بحث حول الرجعه

اشارة

بحث حول الرجعه

نويسنده: آيت الله العظمي السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره

ناشر: دارالمكتبه البصائر - بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 4

ص: 5

المدخل

ص: 6

مفهوم الرجعة:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

عنوان ينطبق علي عدد من المعاني التي بعضها أكيد الصحة وقد قام الدليل عليه، وبعضها غير واضح بذلك الوضوح، أقصد من ناحية دليله.

وبالرغم من إن الآخرين قد أخذوا علي الشيعة عدة مفاهيم يؤمنون بها ومنها الرجعة، علي إنها مفاهيم فاسدة باطلة، إلا إنها من زاوية الرجعة - التي نتكلم عنها الآن - نقول: إن كان بعض المعاني والتفسيرات للرجعة يمكن أن تكون في نظركم فاسدة، فإن هناك للرجعة تفسيرات صحيحة.

ص: 7

ومنها ما هو نص في القرآن الكريم، ومنها ما يتبني الاتجاه التقليدي عندكم علي الأيمان به ولا سبيل إلي إنكاره، كما سوف نوضح مفصلاً. فإن كانت الرجعة تنطبق علي هذه الأمور بالذات إذن فأنتم تقولون بالرجعة وليس الشيعة فقط.

ص: 8

المفهوم اللغوي للرجعة

لا يعني أكثر من رجوع شيء إلي شئ بعد ابتعاده عنه، فقد كانا متجاورين ثم افترقا بسبب ما، ثم يعود أحدهما المعيّن إلي الأخر.

وهذا المفهوم اللغوي ينطبق إجمالاً علي كل مفاهيم الرجعة ومعانيها. فمثلاً اذا قلنا برجعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فهو قد كان مجتمعاً مع البشرية في عصره في صدر الإسلام ثم افترق عنها بموته ثم يعود إليها. وهكذا.

و الأفضل الآن أن نقضي الوقت الآتي باستعراض المهم من معاني الرجعة وتفسيراتها لنري مقدار ما قام الدليل علي صحته منها، مع الالتفات إلي إننا لا نستطيع أن نجزم ببطلان بعض المعاني منها ونستدل علي فساده، ولا إن أولئك الآخرين يستطيعون ذلك. فقد قال ابن سينا قولته المشهورة: (ما قرع سمعك فذره في ساحة الإمكان حتي يذودك عنه ساطع البرهان).

ص: 9

وقد علّمنا ديننا إن ما سمعناه مما لا دليل علي صحته لا حاجة إلي المبادرة إلي إنكاره، بل نوكل علمه إلي الله وإلي الراسخين في العلم، إذ لعلنا إذا أنكرناه واعتقدنا بفساده فقد نعتقد بفساد ما هو حق واقعاً، ومجرد الاحتمال كاف بهذا الصدد، وهذا الاحتمال قائم في ذهننا بالضرورة وفي أذهان أولئك الآخرين أيضا.

و إنما بادروا إلي إنكاره، من زاوية (مادية) لا من زاوية دينية، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، لأننا ينبغي أن نعترف إن الرجعة بأي معانيها لا يمكن إثباتها علي المستوي (المادي) أو للماديين، إلا بعد بطلان التطرف المادي في عقولهم، وهذا البرهان قائم لدينا بعونه سبحانه، فنحن في فسحة من هذه الناحية.

إلا إن بعض المذاهب الإسلامية. بالرغم من انطلاقها من منطلق ديني - علي ما هو المفروض - إلا إنها لم تنكر الرجعة من هذا المنطلق، إذ لا يوجد دليل علي بطلانها و إنما كل ما في الأمر أنه قد يقال: أنه لا يوجد دليل علي صحتها، وهذا ما سوف نبحثه عما قريب بعونه تعالي.

إذن فالاحتمال علي صحتها قائم دينياً. إذن فالمبادرة إلي إنكارها غير جائزة، ويجب إيكال علمها إلي الله عز وجل.

ص: 10

وينبغي الالتفات أيضاً إلي إن مفهوم الرجعة بأكثر معانيه، أو قل: انه هو كمفهوم مجرد، ليس من ضرورات الدين وواضحاته كوجوب الصلاة مثلاً. بحيث يجب الأيمان بها علي كل حال، ويكون إنكارها إنكاراً للدين. كلاً، بل يكفي للجاهل به أن يوكل علمه إلي الله عز وجل. ويعترف بجهله في هذا المجال. شأنه في ذلك شأن بعض المفاهيم الأخري كوجود الجنة والنار قبل يوم الحساب، أو نزول جبرائيل إلي الأرض بعد النبي (ص) وهكذا. فكلها مما يجب إيكال علمها إليه سبحانه ولا يجوز المبادرة لإنكارها وإن لم يكن إنكارها خروجاً عن الدين.

وإذا أردنا استعراض معاني الرجعة وجدنا لها:

أولاًً: انقساماً رئيسياً قلما يتعرض له المفكرون المسلمون وهو الرجعة المعنوية والرجعة الظاهرية أو المادية؟. أو قل الرجعة الأخروية والرجعة الدنيوية كما سنوضح.

ص: 11

الرجعة المعنوية

فإننا نعلم - وقد تم البرهان عليه في الفلسفة والحكمة العليا - بأن الأشياء كلها في تكامل وتنام مستمر، وإنها متوجهة باستمرار نحو الكمال المطلق. إلا أنها لا تصل إليه بذاته لأنه لامتناه وغير محدود، و إنما هي في سفر دائم نحوه بمقتضي الشوق المركوز في ذواتها للكمال، لا تختلف في ذلك الموجودات جميعاً كل من زاوية رتبته ومقدار قابليته وعمله.

لا يستثني من ذلك شيء، إلا ما حصل دونه الموانع. فقد تحصل الموانع في التسبيب إلي إبطاء هذا السير الحثيث.

وقد تحصل الموانع في قطع الوصول بالمرة. وعندئذ قد يقف الفرد عن التكامل لسوء توفيقه وقبح عمله. أو قد يتكامل في الشر والسوء وزيادة الظلم والعتو والاستكبار.

وقد وجد بين السحرة وإضرابهم من يميل إلي العمل

ص: 12

الجاد من أجل الوصول إلي عالم الظلام والشياطين، حيث يُعدّونه كمالاً لهم، لا عالم النور السامي الذي ينحو نحوه المعتدلون بفطرتهم من الخلق.

فإن ذلك اعوجاج في الفطرة، بعد حصول المانع عن إدراك حقيقتها، لسوء عمل الفرد وظلام نفسه. إلا إننا لو حسبنا مجموع الكون بصفته متجهاً نحو الكمال لم نجد موارد المانع أمراً كثيراً، بل لعله لا يشكل إلا نسبة ضئيلةً جداً في الكون.

وهو - لو التفتنا - نافع بالتأكيد، وفي وجه الحكمة الحقيقية لتكامل الآخرين. لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها، فلا يمكن أن نعرف نعمة الأيمان إلا إذا عرفنا نقمة الكفر، ولا يمكن أن نعرف نعمة اليقين إلا إذا عرفنا نقمة الشك... وهكذا.

وهذا هو التفسير الرئيسي لذلك القول الذي يفسر وجود الكفر والانحراف بالكون بأنه: فداءً للمؤمنين. يعني: اقتضت الحكمة الأزلية وجوده من اجل نفع المؤمنين، علي أن لا ينقص ذلك من عذاب من يستحقه شيئاً؛ لأن سوء عواقبهم إنما هو نتيجة لعملهم وسوء تصرفهم واختيارهم الباطل علي الحق.

ص: 13

ومن هنا يتضح مفهوم الرجعة المعنوية في التكامل والتي بها القران الكريم فقد ورد ستة مرات قوله تعالي «وَإلي اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(1)البقرة، الآية: (281).(2)المائدة، الآية: (48).(3)» وورد عشرات المرات بمضمون «واليه ترجعون(4) إلي ربكم ترجعون(5)» وقال:«واتقوا يوماً ترجعون فيه إلي الله(4)». وقال:«إلي الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون(5)» وقال:«ان إلي ربكم الرجعي(6)المطففين، الآية: (15).(7) وان إليه المنتهي(8)». وغير ذلك الا ان الشواذ مشمولون لقوله تعالي:«انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون(8)». وقوله:«ثم ان مرجعكم لا إلي الجحيم(9)»،).

ص: 14


1- البقرة، الآية: (210). آل عمران، الآية: (106). الأنفال، الآية: (44). الحج، الآية: (76). فاطر، الآية:
2- . الحديد، الآية:
3- .
4- البقرة: الآية: (245). يونس، الآية: (56). هود، الآية: (34). القصص، الآية: (70) و (88). يس، الآية: (22) و (83). فصلت، الآية: (21). الزخرف، الآية: (85).
5- السجدة: الآية: (11).
6- العلق، الآية:
7- .
8- النجم، الآية: (42).
9- الصافات، الآية: (68).

«وقد كذب الذين ظنوا انهم الينا لايرجعون(1)» وهذه الرجعة مما لا مناص لكل المذاهب الإسلامية من الاعتراف بها لأنها مطابقة للقرآن الكريم المعترف به إسلامياً بالضرورة.

وهناك معني أخر للرجعة ينص عله القرآن الكريم وهو رجوع الأموات للدنيا ليستأنفوا أعمالهم ان كانوا في حياتهم قد افسدوها.

«رب ارجعون * لعلي اعمل صالحاً فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون(2)» وحسب فهمي للآية أن الأفراد يختلفون في ذلك فقد يكون استحقاق الفرد أن يقال له (كلا) لان الله تعالي يعلم انه لو رجع لأفسد في حياته كما كان «ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون(3)» فمن مصلحته أن تقل ذنوبه بكل تأكيد فعدم رجوعه أولي له.

وقد يكون الفرد في علم الله يحتوي في نفسه علي أمل الصلاح والإصلاح. إذن فمن الحكمة استجابة دعائه وإرجاعه).

ص: 15


1- القصص، الآية: (39).
2- المؤمنون، الآية: (99-100).
3- الأنعام، الآية: (28).

إلي الدنيا. وتلك الآية التي تقول (كلا) انما هي خاصة بمن لا يستحق. لان نفسه في حياته الأولي قد أظلمت وفسدت بحيث لا يمكن أن تنتج أو أن تختار إلا العمل الفاسد. ولعلنا ينبغي أن نعترف إن هؤلاء هم الأعم الأغلب ممن يتمني الرجوع إلي الدنيا.

هذا وينبغي أن نلتفت إلي انه ليس كل الموتي يودون الرجوع إلي الدنيا فإن من رأي ثواب الله وحسن عطائه هناك لا يكون لهم هَمٌ إلا الوصول إليه والخروج من هذا السجن الضيق المسمي بالدنيا فأنها كما ورد (سجن المؤمن وجنة الكافر) وقد ورد بهذا المضمون المشار إليه عدة نصوص منها، ما مضمونه: إن المؤمن لا يموت وهو كاره لأنه حين يكون في وقت الاحتضار يكشف الله سبحانه وتعالي له مقامه في الجنة فلا يكون أحب لديه شيء من الوصول إلي ذلك المقام. كما إن الفرد إذا كان مبتلي في الآخرة بالعذاب الشديد فقد يلهيه ما يعانيه من الألم عن تذكر الرجوع إلي الدنيا ليتمناه ويطلبه.

وعلي أي حال فهذا معني آخر من الرجعة نطق به القرآن الكريم ولا ينبغي الاختلاف فيه.

و أما أسلوب رجوع هذا الميت إلي الدنيا إذا كان فيه أمل

ص: 16

الصلاح والإصلاح - كما قلنا - فهو مما يختاره الله تعالي له.

و الأسلوب التقليدي المفهوم من ذلك هو إرجاعه إلي الدنيا في حالة الاحتضار وإلغاء قرار موته فيتحسن حاله ويرجع. وهذا معناه إن أجله الحقيقي لم يحن بعد.

وهناك أسلوبان آخران قد يشار إليهما في بعض الأدلة:

أحدهما: الرجوع من بعد الموت إلي الدنيا. بمعني أن يقوم من قبره. وهذا يتضمن معني الرجعة التي سوف نبحث عنها فيما يأتي. فإن اعترفنا بها فمعناه إن بعض الناس يحدث لهم ذلك.

ثانيهما: الرجوع إلي الدنيا بما يسمي بالولادة الثانية. بان تدخل روحه إلي جنين جديد التكوين فيولد إلي الدنيا من جديد.

وهذا هو الذي يفسر الأقوال الكثيرة التي صدرت من العديد من الناس الذين يقولون: أننا كنا في الدنيا قبل هذا، وبعضهم - كما قيل - يعرف أسماء الموجودين، ويعرف الطرق، مما يدل دلالة قطعية علي صحة كلامه.

إلا إن هذا الفرع من المعرفة فيه إشكال ما يسمي

ص: 17

بالتناسخ. فهل هو صحيح أم لا؟ أم انه صحيح أحياناً وباطل علي بعض التقادير؟

فهذا مما لا نريد الخوض به لأنه يطول بنا الكلام الذي نريد له الاختصار. إلا أن المشهور بين العلماء هو بطلان التناسخ علي كل أشكاله.

وقد ظهر من كل ما سبق ما يكفي لإلقاء الضوء بهذا الصدد لمن يفكر. وهذا ما نريد قوله حول القسم الأول من الرجعة وهو الرجعة المعنوية.

ص: 18

وأما الرجعة الظاهرية أو الدنيوية

فهي أولا تنقسم إلي قسمين رئيسين:

أحدهما: ما لا يحتوي علي فكرة الحياة بعد الموت علي الإطلاق.

ثانيهما: ما يحتوي علي تلك الفكرة.

وإما ثانياً فانقسام القسم الثاني كما يأتي بعد ذلك:

أما القسم الأول: وهو ما لا يحتوي علي وجود الحياة الدنيا بعد الموت أو قل لا يتضمن قيام الإنسان من قبره علي الإطلاق. كل ما في الأمر إن فرداً في مجتمعه قد يغيب عن المجتمع مدة تقل أو تطول ثم يعود إليه. وهذا ما حدث مع عدد من الأنبياء أوضحهما تطبيقان:

التطبيق الأول: وهو الأسبق تاريخياً: غياب موسي عليه السلام عن مجتمعه اربعين يوماً لمناجاة ربه. وعاد إليهم بعد ذلك غضبان أسفا كما هو مشروح في القران الكريم وتفاسيره.

ص: 19

التطبيق الثاني: غياب نبينا (عليه الصلاة والسلام وآله الكرام) في غار حراء لمناجاة ربه وعبادته عدة مرات ورجوعه منه.

فمن هذا المنطلق الذي تعترف به المذاهب الإسلامية الأخري يمكن أن ينطلق إلي (تقريب) الرجعة بمعني محدد وهي أن تكون معناها ظهور المهدي عليه السلام بعد غيابه. ونحن كشيعة يمكن أن نقول: إن هذا هو معني الرجعة، ولا يوجد دليل معتبر علي غيره، بل نوكل علمه إلي الله سبحانه.

ولا يبقي الخلاف بيننا وبينهم إلا الاختلاف في طول عمره عليه السلام وهو خلاف آخر غير الرجعة.

ومن المعلوم إن الكلام في أي فرع من المعرفة يحتوي علي التسليم علي ما هو المختار في الفرع الآخر لا أن نفتح الخلاف في كلا الفرعين دفعة واحدة. فإن اعترفنا في هذا الإشكال بطول عمره بقدرة الله سبحانه لم يبق في القول بالرجعة من هذه الناحية أي إشكال. بل إنهم ملزمون بالقول بما يشابهه بالرغم من إنهم يقولون بأن المهدي (يولد في حينه) ومضمونه: غياب القيادة الإسلامية المخلصة الحقيقية فترة من الزمن بعد الخلافة الأولي - أو بعد كل الخلفاء بما فيهم العثمانيين - إلي ظهور المهدي الذي يعترفون به. علي

ص: 20

إن جماعة منهم يقولون بغيبة المهدي ولديهم روايات تدل علي وجود غيبتين له، وقد احتار بعضهم في فهمها طبقاً لتصورهم، وهذا موضح في مقدمة (تاريخ الغيبة الكبري) مضافاً إلي اعتراف قسم منهم بان المهدي هو ابن الحسن العسكري عليه السلام، كما هو مذكور في عدة مصادر منها كتاب (المهدي) للسيد صدر الدين الصدر، وممن يعترف بذلك الفيلسوف الصوفي ابن عربي والعارف الرومي و آخرون. فهذا كله اعتراف بغيبة المهدي بشكل أو بأخر.

إذن فليس قبيحاً علي هذه (العصابة) الناجية أن تقول بالرجعة إذا فسرت بإحدي هذه التفاسير. وإذا قلنا إنها من ضروريات المذهب أو مما دلت علية الروايات المتواترة، كما ذهب إليه المجلسي في البحار وكثير غيره من علمائنا. فإننا - علي أي حال - يمكن أن نفسرها بمثل هذه التفاسير، ونوكل العلم الباقي إلي الله عز وجل. وإن كنا من ناحية وجدانية نري إن عدم التوسع في فهم الرجعة، أو الميل إلي نفي أو استبعاد المعاني الآتية إنما هو ناشئ من ذوق (مادي) كما أشرنا قبل فترة. وأما إذا نظرنا من زاوية إلهية، لم يكن ذلك علي قدرة الله ببعيد، وهو القادر علي كل شيء.

ومن هنا ندخل في القسم الثاني من الرجعة الظاهرية وهو

ص: 21

ما يتضمن:

القيام بعد الموت:

واهم ما يدل علي ذلك أجمالا يعني بغض النظر عن التفاصيل الآتية، دليلان وهما رئيسيان في الشريعة:

الأول: القرآن الكريم:

قال الله تعالي جل شأنه:«ويوم نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّي إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّ ماذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (1)» ويتم فهم الآية ضمن عدة قرائن لفظية فيها:

أولا: مفهوم الحشر في قوله تعالي (ويوم نحشر) والحشر ظاهر في الرجوع بعد الموت، وظاهر القرآن الكريم حجة.

ثانياً: (حتي إذا جاءوا) الأمر الذي يدل علي صدق الوعد من هذه الناحية وحصول المجيء بعد الرجوع.

ص: 22


1- النمل، الآية: (83، 84، 85).

ثالثاً: «ووقع القول عليهم...» الخ، الأمر الذي يدل علي حصول النتيجة فعلاً من هذا الرجوع وهو إلزامهم بأعمالهم ومؤاخذتهم بها وانقطاع حجتهم «فهم لا ينطقون». وظاهر القرآن في كل ذلك حجة.

رابعاً: «من كل امة فوجاً» الأمر الذي يدل بوضوح علي إن هذا الحشر غير الحشر يوم القيامة، فانه عندئذ يكون للجميع لا للبعض كما قال تعالي: وحشرناهم فلم نغادر منهم احداً(1)» وقد وردت في ذلك رواية، إلا أن العمدة هنا مطابقتها فعلاً مع ظاهر القرآن الكريم فيكون حجة بهذا الاعتبار ويكون وجود الرواية مؤيداً لذلك.

نعم يبقي سؤال واحد: وهو إن هذه الآيات الكريمات دلت علي حشر المكذبين والكفار في الرجعة ولم تدل علي حشر المؤمنين في حين إن الذي ينفعنا في مذهبنا هو العكس.

وهذا له عدة أجوبة نذكر منها ما يلي:

أولا: إن الآية الكريمة تدل علي حشر المؤمنين فعلاً، لأنهم مشمولون لقوله تعالي «من كل امة فوجاً» والمؤمنون امة علي أي حال وأما تحميلهم المسؤولية بعد ذلك فالآية).

ص: 23


1- الكهف، الآية: (47).

غير واضحة بشموله لكل من يحشر.

ثانياً: إننا لو تنزلنا عن الجواب الأول وقلنا إنها خاصة بحشر الكفرة، فهو ينفعنا أيضا في مذهبنا.

أولا: لان من يقول بالرجعة يقول برجوع الكفار والمؤمنين معاً وبعض الروايات ناطقة به.

ثانياً: انه لو أمكن رجوع الكفار، وهو ثابت بقدرة الله سبحانه وبنص القرآن الكريم، أمكن رجوع المؤمنين. فإذا دل عليه الدليل أو قال به قائل فليس قوله بمستنكر ولا باطل كما يصوره لنا الآخرون. هذا وان هناك دليلاً أخر من القرآن الكريم علي الرجعة وهو الآية الدالة علي خروج (الدابة) وسوف نتعرض لها بعد ذلك بصفتها رجعة خاصة - أي للبعض - لا عامة كما تدل علية الآية التي ذكرناها أولاً وهو العموم.

الدليل الآخر الرئيسي علي الرجعة، السنة الشريفة:

وهي كثيرة ومستفيضة بل قال عدد من علمائنا بما فيهم المجلسي في البحار أنها متواترة. وان علي ذلك ضرورة المذهب. ونحن علي أي حال في فسحة من أمرنا، بعد أن استدللنا بالقرآن الكريم نفسه. فحتي لو لم يثبت من السنة

ص: 24

شيء فحسبنا كتاب الله سبحانه. وهذا الاستدلال يحتوي علي نقطتي ضعف.

النقطة الأولي: إن الروايات الواردة بهذا المضمون كلها أو الأعم الأغلب منها شيعية بحيث لو وجد في مصادر العامة منها شيء منها فهو اقل من أن يكون له صفة الحجية في هذا الأمر المهم.

ومن المعلوم إن الروايات في مذهبنا لا تكون حجة عليهم. كما إن تسالم علمائنا - كما قيل - وضرورة المذهب - كما قيل - لا يكون حجة عليهم. لكن الأمر تجاههم لا يخلو من عدة مستويات.

المستوي الأول: دلالة القرآن الكريم عليها كما سبق وسيأتي كما أشرنا.

المستوي الثاني: التواتر، وهو كثرة الروايات بحيث توجب حصول العلم لدي العقل غير المعاند، وهذا لا يختلف فيه مذهب عن مذهب.

المستوي الثالث: إنها إن فرضنا عدم الدليل عليها، فلا دليل علي نفيها كما قلنا. وقد أشرنا في أوائل هذا البحث إن ما يكون كذلك لا يجوز الجزم بنفيه فضلاً عن نبزه بالصفات

ص: 25

الباطلة، بل يجب إيكال علمه إلي الله والراسخين في العلم.

النقطة الثانية: - من نقاط الضعف - اختلاف الروايات الدالة علي الرجعة بالمضمون اختلافاً كثيراً. بحيث أرجعناها في (تاريخ ما بعد الظهور) إلي عشرة مضامين أو أكثر منها: رجوع من محض الأيمان محضاً... ورجوع من محض الكفر محضاً ورجوع امير المؤمنين عليه السلام ورجوع الحسين عليه السلام ورجوع بعض الأموات لنصرة الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره ورجوع بعض الأنبياء السابقين علي الإسلام. وغير ذلك.

وهذا الاختلاف قد يستدل به - كما قلنا في الكتاب المشار إليه - علي ضعف هذه الروايات وعدم إمكان الأخذ بها لأن أي واحد منها هو خبر واحد؛ فلا يكون معتبرا في مثل هذا الأمر العقائدي المهم، و أما مجموعها فلا يدل علي رجعة معينة، بل يدل علي الرجعة علي الإجمال من دون الإشارة إلي أمر بعينه.

إلا أنه يمكن تلافي هذا الضعف كما يلي:

أولا: إن ثبوت الرجعة علي الأجمال يكفينا في تصحيح ما عليه علماؤنا ولا حاجة إلي التفاصيل.

ص: 26

ثانيا: إن الرواية الدالة علي هذا المضمون وهو (رجوع من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً) رواية معتبرة سنداً عندنا إلي درجة محترمة جداً. فتكون كافية وحجة في إثبات مضمونها. وإذا ثبت مضمونها ثبت مضمون الرجعة إجمالا. إذ نقول: إن الرجعة بهذا المعني صحيحة وثابتة. إلا إنها رواية تثبت علي مستوي مذهبنا لا علي مستوي المذاهب الأخري.

ثالثاً: دعم هذه الرواية بما دل عليه القرآن الكريم من الرجعة كما اشرنا، إذن فهي موافقة القرآن وغير مخالفة إذن فلا موجب لنفيها، بل هناك الموجب لإثباتها وحجيتها.

رابعاً: إن ما قد يتخيله البعض مع شديد الأسف، إنها روايات متعارضة ومتنافية، ليس هذا بصحيح علي الإطلاق، وقد قلنا ذلك في (تاريخ ما بعد الظهور).

إذ أن معني التعارض والتنافي يعني أن ينص المضمون مضموناً آخر. كما لو دل الدليل علي سفر (زيد) من يوم الأحد إلي يوم الجمعة، ودل دليل آخر علي وجوده في بلده يوم الاثنين، ونحن نعلم انه إما يكون في بلده أو في البلد الأخر ويستحيل أن يكون في البلدين معاً. إذن يكون الدليلان متكاذبين ومتعارضين ولا يكونان معاً حجة.

ص: 27

إلا أن أخبار الرجعة ليست كذلك لإمكان أن يحدث كل أنواع الرجعة التي نصت عليها الروايات أو أن يحدث بعضها بدون أي تنافٍ. فمثلاً: إن الدليل علي رجوع أمير المؤمنين عليه السلام لا ينفي الدليل علي رجوع الحسين عليه السلام بل لعلهما يرجعان معاً، ونحن نعلم إن ذلك ممكن بحسب التصور العقلي وفي قدرة الله سبحانه، مضافاً إلي موافقتها إجمالاً - القرآن الكريم كما اشرنا.

خامساً: الحاجة إلي استمرار الهدي الذي يوجده الإمام المهدي عليه السلام في المجتمع بجهوده بعد ظهوره.

إذن، فهناك فكرة تنطبق علي كل من النبي والمهدي عليه السلام، وهي اقتضاء الحكمة بان يكون لكل منهما خليفة يقوم بالأمر بعد موته. ليس هذا أمراً خافياً علي النبي (ص) ولا علي المهدي عليه السلام لان عملهما ليس مؤقتاً بحياتهما الشخصية بل عام لكل الأجيال، فمن يبقي للأجيال الآتية بعدهما.

وهذا مما يدل علي ضرورة الخلافة (المنصوصة) إلهياً بعد النبي (ص) والمهدي عليه السلام معاً وإننا لو تنزلنا وقلنا بان هذين القائدين الإسلاميين العظيمين لن يلتفتا - وحاشاهما - إلي هذه النقطة، فان الله تعالي العليم بكل شئ لابد ان يلتفت

ص: 28

إلي هذه النقطة فأنها ثابتة بالضرورة. وبالوضوح العقلي وبالتجربة ايضاً بعد الذي رأيناه ما آل إليه المجتمع بعد أن انسحب (النص الجلي) عن ساحة المجتمع الإسلامي، وليس الآن كلامنا حول الخلافة بعد النبي (ص) بل بعد المهدي عليه السلام وفيهما احتمالان أو أطروحتان.

الأطروحة الأولي: انه يتولي بعده أولاده الذين يكونون بدورهم أولياء صالحين، قد رباهم المهدي عليه السلام بنفسه ونص علي خلافتهم أمام المجتمع، كما قربنا ذلك في (تاريخ ما بعد الظهور).

الأطروحة الثانية: أن يتولي الأمر بعد آباؤه الأئمة المعصومون عليهم السلام ورجوعهم إلي الحياة بعد الموت ليحكموا العالم بعد المهدي عليه السلام. إما جميعهم أو بعضهم وإما بشكل مشوش من حيث ترتيبهم السابق، كما تقتضي الحكمة يومئذ. وإما بشكل مقلوب. يعني يبدأ من الأخير وهو الإمام الحسن العسكري عليه السلام وبعده أبوه الإمام الهادي عليه السلام وهكذا.

وليس لنا أن نجزم بصحة الأطروحة الأولي دينياً. وإنما ينشا ذلك من زاوية مادية لاستبعاد أن يعود الإنسان للحياة بعد موته.

ص: 29

والآن فان مقتضي القاعدة - في مذهبنا علي الأقل - هو صحة الأطروحة الثانية بالخصوص لعدة وجوه نذكر منها ما يلي:

الوجه الأول: موافقتها للقران الكريم. علي ما سوف يأتي من تفسير (دابة الأرض) بأمير المؤمنين (عليه السلام) إذن ينتج أن عودة الأئمة عليهم السلام ورجعتهم ثابتة إجمالاً لان أمير المؤمنين منهم عليهم السلام. إذ يكون لنا أن نقول: إنهم يرجعون ولو برجوعه عليه السلام.

الوجه الثاني: إنها روايات مستفيضة عندنا فان اغلب روايات الرجعة تدل علي رجعتهم عليهم السلام. وأما ذلك القسم الذي يتعرض لرجعة غيرهم فهو الأقل كما هو واضح لمن راجعها وليس بالإمكان الآن استعراضها.

الوجه الثالث: أن المستدل عليه فيه (تاريخ ما بعد الظهور) أن المجتمع يتعمق ويتأكد من حيث الهداية والإيمان تدريجاً. لا انه يبدأ بعد وفاة الإمام الهادي بالتنازل. بل هو يستمر بالتصاعد والأهمية. وهذا موافق ايضاً لما قلناه في القسم الأول من الرجعة المعنوية، كما هو واضح لمن يفكر.

وإذا كان الأمر كذلك احتاج المجتمع إلي قيادة يزداد

ص: 30

عمقها وأهميتها لا إلي قيادة متنازلة بل ولا إلي قيادة متساوية كما هو واضح.

ومن الواضح أنننا لو قلنا بالأطروحة الأولي للحكم بعد المهدي عليه السلام لكانت القيادة متساوية علي اقل تقدير بل متنازلة. لان هولاء الحكام من هو الذي يتولي تربيتهم المعمقة بعد المهدي عليه السلام من رجال الله سبحانه وتعالي؟ فكل ما في الأمر أن المهدي عليه السلام يربي الذي بعده ومن بعده يربي بعده. وهكذا.

ومن الواضح أن التربية كلما تباعدت عن المصدر الرئيسي ضعفت وأسفت. ولا يمكن أن تقوي وتتأكد كما قلنا من أنها ستكون قيادة متساوية علي اقل تقدير بل متنازلة. هو أمر غير محتمل في الحكمة الإلهية بعد ما تم البرهان علي تصاعد المجتمع وضرورة تربيته العليا من قبل قائد جدير.

ومن الواضح انه مع التساوي فضلاً عن التسافل سيكون ضرر الحاكم أكثر من نفعه كيف وهو (الولي) الشرعي العام للمجتمع واليه يرجع التدبير الرئيسي فيه وقوله الفصل في كل شئ.

إذن فلا بد أن نرجع إلي القيادة المعصومة المؤيدة بتأييد الله المباشر. وذلك لا يكون إلا بالرجعة لعدم توفر معصومين

ص: 31

سواهم. كما أن وجود معصومين بالذات غيرهم لاستلام الحكم يومئذ خلاف الضرورة ولم يقل به احد.

إذن فبأئمتنا المعصومين عليهم السلام ينتهي المجتمع الإسلامي إلي أوج تربيته وإيمانه كما بدا بهم في صدر الإسلام. فهم الأول والآخر من هذه الناحية ويؤيد الشعر المنسوب إلي احدهم سلام الله عليهم الذي يقول فيه (ودولتنا في آخر الدهر تظهر).

سادساً: من إثبات روايات الرجعة: الحاجة إلي إيصال المجتمع الإسلامي إلي أفراده يعني المحاسبة في الدنيا قبل يوم القيامة. وهذا ما دل عليه القران الكريم بعدة أساليب:

الأسلوب الأول: قوله تعالي:«ان الله سريع الحساب(1)» وقد ورد ذلك مكرراً في القران الكريم.

ومن الواضح أن سرعة الحساب لا تناسب تأجيله إلي يوم القيامة.

الأسلوب الثاني: الإشارة في القران الكريم إلي نتائج بعض الحساب قد يحصل لعدد من الأفراد المتسافلين. كقوله).

ص: 32


1- آل عمران، الآية: (199).

تعالي: فزادتهم رجساً إلي رجسهم(1)». وقوله تعالي:«فاعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلي يوم يلقونه(2)» وغيره كثير.

الأسلوب الثالث: الإشارة إلي نتائج الخير والطاعة للمجتمع علي العموم وخاصة في النبؤات السابقة. كقوله تعالي:«يرسل السماء عليكم مدراراً(3)» وقوله تعالي:«لا كلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم(4)» وغير ذلك كثير.

الأسلوب الرابع: العقوبات التي كانت تحصل لبعض المجتمعات التي يكون مقتضي العدل استئصالها عن وجه الأرض. وهو كثير في القران الكريم كالطوفان والرجفة والصيحة وغيرها. كما لا يخفي علي المتتبع.

الأسلوب الخامس: انجاز هذه المحاسبة في مستقبل الدهر، بالنسبة إلي أيامنا المعاصرة. وذلك بظهور دابة الأرض، المفسرة بالروايات عن المعصومين عليهم السلام برجوع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي الدنيا للقيام بهذه المهمة.).

ص: 33


1- التوبة، الآية: (125).
2- التوبة، الآية: (77).
3- هود، الآية: (52).
4- المائدة، الآية: (66).

وذلك قوله تعالي:«وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا باياتنا لا يوقنون(1)».

والروايات الدالة علي التفسير المشار إليه عديدة (راجع تفسير الميزان وغيره) ولا مجال لسردها الآن.

ويمكن تقريب الدليل القرآني علي ضمن عدة نقاط:

النقطة الأولي: قوله تعالي:«وإذا وقع القول عليهم». وهذا تعبير قراني يدلنا علي سوء تحمل المسؤولية من قبل بعض الناس او المجتمعات واستحقاقهم للعقاب. كقوله تعالي:«ووقع القول عليهم بما ظلموا(2)» ومثله قوله تعالي:«فحق عليهم القول فدمرناهم تدميرا(3)» الواردة عدة مرات في القران الكريم.

والذي يبدو ضمناً من القران الكريم وصريحاً من بعض الروايات، ان الحساب الذي تقوم به دابة الأرض لا يقتصر علي العقوبة بل يشتمل علي المثوبة ايضاً. كالذي ورد بمضمون أنها تسم كل شخص بميسم علي شكلين:

احدهما يقول: هذا مؤمن حقاً.).

ص: 34


1- النمل، الآية: (82).
2- النمل، الآية: (85).
3- الاسراء، الآية: (16).

والأخر يقول: هذا كافر حقاً.

وهذا ينتج انكشاف المستوي الباطني للأفراد إلي مستوي الظاهر. اذ يؤمئذ لا يستطيع الكافر أن يستر كفره ولا يستطيع المؤمن أن يكتم إيمانه.

النقطة الثانية: قوله تعالي في الاية الكريمة نفسها:«ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون». حيث أن الظاهر منها أن الوعد بظهور دابة الأرض حقيقي. ولكن الناس انما لا يؤمنون به لأجل ضعف اليقين أو انعدامه لديهم لان الإيمان به يحتاج إلي درجة عليا من درجات اليقين.

وما هذا التشويش في اذهان ضعاف الأيمان عن دابة الأرض إلا نتيجة لهذا الضعف الذي اشرنا أليه.

النقطة الثالثة: ان دابة الأرض ليست دابة بالمفهوم اللغوي بل هي إنسان. بل هي خصوص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

لوضوح أن وجود الدابة العجماء باي شكل من أشكالها لا ينتج أي نتيجة مهمة في المجتمع، فضلاً عن النتيجة المشار أليها. إذن فيتعين أن تكون ذاتاً عاقلة نادرة، بل أكثر قدرة من الفرد الاعتيادي بكثير. وذلك لايكون الا أحد الأولياء العالين رتبة، بل لا يكون إلا احد المعصومين عليهم السلام

ص: 35

فإذا دل الدليل علي تخصصها به (سلام الله عليه). كان اللازم قبول ذلك، فليس لأنها دابة بالمعني المفهوم في اللغة. بل لأنها ترجع إلي الدنيا بشكل غريب خارق للقوانين الاعتيادية وتقوم بعمل جليل خارق للعادة الاجتماعية.

وأما الاستشهاد بظهور لفظ (الدابة) بكونها كذلك تماماً. فهو استشهاد باطل لما قلناه من ان الدابة بالمعني المفهوم لاتعني شيئاً ولا تنفع ولا تضر. إذن فيتعين أن تكون إنساناً، لكي تحصل الموافقة والملائمة من هذه الناحية مع المجتمع.

وتسمية الإنسان بالدابة ليس بالغريب فان الإنسان (حيوان ناطق) كما ذكر المناطقة والفلاسفة. وهو يدب علي رجليه. فهو من هذه الناحية من قسم (الدواب) والحيوانات من بين المخلوقات.

مع احتمال: ان يكون تسميتها بالدابة لاتصافها بالدبيب من نوع آخر. ككثرة متابعتها للأفراد لأجل محاسبتهم، أو دبيبها في النفوس لأجل الخوف لديهم من نتائج محاسبتهم او غير ذلك مما لا حاجة إلي الدخول في تفاصيله.

وهذا هو الأنسب مع تفسيرها بأمير المؤمنين عليه السلام لان حبه يدب في قلوب المحبين، وبغضه يدب في نفوس

ص: 36

المبغضين (سلام الله عليه).

النقطة الرابعة: ان هناك في الآية الكريمة دلائل أخري علي ما قلناه منها قوله تعالي: (تكلمهم) فان الكلام لا يكون عادة لدي الدواب. وهذا يجعل للآية ظهوراً في خلاف ذلك اعني كونه إنساناً.

ومنها قوله تعالي:«أخرجنا لهم دابة من الأرض» الظاهر بانشقاق الأرض عن الدابة وهذا عبارة أخري عن خروج الإنسان من قبره. وبهذا يتعين بامير المؤمنين عليه السلام لعدم احتمال كونها غيره علي تقدير كونها انساناً كما استظهرناه.

وينبغي لنا أن نأخذ ملخصاً بمجموع الأفكار السابقة:

اولاً: ان القول بالرجعة قد يعني القول بالرجعة المعنوية المتسالم علي صحتها.

ثانياً: ان القول بالرجعة قد يعني القول بظهور الامام المهدي عليه السلام الذي قلناه في القسم الأول من القسم الثاني من الرجعة. وهو شامل حتي للعامة كما سبق فضلاً عن الخاصة.

ثالثاً: ان القول بالرجعة مهما كان مفهومه قد عرفنا انه مما دل عليه القران الكريم، في أكثر من اية ولا سبيل إلي

ص: 37

استنكار ما هو ظاهر القران الكريم.

رابعاً: ان القول بالرجعة لو حصرنا معناه بالرجوع بعد الموت أمكن الأخذ به لبعض المبررات السابقة كتواتر الروايات إجمالاً والحاجة إلي الخلافة بعد المهدي عليه السلام.

خامساً: ان استبعاد القول بالرجعة ليس له منشأ الا الذوق المادي الذي قد يكون ثابتاً للفرد شعورياً او لاشعورياً يعني من حيث يعلم او لا يعلم.

ومن الصحيح ما يقال من انه يكفي في دحض القول بأي شئ عدم وجود الدليل عليه. فلو غضضنا النظر عما سبق بقي القول بالرجعة بلا دليل إلا إننا قلنا أن هذا وحده لا يكفي في جواز الجزم بعدمه لان الجزم بالعدم يحتاج إلي دليل ايضاً ولا يكفي فيه الاستبعاد وإلي هذا الحد تكون مسالة الرجعة أو أي مسالة مثلها قيد الاحتمال. وفي مثله يكون الموقف الأنسب أمام الله تبارك وتعالي هو إيكال علمها إليه. فبأي وجه يجوز الجزم بعدمها أو التشنيع علي القائلين بها؟!

علي إننا عرفنا من هذا البحث ثبوت هذه الفكرة في الجملة وإمكان حملها علي محامل صحيحة.

والحمد لله رب العالمين

ص: 38

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.