القصص الغريبة لرجال ونساء رأوا الإمام المهدي عليه السّلام لمجموعة من العلماء ويليه علامات الظهور للشهيد الصدر قدس سرّه

اشارة

القصص الغريبة لرجال ونساء رأوا الإمام المهدي (عليه السّلام) لمجموعة من العلماء ويليه علامات الظهور للشهيد الصدر (قدس سرّه)

جمع وإعداد حسين تاج

دار الجوادين(عليه السّلام) - بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33»

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولي 2007م - 1428ه

دار الجوادين(عليه السّلام)

الفرع الأول : بيروت - لبنان - حارة حريك - شارع سليم - خليوي : 024591/ 03

الفرع الثاني : سوريا - ريف دمشق - السيدة زينب(عليه السّلام) مقابل الحوزة الزينبية

هاتف : 6470716 - موبايل : 094243879

ص: 4

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي حبيبنا محمد رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) وعلي آله المعصومين.

وبعد

اختلق البعض حول مدي وثوقية رؤية صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وهل من الممكن للإنسان لقاؤه في الغيبة الكبري، وهناك الأحاديث التي تكذب الرؤية ومنها الحديث الشريف: «من ادَّعي الرؤية فلا تصدقوه» .

ومن تفسيرات العلماء لهذا الحديث أن المقصود بادّعاء الرؤية هو ادّعاء السفارة بعد السفراء الأربعة، ونحن بدورنا ننوّه إلي أننا اعتمدنا في كتابنا علي مصادر معتبرة وعلماء شهد الكثير بثقتهم وصدقهم.

وظاهرة اللقاء بصاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) هي مهمة برأيي، وتدوينها أهم لأنها تدفع بالإنسان إلي الإخلاص في عبادته وعمله ليتشرف بلقائه روحي فداه ولكي لا ينسي الثورة العالمية المقبلة بقيادته (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وتسييره للبشرية نحو الأفضل ونحو العدالة والإيمان.

إن كتاب علامات الظهور هو مجموعة بحوث من الموسوعة المهدوية

ص: 5

للشهيد الصدر، الغنية عن التعريف فألحقناه إتماماً للفائدة.

ندعو الله بالتوفيق والهداية وأن يجعلنا من المستشهدين بين يدي صاحب الزمان - روحي فداه .

حسين تاج

في 12/ 6/ 2006

السيدة زينب (عليها السّلام)

ص: 6

الفصل الأول: لقاءات مع الإمام المهدي(عجّل الله تعالي فرجه الشريف)

اشارة

ص: 7

ص: 8

1. بالسعي الجادَ.. أدركت غايتها

قال السيد الأبطحي:

امرأة من (أذربيجان) كانت قد قرأت كتاب (معراج الروح) اتصلت بي يوماً عن طريق الهاتف، قائلة إنها تريد أن تلتقي بي؛ لأن لديها أسئلة حول كتاب (معراج الروح).

قلت: لا مانع، إذا جئت إلي مشهد فيمكنك أن تسألي عما بدا لك."

لم تمر بضعة أيام حتي جاءت إلي دارنا، وناولتني ورقة كانت قد سجلت عليها ما تريد من أسئلة، وقالت: هذه المسائل التي أريد السؤال عنها.

عندما نظرت إلي الورقة وجدت أن إجابات هذه المسائل مدونة في كتاب (المصلح الغيبي) وكتاب (إجابتنا). أعطيتها الكتابين وقلت: إجابة أسئلتك في هذين الكتابين، فاقرئيهما. وإذا بقيت لديك أسئلة أخري فسأجيب عنها بإذن الله.

أخذت الكتابين وانصرفت. وفي اليوم التالي عادت وقالت إنها قرأتهما، ووجدت فيها الإجابة عما تريد.

ص: 9

وأضافت: ولكني لا أدري ماذا ينبغي أن أفعل لأوفق لتزكية النفس وإزالة الحجب الظلمانية والنورانية.

عندئذ طلبت منها أن تحكي لي عن أوضاعها فَرَوت لي طرفاً من سيرتها. ويؤسفني القول إني فهمت من هذه المرأة أنها قلما تركت ذنباً لم ترتكبه ، وقلما كانت ثمة صفة سيئة لم تتصف بها.

لا تظنوا أنها باحت لي بذنوبها، لأن بوح الإنسان بمعاصيه معصية

أخري.. بيد أني فهمت - من خلال كلامها - أنها كانت كذلك.

وهاهي ذي قد نهضت من كبوتها؟ وبدأت روحها تتطلع إلي الأعلي. بادئ ذي بدء ينبغي لها أن تسلك طريق التوبة. هذا ما يقرره المنهج المألوف في السير والسلوك إلي الله (تعالي) بعد اليقظة والإفافة. أوضحت لها منهج التوبة، وذكرت لها العلامات التي يفهم منها التائب أن توبته قد قبلت(1)، وقلت لها: اجلسي الليلة وحدك في غرفة منفردة، وأنت مكشوفة الرأس، وأعلني بين يدي الله أسفك وندمك، وتضرعي بتوسل وبكاء، واعتذري إلي الله (جل جلاله) بعبارات الاستغفار، وذكر ««اليونسية» (2)، حتي تبدو لك تلك العلامات. وإذا بدت لك علامات قبول التوبة فإن سائر مراحل السير السلوك تمسي هيّنة أمامك.

ذهبت هذه المرأة، ويبدو أنها عكفت منذ تلك الليلة علي تنفيذ هذا البرنامج، وتضرّعت بين يدي الله (تبارك وتعالي) مئات المرات بعبارة: «أستغفر الله وأتوب إليه»، ومئات المرات ب «لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» ، مع توجه إلي معناهما الخاص الذي كنت قد ذكرته

ص: 10


1- ورد تفصيل مسألة التوبة وعلائم قبولها في كتاب « سير إلي الله» للمؤلف.
2- أي عبارة : «لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» - (المترجم).

لها. كانت تبكي وتتضرع بين يدي الله كثيراً، ملتزمة التزاماً وثيقاً بشروط التوبة، بعدئذ ذكرت هي: في وقت السّحر - وقد تعبت عيني، فكانت تؤلمني كثيراً بحيث أحسست فيها بلدغة تمنعني من إطباق جفنيّ - وجدت فجأة تلك العلامات التي ذكرتها لقبول التوبة، وقد صارت توبتي إن شاء الله توبة نصوحاً. وأنا بانتظار أن تدلني علي المراحل الأخري للسير والسلوك.

قلت لها: منذ الآن عليك بالمراقبة بأن لا تعودي إلي المعاصي القديمة، وحاسبي كل ليلة نفسك، وإذا كنت قد عملت معصية -

لاسمح الله - فعليك أن تتلافيها علي الفور.

إلي جانب هذا.. عليك منذ اليوم - وأنت تريدين المسير تلقاء

الحقائق والمعنويات - أن تحددي هدفك، وأن تعدي عدة السيرة.

قالت: قل لي إذن ماذا ينبغي أن يكون الهدف؟

قلت: أفضل هدف وخير غاية هو أن تبلغي الكمالات الروحية ، أي أن تنسلخي من الرذائل، وتتلبسي بالخصائل الإنسانية الحسنة ، وخلاصتها أنقلبك ينبغي أن يغدو نقياً كالمرآة.. حتي تنعكس فيه صفات «الإنسان الكامل».. الذي هو الإمام ؟؟ الله (أرواحنا فداه): مرآة كل المظالم الإلهية، وحتي تغدو روحك مبرأة من كل سوء.. وهذا هو هدفنا الذي علينا جميعاً أن نسلك الطريق إليه.

أما الوسائل القادرة علي البلوغ بنا إلي هذا الهدف فهي الرياضات الشرعية المستمدة من أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السّلام) ، فبدون مددهم لا يتم شيء.

والخلاصة أني شرحت لها خلال إقامتها في مشهد تلك الأيام القليلة

ص: 11

مراحل السير والسلوك، منذ «اليقظة والإفاقة» إلي «الخلوص». وكانت هي تدوّن ما تسمعه من تعليمات في دفتر كان بيدها. ثم حملته معها إلي مدينتها، ورغم التزاماتها المنزلية والأسرية فإنها أنجزت خلال سنة واحدة ما ينجزه آخرون خلال سنوات... حتي بلغت مقام «الإخلاص» ثم «الخلوص» وغدت ذات روح طاهرة تشاهد العوالم الأخري الكامنة وراء هذا العالم. وحدث لها أن ارتبطت ارتباطاً روحياً كاملاً بالإمام ولي العصر (أرواحنا فداه). وخلاصتها أنها قد وصلت - خلال مدتها هذه... إلي مقام الانقطاع التام من غير الحق، وإلا الاتصال بالحق (جل وعلا).

إن المسألة هي كما تعلم - وكما لوحظ كثيراً - تشبه حالة المريض أو الشخص الذي يعيش «حالة اضطرار» فينقطع نظره عن الوسائل الظاهرية - ولو لحظة - ويتصل بمركز القدرة الإلهية - أعني إمام الزمان (عليه السّلام) - فإنه يشفي في اللحظة من مرضه الذي لا شفاء له أو يزال اضطراره. إن الشخص البالغ مقام الخلوص والانقطاع والواصل إلي مقصوده تغدو كل أوقات عمره تماماً مثل تلك اللحظة التي فاز بها المريض وحدثت له فيها المعجزة.

معني هذا أنه إذا أراد.. فإنه ينقلب دائماً في معجزات وينال كل ما يشاء، ويكون كما في الحديث القدسي الذي يقول الله (عزوجل) فيه: «عبدي اطعني تكن مثلي: تقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء: لا تكون.. فلا يكون».

سوف تغدو أنت كذلك من هذا النمط.

وفي الحديث الآخر: «وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه، فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها وأذنه التي يسمع بها ولسانه الذي ينطق به».

أجل، ما أكثر قدرات الإنسان علي بلوغ الكمالات الروحية! ولكن ما أشد غفلته في الوقت نفسه! وما أكثر ما يقع في حبائل الشيطان الذي أقسم أن يغويه من يُرديه!

ص: 12

2. النصراني والتقائه بالإمام

قال السيد الأبطحي:

في أوائل عام 1345ه. ش... جاءني أحد الأصدقاء الذين يشاركون في جلسة ليالي الثلاثاء - واسمه ذو المنن - فقال لي: ثمة

شاب قد أثر فيه المبشرون المسيحيون، ويوشك أن يغدو مسيحياً، وهو الآن في نظرهم من الدارجين في أول الطريق. وهذا الشاب يود لو يتعرف علي الإسلام، ومن الضروري أن تلتقي به وتتحدث معه.

استجبت إلي طلب هذا الصديق، وحددنا أحد الأيام موعداً يأتي فيه إلي دارنا عند الساعة العاشرة صباحاً، لأتحدث إليه عن الإسلام. .

وفي العاشرة من صبيحة اليوم المقرر طرق باب الدار. فتحت الباب.. فدخل شاب ممشوق الجسم جميل الهندام. وفي اللحظة التي وقع فيها نظري عليه... توجهت بقلبي إلي إمام الزمان (عليه السّلام) قائلاً: لا يكن من رضاك ياسيدي أن يحترق شاب بهذه الخلقة وهذا الهيئة في النار! واجعل في كلامي معه أثراً يصرفه علي الدخول في النصرانية.

(وقد علمت بعدها أنه وكل أسرته - بما فيهم أبوه وأمه - كانوا في ذلك الوقت نصاري، لكن صاحبي «ذو المنن» لم يقل لي هذا).

أوصلته إلي غرفة الاستقبال ولاحظت عليه أنه كان شديد النفرة من الزي الذي أرتديه - وهو الزي العلمائي - فلم يكن يود النظر إلي. لكني عملت ما في وسعي - بحسن الخلق والبِشر - أن أجعله يُقبِل علي كي أحمله علي الاستماع إلي كلامي.

في أحد الأيام - وقد التقينا للحديث - قال لي: رأيت البارحة رؤيا عجيبة.

ص: 13

في عالم الرؤيا رأيت رجلاً مهيباً متنقباً بنقاب، وبيده عصا... قد دخل دارنا. وكنت أنت معه، لكنك كنت بلا نظارات. ذلك الرجل كان علي قدر من النورانية بحيث امتلأ البيت كله نوراً. وقد لمحت شيئاً من ملامح وجهه. علي أي حال.. دخل الرجل المهيب دارنا. وكان أخي - وهو مسيحي يعمل ضابطاً في الجيش - نائماً في الغرفة. فأشار هذا الرجل إليه بعصاه كأنما يريد أن يضربه. فقلت له: لقد نام الآن، فلا توقظه!

عندها غاب هذا الرجل عن نظري بغتة، وصحوت من النوم.

قلت لهذا الشاب: إن هذا الرجل هو الإمام ولي العصر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء). قد جاء لهدايتك. وأما رؤيتك إياي معه.. فمعناها أن عليك أن تعلم أن ما أتحدث به إليك فإنه مما يقره الإمام ويؤيده. ولهذا فإني سأذكر لك الآن - لو سمحت - آداب الدخول في الإسلام.

فقال: أريد أن أتزيد من البحث في هذا الموضوع، بأن تتحدث لي في لقاءت أخري حول قضايا الإسلام؛ فإن إشكالات ما تزال لدي.

وافقت علي هذا، والتقينا، بعدئذ، بضعة لقاءات تحدثت فيها عن أحقية الدين الإسلامي المقدس. حتي إذا حضر الجلسة في أحد الأيام، وأردت مواصلة ما كنا انتهينا إليه من قبل..... التفت إلي - وعلي وجهه سيماء الجدّ - وقال: لا حاجة لمتابعة البحث. أرجو أن تعلمني آداب التشرّف بدخول الإسلام لكي أسلم!

قلت: ما الخبر؟ أحدث شيء؟!

قال: نعم، رأيت البارحة رؤيا عجيبة.

قلت: جعلها الله خيراً ! أرجو أن تقصها علي.

قال: البارحة رأيت في المنام الرجل النوراني نفسه الذي جاءني قبل ليال،

ص: 14

وقلت عنه إنه الإمام ولي العصر (عليه السّلام). في هذه المرة كان متنقباً أيضاً، لكن جانباً من طلعته المباركة يميزه البصر. وكنت أنت معه بنظاراتك، دخل الإمام إلي داخل دارنا. أما أنا فقد أردت أن أسبقه في الدخول إلي الغرفة لئلا يعلم أخي المسيحي بدخول الإمام... لكني شعرت كأن أحداً قد قبض علي ساعدي وأرجعني إلي الوراء.

عندها نظر إلي الرجل النوراني وقال: توضّأ. فخطر لي أن أقول لك أني لا أعرف كيف أتوضأ بيد أن الرجل - وقد علم ما في سري - دنا إلي حوض الماء وأخذ يتوضأ.. وأنا أنظر إليه. فوجدني مدفوعاً أن أمضي إلي الحوض أتوضأ كما رأيته يتوضأ.

ثم أنه قال لي: صلّ.

قلت: ما يزال ثمة ثلاثة أيام. قلت ذلك لأني ظننت أن مراده الصلاة في الكنيسة حيث أذهب للصلاة أيام الآحاد. لكنه قال لي مرة ثانية: لا أعني تلك الصلاة.. أقول لك: صلّ. ولم أدرك في المنام ما حدث.. لكني وجدت نفسي واقفاً في الغرفة وأنا مستقبل القبلة أصلي. ما تصلون أنتم، مع أني لا أحسن كلمة واحدة من العربية.

ولما أتممت الصلاة. انصرف الرجل النوراني، وقبل كتفي، فقبلته أنت من بعده.. وخرجت فجأة من الحلم. وها آنذا أطلبت منك أن تدخلني في الإسلام.

وفي العشرين من شهر يور عام 1345 ه. ش.. تشرف الشاب بالدخول في الدين الإسلامي المقدس. وتواعدنا للقاء في غد ذلك اليوم عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، لأعلّمه من آداب الإسلام وأحكامه.

وانتظرته في الموعد.. فلم يأتِ. وفي الساعة الحادية عشرة خرجت لإنجاز عمل ضروري، فرأيته مقبلاً، واتفقنا علي أن يكون اللقاء في الغد.

ص: 15

وفي الموعد.. جاءني وقال لي: الرجل الذي أتي دارنا من قِبَلك علّمني الصلاة!

أما أنا.. فلم أنتبه إلي ما قال، كالذاهل عنه.

وعاد في اليوم الآخر أيضاً، وقال: جاءني نفس الرجل الذي بعثته من قبلك، وعلّمني الأذان! وخرج من دارنا قبل أن يصل أخي. تري ما عساه يحدث لو جاء أخي ووجده في الدار ؟!

سألته: كنت تري ذلك في الرؤيا؟!

فقال: كلا. أولستَ قد بعثت إليّ يوم أمس وما قبله من علّمني الصلاة والأذان؟!

عندما استغرقني التفكير في الموضوع.. ذلك لأني لم أرسل إليه أحداً إطلاقاً. ثم إني لا أعرف عنوان دار الشاب قلت له: أعد عليّ ذكر ما جري مرة أخري.

فقال: قبل يوم أمس.. دق جرس الباب في الساعة الثانية بعد الظهر. فظننت أن أطفالاً في الشارع هم الذين فعلوا ذلك للإيذاء والإزعاج. ومضيت إلي الباب، فلم أر أحداً. قلت في نفسي: لابد أنهم الأطفال، فلأبق خلف الباب أنتظر أن يُعاوَد دق الجرس، فأخرج وأري من ذا الذي يزاحمنا في هذا الوقت.

وإذ كنت أنظر من فتحة الباب.. رأيت رجلاً بزي العلماء قد جاء ووقف عندالباب، وقال: أهذا منزل فلان الفلاني (وذكر اسمي ولقبي).

قلت له: نعم (وقد ذكر اسمي «ابراهيم» بالتحديد لكيلا يختلط الأمر بيني وبين أخي الذي يقيم معنا أيضاً في الدار) (1).

ص: 16


1- من المتعارف في إيران أن ينادي الشخص بلقبه بدل اسمه، فيقال مثلاً : السيد أحمدي لا يوردون إلا نادراً اسم الشخص، كأن يقال : السيد حسين أحمدي.

قال: أأنت ابراهيم؟

قلت: نعم.

فقال: جئت من قبل فلان (وذكر اسمك) أعلمك الصلاة.

قلت: تفضل... لا مانع.

وشرع يعلّمني الصلاة وأحكامها، منذ الساعة الثانية بعد الظهر حتي الرابعة. كما أنه علّمني - وقد كان في يدي جرح - فكيف أتوضأ مع وجود الجرح. والغريب في الأمر أنه ما يكاد يعلّمني شيئاً حتي أكون قد حفظته علي الفور. وفي اليوم التالي جاء أيضاً في الوقت نفسه، وعلّمني الأذان وسواه من الأحكام. فاعتذرت إليه لهذا الجهد الذي يبذله معي، فقال: إنه واجبي. ثم إنه مضي. وبعد مضيّه بدقائق وصل أخي. ولو كان وصوله في وقت وجود ذلك العالم لاستاء أخي؛ لأنه لا يعلم أني قد أسلمت وأني في صدد تعلم أحكام الإسلام.

حكي لي الشاب هذا.. فرحت أفكّر: إن ذلك الرجل يعرف الاسم الشخصي للشاب وعنوان داره... في حين أنا لا أعرف اسمه ولا عنوانه. ومسألة دخوله في الإسلام كانت مسألة سرية. ثم كيف كان ذلك الرجل يدخل دار الشاب في وقت غياب أخيه، فيعلّمه كل هذه القضايا بهذا الوقت القصير؟! عندها انخرضت أبكي كثيراً؛ إذ بات واضحاً لي أن ذلك الرجل هو الإمام ولي العصر (عليه السّلام).

ثم إني طلبت من الشاب أن يصحبني إلي دار آية الله المحلاتي، أروي له الواقعة.. لأتبين وجهة نظره. ولما سمع مني الرواية طفق يسأل الشاب أسئلة عن ذلكم الرجل وعن شمائله. فقال الشاب: كان في حدود الأربعين من العمر..

وذكر من شمائل الرجل ما أوردته الأحاديث من صفات الإمام ولي العصر (عليه السّلام)

- مع أن هذا الشاب لم يكن قد اطلع علي هذه الأحاديث.

ص: 17

بكي المرحوم آية الله المحلاتي كثيراً. لقد كان هو أيضاً يري أن الرجل هو إمام الزمان (عليه السّلام).

3. محبة صاحب الزمان هي محبة لله

قال الأبطحي:

كبار السن في مدينة الري يعرفون إسكافياً توفي سنة (1365ه)، كان ذا كرامات كثيرة... وكان أولياء الله يقصدونه في دكانه ليستمدوا منه المعنويات.

اسم هذه الرجل المتأله (مشهدي إمام علي القفقازي) وقد ذكر حجة الإسلام الشيخ محمد الشريف الرازي - الذي كان علي معرفة به، وروي عدداً من كراماته أن هذا الرجل كان علي درجة من العشق والمحبة للإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) بحيث أن من يعاشره ساعة واحدة يشعر أنه قد تغيّر من الداخل، ويتلقي منه درساً في العشق والمحبة لا يجده في أية مدرسة. ولقد كان من مزاياه أن له ملكات نفسية وصفات روحية وإنسانية رائعة، فلقد أفلح في تزكية نفسه، وصار في منأي عن الصفات الحيوانية.

كان يجلس في دكانه علي دكّة خشبية... يضع تحتها كل ما كان يحصل عليه من النقود في حرفته تلك.. وإذا ما أراد منه أحد شيئاً من النقود فإنه كان يمد يده تحت دكته ويخرج له ما يحتاج ويعطيه.. وطالما تعمد أصدقاؤه لأيام عديدة أن يراقبوا مقدار المال الذي يضعه هناك ومقدار ما ينفق منه... ولقد دهشوا إذ لاحظوا عشرات المرات أن النقود التي يخرجها من تحت الدكة - قياساً إلي النقود التي يضعها - تبلغ عشرات الأضعاف. فإذا ما وضع في اليوم مائة تومان مثلاً، فإنه يخرج ألف تومان.

ص: 18

قال الشيخ الرازي: ترك دكانه يوماً لشأن له، فنظرت إلي ما تحت الدكّة، فما كان ثمة ولا ريال(1)، واحد.

كان يفوز مرات ومرات بلقاء الإمام بقية الله (عليه السّلام) ، وكان الناس يتناقلون وقائع مفصّلة للقاءاته.. ولأن هذه النقول لم تكن بالدقة الكافية فإني لا أستطيع أن أورد وقائعه بالتفصيل، ولكن الذي لا ريب فيه أنه قد تشرف بلقاء الإمام كثيراً، وتلقي فيوضات جمة من هذا الوجود المقدس.

في أحد الأيام قصد أستاذي المرحوم الحاج ملا آقاجان الزنجاني مدينة الري، لزيارة مرقد السيد عبد العظيم الحسني (عليه السّلام) . وهناك مر من أمام دكان هذا الرجل. وفي هذه الأثناء رأي الحاج ملا آقاجان رجلاً يثب من الدكان ويحتضنه ويقبله.

فقال له الحاج ملا آقاجان: من أنت؟!

قال: مجنون بحب المولي بقية الله (أرواحنا فداه).. ومنك أشتم شذا عطر حبيبي.

قال له الحاج ملا آقاجان: صحيح.. المجنون يأنس إلي رؤية المجنون!

ومنذ تلك اللحظة أنس أحدهما بالآخر، وصارا بعدها يقضيان ساعات علي انفراد.. يجلسان ويتحدثان عن معرفة الإمام ولي العصر (أرواحنا فداه) وعن محبته وعشقه والشوق إليه... ويغدوان مصداقاً لعبارة: (يا أهل القلوب المفجوعة هلموا للبكاء). رحمة الله عليهما.

وقد قال المرحوم المشهدي إمام علي للإمام خلال أحد لقاءاته به (عليه السّلام) : إن كان الظهور غير قريب.. فخذوني من هذه الدنيا؛ لا طاقة لي علي الفراق أكثر من هذا.. ولذا وُعد أن يغادر هذه الدار في شهر رمضان المقبل. وبعد سماعه

ص: 19


1- الريال أصغر وحدة في العملة الإيرانية . وكل عشرة ريالات تساوي توماناً واحداً .

هذه البُشري.. كان يخبر أصدقائه بخبر وفاته حين يلتقي بهم خلال الأشهر التي سبقت شهر رمضان الموعود.

وفي منتصف شهر رمضان المبارك (1349ه).. كانت روحه الطاهرة تعرج إلي العالم العلوي. ودفن في مقبرة (الفتيات الثلاث) بمدينة الري. رحمة الله عليه.

4. نصائح من صاحب الزمان

قال الأبطحي:

يقول سيد من أهل العلم (وفي اعتقادي - من خلال دلائل معينة - أن هذا المرجع المحترم هو نفسه صاحب هذه الواقعة): من مدينة سامراء ذهبت مشياً علي الأقدام لزيارة مرقد سيد محمد ابن الإمام علي الهادي (عليه السّلام) .. الكائنة قبّته ومزاره علي بعد ثمانية فراسخ من سامراء.. وفي أثناء سيري.. ضللت الطريق ، و آذاني الحر والظمأ، حتي وقعت علي الأرض فاقداً الوعي، ولم أعد أعي مما حولي شيئاً.. ثم لما فتحت عيني فجأة.. وجدت رأسي مستريحاً علي ركبة رجل وهو يسقيني الماء. فشربت ماء لم أشرب مثله حتي الآن، فيحلاوته، ولذّته.

ثم أنه بسط سفرة فيها خبز، فناولني عدة أرعة، وقال لي: ياسيد... اغسل بدنك في هذا النهر لتبترد.

قلت له: لا ماء هنا.. حتي أني قد أغمي عليّ من العطش، ووقعت علي الأرض. ليس هنا من ماء.

قال: الآن. انظر. هذا نهر ماؤه طيب لذيذ.. يجري إلي جوارك. نظرت إلي الجهة التي أشار إليها، فرأيت إلي جنبي - علي مسافة مترين

ص: 20

أو ثلاثة - نهراً يجري رقراقاً... أدهشني وجوده. فقلت في نفسي: نهر بهذه اللطافة إلي جنبي، وكدت أموت من العطش!

سألني هذا الرجل: يا سيد.. إلي أين وجهتك؟

قلت: أريد زيارة سيد محمد (عليه السّلام).

فقال: هذا حرم سيد محمد... وتطلعت إلي الموضع الذي أشار إليه.. فشاهدت قبة سيد محمد ظاهرة، في حين كان الحرم الطاهر يبعد عدة فراسخ.

ومهما يكن.. فقد مشينا معا باتجاه حرم سيد محمد(عليه السّلام). وفي أثناء الطريق فطنت إلي أن هذا الرجل هو الإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين التراب مقدمه الفداء). فحفظت ما علّمني إياه الإمام (عليه السّلام) في مسيرنا هذا من أمور. وهذه الأمور هي:

الأول: أكد الإمام (عليه السّلام) كثيراً قوله: ياسيد.. اقرأ القرآن ما استطعت. ولعن الله القائمين بتحريف القرآن الواضعين التحريف في الأحاديث.

الثاني: اجعلوا تحت لسان الميت عقيقة كتبت عليها أسماء الأئمة (عليهم السّلام) .

الثالث: أحسن إلي أمك وأبيك. وإذا كانا ميتين فصلهما بالخيرات

والمبرات.

الرابع: أقصد العتبات المقدسة للأئمة الطاهرين (عليهم السّلام) للزيارة ما استطعت.وزر كذلك قبور أبناء الأئمة وقبور الصلحاء.

الخامس: عليك باحترام السادة والذرية العلوية ما وسعك الاحترام. وعليك أنت أيضاً أن تعرف قد انتسابك إلي أهل بيت الرسالة. واشكر الله (تعالي) كثيراً علي هذه النعمة التي أنعم بها عليك: فإن هذا النسب مبعث السعادة والعزة لك في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

ص: 21

السادس: لا تدع صلاة الليل، وخذها باهتمام كبير. وقال (عليه السّلام) : يا حسرة علي أهل العلم الذين يرون أنفسهم مرتبطين بنا، ثم لا يواظبون علي صلاة الليل.

السابع: لا تترك تسبيح الزهراء (عليها السّلام)، ولا زيارة سيد الشهداء (عليه السّلام) من القرب أو من البُعد.

الثامن: لا تدع قراءة خطبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) التي خطبتها في مسجد النبي الأكرم(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ولا الخطبة (الشقشقية) لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ولا خطبة زينب (عليها السّلام) التي خطبتها في مجلس يزيد.

عند هذا الحد.. كمنا؟؟؟ قد بلغنا في مسيرنا قريباً من الحرم. وفجأة افتقدت الإمام (عليه السّلام) إذ غاب عن بصري ووجدت نفسي بمفردي.

5. كيف التقي به؟

قال السيد الأبطحي:

يروي آية الله الشيخ محمد الرازي - أحد تلامذة المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي في الأخلاق - هذه الحادثة: يقول: كان أستاذنا المرحوم الشيخ البافقي قد أمر خادمة الحاج عبسا اليزدي أن يدع باب الدار مفتوحاً خلال الليل، وألا يرد أحداً ألجأته الحاجة إلي المجيء في جوف الليل. وأمره كذلك أن يوقظه في أية ساعة، إذا اقتضي الأمر.. لكيلا يرجع أحد من باب داره خائباً.

وروي الحاج عباس اليزدي، فقال: كنت نائماً في منتصف إحدي الليالي، في غرفة مطلة علي باحة دار الشيخ محمد تقي البافقي... لما أيقظني في تلك الأثناء سمعت صوت وقع أقدام تخطو في داخل الباحة، فنهضت واقفاً علي الفور... لاح لي شاب قد دخل الدار.. ووقف في الباحة. مضيت إليه أسأله عما

ص: 22

أقدمه في هذه الساعة من الليل، لكنه تلكأ في الجواب ؛ إذ لعل لسانه قد انعقد من الخوف، أو أنه لم يفهم ما قلت له بالفارسية (وقد تبين فيما بعد أنه عربي من بغداد). وقبل أن أقول له شيئاً.. سمعت صوت الشيخ البافقي يأتي من داخل غرفته قائلاً: يا حاج عباس.. إنه يونس الأرمني، جاء لشغل، فدله علي مكاني.

دللته علي مكان الشيخ، فدخل إليه في غرفته. وما إن رآه الشيخ حتي قال له بلا مقدمات: أهلاً وسهلاً... تريد أن تُسلِم؟ وأجاب الشاب بلا أخذ ورد:

نعم، أتيت لأدخل في الإسلام.

عندئذ بادر الشيخ فشرح له الآداب والشرائط الخاصة بالدخول في الإسلام..

فأعلن الشاب إسلامه.

كان ما حدث - بالنسبة إلي - أمراً غير عادي - سألت يونس هذا الذي أسلم آنفاً. ما حكايتك؟ وكيف أسلمت هكذا بلا مقدمات؟ ولم آثرت المجيء في هذا الوقت من الليل؟

قال: أنا من بغداد، لدي حافلة شحن أنقل بها الحمولة ما بين المدن. وفي إحدي المرات كنت قد تحركت من بغداد قاصداً كربلاء. وفي الطريق رأيت رجلاً ذاشيبة واقعاً علي جانب الجادة، وهو يكاد يموت من العطش. أوقفت الحافلة، ونزلت له. فناولته مقداراً من الماء كان معي في زمزميّة ، ثم أركبته معي في السيارة ومضيت باتجاه كربلاء، وهو لا يدري أني مسيحي أرمني. ولما وصلنا ونزل.. قال لي:

اذهب أيها الشاب.. أجرك علي أبي الفضل العباس.

ثم أني ودعته ومضيت. وبعد أيام شحنت حمولة كان علي أن أنقلها إلي طهران. وقد وصلت إلي طهران في أول ليلتي هذه. كنت متعباً من السفر، فخلدت إلي النوم. وفي عالم الرؤيا رأيت كأني في بيت، وسمعت طارقاً يطرق

ص: 23

الباب، ولما فتحت الباب رأيت رجلاً علي فرس.

قال لي: أنا أبو الفضل العباس.. جئت أعطيك حقك الذي عليّ. قلت له: أي حق؟

قال: حق تعبك مع ذلك الرجل الأشيب.

ثم قال: حين تستيقظ من النوم تذهب إلي مدينة «الري»(1)، حيث سيأخذك رجل - بدون أن تسأله - إلي دار الشيخ محمد تقي البافقي، فإذا صرت عند الشيخ، فادخل في الإسلام.

قلت: علي عيني.

ثم ودعني وانصرف. عندها أفقت من النوم، وتوجهت تلقاء مزار السيد عبد العظيم. وخلال الطريق لقيت رجلاً جليلاً، صعد معي في السيارة... فدلني علي دار الشيخ دون أن أسأله. وهكذا أسلمت.

ولما سألت المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي: كيف عرفتموه وعلمتم أنه جاء ليُسلِم؟

قال من أوصله إلي هنا (أي الإمام الحجة ابن الحسن (عليه السّلام) هو الذي قال لي أنه سيأتي، وذكر لي اسمه وحاجته.

6. تلاوة الزيارة الجامعة محضر الإمام (عليه السلام)

قال الأبطحي:

يقول لأحد كبار العلماء - وقد تحفّظ علي ذكر اسمه في هذا الكتاب:

ص: 24


1- الري : بلدة عريقة، تتصل بطهران من الجهة الجنوبية الشرقية فيها مزار السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله تعالي عنه) - (المترجم).

كان ذلك اليوم يوم أحد لما مضيت إلي الحرم الطاهر للإمام علي بن موسي الرضا (عليه السّلام). وفي داخل الحرم، عند جهة الأقدام المباركة.. رأيت رجلاً جالساً مستقبل القبلة، ولكن وضعه وتصرّفه ما يبعث علي النفرة منه. وكان لا مناص من الجلوس إلي جانبه، فما ثمة مكان خالٍ غيره.

كنت في جلستي تلك أتوسل بإمام العصر (عليه السّلام) أن يمنّ عليّ بألطافه وأياديه.

المرء المجاور لي.. كان قد تناول آنفاً كتاب «مفاتيح الجنان» ليقرأ «الزيارة الجامعة». لكنه - علي طباق سيرته الذميمة - قد استولي عليه الكسل والملل، ولم يقرأ من الزيارة أكثر من سطرين أو ثلاثة. دفع إلي كتاب «المفاتيح» وقام وانصرف. أما أنا فقد سرني ذلك؛ إذ لم أكن قد وجدت كتاباً من قبل أقرأ فيه الزيارة، وقد أصبح الكتاب الآن في يدي. ثم أن هذا الرجل قد ترك مجاورتي ومضي، فصرت في طلاقة من ظلمة مجالسته.

ولم يكن قد خطر لي أن الله (عز وجل) قد أراد لي - في هذه الزيارة - أن أغدو موضعاً لفيض عظيم يتنزّل عليّ.

في هذه الأثناء.. شاهدت سيداً جليلاً جالساً قربي عند الجدار. فما كان مني إلا أن أمسكت بيده، وقبلتها. نظر إلي هذا السيد - وقد أدركت بعدئذ إدراكاً قطعياً أنه إمام الزمان (عليه السّلام) ثم غيّر مكانه وقعد في الموضع الذي خلا بانصراف ذلك الرجل.

سألني السيد - أول الأمر - عن أحوالي.. وقال: من أين أتيت؟ فأجبته: ثم قال لي: الآن إمام زمانك هنا، وأنت لا تعرفه؟!

الزيارة الجامعة يزار بها جميع المعصومين.

نحن نعلم بما يصيب محبينا.

ص: 25

شهداؤنا أحياء، وكذا أمواتنا.

ثم أني قرأت «الزيارة الجامعة» أخاطب بنصوصها الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السّلام).

فقال لي السيد: ألا تريد شيئاً؟

قلت: أنت ابن النبي، فادعُ بتعجيل فرج الإمام بقية الله (عليه السّلام). إن الظلم الذي يقع في العالم قد أدمي قلب مولانا صاحب الزمان .

عندها بكي السيد بكاء كثيراً، ولم يقل شيئاً. بعدها قلت له - ولم أكن قد عرفته حتي الآن: أبلغ وصيتي مولاي ولي العصر (أرواحنا فداه)، ولكني افتقدت الرجل فجأة من جواري.

***

ثمة حادثة قد حدثت لي في هذا السياق، علي أن أتقدم بسببها إلي الإمام بقية الله (أرواحنا فداه)، بما لا حد له من الشكر والامتنان:

في أحد الأيام - كما هي عادتي - كنت في (مؤسسة البحث والانتقاد الديني) أجيب عن أسئلة السائلين. وحدث أن دخل رجل عالم تبدو عليه سيماء الطهروالصدق (وقد علمت فيما بعد أنه رجل جليل القدر). دخل هذا الرجل باكياً، وهو يهمهم همهمة يبدي بها مودته لي.

وقع في ظني - في البداية - أنه ربما كان قد قرأ ما ألفته، فخال ؟؟؟ - خطأ - أني مستفيد حقاً من المعاني التي دوّنتها فيما ألفت. حتي إذا رآني أخذته هذه الحالة من الهمهمة والبكاء.

ثم أنه نفسه شرح الموضوع الذي جاء من أجله، فقال. قبل مدة سمعت من ينتقدك ويذمّك.. فوجدت في قلبي موجدة عليك وساء ظني بك. حتي كانت البارحة (ليلة الجمعة 28 من ربيع الثاني سنة 1360ه ش ) إذ رأيتك في عالم

ص: 26

الرؤيا واقفا في حرم الإمام الرضا (عليه السّلام) ، ومعك جمع من كبار العلماء، وكنت تخاطب الإمام ولي العصر (عليه السّلام) بالزيارة الجامعة. وأولئك العلماء كانوا يقرؤون الزيارة بقراءتك.. حتي تمت الزيارة. عندها التفت إلي الإمام ولي العصر (عليه السّلام) وأثني عليك. (وكان هذا الرجل قد دوّن ما قاله الإمام (عليه السّلام) في هذا الصدد، وسلمني مدونته، وهي ما تزال لدي بخطه وتوقيعه). ولئلّا يُتَّهم هذا العالم بالكذب.. فإني لا أورد هنا كل ما ذكره بل اكتفي بإيراد بعض العبارات التي رأيت آثارها ظاهرة فيما بعد.. مما لا يخلو من فائدة للآخرين.

ووفق ما جاء في هذه المدونة فإن الإمام (عليه السّلام) قد قال: قام بخدمات دينية وقضايا مهمة بلا خوف؛ لأننا نحن نسنده.

إنه لم يتوان عن إعانة المحتاجين - خاصة اليتيم والمسكين والفقير .

وقال الإمام (عليه السّلام) : نحن مراعون لأعماله.

قال له: منهجه في التبليغ عال جداً، ومقبول عند الله وعند الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم ).

(وفي هذا الموضع من المدونة مسائل أراني معذوراً عن ذكرها)، وبعدها جاء قولا لإمام بقية الله (عليه السّلام) : كما أردت أن تراني فتوسل بأمي.

وعقب هذا كتب هذا العالم الجليل: وعندها دعا لك مولاي صاحب العصر والزمان. ثم إننا جميعاً عانقنا الإمام وعرضنا عليه ما يهمنا من الأمور. وقد سألت الإمام شيئاً ينبغي أن يظل في طي الكتمان، ثم ذرك؟؟ هذا العالم أموراً أخري تشعر بصدق رؤياه.

ومن العجيب أني قبل هذا لم أكن قد أنفقت ولا دقيقة من الوقت لحفظ الزيارة الجامعة عن ظهر قلب. ولكن ما إن قض هذا الرجل رؤياه ومضي... حتي وجدتني حافظاً لنص الزيارة الجامعة. ومن حينها التزمت أكثر من السابق بتلاوة هذه الزيارة في مقامات الأئمة وأبنائهم(عليهم السّلام) .

ص: 27

7. بعد أن تاب جاءه الإمام

قال السيد الأبطحي:

ذكر هذه الواقعة أحد كبار المراجع. وقد رواها عنه رجل ثقة. قال: حكي لي أحد علماء طهران حادثة جرت له.. علي هذا النحو:

طرق باب دارنا يوماً رجل قد وخطه الشيب.. قائلاً لي - وإسم هذا الرجل - الشيخ حسن: أريد أن أدرس العلوم والمعارف التي تدرّس في الحوزة العلمية.

وينبغي أن تدرّسني في كتاب «جامع المقدمات».

أما أنا فقد كان لي من كثرة الأعمال ما يشغلني عن تدريس هذا الرجل، ثم أن التدريس في كتاب المبتدئين هذا لا يناسب شأني. ومع هذا كله وجدني أجيبه إلي ما أراد.. وابتدأنا درسنا فعلاً.

بمرور الأيام ألفت الشيخ حسن هذا وانبسطت إليه، حتي غدا من الخواص.. فكان يقضي أكثر أوقاته معي في الدار.

وحدث مرة أن كان لي شغل في تعوق علي إنجازه في إحدي دوائر الدولة أيام الحكم الملكي في إيران.. فاقترح عليّ أحدهم أن أعطيه مبلغاً من المال في مقابل تعهدّه بإنجاز هذا الشغل. وكنت علي وشك أن أوافق علي هذا الاقتراح عندما قال لي الشيخ حسن: ليس في وسع هذا الشخص أن يحقق لك ما أردت. إن هذا الشغل مما لا يمكن أن يتحقق أصلاً. في حينها لم أدرك ما قصد الشيخ حسن. وقد بات واضحاً فيما بعد - علي كثرة المساعي التي بذلتها في هذا الصدد - أن الشغل لم ينجز.

في أحد الأيام.. كنت ألقي درساً عليه، ولم أكن قد حضّرت الدرس قبل التدريس، فقال لي: لم تقرأ الدرس البارحة.. إذ أنك حديث عهد بزواج جديد،

ص: 28

وقد أرادت زوجتك الجديدة ألا تنصرف عنها إلي المطالعة حتي تتفرغ لها أكثر، فقامت بإخفاء الكتاب في المكان الفلاني، ولما أردت أن تطالع الدرس البارحة، بحثت عن الكتاب فلم تجده!

يقول هذا العالم الطهراني: ولما قصدت المكان الذي ذكره الشيخ حسن وجدت الكتاب. ثم سألت زوجتي الجديدة ، فأقرت أنها قد جعلته نفس الموضع الذي دلني عليه صاحبي الشيخ.

وسألت الشيخ: كيف عرفت ذلك؟

فقال: لي قضية لا أبوح بها لأحد، لكني أؤثرك بها وحدك، لأنك أستاذي :

كنت أعيش في إحدي القري التابعة لبلدة مشهد - وأبي كان عالم القرية.

وقبل عشرين عاماً توفي أبي.. فاجتمع رأي أهل القرية أن يجعلوا عمامة أبي علي رأسي أخلفه فيهم. وما زالوا يصرّون عليّ حتي صيّروني عالمهم.. أيامها كنت شاباً تجنح نفسي إلي هواها وأنانيتها، ولم تطوّع لي أن أقول: لاأعلم - إذا سئلت عما لا أعلم.

وهكذا سلختُ مدة عشرين عاماً بلا علم ولا معرفة بين هؤلاء الناس..

أحكي لهم في العقائد من عندي، وأفتيهم من تلقاء نفسي في مسائل الحلال والحرام وطباق ما يلائم ذوقي. ولعلي قد حكيت لهم - ولعشرات المرات - قضايا غير صحيحة ولا واقعية. وعلاوة علي هذا.. كنت أقبض سهم الإمام (عليه السّلام) من أموال الخمس، وأتصرف بها - بلا إذن شرعي.

وما زلت علي هذه السيرة.. حتي كان يوم أنظر فيه إلي وجهي في المرآة

فعلق بصري بشيء كان في صورتي، جعلني اضطرب من الداخل. إن شيباً قد وخط شعر لحيتي، فابيض شيء منه. عندها أدركت أن تذر الشيخوخة قد لاحت في وجهي، وشعرت بالنفس اللوامة تخزني وتعنفني، وبالضمير

ص: 29

يُحاكمني: تري.. إلي متي وأنت تقود هؤلاء الناس بالحيلة والخداع وبلا معرفة ولا علم؟!

عندها.. ما كان مني إلا قعدت علي الأرض، وقد تسلط علي بكاء مر ونحيب.. حتي إذا حان وقت المساء.. مضيت إلي المسجد، فصعدت المنبر، واعترفت للناس بحقيقة أمري. قلت لهم: إني كنت أفتيكم في كثير من المسائل بدون علم، وأن جلّ ما عملتموه من أعمال دينية أعمال باطلة.. ولهذا فإني أعتذر إليكم وأطلب العفو منكم.

وظن أهل القرية أني أقول هذا الكلام لأكسر غلواء النفس. ولكنهم إذا رأوني جادّاً في كلامي جداً لا مجال معه للتواضع.. ابتدروني سراعاً، وأخذوا ينهالون عليّ ضرباً ولكماً حتي أخرجوني من القرية.

وعافتني زوجتي.. كما هجرني أبنائي؛ لأني أمسيت مصدر عارٍ لهم، فاستنكفوا من الانتساب إليّ. عندها يمّمت وجهي نحو طهران، أقطع المسافة وحدي مشياً علي الأقدام(1).

هائماً كنت مُصحِرا في البرية العريضة بلا أنيس. وقد يمر بي اليوم واليومان لا أذوق ماء ولا غذاء - وما معي نقود.. حتي وافيت في نهاية الأمر إلي مشارف طهران. كنت قد ضقت ذرعاً لما اشتمل علي من الغمّ ولما أكابده من عسر وبؤس. عندها جأرت إلي الله (تعالي) أستجير.

قلت: ربي.. إما أنت تأخذني من هذه الدنيا، وإما أن تفرّج عني. إنما فعلت هذا في سبيلك.. فخذ بيدي، واجعلني من أنصارك، واعف عن جرمي وجنايتي!

وإذ أنا كذلك.. وإذا بي أري سيداً ذا هيبة يمشي إلي جانبي في البرية ،

ص: 30


1- والمسافة ما بين مدينة مشهد ومدينة طهران تزيد علي (900) كيلو متراً.

فأدهشني مرآه في البداية: تري.. كيف ظهر إلي جواري فجأة. ولا أكتم أن شيئاً من الخوف منه قد خامرني في ذلك الوقت، بيد أني اطمأننت إليه لما ناداني باسمي في غاية الرقة والمؤانسة، قائلاً لي: لا تحزن، إن الله يعفو عنك. وقال كلمات أخري في هذا المعني جعلتني كمن انطلق دفعة واحدة من عِقال كان يكبّله.. ووقر في قلبي أن هذا الرجل قد جاء يعينني.

ثم إن هذا السيد قال لي: تذب صباح غد إلي مدرسة (الميرزا محمود الوزير) في طهران، وتقول لمتولي شؤون المدرسة: الغرفة الفلانية التي فرغت اليوم ينبغي أن تحوّلها إليّ أسكن فيها. ولسوف يحوّل إليك الغرفة للسكن. واذهب بعدها إلي العالم الفلاني (الذي هو أنت يا أستاذي) وقل له يدرّسك، واذهب بعدها إلي هذه النقود، وعليك بالدرس. وكلما ضاق صدرك أذكرني آتيكوأتكلم معك.

وفعلت ما أوصاني، فجئت إليك، فأذنت لي في الحال أن أستفيد من درسك، إذ جعلت لي درساً خاصاً. وما كنتُ ذكرته لك . خلال ارتباطي بك - من المغيّبات.. فإنما هو الذي علّمني لأخبرك به.

قال العالم الطهراني: عندئذ قلت للشيخ حسن: أيمكن أن تستأذن لي لألقاه؟

فقال علي البساطة: نعم، فأنا أراه في أكثر الأوقات، ولابد أنه سيأذن لك!

في ذلك اليوم ذهب الشيخ حسن. لكنه لم يعد.. وتصرمت أيام، ولم يحضر الدرس، وبعد أيام جاءني وقال: تكلمتُ مع المولي في صدد الاستئذان للقائه..

لكنه أوصاني أن أقول لك: (متي ما كسرت نفسك كما فعل الشيخ حسن وتجاوزتها مثله سالكاً في طريق الدين.. فإننا نحن نأتي لرؤيتك). وأقول لك

ص: 31

معتذراً أن الإمام ولي العصر (عليه السّلام) قال لي ألا أحضر درسك بعد الآن.

قال العالم الطهراني: بعدئذ ودّعني الشيخ حسن وانصرف. وكان ذلك آخر عهدي به.

8. لقاء الحاج محمد علي الفشندي

قال الأبطحي يتحدث القاضي فقال:

في طهران سمعت الحاج محمد علي الفشندي وهو من صلحاء طهران يقول:

منذ باكورة شبابي كان دأبي اجتناب المعاصي بقدر بالإمكان، وأن أواظب علي الذهاب إلي الحج... حتي أفوز بلقيا مولاي الإمام بقية الله ؟ (روحي فداه). ومن أجل هذا قصدت مكة المكرمة أعواما عديدة ، يحدوني أمل اللقاء.

في إحدي هاته؟؟ الأعوام، وقد أخذت علي عاتقي رعاية شؤون جمع مال الحجاج؟ انطلقت في السابع من شهر ذي الحجة إلي صحراء عرفات، ومعي ما نحتاج إليه من لوازم وأمتعة؛ لأتمكن قبل ذهاب الحجيج إلي عرفات أن أتخير لصحبي موضعاً حسناً.

كان الوقت مقارباً نعصر ؟؟ اليوم السابع لما ألقيت رحلي، واتخذت مكاناً لنا في خيمة من الخيام التي كانت معدّة لنزول الحجيج (وقد تبيّن لي في أثناء ذلك أن أحداً لم يصل قبلي إلي عرفات). عندها أتاني أحد أفراد الشرطة المكلّفين بحراسة الخيام، وقال لي: لماذا جئت الليلة بكل هذه الأمتعة؟! ألا تعلم أن من الممكن أن ينفذ إليك لصوص في هذه البرية ويسرقوا ما معك؟! علي أي حال.. فإذا قد؟؟ جئت فإن عليك أن تظل يقظان حتي الصباح، لتحافظ علي أموالك بنفسك.

ص: 32

قلت: لا مانع. أظل يقظان، وأحافظ علي أموالي بنفسي.

تلك الليلة قضيتها بالعبادة ومناجاة الله.. حتي مطلع الفجر. لكن الذي حدث في منتصف تلك الليلة أني رأيت سيداً جليلاً قد تعممّ بشال أخضر.. وهو يدخل الخيمة، فناداني باسمي قائلاً: حاج محمد علي سلام عليكم.

رددت تحيته، ونهضت من مكاني.. فدخل هو في داخل الخيمة. وبعد لحظات لحق به عدد من الشبان الذي قد طرّ شاربهم ونبتت لحاهم حديثاً..

وكأنهم خدم له. وفي البداية أحسست بشيء من الخوف. ولكني وجدت محبّة هذا السيد في قلبي، بعد أن تحدثت معه ببعض العبارات. وقف الشبّان خارج الخيمة، ودخل السيد وحده.

التفت السيد إليّ وقال: حاج محمد علي.. هنيئاً لك، هنيئاً لك! قلت: ولمَ؟

قال: لأنك بتّ ليلة في صحراء عرفات.. حيث بات جدي الحسين (عليه السّلام).

قلت: ما الذي ينبغي أن أصنع هذه الليلة؟

قال: نصلي ركعتين. تقرأ فيهما بعد (الحمد) سورة (قل هو الله أحد) إحدي عشرة مرة.

بعدئذ... قمت وأدّيت هذه الصلاة معه. وعقب الصلاة دعا السيد بدعاء لم أكن قد سمعت مثله في معانيه، كان السيد علي روحية عالية.. والدموع تجري من عينيه... وحاولت، من جانبي، أن أحفظ نص الدعاء.. لكن السيد قال لي: هذا الدعاء خاصّ بالإمام المعصوم، ولسوف تنساه.

ثم أني قلت له: أعرض عليك اعتقادي في «التوحيد» لتري هل هو حسن. قال: قل.

ص: 33

عندها شرعت أذكر الاستدلال علي وجود الله (تعالي) بآيات الأنفس و آيات الآفاق(1) وقلت: بهذه الأدلة أؤمن بوجود الله.

فقال لي: هذا القدر من معرفة الله يكفيك.

ثم عرضت عليه اعتقادي بمسألة «الولاية»، فقال: اعتقاد حسن. بعدها سألته: في رأيك.. أن يكون إمام الزمان (عليه السّلام) الآن؟ قال: إمام الزمان في الخيمة الآن.

سألته: يقولون إن الإمام ولي العصر (عليه السّلام) يحضر عرفات.. ففي أي موضع من عرفات يحضر؟

قال: في حوالي جبل الرحمة.

قلت: هل يراه من يذهب إلي هناك؟

قال: نعم،يراه ولا يعرفه.

قلت: هل يأتي الإمام ولي العصر(عليه السّلام) ليلة غد عرفة إلي خيام الحجيج ويتفضل عليهم بعنايته؟

فقال: يأتي إلي خيمتكم؛ لأنكم ستتوسّلون ليلة غد بعمي أبي الفضل.

وعند هذه النقطة من الحوار، قال لي: حاج محمد علي.. أمعك شاي؟ (في تلك اللحظة تذكرت فجأة أني كنت قد أحضرت كل شيء ما عدا الشاي).

قلت له: كلا لم أحضر شاياً. وكم كان حسناً أن ذكرتني. غداً أذهب و آتي بالشاي للحجّاج.

فقال لي: الآن.. معي شاي.

ص: 34


1- والمسافة ما بين مدينة مشهد ومدينة طهران تزيد علي (900) كيلو متراً .

ثم أنه خرج من الخيمة، وما لبث أن عاد، وناولني مقداراً كأنه شاي في الظاهر. ولما أعددت الشاي وشربت منه... وجدته معطّراً حلواً إلي حدّ أن بدا لي أنه ليس من شاي الدنيا.

بعدها سألني: أمعك طعام آكله؟

قلت: أجل. يوجد خبز وجبن.

فقال: أن لا آكل الجبن.

قلت: يوجد لبن.

قال: هاته.

أتيته بشيء من الخبز واللبن، فتناول منه.

ثم قال لي: حاج محمد علي.. أعطيك مائة ريال لتعتمر عمرة عن أبي.

قلت: علي عيني. ما اسم أبيك؟

قال: اسم أبي سيد حسن.

سألته: ما اسمك؟

فقال: سيد مهدي. (وتناولت منه النقود).

عندها نهض هذا السيد ليذهب، فقمت إليه أحتضنه معانقاً، ولما أردت تقبيل طلعته.. رأيت خالاً أسود رائع الجمال علي خده الأيمن. وضعت شفتي علي الخال وقبلت وجنته.

وبعد لحظات من انصرافه... رحت أنظر هنا وهناك في صحراء عرفات، فلم أر من أحد. وعندها تفطنت إلي أنه الإمام بقية الله (أرواحنا فداه)، خاصة وأنه:

يعرف اسمي؟

ص: 35

يتكلم الفارسية!

اسمه «مهدي» !

ابن الإمام «الحسن العسكري؟

عندئذ، قعدت أبكي وأنوح.. حتي ظن الشرطة أن لصوصاً قد أغاروا علي أمتعتي وأنا نائم، فجاءوا إليّ. قلت لهم: هذا ليل.. وأنا مشغول بالمناجاة والبكاء.

في اليوم التالي.. وصل حجيج الحملة إلي عرفات، فقصصت ما جري علي العالم المرشد في الحملة. الذي أخبر الحجّاج بالخبر، فضجوا بالبكاء!

وفي ليلة عرفة صلينا صلاة المغرب وصلاة العشاء في أول الوقت. ثم بدأ المرشد، من تلقاء نفسه، يقرأ مجلس عزاء أبي الفضل (عليه السّلام) ولم أكن قد أخبرته بوعد الإمام (عليه السّلام) إذ قال: إني سأحضر ليلة غد في خيمتكم لأنكم ستتوسلون بعمي أبي الفضل (عليه السّلام) .

كان المجلس حارّاً مؤثراً جعل الحاضرين في حالة طيبة من الروحية ومن الإقبال.. بيد أني إذ كنت فيهم كنت أترقب بين لحظة وأخري، الحضور المقدّس للإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء).

وأوشك مجلس العزاء أن يبلغ نهايته.. وما من خبر فضاق صدري، وقمت من المجلس إلي خارج الخيمة، وهناك فاجأني أن أري الإمام ولي العصر (روحي فداه) واقفاً يستمع إلي قراءة العزاء ويبكي. أردت أن أصيح مخبراً صحبي أن الإمام هنا، فأشار (سلام الله عليه) بيده أن: لا تقل شيئاً !وتصرف في لساني حتي سُلبت القدرة علي النطق. كان الإمام بقية الله (روحي فداه) واقفاً خارج الخيمة في جانب، وأنا في جانب آخر.. وكل منا يبكي علي أبي الفضل (عليه السّلام) ولم أكن أقوي أن أخطو خطوة واحدة نحو الإمام ولي

ص: 36

العصر (عليه السّلام) ولما اكتمل مجلس العزاء. انصرف الإمام.

9. ليسو جمعياً من محبي إمام الزمان (عليه السلام)

قال الأبطحي:

ثمة امرأة عجوز ذات صفاء قلب... ربما تشرفت مرارة بلقاء الإمام ولي العصر (عليه السّلام)، في اليقظة وفي المنام، في ليلة جمعة قصدت المسجد، بعد توسعته. وفي المسجد رأيت مئات أو آلافاً من الأشخاص.. داخل المسجد وفي غرفة، وفي الأفنية والباحات.. مشغولين بالعبادة والدعاء. وكلهم يتودد إلي الإمام (عليه السّلام) ويتوسل به.

قالت هذه المرأة: لما شاهدت هذه الجموع من الناس، وقارنت عدد الحاضرين بعددهم قبل توسعة المسجد.. استأنست وحمدت الله علي كثرة الناس الملتفّين حول الإمام (عليه السّلام) المحبين له. بهذا الإحساس دخلت المسجد، فأديت أعمال المسجد، ثم زارت الإمام (عليه السّلام) بزيارة «آل ياسين».. ورحت أخاطب إمام الزمان بيني وبين نفسي... وقلت له: مولاي.. أنا مسرورة كثيراً؛ لأن أناساً كثيرين يحبونك حبّاً وافراً.. ويجتمع في الليالي عدد كبير حول المسجد، يتوددون إليك ويأنسون بذكرك.

ثم إني خرجت من المسجد، وتناولت قليلاً من الطعام الذي يقدّم في المسجدعادة لعامة الناس.. وذهبت إلي إحدي الغرف في المسجد كنت اتخذتها من قبل للاستراحة، ونمت فيها. وفي عالم الرؤيا أو في عالم المعني شاهدت الإمام بقية الله (عليه السّلام) قد دخل مسجد جمكران... فكان يمشي بين الناس، ولكن أحداً لم يتوجه له، عندها خرجت من غرفتي أعدو، وتقدمت بالسلام عليه، فأجابني بكل لطف. كررت علي الإمام (عليه السّلام) ما كنت قلته في

ص: 37

اليقظة، وقلت: مولاي العزيز.. فداء لتراب قدميك! أنا مسرور لأن الناس ولله الحمد - يحبونك كثيراً، وقد جاؤوا كلهم إلي هنا من أجلك.

عندها تأوه الإمام (عليه السّلام)، وقال: كل هؤلاء جاؤوا من أجلي. تعالي معي نسألهم عما جاء بهم إلي هنا.

قلت: فداء لك.. أنا في خدمتك.

برفقة الإمام ولي العصر (أرواحنا فداه) ذهبت بين الناس. وسألهم الإمام واحداً واحداً عما أقدمهم إلي المسجد.

قال أحدهم: مولاي.. عندي مريض يئس من الأطباء.

وقال آخر: أنا مستأجر، وأريد داراً تكون ملكاً لي..

ثالث قال: أنا مدين.. ألجأني ضغط الديون إلي باب دارك..

الرابع: امرأة.. تستغيث من زوجها.

الخامس: كان رجلاً يشكو زوجته.

وهكذا.. كان لكل واحد منهم حاجة جاءت به إلي هنا. اضطرته حاجته الشخصية ، بدافع ذاتي للحضور في المسجد.

فقال لي الإمام (عليه السّلام) : أرأيت؟! إنهم لم يأتوا إلي. إن خير ما في هذه الجمهرة من الناس هم من لهم اعتقاد، ويطلبون مني حاجاتهم لأنهم يرونني واسطة الفيض. وإذا جزنا هؤلاء، فإن عدداً كبيراً ما قدموا إلي هنا إلا للنزهة..

وحتي أن بعضهم ليس علي يقين بوجودي.

ثم رأيت وأنا علي هذه الحالة رجلاً قاعداً في جانب من المسجد، كان قد جاء من أجل إمام الزمان (عليه السّلام) قال لي الإمام: تعالي نسأله عن حاله. في عالم النوم هذا.. ذهبت مع الإمام نحو سيد معمّم، خطر في ظني أنه من العلماء. كان

ص: 38

جالساً في زاوية جلسة القرفصاء، وهو يدير طرفه في أرجاء المسجد.. يبحث عن ضائع له. وما إن لمح الإمام حتي وثب من مكانه، ووقع علي يد الإمام وقدمه قائلاً: فداك أبي وأمي ونفسي. أين كنت وقد كدت أقضي نحبي في انتظارك؟!

أخذ الإمام (عليه السّلام) بيد هذا الرجل الذي راح يقبّل يد الإمام ويبكي.. فقال: مولاي.. ماذا أريد منك غير الوصال؟! أريدك أنت؟ أنت نعيمي وجنتي.. أنت دنياي وآخرتي! أنا لا أستبدل لحظة لقاء بك واحدة بكل ما سوي الله.

ما قيمة الروح للمحبوب تنثرها

ومثلها يملك الصعلوك والجفُ؟!

عندها التفت إلي الإمام، وقال: ما مثل هذا الشخص الذي جاء لي إلا نفر قليل. وهم يبلغون ما يريدون.

10. الشيخ محمد تقي المازوندراني يفوز باللقاء

قال الأبطحي:

المرحوم الشيخ الجليل محمد تقي المازندراني أحد كبار العلماء المعاصرين. وقد أشاد به كثيراً مؤلف كتاب (المعجزات والكرامات). حكي هذا الشيخ الفاضل.. فقال:

كلما كنت أذهب في سنوات الشبيبة إلي النجف الأشرف للزيارة.. كنت أقصد مسجد السهلة أبيت فيه، إذ كنت أجد في هذا المسجد من الروحية العالية ومن الشفافية ما لا أجده في سواه من المساجد، وقد ألفت أن أتخذلي حجرة هنالك للمبيت في الطابق العلوي محاذية للمقام المقدس للإمام بقية الله (روحي فداه).

ص: 39

في إحدي السفرات.. مضيت من النجف الأشرف إلي مسجد السهلة، فوجدت الغرفة المعهودة مشغولة من قبل الزائرين، فاتخذت غرفة أخري خالية تقع في شرق المسجد لأبيت فيها، وحين كنت في هذه الغرفة.. أتاني رجل، وقال: ألا تريد ضيفاً؟ قلت: تفضل. وبعد أن دخل قال: معنا امرأة أيضاً.

قلت: وإذن فلابد أن أترك لكم هذه الغرفة.

قال: نعطيك بدلها غرفة خالية.

قلت: لا مانع.

اصطحبي هذا الرجل إلي الغرفة التي ذكرها.. فإذا هي الغرفة التي تعود علي المبيت فيها من الطابق العلوي من غرف المسجد.. كان هذا الرجل ومن معه يشغلون هذه الغرفة، لكنها لم تكن تناسبهم لأن فيهم من لا تقوي قدماه علي صعود السلم، ومن أجل هذا فضلوا تلك التي كنت فيها.

علي أي حال.. تحوّلت إلي الغرفة. ثم لما حلّ الليل وحان وقت نومي، خلدت إلي النوم، وحين بلغ الليل منتصفه.. استيقظت، ونظرت إلي الساعة. كان الوقت وقت التهجّد والقيام لصلاة الليل.

في هذه الأثناء سمعت في فضاء المسجد صوتاً يموج بمناجاة مذهلة توقظ الروح.. كانت جدران المسجد تتجاوب لها وتهتز.

أصغيت جيداً لأعرف من أين تصدر هذه المناجاة الجليلة الرائعة ، فأدركت أنها كانت تنبعث من مقام الإمام صاحب الزمان (عليه السّلام). وتركت مكاني قاصداً المقام.. فرأيت هناك رجلاً مهيباً ساجداً لدي الجدار شرقي مقام إمام الزمان (عليه السّلام) في وسط باحة المسجد... وهو يناجي الله (جل جلاله).

وارتعدت فرائصي بغتة لرؤياه، وقعدت علي الأرض استمع إلي ما كان يقول في مناجاته. لكني لم أتبين من مناجاته إلا بضع كلمات. كان يقول أحياناً

ص: 40

«..شيعتي»!

وإذ كنت كذلك أدركت من بعض الدلائل والأمارات بل أيقنت تماماً أن هذا الرجل المهيب هو الإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء)، فاضطربت ووقعت علي الأرض في إغماء، ثم لما فتحت عيني.. كانت الشمس علي وشك الشروق، فقمت وتوضأت وصليت فريضة الصبح.

وبعد سماعي تلك المناجاة بقيت مدة أجد في داخلي حالة من البهجة ومن الانشراح تستعصي علي الوصف.

11. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وتشرّف الشيخ البافقي

قال الأبطحي

ورد في كتاب (مسجد جمكران) عن سيد مرتضي الحسيني (أحد سادات قم المتدينين) قوله:

كنت أرافق المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي في ليالي الخميس إلي مسجد جمكران.

في إحدي ليالي الشتاء، والسماء تدفّ ثلجاً غزيراً.. كنت في الدار لما تذكرت أن الليلة هي ليلة الخميس، وربما عزم فيها الشيخ البافقي أن يمضي كعادته إلي المسجد.

بيد أني حسبت أنه لم يذهب الليلة؛ فطريق جمكران لم يكن معبّداً لمسير السيارات مما يضطر القاصدين إلي المشي سيراً علي الأقدام. كان الثلج كثيفاً تلك الليلة قد غطي الأرض، فلا أحد قادر أن يقطع المسافة إلي المسجد إلا بكثير من المشقة والعناء.

ص: 41

ومهما يكن من أمر... فإن قلبي لم يطاوعني للخروج من الدار. وكان همي أن ألقي آية الله البافقي لأثني عزمه عن الذهاب إلي مسجد جمكران، فما كان مني إلا أن مضيت إلي داره، لكن الشيخ لم يكن في الدار. ورحت أبحث عنه علي عجل هنا وهناك.. حتي بلغ بي البحث إلي ميدان (مير) في أول طريق جمكران.. وسألني صديق خبّاز يعمل هناك لما رآني أنظر يمنة ويسرة.. عما أخرجني في مثل هذا الطقس.

قلت له: لا أدري إن كان آية الله البافقي قد مضي إلي مسجد جمكران أم أنه بقي الليلة في قم!

قال الخباز: لقد رأيته ذاهباً باتجاه المسجد، مع عدد من الطلاب!

وعزمت من فوري أن أتبعهم إلي المسجد. ولكن هذا الصديق الخبّاز أضاف: ذهبوا منذ أمد بعيد، ولعلهم الآن علي مقربة من مسجد جمكران.

تضاعف قلقي بعد سماعي هذه العبارة، خشية أن يتعرض الشيخ في هذه الزوبعة الثلجية إلي مكروه. غير أني لم يكن لي من بد إلا العودة إلي الدار.. وأنا في حالة من التأثر والاضطراب الشديد.. حتي لم يغمض لي تلك الليلة جفن. حتي إذا قرب الفجر أخذتني سنة من النوم. وفي المنام رأيت الإمام ولي العصر (عليه السّلام) يدخل دارنا قائلاً لي: سيد مرتضي.. ما الذي يحزنك؟

قلت: أذاي يا مولاي من أجل الشيخ محمد تقي البافقي، ذهب الليلة المسجد ولا أدري ما حل به!

قال الإمام (عليه السّلام) : سيد مرتضي.. أو تظن أننا بعيدون عن الشيخ؟! الآن ذهبت إلي المسجد، وهيأت له ولأصحابه ما يحتاجون من وسائل الراحة.

استيقظت من النوم، وبشّرت أهلي بهذه البشارة.. فذكرت لهم أن شاهدت الإمام صاحب الزمان (عليه السّلام) وقد هيأ للشيخ ورفاقه ما يلزمهم من أسباب..

ص: 42

وسُرّت أهلي، بعد ما كانت قلقة مثلي. وفي صبيحة اليوم التالي رأيت أحد رفقة آية الله البافقي.. فبادرته بالسؤال: ماذا حدث لكم البارحة؟

قال: ليتك كنت معنا! البارحة اصطحبنا آية الله البافقي في أول الليل، النمضي إلي مسجد جمكران.. وما أدري.. أكان من غليان أشواقنا أم أن كرامة قد حدثت، أن وجدنا الأرض تحد أقدامنا - ونحن ماضون باتجاه المسجد - جافة علي نحو عادي، وكأن ثلجاً لم ينزل.. ثم بلغنا المسجد في وقت قصير. ولما انتهينا إليه.. لم نجد هناك من أحد. وإزاء ما كان من برد شديد.. كنا في حيرة من أمرنا: ما عسانا نفعل للتغلب علي هذا البرد؟!

(في ذلك الزمان لم تكن للمسجد بنية كبيرة شاخصة.. وما كان إلا مسجداً صغيراً منفرداً في وسط البرية، لا يقصده إلا الخواص... ليستمدوا منه الروح المعنوية التي تجلّلهم).

في تلك الأثناء.. لفت نظري سيد يدخل المسجد، فقال الشيخ: سآتي لكم بلحفا ؟؟ و كرسي ونار.

أجابه السيد من المسجد.. ثم ما لبث أن عاد ومعه لحاف وكرسي ومنقلة ونار. وقد وفر لنا هذه الوسائل، في حين لم يكن ؟؟حول من المسجد من دار ولا من ديار.

ولما أراد الانصراف قال له أحد رفاقنا: علينا أن نبكّر صباح غد إلي قم..

فإلي مَن نسلّم هذه الأشياء؟

قال السيد: يأخذها من أتي بها. ثم انصرف

أما نحن.. فقد رحنا نتساءل: من أين أتي السيد بهذه الوسائل.. وبهذه السرعة؟! فالأرض من حول المسجد خالية غير مأهولة. وحتي لو أراد أن يأتي بها من قرية جمكران.. لكان هذا أمراً شاقاً عسيراً في هذه العاصفة الثلجية ،

ص: 43

ولا ستغرق منه - لو كان كذلك - وقتاً طويلاً.

ثم إني أخبرته بالرؤيا التي رأيتها. فصرنا إلي هذه الحقيقة، وهي أن الإمام بقية الله (روحي فداه) لا يدع أبداً محبيه، ويعمل لإعانتهم ونجدتهم. هذا، وللمرحوم الشيخ البافقي وقائع أخري من هذا النوع يعرفها أصدقاؤه.

12. شاب عاشق يتشرف برؤية الإمام

قال الأبطحي

كان أحد العلماء يتحدث حديثة مثيراً عن المقام الرفيع للإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين له الفداء).. وعن محبة الإمام والارتباط القلبي به.. فكان فيما قال:

«.. في هذا السياق أحتفظ بتجارب أروي الليلة واحدة منها علي أسماع الشبان الأعزاء من حضار هذا المجلس.

ولا يظن أحد أني غير معني بكبار السن.. كلا، ليس الأمر هكذا. ولكن لأن الشبان أسرع دخولاً في ميدان الحب. وهم يقطعون الطريق مرحلتين مرحلتين، لا مرحلة مرحلة.

إنهم - كما تفوق طاقاتهم البدنية طاقات المسنين - ذو طاقات روحية تتحرك إذا سلكت طريق الحب علي نحو أسرع.

إن مسيرهم يكون قفزاً ووثوباً وطيراناً.. لا مشياً متأنياً. وسرعان ما يبلغون الغاية.

ولهذا فإني أود أن أتحدث أكثر مع الشبان الأعزاء، بما يتاح في هذا المجال:

ص: 44

في شهر رمضان إحدي السنوات.. عزمت أن أجعل حديثي كله، في مدينة مشهد المقدسة، عن إمام الزمان (عليه السّلام) .

خلال الليالي الأولي لشهر رمضان، كنت أراقب حالات المستمعين في المجلس، لأتعرف علي من يصغي لما أقول باهتمام، ومن يستهويه كلامي ويؤثر فيه.. وعلي من يكون حظّه قلة العناية والاسترخاء.

ميزّت شاباً كان يحضر المجلس. في الليالي الأولي كان يتخذ مكانه في أطراف المجلس. لكنه بدأ يدنو من المنبر في الليالي التالية. وما يزال يقترب. حتي إذا جاءت الليلة الخامسة أو الليلة السادسة كان يقعد عند المنبر، فيحضر قبل الآخرين ليجلس في هذا المكان.

كان حديثي - عندما أرتقي المنبر - عن الإمام ولي العصر (عليه السّلام). ومن الطبيعي أن يتخذ الحديث في الليالي الأولي السمة العلمية - إلي حد ما. ثم كان الكلام في الليالي التالية يتحوّل بالتدريج.. من البحث العلمي إلي الإشارة الذوقية، وينتقل في طوره من المقال إلي «الحال».

وقد لاحظت وأنا أبتدئ بالخطاب الروحي الذوقي أن حالة هذا الشاب كانت تتغير تغيراً ينفرد به عن كل الحاضرين.

حالة عجيبة. كان يصيح: «يا صاحب الزمان»! والدموع تنحدر من عينيه ، ويتلوي أحياناً، مأخوذاً بجذبة روحية خفيفة.

جذبته كانت تؤثر في، وحين تترك جذبته أثرها في قلبي.. تشتد حالتي الروحية وتسمو، فينطلق لساني يلهج أشعار عشقية، وأروح أترنم بكلمات ملتهبة تحيل المجلس إلي وضع آخر.

هذه الحالات كانت تتزايد بتعاقب الليالي. حتي إذا اقتربت ليالي آخر الشهر.. جعلتُ حديثي حول «واجبات الشيعة» ومحبة الإمام ولي العصر (عليه السّلام).

ص: 45

كنت أقول: علينا أن نحبه، وأبين ما ينبغي أن نفعله في عصر الغيبة.

كان هذا الشاب يتلوي ويطلق من فؤاده صيحات عشق حارقة: «يا صاحب الزمان.. يا صاحب الزمان» ! مما قلب حالي وغيّر الجو الروحي لدي.

وأذكر أني كنت أقرأ في إحدي هاتيك؟؟ الليالي هذه الأشعار:

يا من بيده العالم

يا سيد الأنس والجان

يا صاحب الزمان

الغوث والأمان

أما هو فكانت دموعه كعاصرات السحاب. كامرأة قد ثُكِلت بولدها الشاب كأن صعقة كانت تستبد به وتلقيه علي الأرض.

كان يحترق.. والدموع تهمي من عينيه، ويسقط في حالة من الوهن والضعف. وكان لحالته هذه فعلي في داخلي عجيب.

إن هذا التغيّر الذي طرأ علي. كان لابد أن ينعكس أيضاً علي الحاضرين في المجلس..

عدد الحاضرين آنذاك إذا لم يزد علي عدد الحاضرين الآن.. فهو لا يقل عنه. مسجد (گوهارشاد) علي سعته، بأواوينه الأربعة.. كان غاصاً بالمستمعين الذين لا يتدني عددهم عن أربعة آلاف. وكنت أري نصفهم أحياناً وقد ارتفع عويلهم والبكاء: من هذه الناحية من نواحي المسجد تتصاعد صيحة: «يا صاحب الزمان» ! وتعلو من ناحية أخري نداءات: «يا صاحب الزمان» ! لقد كان المجلس في وضع معنوي عجيب.

... انقضت أيام شهر رمضان، وانطوي المجلس.

ص: 46

بيد إن عزمي قد أنضب علي أن ألقي هذا الشاب.

ذلك أننا - خطباء المنبر - نحب مستمعينا.. كما يحب البائعون أفضل الزبائن.

وخلاصة الأمر؛ فإن قلبي قد تعلّق به.

أجل، إنني محبّ شعِف وعاشق متيم لمن يمشي علي خطي أمام الزمان (عليه السّلام).

أنا محب لمحب أمام الزمان، عاشق لمحب إمام الزمان.. لهذه رحت أبحث هنا وهناك. أسأل معارفي عن هذا الشاب: من هو؟ وماذا جري له؟ وما عنوانه؟

أخيراً توصلت إلي أنه صاحب نصف دكان للبقالة في أحد أحياء مشهد.

فانطلقت إلي المكان أبحث عنه.

كان دكانه مغلقاً. سألت الجيران عن شاب صفته كذا وكذا. فعرفوه وذكروا اسمه.

سألتهم: وأين هو الآن؟ قالوا: فتح دكانه يومين أو ثلاثة بعد شهر رمضان، ولكن وضعه قد تبدل عن ذي قبل، ومنذ أسبوع أغلق دكانه.. ولا ندري أين هو الآن!

(لاحظوا أيها الشبان أني أروي لكم هذه الواقعة بلا واسطة أحد.. أروي ما رأيت).

وأخيراً.. وبعد ما يقرب من الثلاثين يوماً.. كنت خارجاً من داري الكائنة في شتله (طهران) بمشهد... وإذا بالشاب أمامي ! ولكن.. بأي حال؟!

رأيته نحيفاً، شاحب الوجه مهزولاً، قد غارت وجنتاه، ولم يبقَ منه غير

ص: 47

جلد وعظم!

وما إن وصل إليّ... حتي أرخي عينيه بالدموع، وناداني باسمي قائلاً: رحمة الله علي أبيك، وأطال الله عمرك! ثم نشج يبكي وهو يقبل وجهي وكتفي، وتناول يدي بإصرار ليقبلها.

سألته: ما خطبك يا ولدي... ما الذي حدث؟!

قال وهو ينتحب: رحم الله أباك، وأطال عمرك!

واستمر يدعو، ويقول في بكائه: هديتني إلي الطريق..... رحم الله والديك!

بعدها.. عزم أن يحكي.

وروي لي قصته.

كان يبكي.. ودموعه سكابة، كغمامة ربيعية.

(ومن جرّب السير في طريق الحب - ولو يسيراً - يدرك ما أقول. لقد غدت حالته بحيث كانت تعروه هزّة يرتعش لها جسمه لدي ذكر حبيبه).

أفصح عن مكنون سرّه. وقال لي:

لقد ضرّمت - في تلك الليالي - النار في قلبي.. حتي انخلع. تعرّفت محبة إمام الزمان (عليه السّلام) تماماً كما كنت تحكي علي المنبر وتبيّن.

كان قلبي خلياً من هذه المحبة خلواً تاماً.. ولم يكن هذا مني بالشيء الصحيح.

وبدأ قلبي يتحرك شيئاً بعد شيء. وأخذ الشوق إلي رؤيته ينبض في داخل فؤادي.

قلبي كان يلتهب في صدري، ويضطرم بآلام الفراق. وفي الليالي الأخيرة.

ص: 48

كان بدني يرتعش لما كنت أصيح: «يا صاحب الزمان»!

ما عادت لي في النوم من رغبة.

فقدت أي ميل إلي الطعام والشراب. كل همي أن أنادي من أعماقي: «يا صاحب الزمان»! وأن أمضي للبحث عنه... حتي ألقاه.

وعندما انسلخ شهر رمضان.. ذهبت لأفتح الدكان، فوجدت الرغبة في الكسب قد خرجت من قلبي.

قلبي كان متجهاً تلقاء نقطة واحدة، معرضاً عما سواها.

كان قلبي يحترق لرؤية مالك قلبي.

لا شأن لي بالكسب والعمل.

ظمآن إلي مشاهدة حبيبي. لا أحب عيشتي. لا أحب الطعام والمنام.

لم تعد لي طاقة لأتحمّل محادثة الزبائن.

لم تعد لي قدرة علي القعود في الدكان.

أريد أن أسيح هنا وهناك لأصل إلي حبيبي. القمر.

نقضت من الدكان يدي.. أغلقته، ومضيت إلي جبل (كوه سنگي)(1) (وهو جبل موضعه في الاتجاه القبلي لمدينة مشهد. وكان يفصله عن المدينة في ذلك الوقت مسافة نصف فرسخ. وقد غدا اليوم جزء من مدينة مشهد).

المكان بريّة خالية.. فقصدت تلك البرية.. أياماً قضيت تحت شمسها في النهار، وقمرها في الليل. كنت أصرخ:

أين أنت... يا حبيبي؟!

ص: 49


1- أي : الجبل الحجري .

أين أنت.. يا عزيز فؤادي؟!

أين أنت.. يا مولاي الرحيم؟!

«ليت شعري.. أين استقرت بك النّوي؟ عزيز عليّ أن أري الخلق ولا تُري».

أن ذلك البلبل الذي يشكو آلام النأي عن حديقة طلعتك.. ياروحي، يا حبيب قلبي.

أبكي.. أبكي.. وأنوح..

(في هذا الموضع من رواية قصته كان يذرف الدموع. وأحياناً كان يضع يديه علي كتفي، ويسند رأسه علي نحري).

قال: بكيتُ هنالك... احترقت. رحم الله أباك !

وأخيراً... سكب علي نيران قلبي ماء الوصال.

أخيراً.. شاهدت حبيبي.

أخيراً.. وضعت هامتي علي قدمه.

(عند هذه النقطة من كلامه أخذ يقول أشياء لا أقدر أن أبوح بها، ولا ينبغي لي ذلك).

ثم لما فرغ من بكائه.. راح يقبل وجهي.. وودعني قائلاً:

لن أعيش بعد الآن أكثر من أسبوع!

قلت: ولماذا؟

قال: بلغتُ غايتي!

وصلت إلي مرادي!

مرّغت وجهي علي قدم معشوقي ومالك فؤادي !

ص: 50

أخشي إذا بقيت في الدنيا أن يعود هذا القلب الوضيئ إلي ظلامه من جديد.

أخاف علي هذه الروح النقية أن ترتد إلي التلوث.

من أجل هذا.. طلبت الموت، فوافق مولاي !!

والآن.. في أمان الله.. أنا ذاهب. استودعك الله.

ثم إنه دعالي.

وبعد ستة أيام أو سبعة.. فاضت روحه وفارق الدنيا.

***

فيا أيها الشبان! لا تقنطوا ولا تفقدوا الرجاء. إن هذا الشاب هو كأحدكم، لا يختلف عنكم. ليس هو من أقرباء الإمام صاحب الزمان (عليه السّلام) وأنتم غرباء عنه.

أنه (عليه السّلام) يريد منكم قلوباً طاهرة. أعطِه قلبك... تعرف كيف سيتوجه إليك:

تعال.. يا ابن العسكري. كلّم؟ الشبان ونحن نستمع إليك. أني أقول علي لسان كل عاشق:

تحسّراً علي شفتيك.. بلغت الأرواح التراقي.

فمتي بجود ثغرك بما يشفي المتيمين؟!

افتح قبري بعد موتي.. وانظر:

تر الدخان ينبعث من كفني، من نار الفراق!

اللهم اجعل في قلوب كل الحاضرين محبة ذاتية لخاتم الأنبياء، وشوقاً وعشقاً لإمام الزمان.

ص: 51

الهنا.. اجعل قلوب الحاضرين - رجالاً ونساء، علماء وعوام، أطفالاً وكباراً

- طافحة بمحبة إمام الزمان.

(خاتمة ما نقل من هذا المجلس)

13. أنا إمام زمانك فماذا تريد؟

قال السيد الأبطحي:

كانت المدارس في إيران - إبان العهد الملكي الطاغوتي - شديدة الفساد.. من الوجهة الأخلاقية والتربوية.

في تلك الأيام، تحدثت مرة بمحضر عدد من المدرسين وأساتذة

الجامعة، فقلت: إذا كان فرعون قد قتل أبناء بني إسرائيل واستحي؟؟ نساءهم.. إذا كان فرعون قد قتل أبناءنا وبناتنا روحياً - وهو أخطر من التقتيل البدني - ويسوق الجيل الجديد إلي الفساد. وكانت عاقبة هذا الكلام أن أحضرت إلي مقر الشرطة السرية، حيث ذقت كثيراً من التعذيب النفسي.

ليس لأحد - في ذلك الوقت - حق الاعتراض. وما ثمة من خطوة للإصلاح لكي يطمئن أولياء التلاميذ علي سلامة تربية أبنائهم.. كان الوضع - بلا ريب - يجر الناشئة واليافعين إلي الفساد جرّاً. وعلي أي حال.. فقد انطوت صفحة تلك الأيام السوداء - لا أعادها الله.

ومن جهة أخري.. فإن عملية السفور الإجباري التي تولي كنزها المقبور (رضا شاه البهلوي) قد أسقطت المجتمع في وهدة من الفساد والإفساد، فلم يبقَ من الإسلام إلا اسمه.

في أعتي أيام تجبّر الأسرة الملكية الفاسدة.. تحدث السيد توكلي، فقال:

ص: 52

كنت ضيفاً في منطقة (تُركُمَن) علي عالم هذه المنطقة. وبعد تناول الغداء استلقيت علي الفراش للاستراحة. كانت عيني ما تزال مفتوحة لم أنم.. إذ أحسست أن باب الغرفة قد فتح، ودخل الإمام بقية الله (روحي فداه)، وسلم عليّ.

رددت تحينه، وعزمت علي النهوض. لكنه (سلام الله عليه) أشار بيده أن: لا تقم. وتصرف بي، بحيث أني عجزت عن الحركة. اقترب مني (عليه السّلام) ، وقال: اثنتان قصمتا ظهري، الأولي: وضع المدارس والثقافة في هذا البلد. والثانية : سفور النساء. ثم قال (عليه السّلام) : قلب أمي الزهراء (سلام الله عليها) أشد انكساراً من انكسار ضلعها. ثم بكي... وبكيت أنا مع بكائه.. وما إن رفعت يدي أمسح الدموع حتي غاب عني (عليه السّلام) .

وذكر هذا الرجل - في سياق حديثه - أنهم في أوائل تسلط (رضاه شاه) كانوا يسوقون الناس سوقاً إلي الجندية الإجبارية، ويؤذونهم في الخدمة العسكرية أذي كثيراً، بل أنهم ربما يرغمونهم علي الخروج من الدين الإسلامي المقدس. في ذلك الوقت.. ما كان أبي قد تزوج، أو أنه كان حديث عهد بالزواج ولم يرزق ذرية بعد. في حينها فكر في نفسه: أنه إذا أنجب أولاداً فإنهم سيرسلونهم كرهاً إلي العسكرية. كان في حيرة من أمره: فهو أمره أن يتزوج (أو ينجب أولاداً)، وأما أن يظل أعزب لا يتزوج، لكيلا يجنّد أبناؤه

لخدمة النظام.

ثم أنه نقل عن أبيه أنه قال: في وقتها كنت أخرج إلي برية قريبة من دارنا مدة أربعين ليلة، أتوسل بالإمام بقية الله صاحب العصر والزمان (عليه السّلام)... طالباً منه أن يخرجني من حيرتي، وأن يرشدني: أنجب ذرية. أم لا؟

في الليلة الأربعين - وكانت ليلة قد اشتد بردها - وسوس الشيطان في صدري ألا أذهب فيها إلي البريّة. لكني - علي أي حال - ذهبت... ورحت

ص: 53

أتوسل... وبعد دقائق من التوسل.. إذا بي أري، في تلك الظلمة ألحالكة، نوراً أبيض يقبل إليّ. دققت النظر.. فشاهدت رجلاً في قلب النور... وهذا النور الذي رأيته كان يشع ؟؟ الرجل.

ثم أنه دنا مني، وأنا ما أزال عاكفاً علي توسلاتي وضراعاتي.. فناداني باسمي، قائلاً: عزيز الله ! ما الذي جاء بك إلي هنا؟

قلت: أريد إمام زماني.

قال: أنا إمام زمانك.. فماذا تريد؟

قلت: إذا كنت أمام زماني فإنك تعلم ما أريد.

قال: صحيح، إنك تريد أن تعرف: أيجوز لك إنجاب ذرية أم لا. وإني لأقول لك: سيكون لك خمسة أولاد ذكور، فإذا تعهدت ألا يتأثروا بثقافة النظام البهلوي - بأن لا تبعث بهم إلي المدارس... فأنا أتعهد لك ألا يجندوا اللعسكرية.

يقول السيد توكلي: وكما قال الإمام بقية الله (روحي له الفداء).. رزق الله والدي خمسة أولاد ذكور، فلم يُدخل أياً منهم إلي المدرسة، وعُني هو بتعليمهم في الدار. والمعجزة في الموضوع أنه لم يؤخذ أي منهم إلي العسكرية.

وروي السيد توكلي حكاية كل واحد من الأبناء الخمسة في طريقة خلاصهم من الجندية، أعرض عن ذكرها هنا رعاية للاختصار.

وهنا ينبغي التذكير أن المسلمين فيما مضي.. كانوا يُعنون أشد العناية بتربية أبنائهم علي طباق الآداب والمعايير الإسلامية ؛ فلا يدعونهم ينفعلون بالبيئات البعيدة عن الأخلاق وعن الإنسانية. فإذا قُدر أنهم كانوا يعيشون في بيئة غير إسلامية، فإنهم يعكفون علي تربية أبنائهم وبناتهم في المنزل؛ خشية أن تلوث

ص: 54

اطهارتهم عوامل المحيط الفاسد.. ذلك أن الله (عز وجل) كما أمر المسلمين بوقاية أنفسهم من الشقاء وعذاب النار، أمرهم أن يقوا أهلهم ومن يرتبط بهم من نار جهنم: « قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا »(1).

والحقيقة التي لا ريب فيها: أن «كل مولود يولد علي الفطرة». فإذا كان يحيي في بيئة صالحة مبرأة من الرذائل الحيوانية.. فإن المولود ينمو ويدرج علي صراط الله المستقيم، وتظل نفسه في حالة نقاء وطهر يغدو معها أمر التزكية والتهذيب عملاً متسماً بالسهولة واليسر.

وأما إذا نشأ المولود في محيط فاسد ملوث لا تراعي فيه الآداب والقيم الإسلامية، وتشيع فيه الرذائل الحيوانية.. فإن تهذيب النفس وتزكيتها يُمسي في غاية المشقة والعسر ، بل ربما يكون أمراً من المتعذر الذي لا يُنال..

وهذا يعني أن علي الآباء والأمهات السعي الجاد لإنقاذ أبنائهم وبناتهم - في المنزل والمدرسة والجامعة - من التلوث والأدناس. وعليهم ألا يسمحوا بأن يكون المعلمون والمعلمات ممن يفتقدون اللياقة التربوية الكافية لإعداد الناشئة واليافعين.

14. وقائع من التشرّف بلقاء إمام الزمان (عليه السلام)

قال الأبطحي:

يذكر المرحوم حجة الإسلام الياسري (وكان من علماء أهل المعني والإقبال الروحي في طهران) أن المرحوم آية الله الكوهكمري - الذي كان قد هذّب نفسه بالتزكية وتهيأة روحياته لأفق طاهر رفيع - كان يلتقي بإمام العصر (أرواحنا فداه) كل ليلة جمعة، وينهل منه المعارف.

ص: 55


1- سورة التحريم : آية 6.

***

يقول أحد العلماء المقيمين في قم - ويأبي لسبب ما أن أذكر اسمه: ذهبت في يوم من أيام المحرم لحضور مجلس عزاء الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) في منزل أحد كبار مراجع قم. وإذ كان هذا المجلس موضع عناية من الإمام بقية الله (روحي فداه) فإنه (عليه السّلام) كان يحضره. في هذا المجلس - يقول العالم الراوي روحيات الحاضرين. هذه الشجرة لفتت انتباهي مدة تقارب نصف الساعة. حتي حدث أن سألني أحد الطلبة كان جالساً إلي جواري سؤالاً، أجبته عنه. ثم لما التفت مرة أخري إلي الشجرة.. لم أجد لها عيناً ولا أثراً.

***

مما لا ريب فيه أن مولانا الإمام بقية الله (روحي فداه) يحضر مجالس العزاء التي تقام لجده سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنه هو نفسه صاحب العزاء المعزي في هذه المصاب، خاصة إذا كان الحاضرون من الأتقياء، وكان المجلس قد أقيم بدافع الصدق والإخلاص، وبالأخص إذا أقيم المجلس في العتبات المباركة، أو قرئ في المجالس من المراثي ما يحبه الإمام (عليه السّلام) ويحفل به أكثر من سواه.. مثل مجالس العزاء التي تقرأ فيها المراثي شهيد كربلاء أبي الفضل العباس (عليه السّلام) ؛ فإنها تحظي بألطاف خاصة من إمام الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

يقول صديق لي يؤثر ألا أذكر أسمه: تشرفت بأداء الحج سنة (1363ه. ش) وكان العالم المرافق للقافلة كمرشد ديني.. رجلاً من الصالحين. وقد رأي في المنام - قبل ثلاث ليال من ذهابنا إلي عرفات - أن الإمام ولي العصر (عليه السّلام) قال له: اقرأ يوم عرفات مراثي أبي الفضل (عليه السّلام)، وسأكون معكم.

في ضمن قافلتنا كانت امرأة مصابة بالشلل، اعتمرت عمة المتمتع؟؟ بمشقةومعاناة. أي أنها كانت تسعي بين الصفا والمروة بعربة المقعدين. واضطر الآخرون إلي إعانتها في إنجاز بقية أعمالها.

ص: 56

من جهة أخري. كانت في القافلة أيضاٌ زوجة خالي. وكان ابنها (سعيد) قد استشهد في الجبهة في إحدي ليالي الحج.. رأته أمه في الرؤيا قد جاء إليها يقول: أنا بخير ، أنا لم أقتل!

استيقظت هذا المرأة من النوم.. وأخرجت صورة ولدها التي كانت بحوزتها وراحت تقبلها وتبكي كثيراً.

المرأة المشلولة سألت زوجة خالي عما جري، كما سألتها عن صاحب الصورة. فحكت لها كيف استشهد ولدها سعيد، وأرتها صورته.

تناولت المرأة صورة سعيد، وأخذت تخاطبه كأنها تخاطب إنساناً حياً. وتبكي قائلة: عليك اليوم - يوم عرفة - أن تطلب من الله ليرسل إمام الزمان (عليه السّلام) إلي قافلتنا ويشفيني.

حان يوم عرفة. الوقت بعد الظهر. وخلال قراءة دعاء يوم عرفة.. أمسك مرشد القافلة عن مواصلة الدعاء، وشرع يقرأ التعزية عن أبي الفضل (عليه السّلام) .

في خلال هذه القراءة لاحظ كافة أهل القافلة - وبدون سابقة - رجلاً وضيئ؟؟ النورانية، عليه ثياب الإحرام.. جالساً بين الحاضرين، يبكي بكاءً شديداً علي مصاب أبي الفضل العباس (عليه السّلام). بدأ أفراد القافلة ينتهون له، خاصة بعد أن أخبرهم عالم القافلة أنه قبل ليال رأي الإمام صاحب الأمر (عليه السّلام) في المنام، وقال له: اقرأ يوم عرفات مراثي أبي الفضل (عليه السّلام) وسأكون معكم.

عرف الرجل الغريب أن بعضهم ينظر إليه.

واعتقد بعض الحاضرين - ومنه المرأة المشلولة - أنه هو الإمام بقية الله(أرواحنا فداه).

في هذه الأثناء.. نهض الرجل من مكانه، وهم بالخروج، حين صاحت المرأة المشلولة: مولاي ! فرجع الإمام (عليه السّلام) إلي موضعه.. ونظر إليها أشارت

ص: 57

المرأة إلي رجليها - تريد أن تقول إني مشلولة! فأشار الإمام (عليه السّلام) إشارة فهمت منها أنها ستصح من دائها. ثم أنه (عليه السّلام) خرج من الخيمة.

يقول صديقنا: إن هذه المرأة برئت في لحظتها من علتها، ثم أدت مناسكها من طواف الحج والسعي وطواف النساء.. بدون مساعدة من أحد، ولم يبق للشلل في بدنها من أثر.

***

هذا الصديق نفسه... روي واقعة أخري، فقال:

كان في قافلتنا رجل مسنِّ في الثمانين من عمره، اسمه (الحاج حسن حسين زاده). وما كان هذا الرجل - بما يثقله من عجز الشيخوخة - بقادر علي الطواف والسعي بيسر. الصعود والهبوط مما يشق عليه، فكان لابد أن يتخذ له مكاناً في غرفة من غرف الطابق الأرضي في الفندق الذي نزلنا فيه. وكنا نُعني به ونرعاه لتذليل ؟؟ مشكلاته.

وقد جرت العادة أن تمدّ سفرة الطعام العشاء ليلاً علي سطح الفندق في مكة المكرمة. وبعد العشاء يجلس مرشد القافلة ساعة لتوضيح المسائل الفقهية وللموعظة.

ومن المعلوم أن هذا الرجل الشيخ لم يكن يستطيع الصعود إلي السطح لتناول الطعام، فكنا نحضر له عشاءه في غرفته.

في إحدي الليالي - إذ كنا منهمكين بترتيب شؤون القافلة - كان هو علي ما يبدو وحيداً في الغرفة، فأصابه تلك الليلة مغص شديد.

قال الرجل الشيخ: كدت من شدة الألم أن أموت، وفجأة تذكرت التوسل بإمام الزمان (عليه السّلام). سلمت علي الإمام، وقلت له: مولاي.. تركني الجميع، ونسيتني أنت أيضاً؟! ثم أجهشت بالبكاء.. وعلي حين غرة أحسست أن باب

ص: 58

الغرفة قد انفتح، ودخل رجل شديد النورانية والبهاء، وأيقنت أنه الإمام ولي العصر (ارواحنا فداه)، طلعته المقدسة رائعة الجمال، وعلي خده الأيمن خال يذهل العقل. سلّم عليّ، وقال: حاج حسن.. بطنك يؤذيك؟ خذ (سكر النبات) هذا، وكل فإنك تعافي.

حدقت.. فرأيت قطعة من (سكر النبات) في إحدي يديه. ثم راح يمسح علي هذه القطعة بيده الأخري ليباركها، أخذت منه (سكر النبات) وأكلت شيئاً منه. فهدأت آلامي علي الفور، ودب في بدني نشاط كنشاط الشباب.

يقول صديقنا راوي هذه الواقعة: مما يبعث علي الدهشة أن هذا الرجل العجوز ابن الثمانين سنة.. أنجز كل أعماله ومناسكه - بعد ليلته تلك - علي أحسن ما يكون وحتي أنه مضي بنفسه إلي السوق لشراء الهدايا إلي أهله و معارفه. واشتري فعلا ما أراد.

أما ما بقي لديه من (سكر النبات) فكان لا يعطي منه مريضاً.. إلا شفي.

15. إمام الزمان (عليه السلام ) في موكب العزاء الحسيني

قال السيد الأبطحي وقال لي أحد كبار العلماء:

في يوم عاشوراء تنطلق من «طويريج» إلي كربلاء جماعات لَدم الصدور، ويلتحق بجماعات العزاء هذه العديد من العلماء، وحتي بعض المراجع..ليشتركوا في الدم الصدر.

ثم قال لي هذا العالم الكبير: في عاشوراء إحدي السنوات كنت في موكب «طويريج» المتجه نحو كربلاء. وفي ضمن الموكب كان أحد المراجع الحاليين، الذي يعد آنذاك من كبار علماء أهل المعني. كان معهم يلدم صدره، ودموعه تنهال من عينيه بكل إخلاص.

ص: 59

سألت العالم الكبير الذي روي لي هذه الحادثة: بأي دليل علمي تقوم أنت بهذا العمل؟ فقال: كان المرحوم العلامة السيد مهدي بحر العلوم يذهب من كربلاء يوم عاشوراء، بصحبة عدة من الطلبة، لاستقبال موكب طويريج هذا.. وقد باغت هؤلاء الطلبة أنت تجرّد؟؟ السيد بحر العلوم - علي عظمته ومقامه العلمي الشامخ - من قميصه.. كسائر أفراد موكب العزاء، وشرع يلدم صدره كما يفعلون. وقد اجتهد الطلاب الذين قدموا معه لاستقبال الموكب ليصرفوه عن مشاعر الصفاء والمودة هذه، فما تيسّر لهم.

لم يكن أمامهم من سبيل سوي أن يدخلوا مع السيد في الموكب، وأحاطوا به خشية أن يداس في أمواج هذا الموكب المهرول الكبير ، فيصيبه أذي.. وبعد أن انقضت مراسم العزاء.. سأل هذه الرجل الكبير بعضُ خواصه: ماذا جري حتي دخلت بلا اختيار في موكب لدم الصدور، كأحدهم؟!

قال: لما وصلت إلي موكب اللدم.. شاهدت مولاي بقية الله (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) حاسر الرأس حافي القدمين معهم في الموكب، يلطم رأسه ويلدم صدره.. ويبكي. فلم أتحمل، ودخلت ألدم صدري مع الإمام علي(عليه السّلام).

16. كيف بني مسجد الإمام الحسن (عليه السلام)

كتب سماحة آية الله الشيخ لطف الله الصافي صاحب كتاب (إجابات الأسئلة العشرة) في الصفحة 31 يقول:

من الحكايات العجيبة والصادقة التي حدثت في زماننا هذا هي حكاية بناء مسجد الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) الواقع في الطريق بين طهران ومدينة قم المقدسة الذي يبعد عدة كيلومترات من مدخل مدينة قم حيث شيده

ص: 60

الحاج يد الله رجبيان أحد أخيار مدينة قم.

وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من شهر رجب المرجب لعام 1398، سمعت حكاية هذا المسجد من لسان السيد أحمد عسكري كرمانشاهي وبحضور الحاج رجبيان وفي منزله. حيث نقل العسكري فقال: قبل سبعة عشر عاماً وأثناء تعقيبات صلاة العصر، طرق باب دارنا ثلاثة شبان يعملون في إصلاح السيارات وكانوا يحضرون جلسات واجتماعات التوجيه الديني وتعليم القرآن التي كنت أقيمها في داري لمرضاة الله تعالي.

وعندما دخلوا الدار سألونا راجين أن أصحبهم إلي مسجد جمكران في قم لإقامة صلاة الحجة والزيارة ونظراً لإصرارهم، اضطررت إلي إجابة طلبهم فركبنا السيارة واتجهنا صوب مدينة قم.

وقبل الوصول إلي مدخل المدينة وعند موقع مسجد الحسن المجتبي الحالي، توقفت السيارة وكلما حاولوا إصلاحها لم يوفقوا إلي ذلك. ثم أخذت قدح ماء من السيارة وذهبت بعيدة عنهم لأقضي حاجتي.

وفي هذه الأثناء، وبعد ابتعادي عن الجماعة لاحظت وجود شاب وسيم يرتدي ملابس بيضاء ناصعة ويضع علي رأسه عمامة خضراء وبيده رمح يرتفع إلي أكثر من مترين! وهو يخطط الأرض برمحه. فتقدمت منه وقلت له:

يا ولدي العزيز، إن العصر عصر الطائرات والدبابات والقنابل وأنت تحمل رمحاً! أليس الأفضل لك أن ترجع إلي مدرستك وتقرأ دروسك!؟. ثم ذهبت لقضاء حاجتي. وإذا به ينادي عليَّ: ياسيد عسكري لا تجلس هناك فإنني خططت المكان وهذا الموقع الذي تجلس فيه هو مسجد للصلاة.

وكطفل صغير يأمره أبوه، قلت له: سمعاً وطاعةً وقمت من مكاني وابتعدت قليلاً ثم جلست لقضاء الحاجة.

ص: 61

وفي هذه الأثناء خطرت علي بالي الأسئلة التالي لأسأله:

1.هل هذا المسجد الذي تروم تشييده للجن أم للإنس وهو يبعد فرسخين من قم؟.

2. إذا لم يشيد المسجد لحد الآن، فلماذا طلبت مني أن أغير مكاني؟.

3. هل سيصلّي في هذا المسجد الذي تشيده، جنُّ أم ملائكة الرحمن؟ .

وفي هذه الأثناء وحينما كنت أريد أن أطرح هذه الأسئلة علي السيد تقدم إليّ وضمني إلي صدره وهو يبتسم ويقول:

أسأل ما تريد! فقلت له: ماذا تعمل في هذا الوقت بدل الجلوس في قاعات الدرس. فقال: إنني أخطط لتشييد مسجد هنا ثم أضاف: في هذا المكان وقع أحد أعزاء فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ثم استشهد فيه وهنا سيكون محراب المسجد، ثم أخذ يشير بيده إلي هنا وهناك ويقول هذا مكان الوضوء وهذا مكان التواليت وهكذا ... ثم أخذ يبكي ويؤشر إلي مكان ما وهو يقول وهنا ستكون حسينية فلم أتمالك نفسي من البكاء أيضاً، وقلت له:

يا ابن رسول الله. إنني أوافق علي الشروط التالية. ..

1.أن أكون حياً حتي تشييد المسجد. فقال: إن شاء الله.

2. أن يشيد هنا فعلاً مسجدٌ كبير. فقال: بارك الله فيك.

3. إذا تم تشييد المسجد سأجلب ولو كتاباً واحداً لمكتبة المسجد، ثم قلت مازحاً، لماذا لا تترك هذه الأفكار من رأسك يابن رسول الله وتذهب إلي مدرستك.

فتبسم وضمني للمرة الثانية إلي صدره! فقلت له:

نسيت أن أسألك: من الذي سيشيد المسجد؟.

ص: 62

فقال: يد الله فوق أيديهم.

ثم أضاف: وحينما يتم تشييده أرجو أن توصل سلامي إليه فرجعت إلي السيارة وأنا أسمع هدير محركها وقد بدأ بالعمل. ثم سألوني: مع من كنتَ تتحدث؟.

قلت: مع ذلك الشاب السيد الذي يحمل رمحاً كبيراً. ألم تلاحظوا ذلك؟.

فقالوا: أي سيد تتحدث عنه؟ نحن لم نرَ شيئاً.

وعند ذلك أدرت وجهي صوب مكان السيد الجليل الوسيم فلم أر شيئاً لا السيد ولا رمحه ولا حتي التلة التي قضيت حاجتي خلفها !!.

عند ذلك أحسست وشعرت برجفة في جميع أوصالي وعندها جلست في السيارة وأنا شارد الذهن لا أفهم ماذا حصل؟!.

وأخيراً جئنا إلي مسجد جمكران وصلينا وأكلنا ثم استرحنا قليلاً. وبعدها قمت لأُصلي الجماعة وكان علي يميني كهل أشيب وعلي يساري شاب في ريعان شبابه ، وبعد الصلاة أخذت أبكي وأتوسل إلي صاحب الزمان وأطلب حاجتي منه.

وفي هذه الأثناء جاء رجل لم أتبين ملامحه لأنني كنت في حالة السجود فوقف بجانبي وقال: سلام عليكم يا سيد عسكري. فارتجفت مرة أخري وأنا في حالة السجود حيث كان صوت هذا الرجل شبيه بصوت الشاب الوسيم الذي تحدث عن تشييد المسجد في طريق قم! ثم قلت في نفسي دعني أقطع صلاتي لأسأله لكنني استغفرت ربي وواصلت صلاتي حتي نهايتها ثم انتبهت وإذا بالشاب قد غادر المكان فسألت الرجل الكهل بجانبي: ألا تدري أين ذهب ذلك الشاب الذي سلم علي وأنا في حالة الصلاة؟

فقال: لم أر شاباً ولا أدري عمّن تتحدث! ثم سألت الشاب الذي بجانبي عنه

ص: 63

فكان جوابه بالنفي ! فأصابتني الرجفة مرة ثانية واهتز كياني بأجمعه وهنا أدركت أن ذلك الشاب في الحالتين كان صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

ثم أغمي علي فرشّوا الماء علي وجهي ولما استيقظت طلبت الرجوع فوراً إلي طهران وعند وصولنا ذهبت مباشرة إلي أحد علماء طهران وشرحت له الحكاية بحذافيرها فأكد لي بأنه فعلاً المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وقال: علي أية

حال، أنتظر حتي يتم تشييد المسجد الذي تحدثتما عنه.

وبعد فترة توفي والد أحد أصدقائي فاجتمعنا بمجموعة من المعارف والأصدقاء وأخذنا جثمانه إلي مدينة قم لدفنه هناك.

وعندما وصلنا إلي مشارف المدينة وفي نفس المكان الذي ظهر لي ذلك الشاب، لاحظت عمالاً في المكان وبناءً يُشيد وقد ارتفع إلي متر تقريباً ، فتوقفت حالاً وسألت وأنا في السيارة بصوت عالٍ: من يشيّد هذا البناء وما هو؟ فقال العمال: إنه مسجد يسمي مسجد الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) ويشيده أولاد الحاج حسين السوهاني. ثم تابعنا سيرنا إلي مدينة قم وقلت لرفاقي - خلال فترة الغداء - : سون ألحق بكم في الحرم الشريف. ثم أخذت سيارة أجرة وذهبت مباشرة إلي محلات أولاد الحاج حسين السوهاني وسألت ولده: هل أنتم تشيدون المسجد الفلاني؟ قال: كلا. قلت ومن يشيده؟ قال: إنه الحاج يد الله رجبيان. ولما لفظ كلمة يد الله ، ازدادت ضربات قلبي سرعةً وأخذ العرق يتصبب من جميع أعضاء جسدي، فتعجب صاحب المحل وجلب كرسياًوأجلسني عليه وقال: ماذا حصل لك أيها الرجل؟ فقلت - وأنا أدمدم مع نفسي - : (يد الله فوق أيديهم) الجملة التي ذكرها إمام العصر والزمان عندما سألته: من يشيد المسجد!!.

ثم رجعت فوراً إلي العالم الذي رويت له الحكاية وشرحت له ما سمعته في ذلك اليوم. فقال: أسرع وابحث عنه. ثم اشتريت أربعمائة كتاب مفيد ثم

ص: 64

توجهت إلي قم، وبحثت عنه حتي وجدته وكان صاحب مصنع للغزل والنسيج الصوفي، ولم يكن الحاج يد الله في مكتبه فسألت رجلاً كان في ذلك المكتب عنه فقال: إنه في البيت فقلت له: أرجوك أن تتصل به تلفونياً لأنني قادم من طهران وبحاجة إليه.

فاتصل بالحاج فسلمت عليه وقلت له: لقد جلبت لك أربعمائة كتاب لتكون في مكتبة المسجد الذي تشيده. فقال متعجباً: من أنت وكيف عرفت أن في المسجد مكتبة فقلت: إنني أضعها وقفاً في المسجد. فقال: لكن لماذا؟ فقلت له: لا يمكن شرح ذلك بالهاتف فقال: تعال ليلة الجمعة القادمة ومعك الكتب وهذا عنواني. وأعطاني عنوان بيته.

ثم رجعت إلي طهران وهيأت الكتب وفي ليلة الجمعة سافرت إلي قم مرة ثانية وحسب العنوان وصلت إلي دار الحاج يد الله رجبيان وعندما جلسنا سوية قال: لا آخذ الكتب حتي تحكي القصة. فسردت عليه الحكاية كاملة ثم رجعت إلي المسجد وصليت ركعتين وتذكرت لقائي بصاحب الزمان فبكيت وتضرعت إلي البارئ (عز وجل) أن يُحسن عاقبتي.

هذا وتحدث الحاج يد الله رجبيان عن حكاية المسجد بالنسبة إليه وقال: أثناء بناء المسجد، جاء أحد العمال وأعطاني خمسين توماناً وقال: لقد جاء سيد جليل القدر وقدم هذا المبلغ قائلاً: هذه مساعدة لبناء المسجد. فغضبت من ذلك وقلت له: كيف تأخذ هذا المبلغ وأنت تعلم بأنني أقوم بتشييد المسجد علي حسابي الخاص قربةً إلي الله؟ ولكن قل لي كيف كان وكيف وصل إلي المكان؟ فقال العامل: عندما أعطاني المبلغ تبعته لأري بأية وسيلة جاء إلي المنطقة ولكنني بعد خطوات معدودة لم أجده وقد اختفي تماماً عن ناظري.

ويضيف الحاج رجبيان فيقول: ببركة ذلك المبلغ الزهيد، لا أدري كيف تم تشييد المسجد بكل سرعة وسهولة والحمد لله.

ص: 65

17. قصة شفاء سيد دامغان

هذه الحكاية نقلها آية الله السيد الحاج شيخ مجتبي القزويني أحد العلماء الأعلام في مدينة مشهد والذي شاهدت منه العديد من الكرامات. فقال:

كان السيد محمد باقر من أهالي دامغان وقد سكن مدينة مشهد وأصبح من العلماء الروحانيين بعد أن درس علي يد المرحوم آية الله الحاج ميرزا مهدي الأصفهاني الغروي.

وكان من المقربين إلي المرحوم الأصفهاني وقد أبُتِليَ بمرض السل العضال مما جعله ضعيفاً ونحيفاً جدّاً.

وفي أحد الأيام رأيت السيد محمد دامغاني نشيطاً سريع الحركة باشّا هاشّاً؟؟ ولا يظهر عليه ذلك الضعف والخَوَر فعجبت من الأمر وسألته: كيف أصبحت هكذا ياسيد دامغاني؟ فقال:

في أحد الأيام وعند الصباح، لاحظت دماءً كثيرة قد خرجت من فمي وأصابني الخور والهزال فيئست من حالي بعد مراجعة العديد من الأطباء فقررت الذهاب إلي العلّامة آية الله الغروي علّه يتضرع إلي الله في شفائي.

وعندما وصلت إلي خدمته وشرحت له حالي، بدا عليه الانزعاج وجلس القرفصاء وقال بصوت حازم: ألست سيداً علويّاً يا رجل؟. لماذا لا تطلب الشفاء من أجدادك؟ لماذا لا تَمثُلَ بين يدي صاحب الأمر والزمان وتطلب حاجتك منه؟.

ألا تعلم بأن أجدادك الأئمة الميامين هم أسماء الله الحسني؟.

ألم تقرأ في دعاء كميل! يا من اسمه دواء وذكره شفاء؟.

ص: 66

فإذا كنتَ مسلماً شيعياً وسيداً علوياً عليك الذهاب اليوم إلي بقية الله - أرواحنا له الفداء - فتطلب شفاؤك منه.

وهكذا أخذ يتحدث إليّ بهذه الصورة حتي أخذتني نوبةٌ من البكاء وخرجتُ من عنده راكضاً أريد مقابلة المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وبدون أن أشعر بشيء وقد غلبتني العبرات فقطعت الحواري والأسواق ووجدت نفسي في الصحن الرضوي الشريف. لكنني شاهدت الصحن بشكل آخر! فقد كان خالياً من الناس إلا من أشخاص معدودين بينهم سيد تبدو عليه سيماء الهيبة والعزة والكرامة فعلمت بأنه هو حجة الله في أرضه فقلت في نفسي:

قبل أن يذهب الجميع، علي أن أناديه وأطلب منه شفائي. وما أن فكرت بهذه الصورة في قلبي، حتي لاحظت السيد وقد أدار رأسه الشريف إلي ناحيتي ورمقني بنظرة من جانب عينه.

فتصبب جسمي عرقاً غزيراً وأخذتني رعشة مفاجئة ثم نظرت وإذا بالصحن الشريف علي حالته الطبيعية مليءٌ بالزائرين وهم في حركة مستديمة. ثم وقفت عدة لحظات مبهوراً لا أدري ماذا أصابني ولكنني شعرتُ فجأة وكأنني كأقوي ما أكون وقد دبَّ النشاط في جميع أعضاء جسمي.

وعندما وصل المرحوم الشيخ مجتبي (رحمه الله) إلي هذه النقطة أصابته العبرة وتدفق الدمع من مقلتيه بغزارة وهو يقول: نعم هكذا أصبحت حالة السيد محمد باقر الدامغاني وهو في أتم صحة وعافية حتي وافاه الأجل المحتوم (رحمه الله) .

18. بيت الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)

اشارة

قال السيد الأبطحي في عام 1974 تشرفت بحج بيت الله الحرام ومن هناك تشرفنا بزيارة قبر الرسول الأكرم (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) في المدينة المنورة.

ص: 67

وفي إحدي الليالي وفي منتصف الليل حيث كانت طرقات المدينة خالية من المارة وقد أزيل قسم من بنايات باب السلام لتوسيع الحرم النبوي الشريف فبانت جدران الصحن الشريف علي امتداد عشرات الأمتار، هناك جلست مع صديقي وصاحب سفري عند أحد الجدران ننتظر فتح أبواب الحرم وصلاة الصبح، وكنا نتحدث عن حالات ظهور صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وعن كيفية لقائه والتشرف بالمثول بين يديه. ثم سألني صاحبي:

هل يمكن أن لا يكون للمهدي المنتظر بيتاً في المدينة المنورة؟ فقلت له: نعم يمكن أن لا يكون له بيت في المدينة وليس من الضروري أن يكون له دار في كل مدينة في العالم وخاصة أن بيوت أحبائه وشيعته مفتوحة تنتظر قدومه الشريف. فقال صاحبي: كلا، إنني اعتقد بأن له بيتاً في المدينة.

فسألته: أين هي تلك الدار؟.

فقال: إذا كنت أعرف بيت الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) لما كنت جالساً في هذا المكان!.

فقلت له: إذا كان لدي الاعتقاد بأن لصاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) بيتاً في المدينة المنورة لكنت قد طرقت جميع أبواب البيوت بحثاً عن الحجة - روحي وأرواح العالمين له الفداء .

وإن هذا العمل لا يحتاج إلي أكثر من خمسة أو ستة أيام فقط وحتي لو سمعت كلاماً نابياً من أصحاب البيوت، لكن قيمة اللقاء مع صاحب الأمر والزمان تفوق كل تصور وقيمة أخري. ثم أضفت قائلاً: لكنني اعتقد أن المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) لا يسمح لنفسه أن يطرق أحبابه جميع أبواب بيوت المدينة حتي يلتقوا به، بل سيجدونه بعد فترة قصيرة من البحث، لا تتجاوز عدداً يسيراً من البيوت.

ص: 68

ولكني وبسبب عدم اعتقادي بان للحجة داراً في المدينة المنورة، فأنني لا أقوم بهذا العمل.

وواصلت الحديث مطولاً مع صاحبي الروحاني حتي جعلته يقوم من مكانه واقفاً ووقفت أيضاً بدوري وأصبحنا لا ندري من أي سبيل نبدأ بالبحث عن البيوت.

وكنت في كل لحظة أتوقع لطفاً ورحمة من الإمام المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وفي هذه الأثناء وشوارع المدينة خالية تماماً من الناس وحتي الطيور، سمعنا صوتاً قادماً من جهة مسجد الغمامة يقول بلغة فارسية فصيحة: مِن هنا، مِن هنا..

ولما تلفتنا جهة الصوت لاحظنا من بعيد رجلاً ينادينا ولكننا وبسبب بعد المسافة لم نستطع تشخيص هويته أو صفاته.

بعد ذلك قلت في نفسي: ربما يكون ذلك الرجل المنادي، قد أرسله الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) الإرشادنا إلي بيته، وهنا اغرورقت عيوننا بالدموع وواصلنا السير في اتجاه ذلك الصوت.

لكنني استثنيت هذه الفكرة وقلت في نفسي: كلا، ربما يكون أحد الإيرانيين الذين ضلوا الطريق ولما رآنا تصور أننا من أصحابه فنادانا بذلك النداء.

لكننا لاحظنا أن ذلك الشخص وبعد أن قال جملته: من هنا من هنا، اتجه إلي أحد الأزقة ودخل فيه دون الالتفات إلينا أو انتظار رد فعلنا، ثم غاب عن أنظارنا. وبعد لحظة قصيرة سمعنا صوت دراجة نارية وهي تخترق سكون الشارع ويقترب منا راكبها ويقول:

من هنا من هنا، وهو يشير بيده علي ذلك الزقاق الواقع خلف فندق الحرم. وهنا بدأ الشك يساورني بأن هذه الإشارات ليست من الصدف وإن هناك

ص: 69

فعلاً شخصاً ينتظرنا وتساءلت مع نفسي قائلاً:

إذا كان ذلك الصوت قد جاء صدفة من شخص ضل الطريق فبماذا أفسر مجيء راكب الدارجة وإرشاده إيانا لذلك الزقاق؟.

علي أية حال توجهنا إلي ذلك الزقاق ونحن نداري العبرات ونتمتم

ياصاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) . ولما وصلنا إلي مدخل الشارع لاح لي شخص بلباس عربي يتوسط مجموعة من الشبان وهو يحدثهم بحديث هام ومثير وكلهم آذان صاغية! ثم لاحظت بأنهم يتجهون إلينا علي مهل. ولما وصلوا بجوارنا، نظر إلينا ذلك الشخص وقال: السلام عليكم. فرددنا التحية بأحسن منها وبقينا مأخوذين بجماله وهيبته وشخصيته الرائعة.

عند ذلك قلت في نفسي: لأنظر من أين أتي هذا الرجل مع جماعته ومن أي دار خرجوا؟.

وتبينت أن هناك داراً مضيئة يبدو أنهم قد خرجوا منها. وكان باب الدار خشبياً تتوسطه قضبان حديد ولما نظرت شاهدت داراً قديمة وخلف الباب مصباح وقف بجانبه شخص يبدو وكأنه خادم لصاحب الدار وفوق باب الدارلافتة مضيئة كُتب عليها بخط ذهبي واضح.

«منزل المهدي الغوث»

ولما رأينا القطعة المنيرة تأكدنا من أن صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) قد أرشدنا إلي بيته المنور بكل يسر وسهولة.

ثم تقدمت من الفتحة ذات القضبان الحديد، ورفعت صوتي لأقول لذلك الخادم: هل صاحب الدار موجود؟.

ابتسم الخادم وبكل ظرف ولطف قال:

لقد ذهب حالاً، صاحب الدار.

ص: 70

فعلمت بأن اسم ذلك الشاب النوراني الجميل ذا الطلعة البهية هو مهدي وأن لقبهُ الغوث، ولكن هل حقيقةً هو صاحب الزمان المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)؟. أم إن شخصاً بهذا الاسم يسكن الدار المذكورة؟.

جلسنا خلف باب الدار ننتظر قدوم صاحبها ولكن لاحظنا أن الخادم قد أطفأ المصباح وذهب ليستريح. فقلت في نفسي: هل من الممكن أن الحقير ؟؟ أن أوفق لرؤية صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وأتمتع بهذا الفيض الإلهي العظيم؟.

ولكنني عدت بالذاكرة إلي راكب الدراجة النارية الذي كلمنا باللغة الفارسية، واسم المهدي المنقوش علي ذلك الباب الذي قلما يسمي أهل المدينة بهذا الاسم، فاقتنعت بأن الله سبحانه وتعالي قد حبانا بهذا الفضل العميم. وبعد ساعتين تركنا المكان والتحقنا بالقافلة حيث رجعنا إلي مكة المكرمة وأتممنا مراسم الحج والعمرة ولم يحصل لي التوفيق بالعودة إلي ذلك الزقاق والتشرف بمقدم صاحب الأمر.

لكنني وبعد عدة سنوات تشرفت بالحج مرة أخري ولما نزلت المدينة المنورة ذهبت إلي الزقاق نفسه فوجدت تلك البيوت المتشابهة لكنني لم أر لافتة اسم المهدي الغوث.

19. ابتسامة صاحب الأمر

كان المرحوم الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد الحاج عبد الكريم هاشمي نجاد، استاذٌ اسمه شيخ علي فريدةُ الإسلام كاشاني الذي كتبت قليلاً عن حياته في كتابي المسمي (عروج الروح) ونقل عنه قائلاً:

في أحد الليالي وقف أستاذي في الغرفة المطلة علي باحة منزلنا في قم وهو يقرأ زيارة الإمام الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ويناجيه أما أنا فكنت أجهز النار والفحم في

ص: 71

المدفأة من أجل مقاومة البرد في تلك الليالي الشتائية القارسة.

وفجأة لاحظت أستاذي وقد ارتعدت فرائصه وازداد بكاؤه وارتجف صوته وهو يقرأ المناجاة، فرفعت رأسي لأري ما حصل فشاهدت عجباً لن أنساه مدي حياتي. كان صاحب الأمر والزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) واقفاً بين السماء والأرض مبتسماً في مواجهة أستاذي وما زال منظره عالقاً في ذهني حتي كنت أري لون ثيابه.

فخفضت رأسي قليلاً ورفعته ثانية فرأيت المنظر نفسه وصورة المهدي المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) أما ناظري!.

تكررت هذه الحالة عدة مرات وأخيرا لاحظت أستاذي وقد هدأ جأشه وسكنت جوارحه وعندما رفعت رأسي لم أشاهد الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وعلمت بأن مناجاة أستاذي مع المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) قد انتهت.

وعندما رجعنا سوية إلي الغرفة، لم يكن أستاذي يتصور بأنني رأيت شيئاً فكتم الأمر عني وبقي صامتاً.

لكنني بادرته بالسؤال: أستاذي الكريم، كيف رأيت ملابس الحجة(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟.

فعجب من أمري وقال:

وهل رأيت صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟

فقلت له نعم. لقد رأيت ملابسه بصورة واضحة جداً فكان يضع العمامة الخضراء ويلبس الثوب المخطط الأبيض، ولم أر في حياتي مثل ذلك الوجه النوراني الجذاب وطلعته البهية العظيمة وعلي وجنته الغراء خال أضاف علي ملامحه جمالاً وروعة.

ففرح أستاذي من أقوالي وشجعني وقال لي: إنني لائق للقاء الإمام المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

ص: 72

وفي عام 1954 تشرفت مع أستاذي الشهيد المرحوم هاشمي نجاد بزيارة العتبات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء، وبقينا في النجف لدراسة العلوم الدينية والفقهية، وفي إحدي ليالي الجمعة توجهنا إلي مدينة كربلاء لزيارة الحسين الشهيد (عليه السلام). وفي حرم أبي الفضل العباس وقفت للزيارة والدعاء والتهجد فطلبت منه أن يمن علي برؤية ولقاء الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وأن يزيد من يقيني بوجوده المادي الشريف.

وعندما وصلنا إلي حرم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، قص الشهيد هاشمي نجاد عليّ تلك الحكاية مع أنه لم يكن مطلعاً علي قصدي ولم يستمع إلي دعائي أو مناجاتي في حرم أبي الفضل العباس.

فهدأت سريرتي وهدأ بالي وعلمت أن العباس أراد أن يستجيب لدعائي ويثّبت يقيني فأوعز إلي العلامة الشهيد بأن يقص علي تلك الحكاية.

20. قصة الإمام المهدي ودعاء الندبة

قال السيد الأبطحي ذكر لي يوماً والدي المرحوم الحاج السيد رضا ابطحي(رضوان الله عليه) أن سبب قراءة دعاء الندبة في مشهد وكيف أصبح سنة للجميع هو الحكاية التالية.

يحكي أن أحد تجار مدينة أصفهان الثقات، نقل حكاية عن نفسه فقال: كنت منذ مدة قد خصصت غرفة كبيرة في داري لإقامة مراسم العزاء الحسيني، وفي إحدي الليالي رأيت في المنام وكأني خرجت من الدار قاصداً السوق، وفي الطريق شاهدت مجموعة من علماء أصفهان وهم يتقدمون إلي ويقولون: أين أنت ذاهب يا شيخ؟ ألا تعلم بأن مراسم العزاء الحسيني قد أقيمت في منزلك؟ فقلت لهم: كلا ليس هناك عزاء في منزلي. فقالوا: أجل هناك مراسم

ص: 73

للعزاء وإن بقية الله في أرضه (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) سيحضر إلي المجلس.

ثم أردت أن أرجع إلي المنزل بسرعة فقالوا لي: ادخل البيت بكل أدب ورصانة. وعندما دخلت الدار وجدت مجموعة من العلماء وقد توسطهم الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

فدققت في سيمائه الشريف فبدأ لي وكأني رأيته في مكان ما فقلت له:

سيدي ألم أرك سابقا؟.

فقال - روحي له الفداء -: نعم في هذه السنة وأثناء الحج حيث كنتَ في المسجد الحرام وأردت الوضوء فتركت ملابسك عندي وحينها قلت لك: ضع المفاتيح تحت الملابس.

ولما قال هذا الكلام، تذكرت فعلاً أنني في موسم الحج في هذا العام أصبت في إحدي الليالي بالأرق فقلت في نفسي: الأفضل أن أقضي هذه الليلة في المسجد الحرام، وعندما دخلت أردت الوضوء فبحثت عن شخص أترك عنده ملابسي فشاهدت ذلك السيد الشريف فتركتها عنده، وعندما أردت أن أضع مفاتيح حجرتي فوق ملابسي قال: ضع المفاتيح تحت الملابس! علي أية حال ثم سألته: يا سيدي ومولاي: متي الفرج؟

فقال: قريباً إن شاء الله وعليك أن تقول لشيعة علي (عليه السلام) أن يقرؤوا دعاء الندبة في يوم الجمعة.

وهكذا أصبحت قراءة الدعاء في مشهد سنة يقتدي بها المؤمنون.

ص: 74

21. ثمرة التوسل بالحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)

قال السيد الأبطحي كانت العادة في أيامنا في مدينة قم أن طالب العلوم الدينية عندما يتزوج، عليه أن يترك المدرسة ويخلي غرفته منها.

فكان عليه أن يجد له بيتاً صغيراً يأوي إليه هو وزوجته وأن يهيّئ غرفة للمطالعة والدرس واستقبال الضيوف. ونظراً لقلة إمكاناتنا المادية، اضطررت إلي الاشتراك مع أحد الأصدقاء من ذوي القربي في استئجار دار ذات ثلاثة غرف علي أن تكون أحداها للمطالعة والدرس واستقبال الضيوف.

وفي أحد أيام الجمعة حيث كنت أدرس في غرفة الضيوف، سمعت طرقاً علي الباب ثم دخول صاحبة المنزل وأخذت تزعج صاحبي بالحديث المؤذي وإلقاء الحجج والذرائع لإزعاجه.

وفي مساء ذلك اليوم ذهبت مع صاحبي وأنا كسير القلب إلي مسجد جمكران للدعاء والتضرع لدي المهدي المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) لينقذنا من هذه الضائقة المادية. وبعد فترة من الدعاء والتضرع والبكاء، شعرت وكأنني بين اليقظة والنوم وإذا بالحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يقف أمامي ويقول:

إن الشخص الذي يريد شراء دار لك، موجود حالياً في غرفة الاستقبال، اذهب إلي دارك بسرعة!

ثم رجعت إلي حالتي الطبيعية فأخبرت صاحبي بالموضوع فأسرعنا سوية إلي مدينة قم وذهبنا مباشرة إلي الدار ثم لاحظت غرفة الضيوف وكان الضوء فيها منيراً فسألت زوجتي: هل لدينا ضيف؟ فقالت بلي إنه فلان. وذكرت لي اسماً لأحد تجار طهران الذي كان يزورنا دائماً عندما يأتي إلي قم، ولكنه لم يكن ثرياً إلي تلك الدرجة حتي يمكنه أن يشتري لنا داراً.

ص: 75

وعلي أية حال دخلت وسلمت عليه ثم جئنا بمائدة الطعام للعشاء وأثناء ذلك سألني صاحبي التاجر وقال:

لقد سمعت بأنهم يبيعون المقابر في قم وقد أتيت اليوم لأشتري واحدة منها لأحد أقربائنا.

فقلت له: لا مانع لدي فإنني سوف أتابع الموضوع وأشتري لك مقبرة.

وفي الليلة نفسها وبعد الصلاة تضرعت إلي الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وقلت له:

يا سيدي، يبدو بأن عمري قد انتهي وأن صاحبي يريد شراء قبر لي مع أقربائه.

وفي الصباح وبعد الإفطار رأيت صاحبي التاجر وقد غير رأيه وقال: لا فرق للميت أن يدفن هنا أو هناك والمهم هو الأعمال الصالحة حتي يرتاح في عالم البرزخ.

ولم أعلق علي حديثه بشيء!.

وبدون أن أشرح له ضيق ذات اليد ومشكلة السكن التي نعاني منها، التفت إليّ وقال:

أعتقد أن الحياة صعبة عليكم في هذه الدار الضيقة وخاصة مع صاحبة البيت، وقد فكرت أن أشتري داراً بأربع غرف تسكنان في اثنين منها وتبقي غرفتان لي ولعائلتي أسكن فيهما عند مجيئي إلي قم.

فقلت له: لا بأس أن تشتري بيتا لك في قم ولكننا لا نرغب في السكن فيها وسوف نبقي في هذه الدار.

وكان السبب في جوابي هذا أن بعض أو أغلب التجار كان يشتري له داراً في قم ويسلّمه إلي أحد طلاب العلم من الروحانيين، لكنه كان يتوقع من ذلك الروحاني أن يستضيفه في أي وقت يأتي فيه إلي قم، وكانت العادة أن يأتي ذلك التاجر وغيره أغلب أيام الأسبوع نظراً لوجود بيت له في هذه المدينة

ص: 76

المقدسة.

وعلي أية حال فإن ضيفي قال في النهاية: إذا وجدتما بيتاً مناسباً أرجوا إخباري بذلك. ثم ودعنا ورجع إلي طهران.

أما أنا فقد أصبت بخيبة أمل بعد أن سمعت مرة شراء مقبرة ثم شراء دار لنكون فيها كالحراس وأخيراً مسؤولية شراء دار لآخر لاناقة لنا فيها ولا جمل!.

فأخذت أبكي وألوم صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) علي هذه النهاية المشؤومة، وبعد عدة ليالٍ، رأيت في المنام أحد التجار وقد جاء بلباس بسيط وناداني قائلاً: تعال نذهب لنري أحد البيوت فإذا أعجبك اشتريته لك. فذهبنا سوية إلي تلك الدار وكانت ذات ست غرف فأعجبتني وقلت ذلك للتاجر فاشتراها لي.

وعندما أفقت من النوم، قصصت الحلم علي صاحبي ففسره بأننا سنكون من أصحاب الدور إن شاء الله.

وفي اليوم التالي وصلتنا رسالة من ذلك التاجر الصديق من طهران يذكر فيها بأن هناك داراً أوصافها كذا وفي المحلة الفلانية فاذهبا فإن راقت لكما، اكتبا لي بذلك حتي آتي إلي قم لشرائها.

والغريب في الأمر عندما وصلنا إلي ذلك الشخص الذي ذكر اسمه التاجر ليأخذنا إلي الدار، وجدته هو نفسه الشخص الذي رأيته في المنام .. وقلت لصاحبي: إذا كانت الدار هي نفسها التي رأيتها في المنام فسوف نكون من أصحاب الدور إن شاء الله.

وعندما وصلنا إلي الدار، وجدتها نفس الدار وفيها ست غرف وأوصافها مطابقة لتلك التي رأيتها في المنام؟.

لكن صاحب الدار طلب منا مبلغاً كبيراً من المال ولم نتفق عليه. ثم قال التاجر الذي صحبنا إلي تلك الدار:

ص: 77

لا بأس إن صاحب الدار طماع والدار لا تساوي تلك القيمة وسوف

أصحبكم إلي دار أخري.

فقلت لصاحبي: أعتقد أن هذه الدار هي التي سوف نشتريها ولكن كيف؟

لا أعلم. وعلي أية حال تركنا الموضوع إلي يوم آخر.

وفي صبيحة اليوم التالي، وعندما كنا في حرم المعصومة (عليها السلام)، رأينا صاحب الدار ذات الغرف الست فقال:

لقد بحثت عنكما منذ يوم أمس لأبيع لكما الدار لأن زوجتي رأت في المنام سيداً يقول لها: لماذا لم تبيعوا الدار لأولئك الطلبة الروحانيين وأنا الآن مستعد لبيع الدار بأي سعر تشاؤون.

فقلت له: إننا لا نشتري الدار لأنفسنا وإنما نشتريها لذلك التاجر الذي أوصانا بشراء الدار.

فقال صاحب الدار: إذا كان الأمر كذلك فإنني لن أبيع الدار لذلك التاجر لأن زوجتي رأت في الحلم سيداً يقول لها: لماذا لا يبيع زوجك الدار إلي أولئك الروحانيين الطلبة؟.

ثم رجعنا إلي ذلك الشخص الذي عرفنا بصاحب الدار وشرحنا له الحكايةفقال:

ليس الأمر كذلك لأن التاجر الفلاني في طهران لم يشأ أن يشتري الدار لنفسه بل أوصاني بأن اشتريها لكما!.

ثم كتب رسالة إلي ذلك التاجر فجاء إلي قم واشتري لنا الدار ولكنني كنت عفيف النفس وأبي جداً، فرفضت أخذ الدار مجاناً لكنه قال: إن الأموال التي اشتريت بها الدار ليست أموالي وإن الشخص الذي أعطاني إياها لا أعرفه وكذلك لا تعرفه أنت؟!.

ص: 78

فعجبت من هذه القصة وقلت له: هل هذه رواية أم أحجية؟ فقال: كلا عليكما تقديم الشكر إلي صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) . وعندما ذهبنا إلي مسجد جمكران، وجاءتني الحالة نفسها وإذا بي أنا بين اليقظة والمنام أري الحجة بن الحسن فسألته: إذا كنت تريد شراء دار لنا فلماذا أشعرتنا بخيبة الأمل حيث في البداية كانت قصة المقبرة ثم شراء دار لتاجر حيث نكون كالحراس فيها وأخيراً شراء الدار لنا؟.

فقال:

لو كنت أعطيتكم الدار مباشرة، لما كنتم تشعرون بقيمتها بعد هذه المعاناة، وشعرتم بالفرح كما أنتم الآن مسرورون.

صدق صاحب الزمان - روحي وأرواح العالمين له الفداء -

22. عرف أن الإمام بالحرم الرضوي

قال السيد الأبطحي نقل المرحوم حجة الإسلام العالم العارف المتقي السيد محمد مشير صاحب الكرامات والكمالات النفسية والعلوم الغريبة مثل الجفروالرمل والكيمياء الذي يسكن مدينة مشهد، نقل لي الحكاية التالية.

شعرت يوماً أثناء دراستي لعلم الجفر والكتابة السرية، بأن بقية الله - أرواحنا له الفداء - هو الآن موجود في الحرم الرضوي الشريف.

وعندئذ خرجت من الدار مسرعاً إلي الحرم الشريف وعندما دخلت إلي الرواق لاحظت ثلاثة أشخاص جالسين وعلمت أن أحدهم هو المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) فانتظرت حتي يكملوا زيارة الرضا (عليه السلام) لأتقدم بالسلام عليهم.

ص: 79

وفي أثناء فترة الانتظار كنت أفكر وأقول لنفسي.

أي من هؤلاء الثلاثة المحترمين هو الحجة المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟

وعندها جلب انتباهي أحدهم فتيقنت أنه هو صاحب الزمان - روحي وأرواح العالمين له الفداء - وبعدها مباشرة تحرك الشخصان الآخران إلي الجانب الآخر من الضريح الرضوي الشريف، فقمت لأنتهز الفرصة للسلام علي الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) الذي ألصق وجهه الشريف بالضريح، وإذا بي ألاحظ أحد الشخصين السابقين أتي مسرعاً وهمس في أذن صاحبه الجالس عند الضريح بلغة عربية فصيحة بأن صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) قد ذهب، ثم أسرعا سوية في اللحاق بالحجة .

عند ذلك أدركت بأنني لم أتمكن من تمييز الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) من بين الأشخاص الثلاثة وكنت علي خطأ عندما تصورت أن الجالس عند الضريح هو الإمام المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) لهذا أسرعت بدوري خلف الشخصين علني أصل إليهما ومع أنني كنت مسرعاً في المشي ولكني لاحظت إنهما يسيران أمامي بشكل طبيعي وهما يبتعدان عني حتي اختفيا تماماً.

عند ذلك قلت للسيد مشير: إنني أعرفك دائماً تستطيع تشخيص الأمور في جميع الأحيان فكيف أخطأت في تمييز الحجة(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟.

فقال السيد مشير: ليست جميع الأشياء هي في متناول اليد وبإرادة الإنسان وكان تصرف الإمام (عليه السلام) مقصوداً للإيقاع في الخطأ حتي يشعرني بأن الوصول إلي صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) لايأتي عن طريق علم الجفر أو الرمل وغيرها من تلك العلوم، بل عن طريق تزكية النفس وصدق السريرة حتي يصبح المؤمن لائقاً ومستعداً للقاء المهدي المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

وكان المرحوم السيد مشير معروفاً عنه بالمكاشفات إلي درجة عالية جداً

ص: 80

حتي إننا عندما كنا نوقظه من النوم ونسأله عن الساعة وبدون أن ينظر إليها، كان يخبرنا بالوقت تماماً وبدقة.

وفي إحدي المرات التي دُعي فيها المرحوم السيد مشير مع مجموعة من أولياء الله إلي وليمة في أحد بساتين مشهد وكان المرحوم الحاج ملا آقاجان زنجاني قائماً للصلاة، وإذا بالسيد مشير يقفز من مكانه ويقتدي بالملا في صلاته. وبعد انتهاء الصلاة سألته:

لماذا أسرعت بالاقتداء بالصلاة خلف الملا آقاجان بتلك السرعة والعجلة فقال:

لقد شاهدت الملا وهو يقتدي بالإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) - روحي له الفداء - فاقتديت بصلاة الملا وهذا يعني أنني اقتديت وصليت خلف الحجة بن الحسن(عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

قال له المهدي: سيذهب الشاه والفرج قريب.

نقلت هذه الحكاية زوجة المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ تقي زركري أحد أتقياء الله وأوليائه فقالت: في منتصف ليلة السادس عشر من رمضان المبارك عام 1398 هجري قمري، استيقظت علي صوت بكاء ونحيب الحاج تقي زركري. وكان جو الغرفة مفعماً برائحة العطر الزكية فسألته:

ما بك يا شيخ؟.

فقال والدموع تنهمر من مآقيه: ماذا أقول؟!.

وكيف أوضح لك الأمر؟ قد كان بقية الله - روحي له الفداء - جالساً أمامي وعندما ذهب عني أوحشتني فراقه وأصابتني نوبة البكاء الشديد.

فقلت له: ولماذا لم توقظني لأتمتع بنور طلعته؟.

ص: 81

فقال: لقد قال الإمام المهدي المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) من أتركها لتنام.

فسألته: هل تحدثتم بشيء؟

فقال: نعم لقد سألته بعض الأسئلة فأجابني عليها ولكن لا يمكنني أن أذكرها لك.

فقلت: قل لي ما يمكن قوله لي. قال: لقد سألته عن أوضاع البلاد فأجاب:

سيذهب الشاه ويسقط النظام والفرج قريب (مع أنه لم يكن في حساب الناس في تلك الأيام أنه يمكن إسقاط نظام الشاه).

فسألته: ألم تسأله أن يشفيك من مرضك؟.

فقال: يجب علي أن أذهب من هذه الدنيا وقد تأخرت قليلاً؟!.

ثم أضاف: لقد سألت الحجة(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) : كيف يمكن الوصول إليك سيدي؟

فقال: إنني دائماً معكم وفي أي وقت تشاؤون يمكنكم أن تروني. وانتهت تلك الليلة وتبعتها ليال أُخر ولم يدم طويلاً، حتي وافاه الأجل المحتوم.

23. لقاء التبريزي لصاحب الزمان عند المحراب

قال السيد الأبطحي لقد انتشرت هذه القضية بين أهل العلم والفضل عندما كنت أدرس العلوم الدينية في قم، كما إنني سمعت الكثيرين وهم يؤيدون هذه الحكاية أيضاً وهي أن طريق قسم القديمة كان يمر بمرقد علي بن جعفر (عليه السلام) حتي يصل جمكران، وعند مشارف المدينة كانت هناك طاحونة

ص: 82

وبقربها عدد من الأشجار وساقية ماء جارية وغالباً ما كان الأصدقاء وعشاق لقاء الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يستريحون قليلاً عند هذه الربوة في طريقهم إلي مسجد جمكران في صباح يوم الخميس.

وكانت عادة العلماء الأعلام وطلبة العلوم الكرام أن يجتمعوا تحت الساقية حتي قدوم المرحوم الحاج ملا آقاجان ثم يذهبون معاً إلي المسجد.

وفي أحد الأيام الخميس، وصل المرحوم حجة الإسلام والمسلمين ميرزا تقي زرگر تبريزي إلي مكان اللقاء فلم يجد أحداً سبقه كما لاحظ استعداده النفسي الكبير للقاء الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) فقال في نفسه: ربما إذا بقيت لوحدي هنا، أفقد الاستعداد النفسي والروحي هذا، والأفضل أن أتجه لوحدي إلي مسجد جمكران.

وهكذا واصل السيد زركَر طريقه وهو في حالة من الشوق والاستعداد والفرح للقاء صاحب الزمان لدرجة إنه عندما مرّ به عدد من الطلاب القادمين من المسجد إلي قم وسلموا عليه، لم يلاحظهم ولم يرفع رأسه أبداً.

أما جماعته الذين جاؤوا من بعده إلي الساقية ولم يجدوه، فقد تصوروا بأنه لم يأتِ لحد الآن فانتظروا قليلاً؟.

ولما مرت جماعة الطلاب وسألوا عنه قالوا: نعم رأيناه مع سيد جليل مهيب الطلعة في مسجد جمكران وهما يتحدثان بحرارة إلي حد أنه لم ينتبه إلينا ونحن نسلّم عليه.

وعند ذلك أسرعت الجماعة للوصول إلي مسجد جمكران وعندما وصلوا إلي المحراب لاحظوا السيد زركَري وقد وقع عند المحراب مغشياً عليه فرشّوا عليه قليلاً من الماء حتي استيقظ فسألوه عن سبب فقدانه لوعيه فقال:

لما لم أجد أحداً عند الساقية، قررت الوصول لوحدي إلي مسجد جمكران

ص: 83

ولم يكن أحد بصحبتي ولكنني كنت طوال الطريق أتحدّث وأتكلم مع صاحب الزمان - روحي وأرواح العالمين له الفداء - وعندما وصلت إلي المحراب قرأت عدداً من الأبيات الشعرية في مدح اهل البيت والشوق إلي لقاء المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وأنا أناجيه بين الفينة والأخري حتي استجاب (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) لندائي فسمعت صوته ولم أتمالك نفسي من البكاء والارتجاف وسقطت مغشياً عليّ.

والمعروف أن الأشخاص الذين يرون أو يسمعون صوت الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يُغشي عليهم ولا يمكنهم المقاومة.

والطلاب الذين رأوا السيد زركَري وبصحبته ذلك السيد الجليل، فقد رأوا فعلاً صاحب الزمان لكنهم لم يشخصوه والوحيد الذي كان يلتذ بمصاحبته ومناجاته كان هو السيد زركَري نفسه.

أين ذهب السيد؟

فعجبت من أمره ولم أفهم قصده خاصة وأنني جالس علي المنبر وأري الغادي والرائح ولم أشاهد أحدة يقوم من مكانه أثناء حديثي للناس.

فسألته: من هو الذي تتحدث عنه وتقول إنه ذهب؟

فنظر إلي جواره و كان المكان خالياً فعلاً وقال: هنا كانوا بجانبي وقد رحلوا.

فطلبت منه أن يقص الحكاية كاملة فقال:

إنني من أبعد منطقة في مشهد عن هذا المسجد وقد مضت أكثر من ثلاث سنوات لم أتشرف بالمجيء إلي هنا وذلك بسبب إصابتي بقرحة الإثني عشري التي لا رجاء في شفائي منها.

وعصر هذا اليوم جئت إلي هذه المحلة من أجل القيام ببعض الأعمال وعندما حل أذان المغرب وأنا قريب من المسجد قلت في نفسي لماذا لا أنتهز

ص: 84

الفرصة وأستفيض من بركة الصلاة في مسجد صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟. وعندما انتهيت من صلاة العشاء والتشهد الأخير ونظرت إلي يميني وجدت سيداً بجواري فسلم عليّ فأجبته بالسلام ثم قال لي: هل شفيت قرحتك أم لا؟. وعندما سمعت هذا السؤال ظننته أحد معارفنا في المحلة وإن كنت لا أعرفه.

فأجبته: كلا، ياسيدي فما زلت أعاني من عذابها. فوضع يده علي مكان القرحة وضغط قليلاً عليها فشعرت وكأن مارداً بارداً قد صبّ علي نار فؤادي وأحسست براحة تامة لم أذق مثلها منذ سنوات ثم سألته: ماذا تعمل هنا؟

فقال: أليس هذا مسجد صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟

فقلت: نعم.

فقال: إنه مسجدي.

ولكني لم أنتبه لقصده في حينه وكنت أنظر إلي الخطيب ولكنني وبعد لحظات و كأنني أفقت من النوم، فكرت بشفاء قرحتي وقول السيد بأن المسجد هو مسجدي ، فقلت في نفسي: قد يكون السيد الذي بجانبي هو صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) فعلاً، فنظرت إلي يميني وإذا بي أراه خالياً! فرفعت صوتي بلا شعور وسألت عنه. وبقي هذا الرجل صديقنا وقد مضت عدة سنوات ولم يشك بعد تلك الحادثة يوماً من أي ألمٍ في معدته.

24. خُذ هذا المال

قال السيد الأبطحي في أحد الأيام وبعد أن صليت صلاة الظهر والعصرفي مسجد الإمام صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) في مشهد، جلس بجانبي شخص تقي ورع ومعروف بالنزاهة فقال:

ص: 85

كانت الليلة البارحة من الليالي الشتائية الباردة ونحن نعيش في أطراف مشهد في دار قديمة ليس فيها ماء ولا كهرباء وأبوابها من أعواد الأشجار، وعندما نطفئ المصباح الزيتي يلف الظلام كل أنحاء الدار والغرفة وننحشر جميعاً مع أطفالي تحت غطاء الكرسي طلبا للدفء.

وفي منتصف الليل استيقظت من النوم وأنا أشعر بعطش شديد ولكنني قلت في نفسي: إذا قمت من مكاني فربما تعثرت بالأطفال في مثل هذه العتمة الدامسة وقد لا أجد أبريق الماء.

ثم خطرت في بالي فكرة وهي أنه لو كانت عندنا الكهرباء لكان بلمسة الزر ينتشر النور في جميع أنحاء الغرفة ولتمكنت من رؤية أبريق الماء، فلماذا لا أتوسل بصاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

ثم فجأة رأيت الحجة بن الحسن(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وهو ماثل أمامي وهو يقول: خذ هذا المبلغ من المال واذهب إلي السيد حسن أبطحي في مسجد صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وقل له أن يوصل الكهرباء إلي بيتك.

وفي أثناء الحديث، استيقظ ولدي الذي يبلغ السابعة من عمره ولما رأي المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يقدم لي المال، توقع أن يعطيه هو الآخر بعضاً من المال فنظر إليه بقية الله - أرواحنا له الفداء - نظرة المشفق الحاني وقدم له خمسةً وثلاثين توماناً.

كان الرجل الذي بجانبي يحدثني بهذه القصة وكله إيمان وعقيدة وصدق إلي درجة أنني كنت مصدقاً كل حرف نطق به.

فقلت له: فعلاً سآخذ هذه الأموال وسوف أوصل بها الكهرباء إلي دارك ولكن ومن أجل البركة والتبرك هل تسمح لي بأن أحتفظ بعشرة تومانات منها وأعوضك عنها بعشرين توماناً مكانها.

ص: 86

فقال: أنت صاحب الأمر ياسيدي، إفعل ما تشاء.

ثم قدمت معاملة الكهرباء إلي بيته ومع أن منطقته كانت بعيدة عن مركز المدينة لكن الله (تعالي) وببركة صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يسّر الأمر بسهولة وتم إيصال الكهرباء بعد عدة أيام فقط. وعندما أعطيت المبلغ لتسديد النفقات، اتضح وجود عشرة تومانات أكثر من المبلغ اللازم وهي العشرة التي أعطيتها وأضفتها إلي المبلغ الأصلي الذي قدمه صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) - روحي له الفداء

وما زلت أحتفظ بالعشرة تومانات علي الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات علي الحادثة، كما إنني ما احتجت يوماً إلي القرض أو الاستدانة منذ ذلك اليوم وعندي دائماً من المال ما يكفيني وأكثر والحمد لله.

25. معجزة غريبة لمجموعة من النساء والرجال

قال السيد الأبطحي كانت ليالي الإحياء في مسجد صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) خلال مدة خمسة عشر عاماً التي قضيتها في خدمة هذا المسجد والناس، صاخبة ومليئة بالحركة والبركة حيث كان الناس يطلبون حاجاتهم من البارئ (عز وجل) وغالباً ما كانت طلباتهم يتم تأمينها.

وربما يتبادر إلي الذهن بأنني أقول هذا نتيجة التأثيرات النفسية، كلا لم يكن الأمر كذلك. حيث كان الهدف الأساسي من تلك الليالي التعبدية الإلهية هو القضاء علي الفرقة البهائية؟؟ المتواجدة بكثرة في المنطقة.

ولهذا فإن صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وبلطفه ومحبته، أغدق علي أولئك المحبين تلك الكرامات والاستجابات.

أما الذين كانوا يحاولون الإساءة إلي أبناء رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، وإلي الاسم

ص: 87

المقدس لبقية الله - أرواحنا له الفداء - فكان جزاؤهم التشرد والضياع والتشرذم؟؟.

وعلي أية حال فإن عدد من المعجزات والكرامات كانت تحصل لأولئك الذين جاؤوا بقلب سليم مفعم بالحب والإخلاص لله والرسول وأهل بيته الميامين.

ومن تلك المعجزات أنه في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1353 هجري شمسي الموافق 1974 ميلادي حدثت معجزة عجيبة لمجموعة من الرجال والنساء الذين كانوا يشاركون في ليلة إحياء الإسراء والمعراج. وكانت إحدي السيدات هي زوجتي.

والمعجزة كما روتها زوجتي كانت علي النحو التالي:

في تلك الليلة وبعد إطفاء نور المصابيح ووصولنا إلي الاسم المقدس للإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام)، لاحظت دخول الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) إلي المسجد ثم جلس مع الجالسين فقلت بصوت خفيض حيث لا يمكن سماعه عادة ولكنني كنت واثقة بأن صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يسمعه:

سيدي ومولاي: لماذا لا تتقدم وتجلس في صدر المجلس حتي يراك الناس ويتبركون بمحياك الشريف؟. فقام (عليه أفضل الصلاة والسلام) من مكانه وتقدم بين الجموع حتي وصل إلي أول الصف وجلس مقابل المحراب ثم قلت له: كم نكون لك من الشاكرين إذا تقدمت وجلست مع النساء. فاستجاب المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ولكنه لم يصعد السلالم بل رأيته كما تري الطائر وقد حل بيننا نحن النساء ثم رجع إلي مكانه وكان يقول لكل فقرة دعاءً: آمين مع الداعين.

ص: 88

26. يا سيد: ماذا تريد حتي البي حاجتك

قال السيد الأبطحي كان المرحوم آية الله الحاج السيد حسن قاضي التبريزي الذي سكن مدينة قم معروفاً من قبل العلماء الأعلام والسادة الكرام بأنه من أهل الكرامات الكثيرة وقد وصلتُ إلي خدمته مرات عديدة وعُرف بأنه كثيراً ما التقي الإمام الحجة(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، ولكنني لم أحصل علي قضية واحدة حول هذا اللقاء بحيث تكون اسنادها صحيحة كما إنني لم أسمع من لسانه شيئا بهذا الخصوص.

ا ولكن بحمد الله وصلنا أخيراً ضيف من مدينة قم أعرفه جيداً وهو من أهل العلم والتقوي ويمكن الاعتماد عليه في الأحاديث والروايات وهو السيد الحاج جواد رحيمي الذي كان صديقاً مقرباً للمرحوم السيد آية الله قاضي وحافظاً لأسراره وفي ليلة العشرين من شهر ذي القعدة سنة 1403 نقل لي الحكاية التالية فقال:

نقل المرحوم السيد حسن قامتي بأنه كان مدعواً مع مجموعة من العلماء الأعلام إلي حضرة ومقام الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) حيث كان - روحي له الفداء - يتفقدنا واحداً واحداً فقال لي:

يا سيد قاضي: ماذا تريد حتي ألتي حاجتك؟.. فقلت له: أرغب في أن أكون أقرب شخص إليك في هذه المجموعة. فوسع الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) مكاًنا بجانبه ودعاني إلي الجلوس معه.

ص: 89

27. رأي الإمام في الظلام

قال السيد الأبطحي في أحد الأيام سألت المرحوم الحاج الملا آقاجان: لماذا لم أر لحد الآن بقية الله في أرضه(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) . فقال : ما زلت صغيراً علي ذلك.

فقلت له: ليس للموضوع علاقة بالعمر فإذا كان العمر لائقا للقاء المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) فإنه سيلاقيه أما إذا لم يكن لائقاً لذلك فلن يلاقيه حتي لو كان سلمان الفارسي. ارتاح المرحوم من جوابي وقال: صحيح قولك، كن علي استعداد ليلة غد في حرم الرضا (عليه السلام) فقد يكون الفرج وتتشرف بلقيا صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

وهكذا قضيت الليلة التالية في حرم الإمام علي بن موسي (عليه السلام) ولكنني أحسست بالانزعاج وعدم الراحة لأنني لم أوفق بلقاء بقية الله الحجة المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

فرجعت خائبساً إلي الدار وأنا أشعر بالإخفاق والضالة. وكانت الطرقات مظلمة والليلة شتائية باردة وفي أثناء ذلك لاحظت سيداً بلباس أبيض وعمامة خضراء واضحة المعالم وهو قادم من الجهة المقابلة لي ولما وصل إليّ سلّم بكل لطف و احترام وكأنه يعرفني من زمان فرددت التحية ثم اجتازني وذهب إلي سبيله. وهنا أخذت تراودني الشكوك والأفكار وأنا أقول لنفسي: هل يمكن أن يكون ذلك السيد الجليل هو المهدي المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ؟. وتقاذفتني هذه الأفكار المتضاربة حتي وصلت إلي الفندق فدخلت علي المرحوم الحاج الملا آقاجان فرأيته يقرأ أبياتاً من الشعر فهمت منها بأنه ليس فقط عنده ارتباط بأهل بيت العصمة والنبوة بل إنه علم بأنني التقيت بذلك السيد الجليل الذي هو صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

ص: 90

28. سوف أكون بجانبك حتي تصل إلي مرقد جدي

كان المرحوم حجة الإسلام الحاج السيد الشيخ محمد تقي بافقي من أحد العلماء المناضلين في عهد الشاه رضا بهلوي الذي اعتقله الشاه الظالم عدة مرات كما تم إبعاده إلي خارج البلاد.

وقد نقل صاحب كتاب (كنز المثقفين) عدة حكايات عنه في الجزء الثاني من صفحة (6) عن لقائه مع الحجة المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وهذه إحداها:

نقل لي المرحوم حجة الإسلام العابد الزاهد العامل ملا أسد الله بافقي شقيق المرحوم الحاج الشيخ محمد تقي بافقي:

كان أخي المرحوم محمد تقي بافقي يلاقي الحجة المنتظر علي الدوام وكان يوصيني بعدم ذكر تلك اللقاءات لأي أحد ما دام علي قيد الحياة والآن وقد انتقل إلي بارئه (تعالي) فلا بأس أن أنقل لكم إحدي تلك اللقاءات حيث قال (رحمه الله) : كنت في تلك الأيام شاباً أدرس العلم في النجف الأشرف فنويت علي زيارة المشهد المقدس لعلي بن موسي الرضا (عليه السلام) مشياً علي الأقدام وكان الفصل شتاءً عندما بدأت رحلتي حيث وصلت بعد أكثر من شهر إلي إيران ومررت بالسهول والجبال والوديان والعظيمة ولاقيت الأمرّين في اجتيازها خاصة وقد بدأت الأمطار في الهطول والطرقات تسدها الثلوج.

وفي أحد الأيام الباردة وصلت إلي سهل مغطي بالثلج وأعضائي ترتعد من البرد فرأيت عن بعد مقهي تشع أنوار في تلك الأمسية الشتائية القارسة فقلت في نفسي: لا بأس أن أقضي ليلتي في هذا المقهي وفي الصباح أواصل سيري بإذن الله.

وعندما دخلت المقهي رأيت مجموعة من الأكراد اليزيدية وهم مشغولون

ص: 91

بلعب الورق والنردو الطاولة فقلت في نفسي: ماذا أعمل يا ربي مع هؤلاء المقامرين الغلاظ الذي لا يمكن نهيهم عن المنكر أو أمرهم بالمعروف ولايمكنني أن أجلس معهم كما لا أستطيع بتاتاً البقاء خارج المقهي في ذلك الزمهرير المخيف!. بقيت في مكاني خارج المقهي تراودني تلك الأفكار وأنا أتردد في الدخول أو الوقوف خارج المقهي، عندما سمعت صوتاً يقول:

تعال هنا يا محمد تقي !. فتلفتُّ صوب الصوت فرأيت شخصاً عظيماً مهيباً بهي الطلعة يجلس تحت شجرة كبيرة وهو يدعوني إلي مجالسته.

تقدمتُ منه وسلّمتُ عليه فقال: يا محمد تقي، أنت تعلم أن ذلك المقهي اليس مكاناً مناسباً لك أو لأمثالك المؤمنين فتعال وأجلس بجانبي. ولما جلست هناك لاحظت أن الجو مناسب فلا برد يلسع ولا نسمة فارسة وحتي الأرض المحيطة بالشجرة ليس فيها أية رطوبة بينما جميع ما يحيطها بساط من الثلج الناصع البياض.

فبقيت ليلتي تلك في خدمة ذلك السيد الجليل الذي تأكدت أنه سيد الكائنات الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وخاصة وهو يقرأ الأدعية السماوية وقد استفدت كثيراً من حضوره المقدس وشعرت بالاطمئنان والراحة التي لم يسبق أن شعرت بهما طيلة حياتي.

وعندما طلع الصبح وصلينا صلاة الصبح قال (عليه أفضل الصلاة

والسلام): لقد بدأت بواكير الصباح وتباشير الضوء فهلم بنا نرحل.

فقلت له: يا سيدي ومولاي: هل تسمح لي أن أكون دائماً في خدمتك وفي معيتك يابن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ).

فقال: لا يمكن أن تأتي معي.

فقلت: إذن متي يمكنني أن أصل إلي خدمتكم بعد الآن؟ .

ص: 92

فقال: في سفرتك هذه سوف أكون بجانبك مرتين حتي تصل إلي مرقد جدي الرضا (عليه السلام).

وستكون المرة الأولي في مدينة قم المقدسة والثانية بالقرب من مدينة سبزوار. ثم غاب عن ناظري كلمح البصر، وهكذا وبهدف لقاء الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) والشوق لرؤيا محياه الكريم والمثول بين يديه كنت أطوي الطريق لا ألوي علي شيء ولم يمنعني برد أو ثلج أو جبل أو واير حتي وصلت بعد عدة أيام إلي حديقة قم بقيت فيها للإستراحة مدة ثلاثة أيام، زرت فيها معصومة قم ولكنني لم أتشرف بلقاء الحجة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) كما وعدني.

عند ذلك تحركت من مدينة قم وأنا كسير القلب لأنني لم أوفق للوصول لخدمة صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

وبعد رحلة دامت شهراً كاملاً وصلت إلي مدينة سبزوار وعندما رأيت مشارفها قلت وأنا أكلم نفسي: لماذا أخلف الموعد؟. إنني لم أتشرف برؤيتك يا حبيبي في قم والآن أنا في سبزوار ولم أمتع ناظري بمحياك الكريم؟ وهكذا أخذت تراودني هذه الأفكار عندما سمعت صوت حوافر فرس خلفي فأدرت وجهي وإذا بي أمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) بكل جلاله وعظمته وروعته وهو يمتطي حصاناً ناصع البياض فتقدم مني وسلّم علي فأبديت له كل تواضع ومحبة واشتياق ثم قلت:

يا سيدي ومولاي: لقد كان من المقرر أن أصل لخدمتكم في مدينة قم ولكنني لم أتشرف بذلك فقال:

يا محمد تقي، لقد رأيتك في الساعة الفلانية في الليلة الفلانية في حرم عمتي المعصومة (عليها السلام) وكنت مشغولاً بتفسير قضية لامرأة من أهالي طهران وقد خفضت رأسك إلي الأرض ولم تراني وأنا بجانبك ولم تنتبه إلي جودي فغادرت المكان.

ص: 93

29. اقضِ حوائج الناس نحن ننصرك

كان المرحوم آية الله العظمي السيد أبو الحسن الأصفهاني من أعظم المراجع العلمية الشيعية قاطبة. وهذا الفقيه الديني المؤَّيد المسدَّد الذي مسك زمام عالم التشيع كان أيضاً من المراجع العليا التي تستفيض بلقاء صاحب الزمان بدون وساطة أو طريقة معينة وهو موضع التأييدات الغيبية ولم يكن له نظير في العالم المذهبي منذ الغيبة الكبري لبقية الله - أرواحنا له الفداء - من حيث الزعامة المرجعية والكياسة والفراسة وسعة الصدر والعفو والمآثر والكرامات الباهرات والسجايا الحميدة وسخاوة اليد وحلاوة اللسان الإحسان.

ومن الكرامات التي أغدقها صاحب العصر والأوان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) علي هذا النائب الكبير وزعيم الأمة هي توقيعه الشريف علي نصيحةٍ وتوجيةٍ منه إليه وبهذا فقد شمله بألطافه الخاصة وعناياته العبقة.

والرسالة الموقعة من قبل الحجة بن الحسن (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يرسلها عن طريق المرحوم ثقة الإسلام والمسلمين زين العلماء الصالحين الحاج الشيخ محمد كوفي شوشتري وهي كالتالي:

«قل له: ارخص نفسك واجعل مجلسك في الدهليز وأقض حوائج الناس نحن ننصرك».

30. كيف بني مسجد جمكران؟

قال النوري الطبرسي

نقل الشيخ الفاضل حسن بن محمد بن حسن القمي المعاصر للصدوق في (تاريخ قم) عن كتاب (مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين) من مصنفات

ص: 94

الشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية(1):

باب ذكر بناء مسجد جمكران، يأمر ؟؟ الإمام المهدي (عليه السّلام) سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام (عليه السّلام) علي ما أخبره به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي فلما مضي نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس علي باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان فإنه يدعوك.

قال: فقمت وتعبأت وتهيأت، فقلت: دعوني حتي ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: «هو ما كان قميصك» فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: «ليس ذلك منك، فخذ سراويلك» فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلي مفتاح الباب أطلبه فنودي: «الباب مفتوح». .

فلما جئت إلي الباب، رأيت قوماً من الأكابر، فسلّمت عليهم، فردوا ورحبوا بي، وذهبوا بي إلي موضع هو المسجد الآن، فلما أمعنت النظر رايت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتي في زيّ ابن ثلاثين متكأ عليها، وبين يدي شيخ؟؟، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلاً يصلون في تلك البقعة، وعلي بعضهم ثياب بيض، وعلي بعض ثياب خضر.

وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السّلام): فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السّلام) ، ودعاني الإمام (عليه السّلام) باسمي، وقال: اذهب إلي حسن بن مسلم، وقل له: إنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها، ونحن نخرّبها، زرعت خمس سنين، والعام أيضاً انت علي حالك من الزراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها وعليك رد ... انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبني فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم أن

ص: 95


1- هذا التعريب للنص الفارسي من المؤلف (ره) في كتابه (جنة المأوي) فرأينا الأنسب نقل تعريبه .

هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالي من غيرها من الأراضي وشرّفها، وأنت قد أضفتها إلي أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين، فلم تنتبه عن غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.

قال حسن بن مثلة: (قلت): ياسيدي لابد لي في ذلك من علامة، فإن القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة عليه، ولا يصدقون قولي، قال: أنّا سنعلم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا، واذهب إلي السيد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنة، ويعطيه الناس حتي يبنوا المسجد، ويتم ما نقص منه من غلّة رهق ملكنا ناحية أردهال ويتم المسجد، وقد وقفنا نصف رهق علي هذا المسجد، ليجلب غلته كل عام ويصرف إلي عمارته.

وقل للناس: ليرغبوا إلي هذا الموضع ويعزروه ويصلوا هنا أربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة، وسورة الإخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات، وركعتان للإمام صاحب الزمان (عليه السّلام) هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلي «ايّاكَ نَعْبُدُ وَ ايّاكَ نَسْتَعين» كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلي أتم العبادة يهلل ويسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليه السّلام) فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي علي النبي وآله مائة مرة، ثم قال (عليه السّلام) : ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاها فكأنما صلي في البيت العتيق.

قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأن هذا موضع أنت تزعم إنما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراً إلي ذلك الفتي المتكئ علي الوسائد فأشار ذلك الفتي إلي أن أذهب.

فرجعت، فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال إن في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزة يجب أن تشتريه، فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك، وتجيء به إلي هذا الموضع، وتذبحه الليلة الآتية، ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعزعلي

ص: 96

المرضي، ومن به علة شديدة فإن الله يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق، كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض: ثلاث علي جانب وأربع علي جانب، سود وبيض كالدراهم.

فذهب فأرجعوني ثالثة: وقال (عليه السّلام) : تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً، فإن حملت علي السبع انطبق علي ليلة القدر، وهو الثالث والعشرين، وإن حملت علي السبعين انطبق علي الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وكلاهما يوم مبارك.

قال حسن بن مثلة: فعدت حتي وصلت إلي داري ولم أزل الليل متفكراً حتي أسفر الصبح، فأديت الفريضة، وجئت إلي علي بن المنذر، فقصصت عليه الحال، فجاء معي حتي بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة، فقال: والله إن العلامة التي قال لي الإمام منها أن هذه السلاسل والأوتاد ههنا.

فذهبنا إلي السيد الشريف أبي الحسن الرضا فلما وصلنا إلي باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة، وسلّمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن أحدّثه وقال: يا حسن بن مثلة إني كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: إن رجلاً من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدو، ولتصدقن ما يقول، واعتمد علي قوله، فإن قوله قولنا، فلا تردن عليه قوله، فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.

فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً، فأمر بالخيول لتسرج، ...تخرجوا فركبوا فلما قربوا من القرية رؤوا جعفر الراعي وله قطيع علي جانب الطريق قد خل حسن بن مثلة بين القطيع، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل ...معز عادياً إلي الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به أقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط، ولم يكن في قطيعي إلا أني

ص: 97

رأيته وكلما أريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم، فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلي ذلك الموضع وذبحوه.

وجاء السيد أبو الحسن الرضا (رضي الله عنه) إلي ذلك الموضع، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤوا بغلات رهق، وسقّفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا (رضي الله عنه) بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضي والأعلاء ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالي عاجلاً ويصحون.

قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرضا في المحلّة المدعوة بموسويان من بلدة قم، فمرض بعد وفاته ولد له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي في السلاسل والأوتاد، فلم يجدها.

31. المهدي سقي العطشان بماءٍ أبرد من الثلج

نقل السيد محمد الحسيني المتقدم ذكره في كتاب الأربعين الذي سمّاه بكفاية المهتدي، عن كتاب الغيبة للحسن بن حمزة العلوي الطبري المرعشي، وهو الحديث السادس والثلاثون من ذلك الكتاب قال: حدّثنا رجل صالح من أصحابنا قال: خرجت سنة من السنين حاجاً إلي بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحرّ كثيرة السّموم فانقطعت عن القافلة، وضللت الطريق فغلب عليّ العطش حتي سقطت وأشرفت علي الموت، فسمعتُ صهيلاً؟ ففتحت عينيّ فإذا بشاب حسن الوجه حسن الرائحة، راكب علي دابة شهباء، فسقاني ماء أبرد من الثلج وأحلي من العسل ونجاني من الهلاك، فقلت: يا سيدي من أنت؟

قال: أنا حجة الله علي عباده ، وبقية الله في أرضه أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً، أنا ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن

ص: 98

موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ثم قال: اخفض عينيك، فخفضتهما. ثم قال: افتحهما ففتحهما فرأيت نفسي في قدام القافلة ثم غاب عن نظري (صلوات الله عليه)(1).

ولا يخفي أن الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) هو من أجلاء فقهاء طائفة الشيعة ومن علماء المائة الرابعة.

وذكر ابن شهر آشوب في كتاب معالم العلماء من جملة تضانيفه كتاب الغيبة(2).

32. شفاء المريض من القرح ببركة المهدي

يقول العالم علي بن عيسي الأربلي في كشف الغمة :

وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل، مات في زماني وما رأيته، حكي لي ولده شمس الدين قال: حكي لي والدي أنه خرج فيه - وهو شباب - علي فخذه الأيسر توثة(3). مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألّمها عن كثير من أشغاله ؛ وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً ودخل إلي مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا: هذا التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر

ص: 99


1- راجع كفاية المهتدي : الحديث السادس والثلاثون، ص140 - المخطوط - وفي أربعين الخاتون آبادي (كشف الحق) : ص65.
2- معالم العلماء (ابن شهر آشوب) : ص36، تحت رقم (215) .
3- التوثة : بثرة متقرحة.

ومتي قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت، فقال له السعيد رضي الدين (قدس الله روحه): أنا متوجه إلي بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فاصعد معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره، فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك فالله تعالي قد نهي عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر علي ذلك وقد وصلت إلي بغداد فأتوجه إلي زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأي علي مشرفه السلام، ثم انحدر إلي أهلي فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه، قال: فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة (عليهم السّلام) ونزلت في السرداب واستغثت بالله تعالي و بالإمام (عليه السّلام) وقضيت بعض الليل في السرداب وبتّ في المشهد إلي الخميس، ثم مضيت إلي دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أريد المشهد، فرأيت أربع فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط و كل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخاً منقباً بيده رمح والآخر متقلد بسيف، وعليه فرجية(1) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته ؛ فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعبه في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق؛ وبقي صاحب الفرجية علي الطريق مقابل والدي، ثم سلموا عليه فردّ (عليهم السّلام) ، فقال له صاحب الفرجية: أنت غداً تروح إلي أهلك؟ فقال: نعم، فقال له تقدم حتي أبصر ما يوجعك؟ قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة: وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدّني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلي أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده، فأوجعني ثم استوي في سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا اسماعيل، فعجبت من

ص: 100


1- الفرجية نوع من أنواع الملابس.

معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله ؛ قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام، قال: فتقدمت إليه فاحتضنته وقبّلت فخذه.

ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنة، فقال: ارجع، فقلت: لا أفارقك أبداً، فقال: المصلحة رجوعك، فأعدت عليه مثل القول الأول؛ فقال الشيخ: يا اسماعيل ما تستحيي، يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه؟ فجبهني(1) بهذا القول، فوقفت فتقدم خطوات والتفت إلي وقال: إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر (رحمه الله) ، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلي علي بن عوض، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد، ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلي أن غابوا عني، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت إلي الأرض ساعة ثم مشيت إلي المشهد، فاجتمع القوّام حولي وقالوا نري وجهك متغيّراً أوجعك شيء؟ قلت: لا، قالوا: أخاصمك أحد؟ قلت: لا، ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألك هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم، فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم، فقلت: لا، بل هو الإمام (عليه السّلام) ، فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية، فقلت: هوصاحب الفرجية، فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضة بيده وأوجعني؛ ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخري فلم أر شيئاً، فانطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا الناس عني، وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرّفوه، فجاء إلي الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد فعرّفته إني خرجت في أول الأسبوع، فمشي عني، وبثُّ في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلي أن بعدت عن المشهد، ورجعوا عني ووصلت إلي اوانا(2) فبتّ

ص: 101


1- فجبهني : نكس رأسه.
2- أوانا : بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي د جيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ .

بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين علي القنطرة العتيقة يسألون من ورد و بكرت عن اسمه ونسبة وأين كان؛ فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ ومزقوا ثيابي ولم يبقّ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلي بغداد وعرّفهم الحال ثم حملوني إلي بغداد وازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام. وكان الوزير القمي (رحمه الله) تعالي) قد طلب السعيد رضي الله (رحمه الله) ، وتقدم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.

قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبي، فردّ أصحابه الناس عني، فلما رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابّته و كشف عن فخذي فلم يرّ شيئاً، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني علي الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلي قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا: ما دوائها ألا القطع بالحديد ومتي قطعها مات، فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين، وتبقي في مكانها حفرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متي رأيتموه، قالوا: منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثم أنه أحضر عند الخليفة المستنصر ( (رحمه الله) تعالي)، فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جري، فتقدّم له بألف دينار، فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها، فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة، فقال الخليفة: ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً؟ فبكي الخليفة وتكدر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.

قال: أفقر عباد الله تعالي رحمته علي بن عيسي (عفا الله عنه): كنت في

ص: 102

بعض الأيام أحيك هذه القصة لجماعة عندي؛ وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي، وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا لأني أصبو عن ذلك، ولكني رأيتها بعدما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر، وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الأيسر (رحمهما الله تعالي) و كانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقيين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحة هذه القصة، وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها، وحكي لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السّلام) ، حتي أنه جاء إلي بغداد وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كل أيامه يزور سامراء ويعود إلي بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضي أو يقضي له الحظ بما قضي، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا، فمات (رحمه الله) بحسرته، وانتقل إلي الآخرة بغصّته، والله يتولاه وإيانا برحمته بمنّه وكرامته(1).

33. كتب رقعة فرُزق بعد فقره

وفيها ذكر تأثير رقعة استغاثة العالم الصالح التقي المرحوم السيد محمد بن جناب السيد عباس الذي ما زال علي قيد الحياة يسكن في قرية جب شيت(2) من قري جبل (عامل)(3) وهو من بني أعمام جناب السيد النبيل والعالم المتبحر الجليل السيد صدر الدين العالمي الأصفهاني صهر شيخ فقهاء عصره الشيخ

ص: 103


1- كشف الغمة (علي بن عيسي الأربلي) : ج2، ص493 – 497 وقد نقلها المؤلف(رحمه الله) باختصار وارتأينا نقلها كاملة.
2- قال المؤلف (رحمه الله) : « مخفف جب شيث نبي الله، بئر هناك نسب لهذا النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم )» .
3- الظاهر سقوطها من المطبوع.

جعفر النجفي أعلي الله تعالي مقامهما.

وكان السيد المذكور قد تواري عن وطنه لتعدي حكام الجور لأنهم كانوا يريدون أن يدخلوا في السلك العسكري، بدون بضاعة ولم يكن عنده يوم خروج من جبل عامل إلا قمري واحد وهو عشر القرآن، ولم يسأل أحداً أبداً، وقد ساح مدة من الزمن.

وقد رأي أيام سياحته عجائب كثيرة في اليقظة والمنام، وأخيراً جاور في النجف الأشرف وسكن في الصحن المقدّس من الحجرات الفوقانية جهة القبلة. وكان مضطرباً جداً، ولم يطّلع علي حاله إلا اثنان أو ثلاثة حتي توفي، وقد كانت المدة من حين خروجه من وطنه إلي وفاته خمس سنوات، وكان أحياناً يمر عليّ، وكان كثير العفّة والحياء والقناعة يحضر عندي أيام إقامة التعزية، وربما استعار مني بعض كتب الأدعية .

ربما أنه كثيراً من الأوقات لم يتمكن من الحصول علي شيء سوي بعض تُميرات وماء بئر الصحن الشريف، لهذا كان يواظب بشدة علي الأدعية المأثورة لسعة الرزق حتي كأنه ما ترك شيئاً من الأذكار المروية والأدعية المأثورة. فكان مشغولاً في ذلك أغلب لياليه وأيامه.

واشتغل مدة بكتابة عريضة إلي الإمام الحجة (عليه السّلام) وعزم علي أن يواظب عليها مدة أربعين يوماً، ويخرج كل يوم قبل طلوع الشمس من البلد ويقترن بفتح الباب الصغير إلي جهة البحر، ويبعد عن طرف اليمين مقدار فرسخ أو أزيد بعيداً عن القلعة بحيث لا يراه أحد ثم يضع عريضته في بندقة من الطين ويودّعها أحد نوابه (سلام الله علي) ويرميها في الماء، إلي أن مضي عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً.

قال: فرجعت يوماً عن محل رمي الرقاع وكنت مطأطئاً رأسي وأنا في ضيق، فالتفت فإذا أن برجل كأنه قد لحق بي من ورائي وكان في زي عربي

ص: 104

(وكفية وعقال) فسلّم، فأجبت في ضيق بأقل ما يردّ ولم التفت إليه لأنه لم يكن لي رغبة في الكلام مع أحد، فماشاني مقداراً من الطريق، وبقيت أنا بنفس الحالة السابقة.

فقال بلهجة أهل جبل عامل: سيد محمد ما حاجتك؟ لك تسعة أو ثمانية وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس وتذهب إلي المكان الفلاني في البحر وترمي العريضة في الماء، أتظن أن إمامك لم يطلع علي حاجتك؟

فقال سيد محمد: فتعجّبت، لأنه لم يطلع أحد علي ما أفعله وبالأخص في هذه الأيام، ولم يرنِ أحد بجنب البحر، ولا يوجد أحد من أهل جبل عامل هنا لا أعرفه، وبالخصوص فإنه ليس من العادة لبس الكفية والعقال في جبل عامل، فاحتملت إني أعطيت النعمة الكبري ونيل المقصود والتشرّف بحضور الغائب المستور إمام العصر (عليه السّلام) أرواحنا له الفدي.

وبما أني كنت قد سمعت في جبل عامل أن يده المباركة (عليه السّلام) في النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد، فقلت في نفسي أصافحه فإذا أحسست بهذا فعندها أصنع مايحق بحضرته، فمددت يدي وأنا علي حالي فصافحته فمدّ يده المباركة (عليه السّلام) فصافحني فإذا بي أجدها ناعمة ولطيفة جداً فتيقنت حصولي علي النعمة العظمي والموهبة الكبري، وفوجهت له وجهي، وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أرِ أحداً.

34. زار المشهد الرضوي وهناك كانت بداية رزقه

ونقل الصالح الصفي المبرور والسيد المتقي المذكور قال:

وردت المشهد المقدس الرضوي (عليه السّلام) للزيارة، وأقمت فيه مدة، وكنت في ضنك وضيق مع وفور النعمة، ورخص أسعارها، ولما أردت الرجوع مع

ص: 105

سائر الزائرين لم يكن عندي شيء من الزّاد صباح ذلك اليوم حتي قرصة لقوت يومي، فتخلّفت عنهم، وبقيت يومي إلي زوال الشمس فزرت مولاي وأدّيت فرض الصلاة فرأيت أني لو لم ألحق بهم لا يتيسّر لي الرفقة عن قريب وإن بقيت أدركني الشتاء ومت من البرد.

فخرجت من الحرم المطهّر مع ملالة الخاطر وشكوت وقلت في نفسي: أمشي علي أثرهم، فإن متّ جوعاً استرحت، و إلا لحقت بهم، فخرجت من البلد الشريف وسألت عن الطريق، وصرت أمشي حتي غربت الشمس وما صادفت أحداً، فعلمت أني أخطأت الطريق، وأنا ببادية مهولة لا يري فيها سوي الحنظل، وقد أشرفت علي من الجوع والعطش علي الهلاك، فصرت أكسر الحنظلة حنظلة لعلّي أظفر من بينها بحبحب(1) حتي كسرت نحواً من خمسمائة ، فلم أظفر بها، وطلبت الماء والكلاء حتي جنّني الليل، ويئست منهما، فأيقنت الفناء واستسلمت للموت، وبكيت علي حالي.

فتراءي لي مكان مرتفع، فصعدته فوجدت في أعلاه عيناً من الماء فتعجّبت وشكرت الله عز وجل وشربت الماء وقلت في نفسي، أتوضأ وضوء الصلاة وأصلي لئلا ينزل بين الموت وأنا مشغول الذمة بها، فبادرت إليها.

فلما فرغت من العشاء الآخرة أظلم الليل وامتلأت البيداء من أصوات السباع وغيرها وكنت أعرف من بينها صوت الأسد والذئب وأري أعين بعضها تتوقد كأنها السراج، فزادت وحشتي إلا أني كنت مستسلماً للموت، فأدركني النوم لكثرة التعب، وما أفقت إلا والأصوات قد انخمدت، والدنيا بنور القمر قد أضاءت، وأنا في غاية الضعف، فرأيت فارساً مقبلاً علي، فقلت في نفسي

ص: 106


1- الحبحب : البطيخ الشامي الذي تسميه أهل العراق : الرقي، والفرس : الهندي، قاله الفيروز آبادي (القاموس المحيط) : ج1، ص51. ويطلق البعض الحبحب علي ثمر نوع من أنواع الحنظل ليس مر ويشبه البطيخ الشامي ولكنه صغير جداً .. يكون بين الحنظل ولكنه نادر .

إن هذا الفارس سوف يقتلني لأنه يريد متاعي فلا يجد شيئاً عندي فيغضب لذلك فيقتلني، ولا أقل من أن تصيبني منه جراحة.

فلما وصل إليّ سلّم عليّ، فرددت عليه السلام وطابت منه نفسي، فقال: ما لك؟ فأومأت إليه بضعفي، فقال: عندي ثلاثة بطيخات، لم لا تأكل منها؟ ولئن كنت بحثت حتي يئست عن الحبحب الذي هو حنظل كالبطيخ فضلاً عن البطيخ، فقلت: لا تستهزئ بي ودعني علي حالي، فقال لي: انظر إلي ورائك، فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار، فقال: سد جوعك بواحدة، وخذ معك اثنتين، وعليك بهذا الصراط المستقيم، فامشِ عليه، وكل نصف بطيخة أول النهار، والنصف الآخر عند الزوال، واحفظ بطيخة فإنها تنفعك، فإذا غربت الشمس، تصل إلي خيمة سوداء، يوصلك أهلها إلي القافلة، وغاب عن بصري.

فقمت إلي تلك البطيخات، فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة واللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها، وأخذت معي الاثنتين، ولزمت الطريق، وجعلت أمشي حتي طلع الشمس ومضي من طلوعها مقدار ساعة، فكسرت واحدة منهما وأكلت نصفها وسرت إلي زوال الشمس، فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق.

فلما قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة، ورآني أهلها فبادروا إليّ وأخذوني بعنف وشدة، وذهبوا بي إلي الخيمة كأنهم توهموا بأني جاسوس، وكنت لا أعرف التكلم إلا باللغة العربية وهم لا يعرفون إلا الفارسية، وكلما صحت لم يسمعني أحد حتي جاؤوا بي إلي كبيرهم، فقال لي بشدة وغضب: من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك، فأفهمته بكل حيلة شرح حالي وإني خرجت اليوم الماضي من المشهد المقدس وضيّعت الطريق.

فقال: أيها السيد الكذاب لا يعبر من هذا الطريق الذي تدّعيه متنفّس إلا

ص: 107

تلف أو أكلته السباع، ثم إنك كيف قدرت علي تلك المسافة البعيدة في الزمن الذي تذكره ومن هذا المكان إلي المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني وإلا قتلتك ، وشهر سيفه في وجهي.

فبدت له البطيخة من تحت عباءتي.

فقال: ما هذا؟ فقصصت عليه قصته، فقال الحاضرون: ليس في هذه الصحراء بطيخ خصوصاً هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبداً، فرجعوا إلي . أنفسهم، وتكلموا فيما بينهم بلغتهم، وكأنهم علموا صدق مقالتي، وإن هذه معجزة من الإمام عليه آلاف التحية والثناء والسلام فأقبلوا علي وقبّلوا يدي وصدّروني في مجلسهم، وأكرموني غاية الإكرام، وأخذوا لباسي تبركاً به وكسوني ألبسة جديدة فاخرة، وأضافوني يومين وليلتين.

فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين، ووجهوا معي ثلاثة منهم حتي أدركت القافلة(1).

35. رغم إنكاره لوجود الإمام شُفي ببركة المهدي

قال العالم الفاضل الألمعي علي بن عيسي الأربلي صاحب كشف الغمة:

وحكي لي السيد باقر بن عطوة العلوي الحسين أن أباه عطوة كان به أدرة وكان زيدي المذهب، وكان ينكر علي نبيه الميل إلي مذهب الإمامية، ويقول: لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتي يجيء صاحبكم يعني المهدي، فيبر أني من هذا المرض، وتكرر هذا القول منه فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاءالآخرة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً

ص: 108


1- أقول ذكر القصة المؤلف (رحمه الله) في كتابه (جنة المأوي) : ص249 - 252.

فالساعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نر أحداً، فعدنا إليه وسألناه فقال: إنه دخل إلي شخص، وقال: يا عطوة، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك، ثم مدّ يده فعصر قروتي ومشي ومددت يدي فلم أرَ لها أثراً، قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قروة واشتهرت هذه القصة، وسألت عنها غير ابنه فأخبر عنها فأقرّ بها، والأخبار عنه (عليه السّلام) في هذا الباب كثيرة، وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها فخلصهم، وأوصلهم إلي حيث أرادوا ولولا التطويل لذكرت منها جملة(1).

36. تشرف العلامة ابن طاووس بلقاء المهدي

قال السيد الجليل صاحب المقامات الباهرة والكرامات الظاهرة رضي الدين علي بن طاووس في رسالة المواسعة والمضايقة:

يقول علي بن موسي بن جعفر بن طاووس: كنت قد توجهت أنا وأخي الصالح محمد بن محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله سعادته ، وشرّف خاتمته من الحلّة إلي مشهد مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام) ، في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر جمادي الأخري سنة إحدي وأربعين وستمائة، فاختار الله لنا المبيت بالقرية التي تسمي ذرة بن سنجار، وبات أصحابنا ودوابنا في القرية، وتوجهنا منها أوائل نهار يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر المذكور.

فوصلنا إلي مشهد مولانا علي (صلوات الله عليه وسلامه) قبل ظهر يوم الأربعاء المذكور، فزرنا وجاء الليل في ليلة الخميس تاسع عشر جمادي الأخري المذكورة، فوجدت في نفسي إقبالاً علي الله، وحضوراً وخيراً كثيراً فشاهدت ما يدل علي القبول والعناية والرأفة وبلوغ المأمول والضيافة، فحدثني

ص: 109


1- كشف الغمة (الأربلي) : ج2، ص497.

أخي الصالح محمد بن محمد الآوي ضاعف الله سعادته أنه رأي في تلك الليلة في منامه كأن في يدي لقمة وأنا أقول له: هذه من فم مولانا المهدي (عليه السّلام) وقد أعطيته بعضها.

فلما كان س حر تلك الليلة، كنت علي ما تفضّل الله به من نافلة الليل فلما أصبحنا به من نهار الخميس المذكور، دخلت الحضرة حضرة مولانا علي (صلوات الله عليه) علي عادتي، فورد علي من فضل الله وإقباله والمكاشفة ما كدت أسقط علي الأرض، ورجفت أعضائي وأقدامي، وارتعدت رعدة هائلة، علي عوائد فضله عندي وعنايته لي، وما أراني من برّه لي ورفدي، وأشرفت علي الفناء ومفارقة دار الفناء والانتقال إلي دار البقاء، حتي حضر الجمال محمد بن كنيلة، وأنا في تلك الحال فسلّم عليّ فعجزت عن مشاهدته، وعن النظر إليه، وإلي غيره، وما تحققته بل سألت عنه بعد ذلك، فعرّفوني به تحقيقاً، وتجدّدت في تلك الزيارة مكاشفات جليلة وبشارات جميلة.

37. إدراك ابن طاووس لجماعة رؤوا المهدي

قال السيد المعظم المتقدم ذكره (طاب ثراه) في كتاب (فرج المهمومفي معرفة نهج الحلال والحرام من النجوم):

« إني أدركت في زماني جماعة ذكروا أنهم شاهدوا المهدي (صلوات الله عليه) وبينهم من كان يحمل رقعاً وعرائض قد عرضت عليه (عليه السّلام) ومنها ما علمت صدقه وهو أنه أخبرني من لم يأذن بتسميته، ثم ذكر أنه سأل الله تعالي أن يتفضل عليه بمشاهدة المهدي (عليه السّلام)، فرأي في المنام أنه سوف يراه في وقت أشار إليه.

قال: فعندما جاء ذلك الوقت كان هو في المشهد لمولانا موسي بن

ص: 110

جعفر (عليه السّلام) ، فحبس السائل المذكور نفسه من مزاحمته (عليه السّلام) ، ودخل الحرم المنوّر ووقف عند رجلي الضريح المقدس لمولانا الإمام الكاظم (عليه السّلام) ثم خرج الذي كان يعتقد أنه المهدي (عليه السّلام) وكان معه صاحب، وقد شاهد هذا الشخص الإمام (عليه السّلام) ، ولم يكلمه لوجوب التأدب في حضوره المقدس (عليه السّلام).

38. وضع الرقعة علي القبة فقضيت حاجته

وقال السيد ابن طاووس، ومن جملتها الخبر الذي حدثنا به الرشيد العباس بن ميمون الواسطي عند سفرنا إلي سامراء قال:

عندما توجه الشيخ (يعني جدي ورام بن أبي فراس (قدس الله روحه) من الحلة للألم والملل الذي ظهر من المغازي، وأقام في المشهد المقدّس في مقابر قريش شهرين إلا سبعة أيام.

قال: فتوجهت من بلد واسط إلي سر من رأي، وصار الهواء بارداً بشدة فاجتمعت بالشيخ ورام في المشهد الكاظمي وبيّنت له عزمي علي الزيارة.

فقال: أريد أن أبعث معك رقعة تشدّها بأزرار ملابسك أو تحت ملابسك.

فربطتها بملابسي. ثم قال: إذا وصلت إلي القبة الشريفة (يعني قبة السرداب المقدس) ودخلت هناك في أول الليل ولا يبقي أحد عندك، وكنت آخر من بقي وأردت الخروج فضع الرقعة في القبة، فإذا صار الصبح فاذهب إلي هناك فإذا لم تَرَ الرقعة هناك فلا تقل لأحد شيئاً.

قال: فعملت ما قاله لي. فذهب في الصباح ولم أجد الرقعة ورجعت إلي أهلي.

وقد رجع الشيخ قبلي من نفسه إلي أهله، يعني رجع إلي الحلة.

ص: 111

فجئت بعد موسم الزيارة والتقيت بالشيخ في منزله بالحلّة.

فقال لي: انقضت تلك الحاجة.

قال أبو العباس: لم أتحدث لأحد قبلك بهذا الحديث ومن حين وفاة الشيخ إلي الآن ما يقارب الثلاثين سنة(1).

يقول الشيخ الطبرسي النوري (أعلي الله مقامه)

الشيخ ورام المتقدم ذكره من الزهاد العلماء وأعيان الفقهاء ومن أولاد مالك الأشتر وهو مؤلف كتاب (تنبيه الخاطر) المعروف بمجموعة ورام وه وجدّه؟؟ ابن طاووس من أمه و أمها بنت الشيخ الطوسي.

وأم هذه البنت والبنت الأخري للشيخ هي أم ابن إدريس وبنت السعيد ورام، والثلاثة من الفضلاء وأصحاب الإجازة.

وقد اشتبه جماعة ب «ورام» آخر.

وفي كثير من الكتب المؤلفة في هذا الباب اشتباهات عجيبة في ترجمة ابن طاووس وابن إدريس ليس هنا مقام ذكرها؛ حتي أنه عدّ بعض هذين العالمين ولدي الخالة، وهذه من الأخطاء الفاحشة وغير خفيّة علي من له معرفة في الجملة بطبقات العلماء.

39. إتمام كتاب الحلي بقلم صاحب الزمان

السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمة آية الله العلامة الحلي (قدس سرّه)

أن من جملة مقاماته العالية أنه اشتهر عند أهل الإيمان أن بعض

علماء

ص: 112


1- للسبب المتقدم عرّبنا الحكاية.

أهل السنة ممن تتلمذ عليه العلامة في بعض الفنون ألف كتاباً في رد الإمامية ، ويقرأ للناس في مجالسه ويضلّهم، وكان لا يعطيه أحداً خوفاً من أن يردّه أحد من الإمامية، فاحتال (رحمه الله) في تحصيل هذا الكتاب إلي أن جعل تتلمذه عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية، فالتجأ الرجل واستحيي من ردّه وقال: إني آليت علي نفسي أن لا أعطيه أحداً أزيد من ليلة، فاغتنم الفرصة في هذاالمقدار من الزمان، فأخذه منه وأتي به إلي بيته لينقل منه ما تيسر منه.

فلما اشتغل بكتابه وانتصف الليل، غلبه النوم، فحضر الحجة (عليه السّلام) وقال: ولّني الكتاب وخذ في نومك فانتبه العلامة وقد تم الكتاب بإعجازه(1) (عليه السّلام) .

يقول الطبرسي النوري

وجدت هذه الحكاية في كشكول الفاضل الألمعي علي بن ابراهيم المازندراني المعاصر للعلامة المجلسي (رحمه الله) بنحو آخر وهو كما نقله: أنه طلب من بعض الأفاضل نسخة فأبي من إعطائه، وكان كتاباً كبيراً، إلي أن اتفق علي إعطائه بشرط أن يبقي عنده ليلة واحدة، ولا يمكن استنتاخ ذلك الكتاب إلا بسنة أو أكثر، فأخذ العلامة إلي داره فابتدأ بكتابته في تلك الليلة فبعد كتابته عدة صفحات وتضجره رأي رجلاً دخل من بالباب بصفة أهل الحجاز وسلم وجلس، ثم قال ذلك الرجل: ياشيخ أنت تسطر لي هذه الأوراق وأنا أكتب، فكان الشيخ يسطر له وهو يكتب ومن سرعة الكتابة لا يلحق به بالتسطير ، وعندما كان نداء ديك الصبح تم ذلك الكتاب بالكامل.

وقال بعضهم: فعندما تعب الشيخ نام فلما استيقظ رأي الكتاب قد كتب، والله أعلم.

ص: 113


1- نقلنا عبارة المؤلف (رحمة الله عليه) من (جنة المأوي) ص 252.

40. اصبر حتي ألقاك

وقال أيضاً السيد لأجل؟؟ علي بن طاووس في كتاب فرج المهموم:

ومن جملتها اذكر خبراً علمته ممن تحققت صدقه لي في ذلك فسألت مولاي المهدي (عليه السّلام) أن يخبرني أبقي فيما كنت فيه ممن تشرف بصحبته وخدمته في زمان الغيبة مقتدياً بمن يخدمه (عليه السّلام) من مواليه وخواصه؟ ولم اطلع علي مقصودي هذا أحداً من العباد.

فحضر عندي ابن الرشيد بن العباس الواسطي الذي ذكر سابقاً في يوم الخميس التاسع والعشرين من رجب المرجب سنة خمس وثلاثين وستمائة وقال مبتدئاً من نفسه: يقولون لك ليس عندنا قصد إلا الرحمة معك، فإذا توطن نفسك علي الصبر يحصل مقصودك.

فقلت له من هو الطرف الذي تقول عنه هذا الكلام؟

فقال عن طرف مولانا المهدي (عليه السّلام) .

41. دعاء الإمام لشيعته

وذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين أنه نقل عن ابن طاووس (رحمه الله)

أنه سمع سحرة في السرداب عن صاحب الأمر (عليه السّلام) أنه يقول: «اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا وبقية طينتنا، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً علي حبنا وولايتنا، فإن كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا، وما كان منها فيما بينهم ولا تجمع بينهم وبين أعدائك في سخطك»(1).

ص: 114


1- جنة المأوي ص 302.

42. بعد أن داهمه هم عظيم فُرج عنه ببركة دعاء الإمام

نقل السيد الجليل علي بن طاووس في مهج الدعوات عن بعض كتب القدماء روي عن أبي علي أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد العلوي العريضي بحرّان قال:

حدثني محمد بن علي العلوي الحسيني وكان يسكن بمصر قال: دهمني أمر عظيم وهمّ شديد من قبل صاحب مصر فخشيته علي نفسي وكان قد سعي بي إلي أحمد بن طولون، فخرجت من مصر حاجاً وصرت من الحجاز إلي العراق فقصدت مشهد مولاي وأبي عبد الله الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) عائذاً به ولائذاً بقبره ومستجيراً به من سطوة من كنت أخافه فأقمت بالحائر خمسة عشر يوماً أدعو وأتضرع ليلي ونهاري فتراءي لي قيم؟؟ الزمان وولي الرحمن وأنا بين النائم واليقظان، فقال لي: يقول لك الحسين: يا بني خفت فلاناً؟ فقلت: نعم أراد بي هلاكي فلجأت إلي سيدي (عليه السّلام) وأشكو إليه عظيم ما أراد بي، فقال: هلا دعوت الله ربك ورب آبائك بالأدعية التي دعا بها ما سلف من الأنبياء (عليهم السّلام) فقد كانوا في شدة فكشف الله عنهم ذلك قلت: وماذا أدعوه؟ فقال: إذا كان ليلة الجمعة فاغتسل وصلِّ صلوة الليل. فإذا سجدت سجدة الشكر دعوت بهذا الدعاء وأنت بارك علي ركبتيك، فذكر لي دعاء قال: ورأيته في مثل الوقت يأتيني وأنا بين النائم واليقظان قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرّر عليّ هذا القول والدعاء حتي حفظته وانقطع عني مجيئه ليلة الجمعة فاغتسلت وغيّرت ثيابي وتطيّبت وصلّيت صلوة الليل، وسجدت سجدة الشكر وجثوت علي ركبتي ودعوت الله جل وتعالي بهذا الدعاء، فأتاني ليلة السبت (عليه السّلام) فقال لي قد أحببت دعوتك يا محمد وقتل عدوك عند فراغك من الدعاء عند من وشي بك إليه، قال: فلما أصبحت ودّعت سيدي وخرجت

ص: 115

متوجهاً إلي مصر فلما بلغت الأردن وأنا متوجه إلي مصر رأيت رجلاً من جيراني بمصر وكان مؤمناً فحدثني أن خصمك قبض عليه أحمد بن طولون فأمر به فأصبح مذبوحاً من قفاه ، قال : وذلك في ليلة الجمعة وأمر به فطرح في النيل، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلنا وإخواننا الشيعة أن ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي (صلوات الله عليه).

43. دعاء عظيم مجرب لتفريج الضيق والشدة للإمام المهدي

قال السيد المؤيد الجليل السيد علي خان الشيرازي صاحب شرح

الصحيفة و الصمدية وغيره في كتاب الكلم الطيب والغيث الصيب:

رأيت بخط بعض أصحابي من السادات الأجلاء الصلحاء الثقاة ما صورته:

سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف، الأخ في الله المولي الصدوق العالم العمل، جامع الكمالات الإنسية، والصفات القدسية، الأمير اسماعيل بن حسين بيك بن علي بن سليمان الجابري الأنصاري (أنار الله تعالي برهانه) يقول: سمعت الشيخ الصالح التقي الورع الشيخ الحاج علياً المكي قال: إني ابتليت بضيق وشدة ومناقضة خصوم، حتي خفت علي نفسي القتل والهلاك، فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن يعطينيه أحد، فتعجبت من ذلك، وكنت متحيراً فرأيت في المنام قائلاً في زي الصلحاء والزهاد يقول لي: إنا أعطيناك الدعاء الفلاني فادع به تنجُ من الضيق والشدة ولم يتبيّن لي من القائل، فزاد تعجبي ، فرأيت مرة أخري الحجة المنتظر (عليه السّلام) فقال لي: ادع بالدعاء الذي أعطيتكياه، وعلم من أردت.

قال: وقد جرّبته مراراً عديدة، فرأيت فرجاً قريباً، وبعد مدة ضاع مني الدعاء برهة من الزمان، وكنت متأسفاً علي فواته، مستغفراً من سوء العمل،

ص: 116

فجاءني شخص وقال لي: إن هذا الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني وما كان في بالي إني رحت إلي ذلك المكان، فأخذت الدعاء، وسجدت لله شكراً وهو:

«بسم الله الرحمن الرحيم ربّ أسألك مدداً روحانياً تقوّي به قواي الكلية والجزئية، حتي أقهر بمبادئ نفسي كل نفس قاهرة، فتنقبض لي إشارة رقائقها انقباضاً تسقط به قواها حتي لا يبقي في الكون ذو روح إلا ونار قهري قد أحرقت ظهوره، يا شديد ياشديد، يا ذا البطش الشديد، يا قهار ، أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية، فانفعلت له النفوس بالقهر، أن تودعني هذا السر في هذه الساعة حتي أُلين به كل صعب، وأُذلل به كل منيع، بقوتك ياذا القوة المتين.

تقرأ ذلك سحراً ثلاثاً إن أمكن، وفي الصباح ثلاثاً وفي المساء ثلاثاً، فإذا اشتد الأمر علي من يقرؤه يقول بعد قراءته ثلاثين مرة: يا رحمان يا رحيم يا أرحم الراحمين، أسألك اللطف بما جرت به المقادير»(1).

44. إساءة أهل الحلة لمقام الإمام

قال العالم الفاضل المتبخر النقاد الآميرزا؟؟ عبد الله الأصفهاني الشهير بالأفندي في المجلد الخامس من كتاب رياض العلماء وحياض الفضلاء في ترجمة الشيح بن أبي الجواد النعماني

أنه ممن رأي القائم (عليه السّلام) في زمن الغيبة الكبري، وروي عنه (عليه السّلام) ؛ ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسين بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد أنه قد رأي ابن أبي الجواد النعماني مولانا

ص: 117


1- راجع الكلم الطيب (السيد عليخان) : ص13 - 15 - جنة المأوي (الشيخ النوري) ص225 - 226.

المهدي (عليه السّلام) فقال له: يا مولاي لك مقام بالنعمانية، ومقام بالحلة، فأين تكون فيهما؟ فقال له: أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدبون في مقامي، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدب ويسلم علي وعلي الأئمة وصلي علي وعليهم اثني عشر مرة ثم صلي ركعتين بسورتين، وناجي الله بهما المناجاة، إلا أعطاه الله تعالي ما يسأله، أحدها المغفرة.

فقلت: يا مولاي علمني ذلك، فقال: قل: اللهم قد أخذ التأديب مني حتي مسنّي الضرّ وأنت أرحم الراحمين، وإن كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به، وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتي يسبق عفوك ورحمتك عذابك، وكررها علي ثلاثاً حتي فهمتها(1).(2)

45. الالتقاء بصاحب الزمان في مسجد صعصعة

نقل السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب الإقبال عن محمد بن أبي الرواد الرواسي ذكر أنه خرج مع محمد بن جعفر الدهان إلي مسجد السهلة في يوم من أيام رجب فقال:

قال: مر بنا إلي مسجد صعصعة فهو مسجد مبارك وقد صلي به أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه و آله) ووطأه الحجاج بأقدامهم.

فملنا إليه فبينما نحن نصلي إذا برجل قد نزل عن ناقته وعقلها بالظلال؛ ثم دخل وصلي ركعتين أطال فيهما، ثم مد يديه فقال (3): وذكر الدعاء الذي

ص: 118


1- قال المؤلف (رحمه الله) : « يعني حفظتها».
2- راج جنة المأوي : ص270.
3- في الترجمة ، « فقال : اللهم يا ذا المنن السابغة إلي آخر ما يأتي ثم قام ... الخ» .

يأتي ذكره، ثم قام إلي راحلته وركبها، فقال لي ابن جعفر الدهان: الآن نقوم إليه فنسأله من هو؟

فقمنا إليه ، فقلنا له: ناشدناك الله من أنت؟

فقال: ناشدتكما الله من ترياني؟

قال ابن جعفر الدهان: نظنك الخضر (عليه السّلام) .

فقال: وأنت أيضا؟

فقلت: أظنك إياه.

فقال: والله إني لمن الخضر مفتقر إلي رؤيته، انصرفا فأنا إمام زمانكما(1).

ونقل الشيخ محمد بن المشهدي في مزاره الكبير، والشيخ الشهيد الأول في المزار عن روي عن علي محمد بن عبد الرحمن التستري أنه قال مررتُ ببني رواس فقال لي بعض إخواني لو ملتَ بنا إلي مسجد صعصعة لصلينا فيه ، فإن هذا رجب ويستحب فيه زيارة هذه المواضع المشرّفة التي وطئها الموالين بأقدامهم وصلوا فيها، ومسجد صعصعة منها، قال: فملت معه إلي المسجد وإذا ناقة معقلة مُرحَّلة قد أُنبخت بباب المسجد، فدخلنا وإذا برجل عليه ثياب الحجاز وعمّة كعمّتهم قاعد يدعو بهذا الدعاء فحفظته أنا وصاحبي وهو:

«اللهم يا ذا المنن السابغة.. إلي آخره» .

ثم سجد طويلاً، وقام وركب الراحلة وذهب، فقال لي صاحبي: نراه الخضر (عليه السّلام) ، فما بالنا لا نكلّمه؟ كأنما أمسك علي ألسنتنا! فخرجنا فلقينا ابن أبي رواد الرواسي فقال: من أين أقبلتما؟ قلنا: من مسجد صعصعة ، وأخبرناه بالخبر: فقال هذا الراكب يأتي مسجد صعصعة في اليومين والثلاثة ولا يتكلّم، قلنا من هو؟ قال: مَن تريانه أنتما؟ قلنا: نظنه الخضر (عليه السّلام) ، فقال :

ص: 119


1- إقبال الأعمال السيد ابن طاووس) : ص 645 ، الطبعة الحجرية.

فأنا والله ما أراه إلا مَن الخضر (عليه السّلام) محتاج إلي رؤيته، فانصرفا راشدين، فقال لي صاحبي: هو والله صاحب الزمان (صلوات الله عليه)(1).(2)

46. القصة المشهورة بتشرف الحاج علي البغدادي بلقاء الإمام

قال النوري الطبرسي قضية الصالح الصفي التقي الحاج علي البغدادي الموجود حالياً في وقت تأليف هذا الكتاب وفقه الله ، و هي تناسب الحكاية السابقة، ولو لم يكن في هذا الكتاب الشريف إلا هذه الحكاية المتقنة الصحيحة التي فيها فوائد كثيرة، وقد حدثت في وقت قريب، لكفت في شرفه ونفاسته.

وتفصيلها كما يلي: -

في شهر رجب السنة الماضية كنت مشغولاً بتأليف رسالة جنّة المأوي فعزمت علي السفر إلي النجف الأشرف لزيارة المبعث، فجئت الكاظمين ووصلت بخدمة جناب العالم والعامل والفقيه الكامل السيد السند والحبر المعتمد الاقا السيد محمد ابن العالم الأوحد السيد أحمد ابن العالم الجليل والدوحة النبيل السيد حيدر الكاظميني أيده الله وهو من تلامذة خاتم المجتهدين وفخر الإسلام والمسلمين الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضي (أعلي الله تعالي مقامه)، ومن أتقياء علماء تلك البلدة الشريفة، ومن صلحاء أئمة جماعة الصحن والحرم الشريف، وكان ملاذاً للطلاب والغرباء والزوار، وأبوه وجدّه من العلماء المعروفين، وما زالت تصانيف جدّه سيد حيدر في الأصول والفقه وغيرهما موجودة.

ص: 120


1- في المطبوع : (عليه السّلام) .
2- المزار الشهيد الأول) : ص 264 - 266.

فسألته إذا كان رأي أو سمع حكاية صحيحة في هذا الباب أن ينقلها، فنقل هذه القضية، وكنت قد سبقتها سابقاً ولكني لم أضبط أصلها وسندها فطلبت منهأن يكتبها بخط يده.

فقال: سمعتها من مدّة وأخاف أن أزيد فيها أو أنقص، فعلي أن ألتقي به وأسئله ومن ثم أكتبها، ولكن اللقاء به والأخذ منه صعب فإنه من حين وقوع هذه القضية قل أنسه بالناس وسكناه في بغداد وعندما يأتي للتشرّف بالزيارة فإنه لا يذهب إلي مكان ويرجع بعد أن يقضي وطراً من الزيارة، فيتفق ألا أراه في السنة إلا مرة أو مرتين في الطريق، وعلي ذلك فإن مبناه علي الكتمان إلا علي بعض الخواص ممن يأمن منه الإفشاء والإذاعة خوف استهزاء المخالفين المجاورين المنكرين ولادة المهدي (عليه السّلام) وغيبته، وخوفاً من أن ينسبه العوام إلي الفخر وتنزيه النفس.

قلت: إني أطلب منك أن تراه مهما كان وتسأله عن هذه القضية إلي حين رجوعي من النجف، فالحاجة كبيرة والوقت ضيق.

ففارقته لساعتين أو ثلاث ثم رجع إلي وقال: من أعجب القضايا أني عندما ذهبت إلي منزلي جاءني شخص مباشرة وقال جاؤوا بجنازة من بغداد ووضعوها في الصحن الشريف وينتظرونك للصلاة عليها.

فقمت وذهبت وصليت فرأيت الحاج المذكور بين المشيعين فأخذته جانباً، وبعد امتناعه سمعت هذه القضية، فشكرت الله علي هذه النعمة السنية ، فكتبت القصة بكاملها وثبتها في جنّة المأوي.

وقد تشرّفت بعد مدة مع جماعة من العلماء الكرام والسادات العظام بزيارة الكاظمين(عليه السّلام) وذهبت من هناك إلي بغداد لزيارة النوّاب الأربعة (رضوان الله عليهم) فبعد أداء الزيارة وصلت بخدمة جناب العالم العامل والسيد الفاضل الآقا سيد حسين الكاظميني، وهو أخ جناب الآقا السيد محمد المذكور، وكان

ص: 121

يسكن في بغداد و عليه مدار الأمور الشرعية لشيعة بغداد (أيدهم الله)، وطلبت منه أن يحضر الحاج علي المذكور، وبعد أن حضر، طلبت منه أن ينقل القضية في ذلك المجلس، فإبي، وبعد الإصرار رضي أن ينقلها ولكن في غير ذلك المجلس، وذلك بسبب حضور جماعة من أهل بغداد، فذهبنا إلي مكان خالٍ ونقل القضية، وكان الاختلاف في الجملة في موضعين أو ثلاثة وقد اعتذر عن ذلك بسبب طول المدة.

وكانت تظهر من سيمائه آثار الصدق والصلاح بنحو واضح، بحيث ظهر لجميع الحاضرين مع كثرة تدقيقهم في الأمور الدينية والدنيوية القطع بصدق الواقعة.

نقل الحاج المذكور (أيده الله): اجتمع في ذمتي ثمانون تومان من مال الإمام (عليه السّلام) فذهبت إلي النجف الأشرف فأعطيت عشرين توماناً منه لجناب علم الهدي والتقي الشيخ مرتضي (أعلي الله مقامه) وعشرين توماً إلي جناب الشيخ محمد حسين المجتهد الكاظميني وعشرين توماناً لجناب الشيخ محمد حسن الشروقي وبقي في ذمتي عشرون توماناً، كان في قصدي أن أعطيها إلي جناب محمد حسن الكاظميين آل ياسيني (أيده الله) عند رجوعي، فعندما رجعت إلي بغداد كنت راغباً في التعجيل بأداء ما بقي في ذمتي، فتشرّفت في يوم الخميس بزيارة الإمامين الهمامين الكاظمين (عليه السّلام) وبعد ذلك ذهبت إلي خدمة جناب الشيخ (سلمه الله) وأعطيته مقداراً من العشرين توماناً وواعدته بأني سوف أعطيه الباقي بعد ما أبيع الأشياء تدريجياً، وأن يجيزني أن أوصله إلي أهله، وعزمت علي الرجوع إلي بغداد في عصر ذلك اليوم، وطلب جناب الشيخ منّ أن أتأخر فاعتذرت بأن عليّ أن أوفي عمّال النسيج أجورهم، فإنه كان من المرسوم أن أسلّم أجرة الأسبوع عصر الخميس، فرجعت وبعد أن قطعت ثلث الطريق تقريباً رأيت سيداً جليلاً قادماً من بغداد من أمامي، فعندما

ص: 122

قرب مني سلم علي وأخذ بيدي مصافحاً ومعانقاً وقال: أهلاً وسهلاً وضمني إلي صدره وعانقني وقبّلني وقبّلته، وكانت علي رأسه عمامة خضراء مضيئة مزهرة، وفي خدّه المبارك خال أسود كبير ، فوقف وقال: حاج علي علي خير، علي خير، أين تذهب؟

قلت: زرت الكاظمين (عليه السّلام) وأرجع إلي بغداد.

قال: هذه الليلة ليلة الجمعة فارجع.

قلت: يا سيدي لا أتمكن.

فقال: في وسعك ذلك، فارجع حتي أشهد لك بأنك من موالي جدّي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ومن موالينا، ويشهد لك الشيخ كذلك، فقال تعالي: « وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ »(1).

وكان ذلك من إشارة إلي مطلب كان في ذهني أن ألتمس من جناب الشيخ أن يكتب لي شهادة بأني من موالي أهل البيت (عليه السّلام) لأضعها في كفني.

فقلت: أي شيء تعرفه، وكي تشهد لي؟

قال: من يوصل حقه إليه ، كيف لا يعرف من أوصله؟

قلت: أي حقٍ؟

قال: ذلك الذي أوصلته إلي وكيلي.

قلت: من هو وكيلك.

قال: الشيخ محمد حسن.

قلت: وكيلك؟

ص: 123


1- سورة البقرة : آية 282.

قال: وكيلي.

وكان قد قال لجناب الآقا السيد محمد، وكان قد خطر في ذهني أن هذاالسيد الجليل يدعوني باسمي مع أني لا أعرفه، فقلت في نفسي لعله يعرفني وأنا نسيته، ثم قلت في نفسي أيضاً: إن هذا السيد يريد مني شيئاً من حق السادة ، وأحببت أن أوصل إليه شيئاً من مال الإمام (عليه السّلام) الذي عندي.

فقلت: ياسيد بقي عند شيءٌ من حقكم فرجعت في أمره إلي جناب الشيخ محمد حسن لأؤدي حقكم يعني السادات بإذنه.

فتبسم في وجهي وقال: نعم قد أوصلت بعضاٌ من حقنا إلي وكلائنا في النجف الأشرف.

فقلت: هل قبل ذلك الذي أديته؟

فقال: نعم.

خطر في ذهني أن هذا السيد يقول بالنسبة إلي العلماء الأعلام (وكلائنا) فاستعظمت ذلك، فقلت: العلماء وكلاء في قبض حقوق السادات وغفلت.

ثم قال: ارجع زُر جدي.

فرجعت وكانت يده اليمني بيدي اليسري فعندما سرنا رأيت في جانبنا الأيمن نهراً ماؤه أبيض صافٍ جارٍ. وأشجار الليمون والنارنج والرمان والعنب وغيرها كلها مثمرة في وقت واحد مع أنه لم يكن موسمها، وقد تدلت فوق رؤوسنا.

قلت: ما هذا النهر ما هذه الأشجار؟

قال: إنها تكون مع كل من يزورنا ويزور جدنا من موالينا.

فقلت: أريد أن أسألك.

ص: 124

قال: اسأل.

قلت: كان الشيخ المرحوم عبد الرزاق رجلاً مدرساً فذهبت عنده يوماً فسمعته يقول: لو أن أحداً كان عمره كله صائماً نهاره قائماً ليله وحد أربعين حجة وأربعين عمرة ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من موالي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فليس له شيء؟

قال: نعم، والله له شيء .

فسألته عن بعض أقربائي هل هو من موالي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ؟

قال: نعم هو وكل من يرتبط بك.

فقلت: سيدنا! لي مسألة.

قال: اسأل.

قلت: يقرأ قراء تعزية الحسين (عليه السّلام) أن سليمان الأعمش جاء عند شخص وسأله عن زيارة سيد الشهداء (عليه السّلام) فقال: بدعة. فرأي في المنام هودجاً بين الأرض والسماء، فسأل مَن في الهودج؟ فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبري (عليها السّلام) . فقال: إلي أين تذهبان؟ فقيل: إلي زيارة الحسين (عليه السّلام) في هذه الليلة في ليلة الجمعة، ورأي رقاعاً تتساقط من الهودج مكتوب فيها: «أمان من النار لزوار الحسين (عليه السّلام) في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة».

فهل هذا الحديث صحيح؟

قال: نعم، صحيح وتام.

قلت: سيدنا يقولون: من زار الحسين (عليه السّلام) يوم الجمعة فهي له أمان.

قال: نعم والله. (وجرت الدموع من عينيه المباركتين وبكي).

قلت: سيدنا مسألة.

ص: 125

قال: اسأل.

قلت: زرنا الإمام الرضا (عليه السّلام) سنة تسع وستين ومائتين وألف والتقينا بأحد الأعراب الشروقيين من سكان البادية في الجهة الشرقية من النجف الأشرف في درود، واستضفناه وسألناه كيف هي ولاية الرضا (عليه السّلام) ؟

قال: الجنة. ولي خمسة وعشر يوماً آكل من مال مولاي الإمام الرضا (عليه السّلام) فكيف يجرؤ منكر ونكير أن يدنيا مني في قبري وقد نبت لحمي ودمي من طعامه (عليه السّلام) في مضيفه؟!

فهل هذا صحيح أن علي بن موسي الرضا (عليه السّلام) يأتي ويخلصه من منكر ونكير؟

فقال: نعم والله، إن جدّي هو الضامن.

قلت: سيدنا أريد أن أسألك مسألة صغيرة؟

قال: أسأل.

قلت: وهل زيارتي للإمام الرضا (عليه السّلام) مقبولة؟

قال : مقبولة إن شاء الله.

قلت: سيدنا مسألة؟

قال: بسم الله.

قلت: إن الحاج محمد حسين القزاز (بزاز باشي) ابن المرحوم الحاج أحمد القزاز (بزاز باشي) هل زيارته مقبولة أم لا (وقد كان رفيقنا في السفر وشريكنا في الصرف في طريق مشهد الرضا (عليه السّلام) ؟

قال: العبد الصالح زيارته مقبولة.

ص: 126

قلت: سيدنا مسألة؟

قال: بسم الله.

قلت: إن فلانة من أهل بغداد - وكان رفيقنا في السفر - هل زيارته مقبولة؟

فسكت.

قلت: سيدنا مسألة؟

قال: بسم الله.

قلت: هل سمعت هذه الكلمة أم لا؟ فهل إن زيارته مقبولة أم لا؟ فلم يجبني.

ونقل الحاج المذكور أنه كان ذلك الشخص وعدة نفر من أهل بغداد المترفين قد انشغلوا في السفر واللهو واللعب، وكان ذلك الشخص قد قتل أمه.

فوصلنا في الطريق إلي مكان واسع علي طرفيه بساتين مقابل بلدة الكاظمين الشريفة، وكان موضع من ذلك الطريق متصلاً ببساتين من جهته اليمني لمن يأتي من بغداد وهو ملك لبعض الأيتام السادة وقد أدخلته الحكومة ظلماً في الطريق، وكان أهل التقوي والورع من سكنة هاتين البلدتين يجتنبون دائماً المرور من تلك القطعة من الأرض.

ورأيته (عليه السّلام) يمشي في القطعة فقلت: ياسيدي هذا الموضع ملك لبعض الأيتام السادة ولا ينبغي التصرف فيه.

قال: هذا الموضع ملك جدّنا أمير المؤمنين (عليه السّلام) وذريته وأولادنا ويحلّ لموالينا التصرّف فيه.

ص: 127

وكان في القرب من ذلك المكان علي الجهة اليسري ملك لشخص يقال له الحاج الميرزا هادي، وهو من أغنياء العجم المعروفين، وكان يسكن في بغداد ؛

قلت: سيدنا هل صحيح ما يقال بأن أرض بستان الحاج ميرزا هادي ملك الإمام موسي بن جعفر (عليه السّلام) ؟

قال: ما شأنك بهذا؟ وأعرض عن الجواب.

فوصلنا إلي ساقية ماء فُرِّعت من شط دجلة للمزارع والبساتين في تلك المنطقة وهي تمر في ذلك الطريق، وعندها تشعب الطريق إلي فرعين اتجاه البلدة ؛ أحد الطريقين سلطاني(1)، والآخر طريق السادة، فاختار (عليه السّلام) طريق السادة.

فقلت: تعال نذهب من هذا الطريق ، يعني الطريق السلطاني. قال: لا، نذهب من طريقنا.

فما خطونا إلا عدة خطوات فوجدنا أنفسنا في الصحن المقدس عند موضع خلع الأحذية (كفش داري) من دون أن نمر بزقاق ولا سوق.

فدخلنا الإيوان من جهة باب المراد التي هي الجهة الشرقية مما يلي الرجل.

ولم يمكث (عليه السّلام) في الرواق المطهر، ولم يقرأ إذن الدخول، ودخل، ووقف علي باب المحرم، فقال: زُر.

قلت: إني لا أعرف القراءة.

قال: اقرأ لك؟

قلت: نعم.

ص: 128


1- المزار الشهيد الأول) : ص264 - 266.

فقال: أأدخل يا الله ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وهكذا سلّم علي كل إمام من الأئمة (عليهم السّلام) حتي بلغ في السلام إلي الإمام العسكري (عليه السّلام) وقال: السلام عليك يا أبا محمد الحسن العسكري، ثم قال: تعرف إمام زمانك؟

قلت: وكيف لا أعرفه؟

قال: سلم علي إمام زمانك.

فقلت: السلام عليك يا حجة الله يا صاحب الزمان يا ابن الحسن.

فتبسم وقال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فدخلنا في الحرم المطهّر وأنكببنا علي الضريح المقدس، وقتلناه ، فقال لي: زُر.

قلت: لا أعرف القراءة.

قال: أقرأ لك الزيارة؟

قلت: نعم.

قال: أي زيارة تريد؟

قلت: زورني بأفضل الزيارات.

قال: زيارة أمين الله هي الأفضل.

ثم أخذ بالقراءة وقال: السلام عليكما يا أميني الله في أرضه وحجته علي عباده... الخ

وأضيئت في هذه الأثناء مصابيح الحرم فرأيت الشموع مضاءة ولكن الحرم مضاء ومنور بنور آخر مثل نور الشمس والشموع تضيء مثل المصباح في النهار في الشمس.

ص: 129

وكنت قد أخذتني الغفلة بحيث لم أنتبه إلي هذه الآيات.

فعندما انتهي من الزيارة جاء إلي الجهة التي تلي الرجل فوقف في الجانب الشرقي خلف الرأس، وقال: هل تزور جدي الحسين (عليه السّلام) ؟

قلت: نعم أزوره فهذه ليلة الجمعة.

فقرأ زيارة وارث. وقد فرغ المؤذنون من أذان المغرب، فقال لي: صلِّ والتحق بالجماعة، فجاء إلي المسجد الذي يقع خلف الحرم المطهّر وكانت الجماعة قد انعقدت هناك، ووقف هو منفرداً في الجانب الأيمن لإمام الجماعة محاذياً له، ودخلت أنا في الصف الأول حيث وجدت مكاناً لي هناك.

فعندما انتهيت لم أجده، فخرجت من المسجد وفتشت في الحرم فلم أره، وكان قصدي أن ألاقيه وأعطيه عدة قرانات وأستضيفه في تلك الليلة، ثم جاء بذهني: من يكون هذا السيد؟! وانتبهت للآيات والمعجزات المتقدمة ومن انقيادي لأمره في الرجوع مع ما كان لي من الشغل المهم في بغداد، وتسميته لي باسمي، مع أني لم أكن قد رأيته من قبل، وقوله (موالينا) وأني أشهد،ورؤية النهر الجاري والأشجار المثمرة في غير الموسم، وغير ذلك مما تقدم كان سبباً ليقيني بأنه الإمام المهدي (عليه السّلام) ، وبالخصوص في فقرة إذن الدخول وسؤاله لي بعد السلام علي الإمام العسكري (عليه السّلام) ، هل تعرف إمام زمانك؟ فعندما قلت أعرفه، قال: سلم، فعندما سلّمت، تبسم وردّ السلام.

فجئت عند حافظ الأحذية وسألت عنه، فقال: خرج.. وسألني: هل كان هذا السيد رفيقك؟

قلت: نعم

فجئت إلي بيت مضيفي وقضيت الليلة، فعندما صار الصباح، ذهبت إلي جناب الشيخ محمد حسن ونقلت له كلما رأيت.

ص: 130

فوضع يده علي فمي ونهاني عن إظهار هذه القصة وإنشاء هذا السر، وقال: وفقك الله تعالي.

فأخفيت ذلك ولم أظهره لأحد إلا أن مضي شهر من هذه القضية، فكنت يوما في الحرم المطهر، فرأيت سيداً جليلاً قد اقترب مني وسألني ماذا رأيت؟ وأشار إلي قصة ذلك اليوم؟

قلت: لم أرَ شيئاً.

فأعاد عليَّ ذلك الكلام. وأنكرت بشدة.

فاختفي من نظري ولم أره بعد ذلك.

«نقل الثقة الصالح الحاج علي المذكور زيد توفيقه أنه في سفره إلي المشهد المقدس وقبل أن يصل إلي مشهد بسبعة أو ثمانية منازل، مات أحد رفاقنا في تلك السفرة، فتكلمت مع المكاري في حمل جنازته، فقال: آخذ أربعة عشر توماناً، وكنا قد جمعنا بيننا سبعة تومانات، وطلبنا أن يأخذه بذلك المبلغ فلم يرضَ، فكان لأحد رفاقنا حمار فوضع الجنازة عليه وقال: لابد أن نأخذ الجنازةعلي أن نحو كان، فلم نمش إلا قليلاً - وكان ذلك المؤمن في ضيق وتعب - وإذا بفارس يظهر من جهة المشهد، فعندما وصل إلينا، سأل عن الجنازة، فذكرنا له ما تقدم، فقال: أنا آخذه بذلك المبلغ، وكان فرسه جيداً وعليه سرج قاجاري، فوضع الجنازة عليه وشدّها بقوة، فأردنا أن نعطيه ذلك المبلغ، قال: آخذه في المشهد، وجري، وقلنا له: لا تدفنه حتي نصل، ولم نكن قد غسلنا ذلك الميت.

ولم نره بعد ذلك، حتي وصلنا المشهد بعد أسبوع وكان يوم الخميس فرأينا أن ذلك الميت قد غُسل وكُفن ووُضع في الإيوان المطهر، وعند رأسه جميع ملابسه ولم نرَ أحداً، وبعد نصحنا علمنا أن الجنازة وصلت إلي المشهد

ص: 131

المقدس في ذلك اليوم الذي أعطيناها له، ولم يظهر منه بعد ذلك أثر».

47. قصة شيخ قصار في مسجد جعفي

قال الشيخ الجليل والأمير ورام بن أبي فراس في آخر المجلس الثاني من كتاب تنبيه الخاطر:

حدثني السيد الأجل الشريف أبو الحسين علي بن ابراهيم العريضي العلوي الحسيني قال: حدثني علي بن علي بن نما، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن علي بن حمزة الأقساسي في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدائني العلوي: قال:

كان بالكوفة شيخ قصار وكان موسوماً بالزهد منخرطاً في سلك السياحة متبتّلاً للعبادة مقتفياً للآثار الصالحة، فاتفق يوماً أنني كنت بمجلس والدي وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه، قال: كنت ذات ليلة بمجسد جعفي وهو مسجد قديم وقد انتصف الليل وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة فإذا أقبل علي ثلاثة أشخاص فدخلوا المسجد فلما توسطوا صرحته(1) جلس أحدهم، ثم مسح الأرض بيده يمنّة ويسرة فحصحص الماء ونبع فأسبغ الوضوء منه ، ثم أشار إلي الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء فتوضأ، ثم تقدم فصلي بهما إماماً، فصليت معهم مؤتماً به، فلما سلّم وقضي صلاته بهرني حاله(2).

واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الذي كان منهما إلي يميني عن الرجل فقلت له: من هذا؟ فقال لي: هذا صاحب الأمر ولد الحسن (عليه السّلام) : فدنوت منه وقبّلت يديه ، وقلت له: يا بن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ما تقول في الشريف عمر بن حمزة، هل هو علي الحق؟ فقال: لا وربما اهتدي إلا أنه ما يموت حتي

ص: 132


1- صرخة الدار : عرصتها وساحتها.
2- بهرني حاله : أي غلبني التعجب منه .

يراني، فاستطرفنا هذا الحديث، فمضت برهة طويلة فتوفي الشريف عمر ولم يشع أنه لقيه ، فلما اجتمع بالشيخ الزاهد ابن نادية(1). أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها، وقلت له مثل الرّاد عليه: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف عمر لا يموت حتي يري صاحب الأمر الذي أشرت إليه؟ فقال لي: ومن أين لك أنه لم يره؟ ثم أنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة وتفاوضنا أحاديث والده، فقال: أنّا كنت ذات ليلة في آخر الليل عند والدي وهو في مرضه الذي مات فيه وقد سقطت قوته بواحدة وخفت موته والأبواب مغلقة علينا، إذ دخلنا شخص هبناه واستطرفنا دخوله وذهلنا عن سؤاله فجلس إلي جنب والدي وجعل يحدثه ملياً ووالدي يبكي، ثم نهض، فلما غاب عن أعيننا تحامل والدي وقال: أجلسوني، فأجلسناه ، وفتح عينيه وقال: أين الشخص الذي كان عندي؟ فقلنا: خرج من حيث أتي، فقال: اطلبوه، فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلقة، ولم نجد له أثراً.

فعدنا إليه فأخبرناه بحاله، وأنّا لم نجده.

ثم إنّا سألناه عنه، فقال: هذا صاحب الأمر.

ثم عاد إلي ثقله في المرض، وأغمي عليه(2).

تشرّفه برؤية المهدي بعد نجاته من غرق السفينة

قال العالم الفاضل المتقي الميرزا كاظم بن الميرزا عزيز الله بن المولي محمد تقي المجلسي (قدس سرّه) سبط العلامة المجلسي الملقب بالألماسي في رسالة بهجة الأولياء، كما نقله عنه تلميذه المرحوم الفاضل البصير الألمعي السيد محمد باقر بن السيد محمد شريف الحسيني الأصفهاني في كتاب نور العيون: حدثني بعض أصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد وهو حي إلي هذا الوقت أي سنة

ص: 133


1- في بعض النسخ (من بادية).
2- مجموعة ورام (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر) ج2، ص303 - 305.

ست وثلاثين بعد المائة والألف، قال: إني كنت قد سافرت في بعض السنين مع جماعة، فركبنا السفينة وسرنا في البحر ، فاتفق أنه انكسرت سفينتنا، وغرق جميع من فيها وتعلقت أنا بلوح مكسور فألقاني البحر بعد مدة إلي جزيرة، فسرت في أطراف الجزيرة، فوصلت بعد اليأس من الحياة إلي صحراء فيها جبل عظيم.

فلما وصلت إليه رأيته محيطاً بالبحر إلا طرفاً منه يتصل بالصحراء واستشممت منه رائحة الفواكه، ففرحت وزاد شوقي، وصعدت قدراً من الجبل حتي إذا بلغت إلي وسطه في موضع أملس مقدار عشرين ذراعاً لا يمكن الاجتياز منه أبداً. فتحيرت في أمري، فصرت أتفكر في أمري فإذا أنا بحية عظيمة كالأشجار العظيمة تستقبلني في غاية السرعة، ففرت منها منهزماً مستغيثاً بالله تبارك الله وتعالي في النجاة من شرها كما نجاني من الغرق.

فإذا أنا بحيوان شبه الأرنب قصد الحية مسرعاً من أعلي الجبل حتي وصل إلي ذنبها فصعد منه حتي إذا وصل رأس الحية إلي ذلك الحجر الأملس وبقي ذنبه فوق الحجر، وصل الحيوان إلي رأسها وأخرج من فمه حمة(1). مقدار أصبع فأدخلها في رأسها ثم نزعها وأدخلها في موضع آخر منها وولي مدبراً فماتت الحية في مكانها من وقتها، وحدث فيها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة فما كان بأِسرع من أن ذاب لحمها. وسال في البحر، وبقي عظمها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه.

فتفكرت في نفسي، وقلت: إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت علي الله في ذلك، وصعدت منها حتي علوت الجبل، وسرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديثة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة والطراوة والعمارة، فسرت

ص: 134


1- الحمة : - وزن الإبرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها وتاؤها عوض عن اللام المحذوفة لأن أصلها حمو، أو حمي.

حتي دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة، وبناء عال مشتمل علي بيوتات ، وغُرف كثيرة في وسطها.

فأكلت من تلك الفواكه، واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرج الحديقة وأطرافها، فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة، يقدُمهم رجل ذو بهاء وجمال وجلال، وغاية في المهابة، يعلم من ذلك أنه سيدهم، فدخلوا الحديقة، ونزلوا من خيولهم وخلوا سبيلها وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون متأدبين حوله.

ثم أحضروا الطعام، فقال لهم ذلك السيد: إن لنا في هذا اليوم ضيفاً في الغرفة الفلانية ولابد من دعوته إلي الطعام فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت: اعفني من ذلك، فأخبر السيد بذلك، فقال: اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله، فلما فرغنا من الطعام، أمر بإحضاري وسألني عن قصتي، فحكيت له القصة، فقال: أتحب أن ترجع إلي أهلك؟ قلت: نعم، فأقبل علي واحد منهم، وأمره بإيصالي إلي أهلي، فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده.

فلما سرنا قليلاً قال لي الرجل: انظر فهذا سور بغداد! فنظرت إذا أنا بسوره وغاب عني الرجل، فتفطنت من ساعتي هذه ، وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي (عليه السّلام) ومن سوء حظي حرمت من هذا الفيض العظيم، فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة(1).

يقول الشيخ الطبرسي النوري (أعلي الله مقامه):

قد بينا أحوال الميرزا محمد تقي الألماسي المذكور مفصلاً في رسالة (الفيض القدسي في أحوال المجلسي (رحمه الله) .

وقال الفاضل المذكور(2) قبل هذه الحكاية بعدة أوراق: كان فاضلاً عالماً

ص: 135


1- راجع جنة المأوي : ص 259 - 260.
2- السيد محمد باقر بن السيد محمد شريف الحسيني الأصفهاني تلميذ الميرزا محمد تقي الألماسي.

ورعاً ديّناً، وكان قد سبق أقران المير في الفتاوي والزهد في الدنيا وكثرة العبادة والبكاء.

وكان في الفقه والحديث مرجع الطلبة من أهل زمانه، وبالتماس جماعة من الفضلاء والأعيان تولي صلاة الجمعة في أيام الجمعة. وقد قرأ هذا العبد الحقير كثيراً من الأحاديث والرجال عند ذي الخصال الحميدة.

واستفدت مقداراً من فروع الفقه وغيره عنده أيضاً.

والحق أنه كان رؤوفاً بهذا الضعف أكثر من الأب.

وكانت أول إجازتي في الفقه والحديث والأدعية من هذا الرجل، وقد انتقل إلي جوار رحمة القدس الإلهي في سنة ألف ومائة وتسعة وخمسين(1).

ويقال له الألماسي لأن أباه الميرزا كاظم كان غنياً وثرياً، وقد أهدي الماسة إلي حضرة أمير المؤمنين (عليه السّلام) وقد وضعت في محل الأصبعين، وكان قيمتها خمسة آلاف تومان، ولهذا عرف بالألماسي.

ص: 136


1- أقول : هكذا في الترجمة وفيها بعض الاختلاف عما في الفيض القدسي : ص120، والنص فيه بما يلي : « وكان عالماً فاضلاً ورعاً ديناً، وكان في الزهد والعبادة وحيد عصره، وفي الفقه والحديث مرجع الطلاب، وبالتماس جماعة من الفضلاء والأعيان تولي صلاة الجمعة في المسجد الجديد العباسي بأصبهان مع احتياط تام . وكان يخطب بلغة فصيحة، وكان لا يفتر عن البكاء حين الخطبة بلحظة . وقد قرأت عليه كثيرا من الأحاديث والرجال، وقدراً من الفقه والفروع وغيره، وكان يلطف بي ويشفق علي أكثر من الوالد الشفيق، وهو أول من أجازني في الفقه والأحاديث والأدعية وتوفي في سنة 1195م». وقال العلامة النوري في الفيض القدسي : ص 119، عن سبب تسميته بالألماسي : « إن والده نصب في داخل شباك أمير المؤمنين (عليه السّلام) عند الموضع المعروف بجاي دو انگشت حجراً من الجوهرة المعروفة بالألماس كان قيمته في ذلك سبعة آلاف توأمين، وهو موجود لحد الآن في الموضع المذكور ولهذا لقب بألماسي ...) .

48. وفاء التاجر بنذره للإمام عند طريق البحريني الفقير

وروي السيد محمد باقر المذكور في كتاب نور العيون عن جناب

الميرزا محمد تقي الألماسي في رسالة بهجة الأولياء قال:

حدثني ثقة صالح من أهل العلم من سادات شولستان، عن رجل ثقة أنه قال: اتفق في هذه السنين أن جماعة من أهل البحرين عزموا علي إطعام جمع من المؤمنين علي التناوب، فأطعموا حتي بلغ النوبة إلي رجل منهم لم يكن عنده شيء، فاغتم لذلك وكثر حزنه وهمه ، فاتفق أنه خرج ليلة إلي الصحراء، فإذا بشخص قد وافاه، وقال له: اذهب إلي التاجر الفلاني وقل: يقول لك محمد بن الحسن أعطني الاثني عشر ديناراً التي نذرتها لنا، فخذها منه وأنفقها في ضيافتك، فذهب الرجل إلي ذلك التاجر وبلّغه رسالة الشخص المذكور.

فقال التاجر: قال لك ذلك محمد بن الحسن بنفسه؟ فقال البحريني: نعم، فقال: عرفته؟ فقال: لا، فقال التاجر: هو صاحب الزمان (عليه السّلام) وهذه الدنانير نذرتها له.

فأكرم الرجل وأعطاه المبلغ المذكور، وسأله الدعاء، وقال له: لما قبل نذري أرجو منك أن تعطيني منه نصف دينار وأعطيك عوضه ، فجاء البحريني وأنفق المبلغ في مصرفه، وقال ذلك الثقة: إني سمعت القصة عن البحريني بواسطتين(1).

ص: 137


1- راجع جنة المأوي : ص261.

49. شفي بعد أن نصحه الإمام ماء الهندباء

نقل السيد الجليل المقدم السيد فضل الله الراوندي في كتاب الدعوات عن بعض الصالحين أنه قال:

صعب عليَّ في بعض الأحيان القيام لصلاة الليل، وكان أحزنني ذلك، فرأيت صاحب الزمان (عليه السّلام) في النوم، وقال لي: عليك بماء الهندباء، فإن الله يسهل ذلك عليك.

قال: فأكثرت من شربه فسهل ذلك علي(1).

ببركة صاحب الزمان نجا أبا راجح من الهلاك

. نقل العلامة المجلسي في البحار عن كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي، أنه قال:

فمن ذلك ما اشتهر وذاع، وملأ البقاع، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصة أبو راجح الحمامي بالحلة وقد حكي ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل الصدق الأفاضل.

منهم الشيخ الزاهد العابد شمس الدين محمد بن قارون (سلمه الله تعالي) قال: كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعي مرجان الصغير، فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً علي جميع بدنه ، حتي أنه ضُرب علي وجهه فسقطت ثناياه، وأُخرج لسانه فجعله فيه مسلة من الحديد، وخرق أنفه، ووضع فيه شركة من الشعر وشد فيها حبلاً وسلّمه إلي جماعة من أصحابه وأمرهم أن يدوروا به أزقة الحلّة، والضّرب

ص: 138


1- راجع الدعوات (الراوندي) : ص156 - 424.

يأخذ من جميع جوانبه، حتي سقط إلي الأرض وعيان الهلاك.

فأَخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله، فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلّد بدمه، وبالغوا في ذلك حتي أمره بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنقله أهله في الموت ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغد غدا عليه الناس فإذا هو قائم يصلي علي أتم حالة، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته، ولم يبقَ لها أثر، والشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله وسألوه عن أمره فقال: إني لما عاينت الموت، ولم يبقَ لي لسان أسأل الله تعالي به فكنت أسأله بقلبين واستغثت إلي سيدي ومولاي صاحب الزمان (عليه السّلام) ، فلما جن علي الليل فإذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان، قد أمر يده الشريفة علي وجهي، وقال لي: «اخرج وكدّ علي عيلك؟؟، فقد عافاك الله تعالي» فأصبحت كما ترون.

وحكي الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور: قال: وأقسم بالله تعالي إن هذا أبو راجح كان ضعيفاً جداً، ضعف التركيب، أصفر اللون، شين الوجه،مقرّض اللحية، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه، وكنت دائماً أراه علي هذه الحالة وهذا الشكل، فملا أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته، وطالت لحيته، واحمر وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنة ولم يزل علي ذلك حتي أدركته الوفاة.

ولما شاع هذا الخبر وذاع طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس علي تلك الحالة وهو الآن علي ضدها كما وصفناه ، ولم يَرَ لجراحته أثراً، وثناياه قد عادت، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم، وكان يجلس في مقام الإمام (عليه السّلام) في الحلة، ويعطي ظهره القبلة الشريفة، فصار بعد ذلك مجلس

ص: 139

ويستقبلها، وعاد يتلطف بأهل الحلة، ويتجاوز عن مسيئهم، ويحسن إلي محسنهم، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك إلا قليلاً حتي مات(1).

50. تشيع أم عثمان بعد أن شفاها المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)

ونقل في بحار الأنوار والسلطان المفرج عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمي مذوّر، يضمن القرية المعروفة ببرس، ووقف العلويين، وكان له نائب يقال له: ابن الخطيب، وغلام يتولي نفقاته يدعي عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان بالضد من عثمان وكانا دائماً يتجادلان.

فاتفق أنهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل (عليه السّلام) بمحضر جماعة من الرعية والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان: يا عثمان الآن اتضح الحق واستبان، أناأكتب علي يدي من أتولاه، وهم علي والحسن والحسين، واكتب أنت من تتولاه أبو بكر وعمر وعثمان، ثم تشد يدي ويدك، فأيهما احترقت يده بالنار كان علي الباطل، ومن سلمت يده كان علي الحق.

فنكل عثمان، وأبي أن يفعل، فأخذ الحاضرون من الرعية والعوام بالعياط عليه.

هذا وكان أم عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلما رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيطون علي ولدها عثمان وشتمتهم وتهددت وبالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت إلي رفائقها فصعدن إليها فإذا هي صحيحة العينين، لكن لا تري شيئاً. فقادوها وأنزلوها، ومضوا بها

ص: 140


1- بحار الأنوار : ج 52، ص71۔ 72.

إلي الحلة وشاع خبرها بين أصحابها وقرائبها و ترائبها فأحضروا لها الأطباء من بغداد والحلة، فلم يقدروا لها علي شيء.

فقال لها نسوة مؤمنات كمن أخدانها: إن الذي أعماك هو القائم (عليه السّلام) فإن تشيعتي وتوليتي وتبرأتي ضمناً لك العافية علي الله تعالي، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص، فأذعنت لذلك ورضيت به، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتي أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان (عليه السّلام) و بتن

بأجمعهن في باب القبة.

فلما كان ربع الليل فإذا هي قد خرجت عليهن وقد ذهب العمي عنها، وهي تقعدهن واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهن وحليهن، فسررن بذلك، وحمدت الله تعالي علي حسن العافية، وقلن لها، كيف كان ذلك؟!

فقالت: لما جعلتني في القبة وخرجتن عني أحسست بيد قد وضعت علي يدي، وقائل يقول: اخرجي قد عافاك الله تعالي. فانكشف العمي عني ورأيت القبة قد امتلأت نوراً ورأيت الرجل، فقلت له: من أنت يا سيدي؟ فقال: محمد بن الحسن، ثم غاب عني، فقمن وخرجن إلي بيوتهن وتشيع ولدها عثمان وحسن اعتقاده و اعتقاد أمه المذكورة، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومع سمع هذا الكلام وأعتقد وجود الإمام (عليه السّلام) وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة(1).

51. شفاءه من الفالج

وذكر في السلطان المفرج وبحار الأنوار:

«ومن ذلك بتاريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولي

ص: 141


1- البحار : ج 52/ ص71 - 73.

الأجل الأمجد، العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقق المدقق، مجمع الفضائل، ومرجع الأفاضل، افتخار العلماء في العالمين، كمال الملة والدين، عبد الرحمان بن العماني، وكتبه بخطه الكريم، عندي ما صورته:

قال العبد الفقير إلي رحمة الله تعالي عبد الرحمان بن ابراهيم القبائقي: أني كنت أسمع في الحلّة السيفية حماها الله تعالي أن المولي الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الأجل الأوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهدري كان به فالج، فعالجته جدته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج، فلم يبرأ.

فأشار عليها بعض الأطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ، وقيل لها: ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان (عليه السّلام) لعل الله تعالي يعافيه ويبرئه، ففعلت وبيّتته تحتها، وإن صاحب الزمان (عليه السّلام) أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتي كنا لم نكد نفترق، وكان له دار المعشرة، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الأماثل منهم، فاستحكيته عن هذه الحكاية، فقال لي: إني كنت مفلوجاً وعجز الأطباء عني، وحكي لي ما كنت أسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته، وإن الحجة صاحب الزمان (عليه السّلام) قال لي: وقد أباتتني جدتي تحت القبة: قم! فقلت: ياسيدي لا أقدر علي القيام منذ سنتي، فقال: قم بإذن الله تعالي، وأعانني علي القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق علي الناس حتي كادوا يقتلونني، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون فيها، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلي البيت، وليس بي أثر الفالج، وبعثت إلي الناس ثيابهم، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس (ولمن يستحكيه مراراً حتي مات (رحمه الله) (1)»(2).

ص: 142


1- سقطت من الترجمة .
2- البحار : ج 52/ ص 73.

52. ببركة الإمام شُفي من الفالج

وذكر من بحار الأنوار

ومن ذلك ما أخبرني من أثق به وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغروي سلم الله تعالي علي مشرفه، ما صورته: إن الدار التي - هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين - أنا ساكنها كانت لرجل من أهل الخير والصلاح يُدعي حسين المدلل، وبه يعرف ساباط الملل ملاصقة جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي (عليه السّلام)، وكان الرجل له عيال وأطفال.

فأصابه فالج، فمكث مدة لا يقدر علي القيام وإنما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته، ومكث علي ذلك مدة مديدة، فدخل علي عياله وأهل بذلك شدة شديدة واحتاجوا إلي الناس واشتد عليهم الناس.

فلما كان سنة عشرين وسبع مائة هجرية في ليلة من لياليها بعد ربع الليل أنبه عياله، فانتبهوا في الدار، فإذا الدار والسطح قد امتلأ نوراً يأخذ الأبصار، فقالوا: ما الخبر؟ فقال: إن الإمام (عليه السّلام) جاءني وقال لي: قم يا حسين، فقلت: ياسيدي أتراني أقدر علي القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني، فذهب ما بي وهاقد أنا صحيح علي أتم ما ينبغي، وقال لي: هذا الساباط دربي إلي زيارة جدي فأغلقه في كل ليلة فقلت: سمعاً وطاعة لله ولك يا مولاي.

فقام الرجل وخرج إلي الحضرة الشريفة الغروية وزار الإمام (عليه السّلام) وحمد الله تعالي علي ما حصل له من الإنعام، وصار هذا الساباط المذكور إلي الآن ينذر له عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره من المراد ببركات الإمام القائم(عليه السّلام).(1)

ص: 143


1- البحار : ج 52/ ص 73. 74.

53. قد أذهب الله عنك العمي .. فقومي ؟؟

وقال في البحار:

ومن ذلك ما حدثني الشيخ الصالح الخير العالم الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور سابقاً أن رجلاً يقال له: النجم، ويلقب: الأسود، في القرية المعروفة بدقوساً علي الفرات العظمي وكان من أهل الخير والصلاح، وكان له زوجة تدعي بفاطمة خيرة صالحة، ولها ولدان ابن يدعي علياً وابنة تدعي زينب، فأصاب الرجل وزوجته العم وبقيا علي حالة ضعيفة، وكان ذلك في سنة اثني عشر وسبعمائة وبقيا علي ذلك مدة مديدة.

فلما كان في بعض الليل أحست المرأة بيد تمرّ علي وجهها وقائل يقول: قد أذهب الله عنك العمي فقومي إلي زوجك أبي علي فلا تقصري في خدمته ، ففتحت عينيها فإذا الدار قد امتلأت نوراً وعلمت أنه القائم (عليه السّلام)(1).

54. ضربة صفُّين

ونقل في البحار:

ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا الصالحين من خطة المبارك ما صورته: عن محيي الدين الأربلي أنه حضر عند أبيه ومعه رجل فنعس فوقعت عمامته عن رأسه، فبدت في رأسه ضربة هائلة، فسأله عنها، فقال له: هي من صفين، فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة، فقال: كنت مسافراً إلي

ص: 144


1- البحار : ج 52/ ص 74.

مصر فصاحبني إنسان من غزَّة فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين.

فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه ، فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه، وها أنا وأنت من أصحاب علي (عليه السّلام) ومعاوية لعنه الله فاعتركنا عركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرمياً لما بي.

فبينما أنا كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه، ففتحت عيني فنزل إلي ومسح الضرب فتلاءمت، فقال: البث هنا، ثم غاب قليلاً وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعاً والدواب معه ، فقال لي: هذا رأس عدوك، وأنت نصرتنا فنصرناك، ولينصرن الله من نصره، فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان يعني صاحب الأمر (عليه السّلام) ثم قال لي: وإذا سُئلت عن هذه الضربة، فقل ضربتها في

صفين(1).

وفي نسخة الأصل والمنقولة هكذا، والظاهر أنه وقع الاشتباك في اسمه واسم جده، فإن ربيع الأحباب من مؤلفات السيد رضي الله علي بن موسي بن جعفر بن محمد صاحب الإقبال ، و الطرائف وغيره.

ولا يوجد عالم في بني طاووس بالاسم المذكور والله العالم (منه ره)»(2) .

ص: 145


1- البحار: ج 52/ ص75.
2- هكذا أثبت هذا المقطع في هذا المكان باللغة الفارسية وقد ترجمنا كما وجدناه، ولم نروجهاً لهذا الكلام في هذا الموضع، ولعل الاشتباه وقع من النساخ بنقله إلي هذا المكان، أو له وجه آخر . ولعله تابع للحكاية الآتية فهو مناسب له، والله العالم.

55. النكران للجميل بعد استضافته لهم

ونقل في البحار أيضاً عن السيد علي بن محمد بن جعفر بن طاووس الحسين في كتابه المسمي بربيع الألباب قال:

روي لنا حسن بن القاسم، قال: كنا أنا وشخص من ناحية الكوفة يقال له: عمار، مرة علي الطريق الحمالية من سواد الكوفة فتذاكرنا أمر القائم من آل محمد(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، فقال لي: يا حسن أُحدثك بحديث عجيب؟ فقلت له: هات ما عندك.

قال: جاءت قافلة من طيء يكتالون من عندنا من الكوفة وكان فيهم رجل وسيم، وهو زعيم القافلة، فقلت لمن حضر: هات الميزان من دار العلوي، فقال: البدوي، وعندكم هنا علوي؟ فقلت: يا سبحان الله معظم الكوفة علويون، فقال البدوي: العلوي والله تركته ورائي في البرية في بعض البلدان، فقلت: فكيف خبره؟ قال: فررنا في نحو ثلاث مائة فارس أو دونها. فبقينا ثلاثة أيام بلا زاد واشتد بنا الجوع.

فقال بعضنا لبعض: دعونا نرمي السهم علي بعض الخيل نأكلها فاجتمع رأينا علي ذلك، ورمينا بسهم فوقع علي فرسي فغلطتهم، وقلت: ما أقنع فعدنا بسهم آخر فوقع عليها أيضاً فلم أقبل، وقلت: نرمي بثالث فرمينا فوقع عليها أيضاً، وكانت عندي تساوي ألف دينار وهي أحب إلي من ولدي.

فقلت: دعوني أتزود من فرسي بمشوار فإلي اليوم ما أجد لها غاية فركضتها إلي رابية بعيدة منا قدر فرسخ فمررت بجارية تحطب تحت الرابية، فقلت: يا جارية من أنت ومن أهلك؟ قالت: أنا لرجل علوي في هذا الوادي ومضت من عندي، فرفعت مئزري علي رمحي وأقبلت إلي أصحابي فقلت لهم: أبشروا

ص: 146

بالخير! الناس منكم قريب في هذا الوادي.

فمضينا فإذا بخيمة في وسط الوادي، فطلع إلينا منها جل صبيح الوجه أحسن من يكون من الرجال، ذؤابته إلي سرته، وهو يضحك ويجيئنا بالتحية ، فقلت له: يا وجه العرب العطس، فنادي يا جارية هاتي من عند الماء، فجاءت الجارية ومعها قدحان فيهما ماء فتناول منهما قدحاً ووضع يده فيه وناولنا إياه،وكذلك فعل بالآخر، فشربنا عن أقصانا من القدحين ورجعتا علينا وما نقصت القدحان.

فلما روينا قلنا له: الجوع يا وجه العرب، فرجع بنفسه ودخل الخيمة وأخرج بيده منسفة فيها زاد، ووضعه وقد وضع يده فيه وقال: يجيء منكم عشرة عشرة فأكلنا جميعاً من تلك المنسفة، والله يا فلان ما تغيرت ولانقصت، فقلنا: نريد الطريق الفلاني، فقال: هما ذاك دربكم وأومأ لنا إلي مَعلم ومضينا.

فلما بعدنا عنه قال بعضنا لبعض: أنتم خرجتم عن أهلكم لكسب، والمكسب قد حصل لكم فنهي بعضنا بعضاً به، ثم اجتمع رأينا علي أخذهم، فرجعنا فلما رآنا راجعين شد وسطه بمنطقة وأخذ سيفاً فتقلد به، وأخذ رمحه وركب فرساً أشهب، والتقانا وقال: لا تكون أنفسكم القبيحة دبرت لكم القبيح؟! فقلنا: هو كما ظننت، ورددنا عليه رداً قبيحاً، فزعق بزعقات فما رأينا إلا من دخل قلبه الرعب وولينا من بين يديه منهزمين، فخط خطة بيننا وبينه وقال: وحق جدي رسول الله لا يعبرنها أحد منكم إلا ضربت عنقه فرجعنا والله عنه بالرغم منا، ذاك العلوي هو حقاً هو الله لا ما هو مثل هؤلاء(1)

ص: 147


1- البحار : ج 52/ ص 75 - 77.

56. بعد أن يبست رجلاه شفاه الإمام

وذكر في البحار قال:

«أخبرني به جماعة من أهل الغري علي مشرفه السلام أن رجلاً من أهل قاشان أتي إلي الغري متوجهاً إلي بيت الله الحرام، فاعتل علة شديدة حتي يبست رجلاه، ولم يقدر علي المشي، فخلّفه رفقاؤه وتركوه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة ، وذهبوا إلي الحج.

فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كل يوم، ويذهب إلي الصحاري للتنزه ولطلب الدّراري التي تؤخذ منها، فقال له في بعض الأيام: إني قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان ، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.

قال: فأجابني إلي ذلك، وحملني وذهب بي إلي مقام القائم (صلوات الله عليه) خارج النجف فأجلسني هناك، وغسل قميصه في الحوض وطرحها علي شجرة كانت هناك، وذهب إلي الصحراء، وبقيت وحدي مغموماً أفكر فيما يؤول إليه أمري.

فإذا أنا بشاب صبيح الوجه، أسمر اللون، دخل الصحن وسلم عليّ وذهب إلي بيت المقام، وصلي عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أرَ مثله قط، فلما فرغ من الصلاة خرج وأتاني وسألني عن حالي، فقلت له: ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها، ولا يذهب بي فأستريح منها، فقال : لا تحزن سيعطيك الله كليهما، وذهب.

فلما خرج رأيت القميص وقع علي الأرض، فقمت وأخذت القميص

ص: 148

وغسلتها وطرحتها علي الشجر، فتفكرت في أمري وقلت: أنا كنت لا أقدر علي القيام والحركة، فكيف صرت هكذا، فنظرت إلي نفسي فلم أجد شيئاً مما كان بي، فعلمت أنه كان القائم (صلوات الله عليه)، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أرَ أحداً، فندمت ندامة شديدة.

فلما أتاني صاحب الحجرة، سألني عن حالي وتحير في أمري فأخبرته بما جري فتحسّر علي ما فات منه ومني، ومشيت معه إلي الحجرة.

قالوا: فكان هكذا سليماً حتي أتي الحاج ورفقاؤه ، فلما رآهم وكان معهم قليلاً، مرض ومات، ودفن في الصحن، فظهر صحة ما أخبره (عليه السّلام) من وقوع الأمرين معاً(1).

وهذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد، وأخبرني به ثقاتهم وصلحاؤهم)(2)، (3)

57. قصة الرمانة في البحرين

في البحار قال:

أخبرني به بعض الأفاضل الكرام، والثقات الأعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به يرويه عمن يثق به، ويطريه أنه قال: لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون أدعي إلي تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب، وله وزير أشد نصباً منه يُظهرالعداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت (عليهم السّلام) ويحتال في إهلاكهم

ص: 149


1- في الترجمة (وقوع العافية وبعداً الوفاة) .
2- سقطت من الترجمة.
3- البحار : ج 52/ ص176 - 177

وإضرارهم بكل حيلة.

فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير علي الوالي وبيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوباً عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله».

فتأمل الوالي فرأي الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون صناعة بشر، فتعجب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيّنة وحجة قوية علي إبطال مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين.

فقال له: أصلحك الله إن هؤلاء جماعة متعصبون، ينكرون البراهين وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة، فإن قبلوا ورجعوا إلي مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلا المقام علي ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث: إما أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لامحيص لهم عنها أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمةأموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلي العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمانة، وأخبرهم بما رأي فيهم إن لم يأتوا بجواب شافٍ من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية علي وجه الصغار كالكفار، فتحيروا في أمرها ولم يقدروا علي جواب وتغيرت وجوههم وارتعدت فرائصهم.

فقال كبراؤهم: أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلا فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين، مرعوبين، متحيرين، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتفق رأيهم علي أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم عشرة، ففعلوا ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم: اخرج الليلة إلي الصحراء وأعبد الله فيها واستغث بإمام

ص: 150

زماننا وحجة الله علينا، لعله يبين لنا ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طول ليلته متعبداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله ويستغيث بالإمام (عليه السّلام) حتي أصبح ولم يرَ شيئاً، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم.

فأحضروا الثالث وكان تقياً فاضلاً اسمه محمد بن عيسي، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلي الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا، وبكي وتوسل إلي الله تعالي في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم، واستغاث بصاحب الزمان.

فلما كان في آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسي! ما لي أراك علي هذه الحالة، ولماذا خرجت إلي هذه البرية؟ فقال له: أيها الرجل! دعني فإني خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم، لا أذكره إلا لإمامي، ولا أشكوه إلا إلي من يقدر علي كشفه عني.

فقال: يا محمد بن عيسي أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك، فقال: إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلي أن أشرحها لك، فقال له: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به، قال: فلما سمعت ذلك توجهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر علي كشفه عنا.

فقال (صلوات الله عليه): يا محمد بن عيسي! إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان، فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين علي هيئة الرمانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما علي الرمانة وشدها عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذا.

فإذا مضيت غداً إلي الوالي فقل له: جئتك بالجواب ولكني لا أبديه إلا في

ص: 151

دار الوزير ، فإذا مضيتم إلي داره فانظر عن يمينك تري في غرفة، فقل للوالي: لا أجيبك إلا في تلك الغرفة، وسيأبي الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترضَ إلا بصعودها، فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه فتري فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال.

وأيضاً يا محمد بن عيسي قل للوالي: إن لنا معجزة أخري؛ وهي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد والدخان، وإن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان علي وجهه ولحيته.

فلما سمع محمد بن عيسي ذلك من الإمام فرح فرحاً شديداً وقبّل الأرض بين يدي الإمام (صلوات الله عليه) وانصرف إلي أهله بالبشارة والسرور.

فلما أصبحوا مضوا إلي الوالي، ففعل محمد بن عيسي كل ما أمره الإمام وظهر كل ما أخبره، فالتفت الوالي إلي محمد بن عيسي وقال له: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا وحجة الله علينا، فقال: ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمة واحداً بعد واحد إلي أن انتهي إلي صاحب الأمر (صلوات الله عليه).

فقال الوالي: مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلي الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الخليفة بعده بلا فضل أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) ، ثم أقر بالأئمة (عليهم السّلام) إلي آخرهم وحسن إيمانه، وأمر بقتل الوزير، واعتذر إلي أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

قال: وهذه القصة مشهورة عند أهل البحرين وقبر محمد بن عيسي عندهم معروف يزوره الناس.

يقول العلامة الطبرسي النوري (أعلي الله مقامه)

ص: 152

لعل الوزير كان قد رأي أو سمع بأن الشيعة كانوا يجدون أحياناً بعض من أنواع الأحجار النفسية وغير النفسية التي نقش عليها بيد الصنع الإلهي أشياء تدل علي أحقية مذهبهم، فأراد في مقابل صنع الله تعالي أن ينقش نقشاً واضحاً فيُخفي الحق بالباطل « وَيَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ »

وقد ذكر في مجموعة شريفة جميعها بخط الشيخ شمس الدين صاحب الكرامات محمد بن علي الجباعي جدّ الشيخ البهائي، وأولها القصائد السبعة الابن أبي الحديد، وبعدها مختصر الجعفريات وغيره؛ أنه وجد عقيق أحمركتب عليه:

أنا درّ من السماء نثروني * يوم تزويج والد السبطين كنت

أنقي من اللجين ولكن صبغوني* دماء (دم) نحر الحسين.

ورؤي في در نجفي أصفر:

صفرة لوني ينبئك عن حزني* السيد الأصباء أبي الحسن.

وروي علي جوهر أسود:

لست من الحجارة * بل جوهر الصدف

حال لوني لفرط حزني * و علي ساكن النجف

ونقل الشيخ الأستاذ وحيد عصره الشيخ عبد الحسين الطهراني (طاب ثراه)، أنه ذهب إلي الحلة وقطع بالمنشار شجرة إلي نصفين فرأي في باطن

ص: 153

كل نصف كتابة بخط النسخ: لا إله إلا الله.

ويوجد حالياً في طهران عند أحد أقارب أعيان رجال الدولة العليّة الإيرانية قطعة ألماس صغيرة بمقدار عدسة نقش في باطنها (علي) بياء معكوسة، مع كلمة أخري يحتمل أنها (يا).

وقال المحدث النبيل السيد نعمة الله الشوشتري في كتاب زُهر الربيع:

«ووجدنا في نهر تستر صخرة صغيرة صفراء أخرجها الحفّارون من تحت الأرض وعليها مكتوب بخط من لونها:

باسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ،لما قتل الحسن بن علي بن أبي طالب، بأرض كربلاء كتب دمه علي أرض حصباء وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون»(1).

ونقل العالم الجليل الأمير محمد حسين سبط العلامة المجلسي وإمام الجمعة في أصفهان أرسلت تلك الصخرة(2) إلي حضرة السلطان سليمان... (3) وقد رآها أكثر الحذاق من الحكاكين وأصحاب الصناعات وأهل الفطانة ، وبالجملة فقد شاهدها أكثر الناس، وتأملوا في نقشها، فلم يجدوها إلا مجبولة علي تلك الحالة، لم يكن لتصنع الصانعين فها مجال... ثم أمر السلطان بنصبها علي الفضة و تزيينها ببعض الزينة ليعلقها علي عضده(4).

ولا يقتضي المقام هنا تقصي جميع القضايا التي من هذا القبيل، وإلا فهي كثيرة، تلك التي من هذا النوع وهي مشتتة في كتب الأخبار والتأريخ خصوصاً

ص: 154


1- زهر الربيع (السيد نعمة الله الجزائري) : ج1 ص15.
2- راجع القطرة من بحار مناقب العترة : ج1، ص174 - 175.
3- فيا لمصدر زيادة (وأرسلها السلطان إلي جدي العلامة) .
4- راجع القطرة : ج1، ص174 - 175، والقصة منقولة هاهنا باختصار، راجع تفصيلها في المصدر السابق وفيها الكتابة التي ذكرها العلامة الجزائري (رحمه الله) .

تلك التي تتعلق بما ظهر فيها من آثار لدماء سيد الشهداء (عليه السّلام) المبارك من شجر وحجر وغيره

58. إخباره بأنه سيموت بعد ثلاثين سنة

روي القطب الراوندي في كتاب الخرائج عن أبي القاسم جعفر بن محمدبن قولويه أنه قال :

لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة للحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلي مكانه من البيت، كان أكبر همي الظفر بما ينصب الحجر؟ لأنه مضي في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه إنما ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين في مكانه واستقر، فاعتللت علة صعبة خفت منها علي نفسي ولم يتهيأ لي ما قصدته فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري وهل يكون الموتة في هذه العلة أم لا، وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلي واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه و إنما أندبك لهذا، قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم علي إعادة الحجر بذلك لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أري واضع الحجر في مكانه، فأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يميناً وشمالاً حتي ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتي انقطع عن الناس فكنت أسرع السير خلفه وهو يمشي علي تؤدة السير ولا أدركه.

ص: 155

فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك، فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر إليها: قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة، قال: فوقع عليّ الدمع حتي لم أطق حراكاً وتركني وانصرف.

قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة فلما كان سنة سبع وستين اعتل أبو القاسم وأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلي قبره، فكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك بمخوفة، فقال : هذه السنة التي خوفت فيها فمات في علته(1).

59. توسعة رزق خادم مسجد الكوفة

الصالح المتقي الشيخ محمد طاهر النجفي وكان خادماً في مسجد الكوفة لسنوات ويسكن هناك مع عياله، ويعرفه أغلب أهل العلم في النجف الأشرف الذين يتشرفون إلي هناك، ولم ينقل لحد الآن عنه غير الحسن والصلاح، وكنت أعرفه لمدة سنوات بهذه الأوصاف، وذكره أحد العلماء المتقين الذي كان معتكفاً هناك لمدة طويلة بغاية التقوي والديانة، وهو فاقد

البصر حالياً وما زال مبتلي بحاله، وقد نقل ذلك العالم هذه القضية عنه في السنة الماضية في ذلك المسجد الشريف وكنت أبحث عنه:

قبل سبع أو ثمان سنوات ولعدم مجيء الزوار وذلك للمعارك بين طائفتي الزكرت والشمرت في النجف مما سبب انقطاع مجيء أهل العلم إلي هناك، فصارت حياتي مرة لأن معاشي كان منحصراً بين هاتين الطائفتين، مع كثرة

ص: 156


1- راجع الخرائج والجرائح (الراوندي) : ج1، ص475 – 478 - وعنه في البحار : ج52، ص58 - 59 - كشف الغمة (الأربلي) : ج 2، ص 502 - ومدينة المعاجز (السيد هاشم البحراني): ص614، الطبعة الحجرية - وإثبات الهداة (الحر العاملي) : ج 7، ص346.

عيالي وتكفّلي بعض الأيتام أيضاً؛ ففي ليلة جمعة لم يكن شيء عندنا نقتات به، وكان الأطفال يئنون من الجوع، فضاق صدري جداً، وكنت غالباً منشغلاً ببعض الأوراد والختوم ولكن في تلك الليلة ولشدة سوء حالتي جلست مستقبلاً القبلة بين محل السفينة وهو المكان المعروف بالتنور، وبين دكة القضاء، وشكوت حالي إلي القادر المتعال مظهراً رضاي بتلك الحالة من الفقر ومضطرباً وقلت: ليس من الصعب أن تريني وجه سيدي ومولاي، ولا أريد شيئاً آخر، فإذا أنا أري نفسي واقفاً علي قدمي وبيدي سجادة بيضاء ويدي الأخري بيد شاب جليل القدر تلوح منه آثار الهيبة والجلال لابساً لباساً نفيساً يميل إلي السواد، فتصورت في البداية أنه أحد السلاطين، ولكن كانت علي رأسه المبارك عمامة وقريباً منه شخص آخر لابساً لباساً أبيض، وفي ذلك الحال مشينا إلي جهة الدكة قريب المحراب، فعندما وصلنا هناك قال ذلك الشخص الجليل الذي كان يدي بيده: يا طاهر افرش السجادة.

ففرشتها، ورأيتها بيضاء تتلألأ ولم أعرف ماهيتها وقد كتب عليها بخط واضح، وقد فرشتها باتجاه القبلة مع ملاحظة الانحراف الموجود في المسجد؛ فقال: كيف فرشتها؟ ففقدت الشعور لهيبته ودهشت وقلت بدون شعور: فرشتها بالطول والعرض.

فقال: من أين أخذت هذه العبارة؟

قلت: أخذت هذا الكلام من الزيارة التي كنت أزور بها القائم(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

فتبسم في وجهي وقال: لك القليل من الفهم.

فوقف علي تلك السجادة وكبر تكبيرة الصلاة وإذا بنوره وبهائه يزداد من فوره فصار كالخيمة حوله بحيث لا يمكن النظر إلي وجهه المبارك! ووقف ذلك الشخص خلفه (عليه السّلام) متأخراً عنه بأربعة أشبار، فصلي الاثنان، وكنت واقفاً أمامها، فوقع في نفسي شيء من أمره، وفهمت من ذلك أن هذين

ص: 157

الشخصين ليسا كما ظننت؛ فلما فرغا من الصلاة، لم أر ذلك الشخص الثاني، ورأيته (عليه السّلام) علي كرسي مرتفعاً ارتفاع أربعة أذرع تقريباً، له سقف وعليه من النور ما يخطف البصر، فالتفت لي وقال: يا طاهر! أي سلطان من السلاطين كنت تظنني؟

قلت: يا مولاي أنت سلطان السلاطين، وسيد العالم ولست أنت من أولئك.

قال: يا طاهر قد وصلت إلي بغيتك فما تريد؟ ألم نكن نرعاك كل يوم، ألم تعرض أعمالك علينا؟

وواعدني بحسن الحال، والفرج عند ذلك الضيق، فدخل في هذا الحال شخص إلي المسجد من طرف صحن مسلم أعرفه بشخصه واسمه، وكانت له أعمال سيئة؛ فظهرت آثار الغضب عليه (عليه السّلام) والتفت إليه بوجهه المبارك، وظهر العرق الهاشمي في جبهته، وقال: يا فلان! إلي أين تفر؟ لأرض لسنا فيها، أم لسماء لسنا فيها؟! فأحكامنا تجري فيها ولا طريق لخلاصك من ذلك إلا أن تكون تحت أيدينا.

ثم التفت إلي وتبسم وقال: يا طاهر! وصلت إلي بغيتك، فما تريد؟ فلم أقدر أن أتكلم لهيبته (عليه السّلام) ولما اعتراني من الحيرة من جلاله وعظمته، فأعاد علي ذلك الكلام مرة أخري، واعتراني من شدة الحال ما لا يوصف، فلم أقدر علي الجواب والسؤال منه، فمل يمضِ أكثر من طرفة عين حتي رأيت نفسي وحدي وسط المسجد ولا يوجد أحدٌ معي، فنظرت إلي جهة المشرق فرأيت الفجر قد طلع.

قال الشيخ طاهر: فمع إني كنت عدة سنوات أعمي، وقد انسدت كثيراً من طرق المعاش علي والتي كان أحدها خدمة العلماء والطلاب الذين يتشرفون هناك، فقد توسّع أمر معاشي من ذلك التأريخ حسب وعده (عليه السّلام) ولحد الآن -

ص: 158

والحمد لله - ولم أقع بصعوبة وضيق(1).

60. القلقلة علي الشفة حجابٌ لكل دعاء

ونقل عن بعض علماء النجف الأشرف الذين كانوا يأتون هناك وأنا أخدمهم وأتعلم أحياناً منهم أشياء، فعلمني في بعض الأوقات ورداً، وقد كنت لمدة اثنتي عشرة سنة أجلس في ليالي الجمع في إحدي حجرات المسجد وأقرأ ذلك الورد وأتوسل بالرسول والآل الطاهرين (صلوات الله عليهم) بالترتيب إلي أن أصل إلي إمام العصر (عليه السّلام) ، ففي إحدي الليالي - وبحسب عادتي - كنت مشغولاً بوردي فإذا أن بشخص قد دخل علي وقال: ما الخبر؟ القلقلة علي الشفة حجاب لكل دعاء ، فاتركه حتي يرتفع الحجاب ويستجاب جميعاً.

وخرج إلي جهة صحن مسلم، فخرجت خلفه فلم أرَ أحداً(2).

61. هدية الصحيفة السجادية من الإمام

قضية العالم الرباني الآقا الآخوند الملا محمد تقي المجلسي، التي أشير إليها في كلام الشيخ أبي الحسن الشريف ولم يذكر تفصيلها، والظاهر أن مراده الحكاية التي ذكرها ذلك المرحوم في المجلد الرابع من شرح من لا يحضرهالفقيه في ضمن أحوال المتوكل بن عمير راوي الصحيفة السجادية.

قال (رحمه الله) : إني كنت في أوائل البلوغ طالباً لمرضاة الله ، ساعياً في طلب رضاه ، ولم يكن لي قرار بذكره إلي أن رأيت بين النوم واليقظة أن صاحب

ص: 159


1- النجم الثاقب ج 2، ص 248.
2- النجم الثاقب : ج 2، ص 248.

الزمان (صلوات الله عليه) كان واقفاً في الجامع القديم بأصبهان قريباً من باب الطنبي الذي الآن مدرسي، فسلمت عليه وأردت أن أُقبل رجله، فلم يدعني وأخذني، فقبلت يده، وسألت عنه مسائل قد أشكلت عليَّ.

منها أني كنت أوسوس في صلاتي، وكنت أقول ليست كما طلبت مني وأنا منشغل بالقضاء، ولا يمكنني صلاة الليل، وسألت عنها شيخنا البهائي ( (رحمه الله) تعالي) فقال: صلِّ صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل، وكنت أفعل هكذا، فسألت عن الحجة (عليه السّلام) أُصلي صلاة الليل؟ فقال: صلها، ولا تفعل كالمصنوع الذي كنت تفعل، إلي غير ذلك من المسائل التي لم يبقَ في بالي

ثم قلت: يا مولاي لا يتيسر لي أن أصل إلي خدمتك كل وقت فأعطني كتاباً أعمل عليه دائماً فقال (عليه السّلام) : أعطيت لأجلك كتاباً إلي مولانا محمد التاج، وكنت أعرفه في النوم، فقال (عليه السّلام) : رُح وخذ منه، فخرجت من باب المسجد الذي كان مقابلاً لوجهه إلي جانب دار البطيخ محلة من أصبهان، فلما وصلت إلي ذلك الشخص فلما رآني قال لي: بعثك الصاحب (عليه السّلام) إلي؟ قلت: نعم، فأخرج من جيبه كتاباً قديماً فلما فتحته ظهر لي أنه كتاب الدعاء فقبّلته ووضعته علي عيني وانصرفت عنه متوجهاً إلي الصاحب (عليه السّلام) فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب.

فشرعت في التضرع والبكاء والحوار لفوت ذلك الكتاب إلي أن طلع الفجر فلما فرغت من الصلاة والتعقيب، وكان في بالي أن مولانا محمد(1) هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء.

فلما جئت إلي مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلاً بمقابلة الصحيفة، وكان القارئ السيد صالح أمير ذوي الفقار الجرادقاني

ص: 160


1- يقصد به الشيخ البهائي، ( (رحمه الله) تعالي) أستاذه .

فجلست ساعة حتي فرغ منه، والظاهر أنه كان في سند الصحيفة لكن للغم الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم، وكنت أبكي فذهبت إلي الشيخ وقلت له رؤياي وكنت أبكي لفوات الكتاب، فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الإلهية، والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائماً، وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في التصوف وكان مائلاً إليه، فلم يسكن قلبي وخرجت باكياً متفكراً إلي أن أُلقي في روعي أن أذهب إلي الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلما وصلت إلي دار البطيخ رأيت رجلاً صالحاً اسمه آغا حسن، وكان يلقب بتاجا، فلما وصلت إليه وسلمت عليه قال: يا فلان، الكتب الوقفية التي عندي كل من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنت تعمل به، وقال: وانظر إلي هذه الكتب وكلما تحتاج إليه خذه ، فذهبت معه إلي بيت كتبه فأعطاني أول ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم، فشرعت في البكاء، والنحيب ، وقلت: يكفيني وليس في بالي أني ذكرت له النوم أم لا، وجئت عند الشيخ وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جد أبيه مع نسخة الشهيد وكتب الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون، وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها، وكانت النسخة التي أعطانياها الصاحب مكتوبة من خط الشهيد،وكانت موافقة غاية الموافقة حتي في النسخ التي كانت مكتوبة علي هامشها، وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي ، وببركة إعطاء الحجة (عليه السّلام) صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس طالعة في كل بيت، وسيما في أصبهان فإن أكثر الناس لهم الصحيفة المتعددة وصار أكثرهم صلحاء وأهل الدعاء، وكثير منهم مستجابو الدعوة، وهذه الآثار معجزة لصاحب الأمر (عليه السّلام) والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها(1).

ص: 161


1- راجع جنة المأوي : ص 276 - 178.

62. تائه بسفره إلي الشام

في بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد للشيخ الفاضل الأجل تلميذه محمد بن علي بن الحسن العودي قال في ضمن وقائع سفر الشهيد (رحمه الله) من دمشق إلي مصر ما لفظه:

واتفق في الطريق ألطاف إلهية، جلية حكي لنا بعضها.

منها ما أخبرني به ليلة الأربعاء عاشر ربيع الأول سنة ستين وتسعمائة أنه في الرملة مضي إلي مسجدها المعروف بالجامع الأبيض لزيارة الأنبياء والذين في الغار وحده، فوجد الباب مقفولاً وليس في المسجد أحد، فوضع يده علي القفل وجذبه فانفتح فنزل إلي الغار، واشتغل بالصلاة والدعاء، وحصل له إقبال علي الله بحيث ذهل من انتقال القافلة، فوجدها قد ارتحلت، ولم يبقَ منها أحد، فبقي متحيراً في أمره مفكراً في اللحاق مع عجزه عن المشي وأخذ أسبابه ومخافته، وأخذ يمشي علي أثرها وحده فمشي حتي أعياه التعب، فلم يلحقها، ولم يرها من البُعد، فبينما هو في هذا الضيق إذ أقبل عليه رجل لاحق به وهو راكب بغلاً، فلما وصل إليه قال له: اركب خلفي فردفه ومضي كالبرق، فما كان إلا قليلاً حتي لحق به القافلة وأنزله وقال له: اذهب إلي رفقتك، ودخل هو في القافلة، قال: فتحريته مدة الطريق إني أراه ثانياً فما رأيته أصلاً ولا قبل ذلك (1).

ص: 162


1- جنة المأوي : ص 296 – 297 - وراجع رسالة بغية المريد في ضمن كتاب الدر المنثور للشيخ علي الجبعي : ج2، ص161.

63. تائه علي طريق الإحساء

العالم الفاضل السيد عليخان الحويزاوي في كتاب خير المقال عند ذكر من رأي القائم (عليه السّلام) قال:

فمن ذلك ما حدثني به رجل من أهل الإيمان ممن أثق به أنه حج مع جماعة علي طريق الإحساء في ركب قليل، فلما رجعوا كان معهم رجل يمشي تارة ويركب أخري، فاتفق أنهم أولجوا في بعض المنازل أكثر من غيره ولم يتفق لذلك الرجل الركوب، فلما نزلوا للنوم و استراحوا، ثم رحلوا من هناك لم يتنبه ذلك الرجل من شدة التعب الذي أصابه، ولم يفتقدوه هم وبقي نائماً إلي أن يقظه حر الشمس.

فلما انتبه لم يرَ أحداً، فقام يمشي وهو موقن بالهلاك، فاستغاث بالمهدي (عليه السّلام) فبينما هو كذلك، فإذا هو برجل في زي أهل البادية، راكب ناقته، قال: فقال: يا هذا أنت منقطع بك؟. قال: فقلت: نعم، قال: فقال: أتحب أن ألحقك برفقائك؟ قال: قلت: هذا - والله - مطلوبي لاسواه، فقرب مني وأناخ ناقته، وأردفني خلفه، ومشي فما مشينا خُطي يسيرة إلا وقد أدر كما الركب، فلما قربنا منهم أنزلني وقال: هؤلاء رفقائك ثم تركني وذهب(1).

64. تائه علي طريق الحج

في كتاب خير المقال:

ومن ذلك ما حدثني به من أهل الإيمان من أهل بلادنا، يقال له: الشيخ قاسم، وكان كثير السفر إلي الحج قال: تعبت يوماً من المشي، فنمت تحت

ص: 163


1- راجع جنة المأوي : ص 299 .

شجرة فطال نومي ومضي عني الحاج كثيراً، فلما انتبهت علمت من الوقت أن نومي قد طال وأن الحاج بعُد عني، وصرت لا أدري إلي أين أتوجه، فمشيت علي الجهة وأنا أصيح بأعلي صوتي: يا أبا صالح، قاصداً بذلك صاحب الأمر (عليه السّلام) كما ذكره ابن طاووس في كتاب الأمان فيما يقال عند إضلال الطريق.

فبينما أنا أصيح كذلك وإذا براكب علي ناقة وهو علي زي البدو، فلما رآني قال لي: أنت منقطع عن الحاج؟ فقلت: نعم، فقال: اركب خلفي لألحقك بهم فركبت خلفه، فلم يكن إلا ساعة وإذا قد أدركنا الحاج، فلما قربنا أنزلني وقال لي: امضِ لشأنك! فقلت له: إن العطش قد أضر بي فأخرج من شداده ركوة فيها ماء، وسقاني منه، فوالله إنه ألذ وأعذب ماء شربته.

ثم إني مشيت حتي دخلت الحاج والتفت إليه فلم أره، ولا رأيته في الحاج قبل ذلك، ولا بعده ، حتي رجعنا(1).

65. الإمام بهيئة الفلاح أرشده إلي الطريق

قال الطبرسي النوري

قد تشرف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيد أحمد بن السيد هاشم بن السيد حسن الرشتي ساكن رشت أيده الله، قبل سبعة عشر سنة تقريباً.

وقد جاءني إلي المنزل مع العالم الرباني والفاضل الصمداني الشيخ علي الرشتي طاب ثراه - الذي سوف يأتي ذكره في الحكاية الآتية إن شاء الله - .

فلما نهضنا للخروج نبهني الشيخ إلي أن السيد أحمد من الصلحاء

ص: 164


1- راجع جنة المأوي : ص300.

المسددين. ولمح إلي أن قصة عجيبة ولم يسمح المجال حينها في بيانها.

وبعد عدة أيام من اللقاء قال لي الشيخ: إن السيد قد ذهب، ثم نقل لي جملة من حالات وأحوال السيد في قصته، فتأسفت لذلك كثيراً لعدم سماعي القصة منه شخصاً، ولو أن مقام الشيخ (رحمه الله) أجل من أن ينقل شيئاً خلاف ما نقل له. وبقي هذا الموضوع في ذهني من تلك السنة وحتي جُمادي الآخرة من هذه السنة حيث كنت راجعاً من النجف الأشرف إلي الكاظمين فالتقيت بالسيد الصالح المذكور وهو راجع من سامراء وكان عازماً علي السفر إلي بلاد العجم، فسألته عن ما سمعته من أحواله ومن جملتها القصة المعهودة، فنقل كل ذلك ما طابق النقل للأول، والقضية بما يلي ؛ قال:

عزمت علي الحج في سنة ألف ومائتين وثمانين فجئت من حدود رشت إلي تبريز ونزلت في بيت الحاج صفر علي التاجر التبريزي المعروف ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيراً إلي أن جهز الحاج جبار جلودار السدهي الأصفهاني قافلة إلي (طربوزن) فاكتريت منه مركباً لوحدي وسافرت، وعندما وصلت إلي أول منزل التحق بي - وبترغيب الحاج صفر علي - ثلاثة أشخاص آخرين، أحدهم الحاج الملا باقر التبريزي الذي كان يحج بالنيابة وكان معروفاً لدي العلماء، والحاج السيد حسين التاجر التبريزي، ورجل يسمي الحاج علي وكان يشتغل بالخدمة.

ثم ترافقنا بالسفر إلي أن وصلنا إلي (أرضروم)، وكنا عازمين علي الذهاب من هناك إلي (طربزون) وفي أحد تلك المنازل التي تقع بين هاتين المدينتين جاءني الحاج جبار جلودار قال: بأن هذا المنزل الذي قدامنا مخيف فعجلوا حتي تكونوا مع القافلة دائماً، وذلك لأننا كنا غالباً ما نتخلف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحركنا سوية بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت إلي الصبح - علي التخمين - وابتعدنا عن المنزل الذي كنا فيه مقدار نصف أو

ص: 165

ثلاث أرباع الفرسخ فإذا بالهواء قد تغير اضلمت الدنيا وابتدأ الوفر بالتساقط، فحينئذٍ غطي كل واحد منا من الرفقاء رأسه وأسرع بالسير. وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ولكني لم أتمكن علي ذلك فذهبوا وبقيت وحدي. ثم نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست علي جانب الطريق، وقد اضطربت اضطراباً شديداً لأنه كان معي قرابة ستمائة تومان لنفقة الطريق.

وبعد أن فكرت وتأملت بأمري قررت أن أبقي في هذا الموضع إلي أن يطلع الفجر، ثم أرجع إلي الموضع الذي جئت منه، و آخذ معي من ذلك الموضع عدة أشخاص من الحرس فألتحق بالقافلة مرة ثانية.

وبهذه الأثناء رأيت بستاناً أمامي، وفي ذلك البستان فلاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الوفر منها، فتقدم إلي بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه و بيني، ثم قال: من أنت؟ قلت ذهب أصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهت.

فقال باللغة الفارسية: نافلة بخوان تا راه بيدا كني.

(أي صلي النافلة - والمقصود منها صلاة الليل - لتعرف الطريق)(1).

فشتغلت بصلاة النافلة وبعدما فرغت من التهجد، عاد إلي مرة أخري وقال: ألم تذهب بعد؟!

قلت: والله لا أعرف الطريق.

قال: جامعه بخوان (اقرأ الجامعة).

ولم أكن احفظ الجامعة وما زلت غير حافظ لها مع أني قد تشرفت بزيارة العتبات المقدسة مراراً... ولكني وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملة عن ظهر

ص: 166


1- هذه ترجمة كلامه وأثبتنا الكلام الفارسي للاحتياط بنقل كلامه لاحتمال أن يكون صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه، وكذلك في أثناء المحاورة فإننا أثبتنا النص الفارسي النفس السبب الذي ذكرناه .

الغيب. ثم جاء وقال ألم تذهب بعد؟!

فأخذتني العبرة بلا إرادة وبكيت وقلت: ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق.

قال: عاشورا بخوان (اقرأ عاشوراء)

وكذلك إني لم أكن أحفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ ٍلها، فقمت من مكاني وانشغلت بزيارة عاشوراء، من الحافظة عن ظهر غيب إلي أن قرأتها جميعاً وحتي اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد إلي مرة أخري وقال : نرفتي. هستي) ألم تذهب؟ بعدك؟!

فقلت: لا، فإني موجود وحتي الصباح.

قال: أنا أوصلك إلي القافلة الآن (من حالا ترا بقافلة مي رسانم).

ثم ذهب وركب علي حمار ووضع مسحاته علي عاتقه وجاء فقال: اصعدخلفي علي حماري (برديف مَن بر الاغ مَن سوار شو).

فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرك، فقال: (جلو اسب را بمن ده) ناولني لجام الفرس. فناولته، فوضع المساحة علي عاتقه الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمني وأخذ بالسير فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه.

ثم وضع يده علي ركبتي وقال: (شما چرا نافله نيمخوانيد؛ نافله، نافله ، نافله..)

لما لا تصلوا النافلة: النافلة.. النافلة.. النافلة؟ قالها ثلاث مرات.

ثم قال: (شما چرا نافله نيمخوانيد؛ عاشوراء.. عاشورا.. عاشورا) لماذا لا تقرؤوا عاشوراء عاشوراء.. عاشوراء.. عاشوراء..؟ ثلاث مرات.

ثم قال: (شما چرا نافله نيمخوانيد؛ جامعه.. جامعه.. جامعه.) لماذا لا تقرؤوا الجامعة.. الجامعة. الجامعة.. الجامعة..؟

ص: 167

وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، وفجأة رجع وقال: (آنست رفقاي شما) هؤلاء أصحابك.

وكانوا قد نزلوا علي حافة نهر فيه ماء يتوضؤون لصلاة الصبح. فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكن فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحول رأس فرسي إلي جهة أصحابي وبهذه الأثناء وقع في نفسي: من يكون هذا الإنسان الذي يتكلم باللغة الفارسية علماً أن أهل هذه المنطقة لا يتكلمون إلا باللغة التركية، ولا يوجد بينهم غالباً إلا أصحاب المذهب العيسوي (المسيحيون) وكيف أوصلني إلي أصحابي بهذه السرعة؟! فنظرت ورائي فلم أرَ أحداً ولم يظهر لي أثر منه، فالتحقت برفقائي.

66. أرشده الإمام بعد أن كان تائهاً

قال الطبرسي التوري:

حدثني العالم الجليل، والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل (الصفي الوفيّ) المولي الشيخ علي الرشتي (طاب ثراه) وكان عالماً براً تقياً زاهداً حاوياً لأنواع العلم بصيراً ناقداً من تلامذة خاتم المحققين الشيخ المرتضي (أعلي الله مقامه) والسيد السيد الأستاذ الأعظم (دام ظله) ولما طال شكوي أهل الأرض، حدود فارس ومن والاه إليه من عدم وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم أرسله إليهم (عاش فيهم سعيداً ومات هناك حميداً (رحمه الله) وقد صاحبته مدة سفراً وحضراً ولم أجد في خلقه وفضله نظيراً إلا يسيراً.

قال: رجعت مرة من زيارة أبي عبد الله (عليه السّلام) عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويرج، رأيت أهل من أهل الحلة، ومن طويرج تفترق طريق الحلة

ص: 168

والنجف، واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار لا يمازج ولا يضاحك، وكانوا يعيبون علي مذهبه ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم، فتعجبت منه إلي أن وصلنا إلي محل كان الماء قليلاً فأخرجنا صاحب السفينة فكنا نمشي علي شاطئ النهر.

فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه، وذمهم إياه، وقدحهم فيه، فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السنة، وأبي منهم وأمي من أهل الإيمان، وكنت أيضاً منهم، ولكن الله من علي بالتشيع ببركة الحجة صاحب الزمان (عليه السّلام) فسألت عن كيفية إيمانه، فقال: اسمي ياقوت وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلة، فبعدت عنها بمراحل، إلي أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريده منه، وحملته علي حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهنا فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً وكان طريقنا في برية قفر، ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معمورة إلا بعد فراسخ كثيرة.

فقمت وجعلت الحمل علي الحمار، ومشيت خلفهم فضل عني الطريق، وبقيت متحيراً خائفاً من السباع والعطش في يومه، فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة وجعلتهم شفعاء عند الله تعالي وتضرعت كثيراً فلم يظهر منهم شيء، فقلت في نفسي: إني سمعت من أمي أنها كانت تقول: إن لنا إماماً حياً يكني أباً صالحاً يرشد الضال، ويغيث الملهوف، وبعين الضعيف، فعاهدت الله تعالي إن استغثت به فأغاثني، أن أدخل في دين أمي.

فناديته واستغثت به ، فإذا بشخص في جنبي، وهو يمشي معي وعليه عمامة خضراء، قال (رحمه الله) : وأشار حينئذٍ إلي نبات حافة النهر، وقال : كانت

ص: 169

خضرتها مثال خضرة هذا النبات.

ثم دلني علي الطريق وأمرني بالدخول في دين أمي، وذكرت كلمات نسيتها(1)، وقال: ستصل عن قريب إلي قرية أهلها جميعاً من الشيعة، قال: فقلت: يا سيدي أنت لا تجيء معي إلي هذه القرية؟ فقال ما معناه: لا، لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد أريد أن أغيثهم، ثم غاب عني، فما مشيت إلا قليلاً حتي وصلت إلي القرية، وكان في مسافة بعيدة، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم، فلما دخلت الحلة ذهبت إلي سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني (طاب ثراه) وذكرت له القصة، فعلمني معالم ديني، فسألت منه عملاً أتوصل به إلي لقائه (عليه السّلام) مرة أخري، فقال: زر أبا عبد الله (عليه السّلام) أربعين ليلة جمعة، قال: فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجُمع إلي أن بقي واحدة فذهبت إلي الحلة في يوم الخميس، فملا وصلت إلي باب البلد، فإذا جماعة من أعوان الظلمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيراً والناس متزاحمون علي الباب فأردت مراراً أن أتخفي وأجوز عنهم، فما تيسر لي، وإذا بصاحبي صاحب الأمر (عليه السّلام) في زي لباس

طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء، في داخل البلد، فلما رأيته استغشت به فخرج وأخذني معه، وأدخلني من الباب فما رآني أحد فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس، وبقيت متحيراً علي فراقه (عليه السّلام) (وقد ذهب عن خاطري بعض ما كان في تلك الحكاية)(2).(3).

ص: 170


1- قال المؤلف (رحمه الله) : « يعني مؤلف الكتاب».
2- سقطت من الترجمة.
3- جنة المأوي : ص 92 - 93 .

67. قصة المزوُّر الطماع وموته

قال الطبرسي النوري حدثني العالم العالم والمهذب الكامل، العدل الثقة، برضي، الميرزا اسماعيل السلماسي وهو من أهل العلم والكمال والتقوي الصلاح وكان لسنين إمام الجماعة في الروضة الكاظمية المقدسة، ومقبول مند الخواص والعوام، والعلماء الأعلام، قال: حدثني أبي العالم العليم صاحب كرامات الباهرة والمقامات الظاهرة الأقا الآخوند الملا زين العابيدن السلماسي كان من خواص وصاحب أسرار العلامة الطباطبائي بحر العلوم ومتولي بناء لعة سامراء.

أو عن أخيه الثقة الصالح الأكبر منه في السن الآميرزا محمد باقر (رحمه الله) قال سلمه الله: والترديد التطاول الزمان لأن سماعي لهذه الحكاية يقرب من خمسين سنة قال: قال والدي: مما ذكر من الكرامات للأئمة الطاهرين (عليهم السّلام) في سر من أي في المائة الثانية، والظاهر أنه أواخر المائة أو في أوائل المائة الثالثة بعد ألف من الهجرة أنه جاء رجل من الأعاجم إلي زيارة العسكريين (عليهم السّلام) وذلك ي... زمن الصيف وشدة الحر، وقد قصد الزيارة في وقت كان الكليددار في رواق ومغلق أبواب الحرم، ومتهيأ للنوم، عند الشباك الغربي.

فلما أحس بمجيء الزوار فتح الباب وأراد أن يزوره فقال له الزائر : خذه لذا الدينار واتركني حتي أزور بتوجه و حضور فامتنع المزوّر وقال: لا أخرم قاعدة، فدفع إليه الدينار الثاني والثالث، فلما رأي المزور كثرة الدنانير ازداد ...تناعاً ومنع الزائر من الدخول إلي الحرم الشريف ورد إليه الدنانير.

فتوجه الزائر إلي الحرم وقال بانكسار: بأبي أنتما وأمي أردت زيارتكما خضوع وخشوع، وقد اطلعتما علي منعة إياي، فأخرجه المزوّر، وغلق ...أبواب ظناً منه أنه يرجع إليه ويعطيه بكل ما يقدر عليه، وتوجه إلي الطرف

ص: 171

الشرقي قاصداً السلوك إلي الشباك الذي في الطرف الغربي.

فلما وصل إلي الركن وأراد الانحراف إلي طرف الشباك، رأي ثلاثة أشخاص مقبلين صافين إلا أن أحدهم متقدم علي الذي في جنبه بيسسير وكذا الثاني ممن يليه، وكان الثالث هو أصغرهم وفي يده قطعة رمح وفي رأسه سنان فبهت المزوّر عند رؤيتهم، فتوجه صاحب الرمح إليه وقد امتلأ غيظاً واحمرت عيناه من الغضب، وحرك الرمح مريداً طعنه قائلاً، يا ملعون بن الملعون كأنه جاء إلي دارك أو إلي زيارتك فمنعته؟

فعند ذلك توجه إليه أكبرهم مشيراً بكفه مانعاً له قائلاً: جارك ارفق بجارك فأمسك صاحب الرمح، ثم هاج غضبه ثانياً محركاً للرمح قائلاً ما قاله أولاً فأشار إليه الأكبر أيضاً كما فعل، فأمسك صاحب الرمح.

وفي المرة الثالثة لم يشعر المرور أن سقط مغشيا عليه، ولم يفق إلا في اليوم الثاني أو الثالث وهو في داره أتوا به أقاربه ، بعد أن فتحو الباب عند المساء لما رأوه مغلقاً، فوجدوه كذلك وهم حوله باكون فقص عليهم ما جري بينه وبين الزائر والأشخاص وصاح أدركوني بالماء فقد احترقت وهلكت، فأخذوا يصبون عليه الماء ، وهو يستغيث إلي أن كشفوا عن جنبه فرأوا مقدار درهم منه قد اسود وهو يقول قد طعنني صاحب القطعة.

فعند ذلك أشخصوه إلي بغداد، وعرضوه علي الأطباء، فعجز الأطباء من علاجه فذهبوا به إلي البصرة وعرضوه علي الطبيب الإفرنجي فتحير في علاجه لأنه جس يده فما أحس بما يدل علي سوء المزاج وما رأي ورماً ومادة في الموضع المذكور، فقال مبتدئاً: إني أظن أن هذا الشخص قد أساء الأدب مع بعض الأولياء فاشتد بهذا البلاء، فلما يئسوا من العلاج رجعوا به إلي بغداد فمات في الرجوع إما في الطريق أو في بغداد، والظاهر أن اسم هذا الخبيث

ص: 173

كان حساناً(1).

68. بحر العلوم ولقائه بالكوفة

قال الطبرسي النوري حدثني العالم الكامل والزاهد العامل والعارف... بصير، الأخ الإيماني، والصديق الروحاني، الآقا علي رضا (طيب الله ثراه) ...حلف العالم الجليل الحاج الملا محمد النائيني، وابن أخت فخر العلماء ...زاهدين الحاج محمد ابراهيم الكلباسي (رحمه الله) الذي لم يكن له نظير في ...صفات النفسانية والكمالات الإنسانية من الخوف والمحبة، والصبر، والرضا، ...الشوق، والإعراض عن الدنيا.

قال: حدثني العالم الجليل الأقا الآخوند الملا زين العابدين السلماسي سابق الذكر، قال:

كنت حاضراً في مجلس درس آية الله السيد السند والعالم المسدد فخر شيعة العلامة الطباطبائي بحر العلوم (قدس سرّه) في المشهد الغروي إذ دخل عليه ...يارته المحقق القمي صاحب القوانين في السنة الذي رجع من العجم إلي ...عراق زائراً لقبور الأئمة (عليهم السّلام) وحاجاً لبيت الله الحرام، فتفرق من كان في المجلس وحضر للاستفادة منه، وكانوا أزيد من مائة وبقي ثلاثة من أصحابه ...باب الورع والسداد البالغين إلي رتبة الاجتهاد.

فتوجه المحقق الأيد إلي جناب السيد وقال: إنكم فُزتم حُزنم مرتبة الولادة روحانية والجسمانية، وقرب المكان الظاهري والباطني، فتصدقوا علينا بذكر ...ئدة من موائد تلك الخوان، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان، كي ...شرح به الصدور، ويطمئن به القلوب.

ص: 174


1- جنة المأوي : ص 94 - 96.

فأجاب السيد من غير تأمل، وقال: إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل - والترديد من الراوي - في المسجد الأعظم بالكوفة، لأداء نافلة الليل عازماً علي الرجوع إلي النجف في أول الصبح، لئلا يتعطل أمر البحث والمذاكرة - وهكذا كان دأبه في سنين عديدة - فلما خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلي مسجد السهلة، فصرفت خيالي عنه، خوفاً من عدم الوصول إلي البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم ولكن كان الشوق يزيد في كل آن، ويميل القلب إلي ذلك المكان، فبينا أقدم رجلاً وأؤخر أخري، إذا بريح فيها غبار كثير، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيق، إلي أن ألقتني إلي باب المسجد. .

فدخلت فإذا به خالياً عن العباد والزوار، إلا شخصاً جليلاً مشغولاً بالمناجاة مع الجبار، بكلمات ترق القلوب القاسية، وتسح الدموع من العيون الجامدة ، فطار بالي، وتغيرت حالي، ورجفت ركبتي، وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي صارت تسمعهاأذني، ولم ترها عيني، مما وصلت إليه من الأدعية المأثورة، وعرفت أن الناجي ينشئها في الحال، لا أنه ينشد ما أودعه في البال.

فوقفت في مكاني مستمعاً متلذذاً إلي أن فرغ من مناجاته، فالتفت إليّ وصاح بلسان العجم: «مهدي بيا» أي: هلم يامهدي، فتقدمت إليه بخطوات فوقفت، فأمرني بالتقدم فمشيت قليلاً ثم وقفت، فأمرني بالتقدم وقال: إن الأدب في الامتثال، فتقدمت إليه بحيث تصل يدي إليه ويده الشريفة إلي، وتكلم بكلمة.

قال المولي السلماسي (رحمه الله) : ولما بلغ كلام السيد السند إلي هنا أضرب عنه صفحاً، وطوي عنه كشحاً، وشرح في الجواب عما سأله المحقق المذكور قبل ذلك. عن سر قلة تصانيفه، مع طول باعه في العلوم، فذكر له وجوهاً فعاد

ص: 174

المحقق القمي فسأل هذا الكلام الخفي فأشار بيده شبه المنكر بأن هذا سير لا يذكر (1).(2)

69. عندما أراد النهوض في الصلاة رأي المهدي

نقل المولي السلماسي قال: صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين (عليه السّلام) فلما أراد النهوض من التشهد إلي الركعة الثالثة، عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام.

ولما فرغنا تعجبنا كلنا، ولم نفهم ما كان وجهه، ولم يجترئ أحد منا علي السؤال عنه إلا أن أتينا المنزل، وأحضرت المائدة، فأشار إلي بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه، فقلت: لا وأنت أقرب منا، فالتفت (رحمه الله) إلي وقال: فيم تقاولون؟ قلت: وكنت أجسر الناس عليه: إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة، فقال: إن الحجة (عجل الله في فرجه) دخل الروضة للسلام علي أبيه (عليه السّلام) فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلي أن خرج منها(3).

70. اختفاء الصرَّاف

ونقل جناب المولي السلماسي (طاب ثراه) عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة قال: كان (رحمه الله) مع كونه في بلد الغربة منقطعاً عن الأهل والأخوة، قوي القلب في البذل والعطاء، غير مكترث بكثرة المصارف، فاتفق في بعض الأيام إن لم نجد إلي درهم سبيلاً فعرّفته الحال، وكثرة المؤونة، وانعدام المال، فلم

ص: 175


1- في الترجمة (بأن هذا من الأسرار المكتومة) .
2- راجع جنة المأوي : ص 234 - 236 - وراجع دار السلام : ج2، ص207 و 208 .
3- جنة المأوي : ص 237.

يقل شيئاً و كان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلي الدار، فيجلس في القبة المختصة به، ونأتي إليه يغليان فيشربه، ثم يخرج إلي قبة أخري تجتمع فيها تلامذته، من كل المذاهب فيدرس لكل علي مذهبه.

فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفوذ النفقة ، وأحضرت الغليان علي العادة، فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب، وقال لي: خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان، وقام مسرعاً خارجاً عن الوقار والسكينة والآداب، ففتح الباب ودخل شخص جليل في هيئة الأعراب ، وجلس في تلك القبة وقعد السيد عند بابها، في نهاية الذلة والمسكنة، وأشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان.

فقعدا ساعة يتحدثان، ثم قام، فقام السيد مسرعاً وفتح الباب، وقبّل يده وأركبه علي جملة الذي أناخه عنده، ومضي لشأنه، ورجع السيد متغير اللون وناولني براة، وقال: هذه حوالة علي رجل صرّاف، قاعد في جبل الصفا، فاذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه.

قال: فأخذتها وأتيت بها إلي الرجل الموصوف، فلما نظر إليها قبلها وقال عليّ بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له: ريال فرانسة، يزيد كل واحد علي خمسة قرانات العجم وما كانوا يقدرون علي حمله، فحملوها علي أكتافهم، وأتينا بها إلي الدار.

ولما كان في بعض الأيام، ذهبت إلي الصرّاف، لأسأل منه حاله، وممن كانت تلك الحوالة فمل أرَ صرَّافاً ولا دكاناً، فسألت من بعض من حضر في ذلك المكان عن الصرّاف، فقال: ما عهدنا في هذا المكان صرافاً أبداً وإنما يقعد فيه فلان، فعرفت أنه من أسرار الملك المنّان، وألطاف ولي الرحمان.

وحدثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقق الوجيه ، صاحب التصانيف، والمناقب الفائقة، الشيخ محمد حسين الكاظمي المجاور

ص: 176

بالغري (أطال الله بقاءه) عمن حدثه من الثقات من الشخص المذكور(1).

تكلم السيد مهدي بحر العلوم مع صاحب الزمان

قال الطبرسي النوري حدثني السيد السند، المحقق الخبير (والمضطلع البصير السيد) علي سبط السيد بحر العلوم (أعلي الله مقامه)، وكان عالماً مبرزاً له البرهان القاطع في عدة مجلدات شرح النافع (حسن نافع جداً) وغير من الورع التقي النقي الوفي الصفي السيد مرتضي صهر السيد (أعلي الله مقامه) علي بنت أخته وكان مصاحباً له في السفر والحضر، مواظباً لخدماته في السر والعلانية، قال: كنت معه في سر من رأي في بعض أسفار زيارته، وكان السيد ينام في حجرة وحده، وكان لي حجرة بجنب حجرته، وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار، وكل يجتمع إليه الناس في أول الليل إلي أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.

فاتفق أنه في بعض الليالي قعد علي عادته، والناس مجتمعون حوله، فرأيته كأنه يكره الاجتماع، ويحب الخلوة، ويتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلي تعجيله بالخروج من عنده، فتفرّق الناس ولم يبقَ غيري، فأمرني بالخروج، فخرجت إلي حجرتي متفكراً في حالته في تلك الليلة، فمنعني الرقاد، فصبرت زماناً فخرجت متخفياً لأتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقاً، فنظرت من شق الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحدا، فدخلت الحجرة، فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة.

فخرجت حافياً متخفياً أطلب خبره، وأفقو أثره، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثراً فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب، فرأيته مفتح الأبواب.

فنزلت من الدرج حافياً متخفياً متأنياً بحيث لا يسمع مني حسّ ولا حركة

ص: 177


1- راجع جنة المأوي : ص 237 - 238.

فسمعت همهمة من صفّة السرداب، كأن أحداً يتكلم مع الآخر، ولم أميز الكلمات إلي أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها، وكان دبيبي أخفي من دبيب النملة في الليلة الظلماء علي الصخرة الصماء، فإذا بالسيد قد نادي في مكانه هناك : ياسيد مرتضي ما تصنع؟ ولم خرجت من المنزل؟

فبقيت متحيراً ساكتاً كالخشب المسنّدة، فعزمت علي الرجوع قبل الجواب، ثم قلت في نفسي كيف تخفي حالك علي من عرفك من غير طريق الحواس؟! فأجبته معتذراً نادماً، ونزلت في خلال الاعتذار إلي حيث شاهدت الصفّة فرأيته وحده واقفاً تجاه القبلة، ليس لغيره هناك أثر فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر (عليه السّلام) الملك الأكبر (فرجعت حريّاً لكل ملامة، غريقاً في بحار الندامة إلي يوم القيامة)(1).

71. المولي محمد سعيد ولقاءه في مسجد السهلة

حدث الشيخ الصالح الصفي الشيخ أحمد الصدتوماني وكان ثقة تقياً ورعاً قال: قد استفاض عن جدّنا المولي محمد سعيد الصدتوماني وكان من تلامذة السيد (رحمه الله) إنه جري في مجلسه ذكر قضايا مصادقة رؤية المهدي (عليه السّلام) حتي تكلم هو في جلة من تكلم في ذلك فقال: أحببت ذات يوم أن أصل إلي مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغاً من الناس، فلما انتهيت إليه، وجدته غاصّاً بالناس، ولهم دويٌّ ولا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد.

فدخلت فوجدت صفوفاً صافّين لصلاة الجماعة، فوقفت إلي جنب الحائط علي موضع فيه رمل، فعلوته لأنظر هل أجد خللاً في الصفوف فأسدّه فرأيت موضع رجل واحد في صفّ من تلك الصفوف، فذهبت إليه ووقفت فيه.

ص: 178


1- راجع جنة المأوي : ص 238 - 239.

فقال رجل من الحاضرين: هل رأيت المهدي (عليه السّلام) فعند ذلك سكت السيد وكأنه كان نائماً ثم انتبه فكلما طلب منه إتمام المطلب لم يتمّه(1).

72. الإمام المهدي وقراءته للقرآن

قال الطبرسي النوري حدثني العالم الصالح المتدين التقي جانب الميرزا حسين اللاهيجي الرشتي المجاور بالنجفي الأشرفي وهو من أعزّة الصلحاء والأفاضل الأتقياء والثقة الثبت عند العلماء قال:

حدثني العالم الرباني والمؤيد من السماء المولي زين العابدين السلماسي المتقدم ذكره: أن السيد الجليل بحر العلوم (طاب ثراه) ورد يوماً في حرم أمير المؤمنين (عليه آلاف التحية والسلام)، فجعل يترنم بهذا المصرع:

چه خوش است صوت قرآن * تو دل ربا شنيدن (2).

فسئل (رحمه الله) عن سبب قراءته هذا المصرع، فقال: لما وردت في الحرم المطهر رأيت الحجة (عليه السّلام) جالساً عند الرأس يقرأ القرآن بصوت عالٍ، فلما سمعت صوته قرأت المصرع المزبور، ولما وردت الحرم تركقراءة القرآن، وخرج من الحرم الشريف(3).

ص: 179


1- راجع جنة المأوي : ص240.
2- وترجمته : كم هو جميل صوت القرآن منك فإن سماعه منك يخطف القلب.
3- راجع جنة المأوي : ص 302.

73. رائحة المسك في السرداب

قال الطبرسي النوري حدثني العدل الأمين آغا محمد المجاور لمشهد العسكريين (عليه السّلام) المتولي الأمر الشموعات لتلك البقعة العالية فيما ينيف علي أربعين سنة، وهو أمين السيد الأجل الأستاذ (دام عزه)(1)، عن أمه وهي من الصالحات قالت: كنت يوماً في السرداب الشريف، مع أهل بيت العالم الرباني والمؤيد السبحاني المولي زين العابدين السلماسي المتقدم ذكره (رحمه الله) وكان حين مجاورته في هذه البلدة الشريفة لبناء سورها.

قالت: وكان يوم الجمعة، والمولي المذكور يقرأ دعاء الندبة، وكنا نقرؤه بقراءته، وكان يبكي بكاء الواله الحزين، ويضج ضجيج المستصرخين، وكنا نبكي ببكائه ، ولم يكن معنا فيه غيرنا.

فبينما نحن في هذه الحالة، وإذا بشرق مسك ونفحته قد انتشر في السرداب وملأ فضاءه، وأخذ هواءه واشتد نُفاحه، بحيث ذهبت عن جميعنا تلك الحالة فسكتنا كأن علي رؤوسنا الطير، ولم نقدر علي حركة و كلام، فبقينا متحيرين إلي أن مضي زمن قليل، فذهب ما كنا نشمّه من تلك الرائحة الطيبة ورجعنا إلي ما كنا فيه من قراءة الدعاء، فلما رجعنا إلي البيت سألت الآقا الآخوند الملا زين العابدين (رحمه الله) عن سبب ذلك الطيب، فقال: ما لك والسؤال عن هذا؟ وأعرض عن جوابي.

وحدثني العالم العامل المتقي الآقا علي رضا الأصفهاني (طاب ثراه) وكان مختصاً جداً بالمولي المذكور، قال: سألته يوماً عن لقائه الحجة (عليه السّلام) وكنت أظن في حقه ذلك كأستاذه السيد المعظم بحر العلوم (رحمه الله) كما تقدم فأجابني

ص: 180


1- يقصد به الإمام المجدد المرجع الديني سماحة آية الله العظمي المغفور له السيد محمد حسن الشيرازي زعيم ثورة التنباك المشهورة.

بتلك الواقعة بدون اختلاف(1).

74. أصبح أصماً لأذيته الزوار

قال النوري الطبرسي وحدثني الثقة المتقدم الآقا محمد (دام توفيقه) قال: كان رجل من أهل سامراء من أهل الخلاف يسمي مصطفي الحمود، وكان من الخدّام الذين ديدنهم أذية الزوار، وأخذ أموالهم بطرق فيها غضب الجبار ، وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدس علي الصفّة الصغيرة، خلف الشباك الذي وضعه هناك (الناصر العباسي وكان يحفظ أغلب الزيارات المأثورة) ومن

جاء من الزوار ويشتغل بالزيارة يحول الخبيث بينه وبين مولاه فينبهه علي الأغلاط المتعارفة التي لا يخلو أغلب العوام منها بحيث لا يبقي لهم حالة حضور وتوجه أصلاً، فرأي ليلة في المنام الحجة (عليه السّلام) فقال له: إلي متي تؤذي زواري ولا تدعهم يزورون؟ ما لك والدخول في ذلك؟ خلي بينهم وبين ما يقولون.

فانتبه وقد أصم الله تعالي أذنيه ، فكان لا يسمع بعده شيئاً، واستراح منه الزوار، وكان كذلك إلي أن ألحقه الله بأسلافه في النار(2).

75. بعد أن كان أصماً شُفي ببركة الإمام

ورد الكاظمين في شهر جمادي الأولي من سنة ألف ومائتين وتسعة وتسعين آقا محمد مهدي التاجر، الشيرازي الأصل، وكان مولده ومنشؤه في ميناء (ملومين) من ممالك (ملچين)، بقصد الاستشفاء بزيارة أئمة العراق(عليهم السّلام) ،

ص: 181


1- راجع جنة المأوي : ص 269 - 270 .
2- راجع جنة المأوي : ص 274 - 275.

علي بعض التجار المعروفين من أقربائه وبقي هناك عشرين يوماً، فعندما كان وقت حركة مركب الدخان إلي سرّ من رأي جاء به أقرباؤه إلي المركب، وسلّموه إلي راكبيه من أهل بغداد و كربلاء لصممه وعجزه عن التفهيم لما يريده وما يحتاجه، وكتبوا إلي بعض المجاورين في سرّ من رأي رسائل في ذلك.

وبعد أن وصل هناك في يوم الجمعة العاشر من جمادي الآخرة ذهب إلي السرداب المقدس في جماعة من الثقات وخادم ليقرأ له الزيارة، إلي أن أتي إلي الصفّة التي في السرداب ، فوقف فوق البئر مدة يبكي ويتضرّع ويكتب بالقلم علي حائط السرداب يطل من الحاضرين الدعاء لشفائه ، فما تم ابتهاله و تضرّعه حتي فتح الله تعالي لسانه، وخرج من الناحية المقدسة بلسان فصيح، وبيان مليح!

وقد أحضره مرافقوه يوم السبت إلي مجلس تدريس جناب سيد الفقهاء العظام الأستاذ الأكبر حجة الإسلام الميرزا محمد حسن الشيرازي (متعنا الله ببقائه) وبعد الحديث المناسب لذلك المقام قرأ عنده تبركاً سورة الحمد المباركة، وكانت القراءة جيدة جداً بنحو أذعن الحاضرون بصحتها وحسنها.

وفي ليلتي الأحد والاثنين أضيئت المصابيح ونشرت الزينة في الصحن المطهر ونظم الشعر العرب والعجم مضمون تلك القضية، أثبتنا بعضها في رسالة (جنة المأوي) والحمد لله وصلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

لقاءه للإمام بالجزيرة ورجوعه إلي مدينته

قال المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري في كتاب (المقامات):

حدثني رجل من أوثق إخواني في شوشتر في دارنا القريبة من المسجد الأعظم قال: لما كنا في بحور الهند تعاطينا عجائب البحر، فحكي لنا رجل من الثقات، قال: روي من أعتمد عليه أنه كان منزله في بلد علي ساحل البحر،

ص: 182

وكان بينهم وبين جزيرة من جزائر البحر مسير يوم أو أقل، وفي تلك الجزيرة مياههم وحطبهم وثمارهم، وما يحتاجون إليه، فاتفق أنهم علي عادتهم ركبوا في السفينة قاصدين تلك الجزيرة، وحملوا معهم زاد يوم.

فلما توسطوا البحر، أتاهم ريح عدلهم عن ذلك القصد، وبقوا علي تلك الحالة تسعة أيام حتي أشرفوا علي الهلاك من قلة الماء والطعام، ثم إن الهوي رماهم في ذلك اليوم علي جزيرة في البحر، فخرجوا إليها و كان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة، وأنواع الشجر ، فبقوا فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون إليه وركبوا سفينتهم، ودفعوا.

فلما بعدوا عن الساحل، نظروا إلي رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم ولم يتمكنوا من الرجوع، فرأوه في شد حزمة حطب، ووضعها تحت صدره ، وضرب البحر عليها قاصداً لحوق السفينة، فحال الليل بينهم وبينه وبقي في البحر.

وأما أهل السفينة، فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه، فبقوا علي ذلك عاماً أو أكثر، ثم رأوا أن ذلك الرجل قدم إلي أهله فتباشروا به، وجاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته.

فقال: لما حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلبني الأمواج وأنا علي الحزمة يومين حتي أوقعتني علي جبل في الساحل، فتعلقت بصخرة منه، ولم أطق الصعود إلي جوفه لارتفاعه، فبقيت في الماء وما شعرت إلا بأفعي عظيمة ، أطول من المنار وأغلظ منها، فوقعت علي ذلك الجبل، ومدت رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاك وتضرّعت إلي الله تعالي فرأيت عقرباً يدب علي ظهر الأفعي فلما وصل إلي دماغها لسعها بإبرته، فإذا لحمها قد تناثر عن عظامها، وبقي عظم ظهرها وأضلاعها كالسلم العظيم الذي له

ص: 183

مراقي يسهل الصعود عليها.

قال: فرقيت علي تلك الأضلاع حتي خرجت إلي الجزيرة شاكراً لله تعالي ما صنع فمشيت في تلك الجزيرة إلي قريب العصر، فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلا أنها خالية لكن فيها آثار الإنس.

قال: فاستترت في موضع منها فلما صار العصر رأيت عبيداً وخدماً كل واحد منهم علي بغل فنزلوا وفرشوا فرشاً نظيفة، وشرعوا في تهيئة الطعام، وطبخه، فلما فرغوا منه رأيت فرساناً مقبلين، عليهم ثياب بيض، وخضر، وتلوح من وجوههم الأنوار، فنزلوا وقدم إليهم الطعام.

فلما شرعوا في الأكل قال أحسنهم هيئة، وأعلاهم نوراً: ارفعوا حصّة من هذا الطعام لرجل غائب، فلما فرغوا ناداني يا فلان بن فلان أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم، ورحبوا بي فأكلت ذلك الطعام، وما تحققت إلا أنه من طعام الجنة فلما صار النهار ركبوا بأجمعهم، وقالوا لي: انتظر هنا. فرجعوا وقت العصر وبقيت معهم أياماً فقال لي يوماً ذلك الرجل الأنور: إن شئت الإقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت، وإن شئت المضي إلي أهلك، أرسلنا معك من يبلغك بلدك.

فاخترت علي شقاوتي بلادي فلما دخل الليل أمر لي بمركب وأرسل معي عبد من عبيده، فسرنا ساعة من الليل وأنا أعلم أن بيني وبين أهلي مسيرة أشهر وأيام، فما مضي من الليل قليل منه إلا وقد سمعنا نبيح الكلاب، فقال لي ذلك الغلام: هذا نبيح كلابكم، فما شعرت إلا وأنا واقف علي باب داري، فقال:هذا دارك أنزل إليها.

فلما نزلت، قال لي: قد خسرت الدنيا والآخرة. ذلك الرجل صاحب الدار (عليه السّلام) فالتفت إلي الغلام فلم أره، وأنا في هذا الوقت بينكم نادماً علي ما

ص: 184

فرطت، هذه حكايتي(1).

76. قصة الأسد والجمرة الملتهبة

حدثني العالم العامل، والفاضل الكامل، قدوة الأتقياء، وزين الصلحاء السيد محمد بن العالم السيد هاشم بن مير شجاعتعلي الموسوي الرضوي النجفي المعروف بالهندي (سلمه الله تعالي) وهو من العلماء المتقين، وكان يؤم الجماعة في داخل حرم أمير المؤمنين (عليه السّلام) وله خبرة وبصيرة بأغلب العلوم المتداولة والغريبة، قال: كان رجل صالح يسمي الحاج عبد الله الواعظ كان كثير التردد إلي مسجد السهلة والكوفة فنقل لي الثقة الشيخ باقلر بن الشيخ هايد الكاظمي وكان مجاوراً في النجف الأشرف وكان عالماً بالمقدمات وعلم القراءة وبعض علم الجفر، وعنده ملكة الاجتهاد المطلق إلا أنه مشغول عن الاستنباط لأكر من قدر حاجته بمعيشة العيال، وكان يقرأ المراثي ويؤم الجماعة

(وكان صدوقاً خيرّاً معتمداً) عن الشيخ مهدي الزريجاوي(2). قال: كنت في مسجد الكوفة، فوجدت هذا العبد الصالح (الحاج عبد الله) خرج إلي النجف بعد نصف الليل ليصل إليه أول النهار، فخرجت معه لأجل ذلك أيضاً.

فلما انتهينا إلي قريب من البئر التي في نصف الطريق لاح لي أسد علي قارعةالطريق، والبرية خالية من الناس لي فيها إلا أنا وهذا الرجل، فوقفت عن المشي، ذلك؟! فأصر علي، فأبيت، فقال لي: إذا رأيتني وصلت إليه ووقفت بحذائه ولم يضرني، أفتجوز الطريق وتمشي؟ فقلت: نعم، فتقدمني إلي الأسد حتي وضع يده علي ناصيته، فلما رأيت ذلك أسرعت في مشيي حتي جزتهما وأنا مرعوب، ثم لحق بي وبقي الأسد في مكانه.

ص: 185


1- راجع جنة المأوي : ص307 - 309.
2- نسبة إلي (آل ازيرج) ويسمون (آل الأزرق) وهي عشيرة كبيرة تقطن منطقة العمارة .

قال نور الله قلبه: قال الشيخ باقر وكنت في أيام شبابي خرجت مع خالي الشيخ محمد علي القارئ - مصنّف الكتب الثلاثة في علم القراءة ومؤلف كتابه التعزية (جمع فيه تفصيل قضية كربلاء من بدئها إلي ختامها بترتيب حسن وأحاديثها منتخبة) - إلي مسجد السهلة وكان في تلك الأوقات موحشاً في الليل ليس فيه هذه العمارة الجديدة، والطريق بينه وبين مسجد الكوفة كان صعباً أيضاً ليس بهذه السهولة الحاصلة بعد الإصلاح.

فلما صلينا تحية مقام المهدي (عليه السّلام) نسي خالي سبيله وتُتُنه، فذكر ذلك بعدما خرجنا وصرنا في باب المسجد فبعثني إليها.

فلما دخلنا وقت العشاء إلي المقام فتناولت ذلك الكيس والسبيل، وجدت جمرة نار كبيرة تلهب في وسط المقام، فخرجت مرعوباً منها فرآني خالي علي هيئة الرعب، فقال لي: ما بالك؟ فأخبرته بالجمرة، فقال لي: سنصل إلي مسجد الكوفة، ونسأل العبد الصالح الحاج عبد الله عنها، فإنه كثير التردد إلي هذا المقام، ولا يخلو من أن يكون له علم بها.

فلما سأله خالي عنها قال: كثيراً ما رأيتها في خصوص مقام المهدي (عليه السّلام) من بين المقامات و الزوايا(1).

77. رؤيته للإمام بعد إنكار حضوره بأربعين أربعاء

قال السيد محمد الهندي نضّر الله وجهه: وأخبرني الشيخ باقر المزبور عن السيد جعفر بن السيد الجليل باقر القزويني صاحب الكرامات الظاهر (قدس الله روحه) قال: كنت أسير مع أبي إلي مسجد السهلة فلما قاربنا قلت له: هذه الكلمات التي أسمعها من الناس أن من جاء إلي مسجد السهلة في أربعين

ص: 186


1- راجع جنة المأوي : ص 243 - 245.

أربعاء فإنه يري المهدي (عليه السّلام) أري أنها لا أصل لها، فالتفت إليّ مغضباً وقال لي: ولمَ ذلك؟ لمحض أنك لم ترَه؟ أو كل شيء لم تره عيناك فلا أصل له؟ وأكثر من الكلام عليّ حتي ندمت علي ما قلت.

ثم دخلنا معه المسجد، وكان خالياً من الناس فلما قام في وسط المسجد ليصلي ركعتين للاستجارة أقبل رجل من ناحية مقام الحجة (عليه السّلام) ومر السيد فسلّم عليه وصافحه والتفت إليّ السيد والدي وقال: فمن هذا؟ فقلت: أهو المهدي (عليه السّلام) فقال: فمن؟ فركضت أطلبه فلم أجده في داخل المسجد ولا في خارجه(1).

78. أوصاه بمساعدة أبيه علي النصاب المسجد السهلة

قال السيد محمد الهندي أصلح الله باله: وأخبر الشيخ باقر المزبور عن رجل صادق اللهجة كان دلاكاً(2) وله أب كبير مسن، وهو لا يقصر في خدمته، حتي أنه يحمل له الإبريق إلي الخلاء، ويقف ينتظره حتي يخرج فيأخذه منه ولا يفارق خدمته إلا ليلة الأربعاء فإنه يمضي إلي مسجد السهلة ثم ترك الرواح إلي المسجد، فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الأخيرة لم يتيسر لم أن أخرج إلي قريب المغرب، فمشيت وحدي وصار الليل وبقيت أمشي حتي بقي ثلث الطريق وكانت الليلة مقمرة.

فرأيت أعرابياً علي فرس قد قصدني، فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي، فلما انتهي إلي كلمني بلسان البدو من العرب وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شيء من المأكول؟ فقلت: لا، فقال: أدخل يدك في جيبك (هذا نقل بالمعني وأما اللفظ: دورك يدك لجيبك).

ص: 187


1- راجع جنة المأوي : ص 245.
2- في الجنة (حلاق) وفي الترجمة (دلاك).

فقلت: ليس فيه شيء، فكرر علي القول بزجر حتي أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيباً كنت اشتريته لطفل عندي ونسيته فبقي في جيبي.

ثم قال لي الأعرابي: أوصيك بالعود، أوصيك بالعود، أوصيك بالعود - والعود في لسانك اسم للأب المسن - ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي (عليه السّلام) وأنه لا يرضي بمفارقتي لأبي حتي في ليلة الأربعاء فلم أعد إلي المسجد(1).

ونقل لي هذه الحكاية أيضاً أحد علماء النجف الأشرف المعروفين.

79. عدم قبول صلاة الشيخ لتفكيره بالدخن

قال النوري الطبرسي حدثني السيد الثقة التقي الصالح السيد مرتضي النجفي (رحمه الله) وكان من الصلحاء المجاورين وقد أدرك شيخ الفقاء (وعمادهم) الشيخ جعفر النجفي وكان معروفاً عند علماء العراق بالصلاح والسداد (وصاحبته سنين سفراً وحضراً فما وقفت منه علي عثرة في الدين) قال: كنا في مسجد الكوفة مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين المبرّزين في المشهد الغرويّ، وقد سألته عن اسمه غير مرة فما كشف عنه، لكونه محل هتك الستر، وإذاعة السرّ.

قال: ولما حضر وقت صلاة المغرب جلس الشيخ لدي المحراب للصلاة والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده، ومؤذن ومتطهر، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتّنور ماء قليل من قناة خربة وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هاني بن عروة، والدّرج التي تنزل إليه ضيّقة مخروبة، لا تسع غير واحد.

ص: 188


1- راجع جنة المأوي : ص245 - 246.

فجئت إليه وأردت النزول، فرأيت شخصاً جليلاً علي هيئة الأعراب قاعداً عند الماء يتوضأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة، وكنت مستعجلاً لخوف عدم إدراك الجماعة، فوقفت قليلاً فرأيته كالجبل لا يحركه شيء، فقلت: وقد أقيمت الصلاة ما معناه لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ؟ أردت بذلك تعجيله فقال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأنه الشيخ الدخني، فما فهمت مراده، فوقفت حتي أتم وضوءه ، فصعد، وذهب ونزلت وتوضأت وصليت ، فلما قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملأ قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه ، فذكرت الشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيّرت حاله وألوانه، وصار متفكراً مهموماً فقال: قد أدركت الحجة (عليه السّلام) وما عرفته، وقد أخبر عن شيء ما اطلع عليه إلا الله تعالي.

اعلم أني زرعت الدّخنة(1) في هذه السنة في الرّحبة وهي موضع في الطرف الغربي من بحيرة الكوفة، محل خوف و خطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه، فلما قمت إلي الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلي زرع الدّخنة وأهمني أمره، فصرت أتفكر فيه وفي آفاته(2)، (كما أخبرك عنه (عليه السّلام).

ولأني سمعت هذه القصة قبل أكثر من عشرين سنة فأحتمل فيها الزيادة والنقصان نسأل الله العفو والعصمة من الهفوات.

80. كيف دخل والباب مغلق؟

قال النوري الطبرسي حدثني العالم النبيل، والفاضل الجليل، الصالح الثقة العدل الرضي الذي قل له النظير والبديل، الحاج المولي محسن الأصفهاني المجاور لمشهد أبي عبد الله (عليه السّلام) وهو معروف في الأمانة والديانة والتثبّت

ص: 189


1- كلمة عامية عراقية ويقصد بها (الدّخن) وهو حب ناعم صغير جداً معروف.
2- راجع جنة المأوي : ص 257 - 258.

والإنسانية، وكان من أوثق أئمة الجماعة في ذلك البلد الشريف، قال: حدثني السيد السند، والعالم العامل المؤيد، التقي الصفي السيد محمد بن السيد مال الله بن السيد معصوم القطيفي (رحمهم الله)، قال: قصدت مسجد الكوفة في بعض ليالي الجمعة، وكان في زمان مخوف لا يتردد إلي المسجد أحد إلا مع عدة وتهيئة، لكثرة من كان في أطراف النجف الأشرف من القطاع واللصوص، وكان معي أحد من الطلاب.

فلما دخلنا المسجد لم نجد فيه إلا رجلاً واحداً من المشتغلين فأخذنا في آداب المسجد، فلما حان وقت غروب الشمس، عمدنا إلي الباب فأغلقناه ، وطرحنا خلفه من الأحجار والأخشاب والطوب والمدر إلي أن اطمأننا بعدم إمكان انفتاحه من الخارج عادة.

ثم دخلنا المسجد واشتغلنا بالصلاة والدعاء فلما فرغنا جلست أنا ورفيقي في دكة القضاء مستقبل القبلة، وذاك الرجل الصالح كان مشغولاً بقراءة دعاء كميل في الدهليز القريب من باب الفيل بصوت عال شجي، وكانت ليلة قمراء صاحية وكنت متوجهاً نحو السماء فبينما نحن كذلك فإذا بطيب قد انتشر في الهواء، وملأ الفضاء أحسن من ريح نوافج المسك الأذفر، وأروح للقلب من النسيم إذا تسحر، ورأيت في خلال أشعة القمر إشعاعاً كشعلة النار، قد غلب عليها، وانخمد في تلك الحال صوت ذلك الرجل الداعي، فالتفت فإذا أنا بشخص جليل، قد دخل المسجد من طرف ذلك الباب المنغلق في زي لباس الحجاز، وعلي كتفه الشريف س جادة كما هو عادة أهل الحرمين إلي الآن، وكان يمشي في سكينة ووقار، وهيبة وجلال، قاصداً باب مسلم ولم يبقَ لنا من الحواسّ إلا البصر الخاس واللبّ الطائر ، فلما صار بحذائنا من طرف القبلة سلم علينا.

قال (رحمه الله) له : أما رفيقي فلم يبقَ له شعور أصلاً، ولم يتمكن من الرد وأما أنا

ص: 190

فاجتهدت كثيراً إلي أن رددت عليه في غاية الصعوبة والمشقة، فلما دخل باب المسجد (في ساحة مقبرة مسلم) وغاب عنا تراجعت القلوب إلي الصدور،فقلنا: من كان هذا ومن أين دخل؟ فمشينا نحو ذلك الرجل فرأيناه قد خرق ثوبه ويبكي بكاء الواله الحزين، فسألناه عن حقيقة الحال، فقال : واظبت هذا المسجد أربعين ليلة من ليالي الجمعة طلباً للتشرف بلقاء خليفة العصر (عليه السّلام) ، و ناموس الدهر (عجل الله تعالي فرجه) وهذه الليلة تمام الأربعين ولم أتزود من لقائه ظاهراً، غير أني حيث رأيتموني كنت مشغولاً بالدعاء فإذا به (عليه السّلام) واقفاً علي رأسي فالتفت إليه (عليه السّلام) فقال: «چه مي كني» أو «چه مي خواني؟» أي ما تفعل؟ أو ما تقرأ؟ والترديد من الفاضل المتقدم، ولم أتمكن من الجواب. فمضي عني كما شاهدتموه، فذهبنا إلي الباب فوجدناه ، علي النحو الذي أغلقناه ، فرجعنا شاكرين متحسرين(1).

81. شُفي من السعال الدموي وتزوج!!

قال الطبرسي النوري

حدث الشيخ العالم الفاضل الشيخ باقر الكاظمي نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي المعروف بآل طالب أنه كان هناك رجل مؤمن في النجف الأشرف من البيت المعروف ب ( آل رحيم) يقال له الشيخ حسين رحيم(2).

وحدثني أيضاً العالم الفاضل والعابد الكامل مصباح الأتقياء الشيخ طه من آل سماحة العام الجليل والزاهد العابد بلا بديل الشيخ حسين نجف وهو إمام الجماعة في المسجد الهندي في النجف الأشرف و مقبول في التقوي والصلاح

ص: 191


1- راجع جنة المأوي : ص263 - 264.
2- قال المؤلف (رحمه الله) في (جنة المأوي) : « كان في النجف رجل مؤمني يسمي الشيخ محمد حسن السريرة، وكان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة ...»

والفضل لدي الخواص والعوام:

وكان الشيخ حسين المذكور رجلاً طاهر الطينة والفطرة ومن مقدسي المشتغلين(1).

وكان معه مرض السعال إذا سعل يخرج من صدره مع الأخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج، لا يملك قوت يومه، وكان يخرج في أغلب أوقاته إلي البادية إلي الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف، ليحصل علي قوت ولو شعير، وما كان يتيسر ذلك علي وجه يكفيه، مع شدة رجائه، وكان مع ذلك المرض والفقر قد تعلق قلبه بالتزويج بامرأة من أهل النجف، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلي ذلك لقلة ذات يده، وكان في همّ وغمّ شديد من جهة ابتلائه بذلك.

فلما اشتد به الفقر والمرض، وأيس من تزويج البنت، عزم علي ما هو معروف عند أهل النجف من أنه من أصابه أمر فواظب الرواح إلي مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء، فلابد أن يري صاحب الأمر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) من حيث لا يعلم ويقضي له مراده.

قال الشيخ باقر(قدس سرّه): قال الشيخ حسين:(2) فواظبت علي ذلك أربعين ليلة بالأربعاء فلما كانت الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبت ريح عاصفة، فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكة التي هي داخل في باب المسجد وكانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الأول تكون علي الطرف الأيسر، عند دخول المسجد، ولا أتمكن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم، ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شيء أتقي فيه عن البرد، وقد ضاق صدري، واشتد علي همي وغمي، وضاقت الدنيا في عيني، وأفكر أن الليالي

ص: 192


1- يقصد بالمشتغلين أي المشتغلين بطلب العلوم الدينية في النجف الأشرف.
2- في الجنة (محمد).

قد انقضت، وهذا آخرها، وما رأيت أحداً ولا ظهر لي شيء، وقد تعبت هذا التعب العظيم، وتحمّلت المشاق والخوف في أربعين ليلة، أجيء فيها من النجف إلي مسجد الكوفة، ويكون لي الأياس من ذلك.

فبينما أنا أفكر في ذلك وليس في المسجد أحد أبداً وقد أوقت ناراً لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكن من تركها لتعودي بها، وكانت قليلة جداً إذا بشخص من جهة الباب الأول متوجهاً إليّ، فلما نظرته من بعيد تكدرت وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد، قد جاء إلي ليشرب من القهوة وأبقي بلا قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد علي همي وغمي.

فبينما أنا أفكر إذا به قد وصل إلي وسلّم عليّ باسمي وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته باسمي، وظننته من الذين أخرج إليهم في بعض الأوقات من أطراف النجف الأشرف فصرت أسأله من أي العرب يكون؟ قال: من بعض العرب فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف، فيقول: لا، لا،وكلما ذكرت له طائفة قال: لا لست منها.

فأغضبني وقلت له: أجل أنت من طُريطرة مستهزئً وهو لفظ بلا معني، فتبسم من قولي ذلك، وقال: لا عليك من أينما كنست، ما الذي جاء بك إلي هنا؟ فقلت: وأنت ما عليك السؤال عن هذه الأمور؟ فقال: ما ضرك لو أخبرتني ؟ فتعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلما تكلم ازداد حبي له، فعملت له السبيل من التتن، وأعطيته، فقال: أنت أشرب فأنا ما أشرب، وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته، فأخذه وشرب شيئاً قليلاً منه، ثم ناولني الباقي وقال: أنت أشربه فأخذته وشربته، ولم ألتفت إلي عدم شربه تمام الفنجان، ولكن يزداد حبي له آنا فاناً.

فقلت له: يا أخي أنت قد أرسل الله إلي في هذه الليلة تأنسني أفلا تروح

ص: 193

معي إلي أن تجلس في حضرة مسلم (عليه السّلام) ونتحدث؟ فقال: أروح معك فحدث حديثك.

فقلت له: أحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة، مذشعرت علي نفسي، ومع ذلك معي سعال أتنخع الدم، وأقذفه من صدري منذ سنين، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلتنا في النجف الأشرف، ومن جهة قلة ما في اليد ما تيسر لي أخذها.

وقد غرّني هؤلاء الملائية(1) وقالوا لي: أقصد في حوائجك صاحب الزمان (عليه السّلام) وبت أربعين ليلة الأربعاء في مسجد الكوفة، فإنك تراه، ويقضي لك حاجتك وهذه آخر ليلة من الأربعين، وما رأيت فيها شيئاً وقد تحملت هذه المشاق في هذه الليالي فهذا الذي جاء بي هنا، وهذه حوائجي.

فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: أما صدرك قد برأ، وأما الامرأة فتأخذها عن قريب، وأما فقرك فيبقي علي حاله حتي تموت، وأنا غير ملتفت إلي هذا البيان أبداً.

فقلت: ألا تروح إلي حضرة مسلم؟ قال: قم، فقمت وتوجه أمامي، فلما وردنا أرض المسجد فقال: ألا تصلي صلاة تحية المسجد؟ فقلت: أفعل، فوقف هو قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد، وأنا خلفه بفاصلة، فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.

فبينما أنا أقرأ وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً يقرأ مثلها أبداً، فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعله هذا هو صاحب الزمان وذكرت بعض كلمات له تدل علي ذلك ثم نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك، وهو في الصلاة، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يصلي وأنا أسمع قراءته، وقد ارتعدت فرائصي، ولا أستطيع قطع الصلاة

ص: 194


1- اصطلاح يطلقه بعض أهالي النجف الأشرف علي عموم طلاب العلم.

خوفاً منه فأكملتها علي أي وجه كان، وقد علا النور من وجه الأرض، فصرت أندبه وأبكي وأتضجر وأعتذر من سوء أدبي معه في باب المسجد، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي إلي مسلم.

فبينما أنا أكلم النور، وإذا بالنور قد توجه إلي جهة مسلم، فتبعته فدخل النور الحضرة، وصار في جو القبة، ولم يزل علي ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتي إذا طلع الفجر، عرج الفجر.

فلما كان الصباح التفت إلي قوله: أما صدرك فقد برأ، وإذا أنا صحيح الصدر، وليس معي سعال أبداً وما مضي أسبوع إلي وسهل الله علي أخذ البنت من حيث لا أحتسب، وبقي فقري علي ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الطاهرين(1).

82. أدخل رجله في الصفّة فشفي من مرضه

قال النوري الطبرسي حدثني مشافهة العال فخر الأواخر وذخر الأوائل، شمس فلك الزهد والتقي وحاوي درجات السداد والهدي، الفقيه المؤيد النبيل، شيخنا الأجل الحاج المولي علي بن الحاج ميرزا خليل الطهراني المتوطن في الغري حياً وميتاً وكان يزور أئمة سامراء في أغلب السنين، ويأنس السرداب المغيب ويستمد فيه الفيوضات ويعتقد فيه رجاء نيل الكرامات.

وكان يقول: إني ما زرت مرة إلا ورأيت كرامة ونلت مكرمة.

وفي أيام مجاورتي في سامراء فقد تشرّف عشرة مرات(2) ونزل في بيتي وكان... ستر ما يراه بشدة، بل يستر سائر عباداته.

ص: 195


1- راجع جنة المأوي : ص240 - 243.
2- أي تشرف الحاج علي لزيارة مراقد الأئمة (عليه السّلام) في سامراء .

وقد التمست منه مرة أن يخبرني بشيء من تلك المكرمات، فقال: تشرفت مراراً في ليالي الظلماء والناس نيام ولا يوجد صدي حس أو حركة، فأري عند الباب قبل النزول من الدرج نوراً يشع من سرداب الغيبة علي جدران الدهليز الأول ويتحرك من موضع إلي آخر، كأن بيد أحد هناك شمعة مضيئة وهو ينتقل من مكان إلي آخر فيتحرك النور هناك بحركته، ثم أنزل وأدخل في السرداب الشريف فلا أحد أحدا ولا أري سراجاً.

وقد تشرف في وقت ظهرت فيه آثار مرض الاستسقاء، وقد تألم كثيراً فتشرف بالدخول إلي السرداب المطهر، وقال: استشفيت هذا اليوم باستشفاء العوام، فدخلت السرداب المطهر ووصلت إلي الصفّة الصغيرة وأدخلت رجلي بقصد الشفاء داخل تلك البئر التي يسميها العوام ببئر الغيبة، وعلقت روحي، فلم يمضِ وقت حتي زال المرض بالمرة.

وعزم المرحوم علي المجاورة هناك ولكن بعد رجوعه إلي النجف الأشرف منعه مانع، فعاد عليه المرض، وتوفي في آخر صفر سنة ألف ومائتين وتسعة، حشره الله تعالي مع مواليه.

83. دخل بصورة رجل يعرفه!

نقل المحدّث النبيل والعالم الجليل الشيخ يوسف البحريني في اللؤلؤة في ترجمة العالم المحقق الخبير الشيخ ابراهيم القطيفي المعاصر للمحقق الثاني، عن بعض أهل البحرين أن هذا الشيخ دخل عليه الإمام الحجة (عليه السّلام) في صورة رجل يعرفه الشيخ فسأله أي الآيات من القرآن في المواعظ أعظم؟ فقال الشيخ: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَي فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا

ص: 196

شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)»(1)

فقال: صدقت ياشيخ، ثم خرج منه، فسأل أهل البيت: خرج فلان؟ فقالوا: ما رأينا أحداً داخلاً ولا خارجاً(2).

84. شفاء ابن المولي البهبهاني

نقل مشافهة الصالح السورع التقي المتتبع المرحوم الحاج الملا باقر البهبهاني المجاور بالنجف الأشرف.

وكذلك كتبه في الدمعة الساكبة في معجزات الحجة (عليه السّلام) :

قال: فالأولي أن يختم الكلام بذكر ما شاهدته في سالف الأيام، وهو أنه أصاب ثمرة فؤادي ومن انحصرت فيه ذكور أولادي ، قرة عيني علي محمد (حفظه الله الفرد الصمد) مرضٌ يزداد آناً فآناً ويشتد فيورثني أحزاناً وأشجاناً إلي أن حصل للناس من برئه اليأس وكانت العلماء الطلاب والسادات والأنجاب يدعون له بالشفاء في مظان استجابة الدعوات، كمجالس التعزية وعقيب الصلوات.

فلما كانت الليلة الحادية عشرة من مرضه، اشتدت حاله وثقلت أحواله وزاد اضطرابه، وكثر التهابه، فانقطعت بي الوسيلة، ولم يكن لنا في ذلك حيلة فالتجأت بسيدنا القائم (عجل الله ظهوره، وأرانا نوره) فخرجت من عنده وأنا في غاية الاضطراب ونهاية الالتهاب، وصعدت سطح الدار، وليس لي قرار، وتوسلت به (عليه السّلام) خاشعاً، وانتدبت خاضعاً، وناديته متواضعاً، وأقول: ياصاحب الزمان أغثني ياصاحب الزمان أدركني، متمرغاً في الأرض، ومتدحرجاً في الطول والعرض، ثم نزلت ودخلت عليه، وجلست

ص: 197


1- سورة فصلت : آية 40.
2- راجع جنة المأوي : ص 255 .

بين يديه ، فرأيته مستقر الأنفاس مطمئن الحواس قد بله العرق لا بل أصابه الغرق، فحمدت الله وشكرت نعماءه التي تتوالي فألبسه الله تعالي لباس العافية ببركته (عليه السّلام)(1).

85. رأي النور يسطع حتي رأي النقوش

قال العالم الفاضل المتبّحر النبيل الصمداني الحاج المتولي رضا الهمداني في المفتاح الأول من الباب الثالث من كتاب مفتاح النبوة في جملة كلام له في أن الحجة (عليه السّلام) قد يظهر نفسه المقدسة لبعض خواص الشيعة: إنه (عليه السّلام) قد أظهر نفسه الشريفة قبل هذا بخمسين سنة لواحد من العلماء المتقين المولي عبد الرحيم الدماوندي الذي ليس لأحد كلام في صلاحه وسداده.

قال: وقال هذا العالم في كتابه: إني رأيته (عليه السّلام) في داري في ليلة مظلمة جداً بحيث لا تبصر العين شيئاً واقفاً في جهة القبلة وكان النور يسطع من وجهه المبارك حتي أني كنت أري نقوش الفراش بهذا النور(2).

86. الإمام المهدي والمرأة الحاجة

قال المرحوم العراقي في كتاب (دار السلام): كنت في منزل السيد اسماعيل خان نوائي الكائن في طهران، فقص عليَّ هذه القصة:

كانت والدتي امرأة ديّنة صالحة ومرموقة بين النساء الصالحات في زمانها، كما كانت مجتهدة للغاية في أداء الطاعات والعبادات وترك المعاصي. وحينما

ص: 198


1- راجع جنة المأوي : ص 298، وقد ترجمها المؤلف (رحمه الله) باختصار ورأينا الأنسب نقلها بالنص كما نقلهاالمؤلف(رحمه الله) في الجنة.
2- راجع جنة المأوي : ص 306.

وفقنا لأداء فريضة الحج معاً، ثم رجعنا سالمين إلي ديارنا، حكت لي والدتي قصتها، فكانت علي النحو التالي:

بعد الوصول إلي الميقات ولبس ثياب الإحرام لأداء عمرة التمتع ودخول مكة المكرمة، فاجأنا وقت الطواف بصورة لو تأخر قليلاً لفات الوقوف الاختياري في عرفة وتحول إلي الوقت الاضطراري، ولذلك، فقد خيم الاضطراب علي قضية إتماما الطواف والسعي بين الصفا والمروة... فكان أكثر الأشخاص مسنين بما فيهم المرافقون لنا في مناسك حجنا والمعلّم الذي استأجرناه ليرشدنا إلي أداء الأعمال، قد أدينا الطواف والسعي بعجلة تامة بشكل كنا فيه مضطربين قلقين، وكأنما حل يوم القيامة كما جاء في القرآن الكريم: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ » .

وحيث كانت والدتي ورفيقاتها منشغلات بأنفسهن، فكأنهن غفلن عني ، وتنبهت في تلك الأثناء أنني لوحدي، ومهما ركضت وصرخت، لم أعثر علي أحد، إذ كان كل منهم وسائر الحجاج مهتماً بنفسه وأداء مناسكه، إضافة إلي أن ازدحام الحجاج منع حركتي وضيق عليَّ وكان من غير الممكن تقريباً العثور علي من أريد بينما الحجاج كلهم يرتدون شكلاً ولوناً واحداً من الثياب.

وإذا لم أعثر علي معلّم المناسك، ظننت أن حجي سيبطل إذ أنني سأترك الطواف، وينبغي أن أبقي حتي السنة القابلة، أو أعود إلي مكة المكرمة مرة أخري...

بهذا الظن كدت أفقد صوابي وتحبس أنفاسي في صدري، فأموت؟

وأخيراً استطعت أن أصل إلي ناحية من المسجد الحرام بعد أن اجتزت أمواج الطائفين، وبعد صراخي علي أصحابي ويأسي من العثور عليهم...

أخذت أتوسل بالأنوار القدسية، وبأرواح الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) ، ثم وجدتني أقول: ياصاحب الزمان أدركني. وضعت رأسي بين ركبتي متحسرة، ولكنني

ص: 199

تفاجأت بمن يناديني باسمي، وحينما رفعت رأسي، رأيت شاباً نورانياً يرتدي ثياب الإحرام يقترب مني ويقول: انهضي وطوفي...!

فسألته: وهل أرسلتك والدتي؟

فأجاب: كلا.

قلت: كيف أطوف وأنا لا أعرف الطريقة؟

قال: تعالي معي أينما اذهب واعملي كما أعمل، لا تخافي وكوني قوية القلب ، وبعد مشاهدة هذه الحالة واستماعي لحديث ذلك الرجل العظيم، ذهب عني كل حزن وغم كما يلم بي، وقد قوي بدني، فقمت وتبعته... فرأيت ما زاد من تعجبي، فكأنه كان إلي أية ناحية يتجه يفتح الناس له الطريق ويقهر الحجيج بين يديه، حتي وصل إلي الحجر الأسود، فقبله وأشار إليّ أن أقبّله، ففعلت. وهو حينما بلغ المقام الأول للطواف أمرني بتجديد النية وقبّل الحجر مرة أخري، وكذلك فعل حتي أتم سبعة أشواط. وفعلت مثله.. ولا شك أن هذه السعادة لا تكون نصيب أيٍ كان، لاسيما إذا تم الأداء دون مزاحمة تذكر.

ثم إنه توجه إلي المقام لأداء صلاة الطواف، فتوجهت خلفه، ثم قال لي بعد إتمام الصلاة، لقد أنهيت أعمال الطواف.

ولأداء الشكر والتقدير، قدمت له عدة قطع ذهبية كنت أحملها، مع كلمات الاعتذار.

فقال لي: لم أفعل ذلك من أجل الدنيا، ثم أشار إلي ناحية من النواحي وقال: إن أمك ورفاقك هناك، فاذهبي والتحقي بهم.

وحيث التفت إلي جهتهم رأيتهم، عدت بنظري إلي حيث كان فوجدته قد غاب واختفي عني.. فأسرعت إلي اللحاق بهم، ورأيتهم قد حزنوا لضياعي، وحينما رأتني والدتي سرت بي كثيراً وسألتني عن حالتي، فقصصت عليهم

ص: 200

الحادثة، فتعجبوا لها، لاسيما قضية تقبيل الحجر الأسود في كل شوط وعدم وجود الازدحام.

... لقد سمعت باسم ذلك الرجل العظيم.. وتيقنت بأنه مولاي صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) الشريف(1).

87. حنان الإمام علي حاجَّة في الصفا

جاء في كتاب (انتظار شمس الولاية )(2):

تشرفت سيدة فاضلة عالمة تقية من الصالحين وأستاذة في الحوزة العلمية بقيم المقدسة، لم تشأ الكشف عن اسمها للقراء الكرام، تشرفت برؤية الطلعة النورانية تشأ الكشف عن اسمها للقراء الكرام، تشرفت برؤية الطلعة النورانية للإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)، وذلك في سفرها الثامن لأداء مناسك الحج. وبهذا الشأن طلبنا منها أن تكتب لنا قصة رؤيتها للإمام، فلبت الطلب وكتبت ما يلي:

في كل سنة أتشرف بأداء مناسك الحج، كنت أتشوق إلي حد لا يوصف لرؤية مولاي صاحب الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، لاسيما في اللحظة الأولي لورود عرفات وحتي آخر لحظة لخروجنا، وفي ليلة عرفات وبعد الظهر في يوم عرفة عند جبل الرحمة... كان أمس الإمام (عليه السّلام) يجول في خاطري، ولم أعثرعليه مهما بحثت.

كنت أعزو عدم توفيقي لرؤية الإمام لكثرة ذنوبي، وعدم جدارتي. حتي كانت السنة الثامنة حيث قصدت الحج.

وأثناء الدخول إلي المسعي، شممت رائحة طيبة بصورة مفاجئة، فتوقعت

ص: 201


1- العبقري الحسان /ج،، ص196.
2- انتظار شمس الولاية، ص237.

أن تكون هذه السنة مختلفة عن السنوات السابقات، وكنت أدرك جيداً أن أجواء هذه السنة ستكون أجواءً ملكوتية... ولكنني ومن دون الالتفات إلي أمنيتي توجهت إلي جبل الصفا.

وحيث كنت أنظر إلي الكعبة المشرفة رأيت أمامي رجلاً عربياً يبلغ من العمرحوالي ثلاثين عاماً، وكان ذا هيبة وجلال كبيرين، كما كانت يبدو رحيماً في الوقت نفسه... كان يرتدي ملابس الإحرام... وفور رؤيتي له، تيقنت أنه الإمام المهدي(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، وكان يقيني هذا نابعاً من إلهام قلبي.

جلس الإمام علي جبل الصفا ينظر إلي جموع الساعين، ولكنه لم يلتفت إلي، فجلست بدوري في ذلك المكان، وانقضت مدة حتي جاءت امرأة عربية ، وكانت تريد أن تقصر، حيث حملت بيدها مقصاً لهذا السبب، ولم تكلمني باللغة العربية، فتصورت أنها تريد مني أن أعلمها كيفية التقصير.

فقلت لها: تقصير عمرة التمتع قربة إلي الله. فتنبهت فجأة إلي أن الإمام قال بكلام نافذ وقاطع: تقصير المروة.

ومن هذه الإجابة الصحيحة للإمام، وإجابتي الخاطئة، شعرت بالخجل الشديد، إذ التفت إلي أن سعي المرأة لم يكتمل بعد، وينبغي لها أن تسعي شوطاً آخر.. فوقع في قلبي أنه الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) دونما شك. لأنه قد علم من طريق الغيب أنها لم تكمل سعيها وأن وقت التقصير لم يحن بعد بالنسبة لها... فأردت أن أكلمه وأعتذر إليه، فرأيته يقوم مسرعاً وينفض ملابس إحرامه ويختفي عن ناظري.

أصابني حزن شديد، وشعرت بالمهانة وعدم الجدارة لإجابتي الخاطئة لتلك المرأة، بالإضافة إلي عدم التفات الإمام نحوي...

ص: 202

فقلت في نفسي: لو كانت إعمالي محط رضا الإمام لكان أبدي اهتماماً ولو قليلاً بي، وحيث كانت هذه الخواطر تجول في فكري... رأيت الإمام مرة أخري ولكنه كان يرتدي ملابس علماء الدين، حيث كان يتحدث إلي امرأةكبيرة في السن ويتفقد شؤونها، ويبدو أنها كانت أماً لأحد الشهداء...

ومع مشاهدتي لهذا المنظر، رحت احترق في داخلي أكثر من أي وقت مضي، كما غبطت هذه المرأة المسنة علي سعادتها... حتي رأيت الإمام فجأة يحني رأسه قليلاً ويلتفت إليَّ نصف التفاتة..... استغرق ذلك لحظة واحدة، ثم اختفي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

بلي! إن القلم يعجز عن وصف حسن جماله وتصور جلاله وهيبته.

حصل هذا اللقاء عام (1412) هجرية أثناء مراسم الحج.

88. صلاة الإمام في ليلة النصف من شعبان

استجابة لإصرار زوجي ذهبت إلي مرقد عبد الله بن موسي بن جعفر (عليه السّلام) (نعرفه نحن باسم ابن موسي بن جعفر (عليه السّلام) وقمت بالأعمال المخصوصة في النصف من شعبان وقرأت الأدعية والختومات، ورحت أتوسل بالإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) قائلةً: ياسيدي ! بماذا أجيب محمداً؟ فهو يومئ لنا ويسأل عن سبب عجزه عن النطق، وقد أصبح جليس البيت، إن اسم ولدي كاسمك، إنني سأظل أندب في هذه الليلة حتي الصباح !!

وأَضفت قائلة: بعد عام كامل، لم تنجح المعالجات والأدوية، وها أنا ذا ستسلم، فإن لم تستجب لي، لن يبقي لي أمل آخر!

وكان قرب الضريح عدة أشخاص أمروني بالهدوء، ولكنني قلت: ينبغي أن ...ستجاب لي قبل أن يطلع الفجر، لأنني لا أعرف بم أجيب زوجي؟!

ص: 203

كانت الساعة تشير إلي حوالي الساعة الخامسة فجراً، وفور أن وضعت رأسي علي الحائط، استولي عليّ النوم، حتي رأيت في منامي أن باب الحرم الطاهر قد فتح ودخل منه رجل عظيم الشأن وعدد من السادة من مدينة (بافق) خلفه، وكأنهم يستعدون لإقامة صلاة الصبح، فهرولت إلي الإمام باتجاههم وسألت من يكون هذا السيد حتي يمشوا خلفه هكذا؟

فمنعني السادة المرافقون له دون أن أتقدم نحوه، فرأيت أنه قال لهم: دعوها تتقدم، فذهبت إلي الإمام وأردت تقبيل يده ، فشعرت بيده تمسح علي رأسي وهو يقول:

اطلبي حاجتك!

فقلت: لدي عدة مشاكل، أولها مرض ولدي محمد، ياسيدي ماذا أفعل فيتعافي؟

فقال السيد: انهضي وصلي ركعتي إمام الزمان!

قلت: لقد صليت لتوي.

قال: صلي مرة أخري.

سألته: من أنت أيها السيد؟

أجاب: أنا من تبحثين عنه !

قلت: هل سيشفي ولدي؟!

قال: سيشفي..

ثم رأيته قد غاب، فقلت لمرافقيه: إن لي مشاكل وأسئلة أخري، فأين يجب أن أراه.. ولكنهم ذهبوا، ولم أسمع جواباً من أحدهم...

انتبهت من نومتي، وصليت صلاة إمام الزمان مرة أخري، وحيث كان باب

ص: 204

الحرم مغلقاً، فقد توضأت بالماء الذي جئت به من قبل للشرب.

وخرجت من المرقد في الصباح، إذ كان زوجي بانتظاري، فسألني: هل علمت شيئاً عن شفاء محمد؟

فأجبته: قال الإمام بأنه سيشفي.

فقال: أي إمام تقصدين؟

قلت: قال إمام الزمان: إنه سيشفي...

ثم عدت إلي البيت، وصبرت قليلاً حتي يستيقظ ولدي محمد، ولكنني لم أرَ أي تغيير، فانكسر لذلك قلبي.

كان مستلقياً يشاهد برامج التلفزيون - حيث كان يقنع بها فقط - وذلك قبيل الغروب، وكان أبوه في دكانه الكائن عند أول الزقاق - رغم أنه لم يذهب إليه منذ إصابة ولدنا بالمرض - أما أنا فقد كنت في المطبخ، فسمعت صوتاً يقول:

أمي ! أريد أبي ! فركضت إلي خارج المطبخ، فرأيت ولدي الذي امتنع أو عجز عن مجرد التفوه، والتأوه لدي أخذ عينات لتحليل النخاع، رأيته يشير إلي باب البيت وينادي: أبي ! أبي !

أسرعت إلي ارتداء عباءتي وحملته في حضني وركضت به إلي أول الزقاق ... قلت: إن محمداً ينادي ويريد الخروج من البيت!

فاحتضنه أبوه وأخذ يبكي، ويسأله عن أشياء مختلفة، وكان محمد يومئ رأسه، فعلمنا أن سمعه قد أعيد إليه...

نعم! عاد إلي الدكان مسروراً ضاحكاً، وبدأ يلعب مع الأطفال ويذهب في المتنزه، ولم نرَ فيه العيب الثالث - حالة الانطوائية - ولكنه كان يعاني ،

ص: 205

كما كنا نفهم من حركاته ، شيئاً ما يتسبب له بالإزعاج، غير أن حالته النفسية السلبية لم تعد فيه.

ومنذ ذلك الوقت وحتي الآن لم أنقطع عن أداء صلاة صاحب الزمان (عليه السّلام) في كل يوم خميس، وقد اتصلت هاتفياً في يوم الخميس الأول بأصدقائي وزملائي ليصلوا من أجل شفاء صغيري، فلا يزال الأمل متعلقاً بالأئمة الأطهار (عليهم السّلام) رجاء الشفاء التام لولدي محمد وسائر المرضي، مع الشكر لاهتمامكم.

والدة محمد(1).

89. تكلَّم وقل يا صاحب الزمان

جاء في كتاب (عشاق الإمام المهدي عج):

كتب لي الفاضل المحترم محب الولاية الشيخ جعفر الابراهيمي في رسالة له:

حضرت وليمة الإفطار قدمهما السيد (خدا كرم زارع) في إحدي ضواحي شيراز، حيث قصدتها لأمر التبليغ عام (1415) هجرية قمرية في شهر رمضان المبارك، فنقل صاحب الدعوة هذه الحكاية:

أصيبت امرأتي بآلام شديدة في الرأس بسبب وجود غدة فيه، حيث يئس الأطباء من تحسن حالتها... فتوجهت متوسلة بأهل بيت العصمة والطهارة، ولا سيما الإمام الحجة بن الحسن إمام الزمان أرواحنا فداه...

وذات يوم، حيث كانت جالسة كئيبة ضجرة في البيت، تفاجأت بصوت

ص: 206


1- عشاق الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ج2، ص 346.

باب البيت ودخول سيد نوراني الساحة.. وحينما رأت زوجتي هذا السيد، وهي كانت من الذين يجلون الذرية العلوية إلي حد بعيد، بادرته بالقول:

أيها السيد! لقد ابتليت بوجع الرأس حتي قطع الأطباء الأمل بشفائي ، فاطلب من جدتك أن تشفيني وسأعطيك ما تطلب من المال!

فقال السيد - الإمام - وهو يبتسم: نحن لا نحتاج شيئاً، وقد جئنا لشفائك... ستعود لك صحتك، ومن الآن وأينما اضطررت قولي: ياصاحب الزمان!

فبدأت زوجتي تصرخ دون إرادة منها: يا صاحب الزمان... وفقدت وعيها، وحينما عادت إلي حالتها الطبيعية، تنبهت إلي أن رأسها في حضن جارتها.

وحينما كانت تُسأل عن الحقيقة، قامت بنقل القصة بتفاصيلها، وقد زالت عنها آلام رأسها والحمد لله(1).

رأت الإمام.. سيدة علوية في السرداب:

نقل صاحب كتاب (دعوة الإسلام) عن شخصية يدعي السيد صدر الدين حكاية ، هي كالتالي:

قالت لي عمتي المحترمة، وكانت سيدة علوية: تشرفت بزيارة السرداب مقدس الخاص بغيبة صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ... وحينما كنت منشغلة بالصلاة رأيت عند العتبة الثالثة شخصياً مجللاً بالنور، لقد كان الشخص علي هيئة

انسان كامل، ولكنني عجزت عن رؤية بدنه بشكل دقيق..

أردت في ذلك الحين قطع صلاتي والذهاب إليه، ولكنني خفت انزعاج لإمام من ارتكابي للذنب، ومن الجهة الثانية خشيت مغادرته المكان إن أنا ..ممت صلاتي، ولذلك وجدتني أسرع في إتمام الصلاة... وبمجرد أدائي

ص: 207


1- عشاق الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ج2، ص338.

للسلام الصلاة غاب الإمام عن ناظري فحزنت واستولي علي الغم لذلك!(1).

90. شفاء امرأة مصابة بالسرطان بجانب الكعبة

كتب مؤلف كتاب (عشاق الإمام المهدي عج):

وضع أخونا المحترم حجة الإسلام الحاج أصغر فائزي بور الطهراني ما كتبته ابنته عن قصة شفائها بقلمها عام 1983 ميلادية:

اسمي طاهرة فائزي بور، زوجة الحاج أكبر توكلي يعمل مختصاً في سَنّ الآلات والقطع المعدنية. :

شعرت بصورة مفاجئة العام الماضي بوجود غدة صغيرة في القسم الأيسر من صدري، فتألمت لذلك كثيراً، وأخبرت زوجي.. فذهبنا معاً إلي الدكتور فائزي بور طهراني الذي هو أخي، فأرسلنا إلي الدكتور فيض.

لم يصل الدكتور فيض إلي نتيجة رغم ما قام به من التحاليل والتقاطه من الصور الطبية... فبدأت الغدة بالانتفاخ والتخضم، بعد مدة قصيرة، فقررنا الذهاب إلي الدكتور ناصري متخصص السرطان في العاصمة طهران.

وبعد إجراء اللازم ومعاينة ثلاث غدد أخري كانت قد برزت تحت إبطي الأيسر، قرر هذا الدكتور أن أبقي في مستشفي (سجاد) قائلاً: سأخدرك وأقطع قسماً من غدتك، وإذا اضطررت إلي أكثر من ذلك، سأقطع شيئاً من بدنك لأن هذه الغدة هي غدة سرطانية.

حينما سمعت بكلمة (السرطان) فقدت زمام السيطرة علي نفسي ولم أعرف أين أنا، بل ولم أدرِ كيف نزلت من الطابق الرابع للبناية حتي ركبت السيارة،

ص: 208


1- العبقري الحسان / ج1، ص105.

...ذ قلت لزوجي: خذني إلي مدينة قم، ففعل ذلك، وحينما وصلنا، حدّثت بي بالموضوع وسألته عن الحل وماذا يجب أن أعمل، فاصطحبني والدي إلي مرقد السيدة فاطمة المعصومة (عليها السّلام) وهو يبكي ويتوسل بالأئمة الأطهار (عليهم السّلام) .

ثم إن أختي هاتفتني من طهران لتقول لي بأن الطبيب يؤكد علي لزوم حضوري إلي المستشفي بأسرع ما يمكن، لأن الوضع خطر.. فقمت باستشارة الدكتور (أبا سهل) متخصص السرطان في مستشفي (الإمام الخميني) فنصحني مؤكداً ضرورة ذهابي إلي المستشفي السالف الذكر والخضوع الكامل لأوامر الطبيب.

فنمت في المستشفي في يوم شهادة الصديقة فاطمة الزهراء (عليهم السّلام) حيث ...ان يوم السبت، وأخبرت بأنهم سيجرون لي العملية في يوم الأربعاء.

قال الطبيب لي: ابنتي ! يحتمل أن أقطع قسماً من بدنك!

فقلت: الله أولاً، ثم الشفاء، ولا أطلب إلا أن ألبس عباءتي في غرفة عمليات.

فقال: لا إشكال في ذلك.

وفي صباح اليوم التالي جاء الطبيب وأنبأني بأن زوجي قد اتصل به هاتفياً ، طلب أن يتم الإسراع بإجراء العملية، وعليه فقد قدم تاريخها..

أخذوني إلي غرفة التخدير، فبقيت أمي وأختي وزوجي خلف الباب ...قفين يترقبون، وبعد حوالي ساعة ونصف أعلنوا - الفريق الطبي - أنهم ...جبرون علي قطع جزء من بدني بعد إجرائهم التحليل علي الغدة باعتبارها ...دة سرطانية.

وبعد ثلاث ساعات ونصف أخرجوني من غرفة العمليات، حيث أبقيت في مستشفي مدة ليتم السماح لي بمغادرتها فيما بعد، وأمرت أن أخضع للعلاج

ص: 209

الكيميائي لمدة ستة أشهر.

وحينما أخضعوني لست جلسات للمعالجة الكيميائية، كانوا بين ذلك قد عرضوني لخمس وعشرين جلسة تحت الكهرباء، فحملت نتائج الفحوصات والتحاليل التي أجريت لي إلي الدكتور مظاهري، وحينما رآها أخذ يهز رأسه ويقول: للأِسف! فإن الكلية قد أصيبت بالسرطان بنسبة (49%)، أما الكبد؛ فقد أصيب هو الآخر بالسرطان بنسبة (89%)....

ومع وجود هذه النتائج، فقدت الأمل!!

قال زوجي - وكان ذلك في اليوم السابع من شهر رمضان : من المقرر أن أذهب إلي مكة، بعنوان خدمة الحجاج، فهل تريدين الذهاب معي؟

فاستخرت الله في ذلك، فكانت النتيجة صالحة.. فهيأنا لوازم السفر وقصدنا مكة المكرمة.

قلت لزوجي هناك: حيث جئنا إلي مكة، فأرجو أن تسمح لي بالبقاء في بيت الله حتي يتحقق طلبي.

فوافق علي ذلك. وبقيت ثلاثة أيام بلياليها في بيت الله وقلت: إذا كان من المقرر أن أُعافي، فلابد أن أسمع بأذني أو أري في المنام ما أفهم منه حصول شفائي...

وفي الليلة الرابعة، حيث كانت الساعة تشير إلي الثانية عشرة والنصف، اتفقت مع النساء اللاتي كن يشاركنني الغرفة علي أن نؤدي طوافاً بنية طلب الشفاء لجميع المرضي...

وقفت وطلبت من الله تعالي أن يوفقني لأداء ركعتين تحت المرزاب الذهب...فتفاجأت بشخص ذي طول فارع يقول في أذني: هل تريدين أن تصلي؟

ص: 210

قلت: نعم! فوضع يده علي حجر إسماعيل، وفتح الأخري، فلم أرَ عند الحجر أحداً إذ كان المكان خالياً - رغم أن الأيام كانت أيام حج - إلا من امرأة واحدة. فصليت ركعتين.

قال لي الرجل: هلت تريدين الصلاة مرة أخري؟

فأجبت: كلا، فإنني مريضة..

قال: لقد شافاك الله، وعليك أن تستعملي ماء زمزم.

قلت: إن ألمي ألم شديد؟

قال: أوليس هو السرطان؟

قلت: نعم

قال: الله شافاك، فاذهبي واستعملي ماء زمزم.

ولكني حينما استدرت بوجهي لم أرَ أحداً، وشعرت أن ألمي قد زال، وأن ذلك الهدوء في المكان قد حل محله الزحام الطبيعي لأيام الحج.

وبعد عودتنا إلي إيران، أجريت لي تحاليل أخري وكانت النتيجة هي أن الكلية مصابة بنسبة (8%) بينما أكد الأطباء زوال المرض

عني تماماً.

قلت: لقد حدث لي ذلك كله بفضل إمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) الشريف(1). والحمد لله رب العالمين.

ص: 211


1- عشاق المهدي / ج2، ص190، فارسي .

91. شفاء فتاة مصابة بالصرع ببركة الإمام

اشارة

كتب المرحوم آية الله الشيخ محمد باقر رشاد قصة المعجزة التالية في كتيب حمل عنوان (البشارة)، قال في أول القصة:

لأن هذه القصة وقعت علي مرأي ومسمع عائلتنا وأقاربنا، فقد ألزمني ضميري وإيماني وحبي لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السّلام) بأن أنقلها لمحبي الأئمة المعصومين بسرد واضح وبسيط مع الأدلة القاطعة (تقارير الأطباء وشريط الإشارات الخاص بحالة جمجمة المريضة بعد حصول الشفاء بلطف إمام العصر والزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ) لكي تكون مصداقاً للبشارة القرآنية حيث تقول: «إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَي رَبِّهِ سَبِيلًا ».

تفصيل القصة

كانت فتاة تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة واسمها صديقة مقدم ابنة الحاج جعفر مقدم الزنجاني الساكن في العاصمة طهران - تقاطع بمب بنزين أميرية -زقاق خادم آزاد رقم 1/37. قد أصيبت بتشنجات عصبية منذ شهر نيسان عام 1970 ميلادية وإلي مدة أربعة أشهر تقريباً خضعت لمعالجات الأطباء الكفوئين، وهم الدكتور علي يوشل والبروفسور الدكتور ابراهيم سيمعي المتخصص بجراحة الأعصاب، كما خضعت لمعالجات متنوعة حتي كان شهر أيلول في عام 1970 حيث راجعت الدكتور رضا خاكي المتخصص بجراحة الدماغ والأعصاب فأعلن أن مرضها هو الصرع، وكذلك قال صادق صبا عضو اللجنة الفرنسية والاتحاد الدولي لمتخصصي الأعصاب. إذ أكد بشكل قاطع أن مرض هذه الفتاة هو الصرع.

فأخضعت الفتاة إلي المعالجة بالأدوية المضادة لحالة الصرع طبقاً

ص: 212

للتفاصيل التي ثبتها الدكتور صادق صبا عن المرض وعلائمه، مع الأخذ بنظر الاعتبار رأي الطبيب المعالج الدكتور رضا خاكي.. واستمرت المعالجة لمدة شهر تقريباً، فشوهدت علائم لانخفاض نسبة قليلة جداً من الحالة، ولكننا في نهاية المطاف يئسنا من المداواة وإمكانية المعالجة، حيث ازدادت الحالة سوءاً..

ومن المصادف أن الحالة الصحية للفتاة تدهورت بشدة تزامنت مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث تكثر مجالس الدعاء في المساجد وتتشكل الجماعات لإجراء مراسم العبادة والخضوع لله سبحانه وتعالي، فهو موسم نشر العقائد الدينية الأصيلة، لاسيما وأن المبلغين والخطباء في هذا الشهر الكريم يولون الأهمية اللازمة لتبيين المطالب ذات العلاقة بأصول الدين وفروعه، ليشجعوا الناس ويجعلوهم حريصين علي التوسل واللجوء إلي آل محمد (عليهم السّلام) .. وفي تلك الأجواء كانت الفتاة المريضة تحضر المجالس والمساجد مع الناس بقلب مليء بالهم والحزن والانكسار حتي يوم الجمعة..

فقد كان الخطباء يركزون أحاديثهم في يوم الجمعة علي موضوع الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، مما كان يدفع بالمريضة إلي الالتجاء إلي إمام الزمان من صميم قلبها اليائس من أي احتمال للشفاء.

وفي تلك الليلة: ليلة السبت، رأت والدة الفتاة صديقة ولعدة مرات أنها تجلس علي فراشها بعد أن كانت مستلقية، وتتكلم وكأنها تقابل شخصاً ما، فظنت الأم أن ابنتها قد أصيبت بالجنون، ولكن صدّيقة قالت لأمها بعد استيقاظها إن إمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) كان في الغرفة للتو وقد مسح علي رأسها وبشرها بأنه قد شفاها وأنها لم تعد مريضة مطلقاً.

ومنذ ذلك الوقت زالت كل آثار المرض والتشنجات المريرة، حتي عادت إلي صحتها تماماً وقد مرت ستة شهور علي ذلك.

وحينما نقلنا هذه الحادثة إلي الدكتور خاكي وباقي الأطباء المتخصصين،

ص: 213

أعربوا عن تعجبهم ورغبتهم في إجراء فحوصات جديدة عليها، لعلهم يكتشفون سر الشفاء فاصطحبها أبوها. وهو الحاج جعفر إلي الدكتور خاكي، وبعد إجراء الفحوصات، أعلن متعجباً أن علائم المرض قد غابت كلياً ، ولأجل إكمال الفحص صور لها شريطاً تخطيطياً للمخ، فتأكد له ولسائر الأطباء علاجها نهائياً...

92. شفاء المصابة بالسرطان

قال السيد الميردامادي

السيدة (نسرين بور فرد)، العمر سبعة وعشرون عاماً... متزوجة، من أهالي طهران، منطقة (سر آسياب) شارع... زوجة السيد اسماعيل زاهدي، مدير قسم تصليح السيارات في شركة (هيجو).

نوع المرض سرطان الكبد والطحال.

الطبيب المعالج: الدكتور كيهاني المتخصص بمعالجة السرطان في مستشفي (آزاد) بطهران، نقلاً عن والدها السيد عناية الله بور فرد.

مرت فترة من الزمن وكانت ابنتي تصاب بالضعف يوماً بعد آخر، حتي شعرنا بالقلق، فأخذناها إلي الدكتور (سيد محمد سه دهي) الذي أجري عليها الفحوصات، وقال فيما بعد: إن معالجة مرضها ليست من اختصاصي، وأنصحكم بأخذها إلي الدكتور (كيهاني)، الذي أمر بدوره بإبقائها في مستشفي (آزاد).

وحينما أخذت منها العينات والتقطت لها الصور من قبل الدكتور (كلباسي) أعرب هذا الأخير عن أسفه الشديد علي انعدام وجود أي أمل من معالجتها، سواء أجريت لها العملية أم لا، نظراً لأن جروح السرطان قد استولت علي الكبد

ص: 214

والطحال.. وأكد لنا بأنها ستموت بعد ستة أشهر... ونصحنا بأن لا نبذر أموالنا، ولكي نشرع بشيءٍ من المواساة، أمر بإخضاع ابنتي إلي خمسين جلسة من المعالجات الكيميائية.

وفي تلك الليلة قمت بالاتصال بالسيد (م - ح) وهو من أعضاء اللجنة الإدارية لمسجد جمكران. ورجوته أن يقيم لابنتي مراسم الدعاء، وفي الأسبوع التالي بقيت في المسجد ذاته مع السيد الحاج (ج - م) والسيد (ح - خ) وكان علي علاقة مع السيد (م - ح) وطلبت من الإمام المهدي (عليه السّلام) شفاء ابنتي، وكذلك كان من الحاضرين أعضاء من (هيئة خمسة آل العبا) الكائنة في طهران، كما نذرت ذبح خروف وتقديم وليمة في مسجد جمكران..

ثم إنني قمت بإرسال ملفها الطبي بواسطة أحد المسافرين ويدعي الحاج (م - ز) إلي أمريكا حيث يقيم ابني، ليعرضه علي عدد من المتخصصين الأمريكيين، وحينما طالعوا تفاصيل الملف وما يحوي من صور ونتائج تحاليل، أجمعوا علي تأييد رأي الدكتور كيهاني:

المهم في الأمر، هو أنني لم أبلج أي تقصير فيما يمكن أن يتقدم شيئاً ما بمعالجتها، ومن جملة ذلك الأدوية الطبيعية (الأعشاب التي قامت إحدي المستشفيات المكسيكية بإرسالها لابنتي، ولكنها لم تفد شيئاً.

وما كان مهماً هو أنني لم أنقطع عن التوسل بأئمة الهدي المعصومين (عليهم السّلام) كما واصلت تقديم النذور وطلب الحاجة، لاسيما من قبل الإمام الحجة(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

وخلال الجلسة الكيميائية الثامنة، فاجأني الدكتور كيهاني الذي استولي عليه العجب قائلاً: ماذا فعلت.. لقد غاب كل أثر للجروح؟ فقلت له: لقد لجأت إلي من يلجأ إليه كل المضطرين.. توسلت بمولاي صاحب الزمان.

ص: 215

ولمزيد من الاطمئنان قام بالتقاط الصور مرة أخري، وأجري التحاليل الضرورية... فأعلن عن شفاء ابنتي التام وقال: لا أثر للمرض مطلقاً وقد شوفيت ابنتك بفضل ولطف إمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)(1).

تشرين الثاني 1981

93. العجوز التي شمَّت رائحة الإمام

ننقل هذه الحكاية عن كتاب (كرامات المهدي(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) :

قال شاب: بداعي تسممي اضطررت للبقاء في مستشفي (نمازي) في شيراز مغميَّ علي، فيئس الأطباء من معالجتي.. وعن تلك الأيام قال أخي الذي كان يرافقني:

لقد رأيت بوضوح علي الشاشة الطبية مؤشر حركة القلب قد توقف ليظهر خط أفقي، كدلالة علي انتهاء الحياة.

ألقي أخي بنفسه عليَّ باكياً، فأخرجه الأطباء من الغرفة، فيما بدأ مساعدوهم بجمع الأجهزة التي كانت علي جسمي، واستعدوا لتسليم جنازتي إلي عائلتي.

وفجأة ظهرت علي آثار الحياة، وبدأ قلبي ينبض، وارتفع معدل ضغط

دمي من الدرجة الثالثة إلي العاشرة.

نقلني الأطباء إلي مستشفي (سعدي) ثم المستشفي الصحراوي لتصفية دمي.

كان الأطباء يعتقدون بأن تصفية دمي أو تبديله لا يعني عودتي إلي الحياة

ص: 216


1- عشاق المهدي / ج2، ص44.

حتماً، ولكنني عدت إلي الحياة ...

كانت لي عمة مؤمنة تقية وكثيراً ما تري المعصومين في منامها، كانت تبلغ من العمر تسعة وسبعين عاماً، وحينما ساءت حالتي الصحية، ثم أخبروها بنبأ وفاتي، رأت في ليلتها الإمام المهدي(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، فقال لها:

لا تخافي ولا تحزني، فقد طلبنا شفاء ابن أخيك من الله تعالي الذي سيعافيه...

وحينما استيقظت عمتي من نومها أخذت تشم رائحة عطر الإمام (عليه السّلام) ، وأخبرت الأقارب نبأ شفائي، الأمر الذي دعاهم إلي الاستهزاء... ولكن المعجزة وقعت في نهاية المطاف.. وعرفنا لشأن هذه المعجزة ذهبنا إلي زيارة مسجد جمكران في قم المقدسة(1).(2)

94. المرأة الحامل ودعاء الإمام لها

نقل صاحب كتاب (كمال الدين) عن أبي القاسم الحاسبي، وهو من وكلاء إمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) في فترة الغية الصغري(3).

حيث روي أن رجلاً من أهالي منطقة (ربض حميد) كتب رسالة إلي الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) يطلب منها أن يدعو (عليه السّلام) لتيسير ولادة زوجته. وقبل أربعة أيام من الولادة جاءه جواب الإمام كالتالي: لقد دعونا لزوجتك، وستلد بنتاً... فكان كما قال (4) (عليه السّلام).

ص: 217


1- م -ت - (عليه السّلام) / سيراز ، حزيران 1983 .
2- كرامات المهدي، ص11.
3- امتدت فترة الغيبة من أوائل سنة (260) هجرية إلي وفاة النائب الأخير وهو علي بن محمد السمري سنة (329) فكانت مدتها 69 شهراً وخمسة أشهر، وسبعة أيام.
4- المهدي الموعود ، ص648.

95. لصاحب الزمان وديعة!!

الحادثة أدناه تعود إلي الغيبة الصغري لإمام الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

روي صاحب كتاب (الخرائج) عن أحمد بن أبي روح الذي كان رجلاً ديّناً مخلصاً. قال:

استدعتني ذات يوم سيدة تقية تسمي عاتكة من أهالي مدينة دينور من توابع مدينة كرمان شاه الإيرانية، وحينما قصدتها قالت لي:

يا ابن أبي روح إنك الأفضل من حيث التقوي والإيمان من بين الناس في منطقتنا، وإن لي أمانة استودعك إياها وأرجو أن توصلها إلي صاحبها.

قلت: يكون ذلك إن شاء الله.

فقالت: إن أسلمك الكيس الممهور، وفيه دراهم، فلا تفتح الكيس حتي تسلمه لصاحبه، ثم يخبرك هو بما في داخله، وهذه أقراطي وقيمتها عشرة دنانير،وهذه حبات لؤلؤ ثلاث وقيمتها عشرة دنانير أيضاً، وإن لي حاجة أطلب قضاءها من إمام الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

فسألتها: وما هي حاجتك؟

فأجابت: لقد استدانت أمي مبلغ عشرة دنانير لصرفها في مراسم زواجي، ولكنني لا أعلم من أي شخص استدانت ولم أردها. فإذا أنبأك إمام الزمان بالخبر فإني سأعيدها إلي أي شخص يشير.

فقلت: وماذا أفعل لو طلب جعفر الكذاب(1) الأموال مني؟

فقالت: إن بيني وبين جعفر امتحاناً .. أي: إذا أخبرك بما في الكيس حقاً

ص: 218


1- هو (عليهم السّلام) الإمام المهدي (عليه السّلام) ، ادعي الإمامة بعد وفاة أخيه الإمام العسكري (عليه السّلام).

فلك أن تسلمه له.

فانطلت بالأمانة نحو بغداد حتي وصلت إلي حاجز بن يزيد الوشاء، فقال ...ي: ما هي حاجتك؟

قلت: عندي أموال، ولكنني لا أسلمها لك حتي تعلمني بعد أن يعلمك الإمام بمقدارها ومن هو صاحبها.

فقال حاجز : يا أحمد بن أبي روح! إذن اذهب بهذه الأموال إلي سامراء.

فقلت: لا إله إلا الله ! ما أعظم ما تحملت من مهمة وأمانة...

فانطلقت إلي مدينة سامراء وقلت في نفسي: قبل أن أي عمل أقوم به علي نأذهب إلي جعفر الكذاب، ولكنني عدت في قراري فيما بعد، وعزمت علي ...بذهاب إلي منزل الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) ، وصممت علي أنني إن لم وفق إلي ما أريد، فسأعود إلي منزل جعفر الكذاب، وحينما اقتربت من المنزل الموقر الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) خرج عليَّ خادم من البيت وقال لي:

هل أنت أحمد بن أبي روح؟

قلت: نعم

فقال لي: اقرأ هذا الكتاب.

فأخذت أقرأ كتاباً أخرجه لي وقد تملكني العجب، إذ كان فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبيروح! إن عاتكة - الفتاة الإيرانية - قد ...طتك أمانة، وأنت تتصور بأن في الكيس عشرة آلاف درهم، ولكنك تجانب ...صواب.. لقد حفظت الأمانة ولم تفتح الكيس. إن في الكيس ألف درهم خمسين ديناراً، ومعك أقراط تظن تلك الفتاة بأن قيمتها عشرة دينار، وهي ...بادقة في ظنها، إذ في الأقراط شذرتان، وكذلك معك ثلاث حبات من اللؤلؤ

ص: 219

قد اشترتها بعشرة دنانير ، ولكنها تعدل أكثر من ذلك الآن، فسلم الأقراط إلي خادمنا إذ وهبناها له، ثم ارجع إلي بغداد وسلّم المبالغ إلي حاجز الوشاء، وخذ ما يعطيك لمخارج سفرك، وأما ما تظن عاتكة من استقراضها المال وهو عشرة دنانير وأنها لا تعرف صاحبها، فذلك غير صحيح إذ هي تعلم أن (كلثوم بنت أحمد) هي الدائنة، وهي امرأة ناصبية(1) وحيث كانت عاتكة تعلم بأن هذه المرأة ناصبية فقد كرهت ردّ المال لها... فإذا أرادت ذلك؛ فلتقسم المال علي المؤمنين المحتاجين، فقد أجزنا لها ذلك. وأنت يا جعفر بن أبي روح في غنيًّ عن امتحان جعفر الكذاب، فعد إلي وطنك، واعلم أن عدوك قد مات، وسيرزقك الرب العالم امرأته وأمواله». .

وعلي الفور عدت إلي بغداد، وسلّمت الكيس إلي حاجز الوشاء، فوزنها وعدالمال، فكان ألف درهم وخمسين ديناراً، فأعطاني منها ثلاثين ديناراً وقال: لقد أمرت أن أعطيك ثلاثين ديناراً لمخارجك. فأخذت المال وقصدت منزلاً أبات فيه، وفي ذلك المنزل جاءني شخص وقال: إن عمك قد مات ويطلب أفراد عائلتك أن تعود إليهم. فرجعت إلي وطني، فرأيت عمي قد مات وعاد عليَّ من الإرث ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم(2).

96. علي طريق كربلاء كان هناك اللقاء

قال الميردامادي

جاء في كتاب (العبقري الحسان): نقل لي حجة الإسلام الحاج ميرزا علي أكبر آقا خوئي عن السيد رضا الدزفولي الذي كان رجلاً روحانياً تقياً، كما كان إماماً للجماعة في النجف الأشرف قال:

ص: 220


1- الناصبي هو من يتخذ العداء والحقد لأهل بيت النبوة (عليهم السّلام) منهجاً في حياته .
2- العبقري الحسان / ج2، ص159.

كنا نعزم علي زيارة كربلاء المقدسة في أوقات معينة، وكان لنا فيها بيتٌ خاصٌ نسكن فيه لدي إقامتنا في هذه المدينة.

وفي إحدي الرحلات اصطحبت عائلتي لأداء الزيارة، فهيأت لنفسي حماراً ولعائلتي بغلتين واتجهنا إلي كربلاء، وفي وسط الطريق وحينما وصلنا إلي منطقة النخيلة افتقدت زوجتي وأطفالي، وعلي الفور أعلمت مسؤول القافلة، واحتملت أن تكون قد تأخرت عائلتي خلف القافلة، فذهبنا للبحث مسافة كبيرة، ولكننا لم نعثر عليها، فقال لي المسؤول: لعل عائلتك انطلقت مع قافلة أخري عن طريق الخطأ.

ثم واصلنا البحث مرة أخري دون جدوي، مما ضاعف خوفي، واكتفيت بالتفكير بما قاله مسؤول القافلة.

وأخيراً دخلنا مدينة كربلاء وكلي ندم وقلق، فقصدنا البيت السالف الذكر مباشرة، وحينما طرقت الباب، رأيت زوجتي تفتح لي فعمني سرور لا يوصف، فسألتها: في أي مكان انفصلتم عنا؟ .

قالت: في منطقة النخيلة.

فسألتها: وكيف حدث ذلك؟

أجابت: لقد طلب مني الأطفال طعاماً ، ففتحت لهم القدر النحاسي الذي يحوي الطعام، فارتجفت يدي، فارتطم غطاء القدر به، مما أحدث صوتاً فزع له الحيوان الذي كنت أمتطيه ، فانطلق بنا إلي الصحراء، وكلما كان صوت القدر وغطاؤه يرتفع، كلما زاد الحيوان من عدوه، مما ضاعف من خوفي ومهما كنت أصرخ وأنادي، ولكن أحداً لم يسعفني، فظننت أنني هالكة، أو أن أبداننا ستتحطم...

.. فوجدت نفسي استغيث وأندب الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)، وعلا صباحي

ص: 221

وصياح أطفالي ونداءاتنا لصاحب الزمان.

فشاهدنا علي حين غرّة شخصاً نورانياً بهي الطلعة جليلاً يرتدي الملابس العربية، فقال لي: لا تخافي، لا تخافي.

وفور أن تفوه بهذه الكلمة حتي رأيت مركوبي يهدأ هدوءاً تاماً بعد أن كان يعدو بما أوتي من قوة.

فاقترب الشخص منا وخاطبني قائلاً:

هل تريدون الذهاب إلي كربلاء؟

فقلت: نعم...

فأمسك بزمام البغلة ليهدينا إلي الطريق الصحيح... وأثناء حركتنا سألته من يكون؟

فأجاب: أنا المكلف بإنقاذ المضطرين والعاجزين في مثل هذه الصحراء(1).

زيارة المهدي لأمرأة ضريرة

جاء في كتاب (بحار الأنوار): نقل لي العالم الفاضل الشيخ شمس الدين محمد بن قارون هذه الواقعة:

كان رجل يسمي (نجم) ويلقب بالأسود يعيش في قرية واقعة علي نهر فرات، وكان مؤمناً تقياً، أما زوجته، فكانت تدعي فاطمة، وهي أيضاً كانت امرأة متدينة صالحة تقية، وكان لهما ولدان باسم علي وزينب.

وبمرور الزمان فقد الرجل والمرأة بصرهما بالكامل، وبقيا علي هذه الحالة مدة طويلة.

قالت فاطمة : شعرت في إحدي الليالي أن يداً تلمس عيني، وسمعت صوتاً

ص: 222


1- العبقري الحسان / ج2، ص203..

يقول صاحبه:

إن رب العالمين قد شفاك، فاذهبي إلي زوجك ولا تقصري في مداراته ورعايته.

ففتحت عيني، فرأيت جو البيت قد عمّه النور، وألهمت بأن الإمام

المهدي (عليه السّلام) هو الذي زار بيتنا.. (1).

97. استجابة الإمام للسيدة العلوية

قال السيد جليل القدر، الفاضل المرحوم الحاج علي أصغر

الشهرستاني

سافرت والدتي - التي كانت امرأة علوية مؤمنة - ذات مرة مع والدي الزيارة مرقد الإمامين العسكريين (عليهما السّلام) في سامراء. وكانت والدتي تجلس مع طفلها الرضيع في جانب من الهودج الذي كان صنع بحجم كبير، فيما كان أحد المسافرين وأولاده يجلس مع أبي والآخرين في الجانب الآخر له.

وحينما وصلوا إلي مسافة ثلاثة فراسخ علي مدينة سامراء توقف الحيوان الذي كان يحمل الهودج، مما جعله يتأخر عن القافلة، وحيث شاهد رئيس القافلة توقف الحيوان و تأخره عن القافلة اضطرب اضطراباً شديداً مع الأخذ بنظر الاعتبار خطورة الطريق في ذلك الزمان، ولذلك قصد رئيس القافلة هذا والدتي ليقول لها:

أيتها السيدة العلوية ! لقد تأخر الحيوان والطريق خطر جداً، فأرجو أن نتوسلي بأجدادك الطاهرين، لأن النجاة من قطاع الطريق لا تتم إلا بالتوسل بالأئمة الطاهرين (عليهم السّلام) .

ص: 223


1- المهدي الموعود، ص820.

وحينما سمعت والدتي بالخبر أخذت بالتضرع والاستغاثة، وبدأت تتوسل وترجو أجدادها البررة. وحيث كانت مشغولة بالتوسل بتلك الأنوار الإلهية ، ظهر بشكل مفاجئ سيد نوراني الطلعة وعليه آثار الهيبة والجلال، وكان يلبس الملابس البيضاء. فنظر نظرة تأمل إلي الحيوان الذي كان يقل الهودج ثم لاحت من الرجل الجليل ابتسامة.. وفجأة شوهد الحيوان الذي كان عاجزاً عن الحركة وكأنه ينشط من عقال، حيث قام من مكانه وأخذ يسرع في مشيه بشدة، حتي أنه بلغ بمن كان في الهودج مدينة سامراء قبل زملائهم الذين كانوا في القافلة.

وحينما وصلت القافلة إلي سامراء تعجب من كان فيها وسألوهم: كيف وصلتم قبل سائر الزوار؟ وكان المرحوم والدي الذي أصيب بحالة ذهول وقلق يعرب عن تعجبه الشديد من هذه المعجزة !...(1).

98. تلطف الإمام علي النسوة

قالت السيدة المحترمة والجليلة الفاضلة (علم الهدي

الأهوازي)

في أحد أيام سنة 1987 سمعت بأن إمام جمعة مدينة آبادان سيخطب في يوم السبت في مسجد صاحب الزمان، وحيث ظننت أنه مسجد جمكرا، فقد ذهبت برفقة اثنتي عشرة امرأة من العلويات وغيرهن إلي المسجد بواسطة سيارة استأجرناها... وحينما وصلنا المسجد وترجلنا، غادرت السيارة، فوجدنا أن المسجد خالٍ، فسألنا أحد خدم المسجد عن مكان خطبة إمام جمعة آبادان ، فأعرب عن عدم معرفته واطلاعه علي الأمر. فعلمت بأننا قد أخطأنا الفهم وأن

ص: 224


1- العبقري الحسان / ج1، ص121.

المقصود من مسجد صاحب الزمان هو أحد المساجد الكائنة في داخل المدينة - قم المقدسة - فقلنا: ما دمنا قد وفقنا إلي زيارة مسجد جمكران، فلندخل ونؤدي صلاة إمام الزمان (عليه السّلام). فقمنا بذلك وخرجنا من المسجد، وكان الجو بارداً وممطراً ومظلماً، فاستولي علينا الخوف وتساءلنا فيما بيننا: ما العمل؟ إذ لم تكن هناك سيارة نعود بها..

فاقترحت علي بقية النسوة أن تصلي كل واحدة منهن علي النبي و آله مائة مرة بنية سلامة إمام الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، لعلنا نعثر علي وسيلة تعيدنا إلي بيوتنا!

.. لم نأت علي تمام المائة صلوات حتي تبين نور مصباح دراجة نارية ، اقتربت شيئاً فشيئاً، كان رجلان يمتطيانها، أحدهما كان سائقها والثاني كان سيداً من أهل العلم، حيث اقترب منا، كل يحمل منديلاً يحتوي علي مجموعة من الكتب، فقام بفتح المنديل أمامنا وقال:

ليلة أمس كانت ليلة جمكران. وأنتم تأتون الآن؟

فحكينا عليه قصة خطئنا.. وحينما أرادت إحدانا التكلم، قال لها: اسكتي ! فهذا الرجل سيدٌ، وهو ابن عمي فلا تتكلمي بما لا معني له !

في تلك الأثناء جاءت سيارة حمل صغيرة واقتربت منا، فنادي السيد سائقها قائلاً:

يا حاج محمد! تعال إلي هنا..

فاقتربت السيارة منا حتي توقفت.. أما السائق ؛ فلم نره، وكأنها لم يكن فيها سائق، فأمر السيد سائر النسوة أن يركبن السيارة، فيما كان يفتح الحاجز الخلفي لها. وركبت النساء، فقالت إحداهن: هذه المرأة (علم الهدي) مصابة بوجع في رجلها، فإذا كان من الممكن فلتجلس في مقدمة السيارة، إذ لم

ص: 225

تكن تستطيع رفع قدمها، فأحضر السيد علي الفور صندوقاً من جانب الشارع ووضعه تحت رجلها وقال: بإمكانها الآن الصعود، وأشاع بوجهه أثناء ركوبها مع النسوة، وحينما صعدت النسوة جميعاً، قام السيد بإغلاق حاجز السيارة الخلفي وجلس هو في المقدمة.

وفي وسط الطريق قالت لي إحدي الراكبات: ليتنا كنا اتفقنا علي مقدار الأجرة.. فماذا لو طلب منا مبلغاً كبيراً.

وفجأة سمعنا السيد يقول بصوت مرتفع وهو جالس في المقدمة ثلاثاً:صلواتية(1). فأصابنا الخجل.

ووصلنا قرب مضخة الوقود في منطقة (آذر) حيث كان بيت إحدي النسوة، قلنا: ننزل جميعاً في هذا المكان. ونادينا السائق كي يتوقف، فتوقف، ونزل ذلك السيد وفتح الحاجز الخلفي للسيارة، فترجلنا بكل ثقة وسلامة.

قال: إذا أردتم الذهاب إلي مكان آخر، فلا مانع في ذلك.

قلنا: كلا! فكلنا سننزل في هذا المكان.

فنادي السيد، جزاك الله خيراً يا حاج محمد، أنت أيضاً لديك أعمالك، فاذهب واهتم بشؤونك.

وحينما انطلقت السيارة، تنبهنا إلي عدم وجود السيد، فنظرت كل منا إلي وجه صاحبتها وتساءلنا: أين ذهب الرجل؟

لم تره أي منا، واختفت السيارة أيضاً، فألهمنا بأن إمام الزمان أرواحنا فداه هو الذي أوصلنا بلطفه و كرمه إلي مقصدنا، وأنقذنا من موقفنا ذاك؟

يقول كاتب هذه السطور: دون هذه القصة فضيلة حجة الإسلام السيد محمد باقر الموسوي، وهو والد زوجة ابن السيد (علم الهدي) وذلك في الليلة

ص: 226


1- مصطلح إيراني يقصد به الخدمة المجانية، ولكن مقابل أداء المخدوم الصلاة علي محمد وآله الطاهرين .

...عاشرة من شهر ذي القعدة الحرام المطابق للحادي والعشرين من الشهر الأول سنة (1374) هجرية شمسية، ووضعها تحت تصرفنا(1).

99. تشرفه برؤية صاحب الزمان في مسجد السهلة

قال الميردامادي

قال السيد الجليل عبد الله القزويني: في يوم الخميس الموافق لأول شهر نفر في عام (1344) ذهبت مع زوجتي وأسرتي إلي زيارة العتبات المقدسة ...ي العراق، وذلك عام (1327). وحيث تشرفنا بزيارة مسجد الكوفة في يوم ثلاثاء، اقترح بعض من كان يرافقنا أن نزور النجف، ولكنني قلت: إن ليلة هي ليلة أربعاء، ومن المناسب أن نقصد مسجد السهلة، فنؤدي أعماله ...خاصة، وننطلق في صباح الغد لزيارة أمير المؤمنين (عليه السّلام) في النجف أشرف. فتقبل رفقائي اقتراحي، وقام خادم القافلة باستئجار ما نركبه من حيوانات.

قال أصدقاؤنا: نحن لا نسير في الليل.

ولكننا انطلقنا، وكانت ثلاث نسوة ترافقنا، واتجهنا إلي مسجد السهلة.

بعد إقامة صلاتي المغرب والعشاء جماعةً، وجدنا أنفسنا نستغرق بالبكاء ...دعاء دون أن ننتبه إلي أن الساعة قد بلغت الثانية والنصف. فخفت وتألمت لك كثيراً وتساءلت في نفسي: كيف أعود إلي الكوفة في هذا الوقت من الليل ثلاث نسوة غريبات عني... وكان أكثر قلقي ممن كان يعرف باسم (عطية) ...هير بقطع الطريق علي الزائرين.

وحيث بلغ اضطرابي وقلقي منتهاه، توجهت بقلبي إلي التوسل بالإمام

ص: 227


1- عشاق المهدي / ج2، ص335.

المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) الذي رأيته فجأة جالساً في وسط المسجد، وحينما اقتربت، رأيت سيداً عظيماً له المهابة التامة والوقار العظيم والجلال الكبير، كان جالساً في محراب المسجد.. فأخذت يده فقبلتها، ثم أردت أن أمسح جبهتي بها، ولكنه سحب يده..

عدت إلي دعائي وزيارتي، وحينما سلمت وأتيت علي الاسم المبارك للإمام، ردّ هو علي سلامي بقوله: عليكم السلام، فاضطربت لذلك كل الاضطراب، حيث أسلّم ويرد السيد سلامي.. ماذا يعني ذلك.. فقد كان وجود الإمام (عليه السّلام) نورانياً بحيث يمكن تشبيه ضياء مائة مصباح به..

ثم إن الإمام التفت بوجهه الكريم نحوي وقال:

ادعُ باطمئنان.. فقد أوصيت (أكبر كبابيان) بأن يوصلكم إلي الكوفة... وعليك أن تطعمه..

وإذ سمعت ذلك أصابني اليأس - من حلول وقت الفراق مع الإمام - ولكنني طلبت منه الدعاء، وسألته ثلاث حاجات: الأولي: السعة في الرزق ورفع الفقر، والثانية أن تكون أرض كربلاء مدفناً لي. فاستجاب لهتين الحاجتين. أما الثالثة: فقد كان طلبي الولد الصالح، فأقسم إمام الزمان أن ذلك خارج عن يده...

فسكت، ولم أطلب إليه أن يسأل الله ذلك. وتذكرت أنني حينما كنت شاباً كنت أرغب بالزواج من فتاة صالحة، ولكن أباها كان يرفض تزويجها مني، وينوي خطبتها إلي شخص غني، فزرت الإمام الرضا (عليه السّلام) وطلبت منه تسهيل أمر زواجي بتلك الفتاة علي أني أتنازل عن طلب الذرية.. حيث جالت في خاطري تلك القضية فلم أكرر طلبي.

ثم إن زوجتي تقدمت وطلبت من أمام الزمان السعة في الرزق، وأن تكون

ص: 228

أرض مشهد أو أرض كربلاء مدفناً لها، وأن تتوفي قبلي، فأجاب الإمام كل ذلك.

فقد توفيت زوجتي في مدينة مشهد المقدسة، حيث دفنتها بنفسي.

وتقدمت امرأة كانت معنا إلي الإمام وطلبت منه شفاء زوجة ابنها، والثروة الولدها، وطول العمر لها، فقال لها الإمام بأن جده الإمام الكاظم (عليه السّلام) سيشفي زوجة ولدها. وقد أصبح ولدها تاجراً معروفاً فيما بعد. كما أنها توفيت بعمر خمسة وتسعين عاماً. وحينما خرجنا من المسجد، قالت لي زوجتي: هل عرفت من كان هذا السيد الجليل؟ فأجابها بالنفي.

قالت: لقد كان إمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)..

ومن فرط دهشتي التفت بوجهي نحو المسجد، فلم أرَ سوي الفانوس المعلق، ولم يبقَ أثر لتلك الأنوار البهية التي كانت تشع بقدر ما يشع مائة مصباح، فقد كان الظلام مخيماً، ولا أثر لذلك السيد الجليل.. فعلمت أن تلك الأنوار كانت من ضياء جبهته المباركة.

وحينما وصلنا جانباً من المسجد اقترب منا شاب وقال: متي ما فرغتم من أعمالكم، فإني سأوصلكم إلي الكوفة ومسجدها.

فسألته: من أنت؟

قال: أنا أكبر بهاري

فخفت خوفاً شديداً وانقبض قلبي، وظننت أنه يقول (أكبر بهائي). قلت: ماذا تقول؟ قلت: بهائي؟ ماذا يعني هذا؟

قال: أنا أعيش في مدينة همدان في محلة (كبابيان) وفي قرية (بهار) وهي

ص: 229

إحدي قري همدان، وإن العالم العارف ميرزا محمد بهاري من أهل القرية نفسها.

وحينما عرفته، آنست به، وسألته: هل عرفت ذلك السيد الجليل؟ قال: لم أعرفه، ولكنني حيث رأيته سيداً جليلاً وعظيماً، لم أستطع رفض أمره بإيصالكم إلي مسجد الكوفة، مهابة وإجلالاً له. قلت: كان ذلك السيد الجليل صاحب الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ، ووصفت له وجهه وشمائله.. فبدت علامات الوجد علي الشباب..

وفي طريق عودتنا كان ذلك الشاب ورفاقه الأربعة يرافقوننا مشياً علي الأقدام رغم ما كان معنا من الحمر الذي لم يمتطوا واحداً منها، لأنهم كانوا يحلقون كما الفراشات شوقاً وفرحاً برؤيتهم الإمام المنتظر(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .

وحينما وصلنا إلي الكوفة، قدمت لهؤلاء الشباب عشاءهم طاعة لأمر الإمام (عليه السّلام).

100. امرأة شُفيت في مسجد جمكران

كتب أحد خدمة مسجد جمكران المقدس:

كنت أبقي مستيقظاً حتي الصباح لإنجاز ما يقتضيه عملي في مكتب العلاقات العامة في مسجد جمكران، ولكنني في ليلة من الليالي شعرت بتعب شديد، فقصدت النوم، غير أني لم أستطع ذلك، فعدت إلي مقر العلاقات العامة لألقي نظرة علي ما يدور هناك.

ذهبت إلي قسم الرجال الذي كان طور البناء، فقال أحد الزائرين، يقال إن إحدي النساء قد شوفيت في قسم النساء الكائن في الطبقة التحتية للمسجد.

ص: 230

فقلت: لا علم لي بذلك.

ثم إنني اتصلت بمسؤول قسم النساء بعد عودتي إلي مقر العلاقات العامة ، فأكدوا الخبر. فأوصيته بأن يرسل لي المرأة التي شوفيت لإجراء مقابلة معها في قسم العلاقات العامة.

وبعد دقائق معدودة جاءت المرأة المذكورة بمعية عدة من النساء يحافظن عليها من هجوم الناس الذين كانوا قد أحاطوا بها بقصد التبرك. فجيء بها إلي لمقر، وأغلقت بابه، ولم أسمح بالدخول إلا لأشخاص قلائل... كانت المرأة المعافاة تبدو تعبة لما تعرضت له من هجوم الناس، بل ومما كان الناس يرمونه لها من الأشياء الصغيرة من الشباك، لكي تلمسها وتعيدها لهم.

وبعد تناولها لقليل من الماء بدأت المرأة بالتحدث..

قلت لها: ما اسمك؟

قالت: طاهرة جعفريان بنت عبد الحسين، رقم جنسيتي (290)، وأسكن في مدينة مشهد المقدسة، وعنواني هو: مشهد - شارع خواجه ربيع.. أما نوع مرضي؛ فهو فلج أصابع اليدين، أي انقباض ثلاث أصابع من اليد اليمني، وانقباض أصابع اليد اليسري، حيث كانت عاجزة عن الحركة مطلقاً.

وسبب هذا المرض، هو أنني، فوجئت بنبأ موت أخي قبل خمسة عشرة عاماً، وبعد أن عدت من إغماءتي، وجدت الفلج قد أصاب أصابعي.

أما زوجي الذي كان شخصاً ثرياً ويعمل في شراء وبيع البيوت والأراضي، فقد عمد إلي الزواج من امرأة أخري حينما رآني أصبت بهذا المرض، كما قام بحرماني من أطفالي، مما عرضني لأزمة روحية وجسدية شديدة..

وقد راجعت خلال تلك السنين المديدة العديد من الأطباء، ومنهم الدكتور صباحي، وتقع عيادته في شارع (عشرت آباد - مقابل مضخة الوقود والدكتورو

ص: 231

حيرني، وعيادته في الشارع نفسه، والدكتور رحيمي الذي يعمل في مستشفي بنت الهدي)، أما في العاصمة طهران، فقد قصدت مؤسسة طبية خاص بالتمارين الرياضية والفيزيائية، ولكنني عجزت عن تسديد تكاليفها الباهظ ولم أذهب..

وقبل المجيء إلي مدينة قم، راجعت الدكتور (برزين ترازو) الذي عرّض يدي للعلاج بالطاقة الكهربائية دون فائدة تذكر، مع الألم الذي كنت أعاني منه، فكنت ألجأ إلي تناول الأقراص المهدئة.

وقبل أيام قليلة قمت بزيارة مرقد السيد عبد العظيم الحسني في طهران مع ثلاث نسوة، ثم زرت قم ومسجد جمكران، وأقمنا في منزل صهري السيد (ل) المقيم في قم أصلاً، وبعد الإتيان بآداب وأعمال هذا المسجد، حضرت مجلساً خاصاً أقيم بمناسبة ولادة الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السّلام) ، وكان هذا المجلس ذا معنوية مميزة، وبعد ذلك تمت قرارة دعاء التوسل الذي أحدث في داخلي انقلاباً روحياً، حتي قلت دون إرادتي:

سيدي يا إمام الزمان ! إني أريد الشفاء منك...

تملكتني حالة عجيبة ، حتي أحسست بأني أري أنوارة مذهلة من قريب وبعيد، ثم شعرت بأن أصابع يدي تُسحب وتُجر، وتخرج أصوات من يدي - فأدركت بأنني قد شوفيت.. .

قالت امرأة كانت مرافقة لها:

كنت جالسة إلي جانبها - المرأة التي عوفيت - وسمعتها تقول ثلاثاً:

يا صاحب الزمان، وتلوح بيديها في الهواء، وكان وجهها محمراً.

ثم سألت السيدة (ز - ك) التي كانت مرافقة أخري لها عن القضية.

فأجابت: إنني أعرفها تماماً، وكانت أصابعها قد أصيبت بالفالج من خمسة

ص: 232

...شرة عاماً.

وبعد انتهاء اللقاء والمقابلة، أخرجنا المرأة من باب أخري بصورة سرية، ...حاشي هجوم الناس عليها.

*وقعت هذه الحادثة في الشهر العاشر من سنة (1)1989.

101. شُفيت ببركة الإمام

قال الميردامادي

هذه القصة هي للسيدة كرميان، وتبلغ من العمر (38) عاماً وتعمل مدرسة و (مدرسة العدل الكائنة في مدينة خرم آباد.

حضرنا إلي منزلها في مدينة خرم آباد - منطقة باغ كشاورزي، وذلك ...د عدة أشهر علي شفائها، لنستمع منها بصورة مباشرة قصة مرضها وكيفية مائها، وقد كانت أختها السيدة فردوس كرميان أكثر منها إطلاعاً، باعتبار أن مريضة كانت في أغلب الأحيان فاقدة للوعي. وهانحن نضع ما قصته السيدتان : أيدي القراء الأعزاء:

في أواخر 1989، تنبهت إلي وجود بقع كبيرة علي بدني، صاحبها ضعف ...عب شديد مع دوار في الرأس، كما كان سني يؤلمني بشكل كبير، وحينما ...بت إلي المستوصف وفحصني الدكتور طاهري، أمر بالتقاط الصور لسني، ...كن حالة من التقيؤ سيطرة عليَّ، فلم أتمكن من أخذ الصور الخاصة ...أسنان، فاضطر الطبيب إلي قلع سني بعد إصراري، فشعرت فيما بعد ...متداد الألم.. وبداعي تكاثر العفونة في أسناني، كتب لي الأطباء أسماء أدوية ...برة، لم تنفعني في نهاية الأمر، وتضاءلت رغبتي في الطعام، وقضيت فترة

ص: 233


1- عشاق المهدي / ج2، ص41.

غير جيدة، حتي كان شهر حزيران، حيث تفاقم وضعي الصحي إلي حد كبير جداً.. واضطررت لإجراء تحاليل كثيرة.. فأكد الأطباء أن مرضي هو سرطان الدم!

نقلوني علي الفور إلي مستشفي (الشهيد فياض بخش) وخلال الثمان وأربعين ساعة الأولي التي أبقيت فيها قام الأطباء بأخذ العينات وإجراء التحاليل العديدة. فأكد الدكتور رضوي وهو يحمل شهادة فوق التخصص بأمراض الدم، والدكتور لطيف زاده ولديه شهادة فوق التخصص بأمراض الدم، اللذان خضعت لمعالجتهما، أكدا لزوجي وأختي وأخي أن هذا النوع من السرطان هوأسوأ الأنواع، وأنه سيقضي عليَّ بسرعة بالغة.. وأضاف الدكتور رضوي:

لقد مر بنا (300) مريض يعانون هذا النوع من المرض، وقضوا كلهم، ولا أمل لنا في تحسن صحة مريضتكم أو شفائها..

.. كانت حالتي تسوء يوماً بعد يوم، وكان يؤلمني ارتفاع الحرارة والارتجاف والخمول الذي كان يصيبني... وكنت أتمني لو أستطيع النوم ساعة واحدة، ولكنني كنت عاجزة عن النوم الذي من المفترض أن يزيح عن كاهلي الثقل الذي أشعر به...

وبسبب الارتفاع الشديد جداً لحرارة بدني، فقد ظهر علي الجانب الأيسر من فمي ما يشبه الخال، وأخذ يتوسع شيئاً فشيئاً، ويتعفن... وذلك لما أصاب بدني من ضعف شديد، بل ومن جراء توسعه، أخذ يغطي قسما من وجهي..

تركت أختي أولادها ورافقتني إلي طهران لتهتم بشؤوني ليلاً ونهاراً، كما كانت تضع علي جبهتي وقدمي لفافات مبللة لتنخفض حرارتي، ولكنني كنت أحترق دوماً...

كان الفريق الطبي المختص يجري التحاليل علي دمي دونما فائدة، وقد زاد

ص: 234

من سوء حالتي المعالجة الكيميائية، حيث كنت أعاني من الإعياء والفطريات لتي بدأت بالظهور علي جلدي.. وقد خلفت العفونة الداخلية التي أصابتني حالات من الاختناق، فكان الأطباء يخففون علي بما يتمكنون من طرق وأدوية، ...غم عدم جدواها.. إذ بدأ الدم يتخثر تحت جلدي، مما غير لون بشرتي إلي للون الأسود.

بدأت وأفراد عائلتي، لاسيما أخي وأختي اللذين كانا يرافقاني في مستشفي بالتوسل بإمام الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

أُبقيت تحت المراقبة في مستشفي (الشهيد فياض بخش) مدة شهر ونصف شهر، وكنت في حالة سيئة رغم ما كان الأطباء يبذلونه من جهود لمعالجتي.. قد أخبروا أخي وأختي بأنني لن أبقي علي قيد الحياة أكثر من واحد وعشرين يوماً..

وفي أواخر أيام شهر تموز، حيث كان يوم الأحد وقبل أذان المغرب، أمر طبيب بأن ينقل إليه التقرير الخاص بدرجة حرارتي بصورة مستمرة، فكانت حرارة هي (40) درجة طبقاً للمعتاد..

في لحظة واحدة؛ وجراء الإرهاق والتعب استولت علي غفوة، فرأيت في نامي امرأة ترتدي السواد واقفة عند رأسي وتقول: لقد شوفيت، وتستطيعين ن تنهضي !!

في تلك الأثناء كنت أود رؤية وجه هذه المرأة الجليلة.. فرفعت رأسي ...أراها، كانت متنقبة بنقاب أخضر بحيث غطي كل وجهها.

وخضوعاً لأمر هذه السيدة نهضت فعلاً من سريري، وانتعلت حذائي..

...حتي وجدت نفسي استيقظ وأنا مبتلة تماماً بالعرق، فشعرت بشيءٍ من الخفة.

سألت أختي: هل جاءت امرأة ما لعيادتي؟ فأجابت بالنفي..

ص: 235

في تلك الأثناء جاءت الممرضة لتقيس درجة حرارتي، فرأت أنها تقف عند درجة (36)، فظنت أنها أخطأت... وحينما أعادت الكرة، وجدت الدرجة نفسها.

عرضوني مرة أخري إلي العلاج الكيميائي.. فأغمي عليّ للمرة الثانية.

وأثناء ذلك؛ كان أخي وأختي منشغلين بالتضرع والتوسل إلي إمام الزمان، ثم إن أخي ذهب إلي أحد العلماء، وطلب إليه أن يدعو لي بالشفاء، ويتوسل بالإمام (عليه السّلام) ، وحينما عاد، قال لأختي: جئت بمقدار فصوص السكر أهدانيها ذلك العالم، وأنا علي يقين بأن إمام الزمان (عليه السّلام) قد جعل شفائي فيها.. فلا تيأسي، وادعي الله وتوسلي بالإمام..

وإذ كان الأطباء قد قطعوا أملهم في إمكانية شفائي، فقد أحجموا عن إجراء التحاليل علي دمي، حيث قالوا لأختي وأخي: لا أمل في شفاء المريض، ولا حاجة لأخذ التحاليل..

وعند أذان الفجر؛ أسبغت أختي وضوءها وأخذت تنادي الإمام المهدي، ووضعت مقداراً من فصوص السكر في فمي، فأكلتها علي مضض حيث كان الألم يتملكني.

كان النزيف في فمي ولثتي مستمراً، وقد كان الدم المتخثر يخرج مني في بعض الأحيان... واستمرت هذه الحالة مدة أسبوع، كما كانوا يطعمونني فصوص السكر طيلة تلك المدة. فمثلاً حينما كنت أطعم في وقت الأذان أجد نفسي باكية، بينما كانت أختي تندب إمام الزمان قائلة: ياصاحب الزمان! بارك أختي إذا أجري لها اليوم تحليلها وليكن معدل الكريات البيض عالياً !

وفي يوم آخر كانت تقول: ياصاحب الزمان! يا سيدي ! إذا أجري لأختي تحليل الدم فليكن طبيعياً. وكانت تصر علي الأطباء أن يجروا التحاليل مرة

ص: 236

...بري، فكانوا يستجيبون لها لمجرد طمأنة خاطرها، إذ أنهم فقدوا الأمل ...اما.

وفي النهاية وافق الأطباء بعد إصرار عائلتي علي إجراء التحليل الأخير...نهائي لتحديد حالتي الصحية.

فعاهدت نفسي - وعيوني دامعة ولساني عاجز عن النطق - بأن أقدم ....راً أو أضحية باسم إمام الزمان (عليه السّلام) إلي الفقراء وقلت: سيدي يا إمام الزمان ...عدني لكي أتعافي وتكون نتائج التحليل إيجابية.

قال الطبيب: سأقوم بالتحليل، ولكنني أعلم بعدم وجود أية فائدة. ولكن أخي أجابه: إني أراهنك أيها الطبيب علي أن نتيجة التحليل ستكون ...سجعة جداً!

فعاد الطبيب بالقول علي أخي: ما هي العلاقة بين اختصاصك - ماجستير ...ر - وبين علم الطب؟ إنك لا تستطيع إبداء رأي في هذه القضية.

ولكننا كنا علي ثقة بأن توسلاتنا بإمام الزمان ودعاء ذلك العالم ستساعدان ...ي شفائي ببركة الإمام المهدي (عليه السّلام).

أما الأطباء فقد كانوا محقين بفقدهم الأمل، إذ كانت التحاليل السابقة تشير ، أن السرطان قد غزا ما نسبة (98%) من خلايا الدماغ والعظام، ولم يسلم ...با سوي 2%)!

وفي الغد، حيث أجروا التحاليل، أخذهم العجب أيما مأخذ، إذ شاهدوا في انتشار السرطان: رغم أن عناصر (البوتاسيوم والفوسفور والكالسيوم ...مغنزيوم) قد وصلت في بدني إلي حدها الأدني من قبل.. ورغم أنهم كانوا ...تعدون لموتي، حيث أعلموا الأقارب بضرورة الاستعداد لاستقبال جنازتي ...امة مجلس العزاء علي روحي؟

ص: 237

كان الطبيب مسروراً للغاية، ومتعجباً في الوقت ذاته وحيراناً لنتيجة التحليل التي أشارت إلي أن ما نسبته (85%) من السرطان قد اختفي بالكلية.

بدؤوا برزقي بالبوتاسيوم والكالسيوم والمغنزيوم وغيرها من العناصر، ثم سمحوا لي بمغادرة المستشفي بعد حوالي شهرين ونصف.

ثم إنهم نقلوني إلي أحد أقسام الداخلية للمستشفي للنهوض بمعنوياتي، ثم قاموا مجدداً بإجراء التحاليل علي دماغي وعظامي.

اتصلت الدكتورة (شهسواري) مسؤولة المختبر بأختي وقالت بكل فرح تبشرها: ماذا فعلتم خلال هذا الأسبوع؟ لقد كان العلاج الكيميائي مؤثراً للغاية، وإن نتيجة التحليل جيدة جداً.. وكنت أتوق لأبشركم بنفسي !!

فأجابتها أختي: خلال هذا الأسبوع لم تتعرض المريضة لأي علاج كيميائي، ولم تناول أي دواء.. وما ترين هو لطف وبركة إمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

ثم قالت أختي لإحدي الممرضات وكانت تسمي السيدة بناهي، من المؤكد أن خلايا السرطان قد اختفت من دماغ وعظام أختي نهائياً، بحيث اتصلت بي الدكتورة مسؤولة المختبر شخصياً.

فأجابت الممرضة: كلا! فهذا ما لا يمكن !!

فاضطرت أختي إلي الذهاب بنفسها إلي المختبر والدكتورة شهسواري لتعرب عن شكرها لها، ولتسألها عن نسبة الخلايا السلبية الباقية.

فأجابتها مسؤولة المختبر: إنها سالمة تماماً، وأنا أتعجب من أنكم في أي مستشفي عرضتموها للعلاج الكيميائي؟!

قالت أخي: لم تتعالج أبداً، ولم تتناول دواءً معيناً.. تري هل تؤمنين بشيءٍ اسمه المعجزة؟!

ص: 238

فقالت الدكتورة : نعم، أؤمن بالمعجزة!

فقالت أختي: لقد أخذنا شفاءها من إمام الزمان(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ..

وأضافت أختي فيما بعد: في حين كنا قبل أسبوع من إعلان نتيجة التحليل النهائي نتحدث عن موت المريضة ونقلها إلي مدينتنا، ولكنها استمرت في الحياة، وهانحن الآن نتحدث عن المعجزة والكرامة والشفاء.

ذهبت أختي إلي الطبيب الذي أكد لها أن هذه الحالة - المرض - حالة خطرة وخبيثة، وهي بمثارة نار تحت رماد، وأن يجب معالجة المريضة بالعلاج الكيميائي مرة أخري.

فاعترضت عليه قائلة: إن المريضة لم تر أطفالها منذ مدة طويلة، فنرجو أن تجيزها لمدة أسبوع لتراهم، فوافق الطبيب، ورجعنا إلي مدينتنا (خرم آباد) وبلطف إمام الزمان (عليه السّلام) استعادت المريضة صحتها بشكل كامل، بحيث نسينا قضية العلاج الكيميائي، في حين أن الأطباء كانوا قد أكدوا لنا بأن المريضة قد تموت إذا تعرضت لمجرد نزلة برد..

نعم إن إمام الزمان قد شفاها.

جدير ذكره أننا حينما اتصلنا بالمريضة لنكتب قصة معجزة شفائها كانت مصابة بالحساسية والعطاس، ولكنها تعافت بعد أسبوع واحد. ثم إننا ذهبنا إلي منزلها وتحدثنا إليها وإلي أختها، فقالت لنا:

لقد أصبت بالحساسية الشديدة، ولكن لا داعي للقلق، فإمام الزمان هو الذي شفاني، ولم أراجع أي طبيب، وقد عوفيت من نزلة البرد التي تعرضت لها...

ص: 239

102.المهدي يُحاور السيدة العجوز

لم يكن بناء مسجد جمكران الكائن في مدينة قم المقدسة علي هذه المساحة الواسعة سابقاً. لكي يستقبل الحشود الزائرة في الوقت الحاضر، فضلاً عن عدم وجود وسائل النقل السريعة كما هي حالياً، حيث يستطيع الناس الذهاب إلي المسجد بيسر وسهولة. بل كل يشهد حضوراً مختصراً يتمثل بأشخاص معدودين من محبي وعشاق إمام الزمان (عليه السّلام) ، إن كانوا يوصلون أنفسهم بأي شكل من الأشكال في ليالي الجمعة، فيكون المسجد خالياً في بقية الليالي بعد أن يغلق متوليه الباب ويذهب إلي بيته.

فصادف في ليلة الجمعة أن ذهبت سيدة كبيرة السن، إلي المسجد - ولعلها رأت الإمام (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) مرارة في منامها ويقظتها، وذلك بعد تعرض هذا المسجد المبارك إلي التوسعة - فرأت آلاف الأشخاص يغص بهم المسجد وغرفه وساحته الخارجية وقد انشغلوا بالعبادة والتوسل بالإمام.

قالت هذه السيدة العجوز:

حينما رأيت تلك الجموع، وقارنتها بأعداد الزائرين القليلة قبل إجراء التوسعة، سررت كثيراً، حيث يتجمع الناس حول مولاي الحجة بن الحسن (عليه السّلام) ، ويبدون ودهم وتعلقهم به، وبهذا الفرح والسرور دخلت إلي المسجد وقمت بأعماله الخاصة من صلاة ودعاء. ثم قرأت زيارة ( آل ياسين) وتحدثت بلساني إلي الإمام وقلت: مولاي إنني مسرورة للغاية لحضور الناس الكبير وحبهم لك وتعلقهم بك!

ثم خرجت من المسجد، وتناولت شيئاً بسيطاً من الطعام الذي عادةً ما يقدم إلي الزائرين مجاناً ، وقصدت بعد ذلك إحدي غرف المسجد التي اعتدت

ص: 240

علي الاستراحة فيها لدي زياراتي، ثم استلقيت فيها وغفوت.

وفي عالم الرؤيا، رأيت الإمام الحجة المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) وكأنه جاء إلي المسجد - جمكران - وأخذ يمشي بين الناس دون أن يتعرف إليه أحدهم. فخرجت من غرفتي وهرولت نحوه وأديت التحية والسلام، فأجابني بلطف تام، ثم كررت عليه الكلمات التي تحدثت بها في عالم اليقظة وقلت: أنا فداء لتراب قدميك، فرحة ومسرورة وأحمد الله تعالي أن يتعلق بك الناس ويبدون محبتهم الكبيرة إزاءك ويأتون إلي هنا.

فتأوّه الإمام وقال: كل هؤلاء لم يأتوا لأجلي ! تعالي لنسألهم عن سبب مجيئهم!!

فقلت: أفديك أنا تحت أمرك..

وفي عالم الرؤيا ذهبت مع الإمام بين الناس، فسأل الإمام أحدهم عن سبب وجوده في المسجد.

فقال: لدي مريض لم يستطع الأطباء معالجته!

وقال آخر: أنا أسكن في بيت مستأجر وأود أن يكون لي بيت أملكه.

وقال ثالث: أنا مديون، وقد أخذ دائني يلاحقني حتي بيتي.

وكانت امرأة تشتكي زوجها، وكان رجل يشكو امرأته.. والمهم كان لكل واحد منهم حاجة يتمني علي الإمام (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) أن يقضيهاله، أي أن المطالب الشخصية هي التي تدفعهم إلي المجيء إلي المسجد.

فخاطبني الإمام: هل تأكدت من أن هؤلاء لم يحضروا لأجلي، مع أنهم الأشخاص الصالحون من هذا الجمع، حيث يعتقدون بي ويطلبون حاجتهم مني، ويعتبرونني واسطة للرحمة، والفيض... وإن انتهينا من هؤلاء، فإن هناك الكثير من الناس لم يحضروا إلي هنا إلا من أجل التسلية، بل إن بعضاً منهم

ص: 241

لا يؤمن بوجودي.

ثم رأيت في تلك الحالة شخصاً جالساً في ناحية من نواحي المسجد، كان يبدو أنه قد جاء لأجل الإمام (عليه السّلام) حقاً. فقال لي الإمام: تعالي نسأل عن أحواله. فذهبت بمعية الإمام - في عالم الرؤيا - إلي ذلك الشخص وكان سيداً معتماً ، وأظنه كان من العلماء، وقد جمع ركبتيه إلي صدره وأمسك بهما، وكان يدور بعينيه وكأنه يبحث عن ضالة له، وحينما وقع نظره علي الإمام، قفز من مكانه وهوي علي يده ورجله المباركة وقال:

فداك أبي وأمي ! أين كنت؟ فقد كاد قلبي ينقلع لانتظارك وفقدك. فأمسك الإمام بيده، فقبلها الرجل وبكي...

سأله الإمام عن سر مجيئه، فلم يحرِ جواباً، ولكنه ضاعف من بكائه..

فسأله الإمام مرة أخري، فقال له:

سيدي ! متي أردت منك غير الوصال؟ إنني أريدك! أنت جنتي، وأنت دنياي وآخرتي، إن لحظة واحدة من لقائك لا أستبدلها بشيءٍ. سوي الله تعالي... وما قيمة النفس لكي أفديها تحت قدم الرفيق !! فهي - النفس - متاع يملكه حتي الأراذل من الناس..!!

فتوجه الإمام (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) نحوي وقال:

لم يأتِ مثل هذا الشخص إلي هنا سوي أفراد قلائل.. إنهم سيصلون إلي مقصدهم وينالون مبتغاهم!(1).

ص: 242


1- راجع مسجد جمكران ، محل ظهور صاحب الزمان، ص 119 .

103. هدية من الإمام إلي سيدة مؤمنة

كتب المرحوم العلامة النهاوندي (رحمه الله) :

ذهبت سيدة مؤمنة صالحة، وهي جدة السيد علي التبريزي وهو من السادة العلماء، ذهبت في إحدي الليالي إلي الحسينية التي هي من جزء من ساحة منزلها حتي تقام المجالس الحسينية في مدينة تبريز الإيرانية. ولكنها بسبب مشكلة حدثت لها بدأت بالبكاء في وسط ساحة الحسينية وبالتوسل بالإمام الحجة المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

وكانت تتوسط الحسينية شجرة تأكد لهذه السيدة الصالحة أنها تشع نوراً ملا فناء الحسينية بل وحتي المنازل المجاورة.

وفي سحر تلك الليلة ظهر إمام الزمان لهذه السيدة المحترمة ليهديها أشرفياً واحداً(1).

تقول السيدة: إن بركة تلك الهدية قد شملتني وشملت ذريتي، وحلت مشاكلي المالية، حتي أنني استطعت بما تسني لي من مال وفير أن أتشرف بزيارة مرقد الإمام الرضا (عليه السّلام) والذهاب إلي مكة المكرمة(2).

104. زوجة المهندس شُفيت والتقت الإمام

قال الميردامادي

وقعت هذه القصة التي أحكيها لكم في عام 1374 هجري شمسي الموافق لعام 1416 هجري قمري قرب مدينة تبريز الإيرانية، ولا يزال أبطال القصة علي

ص: 243


1- وحدة نقدية إيرانية قديمة.
2- العبقري الحسان / ج1، ص 103.

قيد الحياة، وإن كنتم تودون التأكد من صحتها، فلكم الاتصال بالمؤلف، فيدلكم عليهم، فتتحدثون إليهم.

في يوم الخميس حيث كان الثلج يتساقط، ودع مهندس شاب زوجته وأطفاله، ليغادر مدينة شبستر باتجاه تبريز، وحينما وصل بسيارته إلي بوابة الصوفيين ورأي قلة السيارات المارة، وتأكد من خطورة الطريق، عدل عن رغبته بالذهاب إلي معمل صناعة الأصباغ الذي يعمل فيه، وقرر العودة إلي البيت، وحينما أراد الاستدارة والرجوع، اصطدمت به سيارة كانت قادمة من الجهة المعاكسة بشكل عنيف للغاية، بحيث دفع به الاصطدام إلي الانزلاق من الزجاجة الأمامية التي تحطمت.. والسقوط بشدة علي الأرض، مما أدي إلي تناثر جزء من دماغه!.

ثم إن عدداً من السائقين تجمعوا حول المكان، ونقلوا سائق السيارة الأخري - وكانت من طراز بيكان - إلي مستوصف قريب أما المهندس؛ فقط بقي ملقي علي الأرض المتثلجة.. وبعد برهة مر أحدهم بسيارته، وحينما رأي المهندس ظن أنه أحد أصدقائه، فاحتمله إلي مستوصف، ومن ثم إلي مستشفي الشمس الكائنة في مدينة تبريز.

استدعي الدكتور أصغري، وكان جراحاً للدماغ ليتفقد حالة المهندس، وحينما رآه، أسرع إلي نقله إلي غرفة العمليات، ثم إنه استعلم من الرجل الذي أتي به عن مكان الحادث، فلما أخبره، أرسل عدداً من مساعديه إلي المكان ليجمعوا - بدقة بالغة - بقايا الدماغ المتناثرة، ليتأكد من بعض التفاصيل وشدة الاصطدام، ولكنه حينما سأل الممرضة ذات العلاقة في صباح اليوم التالي، علم منها أن المهندس المصاب لا يزال علي قيد الحياة، فأسرع في المجيء إلي المستشفي، وتعجب من حالة هذا المريض حينما رآه.

بدأ هذا الطبيب النبيل وعدد من زملائه والممرضون بالعمل، ولكن حالة

ص: 244

المصاب أخذت بالتدهور بمرور الزمن، إذ أنه كان قد أصيبت بحالة غيبوبة طويلة، ولم تبد أية علامة علي حركة معينة في سائر أعضاء بدنه، وبقي المهندس الشاب أشهراً عديدة في غيبوبته علي سرير المستشفي رغم ما بذله الأطباء من جهود لمعالجة وضعه أو إعادته إلي وعيه، وقد قاموا بإرسال الصور الطبية ونتائج التحليل إلي أطباء طهران ذوي العلاقة واستشاروهم.. فأجمعوا علي تأييد طريقة العلاج، كما تعجبوا من بقاء المصاب حياً. ثم إن الوثائق الطبية أرسلت إلي ألمانيا، فأعلن الأطباء هناك تأييدهم لسير المعالجات رغم عدم جدواها، كما أعربوا عن يأسهم من بقائه علي قيد الحياة أو إمكانية نجاح المعالجة.

ثم إن حالة المهندس أخذت بالتدهور، إذ كانت رئته قد أصيبت بالتعفن، وكذلك دماغه، حتي أن الطبيب اضطر إلي إعلام زوجة المريض بأن حالته ستقضي عليه وعليها، ثم يموت لا محالة.

لقد تقطعت أسباب الأمل، فذهبتَ (المؤلف) إلي المستشفي لرؤية المهندس المريض، وتقدمت بالنصيحة إلي زوجته لتتوجه إلي السيدة زينب (عليها السّلام) وإمام الزمان (عليه السّلام) وتتوسل بهما إلي الله سبحانه وتعالي... وكان ذلك حيث كان قبر المهندس معداً لاستقباله ميتاً، وكان ذووه يتوقعون تسلم جنازته في صباح كل يوم حينما يذهبون إلي المستشفي.

والآن: تعالوا لنقرأ باقي القصة علي لسان زوجة المهندس:

قالت: إنني أعمل في قسم التعليم، واضطر إلي الحضور في المدرسة في كل صباح، لكن مهمتي الآن أصبحت التوجه إلي مدينة تبريز لأبقي بالقرب من زوجي حتي وقت متأخر من عصر اليوم نفسه، كما كنت عاجزة عن عمل أي شيء يذكر.

ذات يوم، تدهورت صحة زوجي أكثر من أي وقت مضي، وكنت أبكي

ص: 245

منذ الصباح، وحينما تنبهت إلي نفسي.. وقد ازداد قلقي تجاه ولدي الصغيرين اللذين كنت أضعهما في بيت أمي.. فقد أصل إلي البيت متأخرة.. ولكنني كنت أحرص علي أن لا يصابون باليأس.. وكنت حين أنيمهما أبقي إلي ساعة متأخرة من الليل أدعو ربي وأتوسل إليه، وأتذكر وصية خالي (المؤلف) الذي زرع في نفسي الأمل بالأئمة الأطهار (عليهم السّلام) لاسيما الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) الشريف والسيدة زينب (عليها السّلام) كما أتذكر قوله بأنني إذا أقسمت علي إمام الزمان بعمته الصديقة زينب، فإنه سيشفي زوجي بإذن الله تعالي. د

نعم! حينما خرجت في ذلك اليوم من المستشفي، رأيت الثلوج تهطل بشدة ، وكان البرد قارصاً، فأوصلت نفسي بسيارة أجرة إلي مركز تجمع السيارات الخاصة بمدينة شبستر ، فقلت في نفسي: لعلني أجد مسافراً أذهب وإياه إلي المدينة، خوفاً من أكون المسافرة الوحيدة، ومن حسن المصادفة رأيت سيارة نقل عمومية تشرف علي الانطلاق، وحينما رآني السائق، توقف وأركبني، فاستغرقت رحلتنا حوالي ثلاث ساعات، بينما هي لا تطول حتي ساعة واحدة، ولكن الثلوج والظلام وخطورة الانزلاق شاركوا في التأخر.

وصلت إلي البيت عند الساعة الثانية عشرة، فأصابني حالة من الانزعاج والألم النفسي الفظيعين، وكنت أتذكر ما كان يوصيني به زوجي المهندس من قبل بأن لا أبقي خارج المنزل بعد فترة العصر، ولكنني كنت كاليتيمة في تلك الليلة، إذ لم يكن لي ملجأ أقصده.. فرأيت نفسي أصرخ وأصرخ: يا محمد! (زوجي المهندس) أين أنت لتري زوجتك خارج المنزل حتي منتصف الليل حيث العواصف الثلجية. ولتري أولادك حزينين ينتظرون عودة أمهم.. لقد بكيت طويلاً، بينما كانت أمي تهدئ من روعي، فقلت في نفسي بعزم؛ إن ما يجب أن أحصل عليه من الله وأهل البيت (عليهم السّلام) يجب أن أناله الليلة.. الليلة فحسب !!

ص: 246

كانت الساعة تشير إلي الثالثة بعد منتصف الليل، فنهضت من فراشي. ولا أدري بماذا لففت بدني، وتقدمت إلي ساحة البيت التي كانت كلها مغطاة بالثلج، فصليت ركعتين، ثم أخذت أحدق بالثلج المفروش علي الأرض، وغاب عني كم ساعة مضت علي وقوفي هناك ولم أكن أشعر بالبرد الشديد أو الثلج المتهاطل أبداً.. وإنما كنت متأكدة بأنني أخذت أستغيث بالإمام المهدي بصوتٍ عالٍ، مع انشغال تفكيري بأن أطفالي سيعجزون عن تحمل مصيبة اليتم وفقدان الأب..

هكذا انقضت تلك الليلة.. وعدت إلي غرفتي إذ كان بدني قد تجمد تماما، ولكن روحي تملكتها حالة عجيبة، وكان قلبي قد غمره هدوء عجيب!

لم يطرأ أي تغيير علي حالة زوجي الصحية، علماً بأنني قد بقيت علي حالتي تلك مدة إحدي وعشرين ليلة، فلم يصبني اليأس... ويشهد الله علي أنني في الليلة الثانية والعشرين - حسي يصادف ذلك بقاء زوجي في المستشفي أربعة أشهر وخمسة عشر يوماً - وفي تلك الليلة وهي الجمعة، كنت أتوسل بالإمام المهدي والسيدة زينب (عليها السّلام) وأقسم عليه باسمها الشريف ، حتي استولي عليَّ النوم دون إرادة مني أبداً، فرأيت في منامي المسجد الذي يقع في مقابل بيتنا، وفيه مجلس مكتظ بالناس ورجلاً يجلس علي منبر، ويقرأ علي الحاضرين قصة وداع الإمام الحسين (عليه السّلام) مع أفراد عائلته في يوم عاشوراء، حتي وصل إلي قصة جلوس السيدة زينب (عليها السّلام) عند مصرع أخيها سيد الشهداء (عليه السّلام) .

... كنت أري موضع استشهاد الإمام الحسين، وكانت سيدة واقفة علي مرتفع، وكان شخص يحمل خنجراً يتجه نحو الإمام (عليه السّلام) فأخذت السيدة الواقفة تمسك بحافة الخنجر الماضية حتي سال الدم من كفها..

وكذلك رأيتني أصرخ وأبكي وأردد اسم إمام الزمان (عليه السّلام) وأتوسل إليه،

ص: 247

ثم أطلب منه شفاء زوجي..

وفجأة، رأيت الرجل الذي كان جالسة علي المنبر يلتفت بوجهه نحوي وينادي باسمي، فرفعت رأسي صوبه، وأخذت أنظر إليه بعيني الباكيتين، فيما كنت أكاد أعجز عن التنفس!

يشهد الله علي أنني لم أر طيلة عمري مثل ذلك الجلال والجمال... ولم أسمع صوتاً أكثر حسناً من ذلك الصوت.

قال الرجل: يا ابنتي! لقد استجاب الله دعاءك في زوجك، اذهبي وادعي لعمتي زينب، فأخذت أصرخ وأقول مراراً: يا زينب... وبكيت، حتي سمعت أمي صراخي واستغاثتي، فقامت بإيقاظي و تحريكي ، حتي قمت من نومتي، فرأيت بدني قد غطاه العرق، فسألتها معاتبة: لماذا أيقظتيني؟ فقالت: إن صراخك واستغاثتك بإمام الزمان هما اللذان أيقظاني.

وفي صباح اليوم التالي كشفت للطبيب ومسؤولي المستشفي عن رغبتي في نقل زوجي إلي المنزل.. وبعد الرفض الأولي، انصاعوا لإصراري، بعد تحميلي مسؤولية ما قد يصيب زوجي، فنقلته إلي البيت بين أفراد عائلته..

... والآن حيث تمر علي تلك الحادثة سنتان تقريباً، هاهو زوجي يتمتع بصحة جيدة جداً، بفضل رحمة وإعجاز الإمام المهدي والسيدة زينب (عليه السّلام) وهو يقود سيارة بنفسه إلي المعمل، ويزاول نشاطاته دون مساعدة أحد..

لم يكن زوجي - فيما سبق - ذا اعتقاد بهذه المسائل، ولكنه أصبح اليوم يؤمن إيماناً راسخاً بقدرة ومنزلة الأئمة (عليهم السّلام) حتي أننا تشرفنا في هذه السنة بزيارة الإمام الرضا (عليه السّلام) وأصبحت حياتنا رائعة بفضل الإمام المهدي والسيدة زينب (عليها السّلام).

. وما أروع أن يري العشاق والمحبون إمام زمانهم، ويروا فيه الجمال

ص: 248

والهيبة، ويتلقون بأنفسهم إجابة مطالبهم، فيشفي المريض، ويكشف السوء عن المضطر...

105. زيارة الإمام لجنازة سيدة محجَّبة

يقول المرحوم آية الله السيد محمد بقار مجتهد السيستاني (رحمه الله) الذي كان في مدينة مشهد المقدسة:

إنه بدأ ذات مرة ب (ختم عاشوراء) لغرض التشرف بلقاء إمام الزمان (عليه السّلام) ، حيث يتعبد ويقرأ زيارة عاشوراء لمدة أربعين جمعة، ويختار لهذا الغرض مسجداً من المساجد في كل مرة. يقول:

في إحدي الجمع الأخيرة رأيت - فجأة - نوراً يسطع من أحد البيوت القريبة إلي المسجد الذي كنت أقرأ فيه زيارة عاشوراء، فتملكتني حالة عجيبة، فنهضت من مكاني وتتبعت مصدر النور حتي وصلت إلي ذلك البيت الذي كان صغيراً وبسيطاً. وحينما قرعت الباب وفتحوه لي، شاهدت إمام الزمان (عليه السّلام) في إحدي غرف البيت، كما رأيت جثة مغطاة بقماش أبيض.

وحينما تقدمت بالسلام باكياً، قال لي الإمام: لماذا تتبعني بهذه الطريقة وتتحمل المتاعب؟ كن مثل هذه - وأشار إلي الجثة الممددة - حتي أتيك أنا بنفسي.

ثم أضاف (عليه السّلام) قائلاً: إن هذه السيدة الميتة لم تخرج من بيتها مدة سبع سنين لئلا يراها غير محرم أثناء قضية الإجبار علي السفور في عهد رضا بهلوي !(1).

ص: 249


1- لقاء مع طاووس الجنة، المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)، ص226.

106. إنقاذ الإمام لامرأة زائرة كادت أن تغرق

كتب المرحوم العراقي:

كان من الذين تشرفوا بلقاء إمام الزمان (عليه السّلام) رجل عارف جليل وثقة عادل ونبيل، وهو السيد محمد علي ابن الحاج سيد عبد عبد الرحيم العراقي الكرهورودي فهو حقاً كان علماً في حسن السيرة وعلو الهمة والمعاشرة، كما كان كثير الكمالات بين أهل زمانه.

قال المرحوم العراقي: صادف أن دخل عليَّ هذا الرجل في يوم الجمعة الموافق للخامس عشر من شهر ربيع الأول من عام ألف وثلاثمائة، وذلك حينما كانت منشغلاً في تدوين قصة حضور إمام الزمان (عليه السّلام) في مجلس أهل السنة، وحينما رأي خط السيد القندهاري، وهو صاحب القصة وناقلها، واطلع علي مضمونها، قال لي: وأنا أيضاً لدي قصة بهذا الشأن، وهي كالتالي: قال: في السنة التي وفقت لزيارة الأئمة (عليهم السّلام) في العراق - حيث التقيتك في الطريق إلي النجف الأشرف - وأثناء ذلك حيث كنا نتوجه من مدينة بعقوبة الكائنة في شرق بغداد، إلي سامراء، ورجعنا من زيارة قبر العسكريين (عليه السّلام) إلي الكاظمين (عليه السّلام) ، استأجرنا من بين أهالي المنطقة المذكورة دليلاً للطريق حيث قصدنا مدينة سامراء. وحينما اجتزنا منطقة (علي آباد) و(جزانية) صادفنا نهر عميق وعريض، بحيث يعد العبور منه أمراً خطيراً، ومن الممكن تعرضنا وسائر الزوار إلي الغرق، فضلاً عن عدم معرفة أحدٍ منا بمكان العبور، وحتمية غرق من تنزلق رجلاه إذا ما انحرف عن الطريق الصحيح.. وعلي أية حال فإن المكان كان خطراً جداً..

وكان من بين الزائرين امرأة راكبة حماراً، فما كان من الحيوان إلا أن

ص: 250

انزلقت رجلاه وسقط في جانب من ذلك النهر مع المرأة، ورغم محاولة الحمار للخروج من الماء، إلا أنه كان يتخبط فيه جراء قوة الماء وثقل الأحمال المتعلقة به، مما جعله يشارف علي الغرق مع المرأة.

فوجدت المرأة نفسها تصرخ وتستغيث باسم الإمام صاحب الزمان (عليه السّلام)وحينما رأيت مأساة هذه المرأة وسمعت استغاثاتهما أسرعت إلي رمي نفسي في النهر، علني أستطيع إنقاذها.

وفجأة! رأيت شخصاً أمامي وخلف الحيوان المشرف علي الغرق، واقفاً بكل يسر علي الماء، كأنه كان يمشي ويتحرك علي اليابسة، فلم تدخل قدماه الماء ولا ابتلتا به أبداً.. وفي تلك الأثناء رأيته يمد يديه إلي المرأة والحمار ويجرهما من الماء بسرعة خاطفة ويضعهما إلي جانب النهر، وكنت علي قناعة تامة بأن المرأة لم تشعر بذلك الرجل العظيم، بل رأيت نفسها علي اليابسة دفعة واحدة، وكذلك أنا لم أر الرجل باستثناء ما لاح لي من شمائله التي لا أزال أتذكرها جيداً، فقد كان رجلاً معتدل الطول، ذا وجه نوراني وأنف مجرور، وكان فيه كافة ما تأكدته فيما بعد من أوصاف الإمام المهدي عليه آلاف التحية والسلام والتي كانت بادية عليه.

لقد كنت خلال الطريق أمر بخاطري علي تلك الصفات، فأجدني مسروراً سعيداً..

وحينما وصلنا إلي مدينة النجف الأشرف، وقصدت ذات يوم زيارة القبر المطهر لأمير المؤمنين علي (عليه السّلام) ، ولدي قيامي ببعض أعمال الزيارة رفعت طرفي إلي الجهة العليا من المكان ، فرأيت فجأة الرجل العظيم ذاته الذي أنقذ المرأة من الغرق، حيث كان واقفاً فوق جهة رأس أمير المؤمنين، منشغلاً بأداء السلام والتحية والدعاء ، فأسرعت بالتوجه نحوه، ولكن ازدحام الزائرين من جهة، وما شعرت به عجز عن التحرك بسرعة من جهة ثانية، منعاني من

ص: 251

الوصول إليه.. ولكنني وصلت إلي مكان وقوفه في نهاية الأمر، ولكنني لم أره هناك، ثم اضطررت إلي البحث عنه في مختلف أطراف الحرم المطهر، فلم أعثر عليه أبداً، حتي أصابني اليأس ورجعت إلي مواصلة زيارتي، وسائر أعمالي قرب الضريح الشريف...(1).

107. الفتاة البوشهرية شُفيت

قال الميردامادي

نقل الشيخ قاضي زاهدي عن صديقه المحترم الشيخ علي أكبر حائري قصة شفاء فتاة من مدينة بوشهر الإيرانية. حيث قال: قال الحاج حسن كبكاني، وهو من أصدقائي المقربين والساكنين في مدينة بوشهر:

ابتلت ابنتي بآلام الرجل، وكانت تتحمل من ذلك الكثير. وبعد أن أجري الأطباء ما يلزم من كشوف وعينات، رؤوا ضرورة إجراء عملية جراحية، مؤكدين بأنه لا وسيلة ممكنة غير ذلك، فيما كان العملية تكلف مبلغاً كبيراً يعادل سبعمائة ألف تومان... فكنت منشغل الفكر فيما نوافق علي إجراء العملية أم لا... بل وكيف لنا أن نهيء هذا المبلغ الكبير..

كانت إحدي الهيئات الحسينية تستعد لزيارة مسجد جمكران في مدينة قم المقدسة، فجال في خاطري وارتأيت إرسال الفتاة إلي المسجد المذكور بمعية هذه الهيئة التي تطلق علي نفسها اسم (هيئة عشاق إمام الزمان (عليه السّلام) عسي أن تنال الشفاء إثر توسلها بالإمام المهدي(عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ...

وحينما دخلنا مسجد جمكران وقمنا بأعمال و آداب هذا المسجد العظيم أخذنا نتوسل بمولانا الإمام المهدي ونتلهف إلي أن ينظر لنا الإمام نظرة رحيمة

ص: 252


1- راجع (لقاء مع إمام الزمان) فارسي ص 27 - 29 عن كتاب (دار السلام) فارسي ص293.

منه.

وفي هذه الأثناء، تنبهت ابنتي إلي وجود جسم نوراني يتجه نحوها ويبشرها بالشفاء وعدم الحاجة إلي إجراء عملية جراحية.

ولدي عودتنا إلي العودة أدركت ابنتي زوال الآلام عنها، وأنها قد عوفيت تماماً ببركة التوسل بإمام الزمان (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

108. قبل الزلزال كان اللقاء!

قال الميردامادي

في الخامس والعشرين من شهر صفر الحرام سنة (1392) قمرية تعرضت منطقة (قير) الواقعة إلي الجنوب الشرقي من محافظة شيراز الإيرانية إلي زلزال شديد، تضررت له أكثر البيوت، بل لم يبقَ فيها بيت إلا تهدم أو تصدع، وقد راح ضحية هذا الزلزال حوالي ثلثي سكان المنطقة الذين سقطوا صرعي تحت الأنقاض، ولم يتذكر الشبيبة والمسنون حادثاً بفظاعة هذا الحادث.

قالت امرأة مؤمنة من أهل منقطة (قير): في ليلة وقوع الزلزال، حيث كانت الساعة تشير إلي نصف ساعة علي منتصف الليل رأيت في منامي أن سيداً جاء إلي بيتنا، وكان قد وضع عمامته المتهدلة حول رقبته وعلي كتفيه، وكانت امرأة متنقبة برفقته، فناداني حتي استيقظت.

قال لي: أضيئي المصباح. ففعلت.

وقال: اخرجي مع زوجك وأولادك من البيت!

فقلت: سيدي ! لقد بذلنا جهودا كبيرة طيلة ست أو سبع سنوات حتي شيدنا هذا البيت، والآن تطلب مني مغادرته!

ص: 253

قال: ينبغي لكم الخروج لأن البلاء سينزل..

سألته: هل تسمح بأن أوقظ زوجي؟

قال: لا زال الوقت مبكراً.

فخفت بشدة وقلت في نفسي: ليت الصباح يأتي ويؤذن المؤذن.

فقال: أوقدي نارة وضعي عليها إبريق الماء، ولكنك لن تمهلين حتي تعدي شاياً !

فأوقدت النار، وناديت زوجي حتي استيقظ، ثم سمعت صوت المؤذن يبدأ الأذان..

أخذت أتوسل وأستغيث بأبي الفضل العباس (عليه السّلام) ، وصحت: يا أبا الفضل العباس أدركني ! فرأيت سيداً شاباً نوراني الطلعة خلته وجهاً دون جسد، وقد جاء إلي البيت، وقال لي: أيقظي حيدر (زوجي) وأعلميه أن أمه قد توفيت، وليأت لتسلم جنازتها ودفنها.

قلت له: ياسيد كاظم أين كنت؟ (وكان السيد كاظم خطيباً منبرياً من أهالي منطقة قير نفسها، وقد توفي في حادث الزلزال فيما بعد).

فأجاب: لست السيد كاظم. وقد جئت من جهة القبلة وأنوي العبور من المنطقة!

وحينما رأي الخوف بادياً علي ملامحي قال: لا تخافي، ولأنك امرأة حاملة ، سأوليك ظهري وأتكلم معك..

ثم تلا ذلك حدوث زلزال خفيف، وحتي أتيت علي زوجي وأطفالي لأوقظهم، وقع الزلزال الكبير ، فاستطعت بالكاد إخراج الأطفال مع زوجي من البيت الذي يتهدم.

ص: 254

مع أن البيوت قد تهدمت، ولكن الغرفة الصغيرة التي كان أطفالنا ينامون فيها انقسم جزء من سقفها ولم يتعرض فرد من أفراد العائلة للأذي.

ص: 255

ص: 256

الفصل الثاني: معاجز وكرامات الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)

اشارة

ص: 257

ص: 258

في معاجز مولده ( عليه السلام )(1).

1. في معاجز مولده ( عليه السلام ).

ابن بابويه: عن موسي بن محمد بن القاسم ابن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي (عليه السّلام) ...قال: (يا عمة إجعلي إفطارك [هذه] الليلة عندنا، فإنها ليلة النصف من شعبان، وأن الله تبارك وتعالي سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في رضه)، قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال: (نرجس)، قلت له: جعلني الله فداك بابها أثر؟ فقال: (هو ما أقول لك)، قالت: فجئت فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟ فقلت: ...ال أنت سيدتي وسيدة أهلي. قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟ قالت: فقلت لها: يا بنية إن الله تبارك وتعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت، فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلما [أن] كان في جوف الميل قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثم

ص: 259


1- معاجز الإمام المهدي للسيد هاشم البحراني.

جلست معقبة، ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثم قامت فصلت ونامت. قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة، فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمد (عليه السّلام) من المجلس فقال: (لا تعجلي ياعمة فهاك الأمر قد قرب)، قالت: (فجلست) وقرأت (السجدة) و(يس) فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسين شيئاً؟ قالت نعم [ياعمة]، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك. قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السّلام) ساجدا يتلقي الأرض بمساجده فضممته (عليه السّلام) إلي فإذا أنا [به] نظيف منظف، فصاح بي أبو محمد (عليه السّلام) (هلمي إلي ابني ياعمة)، فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه علي صدره، ثم أدلي لسانه في فيه وأمر يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: (تكلم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله) [وحده لا شريك له] وأشهد أن محمدا رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، ثم صلي علي أمير المؤمنين وعلي الأئمة(عليهم السّلام) الي إلي أن وقف علي أبيه (عليه السّلام) ، ثم أحجم. ثم قال أبو محمد (عليه السّلام): (يا عمة اذهبي به إلي أمه ليسلم عليها وأتيني به)، فذهبت به فسلم [عليها] ورددته فوضعته في المجلس، ثم قال: (يا عمة إذا كان يوم السابع فأتينا)، قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم علي أبي محمد (عليه السّلام) وكشفت الستر لا تفقد سيدي (عليه السّلام) فلم أره، فقلت (له) جعلت فداك ما فعل سيدي؟ قال: (يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسي (عليه السّلام) ). قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت وسلمت وجلست، فقال: هلمي [إلي] ابني) فجئت بسيدي (عليه السّلام) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولي، ثم أدلي لسانه في فيه كأنما

ص: 260

يغذيه لبنا أو عسلا، ثم قال: (تكلم يا بني)، فقال: (عليه السّلام): (أشهد أن لا إله إلا الله)، وثني بالصلاة علي محمد وعلي أمير المؤمنين وعلي الأئمة الطاهرين - صلوات الله عليهم أجمعين - ، حتي وقف علي أبيه (عليه السّلام) ثم تلا هذه الآية: (بسم الله الرحمن الرحيم «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)»«وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ »

. قال موسي: فسألت عقبة الخادم عن هذا، فقال صدقت حكيمة.

2. كلامه (عليه السلام) حين سقط من بطن أمه

ابن بابويه: عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسي بن جعفر (عليه السّلام) عن السياري قال: حدثتني نسيم ومارية [قالتا:] إنه لما سقط صاحب الزمان (عليه السّلام) من بطن أمه سقط جائيا علي ركبتيه، رافعا سبابتيه إلي السماء، ثم عطس فقال: (الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد و آله، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك). قال إبراهيم بن محمد بنعبد الله وحدثتني نسيم خادم أبي محمد (عليه السّلام) قالت: قال لي صاحب الزمان (عليه السّلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله)، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال لي (عليه السّلام) (ألا أبشرك في العطاس؟) فقلت: بلي [يا مولاي ] وقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيام). ورواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - (رحمه الله) - قال: وروي علان الكليني قال: حدثنا محمد بن يحيي قال: حدثنا الحسين ابن علي النيسابوري قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسي ابن جعفر قال حدثتني نسيم

ص: 261

ومارية (خادم الحسن بن علي (عليه السّلام) ) قالا: لما سقط صاحب الزمان (عليه السّلام) و ساق الحديث -.

3. قراءته (عليه السلام) في بطن أمه وبعد سقوطه من بطن أمه ودعاؤه (عليه السلام ) والطير الذي عرج به بعد ميلاده معه الطيور وغير ذلك من المعجزات

ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن عبد الله الطهوي قال: قصدت حكيمة بنت محمد (عليه السّلام) بعد مضي أبو محمد (عليه السّلام) أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست، ثم قالت: يا محمد إن الله تبارك وتعالي لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها فيأخوين بعد الحسن والحسين (عليه السّلام) تفضيلا للحسن والحسين (عليه السّلام) و تمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن الله تبارك وتعالي خص ولد الحسين بالفضل علي ولده الحسن (عليه السّلام) كما خص ولد هارون علي ولد موسي (عليه السّلام) ، وإن كان موسي حجة علي هارون، والفضل لولده إلي يوم القيامة، ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطون ويخلص فيها المحقون، لئلا يكون للناس علي الله حجة (بعد الرسل)، وإن الحيرة لابد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن (عليه السّلام). فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن (عليه السّلام) ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن (عليه السّلام) عقب فمن الحجة من بعده؟! وقد أخبرتك أن الإمامة لا تكون لأخوين بعد الحسن والحسين (عليه السّلام). فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السّلام) قالت: نعم كانت لي جارية يقال [لها]: (نرجس) فزارني ابن أخي (عليه السّلام) واقبل يحد النظر إليها، فقلت له: ياسيدي لعلك هويتها؟ فأرسلها إليك؟ فقال: (لا ياعمة ولكني أتعجب منها)، فقلت: وما أعجبك؟ فقال (عليه السّلام) : (سيخرج منها ولد كريم علي الله عز وجل الذي يملا الله به الأرض عدلا وقسطا

ص: 262

كما ملئت ظلما وجورا)، فقلت: أرسلها إليك ياسيدي؟ فقال (استأذني في ذلك أبي (عليه السّلام)). قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عليه السّلام) فسلمت وجلست، فبدأني (عليه السّلام) وقال: (يا حكيمة ابعثي نرجس إلي ابني أبي محمد (عليه السّلام) )، قالت: فقلت: يا سيدي علي هذا قصدتك علي أن استأذنك في ذلك، فقال [لي]: (يا مباركة إن الله تبارك وتعالي أحب أن يشركك في الاجر ويعجل لك في الخير نصيبا)، قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلي منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد (عليه السّلام) وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياما، ثم مضي إلي والده (عليه السّلام) ، ووجهت بها معه. قالت حكيمة: فمضي أبو الحسن (عليه السّلام) وجلس أبو محمد (عليه السّلام) مكان والده، وكنت أزوره كما [كنت] ازور والده، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك، فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا خدمتيني بل أنا أخدمك علي بصري، فسمع أبو محمد (عليه السّلام) ذلك فقال: (جزاك الله خيرا ياعمة) فجلست عنده إلي وقت غروب الشمس فصحت بالجارية [وقلت:] ناوليني ثيابي لانصرف، فقال (عليه السّلام) : (يا عمتاه بيتي الليلة عندنا، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم علي الله عز وجل الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها)، قلت: ممن ياسيدي ولست أري بنرجس شيئا من أثر الحبل؟! فقال:

(من نرجس لا من غيرها)، قالت: فوثبت إلي نرجس فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه (عليه السّلام) فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: (إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لان مثلها مثل أم موسي (عليه السّلام) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلي وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالي في طلب موسي (عليه السّلام) ، وهذا نظير موسي (عليه السّلام)). قالت حكيمة: [فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أري بي شيئا من هذا، قالت حكيمة:] فلم أزل أرقبها إلي [وقت] طلوع الفجر وهي نائمة بين ...بدي لا تقلب جنبا إلي جنب، حتي إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر

ص: 263

وثبت فزعة، فضممتها إلي صدري وسميت عليها، فصاح أبو محمد (عليه السّلام) وقال: (إقرئي [عليها] (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ) فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر [بي] الامر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما اقرأ وسلم علي. قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمد (عليه السّلام): (لا تعجبي من أمر الله عز وجل إن الله تبارك وتعالي ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في أرضه كبارا)، فلم يستتم الكلام حتي غيبت عني نرجس، فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد (عليه السّلام) وأنا صارخة، فقال الي: (إرجعي ياعمة فإنك ستجديها في مكانها)، قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا [أنا] بالصبي (عليه السّلام) ساجدا علي وجهه، جائيا علي ركبتيه، رافعا سبابتيه نحو السماء وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن جدي [محمد] رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ) ثم عد إماما إماما إلي أن بلغ إلي نفسه، ثم قال (عليه السّلام) : (اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا). فصاح أبو محمد (عليه السّلام) فقال: (يا عمة تناوليه وهاتيه)، فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو علي يدي سلم علي أبيه، فتناوله الحسن (عليه السّلام) [مني] والطير ترفرف علي رأسه، [وناوله لسانه فشرب منه، ثم قال: (إمضي به إلي أمه لترضعه ورديه إلي)، قالت: فتناولته أمه فأرضعته ، فرددته إلي أبي محمد (عليه السّلام) والطير ترفرف علي رأسه]، فصاح بطير منها فقال له: (أحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوما)، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطيور، فسمعت أبا محمد (عليه السّلام) يقول: (استودعك الله الذي استودعته أم موسي (موسي)، فبكت نرجس، فقال لها: (اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك كما رد موسي إلي أمه، وذلك قوله عز وجل: (فرددناه إلي أمه كي تقر عينها

ص: 264

ولا تحزن). قالت حكيمة: فقلت: وما هذا الطير؟ قال: (هذا روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السّلام) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم). قالت حكيمة: فلما كان بعد أربعين يوما رد الغلام ووجه إلي ابن أخي (عليه السّلام) ، فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بالصبي متحرك يمشي بين يديه، فقلت: ياسيدي هذا ابن سنتين؟! فتبسم(عليه السّلام) ، ثم قال: (إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإن الصبي منا إذا أتي عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القران ويعبد ربه عز وجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحا ومساء). قالت حكيمة: فلم أزل أري ذلك الصبي في كل أربعين يوما إلي أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد (عليه السّلام) بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمد (عليه السّلام): من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال (عليه السّلام) : ([هذا] ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي). قالت حكيمة: فمضي أبو محمد (عليه السّلام) بعد ذلك بأيام قلائل، وافترق الناس كما تري، ووالله إني لأراه صباحا ومساء وإنه لينبئني عما تسألوني عنه فأخبركم، ووالله إني لأريد أن ...سأله عن الشئ فيبدأني به، وإنه ليرد علي الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك الحق. قال محمد بن عبد الله، فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها احدا إلا الله عز وجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله عز وجل، [وأن الله عز وجل] قد أطلعه علي ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.

ص: 265

4. قراءته (عليه السلام ) وقت ولادته الكتب المنزلة من الله تعالي والصعود به إلي سرادق العرش

الحسين بن حمدان الحضيني في (هدايته): عن عدة من المشايخ الثقاة الذين كانوا مجاورين للإمامين (عليه السّلام) ، عن سيدنا أبي الحسن وأبي محمد (عليه السّلام) قالا: (إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الامام أنزل قطرة من ماء الجنة في ماء [من] المزن، فتسقط في ثمار الأرض فيأكلها الحجة (عليه السّلام) ، فإذا استقرت في الموضع الذي تستقر فيه ومضي له أربعون يوما سمع الصوت، فإذا أتت له أربعة أشهر وقد حمل كتب علي عضده الأيمن: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)، فإذا ولد قام بأمر الله ورفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه إلي الخلائق وأعمالهم، وينزل أمر الله إليه في ذلك العمود، والعمود نصب عينيه حيث تولي ونظر). قال أبو محمد (عليه السّلام): دخلت علي عمتي في دارها، فرأيت جارية من جواريهن قد زينت تسمي نرجس، فنظرت إليها نظرا أطلته)، فقالت لي عمتي حكيمة: ياسيدي تنظر إلي هذه الجارية نظرا شديدا؟ فقلت له: (يا عمة مانظري إليها إلا نظر التعجب مما الله فيها من إرادته وخيرته) فقالت [لي]: ياسيدي أحسبك تريدها؟ فأمرتها أن تستأذن أبي علي بن محمد (عليه السّلام) في تسليمها إلي، ففعلت، فأمرها (عليه السّلام) بذلك، فجاءتني بها).

قال الحسين بن حمدان: وحدثني من أثق به من المشايخ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السّلام) قال: كانت حكيمة تدخل علي أبي محمد (عليه السّلام) فتدعو له أن يرزقه الله ولدا، وأنها قالت: دخلت عليه فقلت له كما [كنت] أقول ودعوت له كما كنت أدعو، فقال: ([يا عمة] أما [ إن الذي] تدعين [الله] أن يرزقنيه [يولد في هذه الليلة] فاجعلي إفطارك عندنا)، فقلت: ياسيدي

ص: 266

ممن يكون هذا المولود العظيم؟ فقال: (من نرجس ياعمة). قالت: فقلت [له] : ياسيدي ما في جواريك أحب إلي منها، وقمت ودخلت عليها وكنت إذا دخلت [الدار تتلقاني وتقبل يدي وتنزع خفي بيدها، فلما دخلت إليها] فعلت بي كماكانت تفعل، فانكببت علي قدميها فقبلتها ومنعتها مما كانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فقالت [لي]: فديتك، فقلت لها أنا فداءك وجميع العالمين، فأنكرت ذلك مني، فقلت: لا تنكرين ما فعلت، فإن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيدا في الدنيا والآخرة وهو فرج للمؤمنين ، فاستحيت فتأملتها فلم أر بها أثر حمل. فقلت لسيدي أبي محمد (عليه السّلام) : ما أري بها حملا، فتبسم (عليه السّلام) فقال (إنا معاشر الأوصياء ليس نحمل في البطون وإنما نحمل في الجنوب، ولا نخرج من الأرحام. إنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا، لأننا نور الله الذي لا تناله الدناسات)، فقلت له: يا سيدي لقد أخبرتني انه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها؟ فقال: (في طلوع الفجر يولد الكريم علي الله إن شاء الله تعالي). قالت حكيمة: فقمت فأفطرت ونمت بالقرب من نرجس، وبات أبو محمد (عليه السّلام) في صفة تلك الدار التي نحن فيها، فلما ورد وقت صلاة الليل [قمت] ونرجس نائمة ما بها أثر ولادة ، فأخذت في صلاتي ثم أوترت فأنا في الوتر حتي وقع في نفسي أن الفجر قد طلع، ودخل في قلبي شئ فصاح [بي] أبو محمد (عليه السّلام) من الصفة الثانية (لم يطلع الفجر ياعمة) فأسرعت الصلاة وتحركت نرجس فدنوت منها وضممتها إلي وسميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشئ؟ فقالت: نعم، فوقع علي سبات لم أتمالك معه أن نمت، ووقع علي نرجس مثل ذلك، فنامت فلم أنتبه إلا [بحس] سيدي المهدي (عليه السّلام) وصيحة أبي محمد (عليه السّلام) يقول: (يا عمة هاتي بني إلي)، فقد قبلته فكشفت عن سيدي (عليه السّلام) فإذا [أنا] به ساجدا يبلغ الأرض مساجده، وعلي ذراعه الأيمن (مكتوب (جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل وان زهوقا)، فضممته إلي فوجدته مفروغا منه، ولففته في ثوب وحملته إلي

ص: 267

أبي محمد (عليه السّلام) ، فأخذه وأقعده علي راحته اليسري وجعل راحته اليمني علي ظهره، ثم أدخل لسانه (عليه السّلام) في فمه وأمر بيده علي ظهره وسمعه ومفاصله، ثم قال له: (تكلم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله (عليه السّلام) )، ثم لم يزل يعدد السادة الأئمة (عليهم السّلام) إلي أن بلغ إلي نفسه، ودعا لأوليائه بالفرج علي يده ثم أحجم، فقال أبو محمد (عليه السّلام) (يا عمة إذهبي به إلي أمه ليسلم عليها وأتيني به)، فمضيت به [إلي أمه] فسلم عليها ورددته إليه، ثم وقع بيني وبين

[أبي] محمد (عليه السّلام) كالحجاب، فلم أر سيدي، فقلت له: يا سيدي أين مولانا؟ فقال: أخذه مني من هو أحق به منك فإذا كان يوم السابع فأتينا، فلما كان اليوم السابع جئت فسلمت [عليه] ثم جلست، فقال (عليه السّلام): (هلمي بابني)، فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر، ففعل به كفعله [الأول] وجعل لسانه (عليه السّلام) في فمه، ثم قال له: تكلم يابني، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله)، واثني بالصلاة علي محمد وأمير المؤمنين والأئمة (عليهم السّلام)حتي وقف علي أبيه، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: («وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ » ثم قال له: إقرأ يا بني مما أنزل الله علي أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف آدم (عليه السّلام): فقرأها بالسريانية، وكتاب إدريس، وكتاب نوح، وكتاب هود، وكتاب صالح، وصحف إبراهيم، وتوراة موسي، وزبور داود، وإنجيل عيسي، وقرآن محمد جدي رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، ثم قص قصص النبيين والمرسلين إلي عهده. فلما كان [بعد] أربعين يوما دخلت عليه إلي دار أبي محمد (عليه السّلام) فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار، فلم أر وجها أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمد (عليه السّلام): (هذا المولود الكريم علي الله عز وجل)، فقلت له: [يا] سيدي له أربعون يوما وأنا أري من أمره ما أري. فقال (عليه السّلام) : (يا عمة أما علمت أنا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم ما

ص: 268

ينشأ غيرنا في جمعة، وننشأ في الجمعة [مثل ما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر مثل ما ينشأ غيرنا في السنة)، فقمت وقبلت رأسه وانصرفت ثم عدت وتفقدته فلم أره، فقلت لسيدي أبي محمد (عليه السّلام): ما فعل مولانا؟ فقال: (يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسي (عليه السّلام) ). ثم قال (عليه السّلام) : (لما وهب في ربي مهدي هذه الأمة أرسل ملكين فحملاه إلي سرادق العرش حتي وقف ين يدي الله عز وجل، فقال له: مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري مهدي عبادي، آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك اغفر وبك أعذب، اردداه ...يها الملكان علي أبيه ردا رفيقا، وأبلغاه أنه في ضماني و كنفي وبعيني إلي أن حق به الحق وأزهق به الباطل، ويكون الدين لي واصبا). ثم قال: لما سقط من بطن أمه إلي الأرض وجد جاثيا علي ركبتيه رافعا سبابتيه، ثم عطس فقال : الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد و آله عبدا ذاكرا لله غير مستنكف لا مستكبر)، ثم قال (عليه السّلام) : (زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة لو أذن [ الله ] ...ي في الكلام لزال الشك).

5. غيبته (عليه السلام ) يوم ولادته وغير ذلك

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: عن حكيمة ابنة محمد بن علي رضا (عليه السّلام) انها قالت: قال لي الحسن ابن علي العسكري (عليه السّلام) ذات ليلة أو ...ت يوم: (أحب أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنه يحدث في هذه الليلة ...ر)، فقلت: وما هو؟ قال: (إن القائم من آل محمد (عليهم السّلام) يولد في هذه ليلة)، فقلت: ممن؟ قال: من نرجس. فصرت إليه، ودخلت إلي الجواري، ...ان أول من تلقتني نرجس، فقالت: ياعمة كيف أنت؟ أنا أفديك. فقلت لها: أفديك ياسيدة نساء هذا العالم، فخلعت خفي وجاءت لتصب علي رجلي ...لاء، فحلفتها أن لا تفعل وقلت لها: إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه

ص: 269

الليلة، فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أر بها حملا ولا أثر حمل. فقالت: أي وقت يكون ذلك؟ فكرهت أن أذكر وقتا بعينه فأكون قد كذبت. فقال لي أبو محمد (عليه السّلام) : في الفجر الأول)، فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثم انتبهت وقت صلاتنا، فتأهبت، وانتبهت نرجس وتأهبت، ثم إني صليت وجلست أنتظر الوقت، ونامت الجواري ونامت نرجس، فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلي السماء، وإذا الكواكب قد انحدرت، وإذا هو قريب من الفجر الأول، ثم عدت فكأن الشيطان خبث قلبي. قال أبو محمد (عليه السّلام): (لا تعجلي) فكأنه قد كان وقد سجد، فسمعته يقول في دعائه شيئا لم أدر ما هو، ووقع علي السبات في ذلك الوقت، فانتبهت بحركة الجارية، فقلت لها: بسم الله عليك، فسكنت إلي صدري فرمت به علي وخرت ساجدة ، فسجد الصبي وقال: (لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) وعلي (عليه السّلام) حجة الله، وذكر إماما إماما حتي انتهي إلي أبيه، فقال أبو محمد (عليه السّلام) : (إلي ابني)، فذهبت لأصلح منه شيئا، فإذا هو مسوي مفروغ منه، فذهبت به إليه ، فقبل وجهه ويديه ورجليه، ووضع لسانه في فمه، وزنه كما يزق الفرخ، ثم قال: إقرأ، فبدأ بالقرآن من بسم الله الرحمن الرحيم إلي آخره. ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره، فنظرت، ثم قال: (سلموا عليه وقبلوه وقولوا: استودعناك الله وانصرفوا)، ثم قال: (يا عمة ادعي لي نرجس)، فدعوتها وقلت لها: إنما يدعوك لتودعيه، فودعته، وتركناه مع أبي محمد (عليه السّلام) ثم انصرفنا، ثم إني صرت إليه من الغد، فلم أره عنده، فهنأته فقال: (يا عمة هو في ودائع الله إلي أن يأذن الله في خروجه).

ص: 270

6. أنه (عليه السلام ) ولد نظيفا مفروغا منه وغير ذلك -

الشيخ في (الغيبة): قال: عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السّلام) قالت: بعث إلي أبو محمد عل(عليه السّلام) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: (يا عمة إجعلي الليلة إفطارك عندي فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته علي خلقه خليفتي من بعدي). قالت حكيمة: فتداخلني بذلك سرور شديد وأخذت ثيابي [علي]، وخرجت من ساعتي حتي انتهيت إلي أبي محمد (عليه السّلام)، وهو جالس في صحن داره، وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك ياسيدي الخلف ممن هو؟ قال: (من سوسن)، فأدرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها اثر غير سوسن. قالت حكيمة: فلما أن صليت المغرب والعشاء [الآخرة] أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسوسن وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل متفكرة فيما وعدني أبو محمد(عليه السّلام) من أمر ولي الله (عليه السّلام) ، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتي بلغت إلي الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت (فزعة) وأسبغت الوضوء، ثم عادت فصلت صلاة الليل وبلغت إلي الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السّلام) فناداني [من حجرته ] (لا تشكي فإنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالي). قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السّلام) وما وقع في قلبي: ورجعت إلي البيت وأنا خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها علي باب البيت، فقلت: بأبي أنت او (أمي) هل تحسين شيئا؟ قالت: نعم ياعمة إني لأجد أمرا شديدا، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالي، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت، أجلستها عليها وجلست منها حيث تجلس المرأة من المرأة للولادة، فقبضت علي كفي وغمزت غمزا شديدا، ثم أنت أنة وتشهدت، ونظرت تحتها فإذا

ص: 271

أنا بولي الله - صلوات الله عليه - متلقيا الأرض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه ، فناداني أبو محمد (عليه السّلام) . (يا عمة هلمي فأتيني بابني فأتيته به ، فتناوله وأخرج لسانه فمسحه علي عينيه ففتحهما، ثم ادخله في فيه فحنكه ثم أذن في أذنيه وأجلسه في راحته اليسري، فاستوي ولي الله جالسا، فمسح يده علي رأسه وقال له: (يا بني انطق بقدرة الله) فاستعاذ ولي الله (عليه السّلام) من الشيطان الرجيم واستفتح: بسم الله الرحمن الرحيم

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ » وصلي علي رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) وعلي أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السّلام) واحدا واحدا حتي انتهي إلي أبيه، فناولنيه أبو محمد (عليه السّلام) وقال: (يا عمة رديه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فرددته إلي أمه وقد انفجر الفجر الثاني، فصليت الفريضة وعقبت إلي أن طلعت الشمس، ثم ودعت أبا محمد (عليه السّلام) وانصرفت إلي منزلي. فلما كان بعد ثلاث اشتقت إلي ولي الله ، فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أر اثرا ولا سمعت ذكرا، فكرهت أن أسأل، فدخلت علي أبي محمد (عليه السّلام) فاستحييت أن أبدأه بالسؤال، فبدأني فقال: (هو ياعمة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتي يأذن الله [له]، وإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتوما، فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه [ويحجبه عن عباده] ، فلا يراه أحدا حتي يقدم [له] جبرئيل(عليه السّلام) فرسه، ليقضي الله أمر كان مفعولا).

ص: 272

7.اشراق النور في البيت الذي ولد فيه ( عليه السلام ) ونزول جبرئيل والملائكة (ع) وغير ذلك

الراوندي في (الخرائج): عن حكيمة قالت: دخلت يوما علي أبي محمد (عليه السّلام) ، فقال: ياعمة بيتي الليلة عندنا فإن الله سيظهر الخلف، فيها قلت: وممن؟ قال: من نرجس، قلت: لست أري بنرجس حملا، قال: ((يا عمة] إن مثلها كمثل أم موسي لم يظهر حملها بها إلا وقت ولادتها)، فبت أنا وهي في بيت، فلما انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة الليل، فقلت في نفسي: قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمد (عليه السّلام) . فناداني (أبو محمد (عليه السّلام) ] من الحجرة (لا تعجلي)، فرجعت إلي البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس [وهي] ترتعد، فضممتها إلي صدري وقرأت عليها (قل هو الله أحد) و(إنا أنزلناه) و(آية الكرسي)، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي. [قالت: ] وأشرق نور في البيت، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد لله تعالي إلي القبلة، فأخذته فناداني أبو محمد (عليه السّلام) من الحجرة: (هلمي بابني إلي ياعمة)، قالت: فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه علي فخذه، وقال: (انطق يابني بإذن الله تعالي)، فقال (عليه السّلام) : (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ » وصلي الله علي محمد المصطفي وعلي المرتضي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي أبي). قالت حكيمة: وغمرتنا طيور خضر، فنظر أبو محمد (عليه السّلام) إلي طائر منها فدعاه فقال له: ([خذه و] احفظه حتي يأذن الله فيه، فان الله بالغ أمره)، [قالت حكيمة: ] فقلت لأبي محمد (عليه السّلام): ما هذا الطائر

ص: 273

وما هذه الطيور؟ قال: (هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة)، ثم قال: (يا عمةرديه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فرددته إلي أمه. قالت حكيمة: ولما ولد كان نظيفا مفروغا منه وعلي ذراعه الأيمن مكتوب (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).

8. إخباره (عليه السلام ) حكيمة بالجماعة الذين يسألونها عن ميلاده (عليه السلام ) وغير ذلك

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: عن محمد بن القاسم العلوي قال: دخلنا جماعة من العلوية علي حكيمة بنت محمد بن علي بن موسي (عليهم السّلام) فقالت: جئتم تسألونني عن ميلاد ولي الله؟ قلنا: بلي والله، قالت: كان عندي البارحة، وأخبرني بذلك، وإنه كانت عندي صبية يقال لها نرجس، وكنت أربيها من بين الجواري، ولا يلي تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمد (عليه السّلام) علي ذات يوم، فبقي يلح النظر إليها، فقلت: ياسيدي هل لك فيها من حاجة؟ فقال: (إنا معاشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة، ولكنا ننظر تعجبا أن المولود الكريم علي الله يكون منها)، قالت: قلت: يا سيدي فأروح بها إليك؟ قال: استأذني أبي في ذلك، فصرت إلي أخي (عليه السّلام) ، فلما دخلت عليه تبسم ضاحكا وقال: (يا حكيمة جئت تستأذنيني في أمر الصبية، ابعثي بها إلي أبي محمد (عليه السّلام) ، فإن الله عز وجل يحب أن يشركك في هذا الأمر فزينتها وبعثت بها إلي أبي محمد (عليه السّلام) فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبل جبهتي فاقبل رأسها، وتقبل يدي فاقبل رجليها، وتمد يدها إلي خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك، واقبل يدها إجلالا وإكراما للمحل الذي أحله الله فيها، فمكثت بعد ذلك إلي أن مضي أخي أبو الحسن (عليه السّلام) فدخلت علي أبي محمد (عليه السّلام) ذات يوم فقال: (يا عمتاه إن المولود الكريم علي الله ورسوله سيولد ليلتنا هذه. فقلت: ياسيدي

ص: 274

في ليلتنا هذه؟ قال: (نعم)، [فقمت إلي الجارية ] فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها حملا، فقلت: يا سيدي ليس بها حمل، فتبسم ضاحكا وقال: (يا عمتاه إنا معاشر الأوصياء ليس يحمل لنا في البطون ولكن يحمل في الجنوب). فلما جن الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمد (عليه السّلام) محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل، وعجزت عن ذلك، فكنت مرة أنام ومرة أصلي إلي آخر الليل، فسمعتها آخر الليل في القنوت لما انفتلت من الوتر مسلمة صاحت: يا جارية الطست، [فجاءت بالطست] فقدمته إليها فوضعت صبيا كأنه فلقة قمر، علي ذراعه الأيمن مكتوب: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) وناغاه ساعة حتي استهل وعطس، وذكر الأوصياء قبله حتي بلغ إلي نفسه، ودعا لأوليائه علي يده بالفرج. ثم وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمد (عليه السّلام) فلم أره، فقلت: يا سيدي، أين الكريم علي الله؟ قال: (أخذه من هو أحق به منك)، [فقمت] وانصرفت إلي منزلي، فلم أره، وبعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمد (عليه السّلام) فإذا [أنا] بصبي يدرج في الدار، فلم أر وجها أصبح من وجهه ، ولا لغة أفصح من لغته، ولا نغمة أطيب من نغمته، [فقلت: ياسيدي من هذا الصبي؟ ما رأيت أصبح وجها منه ولا افصح لغة منه ولا أطيب نغمة منه] ، قال :

(هذا المولود الكريم علي الله)، قلت: ياسيدي وله أربعون يوما وأنا أدري من أمره هذا! قال: فتبسم ضاحكا وقال: (يا عمتاه أما علمت أنا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة!) فقمت وقبلت رأسه وانصرفت إلي منزلي، ثم عدت فلم أره، فقلت: يا سيدي يا أبا محمد لست أري المولود الكريم علي الله. قال: (استودعناه من الذي استودعته أم موسي)، وانصرفت وما كنت أراه إلا [كل] أربعين يوما.

ص: 275

9. النور الذي سطع منه (عليه السلام ) عند ولادته حتي بلغ أفق السماء والملائكة التي تمسحت به عند ذلك

ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار قال: حدثني أبو علي الخيزراني، عن جارية له كان أهداها لأبي محمد (عليه السّلام) ، فلما أغار جعفر الكذاب علي الدار جاءته فارة من جعفر فتزوج بها. قال أبو علي: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد (عليه السّلام) ، [وأن اسم أم السيد صقيل، وأن أبا محمد (عليه السّلام) حدثها بما يجري علي عياله، فسألته أن يدعو الله عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمد (عليه السّلام) وعلي قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر أم محمد (عليه السّلام) . قال أبو علي: وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد (عليه السّلام)] - رأت - له نورا ساطعا قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأت طيورا بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها علي رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد (عليه السّلام) بذلك، فضحك ثم قال: (تلك ملائكة السماء) نزلت لتتبرك به وهي أنصاره إذا خرج).

10. النور الذي سطع علي رأسه إلي عنان السماء عند ولادته (عليه السلام ) ، وسجوده لربه وقراءته (عليه السلام ) ( شهد الله ) الآية

ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان بن خيلان قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن غياث بن أسيد قال: سمعت محمد بن عثمان العمري (قدس سرّه) يقول: لما ولد الخلف المهدي - صلوات الله عليه - سطع نور من فوق رأسهإلي عنان السماء، ثم سقط لوجهه

ص: 276

ساجدا لربه تعالي ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: (أشهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الاسلام)، قال: وكان مولده (عليه السّلام) ليلة الجمعة.

11. أنه ( عليه السلام ) ولد مختونا

ابن بابويه: عن علي بن الحسن بن الفرج المؤذن، عن محمد بن الحسن الكرخي قال: سمعت أبا هارون - رجلا من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزمان (عليه السّلام) ووجهه [يضيئ ] كأنه القمر ليلة البدر، ورأيت علي سرته شعرا يجري كالخط، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختونا، فسألت مولانا الحسن بن علي (عليه السّلام) عن ذلك، فقال: (هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنا سنمر الموسي [عليه] لإصابة السنة).

12. أن له بيت الحمد يزهر من يوم ولد إلي يوم يقوم بالسيف

محمد بن إبراهيم النعماني في (كتاب الغيبة): عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: (إن لصاحب هذا الامر بيتا يقال له: بيت الحمد، فيه سراج بزهر منذ يوم ولد إلي يوم يقوم بالسيف لا يطفأ).

13. خبر العجوز التي حضرت ولادته (عليه السلام )

الشيخ الطوسي في (الغيبة) عن حنظلة بن زكريا قال: حدثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، وكان عاميا بمحل من النصب لأهل البيت (عليهم السّلام) يظهر ذلك ولا يكتمه، وكان صديقا لي يظهر مودة بما فيه من طبع أهل العراق، فيقول

ص: 277

- كلما لقيني - : لك عندي خبر تفرح به ولا أخبرك به، فأتغافل عنه إلي أن جمعني وإياه موضع خلوة، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به، فقال: كانت دورنا بسر من رأي مقابل دار ابن الرضا: يعني أبا محمد الحسن بن علي (عليه السّلام) ، فغبت عنها دهرا طويلا إلي قزوين وغيرها، ثم قضي [لي] الرجوع إليها، فلما وافيتها وقد كنت فقدت جميع من خلفته (فيها) من أهلي وقراباتي إلا عجوزا كانت ربتني، ولها بنت معها، وكانت من الطبع الأول مستورة صائنة لا تحسن الكذب، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهم أياما، ثم أردت الخروج، فقالت العجوز: كيف تستعجل الانصراف وقد غبت زمانا؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك. فقلت لها علي جهة الهزء: أريد [أن أصيرا] إلي كربلاء، وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة، فقالت: يا بني أعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله علي وجه الهزء، فإني [أحدثك] بما رأيته بعد خروجك من عندنا بسنتين. كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي ابنتي وأنا بين النائمة واليقظانة، إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيب الرائحة فقال: (يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران، فلا تمتنعي من الذهاب معه ولا تخافي)، ففزعت وناديت ابنتي، وقلت لها: هل شعرت بأحد دخل البيت؟ فقالت: لا، فذكرت الله وقرأت ونمت، فجاء الرجل بعينه وقال [لي] مثل قوله، ففزعت وصحت بابنتي، فقالت: لم يدخل البيت أحد فاذكري الله ولا تفزعي، فقرأت ونمت. فلما كان في الثالثة جاء الرجل وقال: (يا فلانة قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه)،وسمعت دق الباب فقمت وراء الباب وقلت: من هذا؟ فقال: افتحي ولا تخافي، فعرفت كلامه وفتحت الباب فإذا خادم معه إزار، [فقال: ]يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمة فادخلي، ولف رأسي بالملاءة وأدخلني الدار وأنا أعرفها، فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ورجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت، وإذا امرأة قد أخذها الطلق، وامرأة قاعدة خلفها كأنها تقبلها. فقالت المرأة: تعينينا فيما

ص: 278

نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كان إلا قليل حتي سقط غلام، فأخذته علي كفي وصحت غلام غلام، وأخرجت رأسي من طرف الشقاق ابشر الرجل القاعد، فقيل لي، (لا تصيحي)، فلما رددت وجهي إلي الغلام قد كنت فقدته من كفي، فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي، وأخذ الخادم بيدي ولف رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار وردني إلي داري، وناولني صرة وقال: لا تخبري بما رأيت أحدا. فدخلت الدار ورجعت إلي فراشي في هذا البيت وابنتي نائمة بعد، فأنبهتها وسألتها هل علمت بخروجي ورجوعي؟ فقالت: لا، وفتحت الصرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير [عددا]، وما أخبرت بهذا أحدا إلا في هذا الوقت لما تكلمت بهذا الكلام علي حد الهزء، فحدثتك إشفاقا عليك، [فإن] لهؤلاء القوم عند الله عز وجل شأنا ومنزلة، وكلما يدعونه حق. قال: فعجبت من قولها وصرفته إلي السخرية والهزء ولم أسألها عن الوقت غير أني أعلم يقينا أني غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين، ورجعت إلي سر من رأي في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدي وثمانين ومائتين [في وزارة عبيد الله بن سليمان لما قصدته]. قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفر بن أحمد حتي سمع معي منه هذا الخبر.

14. خبر كامل

الشيخ في (الغيبة): عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال: وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلي أبي محمد (عليه السّلام) قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله [عن قوله: ](لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي). [قال: ]فلما دخلت علي سيدي أبي محمد (عليه السّلام) نظرت إلي ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله. فقال: متبسما: (يا

ص: 279

كامل) وحسر عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن علي جلده، فقال: (هذا لله وهذا لكم)، فسلمت وجلست إلي باب عليه ستر مرخي، فجاءت الريح فكشفت طرفه ، فإذا أنا بفتي كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها. فقال [لي]: (يا كامل بن إبراهيم) فاقشعررت من ذلك والهمت أن قلت: لبيك ياسيدي، فقال: (جئت إلي ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟) فقلت: إي والله، فقال: (إذن والله يقل داخلها، والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقية)، قلت: يا سيدي ومن هم؟ قال: (قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله). ثم سكت - صلوات الله عليه - [عني ساعة] ثم قال: (جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله))، ثم رجع الستر إلي حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلي أبو محمد (عليه السّلام) متبسما فقال: (يا كامل ما جلوسك؟ وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي !)

فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك. قال أبو نعيم: فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث فحدثني به. ورواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه: قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسي قال: حدثني أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن همام قال: حدثني جعفر بن محمد قال: حدثني محمد ابن جعفر قال: حدثني أبونعيم قال: وجهت المفوضة كامل بن إبراهيم المزني إلي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السّلام) يباحثون أمره. قال كامل بن إبراهيم: فقلت في نفسي: أسأله [عن قوله] (لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي)، فلما دخلت علي سيدي أبي محمد (عليه السّلام) نظرت إلي ثياب، وساق الحديث إلي آخره.

ص: 280

15. خبر أحمد بن إسحاق الوكيل وسعد بن عبد الله القمي وهو خبر مشهور

ابن بابويه في (الغيبة): عن سعد بن عبد الله القمي قال: قد كنت اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا علي أن أسأل عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السّلام) ، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأي، فلحقته في بعض المناهل، فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك بي، قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة، قال: قد تكافأنا علي هذه الخطة الواحدة، فقد برح بي العزم إلي لقاء مولانا أبي محمد (عليه السّلام) ، و[أنا] أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة، فإنها تقف بك علي ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ، ولا تفني غرائبه، وهو إمامنا. فوردنا سر من رأي فانتهينا منها إلي باب سيدنا (عليه السّلام) ، فاستأذنا فخرج إلينا الأذن بالدخول عليه ، . وكان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم، علي [كل] صرة منها ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت زوجها مولانا أبا محمد (عليه السّلام) حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفي من لياليه أربعا بعد عشر، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، وعلي رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم، إذا أراد أن يسطر به علي البياض [شيئا] قبض الغلام علي أصابعه، فكان مولانا (عليه السّلام) يدحرج الرمانة بين يديه، ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد فسلمنا عليه، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه ، فوضعه بين

ص: 281

يديه، فنظر أبو محمد (عليه السّلام) إلي الغلام وقال له: (يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك). فقال: (يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلي هدايا نجسة ، وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟). فقال مولاي (عليه السّلام) : (يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز [ما] بين الحلال والحرام منها)، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، تشتمل علي اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير). فقال مولانا (عليه السّلام) : (صدقت يا بني دل الرجل علي الحرام منها). فقال (عليه السّلام) : (فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا (وكذا)، قد انطمس من نصف إحدي صفحتيه نقشه، وقراضة أصلية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا علي حائك من جيرانه من الغزل منا وربع منه، فأتت علي ذلك مدة، وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه، فكذبه و استرد [منه ] بدل ذلك منا ونصف من غزلا أدق مما كان دفعه إليه، وأخذ من ذلك ثوبا، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه) فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها علي حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج مرة أخري، فقال الغلام (عليه السّلام) : (هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا بقم، تشتمل علي خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها)، قال: وكيف ذلك؟ قال (عليه السّلام) : (لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها علي أكاره في المقاسمة، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكال ما خص الاكار بكيل بخس)، فقال ۔ مولانا عليه السلام -: (صدقت يا بني)، ثم قال: (يا بن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها علي أربابها، فلا حاجة لنا في شئ منها، وائتنا بثوب العجوز). قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته ، فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو

ص: 282

محمد (عليه السّلام) فقال: (ما جاء بك ياسعد؟) فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلي لقاء مولانا، قال: (فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: علي حالتها يا مولاي، قال: (فسل قرة عيني) - وأومأ إلي الغلام - ،[ فقال لي الغلام: (سل)]، فقلت له: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم، وساق الحديث. بطوله حذفنا أوله وآخره هنا من رواية ابن بابويه، والحديث طويل ذكر سعد مسائله وأجاب عنها القائم (عليه السّلام) ذكره ابن بابويه بطوله في الغيبة. - ورواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (كتابه): قال: أخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيي العطار، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي قال: كنت امرءا لهجا بجمع الكتب المشتملة علي غوامض العلوم ودقائقها، كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها و مستغلقها، شحيحا علي ما أظفربه من معاضلها ومشكلاتها، متعصبا لمذهب الإمامية، راغبا عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم، والتعدي إلي التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كشافا عن مثالب أئمتهم، هتاكا لحجب قادتهم، إلي أن بليت بأشد النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدالا وأقشعهم سؤالا وأثبتهم علي الباطل قدما. فقال ذات يوم وأنا أناظره: تبا لك - ياسعد - ولأصحابك، إنكم معشر الرافضة تقصدون علي المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن الرسول - عليه و آله السلام - ما أخرجه مع نفسه إلي الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد أمر التأويل والملقي إليه أزمة الأمة، وعليه المعول في شعب الصدع [ولم الشعث]، وسد الخلل، وإقامة الحدود وتسرية الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته، إذ ليس من حكم

ص: 283

الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلي مكان يستخفي فيه، ولما رأينا النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) متوجها إلي الانحجار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) : بأبي بكر إلي الغار للعلة التي شرحناها. وإنما أبات عليا (عليه السّلام) علي فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به، لاستثقاله إياه ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتي، فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي، ثم قال: ياسعد دونكها أخري بمثلها تحطم آناف الروافض، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسران النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ قال سعد: فاحتلت الدفع [هذه] المسألةعني خوفا من الالزام وحذرا من أني إن أقررت له بطوعهما في الاسلام احتج بأن بدء النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار اليأس الشديد في حمل المرء علي من ليس ينقاد له قلبه، نحو قول الله عز وجل «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا » وإن قلت: أسلما كرها، كان يقصدني بالطعن، إذا لم يكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد: فصدرت عنه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب، وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل التي لم أجد لها مجيبا علي أن اسأل عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السّلام) ، فارتحلت خلفه، وقد كان خرج قاصدا نحو مولاي بسر من رأي، فلحقته في بعض المناهل، فلما تصافحنا قال: لخير لحاقك بي، قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة. قال: قد تكافأنا عن هذه الخطة الواحدة، فقد برح بي الشوق إلي لقاء مولانا أبي محمد (عليه السّلام) ، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل،

ص: 284

فدونكها الصحبة المباركة، فإنها تقف بك علي ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفني غرائبه وهو إمامنا. فوردنا سر من رأي فانتهينا منها إلي باب سيدنا (عليه السّلام) ، فاستأذنا فخرج [إلينا] الاذن بالدخول عليه، وكان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم، علي كل صرة ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد (عليه السّلام) حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفي من لياليه أربعا بعد عشر، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، علي رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا (عليه السّلام) رمانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشهاوسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده، قلم إذا أراد أن يسطر به علي البياض قبض الغلام علي أصابعه، وكان مولانا (عليه السّلام) يدحرج الرمانة بين يديه يشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد. فسلمنا عليه ، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه ، فوضعه بين يدي مولانا، فنظر أبو محمد (عليه السّلام) إلي الغلام وقال: (يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك). فقال: (يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلي هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟!) فقال مولانا (عليه السّلام) (يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الا حل منها والأحرم)، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذه الفلان بن فلان من محلة كذا بقم، تشتمل علي اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجرة باعها - وكانت إرثا له من أبيه - خمسة وأربعون دينارا، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير). فقال مولانا (عليه السّلام): (صدقت يا بني دل الرجل علي الحرام منها)، فقال (عليه السّلام)

(فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا، قد انطمس [من] إحدي صفحتيه [نصف] نقشه، وقراضة أصلية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب

ص: 285

هذه الجملة وزن في شهر كذا (من سنة كذا) علي حائك من جيرانه من الغزل منا وربع من، فأتت علي ذلك مدة ، وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق، فأخبر [به] الحائك صاحبه، فكذبه، واسترد منه بدل ذلك منا ونصف غزلا أدقمما كان [قد] دفعه إليه ، واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه)، فلما فتح الصرة صادف في وسط الدنانير رقعة باسم من أخبر عنه وبمقدارها علي حسب ما قال (عليه السّلام) ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج صرة أخري، فقال الغلام (عليه السّلام) : (هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا بقم، تشتمل علي خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها). قال: وكيف ذلك؟ قال (عليه السّلام) : (لأنها [من] ثمن حنطة حاف صاحبها علي أكاره في المقاسمة، وذلك أنه قبض حصته [منها] بكيل واف، وكال ما خص الاكار [منها] بكيل بخس)، فقال مولانا (عليه السّلام) (صدقت يا بني)، ثم قال: (يابن إسحاق إحملها بأجمعها لتردها [أو توصي بردها] علي أربابها، فلا حاجة لنا في شئ منها، وائتنا بثوب العجوز). قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته، فلما انصرف أحمد بن إسحاق (ليأتيه بالثوب) نظر إلي مولانا أبو محمد (عليه السّلام) فقال: [(ما جاء بك ياسعد؟) فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلي لقاء مولانا، فقال:] والمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: علي حالتها يا مولاي، فقال: (سل قرة عيني - وأومأ إلي الغلام - عما بدا لك منها). فقلت: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - حتي أرسل يوم الجمل إلي عائشة: (إنك قد أرهجت علي الاسلام [وأهله] بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك). ونساء رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) قد كان طلاقهن بوفاته. قال: (عليه السّلام) : (ما الطلاق؟ )قلت: تخلية السبيل، قال: (فإذا كان وفاة رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) قد خلي سبيلهن فلم لا يحل لهن الأزواج؟) قلت: لان الله عز وجل حرم [الأزواج] عليهن، قال: (كيف؟ وقد خلي الموت سبيلهن؟) [قلت: فأخبرني يابن

ص: 286

ولاي عن معني الطلاق الذي فوض رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) حكمه إلي أميرالمؤمنين (عليه السّلام). قال: (إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) فخصهن ...سرف الأمهات،فقال رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) : (يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق [لهن]

...دمن لله علي الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في ...زواج، واسقطها [من شرف الأمهات] من شرف امومة المؤمنين). قلت:: ...خبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج و يخرجها من بيته، قال: (السحق دون الزنا، وإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها ...حد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، وإذا

...حقت وجب عليها الرجم والرجم خزي، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، من أخزاه فقد أبعده، [ومن أبعده] فليس لأحد أن يقربه). قلت: فأخبرني بن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسي (عليه السّلام) (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوي) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة، فقال (عليه السّلام) : من قال ذلك فقد افتري علي موسي واستجهله في نبوته، لأنه ما خلا الامر ...ها من خصلتين: إما أن تكون صلاة موسي (عليه السّلام) فيها جائزة أو غير جائزة، : ...كانت صلاة موسي جائزة جاز له أن يكون لابسهما في البقعة، إذ لم تكن ...دسة، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأطهر وأقدس من الصلاة، وإن

...ت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب أن موسي (عليه السّلام) لم يعرف الحلال من حرام وعلم ما جاز فيه الصلاة وما لا يجوز، وهذا كفر). قلت: فأخبرني يابن لاي عن التأويل فيها، قال: (إن موسي ناجي ربه بالواد المقدس، فقال: يارب ...وقد أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب ...له، فقال الله تعالي (فاخلع نعليك) أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت ...تبتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلي سواي مغسولا). قلت: فأخبرني بابن ...ول الله عن تأويل (كهيعص). قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، اطلع [الله] يها عبده زكريا، ثم قصها علي محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) وذلك أن زكريا سأل ربه أن

ص: 287

يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل (عليه السّلام) فعلمه إياها، فكان [زكريا) إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلي كربه، فإذا ذكر اسم الحسين (عليه السّلام) خنقته العبرة، ووقعت عليه الهموم، فقال ذات يوم: (إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي). فأنبأه الله عن قصته، فقال: (كهيعص) فالكاف: اسم كربلاء والهاء: هلاك العترة، والياء: يزيد - لعنه الله - وهو ظالم الحسين (عليه السّلام)، والعين: عطشه والصاد: صبره، فلما سمع بذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع (فيهن) الناس من الدخول عليه، وأقبل علي البكاء والنحيب، وكانت ندبته: (إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده، إلهي أتنزل بلوي هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما). ثم كان يقول: (إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني علي الكبر ، واجعله وارثا رضيا يوازي محله مني محل الحسين (عليه السّلام) ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم أفجعني [به] كما تفجع محمدا حبيبك بولده)، فرزقه الله يحيي (عليه السّلام) وفجعه به، وكان حمل يحيي ستة أشهر وحمل الحسين (عليه السّلام) كذلك، وله قصة طويلة. [قلت]: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال: (مصلح او مفسد؟) قلت: مصلح. قال: (هل يجوز أن تقع خبرتهم علي الفساد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟) قلت: بلي. قال: (فهي العلة أوردها لك ببرهان ينقاد بذلك عقلك. أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم علمه، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم وأهدي إلي الاختيار منهم، مثل موسي وعيسي (عليه السّلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما، إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما علي المنافق وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا. قال (عليه السّلام) : (فهذا موسي كليم الله ، مع وفور عقله وكمال علمه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لم يشك في إيمانهم

ص: 288

واخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين، قال الله عز وجل: (واختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا) وقوله: « لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ». فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله تعالي لنبوته واقعا علي الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر وتنصرف عليه) السرائر، وأن لا خطر الاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء علي ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح). ثم قال مولانا (عليه السّلام) : (يا سعد حين ادعي خصمك أن رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلي الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقي إليه أزمة الأمور، وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته ، إذا لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلي مكان يستخفي فيه، وإنما أبات عليا (عليه السّلام) علي فراشه لما لم يكن يكترث [له] ولم يحفل به، لاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. فهلا نقضت دعواه بقولك: أليس قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) : الخلافة [بعدي] ثلاثون سنة، فجعل هذه موقوفة علي أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، فكان لا يجد بدا من قوله: بلي، فكنت تقول له حينئذ: أليس كما علم رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) أن الخلافة من بعده لأبي بكر، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر، ومن بعد عمر لعثمان، ومن بعد عثمان العلي، فكان أيضا لا يجد بدا من قوله: نعم. ثم كنت تقول [له ]: فكان الواجب علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) أن يخرجهم جميعا علي الترتيب إلي الغار ويشفق عليهم كما أشفق علي أبي بكر، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم، وتخصيصه أبا بكر (من بينهم)باخراجه مع نفسه دونهم. ولما قال: أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل: بل أسلما طمعا؟ وذلك

ص: 289

أنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلي حال، من قصة محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ومن عواقب أمره، وكانت اليهود تذكر أن لمحمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) - تسلطا علي العرب، كما كان لبخت نصر علي بني إسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه [انه نبي]، فأتيا محمدا (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) فساعداه علي قول شهادة أن لا إله إلا الله وتابعاه طمعا في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله، فلما أيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين علي أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتي طلحة والزبير عليا (عليه السّلام) فبايعاه، وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما ايسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين). قال [سعد]: ثم قام مولانا أبو محمد الحسن بن علي الهادي (عليه السّلام) للصلاة [مع الغلام]، فانصرفت عنهما وطلبت أحمد بن إسحاق ، فاستقبلني باكيا، فقلت: ما [أبطأك و ] أبكاك ؟ فقال: قد فقدت الثوب الذي أرسلني مولاي لاحضاره، قلت: لا عليك، فأخبره، فدخل عليه وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي علي محمد و آل محمد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا (عليه السّلام) [يصلي عليه]. قال سعد: فحمدنا الله عز وجل

[علي ذلك وجعلنا] نختلف إلي مولانا أياما، فلا نري الغلام - عليه الصلاة والسلام - بين يديه، والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد و آله وسلم تسليما كثيرا.

16. دخوله ( عليه السلام ) الدار ثم لم ير

ابن بابويه: عن يعقوب بن منقوش قال: دخلت علي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السّلام) وهو جالس علي دكان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل،

ص: 290

...قلت له: ياسيدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال: (ارفع الستر)، فرفعته فخرج بينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبينين، أبيض ...وجه، دري المقلتين، [شثن الكفين، معطوف الركبتين]، في خده الأيمن ...بال وفي رأسه ذؤابة، فجلس علي فخذ أبي محمد (عليه السّلام) ، ثم قال لي: (هذا هو) صاحبكم)، ثم وثب فقال له: (يا بني ادخل إلي الوقت المعلوم)، فدخل ...بيت وأنا أنظر إليه، ثم قال لي: (يا يعقوب انظر [من] في البيت)، فدخلت ما رأيت أحدا.

17. عدم رؤية جعفرله (عليه السلام ) وتقدم وصلي علي أبيه (عليه السلام ) وعلمه (عليه السلام) بما في الهميان

ابن بابويه: قال: حدثنا أبو الأديان: قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - صلوات الله عليهم - وأحمل كتبه إلي الأمصار، فدخلت عليه في ...لته التي توفي فيها - صلوات الله عليه - فكتب معي كتبا وقال: (امض إلي ...مدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوما وتدخل إلي سر من رأي يوم الخامس ...شر، وتسمع الواعية في داري و تجدني علي المغتسل). قال أبو الأديان: قالت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي) فقلت: زدني، فقال: (من يصلي علي فهو القائم بعدي)، فقلت: ...ني، فقال:(من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي)، ثم منعتني هيبته أسأله عما في الهميان. وخرجت بالكتب إلي المدائن وأخذت جواباتها، خلت سر من راي يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السّلام) ، فإذا أنا بالواعية في... ه (وإذا به علي المغتسل)، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة ...من] حوله يعزونه ويهنؤنه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد بطلت

ص: 291

الإمامة، لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي - صلوات الله عليه - علي نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي علي أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب رداء جعفر بن علي وقال: (يا عم تأخر فأنا أحق بالصلاة علي أبي) فتأخر جعفر، وقد أربد وجهه [واصفر]، فتقدم الصبي فصلي عليه ودفن إلي جانب قبر أبيه (عليهم السّلام) ، ثم قال: (يا بصري هات جوابات الكتب التي معك)، فدفعتها إليه، [فقلت في نفسي: ]هذه اثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلي جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: ياسيدي من الصبي لنقيم عليه الحجة؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي - صلوات الله عليه - ، فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فأشار الناس إلي جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنؤه وقالوا: إن معنا كتبا ومالا، فتقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون [منا] أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان [وفلان] وهميان فيه [ألف] دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا [إليه]الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الأمام، فدخل جعفر ابن علي علي المعتمد فكشف له ذلك، فوجه المعتمد خدمه فقبضوا علي صقيل الجارية وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي علي حال الصبي، فسلمت إلي ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله ابن يحيي بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين لا شريك له.

ص: 292

18. جلوسه ( عليه السلام ) علي الماء يصلي

الشيخ الطوسي في (الغيبة) عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا ونجنب فرسا آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا علي السرج مصلي، وقال لنا الحقوا بسامراء ووصف لنا محلة ودارا وقال: إذا أتيتموها تجدوا علي الباب خادما أسود فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامراء فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم اسود وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها؟ فقال: صاحبها، فوالله ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا دارا سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلي أنبل منه ، كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد. فرفعنا الستر فإذا ببيت كبير كأن بحرا فيه (ماء)، وفي أقصي البيت حصير قد علمنا أنه علي الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا ولا إلي شئ من أسبابنا. فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطي البيت فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتي مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته، وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلي فعل ذلك الفعل، فناله مثلذلك، وبقيت مبهوتا. فقلت لصاحب البيت: المعذرة [إلي] الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر ولا إلي من أجئ وأنا تائب إلي الله، فما التفت إلي شئ مما قلنا، وما انفتل عما كان فيه فها لنا ذلك، وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلي الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان. فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي؟ وجري منكم إلي أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفي من جدي، وحلف بأشد ايمان له أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربن أعناقنا، فما جسرنا أن نحدث به الا بعد موته.

ص: 293

19. علمه (عليه السلام) بالغائب ، وعلمه (عليه السلام) ما في النفس

ابن بابويه: عن حكيمة بنت محمد الجواد (عليه السّلام) وقد سألها عن حديث مولد القائم (عليه السّلام) ، قالت فيه: وقد رأيته يعني القائم (عليه السّلام) قبل مضي أبي محمد بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمد (عليه السّلام) من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال (عليه السّلام): [((هذا] ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي). قالت حكيمة: فمضي أبو محمد (عليه السّلام) بعد ذلك بأيام قلائل، وافترق الناس كما تري، ووالله إني لأراه صباحا ومساءا وإنه لينبئني عما تسألوني عنه فأخبركم، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشئ فيبدأني [به]، وإنه ليرد علي الامر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة (بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك بالحق). قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله عز وجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله عز وجل، وأن الله عز وجل قد أطلعه عليما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.

20. نطقه بدلالة الإمامة

ابن بابويه: عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال: دخلت علي أبي محمد الحسن بن علي العسكري وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدءا: (يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السّلام) ولا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجة الله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض). قال: فقلت له: يابن رسول الله فمن الأمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السّلام) مسرعا

ص: 294

مدخل البيت، ثم خرج وعلي عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال: (يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك علي الله عز وجل وعلي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه بأسم رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) وكنيته ، الذي ملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. يا أحمد بن إسحاق مثله في ...ذه الأمة مثل الخضر (عليه السّلام) ، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو اليها من الهلكة إلا من ثبته الله تعالي علي القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل ...رجه). قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها ...لبي؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال: (أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه ، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق). قال أحمد بن إسحاق: ...خرجت مسرورا فرحا، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يابن رسول له لقد عظم سروري بما مننت [به] علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر ذي القرنين؟ فقال: (طول الغيبة يا أحمد)، فقلت له: يابن رسول الله وإن غيبته تطول؟ قال: (إي وربي حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به فلا يبقي إلا بن أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الايمان وأيده بروح منه). يا أحمد بن اسحاق هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله، فخذ ما قيتك واكتمه و كن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين).

21. الشعر الأخضر من لبته إلي سرته

محمد بن يعقوب: عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس ...ماه ، قال: أتيت سامراء ولزمت باب أبي محمد (عليه السّلام) فدعاني، فدخلت عليه سلمت، فقال: (ما الذي أقدمك؟) قلت: رغبة في خدمتك فقال لي: (فألزم باب)، فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، كنت ادخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال. فدخلت عليه يوما

ص: 295

وهو في دار الرجال، فسمعت حركة في البيت، فناداني: (مكانك لا تبرح)، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شئ مغطي، ثم ناداني: (ادخل)، فدخلت، ونادي الجارية فرجعت إليه فقال لها: (اكشفي عما معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشف عن بطنه فإذا بشعر نابت من لبته إلي سرته أخضر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم) ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتي مضي أبو محمد (عليه السّلام).

22. حصاة الذهب التي ناولها السائل من الأرض

محمد بن يعقوب: عن أبي أحمد ابن راشد، عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجا مع رفيق لي، فوافينا إلي الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين دينارا، وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددناه ، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئا من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرنادا عشرين مثقالا، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله فلم نقدر عليه، فسألنا [كل] من كان حوله من أهل مكة والمدينة، فقالوا: شاب علوي يحج في كل سنة ماشيا.

23. علمه (عليه السلام) بالغائب وإخباره (عليه السلام ) ما في النفس

محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن غير واحد من أصحابنا

القميين، عن محمد بن محمد العامري، عن أبي سعيد غانم الهندي قال: كنت

ص: 296

مدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة، وأصحاب لي يقعدون علي كراسي عن ...مين الملك أربعون رجلا كلهم يقرأ الكتب الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور صحف إبراهيم، نقضي بين الناس ونفقههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم حرامهم، يفزع الناس إلينا، الملك فمن دونه، فتجارينا ذكر رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ،

...قلنا: هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره ويجب علينا الفحص ...منه وطلب أثره، واتفق رأينا وتوافقنا علي أن أخرج فأرتاد لهم. فخرجت معي مال جليل، فسرت اثني عشر شهرا حتي قربت من كابل، فعرض لي ...وم من الترك فقطعوا علي وأخذوا مالي، وجرحت جراحات شديدة، ودفعت ...ي مدينة كابل، فأنقذني ملكها لما وقف علي خبري إلي مدينة بلخ، وعليها : ذاك داود بن العباس بن أبي الأسود، فبلغه خبري، وأني خرجت مرتادا من الهند وتعلمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام، فأرسل إلي داود بن عباس، فأحضرني مجلسه وجمع علي الفقهاء، فناظروني فأعلمتهم أني ...عرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب، فقال لي: من هو ما اسمه؟ فقلت: محمد، فقال: هو نبينا الذي تطلب، فسألتهم عن شرائعه ، أعلموني، فقلت لهم: أنا أعلم أن محمدا نبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون ...م لا، فأعلموني موضعه لأقصده فأسائله عن علامات عندي ودلالات، فإن ان صاحبي الذي طلبت آمنت به، فقالوا: قد مضي (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) فقلت: فمن وصيه خليفته قالوا: أبو بكر، قلت: فسموه لي فإن هذه كنيته؟ قالوا: عبد الله بن ثمان ونسبوه إلي قريش، قلت: فانسبوالي محمدا نبيكم، فنسبوه لي، فقلت: ...س هذا صاحبي الذي طلبت، صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين ابن عمه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده، ليس لهذا النبي ذرية علي الأرض ...ير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته. قال: فوثبوا بي وقالوا: أيها الأمير إن هذا ۔ خرج من الشرك إلي الكفر هذا حلال الدم، فقلت لهم: يا قوم أنا رجل معي ...بن متمسك به لا أفارقه حتي أري ما هو أقوي منه، إني وجدت صفة هذا

ص: 297

الرجل في الكتب التي أنزلها الله علي أنبيائه، وإنما خرجت من بلاد الهند ومن العز الذي كنت فيه طلبا له، فلما فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب، فكفوا عني، وبعث العامل إلي رجل يقال له: الحسين بن اشكيب، فدعاه فقال له: ناظر هذا الرجل الهندي، فقال له الحسين: أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له:ناظره كما أقول لك واخل به وألطف له، فقال لي الحسين بن إشكيب بعد ما فاوضته: إن صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء، وليس الامر في خليفته كما قالوا، هذا النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ووصيه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وهو زوج فاطمة بنت محمد وأبو الحسن والحسين سبطي محمد(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) . قال غانم أبو سعيد فقلت: الله أكبر هذا الذي طلبت، فانصرفت إلي داود بن العباس فقلت: أيها الأمير وجدت ما طلبت، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: فبرني ووصلني، وقال للحسين تفقده، قال: فمضيت إليه حتي آنست به وفقهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض، قال: فقلت له: إنا نقرا في كتبنا أن محمدا (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن الأمر من بعده إلي وصيه ووارثه وخليفته من بعده، ثم إلي الوصي بعد الوصي، لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتي تنقضي الدنيا، فمن وصي وصي محمد؟ قال: الحسن ثم الحسين ابنا محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، ثم ساق الأمر في الوصية حتي انتهي إلي صاحب الزمان (عليه السّلام) ، ثم أعلمني ما حدث، فلم يكن لي همة إلا طلب الناحية. فوافي قم وقعد مع أصحابنا في سنة أربع وستين ومائتين وخرج معهم، حتي وافي بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه علي المذهب، قال: فحدثني غانم قال: وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه، فهجرته وخرجت حتي صرت إلي العباسية أتهيأ للصلاة واصلي، وإني لواقف متفكر فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني، فقال: أنت فلان؟ - اسمه بالهند - فقلت: نعم، فقال: أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل

ص: 298

...تخلل بي الطريق حتي أتي دارا و بستانا، فإذا أنا به (عليه السّلام) جالس، فقال: (مرحبا فلان - بكلام الهند - كيف حالك؟ وكيف خلفت فلانا وفلانا وفلانا؟ حتي بد الأربعين كلهم)، فسائلني عنهم واحدا واحدا، ثم أخبرني بما تجارينا وكل لك بكلام الهند. ثم قال: (أردت أن تحج مع أهل قم؟ قلت: نعم يا سيدي، قال: (لا تحج معهم وانصرف سنتك هذه وحج من قابل)، ثم ألقي إلي صرة انت بين يديه ، فقال لي: (اجعلها نفقتك ولا تدخل إلي بغداد إلي فلان سماه ، لا تطلعه علي شئ، وانصرف إلينا إلي البلد)، ثم وافانا بعض الفيوج فأعلموا ...ن أصحابنا انصرفوا من العقبة ومضي نحو خراسان، فلما كان في قابل حج أرسل إلينا بهدية من طرف خراسان، فأقام [بها] مدة ثم مات (رحمه الله). ورواه ابن ابويه باسناده عن أبي سعيد غانم بن سعيد الهندي مختصرا.

24. سلامة [الحسن بن النضر بدعائه] (عليه السلام ) وعلمه بما في النفس وعلمه ما يكون

محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن سعد بن عبد الله قال: إن الحسن بن النضر وأبا صدام وجماعة تكلموا بعد مضي أبي محمد (عليه السّلام) فيما و أيدي الوكلاء وأرادوا الفحص، فجاء الحسن بن النضر إلي أبي صدام سال: إني أريد الحج، فقال له أبو صدام: أخره هذه السنة، فقال له الحسن بن ضر: إني أفزع في المنام ولابد من الخروج، وأوصي إلي أحمد بن يعلي بن ...ماد: وأوصي للناحية بمال، وأمره أن لا يخرج شيئا إلا من يده إلي يده بعد هوره. قال: فقال الحسن: لما وافيت بغداد اكثريت دارا فنزلتها، فجاءني بعض ...كلاء بثياب ودنانير وخلفها عندي، فقلت له: ما هذا؟ قال: هو ما تري، ...جاءني آخر بمثلها وآخر حتي كبسوا الدار، ثم جاءني أحمد ابن إسحاق سميع ما كان معه. فتعجبت وبقيت متفكرا، فوردت علي رقعة الرجل (عليه السّلام) :

ص: 299

(إذا مضي من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك)، فرحلت وحملت ما معي،وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلا، فاجتزت عليه وسلمني الله منه، فوافيت العسكر ونزلت، فوردت علي رقعة: (أن أحمل ما معك)، فعبيته في صنان الحمالين. فلما بلغت الدهليز إذا فيه اسود قائم، فقال: أنت الحسن بن النضر؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فدخلت الدار ودخلت بيتا وفرغت صنان الحمالين، فإذا في زاوية البيت خبز كثير، فأعطي كل واحد من الحمالين رغيفين وأخرجوا، وإذا بيت عليه ستر، فنوديت منه: (يا حسن ابن النضر احمد الله علي ما من به عليك ولا تشكن، فود الشيطان أنك شككت)، وأخرج إلي ثوبين وقيل لي: (خذهما فستحتاج إليهما)، فأخذتهما وخرجت. قال سعد: فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان و كفن في الثوبين.

25. علمه ( عليه السلام) بالغائب وعلمه ما في النفس

محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن محمد بن حمويه السويداوي، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت عند مضي أبي محمد (عليه السّلام) واجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعا، فوعك وعكا شديدا، فقال: يا بني ردني فهو الموت، وقال لي: اتق الله في هذا المال وأوصي إلي فمات. فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشئ غير صحيح، أحمل هذا المال إلي العراق واكتري دارا علي الشط ولا اخبر أحدا بشئ، وإن وضح لي شئ كوضوحه في أيام أبي محمد (عليه السّلام) نفدته وإلا قصفت به، فقدمت العراق واكتريت دارا علي الشط وبقيت أياما، فإذا [أنا] برقعة مع رسول فيها: (يا محمد معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا)، حتي قص علي جميع ما معي مما لم أحط به علما، فسلمته إلي الرسول وبقيت أياما لا يرفع لي رأس واغتممت، فخرج إلي: (قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله).

ص: 300

26. علمه ( عليه السلام) بالغائب

محمد بن يعقوب: عن محمد بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله النسائي قال: أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقبلت ورد علي السوار، فأمرت بكسره، فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس أو صفر، فأخرجته وأنفذت الذهب فقبل.

27. علمه ( عليه السلام ) بحال الانسان

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن الفضل الخزاز المدائني مولي خديجة بنت محمد أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إن قوما من أهل المدينة من الطالبيين كانوا يقولون بالحق، فكانت الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم، فلما مضي أبو محمد (عليه السّلام) رجع قوم منهم عن القول بالولد، فوردت الوظائف علي من ثبت منهم علي القول بالولد وقطع عن الباقين، فلا يذكرون في الذاكرين، والحمد لله رب العالمين.

28. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد قال: أوصل رجل من أهل السواد مالا، فرد عليه وقيل له: (أخرج حق ولد عمك منه وهو أربعمائة درهم) وكان الرجل في ...بده ضيعة لولد عمه، فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر فإذا الذي لولد عمه من ذلك المال أربعمائة درهما، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل.

ص: 301

29. علمه (عليه السلام) بالآجال

ابن يعقوب: عن القاسم بن العلاء قال: ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب وأسال الدعاء فلا يكتب إلي لهم بشئ، فماتوا كلهم، فلما ولد لي الحسن ابني كتبت أسال الدعاء، فأجبت: (يبقي والحمد لله).

30. علمه ( عليه السلام ) بما يكون

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أبي عبد الله بن صالح قال: (كنت) خرجت سنة من السنين ببغداد، فاستأذنت في الخروج، فلم يؤذن لي، فأقمت اثنين وعشرين يوما، وقد خرجت القافلة إلي النهروان، فاذن لي في الخروج يوم الأربعاء، وقيل لي: (اخرج فيه)، فخرجت وأنا يائس من القافلة أن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلا أن أعلنت جمالي شيئا حتي رحلت القافلة، فرحلت وقد دعا لي بالسلامة فلم ألق سوءا، والحمد لله.

31. استجابة دعائه (عليه السلام)

ابن يعقوب: عن علي، عن النضر بن صباح البجلي، عن محمد بن يوسف الشاشي قال: خرج بي ناسور علي مقعدتي، فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالا، فقالوا: لانعرف له دواء، فكتبت رقعة أسال الدعاء ، فوقع (عليه السّلام) [إلي ]: (ألبسك الله العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة)، قال: فما أتت علي جمعة حتي عوفيت وصار مثل راحتي، فدعوت طبيبا من أصحابنا وأريته إياه، فقال: ما عرفنا لهذا دواء.

ص: 302

32. علمه (عليه السلام) بما يكون

ابن يعقوب: عن علي، عن علي بن الحسين اليماني قال: كنت ببغداد، فتهيأت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معها، فكتبت ألتمس الاذن في ذلك، فقال: (لا تخرج معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة وأقم بالكوفة)، قال: وأقمت وخرجت القافلة، فخرجت عليهم حنظلة فاجتاحتهم، وكتبت استأذن في ركوب الماء، فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم من الهند يقال لهم: البوارح فقطعوا عليها. قال: وردت العسكر فأتيت الدرب مع المغيب ولم أكلم أحدا ولم أتعرف إلي أحد، وأنا أصلي في المسجد بعد فراغي من الزيارة، إذا بخادم قد جاءني فقال لي: قم، فقلت له: إذن إلي أين؟ فقال لي: إلي المنزل، قلت: ومن أنا؟ لعلك أرسلت إلي غيري؟ فقال: لا ما أرسلت إلا إليك، أنت علي بن الحسين رسول جعفر بن إبراهيم، فمر بي حتي أنزلني في بيت الحسين بن أحمد ثم ساره، فلم أدر ما قال له حتي أتاني جميع ما أحتاج إليه ، وجلست عنده ثلاثة أيام واستأذنته في الزيارة من داخل، فأذن لي فزرت ليلا.

33. علمه (عليه السلام ) بما يكون وما في النفس

ابن يعقوب: عن الحسن بن الفضل بن زيد اليماني قال: كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه، ثم كتبت بخطي فورد جوابه، ثم كتب بخط رجل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فكانت العلة أن الرجل تحول قرمطيا۔ قال الحسن بن الفضل: فزرت العراق ووردت طوس وعزمت ألا أخرج إلا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتي أتصدق، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحج، قال:

ص: 303

فجئت يوما إلي محمد بن أحمد أتقاضاه، فقال لي: صر إلي مسجد كذا وكذا وإنه يلقاك رجل، قال: فصرت إليه، فدخل علي رجل، فلما نظر إلي ضحك وقال: لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلي أهلك وولدك سالما، قال: فاطمأننت وسكن قلبي وأقول ذا مصداق ذلك والحمد لله. قال: ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جزائي عند القوم هذا! واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ولم يشر الذي قبضها مني علي بشئ ولم يتكلم فيها بحرف، ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي: كفرت بردي علي مولاي، وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالاثم واستغفر من ذلك وأنفذتها، وقمت أتمسح فأنا في ذلك أفكر في نفسي وأقول: إن ردت علي الدنانير لم أحلل صرارها ولم أحدث فيها [شيئا] حتي أحملها إلي أبي، فإنه أعلم مني ليعمل فيها بما شاء. فخرج إلي الرسول الذي حمل إلي الصرة: (أسأت إذ لم تعلم الرجل، إنا ربما فعلنا ذلك بموالينا، وربما سألونا ذلك يتبركون به)، وخرج إلي: (أخطأت في ردك برنا، فإذا استغفرت الله ، فالله يغفر لك، فأما إذا كانت عزيمتك وعقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، فأما الثوب فلابد منه لتحرم فيه). قال: وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في الثالث وامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسرا، والحمد لله. قال: وكنت وافقت جعفر بن إبراهيم النيشابوري - بنيشابور - علي أن اركب معه وأزامله، فلما وافيت بغداد بدا لي فاستقلته وذهبت أطلب عديلا، فلقيني ابن الوجناء بعد أن كنت صرت إليه وسألته أن يكتري، لي فوجدته كارها، فقال لي: أنا في طلبك، وقد قيل لي: (إنه يصحبك فأحسن معاشرته واطلب له عديلا واكتر له.

ص: 304

34. علمه (عليه السلام) بما في النفس

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت ...ي أمر حاجز، فجمعت شيئا ثم صرت إلي العسكر، فخرج إلي: (ليس فينا لك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، رد ما معك إلي حاجز بن يزيد).

35. علمه ( عليه السلام ) بما يكون

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن محمد بن صالح قال: لما مات أبي صار الأمر لي، كان لأبي علي الناس سفاتج من مال الغريم، فكتبت إليه علمه، فكتب: (طالبهم واستقص عليهم)، فقضاني الناس إلا رجل واحد كانت ...ليه سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطالبه فماطلني واستخف بي ابنه ...سفه علي، فشكوته إلي أبيه فقال: وكان ماذا؟ فقبضت علي لحيته وأخذت رجله وسحبته إلي وسط الدار وركلته ركلا كثيرا. فخرج ابنه يستغيث بأهل نداد ويقول: قمي رافضي قد قتل والدي، فاجتمع علي منهم الخلق، فركبت ابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم علي الغريب المظلوم، أنا ...جل من أهل همدان من أهل السنة وهذا ينسبني إلي أهل قم والرفض ليذهب ...حقي ومالي. قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا علي حانوته حتي سكنتهم، طلب إلي صاحب السفتجة وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي حتي أخرجتهم ...منه. ورواه المفيد في (إرشاده): عن علي بن محمد، عن محمد بن صالح قال: ...ما مات أبي وصار الأمر إلي، كان لأبي علي الناس سفاتج من مال الغريم ...بعني صاحب هذا الامر (عليه السّلام) . ثم قال الشيخ المفيد عقيب هذا الحديث: هذا رمز كانت الشيعة تعرفه به قديما بينها، ويكون خطابها عليه للتقية.

ص: 305

36. علمه (عليه السلام ) بما في النفس

ابن يعقوب: عن علي، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن الحسن والعلاء بن رزق الله، عن بدر غلام احمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبهم جملة إلي أن مات يزيد بن عبد الله، فأوصي في علته أن يدفع الشهري السمند وسيفه ومنطقته إلي مولاه، فخفت إن أنا لم ادفع الشهري إلي إذكوتكين نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة [دينار] في نفسي، ولم اطلع عليه أحدا، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق: (وجه السبعمائة [دينار] التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة).

37. علمه (عليه السلام ) بالآجال وبما يكون

ابن يعقوب: عن علي، عمن حدثه قال: ولد لي ولد، فكتبت أستأذن في طهره يوم السابع، فورد: (لا تفعل) فمات يوم السابع أو الثامن، ثم كتبت بموته، فورد: (ستخلف غيره وغيره تسميه أحمد ومن بعد أحمد جعفرا)، فجاء كما قال (عليه السّلام). [قال:] وتهيأت للحج وودعت الناس وكنت علي الخروج، فورد: (نحن لذلك كارهون والأمر إليك)، قال: فضاق صدري واغتممت وكتبت أنا مقيم علي السمع والطاعة، غير أني مغتم بتخلفي عن الحج، فوقع (لا يضيقن صدرك [فإنك] ستحج من قابل إن شاء الله)، قال: فلما كان من قابل كتبت استأذن، فورد الأذن، فكتبت: إني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته، فورد: (الأسدي نعم العديل، فإن قدم فلا تختر عليه) فقدم الأسدي وعادلته.

ص: 306

38. علمه ( عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن الحسن بن علي العلوي قال: أودع المجروح مرداس بن علي مالا للناحية، وكان عند مرداس مال لتميم بن حنظلة، فورد علي مرداس: (أنفذ مال تميم مع ما أودعك الشيرازي).

39. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن الحسن بن علي العريضي أبي محمد قال: لما مضي أبو محمد (عليه السّلام) ورد رجل من أهل مصر بمال إلي مكة للناحية ، فاختلف عليه، فقال بعض الناس: إن أبا محمد (عليه السّلام) مضي من غير خلف والخلف جعفر، وقال بعضهم: مضي أبو محمد عن خلف، فبعث رجلا يكني بأبي طالب، فورد العسكر ومعه كتاب، فصار إلي جعفر وسأله عن برهان ، فقال: لا يتهيأ في هذا الوقت، فصار إلي الباب وأنفذ الكتاب إلي أصحابنا، فخرج إليه: ( آجرك الله في صاحبك، فقد مات و أوصي بالمال الذي كان معه إلي ثقة ليعمل بما يحب وأجيب عن كتابه.)

40. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد قال: حمل رجل من أهل آبة شيئا يوصله ونسي سيفا بآبة، فأنفذ ما كان معه، فكتب إليه: (ما خبر السيف الذي نسيته).

ص: 307

41. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن الحسين بن خفيف، عن أبيه قال: بعث بخدم إلي مدينة الرسول(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ومعهم خادمان، وكتب إلي خفيف أن يخرج معهم، فخرج معهم، فلما وصلوا إلي الكوفة شرب أحد الخادمين مسكرا، فما خرجوا من الكوفة حتي ورد الكتاب من العسكر برد الخادم الذي شرب المسكر وعزله عن الخدمة.

42. علمه ( عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أحمد [بن] أبي علي بن غياث، عن أحمد بن الحسن قال: أوصي يزيد بن عبد الله بدابة وسيف ومال، وأنفذ ثمن الدابةوغير ذلك ولم يبعث السيف، فورد: (كان مع ما بعثتم سيف فلم يصل) أو كما قال.

43. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن شاذان النيسابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرين درهما، فأنفت أن أبعث بخمسمائة تنقص عشرين درهما، فوزنت من عندي عشرين درهما وبعثتها إلي الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد: (وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهما).

ص: 308

44. علمه ( عليه السلام ) بالغائب

ابن يعقوب: عن الحسين بن محمد الأشعري قال: كان يرد كتاب أبي محمد (عليه السّلام) في الاجراء علي الجنيد - قاتل فارس - وأبي الحسن وآخر، فلما مضي أبو محمد (عليه السّلام) ورد استئناف من الصاحب (عليه السّلام) لاجراء أبي الحسن وصاحبه، ولم يرد في أمر الجنيد بشئ، قال: فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك.

45. علمه (عليه السلام ) بما يكون

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن محمد بن صالح قال: كانت لي جارية كنت معجبا بها، فكتبت أستأمر في استيلادها، فورد: (استولدها ويفعل الله ما يشاء)، فوطأتها فحملت ثم أسقطت فماتت.

46. علمه ( عليه السلام ) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد قال: كان ابن العجمي جعل ثلثه للناحية ، وكتب بذلك . وقد كان قبل إخراجه الثلث دفع مالا لابنه أبي المقدام لم يطلع عليه أحد - ، فكتب إليه: (فأين المال الذي عزلته لأبي المقدام؟).

47. علمه (عليه السلام) بالآجال

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أبي عقيل عيسي ابن نصر قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا، فكتب إليه: (إنك تحتاج إليه في سنة

ص: 309

ثمانين)، فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيام.

48. علمه (عليه السلام ) بما في النفس

ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن محمد بن هارون ابن عمران الهمداني قال: كان للناحية علي خمسمائة دينار فضقت بها ذرعا، ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ولم أنطق بها، فكتب إلي محمد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه).

49. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن علي بن محمد قال: باع جعفر فيمن باع صبية جعفرية كانت في الدار يربونها، فبعث بعض العلويين وأعلم المشتري خبرها، فقال المشتري: قد طابت نفسي بردها وأن لا أرزأ من ثمنها شيئا، فخذها، فذهب العلوي فأعلم أهل الناحية الخبر، فبعثوا إلي المشتري بأحد وأربعين دينارا، وأمروه بدفعها إلي صاحبها.

50. علمه ( عليه السلام) بالغائب

ابن يعقوب: عن الحسين بن الحسن العلوي قال: كان رجل من ندماء روز حسني و آخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء، وسموا جميع الوكلاء في النواحي وأنهي ذلك إلي عبيد الله ابن س ليمان الوزير، فهم الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ،

ص: 310

فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض علي الوكلاء، فقال السلطان: [لا] ولكن دسوا لهم قوما لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئا قبض عليه. قال: فخرج: (بان يتقدم إلي جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئا وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر)، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه، وخلا به فقال: معي مال أريد أن أوصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئا، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم.

51. علمه (عليه السلام ) بما يكون

ابن يعقوب: عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي ، فقال له: ألق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه.

52. علمه ( عليه السلام ) بما يكون

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسي قال: حدثني أبي(رضي الله عنه) ، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد [قال: حدثنا محمد] بن جعفر ، عن أبي نعيم، عن محمد بن القاسم العلوي قال: دخلنا جماعة من العلوية علي حكيمة بنت محمد بن علي بن موسي (عليهم السّلام). فقالت: جئتم تسألونني عن ميلاد ولي الله ؟ قلنا: بلي والله، قالت: كان عندي البارحة، وأخبرني بذلك.

ص: 311

53. علمه (عليه السلام) بالآجال

روي الحضيني في (هدايته) قال: ورد كتاب احمد ابن إسحاق في السنة التي مات فيها بحلوان في حاجتين، فقضيت له واحدة وقيل له في الثانية: ( إذا وافيت قم كتبنا إليك بما سألت)، وكانت الحاجة [أنه كتب ليستعفي من العمل]، فإنه قد شاخ ولا تهيأ له القيام [به]، فمات بحلوان. أورد ذلك الحضيني في باب القائم (عليه السّلام).

- وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (كتابه): وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري الشيخ الصدوق وكيل أبي محمد (عليه السّلام) ، فلما مضي أبو محمد (عليه السّلام) إلي كرامة الله عز وجل أقام علي وكالته مع مولانا صاحب الزمان - صلوات الله عليه - تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا، فتسلمها إلي أن أستأذن في المصير إلي قم، فخرج الاذن بالمضي، وذكر أنه لا يبلغ إلي قم، وأنه يمرض ويموت في الطريق،فمرض بحلوان ومات ودفن بها - (رحمه الله) -. وأقام مولانا (عليه السّلام) بعد مضي أحمد بن إسحاق الأشعري بسر من رأي مدة، ثم غاب لما روي [في الغيبة من الأخبار عن السادة (عليه السّلام) مع [ما] أنه مشاهد في المواطن الشريفة الكريمة العالية، والمقامات العظيمة، وقد دلت الآثار علي صحة مشاهدته.

54. خبر صاحب المال وعلمه (عليه السلام ) بصرره وما فيها من المال

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد المقرئ قال: حدثنا

ص: 312

أبو العباس محمد بن سابور قال: حدثني الحسن بن محمد بن حيوان السراج القاسم قال: حدثني أحمد بن الدينوري السراج المكني بأبي العباس، الملقب باستاره قال: انصرفت من أردبيل إلي الدينور أريد الحج، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السّلام) بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة ، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحتاج أن نحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها. فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت، فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاحمله علي أن لا تخرجه من يدك [إلا بحجة)، قال: فحمل إلي ذلك المال في صرر [باسم] رجل رجل، فحملت ذلك [المال] وخرجت، فلما وافيت قرميسين وكان أحمد بن الحسن مقيما بها، فصرت إليه مسلما، فلما لقيني استبشر بي، ثم أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب من ألوان معتمة لم أعرف ما فيها، ثم قال لي [أحمد]: إحمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة ، قال: فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب. فلما وردت بغداد لم يكن الي همة غير البحث عمن أشير إليه بالبابية، فقيل لي: إن هيهنا رجل يعرف بالباقطاني يدعي بالبابية، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي بالبابية، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي بالبابية. قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه فوجدته شيخا بهيا له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع [عنده] الناس يتناظرون، قال: فدخلت إليه وسلمت عليه، فرحب وقرب وبر وسر، قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرفته أني رجل من أهل الدينور، ومعي شئ من المال أحتاج أن أسلمه. فقال لي: أحمله، قلت: أريد حجة، قال: تعود إلي في غد، قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأت بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة. قال: فصرت إلي إسحاق الأحمر، فوجدته شابا نظيفا، منزله أكبر من منزل الباقطاني

ص: 313

وفرسه ولباسه ومروءته [أسري] وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني، قال: فدخلت وسلمت فرحب وقرب، قال: فصبرت إلي أن خف الناس، (قال: ) فسألني عن حاجتي، فقلت له: كما قلت للباقطاني وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة. قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري فوجدته شيخا متواضعا، عليه مبطنة بيضاء قاعد علي لبد، في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروءة والفروس ما وجدت لغيره، قال: فسلمت فرد جوابي وأدناني وبسط مني، ثم سألني عن حالي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالا، فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشئ إلي حيث يجب أن تخرج إلي سر من رأي وتسأل دار ابن الرضا وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنك تجد هناك ما تريد. فخرجت من عنده، ومضيت نحو سر من رأي، وصرت إلي دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفا، فقعدت علي الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلمت عليه وأخذ بيديإلي بيت كان له، وسألني عن حالي وعما وردت له، فعرفته أني حملت شيئا من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن أسلمه بحجة. فقال: نعم، ثم قدم إلي طعاما وقال لي: تغدي بهذا واسترح، فإنك تعب، وإن بيننا وبين الصلاة الأولي ساعة، فإني أحمل إليك ما تريد، فأكلت ونمت، فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلي المشرعة، فاغتسلت وانصرفت إلي بيت الرجل، ومكثت إلي أن مضي من الليل [ربعه]، فجاءني ومعه درج فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم وافي أحمد بن محمد الدينوري، وحمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة، فيها صرة فلان بن فلان، [كذا] وكذا دينارا، وصرة فلان [بن فلان] كذا وكذا دينارا - إلي أن عد الصرار كلها - وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشر دينارا. فوسوس لي الشيطان أن سيدي أعلم بهذا مني، فمازلت أقرأ ذكر صرة صرة وذكر صاحبها، حتي أتيت عليها عند آخرها، ثم ذكر: (قد حمل من قرميسين

ص: 314

من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف كيسا فيه ألف دينار و كذا وكذا تختا ثيابا، منها ثوب فلأني وثوب لونه كذا) حتي نسب الثياب إلي آخرها بأنسابها وألوانها. فحمدت الله وشكرته علي ما من به علي من إزالة الشك عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلي حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري، قال: فانصرفت إلي بغداد وصرت إلي أبي جعفر العمري، وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام، فلما بصر بي أبو جعفر العمري لم لم تخرج؟ فقلت: ياسيدي من سر من رأي انصرفت. قال: فأنا احدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة علي أبي جعفر العمري من مولانا (عليه السّلام) ، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب، وأمر أن يسلم جميع ذلك إلي أبي جعفر محمد ابن أحمد بن جعفر القطان القمي، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: أحمل ما معك إلي منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي، فحملت المال والثياب إلي منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان وسلمتها وخرجت إلي الحج. فلما انصرفت إلي الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا ۔ صلوات الله عليه - إلي وقرأته علي القوم، فلما سمع ذكر الصرة باسم الذراع سقط مغشيا عليه، فما زلنا نعلله حتي أفاق (فلما أفاق) سجد شكرا لله عز وجل وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها - والله - إلي [هذا] الذراع، ولم يقف علي ذلك إلا الله عز وجل. فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج، قال: [يا] سبحان الله ! ما شككت في شئ، فلا تشكن في أن الله عز وجل لا يخلي الأرض من حجة. اعلم أنه لما غزي أذكوتكين يزيد بن عبد الله بسهرورد، وظفر ببلاده واحتوي علي خزائنه صار إلي رجل، وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا (عليه السّلام) ، فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلي اذكوتكين أولا فأولا، وكنت أدافع بالفرس والسيف إلي أن لم يبق شئ غيرهما، وكنت أرجو

ص: 315

أن أخلص ذلك لمولانا (عليه السّلام) ، فلما اشتد مطالبة اذكوتكين إياي ولم يمكنني مدافعته جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلي الخازن، وقلت له: ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجن إلي في حال من الأحوال ولو اشتدت الحاجة إليها وسلمت الفرس والنصل. قال: فأنا قاعد في مجلسي بالري ابرم الأمور وأوفي القصص و آمر وأنهي، إذ دخل أبو الحسن الأسدي وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت، وكنت أقضي حوائجه ، فلما طال جلوسه وعلي بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلي خلوة، فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكانا من الخزانة، فدخلنا الخزانة، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا (عليه السّلام) فيها: (يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي لنا عندك ثمن النصل والفرس سلمها إلي أبي الحسن الأسدي). قال: فخررت لله عز وجل ساجدا شاكرا لما من به علي وعرفته أنه خليفة الله حقا، لأنه لم يقف علي هذا أحد غيري، فأضفت إلي ذلك المال ثلاثة آلاف دينار سرورا بما منَّ الله علي بهذا الأمر.

55. علمه (عليه السلام) بالآجال

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: حدثني أبو المفضل قال: حدثني محمد بن يعقوب قال: كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب (عليه السّلام) كفنا يتبين ما يكون من عنده ، فورد: (إنك تحتاج إليه سنة إحدي وثمانين)، فمات في الوقت الذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر.

وقال علي بن محمد السمري: كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم، فوقع (عليه السّلام) : (علمنا علي ثلاثة [أوجه:] ماض وغابر وحادث، أما الماضي فتفسير، وأما الغابر فموقوف، وأما الحادث فقذف في القلوب أو نقر في الاسماع وهو أفضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ).

ص: 316

56. استجابة دعائه (عليه السلام )

عنه: قال: أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: أخبرني محمد بن يعقوب قال: قال القاسم بن العلاء: كتبت إلي صاحب الزمان (عليه السّلام) ثلاثة كتب في حوائج لي، وأعلمته أنني رجل قد كبر سني وأنه لا ولد لي، فأجابني عن الحوائج ولم يجبني عن الولد بشئ . فكتبت إليه في الرابعة كتابا وسألته أن يدعو الله [لي] أن يرزقني ولدا، فأجابني وكتب بحوائجي، وكتب: (اللهم ارزقه ولدا ذكرا تقر به عينه، واجعل هذا الحمل الذي له وارثا)، فورد الكتاب وأنا لا أعلم أن لي حملا، فدخلت إلي جاريتي فسألتها عن ذلك، فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت فولدت غلاما.

57. علمه (عليه السلام) بالآجال

عنه: قال: حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثني علي بن محمد المعروف بعلان الكليني قال: حدثني محمد ابن شاذان بن نعيم بنيسابور، قال: اجتمع عندي للغريم - أطال الله بقاءه وعجل نصره - خمسمائة درهم، فنقصت عشرين درهما، وأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلي محمد بن جعفر ولم أكتب بما لي منها، فأنفذ إلي محمد بن جعفر القبض وفيه: (وصلت) خمسمائة درهم) ولك فيها عشرون درهما. - يعني بالغريم - صاحب الزمان (عليه السّلام) .

ص: 317

58. علمه (عليه السلام) بالغائب

وعنه: عن أبي المفضل قال: أخبرني محمد بن يعقوب قال: حدثني إسحاق بن يعقوب قال: سمعت الشيخ العمري محمد بن عثمان يقول: صحبت رجلا منأهل السواد ومعه مال للغريم (عليه السّلام)، فأنفذه، فرد عليه، وقيل له: (أخرج حق ولد عمك منه - وهي أربعمائة درهم - ). قال: فبقي الرجل باهتا متعجبا فنظر في حساب المال، وكانت في يده ضيعة لولد عمه قد كان رد عليهم بعضها، فإذا الذي فضل له من ذلك أربعمائة درهم، كما قال (عليه السّلام) ، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل. وعنه: عن أبي المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن جبرئيل الأهوازي قال: وكتب من نفس التوقيع.

59. علمه ( عليه السلام) بالغائب وبما في النفس

وحدثني علي بن السويقاني وإبراهيم بن محمد بن [الفرج] الرخجي، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار: أنه ورد العراق شاكا مرتادا، فخرج إليه قل للمهزياري: (قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم: أما سمعتم الله عز وجل يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »؟! هل أمروا إلا بما هو كائن إلي يوم القيامة؟! أولم تروا أن الله - جل ذكره - جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم إلي أن ظهر الماضي (عليه السّلام) كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم بدا نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله عز وجل قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك، ولا يكون إلي أن تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون. يا محمد بن إبراهيم لا يدخلك الشك فيما قدمت له، فإن الله عز وجل لا يخلي أرضه من

ص: 318

حجة، أليس قال لك الشيخ قبل وفاته: احضر الساعة من يعير هذه الدنانير التيعندي؟ فلما أبطئ عليه ذلك وخاف الشيخ علي نفسه الوحا قال لك: عيرها علي نفسك، فأخرج إليك كيسا كبيرا، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرة فيها دنانير مختلفة النقد، فعيرتها، وختم الشيخ عليها بخاتمه، وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعيش فأنا أحق بها، وإن أمت فاتق الله في نفسك أولا وفي، وكن عند ظني بك. أخرج يرحمك الله الدنانير التي أنت نقصتها من بين النقدين من حسابه، وهي بضعة عشر دينارا).

60. علمه (عليه السلام) بصاحب المال المغير

عنه: عن أبي المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا نصر بن الصباح قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلي الصاحب (عليه السّلام) [وكتب معها رقعة غير فيها اسمه، فأوصلها إلي الصاحب (عليه السّلام) ، فخرج الوصول باسمه ونسبه والدعاء له.

61. علمه (عليه السلام) بالغائب

عنه: عن أبي المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو حامد المراغي، عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: بعث رجل من أهل بلخ مالاً ورقعة ليس فيها كتابة، قد خط بإصبعه كما يدور من غير كتابة ، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أعلمك بقصته وأجابك عن الرقعة احمل إليه هذا المال. فصار الرجل إلي العسكر، وقصد جعفرا وأخبره الخبر، فقال له جعفر: تقر بالبداء؟ فقال الرجل: نعم، فقال [له]: إن صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني المال، فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب، فخرج من عنده

ص: 319

وجعل يدور علي أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: (هذا مال قد كان عثر به وكان فوق صندوق، [فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق] وسلم المال) ورددت عليه الرقعة وقد كتب فيها: (كما يدور سألت الدعاء فعل الله بك وفعل).

62. علمه (عليه السلام ) بالآجال

وعنه: بالاسناد قال: حدثني أبو جعفر قال: ولد لي مولود، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورد: (لا)، فمات المولود يوم السابع، ثم كتبت اخبره بموته، فورد: (سيخلف الله عليك غيره [وغيره]، فسمه أحمد ومن بعد أحمد جعفر)، فجاء كما قال (عليه السّلام) .

63. علمه (عليه السلام ) بما يكون

عنه: عن أبي المفضل، عن محمد بن يعقوب الكليني قدس سره - قال: حدثني أبو حامد المراغي، عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: قال رجل من أهل بلخ: تزوجت امرأة سرا، فلما وطأتها علقت وجاءت بابنة، فاغتممت [وضاق صدري] فكتبت أشكو ذلك، فورد: (ستكفاها)، فعاشت أربع سنين ثم ماتت، فورد: (الله ذو أناة وأنتم مستعجلون) والحمد لله رب العالمين.

64. علمه (عليه السلام) بالغائب

الكشي: عن آدم بن محمد قال: سمعت محمد بن شاذان بن نعيم يقول: جمع عندي مال للغريم، فأنفذت به إليه وألقيت فيه شيئا من صلب مالي،

ص: 320

قال: فورد من الجواب: (قد وصل إلي ما (قد) نفذت من خاصة مالك فيها كذا وكذا، تقبل الله منك).

65. علمه (عليه السلام) بالغائب

الكشي: بإسناده، قال: إن محمد بن إبراهيم بن مهزيار لما حضرت أباه الوفاة دفع إليه مالا وأعطاه علامة، وقال: من أتاك بها فادفع إليه، ولم يعلم بالعلامة إلا الله، ثم جاءه شيخ فقال: أنا العمري، هات المال وهو كذا وكذا ومعه العلامة! فدفع إليه المال.

66. خبر المحمودي

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: حدثني أبو علي محمد بن أحمد المحمودي قال: حججت نيفا وعشرين سنة، كنت في جميعها أتعلق بأستار الكعبة، وأقف علي الحطيم والحجر الأسود ومقام إبراهيم، وأديم الدعاء في هذه المواضع [وأقف بالموقف]، وأجعل جل دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان (عليه السّلام). فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكة علي أن أبتاع حاجة، ومعي غلام في يده مشربة [حليج ملمعة)، فدفعت إلي الغلام الثمن وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع وأنا واقف أترقب، إذ جذب ردائي جاذب، فحولت وجهي إليه، فرأيت رجلا أذعرت حين نظرت إليه هيبة له، فقال لي: (تبيع المشربة؟) فلم أستطع رد الجواب وغاب عن عيني، فلم يلحقه بصري، فظننته مولاي. فإنني يوم من الأيام أصلي بباب الصفا بمكة، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري، فحركني محرك برجله، فرفعت رأسي، فقال [لي ]: (افتح منكبك عن صدرك)، ففتحت عيني فإذا الرجل الذي سألني

ص: 321

عن المشربة، ولحقني من هيبته ما حار بصري فغاب عن عيني، وأقمت علي رجائي ويقيني، ومضيت مدة وأنا أحج وأديم الدعاء في الموقف. فإنني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار، ومحمد بن القاسم العلوي، وعلان الكليني، ونحن نتحدث إذا أنا بالرجل في الطواف، فأشرت بالنظر إليه وأقمت أسعي لاتبعه، فطاف حتي إذا بلغ إلي الحجر رأي سائلا واقفا علي الحجر، ويستحلف ويسأل الناس بالله عز وجل أن يتصدق عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلما نظر [إلي] السائل انكب إلي الأرض وأخذ منها شيئا ودفعه «إلي السائل وجاز، فعدلت] إلي السائل، فسألته عما وهب له، فأبي أن يعلمني، فوهبت له دينارا وقلت: أرني ما في يدك، ففتح يده فقدرت أن فيها عشرين دينارا، فوقع في قلبي اليقين أنه مولاي (عليه السّلام) ، ورجعت إلي مجلسي الذي كنت فيه، وعيني ممدودة إلي الطواف، حتي إذا فرغ من طوافه عدل إلينا، فلحقنا له رهبة شديدة وحارت أبصارنا جميعا، قمنا إليه فجلس فقلنا له: ممن الرجل؟ فقال: (من العرب)، فقلت: من أي العرب؟ فقال: (من بني هاشم)، [فقلنا من أي بني هاشم؟ ]. فقال: (ليس يخفي عليكم إن شاء الله تعالي)، [ثم التفت إلي محمد بن القاسم فقال: (يا محمد أنت علي خير إن شاء الله تعالي]، أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السّلام) عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟). قلنا: لا. قال: كان يقول: (يا كريم مسكينك بفنائك، ياكريم فقيرك زائرك، حقيرك ببابك يا كريم) ثم انصرف عنا، ووقعنا نموج ونتذكر ونتفكر ولم نحقق، ولما كان من الغد رأيناه في الطواف، فامتدت عيوننا إليه ، فلما فرغ من طوافه خرج إلينا وجلس عندنا فأنس وتحدث، ثم قال: (أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السّلام) في دعائه بعقب الصلاة؟ قلنا: تعلمنا، قال: كان (عليه السّلام) يقول: (اللهم إني أسألك باسمك الذي (به) تقوم السماء والأرض، وباسمك الذي به تجتمع بين المتفرق وتفرق بين المجتمع، وباسمك الذي تفرق به بين الحق والباطل، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار وعدد الرمال

ص: 322

ووزن الجبال أن تفعل بي كذا وكذا). وأقبل علي حتي صرنا بعرفات وأدمت الدعاء، فلما أفضنا منها إلي المزدلفة وبتنا فيها، رأيت رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، فقال لي: (هل بلغت حاجتك؟) [فقلت: وما هي يا رسول الله؟ فقال: (الرجل صاحبك)] فتيقنت عندها.

67. خبر ابن مهزيار الأهوازي

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي قال: خرجت في بعض السنين حاجا إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياما، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان (عليه السّلام) فما عرفت له خبرا، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممت غما شديدا وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب صاحب الزمان (عليه السّلام) فخرجت حتي أتيت مكة، فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعا، كل ذلك أطلب، فبينما أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بانسان كأنه غصن بان، متزر ببردة متشح بأخري، [قد كشف] عطف بردته عن عاتقه، فارتاح قلبي وبادرت لقصده، فانثني إلي وقال: (من أين الرجل؟) قلت: من العراق، قال: (من أي العراق؟) قلت: من الأهواز، فقال: (أتعرف الخصيبي؟ قلت: نعم، قال: ( (رحمه الله) ، فما كان أطول ليله وأكثر نيله، وأغزر دمعته) [قال:] (فابن المهزيار؟) قلت: أنا هو، قال: (حياك الله بالسلام أبا الحسن)، ثم صافحني وعانقني وقال: (يا أبا الحسن ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمد نضر الله وجهه؟). قلت: معي، وأدخلت يدي إلي جيبي وأخرجت خاتما عليه محمد وعلي، فلما قرأه استعبر حتي بل طمره الذي كان علي بدنه، وقال: (يرحمك الله أبا محمد، فإنك زين الأمة، شرفك الله بالإمامة، وتوجك بتاج العلم والمعرفة، فإنا إليكم صائرون)، ثم صافحني وعانقني، ثم قال: (ما الذي تريد يا أبا الحسن؟). قلت: الامام المحجوب عن

ص: 323

العالم. قال: (وما هو محجوب عنكم ولكن خباه سوء أعمالكم، قم سر إلي رحلك وكن علي أهبة من لقائه إذا انحطت الجوزاء وأزهرت نجوم السماء،فها أنا لك بين الركن والصفا). فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني، فما زلت أرقب الوقت حتي حان، وخرجت إلي مطيتي [واستويت علي رحلي] واستويت علي ظهرها، فإذا أنا بصاحبي ينادي (إلي: يا أبا الحسن)، فخرجت فلحقت به، فحياني بالسلام، وقال: (سر بنا يا اخ)، فما زال يهبط واديا ويرقي ذروة جبل إلي أن علقنا علي الطائف، فقال: (يا أبا الحسن انزل بنا نصلي باقي صلاة الليل)، فنزلت فصلي بنا الفجر ركعتين، قلت: فالركعتين الأوليين؟ قال: (هما من صلاة الليل)، وأوتر فيهما، والقنوت في كل صلاة جائز. وقال: (سر بنا يا أخ)، فلم يزل يهبط بي واديا ويرقي بي ذروة جبل حتي أشرفنا علي واد عظيم مثل الكافور، فأمد عيني فإذا بيت من الشعر يتوقد نورا، : قال: (المح هل تري شيئا؟) قلت: أري بيتا من الشعر، فقال: (الأمل)، وانحط في الوادي وأتبعت الأثر حتي إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها، ونزلت عن مطيتي، وقال لي: (دعها)، قلت: فان تاهت؟ قال: (إن هذا واد لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن)، ثم سبقني ودخل الخباء وخرج إلي مسرعا وقال: (ابشر فقد اذن لك في الدخول)، فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور، فسلمت عليه بالإمامة، فقال [لي] (يا أبا الحسن قد كنا نتوقعك ليلا ونهارا، فما الذي أبطأ بك علينا؟). قلت: ياسيدي لم أجد من يدلني إلي الآن. قال: (لم تجد أحدا يدلك؟) ثم نكت بإصبعه في الأرض، ثم قال: (لا ولكنكم كثرتم الأموال وتجبرتم علي ضعفاء المؤمنين وقطعتم الرحم الذي بينكم، فأي عذر لكم الآن؟) فقلت: التوبة التوبة، الإقالة الإقالة، [ثم] قال: (يا بن المهزيار لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلا خواص الشيعة التي تشبه أقوالهم أفعالهم). ثم قال: (يا بن المهزيار - ومد يده - ألا أنبئك (أنه) إذا قعد الصبي وتحرك المغربي وسار العماني ويربع السفياني يؤذن لي، فأخرج بين

ص: 324

الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء، فأجئ إلي الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه علي بنائه الأول وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الاسلام، وأجئ إلي يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من بها، وهما طريان، فأمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولي، فينادي مناد من السماء: ياسماء أبيدي ويا ارض خذي فيومئذ لا يبقي علي وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للايمان). قلت: ياسيدي ما يكون بعد ذلك؟ فقال: (الكرة الكرة الرجعة الرجعة)، ثم تلا هذه الآية (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا).

68. خبر محمد بن القاسم العلوي

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال: حدثنا محمد ابن جعفر بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أحمد الأنصاري قال: كنت حاضرا عند المستجار بمكة، وجماعة يطوفون [وهم] زهاء ثلاثين رجلا، لم يكن فيهم مخلص غير محمد بن القاسم العلوي، فبينما نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة، إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه إزاران، وأصبح محرما فيهما، وفي يده نعلان، فلما رأيناه قمنا هيبة له، فلم يبق منا أحد إلا قام فسلم عليه، وجلس منبسطا ونحن حوله، ثم التفت يمينا وشمالا وقال: (أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السّلام) يقول في دعاء الالحاح؟) قلنا: وما كان يقول؟ قال: [كان] يقول: (اللهم إني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحق والباطل، وبه تجمع بين المتفرق، وبه تفرق بين المجتمع،

ص: 325

وقد أحصيت به عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلي علي محمد و آل محمد، وأن تجعل لي من أمري فرجا) ثم نهض ودخل في الطواف، فقمنا القيامه حتي انصرف، وانسينا أن نذكر أمره وأن نقول من هو؟ وأي شئ هو؟ إلي الغد في ذلك الوقت، فخرج علينا من الطواف، فقمناله كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلسه منبسطا، ونظر يمينا وشمالا وقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول بعد صلاة الفريضة؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول: (إليك رفعت الأصوات، ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك [التحاكم] في الأعمال يا خير من سئل وخير من أعطي، ياصادق، يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد، يامن أمر بالدعاء ووعد الإجابة، يا من قال: (ادعوني أستجب لكم) يا من قال: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ » ويا من قال:

« يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ »« إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » . ثم نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء فقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول في سجدة الشكر؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول: (يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا كرما وجودا، يامن لا يزيده كثرة الدعاء إلا سعة وعطاء، يا من لا تنفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له ما دق وجل، لا يمنعك إساءتي من إحسانك، أن تفعل بي الذي أنت أهله، (فأنت أهل الجود والكرم والتجاوز، يارب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله)، فإني أهل العقوبة ولا حجة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوبي كلها كي تعفو عني وأنت أعلم بها مني، وأبوء لك بكل ذنب [أذنبته] وكل خطيئة احتملتها وكل سيئة عملتها، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم). وقام فدخل الطواف [فقمنا]،وعاد من الغد في ذلك الوقت، وقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضي، فجلس متوسطا ونظر يمينا

ص: 326

وشمالا وقال: (كان علي بن الحسين (عليه السّلام) يقول في سجوده في هذا الموضع . وأشار بيده إلي الحجر تحت الميزاب : عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك مالا يقدر عليه غيرك). ثم نظر يمينا وشمالا، ونظر إلي محمد بن القاسم [من بيننا]، فقال:، (يا محمد بن القاسم أنت علي خير إن شاء الله تعالي) - وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الامر -، فقام ودخل الطواف، فما بقي أحد إلا وقد الهم ما ذكر من الدعاء، وانسينا أن نذكره إلا في آخر يوم. فقال بعضنا: يا قوم أتعرفون هذا؟ فقال محمد بن القاسم: هذا والله [صاحب الزمان (عليه السّلام) ، هو والله] صاحب زمانكم. فقلنا: كيف يا أبا علي؟ فذكر أنه مكث سبع سنين وكان يدعو ربه ويسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السّلام) . قال: فبينا نحن عشية عرفة فإذا أنا بالرجل (بعينه) يدعو بدعاء، فجئته وسألته ممن هو؟ فقال : (من الناس)، فقلت: من أي الناس من عربها أم من مواليها؟ قال: (من عربها؟) [قلت: أي عربها؟] قال: (من أشرافها)، قلت: ومن وهم؟ قال: (بنو هاشم)، قلت: من أي بني هاشم؟ قال: ([من] أعلاها ذروة وأسناها). فقلت: ممن؟ قال : (من فلق الهام وأطعم الطعام وصلي بالليل والناس نيام)، فعلمت أنه علوي ، [فأحببته علي العلوية)، ثم فقدته من بين يدي ولم أدر كيف (مضي)، فسألت القوم الذين كانوا حوالي: تعرفون هذا العلوي؟ فقالوا: نعم، يحج معنا كل سنة [ماشيا]، فقلت: سبحان الله (والله) ما أري به أثر مشي! فانصرفت إلي المزدلفةكئيبا حزينا علي فراقه، ونمت ليلتي فإذا بسيدنا رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، فقال لي: (يا محمد رأيت طلبتك؟) قلت: ومن ذاك ياسيدي؟ قال: (الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك)، فذكر أنه [كان] نسي أمره إلي الوقت الذي حدثنا [به].

ص: 327

69. خبر صاحب العجوز

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري -(رحمه الله) - قال: حدثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني قال: حدثنا الحسين بن محمد سنة ثمان وثمانين [ومائتين بقاسان] بعد منصرفه من أصبهان قال: حدثني يعقوب بن يوسف بأصبهان قال: حججت سنة إحدي وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين (من أهل بلدنا). فلما دخلنا مكة تقدم بعضهم فاكتري لنا (دارا) في زقاق من سوق الليل، وهي دار خديجة تسمي دار الرضا (عليه السّلام) ، وفيها عجوز سمراء فسألتها لما وقفت علي أنها دار الرضا (عليه السّلام) ما تكونين من أصحاب هذه الدار ؟ ولم سميت دار الرضا؟ فقالت: أنا من مواليهم، وهذه دار الرضا علي بن موسي (عليه السّلام) وأسكننيها الحسن بن علي (عليه السّلام) فإني كنت خادمة له. فلما سمعت بذلك أنست بها وأسررت الامر عن رفقائي (المخالفين)، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق الدار ونغلق الباب ونرمي خلف الباب حجرا كبيرا. فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت (الباب) قد فتح، ولم أر أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر يميل إلي الصفرة، في وجهه سجادة عليه قميصان وازار رقيق قد تقنع به، وفي رجله نعل طاق فصعد إلي الغرفة التي في الدارحيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إن لنا في الغرفة بنتا لا تدع أحدا يصعد إلي الغرفة. فكنت أري الضوء الذي رأيته قبل في الرواق علي الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها، (ثم أراه في الغرفة) من غير أن أري السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أري، فتوهموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلي بنت هذه العجوز، وأن يكون قد تمتع بها، فقالوا: هؤلاء علوية يرون هذا وهو حرام لا يحل (فيما زعموا)، وكنا نراه يدخل ويخرج

ص: 328

ونجئ إلي الباب وإذا الحجر علي حالته التي تركناه عليها، وكنا نتعهد الباب خوفا علي متاعنا، وكنا لانري أحدا يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلي أن حان وقت خروجنا. فلما رأيت هذه الأسباب ضرب علي قلبي، ووقعت الهيبة فيه، فتلطفت للمرأة وقلت: أحب أن أقف علي [خبر] الرجل، فقلت لها: يا فلانة إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي فلا أقدر عليه، فأنا أحب إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي إلي لأسألك عن شئ. فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسر إليك شيئا، فلم يتهيأ لي ذلك من أجل أصحابك، فقلت: ما أردت أن تقولي؟ فقالت: يقول لك - ولم تذكر أحدا - : (لا تخاشن أصحابك وشركائك ولا تلاحهم، فإنهم أعداؤك، ودارهم). فقلت لها: من يقول؟ فقالت: أنا أقول، فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت: أي الأصحاب؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا (حجاجا) معي. فقالت: لا، ولكن شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وكان قد جري بيني وبين الذين (معي في الدار) عنت في الدين، فشنعوا علي حتي هربت و استترت بذلك السبب، فوقفت علي أنها إنما عنت أولئك. فقلت لها: ما تكونين أنت من الرضا (عليه السّلام) ؟ فقالت: كنت خادمة اللحسن بن علي (عليه السّلام) ، فلما قالت ذلك قلت: لأسألنها عن الغائب (عليه السّلام) فقلت(لها): بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت: يا أخي إني لم أره بعيني، فإني خرجت وأختي حبلي وأنا خالته، وبشرني الحسن (عليه السّلام) بأني [سوف] أراه آخر عمري وقال لي: تكونين له كما أنت لي، وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر، وإنما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجه بها إلي علي يد رجل من [أهل] خراسان لا يفصح بالعربية، وهي ثلاثون دينارا، وأمرني أن أحج سنتي هذه، فخرجت رغبة (مني) في أن أراه. فوقع في قلبي أن [الرجل] الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم رضوية، وكنت حملتها علي أن ألقيها في مقام إبراهيم (عليه السّلام) ، فقد كنت نذرت ذلك ونويته، (فدفعتها إليها وقلت) في نفسي:

ص: 329

ادفعها إلي قوم من ولد فاطمة (عليها السّلام) أفضل مما ألقيها في المقام وأعظم ثوابا ، وقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلي من يستحقها من ولد فاطمة (عليها السّلام) ، وكان في نيتي أن الرجل الذي رأيته هو، وإنما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثم نزلت، وقالت: يقول لك: (ليس لنا فيها حق، فاجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت)، ففعلت ما أمرت به عن الرجل. ثم كانت معي نسخة توقيع خرج إلي القاسم بن العلاء بأذربيجان، فقلت لها: تعرضين هذه النسخة علي إنسان قد رأي توقيعات الغائب ويعرفها، فقالت: ناولني فاني أعرفها، فأريتها النسخة وظننت أن المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان، فصعدت به إلي السطح، ثم أنزلته فقالت: صحيح، وفي التوقيع: (إني أبشركم ما سررت به وغيره). ثم قالت: يقول لك: (إذا صليت علي نبيك (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) فكيف تصلي عليه؟) فقلت: أقول: (اللهم صل علي محمد و آل محمد، وبارك علي محمد و آل محمد، وارحم محمد و آل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت علي إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد). فقالت: لا، إذا صليت عليهم فصل عليهم وسمهم، فقلت: نعم. فلما كان من الغد نزلت ومعها دفترصغير قد نسخناه، فقالت: يقول لك: (إذا صليت علي نبيك فصل عليه وعلي أوصيائه علي هذه النسخة) فأخذتها وكنت أعمل بها. ورأيته عدة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج، وكنت افتح الباب وأخرج علي أثر الضوء وأنا أراه - أعني الضوء - ولا أري أحدا حتي يدخل المسجد، واري جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار، قوم عليهم ثياب رثة يدفعون إلي العجوز رقاعا معهم، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلمهم ويكلمونها ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتي قدمنا بغداد. نسخة الدفتر الذي خرج. (اللهم صل علي محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة رب العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفي في

ص: 330

الظلال، المطهر من كل آفة، البرئ من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجي للشفاعة، المفوض إليه في دين الله. اللهم شرف بنيانه، وعظم برهانه، وأفلج حجته، وارفع درجته وضوء نوره، وبيض وجهه، واعطه الفضل والفضيلة، والوسيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. وصل علي أمير المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، وقائد الغر المحجلين، وسيد المؤمنين. وصل علي الحسن بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، وصل علي الحسين بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي علي بن الحسين إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، وصل علي محمد بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي جعفر بن محمد إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي موسي بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل علي علي بن موسي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي محمد بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي علي بن محمد إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي الحسن بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، وصل علي الخلف الهادي المهدي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. اللهم صل علي محمد وعلي أهل بيته الأئمة الهادين، العلماء والصادقين والأوصياء المرضيين، دعائم دينك وأركان توحيدك، وتراجمة وحيك، وحجتك علي خلقك وخلفائك في أرضك، الذين اخترتهم لنفسك، واصطفيتهم علي عبيدك، وارتضيتهم لدينك، وخصصتهم بمعرفتك، وجللتهم بكرامتك، وغشيتهم برحمتك، وغذيتهم بحكمتك ، وألبستهم من نورك، وربيتهم بنعمتك، ورفعتهم في ملكوتك، وحففتهم بملائكتك، وشرفتهم بنبيك. اللهم صل علي محمد وعليهم صلاة دائمة كثيرة

ص: 331

طيبة، لا يحيط بها إلا أنت، ولا يسعها إلا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك وصل علي وليك المحي سنتك، القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، وحجتك وخليفتك في أرضك، وشاهدك علي عبادك. اللهم أعزز نصره ومد في عمره، وزين الأرض بطول بقائه. اللهم اكفه بغي الحاسدين، واعذه من شر الكائدين، وازجر عنه إرادة الظالمين، وخلصه من أيدي الجبارين. اللهم أره في ذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه، وتسر به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك علي كل شئ قدير. اللهم جدد به ما محي من دينك، وأحي به ما بدل من كتابك وأظهر به ما غير من حكمك حتي يعود دينك [به و ]علي يديه غضا جديدا خالصا مخلصا، لاشك فيه، ولا شبهة معه، ولا باطل عنده ولا بدعة لديه. اللهم نور بنوره كل ظلمة، وهد بركنه كل بدعة، واهدم بقوته كل ضلال، واقصم به كل جبار، واخمد بسيفه كل نار، وأهلك بعدله كل جائر، واجر حكمه علي كل حكم، وأذل بسلطانه كل سلطان. اللهم أذل من ناواه، وأهلك من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه واستهزا بأمره وسعي في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره. اللهم صل علي محمد المصطفي، وعلي علي المرتضي، وعلي فاطمة الزهراء، وعلي الحسن الرضي، وعلي الحسين الصفي، وعلي جميع الأوصياء، مصابيح الدجي، وأعلام الهدي، ومنار التقي، والعروة الوثقي، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصل علي وليك وعلي ولاة عهدك ، الأئمة من ولده القائمين بأمره، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم [أفضل] آمالهم).

ص: 332

70. خبر ابن المهدي معه (عليه السلام)

الحسين بن حمدان في (هدايته): باسناده ، عن [أبي محمد] عيسي بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان وستين ومائتين إلي الحج، وكان قصدي المدينة، وحيث صح عندنا أن صاحب الزمان (عليه السّلام) قد ظهر، فاعتللت وقد خرجنا من فيد، فتعلقت نفسي بشهوة السمك والتمر، فلما وردت المدينة ولقيت بها إخواننا بشروني بظهوره (عليه السّلام) بصاريا فصرت إلي صاريا. فلما أشرفت علي الوادي رأيت عنيزات عجافا تدخل القصر، فوقفت أرقب الامر إلي أن صليت العشائين وأنا أدعو وأتضرع وأسأل، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسي بن مهدي الجوهري ادخل، فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه. فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم [إليها]، فأجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك وأنت خارج من فيد، فقلت في نفسي: حسبي بهذا برهانا فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي، فصاح: (يا عيسي كل من طعامك فإنك تراني)،[فجلست] علي المائدة، فنظرت فإذا فيها سمك حار يفور، وتمر إلي جانبه

أشبه التمور بتمورنا، وبجانب التمر لبن. فقلت في نفسي: [أنا] عليل وسمك وتمر ولبن، فصاح بي: (يا عيسي أتشك في أمرنا، أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك)، فبكيت واستغفرت الله تعالي وأكلت من الجميع، وكلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، ووجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيرا حتي استحييت. فصاح بي: (لا تستحي يا عيسي فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق)، فأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه من أكله. فقلت: [يا] مولاي حسبي، فصاح بي: (أقبل إلي)، فقلت في نفسي: آتي مولاي ولم اغسل يدي، فصاح بي: (يا عيسي (مما الماء)؟ وهل لما أكلت غمر؟) فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه (عليه السّلام) فبدا لي نور غشي بصري ورهبت

ص: 333

حتي ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال لي: (يا عيسي ما كان لكم أن تزوروني، ولولا المكذبون القائلون: [أين هو؟ ]: بأي [مكان] هو؟ ومتي كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شئ نبأكم؟ وأي معجز آتاكم؟ أما والله لقد رفضوا أمير المؤمنين (عليه السّلام) (مع ما رأوه) وقدموا عليه و كادوه وقتلوه، وكذلك فعلوا بآبائي (عليهم السّلام) ولم يصدقوهم، ونسبوهم إلي السحرة (والكهنة) وخدمة الجن) إلي أن قال: (يا عيسي فخبر أولياءنا بما رأيت، وإياك [أن] تخبر عدوا فتسلبه). فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات، فقال لي: (لو لم يثبتك الله ما رأيتني، فامض لحجك راشدا)، فخرجت أكثر حمدا لله وشكرا.

71. حمل الذخائر والأمتعة من تركة أبيه (عليه السلام ) التي ختم عليها جعفر الكذاب والحاضرون لا يستطيعون الحركة والكلام

عنه في (هدايته): عن محمد بن عبد الحميد البزاز وأبي الحسين محمد بن يحيي ومحمد بن ميمون الخراساني والحسين بن مسعود الفزاري قالوا جميعا، وقد سألتهم في مشهد سيدنا أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) بكربلاء عن جعفر وما جري من أمره قبل غيبة سيدنا أبي الحسن وأبي محمد (عليه السّلام) صاحبي العسكر، وبعد غيبة سيدنا أبي محمد (عليه السّلام) وما ادعاه جعفر وما ادعي له، فحدثوني من جملة أخباره: أن سيدنا أبا الحسن (عليه السّلام) كان يقول لهم: تجنبوا ابني جعفرا فإنه مني بمنزلة نمرود من نوح، الذي قال الله عز وجل فيه فقال: (رب إن ابني من أهلي) فقال الله: (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)، وأن أبا محمد (عليه السّلام) كان يقول لنا بعد أبي الحسن (عليه السّلام) : (الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر علي سر ما مثلي ومثله إلا مثل هابيل وقابيل ابني آدم،

حيث حسد قابيل هابيل علي ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله، ولو تهيا لجعفر قتلي لفعل، ولكن الله غالب علي أمره)، ولقد عهدنا بجعفر وكل من

ص: 334

في البلد بالعسكر من الحاشية الرجال والنساء والخدم يشكون إلينا إذا وردنا الدار أمر جعفر، فيقولون: إنه يلبس المصبغات من [ثياب] النساء، ويضرب له بالعيدان، ويشرب الخمر، ويبذل الدراهم والخلع لمن في داره علي كتمان ذلك عليه، فيأخذون منه ولا يكتمون [عليه]، وأن الشيعة بعد أبي محمد (عليه السّلام) زادوا في هجره وتركوا السلام عليه، وقالوا: لا تقية بيننا [وبينه، فنحمل له وإن نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فيضل الناس] ، فيه ، وعملوا علي ما يرونا نفعله، فنكون بذلك من أهل النار. وإن جعفرا لما كان في ليلة وفاة أبي محمد (عليه السّلام) ختم علي الخزائن وكل ما في الدار [ومضي إلي منزله، فلما أصبح أتي الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه، فلما فتح الخواتيم ونظر ] ولم يبق في الخزائن ولا في الدار إلا شئ يسير ، فضرب جماعة من الخدم والإماء، فقالوا: لا تضربنا، فوالله لقد رأينا الأمتعة والذخائر تحمل وتوقربها جمال في الشارع، ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلي أن سارت الجمال وغلقت الأبواب كما كانت، فولول جعفر وضرب علي رأسه أسفا علي ما اخرج من الدار، وأنه بقي يأكل ما كان له ويبيع حتي لم يبق له قوت يوم، وكان له من الولد أربعة وعشرون ولدا بنين وبنات، وله أمهات أولاد وحشم وخدم وغلمان، فبلغ به الفقر إلي أن أمرت الجدة و[هي] جدة أبي محمد (عليه السّلام) أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لدوابه و كسوة لأولاده وأمهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم، ولقد ظهرت منه أشياء أكثر مما وصفناه ، ونسأل الله العصمة والعافية من البلاء والعصما في الدنيا والآخرة.

72. علمه (عليه السلام) بالغائب

السيد المرتضي في (عيون المعجزات): قال: من دلائل صاحب الزمان - صلوات الله عليه - قال: روي عن أبي القاسم الحليسي أنه قال: مرضت

ص: 335

بالعسكر مرضا شديدا أعني بسر من رأي، حتي آيست من نفسي وأشرفت علي الموت، فبعث إلي من جهته (عليه السّلام) قارورة فيها بنفسج مربي من غير أن أسأله ذلك، وكنت آكل منها علي غير مقدار، فعوفيت عند فراغي منها، وفني ما كان فيها.

73. علمه ( عليه السلام) بالمال المدفون

عنه في (عيون المعجزات): قال: روي عن الحسن بن جعفر القزويني قال:مات بعض إخواننا من أهل فانيم من غير وصية، وعنده مال دفين لا يعلم به أحد من ورثته، فكتب إلي الناحية يسأله عن ذلك، فورد التوقيع: (المال في البيت في الطاق في موضع كذا وكذا، وهو كذا وكذا)، فقلع المكان وأخرج المال.

74. علمه ( عليه السلام) بالآجال

عنه في (عيون المعجزات): عن العليان قال: ولدت لي ابنة، فاشتد غمي بها، فشكوت ذلك، فورد التوقيع: (ستكفي مؤنتها)، فلما كان بعد مدة ماتت، فورد التوقيع: (الله تعالي ذو أناة وأنتم تستعجلون.

75. علمه (عليه السلام) بالغائب

عنه في (عيون المعجزات): قال: حدث محمد بن جعفر قال: خرج بعض إخواننا يريد العسكر في أمر من الأمور، قال: فوافيت عكبرا، فبينما أنا قائم أصلي إذ أتاني رجل بصرة مختومة، فوضعها بين يدي وأنا أصلي، فلما

ص: 336

انصرفت من صلاتي ففضضت خاتم الصرة وإذا فيها رقعة بشرح ما خرجت له، فانصرفت من عكبرا.

76. علمه (عليه السلام) بالغائب

عنه في (عيون المعجزات): قال: كتب رجلان في حمل لهما، فخرج التوقيع: بالدعاء لواحد منهما وخرج للآخر: (يا حمدان آجرك الله)، فأسقطت امرأته، وولد للآخر ولد.

77. علمه ( عليه السلام ) بالآجال

عنه في (عيون المعجزات): عن محمد بن أحمد قال: شكوت بعض جيراني ممن كنت أتأذي به وأخاف شره، فورد التوقيع: [(إنك] ستكفي أمره قريبا)، فمن الله بموته في اليوم الثاني.

78. علمه (عليه السلام) بالغائب

عنه في (عيون المعجزات): عن أبي محمد الثمالي قال: كتبت في معنيين وأردت أن أكتب في معني ثالث، فقلت في نفسي: لعله صلوات الله عليه يكره ذلك، فخرج التوقيع في المعنيين وفي المعني الثالث الذي أسررته (في نفسي) ولم أكتب به.

ص: 337

79. علمه (عليه السلام) بالغائب

عنه في (عيون المعجزات): قال: روي عن الحسن بن خفيف، عن أبيه قال: حملت حرما من المدينة إلي الناحية ومعهم خادمان، فلما وصلنا إلي الكوفة شرب أحد الخدم مسكرا في السر ولم نقف عليه، فورد التوقيع برد الخادم الذي شرب المسكر، فرددناه من الكوفة ولم نستخدم به.

80. علمه (عليه السلام) بالغائب

عنه في (عيون المعجزات): [عن الحصني] قال: خرج في أحمد بن عبد العزيز توقيع: (أنه قد ارتد)، فتبين ارتداده بعد التوقيع بأحد عشر يوما.

81. علمه (عليه السلام) بالآجال

عنه في (عيون المعجزات): قال: روي أن علي بن زياد الصيمري كتب يسأل كفنا، فكتب إليه - صلوات الله عليه - : إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، وبعث إليه ثوبين، فمات (رحمه الله) في سنة ثمانين.

82. كلامه (عليه السلام) في المهد بالحكمة

الراوندي في (الخرائج): قال: روي علان، عن ظريف أبو نصر الخادم قال: دخلت علي صاحب الزمان (عليه السّلام) وهو في المهد، فقال لي: [(علي بالصندل الأحمر)، فأتيته به، فقال: ]: (أتعرفني؟)، قلت: نعم، [أنت] سيدي وابن سيدي، فقال: (ليس عن هذا سألتك)، فقلت: فسر لي، فقال: (أنا خاتم

ص: 338

الأوصياء، وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي).

83. صعود المحمل وما عليه إلي السماء

الراوندي: قال: روي عن يوسف بن أحمد الجعفري قال: حججت سنة ست وثلاثمائة، ثم جاورت بمكة ثلاث سنين، ثم خرجت [عنها] منصرفا إلي الشام، فبينما أنا في بعض الطريق، وقد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقفت أعجب [منهم]، فقال لي أحدهم: (مم تعجب؟ تركت صلاتك). فقلت: وما علمك بي؟ فقال: (أتحب أن تري صاحب زمانك؟) قلت: نعم، فأومأ إلي أحد الأربعة، فقلت: إن له دلائل وعلامات، فقال: (أيما أحب إليك أن تري الجمل (وما عليه) صاعدا إلي السماء، أو تري المحمل (مفردا) صاعدا إلي السماء)؟) فقلت: أيهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلي السماء، وكان الرجل أومأ إلي رجل به سمرة، وكان لونه الذهب، بين عينيه سجادة.

84. خبر الأودي

ابن بابويه: قال: حدثنا الأودي قال: بينما أنا في الطواف قد طفت ستا وأريد أن أطوف السابعة، فإذا [أنا] بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه، طيب الرائحة هيوب، مع هيبته متقرب إلي الناس، فتكلم فلم أر أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه [وحسن جلوسه]، فذهبت أكلمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم من هذا؟ فقالوا: هذا ابن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) يظهر للناس في كل سنة[يوما] لخواصه يحدثهم، فقلت: [يا] سيدي مسترشدا أتيتك فأرشدني [هداك الله]. فناولني (عليه السّلام) حصاة [فولت وجهي، فقال لي بعض جلسائه: ما

ص: 339

الذي دفع إليك؟ فقلت: حصاة، وكشفت (يدي) عنها فإذا هي سبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به (عليه السّلام) قد لحقني، فقال: (عليه السّلام) : (ثبتت عليك الحجة، وظهر لك الحق وذهب عنك العمي، أتعرفني؟). فقلت: لا، فقال (عليه السّلام) : أنا المهدي وأنا قائم الزمان، أنا الذي أملاها عدلا كما ملئت جورا، إن الأرض لا تخلو من حجة، ولا يبقي الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل، وقد ظهر أيام خروجي وهذه أمانة فحدث بها إخوانك من أهل الحق.

85. علمه (عليه السلام ) بالغائب

ابن بابويه: قال: حدثني أبي، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن محمد الرازي قال: حدثني جماعة من أصحابنا أنه (عليه السّلام) بعث إلي أبي عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط۔ غلاما وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلما عير الدنانير نقصت في التعبير ثمانية عشر قيراطا وحبة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطا وحبة وأنفذ، فرد عليه دينارا وزنه ثمانية عشر قيراطا وحبة.

86. علمه ( عليه السلام ) بالآجال

ابن بابويه: قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) أن أبا جعفر العمري حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج، فسألته عن ذلك، فقال: للناس أسباب، ثم سألته بعد ذلك، فقال: قد أمرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين (رضي الله عنه) وأرضاه.

ص: 340

87. استجابة دعائه وعلمه ( عليه السلام) بما يكون وما لا يكون

- ابن بابويه: قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: سألني علي بن الحسين بن موسي بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت محمد بن عثمان العمري أن اسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السّلام) أن يدعوا الله عز وجل أن يرزقه ولدا ذكرا فسألته فأنهي ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين، وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد. قال: أبو جعفر محمد بن علي الأسود: وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن أرزق ولدا ذكرا، فلم يجبني إليه، وقال لي: ليس إلي هذا سبيل. قال: فولد لعلي بن الحسين (تلك السنة ابنه) محمد ابن علي وبعده أولاد، ولم يولد لي شئ. قال: الشيخ ابن بابويه: كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) كثيرا ما يقول لي - إذا رآني أختلف إلي مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) وأرغب في كتب العلم وحفظه - : ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الامام (عليه السّلام) . وسيأتي إن شاء الله تعالي السادس والتسعون في ذلك بمعني زائد.

88. علمه (عليه السلام) بالغائب

ابن بابويه: قال: حدثنا أبو الحسين صالح بن شعيب الطالقاني، عن أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال: حضرت بغداد عند المشايخ - رضي الله عنهم - فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدس سرّه) ابتداء منه: (رحم الله علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي). قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم. ومضي أبو الحسن السمري (رضي الله عنه) بعد ذلك في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.

ص: 341

89. خبر القاسم بن العلاء وعلمه (عليه السلام) بالآجال وبالغائب

روي الشيخ المفيد: عن أبي عبد الله الصفراني قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمر مائة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، لقي العسكريين (عليه السّلام) وحجب بعد الثمانين، وردت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام. وذلك أني كنت بمدينة (أران) من أرض آذربيجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الامر (عليه السّلام) عنه علي يد أبي جعفر العمري، وبعده علي يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين، وقلق لذلك. فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشرا، فقال له: فيج العراق ورد - ولا يسمي بغيره - فسجد القاسم، ثم دخل كھل قصير يري أثر الشيوخ عليه، وعليه جبة مضربة وفي رجله نعل محاملي، وعلي كتفه مخلاة. فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وإبريق، فغسل يده وأجلسه إلي جانبه، فتواكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتابا [أفضل من نصف الدرج]، فناوله القاسم، فأخذه وقبله ودفعه إلي كاتب له يقال: له: أبو عبد الله بن أبي سلمة، ففضة وقرأه وبكي حتي أحس القاسم ببكائه. فقال: يا أبا عبد الله خير خرج في شئ مما يكره؟ قال: لا، قال: فما هو؟ قال: ينعي الشيخ إلي نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما، وأنه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأن الله يرد عليه (بصره قبل موته بسبعة أيام)، وقد حمل إليه سبعة أثواب. فقال القاسم: علي سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك، فضحك وقال: ما أؤمل بعد هذا العمر؟! فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر وحبرة يمانية حمراءوعمامة وثوبين ومنديلا، فأخذه القاسم و[كان] عنده قميص خلعه عليه علي النقي (عليه السّلام) وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب يقال له: عبد الرحمن بن محمد الشيزي وافي إلي الدار ، فقال القاسم:

ص: 342

إقرؤا الكتاب عليه، فإني أحب هدايته. قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟! فأخرج القاسم إليه الكتاب [وقال: إقرأه]، فقرأه عبد الرحمن إلي موضع النعي، فقال للقاسم، يا أبا محمد إتق الله ، فإنك رجل فاضل في دينك، والله يقول: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) وقال: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَي غَيْبِهِ أَحَدًا » قال القاسم: فأتم الآية «إِلَّا مَنِ ارْتَضَي مِنْ رَسُولٍ » ومولاي هذا المرضي من الرسول. ثم قال : إعلم أنك تقول هذا، ولكن أرخ اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ أو مت قبله فاعلم أني لست علي شئ، وإن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك، فؤرخ عبد الرحمن اليوم، وافترقوا، وحم القاسم يوم السابع، واشتدت العلة به إلي مدة، ونحن مجتمعون يوما عنده إذ مسح بكمه عينه (وخرج من عينه) شبه ماء اللحم، ثم مد بطرفه إلي ابنه، فقال: يا حسن إلي ويا فلان إلي، فنظرنا إلي الحدقتين صحيحتين. وشاع الخبر في الناس، فانتابه الناس من العامة ينظرون إليه، وركب القاضي إليه - وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد - ، فدخل عليه وقال: يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي؟ واراه خاتما فصه فيروزج فقربه منه، فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها، وقد قال: لما رأي ابنه الحسن في وسط الدار [قاعدا]: (اللهم ألهم الحسن طاعتك، وجنبه معصيتك) ثلاثا، ثم كتب وصيته بيده. وكانت الضياع التي بيده لصاحب الامر (عليه السّلام) كان أبوه وقفها عليه، كان فيما أوصي ابنه إن أهلت إلي الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة ب (فرجيده) وسائرها ملك لمولانا (عليه السّلام) ، فلما كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يصيح: (يا سيداه) فاستعظم الناس ذلك عنه، فقال: اسكتوا فقد رأيت ما لم تروا، وتشيع ورجع عما كان (عليه)، فلما كان بعد مدة يسيرة ورد كتاب صاحب الزمان (عليه السّلام) علي الحسن [ابنه] يقول فيه: (ألهمك الله طاعته وجنبك معصيته)، وهذا الدعاء الذي دعا به أبوك.

ص: 343

90. علمه (عليه السلام) بما في النفس وبالغائب وغير ذلك

الراوندي: قال: روي عن ابن أبي سورة، عن أبيه - وكان أبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة - قال: كنت خرجت إلي قبر الحسين(عليه السّلام) اعرف عنده ، فلما كان وقت العشاء الآخرة صليت وقمت فابتدأت اقرأ الحمد، وإذا شاب [حسن الوجه] عليه جبة سيفية، فابتدأ أيضا قبلي وختم قبلي. فلما كان الغداة خرجنا جميعا من باب الحائر، فلما صرنا إلي شاطئ الفرات قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة فامض)، فمضيت في طريق الفرات وأخذ الشاب طريق البر. قال أبو سورة: ثم أسفت علي فراقه فاتبعته ، فقال لي: تعال، فجئنا جميعا إلي أصل حصن المسناة، فنمنا جميعا وانتبهنا، وإذا نحن علي الغري علي جبل الخندق، فقال لي: (أنت مضيق ولك عيال، فامض إلي أبي طاهر الزراري، فيخرج إليك من داره وفي يده الدم من الأضحية، فقل له: شاب من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة. قال: فلما دخلت الكوفة مضيت إليه وقلت له: ما ذكر لي الشاب، فقال:سمعا وطاعة وعلي يده دم الأضحية.

91. مثل سابقه وزيادة

الراوندي: قال: وعن جماعة، عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة - وهو محمد بن الحسن بن عبيد الله التميمي - نحو ذلك وزادوا: قال: ومشينا ليلتنا فإذا نحن علي مقابر مسجد السهلة، فقال: (هو ذا منزلي)، ثم قال لي: تمر أنت إلي ابن الزراري علي بن يحيي فتقول له: يعطيك المال بعلامة أنه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطي بكذا، فقلت: من أنت؟ قال: أنا محمد بن الحسن. ثم مشينا حتي انتهينا إلي النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد

ص: 344

خرج، وتوضأ ثم صلي ثلاث عشر ركعة، فمضيت إلي ابن الزراري، فدققت الباب فقال: من أنت؟ فقلت: أبو سورة، فسمعته يقول: مالي ولأبي سورة، فلما خرج وقصصت عليه القصة صافحني وقبل وجهي ووضع يده بيدي ومسح بها وجهه، ثم أدخلني الدار وأخرج الصرة من عند رجل السرير فدفعها إلي، فاستبصر أبو سورة وتشيع وكان زيديا۔

92. علمه (عليه السلام ) بما يكون

الراوندي: قال: روي عن أبي الحسن المسترق الضرير قال: كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية، قال:كنت أزري عليها إلي أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما، فأخذت أتكلم في ذلك، فقال: يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلي أن ندبت لولاية قم حين استصعبت علي السلطان، وكان كل من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها. فلما بلغت إلي ناحية طرز خرجت إلي الصيد، ففاتتني طريدة، فاتبعتها وأوغلت في أثرها، حتي بلغت إلي نهر، فسرت فيه، وكلما أسير يتسع النهر، فبينما أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته بغلة شهباء، وهو متعمم بعمامة خز خضراء لا يري منه سوي عينيه، وفي رجليه خفان حمراوان، فقال لي: يا حسين فلا هو أمرني ولا كناني، فقلت: ماذا تريد؟ قال: لم تزري علي الناحية؟ ولم تمنع أصحابي عن خمس مالك؟ وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئا، فأرعدت منه وتهيبته، وقلت له: أفعل ياسيدي ما تأمر به. فقال: (إذا مضيت إلي الموضع الذي أنت متوجه إليه، فدخلته عفوا وكسبت ما كسبت فيه، تحمل خمسه إلي مستحقه)، فقلت: السمع والطاعة، فقال: (إمض راشدا، ولوي عنان دابته وانصرف، فلم أدر أي طريق سلك، وطلبته يمينا وشمالا فخفي علي أمره، وازددت رعبا

ص: 345

وانكفأت راجعا إلي عسكري وتناسيت الحديث. فلما بلغت قم وعندي أني أريد محاربة القوم، خرج إلي أهلها وقالوا: كنا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا، فاما إذا قد وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك، ادخل البلدة فدبرها كما تري. فأقمت فيها زمانا وكسبت أموالا زائدة علي ما كنت أحسبه، ثم وشي بي القواد إلي السلطان، وحسدت علي طول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلي بغداد، فابتدأت بدار السلطان وسلمت عليه، وأتيت إلي منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري، فتخطي الناس حتي اتكأ علي تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعدا ما يبرح والناس داخلون وخارجون، وأناأزداد غيظا. فلما تصرم الناس وخلا المجلس دنا إلي وقال: بيني وبينك سر فاسمعه، فقلت: قل. فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: (قد وفينا بما وعدنا)، فذكرت الحديث وارتعدت من ذلك وقلت: السمع والطاعة، فقمت وأخذت بيده، ففتحت الخزائن فلم يزل يخمسها إلي أن خمس شيئا كنت قد أنسيته مما كنت قد جمعته، وانصرف، ولم أشك بعد ذلك أبدا، وتحققت الامر. فانا منذ سمعت هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك.

93. علمه (عليه السلام) بالغائب وبالأجال

الراوندي: قال: روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه قال: لما وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة للحج - وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلي مكانه من البيت - كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه يمضي في أثناء الكتب قصة أخذه، وأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السّلام) في مكانه فاستقر. فاعتللت علة صعبة خفت منها علي نفسي، ولم يتهيأ [لي] ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن

ص: 346

مدة عمري، وهل تكون المنية في هذه العلة أم لا؟ وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلي واضع الحجر في مكانه [وأخذ جوابه، وإنما أنديك لهذا، قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم علي إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أري واضع الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام. كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وادفع الناس عني يمينا وشمالا، حتي ظن بي الاختلاط [في العقل] والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتي انقطع عن الناس، فكنت أسرع المشي خلفه وهو يمشي علي تؤدة ولا ادركه. فلما حصل [بحيث] لا أحد يراه غيري وقف والتفت إلي فقال: ([هات] ما معك)، فناولته الرقعة. فقال من غير أن ينظر فيها: (قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة). قال: فوقع علي الزمع حتي لم أطق حراكا، وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلما كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره و تحصيل جهازه إلي قبره، وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضل الله تعالي بالسلامة، فما عليك مخوفة. فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علته.

94. علمه (عليه السلام ) بما يكون وبما في النفس

الراوندي: قال: روي عن أبي غالب الزراري قال: تزوجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال) خزازون، وحصلت لها منزلة من قلبي، فجري بيننا كلام اقتضي خروجها عن بيتي غضبا، ورمت ردها، فامتنعت علي لأنها كانت

ص: 347

في أهلها في عز وعشيرة، فضاق لذلك صدري وتروحت إلي السفر، فخرجت إلي بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقدمناها وقضينا الحق في واجب الزيارة، وتوجهنا إلي دار الشيخ أبي القاسم بن روح وكان مستترا من السلطان، فدخلنا وسلمنا. فقال: إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هيهنا، وطرح إلي مدرجة كانت بين يديه، فكتبت فيها اسمي واسم أبي، وجلسنا قليلا، ثم ودعناه، وخرجت إلي سر من رأي للزيارة: فزرنا وعدنا، فأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي، وجعل يطويها علي أشياء كانت مكتوبة فيها إلي أن انتهي إلي موضع اسمي، فناولنيه فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق. (أما الزراري في حال الزوج والزوجة فسيصلح الله بينهما)، وكنت عندما كتبت اسمي أردت أن أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده ، فجاء الجواب كما كان في خاطري من غير أن أذكره، ثم ودعنا الشيخ وخرجنا من بغداد حتي قدمنا الكوفة، فيوم قدومي أو من غده أتاني إخوة المرأة، فسلموا علي واعتذروا إلي مما كان بيني وبينهم من الخلاف [والكلام]، وعادت الزوجة علي أحسن الوجوه إلي بيتي، ولم يجر بيني وبينها خلاف ولا كلام مدة صحبتي لها، ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلا باذني حتي ماتت.

95. علمه ( عليه السلام) بالغائب وبما يكون

الراوندي: قال: إن أبا محمد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا، وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه علي الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، (وكان قد) دفع إلي أبي محمد حجة يحج بها عن صاحب الزمان (عليه السّلام) ، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذ، فدفع شيئا منها إلي ابنه المذكور بالفساد وخرج إلي الحج. فلما عاد حكي أنه كان واقفا بالموقف، فرأي إلي

ص: 348

جانبه شابا حسن الوجه، أسمر اللون، [بذؤابتين]، مقبلا علي شأنه في الابتهال والدعاء والتضرع وحسن العمل، فلما قرب نفر الناس التفت إلي وقال: (يا شيخ أما تستحي؟!) قلت: من أي شئ ياسيدي؟! قال: (يدفع إليك حجة عمن تعلم، فتدفع منها إلي فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك [هذه]، وأومأ إلي عيني، وأنا من ذلك [اليوم] إلي الآن علي وجل ومخافة. وسمع أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك، قال: فما مضي عليه أربعون يوما بعد مورده حتي خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة، فذهبت.

96. علمه (عليه السلام ) بالغائب

الراوندي: قال: روي عن سعد بن عبد الله الأشعري قال: ناظرني مخالف فقال: أسلم أبو بكر وعمر طوعا أو كرها؟ ففكرت في ذلك فقلت: إن قلت كرها فقد كذبت، إذ لم يكن حينئذ سيف مسلول، وان قلت طوعا، فالمؤمن لا يكفر بعد إيمانه، فدفعته عني دفعا [بالراح] لطيفا، وخرجت من ساعتي إلي دار أحمد بن إسحاق أسأله عن ذلك، فقيل [لي]: إنه خرج إلي سر من رأي [في هذا] اليوم، فانصرفت إلي بيتي وركبت دابتي وخرجت خلفه حتي وصلت إليه في المنزل، فسألني عن حالي، فقلت: أجئ إلي حضرة أبي محمد (عليه السّلام) ، فعندي أربعون مسألة قد أشكلت علي، فقال: خير صاحب ورفيق. فمضينا حتي دخلنا سر من رأي، وأخذنا بيتين في خان وسكن كل واحد منا في واحد، وخرجنا إلي الحمام واغتسلنا غسل الزيارة والتوبة، فلما رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جرابا ولفه بكساء طبري وجعله علي كتفه ومشينا، وكنا نسبح الله ونكبره ونهلله ونستغفره ونصلي علي محمد وآله الطاهرين إلي أن وصلنا إلي باب الدار، واستأذن أحمد بن إسحاق، فأذن (له) بالدخول. فلما دخلنا فإذا أبو محمد (عليه السّلام) علي طرف الصفة قاعد، وكان علي يمينه غلام قائم كأنه فلقة

ص: 349

قمر، فسلمنا فأحسن الجواب وأكرمنا وأقعدنا، فجعل أحمد الجراب بين يديه، وكان أبو محمد (عليه السّلام) ينظر في درج طويل الاستفتاء قد ورد عليه من ولاية، فجعل يقرأ ويكتب تحت كل مسألة جوابها، فالتفت إلي الغلام وقال: (هذه هدايا موالينا)، وأشار إلي الجراب. فقال الغلام: (هذا لا يصلح لنا، لان الحلال مختلط بالحرام فيه)، فقال أبو محمد (عليه السّلام) : [أنت] صاحب الالهام، أفرق بين الحلال والحرام. ففتح أحمد الجراب وأخرج صرة فنظر إليها الغلام وقال: (هذا بعثه فلان بن فلان من محله كذا، وكان باع حنطة خاف علي الزراع في مقاس سمتها، وهي كذا دينارا، وفي وسطها خط مكتوب عليه كميته ، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأخري ليس عليها السكة، والأخري فلأني أخذها من نساج غرامة من غزل سرق من عنده). ثم أخرج صرة فصرة وجعل يتكلم علي كل واحدة بقريب من ذلك. ثم قال: (اشدد الجراب علي الصرر حتي توصلها عند وصولك إلي أصحابها، هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة)، وكانت امرأة بقم غزلته بيدها ونسجته، فخرج أحمد ليجئ بالثوب، فقال لي أبو محمد (عليه السّلام) : (ما فعلت مسائلك الأربعون؟ سل الغلام عنها يجبك). فقال لي الغلام ابتداء: (هلا قلت للسائل ما أسلما طوعا ولا كرها وإنما أسلمنا طمعا، فقد كانا يسمعان من أهل الكتاب منهم من يقول: هو نبي يملك المشرق المغرب وتبقي نبوته إلي يوم القيامة، ومنهم من يقول: يملك الدنيا كلها ملكا عظيما وتنقاد له الأرض. فدخلا كلاهما في الاسلام طمعا في أن يجعل محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) كل واحد منهما والي ولاية. فلما آيسا من ذلك دبرا مع جماعة في قتل محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ليلة العقبة، فكمنوا له، وجاء جبرئيل (عليه السّلام) وأخبر محمد(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) بذلك، فوقف علي العقبة وقال: يا فلان يا فلان يا فلان أخرجوا، فإني لا أمر حتي أراكم كلكم قد خرجتم، وقد سمع ذلك حذيفة. ومثلهما طلحة والزبير، فهما بايعا عليا بعد قتل عثمان طمعا في أن يجعلهما كليهما علي بن أبي طالب (عليه السّلام) واليا علي ولاية سطوعا ولا رغبة ولا إكراها ولا إجبارا،

ص: 350

فلما آيسا من ذلك من علي (عليه السّلام) نكثا العهد وخرجا عليه وفعلا ما فعلا ، [وأجاب عن مسائلي الأربعين]، قال: ولما أردنا الانصراف قال أبو محمد (عليه السّلام) لأحمد بن إسحاق: (إنك تموت السنة)، فطلب منه الكفن، قال (عليه السّلام) : (يصل إليك عند الحاجة). قال: سعد بن عبد الله: فخرجنا حتي وصلنا (إلي) حلوان، فحم أحمد بن إسحاق ومات في الليل بحلوان، فجاء رجلان من عند أبي محمد (عليه السّلام) ومعهما أكفانه ، فغسلاه و كفناه وصليا عليه. قال: وقد كنا عنده من أول الليل، فلما مضي وهن منه قال لي: انصرف إلي البيت فإني ساكن، فمضيت ونمت، فلما كان قرب السحر أتي الرجلان [ إلي باب بيتي] وقالا: آجرك الله في أحمد ابن إسحاق فقد غسلناه وكفناه وصلينا عليه، [فقمت ورأيته مفروغا منه] في الأكفان ، فدفناه من الغد بحلوان رحمة الله عليه). وقد تقدم هذا الحديث بزيادة من طريق ابن بابويه وطريق أبي جعفر محمد بن جرير الطبري وهو الخامس عشر.

97. خبر الهمداني

الراوندي: قال: روي جماعة إنا وجدنا بهمدان جماعة كلهم مؤمنون، فسألناهم عن ذلك فقالوا: إن جدنا قد حج ذات سنة، ورجع قبل القافلة بمدة كثيرة، فقلنا: كأنك انصرفت من العراق؟ قال: لا، إنما قد حججت مع أهل بلدتنا وخرجنا. فلما كان في بعض الليالي في البادية غلبتني عيناي فنمت، فما انتبهت إلا بعد أن طلع الفجر وخرجت القافلة، فأيست من الحياة ، وكنت أمشي وأقعد يومين أو ثلاثة، فأصبحت يوما فإذا أنا بقصر، فأسرعت إليه ووجدت ببابه أسود، فأدخلني القصر فإذا أنا برجل حسن الوجه والهيئة ، فأمر أن يطعموني ويسقوني. فقلت له: من أنت جعلت فداك؟ قال: (أنا الذي ينكرني قومك وأهل بلدتك)، فقلت: ومتي تخرج؟ قال: (تري هذا السيف

ص: 351

المعلق هيهنا وهذه الراية، فمتي يسل السيف من نفسه من غمده وانتشرت الراية بنفسها خرجت). فلما كان بعد وهن من الليل قال (لي): تريد أن تخرج إلي بيتك. قلت: نعم، فقال لبعض غلمانه: خذ بيده وأوصله إلي منزله، فأخذ بيدي، فخرجت معه وكأن الأرض تطوي تحت أرجلنا، فلما انفجر الفجر وإذا نحن بموضع أعرفه بالقرب من بلدتنا، قال لي غلامه: هل تعرف الموضع؟ قلت: نعم أسد آباد، فانصرف، قال: ودخلت همدان ثم دخل بعد مدة أهل بلدتنا ممن حج معي، وحدث الناس بانقطاعي منهم، وتعجبوا من ذلك، فاستبصرنا من ذلك جميعا.

98. علمه (عليه السلام) بما يكون وهو خبر سؤال علي بن الحسين بن بابويه

الراوندي: قال: إن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه كان تحته بنت عمه ولم يرزق منها ولدا، فكتب إلي الشيخ أبي القاسم بن روح أن يسأل الحضرة ليدعو الله أن يرزقه أولادا فقهاء، فجاء الجواب: (إنك لا ترزق من هذه ، وستملك جارية ديلمية ترزق منها ولدين فقيهين)، فرزق محمدا والحسين فقيهين ماهرين، وكان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهد لافقه له. وقد مضي حديث السابع والثمانين في ذلك بمعني.

99. الحصاة التي صارت ذهبا

الراوندي: قال: روي عن أبي أحمد بن راشد، عن بعض إخوانه من أهل المدائن قال: كنت مع رفيق لي حاجة قبل الأيام، فإذا شاب قاعدا عليه إزار ورداء، فقومناهما مائة وخمسين دينارا، وفي رجليه نعل صفراء ما عليها

ص: 352

غبار ولا أثر السفر فدنا منه سائل، فتناول من الأرض شيئا فأعطاه ، فأكثر له السائل الدعاء، وقام الشاب وذهب وغاب. فدنونا من السائل فقلنا ما أعطاك؟ فأرانا حصاة من ذهب، قدرناها عشرين مثقالا ، فقلت لصاحبي: مولانا معنا ولا نعرفه؟! أذهب بنا في طلبه، فطلبنا الموقف كله فلم نقدر عليه، ثم رجعنا وسألنا عنه من كان حوله، فقالوا: شاب علوي من المدينة يحج في كل سنة ماشيا.

100. علمه (عليه السلام) بالغائب

الراوندي: قال: قال محمد بن يوسف الشاشي: إنني لما انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له: (محمد بن الحصين الكاتب) وقد جمع مالا للغريم، فسألني عن أمره، فأخبرته بما رأيته من الدلائل، فقال: عندي مال للغريم فما تأمرني (فيه)؟ فقلت: وجهه إلي حاجز، فقال لي: فوق حاجز أحد؟ فقلت: نعم، الشيخ. فقال: إذا سألني الله عن ذلك أقول: إنك أمرتني؟ قلت: نعم، وخرجت من عنده ، فلقيته بعد سنين فقال: هو ذا أخرج إلي العراق ومعي مال للغريم، وأعلمك أني وجهت بمائتي دينار علي يد العامر ابن يعلي الفارسي وأحمد بن علي الكلثومي وكتبت إلي الغريم بذلك، وسألته الدعاء ، فخرج الجواب بما وجهت، وذكر أنه كان له قبلي ألف دينار، وقد وجهت [إليه] بمائتي دينار لأني شككت، وأن الباقي له عندي، فكان كما وصف، وقال: (إن أردت أن تعامل أحدا فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري)، فقلت: أفكان كما كتب إليك؟ قال: نعم وجهت بمائتي دينار لأني شككت فأزال الله عني ذلك، فورد موت حاجز بعد يومين أو ثلاثة، فصرت إليه فأخبرته بموت حاجز، فاغتم (لذلك)، فقلت: لا تغتم فإن ذلك دلالة لك في توقيعه إليك، وإعلامه أن المال ألف دينار، والثانية أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز.

ص: 353

101. علمه (عليه السلام ) بالغائب

الراوندي: قال: قال محمد بن الحسين: إن التميمي حدثني عن رجل من أهل استراباد قال : صرت إلي العسكر ومعي ثلاثون دينارا في خرقة منها دينار شامي، فوافيت الباب، وإني لقاعد إذ خرج إلي جارية أو غلام الشك مني، قال: هات ما معك. قلت: ما معي شئ. فدخل ثم خرج وقال: معك ثلاثون دينارا في خرقة خضراء، منها دينار شامي، ومعه خاتم كنت تمنيته، فأوصلته ما كان معي وأخذت الخاتم.

102. علمه (عليه السلام ) بحال الانسان

الراوندي: قال: إن مسرور الطباخ قال: كتبت إلي الحسن بن راشد لضيقة أصابتني، فلم أجده في البيت، فانصرفت، فدخلت مدينة أبي جعفر، فلما صرت في الرحبة حاذاني رجل لم أر وجهه (قط)، وقبض علي يدي ودس لي صرة بيضاء، فنظرت فإذا عليها كتابة فيها إثنا عشر دينارا وعلي الصرة مكتوب: مسرور الطباخ).

103. علمه (عليه السلام) بما في النفس

الراوندي: قال: روي عن جعفر بن حمدان ، عن حسن بن حسين الاستراباذي قال: كنت في الطواف، فشككت فيما بيني وبين نفسي في الطواف، فإذا شاب قد استقبلني، حسن الوجه، فقال: (طف أسبوعا آخر).

ص: 354

104. سماع صوته ولم يرشخصه

الراوندي: قال: وحدثنا عن الكليني قال: [حدثنا الأعلم المصري]، عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد الصالحين - قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد (عليه السّلام) ، فقلت في نفسي: لو كان شئ لظهر بعد ثلاث سنين، فسمعت صوتا ولم أر شخصا: (يا نصر بن عبد ربه قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلي الله عليه وسلم فآمنتم به؟!). قال أبو الرجاء: ولم أعلم أن اسم أبي (عبد ربه)، وذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلي مصر، فنشأت بها، فلما سمعت الصوت لم أعرج علي شئ وخرجت.

105. خبر المرأة وابن أبي روح وعلمه (عليه السلام ) فيه بالغائب وغير ذلك

الراوندي: عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلي امرأة من أهل دينور، فأتيتها فقالت: يا بن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا وورعا، وإني أريدأن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء الله تعالي. فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحله ولا تنظر فيه حتي تؤدية إلي من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير ، وفيه ثلاث حبات (لؤلؤ) تساوي عشرة دنانير، ولي إلي صاحب الزمان (عليه السّلام) حاجة أريد أن يخبرني [بها] قبل أن أسأله عنها. فقلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممن استقرضتها ولا أدري إلي من أدفعها، فان أخبرك بها فادفعها إلي من يأمرك بها، قال: وكنت أقول بجعفر بن علي، فقلت هذه المحبة بيني وبين جعفر، فحملت المال وخرجت حتي دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلمت عليه وجلست، فقال:

ص: 355

ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلي لا أدفعه إليك حتي تخبرني كم هو ومن دفعه إلي؟ فإن أخبرتني دفعته إليك. قال: لم أؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك، وإذا فيها: (لا تقبل من أحمد بن أبي روح، توجه به إلينا إلي سر من رأي) فقلت: لا إله إلا الله هذا أجل شئ أردته. فخرجت ووافيت سر من رأي، [فقلت: أبدأ بجعفر ثم تفكرت فقلت: أبدأ بهم، فان كانت المحبة من عندهم وإلا مضيت إلي جعفر ]فدنوت من باب دار أبي محمد (عليه السّلام) ، فخرج إلي خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم، قال: هذه الرقعة اقرأها، [فقرأتها] فإذا فيها [مكتوب]: (بسم الله الرحمن الرحيم يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظن، وقد [أديت ] فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون دينارا [صحاح]، ومعك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير، صدقت مع الفصين اللذين فيه، وفيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها عشرة دنانير و[هي] تساوي أكثر، فادفع ذلك إلي خادمتنا فلانة، فإنا قد وهبناه لها، وصر إلي بغداد وادفع المال إلي الحاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلي منزلك. وأما عشرة دنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرجت أن تعطيها إياها، وأوجبت أن تقسمها في إخوانها، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها في ضعفاء إخوانها، ولا تعودن يا بن أبي روح إلي القول بجعفر والمحبة له، وارجع إلي منزلك فإن عدوك قد مات، وقد ورثك الله أهله وماله. فرجعت إلي بغداد وناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينارا، فناولني ثلاثين دينارا وقال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك. فأخذتها وانصرفت إلي الموضع الذي نزلت فيه، (فإذا أنا بفيج قد جاءني من منزلي يخبرني بأن حموي) قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم ورواه صاحب (ثاقب المناقب): عن أحمد بن

ص: 356

أبي روح قال: وجهت إلي امرأة من أهل دينور فأتيتها، فقالت: يا بن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ورعا، وإني أريد [أن] أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء الله تعالي،. وساق الحديث إلي آخره ببعض التغيير اليسير.

106. علمه (عليه السلام) بالغائب

الراوندي: قال: روي عن أحمد بن أبي روح قال: خرجت إلي بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله، وأمرني أن أدفعه إلي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وأمرني أن لا أدفعه إلي غيره، وأمرني أن أسألهالدعاء للعلة التي هو فيها وأسأله عن الوبر يحل لبسه؟ فدخلت بغداد وصرت إلي العمري، فأبي أن يأخذ المال، وقال: صر إلي أبي جعفر محمد بن أحمد وادفع إليه فإنه أمره بأخذه ، وقد خرج الذي طلبت، فجئت إلي أبي جعفر فأوصلته إليه، فأخرج إلي رقعة [فإذا] فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء عن العلة التي تجدها وهب الله لك العافية، ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة وعافاك وصح [لك] جسمك، وسألت ما يحل أن يصلي فيه من الوبر والسمور السنجاب والفنك والدلق [والحواصل؟ فاما السمور والثعالب] فحرم عليك وعلي غيرك الصلاة فيه، ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن لك غيره، فإن لم يكن لك بد فصل فيه، والحواصل جائز لك أن تصلي فيه، والفراء متاع الغنم ما لم يذبح بأرمينية يذبحه النصاري علي الصليب، فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك [أو مخالف تثق به] .

ص: 357

107. علمه (عليه السلام) بالغائب

الراوندي: قال: روي سعد بن عبد الله قال: حدثنا علي ابن محمد الرازي المعروف بعلان الكليني قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلا من أهل السواد ومعه مال للغريم (عليه السّلام) فأنفذه، فرد عليه وقال: (أخرج حق ولد عمك منه، وهو أربعمائة)! فبقي الرجل باهتا متعجبا، فنظر في حساب المال فإذا الذي نص عليه من ذلك المال كما قال (عليه السّلام). ورواه صاحب ثاقب المناقب: عن إسحاق بن يعقوب قال: سمعت الشيخ العمري يقول، وذكر الحديث ببعض التغير اليسير.

108. علمه (عليه السلام ) بالغائب

ثاقب المناقب: عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرة فيها دراهم، فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلي واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته إليك إلي أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلي الشط بواسط. قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الامر ويحمل هذا الشئ الوتح؟ [قال:] فخرجت إلي واسط وصعدت (من) المركب، فأول رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط. فقال: أنا هو، من أنت؟ فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إلي هذين الثوبين وهذه المرة لأسلمها إليك، فقال: الحمد لله فإن محمد بن عبد الله الحائري قد مات وخرجت لاصلاح كفنه ، فحل الثياب فإذا [فيها] ما يحتاج إليه من حبر [وثياب] و كافور، وفي الصرة كري الحمالين والحفار، قال: فشيعنا جنازته وانصرفت. ورواه ابن بابويه: قال: حدثنا علي بن محمد، وساق الحديث.

ص: 358

109. علمه (عليه السلام) بالغائب

ثاقب المناقب: عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: أهديت مالا ولم أفسر لمن هو، فورد الجواب: (وصل كذا وكذا، منه لفلان ابن فلان ولفلان كذا).

110. علمه (عليه السلام) بالغائب

ثاقب المناقب: عن أبي العباس الكوفي قال: حمل رجل مالا ليوصله وأحب أن يقف علي الدلالة، فوقع (عليه السّلام) : (إن استرشدت أرشدت وإن طلبت وجدت ، يقول لك مولاك: احمل ما معك). قال الرجل: فأخرجت مما معي ستة دنانير بلا وزن، وحملت الباقي، فخرج التوقيع: (يا فلان رد الستة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، ووزنها ستة دنانير وخمسة دوانيق وحبة ونصف)، قال الرجل: فوزنت الدنانير فإذا هي كما قال (عليه السّلام).

111. علمه (عليه السلام) بالغائب

ثاقب المناقب: عن إسحاق بن حامد الكاتب قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن، وله شريك مرجئ، فوقع بينهما ثوب نفيس، فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي، فقال شريكه: لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحب بالثوب، فلما وصل الثوب شقه (عليه السّلام) نصفين طولا، فأخذ نصفه ورد النصف وقال: (لا حاجة لنا في مال المرجئ).

ص: 359

112. علمه (عليه السلام) بالغائب والآجال

ثاقب المناقب، عن محمد بن الحسن الصيرفي قال: أردت الخروج إلي الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك وما [كان معي] من الفضة نقرا، وكان دفع [ذلك] المال إليه ليسلمه إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) قال: فلما نزلت بسرخس ضربت خيمتي علي موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني وغاصت في الرمل وأنا لا أعلم، قال: فلما دخلت همذان ميزت تلك السبائك والنقر مرة أخري اهتماما مني بحفظها، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالا - . [قال: ] فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح، فسلمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمد يده من بين السبائك إلي السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلا مما ضاع مني، فرمي بها إلي وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلي مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فإنك ستجدها وستعود إلي هاهنا ولا تراني. قال: فرجعت إلي (سرخس) ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة [تحت الرمل وقد نبت عليها الحشيش، وأخذت السبيكة] وانصرفت إلي بلدي فلما كان من السنة القابلة توجهت إلي مدينة السلام ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنه) قد مضي، ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) فسلمت السبيكة إليه. ورواه ابن بابويه: قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن أحمد بن بزرج بن عبد الله بن منصور بن يونس بن بزرج صاحب الصادق (عليه السّلام) قال: سمعت محمد بن الحسن الصيرفي الدورقي المقيم بأرض بلخ يقول: أردت

ص: 360

الخروج إلي الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان [معي] من الذهب سبائك وما كان معي من الفضة نقرا، وكان قد دفع ذلك [المال] إليه ليسلمه إلي أبي القاسم [الحسين] بن روح (قدس سرّه) وساق الحديث.

113. علمه (عليه السلام ) بالغائب

ثاقب المناقب: عن الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخاري، فدفع إلي المعروف بابن جاشير عشر سبائك [ذهبا] وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدس الله سره - فحملتها معي. فلما وصلت مفازة أمويه ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك ولم أعلم بذلك حتي دخلت مدينة السلام، فأخرجت السبائك لأسلمها إليه، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها فأضفتها إلي التسع [سبائك]، ثم دخلت علي الشيخ أبي القاسم بن روح ووضعت السبائك بين يديه ، فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها [ وأشار إليها بيده - وقال: إن السبيكة التي ضيعتها قد] وصلت إلينا وهي ذا هي، ثم أخرج تلك السبيكة التي ضاعت مني بأموية، فنظرت إليها وعرفتها. قال الحسين بن علي المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السبيكة بمدينة السلام. ورواه ابن بابويه: باسناده عن البغدادي قال: كنت ببخاري، وذكر الحديث ببعض التغيير في بعض الألفاظ، ولعله من النساخ.

ص: 361

114. خبر المرأة التي رمت الحقة في دجلة وعلمه (عليه السلام ) بالغائب في ذلك

ثاقب المناقب: عن الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي قال: سألتني امرأة عن وكيل مولانا (عليه السّلام) من هو؟ فقال لها بعض القميين: إنه أبو القاسم بن روح وأشار لها إليه، فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت [له]: أيها الشيخ أي شئ معي؟ فقال: ما معك فألقيه في دجلة، فألقته، ثم رجعت ودخلت إلي أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه) وأنا عنده. فقال أبو القاسم للملوكة له: أخرجي إلي الحقة، فأخرجت إليه الحقة، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت [بها] في الدجلة؟ قالت: نعم، قال: أخبرك بما فيها أم تخبريني؟ فقالت بل أخبرني أنت. فقال: في هذه الحقة زوج سوار من ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهر، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان أحدهما فيروز و الآخر عقيق، وكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئا، ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها، ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجله، فغشي علي وعلي المرأة فرحا بما شاهدنا من صدق الدلالة. ثم قال الحسين [لي] بعد ما حدثنا بهذا الحديث: أشهد عند الله يوم القيامة بما حدثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص [منه]، وحلف بالأئمة الاثني عشر (عليهم السّلام) لقد صدق فيه وما زاد ولا أنقص. ورواه ابن بابويه: قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي قال: رأيت في تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا (عليه السّلام) من هو؟ فأخبرها بعض القميين: أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها، [فدخلت عليه] وأنا عنده، فقالت له: أيها الشيخ أي شئ معي؟ فقال: ما معك ( إذهبي) فألقيه في دجلة، وساق الحديث.

ص: 362

115. علمه (عليه السلام) بالآجال

ثاقب المناقب: عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بالمدينة في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري (قدس سرّه)، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلي الناس توقيعا نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجرك وأجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، ولا ظهور إلا بإذن الله تعالي، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، [ألا فمن ادعي المشاهدة ] قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). قال: فنسخنا ذلك التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان يوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، قيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: الله أمر هو بالغه، وقضي (رحمه الله) ، وهذا آخر كلام سمع منه (قدس سرّه).

116. خبر الهمذاني

ثاقب المناقب: عن أحمد بن فارس الأديب قال: سمعت حكاية بهمذان حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أكتبها بخطي ولم أجد إلي مخالفته سبيلا، وقد كتبتها وعهدتها علي من حكاها، وذلك أن بهمذان أناسا يعرفون ببني راشد وهم كلهم يتشيعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيعهم من بين أهل همدان ، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا وسمتا حسنا: إن سبب ذلك أن جدنا الذي ننتسب إليه خرج حاجا، فقال إنه لما فرغ من الحج وساروا منازل في البادية. قال: فنشطت للنزول والمشي، فمشيت

ص: 363

طويلا حتي أعييت وتعبت فقلت في نفسي: أنام نومة [تريحني]، فإذا جاءت القافلة قمت، قال: فما انتبهت إلا بحر الشمس ولم أر أحدا، فتوحشت ولم أر طريقا ولا أثرا، فتوكلت علي الله تعالي وقلت: أتوجه حيث وجهني، ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث، فإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواد تلك الأرض إلي قصر يلوح كأنه سيف، فقلت

[في نفسي]: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟! فقصدته. فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا ردا جميلا وقالا: اجلس، فقد أراد الله بك خيرا، وقام أحدهما [فدخل] فاحتبس غير بعيد، ثم خرج فقال: قم فادخل، فقمت ودخلت قصرا لم أر شيئا أحسن ولا أضوء منه، وتقدم الخادم إلي ستر علي بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل، فدخلت البيت [فإذا فتي جالس في وسط البيت]، وقد علق فوق رأسه من السقف سيفا طويلا تكاد ظبته تمس رأسه، وكان الفتي يلوح في ظلام، فسلمت فرد السلام بألطف كلام وأحسنه. ثم قال: (أتدري من أنا؟) فقلت: لا والله، فقال: (أنا القائم من آل محمد أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه . فأملا الأرض عدلا كما ملئت جورا) [قال:] فسقطت علي وجهي وتعفرت، فقال: (لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان)، قلت: صدقت يا [سيدي و ] مولاي، قال: (أفتحب أن تؤوب إلي أهلك) قلت: نعم يا مولاي وأبشرهم بما يسر الله تعالي (لي)، فأومأ إلي خادم وأخذ بيدي وناولني صرة، وخرج بي ومشي معي خطوات، فنظرت إلي ظلال وأشجار ومنارة مسجد. فقال: (أتعرف هذا البلد؟). قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباذ [وهي تشبهها، فقال: (أتعرف أسد آباد؟ فامض راشدا) فالتفت ولم أره. ودخلت أسد آباذ] ونظرت فإذا في الصرة أربعون أو خمسون دينارا، فوردت همذان وجمعت أهلي وبشرتهم بما يسر الله تعالي [لي] ، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك

الدنانير.

ص: 364

117. علمه (عليه السلام ) بالغائب وعلمه (عليه السلام) بالآجال

ثاقب المناقب: عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه قال: (لما) قبض أبو محمد (عليه السّلام) وقدم من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل علي الرسم، ولم يكن عندهم خبر [وفاة] أبي محمد الحسن (عليه السّلام) ، فلما أن وصلوا إلي سر من رأي سألوا عنه ، فقيل لهم: إنه قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ فقالوا: جعفر أخوه، [فسألوا عنه]، فقيل: خرج متنزها وركب زورقا في الدجلة يشرب الخمر ومعه المغنون!. [قال:] فتشاور القوم وقالوا: ليس هذه صفة الأمام، وقال بعضهم [لبعض ]: امضوا بنا حتي نرد هذه الأموال علي أصحابها، فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتي ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره علي الصحة. قال: فلما انصرف دخلوا عليه وسلموا عليه وقالوا: ياسيدنا نحن من أهل قم، فينا جماعة من الشيعة وغيرهم، كنا نحمل إلي سيدنا أبي محمد (عليه السّلام) الأموال. فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: احملوها إلي ، قالوا: إن لهذه الأموال خبرا طريفا، فقال: ما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنا إذا وردنا بالمال إلي سيدنا [أبي محمد علي(عليه السّلام) يقول:] جملة المال كذا دينارا، من فلان كذا، ومن عند فلان كذا، حتي يأتي علي أسماء الناس كلهم، ويقول: ما علي نقش الخواتم، فقال جعفر: كذبتم تقولون علي أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب ! قال: فلما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلي بعض ، فقال لهم: احملوا هذا المال إلي، فقالوا: إنا قوم مستأجرون [لا نسلم المال إلا بالعلامات التي] كنا نعرفها من سيدنا الحسن (عليه السّلام) ، فإن كنت الامام فبرهن لنا والا رددناها علي أصحابها يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر بن علي علي الخليفة وكان (بسر من رأي) فاستعدي

ص: 365

عليهم، فلما احضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلي جعفر، فقالوا: أصلح الله الخليفة نحن قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهي لجماعة، وأمرونا أن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد (عليه السّلام) . فقال الخليفة: وما كانت الدلالة التي كانت مع أبي محمد (عليه السّلام) ؟ قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي، فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا عليه مرارا وكانت هذه علامتنا معه، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه وإلا رددناها إلي أصحابها الذين بعثوها بصحبتنا. قال جعفر: يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم كذابون يكذبون علي أخي وهذا علم الغيب ، فقال الخليفة: القوم رسل وما علي الرسول إلا البلاغ [المبين]، قال: فبهت جعفر ولم يجد جوابا، فقال القوم: يا أمير المؤمنين تطول بإخراج أمره إلي من يبدرقنا حتي نخرج من هذا البلد. قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلما أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها كأنه خادم، فصاح: يا فلان (بن فلان) ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم، (قال:) فقالوا له: أنت مولانا؟ فقال: معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا إليه. قالوا: فسرنا معه حتي دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليه السّلام) ، فإذا ولده القائم سيدنا (عليه السّلام) قاعد علي سرير كأنه فلقة قمر عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه فرد علينا السلام، ثم قال: (جملة المال كذا وكذا [دينارا]، وحمل فلان كذا)، ولم يزل يصف حتي وصف الجميع ووصف ثيابنا ورواحلنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا س جدا لله تعالي وقبلنا [الأرض] بين يديه. ثم سألناه عما أردنا، فأجاب، فحملنا إليه الأموال وأمرنا(عليه السّلام) أن لا نحمل إلي (سر من رأي) شيئا [من المال]، وأنه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال وتخرج من عنده التوقيعات. قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلي أبي العباس محمد بن جعفر الحميري القمي شيئا من الحنوط والكفن وقال له: (عظم الله أجرك في نفسك)، قال: فلما بلغ أبو العباس عقبة همذان حم

ص: 366

وتوفي (رحمه الله) ، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلي بغداد [ إلي نوابه المنصوبين ] وتخرج من عندهم التوقيعات. ورواه ابن بابويه: قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمد بن مهران الآبي العروضي (رضي الله عنه) بمرو قال: حدثنا أبو الحسين زيد بن عبد الله البغدادي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي قال: حدثنا أبي قال: لما قبض سيدنا ابو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) (جاء) وفد من الجبال ومن قم وفود بالأموال التي كانت تحمل علي الرسم [والعادة] ولم يكن عندهم [خبر] وفاة الحسن (عليه السّلام) ، فلما أن وصلوا إلي (سر من رأي) سألوا عن أبي محمد (عليه السّلام) ، فقيل لهم: [ إنه] قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر، فسألوا عنه، فقيل [لهم: إنه قد] خرج متنزها، وساق الحديث إلي آخره.

118. علمه ( عليه السلام) بالغائب والآجال

ثاقب المناقب: عن محمد بن صالح [قال:] كتبت أسأله الدعاء لباداشاله [وقد] حسبه عبد العزيز، واستأذنته في جارية استولدها، فورد: (استولد الجارية ويفعل الله ما يشاء والمحبوس يخلصه الله تعالي)، فاستولدت الجارية فولدت وماتت، وخلي عن المحبوس يوم خرج [إلي] التوقيع.

قال: وحدثني أبو جعفر قال: ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فكتب يخبر بموته، وكتب: (سيخلف عليك غيره وغيره تسمية أحمد ومن بعد أحمد جعفرا) فجاء كما قال (عليه السّلام).

قال: وتزوجت امرأة سرا، فلما وطئتها علقت وجاءت بابنه، [فاغتممت]وضاق صدري، وكتبت أشكو [ذلك]، فورد: (ستكفاها) [فعاشت] أربع سنين [ثم ماتت]، فورد: (الله ذو أناة وأنتم تستعجلون).

ص: 367

119. خبر ابن الوجناء

ثاقب المناقب: عن أبي محمد الحسن بن وجناء: قال: كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العتمة، وأنا أتضرع في الدعاء إذ حركني محرك فقال: قم يا حسن بن وجناء [فرعشت]. قال: فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول إنها بنات أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي وأنا لا أسألها عن شئ حتي أتت دار خديجة (عليها السّلام) ، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقي إليه، فصعدت الجارية وجاءني النداء: (اصعد يا حسن)، فصعدت فوقفت بالباب. فقال [لي] صاحب الزمان (عليه السّلام): (يا حسن أتراك خفيت علي؟! والله ما من وقت في حجك إلا وأنا معك فيه)، ثم جعل يعد علي أوقاتي، فوقعت علي وجهي، فحسست بيد قد وقعت علي، فقمت، فقال لي: (يا حسن الزم بالمدينة دار جعفر بن محمد (عليه السّلام) ، ولا يهمنك طعامك ولا شرابك ولا ما تستر به عورتك)، ثم دفع إلي دفترا فيه دعاء الفرج والصلاة عليه، وقال: (بهذا فادع وهكذا صل علي، ولا تعطه إلا لأوليائي، فإن الله عز وجل يوفقك)، فقلت: يا مولاي لا أراك بعدها؟ فقال: (يا حسن إذا شاء الله تعالي). قال: فانصرفت من حجي ولزمت دار جعفر بن محمد (عليه السّلام) وأنا لا أخرج منها ولا أعود إليها إلا لثلاث خصال: لتجديد الوضوء، أو النوم، أو الوقت الإفطار، فإذا دخلت بيتي وقت الافطار فأصيب وعاعي مملوءا دقيقا علي رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإني لآخذ الماء بالنهار وأرش به البيت، وادع الكوز فارغا، و آتي بالطعام ولا حاجة لي إليه، فأتصدق به لئلا يعلم به من معي. ورواه ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن أحمد الكوفي المعروف بابي القاسم الخليجي قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم الرقي قال: حدثنا أبو محمد الحسن

ص: 368

ابن وجناء النصيبي قال: كنت ساجدا تحت الميزاب، وساق الحديث.

120. خبر إبراهيم بن مهزيار

ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن إبراهيم بن مهزيار قال: قدمت مدينة رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم )، فبحثت عن أخبار آل أبي محمد الحسن بن علي الأخير (عليه السّلام) ، فلم أقع علي شئ منها، فرحلت منها إلي مكة مستبحثا عن ذلك، فبينما أنا في الطواف إذ تراءي لي فتي أسمر اللون، رائع الحسن، جميل المخيلة، يطيل التوسم في، فعدلت إليه مؤملا منه عرفان ما قصدت له. فلما قربت منه سلمت (عليه) فأحسن الإجابة، ثم قال (لي). (من أي البلاد أنت؟) قلت: رجل من أهل العراق، قال: (من أي العراق؟) قلت: من الأهواز، قال: (مرحبا بلقائك هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحصيني؟) قلت: دعي فأجاب، قال: (رحمة الله عليه ما كان أطول ليله وأجزل نيله، فهل تعرف إبراهيم بن مهزيار؟) قلت: أنا إبراهيم ابن مهزيار، فعانقني مليا ثم قال: (مرحبا بك يا أبا إسحاق ما فعلت بالعلامة التي وشجت بينك وبين أبي محمد (عليه السّلام) ؟) فقلت: لعلك تريد الخاتم الذي آثرني الله عز وجل به من الطيب أبي محمد الحسن بن علي (عليه السّلام)؟ قال: (ما أردت سواه)، فأخرجته إليه ، فلما نظر (إليه) استعبر وقبله ثم قرأ كتابته فكانت: (يا الله يا محمد يا علي) ثم قال: (بأبي يدا طال ما جلت فيها، وتراخي بنا فنون الأحاديث) - إلي أن قال لي -: (يا أبا إسحاق أخبرني عن عظيم ما توخيت بعد الحج). قلت: وأبيك ما توخيت إلا ما سأستعلمك مكنونه، قال: (سل عما شئت فإني شارح لك إن شاء الله تعالي). قلت: هل تعرف من أخبار آل أبي محمد الحسن بن علي (عليه السّلام) [شيئا؟] قال: (( أي خبر التمسته؟) قلت: هل تعرف من نسله أحدا؟ فقال:) (وأيم الله إني لأعرف الضوء في جبين محمد

ص: 369

وموسي (رضي الله عنه) ابني الحسن بن علي (عليه السّلام) وإني رسولهما إليك قاصدا لإنبائك أمرهما، فإن أحببت لقائهما والاكتحال بالتبرك بهما فارتحل معي إلي الطائف، وليكن ذلك في خفية من رجالك واكتتام (من أمرك ). قال إبراهيم: فشخصت معه إلي الطائف أتخلل رملة فرملة حتي أخذ في بعض مخارج الفلاة، فبدت لنا خيمة شعر قد أشرفت علي أكمة رمل تتلألؤ تلك البقاع منها تلالؤا، فبدرني إلي الأذن، ودخل مسلما عليهما وأعلمهما بمكاني، فخرج علي أحدهما وهو الأكبر سنا (محمد) ابن الحسن (رضي الله عنه) وهو غلام أمرد ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدين، [أقني الأنف]، أشم أروع كأنه غصن بان، وكأن صفحة غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال، كأنه فتاتة مسك علي بياض الفضة، وإذا برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حسنا وسكينة وحياء. فلما مثل لي أسرعت إلي تلقيه فأكببت عليه ألثم كل جارحة منه، فقال [لي]: (مرحبا بك يا أبا إسحاق لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك، والمعاتب بيني وبينك علي تشاحط الدار وتراخي المزار، تتخيل لي صورتك حتي كانا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة وخيال المشاهدة، وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد علي ما قيض من التلاقي ورفه من كربة التنازع والاستشراف)، (ثم سألني) عن إخواني متقدمها ومتأخرها، فقلت: بأبي أنت وأمي ما زلت أتفحص عن أثرك بلدا فبلدا منذ استأثر الله تعالي بسيدي أبي محمد (عليه السّلام) ، فاستغلق علي ذلك حتي من الله عز وجل (علي) بمن أرشدني إليك ودلني عليك، والشكر لله عز وجل علي ما أوزعني [فيك] من كريم اليد والطول، ثم نسب نفسه وأخاه موسي واعتزلني ناحية. ثم قال لي: (إن أبي (عليه السّلام) عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسرارا لأمري وتحصينا لمحلي من مكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال، فنبذني إلي عالية الرمال وخبت صرائم الأرض ينظرني الغاية التي عندها يحل الامر وينجلي الهلع، وكان - صلوات

ص: 370

الله عليه - أنبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم ما إن أشعت إليك من ذلك جزء أغناك عن الجملة). واعلم يا أبا إسحاق إنه قال (عليه السّلام): (يا بني إن الله عز وجل لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلي بها، وامام يؤتم به، ويقتدي بسبيل سنته ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله عز وجل لنشر الحق وطي الباطل واعلاء الدين واطفاء الضلال، فعليك يابني بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها، فإن لكل ولي من أولياء الله تعالي عدوا مقارعا وضدا منازعا، افتراضا لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه اولي الالحاد والعناد، فلا يوحشنك ذلك. [واعلم] إن قلوب أهل الطاعة والاخلاص نزع إليك من الطير إلي وكرها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة ، والاستكانة وهم عند الله بررة أعزاء يبرزون بأنفس مختلة محتاجة، وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه علي مجاهدة الأضداد، خصهم الله باحتمال الضيم (في الدنيا) ليشملهم باتساع العز في دار القرار، وجبلهم علي خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسني و كرامة حسن العقبي. فاقتبس يابني نور الصبر علي موارد أمورك تفز بدرك الصنع في مصادرها، واستشعر العز فيما ينوبك تحظ بما تحمد عليه إن شاء الله تعالي. فكأنك يا بني بتأييد نصر الله قد آن، وتيسير الفلج وعلو الكعب قد حان، وكأنك بالرايات الصفر والاعلام البيض تخفق علي أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكف علي جنبات الحجر الأسود. تلوذ بفنائك من ملا برأهم الله بطهارة الولادة ونفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائكهم للدين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم، يدينون بدين الحق وأهله. فإذا اشتدت أركانهم، وتقومت أعمادهم، قدت بمكاثفتهم طبقات الأمم (إلي إمام)، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة (قد ) تشعبت أفنان غصونها علي حافات بحيرة الطبرية، فعندها يتلألأ

ص: 371

صبح الحق وينجلي ظلام الباطل، ويقصم الله بك (ميل) الطغيان، ويعيد (بك) معالم الايمان ويظهر بك أسقام الآفاق وسلام الرفاق، يود الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضا، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازا. تهتز بك أطراف الدنيا بهجة، وتنشر عليك أغصان العز نضرة، وتستقر بواني الحق في قرارها، وتؤوب شوارد الدين إلي أو كارها، يتهاطل عليك سحائب الظفر، فتخنق كل عدو وتنصر كل ولي، فلا يبقي علي [وجه] الأرض جبار قاسط ولا جاحد غامط، ولا شانئ مبغض ولا معاند كاشح، ومن يتوكل علي الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره [قد جعل الله لكل شئ قدرا]. ثم قال: (يا أبا إسحاق ليكن مجلسي هذا عندك (محفوظا) مكتوما إلا عند أهل التصديق والاخوة الصادقة في الدين، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكين، فلا تبطئ بإخوانك عنا، وباهل المسارعة إلي منار اليقين وضياء مصابيح الدين، تلق رشدا إن شاء الله تعالي). قال إبراهيم بن مهزيار: فمكثت عنده حينا أقتبس ما أؤدي إليهم من موضحات الاعلام ونيرات الاحكام، وأروي نبات الصدور من نضارة ما ادخر الله تعالي في طبائعه من لطائف الحكمة وطرائف فواضل القسم، حتي خفت إضاعة مخلفي بالأهواز لتراخي اللقاء عنهم، فاستأذنته في القفول، أعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحش لفرقته والتجرع للظعن عن محاله، فأذن واردفني من صالح دعائه ما يكون ذخرا عند الله تعالي لي ولعقبي وقرابتي إن شاء الله تعالي. فلما آن ارتحالي وتهيأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودعا و مجددا للعهد، وعرضت عليه مالا كان معي يزيد علي خمسين ألف درهم، وسألته أن يتفضل بالامر بقبوله مني، فابتسم وقال: (يا أبا إسحاق استعن به علي منصرفك، فإن الشقة قذفة وفلوات الأرض أمامك جمة، ولا تحزن لاعراضنا عنه ، فإنا قد أحدثنا لك شكره ونشره، وأربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنة، فبارك الله (لك) فيما خولك وأدام لك ما نولك، وكتب لك أحسن ثواب المحسنين وأكرم آثار الطائعين، فإن الفضل له ومنه. وأسأل الله [أن يردك إلي] أصحابك

ص: 372

بأوفر الحظ من س لامة الأوبة وأكناف الغبطة، بلين المنصرف، ولا أوعث الله لك سبيلا، ولا حير لك دليلا، واستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنه ولطفه إن شاء الله تعالي. يا أبا إسحاق: (إن الله) قنعنا بعوائد إحسانه وفوائد امتنانه، وصان أنفسنا عن معاونة الأولياء إلا عن الاخلاص في النية وامحاض النصيحة والمحافظة علي ما هو أبقي وأتقي وأرفع ذكرا). قال: فانفصلت عنه حامدا الله عز وجل علي ما هداني [وأرشدني)، عالما بان الله تعالي لم يكن ليعطل أرضه ولا يخليها من حجة واضحة، وامام قائم، و[ألقيت] هذا الخبر المأثور والنسب المشهور توخيا للزيادة في بصائر أهل اليقين، وتعريفا لهم ما من الله عز وجل [به] من انشاء الذرية الطيبة والتربة الزكية، وقصدت أداء الأمانة والتسليم لما استبان ليضاعف الله تعالي الملة الهادية ، والطريقة[المستقيمة] المرضية، قوة عزم وتأييد نية، وشدة أزر، واعتقاد عصمة، والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم. ثم قال الراوندي بعد نقله الحديث عن ابن بابويه - عقيب الحديث - : وهذا مثل حكاية أخيه علي بن مهزيار فإنه قال: ( إني) حججت عشرين حجة لذلك، فلما كان بعد هذا كله أتاني آت في منامي وقال: (قد أذن الله [لك] في مشاهدته (عليه السّلام))، الخبر.

قلت: صورة الحديث: روي عن علي بن إبراهيم بن مهزيار قال: حججت عشرين حجة أطلب بها عيان الامام فلم أجد إليه سبيلا، إذ رأيت ليلة في نومي قائلا يقول: (يا علي بن إبراهيم قد أذن الله لك)، فخرجت حاجا نحو المدينة ، ثم إلي مكة [وحججت]، فبينما أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتي حسن الوجه، طيب الرائحة طائف فحس قلبي به، [فابتدأني] فقال لي: (من أين؟) قلت: من الأهواز. فقال: (أتعرف الخصيبي؟ قلت: (رحمه الله) ، دعي فأجاب، فقال : (رحمه الله) ، فما أطول ليله، أفتعرف علي بن إبراهيم؟) قلت: أنا هو. قال: (آذن لك صر إلي رحلك وصر إلي شعب بني عامر تلقاني هناك، فأقبلت مجدا حتي وردت الشعب [فإذا هو ينتظرني]، وسرنا حتي تخرقنا جبال عرفات، وسرنا إلي جبال

ص: 373

مني، وانفجر الفجر الأول وقد توسطنا جبال الطائف، [فقال: (أنزل)]، فنزلنا وصلينا صلاة الليل ثم الفرض، ثم سرنا حتي علا ذروة الطائف، فقال: (هل تري شيئا؟) قلت: أري كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نورا. فقال: (هناك الامل والرجاء)، ثم صرنا في أسفله فقال: (انزل فهاهنا يذل كل صعب، خل عن زمام الناقة، فهذا حرم القائم لا يدخله إلا مؤمن [يدل)]، ودخلت عليه فإذا [أنا] به جالس قد اتشح ببردة وتأزر بأخري، وقد كسر بردته علي عاتقه وإذا هو كغصن بان ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق، [بل مربوع] مدور الهامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقني الأنف، سهل الخدين، علي خده الأيمن خال كأنه فتات مسك علي رضراضة عنبر. فلما أن رأيته بدرته بالسلام، فرد علي بأحسن ما سلمت عليه وسألني عن المؤمنين، قلت: قد البسوا جلباب الذلة وهم بين القوم أذلاء، قال: (لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذ أذلاء)، فقلت: (ياسيدي) لقد بعد الوطن. قال: (إن أبي عهد إلي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها، ومن البلاد إلا قفرها، والله مولاكم أظهر التقية، فأنا في التقية إلي يوم يؤذن لي فأخرج). قلت: متي يكون هذا الأمر؟ قال: (إذا حيل بينكم وبين الكعبة)، فأقمت أياما حتي أذن لي بالخروج، فخرجت نحو منزلي ومعي غلام يخدمني فلم أر إلا خيرا.

121. حجب أعين الناس عنه (عليه السلام ) يوم الدار حتي غاب

ابن بابويه: قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) قال: سمعت أبا [الحسين الحسن بن وجناء يقول: حدثنا أبي، عن جده أنه كان في دار الحسن بن علي

ص: 374

(الأخير) (عليه السّلام) فكبستنا الخيل وفيهم جعفر الكذاب، واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عليه السّلام) ، قال: فإذا (أنا) به قد أقبل وخرج عليهم من الباب، وأنا أنظر إليه وهو (عليه السّلام) ابن ست سنين، فلم يره أحد حتي غاب.

122. علمه (عليه السلام ) بالغائب

ابن بابويه: عن محمد بن شاذان، عن الكابلي: وقد كنت رأيته عند أبي سعيد (الهندي) - فذكر أنه خرج من كابل مرتادا طالبا، وأنه وجد صحة هذا الدين في الإنجيل وبه اهتدي. قال ابن بابويه: فحدثني محمد بن شاذان بنيسابور قال: بلغني أنه قد وصل فترصدت له حتي لقيته، فسألته عن خبره، فذكر أنه لم يزل في الطلب وأنه أقام بالمدينة، فكان لا يذكره لأحد إلا زجره، فلقي شيخا من بني هاشم - وهو يحيي بن محمد العريفي - ، فقال له: إن الذي تطلبه بصريا. [قال: ] فقصدت صريا وجئت إلي دهليز مرشوش وطرحت نفسي علي الدكان، فخرج إلي غلام أسود، فزجرني وانتهرني وقال: قم من هذا المكان (وانصرف)، فقلت: لا أفعل، فدخل الدار ثم خرج [إلي] وقال: ادخل، فدخلت فإذا مولاي (عليه السّلام) قاعد وسط الدار. فلما نظر إلي سماني باسم [لي] لم يعرفه أحد إلا أهلي بكابل، [وأخبرني بأشياء]، فقلت [له]: إن نفقتي [قد] ذهبت فمر لي بنفقة، فقال [لي ]: أما إنها ستذهب منك بكذبك، وأعطاني نفقة ، فضاع [مني] ما كان معي وسلم ما أعطاني، ثم انصرفت السنة الثانية فلم أجد في الدار أحدا.

ص: 375

123. علمه (عليه السلام) بالغائب

الراوندي: عن أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري أنه حمل إلي أبيها من قم ما ينفذه إلي صاحب الامر (عليه السّلام) ، فأوصل الرسول ما دفع إليه وجاء لينصرف، فقال له أبو جعفر: [قد بقي شئ وأين هو؟ قال: لم يبق شئ إلا وقد سلمته، قال أبو جعفر :] امض إلي فلان القطان الذي حملت إليه العدلين من القطن، فافتق أحدهما [وهو] الذي عليه مكتوب كذا وكذا، فإنه في جانبه، فتحير الرجل، فوجد كما قال.

قال الراوندي: وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلي بغداد إلي الأبواب المنصوبة بها، وتخرج من عندهم التوقيعات، (وكان توجد العلامات والدلالات علي أيديهم)، أولهم: وكيل أبي محمد (عليه السّلام) الشيخ عثمان بن سعيد العمري، ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري، ثم كانت الغيبة الطولي، وكانوا كل واحد منهم يعرفون كمية المال جملة وتفصيلا، ويسمون أربابها باعلامهم ذلك من القائم (عليه السّلام) .

124. علمه ( عليه السلام) بما يكون في النفس

ابن بابويه: قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي (رضي الله عنه) قال: أنبأنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي [عن أبيه(رضي الله عنه) ] قال: ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سرّه) ابتداء لم يتقدمه سؤال: ((بسم الله الرحمن الرحيم] لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من استحل من مالنا درهما). قال أبو الحسين الأسدي(رضي الله عنه) : فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحلال

ص: 376

من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل له، وقلت في نفسي: إن ذلك في جميع من استحل] محرما، فأي فضل [في ذلك] للحجة (عليه السّلام) علي غيره؟ ! قال: فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلي ما وقع في نفسي: ([بسم الله الرحمن الرحيم] لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من أكل من مالنا درهما حراما. قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي: أخرج إلينا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي هذا التوقيع حتي نظرنا إليه وقرأناه).

والذي في الاحتجاج للطبرسي: عن أبي الحسين الأسدي (أيضا) قال: ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سرّه) ابتداء لم يتقدمه سؤال [عنه، نسخته): (بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من استحل من أموالنا درهما). قال أبو الحسين الأسدي (رضي الله عنه) : فوقع في نفسي [أن ذلك] فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل، وقلت في نفسي: إن ذلك في جميع من استحل محرما، فأي فضل في ذلك للحجة (عليه السّلام) علي غيره؟ ! قال: فوالذي بعث محمدا(صلّي الله عليه وآله وسلّم ) بالحق بشيرا (ونذيرا) لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلي ما كان في نفسي: (بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من أكل من مالنا درهما حراما.

125. علمه (عليه السلام ) بالآجال

الراوندي: عن أبي جعفر الأسود: إن أبا جعفر العمري [قد] حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج، فسألته عن ذلك فقال: أمرت أن أجمع أمري. فمات بعد (ذلك) بشهرين.

ص: 377

126. علمه (عليه السلام ) بالغائب

ابن بابويه: قال: حدثنا علي بن محمد بن متيل، [عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل] قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان (رضي الله عنه) الوفاة كنت جالسا عند رأسه [ أسأله] و أحدثه، وأبو القاسم الحسين بن روح (عند رجليه)، فالتفت إلي ثم قال: قد أمرت أن أوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح، [قال: ]فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم الحسين بن روح وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه. ورأخبرنا محمد بن علي بن متيل [قال:] كانت امرأة يقال لها: زينب من أهل (آبه)، وكانت امرأة محمد بن عبديل الآبي معها ثلاثمائة دينار، فصارت إلي عمي جعفر بن أحمد بن متيل وقالت: أحب أن أسلم هذا المال من يدي إلي يد الشيخ أبي القاسم ابن روح. [قال: ]فأنفذني معها أترجم عنها، فلما دخلت علي أبي القاسم (رضي الله عنه) أقبل عليها بلسان أبي فصيح [فقال لها: زينب] چونا، خويذا، كوابذا، چون استه - معناه كيف أنت؟ وكيف كنت؟ وما خبر صبيانك؟ [قال: فاستغنيت عن الترجمة وسلمت المال ورجعت.

127. علمه (عليه السلام) بما يكون

الراوندي: قال: وقال أبو عبد الله بن سورة القمي، عن رجل عابد متهجد في الأهواز يسمي (سرور) أنه قال: كنت أخرس لا أتكلم، فحملني أبي وعمي - وسني إذ ذاك ثلاث عشرة أو أربع عشرة - إلي الشيخ أبي القاسم بن روح (رضي الله عنه) فسألاه أن يسأل الحضرة أن يفتح الله لساني، فذكر الشيخ أبو القاسم: إنكم أمرتم بالخروج إلي الحائر. قال سرور: فخرجنا إلي الحائر، فاغتسلنا وزرنا، فصاح أبي أو عمي: ياسرور، فقلت - بلسان فصيح -: لبيك، فقال:

ص: 378

تكلمت !؟

قلت: نعم. قال ابن سورة: ونسيت نسبه، وكان سرور هذا رجلا ليس بجهوري الصوت.

ص: 379

ص: 380

المحتوي

الفصل الأول....7

لقاءات مع الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)....7

لقاءات مع الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) .. 9

1.بالسعي الجادّ. أدركت غايتها ....9

2. النصراني والتقائه بالإمام.....13

3. محبة صاحب الزمان هي محبة لله ......18

4. نصائح من صاحب الزمان ...... ....20

5.كيف التقي به؟ .....22

6. تلاوة الزيارة الجامعة بمحضر الإمام (عليه السّلام).....24

7. بعد أن تاب جاءه الإمام...28

8. لقاء الحاج محمد علي الفشندي.. .....32

9. ليسو جمعياً من محبي إمام الزمان (عليه السلام) ....37.

10.الشيخ محمد تقي المازوندراني يفوز باللقاء......39

ص: 381

11. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وتشرف الشيخ البافقي ......41

12. شاب عاشق يتشرف برؤية الإمام.....44

13. أنا إمام زمانك فماذا تريد؟ .... 44.

14. وقائع من التشرف بلقاء إمام الزمان (عليه السلام)....55

15. إمام الزمان (عليه السلام) في موكب العزاء الحسيني .. 59.

16.كيف بني مسجد الإمام الحسن (عليه السلام) .....60

17. قصة شفاء سيد دامغان ...66

18. بيت الإمام المهدي(عجّل الله تعالي فرجه الشريف)...67

19.ابتسامة صاحب الأمر ...71

20. قصة الإمام المهدي ودعاء الندبة...73

21. ثمرة التوسل بالحجة(عجّل الله تعالي فرجه الشريف)75

22. عرف أن الإمام بالحرم الرضوي...... 79

23. لقاء التبريزي لصاحب الزمان عند المحراب..82

24. خُذ هذا المال ....85

25.معجزة غريبة لمجموعة من النساء والرجال...87

26.يا سيد: ماذا تريد حتي ألبي حاجتك....89

27.رأي الإمام في الظلام.....90

28. سوف أكون بجانبك حتي تصل إلي مرقد جدي....91

29. اقضٍ حوائج الناس نحن ننصرك ......94

ص: 382

30. كيف بني مسجد جمكران؟ .....94

31. المهدي سقي العطشان بماء أبرد من الثلج.....98

32. شفاء المريض من القرح ببركة المهدي .....99

33. كتب رقعة فرُزق بعد فقره.....103

34. زار المشهد الرضوي وهناك كانت بداية رزقه ... ......105

35. رغم إنكاره لوجود الإمام شُفي ببركة المهدي ...108

36. تشرف العلامة ابن طاووس بلقاء المهدي .....109

37. إدراك ابن طاووس لجماعة رؤوا المهدي ....110

38. وضع الرقعة علي القبة فقضيت حاجته ...... 111

39. إتمام كتاب الحلي بقلم صاحب الزمان ... .....112

40.اصبر حتي ألقاك.....114

41. دعاء الإمام لشيعته......114

42. بعد أن داهمه هم عظيم فُرج عنه ببركة دعاء الإمام ....115

43. دعاء عظيم مجرب لتفريج الضيق والشدة للإمام المهدي ..115

44. إساءة أهل الحلة لمقام الإمام....116

45. الالتقاء بصاحب الزمان في مسجد صعصعة....117

46. القصة المشهورة بتشرف الحاج علي البغدادي بلقاء الإمام ......120

47. قصة شيخ قصار في مسجد جعفي......132

48.وفاء التاجر بنذره للإمام عند طريق البحريني الفقير ....137

ص: 383

49. شفي بعد أن نصحه الإمام بماء الهندباء ... ..138

50.تشيع أم عثمان بعد أن شفاها المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) 140

51. شفاءه من الفالج ......141

52. ببركة الإمام شُفي من الفالج......143

53. قد أذهب الله عنك العمي.. فقومي !! ...144

54.ضربة صفَّين .....144

55.النكران للجميل بعد استضافته لهم ......146

56. بعد أن يبست رجلاه شفاه لإمام.....148

57. قصة الرمانة في البحرين ...149

58. إخباره بأنه سيموت بعد ثلاثين سنة.....155

59. توسعة رزق خادم مسجد الكوفة...156

60. القلقلة علي الشفة حجابٌ لكل دعاء .. ......159

61. هدية الصحيفة السجادية من الإمام.... ...159

62. تائه بسفره إلي الشام......162

63. تائه علي طريق الإحساء .... ......163

64. تائه علي طريق الحج..... ....163

65. الإمام بهيئة الفلاح أرشده إلي الطريق .....164

66. أرشده الإمام بعد أن كان تائهاً ......168

67. قصة المزؤر الطماع وموته ....171

ص: 384

68. بحر العلوم ولقائه بالكوفة....173

69. عندما أراد النهوض في الصلاة رأي المهدي .....175

70. اختفاء الصرَّاف.....175

71. المولي محمد سعيد ولقاءه في مسجد السهلة......178

72. الإمام المهدي وقراءته للقرآن ...179

73. رائحة المسك في السرداب...180

74. أصبح أصما لأذيته الزوار ...181

75. بعد أن كان أصمة شُفي ببركة الإمام ... ...181

76. قصة الأسد والجمرة الملتهبة ......185

77. رؤيته للإمام بعد إنكار حضوره بأربعين أربعاء ......186

78. أوصاه بمساعدة أبيه علي النصاب لمسجد السهلة...187

79. عدم قبول صلاة الشيخ لتفكيره بالدخن ......188

80. كيف دخل والباب مغلق؟ .. .....189

81. شُفي من السعال الدموي وتزوج!!..... 191

82.أدخل رجله في الصفّة فشفي من مرضه......195

83. دخل بصورة رجل يعرفه! ......196

84. شفاء ابن المولي البهبهاني . ...197

85. رأي النور يسطع حتي رأي النقوش .... .....198

86. الإمام المهدي والمرأة الحاجَّة......198

ص: 385

87. حنان الإمام علي حاجة في الصفا......201

88. صلاة الإمام في ليلة النصف من شعبان....203

89. تكلَّم وقل ياصاحب الزمان ....208

90.شفاء امرأة مصابة بالسرطان بجانب الكعبة.. .....208

91. شفاء فتاة مصابة بالصرع ببركة الإمام .....212

92. شفاء المصابة بالسرطان ....214

93. العجوز التي شمَّت رائحة الإمام ... ...216

94. المرأة الحامل ودعاء الإمام لها....217

95. لصاحب الزمان وديعة!! ...218

96. علي طريق كربلاء كان هناك اللقاء ....220

97. استجابة الإمام للسيدة العلوية....223

98. تلطف الإمام علي النسوة....224

99. تشرفه برؤية صاحب الزمان في مسجد السهلة....227

100.امرأة شُفيت في مسجد جمكران.....230

101. شُفيت ببركة الإمام ......233

102. المهدي يحاور السيدة العجوز ...240

103. هدية من الإمام إلي سيدة مؤمنة.....243

104. زوجة المهندس شُفيت والتقت الإمام...243

105. زيارة الإمام لجنازة سيدة محجَّبة....249

ص: 386

106.إنقاذ الإمام لامرأة زائرة كادت أن تغرق ...250

107. الفتاة البوشهرية شُفيت ....252

108.قبل الزلزال كان اللقاء! .....253

الفصل الثاني .....257

معاجز و كرامات الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف)259

معاجز الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ..259

1.في معاجز مولده (عليه السلام). ......259

2. كلامه (عليه السلام) حين سقط من بطن أمه .....261

3. قراءته (عليه السلام) في بطن أمه وبعد سقوطه من بطن أمه ودعاؤه (عليه السلام) والطير الذي عرج به بعد ميلاده معه الطيور وغير ذلك من المعجزات ....262

4. قراءته (عليه السلام) وقت ولادته الكتب المنزلة من الله تعالي والصعود به إلي سرادق العرش ... ..266

5.غيبته (عليه السلام) يوم ولادته وغير ذلك ....269

6. أنه (عليه السلام) ولد نظيفا مفروغا منه وغير ذلك -271

7. اشراق النور في البيت الذي ولد فيه (عليه السلام) ونزول جبرئيل والملائكة (عليه السّلام) وغير ذلك.....273

8. إخباره (عليه السلام) حكيمة بالجماعة الذين يسألونها عن ميلاده (عليه السلام) وغير ذلك ....274

9.النور الذي سطع منه (عليه السلام) عند ولادته حتي بلغ أفق السماء والملائكة التي تمسحت به عند ذلك....276

ص: 387

10. النور الذي سطع علي رأسه إلي عنان السماء عند ولادته (عليه السلام)، وسجوده لربه وقراءته (عليه السلام) (شهد الله) الآية.....276

11. أنه (عليه السلام) ولد مختونا....277

12. أن له بيت الحمد يزهر من يوم ولد إلي يوم يقوم بالسيف......277

13. خبر العجوز التي حضرت ولادته (عليه السلام)....277

14. خبر كامل ...279

15. خبر أحمد بن إسحاق الوكيل وسعد بن عبد الله القمي وهو خبر مشهور ...281

16. دخوله (عليه السلام) الدار ثم لم ير.....290

17. عدم رؤية جعفر له (عليه السلام) وتقدم وصلي علي أبيه (عليه السلام) وعلمه (عليه السلام) بما في الهميان ...291

18. جلوسه (عليه السلام) علي الماء يصلي .....293

19. علمه (عليه السلام) بالغائب، وعلمه (عليه السلام) بما في النفس......294

20. نطقه بدلالة الإمامة ...294

21. الشعر الأخضر من لبته إلي سرته ...295

22. حصاة الذهب التي ناولها السائل من الأرض......296

23.علمه (عليه السلام) بالغائب وإخباره (عليه السلام) بما في النفس ....296

24.. سلامة [الحسن بن النضر بدعائه (عليه السلام) و علمه بما في النفس وعلمه بما يكون ..... 299

25.علمه(عليه السلام) بالغائب وعلمه بما في النفس....300

26. علمه (عليه السلام) بالغائب ......301

ص: 388

27. علمه (عليه السلام) بحال الانسان ....301

28. علمه (عليه السلام) بالغائب ......301

29. علمه (عليه السلام) بالآجال ....302

30. علمه (عليه السلام) بما يكون.... .....302

31. استجابة دعائه (عليه السلام)...302

32. علمه (عليه السلام) بما يكون......303

33. علمه (عليه السلام) بما يكون وبما في النفس.... 303

34. علمه (عليه السلام) بما في النفس....305

35. علمه (عليه السلام) بما يكون......305

36. علمه (عليه السلام) بما في النفس ......306

37. علمه (عليه السلام) بالآجال وبما يكون ......306

38. علمه (عليه السلام) بالغائب ......307

39. علمه (عليه السلام) بالغائب. ......307

40.علمه (عليه السلام) بالغائب.....307

41. علمه (عليه السلام) بالغائب......308

42. علمه (عليه السلام) بالغائب ....308

43. علمه (عليه السلام) بالغائب ......308

44. علمه (عليه السلام) بالغائب......309

45. علمه (عليه السلام) بما يكون....309

ص: 389

46. علمه (عليه السلام) بالغائب......309

47. علمه (عليه السلام) بالآجال ....309

48. علمه (عليه السلام) بما في النفس ......310

49. علمه (عليه السلام) بالغائب.....310

50. علمه (عليه السلام) بالغائب......310

51. علمه (عليه السلام) بما يكون ...311

52. علمه (عليه السلام) بما يكون ......311

53. علمه (عليه السلام) بالآجال......312

54. خبر صاحب المال وعلمه (عليه السلام) بصرره وما فيها من المال ....312

55. علمه (عليه السلام) بالآجال . .....316

56. استجابة دعائه (عليه السّلام)......317

57. علمه (عليه السلام) بالآجال .....317

58. علمه (عليه السلام) بالغائب ...318

59. علمه (عليه السلام) بالغائب وبما في النفس......318

60. علمه (عليه السلام) بصاحب المال المغير.....319

61. علمه (عليه السلام) بالغائب ......319

62. علمه (عليه السلام) بالآجال ....320

63. علمه (عليه السلام) بما يكون......320

64.علمه (عليه السلام) بالغائب . .....320

ص: 390

65. علمه (عليه السلام) بالغائب....321

66. خبر المحمودي ....321

67. خبر ابن مهزيار الأهوازي ...323

68. خبر محمد بن القاسم العلوي ....325

69. خبر صاحب العجوز......328

70. خبر ابن المهدي معه (عليه السلام) ......333

71. حمل الذخائر والأمتعة من تركة أبيه (عليه السلام) التي ختم عليها جعفر الكذاب والحاضرون لا يستطيعون الحركة والكلام ......334

72. علمه (عليه السلام) بالغائب ...335

73. علمه (عليه السلام) بالمال المدفون .....336

74. علمه (عليه السلام) بالآجال...336

75. علمه (عليه السلام) بالغائب ....336

76. علمه (عليه السلام) بالغائب .....337

77. علمه (عليه السلام) بالآجال .. ...337

78. علمه (عليه السلام) بالغائب...337

79. علمه (عليه السلام) بالغائب....338

80. علمه (عليه السلام) بالغائب....338

81. علمه (عليه السلام) بالآجال .....338

82. كلامه (عليه السلام) في المهدبالحكمة....338

83. صعود المحمل وما عليه إلي السماء....339

ص: 391

84. خبر الأودي ......339

85. علمه (عليه السلام) بالغائب...340

86. علمه (عليه السلام) بالآجال......340

87. استجابة دعائه وعلمه (عليه السلام) بما يكون وما لا يكون ...341

88. علمه (عليه السلام) بالغائب....341

89. خبر القاسم بن العلاء وعلمه (عليه السلام) بالآجال وبالغائب......342

90.علمه (عليه السلام) بما في النفس وبالغائب وغير ذلك...344

91. مثل سابقه وزيادة ......344

92. علمه (عليه السلام) بما يكون .....345

93. علمه (عليه السلام) بالغائب وبالاجال....346

94. علمه (عليه السلام) بما يكون وبما في النفس ....347

95. علمه (عليه السلام) بالغائب وبما يكون ....348

96. علمه (عليه السلام) بالغائب ...349

97. خبر الهمداني ....351

98. علمه (عليه السلام) بما يكون وهو خبر سؤال علي بن الحسين بن بابويه....352

99. الحصاة التي صارت ذهبا .....352

100. علمه (عليه السلام) بالغائب....353

101. علمه (عليه السلام) بالغائب....354

102. علمه (عليه السلام) بحال الانسان ....354

ص: 392

103. علمه (عليه السلام) بما في النفس....354

104. سماع صوته ولم ير شخصه ......355

105. خبر المرأة وابن أبي روح وعلمه (عليه السلام) فيه بالغائب وغير ذلك...355

106. علمه (عليه السلام) بالغائب ....357

107. علمه (عليه السلام) بالغائب... ...358

108. علمه (عليه السلام) بالغائب .....358

109. علمه (عليه السلام) بالغائب ...359

110. علمه (عليه السلام) بالغائب ...359

111. علمه (عليه السلام) بالغائب...359

112. علمه (عليه السلام) بالغائب والآجال .....360

113. علمه (عليه السلام)بالغائب...361

114. خبر المرأة التي رمت الحقة في دجلة وعلمه (عليه السلام) بالغائب في ذلك...362

115. علمه (عليه السلام) بالآجال.....363

116. خبر الهمذاني ......363

17. علمه (عليه السلام) بالغائب وعلمه (عليه السلام) بالآجال ...365

118. علمه (عليه السلام) بالغائب والآجال .....367

119. خبر ابن الوجناء....368

120. خبر إبراهيم بن مهزيار ....369

121. حجب أعين الناس عنه (عليه السلام) يوم الدار حتي غاب....374

ص: 393

122. علمه (عليه السلام) بالغائب ....375

123. علمه (عليه السلام) بالغائب....376

124. علمه (عليه السلام) بما يكون في النفس .....376.

125. علمه (عليه السلام) بالآجال .....377

126. علمه (عليه السلام) بالغائب ....378

127. علمه (عليه السلام) بما يكون......378

ص: 394

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.