليه السلام في المنام من ذبح ولده إسماعيل عليه السلام من تلك الكلمات، وناقشه بمناقشة غير مفهومة فقال: وإنما هذا الأمر كلمة جعلوها عشراً.

وإنما يذهب الشيخ هذا المذهب الغريب في تفسير هذه الآية مع وضوح الأمر عنده في نفي تفسير الكلمات بالخصال العشر وغيرها من الروايات الضعيفة؛ لأنّ تفسير الكلمات بالابتلاءات الصعبة التي ابتلى اللّه تعالى بها إبراهيم عليه السلام يؤدي به من حيث يريد أو لا يريد إلى فصل الإمامة عن النبوّة، واعتبار الإمامة أمراً آخر غير النبوّة، ويؤدي ذلك بالضرورة إلى اشتراط سلامة الإمام من التلبّس بالظلم (لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) .

وهذا أمر إذا صحّ - وهو صحيح في رأينا - فإنّه يُخرج الإمامة عن دائرة اختيار الناس، ويجعلها في دائرة النص فقط، ويجعل العصمة من الشرك والمعاصي شرطاً للإمامة، وخلافها مخلاً بأمر الإمامة، حتى لو كان في فترة سابقة، وتاب صاحبه، وحسنت توبته. وهذا أمر لا يريد الشيخ أن يقرّ به، ولا يريد أن يفصح عن السبب.1.

ص: 130


1- تفسير المنار 455:1.

12 - نصوص الوصية

اشارة

تكررت الوصية من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة والإمامة من بعده، منذ السنين الأُولى من البعثة والأيام الأُولى لإعلان الدعوة إلى الأيام الأخيرة من حياته صلى الله عليه و آله.

والذي يتتبع هذه النصوص ويتابع ظروف صدورها يتأكد من أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان مكلفاً من جانب الله بنصب علي عليه السلام خليفة وإماماً من بعده، وكان يخطط لإعلان هذا العهد على المسلمين بالتدريج، وبصور وصيغ مختلفة، حتى لا يختلف المسلمون بعده في أمر إمامته وولايته من بعده.

وأوّل نص نجده في أمر الوصاية والولاية من بعده صلى الله عليه و آله نص يوم الدار،

وآخر محاولة لرسول الله صلى الله عليه و آله في هذا الشأن كان على فراش الموت في الأيام الأخيرة من حياته المباركة.... وبينهما نصوص وتصريحات وإشارات عديدة، صريحة أحياناً، وقريبة من الصراحة أحياناً أخرى، واليك ثلاث نماذج منها:

ص: 131

1 - نص يوم الدار

وإليك نص يوم الدار في السنين الأُولى من البعثة والأيام الأُولى من إعلان الدعوة في مكة:

أخرج الطبري حديث الدار في تاريخه(1)، وفي تفسيره(2)، وفي (تهذيب الآثار)(3) قال: حدّثنا(4) ابن حُميد، قال: حدّثنا سلمه، قال: حدّثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد اللّه بن عباس، عن عليّ بن أبي طالب، قال: « لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وَأَنذر عَشيرَتَكَ الأَقرَبينَ، دعاني رسول اللّه فقال لي: يا عليّ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقتُ بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أُباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليه حتى جاءني جبرائيل فقال: يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يُعذّبك ربّك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاةٍ، واملأ لنا عُسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم، وأُبلغهم ما أُمرت به. ففعلت ما أمرني به. ثم دعوتُهم له، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما

ص: 132


1- تاريخ الأُمم والملوك 319:2.
2- جامع البيان مج 121:19:11.
3- تهذيب الآثار - مسند عليّ 62 ح 127.
4- راجع توثيق السند في الملحق رقم 1.

اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعتُه تناول رسول اللّه حِذيةً من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصّفحة، ثمّ قال: خذُوا بسم اللّه، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم، وايم اللّه الذي نفس عليّ بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثمّ قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا منه حتى روُوا منه جميعاً، وايمُ اللّه إن كان الرجل الواحد منهم ليَشرب مثله، فلما أراد رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أن يكلمهم بدرَهُ أبو لهب إلى الكلام، فقال: لَهدَّ ما سحركم صاحبُكم! فتفرق القوم ولم يكلّمهم رسولُ اللّه، فقال: الغد يا عليّ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ اجمعهم إليّ

».

قال: « ففعلتُ، ثم جمعتهم ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة. ثمّ قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العُسّ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثمّ تكلّم رسول اللّه، فقال: يا بني عبد المطلب، إنّي واللّه ما أعلمُ شابّاً في العرب جاء قومَه بأفضل مما قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ ».

قال: « فأحجم القومُ عنها جميعاً، وقلت، وإني لأحدثُهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً، أنا يا نبيّ اللّه، أكون وزيرك عليه. فأخذ

ص: 133

برقبتي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ». قال: « فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ».

ورواه عن الطبري البغوي في تفسيره(1)، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه(2)، قال: أخبرنا(3) أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي العلوي بالكوفة، أنبأنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد، أنبأنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي أنبأنا عبّاد بن يعقوب، أنبأنا عبد اللّه بن عبد القدّوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبد اللّه، عن علي بن أبي طالب قال: « لمّا نزلت (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال رسول اللّه: يا علي، اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعدّ قعباً من لبن - وكان القعب قدر ريّ رجل - قال: ففعلت، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا علي، اجمع بني هاشم وهم يومئذٍ أربعون رجلاً - أو أربعون غير رجل - فدعا رسول اللّه بالطعام فوضعه بينهم فأكلوا حتى شبعوا وإنّ منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها، ثم تناولوا القدح فشربوا حتى رووا وبقي فيه عامّته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر » يرون أنه أبو لهب.

« ثمّ قال: يا عليّ، اصنع رجل شاة بصاع من طعام وأعدّ بقعب من لبن ».2.

ص: 134


1- المعروف بمعالم التنزيل المطبوع بهامش تفسير الخازن مج 3:127:5.
2- ترجمة الإمام عليّ من تاريخ مدينة دمشق 99:1 ح 137.
3- راجع توثيق السند في الملحق رقم 2.

قال: « ففعلت، فجمعهم فأكلوا مثل ما أكلوا بالمرّة الأُولى وشربوا مثل المرّة الأُولى وفضل منه ما فضل في المرّة الأُولى فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر!!! فقال في المرّة الثالثة: اصنع رجل شاة بصاع من طعام وأعدّ بقعب من لبن. ففعلت فقال: اجمع بني هاشم فجمعتهم فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالكلام فقال: أيّكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيّي من بعدي؟ قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول اللّه الكلام فسكت القوم وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول اللّه الكلام الثالثة قال: وإنّي يومئذٍ لأسوأهم هيئة، إنّي يومئذٍ أحمش الساقين أعمش العينين ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول اللّه. قال: أنت يا علي أنت يا علي

».

وسوف يأتي البحث عن توثيق سند هذه الرواية في ملاحق هذا الكتاب فأنتظر.

2 - نص الغدير
اشارة

حج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في السنة العاشرة من الهجرة حجّة الوداع، وخرج معه خلق كثير من المدينة وممّن توافد على المدينة ليخرجوا مع رسول الله للحج في تلك السنة، ويتراوح تقدير أصحاب السير لمن

ص: 135

خرج مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يومئذٍ للحج بين تسعين ألفاً ومائة وأربعة وعشرين ألفاً. عدا من حج مع رسول اللّه في تلك السنة من مكة المكرمة وممن التحق برسول اللّه في مكة من اليمن ومن العشائر الذين توافدوا إلى مكة للحج.

وفي عودته صلى الله عليه و آله من الحج في طريقه إلى المدينة نزل رسول اللّه ب - (غدير خم) في يوم صائف شديد الحر في الثامن عشر من ذي الحجة، فأذّن مؤذن رسول اللّه بردِّ من تقدّم من الناس وحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، فصلّى بالناس الظهر، وكان يوماً هاجراً، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء. وظلّل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف رسول اللّه من صلاته قام خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم جميعاً، فقال: « أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » قالوا: بلى.

فقال: « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » يقولها أربع مرات كما يروي أحمد بن حنبل، ثم قال: « اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدرِ الحق معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب ».

فلما نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الأقتاب التي صفت له، أخذ الناس يهنئون علياً عليه السلام يومئذٍ بالولاية، وممّن هنأه يومئذٍ بالولاية الشيخان

ص: 136

أبو بكر وعمر، قالا له: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

هذا مجمل حديث الغدير.

ورغم الظروف السياسية القاسية التي جرت على المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني أُميّة، وحرص الحكام يومئذٍ على التعتيم والتكتم على فضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، فقد شاء اللّه تعالى أن ينشر حديث الغدير، ويتولّى الصحابة والتابعون لهم بإحسان وطبقات المحدّثين والعلماء بعدهم رواية هذا الحديث حتى استفاض نقله وشاع مما لا يدع مجالاً لإشكال أو تشكيك.

وقد جمع بعض العلماء طرق حديث الغدير، منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، يقول ابن كثير في (البداية والنهاية)(1): (وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه).

ومن المتأخرين أفرد السيد حامد حسين اللكهنوي مجلّدين كبيرين لهذا الحديث، بحث في المجلد الأول منهما حديث الغدير من حيث السند، وفي الثانيي.

ص: 137


1- البداية والنهاية 227:5 حوادث سنة 10 هجري.

منهما هذا الحديث من حيث الدلالة والمتن(1).

وأفرد شيخنا الأميني - رحمه اللّه - الجزء الأوّل من موسوعته القيّمة الجليلة (الغدير) بأسانيد وطرق هذا الحديث الشريف ومناقشة المؤاخذات التي أوردها بعضهم على سند الحديث ودلالته. وهو من أجلّ ما كتب في نصوص الولاية، رحمه اللّه وتغمده برحمته.

ولست أعرف في الإسلام حدثاً تواترت فيه الروايات وأخذ من اهتمام علماء المسلمين في كل العصور مثل هذا الحدث العظيم.

ولسنا نحتاج بعد هذا النقل المتواتر لحديث الغدير من عصر الصحابة إلى اليوم إلى دراسة سندية لهذا الحديث، ولكنّنا مع ذلك سوف نذكر بعض طرق هذا الحديث الشريف مع دراسة موجزة لرجال إسناده.

روى الحاكم النيسابوري في (المستدرك على الصحيحين) (118/3 ح 4576)، قال: حدّثني(2) أبو بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل حدّثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان3.

ص: 138


1- وقد أُعيد طبعه أخيراً في عشر مجلدات في مدينة قم.
2- راجع توثيق السند في الملحق رقم 3.

الأعمش، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُممن فقال: « كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » ثم قال: « إن اللّه عزّ وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ». ثم أخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال: « من كنت مولاه فهذا وليه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ».

قال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

وروى الحاكم في (المستدرك) (631/3 ح 6272) قال: (أخبرني(1) محمد بن عليّ الشيباني بالكوفة، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا كامل أبو العلاء قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بروح(2) فكسح في يوم ما أتى علينا يوم أشد حراً منه، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال: « يا أيها الناس، إنه لم يبعث نبيّ قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب اللّه عزّ وجلّ »، ثم قام فأخذ بيد علي عليه السلام فقال: « يا أيها الناس، من أولى بكم).

ص: 139


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 4.
2- كذا في المصدر والصحيح ب - (دوح).

من أنفسكم؟ ».

قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ».

قالوا بلى. قال: « من كنت مولاه فعليّ مولاه »).

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.

وروى الترمذي في السنن في مناقب علي بن أبي طالب (591/5 ح 3713)، قال: حدّثنا(1) محمد بن بشار، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدّث عن أبي سُريحة أو زيد بن أرقم - الشك من شعبة - عن النبي صلى الله عليه و آله قال: « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وقد روى هذا الحديث عن ميمون أبي عبد اللّه عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه و آله. وأبو سُريحة: هو حُذيفة بن أسيد الغِفاري صاحب النبي صلى الله عليه و آله.

وفي (مسند أحمد بن حنبل) (494/5 ح 1793): حدّثنا(2) عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبد الملك - يعني ابن أبي سليمان - عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً6.

ص: 140


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 5.
2- راجع توثيق السند في الملحق رقم 6.

لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي رضي اللّه عنه يوم غدير خم فأنا أحب أن أسمعه منك.

فقال: إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك مني بأس، فقال: نعم، كنا بالجحفة فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي عليه السلام فقال: « يا أيّها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ».

قالوا: بلى، قال: « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ».

قال: قلت له: هل قال: « اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه »؟ قال: إنما أُخبرك كما سمعت.

وفي (مسند أحمد) أيضاً (498/5 ح 18815)، قال: (حدّثنا(1) عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حسين بن محمد وأبو نعيم قالا: حدّثنا فطر عن أبي الطفيل قال: جمع علي عليه السلام الناس في الرحبة ثم قال لهم: « أنشد اللّه كل امرئ مسلم سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام ». فقام ثلاثون من الناس.

وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده. فقال للناس. « أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » قالوا: نعم، يا رسول اللّه. قال: « من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ». قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني7.

ص: 141


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 7.

سمعت علياً رضي الله عنه يقول كذا وكذا فما تذكر؟ قال قد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول ذلك له).

وروى النسائي في (السنن الكبرى) (45/5 ح 8148)، قال: أخبرنا(1) محمد بن المثنى قال: حدّثنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن ثم قال: « كأنّي قد دُعِيتُ فأُجيب، إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ثم قال : إن اللّه مولاي وأنا ولي كل مؤمن »، ثم أخذ بيد عليّ فقال: « من كنت وليه، فهذا وليه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ».

وذكره ابن كثير في (البداية النهاية) (288/5 حوادث سنة 10 هجري)، وقال: قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث صحيح.

وروى الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب (خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب) (ص 88 ح 80)، قال: أخبرنا(2) زكريا بن يحيى، قال: حدّثنا نصر بن علي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن داود، عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه: أنّ سعداً قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « من9.

ص: 142


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 8.
2- راجع توثيق السند في الملحق رقم 9.

كنت مولاه فعلي مولاه ».

وروى ابن ماجة في (السنن) (43/1 ح 116) قال: حدّثنا علي بن محمد، حدّثنا أبو الحسين، أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجته التي حجّ. فنزل في بعض الطريق فأمر بالصلاة جامعة فأخذ بيد علي، فقال: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قالوا: بلى. فقال: « ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ » قالوا: بلى. قال: « فهذا وليّ من أنا مولاه، اللهم والِ من والاه، اللهم عادِ من عاداه ».

قال ابن ماجة في (الزوائد): إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان.

أقول: إنّ ضعف علي بن زيد بن جدعان هو أحد الرأيين في الرجل، والرأي الآخر وهو الأرجح عندنا توثيق الرجل وتصديقه.

قال العجلي: كان يتشيع ولا بأس به. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صالح الحديث. وقال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره. وقال ابن عدي: لم أرَ أحداً من البصريين وغيرهم امتنع من الرواية عنه. وقال الساجي: كان من أهل الصدق(1).

وروى النسائي في (الخصائص) (ص 86 ح 79)، قال: أخبرنا(2)0.

ص: 143


1- تهذيب التهذيب 283:7 رقم 545.
2- راجع توثيق السند في الملحق رقم 10.

أبو داود، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا عبد الملك بن أبي غنيّة، قال: أخبرنا الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن بريرة، قال: خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه و آله، فذكرت علياً فتنقصته، فجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتغير وجهه، فقال: « يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

ورواه الحاكم في (المستدرك على الصحيحين) (119/3 ح 4578) بنفس الإسناد وقال: حدّثنا(1) محمد بن صالح بن هانئ، حدّثنا أحمد بن نصر، أخبرنا محمد بن علي الشيباني بالكوفة، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري، أنبأنا محمد بن عبد اللّه العمري، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف، قالوا: حدّثنا أبو نعيم، وساق إسناد الحديث والمتن كما في خصائص النسائي.

ورواه ابن كثير في (البداية والنهاية) (228/5 حوادث سنة 10 هجري) عن أحمد بن حنبل قال: قال الإمام أحمد: حدّثنا الفضل بن دكين حدّثنا ابن أبي غنيّة عن الحكم عن سعيد بن جبير، وساق السند والمتن كما عند النسائي.

ورجال السند عند النسائي كلهم ثقات وكذا سند الحاكم، وصحّحه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ورواه1.

ص: 144


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 11.

الذهبي في (التلخيص) ولم يعلق عليه بنقد أو جرح في إسناده مما يشعر بتصحيحه له. ورجال السند في رواية ابن كثير وأحمد بن حنبل كلهم ثقات، وصحّحه ابن كثير وقال: إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات.

ورواه أحمد في (المسند) (476/6 ح 22436) بنفس الإسناد والمتن وقال: حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا ابن عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير، وساق الحديث بنفس الإسناد والمتن، إلا أنّ رواية أحمد عن الحسن وليس الحكم وكذلك ابن عيينة، والصواب ابن أبي غنيّة بالغين المعجمة، وقد راجعنا الرواية عند ابن كثير فوجدناه يروي عن أحمد عن الحكم كما في إسنادي النسائي والحاكم، وأغلب الظن أنّ الحسن مصحّف، والصحيح الحكم بقرينة رواية ابن كثير عن أحمد.

وذكره ابن حجر في (الصواعق المحرقة) (ص 43)، وقال: هذا الحديث صحيح ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح.

والحلبي في سيرته (274/3) وقال: هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي داود وأبي حاتم الرازي.

والحكيم الترمذي في (نوادر الأُصول) (163/1 الأصل الخمسون)، والحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) (164/9) وقال: رواه الطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي، قال أبو حاتم: منكر

ص: 145

الحديث، ووثّقه ابن حبّان، وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات.

وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (180/3 ح 3052) وقال: حدّثنا(1) محمد بن عبد اللّه الحضرمي وزكريا بن يحيى الساجي، قالا: حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء، وحدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري حدّثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قالا: حدثّنا زيد بن الحسن الأنماطي، حدّثنا معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهن فقمّ ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى تحتهن، ثمّ قام فقال: « يا أيّها الناس، إني قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يعَمَّر نبيّ إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أنّي يُوشك أن أدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ ».

قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك اللّه خيراً.

فقال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً عبدُه ورسوله، وأنّ جنته حق وناره حق، وأنّ الموت حق، وأنّ البعث بعد الموت حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور؟ ».

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قال: « اللهم اشهد - ثم قال -: أيها الناس، إنّ اللّه مولاي وأنا مولى2.

ص: 146


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 12.

المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليّاً - اللهم والِ من والاه وعادِ من عاده ».

ثم قال: « يا أيها الناس، إنّي فَرطكم، وإنّكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضةٍ، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّ وجل سبب طرفه بيد اللّه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض ».

وسوف يأتي البحث عن تفصيل توثيق اسناد هذه الروايات في ملاحق هذا الكتاب.

دلالة نص الغدير

ولسنا نحتاج أن نقف كثيراً عند دلالة (نص الغدير) ومعنى المولى، ولو أنّ الإنسان تجرد عن الخلفيات التاريخية لمسألة الخلاف على الإمامة والخلافة من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يتوقف كثيراً في دلالة الحديث.

ولو أنّ بعض هذا الإعلان والإشهار كان صادراً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غير هذا الأمر الذي اختلف فيه المسلمون أشد الاختلاف، ودخل فيه العامل السياسي فعمّق الخلاف......

ص: 147

أقول: لو كان بعض هذا الإعلان والإشهار صادراً عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غير هذا الأمر لما اختلف فيه المسلمون.

فليس من المعقول ولا من المألوف أن ينزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بجماهير المسلمين الذين يربو عددهم على مائة ألف في ذلك الهجير الصائف من طريق عودة الحجيج إلى بلادهم، ويأخذ بيد عليّ عليه السلام أمام هذا الحشد الكبير حتى يتبين آباطهما، ويشهر ولايته عليه السلام عليهم كولايته صلى الله عليه و آله عليهم، إعلاناً، وإشهاراً، ويأمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب... ثمّ يتزاحم المسلمون على عليّ عليه السلام ليهنئوه بالولاية... ثم لا يكون لذلك دلالة على (الوصيّة)، ولا يزيد هذا الأمر كله على التذكير بفضائل عليّ عليه السلام، وردّ الاعتبار إلى الإمام عليّ عليه السلام عن شكوى أسرّ به بعض الأصحاب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جفوة كانت بينه وبين عليّ عليه السلام في طريق عودتهم من اليمن... كما يقول الحافظ أبو الفداء بن كثير في (البداية والنهاية) (227/5 حوادث سنة 10 هجري).

يقول أبو الفداء: فصل في إيراد الحديث الدال على أنّه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة - يقال له غدير خمّ - فبيّن فيها فضل عليّ بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن.

ولا أعتقد أنّ الحافظ أبا الفداء بن كثير كان يرتضي لنفسه مثل

ص: 148

هذا التسطيح والتبسيط للتاريخ بهذه الصورة لو كان هذا الإعلام والإشهار في غير هذا الأمر من أُمور المسلمين، ولم يكن محملاً بهذه التبعة التأريخية الثقيلة من الحساسيات السياسية التي تراكمت حول قضية الخلافة السياسية بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

والتشكيك في دلالة (المولى) في النص، كالتشكيك في دلالة الحديث والموقف والحشد الكبير الذي أشهر فيهم رسول اللّه ولاية الإمام عليّ عليه السلام يومئذٍ على المسلمين.

ففي كثير من الطرق الصحيحة لهذا النص يسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أولاً: « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » وبعد أن يقرّوا له بذلك الإيجاب، يقول: « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وهو نص في إرادة الإمامة من الولاية، لا يكاد يرتاب فيه أحد إذا تجرد عن الرواسب التاريخية لهذا الخلاف.

ولست أعرف بعد هذه المقدمة والاستفهام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله والإقرار من الناس بولاية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجهاً للتأمل والتوقف في معنى (المولى) في حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وقد وردت هذه القرينة والسؤال والإقرار في صحاح الروايات كما ذكرنا من قبل.

والسؤال إشارة إلى قوله تعالى، في الآية السادسة من سورة

ص: 149

الأحزاب: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وهي نص في الولاية السياسية والإدارية لرسول الله صلى الله عليه و آله على الأمر قاطبة. وقد عهد رسول الله صلى الله عليه و آله بأمر الله(1) ل - (علي) عليه السلام بهذه الولاية - بالذات - من بعده. فأي شيء يكون اصرح من ذلك في الولاية والامامة والخلافة؟ وما هو التصريح والتنصيص ان لم يكن هذا تخصيصاً وتصريحاً.

ثم يعقّب رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذا الإعلان والإشهار لولاية الإمام علي عليه السلام بالدعاء لمن يواليه: « اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ».

وهو دعاء خاص يتضمن معنى إعلان إمامة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على المسلمين.

وقد ورد الدعاء في طائفة واسعة من ألفاظ روايات الغدير.

وإجمالاً، إنّ قراءة مجردةً لنص الغدير بكل ظروفه والقرائن التي تحفُّ به، مجردةً عن مخلّفات الماضي ورواسبه وحسّاسياته كافية لإثبات الوصية والولاية للإمام عليّ عليه السلام من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

3 - نص الوصاية

روى ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق) في ترجمة الإمام علي

ص: 150


1- يقول تعلى: «وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى» النجم 3-5

بن أبي طالب (5/3 ح 1031) قال: أخبرنا(1) أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي، أنبأنا أبو القاسم البغوي، أنبأنا محمد بن حميد الرازي أنبأنا علي بن مجاهد، أنبأنا محمد بن إسحاق عن شريك بن عبد اللّه، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه و آله: « لكل نبيّ وصيّ ووارث وإنّ عليّاً وصيي ووارثي ».

ورواه أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد) (114/9)، وأحمد بن حنبل في (المناقب) (ص 118 ح 174)، والطبراني في (المعجم الكبير) (221/6 ح 6063)، وابن المغازلي في (المناقب) (ص 200 ح 238)، والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (358/1)، والخوارزمي في (المناقب) (ص 112 ح 121)، وسبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) (ص 43) عن أحمد في (الفضائل)، وقال: فإن قيل: فقد ضعفوا حديث الوصية، فالجواب: أنّ الحديث الذي ضعّفوه في إسناده إسماعيل بن زيادة تكلّم فيه الدارقطني، والحديث الذي ذكرناه رواه أحمد في (الفضائل) وليس في إسناده ابن زيادة.

وسوف يأتي الحديث عن توثيق سند الرواية في ملاحق هذا الكتاب.3.

ص: 151


1- راجع توثيق السند في الملحق رقم 13.

ص: 152

ملاحق الكتاب

ص: 153

ص: 154

ملاحق في توثيق إسناد نصوص الوصية

توثيق رجال السند:

ملحق رقم (1)

1 - ابن حُميد، محمد بن حُميد الرازي أبو عبد اللّه، المتوفّى سنة (248 هجري)

أخرج له من أصحاب الصحاح (أبو داود) و (الترمذي) و (ابن ماجة).

قال أبو بكر الصاغاني: حدّثنا محمد بن حُميد. قيل له: أتحدّث عنه؟ قال: وما لي لا أتحدث عنه وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل وابن معين. (ميزان الاعتدال) (531/3 رقم 7453).

وقال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (111/9 رقم 181): روى عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وجمع غيرهم ذكر أسماءهم.

وقال عبد اللّه بن أحمد عن أبيه: لا يزال في الريّ علم ما دام محمد بن حميد حيّاً. وقال عبد اللّه: قدم علينا محمد بن حميد حيث

ص: 155

كان أبي بالعسكر، فلما خرج قدم أبي وجعل أصحابه يسألونه عنه فقال لي: ما لهؤلاء؟ قلت: قدم ها هنا فحدّثهم بأحاديث لا يعرفونها. قال لي: كتبت عنه؟ قلت: نعم، فأريته إياه. فقال: أما حديثه عن ابن المبارك وجرير فصحيح، وأما حديثه عن أهل الري فهو أعلم.

وقال أبو قريش محمد بن جمعة: كنت في مجلس الصاغاني فحدّث عن ابن حميد، فقلت: تحدّث عن ابن حميد؟ فقال: وما لي لا أحدث عنه وقد حدّث عنه أحمد ويحيى. قال: وقلت لمحمد بن يحيى الذهلي: ما تقول في محمد بن حميد. قال: ألا تراني هو ذا أُحدّث عنه؟

وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين، فقال: ثقة لا بأس به رازي كيّس.

وقال عليّ بن الحسين بن الجنيد عن ابن معين: ثقة وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله، إنما هو من قبل الشيوخ الذين يحدّث عنهم.

وقال أبو العباس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي يقول: ابن حميد ثقة كتب عنه يحيى وروى عنه.

وناقش في توثيقه بعض أصحاب الجرح والتعديل، غير أنّا نجد في توثيقات (أبي داود) و (الترمذي) و (ابن ماجة) حيث رووا عنه

ص: 156

في صحاحهم و (أحمد بن حنبل) و (محمد بن يحيى الذهلي) و (يحيى بن معين) و (جعفر بن أبي عثمان الطيالسي) كفاية في التوثيق وحجة للأخذ برواياته.

2 - سلمة بن الفضل الرازي الأبرش أبو عبد اللّه الأنصاري

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (168/4 رقم 739): سألت يحيى بن معين عن سلمة الأبرش الرازي، فقال: ثقة قد كتبنا عنه، كان كيّساً، ليس في الكتب أتمّ من كتابه.

وقال: سمعت أبي يقول: سلمة بن الفضل صالح محلّه الصدق.

وقال ابن سعد في طبقاته (381/7): كان ثقة صدوقاً وهو صاحب محمد بن إسحاق روى عنه في المغازي والمبتدأ، وكان مؤدباً، وكان يقال: إنه من أخشع الناس في صلاته. وذكره ابن حبان في (الثقات) (287/8).

3 - محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب السيرة، المتوفّى (151 هجري)

ذكره ابن حبان في (الثقات) (380/7)، ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (191/7 رقم 1087): حدّثنا عبد الرحمن قال: قرأ عليَّ العباس بن محمد الدوري، قال: سُئِل يحيى بن معين عن

ص: 157

محمد بن إسحاق أحب إليك أو موسى بن عبيدة؟ فقال: محمد بن إسحاق، صدوق.

وحدّثنا عبد الرحمن قال: سُئِل أبو زرعة عن محمد بن إسحاق بن يسار فقال: صدوق.

قال ابن سعد في (طبقاته) (321/7): كان محمد ثقة.

وقال العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 400 رقم 1433): مدني ثقة.

4 - عبد الغفار بن القاسم أبو مريم الغفاري

قال ابن عدي في (الكامل) (327/5 رقم 1479): سمعت أحمد بن محمد بن سعيد (ابن عقدة) يثني على أبي مريم ويطريه، وتجاوز الحد في مدحه حتى قال: لو انتشر علم أبي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس إلى شعبة. وقد روى شعبة عن أبي مريم هذا حديثين أحدهما عن نافع عن ابن عمر والآخر عن عطاء عن جابر.

وقال ابن عدي: لعبد الغفار بن القاسم أحاديث صالحة، وفي حديثه ما لا يتابع عليه.

وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال) (640/2 رقم 5147): حدّث عن نافع وعطاء بن أبي رباح وجماعة، وكان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال

ص: 158

وقد أخذ عنه شعبة.

وقال ابن حجر في (لسان الميزان) (51/4 رقم 5229): قال شُعبة: لم أرَ أحفظ منه.

5 - المنهال بن عمرو الأسدي

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (356/8 رقم 1634): حدّثنا عبد الرحمن، قال: ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: المنهال بن عمرو ثقة.

وذكره العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 442 رقم 1643) وقال: كوفي، ثقة.

وقال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (283/10): قال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال الدارقطني: صدوق. وذكره ابن حبان في (الثقات).

6 - عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (30/5 رقم 136) قال علي بن المديني: عبد اللّه بن الحارث ثقة.

ص: 159

حدّثنا عبد الرحمن قال: قرأ عَلَيّ العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: عبد اللّه بن الحارث الهاشمي ثقة.

وحدّثنا عبد الرحمن قال: سُئل أبو زرعة عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل فقال: مديني ثقة.

وقال العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 253 رقم 790) مدني تابعي ثقة.

ملحق رقم (2)

توثيق رجال سند ابن عساكر
1 - أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي العلوي، المتوفّى (539 هجري)

ذكره ابن حجر في (لسان الميزان) (323/4 رقم 6011) وقال: سكن الشام في شبيبته مدة وبرع في العربية والفضائل. روى عنه ابن السمعاني وابن عساكر وأبو موسى المدني، وكان مشاركاً في علوم، وهو فقير متقنّع، خيّر، ديّن.

وقال ابن عساكر: ولد بالكوفة وسمع بها وقدم دمشق مع أبيه وسمع بها وهو أورع علوي رأيته(1).

2 - أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد، المتوفّى (476 هجري)

ص: 160


1- مختصر تاريخ دمشق 250:18.

ذكره الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (451/18) وعَبّرَ عنه بالشيخ المسند الثقة. وقال النرسي: هو ثقة من عدول الحاكم.

3 - محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين أبو الحسن ابن النجار

ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه (158/2 رقم 583) وقال: قال العتيقي: ثقة.

4 - أبو عبد اللّه محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، المتوفّى (326 هجري)

ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (73/15)، والمامقاني في (تنقيح المقال) (174/3) وقال: عنونه النجاشي وقال: ثقة.

ووثقه أبو داود وذكره النجاشي في رجاله (ص 378 رقم 1027) وقال: ثقة.

ذكره الذهبي في (الميزان) وابن حجر في (اللسان) واليافعي في (مرآة الجنان).

5 - عباد بن يعقوب الرواجني أبو سعيد الكوفي

روى عنه البخاري والترمذي وابن ماجة وأبو حاتم وأبو بكر البزاز.

قال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدّثنا الثقة في روايته عباد بن

ص: 161

يعقوب وقال أبو حاتم: شيخ ثقة، وقال الدارقطني: شيعي صدوق(1).

6 - عبد اللّه بن عبد القدوس

ترجمه ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (265/5 رقم 516) وقال: ذكره ابن حبان في (الثقات)، وحكى عن محمد بن عيسى أنّه قال: هو ثقة، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق إلا أنّه يروي عن قوم ضعفاء.

7 - الأعمش سليمان بن مهران، المتوفّى (148 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في كتابه (الجرح والتعديل) (146/4 رقم 630) وقال: عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: سليمان بن مهران الأعمش ثقة. وقال: سمعت أبي يقول: الأعمش ثقة يحتج بحديثه. وقال: سمعت أبا زرعة يقول: سليمان الأعمش إمام. وذكره ابن حبان في (الثقات) (302/4).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

8 - المنهال بن عمرو: مرّت ترجمته في الملحق رقم (1)

ص: 162


1- تهذيب التهذيب 95:5 رقم 183.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 104:2 رقم 3493.
9 - عبّاد بن عبد اللّه الأسدي الكوفي

ذكره العجلي في تاريخ (الثقات) (ص 247 رقم 765) وقال: كوفي تابعي ثقة.

وذكره ابن حبان في (الثقات) (141/5).

ملحق رقم (3)

1 - محمد بن أحمد بن بالويه أبو بكر، المتوفّى (340 هجري)

ذكره الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (419/15) وعَبّرَ عنه بالإمام المفيد الرئيس أبو بكر من كُبراء بلده.

والصفدي في (الوافي بالوفيات) (40/2 رقم 308) وقال: من أعيان المحدّثين والرؤساء.

2 - أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي الحنبلي، المتوفّى (368 هجري)

ترجمه الذهبي في (ميزان الاعتدال) (87/1 رقم 320) وقال: صدوق.

وابن حجر في (لسان الميزان) (151/1)، ونقل وثاقته عن طريق الحاكم.

قال البرقاني: كان صالحاً، وثبت عندي أنه صدوق.

ص: 163

وقال السُّلَمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة زاهد قديم، سمعت أنّه مجاب الدعوة(1).

3 - عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، المتوفّى (290 هجري)

وثّقة ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (7/5)، والذهبي في (تذكرة الحفاظ) (665/2 رقم 685)، ونقل ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (124/5 رقم 246) وثاقته عن كثير من الشيوخ.

4 - أحمد بن محمد بن حنبل، المتوفّى (241 هجري)

من كبار الفقهاء، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير) (5/2 رقم 1505)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (292/1) وذكره ابن حبان في (الثقات) (18/8).

أخرج له الستة(2).

5 - يحيى بن حماد الشيباني البصري أبو محمد، المتوفّى (215 هجري)

وثقه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (137/9 رقم 583) وذكره ابن حبان في (الثقات) (257/9) وقال العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 470 رقم 1800): بصري ثقة، وكان من أروى الناس عن أبي عوانة.

ص: 164


1- سير أعلام النبلاء 210:16.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 38:1 رقم 129.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

6 - أبو عوانة الوضّاح بن عبد اللّه، المتوفّى (176 هجري)

وثّقه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (40/9 رقم 172)، وذكره ابن حبان في (الثقات) (562/7).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

7 - سليمان بن مهران الأعمش

مرّت ترجمته في ملحق رقم (2).

8 - حبيب بن أبي ثابت المتوفّى (119 هجري)

وثّقه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (107/3 رقم 495)، وذكره ابن حبان في (الثقات) (137/4).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(3).

ص: 165


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 204:4 رقم 10085.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 171:4 رقم 9919.
3- موسوعة رجال الكتب التسعة 285:1 رقم 1459.

ملحق رقم (4)

1 - محمد بن علي الشيباني، المتوفّى (351 هجري)

ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (36/16) وقال: كان أحد الثقات، وذكره ابن العماد في (شذرات الذهب) (272/4) وقال: كان مسند الكوفة في زمانه.

2 - أحمد بن حازم الغفاري، المعروف بابن أبي غرزة المتوفّى (276 هجري)

ذكره ابن حبان في (الثقات) (44/8)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (48/2 رقم 40)، وعبّر عنه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (239/3) بالإمام الحافظ الصدوق.

3 - أبو نعيم الفضل بن دكين، المتوفّى (219 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (61/7 رقم 353) وقال: كان ثقة، وابن حبان في (الثقات) (319/7)، والعجلي في (تاريخ الثقات) (ص 383 رقم 1351) وقال: كوفي ثقة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

4 - أبو العلاء كامل بن العلاء التميمي، المتوفّى (160 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (172/7 رقم 980)

ص: 166


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 239:3 رقم 7255.

وقال: حدّثنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إليّ، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كامل بن العلاء ثقة، وقال العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 396 رقم 1404): كوفي ثقة.

أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة(1).

5 - حبيب بن أبي ثابت، المتوفّى (199 هجري)

مرت ترجمته في ملحق رقم (3).

6 - يحيى بن جعدة بن هبيرة

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (133/9 رقم 562) وقال: ثقة، وابن حبان في (الثقات) (520/5).

أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

ملحق رقم (5)

1 - محمد بن بشار العبدي بندار، المتوفّى (252 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (214/7 رقم 1187) وقال: صدوق، وابن حبان في (الثقات) (111/9)، والعجلي في (تاريخ الثقات) (ص 401 رقم 1435) وقال: بصري ثقة.

ص: 167


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 290:3 رقم 7518.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 201:4 رقم 10068.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

2 - محمد بن جعفر غندر، المتوفّى (193 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (221/7 رقم 1223) وقال: كان صدوقاً وكان مؤدباً، وفي حديث شعبة ثقة، وابن حبان في (الثقات) (509/9) وقال: كان من خيار عباد اللّه ومن أصحّهم كتاباً، والعجلي في (تاريخ الثقات) (ص 402 رقم 1444) وقال: بصري ثقة، وكان من أثبت الناس في حديث شعبة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

3 - شعبة بن الحجاج، المتوفّى (160 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (126/1) وقال: كان شعبة بصيراً بالحديث جداً، فهماً له كأنه خلق لهذا الشأن، وابن حبان في (الثقات) (446/6)، وقال: كان من سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وفضلاً، والعجلي في (تاريخ الثقات) (ص 220 رقم 665)، وقال: سكن البصرة، ثقة تقي.

ص: 168


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 330:3 رقم 7732.
2- المصدر السابق: 338 رقم 7775.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

4 - سلمة بن كهيل، المتوفى (121 هجري)

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (170/4 رقم 742): ثقة متقن، وذكره ابن حبان في (الثقات) (317/4).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

ملحق رقم (6)

1 - عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، المتوفّى (290 هجري)

مرّت ترجمته في ملحق رقم (3).

2 - أحمد بن محمد بن حنبل، المتوفّى (241 هجري)

مرّت ترجمته في ملحق رقم (3).

3 - ابن نمير عبد اللّه بن نمير أبو هاشم الهمداني الخارفي، المتوفى (199 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (186/5 رقم 869) وقال: ثقة مستقيم الأمر، وابن حبان في (الثقات) (60/7)، والعجلي

ص: 169


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 150:2 رقم 3739.
2- المصدر السابق: 80 رقم 3350.

في (تاريخ الثقات) (ص 282 رقم 901) وقال: ثقة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

4 - عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة، المتوفّى (145 هجري)

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (366/5 رقم 1719): ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (97/7)، والعجلي في (تاريخ الثقات) (ص 309 رقم 1032) وقال: كوفي ثقة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

5 - عطية العوفي بن سعد بن جنادة، المتوفّى (111 هجري)

ذكره يحيى بن معين في (التاريخ) (500/3 رقم 2446) وقال: صالح، وابن شاهين في (تاريخ أسماء الثقات) (ص 247 رقم 970) وقال: ليس به بأس، وقال ابن سعد في طبقاته (304/6): كان ثقةً وله أحاديث صالحة.

أخرج له البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وابن ماجة(3).

ص: 170


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 360:2 رقم 4887.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 489:2 رقم 5598
3- موسوعة رجال الكتب التسعة 41:3 رقم 6189.

ملحق رقم (7)

1 - الحسين بن محمد بن بهرام التميمي، المتوفّى (213 هجري)

ذكره العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 121 رقم 294) وقال: بصري ثقة، وابن حبان في (الثقات) (185/8)، وقال ابن سعد في طبقاته (338/7): كان ثقة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

2 - أبو نعيم الفضل بن دكين، المتوفى (219 هجري)

مرت ترجمته في ملحق رقم (4).

3 - فطر بن خليفة، المتوفى (153 هجري)

قال ابن أبى حاتم في (الجرح والتعديل) (90/7 رقم 512): ثقة صالح الحديث، وذكره ابن حبان في (الثقات) (300/5)، وقال العجلى في (تاريخ الثقات) (ص 385 رقم 1360): كوفي ثقة، صالح الحديث.

أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

ص: 171


1- موسوعة رجال الكتب التسعة: 348/1 رقم 1806.
2- تهذيب التهذيب: 270/8.
4 - أبو الطفيل

وهو صحابي واسمه عامر بن واثلة، ولد عام أحد، وكان فقيها مأموناً من أصحاب على عليه السلام، مات سنه (100-110 ه -) وبه ختم الصحابة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

ملحق رقم (8)

1 - محمد بن المثنى، المتوفى (252 هجري)

قال ابن أبى حاتم في (الجرح والتعديل) (95/8 رقم 409): صالح الحديث صدوق، وعن يحيى بن معين قال: ثقة، ذكره ابن حبان في (الثقات) (111/9).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

2 - يحيى بن حماد أبو بكر البصري، المتوفّى (215 هجري)

مرّت ترجمته في ملحق رقم (3).

ص: 172


1- موسوعة رجال الكتب التسعة: 453/3 رقم 8404.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة: 453/3 رقم 8404
3 - أبو عوانة الوضّاح بن عبد اللّه، المتوفّى (175 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (40/9 رقم 173) وقال: كتبه صحيحة، وإذا حدّث من حفظه غلط وهو صدوق ثقة، وابن حبان في (الثقات) (562/7)، وقال العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 464 رقم 1768): بصري ثقة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

4 - سليمان بن مهران الأعمش

مرّت ترجمته في ملحق رقم (2).

5 - حبيب بن أبي ثابت

مرّت ترجمته في ملحق رقم (3).

ملحق رقم (9)

1 - زكريا بن يحيى بن إياس السجزي، المتوفّى (289 هجري)

ترجمه الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (650/2 رقم 673) وعَبّرَ عنه بالحافظ الكبير الثقة، وقال: قال النسائي: ثقة، وقال عبد الغني الأزدي: كان ثقة حافظاً. وكذا ترجمه ابن حجر في (تهذيب التهذيب)

ص: 173


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 228:2 رقم 4158.

(288/3).

2 - نصر بن عليّ بن نصر بن صهبان، المتوفّى (250 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (466/8 رقم 2136) وقال: حدّثني أبي، حدثنا مسلم، حدثنا نصر بن علي الجهضمي وكان صدوقاً، وعن يحيى بن معين قال: نصر بن علي ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (214/9).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

3 - عبد اللّه بن داود بن عامر بن الربيع الخريبي، المتوفّى (213 هجري)

ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (47/5 رقم 221) وقال: سألت أبي عنه فقال: كان يميل إلى الرأي وكان صدوقاً. وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون، وقال: سُئل أبو زرعة عن عبد اللّه بن داود الخريبي فقال: كوفي الأصل بصري ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (60/7).

أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

ص: 174


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 96:4 رقم 9541.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 272:2 رقم 4405.
4 - عبد الواحد بن أيمن

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (19/6 رقم 104): نقلاً عن يحيى بن معين يقول: عبد الواحد بن أيمن ثقة، وقال: سألت أبي عن عبد الواحد بن أيمن فقال: ثقة صالح الحديث. وذكره ابن حبان في (الثقات) (124/7).

أخرج له البخاري ومسلم والنسائي(1).

5 - أيمن الحبشي

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (318/2 رقم 1207) وقال: سُئل أبو زرعة عن أيمن والد عبد الواحد فقال: مكي ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (109/1).

أخرج له البخاري وأبو داود(2).

ملحق رقم (10)

1 - أبو داود سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي الحراني

ترجمه ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (174/4 رقم 337)

ص: 175


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 501:2 رقم 5666.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 160:1 رقم 813.

وقال: قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (281/8)، روى عنه النسائي(1).

2 - الفضل بن دكين أبو نعيم، المتوفّى (219 هجري)

مرّت ترجمته في ملحق رقم (4).

3 - عبد الملك بن حميد بن أبي غنيّة

ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (347/5 رقم 1640) قال: روى عن الحكم، وروى عنه أبو نعيم، قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: يحيى بن عبد الملك ثقة هو وأبوه، متقاربان في الحديث، وعن يحيى بن معين أنّه قال: عبد الملك بن حميد بن أبي غنيّة ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (96/7).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

وقد ورد اسمه في الإسناد مصحّفاً بابن عيينة، والصحيح ابن أبي غنيّة كما يتضح من كتب الرجال من ناحية الراوي والمروي عنه.

4 - الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (123/3 رقم 567)

ص: 176


1- الكاشف 395:1 رقم 2120.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 487:2 رقم 5588.

وقال: روى عنه الأوزاعي قال: حججت فلقيت عبدة بن أبي لبابة بمنى فقال لي: هل لقيت الحكم؟ قلت: لا، قال: فالقه فما بين لابتيها أحد أفقه من الحكم، وقال عن مجاهد بن رومي قال: رأيت الحكم في مسجد الخيف وعلماء الناس عيال عليه. وذكره ابن حبان في (الثقات) (144/4).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(1).

5 - سعيد بن جبير

غني عن التعريف، ذكره ابن حبان في (الثقات) (275/4)، ووثقه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (4 / رقم 29).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

ملحق رقم (11)

1 - محمد بن صالح بن هاني بن زيد أبو جعفر الورّاق، المتوفّى (340 هجري)

ص: 177


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 374:1 رقم 1943.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 29:2 رقم 3064.

ذكره ابن الجوزي في (المنتظم) (86/14 رقم 2531) وقال: كان من الثقات الزهاد، لا يأكل إلا من كسب يده، وابن كثير في (البداية والنهاية) (255/11 حوادث سنة 340 هجري)

وقال: أبو جعفر الورّاق سمع الكثير وكان يفهم ويحفظ، وكان ثقة زاهداً لا يأكل إلا من كسب يده ولا يقطع صلاة الليل.

2 - أحمد بن نصر بن إبراهيم أبو عمر الخفاف، المتوفّى (299 هجري)

ذكره الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (654/2 رقم 676) وقال: الحافظ الإمام محدّث خراسان أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري، قال أبو زكريا العنبري: كان أول في الزهد وصحبة الأبدال إلى أن بلغ من العلم ما بلغ ولم يعقّب، ولما كبر تصدّق بأموال يقال: إنّ قيمتها خمسة آلاف درهم.

وقال الصبغي: كنا نقول: أبو عمر الخفاف يفي بمذاكرة مائة ألف حديث، وصام الدهر نيفاً وثلاثين سنة. وقال أبو الطيّب الكرابيسي: سمعت إمام الأئمّة ابن خزيمة يقول على رؤوس الملأ يوم مات أبو عمر الخفاف: لم يكن بخراسان أحفظ منه.

قلت: كان عظيم الجلالة نافذ الأمر يلقّبونه بزين الأشراف.

وذكره ابن الجوزي في (المنتظم) (124/13 رقم 2061)، وابن كثير في (البداية والنهاية) (132/11 حوادث سنة 299 هجري).

ص: 178

3 - محمد بن عليّ الشيباني، المتوفّى (351 هجري)

ذكره ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) (272/4 حوادث سنة 351 هجري) وقال: كان مسند الكوفة في زمانه، وعَبّرَ عنه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (36/16) قال: الشيخ الثقة المسند الفاضل.

4 - أحمد بن حازم الغفاري بن أبي غرزة أبو عمرو الغفاري الكوفي، المتوفّى (276 هجري)

ذكره ابن حبان في (الثقات) (44/8) وقال: كان متقناً، والذهبي في (سير أعلام النبلاء) (239/13) وعبّر عنه بالإمام الحافظ الصدوق، وذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (48/2 رقم 40).

ويتصل الإسناد هنا بسند النسائي وقد تحدّثنا عنه في ملحق رقم (10).

ملحق رقم (12)

1 - محمد بن عبد اللّه الحضرمي، المتوفّى (297 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (298/7 رقم 1618) قال: كتب إلينا ببعض حديثه وهو صدوق، والذهبي في (تذكرة الحفاظ) (622/2 رقم 682) وقال: كان من أوعية العلم وهو ثقة مطلقاً، وقال: سُئل عنه الدارقطني فقال: ثقة.

ص: 179

2 - زكريا بن يحيى الساجي، المتوفّى (307 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (601/3 رقم 2717) وقال: كان ثقة، والذهبي في (تذكرة الحفاظ) (709/2 رقم 727) وعَبّرَ عنه بالإمام الحافظ محدّث البصرة.

3 - نصر بن عبد الرحمن الوشّاء، المتوفّى (248 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (472/8 رقم 2163) قال: سألت أبي عنه فقال: هو كوفي وهو شيخ رأيته يحفظ ما يحدّث به ما رأينا إلا جمالاً وحسن خلق، وابن حبان في (الثقات) (217/9).

أخرج له الترمذي وابن ماجة(1).

4 - أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، المتوفّى (293 هجري)

ذكره الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (552/3) وعبّر عنه بالإمام الحافظ الثقة، وترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه (349/4 رقم 2190) وقال: ثقة، وابن الجزري في (طبقات القرّاء) (97/1 رقم 445) وقال: مشهور.

5 - سعيد بن سليمان الواسطي سعدويه، المتوفّى (225 هجري)

قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (26/4 رقم 107): ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في (الثقات) (268/8).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

ص: 180


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 95:4 رقم 9534.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 39:2 رقم 3121.
6 - زيد بن الحسن الأنماطي

ذكره ابن حبان في الثقات (314/6)، روى عنه الترمذي كما في (تهذيب الكمال) (50/10 رقم 2098).

7 - معروف بن خربوذ

ذكره ابن حبان في (الثقات) (439/5)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (321/8 رقم 1481) وقال: سألت أبي عن معروف بن خربوذ فقال: يكتب حديثه هو مكي، والعجلي في (تاريخ الثقات) (ص 434 رقم 1605) وقال: ثقة.

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة(1).

ملحق رقم (13)

1 - أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي، المتوفّى (516 هجري)

ذكره الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (1263/4 رقم 1065) وعبّر عنه بالحافظ الإمام الثقة، وترجمه السبكي في طبقاته (46/7 رقم 735).

2 - أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن النقور، المتوفّى (447 هجري)

ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (372/18) وعبّر عنه:

ص: 181


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 14:4 رقم 9117.

بالشيخ الجليل الصدوق، وذكره الخطيب البغدادي في تاريخه (381/4 رقم 2259) وقال: كتبت عنه وكان صدوقاً.

3 - أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير، المتوفّى (391)

ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (549/16) وعبّر عنه بالشيخ

الجليل العالم، والخطيب البغدادي في تاريخه (179/11 رقم 5891) وقال: كان ثبت السماع صحيح الكتاب.

4 - أبو القاسم عبد اللّه بن محمد البغوي، المتوفّى (317 هجري)

ترجمه الذهبي في (تذكرة الحفاظ) (737/2) وقال: الحافظ الثقة الكبير

سند العالم، وابن حجر في (لسان الميزان) (416/3 رقم 4757) وعبّر عنه بالحافظ الصدوق.

5 - محمد بن حميد الرازي

مرّت ترجمته في ملحق رقم (1).

6 - علي بن مجاهد الكابلي، المتوفّى (280 هجري)

أخرج له من أصحاب الصحاح الترمذي ووثّقه، قال الترمذي في جامعه: حدّثنا محمد بن حميد الرازي، حدّثنا جرير قال: حدثني علي بن مجاهد وهو عندي ثقة. وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: كتبت عنه، ما أرى به بأساً، وقال ابن عدي: ولعلي أحاديث وهو ثبت في يحيى متقدم فيه وهو عندي

ص: 182

لا بأس به، ووثقه ابن المديني وابن نمير والعجلي(1)، وذكره ابن حبان في (الثقات) (459/8).

وقد جرح الرجل بعض أصحاب الجرح والتعديل، إلا أنّا لا نجد مسوّغاً للأخذ بالجرح وترك توثيقات رجال من أمثال الترمذي وابن حبان وأحمد بن حنبل والعجلي وغيرهم.

7 - محمد بن إسحاق بن يسار، المتوفّى (150، 151، 153 هجري)

ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (191/7 رقم 1087)

وقال: سمعت شعبة يقول: صدوق، وذكره العجلي في (تاريخ الثقات) (ص 400 رقم 1433) وقال: مدني ثقة، وابن حبان في (الثقات) (380/7).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

8 - شريك بن عبد اللّه أبو عبد اللّه النخعي، المتوفّى (177 هجري)

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (365/4 رقم 1602) وقال:

ثقة صدوق، وابن حبان في (الثقات) (444/6).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(3).

ص: 183


1- تهذيب التهذيب 330:7.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 323:3 رقم 7689.
3- موسوعة رجال الكتب التسعة 395:4 رقم 11317.
9 - أبو ربيعة الإيادي عمر بن ربيعة

ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (109/6 رقم 575) وقال: كوفي ثقة، وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب) (421/2): مقبول.

أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة(1).

10 - عبد اللّه بن بريدة بن حصيب الأسلمي، المتوفّى (125، 105، 115 هجري)

ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (13/5 رقم 61) وقال: سئل أبي عن عبد اللّه بن بريدة فقال: ثقة.

وعن يحيى بن معين قال: عبد اللّه بن بريدة ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) (16/5).

أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(2).

11 - بريدة بن حصيب الأسلمى، صحابي

ذكره ابن حجر في (الإصابة) (146/1 رقم 632).

ص: 184


1- موسوعة رجال الكتب التسعة 149:2 رقم 3732.
2- موسوعة رجال الكتب التسعة 255:2 رقم 4311.

...

ص: 185

...

ص: 186

...

ص: 187

...

ص: 188

...

ص: 189

...

ص: 190

...

ص: 191

...

ص: 192

...

ص: 193

...

ص: 194

...

ص: 195

...

ص: 196

فهرس الكتاب

كلمة المجمع 7

الاتجاهات الثلاثة في مسالة الإمامة 9

الاتجاه الاول: انعقاد الامامة بالثورة المسلحة ونقده 11

أولاً: انعقاد الإمامة بالثورة المسلحة (الغلبة) 13

المناقشة 15

الاستدلال بقاعدة الضرر 16

قاعدة الضرر رافعة وليست بمشرعة 17

الاتجاه الثاني: نظرية الاختيار ونقدها 23

ثانيا: نظرية الاختيار 25

تنعقد الإمامة بالبيعة 25

1 - رأي الماوردي 26

2 - رأي القاضي عبد الجبار 26

3 - رأي القرطبي 27

4 - رأي ابن تيمية 27

ص: 197

أقل عدد تنعقد به البيعة 28

5 - رأي صاحب المواقف (الإيجي) 29

6 - رأي الماوردي أيضاً 29

7 - رأي الجبائي والمحلي وسليمان بن جرير 30

8 - رأي إمام الحرمين الجويني 31

9 - رأي القرطبي أيضاً 31

10 - رأي الأشعري 32

أضواء على نظرية الاختيار 33

نقد نظرية الاختيار 33

إجمال النقد 33

تفصيل النقد 35

مناقشة أدلة أصل (الاختيار) 35

أولاً: فرضية حق تقرير المصير السياسي 35

نظرية العقد الاجتماعي 36

ثانياً: فرضية التفويض 37

أولاً مناقشة فرضية (حق تقرير المصير) ودراسة ومناقشة فرضية (العقد الاجتماعي) 39

نقد الديمقراطية 40

ص: 198

الولاية والإمامة وعلاقتها بالتوحيد 42

نظرة في آية الأحزاب 43

مبدأ الاستناد إلى الحجة 45

ثانياً مناقشة فرضية التفويض الإلهي 46

عدم الدليل دليل العدم 48

قراءة في أدلة التفويض 49

أولا: أدلة الجانب الكبروي (المبدئي) لمسألة التفويض 50

1 - مبدأ الإباحة الأولية 51

2 - قاعدة التسليط 53

3 - أصالة اللزوم في العقود 58

مناقشة نظرية العقد 58

4 - التمسك بأدلة وجوب نصب الإمام وطاعة أولي الأمر 59

لا يثبت الحكم موضوعه 60

لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية 61

5 - نصوص التأمير 64

6 - تأمير الخلفاء الثلاثة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله 65

7 - البيعة لخليفتين 66

8 - شرعية البيعة والشورى في كلمات الإمام عليه السلام 67

ص: 199

كلمة ابن أبي الحديد 69

نقد كلام ابن أبي الحديد 70

حكم العقل بالتفويض 76

ثانيا: الجانب الصغروي من التفويض 79

1 - الإجماع 81

القيمة التشريعية للإجماع 81

الدليل الاستنادي 82

ضياع المستند 85

مستند الإجماع 86

الاجماع الاول 88

الاجماع الثاني 90

الاستناد إلى القياس 92

2 - البيعة 94

القيمة التشريعية للبيعة 94

علاقة البيعة بالطاعة 95

3 - الشورى 98

القيمة التشريعية للشورى 98

القيمة التوجيهية للشورى 101

الخلاصة والنتيجة 102

ص: 200

الاتجاه الثالث: نظرية النص وتاسيسها 105

ثالثاً: نظرية النص 107

1 - توحيد الخلق 108

2 - توحيد الإلوهية 108

3 - توحيد الربوبية 112

4 - توحيد التشريع 117

5 - توحيد الحاكمية والسيادة 119

6 - توحيد التشريع والولاية والسيادة في الله 120

7 - النصوص الخاصة بالولاية في القرآن الكريم 121

8 - النص على إمامة إبراهيم عليه السلام وذريته 121

9 - لا يعهد الله تعالى الإمامة إلى من اقترف ظلماً 124

10 - الإمامة والنبوة 126

11 - الكلمات التي أتمها إبراهيم عليه السلام 127

12 - نصوص الوصية 131

1 - نص يوم الدار 132

2 - نص الغدير 135

نماذج من طرق وأسانيد حديث الغدير 138

دلالة نص الغدير 147

3 - نص الوصاية 150

ص: 201

ملاحق الكتاب 153

ملاحق في توثيق إسناد نصوص الوصية 155

توثيق رجال السند 155

ملحق رقم (1) 155

ملحق رقم (2) 160

توثيق رجال سند ابن عساكر 160

ملحق رقم (3) 163

ملحق رقم (4) 166

ملحق رقم (5) 167

ملحق رقم (6) 169

ملحق رقم (7) 171

ملحق رقم (8) 172

ملحق رقم (9) 173

ملحق رقم (10) 175

ملحق رقم (11) 177

ملحق رقم (12) 179

ملحق رقم (13) 181

مصادر الكتاب 185

الفهرس 197

ص: 202

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.