عنوان و نام پديدآور:ست رسالات فقهيه استدلاليه/السيدمحمدحسين المرتضوي اللنگرودي
مشخصات نشر:قم: موسسه النشر الاسلامي، 1430ه.ق
مشخصات ظاهري:247ص.
وضعيت فهرست نويسي:در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)
يادداشت:عربي
يادداشت:چاپ اول
شماره كتابشناسي ملي:2101898
ص: 1
سِتُّ رِسالاتٍ فِقهيَّة استِدلالِيَّة
لِسَماحَةِ الفَقيهِ المُحقِق آيَتِ اللهِ السِيِّد محمّد حُسين المرتَضويّ اللنكَروديّ دامَ ظِلّهُ العالي
***
موسسه النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده في جميع أموره ونستعينه علي رعاية حقوقه، و نصلي ونسلم علي من أرسله بأمره صادعاً وبذكره ناطقاً، وعلي آله وأهل بيته الذين بهم يستعطي الهدي و يستجلي العمي.
وبعد، فإن التفقه في الدين الحنيف لا يستغني عنه مهما طال به الزمن و تقلبت الأحوال الاجتماعية ؛ لأنه مسلك العبودية وأساس تنظيم شؤون الحياة الإنسانية في جميع أبعادها الفردية والاجتماعية، بل مادام يتعاقب الجديدان تشتد إليه حاجة الإنسان ، ولذا خاطبنا ربنا الرحمن في كتابه الفرقان وقال - عز من قائل -: « فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» وحثنا علي ذلك أيضا النبي الكريم وأوصياؤه الهادون، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فامتثالا لما ندب إليه لسان الوحي، بدأ من عصر النبي صلي الله عليه وآله دراسة الفقه وتدوينه، وكان نصيب الإمامية المتمسكين بحبل آل الرسول عليهم السلام قصب السبق في هذا المضمار بجميع شؤونه، وفاقت مدرستهم علي سائر المدارس إتقاناً و تدقيقاً وتعميقاً لعكوفهم علي باب مدينة العلم وكفاهم بذلك فخرا.
وقد توفقت مؤسستنا منذ تأسيسها إلي يومنا هذا الإصدار كتب قيمة ورسائل نافعة من تأليف خريجي تلك المدرسة المباركة من علمائنا الأماجد سالفيهم وغابريهم، جزاهم الله عن الشريعة البيضاء خير الجزاء.
ص: 5
ومن تلكم الآثار الثمينة عدة رسائل فقهية استدلالية في مسائل شتي من الفقه -مما تعم به البلوي، التي لابد لطالبي العلوم الدينية التعرف لها والاستطلاع عليها - بقلم المحقق الجليل والفقيه النبيل سماحة الحجة آية الله السيد محمد حسين المرتضوي اللنگرودي - دامت بركاته - الكتاب الماثل بين يديكم.
وهذه هي المجموعة الثانية من تلك الرسائل القيمة في ستة مباحث مهمة، رأيناها في مظان استفادة المشتغلين ومطامح أنظار المجتهدين، فقررنا طبعه ونشره - بعد أن أصدرنا من قبل، مجموعتها الأولي حاوية لتسع رسائل - آملين أن تكون عند رغبة الباحثين، وسائلين الله تعالي بمنه وكرمه لمؤلفها الكريم السلامة ودوام الإفاضة.
مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ص: 6
سماحة العلامة آية الله العظمي السيد محمد حسين المرتضوي اللنگرودي مد ظله
ولد بالنجف الأشرف سنة 1347 ه. ق (1307 ه. ش) في أسرةٍ شريفةٍ علميةٍ علي رأسها والده المعظم فقيه عصره آية الله العظمي السيد مرتضي الحسيني اللنگرودي قدس سره الذي كان يعد من وجوه تلامذة الفقيه الألمعي آية الله العظمي السيد أبي الحسن الأصبهاني والمحقق الكبير آية الله العظمي الميرزا محمد حسين النائيني قدس سرهما.
أعقب والده المعظم من الأولاد أربعة؛ كلهم نالوا مرتبة الاجتهاد الرفيعة مشتهرين بالزهد والتقوي، والمترجم له هو أكبرهم.
بدأ آية الله العظمي اللنگرودي - مد ظله - في حوزة النجف الأشرف بالعلوم الدينية وكان يمتاز عن زملائه بجهدٍ وافرٍ ثم رجع مع والده إلي إيران ومكث في طهران مدة سنين وأتقن خلالها تحصيلاته الدينية.
فتلمذ في السطح العالي من العلوم الحوزوية علي أساتذة كبار، ولازم في دراسة الخارج والده العلامة فقهاً وأصولا، كما حضر في المعقول علي العلامتين الآيتين الشيخ محمد تقي الآملي والميرزا أبي الحسن الشعراني قدس سرهما.
ثم سافر في نحو سنة 1368 ه. ق إلي حوزة قم العلمية، فحضر علي آية الله
ص: 7
العظمي البروجردي قدس سره فقها وعلي آية الله العظمي الخميني و آية الله الشيخ عبدالنبي الأراكي قدس سرهما أصولا، ولما هاجر والده بعد بضع سنين إلي قم المقدسة، تلمذ عليه ثانية في درسي الفقه والأصول كما أخذ العلوم العقلية من العلامة آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره .
ثم عاد المترجم له كرها إلي العاصمة طهران بإصرار جم غفير من المتدينين وأمر والده الكريم والتحق بالمدرسة العلمية الفتحية وقام بإدارة شؤونها وتدريس السطح العالي (الرسائل، المكاسب والكفاية) متنا وخارجا فيها.
وبدأ بتدريس الخارج فقها منذ سنة 1386 ه. ق علي جملة من أفاضل طلبة حوزة طهران العلمية إلي الآن (سنة 1430 ه. ق).
كان المعظم له إلي جانب ذلك يقوم بالتأليف والتصنيف في مختلف العلوم الدينية وترك لحد الآن كتباً قيمةً وتراثاً علمياً كبيراً.
مما من الله علي المعظم له اشتغاله التام بالمطالعة والتحقيق والتأليف أينما حل و ارتحل علي خلاف غالب المرتحلين وإن كان الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب وبذلك أصبح جامعا للمعقول والمنقول ومرجعا في العلوم الدينية والأحكام الشرعية. مع الله المسلمين بطول بقائه الشريف.
ص: 8
تذكار
من الجدير بالذكر أن هذا الكتاب الشريف هو الجزء الثاني للكتاب المسمي ب«الرسائل التسع» الذي اشتمل علي العناوين التالية:
1- رسالة في زيارة مشهد سيدنا ومولانا الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام
2- رسالة في حكم تقدم المصلي علي مرقد المعصوم عليه السلام
3- رسالة في إخراج الحصي ونحوها من المساجد
4- رسالة في البلدان الكبيرة جدا غير المتعارفة
5- رسالة في الصلاة المعادة واستحبابها
6-رسالة في أن الميت الآدمي ليس بنجس
7- رسالة في أوقات غسل الجمعة أداء وقضاء
8-رسالة في عدم انتقاض الأغسال المندوبة بالأحداث
- رسالة في الشك في الحدث بعد الوضوء وفي الوضوء بعد الحدث
ص: 9
ص: 10
يشتمل هذا الجزء علي الرسائل التالية:
1- رسالة في التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت
2- رسالة في حكم النوافل في الأوقات الخمسة الخاصة
3- رسالة في جزئية الشهادة بالولاية في فصول الأذان
4- رسالة في ما هو المراد من إباحة أهل البيت عليهم السلام الخمس لشيعتهم
5- رسالة في شرعية عبادات الصبي المميز
6- رسالة في حكم الإعانة علي الإثم
الملاحق:
1- ضرورة اهتمام الفقيه بالقرآن الكريم
2- المصطفون في آية الاصطفاء
3- كلمة محكمة حول الآية المباركة: «سَلامٌ عَلَي آلِ ياسينَ»
ص: 11
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الحمد الله تعالي والثناء عليه، والصلاة والسلام علي رسوله وعترته صلي الله عليه وعليهم.
فهذه عدة مسائل فقهية استدلالية، وضعتها علي سبيل الاختصار، معرضا عن الإطناب الممل والإيجاز المخل، بقدر الطاقة مع بضاعةٍ مزجاةٍ؛ تذكرةً لنفسي وتبصرةً لمن أراد التبصُّر إن شاء الله تعالي، مع تشويش البال وكثرة الآفات والاشتغالات.
فالحمد لله العلي الأعلي علي ما هدانا لهذا.
وأنا الآثم: ابن العلامة الكبري والآية العظمي السيد مرتضي اللنگرودي قدس سره
السيد محمد حسين الحسيني المرتضوي اللنگرودي عفي عنه.
ص: 12
ص: 13
ص: 14
الرسالة الأولي في المراد من التفريق المستحب بين الصلاتين المشتركتين في الوقت - كالظهرين والعشاءين - وأن الجمع بينهما أيضا مستحب
بل قال الشهيد قدس سره في الذكري: «كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا (من غير تفصيل بين المصاديق، كما سيظهر إن شاء الله تعالي) علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك» (1)
واستدلوا عليه -كما عن الشهيد في الذكري (2) أيضا – بما نقل عن كتاب عبدالله بن سنان عن أبي عبد الله - عليه الصلاة والسلام - «أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان في السفر يجمع بين المغرب والعشاء والظهر والعصر، إما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا. قال: وقال عليه السلام : و تفريقهما أفضل» (3).
وبما روي عن معاوية (4) بن ميسرة، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إذا زالت الشمس في طول النهار، للرجل (5) أن يصلي الظهر والعصر؟ قال عليه السلام : نعم، وما أحب أن يفعل ذلك كل يوم» (6).
ص: 16
وبما رواه صفوان الجمال (1) وسيأتي عن قريب.
وبغيرها مما هو مذكور في الوسائل (2) كموثقة زرارة وسيأتي متنها عن قريب إن شاء الله تعالي، وذلك كله بعد انجبار ضعف السند في أكثر هذه النصوص وقصور دلالة بعضها الآخر بالشهرة المشار إليها.
نعم، ظاهر بعض النصوص -كما أفيد (3) - كراهة المداومة علي ذلك، لا فضل التفريق في كل يوم؛ وذلك لأن بعضها - مثل رواية معاوية بن ميسرة المذكورة سابقا، وموثقة زرارة حيث قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أصوم فلا أقيل (أي لا أنام نوم القيلولة) حتي تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صليت نوافلي ثم صليت الظهر ثم صليت نوافلي ثم صليت العصر ثم نمت، وذلك قبل أن يصلي الناس (أي صلاة العصر )؟ فقال عليه السلام : يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت، ولكن أكره لك أن تتخذه وقتا دائما» (4) - مشتمل علي بيان حكم شخصي للراوي نفسه؛ لأنه عليه السلام لم يقل في مونقة زرارة: «إنَّي أكرَهُ ذَلِك»، بل قال عليه السلام : «إني أكره لك»، وهي ظاهرة بل صريحة في أن الكراهة مختصة بزرارة ونظائره من الأصحاب
ص: 17
الخواص رضوان الله تعالي عليهم (1) ، لئلا يعاتبه الناس بعدم حضوره لصلاة جماعتهم عصرا، وقد كانوا يؤخرون صلاتهم إلي العصر، فلا دلالة لهذه الموثقة ولالظاهر الرواية الأخري - أي رواية معاوية - علي كراهة الجمع مطلقا، وبالإضافة إلي الجميع، ورواية صفوان الجمال المشار إليها ظاهرة بل صريحة في فضل التفريق بمعني التنقل الذي سيتضح دون التفريق في نفسه؛ فإنه فيها:
قال صفوان: «صلي بنا أبو عبد الله عليه السلام الظهر والعصر عندما زالت الشمس
بأذان وإقامتين ، وقال عليه السلام : إني علي حاجة، فتنفلوا» (2) أي فأتوا أنتم بالنافلة بين الظهر والعصر.
فهذه النصوص قاصرات الدلالة علي فضل التفريق وجحانه في نفسه (3) .
وكيف كان، فنسب إلي مشهور الأصحاب قدس سرهم -كما أشرنا - فضل التفريق واستحبابه في نفسه، وأن المستفاد من نصوص المقام كون الجمع مرجوحا مكروها، وإن كان جائزا في نفسه.
ولكن في استحباب التفريق في نفسه وكذا في مرجوحية الجمع بعض الكلام؛
ص: 18
فلا يمكن المساعدة عليهما وإن كانا مورد قبول الأنام.
أما الأول: فلأن الجمع علي ما أفاد غير واحد من الأصحاب (1) ممن عاصرناهم قدس سرهم -وقد أجاد - ليس بمرجوح علي نحو الإطلاق، بل قد يكون راجحا ، والآتي به مؤديا للأفضل، فإن المستفاد من النصوص الكثيرة التي عقد في الوسائل بابين لها (باب جواز الجمع لعذر (2) وباب جوازه لغير عذر (3) ) هو أن الجمع بين الصلاتين كان علي خلاف الوظيفة الأولية، ثم جوز ذلك - ولو بدون أي عذر لمجرد التوسيع علي الأمة، لكن لا من حيث كونه جمعا مقابلا للتفريق، بل من حيث كونه إيقاعا للصلاة الثانية قبل وقت فضيلتها؛ فمن شرع في الأولي آخر وقت فضيلتها ثم صلي الثانية أول وقت فضيلتها متصلة بالأولي (4) كان مؤديا للأفضل، وإن كان قد جمع بين الصلاتين ولم يفرق بينهما، فالجمع المفضول المرجوح هو التعجيل بالثانية قبل وقت فضيلتها أو تأخير الأولي بعد وقت فضيلتها متصلة بينهما.
وبعبارة أخري: الجمع المرجوح هو الجمع بين الصلاتين في وقت فضيلة إحداهما دون الأخري وأما الجمع بينهما بحيث تقع كل واحدةٍ منهما في وقت
ص: 19
فضيلتها فليس بمرجوح، كما هو ظاهر.
ومن ذلك -كما أفيد (1) - يعرف أنه بناء علي دخول وقت فضيلة العصر بالزوال (2) - علي ما يستفاد من بعض النصوص (3) - كدخول وقت فضيلة الظهر به، لا مجال ولا وجه للحكم بمرجوحية الجمع واستحباب التفريق في الظهرين بمعني إيقاع صلاة العصر قبل وقت فضيلتها، كما هو ظاهر.
وأما بناء علي دخول وقت فضيلة العصر بعد الفراغ عن فريضة الظهر ونافلة العصر، فالجمع بين الظهرين في وقت فضيلة العصر من دون فصل نافلتها مرجوحٌ.
وأما الجمع بينهما في وقت فضيلة الظهر - بمعني القدم أو القدمين أو المثل؛ بلحاظ اختلاف النصوص الواردة في وقت فضيلة الظهرين (4) _ فلا مرجوحية فيه بوجه كما أفيد (5) ، ولعله ظاهر.
هذا تمام الكلام في عدم مرجوحية الجمع علي نحو الإطلاق، بل يكون في بعض الموارد - علي ما فضل بما لا مزيد عليه - راجحا.
وأما الثاني: أي ما في مرجوحية الجمع من الكلام، فنقول: يمكن أن يقال بأن
ص: 20
الجمع مطلقا - أي في جميع الموارد - يكون كالتفريق راجحا مستحبا في نفسه، علي ما يستظهر من جملة من النصوص المستفيضة - فيها صحاح وغير صحاح - من أن النبي المكرم صلي الله عليه وآله قد كان يجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت من غير علة وعذر.
فالآن نحن نتعرض لبعض هذه النصوص الدالة علي استحباب الجمع مطلقا مما ورد من طرق الإمامية وطرق العامة فنقول:
ما ورد من طرق الإمامية في جمع النبي صلي الله عليه وآله بين الصلاتين
منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام : «أن رسول الله صلي الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علةٍ بأذان واحد وإقامتين» (1).
ومنها: رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن رسول الله صلي الله عليه وآله صلي الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب، فقال له عمر -وكان أجرأ القوم عليه -: أحدث في الصلاة شيء؟ قال صلي الله عليه وآله : لا، ولكن أردت أن أوسع علي أمتي» (2).
ومنها: غيرها من النصوص، وقد عقد لها في كتاب الوسائل -كما أشرنا إليه
ص: 21
في الجواب الأول - بابا عنونه ب «الجمع بين الصلاتين (المشتركتين في الوقت) لغير عذر» وهو الباب 32 من أبواب مواقيت الصلاة. وفي كتاب الجامع (أي جامع أحاديث الشيعة) عقد لها الباب 23 من أبواب المواقيت وعنونه صاحب الجامع ب «جواز الجمع بين الظهرين والعشاءين بأذان وإقامتين وأنه...» وفيه أحاديث كثيرة متكثرة تزيد علي عشرين حديثا، مضافا إلي الإشارة إلي ما تقدم ويأتي.
كل هذه النصوص تدل علي أنه صلي الله عليه وآله جمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت، في وقت واحد من غير عذر ولا علةٍ ولا سبب ولا خوف ولا مطر ولا سفر ولا استعجال معللة بأنه صلي الله عليه وآله أراد بذلك التوسعة والتخفيف علي أمته.
وفي صحاح العامة غير واحد من النصوص تدل علي أنه صلي الله عليه وآله جمع بينهما من غير عذر.
منها: ما في مسند أحمد عن ابن عباس: «أن النبي صلي اله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة. قيل له: لم؟ قال: لئلا يكون علي أمته حرج» (1).
ومنها: ما في سنن النسائي عن ابن عباس: «أن النبي صلي الله عليه وآله كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، من غير خوف ولا مطر.
ص: 22
قيل له: لم؟ قال: لئلا يكون علي أمته حرج» (1).
ولا يخفي أن وجود كلمتي «كان» و «يصلي» في سنن النسائي يدل علي أنه صلي الله عليه وآله كان يستمر علي ذلك كما هو ظاهر.
ومنها: ما عن المنتقي لابن تيمية الحراني - علي ما حكي عنه (2) -: «أن النبي صلي الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أرادصلي الله عليه وآله بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته».
قال ابن تيمية بعد ذكر الحديث: «وهذا يدل بفحواه علي الجمع للمطر وللخوف و للمرض، وإنما خلف - وظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر - للإجماع والأخبارالمواقيت ، فيبقي فحواه علي مقتضاه»، انتهي.
أقول: في كلامه مواقع للنظر:
منها: ما في قوله: «وهذا يدل بفحواه..... الخ»، فإن المراد أن لا يحرج أمته صلي الله عليه وآله من جهة التفريق لا من جهة العذر، فلا يدل بفحواه علي الجمع الذي زعمه، أعني الجمع للمطر و...، بل ما زعمه ينافي ظاهر النص، أعني قوله: «من غير خوف ولا مطر»، كما لا يخفي.
ومنها: ما في قوله: «للإجماع»؛ فإن إجماعهم العملي علي عدم الجمع لا ينافي جواز الجمع، كيف؟! وإن الإجماع دليلٌ لُبّيُّ لا صراحة فيه بذلك، ولا سيما
ص: 23
مع ما علم من الخارج -كما سيأتي إن شاء الله تعالي - أن إجماعهم العملي علي هذا إنما هو لمخالفة ما صار من سنن النبي صلي الله عليه وآله شعارا للشيعة التابعين لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم صلوات المصلين
ومنها: ما في قوله: «ولأخبار المواقيت»؛ فإن تلك الأخبار محكومة بهذا الخبر؛ لكون هذا ناظرا إليها، ومقتضاه حكومته عليها كما هو ظاهر لمن له أدني دربة، مضافا إلي أن الصلاتين في فرض الجمع تقعان في المواقيت، غاية الأمر في المواقيت المشتركة المعينة في الآيات والأخبار، كما لا يخفي علي أهل الخبرة.
وليعلم أن العامة كما في كتاب فتح الباري (1) - أولوا هذه النصوص تأويلات واهية ساذجة نظير ما عرفت آنفا من تأويل ابن تيمية، وقد تعرض لها ولردها صاحب كتاب الفتح نفسه واستحسن هو واحدا منها، ومحصلة: أن الجمع وإن كان مستحسنا إلا أنه لابد أن لا يجعل عادهً (2).
لكنه أيضا مردود؛ فإنه خلاف ظاهر الاستمرار المستفاد مما في سنن النسائي، كما أشرنا إليه.
فالحق والإنصاف أن المستفاد من تلك النصوص الكثيرة أن الجمع
ص: 24
كالتفريق - حس مستحسن.
وبعبارة أخري: لا ريب ولا شك في أن هذه النصوص من الفريقين بإطلاقها تدل علي رجحان الجمع في نفسه مطلقا في جميع الموارد من غير عذر، وأنه -كالتفريق - مندوب مستحب، ولا سيما أنه نحو تأس برسول الله صلي الله عليه وآله . قال الله - تبارك وتعالي -: «لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أسوَةٌ حَسَنَةٌ» (1).
وعليه يستحب لكافة المسلمين - حتي العامة قاطبه – الجمع من غير عذر أيضا، كما يستحب لهم التفريق بلا فرق بينهما في الاستحباب سوي أن التفريق شرع أولا منه سبحانه وتعالي، والجمع شرع ثانيا من طريق الرسول صلي الله عليه وآله بوحي من الله - تبارك وتعالي - نظير ما فرضه الله - عزوجل- وما فرضه النبي المكرم صلي الله عليه وآله من الركعات في الفرائض اليومية، علي ما فصل في محله (2).
ويؤيد ذلك - لو لم نقل يدل عليه - ماروي في الخصال عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عله السلام من أنه «الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق... الحديث» (3).
وما روي في الكافي عن أبي محمد عليه السلام - وفي التهذيب عن أبي عبد
ص: 25
الله عليه السلام (1) - قال: «اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، تري ما تحب» (2).
لكن -يا للأسف ! - أن العامة - مع ماعرفت من النصوص المروية في صحاحهم الصريحة بالجمع من غير عذر - لا يعملون بها، بل يصرون علي عدم العمل إلا مع العذر، وهو من العجائب والغرائب ! كما صرح به بعض الأعلام قدس سره (3) وقال: «إنهم قد أسقطوا الرواية في مدلولها المطابقي (وهو جواز الجمع من غير عذر) عن الاعتبار؛ بدعوي أنها مقطوعة الخلاف، مع تمسكهم بمدلولها الالتزامي (وهو جواز الجمع للعذر) كما عرفت و هومن الغرابة بمكان»، انتهي.
أقول: تعجبه قدس سره والحكم بأن عملهم هذا من الغرائب وإن كان في محله، بل هو من أغرب الغرائب وأعجب العجائب في نفسه! لكن ليس ذلك منهم ببعيد مستبعد؛ إذ ليس ذلك أول قارورةٍ كسرت بأيديهم في الإسلام العزيز؛ فإنهم لم يعملوا بكثير مما صار من السنن النبوية القطعية شعارا للشيعة، نظير ذكر الصلوات علي آل محمد - عليهم الصلاة والسلام- عند ذكر اسمه الشريف صلي الله عليه وآله مع أنهم رووا في
ص: 26
كتبهم عنه صلي الله عليه وآله وجوب الصلاة علي الآل عند الصلاة عليه صلي الله عليه وآله ، ومنهم من أوجب الصلاة علي الآل في تشهد الصلاة ومع هذا لا يصلون علي الآل عند ذكر اسمه الشريف صلي الله عليه وآله (1) ، ولذا سموا ب«المخالفين».
ص: 27
ولقد نقل عن غير واحد من زعمائهم الكبار - كالقاضي الفضل بن روزبهان (1) - أن ترك الستة -أي سنة النبي صلي الله عليه وآله - من الستة إذا صارت (تلك الستة النبوية صلي الله عليه وآله ) شعارا للرفضة، أي لشيعة أهل البيت عليهم السلام الجعفرية الاثني عشرية (2).
وفلذلك تركوا الجمع بين الصلاتين مع كثرة رواياتهم في ذلك -كما عرفت - وأعرضوا عنه بحكم زعمائهم المتعصبين، هداهم الله تبارك وتعالي - ولا سيما عن التعصب الأعمي - إلي ما هو الصراط المستقيم - إن شاء الله تعالي - لو كانوا قابلين، بل إذا دار أمرهم بين العمل بسنة النبي صلي الله عليه وآله وبين ما سموه من البدع ستة، يقدمون عملا تلك البدع علي سنته صلي الله عليه وآله ولو لم تكن تلك السنن النبوية صلي الله عليه وآله شعار للشيعة.
ولذا تري من تعصبهم الأعمي عكوفهم علي تحريم المتعتين، مع أنهما كانتا محللتين في زمن الرسول صلي الله عليه وآله بالوحي الإلهي، وعلي التكتف والتكفير في الصلاة
ص: 28
وقول: «آمين» فيها بعد قول إمام الجماعة: «ولا الضالين» (1)، وعدم الجهر بالبسملة في الصلاة عند قراءة سورة الفاتحة، وعلي صلاة التراويح ة(2)، إلي غير
ص: 29
ذلك مما هو كثير متكثر محفوظ في محله، يقف عليه الخبير المتضلع.
ولقائل أن يقول: إن العامة إما سموا أهل السنة بهذا المعني: الستة غير النبوية، أي منسوبون في الحقيقة إلي السنة بمعني البدعة دون السنة النبوية صلي الله عليه وآله (1).
ص: 30
لكن المتوهم في أذهان الناس ومن لم يعلم الحقيقة -ولا سيما العوام ونظائرهم من الخواص - هو أنهم منسوبون إلي السنة النبوية صلي الله عليه وآله ولذا يتظاهر بها، ويستفاد من الاشتراك اللفظي الاسم التصنعي - مع بون بعيد بينهما - سوء الاستفادة وخلاف الحقيقة، أعني خلاف ما هم عليه عاكفون من الستة البدعية (1) . كيف لا؟! وإنهم -كما أشرنا - عند دوران الأمر بينهما يقدمون البدعية ويعملون بها فحسب، كما هو المشاهد في أمر المتعتين والتكتف ونظائرها.
والحاصل أنهم غير ملتزمين بالعمل بالسنة الأصلية النبوية ولا سيما عند الدوران، وفي الحقيقة أن الشيعي الاثني عشري سني نبوي واقعا؛ فإنه لا يتبع إلا أهل بيت الوحي والرسالة - عليهم صلوات الله -الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين لا يقولون من عند أنفسهم شيئا، بل ينقلون ويروون - ولو بالوسائط، وإن لا يذكرون الوسائط غالبا للاختصار - عن الرسول المكرم صلي الله عليه وعليهم أجمعين (2).
ص: 31
فيا ليت كان العامي مسمي بالبدعي - بدل السني - والشيعي بالعتري؛ فإن الشيعة يتبعون بأمر الرسول المكرم صلي الله عليه وآله في أمثال حديث الثقلين المتواتر بين
الفريقين العترة الطاهرة عليهم السلام المنتهية مقالاتهم إليه صلي الله عليه وآله .
وأما ثالثا (1) : فلان في أصل استحباب التفريق في نفسه تأملا، بل منعا (2) وكذا في انتساب هذا الاستحباب إلي مشهور الأصحاب - قدس الله تعالي أسرارهم - تأمل بل منع؛ فإن الثابت المنسوب إليهم قدس سرهم استحباب التنفل بين الصلاتين، أي التفريق بينهما بالنافلة أو بالتعقيب - كما في مستند الشيعة وسيذكر (3) - دون نفس التفريق المحض ومجرد تقسيمهما علي الأوقات المعينة المفصلة.
ص: 32
وكيف كان، فالتفريق بهذا المعني يستفاد من غير واحد من النصوص، كرواية محمد بن حكيم قال: «سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع» (1). أي إذا كان بينهما نافلة أو تعقيب فليس بجمع، بل هو تفريق.
ويمكن استفادة هذا المعني من رواية صفوان الجمال المتقدمة، فراجع.
ص: 33
وأما ما روي من التفريق في فعل النبي صلي الله عليه و اله- كما في رواية ابن سنان المتقدمة، وفي قول الإمام عليه السلام في ذيلها: «و تفريقهما أفضل» - فهو مجمل، هل كان لأجل النافلة أو لنفس التفريق المحض؟ غير مبين المراد، بل الأول هو المناسب لدأبه وديدنه صلي الله عليه وآله دون الثاني، كما لا يخفي.
ولذا قال الفاضل النراقي قدس سره في المستند: «إن تفريقه صلي الله عليه وا له بدونهما - أي بدون النافلة والتعقيب - غير مسلم»، انتهي موضع الحاجة (1) . فاستحباب مجرد التفريق المحض المتداول بين العامة غير مسلم.
وأما رابعا: فلك أن تقول: إن الجمع في نفسه أولي وأفضل من التفريق المحض - أي من غير تنفل وتعقيب في البين - عند تقابلهما وتعارض نصوصهما، أي نصوص الجمع ونصوص التفريق المحض الذي شرعه تبارك وتعالي أولا؛ فإنه بعد تشريع التفريق في الأوقات المعينة المنفصلة يستفاد من النصوص المروية عن الفريقين في أمر الجمع الذي سته النبي المكرم صلي الله عليه وآله بعد تشريع التفريق تسهيلا للأمة المرحومة بوحي من الله تعالي - فإنه «مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي إِن هُوَ إِلاَّ وَحيٌ
ص: 34
يُوحَي» (1) - أن الجمع المسهل للأمر لابد وأن يكون أولي وأفضل من التفريق المحض الذي شرع أولا بدون ملاحظة أمر التسهيل.
وبعبارة أخري: الجمع الذي سن و شرع مع ملاحظة التسهيل يكون لا محالة في نفسه أولي وأفضل من التفريق المشرع بدون هذه الملاحظة، فليتأمل جيداً.
بل لك ولكل قائل أن تقول ويقول: إن ما سنه النبي المكرم صلي الله عليه وآله تسهيلا للأمة المرحومة لما كان بإذنه تعالي وإجازته -جل وعلا- يكون حاكما علي ما شرعه الله سبحانه من قبل.
ومقتضي الحكومة أن يكون العمل علي طبق مضمون الحاكم دون المحكوم،وأن الجمع علي هذا لابد وأن يكون هو المتعين عملا دون التفريق المحض الذي يكون لا محالة مطروحا لا يعمل به؛ نظير حكومة ما فرضه النبي المكرم صلي الله عليه وآله بعدما ولد الحسن والحسين- عليهما الصلاة والسلام - شكرا لله تبارك وتعالي من زيادة سبع ركعات علي مجموع الصلوات اليومية الخمس بإذنه - سبحانه وتعالي - بعد ما فرضه الله تعالي عند عروجه صلي الله عليه وآله أولا من عشر ركعات - لكل صلاة ركعتان - علي ما فصل في محله من النصوص (2) والفتاوي بما لا مزيد عليه.
فكما أن ما فرضه النبي صلي الله عليه وآله في ذلك المقام بإذنه - سبحانه وتعالي - صار
ص: 35
حاكما علي ما فرضه الله - جل وعلا - قبله ودار العمل المسقط للتكليف علي الحاكم دون المحكوم، بداهة أن العمل علي ذلك المحكوم غير مسقط لما كلف به من الفرائض اليومية، فكذلك الأمر في المقام، كيف لا؟! وقد قال الله تعالي في محكم كتابه الكريم: « مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ... الآيَة » (1).
فالجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت متعين العمل، وإن التفريق المحض لابد وأن يطرح ولا يعمل به اختيارا ومتعمدا، كما لا يكتفي بما فرضه الله عز وجل أولا من الركعات في الصلوات اليومية، وإن كان المتداول عملا وفتوي خلاف ذلك، لكن بعد أن ساعدنا الدليل القاطع لابد أن لا نبالي بالخلاف، ولعل ما ذكرنا (2) هو السر في عكوف صلحاء السلف وعلماء المذهب - ولا سيما المشايخ العظام رضوان الله تعالي عليهم - علي العمل بالجمع والاهتمام به مع الاجتناب عن التفريق المحض المتداول بحيث صار ذلك شعارا لهم ورمزا للتشيع، كما هو ظاهر غير خفي.
ص: 36
وكيف كان، فبمقتضي ما عرفت من قاطع الدليل لابد أن يقال: إنه علي جميع ملل المسلمين كافة- ولا سيما العامة قاطبة - أن يعكفوا أيضا علي الجمع الذي هومقتضي النصوص الحاكمة علي نصوص التفريق المحض، فيجمعون بين الصلاتين المشتركتين في الوقت من غير عذر ولا علة ويطرحون التفريق المفرق للوحدة، فيتحصل بذلك الاتحاد الذي أمرنا به ؛ قال الله - تبارك وتعالي -: « وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعاً وَ لاَ تَفَرَّقُوا» (1).
نعم، إذا كان التفريق بالنافلة أو التعقيب المشار إليهما فإنه راجح علي الجمع لامحالة؛ بدلالة نصوصهما المفصلة في محالهما (2).
وإن شئت اجعل هذا - أعني تعين العمل بمضمون الجمع الحاكم وطرح التفريق المحض المحكوم، دون مجرد أفضلية الجمع - خامس الأجوبة واغتنم .
فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
ص: 37
ص: 38
بعد صلاتي الصبح والعصر وعند طلوع الشمس و قيامها وغروبها
ص: 39
ص: 40
الرسالة الثانية
في حكم نوافل الصلوات في خمسة أوقات من اليوم: بعد صلاتي الصبح والعصر وعند طلوع الشمس و قيامها وغروبها
اتفاقهم في ثلاثة منها (1) واختلافهم فيما عداها من الوقتين (2).
وأما الخاصة: فنسب إلي مشهور أصحابنا الإمامية - رضوان الله تعالي عليهم - أن إتيان خصوص النوافل المبتدأة (3) دون مطلق النوافل من الموقتة في اليوم والليلة- أداء وقضاء - ومن ذوات السبب (4)، مكروه ومنهي بالهي التنزيهي،
ص: 42
وليس بمحرم في تلك الأوقات الخمسة.
قال في الجواهر - توضيحا لقول المحقق قدس سره عند ما قال: «يكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس وعند غروبها» -: «كما هو (القول بكراهة المبتدأة عند هذين الوقتين) المشهور بين الأساطين من المتقدمين والمتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الغنية والمحكي عن الخلاف وظاهر التذكرة، بل في جامع المقاصد والمحكي عن المنتهي: أنه مذهب أهل العلم» (1).
وقال في موضع آخر: «الحكم بكراهة النافلة المبتدأة في الثلاثة الأخري (وهي عند قيام الشمس وبعد صلاتي الصبح والعصر) أيضا كالسابقين من الوقتين مشهور شهرةً عظيمةً أيضاً نقلاً وتحصيلاً، فتويً وروايةً » (2).
ص: 43
ولكن استشكل علي الحكم بالكراهة جماعة كثيرة منهم صاحب العروة - وتبعهم جم غفير من الفقهاء العظام - قدس الله تعالي أسرارهم (1) - في ذلك.
قال في العروة ما هذا لفظه: «ذكر جماعة أنه يكره الشروع فيها (أي في التوافل المبتدأة التي لم يرد فيها نص بالخصوص وإنما يستحب الإتيان بها بلحاظ أن الصلاة خير موضوع (2) وقربان كل تقي (3) ومعراج المؤمن (4)) في خمسة أوقات:
أحدها: بعد صلاة الصبح حتي تطلع الشمس.
الثاني: بعد صلاة العصر حتي تغرب الشمس.
الثالث: عند طلوع الشمس حتي تنبسط.
الرابع: عند قيام الشمس (5) حتي تزول.
الخامس : عند غروب الشمس، أي قبيل الغروب (حتي تغرب) - إلي أن قال: -
ص: 44
وعندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال» (1).
وكيف كان، فيستدل علي كراهة النوافل المبتدأة في تلك الأوقات بطائفتين من النصوص الكثيرة:
الطائفة الأولي: ما كان مرجع التحديد والتوقيت فيها إلي إتيان الفعل الخارجي المختلف باختلاف زمان الإتيان بذلك الفعل، وهما الأولان من تلك الأوقات المذكورة في العروة، أعني بعد صلاتي الصبح والعصر.
الطائفة الثانية: ما كان مرجع التحديد والتوقيت فيها إلي الرمان نفسه، أي تكره الصلاة فيها في الوقت نفسه، وهي الثلاثة الباقية، أعني عند طلوع الشمس وعند قيامها وعند غروبها.
أما الطائفة الأولي فعمدتها -كما أفيد (2) - اثنتان:
الأولي: ما رواه محمد الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال: «لا صلاة بعد الفجر حتي تطلع الشمس؛ فإن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان
ص: 45
وتغرب بين قرني الشيطان، وقال: لا صلاة بعد العصر حتي تصلي المغرب (1) »
وثانيتهما: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: «لا صلاة بعد
العصر حتي تصلي المغرب، ولا صلاة بعد الفجر حتي تطلع الشمس (2) ».
ودلالتهما علي المطلوب واضحة في الجملة، لكنهما - مضافا إلي ضعف سندهما بما فصل في بعض المطولات (3) - معارضتان بما سيأتي من التوقيع إن شاء الله تعالي.
ومما يستدل به علي ذلك: ما عن ابن إدريس قدس سره في آخر السرائر عن جامع البزنطي عن علي بن سلمان (4) عن محمد بن عبدالله بن زرارة عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام - في حديث - «أنه عليه السلام صلي المغرب ليلة فوق سطح من السطوح، فقيل له: إن فلانا كان يفتي عن آبائك عليهم السلام أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلي طلوع الشمس وبعد العصر إلي أن تغيب الشمس ؟! فقال عليه السلام : كذب - لعنه الله - علي أبي، أو قال: علي آبائي (5) ».
وهذه الرواية بعد تسليم صحة سندها (6) - لا يمكن المساعدة عليها من
ص: 46
حيث الدلالة، لأن السؤال في الرواية إنما هو عن الصلاة بعد طلوع الفجر، أو بعد العصر، وهو أجنبي عن المقام (1) ؛ إذ المقام إنما هو في إقامة النافلة بعد صلاتي الفجر والعصر لا بعد طلوع الفجر وبعد العصر.
هذا، مع أن مناسبة الحكم والموضوع - كما أفيد (2) - تقتضي أن يراد بالصلاة بعد طلوع الفجر فريضة الفجر، فكأنه عليه السلام كان قد صلي الفريضة في أول الوقت، فسئل عن الترخيص المروي عن آبائه عليهم السلام في الإتيان بالصلاتين إلي آخر وقتهما، فأجاب عليه السلام بقوله: «كذب»، وإنهم عليهم السلام كانوا مهتمين بالفرائض في أوائل أوقاتها ومرعبين لشيعتهم في ذلك.
ومما يستدل به علي ذلك أيضا مكاتبة علي بن بلال، قال: «كتبت إليه عليه السلام في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلي طلوع الشمس ومن بعد العصر إلي أن تغيب الشمس، فكتب عليه السلام : لا يجوز ذلك إلا للمقتضي، فأما لغيره فلا» (3).
وهذه المكاتبة وإن كانت معتبرة من حيث السند بتوثيق الشيخ قدس سره لعلي بن
ص: 47
بلال البغدادي الواقع في السند ووردت في خصوص قضاء النافلة وتعم غيره من النوافل بتنقيح المناط القطعي وإلغاء الخصوصية، لكنها مضطربة لم يظهر المراد-كما هو حقه - من كلمة «المقتضي»، ولعل حملها علي القاضي للصلاة ممنوع؛ إذ لم يرد مثله في شيء من الاستعمالات العربية الصحيحة كما قيل (1).
والحاصل أن كراهة النافلة في الوقتين اللذين كان مرجع التوقيت والتحديد فيهما إلي الفعل الخارجي لم تثبت بتلك النصوص المستدل بها؛ إما من جهة ضعف السند أو من جهة قصور الدلالة علي سبيل منع الخلو.
اللهم إلا أن يقال بانجبار ضعافها سناة بالشهرة العظيمة ولا سيما القدمائية، وعليه تثبت كراهة النافلة المبتدأة فقط في الوقتين، لانعقاد الشهرة عليها بتاتا دون أداء النوافل المرتبة اليومية؛ لانتفاء موضوعها بلحاظ أنه ليس بعد صلاة الفجر وصلاة العصر وقت لشيء من أدائها، كما هو ظاهر، ودون النوافل ذوات السبب؛ لأن مقتضي أدلتها الإتيان بها في أي وقت من الأوقات و عدم حكومة نصوص المقام عليها، فليتأمل.
وكذا دون قضاء تلك النوافل المرتبة؛ لأن مقتضي أدلتها أيضأ ذلك ولا سيما قضاء نوافل الليل التي منها؛ للتصريح بإتيان قضاء نوافل الليل في الوقتين في غير واحد من النصوص معللا بأن قضاء خصوص نوافل الليل فيهما من سر آل
ص: 48
محمد عليهم السلام المخزون (1) ، وكذا دون قضاء الفرائض؛ فإنها - مضافا إلي أن مقتضي أدلتها أيضا الإتيان بها في أي وقت - منصرفة عن نصوص المقام وخارجة عن محل الكلام، فإن البحث إنما هو في النوافل أداء وقضاء دون الفرائض المقضية .
هذا كله في الوقتين الأولين اللذين كان مرجع التحديد والتوقيت فيهما إلي الفعل الخارجي.
ص: 49
وأما الأوقات الثلاثة الباقية التي يكون مرجع التوقيت والتحديد فيها إلي الزمان نفسه، فكراهة خصوص النافلة المبتدأة فيها كالأولين أيضا منسوبة إلي الشهرة العظيمة كما أشرنا إليها واستدل عليها أيضا بنصوص متعددة.
منها: ما رواه الصدوق قدس سره بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام (في حديث المناهي) قال عليه السلام : « و نهي رسول الله صلي الله عليه وآله عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها» (1) ؛ فإنها وإن كانت ضعيفة السند ب«شعيب بن واقد»، لكنها منجبرة بالشهرة العظيمة.
ومنها: صحيحتا ابني مسلم وسنان.
الأولي: عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يصلي علي الجنازة في كل ساعة؛ إنها ليست بصلاة ركوع و سجود، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها (الصلاة) التي فيها الخشوع والركوع والسجود؛ لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » (2).
وكذا ورد في بعض النصوص: «إن الناس إذا سجدوا عند طلوع الشمس، قال إبليس لشياطينه: إن بني آدم يصلون لي» (3) .
ص: 50
والثانية: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» (1)؛ فإنهما - منضمتين - تدلان علي الكراهة في الأوقات الثلاثة المبحوث عنها. وإطلاق كلتا الصحيحتين الشامل لما عدا المبتدأة، وكذا استثناء يوم الجمعة في خصوص الصحيحة الثانية مطروحان بإعراض المشهور؛ فإن الشهرة -كما عرفت - تخص الكراهة من بين الصلوات بالمبتدأة من غير استثناء لها في يوم الجمعة، فالإطلاق في الصحيحة الأولي والاستثناء في الثانية إنما صدرا تقية (2) بعد صدور أصل الكراهة فيهما لبيان الحكم الواقعي، وهذا النحو من الصدور- أعني به الجمع بين التقية وبيان الواقع في كلام واحد - ليس في روايات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام - بعزيز كما لا يخفي علي الخبير (3).
ص: 51
إن قلت: كيف تستفاد الكراهة المصطلحة من قوله: «تكره» في الصحيحة الأولي ومن قوله: «لا صلاة» في الصحيحة الثانية، مع أن لفظ الكراهة في لسان الأخبار - ولاسيما مع التعليل المذكور فيها وفي نحوها كرواية سليمان بن جعفر الجعفري (1) - يعم الحرمة ولا يراد به خصوص الكراهة المصطلحة إلا بالقرينة، وقوله: «لا صلاة» ظاهر بل صريح في نفي الحقيقة المحمول علي الحرمة؟
قلت: نعم، ولكن الشهرة العظيمة المنعقدة من الأصحاب قدس سرهم علي الكراهة المصطلحة تكون قرينة بارزة علي أن المراد من إطلاق الكراهة في الصحيحة الأولي الكراهة المصطلحة، ومن نفي الصلاة في الصحيحة الثانية نفي الكمال والفضيلة المحمول علي الكراهة لا محالة؛ فإن الشهرة القدمائية ربما يستكشف منها النص المعتبر، كما كان إليه يشير سيدنا الأستاذ العلامة البروجردي قدس سره أثناء الدرس في بعض المباحث، فلا غرو في استكشاف القرينة منها في المقام.
ص: 52
وأما التعليل المذكور في الصوص لمنع الصلاة في الوقتين فهو من بقايا الإطلاق الصادر تقية؛ لوجوده في روايات العامة (1)؛ إذ لا يعرف له معني صحيح سليم ويكون أشبه بمفتعلاتهم، ويؤيد صدوره تقية ما في التوقيع الذي رواه الصدوق قدس سره عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي مما ورد من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه: «وأما ما سألت من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة، فصلها وأرغم أنف الشيطان» (2).
ص: 53
فإنه يعارضه ويجعل التعليل علي لا محصل له، وإن وجهه في المستمسك بما لايمكن المساعدة عليه (1).
اللهم إلا أن يراد منه -كما اعترف به - معني آخر كني بظاهر التعليل عنه.
وكيف كان، فمما يختلج بالبال ويساعده الذوق السليم هو أن هذا التوقيع المعارض وإن كان ضعيف السند، إلا أن روائح الصدق منه ساطعة لا يصح طرحه والإعراض عنه، فلو لم يكن صحيحا قابلا للاحتجاج علي المدعي فلا أقل من كونه مؤيدة له، كما قيل (2).
وكذا تعارض الإطلاق والتعليل المذكورين نصوص متعددة تدل علي أن أمرالقضاء واسع يجوز أن يأتيه المكلف في أي وقت من أوقات الليل والنهار.
منها: صحيحة حماد أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها؟ قال : فليصل حين
ص: 54
يذكر» (1) ومثلها رواية نعمان الرازي (2).
ويحتمل -كما عن بعضهم (3) - أن يراد من قوله عليه السلام : «لا صلاة» في صحيحة ابن سنان نفي رجحان الظهرين عند الزوال لمسبوقيتهما بالنافلة في غير يوم الجمعة، بل الظاهر منها ذلك بقرينة النصوص الدالة علي أن وقت صلاة الظهر بعد القدم والذراع ووقت صلاة العصر بعد القدمين والذراعين (4) ، فبناء علي مجرد الاحتمال تكون الصحيحة مجملة، وبناء علي الظهور تكون أجنبية عن المقام لا وجه للاستدلال بها علي الكراهة في الأوقات الثلاثة.
وتؤيده معتبرة أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : «إن فاتك شيء من تطوع الليل والنهار فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر عند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر» (5) ؛ فإنها تدل علي جواز قضاء التطوع عند الزوال وصلاحية الوقت له، وهذا الاحتمال أو الظهور وإن كان يوجب طرح الصحيحة عن الاستدلال بها، لكن الذي يسهل الخطب أنه يكفينا في الاستدلال للمقام رواية مناهي النبي صلي الله عليه وآله (6) ؛ فإنها وإن كانت ضعيفة السند، إلا أنها -كما أشرنا ۔ منجبرة بالشهرة العظيمة المحصلة من القدماء والمتأخرين رضوان الله تعالي عليهم.
ص: 55
قد يقال ما ملخصه: إن صحيحة ابن مسلم - ومايحذو حذوها - غير قابلة للتصديق بمدلولها في نفسها؛ لاشتمالها علي التعليل بأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان ، وهذا لا يمكن الإذعان به إلا إذا كان لطلوعها وغروبها وقت معين و ليس الأمر كذلك، فإنه لأجل كروية الأرض يكون لها في كل ساعة من ساعات الليل طلوع و غروب وزوال وغيرها، وعليه لا يكون لهذا التعليل معني محصل يستدل به.
ولكن لقائل أن يقول: إن لطلوعها وغروبها و زوآلها في كل منطقة من الأرض وقتا معينا يمكن الإذعان به فيها، إلا أن التعليل نفسه غير مقبول بما عرفت من التوقيع المذكور.
ص: 56
وكيف كان، فقد تحصل أنه وإن لم تثبت مما سردنا كراهة الصلوات بل مطلق النوافل في تلك الأوقات الخمسة - لا ذوات السبب ولا النوافل المرتبة الموقتة ولا قضاؤها - إلا أنه ثبتت كراهة خصوص النوافل المبتدأة بنصوص منجبرة بالشهرة العظيمة المحققة بين الأصحاب - قدس الله تعالي أسرارهم - قديما وحديثا بل بالإجماع المدعي، وإن استشكل فيه صاحب العروة وغير واحد من الفقهاء من المحشين وغيرهم رضوان الله تعالي عليهم أجمعين.
ثم إن بعض الأعلام قدس سره (1) - بعد أن لم يعتمد علي الشهرة ولا علي الإجماع المدعي، ورد التشبث بقاعدة التسامح في السنن بأنه لم يقل بها في المستحبات فضلا عن المكروهات - صحح ما في متن العروة من الأشكال علي كراهة الصلاة - حتي المبتدأة - في الأوقات الخمسة المذكورة (من الثلاثة الأخيرة والوقتين الأولين).
ص: 57
هذا كله إذا أراد الإتيان بالنوافل المبتدأة في تلك الأوقات الخمسة.
وأما إذا شرع بالنوافل قبل تلك الأوقات فدخل أحدها وهو في النافلة ففي العروة تبعا للجواهر أنه لا يكره إتمامها (1). وفي الجواهر : «إن المنساق من الأدلة كراهة الشروع في النافلة في هذه الأوقات. أما لودخل عليه أحد هذه الأوقات وهو في الأثناء لم يكره انمامها كما صرح به بعضهم فيماحكي عنه، حتي لو علم من أول الأمردخوله عليه كذلك (أي فإنه أيضا لا يكره)» (2) . انتهي كلامه رفع مقامه (3).
ولكن استشكل علي هذا غير واحد من الأعلام كصاحب المستمسك قدس سره فقال: «إن مقتضي إطلاق النصوص - ولا سيما بملاحظة التعليل في بعضها - هو كراهة صرف وجود الصلاة فيها (فيعم الشروع والاستمرار) لا مجرد الشروع. نعم، قد يزاحم (4) ذلك كراهة قطع النافلة» (5).
ص: 58
وأضاف بعضهم (1) أن مقتضي ما في صحيحة ابن سنان المتقدمة (من نفي الكمال عند الزوال في جميع الأيام إلا يوم الجمعة) هو عدم الفرق بين الصورتين: الشروع والدخول.
لكن الذي يسهل الخطب في المقام- علي ما سردنا بما لا مزيد عليه - هو عدم كون النصوص ملاك الاستدلال في المقام مستقيمأ ولا ما عرفت من العلمين قدس سرهما بل كان ملاك الاستدلال و مناطه هو الشهرة العظيمة قديما وحديثا التي كادت أن تكون إجماعا، وإنما استدل بالنصوص بملاحظة انجبارها بتلك الشهرة وهي وإن كانت عظيمة، لكنها- كيفما كانت- لا تكون بالتقريب المتقدم إلا دليلا لبيا لا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها، والقدر المتيقن منها في المقام ليس إلا كراهة الشروع دون الاستمرار، فليتأمل جيدا.
ص: 59
قد ظهر مما ذكرنا أن النوافل المكروهة في تلك الأوقات إنما هي المبتدأة، وأن غيرها من ذوات السبب وقضاء النوافل ليست بمكروهة، كما أنها ليست مندوبة مستحبة في خصوص تلك الأوقات وإن كانت مستحبة في نفسها، إلا أن خصوص قضاء نوافل الليل - مضافا إلي كونها مستحبة في نفسها - يكون مستحبا في مستحب بمقتضي غير واحد من النصوص- التي أشرنا إليها آنفا وسنذكر بعض متونها صريحا إن شاء الله تعالي - في وقتين من تلك الأوقات الخمسة، أعني بهما فيما بعد صلاة الفجر حتي تطلع الشمس وفيما بعد صلاة العصر حتي تغرب الشمس، وأن قضاء صلاة الليل في هذين الوقتين من سر آل محمد - عليهم الصلاة والسلام - المخزون.
فمن تلك النصوص ما رواه الشيخ قدس سره بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن إبراهيم عن محمد بن عمر الزيات عن جميل بن دراج قال: «سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن قضاء صلاة الليل بعد طلوع الفجر إلي طلوع الشمس؟ قال عليه السلام : نعم، وبعد العصر إلي الليل فهو من سر آل محمد المخزون» (1).
وبإسناده أيضا عن أحمد بن محمد بن عيسي عن أحمد بن النضر وأحمد بن محمد ابن أبي نصر في بعض إسناديهما قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام : عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر؟ فقال عليه السلام : نعم، فاقضه؛ فإنه من سر آل محمد صلي الله
ص: 60
تعالي عليه وعليهم» (1).
ولا يخفي عليك أن بعض فقرات هذا النص مفتخر بما قبله من رواية جميل؛ فإن المراد من قوله: «قبل طلوع الشمس» ما بعد صلاة الفجر إلي طلوع الشمس ومن قوله : «بعد العصر» إلي غروب الشمس.
ص: 61
هل يمكن اندراج مطلق السجود في النافلة المبتدأة المنهي عنها في تلك الأوقات؟
الصحيح هو العدم، لعدم صدق الصلاة أو النافلة المنهي عنها عليه إلا بإلغاء الخصوصية وتنقيح المناط، ولا سيما مع ما في صحيحة ابن مسلم المتقدمة (1) من قوله عليه السلام : «إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود» (2). ولكنه مشكل بملاحظة ما سردنا من أنه لم يكن ملاك الاستدلال في المقام اللصوص حقيقة، بل الشهرة كانت ملاكه، وهي لم تنعقد إلا علي النافلة المبتدأة غير الصادقة علي السجدة، مضافا إلي أن السجدة -كسجدتي التلاوة والشكر - تكون من ذوات الأسباب غير المبتدأة كما عن العلامة قدس سره في التذكرة (3) .
ص: 62
قال صاحب الجواهر قدس سره : «لا يندرج مطلق السجود في الصلاة المنهي عنها قطعا ولذا صرح الفاضل فيما حكي من تذكرته بعدم كراهة سجدة الشكر وسجدة التلاوة معللا ذلك بأنهما ليستا بصلاة وبأن لهما أسبابا» (1).
ص: 63
@
وليعلم أنه وإن كان بين هذه المسألة ومسألة التطوع في وقت الفريضة (1) تقارب من جهة أن الثابت في محله هنالك - مشروحا بالنقوض والإبرامات - كراهة التطوع (2) بخصوص النافلة المبتدأة -دون غيرها - كما في المقام، لكتهما متغايرتان ذاتا وبينهما بون بعيد؛ وذلك لعدم كون الأوقات المكروه فيها خصوص التوافل المبتدأة - علي ما سردنا - أوقاتا يؤتي فيها بالفرائض، بل الفرائض في تلك الأوقات إما فائتة من قبل علي الفرض، كما في الوقتين الأولين (أي بعد صلاتي الصبح والعصر حتي تطلع الشمس أو تغرب) أو لم تشرع فيها أصلا، كما في الأوقات الثلاثة الأخيرة (أي عند طلوع الشمس وقيامها حتي تنبسط أو تزولد
ص: 64
وعند غروب الشمس قبيل الغروب)، والمفروض في تلك المسألة علي ما حقق في محله - هو أن يؤتي بالنافلة المبتدأة في وقت الفريضة التي لم تكن مأتية بها في وقتها. والتفصيل لا يسعه المقام، بل موكول إلي محله؛ والإشارة هيهنا إنما كانت استطرادية ولدفع بعض التوهمات.
والحمد لله رب العالمين والصلاة علي محمد و آله الطيبين الطاهرين.
ص: 65
ص: 66
ص: 67
ص: 68
الرسالة الثالثة
في بيان جزئية الشهادة بالولاية (1) وإمرة المؤمنين لعلي عليه السلام في فصول الأذان والإقامة وتذييل الكلام ببيان الحكم في تشهد الصلاة
اعلم أنه لم ترد الشهادة لعلي بن أبي طالب - عليه أفضل الصلاة والتحيات - بالولاية وإمرة المؤمنين ونحوهما (2) في النصوص المعتبرة المتداولة المشتملة علي عدد فصول الأذان والإقامة، بل النصوص الحاكية عن فصولهما خالية عنها
ص: 69
بتاتا (1) والأخبار المصرحة بها المروية عن المفوضة (2) إما موضوعة كما - عن الصدوق قدس سره في الفقيه (3) - أو من شواذ الأخبار لا يعمل بها -كما عن الشيخ قدس سره في النهاية والمبسوط (4) - أو مما لا يعول عليه- كما عن العلامة في المنتهي (5) ۔ ونحو ذلك كلام غيرهم (6)كما في المستمسك (7) فلايصح التمسك بها حتي بمعونة
ص: 70
أخبار «من بلغ» وقاعدة التسامح في أدلة السنن؛ فإنها - مضافا إلي عدم إمكان إثبات حكم الاستحباب بها (1) - تكون مختصة بصورة بلوغ الثواب فقط، لا بلوغه مع بلوغ عدمه، كما في المقام، هكذا قيل (2).
ولكن فيه: أنه وإن كانت كبري اختصاص أخبار «من بلغ» بصورة البلوغ صحيحة، لكن لم يتحقق بلوغ عدم الثواب صغرويا في المقام؛ لعدم رواية تدل علي العدم (3)، وإنما رمي الصدوق قدس سره راويه بالتفويض ونفي الشيخ قدس سره مشروعيته والعلامة قدس سره التعويل عليه؛ لكون الرواية شاذة لا يعمل بها وهذا المقدار من التضعيف لا يمنع من جريان قاعدة «من بلغ» علي تقدير تماميتها في نفسها كما هو الصحيح، وإن لم يثبت بها حكم الاستحباب؛ إذ مجرد الشهادة بكذب الراوي لاتمنع من احتمال الصدور الموجب لاحتمال المطلوبية المصحح للتمسك بالقاعدة، فيثاب في العمل بها رجاء وإن لم يحكم عليه بالاستحباب؛ إذ لابد في الحكم من وجود دليل معتبر لا ما يثبت بالقاعدة.
ص: 71
ثم إنه لا يقدح ذكر مثل هذه العبارات في أثنائهما بالموالاة المعتبرة بين فصول كل منهما بحيث تكون صورتهما محفوظة بحسب عرف المتشرعة (1) فالفصل الطويل المخل بحسب عرفهم بين فصولهما مبطل علي ما فصل في محله، وإنما لا تقدح بالموالاة؛ لأنها- كما أفاد في الجواهر (2) - تكون كالصلاة علي محمد و آله عند سماع اسمه صلي الله عليه وآله ، فكما لا تقدح تلك بالموالاة العرفية فكذلك هذه، وكتجليل الله - تبارك وتعالي - وتعظيمه المكرم عند ذكر اسمه عزوجل.
هذا كله، ويمكن أن يقال بجزئية هذه الشهادة في الأذان والإقامة بما ذهب إليه بعضهم ؛ فإنه قال ما هذا لفظه: «الظاهر أن الأخبار المروية عن المفوضة بزيادة هذه الكلمات (في الشهادة الثالثة) أيضا كانت في الأصول (الأولية) وكانت صحيحة أيضا كما يظهر من المحقق والعلامة والشهيد رحمه الله؛ فإنهم نسبوها إلي الشذوذ، والشاذ ما يكون صحيحا غير مشهور، مع أن الذي حكم بصحته أيضا شاذ » (3).
ص: 72
و تقريب قوله قدس سره هو أنه وردت في المقام نصوص معتبرة علي استحباب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة وهي تلك الأخبار المروية عن المفوضة، ولكن بملاحظة عدم عمل المشهور بها لمصلحة التقية ونحوها من المصالح (1) صارت شادة، إلا أنه لا بأس بالعمل بها عند ارتفاع تلك المصالح، فتكون جزئية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة ثابتة بتلك الأخبار المعتبرة في نفسها فيصح الإتيان بها بقصد الورود عند ارتفاع تلك المصالح كما في هذه الأعصار. ولذا قال صاحب الجواهر قدس سره (2): لولا تسالم الأصحاب قدس سرهم (أي لولا شهر تهم الناشئة من التقنية ونحوها) لأمكن دعوي الجزئية وقال العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي قدس سره أيضا في موضع آخر من الروضة بعد قوله: «والأولي أن يقوله (أي يقول ما ورد من الكلمات في الشهادة الثالثة) علي أنه جزء الإيمان لاجزء الأذان» ما هذا لفظه: « و يمكن أن يكون (جزء) واقعا ويكون سبب تركه التقية، كما وقع في كثير من الأخبار ترك حي علي خير العمل تقية» (3).
نعم، ما عن الوحيد البهبهاني قدس سره - علي ما حكي عنه (4) - من القول بأنه لاضير في كونها (أي الشهادة الثالثة) جزء من الأذان أو الإقامة علي نحو الإطلاق من
ص: 73
غير تقييد بعدم الشهرة والتقية، مما لا يمكن المساعدة عليه إلا أن يحمل ويقيد بهما كما عرفت من صاحبي الجواهر وروضة المتقين قدس سرهما ، فعلي هذا التقريب دلت هذه الأخبار -أي أخبار المفوضة - علي أن الشهادة الثالثة كانت جزء واقعيا في حقيقة الأذان والإقامة وإنما أسقطت لبعض المصالح وسنصرح -إن شاء الله تعالي - بأن هذه الأخبار بهذا التقريب تؤيد ما سيأتي مما يصح الاستدلال به بالخصوص في المقام، والله تعالي هو الهادي إلي ما هو المرام.
وقد يستدل للمقام بما يدل علي جواز ذكر الشهادة بالولاية بعد ذكر الشهادتين بصورة العموم في كل مقام، كرواية الاحتجاج عن القاسم بن معاوية عن الصادق عليه السلام : «إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين» (1).
لكنها لضعف سندها لا يمكن أن يثبت بها الجزئية ولو استحبابا ، فإنه يعتبر في الحكم بالجزئية حتي المستحبة- كسائر الأحكام - من عدم ضعف سند الرواية.
أجل، يجوز أن يأتي بها بقصد الرجاء عموما ويثاب عليها، كما تقدم.
ص: 74
نعم، استدل حقا بما حكي غير واحد من أعاظم الموثقين (1) عن كتاب السلافة في أمر الخلافة للشيخ عبدالله المراغي المصري من أعلام أهل السنة والجماعة في القرن السابع من روايتين:
إحداهما: عن سلمان الفارسي - رضوان الله تعالي عليه - بأنه ذكر في الأذان والإقامة الشهادة بالولاية لعلي عليه السلام بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي صلي الله عليه و اله فدخل رجل عليه فقال له صلي الله عليه وآله : «سمعت أمر لم أسمع قبل ذلك، سمعت سلمان في أذانه (بالمعني العام الشامل للإقامة ظاهرا) يشهد بالولاية لعلي عليه السلام». فقال صلي الله عليه وآله : «سمعتم خيرا».
وثانيتهما: نظيرها عن أبي ذر - رضوان الله تعالي عليه -: جاء بعض الأصحاب عنده صلي الله عليه وآله فقال: «إن أباذر في أذانه شهد بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بعد الشهادة بالرسالة، وقال: أشهد أن عليا ولي الله». فقال صلي الله عليه وآله : «الأمر كذلك»، ثم قال معاتبا : «أونسيتم قولي في غدير خم: مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيُّ مَولاهُ ؟ فَمَن يَنكِثُ فَإِنَّمَا يَنكَثُ عَلَي نَفسِه».
وهاتان الروايتان وإن كانتا عاميتين، لكنهما - مضافا إلي أن روائح الصدق
ص: 75
منهما لائحة وقرائن الصحة عنهما ساطعة (1) كما لا يخفي علي من له أدني دربة بفقه الحديث (2) - مؤيدتان بتلك الأخبار المروية عن المفوضة بالتقريب المتقدم بما لا مزيد عليه، فتدلان بالوضوح علي أن الشهادة الثالثة كانت من أجزاء الأذان والإقامة واقعا وفي نفس الأمر، لكنه صلي الله عليه وآله في زمانه وماشابهه من الأزمنة لم يأمر باندراجها فيهما غير الخصيصين من الأصحاب - رضوان الله تعالي عليهم - لأجل بعض المصالح ولئلا يقع الاختلاف من جهة كون المسلمين حديثي عهد بالإسلام (3) ، بل جعل صلي الله عليه وآله بدل تلك الشهادة ما يدل عليها بالكناية التي هي أبلغ من التصريح وهو فصل «حي علي خير العمل»؛ فإن «خير العمل» إنما كان ولايته عليه السلام وكانت الولاية بهذا العنوان مشهور و متداولة بين المسلمين (4) في حياة الرسول صلي الله عليه وآله وشطر من خلافة أبي بكر فأسقطه عمر بن الخطاب (5) في زمن
ص: 76
خلافة أبي بكر من فصولهما بمغالطة واهية هينة وتحمل أن ذكره فيهما يوجب رغبة الناس إلي الصلاة وإعراضهم عن الجهاد؛ ويدل علي ما قلنا من الكناية بخير العمل عن الولاية رواية الصدوق رحمه الله في العلل عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان عن محمد ابن أبي عمير أنه سأل أبا الحسن (الكاظم) عليه السلام عن «حي علي خير العمل» لم تركت من الأذان (المراد منه ما يعم الإقامة) فقال عليه السلام : «تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟» قلت: «أريدهما جميع». فقال عليه السلام :
« أمَّا العِلَّةَ الظَاهِرَةُ فَلَئَلاَّ يَدَعُ النَّاسَ الجَهادَ اتّكَالاً عَلَي الصَّلاة.
ص: 77
وأما الباطنة فإن خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك حي علي خير العمل من الأذان أن لا يقع حث عليها ودعاء إليها» (1).
ص: 78
ثم إن عدم اندراج هذه الشهادة بعد زمن النبي صلي الله عليه وآله في عصرالمعصومين عليهم السلام في الأذان والإقامة إنما هو لأجل وجود محذور التقية شديدا- ولاسيما بعد إسقاط الثاني بدلها - ولذا لم تذكر في الأحاديث الحاكية لفصول الأذان والإقامة من ناحية العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، بل أمروا بإخفائها إلي زمان الإفشاء، ولكن المفوضة لم يهتموا بذلك فأفشوها وصار سببا لمثل مقالة الصدوق والشيخ والعلامة قدس سرهم بما عرفت؛ فلا ضير بعد ما تقدم- من أن الشهادة الثالثة بمقتضي آثار معتبرة كانت من أجزاء الأذان والإقامة واقعا وحقيقة - في الحكم باندارجها فيهما في هذه الأعصار المنتفي فيها محذور التقية في غالب البلاد حتي غير الشيعية بحمد الله ومته تعالي كما لا بأس في أن تذكر فيهما بقصد الجزئية ورجاء الورود، فضلا عن ذكرها برجاء المطلوبية (1)، مضافا إلي أنها معدودة في هذه الأزمنة من شعائر الإيمان ورمز التشيع واستكمال للشهادة بالرسالة، فتكون من هذه الجهة راجحة شرعا، بل -كما في المستمسك (2) - قد يكون واجبا (أي شرطا) لكن لا بعنوان الجزئية، بل بعنوان ثانوي -ولا سيما بعد مغالطة عمر بن
ص: 79
الخطاب في بدلها (حي علي خير العمل) بما عرفت- فاللازم أن تذكر في فصولهما كبد لها مرتين مستقلتين بعد الشهادة بالرسالة.
والعجب ما عن بعض المعاصرين - وفقه الله تعالي لمراضيه - من عدم تجويز ذكرها فيهما بالمرة أو تجويزه بصورة العطف علي الشهادة بالرسالة، والله هو الهادي إلي الصواب.
ولا يبعد أن يقال (بعد لابدية الشهادة الثالثة) بما تفطن به بعض الأعزة من أن كلا من فصول الحيعلات الثلاث يشير إلي تلك الشهادات الثلاث بالترتيب: فيشير إلي الشهادة بالوحدانية فصل «حي علي الصلاة»، وإلي الشهادة بالرسالة فصل « حي علي الفلاح » (1) ، وإلي الشهادة بالولاية فصل «حي علي خير العمل»؛ فإن العبادة -كالصلاة - مختصة بذاته - تعالي و تقدس - ولم يفلح في الآخرة من لم يشهد بالرسالة المحمدية صلي الله عليه وآله ، ولم يأت بخير العمل من لم يقر بالولاية العلوية عليه السلام (2).
ولا يخفي أن الشهادة بولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام منطوية في الشهادة
ص: 80
بالولاية لعلي - عليه أفضل الصلوات - بحيث لا يحتاج إلي ذكرهم، وإن كان الأولي والأفضل ذكر هم تحت عنوان «أولاده وأبناءه - عليه وعليهم الصلاة والسلام -» وأولي منه أن تذكر الشهادة بولاية المهدي وآبائه المعصومين - عليهم صلوات المصلين -؛ فإن الشهادة بهذه الكيفية تشمل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ؛ لأنها حينئذ مندرجة في الآباء بحكم التغليب، كما هو ظاهر.
ص: 81
قد يدعي ويقال في تشهد الصلوات أيضأ نظير ما قدمنا في الأذان والإقامة من جواز إتيان الشهادة الثالثة - أعني الشهادة بالولاية - فيهما، برجاء المطلوبية بل برجاء الورود (1) بل بقصد نفس الورود وإرادة الجزئية المستحبة، مستدلا بما قدمنا من رواية الاحتجاج عن الإمام الصادق عليه السلام الدالة علي لزوم ذكر هذه الشهادة بعد الشهادتين بصورة العموم الشامل لمقامنا هذا- أعني مقام تشهد الصلاة - أيضا كما كانت شاملة لمقام الأذان والإقامة، وكذا استدل بمرسلة أبي بصير عنه عليه السلام قال أيضا قوله: « بِسمِ اللهِ وَبِاللهِ وَالحَمدُللهِ وَخَيرُ الأسمَاءِ كُلُّهُ للهِ، أشهَدُ أنَّ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أرسَلَهُ بِالحَقَّ بَشِيراً وَ نَذِيراً بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَأشهَدُ أنَّ رَبِّي نِعمَ الرَّبُّ وَأنَّ مُحَمَّداً نِعمَ الرَّسُولُ وَأنَّ عَلِيّاً نِعمَ الوَصِيُّ (2) وَ نِعمَ الإِمامُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقَبَّل شَفاعَتَهُ فِي أمَّتِهِ وَارفَع دَرَجَتَهُ، الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ..»، المروية هذه المرسلة عن كتاب القطرة (للعلامة المستنبط قدس سره) عن العلامة المجلسي الأول (الشيخ محمد
ص: 82
تقي) قدس سره في كتابه المسمي ب «فقه الإمامية» (مطبوع علي ما قيل) الدالة وضوحا علي ما ادعي.
لكن لا يمكن المساعدة علي كلا الاستدلالين؛ لضعف سند الروايتين المستدلتين بهما، بل الثانية منهما شاذة لم تذكر في الجوامع الروائية بتاتا، لا في الكتب الأربعة المتقدمة (1) ولا في الكتب الأربعة المتأخرة (2) ولا في جامع أحاديث الشيعة ولافي نظائرها فلا يمكن الاعتماد عليهما في الحكم باستحباب جزئية الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة؛ بداهة عدم صحة الاستدلال بضعاف النصوص علي استحباب الجزئية كما أومأنا إليه، ولاسيما مع لحاظ قيام الشهرة العظيمة قديما وحديثا علي خلافها، وإن استند وأفتي عدد معدود من متأخري الأصحاب قدس سره- كالمجلسي الأول في كتابه المشار إليه علي ماقيل- باستحباب جزئيتها في تشهد الصلاة بقصد الورود.
وأما الاستناد إليهما في الحكم بالإتيان بها فيه برجاء الورود أو المطلوبه فكذلك لا يصح وإن صححنا الاستناد إلي ضعاف النصوص في المقام السابق (مقام الأذان و الإقامة) بما لا مزيد عليه من البيان؛ وذلك للفرق الواضح الفارق بين الأذان أو الإقامة وبين تشهد الصلوات؛ فإنه لم يقم نص ودليل يدل علي بطلان الأذان والإقامة بفصل كلام عمدي بين فصول كل منهما، إلا إذا كان الكلام مطولا
ص: 83
بحيث يخل عرفا بالموالاة المعتبرة في فصولهما، وقد عرفت أن الشهادة الثالثة- كذكر الصلوات علي محمد و آل محمد صلي الله عليه وآله - لا تخل بهما عرفا، ولكن وردت نصوص معتبرة صريحة في بطلان التشهد والصلاة بتعمد كلام فيه وفيها لم يكن بقرآن أو دعاء (1) أو ذكر الله - تبارك وتعالي شأنه - (2) ولاريب في عدم صدق كل من هذه العناوين الثلاثة علي الشهادة الثالثة فهي ككلام الآدمي الذي تبطل الصلاة بذكره فيها وفي تشهدها عمدا.
وما ذكر في بعض النصوص من أن ذكر علي - عليه الصلاة والسلام - عبادة (3)، أو أن ذكرنا ذكر الله تعالي (4) ونحوهما فهو -كما لا يخفي - ليس علي
ص: 84
نحو الحقيقة، بل من باب التوسع والمجاز كناية عن أهمية ذكر اسمه صلوات الله تعالي عليه و عليهم.
نعم، الشهادة الثانية، أعني بها الشهادة بالرسالة، وإن لم يصدق عليها أيضا تلك العناوين الثلاثة، لكن جزئيتها في تشهد الصلوات منصوصة بنصوص خاصة معتبرة (1) فلا تقاس عليها الشهادة الثالثة، فلا يجوز الإتيان بها في تشهد الصلوات حتي بالعطف علي الشهادة بالرسالة بعنوان تكميلها بها، والله تعالي هو العالم بحقائق الأحكام.
ص: 85
ص: 86
ص: 87
ص: 88
الرسالة الرابعة
في ما هو المراد من تحليل اهل البيت عليهم السلام وإباحتهم الخمس لشيعتهم
قال في الجواهر: «لا ريب في إجمال عبارات الأصحاب قدس سرهم في هذا المقام وسماجتها وعدم وضوح المراد منها أو عدم صحته، بل يخشي علي من أمعن النظر فيها مريدا إرجاعها إلي مقصد صحيح، من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشيء، وظني انها كذلك مجملة عند كثير من أصحابنا قدس سرهم ، وإن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدمهم ممن لا يعلمون مراده، وليتهم تركونا والأخبار، فإن المحصل من المعتبر منها أوضح من عباراتهم قدس سرهم » (1).
أقول: ولقد أجاد قدس سره فيما أفاد، ولا سيما في قوله: «وَلَيتَهُم تَرَكُونا وَالأخبَار»؛ فإن المعتبر من الأخبار هو الدليل المتبع في المقام، إن لم تكن معرضا عنها بين الأصحاب قدس سرهم، كما هو كذلك وسيتضح إن شاء الله تعالي. فلابد من مراجعة
ص: 89
النصوص المعتبرة في المقام وهي - علي ما جمعه بعضهم (1) قدس الله تعالي أسرارهم - علي طوائف ثلاث:
الأولي ما يظهر منه أنهم - صلوات الله تعالي عليهم – أباحوا الخمس للشيعة إباحة مطلقة من غير قيد ولا شرط وأن الشيعة في حل من ذلك، لا يجب عليهم دفع الخمس ولا أداؤه مطلقا:
منها: صحيحة الفضلاء (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنهم لم يؤدوا إلينا
حقنا (3) ، ألا وإن شيعتنا وآباءهم وأبناءهم(4) من ذلك في حل» (5).
ص: 90
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أيضا، أنه قال: «إن أمير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس- يعني الشيعة - ليطيب مولدهم» (1).
وقوله عليه السلام : «ليطيب مولدهم» حكمة التحليل وليس بعلته حتي يدور حكم
التحليل مداره فيختص بأمر النكاح، كما لا يخفي.
هاتان الصحيحتان هما العمدة من هذه الطائفة.
ومنها: غيرهما كروايتي الحارث بن المغيرة النصري:
أولاهما: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قلت له: إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك فيها حقا. قال عليه السلام : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والي آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب» (2).
وثانيتهما: قال: « دخلت علي أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا بخية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثا علي ركبتيه، ثم قال: جعلت فداك ! إني أريد أن أسألك عن مسألة، والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار. فكأنه عليه السلام رق له فاستوي جالسا...» -إلي أن قال عليه السلام -: « اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا... الحديث» (3).
ص: 91
والروايتان وإن لم تكونا قاصرتي الدلالة في أمر التحليل والإباحة، لكنهما ضعيفتان سندا، ولم يظهر وجه ما عن بعضهم -كصاحب الحدائق قدس سره - من التعبير عن الثانية منهما بالموثقة (1)، مع جهالة «جعفر بن محمد بن حكيم» الواقع في سلسلة سندها، علي ما أفاد بعضهم (2).
إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة المستفيضة (3).
وكيف كان، فإن أخبار هذه الطائفة -كما أفاد غير واحد من الأعلام قدس سره (4) ۔ غير قابلة للقبول في نفسها وعلي إطلاقها؛ لمنافاتها لأصل تشريع الخمس وهو سد
حاجات السادة المحتاجين من آل الرسول صلي الله عليه وآله ، فإن مقتضي هذه الأخبار عدم وجوب دفع الخمس علي الشيعة، والمفروض في الشريعة حرمة الزكاة عليهم وامتناع المخالفين - فضلا عن الكافرين المنكرين - عن أداء هذا الحق إليهم، مع انهم - كما عليه المشهور المنصور - مكلفون بفروع الشريعة التي منها الخمس
ص: 92
ومعاقبون عليها كأصول الشريعة (1)، فمن أين يعيش هؤلاء المحتاجون من
ص: 93
السادة؟ ولماذا أوجب علي المكلفين في النصوص الكثيرة دفع الخمس في الموارد المتفرقة والأجناس المتعددة المضبوطة في محلها؛ كأرباح المكاسب والركاز وغيرها؟ (1).
والحاصل أن مقتضي تحليل الخمس علي من وجب عليه من الشيعة هو أن لا يكون معني للأمر بالدفع في تلك النصوص الكثيرة المتكثرة إلا بالنسبة إلي غير الشيعة ممن لا ينبعثون بأوامر تلك النصوص، وهل يري أن تلك النصوص بملاحظة نصوص التحليل إنما صدرت لمجرد بيان الحكم الاقتضائي غير البالغ المرحلة الفعلية ؟!
مضافا إلي أن هذه الطائفة من النصوص المحللة للخمس معارضة بما سنتلو عليك من الطائفتين الأخريين، إن شاء الله تبارك و تعالي.
نعم، تضمن بعض نصوص هذه الطائفة تحليل ثلاثة أسهم من ستة الأسهم التي في الكتاب العزيز:« وَاعلَمُوا أنَّمَا غَنِمتُم مَّن شَيءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربَي وَاليَتَامَي وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ ...» (2) أعني بها نصف الخمس، وهو حصة السادة فقط، لمطلق الشيعة، مثل رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن الله - تبارك وتعالي - جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة...» - إلي أن قال -: «وقد
ص: 94
حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا..... الحديث» (1) ، لكنها لا تدل علي انحصار التحليل في تلك الثلاثة دون غيرها؛ إذ صح واشتهر أن إثبات شيء لا ينفي ما عداه؛ فإثبات تحليل هذه الثلاثة لا ينفي تحليل ما عداها، فلا ينافي تحليل الأسهم الأخري في غيرها من النصوص كما لا يخفي.
نعم، لو انحصر التحليل في هذه الثلاثة لم يرد علي نصوص هذه الطائفة بعض ما ورد علي صورة عدم الانحصار، ككونها لمجرد بيان الحكم الاقتضائي، فتدبر .
الثانية ما يدل علي عدم التحليل والإباحة مطلقا ، من غير تقييد واشتراط وأن من لم يدفع خمسهم - عليهم الصلاة والسلام - غير معذور بتاتا، بل مسؤول حثيثا يوم القيامة :
منها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: « سمعته يقول: من اشتري شيئا من الخمس لا يعذره الله، اشتري ما لا يحل له» (2).
ولا يخفي عليك أن عدم التحليل في هذه المعتبرة مطلق يعم الشيعة وغيرهم. ومنها: رواية علي بن إبراهيم عن أبيه، قال: «كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام
ص: 95
إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل، وكان يتولي له الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل؛ فإني قد أنفقتها...» إلي أن قال عليه السلام - «أحدهم يثب علي أموال (1) آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثم يجيء فيقول: اجعلني في حل... والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» (2).
ونفي التحليل في هذه الرواية وإن كان مورده الشيعة ظاهرا ، بملاحظة أن صالح بن محمد بن سهل كان يتولي الوقف له عليه السلام ، لكنه يعم غيرهم بالأولوية وبقرينة الرواية المعتبرة المتقدمة، ولأن المورد كما لا يكون مخصصا – بالفتح - لا يكون مخصصا - بالكسر -أيضا، لأنه يذكر غالبا من باب المثال كما هو ظاهر .
وكيف كان، فإن نصوص هذه الطائفة بإطلاقاتها تعارض إطلاقات نصوص الطائفة الأولي المبيحة للخمس، فلابد من الجمع والتوفيق بينهما بوجه صحيح.
فعن صاحب الحدائق قدس سره أنه اختار الجمع بينهما بحمل الطائفة الأولي علي تحليل نصف الخمس (حصة الإمام عليه اسلام) خاصة وحمل الطائفة الثانية علي عدم تحليل النصف الآخر (حصة السادة)؛ فيجب علي الشيعة دفع حصة السادة
ص: 96
بمقتضي الطائفة الثانية من الأخبار ويسقط حصةالإمام عليه السلام عنهم بمقتضي الطائفة الأولي بعد عدم سقوطها عن غيرهم (1).
ولكن هذا التوفيق والجمع- كما تري - لا يصح الالتزام به؛ لأنه جمع تبرعي اقتراحي لا شاهد له، بل مقتضي التعليل في بعض أخبار الطائفة الثانية بطيب الولادة ونحوه هو تعلق التحليل بتمام الخمس؛ بداهة كفاية عدم تحليل النصف الآخر الموجود في الأموال في عدم حصول التطيب، كما لا يخفي.
و توهم كون اختصاص تحليل حق الإمام عليه السلام بالمعوزين (المفلسين) في بعض الأخبار شاهدا علي ذلك - مثل قوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: « من أعوزه شيء من حقي فهو في حل» (2) _ فاسد؛ إذ لا نعلم كون مراد الإمام عليه السلام من «حقي» في هذه الصحيحة هو خصوص حصته عليه السلام ، بعد احتمال أن يكون تمام الخمس حقه والسادة عياله عليه السلام، كما هو مذهب بعض الأصحاب قدس سرهم (3) ، مضافا إلي أن التحليل من جهة الإعواز والاضطرار ليس محل الكلام ، بل لا ربط له بالمقام؛ بداهة أن الاضطرار حكم ثانوي يرتفع به الحكم الأولي في كل مقام.
فتحصل أن الجمع المنقول عن صاحب الحدائق قدس سره لا محل له.
ص: 97
والصواب الجمع بما فضل في الطائفة الثالثة، من حمل أخبار التحليل (الطائفة الأولي) علي ما انتقل من الخمس إلي الشيعة ممن لا يعتقد الخمس، كما هو المشهور بين الأصحاب والظاهر من كلماتهم قدس سرهم (1) ، وحمل أخبار النفي (الطائفة الثانية) علي نفس ما وجب علي المكلف من الخمس؛ فإنه يجب عليه أداؤه من غير أن يكون هناك تحليل.
وبعبارة أخري: أخبار التحليل ناظرة إلي ما انتقل من الخمس إلي الشيعة من الغير ، كالمخالفين والكفار؛ فإنهم - كما أشرنا إليه - مكلفون بفروع الدين، كما أنهم مكلفون بأصوله، وأخبار النفي ناظرة إلي ما وجب من الخمس علي المكلف نفسه.
وهذا النحو من الجمع بين الطائفتين المذكورتين من النصوص ليس كجمع صاحب الحدائق قدس سره مما لا شاهد له، بل له شاهد و دليل بارز وهو- كما أشرنا إليه - نفس نصوص الطائفة الثالثة الآتية كما سيتضح.
ص: 98
الثالثة ما يدلنا علي كيفية الجمع بين نصوص الطائفتين الأوليين.
منها: ما رواه الشيخ والصدوق قدس سرهما بإسنادهما عن يونس بن يعقوب قال:«كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين (1) فقال: - جعلت فداك ! - تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، وأنا عن ذلك مقصرون (2) . فقال أبو عبدالله عليه السلام : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك، اليوم» (3).
وهذه الرواية -كما عن بعض الأعلام قدس سره (4) - وإن كانت بطريق الشيخ قدس سره ضعيفة السند، إلا أنها معتبرة بطريق الصدوق قدس سره (5) ، وقد دلت علي التحليل بالنسبة إلي ما يقع بأيدي الشيعة من الغير، من الأموال وأرباح التجارات المتعلق بها الخمس بشراء ونحوه،فلا يجب علي من انتقل إليه من الشيعة دفع خمس ذلك الغير؛ لأنهم عليهم السلام حللوا ذلك لهم.
ص: 99
ومنها: رواية سالم بن مكرم رواها الشيخ قدس سره بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال :« قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج! ففزع أبو عبدالله عليه السلام فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه (مما تعلق به حقهم عليهم السلام علي ما يفهم من القرينة). فقال عليه السلام : هذالشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب، والميت منهم و الحي، وما يولد منهم إلي يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لايحل إلا لمن أحللناله.. الحديث» (1).
ولا يخفي أن «سالم بن مكرم» في هذه الرواية- كما أشار في الوسائل (2) وكما عن بعض الأعلام قدس سرهم (3) - هو المكني تارة ب«أبي سلمة»؛ كناه بذلك الإمام الصادق عليه السلام - علي ما روي عن الكشي (4) - وأخري ب «أبي خديجة»، وهو -كما نص عليه النجاشي - «ثقة ثقة» (5) ؛ أي ليس فيه أية شبهة وأنه غير سالم ابن أبي سلمة الكندي البجستاني، وإن اشتبه علي شيخ الطائفة قدس سره فتخيل أنه ذلك ، فضعفه سهوا (6) ؛ فإن الجواد قد يكبو (7)
ص: 100
وكيف كان، فهذه الرواية صحيحة معتبرة لا بأس بها وقد دلت صريحة علي التحليل في المال المنتقل إلي الشيعة مما تعلق به حقهم - عليهم الصلاة والسلام - بشراء ونحوه، كما هو ظاهر.
إلي غير ذلك من النصوص (1).
ص: 101
ثم إن مقتضي إطلاق عنوان الشيعة في هذه الطائفة من الأخبار الشاهدة للجمع الصحيح هو أن المحلل له من الشيعة - كثر الله تعالي أمثالهم وزادهم الله تعالي شرفا وعزا - لا يخص السادة أو الفقراء منهم، بل يعم غيرهما أيضا، أعني سواء كانوا من السادة المنتسبين بالأب إلي هاشم بن عبدالمطلب جد رسول الله صلي الله عليه وآله أم من غيرهم، وسواء كانوا من الفقراء المستحقين أو من الأغنياء المتمكنين، فيحل لكل من انتقل إليه الخمس (كلتا الحصتين) منهم، سواء كانوا من السادة أم من غيرهم وسواء كانوا مستحقين أم متمكنين، كما هو واضح.
والظاهر أن وضوحه هو الموجب لعدم تعرض الأصحاب قدس سرهم له؛ إذ لم أجد من تعرض له. والله العالم.
فثبت من مجموع تلك الطوائف الثلاث - بعد الضم والجمع بينها- التفصيل بين الخمس الواجب علي المكلف نفسه ابتداء، فلا إباحة ولا تحليل فيه، وبين ما انتقل إلي المكلف- إن كان شيعيا - من الغير ففيه الإباحة والتحليل، وإنما يجب حينئذ علي ذلك الغير خمس ذلك، وإن كان من الكفار والمخالفين المنكرين له، علي ما تقدم مرارا.
ص: 102
ثم إن المستفاد من كلمات الأصحاب قدس سرهم - علي ما حكي (1)- أن مشهورهم ذهبوا إلي أن المنتقل عنه لابد أن يكون ممن لا يعتقد الخمس أصلا، فخصصوا التحليل بما إذا كان المنتقل عنه من المنكرين كالكفار والمخالفين، ولكن ذهب بعضهم -كما عن الروضة وحكي عن السرائر (2) - إلي التعميم وعدم الاختصاص بذلك وأنه يعم مطلق من لم يخمس ولو عصيانا (3) ، مع كونه معتقدا كفساق الشيعة.
غاية الأمر، أنه يبقي الخمس المحلل لمن انتقل إليه من الشيعة في ذمة من انتقل عنه إليهم، فلا بد له من إبراء ذمته عنه بوجه، وليس كما قد يتوهم من أنهم بريؤون من أداء الخمس بالمرة؛ بل الكفار- والمخالفون أيضا - إذا لم يتوبوا وماتوا علي ذلك الحال يعاقبون علي ترك الخمس كسائر الفروع، نحو عقابهم علي الأصول يوم القيامة، علي ما تقدم مرارا.
واستدل هؤلاء القائلون بعدم الاختصاص، بإطلاق صحيحتي يونس بن يعقوب و سالم بن مكرم المتقدمتين؛ فقد أطلق فيهما تحليل خمس الأموال المنتقلة إلي أيدي الشيعة من الغير من غير تقييد بكون ذلك الغير غير معتقد: كالكفار
ص: 103
والمخالفين، أو معتقدا : كفساق الشيعة (1).
وعن بعضهم -كصاحب المستمسك (2) - دعوي أن الشيعة كانوا يخمسون أموآلهم في زمنهم- عليهم الصلاة والسلام- وكان بناؤهم علي إخراج الخمس في تلك الأعصار ، ولو بملاحظة الغلبة، والظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب.
ولكن هذه الدعوي -كما قيل (3) - غير بينة ولا مبينة، بل غير مسموعة؛ إذ من أين علم أن جميع الشيعة في تلك الأعصار كانوا يخمسون أموآلهم؟ بل لا يعلم أن غالبهم كانوا كذلك- فضلا عن جميعهم - مضافا إلي أن غلبة الوجود لو كانت منشأ لانصراف من انتقل عنه عن المعتقد الفاسق، لأمكن القول بأن وجود النادر منه كاف في الذهاب إلي التعميم، فتدبر .
بل الظاهر -كما أفيد - أن الأزمنة متشابهة والقرون متقاربة، ويتضمن كل عصر - مع هداية السبيل - شاكرا وكفورا، فيؤدي الخمس طائفة ولا يؤديه طائفة أخري، كما هو المشاهد في العصر الحاضر (4).
ولكن الذي يسهل الخطب هو أن نفس الشهرة- ولا سيما من قدماء الأصحاب رضوان الله تعالي عليهم - تقيد إطلاق الصحيحتين؛ لاحتمال أنه كان
ص: 104
عندهم ما يدل علي الاختصاص من قرينة أو نص أو نحوهما مما لم يصل إلينا. كيف لا؟! وإنه كثيرا ما يستكشف من نفس الشهرة القدمائية نص معتبر يكون منشأ للفتوي أو الاحتياط الوجوبي، والتفصيل موكول إلي محله.
فالأحوط وجوبا تقييد إطلاق تحليل الخمس المنتقل إلي الشيعة - كثر الله تعالي أمثالهم - بغير المعتقد أعني به المنكرين من الكفار والمخالفين، ودفع خمس ماانتقل إليهم من المعتقد الفاسق - فضلا عن الساهي الناسي - إلي أهله؛ وذلك المكان احتمال وجود نص في المقام كما عرفت. والله تعالي هو العالم بحقائق أحكامه.
ص: 105
وبودي أن أذيل البحث ببعض الفروع التي تناسب أصل مسألة الخمس في هذه الرسالة ، وإن لم تناسب أصل بحث تحليل الخمس كل المناسبة؛ مزيدا للفائدة
ص: 106
هل يجب علي المقلد إما إيصال الخمس- ولا سيما حصة الإمام عليه السلام منه - إلي مرجعه الخاص أو نائبه المجاز وإما صرفه بإذنه في موارده المنطبقة؛ بحيث لو أوصل إلي غير مرجعه أو صرفه بغير إذنه (ولو كان صارفا له في موارده الموظفة بإذن فقيه آخر جامع للشرائط غير مرجعه) لم تبرأ ذمته؟ أو إن الأمر ليس كذلك، وإن غاية الاحتياط في هذا المقام أن يوصل الخمس إلي فقيه جامع للشرائط أو يصرفه فيما كان بإذنه في موارده المنطبقة، ولكن علي الفقيه أن يصرفه فيما كان موافقا لفتاوي مرجع المقلد أو فيما هو أحوط منها؟
الصحيح هو الثاني وأن المرجع لا يفتي ولا يمكنه الإفتاء بإيصال الخمس إلي نفسه أو إلي نائبه أو بصرفه بإذنه (1) ؛ وذلك لعدم وجود دليل يدل علي ذلك، بل مقتضي الدليل أن يوصله المكلف إلي موارده المنطبقة بإذن فقيه جامع الشرائط، مرجعا كان له أم لا، فهو الذي يكون في عصر الغيبة الكبري نائبا عاما للإمام الغائب - عجل الله تعالي فرجه الشريف - ومقتضي الاحتياط أن يستأذن من هذا النائب العام في ذلك ولو لم يكن مرجعا له.
ص: 107
نعم، للفقيه غير المرجع أن لا يصرف خمس المقلد في ما يخالف فتوي مرجعه، وللمرجع الإفتاء بأنه لابد أن يصرف المقلد خمسه في الموارد الموافقة الفتاويه أو في الأحوط منها، وكما له أيضا أن لا يجوز إيصال الخمس إلي غير نفسه ممن تكون فتواه -كما وكيفا - مخالفة لفتواه (1) ، إلا إذا كانت فتوي الغير موافقة للاحتياط أو كان دأبه وديدنه العمل بالاحتياط أو بفتوي جميع المراجع، فليس للمرجع إلا الإفتاء بذلك وليس للمقلد إلا العمل بفتواه في هذه المسألة- كسائر المسائل العامة البلوي وغيرها - كما لا يخفي.
لا يقال: مقتضي قاعدة الاشتغال عدم براءة ذمة المقلد إذا دفع الخمس إلي غيرمرجعه، بخلاف ما إذا دفعه إلي مرجعه؛ فمقتضاه الكفاية والبراءة اليقينية.
لأنا نقول: هذا أول الكلام، لأن أمر الخمس- ولا سيما حصة الإمام عليه السلام - في زمن الحضور بيده المباركة، وأما في زمن الغيبة وتعذر الإيصال إليه - بحسب الظاهر - فأمر الخمس بمقتضي الاحتياط بيد نائبه العام وهو الفقيه الجامع للشرائط، سواء كان مرجعا للمقلد أم لا.
ص: 108
نعم، لابد أن يوافق عمل المقلد فتاواهما في مصارف الخمس. فما اشتهر- ولا سيما بين العوام أو الخواص كالعوام - من أنه لا بد أن يؤدي الخمس إلي المرجع البتة و بتاتا، وإن أراد المرجع إلقاءه في بئر أو بالوعة! ليس بشيء جدا.
نعم، لا ريب في أن الأولي إيصال كل مقلد خمسه إلي مرجعه، لكن هذا إذا كان المرجع نفسه متصديا لأمر الصرف والإيصال إلي موارده المنطبقة أو كان له نظارة تامة مستقيمة علي ذلك، وإلا فيشكل الأمر بعد ملاحظة أن كثيرا من الوسائط يخضمون (1) مال الله خضم الإبل نبتة الربيع! فلابدحينئذ من الاحتياط بإيصال المقلد الخمس إلي نفس مرجعه أو إيصاله بنفسه بإجازة المرجع إلي موارده المنطبقة أو إيصاله إلي غيره من الفقهاء الجامعين للشرائط المتصدين بأنفسهم أو بإشرافهم المباشر في إيصاله إلي موارده الموظفة، وذلك كله واضح لا إشكال فيه.
ثم إنه إذا كان في نية المقلد الدافع للخمس دفعه إلي مرجعه ليصرفه في موارده المنطبقة، فلعله لا يجوز لغير المرجع وإن كان فقيها جامعا للشرائط أن يأخذه ويصرفه بنفسه في تلك الموارد، حتي إذا كان موافقا لمرجعه إلا مع الاستئذان منه أو مع رده للمقلد وعدوله عن نيته الأولية، كما أنه قد ينعكس الأمر ويكون في نيته لعلل وأسباب أن يدفع الخمس إلي غير مرجعه من فقيه جامع
ص: 109
للشرائط ليصرفه في موارده الموظفة، فلعله أيضا لا يجوز للمرجع أو لنائبه المجاز أن يأخذ خمسه ويصرفه في تلك الموارد إلا مع الاستئذان من ذلك الفقيه الجامع المشخص أو مع رده إلي المقلد وعدوله عن نيته الأولية، والله العالم.
ص: 110
الظاهر أنه لا شك ولا شبهة ولا خلاف في أن مقتضي الاحتياط الوجوبي أنه لابد في صرف حصة الإمام (1) - عليه الصلاة والسلام - من الاستئذان من الحاكم الشرعي، أعني به الفقيه الجامع للشرائط؛ فإن له النيابة العامة عنه - عجل الله تعالي فرجه الشريف - في هذا العصر الذي لا يمكن -بحسب الظاهر - إيصالها إلي يده المباركة عليه السلام (2) ، كما كان الواجب بلا إشكال ولا خلاف في عصر الحضور الإيصال إليه - أرواح من سواه فداه - من حيث كانت السادة المحتاجون عياله عليه السلام ؛ وذلك كله لعدم براءة الذمة إلا بالإيصال إليه عليه السلام في عصر الحضور وإلي نائبه العام - الفقيه الجامع للشرائط - في عصر الغيبة، مضافا إلي الأدلة الخاصة القائمة في المقام الدالة علي وجوب رد الحقوق إلي أربابها، كما هو ظاهر.
وأما النصف الآخر من الخمس بجميع أنواعه وأصنافه - أعني به حصة السادة المحتاجين - فهل يجب في عصر الغيبة أيضا أن يكون صرفه بإذن الفقيه الجامع للشرائط، بحيث لو أوصل إليهم مباشرة من غير استئذان منه لم تبرأ ذمته، أم لا
ص: 111
يجب ذلك ويكفي الإيصال إليهم مباشرة؟
فيه احتمالان، بل قولان:
الظاهر ذهاب المشهور من الأصحاب قدس سرهم إلي الثاني (1) ، وهو جواز الإيصال إليهم مباشرة في هذا العصر، وذهب غير واحد منهم قدس سرهم (2) إلي الأول -كما هو الأحوط - بعد ملاحظة أدلة النيابة العامة للفقيه الجامع للشرائط.
لكن الأظهر هو الثاني؛ إذ وإن تم أصل النيابة العامة للفقيه في هذا العصر، إلا أن للمناقشة في أدلة نيابته العامة إلي هذا الحد مجالا واسعا موكولا بيانه و تفصيله إلي محله.
ص: 112
نعم، استدل في المطولات (1) علي وجوب رد حصة السادة إلي الإمام عليه السلام في عصر الحضور بوجوه عديدة غير خال بعضها عن المناقشة، لكن في بعضها الآخر غني وكفاية، إلا أن انسحاب ذلك إلي الفقيه الجامع في هذا العصر والقول بأنه لابد أيضا من إيصال حصة السادة إليه أو الاستئذان منه غير واضح؛ لإمكان المناقشة في أدلة نيابته إلي هذا الحد، وإن تم أصل النيابة العامة له في هذا العصر-كما أشرنا -؛ و ذلك لاحتمال كون وجوب إيصال حصة السادة إلي الإمام عليه السلام في عصر الحضور من الأحكام الخاصة له عليه السلام ، وإثبات ذلك لغيره في هذا العصر مشكل يحتاج إلي دليل خاص مفقود في المقام.
ومع ذلك كله، فالأحوط والأولي - كما أشرنا إليه - الاستئذان من الفقيه الجامع في صرف حصة السادة أيضا، كصرف حصة الإمام - عليه الصلاة والسلام - والفرق أن الاستئذان من الفقيه في حصة الإمام عليه السلام في هذا العصر إنما هو مقتضي الاحتياط الوجوبي، وفي حصة السادة مقتضي الاحتياط الاستحبابي.
ص: 113
لا يبعد أن يكون حكم ما ينذر لنفس الإمام الغائب القائم -روحي لتراب مقدمه الفداء - حكم حصته الخاصة من الخمس، فلابد- احتياطا - في صرفه من الاستئذان من نائبه العام في عصر الغيبة - أعني به الفقيه الجامع للشرائط - وليست فيه أية حصة للسادة، كما لا يخفي.
وكذا ما يرثه الإمام عليه السلام ممن لا وارث له؛ فإن كل الإرث مختص به عليه السلام أيضا (1) ، وليس فيه شيء من حصة السادة، وأمره بيد الفقيه الجامع للشرائط احتياطا.
وكذا ما يرثه عليه السلام عن والده الإمام العسكري ووالدته المكرمة عليهما السلام بعد ملاحظة كونه عليه السلام هو الوارث الفرد المتفرد لهما- علي ما هو المقطوع - بحيث يصل كل ما ترك والداه - عليه وعليهما الصلاة والسلام - إليه وحده، من غير أن يشاركه فيه أحد غيره، ولكن لا مصداق له خارجا في الأيدي، سوي السرداب المقدس والحرم الشريف في بلدة سامراء ونظائرهما، وسيذكر حكمه مع اختلاف بعض الأنظار فيه في الفرع التالي إن شاء الله تبارك وتعالي.
ص: 114
وأما ما يتداول في هذه الأزمنة من تشريك الإمام عليه السلام في الأموال خوفا من التلف، فيدفعون مقدارا منها بعنوان يسمي في الفارسية ب«بيمه امام زمان عليه السلام»، فالظاهر أنه تعهد يتعهدون بدفعه إليه عليه السلام بذلك العنوان، فهو أيضا يختص به عليه السلام كالنذر المتقدم وليس فيه حصة السادات، فلا بد أن يحتاط فيه أيضا بالاستئذان من الفقيه الجامع للشرائط في هذا العصر، والله تعالي هو العالم.
ص: 115
قال بعضهم: اختلف في جواز التصرف في سائر أموال المعصومين عليهم السلام في
عصر الغيبة علي قولين أو ثلاثة:
الأول: المنع مطلقا.
والثاني: التفصيل بين ما علم برضاهم عليهم السلام بالتصرف فيه- كما لو كان ملكا
خاصة لهم عليهم السلام من دون انتقال إلي وارث غيرهم عليهم السلام كالسرداب المقدس والحرم الشريف في بلدة سامراء ونحوهما مما انتقل الملك فيه من الإمام العسكري عليه السلام إلي ولده الفرد المتفرد الإمام الحجة أرواح من سواه فداه وعجل الله تعالي فرجه الشريف - فيجوز التصرف فيه، وبين غيره مما لم يعلم برضاهم- مثل ما انتقل إلي وارث آخر غير الإمام عليه السلام ، كدار الإمام الصادق عليه السلام بالمدينة علي ما قيل بأنه لا علم بالرضا هناك- فلا يجوز التصرف فيه.
الصحيح من هذين القولين هو التاني؛ إذ لا دليل علي المنع مطلقا سوي أصالة عدم التصرف في ملك الغير بغير رضاه، وهي غير جارية في المقام، للعلم برضاهم عليهم السلام فيما كان ملكا لهم خاصة لم ينتقل إلي وارث غيرهم -ولا سيما بالنسبة إلي شيعتهم عليهم السلام - مثل ما عرفت من السرداب والحرم الشريفين ونحوهما
ص: 116
مما يري تصرف المسلمين خلفا عن سلف فيها من غير نكير.
ومع فرض الشك في الرضا تجري أصالة صحة تصرف المسلمين فيها، فمقتضي الأصل حمل فعل المسلم - فضلا عن أفعال المسلمين - علي الصحة، بل هذا الأصل يجري فيما لو كان الملك منتقلا إلي غير الإمام عليه السلام أيضا، كدار الإمام الصادق عليه السلام المشار إليها، بل كذلك -كما قيل - دار السيدة خديجة عليها السلام في مكة المكرمة، ودار الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام في الكوفة، وبيت الأحزان لسيدة النساء فاطمة الزهراء- عليها الصلاة والسلام - بالمدينة وغير ذلك، فمرجع التفصيل الذي ذكرناه إلي القول بالجواز المطلق، وإن شئت اجعله قولا ثالثا في المسألة، كما أومأنا إليه.
ومما يدل علي التفصيل أو الجواز المطلق أيضا كون تلك الأمكنة المقدسة مشاعر للعبادة، وقد ذكر في محله (كتاب إحياء الموات) (1) أنه لو صار ملك أحد مشعرا للعبادة ، فقد خرج عن ملكه؛ فإنه يدل علي أن صاحبه فكه عن ملكه.
وكذا يستفاد من النصوص الواردة في باب الزيارات- ولا سيما زياراتهم عليهم السلام
في السرداب والحرم الشريفين (2) ۔ القول بالتفصيل أو الجواز المطلق، كما هو ظاهر غير خفي.
فما عن الشيخ المفيد قدس سره من الفتوي بعدم جواز التصرف في ذلك؛ حيث قال
ص: 117
- علي ما حكي عنه (1) -: «إذا أردت زيارة الإمامين - عليهما الصلاة والسلام - بسر من رأي فقف بظاهر الشباك»، وكذا ماعن الشيخ الطوسي قدس سره (2) من الاحتياط في ذلك لا يمكن المساعدة عليهما، بل لو صح منع الشيخ المفيد رحمه الله ، كان اللازم الوقوف عند باب الصحن دون ظاهر الشباك؛ إذ الدار لم تكن منحصرة في ظاهر الشباك، كما لا يخفي.
ص: 118
ثم إن هاهنا قصة عجيبة نقلت عن الشيخ الجليل خضر شلال قدس سره تدل علي لزوم تأخر الزائر عن ضريح الإمام علي الهادي عليه السلام عند زيارته أوردها العلامة النوري قدس سره في «تحية الزائر» والسيد جعفر آل بحر العلوم قدس سره في «تحفة العالم في شرح خطبة المعالم» وأنا أنقلها عن الأول:
قال (الشيخ الجليل خضر شلال): نعم، لاريب في أرجحية التأخر عن ضريح [ الإمام علي] الهادي عليه السلام بمقدار ذراع أو أزيد عند زيارته عليه السلام ؛ لما بلغنا أنه مقدم علي الشباك المنصوب في عصرنا (1) ويرشد إليه أني تشرفت بزيارته عليه السلام مع جماعة من العلماء والصلحاء وفيهم من يحمل العلم من العلويين (2) فأخبرني بما يقضي بتشويشه واضطرابه من أنه وقف قريبا من الضريح المشرف مستدبرا للقبلة وإذا بصوت من الضريح يأمره بالتنحي عن موقفه وماذاك إلا لذاك» (3).
ص: 119
ص: 120
ص: 121
ص: 122
الرسالة الخامسة
في شرعية عبادات الصبي المميز وما يترتب عليها من الفروع
المشهور (1)- كما هو المختار - أن عبادات الصبي المميز شرعية ذات مصلحة غير ملزمة يثاب عليها.
وبعبارة أخري: جميع عبادات البالغين مطلقا - واجبة كانت أم مندوبة -تكون مستحبة للصبي غير البالغ. غاية الأمر عباداتهم الواجبة تكون أشد استحبابا له من عباداتهم المستحبة، كما أن عباداتهم المكروهة بمعني أقل ثوابا أو مزاحمة لما هو أهم تكون أخف استحبابا له كما هو ظاهر، بل كل ما كان واجبا عليهم ولو لم يكن بعبادة يكون مستحبا له، وكل ما كان محرما عليهم كذلك يكون مكروها له إلا ما اختص بهم أو خرج بدليل خاص كما سيتضح في خلال البحث.
ص: 123
وقبل الخوض في البحث لابد من تقديم مقدمات:
الأولي: المراد من الصبي غير البالغ في عنوان المسألة الصبي المميز وهو الذي يفهم ويقصد ما يريد ويتكلم برأيه بما يعنيه، بحيث يعرف معاني ألفاظه بنفسه، دون الطفل الرضيع أو بعد الفطام قبل ذلك بحيث يكون تكلمه تبعا لوالديه متلقنا كل ما لقن إليه علي نهج الطيور المعلمة كالطوطي؛ بداهة أن ما يصدر من هذا القبيل من الطفل لم يكن مقصودا له، مع أن المقصود بالبحث ما يكون صادرا بالقصد من العبادات.
الثانية: المراد من العبادات في العنوان هو ما يعتبر فيها- مضافا إلي قصد الفعل - قصد القربة والامتثال كما لا يخفي، كالصلاة والصيام والطهارات الثلاث ونظائرها لا مثل إزالة النجاسات وغيرها من التوصليات.
الثالثة: إن مورد البحث - كما أومأنا إليه - وإن كان مطلق العبادات واجبة كانت علي البالغين أم مستحبة أم مكروهة (1) ، إلا أنه ربما يقتصر في أثناء البحث علي ذكر خصوص العبادات الواجبة ويستكشف منها غيرها تلويحا.
الرابعة: إن مورد الكلام من العبادات الواجبة علي البالغين أو المستحبة عليهم في المقام ما يعم الكفائية، كصلاة الميت وغسله؛ فلا يختص بالعينية بقسميها من التعيينية والتخييرية، وإن كان ربما يتوهم، بل لعله يتفوه به
ص: 124
وسيتضح إن شاء الله تعالي.
الخامسة: المراد من العبادة العينية بقسميها، ما يعم مطلق البالغين - كالصلوات اليومية ونوافلها - وما يختص ببعضهم كما يختص بالولد الأكبر ما يجب عليه عينا من الصلوات والصيام الفائتة عن والده وسيأتي توضيح ذلك في خلال البحث إن شاء الله تبارك وتعالي.
السادسة: المراد من شرعية عبادات الصبي المميز التي وقع الاختلاف فيها هو أنه هل تشمله مطلقات الأحكام الأولية، وتتوجه إليه بنحو غير إلزامي خطابات أوامر العبادات الواردة في الشريعة المقدسة؟
وبعبارة أخري: المراد أنه هل شرع في حقه تلك الأحكام والعبادات بحيث يصدق علي ما أتي به منها امتثال الأوامر المولوية علي نحو الاستحباب؟
ص: 125
ثم إن المحتملات والأقوال في عبادات الصبي المميز أربعة:
الأول: أن لا تكون عباداته شرعية أصلا، بل تمرينية محضة لا مصلحة فيها (1).
الثاني: أن تكون شرعية، لكن لا من حيث عناوينها الأولية، بل شرعية تمرينية (2).
الثالث: أن تكون شرعية ذات مصلحة ملزمة كعبادات البالغين (3) مع فرق بينهما سيتضح في خلال البحث إن شاء الله تبارك وتعالي.
الرابع: أن تكون عباداته ذات مصلحة غير ملزمة، كما عليه مشهور الأصحاب قدس سرهم (4).
ص: 126
أما القول الأول: وهو أن عباداته ليست بذات مصلحة أصلا لا ملزمة ولا غير ملزمة وأنه لم يوجه إليه خطاب من قبل المولي -جل وعلا- أصلا، لا وجوبا ولا ندبا، ولا مستقيما ولا غير مستقيم -كما سيظهر إن شاء الله تعالي - فليست عباداته شرعية، بل تمرينية محضة بمعني أنه لا خطاب ولا ملاك في عباداته حتي ملاك التمرين وأن الشارع تعالي أهمله كالمجانين والبهائم؛ وذلك لعدم شمول الأدلة العامة الأولية والمطلقات الدالة علي الأحكام (1) للصبي أو انصرافها عنه (2) وعليه لا يدخل الصبي في موضوع تلك الأحكام المذكورة، بل يكون خارجا عنها تخصصا.
ولو سلم شمولها للصبي المميز وعدم انصرافها عنه، يقال: إنه يخصصها ويقيدها ما يدل علي رفع القلم عنه من نصوص معتبرة سنذكر بعضها عن قريب إن شاء الله تعالي. و عليه يخرج الصبي أيضا عن تلك العمومات والمطلقات، لكن تخصيصا لا تخصصا، و تختص أحكامها واجبة كانت أم مستحبة - بالبالغين؛ إذ كما أن مقتضي وضع قلم التكليف عند البلوغ هو إثبات مطلق التكاليف الواجبة
ص: 127
والمستحبة في حق البالغين، كذلك يكون مقتضي رفع قلم التكليف قبل البلوغ هو رفع مطلقها في حق غير البالغين، فيكون حال الصبي - حينئذ ولو كان مميزا - حال المجنون والصبي غير المميز في عدم كون عباداته شرعية بالمرة.
نعم، وردت في المقام خطابات خاصة موجهة إلي أولياء الصبيان المميزين غير تلك الخطابات الأولية تأمرهم بأن يأمروا صبيانهم بالعبادة نظير قوله عليه السلام : «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع» (1) ، وإن قد يستدل بها لشرعية عباداتهم، لكنها وردت للتمرين المحض ولم ترد لأن يأمر الأولياء صبيانهم بالعبادة لمصلحة في نفسها، بل وردت لأن يأمروهم بها لأن يتمرنوا ويتعودوا بها لكيلا يكون إتيانها ثقيلا عليهم بعد البلوغ، ففي الحقيقة يستحب ذلك للأولياء وهم يثابون في أن يمرنوهم ويعودوهم علي العبادة، ولا استحباب ولا ثواب للصبيان، فلا ملاك العبادتهم ولا خطاب لهم بها من ناحية المولي -جل وعلا- لا وجوبا ولا ندبا ، فلا تستفاد شرعية عباداتهم من جهة هذه الخطابات أيضا، فلا وجه للقول بأن عبادات الصبيان- ولو كانوا مميزين - شرعية.
هذا غاية ما يستدل به علي هذا القول.
ولكن فيه:
أولا: الإنصاف أن الخطابات الأولية تشمل بعمومها وإطلاقها العرفي غير
ص: 128
البالغين كشمولها للبالغين من غير فرق ولا انصراف فيها منهم إليهم؛ لأن من المعلوم بداهة أن الشارع - تعالي و تقدس - لم يتخذ في مقام تبليغ الأحكام طريقا خاصا يخالف طريق أهل العرف الذين لا يفرقون في توجيه الخطاب بين البالغين والمميزين من غير البالغين، بل ليست طريقته تعالي في ذلك إلا طريقتهم، ولذا يكون المعيار في مداليل الألفاظ الشرعية هو فهم العرف الذي ببابك.
وثانيا: أن حديث رفع القلم وإن كان ظاهره الإطلاق - أعني رفع قلم مطلق التكليف حتي الاستحباب عن الصبي - وأنه لا مصلحة لعباداته أصلا لا ملزمة ولا غير ملزمة؛ فإن الأحكام ليست- علي ما هو التحقيق (1) - بمركبات حتي يبقي بعد رفع بعض أجزاءها بعضها الآخر، بل هي بسائط يرتفع أصلها بالمرة بمجرد الرفع، إلا أنه منصرف - بقرائن مقامية - إلي رفع خصوص الوجوب والمصلحة الملزمة الحاصلة للعبادات الواجبة علي البالغين، وأن الإلزام والإيجاب مرفوع عنه فقط، دون الاستحباب والندب؛ فالعبادات وإن كانت واجبة في حق البالغين، تكون بمقتضي حديث رفع القلم وبمعونة القرائن الحالية والمقامية التي منها الامتنان، مستحبة في حق الصبي المميز، كما في رفع التكليف في باب الحرج علي المشهور.
وثالثا: أن تلك الخطابات الخاصة وإن كانت موجهة إلي الأولياء بأمرهم صبيانهم بالعبادة، لكنها في الحقيقة موجهة إلي الصبيان، وأن الأمر الوارد بأمر
ص: 129
الصبيان بالعبادة أمر بعبادة الصبيان واقعا؛ لما حقق في الأصول (1) من أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء حقيقة؛ فعبادة الصبي المميز تكون من جهة هذه الخطابات الخاصة أيضا ذات مصلحة غير ملزمة لهم فتكون شرعية، وسيأتي إن شاء الله تعالي تفصيل ذلك عند بيان القول الرابع.
ص: 130
وأما القول الثاني: وهو أن عباداته ليست تمرينية محضة ولا شرعية أصلية، بل تكون شرعية تمرينية، يأتي بها بعنوان التعود وتمرين النفس، لا بعنوانها الأولي؛ فإن للعبادة عنوانين، والصبي المميز إما يشرع له أن يأتي بها بعنوان التمرين والتعود حتي لا تشق عليه بعد البلوغ، لا بعنوانها الأصلي الذي شرعت العبادة لذلك العنوان بالذات.
وبعبارة أخري: المدعي في هذا القول ليس مشروعية الصلاة - مثلا - من حيث إنها صلاة، بل من حيث حصول التمرين والتعود في كل يوم في وقتها.
ولكن فيه:
إنه دعوي بلا بينة؛ إذ لا دليل يدل علي ذلك بالخصوص؛ فإن مقتضي شمول أدلة الأحكام الأولية لعبادة الصبي -كما هو الصحيح المختار و أومأنا إليه و سيأتي شرحه إن شاء الله تعالي - هو مشروعيتها بالعنوان الأولي الأصلي، لا بهذا العنوان الفرعي التمريني.
وأما النصوص- التي ستذكر إن شاء الله تعالي - الواردة في أنه علي الأولياء أن يأمروا الصبيان بإتيان الصلاة لمصلحة التمرين، فهي- كما هو الظاهر - موجهة إلي الأولياء لا إلي الصبيان، بمعني أنه يستحب للأولياء أن يأمروا الصبيان بها المصلحة التمرين، مضافا إلي أن المشروعية بهذا المعني لا تجزي ولا تغني عن عبادة البالغين، فلا تترتب عليها الفروع المترتبة علي المشروعية بالمعني المشهور المنصور بالبيان الآتي إن شاء الله تبارك وتعالي.
ص: 131
وأما القول الثالث: وهو أن عباداته شرعية ذات مصلحة ملزمة؛ وذلك لشمول الأدلة العامة وإطلاقات الأوامر المتعلقة بالعبادات لها وعدم انصرافها عنها بالتقريب المتقدم، إلا أن المقيدات - مثل مادل علي رفع القلم عن الصبي حتي يبلغ (1) - أوجبت رفع تنجزها وإيجابها عنه تلطفا وامتنانا ، مع بقاء المصلحة الملزمة علي حالها؛ فالصبي المميز عند أرباب هذا القول خرج بمعونة هذه المقيدات عن موضوع تلك الأوامر والتكاليف الإلزامية (2) - مع بقاء المصلحة الملزمة بحالها -بالتخصيص لا بالتخصص -كما كان هو (3) الحال في القول الأول والثاني - ويترتب عليه -كما قيل (4) - عدم وجوب استئناف العبادة التي يبلغ الصبي في أثنائها، وكذا العبادة المأتي بها بتمامها قبل البلوغ ثم بلغ بعد إتمامها في الوقت؛ وذلك لأن المصلحة الملزمة علي الفرض فيما أتي به في مفروض الفرعين موجودة وإنما التنجز كان مرتفعا عنه بحديث رفع القلم -كما في باب الحرج علي المشهور - وهذا بخلاف القول الأول والثاني، فإنه يترتب عليهما
ص: 132
وجوب الاستئناف.
أما الأول لفرض عدم وجود المصلحة فيها بالمرة.
وأما الثاني فلان ما أتي به إنما كان بعنوان التمرين ولم يتعلق به الأمر والخطاب.
وكذا بخلاف القول الرابع الآتي شرحه إن شاء الله تعالي؛ لفرض عدم المصلحة الملزمة فيها فتدبر.
ولكن فيه:
أولا: أن المصلحة الملزمة ترتفع برفع التنجز والإيجاب، والقول ببقائها بعد الرفع عجيب وإن كان الرفع من باب الامتنان والتلطف، بداهة أن بقاء الإلزام مع رفع الإيجاب غير معقول، فتأمل.
وثانية: أن الأحكام التكليفية الخمسة - علي خلاف ما اشتهر في الألسنة - ليست بمركبة من الأجناس والفصول، بل بسائط بحتة (1) . فالوجوب مثلا غير قابلة لا للتجزئة إلي طلب ومنع من الترك ولا للتقسيم إلي إلزام ومحبوبية حتي تبقي المحبوبية عند ارتفاع الإلزام، نظير ما قد يذكر في محله (2) من أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز.
وبعبارة أخري: ليس الوجوب عند المتأخرين - خلافا لما اشتهر قديما -
ص: 133
طلب الفعل مع المنع من الترك (كما أن الحرمة ليست طلب الترك مع المنع من الفعل) بحيث يكون مركبا من الطلب والمنع حتي يرتفع المنع بحديث رفع القلم ويبقي الطلب بحاله، بل الوجوب عبارة عن البعث الشديد إلي الفعل، كما أن الحرمة عبارة عن الزجر الشديد عنه (1) وهما - أعني كلا من البعث والزجر- ليسا مركبين ، بل أمران بسيطان لهما مراتب فينتزع الوجوب من المرتبة الشديدة من البعث، والندب من الخفيفة منه، وكذا الحرمة من المرتبة الشديدة من الزجر، والكراهة من الخفيفة منه.
وأما الإباحة فهي عبارة عن حكم الشارع بالرخص في الفعل والترك (2)، لا مجرد عدم حكم اقتضائي كما قد يتوهم، فهذا التعريف عن الإباحة يدفع ما ربما يتفوه به من أن الإباحة من بين الأحكام الخمسة التكليفية ليست بحكم شرعي، فعليه لو ارتفع في المقام بحديث رفع القلم وجوب العبادات والبعث الشديد إليها المستتبع لرفع مصالحها عن الصبي المميز فلا بد من أن يرفع الوجوب بالمرة وترتفع المصالح بحذافيرها حتي غير الملزمة فضلا عن الملزمة، فلا تبقي هناك
ص: 134
مصلحة لا ملزمة ولا غير ملزمة، فيرجع هذا القول إلي القول الأول الذي اتضح بطلانه.
وثالثا: أن الأحكام الشرعية- كما عن بعض الأعلام قدس سره (1) - تكون من المدركات العقلية وليست مجعولة للشارع مباشرة، بل جعله تعالي للأحكام إنما هو نفس اعتباره شيئا علي ذمة المكلفين يكون منشأ لانتزاع تلك الأحكام، فينتزع العقل الأحكام الخمسة من ذلك الاعتبار الشرعي، غاية الأمر إن نصب الشارع قرينة علي الترخيص في الترك، ينتزع العقل منه الاستحباب وإن لم ينصب قرينة عليه، ينتزع منه الوجوب، فلا معني لرفع الشارع - تعالي و تقدس - حكم الإلزام العقلي بحديث رفع القلم، ولكن لا يخلو هذا من تأمل لو لم نقل من منع، والتفصيل موكول إلي محله.
وهذا التحقيق العميق - أعني بساطة الأحكام وارتفاعها بالحديث بالمرة وعدم بقاء شيء منها بعد الرفع - وإن كان في نفسه غير قابل للإنكار، إلا أن في المقام قرائن حالية وشواهد مقامية - لا يخفي علي الخبير - قائمة علي أن رفع قلم التكليف في الحديث إنما هو من باب الامتنان، ومقتضاه رفع الإلزام لا رفع أصل الحكم برمته، نظير رفع التكليف في باب الحرج عند المشهور؛ فإنهم - كما هو الصحيح - ذهبوا بمعونة القرائن إلي ارتفاع الإلزام وبقاء الملاك ولذا قالوا بأنه لو تحمل المكلف هنالك الحرج وأتي بالعمل الحرجي يكون العمل صحيحا مجزيا لا
ص: 135
غبار عليه، كذلك في المقام يكون عمل الصبي المميز - بعد رفع القلم عنه امتنانا - صحيحا شرعيا لا غبار عليه، ولذا عرفت وستعرف - إن شاء الله تبارك وتقدس - أن حديث رفع القلم منصرف إلي رفع المصلحة الملزمة لا مطلق المصلحة حتي غير الملزمة، ولعله إلي ما ذكرنا يرجع ما قد يقال (1) من أن الإنصاف أن حديث الرفع، وإن كان ظاهره بحسب المتفاهم العرفي رفع مشروعية عبادات الصبي المميز بالمرة مطلقا ، لكن القرائن المقامية قائمة علي أن المراد منه رفع خصوص العبادات الإلزامية لا مطلقها لكي تشمل غير الإلزامية أيضا.
ص: 136
وأما القول الرابع فهو الصحيح المختار والمشهور بين الأصحاب - قدس الله تعالي أسرارهم - وهو مشروعية عباداته من دون مصلحة ملزمة لها مطلقا.
وبعبارة أخري: الصحيح أن تكون عباداته شرعية مندوبة حتي إذا كانت واجبة علي غيره من البالغين؛ وذلك لوجوه تقدمت الإشارة إليها خلال البحث عن الأقوال الثلاثة نقضا وإبراما ، ونعيدها هاهنا مع مزيد توضيح.
الوجه الأول: فلكون الصبي - كالبالغ - مشمولا لنفس عمومات الأوامر الأولية و إطلاقاتها المتعلقة بالعبادات؛ فإنها تشمل غير البالغين كشمولها للبالغين من غير مخصص ولا مقيد لتلك العمومات والإطلاقات، ومن غير انصرافها إلي البالغين (1) وقد تقدم أن دعوي الانصراف إلي خصوصهم غير مسموعة؛ بداهة عدم اتخاذ الشارع المقدس في مقام تبليغ الأحكام وتوجيه الخطابات طريقا
ص: 137
خاصا يغاير طريق أهل العرف والمحاورة، بل تقدم أن طريقته تعالي في ذلك عين طريقتهم المتداولة وهي أنهم لا يفرقون في توجيه الخطابات بين البالغين وغير البالغين، بل لا يفهمون البلوغ، والملاك عندهم في التوجيه هو التمييز الشامل للبالغ وغير البالغ؛ إذ البلوغ من مخترعات الشرع المطهر.
نعم، يظهر من مناسبة الحكم والموضوع أن المراد من غير البالغين خصوص المميزين منهم؛ بداهة أن غير المميزين منهم غير قابلين لتوجيه الخطاب إليهم، كالمجانين
والبهائم، كما أن الأمر كذلك في عرف أهل المحاورة وأنهم لا يوجهون خطاباتهم إلي غير المميزين منهم، كما لا يوجهونها إلي المجانين والبهائم، وهو ظاهر.
وعلي أي حال، فقد ثبت من هذا الوجه بعض المدعي وهو مجرد نفس شرعية جميع عبادات الصبي المميز، ولم يثبت منه تمام المدعي وهو كون جميعها - مضافا إلي الشرعية- مستحبة أيضا، إذ يمكن أن يتوهم من مساواة البالغين مع المميزين في الخطابات أن في عبادات المميزين ما ربما يكون واجبا، كما في عبادات البالغين، مع أن تمام المدعي والمطلوب كون جميع عبادات المميزين مطلقا - حتي الواجبة علي البالغين - مستحبة عليهم، ولكن يمكن استفادة استحباب الجميع - أعني تمام المطلوب - من مناسبة الحكم والموضوع واستظهار أن غير البالغين لا يناسب أن يكون في عباداتهم ما يجب عليهم كالبالغين، بل لعله يمكن استفادة ذلك من اتحاد طريقة الشارع - تعالي و تقدس - مع طريقة أهل العرف؛
ص: 138
بتقريب أن الطريقة الممضاة هي أن أهل المحاورة، وإن كانوا لا يفرقون بين المميزين والبالغين في توجيه الخطابات، لكنهم لا يريدون من المميزين طبعا ما يريدون من البالغين في ضمن خطاباتهم من البعث الشديد الذي ينتزع منه الوجوب، بل يريدون من المميزين في ضمن خطاباتهم البعث الخفيف المنتزع منه الاستحباب، فثبت من هذا الوجه مع الضميمتين أن عبادات الصبي المميز مطلقا كما تكون شرعية تكون مستحبة أيضا برمتها، ولا سيما بعد ملاحظة انضمام الوجه التالي إلي هذا الوجه - أعني به حديث رفع قلم التكليف الإلزامي - يستفاد المطلوب بتمام المدعي.
وأما الوجه الثاني: فلوجود حديث رفع القلم امتنانا عن الصبي حتي يبلغ؛ فإن مقتضاه خروج الصبي المميز تخصيصا عن تلك العمومات والإطلاقات الأولية التي قربنا شمولها بطبعها له بالتقاريب المتقدمة.
وبعبارة أخري: مقتضاه رفع الأحكام العامة الأولية عن الصبي المميز، وقد حقق و فضل بما لا مزيد عليه أن الأحكام التكليفية الخمسة كلها بسائط وليست بمركبات،ومقتضي رفع البسيط هو رفعه بالمرة من غير أن يبقي منه شيء إلا أن هناك قرائن مقامية - منها كون رفع القلم عنه للامتنان، كرفع التكليف في باب الحرج عن البالغين علي المشهور - تدل علي أن المرفوع من الأحكام خصوص
ص: 139
لزومها ووجوبها دون أصلها، فلا يجب عليه ما يجب علي البالغين، بل يستحب له ذلك، وأما ما كان مستحبا لهم فهو باق علي استحبابه له، غاية الأمر يكون أخف استحبابا له من الأول، كما أن العبادة المكروهة لهم - بمعني أقل ثوابا أو مزاحمه لما هو أهم - يكون أخف استحبابا له من المرتبتين، وفي الحقيقة رفع عن الصبي المميز ما كان واجبا علي البالغين فصار مستحبا له، وما كان مستحبا لهم صار أخف استحبابا له، و هكذا كل ذلك مستفاد مما يستظهر من مناسبة الحكم والموضوع، فليتدبر.
وأما الوجه الثالث: فلما ورد في نصوص خاصة معتبرة أن الشارع - تبارك و تقدس - أمر علي سبيل الندب والاستحباب - علي ما يستظهر من قرائن حالية: منها مناسبة الحكم والموضوع - أولياء الصبيان بأمر صبيانهم بالصلاة، مثل قوله عليه السلام : «إنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين» (1) وقد حقق في الأصول -كما أومأنا إليه - أن
ص: 140
الأمر بالأمر بالشيء - وجوبا كان أم ندبا - أمر بذلك الشيء كذلك حقيقة، فيستفاد من هذه النصوص أن الصبيان مأمورون بالصلاة ندبا وأن الأولياء أمروا بأن يأمروا صبيانهم بنفس الصلاة، وأن الشارع - تعالي و تقدس - في الحقيقة أمر الصبيان بنفس الصلاة بوجه غير مستقيم، لمصلحة غير ملزمة في نفسها، وإن كانت قضاء الصلاة أنفسهم فيما إذا فاتت منهم الصلاة في أيام تمييزهم الماضية؛ فإنه يستحب لهم قضاؤها أيضا كما استحب لهم الأداء من غير فرق بينهما، كما لا يخفي.
ص: 141
الظاهر بل من المقطوع: أن ذكر خصوص الصلاة في هذه النصوص من باب المثال، إذ من المعلوم بالقرائن أنه لا خصوصية لها في المقام، فيعم أمر الشارع تعالي فيها - بعد إلغاء تلك الخصوصية - مطلق العبادات وأن مطلق عبادات الصبيان - ولو لم تكن بصلاة - لها مصلحة غير ملزمة في نفسها كما أن هذه النصوص وإن كانت منصرفة إلي العبادات الواجبة علي البالغين، لكن لاخصوصية لها أيضا فبإلغاء خصوصية الوجوب وبقرينة مناسبة الحكم والموضوع تشمل المندوبة لهم أيضا، فتستحب للصبيان جميع الصلوات والعبادات الواجبة والمندوبة والمكروهة علي غيرهم من البالغين، مع حفظ مراتب الاستحباب شده وضعفا ، بل يستفاد من القرائن -ولا سيما من ملاحظة إلغاء الخصوصية التي في النصوص الصريحة في الصلاة الظاهرة في الواجبات - أن الأمر كذلك في جميع الأحكام التكليفية حتي المحرمات فضلا عن المكروهات والمباحات، ولا يختص بالصلاة ولا بالواجبات فتشرع للصبيان جميع ما شرع للبالغين إلا ما خرج أو اختص بهم مما علم (1) .
غاية الأمر محرماتهم تكره علي الصبيان أشد كراهة من مكروهاتهم عليهم، والمباحات باقية علي إباحتها ورخصتها.
ص: 142
ولك أن تقول: جميع خطابات الأحكام التكليفية الخمسة حتي غير العبادات، موجهة إلي الصبي كالبالغين، غاية الأمر لا بنحو الإلزام، وعليه فيكون الواجب عليهم مستحبا له والحرام عليهم مكروها له، والمباح۔ كالمستحب والمكروه - باق علي ما هو عليه، فمرجع الأحكام الخمسة في حقه ثلاثة: المستحب والمكروه والمباح مع حفظ المراتب بالتقاريب المتقدمة.
وعلي أي حال، ثبت من تلك النصوص المعتبرة أن عبادات الصبيان المميزين شرعية ذات مصلحة غير ملزمة شديدة أو خفيفة، والله تعالي هو العالم بحقائق أحكامه.
ص: 143
وليعلم أن بعض الواجبات الشرعية لا بد وأن يتحقق في الخارج جزما ، وأن الشارع - تعالي و تقدس - أراد وجوده و تحققه علي سبيل البت والجزم مثل رد الأمانات وحفظ النفوس المحترمة التي يحرم قتلها ونظائرهما، كما أن بعض المحرمات تكون بمثابة لا بد وأن يترك لا محالة، ولا يريد الشارع - تبارك وتعالي - أن يتحقق في الخارج جزما وبتا مثل قتل النفوس المحترمة وشرب الخمور المسكرة والزنا واللواط ونحوها - نعوذ بالله تعالي منها - ولكن لا تحرم هذه المحرمات الكذائية ولا تجب تلك الواجبات الغلاظية علي الصبي المميز؛ لرفع التكليف عنه، وإنما تستحب له الأولي وتكره الثانية عليه، نظير سائر الواجبات والمحرمات الشرعية بلا فرق بينهما وبين سائرها إلا من جهة أولياء الصبيان؛ فإنه يجب عليهم من أجل وجود قرائن مقامية - ولا سيما مقتضي مناسبة الحكم والموضوع - إلزام الصبيان علي إتيان تلك الواجبات زائدا علي أمرهم بها، وردعهم عن فعل تلك المحرمات زائدا علي نهيهم عنها (1) حتي يتحقق ماهو مراد الشارع - تعالي و تقدس - فعلا وتركا.
هذا تمام الكلام في البحث عن عبادات الصبي المميز من جهة شرعيتها، وقد ثبتت بما لا مزيد عليه.
ص: 144
وأما البحث عن عبادات الصبي المميز من جهة الفروع المترتبة علي شرعيتها فنشير إلي بعض من كثير هامستمدا منه تعالي
ص: 145
لا ريب في أن تجهيز الميت مطلقا - سواء كان من التعبديات التي يعتبر فيها قصد القربة كتغسيله والصلاة عليه ونحوهما أو من التوصليات غير المعتبر فيها قصد القربة كتحنيطه وتكفينه وتدفينه وغيرها- ونظائره من الواجبات الكفائية علي البالغين، تكون - بناء علي شرعية عبادات الصبي المميز - من المستحبات الكفائية عليه علي ماتقدم، كما أن وضع الجريدة مع الميت من المستحبات الكفائية عليه وعليهم.
ثم بناء علي شرعية عبادات الصبي المميز اختلف في أنه هل يجزي و يغني ويكفي تغسيله المبيت وصلاته عليه (1) عن غيره من البالغين بعد وجوبهما الكفائي عليهم واستحبابهما الكفائي عليه؟
الصحيح هو الاجتزاء والكفاية بعد فرض شرعية عباداته.
نعم، إذا قلنا بأنها تمرينية فلا يجزي ولا يكفي وأما علي الشرعية فلا يري إشكال في الأجزاء؛ بداهة عدم الفرق فيه بين عمل من وجب عليه كفايه ومن
ص: 146
استحب عليه كذلك، فكما يجزي عمل من وجب عليه كفاية عن عمل غيره، كذلك يجزي عمل من استحب عليه كفايه عن عمل غيره حتي من البالغين.
ولكن قد يستشكل ويقال بعدم الإجزاء والكفاية مطلقا حتي علي القول بالشرعية؛ بتقريب أن الأمر بغسل الميت وصلاته خاص بالبالغين و موجه إليهم، ومسقطية تغسيل الصبي وصلاته عن الأمر المتوجه إلي البالغ -ولو كانا شرعيين - تحتاج إلي دليل مفقود في المقام؛ إذ مجرد شرعية عباداته - علي القول بها - لا تسقط ذلك، فإن المسقطية مسألة أخري غير مسألة الشرعية ولا ملازمة بينهما (1).
لكنه كما تري - لا يمكن المساعدة عليه؛ لما تقدم من أن غير البالغ -كالبالغ -مشمول لخطاب التكليف مطلقا، سواء كان التكليف واجبا أم غير واجب، ثم الواجب عينيا - تعيينا أو تخييرا - كان أم كفائتا. غاية الأمر أنه يكون الواجب في حق غير البالغ مستحبا، فيكون الواجب العيني بقسميه في حقه مستحبا عينيا بقسميه،والواجب الكفائي في حقه مستحبا كفائيا.
وبعبارة أخري: لا يختص الأمر بتغسيل الميت وصلاته ونحوهما من الواجبات الكفائية، بالبالغين كما لا تكون الواجبات العينية - تعيينا أو تخييرا -
ص: 147
مختصة بهم، بل الكفائية - علي ما أومأنا إليه في طي المقدمات - تعم غير البالغين- كالعينية - علي حد سواء في ذلك، بناء علي شرعية عباداتهم كما هو المشهورالمنصور. نعم، لا يسقط الواجب العيني بفعل الغير؛ فإنه مقتضي عينية وجوبه، ولكن مقتضي الواجب الكفائي هو السقوط بفعل الغير، وكذلك مقتضي المستحب الكفائي، بل الواجب الكفائي علي البالغين كما يسقط بعينه بفعل من استحب عليه نفس ذلك الواجب كذلك في المقام، بناء علي شرعية واستحباب عبادات غير البالغين المميزين، كما ينعكس الأمر أيضا في سقوط ما هو المستحب الكفائي لغير البالغين بفعل من وجب عليه ذلك المستحب من البالغين؛ بداهة أنه كما يسقط الواجب الكفائي بفعل واحد ممن يجب عليه كفايه، كذلك يسقط أيضا بفعل واحد ممن يستحب له ذلك بعينه كفايه من غير فرق بينهما ومن غير أن يحتاج تلك المسقطات إلي دليل علي حدة.
والحاصل: أن النصوص الدالة علي شرعية عبادات الصبي تدل علي شرعية عباداته مطلقا ، بل قد يسقط الفعل المستحب من واحد واجبا عينيا عن غيره بدليل خاص، كما لو تبرع شخص وأتي بما وجب علي الولد الأكبر عينا من قبل والديه؛ فإنه بتبرعه المستحب عليه يسقط الواجب العيني التخييري - بين المباشرة والاستئجارونحوهما- عن الولد الأكبر، فليتأمل.
ص: 148
هل يصح استئجار الصبي المميز لقضاء صلاة الميت؟ وهل تفرغ بعمله الاستئجاري أو التبرعي ذمة الميت بعد البناء علي شرعية عباداته؟
قد استشكل بعضهم (1) بأن الأدلة العامة الأولية ومطلقاتها برمتها - حتي مثل الأمر بالنيابة ندبا - منصرفة عن الصبي المميز وخاصة بالبالغين وأن مسألة شرعية عباداته غير مسألة مسقطيتها للأمر الموجه إلي الغير.
لكن فيه ما عرفت في الفرع السابق بما لا مزيد عليه من أنه لا وجه الاختصاص تلك الأدلة بالبالغين ولا انصراف لها إليهم، بل تعم البالغ.. إلي آخر ما سردناه.
وكذلك يستشكل (2) بأن النصوص الواردة في أمر أولياء الصبيان بأمر صبيانهم بالصلاة لا تشمل المقام وأن الصلاة التي أمر الصبي المميز بها هناك منصرفة عن الصلاة النيابية إلي الصلوات اليومية، فليست صلاته النيابية بشرعية. ولكنه مدفوع:
أولا بمنع انصراف الصلاة عنها إلي اليومية بعد إطلاقها.
ص: 149
وثانيا أنه - علي تسليم الانصراف - لا ريب في عدم خصوصية للصلوات اليومية، بل بإلغاء الخصوصية - ولعله بتنقيح المناط - تعم غيرها من الصلوات بل جميع العبادات.
فالحق - بناء علي المشروعية - هو الاجتزاء والكفاية وفراغ ذمة الميت عنها وأن عمله - بناء عليها - واجد للمصلحة التامة بدون نقص فيها، غاية الأمر رفع الشارع تعالي الإلزام عنهم تلطفا وامتنانا ... إلي آخر ما تقدم بما لا مزيد عليه.
ص: 150
من مقتضيات شرعية عبادات الصبي أنه لو استطاع وحج في زمان تمييزه كان حجه مجزيا عن حجة إسلامه ولا يجب عليه ذلك بعد البلوغ، وإن لم يسقط عن الاستطاعة بعد، لكن الظاهر أن الأصحاب قدس سرهم تسالموا علي عدم الاجتزاء به (1) ، فلعله -كما قيل (2)_ لخصوصية في حجة الإسلام لا تحصل إلا بأن يكون الحاج بالغا ، كما أن الأمر كذلك في اشتراط الحرية أيضا، فليس عدم إجزائه من جهة عدم مصلحة و ملاك في حجه بعد البناء علي شرعية عباداته التي منها الحج،كما لا يخفي.
ص: 151
إذا كان الصبي غير البالغ أكبر أولاد والديه، لا يجب عليه بعد موتهما قضاء عباداتهما قبل البلوغ (حال التمييز ) كما يجب عليه بعد البلوغ؛ فإن العنوان المصرح به في دليل الوجوب أنه يقضي عنه أولي الناس بميراثه (1) وهذا العنوان وإن كان صادقا علي الولد الأكبر بعد بلوغه وقبله حال تمييزه بلا فرق بينهما في الصدق، إلا أن غير البالغ رفع عنه قلم التكليف والإلزام تفضلا وامتنانا ولم يرفع عنه مطلق الأحكام علي ما تقدم بما لا مزيد عليه، فلا يجب عليه شيء قبل البلوغ، ولكن لا يبعد القول باستحبابها عليه إذا كان مميزا بعد البناء علي مشروعية عباداته، كما هو ظاهر.
ثم الظاهر أن مقتضي شرعية عباداته أنه لو أتي بها في زمان صباوته و تمييزه يجزي ولا يجب عليه إعادتها بعد البلوغ، كما تقدم بيانه في الفرع الثالث.
نعم، تسالم الأصحاب قدس سرهم هناك علي عدم الإجزاء - علي ما أشرنا إليه - ولكن لم يعلم تسالمهم علي عدم الإجزاء في المقام، فلعل الظاهر هو الإجزاء والسقوط بعد البلوغ، والله - تبارك وتعالي - هو العالم.
ص: 152
لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بأذان الصبي المميز سماعا وجماعة كما لا إشكال في الاجتزاء بأذانه حكاية (1) ؛ لوضوح أن الحاكي -كما أفيد (2) - في تلك الحالة مؤدن حقيقه، من غير فرق بين أذاني الإعلام والإعظام (3) (أي أذان الصلاة جماعة أو فرادي، مستحبا كان أم مكروها ) حتي إذا لم نقل بشرعية عباداته، فضلا عما إذا قلنا بذلك، كما هو الصحيح المشهور علي ما تقدم؛ وذلك لانعقاد الإجماع بقسميه علي عدم اشتراط البلوغ في الأذان كما عن صاحب الجواهر قدس سره (4) ولنصوص خاصة تدل علي ذلك، وقد عقد لها صاحب الوسائل قدس سره بابا (5) ، بل الأذان الإعلامي لا بأس بالاجتزاء به بلاكلام، لاتحاد الصبي مع البالغ في تحصيل غايته وهي الإعلام بعد عدم كونه أمرا عباديا يعتبر فيه قصد القربة زائدا علي قصد
ص: 153
أصل العمل حتي يدخل في مورد البحث.
وأما التقييد في بعض تلك النصوص (1) بعشر سنين، فلعله -كما قيل (2) - الأجل رعاية التمييز؛ إذ لا تمييز قبله عادة، ولا معارض لتلك النصوص إلا من حيث الائتمام المصرح به في بعضها كموثقة إسحاق بن عمار قوله عليه السلام : « فإن أم (أي الغلام قبل أن يحتلم) جازت صلاته، ولكن فسدت صلاة من خلفه» (3) أي صلاة من يأتم به من البالغين دون الصبيان كما لا يخفي؛ وحيث لا إطلاق في نصوص الجماعة بالنسبة إلي الإمام حتي يرجع إليه في تصحيح الائتمام بالصبي بعد التساقط بالتعارض (4) فلا محالة يحكم بعدم صحة ائتمام البالغين به.
وأما من حيث الاجتزاء بأذانه لما هو مورد البحث، فلا معارض لها، فلا إشكال في الاجتزاء بأذانه سماعا وجماعة، وإن كان الاحتياط - استحبابا - لا ينبغي تركه؛ خروجا عن مخالفة غير واحد من أعلام الأصحاب قدس سرهم.
هذا كله في أذان الصبي المميز.
وأما إقامته فلا إشكال أيضا في الاجتزاء بها -سماعا وجماعة - بعد البناء علي مشروعية عباداته كما هو الصحيح.
ص: 154
نعم، يشكل، بل لا يصح الاجتزاء بها مطلقا بناء علي تمرينية عباداته.
هذا كله في الاجتزاء بأذانه لصلاة البالغين جماعة وسماعا.
وأما الاجتزاء بأذانه وإقامته لصلاة نفسه أو لصلاة جماعة الصبيان فلا ريب فيه ولا إشكال؛ فإن حالهما حال بقية الأجزاء والشرائط العبادية المجزئة لنفسهولو كانت تمرينية، فضلا عما هو الصحيح من كون عباداته شرعية كما لا يخفي.
ص: 155
مقتضي شرعية عبادات الصبي المميز هو أن يصح له النذر وأخواه من العهد واليمين، فله أن ينذر ويحلف ويتعهد ويفعل ما هو عبادة غير مالية وإن لم يجب عليه الوفاء، بل يستحب له؛ لمكان رفع التكليف الإلزامي عنه علي ما تقدم شرحه وتفصيله.
ولكن عن بعضهم (1) : أنه لا قائل بصحتها، وأن الظاهر انعقاد الإجماع علي اشتراط البلوغ فيها (2) فيكون الإجماع المدعي مانعا عما هو المقتضي للصحة، فتبطل هذه الأمور من الصبي المميز لأجل الإجماع.
وقد قيل (3) : إنه العمدة في وجه بطلانها، لا ما قد يتوهم أو يقال (4) في وجه البطلان من كون وجوب الوفاء من مقومات صحتها، لقوله تعالي: « يُوفُونَ بِالنَّذرِ وَ يَخافُونَ يَوماً كَانَ شَرُّهُ مُستَطِيراً» (5) ولا ريب في عدم الوجوب، حتي بناء علي شرعية عباداته، ومع عدم الوجوب وانتفاء ما هو القوام لا تصح عنه ولا تتحقق منه
ص: 156
تلك الأمور؛ وذلك لأن وجوب الوفاء ليس من مقوماتها، بل يكون من أحكامها المترتبة عليها شرعا، وفي المقام رفع الشارع - تبارك و تعالي - حكم الوجوب عنه رأفة وامتنانا وأما أصل الصحة علي سبيل الاستحباب فلا غبار عليها.
فالعمدة في وجه البطلان هو الإجماع، ولكن فيه: أن محصله غير معلوم الحصول، و منقوله غير محقق القبول.
ص: 157
بناء علي شرعية عبادات الصبي لا يكون وقوفه مصليا في صفوف الجماعة حائلا ، بل يصح أن تتصل بصلاته صفوف الجماعة المنتهية إلي إمامها، كما عليه مشهور الفقهاء رضوان الله تعالي عليهم (1) ؛ لذهابهم إلي أنه لا يضر الفصل بالصبي المميز ما لم يعلم بطلان صلاته (2) أو مع العلم بصحة صلاته، كما هو المفروض.
فهو بناء علي شرعية عبادته، مضافا إلي أنه لا يكون بصلاته حائلا بين صفوف الجماعة - يكون كسائر المصلين البالغين موجبا لاتصال الصفوف، فلا يخل فصله بصفوف الجماعة مطلقا. لا من ناحية الحائل والحيلولة ولا من ناحية البعد والفاصلة؛ فعدم إخلال فصله من كلتا الناحيتين مبني علي شرعية عباداته.
وأما بناء علي تمرينيتها فيشكل، بل يخل من كلتا الناحيتين؛ لأن صلاته حينئذ تكون صورة صلاة وليست بصلاة حقيقة.
ص: 158
نعم، ربما يستدل (1) لعدم الإخلال - حتي علي التمرينية - بقول الإمام عليه السلام في خبر أبي البختري: «أن عليا عليه السلام قال: الصبي عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصف جماعة... الخبر» (2) ، لكنه وإن كان تام الدلالة، إلا أنه - كما عن بعض الأعلام قدس سره (3) - ضعيف السند لا يصح الاعتماد عليه، فثبت أن عدم الإخلال من كلتا الجهتين إنما هو مبني علي شرعية عباداته فحسب، ولا ينافي ذلك ما اشتهر منهم قدس سرهم من كراهة تمكين الصبيان من الصف الأول (4) ولو كانوا مميزين (5) ؛ فإنه
ص: 159
- مضافا إلي أن الكراهة إنما هي بدليل خاص (1) - يكون أصل صحة عبادته باقية مع الكراهة بمعني أقل ثوابا ، كما لا يخفي.
نعم، لا يجوز للبالغين الائتمام به حتي بناء علي شرعية عباداته وصحة صلاته؛ لماتقدم آنفا من دلالة نصوص خاصة- كموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في الفرع الخامس - علي عدم جواز ائتمام البالغين به وأنه تفسد صلاتهم، وإن جازت صلاته وصلاة من ائتم به من غير البالغين بحيث لولا النص لما فسدت صلاتهم بمقتضي شرعية عباداته.
ولهذا البحث فروع ومسائل أخري - ولعلها كثيرة متكثرة تأتي في مختلف أبواب الفقه العبادي - مترتبة علي شرعية عبادات الصبي المميز، أعرضنا عنها لعدم سعة هذا المختصر مخافة التطويل والإطناب و اتكالا علي فهم ذوي الألباب، بل لعله لا حاجة إلي ذكرها في هذا الباب، بعد إمكان اقتباسها مما ذكرنا من الفروع بلا ارتياب.
وإن شئت قلت: كما أومأنا في خلال البحث - إنه بناء علي شرعية عباداته
ص: 160
تكون جميع الواجبات والمستحبات المذكورة في خلال أبواب الفقه - باستثناء ما اختصت بالبالغين أو خرجت بالدليل - مستحبة عليه. وقد اشتهر تأليف الشهيد الأول قدس سره كتاب «الألفية» المشتمل علي ألف واجب من واجبات أحكام الصلاة، وكتاب «النفلية» المشتمل علي ما يزيد عن ثلاثة آلاف من مستحباتها، وشرحهما الشهيد الثاني قدس سره بأحسن شرح - علي ماقيل (1) - فكل هذه الواجبات والمستحبات و غيرهما من سائر العبادات الشرعية - ما خلا المختصات بالبالغين - تكون مستحبة علي الصبي المميز بناء علي شرعية عباداته.
ص: 161
قد ظهر مما سردنا في البحث أنه يعتبر في الأحكام الفرعية أن يكون المكلف بالغا وأن البلوغ موضوعها، وأن الصبي المميز- لمكان رفع قلم التكليف عنه - لم يكن بمورد للإلزامية من تلك الأحكام وإلا لكان مشمولا لها بالتقريب المتقدم.
وأما الأحكام الأصلية والأصول الاعتقادية فلا يعتبر فيها البلوغ، بل يعتبر فيها الرشد الصادق علي التمييز، فيكفي فيها ذلك وإن لم يبلغ حد البلوغ الذي وضعه بيد الشارع تعالي؛ وذلك لشمول هذه الأحكام الأصولية للصبي المميز بالتقريب المتقدم في الأحكام الفرعية من غير فرق، إلا أنه - تبارك وتعالي - رفع قلم تكليف الفرعية عنه بحديث رفع القلم، ولكن لم يرفع عنه هذه الأحكام؛ لأن هذه الأحكام في الحقيقة ليست بشرعية محضة بل عقلية، وما صدر منه تعالي من الأمر بها ليس بمولوي، بل إرشاد إلي حكم العقل بها وإمضاء له علي ما هو عليه.
كيف لا؟! وإن الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية (1) ، فليس له - عزوجل - فيها إعمال المولوية بتحديد البلوغ وإخراج الصبي المميز عنها كإخراجه عن الفرعية، فلا دليل شرعي كما لا برهان عقلي علي خروجه من
ص: 162
الأصلية، بل الدليل العقلي قائم وحاكم علي أنه من جهة تمييزه ورشده محكوم بها من غير تحديد بالبلوغ الذي أشرنا آنفا إلي أنه من وظائف الشرع الأنور في مورده ولا مسرح للعقل هناك، فلا موجب لإخراجه عن تلك الأحكام اقتراحا والقول بعدم وجوبها عليه تحكما.
ولو فرضنا عدم وجوبها عليه وخروجه عن الإلزام بها بالفرض فنقول:
لم لا تصح عنه علي سبيل الندب، كما صححنا الأحكام الفرعية بعد رفع قلم تكليفها الإلزامي عنه؟ وقربنا الصحة الندبية هناك بما لا مزيد عليه، فهي لو لم تكن واجبة عليه فرضا فلا أقل صحيحة عنه بلا غبار عليه، وإن توهم كثير من العامة وأصروا علي خلافه بلا روية، فلا يعبؤون ولا يهتمون بإسلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه صلوات الله الملك الغالب -قبل الشيخين؛ فإنه عليه السلام - بشهادة النصوص المتواترة والتواريخ المعتبرة - أظهر الإسلام والإيمان في حال الصباوة قبل كل أحد (1) ، وهذا الخلاف الاقتراحي منهم من أعجب العجائب، ولا سيما بعد ملاحظة أنه عليه السلام من بين الصبيان كان ممتازا في نفسه ووليد البيت وموردا لكثير من عناياته تعالي الخاصة، وهذا مع قطع النظر عن ولايته المطلقة وإمامته الإلهية التي أعطاها الله - تبارك وتعالي - إياه عليه السلام كإعطاء النبوة لبعض الأنبياء عليهم السلام صبيا.
ص: 163
فتحصل أنه لا موجب ولا وجه لاعتبار البلوغ في وجوب هذه الأحكام الأصولية الاعتقادية ولا في صحتها، بل تجب و تصح عن الصبي المميز تلك الأحكام بلاشبهة ولا كلام.
فالصبي المميز -كغير المميز - وإن كان من حيث الحكم الفرعي تابعا الأحدأبويه إذا كان مسلما ولكليهما إذا كانا كافرين، إلا أنه لو كان أبوا الصبي المميز كافرين فأظهر الإسلام والشهادتين حال التمييز أو أظهر الإيمان والشهادات الثلاث حاله يقبل منه ويخرج بذلك عن التبعية ويحكم بإسلامه وإيمانه من غير انتظار للبلوغ، وإن لم يجب عليه بعد ما يجب علي البالغين من الأحكام الفرعية الإلزامية، كما أنه لو ارتد ولد المسلم والمؤمن ومن كان أبواه- أو أحدهما - مسلمين مؤمنين خرج عن التبعية أيضا وحكم بكفره، بل بارتداده الفطري وإن لم يجر عليه القتل وغيره مما يجري علي البالغين المرتدين فطريا أو مليا من الأحكام المترتبة علي الارتداد؛ فإنها من الأحكام الفرعية المعتبر فيها البلوغ، كما لا يخفي.
وبعبارة أخري: الموضوع في أصول الاعتقاد الدينية هو الرشد الشامل للتمييز، فكما أن الصبي المميز إذا أسلم وآمن يحكم بإسلامه وإيمانه، كذلك لو ارتد وكفر يحكم بكفره وارتداده، و به صرح بعض الأعلام قدس سره وقال: «إذا أقر ولد الكافر بالإسلام وأظهر الشهادتين علي لسانه فلا محالة يحكم بطهارته وإسلامه؛ لإطلاق ما دل علي تحقق الإسلام بالإقرار بالشهادتين كما يحكم بتهوده وتنصره
ص: 164
إذا اعترف بهما علي نفسه من غير فرق في ذلك بين البالغ وغير البالغ» (1) وكذا يتحقق الإيمان بالإقرار بالشهادات، فلا يتبع والديه الكافرين في جواز الأسروالاسترقاق وغيرهما.
نعم، كان يتبعهما ما لم يكن يظهر الإسلام والإيمان، كما في تبعيته لهما في جواز الأسر والاسترقاق الذي تسالم عليه الأصحاب - قدس الله تعالي أسرارهم - و ثبت بالسيرة القطعية في حروب المسلمين؛ حيث إنهم كما كانوا يأسرون البالغين من الكفار، كانوا يأسرون صبيانهم وأولادهم ولو لم يكونوا بالغين (2).
وكذا يعد الولد المميز كافرا مرتدا لو أظهر الكفر ولو كان أحد أبويه مسلما ، ولا ينافي ذلك عدم تكليفه بالأحكام الفرعية وعدم كونه معاقبا بشيء من أفعاله الشخصية مما يعاقب به البالغون كما أنه كذلك يعامل معه معاملة ما أعد للمرتدين البالغين من الأحكام الفرعية.
فتحصل أن ولد الكافرين إذا أظهر الإسلام والإيمان وكان رشيدا مميزا يقبل منه فيحكم بإسلامه وطهارته ويخرج عن التبعية في الأسر والاسترقاق ونحوهما، ولكن لا يجب عليه ما يجب علي البالغين المسلمين المؤمنين من الأحكام الفرعية وكذا بالعكس: فلو أظهر الكفر من كان أحد أبويه - أوكلاهما - مسلما مؤمنا يحكم بكفره، بل بارتداده الفطري أو الملي، ولكن لا يجري عليه ما يجري علي البالغين
ص: 165
المرتدين مليا أو فطريا من القتل وغيره، والله - تبارك وتقدس - هو العالم بأحكامه، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا و باطنا.
ص: 166
ص: 167
ص: 168
الرسالة السادسة
في أن الإعانة علي الإثم غير محرمة في نفسها إلا إذا صارت كالجزء الأخير من العلة التامة للإثم وسببا أقوي لوجوده في الخارج
وقبل الخوض في ذلك لا بد من تقديم مقدمة.
وهي: أن المراد من الإثم هاهنا الإثم بما هو إثم، أعني الذي لم يكن فيه ظلم للغير وتعد إليه، مثل شرب الخمر أو الماء النجس أو أكل لحم الخنزير ونحوها.
وإلا فلو كان فيه ظلم وتعد:
فأولا: لا ريب ولا إشكال في أنه من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي و محرم بالأدلة الأربعة : الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
ص: 169
وثانيا : أن الإعانة عليه مطلقا- ولو لم تكن سببا أقوي من المباشر لوجود الظلم في الخارج، بل ولو كانت بوسائط عديدة بعيدة فضلا عن القريبة - محرمة ومنهي عنها في الشريعة، بل ربما يعد بعض الإعانات القريبة من الظلم نفسه، كالكتابة في أمر ظلم الظلمة، ويقال بأن الإعانة حينئذ تكون مثل نحت قلم كاتبه وتقريب وسائط الكتابة له، وقد ورد في ذلك نصوص كثيرة متكثرة وأخبار متظافرة متكاثرة كادت تزيد وتتجاوز عن حد التواتر، مضبوطة في محالها (1) ولعله يغنينا عن ذلك كله ما ورد في قضية صفوان الجمال المعروفة (2) من الإشارة إلي حكم إعانة الظلمة وأعوانهم من النهي الأكيد.
إذا عرفت هذه المقدمة فليعلم: أن الإثم مجردا عن الظلم والتعدي إلي الغير، وإتيان المعصية الكذائية- كبيرة كانت أو صغيرة نسبية - وإن كان ظلما للنفس -كما في الكتاب العزيز حكاية عن آدم ولقمان - علي نبينا وآله وعليهما السلام - من قوله تعالي: « ظَلَمنا أنفُسَنا» (3) وقوله تبارك وتعالي: « إِنَّ الشَّركَ لَظُلمٌ
ص: 170
عَظِيمٌ» (1) وغير ذلك (2) - لكن هذا النحو من الظلم للنفس ما لم يكن في نفسه ظلما وتعديا إلي الغير، منصرف عن الظلم الذي أشرنا وسردنا حرمته وحرمة الإعانات عليه بالأدلة، وهذا هو المقصود بالبحث هنا ولا بد من التكلم فيه، فنقول:
لا كلام في أن هذا الإثم المجرد عن الظلم والتعدي إلي الغير- مع كثرته المتكثرة المعدودة في الكتاب والسنة - محرم مبغوض للشارع تعالي و تقدس، ويجب الاجتناب عنه. كيف لا؟! وإن الإثم ليس إلا ما هو كذلك وإنما الكلام في هذا المقام في أن الإعانة عليه - كالإعانة علي الظلم والتعدي - محرمة أيضا أم لا؟
التحقيق أن الإعانة في المقام علي نحوين :
الأول: أن يتخلل في البين اختيار للمباشر المعان له، كما لو أعانه المعين بتمكينه من الماء النجس أو ببيع العنب منه أو بإعارة السكين إياه أو نحوذلك مما يشترك فيه الحلال والحرام، فصرفه المعان له في الحرام باختياره وإرادته: بأن يشرب الماء النجس أو يخمر العنب أو يستعمل الآلة المشتركة في الحرام وهكذا.
الثاني: أن لا يتخلل له اختيار في البين، كما لو مكنه المعين من تلك الأمور التي يشترك فيها الحرام والحلال بعد أن سلب الاختيار منه من شدة العطش أو حدة الغضب أو نحو ذلك.
ص: 171
أما القسم الأول: فالإعانة عليه بما يشترك فيه الحلال والحرام غير محرمة والمعين بإعانته هذه غير آثم إذا لم يكن بإعانته قاصدا للحرام؛ فإن مجرد الإعانة علي ذلك- بعد ما كانت الإعانة مشتركة في الحلال والحرام وبعد ما كان الفاعل المباشر مختارا في الفعل والترك - لا أثر لها ولم يثبت حرمتها ولم يدل علي حرمتها دليل، وقد حقق في محله أن اختيار الفاعل المباشرهو الجزء الأخير من العلة التامة للعمل، والمفروض وجوده للمباشر وعدم سلبه عنه فلا أثر للإعانة حينئذ ، حتي إذا أعانه مع العلم بأنه يصرفه في الحرام، بداهة أن العلم أيضا لا أثر له ولا يقلب الإعانة عما هي عليه ولا يسلب من المعان له الاختيار، كما لا يخفي.
بل قد يتوهم أنه كذلك (أي لم يأثم المعين) وإن قصد من الإعانة أن يتحقق الحرام من المباشر في الخارج؛ بدعوي أنه لا يلزم منه سوي خبث السريرة له، لكنه توهم فاسد كاسد؛ إذ التحقيق أن عمل المعين مع هذا القصد يخرج من باب الإعانة علي الإثم ويدخل في باب التعاون عليه، وفرق واضح بينهما؛ إذ التعاون علي الإثم هو أن يصدر عمل واحد محرم من شخصين أو أشخاص عديدة يعين كل واحد الآخر بحيث ينتسب الحرام إلي كل واحد واحد؛ وذلك كما لو اجتمعا أو اجتمعوا علي هدم مسجد أو قتل نفس محترمة.
وهذا بخلاف الإعانة علي الإثم وهي أن يصدر العمل المحرم من واحد ويعينه شخص آخر علي ذلك من غير أن ينتسب الحرام إليه؛ فالتعاون هو اجتماع
ص: 172
غير واحد علي إصدار عمل واحد محترم و عصيان فارد مسلم، والمقام يكون كذلك؛ إذ في الحقيقة بعد قصد المعين من الإعانة تحقق الحرام من المباشر في الخارج يصدر الحرام الواحد من شخصين: من المعين بعمله وقصده، ومن المعان له بمباشر ته واختياره، ولا ريب في أن هذا التعاون محترم في نفسه في الكتاب والسنة؛ قال الله - تعالي وتبارك -:« وَلا تَعاوَنُوا عَلَي الإِثمِ وَالعُدوانِ » (1) وغير ذلك مما هو مضبوط في محله.
ومما ذكرنا يعلم ضعف قول بعضهم (2) في مسألة عدم وجوب التستر علي الرجال مع حرمة النظر علي النساء من أنه مع العلم بتعمدهن في النظر يجب عليهم التستر من باب حرمة الإعانة علي الإثم؛ لما عرفت من أنه لا دليل علي حرمة مجرد الإعانة علي الإثم المجردة عن الظلم.
وكذا يعلم ضعف كلام من تأمل في ذلك وقال - بعد تسليم أن المتيقن من حرمة الإعانة هو أن تكون مع قصد الإعانة (أي مع قصد الحرام من عمل الإعانة) -: «إن في حرمة الإعانة بدون ذلك القصد تأملا» (3).
ص: 173
توضيح الضعف: أنه عرفت بما لا مزيد عليه أنها مع ذلك القصد يدخل تحت عنوان التعاون علي الإثم المحرم بلا ريب وإشكال.
فتحصل: أن المعين لم يأثم بإعانته علي النحو الأول من الإعانة ولم يأتي بحرام تكليفي ما لم يقصد بإعانته الحرام، وإن علم بوقوع الحرام من المعان له، وإنما الآثم المرتكب للحرام هو المباشر المختار المعان له.
هذا كله في الإعانة علي النحو الأول.
ص: 174
وأما علي النحو الثاني : فالإعانة بما يشترك فيه الحلال والحرام محرمة حينئذ ويكون الآثم هو المعين مطلقا وإن فرض بعيدا أنه لم يعلم أو لم يقصد بإعانته وقوع الحرام في الخارج؛ وذلك لأنها السبب الأقوي للحرام دون الفاعل المباشر المعان له؛ لسلب الاختيار عنه علي الفرض وارتفاع التكليف عنه؛ إذ من الواضح أن الاختيار - كالبلوغ والعقل - من الشرائط العامة للتكليف (1)، ولكن ما لم يكن مقصرا في مقدمات سلب الاختيار عن نفسه وإلا فهو معاقب في ذلك وإن لم يتوجه التكليف إليه بعد سلب الاختيار، فإن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا خطابا علي ما حقق في محله (2) ، فتدبر ولعل تقصيره هذا في مقدمات العمل مع إعانة المعين إياه في العمل يدرجان المسألة في باب التعاون علي الإثم المحرم في نفسه صريحا في الشريعة المقدسة.
وبعبارة أخري : إذا كان من سلب عنه الاختيار مقصرا في مقدمات سلب اختياره لا يبعد أن يعد مقصرا في فعل الإثم، لكن لا بحيث لا يستند الإثم إلي المعين، بل يستند إلي كليهما، ويكون حينئذ كل منهما مقصرا آثما، فيخرج المقام
ص: 175
من باب الإعانة علي الإثم ويدخل تحت المعاونة والتعاون عليه، وقد عرفت الفرق بينهما آنفا بما لا مزيد عليه.
وكيف كان، فإذا لم يكن هذا المسلوب الاختيار مقصرا في المقدمات يكون الآثم هو المعين لا غير؛ لفقد الجزء الأخير من علة الإثم عن المباشر وقيام إعانة المعين مقامه في العلنية.
ومما ذكرنا يظهر فساد توهم أن الإثم علي هذا النحو -أي الثاني - ينتقل عن الفاعل المباشر إلي السبب المعين لمكان سلب الاختيار عن المباشر.
توضيح الفساد: أن التكليف مع سلب الاختيار عن المكلف المباشر -كما هو المفروض - لا يتوجه إليه رأسا حتي ينتقل إلي السبب، بل يكون المعين هو السبب للإثم وهو الأقوي من المباشر في حال سلب الاختيار منه، بحيث لا يكون للمباشر حينئذ إثم و عصيان.
وليعلم أنه كما أن المجنون والصبي لا يكونان في الواقع مكلفين، كذلك الناسي والغافل لمكان النسيان والغفلة لا يكونان مكلفين بحسب الواقع، والجاهل القاصر لمكان جهله القصوري بالحكم لا يكون بحسب الظاهر مكلفا؛ وذلك لعدم قدرتهم علي امتثال المنسي والمغفول عنه والمجهول، وإلا فهو بحسب الواقع مكلف بالحكم؛ لاشتراك الجاهل والعالم في الحكم الواقعي بحسب مذهب الحق المحقق، فلو شرب الناسي والغافل أو الجاهل القاصر الخمر أو النجس مثلا لم يكونوا آثمين كالمسلوب الاختيار المتقدم بيانه وكالمجنون والصبي.
ص: 176
إن قلت: الإعانة في مسلوب الاختيار - علي ما حقق - تكون سببا أقوي من الفاعل المباشر فهل يمكن أن يقال- أيضا : إن مجرد عدم تنبيه الغافل أو الناسي أو عدم إرشاد الجاهل يكون سببا أقوي من الفاعل المباشر إذا كان غافلا أو ناسيا أو جاهلا قاصرا؟
قلت: ليس الأمر كذلك؛ إذ كل من عدم التنبيه وعدم الإرشاد لا يكون من مصاديق الإعانة ولا يعد إعانة علي ما يرتكبه الناسي والغافل والجاهل نسيانا وغفلة وجهلا ولا تصدق الإعانة علي ذلك عرفا، كيف؟! وإنهما أمران عدميان، والإعانة لابد وأن تكون أمرا وجوديا ، فعند عدمي التنبيه والإرشاد لا إعانة ولا سبب أقوي من الفاعل المباشر هاهنا، ولذا لا يجب (1) تنبيه الغافل والناسي ولا إرشاد الجاهل القاصر (2) كما لا يجب إيقاظ النائم وهو واضح.
ولا يخفي أن الجاهل القاصر لا ينحصر فيمن يكون وراء الجبل وأمثاله علي ما اشتهر، بل يعم الجاهل المركب أعني به من لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم، فإنه لم يقصر في مقدمات جهله هذا، فيكون جاهلا قاصرا غير مقصر؛ بداهة أنه ربما يقطع بأنه غيرجاهل والقاطع لا يري إلا الواقع.
ص: 177
وكيف كان، فلنرجع إلي أصل البحث وأنه تحصل أن الإعانة علي النحو الثاني تكون من موارد أقوائية السبب من المباشر فتكون محترمة والمعين هو الآثم، بخلاف النحو الأول؛ فإن المباشر هناك أقوي ويكون هو الآثم ولا أثر للسبب ولا حرمة للإعانة ولا يكون المعين آثما وإن علم حين الإعانة تحقق الحرام من المباشر، إلا إذا نوي بالاعانة تحقق الحرام، فإنها -كما تقدم - تندرج في باب المعاونة والتعاون علي الإثم المحرم في نفسه في الكتاب والسنة.
ومما ذكرنا تعرف أن بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا إعانة ولكن لا تكون بمحرمة ولا يبطل البيع بذلك؛ لتخلل اختيار المباشر للتخمير وأما بيعه منه علي أن يعمله خمرا فهو محرم لا من باب الإعانة؛ لتخلل الاختيار حينئذ أيضا، بل من باب التعاون علي الإثم الذي عرفت مرارا أنه محرم في الكتاب والسنة، فيبطل البيع بذلك بلا إشكال وارتياب.
ص: 178
قد ثبت من مطاوي ما ذكرنا أن إرشاد الجاهل القاصر- كتنبيه الناسي والغافل - غير واجب (1) ، بقي الكلام في أنه هل إرشاد الجاهل المقصر أيضا غير واجب (2) مطلقا أو أنه واجب عينا أو كفاية؟
التحقيق أنه إذا كان الجاهل المقصر مسترشدا وسائط عما جهل من الحكم فإرشاده وإعلامه واجب، ولاسيما علي من استرشده حتي إذا لم يكن التكليف مما ابتلي به العموم، بل لم يكن من الأحكام الإلزامية كالواجبات والمحرمات بأن كان من المندوبات والمكروهات؛ لقيام السيرة علي ذلك كله.
نعم، قيامها علي وجوب الإرشاد علي غير من استرشده غير واضح.
لا يقال: كيف يجب في غير الإلزاميات، بعد لزوم زيادة الفرع علي الأصل حينئذ مع أنه لا بد من الملازمة العرفية بين عدم وجوب الشيء وعدم وجوب ملازمه؟
فإنه يقال : السيرة قائمة علي لزوم هداية المستهدي وأنه لا بد علي المسؤول عنه أن يجيب سؤال سائله، ولو كان السؤال حكما غير إلزامي، ولو نوقش قيام السيرة من هذه الحيثية - أعني حيثية وجوب إرشاد مسترشدالحكم غير
ص: 179
الإلزامي - فلا مناقشة في قيام السيرة القطعية علي وجوب إرشاد ما عدا ذلك من الأحكام الإلزامية كما لا يخفي علي الخبير المتضلع.
نعم، لا يجب إرشاد المسترشد عن موضوعات الأحكام إلا ما كان منها بيد الشارع - تعالي و تقدس - وإن كان يستحب كما هو واضح.
وأما الجاهل المقصر غير المسترشد وغير السائل عما جهل من الأحكام حتي من الأحكام الإلزامية فهو كالجاهل القاصر، لم يجب علي أحد إعلامه وإرشاده لا عينا ولا كفاية.
نعم، يستحب فعل الإرشاد؛ بداهة أنه أمر مرغوب فيه ومطلوب للشارع تبارك وتعالي.
إن قلت : كيف لا يجب الإرشاد عند عدم الاسترشاد مع أنه من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين كفاية بل عينا علي الكل عند تحقق شرائطهما المضبوطة في محلها؟
قلت: كم فرقا بينهما وإن بابه غير بابهما؛ إذ فيهما يتخلف الحكم عن علم وعمد، وفيه يتخلف الحكم عن جهل وقصور أو جهل و تقصير وبينهما بون بعيد ولذلك يجبان مع وجود شرائطهما الخاصة، والمدعي في الإرشاد أنه عند عدم الاسترشاد لا يجب علي أحد ؛ وذلك لعدم دليل قاطع يدل علي الوجوب، بل
ص: 180
السيرة من زمن الأئمة عليهم السلام قائمة علي عدمه؛ إذ لم يعهد أن واحدا منهم عليهم السلام أو من بطانتهم شد الرحال لإبلاغ الجهال القاصرين والمقصرين (ولا سيما المتمردين) الذين امتلا العالم منهم؛ فإن أكثرهم لا يعلمون، وكذا لم يعهد من أحد في سائر الأعصار إلي عصرنا هذا إرشاد هؤلاء الجهلة المملوءة في أقطار هذا العالم الكبير، ولا سيما الجهلة بالعقائد وسائر حقائق الدين الحنيف، مع أنه ورد أن:« للهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ» (1) ، وأن: «لا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيَّ » (2).
ولا يجدي في المقام التشبث بمثل قوله تعالي: «فَلَو لا نَفَرَ مِن كُلَّ فِرقَةٍ مِنهُم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ» (3) لأنه وأمثاله تدل علي وجوب إرشاد النافرين أو طائفة من كل فرقة وإنذارهم لخصوص قومهم إذا رجعوا إليهم، ولا يدل علي وجوب إرشاد السائرين من جميع الأقوام والملل من الجهال القاصرين والمقصرين. كيف؟! ولو كان الأمر كذلك لذاع وشاع، وللزم علي كل من تفقه أو تعلم شيئا من الدين طي الطرق والمنازل
ص: 181
لإنذار الجهال القاصرين والمقصرين وإرشادهم، ولما قامت السيرة المشار إليها علي خلاف ذلك.
والحاصل أنه لم يرد أي أثر أو رواية يدلنا علي أن الأئمة عليهم السلام ومن يتلو تلوهم، بل وغيرهم من السلف أقاموا ونهضوا علي إرشاد هؤلاء الجهلة طي الأعصار في الأقطار والأمصار.
نعم، لعله كان واجبا علي الأنبياء العظام عليهم السلام ؛ لأن كلا منهم - ولا سيما
نبينا صلي الله عليه وآله- كان طبيبا دوارا بطبه (1) بخلاف غيرهم عليهم السلام كالإمام عليه السلام فضلا عمن يتلو تلوهم من العلماء و فضلا عن السائرين الذين يعلمون شيئا من الأحكام، كيف لا؟! وإن كلا من العلماء والأئمة عليهم السلام كالكعبة المعظمة يزار ولا يزور (2).
فالحمد لله وله الشكر علي ما هدانا لهذا.
ص: 182
1- في ضرورة اهتمام الفقيه بالقرآن الكريم
2- المصطفون في آية الاصطفاء
3- كلمة محكمة حول الآية المباركة « سَلاَمٌ عَلَي إِل يَاسِينَ»
ص: 183
ص: 184
ص: 185
ص: 186
الملحق الأول
في ضرورة اهتمام الفقيه بالقرآن الكريم
في استنباط الأحكام الشرعية
اعلم أنه علي الفقيه أن يهتم بالقرآن الكريم أشد الاهتمام وأن يكثر التعمق والتدبر في آياته الساطعة خصوصا ما اشتمل منها علي الأحكام الشرعية وأن لا يقتصر علي ما ضبط في الكتب الفقهية والتفسيرية من آيات الأحكام.
هذا مما كان يوصي به سيدنا الأستاذ العلامة الكبير المحقق البروجردي قدس سره تلامذته في أثناء الدرس ويصر عليه؛ حيث كان قدس سره يقول لهم تأكيدا ، مؤكدا:
« عليكم أن تدبروا و تفكروا في آيات القرآن المشتملة علي الأحكام الشرعية وأن لا تقتصروا علي ما جمعه وضبطه فقهاؤنا العظام قدس سرهم لحد الآن في كتبهم».
ص: 187
وأول من صنف كتابا مستقلا في آيات الأحكام هو العلامة أبو النضر محمد بن السائب الكلبي الكوفي رحمه الله (المتوفي سنة 146 ه. ق) من أصحاب الإمامين الهمامين الصادقين عليهما السلام (1) ، كما أن العلامة المقداد بن عبدالله السيوري الحلي المعروف ب «الفاضل المقداد» رحمه الله (المتوفي سنة 826 ه. ق) صنف كتابا مبسوطا قيما في هذا الباب وسماه ب«كنز العرفان في فقه القرآن»، وكذا العلامة أحمد بن محمد الأردبيلي المعروف ب «المقدس» أو «المحقق الأردبيلي» رحمه الله (المتوفي 993 ه. ق)؛ حيث ألف كتابا حول هذا الموضوع سماه ب« زبدة البيان في أحكام القرآن»، وغيرهم من العلماء الكرام قدس الله تبارك وتعالي أسرارهم وشكر مساعيهم.
هذا، مضافا إلي ما حكي عن أستاذنا العلامة الطباطبائي قدس سره في «تفسيرالميزان » من أن القرآن نزل بلسان عربي وسيع ذي محتوي كثير والله تعالي بقدرته التامة غير المتناهية استخدم ألفاظ هذه اللغة وكلماتها في تبيين مراده فالإنسان لو
ص: 188
تدبر فيه جيدا- علي الرغم من أنه لا يستطيع أن يفهم مراد الله سبحانه و تعالي كما هو حقه - فإنه يحصل- بعون الله تبارك وتعالي- علي معارف مهمة ويحظي بفوائد جديدة.
فكيف كان، فإني لما كنت متذكرا لما أوصي به سيدنا الأستاذ من كثرة التدبر في القرآن وآيات أحكامه، بدأت بالتدبر في القرآن الكريم وفي آياته الشامخة بقدر بضاعتي المزجاة فانكشف لي أحكام فقهية لم أجدها بالصراحة والوضوح في ما بين أيدينا من الكتب الفقهية - وإن لا يدل عدم الوجدان علي عدم الوجود - فسررت بذلك وشكرت الله تعالي عليه.
إذن ينبغي أن أذكر شطرا قصيرا مما استفدته من هذا السفر العظيم من الأحكام الشرعية.
المميز؛ حيث قال تعالي: «يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَستَأذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَت أيمَانُكُم (1) وَالَّذِينَ لَم يَبلُغُوا (2) الحُلُمَ مِنكُم ثَلاثَ مَرّاتٍ مِن قَبلِ صَلاةِ الفَجرِ وَ حينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُم مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِن بَعدِ صَلاةِ العِشاءِ (3) ثَلاثُ عَوراتٍ (4) لَكُم لَيسَ عَلَيكُم وَلاَ عَلَيهِم جُناحٌ بَعدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيكُم بَعضُكُم عَلَي بَعضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللهُ عَليمٌ حَكيمٌ وَإِذَا بَلَغَ الأطفالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَليَستَأذِنُوا (5) كَمَا استَأذَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آياتِهِ وَاللهُ عَليمٌ حَكيمٌ» (6).
والأمر في الآية (لِيَستَأذِنكُمُ) ظاهر في وجوب الاستئذان من الناس في الأوقات الثلاثة -وهي أوقات خلوتهم وعدم سترهم- علي المميزين من أولادهم الذكور والإناث، فضلا عن غير أولادهم من الأجانب؛ فإنه لم يرض لهم الدخول
ص: 190
بغير استئذان (1) . و هذه الأوقات الثلاثة كالآتي:
الأول: قبل صلاة الفجر.
والثاني: وقت الظهر الذي يخلع الناس فيه ثيابهم غالبا ليستريحوا وهو وقت القيلولة (2).
والثالث: بعد صلاة العشاء وهو وقت نوم الراحة.
وفي هذه الأوقات للإنسان حالة خاصة لا يستر نفسه فيها غالبأ علي خلاف سائر الأوقات. وبعد هذه الأوقات الثلاثة لا جناح عليكم ولا عليهم في الدخول بدون إذن وأن يرد بعضكم علي بعض بكثرة.
وظاهر هذه الآيات أن هذا التكليف - سواء كان واجبا أو راجحا- قد ورد استثناء بحق غير البالغين، كما أنهم -بحسب التحقيق - مكلفون بقسم من المحرمات، كشرب الخمر والزنا واللواط ونظائرها.
ص: 191
نعم، ربمايحتمل أن يكون مراده تعالي توجيه التكليف إلي الأولياء الشرعيين والعرفيين بأن يوظفوا أولادهم بأن لايدخلوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة بغير إذن كما عليهم أن يربوهم علي عدم ارتكاب تلك الذنوب أو الاقتراب منها.
ولكن هذا الاحتمال خلاف ظاهر الآية- كما اتضح - ولا محذور في عدم اشتراط التكليف بالبلوغ في بعض الموارد الخاصة، بل يتجه كفاية التمييز فيه إذا كان ظاهر الدليل يساعد علي ذلك، كما لا يشترط البلوغ في الاعتقادات الدينية.
التحقيق أنه لا يشترط البلوغ في العقائد الدينية التي هي الفقه الأكبر، بل يكفي فيها مجرد التمييز، ولذا يكون أطفال الكفار غير البالغين - حتي المميزون منهم -محكومين بالكفر تبعا لآبائهم ما داموا لم يختاروا الإسلام، فأما إذا اختاروا الإسلام يخرجون عن تبعية آبائهم ويكون إسلامهم صحيحا ومعتبرا (1) ، كما نقل في الجواهر عن الشيخ الطوسي - قدس سره القدوسي - في الخلاف أنه قال: إسلام
ص: 192
الصبي المراهق أي ( المميز) صحيح (1).
بخلاف أطفال المسلمين الذين يحكم عليهم بالإسلام بتبعية أحد الأبوين؛ فإنهم إذا نطقوا - لا سمح الله - بالكفر محكومون بالارتداد (2) ، كما أن الشيخ الطوسي قدس سره قال بارتداد المراهق ووجوب قتله لو لم يتب (3) خلافا للمشهور القائل بعدم العبرة بارتداده.
ولكن مقتضي الاحتياط الواجب أن لا يجري عليه حد الارتداد حتي يبلغ والله - تعالي و تقدس - هو العالم بحقائق أحكامه.
ص: 193
إن الارتداد يتحقق بإنكار المبدأ تعالي أو المعاد أو رسالة النبي الأكرم صلي الله عليه وآله أو ضرورة من ضروريات الدين مع العلم بضرورتها التي يرجع إنكارها إلي إنكار الرسالة.
فالارتداد لا يتحقق - كما هو التحقيق- بمجرد إنكار الضروري بلحاظ وجود شبهة في كونه ضرورة من ضروريات الدين مثل إنكار العامة - خصوصا عوامهم - ولاية أمير المؤمنين المطلقة وسائر الأئمة المعصومين عليهم السلام ؛ فإنه لا يوجب الارتداد خصوصا إذا كان إنكارهم بالجهل المركب الذي لا يكون في مقدماته تقصير (1).
نعم، لا شك في أن طائفة من المسلمين في صدر الإسلام - من الصحابة والتابعين وغيرهم - لما كان أمر رسول الله صلي الله عليه وآله في ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام
ص: 194
واضحا لديهم ومع هذا أنكروا ولايته وربما كانوا مصرين علي إنكارهم إلي آخر عمرهم - مرتدون في الواقع ونفس الأمر وكذلك الذين كانوا من بعدهم وهم علي قطع ويقين من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ومع ذلك أنكروها عنادا.
نعم، لم يحكم عليهم من قبل شيعة أهل البيت عليهم السلام بالارتداد؛ وذلك لأنه لم يعلم منهم أن إنكارهم لولايته عليه السلام هل كان عن قطع ويقين أم عن جهل و شبهة؟
هدانا الله جميعا إلي الصراط المستقيم وأبعدنا عن التعصب الأعمي الشيطاني.
آمين رب العالمين.
ص: 195
ص: 196
ص: 197
ص: 198
الملحق الثاني المصطفون في آية الاصطفاء
لا يخفي علي الخبير البصير - بعد مراجعة التفاسير - أن المراد من المصطفين في آية الاصطفاء - وهي قوله تعالي: «إِنَّ اللهَ اصطَفي آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلِ إِبرَاهِيمَ وَآلِ عِمرَانَ عَلَي العَالَمِينَ» (1) - غير موضح، بل الأقوال فيها- ولا سيما بين العامة - متشتتة لا محل لها.
فمنها: ما يقال من أن المراد من المصطفين هم آل إبراهيم وآل عمران بعد اصطفاء شخص آدم ونوح - علي نبينا وآله وعليهما السلام - وأن الله تعالي و تقدس اصطفاهم بجعل الأنبياء عليهم السلام فيهم (2) .
ص: 199
ومنها: ما يقال من أن المراد منهم نفس صاحب الآل، وأنه تعالي اصطفي نفس إبراهيم ونفس عمران علي العالمين (1).
ومنها: ما يقال من أن المراد منهم جميع الأنبياء من لدن آدم إلي الخاتم عليهم السلام ؛ فإن الله تبارك وتعالي - اصطفاهم بالصفات الصالحة؛ من جهة أن قلوبهم كانت أخشع من قلوب غيرهم فاختارهم للرسالة والنبوة.
وقيل: إن المراد من «آل إبراهيم» المؤمنون المتمسكون بدينه عليه السلام وهو دين
الإسلام (2).
وقيل: إن المراد من اله عليه السلام أولاده، أي إسماعيل وإسحاق والأسباط إلي خاتم الأنبياء والأوصياء عليهم صلوات الله تبارك وتعالي، ومقتضاه أن يكون المراد من آل عمران أيضا أولاده، أعني موسي وهارون، أو مريم و عيسي - علي نبينا وآله وعليهم السلام - (3)، إلي غير ذلك من الأقوال.
وإن شئت قل: إن المفسرين -ولا سيما مفسري العامة - أرعدوا وأبرقوا في المقام بما لا مزيد عليه، ولكن لم يأتوا بشيء تطمئن به القلوب (4).
ص: 200
ولك الحق المحقق أن المراد من المصطفين في هذه الآية المباركة - مع اختلاف عناوينها - الذوات المقدسة المعصومون الأربعة عشر - عليهم صلوات المصلين -وحسب ، بحيث عبر - سبحانه وتعالي - عنهم في هذه الآية الشريفة بعناوين مختلفة؛ تأكيدا لأمر اصطفائهم عليهم السلام علي جميع العالمين، لا خصوص عالمي زمانهم؛ كما هو مقتضي إطلاق كلمة «العالمين» في الآية ولا وجه للاختصاص بزمان دون زمان.
وهذا التحقيق إنما يتضح بعد إثبات أمرين في المقام:
أحدهما: أتكلمتي «آدم» و «نوح» في هذه الآية كناية عن آل آدم وآل نوح، أو من باب حذف المضاف بالقرينة كما في قوله تعالي: «واسئل القرية»، أي آل آدم وآل نوح لاشخص آدم ونوح، علي نبينا وآله وعليهما السلام.
وثانيهما : أن المراد من عمران فيها هو أبو طالب بن عبدالمطلب رضي الله عنه والد أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب - عليه أفضل الصلوات - لا عمران بن يصهر والد موسي ولا عمران بن فاثان- علي ما في تفسير المنهج (1) - أو عمران بن الهشم - علي ما في تفسير المجمع (2) - والد مريم،- علي نبينا وآله وعليهما السلام - وإن فسر بهما العامة علي سبيل الترديد المخل بالمقصود، كما لا يخفي.
ص: 201
أما إثبات الأمر الأول فيستظهر ويستفاد من نصوص معتبرة (1) مثل ما ورد في الخصال - علي ما في تفسير نور الثقلين - «عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالي اختار من كل شيء أربعة- إلي أن قال : - واختار من البيوتات أربعة، فقال (الله) تعالي: إِنَّ اللهَ اصطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَ آلِ إِبرَاهيمَ وَآلِ عِمرانَ عَلَي العالَمِينَ ... الحديث» (2) ، بداهة أن إطلاق لفظة «البيت» علي كل من آدم ونوح لا يصح إلا أن يراد منهما آلهما، لا أنفسهما، كما لا يخفي.
ومثل ما ورد في تفسير البرهان عن أبي جعفر عليه السلام قال في حديث: «فينادي - يعني القائم عجل الله تعالي فرجه الشريف - (بعد خروجه) يا أيها الناس!... فمن
حاجني في آدم عليه السلام فأنا أولي الناس بأدم عليه السلام ، ومن حاجني في نوح عليه السلام فأنا أولي الناس بنوح عليه السلام- إلي أن يقول: - أليس الله تعالي يقول في محكم كتابه: إِنَّ اللهَ اصطَفي آدَمَ وَ نُوحاً.. الآية» (3) ، وظهور إرادة القائم -أرواح من سواه فداه - من كلمتي «آدم» و «نوح»، في هذا الحديث، آل آدم و آل نوح، مما لا يخفي.
ص: 202
وأما إثبات الأمر الثاني فإن أبا طالب بن عبدالمطلب رضي الله عنه مضافا إلي أنه كان موسوما ب «عبد مناف»، كان موسوما أيضا ب«عمران»، بل كان معروفا بهذا الاسم في الأمم السالفة - ولا سيما في التوراة - علي ما في غير واحد من التفاسير المعتبرة (1) ، ولذا كان ولده أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الأمة - ولعل في الأمم السالفة أيضا - معروفا ب«علي العمراني».
فلا بعد- بل من القريب جدا - أن يكون المراد من «عمران» في هذه الآية المباركة هو ذلك - أعني أباطالب عمران بن عبدالمطلب -، ومن آله آل عمران بن عبدالمطلب ، بل هو المتعين علي ما يستفاد مما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام - علي ما في تفسيري البرهان ونور الثقلين - أنه سأله عليه السلام المأمون: «هل فضل الله تعالي العترة علي سائر الناس؟ فقال أبوالحسن عليه السلام : إن الله عزوجل أبان فضل العترة علي سائر الناس في محكم كتابه. فقال له المأمون: وأين ذلك من كتاب الله ؟ فقال له الرضا عليه السلام : في قول الله عزوجل: إِنَّ اللهَ اصطَفي آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلِ إِبرَاهيمَ وَآلِ عِمرَانَ عَلَي العَالَمينَ ... الحديث» (2) ؛ فإنه ظاهر في أن
ص: 203
الإمام عليه السلام إنما استدل علي فضيلة العترة بجملة «آل عمران» دون «آل إبراهيم »، وإن ذهب إلي الثاني ابن بابويه قدس سره (1) ، وإلا لكان للمأمون أن يعترض عليه ويقول: «إنه نفسه، وجميع آل عباس بن عبدالمطلب داخلون في آل إبراهيم، وبالطبع داخلون في العترة»، فسكوت المأمون وعدم اعتراضه بذلك أقوي شاهد بل دليل علي أن «آل عمران» كان لقبا معروفا في ذلك الزمان لآل أبي طالب بن عبد المطلب، والإمام عليه السلام قد استدل بذلك علي فضيلة خصوص العترة الطاهرة صلوات الله تعالي عليهم.
وأيضا هو المتعين بما يستفاد مما ورد في تفسير البرهان نقلا عن طريق أهل السنة (2) من أنه كانت الآية في مصحف ابن مسعود - المفسر الكبير في الصدر الأول : إن الله اصطفي آدم ونوحا و آل إبراهيم وآل عمران (3) و آل محمد (بدلا
ص: 204
عن آل عمران أو تفسيرا له) علي العالمين (1).
وهذا أيضا أقوي شاهد -بل دليل- علي أن آل عمران في الآية المباركة هم آل عمران بن عبد المطلب - رضوان الله تعالي عليه - المنطبق علي آل محمد - صلي الله عليه و عليهم - ويؤيد هذا المعني- لو لم نقل يدل عليه - تسمية السورة المباركة بسورة آل عمران دون سورة آل إبراهيم، مع ذكر آل إبراهيم فيها الذين هم بالاتفاق أهم وأفضل من آل عمران إن أريد منه آل عمران موسي و آل عمران عيسي - علي نبينا وآله وعليهما السلام - بخلاف ما لو كان المراد منه عمران الإمام علي عليه السلام أعني بهم آل محمد صلي الله عليه وآله وتلك الذوات المقدسة المعصومين عليهم السلام؛ فإن من المعلوم جدا أنهم أفضل.
وبعد ثبوت هذين الأمرين وإثباتهما لا إشكال، بل لا شبهة في أن آل عمران بن عبد المطلب هم تلك الذوات المقدسة المعصومون الأربعة عشر عليهم أفضل الصلوات.
نعم، إنما يعد الرسول المكرم وابنته فاطمة الزهراء - صلي الله عليهما وآلهما - من آل عمران (آل أبي طالب) من باب التغليب وملاحظة أنه صلي الله عليه وآله كان في أوائل الأمر تحت حماية عمه أبي طالب -رضوان الله تعالي عليه -كما هو ظاهر.
كما أن شخصه صلي الله عليه وآله داخل في آل نفسه، إذا بدل أو فسر «آل عمران» في المقام ب«آل محمد»؛ فإن إطلاق آل فلان وإرادة نفس فلان شائع في لغة
ص: 205
وكذا لا إشكال ولا شبهة في أن المراد من آل إبراهيم في الآية الشريفة أيضا تلك الذوات المقدسة لا غيرهم، كإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومن يحذو حذوهم؛ فإن تلك الذوات الأربعة عشر - صلي الله عليهم- بمقتضي العقائد الحقة الثابتة في محلها هم المصطفون علي العوالم في جميع الأزمنة، كما يقتضيه إطلاق لفظ «العالمين» في الآية المباركة، ولا وجه لاختصاص ذلك بعالم زمان دون زمان.
وكذلك الأمر في آل آدم وآل نوح، بعد ما عرفت من تفسير آدم ونوح بالهما؛ فإنه لا ريب حينئذ أيضا في أن المراد من كل منهما تلك الذوات المقدسة عليهم السلام .
ص: 206
فاتضح أنه تبارك وتقدس أكد وشدد في هذه الآية المباركة مدح هؤلاء المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام بعناوين متعددة و تعابير مختلفة أربع مرات، بل خمسا ، بإضافة ما ورد في التفسير كالتنزيل من عنوان «آل محمد» صلي الله عليه وعليهم (1).
فالمراد من المصطفين في الآية الشريفة هم المعصومون الأربعة عشر عليهم السلام لا غير، وإنهم المصطفون فحسب علي كل العالمين من لدن آدم إلي الخاتم - صلي الله عليهم - دون غيرهم.
وبعبارة أخري: إنه - سبحانه وتعالي - أراد أن يبين في القرآن المجيد لجميع الخلائق أن تلك الوجودات المباركة إما هم المصطفون حقا علي جميع العوالم في جميع الأزمان، مضافا إلي أن الاصطفاء في الآية الشريفة مطلق، والمطلق - علي حسب متفاهم العرف - ينصرف إلي أكمل أفراده، ومن المعلوم من العقائد الحقة الثابتة في محله أن كل واحد من تلك الذوات المقدسة الفرد الكامل الأكمل وكلهم مكملون في الاصطفاء.
ص: 207
إن قلت: إن سياق الآية من ذكر امرأة عمران (أم مريم عليها السلام ) وغير ذلك بعد
هذه الآية يقتضي أن لا يكون المراد من عمران، عمران بن عبد المطلب فكيف التوفيق؟
قلت: أولا: إن السياق في القرآن الموجود المنظم علي خلاف ترتيب التزول، لم يكن معتبرا إلا في الآيات التي نزلت علي وتيرة واحدة وكانت هناك قرينة علي الارتباط.
وثانيا: إن ذكر إطاعة الرسول صلي الله عليه وآله قبل هذه الآية وغير ذلك في الآيات في حقه صلي الله عليه وآله في هذه السورة يقتضي أن ينعكس السياق ويكون المراد من آل عمران، آل أبي طالب الذين هم أوصياؤه وخلفاؤه صلي الله عليه وآله ، بل ذكر حالات آل إبراهيم عليه السلام الذي هو من أجدادهم الأمجدين في هذه الآية قرينة واضحة علي أن المراد من آل عمران، آل أبي طالب رضوان الله تعالي و تقدس عليه.
ص: 208
وإن قلت: إذا كان المراد من الآية بجميع عناوينها تلك الذوات المقدسة، فلم لم ينقل منه صلي الله عليه وآله ولا من طريق أهل بيت العصمة والطهارة -عليهم الصلاة والسلام - نص صريح وأثر بارز في ذلك؟
قلت: أولا: يكفي ما عرفت من القرآن والظهورات والكنايات التي أبلغ من التصريح علي ذلك، بما لا مزيد عليه.
وثانيا : إن عمر بن الخطاب - علي ما في التواريخ المعتبرة (1) - ترك، بل منع أشد المنع عن ترويج السنة النبوية - عليه وعلي آله آلاف التحية - وكان يقول: « حسبنا كتاب الله»، بل محي الأحاديث النبوية التي كانت في أيدي الصحابة -رضي الله تعالي عنهم - بعد أن طلبها منهم.
وثالثا: إن من المحتمل قويا أنه صدر من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام أيضا ما هو صريح- بل أصرح - في ذلك مما عرفت، ولكن صار مفقودا قبل أن يصل إلينا من جهة اضمحلال المكاتيب بيد الأعداء ولا سيما المكتبة العظيمة المعروفة، كما أنه فقد كتاب «مدينة العلم» للشيخ الصدوق قدس سره .
ص: 209
ص: 210
ص: 211
ص: 212
الملحق الثالث
كلمة محكمة حول الآية المباركة: « سَلاَمٌ عَلَي إِل يَاسِينَ» (1)
اعلم أن كلمة «إل» في الآية الشريفة علي كلتا القراءتين (إِل يَاسيِنَ وَآلِ يَاسيِنَ) -بمقتضي التحقيق العميق - معربة ومخففة كلمة «إيل» بالفارسية بمعني العشيرة، فيقال: «إيل بختيار»، «إيل قشقا»، «إيل خان» ونحوها ويراد منها «عشيرتهم» (2) ، وهذا المعني هو المراد في هذه الآية المباركة حتي بناء علي قراءة «إلي» بكسرالهمزة ؛ إذ لم تكتب هذه الكلمة في القرآن من زمان نزوله وكتابة
ص: 213
كتاب الوحي إلي زماننا هذا إلا منفصلة من كلمة «يَاسيِنَ» هكذا: «إِل يَاسيِنَ» (1) ولم تكتب متصلة هكذا: «إِليَاسيِنَ» (2) ، وهذا -كما لا يخفي علي المنصف - أدل دليل علي أن «ال» و «ياسين» كلمتان يراد بكل منهما معني غير معني الأخري.
فعلي ما قلنا ليست «إل ياسين» كلمه واحده كما ادعي؛ إما بدعوي أنه لغة في إلياس (كميكال و ميكائيل) (3) أو بأن يراد بها نبي تخيلي وهمي (غير إلياس النبي المعروف عليه السلام )، كما توهم من توهم (4) ؛ استنادا إلي أن خط القرآن - الموجود بين الدفتين - لا يقاس بخط العروض والقواعد وأن كتاب الوحي -رضي الله عنهم - كتبوا الكلمة علي خلاف القاعدة منفصلة، وكان مقتضاها أن يكتبوها متصلة.
ص: 214
لكنه كما تري! مضافا إلي أنه ادعاء محض وتحكم بحت وإنما يمكن الالتزام به في أمثال كلمة «قوارير» في سورة الإنسان (1) ؛ حيث ضبطت في القرآن المجيد مع الألف و مقتضي القاعدة أن تكتب بلا ألف، لا في أمثال المقام مما يختلف المعني باختلافه، كما لا يخفي علي الخبير البصير المتضلع المنصف.
كما أن توهم أنها جمع «إلياسي» بأنه كانت «إلياسيين» فصارت بعد التخفيف بحذف الياء المشددة «إلياسين» ويراد بها من تبع إلياس النبي - علي نبينا وآله وعليه السلام - (2) أيضا ادعاء محض و توهم بحت، مضافا إلي أنه لا بد علي هذا أن تكتب «إلياسين» متصلة، لا «إل ياسين» منفصله كما لا يخفي.
ونظيره في الوهن والتحكم دعوي إرادة السورة من كلمة «ياسين»، وأن يكون المراد من «إل ياسين» حينئذ - بعد إرادة القرآن من السورة - من اتبع القرآن المجيد (3).
فثبت أن «إل ياسين» لا محالة كلمتان بلا ريب، فما يتفرد به من أن الضمير المفرد في الآية المذكورة في تلو آية بعدها« إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُؤمِنينَ» (4) الظاهر رجوعه إلي المضاف دون المضاف إليه يؤيد أنها كلمة واحدة غير مسموع، ولا سيما بعد ملاحظة أن رجوع الضمير في أمثال المقام إلي خصوص المضاف إليه
ص: 215
ليس بعزيز (1).
فالإنصاف أن التوجيه بأحد هذه الوجوه الموهومة المتحكمة ونحوها ليس بتفسير حقيقي ومراد واقعي للآية الشريفة المباركة، بل كل منها تحميل علي الآية و تفسير تصنعي لها لو لم نقل: إنه في الحقيقة ليس بتفسير، وإنه تطبيق و تجرير للآية علي آراء خيالية كانت مغروسة في الأذهان قبل ذلك،فإن التفسير هو أن يخلي الذهن وطبعه بالأسر عن كافة ما فيه من العقائد المتخيلة المغروسة، ثم يلاحظ ما يستفاد منها بحسب الفهم العرفي أو بمعونة ما هو عدل آيات القرآن الكريم، أعني به أقوال عترة الرسول عليهم السلام الذين وجب التمسك بهم علي الأمة المرحومة بالتواتر القطعي، كالتمسك بكتاب الله العزيز الحكيم.
ففي الحقيقة تكون آيات الكتاب متنا وأقوال العترة الطاهرة شرحه، ولا سيمامتشابهاتها التي- كما في الكتاب - لا يعلم تأويلها ولا تفسيرها إلا الله تعالي والراسخون في العلم (2) ، ولا ريب في أنهم - صلوات الله وسلامه عليهم - هم الراسخون في العلم (3) ؛ فإنهم عليهم السلام علموا مرادات القرآن علي نحو الأسناد
ص: 216
المتصلة إلي بيت الوحي والرسالة صلي الله عليه وآله (1) . كيف لا؟! وإنه لا يعرف القرآن إلا من خوطب به وهو النبي المكرم صلي الله عليه وآله . ثم الثابت بالتواتر أنه علمه وصيه وخليفته علي بن أبي طالب عليه صلوات الله الملك الغالب، وعلي هذا القياس تعلم العترة الطاهرة - صلي الله تعالي عليهم - ألف باب من العلم الذي يفتح من كل باب منه ألف باب (2) ، فمن اقتدي بهم- صلوات الله عليهم - فقد اهتدي.
قال سيدنا الأستاذ الأكبر العلامة الآية العظمي البروجردي قدس سره في أثناء الدرس: إن اللازم علي العامة المعتقدين بعصمة العترة الطاهرة أو لا أقل بعدالتهم فوق أمثال أبي هريرة ونحوه بمراتب، أن يقبلوا رواياتهم عليهم السلام الصحاح المضبوطة في منابع الشيعة وإن لم يعتقدوا بإمامتهم؛ فإنهم عليهم السلام لا يروون أمرا إلا بأسانيد آبائهم عليهم السلام منتهيا إلي الرسول المكرم صلي الله عليه وآله ، ولذا يري في كثير من الموارد تصريحهم عليهم السلام بتلك الأسانيد المعنعنة، وإنما لم يصرحوا بها في جميعها لمكان الاختصار ورعاية الاقتصار، ولكن العامة أعرضوا عن قبول رواياتهم المعنعنة في منابع الشيعة - تحقيقا و تقديرا - بدعوي أنهم عليهم السلام يحدثون من عند أنفسهم، فاحتاجوا - ولا سيما في أبواب الفقه - إلي الأقيسة والاستحسانات الظنية وإلي الإسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات ونحوها.
ص: 217
فعلي ما سردنا لا بد أن يراد من كلمة «ال» - علي كلتا القراءتين - العشيرة و من كلمة «ياسين» الرسول المكرم نبي الإسلام محمد بن عبدالله صلي الله عليه وآله(1) ، ويعود السلام علي عشيرته المكرمين صلي الله تبارك وتعالي عليه وعليهم أجمعين.
ويؤيد ذلك غير واحد من النصوص المروية في منابع العامة والخاصة الدالة علي أن المراد من «آل يس» آل محمد عليه وعليهم السلام (2).
ص: 218
فلا يصغي إلي ما قد يتوهم من أن المراد من «ياسين» والد إلياس النبي عليه السلام وأن السلام في الآية يعود إلي عشيرته (1)؛ فإنه -كما لا يخفي -رجم بالغيب وموهون لا شاهد له بلا ريب.
ثم إنه - علي ما ذكرنا - يكسر اللام من كلمة «ال» علي كلتا القراء تين؛ بلحاظ أنها مجرورة ب «علي» ومضافة إلي كلمة «ياسين»، فلا بد أن تقرأ الآية الشريفة « سلام علي إل ياسين» كما تقرأ «آل ياسين».
فلعل ما في القرآن المعرب المتداول من سكون اللام غير صحيح، وكتاب الوحي -رضي الله تعالي عنهم - لم يعربوها كذلك؛ إذ الإعراب لم يكن متداولا في ذلك العصر ولا في الأعصار المتأخرة، وإنما أحدث فيما بعد، بل الآية المباركة نزلت علي كلتا القراءتين بكسر اللام، لكن لما توهم أنه علي قراءة كسر الهمزة كلمة واحدة أعربوها ساكنة اللام غفلة عن حقيقة الأمر والحال.
ص: 219
اللهم إلا أن يقال بأن السكون علي كلتا القراءتين لعله يصح بناء علي القول بجواز الوصل بالسكون، فعليه يجوز أن تقرأ علي أربعة وجوه: في كل من القراءتين بوجهين: بسكون اللام وكسرها، فليتأمل.
والله - عز وجل - هو العالم بالحقائق، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله تعالي و تقدس.
ص: 220
ص: 221
ص: 222
فهرس الآيات الكريمة
سورة البقرة (2)
256 «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » ...181
سورة آل عمران (3)
33 « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ» ...199
103 « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا » ...37
سورة المائدة (5)
2 «وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» ...173
سورة الأنعام (6)
149« لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»...181
ص: 223
سورة الأعراف (7)
23« ظَلَمنا اَنفُسَنا» ...170
سورة الأنفال (8)
41«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...»...94
سورة التوبة (9)
122«فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ »...181
سورة النور (24)
58 «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَي بَعْضٍ ۚ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»...190
ص: 224
59 «وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»...190
سورة لقمان (31)
13 «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»...170
سورة الأحزاب (33)
21 «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»...25
سورة الصافات (37)
130«سَلَامٌ عَلَي إِلْ يَاسِينَ »...219
132«إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ»...215
سورة النجم (53)
3 و 4«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي »...34
ص: 225
سورة الحشر (59)
7 «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ...الآية»...36
سورة الإنسان (76)
8 «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»...156
ص: 226
ص: 227
ص: 228
مصادر التحقيق
1- القرآن الكريم
2- الاحتجاج: لأبي منصور أحمد بن علي الطبرسي، في مجلدين، طبع نشر مرتضي، 1403 ه. ق.
3- أحكام القرآن: لأحمد بن علي الجصاص، في خمسة مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1405 ه. ق.
4- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: لقطب الدين محمد بن الحسين البيهقي الكيدري، في مجلد، طبع مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1416 ه. ق.
5- أمالي الصدوق: للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، في مجلد، طبع مكتبة الإسلامية، 1362 ه. ش.
6- أمالي الطوسي: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في مجلد، طبع دار الثقافة، 1414 ه. ق.
7- بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام : للعلامة محمد باقر المجلسي، في مائة وعشرة مجلدات، طبع مؤسسة الوفاء - بيروت، 1404 ه. ق.
8- بحر العلوم: لنصر بن محمد بن أحمد السمرقندي، في ثلاثة مجلدات.
ص: 229
9- بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لابن رشد الحفيد، في مجلدين، طبع دارالفكر، 1415 ه. ق.
10 - البرهان في تفسير القرآن: للعلامة السيد هاشم البحراني، في خمسة مجلدات، طبع بنياد بعثت - طهران، 1416 ه. ق.
11- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: للعلامة السيد حسن الصدر، في مجلد طبع منشورات الأعلمي - طهران.
12- تأويل الآيات الظاهرة: للعلامة السيد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي، في مجلد طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1409 ه. ق.
13- تتمة المنتهي: لخاتم المحدثين الشيخ عباس القمي، في مجلد، طبع الاعتماد، 1383 ه. ش.
14- تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية: للعلامة الحي الحسن بن يوسف بن مطر الأسدي، في مجلدين.
15-التحرير والتنوير: لابن عاشور محمد بن طاهر، في ثلاثين مجلدا.
16- تحفة العالم في شرح خطبة المعالم: للعلامة السيد جعفر آل بحر العلوم، في مجلد.
17- تحية الزائر: للعلامة الميرزا الحسين النوري، في مجلد.
18- تذكرة الفقهاء: للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن مطر الأسدي، في أربعة عشر مجلدا ، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1414 ه. ق.
19- تفسير روان جاويد: للميرزا محمد ابن أبي الفضل الثقفي الطهراني، في خمسة مجلدات، طبع مؤسسة برهان - طهران، 1398 ه. ق.
ص: 230
20- تفسير العياشي: لأبي النضر محمد بن مسعود العياشي السمرقندي، في مجلدين، طبع مطبعة العلمية - طهران، 1380 ه. ق.
21- تفسير فرات الكوفي: لأبي القاسم فرات بن إبراهيم الكوفي، في مجلد، طبع مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة الإسلامية - طهران، 1410 ه. ق.
22- تفسير القرآن الكريم: لابن قيم محمد ابن أبي بكر الجوزي، في مجلد، طبع مكتبة الهلال - بيروت، 1410 ه. ق.
23 - التفسير المظهري: لمحمد ثناء الله المظهري، في عشرة مجلدات، طبع مكتبة رشدية - باكستان، 1412 ه. ق.
24- تفسير منهج الصادقين في إلزام المخالفين: للعلامة المولي فتح الله الكاشاني، في عشرة مجلدات، طبع مكتبة محمد حسن العلمي، 1336 ه. ش.
25- تفسير نور الثقلين: للعلامة عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، في خمسة مجلدات، طبع مؤسسة الإسماعيليان - قم، 1415 ه. ق.
26-التنقيح في شرح العروة الوثقي: تقريرا لأبحاث المحقق السيد أبي القاسم الخوئي، في ستة مجلدات، 1413 ه. ق.
27- تهذيب الأحكام: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في عشرة مجلدات، طبع دارالكتب الإسلامية - طهران، 1365 ه. ش.
28- جامع أحاديث الشيعة: تحت إشراف العلامة الكبير السيد الحسين البروجردي، في واحد وثلاثين مجلدا.
29- جامع البيان في تفسير القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، في ثلاثين مجلدا ، طبع دار المعرفة - بيروت، 1412 ه. ق.
ص: 231
30- الجامع لأحكام القرآن: لمحمد بن أحمد القرطبي، في عشرين مجلدا ، طبع مؤسسة ناصر خسرو، 1364 ه. ش.
31- جامع المقاصد في شرح القواعد: للمحقق الكركي علي بن الحسين العاملي، في ثلاثة عشر مجلدا، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1414 ه. ق.
32- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: للعلامة محمد حسن بن باقر النجفي، في ثلاثة وأربعين مجلدا، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.
33 -الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة عليهم السلام للعلامة يوسف البحراني، في خمسة وعشرين مجلدا، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1405ه. ق.
34- الخصال: للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، في مجلدين، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 ه. ق.
35- الخلاف: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في ستة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 ه. ق.
36- الدر المنثور في تفسير المأثور: لجلال الدين السيوطي، في ستة مجلدات، طبع مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404 ه. ق.
37- الدروس الشرعية في فقه الإمامية: للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، في ثلاثة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1417 ه. ق.
38- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد:للمحقق السبزواري محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني، في مجلدين، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام .
39- ذكري الشيعة: للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1419 ه. ق.
ص: 232
40- رجال ابن داود: للحسن بن علي بن داود الحلي، في مجلد، طبع جامعة طهران، 1383 ه. ق.
41- رجال العلامة: للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن مطهر الأسدي، في مجلد ، طبع دار الذخائر - قم، 1411 ه. ق.
42- رجال الكشي: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في مجلد، طبع جامعة مشهد المقدسة، 1348 ه. ق.
43- رجال النجاشي:لأحمد بن علي النجاشي،في مجلد ،طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 ه. ق.
44- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: للسيد شهاب الدين محمود الآلوسي، في ستة عشر مجلدا ، طبع دارالكتب العلمية - بيروت، 1415 ه. ق.
45- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: للشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، في مجلدين، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، 1422 ه. ق.
46- الروضة البهية: للشهيد الثاني زين الدين علي بن أحمد العاملي، في عشرة مجلدات، طبع مكتبة الداوري، 1410 ه. ق.
47- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: للعلامة محمد تقي المجلسي، في ثلاثة عشر مجلدا، طبع مؤسسة الثقافة الإسلامية، 1406 ه. ق.
48- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : لابن إدريس محمد بن منصور بن أحمد الحلي، في ثلاثة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1410 ه. ق.
49- سنن النسائي: أحمد بن شعيب النسائي، في ثمانية مجلدات، طبع دارالفكر، 1348 ه. ق.
ص: 233
50- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: للمحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة الإسماعيليان، 1408 ه. ق.
51- الشرح الكبير : لعبد الرحمن بن قدامة، في اثني عشر مجلدا، طبع دارالكتاب العربي - بيروت.
52- شرح تبصرة المتعلمين: للمحقق ضياء الدين علي بن المولي محمد كبيرالكزازي، في خمسة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1414 ه. ق.
53 شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: لعبيدالله بن أحمد الحسكاني، في مجلدين، طبع مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة الإسلامية - طهران، 1411 ه. ق.
54- الصواعق المحرقة: لابن حجر العسقلاني.
55 العروة الوثقي: للعلامة السيد محمد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي اليزدي، في خمسة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1419 ه. ق.
56- علل الشرائع: للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، في مجلدين، طبع مكتبة الداوري.
57- العمدة: لابن بطريق يحيي بن الحسن الحلي، في مجلد، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 ه. ق.
58- العناوين الفقهية: للسيد مير عبدالفتاح بن علي الحسيني المراغي، في مجلدين، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1417 ه. ق.
59- عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام: للفاضل النراقي أحمد بن محمد مهدي، في مجلد، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، 1417 ه. ق.
ص: 234
60- عوالي اللئالي: لابن أبي جمهور محمد بن علي الأحسائي، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام - قم، 1405 ه. ق.
61- عيون أخبار الرضا عليه السلام : للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي، في مجلد، طبع مؤسسة جهان، 1378 ه. ق.
62- غنائم الأيام فيما يتعلق بالحلال والحرام: للميرزا القمي أبي القاسم بن محمد
حسن الجيلاني، في ستة مجلدات، طبع مكتبة الإعلام الإسلامي: 1417 ه. ق.
63- غيبة النعماني: لأبي عبدالله محمد بن إبراهيم النعماني، في مجلد، طبع مكتبة الصدوق - طهران، 1397 ه. ق.
64- فتح الباري شرح صحيح البخاري : لابن حجر العسقلاني، في ثلاثة عشر مجلدا، دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت.
65- فتح القدير: لمحمد بن علي الشوكاني، في ستة مجلدات، طبع دار ابن كثير، دارالكلم الطيب - دمشق، بيروت، 1414 ه. ق.
66- الفهرست: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في مجلد، طبع المكتبة الرضوية - النجف.
67- القواعد الفقهية: للمحقق السيد الحسن بن آقا بزرگ البجنوردي، في سبعة مجلدات، طبع نشر الهادي، 1419 ه. ق.
68- قوانين الأصول: للميرزا القمي أبي القاسم بن محمد حسن الجيلاني،في مجلدين، طبع مكتبة العلمية الإسلامية، 1378 ه. ق.
69- الكافي: لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، في ثمانية مجلدات، طبع دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365 ه. ش.
ص: 235
70-كتاب الأم: لأبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي، في عشرة مجلدات، طبع دار الفكر - بيروت، 1403 ه. ق.
71- كتاب الخمس: للشيخ الأعظم مرتضي الأنصاري، في مجلد، طبع المؤتمر العالمي لتعظيم الشيخ الأنصاري، 1415 ه. ق.
72- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: للزمخشري محمود بن عمر الخوارزمي، في أربعة مجلدات، طبع دارالكتاب العربي - بيروت، 1407 ه. ق.
73- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء: لكاشف الغطاء الشيخ جعفر بن خضر، في أربعة مجلدات، طبع مكتب الإعلام الإسلامي.
74- الكشف والبيان عن تفسير القرآن: لأبي إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي النيشابوري، في عشرة مجلدات، طبع داراحياء التراث العربي - بيروت، 1422 ه. ق.
75- كشف اليقين: للعلامة الحي الحسن بن يوسف بن مطهر الأسدي، في مجلد، طبع مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة، 1411 ه. ق.
76- كفاية الأصول: للمحقق الآخوند محمد كاظم الخراساني، في مجلد، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1409 ه. ق.
77- كمال الدين: للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، في مجلدين، طبع دار الكتب الإسلامية، 1395 ه. ق.
78-كنز العمال: للمتقي الهندي حسام الدين علي بن عبد الملك، في ستة عشر مجلدا، طبع مؤسسة الرسالة بيروت.
79- مبادئ الوصول: للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن مطر الأسدي، في مجلد ، طبع مطبعة العلمية، 1404 ه. ق.
ص: 236
80- المبسوط في فقه الإمامية: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في
ثمانية مجلدات، طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية،1387 ه. ق.
81- مجمع البحرين: للشيخ فخر الدين بن محمد الطريحي، في ستة مجلدات، طبع مكتبة المرتضوي، 1416 ه. ق.
82- مجمع البيان في تفسير القرآن: للعلامة أبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي، في عشرة مجلدات، طبع مؤسسة ناصر خسرو، 1372 ه. ش.
83- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: للمحقق الأردبيلي أحمد بن محمد، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 ه. ق.
84- المجموع: لمحيي الدين بن النووي، في عشرين مجلدا، طبع دارالفكر.
85- محاسن التأويل: لجمال الدين محمد القاسمي، في تسعة مجلدات، طبع دارالكتب العلمية - بيروت، 1418 ه. ق.
86- محاضرات في الأصول: تقريرا لأبحاث المحقق السيد أبي القاسم الخوئي، في خمسة مجلدات، طبع مؤسسة الأنصاريان، 1417 ه. ق.
87- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن مطهر الأسدي، في تسعة مجلدات، طبع مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413ه. ق.
88- مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام : للعلامة محمد بن علي الموسوي العاملي، في ثمانية مجلدات، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1411 ه. ق.
89- مسالك الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام: للشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، في خمسة عشر مجلدا، طبع مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413 ه. ق.
ص: 237
90- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل: للعلامة الميرزا الحسين النوري،في ثمانية عشر مجلدا، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1408 ه. ق.
91- مستمسك العروة الوثقي: للعلامة السيد محسن الحكيم، في أربعة عشر مجلدا ، طبع مؤسسة دار التفسير، 1416 ه. ق.
92- مستند الشيعة في أحكام الشريعة: للعلامة أحمد النراقي، في تسعة عشر مجلدا ، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1415 ه. ق.
93- مسند أحمد: لأحمد بن حنبل، في ستة مجلدات، طبع دار صادر -بيروت.
94- مصباح الفقيه: للمحقق الآغا رضا الهمداني، في ثلاثة عشر مجلدا، طبع مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث ومؤسسة النشر الإسلامي، 1416 ه. ق.
95- مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، 1331 ه. ق، الموجود في مكتبة آية الله العظمي الگلپايگاني برقم 24/32
96- مصباح الهدي في شرح العروة الوثقي: للعلامة الشيخ محمد تقي الآملي، في اثني عشر مجلدا، طبع المؤلف، 1380 ه. ق.
97 - معاني الأخبار: للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، في مجلد، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 ه. ق.
98- معالم التنزيل في تفسير القرآن: للحسين بن مسعود البغوي، في خمسة مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1420 ه. ق.
99 - المعتبر في شرح المختصر: للمحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي، في مجلدين، طبع مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام ، 1407 ه. ق
ص: 238
100- معجم رجال الحديث: للمحقق السيد أبي القاسم الخوئي، في أربعة وعشرين مجلدا، 1413 ه. ق.
101- المقنعة: للشيخ المفيد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان، في مجلد ،
طبع المؤتمر العالمي لألفي الشيخ المفيد، 1413 ه. ق.
102- مناقب آل أبي طالب: لرشيد الدين محمد بن شهر آشوب المازندراني، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة نشر العلامة، 1379 ه. ق.
103- منتهي المطلب في تحقيق المذهب: للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن مطهر الأسدي، في عشرة مجلدات، طبع مجمع البحوث الإسلامية، 1416 ه. ق.
104- منتهي المقال في أحوال الرجال: للشيخ محمد بن إسماعيل الحائري المازندراني، في سبعة مجلدات، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1416 ه. ق.
105- من لا يحضره الفقيه: للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1413 ه. ق.
106- موسوعة العلامة المحقق الخوئي: في ثلاثة وثلاثين مجلدا ، طبع مؤسسة إحياء آثاره قدس سره ، 1418 ه. ق.
107- المهذب: للقاضي ابن البراج عبدالعزيز بن نحرير الطرابلسي، في مجلدين، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، 1406 ه. ق.
108- النهاية في مجرد الفقه والفتاوي: للشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، في مجلد، طبع دارالكتاب العربي - بيروت، 1400 ه. ق.
109- الوافي: للفيض الكاشاني محمد محسن، في ستة وعشرين مجلدا ، طبع مكتبة الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام ، 1406 ه. ق.
ص: 239
110- وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة: للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، في عشرين مجلدا، طبع المكتبة الإسلامية،1383 ه. ق.
111- الهداية في الأصول: للمحقق السيد أبي القاسم الخوئي، في أربعة مجلدات، طبع مؤسسة صاحب الأمر عليه السلام، 1417 ه. ق.
112- الهداية في كون الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة جزء كسائر الأجزاء:للمحقق الشيخ عبد النبي النجفي العراقي، في مجلد ، طبع ورثته، 1415 ه. ق.
ص: 240
ص: 241
ص: 242
فهرس الموضوعات
نبذة من حياة المؤلف ...7
الرسالة الأولي في المراد من التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت ۔كالظهرين و العشاءين - وأن الجمع بينهما أيضا مستحب ...15
إشارة إجمالية إلي ما في المقام ...15
أدلة القول باستحباب التفريق ...16
رد ما استدل به علي استحباب التفريق ...17
ما نسب إلي المشهور من استحباب التفريق وما فيه ...18
ما ورد من طرق الإمامية في جمع النبي صلي الله عليه وآله بين الصلاتين ...21
ما ورد من طرق العامة في جمع النبي صلي الله عليه وآله بين الصلاتين... 22
تأويلات العامة للأخبار الدالة علي جمع النبي صلي الله عليه وآله ...24
ما يؤيد المختار ...25
العامة تاركون للستة لا أهلها ...26
الثالث من أدلة المختار ...32
دفع وهم ...34
الرابع من أدلة المختار ... 34
نتيجة البحث ...37
الرسالة الثانية في حكم نوافل الصلوات في خمسة أوقات من اليوم: بعد صلاتي الصبح والعصر وعند طلوع الشمس و قيامها وغروبها ...41
كراهة النوافل عند العامة والخاصة ...41
مناقشة في القول بالكراهة ...44
ما يستدل به علي الكراهة ...45
الطائفة الأولي من النصوص وما فيها ...45
الطائفة الثانية من النصوص ...50
دفع دخل ...52
المناقشة في التعليل المذكور في صحيحة ابن مسلم ...53
ص: 243
معارض آخر للطائفة الثانية ...54
استدراك: المناقشة في الاستدلال بالصحيحة الأولي والجواب عنها ... 56
نتيجة البحث ...57
تخصيص مورد الحكم بحال الشروع في النافلة ... 58
تنبيه ...60
فرع: في عدم شمول الحكم بالكراهة لمطلق السجود ... 62
تذييل: في تغاير المقام مع جواز التطوع في وقت الفريضة ... 64
الرسالة الثالثة في بيان جزئية الشهادة بالولاية وإمرة المؤمنين لعلي عليه السلام في
فصول الأذان والإقامة وتذييل الكلام ببيان الحكم في تشهد الصلاة ...69
أقوال العلماء حول أخبار الجزئية ...69
دفع وهم ...72
الاستدلال برواية الاحتجاج وما فيه ...74
أحسن ما يستدل به في المقام ...75
سبب عدم ذكر هذه الشهادة في الأحاديث المروية عن الأئمة علليهم السلام ...79
تذييل: في بيان حكم جزئية هذه الشهادة في تشهد الصلاة ...82
الرسالة الرابعة في ما هو المراد من تحليل أهل البيت عليهم السلام وإباحتهم الخمس الشيعتهم ... 89
شكوي صاحب الجواهر في المقام ...89
الطائفة الأولي من النصوص ...90
بيان ما في أخبار الطائفة الأولي ...92
الطائفة الثانية من النصوص ...95
طريق الجمع بين نصوص الطائفتين: الأولي والثانية وما فيه ...96
طريق الجمع الصحيح بين الطائفتين ...98
الطائفة الثالثة من النصوص ...99
بيان المراد من الشيعة المحلل لهم الخمس ...102
نتيجة الجمع بين النصوص ...102
الأقوال حول المنتقل عنه والمختار فيه ...103
ص: 244
تذييل ...106
الفرع الأول: في حكم إيصال الخمس إلي المرجع الخاص أو غيره و بيان المختار فيه ...107
دفع دخل علي القول المختار ...108
الفرع الثاني: في وجوب الاستئذان من الفقيه لصرف سهم السادة في مورده وعدمه ...111
دفع وهم ...113
الفرع الثالث: في بيان اختصاص ماينذر للإمام أو يرثه به ...114
الفرع الرابع: في حكم التصرف في سائر أموال المعصومين عليهم السلام في عصر الغيبة ...116
المختار في المقام و بيان أدلته ...116
قصة عجيبة لها ربط بالمقام ...119
الرسالة الخامسة في شرعية عبادات الصبي المميز ومايترتب عليها من الفروع ...123
تعيين محل البحث و مسلك المشهور فيه ...123
الأقوال في المسألة ...126
الكلام حول القول الأول ...127
الكلام حول القول الثاني ...131
الكلام حول القول الثالث ...132
الكلام حول القول الرابع وهو المختار ...137
وجوه الاستدلال علي المختار ...137
الوجه الأول ...137
الوجه الثاني ...139
الوجه الثالث ...140
دفع دخل ...142
تنبيه ...144
تذييل: في الفروع المترتبة علي شرعية عبادات الصبي المميز ...145
ص: 245
الفرع الأول: في حكم تجهيز الصبي المميز للميت ...146
بيان ما ورد علي المختار والجواب عنه ...147
الفرع الثاني: في حكم صلاة الصبي المميز نيابة عن الميت ...149
الفرع الثالث: في حكم حج الصبي المميز حجة الإسلام ...151
الفرع الرابع: في حكم قضاء الصبي المميز لعبادات أبويه إذا كان أكبر أولادهما ...152 الفرع الخامس: في حكم أذان الصبي المميز وإقامته ...153
الفرع السادس: في حكم نذر الصبي المميز وعهده ويمينه ...156
الفرع السابع: في حكم وقوف الصبي المميز خلال صف الجماعة مصليا ... 158
تتميم: في حكم الصبي المميز بالنسبة إلي الأصول الاعتقادية ...162
الرسالة السادسة في أن الإعانة علي الإثم غير محرمة في نفسها إلا إذا صارت كالجزء الأخير من العلة التامة للإثم وسببا أقوي لوجوده في الخارج ... 169
المقدمة في بيان مورد المسألة ...169
أقسام الإعانة علي الإثم ...171
الكلام حول القسم الأول من الإعانة ...172
إيراد الخدشة علي صاحب العروة قدس سره ...173
الكلام حول القسم الثاني من الإعانة ...175
دفع وهم ...177
تنبيه: في حكم إرشاد الجاهل المقصر ...179
رد عداد المقام من مصاديق الأمر بالمعروف ...180
رد التمسك بآية النفر ...181
الملاحق ...183
الملحق الأول: في ضرورة اهتمام الفقيه بالقرآن الكريم في استنباط الأحكام الشرعية ...187
ضرورة الاهتمام بآيات الأحكام ...187
بعض ما صنف في آيات الأحكام ...188
توجه التكليف إلي المميز ...189
الاحتمال الآخر في المراد من الآيات ...192
ص: 246
عدم اشتراط البلوغ في الاعتقادات الدينية ...192
تذييل: فيما يوجب الارتداد ...194
الملحق الثاني: المصطفون في آية الاصطفاء ... 199
بيان مورد البحث ...199
المختار في المراد من الآية ...201
إثبات الأمر الأول ...202
إثبات الأمر الثاني ...203
نتيجة البحث ...207
بيان إشكالات علي المختار ...208
الإشكال الأول ...208
الإشكال الثاني ...209
الملحق الثالث: كلمة مُحكَمَةٌ حول الآية المباركة: «سَلامٌ عَلَي إِل يَاسيِنَ» ... 213
كلمتنا حول الآية ...213
تعرض بعض الآراء الموهومة وردها ...214
إقامة شواهد أخري علي المدعي ...218
فهرس الآيات الكريمة ...221
فهرس مصادر التحقيق ...227
فهرس الموضوعات ...241
ص: 247
مما صدر عن المؤلف العلامة:
1- تعليقة علي العروة الوثقي
2- الرسائل التسع في مسائل فقهية استدلالية
3- ست رسالات فقهية استدلالية
4- القواعد الفقهية السازجة
5- رساله سعه وجودي حضرت باريتعالي (بالفارسية)
6- المصابيح
7- ابحاث ناب
و ...
ص: 248