الحوار العاشورائي مائة سؤال وجواب في مختلف القضايا المرتبطة بالنهضة الحسينية المباركة

اشارة

الحوار العاشورائي مائة سؤال وجواب في مختلف القضايا المرتبطة بالنهضة الحسينية المباركة

في حوار شامل مع أستاذ الحوزات العلمية سماحة العلامة الشيخ محمود آل الشيخ العالي

ويليه ملحق المقالات الشعائرية

بقلم سماحة العلامة العالي

إعداد وحوار: محمود صادق النجار

الطبعة الأولي: 1438 ه 2017 م

ص: 1

اشارة

هوية الكتاب:

الكتاب: الحوار العاشورائي.

مائة سؤال وجواب من إفادات سماحة العلامة الشيخ محمود العالي

ويليه ملحق المقالات الشعائرية

إعداد وحوار: محمود صادق النجار

الطبعة الأولي: 1438 ه 2017 م

ص: 2

*الحوار العاشورائي...

لقاء أجري مع الأستاذ في الحوزات العلمية سماحة العلامة الشيخ محمود العالي، أجاب فيه عن أسئلة متنوعة تدور حول النهضة الحسينية المباركة في أبعادها الفقهية والعقائدية والتاريخية والشبهات والشعائر والمنبر والسلوك العام، وقد نشر هذا الحوار عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أجزاء خلال شهر المحرم الحرام العام 1438 ه، ورغبة في حفظ و نشر هذه الإفادات ارتأينا جمعها في كتاب ليعم النفع علي الجميع، سائلين المولي أن يتقبل هذا العمل بخالص قبوله.

ص: 3

ص: 4

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد،،،

فلا يخفي علي أحد ما تحتله النهضة الحسينية المباركة من موقعية خاصة ومميزة في وجدان الأمة الإسلامية وذلك لأنها تستمد أصالتها من أصالة الدين وتدعو لما يدعو إليه الدين من ترسيخ القيم الحقة والمبادئ السامية والمثل النبيلة وتأسيس المجتمع الصالح وتعبيد طرق الخير والفلاح والعزة والنجاح، كما أنها تحارب ما يحاربه الدين من جميع أشكال الظلم والاستبداد والطغيان والفساد بل تحارب كل ما من شأنه أن يعطل الحركة الإنسانية العامة عن طريق الهداية التي رسمها الله للإنسان كيما يستوي علي الصراط المستقيم صراط الأنبياء والأولياء والطريق إلي جنة المأوي والفردوس الأعلي.

لذا كان من الطبيعي أن تنشد النفوس البشرية اتجاه هذه النهضة الحسينية المباركة كونها تلامس آلام وحاجات البشر فردا ومجتمعا، وتدعو إلي خيره وعزته وكماله ورفعته.

وليس ذلك بغريب بعد أن كان مفجر هذه النهضة المباركة سليل الأنبياء والأوصياء، أبي الشهداء وخامس أصحاب الكساء، الذي تربي في حجر النبوة المحمدية والولاية العلوية والعصمة الفاطمية، و الذي فدي بنفسه وأهله وصحبه دين رب العالمين و شريعة جده النبي الأمي الأمين صلي الله عليه وآله وسلم حتي نال من الله المقام الأسمي والدرجة العليا وبقي اسمه خالدا يصدح به الأبات علي مر التاريخ.

ص: 5

غير أن من الطبيعي أن تشوب هذه النهضة الحسينية أمور ناتجة عن تنوع الثقافات والعادات المختلفة للشعوب، وتراكمها وتكثرها طوال الحقب المتعاقبة، الأمر الذي قد يؤدي بصورة أو بأخري - ولو علي المدي البعيد- إلي تشويه الصورة الناصعة الواقعة الطف وللنهضة الحسينية المباركة، وهذا ما يستلزم منا أن نعرض هذه الأمور والممارسات المختلفة علي الميزان الشرعي ليؤيد ما هو حق فيها ويبين الفاسد منها.

هذا، مضافا إلي ما يتوارد في الأذهان من أسئلة مختلفة مرتبطة بهذه النهضة المباركة حول مناشئها وأسبابها وحيثياتها وأسرارها وشخصياتها ونتائجها، ناهيك عن بعض الشبهات التي قد تثار هنا وهناك بسبب غياب المعلومة أو ضعف البصيرة.

من هنا ولدت فكرة إجراء حوار مع إحدي الشخصيات المتخصصة في مجال الشريعة المقدسة ليجيب فيه عن كل هذه الأسئلة علي اختلافها وتنوعها، فكان أن عرضت الأمر والفكرة علي أستاذنا ومن إليه في علوم الشريعة استنادنا سماحة العلامة المحقق والخبير المدقق شيخنا الشيخ محمود آل الشيخ العالي متعنا الله بأيامه الشريفة، حيث بارك الفكرة وأثني عليها، وتفضل مشكورا بالإجابة علي الأسئلة رغم مشاغله وكثرة مسؤولياته وازدحام وقته بالدرس والتحقيق، فجزاه الله عن المؤمنين خير جزاء المحسنين.

وحيث إننا نعيش عصر التكنولوجيا الحديثة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي عند الجميع تقريبا ارتأيت أن أنشر الحوار علي حلقات متتابعة في وسائل التواصل الاجتماعي كي تنتشر بأكبر قدر ممكن وتعم الفائدة، وهذا ما كان فعلا في شهر المحرم الحرام من عام 1438 ه حيث نشرت الحوار في ثمانية عشر حلقة، وقد وردتني في الأثناء أسئلة منوعة من المؤمنين ليتم إدراجها في الحوار، مضافا إلي المطالبات المتكررة بطباعة الحوار في كتيب حفظا له من الضياع وتعميما أكبر للفائدة. فاستجزت سماحة الشيخ في ذلك، وقمت بإضافة أسئلة أكثر حتي وصلت في مجموعها إلي مائة سؤال حول مختلف القضايا المرتبطة بالنهضة الحسينية ثم ارتأينا أن نضيف في خاتمة الكتاب ثلاث مقالات قد كتبت بقلم شيخنا الأستاذ مرتبطة بالشعائر الحسينية كونها في نفس الموضوع وفي نفس السياق.

ص: 6

وتجدر الإشارة إلي أني قد تعمدت أن أرتب الأسئلة بالنحو الذي عليه الكتاب من حيث اختلاف الموضوعات والحقول وذلك كي يكون أشبه بالكشكول الذي ينتقل فيه القاريء من شجرة إلي أخري ومن بستان إلي آخر فيقطف من كل شجرة ثمرة ومن كل بستان زهرة. ومع ذلك فقد وضعت فهرسا موضوعيا مضافا إلي فهرس المطالب والمحتويات ليتسني للقاريء الإطلاع علي الأسئلة التي تندرج تحت موضوع واحد.

ولا أنسي أن أتقدم بالشكر الجزيل لأخينا سماحة الشيخ محمد الخاتم دام فضله لمساهمته في مراجعة النص وتخريجه وإضافة تعليقات مفيدة، ولكل من ساهم في إخراج هذا العمل للنور.

سائلا الله أن يجعل العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يرزقني وسماحة الأستاذ وجميع المؤمنين والمؤمنات شفاعة محمد وآله الطاهرين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم .

محمود صادق النجار

حرر في 24 ربيع الأول 1438ه-

ص: 7

ص: 8

الحوار العاشورائي

نرحب بكم سماحة الشيخ الجليل ونحن في باكورة هذا اللقاء، ونشكر تفضلكم قبول إجراء هذا الحوار العاشورائي الذي سيتناول أسئلة مهمة تدور في أذهان الناس، ونعظم لكم الأجر بدخول شهر المحرم، شهر الحسين عليه السلام .

ونود في البداية وقبل طرح الأسئلة أن تقدموا لنا مقدمة حول موقع النهضة

الحسينية من منظور إسلامي.

النهضة الحسينية من منظور إسلامي

1) ما هو موقع النهضة الحسينية من منظور إسلامي؟

* بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيب قلوبنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة المؤبدة علي أعداءهم أجمعين إلي قيام يوم الدين، بادئ ذي بدء وقبل أن نخوض في هذا الحوار شاكرين لكم هذا الجهد حيث أتحتم للعبد الفقير الفرصة للإطلالة علي الجمهور الحسيني من خلال هذا اللقاء الكريم ومن خلال ما تطرحونه من أسئلة مفيدة ونافعة سائلا الله عز وجل لكم الأجر والثواب العظيم.

نتقدم بواجب العزاء لبقية الله الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ولمراجع الدين العظام وللعلماء الأعلام وجميع المؤمنين لهذه الفاجعة والمصاب العظيم الذي اظلم له الكون، واسود له الفضاء، وهذه المصيبة التي جزعت لها ملائكة السماء وسكان السماوات والأرض.

عندما نريد أن نتحدث عن موقع النهضة الحسينية من منظور إسلامي يأخذنا

الحديث إلي نقطتين، من خلال هاتين النقطتين يتبين لنا مدي الأهمية الفائقة ومدي المكان الذي تحتله واقعة كربلاء والنهضة الحسينية من منظور إسلامي

ص: 9

هاتان النقطتان عبارة عن الحديث أولا عن منطلقات الثورة الحسينية وثانيا الحديث عن المكتسبات والنتائج التي حققتها الثورة الحسينية.

عندما نريد أن نتحدث عن النقطة الأولي وهي المنطلقات التي انطلقت من خلالها نهضة سيد الشهداء عليه السلام : ندرك مدي أهمية هذه النهضة من المنظور الإسلامي من الناحية الدينية.

الثورة الحسينية لم تنطلق من منطلقات مادية كثورة الجياع مثلا أو للقضاء علي البطالة أو غيرها مما تكون أهدافا محددة أو محدودة، إما محددة بحسب الفئة أو محددة بحسب الهدف، إنما انطلقت الثورة الحسينية من أهداف رفيعة ومن أهداف سامية وعالية، و من الطبيعي عندما تنطلق الحركة والنهضة من أهداف عالية وسامية غير محدودة سوف تحتل مكانتها بحسب هذه الأهداف العالية والسامية والرفيعة وغير المحدودة.

المنطلق الأول: فالثورة الحسينية والنهضة الحسينية انطلقت أولا من الهدف الذي أصحر به سيد الشهداء وأعلنه وهو إرادة الإصلاح. شعار الإصلاح هو شعار عظيم، شعار مقدس، شعار جذوره قرآنية دينية، فعندما نأتي إلي دعوات الأنبياء... دعوات الأنبياء تحمل في ضمن ما تحمل من أهداف الدعوة إلي الصلاح والإصلاح، بمعني أن هناك فساد يتحقق من قبل الإنسان بطبيعته وتركيبته، فتأتي دعوات الأنبياء لمحو هذا الفساد وإزالته وتحقيق الإصلاح، فالله يقول علي لسان نبيه شعيب : « إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ » (1) فالأنبياء يريدون إصلاح ما أفسده الإنسان.

فإذا الصلاح والإصلاح هو شعار ديني جذوره قرآنية، وهو شعار الأنبياء وشعار الصالحين، فالإمام الحسين - صلوات الله وسلامه عليه - عندما تحرك لم يكن تحركه الإثارة الشغب أو لإثارة الاضطرابات أو لإثارة الفوضي، حاشاه وهو سيد شباب أهل الجنة وإنما تحرك من أجل تحقيق الإصلاح، ومعناه أن حركة الحسين عليه السلام جاءت علي خلفية فساد تحقق في واقع الأمة ومشروع يراد له أن يحقق الفساد وأن

ص: 10


1- سورة هود: 88.

يوجد الفساد علي المستوي الواقعي للأمة الإسلامية و علي مستوي الصيغة للهوية الإسلامية، وعلي مستوي الفكر، وعلي مستوي العقيدة، وعلي مستوي التشريع؛ بمعني أن هناك مشروع إفسادي، هذا المشروع الإفسادي يراد له أن يحقق التحريف في كل الصبغة الدينية فكرا وعقيدة وتشريعا وهوية وشخصية للإنسان المسلم.

فتحرك الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كان لتحقيق الإصلاح وهذا هو المنطلق الأول.

المنطلق الثاني: هو منطلق إقامة فريضة من أسمي الفرائض وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي أشارت إليها الآيات والروايات وبينت أهميتها. والقرآن عندما يتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحث علي ذلك بهذه اللغة وبهذا اللسان « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ » (1) ، أشبه ما يكون بإيجاد جهاز وإيجاد تكون يأخذ في مسؤوليته وعلي عاتقه فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

« وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (2) لأهمية هذا الأمر والصيانة واقع الأمة وصيانة الدين من التحريف وصيانة هوية الإنسان المسلم من التحريف؛ لذا فالله يحرض علي أنيكون هناك جهاز يمارس ويقوم بدور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأحاديث الواردة عن النبي صلي الله عليه وآله وعن أئمة الهدي تبين ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الأمة عندما تتواكل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بمعني تتساهل وتتسامح من خلال أن البعض يعتمد علي البعض الآخر وأن هذا الفرد يعتمد علي الفرد الآخر، فيكون هناك نوع من التواكل والتهاون- تكون هناك نتائج خطيرة علي الأمة الإسلامية وعلي المجتمع وعلي الإنسان «لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم » (3) ، هذه نتيجة من النتائج الخطيرة المترتبة علي التسامح في هذه

ص: 11


1- سورة آل عمران: 104.
2- سورة آل عمران: 104.
3- الكافي، الكليني، ج 5، ص 56، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح3.

الفريضة، وقد جاء في بعض الروايات نوع من التعبير والتوبيخ بأن هناك أناس تركوا أسمي الفرائض، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما تتضرر مصالحهم وعندما تتضرر مكتسباتهم.

إذا بشكل مختصر؛ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض المهمة جدا، والتي تمثل صيانة وضمانة لاستقامة الإنسان والأمة وأشبه ما يكون بحراسة للدين وسلوك الإنسان المسلم من تحقق و سريان الانحراف لهما .

فالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه انطلق من هذا الهدف وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

المنطلق الثالث: الذي انطلق منه الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو العودة بالأمة الإسلامية إلي السيرة الصحيحة، هذه السيرة التي تنطلق من مبادئ القرآن ومبادئ التشريع وهي سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسيرة أمير المؤمنين الذي هو الإنسان المعصوم المنزه من الذنب والخطأ، فكان يقول: «وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب » (1) فالإمام الحسين صلوات الله عليه انطلق من هذا الهدف المهم وهو العودة بالأمة - علي مستوي المسار السياسي والاجتماعي - إلي سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم التي تنطلق من مبادئ القرآن ومبادئ التشريع وسيرة أمير المؤمنين عليه اسلام ، وهذه المنطلقات المهمة التي انطلق منها الإمام الحسين عليه السلام لها أثرها البالغ في واقع الأمة.

إذا جئنا علي مستوي المكتسبات فثورة الحسين صلوات الله وسلامه عليه ونهضته المباركة - علي مستوي المكتسبات - قد حققت للأمة الإسلامية مكتسبات مهمة جدا و بالغة الأهمية؛ الحسين عليه السلام وإن كان علي مستوي الحسم العسكري قد خسر المعركة، ولكنه ربح وانتصر علي المستويات والمكتسبات الأخري، ولعل هذا ما تشير إليه كلمته عندما كتب إلي بني هاشم: «أما بعد، فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح » (2) الحسين يتكلم عن فتح ومن الطبيعي أن المقصود

ص: 12


1- بحار الأنوار، ج 44، ص 329، من وصيته لأخيه محمد بن الحنفية.
2- كامل الزيارات، بن قولويه، ص158، باب2، ح 20. أي : لم يبلغ ما يتمناه من فتوح الدنيا والتمتع بها، وظاهر الجواب ذمه، ويحتمل أن يكون المعني أنه عليه السلام خيرهم في ذلك فلا إثم علي من تخلف - البحار، 42، ص81.

ليس الفتح والنصر المادي، إذ الحسين خسر المعركة علي المستوي العسكري ولكن الفتح بلحاظ المكتسبات والمعطيات والنتائج والآثار التي تحققت بعد استشهاده سواء كان علي مستوي واقع الأمة الإسلامية أو كان علي مستوي الشيعة وعلي أتباع مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

علي مستوي مكتسبات الأمة الإسلامية نستطيع أن نوجز ذلك بكلمة واحدة، فنقول: إن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد أسقط المشروع الرامي إلي تغيير الإسلام وتغيير الصيغة الأساسية للإسلام وتحريفه ومسخه وتحويله إلي إسلام كما يريده بنو أمية.

هذا المشروع الذي خطط له ودرس علي أن يكون هو البديل للصيغة الإسلامية الصحيحة وللإسلام الذي جاء به النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم ، أريد لهذا الإسلام أن يحرف وأن يزيف، وهناك شواهد كثيرة جدا علي وجود هذا المشروع، والمتتبع لثنايا التاريخ يجد هناك العشرات من الشواهد المدللة علي وجود مشروع كان يستهدف الصيغة الأساسية للإسلام بتحريفها وتزييفها، وكشاهد علي ذلك ما حكي عن البراء بن عازب أو ما حكي عن غيره من الصحابة - ولعله جابر - وقيل أنس: أنه لما ذهب إلي الشام ورأي ما عليه وضع الناس هناك بكي وتأثر واستعبر، وقال: إنه كل ما كان علي عهد رسول الله وعهدناه علي عهد رسول الله قد تغير، حتي هذه الصلاة التي كنا نصليها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد تغيرت (1)، وهذا واحد من الشواهد التي تدلل علي أن هناك مشروع خطير جدا يستهدف ذات الدين، وذات الإسلام، بتحريف الصيغة الأساسية للإسلام وإبدال الإسلام بصيغة محرفة مزيفة، وإعطاء نسخة مختلفة تماما عن النسخة الأصلية للإسلام.

الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أسقط هذا المشروع وأفشله وهذا مكسب علي واقع الأمة ويشهد علي ذلك ما ذكر في التاريخ أنه لما أخذ علي بن

ص: 13


1- صحيح البخاري، 1 - 133، كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، باب تضييع الصلاة عن وقتها.

الحسين وبنات رسول الله صلي الله عليه وآله سبايا إلي يزيد، ثم التفت يزيد إلي علي بن الحسين عليه السلام ، وقال: من المنتصر أنا أم أبوك؟ فقال عليه السلام : « إذا أذن المؤذن يتبين من هو المنتصر » (1).

فهذا شاهد علي أن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد أسقط ذلك المشروع الذي كان يستهدف الصيغة الأساسية للإسلام ويريد أن يأتي بإسلام محرف، إسلام يتجاوب ويلتقي مع رغبات وأهواء الناس تماما، لذا فإن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بدمه وبتضحياته حفظ الدين الإسلامي بشكله العام من أن تناله صيغة التحريف.

هذا علي المستوي العام كمكتسب، وأما علي مستوي واقع المنتمين لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم فهناك الكثير من المكتسبات والكثير من النتائج التي تحققت ببركة دم سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.

هذه القوة التي يمتلكها أتباع أهل البيت عليهم السلام - وأتكلم عن القوة المعنوية والقوة في بعض سياقاتها المادية كقوة الإعلام التي يمتلكها الآن أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم - جاءت ببركات دم سيد الشهداء، و تحقق بسبب النهضة الحسينية، لولا النهضة الحسينية لم يكن لنا نحن كأتباع لمدرسة أهل البيت هذه القوة الهائلة من إعلام ومن حضور إعلامي وحضور جماهيري لا يمكن لأي قوة أن توجد هذا الحضور وأن توجد هذه القوة الإعلامية، اليوم حتي بعض القضايا التي نشهدها في عالمنا حتي لو استقطبت جمهورا إنما تستقطب جمهورا من خلال المال والأمور مادية، أما في قضية الحسين عليه السلام نجد أن هذا الحضور الجماهيري وهذا الاحتشاد الجماهيري، والقوة الإعلامية من خلال هذا الاحتشاد الجماهيري في كل الدنيا ليس فقط في مناطق وعالم التشيع وإنما في جميع مناطق الدنيا، هذا الحضور يأتي عفويا وحبا لرسول الله صلي الله عليه وآله ، واستجابة لنداء الله : « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا

ص: 14


1- وتكرر نفس الموقف علي الإمام عليه السلام كما في أمالي الشيخ الطوسي، ص677، في مجلس يوم الجمعة السابع من شعبان سنة سبع وخمسين وأربعمائة، ح 11. لما قدم علي بن الحسين عليه السلام وقد قتل الحسين بن علي عليه السلام استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وقال متشمتا : يا علي بن الحسين، من غلب؟ وهو مغطي رأسه، وهو في المحمل. قال: فقال له علي بن الحسين عليه السلام : إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذن ثم أقم.

الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي » (1) إذ يعتبر هذا التعاطف مع قضية الحسين صلوات الله وسلامه عليه نحو من أداء أجر الرسالة، المطلوب منا كأمة إسلامية أن نجد هذا التعاطف وهذا الولاء السيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، وهنا لابد من أن أذكر أن الإمام الحسين عليه السلام ليس فقط للشيعة، وإنما الحسين سيد من سادات المسلمين، وعالم من علماء الصحابة علي أدني مستوي إذا لم ننظر نظرة الشيعة الإمامية إلي الحسين عليه السلام كإمام معصوم مفترض الطاعة فهو يتمتع بهذه الموقعية كما صرح ابن كثير في البداية والنهاية حيث يقول: «فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله -صلي الله عليه وسلم - التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا » (2) فالتفاعل مع قضية الحسين عليه السلام يجسد لونا وشكلا من أشكال المودة المأمور بها الإنسان المسلم بغض النظر عن انتماءه المذهبي، هذا مكسب من المكاسب التي حققتها ثورة الحسين صلوات الله عليه.

مكسب آخر في ثورة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، أن القضية كأنها عملية تمحيص وغربلة للأمة وأن الأمة هل هي مستعدة للتضحية منأجل مبادئها وقيمها عندما تتعرض للخطر والتهديد أم لا.

فمن مكاسب ثورة ونهضة الإمام الحسين أنها جعلت الناس علي المحك وبينت لكل متتبع ولكل داعية للإصلاح، هذه الحقيقة ومدي استعداد الناس للتضحية من أجل مبادئها وقيمها حتي لا يغتر أي مصلح من المصلحين علي مسألة بالجمهور، الإمام الحسين يقولها بكل صراحة: « الناس عبيد الدنيا » (3) ونحن كلنا يعلم أن هذه الألف واللام للاستغراق وليست للإشارة إلي حصة خاصة من الناس، حتي يقول قائل: إن هذا إشارة إلي خصوص الناس الموجودين في زمانه.

الإمام الحسين عليه السلام يريد أن يقرب هذه الحقيقة وهي أن الناس عبيد الدنيا والدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، يتبعون الإسلام ويتكلمون

ص: 15


1- سورة الشوري: 23.
2- البداية والنهاية، ابن كثير، ج8، ص221.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج 44، ص383.

باسم الإسلام ويستحضرون مفاهيم الإسلام، وقيم الإسلام ما دامت تدر عليهم المصالح لكن إذا حصوا بالبلاء قل الديانون، هذه حقيقة، حقيقة أفرزتها نهضة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وهي معطي مهم جدا لكل مصلح يريد أن يعتمد علي الجمهور.

معطي آخر ومكتسب آخر حققته الثورة الحسينية - صلوات الله وسلامه علي بطلها ورمزها- أنه بعد واقعة الطف إلي هذا اليوم أو جدت حركة الإمامالحسين منبرة متحركة فاعلا وفتحت المجال وفسحت الفرصة لنشر تعاليم الدين وثقافة الدين وفكر الدين وإشاعة الفضيلة، إشاعة الكرامة وإشاعة كل المبادئ القيمة من خلال هذا الموسم المعطاء من خلال منابر الخطابة، ومن خلال مجالس الحسين صلوات الله عليه وهي فرصة عظيمة، هذه الفرصة العظيمة أتصور أنها لم تتحقق لولا بركة سيد الشهداء ودماء سيد الشهداء.

هذه المآتم التي تمثل مدارس فكرية وعلمية تغذي المجتمع بالثقافة الدينية و بالفكر الديني وتحضن المجتمع تحصينة تامة مقابل كل مشاريع الغزو وكل أطروحات التحريف وفي مقابل كل تجهيل، فهي تغذي المجتمع الديني بالفكر الإسلامي الأصيل عقيدة وشريعة وأخلاقا وفكرة وإيمانا ومعنوية علي كل هذه الأبعاد، فهذا معطي عظيم ومكسب كبير لم يتحقق لولا بركة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، ولراصير متبع أن يتتبع الواقع الإسلامي ويجد هذه المدارس المفتوحة التي يؤمها ويحضرها مختلف الناس ليتثقفوا وليتفهموا وليعرفوا حقيقة الدين وحقيقة التشيع ومظلومية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ويتعرفوا علي الفكر الإسلامي الصحيح عقيدة وشريعة وأخلاق وقيا وإيانا ومعنوية إلا وجدت ببركة دم سيد الشهداء.

لو أردنا أن نقيم محفلا فكرية وندعوا له دعوة عامة ونبرز أكبر شخصية فكرية التلقي وتحاضر لا أتصور أنها تستقطب أكثر من مائة أو مائتين أو ثلاث مائة، إلا أن مدارس الحسين صلوات الله عليه طوال هذين الشهرين وبالخصوص العشرة

ص: 16

الأوائل من شهر المحرم وعلي تعددها وعلي كثرتها تجد أنها تستقطب الناس إلي درجة أن تضيق مساحة هذه المآتم وهذه الحسينيات علي الأعداد القادمة لتتلقي المعرفة والفهم والعقيدة الصحيحة والتشريع والأخلاق، فهذه بركات دم سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.

إذا نحن ندرك ما تحتله نهضة الحسين صلوات الله وسلامه عليه من أهمية علي مستوي المنطلقات التي انطلقت منها وعلي مستوي المكتسبات التي حققتها إن كان علي مستوي واقع الأمة الإسلامية أو علي واقع أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وأشير في هذا السياق إلي كتابين مهمين جدا لمن أراد أن يتعرف بشكل مستوعب ومفصل علي الأهداف والنتائج والمكتسبات، الأول كتاب الثورة الحسينية المنطلقات والأهداف للعلامة الكبير والمفكر الإسلامي الراحل سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1) ، وإلي الكتاب القيم الآخر وهو كتاب فاجعة الطف أبعادها ثمراتها توقيتها تأليف السيد المرجع الكبير آية الله العظمي السيد محمد سعيد الحكيم (2) - دام ظله الشريف - ففيهما الغني والكفاية.

ص: 17


1- ولد في عام 1936م، شمس الدين هو أحد علماء جبل عامل يرجع نسبه إلي المرجع محمد بن مكي العاملي الملقب بشمس الدين والمعروف بالشهيد الأول حيث استشهد في عام 1936 م. هاجر إلي النجف وتتلمذ علي يد أبرز فقهاء القرن العشرن منهم آية الله السيد محسن الحكيم وآية الله السيد أبو القاسم الخوئي وغيرهم. وله إسهامات عديدة علي الصعيد الحوزوي والاجتماعي، كما شغل مناصب عديدة منها رئاسة المجلس الأعلي الإسلامي الشيعي في لبنان عام 1994م خلفا للسيد موسي الصدر. وفي عام 2001م توفي جراء مرض عضال.
2- ولد – دام ظله - في مدينة النجف الأشرف، في الثامن من شهر ذي القعدة الحرام عام 1354ه الموافق 1934م، وهو ابن العالم الجليل والمجتهد الكبير السيد محمد علي بن السيد أحمد الحكيم، وتتلمذ علي يد والده و آية الله السيد محسن الحكيم، وآية الله السيد أبو القاسم الخوئي، وآية الله الشيخ حسين الحلي وغيرهم. للسيد نبوغ علمي أهله لأن يعهد إليه السيد الحكيم مراجعة موسوعته الفقهية (مستمسك العروة الوثقي) قبل طباعتها. ولا يخفي الدور الذي يقوم به السيد الحكيم علي الصعيد الحوزوي و الشأن العراقي، له من المؤلفات ما يزيد علي 28 عنوانا وبعضها علي أجزاء متعددة .

سلوك المؤمنين خلال موسم المحرم

2) ما هو المظهر والسلوك اللائق بالمؤمنين خلال موسم العزاء في شهر المحرم؟

*هذا السؤال مهم جدا وسؤال ينبغي أن يترجم عمليا من خلال التوجيه والإرشاد والنصيحة.

1- البكاء والتباكي

أقول بشكل مختصر: ينبغي أن يتمثل الإنسان المؤمن ما جاء في الروايات الواردة عن بيان حال أئمة الهدي وكيف تعاطيهم مع هذه الفترة وعشرة المحرم، فقد جاء في توصيف أحوال مولانا الإمام الكاظم عليه السلام أنه إذا دخلت العشرة الأولي من المحرم لم ير ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه وإذا كان اليوم العاشر كان يوم حزنه وبكاء (1)، وهكذا كان يتعامل أئمة أهل البيت عليهم السلام بنوع من الاحترام والتعظيم وإظهار الحزن والجزع علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.

الرواية تقول: «وكانت الكتابة تغلب عليه »، يعني يكون كئيبا ، «فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكاءه »، هذا سلوك الأئمة وتعاطيهم مع هذه العشرة، الإمام الصادق عليه السلام في رواية أنه إذا ذكر الحسين عنده لم ير باسما أو ضاحكا طوال ذلك اليوم لعظم تأثره بمصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه (2). الإمام لما يذكر عنده الحسين لا يري ضاحكا؛ فما بالك وأنت تستحضر هذه الواقعة العظيمة والفاجعة الكبري بكل تفاصيلها وبكل جزئياتها في هذه المدة

ص: 18


1- ورد في أمالي الشيخ الصدوق، ص 191، المجلس السابع والعشرون، ح2، عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: «كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرم لا يري ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتي يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام »
2- ورد في كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 214 باب 36، ح 2، عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبدالله عليه السلام في يوم قط فرئي أبو عبدالله عليه السلام متبسما في ذلك اليوم إلي الليل، وكان عليه السلام يقول: «الحسين عليه السلام عبرة كل مؤمن ».

من خلال ما يتعرض إليه خطباء المنبر الحسيني، فينبغي علي الإنسان أن يتعامل معها التعامل المناسب كإنسان موال متأثر يظهر الحزن.

تصنع الحزن مطلوب، تصنع البكاء مطلوب، كما جاء في الرواية إن لم تبكي فتباكي، هذا التصنع ليس رياءا وإنما تصنع بمعني افتعال البكاء؛ لأن افتعال البكاء يؤدي إلي البكاء وافتعال الحزن يؤدي إلي الحزن... نفس هذا الافتعال هو أمر مطلوب (1).

2- الحضور في المجالس

الحضور في المجالس هذه مسألة مهمة، أن يسعي الإنسان المؤمن بأن يحضر أكبر عدد من هذه المجالس، فهذا توفيق عظيم وفيه تطييب القلب النبي صلي الله عليه وآله وتطييب القلب فاطمة الزهراء عليها السلام المكسور في هذه الأيام وقلب أمير المؤمنين وقلب الحسن الزكي عليه السلام وقلب سائر أئمة الهدي صلوات الله وسلامه عليهم. فإذا كان هذا العمل الذي لا يكلف الإنسان شيئا ولا يأخذ منه جهدا موجب لتطييب قلوب النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته، فلماذا يتأخر الإنسان عن مثل هذه الخطوة المباركة والعظيمة والتي وراءها التوفيق.

ص: 19


1- لا يخفي أن التباكي أمر راجح ولا يقف عند البكاء علي مصيبة الإمام الحسين عليه السلام بل يشمل كل مصائب أهل البيت عليهم السلام ولا سيما الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله . ويتعدي الحث علي البكاء والتباكي ذكر المصائب ليصل إلي البكاء والتباكي عند الدعاء فيتكلف الداعي البكاء بتذكر أحبابه الذين فارقوا الدنيا مثلا أو ما يهيج أحزانه فيولد هذا فيه الشعور نحو البكاء فعندما يبكي يصل هذا بدعائه، فيكون قد رق قلبه وهذا يسهل عليه أمر البكاء في الدعاء لأن الإنسان قد يجد في نفسه الرغبة في البكاء أو أنه يستمع إلي ما يبكي كمصيبة الحسين إلا أنه يجد في نفسه جفافا عن ذلك فيحرك المشاعر عنده ليستدر الدمعة. ويؤيد ما ذكرناه ما قيل للإمام الصادق عليه السلام : أكون أدعو فأشتهي البكاء ولايجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق و أبكي ، فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم، فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك » ففعل التباكي موصل إلي البكاء عادة. وليس التباكي -كما يتصور البعض - بأن يحرك رأسه ويهز بدنه ويصدر صوت البكاء تشبها بالباكين، فإنه سينشغل بهذه الحركات عن الدعاء أو المصيبة التي يستمع إليها فهذا يتظاهر بالبكاء لا أنه يبكي حقيقة، وإن كان هذا الوجه له وجه لما ورد «أن من تشبه بقوم فهو منهم» وهذا ينفع من لم تساعده عينه علي البكاء مع طلبه له. ولا يخفي أن من يتباكي وليس له غرض التشبه بالباكين فضلا عن طلب البكاء، بل كان بكاؤه لغرض أن يراه الآخرون فهذا بلا شك تباك مذموم وقد يؤثر عليه صاحبه لجهة الرياء.

وأن لا نستعيض عن حضور مجالس الذكر بالاستماع للمحاضرات من خلال الفضائيات أو البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذه حالة خطيرة.. وهي أن نستعيض بها عن مجالس الذكر ومنها مجالس المصيبة (1) وعن المآتم بالاستماع إلي خطيب من خلال فضائية مثلا، هذا شيء جيد لمن لا يتمكن من الحضور لكونه مريضا - لا سمح الله - أو لكونه في عمل، أما الإنسان الذي تسمح له ظروفه بالحضور فينبغي له أن يحضر.

وهنا أريد من خلال هذا اللقاء الكريم أن أبين نقطة وهي: أن بعض الناس يتعلل ويبرر عدم حضوره؛ بأن الخطيب ليس لديه مادة علمية غزيرة، أو أن ما يقدمه ليس بالمستوي المطلوب... إلخ.

ليس المطلوب أيها الإخوة الحضور هنا فقط من أجل أن تزداد معرفيا وإن كان هذا أحد الأهداف ولكن ليس هو كل الهدف. نفس الحضور هو نوع من التعظيم والتجليل لمقام سيد الشهداء سلام الله عليه والذي لا ينبغي للمؤمن أن يستعيض عنه بشيء آخر لا يحقق هذا الهدف.

الحضور هو الذي يمثل تعظيما و تجليلا لمقام سيد الشهداء، أما أن أستمع لوحدي أو مع عائلتي لفضائية فهذا لا يعكس هذا التجليل والتعظيم.

3- إظهار الجزع

كذلك إظهار الجزع، ورد في الرواية الصحيحة التي يرويها ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات: «إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع علي الحسين بن علي عليه السلام ، فإنه فيه مأجور » (2) الجزع لون من ألوان التعاطي والسلوك الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان المؤمن في هذه العشرة وهي شدة التأثر والمبالغة في التأثر، الجزع مكروه ما خلا الجزع علي الحسين صلوات الله وسلامه عليه، أن يظهر الإنسان الجزع، أن يظهر ويبالغ في إظهار هذا الجزع، هذا

ص: 20


1- المجالس التي تذكر فيها مصائب أهل البيت عليهم السلام .
2- كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 201، باب 32، ح 1.

أمر مطلوب وهذا سلوك من السلوكيات المطلوبة للتعامل مع هذه الأيام العظيمة والأيام الكئيبة علي آل الرسول صلي الله عليه وآله ، وعلي المؤمنين.

4- لبس السواد

لبس السواد، وهو نوع من أنواع إظهار الجزع، ولذلك كتب رسالة فقهية في هذا

المجال (1) وهو استحباب لبس الأسود بعنوان أنه مظهر من مظاهر الجزع.

مضافا إلي أن ما ورد من كراهية لبس الأسود ليس تاما، فرواياته ليست تامة من حيث السند ولا من حيث الدلالة، وهذا موكول للبحث الفقهي. عموما، التسربل بالسواد هو شكل من أشكال الجزع، وإظهار الجزع هو أمر مطلوب دلت عليه الروايات الصحيحة وفيها نوع من التحريض علي إظهار الجزع.

5- حسن الأدب الأمر الآخر أن يظهر الإنسان الموالي في هذه الأيام بالمظهر الذي يعكس حسن الانتماء ويعكس حسن الأدب.

لا ينبغي لنا لا من خلال سلوك، ولا من خلال تصرف، أو كلمة أن نعكس ما لا ينبغي لنا أن نعكسه؛ لأن هذه التصرفات تنجر بالنتيجة إلي انتماءنا. وقد ورد في روايات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم: «إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن؛ لمكانك منا، وإن القبيح من كل أحد قبيح وإنه منك أقبح » (2) و «كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا » (3) و «جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح » (4) فهذه الروايات وغيرها تحث علي أن يكون الإنسان المؤمن عاكسا لحسن

ص: 21


1- تحت الإعداد للطباعة بمعية رسائل فقهية أخري.
2- قول الإمام الصادق عليه السلام لمولاه شقران معترضا به؛ لأنه كان يعصي ربه، مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص 362 .
3- فقه الرضا، ابن بابويه القمي، ص356، باب مكارم الأخلاق والتجمل والمروءة والحياء، الحديث الأخير في الباب.
4- تحف العقول، الحسن بن علي بن شعبة الحراني، ص 488.

أدبه و حسن سلوكه بحكم انتماءه لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

هذه الفترة الزمنية يكون أتباع أهل البيت عليهم السلام تحت المجهر وتحت الأضواء فلا ينبغي أن نعكس ما يسيء إلي انتهاءنا من خلال سلوك أو من خلال كلمة أو من خلال تصرف سيء.

6- ترك السعي في الحوائج الدنيوية

كذلك ينبغي ترك السعي في الحوائج الدنيوية في خصوص يوم العاشر، ففي الحديث عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي الحسن علي بن موسي عليه السلام قال: (من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والآخرة) (1).

القضايا السياسية في القصائد العزائية

3) بعض الرواديد يقحم القضايا السياسية والاجتماعية في القصائد الحسينية ويكون اللطم علي هذه الكلمات، هل هذه ظاهرة صحيحة؟

*المطلوب أن يكون العزاء علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه. وأن يكون اللطم علي الحسين عليه السلام ؛ لأن ما هو مطلوب وما ورد الندب والحث عليه هو اللطم علي الحسين سلام الله عليه، علي مثل الحسين فليبك الباكون وليندب النادبون (2) .

مع هذا لا بأس بأن ذكر قضايا المسلمين بشكل عابر و بسيط دون أن تحتل

المساحة كلها.

ص: 22


1- عيون أخبار الرضا 1:267 باب 28 الحديث 57.
2- ورد هذا المضمون في العديد من المصادر الحديثية كالأمالي، الشيخ الصدوق، ص 190، المجلس السابع والعشرون،ح 2.

وثاقة حميد بن مسلم والاعتماد علي نقله

4) كثير من أحداث كربلاء نقلت علي لسان حميد بن مسلم، من هو هذا الرجل

وما مدي وثاقته وصحة النقل عنه؟

* حميد بن مسلم (1) هو أحد الرواة الذين سردوا لنا جملة من أحداث كربلاء، هذا الشخص - قطعا- لا يمكن أن نعتبره ثقة أو نحكم عليه بالصلاح؛ لأنه ممن شهد الواعية، وقد جاء في رواياتنا وفي كلام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أن من شهد واعيته ولم يجبه أكتبه الله علي منخريه في النار (2). فهذا الرجل عاقبته ليست إلي خير لأنه ممن سمع الواعية ولم ينصر الإمام، هذا أولا.

ثانيا: أنا أتصور أن الإرادة الإلهية أرادت أن تظهر الحق من خلال هذا الشخص - ولله في خلقه شؤون حيث إن هذا الشخص في كثير من نقولاته التي ينقلها عن الواقعة حينما تدرس هذه النقولات تجد أن فيها ما يتناسب مع مقام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وعظمته وقيمه ومبادئه وعلو شأنه، وفي المقابل ينقل ما يدل علي خسة الطرف الآخر ودناءته ومنتهي انسلاخه من القيم والمبادئ .

فالرجل وإن لم يكن ثقة إلا أن نقولاته التي يذكر فيها عظمة الإمام الحسين عليه السلام و خسة الطرف المقابل تدلل علي أنها نقولات لم تتأثر بانتماءه إلي المعسكر

ص: 23


1- كوفي، عد من أصحاب الإمام السجاد عليه السلام ، مجهول. ولم يعرف إلا من جهة نقلة لبعض أحداث واقعة الطف، ويظهر من بعض المصادر أنه كان من ضمن جيش ابن سعد (لعنه الله)، إذ أرسله في يوم العاشر مع خولي بن يزيد الأصبحي برأس الحسين عليه السلام إلي ابن زياد. ويحتمل أنه شارك مع المختار في ثورته. انظر: معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج7، ص312، برقم4099؛ مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي الشاهرودي، ج3، ص289، برقم 5119 .
2- ورد في الأمالي، الشيخ الصدوق، ص219، أثناء مسير الإمام الحسين عليه السلام نزل في منزل يقال له: القطقطانة فنظر إلي فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل: لعبيد الله بن الحرالجعفي فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال: أيها الرجل، إنك مذنب خاطئ وإن الله عز وجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلي الله تبارك وتعالي في ساعتك هذه، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالي. فقال: يابن رسول الله، والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك، فو الله ماركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته، ولا أرادني أحد إلا نجوت عليه، فدونك فخذه. فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه، ثم قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك، « وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا » ولكن فر، فلا لنا ولا علينا، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا، كته الله علي وجهه في نار جهنم.

الأموي، فكان بتعبير اليوم أشبه بالصحفي الذي يمتلك حرفية الصحافة أو مبدئية هذا العمل.

أضف إلي هذا أن لدي بعض الكتابة والتحقيق فيما ينقله مقارنة مع ما جاء في رواياتنا سواء ما جاء عن الإمام الباقر عليه السلام أو غيرها مما نقلت بعض جزئيات الحادثة والفاجعة نجدها إما تتوافق تماما أو تقترب منها مضمونا و معني، وهذا ما يدلل علي أن الرجل كان صادقا في نقولاته.

لكن أرجع وأقول: إن هذا لا يدل علي أن حال الرجل وخاتمته إلي خير، بل بالعكس فإنه كان في الجيش الأموي ومعسكر يزيد وحضر الواعية ولم يقم بنصرة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه الذي وصلت نداءاته واستصراخاته إلي أسماء الجيش كله، بل إن حميد بن مسلم ممن نقل استصراخات الحسين عليه السلام ولم يجبه بنصرته، ونتيجة هذا العمل الإنكباب في النار، ولذا تري أن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد طلب من الحر بن يزيد الجعفي أن لا يبقي وأن يتحول من مكانه لكون مكانه قريبا من الغاضرية حتي لا يسمع واعية الحسين .

إذا، كل ما هنالك أن هذا الرجل سخرته الإرادة الإلهية لينقل هذه الأحداث ويحفظ تفاصيل و جزئيات هذه الواقعة من الضياع (1)

ص: 24


1- ولا عجب في هذا فقد ورد عن الرسول صلي الله عليه وآله : «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لاخلاق لهم منه » كما في منية المريد، الشهيد الثاني، في حديث عن النفاق.

أجرة الخطباء

5) ما رأيكم في اشتراط بعض الخطباء مبالغ كبيرة لقاء إقامتهم مجالس الحسين عليه السلام ؟

*مع تقديرنا واحترامنا لخطباء المنبر الحسيني وخدام الإمام الحسين عليه السلام وما يبذلونه من عطاء وجهد في سبيل إحياء ذكري سيد الشهداء عليه السلام - وهذا عمل يستحقون عليه الأجر والثواب والاحترام والتقدير من المؤمنين - ولكن هنا نقطة ينبغي أن يلتفت إليها وهي: وجود بعض إدارات المآتم التي تنقص الخطيب ما يستحقه وتبخسه حقه، فقد تكون أجرة الخطيب المثلية مثلا ألف دينار فتعطيه إدارة المأتم أجرة دون هذه الأجرة المثلية التي يستحقها، فيعطي مثلا 400 أو 600 دينارا، وهذا قطعا نوع من البخس والإجحاف في حقه وهو أمر غير جيد، وأتصور أن هذا الذي جر بعض الخطباء إلي اشتراط أجرتهم.

فاشتراطهم إنما هو لأجل أن يتلافي استنقاص حقهم أو أن يؤدي إلي عدم الرضا بالأجرة التي يعطونها، فالاتفاق بين الطرفين يمثل حالة الرضا والقبول بما تم الاتفاق عليه.

لكن لابد أيضا أن يلتفت إلي أن هذه الخدمة فيها جنبة دينية مرتبطة بإحياء الدين وترويجه وتبليغه، فلا ينبغي أن يبالغ الخطيب في الأجرة فإن ذلك يفقد الأجرة بركتها، فلا ينبغي للخطيب أن يخرج عن الأجرة المتعارفة، فلو كانت أجرته المثلية 1500 دينار فلا ينبغي له أن يطالب ب- 1600، وبحسب ما أسمع بأن أغلب المآتم يكرمون الخطيب بما يزيد علي ما يشترط ويطلب. فالمطالبة بأزيد من الأجرة المثلية تضر بسمعة الخطيب ومصداقيته ويقلل من التأثر بكلامه عندما يسمع الناس باشتراطاته المبالغ فيها.

فهذه جهات ينبغي أن يلتفت إليها الطرفان، فلا المأتم ينبغي له أن يبخس الخطيب حقه، وكذا لا ينبغي للخطيب أن يبالغ في الأجرة، ولربما قليل يطرح الله فيه البركة الكثيرة، وكثير زائد عن الحق مسلوب البركة، فلا ينبغي أن ننظر للكثرة بما هي كثرة بل ننظر لهذه الجهات التي تحقق البركة في المال ولو كان قليلا .

ص: 25

مشاركة النساء في عزاء طويريج

6) شاهدنا بعض النساء يركضن خلف الرجال في عزاء الطويريج في المنامة، فهل يليق منه هذا الفعل؟

* هذه من المظاهر السيئة جدا، الإسلام الذي أكد علي أن تكون المرأة في منتهي الخفارة (1) والاحتشام، والذي جعل لها أوضاعا خاصة في الصلاة تختلف عن أوضاع الرجل رعاية للحشمة والعفة (2) ... كيف يقبل هذا الدين وباسم الإمام الحسين عليه السلام و بعنوان الحزن والعزاء أن تترك المرأة هذه الحشمة والعفة والخفارة وتركض خلف الرجال؟!

ومن يا تري يقبل للمرأة هذا الفعل والإسلام ينادي بحشمتها وعفتها وشرع ما يصونها ويصون حشمتها، فعلي المرأة المؤمنة أن تحافظ علي حشمتها بتجنب مثل هذه الأفعال التي تفتح علينا الأبواب للمزيد من المظاهر السلبية.

ص: 26


1- الخفر (فتح الحاء والفاء): شدة الحياء، تقول: امرأة خفرة، أي: امرأة حية. انظر: العين، الخليل الفراهيدي، ج4، ص 253 مادة (خفر).
2- كعدم جواز إمامة المرأة للرجل في الصلاة؛ ولزوم وجود الحائل بين المرأة والرجل؛ الانحناء للركوع يكفي للمرأة بما تصل يدها إلي ركبتيها ولا يلزمها الانحناء كما الرجل؛ وذكرت لها كيفية خاصة للهوي إلي السجود وكذا القيام وكذا سجودها لاطئة بالأرض أي لازقة بها، وغيرها.

معني وارث الأنبياء

7) جاء في زيارة وارث أن الحسين عليه السلام وارث لجملة من الأنبياء كآدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام ، فما المقصود من هذه الوراثة؟

*حلق الكثير من العلماء والباحثين حول تفسير الوراثة التي ورثها الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وهناك بحث قيم وشيق لأستاذنا الحجة العلامة الراحل الشيخ الآصفي رحمه الله حول زيارة وارث (1) وكذلك لغيره من الباحثين والمحققين، لكن ما أريد أن أقوله بشكل مختصر:

إن هذه الكلمة (كون الحسين عليه السلام وارثا لآدم ووارثا لنوح وإبراهيم وموسي وعيسي و وارثا لمحمد وعلي وفاطمة والحسن عليهم السلام )، تعني بحسب نظري القاصر أنه وارث لأبرز صفة تتصف بها تلك الشخصية الموروثة.

فمثلا نجد في نبي الله إبراهيم عليه السلام أن أبرز صفة تميز بها هي التضحية وإقدامه علي التضحية في سبيل الإستجابة لأمر الله، فالحسين سلام الله عليه وارث من إبراهيم هذا الجانب البارز من شخصيته. وكذا وراثته لآدم ونوح وسائر الأنبياء تعني وراثته للجانب البارز والمتميز في شخصياتهم عليهم السلام .

وهكذا وراثته للنبي صلي الله عليه وآله هي وراثة لكمالاته وفضائله، وراثته لأمير المؤمنين علية السلام هي وراثة لكمالاته وفضائله وكذا وراثته لفاطمة الزهراء والحسن المجتبي عليهم السلام ، حيث إن هؤلاء العظماء حازوا منتهي الكمالات والفضائل العلمية والعملية، وبلغوا في مدارج الكمال منتهاه وغايته فهو الكمال المطلق الذي يمكن أن يتاح للبشر، والذي من الصعب أن يحيط به عقل الإنسان.

فإذا بتصوري أن الحسين يرث من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أبرز جانب في شخصياتهم، وأما بالنسبة إلي الأشباح الأربعة (2) فإنه يرث كل الكمالات والفضائل التي امتازوا بها.

ص: 27


1- في رحاب عاشوراء، الشيخ محمد مهدي الأصفي، ص 232.
2- هم النبي صلي الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن الزكي عليهم السلام وخامسهم الحسين الشهيد عليه السلام ، وسبب تلقيبهم بالأشباح هو ورود هذا اللقب في بعض الروايات. راجع تفسير قوله تعالي : «فَتَلَّقي آَدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» من سورة البقرة : 37.

اكشف لي عن نحرك

8) ينقل بعض الخطباء أن الحوراء زينب طلبت من الحسين علية السلام قبل توجهه للمعركة أن يكشف صدره ثم شمته في نحره وقبلته في صدره تنفيذا لوصية الزهراء عليه السلام ، فهل يمكن تقبل هذا المعني؟

*هذا الكلام الذي يتناقل علي ألسنة بعض الخطباء قد لا يكون له وجود في المصادر التاريخية المعتبرة التي سردت واقعة الطف.

والذي ينبغي علي الخطباء أعزهم الله هو أن يركزوا علي ما هو ثابت و مذكور في المصادر التاريخية والمقاتل المعتبرة، وأن يبتعدوا عن ذكر ما يفتقد إلي الدليل المعتبر، حيث إن التساهل في ذلك يؤدي إلي فتح الباب أمام الإضافات والزيادات علي تلك الحادثة التاريخية وتشويه الواقع (1)

ص: 28


1- لم نجد هذه الرواية في الكتب التاريخية المعتبرة، وأقدم مصدر لهذه الرواية هو كتاب (ثمرات الأعواد) لعلي بن الحسين الهاشمي الخطيب (ج1، ص272) وهو من مواليد النجف وقد ولد في عام 1326 ه، وهو خطيب وشاعر معروف، وقد نقل الرواية في كتابه ولم يذكر لها مصدرا، نعم المصدر الذي أحيل عليه في الهامش هو للبيت الواقع بعد هذه الرواية وهو علي لسان الإمام عليه السلام : (الموت أولي من ركوب العار...) وهو كتاب الملهوف علي قتلي الطفوف فقد يتصور البعض أن الرواية مذكورة في الملهوف وأن الكاتب يشير إلي ذلك والحق أن الكاتب يذكر مصدر بيت الشعر، وأن كتاب الملهوف خال من هذه الرواية . وكل من جاء بعده فإنه ينقل عنه. أقول: لعل هذه الرواية جاءت من تصاوير بعض الخطباء وجري تناقلها حتي صارت تروي كالرواية فدونت في كتب المصائب وصار الناعون يتداولونها في هذه المحافل لاسيما مع اتصاف هذه العبارات بتأثيرها علي القلب وترقيقه وتهييج المستمع كغيرها من التصاوير التي أبدع بعض الخطباء في تصويرها حيث كان المستمع يعلم بأنها تصوير من الخطيب وليس رواية، وللأسف مع مرور الوقت صارت تتناقل علي أنها رواية لتناقل المتساهلين من الخطباء أو بعض من لا هم له إلا الإبكاء وتهييج المستمع بأي كلام وأي تصوير، فلا يبالي بما يطرح ولزوم أن يكون من الكتب المعتبرة. هذا مع الإلفات إلي أن البحث التاريخي له أسلوبه ونهجه المختص به حيث كفاية وجود الرواية في الكتاب المعتبر لينقل عنه لا أي كتاب كان، وما اشتهر مؤخرا من عبارات من قبيل (علي لسان الخطباء) فهو لا يسمن ولا يغني من جوع إلا أن يكون الخطيب المنقول عنه ممن يتثبت في ما ينقل. ومع هذا فإن التصوير الذي يتداول له منشأ، وهو ما ورد من تقبيل النبي صلي الله عليه وآله للإمام الحسين عليه السلام في جبهته وخده والمواضع المختلفة من بدنه كلما رآه - وكان عمر الإمام حسين عند انتقال الرسول الأعظم إلي الرفيق الأعلي لا يزيد علي الست سنوات فلا غضاضة في مسألة التقبيل -، وإذا سئل عن ذلك ذكر مصيبة الحسين عليه السلام وما يجري عليه علي يد يزيد - لعنه الله -، وكان هذا السلوك قد صدر من الزهراء و أمير المؤمنين عليه السلام ... وهذا نموذج من الروايات التي ذكر فيها التقبيل فقد ورد في البحار (وروي ابن نما رحمة الله في مثير الأحزان، عن ابن عباس قال: لما اشتد برسول الله صلي الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه، ضم الحسين عليه السلام إلي صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه، ويقول: مالي وليزيد لابارك الله فيه، اللهم العن يزيد، ثم غشي عليه طويلا وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول: أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عز وجل) بحار الأنوار، المجلسي، ج 44، ص266. وكذا في البحار أيضا (فقبل النبي صلي الله عليه وآله بين عينيه – أي الحسين عله السلامي - ثم دفعه إلي وهو يبكي ويقول: لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني، يقولها ثلاثا، قالت: فقلت: فداك أبي وأمي ومن يقتله؟ قال: بقية الفئة الباغية من بني أمية لعنهم الله) . بحار الأنوار، المجلسي، ج 43، ص 243، ح 17. وفي البحار أيضا (روي في بعض الكتب المعتبرة عن الطبري، عن طاووس اليماني أن الحسين بن علي عليه السلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره، فإنرسول الله صلي الله عليه وآله كان كثيرا مايقبل جبينه ونحره) المجلسي، ج 44، ص 187، ذيل ح16. وهذا المنشأ لا يسوغ لنا أن نصوغ رواية لم تقع وننسبها علي لسان المعصوم بغض النظر أدي ذلك إلي التوهين لمقام المعصوم أم لم يؤد. مع هذا كله لا بد من الوقوف علي ما يطرح من تاريخ ولزوم غربلة سقيمه عن صحيحه و معتبره، ولا ينبغي التساهل في هذا حتي لو أدي إلي ضعف المصيبة بنظر البعض. المهم أن يطرح ما يراه حجة بينه وبين الله ولا يؤاخذ عليه يوم الدين .

وفيما هو ثابت و معتبر الكثير من الصور المؤثرة والحزينة التي فيها الكفاية والغني عن ذكر هذه القصص التي تفتقر للدليل، فكم هو مؤثر مثلا حينما نقرأ أن الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد انحني علي سيفه علي باب الخيمة فخاطبته العقيلة زينب عليها السلام لما رأت الجيش يتقدم للخيام بقولها: أنائم أنت وهذه الخيل قد دنت منا (1)، وغيرها الكثير من الصور والمشاهد الحزينة. فالخلاصة: علينا أن نركز علي ما هو ثابت وأن نبتعد عن ذكرالأحداث المشكوكة وغير المعتبرة.

ص: 29


1- علي ما ورد في الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 90. (نادي عمربن سعد: يا خيل الله اركبي وأبشري، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر، وحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه، إذ خفق برأسه علي ركبتيه، وسمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال: إني رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله الساعة في المنام، فقال لي: إنك تروح إلينا، فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل، فقال لها: ليس لك الويل يا أخية، أسكتي رحمك الله)

معني أن الناس عبيد الدنيا م

9) ما المقصود بقول الإمام الحسين عليه السلام : « الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون » (1) ؟

* من الطبيعي أن أغلب الناس ميلهم وتعلقهم بالدنيا، وعلاقتهم بالدين علاقة متزلزلة وقائمة علي حرف، فمتي ما كان الدين لا يضر بمصالحهم فإنهم يتحدثون عنه وعن قيمه ومبادئه، ويتباهون ويتفاخرون بهذا الارتباط.

لكن متي ما تضررت هذه العلاقة بسبب فريضة من الفرائض أو غير ذلك تجدهم يشككون ويغالطون ويحاولون التملص بمبررات مختلقة، أو حتي أن ينبذوا الدين بتمامه وراء ظهورهم. وهذا ما يعكس أن ارتباطهم بالدين ليس قائما علي بنيان رصين، وإنما هي علاقة بحيث لو أصابهم الخير اطمئنوا، ولو أصابتهم فتنة كفروا، وعند المحك يختبر الناس ويتبين مدي ارتباطهم الحقيقي بالدين، وقلما يثبت الناس، ولذلك يبين الإمام الحسين عليه السلام هذه الحقيقة بقوله فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

ص: 30


1- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص245.

ما هو الجزع المكروه

10) يقال: إن كل الجزع مكروه ما خلا الجزع علي الحسين عليه السلام ، فما هو مصداق الجزع المكروه؟

* من مصاديق الجزع - مثلا - أن يضرب الإنسان علي رأسه عند موت عزيز عليه، فهذا جزع وليس تسليما لأمر الله، أو عندما يضرب رأسه بالجدار فهذا من الجزع وعدم الصبر.

فالجزع الذي ورد النهي عنه هو الحالة التي يخرج فيها الإنسان من حالة الاتزان الطبيعي إلي الحد الهستيري والذي يعكس عدم الرضا والتسليم لقضاء الله في المصيبة الشخصية. أما البكاء والتأثر الذي لا يخرج عن الحد الطبيعي فلم ينهي عنه. وأما في فادحة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه فلو لطم الإنسان وجهه أو ضرب رأسه مثلا نتيجة شدة التأثر كما يحدث لبعض المؤمنين فهذا من الجزع المستثي كذلك.

مرجع تقليدي يحرم.. فهل أنهي الآخرين؟

11) هل يجوز لمن أفتي مرجع تقليده بحرمة ممارسة معينة يجوزها فقيه آخر، هل يجوز له أن ينهي الآخرين عنها من باب النهي عن المنكر؟

* من الطبيعي أنه لا ينبغي أن تكون هذه المسألة سببا للاختلاف و مثارا للفتنة.

ولا ينبغي للمؤمن أن ينهي أخاه المؤمن الذي يستند في ممارسته للشعائر علي فتوي الفقيه ومرجع التقليد الذي يختلف مع مرجعه. فالمسألة تحتاج إلي التعقل والدقة تفويتا لأسباب النزاع والفتنة .

ص: 31

معني حسين مني وأنا من حسين

12) ما مدلول قول النبي صلي الله عليه وآله : «حسين مني وأنا من حسين » (1) ؟

* هذه الكلمة فترت وكر لها عدة معاني.

الشيخ جعفر التستري رحمه الله هذا الفقيه العظيم الزاهد في كتابه الخصائص الحسينية ذكرها وذكر لها عدة توجيهات (2)، وأتصور أن بعض هذه التوجيهات فيها تكلف وتحتاج إلي قرائن إثباتية بأن هذا هو المراد من هذه الكلمة.

ولعل معني أن الحسين من رسول الله واضح كونه ينحدر منه بواسطة ابنته الزهراء عليها السلام .

لكن « أنا من حسين » هذه الفقرة هي التي تحتاج إلي بيان. والمعروف في تفسيرها أن هذا المعني كنائي لأن بقاء دين النبي صلي الله عليه وآله الذي من أجله جاهد ونافح الكفار وتحمل الأذي والصعاب إنما هو بواسطة الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فأنا من حسين، بمعني: أن بقاء هذا الدين بواسطة الإمام الحسين عليه السلام .

ولكني أيضا أري أن هذا فيه تكلف، والذي اقتنع به أن عقولنا قاصرة عن إدراك حقيقة هذه العبارة، ولا يعني ذلك عدم الاستفادة منها فإن لها معني إجماليا، وهو: إرادة بيان عظمة الإمام الحسين عليه السلام ومقامه الشريف من دون بيان تفاصيل هذه العظمة وهذا المقام. ولا يخفي أنه كما توجد في القرآن الكريم آيات مجملة وأخري مفصلة كذلك الأمر في الروايات الواردة عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

ص: 32


1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص127.
2- الخصائص الحسينية، الشيخ جعفر التستري، ص 30، في العنوان الأول.

التصدق بالأموال أم الإطعام

13 ) يقول البعض: إن التصدق بالأموال علي الفقراء خير من بذلها علي إطعام

الناس أيام عاشوراء، فاذا تقولون؟

* هذا من الخطأ بمكان أن يأتي الإنسان بعقليته المنفردة فيعطي أولويات ويقول: أن أصرف هذه الثلاث مائة دينار من أجل ترميم منزل أو مساعدة محتاج أو شاب مقبل علي الزواج خير من أن تبذل في إطعام الطعام؛ لأن العقلية المنفردة منفصلة عن ملاكات الأحكام.

إطعام الطعام في مصاب وعزاء سيد الشهداء حكم مستحب كاستحباب بقية الأمور المستحبة، فلا ينبغي للإنسان أن يأتي ويقول: إن هذا العمل أفضل من ذلك العمل ؛ لأن هذا يتوقف علي نص شرعي.

المقايسة بين المستحبات وكون هذا العمل مستحبا وأفضل من ذلك العمل في بعض حالاته يحتاج إلي نص شرعي أو من خلال ما يبينه النص الشرعي من مفاضلة في الأجر بين هذا العمل وذاك.

نعم، لا شك في أن نفع المؤمن وقضاء حاجته من القربات العظيمة، لكن ذلك لا يعني أنه يمكننا أن نقايس وندرك أفضليته علي بذل الطعام في مصيبة سيد الشهداء علي ؛ لأنه - كما قلت - يتوقف علي معرفة ملاكات كل عمل مستحب وعقولنا قاصرة عن معرفة ذلك، هذا أولا.

وثانيا لا ننسي أن نفس الإطعام وبذل الطعام له منافع كثيرة، فكم من العوائل الفقيرة التي تجلس علي مائدة سيد الشهداء طيلة هذه العشرة وتوفر علينفسها مصاريف هذه الوجبات، وبذلك يكون الباذل قد حقق غايتين في نفس الوقت، وهما: إطعام الطعام من جهة، ونفع المحتاجين من جهة أخري.

ص: 33

بالإضافة إلي أغراض اجتماعية يحققها الإطعام كاجتماع المؤمنين و تعارفهم الذي يزيد من أواصر المحبة والمودة والإخاء الأمر الذي قد لا يتحقق في المنفعة الفردية في قضاء حاجة المؤمن.

نعم، الأمر الذي ينبغي أن ننبه عليه - مع التأكيد علي استحباب بذل الطعام في عزاء سيد الشهداء - هو أن لا يصل الأمر إلي حد الإسراف فإن الإسراف حرام. « لا تسرف في الماء ولو كنت علي نهر » كما جاء في بعض النصوص. فحتي رمي نواة

الطعام أو ما يفضل من الكوز عدته الروايات من الإسراف (1).

فإذا كان ديننا يحكم بالإسراف علي مثل هذه الموارد فمن من الواضح أن الطعام

الذي يكون زائدا عن الحاجة ويرمي في الحاويات يكون من مصاديق الإسراف المحرم الذي ينبغي تجنبه، وينبغي التدقيق والتنسيق بين المآتم والقيمين عليها وبين الباذلين للطعام لمعرفة القدر المطلوب حذرا من الوقوع في محذور الإسراف.

وأشير هنا إلي أمر جيد وهو وجود لجنة عندنا في منطقة عالي مهمتها تدبير ما يزيد من الطعام وجعله في ظروف وتوزيعه علي البيوتات والناس كي لا يرمي، وهو وسيلة جيدة لرفع هذا المحذور.

ص: 34


1- إشارة إلي ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «أدني الإسراف هراقة فضل الماء، وابتذال ثوب الصون، وإلقاء النوي» وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 5، ص 51 باب 28 من أبواب الصلاة، ح 1. الكوز: إناء للشرب كالكأس.

هل قال الإمام الحسين عليه السلام ياسيوف خذيني

14) ما صحة نسبة هذا القول إلي الإمام الحسين عليه السلام : إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني» ؟

* هذه الكلمة التي قد تنسب إلي الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وهي من المشهورات التي ليس لها مصدر بحسب التتبع في كل ما جاء عن الإمام الحسين في كلماته وخطبه.

وهي بيت من الشعر للشاعر الشيخ محسن أبو الحب (1).

لكن كيف ما كان، فهي تعبير عن لسان حال الإمام وفيها بيا لمدي استعداده عليه السلام للتضحية والفداء لحماية ونصرة دين النبي صلي الله عليه وآله ، حتي لو توقف ذلك علي حياته.

نعم، من الواضح أنه لا يمكن نسبة هذا الكلام إلي الإمام الحسين ولو كان مناسبا الحال الإمام طالما أنها لم ترد في كلماته حتي لا نقع في محذور الكذب عليهم عليهم السلام ، وإن جاز ذكره مع التنبيه علي أنه جاء علي لسان حال الإمام عليه السلام .

ص: 35


1- الشيخ محسن الحائري المعروف ب (أبو الحب) ولد في كربلاء سنة 1225 ه، ومات أبوه وهو طفل صغير فنشأ يتيما فقيرا، عرف بالفطنة والنباهة، كانت له شديد الحب للحضور في مجالس الشعر والأدب مما أو قد قريحته الشعرية ممزوجة بالولاء لأهل البيت عليهم السلام فصار بفطنته ينشد العذب من الشعر الذي كان يحاكي الواقع لا سيما إذا ما سطر أبياته في شأن الحسين عليه السلام وما جري عليه. عرف بأبي الحب لأنه أصيب بمرض السعال وضيق الصدر فعمل له بعض الأطباء حبا يهون عليه ما ابتلي بمرض، فكان يحمله معه ويعطي منه من ابتلي بذلك الداء فعرف بأبي الحب. وهو إضافة إلي كونه شاعرا كان خطيبا بارعا يشعل قلوب المؤمنين حرقة علي مصائب أهل البيت عليهم السلام حتي وافاه الأجل في يوم الإثنين من ذي القعدة سنة 1035ه بعمر ثمانين عاما. (مختصر من نبذة كتبها عنه حفيده الشيخ محسن أبو الحب المتوفي عام 1367 ه). وللشيخ ديوان طبع طبعته الأولي في عام 2003م بعنوان: (ديوان الشيخ محسن أبو الحب (الكبير) المتوفي 1305 ه- 1887ه) وقد كتب علي غلاف الديوان هذه العبارة: صاحب القول الخالد علي لسان الحسين عليه السلام : إن كان دين محمد لم يستقم *** إلا بقتلي يا سيوف خذيني. أما البيت فقد ورد في قصيدته المعنونة بعنوان بيضة الإسلام برقم (80)، في الصفحة 168 من الكتاب، ومطلعها إن كنت مشفقة علي دعيني *** مازال لومك في الهوي يغريني لا تحسبي أني للومك سامع *** إني إذا في الحب غير أمين إلي أن يقول في البيت 23 من هذه القصيدة (إن كان دين محمد لم يستقم *** إلا بقتلي يا سيوف خذيني)

زينب تعاتب الحسين والعباس!

15) بعض الخطباء يأتي بأبيات شعرية علي لسان السيدة زينب تعاتب فيها إخوتها علي الحال الذي أصبحت فيه وأنهم تركوها للذل وآلهوان، ألا يتنافي ذلك مع مقامها سلام الله عليها؟

* هذا من الخطأ، وللأسف بعض القرائح الشعرية لا تلتفت إلي هذا الخطأ كمثل الشعر الدارج الذي يصور الإمام الحسين يخاطب الإمام الحسن سلام الله عليهما معاتبا:

ما قلت لك يا وارث علوم النبوة *** أقطع ولا تواصل عديمة هلمروة

فهذا الكلام ليس مناسبا. ولسان الحال لا يبرر الاستفادة السلبية من هذا الأمر، ولابد من أن يلاحظ ويراعي في الإنشاد بلسان الحال المقام الذي يتوفر عليه الشخص الذي ننشد الشعر بلسان حاله. فليس من الصحيح أن نعبر بلسان الحال عن الإمام الحسين عليه السلام ونظهره بصورة المستنجد أو المتبرم مثلا، وكذا الحال بالنسبة إلي الحوراء زينب عليها السلام التي قال في حقها الإمام المعصوم حجة الله زين العابدين عليه السلام أنها عالمة غير معلمة (1) . فلابد من أن نراعي هذا الجانب حتي لا نقع في محذور التوهين والتقليل من مقامهم سلام الله عليهم (2) .

ص: 36


1- ورد علي لسان الإمام زين العابدين عليه السلام عند احتجاجه علي أهل الكوفة بعد أن خطبت عليها السلام خطبتها المعروفة : «وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة » في عدد من المصادر، منها: الاحتجاج، الطبرسي، ج 2، ص31.
2- وهنا مسؤولية كبري تقع علي عاتق الشعراء و الرواديد والخطباء وغيرهم، فمن ينتج الشعر ومن يردده لا بد من أن ينتقي القصائد والمقاطع المؤثرة مع الحفاظ علي خلو هذه القصائد الجديدة عن ما فيه استنقاص من معصوم أو تحريف التاريخ أو تصوير لما لم يحدث وما شاكل هذا كي لا يضيع الحق بين الباطل ويحافظ علي مقام المعصومين ولا تضيع الأهداف التي كانوا يجاهدون من أجل إحيائها.

ضابطة الشعائر المشروعة

16) ما هي الضابطة في معرفة الشعائر الحسينية المشروعة ؟

* تنقسم الشعائر الحسينية إلي قسمين:

القسم الأول: الشعائر المنصوصة التي جاء النص عليها:

كقول الشعر في الحسين صلوات الله عليه «من قال فينا بيت شعر بني الله تعالي

له بيتا في الجنة » (1) .

والبكاء والإبكاء: «من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه مقدار جناح ذبابة، كان

ثوابه علي الله عز وجل، ولم يرض له بدون الجنة » (2).

فالرثاء الذي هو عبارة عن قول الشعر وإنشاءه في الإمام الحسين صلوات الله

وسلامه عليه أمر متعارف من زمن أئمتنا إلي زماننا هذا، وهو الجاري والمتعارف بين الشيعة حيث يأتي الخطيب والراثي ويذكر الشعر الذي يذكر الناس بمصيبة سيد الشهداء وما حل عليه وعلي أهل بيته عليهم السلام ، فهو أمر مستحب منصوص. وكذا البكاء، أي: إيجاد حالة البكاء الذي يكون بذكر مصيبة الحسين عليه السلام بشكل تفصيلي حيث يؤدي إلي التأثر والبكاء من باب تعلق الطلب بالسبب وإرادة المسبب. (3)

ص: 37


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص 597، باب 105 من أبواب المزار وما يناسبه، ح1
2- كامل الزيارات، بن قولويه القمي، ص 202، باب 32 ثواب من بكي علي الحسين عليه السلام، ح 3. وكذا ما ورد عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا أبا عمارة أنشدني في الحسين بن علي عليه السلام قال: فأنشدته فبكي قال: ثم أنشدته فبكي، قال: فو الله ما زلت أنشد هويبكي حتي سمعت البكاء من الدار، فقال لي : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين شعرا فأبكي خمسين فله الجنة ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكي أربعين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكي ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكي عشرين فله الجنة ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكي عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكي واحدا فله الجنة، ومن أنشد فيا لحسين شعرا فبكي فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فتباكي فله الجنة » وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص 596، باب 104، من أبواب المزار وما يناسبه، ح 1.
3- هذا الاصطلاح يذكر في المجاز المرسل وهنا لا يوجد مجاز وإنما أراد التنظير به لعدم وجود عبارة في البين، وتقريبه؛ يذكر الناعي مصيبة الحسين عليه السلام بتفاصيلها لغرض تحقيق البكاء والإبكاء والتأثر علي مصابه؛ وهنا كان ذكر المصاب سبب الحصول و تحقق التأثر والبكاء والإبكاء. فالبكاء والإبكاء مسبب عن ذكر المصاب، وذكر المصاب سبب للبكاء والإبكاء، فالناعي يطلب السبب ويريد تحقق المسبب.

زيارة الحسين سلام الله عليه، هذه شعائر منصوصة ومستحبة للدليل الخاص (1).

وقراءة زيارة عاشوراء (2) في أي وقت وخصوصا في هذه الأيام أمر مطلوب. فهذه نماذج من الشعائر المنصوصة الواردة بالدليل الخاص.

القسم الثاني: وهو الشعائر غير المنصوصة، أي: المستجدة والمستحدثة. وهذه الشعائر نشترط في شرعيتها ومطلوبيتها شرطين:

الشرط الأول: أن تكون أسلوبا عرفيا للتعبير عن الحزن؛ بمعني أن تكون في نظر عامة الناس أسلوبا معبرا عن الحزن والكآبة كلبس الثوب الأسود؛ فإن الثوب الأسود في عادة الناس والمجتمعات يمثل شعار الحزن.

الشرط الثاني: أن لا تكون هذه الشعيرة المستجدة سببا لإدخال الضعف والتوهين والتجريح أو الاستغلال وسوء التوظيف ضد شيعة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

فإذا ما توفر هذان الشرطان عندها تدخل هذه الشعيرة المستحدثة تحت عموم قولهم عليهم السلام : «كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام » (3).

فإذا الدليل علي مشروعية الشعائر إما أن يكون نصا خاصا، وإما أن يكون دليلا عاما، لكن هذا الدليل العام يلزم في تطبيقه هذين الشرطين.

ص: 38


1- الروايات الواردة في فضل زيارته والمشي إلي زيارته واردة بعدد كبير جدا فلتراجع المصادر للاطلاع علي فضلها.
2- المزار، المشهدي، ص480 زيارة يوم عاشر. ولا كلام في سند و مضمون هذه الزيارة، فكلاهما صحيح.
3- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص505، باب 66 من أبواب المزار وما يناسبه، ح10.

هل العزاء إستعراض

17) البعض يقول: إن العزاء الذي يقوم به الشيعة أشبه بالإستعراض المنظم علي إيقاعات معينة ولطم موحد وهو بعيد عن الحزن والجزع الفطري العفوي، فهل هذا حزن أم تمثيل؟

* هذا الكلام ليس علي إطلاقه صحيح، فهناك بعض القصائد وبعض الرواديد سواء من حيث الكلمات أو من حيث الأداء تكون القصيدة مؤثرة ومهيمنة علي المستمعين ومهيجة لهم حزنا علي سيد الشهداء عليه السلام بحيث لا يملكون إلا أن يتأثروا.

نعم، لا يخلو الواقع من وجود بعض اللطميات التي لا تتناسب مع مقام الإمام

الحسين عليه السلام وعظم المصيبة.

والضابط هو أن نلحظ الكلمات بحيث تكون مناسبة مع الحدث ومع مقامهم عليه السلام ، وأن نلحظ الأداء بحيث يكون بصوت حزين ورجولي بعيد عن التميع وترقيق الصوت.

وأود هنا أن أقول هذه الكلمة :

الملاحظ علي عزاءنا أنه ابتعد عن القصائد التقليدية تماما وأخذ الرواديد يلقون قصائد قد لا تعكس مصيبة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كما ينبغي ولا تصور الفاجعة كما يجب خلافا للقصائد الخالدة المعروفة لمثل الشريف الرضي، أو الشيخ كاشف الغطاء، أو السيد حيدر الحلي أو غيرهم من أصحاب القصائد الخالدة. فأنا أدعو أن يكون الطابع العام لقصائد العزاءكهذه القصائد المعروفة وليس قصائد أشبه ما تكون بالكلمات المتقاطعة المتناثرة التي تفتقد لعامل إثارة العاطفة الصادقة النابعة من التأثر بهذه الفاجعة العظيمة.

ص: 39

من كربلاء... رسالة إلي المرأة المؤمنة

18) ما هي الرسالة التي توجهها كربلاء للمرأة المؤمنة؟

* في واقعة كربلاء هناك الكثير من الدروس والقيم فهي مدرسة مترعة بالقيم

والمبادئ، واستحضار هذه المبادئ أمر مهم للرجال والنساء.

فحينما نقرأ كربلاء نجد الإمام الحسين - صلوات الله وسلامه عليه - حينما يودع نساءه وحريمه الوداع الأخير يوصيهن وعياله بالصبر وشد الأزر (1) وهذه مسألة مهمة جدا ينبغي أن تلتفت إليها المرأة المؤمنة، فالإمام الحسين عليه السلام مع ما به من مصاب ومع ما هو فيه من ظرف نفسي يؤكد علي نساءه وعياله وهن ربات الخدر وربات الحشمة وربات الخفارة (2) يؤكد علي أن لا يتساهلن بالستر وبالخدر، يقول عليكن بشد الأزر، بمعني: أن يبالغن في الستر والاحتشام.

وهذه وصية الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه إلي كلمؤمنة ومسلمة .

فعلي المرأة المؤمنة أن لا تستهين بخدرها وسترها وعفتها في أي حال من الأحوال، - وخصوصا- وهي تحضر مجالس إحياء مصيبة سيد الشهداء، عليها أن تلتفت إلي هذا الأمر وتستحضره دائما وتقتدي بالحوراء زينب وبنات بيت النبوة كي تصون نفسها وتحفظ عفتها وتدخل السرور علي قلب الإمام الحسين عليه السلام الذي كان يهدف من خلال شهادته إلي إحياء هذه المبادئ والقيم والمحافظة عليها.

ص: 40


1- إشارة إلي قوله عليه السلام لأهل بيته في الوداع الأخير: «وأمرهن بالخلود إلي الصبر والتسليم لقضاء الله قائلا:» استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالي حاميكم و حافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلي خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولاتقولوا بألسنتكم ماينقص قدركم » مقتل المقرم، ص276.
2- انظر هامش: 28.

هل ألقي الحسين عليه السلام نفسه في التهلكة

19) يقول البعض: إن خروج الحسين عليه السلام ضد يزيد مع الفارق الكبير في كفة الجيشين يعد من مصاديق إلقاء النفس في التهلكة الذي نهت عنه الآية (1) ، في تقولون؟

* هذه من جملة الإشكالات التي أثارتها بعض المدارس الأخري علي الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.

وخلاصة الإشكال أن الإمام الحسين عليه السلام لم يكن مطلوبا منه أن يواجه يزيد مع علمه بقلة عدد ناصريه وكثرة جيش يزيد؛ لأن هذا يعد من مصاديق إلقاء النفس إلي التهلكة وإلقاء النفس إلي التهلكة حرام.

أقول: هذا الإشكال الصادر من قبل البعض مغالطة متعمدة حيث لا يريدون أن يفصحوا عن النوايا والتصورات التي يحملونها عن سيد شباب أهل الجنة فيغلفون كلامهم بهذا الغلاف الخطير، أي: الغلاف الديني وأن عمل الإمام الحسين عليه السلام أشبه ما يكون بالعمل الانتحاري والعياذ بالله.

وبشكل مختصر: إن معني إلقاء النفس في التهلكة هو أن يقوم الإنسان بعمل ينتهي به إلي إهلاك نفسه من دون مبرر شرعي، كأن يلقي الإنسان بنفسه من شاهق، أو أن يشرب دواء يؤدي به إلي الموت، أو أن يعذب نفسه إلي حد الموت أو الإضرار بالنفس ضررا بليغا من دون أي مبرر شرعي.

وأما إذا كان الإقدام علي عمل يؤدي احتمالا أو يقينا إلي هلاك النفس لأجل هدف أعلي وأسمي كإنقاذ نفس محترمة مشرفة علي الهلاك فإن هذا الفعل مبرر شرعا حيث قد أمر الدين بذلك.

ما تقول فيمن يذهب إلي ساحات الجهاد والقتال ويحتمل أو يتيقن أنه يقتل؟

فهل هذا من مصاديق إلقاء النفس إلي التهلكة؟!

ص: 41


1- «وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » سورة البقرة: 195.

من الطبيعي أنه لا يوجد من يجرأ علي قول مثل ذلك والأمر واضح حيث إن الدين قد أوجب الجهاد و حرم الفرار من الزحف وتولية البر من ساحات القتال.

فإذا ليس كل عمل يؤدي إلي الموت يكون داخلا تحت الآية التي تحرم إلقاء النفس إلي التهلكة، بل إن الآية ناظرة إلي الأعمال التي لا يوجد لها مبرر شرعي.

والعمل المبرر شرعا تارة يكون لأجل غاية جزئية كإنقاذ النفس المحترمة، وتارة يكون لأجل غايات وأهداف كبري كإحقاق الحق وإبطال الباطل وتعرية الظالمين الذي يكون له فوائد ومكتسبات عظيمة في حفظ الدين وصيانته وهو الأمر الذي قام به سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه الذي هو المعصوم الأعرف والأعلم بتكليفه الشرعي من كل أحد حيث جاء في الحديث الشريف بأن لا تتقدموا عليهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (1)

ص: 42


1- رود هذا المقطع في عدة أحاديث مختلفة منها ما عن رسول الله صلي الله عليه وآله : « إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لاتعلموهم فإنهم أعلم منكم » وما عنه صلي الله عليه وآله : «الأئمة من أهل بيتي، لاتعلموهم فإنهم أعلم منكم». بصائر الدرجات، الصفار، ص69. الكافي، الكليني، ج 1، ص209. كمال الدين و تمام النعمة، الصدوق، ص 662، وغيرها.

الجدل حول محمد بن الحنفية

20) كثر الجدل والكلام حول شخصية محمد بن الحنفية وخصوصا عن سر بقاءه في المدينة وعدم خروجه مع الحسين عليه السلام ما بين مبرر لذلك وما بين متحفظ و متوقف.. فها هو تقييمكم هذه الشخصية؟

* الكلام في محمد بن الحنفية وموقفه من ثورة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وتقييم موقفه في هذا المقطع الزمني من حياته يتطلب منا أن نقف عند نقاط :

1. هل كان من المناسب أن يقدم النصح للإمام الحسين عليه السلام بأن لا يخرج ولو كان من باب الخوف والشفقة؟!

إن الموقف المناسب ولو من باب الأدب هو أن لا يقدم النصيحة إلي الإمام المعصوم ، فالمعصوم هو العارف بالمصلحة وهو الأعرف والأقدر علي تشخيص وتعيين موقفه، فهو لا يحتاج إلي من ينصحه؛ لأن هذه النصيحة أشبه ما تكون بتسديد لموقفه وأن في موقفه نحو من الخطأ ونحو من مخالفة المطلوب فيأتي الناصح ويسدد له هذا الخطأ.

وهذا في الواقع يكشف أنهم كانوا لا يمتلكون بصيرة قوية بالإمام المعصوم فإن

الإمام المعصوم مسدد من قبل الله ولا يخفي عليه الرأي وهو الأقدر علي تشخيص وتعيين وظيفته، ولذلك نجد أن الإمام الحسين عليه السلام أظهر هذا الكلام لبعض الناصحين له حيث قال عليه السلام : «لا يخفي علي الرأي » (1).

قال له: «لا يخفي علي الرأي »، بمعني أني لست ذلك الإنسان الذي يحتاج إلي

ص: 43


1- لما مر ببطن العقبة أثناء مسيره إلي كربلاء، فنزل فيها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمرو بن لوذان فقال: أنشدك الله يا ابن رسول الله لما انصرفت، فوالله ماتقدم إلا علي الأسنة وحد السيوف، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال وو طؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا . فقال عليه السلام : « يا عبد الله، لا يخفي علي الرأي، ولكن الله تعالي لايغلب علي أمره » ثم قال عليه السلام : والله لا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل فرق الأمم . إعلام الوري بأعلام الهدي، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 447.

من ينصحه أو يبين له الموقف أو يسدده بل أنتم الذين تحتاجون إلي نصيحتي. فهو الإمام المعصوم الذي يمتلك الرؤية الواضحة التي تعتمد علي التسديد الإلهي فليس بحاجة إلي الشخص الناقص كي يرشده إلي تكليفه .

ولكننا مع ذلك نبرر أن هذه النصيحة جاءت نتيجة الخوف والشفقة علي الإمام

الحسين عليه السلام !.

2. ثم إننا نتساءل في شأن محمد بن الحنفية رحمه الله وغفر له، هل يوجد مبرر

مقنع لتخلفه عن نصرة الحسين عليه السلام ؟!

الباحثون ذكروا مبررين:

المبرر الأول: هو أن الإمام الحسين أوصاه أن يكون له عينا علي المدينة. هذا المبرر عليه بعض الملاحظات:

الملاحظة الأولي: هو أن الثقل السياسي الذي كان يواجهه الإمام الحسين لم يكن في المدينة بل كان في الكوفة والشام. وليس هناك ثقل سياسي في المدينة أو مكة يتطلب من الإمام الحسين أن يبقي محمد بن الحنفية عينا له.

نعم لو طلب منه أن ينتقل إلي الشام - مثلا - ويوافيه بتحركات بني أمية أو في الكوفة ويوافيه بتحركات الجيش الأموي لكان هذا معقولا، أما المدينة التي لم تكن ذات مواجهة سياسية مع الإمام الحسين فلا معني لأن يبقي محمد بن الحنفية عينا فيها.

الملاحظة الثانية: علي هذا التبرير هو أنه لم يرد في الكتب المعتبرة كما في ذهني ولا يوجد مصدر موثوق ذكر هذا التبرير وإن كان ذلك يحتاج إلي مزيد تأكد (1)

ص: 44


1- نعم ورد النص التالي في البحار، ج 44، ص 329 نقلا عن الشيخ المفيد «فقال الحسين عليه السلام : « يا أخي والله لو لم يكن ملجأ، ولا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد ابن الحنفية الكلام و بكي، فبكي الحسين عليه السلام معه ساعة، ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا، فقد نصحت و أشرت بالصواب، وأنا عازم علي الخروج إلي مكة، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم ، إلا أننا لم نعثر علي هذا النص في كتب الشيخ المفيد التي تحت أيدينا.

الملاحظة الثالثة: أنه من غير المعقول أن يبقي الإمام الحسين محمد بن الحنفية عينا له في المدينة مع علمنا أن محمد بن الحنفية لا يمتلك تلك القدرة والقوة ليرسل الأخبار إلي الإمام الحسين أولا بأول، مع حراجة الظرف الذي كان يمر به الإمام الحسين عليه السلام ووضع المسالح (1) لنقاط التفتيش علي الطرق العامة بحيث كانوا يوقفون ويفتشون أي شخص كان لوحده أو يرتابون في شأنه وهذه المسألة واضحة وثابتة تأريخيا (2) ، فإن وسائل التواصل تحتاج إلي أن يكون لدي محمد بن الحنفية قدرة من حيث العدد بحيث ينصب علي رأس كل مسافة شخص حتي يتم إرسال هذه الرسائل إلي الإمام الحسين عليه السلام أولا بأول كما فعل ابن زياد مع أهل الكوفة وفي طريق كربلاء فكانت المسافات قصيرة بين الأشخاص، والرسائل يتم استلامها يدا بيد بسرعة إلي أن تصل إلي الجهات المقصودة سواء في كربلاء أو الكوفة، فهذا أمر ممكن ومتاح لابن زياد حيث كان يمتلك القدرة والقوة وكانت بيده السلطة، أما محمد بن الحنفية فلا يعقل فيه هذا الأمر فكيف يجعله الإمام عينة له علي المدينة.

فإذا مع هذه الملاحظات نجد أن هذا التبرير غير صحيح وغير مقبول.

التبرير الثاني: هو ما يذكر من مرضه، بأنه كان مريضا ومصابا بالفالج (3) ، وهذا كلام شائع بين أهل المنبر .. ولكن هل بالفعل كان مرضه يمنعه من اللحوق بالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أو أن هذا سبب واضح إلي أن يترك الجهاد ونصرة الإمام الحسين ؟!!

كل ما هناك والذي يذكر أنه أصيب بفالج في يده، وهذا لا يمنع من أن يخرج مع الإمام الحسين عليه السلام ، لأن هناك في واقعة كربلاء من كان أسوء من محمد بن الحنفية من حيث الضعف وعدم القدرة، أمثال: مسلم بن عوسجة الذي وصل إلي

ص: 45


1- تاريخ الطبري، ج 4، ص 303. والمسلح: واحد المسالح، وهي المواضع العالية تستخدم للمراقبة، وهي باصطلاح اليوم نقاط تفتيش.
2- ويعرفون بأصحاب المسالح.
3- فالج: داء معروف، يحدث في أحد شقي البدن طولا، فيبطل إحساسه و حركته، وربما كان في الشقين، مجمع البحرين: مادة فلج. والفالج بمصطلح اليوم هو الشلل فقد يكون لنصف بدن الإنسان أو كله أو بعض أجزائه كاليد مثلا.

التسعين، وأنس بن مالك الذي كان أيضا مع الإمام الحسين عليه السلام وكان شيخا طاعن السن محدودب الظهر، ولما خرج للقتال شد حاجبيه بعصابه حتي بكي واستعبر له الإمام الحسين عليه السلام . هؤلاء كانوا أضعف حالا من حيث الشيخوخة والسن ولكن مع ذلك لم يتقاعسوا عن نصرة الحسين عليه السلام ، ومحمد بن الحنفية كيف ما كان لم يكن في سن الخمسين بل عمره أقل من ذلك فتوجد عنده القدرة البدنية وليس هناك ما يثبت مرضه.

3. عندنا رواية وهذه الرواية لا يبعد اعتبارها من حيث السند، فقد سأل حمزة بن حمران الإمام الصادق عليه السلام عن محمد بن الحنفية وجماعة بني هاشم الذين تخلفوا عن الإمام الحسين عليه السلام فأجابه الإمام الصادق عليه السلام : «يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا » (1) ، بمعني: إن الذي سأقوله لك يرفع عنك كل هذه الإشكالات ويرفع عنك هذه الحيرة، إن الحسين عليه السلام لما فصل متوجها، أمر بقرطاس وكتب: « بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلي بني هاشم، أما بعد، فإنه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام » (2) .

هذه الكلمة الوجيزة والكتاب الوجيز الذي أرسله الإمام الحسين علية السلام إلي أخيه محمد بن الحنفية وجماعة بني هاشم واضح أنها رسالة استنهاضيه، فهو يستنهضهم ويقول من لحق بنا استشهد، ومن الواضح جدا أنه في صدد استنهاضهم وإلا لما كان من معني أن يقول لهم: من لحق بنا.

فإذا الإمام الحسين استنهض محمد بن الحنفية وطلب نصرته.. فلو كان مريضا أو غير قادر علي حمل السلاح أو غير ذلك لما كان من معني في أن يستنهضه الإمام الحسين عليه السلام ويطلب نصرته.

وأمر آخر.. لو كان مريضا لم يكن معني لأن يقول الإمام الصادق لحمزة بن حمران أقول لك قولا لا تشك فيه بعد ذلك: إن الإمام الحسين كتب إلي بني هاشم

ص: 46


1- الملهوف علي قتلي الطفوف، السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن طاووس، ص 129.
2- الملهوف علي قتلي الطفوف، السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن طاووس، ص 129.

من لحق بنا إلي آخره.. فإن الأولي لو كان كذلك أن يجيب السائل أن محمد بن الحنفية كان مريضا لا يستطيع الجهاد والقتال.. لكنه لم يجب بهذا الجواب بلذكر أن الإمام الحسين كاتبه و استنهضه هو وبني هاشم ولكن هؤلاء لم يتجاوبوا مع كتاب الإمام الحسين عليه السلام .

4. والأمر الآخر الغريب والملفت للنظر - وهو أمر يستوقفنا بلا شك - أن عبد الله بن جعفر سلام الله عليه كان أعمي فاقد البصر، ونحن نعلم أن الجهاد يسقط عن الأعمي فهو ليس مثل الضعف أو الشيخوخة؛ لأنه أمر أشد فاصطحابه عبي علي من يصطحبه لأنه يحتاج إلي من يوجهه ويعينه، فعبد الله بن جعفر لكونه أعمي كان معذورا لكنه بعث بولديه إلي القتال واستشهدا مع خالهما الإمام الحسين عليه السلام ، كما أننا نجد في موقفه تعظيما وبصيرة في حق الإمام الحسين (1) عليه السلام لا يمتلكها محمد بن الحنفية، فإنه كتب للإمام الحسين مشفقا من خروجه، قال: «إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإني في إثر كتابي، والسلام» (2) ، فهو يري الإمام الحسين نور هداية وهذه بصيرة بالإمام بلا شك، ومن جهة أخري لما بلغه استشهاد ولديه مع الإمام بكي وتأثر، فقال له مولاه أبو السلاسل : هذا ما لقينا من الحسين فلما سمع عبد الله بن جعفر هذا الكلام حذفه بالنعل وقال أمثل هذا تقول للحسين والله إني وددت لو أكون معه فأواسيه بنفسي، لكن الذي يهون ما بي أني واسيته بولدي.. في الوقت الذي لم يثبت أن محمد بن الحنفية قد بعث أحدا من أولاده الثمانية لنصرة الإمام!.

ص: 47


1- كما ورد في الكامل، لابن الأثير، ج 4، ص 89. «لما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه يعزيه والناس يعزونه، فقال مولاه: هذا ما لقيناه من الحسين ! فحذفه ابن جعفر بنعله وقال: يا بن اللحناء [أي: المرأة المنتنة الفرج] أللحسين تقول هذا!! والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتي أقتل معه، والله إنهما لما يسخي بنفسي عنهما ويهون علي المصاب بها أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه، ثم قال: إن لم تكن است الحسين يدي فقد آساه ولدي.
2- تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، محمد بن جرير الطبري، ج 4، ص 291.

5. كذلك مسألة ذهاب محمد بن الحنفية إلي يزيد بعد ما ارتكبه في حق الإمام الحسين علية السلام (1) من الأمور التي نتوقف عندها .. صحيح أن الكلام الذي جري بينهما يعكس تأذي محمد بن الحنفية من كلام يزيد حيث مدح يزيد محمد بن الحنفية وعرض بالإمام الحسين عليه السلام بما مضمونه أنت لست كذلك (الأخرق) أي: الذي الا عقل له -والعياذ بالله -.

لكن علي أي حال، أصل الدخول علي يزيد بعد كل الجرائم التي اقترفها مؤاخذة

وأمر مستغرب في حق بن الحنفية وإن كنا لا نعلم ظروفها، بالإضافة إلي قبوله المال الذي أعطاه إياه يزيد (2).

6. هناك كذلك تهمة لدي بعض الباحثين وهي أن محمد بن الحنفية كانت تنازعه نفسه للإمامة، ويحاول البعض أن يصور تحاكمه مع الإمام زين العابدين إلي الحجر الأسود أنه كان من أجل أن يبين للناس أن زين العابدين هو الإمام وليس ابن الحنفية، ولكن - بطبيعة الحال - هذا علي خلاف ظاهر القضية، فظاهر القضية أنه ادعي الإمامة لنفسه حتي طلب منه الإمام زين العابدين أن يتحاجا إلي الحجر الأسود كي يثبت من هو الإمام (3) .

كل هذه الملاحظات توجب التوقف في شخصية محمد بن الحنفية وهي علامات

وأمور مريبة في شخصيته اتجاه قضية كربلاء وواقعة الإمام الحسين عليه السلام .

ص: 48


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج45، ص 320.
2- كذلك إجابته للبيعة بعد أن طلبها منه يزيد ومناداته بإمرة المؤمنين، كما هو مذكور في بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج 45، ص 326 و 327.
3- الكافي، الكليني، ج 1، ص 348، باب ما يفصل به بين دعوي المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح 5.

التجديد في الشعائر

21) هل الشعائر الحسينية أمور توقيفية لا يصح الابتداع والتجديد فيها؟

* الشعائر الحسينية ليست جميعها توقيفية فلا بأس بما يستجد ويستحدث شريطة توفره علي هذين الشرطين وهما:

أن تكون الممارسة في نظر العرف أسلوبا للتعبير عن الحزن والتأثر .

وأن لا تكون سببا لإدخال الوهن والتضعيف والتشويه أو التوظيف السلبي ضد شيعة أهل البيت عليهم السلام والمذهب الحق، فمتي ما توفر هذان الشرطان فلا بأس بالشعيرة المستحدثة .

زينب عليها السلام و عصمتها الصغري

22) يقال: إن فخر الهاشميين العقيلة زينب عليها السلام معصومة بالعصمة الصغري ، فما المقصود بالعصمة الصغري؟

* العصمة علي نحوين: عصمة لطفية وعصمة كسبية .

العصمة اللطفية هي التي يوجدها الله في الأنبياء والأئمة عليهم السلام .

بينما العصمة الكسبية هي التي ينالها الإنسان من خلال تهذيبه لنفسه وخوفه من ربه واستحضاره لله استحضارا يقينيا وواعيا، فإن الاستحضار الواعي والوجداني الله عز وجل في كل السكنات والحركات يمنع الإنسان من أن يمارس الذنب. ولذا تري أن علماء الأخلاق في سبيل أن يمتنع الإنسان عن المعصية يرشدونه إلي استحضار الله في كل الآنات، وهذا هو المقصود بالعصمة الصغري التي كانت تمتلكها الحوراء زينب سلام الله عليها.

ص: 49

رأس الحسين عليه السلام يقرأ القرآن

23) ينقل أن رأس الحسين عليه السلام قد قرأ الآية المباركة: « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا » (1) فلماذا قرأ الإمام هذه الآية وما دلالة هذا الامر؟

* من الواضح أن أصحاب الكهف وهم الفتية الذين آمنوا بربهم كان أمرهم في حد ذاته عجب لولا الإرادة الإلهية. أن ينام الإنسان هذه الفترة الطويلة بلا طعام ولا شراب، ولا لحاف يقيه البرد ولا تهوية تقيه الحر ويبقي حيا يتقلب ذات اليمين وذات الشمال رغم هذه الظروف ورغم السنين الطويلة من الواضح أن هذا أمر عجيب.

والإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه حينما تكلم رأسه الشريف (2) فإن هذا بحسب المنطق والوضع الطبيعي كذلك أمر عجيب فإن الرأس حينما يفصل عن الجسد فإنه يموت. ولكن كما أن القدرة الإلهية تجلت في شأن أصحاب الكهف كذلك كان الأمر بالنسبة إلي الإمام الحسين عليه السلام .

وهذه قضية تحليلها واضح.. فإن الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يثبت للناس

وللعالم ولمن كان قد خرج للتفرج علي رأس الحسين عليه السلام وبنات رسول الله صلي الله عليه وآله بدعوي أنهم خوارج وكفار، وأنهم ممن خرجوا علي يزيد وحكمهم السبي.. أراد أن يكشف من خلال الإعجاز الإلهي هذه التضليلات والإشاعات والتمويهات التي مارسها الجهاز الأموي لإعطاء الشرعية لأنفسهم والتغطية علي الجريمة التي ارتكبوها في حق الحسين عليه السلام وأهل بيته. فإن الذي يقرأ القرآن أمام الناس هو عدل القرآن وهو ربيب القرآن وهو ابن بنت النبي صلي الله عليه وآله وهو من قام الدين علي ساعد أبيه، وهذه الآية فيها إخبار للناس أن لا يظنوا أن الذي يرونه نوع من الشعوذة والسحر بل إنه إعجاز إلهي تماما كما حدث لأصحاب الكهف، ولذلك فإن زيد بن أرقم حينما سمع الرأس الشريف قال ورأسك يا بن رسول الله أعجب.

ص: 50


1- سورة الكهف: 9.
2- عن زيد بن أرقم أنه قال: مر به علي وهو علي رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ: « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا » فقف [قام من الفزع] والله شعري، وناديت: رأسك والله - يا ابن رسول الله - أعجب وأعجب. الإرشاد، الشيخ المفيد، ص 233.

حول مقولة: كل أرض كربلاء و كل يوم عاشوراء

24) عبارة (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)، البعض يري صحة العبارة والبعض يرفضها بدعوي خصوصية يوم عاشوراء وأرض كربلاء وعدم صحة مقايستهما بشيء آخر، فما هو الصحيح؟

* لا يريد القائلون بهذه العبارة تنزيل كل أرض بمنزلة كربلاء ولا تنزيل كل يوم منزلة يوم عاشوراء، ولكربلاء مكانتها وليوم عاشوراء مكانته ولا يمكن أن يضاهي أي مكان بكربلاء، أو يضاهي أي يوم بعاشوراء، فلكربلاء خصوصيتها وليوم عاشوراء خصوصيته، وإنما هذه العبارة يراد بها الكناية عن ذلك المعني من استمرار الصراع بين الحق والباطل وأن هذا الصراع - بين الحق والباطل وبين النور والظلام - مستمر وباق . هذا هو المقصود من هذه العبارة، فمن يطلق هذه العبارة لا يريد أن يقول: إن كربلاء هذه الأرض المقدسة العظيمة كأي أرض أخري إنما هذا معني كنائي يراد به بيان استمرارية الصراع بين الحق والباطل مادام الإنسان باقيا علي وجه الأرض، وهو معني طبيعي جدا وليس فيه أي تقليل من شأن كربلاء أو شأن يوم عاشوراء .

ص: 51

من أساليب استدرار الدمعة

25) بعض الخطباء يحاول استدرار الدمعة بقوله: إن من له حاجة فليبك علي

الحسين عليه السلام ، هل هذا الأسلوب صحيح؟

* المطلوب هو البكاء علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، فالذي ورد ودل عليه الدليل أن الثواب والأجر إنما يكون علي نفس البكاء والتباكي علي سيد الشهداء.

أما أن يبكي الفرد لطلب أن تقضي له حاجته أو يبكي لأمر آخر فإنه لا يحصل علي ثواب البكاء المطلوب حيث إن بكاءه لم يكن متعنونا بعنوان البكاء علي الحسين بل يكون داخلا تحت عنوان التضرع إلي الله سبحانه وتعالي، وهو وإن كان مطلوبا لكن لا يشمله ثواب البكاء علي سيد الشهداء عليه السلام .

ولعل مراد الخطباء أنهم يريدون إبكاء المؤمنين علي سيد الشهداء ويجعلون هذا البكاء شافعا ووسيلة إلي الله في قضاء حوائجهم، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه وهو أن يكون البكاء وسيلة إلي الله في قضاء الحوائج لا أن يكون المحرك للبكاء هو نفس الحاجة.

ص: 52

رجوع السبايا في الأربعين

26) هل فعلا رجع ركب السبايا في أربعين الإمام الحسين عليه السلام ؟

* هناك تشكيك من بعض العلماء والباحثين أن من الصعب جدا أن يكون رجوع السبايا إلي كربلاء كان في يوم الأربعين (1)، ولكني أتصور أن هذا الاستبعاد

لا يمتلك المبررات الكافية لرفض الفكرة، بالإضافة إلي أن هذه المسألة من القضايا المشهورة والمعروفة.

نعم، إذا تم بالتحقيق والأدلة المقنعة إثبات خلاف هذا المشهور فحينئذ يكون

الرأي ما ساق إليه الدليل العلمي الرصين.

نحن لا يمكن أن نرفض المشهورات لمجرد الاستبعادات، ولا أريد هنا أن أجعل للمشهور قيمة مطلقة، لكن لا يمكن التساهل والتشكيك فيه لمجرد الاستبعادات الظنية. فمرة نمتلك الدليل القوي المقنع علي تخطئة المشهور وعند ذلك نتبع الدليل، وأما الاستبعادات الظنية المستندة علي الاستذواق فحسب فلا يركن إليها.

فالمشهور تبقي له قيمته ما لم يثبت خلافه، وهذا هو المنهج العلمي في القضايا التاريخية وغيرها. نحن في الفقه إذا كان هناك حكم مشهور و معروف فإنه من الصعب جدا مخالفته لمجرد الاستبعاد وأما لو أمكن إثبات ما يخالف المشهور بالدليل العلمي الرصين فلا تكون للمشهور قيمة هنا. مسألة المنزوحات في البئر (2) خير مثال .. فإن المشهور فهموا من روايات النزح نجاسة البئر، ولكن لما جاء الدور إلي العلامة (3) وثبت بالدليل أن المنزوحات والمقدرات لا تنتج هذه النتيجة وهي انفعال ماء البئر وإنما تدل علي أن النزح من جهة الاستقدار ليس إلا فحينئذ انقلبت

ص: 53


1- منهم: العلامة المجلسي في بحاره، ج98، ص 334.
2- نزح البئر: هو أخذ الماء من البئر. وهذه المسألة متعلقة بما إذا مات حيوان في البئر أو سقطت فيه نجاسة كالخمر فإنه ينزح منه مقدارا من الماء قد حدد هذا المقدار في الشريعة وفي بعضها لا بد من نزح البئر بتمامه.
3- جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن محمد بن مطهر الحلي (648 726ه)، المعروف بالعلامة الحلي الفقيه والمتكلم في القرن الثامن ه.

المسألة واتبع الفقهاء الدليل. وكذلك مسألة نجاسة أهل الكتاب (1) فإن المشهور بنوا علي نجاستهم بحسب فهم الأدلة، لكن لما جاء الدور والتحقيق إلي فقيه و علم الأمة الإمام السيد محسن الحكيم وأثبت أن الأدلة التي استند إليها المشهور لا تثبت نجاستهم الذاتية انقلبت الشهرة تقريبا في هذا العصر إلي عكس ذلك (2) .

فالخلاصة التي نريد أن نؤكد عليها هي أنه ليس كل استبعاد و تخمين يقوض

المشهورات، فالمشهورات تبقي مقبولة طالما لم يعارضها الدليل الرصين.

ص: 54


1- هم من يدينون بدين سماوي كاليهود والنصاري.
2- فإذا المشهور بين العلماء والذي اشتهر بينهم علي أساس الدليل، تبقي قيمته العلمية لطالما لم يثبت بالدليل العلمي الرصين خلافه، لا أن يتم مخالفة المشهور فقط لأجل المخالفة أو أن يكون ذلك إستنادا علي أدلة واهية وضعيفة أو فرضيات هزيلة .

شعار استفزازي

27) البعض يقول: إن بعض شعارات الشيعة تستفز المذاهب الأخري كقولهم:

(يا لثارات الحسين) فما تقولون؟

* هذا سؤال مهم جدا، وأنا تحدثت حوله في بعض المحاضرات، ينبغي أن لا نحول هذه المناسبات إلي مناسبات طائفية لا سمح الله . نعم من الطبيعي أنه عندما تنطلق بعض الشعارات أو بعض الكلمات فإنها لا تريد أن تستفز الآخرين وهي ليست عملية مقصودة تماما، ولكن بعض هذه الشعارات قد تنطلق بلا وعي ولا دراسة. ولذا فإني طالبت بأن تقوم اللجنة الثقافية في المأتم والموكب بدراسة الشعارات التي تطلق ويتحرك بها الجمهور، وينبغي للجمهور أن يتحرك في شعاراته من خلال هذه اللجان التي يفترض أن تتوفر علي وعي أكمل ودقة و معرفة وقدرة علي الموازنة لمصالح المسلمين في تحريك الشعارات. هذه مسألة مهمة جدا فلا ينبغي لنا أن نحول مناسباتنا من خلال شعار أو سلوك إلي قضية طائفية فهذا من الخطورة بمكان، ولابد من أن نحافظ علي كون الشعارات شعارات إسلامية ترتبط بالمسلمين ككل.

بعد هذا أقول:

أولا: لا يوجد حسب تتبعي في الروايات رواية تنص علي استحباب أن يردد

المؤمن شعار يا لثارات الحسين. هذا شعار يحركه ولي الدم (1) الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، ولا يعني ذلك أنه يستحب لنا أو مطلوب منا أن نردد هذا الشعار .

وثانيا: لو فرض وجود دليل - وهو لا يوجد حسب التتبع كما قلت - لو فرض وجود دليل يطلب من الإنسان المؤمن الموالي أن ينادي بهذا الشعار.. لكن المسألة

لابد من أن تتحرك وفق الأهم والمهم ووفق مراعاة المصلحة، فإن لم تكن هناك مصلحة في رفع هذا الشعار بل كان سببا لجلب الضرر والأذي، أو أنك تحتاج بعده إلي التبرير وبيان القصد والمراد، - هذا علي فرض إمكانية قبول التبرير - فإن المسألة تقع قطعا ضمن قاعدة الأهم والمهم ومراعاة المصلحة العامة .

ص: 55


1- يكون لديه الحق في المطالبة بدم المقتول.

هل شيعة العراق قتلوا الحسين عليه السلام

28) يقول البعض: إن الذين قتلوا الحسين عليه السلام هم شيعة العراق، لذا فقد لحقتهم اللعنة في أنسالهم، وما يحصل في العراقاليوم خير شاهد علي ذلك. ما تقولون؟

* هذه من المغالطات التاريخية الكبري والتي يقول بها بعض المغرضين، وهو من الجناية الكبيرة علي الشيعة وأتباع أهل البيت في العراق و تحريف للحقائق التاريخية.

فبهذه المغالطة حاول بعضهم (1) أن يتملص من الجريمة الكبري والدفاع عن يزيد و تبرئته والتستر علي المجرمين الحقيقيين بتحميل وزر هذه الجريمة العظيمة علي شيعة العراق بدعوي أنهم هم الذين كاتبوا الحسين صلوات الله وسلامه عليه.

ثم إن الإمام الحسين عليه السلام في يوم العاشر قد خاطب المعتدين بقوله: « يا شيعة آل أبي سفيان » (2) وهذا كلام صريح في دفع هذه الدعوي.

بالإضافة إلي أن التركيبة السكانية أو ما يصطلح عليه اليوم بالتركيبة الديمو غرافية للمجتمع الكوفي في ذلك الوقت كان خليطا من العرب والموالي وغيرهم، ومن هو

ص: 56


1- ممن أثار هذه الشبهة ابن كثير في البداية والنهاية، ج8، ص203 ط. دار الفكر. و هذه هي العبارة [فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ ابنُ زِيَادٍ مِنهُم بَلَّغَهُم مَايُرِيدُونَ مِنَ الدُّنيَا وَأخَدَهُم عَلَي ذَلِكَ وَحَمَلَهُم عَلَيهِ بِالرَّغبَةِ وَالرَّهبَةِ، فَانكَفُّوا عَنِ الحُسَينِ وَ خَذَلُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ] و همش لها بهذه العبارة (سقط من المصرية) أي الطبعة المصرية. وفي مورد آخر من نفس المجلد، ص180 قول الحر مخاطبا أصحابه قبل أن يتحول إلي الحسين عليه السلام : «يا أهل الكوفة لأمكم الهبل، أدعوتم الحسين إليكم حتي إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدو تم عليه لتقتلوه» وهذه تحتاج إلي تتميم بأن الكوفة كلها من الشيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام فادعوا ذلك. والحق أنها خليط من كثير من الأمصار، ناهيك عن تعمد إلصاق بعض الجرائم علي أشخاص ينتمون إلي التشيع ولو بحمل ذلك علي القبيلة ك (فرماه رجل من بني أسد)، فإن هذا ييراد منه إيجاد جو عند القارئ للسيرة بأن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين أو لا أقل كانوا هم السواد الأعظم الذي قتله عليه السلام ، والحق أن من قتل الحسين عليه السلام أشخاص معروفون وليس فيهم رجل واحد يعرف بتشيعه.
2- أما من مصادرنا ففي بحار الأنوار، المجلسي، ج45، ص 51. الملهوف علي قتلي الطفوف، بن طاووس 664ه، ص 171 وغيرها. أما من مصادر العامة فقد وردت في مقتل الحسين، الخوارزمي 568، ج2، ص397. الطبري، ج4، ص 344 فلم ترد هذه الفقرة. وأما في البداية والنهاية، ج8، ص187 من الطبعة الحجرية وكذا بطبعة دار الفكر وجد مكان هذه الفقرة علامة التعجب هكذا (ويكلم !! إن لم يكن لكم دين...) مما يشعر بوجود حذف في هذه النسخ وبعض الطبعات كهجر حذفت العبارة بالكامل.. وأنقل تمام المقطع من مقتل الحسين للخوارزمي: (ويحكم، يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، و كنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، وارجعوا إلي أحسابكم إن كنتم أعرابا).

معروف بولائه لأهل البيت (1) ومن هو أموي الهوي (2) . فلم يكن المجتمع الكوفي لونا واحدا. ولم يكن المجتمع الكوفي منغلقا علي النهج الأموي ولم يكن كذلك صافيا في ولاءه لأهل البيت عليهم السلام .

ولا ننسي أن أول خطوة قام بها ابن زياد حين جاء إلي الكوفة هي أن عمد إلي سجن كبار الشيعة وقادتهم من أمثال سليمان بن صرد الخزاعي وغيره ممن كاتب الحسين عليه السلام وهذه قضية معروفة حاول بها أن يفشل نصرة الإمام الحسين (3) .

إن سياسة البطش التي مارسها ابن زياد من الطبيعي أن تلقي بظلالها من الخوف

والرهبة علي النفوس فتثبطهم عن الذهاب لنصرة الإمام الحسين عليه السلام .

ثم إن جئنا إلي الأسماء التي أدعي أنهم شيعة كالحجار بن أبجر، والأشعث بن قيس، وآل الأشعث محمد وإخوته، وشمر بن ذي الجوشن وغيرهم، فهؤلاء ليسوا شيعة وإنما كانوا علي أحسن التقادير متقلبين ينقلبون مع المصالح. فهؤلاء ليس لهم انتماء إلا النفعية، يبحثون عن منافعهم، فإذا كانت منافعهم أو ما يأملون أن يحصلوا عليه مع علي وجيش علي تحولوا إليه، وإذا كانت مصالحهم مع بني أمية وفي الصف الأول من الذين قاتلوا الحسين عليه السلام كانوا كذلك، فلا يمكن أن نحسب هؤلاء علي الشيعة المخلصين .

ص: 57


1- أمثال: (سليمان بن صرد، المختار بن أبي عبيد، حبيب بن مظاهر ، مسلم بن عوسجة، هاني بن عروة، والأصبغ بن نباتة).
2- أمثال: (حصين بن نمير، محمد بن الأشعث بن قيس، عزرة بن قيس، كثير بن شهاب، القعقاع بن شور الذهلي، خالد بن عرفة، أبو بردة بن أبي موسي الأشعري، عبيد الله بن عباس السلمي، سمرة بن جندب، يزيد بن الحارث، أسماء بن خارجة، حجار بن أبجر، شمر بن ذي الجوشن، بكر بن حمران الأحمري).
3- كان يعتقل وقد قتل كثيرا ممن اعتقل لا سيما من شارك مسلم بن عقيل وكان يتردد عليه أمثال: عمارة بن صخلب الأزدي، وعبد الأعلي بن يزيد وغيرهم. انظر: مقتل الحسين، أبو مخنف الأزدي، ص57. وعنه الطبري، ج 4، ص 284.

لماذا لم يذكر إخوة الحسين عليه السلام في الزيارة

29) لماذا لم يدخل إخوة الحسين علية لسلام في السلام علي الحسين وأولاده وأصحابه في الزيارة التي نقرأها؟

* إخوة الإمام الحسين عليه السلام يشملهم السلام علي أصحابه، فالعباس أخ للحسين وهو كذلك من أصحابه، وسائر إخوته كذلك، يشملهم السلام بعنوان الأصحاب.

دعاء المعصوم بالهلاك علي الأعداء

30) حينما يدعو المعصوم لأعداءه بالهداية ويقابلهم بالنصح والإرشاد نعلم أنه مظهر للرحمة الإلهية، لكن نجد المعصوم في بعض المواقف يدعو عليهم بالهلاك الذي هو نقيض الرحمة، فهل نفهم وجود تناقض؟

* لا يوجد تناقض، فالطابع العام في مواقف المعصومين عليهم السلام هو الدعاء للضالين بالهداية، هذا هو الموقف الأولي والمبدئي الذي يمثل الطابع العام لهم.

وأما في المواقف التي نجدهم يدعون علي الشخص بالهلاك فلا بد لنا من أن

نلتفت إلي نقطتين:

النقطة الأولي: هي أن النبي صلي الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام حينما يدعو علي أحد بالهلاك فهو إنما ينظر بعين الغيب إلي أن هذا الشخص ميؤوس من هدايته فلا معني لطلبها له حين يكون الأمر كذلك، وهذه جنبة غيبية.

النقطة الثانية: أنه قد يكون في هلاك الشخص مصلحة له ولغيره من الأمة، وهذه قضية واضحة، فإنه يوجد أناس ليس في بقائهم إلا زيادة في الشقاء والمآسي والعناء لهم ولغيرهم، وهنا حين يطلب المعصوم من الله هلاك هذه النماذج فإنما هو يدعو التحقيق المصلحة وتعجيلها حيث يكون في تحقيق ذلك الخير والمنفعة. حينما ندعوا الله ونقول: اللهم من كان في هلاكه صلاح لنا فأرحنا منه فإننا ندعوا الله أن يستبدل الضرر الحاصل للجميع بها هو صلاح للناس والمجتمع والأمة.

ص: 58

لا يوم كيومك يا أبا عبدالله

31) ما معني قول الإمام الحسن للإمام الحسين عليه السلام : «لا يوم كيومك يا أبا عبدالله » ؟

* من هذه الكلمة مرورية عن الإمام الحسن عليه السلام حينما دخل عليه الإمام الحسين عليه السلام فوجده متأثرا بسريان السم في جسده الشريف فبكي الإمام الحسين عليه السلام واستعبر، وقال له الإمام الحسن عليه السلام : « إني أسقي السم وأموت بالسم ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله » (1).

ولعل المقصود من العبارة هو ملاحظة الجهات المتعددة التي تفرد بها الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه من حيث قلة الناصر وكثرة العدو وفداحة المصيبة و سبي النساء والعطش وغيرها من الجهات الكثيرة في مصيبته عليه السلام التي لم تجتمع وتتحقق في مصائب من سبقه كأبيه وأمه والإمام الحسن عليه السلام مع ما حل بهم بطبيعة الحال من ظلم، فالظروف التي مر بها الإمام الحسين لا شك في أنها كانت خاصة واستثنائية.

ص: 59


1- ورد في الأمالي، الصدوق، ص 177، المجلس الرابع والعشرون، ح3. «أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام دخل يوما إلي الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه بكي، فقال له عليه السلام : « مايبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام : إن الذي يؤتي إلي سم يدس إلي فاقتل به، ولكن لايوم كيومك يا أبا عبدالله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلي الله عليه وآله ، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون علي قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رمادا ودما، ويبكي عليك كل شيء حتي الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار ».

إعادة عشرة المحرمه

32) هل إعادة العشرة تذهب بخصوصية وتميز عشرة المحرم وتفقدها رونقها؟

* إعادة العشرة إذا كانت بالشكل التنزيلي تماما كما يفهمه البعض بأن تنزل الإعادة بمنزلة العشرة فيقرأ في اليوم الأول نفس السيرة التي تقرأ في أول يوم من المحرم وما يقرأ في ثاني المحرم عينه يقرأ في الإعادة وهكذا ما يقرأ في السابع والعاشر بتمام تفاصيله يقرأ في الإعادة، فهذا اشتباه ولا إشكال في أن هذا النحو من التنزيل يفقد العشرة خصوصيتها بالإضافة إلي أنها تصبح اعتيادية عند الناس بسبب تكرار سماعهم لها.

ومن هنا فالمطلوب في إعادة العشرة ليس إلا عقد المجالس الذكر أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، وهي فرصة جيدة لاستثمارها في نشر الثقافة ونشر تعاليم أهل البيت عليهم السلام از وتوعية الناس وتثقيفهم شريطة أن لا تعامل معاملة العشرة الحقيقية.

ويبدو أن الميرزا النائيني قدس سره أستاذ الفقهاء لديه فتوي بحرمة أو لا أقل الاستشكال في ذكر المقتل في غير يوم عاشوراء، وهناك مع الأسف بعض الخطباء من يذكر المقتل بتفاصيله في العشرة الأولي المعادة والثانية والثالثة وهذا من الخطأ الكبير.

ص: 60

لماذا يسجد الشيعة علي تربة الحسين عليه السلا

33) مع أنه يجوز السجود في الصلاة علي أي تربة.. لماذا يفضل الشيعة تربة كربلاء؟

* كما هو المعلوم والواضح أن السجود يكون علي الأرض وما أنبتت من غير المأكول والملبوس، ولكن جاءتنا روايات كثيرة عن أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم مؤكدة علي استحباب السجود علي التربة الحسينية (1) ، فانتشر بين الشيعة اتخاذ التربة أو السبحة من قبر سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، وهذه إحدي الأربع التي حباها الله لسيد الشهداء عليه السلام عوضا عن شهادته وتضحياته حيث جاء في بعض الروايات أن الله عوض الحسين بشهادته بأربع أمور؛ أن جعل الأئمة من ذريته، والشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته، وأن لا تعد أيام زائريه من أعمارهم (2).

وجاء في بعض الروايات أن السجود علي تربة الحسين عليه السلام يخرق الحجب السبع وينير إلي السماء السابعة .

تنبيه:

ومما يلزم التنبيه عليه أن المقصود من هذه التربة هي التربة التي تؤخذ من القبر وما حواليه، وأما هذه التربة المنتشرة الآن فهي تحظي بمجرد شرف الانتساب إلي كربلاء حيث إنها تؤخذ غالبا من الطين الخارج من ساحة الحرم ودائرة الحرم بكثير، وهي لا تحمل المزايا والخصوصيات المذكورة ككونها شفاء أو أنها تخرق الحجب السبع وتنير إلي السماء السابعة.

ص: 61


1- وسائل الشيعة، ج5، ص365، باب 16 من أبواب ما يسجد عليه، ح3 ورد عن معاوية بن عمار قال : كان لأبي عبدالله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبه علي سجادته وسجد عليه، ثم قال عليه السلام : «إن السجود علي تربة أبي عبدالله يخرق الحجب السبع» وغيرها.
2- وسائل الشيعة، ج14، ص 537، باب 76 من أبواب المزار وما يناسبه، ح1. عن أحمد بن فهد في عدة الداعي قال: روي أن الله عوض الحسين عليه السلام من قتله أربع خصال: جعل الشفاء في تربته، وإجابة الدعاء تحت قبته، والأئمة من ذريته، وأن لا تعد أيام زائريه من أعمارهم.

المصادر المعتبرة لواقعة الطف

34) ما هي المصادر المعتمدة والتي يمكن الوثوق بها فيما يتعلق بأحداث كربلاء؟

* هناك عدة مصادر جيدة قديمة وحديثة .

فمن المصادر القديمة:

مقتل ابن نما الحلي رحمة الله المسمي بمثير الأحزان.

مقتل السيد ابن طاووس رحمة الله المسمي بالملهوف علي قتلي الطفوف.

مقتل المجلسي رحمة الله في بحار الأنوار.

مقتل الطبري وإن كان في هذا الأخير بعض الملاحظات لكن العلامة السيد محمد الجلالي لديه هوامش لطيفة عليه عندما نضمها إليه تكتمل الصورة، ومن الواضح أن الطبري ربما يحاول إنكار بعض المواقف والأحداث ومع ذلك فقد نقل الكثير من هذه الأحداث.

ومن الكتب المتأخرة:

مقتل السيد المقرم الذي هو من المقاتل المعتبرة جدا.

مقتل السيد محمد تقي بحر العلوم.

مقتل الشيخ محمد تقي الجواهري رحمة الله الذي كان معاصرا للميرزا النائيني

والسيد أبو الحسن الأصفهاني وهو من الكتب المعتبرة المحققة.

ومؤخرا طبع العلامة الباحث الشيخ محمد الري شهري الصحيح من المقتل ويمكن الاستفادة منه إلي حد كبير كذلك.

فهذه مصادر يمكن الاعتماد عليها وخصوصا مقتل السيد المقرم.

ص: 62

لماذا أصطحب الحسين عليه السلام النساء والأطفال

30) بما أن النساء لا جهاد عليهن.. والحسين عليه السلام كان يعلم بمصيره ومصيرهن.. فلماذا أصطحب النساء والأطفال معه؟

* لا شك في أن الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد أجاب علي هذا السؤال لما سأله محمد بن الحنفية وآخرون عن سبب حمله النساء والصبية معه، فقال: «شاء الله أن يراهن سبايا »، فهي حكمة إلهية.

ولابد هنا أن نلتفت إلي حيثية مهمة، وهي أن الإمام سلام الله عليه كان أمام خيارين.. إما أن يبقيهن في المدينة ويخرج بأصحابه وأهل بيته وإما أن يصطحبهن معه. وبطبيعة الحال كان الخيار الأول خطرا بسبب أن بني أمية ومن خلال سلوكياتهم وأفعالهم أثبتوا أن لا رادع لهم عن أي جريمة أو تعد. فمن الواضح أنهن لو بقين في المدينة فيحتمل قويا بل يكاد يكون مجزوما به أن يتعرضن للاعتقال لتشكيل ورقة ضغط علي الإمام لتسليم نفسه وبالتالي إفشال حركته المباركة وإنهاءها ثم يتم تصفية الإمام بدم بارد. وهذا ما أراد الإمام أن يفوته عليهم باصطحابهن معه .

ومن جهة أخري كان في اصطحاب النساء عدة حكم كشفت فيما بعد من قبيل تعرية بني أمية أمام العالم والناس والأجيال كونهم يفتقرون لكل القيم والمبادئ والإنسانية وعدم لياقتهم لخلافة الإسلام، فكيف يحق لأمير المسلمين أن يأخذ بنات الرسالة سبايا وهن بنات علي وفاطمة، فهذه الجريمة كشفت وبينت للأجيال انسلاخ بني أمية من كل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية. وهي بحد ذاتها جريمة لا يمكن التبرير والدفاع عنها، فإن المدافع عن يزيد في هذه الجريمة كمن يدافع عن المشهورة بالبغاء - والعياذ بالله - حيث لا مجال للدفاع عنها بحال بل يكون الدفاع هنا سببا للتهمة. ومن هنا أصبح المدافع عن يزيد وجرائمه متهما بالنصب لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

ص: 63

ثم لا يخفي أن من حكم وجود النساء في ركب الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو الدور الذي قامت به العقيلة زينب سلام الله عليها وباقي نساء أهل البيت من فضح يزيد و بيان حقيقته عندما أراد تضليل الرأي العام بأن من قتله هو خارجي خرج عليه وكان لهذا التضليل مجاله وأن يؤثر في البسطاء من الناس وهم كثر وكذا من هو بعيد عن الواقع، فكان بواسطة العقيلة زينب والنساء الهاشميات في كل المنازل والمجالس التي أخذن لها كشف هذه الأضاليل بأن المقتول هو سبط رسول الله وهو ابن الإسلام وهو أحد أركان الإسلام والمسلمين، إلي أن وقفت أمامه في قصره وقد جمع فيه الشخصيات الرسمية كسفير الروم وغيرهم، وكشفت الحقيقة بكل بسالة وشجاعة الأمر الذي دعاه إلي التعجيل بإرجاعهن إلي المدينة.

ص: 64

مدفن رأس الحسين عليه السلام

36) يوجد في مصر مشهد رأس الحسين عليه السلام .. فأين دفن رأس الحسين؟

* ذكر بعض المحققين أن الأقوال حول مدفن الرأس الشريف تبلغ إلي نحو عشرين قولا. فهناك قول: أنه دفن في المدينة حيث رجع مع السبايا يوم رجوعهم إلي المدينة، وقول: أنه في الكوفة فيما يعرف بمنطقة الحنانة، وقول: أنه في عسقلان (1) وقول: أنه في مصر، وقول آخر وهو أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أرجع الرؤوس ودفنها مع الأجساد وهو القول الذي يستظهره جماعة من العلماء.

فالأقوال إذا متعددة، ويحتمل جدا أن هذه الأماكن التي ينسب إليها مدفن الرأس الشريف هو اشتباه حصل بمرور الزمن حيث كانت هذه الأماكن أماكن وضع ونصب عليها الرأس الشريف عندما طيف به في البلدان والأمصار وهذه ظلامة أخري من الظلامات التي لحقت بأهل بيت النبوة عليهم السلام ، فمن المعلوم أن السبايا أخذن من كربلاء إلي الكوفة ومنها إلي الشام عن طريق بعلبك في لبنان إلي أن وصلن إلي الشام في سوريا. وفي هذا المسير كان يطاف بالرؤوس في البلدان تشهيرا وبغضا ونكاية بها، وكانت هذه الرؤوس تنصب في بعض البلدان وتوضع في بعض الأمكنة وعرف الناس ذلك واشتهر بينهم أنه الموضع الذي نصب فيه الرأس الشريف فصار موضعا يتبرك به الناس ويقصدونه، ومع مرور الزمن اختلط علي الناس الأمر بأن هذه الأماكن هي محل دفن الرأس الشريف. هكذا يمكن أن نفسر كثرة الأقوال حول محل دفن الرأس الشريف.

نعم، يذهب الكثير من العلماء والمحققين إلي أن الرؤوس أرجعت إلي الأجساد في كربلاء كما هو رأي الشيخ الصدوق (2) والسيد المرتضي علم الهدي (3) والسيد الخوئي قدس سره والسيد السيستاني دام ظله وكذلك رأي شيخنا المقدس الشيخ التبريزي كما سمعنا منه ذلك.

ص: 65


1- أي: في فلسطين.
2- أمالي الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، ص 321 - 322، مجلس 31 حديث 4.
3- رسائل المرتضي، أبو القاسم السيد علي بن الحسين بن موسي المعروف بالشريف المرتضي، ج 3، ص 130.

تاريخ الشعائر في البحرين

37) ما هو تاريخ الشعائر الحسينية في المنطقة والبحرين علي وجه خاص؟

* من الصعب جدا أن نرجع تاريخ إحياء عاشوراء إلي تاريخ متأخر، بل يمكن أن نقول: إنه مقترن بتاريخ التشيع في المنطقة.

هذه المنطقة التي عرف سكانها منذ القدم بولاءهم لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وسيرهم علي نهجهم عقيده و فقها وفكرا، الأمر الذي يكون من الطبيعي معه استجابتهم لأوامر وتوجيهات أهل البيت عليهم السلام وتطبيقها والذي منها أمرهم بإحياء ذكري عاشوراء وإقامة العزاء.

ولذا يمكننا أن نقول: إنها بدأت ببدء التشيع الذي عرفت به البحرين منذ القدم حيث جاء في بعض التواريخ كما عن المقريزي وياقوت الحموي وغيره أن البحرين لم تعرف غير التشيع مذهبا في حقبها التاريخية المتقدمة (1).

نعم لا شك في أن تطور المواكب والمجالس وأخذها هذا الزخم والحضور الجماهيري تأثر بعوامل علي مرور الزمان، فلربما مثلا كانت تقام سابقا في البيوتات ثم بعد ذلك نقلت إلي المآتم والحسينيات وانتقلت من كونها مجالس خاصة إلي مجالس عامة، وقد جاء في بعض الوقفيات أن بعض الحسينيات يمتد عمرها إلي ما قبل 500 أو 600 سنة. وأما مواكب العزاء والخروج في الطرقات وخصوصا في بعض المناطق العاصمة فلربما يمتد عمره إلي حدود المئتين سنة.

ص: 66


1- درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، ص 81 - 82، قال في ترجمة إبراهيم بن ناصر بن جروان المالكي ما هذا نصه (وجميع أهل الأحساء والقطيف والبحرين و تاروت رفضة).

شعائر مستحدثة

38) يقول البعض : إن الممارسات الشعائرية التي يقوم بها الشيعة في زماننا لم تكن معروفة ومتداولة في زمن المعصومين عليهم السلام فما هو دليل مطلوبيتها؟

* لا نستطيع أن نقول: إن جميع الممارسات لم تكن موجودة، فاللطم علي الصدر مثلا لا سبيل إلي نفي وجوده، ولا يمكن أن نقول أنه فاقد للمشروعية، إذ يكفي في مشروعيته دخوله تحت عنوان الجزع، فإن من الواضح أن اللطم علي الصدر عند المصيبة مظهر من مظاهر الجزع والحزن، والجزع والحزن علي سيد الشهداء مما ندبت إليه النصوص الصحيحة.

نعم، الخروج في مواكب العزاء مثلا يمكن أن نقول: إنه لم يكن موجودا في زمن الأئمة لظروف ومبررات، حيث لم يكن الشيعة بهذه الكثافة ولم تكن لهم القوة التي يمكن لهم من خلالها فرض وجودهم وممارساتهم، ولكن عدم وجودها السابق لا يعني عدم مشروعيتها، إذ يكفي في مشروعية هذه الممارسات دخولها في عموم الدليل «كل الجزع مكروه ما خلا الجزع علي الحسين » بالإضافة إلي الضوابط الأخري.

ص: 67

هل طلب الإمام الحسين عليه السلام الحكم والسلطة

39) يثير البعض أن الإمام الحسين عليه السلام طالب حكم وسلطة في خروجه

علي يزيد، فما هو الجواب؟

* لا شك في أن هذا من أساليب الافتراء التي استخدمها وعاظ السلاطين والقراء المراؤون الذين يهدفون منها إلي تزييف الحقيقة وتضليل الناس وتشويه حركة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.

إن كل من يقرأ سيرة الإمام الحسين وبداية النهضة الحسينية المباركة يعلم أن الذي حذا بالإمام الحسين للخروج ليس طلب السلطة وإنما الرفض لمبايعة يزيد. وقد بين الإمام الحسين عليه السلام في كلماته المبررات التي تجعله يرفض البيعة ليزيد، فيزيد شارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة ومثل الحسين لا يبايع مثل يزيد.

نعم، فكيف يمكن لسبط رسول الله صلي الله عليه وآله الإمام الحسين أن يبايع يزيد ويعطيه الشرعية وهو متجاهر بالفسق وشرب الخمر ولبس الحرير واللعب مع القردة وضرب الدف وقتل النفس المحترمة ؟!

هذا من جهة، ومن جهة أخري فإنه بحسب القانون والصلح المبرم بين الإمام الحسن الزكي صلوات الله وسلامه عليه وبين معاوية فإن الأمر بعد موت معاوية يكون للإمام الحسن عليه السلام إن كان موجودا وإلا فللإمام الحسين وأن لا يعهد لغيرهما بذلك.

فإذا من جهة قانونية كان لزاما علي الإمام الحسين أن يطالب بالبيعة ولم يكن

اليزيد حق في طلب المبايعة لنفسه. وهكذا كان، فبعد رفض الإمام الحسين عليه السلام مبايعة يزيد خرج من مدينة جده متوجها إلي مكة وبقي فيها موضحا فيها موقفه من بيعة يزيد، إلي أن تسربت الأخبار أن يزيد وبني أمية كانوا يخططون لاغتيال الإمام الحسين عليه السلام في مكة متجاهلين حرمة بيت الله والأشهر الحرم، عندها خرج الإمام الحسين عليه السلام حتي لا تهتك به حرمة البيت و تكون بعد ذلك سنة وعادة في

ص: 68

تجرؤ أي أحد علي القتل في بيت الله الحرام وهتك حرمته، بالإضافة لما في خروجه من حفظ نفسه وعياله، إلي أن انتهي الأمر بمضايقة بني أمية للإمام وإجباره علي الدخول في بيعة يزيد، وصموده وثباته علي موقفه الرافض لذلك حتي حدثت المأساة الكبري في كربلاء

فإذا كان خروج الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لإعلاء كلمة الحق ورفض الباطل ولأن يسير بسيرة جده وأبيه لو تسنت له الظروف، وكل من يدعي خلاف هذه الحقائق التي بينها الإمام الحسين بنفسه وأثبتها التاريخ والمؤرخون فهو المطالب بأن يأتي بما يدل علي كلامه من كلمات سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه .

ص: 69

قبر السيدة زينب عليه السلام في مصر أم الشام

40) هناك قبران منسوبان للسيدة زينب إحداهما في مصر والثاني في الشام.. أيهما الصحيح؟

* يذكر العبيدلي (1) الذي هو من أحفاد السيدة زينب عليها السلام في كتابه الزينبات (2) والذي يعد من مهمات الكتب التي تترجم للزينبيات من أهل البيت أن السيدة زينب قد خرجت إلي مصر وتوفيت بها. وهناك قول بأن مدفنها عليها السلام في الشام.

وإذا أردنا أن ننظر إلي المسألة بنظرة تحليلية نقول:

1. لو فرضنا أن ذهابها للشام كان باختيارها، فهذا أمر مستبعد جدا، وذلك لأن السيدة زينب تحمل ذكريات مؤلمة وصعبة جدا عن الشام وما حل بها وبأهل بيتها وأخواتها وأبناء إخوتها حيث إن ما حصل لهم أمر تتفطر له القلوب وتتصدع منه الجبال، ومن الصعب علي الإنسان الذي يحمل صورة مأساوية ومؤلمة عن مكان

ص: 70


1- أبو الحسين يحيي بن الحسن بن جعفر العبيدلي العقيقي (214 ه - 277 ه). هو كاتب ومؤرخ و نسابة من قدماء علماء الشيعة الإثنا عشرية، من أهل المدينة المنورة ومولده بها، وأما وفاته فكانت في مكة.
2- السيدة زينب وأخبار الزينبات للعبدلي، ص57. وانقل النص للفائدة ومنه سيتضح ظلامة أخري للسيدة زينب وهي أنها نفيت من المدينة بأمر من يزيد لما كانت تحرض علي القيام عليه، ولما وصلت مصر لم تبق فيها إلا القليل حتي توفيت ودفنت هناك. «قال العبدلي في أخباره والحافظ ابنعساكر الدمشقي في تاريخه الكبير والمؤرخ ابن طولون الدمشقي في الرسالة الزينبية بعد شرح ما تقدم : ثم إن والي المدينة من قبل يزيد وهو عمرو بن سعيد الأشدق اشتكي من إقامة السيدة زينب بالمدينة فكتب بذلك إلي يزيد وأعلمه بأن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر وأنها فصيحة عاقلة لبيبة وقد عزمت هي ومن معها علي القيام للأخذ بثأر الحسين، فلما وصل الكتاب إلي يزيد وعلم بذلك أمر بتفريقهم في الأقطار والأمصار فاختارت السيدة زينب الإقامة بمصر طلبا لراحتها، واختار بعض أهل البيت بلاد الشام، فعند ذلك جهزهم ابن الأشدق فخرجت السيدة هي ومن معها من أهل البيت وفيهم سكينة بنت الحسين وأختها فاطمة فلما اتصل خبر ذلك إلي والي مصر إذ ذاك وهو مسلمة بن مخلد الأنصاري توجه هو وجماعة من أصحابه وفي صحبتهم جملة من أعيان مصر ووجهائها إلي لقائها فنقلوها من قرية بين طريق مصر والشام شرقي بليس (عرفت أخيرا بقرية العباسة بنت أحمد بن طولون) ولم يبق بالمدينة من جماعتهم إلا زين العابدين، وأقام الحسن المثني بخارجها ووافق دخول السيدة مصر أول شعبان سنة 61 من الهجرة - 684 م. وكان قد مضي علي الموقعة نحو ستة أشهر وأياما بما يسع مدة أسفارها فأنزلها مسلمة بن مخلد هي ومن معها في داره بالحمراء القصوي ترويحا لنفسها إذ كانت تشتكي انحرافا فأقامت بها 11 شهرا ونحو 15 يوما من شعبان ليلة الأحد لأربعة عشر يوما مضت من شهر رجب من السنة المذكورة، وبعد تجهيزها وشهود جنازتها دفنت بمحل سكناها علي العادة في ذلك، ثم بعد وفاتها رجع من كان معها من أقاربها إلي المدينة وفيهم السيدة سكينة وفاطمة علي ما ذكر ابن زولاق في تاريخه..).

ما أن يحن ويرجع إليه بل بحسب العادة والطبع فإن من يحمل مثل هذه الذكريات فإنه لا يحب استذكارها فضلا عن الذهاب إلي مكانها. ومن هنا نقول: إن ذهابها الاختياري أمر مستبعد جدا.

2. إن المتتبع في سيرتهم عليهم السلام يجد أن لهم تعلقا شديدا بمدينة جدهم المدينة المنورة، هذه البقعة المباركة التي تضم جسد النبي صلي الله عليه وآله والتي يجدون فيها انتمائهم وامتدادهم، فلم يخرجوا منها إلا في الحالات الاستثنائية بسبب الظروف السياسية والظلم والاستبداد الذي لحق بهم وإجبار الظالمين لهم علي الخروج منها كما حدث للأئمة عليهم السلام .

3. لم تذكر المصادر التاريخية المعتبرة مسألة خروجها من المدينة، وما يوجد مذكور علي نحو (قيل) من أنها كانت تؤلب الناس علي الوالي وعلي يزيد فأمر يزيد والي المدينة بإخراجها منها.

4. يرجح الشيخ النقدي في كتابه حياة السيدة زينب أنها دفنت في مصر مستشهدا بكلام العبيدلي حيث قال: «إن زينب الكبري بعد رجوعها من أسر بني أمية إلي المدينة أخذت تؤلب الناس علي يزيد بن معاوية، فخاف عمرو بن سعد الأشدق انتقاض الأمر، فكتب إلي يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرق بينها وبين الناس، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلي حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة وقالت: لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل: يا ابنة عماه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فطيبي نفسا وقري عينا، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هوانا؟ ارحلي إلي بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة، فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فأنزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما، وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة

ص: 71

عشر يوما مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت بمخدعها فيدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوي، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري بالقاهرة» (1) .

ونقول تعقيبا علي هذا النص الذي يذكره العبيدلي - وكلامه يفتقر إلي المصدر

والدليل والإسناد-: إن المحتمل فيه أمران وكلاهما مستبعد:

الأول: إن موقفها ذاك كان مستقلا عن موقف الإمام زين العابدين عليه السلام و مخالفا لتوجهه، وهذا أمر لا يمكن القبول به ولا يناسب مقام السيدة زينب وجلالتها في أن تخالف رأي إمام زمانها وحجة الوقت.

والاحتمال الثاني: أن يكون موقفها في تأليب الناس ضد والي المدينة ويزيد هو بأمر وتوجيه من الإمام زين العابدين عليه السلام ، لكن من المعلوم والواضح أن منهجية أهل البيت عليهم السلام بعد واقعة الطف التي حققت الهدف من كشفها وتعريتها للظالمين ونظرا للأسباب والظروف الموضوعية التي كانوا يعيشونها لم تكن منهجية المعارضة المعلنة للأنظمة الموجودة، وهذا يخالف ما يقال من أنها كانت تؤلب الناس علنا ضد يزيد.

إذا خروج السيدة زينب عليها السلام من المدينة اختيارا أو جبرا أمر لا تساعد عليه الأدلة والقرائن، ومن هنا فالراجح أنها بقيت في المدينة ودفنت فيها.

أما لماذا لا يوجد لها قبر هناك . فلعله بسبب سياسية التكتيم التي مارسها بنو أمية في محو وتكتيم كل ما يتعلق بتاريخ أهل البيت وأخبارهم وآثارهم، حيث إن كثيرا منهم لا يعلم له قبر في المدينة. ومن المحتمل كذلك أنها أرادت أن تقتدي بأمها الزهراء عليها السلام في إخفاء موضع قبرها الشريف الذي فيه من الدلالات ما لا يخفي .

ص: 72


1- النقل من الكاتب بالمعني وليس بالنص مع زيادة وتغيير في بعض المواضع.

عمل التشابيه

41) ما رأيكم في عمل التشابيه في مراسم العزاء؟

* تجسيد واقعة كربلاء من خلال التمثيل من خلال المسرح من خلال التشبيه هذا أمر جائز ووسيلة من وسائل إيصال الواقعة إلي الناس وإلي الأجيال لكن بشريطة أن تكون محافظة علي أن لا يكون هذا التشبيه أو هذا التمثيل أو العمل الدرامي فيه نوع من التحريف أو التزييف للواقع التاريخي وأن لا يكون فيه نوع من الاستنقاص أو إدخال الشين أو التوهين لمقام سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه، متي ما خلي التشبيه والتمثيل من هذين المحذورين فهذا أمر مطلوب لأنه نوع من أنواع الإحياء الواقعة كربلاء

مشروعية الشعائر

64) كيف نحدد مشروعية الشعائر الحسينية من عدمها؟

* ذكرت في جواب سابق (1) أن الشعائر الحسينية إما أن يكون منصوصا عليها من قبيل البكاء وإنشاء الشعر والزيارة وشرب الماء والتسليم علي الحسين ولعن قاتله فهذه أمور منصوصة ضابطتها ورود النص، وإما أن تكون أمور غير منصوص عليها مستجدة و مستحدثة فهذه ضابطتها ومشروعيتها متوقفة علي أمرين:

الأمر الأول: أن تكون تعبيرا عن الحزن وأسلوبا للتعبير عن الحزن والأسي في نظر العرف.

والأمر الثاني: أن لا توجب إدخال الوهن والتضعيف والتشويه أو الاستغلال النهضة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه .

ص: 73


1- راجع جواب السؤال 16.

لم التفاعل مع الحسين أكثر من الحسن عليه السلام

43) لماذا لا يتفاعل الكثيرون مع شخصية الإمام الحسن عليه السلام كما يتفاعلون مع شخصية الإمام الحسين عليه السلام ؟

* عدم التفاعل إذا كان نابعا لا سمح الله من التقليل من شأن ومقام الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه أو محاولة للتقليل من مصيبته فهذا أمر محرم، الإمام الحسن والحسين عليه السلام حقيقة واحدة ومظهر واحد ونور واحد وهدف واحد وغاية واحدة لا فرق بينهما أبدا مع أفضلية الإمام الحسن عليه السلام علي الإمام الحسين عليه السلام كما جاء بنص قول الإمام الحسين عليه السلام لما دخل علي أخته ليلة العاشر ووجدها متأثرة فأخذ يسليها وقال: قد مضي من هو خير مني قد مضي أبي وأمي وأخي (1)، فالإمام يدلل بكلامه أنهم أفضل منه.

فالإمام الحسن لا شك في أنه كالحسين عليه السلام نور واحد ولا يمكن لنا أن نقلل من مصيبة الإمام الحسن عليه السلام في جري علي الإمام الحسن عليه السلام كذلك هي مصيبة

ص: 74


1- إشارة إلي ما ورد في الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص94. يقول الإمام زين العابدين: «إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها وعمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له وعنده حوي مولي أبي ذر الغفاري يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول: يا دهر أف لك من خليل *** كم لك بالإشراق والأصيل من صاحب أو طالب قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديل وانما الأمر إلي الجليل *** وكل حي سالك السبيل قال: فأعادها مرتين أو ثلاثا، حتي فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي فرددت دمعي ولزمت السكون، فعلمت أن البلاء قد نزل، فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتي انتهت إليه فقالت: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي. قال: فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال : يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان لو ترك القطاء ليلا لنام. قالت: يا ويلتي أفتغصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد علي نفسي، ثم لطمت وجهها وأهوت إلي جيبها وشقته و خرت مغشيا عليها. فقام إليها الحسين وقال لها: يا أخية اتقي الله، وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون وهو فرد وحده، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم و لكل مسلم برسول الله أسوة . قال : فعزاها بهذا و نحوه وقال لها: يا أخية إني أقسم عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل...».

وفداحة كبيرة ومؤلمة ومؤثرة، وكيف لا يتأثر الإنسان الموالي المحب لأهل البيت لما جري علي الإمام الحسن عليه السلام من أذية وإهانة جسدية ومعنوية فما جري عليه ليس بالشيء القليل والبسيط وهو السبط الأكبر وريحانة النبي وأحد سيدي شباب أهل الجنة، والذي جاء فيه ما جاء في أخيه الإمام الحسين عليه السلام من الفضائل والمناقب، الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، فلا ينبغي التقليل من شأن مصيبة الإمام الحسن عليه السلام ، نعم هناك مفردات في قضية الإمام الحسين عليه السلام قال عنها الإمام الحسن «لا يوم كيومك يا أبا عبدالله إذ يزدلف إليك في ذلك اليوم ثلاثون ألف رجل كلهم يدعون انهم من أمة جدنا »، فنفس الإمام الحسن عليه السلام يقول: لا يوم كيومك يا أبا عبدالله، فما جري علي الإمام الحسين عليه السلام هو حالة استثنائية منفردة عن كل ما جري علي أهل بيت النبوة عليهم السلام ، فمن الطبيعي أن هذه الحالة الخاصة توجب شدة التأثر لكن من دون التقليل لأي مصيبة من مصائب أهل البيت ولما جري لأي إمام من أئمة الحق أرواحنا لهم الفداء.

ص: 75

نصيحة للشباب

44) ما هو توجيهكم للشباب الذي يفضل حضور العزاء علي التواجد في الحسينيات والاستماع للمجالس الحسينية؟

* لا يوجد أولا تعارض بين الحضور في الموكب وبين الحضور في المجالس الحسينية، فالتعارض يحصل لو كان هناك تزاحم في وقت المجلس ووقت الموكب ، بينما الحاصل هو وجود حالة تنسيقية بين أوقات المواكب والمجالس.

وثانيا لا ينبغي لنا أيضا التقليل من شأن المجالس الحسينية التي يصفها بعض فقهاؤنا الأجلاء بأنها بمنزلة المتارس التي يتترس فيها الناس ويحتمون بها ويتحصنون بها، فلا ينبغي أن تخلو هذه المواقع التي في خلوها سلبيات ومضاعفات غير محمودة علي الإحياء الحسيني فالمجالس هي التي تحمي المواكب وهي التي تنظر للمواكب وتثقف واقع المواكب وهي التي تحصن الموكب الحسيني وتصونه.

« هون علي ما نزل بي أنه بعين الله »

45) ما المقصود من قول الإمام الحسين عليه السلام ( هون علي ما نزل بي أنه بعين الله)؟

* المقصود بهذه العبارة أن هذه المصائب هي مصائب فادحة وعظيمة و شديدة وليست بالهينة ولكنها لما كانت في سبيل الله وسبيل طاعته فإنها تهون، فالذي يهونها أنها في سبيل الله ودين الله وابتغاء مرضاته .

ص: 76

الخطاب المنبري في البحرين

46) ما هو تقييمكم للخطاب المنبري في البحرين؟

* الخطاب المنبري في البحرين بشكل عام وبشهادة منصفة متقدم، وهناك خطباء لامعين وعطاءهم عطاء مستمر وجيد ويلمس علي الكثير منهم تقدم وتطور، وبعضهم منابره منابر نافعة ومفيدة، ومن الملاحظ عندما نقارن الخطاب المنبري في البحرين مع الخطاب المنبري في بعض البلدان نجده خطابا علميا تثقيفيا يبتعد - بشكل عام - عن الأساليب غير العلمية من الإعتماد علي الأحلام والرؤي والقضايا ذات الغرابة أو ذات الجانب الغيبي المحض غير المبرر، فالخطاب المنبري في البحرين متطور ومتقدم ولكن لا يعني ذلك أننا لا نطالب بالمزيد من التطوير وتعميم هذه الحالة المتقدمة علي جميع من يصعد المنبر، وفق الله خدمة الحسين وأخذ بأيديهم لما فيه الخير والصلاح لخدمة سيد الشهداء وجزاهم الله خيرا.

التشجيع علي البكاء بلسان حال الزهراء عليها السلام

47) يسأل البعض هل الزهراء عليها السلام محتاجه إلي بكاء الناس حينما يقول الخطباء علي لسان الزهراء: (من يساعدني في البكاء علي ولدي الحسين)؟

* البعض يفهم الشعر علي حرفيته، فليس المقصود من ذلك أن الزهراء عليها السلام تطالب الناس أن يساعدوها في البكاء وإنما المقصود هو إيجاد حالة من التشجيع والدعوة للبكاء علي الحسين عليه السلام بهذا الأسلوب الكنائي، وهذا أمر حسن أن يتم تشجيع الناس ودفعهم للبكاء بهذا الأسلوب، ولا إشكال أن البكاء علي الحسين والتأثر بمصابه يدخل السرور والفرحة علي قلب الزهراء؛ لأنه يعكس التفاعل والتأثر بصدق والمواساة بصدق مع الزهراء سلام الله عليها.

ص: 77

ما هو لسان الحال

48) ما المقصود بلسان الحال الذي يردده الخطباء ؟

* المقصود بلسان الحال أن الذي يقوله الشاعر ليس هو بالفعل الذي صدر أو الواقع الذي تحقق وإنما هو خيال الشاعر وتصوره، مثلا يتخيل الشاعر أن أم القاسم تريد أن تزوج ابنها وتفرح به وأن يبقي معها إلي سن الشيخوخة فيأتي بأبيات تصور وتحكي هذا المعني، وهذا لا محذور فيه (1).

ص: 78


1- نعم لا شك أن لسان الحال لا يبرر التساهل في نقل وتصوير الوقائع المأساوية الخيالية علي أنها أحداث واقعية، حذرا من تحولها ولو بمرور الزمان إلي كونها أحداث حصلت بالفعل فنقع في محذور التقول والكذب، فلابد من إفهام المستمع وإشعاره ولو بنحو ما علي أن ما يقال هو محض خيال شاعر.

خيال أم واقع.. إحصائيات في واقعة الطف

49) بعض الخطباء تعديلا علي بعض الكتب ينقلون أعدادا خيالية للذين قتلهم

الحسين وأبو الفضل العباس عليه السلام .. ما مدي صحة ذلك؟

* يحاول البعض أن يقلل من عدد الذين قتلوا من الجيش الأموي علي يد الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وسيد الشهداء وأصحابه، فمثلا المسعودي يذكر أن مجموع القتلي من جيش يزيد هم ثمانية و ثمانون رجلا (1) ، ولا شك في أن هذا العدد هو محاولة للتقليل من شجاعة الحسين وشجاعة أهل بيته، وهذا معني غير مقبول ولا يمكن أن يقارن فإن المذكور أن علي بن الحسين عليه السلام لما برز قتل مائتين أو ما يقرب من ذلك (2) ؛ فما قتله علي بن الحسين يفوق ضعفي العدد المذكور وهو الثمانين التي ينقلها المسعودي وغيره، وكذلك القاسم علي حداثة سنه فإنه لما برز قتل علي أقل التقادير 35، فما بالك بمن قتلهم العباس عليه السلام ومن قتلهم الحسين عليه السلام ، فلا شك في أن القتلي من الجيش الأموي أكثر بكثير من العدد الذي يذكره المسعودي، أضف إلي ذلك ما هو مذكور بشكل مجمل في حملات الحسين وحملات العباس أنه كيف كان يكشف الأعداء ويفرون من بين يديه كفرار المعز من الذئب أو إذا شد عليها الذئب (3)، كل هذا يعطي صورة من الشجاعة وصورة من القدرة القتالية التي - قطعا - توقع في الأعداء عددا كبيرا من القتلي.

ولكن المبالغة أيضا ليست صحيحة بأن يقال مثلا: إن العباس قتل أربعة آلاف، نعم كان علي المشرعة هذا العدد أو أقل فكشفهم فهذا أمر يتناسب مع شجاعة العباس لكن لا أن يقال إنه قتل هذا العدد، فلو أردنا أن نجعلها مسألة رياضية وفرضنا أن مبارزة كل شخص تحتاج إلي ما يقارب الدقيقة مثلا فكم هي المدة التي المطلوبة لقتل هذا العدد؟! قطعا المدة تتطلب عشرات الساعات مع أن القتال في

ص: 79


1- مروج الذهب و معادن الجوهر، علي بن الحسين بن علي المسعودي، ج 3، ص 77.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج45، ص 44.
3- الملهوف علي قتلي الطفوف، ابن طاووس، ص 171.

يوم العاشر لم يكن في تمام اليوم بل كان من الصبح إلي ما بعد الزوال بقليل - تقريبا - فهذا العدد لا يمكن تصوره أبدا ولا ينسجم مع الواقع وهي أعداد خيالية مبالغ فيها، وعلي الخطباء تجنب هذه المبالغات التي لا تنفع ولا تفيد، فلو قلنا إن علي الأكبر قد قتل مائتين فهذا بنفسه كاف في الدلالة علي الشجاعة والمقدامية التي يمتلكونها خصوصا إذا التفتنا إلي الظرف الذي كانوا يقاتلون فيه وما هم عليه من العطش وما هم عليه من حصار، وذكر الواقعيات لا ينقص من شجاعتهم فهم الشجعان كما قال عمرو بن الحجاج: يا حمقي، أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر، وتقاتلون قوما مستميتين (1) ، فهم أشخاص عرفوا بشجاعتهم وبسالتهم وعدم تقهقرهم أمام الأعداء وأمام هذا الجيش الجرار.

ص: 80


1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص103.

ترشيد المال لنصرة الحسين عليه السلام

50) إذا كان عند البعض مال يحب أن يبذله في نصرة القضية الحسينية..فبماذا تنصحون؟

* من مسألة توجيه وترشيد الأموال في الصرف من المسائل المهمة جدا، وأتصور أن الأموال التي تبذل في العشرة أموال طائلة ومن هنا أنا أدعو أن تكون هناك لجنة من ذوي الاختصاص والنظرة البعيدة الشمولية لتوجيه هذه الأموال وترشيد الصرف فيها، أما أن تجتمع هذه الأموال ويحار المرء في صرفها أو أن تصرف في أمور أكثر ما تكون تكرارية كإحداث تجديدات ليس لها مبرر إلا وجود الأموال أو تبديل أثاث المأتم أو غير ذلك، لا أريد أن أقول أن هذه الأمور ليست مهمة ولكن عندما لا تكون هناك لجنة يتمتع أعضاؤها بالرؤية الشمولية الواضحة وبعد النظر فإنه سوف تصرف هذه الأموال وقد يكون ذلك بلا مراعاة الأولوية في الوقت الذي نحتاج فيه إلي ترشيد صرف هذه الأموال. فهناك بعض الكتب في قضية الإمام الحسين نافعة ومفيدة جدا وربما قد نفذت بعض طبعاتها ولم تطبع فلماذا لا يستفاد من هذه الأموال في طبع هذه الكتب إذا لم تكن الأموال معنونة في الصرف بعنوان معين وجهة معينة كأن تبذل بعنوان أنها للإطعام حيث لابد من صرفها حينئذ في الجهة التي نص عليها باذل المال، لكن بالنسبة إلي الأموال التي تبذل بشكل عام للحسين عليه السلام فلا شك في أن من ضمن هذه الموارد طباعة بعض الكتب المفيدة في القضية الحسينية وطباعة بعض الكتب الأخلاقية التي توجه سلوك المعزين في أيام العشرة وهذا أمر مهم (1) ، فمن هنا أنا أؤكد علي ضرورة وجود لجنة يكون أعضاؤها من ذوي النظرة الشمولية البعيدة لتوجيه وترشيد وصرف هذه الأموال مع مراعاة الضوابط الشرعية، بمعني أن ما نص علي أن يصرف في جهة خاصة فلابد من مراعاة هذا الأمر فيه، وأما ما يبذل بعنوان أنه للإمام الحسين عليه السلام فهذا يمكن من خلال وجود هذه اللجنة أن يتصرف فيه بالشكل الذي يلاحظ فيه الأهمية وسلم الأولويات.

ص: 81


1- ولا يقف الأمر علي المادة المكتوبة بل المسموعة أيضا، بل المواد المناسبة لهذا العصر كتحويل بعض الكتب إلي برامج يستفاد منها في الهواتف الذكية وما شابه.

هل هذا يكفي لنشر القيم الحسينية

51) هل المظاهر العاشورائية التي يقوم بها الشيعة تكفي للاستفادة من القيم

الحسينية؟

* المظاهر العاشورائية فيما علي المنبر الحسيني غالبا ما تكون مظاهر رثائية وإبكائية وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها في بيان ونشر القيم الحسينية بصورة كبيرة، ومن هنا ربما مع الأسف تضيع هذه القيم والمبادئ في حين أن كربلاء مدرسة مترعة بالقيم والمبادئ، مدرسة مليئة بكل الفضائل ومن الضروري أن تجسد وأن تبين هذه القيم من خلال الشعار والعزاء واللطميات والمحاضرات، فمن المهم جدا أن تبين تلك القيم التي جسدها الحسين عليه السلام وجسدها أصحابه، كيف تعامل مع أعداءه بكل تلك العاطفة والمحبة كما في مثل قضية علي ابن طعان المحاربي الذي كان آخر من التحق مع الحر (1) وسقاه الإمام الحسين بنفسه، كيف نجد اهتمام الإمام الحسين وأصحابه بالصلاة والعلاقة مع الله التي جسدوها ليلة العاشر حيث طلب الإمام الحسين من أخيه العباس أن يذهب للقوم لأجل أن يؤجلوهم عشية ليلة العاشر حتي يتفرغوا للعبادة والصلاة، وكيف في يوم العاشر وقد حمي وطيس الحرب لم ينس أصحاب الحسين أداء الصلاة فقام بعض أصحابه وهو سعيد بن عبد الله الحنفي وقال له لما نظر إلي الشمس وقد زالت حان وقت الصلاة وإني أحب أن لا أخرج من الدنيا إلا وقد صليت هذه الصلاة معك، فقال: له الإمام ذكرت الصلاة جعلك الله من الذاكرين (2) ، وهذا مبدأ مهم جدا وهو المحافظة علي الصلاة في أحلك وأصعب الظروف، فهذه المسألة قيمة ومبدأ لابد من أن يتجلي ويجسد ويترجم من خلال الشعار ومن خلال اللطمية ومن خلال المحاضرة.

ص: 82


1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 78، وغيره من المصادر والرواية معروفة حيث وصل ابن طعان المحاربي وهو يلهث من شدة العطش وقد غارت عيناه فكاد لا يبصر الطريق لشدة ما ألم به حتي ذهب إليه الإمام الحسين عليه السلام وسقاه بيده الطاهرة.
2- مقتل الحسين، أبو مخنف الأزدي، ص 142.

أن نستحضر الإمام الحسين عليه السلام عندما ودع أهل بيته زينب وأخواته وقال لهن عليكن بلبس الأزر ولا تقولن ما لا يرضي الله، نستحضر أهمية الخدر والحشمة والحجاب. كما أننا نجد الإيثار والتضحية في أرقي صورها قد تجسدت في أفعال سيدنا أبي الفضل العباس عليه السلام . إذا فكل أحداث كربلاء نجد فيها قيم ومبادئ وفضائل ومكارم نحتاج إلي تجسيدها وترجمتها ترجمة فكرية وسلوكية وعملية، ولذلك أنا لا أري أن المظاهر العاشورائية الموجودة بالفعل كافية لتجلية وتوضيح وبيان كل هذه القيم والمبادئ التي امتلأت بها وأترعت بها واقعة كربلاء.

ص: 83

اختزال قضية عاشوراء في البكاء

52) هناك من يقول: إن قضية عاشوراء اختزلت غالبا في البكاء والعاطفة بعيدا

عن الاستفادة من القيم الحقيقية وراء نهضة الحسين.. ما رأيكم؟

* درج بعض الباحثين وخصوصا في الخطاب الحسيني السابق قبل النهضة والصحوة الدينية التي حدثت، علي بيان أن الغرض من ذكر مقتل الحسين عليه السلام هو البكاء علي الإمام الحسين عليه السلام حتي يدخل الشيعة بسبب هذا البكاء الجنة، وهناك رأي وهذا موجود في الخطاب الحسيني القديم - إن صح لنا هذا التعبير- قبل الصحوة يري أن أحد المبررات أو الهدف من خروج الحسين هو أن يقتل ويبكي عليه الشيعة وبسبب بكاءهم عليه يدخلون الجنة، هذا في الحقيقة والواقع تفريغ لواقعة كربلاء من كل أهدافها العظيمة وتصغير حقيقي لقضية الإمام الحسين وهدفه، وهذا الرأي لا إشكال في أنه رأي غير صحيح ورأي يتنافي من الشعار الذي أطلقه الإمام الحسين عليه السلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر »، فهي قراءة تختلف تماما عن الشعارات التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام من حين خروجه إلي حين استشهاده بأنها حركة إصلاحية تريد تحقيق الإصلاح في الأمة وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من أهم الضمانات لاستمرار الصلاح واستمرار الدين فلذلك من الخطأ أن تختزل واقعة كربلاء في مسألة البكاء.

كما أن هناك أيضا اتجاه آخر يريد أن يقلل من قيمة الدمعة ولا يعطي للدمعة أي أهمية في حين أن قضية كربلاء التي حفظت الإسلام لا يمكن حفظها إلا من خلال الدمعة، فهناك أدوار متبادلة. قضية كربلاء هي التي حفظت الإسلام وهي التي ما زالت تعطي للإسلام الديمومة وتعطي للإسلام القوة والمناعة في مقابل كل محاولات إضعاف الإسلام والدين، فواقعة كربلاء هي بمنزلة القوة التي تزود الإسلام بهذه المعاني؛ وفي نفس الوقت فإن الدمعة هي التي حفظت قضية كربلاء.

ص: 84

ومن هنا نجد الروايات الكثيرة التي حثت علي البكاء واعتبرته أمرا عباديا موجبا الدخول الجنة ومزيد الثواب، فلا ينبغي أن نقلل من قيمة الدمعة، لكن كذلك من الخطأ أن يكون شيء علي حساب شيء، فكما أن للدمعة دورها كذلك لا ينبغي -كما هو في الاتجاه الأول - أن نجعل قضية الحسين فقط في البكاء ونسلخ منها العبرة، ونسلخ منها الدروس، ونسلخ منها كل تلك المعاني والقيم التي تحرك من أجلها الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فالنظرة المتوازنة مهمة بمعني أن في نفس الوقت الذي نعتبر واقعة كربلاء وحركة الإمام الحسين عليه السلام ذات أهداف عظيمة ينبغي للإنسان الموالي أن يسعي وراء تحقيق هذه الأهداف، فكذلك أيضا ينبغي أن نحفظ للدمعة مكانتها ودورها في حفظ واقعة كربلاء.

ص: 85

لم التركيز علي الحسين عليه السلام من بين الائمة

53) يسأل البعض أليس بقية المعصومين عليهم السلام أئمة كالإمام الحسين.. فلماذا التركيز علي الحسين عليه السلام ؟

* البعض يفهم أن هناك نوعا من التفاوت في تعامل الشيعة مع الأئمة عليه السلام ، ومع الأسف البعض يحاول أن يسيء إلي الشيعة ويقول بأن الحسن أخو الحسين ولكن أنتم لا تتعاملون مع الحسن كما تتعاملون مع الحسين، هذه من المغالطات والتشويهات، بعضها متعمد وبعضها لا يمتلك قائلها تلك الصورة الواضحة.

لا يوجد لدينا تفاوت في التعامل مع الأئمة، فالأئمة كلهم نور واحد ويجب تعظيمهم جميعا ويجب احترامهم جميعا وتجب محبتهم جميعا وتجب موالاتهم جميعا بنفس الدرجة.

لا يمكن أن يقول أحدهم أنا أعظم الإمام الحسين عليه السلام أكثر مما أعظم الإمام الصادق والباقر عليه السلام ، فهذا شيء قطعا إذا كان عن عمد فإنه يوجب التوهين للمعصوم وهو أمر محرم.

الاحترام لجميع الأئمة، و محبتهم وموالاتهم وطاعتهم هي علي حد سواء، ولكن التركيز علي قضية الإمام الحسين عليه السلام لم يأت من قبل الشيعة، بل جاء من تعليمات أئمة الهدي عليهم السلام ، فهم كانوا يعطون لواقعة كربلاء أهمية خاصة، أمير المؤمنين عليه السلام قتل، الإمام الحسن عليه السلام استشهد. سائر المعصومين تعرضوا للظلامات، لكن نجد أن الأئمة كانوا يجلسون في مصاب الإمام الحسين عليه السلام ويستمعون لشعر الشعراء وكانوا يؤكدون علي ضرورة إبقاء قضية الإمام الحسين عليه السلام وقادة ومستمرة، فهذا التركيز هو في الحقيقة منبعث من تعليمات الأئمة عليهم السلام ، فهم أمرونا وهذا امتثال لأوامرهم عليهم السلام ، فالأئمة طلبوا ما هذا التركيز، وهذا التركيز علي قضية الإمام الحسين هو تركيز علي قضيتهم جميعا وتركيز علي مظلوميتهم جميعا وتركيز علي حقهم جميعا وعلي ما تعرضوا له جميعا من ظلم وإقصاء وسلب حق

ص: 86

وغصب مقامات، فهناك قضية تكميلية في الحقيقة والواقع، وهذا التركيز ينبعث من العمل بأوامر الأئمة الذين أمرونا بالارتباط بقضية الحسين.

الإمام الحجة عليه السلام يقول: «لأندبنك صباحا ومساءا » (1) ، فالشيعة حينها يركزون علي قضية الإمام الحسين فهم يمتثلون هذه الأوامر ويقتدون بهذا السلوك، فالشيعة حينما يبكون علي الإمام الحسين عليه السلام فإنما يمتثلون لما جاء في رواية ابن شبيب (يبن شبيب إن كنت باكيا فابك الحسين فإنه ذبح كما يذبح الكبش ) (2) فإذا الشيعة إنما يسيرون علي النهج الذي يريده منهم أئمتهم عليهم السلام.

ص: 87


1- من إحدي زيارات الإمام الحسين في يوم العاشر.
2- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص 502، باب 66 من أبواب المزار وما يناسبه، ح5.

كتاب الفخري للطريحي

54) كثرة في الآونة الأخيرة اللغط حول كتاب الفخري للطريحي.. فما هو تقييمكم للكتاب والكاتب؟

* أولا: مؤلف الكتاب هو العلامة الفقيه الشيخ فخر الدين الطريحي (1) رحمه الله الذي هو من أجلاء العلماء وأكابر الفقهاء وله مصنفات متعددة في الفقه وفي اللغة وفي علم الرجال وفي علم الحديث وله تضلع واسع في اللغة، وأشهر كتبه ومصنفاته هو كتاب مجمع البحرين الكتاب اللغوي المهم والذي يحظي باهتمام بالغ لدي العلماء والفقهاء والمفسرين. فالرجل من الناحية العلمية يعتبر عالما من العيار الثقيل لما يتمتع به من جامعية للعلوم الإسلامية، وينتهي نسبه إلي حبيب بن مظاهر الأسدي الشهيد وسيد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام فهو عربي أصيل، هذا بشكل موجز حول الشيخ فخر الدين الطريحي رحمه الله.

أما بالنسبة إلي كتابه المنتخب فهو كتاب أعده لمصائب أهل البيت عليهم السلام وبالخصوص مصيبة سيد الشهداء عليه السلام بسبك خاص ولغة أدبية تشتمل علي السجع وتشتمل علي نمط خاص من التعابير، وفي الحقيقة له تأثيره العاطفي والوجداني. وأنا لا أستبعد أن يكون غرض المصنف الشيخ فخر الدين الطريحي لكتابه المنتخب أو الفخري هو استدرار الدموع فإن من يقرأه ويتأمل في عباراته فإنه يجد لغة إثارة الدمعة وأسلوب الإبكاء واضح علي صياغته وعلي أسلوبه.

من جهة أخري إن هذا الكتاب في غالب ما ينقله مراسيل لا يسنده إلي مصادرها

من أمهات الكتب المعتبرة وهذا بالطبع سوف يؤثر في قيمة الكتاب، لكن يبقي هنا أمر وهو أنه إذا كان ما ينقله ليس فيه منافاة لبديهيات العقل وليس فيه ما يوجب الاستبعاد وليس فيه ما هو مستغرب أو شاذ فيمكن تقبله حيث إن القضية

ص: 88


1- ؤلد رحمة الله في النجف الأشرف سنة 979 ه وتوفي في 1085 ه توفي في الرماحية ونقل جثمانه إلي النجف الأشرف ودفن بظهر الغري وقد شيعه من الرماحية إلي النجف خلق كثير. من مؤلفاته: مجمع البحرين ومطلع النيرين، شرح المختصر النافع، كتاب جامع المقال في تمييز المشتركات من الرجال، كتاب الأربعين، كتاب المنتخب في المراثي والخطب والأخبار في مصيبة سيد الشهداء عليه السلام ، الفخرية في الفقه.

التاريخية ومنهجها تختلف عن القضية الفقهية التي هي إثبات المنجزية والمعذرية، ففي القضية التاريخية إنما يراد حكاية أحداث، ولذا فمن الضروري عدم التعامل مع القضايا التاريخية بأداة الفقيه.

نعم الكتاب فيه بعض الأمور التي هي خلاف ما هو مشهور و معروف مثل: قضية زواج القاسم بن الحسن عليه السلام وتفاصيلها، والذي يقرب أو لا يستبعد أنه قد

حدث هذا الزواج أو حدث عقد في كربلاء للقاسم ولكن ليس بعنوان الزواج (1) ولعل الذي أعطاه هذا العنوان هو العاطفة التي يحملها أتباع أهل البيت عليهم السلام من أجل إثارة العاطفة واستدرار الدمعة، يعني ليس هناك استحالة أو استبعاد بأن يعقد الإمام الحسين لابن أخيه ويزوج القاسم، لكن قطعا ليس في يوم عاشوراء، فالقضية ممكنة وغير مستبعدة ولكن لا شك في أن المسألة تحتاج إلي دليل.

أو قضية الطيور والحمام التي ظللت جسد الحسين عليه السلام وطارت إلي المدينة، ورأت فاطمة بنت الحسين أرجل هذا الحمام مصبغة بالدم فعرفت بمقتل أبيها، فهذه أيضا من القضايا الغريبة فإن قضية مقتل الحسين عليه السلام يمكن أن نقول إن أهل المدينة قد علموا بها بواسطة أم سلمة خصوصا - لا أقل- أنه لو خفي علي غالب الناس فإنه لا يخفي علي أهل البيت الذين أودعهم النبي صلي الله عليه وآله هذا الأمر وخصوصا السيدة أم سلمة وحديث تربة كربلاء أحاديث معروفة مشهورة رواها السنة والشيعة (2) ويمكن أن ندعي أن هذه القضية مستفيضة، فلما جاء يوم العاشر

ص: 89


1- المنتخب للطريحي، ص 364-365. موضع الشاهد (.. فمسك الحسين علي يد القاسم وأدخله الخيمة، وطلب عونا وعباسا، وقال لأم القاسم: ليس للقاسم ثياب جدد. قالت: لا. فقال لأخته زينب: إيتيني بالصندوق. فأتته به ووضع بين يديه، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن وألبسه القاسم، ولف علي رأسه عمامة الحسن، ومسك بيد ابنته التي كانت مسماة للقاسم، فعقد له عليها و أفرد له خيمة، وأخذ بيد البنت ووضعها بيد القاسم وخرج عنهما. فعاد القاسم ينظر إلي ابنة عمه، ويبكي إلي أن سمع الأعداء يقولون: هل من مبارز؟ فرمي بيد زوجته وأراد الخروج وهي تقول له: مايخطر ببالك، وما الذي تريد أن تفعله ؟ ! قال لها: أريد ملاقاة الأعداء، فإنهم يطلبون البراز، وإني أريد ملاقاتهم ..).
2- مما جاء في كتب العامة هذا الخبر (أخبرنا: الحسن بن سفيان، قال: حدثنا: شيبان بن فروخ، قال: حدثنا: عمارة بن زاذان، قال: حدثنا: ثابت، عن أنس بن مالك، قال : استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلي الله عليه وآله ، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة، فقال النبي صلي الله عليه وآله : احفظي علينا الباب، لايدخل علينا أحد، فبينما هي علي الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر، فاقتحم، ففتح الباب، فدخل، فجعل يتوب علي ظهر النبي صلي الله عليه وآله ، وجعل النبي يتلثمه ويقبله، فقال له الملك: أتحبه، قال: نعم، قال : أما إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: نعم فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه، فأراه إياه، فجاءه بسهلة أوتراب أحمر، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول إنها كربلاء). صحيح ابن حبان، كتاب التاريخ، ب إخباره صلي الله عليه وآله عما يكون في أمته من الفتن والحوادث ج 15، ص 142. المنتخب من مسند عبد بن حميد، ج 1، ص 142. الإرشاد في معرفة علماء الحديث، أبي يعلي الخليلي ، ج 1، ص 307. وغيرها، أما من طرق الشيعة فكثير.

ورأت أن التربة قد صارت دما علمت بمقتل الحسين وأخذت بالبكاء فاجتمعن عليها نساء بني هاشم، فخبر مقتل الحسين قد علم بهذا وليس بواسطة الطير أو الحمام... هذه من القضايا التي فيها شيء من الغرابة، ولكن يبقي أن هناك لغة تضخيمية وهذه لابد من الالتفات إليها بمعني أن اشتمال الكتاب علي حادثة أو اثنتين أو ثلاث غريبة لا يوجب إسقاط الكتاب عن أصل الاعتبار والمبالغة في المسألة، فالإنسان مثلا يأتي إلي كتاب البحار - هذه الموسوعة الروائية العظيمة - فيجد فيها مفردتين ثلاث أو أكثر غريبة فيعطي هذه اللغة التضخيمية والمبالغة الشديدة أن كل الكتاب مشتمل علي مثل هذه الأخبار، فهذه لغة مبالغة وتضخيم ولا ينبغي اعتماد القضايا العلمية علي لغة المبالغة والتضخيم بل ينبغي اعتمادها علي لغة التحقيق.

فالخلاصة: إن وجود بعضا أو مقدارا من الأمور المستغربة لا يسقط الكتاب من الاعتبار من رأس أو أن ينظر إلي الكتاب علي أن لا قيمة له، نعم لا يعني أن نعتمد كل ما فيه وأن نقول بأن كل ما جاء فيه صحيح وثابت، بل نقول إن هذه قضايا محتملة و ممكنة ومشمولة لتلك الحكمة المعروفة كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان حتي يذوذك عنه واضح البرهان، فبعض هذه الأمور ليست بعيدة أو مستحيلة ويبقي أن مؤلف الكتاب من العلماء الفقهاء الأجلاء والكتاب مع اشتماله علي بعض الغرائب إلا أن ذلك لا يسقطه من رأس عن الاعتبار.

ص: 90

عفة الهاشميات ومقاطع من زيارة الناحية

55) ورد في زيارة الناحية المقدسة مقطع يقول: « فلما نظرن النساء إلي الجواد مخزيا والسرج عليه ملويا خرجن من الخدور ناشرات الشعور، علي الخدود لاطمات، وللوجوه سافرات، وبالعويل داعيات... وإلي مصرعك مبادرات » كيف ينسجم ذلك من عقة بنات النبوة؟

* زيارة الناحية وإن كانت من ناحية السند فيها إشكال، إلا أن مضمونها من المضامين الراقية والعالية جدا وليس فيها ما يوجب الاستيحاش أو ما يوجب استبعاد صدورها، بل كل عبائرها تدلل علي صدورها من ذلك المنبع الصافي، فالزيارة تبدأ بالتسليم علي الأنبياء وتوقيرهم وتعظيمهم، وذكر الأنبياء العظام الذين بذلوا وضحوا في سبيل التوحيد وفي سبيل إقامة فرائض الله، ثم تبدأ في قضية الإمام الحسين عليه السلام وأنه كيف كان في المدينة، وكيف كان تاركا ومبتعدا عن الدنيا وزخارفها ومقبل علي الآخرة، قائما علي ما أراد الله منه من تعليم وتوجيه وبذل العلم وتوجيه الناس إلي أن مد الظلم باعه وبعد ذلك أجبروه علي الخروج من مدينة جده صلي الله عليه وآله ... إلي ذكر المصائب التي حلت عليه وما جري عليه من ظلامة كل ذلك بلغة راقية، ثم بعد ذلك تعرض إلي هذا المقطع الذي ورد في السؤال.

هذه العبارة قد يستوحش منها البعض ويقول: كيف تخرج عقائل الرسالة هكذا وبهذه الهيئة، وقد ذكر في أكثر من محاضرة وحديث أنه ليس في العبارة ما يدلل أو ما ينص علي أن التي خرجت مثل السيدة زينب أو بنات الحسين أو بنات أمير المؤمنين، ليس في العبارة ما يدلل أو ينص علي ذلك، وإنما المقصود هو النساء الأخريات لأنه كان مع الحسين من الجواري ومن نساء أصحابه الكثير ومن الطبيعي أن هؤلاء النساء لا يتصور فيهن ما يتصور في مقام السيدة زينب أو مقام بنات أمير المؤمنين أو بنات الأئمة الحسن والحسين عليه السلام .

ص: 91

من الواضح أن هول هذه المصيبة يستوجب عليهن أن يخرجن ويشاهدن الأحداث، وإذا كان هناك استيحاش من عبارة الزيارة فهو حين نتصور أن زينب أو بنات أمير المؤمنين أو بنات الإمامين الحسن والحسين عليه السلام المقصودات في العبارة وقلنا إنه ليس في العبارة ما ينص علي ذلك، وإنما هي عبارة عامة تحمل علي الأخريات وبالتالي لا يوجد في العبارة ما يوجب الاستيحاش أو الاستبعاد.

ص: 92

فلسفة البكاء

56) ماهي فلسفة البكاء علي الحسين عليه السلام ؟

* البكاء علي الحسين عليه السلام مضافة إلي أنه أمر قد ندب إليه أئمة الحق عليهم السلا وأكدوا عليه وجاء في الكثير من الروايات بيان ما له من ثواب.

فإنه كذلك يمثل العاطفة التي تحفظ هذه القضايا، ومن الواضح جدا أن القضايا مهما كانت محقة ومهما كانت ذات بعد فكري لكنها إن تجردت من العاطفة فإنها لا تمتلك تلك الديمومة ولا تلك الإستمراية، أما القضايا التي تأخذ بعدا عاطفيا وتأخذ بعدا وجدانيا فإنها تبقي مستمرة وتبقي في عقل الإنسان ووجدانه، فأحد أبعاد فلسفة البكاء هو أن العاطفة هي إحدي الضمانات المهمة لبقاء واقعة كربلاء واستمرارها.

ص: 93

شعائر مناطقية هل يصح نقلها لمناطق أخري

57) تظهر بعض الشعائر في بعض المجتمعات التي تألف هذه الممارسات.. فهل

يحسن نقلها إلي مجتمعات أخري؟

* هذه مسألة في غاية الأهمية، لا يمكن نقل بعض الممارسات من منطقة إلي منطقة أخري، ولعل هذه الفوضي في الشعائر والممارسات سببها أننا ننقل ممارسة في بلد ما إلي بلد آخر أو ننقل عادة من بلد ما إلي بلد آخر.

المضائف التي انتشرت بهذا الشكل الهائل في بلادنا بحيث أصبحت أشبه ما تكون بمظاهر استعراضية للأطعمة والمأكولات قد نقلها الناس بعد الانفتاح علي العراق وكربلاء وبعد أن أصبحت زيارة الأربعين هذه الزيارة الجماهيرية المعروفة متاحة للجميع، ومن الطبيعي أن هؤلاء الناس عندما يقطعون كل تلك المسافات الطويلة فإنهم يحتاجون إلي توفر الطعام في الطرق، فهناك حاجة ماسة إلي إقامة هذه المضائف حتي تلبي احتياجات الزوار.

في بلادنا الناس تأثروا بهذه المظاهر فنقلوها من دون وعي، فتجد في القرية الواحدة والتي لا داعي أن يكون فيها عشرة مضائف أو خمسة مضائف أو أربعة، تجد هذه المضائف بين كل مسافة ومسافة قصيرة، مع العلم أن غالب المعزين قد تناولوا وجبة العشاء لكننا نقلنا هذه العادة من دون دراسة.

إذا كان يوجد لها مبرر في العراق فأي مبرر لتكثرها وتزايدها في بلادنا في البحرين ؟!

فالخلاصة: إن نقل العادات من دون وعي هو من أهم المخاطر علي الشعائر الحسينية وهي التي تؤدي إلي هذه الفوضي في العادات والشعائر وهذا خطأ كبير. فلابد من الوعي ولابد من الدقة في نقل هذه الشعائر كونها ممارسات مناسبة ولائقة بقدسية سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه ولائقة بواقعة كربلاء أم ليست كذلك، وهذا دور الخطباء ودور علماء الدين حيث عليهم أن ينبهوا الناس ويؤكدوا علي عدم نقل أي ممارسة من أي بلد كان كيف كانت، بل لا بد من ملاحظة أهميتها ومناسبتها مع قدسية الإمام الحسين وقدسية أهل البيت وقدسية المذهب.

ص: 94

زيارة الحسين عليه السلام من أعظم القربات

58) يعتقد الشيعة أن زيارة الحسين عليه السلام من أعظم القربات.. ما السر في ذلك؟

* لا شك في أن زيارة الحسين بالخصوص ورد فيها الكثير من الروايات وأكد عليها أئمة أهل البيت عليهم السلام وجاء في روايات الزيارة أنه ينبغي زيارته ولو في الظروف الصعبة وظرف الخوف (1) وجاء فيها أن من زاره وهو خائف أمنه الله وأنه يكون آمنا يوم الخوف الأكبر، فالأئمة لم يمنعوا الشيعة في أحلك الظروف بل حرضوا الشيعة علي زيارة الإمام الحسين عليه السلام وهذا أمر مهم جدا حيث إننا نعلم أن مثل الحج مشروط بتحقق الاستطاعة التي من أحد معانيها تخلية السرب وأن يكون الإنسان آمنا في ذهابه وإيابه لكن في مسألة الزيارة نجد أن الأئمة شددوا علي زيارة الحسين وحرضوا عليها ولو كان في حالات و ظروف صعبة كأن يزوره الإنسان علي خوف، وما ذلك إلا لأن ارتباط الإسلام وارتباط بقاء الدين وسلامة الدين و صيانته إنما هي بواقعة كربلاء، هذا الأمر المهم جدا في الزيارة؛ فلذلك زيارة الحسين عليه السلام لها وهجها الخاص ولها وقعها الخاص وتبقي الأمة مرتبطة بالحسين وبالتالي مرتبطة بالأهداف التي من أجلها ضحي واستشهد.

ص: 95


1- من هذه الروايات ما ورد عن عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام : « قال: قلت له: إني أنزل الأرجان وقلبيي نازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتي أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح، فقال : يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين عليه السلام تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقرته الملائكة و كنت قلبه بالبشارة » . كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 243، ب 45، ح 2.

ما هو الأفضل من بين الشعائر الحسينية

59) مع تنوع الشعائر الحسينية.. هل يمكن تفضيل شعيرة علي أخري؟

* هذه المسألة في أحد أبعادها تتوقف علي النص الديني الذي لا يمكن للإنسان بوحده وبمعزل عن النص الديني أن يفضل شيء علي شيء، مثلا لا يمكن أن تفضل الزيارة علي البكاء أو غيره كأن يقول الإنسان مثلا أذهب إلي زيارة الإمام الحسين عليه السلام ولا أذهب للمجلس وأبكي، أو يقول سأذهب لمجلس الحسين للبكاء فهو أفضل من الذهاب لزيارته في كربلاء. هذه أمور لكل واحد منها قيمته وثوابه وأجره، نعم في المظاهر يمكن أن نقول: إن اللطم علي الصدر مثلا من أفضل الممارسات العاشورائية.

ص: 96

الملك فطرس وكسر الجناح

60) نسمع عن قصة الملك فطرس الذي كسر جناحه وعاد إليه ببركة الإمام الحسين عليه السلام (1).. ما مدي صحة الرواية وكيف نفسرها بما لا يتنافي مع عصمة الملائكة؟

* قضية فطرس ربما يتحفظ عليها من جهة أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم

فكيف يتصور فيه المعصية!

ومن هنا البعض يشكك في قضية فطرس وما ورد فيها من الرواية أو الدعاء ليلة الثالث من شعبان الذي هو من الأدعية التي يستحب قرائتها المتضمن هذه القضية .

وربما يقول البعض: إن هذا التحفظ له مجال لو كان المراد من المعصية معناها الحقيقي وهي ترك الأمر الإلزامي أو ارتكاب النهي الإلزامي، مع احتمال أن ما صدر من فطرس ليس إلا مخالفة الأولي وليس معصية حقيقية (2). ولعل الغرض من ذلك بيان مقام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وبيان عظمته لا لمن يعتقد بإمامته فقط وإنما لجميع الخلق، فقد يحتاج في التدليل علي عظمة الشخص ومقامه وقربه من الله سبحانه وتعالي بمثل ذلك، ولعل الوجه والحكمة في ذلك هو بيان مقام الإمام الحسين عليه السلام وقربه عند الله وماله من زلفي عند الله. فحمل معصية فطرس علي مخالفة الأولي دون المعني الحقيقي للمعصية ليس فيه منافاة مع القرآن فهي معصية مجازية مثل ما في معصية الأنبياء عليهم السلام : « عَصَي آدَمُ رَبَّهُ » (3) فكما أن هناك نقول إنه ليس المقصود بها المعصية الحقيقية وإنما هي مخالفة الأولي، هنا أيضا نفسر المعصية بنفس المعني، وكما أن الداعي في توجيه معصية الأنبياء هو عصمتهم، هنا أيضا نقول: بما أن الملائكة معصومون ولا يعصون الله ما أمرهم فلابد من توجيه ذلك بما لا يتنافي مع المسلم به من عدم عصيان الملائكة.

ص: 97


1- بصائر الدرجات، الصفار، ص88، ب 6 ما خص به الأئمة من آل محمد، ح7؛ كامل الزيارات، ابن قولويه، ص140، ب 20، ح 1.
2- أما المعصية فهي ارتكاب الذنب ومخالفة القوانين الإلهية بصورة عمدية، أما (ترك الأولي) فقد عرف بتعريفات أخفها هو ترك الفعل الراجح، وهناك من عرفه بترك فعل الراجح في حال وجود الفعل الأرجح.
3- سورة طه: 121.

حضارية الشعائر الحسينية

61) هناك من يقول: إن الشعائر التي يقوم بها الشيعة في عاشوراء كالجزع في البكاء واللطم وما شابه أساليب غير حضارية وغير متمدنة وتسبب النفور من مذهب الشيعة.. فا تقولون؟

* هذه مغالطة، بعض هذه الشعائر الحسينية هي أمور منصوص عليها مثل البكاء والرثاء بقول الشعر واللطم علي الصدر، فهذه أمور إما أن تكون منصوصا عليها بالنص الخاص كالبكاء وقول الشعر ورثاء سيد الشهداءصلوات الله وسلامه عليه، أو داخلة تحت العموم كاللطم علي الصدر فإنه من أوضح مصاديق الجزع. فهذه أمور دينية ذات جهة تعبدية لا يمكن التنازل عنها أو التقليل من شأنها بدعوي أنها ليست حضارية ولا دخل لهذا الأمر فيها بمعني أننا لا يمكن التنازل عنها بدعوي أنها أساليب غير حضارية أو أن البكاء غير حضاري أو أنه من غير المناسب للرجل أن يبكي!

فهذا أمر ديني تعبدي دعي إليه أئمة أهل البيت عليه السلام وحثت عليه النصوص والروايات و أكدت عليه أحاديثهم ولذلك لا يمكن لنا بمبرر أنها ليست حضارية أن نتنازل عنها أو نرفع اليد عنها، وهذا أمر في غاية الخطورة علي الشعائر الحسينية .

نعم بالنسبة إلي الأمور الأخري التي لم يرد فيها نص خاص ولا يحرز دخولها تحت العناوين العامة فتكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية (1) وهذه يمكن أن تقع تحت التساؤل وتحت الاستفسار، أما ما هو منصوص عليها فلا يمكن أن يقال أنه غير حضاري أو أنه أمر لا يتناسب ونرفع اليد عنه، هذا أمر مثل الصلاة التي لا يمكن لنا أن نرفع اليد عنها بدعوي أنها ليست حضارية وما أشبه ذلك.

ص: 98


1- هذه قاعدة في علم الأصول مفادها باختصار شديد: أنه إذا كان عندنا قاعدة عامة أو أمر عام كما في قول أحدهم لي : (أكرم كل جار)، فهذا يستفاد منه لزوم تقديم الإكرام لكل من أعرف أنه جار لي. فلو شككت في زيد هل أنه جار أم ليس بجار - لا لشكي في معني الجيرة ومتي تتحقق بل الشك بسبب تشخيص زيد كما لو انتقلت إلي بيت جديد ومر علي زيد فلم أعلم أنه زيد جاري أم زيد الآخر الذي ليس جارا لي - فهل يصح إثبات كونه جارا بهذه القاعدة؟ كلا. لأن القاعدة تقول: أن من عرفت أنه جار لك لزم عليك إكرامه . وهنا في الفرض لم أعرف أن هذا جارلي! فلو اعتمدت علي هذه القاعدة وقلت بأن فلانا جاري، فعندها يقال لي تمسكت بالعام في الشبهة المصداقية .

الحسين عليه السلام وعمرة التمتع

62) يذكر في بعض المقاتل بأن الإمام الحسين عليه السلام قد أحل من إحرام عمرة التمتع وجعلها عمرة مفردة، ما هو مدي صحة هذا الكلام ومطابقته من الناحية الفقهية؟

* هكذا يذكر في بعض المقاتل (1) مما يفهم منه أن الحسين عليه السلام قد أحرم لعمرة التمتع، وهنا عدة ملاحظات علي هذا الرأي:

أولا: أنه خلاف الرأي الذي يتبناه جملة من فقهاءنا كالسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد السبزواري وغيرهم من الفقهاء، يقول السيد الحكيم رحمه الله في مستمسك العروة الوثقي: «وأما ما في بعض كتب المقاتل من أنه عليه السلام جعل عمرته عمرة مفردة مما يظهر أنها كانت عمرة تمتع وعدل عنها إلي الأفراد فليس مما يصح التعويل عليه - يعني لا يمكن الاعتماد عليه - في مقابل الأخبار المذكورة التي رواها أهل البيت» (2)، هذا أولا.

ثانيا: المصدود الذي يمنع من الإتيان بعمرة التمتع أو يمنع من الحج، فإنه علي رأي المشهور يكون إحلاله الهدي (3) وهذا هو الصحيح ولم يرد في خبر أو أثر أن الحسين عليه السلام قد أحل من إحرام عمرته بالهدي، والمشهور بين فقهاءنا أن التحلل عند الصد سواء كان عن حج أو عن عمرة التمتع يكون التحلل بالهدي لا بتبديلها العمرة مفردة.

ص: 99


1- كما في إعلام الوري بأعلام الهدي، ج 1، ص 445 ورد فيه: (.. وكان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلي العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، وكان قد اجتمع إليه عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز والبصرة، ولما أراد الخروج إلي العراق طاف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة ؛ لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلي يزيد بن معاوية..).
2- مستمسك العروة الوثقي، السيد محسن الحكيم، ج 11، ص 192.
3- الهدي إسم لما يهدي، وهو أحد واجبات الحج في يوم عيد الأضحي، وهو أن يذبح أو ينحر الحاج أو من ينوب عنه أحد الأنعام الثلاث (الغنم، البقر، الإبل) المتصفة بمواصفات معينة، تقربا إلي الله ، قال تعالي « فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ »، سورة البقرة : 196.

ثالثا: أنه لو فرض أن الحسين عليه السلام أحرم لعمرة التمتع فإن هذا حدث مهم جدا خصوصا في أيام إقامة الحسين في مكة حيث ترصد جميع تحركاته وتصرفاته وتنقلاته ويقتضي أن يكون لو أحرم لعمرة التمتع - إما لأن فرضه حج التمتع أو يأتي به استحبابا - فلابد أن يخرج إلي الميقات، ونفس خروجه إلي الميقات فيه حركة ملفتة و مثيرة ولابد أن يسجلها التاريخ وترصد في حين أنه لم يذكر بعد دخوله إلي مكة بعد أن خرج من المدينة ودخل مكة في رجب لم يثبت أن الحسين عليه السلام قد خرج إلي الميقات.

فإذا هذا القول خلاف الرأي التحقيقي، وخلاف القاعدة الفقهية وهو أن الإحلال بالنسبة إلي المصدود بالهدي، ولم يثبت لا في خبر ولا أثر أن الحسين عليه السلام أحل بالهدي، والملاحظة الثالثة أن إحرامه يقتضي أن يكون من الميقات الذي يستلزم خروجه من مكة ونفس خروجه من مكة حدث ملفت للنظر ومن المفترض أن يرصد ويذكر في حين أنه لا يذكر في المصادر أن الحسين بعد دخوله إلي مكة قد خرج منها.

ص: 100

نزاعات بين مؤسسات حسينية

63) تقع في كثير من الأحيان النزاعات والخلافات بين أصحاب المآتم والمواكب

علي أمور تافهة، ألا يتنافي ذلك مع الإخلاص؟

* لا شك في أن النزاع إذا كان منشأه الأمور النفسية والأغراض الشخصية وآلهوي فهذا النزاع هو النزاع المذموم والنزاع الذي يؤدي إلي حالة الانقسام والإضرار بأهل الدين الواحد وأهل المذهب الواحد، لا سيما إن كان هذا النزاع الذي ينشأ من هوي النفس ومن حالات نفسية علي قضايا دينية فإنه يكون أسوأ الخلافات و أمقتها، ومن هنا لا ينبغي أن تكون القضايا الدينية التي يراد منها نصرة الحق ونصرة الدين ونصرة أهل البيت عليهم السلام أن تكون موردا هوي النفس وتتحول إلي نزاعات.

نحن نربأ بالمؤمنين والقيمين علي المآتم والحسينيات أن يكون خلافهم ناشئ من هذه الجهة، من الهوي النفسي أو تحكيما للهوي النفسي، كلنا حسن ظن بهؤلاء المؤمنين ونرجو أن تدرس هذه الخلافات وتقرب أوجه النظر بين المعنيين في المآتم وأن يعمل علي تذويبها وحلحلتها لا أن تترك لتتفاقم وتبدأ من شيء تافه وتتعمق إلي أن تكون هناك قطيعة لا سمح الله بين أصحاب المآتم وبين المأتم والمأتم .

الكل يريد أن يخدم الحسين عليه السلام والكل يريد أن ينصر الحسين وأن ينصر أهداف الحسين، لابد من أن يكون في هذا النصر إخلاص. هذا المأتم يريد أن ينصر قضية الإمام الحسين عليه السلام وذاك المأتم يريد أن ينصر قضية الإمام الحسين عليه السلام أيضا، فإذا إن هو قام بهذا الدور وحقق هذا الهدف فلماذا أغتاظ أو أصاب بالضيق والانزعاج أو تصيبني حالة نفسية - لا سمح الله - وأريد أن أنتقم أو أن اثأر أو أقوم بتصرفات تنال من ذلك المأتم.

من جهة أخري لابد من التنسيق ما دام الكل يريد أن ينصر قضية الإمام الحسين عليه السلام ، والكل هدفه الإمام الحسين عليه السلام والكل هدفه الحصول علي الأجر

ص: 101

والثواب عند الله سبحانه وتعالي وإرضاء قلب النبي والأئمة من أهل البيت عليهم السلام والصديقة الكبري، حينئذ لابد من التنسيق بين هذه المآتم في كل ما يحتمل أن يكون منشأ للخلاف والتصادم، لابد من وجود لجان منسقة تعمل علي التنسيق في تنظيم الوقت وفي تنظيم الموكب وفي سائر الأنشطة الحسينية حتي لا يكون هناك مجال أو مساحة للخلاف.

ص: 102

بين الإفراط والتفريط في التعامل مع تاريخ المقتل

64) كيف يتعامل مع الأحداث وتفاصيل واقعة كربلاء حيث إننا نجد هناك من يقبل كل ما جاء من أحداث وتفاصيل وقضايا ولو كانت بمنتهي الغرابة، وهناك من يشكك في كل شيء ويستبعد كل شيء؟

* في الحقيقة والواقع الناس في تعاطيها مع الأحداث أيا كانت الأحداث بها فيها أحداث كربلاء علي ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: هي العقلية التشكيكية والعقلية الاستبعادية التي تشكك في كل

شيء وتستبعد كل شيء ولا يثبت عندها شيء.

الصنف الثاني : هي العقلية الحشوية التي تقبل كل شيء ولو كان إلي الخرافة أقرب وإلي الأسطورة أميل، فإنها مع ذلك تقبلها.

الصنف الثالث: وهي العقلية التي تتعامل مع هذه القضايا بعقلية وسطية، متي ما كانت القضية مقبولة وغير مستبعدة وممكنة وليس فيها ما يستوحش منه عقلا أو يتنافي مع مقام المعصوم فيما لو كانت القضية مرتبطة بمقام المعصوم الثابتة في كتب التاريخ فإن أصحاب هذا الصنف يقبلونها، يقبلونها إذا كانت وفق المعايير والمقاييس، و هذه هي العقلية الوسطية.

وقبل أن أقيم هذه الأصناف الثلاثة، أبين شيئا وهو: إن هذا التفاوت طبيعي في الناس كما هو التفاوت في ذهنياتهم وعقلياتهم من حيث الذكاء وعدمه، وكذا من حيث الأذواق. هناك إنسان طبيعة عقليته أنها عقلية استباعدية تشكيكية يشكك في كل شيء وهذا لا يعني أنه علي الحق أو أنه الإنسان السوي، هذه عقلية تشكيكية استبعادية تشكك وتستبعد كل شيء حتي لو لم يكن هناك مبرر للتشكيك والاستبعاد إلا أنه يشكك، هذا صنف.

الصنف الثاني وهو النمط الذي يقبل كل شيء ولا يرفض شيئا، هذا السلوك راجع إلي نفسيته. كما أننا نجد إنسانا وسواسيا يوسوس في كل شيء، هناك كذلك إنسان متهاون يأخذ بكل شيء وهناك إنسان وسطي. فمنشأ هذه الحالات عند

ص: 103

الإنسان هي حالة التفاوت الموجودة في البشر. ثم ليس من يشكك في كل شيء صاحب منهج سليم وكذا من يقبل كل شيء. والطريقة الوسطي هي الصحيحة المقبولة. فالعقلية التشكيكية خطيرة لا تثبت شيئا بل قد تشكك حتي في القضايا الضرورية، لا يثبت لها من التاريخ إلا أن النبي محمدا صلي الله عليه وآله رجل خرج من مكة ودعي إلي الإسلام وأن الحسين خرج إلي كربلاء وقتل فيها، وهذا نتيجة الأسلوب والعقلية التشكيكية حيث إنها تنسف لك كل شيء ولا يثبت لديها إلا الأمر الذي لا مجال للتشكيك فيه، وخطورتها تكمن في نسفها للتاريخ. وكذا الأمر خطير بالنسبة إلي العقلية الحشوية حيث إن من نتائجها فقدان الناس للوعي وعدم امتلاكهم للبصيرة حيث يقبلون كل شيء من دون تفكر ولا تأمل ومن دون عرضه علي عقولهم. وهذا يؤدي إلي حالة من غياب الوعي وغياب الفهم وتحويل المجتمع إلي مجتمع ساذج وبسيط .. مجتمع خرافي.

إذا العقلية الصحيحة هي العقلية الوسطية التي تتعامل مع القضايا والأحداث التي تعرض عليها وتسمعها وتقرأها علي معايير وموازين علمية. إذا كانت القضية ليست قضية منافية لضرورات العقل وليست قضية تنال من مقام المعصوم فيما إذا كانت القضية مرتبطة بمقام المعصومين وكانت موجودة في أمهات الكتب والمصادر التاريخية مع عدم وجود حزازة فيها فتكون مقبولة عند العقلية الوسطية. دعني أضرب لك مثالا، هناك من يأتي ويشكك في قضية بكاء الإمام الحسين عليه السلام عند مقتل ابنه علي الأكبر ويستبعدها حيث يفهم أن البكاء يمثل دائما حالة الضعف. وهنا ينشأ التشكيك حيث قد استند علي مفهوم خاطئ، فالبكاء من الرحمة وقد جاء في الكثير من الروايات أن البكاء رحمة، فإذا البكاء صفة إيجابية. فإذا فرضنا أن البكاء صفة إيجابية فلابد من أن تكون موجودة في المعصوم بأعلي مستوياتها؛ لأن المعصوم حائز علي جميع الكمالات والمراتب والفضائل النفسية العلمية والعملية . وقد بكي النبي صلي الله عليه وآله عند وفاة ابنه إبراهيم، وقال: «إن العين لتدمع، وإن القلب اليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب » (1)

ص: 104


1- المستطرف في كل فن مستظرف، الأبشيهي، ج2، ص858. ومثله بهذا اللفظ «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» في: الوافي، الفيض الكاشاني، ج25، ص 570. ب 102 باب التعزي وأسبابه . الكافي، الكليني، ج 3، ص 263، باب النوادر، ح 45. وغيرها.

وهذا مقياس يبينه النبي صلي الله عليه وآله وهو أن البكاء المذموم، والذي لا ينبغي حصوله هو البكاء الذي ينم ويكشف عن عدم الرضا والتسليم لقضاء الله. أضف إلي ذلك أننا لا يمكن أن نجد المعصوم عن الجانب الإنساني الموجود فيه بذريعة أنه معصوم. فمعني العصمة أنه يطيع الله ولا يمكن أن يعصيه أبدا ولا يمكن أن تصدر منه المعصية وهو في أعلي مستويات القرب من الله سبحانه وتعالي وفي أعلي مستويات التسليم. لكن لا يعني ذلك أن نجرده من الجانب الإنساني والعاطفي، ومن الطبيعي أن الإنسان يتأثر بموت ابنه وعزيزه و حبيبه وهو أمر طبيعي.

مثال آخر: أن يأتي شخص ويشكك ويقول: كيف يتصور أن الإمام الحسين عليه السلام قد طلب الماء من القوم حيث إنه يري أن طلب الماء يشتمل علي الذل وآلهوان. وهذا خطأ، فالإمام الحسين عليه السلام وهو في لحظاته الأخيرة كما جاء في النصوص التاريخية (1) حينما استسقي القوم وهو صريع ملقي علي الأرض قد كثرت جراحاته وهو يطلب قطرة من الماء ويقول: « وحق جدي إلي عطشان »، الإمام يعلم وهو في هذا الحال أن الماء لن ينفعه في شيء وأنه يعيش آخر لحظاته حيث يلفظ أنفاسه المباركة بأبي وأمي، ولكن مع ذلك يطلب منهم الماء ليسجل مضافا إلي الأدلة الدامغة والحجج الأخري يسجل نقطة من الاحتجاج ودليلا علي القوم ويكشف ويعري حقيقتهم ومنتهي ما وصلوا إليه من الخسة والدناءة حتي لا يأتي من يحاول أن يلمع صورتهم أو يرفع قبح هذه الصورة. فهو بأبي وأمي حين يستسقي القوم وهو صريع يريد أن يبين للأمة أن الذي يتعامل معه ويقاتله ليس فقط عاص لله سبحانه وتعالي و مغضب لله بفعله ومسخط لنبيه صلي الله عليه وآله بفعله بل إنه أشد من ذلك حيث قد انسلخ من كل القيم والمعاني الإنسانية والمبادئ النبيلة فهذه هي حقيقة هؤلاء القوم ومن يسير علي دربهم.

ص: 105


1- كما في المنتخب، الطريحي، ج 2، ص 452. بعد أن سقط الحسين علي الأرض وقبل مقتل الشمر إليه قال له فيما قال عليه السلام : إذا كان لا بد من قتلي فاسقني شربة من الماء، فقال: هيهات والله لا ذقت قطرة واحدة من الماء حتي تذوق الموت غصة بعد غصة.

لم التركيز علي مصائب الحسين عليه السلام وأم البنين

65) لماذا لا يتم ذكر الإمام الحسن عليه السلام في شهر المحرم، ولماذا تذكر أم البنين رضي الله عنها أكثر من ذكر الزهراء عليها السلام في أكثر المناسبات ولماذا التركيز فقط علي الحسين وأم البنين؟

* في الحقيقة والواقع كلهم نور واحد وليس هناك مساس بمقام من مقامات هؤلاء العظام علي أساس مقام آخر، وكلهم أسباب لإحياء الدين. عندما تذكر أم البنين فهي سبب من الأسباب التي جعلها الله للإشادة بقيم التضحية والفداء والولاء والمحبة وهذا ما يترك أثرا في نفوس الناس وتحقيق القدوة أمامهم. عندما يذكر الإمام الحسين عليه السلام فهو باب من أبواب هذه القيم والنبل، عندما تذكر الزهراء عليها السلام ويذكر الإمام الحسن عليه السلام الأمر كذلك.

وليس هناك مناسبة من مناسباتهم عليهم السلام لا يحيي فيها ذكرهم، كلهم أبواب إلي الله سبحانه وتعالي وكلهم أدلاء علي الخير وذكرهم يكون سببا لإدلال البشرية وارشادها إلي الخير والدعوة إلي الخير والرشاد والصلاح وسببا لإحياء هذه القيم والفضائل وأمر الدين. نعم لو افترضنا أن تمر ذكري الزهراء ولا تحيي أو تمر ذكري الإمام الحسن ولا تحيي فقطعا هذا ظلم؛ ولكن بحمد الله إن مناسباتهم تحيي كلها .

والذي أريد أن أؤكده أنه في ذكري أي إمام لا ينبغي إهمال ذكراه، صحيح أن مصيبة الإمام الحسين عليه السلام هي أم المصائب وقد أمرونا بإحياءها وتخليدها ولكن لا أن يكون المجلس مثلا في شهادة أحد المعصومين من أوله إلي آخره في ذكر الإمام الحسين ويهمل ذكر صاحب المصيبة والمجلس، فينبغي إعطاء صاحب المصيبة نصيبه وحقه من الذكر.

وأنا بحسب متابعاتي وحضوري للمجالس أجد أن هناك توفية لا بأس بها والآن هناك من الخطباء من يقرأ الشعر المناسب للمناسبة المخصصة لكل معصوم من المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ص: 106

محتوي محاضرات الخطباء

66) لماذا نجد بعض الخطباء في بعض المواسم المهمة من حيث عدد الحضور كشهر المحرم يحاضرون حول أمور جانبية كعلم الفلك والتكنولوجيا وغيرها ويتركون ما هو أهم، كمثل ما يخص عقائد الناس وأخلاقهم وسلوكياتهم؟

* لابد هنا من الإشارة إلي أمرين:

الأمر الأول: في الحقيقة والواقع هذا الموسم هو موسم مهم جدا لنشر المعارف الدينية والثقافة الدينية والفكر الديني. ففي هذا الموسم الذي يتدفق فيه الناس من أجل الحسين عليه السلام يجتمع لدي الخطيب ما لا يجتمع عند أحد في سائر المناسبات. فينبغي استثمار هذه الفرصة وهذا الحضور للتثقيف الديني ونشر المعارف والفكر الديني الصحيح وتبيين الواجبات والمحرمات للناس، وهي فرصة مهمة أيضا للتنبيه والتحذير من بعض المنكرات الشائعة، فمن المهم جدا الالتفات إلي هذا الأمر وعدم تفويت هذه الفرصة.

الأمر الثاني: مرتبط بالخطيب والجمهور في نفس الوقت، الجمهور لديهم حالة من المطالبة بالجديد ودائما يطلبون الجديد. والخطيب كذلك يريد أن يواكب الجمهور ويتماشي معه في تحقيق مراده. ولكن من الناحية التقيمية فهل من الصحيح دائما - و أؤكد دائما -، هل من الصحيح أن يطالب الجمهور بالجديد وأن لابد من التجديد وطرح المستجد في كل عام بحيث لو نبه الخطيب علي بعض السلوكيات أو حذر من بعض المنكرات أو بين بعض الواجبات كالوضوء والصلاة وأحكامها بمقدار معقول بحيث لا يتحول الموضوع إلي بحث فقهي وإنما الإشارة والتنبيه عليها، فهل نقول: إن هذا من الخطأ وأنه تكرار وأن الخطيب لا يملك القدرة علي التجديد وأنه خطيب كلاسيكي ومستواه عادي؟! لعل بعض الخطباء يتجنب طرح مثل هذه الأمور المهمة والتأكيد عليها مخافة أن يتهم أنه لا يملك القدرة علي التجديد ومواكبة التطور وأن خطابه قديم ولايوجد لديه أي جديد.. وهذا خطأ كبير، فلا ينبغي أن نكون مركونين بهذا الهاجس هاجس التغيير والتجديد.

ص: 107

فالخطيب يقوم بدور ديني فلابد من أن يلاحظ المجتمع وحاجاته الحقيقية. فقد يأتي إلي مجتمع تتفشي فيه الكثير من المنكرات أو يأتي إلي قرية تعيش حالة من الضعف في العلاقات الاجتماعية من تقاطع وتدابر وتناحر وخلافات، أو قد يأتي إلي منطقة مثلا تكثر فيها مشاكل الإرث والمشاكل الأسرية والقطيعة بين الأبناء و آباءهم أو بين الإخوة والأخوة وغير ذلك مما هو متفشي ومنتشر، فهل من المعقول والحالة كذلك أن يكون خطابه حول العقل العربي أو عن الفيزياء والكيمياء أو قضايا لا تعني الحضور ولا المجتمع في الوقت الذي هم في أمس الحاجة إلي الموضوعات التي تعالج هذه العقد والمشاكل الاجتماعية والأزمات النفسية، فأي فائدة ستعود علي المجتمع الذي يعاني من حالة التراجع في قيمه وأخلاقه وسلوكه أو في عقائده والتزامه الديني حين يكون الخطاب حول العقل العربي أو المقارنة بين الديمقراطية في المنهج الإسلامي والديمقراطية عند الغرب؟! لا أقول أن هذه الأبحاث ليست جيدة لكن أعني بذلك أن نلحظ سلم الأولويات بغض النظر عن ما يطلبه الجمهور إن كان لا يمس الواقع الحقيقي الذي يحتاج إلي علاج وتدبير.

وقد طرحت سابقا فكرة مهمة جدا وقلت: إن الخطيب الذي يتم التعاقد معه في قرية من القري مثلا أو مدينة من المدن عليه أن يسأل ويستفسر من علماء هذه المناطق ومن مآتمها عن واقع المنطقة وما تعانيه من مشاكل أخلاقية أو روحية أو ما له رابط بجانب الالتزام الديني أو العلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما يهم الفرد والمجتمع المسلم ويرتب علي هذا الأساس أي أساس الأولويات وحاجات المنطقة التي سيحاضر فيها يرتب حديثه وخطابه. فقد يأتي إلي منطقة تشتهر وتعرف بشدة التزامها الديني ومعرفتها بالأحكام الشرعية فيحاضر لهم عن بعض أحكام الوضوء الذي هم في غني عنه في الوقت الذي قد يعانون فيه من مشاكل أخلاقية وروحية هي أولي في الطرح والحديث، وهكذا.

فلابد إذا من ملاحظة حاجات المجتمع ككل وحاجات كل منطقة وأخري والتركيز علي الأهم فالأهم في طرح المحاضرات المنبرية.

ص: 108

ياليتنا كنا معكم

67) كيف يتحقق للمرء في هذا العصر وبأي آلية يمكن تطبيق مقولة: يا ليتنا كنا

معكم؟

* أستطيع أن أجيب علي هذا السؤال من خلال ما ورد في بعض الروايات المتعلقة بقضية الإمام المهدي - عجل الله فرجه الشريف - فإنه جاء في جملة من هذه الروايات أنه من مات منتظرا لهذا الأمر فقد كان في الفسطاط مع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف (1) ، أو ورد في بعضها من مات منتظرا لهذا الأمر قد كان مع المهدي عجل الله فرجه الشريف. فكما أن في قضية الحضور ونصرة الإمام صاحب العصر والزمان لا يهم أن يكون الإنسان من أنصاره الذين يقاتلون علي الساحات ويقاتلون بحمل السلاح، فالبعض قد يظن أن نصرة قضية الإمام المهدي هي من خلال أن يكون حاضرا في زمن الحضور ويقاتل في صف الإمام المهدي وجيش الإمام المهدي، فالروايات تريد أن تلفت نظر الإنسان الموالي إلي أن يكون منتظرا حقيقيا لقضية الإمام المهدي عليه السلام ، فمن كان منتظرا حقيقيا فإنه يكون مع الإمام المهدي سواء أدرك زمن الحضور أم لم يدركه.

الانتظار الحقيقي يعتمد علي أساسين:

الأساس الأول: هو العمل الجاد علي بناء الذات بناءا صالحا وفق أحكام الشريعة وآداب وتعاليم الدين وأن يصوغ نفسه صياغة صحيحة وفق معالم الدين وأحكامه، هذا هو الأساس الأول.

الأساس الثاني: أن يعمل علي الانتظار بمعني أن يكون سليم العقيدة وفي ذلك دلالة علي ضرورة البناء العقائدي الصحيح والسليم وخصوصا ما يرتبط بمسألة

ص: 109


1- عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهلية، ولايعذر الناس حتي يعرفوا إمامهم، ومن مات وهو عارف لإمامه لايضره تقدم هذا الأمر أو تأخره، ومن مات عارفا لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه. المحاسن للبرقي، ج1، ص156، ب 32، ح 85. وكذا في الكافي، الكليني، ج 1، ص 372، ح 5.

الإمامة وسائر الجوانب العقائدية، ويعتقد بأن هناك إمام سوف يظهر وهذا الإمام هو الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.

فإذا عمل علي هذين الأساسين علي بناء ذاته بناءا صحيحا وعلي سلامة عقيدته وخصوصا في الاعتقاد بالإمام المهدي فقد أدرك الإمام المهدي وكان معه في فسطاطه. كذلك في مقولة: «يا ليتنا كنا معكم » (1) من يعمل علي إصلاح ذاته وتربيتها تربية صالحة وفق تعاليم الدين معتقدا بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام وبها لهم من المقامات والفضائل والكرامات عند الله يكون عارفا بهم حق معرفتهم فحينئذ قد حقق هذا المعني أنه معهم وإن لم يكن حاضرا يوم كربلاء.

المشكلة أن البعض قد يردد هذه الشعارات لكن من دون أن يلتفت إلي مدلولاتها، وعندما يرددها من دون أن يلتفت إلي مدلولاتها وإيحاءاتها فإنها لا قيمة لها. القيمة هي عندما يجسد الإنسان هذه الشعارات من خلال دلالاتها وإيحاءاتها، فالكون مع الإمام عليه السلام والكون معه في المعركة يتطلب أن تكون ذات الإنسان مبنية بناءا صالح علي مستوي السلوك والاعتقاد.

ما قيمة من يحضر ولكنه بعد ذلك يتعلل ويتعذر ويبرر عدم مشاركته بألف حجة وألف مبرر وهو حينئذ يكون مشمولا لقولهم: من سمع واعيتنا ولم يجبنا أكبه الله علي منخريه في جهنم (2).

فإذا المسألة المهمة هي أن يكون الإنسان ساعيا لتجسيد تعاليم أهل البيت و تعاليم الدين وبناء ذاته بناءا صحيحا وتصحيح معتقده وأن لا تؤثر عليه التشكيكات وأن لا يقع تحت تأثير هذه الشكوك التي تردد.

ص: 110


1- في رواية الإمام الرضا عليه السلام مع ابن شبيب (.. يا بن شبيب، إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لن أستشهد مع الحسين فقل متي ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 14، ص 502 - 503، باب 66 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 5.
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص200، المجلس الثامن والعشرون، ح 7. تحف العقول عن آل الرسول، ابن شعبة الحراني، ص 115. ومثله في الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص82.

رقية بنت الحسين عليه السلام

68) البعض يسأل هل هناك إبنة للإمام الحسين عليه السلام بإسم رقية؟

* يحاول البعض التشكيك في ذلك، وعمدة أدلة المشككين أن مثل الشيخ المفيد رضوان الله تعالي عليه عندما ذكر أبناء وأولاد الإمام الحسين عليه السلام لم يذكر ابنة للإمام الحسين بهذا الاسم، هذا هو عمدة ما يستدل به المشككون.

والجواب علي ذلك أن مجرد عدم ذكر السيدة رقية في عداد أولاد الإمام الحسين وعدم ذكرها في كلام شيخ الأمة الشيخ المفيد رضوان الله عليه لا يعني نفيها نفيا واقعيا، فإن عدم الذكر أعم من عدم ثبوت ابنة للإمام الحسين بهذا المسمي؛ وذلك:

أولا: لاحتمال السهو أو الغفلة وهذا شيء وارد فالشخص قد يكون ملاصقا للأسرة وعارفا بهم ولكن حينما يقال له اذكر لنا أبناء هذا الشخص قد يسهو وينسي أن يذكر اسم شخص منهم، لكن شخصا آخر يثبته. لا يعني ذلك أن الذي لم يذكره هو ناف له علي وجه الحقيقة والواقع، وإنما يحتمل عدم ذكره بسبب السهو والغفلة وهذا وارد. فعدم ذكر الشيخ المفيد رضوان الله عليه لابنة للإمام الحسين عليه السلام باسم رقية لا يعني عدم ثبوتها واقعا وأنه ليس هناك ابنة للإمام الحسين عليه السلام بهذا الاسم وهي رقية، وإنما كما قلنا يحتمل أن يكون ذلك بسبب الغفلة والسهو.

ثانيا: هناك ملاحظة وهذه ظاهرة تحتاج إلي دراسة في حياة الأئمة، نجد أن بعض أبناء الأئمة يسمي بمسميين وله إسمان فقد يذكر بهذا الاسم وهو الشائع والمنتشر، وقد يذكر بذلك الاسم الآخر الذي ليس بشائع. ولذا يمكن أن يكون لهذه السيدة الجليلة اسمان اسم شائع في ذلك الزمان بعنوان فاطمة الصغري أو غيرها من المسميات واسم آخر باسم رقية، ولكنه ليس الاسم الشائع والمشهور. وهذا أمر متكرر في أولاد الأئمة عليهم السلام كما يلاحظ ولعل هذا منشأ ذكرها باسم رقية في الحادثة والواقعة الأليمة التي قضت فيها سلام الله عليها ورزقنا الله شفاعتها وزيارة مرقدها.

ص: 111

الثالث: ما شوهد من كرامات لهذا القبر الشريف، ولا أريد أن أقول بأن هذا دليل علمي، ولا أريد أن أعطيه الصبغة العلمية، ولكنه أمر شوهد من هذا القبر. فالكثير من الكرامات التي قطعا بعضها ثابت يدلل علي أن صاحبة هذا القبر لها شأن عند الله ولها مكانة عند الله و مقام معلوم عند الله الذي يستوجب نيل الشفاعة عند الله وتحقيق المراد عنده .

الرابع: إن هذه الأمور ربما يكفي فيها الاحتمال، بمعني أن التعظيم وذكر المصيبة والاعتناء بهذا اليوم يكفي فيه الاحتمال، فذكر هذه السيدة الجليلة ومصيبتها العظيمة إن قلنا إنه لا يورث القطع فلا أقل أنه يورث الاحتمال، وبما أنها أمور لا ترتبط بجانب التشريع ولا بجانب إثبات حكم شرعي فيكفي فيها الاحتمال والظن بأن نحتمل وجود ابنة للإمام الحسين عليه السلام باسم رقية وجرت عليها هذه المصائب وتوفيت في الخربة ودفنت في هذا المقام، فلا أقول أنه علي نحو الملازمة التامة، وإنما في مثل هذا المقام هذا الاحتمال يكفي.

وإني أنقل قصة عن السيد علي مكي، عالم دمشق المشهور سلمه الله و حفظه الذي ينقل هذه القضية، أنه في الأربعينيات أو الخمسنينيات من القرن المنصرم - والترديد مني - عندما تصدع السرداب الموجود فيه القبر الشريف وأرادوا ترميمه مخافة أن ينخسف المكان، تشاور جملة من المؤمنين عن كيفية النزول إلي السرداب والقبر باعتبار أن القبر أيضا مهدد بالخسف نتيجة تصدع كبير في السرداب المدفون فيه السيدة عليها السلام ، فاختاروا من بيت السادة المرتضي الذين الآن يتولون سدانة حرم السيدة زينب عليها السلام ولما اختاروا بعض السادة الحسينين حتي يحل لهم النظر باعتبار أنها عمتهم، ينقل السيد عمن حضر القضية وهم أشخاص مشهورون ومعرفون وبعضهم ربما إلي الأمد القريب كان حيا، أنهم لما نزلوا ووصلوا إلي القبر وجدوا جسدا في سن الرابعة أو الخامسة في هذا السن، وكان طريا لم يتأثر وكأنه للأمس والتو ميت و مدفون.

ص: 112

فمجموع هذه الأمور يورث للإنسان الاطمئنان بوجود ابنة للإمام الحسين عليه السلام . يبقي هل أن اسمها رقية أو فاطمة الصغري أو غيرها، هذا لا دخل له في أصل الإثبات. فلا يمكن أن ننفي أو نقطع بعدم وجود ابنة للإمام الحسين جرت عليها هذه المصائب ودفنت في هذا المكان وهو أمر يكفي فيه الاحتمال، رزقنا الله وإياكم شفاعتها وأن ينالنا ثواب وأجر محبتها وأن يجعلنا وإياكم من الموالين لهم، والحمد لله رب العالمين.

ص: 113

زيارة الأربعين

69) ما قولكم في زيارة الأربعين؟

* نستطيع أن نقول: إن زيارة الأربعين من الأمور التي تسالم (1) عليها الشيعة وهي زيارة معروفة بين الطائفة وأعلام الطائفة. فهم يجددون الميثاق بزيارتهم للإمام الحسين عليه السلام ويحضرون عند الإمام الحسين بعد مرور أربعين يوما علي مصرعه، هذا المصرع المؤلم فيجددون الولاء ويجددون العهد، وفي تجديدهم الولاء والعهد للحسين تجديد للولاء والعهد للإسلام والسير علي أحكامه وتعاليمه. أضف إلي ذلك ما ورد في الرواية عن الإمام العسكري عليه السلام التي ذكرت أن من علامات المؤمن أمور خمسة والتي من ضمنها زيارة الأربعين (2) والمقصود بها زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام . وقد درج الشيعة علي ذلك وإن كنا لا نستطيع تحديد بدايات الأمر لكنه أمر متسالم عليه جيلا بعد جيل علي رغم الظروف.

وقد خضعت هذه الزيارة للظروف السياسية والأمنية، ويشتد أوجها وتأخذ رونقها وبعدها الجماهيري عندما تكون الظروف الأمنية والسياسية مؤاتية لصالح الشيعة ويضعف وهجها عندما تكون الظروف ليست في صالحهم كما حدث في أيام البعث وأيام نظام صدام.

مضافة إلي أن الشيخ الطوسي رحمه الله شيخ الطائفة قد خصص زيارة ليوم الأربعين بعنوان زيارة الحسين يوم الأربعين، لاحظ كتاب مصباح المتهجد وصلاح المتعبد ففيه دلالة واضحة علي استحباب الزيارة في هذا اليوم.

فزيارة الأربعين هي من الأمور التي درج عليها علماء الشيعة وأكابر الشيعة، وهي تمثل شعيرة من شعائر الإيمان، وشعائر الإيمان يجب حفظها ويجب التأكيد عليها لما تمثل من مخزون وقوة للإسلام، ولذا فمن الضروري جدا التمسك بهذه الزيارة والإصرار عليها لما باتت تمثله من دلالات ومعاني كبيرة جدا.

ص: 114


1- التسالم أعلي رتبة من الإجماع فالأخير يتفق العلماء علي رأي ما وقد يوجد فيه من يخالف هنا وهناك من العلماء الأعلام، أما الأول فهو يعني التطابق التام بين الفقهاء.
2- محمد بن الحسن قال: روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام أنه قال: « علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم». وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص 478، ب56 من أبواب المزار وما يناسبها، ح1.

أرجعيه كي لا تخلو الأرض من حجة

70) لماذا قال الإمام الحسين للسيدة زينب في شأن زين العابدين أرجعيه حتي لو تخلو الأرض من نسل آل محمد مع العلم بوجود الإمام الباقر عليهم السلام ؟

* ظاهرا أن المقصود من ذلك وجود إمام إمامته فعلية، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك شخص إمامته فعلية بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام إلا الإمام علي بن الحسين عليه السلام هذا من جهة، ومن جهة ثانية إن الإمام الباقر كان لا يزال في سن الطفولة حيث كان بين الرابعة أو الخامسة أو الثالثة، فلم يكن متزوجا ومعني ذلك أنه لم يكن له نسل خلاف الإمام علي بن الحسين عليه السلام فإنه كان رجلا بالغا له أبناء وكان بالإمكان أيضا أن يتزوج وينجب ويبقي نسل آل محمد مستمرا.

ومن المحتمل جدا أن يكون الأمر بإرجاع علي بن الحسين بسبب أنه الذي كان في ذلك الوقت متزوجا وله قابلية الإنجاب بخلاف الباقر الذي لم يكن عمره كما قلنا إلا في حدود الثالثة، ولا شك أن النسل إنما ينحدر من الإنسان المتزوج، أما غير المتزوج فبحسب طبيعة الحال ليست له قابلية الإنجاب بالفعل وإن كان له ذلك بالقوة، والقضية ظاهرا أنه لابد من أن يستمر نسلهم صلوات الله وسلامه عليهم.. هذا والله أعلم.

ص: 115

لماذا لم يرجع الحسين عليه السلام بعد مقتل مسلم

71) لماذا لم يرجع الإمام الحسين عليه السلام من طريقه إلي العراق بعد أن وصله خبر مقتل مسلم بن عقيل؟

* لم يرجع لأن الإمام عليه السلام أراد أن يثبت الحجة ولو حسب الظاهر علي المجتمع الإسلامي آنذاك وخصوصا المجتمع الكوفي الذي كاتب الإمام الحسين عليه السلام وقد بلغت هذه الكتب مع ما تشتمل عليه من توقيعات قرابة العشرة آلاف أو اثني عشر ألف رسالة وكل رسالة موقعة بتوقيعات من القبائل والعشائر، ومعني ذلك أن شريحة كبيرة جدا من المجتمع الكوفي قد أعلنت استعدادها وتهيأها لقبول الحسين عليه السلام ، وعلي هذا الأساس حيث إن الإمام الحسين عليه السلام قد صرح: « إني لم أقدم إليكم حتي أتتني كتبكم » (1) فأنا لم آتي من تلقاء نفسي وإنما جئت وقدمت عليكم بعد أن وصلتني كتبكم أن أقدم إلينا وأنه لا إمام لنا وأننا لا نحضر جمعة إلي بني أمية ولا جماعتهم (2) ، بمعني أنهم كانوا في حالة من التمرد وخلع البيعة العلنية ليزيد بحيث امتنعوا عن الصلاة جمعة وجماعة خلف الوالي المعين من قبل يزيد وهذا يعني الرفض الفعلي لإمامة يزيد ومن يعينه يزيد، والإمام الحسين عليه السلام وبحسب الظاهر بعد أن جاءته هذه الكتب وتمت الحجة عليه فإنه لا عذر له في التخلف، ومجرد قتل مسلم بن عقيل لا يعني إسقاط الحجة للكوفيين أو للمجتمع الإسلامي آنذاك الذي استنهض الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه. فالحجة تسقط بعد أن يثبت بالفعل أن المجتمع الكوفي قد انقلب وقد تبدلت المعادلة أو أن المجتمع الكوفي بالفعل قد غير موقفه ورأيه. ومجرد قتل مسلم بن عقيل لا يعني أن موقف الكوفيين قد تغير وتبدل تجاه بيعة الإمام الحسين عليه السلام بحسب الظاهر .

ص: 116


1- الإرشاد، المفيد، ج 2، ص 79. تاريخ الطبري، ج4، ص303.
2- جاء في أحد الرسائل التي بعثت إليه عليه السلام (أنا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا) تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج 2، ص 301. تاريخ الطبري، الطبري، الجزء 5، ص 325. وفي رسالة أخري (إنا قد حبسنا أنفسنا علي بيعتك، ونحن نموت دونك، ولسنا نحضر جمعة ولا جماعة بسبك) مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، ج 3، ص 68.

والأئمة عليهم السلام يتعاملون في هذه القضايا علي معايير الظاهر وليس علي أساس العلم الغيبي. نعم لو كان الإمام الحسين يتحرك حسب علمه الغيبي فإنه يعلم بمصيره وما سيؤول إليه الأمر، ولكنه مكلف بحسب الظاهر أن يتبع الأمور الظاهرية والأمور الخارجية والمؤشرات الموجودة، ولذا فقتل مسلم بن عقيل لم يكشف ظاهرا تبدل الرأي الكوفي وانقلاب موقفه، ومن هنا أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يسقط حجة الكوفيين والتزامه بها بما أعلنه من موقف، ولو كان الإمام قد رجع بعد مقتل مسلم بن عقيل لأمكن أن يقال له لم رجعت وقد تمت بيعتنا لك وقامت الحجة عليك، وأنك لو جئتنا ودخلت الكوفة لأمكننا أن نعيد حساباتنا وترتيب أوضاعنا حيث إن وجودك بيننا يعطينا حالة من القوة والقدرة المعنوية التي نستطيع بها ترتيب حالنا ووضعنا، وهذا كما قلت بحسب الظاهر. ولذا أراد الإمام الحسين عليه السلام إسقاط هذه الحجة وأن لا تبقي للمجتمع الكوفي بالخصوص والمجتمع الإسلامي بشكل عام علي الإمام الحسين أي حجة بحسب الظاهر ومن هنا كان لابد له من مواصلة المسير لتحقيق هذا الأمر فلا يقال له قد طلبناك واستنهضناك وبايعناك إلا أنك خذلتنا وتراجعت عن القدوم إلينا؟

فتابع الإمام الحسين عليه السلام مسيره علي هذا الأساس حتي حصل المانع الذي يمنعه من مواصلة المسير إلي الكوفة وهو قدوم الحر بن يزيد الرياحي مع من كان معه ومنعهم إياه من دخول الكوفة .

ص: 117

لماذا الإمام الحسين عليه السلام هو الذي ثار دون الأئمة عليهم السلام

72) لماذا فقط الإمام الحسين عليه السلام هو من قام بالثورة من بين الأئمة عليهم السلام ؟

* سلط العلماء والدارسون والمحللون لحياة الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم الأضواء علي هذه الظاهرة، ونستطيع أن نرجع جميع هذه الأسباب إلي الظروف، فإن الظروف التي حصلت في زمان الإمام الحسين عليه السلام ظروف مختلفة تماما عن الظروف التي حدثت للإمام الحسن عليه السلام أو الإمام زين العابدين أو الإمام الباقر أو سائر الأئمة. وأهم هذه الظروف وأهم هذه الحالات أن بني أمية كان لديهم مشروع يريدون من خلاله تغيير هوية الإسلام والإتيان بصيغة محرفة ومزيفة للإسلام هذا من جهة.

الجهة الثانية : أن يزيد يختلف تماما عن سائر الخلفاء، سائر الخلفاء ولو كانوا قد عرفوا بالمجون والفسق إلا أنهم كانوا يتسترون علي هذه الأفعال القبيحة، إلا أن يزيد كان شخصية متهتكة إلي درجة أن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة لما ذهب إليه قال لمن سأله بعد رجوعه للمدينة جئتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم (1) ، دلالة علي عظم ما رآه منه من مناكر وفسق ظاهر، بل إن هذه الظاهرة نفسها كانت تزعج معاوية بن أبي سفيان من ابنه يزيد، فإن معاوية كان يبدي حالة الصلاح بخلاف ابنه يزيد الذي عرف بالتهتك وكان فسقه و مجونه واضح. فكيف يمكن ليزيد أن يكون خليفة والحال هذه مع قرب العهد بالرسالة ثم يبايعه الإمام الحسين عليه السلام طائعا؟! فإن بيعة الإمام الحسين عليه السلام تعطيه الشرعية، ولو كان ذلك قد حدث لأصبحت الخلافة بمستوي من الوضع المزري إلي درجة أن يكون حتي المغنيين والفساق والعصاة خلفاء باسم المسلمين.

ص: 118


1- جاء في البداية والنهاية: (وكان ممن وفد إليه عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر - وكان شريفا فاضلا سيدا عابدا - ومعه ثمانية بنين له، فأعطاه يزيد مائة ألف درهم، واعطي بنيه كل واحد منهم عشرة ألاف، سوي كسوتهم وحملاتهم، ثم رجعوا إلي المدينة، فلما قدمها أتاه الناس فقالوا له: ما وراءك؟ فقال: جئتكم من عند رجل والله لولم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم. قالوا: قد بلغنا أنه أعطاك وأخدمك وأجزاك وأكرمك، قال: قد فعل وما قبلت منه إلا لأتقوي له علي قتاله) البداية والنهاية، أبو الفداء الحافظ ابن كثير، ج 8، ص 217 حوادث سنة ثلاث وستين.

فإذا الظرف الذي واجهه الإمام الحسين عليه السلام كان مختلفا من جهة وجود مشروع تحريف للإسلام ومن جهة أن شخصية الخليفة شخصية متهتكة إلي درجة عدم إمكانية الإمام الحسين عليه السلام مبايعته وإضفاء الشرعية عليه. ولكن يزيد ولحماقته رفض أن يكون الإمام الحسين عليه السلام حياديا وطالب ببيعة الإمام الحسين عليه السلام وأن هذا أمر لابد منه.

ولذا في بداية الأمر خرج الإمام الحسين عليه السلام رفضا للبيعة، حيث قال: « إن يزيد شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله » (1) وأعلن رفضه للبيعة. ولو اكتفي يزيد بهذا الموقف من الإمام الحسين عليه السلام موقف امتناعه عن البيعة لبقي الإمام الحسين عليه السلام في مكة محايدا وإن كان يبدي الانتقادات ويبدي نقده للسياسة لكن لا أن تصل الأمور إلي المواجهة المسلحة.

لكن يزيد الذي عرف بخرقه و حماقته وهذا أمر صرح به معاوية في رسالة كتبها إلي الإمام الحسين عليه السلام حيث قال له: وإني أعلم يابن أخي أن في رأسك نزوة وأرجو أن تكون في أيامي حتي أعرف لك مقامك ولا يكون في غيري من لا يمهلك فواق ناقة (2)، إشارة إلي يزيد، بمعني: أن معاوية كان يري أن المسألة مسألة خطيرة لأنها مواجهة علنية مع سبط رسول الله صلي الله عليه وآله ولا يمكن أن تصل الأمور إلي المواجهة العلنية مع سبط رسول الله الذي تعرف الأمة فضله ومكانته وما له من المقام، أما يزيد فقد عرف بالخرق والعجلة وقصر النظر وكان مراهقا سياسيا ومثل هذه الشخصية لا يمكن أن يبايعها الإمام الحسين عليه السلام . أما بالنسبة إلي سائر الأئمة فربما لم يصل الأمر بالخلفاء السابقين إلي إقامة مشروع يستبدل صيغة الإسلام بصيغة محترفة وإن كان لديهم تجاوزات و انحرافات بخلاف يزيد الذي كان

ص: 119


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 44، ص325. الملهوف علي قتلي الطفوف، ص17. الفتوح، أحمد بن اعثم الكوفي، ج5 ، ص 14. وليست الشهادة علي فسق يزيد منحصرة في مصادر الشيعة بل في مصادر المسلمين ولدفع أي حزازة نذكر منها واحدا وهو مروج الذهب و معادن الجوهر، المسعودي، ج 5، ص 67.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج18، ص 409. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان، ج 6، ص 353. البداية والنهاية، ابن كثير، ج8، ص175

يخطط مع مستشاره المسيحي سرجون علي أن لا يبقي من الإسلام إلا اسمه ويعفي رسمه، وكان معاوية يصرح أنه حكم أخو تيم إشارة إلي أبي بكر وهلك ولا يبقي له اسم إلا أن يقول قائل كان فلان، وحكم أخو عدي الذي هو عمر وهلك ولم يبقي له ذكر إلا أن يقول قائل كان فلان، وحكم أخونا إشارة إلي عثمان وهلك إلا أن يقول قائل كان فلان، إلا ابن أبي كبشة فإنه يذكر في اليوم والليلة خمس مرات إشارة إلي الأذان ألا دفنا دفنا، وهذه المقولة يرويها ابن أبي الحديد (1) وغيره (2).

فمعاوية ويزيد كانا يحملان مشروعا خطيرا لابد من مواجهته، مضافا إلي ذات شخصية يزيد هذه الشخصية المستهترة المنحرفة التي لم تكن تبالي حتي للجو العام ولم تراعي حرمة لأحد.

فالخلفاء الآخرين وإن كانوا مستهترين ولكن لم يكونوا أصحاب مشروع ولم يمتلكوا مشروعا، أو لعل قضية الإمام الحسين عليه السلام أحجمتهم عن أن يحملوا مشروعا يستهدف تحريف الإسلام كليا، بخلاف يزيد الذي كان يحمل مشروعا أو يراد منه تنفيذ مشروع قد خطط له.

وبعبارة أخري، لو تكررت هذه الظروف لأي إمام آخر من أئمتنا لقام بما قام به الإمام الحسين، فلو كانت الظروف التي واجهها الإمام الحسين عليه السلام موجودة في حياة الإمام الحسن عليه السلام لكان الإمام الحسن عليه السلام هو الثائر. وهذه الظروف لو تكررت أو حدثت في حياة الإمام السجاد أو الباقر أو الصادق أو الكاظم أو سائر الأئمة عليهم السلام لقام كل واحد منهم بالدور الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام .

وكذلك الظروف التي أجبرت الإمام الحسن عليه السلام علي المهادنة لو كانت موجودة في زمن الإمام الحسين عليه السلام لهادن وفعل ما فعله الإمام الحسن عليه السلام . فالمسالة إذا هي مسألة ظروف.

ص: 120


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج5، ص130.
2- مروج الذهب و معادن الجوهر، المسعودي، ج3، ص 454. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 332. كشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، ج 2، ص 46. وغيرها من المصادر.

فالظروف التي أبتلي بها الإمام الحسين عليه السلام هي التي حتمت عليه القيام والنهضة، والظروف التي عاشها الإمام الحسن عليه السلام هي التي أجبرته علي الهدنة، كما أن الظروف التي أتيحت للإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام لينشرا العلم ويخرجا الفقهاء وتكون هناك مدرسة فقهية واضحة المعالم لأهل البيت عليه السلام ، هذه الظروف هي التي أتاحت الفرصة لهما ليبرزا فقه ومدرسة آل محمد عليهم السلام ، فالمسألة خاضعة للظروف وليست لوجود فوارق في شخوص الأئمة كما يحاول البعض أن يفسر ذلك وفيه تجني واضح علي شخوص أئمة أهل البيت، وإلا فكلهم نور واحد وهدي واحد وموقف واحد وإن اختلفت أدوارهم.

ص: 121

الاستعانة بالملائكة في كربلاء

73) لماذا لم يستعن الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء بالملائكة كما حدث في غزوة بدر؟

* جاء في كامل الزيارات أنه في اليوم العاشر نزل علي الإمام الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك يطلبون منه الإذن بالنصرة، ولكنه رفض هذا العرض، وسبب هذا الرفض أن الإمام الحسين عليه السلام يريد أن يحقق رضا الله سبحانه وتعالي، بمعني: إذا كان رضا الله والوصول إلي ذلك المقام الأسمي والذي ما زلنا نعيش آثاره لا يتحقق إلا بقتل الحسين عليه السلام، فالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه يصرح بإقدامه علي التضحية في هذا السبيل فيقول: «خذ حتي ترضي». ولذلك فالإمام الحسين عليه السلام لم يقبل بهذا العرض، وجاء في الرواية بعد ذلك أن الله سبحانه وتعالي أمر هؤلاء الأربعة آلاف ملك بأن يلازموا قبر الحسين إلي يوم القيامة، هذا مضمون الرواية (1) ).

من جهة ثانية فالقضية ليست قضية غيبية وليست قضية إعجاز، فبشكل عام في حياة المعصومين والأنبياء لم يريدوا أن تجري الأمور بالإعجاز؛ لأن جريان الأمور في كل شيء بالإعجاز يقتضي أن لا تكون هناك فضيلة ولا منقبة للإنسان ولبطل الثواب والعقاب والأجر والجزاء.

بل أقول أبعد من ذلك.. هل أن قضية التوحيد أشد أهمية أم القضايا الأخري؟ لا شك في أن قضية التوحيد والإيمان بالله سبحانه وتعالي ووحدانيته هي الأساس في كل هذه القضايا بل إنها القضية الجوهرية والمحورية، حيث إن كل حركات الأنبياء وكل ما قام به الأنبياء هو من أجل دعوة الناس إلي التوحيد.. توحيد الله والإيمان بوحدانيته جل وعلا، ومع ذلك فقد أراد الله من الإنسان أن يؤمن به

ص: 122


1- كما في البحار، المجلسي، ج45، ص325. «... أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك، حتي قتل فنزلت وقد انقطعت مدته، وقتل صلوات الله عليه، فقالت الملائكة: يارب أذنت لن افي الانحدار، وأذنت لنا في نصرته، فانحدرنا وقد قبضته؟ فأوحي الله تبارك وتعالي إليهم أن الزموا قبته حتي ترونه وقد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلي مافاتكم من نصرته، وإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تقربا وجزعا علي ما فاتهم من نصرته ». وليس هذا بغريب ولا مستغرب فقد ورد بسند معتبر في الكافي، ج 1، ص260، باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفي عليهم الشيء. عن أبي جعفر عليه السلام قال: « أنزل الله تعالي النصر علي الحسين عليه السلام حتي كان [ما] بين السماء والأرض ثم خير: النصر، أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالي ».

بحسب قناعته وبحسب الأسباب الظاهرية من إلقاء الحجة وقبول الإنسان بها واستيعابه لها. ولم يرد الله أن تتم هذه المسألة بالإعجاز « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا » (1) إذا كانت المسألة بالإعجاز والقوة والقهر فالله قادر « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ » فلا يبقي كافر علي وجه الأرض، لكنه - تعالي شأنه - لم يرد أن تتم هذه المسألة عبر الإعجاز والقوة وإنما أرادها أن تتم في سياقها الطبيعي وفي إطارها الطبيعي. وهكذا نقرأ مواقف الأئمة ومواقف الأنبياء بأنهم أرادوا أن تسير الأمور في مسارها الطبيعي.

الإمام الحسين عليه السلام جاء بأهداف واضحة وحمل شعارا واضحا، وأهداف حركته وغايات حركته واضحة وقد صرح بذلك في قوله: « فمن قبلني بهذا فالله أولي بقبول الحق » (2)، فمن أراد أن يكون معي من خلال هذه الشعارات ومن خلال هذه الغايات فالله أولي بقبول الحق ومن رد علي أصبر؛ بمعني: أن من يعارض هذه الأهداف أو يعارض تحركي ويقف في وجهي فأنا أصبر.

فالإمام الحسين عليه السلام كسائر الأئمة وسائر الأنبياء أرادوا أن تجري الأمور بأسبابها الطبيعية وليس بالإعجاز. فلو انتصر الإمام الحسين عليه السلام بالإعجاز لما كان له هذا المقام، ولم نشهد هذه الحالة من الدعاية العظمي للإسلام باسم الإمام الحسين عليه السلام ، هذه المنابر الموجودة الآن في الدنيا والتي تقام بمحض المحبة والمودة للإمام الحسين عليه السلام لم تكن لولا شهادته وقتله الفجيع، ولما حدثت هذه المنابر وهذه الدعوات وهذا الإعلام الواسع والكبير لمبادئ الحسين عليه السلام التي هي مبادئ الإسلام.

إذا القضية لا يمكن أن تكون دائما بالإعجاز. نعم يبقي سؤال، وهو لماذا إذا نصر

النبي بالملائكة (3)؟

ص: 123


1- سورة يونس: 99.
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص241. بحار الأنوار، المجلسي، ج 44، ص 330.
3- انظر :سورة آل عمران: 125 وتفاسير الآية، بحار الأنوار، المجلسي، ج19، ص324، صحيح البخاري، ج5، ص14، باب قصة غزوة بدر. فتح الباري، العسقلاني، ابن حجر، ج7، ص 242، باب شهود الملائكة بدرا. البداية والنهاية، ابن كثير، ج3، ص241.

أقول: المسألة هناك تختلف؛ لأن مسألة النبوة تحتاج إلي إظهار بعض المعاجز حتي يؤمن الناس بصدق نبوته، ولذا فنزول الملائكة في بدر من أجل أن يعرف الكفار والمشركون أن هناك مسألة بين الشرك وبين الإسلام، بين أن يكون هذا نبي أو غير نبي والعياذ بالله. فهناك نحتاج إلي الإعجاز بالنصر حتي يثبت للناس نبوة النبي صلي الله عليه وآله .

وهذا الإعجاز كذلك توفر في كربلاء بمستوي ما، فمثلا لما حفر الإمام الحسين عليه السلام الخندق حول الخيام حماية لأهله وأصحابه من أن يهجم عليهم الأعداء من الجهات المفتوحة حيث قد جعل المبارزة من جهة واحدة وأشعل في الخندق نارا جاء رجل اسمه ابن حوزة،

فقال: استعجلت بنار الدنيا قبل نار الآخرة يا حسين!

فرفع عليه السلام طرفه وقال: من؟

فقالوا له: ابن حوزة.

فقال عليه السلام : « اللهم حزه إلي النار » فأخذت الخيل تطرد به إلي أن وقع في الخندق واحترق (1).

فهذه معجزة، وأكثر من معجزة قد حدثت لكن بهذا المستوي الذي يثبت حقانية الإمام الحسين عليه السلام ، أما الإعجاز بأوسع من ذلك بأن تحدث المعجزة وتنتهي بنصر الإمام الحسين عليه السلام وهلاك الجيش الأموي فمعني ذلك أن المسألة تخرج عن إطارها الطبيعي التي أراد الله أن تكون كل قضايا الإنسان بهذا الإطار الطبيعي لا الإطار الإعجازي الذي يفقد الكثير من الغايات والأهداف ولا يكون للإنسان فيه ذلك الفضل والثواب العظيم.

ص: 124


1- الإرشاد، المفيد، ج2، ص102. المصنف، أبي شيبة الكوفي، ج8، ص 633. المعجم الكبير، الطبراني، ج3، 117. تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج1، ص235.

كراهية التوطن في كربلاء

74) ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه نهي الزائرين من أن يتخذوا من مرقد الإمام الحسين (سلام الله عليه) وطنا لهم فلماذا ورد هذا النهي وماذا عن الذين اتخذوا كربلاء المقدسة وطنا لهم ؟

* ينقل الشيخ الكليني رضوان الله عليه هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام والتي جاء فيها: «ولا تتخذه وطنا » (1) ، وينقلها كذلك الشيخ الصدوق في كتاب ثواب الأعمال، وابن قولويه في المزار.

ولعل الحكمة من ذلك: أن طول المكث يبهت ويضعف حرارة القضية وقوتها الوجدانية وفاعليتها الوجدانية في النفوس، وهذا شيء طبيعي فإن الإنسان لما يمكث في المكان كثيرا تقل مكانة المكان وتقل عظمة المكان في نفسه؛ لأن طبيعة الألفة للشيء يؤدي إلي هذا الأمر، فلذلك حتي لا تضعف حالة الانفعال الوجداني مع قضية الإمام الحسين عليه السلام ولا يبهت ضوئها وقوتها كرهت الرواية للإنسان التوطن في كربلاء، ومن جهة أخري فإنه من الطبيعي أن مكث الإنسان طويلا في المكان واعتياده عليه يصير المكان لديه مكانا عاديا جدا فيؤدي إلي نسيان أن هذه البقعة هي كربلاء التي هي أرض كرب وبلاء وأن فيها قتل سبط رسول الله صلي الله عليه وآله بأبشع قتلة، وقتل أصحابه وأهل بيته، فتبقي المسألة عادية جدا عنده فيمارس أموره الطبيعية فتبهت مكانة هذا المكان وتضعف فيضحك ويمزح ولا يبقي للمكان تلك الموقعية الخاصة في النفوس، فأراد أئمة أهل البيت عليهم السلام وأراد التشريع الإسلامي أن تبقي لكربلاء موقعيتها وحرمتها ومكانتها في النفوس ولذلك كره للمسافر أن يتخذ كربلاء وطنا له، بل ينبغي للزائر أن يزور الإمام وينصرف (وسله الحوائج وانصرف عنه ولا تتخذه وطنا) هكذا جاء في الرواية.

ص: 125


1- عن أبي عبد الله عليه السلام : « إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام فزره وأنت حزين مكروب شعث مغبر جائع عطشان وسله الحوائج وانصرف عنه ولا تتخذه وطنا » الكافي، الكيني، ج4، ص587، باب النوادر، ح2.

وهناك حكم شبيه لذلك بالنسبة إلي مكة المكرمة، فإن الفقهاء يفتون بكراهة مجاورتها حتي لا تقل وتضعف هيبتها في النفوس (1) ، وهذا التعليل يمكن أن يسري للمشاهد الأخري خصوصا لو التفتنا أن من طبيعة الإنسان أن تصدر منه المعصية، وصدور المعاصي في هذه الأماكن المقدسة يتنافي مع مكانتها، ولذا يكره للإنسان أن يستوطنها باختياره، وبلا أي مبرر.

ص: 126


1- المقنعة، الشيخ المفيد، 444. الوافي، الفيض الكاشاني، ج 12، ص89. كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج6، ص 284. الحدائق، الشيخ يوسف البحراني، ج17، ص347. رياض المسائل، الطباطبائي ، ج 7، ص 154. جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج20، ص70.

أتطبيب أم أزور الحسين عليه السلام أشعث أغبره

75) كيف يتم التوفيق بين ما ورد من استحباب الاغتسال والتطيب لزيارة الحسين عليه السلام كما فعل جابر بن عبد الله حيث اغتسل، ونثر علي نفسه صرة صعد، وبين ما ورد أنه يزور الزائر أشعث أغبر ؟

* لا يوجد تناف بين ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام وبين ما ورد عن جابر عند زيارته للإمام الحسين عليه السلام حيث اغتسل ونثر علي نفسه صرة سعد (1) وذلك لأن ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام هو تشريع وحكم من إمام معصوم يمثل قوله وفعله وتقريره حجة، وأما ما صدر من جابر فليس بفعل معصوم وإنما هو فعل إنسان غير معصوم وإن كان صحابي جليل القدر، ولكن الأحكام الشرعية تؤخذ من الإمام المعصوم عليه السلام ولا تؤخذ من غيره، ففعل جابر فعل غير المعصوم ولا يكون حجة علي غيره.

بخلاف ما يصدر من الأئمة عليهم السلام فأفعالهم وأقوآلهم وتقريراتهم حجة (2) وعلي هذا الأساس لا يمكن أن نعارض قول الإمام عليه السلام بفعل جابر؛ لأنه من غير المعقول أن تكون هناك معارضة بين الحجة واللا حجة (3) ، بل إن تحقق المعارضة إنما يكون بين الحجة والحجة، نعم لو فرضنا أن عندنارواية تقول: زر الإمام أشعثا أغبر، ورواية أخري تعارض هذا المعني فهنا تقع المعارضة وتعالج بحسب قواعد التعارض المقررة في علم الأصول، وفي مقامنا لا يوجد تعارض بين قول المعصوم وفعل غير المعصوم.

يبقي أمر وهو أنه لا يبعد أن يكون هذا المعني بالنسبة إلي الزيارة الأولي بمعني : أن من وصل لتوه إلي كربلاء فينبغي أن يذهب للزيارة بهذه الهيئة، أما زيارته الثانية

ص: 127


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج65، ص130 .
2- بمعني أن هذه الأمور الصادرة منهم عليهم السلام تدل علي الحكم الشرعي.
3- إذ بعد الفراغ عن أن فعل مثل جابر ليس بحجة ولا يؤخذ منه حكم شرعي، فنكون بين كلام المعصوم عليه السلام وبين فعل جابر، والأول: حجة، والثاني: ليس بحجة، فأي تعارض يمكن أن نتصوره في البين بين ما كان معتبرا وحجة و بين ما ليس بمعتبر ولا حجة .

والثالثة لطالما هو باق في كربلاء فلا يبعد استحباب الغسل لها للروايات العامة الواردة باستحباب الغسل عند دخول المشاهد المشرفة علي فرض ثبوتها، كما أنه ورد أن الإمام الصادق عليه السلام اغتسل من نهر الفرات (1) وهناك مقام إليه، وهذا محمول أو يحتمل أن تكون الزيارة الثانية.

عموما، لا يوجد تعارض بين الروايات التي تقول: «زره أشعثا أغبر» وبين فعل جابر؛ لأن فعل جابر ليس بحجة بخلاف كلام المعصوم فإن هذه الروايات صادرة عمن يجب الأخذ بكلامه وفعله وتقريره لكونه حجة.

ص: 128


1- يعرف هذا المكان بشريعة الإمام جعفر بن محمد عليه السلام زيارته للحائر. وهو المكان الذي كان يغتسل فيه في نهر الفرات قبيل زيارته للحائر .

معني عالمة غير معلمة

76) ما معني قول الإمام زين العابدين عليه السلام للسيدة زينب عليها السلام : «أنت عالمة غير معلمة »؟

* ما معني ذلك أن علم السيدة زينب سلام الله عليها ليس بعلم كسبي وإنما هو علم إلهامي إشراقي وعلم لدني كما في قوله تعالي: « وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا » (1) وهذا مقام يصل إليه الأولياء والأنبياء والأئمة وليس هو حصر علي الأئمة بل حتي الأولياء ففي الآية: « وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ » (2)، فالإنسان بالتقوي واجتناب المحرمات تنفتح له آفاق المعارف وآفاق الفهم ويصل إلي الكثير من الأمور نتيجة تزكية النفس وتحصل له المعلومات وينفتح ذهنه وعقله علي الكثير من المطالب لا بالدراسة ولا بالقراءة وإنما هي إشراقات من قبل الله سبحانه وتعالي علي الإنسان نتيجة تصفية الذات وتهذيبها، فما بالك بالسيدة زينب صلوات الله وسلامه عليها التي هي تلو العصمة، فإنها أولي بهذا المقام، مقام « وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا » هذا هو العلم اللدني الذي لا يكون بواسطة الكسب ولا يكون بواسطة أستاذ ولا يكون بواسطة قراءة كتاب، وإنما هو تعليم من الله سبحانه وتعالي وإشراق وإلهام منه جل وعلا، فهذه السيدة الجليلة زينب الكبري صلوات الله وسلامه عليها عالمة ولكن ليس تعليمها أو علمها بواسطة الكتب وإنما هو بواسطة الفيض من قبل الله سبحانه وتعالي والإلهام منه جل وعلا ومن لدنه تقدست أسماؤه.

ص: 129


1- سورة الكهف: 65.
2- سورة البقرة: 282.

هل خرج الحسين عليه السلام خائفا

77) ما معني قولهم: (خرج الحسين من المدينة خائفا) وهل يخاف المعصوم المتكل علي الله؟

* البعض يصور أن الإمام أو المعصوم ليس صنفا من البشر فلا يتألم ولا يفرح ولا يشعر بما يشعر به البشر!

وهذا خطأ، فالإمام فيه جنبة بشرية، فيمرض ويتألم ويتأثر ويتحسس ويبكي بمقتضي بشريته، ولا شك في أن ما قام به بنو أمية من إزعاجه وخروجه من وطن جده حيث إنهم أرادوا قتله فخاف القتل وخرج من المدينة، فمن الطبيعي أن يكون هذا الخروج بهذه الأسرة والعائلة مولدا في نفسه الخوف علي نفسه وعائلته. الله سبحانه وتعالي يحكي عن نبيه موسي: « فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ » (1) وهو نبي، وهذا أمر طبيعي؛ لأن هؤلاء مع علو مقاماتهم وعظمتهم وشموخهم إلا أن لهم أيضا جنبة بشرية، فيأكلون ويشربون ويفرحون ويتألمون ويحزنون ويخافون، لكن الأمر المهم الذي ينبغي أن نلتفت إليه أن هذا الخوف الذي يعيشونه ليس كالخوف الذي نعيشه نحن، فالإنسان غير المعصوم عندما يواجه ما يوجب له الخوف قد الخوف، لكن الإمام المعصوم لا يمنعه هذا الخوف عن هذه المسؤوليات، فقد يخاف علي نفسه وعلي عائلته وأهله إلا أن هذا الخوف لا يصل به إلي أن يتراجع عن الموقف المطلوب منه وهذا هو الفارق الجوهري بيننا وبين المعصومين، فنحن نشترك في الخوف مع المعصومين ويتميزون علينا في أن غالب الناس قد تتبدل مواقفهم نتيجة الخوف وقد يدخلهم شيء من الخضوع والخنوع والركون والتراجع عن القيام بوظيفتهم الشرعية في حين أن موقف المعصوم ثابت برغم هذا الخوف ومهما كلف الأمر.

ص: 130


1- سورة القصص: 21.

فما يقدح ليس نفس الخوف، بل الذي يقدح والذي لا يمكن أن يتصور في المعصوم هو التراجع عن المواقف الحقة نتيجة هذا الخوف. نعم، لا شك في أنهم وإن كانوا بشرا يشعرون بما يشعر به البشر، لهم مقامات خاصة وعظيمة ،« .. إن لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا .. » (1) وهذا مضمون بعض الروايات .

فإذا المعصوم له مقام خاص وموقعية عظيمة عند الله ولكنه كذلك يشعر بها يشعر به البشر بمقتضي بشريته فيتألم ويفرح ويحزن كما البشر، وهذا أمر لا حزازة فيه، ولكنه أبدا لا يترك الموقف الحق رغم كل الظروف التي يواجهها بخلاف الكثير من البشر.

ص: 131


1- بحار الأنوار، ج 26، ص 12.

موقف مسلم بن عقيل مع ابن زياد

78) لماذا لم يجهز مسلم بن عقيل علي عبيد الله بن زياد، وما معني أن الإسلام أو الإيمان قيد الفتك؟

* هناك عدة أسباب:

السبب الأول: أن مسلم لما أراد أن يقتل ابن زياد كانت هناك جارية لهانئ بن عروة أو للحارث بن شريك، تعلقت به وترجته أن لا يقتل عبيد الله لأنها تعلم أنه لو قتل ابن زياد في دار هاني لأدي إلي استئصال هذه العشيرة لما تعرفه من إجرام ابن زياد وما هو عليه من الشدة في الثأر فتخوفت عواقب الأمر ولذلك طلبت منه عدم قتله (1) ، ولذا مسلم قد ذكر هذا المبرر لما سئل عن سبب عدم قتله، فقال: لما هممت بقتله تعلقت بي جارية فقال هاني أو الحارث ويحها قتلتني وقتلت نفسها.

والسبب الرئيسي: أن هذا الفعل غدر، وأهل البيت عليهم السلام من منطلق تعاليم الدين ولكونهم الترجمان الحقيقي لتعاليم الدين والمجسدين الحقيقيين لتعاليم الدين لا يرتكبون الغدر. فالدين ينهي عن الغدر والفتك والقتل خيانة وهذا أمر منهي عنه في الإسلام، ولذا لو فعل ذلك مسلم - وحاشاه - لتأثرت مصداقيته، وأئمة أهل البيت عليهم السلام وأصحابهم والتابعين لهم يتقيدون بهذا الأمر بأن لا يقوموا بأي فعل يضر مصداقيتهم أو يخدشها، ولذا يقول مسلم لما هممت بقتله تذكرت حديث حدثنيه الناس عن النبي صلي الله عليه وآله : «أن الإيمان قيد الفتك» (2)، يعني: أن الإنسان المؤمن لا يمكن أن يفتك ويغدر بأحد، فمن هذه الجهة رأي أن المسألة لا تتناسب مع مكانته ولا تتناسب مع كونه ممثلا للإمام الحسين عليه السلام ولا تتناسب مع شخصيته كشخصية مهمة جدا وبارزة ولامعة في البيت النبوي وهذا هو السبب الأساسي في القضية.

ص: 132


1- جاء في مثير الأحزان ( قال شريك المسلم، ما منعك من الخروج؟ - أي لقتل ابن زياد- قال : هممت بالخروج فتعلقت بي امرأة وقالت: نشدتك الله ! إن قتلت ابن زياد في دارنا، وبكت في وجهي، فرميت السيف وجلست، قال هاني: يا ويلها! قتلتني وقتلت نفسها، والذي فرت منه وقعت فيه) مثير الأحزان، ابن نما الحلي (567 - 645 هق)، ص 32.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج44، ص344، الكافي الشريف، الشيخ الكليني، ج7، ص375 في باب النوادر، ح16.

صوم عاشوراء

79) هل الوارد هو صوم عاشوراء أو النهي عن صومه؟

* صوم يوم العاشر من المحرم بعنوان كونه يوم العاشر لم يكن معروفا وإنما هو من مبتدعات بني أمية فإنهم بعد قتلهم الحسين عليه السلام اتخذوا هذا اليوم يوم عيد وسرور وفرح وكانت هذه ميزة أبناء مرجانة وأبناء سمية وأبناء زياد بأنهم اتخذوا هذا اليوم يوم فرح وسرور بل سار علي ذلك من هو علي خطهم من بني أمية وأوجدوا لهذا اليوم الكثير من الفضائل!

فصوم يوم العاشر لم يكن معروفا إلا في زمن بني أمية ولم يثبت استحبابه بالاستحباب الخاص، بل يظهر من الرواية وهي رواية عبد الله بن سنان التي يقول فيها الإمام عليه السلام : « ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة علي شربة من ماء، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل الرسول » (1) أنه لا ينبغي صوم هذا اليوم بعنوان الاستحباب الخاص بأنه مستحب بعنوان اليوم العاشر وهذا دليل واضح في ذلك، وإلا لو كان مستحبا بالعنوان الخاص بعنوان يوم العاشر لم يكن معني لتقييده عليه السلام للإمساك لعبد الله بن سنان بقوله: « ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك ... » الرواية.

فإن هذا واضح ويدل بأدل دليل علي أن المطلوب فيه الإمساك علي وجه المواساة لآل الرسول صلي الله عليه وآله علي ما أصابهم في ذلك اليوم الفجيع الحزين، وليس الصوم الشرعي.

ص: 133


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص459، باب 21، ح 7.

النساء بين التزامات المنزل واستحباب الإحياء

80) يشتكي بعض الرجال من نسائهم أيام العزاء أنهن ينتقلن من مأتم إلي مأتم

ويهملن التزاماتهن المنزلية، هل من نصيحة؟

* أراد منا أهل البيت عليهم السلام أن نكون في مستوي الاستقامة والالتزام بتعاليم الإسلام وآدابه وأحكامه، ففي الوقت الذي أمرنا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم بالإتيان بالمستحبات أيضا أكدوا علينا فعل الواجبات.

إقامة العزاء علي سيد الشهداء أمر مستحب و استحبابه مؤكد، لكن حسن التبعل للزوج والقيام بواجباته في بعض حدوده واجب وفي بعض مستوياته من المستحبات الأكيدة المؤكدة، وهنا ينبغي للمرأة أن توجد حالة التوازن بين هذين الأمرين.

أن توجد المرأة المسلمة حالة التوازن، بمعني: أن لا تكون طوال العشرة من المحرم جليسة بيتها بحجة أنها تقوم بخدمة زوجها وتعمل علي راحته وخدمته وتهيئة طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه وتترك هذا الأجر العظيم وهو حضور مجالس سيد الشهداء، وكذلك لا ينبغي لها في نفس الوقت أن تهجر بيتها تماما بحيث لا يراها زوجها لا ليلا ولا نهارا بحجة أنها تقوم بخدمة المأتم.

ما نحتاجه هو وجود حالة من التنظيم، تنظيم الجهود بين المؤمنات في خدمتهن في مأتم الحسين عليه السلام وكذا الأمر بالنسبة إلي المؤمنين. فكما أن علي النساء مسؤوليات لا يجدر بهن إهمالها بحجة حضور المأتم كذلك هنالك مسؤوليات علي الرجال لا يجدر بهم إهمالها. وإذا ما أوجدنا حالة التنظيم والانضباط في أنفسنا وقمنا بواجباتنا ومسؤولياتنا كما ينبغي عندها لن يكون هناك مجال للتذمر والنقد من قبل الآخرين .

ص: 134

العزاء والحفاظ علي النظافة

81) مع أن الإسلام حث علي النظافة كما حث علي إحياء الشعائر، نجد أكوام

القيامة والمخلفات في الشوارع بعد انتهاء العزاء.. أين الخلل؟

* كما قلت في جواب السؤال السابق أن أهل البيت عليهم السلام أرادوا منا أن نكون ملتزمين منضبطين عاكسين لأخلاق الإسلام وتعاليمه وآدابه.

ومن آداب الإسلام وأخلاقه النظافة، والمعروف أن النظافة من الإيمان، فلا ينبغي أن يكون سلوكنا الخارجي علي خلاف هذه التعاليم، فهذا لا يمثل حرصنا علي تطبيق تعاليم الإسلام وحرصنا علي الالتزام بوصايا أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فعندما نرمي المخلفات وبقايا الطعام وعلب المياه والعصائر وغيرها في الشارع تكون هناك بعد انصراف المعزين حالة من الفوضي وعدم الاهتمام وهذا لا يعكس الانضباط والالتزام الذي أراده منا سيد الشهداء عليه السلام وأراده منا أئمة أهل البيت عليهم السلام وأراده منا الإسلام، فإن ما يريده منا الحسين عليه السلام هو ما يريده منا الإسلام، والإسلام يريد منا أن نكون ملتزمين بالنظافة، - نظافة الظاهر والباطن - .. نظافة المظهر والمخبر، فلذلك ينبغي علي الإنسان المعزي المواسي لسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه الذي يكون ممتثلا لأوامرهم وتعاليمهم وآدابهم أن يعكسها ويجسدها خارجا، وعلي الجميع أن يحافظوا علي نظافة الوضع العام والأماكن العامة حتي نجسد جميعا مظهر الأدب والسلوك القويم ونرتقي من خلال ممارساتنا إلي المستوي اللائق بهذا الموسم العظيم ونرتقي بمسؤولية انتهاءنا لأهل البيت عليهم السلام .

ص: 135

متبرجات في طريق العزاء

82) تنتشر للأسف ظاهرة وجود بعض الفتيات المتبرجات في طرقات المعزين ..

بماذا توجهون؟

* من هؤلاء يرتكبن من الإثم أضعاف أضعاف ما يفعلنه من عدم الاهتمام بالحجاب في سائر الأوقات؛ لأن المعصية يتضاعف عظمها بحسب المكان والزمان، فإن الإنسان حينما يرتكب معصية في سائر الأيام فإن نفس هذه المعصية تتضاعف عقوبتها عندما يفعلها في يوم عرفة أو عندما يفعلها في الأوقات الفاضلة.

هذه المعصية أيضا يتضاعف إثمها عندما تخرج المرأة في مصاب سيد الشهداء في مثل ليلة التاسع أو ليلة العاشر التي يكون المطلوب فيها من الناس أن يعكسوا مظهر الحزن والجزع والمواساة لأهل البيت عليهم السلام .. فتخرج بهذه الزينة وهذا التبرج لتدمي قلب رسول الله صلي الله عليه وآله وتدمي قلب أمير المؤمنين عليه السلام ، وتدمي قلب الزهراء عليها السلام ، وتدمي قلب الحسن والحسين عليه السلام .

فأي أجر لها وهي قد أدمت قلوب أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ، وأي ثواب ترتجيه ؟!!

فخروجها بهذا المظهر المحرم بحد ذاته موجب لتضاعف عقوبتها إن صدر منها ذلك في هذه الأيام العظيمة، مضافا لما تكون فيه من سبب لحدوث المعصية فإنها مسببة ومعينة علي المعصية؛ لأنها قد تتسبب في وقوع الشاب في النظرة المحرمة والعياذ بالله فتكون معينة علي الحرام.

ثم نتساءل ما هو الوجه لخروج النساء في طرقات المعزين ؟!!

مواكب العزاء رجالية ولا توجد لدينا مواكب عزاء نسائية، وليس المطلوب من المرأة أن تخرج لتتفرج علي الرجال، فهل تريد هذه النسوة أن يتشبهن بنساء بني أمية ونساء الشام اللاتي خرجن ليتفرجن علي سبايا آل الرسول صلي الله عليه وآله ؟!

ص: 136

أنا أتصور أن هذه النسوة اللاتي يخرجن ويملأن الشوارع بهذه الطريقة المزرية وبهذه الطريقة المعيبة وبهذه الطريقة المحرجة وبهذه الطريقة المؤلمة وبهذه الطريقة المتهتكة غير المبالية بحرمات الإسلام إنما هن أشبه بنساء الشام وبنساء أهل الكوفة (1) اللاتي خرجن ليتفرجن علي سبايا آل الرسول صلي الله عليه وآله ، فلا فرق بين هذه المرأة التي تخرج بزينتها متبرجة وتقف مستعرضة للتفرج علي مواكب العزاء وبين تلك المرأة الشامية وتلك المرأة الكوفية التي خرجت تتفرج علي نساء وسبايا آل الرسول، فتلك خرجت لتتفرج علي سبايا آل الرسول وهذه خرجت بهذا الشكل القبيح والشنيع لتتفرج علي المعزين علي مصاب سيد الشهداء. هذا عمل محرم وفي منتهي الحرمة، مضافا إلي أنه يعكس حالة سيئة جدا وهي التشويه للإنتهاء الحقيقي لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم؛ لأن الانتهاء الحقيقي ليس شكليا وليس ظاهريا وليس اسميا بل إنها:

الانتهاء الحقيقي هو الانتهاء الذي يجسد تعاليمهم ...

الانتهاء الحقيقي هو التمسك بتعاليم وأحكام الدين ...

الانتهاء الحقيقي هو الذي يعكس حرصنا علي امتثال الأحكام الشرعية التي منها

مسألة الحجاب والعفة والخدر والحشمة...

ص: 137


1- وجه الشبه كائن في عدم المبالاة بالدين وأحكامه واتخاذ التفرج وسيلة إلي استعراض تبرجهن و أسوبا لإضعاف الموكب والمشاركين فيه. فإن قلت: لي بأن الشباب ما داموا علي التزامهم فإن المتبرجات لن يؤثرن فيهم.. وأنه لا ينبغي النظر إلي الشباب المؤمن بنظرة الضعيف أمام الشهوات. قلت: إن المشكلة لا تكمن في الخوف في انحراف الشباب وما إلي ذلك، بل المشكلة هي في أن الموكب لا يتألف من وجود النساء فهو شعيرة قائمة ولا تتوقف علي وجودهن، أضف إلي هذا أن الواقع الخارجي يتحدث عن نماذج من المتبرجات اللاتي اتخذت هذه الأماكن والفعاليات مكانا لممارسة انحرافاتهن، ولا ينبغي السكوت عنه أو السكون تجاهه بحجة أن هذا واقعنا وقد ابتلينا به وقد استفحل فينا. أضف إلي هذا أن الشباب بل الرجال حتي المتزوجون منهم قد يضعفون أمام هذه المغريات فينظرون نظرة قد تأخذ مأخذها في القلوب فتفقدهم التوجه المطلوب و تحرمهم من الخيرات والثواب العظيم فتتحول هذه المظاهر إلي مظاهر خاوية عن المضمون. والكلام هنا عن المتبرجات وليس عن الاتي يجلسن عند بيوتهن -مثلا- وعند مرور العزاء عليهن فإنه لا يكون لهن هم إلا البكاء. وليس الكلام عن النساء اللاتي يذهبن إلي العزاء بكامل سترهن وعفتهن لكي يصطحبن أولادهم الصغار كي يشاهدوا هذه المناظر لا سيما إذا رافق موكب العزاء بعض التمثيليات أو الزفاف وما شاكل.

فالخروج من دون حجاب أو الخروج بتبرج أو بزينة أو بريبة، كل هذا يعكس عدم ذلك الانتهاء الحقيقي.

الانتهاء مسؤولية:

والانتهاء مسؤولية علي الإنسان الموالي أن يدرك هذا المعني، أن انتهائي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام يحملني مسؤولية شديدة وهي أن أكون ملتزما بتعاليم الإسلام وتعاليم الدين وتوصيات الأئمة عليهن السلام .

فأعيد وأكرر أن من تخرج متفرجة علي مواكب العزاء بهذه الطريقة وبهذا الشكل القبيح والمعيب حالها كحال من خرجت من نساء أهل الكوفة والشام متفرجات علي سبايا آل رسول الله صلي الله عليه وآله.

فهل تقبل المرأة المؤمنة أن يكون حالها وحال تلك المرأة الشامية وتلك المرأة

الكوفية التي خرجت تتفرج علي زينب عليها السلام حال واحد؟!

هل تقبل أن تكون في صف من خرجت لتتفرج علي بنات الحسين وأخوات

الحسين وبنات الرسالة ؟!

لا أظن أن المرأة المؤمنة التي تحمل الولاء والمحبة لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله تقبل ذلك .

ص: 138

تواجد النساء في طرقات العزاء

83) هل يحبذ تواجد النساء في الطرقات لمشاهدة العزاء ولماذا؟

* ذكرت في جواب السؤال السابق أن هذا الأمر لا وجه له أصلا، وهذا من البدع، فلا توجد لدينا مواكب عزاء نسائية والمواكب رجالية، فخروج النساء للتفرج علي المواكب العزائية الرجالية بدعة مقيتة مبغوضة ينبغي علينا محاربتها ومنعها بكل ما أوتينا من قوة، أن نندد بها في خطابنا الديني ونندد بها إعلاميا، وعلينا محاربتها من خلال التوعية العامة.

فخروج النساء لمشاهدة مواكب العزاء من البدع التي لا تستحسن أصلا وتفتح بابا من أبواب المعاصي وتكون ذريعة للوصول إلي الكثير من المحرمات في مثل هذه الأيام التي ينبغي أن نكون فيها بمستوي عال من الطاعة وليس في مستوي تدني القرب والطاعة لله .

فنحن نؤكد وقلوب المؤمنين وقلوب العلماء صارت دامية من هذه الظاهرة، وكلنا ثقة في أن النساء المؤمنات يعين خطورة هذه الحالة ويمتنعن من النزول إلي العاصمة أو إلي غيرها من أماكن اجتماع المعزين ومواكب العزاء، حتي تتوقف هذه العادة وتكون مواكب العزاء خالصة للرجال ولا تكون للنساء فيها مشاركات (1) ومن ترغب بالمشاهدة فيمكنها أن تقف من وراء الباب أو النوافذ بكامل حشمتها وعفتها، أما أن تنزل إلي الشوارع بهذا اللباس وبهذه الزينة فهي بذلك تجرح قلب الحسين عليه السلام وتقتله تماما كما فعل شمر بن ذي الجوشن وتكون شريكة له في قتلها الإمامها الحسين صلوات الله وسلامه عليه.

ص: 139


1- هذا ولله الحمد أن المجاميع النسائية ليست بالقليلة من مآتم مختصة بالنساء أو أقسام في مآتم الرجال تخصص للنساء وما شاكل، فليست دائرة إحياء المناسبات ضيقة عند النساء حتي تشاركن في المواكب العزائية الرجالية.

التزين في أيام عاشوراء

84) هل يجوز التزين والتطيب أيام عاشوراء؟

* ليس مطلوبا أن يتزين الإنسان ويلبس ثياب الزينة، فهو خلاف الجزع الذي أمرنا به، فأيام المحرم وأيام صفر هي أيام الحزن والمواساة التي ينبغي أن يكون الإنسان فيها علي هيئة أصحاب المصاب من لبس السواد والحزن، فلا ينبغي التزين ولبس الألبسة الفاخرة، ولكن ذلك لا يعني لبس الملابس المتسخة والبالية، بل تلبس الملابس الطاهرة المناسبة للشأن وهذا أمر واضح فألبسة الزينة مشخصة وهي التي يجب التنزه عنها واجتنابها وليس المقصود الملابس العادية النظيفة المناسبة، ولا فرق في هذه الجهة بين النساء والرجال فالأمر يشملهم.

أما الطيب فاستحبابه عام، فالإنسان يتطيب للصلاة ولا يوجد في ذلك قصد الشماتة والعياذ بالله، فهذا الأمر لا يكون من الإنسان الموالي ولا يصدر منه، فالتطيب بعنوان أنه تطيب للصلاة لا بأس به لعموم استحبابه، ولو أراد أن يتركه الإنسان من باب الجزع علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه فهذا أمر حسن؛ لأن تركه والحال كذلك للطيب يكون من الجزع وهو أمر مطلوب يتعنون بهذا العنوان الثانوي، أي: ترك الطيب لكونه جزعا علي سيد الشهداء عليه السلام .

ص: 140

تشبه الرجال بالنساء في الأعمال الفنية

85) هل يجوز في المسرحيات والأعمال الفنية الحسينية أن يمثل الرجل دور المرأة ويلبس لباسها وبالعكس؟

* ورد النهي عن تشبه المرأة بالرجل وتشبه الرجل بالمرأة وهناك كلام طويل

عريض بين الفقهاء في تفسر مسألة التشبه .

وما أريد أن أقوله بعنوان الخلاصة: إن التشبه أي تشبه المرأة بالرجل وتشبه الرجل بالمرأة، هو تقمص الشخصية بشكل دائم، بمعني: أن تتقمص المرأة دور الرجل بشكل كامل في لباسه وسلوكه ومنطقه، وهكذا أن يتشبه الرجل بدور المرأة في كل أمورها وشؤونها بشكل دائم. أما التشبه بشكل مؤقت كوقت أداء العمل الفني لأن المرأة يصعب أن تمثل في أجواء الرجال فيتقمص الرجل دور المرأة ويلبس لباسها بشكل مؤقت فهذا لا يدخل تحت التشبه المحرم؛ لأن التشبه المحرم هو ما يتخذه الإنسان بشكل عام ودائم ومستمر لا هذا التشبه المؤقت الذي يؤدي فيه دور معين ويفهم الجمهور من خلاله أن هذا رجل لكنه يؤدي دور المرأة، فإن هذا لا تشمله الأدلة ومنصرفة عنه أدلة التحريم ولا تشمله إطلاقات أدلة تحريم التشبه.

ص: 141

مكبرات الصوت من مآتم النساء

86) بعض المآتم النسائية لا تراعي قوة المكبرات الصوتية بحيث يسمع الأجنبي

صوت النساء وهن في حالة الندب والبكاء .. هل يجوز ذلك؟

* هذه من المسائل المؤلمة جدا التي شاهدنا فيها مع الأسف بعض مآتم النساء

التي لا تراعي خروج الصوت بواسطة السماعات إلي خارج حدود المأتم.

هذه حالة مؤلمة وليست مناسبة؛ لأن فيها علي أقل التقادير شبهة، ولا تناسب

شأن المرأة وما هو مطلوب منها من العفة والحشمة.

نحن نعلم أن الإسلام أكد من خلال تعاليمه وآدابه علي أن تكون المرأة في منتهي الحشمة والخدر والمصونية، ولا شك في أن ارتفاع صوتها إلي خارج المأتم بحيث يسمعها الرجال هو أمر مخالف للحشمة ومخالف لما هو مطلوب منها من رعاية الخدر والمصونية. وحتي لو فرضنا أن صوتها لا يثير الريبة لكن يبقي الأمر غير مناسب لها ولعفتها، ولا داعي لخروج صوتها خارج نطاق المأتم فإن الغرض من مكبرات الصوت هو إيصال الصوت إلي الحضور في المأتم لا خارج محيط المأتم، من هنا وجب الالتفات لهذا الجانب ورعاية هذا الأمر.

ص: 142

كشف صدور المعزين

87) هل يجوز تعرية الصدور للطم؟ وعلي فرض الجواز.. هل يجوز للنساء مشاهدة المعزين وهم علي هذا الحال؟

* نعم يجوز كشف الصدر من الرجال أمام الرجال وذلك لجريان سيرة المسلمين علي إظهار الرجل صدره وبطنه أمام الرجال، ودخول الحمامات العامة في الصدر الأول من الإسلام أمر معروف وقد ورد في آداب الحمام أنه يستحب للإنسان أن يدخل بمأزر أو بازار لأنه يستر من السرة إلي الركبة ومعناه أن الصدر والظهر بحسب السيرة الجارية بين المسلمين من كشف صدور بعضهم أمام بعض لم يثبت الردع عنه ولم يثبت النهي عنه، فكشف الصدر أمام الرجال لا مانع منه.

لكن نظر النساء إلي صدر الرجل أو إلي المواضع لا يكشفها الرجال أمام النساء عادة، فهذه لا يجوز للنساء أن تنظر إليها (1) ، فلا يجوز للنساء أن تنظر إلي هذه المواضع التي لم تجري العادة علي كشفها من الرجال فلا يجوز لهن النظر إليهم، وعلي الرجال أن ينهون النساء لو نظر النساء إليهم لأن هذا منكر يجب النهي والردع عنه.

الإجازة من العمل بادعاء المرض في عاشوراء

88) بعض الأحيان لا يستطيع الموظف في القطاع الخاص الحصول علي إجازة في عاشوراء فيتغيب بادعاء المرض، فهل يجوز له ذلك؟

* لا يجوز له: أولا: لمخالفة القوانين، وثانيا: لا يجوز الكذب، فإنه عندما يقدم هذه الرسالة وأن فيها إجازة مرضية فهذا كذب لا ضرورة له وهو أمر محرم.

ص: 143


1- فإن العادة الجارية والسيرة المستمرة من زمن الأئمة إلي وقتنا هذا لم تجري علي أن الرجال يكشفون صدورهم وبطونهم أمام النساء وتنظر النساء إلي هذه المواضع بحيث لم تقم سيرة علي هذا النحو. منه حفظه الله.

التسمية بعبدالحسين وعبد الزهراء هل فيه إشكال

89) يستشكل الآخرون علينا عندما نسمي أولادنا ب- (عبد الحسين وعبد الزهراء) وما شابه.. ماذا نقول لهم؟

* هذه مسألة عقائدية وموكولة إلي البحث العقائدي، ولكن أقول بشكل مختصر: هنا خلط بين مسألة العبودية بمعني المملوكية وعبودية الخلق الله المنحصرة به جل وعلا إذ لا خالق ولا مالك للإنسان إلا الله سبحانه وتعالي علي نحو العبودية الحقيقية، وهناك عبودية بمعني عبودية الطاعة؛ فعبد النبي بمعني المطيع للنبي صلي الله عليه وآله إذ العبد مأخوذ فيه هذا المعني، الطائع القائم علي خدمة مولاه، فكونه عبد للنبي مطيعا وخادما للنبي صلي الله عليه وآله ، أو عبد الأمير يكون مطيعا وخادما لأمير المؤمنين عليه السلام ، عبد الزهراء مطيعا وخادما للزهراء ، عبد الحسين مطيعا وخادما للحسين عليه السلام ، هذه ليس فيها أي حزازة ولا ترتبط بالشرك، إذ لا يعني ذلك أنه مخلوق للنبي صلي الله عليه وآله أو مخلوق لأمير المؤمنين عليه السلام أو مخلوق للحسين عليه السلام ، أو مملوك لهم علي نحو الملكية الحقيقية، الأمر ليس كذلك وإنما المقصود أن هذا خادم مطيع لهم، وهذا فخر يفتخر الإنسان المسلم أن يكون مطيعا وخادما للنبي والزهراء وأهل البيت عليهم السلام ، لأن إطاعتهم من إطاعة الله « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ » (1) بنص القرآن.

ص: 144


1- سورة النساء: 80.

سند زيارة عاشوراء

90) يشكك البعض في صحة سند زيارة عاشوراء ويقولون بأن سندها ضعيف.. فما تقولون؟

* زيارة عاشوراء مروية بسند معتبر، وقد ذكر الأعلام لها أسانيد معتبرة بطرق الشيخ الطوسي رحمه الله، ولا إشكال في صحتها سندا.

وللفائدة والتبصرة أذكر ذلك علي نحو الإيجاز وهو أن الشيخ رحمه الله - شيخ الطائفة - روي الزيارة في كتاب مصباح المتهجد وسلاح المتعبد وله إلي الزيارة خمسة طرق، منها هذا الطريق وهو ما نقلها الشيخ قدس سره من كتاب الحج عن محمد بن اسماعيل بن بزيع وطريقه إلي كتاب الحج لمحمد بن اسماعيل بن بزيع هو بهذا النحو علي ما ذكره رحمه الله في كتاب الفهرست: له كتب منها كتاب الحج أخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن الحسن بن حمزة العلوي عن علي بن ابراهيم عن ابراهيم بن هاشم عن محمد بن اسماعيل.

شرح الطريق:

الحسين بن عبيد الله شيخ الشيخ الطوسي والنجاشي، وقدصرح النجاشي بأنه لا

يروي مباشرة إلا عمن كان ثقة.

الحسن بن حمزة العلوي فهو أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري المرعشي، وصفه الشيخ بقوله كان فاضلا أديبا عارفا فقيها زاهدا ورعا كثير المحاسن له كتب وتصانيف كثيرة.

علي بن ابراهيم صاحب التفسير المشهور ثقة كما صرح به النجاشي.

أبوه ابراهيم بن هاشم فهو مورد اعتماد عند علماء الطائفة.

محمد بن اسماعيل من أصحاب الأئمة الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، قال عنه الشيخ رحمه الله في رجاله ثقة صحيح.

ص: 145

وقد ذكر كثير من الأعلام تفاصيل ذلك في دراسات مفصلة في إثبات صحة زيارة عاشوراء كسماحة أستاذنا آية الله الشيخ مسلم الداوري (1) - الذي كنا نتشرف بحضور أبحاثه الرجالية - وقد كتب في ذلك دراسة مستفيضة، وكذلك الكثير من الأعلام كتبوا دراسات مستفيضة في إثبات صحة زيارة عاشوراء، فلا موقع لهذه الشبهة، ومن أراد المزيد فليكن لذلك له حديثا مفصلا أو عليه الرجوع إلي مثل هذه الدراسات أو سؤال أهل الاختصاص من أهل العلم والفضل.

ص: 146


1- فقد ألف كتابا بعنوان (زيارة عاشوراء تحفة من السماء) ويقع الكتاب فيما يقرب من 400 صفحة بحثا فيه بحثا أساسيا حول زيارة عاشوراء و تطرق فيه إلي أبحاث أخري.

العباس وشرب الماء يوم العاشر

91) يقال: إن عدم شرب العباس عليه السلام للماء حينما دخل المشرعة من مصاديق إلقاء النفس إلي التهلكة.. فما تقولون؟

* نحن لسنا أعلم ولا أفضل من هذه الشخصية التي هي في قمة العلم وفي قمة

الفهم والاستيعاب لكل قيم ومفاهيم الإسلام.

هؤلاء لا مجال لأن يستشكل عليهم لأنهم تالون تلو العصمة هذا أولا، وثانيا نحن نواجه في هذه القضية مسألة الإيثار. الإيثار أمر مطلوب « وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ » (1) يعني منتهي الحاجة .

العباس عليه السلام : أراد أن يواسي إمام زمانه سيد الشهداء إلي هذا المستوي، بأنه كما يقتل الحسين عطشانا فأنا كذلك أقتل عطشانا، هذا الموقف هو منتهي المواساة ومنتهي الإيثار، فالعباس سلام الله عليه يعلم أنه إذا شرب الماء أو لم يشرب لن يبقي بعد الحسين عليه السلام ؛ لأنه مقتول علي أي حال، بمعني أنه قد يبقي ساعة أو ساعتين لكنه يقتل في النهاية من قبل هذه العصابة المجرمة، فآثر أن يخرج بأبي وأمي من الدنيا عطشانا مواسيا لسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه ويحوز علي هذا الفخر (المواسي لأخيه الحسين » فلذلك تجد في الزيارة إشارة إلي هذا البعد: « السلام عليك أيها الأخ الصابر المواسي لأخيه الحسين » (2) فهو لم يضحي ويفدي بنفسه أخيه الحسين وحسب وإنما واساه كذلك، وهذه المواساة تتجسد في أنه علم بأنه مقتول بعد الحسين عليه السلام أو قبله لا محالة فأراد أن يخرج من هذه الدنيا ظمآنا صلوات الله وسلامه عليه.

وفي بعض النقولات أن أمير المؤمنين أوصاه بأن لا يشرب الماء قبل أخيه الحسين عليهم السلام .

ص: 147


1- سورة الحشر:9.
2- مضامين زيارته عليه السلام، و ورد في كتاب الخصال عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال (رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلي، وفدي أخاه بنفسه حتي قطعت يداه، فأبدله الله منها جناحين يطير بها مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه السلام، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالي منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة) الخصال، الشيخ الصدوق، ص 68، ح 101.

من دفن الحسين عليه السلام

92) من الذي دفن الإمام الحسين عليه السلام ؟

* هذه شبهة تطرح، والبعض ممن لا يمتلك باعا في التحقيق يحاول أن يقول بأن الذي دفن الحسين عليه السلام هم بنوا أسد وأهل الغاضرية لما صرح به الشيخ المفيد رحمه الله من أن الإمام الحسين دفنه بني أسد.

لا أريد الآن أن أناقش هذا الكلام وما يمكن أن يستفاد منه، لكن أريد أن أقول:

أولا: لدينا أدلة كثيرة تدل علي أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله ولا يصلي عليه

إلا إمام مثله ولا يجهزه ولا يلي أمره إلا إمام مثله (1).

ثانيا: إن هذه المسألة بمستوي من الوضوح في أذهان الشيعة إلي درجة أنها ولدت لديهم شبهة، وتوضيح ذلك أن الواقفة إحدي الفرق التي وقفت علي إمامة الإمام موسي الكاظم عليه السلام وقالوا بأن الإمام الكاظم عليه السلام لم يمت وإنما هو حي غائب وأنكروا إمامة الإمام الرضا عليه السلام ، فإن إحدي المبررات لوقفهم أنهم قالوا بأن الإمام موسي الكاظم عليه السلام مات ببغداد بسجن بغداد والإمام لا يغسله إلا إمام فكيف يحضره ابنه الإمام الرضا وهو في المدينة ؟!! فلذلك أنكروا موت الإمام الكاظم واتخذوا هذه ذريعة، لا أقول أن هذه هي الشبهة الحقيقية التي دخلت عليهم لأن هناك عوامل أخري هي التي دعتهم إلي الوقف لكن أرادوا أن يتخذوا هذا الأمر ولو ظاهرا حجة للوقف علي الإمام الكاظم مما يكشف لك أن المسألة واضحة في أذهان الشيعة وأن من الواضح جدا أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله.

ثالثا: نجد أن في سير الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ما يثبت ذلك كرواية هرثمة بن أعين ورواية الريان بن الصلت وغيرها التي تدل علي حضور الإمام الجواد عليه السلام عند أبيه الرضا عليه السلام الذي هو في خراسان وقد جهزه وغسله وصلي عليه وإن كان بحسب الظاهر أن الذي صلي عليه شخص آخر، لكن الذي تولي

ص: 148


1- الكافي، الكليني، ج 1، ص 384، باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم السلام .

أمره في واقع الأمر وبعيدا عن أنظار الناس هو الإمام الجواد عليه السلام . لما تأتي إلي قضية الإمام العسكري عليه السلام وهذه واضحة، فقد تقدم جعفر أخو الإمام ليصلي علي أخيه الإمام العسكري عليه السلام وعندها ظهر شاب قمري الوجه -كما يصفه الرواي-، وقال له: تنح يا عم مخاطبا جعفر فإني أولي بالصلاة علي أبي منك.

رابعا: لما نأتي إلي قضية الدفن وبهذا الترتيب فهل يعقل أن بني أسد هم من قاموا بهذا التخطيط بدفن الحسين عليه السلام وعند رجليه علي بن الحسين، ودفن الشهداء في حفرة ثم دفن العباس بمنأي عن أي مساعدة وتوجيه، بمعني هل اهتدوا إلي هذا التخطيط من تلقاء أنفسهم وطبقوه؟ هذا بعيد جدا.

الشيء الآخر كيف عرف بني أسد هذه الأجساد وهي مقطعة بلا رؤوس؟ كيف استطاعوا أن يعرفوا أن هذا جسد الحسين عليه السلام وباذا عرفوه وهو جسد بلا رأس؟ وكيف عرفوا العباس وهو جسد بلا رأس، مقطع الأعضاء قد مزقوه أشلاء؟ وكيف عرفوا علي بن الحسين الذي هو أيضا قد مزق و قطع جسده الشريف؟

إن الإنسان لا يهتدي إلي معرفة الشخص إلا من خلال رأسه، وهذه الرؤوس الشريفة قد فصلت عن أجسادها، فكيف اهتدوا وعرفوا أن هذا جسد الحسين عليه السلام وأن هذا علي بن الحسين وأن ذاك العباس وأن هؤلاء الأنصار!

فطريقة الدفن بهذا التخطيط وبهذه الخارطة فيها يد ربانية. إذا قلت بأن بني أسد توصلوا إلي ذلك بالإلهام والإيحاء، فذلك يعني أنه عنصر إعجازي، فإن قبلت بأن هناك عنصر إعجازي لإيحاء بني أسد في أن يدفنوا شهداء كربلاء بهذه الطريقة وبهذه الخارطة وبهذا التخطيط فلماذا لا يكون هناك إعجاز آخر لعلي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليه بأن يحضر إلي كربلاء وإن كان في الحبس، فلو كانت هذه الخارطة في الدفن لا تخلو من أن تكون فيها جهة ربانية فلماذا نستكثر هذا الإعجاز علي حجة الله سبحانه وتعالي؟

ص: 149

خامسا: المشهور بين الطائفة أن الذي دفن الإمام الحسين عليه السلام هو ابنه الإمام علي بن الحسين عليه السلام وقد جاء من الكوفة، فالمسألة إن كانت إعجازية فهل نستبعد هذا الإعجاز وهذه الكرامة علي حجة الله ووليه؟

وهل يكون علي بن الحسين أقل شأنا من آصف بن برخيا الذي هو وصي سليمان، وعلي بن الحسين هو وصي نبينا صلي الله عليه وآله الذي هو أفضل الأنبياء، وهل لا يكون أهلا لهذا الإعجاز بأن تطوي له الأرض في الوقت الذي تطوي لآصف بن برخيا كي يحضر عرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه (1) ؟ فنستكثر هذه المعجزة علي وصي أفضل الأنبياء وهو علي بن الحسين عليه السلام ؟

وأما الروايات فأذكر منها:

في كتاب الاختصاص: معاوية بن حكيم عن إبراهيم بن أبي سمال، قال:كتبت إلي أبي الحسن الرضا عليه السلام أنا قد روينا عن أبي عبد الله عليه السلام - و لاحظوا التعبير أنا قد روينا - أن الإمام لا يغسله إلا إمام – وليس المقصود التغسيل فقط بل كل شؤون التجهيز فإن التغسيل هو أبرز أمر من شؤون الميت فذكر التغسيل هنا من قبيل المصداق الأبرز وإلا فالإمام لا يلي أمره إلا إمام في جميع شؤونه من التغسيل والتجهيز والصلاة- وقد بلغنا هذا الحديث - فالراوي يقول هذا الحديث واصل إلينا ومعلوم أن الشيعة قد التفتوا إلي هذا المعني ، فقلت له: أبوك من غسله ومن وليه، فكتب إن الذي بلغك هو الحق، قال فدخلت عليه بعد ذلك فقلت له: أبوك من غسله ومن وليه، فقال: لعل الذين حضروا أفضل من الذين تخلفوا عنه – لأن الإمام صلوات الله وسلامه عليه هو الذي حضر وهو أفضل ممن تخلف عنه - ، ومن هم؟ قال: حضره الذين حضروا يوسف ملائكة الله ورحمته - وهذا لا ينافي حضور الإمام - (2).

ص: 150


1- « قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » سوره نمل آيه 40.
2- بحار الأنوار، ج27، ص289 .

الرواية الثانية ما رواها الحسين بن محمد عن المعلي عن الوشاء عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره عن الرضا، قال: إنهم يحاجون يقولون: إن الإمام لا يغسله إلا إمام - يعني هؤلاء الواقفية يحاجونا ويقولون إنكم تدعون أن الإمام الرضا عليه السلام إمام وأن الإمام الكاظم عليه السلام مات فإذا كان الإمام الكاظم مات من غسله والإمام الرضا في المدينة ولابد من أن يغسله إمام مثله وهذا دليل علي أن الإمام الكاظم لم يمت - قال - يعني الإمام الرضا- فقال عليه السلام : ما يدريهم من غسله - يعني الإمام يقول وما يدريهم أني لم أحضر لتغسيله - فما قلت لهم - يعني الإمام يسأل الراوي بماذا أجبتهم- قال: جعلت فداك ! قلت لهم: إن قال مولاي أنه غله تحت عرش ربي فقد صدق وإن كان غسله في تخوم الأرض فقد صدق - إشارة إلي أن الإمام قادر علي أن يصل إلي أبيه وأن هذه المسافة لا تكون مانعا بالإعجاز الإلهي الذي متعهم الله به -، فقال: ما أقول لهم؟ قال: قل لهم أني غسلته - يعني أخبرهم أن الذي غسله هو الإمام الرضا-، فقلت: أقول لهم إنك غسلته - يعني سأقول للذين يحاجوننا أن الإمام الرضا هو الذي غسله - (1).

أيضا نقرأ في الرواية عن الحسين بن محمد عن المعلي عن محمد بن جمهور عن أبي معمر، قال: سألت الرضا علية السلام عن الإمام يغسل الإمام؟ قال: سنة موسي بن عمران (2) - يعني هذه سنة موسي بن عمران، فهذه سنة جارية في الأنبياء والأوصياء، فلاحظوا أن هذا يكشف عن سنة، بمعني: أنه كما أن الذي غسل يوشع بن نون هو موسي بن عمران لأن يوشع بن نون أو غيره مات بعده أو العكس، أن الذي غسل موسي بن عمران هو يوشع بن نون، أيا كان المعني، فالرواية تعكس أن هذه سنة من السنين في الأنبياء والأوصياء أنه لا يغسلهم إلا مثلهم، أي الذي هو مثلهم في العصمة -.

ص: 151


1- الكافي، الكليني، ج 1، ص 385، باب أن الإمام لا يغسله إلا الإمام، ح 1.
2- نفس المصدر، ح2.

أيضا رواية عبد الرحمن بن سالم عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قلت له من غسل فاطمة؟ قال: ذاك أمير المؤمنين، فكأني استعظمت ذلك -يعني كيف يغسل أمير المؤمنين عليه السلام الزهراء عليها السلام وهي امرأة وهو رجل- فقال: كأنك ضقت بما أخبرتك به، قال: فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك، قال: فقل لي لا تضيقن فإنها صديقة ولم يكن ليغسلها إلا صديق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسي » (1).

هذه روايات متعددة والمهم هي هذه النقطة وهي: أن هذا المضمون من المضامين التي قطع بها الشيعة بحيث أصبحت بمثابة الميزان حتي في قضية الإمامة وأنا أشرت إلي ذلك في قضية الواقفة وأن الواقفة استغلوا هذه النقطة، أي: مسألة أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله في الوقف علي الإمام الكاظم وإنكار موته والوقوف عليه وأنه غائب بدعوي أنه لو مات فمن الذي غسله، فالمسألة كانت بهذه الدرجة من الوضوح في أذهان أصحاب الأئمة وفي أذهان الشيعة.

فبعد هذا الوضوح الموجود في هذه الروايات هل يمكن لنا أن نشكك في هذه الأسانيد؟ نحن لا نعتمد علي هذه الروايات و إنما نعتمد علي ذلك الجو العام الذي تنقله، ذلك الجو العام الذي صار مغروسا في أذهان الشيعة ومعروفا عند الشيعة ومتسالم عليه عند الشيعة أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، إذا كان هكذا فما المانع بالإعجاز أن الإمام عليه السلام يحضر ولماذا نستكثر علي الإمام السجاد عليه السلام ما هو في حق آصف بن برخيا الذي شهد القرآن له بطي الأرض وأنه طويت له الأرض وأتي بعرش بلقيس، هذا بشكل مختصر،والمسألة تحتاج إلي بحثها من جهات فنية وإن شاء الله نوفق لكتابة رسالة في هذه المسالة.

ص: 152


1- نفس المصدر، ص459، ح4.

شيعتنا.. كونوا زينا لنا

93) ما معني قول الإمام الصادق عليه السلام : «شيعتنا.. كونوا زينا لنا ولا تكونوا

علينا شينا»، وهل لإحياء الشعائر ربط بهذه الرواية؟

* معني هذا الحديث أنه ينبغي للإنسان الشيعي الموالي لأهل البيت عليهم السلام المنتمي إليهم أن يكون سلوكه وفعله وتعامله مع الآخرين بنحو أن يقول الآخرون عنه كل حسن، يقولون عنه إن هذا إنسان صالح، إنسان متميز في سلوكه إنسان نموذجي في أفعاله وسلوكه وكلامه، وأن لا يكون هناك مورد للتعييب والتعبير في سلوكه لأنه لو مارس ما يوجب التعييب والتعبير فيسلوكه دخل ذلك العيب عليهم .

وفي رواية جاء - فكل ما قيل فينا من حسن فنحن أهله وما قيل فينا من قبيح فنحن لسنا له بأهل - (1) ، فلابد للإنسان من أن يكون في سلوكه وفي أفعاله وفي كلامه وفي تعامله مع الآخرين النموذج والأسوة الحسنة، فإن ذلك يعني إرجاع هذا الحسن في السلوك والنموذجية في السلوك والمصداقية في الكلام وفي الفعل إلي تعاليم أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وعلي العكس «جروا إلينا كل مودة » أنتم بحسن سلوككم وبحسن تعاملكم وبحسن أفعالكم وبمصداقيتكم وبنموذجيتكم تجرون لنا مودة الناس وعلي العكس لو كانت سلوكياتكم أفعالكم وتعاملكم مع الناس ليس بالنحو المطلوب وليس بالنحو الحسن وإنا خلاف ذلك، فهذا ينفر الناس عنا «جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عن كل شر، فما قيل فينا من خير فنحن أهله » وعلي العكس لما تكون معاملتكم تنسب إلينا فهذا القبيح نحن لسنا له بأهل.

ص: 153


1- عن كثير بن علقمة، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أوصني، فقال: «أوصيك بتقوي الله، والورع والعبادة، وطول السجود، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الجوار، فبهذا جاءنا محمد صلي الله عليه وآله ، صلوا في عشائر كم، وعودوا مرضاكم، واحضروا جنائزكم وكونوا لنا زينا، ولا تكونوا لنا شينا، حببونا إلي الناس، ولاتبغضونا إليهم، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل شر، فما قيل فينا من خير فنحن أهله، وما قيل فينا من شر، فو الله ما نحن كذلك، لنا حق في كتا بالله، وقرابة من رسول الله صلي الله عليه وآله ، وولادة طيبة، فهكذا فقولوا». هكذا في مستطرفات السرائر، لابن إدريس الحلي، ص650. وورد هذا المضمون بصياغات مختلفة.

مقام أصحاب الحسين عليه السلام

94) ورد عن الإمام الحسين عليه السلام قوله: (فإني لا أعلم أصحابا أوفي ولا خيرا من أصحابي)، هل يعني ذلك أن أصحاب الحسين أفضل حتي من صحابة النبي كسلمان والمقداد وأبو ذر؟

* هناك جنبة في توصيف مقامات أصحاب الحسين عليه السلام كما في الزيارة : « السلام عليكم يا أنصار دين الله، السلام عليكم يا أنصار رسول الله، السلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين، السلام عليكم يا أنصار فاطمة الزهراء، السلام عليكم يا أنصار أبي محمد الحسن بن علي الزكي الناصح الولي ».

هذا المقام وهو أن ما قام به أصحاب الحسين ليس فقط نصرة للحسين وإنما هو نصرة لدين الله ونصرة لرسول الله صلي الله عليه وآله ، ونصرة لأمير المؤمنين ونصرة لفاطمة الزهراء ونصرة للحسن عليهم السلام .

هذا البعد يوجب امتيازهم عن سائر الصحابة سواء كانوا أصحاب أمير المؤمنين أو أصحاب رسول الله..

أقول: بهذا البعد، فإن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام لم يردنا - نص - في حقهم أنهم أنصار لدين الله .. هم أنصار لأمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن ثبت في حق أنصار الحسين أنهم أنصار دين الله، أنصار رسول الله، أنصار أمير المؤمنين، أنصار فاطمة الزهراء، أنصار الحسن عليهم السلام .

الشيء الآخر أننا نجد في كل سير هؤلاء حالة من البصيرة النافذة التي لم يكن معها أي تردد، وحالة من الوضوح في معرفة الحق لم يداخلها أي شك، وهذا ما يسرده لنا التاريخ ليلة العاشر كيف أن الإمام الحسين عليه السلام قد رخص لهم بالعودة، تجد أنهم كلهم قد أجابوا بجواب واحد: نحيا معك ونموت معك، وماذا نقول لرسول الله لو تخلينا عنك، الإمام الحسين عليه السلام قال لنافع: يا نافع ! أتخذ لك طريقا بين هذين الجبلين وانج بنفسك، فإن القوم لا يطلبون غيري، فوقع علي أقدام

ص: 154

الحسين عليه السلامم يقبلها ويقول: إذا ثكلت هلالا أمه! سيدي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي من علي بك لا أفارقك حتي يكلا عن فري و جري (1) .

فهذا الوضوح وهذا الإيمان بالإمام عليه السلام الذي لا تشكيك فيه والقتال علي بصيرة مع سيد الشهداء عليه السلام مع عدم التردد وعدم الخوف وعدم الاكتراث بما في الدنيا والإقبال علي الله وعلي رسوله بهذه الحالة من الوضوح وبهذه الحالة من الرؤية والبصيرة أوجب لهم مقام آخر ومزية أخري يتفاضلون بها.

ص: 155


1- الدمعة الساكبة، المولي محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني، 4: 272.

مكبرات صوت المآتم وحرمة الجار

90) ماهي النصيحة للمآتم التي لا تراعي حرمة الجار برفع الصوت في المكبرات

الصوتية في كل وقت؟

* لاشك في أن إقامة العزاء علي سيد الشهداء أمر مستحب، وحتي يبقي علي استحبابه وراجحيته الشرعية لابد من الابتعاد عن كل ما يؤثر علي ذلك من العناوين المزاحمة. فاستحباب الرثاء علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه أمر لا كلام فيه، وكذا الإبكاء علي الإمام الحسين عليه السلام كما دلت عليه النصوص الكثيرة فهو أمر مستحب - من بكي وأبكي فله الجنة -.

والفقهاء يقولون: إن ما دل علي استحباب الشيء إنما يدل علي استحبابه وعلي إيجاده بطريق مباح؛ فمثلا مساعدة الفقير أمر مستحب، تفريج الكرب عن المؤمن أمر مستحب، ولكن لا يعني ذلك إيجاد هذا الأمر المستحب والتوصل إليه بأمر غير مباح. فالإنسان يريد أن يساعد الفقير فيسرق بدعوي أن مساعدة الفقير أمر مستحب، مادل علي استحباب شيء إنما يدل علي استحباب إيجاده بالأمر المباح، فمساعدة الفقير إنما تكون من مال الإنسان ومن المال الحلال وليس من المال الحرام والمال المسروق. وتفريج كربة المؤمن إنها تكون مستحبة بواسطة الأمر المشروع لا بواسطة أمر حرام - لا سمح الله -.

كذلك استحباب إقامة العزاء علي سيد الشهداء والرثاء عليه وإبكاء الناس لابد من أن تكون وسيلته أيضا مباحة، أما لو فرض ولو بواسطة العنوان كإزعاج الجيران من خلال رفع مكبرات الصوت بالنحو غير المعتاد و بالنحو غير المتعارف، فإن هذا الأمر قطعا في نفسه يكون - ولو نتيجة لانطباق هذا العنوان عليه وهو عنوان الإيذاء والإزعاج لجيران المأتم - غير مباح.

فلا معني لإيجاد الأمر المستحب وهو البكاء والإبكاء والرثاء علي الإمام الحسين عليه السلام بأمر فيه شائبة الإشكال. وعلماؤنا وأعاظمنا وفقهاؤنا مع رسوخ قدمهم في

ص: 156

الفقه وتبحرهم كانوا ينصحون الناس في هذا الشأن.

هناك كلام للسيد الإمام رضوان الله تعالي عليه حول الأذان بالنسبة لصلاة الصبح، مع أن الأذان شعار المسلمين ولكنه كان ينصح بعدم رفع الصوت صوت المكبر عالية في أذان الصبح حتي لا يلزم تأذي جيران المسجد. فهذا أمر مستحب ولكن لما يكون سببا لإيذاء الآخرين يكون موردا لشائبة الإشكال.

والنصيحة لكل أصحاب المآتم هي بأن يكون رفع الصوت بالنحو المتعارف والمعتاد، فالغرض من ذلك هو إيصال الصوت لفضاء المأتم ولإعلام من كان بالخارج ممن يحوطون بالمأتم لا أزيد منذ لك، فينبغي الالتفات إلي هذا الأمر والالتزام بحدود عدم رفع الصوت إلي حد إيذاء الجيران.

ص: 157

الحسين عليه السلام يشتري أرض مدفنه

96) نسمع أن الإمام الحسين عليه السلام اشتري أراضي كربلاء وأطرافها، ماصحة ذلك و سببه؟

* هذا هو المشهور والمعروف، ذكر المؤرخون كما في كشكول الشيخ البهائي (1) نقلا عن كتاب الزيارات لأحمد بن داود القمي، وأيضا حكاه البهائي رحمه الله عن السيد ابن طاووس في مصباح الزائر، نقلوا أن الحسين عليه السلام اشتري أرض نينوي والغاضريات من أهلها من أهل نينوي بستين ألف درهم وتصدق بها عليهم بعد شراءها منهم واشترط علي هؤلاء أن يرشدوا إلي قبره ويضيفوا من زاره ويأتي سائلا عن قبره عليه السلام ثلاثة أيام، وكان حرم الحسين عليه السلام الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال وإن كان السيد صاحب مفتاح الكرامة رحمه الله في كتاب المتاجر لم يشكك في أصل الشراء وإنما في المسافة بدعوي أنه لم يقف علي دليل واضح علي ذلك. فهذا يعني أن هذه الأرض حلال لولده ومواليه، وحرام علي غيرهم ممن خالفهم.

وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أن أهل الغاضرية لم يفوا بهذا الشرط (2).

إذا، فبحسب هذه النقولات يكون شراء الإمام الحسين عليه السلام الأرض مقتله من الأمور المشهورة والمعروفة بين العلماء وذكر ذلك صاحب كتاب الزيارات محمد بن أحمد ابن داود القمي الذي هو من أصحاب الإمام الهادي والإمام الجواد عليه السلام .

ص: 158


1- كشكول الشيخ البهائي، ج 2، ص 191. ط. مصر
2- ذكر السيد الجليل رضي الدين ابن طاووس: أنها إنها صارت حلالا بعد الصدقة لأنهم لم يفوا بالشرط، قال: وقد روي محمد بن داود عدم وفائهم بالشرط في باب نوادر الزيارات. مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 10، ص 321، ح 6 و 7.

لماذا التغيير في الصلاة في كربلاء

97) لماذا اعتبرت كربلاء أو الحائر الحسيني من ضمن الأماكن التي يتخير المسافر فيها بين القصر والتمام بالنسبة للصلاة؟

* عندنا روايات دلت علي أن أرض كربلاء من مواطن التخيير - التي هي عبارة عن المواطن الأربعة : مكة، والمدينة، والكوفة، والحائر الحسيني - ونفس الدلالة علي التخيير للمسافر بين القصر والتمام يكشف عن قداسة هذه البقعة وعظمتها وأنها في مصاف تلك البقاع المباركة: مكة، والمدينة، والكوفة، وقد جاء تعليل في بعض الروايات عن سبب التخيير بأنها أماكن ينبغي للإنسان أن يعبد الله فيها حتي يتضاعف له الأجر والثواب، فنفس هذا التعليل أن هذه بقاع يحب الله أن يعبد فيها كاشف عن عظمة هذه البقعة حيث لا يمكن أن تكون أرض يحب الله أن يعبد فيها إلا لقداستها وعظمتها وعلو شأنها.

ص: 159

كمن زار الله في عرشه

98) في حديث للإمام الصادق عليه السلام : «من زار جدي الحسين كان كمن زار الله تعالي في عرشه » .. ماذا نفهم من هذا الحديث؟ وما المقصود منه؟

* قطعا ليس المقصود من الحديث ما يعطيه ظاهره وأن الله له جسم وله مكان ويصح الاقتراب منه ماديا؛ فإنه منزه عن الجسمانية لما دلت عليه الأدلة العقلية من امتناع الجسمانية عليه المستلزم للفقر والإمكان و المحدودية، والباري جل وعلا منزه عن كل ذلك، وإنما المقصود من ذلك معني كنائي بمعني أن من زار الحسين صار قريبا من مقام الربوبية، وموردا للطف الإلهي، وموردا للرحمة من الله، والقرب منه ولكن ليست أي رحمة وإنما رحمة خاصة، فمقصود الحديث هنا المعني الكنائي بأن يزداد قربا من الله سبحانه و تعالي ويزداد مودرا للألطاف الإلهية، وهذا المعني أيضا وارد في من زار أخاه المؤمن (1) ، دلالة علي أن هذا العمل موجب للقرب من الله سبحانه وتعالي.

ص: 160


1- جاء عن النبي الأعظم صلي الله عليه وآله أنه قال : (من زار أخاه في بيته قال الله له: أنت ضيفي و زائري، علي قراك وقد أوجبت لك الجنة بحبك إياه)، و ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من زار أخاه في الله قال الله : إياي زرت و ثوابك علي، ولست أرضي لك ثوابا دون الجنة) الكافي الشريف، الشيخ الكليني، ج 2، ح، 4، 6، باب زيارة الإخوان،

هل ينتقم الإمام المهدي عليه السلام من قتلة الحسين عليه السلام

99) نقرأ أن صاحب الزمان عليه السلام ينتقم من قتلة الحسين عليه السلام ، ماصحة هذا الكلام وما هو مدلوله؟

* ورد في الزيارات والتعبير أيضا عن الإمام صاحب العصر والزمان بأنه الطالب بثأر جده، و ورد أيضا في زيارة عاشوراء - التي هي زيارة معتبرة في غاية الاعتبار هذا المضمون وهو قوله عليه السلام : «وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام هدي ظاهر ناطق بالحق منكم ».

أما كيفية تكييف كون الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه طالبا بثأر الحسين عليه السلام من قتلته مع أن قتلة الحسين عليه السلام قد هلكوا وبعضهم قد ناله الانتقام الإلهي في قضية المختار، لكن لماذا جاء هذا التعبير وجاء توصيف الإمام صاحب العصر والزمان بأنه الآخذ بثأر الحسين مع أن قتلته قد هلكوا؟

يمكن الإجابة عن ذلك بأحد جوابين؛

الجواب الأول: ماذكرته جملة من النصوص التي دلت علي أن الإمام صلوات الله وسلامه عليه إذا خرج انتقم من ذراري قتلة الحسين عليه السلام فالراوي يسأل الإمام الصادق عليه السلام يقول كيف ينتقم الإمام صاحب العصر والزمان من ذراري قتلة الحسين مع أن هؤلاء لم يشاركوا وبينهم وبين واقعة كربلاء أمد بعيد وزمان متطاول فكيف ينتقم منهم، أجاب الإمام سلام الله عليه بهذا الجواب لأنهم رضوا بفعل آبائهم (1) فما دام أنهم رضوا بفعل آبائهم فإذا هم شركاء.

وقد ورد في الروايات أن الظالم والمعين له والراضي به شركاء في الظلم (2) فهؤلاء أيضا ظلمة ويستحقون بذلك القتل. ويؤيد هذا ظاهر القرآن الكريم في قضية عاقر ناقة صالح فإن الذي عقر الناقة شخص واحد منهم مع أن القرآن الكريم نسب

ص: 161


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج70، ص 341.
2- عن الإمام الصادق عليه السلام (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم) الكافي الشريف، الشيخ الكليني، ج 2، ص 333، باب الظلم، ح 16.

الفعل لهم جميعا في قوله تعالي «فعقروها» وذلك لأنهم رضوا بفعله ولم ينكروا عليه فصاروا شركائه.

الجواب الثاني: - ولعل هذا الجواب هو الأقوي- أن هؤلاء الذراري مازالوا يرثون من آبائهم و من أسلافهم بعض أهل البيت عليهم السلام والنصب والحقد اتجاه أئمة أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم، وهذا ما يبرهن عليه الواقع؛ فإنك تجد الكثير ممن يأتي من شتي البلدان وشذاذ الآفاق لتفجير الزائرين وقتل زوار الأئمة.. فماذا تعكس هذه النفسية وماذا يعكس هذا الفعل؟ فهذا الفعل مهما حاولوا أن يبرهنوا عليه أو أن يعطوه صبغة شرعية إلا أن كل هذه التبريرات هي من تسويلات الشيطان وما تمليه عليهم نفوسهم الخبيثة الحاقدة علي أهل البيت عليهم السلام ، فهذا يعكس مقدار ما يحملون في نفوسهم من حقد موروث، فإذا خرج صاحب العصر والزمان فإنهم يستقبلون الإمام بهذه النفس.. النفس المشحونة بالحقد والبغض علي خط أهل البيت وعلي أئمة أهل البيت وعلي أشياع أهل البيت، ويدخلون في مواجهة مع الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف ويكونون أول المعترضين علي حركة الإمام، و أول من يشهر المعارضة ويعلنها في وجه صاحب العصر والزمان فلذلك ينالهم الانتقام الإلهي بسبب إقدامهم علي المعارضة، فهم من جهة يحملون الحقد علي أئمة أهل البيت وهم ذراري لأولئك القتلة يرثون ذلك الحقد من آبائهم وأسلافهم ويواجهون الإمام صلوات الله وسلامه عليه بهذه النفسية المريضة، النفسية الخبيثة، وقد ورد في كثير من الروايات من أبدي صفحته للحق لابد أن تكون نتيجته ونهايته هي الهلاك والسقوط (1).

ص: 162


1- من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام لما بويع بالمدينة (من أبدي صفحته للحق مملك)، نهج البلاغة، ص 60.

الإمام يرد السلام

100) ورد في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام التي رويت عن الصادق عليه السلام : «أشهد أنك تسمع كلامي وتشهد مقامي »، و ورد في الزيارة الجامعة الثالثة: «أشهد أنكم تسمعون الكلام وتردون السلام »، ما المقصود بالسماع ورد السلام هنا؟

* لاشك - بحسب عقيدتنا - أن أئمتنا عليهم السلام لا ينقطعون بموتهم عن هذا العالم ولا ينفصلون عنه، بل لهم نحو من الارتباط بهذا العالم، وهذا الأمر ليس مختصا بالأئمة عليهم السلام ، بل حتي المؤمنين فإن المؤمنين أيضا بموتهم لاينقطعون عن هذا العالم ولا ينفصل ارتباطهم تماما عن هذا العالم بل لهم نحو من الارتباط، ولذلك جاء في كثير من الروايات وهي روايات متواترة أو مستفيضة لا أقل، - إن لم ندعي تواترها ندعي استفاضتها - أن من المؤمنين من يزور أهله في كل ليلة جمعة ويفرح إذا رآهم في سرور ويحزن إذا رآهم في مصيبة أو في حزن (1) ، فهذا حال المؤمن العادي فما بالك بالأئمة المعصومين والذين لهم المقامات العظيمة ومقام الزلفي والقرب من الله سبحانه وتعالي، فهم شهداء علي هذا العالم والشاهد يفترض فيه أن يكون عالما مطلعا علي ما يشهد عليه فهم شهداء دار الفناء وليست شهادتهم مختصة بحال حياتهم الظاهرية بل شهادتهم علي هذا العالم شهادة مستمرة وباقية حتي بعد انتهاء حياتهم الظاهرية.

فبحسب عقيدتنا أن الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم لا ينقطعون عن هذا العالم ولا ينفصلون عنه بانتهاء حياتهم الظاهرية بل لهم نحو من الارتباط، وفي الآية مايدل علي ذلك أيضا: « وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ » (2) وهذه الآية مطلقة، الله سبحانه وتعالي يري عمل الإنسان والرسول يري عمل

ص: 163


1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن المؤمن ليزور أهله فيري ما يحب ويستر عنه ما يكره وإن الكافر ليزور أهله فيري ما يكره ويستر عنه ما يحب قال: ومنهم من يزور كل جمعة ومنهم من يزور علي قدر عمله » الكافي الشريف، الشيخ الكليني، ج3، ص230، باب أن الميت يزور أهله، ح1. وفي الحديث الخامس من نفس الباب فيه تصريح لزيارة الميت كل ليلة جمعة.
2- سورة التوبة: 105.

الإنسان والمؤمنون الذين هم الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم.

فإذا، الإمام وإن انتهت حياته الظاهرية يبقي شاهدا علي هذا العالم فالآية تدل علي ذلك والزيارات المعتبرة التي جاءت «أشهد أنك تسمع كلامي وتري مقامي وترد سلامي ».

علاوة علي ما برهن عليه في العلوم الإلهية أن نفوس الأولياء تكون أكثر تجردا

عند موتها وأكثر إدراكا لما يدور في هذا العالم ومعرفة بما يحل فيه؛ لأن الموت لا يعني الفناء وإنما الموت هو خروج النفس عن هذا البدن وهي باقية لا يدركها الموت .

ص: 164

ملحق مقالات في الشعائر الحسينية

اشارة

بقلم سماحة العلامة الشيخ محمود آل الشيخ العالي حفظه الله

ص: 165

ص: 166

المقالة الأولي

دم الحسين عليه السلام قد سكن الخلد

وأشهد أن دمك سكن الخلد واقشعرت له أظلة العرش، وبكت له جميع الخلائق .. بسمه تعالي..

استطاع دم سيد الشهداء عليه السلام الذي سكن في الخلد وإن سال في صورته الظاهرية علي الأرض أن يهزم ذلك الخطر الذي كان يهدد كيان الإسلام، فاستطاع ذلك الدم الطاهر أن يهزم المشروع الرامي إلي تحريف الإسلام وإسقاط أخطاره المحدقة، فحصل الدين علي ضمانة مستمرة ضد تلك التهديدات، قال تعالي : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (1).

فشاءت القدرة الإلهية أن يصان الدين ويحفظ ببركة دماء سيد الشهداء عليه السلام ، وكان للشعائر الحسينية من المأتم و مجالس الذكر والوعظ والإرشاد ومواكب العزاء الإسهام الكبير والدور البارز في تحقيق تلك الغاية.

ومن جهة أخري فقد أعطت هذه الشعائر المباركة للدين حضوره الفاعل علي أكثر من مسار في حياة الإنسان المسلم والمؤمن، فكان ولا زال للدين حضوره في سلوك الإنسان ووجدانه والتزامه وأخلاقه وغير ذلك من مساحات حضور الدين في حياة الإنسان.

وهذا ما يؤكد أهمية هذه الشعائر وضرورة إحيائها ووجوب المحافظة عليها وصيانتها من كل ما يهددها ويؤثر عليها.

وعندما نتحدث عن الشعائر الحسينية، فمن الضروري أن يكون الحديث عن

ص: 167


1- سورة الحجر: 9.

مفهوم واضح لا لبس فيه ولا غموض، وذلك لما يترتب علي ذلك الغموض واللبس من نتائج خطيرة تهدد تلك الشعائر وتؤثر عليها .

ومن المؤسف أن البعض حاول بأسلوب غير علمي وبغير القواعد الفنية التي تؤسس لهذا المفهوم ويجب تحكيمها فطرح طرحا ضبابيا عليه الكثير من الغبش، مما فتح المجال لتسقيط مفهوم الشعيرة علي كل ممارسة مستحدثة مبتدعة غير منصوص عليها، مما سمح لذهنية الجماهير العامة أن تبدع لهم نفوسهم ما يحلو من ممارسات مستهجنة وسمجة بعيدة كل البعد عن روح الدين وقيمه، مما أثر علي نقاء هذه الشعائر وصفائها ودورها، فترتب علي ذلك نتائج مضرة بسمعة المذهب والتي يجب بمقتضي العقل والنقل التحرز عنها واجتنابها.

كما أثر علي دور هذه الشعائر من الهداية للناس وحضور الدين في حياتهم، وأشدها وأكثرها ضررا هو نفرة الناس عن المذهب وتوصيفه بأبشع التوصيفات، واستغلال ذلك من قبل الخصوم الفكريين لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، وتوظيفهم لتلك الممارسات لصالحهم، كل ذلك ينتج عند عدم التأسيس العلمي والفني القضايا الشعائر .

وانطلاقا من هذا الأساس يتوجب علينا أن نبحث عن مفهوم الشعيرة ومعناها والتأسيس الصحيح لها، وماهو ضابط الشعيرة حتي لا نقع في ضبابية وتشويشاته أو مطاطيته .

فنقول وبه نستعين:

معني الشعيرة:

معني الشعيرة ومفهومها بعيدا عن تعقيدات اللغة وتعمق المفسرين في تعريفها،

نذكر الخلاصة المهمة لمعناها كما جاء عندهم أي أهل اللغة والمفسرون.

قالوا في تعريفها: هي بمعني العلامة، فيكون المقصود بها في محل البحث و الكلام

ص: 168

أنها عبارة عما يكون علامة علي تحديد هوية جماعة وانتهائهم، فالصلاة علي سبيل المثال شعيرة؛ لأنها علامة علي هوية الإنسان الممارس لها وتحديد انتمائه الديني، وكذلك الشأن في الحج والصوم، فإنها علامتان علي تحديد الهوية الدينية للممارس لها وأنه إنسان مسلم ينتمي في ديانته للإسلام، كذلك الحال في الأذان، فهو علامة علي هوية المجتمع الذي يعلنه في أوساطه.

وهناك معني آخر للشعيرة وهي عبارة عن العبادة، فكل أمر عبادي هو شعيرة وهذا ما يستفاد من الآيات وكلمات الفقهاء قال تعالي « وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ » (1) وقوله تعالي « إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ » (2) ، فقد ذكر جملة من المفسرين منهم أمين الإسلام الطبري في المجمع حول آية البدن أن معني كون البدن من الشعائر أي جعل عبادة الله في سوقها إلي البيت الحرام، بل ذكر بعضهم دعوي اجماع المفسرين علي أن معني الشعيرة هي بمعني العبادة وإن كنت لم أتحققه.

وعلي هذا التفسير في كون الشعيرة بمعني العبادة فتوقيفيتها أمر واضح لا يمكن أن يتدخل الإنسان في تحديده لا مفهوما ولا مصداقا، وعلي المعني الأول وهي العلامة علي العبادة لا يمكن شرعا أن يترك التشريع أمر تحديدها إلي الإنسان دون ضوابط وقيود.

ضابطة الشعيرة:

بعد تحديد معني الشعيرة وهي ما تكون علامة علي تحديد الهوية الدينية وانتهاء

الإنسان، يقع السؤال: من الذي يحق له تحديد هذه العلامة وجعلها؟

ص: 169


1- سورة الحج: 36.
2- سورة البقرة: 108.

هل يمكن أن يكون للإنسان نحو دخالة في تحديد الشعائر من دون أن يحدد

الدين له ضوابط الشعائر ويبين له المعايير العامة؟

الجواب: لا شك في أن إيكال أمر تحديد الشعائر للناس سوف ينتج الكثير من السلبيات والمحاذير، وذلك لكون الإنسان غير المعصوم يتدخل في صياغة أفكاره وأفعاله الهوي، فيتحسن شي لهوي نفسه ويقوم بفعله تحت تأثير الهوي النفسي، وهذا أمر لا يليق أن ينسب للدين أو يأذن فيه المشرع.

فقضية الأذان وما قيل فيها من التحريفات تدل علي أن أمر الشعائر لا يمكن أن وكل للإنسان ويترك له، بل هي أمر إلهي ديني يؤخذ مفهومه ومصداقه - ولو بنحو تضبيط الضوابط وجعل المعايير - من الدين.

بمعني: أن الدين لابد - علي أقل تقدير - من أن يجعل ضوابط ومعايير عامة لمصداق الشعيرة، لا أنها توكل وتترك لأهواء الناس وعقولهم التي تفضي إلي اجتهادات قد تصادر أغراض الدين وأهدافه.

آية الشعائر:

وهنا لنا وقفة مع آية الشعائر :

قال تعالي: «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القوب» (1).

كثر الاستدلال في كلمات البعض علي إثبات شعيرية بعض المصاديق بأية الشعائر، بمعني لو استجد مصداق وأردنا إثبات شعيريته وهل أنه شعيرة أم لا، فإن هذا البعض يستدل بالآية الشريفة لإثبات مصداقيتها لمفهوم الشعيرة، وهذا خطأ واضح؛ وذلك لأمرين:

ص: 170


1- سورة الحج: 297.

الأمر الأول: من الواضح الجلي أن الآية المباركة ليست في مقام إثبات الموضوع

و بيان مصاديق المفهوم، وهو أن الأمر الفلاني شعيرة وذلك الأمر الفلاني ليس شعيرة، فالآية المباركة ليست في هذا المقام وهو تحديد موضوع الشعيرة أو بيان مفهوم مصاديق الشعيرة، وإنما هي ناظرة للحكم وهو وجوب تعظيم الشعائر، وأن كل ما ثبت أنه شعيرة فيجب أو ينبغي للإنسان المؤمن أن يعظمه.

وبعبارة أخري: الآية تقول يجب عليكم أو ينبغي أن تعظموا العلامة التي تهديكم وتدلكم علي الله تعالي وعلي دينه، أما كون هذا الأمر شعيرة أو ذاك الأمر ليس بشعيرة فالآية المباركة ليست بصدده وهي أجنبية عنه.

الأمر الثاني: قد تقرر عند أهل الفن من العلماء المحققين أن القضية لا تثبت موضوع نفسها وأنها كذلك لا تثبت فردية فرد لموضوع القضية؛ ومعني ذلك أنه لوصدر أمر من المولي بوجوب إكرام العلماء فإن هذه القضية تدلك علي الحكم وهو وجوب الإكرام فقط لا غير.

فلو شككنا في فرد خارجي وهو زيد - مثلا - وهل أنه عالم وفرد من ذلك الموضوع الذي يثبت له وجوب الإكرام أم لا، فالآية لا تثبت فردية زيد وأنه فرد من أفراد ذلك الموضوع حتي يثبت له الحكم، بل لابد من أن يثبت للمأمور مسبقا أن زيدا عالم فيجب عليه إكرامه.

قال شيخنا الأستاذ الحجة آية الله الشيخ باقر الإيرواني دام ظله وعزه في كتابه دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام: «... وهنا سؤال يخطر علي الذهن، وهو أنا لو شككنا مثلا في استحباب زيارة الإمام الرضا عليه السلام مشيا علي الأقدام، أو في استحباب لبس السواد علي الإمام الحسين عليه السلام أو ما شاكل ذلك، مما فيه مظهر عقلائي لتعظيم أهل البيت عليه السلام وإبراز الحزن عليهم، فهل يمكن التمسك بقاعدة: « وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ » لإثبات الاستحباب والمطلوبية شرعا ؟

ص: 171

والجواب: كلا، لا يمكن ذلك، فإن الحكم - أي حكم كان لا يمكنه إثبات موضوعه، فقضية (أعن الفقير) لا تدل علي أن هذا أو ذاك فقير، بل تدل علي أن من ثبت كونه فقيرا تلزم إعانته، وهكذا في المقام فإنه لا بد من إثبات أن المشي أو لبس السواد هما من شعائر الله سبحانه، ومن ثم يثبت لها الحكم برجحان التعظيم ولا يمكن من خلال الحكم المذكور إثبات شعاريتهما

وهذا معني ما يقال من أن عنوان الشعارية عنوان توقيفي لا يثبت إلا بإشارة من

الشرع» (1). (انتهي كلامه دام عزه)

وعلي هذا الأساس تتضح لنا أمور، وهي:

الأول: أهمية الشعائر وضرورتها من خلال ما تستثيره من دلالات وتستبطنه من معان عميقة تؤدي دورة إيجابيا بارزا في تكامل المجتمع وترسيخ قيمه الروحية والأخلاقية.

الثاني: الشعائر أمور لا يعقل أن توكل وتترك لأهواء وأفكار الناس .

الثالث: توقيفية هذه الشعائر .

وللحديث حول الشعائر تتمة في مقالات قادمة إن شاء الله .

ص: 172


1- دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام، الشيخ الأيرواني، ج 2، ص721.

المقالة الثانية

الضرر في الشعائر هل الشعائر الحسينية مبنية علي الضرر ؟

بسمه تعالي

حاول البعض أن ينظر لشرعية بعض الممارسات التي تمارسها بعض الجماهير من الشيعة الموالين لأهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من خلال القول أن الشعائر الحسينية مبنية علي الضرر، فلا يمكن أن يستدل علي عدم مشروعيتها وجوازها بأدلة نفي الضرر كقاعدة لا ضرر ولا ضرار (في الإسلام)، وعليه فتشرع كل الممارسات التي تمارسها بعض الجماهير الحسينية وإن أدت إلي الضرر، كالضرب بالسيوف أو المشي علي الجمر أو القفز علي النار وغيرها مما لم يعهد في العصور السابقة بين أبناء الطائفة المحقة أنار الله برهانها.

وهذا ما يحتاج إلي شيء من التمحيص والغربلة حتي نري مدي تطابقه مع قواعد

الفقه وأدلة الاجتهاد.

ولتجلية الأمر وتوضيح الحال لابد من بيان أمرين مقدمة للحديث:

الأمر الأول: تنقسم التكاليف الشرعية والأحكام الإلهية بلحاظ تضرر المكلف من تطبيقها وممارستها إلي قسمين:

القسم الأول: ما تكون بطبيعتها غير مولدة للضرر علي المكلف ولا يلحقه من خلال ممارستها أي ضرر، ومثال ذلك: الصلاة والصوم والوضوء والغسل، فإن هذه التكاليف بطبعها وفي حد ذاتها لا تولد ضررا علي المكلف.

ص: 173

فلا يترتب علي التزام الإنسان المؤمن بفروض الصلاة والصيام والوضوء والغسل أي ضرر في الحالة العامة والاعتيادية.

فأي ضرر بدني أو مالي ينال المسلم الملتزم بأداء فروض الصلاة والصيام أو الوضوء والغسل؟!

ليس هناك أي ضرر يلحق به عند ممارسته لهذه الوظائف في الوضع العام .

نعم، قد يكون هناك ضرر عليه من الصيام في حالة المرض، أو يلحقه الضرر من الوضوء أو الغسل إذا كان مريضا، وهذه حالة استثنائية، حيث إن الكلام عن الطبع الأولي لهذه التكاليف وليس الحديث عن الحالة الاستثنائية.

القسم الثاني: التكاليف التي تكون بطبعها مولدة للضرر علي المكلف عند قيامه بها، وذلك كالجهاد المستتبع للتعب والعناء والجرح وإسالة الدم ولربما القتل، فلا يتصور الجهاد إلا مقترنا بهذه الأمور.

ولا يمكن أن يكون الإنسان في ساحات الجهاد بدون أن يلحقه في هذه الفريضة

عناء أو تعب أو جرح وإسالة دم، فالجهاد مبني علي الضرر، وهكذا فريضة الخمس والزكاة التي تستلزم نقصا ماليا في مال الإنسان وثروته فهي تكاليف مبنية علي الضرر.

الأمر الثاني : ذكر الفقهاء أعلي الله شأنهم في القواعد الفقهية قاعدة تعرف ب (لا ضرر ولا ضرار)، ومعناها أن التكاليف التي لا تكون بطبعها مبنية علي الضرر - والتي هي بطبعها لا تولد في ممارستها ضررا علي المكلف - لو لزم من ممارستها ضرر علي المكلف فإن قاعدة (لا ضرر) ترفع ذلك التكليف الضرري.

فمثلا: لو كان الإنسان مريضا وأدي قيامه بالغسل أو الوضوء إلي ضرر عليه لا يتحمل عادة، فإن قاعدة (لا ضرر) التي قررها الفقهاء أعلي الله شأنهم ترفع التكليف بالوضوء أو الغسل فيما إذا أدي القيام بهما إلي الضرر.

ص: 174

أما بالنسبة إلي القسم الثاني من التكاليف وهي التكاليف التي تكون في ذاتها مبنية علي الضرر كالجهاد أو أداء فريضة الخمس أو الزكاة، فلا يصح أن نطبق قاعدة (لا ضرر) عليها بدعوي أن في الجهاد أو دفع الخمس أو الزكاة ضرر، والتشريع الإسلامي ينفي التكاليف الضررية ويقر بأن الله لا يكلف عبده بما فيه ضرر؛ وذلك لأن هذه التكاليف مبنية علي الضرر، ولا يتصور جهاد و حضور في ساحات القتال دون أن يستلزم ذلك ضررا، ولا يمكن تصور دفع الخمس أو الزكاة من دون أن يكون هناك ضرر يتمثل في النقص المالي، وقد قرر الفقهاء أعلي الله شأنهم بأن قاعدة (لا ضرر) لا تنطبق علي التكاليف التي تكون بطبعها مولدة للضرر وإنما تختص القاعدة المذكورة بالقسم الأول من التكاليف دون القسم الثاني.

الأمر الثالث: الحديث عن الضرر في ممارسة الشعائر ينقسم إلي قسمين:

القسم الأول: أن تؤدي الممارسة إلي ضرر يرجع إلي المكلف كالضرب بالسيوف والمشي علي الجمر فإن الضرر المتولد من هذه الممارسات يرجع إلي المكلف نفسه.

القسم الثاني: أن تؤدي الممارسة إلي ضرر لكنه يرجع إلي الدين أو المذهب ويلحق بهما التشويه والتوهين ويتسبب في ضعفهما ونفور الناس منهما.

فإن هذه الأمور الضررية المتولدة من الممارسة لا ترجع إلي المكلف نفسه وإنما

ترجع إلي الدين أو المذهب.

والغرض من هذا التقسيم هو التنبيه علي أن قاعدة (لا ضرر) موردها الضرر اللاحق للمكلف نفسه من قيامه بالتكاليف، وليس موردها الضرر الذي يلحق الدين أو المذهب بسبب ممارسة يؤديها المكلف.

وبعبارة أخري، فإن مورد قاعدة (لا ضرر) هي التكاليف الشرعية التي يلزم في بعض الأحيان منها الضرر علي المكلف إلا أنها بطبعها ليست مبنية علي الضرر، وأما الأفعال التي تستلزم ممارستها وهنا علي الدين ويرجع فيها الضرر علي الدين أو المذهب فلا مجال للتمسك بقاعدة (لا ضرر) فيها، ولا مجال في هذا المورد للحديث

ص: 175

عن قاعدة لا ضرر لانفيا ولا إثباتا، بمعني: أنه لا يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر الإثبات جواز تلك الممارسات بدعوي اختصاص قاعدة لا ضرر بالتكاليف التي لا تكون بطبعها مبنية علي الضرر، وأما التكاليف التي تكون بطبعها مبنية علي الضرر كالجهاد فإنها لا تكون موردا و محلا لقاعدة (لا ضرر).

كما لا يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر لإثبات عدم مشروعية تلك الممارسات؛ وذلك لأن الحديث هنا ليس عن الضرر الذي يلحق المكلف نفسه وإنما الحديث هنا عن الضرر الذي يلحق الدين والمذهب الناشئ من تلك الممارسات.

بعد بيان هذه الأمور الثلاثة نرجع إلي صلب الموضوع وهو التساؤل الذي طرحناه في بداية المقالة، وهو:

هل الشعائر الحسينية مبنية علي الضرر؟

تحدث البعض أن الشعائر الحسينية مبنية علي الضرر، ولذا تجوز كل الممارسات التي تؤدي إلي ضرر علي الشخص من ضرب السيوف والمشي علي الجمر وغير ذلك من الممارسات التي تؤدي إلي ضرر علي الإنسان، فهي كالجهاد الذي يكون بطبعه مبنيا علي الضرر، ولم يأت هذا البعض علي دعواه بدليل يمكن الاعتماد عليه سوي بعض الأمور التي هي للعاطفة أقرب منها إلي البرهان والدليل، والمتابع من أهل الاختصاص يعرف مدي دقة الفقه الإمامي في الاستدلال وعمق المناقشات بين فقهاء الإمامية، مما يكشف للمتابع كيف يتم الاستنباط في إطار مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وأن الأحكام الشرعية تبني علي الاستدلال الدقيق والعميق من الأمور البرهانية المحكمة لا القشرية والخطابية.

ومع ذلك لا بأس بملاحظة ما يمكن أن يستدل به علي ما ذهب إليه ذلك البعض، وهي أمور:

ص: 176

الأول: تجويز بعض الفقهاء الأجلاء وهو الشيخ خضر شلال الانتحار في مصاب

الحسين عليه السلام (1).

ويمكن مناقشة ذلك بالآتي:

أولا: إن المنهج الفقهي المتبع عند علماء الإمامية وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو أخذ الأحكام من أدلتها الاجتهادية وهي الكتاب والسنة، وكذلك العقل في باب المستقلات العقلية والإجماع التعبدي، وأما أخذ الحكم من غير ذلك فهو غير معتبر، ولذلك لو أفتي فقيه بفتوي صعب عليهم معرفة مدركها لسألوه علي أي شيء اعتمد وإلي أي دليل استند، كل ذلك لتمسكهم بأن الأحكام لا تؤخذ إلا من مصادرها المقررة والمعروفة.

ثانيا: إن الشهرة الفتوائية - التي تعني ذهاب مشهور فقهاء الإمامية إلي حكم ولا يوجد فيها بين أيديهم من الأدلة ما يدل عليه - ليست بحجة، فكيف لفتوي فقيه واحد أو أكثر منه - مع احتمال أنه استند في فتواه إلي عموم أو إطلاق أو استظهار من الأدلة - أن تكون حجة و مستندا يؤسس عليه حكم شرعي؟!

الثاني: الروايات التي دلت علي استحباب زيارة الحسين عليه السلام حتي في حالة

الخوف، وهي روايات متعددة سوف نتحدث عنها إن شاء الله في مقالة مستقلة ولكن نذكر هنا نموذجين ثم نكتفي بالتعليق:

الرواية الأولي: روي ابن قولويه في كامل الزيارات عن معاوية ابن وهب في حديث له طويل، قال يا معاوية! ... لا تدعه يعني زيارة قبر الحسين عليه السلام لخوف من أحد، فمن تركه لخوف رأي من الحسرة ما يتمني أن قبره كان بيده .

أما تحب أن يري الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلي الله عليه وآله ، وعلي وفاطمة والأئمة عليهم السلام .

ص: 177


1- جاء في كتابه أبواب الجنان وبشائر الرضوان ما نصه (الذي يستفاد من مجموع النصوص ومنها الأخبار الواردة في زيارة الحسين المظلوم ولو مع الخوف علي النفس يجوز اللطم والجزع علي الحسين كيفما كان حتي لو علم بأنه يموت في نفس الوقت) ص 291.

أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضي ويغفر لك ذنوب سبعين سنة!

أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به.

أما تحب أن تكون غدا ممن يصافحه رسول الله (1) صلي الله عليه وآله .

ومعني قوله عليه السلام ما يتمني أن قبره بيده، أي يتمني أن يكون قد زاره عليه السلام ولو كان متيقنا من أن زيارته تؤدي إلي قتله وسببا في موته، فهي كناية عن هذا المعني.

الرواية الثانية: رواها ابن قولويه في كامل الزيارات، عن محمد ابن مسلم في حديث طويل، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام : هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ قلت: نعم علي خوف ووجل، فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة وسلمت عليه الملائكة وزاره النبي صلي الله عليه وآله ودعا له وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء وأتبع رضوان الله (2) - ثم ذكر الحديث -.

وهناك روايات أخري دلت علي استحباب زيارته صلوات الله عليه حتي في حال الخوف، ولا يراد بالخوف هنا الخوف الذي تستلزمه طبيعة السفر خصوصا في تلك الأزمنة التي لم تكن سبل الأمن موفرة، وذلك لأمرين:

الأول: أن هذا الخوف الذي يحصل من الأسفار في تلك الأزمنة أمر عام ولا اختصاص له بالسفر لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فلا معني لأن يذكره الراوي .

الثاني: صرح في بعض هذه الروايات أن الخوف المقصود هو ما نشأ بسبب مضايقة

سلطات ذلك الزمن من بني أمية وغيرهم ومن المسالح التي هي نقاط التفتيش الأمنية، ومن الواضح دلالات هذه الروايات علي استحباب بل تأكد الاستحباب الزيارة قبر المظلوم المهتضم العطشان صلوات الله وسلامه عليه حتي في الحالات

ص: 178


1- الوافي، الفيض الكاشاني، ج14، ص 1471 كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 244. تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص 47، باب فضل زيارته عليه السلام ، ح18.
2- كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 245، ح 5.

الصعبة المتمثلة في الخوف من المسالح الأمنية وملاحقات السلطة لزوار قبره عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا المعني لا مجال لإنكاره.

ولكن استفادة بناء الشعائر الحسينية علي الضرر في هذه الروايات محل إشكال

وتأمل، وذلك للأمور التالية:

أولا: أنه لا يمكن التعدي من مورد الزيارة المنصوص عليها للممارسات المستحدثة من المشي علي الشوك والجمر وغيرهما، فاحتمال اختصاص الحكم بالزيارة قائم، ومع هذا الاحتمال لا يمكن إلغاء الخصوصية من الزيارة وتعديتها إلي سائر الممارسات خصوصا غير المنصوص عليها.

ثانيا: ربما يكون الأمر بالزيارة إنما هو في ابتداء ما أجمعت عليه عصابات الضلال من درس أمر أهل البيت عليهم السلام وإعفاء أمرهم وطي تاريخهم وذكرهم، وما يمثله ذلك من تهديد لبيضة الإسلام، والذي هو السبب في إقدام الحسين عليه السلام علي القتال الذي حفظت ببركته بيضة الإسلام.

وأما الآن وقد صار قبره منارة الإسلام ومقصد الخاص والعام، وصارت زيارته من شعائر الإسلام فضلا عن شعائر الإيمان، وصارت أكبر تظاهرة في هذه الأزمنة تشهدها الدنيا وأكبر تجمع بشري هو زيارة الأربعين وسائر زياراته المستحبة كزيارة يوم عرفة والنصف من شعبان فإن الأمر يختلف عن بدايته.

وهذا ما ذهب إليه بعض الفقهاء من المعاصرين وغيرهم فحملوا تلك الروايات علي تلك الأعصار التي أجمعت عصابات الضلال وأئمتهم علي محو ذكر أمير المؤمنين علي وآله عليهم السلام من دنيا الإسلام والوجود.

وقد قال سيدنا السيستاني - متعنا الله بطول بقائه الشريف - في جوابه عن سؤال :... إلا أنه قد يطرأ عنوان خاص علي بعض الزيارات، يكسبها فضيلة أخري، بل ربما تبلغ حد الوجوب الكفائي، ولعله كان كذلك في العهود السابقة التي تمنع فيها الناس عن زيارة سيد الشهداء عليه السلام .

ص: 179

ثالثا: ما جاء في زيارة الناحية من قوله عليه السلام : «ولأبكينك بدل الدموع دما ».

وهنا نعلق بتعليقين:

الأول: الإشكال السندي المتمثل في ضعف سند زيارة الناحية من جهات عديدة

ليس هنا محل تفصيلها.

ولكن البناء هو علي اعتبارها لعل مضامينها والذي هو أحد وسائل الاعتبار،

كما بين ذلك في مباحث الفقه.

الثاني: الدلالة، فمن المحتمل بناء الكلام علي نحو من الكناية علي استمرار البكاء ودوامه وعدم انقطاعه، وأن قضية الحسين حاضرة دائما في وجدان و عقل المولي صلوات الله وسلامه عليه، وأنها لا تغيب عن عقله ووجدانه لكونها من قضايا الإسلام الكبري.

رابعا: الروايات الواردة باستحباب الجزع علي سيد الشهداء عليه السلام ، فقد جاء في بعضها أن الجزع مكروه ما خلا الجزع علي سيد الشهداء عليه السلام .

ومعني الجزع هو شدة الحزن ومنتهاه، والرواية تدل علي مطلوبية الجزع علي مصاب سيد الشهداء عليه السلام والذي هو عبارة عن الحزن الشديد.

ومن الواضح أن الحزن الشديد من مصاديق الضرر، فالإنسان عندما يبتلي بالحزن والتأثر الشديد تحدث له مضاعفات جسدية ونفسية وغيرها.

وتعليقنا هنا أن الجزع الشديد ينتج ويحدث بسببه ضرر، ولكن لو كان هذا الضرر بنحو مستمر ودائم في حياة الإنسان بحيث يكون غالب وقته وأيامه بهذا الشكل وعلي هذا المنوال.

أما الجزع الذي يحدث في حالات معينة، كحالة استذكار الحسين عليه السلام وما جري عليه، أو حالة الاستماع إلي مصابه صلوات الله وسلامه عليه، فإن هذا المقدار من الجزع والحزن في هذه الحالات الخاصة والتي هي الغالبة علي الإنسان الموالي لا تستوجب الضرر.

والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة والسلام علي رسوله وآله الميامين.

ص: 180

المقالة الثالثة

شعيرة الزيارة

من أحد الألطاف الإلهية علي المسلمين عامة وعلي أتباع مدرسة أهل البيت عليه السلام وجود المشاهد والأضرحة للأئمة صلوات الله عليهم والأولياء الصالحين.

فمن تلك البركات التي ما زال المسلمون يعيشونها هي بركات وجود مشاهدهم ومقاماتهم الشريفة، والتي هي انعكاس لكونهم عليهم السلام بركة حال حياتهم وحال مماتهم.

هذه المشاهد والمقامات التي لم تعد مجرد قبور وأضرحة يطوف بها المؤمنون تعظيما منهم لأصحابها، وإنما صارت هذه المقامات منارات للإسلام والعلم، إذ أصبحت هذه البقاع معاهد علمية كبري تخرج منها علي مر التاريخ عشرات الفقهاء وفطاحل العلماء وأئمة التفسير واللغة والتاريخ وشتي فنون العلوم التي من خلالها تقدم المسلمون.

فهذه المدينة المنورة، والنجف وكربلاء، وسامراء، والكاظمية، ومشهد الرضا، وقم المقدسة، وغيرها من المشاهد والمقامات التي ضمت الأجساد الطاهرة لأئمة أهل البيت عليهم السلام والأولياء والصالحين، صارت أضرحتها وقبورها معاهد وجامعات علمية تضم كبار الفقهاء وأعاظم العلماء، وضخت في شرايين العالم الإسلامي علماء في شتي المجالات من أهل التخصص والمعرفة .

ص: 181

ومما لا شك فيه أن هذه المشاهد من الشعائر والعلامات علي الدين والإيمان التي يجب احترامها وتعظيمها، ومن مصاديق الاحترام والتعظيم الذي ندبت له الآية القرآنية: « وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ » (1) هو زيارة تلك المشاهد وتعاهدها بالعمارة والبناء والإصلاح.

روي المجلسي (قده) في بحاره:

عن أبي عامر التباني واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام ، وقلت له: يا ابن رسول الله ! ما لمن زار قبره-يعني أمير المؤمنين عليه السلام - وعمر تربته؟

قال : يا أبا عامر حدثني أبي عن أبيه عن جده الحسين بن علي عليه السلام عن علي علي أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال له والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها، قلت: يارسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟

فقال لي: يا أبا الحسن إن الله تعالي جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم و تحتمل المذلة والأذي، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم إلي الله، و مودة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي، وهم زواري غدا في الجنة.

ياعلي! من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام وخرج من ذنوبه حتي يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم كيا تعير الزانية بزنائها، أولئك شرار أمتي لا

ص: 182


1- سورة الحج : 23 .

أنالهم الله شفاعتي ولا يردون حوضي » (1).

والسر من وراء هذا التأكيد ما أسلفناه من تحول هذه الأضرحة والمشاهد إلي منارات للدين ومعاهد للعلم، وفي شعيرة الزيارة جهات متعددة من البحث ونواح كثيرة تستحق التوقف عندها وسبرها وتحليلها، وسوف نستعرض بعضا من هذه الجهات بحسب ما نعتقده من أولوية.

الجهة الأولي: تأكد استحباب زيارة الأئمة عليهم السلام وخصوص زيارة سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، وقد امتازت زيارة سيد الشهداء بالتأكيد الشديد من بين زيارات المعصومين صلوات الله عليهم، ولذلك التأكيد أسرار وحكم نحتاج أن نقف عليها ونستوحي دلالتها في عنوان مستقل.

وبملاحظة الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في قضية الزيارة نقف علي عدة أمور تتعلق بزيارة سيد الشهداء عليه السلام ، وإن اشتركت زيارة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام في بعض منها.

ومن أجل إيقاف القارئ العزيز علي هذه العناوين أشير إليها بشكل عام:

العنوان الأول:

الثواب الكثير علي زيارة سيد الشهداء عليه السلام .

تنوع الزيارات: زيارات مطلقة، زيارات خاصة .

الاستحباب العام لزيارته كما دلت عليه الكثير من النصوص في أي وقت من أوقات السنة و شهورها وأيامها وساعاتها.

الاستحباب الخاص: وهو تأكد استحباب زيارته في أيام معينة من السنة كليالي

الجمع والعيدين وليالي القدر والنصف من رجب وشعبان في كل أيامه و بالخصوص في النصف منه، وزيارة عرفة وزيارة يوم العاشر والأيام المباركة من السنة .

ص: 183


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، المجلد 97، الباب 2، ح 22، ثواب تعمير قبور النبي صلي الله عليه وآله ، والأئمة صلوات الله عليهم وتعاهدها وزيارتها و أن الملائكة يزورونهم عليهم السلام .

وما يتجلي من كل هذا التنوع هو تأكيد أئمة أهل البيت عليهم السلام علي الزيارة وأهميتها وضرورة الارتباط بالإمام عليه السلام من خلال زيارته.

ذم أئمة أهل البيت عليهم السلام لمن ترك زيارته مع قدرته علي الزيارة وعدم الظرف المانع له من ذلك، وتحت هذا العنوان يوجد واحد وعشرون حديثا فيها ماهو معتبر سندا، وأذكر نموذجا من هذه الروايات:

عن أبان بن تغلب قال، قال لي جعفر بن محمد عليه السلام : «يا أبان متي عهدك بقبر الحسين عليه السلام ؟ قلت: لا والله يا ابن رسول الله ما لي به عهد منذ حين. قال: سبحان الله العظيم، وأنت من رؤساء الشيعة تترك زيارة الحسين لا تزوره؟! من زار الحسين كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحا عنه بكل خطوة سيئة وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يا أبان لقد قتل الحسين صلوات اللهعليه فهبط علي قبره سبعون ألف ملك شعث غبر يبكون عليه وينوحون عليه إلي يوم القيامة » (1).

عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قال لي: «يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام لخوف، فإن من تركه رأي من الحسرة ما يتمني أن قبره كان عنده، أما تحب أن يري الله شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول الله صلي الله عليه وآله وعلي وفاطمة والأئمة عليهم السلام .

التأكيد علي زيارته عليه السلام في ظرف الخوف، وسيأتي عن ذلك بعد قليل ضمن العنوان الثاني.

التوفيقات الدنيوية لزيارة سيد الشهداء عليه السلام .

التوفيقات الأخروية لزيارة سيد الشهداء عليه السلام .

العنوان الثاني: زيارة الحسين عليه السلام في الظروف الصعبة من الخوف وعدم الأمن.

ذكرنا ضمن العنوان الأول ماجاء من روايات في الحث علي زيارة الحسين عليه السلام ولو في حالة الخوف، وهذه الروايات متعددة، وكنموذج منها:

ص: 184


1- كامل الزيارات، ابن قولويه، ص546، ح 9.

عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام « قال: قلت له: إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتي أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح (1) ، فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين عليه السلام تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة » (2).

وفي حديث لمحمد بن مسلم، قال: «قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام : هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ قلت: نعم علي خوف و وجل. فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي صلي الله عليه وآله ودعا له، وانقلب بنعمة الله وفضل لم يمسسه سوء واتبع رضوان الله.

وهذه الروايات - التي تؤكد استحباب زيارته عليه السلام حتي في حالة الخوف بل جاء في بعض منها استحباب زيارته حتي في حالة القتل وأن ثواب ذلك عظيم - تستثير عند العقل عدة تساؤلات:

هل يعقل أن يصل أمر مستحب من الأهمية إلي حد ثبوت استحبابه حتي في حالة الخوف وعدم الأمن من القتل؟

في الوقت الذي نجد أن الحج الذي هو واجب وأحد الأركان التي بني عليها الدين، نري أن وجوبه مشروط بالاستطاعة والتي أحد معانيها الأمن في الطريق، فإذا لم يكن الحاج آمنا في طريقه للحج ورجوعه لم يعد مستطيعا، ولعل هذا يوجب التصرف في ظهور هذه الروايات وعدم الأخذ بإطلاقها لجميع الأزمنة والأمكنة.

ثانيا: إن معظم الفقهاء لم يأخذوا بإطلاق هذه الروايات ويفتوا باستحباب الزيارة حتي في حالة الخوف لجميع الأزمنة.

ص: 185


1- مر بيان أن المسالح تعني ما يشابه نقاط التفتيش .
2- كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 243، ح 2.

قال الفقيه الورع في أبواب الجنان: «وإن احتمل الجواز مطلقا وخصوصا في ابتداء الأمر الذي قد نقول بوجوب زيارة الحسين عليه السلام فيه ولو مع العلم بتلف النفس، نظرا إلي أنه من باب حفظ بيضة الإسلام الذي قد كان السر في قدوم الحسين وأصحابه علي القتال - مع العلم بما يؤول إليه الأمر الفظيع - حفظ بيضته ».

وقال الشيخ التستري في كتاب الخصائص الحسينية: «لو لم نعمل بهذه النصوص عند خوف القتل فلا يبعد العمل بها عند خوف تلف المال والأذيات البدنية والجروح ونحو ذلك، بل مع الظن بها وعدم ظن السلامة منها، وهذا من خصائصه» .

فلاحظ كلام هذين العلمين الدال علي ترددهما في العمل بإطلاق هذه النصوص مع ظهورها في الجواز حتي في حالة الخوف، وما ذلك إلا لما ذكرناه من النقطتين السابقتين.

وأما رواية صفوان الجمال عن أبي عبدالله عليه السلام - في حديث له طويل - قلت: فما لمن قتل عنده يعني قبر الحسين عليه السلام - جار عليه السلطان فقتله؟

« قال : أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة، وتغسل طينته التي خلق منها

الملائكة حتي تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين» (1).

فلم يظهر منها أن الخوف كان متحققا عند بداية الأمر ومن أول الزيارة، إذ ربما كان في بداية الأمر لم يحتمل لحوق الضرر به أو القتل فضلا عن العلم بذلك، وإنما اتفق له القتل عند قبره عليه السلام.

ولا شك في أن من خرج لزيارته ولم يكن محتملا لقتله، واتفق له ذلك يكون في

عداد الشهداء وله من الثواب ما ذكرته الرواية.

ومنها يتضح الجواب عن رواية هشام ابن سالم عن أبي عبدالله في حديث طويل، « قال: أتاه رجل فقال له يا بن رسول الله هل يزار والدك؟ قال، فقال:نعم، إلي أن قال قلت: فما لمن حبس في إتيانه؟ قال: له بكل يوم حبس ويغتم فرحة إلي يوم القيامة » (2).

ص: 186


1- كامل الزيارات، ابن قولويه، ص239.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج98، ص79.

والخلاصة: إن رواية صفوان، ورواية هشام ابن سالم لم يظهر منهما احتمال الشخص للقتل فضلا عن العلم به.

وما نريد أن نخلص إليه هو أنه لا يمكن التأسيس من خلال هذه النصوص لنظرية بناء الشعائر الحسينية علي الضرر كما يريد البعض التأسيس له، وأن هذه الروايات تحمل علي بداية الأمر الذي أجمعت فيه عصابات الضلال علي محو ذكر أهل البيت عليهم السلام وطمس تاريخهم وإعفاء آثارهم من دنيا الإسلام بل من دنيا الوجود.

وقد وضعوا لذلك المخططات وأحكموا لها الخطط وشددوا علي من يروي منقبة أو فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام وابنيه الحسنين عليهما السلام ، وضيقوا علي من عرف عنه الولاء لهم أو يحمل في قلبه لهم محبة، كما يظهر ذلك لمن راجع التاريخ وتصفحها خصوصا شرح النهج لابن أبي الحديد الذي ذكر الكثير من هذه الحقائق والوثائق التي تدلل علي تلك السياسة المتبعة ضد أهل البيت عليهم السلام .

وفي هذا السياق يأتي إخفاء قبر أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام لمدة طويلة حتي أظهره هارون الرشيد وبني علي قبره صلوات الله عليه وسلامه بناء ووضع عليه قبة في قصة مشهورة ومعروفة.

فلهذه الأسباب أكد أهل البيت عليهم السلام علي زيارة الحسين عليه السلام حتي في ظرف الخوف الشديد من قبل السلطات لكسر تلك السياسة وإفشال المخططات الهادفة للقضاء علي ذكر أمير المؤمنين عليه السلام وولديه الحسن والحسين عليهما السلام.

أما الآن وقد صار ذكرهم في صف ذكر رسول الله صلي الله عليه وآله وشاع أمرهم وكبت عدوهم وصار له الخزي والعار، وأصبح قبر الحسين عليه السلام منارة عالية من منارات الإسلام، وصار يقصده الخاص والعام والمسلم وغير المسلم، بل صارت بعض الزيارات من الزيارات الجماهيرية وخصوصا زيارة الأربعين وعرفة والزيارة الشعبانية، بحيث يتوجه لزيارته صلوات الله عليه في هذه الزيارة ملايين الزوار من شتي البلدان ومختلف الطبقات والشرائع والأديان، فلم يعد هناك ملاك ولا موضوع للحكم بالزيارة حتي في حالات الخوف.

ص: 187

ص: 188

فهرس المطالب

الحوار العاشورائي ...9

النهضة الحسينية من منظور إسلامي ...9

سلوك المؤمنين خلال موسم المحرم ...18

القضايا السياسية في القصائد العزائية ...22

وثاقة حميد بن مسلم والاعتماد علي نقله ...23

أجرة الخطباء ...25

مشاركة النساء في عزاء طويريج ...26

معني وارث الأنبياء ...27

اكشف لي عن نحرك ...28

معني أن الناس عبيد الدنيا ...30

ما هو الجزع المكروه ...31

مرجع تقليدي يحرم.. فهل أنهي الآخرين؟ ...31

معني حسين مني وأنا من حسين ...32

التصدق بالأموال أم الإطعام ...33

هل قال الإمام الحسين عليه السلام ياسيوف خذيني ...35

زينب تعاتب الحسين والعباس! ...36

ضابطة الشعائر المشروعة ...37

هل العزاء إستعراض ...39

من كربلاء ... رسالة إلي المرأة المؤمنة ...40

هل ألقي الحسين عليه السلام نفسه في التهلكة ...41

ص: 189

الجدل حول محمد بن الحنفية ...43

التجديد في الشعائر ...49

زينب عليها السلام و عصمتها الصغري ...49

رأس الحسين عليه السلام يقرأ القرآن ...50

حول مقولة: كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء ...51

من أساليب استدرار الدمعة ...52

رجوع السبايا في الأربعين ...53

شعار استفزازي ...55

هل شيعة العراق قتلوا الحسين عليه السلام ...56

لماذا لم يذكر إخوة الحسين عليه السلام في الزيارة ...58

دعاء المعصوم بالهلاك علي الأعداء ...58

لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ...59

إعادة عشرة المحرم ...60

لماذا يسجد الشيعة علي تربة الحسين عليه السلام ...61

المصادر المعتبرة لواقعة الطف ...62

لماذا أصطحب الحسين عليه السلام النساء والأطفال ...63

مدفن رأس الحسين عليه السلام ...65

تاريخ الشعائر في البحرين ...66

شعائر مستحدثة ...67

هل طلب الإمام الحسين عليه السلام الحكم والسلطة ...68

قبر السيدة زينب عليها السلام في مصر أم الشام ...70

عمل التشابيه ...73

مشروعية الشعائر ...73

لم التفاعل مع الحسين أكثر من الحسن عليه السلام ...74

ص: 190

نصيحة للشباب ...76

هون علي ما نزل بي أنه بعين الله ...76

الخطاب المنبري في البحرين ...77

التشجيع علي البكاء بلسان حال الزهراء عليها السلام ...77

ما هو لسان الحال ...78

خيال أم واقع.. إحصائيات في واقعة الطف ...79

ترشيد المال لنصرة الحسين عليه السلام ...81

هل هذا يكفي لنشر القيم الحسينية ...82

اختزال قضية عاشوراء في البكاء ...84

لم التركيز علي الحسين عليه السلام من بين الأئمة ...86

كتاب الفخري للطريحي ...88

عفة الهاشميات ومقاطع من زيارة الناحية ...91

فلسفة البكاء ...93

شعائر مناطقية هل يصح نقلها لمناطق أخري ...94

زيارة الحسين عليه السلام من أعظم القربات ...95

ما هو الأفضل من بين الشعائر الحسينية ...96

الملك فطرس وكسر الجناح ...97

حضارية الشعائر الحسينية ...98

الحسين عليه السلام وعمرة التمتع ...99

نزاعات بين مؤسسات حسينية ...101

بين الإفراط والتفريط في التعامل مع تاريخ المقتل ...103

لم التركيز علي مصائب الحسين عليه السلام وأم البنين ...106

محتوي محاضرات الخطباء ...107

ياليتنا كنا معكم ...109

ص: 191

رقية بنت الحسين عليه السلام ...111

زيارة الأربعين ...114

أرجعيه كي لا تخلو الأرض من حجة ...115

لماذا لم يرجع الحسين عليه اسلام بعد مقتل مسلم ...116

لماذا الإمام الحسين عليه السلام هو الذي ثار دون الأئمة عليهم السلام ...118

الاستعانة بالملائكة في كربلاء ...122

كراهية التوطن في كربلاء ...125

أتطيب أم أزور الحسين عليه السلام أشعثا أغبرا ...127

معني عالمة غير معلمة ...129

هل خرج الحسين عليه السلام خائفا ...130

موقف مسلم بن عقيل مع ابن زياد ...132

صوم عاشوراء ...133

النساء بين التزامات المنزل واستحباب الإحياء ...134

العزاء والحفاظ علي النظافة ...135

متبرجات في طريق العزاء ...136

تواجد النساء في طرقات العزاء ...139

التزين في أيام عاشوراء ...140

تشبه الرجال بالنساء في الأعمال الفنية ...141

مكبرات الصوت من مآتم النساء ...142

كشف صدور المعزين ...143

الإجازة من العمل بادعاء المرض في عاشوراء ...143

التسمية بعبدالحسين وعبد الزهراء هل فيه إشكال ...144

سند زيارة عاشوراء ...145

العباس وشرب الماء يوم العاشر ...147

ص: 192

من دفن الحسين عليه السلام ...148

شيعتنا.. كونوا زينا لنا ...153

مقام أصحاب الحسين عليه السلام ...154

مكبرات صوت المآتم وحرمة الجار ...156

الحسين عليه السلام يشتري أرض مدفنه ...158

لماذا التخيير في الصلاة في كربلاء ...159

كمن زار الله في عرشه ...160

هل ينتقم الإمام المهدي عليه السلام من قتلة الحسين عليه السلام ...161

الإمام يرد السلام ...163

ملحق مقالات في الشعائر الحسينية

المقالة الأولي ...167

دم الحسين عليه السلام قد سكن الخلد ...167

المقالة الثانية ...173

الضرر في الشعائر ، هل الشعائر الحسينية مبنية علي الضرر ؟ ...173

المقالة الثالثة ...181

شعيرة الزيارة ...181

ص: 193

ص: 194

الفهرس الموضوعي لأسئلة الحوار

المنبر والخطباء:

أجرة الخطباء ...25

اكشف لي عن نحرك ...28

زينب تعاتب الحسين والعباس! ...36

من أساليب استدرار الدمعة ...52

إعادة عشرة المحرم ...60

المصادر المعتبرة لواقعة الطف ...62

الخطاب المنبري في البحرين ...77

التشجيع علي البكاء بلسان حال الزهراء ...77

واقعأم خيال.. إحصائيات في واقعة الطف ...79

محتوي محاضرات الخطباء ...107

الشعائر:

ضابطة الشعائر المشروعة ...37

التجديد في الشعائر ...49

شعار استفزازي ...55

تاريخ الشعائر في البحرين ...66

شعائر مستحدثة ...67

مشروعية الشعائر ...73

شعائر مناطقية هل يصح نقلها لمناطق أخري ...94

ص: 195

ما هو الأفضل من بين الشعائر الحسينية ...96

حضارية الشعائر الحسينية ...98

شبهات:

التصدق بالأموال أم الإطعام ...33

هل ألقي الحسين عليه السلام نفسه في التهلكة ...41

هل شيعة العراق قتلوا الحسين ...56

دعاء المعصوم بالهلاك علي الأعداء ...58

هل طلب الإمام الحسين الحكم والسلطة ...68

عقة الهاشميات ومقاطع من زيارة الناحية ...91

الملك فطرس وكسر الجناح ...97

هل خرج الحسين عليه السلام خائفا ...130

التسمية بعبد الحسين وعبد الزهراء هل فيه إشكال ...144

العباس وشرب الماء يوم العاشر ...147

هل ينتقم الإمام المهدي عجل الله فرجه من قتلة الحسين عليه السلام ...161

الإمام يرد السلام ...163

شرح كلمات وأحاديث:

معني وارث الأنبياء ...27

معني أن الناس عبيد الدنيا ...30

معني حسين مني وأنا من حسين ...32

لايوم كيومك يا أبا عبد الله ...59

هون علي ما نزل بي أنه بعين الله ...76

يا ليتنا كنا معكم ...109

أرجعيه كي لا تخلو الأرض من حجة ...115

ص: 196

معني عالمة غير معلمة ...129

شيعتنا.. كونوا زينا لنا ...153

كمن زار الله في عرشه ...160

فقهيات:

ما هو الجزع المكروه ...31

عمل التشابيه ...73

كراهية التوطن في كربلاء ...125

أتطيب أم أزور الحسين عليه السلام أشعثا أغبرا ...127

صوم عاشوراء ...133

التزين في أيام عاشوراء ...140

تشبه الرجال بالنساء في الأعمال الفنية ...141

كشف صدور المعزين ...143

الإجازة من العمل بادعاء المرض في عاشوراء ...143

نصائح وتوجيه:

سلوك المؤمنين خلال موسم المحرم ...18

مشاركة النساء في عزاء طويريج ...26

من كربلاء ... رسالة إلي المرأة المؤمنة ...40

نصيحة للشباب ...76

ترشيد المال لنصرة الحسين عليه السلام ...81

نزاعات بين مؤسسات حسينية ...101

النساء بين التزامات المنزل واستحباب الإحياء ...134

العزاء والحفاظ علي النظافة ...135

متبرجات في طريق العزاء ...136

ص: 197

تواجد النساء في طرقات العزاء ...139

مكبرات الصوت من مآتم النساء ...142

مكبرات صوت المآتم وحرمة الجار ...156

تاريخ و تحقيق:

النهضة الحسينية من منظور إسلامي ...9

وثاقة حميد بن مسلم والاعتماد علي نقله ...33

الجدل حول محمد بن الحنفية ...43

رجوع السبايا في الأربعين ...53

مدفن رأس الحسين عليه السلام ...64

قبر السيدة زينب في مصر أم الشام ...70

كتاب الفخري للطريحي ...88

الحسين عليه السلام وعمرة التمتع ...99

رقية بنت الحسين عليهم السلام ...111

زيارة الأربعين ...114

موقف مسلم مع ابن زياد ...132

سند زيارة عاشوراء ...145

من دفن الحسين عليه السلام ...148

الحسين يشتري أرض مدفنه ...158

تساؤلات منوعة:

القضايا السياسية في القصائد العزائية ...22

مرجع تقليدي يحرم فهل أنهي الآخرين ...31

هل قال الإمام الحسين يا سيوف خذيني ...35

هل العزاء استعراض ...39

ص: 198

زينب عليها السلام وعصمتها الصغري ...49

رأس الحسين يقرأ القرآن ...50

حول مقولة كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء ...51

لماذا لم يذكر إخوة الحسين في الزيارة ...58

لماذا يسجد الشيعة علي تربة الحسين ...61

لماذا أصطحب الحسين عليه السلام النساء والأطفال ...63

لم التفاعل مع الحسين أكثر من الحسن عليها السلام ...74

ما هو لسان الحال ...78

هل هذا يكفي لنشر القيم الحسينية ...82

اختزال قضية عاشوراء في البكاء ...84

لماذا التركيز علي الحسين من بين الأئمة ...86

فلسفة البكاء ...93

زيارة الحسين عليه السلام من أعظم القربات ...95

بين الإفراط والتفريط في التعامل مع تاريخ المقتل ...103

لم التركيز علي مصائب الحسين عليه السلام وأم البنين ...106

لماذا لم يرجع الحسين عليه السلام بعدد مقتل مسلم بن عقيل ...116

لماذا الإمام الحسين عليه السلام هو الذي ثار دون الأئمة ...118

الاستعانة بالملائكة في كربلاء ...122

مقام أصحاب الحسين ...154

لماذا التخيير في الصلاة في كربلاء ...159

مقالات:

دم الحسين عليه السلام قد سكن الخلد ...167

هل الشعائر الحسينية مبنية علي الضرر ...173

شعيرة الزيارة ...181

ص: 199

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.