عنوان الكتاب: مصباح الهدي و سفينة النجاة
المؤلف: آية الله العظمي سماحة الشيخ حسين الوحيد الخراساني
بيانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
خيرانديش ديجيتالي انجمن مددكاري امام زمان (عج)
ص: 1
بطاقة فهرسة
مصدر الفهرسة: O-KaPLI ara IQ-KaPLI rda
رقم تصنيف BP41.76.W34 2018 :LC
المؤلف الشخصي:الوحيد الخراساني، حسين، 1399 للهجرة - ، مؤلف.
العنوان: مصباح الهدي وسفينة النجاة
بيان المسؤولية: تأليف آية الله العظمي الشيخ حسين الوحيد الخراساني ؛ ترجمة رعد الحجاج.
بيانات الطبع: الطبعة الأولي.
بيانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، 2018/ 1439 للهجرة.
الوصف المادي:624 صفحة ؛ ٢٤ سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 446)
سلسلة النشر: (مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية ؛).
تبصرة ببليو جرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 563-587).
موضوع شخصي:الحسين بن علي الشهيد عليه السلام، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - تأثير.
موضوع شخصي:الحسين بن علي الشهيد عليه السلام، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - فضائل - أحاديث.
موضوع شخصي:الحسين بن علي الشهيد عليه السلام، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - البكاء - أحاديث.
موضوع شخصي:الحسين بن علي الشهيد عليه السلام، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - الأصحاب.
موضوع شخصي:الحسين بن علي الشهيد عليه السلام، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - كرامات - أحاديث.
مصطلح موضوعي:واقعة كربلاء، 61 للهجرة - تأثير.
مصطلح موضوعي: التربة الحسينية - فضائل - أحاديث الشيعة الإمامية.
مصطلح موضوعي:عاشوراء - شعائر ومراسيم مذهبية - أحاديث.
مصطلح موضوعي:الوعظ والإرشاد (الشيعة الامامية).
مؤلف اضافي: الحجاج، رعد، مترجم.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (النجف، العراق). (مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية).
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (2073) لسنة (2018م)
ص: 2
مصباح الهدي و سفينة النجاة
محاضرات آية الله العظمي
سماحة الشيخ حسين الوحيد الخراساني
ترجمة
رعد الحجاج
مدرسة الامام باقرالعلوم
موسسة وارث الانبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 3
جميع الحقوق محفوظه
للعتبه الحسينيه المقدسة
الطبعة الأولي
1440 ه_. 2019 م_
إصدار
موسسة وارث الانبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 5
هوية الكتاب
*عنوان الكتاب: مصباح الهدي و سفينة النجاة
*المؤلف: آية الله العظمي سماحة الشيخ حسين الوحيد الخراساني
*المترجم: رعد الحجاج
*الإخراج الفني: حسين المالكي
*الطبعة: الاولي
*المطبعة:دار المؤمن/ قم المقدسة
*سنة الطبع: 1440ه/ 2019م
*عدد النسخ: 1000
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين.
إن العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلي الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلي غايته الحقيقية وسعادته الأبدية المنشودة، فبهما يتميز الحق من الباطل، وبهما تحدد اختيارات الإنسان الصحيحة، وعلي ضوئهما يسير في سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خلق من أجله، بل علي أساس العلم والمعرفة فضله الله عز وجل علي سائر المخلوقات، واحتج عليهم بقوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (1) فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، وقد جاء في الأثر «العلم ُنورٌ»(2)، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر ويتفوق بعضهم علي بعض عند الله عز وجل، إذ «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ»(3) وبهما تسعد المجتمعات،
ص: 7
وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كل الخير.
ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدمها الأنبياء والأئمة والأولياء عليهم السلام، تضحيات جسام كان هدفها منع الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلي مبتغاه وهدفه، إلي كماله، إلي حيث يجب أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسلوا إلي الله عز وجل بغية إرسال الرسل التي تعلم المجتمعات فقالوا:«وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(1)، و«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(2)، ما يعني أن دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم.
بل هو دعاؤهم عليهم السلام ومبتغاهم من الله عز وجل لأنفسهم أيضا، إذ طلبوا منه تعالي بقولهم: «وَامْ_لاَ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ»(3)
وبالعلم والمعرفة لا بد أن تثمن تلك التضحيات، وتقدس تلك الشخصيات التي ضحت بكل شيء من أجل الحق والحقيقة، من أجل أن نكون علي علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.
فهذه هي سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار لأجل نشر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كل جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدي لحل مشاكل مجتمعاتهم
ص: 8
علي مر العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافة المجالات وشؤون البشر.
وهذه القاعدة التي أسسنا لها لا يستثني منها أي نبي أو وصي، فلكل منهم عليهم السلام سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلا أنه يتفاوت الأمر بين أفرادهم من حيث الشدة والضعف، وهو أمر عائد إلي المهام التي أنيطت بهم عليهم السلام، كما أخبر عز وجل بذلك في قوله:«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»(1)، فسيرة النبي الأكرم صلي الله عليه و آله ليست كبقية سير الأنبياء، كما أن سيرة الأئمة عليهم السلام ليست كبقية سير الأوصياء السابقين، كما أن التفاوت في سير الأئمة عليهم السلام فيما بينهم مما لا شك فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء علي بقية الأئمة عليهم السلام.
والإمام الحسين عليه السلام تلك الشخصية القمة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة التي دلت النصوص علي فضلهم ومنزلتهم علي سائر المخلوقات، الإمام الحسين عليه السلام الذي قدم كل شيء من أجل بقاء النور الرباني، الذي يأبي الله أن ينطفئ، الإمام الحسين عليه السلام الذي بتضحيته تعلمنا وعرفنا، فبقينا.
فمن سيرة هذه الشخصية العظيمة التي ملأت أركان الوجود تعلم الإنسان القيم المثلي التي بها حياته الكريمة، كالإباء والتحمل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفية والعملية، التي كرس علماؤنا الأعلام جهودهم وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلي مجتمعات كانت ولا زالت بأمس الحاجة إلي هذه القيم، وتلك الجهود التي بذلت من قبل الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم وأفنوا أغلي أوقاتهم وزهرة أعمارهم لأجل هذا الهدف النبيل.
ص: 9
إلا أن هذا لا يعني سد أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفية التي تركها عليه السلام للأجيال اللاحقة . فضلا عن الجوانب المعرفية في حياة سائر المعصومين عليهم السلام - إذ بقي منها من الجوانب ما لم يسلط الضوء عليه بالمقدار المطلوب، وهي ليست بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: بل هي أكثر مما تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بد لها أن تعرف ليعرف، بل لا بد من العمل علي البحث فيها ودراستها من زوايا متعددة، لتكون منهجا للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤولية المهتمين بالشأن الديني، ويحتم عليهم تحمل أعباء التصدي لهذه المهمة الجسيمة؛ استكمالا للجهود المباركة التي قدمها علماء الدين و مراجع الطائفة الحقة.
ومن هذا المنطلق؛ بادرت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكرية والعلمية حول شخصية الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة؛ إذ إنها المعنية بالدرجة الأولي والأساس بمسك هذا الملف التخصصي، فعمدت إلي زرع بذرة ضمن أروقتها القدسية، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، حيث أخذت علي عاتقها مهمة تسليط الضوء - بالبحث والتحقيق العلميين - علي شخصية الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطة مبرمجة وآلية متقنة، تمت دراستها وعرضها علي المختصين في هذا الشأن؛ ليتم اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة من المشاريع العلمية التخصصية، فكان كل مشروع من تلك المشاريع متكفلا بجانب من الجوانب المهمة في النهضة الحسينية المقدسة.
كما ليس لنا أن ندعي - ولم يدع غيرنا من قبل - الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصية الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلا أننا قد أخذنا علي أنفسنا بذل قصاري جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيد الشهداء عليه السلام، وإيصال أهدافه السامية إلي الأجيال اللاحقة.
ص: 10
بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلمية في المجال الحسيني، تم الوقوف علي مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يسلط الضوء عليها كما يراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكل منها أهميته القصوي، ووفقا لجدول الأولويات المعتمد في المؤسسة تم اختيار المشاريع العلمية الأكثر أهمية، والتي يعتبر العمل عليها إسهاما في تحقيق نقلة نوعية للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:
الأول: قسم التأليف والتحقيق
إن العمل في هذا القسم علي مستويين:
أ- التأليف
ويعني هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينية التي لم يتم تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تعط حقها من ذلك. كما يتم استقبال النتاجات القيمة التي ألفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتم إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلمية وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلفيها يتم طباعتها ونشرها.
ب - التحقيق
والعمل فيه قائم علي جمع وتحقيق وتنظيم التراث المكتوب عن مقتل الإمام الحسين عليه السلام، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتاب مستقل أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينية). وكذا العمل جار في هذا القسم علي رصد المخطوطات الحسينية التي لم تطبع إلي الآن؛ ليتم جمعها وتحقيقها، ثم طباعتها ونشرها. كما ويتم استقبال الكتب التي تم تحقيقها خارج المؤسسة،لغرض طباعتها ونشرها، وذلك بعد إخضاعها للتقييم العلمي من قبل اللجنة
ص: 11
العلمية في المؤسسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشر تقوم المؤسة بطباعتها.
الثاني: مجلة الإصلاح الحسيني
وهي مجلة فصلية متخصصة في النهضة الحسينية، تهتم بنشر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلط الضوء علي تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطا كبيرا في مجالها، واحتلت الصدارة بين المجلات العلمية الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلمية الرصينة.
الثالث: قسم رد الشبهات عن النهضة الحسينية
إن العمل في هذا القسم قائم علي جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبع مظان تلك الشبهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونية وما إلي ذلك، ثم يتم فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثم يتم الر عليها بأسلوب علمي تحقيقي في عدة مستويات.
الرابع: الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين عليه السلام
وهي موسوعة علمية تخصصية مستخرجة من كلمات الإمام الحسين عليه السلام في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون ذلك من خلال جمع كلمات الإمام الحسين عليه السلام من المصادر المعتبرة، ثم تبويبها حسب التخصصات العلمية مع بيان لتلك الكلمات، ثم وضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علمية ممازجة بين كلمات الإمام عليه السلام والواقع العلمي.
الخامس: قسم دائره معارف الإمام الحسين عليه السلام أو (الموسوعة الألفبائية الحسينية) وهي موسوعة تشتمل علي كل ما يرتبط بالإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة من
ص: 12
أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤي، وأعلام وبلدان وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتبة حسب حروف الألف باء، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلي شكل مقالات علمية رصينة، تراعي فيها كل شروط المقالة العلمية، مكتوبة بلغة عصرية وأسلوب حديث.
السادس: قسم الرسائل والأطاريح الجامعية
إن العمل في هذا القسم يتمحور حول أمرين: الأول: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعية التي كتبت حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، الثاني: إعداد موضوعات حسينية من قبل اللجنة العلمية في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية، تكون بمتناول طلاب الدراسات العليا.
السابع: قسم الترجمة
يقوم هذا القسم بمتابعة التراث المكتوب حول الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة باللغات غير العربية لنقله إلي العربية، ويكون ذلك من خلال تأييد صلاحيته للترجمة، ثم ترجمته أو الإشراف علي ترجمته إذا كانت الترجمة خارج القسم.
الثامن: قسم الرَّصَد والإحصاء
يتم في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينية المطروحة في جميع الوسائل المتبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب، والمجلات والنشريات، وغيرها؛ مما يعطي رؤية واضحة حول أهم الأمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثرا جدا في رسم السياسات العامة للمؤسسة، ورفد بقية الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسسات والمراكز العلمية في شتي المجالات.
ص: 13
التاسع: قسم المؤتمرات والندوات العلمية
ويتم العمل في هذا القسم علي إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علمية فكرية متخصصة في النهضة الحسينية، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتم طرحها في جو علمي بمحضر الأساتذة والباحثين والمحققين من ذوي الاختصاص، كما تتم دعوة العلماء والمفكرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيمة علي الكوادر العلمية في المؤسسة، وكذا سائر الباحثين والمحققين وكل من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينية وفق الأدوات الاستنباطية المعتمدة لديهم.
العاشر: قسم المكتبة الحسينية التخصصية
وهي مكتبة حسينية تخصصية تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمة في مجال تخصصها.
الحادي عشر: قسم الموقع الإلكتروني
وهو موقع إلكتروني متخصص بنشر نتاجات وفعاليات مؤسسة وارث الأنبياء، يقوم بنشر وعرض كتبها و مجلاتها التي تصدرها، وكذا الندوات والمؤتمرات التي تقيمها، وكذا يسلط الضوء علي أخبار المؤسسة، ومجمل فعالياتها العلمية والإعلامية.
الثاني عشر: القسم النسوي
يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصص و بأقلام علمية نسوية في الجانب الديني والأكاديمي علي تفعيل دور المرأة المسلمة في الفكر الحسيني، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبية، وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة .
ص: 14
الثالث عشر: القسم الفني
إن العمل في هذا القسم قائم علي طباعة وإخراج النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسسة، من خلال برامج إلكترونية متطورة يشرف عليها كادر فني متخصص، يعمل علي تصميم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلكترونية، وبرمجة الإعلانات المرئية والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيةالأخري التي تحتاجها كافة الأقسام.
وهناك مشاريع أخري سيتم العمل عليها إن شاء الله تعالي.
مصباح الهدي وسفينة النجاة :
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها أحد أعلام المذهب الحق، ومرجع من مراجعها العظام، أستاذ الفقهاء والمجتهدين آية الله العظمي الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظله).
وقد تناول في هذه المجموعة مطالب علمية دقيقة وحقائق عقائدية وإثارات فكرية عميقة، سلط الضوء فيها علي مختلف أبعاد النهضة الحسينية وعلي مقام ومنزلة وعظمة الإمام الحسين عليه السلام، وكذا الشخصيات الفذة التي خلدها التاريخ، فقد تناول هذا الكتاب أبحاثا مهمة ومحورية ودقيقة، من قبيل:
تأثر العرش وجميع الخلائق لهول المصيبة، الحقيقة الحسينية والحقيقة المحمدية،معرفة عاشوراء الحقيقية ومحوريتها في الكون، معرفة الإمام الحسين عليه السلام ومراتب التوحيد، علم الإمام الحسين عليه السلام وإكسير وجوده، الدين رهن الإمام الحسين عليه السلام الشعائر الحسينية، وظائف الدعاة والمبلغين، منزلة قمر بني هاشم في مقام عندية الله، كربلاء عرش الله، أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، وغيرها الكثير من الموضوعات الكلية والجزئية التي تناولتها تلك المحاضرات.
وقد أخذت مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 15
علي عاتقها مهمة ترجمة نتاجات كبار العلماء من اللغة الفارسية إلي اللغة العربية من خلال اختيار المترجم الكفوء مع الإشراف الدقيق علي عمل الترجمة في قسم الترجمة داخل المؤسسة، لذا نتقدم بالشكر الجزيل للأخ الدكتور رعد الحجاج الذي أخذ علي عاتقه ترجمة الكتاب، وكذا الشكر للأخ الدكتور ميثم الربيعي علي مراجعته للترجمة وإبداء بعض الملاحظات والتعديلات، وكذا الشكر للأخ الشيخ الدكتور محمد الحلفي مسؤول قسم الترجمة في المؤسسة، وكذا الشكر لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل العلمي القيم.
والشكر الخاص والامتنان الكثير لسماحة العلامة الحجة الشيخ محسن الوحيد الخراساني نجل آية الله العظمي الشيخ حسين الوحيد الخراساني (دام ظله) علي إشرافه ومتابعته للعمل وإبدائه الملاحظات القيمة.
نسأل الله أن يبارك لنا في أعمالنا إنه سميع مجيب.
اللجنة العلمية في
مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا لا حد له، وثناء لا عد له، الواحد الأحد، الذي خلع علي الإنسان رداء أحسن خلقه، واصطفي الأنبياء والأوصياء لمنصب رسالته، وبلغ الغاية من الخلق بتضحية سليل أشرف أنبيائه، وسبي عترة الخامس من أصحاب كسائه.
وصلوات الله الزاكيات، وتحياته الطيبات، وتسليماته الناميات، علي قطب عالم الوجود، وأشرف الممكنات، مظهر النور الأحدي، ومنبع الكمال السرمدي، عنوان صحيفة الوجود، وخاتم حلقات النبوة، محمد المصطفي صلي الله عليه و آله، وعلي أهل بيته الطيبين الطاهرين، أركان التوحيد، وأنوار العرش المجيد، خزائن الحكمة، ومعادن الرحمة، والأسماء الإلهية الحسني، ووسائط الفيوضات الربانية، ولا سيما كوثر سماء الرسالة، وأقمار فلك الإمامة، ابتداء من خاتم أوصياء النبيين، أمير المؤمنين عليه السلام إلي خاتم الأوصياء المحمديين، بقية الله في الأرضين عجل الله تعالي فرجه الشريف.
يمثل هذا الكتاب المسطور والسفر المنشور قطرة من بحر الفضائل اللامتناهية لصاحب المقام الأعلي، ومن بلغ قاب قوسين أو أدني، عين الإنسانية، وإنسان عينها، شمس المشرقين، وقطب النيرين، ونور الجنتين، ومولي الثقلين، وولي النشأتين، وإمام الكونين، الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
ص: 17
إن هذه المجالس مأخوذة عن بيانات أحد أساطين سماء الفقاهة والمرجعية، وأركان الحكمة والمعرفة، الفقيه الجامع، والأصولي البارع، الحكيم صاحب البرهان، والمفسر لرموز القرآن، من أدرك أسرار الكتاب والعترة، علي هدي بيان الأنوار الإلهية من أهل بيت الرسالة عليهم السلام ، وأزاح الستار عن وجه الحقائق، وأماط اللثام عن تأويل الآيات والأحاديث، النصوص منها والظواهر، ببيان مسدد بالتأييد الإلهي.. من وظف كل ما يملك من علوم عقلية ونقلية، وحكمة علمية وعملية، في خدمة أعلام الولاية والإمامة عليهم السلام،ومزج الفقه الأكبر بالفقه الأصغر في أروقة البحث والتحقيق، وعلي كرسي التدريس، والذي صهر كلا من جوهرتي الفقه والمعرفة - في بوتقة سيرته العملية - بالعبادة العظمي، المتمثلة بإقامة مجالس العزاء علي مصائب آل الله عليهم السلام، ولاسيما العصمة الكبري، والإنسية الحوراء، فاطمة الزهراء عليها السلام ، وإمام الموحدين، أمير المؤمنين عليه السلام، ونور عينيها إمام الأولياء، ومصباح الهدي، ومظلوم كربلاء، سيد الشهداء عليه السلام، معتبرا المشاركة في مراسم العزاء بأقدام حافية أقرب الطرق إلي الله، فسار سنين علي الشوارع المفروشة بالحصي، بقدمين حافيتين، مبديا ولاءه جنبا إلي جنب الحشود من العاشقين.
إن حكاية كربلاء وغربة سيد الشهداء عليه السلام، كانت ولا تزال، كامنة في القلوب الحزينة للشيعة ومحبي الحسين عليه السلام، وما زالت أنوار معرفته تنير أفئدة المؤمنين بمقتضي: «إن للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة»(1).
فلا تجد نبيا من أنبياء الله العظام لم تذرف عيناه الدموع حرقة ولوعة في هذه المصيبة، فهذا النبي إبراهيم عليه السلام، وهو من أولي العزم، وقد بلغ درجة «إنِّي جَاعِلُكَ
ص: 18
لِلنَّاسِ إِمَامَا»(1) بعد أن طوي مقام العبودية والنبوة والرسالة والخلة... ما إن شاهد عليه السلام أنوار آل الله وشيعتهم تحوم حول العرش حتي انفرجت شفتاه بالتمني والسؤال: «اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين»، لينال بعد ذلك بفخر واعتزاز وسام الخطاب الإلهي:(2)«وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ»(3)، ثم يتذكر مصائب إمام الكونين أبي عبدالله الحسين عليه السلام فيتململ من شدة الحزن والجزع قائلا: «إني سقيم لما يحل بالحسين»(4)
ص: 19
لربما يرتوي الكمل في العلم والمعرفة من بحر معارف العترة هذا، ويتذوقوا حلاوة الشهد في تربة كربلاء، وينالوا العلم النافع والرزق المعنوي الواسع، ويبلغوا جميع مراتب التوحيد بعد خرق الحجب السبعة.
معظم هذه المجالس قد ألقيت في مسجد أعظم بقم المقدسة، موجهة إلي علماء الحوزة العلمية وفضلائها، بما فيهم أساتذة الدراسات العليا و الفقهاء والمجتهدون، من هنا جاءت بعض المطالب متناسبة في بيانها مع هذا المستوي من المخاطبين.
علما بأن هذه المجموعة من المحاضرات تمثل ثالث كتاب نضعه بين يدي الظامئين لمعرفة هذه الذوات المقدسة، بعد كتاب (حلقه وصل رسالت و امامت) وكتاب (نفس نفيس خاتميت).
علي أمل أن تحظي هذه الصحيفة الجامعة للمناقب والمقامات الحسينية بقبول صاحب عالم الإمكان، وأن تأخذ بيدنا إلي ساحته المقدسة.
«اللهم اجعلني عندك وجيها بالحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة».
ص: 20
وجميع الخلائق تبكي
1995/5/24م=24 ذو الحجة 1415ه_
ص: 21
ص: 22
طلب إلي بعض المؤمنين أن أتحدث بضع كلمات بمناسبة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، فلو غمرتكم ألطاف الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف، ووفقتم لأن تدون أساؤكم في سجل سيد الشهداء عليه السلام في هذه العشرة، فلا ينتابني الشك في أنكم ستحظون بفوز لا يدانيه في العظمة فوز، وتكونون قد نهضتم بمسؤولية عظيمة وعمل خطير، ألا وهو التعريف بالإمام الحسين عليه السلام وحادثة عاشوراء في موسم محرم الحرام، والأمر المهم هو أنه ينبغي أن يفهم بالبرهان أن سيد الشهداء عليه السلام فوق مستوي التعريف، وأن عمله بمنأي عن الوصف، وذلك شأن خطير ينبغي أن يدرك.
إن جميع الحاضرين في هذا المجلس هم أرفع شأنا من أن نلقي فيهم كلمة، فهم من العلماء وأهل التدبر، ولكن بما أن الموضوع من الأهمية بمكان، وهو أبعد أفقا من أن تناله كلماتنا، نري أنفسنا ملزمين أن نلفت أنظار الحضور إلي مرتبة من مراتب الدقة في كلمات أهل البيت عليهم السلام ، وهذا هو المهم في الأمر.
أمر الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في رواية يونس بن ظبيان بأمر، سنذكره إجمالا، وسنبين لكم فقه الحديث والدراية في هذه الرواية الشريفة، وذلك بما يتناسب وجهودكم المبذولة في فهم المطالب العلمية؛ فإن منازل الأفراد
ص: 23
بقدر درايتهم لا كثرة روايتهم (1).
قال يونس بن ظبيان للإمام عليه السلام: «جُعلت فداك، إلي كثيراً ما أذكُر الحسينَ عليه السلام، فأيّ شيءٍ أقولُ؟
فلما آنس منه الإمام عليه السلام هذا الاستعداد، قال: «قل: صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ تُعِيدُ ذَلِكَ ثَلاَثاً ».
ثم قال يونس: «جعلت فداك، إني أّريد أن أزوره، فكيف أقول؟ وكيف أصنع؟
قال عليه السلام : إِذَا أَتَيْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَاغْتَسِلْ عَلَي شَاطِئِ الْفُرَاتِ ثُمَّ الْبَسْ ثِيَابَكَ الطَّاهِرَةَ ثُمَّ امْشِ حَافِياً فَإِنَّكَ فِي حَرَمٍ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ وَ حَرَمِ رَسُولِهِ وَ عَلَيْكَ بِالتَّكْبِيرِ وَ التَّهْلِيلِ وَ التَّسْبِيحِ وَ التَّحْمِيدِ وَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَثِيراً وَ الصَّلَاةِ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ».
والمهم هنا: قوله له: «ثُمَّ أمش إلَيهِ حَتَّي تَأْتِيَهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَ اسْتَقْبِلْ وَجْهَكَ بِوَجْهِهِ، وَ تجْعَلِ الْقِبْلَةَ بَيْنَ كَتِفَيْكَ ثُمَّ قُلِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّهِ وَابْنَ حُجَّتِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا قَتيلَ اللهِ وَابْنَ قَتيلِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللَّهِ وَ ابْنَ ثارِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وِتْرَ اللّهِ الْمَوْتُورَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».
تأملوا جيدا، ثمة ضربان من السلام: الأول سلام عام، ثم تلاه سلام خاص.
السلام الأول هو سلام عام، والثلاثة الأخري خاصة.. ومن هنا فإن الحكمة
ص: 24
والمعرفة ولباب العلم كامنة في كلام أئمة الدين عليهم السلام، ولا يستطيع العقل البشري أن ينال قبسا من شمس تلكم الكلمات، حتي تسعفه النظرة الإلهية، و تمتد إليه يد العون منه تعالي.
السلام الأول هو: «يَا حُجَّةَ اللّهِ وَابْنَ حُجَّتِهِ»، وهو يمثل صفة عامة تنسحب علي سائر الأئمة عليهم السلام، أما ما بعده، فهو منصب خاص، لا يشاركه فيه أحد، حتي أبوه عليه السلام، فما هو ذلك المنصب؟
إنه: «قَتِيلَ اللّهِ وَابْنَ قَتِيلِهِ».
فليس في عالم الخلقة من يحمل هو وأبوه مثل هذا العنوان من عالم الغيب: قتيل الله، و أبوه كذلك قتيل الله، فتتجسد لطافة التعبير في قوله: «السَّلامُ عَلَيْكَ يَا قَتِيلَ اللّهِ وَابْنَ قَتِيلِهِ».وما يضفي علي هذا السلام خصوصية هو: أن للحسين عليه السلام سمتين لم تجتمعا لأبيه من قبل، هما: أنه عليه السلام قتيل الله وابن قتيله، وأنه ثار الله وابن ثاره أيضا، كما آنه وتر الله الموتور في السماوات والأرض.
هاهنا موضع يحار فيه المكمل؛ فبعدما جاء الإمام عليه السلام علي ذكر تلك المناصب الثلاثة، اردف قائلا: «اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ، وَبَكي لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ»، فينبغي لكم التعريف به عليه السلام، من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ وماذا كان؟ وماذا فعل؟ ليعي الناس أن هذا الشخص الذي يمثل جوهر سماء الوجود، فريد من نوعه وجودا وعملا. وفي كل جهة من هذه الجهات بحث يتطلب محاضرات ودروسا متعددة، ويستدعي الدقة والتأمل.
المهم أن نعي أولا ما الذي حدث ليسكن دم الإمام عليه السلام الخلد؟ إن الخلد موضع التجرد، فلو سكنت الروح الخلد فذلك علي وفق الأصل، وأما لو انقلبت الحال وصارت الروح أسمي من الخلد بينما صار الخلد مسكنا للدم، فإن ذلك فوق إدراك
ص: 25
البشر وعقولهم، ومعني هذا الكلام: أن الحسين عليه السلام بلغ من المنزلة موضعا بحيث لا يسع الخلد سوي أن يكون مسكنا لدمه الطاهر، ليت شعري فأين تسكن روحه؟ ذلك ما ينبغي أن نبحث عنه .
«اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ»..وتتلو تلك السكني قشعريرة، وأي قشعريرة هي؟ «َاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ»؛ إن دمك يا حسين قد سكن الخلود، ولكن اقشعرت له أظلة العرش، ولا يخفي أن نسبة السكن إلي الدم، والقشعريرة إلي أظلة العرش، مما يحتوي علي أبحاث صاخبة.
ثم يلي هاتين العبارتين قوله عليه السلام: «وَبَكي لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ»(1)فأين المفكرون؟
ص: 26
أين المتأملون؟ أين ذووا الأنظار الدقيقة؟ ليلتفتوا إلي أن الإمام أضاف كلمة:
«جميع» علي كلمة «الخلائق»، مع أن الخلائق جمع محلي بالألف واللام، ثم فضل هذا الإجمال قائلا: بكت لذلك الدم السماوات السبع والأرضون السبع... فأين محل الإمام نفسه؟ فالحديث كله كان عن الدم، وهو ما يجري في العروق، أما الروح المتعلقة بهذا البدن، فهي شيء آخر، ولها بحثها الخاص.
لما سكن دمك هناك اقشعرت له أظلة العرش، وبكت له جميع الخلائق، كما بكته - بحسب تعبير الإمام عليه السلام - السماوات وأهلها والأرضون وأهلها، والمهم أن نعرف من أين بدأ التأثير والتأثر في محوري الصعود والنزول؟ وأين انتهي؟ حيث أظهر الإمام عليه السلام ما يشبه معجزة شق القمر في مجال العلم والمعرفة لذوي الفقه الأكبر، حيث إن الإمام الصادق عليه السلام لم يعرف أبا عبد الله بنفسه، بل عرفه بدمه؛ ليفهم من هو أهل الفهم بأن الدم إن علا حد الوصف فأين تكون حدود صاحبه ورتبته؟
لقد أحدث هذا الدم انقلابا، ابتداء من قوس الصعود، وانتهاء إلي قوس
ص: 27
النزول، راجعوا كتاب «الكافي» بعين الدقة والتحقيق، ومن الزاوية التي أشرت إليها. . يقول علامة الوجود الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في مقام التفصيل بعد الإجمال هذه الكلمات: «لَمَّا قَضَي بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ... وَمَنْ يَنْقَلِبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا»، إن الانقلاب قد طال كلا من قوسي الصعود والنزول معا، فمن أعلي درجة في قوس الصعود، إلي أدني نقطة من قوس النزول، لم يتمالك أحد نفسه إزاء هذا الدم، فيا لها من ضجة!
ولم يكتف الإمام عليه السلام بهذه الكلمات، بل أردفها بكلمة يجب أن يفهم كل حي رزق ما يراد منها، ليعرف حقيقة ما حدث، فهو يقول عليه السلام: ومَا يُرَي ومَا لَا يُرَي بكت علي دمك، فيما تقع عليه العين وما لا تقع قد بكي علي دم الحسين عليه السلام.
فأي واقعة هي واقعة عاشوراء؟ لقد بلغت قضية الإمام الحسين عليه السلام من المكانة بحيث لا يذكر اسمه عليه السلام تأدبا إلا مقرونا بأحد الألقاب، فمتي ما أردتم أن تذكروا اسمه عليه السلام فقولوا: سيد الشهداء، إمام الأولياء، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام:
لو طهر الفم ألف مرة بماء الزهر*** يبقي ذكره لاسمك مجردا منتهي الوقاحة (1)
إذا تسني لي فسأزيح الستار بمقدار ما يتيسر عن هذه الكلمة: «أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ»، وينبغي أن يكون ذلك ضمن سياق برهاني، فليس المقام هنا مقام خطابة.
ص: 28
إن إضافة النكرة إلي المعرفة تغير حال النكرة، فإنها تكتسب التعريف من المضاف إليه، وتلك هي الميزة العلمية للإضافة، فإن كان المضاف إليه فوق مستوي التعريف، فمثل هذه الإضافة تجعل من المضاف فوق مستوي التعريف كذلك.
والكلمة الأولي التي ذكرتها - من أن الحسين بن علي عليه السلام فوق مستوي التعريف - كلمة برهانية، والدليل عليها أن الإضافة تمنح النكرة التعريف من جهة استدلالية، فتكتسب النكرة كل ما للمضاف إليه من خصوصيات، فإن كان طرف الإضافة (المضاف إليه) فوق مستوي التعريف يكون المضاف كذلك، تلك هي ميزة
الإضافة.
أحيانا تكون الإضافة فنائية، فإن كانت من قبيل إضافة الفاني إلي المفني فيه، تنتقل حينها أحكام المفني إلي الفاني، وتظهر عليه آثاره، وهذه هي نتيجة الإضافة الفنائية.
ينبغي لنا أن نعرف الآن ما هو نوع الإضافة التي تتضمنها إضافة الحسين بن علي عليه السلام إلي لفظ الجلالة، لنكتشف سبب قوله عليه السلام : « السَّلامُ عَلَيْكَ يَا قَتِيلَ اللّهِ وَابْنَ قَتِيلِهِ»؟ فمن هو ذلك القتيل يا تري؟
راجعوا دعاء علقمة، ستجدون هناك جملة تضج بالمعارف، حيث يقول بعدما أقسم علي الله جل وعلا بخمسة أشخاص: «وَبِاسْمِكَ الَّذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمينَ»(1)، فإن ذلك الدم يضرب بجذوره إلي هذه التربة!
ص: 29
إن الدم المراق إنما أريق من بدن كان يحمل اسم الله الأعظم، ولكننا نتساءل: إلي أي مدي؟ وبأي مقدار؟ فإن هذا الاسم ثلاثة وسبعين حرفا، منها حرف واحد مختص بمقام (هو)، مقام الذات الإلهية، لا يشاركه فيه سواه، يبقي منها اثنان وسبعون حرفا، أعطي منها النبي عيسي عليه السلام حرفان فقط، فكان يحيي بهما الموتي ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق الطير بإذن الله .
وعندما وصلت النوبة إلي إبراهيم عليه السلام أعطي منها ثمانية أحرف، ولم يزد علي الثمانية (1) ، أما قلب الحسين عليه السلام فقد استوعب جميع الأحرف الاثنين و السبعين.
كان ذلك الدم يحمل مثل هذه الجوهرة، فعلينا أن نعرف أولا من هي تلك الشخصية؟ وكيف أريق ذلك الدم الذي رافق جسما يحمل الاسم الأعظم؟ هناك جهات جديرة بالاهتمام، فثمة حسابات للدم المراق، دم من هو؟ من أي منهل
ص: 30
للمعارف يغترف؟ وعن أبي ملكات يصدر؟ ولأي سبب أريق؟ وكيف أريق؟ وكم جرحا جرح؟ فمثل هذه الأمور ليست مما يناله كلام أو بيان، إنما الغرض أن نكشف شيئا من الستار عن قول الإمام عليه السلام: «أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ».
بعد كل تلك الجراحات في ذلك البدن، وقف «يستريح ساعة»، هكذا كان حال الإمام عليه السلام، فإلي أي مدي بلغ به التعب في مثل تلك اللحظات، وفي مثل ذلك الحال، إنه بشر علي كل حال، ولا بد أن يكتمل ذلك الامتحان الإلهي في أفق بشريته، وقد مر بجوار جسد أبي الفضل العباس عليه السلام، وعلي نعش علي بن الحسين عليه السلام، وأقام تلك الضجة في ساحة القتال، «فَوَقَفَ يَسْتَرِيحُ سَاعَهً »،(1) تأملوا
ص: 31
جيدا، ففي تلك اللحظات أصاب الحجر جبهته، فرفع ثوبه ليمسح الدم، ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ أمور لا توصف.
تأملوا في هذه النقطة أيضا: لقد وضع الإمام عليه السلام يده علي الجرح الذي أصاب قلبه ... لماذا فعل ذلك؟ وما هو الداعي؟ لو قدر لهذا الدم أن يسقط علي الأرض، لما بقيت أرض ولا أهلها! هذا هو معني: «رحمةُ اللهِ الواسعةِ»(1)، و«بَابُ نَجَاهِ الاُمَّهِ»(2)
فقد وضع عليه السلام يده علي الجرح لئلا يسقط ذلك الدم علي الأرض.
فيا جعفر بن محمد عليهما السلام ، أنت الذي ينبغي أن يحدثنا عن هذا الدم، أي دم كان؟!
لما استقر السهم في قلبه الطاهر قال عليه السلام : «بِسمِ اللهِ وباللهِ وعلي مِلةِ رسولِ اللهِ»..
ثم اغترف الدم بيده، ورمقه ببصره، ورمي به إلي السماء؛ ف «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ »(3) فقامت القيامة بسبب ذلك؛ ولم تسقط منه قطرة علي الأرض.. هذا هو الدم الذي «سَكَنَ فِي الخُلدِ» (4).
ص: 32
فيا أحمد بن حنبل لقد كتبت في مسندك، ويابن عبد البر لقد كتبت في استيعابك، ويابن حجر لقد كتبت في إصابتك، أيها الترمذي لقد كتبت في سننك، ويا جلال الدين السيوطي لقد كتبت في تفسيرك وتاريخك، ويا بيهقي لقد كتبت في تاريخك، أيها الخطيب البغدادي لقد كتبت في تاريخك، ويا أئمة التفسير والحديث، إنكم جميع كتبتم أن ابن عباس قال: «رأيت النبي صلي الله عليه و آله في المنام بنصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتتبع فيها شيئا. قال: قلت: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل أتتبعه منذ اليوم. قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم، فوجدنا قتل ذلك اليوم»..وفي رواية قال: «وهذا دمه ودماء أصحابه أرفعها إلي الله تعالي»(1).
ص: 33
فيا أحمد بن حنبل! هل فهمت معني ذلك؟ هل عرفت ماذا تعني هذه الكلمة؟ ليس دم الحسين عليه السلام يرفع إلي السماء فحسب، بل دماء أصحابه كذلك، فما معني أن ترفع تلك الدماء إلي العرش؟
إن ذلك يعني أنني أنا الجنائي لحديقة البشرية، تعهدتها حتي أينعت ثمارها، وقد حان وقت قطاف الأزهار، فجمعت ماء الزهر لآخذه معي « فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر»ٍ (1)
«أَشْهَدُ لَقَدْ طَيَّبَ الله بِكَ التُّرابَ وَأَوْضَحَ بِكَ الكِتابَ»(2)
ص: 34
*قال ابن عباس: «رأيت النبي صلي الله عليه و آله الليلة التي قتل فيها الحسين عليه السلام وبيده قارورة، وهو يجمع فيها دما. فقلت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله، ما هذا؟ قال: هذه دماء الحسين عليه السلام وأصحابه أرفعها إلي الله تعالي...».(ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4، ص93؛ النويري، نهاية الأرب: ج 20، ص 474).
وورد أيضا: «إن ابن عباس رأي النبي صلي الله عليه و آله في منامي يوما بنصف النهار، وهو أشعث أغبر، في يده قارورة فيها دم. فقال: يا رسول الله، ما هذا الدم؟ قال: دم الحسين عليه السلام لم أزل ألتقطة منذ اليوم. فأحصي ذلك اليوم، فوجد [أنه] قُتل في ذلك اليوم».(الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص430؛ يوسف بن حاتم العاملي، الدر النظيم: ص567؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص 231؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام،، ص510. وبهذا المضمون ورد في: ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص 62).
وورد أيضا: «ان ابن عباس قال: رأيت النبي صلي الله عليه و آله فيما يري النائم في نصف النهار أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذه القارورة؟ قال: دم الحسين عليه السلام، لم أزل ألتقطه منذ اليوم. فحفظ اليوم فإذا هو يوم قتله».(ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص 62).
وورد كذلك: «عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله : وأنا قائل، فرأيته أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم. فقلت له: بأبي أنت يا رسول الله! ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم. فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم».(ابن المغازلي الشافعي، مناقب علي بن أبي طالب: ص317- 318).
ص: 35
وورد أيضا: «في أثر ابن عباس: رأي النبي صلي الله عليه و آله في منامه بعد قتل الحسين عليه السلام، وهو مغبر الوجه، حافي القدمين، باكي العينين، وقد ضم حجز قميصه إلي نفسه، وهو يقرأ هذه الآية: [ «وَلَا تَحسَبَنَّ اللهَ غَفِلاً عَمَّا يَعمَلُ الظَّلِمُونَ)]، وقال: إني مضيت إلي كربلاء، والتقطت دم الحسين من الأرض، وهو ذا في حجري، وأنا ماضٍ أخاصمهم بين يدي ربي».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص236-237).
وورد كذلك: «عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله في النوم أشعث أغبر، معه قارورتان فيها دم. فقلت: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم».(الأربلي، كشف الغمة : ج 2، ص267).
وورد أيضا: «روي عن ابن عباس، قال: كنت نائما في منزلي في المدينة قائلة الظهر، فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله ، وهو مقبل من نحو كربلاء، وهو أشعث أغبر، والتراب علي شيبه، وهو باكي العين، حزين القلب، ومعه قارورتان مملوءتان دما. فقلت له: يا رسول الله، ما هذه القارورتان المملوءتان دما؟ فقال: هذه فيها من دم الحسين، وهذه الأخري من دم أهل بيته وأصحابه».(الطريحي، المنتخب في جمع المراثي والخطب: ص 459).
ص: 36
1996/0/13م= 24 ذو الحجة 1416ه
ص: 37
ص: 38
مما يجب أن نذكر به اليوم هو أن أمامكم - أيها السادة - فرصة تجارية مربحة في أيام عاشوراء، يسرها لكم ربكم! فينبغي للعلماء والفضلاء الحضور في هذا المجلس أن يلتفتوا إلي أهمية هذا المنصب، ولأهل البيت عليهم السلام كما للقرآن عبارات وإشارات (1)، العبارات منها موجهة للعوام، والإشارات للعلماء، ثم إن كفالة اليتيم تحظي في الدين بأهمية بالغة، (ملحق: 1) كفي في ذلك أن يقول النبي صلي الله عليه و آله: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ»(2)، هذا فيما يخص اليتيم بشكل عام، فما هي الإشارة التي
ص: 39
تتضمنها الروايات ؟
تلك الإشارة جاءت علي لسان الإمام العسكري عليه السلام، فالعبارة تضمنها حديث نبوي، أما الإشارة فقد تضمنها حديث علوي، ففي تلك الرواية يقول الإمام الحادي عشر عليه السلام: «أَشَدُّ مِنْ يُتْمِ يَتِيمٍ انْقَطَعَ عَنْ أَبِيهِ يُتْمُ يَتِيمٍ انْقَطَعَ عَنْ امامه»(1)، فاليتيم الحقيقي هو من حرم من إمامه، والمعني ذاته نجده كذلك في حديث نبوي، فاليتم جسماني تارة، وروحاني تارة أخري، ولكلمات القرآن و روايات أهل البيت عليهم السلام الظاهر و باطن (2)(ملحق:2)، وثمة الآن في مناطق من هذا البلد أناس يعانون الحرمان من أبجديات معالم الدين فهما وإدراكا وتعلما، ويجهلون مسائل
ص: 40
الحلال والحرام، ولم يقفوا بعد علي أرض صلبة من الناحية العقائدية، وقد تسلحت الوهابية بكل ما تملكه من قوة لاصطياد أمثال هؤلاء، وهنا أمور وتفاصيل نحن في غني عن ذكرها، والمسؤولية في مثل هذا الوقت تحتم علي كل من يتيسر له أن يتصدي للمحافظة علي أيتام آل محمد عليهم السلام، وبمناسبة أيام عاشوراء التي نعيش ذكر اها سنكتفي بهذه الكلمات لسيد الشهداء عليه السلام: «مَن كَفلَ لَنا يَتيما قَطَعَتهُ عَنّا مَحَنتُنا باستِتارِنا ، فَواساهُ مِن عُلومِنا الّتي سَقَطَت إلَيهِ حتّي أرشَدَهُ و هَداهُ ، قالَ اللّه ُ عَزَّ و جلَّ : يا أيُّها العَبدُ الكَريمُ المُواسِي، أنا أولي بِالكَرَمِ مِنكَ ، اِجعَلوا لَهُ يا مَلائكتي في الجِنانِ بِعَدَدِ كُلِّ حَرفٍ عَلَّمَهُ ألفَ ألفِ قَصرٍ ، و ضُمُّوا إلَيها ما يَليقُ بِها مِن سائرِ النِّعَمِ»(1).
تأملوا الرواية جيدا، إنها كلمات سيد الشهداء عليه السلام ، وقد نص الحديث علي محنة الاستتار، نعم هناك نسخة أخري تضمنت كلمة (محبتنا) بدلا من (محنتنا)، والأظهر أن الكلمة الصحيحة هي (محنتنا)، أي تورط في محنتنا، وهي محنة الاستتار، واليوم هو يوم الاستتار، فكلام سيد الشهداء عليه السلام يسلط الضوء علي وضع الجميع حاليا،«مَن كَفلَ لَنا يَتيما قَطَعَتهُ عَنّا مَحَنتُنا بِاسْتِتَارِنَا فَوَاسَاهُ مِنْ عُلُومِنَا اَلَّتِي سَقَطَتْ إِلَيْهِ »، والجملة الثانية للإمام عليه السلام تبين مسؤوليتكم الإعلامية علي المنابر، وأن كل ما تلقونه علي مسامع الناس من حديث، وكل ما تقدمونه لهم من ثمار، ينبغي أن يكون من القطاف الطيبة لدوحة الوحي، هذا هو برنامجكم الإعلامي، وهو غني عن البيان والتوضيح؛ لأنكم ممن تغنيهم الإشارة عن التصريح، فإن قمتم بأمر الكفالة وجب
ص: 41
أن تكون بحيث لا تحدثوهم بكلام زيد أو عمرو، بل حدثوهم بكلام الله وكلام نبيه صلي الله عليه و آله، وكلام الباقر والصادق عليهماالسلام ، تلك الشجرة الطيبة «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(1) (ملحق:3)، اقتطفوا من ثمارها وتفضلوا بها علي الأيتام، هذا هو البيان الثاني لسيد الشهداء عليه السلام، ثم ما هو الأجر الذي يترتب علي ذلك؟
إذا أردنا أن نتناول حديث سيد الشهداء عليه السلام بالتفصيل من ناحية فقه الحديث، فإن حديثي فضلا عن قصوري سيكون غير واف بشرح ما يتضمنه الحديث من لطائف، يقول الإمام عليه السلام: من واسي يتامانا في زمن استتارنا بتعليمهم علومنا، فإن الله تعالي يقول لذلك العبد المواسي: أنا أولي بالمواساة، ثم يأمر الملائكة أن يعطوا كافل اليتيم بكل حرف من علوم أهل البيت عليهم السلام، يعلمه الجاهل المنقطع عن الإمام، ألف ألف قصر، وأن يهيئ لكل قصر ما يليق به من النعم، كل ذلك أجر حرف واحد، وهذا هو جزاء كفالة أيتام آل محمد عليهم السلام في هذا العصر.
ما أربحها من تجارة يمكنكم أن تظفروا بها في مثل هذه الأيام القيمة
ص: 42
(ملحق:4)، إن كل هذا التأكيد والترغيب إنما هو لمثل هذا الوقت، تحسبا من أن توجه أيدي السنة والمتأثرين بأفكارهم ضربة لتلك الأفكار النورانية والعقائد المقدسة، التي وصلتنا بفضل جهود السلف الصالح، من عهد أوتاد الأرض والأعلام الأربعة: بريد بن معاوية، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير، وزرارة، إلي يومنا هذا (1)، فإن هؤلاء الأوتاد الأربعة قد صانوا الأركان العقدية للتشيع، فحذار أن تتعرض هذه العقائد لانتكاسة من قبلنا أو في زمننا، إن أهم مسؤولية ينبغي أن توظفوا لها كل ما لديكم من طاقة تتجسد في النقطتين التاليتين: الحفاظ علي عقائد الناس، وتعليمهم مسائل الحلال والحرام.
عليكم أن تعلموا أن الحفاظ علي الإسلام لا يتسني إلا عن طريق التشيع، بل لا دين في العالم أساسا سوي الإسلام، ولا إسلام إلا في مذهب التشيع، فالدين والإسلام محصوران في مذهب التشيع فحسب (ملحق: 5).
إن هؤلاء المنادين بالتوحيد في عصرنا الحالي هم أئمة الشرك بحكم البرهان، وهم حملة راية التشبيه والتجسيم الله جل وعلا (2)(ملحق :6)، فعقيدة الإسلام
ص: 43
الصائبة في المبدأ والمعاد والنبوة محصورة في المذهب الجعفري الحق، ليس هذا كلاما خطابيا، بل هو أمر برهاني، فلا توجد أمة بمنأي عن التلوث بالأفكار الباطلة إلا المعارف المنبثقة من هذا البيت الطاهر، ولنعم الحديث القائل: «كُلُّ ما لَم يَخرُج مِن هذَا البَيتِ فَهُوَ باطِلٌ»(1)(ملحق:7)، وستثبت هذه الدعوي اليوم بالبرهان .
لا ينبغي أن تغيب هذه النقطة عن أذهانكم: إذا أردتم أن تهدوا الناس فاعلموا «اِنَّ الْحُسين مِصباحُ الْهُدي وَ سَفينَهُ الْنِّجاة»، فما لم تحملوا هذا المصباح لا يمكنكم أن تكونوا هداة للناس، فإنه هو مصباح الهدي، ويا لها من كلمة!
ص: 44
في ليلة الإسراء لما عرج بالنبي صلي الله عليه و آله إلي العالم العلوي، اجتاز السماء الأولي والسماء الثانية، حتي بلغ اللوح، فاجتازه كما اجتاز القلم والكرسي وقوائم العرش السبعين ألفا، فلما بلغ إلي منتهي المطالب والمقاصد، رأي مكتوبا هناك: «اِنَّ الْحُسين مِصباحُ الْهُدي وَ سَفينَهُ الْنِّجاة»(1).(ملحق:8)
فلا بد من المحافظة علي عظمة مراسم العزاء، ولا ينبغي أن تترك أفكار المتأثرين بالسنة المعششة في قلوب السفهاء، أي تأثير، مما يؤدي إلي الحط من عظمة هذه
ص: 45
مراسم لدي الناس.
لدي كلام أوجهه إلي أعيان علماء العامة، سأبينه هنا باختصار، ففي كل قوم وجماعة محققون وباحثون، ولا شك في وجود من يعتمد الاستدلالات العقلية ويتقن العلوم النقلية بين علماء العامة أيضا، وكلامي هنا موجه إليهم فقط، أما المقلدون فلا يعبأ بهم عادة؛ فإن باحثا واحدا من ذوي الدقة والإمعان لا يقارن بملايين من هؤلاء المقلدين.
هناك رواية نصت علي ما يلي: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَاَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اَحَبَّ اللَّهُ مَنْ اَحَبَّ حُسَيْنًا»، والبحث فيها من جهتين: جهة السند، وجهة الدلالة، فمن ناحيةالسند ينبغي أن يلتفت الباحثون من أهل السنة إلي أن هذه الرواية، برغم استغنائها عن البحث السندي بمستوي التأكيد الذي قمت به، ولكن لا بد من البحث السندي لسبب آخر.
لقد أخرج هذا الحديث كل من: ابن الأثير صاحب كتاب «أَسد الغابة »(1) ،والإمام أحمد بن حنبل الشيباني (2)، وإمام المحدثين الترمذي(3)، وإمام المحدثين ابن ماجة (4)، والحاكم النيسابوري (5)، والبخاري(6)، وسائر أعلام أهل السنة، وعلي
ص: 46
رأسهم شمس الدين الذهبي رأس المنتقدين الذي لم يأل جهدا في نقد جميع النصوص الواردة في هذا المضمار، لما وصل إلي هذا الحديث قال: «هذا صحيح »(1)، وبهذا يتبين أن هذه الرواية تحظي بهذه القيمة من الاعتبار من الناحية السندية.
أما نص الحديث فهو: أن الرسول الكريم صلي الله عليه و اله لقي الحسين عليه السلام يوما وهو صبي، فضمه إلي صدره، فوضع إحدي يديه تحت ذقنه والأخري تحت قفائه، ووضع شفاهه المباركة علي شفته وقبله، ثم قال: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَاَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اَحَبَّ اللَّهُ مَنْ اَحَبَّ حُسَيْنًا»(2). (ملحق:9)
ص: 47
تضمن هذا الكلام ثلاث جمل: الأولي: «حُسينٌ مِنّي»، والجملة الثانية : «وَأَنا من حُسينٍ»، والجملة الثالثة : «اَحَبَّ اللَّهُ مَنْ اَحَبَّ حُسَيْنًا»، وهذه الجملة الثالثة تضج بالدقة والحكمة؛ فهي إما جملة خبرية، أو إنشاء بمعني الإخبار، ومعناها واضح وجلي، وهو: أن من أحب الحسين عليه السلام أحبه الله، ويا له من أمر عظيم! فما الذي حدث ليصبح محب الحسين عليه السلام محبوبا لله تعالي؟
إن فقه هذا الحديث في غاية الصعوبة، لكننا سنتناوله بالبيان بقدر المستطاع، وينبغي للباحثين والمحققين متابعة دراسة هذا الموضوع لاحقا. علي علماء أهل السنة ومفكريهم التمعن في هذه الرواية والتأمل في معناها، فما معني «حُسينٌ مِنّي»؟ وما هو نوع الياء المتصلة بحرف الجر «مِنّي»، حيث وردت في الجملة التالية بصورة ضمير منفصل «وَأَنا من...»؟ وعن أي معني تعبر؟ علي علماء أهل السنة - ممن لهم باع في الأمور العقلية بعد الفراغ من الأمور النقلية - الالتفات إلي أن حرف الجر «من»لا يعبر عن جزء من هذا الجسم، بمعني أن هذه عيني أو رأسي وقدمي، وجسمي، بل إن«من»هذه بمثابة المضاف إليه استيعابا لجميع الأعضاء والقوي، فجملة «حسين مني»تمثل الانبثاق من حقيقة الحقائق ورقيقة الرقائق.
وإن لم يكونوا من أهل الكمالات العقلية العليا، فعليهم - علي الأقل - أن يرجعوا إلي النمط الثالث من أنماط النفس الأرضية والسماوية لدي الشيخ الرئيس ابن سينا، حيث يقول: «ارجع إلي نفسك وتأمل»(1). فليقرؤوا هذا التنبيه الأول من
ص: 48
إشارات الشيخ في بحث النفس إلي آخر جملة فيه؛ عندي سينتهون إلي حقيقة إنية الإنسان التي تعد مبدأ للإدراك والحركة وجميع الأفعال والانفعالات، فعبارة «حُسَين ُ مِنّي»تعني أن الحسين عليه السلام فرع من جوهر النبوة اللطيف، فللنبي صلي الله عليه و آله حتي في بدنه المثالي يد ورجل وعين وأذن، ولكن لا قيمة لجميع ذلك إزاء إنية الإنسان.
ف«حُسَين ُ مِنّي» مرتبة فوق مرتبة الجسم في هذه النشأة، وتلك النشأة، وقد ذكرت أن فقه الحديث في غاية الصعوبة. نعم، قد تصدي لإخراج الحديث كل من الحاكم والذهبي وابن ماجة والترمذي والبخاري، لكننا نتساءل: ماذافعلتم في مجال فقه الحديث؟ حبذا لو كنتم تستوعبون معني «حُسَين ُ مِنّي»، ثم تبحثون عن مسألة أن الحسين عليه السلام منه وممن هو؟ ثم عن مرجع الضمير في «ِمنّي»، من أين تفرع وانبثق ؟ لوجدتم أنه متفرع من موضع تكسرت عنده جميع الأقلام، وتعطلت عنده جميع الكلمات؛ لأنه منبثق من نور العظمة الإلهية (1). (ملحق:10) عندها ستتضح أن الحقيقة الحسينية هي الحقيقة المحمدية نفسها، (ملحق:11)، وأن الحقيقة المحمدية هي تلك النقطة الأولي في مستهل قوس الوجود النزولي، ومنتهي قوسه الصعودي، وفي نهاية المطاف يفهم ذلك العالم والمفكر السني من هذا الحديث ما
ص: 49
تعنيه الآية المباركة: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَيٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1).
فإن ثبت ذلك بالبرهان، فما حل بهذا البدن يوم عاشوراء قد حل بالنبي الكريم صلي الله عليه و آله، وما نزل بشخص النبي صلي الله عليه و آله قد نزل بنور العظمة الإلهية، يا لها من مصيبة كبري ورزية عظمي، حيث إنها: «َثقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»§َيسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ (الأعراف، آية187).
*صحيح أن الآية الشريفة تتحدث ظاهرا عن القيامة، لكنها تتجلي في مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، كما ينطبق «النبأ العظيم»الذي يعني القيامة علي الوجود المقدس لأمير المؤمنين عليه السلام.
وورد فيها كذلك: «ياأبا عبدِ الله! لقدْ عَظُمَت الرزيهُ، وجِلَّت المصيبهُ بك علينا وعلي جميعِ أهل السماواتِ والأرضِ....».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 328؛ الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 774؛ السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلي الطفوف: ص1؛ محمد بن جعفر المشهدي، المزار: ص481؛ الشهيد الأول، المزار: ص179؛ الكفعمي، المصباح: ص483؛ الكفعمي، البلد الأمين:ص270؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص294)(2)نَادَي جَبْرَئِيلُ عليه السلام بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ كُلُّ مُسْتَيْقِظٍ: تَهَدَّمَتْ وَ اللَّهِ أَرْكَانُ الْهُدَي وَ انْطَمَسَتْ وَ اللَّهِ نُجُومُ السَّمَاءِ وَ أَعْلَامُ التُّقَي وَ انْفَصَمَتْ وَ اللَّهِ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَي ...».(العلامة المجلسي،بحار الأنوار: ج 42، ص282؛ السيد شرف الدين، المجالس الفاخرة: ص 328)(3)روي عن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «يَا زُرَارَةُ! إِنَّ السَّمَاءَ بَكَتْ عَلَي الْحُسَيْنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالدَّمِ وَ إِنَّ الْأَرْضَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالسَّوَادِ وَ إِنَّ الشَّمْسَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالْكُسُوفِ وَ الْحُمْرَةِ وَ إِنَّ الْجِبَالَ تَقَطَّعَتْ وَ انْتَثَرَتْ وَ إِنَّ الْبِحَارَ تَفَجَّرَتْ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً عَلَي الْحُسَيْنِ عليه السلام وَ مَا اخْتَضَبَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ وَ لَا ادَّهَنَتْ وَ لَا اكْتَحَلَتْ وَ لَا رَجَّلَتْ حَتَّي أَتَانَا رَأْسُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص168-167؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص167؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص206؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص 462)
وأيم الله تعالي! لو أصغي علماء أهل السنة إلي حديثي بعين الإنصاف، وتتبعوا ما ذكرته لهم وذكرتهم به، لأدركوا - شاؤوا أم أبوا - آنه يجب عليهم البكاء حفاة حاسرين في يوم عاشوراء، ولأيقنوا أنه ينبغي لهم أن يوصوا الأمة الإسلامية بأسرها بإقامة العزاء بحيث لا تقارن بأي مناسبة أخري.
وهنا أسأل علماء العامة: اقرؤوا هذه الرواية، ثم راجعوا كلام ابن حجر العسقلاني (1)، وابن حجر الهيتمي(2)، وجلال الدين السيوطي(3)، وسائر أئمة أهل السنة، لتروا أنهم جميعا قالوا: «لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ كُسِفَتِ الشَّمْسُ كَسْفَةً بَدَتِ الْكَوَاكِبُ نِصْفَ النَّهَارِ...»(4). (ملحق:14)
مصيبة أثارت كل هذه الضجة في الملأ الأعلي، ماذا عساها أن تفعل في هذا العالم؟
ص: 51
أوجه لكم - أيها الحاضرون - بضع كلمات أيضا.
إن طريق علماء أهل السنة هو ما ذكرته، أما أنتم ففكروا في هاتين الكلمتين، روي في سيرة الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه: «ما ذُكِرَ الحسين بن علي عليه السلام عند أبي عبدالله عليه السلام في يوم قطّ فَرُئيّ أبو عبدالله مُتَبَسّماً في ذلك اليوم إلي اللّيل»(1).(ملحق:15) فما الذي حدث؟ ومن هو الإمام الحسين عليه السلام؟ وما الذي فعله؟!
هذا هو الفقيه. قال بعض الأعاظم: كان عدد من الأعلام إذا رأوا ثلاثة أشخاص قد اتفقوا علي مسألة معينة يفتون علي طبقها، سأقول لكم كلمة بشأن الميرزا الشيرازي، الكل يعرف الميرزا محمد تقي الشيرازي قدس سره، أعجوبة الفكر من حيث دقة الرأي وقوة الشخصية وصلابة العزيمة، وهو الذي تصدي بمفرده للحكومة البريطانية، وقاد ثورة العشرين في العراق، لقد شوهد مثل هذا الرجل العظيم يوم عاشوراء حافي القدمين، حاسر الرأس، يلطم علي صدره ورأسه في موكب عزاء طويريج، فأي عمل هذا؟ إنه زعيم الشيعة وأسوتهم، فأي أسوة هذا الذي يشارك في العزاء الحسيني حافي القدمين، حاسر الرأس؟! إن دل هذا علي شيء فإنما يدل علي علمه وفقاهته، والوجه في ذلك أنه - بلا ريب - مؤمن بأن الإمام علي بن موسي الرضاعليه السلام؟ قال: «إن يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا»(2).
ص: 52
العين هي أرق عضو في بدن الإنسان، فأي مصيبة تلك التي أقرحت جفون الإمام الثامن عليه السلام؟ إن الميرزا الشيرازي فقيه يعي أن المصيبة التي أقرحت جفون الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام ماذا ينبغي لها أن تنزل برأسه وصدره؟ هذه هي واقعة عاشوراء، وقد بلغت عظمة هذه المصيبة هذا الحد! فالميرزا بمكانة تجعله في غني من تعريفي، وما قام به أجل شأنا من أن يصفه مثلي.
ولكني سأختم كلامي بجملة واحدة مأثورة عن الإمام السادس عليه السلام ، ليكون افتتاح حديثنا بكلام لرئيس الدين وختامه بكلام لرئيس المذهب، فهو الذي ينبغي أن يقول لنا: من هو الحسين عليه السلام.
لما سئل عليه السلام عن كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام، قال: إذا ذهبت لزيارته فقف أمام قبره الشريف وقل: «اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ»، وبعد السلام عليه بعبارات مختلفة يأتي دور الشهادة، فكما يتشهد المصلي قائلا: «أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ»، قال الإمام الصادق عليه السلام: يقول الزائر للحسين عليه السلام: «أشهَد أَنَّكَ نُورُاللّهِ
ص: 53
الَّذِي لَمْ يُطْفَأْ وَلَايُطْفَأُ أَبَداً، وَأَنَّكَ وَجْهُ اللّهِ الَّذِي لَمْ يَهْلِكْ وَلَايُهْلَكُ أَبَداً،»(1).، ينبغي لكم أن تتأملوا في هذه الجمل.
ص: 54
روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال: «فَضْلُ كافِلِ يَتيمِ آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْقَطِعِ عَنْ مَواليهِ النّاشِبِ في تِيهِ الْجَهْلِ- يُخرِجُهُ مِن جَهلِهِ ، و يُوضِحُ لَهُ ما اشتَبَهَ علَيهِ _ علي فَضلِ كافِلِ يَتيمٍ يُطعِمُهُ و يَسقيهِ ، كَفَضلِ الشَّمسِ علَي السُّهي».(التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 341؛ الطبرسي، الاحتجاج: ج 1، ص7؛ علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم: ج3، ص55؛ الشهيد الثاني، منية المريد:ص116؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص 3).
وروي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أيضا أنه قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: «مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا فَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَي نُورِ الْعِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ بِهِ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ عَلَي رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ يُضِي ءُ لجَمِيعِ أهل الْعَرَصَاتِ، وحُلَّةٌ لَا اقَوَّمُ لِأَقَلِّ سِلْكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا عِبَادَ اللَّهِ! هَذَا عَالِمٌ مِنْ تَلَامِذَةِ بَعْضِ عُلَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ أَلَا فَمَنْ أَخْرَجَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْرَةِ جَهْلِهِ فَلْيَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هَذِهِ الْعَرَصَاتِ إِلَي نُزْهِة الْجِنَانِ فَيُخْرِجُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنْيَا خَيْراً أَوْ فَتَحَ عَنْ قَلْبِهِ مِنَ الْجَهْلِ قُفْلًا أَوْ أَوْضَحَ لَهُ عَنْ شُبْهَةٍ»».(الطبرسي، الاحتجاج: ج 1، ص7؛ علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم: ج3، ص55؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي: ج1، ص 17؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص 2).
ص: 55
عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن شيء من التفسير فأجابني، ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر. فقلت: كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال: «يَا جَابِرُ إِنَّ لِلْقُرْآنِ بَطْناً، وَ لِلْبَطْنِ بَطْناً وَ لَهُ ظَهْرٌ وَ لِلظَّهْرِ ظَهْرٌ.يَا جَابِرُ لَيْسَ شَيْ ءٌ أَبْعَدَ مِنْ عُقُولِ الرِّجَالِ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ. إِنَّ الْآيَةَ يَكُونُ أَوَّلُهَا فِي شَيْ ءٍ وَ آخِرُهَا فِي شَيْ ءٍ وَ هُوَ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ مُنْصَرِفٌ عَلَي وُجُوه ».(البرقي، المحاسن: ج 2، ص 300؛ محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي: ج1، ص12؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج27، ص192؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج89، ص 91).
وروي عن الإمام الباقرعليه السلام أيضا أنه قال: «إ ِنَّ لِلْقُرْآن ِ ظَاهراً و َبَاطِناً و َمَعَاني وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ مُحْكماً وَ مُتَشَابهاً وَ سُنَناً وَ أ َمْثَالاً، وفَصلاً وَوَصلاً، وأحرُفاً وتصرِيفاً، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مُبْهَمٌ فَقَدْ هَلَكَ وَ أَهْلَك».(البرقي، المحاسن : ج1، ص270؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج89، ص90).
وروي كذلك: عن ابن مسعود قال: «إنَّ القُرآنَ اُنزِلَ عَلي سَبعَةِ أحرُفٍ ، ما مِنها حَرفٌ إلاّ لَهُ ظَهرٌ وبَطنٌ ، وإنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عِندَهُ عِلمُ الظاهِرِ والباطِن».(الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج1، ص27؛ والد البهائي العاملي، وصول الأخيار إلي أصول الأخبار: ص4؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج1، ص1؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 1، ص 47).
مصادر أهل السنة: الثعالبي، تفسير الثعالبي: ج1، ص53؛ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: ج2، ص493 ؛ فتح الدين الحنفي، فلك النجاة: ص 174.
ص: 56
روي عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق عليهما السلام في قول الله: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»[إبراهيم، الآية 24]، قال: «يَعني: النَّبيَّ صلي الله عليه و آله و الأئمّةَ مِن بَعدِهِ هُمُ الأصلُ الثّابِتُ ، و الفَرعُ الوَلايَةُ لِمَن دَخلَ فيها».(محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي: ج2، ص224؛ محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات: ص80؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 3، ص297؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 24، ص 141).
وروي أيضا عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهماالسلام ،عن قول الله عزوجل: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ »، قال : «أَمَّا اَلشَّجَرَةُ فَرَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فَرْعُهَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ غُصْنُ اَلشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ ثَمَرُهَا أَوْلاَدُهَا عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَ وَرَقُهَا شِيعَتُنَا ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيَمُوتُ فَيَسْقُطُ مِنَ اَلشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ وَ إِنَّ اَلْمَوْلُودَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيُولَدُ فَتُورِقُ اَلشَّجَرَةُ وَرَقَةً».(الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص400-401؛ علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي: ج1، ص369 مع اختلاف يسير ] الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج 3، ص85؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان : ج3، ص298؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج16، ص 363).
وروي كذلك: عن النبي صلي الله عليه و آله، أنه قال: «مَثَلِي مَثَلُ شَجَرَةٍ أَنَا أَصْلُهَا، وَ عَلِيٌّ فَرْعُهَا، وَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ ثَمَرُهَا، وَ اَلشِّيعَةُ وَرَقُهَا، فَأَبَي أَنْ يَخْرُجَ مِنَ اَلطَّيِّبِ إِلاَّ اَلطَّيِّبُ».(ابن مردويه الأصفهاني، مناقب علي بن أبي طالب: ص269؛ الشيخ الطوسي، الأمالي : ص353؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 37، ص 43).
وروي أيضا: عن سلام الخثعمي قال: دخلت علي أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام
ص: 57
فقلت: يا بن رسول الله! قول الله تعالي : «أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء»؟ قال : «يَا سَلَّامُ الشَّجَرَةُ مُحَمَّدٌ، وَ الْفَرْعُ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَ الثَّمَرُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ! وَ الْغُصْنُ فَاطِمَةُ، وَ شُعَبُ ذَلِكَ الْغُصْنِ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليهم السلام، وَ الْوَرَقُ شِيعَتُنَا وَ مُحِبُّونَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِذَا مَاتَ مِنْ شِيعَتِنَا رَجُلٌ تَنَاثَرَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ، ئ قلت: يا رسول الله! قول الله تعالي:«تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها» مَا يعني؟ قَالَ: «يَعْنِي الْأَئِمَّةَ تُفْتِي شِيعَتَهُمْ فِي الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ فِي كُلِّ حَجٍّ وَ عُمْرَةٍ».(الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: ج1، ص406).
روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «انَّا التِّجَارَةُ الْمُرْبِحَةُ الْمُنْجِيَةُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الَّتِي دَلَّ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ،فَقَالَ: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَي تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»[الصف، الآية 10]».(الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة : ج2، ص689؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج5، ص368؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 24، ص 330).
حدثنا محمد بن الحسين رضي الله عنه ، قال: حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمدا عبدي ورسولي، وأن
ص: 58
علي بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي، أدخلته الجنة برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كل شيء، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فر مني دعوته، وإن رجع إلي قبلته، وإن قرع بابي فتحته. ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيد. قال: فقام جابر بن عبد الله فقال: يا رسول الله ! ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ فقال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، وستدر كه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسي بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسي، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثم
الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلم وجورا. هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني، وبهم يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها».(الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص259؛ الشيخ الطبرسي، الاحتجاج: ج1، ص88؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج2، ص184؛ قطب الدين الراوندي، قصص الأنبياء: ص366؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة : ج 3، ص316؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج3، ص389؛ السيد هاشم البحراني، غاية
ص: 59
المرام: ج1، ص163؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 27، ص120).
فمن ذلك: قال ابن تيمية: «جُملَه مَا عَلَيهِ أَصحَابُ الحِديثِ و اَهلُ السُّنَّة الإقرارُ باللهِ ... وأن الله علي عَرْشَهُ كما قال: «الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي»، وأن له لدين بلا كيف كما قال: «وخَلَقتُ بِيَدَيَّ»، وكما قال: «بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ»، وأن له عينين بلا كيف كما قال: «تَجرِي بِأَعيُنِنَا»، وأن له وجها كما قال: «وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ» ...».
(ابن تيمية، الفتاوي الكبري: ج6، ص 438 - 439؛ وانظر كذلك: الشنقيطي،أضواء البيان: ج 7، ص 282).
ومنه: «وأن له يدين بقوله: «بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ»، وأن له يمينا بقوله: «وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ»، وأن له وجها بقوله: «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»، وقوله:«وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ ».(محمد بن أبي يعلي، طبقات الحنابلة: ج 1، ص 284).
ومنه: «... وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَوَي إِلَي السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ، وأنَّهُ سُبْحانَهُ يَاتِي في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والمَلائِكَةُ، كَمَا قَالَ: «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا».(ابن تيمية، الفتاوي الكبري: ج 5، ص46).
ومنه: «وجملة قولنا: ...وأن الله مستو علي عرشه كما قال: «الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي»، وأن له وجها كما قال: «وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ ».(ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج2، ص304).
ومنه: «إن الله ينزل إلي السماء الدنيا [كل ليلة]...».(البيهقي، دلائل النبوة : ج6، ص294؛ النووي، شرح صحيح مسلم: ج9، ص117؛ الفخر الرازي، تفسير الرازي: ج 25، ص34؛ ابن تيمية، مجموعة الفتاوي: ج27، ص129 وج 5، ص 374 [مع اختلاف يسير ]؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج8، ص208؛ المتقي
ص: 60
الهندي، كنز العمال: ج8، ص164).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَ اَلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: «شَرِّقَا وَ غَرِّبَا فَلَا تَجِدَانِ عِلْماً صَحِيحاً إِلَّا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا أَهْلِ الْبَيْتِ».(محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات: ص30؛ الكليني، الكافي: ج1، ص399؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص 92).
ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في النصف من شعبان: «اَشْهَدُ اَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ بَلْ بِرَجاءِ حَياتِكَ حَيِيَتْ قُلُوبُ شيعَتِكَ، وَبِضِياءِ نُورِكَ اهْتَدَي الطّالِبُونَ اِلَيْكَ».(الكفعمي، المصباح: ص498؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص342).
حدثنا الحسن بن عرفة، أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلي بن مرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَاَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اَحَبَّ اللَّهُ مَنْ اَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْاَسْبَاطِ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص116؛ القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج3، ص112؛ الشيخ المفيد، الإرشاد: ج2، ص127؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص425؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة : ج2، ص 216؛ ابن حاتم الشامي، الدر النظيم: ص530؛ العلامة الحلي، كشف اليقين : ص305؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج37، ص 74).
مصادر أهل السنة: ابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ص 377؛ الصفدي، الوافي بالوفيات: ج 12، ص 262؛ ابن كثير، البداية والنهاية :
ص: 61
ج8، ص224؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج 2، ص299؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي : ج 2، ص 34.
روي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام : «كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ غَيْرُهُ، فَأَوَّلُ مَا ابْتَدَأَ مِنْ خَلْقٍ خَلَقَهُ أَنْ خَلَقَ مُحَمَّداًصلي الله عليه و آله وَ خَلَقَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَعَهُ مِنْ نُورِهِ وَ عَظَمَتِهِ فَأَوْقَفَنَا أَظِلَّةًخَضْرَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيْثُ لَا سَمَاءَ وَ لَا أَرْضَ وَ لَا مَكَانَ وَ لَا لَيْلَ وَ لَا نَهَارَ وَ لَا شَمْسَ وَ لَا قَمَر...».(السيد هاشم البحراني، حلية الأبرار: ج1، ص13؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز : ج2، ص371؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج3، ص307 وج 15، ص23 وج 54، ص 169).
روي عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيهما أفضل الحسن أو الحسين؟ قال: «إِنَّ فَضْلَ أَوَّلِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ آخِرِنَا وَ فَضْلَ آخِرِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ أَوَّلِنَا فَكُلٌّ لَهُ فَضْلٌ قَالَ: فقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَسِّعْ عَلَيَ فِي الْجَوَابِ وَ اللَّهِ مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا مُرْتَاداً فَقَالَ: نَحْنُ مِنْ شَجَرَةٍ بَرَأَنَا اللَّهُ مِنْ طِينَةٍ وَاحِدَةٍ فَضْلُنَا مِنَ اللَّهِ وَ عِلْمُنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ نَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَي خَلْقِهِ وَ الدُّعَاةُ إِلَي دِينِهِ وَ الْحُجَّابُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ أَزِيدُكَ يَا زَيْدُ قُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ خَلْقُنَا وَاحِدٌ وَ عِلْمُنَا وَاحِدٌ وَ فَضْلُنَا وَاحِدٌ وَ كُلُّنَا وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعِدَّتِكُمْ؟ فَقَالَ: نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ هَكَذَا حَوْلَ عَرْشِ رَبِّنَا جَلَّ وَ عَزَّ فِي مُبْتَدَإِ خَلْقِنَا أَوَّلُنَا محمد وَ أَوْسَطُنَا محمد وَ آخِرُنَا محمد».(النعماني، الغيبة: ص 87 - 88؛ حسن بن سليمان الحلي، المحتضر: ص277؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج 25، ص363).
ص: 62
وروي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: «...فَنَظَرَ الْإِمَامُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِلَي ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرعليه السلام وَ قَالَ لَهُمْ: مَنْ هَذَا؟ و قَالُوا: ابْنُكَ. فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَنَا؟ قَالَ: أَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ. قال:فتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَمْ نَفْهَمْ فَإِذَا مُحَمَّدٌ بِصُورَةِ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَ إِذَا عَلِيٌّ بِصُورَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فقال الإمام عليه السلام : لَا تَعْجَبُوا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدٌ وَ مُحَمَّدٌ أَنَا، وَ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَا قَوْمُ! لَا تَعْجَبُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أَنَا عَلِيٌّ، وَ عَلِيٌّ أَنَا، وَ كُلُّنَا وَاحِدٌ، مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ، وَ رُوحُنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، أَوَّلُنَا مُحَمَّدٌ، وَ أَوْسَطُنَا مُحَمَّدٌ، وَ آخِرُنَا مُحَمَّدٌ، وَ كُلُّنَا مُحَمَّدٌ ...».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج26، ص16).
لما قتل سيد الشهداء عليه السلام نودي في السماء: «قُتلَ والله الحسينُ بنُ علي بنِ أبي طالبِ، قُتلَ واللهِ الإمامُ ابنُ الإمام، قُتلَ الأسَدُ الباسِلُ و كَهفُ الأراملِ».(القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص84، نقلا عن أبي مخنف؛ العلامة الشريف الكاشاني، تذكرة الشهداء : ج 2، ص160، (بهذا المضمون)).
وروي أيضا: «نَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قُتِلَ والله الْإِمَامُ ابْنُ الْإِمَامِ [و] أخو الإمامِ [و] أَبُو أَئِمَّهٍ، اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ».(البهبهاني، الدمعة الساكبة: ج4، ص 359، نقلا عن أبي مخنف).
وروي كذلك: «نَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ :قُتِلَ والله الْإِمَامُ ابْنُ الْإِمَامِ أخو الإمامِ، قُتِلَ والله الهُمام ابنُ الهمامِ، اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام».(الدربندي، أسرار الشهادة : ص ٤29).
نماذج من آثار شهادة الإمام الحسين عليه السلام في عالم الوجود:
ص: 63
روي عن ميثم التمار أنه قال: أخبرني مولاي أمير المؤمنين عليه السلام: «يَبْكِي عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّي الْوُحُوشُ فِي الْفَلَوَاتِ وَ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْارِ وَ الطَّيْرُ فِي جو السَّمَاءِ وَ تَبْكِي عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مُؤْمِنُو الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ جَمِيعُ مَلَائِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ رِضْوَانُ وَ مَالِكٌ وَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَ تُمْطِرُ السَّمَاءُ دَماً وَ رَمَاداً...».(الشيخ الصدوق، الأمالي، ص189؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع ج1، ص227؛ الفيض الكاشاني، الوافي: ج 11، ص 77؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص203؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم: الإمام الحسين عليه السلام؟ :ص 457).
وروي أيضا: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام؟، قال: «بَكَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ وَالطَّيرُ وَالوَحشُ عَلَي الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام ، حَتّي ذَرَفَت دموعها».(ابن قولويه،كامل الزيارات: ص165؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص164؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص205؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 459).
وروي قريب من هذا المضمون في المصادر التالية: الشيخ الصدوق، الأمالي: ص178؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص238؛ ابن نما الحلي، ذوب النضار في شرح الثار: ص27؛ ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص13؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج3، ص 394؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار:
ج45، ص 218.
عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتينا مع علي [عليه السلام]، فمررنا بموضع قبر الحسين [عليه السلام]، فقال علي [عليه السلام ]: «هَاهُنَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَ مَوْضِعُ رِحَالِهِمْ وَ هَاهُنَا مُهَرَاقُ دِمَائِهِمْ، فِتْيَةٌ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله يُقْتَلُونَ بِهَذِهِ الْعَرْصَةِ، تَبْكِي عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ ».
ص: 64
مصادر أهل السنة: أحمد بن عبد الله الطبري، ذخائر العقبي، ص97؛ السيوطي، الخصائص الكبري: ج2، ص126؛ ابن حجر الهيتمي المكي، الصواعق المحرقة: ص193.
كما ورد ما يشبه هذا المضمون في المصادر التالية: ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج10، ص3289؛ محمد بن جرير الطبري، جامع البيان: ج25، ص160؛ أبو إسحاق الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن ج 8، ص353؛ البغوي، تفسير البغوي: ج 4، ص 152؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص 225؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص 353؛ ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج6، ص 2634؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص312؛ القرطبي، تفسير القرطبي: ج16، ص141؛ الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين: ص 222؛ الزرندي الحنفي، معارج الوصول إلي معرفة فضل آل الرسول: ص99؛ السيوطي، الدر المنثور: ج6، ص 31؛ ابن حجر الهيتمي المكي، الصواعق المحرقة : ص 194؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص101.
قال الإمام الصادق عليه السلام: «إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام لَمَّا مَضَي [مضي] بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَ مَا فِيهِنَّ وَ مَا بَيْنَهُنَّ وَ مَنْ يَتَقَلَّبُ وَ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ وَ مَنْ خَلَقِ رَبِّنَا وَ مَا يُرَي وَ مَا لَا يُرَي».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص166؛ الكليني، الكافي: ج4، ص575؛ الشيخ الطوسي، الأمالي: ص 54؛ محمد تقي المجلسي، روضة المتقين: ج5، ص427؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز : ج4، ص 165؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص206؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص460).
ص: 65
د. احمرار السماء حين استشهاده عليه السلام
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: «إنَّ الحُسَينَ عليه السلام بَكي لِقَتلِهِ السَّماءُ وَالأَرضُ وَاحمَرَّتا...».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص181، باب 28، ح 4؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج3، ص701؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص143؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص209؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص464).
وروي قريب من هذا المضمون في المصادر التالية: القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج 3، ص167؛ الشيخ الطبرسي، تفسير جوامع الجامع: ج 2، ص 444 الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج6، ص405؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص212؛ الملا فتح الله الكاشاني، تفسير كبير منهج الصادقين في إلزام المخالفين (فارسي): ج8، ص281؛ الملا فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير : ج6، ص 287، الطريحي، تفسير غريب القرآن: ص 38؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص21
مصادر أهل السنة: يحيي بن معين الدوري، تاريخ ابن معين: ج1، ص361؛ ابن أبي شيبة، المصنف: ج8، ص633؛ محمد بن جرير الطبري، جامع البيان: ج25، ص160؛ الحميري، جزء الحميري: ص 31؛ ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج10، ص3289؛ أبو إسحاق الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن ج 8، ص353؛ البيهقي، دلائل النبوة : ج6، ص473؛ البغوي، تفسير البغوي: ج4، ص152؛ الخوارزمي، مقتل الحسين: ج2، ص103؛ القرطبي، تفسير القرطبي: ج16، ص141؛ الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5، ص15؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص312،الزرندي الحنفي، معارج الوصول إلي معرفة فضل آل الرسول: ص98؛ الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين: ص221؛
ص: 66
السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص226؛ السيوطي، الدر المنثور: ج6، ص 31؛ ابن حجر الهيتمي المكي، الصواعق المحرقة: ص 194؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي:ج3، ص20.
روي في هذا المجال: حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي الناقد، قال: حدثني عبد الرحمن البلخي [السلمي ]، وقال لي أبو الحسين: وأخبرني عمي، عن أبيه، عن أبي نصر، عن رجل من أهل بيت المقدس، أنه قال: «والله لقد عرفنا أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي عليها السلام، قلت: وكيف ذاك ؟ ... وانكسفت الشمس ثلاثة أيام، ثم تجلت عنها، وانشبكت النجوم، فلما كان من غد أرجفنا بقتله، فلم يأت علينا كثير شيء حتي نعي إلينا الحسين عليه السلام».(ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 161، باب 25، ح 2؛ العلامة البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص186؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص205؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم: الإمام الحسين عليه السلام:ص456).
وروي عن أبي قبيل: «لما قتل الحسين بن علي كسفت (انكسفت) الشمس كسفة (حتي) بدت الكواكب نصف النهار حتي ظننا أنها هي».
مصادر أهل السنة: الطبراني، المعجم الكبير: ج3، ص114؛ البيهقي، السنن الكبري: ج3، ص337؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص228؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص 357؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص197 (قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن)؛ المزي، تهذيب الكمال: ج6، ص443.
وروي ما يشبه هذا المضمون في المصادر التالية: الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 2، ص 102؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص229؛ المزي، تهذيب
ص: 67
الكمال: ج6، ص 432؛ المقريزي، إمتاع الأسماع : ج12، ص242؛ ابن حجر العسقلاني، تلخيص الحبير: ج 5، ص 84؛ السيوطي، الخصائص الكبري، ج 2، ص126؛ ابن حجر الهيتمي المكي، الصواعق المحرقة: ص194.
عن زرارة بن أعين عن الصادق عليه السلام، قال: «بَكَتِ السَّماءُ عَلي يَحيَي بنِ زَكَرِيّا وَ عَلَي الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، ولم تبك إِلَّا عَلَيْهِمَا. قُلْتُ فَمَا بُكَاؤُهَا قَالَ كَانَتِ اَلشَّمْسُ تَطْلُعُ حَمْرَاءَ».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص 212؛ الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج9، ص109؛ الملا فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير: ج6، ص 287؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج4، ص 407؛ العلامة البحراني، غاية المرام: ج4، ص 375؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص215؛ الشيخ الحويزي، تفسير نور الثقلين: ج4، ص628؛ المشهدي، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب: ج 12، ص130).
وورد قريبا من هذا المضمون في المصادر التالية: ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 186، باب 28، ح 20 و181، باب 28، ح 6؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج1، ص227؛ الشيخ الصدوق، الأمالي: ص189؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص210.
وروي أيضا: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: حدثنا خلاد صاحب السمسم، وكان ينزل بني جحدر، قال: حدثتني أمي قالت: «كُنَّا زَمَاناً بَعْدَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ وَ إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مُحْمَرَّهً عَلَي الْحِيطَانِ وَ الْجُدْر بِالْغَدَاهِ وَ الْعَشِيِّ.».(ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد: ص91؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، ص355؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص226).
وورد ما يشبه هذا المضمون في المصادر التالية: الطبراني، المعجم الكبير: ج3،
ص: 68
ص114؛ المزي، تهذيب الكمال : ج6، ص433؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3، ص 312؛ الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5، ص15؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص 197.
قال الإمام الرضا عليه السلام : «يَا ابْنَ شَبِيبٍ! لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عليهم السلام أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ جَدِّي الْحُسَيْنُ (صلوات الله عليه) أمَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ تُرَاباً أَحْمَرَ».(الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص268؛ السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال : ج3، ص29؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص286).
وروي أيضا: عن جبلة المكية، قالت: سمعت ميثما التمار (قدس الله روحه) يقول: «والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإن ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالي ذكره، أعلم ذلك بعهده عهده إلي مولاي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)...وتمطر السماء دما ورمادا».
(الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج 1، ص 227؛ الشيخ الصدوق، الأمالي : ص 189 - 190؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص213؛ الفيض الكاشاني، الوافي: ج11، ص78؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص203؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص457).
وورد ما يشبه هذا المضمون في المصادر التالية: ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 184، باب 28، ح 14؛ الشيخ المفيد، الأمالي، ص323؛ الشيخ الطوسي، الأمالي: ص93؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص212؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج4، ص407.
وروي: قالت نضرة الأزدية: «لما قتل الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما، وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دما».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3،
ص: 69
ص 212؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص215؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص466).
مصادر أهل السنة: المقريزي، إمتاع الأسماع: ج 12، ص241؛ أحمد بن عبد الله الطبري، ذخائر العقبي: ص 145؛ الصالحي الشامي، سبل الهدي والرشاد: ج 11، ص80؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص 15.
وروي أيضا: عن نضرة الأزدية قالت: «لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ ، مَطَرَتِ السَّماءُ دَمَاً ، فَأَصْبَحَتْ وَكُلُّ شَيْء لَنا مِلاْنَ دَمَاً ».(القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج 3، ص 166؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص431؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص216؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص 467).
مصادر أهل السنة: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (من طبقات ابن سعد): ص90؛ ابن حبان، الثقات: ج5، ص487؛ البيهقي، دلائل النبوة : ج6، ص 471 ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص227؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص357؛ ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج6، ص 2638؛ المزي، تهذيب الكمال: ج6، ص433؛ السيوطي، المحاضرات والمحاورات: ص 79؛ السيوطي، الخصائص الكبري: ج 2، ص126.
وروي أيضا: قال: جعفر بن سليمان: «حدثتني خالتي أم سالم قالت: لما قتل الحسين بن علي مطرنا مطرا كالدم علي البيوت والجدر».
مصادر أهل السنة : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص229؛ الذهبي،تاريخ الإسلام: ج 5، ص16؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج 3، ص312
وورد ما يشبه هذا المضمون في المصادر التالية: البيهقي، دلائل النبوة : ج 7، ص 373؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص227؛ ابن العديم، بغية
ص: 70
الطلب في تاريخ حلب: ج 3، ص 41؛ المزي، تهذيب الكمال: ج6، ص 433.
وروي كذلك: أسامة بن شبيب، بإسناده عن أم سالم، أنها قالت: «لما قتل الحسين بن علي عليه السلام مطرت السماء مطرا كالدم احمرت منه البيوت والحيطان».(القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج 3، ص166؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص212؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص215؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص466).
روي عن الزهري، قال: «لما قتل الحسين عليه السلام لم يبق بيت المقدس حصاة إلا وجد تحتها دم عبيط».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص161؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز : ج4، ص187؛ العلامة المجلسي: ج45، ص205).
مصادر أهل السنة: ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج6، ص 2637 ومع اختلاف يسير (لم يرفع حجر ببيت المقدس إلا وجد دم عبيط) في المصادر التالية : الطبراني، المعجم الكبير: ج3، ص113؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص 362؛ مجير الدين الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: ج1، ص 285.
وروي أيضا: عن الزهري، قال: قال لي عبد الملك بن مروان: أي واحد أنت إن أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي عليه السلام؟! قال: قلت: «لم ترفع [لا يرفع - ما رفعت] حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط».(القاضي النعمان المغربي شرح الأخبار: ج 2، ص 447؛ السيد ابن طاووس، الملاحم والفتن: ص 337؛ ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص63؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2، ص61 و 268؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص 187).
ص: 71
مصادر أهل السنة: الطبراني، المعجم الكبير: ج 3، ص119؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص363 (مع اختلاف يسير)؛ ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج6، ص 2637؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص196 (قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات)؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص 17.
وروي أيضا: عن معمر قال: «أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط».(الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص430؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار : ج45، ص216؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 472).
مصادر أهل السنة: البيهقي، دلائل النبوة، ج6، ص471؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3، ص314؛ الذهبي، تاريخ الإسلام: ج 5، ص16؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص229؛ المزي، تهذيب الكمال، 6، ص434؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب : ج2، ص305؛ المقريزي، إمتاع الأسماع، ج12، ص241؛ السيوطي، الخصائص الكبري: ج 2، ص193.
وروي أيضا: «يوم قتل الحسين عليه السلام أظلمت علينا ثلاثا، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا فجعله علي وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا أصبح تحته دما عبيطا».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص216).
مصادر أهل السنة: الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 2، ص 102؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص 229؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص362؛ المزي، تهذيب الكمال: ج6، ص 434، ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج6، ص 2637؛ السيوطي، الخصائص الكبري، ج 2، ص 126.
ص: 72
وروي كذلك: «...لم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس علي الحيطان حمراء، كأنها الملاحف المعصفرة، إلي أن خرج علي بن الحسين عليه السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين عليه السلام إلي كربلاء».(الشيخ الصدوق، الأمالي : ص 231 - 232؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص 192).
وروي أيضا: قال أبو عبد الله عليه السلام: «بَعَثَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَي أَبِي فَأَشْخَصَهُ إِلَي الشَّامِ... فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَهُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ حَتَّي طَلَعَ الْفَجْرُ ... كَذَلِكَ كَانَتِ اللَّيْلَهُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام».(ابن قولويه، كامل الزيارات، ص158- 159؛ قطب الدين الراوندي، قصص الأنبياء: ص146؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 14، ص 336؛ ج 42،ص302).
حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي الناقد، قال: حدثني عبد الرحمن البلخي [السلمي]، وقال لي أبو الحسين، وأخبرني عمي، عن أبيه، عن أبي نصر، عن رجل من أهل بيت المقدس أنه قال: «والله لقد عرفنا أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي عليه السلام، قلت: وكيف ذاك؟ ... وانشبكت [وانكبت] النجوم، فلما كان من غير أرجفنا بقتله، فلم يأت علينا كثير شيء حتي نعي إلينا الحسين عليه السلام».
(جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات: ص160 -161، باب 24، ح 2؛ العلامة البحراني، مدينة المعاجز : ج4، ص186؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص205؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 456).
وروي أيضا: عن عثمان بن أبي شيبة، حدثني أبي، عن جدي، عن عيسي بن الحارث الكندي، قال: «لما قتل الحسين مكثنا سبعة أيام [أياما سبعة] إذا صلينا
ص: 73
العصر ... ونظرنا (بصرنا) إلي الكواكب يضرب بعضها بعضا».(الطبراني، المعجم الكبير: ج3، ص114؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص 227؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص356؛ المزي، تهذيب الكمال: ج6، ص433؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص312؛ الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5، ص15؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص197).
وورد قريبا من هذا المضمون في المصادر التالية: السيوطي، تاريخ الخلفاء:ص226؛ ابن حجر الهيتمي المكي، الصواعق المحرقة: ص 194.
روي زرارة عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: «...وَ مَا زِلْنَا فِي عَبْرَةٍ بَعْدَهُ وَ كَانَ جَدِّي إِذَا ذَكَرَهُ بَكَي حَتَّي تَمْلَأَ عَيْنَاهُ لِحْيَتَهُ وَ حَتَّي يَبْكِيَ لِبُكَائِهِ رَحْمَةً لَهُ مَنْ رَآهُ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَيَبْكُونَ فَيَبْكِي لِبُكَائِهِمْ كُلُّ مَنْ فِي الْهَوَاءِ وَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص168؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص207؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص462).
ص: 74
المرابطون في ثغور العقائد الشيعية
1998/4/22م = 24 ذو الحجة 1418ه_
ص: 75
ص: 76
نحن علي أبواب عاشوراء، وقد كثرت الفتن في هذا العصر، وازدادت الشبهات والوساوس من قبل الشياطين تجاه الأسس والأصول العقائدية، مما يلقي علي عاتق كل فرد منا مسؤولية جسيمة، وتكليفا ثقيلا جدا، البعض معذور، فلا حرج عليه، أما من لا عذر له فلا بد له من اغتنام هذه الفرصة، والتوجه في أيام محرم إلي المناطق التي ينتشر فيها اللصوص وقطاع الطرق أمام التشيع، ممن ينالون من عقائد البسطاء ويتلاعبون بأفكارهم.
وعليكم أن تنتبهوا أن أهم مسؤولية علي عاتقنا اليوم هو الحفاظ علي ثغور المذهب، ولا ريب في أن كلام الأئمة الميامين عليهم السلام في هذا المجال خير من أي كلام آخر، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «عُلَماءُ شيعَتِنا مُرابِطونَ فِي الثَّغرِ الّذي يَلي إبليسَ وعَفاريتَهُ»(1)(الملحق: 1).
وباعتبار أن هذا الحديث مصداق لقولهم: «كلامُكمُ نورٌ»(2) فهو أفضل نبراس
ص: 77
يضيء درب حياتكم جميعا.
ثم لا يخفي عليكم أهمية كتاب الجهاد في الفقه، وقد قسم الفقهاء هذا الكتاب إلي فصلين: فصل في الجهاد، وفصل في المرابطة، وتعود جذور كلمة المرابطة إلي القرآن الكريم والسنة عند الفريقين وإجماع الفرق، وهي من الناحية الفقهية دون الجهاد في الأهمية.
وتكمن أهمية الجهاد في أن من يخرج مجاهدا يدور أمره بين حالات ثلاث: إما أن يموت في الطريق، أو قتل، أو يرجع سالما.
فإن عاد سالما شملته المغفرة الإلهية، وكان كيوم ولدته أمه(1).، وإن مات في طريق الجهاد كان مصداقا للآية الشريفة : «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»(2)، وإن قتل فاز بالحياة الأبدية ونال رزقه في جوار ربه بمقتضي الآية الكريمة: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِين قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(3)، هذا هو حد الجهاد.
ص: 78
وقد تطلق المرابطة علي حماية ثغور العقائد الدينية دون ثغور البلاد، ومن هنا فإن علماء الشيعة من المرابطين، إذ شأنهم في الذب عن حياض الدين شأن المرابط مقابل المجاهد. فعلي أي حد يرابط العلماء؟ فإن المرابط علي حدود البلاد إنما يرابط في الثغور بين الكفار والمسلمين، أي الحدود الجغرافية التي يكون المسلمون في أحد طرفيها، والمشركون في الطرف الآخر، أما العلماء فإنهم مرابطون في الثغور التي يتواجد ضعفاء الشيعة في أحد طرفيها، وفي الطرف المقابل إبليس وعفاريته.
وإذا أحاط الإنسان بدراية الحديث كان ذلك أعلي شأنا من رواية آلاف الأحاديث، ففي كلام الإمام عليه السلام من النقاط الدقيقة ما يقصر عنه بياننا، ولكن الواجب يحتم علينا أن نبين لكم عصارة جميع الروايات مما فيه سعادتكم في الدنيا والآخرة؛ لئلا نقف غدا مسؤولين عن عدم بيان ذلك.
لو قام جميع المتواجدين هنا اليوم بتنظيم مناهج حياتهم وفقا لهذه الأقوال، الأدركوا نتائج ذلك بأنفسهم، غاية ما في الأمر أنهم سيتذوقون حلاوة المطلب هنا، أما نتائجه فلها موضع آخر، ولكن ينبغي أن تعلموا أن هذه السعادة لا يفوز بها كل أحد.
حاولوا أولا أن تتحلوا بالتقوي، فالحق تعالي في منتهي الجلالة، ولا يمكن مع
ص: 79
الدنس أن يشق إليه طريق:«لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»(1).
اتقوا الله مهما استطعتم ليوفقكم الله، ويخلع عليكم لباس المرابطين والذابين ان ثغور المذهب في عصر غيبة ولي العصرعجل الله تعالي فرجه الشريف، ولتكونوا حماة لهذا الثغر، فشأن المرابط هو الرصد والمراقبة، فعليه أن يرصد المنافذ التي يتوخي إبليس وعفاريته التسلل منها؛ وذلك بغية سدها، وهذه هي مسؤوليتي و مسؤليتكم الأساسية اليوم.
ولكننا نتساءل: ما هو أجر هؤلاء المرابطين ؟ مما يثير الدهشة أن الإمام عليه السلام؟ قال:إن أجر العلماء المرابطين في الثغور، الذين يمنعون إبليس وعفاريته من التسلط علي قلوب الضعفاء من الشيعة، أفضل ألف ألف مرة من أجر المجاهدين(2).
إن تأكيد الروايات لهذا الجانب مثير للاستغراب، مما يدل علي أن الأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا يتنبؤون بزمان تتعرض فيه العقائد الشيعية الحقة إلي مخاطر أساسية، فراجعوا تلكم الروايات في كتاب «بحار الأنوار»وغيره، ولا تكتفوا بقراءة ظاهر الروايات المذكورة، بل حاولوا فهمها بشكل صحيح؛ لتجدوا أن محط اهتمام الروايات هو الحفاظ علي ضعفاء الشيعة من المخالفين والنواصب المعبر عنهم بعفاريت إبليس، والتعبير بالعفاريت ينطوي علي نقطة هامة؛ حيث يدل علي أن هناك قوي شيطانية في عصر الغيبة تحاول التغلغل داخل العقائد الشيعية. وفي مثل هذا الوقت الذي يجمع فيه إبليس جميع عفاريته للتغلغل في قلوب ضعفاء الشيعة، لا بد من تصدي المرابطين في الثغور لهؤلاء الشياطين؛ بغية أن يثبت الشيعة علي عقائدهم الحقة.
ص: 80
العقائد هي حصيلة للدماء الطاهرة، والجهود المضنية التي يهد ذكرها صبر الإنسان، فهل تعلمون حجم المشاق والجهود والمعاناة التي بذلت في سبيل الحفاظ عليها؟ وما هي مسؤوليتنا إزاء هذه المعاناة؟
وهل تعلمون أن الأمر بلغ بذرية علي بن أبي طالب عليه السلام - إبان حكم المتوكل العباسي - أن يجتمع كل أحفاده والمخدرات الطاهرات في مكان واحد وقت الصلاة؛ لأنهم لم يكونوا يمتلكون أكثر من ثوب واحد، فكانوا يتناوبون علي ارتدائه والصلاة فيه ؟(1).
لم يكتب لهذا المذهب البقاء إلا من خلال هذه الجهود المضنية، وسيأتي يوم نحاسب فيه علي كل ذلك، إلا أن تتداركنا رحمة من الله، فهذا المذهب ذكري لدماء الحسين بن علي عليهماالسلام، وهذه العقائد بقية من شعر زينب الكبري عليها السلام الذي نشرته حدادا علي أخيها، وهذه العقائد تراث اليد القطيعة لقمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليه السلام من هنا لا بد من أن يعي الجميع حجم الخطر الكبير، والمسؤولية العظيمة الملقاة علي عواتقنا، ويدركوا النتيجة المترتبة علي ذلك.
ص: 81
إنكم تسافرون إلي المناطق المختلفة بغية الدعوة لهذا المذهب، فاعقدوا العزم منذ اللحظة التي تحزمون فيها حقائب السفر علي تثبيت القلوب علي هذا المذهب، فإن وجدتم قلبا أخذ منه الضعف مأخذا فانتشلوه من تزلزله، وإن أثيرت شبهة ما فردوها، وليس أجركم ما تحصلون عليه في هذا السفر من دراهم ودنانير، إنما أجركم هو ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال: «مَنْ قَوَّي مِسْكِيناً فِي دِينِهِ ضَعِيفاً فِي مَعْرِفَتِهِ عَلَي نَاصِبٍ مُخَالِفٍ فَأَفْحَمَهُ ، لَقَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَي يَوْمَ يُدْلَي فِي قَبْرِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ رَبِّي وَ مُحَمَّدٌ نَبِيِّي وَ عَلِيٌّ وَلِيِّي وَ الْكَعْبَةُ قِبْلَتِي وَ الْقُرْآنُ بَهْجَتِي وَ عُدَّتِي وَ الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَانِي »(1).
لا يمكن تصور ما هو أسمي من هذا الكلام قط، حيث الباري تعالي هو الملقن لكم حينها تكل الألسن وتعيا عن النطق، وهذا يعني أن كل من يسافر منكم في عشرة محرم للتبليغ والدعوة إلي الدين مشمول بهذا الوعد من قبل أمير المؤمنين عليه السلام، فإن عملتم علي تقوية المساكين والضعفاء في الدين والمعرفة، وثبتم قلوبهم علي المذهب الحق، كان أول أثر ذلك أن الله سيلقنكم في القبر أن تقولوا: الله ربي، فسيكون الملقن هو نفس الذات الأحدية المقدسة، ثم يتابع الإمام عليه السلام كلامه قائلا:
ص: 82
«فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَحَوَّلُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ أَنْزَهَ رِيَاضِ الْجَنَّةِ»، هذا هو أجركم، فالمسألة فوق مستوي التصور، وأسمي مما يتناوله بياننا.
من هنا، ينبغي أن تكرسوا كل طاقاتكم في هذا السفر لنشر كلمات أئمة الدين عليهم السلام، وترويج فضائل أهل البيت عليهم السلام، واعلموا أن هذا هو السبيل الوحيد للتأثير في القلوب، وكل ما عدا ذلك خطأ، فلا تبطلوا الدعوة إلي المذهب، ولا تشوهوا كلمات أئمة الدين عليهم السلام، فليكن همكم الوحيد هو تعريف الناس بالقرآن والسنة، وهدايتهم بالكتاب والعترة فحسب، ولا تنحرفوا عن هذين الطريقين القويمين، ولا تخلطوا كلام البشر بالكلمات الإلهية، فلا تقيسوا السماء بالأرض، ولا تمزجوا بين الأوهام والحقائق. هذا هو طريق الإرشاد، والسبيل إلي التبليغ والدعوة، ومن خلاله يمكن التأثير في القلوب.
إن قمتم بهذا العمل، فإن خير أجر ستنالونه هو أن تنقلبوا إلي أهليكم، والإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف راض عنكم؛ فمن المؤكد في هذا العصر أن نظر الإمام عليه السلام واهتمامه منصب علي عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، ولا شك - وهذا الأمر واقعي - في أن عناية الإمام عليه السلام تشمل هذه البلاد ما دامت هناك عاشوراء، فإن تزلزلت فيها مكانة عاشوراء، فإن ما تبقي لا قيمة له عنده عليه السلام ، فكمال عنايته ومحط اهتمامه هو عاشوراء وحسب.
فلم ذلك؟ وما سر ذلك؟
إن هذا الأمر مما يصعب فهمه؛ والوصول إلي دقائق معارف المذهب ليس ألعوبة، نكرر هنا السؤال: لم تمثل عاشواء محور الاهتمام ومركز الأنظار؟ إن سر ذلك يكمن فيما يلي:
ص: 83
روي عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : «إنّي رَجُلٌ كَثيرُ العِلَلِ وَالأَمراضِ وما تَرَكتُ دَواءً إلّا تَداوَيتُ بِهِ، فَمَا انتَفعتُ بِشَيءٍ مِنهُ. فَقالَ لي : أينَ أنتَ عَن طينِ قَبرِ الحُسَينِ بن علي عليه السلام ؟ فَإِنَّ فيهِ الشِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ، وأمنا مِن كُلِّ خَوفٍ»(1).
(الملحق:2).
فمن خواص تربة مزاره عليه السلام أنها «شِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ».ولمن هذا الكلام؟ إنه كلام
ص: 84
من نشر علم جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام(1).، علي أن تربة الإمام الحسين عليه السلام الطاهرة ليست شفاء من الأمراض الجسدية فحسب، بل هي شفاء من كل داء.
إن منزلة الإمام الحسين عليه السلام وعظمته لم تعرف بعد؛ فما كل قلب جديرا بمعرفته، ولفظ «كل» موضوع للعموم، وقد استخدم هذا اللفظ من هو معني بالدرجة الأولي بطب الأنفس لا طب الأبدان قائلا: «شِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ».
ومجمل الكلام: أن بإمكانكم فتح باب العلم أمام وجوهكم من خلال تربته، فتربة مرقده نوع إكسير لا يشفي الأسقام الجسدية وحسب، بل الآلام الروحية والفكرية أيضا، فجميع الأمراض الجسدية والروحية التي يعاني منها البشر تعالج بتربة مرقده الشريف.
«...وأمنا مِن كُلِّ خَوفٍ»، فما أكثر المخاوف التي تزول بتربته!
طالعوا الروايات بمزيد من التأمل والفهم العميق، حيث إن من المستحبات عند دفن الميت - كما يعلم جميعكم - وضع قليل من تربة الحسين عليه السلام إلي جانب البدن داخل القبر(2). (الملحق :3)، فقوله عليه السلام: «وأَمناً مِن كُلِّ خَوفٍ» يعني الأمان من
ص: 85
الخوف في الحياة، وبعد الممات أيضا.
هناك آداب خاصة لقبض تربة هذا الإمام المظلوم عليه السلام الطاهرة، وهي كثيرة لا يسع الوقت لبسط الكلام فيها، لكننا سنشير إليها باختصار.
قال الإمام الصادق عليه السلام ضمن الحديث المتقدم: «فَإِذَا أَخَذْتَهُ فَقُلْ هَذَا اَلْكَلاَمَ : اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ اَلطِّينَهِ...»، فما هي هذِهِ الطّينَهِ؟ وما حقها؟ هل فكرتم في ذلك؟ ثم قل: «وَبِحَقِّ الْمَلَكِ الَّذِي اَخَذَها»، ثم قل: «بِحَقِّ اَلنَّبِيِّ اَلَّذِي قَبَضَهَا».
أتعلمون إلام يشير هذا الكلام؟ إنه يشير إلي ما ورد في الروايات الشريفة من إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام نَزَلَ عَلَي مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله، فَقَالَ لَهُ:«يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِمَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَهَ تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ . فَأَرْسَلَ اَلنَّبِيُّ صلي الله عليه و آله الَي فَاطِمَهَ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُنِي بِمَوْلُودٍ يُولَدُ لَكِ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ لا حَاجَهَ لِي فِي مَوْلُودٍ مِنِّي تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَهَ وَ الْوَلايَهَ وَ الْوَصِيَّهَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ»(1).(الملحق:4).
ص: 86
إن جعل الإمامة في ذرية الإمام الحسين عليه السلام يعني تحقيق نتيجة الخلقة المتمثلة ببسط المعرفة الكبري والعبادة العظمي في جميع أرجاء المعمورة، وقد أدركت السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هذا الأمر جيدا، فالإمامة التي تمثل تفسيرا للوحي بأسره، وبظهور موعودها ستكون تطبيقا للوحي بكافته، وهي أجر لدماء نحر هذا الوليد، ولذا قالت هذه السيدة: «قَدْ رَضِيتُ».
وبعدما رضيت السيدة فاطمة (سلام الله عليها)، جاء جبرئيل بقبضة من ذلك التراب، فأعطاها للنبي صلي الله عليه و آله (1)(الملحق: 5).
ص: 87
ثم إن هناك اهتماما بالغا في روايات كتاب «كامل الزيارات»:من جهة أن من الذي قبض هذه التربة، و من الذي احتفظ بها، ومن الذي حضنها (1).
أي قام النبي الكريم صلي الله عليه و آله بحضنها أو خزنها، المهم في الأمر أن هذه التربة بلغت من المرتبة بحيث يقسم بها في مصاف جبرئيل الأمين عليه السلام، وإلي جانب خاتم النبيين صلي الله عليه و آله.
والروايات في هذا الباب كثيرة، معتبرة وغير معتبرة، تشير إلي أن القسم بهذه التربة هو من آداب القبض عليها (الملحق:6)، فربما يبلغ التراب منزلة يقسم بها الباري عزوجل كما يقسم بجبرئيل الأمين عليه السلام، وخاتم النبيين صلي الله عليه و آله .
الأمر الأهم هو أن الشيخ الصدوق في كتابه «من لا يحضره الفقيه» يقول نقلا عن الإمام الصادق عليه السلام: «السجود علي طين قبر الحسين عليه السلام ينور إلي الأرضين السبعة»(1)، فيا له من أمر عظيم! ولكن ما السر في ذلك؟ وما هو التأثير الكامن في تلك التربة ليقول الإمام الصادق عليه السلام : «السجود علي طين قبر الحسين عليه السلام ينور إلي الأرضين السبعة»؟
والقضية أسمي من ذلك بكثير؛ والذي يحير العقول عبارة: «كان لأبي عبدالله ...» الدالة علي الاستمرار، فقد كان لأبي عبد الله الصادق عليه السلام خريطة من
ص: 89
الديباج الأصفر، فأي جوهرة كانت تضم تلك الخريطة؟ نظروا فإذا فيها حفنة من التراب، وعندما حضرت الصلاة نشر الإمام عليه السلام تلك الخريطة، وراح يسجد علي ذلك التراب، والذي يقول فيه الإمام الصادق عليه السلام كلاما يعجز عن شرحه بياني القاصر، وهو قوله عليه السلام: «اِنَ السُّجُودُ عَلي تُربَةِ الحُسَينِ عليه السلام يَخرُقُ الحُجُبَ السَّبعْ»(1)(الملحق:7)
الراوي لهذا الحديث هو معاوية بن عمار، وسند الشيخ إليه صحيح. فهل تأملتم في هذه الرواية؟ إن التربة التي تمطر الأرضين السبعة بأنوارها من هذه الجهة، تخرق الحجب السبع من الجهة العلوية، فما هي القدرة المخزونة في هذه التربة؟! ومن هو ذلك الشخص الذي ألقي بظله علي هذه التربة؟!
إنها التربة التي استعان بها الإمام السادس عليه السلام، الولي المطلق، ورئيس المذهب الجعفري، ليخترق بها الحجب السبعة أثناء سجوده، بعد أن وضع جبهته عليها، هذا ما لن يستطيع أن يفهمه إلا فقيه واع.
اقرؤوا الروايات المتعلقة بتكبيرة الافتتاح، ما السبب في كونها سبعا؟ وما السر في ذلك؟ إن السر في التكبيرات السبع هو أن الحجب سبعة، فكانت التكبيرات المحددة سبعا، نتساءل ثانية: ما الذي حدث لتكون التكبيرات المحددة سبعا؟ تعود جذور ذلك إلي حادثة تروي عن الرسول صلي الله عليه و آله، حيث وقف للصلاة، وإلي جواره
ص: 90
صبي صغير، صبي قدر له أن يعرف به يوم عاشوراء، فكبر النبي صلي الله عليه و آله، وكبر الصبي، فلم يحسن التكبير، وكان الصبي قد أبطأ في الكلام، حتي بلغ الرسول صلي الله عليه و آله التكبيرة السابعة، فانطلق لسانه بالتكبير، وجرت السنة علي أن تكون التكبيرات سبعا (1).(الملحق :8). هذا هو سر التكبيرات السبع التي تخرق الحجب السبعة، ومن هنا كان التربة الحسين عليه السلام مثل هذا الأثر.
هذا هو الوجود المقدس للإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام! اعرفوه كما في هذه الصورة، وعرفوه إلي الناس كذلك؛ عسي أن تشملكم عناية ولده عجل الله تعالي فرجه الشريف .
ص: 91
ص: 92
قال الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام:«لَولا مَنْ يَبْقي بَعْدَ غَيْبَةِ قائِمِكُمْ عجل الله تعالي فرجه الشريف مِنَ العُلَماءِ الدّاعينَ إلَيهِ، و الدالّينَ عَلَيهِ، و الذابّينَ عَن دينِهِ بِحُجَجِ اللّه ِ، و المُنقِذينَ لِضُعَفاءِ عِبادِ اللّه ِ مِن شِباكِ إبليسَ و مَرَدَتِهِ ، و مِن فِخاخِ النَّواصِبِ، لَما بَقِيَ أحَدٌ إلاّ ارتَدَّ عَن دينِ اللّه ِ وَ لَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّيعَةِ ،كَما يُمسِكُ صاحِب السَّفينَةِ سُكّانَها اُولئِكَ هُمُ الاَفضَلُونَ عِندَ اللّهِ عَزَّ و جَلَّ».(التفسير المنسوب إلي الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص345؛ الشيخ الطبرسي، الاحتجاج: ج1، ص9 وج 2، ص260؛ علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم: ج3، ص56؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي: ج1، ص19؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان : ج5، ص320؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص 6).
قال الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام: «طِينِ قَبْرِ أبي عبد الله الحسين عليه السلام شِفَاءٌ مِن كُلِّ دَاءٍ وأَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ».(ابن بابويه القمي، فقه الرضا: ص345؛ الحر العاملي، هداية الأمة إلي أحكام الأئمة: ج5، ص104؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص123).
وروي أيضا عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «فِي طِينِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام شِفَاءٌ مِن كُلِّ دَاءٍ، وَ هُوَ الدَّوَاءُ الْأَكْبَرُ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص312؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج2، ص592؛ الشيخ المفيد، المزار: ص143؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص 74؛المشهدي، المزار:
ص: 93
ص 361؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص123).
وروي كذلك: عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: «طِينُ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام شِفَاءٌ مِن كُلِّ دَاءٍ، وأَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، وَ هُوَ لِمَا اُخِذَ لَه».(ابنا بسطام النيسابوري، طب الأئمة: ص 52؛ الحر العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة: ج3، ص34؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 132).
وروي أيضا: قَدْ كُنَّا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ «مِصْبَاحِ اَلزَّائِرِ وَ جَنَاحِ اَلْمُسَافِرِ» أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ اَلصَّادِقُ عليه السّلام إلَي العِراقِ اجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ ، فَقالوا : يا مَولانا تُرْبَهُ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَهَلْ هِيَ أَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ فَقَالَ «نَعَمْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ آمِناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ فَلْيَأْخُذِ اَلسُّبْحَهَ مِنْ تُرْبَتِهِ وَ يَدْعُو بِدُعَاءِ اَلْمَبِيتِ عَلَي اَلْفِرَاشِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا وَ يَضَعُهَا عَلَي عَيْنَيْهِ وَ يَقُولُ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ اَلتُّرْبَهِ وَ بِحَقِّ صَاحِبِهَا وَ بِحَقِّ جَدِّهِ وَ بِحَقِّ أَبِيهِ وَ بِحَقِّ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ ، وَ بِحَقِّ وُلْدِهِ اَلطَّاهِرِينَ اِجْعَلْهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ أَمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ سُوءٍ ، ثُمَّ يَضَعُهَا فِي جَيْبِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي اَلْغَدَاهِ فَلاَ يَزَالُ فِي أَمَانِ اَللَّهِ حَتَّي اَلْعِشَاءِ وَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي اَلْعِشَاءِ فَلاَ يَزَالُ فِي أَمَانِ اَللَّهِ حَتَّي اَلْغَدَاهِ».(السيد ابن طاووس، الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: ص47؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 11، ص 427).
وروي كذلك: قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «إِنَّ طِينَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِسْكَةٌ مُبَارَكَةٌ, مَنْ أَكَلَهُ مِنْ شِيعَتِنَا كَانَتْ لَهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَمَنْ أَكَلَهُ مِنْ عَدُوِّنَا ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْأَلْيَةُ».(الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق: ص166؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص132).
وروي أيضا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لَوْ أَنَّ مَرِيضاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُ حَقَّ أَبِي
ص: 94
عبدالله عليه السلام وَ حُرْمَتَهُ وَ وَلَايَتَهُ، أَخَذَ مِنْ طِينِ قَبْرِهِ مِثْلَ رَأْسِ أَنْمُلَةٍ كَانَ لَهُ دَوَاءً».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص465؛ الشيخ المفيد، المزار: ص143؛ الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 732؛ المشهدي، المزار: ص361؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 98: ص 122).
وروي أيضا عَنِ اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام: يَأخُذُ الإِنسانُ مِن طينِ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام فَيَنتَفِعُ بِهِ، ويَأخُذُ غَيرُهُ ولا يَنتَفِعُ بِهِ؟فَقالَ: لا وَاللّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا يَأْخُذُهُ [أخذه] أَحَدٌ وَ هُوَ يَرَي أَنَّ اللَّهَ يَنْفَعُهُ بِهِ [يَنْفَعُهُ] إِلَّا نَفَعَهُ بِهِ».(الكليني، الكافي: ج4، ص588؛ ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 461؛ الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق: ص167؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص123).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أن قال: «حَنِّكوا أولادَكُم بِتُربَةِ الحُسَينِ عليه السلام ؛ فَإِنَّهُ أمانٌ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص466؛ الشيخ المفيد، المزار: ص144؛ المشهدي، المزار: ص362؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص 74؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص124).
كتب مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ إلي القائم عجل الله تعالي فرجه الشريف سئل عن طين القبر، يُوضَعُ مَعَ اَلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟ فَأَجَابَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُوضَعُ مَعَ اَلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ وَ يُخْلَطُ بِحُنُوطِهِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَي»
(الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص76 الطبرسي، الاحتجاج: ج2، ص311؛ الفيض الكاشاني، الوافي: ج14، ص 1531؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 3، ص29؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 53، ص165).
وروي «أَنَّ امْرَأَهً كَانَتْ تَزْنِي وَ تَضَعُ أَوْلَادَهَا فَتُحْرِقُهُمْ بِالنَّارِ خَوْفاً مِنْ أَهْلِهَا، وَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا غَيْرُ أُمِّهَا فَلَمَّا مَاتَتْ دُفِنَتْ فَانْكَشَفَ اَلتُّرَابُ عَنْهَا وَ لَمْ تَقْبَلْهَا اَلْأَرْضُ فَنُقِلَتْ
ص: 95
مِنْ ذَلِكَ اَلْمَكَانِ إِلَي غَيْرِهِ فَجَرَي لَهَا ذَلِكَ فَجَاءَ أَهْلُهَا إِلَي اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ حَكَوْا لَهُ اَلْقِصَّهَ فَقَالَ لِأُمِّهَا: مَا كَانَتْ تَصْنَعُ هَذِهِ فِي حَيَاتِهَا مِنَ اَلْمَعَاصِي؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِبَاطِنِ أَمْرِهَا. فَقَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّ اَلْأَرْضَ لاَ تَقْبَلُ هَذِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُعَذِّبُ خَلْقَ اَللَّهِ بِعَذَابِ اَللَّهِ اِجْعَلُوا فِي قَبْرِهَا مِنْ تُرْبَهِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهَا فَسَتَرَهَا اَللَّهُ تَعَالَي».(الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج30، ص30؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 79، ص45).
روي عن عالم أهل البيت عليهم السلام أنه قال: «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ هَبَطَ علي رسول الله صلي الله عليه و آله يا فأخبره أن فاطمةَ ابنتَهُ تلدُ ابناً، وأمرَهُ أن يسمّيه الحسينَ، وعرّفهُ أن أكثرَ أمتهِ يجتمعُ علي قتلِهِ، فعرفَ رسولُ الله صلي الله عليه و آله أميرَ المؤمنينَ وفاطمةَ عليها السلام ذلكَ، فقالت فاطمةُ: لا حاجةَ لي فيهِ، وسألتِ اللهَ أن يُعفيَها من ذلكَ. فأوحي الله جل وعلا إلي نبيه صلي الله عليه و آله أن يعرفهما أنه يعوض للحسين عن القتل أن يجعل الإمامة وميراث النبوة والوصية والعلم والحكمة في ولده إلي يوم القيامة. فعرفهما النبي صلي الله عليه و آله ذلك، فقالا: قد رضينا بما يحكم الله لنا».(المسعودي، إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب: ص 163).
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لَمَّا عَلِقَتْ [أن حَمَلَت] فَاطِمَةُ عليهما السلام بِالْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و اله: يَا فَاطِمَةُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَهَبَ لَكِ غُلَاماً اسْمُهُ الْحُسَيْنُ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي. قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ وَعَدَنِي فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ».(ابن بابويه القمي، الإمامة والتبصرة من الحيرة: ص 50؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج1، ص205؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين و تمام النعمة: ص 416؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص 221).
وروي أيضا: «...فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَي النَّبِيِّ صلي الله عليه و آله فَهَنَّأَهُ كَما أمَرَهُ اللّهُ عز و جل وعَزّاهُ
ص: 96
فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله : تَقتُلُهُ اُمَّتي؟ فَقالَ لَهُ : نَعَم يا مُحَمَّدُ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله : ما هؤُلاءِ بِاُمَّتي، أنَا بَريءٌ مِنهُم ، وَاللّهُ عز و جل بَريءٌ مِنهُم ، قالَ جَبرَئيلُ عليه السلام : وأنَا بَريءٌ مِنهُم يا مُحَمَّدُ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله عَلي فاطِمَهَ عليهاالسلام فَهَنَّأَها وعَزّاها ، فَبَكَت فاطِمَهُ عليهاالسلام وقالَت : يا لَيتَني لَم ألِدهُ ، قاتِلُ الحُسَينِ فِي النّارِ . فَقالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله : وأنَا أشهَدُ بِذلِكِ يا فاطِمَهُ ، ولكِنَّهُ لا يُقتَلُ حَتّي يَكونَ مِنهُ إمامٌ يَكونُ مِنهُ الأَئِمَّهُ الهادِيَهُ بَعدَهُ ، ثُمَّ قالَ: والْأَئِمَّةُ بَعْدَي الْهَادِي عَلِيٌّ وَ الْمُهْتَدِي الْحَسَنُ، والنَّاصِرُ اَلْحُسَيْنُ، والمَنْصُوْرُ بنُ الحُسَيْنِ، وَ الشَّافِعُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ النَّفَّاعُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَ الْأَمِينُ مُوسَي بْنُ جَعْفَرٍ وَ الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَي وَ الْفَعَّالُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ الْمُؤْتَمَنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ الْعَلَّامُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ عليهما السلام الْقَائِمُ (عجل الله تعالي فرجه الشريف) فَسَكَتَتْ فَاطِمَهُ علي ها السلام مِنَ الْبُكَاءِ».(الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 284؛ البحراني، مدينة المعاجز: ج3، ص435؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 3، ص249).
وروي عَن مُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ قالَ سَمِعتُ اَبا جَعفَرٍ وَ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عَلَيهِمَا السَّلامُ يَقولانِ: «اِنَّ اللهَ (تعالي) عَوَّضَ الحسينَ عَليه السلام مِن قَتلهِ أَنْ جَعَلَ إلامامةَ في ذُرِّيَّتِه وَالشِّفاءَ في تُربَتِهِ و اِجابَةَ الدُّعاءِ عِندَ قَبره، ولا تُعَدُّ أيّامُ زائِريهِ جائِيا وراجِعا مِن عُمُرِهِ»(الشيخ الطوسي، الأمالي: ص317؛ الطبري، بشارة المصطفي لشيعة المرتضي: ص327؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص431؛ الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ج 2، ص617؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص 221).
عَنْ عَائِشَهَ قَالَتْ: «دَخَلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ [عليها السلام ] عَلَي رَسُولِ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ يُوحَي إِلَيْهِ، فَنَزَل عَلَي رَسُولِ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآله و سَلَّمَ وَهُوَ مُنْكَبٌّ عَلَي ظَهْرِهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ: أَتُحِبُّهُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، وَمَا لِي لَا أُحِبُّ ابْنِي. قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ مِنْ بَعْدِكَ
ص: 97
فَمَدَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَهُ، فَأَتَاهُ بِتُرْبَةٍ بَيْضَاءَ، فَقَالَ: فِي هَذِهِ الْأَرْضِ يُقْتَلُ ابْنُكَ هَذَا يَا مُحَمَّدُ، وَاسْمُهَا الطَّفُّ...».(الطبراني، المعجم الكبير: ج3، ص107؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص187- 188).
عن الصادق عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ تُرْبَةَ الْحُسَيْنِ عليه السلام شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ أَمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ فَإِذَا أَخَذَهَا [لتناولها ] أَحَدُكُمْ فَلْيُقَبِّلْهَا وَ لْيَضَعْهَا عَلَي عَيْنِهِ وَ لْيُمِرَّهَا عَلَي سَائِرِ جَسَدِهِ وَ لْيَقُلْ اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ التُّرْبَةِ وَ بِحَقِّ مَنْ حَلَّ بِهَا وَ ثَوَي فِيهَا وَ بِحَقِّ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ بِهِ إِلَّا جَعَلْتَهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ بَرْءاً مِنْ كُلِّ مَرَضٍ،وَ نَجَاةً مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَ حِرْزاً مِمَّا أَخَافُ وَ أَحْذَرُ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهَا قَالَ أَبُو أُسَامَةَ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُتهَا مِنْ دَهْرِيَ الْأَطْوَلِ كَمَا قَالَ وَ وَصَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَمَا رَأَيْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ مَكْرُوهاً ».(الشيخ الطوسي، الأمالي: ص319؛ أبو القاسم الطبري، بشارة المصطفي لشيعة المرتضي: ص 335؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 119).
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام؟ قال: «طِينِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وإذا أكلته فقل : بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رِزْقاً وَاسِعاً وعِلْماً نَافِعاًشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنك عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص476؛ الشيخ المفيد، المزار: ص149؛ الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 733؛ المشهدي، المزار: ص364؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج92،ص34).
وروي أيضا: قال الصادق عليه السلام : «إِذَا أَرَدْتَ حَمْلَ الطِّينِ مِنْ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَاقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَ ( ا ب ب ب_) [وَ (ب ب)] و(اب)وَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَيس وَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ وَ حَبِيبِكَ وَ نَبِيِّكَ وَ أَمِينِكَ وَ بِحَقِّ أَمِيرِ الْمُوءْمِنِينَ عَلِيِّ
ص: 98
بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِكَ وَ أَخِي رَسُولِكَ وَ بِحَقِّ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَ زَوْجَةِ وَلِيِّكَ وَ بِحَقِّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ بِحَقِّ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ، وَ بِحَقِّ هَذِهِ التُّرْبَةِ وَ بِحَقِّ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهَا وَ بِحَقِّ الْوَصِيِّ الَّذِي حَلَّ فِيهَا، وَ بِحَقِّ الْجَسَدِ الَّذِي ضَمَّتْ وَ بِحَقِّ جَمِيعِ مَلَائِكَتِكَ وَ أَنْبِيَائِكَ وَ رُسُلِكَ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اجْعَلْ لِي هَذَا الطِّينَ شِفَاءً لي و لمِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ لِمَنْ يَسْتَشْفِي بِهِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ سُقْمٍ وَ مَرَضٍ وَ أَمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ. اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ اجْعَلْهُ عِلْماً نَافِعاً وَ رِزْقاً وَاسِعاً وَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ سُقْمٍ وَ آفَةٍ وَ عَاهَةٍ- وَ جَمِيعِ الْأَوْجَاعِ كُلِّهَا- إِنَّكَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.وتقول: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ التُّرْبَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمَيْمُونَةِ وَ الْمَلَكِ الَّذِي هَبَطَ بِهَا وَ الْوَصِيِّ الَّذِي هُوَ فِيهَا صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ سَلِّمْ وَ انْفَعْنِي بِهَا
انكَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص475؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص531؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص128).
كذلك روي: «إذا أخذته فقل: بسم الله، اللهُمّ بِحقّ هذِهِ التُربَةِ الطاهِرَةِ ، وبِحَقِّ البُقعَةِ الطَّيِّبةِ ، وَبحقِّ الْوَصيِّ الَّذي تواريهِ، وَبحقِّ جَدِّهِ وَأبيهِ وَاُمِّهِ وَأخيهِ ، وَالمَلائِكَةِ الَّذِين يَحُفُّونَ بِهِ، والملائكةِ الْعُكُوفِ عَلي قَبْرِ وَليّك ، يَنْتَظِرُونَ نَصْرَهُ صَلّي الله عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ ، اجْعَلْ لي فيهِ شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ ، وَأماناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ ،وَعِزّاً مِنْ كُلِّ ذُلٍّ ، وأوْسِعْ بِهِ عَليَّ في رِزقي ، وَأصِحَّ بِهِ جِسْمي ».(الكليني، الكافي: ج4، ص589؛ ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 472؛ العلامة المجلسي،بحار الأنوار: ج98، ص128).
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ «إِذَا تَنَاوَلَ أَحَدُكُمْ مِنْ طِينِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام فليقل: «اللّهُمَّ إنّي أسْأَلُك بحقِّ المَلَكِ الَّذي تَناوَلَهُ ، وَالرَّسُولَ الذي بَوَّأَهُ وَ الْوَصِيِّ الَّذِي ضُمِّنَ فِيهِ أَنْ تَجْعَلَهُ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ كَذَا وَ كَذَا وَ يُسَمِّي ذَلِكَ الدَّاءَ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص469؛ الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 734؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص127).
ص: 99
رُوِيَ: «كانَ الصّادِقُ عليه السلام لا يَسجُدُ إلّا عَلي تُربَةِ الحُسَينِ عليه السلام تَذَلُّلاً للّهِ وَاستِكانَةً اليه».(الديلمي، إرشاد القلوب: ج1، ص115؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج3، ص608 وج 5، ص367؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 82، ص158).
و رُوِيَ كذلك: وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا اَلشَّهِيدِ اَلثَّانِي، نَقَلْتُ عَنْ شَيْخِنَا اَلْأَجَلِّ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلْعَالِي اَلْمَيْسِيِّ (أَدَامَ اَللَّهُ تَعَالَي أَيَّامَهُ)، عَنِ اَلسَّيِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ اَلْحَاجِّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَامِعٍ اَلْكُوسِيِّ عَنْ أَبِي سَيْفٍ اَلْحَاسِّيِّ عَنِ اَلشَّهِيدِ رَحِمَهُ اَللَّهُ أَنَّ اَلسُّجُودَ عَلَي اَلتُّرْبَهِ اَلْحُسَيْنِيَّهِ تُقْبَلُ بِهِ اَلصَّلاَهُ وَ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْبُولَهٍ لَوْ لاَ اَلسُّجُودُ عَلَيْهَا».(الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل: ج4، ص12).
رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله كَانَ فِي الصَّلَاةِ إِلَي جَانِبِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله فَلَمْ يُحِرِ الْحُسَيْنُ بالتَّكْبِيرَ، ثم كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله فَلَمْ يُحِرِ الْحُسَيْنُ عليه السلام و لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله يُكَبِّرُ وَ يُعَالِجُ الْحُسَيْنُ عليه السلام التَّكْبِيرَ فَلَمْ يُحِرْ حَتَّي أَكْمَلَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ فَأَحَارَ الْحُسَيْنُ عليه السلام التَّكْبِيرَفِي السَّابِعَةِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ صَارَتْ سُنَّةً».(الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2، ص67؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 81، ص356).
ص: 100
1999/4/11م = 24ذو الحجة 1419ه_
ص: 101
ص: 102
ينبغي لمن يتحمل مسؤولية الدعوة ونشر الدين في أيام عاشوراء، ويشد رحاله إلي المناطق المختلفة لأداء هذا الواجب الذي يعد من أهم التكاليف، أن يعرف ما معني عاشوراء، وكيف يستفيد من هذه الفرصة التي تمثل أهم فترة زمنية في عالم الإسلام؟ وأن يتأمل في كلام الإمام عليه السلام المقطوع بصدوره حيث يقول: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ»(1) ليعي ما هو يوم عاشوراء، وكيف يمكن الاستفادة من هذا اليوم العظيم علي النحو الأكمل.
لقد سميت كل سورة في القرآن الكريم بأمر مهم من الأمور التي تتضمنها؛ ولذا ينبغي لأهل القرآن أن يعرفوا أساس البحث في كل سورة من خلال اسمها، ومن سور القرآن سورة «التغابن»، وفيها هذه الآية الشريفة: «يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ
ص: 103
ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ (1)
من المؤسف أننا نعاني الكثير من التقصير في فهم القرآن وفقهه، ولا نتمتع بتلك الفقاهة الذي تليق بإدراك لطائف كتاب الله تعالي.
إن للقيامة أسماء متعددة في القرآن الكريم (الملحق:1)، وقد استخدم في هذه الآية اسان منها، وهذه في حد ذاتها نقطة مهمة جدا، ينبغي لأهل البحث والمطالعة أن ينظروا: هل التفت أصحاب التفاسير إلي هذه النقطة؟ ما هي الصلة بين هذين الاسمين؟ أحدهما «يوم الجمع»والآخر «يوم التغابن»، أما «يوم الجمع»فهو اليوم الذي يجمع فيه الناس، و«ذلك»اسم إشارة للبعيد، لا بد أن نلحظ السر في استعمال لفظ الإشارة للبعيد في قوله جل وعلا: «ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ»، وقد سميت السورة باسم التغابن، والتغابن من باب التفاعل، ثم نتساءل تارة أخري: ما السر في استعمال هيئة التفاعل هنا؟ والفعل من مادة «غَبَنَ»، والهيئة هيئة باب التفاعل، فما هي الدقائق واللطائف الكامنة في هذه الجهات؟ وأي غبن هذا الذي يعنيه تعالي في يوم التغابن؟
هنالك رواية في هذا الشأن، ولا بد في فهم القرآن من أن نستمد العون من كلمات الوحي، معتمدين علي حصافة الفكر وقوة الفقاهة في فهم كلام الله تعالي وأوليائه.
قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «يُفتَحُ لِلعَبدِ يَومَ القِيامَةِ عَلي كُلِّ يَومٍ من أيّامِ عُمُرِهِ أربَعٌ وعِشرونَ خِزانَةً عَدَدَ ساعاتِ اللَّيلِ والنَّهارِ».علينا أن نتأمل في كلام الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله : كم هو عمر كل فرد؟ ولكل ساعة خزانة! خزانة ينبغي له أن يفتحهابيديه!
ص: 104
«اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا»(1)، «فَخِزانَةٌ يَجِدُها مَملُوءَةً نوراً وسُرورا فَيَنالُهُ عِندَ مُشاهَدَتِها مِنَ الفَرَحِ وَالسُّرورِ ما لَو وُزِّعَ عَلي أهلِ النّارِ لأَدهَشَهُم عَنِ الإِحساسِ بِأَلَمِ النّارِ... ثُمَّ يُفتَحُ لَهُ خِزانَةٌ اُخري فَيَراها مُظلِمَةً مُنتِنَةً مُفزِعَةً، فَيَنالُهُ مِنها عِندَ مُشاهَدَتِها مِنَ الفَزَعِ والجَزَعِ ما لَو قُسِمَ عَلي أهلِ الجَنَّةِ لَنَقَّصَ عَلَيهِم نَعيمُها ... ثُمَّ يُفتَحُ لَهُ خِزانَةٌ اُخري فَيَراها خالِيَةً لَيسَ فيها ما يَسُرُّهُ ولا ما يَسوؤُهُ ... فَيَنالُهُ مِنَ الغَبنِ وَالأَسَفِ عَلي فَواتِها ... ومِن هذا قَولُهُ تَعالي: «ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ»(2).(الملحق: 2).
بهذا الحديث يتجلي لنا تفسير كلمة التغابن في سورة «التغابن»، فما هو الغبن؟ الغبن : هو أن لا يكون هناك بديل بمقدار ما فات، وهذا المستوي من الغبن زعزع عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3)، فجعل خيار الغبن مقابل أصالة اللزوم في العقد، لتدارك ما فات من المال، فالفقيه الذي يدرس خيار الغبن لا بد أن يدرك معني التغابن في سورة التغابن، ويفهم الحديث النبوي المذكور، ثم يعرف أن ساعات العمر التي تنقضي في أزمنة معينة كيف يغتنمها؟
ص: 105
إن للساعات التي تقضونها في عاشوراء تغابنا لا يقاس بأي غبن آخر، فما الذي ينبغي لعالم الدين أن يفعله؛ لئلا يبتلي بتلك الحسرة التي لا توصف: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ (1)، فإن فات الأوان فليس للحسرة أن تعود بأي نفع، وإذا كان ثمة تدارك للغبن فهو في كلام الإمام عليه السلام، وأني لنا أن نبلغ شرحه وبيانه!
يقول حجة الله علي العباد: «ألاَ فمَن كانَ مِن شِيعَتِنا عالِما بِعُلومِنا و هذا الجاهِلُ بِشَريعَتِنا المُنقَطِعُ عَن مُشاهَدَتِنا يَتيمٌ في حِجرِهِ ، ألاَ فَمَن هَداهُ و أرشَدَهُ و عَلَّمَهُ شَريعَتَنا كانَ مَعَنا فِي الرَّفيقِ اَلْأَعْلَي» (2).
تمثل عاشوراء منجما لنيل هذه الجوهرة، متاحا لكل من ينهمك في الدعوة والتبليغ، فماذا ينبغي أن نعمل والحال هذه؟ وما هي المسؤولية؟ إن كان ثمة شيء يذكر فإنما هو في كلمات أئمة الدين عليهم السلام، أما كلام زيد وعمرو فليس حريا بالذكر، والذي ينبغي أن يكون مرجعا تستندون إليه - بعد عمر قضيتموه في الجد والاجتهاد - إنما يتلخص في كلمتين، هما: الكتاب، والسنة، انظروا ماذا يقول الله تعالي؟ وما هو بيان المعصومين عليهم السلام ؟ تعلموا علومهم، فإن تلقيتم علومهم عليهم السلام وعلمتموا بها جاهلا، ولو كان شخصا واحدا، فهديتموه وأرشدتموه، فإنكم معهم في الجنة. فما الشيء الذي ينبغي أن تعلموه؟ الجواب: «شريعتنا»، وما معني
«شريعتنا»؟ إن الهداية والإرشاد لا بد أن يكونا إلي سبيلنا. ثم ما أجر ذلك حينئذ؟ «كانَ مَعَنا فِي الرَّفيقِ اَلْأَعْلَي»، ليس لنا أن نتصور ما هو أسمي من هذه المنزلة، منزلة المعية، ولكن أيما معية؟
ص: 106
من يفارق أهله وأسرته في عشرة عاشوراء، مهاجرا إلي منطقة يتواجد فيها الجهال بهذه الشريعة، فيقوم بإرشاد شخص واحد إلي الشريعة الحقة،فسينال منزلة المعية.
ونلاحظ أن المعية قد أضيفت إضافة عجيبة، حيث إن كلمة «مع» تشير إلي قمة المقام الذي يفوق الإدراك: «كانَ مَعَنا»، ولم يكتف بذلك فقط، وإنما هناك إضافتان في الرواية: الأولي إضافة المعنة، والثانية إضافة الظرفية:
أما إضافة المعية فهي قوله عليه السلام : «مَعَنَا»، و«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً»(1)(الملحق:3)، فاللطف والرحمة يجعلانك رفيقا لهم.
وأما إضافة الظرفية فهي: «فِي الرَّفيقِ اَلْأَعْلَي»، فما معني الرفيق الأعلي؟ نؤجل هذا البحث إلي وقت آخر، فالمهم أن تفهموا ما معني عاشوراء؟ ولمن هذا اليوم؟ فهذا هو الموضع الذي يحار فيه الكمل.
هناك حديث يدرك علماء الحديث فقط أنه الأكسير الأحمر، أخرجه الكليني (أعلي الله مقامه) في «الكافي»(2).والصدوق في «كمال الدين وتمام النعمة» (3). وبقية المشايخ من المحدثين، يعرف ب «حديث اللوح» (الملحق:4) حيث أهدي الباري عزوجل الصديقة الكبري عليها السلام تحفة سنية عند ولادة سيد الشهداء عليه السلام، ألا وهي لوح مكتوب فيه حديث إلهي، يشتمل علي أسماء الأوصياء الاثني عشر وجميع خصائهم ومواصفاتهم، إن هذا الحديث تهنئة من قبل رب الأرباب إلي سيدة النساء وأم
ص: 107
الأئمة الميامين عليهم السلام بهذا المولود المبارك، وقد ذكر فيه تعالي ثمانية مقامات لأبي عبد الله الحسين عليه السلام.
مقامه عليه السلام الأول: أنه خازن الوحي، حيث قال سبحانه في هذا الحديث:«وَجَعَلْتُ حُسَيناً خازِنَ وَحيي»(1). هذه هي القطرة الأولي، فمن أين تبدأ مساحة الوحي الإلهي الفسيحة؟ وإلي أين تنتهي؟ إن البداية تكمن هنا: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»(2)، وختامها في: «فَأَوْحَي إِلَي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي»(3)«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي *
ص: 108
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي»(1)، فهذا الوحي، من تلك البداية وحتي هذه النهاية في خزانة قلب الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، «جَعَلْتُ حُسَيناً خَازِنَ وَحْيي»، فمن ذا الذي عرف الحسين عليه السلام ليعرف معني عاشوراء؟ ليدرك ماذا حدث في يوم عاشوراء؟ ودم من سفك ؟ وعلام سفك؟
ليس هناك من يفهم معاني كلمات الله تعالي، لا أنا ولا غيري، إن ما ندركه لا يمثل سوي شعاع من هذه الشمس فقط، فمن منا يعلم معني «خَازِنَ وَحْيي»ليعلم معني الوحي؟ وليدرك ما يمتاز به الوحي من العقل؟ ليقف علي الحد الفاصل بين الوحي والفكر؟ وليفهم كنه الوحي؟ كلمات علي غرار قوله تعالي: «وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَي تَكْلِيمًا»(2).، من يدري ماذا كنز في المفعول المطلق هنا؟ علي أن كل ذلك غيض من فيض، أما جميع تلك المطالب فإنها مدخورة في خزانة قلب الحسين عليه السلام ، ذلك القلب الذي أصابه السهم في ذلك اليوم، وأريق منه مثل ذلك الدم! هذه هي القضية.
اقرؤوا كتاب «كامل الزيارات»لتفهموا ما قاله الإمام عليه السلام هناك:«عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة، وفيه معراج الملائكة إلي السماء»، هذه إحدي العبائر، والأهمّ منها جميعا قوله: «وَلَيْسَ مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ إِلَّا وَ هُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعالي اَنْ يَزُورَه » (3).(الملحق: 5).
ص: 109
إن جملة: «لَيْسَ مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ...» ليست بالهينة؛ فهذا هو سيد الشهداء عليه السلام، وهذا هو بطل عاشوراء الذي جاء فيه: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ »(1)، هذا من ينبغي أن يزوره في كل ليلة جمعة جميع الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام بلا اسثناء، من أولهم حتي آخرهم، ليسلموا عليه إلي جنب مرقده الطاهر(2). (الملحق:6).
وكذلك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يزوره ليلة كل جمعة إلا أن له خصوصية، وهي أنه عليه السلام يتلو سورة الفاتحة علي أرواح الراقدين في تربة كربلاء، فينال كل واحد منهم بعد تقسيمها عليهم ما لا يستوعبه بيان ولا يحيط به بنان.
هذا هو سيد الشهداء عليه السلام، هذا هو الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا هو دمه الطاهر، فحذار أن تتخذوا من هذا الدم رأس مال في تجارة تبتغون بها مقاما و منصبا، ولا
ص: 110
ينبغي لهذا الدم سوي أن يكون ثروة للحق، والحق لا يتجاوز ثلاث كلمات:
الحق الأول:(1) ، فحري بدم الحسين عليه السلام أن يسفك لهذا الحق في المرحلة الأولي،والحق الثاني: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ»(2)(الملحق:7)، هذا هو الحق الثاني الذي ينبغي لدم الحسين عليه السلام أن يراق من أجله، والحق الثالث: «اَلسَّلامُ عَلَي الْحَقِّ الْجَدِيدِ»(3).
والنتيجة التي ننتهي إليها أن عاشوراء لا ينبغي أن توظف إلا في ثلاث كلمات فقط: الله، دين الله، إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فإن الدم الذي قال أبو عبد الله الحسين عليه السلام حينما سال: «بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّه ِ وَعَلي مِلَّهِ رَسُولِ الله»(4) يجب أن تنفقوه في سبيل الله؛ ليعود عليكم بخير الدنيا والآخرة، وإلا خسرتم الدنيا والآخرة، و«ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبينُ» (5).
ص: 111
ص: 112
وردت في القرآن الكريم عبارات كثيرة ومختلفة عن يوم القيامة، منها:
1. يوم الحسرة (مريم، الآية 39).
2. يوم القيامة (البقرة، الآية 85) (ورد هذا الاسم 70 مرة في القرآن الكريم).
3. يوم الدين (الفاتحة، الآية 4 الذاريات، الآية 12؛ الواقعة، الآية 56).
4. يوم البعث (الروم، الآية 56).
5. يوم الفصل (الصافات، الآية 21؛ الدخان، الآية 40 المرسلات، الآيتان 14، 38؛ النبأ، الآية 17).
6. يوم الحساب (ص، الآيات 16، 26، 53؛ غافر، الآية 27).
7. يوم التلاق (غافر، الآية 15).
8. يوم الآزفة (غافر، الآية 18).
9. يوم التناد (غافر، الآية 32).
10. يوم الجمع (الشوري، الآية 7؛ التغابن، الآية 9).
11. يوم الوعيد (ق، الآية 20).
12. يوم التغابن (التغابن، الآية 9).
13. الساعة (الأنعام، الآية 31) (ورد هذا الاسم 48 مرة في القرآن الكريم).
ص: 113
14. الواقعة ( الواقعة، الآية 1، الحاقة، الآية 15).
15. الحاقة (الحاقة، الآيات 1-3).
16. الطامة (النازعات، الآية 34).
17. الصاخة (عبس، الآية 33).
18. الغاشية (الغاشية، الآية 1).
19. القارعة (القارعة، الآيات 1-3).
20. اليوم الآخر (البقرة، الآية 8) (ورد هذا التعبير 26 مرة في القرآن الكريم).
21. يوم الخلود (ق، الآية 34).
22. يوم الخروج (ق، الآية ٤2).
23. اليوم الموعود (البروج، الآيتان 1-2).
24. اليوم الحق (النبأ، الآية 39).
25. يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ (البقرة، الآية 254).
26. يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (إبراهيم، الآية 31).
27. يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (إبراهيم، الآية 41).
28. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ (الأنعام، الآية 73؛ طه، الآية102؛ النبأ، الآية 18).
29. يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (المائدة، الآية 119).
30. يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (الشعراء، الآية 88).
31. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمينَ مَعْذِرَتُهُمْ (غافر، الآية 52).
32. يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (غافر، الآية 51)
33. يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ (الروم، الآية 43 الشوري، الآية 47).
ص: 114
34. يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ (الروم، الآيات 12، 14، 55؛ غافر، الآية 46؛ الجاثية، الآية 27).
35. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (المطففين، الآية 6).
36. يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًي عَنْ مَوْلًي شَيْئًا (الدخان، الآية 41).
37. يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ۖ (الانفطار، الآية 19).
38. يَوْمَ تُبْلَي السَّرَائِرُ (الطارق، الآية 9).
39. يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ (هود، الآية 103).
40. يَوْمٌ مَشْهُودٌ (هود، الآية 103).
ورد في الخبر النبوي: «أَنَّهُ يُنْشَرُ لِلْعَبْدِ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعٌ وَ عِشْرُونَ خِزَانَهً مَصْفُوفَهً فَتُفْتَحُ لَهُ مِنْهَا خِزَانَهٌ فَيَرَاهَا مَمْلُوَّةً نُوراً مِنْ حَسَنَاتِهِ اَلَّتِي عَمِلَهَا فِي تِلْكَ اَلسَّاعَهِ فَيَنَالُهُ مِنَ اَلْفَرَحِ وَ اَلسُّرُورِ وَ اَلاِسْتِبْشَارِ بِمُشَاهَدَة تِلْكَ اَلْأَنْوَارِ اَلَّتِي هِيَ وَسِيلَهٌ عِنْدَ اَلْمَلِكِ اَلْجَبَّارِ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَي أَهْلِ اَلنَّارِ لَأَدْهَشَهُمْ ذَلِكَ اَلْفَرَحُ عَنِ اَلْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ اَلنَّارِ وَ تُفْتَحُ لَهُ خِزَانَةٌ أُخْرَي سَوْدَاءُ مُظْلِمَهٌ يَفُوحُ نَتْنُهَا وَ يَتَغَشَّاهُ ظُلاَمُهَا وَ هِيَ اَلسَّاعَهُ اَلَّتِي عَصَي اَللَّهَ فِيهَا فَيَنَالُهُ مِنَ اَلْهَوْلِ وَ اَلْفَزَعِ مَا لَوْ قُسِمَ عَلَي أَهْلِ اَلْجَنَّهِ لَتُنَغِّصُ عَلَيْهِمْ نَعِيمَهَا وَ تُفْتَحُ لَهُ بَابُ خِزَانَهٍ أُخْرَي فَارِغَةٍ لَيْسَ فِيهَا مَا يَسُرُّهُ وَ لاَ مَا يَسُوؤُهُ وَ هِيَ اَلسَّاعَة اَلَّتِي نَامَ فِيهَا أَوْ غَفَلَ عَنْهَا أَوِ اِشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ مُبَاحَاتِ اَلدُّنْيَا فَيَتَحَسَّرُ عَلَي خُلُوِّهَا وَ يَنَالُهُ مِنْ غَبْنِ ذَلِكَ مَا يَلْحَقُهُ حُزْنٌ عَظِيمٌ. وناهيك به من حسرة وغبن وهكذا علي خزائن أوقاته طول عمره، فيقول لنفسه: اجتهدي اليوم في أن تعمري خزائنك ولا تدعها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ملك الأبد، ولا تميلي إلي الكسل والدعة والاستراحة؛ فيفوتك من درجات عليين ما يدركه غيرك وتبقي عندك حسرته لا تفارقك، وإن دخلت الجنة فألم الغبن وحسرته لا يطاق».(ورام بن أبي فراس المالكي، تنبيه الخواطر ونزهة
ص: 115
النواظر: ص241؛ ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة: ج 2، ص320؛ الكفعمي، محاسبة النفس: ص 38؛ الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء: ج8، ص 152).
مصادر أهل السنة: الغزالي، إحياء علوم الدين : ج 15، ص7.
عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: جُعِلتُ فِداكَ يابنَ رسولِ اللّه ِ ! هل يُكرَهُ المؤمنُ علي قَبضِ رُوحِهِ؟ قال: لا و اللّه، إنّهُ إذا أتاهُ ملَكُ المَوتِ لقَبضِ رُوحهِ جَزِعَ عِندَ ذلكَ ، فيَقولُ لَهُ ملَكُ المَوتِ : يا وَليَّ اللّه! لا تَجزَعْ ، فوالّذي بَعَثَ محمّدا صلي الله عليه و آله لَأنا أبَرُّ بِكَ و أشفَقُ علَيكَ من والِدٍ رَحيمٍ لو حَضَرَكَ ، افتَحْ عَينَكَ فانظُرْ . قالَ : و يُمَثَّلُ لَهُ رسولُ اللّه ِ صلي الله عليه و آله و أميرُ المؤمنينَ و فاطمةُ و الحسنُ و الحسينُ و الأئمةُ من ذُرِّيتِهِم عليهم السلام فيقالُ لَهُ : هذا رسولُ اللّه ِو امير المومنين و فاطمه و الحسن و الحسين و الائمة عليهم السلام رُفَقاؤكَ . قال فَيَفْتَحُ عَيْنَهُ فَيَنْظُرُ فَيُنَادِي رُوحَهُ مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعِزَّةِ فَيَقُولُ: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إِلَي مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ ارْجِعِي إِلي رَبِّكِ راضِيَةً بالولاية مَرْضِيَّةً بِالثَّوَابِ فَادْخُلِي فِي عِبادِي يَعْنِي مُحَمَّداً وَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَ ادْخُلِي جَنَّتِي.فما شيءٌ أحَبَّ إلَيهِ مِنِ استِلالِ رُوحِهِ و اللُّحوقِ بالمُنادي».(الكليني، الكافي:ج3، ص127؛ الشيخ الصدوق، فضائل الشيعة: ص29؛ الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ج2، ص797؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج5، ص328؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج6، ص196).
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَي وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
ص: 116
سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَمَتَي يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ أَيَّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَهُ فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَقَالَ لَهُ يَا جَابِرُ! أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله وَ مَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ فَقَالَ جَابِرٌ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَي أُمِّكَ فَاطِمَةَ عليها السلام فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ وَ رَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ وَ رَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ فَقُلْتُ لَهَا بِأَبِي وَ أُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله مَا هَذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ هَذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللَّهُ إِلَي رَسُولِهِ صلي الله عليه و آله فِيهِ اسْمُ أَبِي وَاسْمُ بَعْلِي وَ اسْمُ ابْنَيَّ وَ اسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَ أَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ فَاطِمَةُ عليها السلام فَقَرَأْتُهُ وَ اسْتَنْسَخْتُهُ. فَقَالَ لَهُ أَبِي فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَمَشَي مَعَهُ أَبِي إِلَي مَنْزِلِ جَابِرٍ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍ فَقَالَ يَا جَابِرُ انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَةٍ فَقَرَأَهُ أَبِي فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً فَقَالَ جَابِرٌ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَ نُورِهِ وَ سَفِيرِهِ وَ حِجَابِهِ وَ دَلِيلِهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي وَ اشْكُرْ نَعْمَائِي وَ لَا تَجْحَدْ آلَائِي إِنِّي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ وَ مُدِيلُ الْمَظْلُومِينَ وَ دَيَّانُ الدِّينِ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي عَذَّبْتُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ وَ عَلَيَّ فَتَوَكَّلْ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ وَ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيّاً وَ إِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَي الْأَنْبِيَاءِ وَ فَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَي الْأَوْصِيَاءِ وَ أَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَ سِبْطَيْكَ حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ وَ جَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي وَ أَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ وَ خَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَ أَرْفَعُ
ص: 117
الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ وَ حُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَ أُعَاقِبُ أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَ زَيْنُ أَوْلِيَائِيَ الْمَاضِينَ وَ ابْنُهُ شِبْهُ جَدِّهِ الْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ عِلْمِي وَ الْمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي سَيَهْلِكُ الْمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَي جَعْفَرٍ وَ لَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَ أَنْصَارِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ أُتِيحَتْ بَعْدَهُ لمُوسَي فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ؛ الِأَانَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ وَ حُجَّتِي لَا تَخْفَي وَ أَنَّ أَوْلِيَائِي يُسْقَوْنَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَي مَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي وَ مَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَي عَلَيَّ وَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ مُوسَي عَبْدِي وَ حَبِيبِي وَ خِيَرَتِي فِي عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي وَ مَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ وَ أَمْتَحِنُهُ بِالاضْطِلَاعِ بِهَا يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ يُدْفَنُ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ ذوالقرنين إِلَي جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَسُرَّنَّهُ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ وَارِثِ عِلْمِهِ فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي وَ مَوْضِعُ سِرِّي وَ حُجَّتِي عَلَي خَلْقِي لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِهِ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ وَ شَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ وَ أَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي وَ الشَّاهِدِ فِي خَلْقِي وَ أَمِينِي عَلَي وَحْيِي أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلَي سَبِيلِي وَ الْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ وَ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ م ح م د رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَي وَ بَهَاءُ عِيسَي وَ صَبْرُ أَيُّوبَ فَيُذَلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ وَ تُتَهَادَي رُءُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادَي رُءُوسُ التُّرْكِ وَ الدَّيْلَمِ فَيُقْتَلُونَ وَ يُحْرَقُونَ وَ يَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ تُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ وَ يَفْشُو الْوَيْلُ وَ الرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقّاً بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ وَ بِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ وَ أَدْفَعُ الْآصَارَ وَ الْأَغْلَالَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ :" قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ لَكَفَاكَ فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ.
المصادر: علي بن بابويه القمي، الإمامة والتبصرة: ص 104؛ الكليني، الكافي :
ص: 118
ج1، ص528؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 310؛ الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص49 الشيخ المفيد، الاختصاص ص211؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 1، ص255؛ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج2، ص176؛ شاذان بن جبرئيل القمي، الروضة في فضائل أمير المؤمنين: ص63؛ الشعيري، جامع الأخبار: ص19؛ علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم: ج 2، ص 137؛ الديلمي، إرشاد القلوب: ج2، ص291؛ محمد تقي المجلسي، روضة المتقين: ص7؛ السيد هاشم البحراني، غاية المرام: ص145 و 220؛ الحر العاملي، الجوهرة السنية: ص203؛ الفيض الكاشاني، الوافي: ج 2، ص297؛العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 36، ص196؛ محمد رضا القمي المشهدي، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب: ص476 الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 776.
مصادر أهل السنة: المسعودي، إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب: ص 169؛ الجويني، فرائد السمطين: ج 2، ص 137.
عَن إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام يقول: «لِمَوْضِعِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام حُرْمَةً مَعْلُومةً مَنْ عَرَفَهَا وَ اِسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ. قُلْتُ صِفُ لِي مَوْضِعَهَا . قَالَ اِمْسَحْ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ اَلْيَوْمَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قدامه وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً عِنْدَ رَأْسِهِ وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ِمنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خَلْفِهِ وْموضِعُ من يَوْمَ دُفِنَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ وَ مِنْهُ مِعْرَاجٌ يُعْرَجُ منهِ بِأَعْمَالِ زُوَّارِهِ إِلَي السَّمَاءِ ولَيْسَ من مَلَكٌ وَ لَا نَبِيٌّ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَّا وَ هُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَفَوْجٌ يَنْزِلُ وَ فَوْجٌ يَعْرُجُ».(الكليني، الكافي: ج4، ص588؛ ابن قولويه، كامل الزيارات: ص457؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص 94 [لكن
ص: 119
الشيخ الصدوق لم ينقل عبارة: وليس من ملك ولا نبي...]؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص 511؛ ومع اختلاف يسير في المصادر التالية: الشيخ المفيد، المزار: ص141؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص 72؛ الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 722؛ المشهدي، المزار: ص339؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص110).
كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «لَيسَ [مِن]مَلَكٌ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ، إلّا وهُم يَسأَلونَ اللّه َ عزوجل أن يَأذَنَ لَهُم في زِيارَةِ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَفَوجٌ يَنزِلُ ، وفَوجٌ يَعرُجُ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص224؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص96؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص 194؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص272؛ الشعيري، جامع الأخبار : ص26؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص61).
وروي أَيْضاً عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «لَيْس شيءٌ فِي السَّمَاوَاتِ إلَّا وَهُمْ يُسْأَلُونَ اللَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي زِيَارَةِ الْحُسَيْن عليه السلام فوجٌ يَنْزِل وفوجٌ يَعرُجُ».(الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص46؛ الفيض الكاشاني،الوافي: ج14، ص 1471).
وروي عن أَبِي عَبْدِ اللّه وعلي بن الحسين عليهما السلام قالا: «مَن أحبَّ أن يُصافحَهُ مئةُ ألفِ نبيٍّ وأربعةٌ وعشرونَ أَلْفَ نَبِيٍّ فَلْيَزُرْ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَإِنَّ أَرْوَاحَ النَّبِيِّينَ عليهم السلام يَسْتَأْذِنُونَ اللَّهَ فِي زِيَارَتِهِ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ . قُلْنَا: مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ وَ مُوسَي وَ عِيسَي وَ مُحَمَّدٌ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 334؛ الشيخ المفيد، المزار: ص42؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 11، ص 33. وورد صدر هذه الرواية فقط في المصادر التالية: الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 830؛
ص: 120
الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص48؛ المشهدي، المزار: ص346).
وروي أيضاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي عليه السلام فِي حَدِيثٍ قَالَ: «مَن زارَ الحُسَينَ عليه السلام لَيلَةَ ثَلاثٍ وعِشرينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ- وهِيَ اللَّيلَةُ الَّتي يُرجي أن تَكونَ لَيلَةَ القَدرِ-، وفيها يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ، صافَحَهُ أربَعَةٍ وعِشرينَ ألفِ مَلَكٍ ونَبِيٍّ ، كُلُّهُم يَستَأذِنُ اللّهَ في زِيارَةِ الحُسَينِ عليه السلام في تِلكَ اللَّيلَةِ».(السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال: ج1، ص383؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 14، ص 474؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 95، ص166).
كذلك روي عن الإمام الرضا عليه السلام «مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَقَدْ حَجَّ وَ اعْتَمَرَ. قَالَ قُلْتُ يَطْرَحُ عَنْهُ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ لَا هِيَ حِجَّةُ الضَّعِيفِ حَتَّي يَقْوَي- وَ يَحُجَّ إِلَي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَيْتَ يَطُوفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- حَتَّي إِذَا أَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ صَعِدُوا وَ نَزَلُوا غَيْرُهُمْ فَطَافُوا بِالْبَيْتِ حَتَّي الصَّبَاحِ وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَأَكْرَمُ عَلَي اللَّهِ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِنَّهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شُعْثٌ غُبْرٌ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمُ النَّوْبَةُ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص299؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص454؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص40).
وروي عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَي، عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي عَبْدِاللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ قال: «زُورُوا كَرْبَلا وَ لا تَقْطَعُوهُ فَإِنَّ خَيْرَ أَوْلادِ اْلأَنْبياءِ ضَمِنَتْهُ، أَلَا وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ زَارَتْ كَرْبَلَاءَ أَلْفَ عَامٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْكُنَهُ جَدِّيَ الْحُسَيْنُ عليه السلام وَ مَا مِنْ لَيْلَةٍ تَمْضِي إِلاَّ وَ جَبْرَائِيلُ وَ مِيكَائِيلُ يَزُورَانِهِ فَاجْتَهِدْ يَا يَحْيَي أَنْ لاَ تُفْقَدَ مِنْ ذَلِكَ اَلْمَوْطِنِ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 453؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص109).
كذلك مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ اَلْأَنْصَارِيُّ فِي كِتَابٍ أَصْلِهِ فِي فَضْلِ زِيَارَهِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام وَ لَمْ يَذْكُرْ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ مَا لَفْظُهُ: «عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَمْزَهَ قَالَ:
ص: 121
خَرَجْتُ فِي آخِرِ زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ وَ أَنَا أُرِيدُ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَانْتَهَيْتُ إِلَي الْغَاضِرِيَّةِ حَتَّي إِذَا نَامَ النَّاسُ اغْتَسَلْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ أُرِيدُ الْقَبْرَ حَتَّي إِذَا كُنْتُ عَلَي بَابِ الحير [الْحَائِرِ] خَرَجَ إِلَيَّ رَجُلٌ جَمِيلُ الْوَجْهِ طَيِّبُ الرِّيحِ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ فَقَالَ انْصَرِفْ فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ فَانْصَرَفْتُ إِلَي شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَآنَسْتُ بِهِ حَتَّي إِذَا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ اغْتَسَلْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ أُرِيدُ الْقَبْرَ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَي بَابِ الْحَائِرِ خَرَجَ إِلَيَّ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ يَا هَذَا! انْصَرِفْ فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ فَانْصَرَفْتُ فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ اغْتَسَلْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ أُرِيدُ الْقَبْرَ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَي بَابِ الْحَائِرِ خَرَجَ إِلَيَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا هَذَا! إِنَّكَ لَا تَصِلُ فَقُلْتُ فَلِمَ لَا أَصِلُ إِلَي ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله وَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَ قَدْ جِئْتُ أَمْشِي مِنَ الْكُوفَةِ وَ هِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَ أَخَافُ أَنْ أُصْبِحَ هَاهُنَا وَ تَقْتُلَنِي مُصْلِحَةُ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَقَالَ انْصَرِفْ فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ فَقُلْتُ وَ لِمَ لَا أَصِلُ؟ فَقَالَ إِنَّ مُوسَي بْنَ عِمْرَانَ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَأَذِنَ لَهُ فَأَتَاهُ وَ هُوَ فِي سَبْعِينَ أَلْفٍ فَانْصَرِفْ فَإِذَا عَرَجُوا إِلَي السَّمَاءِ فَتَعَالَ. فَانْصَرَفْتُ وَ جِئْتُ إِلَي شَاطِئِ الْفُرَاتِ حَتَّي إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ اغْتَسَلْتُ وَ جِئْتُ فَدَخَلْتُ فَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ أَحَداً فَصَلَّيْتُ عِنْدَهُ الْفَجْرَ وَ خَرَجْتُ إِلَي الْكُوفَةِ».(السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال: ج3، ص64؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز : ج4، ص210؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص57).
عَنِ الْاَعْمَشِ قَالَ: كُنْتُ نَازِلًا بِالْكُوفَةِ وَ كَانَ لِي جَارٌ كَثِيراً مَا كُنْتُ اَقْعُدُ اِلَيْهِ وَ كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي زِيَارَةِ الْحُسَيْنِ؟ فَقَالَ لِي: بِدْعَةٌ وَ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَ كُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، فَقُمْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ اَنَا مُمْتَلِئٌ غَيْظاًوَ قُلْتُ: اِذَا كَانَ السَّحَرُ اَتَيْتُهُ فَحَدَّثْتُهُ مِنْ فَضَائِلِ اَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا يَشْحَنُ اللَّهُ بِهِ عَيْنَيْهِ قَالَ: فَاَتَيْتُهُ وَ قَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَاِذَا اَنَا بِصَوْتٍ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ اِنَّهُ قَدْ قَصَدَ الزِّيَارَةَ فِي اَوَّلِ
ص: 122
اللَّيْلِ، فَخَرَجْتُ مُسْرِعاً فَاَتَيْتُ الْحَيْرَ، فَاِذَا اَنَا بِالشَّيْخِ سَاجِدٌ لَا يَمَلُّ مِنَ السُّجُودِ وَ الرُّكُوعِ، فَقُلْتُ لَهُ: بِالْاَمْسِ تَقُولُ لِي بِدْعَةٌ وَ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَ كُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ وَ الْيَوْمَ تَزُورُهُ؟ فَقَالَ لِي: يَا سُلَيْمَانُ لَا تَلُمْنِي فَاِنِّي مَا كُنْتُ اُثْبِتُ لِاَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ اِمَامَةً حَتَّي كَانَتْ لَيْلَتِي هَذِهِ فَرَاَيْتُ رُؤْيَا اَرْعَبَتْنِي فَقُلْتُ: مَا رَاَيْتَ! اَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قَالَ: رَاَيْتُ رَجُلًا لَا بِالطَّوِيلِ الشَّاهِقِ وَ لَا بِالْقَصِيرِ اللَّاصِقِ، لَا اُحْسِنُ اَصِفُهُ مِنْ حُسْنِهِ وَ بَهَائِهِ، مَعَهُ اَقْوَامٌ يَحُفُّونَ بِهِ حَفِيفاً وَ يَزِفُّونَهُ زَفّاً، بَيْنَ يَدَيْهِ فَارِسٌ عَلَي فَرَسٍ لَهُ ذَنُوبٌ، عَلَي رَاْسِهِ تَاجٌ، لِلتَّاجِ اَرْبَعَةُ اَرْكَانٍ، فِي كُلِّ رُكْنٍ جَوْهَرَةٌ تُضِي ءُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ اَيَّامٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا، فَقَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ صلي الله عليه واله وسلم، فَقُلْتُ: وَ الْآخَرُ، فَقَالُوا: وَصِيُّهُ عَلِيُّ بْنُ اَبِي طَالِبٍ عليه السلام، ثُمَّ مَدَدْتُ عَيْنِي فَاِذَا اَنَا بِنَاقَةٍ مِنْ نُورٍ عَلَيْهَا هَوْدَجٌ مِنْ نُورٍ تَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْاَرْضِ، فَقُلْتُ: لِمَنِ النَّاقَةُ، قَالُوا: لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، قُلْتُ: وَ الْغُلَامُ، قَالُوا: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قُلْتُ: فَاَيْنَ يُرِيدُونَ، قَالُوا: يَمْضُونَ بِاَجْمَعِهِمْ اِلَي زِيَارَةِ الْمَقْتُولِ ظُلْماً الشَّهِيدِ بِكَرْبَلَاءَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ قَصَدْتُ الْهَوْدَجَ وَ اِذَا اَنَا بِرِقَاعٍ تَسَاقَطُ مِنَ السَّمَاءِ اَمَاناً مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لِزُوَّارِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ هَتَفَ بِنَا هَاتِفٌ: اَلَا اِنَّنَا وَ شِيعَتَنَا فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَ اللَّهِ يَا سُلَيْمَانُ لَا اُفَارِقُ هَذَا الْمَكَانَ حَتَّي يُفَارِقَ رُوحِي جَسَدِي».(المشهدي، المزار: ص 330؛ محمد بن أبي طالب، تسلية المجالس: ج2، ص523؛ الطريحي، المنتخب في جمع المراثي والخطب: ص190؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص59 (نقلا عن المزار للمشهدي)؛ ج 45، ص401 (وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا ... مضمون الرواية)؛ الميرزا النوري، دار السلام: ج1، ص 299 (نقلا عن منتخب الطريحي)).
ص: 123
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِعَزَّوَجَلَّ : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»فقال: «وَاللّهِ ما نَزَلَ تَأويلُها بَعدُ ، ولا يَنزِلُ تَأويلُها حَتّي يَخرُجَ القائِمُ عجل الله تعالي فرجه الشريف فاذا خَرَجَ القائِمُ عجل الله تعالي فرجه الشريف لَم يَبقَ كافِرٌ بِاللّهِ العَظيمِ ولا مُشرِكٌ بِالإِمامِ إلّا كَرِهَ خُروجَهُ حَتَّي ان لَوْ كَانَ كَافِرا أَوْ مُشْرِكا فِي بَطْنِ صَخْرَةٍ،لقَالَتْ:يَا مُؤْمِنُ! فِي بَطْنِي كَافِرٌ فَاكْسِرْنِي وَ اقْتُلْهُ».(الشيخ الصدوق، كمال الدين و تمام النعمة: ص 670؛ الأستر آبادي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة
مصادر أهل السنة : القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3،ص240
ص: 124
2002/3/6 م= 21 ذو الحجة 1422ه_
ص: 125
ص: 126
نحن علي أعتاب شهر محرم، وهذه آخر محاضرة لنا في السنة الهجرية الحالية، كل من يوفق في هذه الأيام للقيام بخدمة التبليغ التي لها من الأجر ما لا يوصف، إنما يتحملون مسؤوليات كبيرة، سنشير إلي بعضها فيما يلي:
الأولي : افتتحوا كل مجلس من مجالسكم بزيارة «سلام علي آل يس»؛ لتشع علي ذلك المجلس شمس وجود المهدي الموعود عجل الله تعالي فرجه الشريف.
الثانية: علموا الناس الأحكام، وبلغوهم الحلال والحرام؛ فإن مجلسا لا يتضمن إرشادا لجاهل، أو تنبيها لغافل، لن يحظي بعناية أولياء الدين.
الثالثة: رسخوا الأصول العقائدية وعززوها بين الناس.
فإذا أديرت المجالس بهذا النحو فستنطبق عليكم ثلاثة عناوين، الأول: عنوان المرابط والذات عن الثغور العقائدية في قلوب أهل الدين، والثاني : عنوان المجاهد في سبيل الله،(1) والثالث: عنوان الكافل لأيتام آل محمد عليهم السلام (2)، فمن يسافر منكم الأداء التبليغ والدعوة الدينية ينطلق وهو خالي اليدين، لكنه يعود بمثل هذا الزاد الثمين: مرابط في الثغور، ومجاهد في سبيل الله، وكافل لليتيم، علي أن ذلك في عصر غيبة ولي العصر وإمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف .
الرابعة: ما ينبغي الالتفات إليه في هذا العام هو اقتران ايام محرم بعيد النوروز،ينبغي أن يعلم الناس أي عظمة يتصف بها هذا العزاء، وأي ثقل هذه المصيبة الكبري.
إن الناس علي صنفين: صنف لا علاقة لهم بسيد الشهداء عليه السلام ، ونحن أيضا لا
ص: 127
علاقة لنا بهم، وصنف تربطهم بالحسين عليه السلام وشيجة، وأي امرء لا تربطه به وشيجة؟! عما قريب سيغمرنا الموت وسكراته، وسنكون صفر اليدين في تلك السكرات التي يعجز عنها الوصف، إن أجهل الناس من يتخيل أنه يملك شيئا في تلك اللحظات، لو أننا نعرف ربنا ونعرف أنفسنا، لعلمنا حينها أننا لا نملك أي شيء.
لدينا أمل وحيد، أن تطأ قدم والده العظيم أمير المؤمنين عليه السلام مواضع رؤوسنا أثناء تلك السكرات، هذه هي حاجتنا الأولي.
حاجتنا الثانية إلي سيد الشهداء عليه السلام هي في الليلة الأولي من ليالي القبر، في تلك الظلمات التي لا يتسني لنا أن نصف مدي وحشتها و ظلمتها وحيرتها، فلا حبيب ولا قريب، لا شيء هناك سوي شموع تلك المجالس وأنوار تلك المحافل، وجمال الحسين عليه السلام الذي لا يضاهيه جمال، هذه هي الحاجة الثانية.
أما حاجتنا الثالثة ففي يوم القيامة، «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ»(1)، يوم لا يجدي أي عمل نفعا، إلا تلك الأنوار المنبثقة من مشكاة الحسين بن علي عليهما السلام، فإن عدمنا الاتصال بها سادت الظلمات، وإذا ما أمن الاتصال بسيد الشهداء عليه السلام غمر الضياء حينها جميع الأرجاء.
إننا لا نمتلك أي شيء، لا عند الاحتضار، ولا في أول ليلة من ليالي القبر، ولا يوم الحشر، ليس في سجلنا شيء سوي كلمة واحدة، هي حب سيد الشهداء عليه السلام (2). ، ذلك الحب الذي تدرك جميع القلوب التي تقله مدي عظمة تلك الرزية وآثارها.
ص: 128
مسؤولية كل فرد منكم أن تفهموا الناس بأن: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ»(1)، وماذا تعني هذه العبارة؟ إن الوقوف علي هذا الأمر بحاجة إلي الاستمداد من القرآن الكريم؛ والقرآن خير مرجع لإدراك مثل هذه المطالب، «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا»(2) ، إن جميع الدرجات في نظام الحكمة والعدل تتطابق مع العمل، فلا بد من معرفة العمل، والعمل بالحكمة هو الطريق للمعرفة، وقواعد الحكمة تحتم علينا أن نلحظ ثلاث نقاط في كل عمل، الأولي : جذور العمل التي تمثل منطلقاته، والثانية : ثمرة العمل التي تمثل خاتمته، والثالثة : هي النظر إلي العمل نفسه.
وما قام به سيد الشهداء عليه السلام ينبغي أن يلحظ من ثلاثة أنظار، الأول: نظر الدليل، والثاني : نظر البرهان الإني(3)، والبرهان اللمي (4) ، وبعد ذلك لا بد من النظر إلي العمل نفسه، فإن توجهت إلي عاشوراء سيد الشهداء عليه السلام هذه الأنظار الثلاثة، فسيتجلي حينها للعالم بأسره من هو الإمام الحسين عليه السلام وما الذي فعله؛ إذ ليس ثمة أحد يدرك مقامه عليه السلام ولا مرتبة عمله!
أولا: ما هي جذور العمل؟
يري أهل المعرفة من الكمل في عرفان الله تعالي، أن منتهي السير والسلوك هو الذكر اليونسي: «وَ ذَالنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَي فِي
ص: 129
الظُّلُمَاتِ »(1) فما هو نداء ذي النون في تلك الظلمات؟ لقد نادي الله تعالي قائلا: «أَنْ لَاإِلَهَ إِلاَ أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَ نَجَّيْنَهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.»(2).
لقد قال النبي يونس عليه السلام جملة واحدة: «أَنْ لَاإِلَهَ إِلاَّأَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».إن المواظبة علي هذا الذكر في السجود تنقل قلوب المستعدين للسير إلي الله إلي مقام لا يعرفه إلا من أدركوا ذلك المقام وذاقوا حلاوة شهده، وهذا المقام يمثل أول الطريق وبدايته.
لقد وردت في دعاء عرفة عبارة: «لَاإِلَهَ إِلاَّأَنْتَ» اثنتي عشرة مرة علي لسان سيد الشهداء عليه السلام،ينبغي التأمل في هذه النقطة لمن هم أهل لذلك، وعلي الكمل من أهل العلم والفقه والعرفان دراسة هذه الكلمة التي ذكرتها اليوم في هذه المحاضرة، عليهم قراءة دعاء عرفة، والنظر في القرآن، وتلاوة سورة يونس.
إن النبي يونس (علي نبينا وآله وعليه السلام) قال وهو سجين في بطن الحوت: «أَنْ لَاإِلَهَ إِلاَّأَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»، أما سيد الشهداء عليه السلام فقد أضاف إلي هذه الجملة إحدي عشرة جملة أخري، وهذا يعني أن يونس عليه السلام في المرتبة الأولي، والحسين بن علي عليهما السلام في المرتبة الثانية عشرة، وليست هناك مرتبة فوق هذه المرتبة: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا»(3).(الملحق:1)، فلا يمكننا أن
ص: 130
نتصور مرحلة أخري، إن جميع مراحل شهور المعرفة التي تستبطنها هذه الآية قد طويت في دعاء عرفة، وفي الواقع يقول الإمام الحسين عليه السلام ليونس عليه السلام : إنك قلت: «لَاإِلَهَ إِلاَّأَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»، ولكن بقيت هناك مراتب أخري أنا من سيبينها.
«لا إلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّي كُنْتُ مَنَ المُسْتَغْفِرينَ. لا إلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدينَ. لا اِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّي كُنْتُ مِنَ الخائِفينَ. لا اِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّي كُنْتُ مِنَ الوَجِلينَ. لا اِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّي كُنْتُ مِنَ الرّاغبينَ. لا اِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّي كُنْتُ مِنَ المُهَلِّلينَ. لا اِلهَ اِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّي كُنْتُ مِنَ المُكَبِّرينَ ...»(1).
ص: 131
إن كل واحدة من هذه الجمل تمثل بحرا من المعارف الإلهية العظيمة، يغرق فيه آلاف الملائكة من أمثال جبرائيل وميكائيل وإسرافيل.
فمن ذا يعي كيف يطوي الإمام عليه السلام مراحل التوحيد الاثنتي عشرة حينما يقول:«لا إلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدينَ»؟ بدءا بالتوحيد في مقام الأحدية، و مرورا بالتوحيد في مقام الألوهية، والتوحيد في مقام الربوبية، وصولا إلي التوحيد في مقام المحبة حيث يقول: «تَركتُ الناس طُرّا في هَواكَا»(1)
ها هنا تكمن جذور عملها عليه السلام، ذلك العمل المستقي من اثنتي عشرة «لا إلهَ إلاّ أَنْتَ»، وقد توقف جميع العرفاء من الأولين والآخرين عند جملة: «لا إلهَ إلاّ أَنْتَ» الأولي، فما بالك بالمراحل اللاحقة التي طواها الإمام عليه السلام في بيانه، هذه هي جذور عمله عليه السلام.
ولكن ما هو العمل نفسه؟ ها هنا تتلاشي القدرة علي الكلام.
روي عن أبي بصير أنه قال: «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فقال: يا أَبَا بَصِيرٍ! إِذَا نَظَرْتُ إِلَي وُلْدِ الْحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ».أتدرون من قائل هذا الكلام؟ إنه كلام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
ثم قال الإمام عليه السلام: «يا أبا بصير! إنَّ فَاطِمَةَ لَتَبْكِيهِ وَ تَشْهَقُ فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَوْ لَا أَنَّ الْخَزَنَةَ يَسْمَعُونَ بُكَاءَهَا وَ قَدِ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عُنُقٌ أَوْ يَشْرُدَ
ص: 132
دُخَانُهَا فَيُحْرِقَ أَهْلَ الْأَرْضِ فَيَحْفَظُونَهَا [فَيَكْبَحُونَهَا] مَا دَامَتْ بَاكِيَةً وَ يَزْجُرُونَهَا وَ يُوثِقُونَ مِنْ أَبْوَابِهَا مَخَافَةً عَلَي أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَسْكُنُ حَتَّي يَسْكُنَ صَوْتُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ».
وأردف أبو بصير قائلا: «ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا بَصِيرٍ! أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يُسْعِدُ فَاطِمَهَ عليهما السلام؟ »(الملحق: 2). لا إله إلا الله، يطلب الإمام عليه السلام من أبي بصير أن يكون ممن يسعد فاطمة الزهراء عليها السلام ! فبكي أبو بصير بكاء أيما بكاء، ولم يطق الجلوس بعدها، قال أبو بصير: «فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ».
يا جعفر بن محمد عليهماالسلام! إنك تعلم أي يوم كان ذلك اليوم، وأي حادث ذلك الحادث. ثم يتابع أبو بصير قائلا: « فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَي تِلْكَ الْحَالِ، فَمَا انْتَفَعْتُ بِطَعَامٍ وَ مَا جَاءَنِي النَّوْمُ وَ أَصْبَحْتُ صَائِماً وَجِلًا حَتَّي أَتَيْتُهُ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ سَكَنَ سَكَنْتُ»(1).
ص: 133
ما الذي رآه الإمام عليه السلام؟ وكيف أصبح حاله؟ ليس هذا مما يذكر بكلام، وأني لنا أن ندرك ماذا حدث في ذلك اليوم؟ وما الذي جري هناك؟ وأي عمل ارتكب فيه؟
المدهش والغريب هو أن لسان العصمة الذي شاهد يوم إبراهيم عليه السلام، ويوم موسي عليه السلام، ويوم عيسي عليه السلام، يقول: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ»(1).هذه هي جذور العمل، وهذا هو العمل نفسه.
ولو تساءلنا: ما هي ثمرة العمل؟
روي شيخ المحدثين الصدوق في «ثواب الأعمال»، وشيخ الطائفة في «تهذيب الأحكام»، وسند الطائفة ابن قولويه في «كامل الزيارات»، وثقة الإسلام الكليني في «الكافي»، جميعهم رووا هذه الرواية، فسندها في أعلي درجات الاعتبار والوثاقة، ومتنها في منتهي العظمة، أما السند فهو: «عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمار».فالسند في غاية الاعتبار، حيث يضم رجالا من أصحاب الإجماع، وأما المتن فهو:
قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لِمَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ، مَنْ عَرَفَهَا واسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ، قلت : صف لي موضعها؟ قَالَ: امْسَحْ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ الْيَوْمَ خَمْسَةً وعِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قُدَّامِهِ، وخَمْسَةً وعِشْرِينَ ذِرَاعاً عِنْدَ رَأْسِهِ، وخَمْسَةً وعِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ، وخَمْسَةً وعِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خلفه ومَوْضِعُ قَبْرِ من يَوْمَ دُفِنَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ
ص: 134
الجَنَّةِ ، ومِنهُ مِعراجٌ ، يُعرَجُ فيهِ بِأَعمالِ زُوّارهِ إلَي السَّماءِ».
لن أخوض في تفاصيل الحديث كله، ولكن أود التركيز علي جملة واحدة فقط، حيث قال:
«وَ لَيْسَ مِنْ مَلَكٍ وَ لَا نَبِيٍّ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَّا وَ هُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَفَوْجٌ يَنْزِلُ وَ فَوْجٌ يَعْرُجُ ».(1).
يا تري ما المراد من النفي والاستثناء؟ تأملوا ماذا يعني قوله عليه السلام : «وَ لَيْسَ مِنْ مَلَكٍ»؟ فجبرائيل مع أنه ناموس الوحي، وميكائيل مع أنه ناموس الرزق، وإسرافيل مع أنه ناموس النفخ، وعزرائيل مع أنه ناموس القبض، والكروبين حملة العرش، وسكان البيت المعمور حفظة الكرسي، جميع هؤلاء يشملهم «لَيْسَ مِنْ مَلَكٍ»دون استثناء، وانظر كذلك «وَ لَا نَبِيٍّ»، فإن آدم عليه السلام مع علمه بالأسماء، و نوحا عليه السلام علي ما هو عليه من مقام العبد الشكور، وإبراهيم عليه السلام علي مرتبة خليل الله، وموسي عليه السلام علي مقام كليم الله، وعيسي عليه السلام علي منصب روح الله، كل هؤلاء الملائكة والأنبياء يقفون علي بابه تعالي يسألونه أن يأذن لهم في زيارة قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام . هذه ثمرة العمل.
إن عملا هذه جذوره، وهذه حقيقته، وهذه ثمرته، تتحملون جميعا مسؤولية تعريفه ونشره كها هو عليه.
ص: 135
إن جميع الأجهزة الحاكمة في هذا البلد، ممن حصلوا علي مقاعد في المجلس، ومن تسنموا مناصب في الوزارات، ومن بلغوا سدة الرئاسة، لم يحصلوا علي هذه المناصب إلا ببركة تاسوعاء وعاشوراء، فلولا اسم الإمام عليه السلام فأني لكم يا أصحاب الكراسي أن تتربعوا علي هذه المقاعد؟!
إن شكر المنعم يحتم علينا في هذه السنة التي تتزامن فيها أعياد الربيع مع أيام العزاء علي أبي عبد الله الحسين عليه السلام أن نلغي جميع مراسم الفرح والابتهاج، فابدؤوا خطبكم ومحاضراتكم الدينية بعبارة: «السلام عليك يا أبا عبد الله»، ووشحوا أرجاء البلد بالسواد في هذا الربيع الذي اقترن بخريف روضة الرسول صلي الله عليه و آله.
ص: 136
عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَي أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام المدينة، فَقَالَ لِي :«...يَا دَاوُدُ لَقَدْ ذَهَبَتْ بِكَ الْمَذَاهِبُ، ثُمَّ نَادَي: يَا سَمَاعَةَ بْنَ مِهْرَانَ! ايتِنِي بِسَلَّةِ الرُّطَبِ فَأَتَاهُ بِسَلَّةٍ فِيهَا رُطَبٌ فَتَنَاوَلَ مِنْهَا رُطَبَةً فَأَكَلَهَا وَ اسْتَخْرَجَ النَّوَاةَ مِنْ فِمهِ فَغَرَسَهَا فِي الْأَرْضِ فَفَلَقَتْ وَ أَنْبَتَتْ وَ أَطْلَعَتْ وَ أَغْدَقَتْ فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَي بُسْرَةٍ مِنْ عَذْقٍ فَشَقَّهَا وَ اسْتَخْرَجَ مِنْهَا رَقّاً أَبْيَضَ فَفَضَّهُ وَ دَفَعَهُ إِلَيَّ وَ قَالَ: اقْرَأْهُ فَقَرَأْتُهُ وَ إِذَا فِيهِ سَطْرَانِ: السَّطْرُ الْأَوَّلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الثَّانِي : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ، الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ، عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ، جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مُوسَي بْنُ جَعْفَرٍ، عَلِيُّ بْنُ مُوسَي ،مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ،الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ ،الْخَلَفُ الْحُجَّةُ. ثُمَّ قَالَ عليه السلام يَا دَاوُدُ! أَتَدْرِي مَتَي كُتِبَ هَذَا فِي هَذَا؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ وَ رَسُولُهُ وَ أَنْتُمْ قَالَ: قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ». (النعماني، الغيبة: ص 90؛ الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ج1، ص203؛ العلامة المجلسي،بحار الأنوار: ج24، ص243؛ المشهدي، تفسير كنز الدقائق : ج 5، ص452).
عَنْ زُرَارَهَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام: «...كَانَ جَدِّي إِذَا ذَكَرَهُ بَكَي حَتَّي تَمْلَأَ عَيْنَاهُ لِحْيَتَهُ، وَ حَتَّي يَبْكِيَ لِبُكَائِهِ ورَحْمَةً لَهُ مَنْ رَآهُ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَيَبْكُونَ فَيَبْكِي لِبُكَائِهِمْ كُلُّ مَنْ فِي الْهَوَاءِ وَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ... وَ مَا مِنْ عَيْنٍ أَحَبَّ إِلَي اللَّهِ وَ لَا
ص: 137
عَبْرَةٍ مِنْ عَيْنٍ بَكَتْ وَ دَمَعَتْ عَلَيْهِ وَ مَا مِنْ بَاكٍ يَبْكِيهِ إِلَّا وَ قَدْ وَصَلَ فَاطِمَةَ عليهما السلام وَ أَسْعَدَهَا عَلَيْهِ وَ وَصَلَ رَسُولَ اللَّهِ وَ أَدَّي حَقَّنَا.وَ مَا مِنْ عَبْدٍ يُحْشَرُ إِلَّا وَ عَيْنَاهُ بَاكِيَةٌ إِلَّا الْبَاكِينَ عَلَي جَدِّيَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَإِنَّهُ يُحْشَرُ وَ عَيْنُهُ قَرِيرَةٌ وَ الْبِشَارَةُ تِلْقَاهُ وَ السُّرُورُ بَيِّنٌ عَلَي وَجْهِهِ وَ الْخَلْقُ فِي الْفَزَعِ وَ هُمْ آمِنُونَ وَ الْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَ هُمْ حُدَّاثُ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَحْتَ الْعَرْشِ وَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ لَا يَخَافُونَ سُوءَ يَوْمِ الْحِسَابِ يُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَأْبَوْنَ وَ يَخْتَارُونَ مَجْلِسَهُ وَ حَدِيثَهُ وَ إِنَّ الْحُورَ لَتُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَاكُمْ مَعَ الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ فَمَا يَرْفَعُونَ رُووسَهُمْ إِلَيْهِمْ لِمَا يَرَوْنَ فِي مَجْلِسِهِمْ مِنَ السُّرُورِ وَ الْكَرَامَةِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 168؛ العلامةالمجلسي، بحار الأنوار: ج 45، ص207؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص 462).
ص: 138
2003/2/25م= 23 ذو الحجة 1423ه_
ص: 139
ص: 140
إن أيام المحرم الحسيني علي الأبواب، وقد تصرم العمر ولم نفهم منه شيئا، ولم نتوصل فيه إلي شيء، ما أكثر المحفوظات، وأقل المدركات؛ وليست هناك جوهرة في هذا العالم أثمن من عمر الإنسان، فمن قوله تعالي: «رَبِّ ارْجِعُونِ»(1). ندرك أي جوهرة خسرنا، إن قراءة القرآن وتلاوته كثيرة، ولكن أين التدبر والفهم الصحيح؟ «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ»(2).
ثمرة كلامنا اليوم في هذه المحاضرة تتلخص في كلمتين: إحداهما: ما هي الثروة التي ستفقدونها؟ والثانية: ما الذي ستحصلون عليه مقابل ذلك؟ ماذا سنربح؟ وماذا سنخسر؟ لو فهم أحد معني هاتين الكلمتين: ما الربح؟ وما الخسارة؟ وما هي الثروة؟ وما هو ريعها وعوائدها؟ لكانت القضية منتهية ومحسومة، إذ كل شيء مختزل في هاتين الكلمتين.
قضينا عمرنا في التعلم والدراسة، ولم نفهم بعد هاتين الكلمتين في آية النفر:«فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(3).
لا بد من بحث الموضوع حرفا بحرف وليس كلمة بكلمة، هل تساءلتم ما هو نظام الآية؟ ما هو مبدؤها؟ وما هو منتهاها؟ لقد بدأت الآية بحرف الفاء، ثم
ص: 141
بكلمة «لولا»، وثمة لطائف في حرف الفاء وكلمة «لولا»، ثم وردت فيها كلمة «النفر»التي تنطوي علي بحث مفصل، ثم تضمنت الآية قسمين: الفرقة والطائفة،وفي كل منهما بحوث وافرة، ثم يصل الدور إلي نتيجة (نفر الطائفة) ابتداء ب_: «التفقه في الدين»، ومرورا ب«إنذار القوم»، وختاما ب«الحذر والتحذير».
ما أكثر التفاسير التي كتبت للقرآن الكريم! إلا أن المتضلع لو طالع كل تلك التفاسير لوجد أن كلمات القرآن لا زالت في حجاب مستور ومخزون، وأن دقائق الكلمات لما تزل مكنوزة بعد.
وعلي أية حال، لو فهمت هذه الآية، وعمل بها، لزالت تلك الحسرة التي أشار إليها تعالي قائلا: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ». ونحن هنا سنشير إلي بضعة أمور فقط، ينبغي التركيز علي كلمتين في الآية الأولي: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» والثانية : «لِيُنْذِرُوا»، فما المراد بالتفقه؟ وما المقصود من الإنذار؟ وما هي منزلة كل منهما؟
إن الحديث عن واقعة عاشوراء سهل يسير، غير أن عقول الكمل من البشر متحيرة في إدراك ما معني عاشوراء؟ وما هي حقيقة هذه الواقعة؟ كيف ينبغي الاستفادة من هذا الزمن؟ فعلي من يكتب اسمه هذه السنة في قائمة خدام سيد الشهداء عليه السلام، أن يهضم هاتين الجملتين المستفادتين من الآية جيدا، وأن لا يضيع عمره هباء، فهذه ثروة عظيمة سوف نتحسر عليها غدا ونقول:«رَبِّ ارْجِعُونِ* َلعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا» (1). علينا أن نفهم الآن ماذا ينبغي أن نفعل؟ فلو صرفتم العمر كله في هاتين الكلمتين فلا حسرة حينئذ.
ص: 142
بكلمة واحدة: «التفقه في الدين»، التفقه كلمة ربما يسهل قولها، إلا أن الذين قضوا عمرا في الجد والاجتهاد، حتي وقفوا الآن علي آخر النظريات في الفقه والأصول، ينبغي لهم أولا أن يفهموا بالإشارة أن التعبير قد جري ب «التفقه»، والفقه هو الفهم ذاته، والفهم هو كمال العقل، والعقل «دِعامة الإنسانِ»(1)، فإنسانية الإنسان بالعقل، وكمال العقل بالفهم، وذلك الفهم هو التفقه.
فما هو متعلق هذا الفهم؟ الفهم: «صفة إنسانية ذات تعلق»، فالفهم تارة يتعلق بالأرض، فتصبح الأرض مفهوما، وتارة يتعلق بالسماء، فتكون السماء مفهوما. ولا ريب في أن قيمة الفقه والفهم مرتبطة بمتعلق الفقه والفهم، فما هو متعلق الفهم في الآية الشريفة؟ إنه هو «الدين».
ولو فهمتم معني «الدين» لأدركتم معني التفقه في الدين! الدين هو ما يقول عنه نبي مثل إبراهيم الخليل عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي لَكُمُ الدِّينَ»(2).هذه هي الجملة الأولي، وهي «التفقه في الدين».
إن الكتاب والسنة متلازمان، ومفتاح فهم القرآن يكمن في الروايات المأثورة
ص: 143
عن أهل البيت عليهم السلام (1).(الملحق:1). وقد أولي القرآن الكريم كلمة «الحكمة»اهتماما كبيرا، حيث قال تعالي : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا»(2)
سئل الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام عن معني الحكمة، تلك الحكمة التي إن أوتيها الإنسان فقد أوتي خيرا كثيرا، فإنها ليست بالجوهرة التي تعطي لأي أحد:
«وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ»(3)، لما سئل عليه السلام أجاب: «إنّ الحِكمَةَ المَعرِفَةُ و التَّفَقّهُ في الدِّينِ»(4).تلقوا جواب الإمام عليه السلام، ثم قارنوه بالقرآن الكريم، ثم افهموه. هذا هو الركن الأول.
وعندما يكون الكلام عن كمال المسلم فإنه يختزل في ثلاث كلمات: الأولي : «التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ»، والثانية : «اَلتَّقْدِيرُ فِي اَلْمَعِيشَهِ»، والثالثة: «الصَّبْرِ عَلَي النَّوَائِبِ»(5)(الملحق: 2).
ص: 144
فإن صرفتم أعماركم في الجملة الأولي أمنتم من الحسرة في يوم يتحسر فيه الأولون والآخرون. تدبروا القرآن جيدا؛ فإن للتفقه من العظمة والجلال ما يجعل الفقيه الواحد أشد علي إبليس من ألف عابد(1). فالفقيه يتحلي بمثل هذه المنزلة في الدين.
ما هي الكلمة الثانية؟ وما هي نتيجة التفقه؟ إنها هي «الإنذار».
لا بد لمن يتجهون في عشرة المحرم للتبليغ والدعوة أن يكونوا قد هضموا هاتين الجملتين قبل الذهاب : أن يكونوا أولا من المتفقهين في الدين، يدركون ما يعلمونه الناس، فهذا الوعي والفهم هو الإكسير الأحمر، ليتشرفوا بعد ذلك بشرف الإنذار .
إلي هنا تبين إلي حد ما معني الكلمة الأولي، أي «التفقه»، وأما الكلمة الثانية فلها بحث مفصل، نختصره في جملة واحدة: لو أردتم معرفة ما تنطوي عليه كلمة: «لِيُنْذِرُوا»من مطالب عظيمة، فاقرؤوا سورة المدثر حيث يقول عزوجل: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ»(2) حينما يلتزم المتفقه في الدين بهاتين الجملتين: «التفقه في الدين» ثم
ص: 145
«الإنذار» سيتمتع بمنصب النبوة، فالمقام هو مقام الخاتمية، إن أشعة شمس النبي الخاتم صلي الله عليه و آله تشرق علي قلب المتفقه في الدين والمنذر لقومه. هنا تتجلي قيمة عملكم، فلو أدركتم هذا الأمر جيدا، وعرفتم ما هي وظيفتكم، فقد عملتم بهذه الآية.
فما هي حقيقة الإنذار الوارد في الآية؟ ينقسم هذا الإنذار إلي ثلاثة أقسام، إن عمل بها جميعا أدت الغرض علي الوجه الأكمل: «آيَهٌ مُحْكَمَةٌ»، «فَرِيضَهٌ عَادِلَةٌ»، «سُنَّهٌ قَائِمَةٌ »؛ فلا بد من العمل بهذه الجمل الثلاث في مقام الإنذار(1). (الملحق:3)، فإن قمتم بهذه الأمور الثلاثة، وذهبتم للتبليغ في عشرة المحرم ثم عدتم، فقد دونتم أسماءكم في الدفتر الذي كتب فيه اسم إبراهيم الخليل عليه السلام.
فالقسم الأول هو ترسيخ عقائد الناس، وتبين معارف الدين، وإطلاع الناس علي مبدأ الوجود ووسائط فيض الوجود، هذا هو الأصل الأول، والأصل الثاني تعليم الأحكام، من الحلال والحرام، والواجبات والمحرمات في الشريعة، أما الأصل الثالث فهو تهذيب النفوس، وتزكية القلوب بتعليم الأخلاق المستقاة من كلمات الأئمة المعصومين عليهم السلام.
هذا ما تربحونه من عملكم هذا، والخسارة تعرف من خلال معرفة الربح بالضرورة، هذا كل ما أردنا قوله باختصار، ولكن ينبغي لكل واحد منكم التأمل فيما قيل، والتدبر في كل كلمة ذكرت، ثم عليكم بالنتائج.
ص: 146
كل ما قيل آنفا عبارة عن طعام ومائدة تحوي كل شيء، لكنها تفتقد الملح، فما هو هذا الملح؟ لا بد من العثور علي ملح هذه الحكمة، وإن أردتم معرفة ملح الحكمة المذكورة فابحثوا عنه في الرواية التالية، وهي رواية صحيحة:
روي أن أعرابيا لقي النبي صلي الله عليه و آله وهو راجع من مكة، فقال له: «يا رسول الله! إني خرجت أريد الحج فعاقني عائق... فمرني ما أصنع في مالي ما أبلغ ما بلغ الحاج؟»، إنه لحديث عجيب؛ لأن في سنده صفوان وابن أبي عمير ومعاوية بن عمار، فأشار هذا الذي «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي»(1) إلي جبل أبي قبيس وقال: «لو أن أبا قبيس لك زنة ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما بلغ الحاج »(2)
عندما يتجه قاصدوا البيت الحرام إلي الحج لا يرفعون قدما ولا يضعونها إلا كتبت لهم بكل خطوة عشر حسنات، ومحيت عنهم عشر سيئات، وأعطوا عشر درجات. ولما كان الناس آنذاك يستخدمون الجمال في التوجه إلي الحج، ورد في الرواية الصحيحة عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «...لم تضع راحلتك خفا ولم ترفع خفا إلا... كتب الله تعالي لك في كل تلبية عشر حسنات ومحا عنك عشر سيئات )(3)
ص: 147
هذا هو الحج.
وقد روي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: كَمْ حَجَجْتَ؟ قُلْتُ: تِسْعَةَ عَشَرَ. قَالَ: فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَتْمَمْتَ إِحْدَي وَ عِشْرِينَ حِجَّةً لَكُنْتَ كَمَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ عليه السلام»(1).(الملحق:4).
إنها لجملة عجيبة حقا، إذا حج الإنسان إحدي وعشرين حجة، علي أن تكون مقبولة، ينال حينئذ ثواب زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، فملح هذا الطعام هو اسمه عليه السلام .
يا للأسف! ما عرفناه حق معرفته، ولا أدركنا عاشوراء، ولا علمنا من كان ؟
وماذا فعل؟ وما الذي حدث ؟ حسبنا هذا الحديث!
إن كلمات الإمام عليه السلام قوالب للحقائق، فمن المستحيل أن يكون فيها ذرة من الزيادة أو النقصان، وقد قال ثامن الحجج الإمام الرضا عليه السلام حول مصاب عاشوراء: «إِنَّ يَوْمَ اَلْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا»، فما معني هذه الجملة؟ ثم أردف الإمام عليه السلام قائلا: «كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يري ضاحكاً» (2). هذه هي عاشوراء، وهذه هي الحادثة!
ص: 148
تقول أم سلمة: كان النبي صلي الله عليه و آله في بيتي، فقال: لا يدخل علي أحد، فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل، فماذا ينبغي لها أن تفعل؟ هل تمنعه من الدخول علي جده؟ إنها امرأة قد تربت في حجر الوحي، لقد أمر النبي صلي الله عليه و آله أن لا يدخل عليه أحد، ولكن الذي جاء هو: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(1)، فدخل الإمام علي النبي صلي الله عليه و آله وما لبثت أن دخلت علي أثره، فرأت الحسين عليه السلام علي صدر النبي صلي الله عليه و اله وهو يبكي، وفي يده شيء يقبله... ومن الواضح أن كل ذلك مقدمة لكشف هذا السر المكنون، الرجل الأول في العالم علي ذلك الحال مضطربا باكيا، ولما استفسرت أم سلمة عن الموضوع، قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «يا أم سلمة! إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيه عندك، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي».
والغرض من نقل هذا الحديث هذه الجملة: «فقالت أم سلمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه»، فأنت صاحب الدعوة المستجابة، وأنت الرجل الأول في ميدان المباهلة، وأنت من يقلب بإرادته جميع صفحات الوجود، ادع الله القائل :«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2). هذا هو مراد أم سلمة. فرد الرسول صلي الله عليه و آله قائلا: «قد فعلت فأوحي الله عزوجل إلي أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين»! فما هي تلك الدرجة؟ تأملوا في هذا الأمر جيدا، هذا هو الأمر الأول، والأمر الثاني هو: «أن له شيعةً يشفعون فيُشفعون»، والأمر الثالث: هو «أن المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف من ولده»(3).(الملحق: 5).
ص: 149
إن هذه الكلمات الثلاث مرتهنة بذلك اليوم، فإن قتل تحققت هذه الأمور الثلاثة، وإن لم يقتل فلا وجود لهذه النتائج الثلاث، وإنني رضيت برضا الله وإرادته؛ فكففت عن الدعاء.
ها هنا تكمن المسألة، إن عاشوراء يوم قد أنجز فيه عمل لا يمكن أحدا من الخلق أن يدرك المقام الذي بلغه صاحبه، وثمرته الأخيرة هي ولي العصرعجل الله تعالي فرجه الشريف ودولته العالمية العادلة، كل هذه الأمور ثمار ليوم عاشوراء.
ص: 150
عَنْ زُرَارَهَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قال: «تفسير الْقُرْآنِ عَلَي سَبعَةِ اَحرُفٍ ، مِنهُ ما كانَ،ومِنهُ ما لَم يَكُن،بَعدَ ذلِكَ تَعرِفُهُ الأَئِمَّهُ». (محمد الصفار، بصائر الدرجات: ص216؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج89، ص98).
وروي أيضاً: قال علي عليه السلام: «و اللّهِ، ما نَزلَتْ آيةٌ إلاّ و قَد علِمْتُ فِيمَ نَزَلت ، و أينَ نَزلَتْ ،[أَبِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ نَزَلَت فِي سَهْلٍ أو جبل] إنّ ربّي وَهبَ لي قَلبا عَقولاً، و لسانا سَؤولاً[لساناً طَلْقا- لسانا ناطقاً]».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص322؛ الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ: ص 478؛ الأربلي، كشف الغمة : ج 1، ص114؛ ابن جبر، نهج الإيمان: ص274؛ العلامة الحلي، كشف اليقين: ص 55؛ علي بن يونس العاملي البياضي، الصراط المستقيم، 1، ص219؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج1، ص2؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج40، ص157).
مصادر أهل السنة: ابن سعد، الطبقات الكبري، ج 2، ص 338؛ البلاذري، أنساب الأشراف: ج2، ص99؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : ج 1، ص 45، الموفق الخوارزمي، المناقب: ص90؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 42، ص398؛ الذهبي، تاريخ الإسلام: ج 3، ص637؛ الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين: ص126؛ السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص203؛ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: ج 2، ص493؛ المتقي الهندي، كنز العمال:
ص: 151
ج13، ص128؛ ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص127؛ القندوزي، ينابيع المودة : ج 1، ص214.
وروي أيضا: عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ بَلِ الْخَلْقُ يُعْرَفُونَ بِاللَّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً فقد يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يعرف ان لذلك الرَّبِّ رِضًا وَ سَخَطاً وَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَ سَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ فيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُلَ فَإِذَا لَقِيَهُمْ عَرَفَ أَنَّهُمُ الْحُجَّةُ وَ أَنَّ لَهُمُ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ وَ فقُلْتُ لِلنَّاسِ اليس تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ عَلَي خَلْقِهِ؟ قَالُوا: بَلَي. قُلْتُ فَحِينَ مَضَي صلي الله عليه و آله مَنْ كَانَ الْحُجَّةَ؟ قَالُوا: الْقُرْآنُ، فَنَظَرْتُ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَ الْقَدَرِيُّ وَ الزِّنْدِيقُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ حَتَّي يَغْلِبَ الرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ كَانَ حَقّاً. فَقُلْتُ لَهُمْ :مَنْ قَيِّمُ الْقُرْآنِ ؟ قَالُوا ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ وَ عُمَرُ يَعْلَمُ وَ حُذَيْفَةُ يَعْلَمُ. قُلْتُ: كُلَّهُ؟ قَالُوا: لَا فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُقَالُ: إِنَّهُ يَعلم القران كُلَّهُ إِلَّا عَلِيّاً صلوات الله عليه وَ إِذَا كَانَ الشَّيْ ءُ بَيْنَ الْقَوْمِ فَقَالَ هَذَا: لَا أَدْرِي وَ قَالَ هَذَا: لَا أَدْرِي وَ قَالَ هَذَا: لَا أَدْرِي وَ قَالَ هَذَا: أَنَا أَدْرِي فَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ قَيِّمَ الْقُرْآنِ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً وَ كَانَ الْحُجَّةَ عَلَي النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله وَ أَنَّ مَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَقٌّ. فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ.فَقُلْتُ: إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام لَمْ يَذْهَبْ حَتَّي تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله وَ أَنَّ الْحُجَّةَ بَعْدَ عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَ أَشْهَدُ عَلَي الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتَّي تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ كَمَا تَرَكَ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ وَ أَنَّ الْحُجَّةَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَيْنُ وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً. فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ قُلْتُ وَ أَشْهَدُ عَلَي الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتَّي تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ- عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً. فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ قُلْتُ: وَ أَشْهَدُ عَلَي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَمْ
ص: 152
يَذْهَبْ حَتَّي تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً. فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ. قُلْتُ: أَعْطِنِي رَأْسَكَ حَتَّي أُقَبِّلَهُ، فَضَحِكَ. قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَبَاكَ لَمْ يَذْهَبْ حَتَّي تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ كَمَا تَرَكَ أَبُوهُ وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّكَ أَنْتَ الْحُجَّةُ وَ أَنَّ طَاعَتَكَ مُفْتَرَضَةٌ. فَقَالَ: كُفَّ رَحِمَكَ اللَّهُ. قُلْتُ أَعْطِنِي رَأْسَكَ أُقَبِّلْهُ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ فَضَحِكَ وَ قَالَ سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ فَلَا أُنْكِرُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَداً.(الكليني، الكافي: ج 1، ص188؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج 1، ص 192؛ الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج 2، ص 718؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 23، ص17).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قال: «الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ وَ الصَّبْرُ عَلَي النَّائِبَهِ، وَ تَقْدِيرُ الْمَعِيشَهِ».(الكليني، الكافي: ج 1، ص 32؛ القاضي نعمان المغربي، دعائم الإسلام: ج2، ص255؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول: ص 292؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج75، ص172).
وروي أيضا: عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام قال: «لا يَسْتَكمِلُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتّي تكونَ فيه خِصالٌ ثلاثٌ : التفقهُ في الدِّينِ و حُسْنُ التَّقديرِ في المَعيشةِ و الصَّبرُ علَي الرَّزايا». (البرقي، المحاسن: ج1، ص5؛ ابن شعبة الحراني: ص446 ؛العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 1، ص213).
قال المرحوم الفيض الكاشاني معقبا علي هذا الحديث: «وكأن الآية المحكمة إشارة إلي أصول العقائد، فإن براهينها الآيات المحكات من العالم أو من القرآن...والفريضة العادلة إشارة إلي علوم الأخلاق التي محاسنها من جنود العقل
ص: 153
ومساويها من جنود الجهل، فإن التحلي بالأول والتخلي عن الثاني فريضة، وعدالتها كناية عن توسطها بين طرفي الإفراط والتفريط، والسنة القائمة إشارة إلي شرائع الأحكام ومسائل الحلال والحرام، وانحصار العلوم الدينية في هذه الثلاثة معلوم».(الفيض الكاشاني، الوافي: ج1، ص133).
عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَمَرَّ قَوْمٌ عَلَي حَمِيرٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يُرِيدُونَ هَؤُلَاءِ؟ فَقُلْتُ: قُبُورَ الشُّهَدَاءِ. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُهُمْ منْ زِيَارَةِ الشَّهِيدِ الْغَرِيبِ ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: وَ زِيَارَتُهُ وَاجِبَةٌ؟ قَالَ زِيَارَتُهُ خَيْرٌ مِنْ حِجَّةٍ وَ عُمْرَةٍ وَ عُمْرَةٍ وَ حِجَّةٍ حَتَّي عَدَّ عِشْرِينَ حِجَّةً وَ عُمْرَةً ثُمَّ قَالَ: مُقَبَّولَاتٍ مَبْرُورَاتٍ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا قُمْتُ حَتَّي أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ له: إِنِّي حَجَجْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَرْزُقَنِي تَمَامَ الْعِشْرِينَ حجة. قَالَ: هَلْ زُرْتَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لزِيَارَتُهُ خَيْرٌ مِنْ عِشْرِينَ حِجَّةً. (الكليني، الكافي: ج4، ص581؛ ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 302؛ محمد بن جعفر المشهدي، المزار: ص 333).
وروي أيضا: عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا لِمَنْ أَتَي قَبْرَ الْحُسَيْنِ بن علي عليهما السلام زَائِراً عَارِفاً بِحَقِّهِ غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَ لَا مُسْتَكْبِرٍ ؟ قَالَ: «يُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حِجَّةٍ مقبولة وَ أَلْفُ عُمْرَةٍ مَبْرُورَةٍ وَ إِنْ كَانَ شَقِيّاً كُتِبَ سَعِيداً وَ لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي رَحْمَةِ اللَّه»(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص274؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 43).
وروي كذلك: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام: «مَن أتي قَبرَ الحُسَينِ عليه السلام عارِفاً بِحَقِّهِ، كانَ كمَن حَجَّ مئة حِجَة مَعَ رَسولِ الله صلي الله عليه و آله». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص304؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص92؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص450؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص34).
ص: 154
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ [عليهما السلام] عَلَي رَسُولِ اللهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ [و آله]وَسَلَّمَ) وَهُوَ يُوحَي إِلَيْهِ، فَنَزَا عَلَي رَسُولِ اللهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ [و آله]وَسَلَّمَ)وَهُوَ مُنْكَبٌّ، وَلَعِبَ عَلَي ظَهْرِهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ [و آله]وَسَلَّمَ): أَتُحِبُّهُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، وَمَا لِي لَا أُحِبُّ ابْنِي».قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ مِنْ بَعْدِكَ. فَمَدَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَهُ، فَأَتَاهُ بِتُرْبَةٍ بَيْضَاءَ، فَقَالَ: فِي هَذِهِ الْأَرْضِ يُقْتَلُ ابْنُكَ هَذَا يَا مُحَمَّدُ، وَاسْمُهَا الطَّفُّ. فَلَمَّا ذَهَبَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ [و آله]وَسَلَّمَ)، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ [و آله]وَسَلَّمَ)وَالتُّرْبَةُ فِي يَدِهِ يَبْكِي، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ ابْنِي مَقْتُولٌ فِي أَرْضِ الطَّفِّ، وَأَنَّ أُمَّتِي سَتُفْتَتَنُ بَعْدِي»
مصادر أهل السنة: الطبراني، المعجم الكبير : ج3، ص107؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص187-188.
وروي أيضا: عن عائشة قال: بينا رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم راقدا إذ جاء الحسين [عليه السلام ] يحبو إليه، فنحيته عنه، ثم قمت لبعض أمري، فدنا منه، فاستيقظ يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله علي من يسفك دمه، وبسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء، فقال: يا عائشة، والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي ؟ !».
مصادر أهل السنة: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (من طبقات ابن سعد): ص46؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص262؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص195؛ ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب:ج6، ص 2633؛ الصالحي الشامي، سبل الهدي والرشاد: ج10، ص154؛ المتقي الهندي، كنز العمال: ج12، ص127.
ص: 155
ص: 156
2004/2/14م = 22 ذو الحجة 1424ه_
ص: 157
ص: 158
بما أن عاشوراء علي الأبواب وبعضنا سيوفق للإرشاد والإنذار، ينبغي الالتفات إلي هذه النقطة التي يتفق عليها العقل والنقل، وهي أنه يجب علي كل فرد منا أن يختار الأفضل والأحسن: «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ »(1)، فأولئك هم الذين يحظون بالبشري الإلهية.
وما معني الأحسن علي الإطلاق؟
المرجع هو القرآن والسنة فقط، فمن وصل مرحلة البلوغ العلمي كان مرجعه كلام الله وكلام الأئمة المعصومين عليهم السلام، ولا يخضع فكريا إزاء الأفكار غير المصونة عن الخطأ، علي العكس من المفتقرين إلي البلوغ العقلي والعلمي، ممن يهمهم كلام هذا وذاك .
ومن هنا ينبغي التدبر بمنتهي الدقة في هذه الكلمة التي تكشف أن الأحسن علي الإطلاق في القرآن هو الدعوة إلي الله، حيث يقول تعالي : «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللَّهِ»(2)، فمن يكتب لهم توفيق السفر في هذه الأيام يجب أن يتبعوا ما أمرهم به الله تعالي، فيكون قولهم أحسن الأقوال، وأحسن القول هو : «الدعوة إلي الله».
حتي سبيل الدعوة ينبغي أن نأخذه من الله، و من كلام الله تعالي، وطريق الدعوة
ص: 159
إلي الله هو: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(1)
تأملوا جيدا في هاتين الآيتين الشريفتين، إنهما توجهان الدعوة ابتداء، ثم تقيمان الدليل؛ والآيات القرآنية في حد ذاتها قاصمة للظهر، فلو توقفنا عمرا عند كل جملة منها لكان قليلا، فلنتساءل: ماذا كنا؟ وماذا صرنا؟ ومن حولنا مما كنا عليه إلي ما نحن فيه؟ علينا أن نعود أدراجنا إلي مئة عام مضت لنري ماذا كنا؟ ولا بد من التأمل والتدبر كثيرا عند قراءة القرآن.
«هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا» هنا يتضج تفسير الرب:«هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا*إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا»(2). مضافا إلي ذلك يجب أن نري من الذي ربانا عندما كنا نطفة فعلقة فمضغة، فمن الذي كان يرعانا في جميع تلك المراحل؟(3)، ومن الذي صير هذه النطفة النتنة إنسانا يستغرق هدب واحد من أهداب عينيه عمرا من التفكير، ليعلم ما هذا الهدب ؟ وماذا يحدث لو لم يكن؟
يجب أن نسير في الآفاق والأنفس: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ»(4) والآفاق هي التي قال عنها الباري عزوجل: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ
ص: 160
بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَه»(1).
كما ينبغي التأمل في الأنفس؛ لندرك ما الذي فعله الرب بنا:«خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ»(2). فلا أحد سواه يعلم ماذا فعل، لقد جعلنا عرضة للتحويل والتحول إلي حد يقول عنه تعالي:«ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(3) ،فتوجهوا إلي الله عزوجل، وادعوا الناس إلي التوجه إليه، وانتهزوا هذه الأيام؛ للاستفادة منها غاية الاستفادة، وأحيوا ذكر الله سبحانه.
فما هو سبيل الدعوة إلي الله؟ هذا أيضا مما ينبغي أن نستمده من الله نفسه، ثم إنكم بعد هذا العناء الطويل في التعلم والدراسة تكفيكم الإشارة لتقفوا علي كيفية دعوة الناس إلي الله جل اسمه، فدعوا عنكم جميع الأساليب المتكلفة والمتصنعة.
السبيل هو: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ»(4)، ينبغي لمجالسكم ومنابر كم ومحاضراتكم أن تتلخص في كلمتين: كلمة التبشير وكلمة الإنذار: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا»(5) فالسبيل إلي الله هو: البشارة بالأعمال الصالحة والإنذار من عواقب الأعمال السيئة.
يجب أن تشتمل محاضراتكم طيلة أيام تواجدكم في أماكن الدعوة والتبليغ علي ثلاث جمل، هي: «آيَةٌ مُحْكَمةٌ»، «فَرِيضَةٌ عَادِلَهٌ»، «سِتَّةٌ قَائِمَةٌ»(6)، فلو قضيتم عشرة أيام في منطقة ما، ثم غادر تموها يجب أن يكون الناس فيها قد تربوا علي ثلاث نقاط :
ص: 161
لأولي: «آيَة مُحْكَمة»، وهي أصل الأصول، والمبدأ، والمعاد، والنبوة، والإمامة،هذه خلاصة تلك الآية المحكمة.
الثانية: «فَرِيضَة عَادِلة»، وهي الحلال والحرام، والفرائض الإلهية، وحدود لدين، والمعروف والمنكر في الدين، كل ذلك لا بد أن يبين للناس.
الثالثة: «سِتَّة قَائِمَة»، وهي تهذيب أخلاق النفوس.
إن مواعظ «بحار الأنوار» كنز يفوق التصور، فحدثوا بتلك الروايات للناس.
إن ما يغير نفوس الناس هو ما ترتبط به فطرتهم، وفطرة الناس متصلة بكلام الله وكلام المنصوبين من قبله فقط، فما يقلب القلوب عبارة عن القرآن وكلمات أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام(1).، فلو تعلمتم هذه الكلمات القليلة بدقة، وفكرتم فيها جيدا، لكفاكم ذلك.
ثم إن الدعوة إلي الله، التي هي أحسن الأقوال، تحتوي علي مادتين: الأولي: هي الله تعالي نفسه، والثانية: هي السبيل إلي الله، وعليه، فأحسن الأقوال يجتمع في كلمتين: «الله»و «السبيل إلي الله».
إن سبيل الله هو من قتل يوم عاشوراء، ونحن أقل شأنا من أن يتسني لنا أن نتصور مدي عظمة هذه القضية، فقد سمعنا وقرأنا عنها شيئا، أما أننا تمكنا من فهمها فهذا موضع تأمل!
إن هذا الأمر من الرفعة والعمق بحيث نعجز فهمه، بل يعجز الجميع عن فهمه، فلا يستطيعون أن يدركوا أي يوم كان ذلك اليوم؟ وماذا فعل الإمام عليه السلام؟ وأي عمل كان ذلك العمل؟ وما هو مبدؤه؟ وما هو منتهاه؟ هذه مجموعة من البحوث المرتبطة بسبيل الله الأعظم.
لا بد أن نتخذ من النتيجة والثمرة جسرا للوصول إلي الجذور، فإن نيل مثل هذه
ص: 163
الأمور إنما يكون بأحد طريقين: أحدهما: طريق «الإنّ»، والآخر: طريق «اللمّ»(1).فلو أراد أحد فهم الموضوع عن طريق «الإنّ»فعليه أن يلحظ مدي الأثر الناتج عن عمله.
روي الشيخ الصدوق عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن موسي بن القاسم الحضرمي، قال: «قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي أَوَّلِ وَلَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ فَنَزَلَ النَّجَفَ فَقَالَ: يَا مُوسَي! اذْهَبْ إِلَي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَقِفْ عَلَي الطَّرِيقِ فَانْظُرْ فَإِنَّهُ سَيَجيئكَ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْقَادِسِيَّةِ فَإِذَا دَنَا مِنْكَ فَقُلْ لَهُ: هَاهُنَا رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله يَدْعُوكَ فَسَيَجِيءُ مَعَكَ. قَالَ فَذَهَبْتُ حَتَّي قُمْتُ عَلَي الطَّرِيقِ وَ الْحَرُّ شَدِيدٌ فَلَمْ أَزَلْ قَائِماً حَتَّي كِدْتُ أَعْصِي وَ أَنْصَرِفُ وَ أَدَعُهُ إِذْ نَظَرْتُ إِلَي شَيْءٍ يُقْبِلُ شِبْهَ رَجُلٍ عَلَي بَعِيرٍ فَلَمْ أَزَلْ أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّي دَنَا مِنِّي، فَقُلْتُ :يَا هَذَا هَاهُنَا رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله يَدْعُوكَ وَ قَدْ وَصَفَكَ لِي. قَالَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ قَالَ :فَجِئْتُ بِهِ حَتَّي أَنَاخَ بَعِيرَهُ نَاحِيَةً قَرِيباً مِنَ الْخَيْمَةِ فَدَعَا بِهِ فَدَخَلَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَيْهِ وَ دَنَوْتُ أَنَا فَصِرْتُ إِلَي بَابِ الْخَيْمَةِ أَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ لَا أَرَاهُمْ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَقْصَي الْيَمَنِ. قَالَ: أَنْتَ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا ؟قَالَ: نَعَمْ أَنَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا».
أنظروا ماذا حدث! إن الإمام الصادق عليه السلام يخبر الرجل: من هو، ومن أين هو، ولم جاء، هذا ونحن نغط في سبات عميق. هكذا يراقب الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف أحوالنا.
«قَالَ فَبِمَا جِئْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ جِئْتُ زَائِراً لِلْحُسَيْنِ عليه السلام فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: فَجِئْتَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَيْسَ إِلَّا لِلزِّيَارَةِ؟ قَالَ جِئْتُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَّا أَنْ أُصَلِّيَ عِنْدَهُ وَ أَزُورَهُ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَ أَرْجِعَ إِلَي أَهْلِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ مَا تَرَوْنَ فِي زِيَارَتِهِ قَالَ:
ص: 164
نَرَي فِي زِيَارَتِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَنْفُسِنَا وَ أَهَالِينَا وَ أَوْلَادِنَا وَ أَمْوَالِنَا وَ مَعَايِشِنَا وَ قَضَاءَ حَوَائِجِنَا قَالَ: فَقَالَ له أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَفَلَا أَزِيدُكَ مِنْ فَضْلِهِ فَضْلًا يَا أَخَا الْيَمَنِ؟ قَالَ: زِدْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَعْدِلُ حِجَّةً مَقْبُولَةً زَاكِيَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله. فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ فقَالَ: إِي وَ اللَّهِ وَ حِجَّتَيْنِ مَبْرُورَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ زَاكِيَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلي الله عليه و آله) فَتَعَجَّبَ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَزِيدُ حَتَّي قَالَ ثَلَاثِينَ حِجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقَبَّلَةً زَاكِيَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و اله»(1)(ملحق :2).
وهناك سر في هذه المراتب، كما أن في عدد الثلاثين سرا، حيث يبدأ بحجة ويختم بثلاثين حجة، وقد عبر عن ذلك الإمام عليه السلام بقوله: «ثَلَاثِينَ حِجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقَبَّلَةً زَاكِيَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله ».
ويتضح أن الرواية تشتمل علي خمس نقاط:
النقطة الأولي: أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام تعدل ثلاثين حجة؛ لأن الحج لايتكرر، فإنه مرة في كل سنة، لا يزيد علي ذلك، مع ما للحج من أهمية وضجة.
النقطة الثانية: الحجة وصفت بأنها مبرورة، فماذا تعني الحجة المبرورة؟ إنها الحجة الخالية من جميع المآثم والمعاصي، فأني لنا بمثل هذه الحجة! هذه هي الكلمة الثانية.
النقطة الثالثة : قال الإمام عليه السلام: «حِجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقَبَّلَةً»، وفي استعمال كلمة
ص: 165
«مُتَقَبَّلَةً» بعد كلمة «مَبْرُورَةً» من المرتبة ما يثير الحيرة، قال تعالي :«فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا»(1) ، فهذه الزيارة تعدل حجة، وأي حجة؟ إنها حجة مبرورة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هي «متقبّلة»، ذلك القبول الذي ذكره الله تعالي في سورة آل عمران.
النقطة الرابعة: أن الأمر لم يتوقف كذلك عند هذا الحد، بل هي «زَاكِيَهً»، ولا يسع المجال هنا لشرح هذه الكلمات، فما المراد بالزاكية؟ أي هي المزكاة والمصفاة من الغل والغش.
النقطة الخامسة: وهي المهمة، أن هذه الزيارة عبارة عن حجة مبرورة متقبلة زاكية، وفوق كل ذلك أنها مع رسول الله صلي الله عليه و آله، فإذا أمكن أن لا يحظي حج الرسول الكريم صلي الله عليه و آله بالقبول، أمكن أن لا تحظي هذه الحجة بالقبول أيضا، فزيارة الإمام الحسين عليه السلام بهذا القدر من الأهمية.
ما الذي فعله سيد الشهداء عليه السلام ليترك إكسير وجوده المقدس كل هذا التأثير، ويكسب قبره الشريف هذه الخصوصية الكيمياوية، لتحظي زيارة قبره بهذا القدر من العلو والارتفاع؟ فمن ذا الذي عرفه؟ ومن ذا أدرك ما الذي فعله سيد الشهداء عليه السلام ؟!
أختم كلامي هذا بحديث، وفيه الكفاية، أخرجه ابن قولويه عن مشايخه،علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن عيينة، أو عتيبة بحسب
ص: 166
تعبير النجاشي، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام. إن سند الحديث بمكان من القوة بحيث إن كل فقيه يفتي علي ضوء هذا السند في أدق المسائل الفقهية، حتي في الدماء، أما نص الحديث فهو «مَنْ أَتَي قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَه اللَّهُ فِي اعلي عِلِّيِّينَ»(1) ها هنا يجف القلم وينقطع البيان!
أو تعلمون ما معني «عِلِّيِّينَ» ليصل الأمر بعد ذلك إلي أعلي عليين؟ قد ورد معني هذه الكلمة في سورة المطففين حيث قال تعالي : «كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ*كِتَابٌ مَرْقُومٌ*يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ»(2) هذا هو معني عليين، فالمقربون يشهدون عليين. وأما أعلي عليين فهي درجة «مَنْ أَتَي قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ»، وإن كانت درجة «مَنْ أَتَي قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ» في أعلي عليين فلا بد من أن نري أين هي درجته هو؟
اعرفوا من هو الإمام الحسين عليه السلام و عرفوه إلي الناس، ولا ينبغي أن يذهب خيال البعض إلي استكثار مراسم العزاء، فإن البكاء عليه دما لقليل بحقه عليه السلام.
ص: 167
(ملحق:3)، إلا أننا لا ندرك ذلك ولا نعيه.
قال الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام : «انَّ يومَ الحُسَين، أقرَحَ جُفُونَنا»(1)، ذلك أنه كان يعلم من هو سيد الشهداء عليه السلام؟ وماذا فعل؟ وكيف قتل مظلوما؟
ومن هنا، لا يسعنا أن نقول بشأن هذه الشخصية سوي ما قاله الله تعالي في محكم كتابه الكريم:«يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَي رَبِّكَ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً»(2).
ص: 168
ورد في زيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام الهادي عليه السلام: «أنْتُمُ الصِّراطَ الْأَقْوَمُ».(الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج2، ص613؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص97؛ المشهدي، المزار: ص528؛ مفاتيح الجنان).
كما ورد في نسخ أخري من هذه الزيارة: «أَنْتُمْ السَّبِيلُ الاَعْظَمُ وَ الصِّرَاطُ الاَقْوَمُ».(الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2، ص307؛ حسن بن سليمان الحلي، المحتضر: ص217؛ الفيض الكاشاني، الوافي: ج14، ص157؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 99، ص129).
مصادر أهل السنة: الجويني، فرائد السمطين: ج2، ص181.
وروي أيضا: «أَنْتُمْ يا مَوالِيَّ وَنِعْمَ الْمَوالي اَلسَّبيلُ الْأَعْظَمُ وَالصِّراطُ الْأَقْوَمُ».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 99، ص151).
وروي كذلك: «أَنْتُمْ يا ساداتي السَّبِيلُ الْأَعْظَمُ وَالصِّراطُ الْمستقيمُ».(المشهدي،المزار: ص249؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 97، ص 344).
وروي في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا دِينَ اللَّهِ الْقَوِيمَ وَ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ».(المشهدي، المزار: ص264؛ الشهيد الأول، المزار: ص67؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 97، ص360).
وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَي : «أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ»، قال: « عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالأَئِمَّهُ مِنْ وِلْدِ فَاطِمَهَ هُمْ صِرَاطُ اللهِ. فَمَنْ أَبَاهُمْ سَلَكَ السُّبُلَ».(الفرات بن إبراهيم، تفسير الكوفي:
ص: 169
ص 137؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج24، ص16).
وروي عَنْ سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: «لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ حُجَّتِهِ حِجَابٌ فَلَا لِلَّهِ دُونَ حُجَّتِهِ سِتْرٌ ، نَحنُ أبوابُ اللّهِ، ونَحنُ الصِّراطُ المُستَقيمُ».(الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص35، السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج1، ص114؛العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 24، ص 12).
مصادر أهل السنة: القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص 395.
وروري عَنْ أَبِي بُرَيْدَهَ : فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَي: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»، قال: «صراط محمد وآله [وآل محمد]».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص271؛ السيد ابن طاووس، الطرائف: ص 131؛ الأربلي، كشف الغمة : ج 1، ص316؛ ابن البطريق، العمدة: ص43؛ ابن البطريق، خصائص الوحي المبين: ص130؛ ابن جبر، نهج الإيمان، ص 540؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان : ج1، ص117؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج24، ص16).
مصادر أهل السنة: الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: ج1، ص 74.
وروي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ ،عَنْ آبَائِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام: «يَا عَلِيُّ! أَنْتَ حُجَّةُ اللَّهِ وَ أَنْتَ بَابُ اللَّهِ وَ أَنْتَ الطَّرِيقُ إِلَي اللَّهِ وَ أَنْتَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ وَ أَنْتَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَ أَنْتَ الْمَثَلُ الْأَعْلَي».(الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2، ص9؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج 5، ص273؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج5، ص 565؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج36، ص 4 الحويزي، تفسير نور الثقلين: ج4، ص180).
ص: 170
وروي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ »، قال: «نَحْنُ اَلسَّبِيلُ فَمَنْ أَبَي فَهَذِهِ اَلسُّبُلُ فَقَدْ كَفَرَ، ».(علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي: ج1، ص221؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 2، ص498؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 24، ص 13).
وروي أيضا: عن ابن عباس في قول الله تعالي: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»، قَالَ: «قُولُوا مَعَاشِرَ الْعِبَادِ: أَرْشِدْنَا[اهدنا] إِلَي حُبِّ النَّبِيِّ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج2، ص271؛ ابن جبر، نهج الإيمان: ص 540، العاملي البياضي، الصراط المستقيم : ج 1، ص 284).
مصادر أهل السنة: الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: ج1،ص75.
وروي في مصادر أهل السنة أيضا: أخرج ابن مردويه ذيل قوله تعالي: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «إنَّ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ مَحَبّتُنا أَهْلِ البَيْتِ».(ابن مردويه الأصفهاني، مناقب علي بن أبي طالب: ص221).
عَنْ مَسْعَدَهَ بْنِ صَدَقَهَ، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام :«مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام؟ قَالَ تُكْتَبُ لَهُ حَجَّهٌ مَعَ رَسُولِ صلي الله عليه و آله قَالَ: قُلْتُ لَهُ :جُعِلْتُ فِدَاكَ حَجَّهٌ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ نَعَمْ وَ حَجَّتَانِ قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ حِجَّتَانِ؟ قَالَ نَعَمْ وَ ثَلَاثٌ فَمَا زَالَ يَعُدُّ حَتَّي بَلَغَ عَشْراً قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ عَشْرُ حِجَجٍ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله ؟ قالَ: نَعَم وعِشرونَ حَجَّهً.قُلتُ:جُعِلتُ فِداكَ! وعِشرونَ؟! فَما زالَ يَعُدُّ حَتّي بَلَغَ خَمسينَ،فَسَكَتَ. (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 307؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج 10، ص354؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 43).
ص: 171
جاء في زيارة الناحية المقدسة: «فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي الدُّهُورُ وَ عَاقَنِي عَنْ نُصْرَكَ الْمَقْدُورُ وَ لَمْ أَكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً وَ لِمَنْ نَصَبَ لَكَ الْعَدَاوَةَ مُنَاصِباً فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَ مَسَاءً وَ لَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً حَسْرَةً عَلَيْكَ وَ تَأَسُّفاً عَلَي مَا دَهَاكَ وَ تَلَهُّفاً حَتَّي أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصَابِ وَ غُصَّةِ الِاكْتِيَاب».(محمد بن جعفر المشهدي، المزار : ص 501؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص239).
ص: 172
2006/1/25م = 2٤ ذو الحجة 1426ه_
ص: 173
ص: 174
إن شهر المحرم علي الأبواب، وفيه يوفق بعضكم للإنذار، ولا ريب في أن هذا التوفيق بحد ذاته في غاية الصعوبة، فالتوفيق لإنذار الأمة هو عمل الأنبياء، قال تعالي:«يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ»(1). وقد جعل الله تعالي النتيجة للتفقه في آية النفرهي عمل النبي الخاتم صلي الله عليه و آله، فقال : «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»(2) .
من يقدم علي عمل ما فعليه أن يقف علي حقيقة ذلك العمل، ومعرفة حقيقة الإنذار أمر عسير. فلو أدرك شخص هذا الأمر، وعرف ماهية العمل الذي يزاوله وحقيقته، وعلم بما يترتب عليه من نتائج، وهل يترتب الغرض علي هذا العمل «لا بشرط» أو «بشرط شيءٍ»؟ وإن كان «بشرط شيءٍ»، فما هو ذلك الشرط أو تلك الشروط؟ فمن أدرك هذه الأمور أحاط إلي حد ما بحيثيات هذا الأمر. وهنا تتجلي أهمية فقه و فهم دقائق أحاديث أهل البيت عليهم السلام ! فالمهم هو دراية الرواية لا روايتها فقط (3).
حسبنا في هذا الموضوع وفهمها حديث واحد، شريطة أن يكون هناك من يعي، علي أن الوقت لا يكفي لشرح كل ما ينطوي عليه هذا الحديث، غير أنكم لستم بالمبتدئين، فلا بد من فهم المراد من لحن البيان والقول.
هذه الرواية نبوية، وقد صدِّرت ب «ألا» التنبيهية، وكيفية البيان فيها مثيرة للدهشة، حيث قال صلي الله عليه و آله: «ألا اُحَدِّثُكُم عَن أقوامٍ لَيسوا بِأَنبِياءَ ولا شُهَداءَ ، يَغبِطُهُم يَومَ
ص: 175
القِيامَهِ الأَنبِياءُ وَالشُّهَداءُ»(1).(الملحق:1).
ما يحير الألباب هو أن أي مقام لهؤلاء كي يغبطهم عليه الأنبياء و الشهداء، وهم ليسوا من الأنبياء ولاالشهداء؟
«بِمَنَازِلِهِمْ مِنَ اَللَّهِ عَلَي مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ»، هذا هو مقام هؤلاء، علي أن هناك خصوصية لعبارة «منازلهم من الله»، فتارة تكون الدرجة في الجنة، أو في جنات عدن، أو في الفردوس الأعلي، وفي جميع هذه المنازل درجات لا يتسني لنا وصفها أو إدراكها، والمهم في الحديث أن هذا المقام قد عبر عنه ب_ «منازل عند الله »:«فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»(2)، فأصحاب هذه المناصب في منازل عند الله علي منابر من نور، فما الذي فعله هؤلاء ليبلغوا تلك المرتبة؟ إنه لأمر عجيب! لو فهمتم هذا الحديث فقط ففيه الكفاية إلي آخر عمر كم، لتعرفوا أين تذهبون في أيام المحرم؟ وماذا تفعلون؟
إن هذا الحديث في جماعة يغبطهم الأنبياء والشهداء، وهم عند الله علي منابر من نور، فماذا فعل هؤلاء؟ لما سئل النبي الكريم صلي الله عليه و آله عن ذلك ذكر أنهم قاموا بعملين: «يُحببّونَ عبادَ الله اِلي اللهِ ...»، هذا فنٌّ بحد ذاته، والعمل الثاني في غاية الأهمية، «ويُحَبِّبونَ اللّه َ إلي عِبادِهِ»، إن تصور هذا الأمر يدهش العقل فضلا عن تحققه.
إن عمل هؤلاء يتمثل في تحبيبين، ولكن كيف يحصل هذا التحبيب؟ قال صلي الله عليه و آله:
ص: 176
«يُحَبِّبونَ عِبادَ اللّه ِ إلَي اللّه ِويُحَبِّبونَ اللّه َ إلي عِبادِهِ»، وهذا يتوقف علي أمرين:
الأول: أنهم يأمرون عباد الله بطاعة الله.
والثاني: أنهم ينهونهم عن معصية الله، ليصبحوا إثر ذلك محبوبين عند الله ومحبين لله، فهؤلاء هم السبب في إيجاد هذه المحبة، فجزاؤهم أن ينزلهم الله يوم القيامة في منازل من نور في مقام عنديته، وهي درجة رفيعة ومقام سام يغبطهم عليه الأنبياء والشهداء علي الرغم من أنهم ليسوا بأنبياء ولا شهداء.
هذه السعادة ميسرة لكم جميعا في شهر المحرم، فحذار أن يوسوس لكم الشيطان لتتشبثوا بأعذار واهية وتحرموا من مثل هذا الفيض العظيم: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ»(1).
إن ختام محاضرتنا لهذا اليوم باسم إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، وهو أمر عجيب، فدعاء العهد الذي قرئ وسورة الإخلاص التي تليت أول المحاضرة (2) هدية إلي ولي العصر، وقطب عالم الإمكان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
ما هذه إلا مقدمة نشير فيها إلي أن مسؤولية الجميع في شهر محرم الحرام، هي أن ينصب اهتمامهم علي كلمتين حيثما اتجهوا: الأولي: ما ورد في هذا الحديث، وهو الأمر بما يرضي به الباري تعالي، والنهي عما يكره، والثانية : وهي العمدة، ربط القلوب الطاهرة بالله، فإن القلب ليطهر بالهداية والتقوي والامتثال لأوامر المولي والانتهاء عن نواهيه.
ص: 177
وحد ذلك كله هو إخراج هذا القلب من حالة التحجر والقسوة، وتبديله إلي زجاجة شفافة، ليتحول إلي مصباح قادر علي أن يعكس النور، فإن الأمريصل إلي هذه الدرجة، بحيث يصير هذا القلب مصباحا نقيا من شوائب الذمائم والرذائل، بيد أن هذا المقدار ليس بكاف؛ فما يكتمل به هذا العمل هو ذلك الزر الكهربائي الذي يربط هذا المصباح بمحطة الكهرباء، فأين هي تلك المحطة؟ إن جميع ذلك في القرآن والسنة، فالمحطة هي: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَيٰ نُورٍ»(1)
آية النور هي مركز نور الوجود، ومفتاح الكهرباء قد ورد في آخر الآية المتقدمة : «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ »، وتفسير هذه الآية أن المقصود بهذه الجملة هو الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف (2).(الملحق:2) فهو الزر الكهربائي المذكور الذي يوصل القلوب المطهرة بمبدأ النور، فلو أردتم السعادة الأبدية فإن الطريق إليها يمر عبر الكلمات التي
ص: 178
اشرنا لها، غير ان الطاف الباري سبحانه و عناياته بعباده لا حد لها و لا حصر، لو تفكرتم بهذا لكفاكم، فمن هو؟ و ماذا يفعل بنا؟ عرفوا الناس بهذه الامور.
إن أبداننا جميعا مليئة بالقذارة، فهل لاحظتم الهيكل العظمي للإنسان في المستشفيات والعيادات ؟ كم هو مخيف ومقزز، هذه هي أجسامنا، وما ألطف الباري تعالي حيث أخفي كل تلك القبائح المنفرة، وغطي أجسامنا بطبقة من بشرة الجسم؛ ليستر علي كل ما يقزز من الأدران والدماء والأوساخ، وأسبغ علينا صبغة من الجمال والكمال: «سُبحانَ اللّهِ ، وَالحَمدُ للّهِ ولا إلهَ إلَا اللّهُ وَاللّهُ أكبَرُ»، «يَا مَن أَظهَرَ الجَميلَ وَسَتَرَ القَبيحَ »(1) لقد فعل الله تعالي ذلك بنا جميعا، هذا ما يتعلق بأبداننا.
وأما الروح فكيف هي؟ إن أمير المؤمنين عليه السلام عارف بحقيقة أرواحنا، حيث قال: « لَو تَكاشَفتُم ما تَدافَنتُم»(2)، وما ذلك إلا بسبب العيوب الروحية، فنحن نتصور أننا أناس صالحون، لكن هذا في الواقع يعكس مدي جهلنا، فلو عرفنا حجم مساوئنا لتعرفنا حينئي علي الحقيقة، وقد أخفي الله كذلك كل معايبنا التي صدرت عنا طوال فترة حياتنا، فلا يدري أحد ما يدور في خلدنا، وما يجول في أفكارنا، لا الأب ولا الأم ولا الزوجة ولا الأطفال. هكذا ستر الله تعالي ظاهرنا وباطننا، فأي عطاء أعطانا؟ وأي رعاية رعانا؟ ليس لنا بعد ذلك إلا العجز والفقر والحيرة والحياء، وإذا كان ثمة كمال فذلك منه جل وعلا، وإذا ما وجد جمال فمنه
ص: 179
أيضا، هذه مسؤوليتنا في شهر المحرم.
القضية المهمة هي ضرورة أن تعرفوا ما هو المحرم؟ وما هي عاشوراء؟ ماهي الواقعة؟ وهل يمكن الحديث عن ذلك؟ وهل هناك لسان يمتلك القدرة علي أن يقول ماذا كان؟ وما جري؟ وما الذي حدث في العالم؟ من هو الإمام الحسين عليه السلام نفسه؟ حسبنا حديث واحد في هذا المجال، وبعد ذلك فكروا قدر ما تستطيعون.
روي عن حذيفة أنه قال: سمعت الحسين بن علي عليهما السلام يقول: «وَ اللَّهِ لَيَجْتَمِعَنَّ عَلَي قَتْلِي طُغَاةُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَ يَقْدُمُهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ» قال : فتحيرت من ذلك، وقلت له: أَنْبَأَكَ بهَذَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لا»، فزادت حيرته من قوله هذا، فأتي النبي صلي الله عليه و آله و وسأله عما سمع من الحسين عليه السلام، وأخبره صلي الله عليه و آله أنه سأله عليه السلام عما إذا كان قد سمع ذلك منك يا رسول الله صلي الله عليه و آله ، ولكن الحسين نفي ذلك، فماذا يعني ذلك ؟ فرد النبي صلي الله عليه و آله بعبارة يمكن أن تفهموا من خلالها من هو سيد الشهداء عليه السلام، حيث قال: «عِلْمِي عِلْمُهُ، وَ عِلْمُهُ عِلْمِي»(1) أي لا حاجة إلي سؤالي؛ لأن علمه علمي كما أن علمي علمه. وهذا الكلام صادر عن النبي الخاتم صلي الله عليه و اله، وقد قاله لأعيان البشر.
ومعني هذا الكلام أن عبادته عبادتي، وعبادتي عبادته، خلقه حلقي، وخلقي
ص: 180
خلقه، وفي كلمة واحدة «حُسَيْنٌ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(1)، هكذا هو الإمام الحسين عليه السلام.
أخرج الشيخ الصدوق عن شيخه في كتاب «عيون أخبار الرضا»وفي كتاب «الأمالي»أيضا، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن هاشم، عن الريان بن شبيب، أنه قال: دخلت علي الإمام الرضا عليه السلام في أول أيام المحرم، فقال لي: «أَصَائِمٌ أَنْتَ؟»، فقلت له: لا. فكأن الإمام عليه السلام وبخه لعدم صيام هذا اليوم، حيث قال له:
«إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَعَا فِيهِ زَكَرِيَّا عليه السلام رَبَّهُ عزوجل فَقَالَ: «رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ» فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَنَادَتْ زَكَرِيَّا «وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيي»فَمَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ كَمَا اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا عليه السلام ».
إن واقعة عاشوراء غيرت مجري الزمان قبل وقوعها، فكان أثر اليوم الأول من المحرم هو: «قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا». (2) ففي مثل هذه الحال دعا زكريا عليه السلام ربه، فوهبه يحيي عليه السلام.
لكل واقعة - أيا كانت - أثر ما حين وقوعها، بمعني أن أثرها يترتب عليها بعد زمان وقوعها، فلا يعقل - بحسب القاعدة - أن يكون للحادث تأثير قبل وجوده وتحققه، فأي واقعة هي واقعة كربلاء؟ وما الذي فعلته يا أبا عبد الله؟ وأي تحول وانقلاب أحدثته في عالم الوجود، فكان اليوم المنسوب لك سببا في استجابة دعاء النبي زكريا عليه السلام قبل قدومك إلي الدنيا؟!
ص: 181
وحيث الإمام عليه السلام ابن شبيب قائلا:«مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ كَمَا اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا عليه السلام»ثم قال الامام عليه السلام:«يَا اِبْنَ شَبِيبٍ! لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ جَدِّيَ عليه السلام مَطَرَتِ اَلسَّمَاءُ دَماً وَ تُرَاباً أَحْمَرَ»أي واقعة هذه؟
ثم قال عليه السلام جملة مؤثرة، تلك الجملة هي: «يَا ابْنَ شَبِيبٍ! إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ».لا إله إلا الله ! هذا كلام ثامن الحجج الإمام الرضا عليه السلام وأضاف قائلا: «فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ».(1)
ص: 182
لكن الفارق أنه بمقتضي الحكم الشرعي يستحب أن يسقي الكبش ماء قبل ذبحه. قال عليه السلام: «فَقَدْ تَفَتَّتَ كَبِدِي »(1) (الملحق:3). لا إله إلا الله!
ص: 183
ص: 184
قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «إِنَّ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ قَوْماً عَلَي مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ ويَغْبِطُهُمُ اَلْأَنْبِيَاءُ وَ اَلشُّهَدَاءُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَ لاَ شُهَدَاءَ، فقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ !مَنْ هُمْ ؟ فَسَكَتَ عنه، فقَالَ عمر: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فسَكَتَ عَنهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صلي الله عليه و آله :هُمْ شِيعَتُكَ وَ أَنْتَ إِمَامُهُمْ»(عدة محدثين (نخبة من الرواة)، الأصول الستة عشر: ص107).
قال أبو عبد الله عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَي : «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ»«يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَئِمَّةِ مَنْ يَشَاءُ».(مسائل علي بن جعفر: ص316؛ الكليني، الكافي: ج1، ص 195؛ علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص103؛ الأسترآبادي، تأويل الآيات: ج 1، ص360؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 23، ص305).
وروي أيضا أن الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام قال في قوله تعالي: «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ»:«يَهْدِي اللَّهُ لِوِلَايَتِنَا مَنْ أَحَبَّ».(علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص105؛ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج 7، ص251؛ الملا فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير: ج4، ص 512؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان : ج4، ص70؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج4، ص23 و...).
ص: 185
كذلك رَوَي مُوسَي بْنُ اَلْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ عزّوجلّ : «كمِشْكاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» قال: «الْمِشْكَاةُ فَاطِمَةُ عليهما السلام، والمِصْباحٌ الحسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، و«الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ»قال: كانت فَاطِمَةَ كَوْكَبا دُرِّيّا منَ نِسَاءِ العالمين ،«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ»الشجرة المباركة إِبْرَاهِيمَ «لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ»لَا يَهُودِيَّةٍ وَ لَا نَصْرَانِيَّةٍ «يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ»قال يَكَادُ الْعِلْمُ ان يَنطق مِنْهَا «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلي نُورٍ»قال فيها إِمَامٌ بَعْدَ إِمَامٍ، «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ»قال:يَهْدِي اللَّهُ لِولايتنا مَنْ يَشَاءُ».(ابن البطريق، العمدة: ص356؛ السيد ابن طاووس، الطرائف: ص 135؛ علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم: ج1، ص296؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 23، ص316).
مصادر أهل السنة: ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب:ص293.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في تفسير هذه الآية الشريفة من سورة النور: «فالمِشْكاةُ رَسُولُ اللّهِ صلي الله عليه وآله، والْمِصْبَاحُ الْوَصِيُّ وَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام ، والزُّجَاجَهُ فَاطِمَهُ عليها السلام، والشَّجَرَهُ المُبَارَكَهُ رسول الله صلي الله عليه وآله ، والكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ القائِمُ المُنْتَظَرُ ...».(الحر العاملي، إثبات الهداة : ج 2، ص 150؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج90، ص21).
فقال له [الشمر] الحسين عليه السلام : إذا كان لا بد من ذلك اسقني شربة من الماء، فقد نقضت [تفتت] كبدي من الظمأ، فقال الملعون: الآن أسقيك ماء سيفي هذا، فلما سمعت زينب كلامه صاحت بصوت يقرح القلب وقالت: يا شمر دعني أودعه، يا شمر دعني أغمضه، يا شمر دعني أنادي البنيات يتزودن منه، يا شمر دعني آتيه بولده العليل، يشتاق بلقائه. فغار عليها بالسيف، فوقعت علي وجهها، بكل هذا ولم يعبأ اللعين بكلامها، ولا رق قلبه عليها، وجعل يطبر نحره الشريف بقطع عنيف وهو
ص: 186
ينادي: وا جداه، وا أباه، وا أماه، وا أخاه. فأخذ الناس الزلازل، وأمطرت السماء دما عبيطا وترابا أحمر».(القزويني، تظلم الزهراء: ص265).
وروي «أنه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس والحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك بلسانه [لسانه] من العطش، ويطلب الماء، فرفسه شمر برجله، وقال: يا بن أبي تراب! ألست تزعم أن أباك علي حوض النبي يسقي من أحبه؟ فاصبر حتي تأخذ الماء من يده».(محمد بن أبي طالب، تسلية المجالس: ج2، ص323؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص56؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص 300؛ الدربندي، أسرار الشهادة: ص 424-426 ؛ الدربندي، ترجمة أسرار الشهادة: ج 2، ص 1399؛ المازندراني، ترجمة معالي السبطين: ص706(بهذا المضمون)).
مصادر أهل السنة: الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 2، ص 41.
وروي أيضا: «فنادي ابن سعد من يأتيني برأسه وله ما يتهنا به؟ فقال الشمر: أنا أيها الأمير! فقال: أسرع، ولك الجائزة العظمي. فأقبل إلي الحسين عليه السلام، وكان قد غشي عليه، فدنا إليه وركب علي صدره، فحس به عليه السلام وقال: يا ويلك من أنت، فقد ارتقيت مرتقي عظيما؟ فقال: هو الشمر. فقال له: ويلك من أنا؟ فقال: أنت الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء، وجدك محمد المصطفي! فقال الحسين: ويلك إذا عرفت هذا وحسبي ونسبي فلم تقتلني؟ فقال الشمر: إن لم أقتلك فمن يأخذ الجائزة من يزيد؟ فقال عليه السلام : إيما أحب إليك الجائزة من يزيد أو شفاعة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله؟ فقال اللعين: دانق من الجائزة أحب إلي منك ومن جدك ! فقال الحسين عليه السلام: إذا كان لا بد من قتلي فاسقني شربة من الماء. فقال له: هيهات، والله لا ذقت قطرة واحدة من الماء حتي تذوق الموت غضة بعد غصة».(الطريحي، المنتخب: ص452؛ البهبهاني، الدمعة الساكبة: ج4، ص358؛ العلامة الشريف الكاشاني، تذكرة الشهداء: ج 2، ص141؛ المازندراني، ترجمة معالي السبطين: ص706).
ص: 187
ص: 188
رهن دماء سيد الشهداء عليه السلام
2007/1/14م = 24 ذو الحجة1427ه_
ص: 189
ص: 190
أيام عاشوراء من الأيام التي لا يمكننا إدراكها ووصفها! ذلك أن هذه الواقعة خارجة عن حد إدراك البشر!
إن الرؤيا ليس لها حجية شرعية، ولكنها قد تكون كرؤيا النبي يوسف عليه السلام، فتعد مصداقا لتأويل الأحاديث.
كان المرحوم الآخوند الخراساني قدس سره ذا قدرة ذهنية وتسلط علمي عميق، فإن حاشيتيه علي الرسائل والمكاسب - بما يتحليان به من كمال الإيجاز - عبرة لأولي الأنظار، فهما تكشفان عن دقة نظره وحدته، وقد بلغ هذا الرجل الضليع في المباحث الفقهية والأصولية ذروة القمم الفكرية، وقد كنت في النجف الأشرف بعد سنين من مواراته الثري، وذلك في أثناء دفن كريمته، فكشف عن جثمانه، فإذا به سالم وكأنه دفن لتوه.
إن رجلا بهذه المكانة العلمية والعملية قد شوهد في عالم الرؤيا، فقال : حينما كنا في الحياة الدنيا لم نع من هو الحسين بن علي عليهما السلام ، فلما انتقلنا إلي هذه النشأة عرفنا ما هي الحقيقة! هذا البيان لرجل بمثل هذا العمق والدقة الفكرية.
ولهذه الجملة علاوة علي ذلك أبعاد أخري، والآخوند قدس سره ملتفت لذلك، ولكن ينبغي الالتفات إلي أن الآخوند قد اطلع علي المقام البرزخي للإمام الحسين عليه السلام فإذا ما جاء ذلك اليوم الذي يظهر فيه مقامه عليه السلام الأخروي، فإن عقول الأنبياء ستقف هناك حائرة مندهشة!
هذه الأيام هي كما وصفت، فاغتنموا فيها الفرصة، ربما يعذر العاجز، لكن
ص: 191
ينبغي لمن يتمكن من هداية شخص ضال أو منقطع عن الإمام أن ينتهز الفرصة المواتية في هذه الأيام لتعريفه بمقام الإمامة الكبري.
ليس هذا المجلس مجلس خطابة؛ فإن جلكم من العلماء، وممن بلغ مرتبةتجعله من مصاديق الرواية التي سأتلوها عليكم، غاية الأمر ينبغي التركيز علي بعض النقاط فيها.
ربما تقرأ هذه الرواية علي مسامع العوام من الناس، فيكون لها شأن، وتارة تقرأ علي أسماع جماعة بلغوا من المستوي العلمي ما يؤهلهم لفهم آراء الشيخ الأنصاري والنائيني والعراقي والأصفهاني، ولهم القدرة علي حل كلمات الآخوند وفصلها، فإن مثل هؤلاء ينبغي أن يكون فهمهم للحديث ودقتهم في النظر والقدرة علي الاستنباط من الإشارات علي غير ما عليه محافل العوام.
الحديث مروي عن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، حيث قال: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ يُنْقِذُ يَتيماً مِنْ أَيْتَامِنَا الْمُنْقَطِعِينَ عَنْا و عَن مُشَاهَدَتِنا بِتَعَلُّمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ...»(1)( الملحق:1).
هذا نموذج من كلام الإمام عليه السلام، جمع في فصوله المختلفة كل شيء، من المبدأ إلي المنتهي.
وأما فيما يتصل بدقائق الكلام في هذا الحديث فمنها: من هو المنقذ؟ إنه «فقيه
ص: 192
واحد»، علما أن للفقه إطلاقين: الأول: إطلاق بالمعني الأخص، «هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية».(1) والثاني: إطلاق بالمعني الأعم، والفقه الوارد في النصوص هو أعم من جهة المادة ومن جهة المتعلق أيضا، هذا الفقه هو فهم الدين، فمن يفهم الدين فإنه «ينقذ...» فيما لو قام بهذا العمل. تأملوا جيدا في كلمة «الإنقاذ»!أين تستعمل كلمة الإنقاذ؟ إنها تستعمل فيمن سقط في دوامة المياه، فيقال هنا: إنقاذ الغريق، وقد استعمل الحكيم الإلهي المطلق، سابع الحجج، الإمام الكاظم عليه السللام، كلمة الإنقاذ هنا.
وأما بالنسبة لمن ينقذ فقد عبر الإمام عليه السلام بتعبير مدهش، وقال: «يُنْقِذُ يَتيماً مِنْ أَيْتَامِنَا»، حيث ابتدأ بَعنوان اليتيم، ثم فصله ب_«من» التبعيضية عن «أيتامنا»، ثم تصدي لبيان معني الأيتام بيانا مذهلا: «الْمُنْقَطِعِينَ عَنْا و عَن مُشَاهَدَتِنا».
وهاهنا بحث تفصيلي آخر، فما المقصود بالانقطاع عن الإمام؟ وما هو المراد من الانقطاع عن مشاهدة الإمام؟ هذا خاص وذاك عام، الأول سابق والثاني لاحق.
وبم يحصل الإنقاذ؟ «بِتَعْلِيمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ»، فإنقاذ أيتامنا بتعليمهم ما هم بحاجة إليه، علي أن إدراك ما هم بحاجة إليه يتطلب بحثا مفصلا أيضا، لمعرفة المراد من «مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ »!
إلي هنا كان الكلام عن العمل نفسه، ومسار العمل، ومبدأ العمل، وخصوصيات العمل، ثم تأتي مرحلة ثمرة العمل. ينبغي لكم أن تستوعبوا الدقائق والكنوز المكنونة في كلمات الإمام موسي بن جعفر عليه السلام!
قلنا لكم مرارا وتكرارا أن لا تضيعوا الفرص، واستفيدوا مما تعلمتموه من هذا
ص: 193
البحث العلمي في استخراج جواهر الأحاديث ودقائق كلمات أهل البيت عليهم السلام ؛ لتصبحوا فقهاء ممن يعترف الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام بفقاهتهم حيث يقول: «إِنَّا لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ فَقِيهاً عالماً حتّي يَعْرِفَ لَحْنَ الْقَوْلِ»(1).
أما فيما يرتبط بثمرة العمل، ففي مقام الثمرة بابان: باب لأعدي الأعداء،وباب لأحب الأحباء. بالنسبة إلي أعدي الأعداء، فإن التعبير الوارد هو: «أشَدُّ علي إبليسَ مِن ألفِ عابِدٍ»، أي من ينقذ شخصا واحدا فذلك أشد علي إبليس من ألف عابد، ولا يلزم أن يهدي أكثر من شخص واحد، وإن كان الأكثر أفضل، لكن الحد الأدني الذي تترتب عليه كل هذه الآثار هو شخص واحد.
إن استطاع أحدكم في أيام عاشوراء هذه، توفير ما يحتاج إليه شخص من أيتام آل محمد عليهم السلام ، فقد اكتسب قوة هائلة. هل تعلمون ما مدي قوة الشيطان؟ إن لديه من القوة ما جعله يقف إزاء الباري عزوجل ويقسم بعزته قائلا: «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»(2)، هكذا استعرض قدرته أمام الرب، ولكن الشخص المنقذ لهذا اليتيم سيحصل علي قوة يتهاوي الشيطان أمامها علي الأرض، علي الرغم من احتشاد قواه التي تمكنه من التغلب علي ألف عابد! هذا هو الأثرالأول.
ثم يبين الإمام عليه السلام علة ذلك، ومن هنا ينبغي أن يعرف الإمام عليه السلام بعلمه و معارفه، وقد ذكرنا سابقا أن هذا البحث يتضمن من الدروس ما يتطلب من
ص: 194
الوقت أيام عديدة، لتتضح أبعاد هذا الحديث، ثم قال عليه السلام بعد بيان العلة: «فَلِذَلِكَ هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَاللهِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَ أَلْفِ ألفِ عَابِدٍة»(1)
حينما يسافر أحدكم في شهر المحرم ثم يعود، ينال غنيمة يكون بموجبها أفضل من ألف ألف عابد وألف ألف عابدة! من العباد والعابدات الذين يقبل الله عبادتهم.
هذا هو المحرم! وهذه هي بركة عاشوراء! فطوبي لمن يوفق فيه!
سنتحدث ببضع كلمات وبقدر ما يتسع الوقت عن الإنقاذ.
«يُنْقِذُ يَتيماً»، اليتيم: قد يكون يتيم زيد أو عمرو، وقد يكون يتيم أمير المؤمنين عليه السلام أو يتيم موسي بن جعفر عليه السلام ، أو يتيم ثامن الحجج عليه السلام؟! فهذا التعبير يدمي قلب كل من له إدراك ووعي!
قال عليه السلام ابتداء : «يَتيماً»، ليلفت الأنظار إلي أن من يمسح بيده علي رأس يتيم رحمة له، يعطيه الله تعالي يوم القيامة نورا بكل شعرة مسحها(2)، كما يكتب له حسنة في صحيفة أعماله، ويهبه قصرا في الجنة (3).
ص: 195
ثم أراد عليه السلام أن يفهمنا كيف تكون كفالة أيتام الإمام عليه السلام إذا كانت هذه هي الحال في كفالة أيتام الناس؟ فمن تكفل أيتامنا، فأنقذهم وانتشلهم من الدوامة التي وقعوا فيها، وعلمهم ما هم بحاجة إليه، فسيحظي بكل تلك العظمة.
ما الذي يحتاج إليه؟ يتلخص ما يحتاج إليه كل إنسان بكلمتين اثنتين لا أكثر، الأولي : «مَن مِنهُ الوجود»، والثانية : «مَن بِهِ الوجود»، ولا ثالثة لهما، فمن بينه الوجود بأسره هو الله تعالي، ومن به كل ما هو موجود إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف (1)(الملحق :2). فما يحتاج إليه يتامي الناس من مشاهدة آبائهم المعنويين يتلخص في هذين الأمرين.
حاولوا أن تقضوا أوقاتكم أينما ذهبتم وحللتم في هاتين الكلمتين، ثم خذوا ما
ص: 196
تطلبونه من سابع الحجج الإمام الكاظم عليه السلام نقدا لا نسيئة، فلا تراجع ولا بخس، غاية ما عليكم أن تعثروا علي الطريق، وتنقذوا أيتام آل محمدعليهم السلام وتخرجوهم من الدوامة التي هم فيها، ووفروا لهم ما يحتاجون إليه.
وفيما يرتبط بالله تعالي ثمة أمور ثلاثة ينبغي الالتفات إليها في جميع مجالسكم ومحاضراتكم، فما نقوله هنا يمثل عصارة القرآن والسنة! ولو أردت ذكر الأدلة وبيان البراهين علي ذلك لتطلب هذا الحديث سنة كاملة من بحث! الأمرالأول: محبة الله، والثاني : خشية الله، والثالث: رحمة الله. ينبغي أن تقوم التربية علي هذه الأسس.
بداية انثروا بذور محبة الله في العقول، وتأملوا في أنفسكم ماذا كنتم؟ وماذا صرتم؟ «هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا»(1).
عودوا بخطاكم إلي الوراء، وتصفحوا الماضي، وانظروا إلي ما قبل مئة عام، أين كنتم؟ وماذا كنتم؟ «هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا»ثم تابعوا الرجوع إلي ما قبل المئة عام، إلي أي حد؟ لن يقف ذلك عند حد معين، حيث الا عين ولا أثر، «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(2).
ربنا اغفر لنا بحق ذلك الدم المقدس، فلقد أخطأنا بحقك، وما عرفناك ولا شكرنا نعمك و آلاءك، فقضينا عمرا طويلا في ارتكاب المعاصي والذنوب!
«هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا*إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ
ص: 197
أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا *إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»(1) .
«قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ *مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ*مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ *ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ*ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ »(2)
«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ*خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ*يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ»(3)
إن شعرة واحدة في أهداب عينيك قد أدهشت العالم بأسره، وقد وهبها الله لك مجانا دون مقابل! «يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا»(4) هكذا قوموا بنثر بذور محبة الله في قلوب أيتام آل محمد عليهم السلام.
هذا، مضافا إلي عظمة الله سبحانه، تلك العظمة اللامتناهية التي أوجدت الكون بما فيه من مجرات ونظم بأمر واحد: «كُن»، كما قال عز شأنه: «كُنْ فَيَكُونُ»(5) ونهاية الكون بطرفة عين، وبين ذلك إبداعه وإنشاؤه وخلقه وبارئيته ومصوريته... (6) فيا لها من ضجة!
فهل تدرون ما معني المعصية بعد كل ذلك؟ هي معصية واحدة، فقد تعصي العين أو يعصي اللسان، لكن جميع القوي في الكون ستساهم في هذه المعصية، حينها تتجسد تلك المعصية في الخارج يكون للأرض حصة وللشمس حصة وللمطر
ص: 198
حصة، إلي أن تصل إلي المجرات، فيكون لكل منها حصة أيضا. وها أنا ارتكبت معصية واحدة، غير أنني خنت جميع ما في عالم الوجود. (الملحق:3) هذه نتائج معصية واحدة!
ومن ناحية أخري، فإنني بعملي هذا إلي من أسأت؟ أسأت للقادر الذي «خَضَعَتْ لَهُ كُلُّ خَلِيقَتِكَ»(1)، وللقاهر الذي «قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ»(2)، وللعالم الذي «وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ»(3)، ومن أي فقير بالذات قد صدرت تلك الإساءة؟! وإلي أي غني بالذات ؟ ! (4).
المرحلة الثانية هي خشية الله، كيف يهدأ للإنسان بال مع كل تلك المعاصي التي اقترفها؟ فلو لم يرتفع يوم الجزاء ذلك القميص الملطخ بالدم فوق رأس تلك الأم المكسور ضلعها (الملحق:4) لتلكأ أمر الأولين والآخرين! ها هنا يتجلي معني
ص: 199
«رَحْمَة اللَّهِ الْوَاسِعَة»و«بَابُ نَجَاةِ الاُمَّة».(1).
إنه هو المعني بسد ذلك النقص، وهو الذي ينبغي أن يأخذ بالأيدي. وأما القارورة المملوءة بدم منحره الشريف فلا بد للنبي الخاتم صلي الله عليه و آله يا أن يأخذها بيده(2)، وعلي الصديقة الكبري عليها السلام أن تنشر فوق رأسها ذلك القميص الملطخ بدمه(3). (الملحق: 5)، ثم يقول النبي صلي الله عليه و آله : «يَا رَبِّ أُمَّتِي»(4) (الملحق :6)، وتقول الصديقة
ص: 200
الكبري عليها السلام: «يَا رَبِّ شِيعَتِي»(1) (الملحق :7).
الأمر الثالث الذي يجب إحياؤه في هذا الشهر هو قضية عاشوراء، لماذا؟ لأن كلمات الله تعالي وإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف التي هي بين أيدينا قد اتفقت بلا شك علي أنه: لولا دمه عليه السلام لما بقي للتوحيد أثر، ولا للنبوة عين، ولا للإمامة معلم! فالشخصية التي أحيت جميع آثار الأنبياء هو أبو عبد الله الحسين عليه السلام ، فاني يمكن أن يبين أي شخص كان ؟ وماذا فعل؟
إن الإمام الحسين عليه السلام أسمي من تصوراتنا، ولا يرقي إليه إدراك من هم أسمي منا؛ ولذا فأنا العبد الجالس هنا أقول بكل جد، ولدي البرهان القاطع علي ما أقول: لو اجتمع الفقهاء من الشيخ الطوسي قدس سره حتي الشيخ الأنصاري قدس سره لم يعدلوا ظفرا من الإمام الحسين عليه السلام!
والذي سيتسلم ذلك الجسد الطاهر، ويعرف قدره، ويؤديه حقه، هو من لا
ص: 201
يناله تصورنا وإدراكنا: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلي رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً»(1)، هذه هي منزلته عليه السلام.
ودع عنك جسمه عليه السلام الطاهر، ولا تتكلم، ذلك البدن الذي يضمحل أمامه الأنبياء عليهم السلام! وقف علي تربة مرقده وانظر ما الذي فعلته تلك التربة! وأنتم من أهل الفن والعلم، فتلقفوا عظمة الأمر مما ذكر ثم انطلقوا.
سأقرأ لكم حديثين فقط، وبعدها تأملوا في ما قيل جيدا!
أخرج الشيخ الصدوق هذه الرواية في كتابه «من لا يحضره الفقيه»تحت عنوان: «قال الصادق عليه السلام»، ولم يقل: «روي عن الصادق عليه السلام،فقال: «قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: اَلسُّجُودُ عَلَي طِينِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، يُنَوِّرُ إِلَي اَلْأَرَضِينَ اَلسَّبْعَهِ...»(2).أي تربة هذه؟! وماذا حل بهذه التربة لتكون كذلك ؟!
هذا هو الدرس الابتدائي للمطلب، فأين هو الدرس النهائي؟ الدرس النهائي تتضمنه رواية ينقلها شيخ الطائفة ورئيس الملة في كتابه «مصباح المتهجد»بسنده إلي معاوية بن عمار، وسند الشيخ إلي معاوية بن عمار صحيح أعلائي، بمعني أن أكثر الفقهاء احتياطا يفتي طبقا لهذا السند في أعقد المسائل الفقهية. هذا بالنسبة إلي
ص: 202
السند، وأما بالنسبة إلي المتن فهو :
«كَانَ لِأبِي عَبدِالله عليه السلام خَرِيطَةُ دِيبَاجٍ صَفرَاءُ»(1). وثمة سر في لونها أيضا، وهي مع الإمام عليه السلام لا تفارقه، وكان عمار يتساءل عما يمكن أن يكون فيها، حتي حان وقت الصلاة، فإذا: « فِيهَا تُرْبَهُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام ، فَكانَ اِذا حَضَرَتِه الصَّلاةُ صَبَّهُ عَلي سَجّادَتِهِ وَ سَجَدَ عَليهِ».
من الذي فعل ذلك؟ إنه الشخص الذي بلغ به الحمد لله تعالي أن قال: ما زلت أردد الآية الشريفة،«اِيّاكَ نَعبُدُ وَ اِيّاكَ نَستَعين»(2) علي قلبي حتي سمعتها من متكلمها (3).
فلما بلغ هذا المقام من القرب انتقل من ذلك الحمد إلي سورة التوحيد، ومنها إلي
ص: 203
الركوع، ثم انتصب قائما وهوي إلي السجود، وهو «منتهي القرب»!(1) بنص القرآن الكريم، حيث خاطب النبي الكريم صلي الله عليه و آله ، قائلا: «كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ»(2).
فمثل هذا الشخص يسجد علي تلك التربة، فتحير معاوية بن عمار، وهل ثمة أحد أعرف بالإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من معاوية بن عمار؟ إن الإمام الصادق عليه السلام لم يكن ليسجد من دون هذه الخريطة! نظر إليه الإمام عليه السلام، فعلم بما يدور في قلبه، فقال له جملة، سأنقلها لكم وأنهي الموضوع، وأنا مندهش أيضا!
قال له: «إن اَلسُّجُودُ عَلَي تُرْبَهِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَخْرِقُ اَلْحُجُبَ اَلسَّبْعَ»، فلا يبقي هذا السجود شيئا بين العبد والرب. هذه هي تربة سيد الشهداء عليه السلام.
إن كانت هذه هي تربة قبر الحسين عليه السلام ، فما بالك بالحسين عليه السلام نفسه؟ وأين دمه؟
ولم يكن هذا الأمر ليختص بطائفة دون طائفة، فقد كتب أهل السنة والشيعة علي حد سواء: لما أريق دمه عليه السلام الطاهر لم يكن أهل المدينة ليعلموا بالواقعة، فإذا بصوت أم سلمة - زوج النبي صلي الله عليه و آله وأم المؤمنين - يرتفع بالبكاء والنحيب، فهرع إليها كبار الصحابة يسألونها عن السبب، فقالت: رأيت في المنام رسول الله صلي الله عليه و آله شعثا مذعورا حاسر الرأس حافي القدمين!
هذا حال خاتم النبيين صلي الله عليه و آله، فقد بعثرت المصيبة الكبري قلب عالم الوجود علي
ص: 204
هذا النحو!
قالت أم سلمة: قلت: ما لك يا رسول الله؟
فقال: شهدت قتل الحسين عليه السلام، وإنني لمواف من عند مرقده!(1)(الملحق:8).
ص: 205
ص: 206
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَي اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «يُقَالُ لِلْعَابِدِ يَوْمَ اَلْقِيَامَهِ: نِعْمَ اَلرَّجُلُ كُنْتَ هِمَّتُكَ ذَاتُ نَفْسِكَ وَ كَفَيْتَ اَلنَّاسَ مَئُونَتَكَ فَادْخُلِ اَلْجَنَّهَ. أَلاَ إِنَّ اَلْفَقِيهَ مَنْ أَفَاضَ عَلَي اَلنَّاسِ خَيْرَهُ وَ أَنْقَذَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَ وَفَّرَ عَلَيْهِمْ نِعَمَ جِنَانِ اَللَّهِ وَ حَصَّلَ لَهُمْ رِضْوَانَ اَللَّهِ تَعَالَي و يقال لِلْفَقِيهِ ياأَيُّهَا اَلْكَافِلُ لِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ اَلْهَادِي لِضُعَفَاءِ مُحِبِّيهِ و مواليه، قِفْ حَتَّي تَشْفَعَ لكُلِّ مَنْ اخذ عنك او تَعَلَّمَ مِنْكَ. فيقف فَيَدْخُلُ اَلْجَنَّهَ وَ مَعَهُ فِئَاماً وَ فِئَاماً حَتَّي قال عشْراً هُمُ اَلَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ عُلُومَهُ وَ أَخَذُوا عَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ إِلَي يَوْمِ اَلْقِيَامَهِ فَانْظُرُوا كَمْ فَرْقٌ مَا بَيْنَ اَلْمَنْزِلَتَيْنِ». (التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام: ص 344؛ الطبرسي، الاحتجاج: ج1، ص9؛ علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم: ج3، ص56؛ ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي: ج1، ص19؛ الشهيد الثاني، منية المريد: ص118؛ الحر العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة: ج1، ص603؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص 5).
ورد في دعاء العديلة: «...هذا بقية الله في خلقه، ووجه الله في عباده، ووديعته المستحفظة، وكلمته الباقية...هذا السبب المتصل من الأرض إلي السماء، هذا الوجه الذي يتوجه إليه الأولياء، هذا الولي الذي بيمنه رزق الوري، وببقائه بقيت الدنيا، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، هذا الحجة من الحجج، هذا نسخة الوجود والموجود».(البرسي، مشارق أنوار اليقين: ص157؛ المرندي، مجمع النورين : ص 290).
ص: 207
وروي عن الإمام الباقرعليه السلام أنه قال : قَالَ اَللَّهُ تَعَالَي لِمُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله: «وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ عُلُوِّ شَأْنِي لَوْلَاك وَ لَوْ لَا عَلِي وَ عِتْرَتُكمَا الْهَادُونَ الْمَهْدِيونَ الرَّاشِدُونَ مَا خَلَقْتُ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ ولا المكان في الأرض ولا السماء ولا الملائكة ولا خلقا يعبدني... فَنَحْنُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ وَ أَوَّلُ خَلْقٍ عَبَدَ اللَّهَ وَ سَبَّحَهُ وَ نَحْنُ سَبَبُ خَلْقِ الْخَلْقِ وَ سَبَبُ تَسْبِيحِهِمْ وَ عِبَادَتِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الْآدَمِيِّينَ فَبِنَا عُرِفَ اللَّهُ وَ بِنَا وُحِّدَ اللَّهُ وَ بِنَا عُبِدَ اللَّهُ وَ بِنَا أَكْرَمَ اللَّهُ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ»(السيد هاشم البحراني، حلية الأبرار : ج1، ص13؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 25، ص17).
من دعاء الإمام موسي الكاظم عليه السلام في أول أيام شهر رمضان: «...وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، واغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ، واغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَقْطَعُ الرَّجَاءَ، وَاغْفِرْ لي الذُّنوبَ الَّتي تُديلُ الأعْداءِ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعَاءَ،وَ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بِهَا نُزُولُ الْبَلاءِ وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ غَيْثَ السَّمَاءِ وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكْشِفُ الْغِطَاءَ وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُعَجِّلُ الْفِنَاءَ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ النَّدَمَ،وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهتِكُ العِصَمَ».(الكليني، الكافي: ج4، ص 72؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج2، ص 102؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج3، ص96؛ السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال: ج1، ص115؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 86، ص299و...).
جاء في بعض الروايات: «...فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَي قُنْفُذٍ اضْرِبْهَا فَأَلْجَأَهَا إِلَي عِضَادَةِ بَيْتِهَا فَدَفَعَهَا فَكَسَرَ ضِلْعاً مِنْ جَنْبِهَا، فَأَلْقَتْ جَنِيناً مِنْ بَطْنِهَا فَلَمْ تَزَلْ صَاحِبَهَ فِرَاشٍ
ص: 208
حَتَّي مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ شَهِيدَهً».(سليم بن قيس الهلالي، كتاب سليم: ص153؛ الشيخ الطبرسي، الاحتجاج: ج1، ص109؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص283؛ ج 43، ص 198).
وروي: «فَرَفَعَ عُمَرُ السِّيفَ وَهُوَ فِي غمده فَوَجَأَ بِهِ جَنبَهَا، فَصَرَخَت يَا أَبَتَاهُ».(سليم بن قيس الهلالي، كتاب سليم: ص 150؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج28، ص269؛ ج 43، ص197).
وروي أيضا: «السَّلاَمُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ... المكسُورِ ضِلعُها».(السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال: ج3، ص166؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 97، ص200).
وروي أن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «...اَللّهُمَّ الْعَنْ مَن ظَلَمَهَا... وَ خَلِّدْ فِي نَارِكَ مَنْ ضَرَبَ جَنْبَهَا [جَنبَيهَا]».(الشيخ الصدوق، الأمالي: ص176؛ عماد الدين الطبري، بشارة المصطفي: ص307؛ السيد ابن طاووس، الطرائف: ص379؛ الحسن بن سلمان الحلي، المحتضر: ص197؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص39؛ ج 43، ص 173).
مصادر أهل السنة: الجويني، فرائد السمطين : ج 2، ص35.
وروي أن المقداد قال لعمر: «لقد ذهبت بنتُ رسول الله من الدنيا وكان الدَّمُ يخرجُ من ظهرها و جَنبِها بسببِ ضربِكَ لها بالسيفِ والسوطِ». (عماد الدين الطبري، كامل البهائي: ص314).
وروي أيضا: عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «...وَ هِيَ لا تَشُكُّ أَنْ لا يُدْخَلَ عَلَيْهَا إِلا بِإِذْنِهَا فَضَرَبَ عُمَرُ الْبَابَ بِرِجْلِهِ فَكَسَرَهُ.. ثُمَّ دَخَلُوا».(العياشي، تفسير العياشي: ج2، ص67؛ الشيخ المفيد، الاختصاص: ص185؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص 227).
ص: 209
قال سليمان بن يسار الهلالي : وجد حجر مكتوب عليه:
لابد أن ترد القيامة فاطم*** وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه*** والصور في يوم القيامة ينفخ
سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ج2، ص235؛ السمهودي، جواهر العقدين: ج3، ص388؛ الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين، ص219؛ القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص46.
وروي أيضا: «إن فاطمة تجيء يوم القيامة بيدها قميص أخضر، وبأخري قميص أحمر، فتقول: يا رب! انتصف من قتلة ولدي، لم سم أحدهما و بح الآخر؟ فيحكم الله لها أولا، يعني الحسن عليه السلام من معاوية، وثانيا من يزيد (لعنه الله)».(عماد الدين الطبري، كامل البهائي : ص518).
وذكر صاحب اللطائف: «إذا كان يوم القيامة تجيء فاطمة وبيدها اليمني الحسن وبيدها اليسري الحسين، وعلي كتفها الأيمن قميص الحسن ملطخ بالسم، وعلي الأيسر قميص الحسين ملطخ بالدم، فتنادي وتقول: رب احكم بيني وبين قاتلي ولدي، فيأمر الله الزبانية فيقول لهم: «خُذُوهُ فَغُلُّوهُ »،«سَيعلَمُ الّذينَ ظَلَموا أَي مَنقَلَبٍ ينقَلِبونَ».(المرعشي النجفي، شرح إحقاق الحق: ج26، ص304، نقلا عن كتاب التبرالمذاب).
وروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عليه السلام قال: «إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ جَمَعَ اللّه ُ الأوَّلينَ و الآخِرينَ في صَعيدٍ واحِدٍ ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَي: غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَ نَكِّسُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّي تَجُوزَ فَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله الصِّرَاطَ. قَالَ فَتَغُضُّ الْخَلَائِقُ أَبْصَارَهُمْ فَتَأْتِي فَاطِمَةُ عليهما السلام عَلَي نَجِيبٍ مِنْ نُجُبِ الْجَنَّةِ يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَتَقِفُ مَوْقِفاً
ص: 210
شَرِيفاً مِنْ مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تَنْزِلُ عَنْ نَجِيبِهَا فَتَأْخُذُ قَمِيصَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليها السلام بِيَدِهَا مُضَمَّخاً بِدَمِهِ وَ تَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَمِيصُ وَلَدِي وَ قَدْ عَلِمْتَ مَا صُنِعَ بِهِ. فَيَأْتِيهَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَا فَاطِمَةُ! لَكِ عِنْدِي الرِّضَا. فَتَقُولُ يَا رَبِّ! انْتَصِرْ لِي مِنْ قَاتِلِهِ فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَي عُنُقاً مِنَ النَّارِ فَتَخْرُجُ مِنْ جَهَنَّمَ فَتَلْتَقِطُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليها السلام كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ ثُمَّ يَعُودُ الْعُنُقُ بِهِمْ إِلَي النَّارِ فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ ثُمَّ تَرْكَبُ فَاطِمَةُ عليهما السلام نَجِيبَهَا حَتَّي تَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَ مَعَهَا الْمَلَائِكَةُ الْمُشَيِّعُونَ لَهَا وَ ذُرِّيَّتُهَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ النَّاسِ عَنْ يَمِينِهَا وَ شِمَالِهَا»(الشيخ المفيد، الأمالي : ص 130؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 43، ص224).
وروي أيضا: قال ابن نما: «وَرَأَتْ سُكَيْنَةُ فِي مَنَامِهَا وَ هِيَ بِدِمَشْقَ كَأَنَّ خَمْسَةَ نُجُبٍ مِنْ نُورٍ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ عَلَي كُلِّ نَجِيبٍ شَيْخٌ وَ الْمَلَائِكَةُ مُحْدِقَةٌ بِهِمْ وَ مَعَهُمْ وَصِيفٌ يَمْشِي فَمَضَي النُّجُبُ وَ أَقْبَلَ الْوَصِيفُ إِلَيَّ وَ قَرُبَ مِنِّي وَ قَالَ يَا سُكَيْنَةُ! إِنَّ جَدَّكِ يُسَلِّمُ عَلَيْكِ فَقُلْتُ: وَ عَلَي رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ يَا رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ !مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ وَصِيفٌ مِنْ وَصَائِفِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْمَشِيخَةُ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَي النُّجُبِ؟ قَالَ الْأَوَّلُ آدَمُ صَفْوَةُ اللَّهِ وَ الثَّانِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ وَ الثَّالِثُ مُوسَي كَلِيمُ اللَّهِ وَ الرَّابِعُ عِيسَي رُوحُ اللَّهِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا الْقَابِضُ عَلَي لِحْيَتِهِ يَسْقُطُ مَرَّةً وَ يَقُومُ أُخْرَي؟ فَقَالَ جَدُّكِ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله فَقُلْتُ: وَ أَيْنَ هُمْ قَاصِدُونَ؟ قَالَ: إِلَي أَبِيكِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَأَقْبَلْتُ أَسْعَي فِي طَلَبِهِ لِاُعَرِّفَهُ مَا صَنَعَ بِنَا الظَّالِمُونَ بَعْدَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَتْ خَمْسَةُ هَوَادِجَ مِنْ نُورٍ فِي كُلِّ هَوْدَجٍ امْرَأَةٌ فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ النِّسْوَةُ الْمُقْبِلَاتُ؟ قَالَ الْأُولَي حَوَّاءُ أُمُّ الْبَشَرِ وَ الثَّانِيَةُ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ وَ الثَّالِثَةُ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَ الرَّابِعَةُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَ الْخَامِسَةُ الْوَاضِعَةُ يَدَهَا عَلَي رَأْسِهَا تَسْقُطُ مَرَّةً وَ تَقُومُ مَرَّةً وَ تَقُومُ أُخْرَي فَقُلْتُ مَنْ؟ فَقَالَ جَدَّتُكِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله أُمُّ أَبِيكِ. فَقُلْتُ: وَ اللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهَا مَا صُنِعَ بِنَا فَلَحِقْتُهَا وَ وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهَا أَبْكِي وَ أَقُولُ: يَا أُمَّتَاهْ! جَحَدُوا وَ اللَّهِ حَقَّنَا، يَا أُمَّتَاهْ بَدَّدُوا
ص: 211
وَ اللَّهِ شَمْلَنَا يَا أُمَّتَاهْ! اسْتَبَاحُوا وَ اللَّهِ حَرِيمَنَا يَا أُمَّتَاهْ! قَتَلُوا وَ اللَّهِ الْحُسَيْنَ أَبَانَا. فَقَالَتْ: كُفِّي صَوْتَكِ يَا سُكَيْنَةُ فَقَدْ أَقْرَحْتِ كَبِدِي وَ قَطَعْتِ نِيَاطَ قَلْبِي هَذَا قَمِيصُ أَبِيكِ الْحُسَيْنُ عليه السلام مَعِي لَا يُفَارِقُنِي حَتَّي أَلْقَي اللَّهَ بِهِ. ثُمَّ انْتَبَهْتُ وَ أَرَدْتُ كِتْمَانَ ذَلِكَ الْمَنَامَ وَ حَدَّثْتُ بِهِ أَهْلِي فَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ».(ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص 84؛ السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلي الطفوف: ص109 (ملخصا)؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص141؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين لئلا : ص 441).
«بَيْنَمَا فَاطِمَهُ جَالِسَهٌ، إِذَا أَقْبَلَ أَبُوهَا حَتَّي جَلَسَ عِنْدَهَا فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ حَزِينَهً؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَكَيْفَ لاَ أَحْزَنُ، وَ أَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُفَارِقَنِي. فَقَالَ لَهَا: يَا فَاطِمَهُ! لاَ تَبْكِي وَ لاَ تَحْزَنِي، وَ لاَ بُدَّ مِنْ فِرَاقِكِ. قَالَ: فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ، أَيْنَ أَلْقَاكَ؟ فَقَالَ: تَلْقَيْنَنِي عَلَي حَمْلِ لِوَاءِ اَلْحَمْدِ، أَشْفَعُ لِأُمَّتِي. قَالَتْ: يَا أَبَتِ، وَ إِنْ لَمْ أَلْقَكَ؟ قَالَ: تَلْقَيْنَنِي عِنْدَ اَلصِّرَاطِ ، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِي، وَ مِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِي، وَ إِسْرَافِيلُ آخِذٌ بِحُجْزَتِي، وَ اَلْمَلائِكَهُ مِنْ خَلْفِي وَ أَنَا أُنَادِي[اقول]:أُمَّتِي أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُهَوِّنُ اَللَّهُ عَنْهُمُ اَلْحِسَابَ،ثُمَّ أَنْظُرُ يَمِيناً وَشِمَالاً إِلَي أُمَّتِي وَكُلُّ نَبِيٍّ يَوْمَ اَلْقِيَامَهِ مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ يَقُولُ: يَارَبِّ، نَفْسِي نَفْسِي، وَ أَنَا أَقُولُ يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَأَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِي أَنْتِ وَ عَلِيٌّ وَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْن» (ابن شاذان، الفضائل : ص121؛ شاذان بن جبرئيل القمي، الروضة في فضائل أمير المؤمنين: ص 92).
مصادر أهل السنة: ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب: ص 243).
وورد في حديث الشفاعة : «...فقال [الله] لي: يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أمتي. فيقال: انطلق فمن كان في
ص: 212
قلبه مثقال حبة من برة أو شعير من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلي ربي [أعوده] فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا. فيقال: يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أقتي. فيقال: انطلق فمن في قلبه مثقال حبة من خردلة من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فأفعل، ثم أعود إلي ربي، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: انطلق من كان في قلبه أدني أدني أدني من مثقال حبة من خردلة من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل».
مصادر أهل السنة: البخاري، صحيح البخاري: ج8، ص201؛ مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1، ص126؛ الموصلي، مسند أبي يعلي: ج 7، ص 311؛ الباقلاني، تمهيد الأوائل: ص417؛ ابن عبد البر، التمهيد: ج19، ص66 و...
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِعليه السلام قَالَ: «سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تُقْبِلُ ابْنَتِي فَاطِمَةُ عَلَي نَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ مُدَبَّجَةَ الْجَنْبَيْنِ خَطْامُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ رَطْبٍ قَوَائِمُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ ذَنَبُهَا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ عَيْنَاهَا يَاقُوتَتَانِ حَمْرَاوَانِ عَلَيْهَا قُبَّةٌ مِنْ نُورٍ يُرَي ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَ بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا دَاخِلُهَا عَفْوُ اللَّهِ وَ خَارِجُهَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَي رَأْسِهَا تَاجٌ مِنْ نُورٍ لِلتَّاجِ سَبْعُونَ رُكْناً كُلُّ رُكْنٍ مُرَصَّعٌ بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ يُضِي ءُ كَمَا يُضِي ءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَ عَنْ يَمِينِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَ عَنْ شِمَالِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَ جَبْرَئِيلُ آخِذٌ بِخِطَامِ النَّاقَةِ يُنَادِي بِأَعْلَي صَوْتِهِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّي تَجُوزَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله فَلَا يَبْقَي يَوْمَئِذٍ نَبِيٌّ وَ لَا رَسُولٌ وَ لَا صِدِّيقٌ وَ لَا شَهِيدٌ إِلَّا غَضُّوا
ص: 213
أَبْصَارَهُمْ حَتَّي تَجُوزَ فَاطِمَةُ فَتَسِيرُ حَتَّي تُحَاذِيَ عَرْشَ رَبِّهَا جَلَّ جَلَالُهُ فَتَزُجُّ بِنَفْسِهَا عَنْ نَاقَتِهَا وَ تَقُولُ إِلَهِي وَ سَيِّدِي احْكُمْ بَيْنِي وَ بَيْنَ مَنْ ظَلَمَنِي اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنِي وَ بَيْنَ مَنْ قَتَلَ وُلْدِي فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ يَا حَبِيبَتِي وَ ابْنَةَ حَبِيبِي سَلِينِي تُعْطَيْ وَ اشْفَعِي تُشَفَّعِي فَوَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَا جَازَنِي ظُلْمُ ظَالِمٍ فَتَقُولُ إِلَهِي وَ سَيِّدِي ذُرِّيَّتِي وَ شِيعَتِي وَ شِيعَةَ ذُرِّيَّتِي وَ مُحِبِّيَّ وَ مُحِبِّي ذُرِّيَّتِي فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ: أَيْنَ ذُرِّيَّةُ فَاطِمَةَ وَ شِيعَتُهَا وَ مُحِبُّوهَا وَ مُحِبُّو ذُرِّيَّتِهَا؟ فَيُقْبِلُونَ وَ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَتَقْدُمُهُمْ فَاطِمَةُ عليهما السلام حَتَّي تُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ».(الشيخ الصدوق، الأمالي : ص69؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص 148؛ عماد الدين الطبري، بشارة المصطفي: ص 43؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص108؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 43،ص219؛ ومع اختلاف يسير في المصادر التالية : شاذان بن جبرئيل القتي، الفضائل: ص11، عبارته: «عَلَيْهَا قُبَّهٌ مِنْ نُورٍ يُرَي بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا وظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَ بَاطِنِهَا من عَفْوُ اَللَّهِ وَ ظَاهِرُهَا من رَحْمَة اَللَّهِ»).
كماروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍعليه السلام، قَالَ: قَالَ جَابِرٌ لِأَبِي جَعْفَرٍ[عليه السلام]: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ فِي فَضْلِ جَدَّتِكَ فَاطِمَهَ [عليها السلام ] إِذَا أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ الشِّيعَهَ فَرِحُوا بِذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه السلام: «حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله قَالَ... فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي: يَا أَهْلَ الْجَمْعِ اني قد جعلت الْكَرَم َلمُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ فَاطِمَهَ، يَا أَهْلَ الْجَمْعِ طَأْطِئُوا الرُّءُوسَ وَ غُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّ هَذِهِ فَاطِمَهُ تَسِيرُ إِلَي الْجَنَّهِ فَيَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ بِنَاقَهٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّهِ مُدَبَّجَهَ الْجَنْبَيْنِ خِطَامُهَا مِنَ اللُّؤْلُؤِ الْمُحققِ الرَّطْبِ عَلَيْهَا رَحْلٌ مِنَ الْمَرْجَانِ فَتُنَاخُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَتَرْكَبُهَا فَيُبْعَثُ الله إِلَيْهَا مِائَهُ أَلْفِ مَلَكٍ فَيَصيروا عَلَي يَمِينِهَا وَ يُبْعَثُ إِلَيْهَا مِائَهُ أَلْفِ مَلَكٍ عن يَسَارِهَا وَ يُبْعَثُ إِلَيْهَا مِائَهُ أَلْفِ مَلَكٍ يَحْمِلُونَهَا عَلَي أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّي يُصَيِّرُوهَا
ص: 214
عَلَي بَابِ الْجَنَّة فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّة تَلْتَفِتُ فَيَقُولُ اللَّهُ يَا بِنْتَ حَبِيبِي مَا الْتِفَاتُكِ وَ قَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلَي جَنَّتِي [الجنةِ]فَتَقُولُ يَا رَبِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَيَقُولُ اللَّهُ [تعالي]: يَا بِنْتَ حَبِيبِي ارْجِعِي فَانْظُرِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حُبٌّ لَكِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِلِيهِ الْجَنَّهَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَ اللَّهِ يَا جَابِرُ إِنَّهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ لَتَلْتَقِطُ شِيعَتَهَا وَ مُحِبِّيهَا كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ الْجَيِّدَ مِنَ الْحَبِّ الرَّدِي ءِ فَإِذَا صَارَ شِيعَتُهَا مَعَهَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّهِ يُلْقِي اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتُوا فَإِذَا الْتَفَتُوا يقول[فَيَقُولُ] اللَّهُ: يَا أَحِبَّائِي مَا الْتِفَاتُكُمْ وَ قَدْ شَفَّعْتُ فِيكُمْ فَاطِمَهَ بِنْتَ حَبِيبِي فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ أَحْبَبْنَا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَيَقُولُ اللَّهُ يَا أَحِبَّائِي ارْجِعُوا وَ انْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَة انْظُرُوا مَنْ أَطْعَمَكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَة انْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَهَ انْظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَة فِي حُبِّ فَاطِمَة انْظُرُوا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غَيْبَة فِي حُبِّ فَاطِمَة خُذُوا بِيَدِهِ وَ أَدْخِلُوهُ الْجَنَّة قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اللَّهِ لَا يَبْقَي فِي النَّاسِ إِلَّا شَاكٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُنَافِقٌ[في ولايتنا]».(فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي: ص 298؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 8، ص51؛ ومع اختلاف يسير في القاضي نعمان المغربي، شرح الأخبار: ج 3، ص 62).
عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد عليهما السلام قال: «أَصْبَحَتْ يَوْماً أُمُّ سَلَمَة [رَحِمَهَا اَللَّهُ] تَبْكِي فَقِيلَ لَهَا مِمَّ بُكَاؤُكِ فَقَالَتْ لَقَدْ قُتِلَ اِبْنِيَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَللَّيْلَهَ وَ ذَلِكَ أَنَّنِي مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُنْذُ قُبِضَ إِلاَّ اَللَّيْلَة فَرَأَيْتُهُ شَاحِباً كَئِيباً. قَالَتْ: فَقُلْتُ مَا لِي أَرَاكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ شَاحِباً كَئِيباً؟ قَالَ مَا زِلْتُ اَللَّيْلَة أَحْفِرُ قُبُوراً لِلْحُسَيْنِ وَ أَصْحَابِهِ (عليه و عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)».(الشيخ المفيد، الأمالي: ص319؛ الشيخ الطوسي، الأمالي : ص90؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص230).
و روي أَحْمَدُ فِي اَلْمُسْنَدِ عَنْ أَنَسٍ وَ اَلْغَزَالِيُّ فِي كِيمِيَاءِ اَلسَّعَادَهِ وَ اِبْنُ بُطَّة فِي كِتَابِهِ
ص: 215
اَلْإِبَانَهة مِنْ خَمْسة عَشَرَ طَرِيقاً وَ اِبْنُ حُبَيْشٍ اَلتَّمِيمِيُّ وَ اَللَّفْظُ لَهُ: قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: «بَيْنَا أَنَا رَاقِدٌ فِي مَنْزِلِي إِذْ سَمِعْتُ صُرَاخاً عَظِيماً عَالِياً مِنْ بَيْتِ أُمِّ سَلَمَة وَ هِيَ تَقُولُ: يَا بَنَاتِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ! أَسْعِدْنَنِي وَ اِبْكِينَ مَعِي فَقَدْ قُتِلَ سَيِّدُكُنَّ. فَقِيلَ: وَ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ! قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ اَلسَّاعَة فِي اَلْمَنَامِ شَعِثاً مَذْعُوراً فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قُتِلَ اِبْنِي اَلْحُسَيْنُ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ فَدَفَنْتُهُمْ قَالَتْ فَنَظَرْتُ فَإِذَا بِتُرْبَة اَلْحُسَيْنِ اَلَّتِي أَتَي بِهَا جَبْرَئِيلُ مِنْ كَرْبَلاَءَ وَ قَالَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِذَا صَارَتْ دَماً فَقَدْ قُتِلَ اِبْنُكَ فَأَعْطَانِيهَا اَلنَّبِيُّ فَقَالَ: اِجْعَلِيهَا فِي زُجَاجَهٍ فَلْيَكُنْ عِنْدَكِ فَإِذَا صَارَتْ دَماً فَقَدْ قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ فَرَأَيْتُ اَلْقَارُورَة اَلْآنَ صَارَتْ دَماً عَبِيطاً يَفُورُ».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص213؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص227؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص507).
وروي: «أَخْبَرَنَا اِبْنُ خُشَيْشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبدالله، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن محمد بن مخلد اَلْجُعْفِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ بِالْكُوفَة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلْأَزْدِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَوْثُ بْنُ مُبَارَكٍ اَلْخَثْعَمِيُّ ،قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قال: بَينا أنَا راقِدٌ في مَنزِلي إذ سَمِعتُ صُراخا عَظيما عالِيا مِن بَيتِ اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلي الله عليه و آله ، فَخَرَجتُ يَتَوَجَّهُ بي قائِدي إلي مَنزِلِها ، وأقبَلَ أهلُ المَدينَةِ إلَيهَا الرِّجالُ وَالنِّساءُ ، فَلَمَّا انتَهَيتُ إلَيها قُلتُ : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ، ما بالُكِ تَصرُخينَ وتَغوثينَ ؟ فَلَم تُجِبني ، وأقبَلَت عَلَي النِّسوَةِ الهاشِمِيّاتِ ، وقالَت : يا بَناتِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، أسعِدنَني وَابكينَ مَعي ، فَقَد وَاللّه ِ قُتِلَ سَيِّدُكُنَّ وسَيِّدُ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، قَد وَاللّه ِ قُتِلَ سِبطُ رَسولِ اللّه ِ ورَيحانَتُهُ الحُسَينُ .فَقيلَ : يا اُمَّ المُؤمِنينَ! ، ومِن أينَ عَلِمتِ ذلِكِ ؟ قالَت : رَأَيتُ رَسولَ اللّه ِ صلي الله عليه و آله فِي المَنامِ السّاعَةَ شَعِثا مَذعورا ، فَسَأَلتُهُ عَن شَأنِهِ ذلِكَ ، فَقالَ : «قُتِلَ ابنِيَ الحُسَينُ وأهلُ بَيتِهِ اليَومَ ، فَدَفَنتُهُم ، وَالسّاعَةَ فَرَغتُ مِن دَفنِهِم. قالَت : فَقُمتُ حَتّي دَخَلتُ البَيتَ وأنَا لا أكادُ أن أعقِلَ ، فَنَظَرتُ فَإِذا
ص: 216
بِتُربَةِ الحُسَينِ الَّتي أتي بِها جَبرَئيلُ مِن كَربَلاءَ ، فَقالَ : إذا صارَت هذِهِ التُّربَةُ دَما فَقَد قُتِلَ ابنُكِ ، وأعطانيهَا النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله ، فَقالَ :اِجعَلي هذِهِ التُّربَةَ في زُجاجَةٍ _ أو قالَ : في قارورَةٍ _ وَلتَكُن عِندَكِ ، فَإِذا صارَت دَما عَبيطا فَقَد قُتِلَ الحُسَينُ، فَرَأَيتُ القارورَةَ الآنَ وقَد صارَت دَما عَبيطا تَفورُ . قالَ : وأخَذَت اُمُّ سَلَمَةَ مِن ذلِكَ الدَّمِ ، فَلَطَّخَت بِهِ وَجهَها ، وجَعَلَت ذلِكَ اليَومَ مَأتَما ومَناحَةً عَلَي الحُسَينِ عليه السلام ، فَجاءَتِ الرُّكبانِ بِخَبَرِهِ ، وأنَّهُ قَد قُتِلَ في ذلِكَ اليَومِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ: قال أبي:إِنِّي فدَخَلْتُ عَلَي أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليها السلام مَنْزِلَهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَ ذَكَرْتُ لَهُ رِوَايَهَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام حَدَّثَنِيهِ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَة: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَة سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ قَالَ: فَلَمَّاكانَتِ اللَّيْلَة رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله فِي مَنَامِي أَغْبَرَ أَشْعَثَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ شَأْنِهِ فَقَالَ لِي أَلَمْ تَعْلَمي أَنِّي فَرَغْتُ مِننْ دُفنِ الْحُسَيْنِ وَ أَصْحَابِهِ».(الشيخ الطوسي، الأمالي : ص315؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص 231؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص507).
وروي أيضا: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قالت خَرَجَ رسول الله صلي الله عليه و اله مِنْ عِنْدِنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَغَابَ عَنَّا طَوِيلًا،ثُمَّ جَاءَنَا وَ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ وَيَدُهُ مَضْمُومَةٌ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ شُعثَاً مُغْبَرّاً؟ فَقَالَ أُسْرِيَ بِي فِي هَذِهِ الوقت إِلَي مَوْضِعٍ مِنَ الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ فَرَأَيْتُ فِيهِ مَصْرَعَ الْحُسَيْنِ وَ جَمَاعَةٍ مِنْ وُلْدِي وَ أَهْلِ بَيْتِي فَلَمْ أَزَلْ أَلْقِطُ دِمَاءَهُمْ فِهَا هِيَ فِي يَدِي وَ بَسَطَهَا اليَّ فَقَالَ: خُذِيهِا وَ احْتَفِظِي بِهِا فَأَخَذْتُها فَإِذَا هِيَ شِبْهُ تُرَابٍ أَحْمَرَ فَوَضَعْتُهُ فِي قَارُورَةٍ وَ سَدَدْتُ رَأْسَهَا وَ احْتَفَظْتُ بِهِ فَلَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ عليه السلام من مُتَوَجِّهاً نَحْوَ أَهْلِ الْعِرَاقِ كُنْتُ أُخْرِجُ تِلْكَ الْقَارُورَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ فَأَشَمُّهَا وَ أَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ أَبْكِي لِمُصَابِهَ. فَلَمَّا كَانَ في يَوْمُ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عليه السلام-أَخْرَجْتُهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَ هِيَ بِحَالِهَا ثُمَّ
ص: 217
عُدْتُ إِلَيْهَا آخِرَ النَّهَارِ فَإِذَا هِيَ دَمٌ عَبِيطٌ فَصِحتُ فِي بَيْتِي وَ بَكَيتُ وَ كَظَمْتُ غَيْظِي مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَ أَعْدَاؤُهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَيُسْرِعُوا بِالشَّمَاتَةِ فَلَمْ أَزَلْ حَافِظَةً لِلْوَقْتِ حَتَّي جَاءَ النَّاعِي يَنْعَاهُ فَحُقِّقَ مَا رَأَيْتُ (الشيخ المفيد، الإرشاد: ج 2، ص 130؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، 428؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص 193؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2، ص217؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص 239؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص127).
ص: 218
بدم الإمام الحسين عليه السلام
كانون الأول 2007 م = ذو الحجة 1428ه_
ص: 219
ص: 220
إن أعمالكم ثمينة، فعلينا أن ندرك كيف يمكن أن نستفيد من كل لحظة من لحظات عمرنا؟
ليس في عالم الوجود جوهرة أغلي ثمنا من حياة الإنسان، غاية الأمر يجب أن نعرف أن هذا الماء الذي يجري في نهر الحياة، هل تسقي به الأشواك لتنبت الطلح؟ أو يروي به العشب والكلأ، لتنمو به نباتات ترعاها الحيوانات؟ أو يتحول إلي أزهار وورود يعتصر منها ماء الورد، وتستخلص منها عطور يستنشق أريجها أولياء الله ؟! هكذا يصرف ماء الحياة.
كذلك هي أعمارنا، فإن مياه أعمار البشرية هذه قد صرف كل منها لإرواء شجرة، فمياه حياة عمر بن سعد قد ضاعت هباء تحت شجرة خبيثة، أما حبيب بن مظاهر فمياه حياته قد سكبت تحت شجرة طيبة.
إننا لم ندرك بعد ما هي حقيقة قضية سيد الشهداء عليه السلام؟ ومن هو الإمام الحسين عليه السلام؟ فالنطق بهذه الكلمة سهل، بيد أن إدراكها يعجز عنه عظماء العالم.
من هنا، قال الآخوند الخراساني قدس سره، أستاذ جميع الفقهاء المتأخرين، والنابغة في جميع علوم الحوزة العلمية الشيعية، عندما شوهد في المنام: حينما كنا في الحياة الدنيا لم نع من هو الحسين بن علي عليهما السلام، فلما انتقلنا إلي عالم البرزخ عرفنا ما هي حقيقة الأمر! فإن كان مثل الآخوند الخراساني قدس سره الذي يعد تلامذته من أعلام المجتهدين وفقهاء التشيع - قاصرا عن معرفته عليه السلام، فما بالك بالآخرين؟ وعليه، يجب التأمل في هذا الأمر؛ لما له من أهمية بالغة!
ص: 221
إن ليلة المعراج تضج بالعظمة! حيث يسبح الله تعالي نفسه في القرآن الكريم ذاكرا إسراء النبي الخاتم صلي الله عليه و آله:«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(1).ثم إنه عرج بنبيه الكريم صلي الله عليه و آله من هنا إلي حيث: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي»(2) ثم بلغ مقاما عجز جبرئيل أن يبلغه (3) (الملحق:1). وبعدما اجتاز السماوات، وخرق جميع الحجب، وبعد عبور الكرسي واللوح والقلم والوصول إلي العرش، رأي مكتوبا عن يمينه: «اِنَّ الْحُسين مِصباحُ الْهُدي وَ سَفينَهُ الْنِّجاة»(4)
أي مقام هذا؟ و أي مرتبة هذه؟ فيا لها من جملة مدهشة، وهي عن يمين العرش، فما إن وقعت عينا النبي صلي الله عليه و آله علي ما كتب حول العرش حتي شاهد العرش مزينا باسم سيد الشهداء عليه السلام! فما الذي فعله عليه السلام ؟ وأي يوم هو يوم عاشوراء؟!
إن جميع عالم الخلقة وكل هذه المنظومات والمجرات إنما خلقت جميعا لغاية واحدة هو: «كُنتُ كَنزا مَخفِيّا، فَأَحبَبتُ أن اُعرَفَ، فَخَلَقتُ الخَلقَ لِكَي اُعرَفَ»(5)
ص: 222
فعالم الخلقة برمته مقدمة لكلمتين: الأولي : المعرفة، والثانية: العبادة(1).
و الإنسان هو من تقع هذه الأمانة علي عاتقه، قال تعالي: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»(2)(الملحق:2). وتلك الأمانة الكبري يجب أن تؤدي علي يد الإنسان.
إن الهدف من بعثة مئة وأربعة وعشرين ألف نبي هو البلوغ بعالم الخلقة إلي مقام معرفة الله وعبادة الله، والحسين بن علي عليهما السلام هو ذلك الشخص الذي سقي بدم نحره شجرة معرفة الله وعبادته؛ لتبقي مثمرة معطاءة إلي الأبد(3).هذا ما قام به الإمام
ص: 223
الحسين عليه السلام! وهذه هي القضية التي يحير عندها عقل كل حكيم وإدراك كل فقيه.
وسند هذه الرواية من الصحة بحيث يفتي علي ضوئه في الأحكام الإلهية كل مجتهد كامل كالشيخ الأنصاري، فمثل هذه الرواية يعد مستندا للفقهاء العظام، وعليكم أن تتأملوا في هذه الرواية؛ لتعرفوا معني هذه الجملة.
قال الإمام عليه السلام في هذا الحديث: «لَيْسَ مِنْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ»، أي جميع الملائكة بلا استثناء، وأردف عليه السلام: «ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ»، أي آدم عليه السلام مع ما له من مقام صفي الله، ونوح عليه السلام مع ما له من مقام نجي الله، وإبراهيم عليه السلام مع ما له من منصب خليل الله، وموسي عليه السلام مع ما له من مقام كليم الله، وعيسي عليه السلام بما يمتلك من موهبة روح الله ؛ إن جميع الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين يسألون الله تعالي أن يأذن لهم في زيارة الحسين بن علي عليهما السلام (1).
إنها لكلمة يتحير عندها عقل كل حكيم! وإن عملكم لهو كذلك؛ لأنكم تقيمون العزاء علي من بكي عليه: «مَا يُرَي وَما لَا يُرَي»(2)، وترفعون راية العزاء علي من أقام الذات الإلهية المقدسة له أول مجلس عزاء (3)، (الملحق :3). فالمقام مثل هذا المقام، والعمل مثل هذا العمل من هنا ينبغي أن تعرفوا ماذا تفعلون؟ وما هي
ص: 224
طبيعة عملكم؟
من المعروف أن السيد البروجردي قدس سره فقيه متبحر في الفقه، وقد عرف في عالم التشيع بدقة الآراء العلمية والفقاهة، مثل هذه الشخصية هو صاحب القضية التالية، وسنعرف منها حقيقة ما حدث:
كان هذا السيد الجليل حتي التسعين من عمره يقرأ أدق الخطوط دون أن يستعين بالنظارة، ولما سئل عن سبب ذلك أجاب: أصبت فيما مضي بألم في عيني، وباءت جميع محاولات العلاج بالفشل، فلم أجد بدا من زيارة سيد الشهداء عليه السلام ولما وصلت البصرة. كان هناك بعض العرب من سكان البادية، يأتون مشيا علي الأقدام لزيارة سيد الشهداء عليه السلام في يوم الأربعين، فيستقلون القطار من هناك إلي بغداد، ثم يستأنفون المشي إلي كربلاء.
قال السيد البروجردي: ركبت القطار المتجه إلي بغداد، وكان مكتظا بالركاب،فنام بعض هؤلاء البدو في الممرات. تأملوا الآن في المعرفة، إنها معرفة يتمتع بها مثل هذا الرجل، فقد كان علي علم بالأمور!
قال: بينا كان أحدهم نائما إذ مددت يدي إلي قدمه، وأخذت شيئا من الطين العالق بين أصابع قدمه، ثم مسحت به عيني، وما إن فعلت ذلك حتي زال عنها الداء، ومنذ ذلك الحين لم أحتج إلي نظارة.
المدهش في الأمر هو أن ذلك البدوي عندما يضع قدمه الحافية في الوحل علي محبة الحسين عليه السلام يغدو الطين العالق بين أصابعه علاجا لداء في عين مرجع من مراجع التقليد، إن هذه المسألة لا تخضع لأي قانون طبي من وجهة نظر القوانين الطبيعية، فأي قدرة هذه التي عطلت جميع قوانين الطبيعة؟!
ص: 225
المهم أن تكونوا يقظين دائما، فتسجيل الاسم في دفتره عليه السلام ؟ أمر في غاية الصعوبة؛
إذ يتطلب مرتبة عالية جدا من الخلوص والطهارة في العمل!
فالموكب هو موكب القرب الإلهي، وباب الله الأعظم(1)(الملحق:4)، وفدائي التوحيد والمعرفة وعبادة الله جل وعلا، فهذا الوجود المقدس هو خيرة عالم الخلقة وليس من اليسير أن يجد الإنسان موضع قدم في مثل هذا الموكب.
يجدر بي أن أذكر لكم قضية عجيبة جدا: كان المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي من أعلام النجف و مراجعه، حيث انتهت إليه المرجعية العامة بعد السيد البروجردي، وقد رأيت في مجلس درسه خمسة من كبار المجتهدين المسلم لهم بالاجتهاد، علي الرغم من كونه ضريرا، هكذا كانت منزلته العلمية، أما من الناحية العملية فقد كان موضع ثقة لدي جميع كبار العلماء، وقد عاد إلي النجف بعد أن أجريت له عملية جراحية في عينيه فقد علي إثرها بصره، وقد كان أخو زوجته، وهو المرحوم السيد جعفر، من كبار المحسنين وأهل الفضل والتقوي، قدم إلي إيران وتوفي فيها، فبلغنا خبر وفاته، وكنت حينها إلي جانب السيد عبد الهادي الشيرازي قدس سره، فمال برأسه إلي أذني وقال: طالما كان السيد جعفر علي قيد الحياة لم أخبر أحدا بهذه القضية، أما وأنه قد رحل الآن فإني سأذكرها.
ص: 226
عندما قال ذلك انشددت إلي ما يقول؛ لأن كل كلمة كان يقولها كانت محسوبة ومدروسة، فلا تخرج من فيه كلمة إلا وهي في غاية الدقة العلمية والعملية، وقد وقفنا علي أهمية تلك القضية التي لم يفصح عنها من قبل ويريد أن يبوح بها الآن، فقال:
كانت الليلة الأولي من ليالي المحرم، وكنت حينها نائما...
والرؤيا إن كانت لشخص مثل السيد عبد الهادي الشيرازي فحري بنا أن نعرف ما هي؟
قال: رأيت شخصا جاء ومعه كرسيان، فوضعهما في الفناء ومضي، فنظرت فرأيت سيد الشهداء عليه السلام والعباس عليه السلام قد أقبلا وجلسا علي هذين الكرسيين، ففتح العباس عليه السلام دفترا بين يدي سيد الشهداء عليه السلام.
قال المرحوم الشيرازي: نظرت إلي الدفتر وإذا بي أري اسما في أعلي الصفحة فقال الإمام الحسين عليه السلام للعباس عليه السلام : اشطب هذا الاسم، فشطبه، ثم قال له: اكتب بدلا منه اسم السيد جعفر، فكتبه، ثم أغلق الدفتر، ثم تقدم سيد الشهداء عليه السلام ذاهبا، فتبعه العباس عليه السلام.
فاستيقظت من هول هذه الرؤيا، ولزمت مكاني مستيقظا حتي الصباح، متسائلا: أي رؤيا كانت تلك الرؤيا؟ وما هي حقيقة الأمر؟ فبقيت رهن الحيرة والانتظار حتي يأتي السيد فأسأله عن ذلك، فلما طلع الصباح جاء السيد جريا علي عادته في كل يوم، فقلت له: يا سيد جعفر، إنني لم أذق النوم إلي الصباح منذ البارحة، فقد رأيت هذه الرؤيا، فما هو الأمر؟
ما إن قلت ذلك حتي تغير حال السيد، وقال: كل ما أعرفه هو أنني ذهبت البارحة كعادتي في كل ليلة لزيارة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، وبينا أنا خارج من الحرم حدثت نفسي متسائلا: لطالما بكيت علي سيد الشهداء عليه السلام، غير أنني لم أبك عليه
ص: 227
أحدا، فتألمت لأني حرمت من ذلك الفيض، علي أني لا أجيد الخطابة و ارتقاء المنبر من جهة أخري، ولا أحسن قراءة المقتل.
أحزنني هذا التفكير، وذهبت أطرق أبواب الأصدقاء، من باب إلي باب، لأجد مقتلا لسيد الشهداء عليه السلام، فأمضي به وأجمع زوجتي وأطفالي وأقرأ لهم العزاء في عشرة المحرم هذه، فتكون لي ولو خطوة في هذا الطريق، وكان لدي أحد الرفاق كتاب «جلاء العيون»للعلامة المجلسي، فأخذته منه وانطلقت به البارحة إلي بيتي، فجمعت زوجتي وأطفالي وقلت لهم: من الليلة إلي ليلة عاشوراء سأقرأ لكم مجلس عزاء الإمام الحسين عليه السلام ، فاستمعوا إلي. هذا كل ما عملته!
تأملوا: ففي تلك الليلة يري المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي قدس سره تلك الرؤيا، ومن هو ذلك المنكوب الذي شطب اسمه من دفتر الإمام عليه السلام؟ لست أدري! علي أن السيد قال: رأيت اسما مكتوبا، فقال الإمام الحسين عليه السلام للعباس عليه السلام : اشطبه، فشطبه. ولما كنت أعلم أن هذا الأمر مما لا يمكن أن يقال، لم أسأله عن ذلك الاسم، كما أن السيد لم يذكره؛ إذ إنه:
كل من أطلع علي أسرار الحق ***خيط فمه وختم بالشمع (1)
فمن هو صاحب ذلك الاسم الذي شطب عليه يا تري؟ الله العالم بذلك، لكن الاسم الذي سجل بدلا منه هو اسم السيد جعفر.
والنتيجة: أن العمل لو اقترن بالتقوي، علي أن تكون التقوي والإخلاص مثل تقوي السيد جعفر وإخلاصه، فسيكتب الاسم في ذلك الدفتر منذ الليلة الأولي، كما أن نتيجة الإقدام علي الخطأ كذلك.
ص: 228
ينبغي لكم جميعا أن تتحلوا باليقظة، فهذا المنصب مهم للغاية، ستكتب أسماؤكم في دفتر سيد الشهداء عليه السلام أولآ، ثم في دفتر الصديقة الكبري عليها السلام.
ولا بد أن تعلموا أن إقامة مواكب العزاء في يوم استشهاد الصديقة الكبري عليها السلام بمثابة بلسم لجراح أمير المؤمنين عليه السلام، فقد دفن عليه السلام تلك الجنازة في جوف الليل المظلم،(1). (الملحق :5) إن تلك الجوهرة التي كانت مهجة قلب خاتم النبيين صلي الله عليه و آله (2) قد دفنت ليلا.
فلو اتشحت إيران بالسواد، وانطلقت مواكب العزاء في اليوم الثالث من جمادي الآخرة، فأي مقام سيكون لكم عند الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعاي فرجه الشريف ؟ وأي وجاهة ستكتسبونها عند سيد الشهداء عليه السلام؟
تقولون له: هذا العزاء لأمك الزهراء عليها السلام، وحينما تسافرون إلي مشهد تقولون للإمام الرضاعليه السلام: خرجنا في موكب عزاء لجدك الصادق عليه السلام يوم شهادته. هذه منزلتكم فلا تفرطوا بها جزافا.
ص: 229
هذا، ويجب أن تقترن تلك المواكب بالتقوي، حيث ورد في نص القرآن الكريم : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(1). فأداة «إِنَّمَا»تدل علي الحصر في المنظومة الإلهية، وسيد الشهداء عليه السلام هو الفاني في الله ؛ فهو الذي ضحي بكل وجوده لإقامة معرفة الله وعبادة الله، ولما أصيب قلبه بسهم ذي ثلاث شعب وضع كفه تحت الجرح، وقال: «بِسم ِالله وباللهِ وعلي مِلةِ رسولِ اللهِ»(2). هذا هو الدم الذي سقيت به شجرة القرآن الطيبة.
ينبغي لجميع المواكب أن تتحرك علي أساس التقوي، وحذار من سماع صوت مطرب من أي موكب، أو لحن يتناسب مع مجالس اللهو والطرب، ينبغي أن تكون مراسم العزاء طبقا لأسلوب السلف الصالح، كما كانت مفعمة بالإخلاص والتقوي والطهارة، فإن الألحان المبتذلة والأنغام المستخفة التي لا تتناسب وعظمة أهل البيت عليهم السلام تمثل آفة علي مراسم العزاء.
وعليكم أن تعلموا جميعا: كلما كان العمل مهما، وسببا للنجاة، كان محطا لرحال الشيطان، حيث أقسم بعزة الله قائلا:«وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ»(3) ونفوذ الشيطان في عمل كل شخص يتناسب وطبيعة ذلك العمل، فلا ينبغي للمواكب في أيام بكاء الزهراء عليها السلام وعزائها أن تكون محلا لتبادل النظرات بين الفتية والفتيات، تلك آفة، يجب أن تنطلق جميع المواكب علي أساس التقوي والطهارة المتناسبة مع قضية سيد الشهداء عليه السلام، تبدأ بالتقوي وتنتهي بالتقوي، فإن كانت كذلك فاعرفوا قدر أنفسكم.
ص: 230
قال الفخر الرازي، المفسر الكبير من مفسري أهل السنة في تفسيره: «مَا رُوِيَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهَ السَّلَامُ أَخَذَ بِرِكَابِ مُحَمَّدٍ (صلي الله عليه وسلم) حَتي أركبَهُ علي البُراقِ لَيْلَهَ اَلْمِعْرَاجِ، وهَذَا يَدل عَلَي أَنَّ مُحَمَّداً (صلي الله عليه وسلم) أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَمَّا وَصَلَ مُحَمَّدٍ (عليه الصلاة والسلام) إلي بعض المقامات تخلف عنه جبريل عليه السلام، وقال: «لَوْ دَنَوْتُ أَنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ».(الفخر الرازي، التفسير الكبير: ج 2، ص 234).
ورَوَي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي اَلرِّضَا، عَن أَبيهِ مُوسَي بْنِ جَعْفَر، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَن أَبيهِ عليُّ بنُ اَلْحُسَينِ، عَن أَبيهِ اَلْحُسَينِ بْنِ عَليِّ، عَن أَبيهِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهم السلام ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: «...لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَي السَّمَاءِ أَذَّنَ جَبْرَئِيلُ مَثْنَي مَثْنَي، وَأَقَامَ مَثْنَي مَثْنَي ثُثُمَّ قَالَ لِي: تَقَدَّمْ يا مُحَمَّدُ، فَقُلتُ لَهُ: يا جَبرَئيلُ اَتَقَدَّمُ عَلَيكَ؟ فَقَالَ نَعَمْ لِأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي فَضَّلَ اَنبياءَهُ وَ علي مَلائِكَتهِ اَجمَعينَ وَ فَضَّلَكَ خاصةً. فَتَقَدَّمتُ فَصَلَّيتُ بِهِمْ وَلا فَخْرَ. فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَي حُجُبِ النُّورِ قالَ لي جَبرَئيلُ: تَقَدَّم يا مُحَمَّدُ و تَخَلَّفَ عَنّي. فَقُلتُ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ تُفَارِقُنِي؟فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ انْتِهَاءَ حَدِّيَ الَّذِي، وَضَعَنِي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ إِلَي هَذَا الْمَكَانِ فَإِنْ تَجَاوَزْتُهُ احْتَرَقَتْ أَجْنِحَتِي بِتَعَدِّي حُدُودِ رَبِّي جَلَّ جَلالُهُ».(الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص237؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج1، ص5؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 18، ص345؛ يوسف بن حاتم العاملي، الدر النظيم : ص110).
مصادر أهل السنة : القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص377.
ص: 231
وروي أن جبرائيل عليه السلام قال للنبي صلي الله عليه و آله ليله المعراج: «اِمْضِ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَبْرَئِيلُ تَدَعُنِي فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ لَيْسَ لِي أَنْ أَجُوزَ هَذَا اَلْمَقَامَ وَ لَقَدْ وَطِئْتَ مَوْضِعاً مَا وَطِئَهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَ لاَ يَطَؤُهُ أَحَدٌ بَعْدَكَ».(محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1، ص160؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان : ج1، ص 575؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 18، ص 430).
وورد في الحديث أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قال: «لِلَّهِ دُونَ اَلْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَاباً لَوْ دَنَوْنَا مِنْ أَحَدِهَا لَأَحْرَقَتْنَا سُبُحَاتُ وَجْهِ رَبِّنَا».(الفراهيدي، العين: ج3، ص152؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 55، ص45).
مصادر أهل السنة: الزمخشري، الفائق في غريب الحديث: ج 2، ص115؛ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: ج 2، ص 332 و...
عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَي اَلرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عزوجل: «اِنّا عَرَضْنَا الْاَمانَة عَلَي السَّمواتِ وَالْاَرْضِ وَالْجِبالِ فَاَبَيْنَ اَنْ يَحْمِلْنَها»، فَقَالَ: «الْأَمَانَة الْوَلَاية، مَنِ ادَّعَاهَا بِغَيرِ حَقٍّ فَقَدْ كفَرَ».(الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص110؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 23، ص279؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج4، ص500؛ الحويزي، تفسير نور الثقلين: ج4، ص 311).
قال [ الله ]: «يَا مُوسَي! أَعْفُو عَمَّنِ اِسْتَغْفَرَنِي إِلاَّ قَاتِلَ اَلْحُسَيْنِ . قَالَ مُوسَي عليه السلام :يَا رَبِّ! وَ مَنِ اَلْحُسَيْنُ؟ قَالَ لَهُ اَلَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ عَلَيْكَ بِجَانِبِ اَلطُّورِ. قَالَ يَا رَبِّ! وَ مَنْ يَقْتُلُهُ؟ قَالَ يَقْتُلُهُ أُمَّهُ جَدِّهِ اَلْبَاغِيَة اَلطَّاغِيَة فِي أَرْضِ كَرْبَلاَءَ وَ تَنْفِرُ فَرَسُهُ وَ تُحَمْحِمُ
ص: 232
وَ تَصْهِلُ وَ تَقُولُ فِي صَهِيلِهَا اَلظَّلِيمَة اَلظَّلِيمَة مِنْ أُمَّة قَتَلَتْ اِبْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا فَيَبْقَي مُلْقًي عَلَي اَلرِّمَالِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَ لاَ كَفَنٍ وَ يُنْهَبُ رَحْلُهُ وَ يُسْبَي نِسَاؤُهُ فِي اَلْبُلْدَانِ وَ يُقْتَلُ نَاصِرُهُ وَ تُشْهَرُ رُءُوسُهُمْ مَعَ رَأْسِهِ عَلَي أَطْرَافِ اَلرِّمَاحِ يَا مُوسَي! صَغِيرُهُمْ يُمِيتُهُ اَلْعَطَشُ وَ كَبِيرُهُمْ جِلْدُهُ مُنْكَمِشٌ يَسْتَغِيثُونَ وَ لاَ نَاصِرَ وَ يَسْتَجِيرُونَ وَ لاَ خَافِرَ. قَالَ فَبَكَي مُوسَي عَلَيْهِ السَّلاَمُ...».(الطريحي، المنتخب في جميع المراثي والخطب: ص 284؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص308؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام، ص 596).
من الأسئلة التي طرحها سعد بن عبد الله القمي علي الإمام القائم عجل الله تعالي فرجه الشريف في تأويل كهيعص، فَقَالَ: «هَذِهِ اَلْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ اَلْغَيْبِ أَطْلَعَ اَللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَي مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ اَلْخَمْسَهِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَهَ وَ اَلْحَسَنَ سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ اِنْجَلَي كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اِسْمَ اَلْحُسَيْنِ خَنَقَتْهُ اَلْعَبْرَهُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ اَلْبُهْرَهُ. فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: يا إِلَهِي مَا بَالِي إِذْ ذَكَرْتُ أَرْبَعَا مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ اَلْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي؟ فَأَنْبَأَهُ اَللَّهُ تَعَالَي عَنْ قِصَّتِهِ فَقَالَ: «كهيعص» فَالْكَافُ اِسْمُ كَرْبَلاَءَ وَ اَلْهَاءُ هَلاَكُ اَلْعِتْرَهِ وَ اَلْيَاءُ يَزِيدُ وَ هُوَ ظَالِمُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلْعَيْنُ عَطَشُهُ وَ اَلصَّادُ صَبْرُهُ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمْ يُفَارِقْ مَسْجِدَهُ ثَلاَثَهَ أَيَّامٍ وَ مَنَعَ فِيهِا اَلنَّاسَ مِنْ اَلدُّخُولِ عَلَيْهِ وَ أَقْبَلَ عَلَي اَلْبُكَاءِ وَ اَلنَّحِيبِ وَ كَانَت ندبته إِلَهِي! أَتُفْجِعُ خَيْرَ خَلْقِكَ بِوَلَدِهِ إِلَهِي أَتُنْزِلُ بَلْوَي هَذِهِ اَلرَّزِيَّهِ بِفِنَائِهِ إِلَهِي أَتُلْبِسُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَهَ ثِيَابَ هَذِهِ اَلْمُصِيبَهة؟ إِلَهِي! أَتَحُلُّ كُرْبَهَ هَذِهِ اَلْفجيعة بِسَاحَتِهَما ثُمَّ كَانَ يَقُولُ: إِلَلهم اُرْزُقْنِي وَلَداً تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي عَلَي اَلْكِبَرِ وَ اجْعَلْهُ وَارِثاً وَصِيّاً وَ اجْعَلْ مَحَلَّهُ مِنِّي مَحَلَّ الْحُسَيْنِ فَإِذَا رَزَقْتَنِيهِ فَافْتِنِّي بِحُبِّهِ ثُمَّ فَجَعْنِي بِهِ كَمَا تَفْجَعُ مُحَمَّداً حَبِيبَكَ بِوَلَدِهِ فَرَزَقَهُ اَللَّهُ يَحْيَي وَ فَجَعَهُ بِهِ وَ كَانَ حَمْلُ يَحْيَي سِتَّهَ أَشْهُرٍ وَ حَمْلُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَذَلِكَ ».(الشيخ الصدوق،
ص: 233
كمال الدين وتمام النعمة: ص 461؛ الطبري الشيعي، دلائل الإمامة: ص513؛ الطبرسي، الاحتجاج: ج2، ص272؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص 237؛ الديلمي، إرشاد القلوب: ج 2، ص422؛ السيد شرف الدين الحسيني، تأويل الآيات: ج 1، ص 300؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج3، ص272؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج3، ص698؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج14، ص178).
عن أبي عبد الله عليه السلام؟ قال: «تَقُولُ إِذَا أَتَيْتَ [ اِنْتَهَيْتَ] إِلَي قَبْرِه: السَّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ رَسولِ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اميرِالْمُؤْمِنينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَباعَبْدِ اللَّهِ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّة...اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ وحُجَّتَهُ وبَابَ الله».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص383؛ الكفعمي، المصباح: ص 501؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص166).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: «أنا عَينُ اللَّهِ وأنا يَدُ اللَّهِ وأنا جَنْبُ اللَّهِ وأنا بابُ اللَّهِ». (محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات: ص81؛ الكليني، الكافي: ج1، ص 145).
ورُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قال: «...فان رسول الله بَابُ اللهِ الَّذِي لَا يُؤْتَي إِلَّا مِنْهُ، وسَبيلُهُ الَّذي مَن سَلَكَهُ وَصَلَ إلَي اللّهِ،وكَذلِكَ كانَ أميرُ المُؤمِنينَ (عليه السلام) مِن بَعدِهِ،وجَري لِلأَئِمَّهِ واحِداً بَعدَ واحِدٍ».(محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات : ص219؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 25، ص 354).
ورُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام فِي زِيَارَهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «...أشهَدُ أَنَّكَ جَنْبُ اللَّهِ، وأَنَّكَ بَابُ اللَّهِ وأَنَّكَ وَجْهُ اللَّهِ الَّذِي مِنْهُ يُؤْتَي ...».(ابن قولويه، كامل الزيارات:
ص: 234
ص101؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص590؛ الشيخ المفيد، المزار: ص81؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص 27؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 97، ص274).
ورُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عليهم السلام، قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام خَليفَة اللّهِ وخَليفَتي ، وحُجَّة اللّهِ وحُجَّتي ، وبابُ اللّهِ وبابي ...».(الشيخ الصدوق، الأمالي : ص271؛ ابن شاذان، مئة منقبة: ص34؛ الكراجكي، كنز الفوائد: ص185؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج26، ص263).
ورَوَي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «..فنَحْنُ بَابُ اللَّهِ الَّذِي يُؤْتَي مِنْهُ، بِنَا يَهْتَدِي الْمُهْتَدِي، فَمَنْ أَحَبَّنَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَ مَنْ أَبْغَضَنَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَ أَسْكَنَهُ نَارَهُ وَ لَا يُحِبُّنَا إِلَّا يُحِبُّنَا إِلَّا مَنْ طَابَ مَوْلِدُهُ».(الشيخ الصدوق، فضائل الشيعة: ص7؛ الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ج 2، ص 509؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج26، ص346).
روي «أَنَّ عَلِيّا دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيلاً».(عبد الرزاق الصنعاني، المصف: ج3، ص521؛ ابن أبي شيبة الكوفي، المصنف: ج3، ص226؛ ابن سعد، الطبقات الكبري: ج 8، ص29؛ الضحاك، الآحاد والمثاني: ج 5، ص355؛ الطبراني، المعجم الكبير: ج 2، ص398؛ النووي، شرح مسلم: ج 12، ص77).
وروي: «لّما [فلَمَّا] تُوُفِّيَت دَفَنَها [زَوجُهَا ] عَلِيٌّ [بنُ أبي طَالِبٍ] [ عليه السلام] لَيلاً».(البخاري، صحيح البخاري: ج5، ص82؛ مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5، ص154؛ الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 1، ص128).«و لم يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ».(العيني، عمدة القاري: ج17، ص258؛ ابن كثير، البداية والنهاية: ج5،
ص: 235
ص 307؛ ابن كثير، السيرة النبوية: ج4، ص568؛ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج16، ص218 و280؛ الجوهري، السقيفة وفدك، ص107؛ الطبراني، مسند الشاميين: ج 4، ص 198؛ البيهقي،السنن الكبري: ج4، ص29؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج 11، ص153؛ ج 14، ص573).
وروي أيضا: «دُفِنَتْ فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لَيْلاً، دَفَنَهَا عَلِيٌّ ، و يشعر بها أبو بكر حتي دفنت، و صلي عليها علي بن أبي طالب».(الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين: ج3، ص162).
وأخرج ابن حجر: «وَصَحَّ أنَّ عَلِيّاً دَفَنَ فَاطِمَة لَيلاً»(ابن حجر، فتح الباري:ج3، ص167)؛ وقال الشوكاني: «قالَ الحافظُ في الفتحِ: وَصَحَّ أنَّ عَلِيّاً دَفَنَ فَاطِمَة لَيلاً».(الشوكاني، نيل الأوطار: ج 4، ص 137).
كما ورد دفن الصديقة الزهراء عليها السلام ليلا وعدم تكلمها مع أبي بكر في المصادرالتالية:
الصنعاني، المصنف: ج5، ص 472؛ النميري، تاريخ المدينة: ج1، ص197؛ ابن سعد، الطبقات الكبري: ج2، ص315؛ محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري: ج 2، ص 448؛ البيهقي، السنن الكبري: ج6، ص300؛ النووي، شرح صحيح مسلم: ج12، ص73؛ الهيتمي المكي، الصواعق المحرقة، : ج 1، ص 15.
ص: 236
٢ كانون الثاني 2008 م = 23 ذو الحجة 1428ه_
ص: 237
ص: 238
كان بحثنا في تفسير القرآن، لكننا نعدل عنه تمهيداً لعاشوراء سيد الشهداء عليه السلام ، لا سيما أن بعض الحاضرين من الدعاة والمبلغين، وأما أولئك الذين لاينوون الدعوة والتبليغ فعليهم أن يبادروا في هذه الأيام إلي العمل بهذا الأمر المهم.
يجب علي من يقوم بعمل ما أن يعي حيثيات ذلك العمل؛ لأن معرفة حقيقة العمل من مبدئه إلي منتهاه من أهم الأمور.
ومن هنا فإن من يمارسون العمل التبليغي في أيام عاشوراء يعلمون أي عمل يقومون به؟ وما الذي ينبغي فعله في هذا المجال؟
صحيح أن كل شيء موجود في القرآن الكريم، غير أن استخراج الجواهر المكنونة في هذا الكتاب لا يتيسر إلا من خلال الاستمداد من الغيب، وقد بينت الآية الشريفة: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»(1)أن غاية التفقه هي الإنذار؛ ومنها يتضح أن هذا الإنذار واجب علي كل فقيه.
ومن المهم إدراك إشارات القرآن ولطائفه ودقائقه(2)، ولو سئل: ما المقصود بالتفقه في الدين؟ فالجواب: إن هذا يتطلب بحثا طويلا، لكن الغاية والثمرة هي الإنذار.
كل من يشد أحزمة السفر منكم فهو منذر، فهل تدرون أي مقام هو مقام
ص: 239
الإنذار؟!
إنّ خصوصية الكلي المشكك المندرج تحت مقولة التشكيك هو أن لكل فرد من افراده علي اختلاف مراتبها حظا من الطبيعة.
والإنذار مادة جاءت علي هيئة «افعال»، وكل واحد منكم متصف بصفة المنذر،وهذه هي المادة والهيئة التي ذكرها الباري تعالي في قوله: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنْذِرْ»(1).نعم، هذا هو فهم القرآن.
وقد استعملت هذه المادة وهذه الهيئة في هذه الآية المباركة أيضا: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»، كما استعلمت هذه المادة وهذه الهيئة كذلك بشأن الشخص الذي فاق إدراك جميع العقول، وخمدت أمام نور عظمته جميع مشاعل الأفكار، فهو منذر وأنتم منذرون؛ ولذا لا بد أن تعوا قيمة العمل الذي تمارسونه!
وكونكم منذرين يعني الاشتراك في هذه الحقيقة المشككة التي تتجلي ذروتها في مثل هذه الشخصية العظيمة:«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّيٰ*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَيٰ*فَأَوْحَيٰ إِلَيٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَيٰ »(2).وقد ظل جميع الملائكة والأنبياء عليهم السلام حائرين في ذلك السر الخفي في قوله تعالي: «فَأَوْحَي إِلَي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي »، فلم يطلع علي هذا السر سوي الموحي والموحي إليه، وإن مقام خاتم الأنبياء يقع في الذروة من منزلة «أَوْ أَدْنَي»، وفي قوس النزول تصل النوبة إلي مرتبة: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ».
بعد أن اتضحت عظمة العمل نتساءل: ما الذي ينبغي فعله؟ لنرجع مرة أخري إلي القرآن؛ فإن فيه تبيان كل شيء، ولكن ما هو السبيل؟ «الإنذار»إحياء للقلوب،
ص: 240
ولهذا الإحياء لوازم ثلاثة لا يقع من دونها، وعلي كل منا أن يلحظ هذه القواعد الثلاث بالنسبة إلي نفسه وبالنسبة إلي من يتحملون هذه المسؤولية، فتأملوا جيدا في ذلك، ثم فكروا في كل كلمة.
إن الحياة متوقفة علي ثلاثة أمور هي: الهواء، والماء، ونور الشمس، هذه هي أركان الحياة.
كما أن حياة القلوب وحياة النفوس وحياة العقول متوقفة علي هذه الأمور الثلاثة:
الأول: الهواء الذي يتنفس العقل في أجوائه ثم ينجذب إلي البدن.
الثاني : الماء الذي يشكل عصب الحياة.
الثالث: إشراق النور.
ولكن، كيف تتحقق هذه الأركان الثلاثة في النفوس؟
إن الهواء الذي لا بد أن يتنفس فيه العقل هو الوحي الإلهي، فهواء الجسم هو الهواء الموجود في الفضاء، أما هواء العقل فهو الوحي، فحينما تتلي آيات الله علي العقول يتنفس العقل .
وثمة رواية مذهلة في هذا المجال، حيث قال الإمام عليه السلام: «مَن قَرَأَ القُرآنَ وَهُوَ شابٌّ مُؤمِنٌ اختَلَطَ القُرآنُ بِلَحمِهِ ودَمِهِ »(1)، هكذا يجب أن يتنفس في أجواءالوحي.
ص: 241
ولو أن عقولنا ترعرعت علي هذه الطريقة منذ أيام الطفولة لكنا غير الذي نحن عليه الآن، ولو كان العقل يتنفس في فضاء الوحي بهذا الشكل، بأن يتنفس في أجواء القرآن بصورة مستمرة ومتواصلة، لتحققت حياة القلب، ولبلغ مبلغا لا يدرك ولا يوصف.
هذا هو السبيل، وعلي كل من يريد الوصول أن يعمل بجد، أما النتيجة ففيها كلام مفصل.
هذا هو الفضاء الذي ينبغي أن تتنفس فيه الروح، فتأملوا جيدا في هذه الروايات.
هناك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام تنص علي: «إِنَّ اَلْبَيْتَ إِذَا كَانَ فِيهِ اَلْمَرْءُ اَلْمُسْلِمُ يَتْلُو اَلْقُرْآنَ يَتَرَاءَاهُ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ كَمَا يَتَرَاءَي أَهْلُ اَلدُّنْيَا اَلْكَوْكَبَ اَلدُّرِّيَّ فِي اَلسَّمَاءِ»(1) (الملحق:1). فما معني هذه الجملة؟
إن ذلك الكوكب الذي ينير، والذي يصل نوره إلي الأرض، يفوق نوره نورالشمس مئات الأضعاف، بل مئات الآلاف، ولكن المسافة الشاسعة التي تفصله عن الأرض هي التي جعلت المشهد يبدو كذلك.
ومن المعاني التي تشير إليها هذه الرواية، أن النور ليحتشد في ذلك البيت بحيث
ص: 242
يصل إلي عرش الله تعالي، كما يصل نور ذلك الكوكب المنير إلي الأرض علي الرغم من تلك المسافة التي تفصله عنها.
وهذا النور هو نور الوحي، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «نَوّرُوا بُيُوتَكُمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ»(1)
فالشرط الأول هو أن تبادروا - أينما ذهبتم - إلي الارتباط بالقرآن، وأن تحثوا الناس علي ذلك قدر المستطاع، فلو عكف الإنسان علي سورة التوحيد ليل نهار، لأصبحت الروح الإنسانية إكسيرا أحمر(2) (الملحق:2).
ولكي تؤثر هذه المواعظ لا بد من توفر شرط، وهو لزوم جلاء القلوب، وجلاؤها بالقرآن فقط (3)(الملحق: 3). فالقرآن ينقي الأرواح، ثم تأتي الموعظة
ص: 243
ليكون لها تأثيرها في الوقت المناسب. هذا فيما يتعلق بالشرط الأول.
وما هو الشرط الثاني؟ إنه الماء الذي يحيي تلك البذرة بعد بذرها، فأين هو ذلك الماء؟ هو القرآن أيضا، ذلك الكتاب المذهل، ولو أعاننا الله وتمكنا من الاستفادة منه بالقدر الميسور لربما بلغنا مبلغا ما، فأين هذا الماء؟ «إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ»(1).
لقد ورد في التفسير المأثور عن الإمام الباقر عليه السلام أن هذا الماء المعين هو الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالي فرجه الشريف (2) (الملحق:4). فهو ماء الحياة الذي يحيي هذه البذور في النفوس، والهواء المناسب لتنفس العقل هو القرآن.
فالفيض المتدفق من ذلك النبع، الذي يمثل عين الحياة للعلم والإيمان، يتحول إلي ماء الحياة الذي يبلغ ببذور تلك المواعظ مرحلة النضج والإثمار.
وتصل النوبة إلي النور، فما هو ذلك النور الذي ينبغي أن يسطع؟ بحيث لا
ص: 244
تتيسر الحياة من دونه؟ إن ذلك الفضاء ضروري لتنفس العقل، والاتصال بعين حياة الوجود الذي: «بِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَري وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الاْءَرْضُ وَالسَّمآءُ »(1) يمثل الضرورة الثانية.
أما الضرورة الثالثة فهي الشمس التي يجب أن تشرق، وأين هي؟ إنها هنا:
الرواية التي سأتلوها عليكم موثقة، وسندها مما يفتي علي ضوئه الفقيه النبيل، كما أن متنها يكشف عن حقائق ناصعة، فهي بحر من المعارف عميق متلاطم الأمواج! وراويها هو أبو حمزة الثمالي، صاحب الدعاء المعروف في أسحار شهر رمضان الكريم، والإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام قائلها.
قال الإمام عليه السلام لأبي حمزة الثمالي: «إذا أرَدتَ المَسيرَ إلي قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَصُم يَومَ الأَربِعاءِ وَالخَميسِ وَالجُمُعَهِ»، ثم أمره بعدد من الأمور الأخري، منها أن يغتسل في المكان الذي يريد الانطلاق منه، وأن يقرأ طيلة المسير أذكارا خاصة، من الأذكار المحيرة للعقول. ثم قال له:«ثمَّ تأتي النَّينَوي فتضعُ رَحلَكَ بها»وأمره بالمشي حافيا.
وقد حان الوقت لتعرف تلك الشمس التي يجب أن تشرق، ولنعد لنص الرواية، فإن لها تأثيرا آخر، عندما تقف أمام القبر فقل: «مَا أَعْظَمَ مُصِيبَتَكَ عِنْدَ جدك [أبيك] رَسُولِ اللّهِ صلي الله عليه و آله ، وَمَا أَعْظَمَ مُصِيبَتَكَ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ».ومعني هذه الجملة أنه ليس هناك من يدرك عظمة هذا الأمر، فلا يعرف ذلك إلا نفر معدود.
«مَا أَعْظَمَ مُصِيبَتَكَ عِنْدَ جدك [أبيك] رَسُولِ اللّهِ صلي الله عليه و آله ، وَمَا أَعْظَمَ مُصِيبَتَكَ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ»، فأني لنا بمن قد «عَرَفَ اللهَ» ليتسني له أن يعرف ما معني عاشوراء؟ ما الذي فعله الإمام الحسين عليه السلام ليقال عنه: «...وَأَجَلَّ مُصِيبَتَكَ عِنْدَ الْمَلاَءِ الْأَعْلَي»، إن محيط الكرة الأرضية ليضيق عن استيعاب كل هذه العظمة!
وعندما يقول عليه اللام: «...أجَلَّ مُصيبَتَكَ عِندَ المَلَأِ الأَعلي، وَ عِندَ أنبياءِ اللهِ وَ رُسُلِه»يبلغ الأمر منتهاه، فلا يبقي لي ولك أي وزن في الحسبان!
ص: 245
فعلي هذا البلد أن يضج في عاشوراء بالبكاء والنحيب ضجة واحدة، حتي لو قمنا بكل ذلك فإنها لا تعد شيئا يذكر، فأين مراسم العزاء هذه مما يستحقه عاشوراء؟
هل تأملتم جيدا؟ فقد بدأ الإمام عليه السلام في هذه الرواية برسول الله صلي الله عليه و آله، وختم برسل الله صلي الله عليه و آله ، فلا أحد دونهم يعي عمق الموضوع!
«السَّلامُ مِنِّي إِلَيكَ وَالتَّحِيَّة مَعَ عَظِيمِ الرَّزِيَّة عَلَيْكَ، كنت نوراً...».
لقد آن الأوان أن نعرف تلك الشمس التي ينبغي أن تشرق، فلنعرف من هو سيد الشهداء عليه السلام؛ وحيثما وطأت أقدامكم تلك مناطق عرفوا الناس بسيد الشهداء عليه السلام كما هو.
«كُنْتَ نُورا فِي الاَصْلابِ الشَّامِخَة ، وَنُورا فِي ظُلُمَاتِ الاَرْضِ ،وَنُورا فِي الْهَوَاءِ ، وَنُورا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَي ، كُنْتَ فِيهَا نُورا سَاطِعالا يُطْفَأُ ، وَأَنْتَ النَّاطِقُ بِالْهُدَي».
هذه هي الشمس التي ينبغي أن تغمر العالم بنورها، وما لم تشرق لا يبقي أثر للحياة العقلانية، ولا يبقي وجود للإنسان الذي يجسد طموح الأنبياء، فأيما شمس هي هذه الشمس؟!
إن دائرة الشعاع لنور أبي عبد الله الحسين عليه السلام تمتد من ظلمات الأرض إلي السماوات العلي. فكم هي دائرة شعاع الشمس؟ أما هذه الشمس فمن أين تبدأ دائرة شعاعها؟ إنها تبدأ من «ظلمات الأرض»، وإلي أين تنتهي؟ إنها تنتهي إلي «السماوات العلي».
ثم يصل الأمر إلي ما هو أسمي من ذلك، بحيث يتحير عنده عقل كل فقيه،
ص: 246
وهو ما جاء في العبارة الأخيرة: «كُنْتَ فِيهَا نُوراً سَاطِعاً لاَ يُطْفَا) (1).. فهذا النور لا ينطفئ أبدا!
ومعني هذه الجملة في كلمة واحدة هو: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(2)، فوجه الله هو تلك الشمس، والنور الذي لا يطفأ هو الحسين بن علي عليهما السلام .
«كُنْتَ نُورا فِي الاَصْلابِ الشَّامِخَة ، وَنُورا فِي ظُلُمَاتِ الاَرْضِ ،وَنُورا فِي الْهَوَاءِ ، وَنُورا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَي ، كُنْتَ فِيهَا نُورا سَاطِعاً لاَ يُطْفَا».إن الوقت لا يسع للكلام أكثر من ذلك، وإلا لبينا ما تنطوي عليه هذه الرواية من حقائق!
روي أهل السنة والشيعة عن ابن عباس مرة وأم سلمة مرة أخري: رأيت النبي صلي الله عليه و آله في المنام بنصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع
ص: 247
فيها شيئا. قال: قلت: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه، أو دمه ودماء أصحابه أرفعهما إلي الله تعالي (1).فقد رفعت هذه القارورة من الدم بيد الرسول الكريم صلي الله عليه و آله إلي العرش الأعلي.
ولقد قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام في هذا الخصوص: «أَشْهَدُ لَقَدِ اقْشَعَرَّتْ لِدِمَائِكُمْ أَظِلَّة العَرشِ»(2)، فستبقي تلك القائمة التي وضعت عليها هذه القارورة مقشعرة إلي يوم القيامة.
ص: 248
عَنْ أبِي عَبْدِاللهِ عليه السلام قَالَ: «ما مِن شَيء إِلاّ ولَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيه إِلاَّ الذِّكر ... وَالْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُذْكَرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ وَتَحْضُرُهُ الْمَلائِكَة وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ وَيُضِي ءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِي ءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ لأَهْلِ الْأَرْضِ وَالْبَيْتُ الَّذِي لا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَلا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ وَتَهْجُرُهُ الْمَلائِكَهُ وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ».(الكليني، الكافي: ج2، ص499؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج4، ص475 الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج 7، ص160).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله:«كُنْتُ أَخْشَي الْعَذَابَ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهَارَ حَتَّي جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ بِسُورَة قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ فَعَلِمْتُ أَنَّ اَللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ أُمَّتِي بَعْدَ نُزُولِهَا،فَإِنَّهَا نِسْبَة اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ... ما من مؤمن يقرأها في كل يوم عشر مرات إلا وقد استوجب رضوان الله الأكبر، وكان من الذين قال الله تعالي فيهم: «فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ»و الآية، وَ مَنْ قَرَأَهَا عِشْرِينَ مَرَّة فَلَهُ ثَوَابُ سَبْعِ مِئَهِ رَجُلٍ أُهَرِيقَتْ دِمَاؤُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ بُورِكَ عَلَيْهِ وَ عَلَي أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ وَ مَالِه، وَ مَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّة بُنِيَ لَهُ ثَلَاثُونَ الف قَصْر فِي الْجَنَّة وَ مَنْ قَرَأَهَا أَرْبَعِينَ مَرَّة جَاوَرَ النَّبِيَّ صلي الله عليه و آله فِي الْجَنَّة ، وَ مَنْ قَرَأَهَا خَمْسِينَ مَرَّة غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنْبَهُ خَمْسِينَ سَنَة وَ مَنْ قَرَأَهَا مِئَة مَرَّة كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَة مِئَة سَنَة،وَ مَنْ قَرَأَهَا مِأَتَيْ مَرَّة فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ مِأتَيْ رَقَبَة وَ مَنْ قَرَأَهَا أَرْبَعَ مِئَة مَرَّة كَانَ لَهُ أَجْرُ أَرْبَعِ مِئَة شَهِيدٍ وَ مَنْ قَرَأَهَا خَمْسَ مِئَة مَرَّة غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَ لِوَالِدَيْهِ وَ مَنْ قَرَأَهَا أَلْفَ مَرَّة فَقَدْ
ص: 249
أَدَّي بَذلَهُ إِلَي اللَّهِ تَعَالَي وَ قَدْ صَارَ عَتِيقاً مِنَ النَّارِ اعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَة بِقِرَاءَتِهَا وَ لَا يَتَعَاهَدُ قِرَاءَتَهَا إِلَّا السُّعَدَاءُ وَ لَا يَأْبَي قِرَاءَتَهَا إِلَّا الْأَشْقِيَاءُ».(السيد ابن طاووس، المجتبي من دعاء المجتبي: ص92؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج89، ص362؛ الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل: ج4، ص 283).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله : «إِنَّ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ. قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ! وما جَلاَؤُهَا؟ قَالَ: قِرَاءَهُ اَلْقُرْآنِ وَ ذِكْرُ اَلْمَوْتِ ».(قطب الدين الراوندي، الدعوات:ص238؛ ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة: ج30، ص355؛ ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي: ج1، ص279).
وروي أيضا: «جاهِدوا أنفسَكُم علي شَهَواتِكُم تَحِلَّ قلوبَكُم الحِكْمَة، جِلاءُ هَذِهِ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللهِ وَتِلاوَة الْقُرْآن».(ورام بن أبي فراس المالكي، مجموعة ورام: ج 2، ص 122).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في إحدي خطبه: «...وتَعَلَّمُوا كِتابَ اللَّهِ تَبارَكَ وَ تَعالي فَإِنَّهُ أَحُسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُ الْمَوْعِظة وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ القُلُوبِ وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا تِلاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْقَصَصِ ».(نهج البلاغة، الخطبة110).
سأل عمار بن ياسر النبي الكريم صلي الله عليه و آله عن الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، قائلا: بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الْمَهْدِيُّ؟ قَالَ «يَا عَمَّارُ! إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ صُلْبِ الْحُسَيْنِ أَئِمَّة تِسْعَة وَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِهِ يَغِيبُ عَنْهُمْ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ:
ص: 250
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍمَعِينٍ»يَكُونُ لَهُ غَيْبَة طَوِيلَة يَرْجِعُ عَنْهَا قَوْمٌ وَ يَثْبُتُ عَلَيْهَا آخَرُونَ فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْرُجُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا قِسْطاً وَ عَدْلًا وَ يُقَاتِلُ عَلَي التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَي التَّنْزِيلِ ».(الخراز القمي، كفاية الأثر: ص121؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 33، ص18).
ص: 251
ص: 252
23 شباط 2008م=15 صفر1429ه_
ص: 253
ص: 254
نحن علي أبواب أربعين الحسين عليه السلام، وبعض الدعاة والمبلغين يتأهبون للسفر، فيجب علي كل من يوقق للإنذار والإرشاد الناتج عن التفقه في الدين (1) أن يكون همه الأول هو معرفة الله تعالي، ولا تتسني معرفة الله إلا بمعرفة من هو «سبيل الله»، و «صراط الله»(2)، و«باب الله»(3)، فقد نص علي ذلك القرآن الكريم حيث يقول: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا (4)(الملحق:1).
ص: 255
ومن هنا فإن لمعرفة الإمام عليه السلام جهتين:
الجهة الموضوعية: وهي أنه هو «ما به الوجود»و «ما به النعم»و «كل ما في الكون به »(1).
والجهة الطريقية: وهي الوسيلة لمعرفة مبدأ الوجود ومنتهاه، وبمعرفتها تتيسر معرفة «من منه الوجود»(2)(الملحق: 2). وبمعرفة الإمام عليه السلام نعرف تلك الذات القدسية التي هي أعلي وأجل من أن توصف.
ما ورد في زيارات الأئمة الأطهار عليهم السلام وحظي باهتمام كبير هو العرفان بحقهم، كما تشير إلي ذلك عبارة «عارفاً بحقّه»(3) (الملحق:3). ولهذا السبب يجب التأمل كثيرا في مثل هذه الكلمات.
ويستفاد من هذه الجملة أمران، الأول: هو الحق العام المتمثل بالإمامة الكبري
ص: 256
والولاية العظمي(1)، والثاني : هو الحق الخاص «عارفا بحقه»، فلكل إمام حق، ولا شك في أن معرفة ذلك الحق تعد أهم مبدأ في معرفته، كما أن المعرفة يجب أن تقوم علي أساس الحكمة؛ إذ المعرفة لا تتيسر من دون الحكمة.
والحكمة: هي عبارة عن معرفة الحقيقة إما عن طريق برهان اللم أو برهان الإن (2).فهذان الطريقان يمثلان جوهر الحكمة، كما أن أساس المعرفة لا بد أن يقوم علي الحجة، والحجة عبارة عن العلم والعلمي.
فإن كانت معرفة الإمام عليه السلام قائمة علي هذا الأساس فهي معرفة تنتهي إلي معرفة النورانية(3)، بحيث لا توصف، ومعرفة سيد الشهداء عليه السلام- الذي نعيش هذه الأيام ذكري أربعينيته - ببرهان اللم وبرهان الإن من العظمة بحيث لايستطيع إدراكها سوي خاصة الأولياء.
يعتبر الميرزا الشيرازي قدس سره من الفحول بل هو فحل الفحول، وتتجلي عظمة هذا
ص: 257
الرجل من خلال تجليل الآخوند الخراساني قدس سره، والميرزا النائيني قدس سره له ، فهو مؤسس مدرسة سامراء التي أنتجت الميرزا الثاني وأساطين الفقه المتأخرين.
كان يقيم مجلس العزاء، يرتقي فيه المنبر أحد كبار العلماء، وكان الراثي في ذلك المجلس هو المحقق الحائري، مؤسس الحوزة العلمية في قم التي أمست حاضرة العلم والاجتهاد في عصرنا الراهن، فهذا العالم العظيم الشأن كان في تلك الفترة ناعيا في محضر الميرزا الشيرازي قدس سره، فقد كان المجلس علي هذه المكانة!
لما صعد هذا العالم النحرير المنبر بحضور الميرزا الشيرازي قال جملة، وهي جملة يسمعها الجميع، لكن المهم هو معرفة معني تلك الجملة وإدراك مضمونها، فما إن بدأ بقراءة المقتل قائلا: «دخلت زينب علي ابن زياد»(1) حتي نادي الميرزا: «حسبك هذا، كفي أيها الشيخ»، وظل الميرزا يلطم علي رأسه وصدره من الصباح إلي الظهر!
هذه هي المعرفة الحقيقية! إن هذه الحكاية تكشف كيف استطاع هذا الرجل إدراك حقيقة الموضوع. فأين مثل هذه المعرفة؟ ومن الذي عرف من هي السيدة زينب عليها السلام ؟ (الملحق:4) إنه كان يعرف ذلك؛ فقال لذلك: كيف دخلت مثل هذه المرأة علي مثل ذلك الرجل، وهذا ما قصم ظهره! فلسنا وحدنا الذائبين ها هنا، بل الجميع ذائبون من الأولين والآخرين!
فمن هي تلك الشخصية؟ وماذا فعلت؟ هاهنا موضوعان اثنان: أحدهما الفاعل والآخر الفعل، أو فقل: أحدهما المؤثر والآخر الأثر، أحدهما العلة والآخر
ص: 258
المعلول. ففي المحل بحثان علي أساس قانون التناسب بين الفاعل والفعل أو بين المؤثر والأثر.
فالأول: من هو الحسين بن علي عليه السلام؟ ولا ريب في أنه فوق طاقة البشرية! والآخر يتساءل: ما الذي فعله الحسين بن علي عليه السلام؟
لقد شهد الدهر أياما، شهد يوم النبي آدم عليه السلام، ويوم النبي نوح نجي الله عليه السلام ويوم النبي إبراهيم خليل الله عليه السلام ، ويوم النبي موسي كليم الله عليه السلام ، ويوم النبي عيسي بن مريم كلمة الله عليه السلام، ويوم جوهرة عالم الوجود وعصارة الحلقة، أي قلب عالم الكون، خاتم النبيين صلي الله عليه و آله.
فهذا الدهر قد شهد أيام مئة وأربعة وعشرين ألف نبي، أولهم آدم عليه السلام، وآخرهم النبي الخاتم صلي الله عليه و اله، كما شهد أيام مئة وأربعة وعشرين ألف وصي، أولهم هبة الله وآخرهم أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين عليه السلام.
قد شهد الدهر جميع هذه الأيام، وشهد جميع أيام الشهداء من البدء إلي الختم،وأيام جميع الصديقين من البداية إلي النهاية.
بيد أن الذي يحير العقول هو أن حجة الله ولسان الله (1)، الذي «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي»(2) ، قد قال: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ»(3).
ص: 259
ومن ذلك يتضح أن أيام مئة و أربعة وعشرين ألف نبي تقصر عن هذا اليوم ف_«لَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ»!
أنتم الحاضرون في المجلس، بما أن بعضكم - من دون مجاملة - من أساتذة البحث الخارج في الفقه والأصول، وبعضكم من أساتذة السطوح العليا في الحوزة العلمية، عليكم أن تستوعبوا هذه المطالب وتعلموها الآخرين.
فحينما يقول الإمام عليه السلام: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ»، فإنما يقول ذلك بعدما ينظر إلي جميع الأيام ويتصور جميع الأحداث والوقائع، ثم يقول: « لَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ ».
فإذا كان العمل؟ وماذا فعل؟
يتجسد كل ذلك في كلمة واحدة: إن توحيد الله، والمبدأ والمعاد، ونبوة الأنبياء، ووصاية الأوصياء، وجميع الكتب السماوية، جميعها ممتنة لدم سيد الشهداء عليه السلام! فهذا الدم قد ترك مثل هذا الأثر!
ينبغي اليوم أن أبين لكم حديثا، وإن كان شرحه أمرا شاقا، ولكن لا بد من التأمل والتدبر لمن هم أهل لذلك؛ لأن الأساس قائم علي الحكمة، وجذور المعرفة يجب أن تكون هي الحجة القطعية.
ص: 260
الرواية التالية قد أخرجت بطرق ثلاثة، منها طريقان لثقة الإسلام الكليني(1)،وطريق لشيخ المحدثين الصدوق، وسأنقلها وفقا لطريق الشيخ، لكن مع إعمال الدقة في السند والمتن؛ لأن مجلسنا هذا ليس لعامة الناس، ولا بد لكم أن تتسلحوا بالمعرفة الكاملة، لتحدثوا انقلابا في سائر الناس.
أخرج شيخ المحدثين الصدوق، عن أبيه، علي بن موسي بن بابويه، الموثق بتوثيق الشيخ والعلامة والنجاشي، عن سعد بن عبد الله، الذي وثقه كل من شيخ الطائفة وابن شهر آشوب والعلامة، عن يعقوب بن يزيد، الذي وثقه شيخ الطائفة والشيخ النجاشي، المتبحر الأول في علم الرجال، والمعتمد عند الكل، عن ابن أبي عمير، وهو من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم (2)، عن معاوية بن أبي وهب، الذي وثقه النجاشي والعلامة، هذا هو حال السند!
ومثل هذا السند - كما يعرف أهل الاختصاص - يصدر علي ضوئه مثل الشيخ الأنصاري قدس سره فتاوي قاطعة في أدق المسائل المرتبطة بالنفوس والدماء والأعراض والأموال، أي في جميع صغريات أصالة الاحتياط.
أما متن هذه الرواية، فهو أن معاوية بن وهب قال:
«اِستَأذَنتُ عَلي أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَقيلَ لي : اُدخُل ، فَدَخَلتُ فَوَجَدتُهُ في مُصَلّاهُ في بَيتِهِ ، فَجَلَستُ حَتّي قَضي صَلاتَهُ ، فَسَمِعتُهُ وهُوَ يُناجي رَبَّهُ ويَقولُ : يا مَن خَصَّنا بِالكَرامَهِ».
إنها كلمات محيرة للعقول، تأملوا جيدا من أين يبدأ عليه السلام بالتكلم مع الله جل
ص: 261
وعلا! فالقضية مهمة إلي هذا الحد!
«يا مَنْ خَصَّنا بِالْكَرامَهِ، وَخَصَّنا بِالْوَصِيَّهِ، وَوَعَدَنا الشَّفاعَهَ وَاَعْطانا عِلْمَ ما مَضي وَما بَقِيَ، وَجَعَلَ اَفْئِدَهً مِنَ النّاسِ تَهْوي اِلَيْنا».
ذكر الإمام عليه السلام في هذه الرواية ثمانية أمور مخاطبا بها الباري عزوجل، في كل أمر بحث طويل، ولا يسع الوقت لبيانها وشرحها، ثم قال عليه السلام بعد هذه الكلمات:
«اغفِر لي ولِإِخواني ولِزُوّارِ قَبرِ أبي عَبدِ اللّهِ الحُسَينِ عليه السلام»
ثم إنه عليه السلام لم يدع لأحد بعد ذلك، هذا هو الدليل الإني الذي أشرت إليه سابقا.
فما الذي حدث؟ وما الذي جعل زائر قبر الإمام الحسين عليه السلام يصل إلي هذه المرتبة ؟
ثم كان للإمام عليه السلام مع الله تعالي كلام طويل، فعندما يتحدث الإمام السادس عليه السلام مع رب الأرباب تعجز العقول عن إدراكه!
والمحير في الأمر هو قوله لاحقا: «وَارْحَم تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمهً لَنا» فهل تدرون معني الرحمة التي ذكرها؟ إنها الرحمة المستمدة من أرحم الراحمين والقرآن يقول:«وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»(1).
فمثل هذا المسترحم يطلب هذه الرحمة من أرحم الراحمين، ولكن لمن؟ إني الأعجز عن البيان!
«جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا»، قوله: «رَحمةً لَنا»ينطوي علي كلام كثير، أي تلك الدموع التي جرت من هذه العيون مودة ورحمة لذلك الضلع المكسور، وللمحسن الذي أسقط، وهو جنين (الملحق: 5) وللهامة المفلوقة، وللنحرالذي أصابه السهم.
«وَارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ ...»اي قلوب يقصد؟ «تِلكَ القُلوبَ الّتي جَزِعَت وَ احتَرَقَت لَنا».هذه هي المصيبة، فهل تعلمون لمن هذا الكلام؟!
ص: 262
تأملوا في كلام الإمام عليه السلام: «احتَرَقَت لَنا»، ما الذي جري؟ وماذا حدث؟ فلا تظنوا أن مراسم العزاء هذه شيء يذكر! «احتَرَقَت لَنا»فلو احترقت الدنيا برمتها لكان ذلك قليلا أيضا! فهل تدرون ما الذي حدث؟!
الويل والثبور لمن يشكك في هذه الشعائر ويسيء إليها! (الملحق:6) أيها الشعب الإيراني ! كونوا يقظين، واعلموا أن أدني كلمة في الإساءة إلي الشعائر الحسينية وإضعافها تقصم ظهر خاتم النبيين صلي الله عليه و آله ، فلا بد من الحفاظ علي مراسم العزاء هذه وعلي اللطم علي الصدور والضرب بالسلاسل في أعلي مستوياتها ! فليست القضية بألعوبة، لمن هذا الكلام: «وَارْحَمِ الصَّرْخَهَ الَّتي كانَتْ لَنا»؟ إن بعض الجهلة ليتجاسرون حيث يقولون: ينبغي خفض الصوت في البكاء، فهذا رئيس المذهب الإمام الصادق عليه السلام يقول مثل هذا الكلام!
من هو الفقيه؟ قد انتهي الفقهاء، إن الفقيه هو مثل النائيني قدس سره والبروجردي قدس سره والحائري قدس سره، الفقهاء هم أولئك الذين يقولون: الطموا الصدور، واضربوا الظهور بالسلاسل، فإن سالت الدماء فليكن، هذا هو الفقيه وهذه هي الفقاهة.
قيل: ابكوا بصوت منخفض؟! ما هذه الحماقات؟ بل الصياح هو المطلوب، فما هي الصيحة؟ إن الصيحة هي العويل(1) وما الصرخة الواردة في هذه الرواية؟
ص: 263
الصرخة: هي الصيحة الشديدة (1) (الملحق:7).
قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «وَارْحَمِ الصَّرْخَهَ الَّتي كانَتْ لَنا»أي: ارحم ذلك العويل في عزائنا.
وقال أيضا: «اللّهمَّ إني اسْتَودِعُكَ تِلكَ الأنفُس وَ تلْكَ الأبْدانَ ...)(2).
قال المحقق النائيني قدس سره، ذلك الفحل في الفقه والأصول: «لا إشكال في جواز
ص: 264
اللطم بالأيدي علي الخدود والصدور حد الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضا علي الأكتاف والظهور إلي الحد المذكور، بل وإن تأدي كل من اللطم والضرب إلي خروج دم»(1). والجواز هنا ليس بمعني الإباحة، وأنتم من أهل الفقه. لمن هذه الفتوي، لأي فحل من الفحول؟
ولما أطلق هذا المرجع الكبير هذه الفتوي علق عليها بعض أعاظم المذهب وأكابر الدين، من أمثال السيد محسن الحكيم، صاحب المستمسك بما يدل علي أنها أرفع من أن تحتاج إلي توقيع شخص مثلي (2).
وقال عنها مثل الفقيه الشاهرودي قدس سره: «حق في كمال التحقيق»(3). وهذا هو شأن جميع الأعاظم الذين يرقد بعضهم في هذا المكان(4)، ويعدون من أساطين الفقه،
ص: 265
نظير آية الله الحائري قدس سره، وآية الله البروجردي قدس سره، وباقي فقهاء المذهب.
يقال للسيد البروجردي في استفتاء: تصنع في مدينتنا بعض الأضرحة، فتكسي بأستار في يوم عاشوراء، ثم تبرز بصفتها رمزا، فيقول هذا الفقيه: «لا بد من إقامة مراسم العزاء في كل مدينة حسب ما هو مرسوم فيها».
هؤلاء هم فقهاء المذهب، علي أن الفتوي قد صدرت ممن تناول بالدراسة جميع مباحث الإضرار بالنفس وبمنتهي الدقة، واطلع علي جميع الأحاديث سندا ودلالة، وطوي جميع العناوين الأولية والثانوية، وتخطي كل المباحث في حديث «لا ضرر ولاضرر»، ليقول بعد كل ذلك: إن هذا المقدار من الضرر لا إشكال فيه أبدا.
ففي يوم عاشوراء ينبغي أن تشخص أبصار الناس إلي كربلاء فقط، حيث كان فحل الفحول الميرزا الشيرازي، الميرزا الثاني، الذي كان المئات من أمثال البلاغي يفخرون بأنهم من أصغر تلاميذه، كان يلطم صدره حاسرا حافيا في موكب عزاء طويريج! هذا هو الفقيه، هذا هو سند الأمة! فلتشخص إليه أبصاركم في يوم عاشوراء.
أما في أيام الفاطمية فإلي من تصغون؟ يجب أن تصغوا إلي الشخص الذي يفتخر أمثال المرحوم آية الله الميلاني قدس سره وآية الله الخوئي قدس سره بأن يقتاتا علي مائدته، ويكونا من تلامذته! اصغوا إليه حيث يردد قائلا:
ولست أدري خبر المسمار*** سل صدرها خزانة الأسرار(1).
ففي يوم عاشوراء وفي الثالث من شهر جمادي الآخرة يجب علي جميع مواكب اللطم والعزاء والضرب بالسلاسل في البلد أن تخرج إلي الشوارع؛ ليلطموا
ص: 266
بالأيدي والسلاسل علي من قال فيها علي بن أبي طالب عليه السلام، بطل عالم الوجود، وقطب دائرة الإمكان، حينها وقف علي قبرها:
نفسي علي زفراتها محبوسة*** يا ليتها خرجت مع الزفرات(1).
ص: 267
ص: 268
قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: «إِنَّ اَللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَرَاهُمْ شَخْصَهُ حَتَّي يَأْتُوهُ مِنْ بَابِهِ لَكِنْ جَعَلَ اَللَّهُ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ اَلْأَبْوَابَ اَلَّتِي تُؤْتَي مِنْهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ«وَ لَيْسَ اَلْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ اَلْبِرَّ مَنِ اِتَّقي وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها».(محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات: ص519؛ حسن بن سليمان الحلي، مختصر بصائر الدرجات: ص 54، السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 2، ص 551؛ السيد هاشم البحراني، غاية المرام: ص50؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 8، ص336).
قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : «...نحنُ العامِلُون باَمْرهِ و الدَّاعُون اِلي سَبيلِهِ، بِنا عُرِفَ اللّهُ،وبِنا عُبِدَ اللّهُ.نَحنُ الأَدِلّاءُ عَلَي اللّهِ،ولَولانا ما عُبِدَ اللّهُ). (الشيخ الصدوق، التوحيد: ص152؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج26،ص260).
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري: «إِنَّهُ لَا يَسْتَكْمِلُ أحَدٌ الْإِيمَانَ حَتَّي يَعْرِفَنِي كُنْهَ مَعْرِفَتِي بِالنُّورَانِيَّهِ؛، فَإِذَا عَرَفَنِي بِهَذِهِ الْمَعْرِفَة، فَقَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ، وَ شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَ صَارَ عَارِفاً مُسْتَبْصِراً، وَ مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَهِ ذَلِك، فَهُوَ شَاك وَ مُرْتَابٌ. يا سَلْمَانُ! وَ يا جُنْدَبُ! قَالا: لَبَّيك يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ عليه السلام: مَعْرِفَتِي بِالنُّورَانِيهِ مَعْرِفَة اللَّهِ عز وجل مَعْرِفَتِي بِالنُّورَانِية وَ هُوَ الدِّينُ الْخَالِص الذي قال تعالي:«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
ص: 269
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ».(محمد بن علي بن الحسين العلوي، المناقب: ص67؛ الحافظ رجب البرسي، مشارق أنوار اليقين: ص255؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج26، ص1).
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: مَنْ أَتَي [قبر] اَلْحُسَيْنَ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَهُ اَللَّهُ فِي أَعْلَي عِلِّيِّينَ ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص279؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج2، ص581؛ المشهدي، المزار: ص326؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص70).
ورُوِيَ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «من أتي [قبر] الحسين عارِفا بِحَقِّهِ غَفَر [الله]لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ».(الكليني، الكافي: ج4، ص582؛ ابن قولويه، كامل الزيارات: ص263؛ الشيخ الصدوق، الأمالي : ص309؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص86؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 22).
روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَرِيرٍ اَلْقُمِّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ لِأَبِي: «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ مِنْ مُحَدَّثِي اَللَّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ ثُمَّ قَرَأَ «إِنَّ اَلْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ* `فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص268؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص73).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ الحسين عليه السلام عَارِفاً بحقهِ. كانَ كَمَنْ زَارَ اللَّهَ فِي عَرْشِهِ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص282؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 98، ص77).
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ اَلْبَزَنْطِيِّ، قال: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «أَبْلِغْ شِيعَتِي أَنَّ زِيَارَتِي تَعْدِلُ عِنْدَ اَللَّهِ أَلْفَ حَجَّهٍ. قال: فقلت لأبي
ص: 270
جَعْفَرٍ عليه السلام: أَلْفِ حِجَّةٍ؟ قال: إِي وَ اللَّهِ وَ أَلْفَ أَلْفِ حِجَّةٍ لِمَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص510؛ الشيخ الصدوق، الأمالي: ص 120؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص 98؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص583؛ أبو القاسم الطبري، بشارة المصطفي: ص48؛ العلامة المجلسي، بحارالأنوار: ج 99، ص33).
قال الراوي:كُنْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ و قَدْ ذُكِرَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: «يَابنَ مارِدٍ ، مَن زارَ جَدّي عارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَة حَجَّة مَقبولَة وعُمرَة مَبرورَة ، وَاللّهِ يَابنَ مارِدٍ ما يُطعِمُ اللّهُ النّارَ قَدَما اغبَرَّت في زِيارَة أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ماشِيا كانَ أو راكِبا ، يَابنَ مارِدٍ ! اُكتُب هذَا الحَديثَ بِماءِ الذَّهَب».(إبراهيم بن محمد الثقفي، الغارات: ج 2، ص 854؛ الشيخ الطوسي، الأمالي : ص214؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص202؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج56، ص176).
أ- علم السيدة زينب عليها السلام
قال علي بن الحسين عليه السلام: «يا عَمَّة!.. أنتِ بِحَمدِ اللّه ِ عالِمَةٌ غَيرُ مُعَلَّمَةٍ، فَهِمَةٌ غَيرُ مُفهَّمَةٍ».(الطبرسي، الاحتجاج: ج 2، ص 31؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص164؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم: الإمام الحسين عليه السلام: ص 370).
ب - النيابة الخاصة من قبل الإمام الحسين عليه السلام
أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قال: «دَخَلتُ عَلي حَكيمَة بِنتِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرِّضا، أُخْتِ أَبِي
ص: 271
اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَ ثَمَانِينَ بِالْمَدِينَهِ فكَلَّمْتُهَامِنْ وَرَاءِ اَلْحِجَابِ وَسَأَلْتُهَا عَنْ دِينِهَا فَسَمَّتْ لِي مَنْ تَأْتَمُّ بِهِ ثُمَّ قَالَتْ فُلاَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَمَّتْهُ. فَقُلْتُ لَهَا جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكِ مُعَايَنَة أَوْ خَبَراً؟ فَقَالَتْ خَبَراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَتَبَ بِهِ إِلَي أُمِّهِ فَقُلْتُ لَهَا فَأَيْنَ اَلْمَوْلُودُ؟ فَقَالَتْ: مَسْتُورٌ فَقُلْتُ: فَإِلَي مَنْ تَفْزَعُ اَلشِّيعَة؟ فَقَالَتْ إِلَي اَلْجَدَّة أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .فَقُلْتُ لَهَا: أَقْتَدِي بِمَنْ وَصِيَّتُهُ إِلَي اَلْمَرْأَة؟ فَقَالَتْ: اِقْتِدَاءً بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوْصَي إِلَي أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِما السَّلاَمُ فِي اَلظَّاهِرِ وَ كَانَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَي زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ تَسَتُّراً عَلَي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ».(الشيخ الصدوق، كمال الدين و تمام النعمة: ص 501؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج46، ص20).
ج- أقوال العلماء فيها
السيد الخوئي قدس سره:
«إنها شريكة أخيها الحسين علي السلام في الذب عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدها سيد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبابرة، ولا تخشي غير الله سبحانه تقول حقا وصدقا، لا تحركها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقا هي أخت الحسين عليه السلام وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده».(المحقق الخوئي، معجم رجال الحديث : ج24، ص219).
بعض علماء أهل السنة:
-«وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة، زوجها أبوها علي رضي الله عنه من عبد الله بن أخيه جعفر».(ابن الأثير، أسد الغابة: ج5، ص469).
-«و كانت عاقلة لبيبة جزلة، زوجها أبوها ابن أخيه عبد الله بن جعفر، فولدت له أولادا، وكانت مع أخيها لما قتل، فحملت إلي دمشق، وحضرت عند يزيد بن معاوية،
ص: 272
وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور، يدل علي عقل وقوة جنان».(ابن حجر، الإصابة: ج8، ص166-167).
-«السيدة زينب بنت علي، كانت من فضليات النساء وشريفات العقائل، ذات تقي وطهر وعبادة...».(فريد وجدي، دائرة المعارف: ج4، ص795).
-«زينب الكبري بنت أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي بن أبي طالب (سلام الله عليهما)، أمها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، الطهرالطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، بنت فخر الأمة وسيدها ونبيها محمد صلي الله عليه و آله. وهي الصديقة الكبري، عقيلة بني هاشم، العالمة غير المعلمة، والفهمة غير المفهمة، عاقلة لبيبة جزلة، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضي وأمها الزهراء (سلام الله عليهما)، وامتازت بمحاسنها الكثيرة، وأوصافها الجليلة، وخصالها الحميدة، وشيمها السعيدة، ومفاخرها البارزة، وفضائلها الطاهرة».(كحالة، أعلام النساء المؤمنات: ج 2، ص 92).
إن عمر رفس فاطمة عليهماالسلام حتي أسقطت محسنا».
مصادر أهل السنة: الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1، ص139؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج 1، ص268 (بهذا المضمون).
«...وَ صَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِفِضَّهَ: يَا فِضَّة! مَوْلَاتَكِ فَاقْبَلِي مِنْهَا مَا تَقْبَلُهُ النِّسَاءُ فَقَدْ جَاءَهَا الْمَخَاضُ مِنَ الرَّفْسَة وَ رَدِّ الْبَابِ فَأَسْقَطَتْ مُحَسِّناً».(الخصيبي، الهداية الكبري: ص408؛ العلامة البحراني، حلية الأبرار: ج2، ص669؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 53، ص19).
ورُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله؟ قال: «وَاَمّا اِبْنَتي فاطِمَهُ ، فَاِنَّها سَيِّدَة نِساءِ الْعالَمينَ مِنَ
ص: 273
مِنَ الاَوَّلينَ وَالاْآخِرينَ ...وَكُسِرَ جَنبُهَا [وَكُسِرَت جَنبَتُهَا] وَأُسقُطِت جَنِينُهَا.. فأقول عند ذلك: اَللّهُمَّ الْعَنْ مَنْ ظَلَمَها، وَعاقِبْ مَنْ غَصَبَها، وَذَلِّل مَنْ اَذَلَّها،وَخَلِّدْ في نارِكَ مَنْ ضَرَبَ جَنْبَها حَتّي اَلْقَتْ وَلَدَها..».(الشيخ الصدوق، الأمالي : ص 99 -101؛ أبو القاسم الطبري، بشارة المصطفي: ص197؛ ابن شاذان، الفضائل: ص8؛ حسن بن سليمان الحلي، المحتضر: ص110؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار : ج 28، ص 38-39، ج 43، ص 172-173؛ ج 31، ص620).
مصادر أهل السنة: الجويني، فرائد السمطين: ج 2، ص 35.
كما وردت الإشارة إلي إسقاط فاطمة عليهاالسلام لجنينها في المصادر التالية:
الطبري، دلائل الإمامة: ص26-27؛ الخصيبي، الهداية الكبري: ص417 ابن قولويه، كامل الزيارات: ص332-335؛ الشيخ المفيد، الاختصاص:ص 185.
مصادر أهل السنة: المسعودي، إثبات الوصية: ص 142؛ الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص59؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج14، ص319؛ الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1، ص139
كلام الشيخ الصدوق حول إسقاط المحسن:
[قال الصدوق في معني قوله صلي الله عليه و آله: «إنَّ لَكَ كَنزاً فِي الجنَّةِ»]...وقد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسن عليه السلام؟، وهو السقط الذي ألقته فاطمة (عليها السلام) لما ضغطت بين البابين».(الشيخ الصدوق، معاني الأخبار:ص206).
كلام الشيخ الطوسي حول إسقاطه:
قال الشيخ الطوسي: «والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة أن عمر ضرب علي بطنها حتي أسقطت، فسمي السقط محسنا، والرواية بذلك مشهورة عندهم».(الشيخ
ص: 274
الطوسي، تلخيص الشافي: ج3، ص156-157).
قالَ الْإِمَامُ السَّجَّاد عليه السلام: «إِنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَطِيرُ فَرَحاً فَيَجُولُ الْأَرْضَ كُلَّهَا بِشَيَاطِينِهِ وَ عَفَارِيتِهِ فَيَقُولُ يَا مَعَاشِرَ الشَّيَاطِينِ قَدْ أَدْرَكْنَا مِنْ ذُرِّيَّة آدَمَ الطَّلِبَة وَ بَلَغْنَا فِي هَلَاكِهِمْ الْغَايَة وَ أَوْرَثْنَاهُمُ النَّارَ إِلَّا مَنِ اعْتَصَمَ بِهَذِهِ الْعِصَابَة فَاجْعَلُوا شُغُلَكُمْ بِتَشْكِيكِ النَّاسِ فِيهِمْ وَ حَمْلِهِمْ عَلَي عَدَاوَتِهِمْ وَ إِغْرَائِهِم بِهِمْ وَ أَوْلِيَائِهِمْ حَتَّي تَسْتَحْكِمُوا ضَلَالَة الْخَلْقِ وَ كُفْرَهُمْ وَ لَا يَنْجُو مِنْهُمْ نَاجٍ».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص266، منشورات دار المرتضوية؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص60؛ ج 45، ص183).
صرخة السيدة الزهراء عليها السلام عند سماعها كلام رسول الله صلي الله عليه و آله حول ظلم أهل البيت عليهم السلام: «... فَلَمَّا سَمِعَتْ فَاطِمَهُ عليهما السلام مَا قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ صَرَخَتْ وَ بَكَتْ، فَبَكَي رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله لِبُكَائِهَا».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج22، ص493).
صرخة السيدة زينب عليها السلام عند استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام: «...فعند ذلك صرخت زينب بنت علي عليها السلام وأم كلثوم وجميع نسائه، وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود، وارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قبض».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 42، ص293).
العويل:
«العَويلُ رفعُ الصوتِ بالبُكاء».(ابن منظور، لسان العرب: ج 11، ص482 ،البغدادي، خزانة الأدب: ج2، ص75).
عويل السبايا عند قبر الإمام الحسين عليه السلام عند عودتهم من الشام: «ثم أصبحوا
ص: 275
عند قبر الحسين عليه السلام، فأقاموا يوما وليلة يصلون ويستغفرون، ثم ضجوا ضجة واحدة بالبكاء والعويل...».(ابن نما الحلي، ذوب النضار: ص84؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص359).
عويل السيدة الزهراء عليها السلام:
« يا اِلهي عَجِّلْ وَفاتي سَريعا*** فَلَقَدْ تَنَغَّصَتِ الْحَياةُ يا مَوْلائي
قالت: ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَي مَنْزِلِهَا وَ أَخَذَتْ بِالْبُكَاءِ وَ الْعَوِيلِ لَيْلَهَا وَ نَهَارَهَا».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 43، ص177).
إخبار النبي صلي الله عليه و آله بمصائب الحسين عليه السلام وعويل الناس: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «قَدْ اَخْبَرَني جَبْرَئيلُ اَنَّ وَلَدي هذا مَقْتُولٌ بِالسَّمِّ، وَ الاْخَرُ شَهيدٌ مُضَرَّجٌ بِالدَّمِ. اَللّهُمَّ فَبارِكْ لَهُ في قَتْلِه، وَ اجْعَلْهُ مِنْ ساداتِ الشُّهَداءِ.اَللّهُمَّ وَ لا تُبارِكْ في قاتِلِه وَ خاذِلِه، وَ اَصْلِه حَرَّ نارِكَ ، وَ احْشُرْهُ في اَسْفَلِ دَرَكِ الْجَحيمِ. قال: فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ والتعويل، فقال لهم النبي صلي الله عليه و آله: أيها الناس! أتبكونه ولا تنصرونه».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج44، ص248؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص118).
عويل أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام: «فلما نظر أخوات الحسين وبناته وأهله إلي الفرس ليس عليه أحد، رفعن أصواتهن بالبكاء والعويل، ووضعت أم كلثوم يدها علي أم رأسها ونادت: وا محمداه! وا جداه! وا نبياه! وا أبا القاسماه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! وا حسناه! هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العامة والرداء، ثم غشي عليها».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص60).
النحيب:
«النَّحبُ وَالنَّحِيبُ: رَفعُ الصَّوتِ بالبُكَاءِ».(الجوهري، الصحاح: ج1، ص 222؛ ابن منظور، لسان العرب: ج1، ص749؛ الصالحي الشامي، سبل
ص: 276
الهدي والرشاد: ج12، ص297؛ الزبيدي، تاج العروس: ج 2، ص 419).
نحيب الملائكة علي مصاب الإمام الحسين عليه السلام : قال أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرُ عليه السلام: «...لَمَّا قُتِلَ جَدِّيَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ضَجَّتْ عَلَيْهِ اَلْمَلاَئِكَهُ إِلَي اَللَّهِ تَعَالَي بِالْبُكَاءِ وَ اَلنَّحِيبِ وَ قَالُوا: إِلَهَنَا وَ سَيِّدَنَا! أَتَغْفَلُ عَمَّنْ قَتَلَ صَفْوَتَكَ وَ اِبْنَ صَفْوَتِكَ وَ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ فَأَوْحَي اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ: قَرُّوا مَلاَئِكَتِي فَوَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ ثُمَّ كَشَفَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنِ اَلْأَئِمَّة مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْمَلاَئِكَة فَسُرَّتِ اَلْمَلاَئِكَة بِذَلِكَ فَإِذَا أَحَدُهُمْ قَائِمٌ يُصَلِّي فَقَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: بِذَلِكَ اَلْقَائِمُ أَنْتَقِمُ مِنْهُمْ».(الشيخ الصدوق، علل الشرائع : ج 1، ص160).
نحيب الإمام الرضا عليه السلام عند وداع النبي الكريم صلي الله عليه و آله: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنِي محول [مُخَوَّلٌ] اَلسِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: لَمَّا وَرَدَ اَلْبَرِيدُ بِإِشْخَاصِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَي خُرَاسَانَ كُنْتُ أَنَا بِالْمَدِينَهِ فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ لِيُوَدِّعَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَوَدَّعَهُ مِرَاراً كُلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَي اَلْقَبْرِ وَ يَعْلُو صَوْتُهُ بِالْبُكَاءِ وَ اَلنَّحِيبِ...».(الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2، ص234؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج49، ص117).
ص: 277
ص: 278
25 كانون الأول 2008م = 26 ذو الحجة 1429ه_
(لقاء مع الدعاة والمبلغين)
ص: 279
ص: 280
علي كل من يشتغل في عمل أن يعرف طبيعة عمله كما هو حقه، ولو أنكم عرفتم في أي طريق تسيرون، وأي عمل تمارسون لما توانيتم في ليل أو نهار، ولقد قال سيد الشهداء عليه السلام نفسه: «اِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاِصْلاحِ في اُمّة جَدّي »(1).، حسبكم هذه الجملة فقط: إن الطريق الذي تسيرون فيه هو عين الطريق الذي سار فيه سيد الشهداء عليه السلام، والعمل الذي تبغون القيام به هو الإصلاح في أمة جده، وهذا هو ذات العمل الذي ذكره الإمام عليه السلام مستعملا أسلوب الحصر: «انَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاِصْلاحِ في اُمّة جَدّي»كل ما في الأمر يكمن في هذه الجملة، وعليه ينبغي أن نعرف ما الذي يجب أن نفعله لإصلاح هذه الأمة؟
فما إن تغادروا هذا المكان يجب أن تفكروا فيها أحدثته عاشوراء، وما قام به أصحاب سيد الشهداء عليه السلام، وما هو الهدف من كل ذلك؟
ص: 281
ما هو هدف أصحاب الإمام الحسين عليه السلام؟ إن مجرد تصور ذلك يصيب الإنسان بالعجز، حيث لم يكن القتل آنذاك بهذه السهولة، لتكفي طلقة واحدة لإنهاء حياة الإنسان،فلأي أمر كان مستعدا كل من تقدم للقتال؟ إن الإنسان ليصاب بالحيرة كلما تذكر تلك الكلمة التي قالها أحد أصحاب الإمام عليه السلام، كلمة ينبغي أن يدرك معناها شخص بمستوي الشيخ الأنصاري قدس سره فقط، فإن تصورها يترك العقل حائرا مندهشا، قال : يا بن رسول الله! لو كانت هذه الحياة أبدية، فإني أحب الفناء في سبيلك علي البقا حياً(1).
هذا ما جعل شعرة من رأس صاحب الإمام تعدل الدنيا وأهلها، هكذا كان أصحابه عليه السلام، فما بالك به عليه السلام هو؟ فلا أحد عرف سيد الشهداء عليه السلام، ولا أحد فهم ما
ص: 282
هي عاشوراء؟ ولا أحد أدرك من هم أصحاب سيد الشهداء عليه السلام؟(1) (الملحق:1)
وما معني الأبدية؟ فإن لها شرحا طويلا لا يتسع له الوقت هنا، إن هذا الرجل من أصحاب الإمام عليه السلام يبيع الحياة الأبدية بالفناء والقتل، أي يضع الجنة الأبدية جانبا ليفني في سبيله، فما هي المسؤولية الملقاة علي عاتقنا نحن؟ فهم قاموا بما عليهم، ولم يبق لنا إزاءهم سوي الشعور بالخجل، «يا ليتنا كنا معكم»، فما الذي فعلناه من أجل هذا الدين؟ وما الخطوات التي اتخذناها في طريق تحقيق الهدف الذي قتل في سبيله سيد الشهداء عليه السلام؟
ما إن تسافروا إلي مناطق عملكم التبليغي ينبغي لكم أن تمهدوا الأرضية المناسبة منذ الليلة الأولي؛ لأن هذا الكلام يحتاج إلي الإعداد والتمهيد:
أولا: يجب عليكم التوكل علي الله وحده.
ص: 283
ثانيا: ينبغي لكم التوسل بولي العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف (1)(الملحق:2)، ليعينكم في مبتغاكم.
فأي توفيق هذا لتخرج هذه القرعة باسمكم، لتذهبوا إلي تلك المناطق وترفعوا خطواتكم في طريق أهداف الإمام الحسين عليه السلام، لاريب في أنكم قمتم بعمل صالح دفعكم إلي هذا التوفيق.
قبل كل شيء يجب أن تمهدوا الأرضية والأجواء، أي اطلبوا من جميع الناس أن يعملوا وفقا لهذا البرنامج: ليقرؤوا سورة التوحيد بعد صلاة الصبح إحدي عشرة مرة، (2) وقوموا أنتم بهذا العمل أيضا، وليقرؤوها عند النوم أيضا إحدي عشرة مرة أخري(3) (الملحق:3)، وفي طيلة اليوم والليلة أثناء أوقات الفراغ (4)، لأن هذه السورة هي نسبة الرب (5)(الملحق:4)، وهي سورة عظيمة.
ص: 284
نذكر هنا عصارة القول لتتهيأ النفوس، فحينما يراد نثر البذور في الأرض لا بد من تحضير التربة أولآ، وما يمهد الأرضية هو كلام الله تعالي، وليس كلامنا نحن، فاعملوا بهذا التوجيه وانصحوا الجميع للعمل به، فكما ذكرت سابقا اقرؤوا هذه السورة بعد صلاة الصبح إحدي عشرة مرة، وعند النوم مثل ذلك، وفي أثناء اليوم في أوقات الفراغ، وفي حال المشي مثلا، وكلماقرئت هذه السورة أكثر فذلك أفضل. ثم يهدي الجميع ثواب هذا العمل منذ اليوم الأول إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف ، ليشملهم برعايته ولطفه.
فلو قرأ الناس الكادحون في ذلك المكان سورة التوحيد مئة أو مئتي مرة في اليوم الواحد، وأهدوها إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فهل يمكن ألا ينظر إليهم الإمام بعين الرحمة والرأفة؟ إن إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف هو الذي يعرف سورة التوحيد، هذا هو الطريق.
هذا أول عمل ينبغي الإعلان عنه منذ الليلة الأولي، وينبغي لجميع الناس أن يزاولوه ولا يتركوه، ولا بد أن يواصلوا هذا العمل حتي بعد عودتكم من مناطقهم؛ لأنه كفيل بالحفاظ عليهم وحمايتهم من المخاطر، فحفظ الناس له طريق، وهذا عمل لا بد أن تقوموا به.
أما البرنامج الذي ينبغي لكم العمل به فهو أن تغتنموا الفرصة وتفكروا في الليل والنهار با جري علي أصحاب سيد الشهداء عليه السلام في تلك الدقائق، فإنهم مضوا من أجل الحفاظ علي هذه الأمة، وأنتم تنوون مواصلة الهدف ذاته.
ص: 285
اسعوا خلال مدة تواجدكم في تلك المناطق إلي تعليم الناس الواجبات والمحرمات والأحكام الإلهية المختلفة، هذه وظيفتكم الأولي، هيؤوا التربة بسورة التوحيد، ثم انثروا فيها البذور
اقرؤوا - أنتم أو من ينوب عنكم - زيارة «سلام علي آل يس»في مستهل كل محاضرة حتما، وليس من الضروري قراءة أدعيتها لئلا يسأم الناس؛ لأن ولي العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف قال: «اذَا أَرَدْتُمُ التَّوَجُّهَ بِنَا إِلَي اللَّهِ وَ إِلَينَا فَقُولُوا كمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَي:سَلَامٌ عَلَي آل ياسين»(1)هذه هو تأثير هذه الزيارة.
حاولوا أن تشتمل محاضراتكم علي أصول العقائد أيضا.
ذكروا الناس بنعم الله جل وعلا؛ لأن الفطرة متي استيقظت انطلقت في مسيرها: «ذَكِّرهُم آلائي ونَعمائي»، وهذه نقطة مهمة جدا.
لقد أوحي الله عزوجل إلي موسي بن عمران عليه السلام : «حَبِّبْنِي إِلَي خَلْقِي».تأملوا في لطف الله تعالي وكرمه، إنه غني علي الإطلاق، فلم نكن جميعا سوي نطفة، فانظروا كم
ص: 286
نسمة علي وجه الأرض الآن؟ كم ملياردا؟ ولو جمعت المادة المكونة لجميع هؤلاء لما تعدت عقد الأصبع، وقد تحولت مجموعة من الذرات المجهرية الدقيقة في النطفة إلي مثل هذا الشكل، فمن الذي فعل ذلك؟
«هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا*إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا»(1).
ثم إنه تعالي جعل هذه النطفة القذرة النجسة التافهة إلي أبعد حد تنمو في ظلمات بطن الأم ورحمها ومشيمتها (2)، حيث لم يعلم الأب بهذه النطفة ولا الأم، هكذا خلق منها الأعضاء والجوارح والقوي والإدراكات المختلفة للبشر. وما يدهش الألباب أن الباري تعالي أوحي لنبيه موسي عليه السلام: «حَبِّبْنِي إِلَي خَلْقِي»، مع أنه غير محتاج إلي محبة البشر، وهو غني علي الإطلاق.
لقد تكونت جميع عوالم الوجود بكلمة واحدة هي «كُنْ»، حيث قال تعالي:«وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالَاخِرَةِ عَنِ الصِّرَطِ لَنَكِبُونَ»(3)، ولو أراد أن يفني كل شيء لم يكن لأحد أن يعترض علي ذلك؛ إذ «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»(4).
غاية الأمر أن الله تعالي كله لطف، فهو يريد أن يحبه الناس؛ ذلك أن محبة الله تعالي تقود إلي الحياة الأبدية، فهو يريد أن يظهر لطفه، ويتحدث بهذا اللسان، وعندما قال النبي موسي عليه السلام:: «يَا رَبِّ! كَيفَ أَفعَلُ؟»، فجاءه الخطاب منه تعالي
ص: 287
قائلا: «ذَكِّرْهُمْ آلاَئِي وَ نَعْمَائِي لِيُحِبُّونِي»(1).
أنُظروا إلي القرآن الكريم حيث تبين آياته ما فعله الله تعالي : «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا »(2)، إنه يقلب الأوقات والفصول، من الربيع إلي الخريف، ومن الصيف إلي الشتاء، وهو يحرك هذا النظام، وقد بسط مائدة عظيمةعلي وجه الأرض، وأجلس الجميع ليأكلوا منها، بينوا نعم الله إلي العباد، وأن الإنسان لم يكن إلا نطفة نتنة! فكل ما لديه هو من الله سبحانه؛ فماذا بوسعه أن يدعي. لو أدرك الإنسان لوجد أنه ليس بشيء، ولا يملك أي شيء، فما الذي نمتلكه ليدعي المدعي منا أنني عالم؟ أين هو العلم؟ وأين هو الفهم؟ فإذا نام الإنسان غاب عنه كل شيء، ولا يعرف عن الدنيا شيئا، حتي لو كان من أمثال الشيخ الأنصاري قدس سره ، فلا يميز أن كلمة الفقه تكتب بالقاف أو الغين، فالإنسان مسكين إلي هذا الحد، وهؤلاء الذين يصرخون بأننا نفعل كذا وكذا ما إن يحل الظلام حتي يبعث الله عليهم جند النوم، فيصمت كل رئيس، وتخبو جميع الأصوات المرتفعة، وتتبدد جميع هذه القوي في العالم ! حتي أولئك الذين يقولون لو نشاء لفعلنا كذا بالدنيا بواسطة القنبلة النووية، حينما ينتصف الليل ويخلدون إلي النوم لا يدرون عندئذ بما يحل بهم ولا بأزواجهم وأولادهم، فما بالك بقنبلتهم
ص: 288
النووية!
«لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ»،لا بد من فهم هذا جيدا، فلآية الكرسي أهمية كبري(1).(الملحق: 5)«اللَّهُ لَا إِلَلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ...»(2)، فسياق الآيات وتناسقها أمر عجيب.
ابتعدوا عن إثارة الشبهات في أحاديثكم، بل ترصدوا تلك الشبهات الرامية إلي إغواء الناس، واعملوا علي الرد عليها ومعالجتها، والسبيل الأمثل في ردها يتمثل في طرح الجوانب الإيجابية فقط، من الأسس الدينية وفضائل أهل البيت عليهم السلام ، وعدم الخوض في شبهات المذاهب الباطلة؛ لأن الخوض فيها أمر خاطئ، احترسوا فقط لئلا يقع أحد المؤمنين في شراك تلك الشبهات، عندئذ اعملوا علي معالجتها وإزالتها، ولا شك في أن جميع القدرات العلمية في العالم تتلاشي أمام القدرة العلمية المذهب أهل البيت عليهم السلام .
إنها قصة معروفة في مدينة رشت، خلاصتها: أنني عندما عدت من النجف الأشرف، وكنت في ريعان الشباب، توجهت بصحبة المرحوم الشيخ نصر الله الخلخالي قدس سره إلي مدينة رشت، فطلبوا منا البقاء حتي شهر رمضان الكريم، فكنت
ص: 289
ألقي بعض المحاضرات في أحد مساجدها يدعي مسجد «كاسه فروشان»، كنت حينها ذا عزيمة قوية، فقال أهالي المدينة: إن المسيحيين يبشرون لدينهم في مدينتنا، فشرعت في الرد عليهم.
في الليلة الثالثة عشرة من شهر رمضان، اجتمع كبار المسيحيين من مختلف المناطق في مدينة رشت، ولم يسمح لهم بالدخول في المسجد، وانتظروا خارجه، وقد تحدثت في تلك الليلة عن السيد المسيح عليه السلام، وذكرت بعض الإشكالات في هذا المجال، وطلبت منهم الإجابة عنها، حيث كانوا يستمعون إلي المحاضرة، بل قلت لهم : ارفعوا في هذا الأمر تقريرا إلي البابا، وإذا ما ورد الرد منه فسأذيعه من علي هذا المنبر نفسه، ثم انتشرت هذه القصة، وعرفت حينها باسم (ليلة عيسي).
ومنذ ذلك الحين إلي اليوم لم يرد أي جواب، علي الرغم من أنهم أرسلوا الإشكالات المذكورة، وقد تابعت المسألة، لأنها لم تكن ألعوبة. والخلاصة أنني لم أتلق أي جواب يذكر علي الرغم من المتابعة الحثيثة، وقد ثبت أنهم عجزوا عن الرد، فهذه هي قوة مذهب أهل البيت عليهم السلام، لكننا نجهل قدرة هذا الدين وقوة هذا المذهب، مع أن عظمته تفوق البيان.
لكن المصيبة أن شرذمة تافهة من الوهابيين بدؤوا يملؤون بعض المساحات التي رأوها فارغة؛ ليروجوا للوهابية التي لا تعد شيئا يذكر، أعني هؤلاء الذين يؤمنون بالتجسيم وأن الله تعالي جسم(1)، ومن الواضح أنه حينما يعد الله جسما يكون قابلا للتجزئة، وإذا كان قابلا للتجزئة كان مركبا، وإذا مركبا كان محتاجا إلي الأجزاء، وكذا إلي من يركب تلك الأجزاء بعضها مع بعض، إن مستوي تفكير هؤلاء هو الاعتقاد بجسمية الله عزوجل .
ص: 290
ثم إن هؤلاء تغلغلوا في بعض مناطقنا لقصورنا، مع علمنا بقوة مذهبنا حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
«اَلْحَمْدُ للّه ِالَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ، لَا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ وَلَا يُوَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ ، ألّذِي لَا يُدرِكُهُ بُعدُ الهِمَمِ وَ لَا يَنَالُهُ غَوصُ الفِطَنِ،ألّذِي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدّ مَحدُودٌ وَ لَا نَعتٌ مَوجُودٌ وَ لَا وَقتٌ مَعدُودٌ وَ لَا أَجَلٌ مَمدُودٌ فَطَرَ الخَلَائِقَ بِقُدرَتِهِ وَ نَشَرَ الرّيَاحَ بِرَحمَتِهِ وَ وَتّدَ بِالصّخُورِ مَيَدَانَ أَرضِهِ أَوّلُ الدّينِ مَعرِفَتُهُ وَ كَمَالُ مَعرِفَتِهِ التّصدِيقُ بِهِ وَ كَمَالُ التّصدِيقِ بِهِ تَوحِيدُهُ وَ كَمَالُ تَوحِيدِهِ الإِخلَاصُ لَهُ وَ كَمَالُ الإِخلَاصِ لَهُ نفَي ُ الصّفَاتِ عَنهُ. لِشَهَادَة كُلّ صِفَهٍ أَنّهَا غَيرُ المَوصُوفِ وَ شَهَادَة كُلّ مَوصُوفٍ أَنّهُ غَيرُ الصّفَة»(1).هذا هو بيان أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه هي العبودية لله تعالي، مما يكشف أن هذا الدين وهذا المذهب ولم يعرف قدره أحد، وهذا هو سبيل الرد علي الشبهات
الأمر الآخر الجدير بالذكر هو أنه لا ينبغي لكم الاكتفاء بالمنبر الحسيني، بل حاولوا جمع الشباب، واللقاء بهم؛ لمعرفة طاقاتهم وقابلياتهم، وتنشئتهم تنشئة دينية، وتفهيمهم عظمة هذا المذهب، فإذا اشتد ساعدهم وارتفع مستواهم فسيتمكنون من إيصال الشبهات إليكم لتردوا عليها وتعلمونها لهم.
وأعدوا أيضا أفرادا عالمين بالأحكام الدينية ليملؤوا الفراغ، ويسدوا النقص في غيابكم، فلو استطعتم القيام بمثل ذلك، فلا ريب أن اسمكم سيكتب تحت اسم حبيب بن مظاهر، وتعودون من السفر ملأي اليدين.
ص: 291
ثمة حكاية لا أنساها أبدا، وقد ذكرتها مرارا في أماكن متعددة، ولكن مهما ذكرتها يبقي قليلا، وسأنقلها لكم بإذن الله تعالي.
كان الميرزا الشيرازي قدس سره من كبار علماء التشيع، بل هو فحل الفحول، ومن أبرز تلامذته الآخوند الخراساني قدس سره، الذي حضر درسه أربع سنوات، ليصبح إثر ذلك الآخوند المعروف. ولا يخفي أن الأسس الفكرية للميرزا النائيني قدس سره هي ذات الأسس الفكرية للميرزا الشيرازي قدس سره، وكانت له منزلة علمية ومكانة اجتماعية كبيرة في الأوساط المختلفة، وفي السنوات الأخيرة لم يكن من السهل الوصول إلي الميرزا واللقاء به، بل كان بابه مغلقا إلا أمام بعضالخواص، من أمثال السيد محمد الفشاركي والشيخ محمد تقي الشيرازي.
ذات يوم طرق بابه شيخ رث الثياب طالبا زيارته واللقاء به، فقال له الخادم: ماذا تقول أيها الشيخ! يأتي إلي هنا الأعلام ولا تتوفر لدي الشيخ فرصة اللقاء بهم، وتريد أنت زيارته؟ فرد الشيخ: ليس عليك سوي أن تخبر الميرزا أن الشيخ فلانا علي الباب، وبالفعل جاء الخادم وأخبر الميرزا بذلك، فما كان منه إلا أن نهض من مكانه مسرعا وارتدي ملابسه، ووضع عمامته علي رأسه، وجاء نفسه لاستقباله، ثم أدخل الشيخ علي رثاثة ثيابه، وأجلسه في صدر المجلس، وجلس بين يديه بكل أدب واحترام وسط تعجب الجميع وتسائلهم: ماذا يعني هذا التصرف؟ من هذا الشيخ؟ وما هي حكايته؟
وبعد مدة تبادلا فيها أطراف الحديث، نهض الشيخ مستأذنا في الانصراف، فشيعه الميرزا إلي باب الدار، وودعه عندئذ، فسأله الأساطين من تلاميذ الميرزا: من هذا الرجل؟ ولماذا تصرفت معه بهذه الطريقة؟
ص: 292
بينا هم ينظرون إليه إذ تنهد الميرزا الشيرازي، تأملوا ذلك جيدا، فقد كانت للميرزا منزلته العلمية، بحيث كان تلامذته يبالغون في مراعاته، لوقوفهم علي مكانته ومقامه، وبعد مضي فترة استعاد الميرزا فيها أنفاسه قال لهم : سأخبركم بخلاصة حكاية هذا الشيخ: إن أمنيتي أن تنقل جميع الدروس التي درستها، والتلاميذ الذين تخرجوا علي يدي، والفتاوي التي أصدرتها، من سجلي إلي سجل هذا الشيخ، وفي المقابل أن ينقل ما قام به هذا الشيخ إلي سجلي، فأثار هذا الكلام مزيدا من الاستغراب لدي الحاضرين!
وتابع قائلا: القصة كما يلي، كان هذا الشيخ زميلي في الدرس والمباحثة، وذات يوم جاءني ليقول: عزمت علي الرحيل، فقلت: إلي أين؟ قال: أريد الذهاب إلي المنطقة الفلانية في إحدي القري لأعيش فيها، فقلت له: إن مستقبلا؟ زاهرا ينتظرك بسبب نبوغك وألمعيتك، فكيف تريد أن تذهب إلي هذه المنطقة النائية؟ فرد: أري أن تكليفي يحتم علي الرحيل، ورحل الشيخ.. تأملوا جيدا ماذا فعل هؤلاء؟ فإن أيام هذه الدنيا في انصرام، ولا تمكث بعدها سوي الحسرة!
ذهب الشيخ إلي تلك القرية التي يقطنها أهل السنة فقط، ولا يقطنها شيعي واحد، فجمع سكانها، وقال لهم : أيها الناس! جئت لتأسيس كتاب لتعليم القرآن، فأرسلوا أبناءكم لأعلمهم أحكام القرآن الكريم، ولا أريد منكم أجرا مقابل ذلك، والناس في القري والأرياف يسألون الله أن يأتيهم من يعلم أبناءهم القرآن، ولا سيما إذا كان ذلك مجانا، أولئك الفقراء الذين لا تقوي قلوبهم علي التفريط بأزهد الأموال.
وهكذا افتتح الشيخ كتابا في مسجد القرية، وكان يخرج ليلا لجمع فتات الخبز اليابس الذي يلقيه سكان القرية أمام بيوتهم ليقتات عليه، وبدأ يعلم الأطفال
ص: 293
القرآن، ويربيهم علي مودة أمير المؤمنين عليه السلام، يقول الميرزا: فبدأ هؤلاء الأطفال يؤثرون في آبائهم وأمهاتهم شيئا فشيئا، وأخيرا تمكن هذا الشيخ أن يحول جميع تلك المنطقة إلي مذهب التشيع بواسطة هذا العمل، فأي عمل عظيم هذا؟
فإذا بعث هذا الشيخ من قبره يوم القيامة فإن ألف شخص من أمثالنا لا يعدلون تراب قدميه، هذا هو الفن، لقد عمل هذا الشيخ بهذا النحو في تلك القرية، فلا ينبغي استصغار مثل هذه الأعمال، فمن الممكن القيام بأعمال مشابهة .
إن جري التحضير لعملكم بصورة جيدة، وكان هذا العمل يسير وفق برنامج مدروس، فسيكون بوسعكم الاستفادة القصوي من جميع أسفاركم، ومن جملة الوظائف الملقاة علي عاتقكم بيان الأمور الأخلاقية للناس.
ومن وظائفكم الأخري في مجالس العزاء بيان فضائل أهل البيت عليهم السلام(1).
(الملحق: 6)، فلتكن هذه الأمور من أركان منابر كم.
لا تتجاوزوا الروايات أيضا، فلا تقرؤوا للناس الصحف؛ لأن هناك الكثيرين ممن يتصدون لهذا العمل، بل كرسوا جميع جهودكم لنشر الدين فقط.
ص: 294
لا تروجوا لأحد مطلقا، ولا أجيز لكم أن تذكروا اسمي، أو تحاولوا الترويج لرسالتي العملية بين الناس، بل اعملوا علي إحياء المذهب فقط، وليقلد كل واحد من يشاء من المراجع.
وانقلوا إلي الناس المسلمات من الدين والأحكام الدينية، ولا تذكروا إلا اسم الله والمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام.
ص: 295
ص: 296
قالت السيدة زينب عليها السلام لأخيها الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء: «أخي [يا بن أم ]! هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فإني أخشي أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة! فبكي عليه السلام وقال: أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم، وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه».(البهبهاني، الدمعة الساكبة: ج4، ص273؛ المقرم، مقتل الحسين: ج1، ص226؛ المازندراني، معالي السبطين: ج 1، ص 341).
١- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قال: «قالَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السّلام لِأَصحابِهِ قَبلَ أن يُقتَلَ:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلّي اللّه عليه و آله قالَ:يا بُنَيَّ إنَّكَ سَتُساقُ إلَي العِراقِ،وهِيَ أرضٌ قَدِ التَقي بِهَا النَّبِيّونَ وأوصِياءُ النَّبِيّينَ، وهِيَ أرضٌ تُدعي عَمورا،وإنَّكَ تُستَشهَدُ بِها ويُستَشهَدُ مَعَكَ جَماعَهٌ مِن أصحابِكَ،لا يَجِدونَ ألَمَ مَسِّ الحَديدِ،وتَلا: «قُلْنا ينارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ»،تَكونُ الحَربُ عَلَيكَ وعَلَيهِم بَرداً وسَلاماً. أَبشِروا؛فَوَاللّهِ لَئِن قَتَلونا،فَإِنّا نَرِدُ عَلي نَبِيِّنا».(قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح، ج2، ص848؛ حسن بن سليمان الحلي، مختصر بصائر الدرجات: ص37 و 50؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 53، ص 62).
2- عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «خَرَجَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَسِيرُ بِالنَّاسِ حَتَّي إِذَا كَانَ مِنْ كَرْبَلاَءَ عَلَي مَسِيرَة مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّي صَارَ بِمَصَارِعِ اَلشُّهَدَاءِ ثم قَالَ قُبِضَ فِيهَا مِئَتَا نَبِيٍّ وَ مِئَتَا وَصِيٍّ وَ مِئَتَا سِبْطٍ كُلُّهُم شُهَدَاءَ بِأَتْبَاعِهِمْ فَطَافَ بِهَا عَلَي
ص: 297
بَغْلَتِهِ خَارِجاً رِجْلَهِ مِنَ اَلرِّكَابِ وَ فأَنْشَأَ يَقُولُ: مُنَاخُ رِكَابٍ وَ مَصَارِعُ شُهَدَاءَ لاَ يَسْبِقُهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ وَ لاَ يَلْحَقُهُمْ مَنْ اَتَي بَعْدَهُمْ (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 453 و 454؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص 73).
٣- قَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام: «...فَإِذَا بَرَزَتْ تِلْكَ الْعِصَابَهُ إِلَي مَضَاجِعِهَا تَوَلَّي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَبْضَ أَرْوَاحِهَا بِيَدِهِ وَ هَبَطَ إِلَي الْأَرْضِ مَلَائِكَهٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَة مَعَهُمْ آنِيَة مِنَ الْيَاقُوتِ وَ الزُّمُرُّدِ مَمْلُوَّة مِنْ مَاءِ الْحَيَاة وَ حُلَلٌ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّة وَ طِيبٌ مِنْ طِيبِ الْجَنَّة فَغَسَّلُوا جُثَثَهُمْ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَ أَلْبَسُوهَا الْحُلَلَ وَ حَنَّطُوهَا بِذَلِكَ الطِّيبِ وَ صَلَّتِ الْمَلَائِكَة صَفّاً صَفّاً عَلَيْهِمْ...».(ابن قولويه، كامل الزيارات: ص266-260؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص59؛ ج 45، ص128).
4 - عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ : عَنْ أُمِّ سَلَمَهَ (رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهَا) «أَنَّهَا أَصْبَحَتْ يَوْماً تَبْكِي فَقِيلَ لَهَا مَا لَكِ؟ فَقَالَت: لَقَدْ قُتِلَ اِبْنِيَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُنْذُ مَاتَ إِلاَّ اَللَّيْلَهَ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا لِي أَرَاكَ شَاحِباً؟ فَقَالَ لَمْ أَزَلْ مُنْذُ اَللَّيْلَهِ أَحْفِرُ قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ وَ قُبُورَ أَصْحَابِهِ[ما زلت الليلة احفر قبوراً للحسين و اصحابه عليهم السلام]».(الشيخ الصدوق، الأمالي : ص 202؛ الشيخ المفيد، الأمالي : ص319؛ الشيخ الطوسي، الأمالي : ص 90؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص 170؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص230).
عَنِ اَلْإِمَامِ اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ عليه السلام، عَنْ أَمِيرِ الْمُومِنِينَ عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: «...اعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ وَ أَنَّ سَفِينَهَ نَجَاتِهَا آلُ مُحَمَّدٍ عليه السلام».(التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام: ص 432؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 17، ص 242).
ص: 298
كذلك: قَالَ أَمِيرُ الْمُومِنِينَ عليه السلام في قوله تعالي: «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَهَ »:«أنَا الْوَسِيلَتُهُ».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 273؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 2، ص 292).
ورَوَي عن عِكْرِمَة في قوله: «اُولئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ اِلي رَبِّهِمُ الْوَسيلَهَ »قال: «هم النبي وعلي وفاطمه والحسن والحسين عليهم السلام ».
مصادر أهل السنة : الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: ج1،ص446.
وروي أَيْضاً قَالَ علي بن موسي الرضا عليه السلام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: « اَلْأَئِمَّة مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام، مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اَللَّهَ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَي اَللَّهَ هُمُ اَلْعُرْوَة اَلْوُثْقَي وَهُمُ الْوَسِيلَة إِلَي اللّه عز و جل».(الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2، ص63؛ حسن بن سليمان الحلي، المحتضر: ص165).
مصادر أهل السنة: القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي : ج2، ص318.
وروي [قالت فاطمة الزهراء عليها السلام]: «ونحن [فنحن] وسيلته في خلقه، ونحن خاصته، ومحل قدسه، [ونحن آل رسوله] ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثه أنبيائه».(الطبري، دلائل الإمامة: ص114؛ ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة : ج 5، ص105).
مصادر أهل السنة : الجوهري، السقيفة وفدك: ص101؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج16، ص211
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ "قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ" إِحْدَي عَشْرَةَ مَرَّةً حِينَ يَأْوِي إِلَي فِرَاشِهِ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ وَ شُفِّعَ فِي جِيرَانِهِ فَإِنْ قَرَأَهَا مِئَةَ مَرَّة غُفِرَ ذَنْبُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ خَمْسِينَ سَنَةً».(السيد ابن طاووس، فلاح السائل :
ص: 299
ص275؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 73، ص205).
قال أبو عبد الله عليه السلام: «إن الله العزيز الجبار عرج بنبيه صلي الله عليه و آله إلي سمائه ... فقال له: اقرأ "قل هو الله أحد" كما أنزلت فإنها نسبتي ونعتي...».(الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج2، ص315؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج18، ص358).
وروي في الحديث: «لكل شيء نسبة ونسبة الله سورة الإخلاص».(الملا فتح الله الكاشاني، تفسير منهج الصادقين: ج10، ص391؛ الملا فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير: ج 7، ص551؛ الشيخ محمد القمي المشهدي، تفسير كنز الدقائق: ج14، ص505).
وروي عن مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «إِنَّ اَلْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله فَقَالُوا: اُنْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَلَبِثَ ثَلاَثاً لاَ يُجِيبُهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ«قُل هُوَاللهُ اَحَدٌإِ»الي آخِرِهَا ».(الكليني، الكافي: ج1، ص91؛ الشيخ الصدوق، التوحيد: ص93؛ الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج10، ص 485؛ الفيض الكاشاني، تفسيرالصافي: ج 5، ص390؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 3، ص220).
وقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: اني قُلْتُ فِي نَفْسِي أَشْتَهِي أَنْ أَعْلَمَ مَا يَقُولُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلْقُرْآنِ أَهُوَ مَخْلُوقٌ أَو انه غَيْرُ مَخْلُوق ٍوالقرآن سوي الله؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَفقَالَ: «أَمَا بَلَغَكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمَّا نَزَلَتْ «قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ»خَلَقَ اَللَّهُ لها أَرْبَعَةَ آلاَفِ جَنَاحٍ، فَمَا كَانَتْ تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَة إِلاَّ خَشَعُوا لَهَا، وَ قَالَوا: هَذِهِ نِسْبَة اَلرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي».(قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح : ج2، ص686؛يوسف بن حاتم العاملي الشامي، الدر النظيم: ص 744، العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج50، ص254).
ص: 300
وروي في مصادر أهل السنة: «أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا للنبي صلي الله عليه و آله : يَا مُحَمَّدُ، اُنْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبارَكَ وَتَعالي: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ»».(أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5، ص134؛ الترمذي، سنن الترمذي: ج5، ص121؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2، ص540؛ أحمد بن الحسين البيهقي، شعب الإيمان: ج1، ص114؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج10، ص 332؛ فخر الدين الرازي، تفسير الرازي: ج32، ص176؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 7، ص146؛ ابن حجر، فتح الباري: ج8، ص568).
قال أبو جعفر اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «مَنْ قَرَأَ آيَة اَلْكُرْسِيِّ مَرَّة صَرَفَ اَللَّهُ عَنْهُ أَلْفَ مَكْرُوهٍ مِنْ مَكْرُوهِ اَلدُّنْيَا وَ أَلْفَ مَكْرُوهٍ مِنْ مَكْرُوهِ اَلْآخِرَة أَيْسَرُ مِنْ مَكْرُوهِ اَلدُّنْيَا اَلْفَقْرُ وَ أَيْسَرُ مَكْرُوهِ اَلْآخِرَهِ عَذَابُ اَلْقَبْرِ»(الشيخ الصدوق، الأمالي : ص158؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 89، ص262).
وقال أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «مَنْ قَرَأَ آيَة اَلْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَة مَكْتُوبَة تُقُبِّلَتْ صَلاَتُهُ وَ يَكُونُ فِي أَمَانِ اَللَّهِ وَ يَعْصِمُهُ اَللَّهُ».(قطب الدين الراوندي، الدعوات: ص 84؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 83، ص 34).
وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أنه قال: «سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ عَلَي أَعْوَادِ اَلْمِنْبَرِ وَ هُوَ يَقُولُ: مَنْ قَرَأَ آيَة اَلْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَة مَكْتُوبَة لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ اَلْجَنّة إِلاَّ اَلْمَوْتُ وَ لاَ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا إِلاَّ صِدِّيقٌ أَوْ عَابِدٌ وَ مَنْ قَرَأَهَا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ آمَنَهُ اَللَّهُ عَلَي نَفْسِهِ وَ جَارِهِ وَ جَارِ جَارِهِ وَ اَلْأَبْيَاتِ حَوْلَهُ».(الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق: ص288؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 73، ص195).
ص: 301
عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنِّي مَرَرْتُ بِقَاصٍّ يَقُصُّ وَ هُوَ يَقُولُ: هَذَا اَلْمَجْلِسُ لاَ يَشْقَي بِهِ جَلِيسٌ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! أَخْطَأَتْ أَسْتَاهُهُمُ اَلْحُفْرَة ، إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَة سَيَّاحِينَ سِوَي اَلْكِرَامِ اَلْكَاتِبِينَ فَإِذَا مَرُّوا بِقَوْمٍ يَذْكُرُونَ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ ، قَالُوا: قِفُوا فَقَد اَصَبتُم حَاجَتَكُم فَيَجْلِسُونَ فَيَتَفَقَّهُونَ مَعَهُمْ فَإِذَا قَامُوا عَادُوا مَرْضَاهُمْ وَ شَهِدُوا جَنَائِزَهُمْ وَ تَعَاهَدُوا غَائِبَهُمْ فَذَلِكَ اَلْمَجْلِسُ اَلَّذِي لاَ يَشْقَي بِهِ جَلِيسٌ».(الكليني، الكافي: ج 2، ص186؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج16، ص345؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 71، ص 259).
ورُويَ عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ «لَيْسَ شَيْءٌ أَنْكَي لِإِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ مِنْ زِيَارَة الْإِخْوَانِ فِي اللَّهِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ قَالَ: وَإِنَّ الْمُؤْمِنَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ ثُمَّ يَذْكُرَانِ فَضْلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلَا يَبْقَي عَلَي وَجْهِ إِبْلِيسَ مُضْغَة لَحْمٍ إِلَّا تَخَدَّدُ حَتَّي إِنَّ رُوحَهُ لَتَسْتَغِيثُ مِنْ شِدَّة مَا يَجِدُ مِنَ الْأَلَمِ فَتَحُسُّ مَلَائِكَة السَّمَاءِ وَ خُزَّانُ الْجِنَانِ فَيَلْعَنُونَهُ حَتَّي لَا يَبْقَي مَلَكٌ مُقَرَّبٌ إِلَّا لَعَنَهُ فَيَقَعُ خَاسِئاً حَسِيراً مَدْحُوراً».(الكليني، الكافي: ج 2، ص 188؛ الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج16، ص 348؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 60، ص258).
وقال الإمام الصادق عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي جَعَلَ لِأَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَضَائِلَ لَا يُحْصِي عَدَدَهَا غَيْرُهُ، فَمَنْ ذَكَرَ فَضِيلَة مِنْ فَضَائِلِهِ مُقِرّاً بِهَا غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ وَ لَوْ وَافَي اَلْقِيَامَة بِذُنُوبِ اَلثَّقَلَيْنِ وَ مَنْ كَتَبَ فَضِيلَة مِنْ فَضَائِلِ علي ابن ابي طالب عليه السلام لَمْ تَزَلِ اَلْمَلاَئِكَة تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا بَقِيَ لِتِلْكَ اَلْكِتَابَة رَسْمٌ وَ مَنِ اِسْتَمَعَ إِلَي فَضِيلَة مِنْ فَضَائِلِهِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ اَلذُّنُوبَ اَلَّتِي اِكْتَسَبَهَا بِالاِسْتِمَاعِ
ص: 302
وَ مَنْ نَظَرَ إِلَي كِتَابٍة فِي فَضَائِلُهُ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ اَلذُّنُوبَ اَلَّتِي اِكْتَسَبَهَا بِالنَّظَرِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله : اَلنَّظَرُ إِلَي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عِبَادَة، وذكره عِبَادَة، ولا يَقبَلُ إيمانَ عَبدٍ إلّا بِوَلايَتِة وَالبَراءَة مِن أعدائِهِ».(الشيخ الصدوق، الأمالي: ص201؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص114؛ ابن جبر، نهج الإيران: ص25؛ الشيخ محمد السبزواري، معارج اليقين: ص 55؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 38، ص196).
ص: 303
ص: 304
23 كانون الأول 2008م = 24 ذو الحجة 1429 ه_
ص: 305
ص: 306
بما أننا علي أعتاب شهر محرم الحرام، لا بد من التأمل الشديد والتدقيق العميق في هذه الآية الشريفة:«فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ »(1) ، ولا يخفي أن مادة يتفقهوا هي ال_ «فقه»، والهيئة هي التفعل.
ينبغي أن يهضم العقل الإنساني معني الفقه و فهم الدين، فلا بد أن يعرف أولاما هو الدين؟ إذ ما لم تتحقق معرفة الدين لا تتحقق معرفة فقه الدين، «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»(2).
وهنا نتساءل: علي أي درجة من الأهمية يقع الفقه وفهم الدين الذي هو حصيلة بعثة جميع الأنبياء عليهم السلام؟
إن العلة المبقية لهذا الدين هي نهضة سيد الشهداء عليه السلام، فقط (3) فما مدي أهمية فهم هذا الأمر العظيم الذي تتوقف عليه بعثة جميع الأنبياء عليهم السلام ، ونزول جميع الكتب السماوية؟
تثار اليوم شبهات حول إقامة مراسم العزاء، ومن اللازم عليكم جميعا أن تستعدوا لردها علي صعيدي النفي والإثبات، فمن الممكن أن يؤدي تراكم الجهل
ص: 307
أن يتصور البعض أن إقامة العزاء بهذه الطريقة من الحماس والعاطفة والصياح نحو من التطرف المفضي إلي الوهن.
لا بد أولا من معرفة من هم أولئك الذين يعتبرون تكريم الثورة الحسينية وإجلال يوم عاشوراء موجبا للوهن ؟ إنهم لا يخرجون عن قسمين: قسم مرتبط بالإسلام، وقسم من غير المسلمين.
أما أولئك المنتسبون إلي الإسلام ممن يتصورون أن لا معني لهذا الحماس والنياح في هذا اليوم، فإنهم يتخبطون في دوامة، بحيث لا يستطيع علماؤهم - وإن اجتمعوا - الرد علي ما سأقوله، فهؤلاء الذين يثيرون الإشكالات حول عاشوراء، ويعتبرون شعائر هذا المذهب موهنة للدين، يعتقدون أن الله ينزل من السماء إلي الأرض كل ليلة جمعة، وأنه يبقي في الأرض من الغروب حتي طلوع الشمس، فإذا طلع الفجر قفل عائدا إلي السماء(1).(الملحق:1).
فهل يحق لهذه الزمرة ولهذا المذهب الموهوم أن ينظر إلي عاشوراء وشعائر التشيع بعين الوهن ؟!
لقد وصل بهم فقدان الإدراك وتدني الشعور إلي درجة أنهم لا يعون أن الله لو
ص: 308
كان ليلة الجمعة في الأرض فكيف تبقي السماء دون إله؟ وكيف تبقي الأرض من دونه حينما يكون طيلة أيام الأسبوع الأخري في السماء؟ هذا فضلا عن الأمور الفلسفية الدقيقة التي ذكرت في إبطال مقولتهم.
فاعرفوا قدر هذا المذهب، فإن هذا المطلب يمثل أساس المذهب لتلك الجماعة التي تناصب العداء للتشيع، مدعية أنها تحمل لواء التوحيد، إن هؤلاء غرقي في مستنقع الوهم والضلال، فأي حق لمثل هؤلاء أن تكون لهم وجهة نظر في واقعة عاشوراء؟!
والقسم الآخر هم الخارجون عن دائرة الإسلام، أعم من البابا وأتباعه، فإذا كانت لهؤلاء كفاءة علمية تمكنهم من انتقاد الأديان والمذاهب الأخري، فلينتشلوا أنفسهم من دوامة «العشاء الرباني»الموهوم!(1).
ص: 309
إن أوهام هذه الفئة وضعف إدراكها العقلي بلغ حدا، بحيث إنهم يعدون في مراسم العشاء الرباني عجينا، يصنعون منه خبزا، ويأكلونه، ظنا من البابا وأتباعه أن عيسي المسيح الذي هو كلمة الله بنص الإنجيل أيضا (1)يحل في ذلك الخبز، وبعد أن يحل الإله فيه يتناوله أتباعه، فيمتزج لحمهم ودمهم بهذا الإله! هذا جزء من أوهام هؤلاء.
من كمال الحقارة ومنتهي الدناءة العمل علي إضعاف الشعائر الحسينية في هذه البلاد؛ لئلا تنظر مثل هذه الأمم الغارقة في الأوهام والتخيلات بعين الوهن والاستخفاف إلي هذه الشعائر، والمصيبة في أن يهيمن علي الناس مستوي من الجهل يخيل إليهم معه أن مراسم العزاء تحمل طابعا من الإفراط، فلا بد من الحد منها.
من هنا ينبغي فقه الدين وفهمه؛ فجميع هذه المصائب ناجمة عن الجهل، فإن كل هذا الحماس الحسيني في مراسم العزاء في هذا البلد، وكل ما تقوم به المواكب والهيئات الدينية، ليس لها قيمة تذكر مقابل عظمة مصيبة عاشوراء! فلا الإمام الحسين عليه السلام قد عرف حق معرفته، ولا العمل الذي قام به كذلك.
روي محمد بن علي القمي قدس سره ، ذلك الشخص الذي صحح العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي سندين من أسانيد الشيخ الصدوق بوجوده، (2)أي شيخ
ص: 310
الشيخ الصدوق قدس سره، مثل هذا الرجل يروي عن علي بن إبراهيم القمي، الثقة الثبت، عن إبراهيم بن هاشم(1) العدل الثقة وشيخ القميين في عصره، عن الريان بن شبيب الذي وثقه النجاشي (2). فالسند مثل هذا السند.
قال الريان الموثق بتوثيق النجاشي: «دَخَلتُ عَلَي الرّضَا عَلَيهِ السَّلام فِي أَوَّلِ يَومٍ مِنَ المُحَرَّمِ...».تأملوا جيدا لتفهموا ما هي عاشوراء؟ وأي واقعة هي؟ ومن الذي نطق بهذا الكلام؟ وبهذا السند الموثق؟
إن قائل هذا الكلام هو من تعدل زيارة قبره سبعين ألف حجة لبيت الله الحرام،وفقا لرواية صحيحة السند، وسندها من ذلك النوع الذي يفتي أمثال الشيخ الأنصاري طبقا له (3)، والمتحدث في هذا المجال مثل هذا الشخص! من هنا ينبغي
ص: 311
أن تتأملوا، فإن الفقه في الدين يعني الالتفات إلي مثل هذه اللطائف والدقائق؛ بغية الوصول إلي عمق الموضوع.
قال كلاما يصعب علي النطق به - فضلا عن فهمه - حيث يقول عليه السلام: «يَابْنَ شَبيبٍ! اِنْ كُنْتَ باكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام(1)
فهل ثمة مفهوم أعم من الشيء؟ هذا يعني أن جميع مصائب الأنبياء والأوصياء والأولياء والشهداء عليهم السلام مندرجة تحت مفهوم الشيء.
«اِنْ كُنْتَ باكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام»، من هو الحسين عليه السلام ؟ وماذا فعل؟ وأي واقعة هي واقعة عاشوراء؟ تأملوا في ذلك جيدا!
فإذا خطر ببالكم يوم إبراهيم عليه السلام فاعلموا أنه «لَا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ»، وإذا خطر ببالكم يوم موسي عليه السلام فاعلموا أنه «لَا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ»، وإذا خطر ببالكم يوم عيسي عليه السلام فاعلموا أنه «لَا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ »(2).
ص: 312
حسبكم جملة أخري، قال الإمام عليه السلام مال متابعة كلامه في الرواية الماضية: «يَا ابْنَ شَبِيبٍ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عليهم السلام أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ جَدِّي عليه السلام أَمْطَرَتِ اَلسَّمَاءُ دَماً وَ تُرَاباً أَحْمَرَ». فأي واقعة هذه؟ وأي مصيبة؟
أخرج الذهبي، بل والسيوطي أيضا، بل وأغلب المؤرخين والمحدثين والمفسرين من أهل السنة، أخرجوا هذا الحديث: «احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر»(1) (الملحق :2)، أوجه هذا الكلام بطبيعة الحال إلي أهل السنة؛ ليعرفوا مسؤوليتهم في يوم عاشوراء، أما الشيعة فلديهم مسؤولية أخري.
ص: 313
وقد عزا ابن الجوزي سبب احمرار الأفق إلي غضب الرب، فحلل ذلك قائلا: «كأن الغضبان يحمر وجهه عند الغضب... الحق سبحانه وتعالي ليس بجسم، فأظهر تأثير عظمته [غضبه] علي من قتل الحسين عليه السلام بحمرة الأفق»(1) هذا كلام أحد أكبر علماء أهل السنة، وقد كانت القضية بنظر جميع علمائهم من المسلمات، بحيث وصلت النوبة إلي التبرير العلمي.
أما من جهة الخاصة، ومن وجهة نظر الشيعة فما هو الواجب؟ لا بد هنا أيضا من الرجوع إلي كلام ثامن الحجج عليه السلام، لمن يقول: لا تلطموا الصدور و لا تضربوا بالسلاسل؛ لأن في ذلك ضررا، وهي شبهات يلقيها بعض العوام في أذهان الناس؛ ولذا يجب عليكم التسلح بفقه هذا الدين بمنتهي القوة والقدرة! فلو اجتمع جميع العلماء والفقهاء من الشيخ الطوسي قدس سره حتي الشيخ الأنصاري قدس سره لما كانوا يعدلون نفسا من أنفاس الإمام الرضا عليه السلام، بل لا بد من أن يفتديه من سلمان فصاعدا ليبقي نفس واحد من أنفاسه الطاهرة، فمثل هذا الشخص يقول: «إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ
ص: 314
جُفُونَنَا، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا »(1). وقد كان بكاء الإمام الرضا عليه السلام باختياره، فكم بكي عليه السلام حتي أقرح البكاء جفونه، إنه عليه السلام يعرف حقيقة تلك الواقعة وما جري فيها؟
إن أردتم معرفة حقيقة هذه القضية فلا بد لكم من التدبر في الآيات القرآنية التالية، ويلزم بداية معرفة العرش، فما هو العرش؟
لاحظوا كلمة العرش في أي آيات القرآن قد وردت؟ فقد وصف العرش بالكريم في بعض الآيات: «فَتَعلَي اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لآ إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»(2)، ونعت في آية أخري بالعظيم: «اللَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(3)، وفي آية أخري بالمجيد: «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ»(4)
بالنسبة إلي أمره تعالي قال تعالي لما تحدث عن تدبير الأمر: «ثُمَّ اسْتَوي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ»(5)، وقال أيضا: «وَتَرَي الْمَلَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ» (6)
وبالنسبة إلي النبي الكريم صلي الله عليه و آله فقد أمره تعالي بإظهار مقام التوكل قائلا: «عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(7). وحينما وصل الدور لمرحلة التسبيح قال تعالي: «فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ»(8)، «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ
ص: 315
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ»(1)، «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ»(2). فهذه الآيات تكشف عن عظمة العرش الإلهي.
وفي ليلة المعراج التي أشار الباري عز و جل إلي عظمتها بقوله: «سُبْحنَ الَّذي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلاً»(3) قد عرج الله تعالي بحبيبه المصطفي صلي الله عليه و آله إلي الملأ الأعلي(4) وغاية مراتب القرب: «فَأَوْحَي إِلَي عَبْدِهِ مَآ أَوْحَي»(5)، فقال النبي الكريم صلي الله عليه و آله حينئذ: نظرت إلي العرش، فرأيت أنه قد كتب علي قائمة من قوائمه: «اِنَّ الْحُسين مِصباحُ الْهُدي
وَ سَفينَهُ الْنِّجاة»(6)
إن لسيد الشهداء عليه السلام من العظمة والمقام الرفيع ما دعا الباري جل وعلا إلي تزيين عرشه المتصف بالصفات المذكورة باسم الإمام الحسين عليه السلام؛ ومنه ينبغي أن يفهم سبب قول الإمام الرضا عليه السلام: «إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا».
وعلي هذا الأساس، فمراسم العزاء الحالية لا تتناسب مع ما يستحقه الإمام عليه السلام؛ ولذا ينبغي الاحتفاء بعاشوراء في كل سنة أكثر من السنة السابقة لها، ويجب زيادتها كما وكيفا(7)
ص: 316
ثمة حديث محير للألباب، وعلي الناس أن يعلموا أن هذه الواقعة المذكورة فيه تتكرر في كل يوم، نص الحديث كما يلي:
عن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «إِذَا زُرْتُمْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَالْزَمُوا الصَّمْتَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وَ إِنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ مِنَ الْحَفَظَةِ تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ بِالْحَائِر،ِ فَتُصَافِحُهُمْ فَلَا يُجِيبُونَهَا مِنْ شِدَّةِ الْبُكَاءِ، فَيَنْتَظِرُونَهُمْ حَتَّي تَزُولَ الشَّمْسُ وَ حَتَّي يُنَوِّرَ الْفَجْرُ ثُمَّ يُكَلِّمُونَهُمْ وَ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ. فَأَمَّا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فَإِنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ وَ لا يَفْتُرُونَ عَنِ الْبُكَاءِ وَ الدُّعَاءِ، وَ لَا يَشْغَلُونَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِهِمْ فَإِنَّمَا شُغُلُهُمْ بِكُمْ إِذَا نَطَقْتُمْ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الَّذِي يَسْأَلُونَهُمْ عَنْهُ قال: وَ أَيُّهُمْ يَسْأَلُ صَاحِبَهُ الْحَفَظَةُ أَوْ أَهْلُ الْحَائِرِ؟ قَالَ أَهْلُ الْحَائِرِ يَسْأَلُونَ الْحَفَظَةَ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَائِرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَبْرَحُونَ وَ الْحَفَظَةُ تَنْزِلُ وَ تَصْعَدُ. قُلْتُ: فَمَا تَرَي يَسْأَلُونَهُمْ عَنْهُ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يَمُرُّونَ إِذَا عَرَجُوا بِإِسْمَاعِيلَ صَاحِبِ الْهَوَاءِ، فَرُبَّمَا وَافَقُوا النَّبِيَّ صلي الله عليه و آله وَ عِنْدَهُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ الْأَئِمَّةُ مَنْ مَضَي مِنْهُمْ فَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمُ الْحَائِرَ وَ يَقُولُونَ بَشِّرُوهُمْ بِدُعَائِكُمْ. فَتَقُولُ الْحَفَظَةُ: كَيْفَ نُبَشِّرُهُمْ وَ هُمْ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَنَا؟ فَيَقُولُونَ لَهُمْ: بَارِكُوا عَلَيْهِمْ وَ ادْعُوا لَهُمْ عَنَّا فَهِيَ الْبِشَارَةُ مِنَّا فَإِذَا انْصَرَفُوا فَحِفُّوهُمْ بِأَجْنِحَتِكُمْ حَتَّي يُحِسُّوا مَكَانَكُمْ وَ إِنَّا نَسْتَوْدِعُهُمُ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ وَ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي زِيَارَتِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَ يَعْلَمُ ذَلِكَ النَّاسُ لَاقْتَتَلُوا عَلَي زِيَارَتِهِ بِالسُّيُوفِ وَ لَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ فِي إِتْيَانِهِ وَ إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِمْ وَ مَعَهَا أَلْفُ نَبِيٍّ
ص: 317
وَ أَلْفُ صِدِّيقٍ وَ أَلْفُ شَهِيدٍ وَ مِنَ الْكَرُوبِيِّينَ أَلْفُ أَلْفٍ يُسْعِدُونَهَا عَلَي الْبُكَاءِ وَ إِنَّهَا لَتَشْهَقُ شَهْقَةً فَلَا يَبْقَي فِي السَّمَاوَاتِ مَلَكٌ إِلَّا بَكَي رَحْمَةً لِصَوْتِهَا وَ مَا تَسْكُنُ حَتَّي يَأْتِيَهَا النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله [أَبُوهَا ] فَيَقُولُ: يَا بُنَيَّةِ! قَدْ أَبْكَيْتِ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَ شَغَلْتِهِمْ عَنِ التَّسْبِيحِ وَ التَّقْدِيسِ فَكُفِّي حَتَّي يُقَدِّسُوا فَ «إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ»، وَ إِنَّهَا لَتَنْظُرُ إِلَي مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ فَتَسْأَلُ اللَّهَ لَهُمْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَ لَا تَزْهَدُوا فِي إِتْيَانِهِ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِي إِتْيَانِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَي(1) (الملحق:3)
وقد ذكر الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام عبارة ليعي الجميع حجم المصيبة حيث قال: «يَا ابْنَ شَبِيبٍ! إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ»(2).
فالمصيبة أنه ذبح عطشانا و محروما من الماء: «حَتَّي يَحُولَ اَلْعَطَشُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلسَّمَاءِ كَالدُّخَانِ»(3)
ص: 318
قال رسول الله (صلي الله عليه [و آله] و سلم): «إنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حتَّي إذا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ [ثم] نَزَلَ [ينزل] إلي السَّماءِ الدُّنْيا، فيَقولُ: هلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ...». (مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج 2، ص176؛ الطيالسي، مسند أبي داود الطيالسي: ص296؛ ابن أبي شيبة الكوفي، المصنف: ج 7، ص90؛ ابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة: ج2، ص182؛ النسائي، سنن النسائي: ج6، ص124؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج3، ص202؛ الطبراني، الدعاء: ص62؛ السيوطي، الجامع الصغير:ج1، ص296).
وورد ما يشبه هذا المضمون في المصادر التالية: ابن أبي عاصم، السنة: ص219؛ السمعاني، أدب الإملاء والاستملاء: ص62؛ الرازي، تفسير الرازي: ج25، ص36؛ ابن الأثير، أسد الغابة: ج5، ص181؛ ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4، ص251؛ العيني، عمدة القاري: ج 7، ص198؛ المتقي الهندي، كنز العمال: ج2، ص 104.
ورووا أيضا حديث النزول وهو: «أنه تعالي ينزل إلي السماء الدنيا في كل ليلة، وفي رواية في كل ليلة جمعة، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له». (الإيجي، المواقف: ج3، ص37).
«وذهب بعضهم إلي أنه تعالي ينزل في كل ليلة جمعة علي شكل أمرد حسن الوجه، راكبا علي حمار، حتي أن بعضهم ببغداد وضع علي سطح داره معلقا، يضع كل ليلة جمعة فيه شعيرا وتبنا؛ لتجويز أن ينزل الله تعالي علي حماره علي ذلك السطح، فيشتغل
ص: 319
الحمار بالأكل، ويشتغل الرب بالنداء: هل من تائب، هل من مستغفر». (العلامة الحلي، منهاج الكرامة: ص39؛ ابن الصلاح البحراني، إلزام النواصب: ص 120 مع اختلاف يسير).
الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ارْتَفَعَتْ حُمْرَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَ حُمْرَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ فَكَادَتَا تَلْتَقِيَانِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ». (القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار : ج3، ص167؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص212؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص216؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص467).
حدثنا جرير، عن زيد بن أبي زياد، قال: «لما قتل الحسين بن علي [عليه السلام] احمرت آفاق السماء أربعة أشهر. قال زيد: واحمرارها بكاؤها...». (القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج 3، ص 544).
مصادر أهل السنة: القرطبي، تفسير القرطبي: ج16، ص141؛ ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج 4، ص154؛ السيوطي، الدر المنثور: ج6، ص 31.
كذلك ما رواه في أول الجزء الخامس من صحيح مسلم في تفسير قوله تعالي : «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ» ، قال: «لما قتل الحسين بن علي [عليه السلام] بكت السماء، وبكاؤها حمرتها». (السيد ابن طاووس، الطرائف: ص203؛ العلامة الحلي، نهج الحق وكشف الصدق: ص257).
ونقل أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب (التبصرة)، عن ابن سيرين، قال: «لما قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام، ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء». (الزرندي الحنفي، معارج الوصول: ص 98؛ الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين:
ص: 320
ص 221؛ سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص246).
وروي عن يعقوب بن سفيان، عن إسماعيل بن الخليل، عن علي بن مسهر، عن جدته قالت: «كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما علقة». (البيهقي، السنن الكبري: ج3، ص337؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14،ص228؛ عبد الكريم الرافعي، فتح العزيز: ج5، ص84؛ ابن حجر، تلخيص الحبير: ج 5، ص 84).
وروي عَنْ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ، قال: «لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ احْمَرَّتِ السَّمَاءُ». (الطبراني، المعجم الكبير: ج 3، ص114؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج 9، ص197).
وفي تَارِيخُ النَّسَوِيِّ رَوَي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: تَعْلَمُ هَذِهِ الْحُمْرَةُ فِي الْأُفُقِ مِمَّ هِيَ ثُمَّ قَالَ: مِنْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام». (ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص212؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص216؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص467).
مصادر أهل السنة: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص228؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، ص358؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3، ص312؛ الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5، ص15.
كذلك: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: أُخْبِرْنَا أَنَّ حُمْرَةَ أَطْرَافِ السَّمَاءِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام». (ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص212؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص215 و216).
مصادر أهل السنة: الطبراني، المعجم الكبير: ج3، ص114؛ الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9، ص197؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص 20 (مع اختلاف يسير).
ص: 321
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: « كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أُحَدِّثُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فَقَالَ لَهُ: مَرْحَباً وَ ضَمَّهُ وَ قَبَّلَهُ وَ قَالَ: حَقَّرَ اللَّهُ مَنْ حَقَّرَكُمْ وَ انْتَقَمَ مِمَّنْ وَتَرَكُمْ وَ خَذَلَ اللَّهُ مَنْ خَذَلَكُمْ وَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَكُمْ وَ كَانَ اللَّهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَ حَافِظاً وَ نَاصِراً فَقَدْ طَالَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَ بُكَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ مَلَائِكَهِ السَّمَاءِ ثُمَّ بَكَي وَ قَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ! إِذَا نَظَرْتُ إِلَي وُلْدِ الْحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ بِمَا أَتَي إِلَي أَبِيهِمْ وَ إِلَيْهِمْ، يَا أَبَا بَصِيرٍ! إِنَّ فَاطِمَهَ عليهاالسلام لَتَبْكِيهِ وَ تَشْهَقُ فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَهً لَوْ لَا أَنَّ الْخَزَنَهَ يَسْمَعُونَ بُكَاءَهَا وَ قَدِ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ مَخَافَهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عُنُقٌ أَوْ يَشْرُدَ دُخَانُهَا فَيُحْرِقَ أَهْلَ الْأَرْضِ فيحفظونها [ َيَكْبَحُونَهَا] مَا دَامَتْ بَاكِيَهً وَ يَزْجُرُونَهَا وَ يُوثِقُونَ مِنْ أَبْوَابِهَا مَخَافَهً عَلَي أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَسْكُنُ حَتَّي يَسْكُنَ صَوْتُ فَاطِمَهَ الزَّهراء، وَ إِنَّ الْبِحارَ تَكَادُ أَنْ تَنْفَتِقَ فَيَدْخُلَ بَعْضُهَا عَلَي بَعْضٍ، وَ مَا مِنْهَا قَطْرَهٌ إِلَّا بِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، فَإِذَا سَمِعَ الْمَلَكُ صَوْتَهَا أَطْفَأَ نَارَهَا بِأَجْنِحَتِهِ وَ حَبَسَ بَعْضَهَا عَلَي بَعْضٍ مَخَافَهً عَلَي الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا وَ مَنْ عَلَي الْأَرْضِ فَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَهُ مُشْفِقِينَ يَبْكُونَهُ لِبُكَائِهَا وَ يَدْعُونَ اللَّهَ وَ يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ وَ يَتَضَرَّعُ أَهْلُ الْعَرْشِ وَ مَنْ حَوْلَهُ وَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتٌ مِنَ الْمَلَائِكَهِ بِالتَّقْدِيسِ لِلَّهِ مَخَافَهً عَلَي أَهْلِ الْأَرْضِ. وَ لَوْ أَنَّ صَوْتاً مِنْ أَصْوَاتِهِمْ يَصِلُ إِلَي الْأَرْضِ لَصَعِقَ أَهْلُ الْأَرْضِ وَ تَقَطَّعَتِ الْجِبَالُ وَ زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَظِيمٌ! قَالَ: غَيْرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ مَا لَمْ تَسْمَعْهُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا بَصِيرٍ! أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يُسْعِدُ فَاطِمَهَ عليهاالسلام؟ فَبَكَيْتُ حِينَ قَالَهَا فَمَا قَدَرْتُ عَلَي الْمَنْطِق، وَ مَا قَدَرَ عَلَي كَلَامِي مِنَ الْبُكَاءِ، ثُمَّ قَامَ إِلَي الْمُصَلَّي يَدْعُو، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَي تِلْكَ الْحَالِ، فَمَا انْتَفَعْتُ بِطَعَامٍ وَ مَا جَاءَنِي النَّوْمُ وَ أَصْبَحْتُ صَائِماً وَجِلًا حَتَّي أَتَيْتُهُ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ سَكَنَ سَكَنْتُ وَ حَمِدْتُ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ تَنْزِلْ بِي عُقُوبَه». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 171؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص170؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص208).
ص: 322
10 شباط 2009 م = 14 صفر 1430ه
ص: 323
ص: 324
لا ريب في أن كلمات أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام تمثل مصدر الحكمة، غير أن فهمها في غاية الصعوبة(1).
ثمة رواية عن الإمام التاسع عليه السلام يطول شرحها، لكننا نشير إليها إجمالا؛ لتتضح مدي أهمية التبليغ الديني والمقدمات اللازم توفرها لتحقيقه.
قال الإمام الجواد عليه السلام: «مَنْ تَكَفَّلَ بِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ». إنه لكلام مدهش، حيث بدأ الإمام عليه السلام كلامه بقوله: «َمنْ تَكَفَّلَ»، ثم أضاف التكفل إلي أيتام آل محمد عليهم السلام، بمعني أنه اعتبر هذه الطبقة من أيتامه عليه السلام .
إن أهل القرآن والحديث يعلمون بأن كفالة اليتيم من أهم الأمور عند الله وعند أوليائه، ولها أهمية عظيمة مما يجعلني متحيرا كلما تذكرت هذا الحديث .
ثم إن الإمام عليه السلام قد نعت هؤلاء اليتامي ب «الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ».
والجملة الثانية هي: «الْمُتَحَيِّرِينَ فِي جَهْلِهِمْ»، فبعد الانقطاع عن إمامهم قد ابتلوا بحيرة جهلهم، تأملوا جيدا، فإن المناطق التي تذهبون إليها للدعوة الدينية هي أظهر مصداق من مصاديق هذه الرواية.
والجملة الثالثة من الرواية عجيبة للغاية، حيث قال الإمام عليه السلام: «الْأُسَارَي فِي
ص: 325
أَيْدِي شَيَاطِينِهِمْ وَ فِي أَيْدِي النَّوَاصِبِ مِنْ أَعْدَائِنَا»(1)
وبهذا فقد ذكر الإمام عليه السلام ثلاثة أسباب لليتم، هي: الانقطاع عن الإمام، والحيرة في الجهل، والأسر في أيدي الشياطين والنواصب. ومن الجملة الأخيرة يتبين أن الإمام عليه السلام قد لاحظ الوضع الحالي في بلداننا الإسلامية، حيث استطاعت الزمرة الوهابية السيطرة علي جزء من المسلمين جراء التقصير في بعض الجوانب بحق أيتام آل محمد عليهم السلام وتأييد الأجانب لذلك.
ويستشف من هذه الجمل أن الإمام عليه السلام كان آنذاك ناظرا إلي خصوصية أيتام آل محمد عليهم السلام في هذه الأيام، فقال في وصفهم: « الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ،الْمُتَحَيِّرِينَ فِي جَهْلِهِمْ الْأُسَرَاء فِي أَيْدِي شَيَاطِينِهِمْ وَ فِي أَيْدِي النَّوَاصِبِ مِنْ أَعْدَائِنَا».
ثم بدأ الإمام عليه السلام ببيان طريقة كفالتهم، فذكر أن الكفالة إنما تتحقق فيها إذا عرف الكفيل هؤلاء المنقطعين عن إمامهم، هذا أولا، وثانيا: إذا أخرجهم من حيرة جهالتهم وأنقذهم من أسر الشياطين والناصبين لنا أهل البيت العداء بالرد علي
ص: 326
شبهاتهم.
وبهذا البيان من الإمام التاسع عليه السلام تتضح لكم معالم عملكم.
لو تساءلنا: ما هو أجر هذا العمل؟ مع أن الفرصة لا تسمح ببيان هذا الموضوع بالتفصيل، وسأشرح هذه الكلمات في محاضرة أخري إن من الله تعالي علينا بالصحة والعافية.
إلا أن الأجر هو أن الله تعالي فضل هذا الكافل علي عباده، فمن أولئك الذين يعدون من عباد الله؟ ليصبح هذا الشخص الكفيل لأيتام أهل البيت عليهم السلام خيرا منهم بتفضيل الله تعالي، وما هو مقدار فضله عليهم؟ إنه أكثر من فضل السماء علي الأرض، وأكثر من فضل العرش والكرسي علي السماء والأرض. هذا هو العمل، وهذه هي النتيجة.
لا شك في أن عظمة كل كلام تابعة لعظمة المتكلم، فكلما زادت عظمته ازدادت عظمة الكلام بقدر ذلك، وسأنقل لكم هنا حديثا لعظيم العظماء، الشخص الأول في عالم الوجود، الذي يعد إماما لمئة وأربعة وعشرين ألف نبي؛ لأنه «إمام الأنبياء والمرسلين»(1) (الملحق:1)، وهو بذلك إمام لإبراهيم الخليل عليه السلام و موسي بن
ص: 327
عمران عليه السلام وعيسي بن مريم عليه السلام، علي أن إدراك هذا الأمر دونه خرط القتاد.
قال هذا الرجل العظيم: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ»، وأَشارَ بِاِصبَعِيهِ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَي(1) فما هي النسبة بينها؟ وكيف يكون كافل اليتيم مرافقا للرجل الأول في عالم الوجود؟ علما أن إطلاق كلام النبي صلي الله وعليه و آله شامل لكفالة مطلق اليتيم.
إن المتفقهين في كلمات أهل البيت عليهم السلام ليعلمون ما هو تأثير كفالة اليتيم إن كان من أيتام أمير المؤمنين عليه السلام، أو من أيتام الحسين بن عليهماالسلام، أو من أيتام علي بن الحسين عليهما السلام ، ولكن من الذي يدرك ذلك؟ ومن الذي يعد نفسه لهذا العمل؟
من أبرز المعضلات التي نواجهها أننا لم نعرف قيمة هذا العمر، ولا نعي ذلك حتي يفوت الأوان، فلو أدركتم قدر الدعوة إلي الدين، وقمتم هذه الأيام بمهمة التبليغ، وأعددتم العدة اللازمة لذلك، فقد استفدتم من بعض هذا العمر فائدة يعجز عنها الوصف الآن، ولا يمكن أن ندرك حجم الفائدة إلا بعد أن نتخطي هذه النشأة.
أدعو جميع المزمعين علي حزم حقائب السفر من أجل الدعوة والتبليغ إلي العمل بالوصايا التي سأذكرها.
ما إن تغادروا هذا المكان ينبغي لكم أن تصلوا ركعتين، وأن تسجدوا سجدة الشكر علي أن القرعة قد خرجت باسمكم، وعلي ما أولاكم الله تعالي من نعمة
ص: 328
عظيمة؛ فإن الحظ لا يحالف الجميع في نيل مثل هذا التوفيق، والحصول علي مثل هذه السعادة، فإن كثيرا من الأفراد يقولون: «ما الداعي إلي تحمل أعباء السفر، والتغرب علي أبواب هذا أو ذاك»، فهم يؤثرون الاستراحة في دار الدنيا علي سواها: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ» (1) ولو مكنتم واحدا بأن يعمل بمضمون هذه الرواية، فسيغفر الله لكم ولوالديكم أيضا، وتفوزون بالسعادة الأبدية أنتم وآباؤكم وأجدادكم، قال تعالي : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(2). وقد قال حجة الله في تأويل هذه الآية وتفسير الإحياء: «أَخْرَجَها مِنْ ضَلَالٍ إِلَي هُدًي»(3)
صلوا تلك الصلاة، واشكروا الله علي نعمائه: «ولئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم» (4) لئلا تسلب منكم هذه السعادة.
وما الذي ينبغي لكم فعله هناك بعد ذلك؟ اعلموا أن السير إلي الله وأوليائه ليس بهذه البساطة، فلا تصغوا إلي كل حديث ينسج، فالطريق إلي السعادة هو كل ما يستشف من كلمات أهل البيت عليهم السلام ، وتكون له جذور في الكتاب أو السنة.
طبقوا هذه المطالب التي أنقلها لكم؛ لأنها حصيلة عمر طويل، وإن كانت كل
ص: 329
كلمة بحاجة إلي كتاب مستقل لشرحها.
بداية لا بد لكم من إعداد أنفسكم وإعداد الناس أيضا، فما الذي ينبغي لكم فعله في الليلة الأولي من التبليغ حينما يجتمع الناس حولكم؟ عليكم أولا أن تطلعوا الجميع علي هذا البرنامج، وينبغي لكم أن تلتزموا به كذلك: اقرؤوا جميعا دعاء العهد بعد صلاة الصبح،(1) وعلي جميع الناس المتواجدين في تلك المنطقة أن يقرؤوا سورة «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» إحدي عشرة مرة، وإحدي عشرة مرة أخري عند النوم(2). وكذلك طيلة ساعات النهار، سواء كانوا في محل عملهم أم كانوا عاطلين عن العمل، وإهدائها لإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه شريف.
وليكن هذا في طليعة أعمالكم، لماذا؟ لأن الشيخ الأنصاري قدس سره هو من يعلم بتأثير هذه السورة، إنها كنسيم الربيع الذي يحيي الأرض الميتة ما إن يهب عليها، فهذه التربة مهما حرثتموها و مها نثرتم فيها البذور لا يطرأ عليها أي تغيير، وما إن تهب نسمة من أنسام الربيع حتي تحيي تلك الأرض، وما سوي ذلك بمثابة العامل علي تلك الأرض.
ولا غرو أن هذه السورة تحيي أرواحكم وأرواح المستمعين مثل نسيم الربيع الذي يحيي الأرض، لا سيما حينها تقترن بدعاء العهد، و تكون كذلك مهداة إلي إمام الزمان الحجة بن الحسن عجل الله تعالي فرجه الشريف، فلكل هذه الأمور أسرار، لها مثل تأثير الإكسير في
ص: 330
التحول والتغيير، مما يجعل كلامكم مؤثرا في نفوس المخاطبين.
إن الروح التي تتلو سورة الإخلاص من الصباح إلي المساء مئة مرة، تلك السورة التي هي نسبة الرب، (1) والتي تشتمل علي كلمة «أَحَدُ»و كلمة «الصَّمَدُ» (2)، وتهديها إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، إن روح ذلك القارئ وروح المستمع لتثير عجبا بواسطة هذه السورة.
ثم تصل النوبة إلي الأمر الثاني: عندما تصلون إلي هناك لا بد أن تفكروا، فإنكم قد در ستم مدة طويلة، فلست أخاطب العوام هنا، لأنكم ممن يتلقون المطالب بأدني إشارة، فهل تعلمون أي سفر هذا الذي ستقومون به؟ إنه سفر ترتبط أيامه بالمراكز الأربعة لعوالم الوجود.
المركز الأول من المراكز الأربعة المذكورة هو أربعين سيد الشهداء عليه السلام، لا شك في أن هذا الأمر مما لا يمكن التصريح به، فأنا عاجز عن بيان هذه الأمور، فمن الذي يفهم أربعين الإمام الحسين عليه السلام، ويعي حقيقة ذلك؟ لا يفهم ذلك إلا من عرف الإمام الحسين عليه السلام، ثم أدرك أربعينه؛ وعليه فلا يدرك الأربعين ولايفهم عظمته إلا من أدرك الحديث الصحيح السند الذي لا يتواني مثل الشيخ الأنصاري قدس سره عن الإفتاء طبقا لسنده، وهو الحديث الذي يصرح فيه حجة الله علي
ص: 331
العباد عليه السلام بأن زيارة الأربعين من علامات المؤمن الخمسة(1). ذلك الإيمان الذي قال عنه جل وعلا: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» (2)فزيارة الأربعين من علامات الإيمان لدي مثل هؤلاء المؤمنين.
النسبة الثانية لعشرة الأربعين هي ارتباط هذه الأيام بالإمام الحسن بن علي عليهما السلام، فمن هو الإمام الحسن المجتبي عليه السلام؟ فهل عرفتم هذا الإمام الهام؟
إن جميع الأنبياء الإلهيين البالغ عددهم مئة وأربعة وعشرين ألف نبي يسألون الله تعالي أن يأذن لهم في زيارة الإمام الحسين عليه السلام(3)، وكان الإمام الحسين عليه السلام نفسه يذهب كل ليلة جمعة لزيارة الإمام الحسن المجتبي عليه السلام(4) . نحن لم نعرف الأئمة الميامين عليهم السلام بعد.
وتصل النوبة إلي زيارة ثامن حجج الله علي الأرضين، الإمام علي بن موسي
ص: 332
الرضا عليه السلام، الذي تعدل زيارته زيارة خاتم النبيين صلي الله عليه و آله(1). حيث تصادف شهادته في مثل هذه الأيام.
الأمر الذي يفوق كل شيء هو أننا علي أعتاب شهادة قلب عالم الوجود، خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه و آله. (الملحق:2)، فأنتم في هذه العشرة تحظون بمثل هذه السعادة الكبري.
من الوظائف الملقاة علي عاتقكم في هذه العشرة هي ضرورة أن تسفر لقاءاتكم بالناس عن معرفتهم بسيد الشهداء عليه السلام، والإمام الحسن عليه السلام (الملحق:3)، والإمام الرضا عليه السلام (الملحق: 4)، وخاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه و آله (الملحق: 5).
فلا تألو جهدا في ذكر مناقبهم وفضائلهم للناس، والتعرض للروايات المأثورة عنهم، وتعرف أيتام آل محمد عليهم السلام بهم. هذا هو البرنامج الثاني.
البرنامج الثالث: هو لزوم انتشال أيتام آل محمد عليهم السلام من حيرة الجهل والضلال، فاعملوا في هذه العشرة علي بيان المسائل والأحكام الضرورية للناس، من الصلاة
ص: 333
والغسل والوضوء والتيمم وأحكام النساء وما شاكل ذلك.
دفع الشبهات
الأمر الرابع: هو ضرورة الاحتراس من وقوع هؤلاء الأيتام في شباك الشياطين والنواصب، فلو تسللت إلي أذهانهم شبهة ما فعليكم بالرد عليها وإبطالها.
إذا قمتم بذلك فلا قيمة للأموال التي تتلقونها إزاء إقامة المجالس الدينية، بل القيمة كل القيمة لما ذكره الإمام عليه السلام، فلو عملتم بما ذكر فستعطون مقاما يفوق مقام أي عابد، بل هو أفضل منه كفضل العرش والكرسي علي الأرض(1) إن هذا المقام أجل من أن يوصف.
لا تغفلوا عن هذه الفرصة لحظة واحدة، ولا تكتفوا بالمجالس المسائية، عندما تصلون إلي هناك حاولوا أولا أن تكتشفوا ذوي الاستعداد والمواهب، وعلموهم تلك المسائل في غضون عشرة أيام، وذلك من خلال دروس تعليمية، أعني المسائل المرتبطة بالواجبات، مارسوا هذا النشاط كل يوم، ليملأ هؤلاء الفراغ الذي يتركه غيابكم بعد عودتكم.
وما أثر ذلك كله؟ أثره أنكم عندما ترتحلون من هذا العالم سترون أنه قد كتب في صحيفة أعمالكم أنكم قمتم بالتبليغ ألف عام، فالمستفاد من كلام الإمام عليه السلام هو أن كل مسألة يبينها هؤلاء الأشخاص الذين تربوا علي أيديكم سوف تسجل في صحيفة أعمالكم، وكل ما ينشرون من فضائل أهل البيت عليهم السلام يكتب في تلك الصحيفة أيضا، وكل أب يتعلم منكم شيئا ثم يعلمه ولده ويعرفه بهذا المذهب،
ص: 334
يسجل كذلك في صحيفة أعمالكم(1)
هكذا تتحقق من خلال هذه الرحلة التي تتضمن هذا البرنامج مثل هذه النتائج المبهرة، وخلاصة القول: إننا لم ندرك قيمة أعمارنا.
المهم هو العمل في تلك المناطق النائية؛ فالأجر الذي يناله من يشد الرحال إلي المناطق التي لم يصلها رجال الدين سابقا، والمفتقرة إلي التنشئة الدينية، لا يمكن أن يقاس بأجر من يقوم بالخدمة في محافظة قم أو طهران مثلا، فمثل من يلقي محاضراته في هذه المدن كمن يغرس البذرة في الأرض الخصبة، أما من يسافر إلي تلك المناطق فهو كمن يحيي الأموات(2)، فلا يقاس أجره بغيره، إن تربية شخص واحد هناك أفضل من التأثير في ألف شخص في مدينة قم، ينبغي أن تلحظ مثل هذه الأمور.
الموضوع الآخر الضروري في هذا المجال هو العمل علي إيقاظ الناس وتنبيههم، وجعلهم يشعرون بمسؤولياتهم، ليفكروا في أنفسهم، فإن الأيام تمر شئنا أم أبينا، فحينها يحل الصباح ينقطع خيط من خيوط هذا الغزل، ولما يحل المساء ينقطع خيط آخر.
وتلك مصيبة كبري، كل ما في الأمر هو أن تلك الخيوط إنما تنسج من ذلك الغزل، فغزل السنة 360 يوما، فلو قدر للعمر أن يمتد مئة سنة، فإن هذا الغزل المكون من مئة عام سيتقطع شيئا فشيئا كما في الماضي، فنحن الذين نجلس هنا الآن
ص: 335
ماذا نملك من الماضي؟ لا شيء، قد تقطع الغزل كله، غاية الأمر أن أحدنا قد تبقي النصف من خيوط غزله، والآخر ثلثه، ومن ثالث بقي عشره، وأخيرا ستتقطع جميع هذه الخيوط، «إِنَّكَ مَيِّت وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ»(1)
هذا النبيُّ وَلَم يَخلُدْ لأُمَّتِه***لَوْ خَلَّدَ اَللَّهُ خَلْقاً قَبْلَهُ خَلَدَا(2).
فإن كان هذا هو مصير النبي الكريم صلي الله وعليه و آله فما بالك بمصير الآخرين؟
النتيجة هي لزوم الاستفادة القصوي من هذا السفر من خلال تلك التعليمات والوصايا، وليعمل كل واحد منكم - كما ذكرت سابقا - علي إحياء المنطقة والقرية التي يذهب لممارسة العمل الدعوي فيها علي الأقل، فإن حياة النفس ليست بحياة هذا الجسم فقط؛ فالجلد واللحم والعظم والدم عناصر موجودة في كل كائن حي، بل الحياة بالعلم والإيمان، وبمعرفة إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف ، فأحيوا النفوس بتلك الحياة، فلو عملتم جميعا بهذا البرنامج، وحصلتم علي هذه النتيجة، فسترون اسمكم حين الموت مكتوبا تحت اسم حبيب بن مظاهر، وأن عملكم مصداق لإحياء أمر آل محمد عليهم السلام.
الأنبياءِ ... بِالصَّلَاةِ يَبْلُغُ الْعَبْدُ إِلَي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا»(1). ضعوهم أمام هذه الحقيقة، لئلا يبقي في تلك المناطق بعدكم تارك للصلاة.
عرفوا الناس هناك جميعا بإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، لئلا يمحي ذكره من بعدكم. وبما أن الناس في تلك المناطق من طبقة الفلاحين والعمال الكادحين، علموهم ما هو مختصر و مفيد، فعلي سبيل المثال علموهم قراءة دعاء إمام الزمان : «أللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحجّة بن الحسن»(2) بعد كل صلاة، وليولوا وجوههم صوب القبلة، وليقولوا ثلاث مرات: «صلَّي اللهُ عَلَيكَ يَا اَبَا عَبدِ اللهِ وَ عَليَ الْمُسْتَشْهِدِينَ بَينَ يَدَيكَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهْ»؛ وبذلك يكتب في صحيفة أعمالهم ثواب زيارة سيد
ص: 337
الشهداء عليه السلام(1)
وأوصوهم بأن لا يتركوا سورة التوحيد طيلة حياتهم؛ فبهذه الطريقة أحيوا نفوسهم، وحافظوا علي حياتهم في هذه الدنيا أيضا. ونبتهل إلي الله تعالي في أن يجعل أجر الجميع علي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف.
ينبغي لكم توخي الحيطة والحذر في الأوساط التي يكثر فيها أبناء العامة، (الملحق:6) واسعوا إلي تفهيم الناس بحقيقة أهل البيت عليهم السلام، فإن عرفوا أمير المؤمنين عليه السلام فهل يمكن للظلمة أن تبقي بعد بزوغ الشمس؟ فلا داعي للتعرض للظلات، ومنع الناس منها، بل تحدثوا عن النور؛ فإن النور يمحو الظلام.
فالسبيل الأمثل هو التحلي باليقظة في تلك المناطق، فلكل منطقة ظروفها الخاصة بها، نعم لو ألقيت شبهه ما من قبل النواصب، فلا بد لكم من الرد عليها بقوة؛ فإن هذا المذهب من القوة بحيث يعجز أمثال الفخر الرازي - علي فرض خروجه من قبره - عن الرد علي الرواية التي نشرت علي راية السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام(2).
ص: 338
هذه الراية المصنوعة باسم فاطمة الزهراء عليهاالسلام مستلهمة من مسلمات الكتاب والسنة، وإنني هنا أتحدث إليكم بأسلوب يؤيده علماء المذهب من الشيخ الطوسي قدس سره إلي الشيخ الأنصاري قدس سره فيما لو كانوا حاضرين، فلا شمس الدين الذهبي، ولا فخر الدين الرازي، ولا الزمخشري، ولا البيضاوي، جميعهم ليسوا بقادرين علي الرد علي هذه اللافتة للسيدة الزهراء عليهاالسلام.
أسفا لكأس العمر كنت تملكه***ولكنك لم تعرف حقه فيما يجديك الآخرون
كنت عبدا وقد جاءك الخلاص***وقد خسرت فماذا يفعل الآخرون(1)
فلم نعرف قيمة هذه الحياة، ولا قيمة هذا المذهب، ولا مقامات الأئمة الميامين عليهم السلام، ولا رجالات الدين، والخلاصة أن حالنا يجسده قوله تعالي: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله»(2)
ص: 339
ص: 340
ورد في الرواية: «فَخَرَجَ أَمِيرُ المؤمِنِينّ عليه السلام إِلَي اَلنَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله امام حيًّا وميِّتًا». (الكليني، الكافي: ج1، ص415؛ علي بن بابويه، فقه الرضا: ص19؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص206؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 22، ص524،529،518، 536).
و عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ:قَالَ رسول الله صلي الله عليه و آله: «أنا سيد الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، وأنتَ يا عَلِيَّ سَيِّدُ الخَلائِقِ بَعدِي، أولُنَا كَآخِرِنَا وآخِرُنَا كَاَوَّلِنَا». (محمد بن أحمد القتي، مئة منقبة : ص18؛ البحراني، غاية المرام: ج6، ص 173؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج26، ص316).
وروي في مساواته مع النبي صلي الله عليه و آله: «جعله الله إمام الأنبياء ليلة المعراج وجعل عليا إمام الأوصياء ليلة الفراش». (ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص 54؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج39، ص 76).
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: «...وما من نَبِيٍّ وَ لَا وَصِيٍّ إِلَّا شَهِيدٌ». (حسن بن سليمان الحلي، مختصر بصائر الدرجات: ص15؛ الفيض الكاشاني، الوافي: ج 3، ص 723؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 17، ص 405).
ورُوِيَ عَنِ الصَّادِق عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام «أَنَّ الْحَسَنَ عليه السلام ؟ قَالَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ: إِنِّي أَمُوتُ بِالسَّمِّ كَمَا مَاتَ رسول الله صلي الله عليه و آله». (قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص241؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص175؛ العلامة المجلسي،
ص: 341
بحار الأنوار: ج 43، ص 327).
ورُوِيَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قال: «تَدْرُونَ مَاتَ اَلنَّبِيُّ أَوْ قُتِلَ؟ إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ: «أَفَإِينْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ علي أَعْقَبِكُمْ»، فَسُمَّ قَبْلَ اَلْمَوْتِ، إِنَّهُمَا سَمَّتَاهُ [سَقَتَاهُ]. فَقُلْنَا: إِنَّهُمَا وَ أَبَوَهُمَا شَرُّ مَنْ خَلَقَ اَللَّهُ». (محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1، ص200؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج1، ص389؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 1، ص 700؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج22، ص516؛ ج 31، ص 641).
ورُويَ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْماً: «وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمواتًا ۚ بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ»، اشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلي الله عليه و آله رَسُولُ اللَّهِ مَاتَ شَهِيداً». (الكليني، الكافي: ج1، ص533؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج1، ص 712).
من جملة فضائل الإمام الحسن المجتبي عليه السلام ما روي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلي الله عليه و آله آخِذاً بِيَدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام وهو يقول: «يا أيُّهَا النّاسُ هذا الحُسَينُ بنُ عَلِيِّ فَاعِرفُوهُ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفي الجَنَّةِ و مُحِبِّوه فِي الجَنَّةِ و مُحِبِّو مُحِبِّه في الجَنَّةِ». (الحافظ رجب البرسي، مشارق أنوار اليقين: ص 78؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 27، ص136).
عن محمد بن صدقة، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام، فقال: «لقيت رسول الله صلي الله عليه و آله و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و أبي (صلي الله عليهم أجمعين) في ليلتي هذه وهم يحدثون الله عز و جل، فقلت: الله! قال: فأدناني
ص: 342
رسول الله صلي الله عليه و آله وأقعدني بين أمير المؤمنين وبينه، فقال لي: «كأني بالذرية من أول قد أصاب لأهل السماء ولأهل الأرض، بخ بخ لمن عرفوه حق معرفته! والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، العارف به خير من كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، وهم والله يشاركون الرسل في درجاتهم». ثم قال عليه السلام لي: يا محمد بن صدقة! بخ بخ لمن عرف محمدا وعليا! والويل لمن ضل عنهم، «وَ كَفي بِجَهَنَّمَ سَعيراً». (الطبري، دلائل الإمامة: ص376؛ الطبري، نوادر المعجزات: ص 171).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ مُوسَي بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: «مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَفْضَلَ مِنِّي وَ لَا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنِّي قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَنْتَ أَفْضَلُ أَمْ جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ صلي الله عليه و آله يَا عَلِيُّ! إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي فَضَّلَ أَنْبِيَاءَهُ الْمُرْسَلِينَ عَلَي مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَ فَضَّلَنِي عَلَي جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ الْفَضْلُ بَعْدِي لَكَ يَا عَلِيُّ وَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَخُدَّامُنَا وَ خُدَّامُ مُحِبِّينَا». (الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج1، ص 5؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص255؛ السيد هاشم البحراني، حلية الأبرار: ج 1، ص10؛ ج 2، ص398، العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 18، ص 345؛ ج 54، ص58).
وروي أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّه». (المحقق الداماد، الرواشح السماوية: ص 64؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 15، ص24).
مصادر أهل السنة: ابن عربي، تفسير ابن عربي: ج1، ص97 و 417، ج 2،
ص: 343
ص 144؛ الحلبي، السيرة الحلبية: ج 1، ص240؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي : ج 1، ص 45 ج 3، ص214.
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «... فكُلُّ شيءٍ يَعمَلُ المؤمنُ بَينَهُم لِمَكانِ التّقيَّةِ مِمّا لا يُؤدّي إلَي الفَسادِ في الدِّينِ فإنّهُ جائزٌ». (الكليني، الكافي: ج 2، ص168؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج16، ص216؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج69، ص128).
و عَنْ زُرَارَهَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ [الإمامُ الباقرُ عليه السلام ]: فِي مَسْحِ اَلْخُفَّيْنِ تَقِيَّهٌ؟ فَقَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا أَتَّقِي فِيهِنَ أَحَداً شُرْبُ : شُرْبُ الْمُسْكِرِ وَ الْمَسْحُ وَ مُتْعَةُ الْحَجِّ». (الشيخ الكليني، الكافي: ج 3، ص 32؛ الشيخ الطوسي، الاستبصار: ج 1، ص76؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1، ص362؛ العلامة الحلي، منتهي المطلب: ج 2، ص81).
ص: 344
كانون الأول 2009م = 25 ذو الحجة 1430ه
ص: 345
ص: 346
ثمة ثلاثة أمور مهمة في أيام عاشوراء: الأول يتعلق بنا، والثاني بالناس، والثالث بصاحب هذه الأيام، وفي كل واحد من هذه الأمور بحث تفصيلي.
إجمالا نقول: أمامكم فرصة تمر مر السحاب، وتخلف في قلب كل فرد منا حسرة كبيرة، وهي أن كل واحد منكم بوسعه التصدي لأمر هداية النفوس، علي أن التفوه بهذه الكلمة سهل يسير، لكن بلوغ كنهها أمر في غاية المشقة ومنتهي الصعوبة، ومما يشير إلي ذلك التحضيض في آية النفر، حيث قال جل وعلا: «فَلَوْلَا نَفَرَ»، فما الغاية من النفر؟ «ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ»(1).
بطبيعة الحال لا يتستي شرح هذه الآية شرحا وافيا هنا، إلا أننا نقول إجمالا: متعلق الأمر هو التفقه، وللتفقه هيئة و مادة، الهيئة هي التفعل، أما المادة المندرجة تحت هذه الهيئة فهي الفقه، والفقه من الأمور ذات النسبة والتعلق، وهو في القرآن بمعني الفهم، فبأي شيء يتعلق هذا الفهم؟ إنه يتعلق بالدين، وما هو الدين؟ إنه الدين الذي قال عنه الباري عز و جل: «إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ»(2)، وهو الدين الذي كان يحلم به النبي إبراهيم الخليل عليه السلام بعظمته أثناء بناء البيت، فقال: «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ»(3). فوظيفتكم هي التفقه في هذا الدين، بيد أن ذلك ليس بالأمر الهين.
ص: 347
فوا أسفا علي العمر الذي انقضي وتصرم! فحينما كنا قادرين لم نفهم جيدا، ولما فهمنا عجزنا ولم نعد قادرين علي شيء، فطوبي لمن فهم ووعي إبان القوة والاقتدار!
إن السبيل إلي بلوغ هذا الهدف لا ينحصر بالدرس والبحث، بل لا بد من أمر آخر، فما هو؟ لو التزمتم بهذا البرنامج اعتبارا من اليوم لشعرتم بالتحول والانقلاب في نفوسكم، فافهموا هذا الحديث جيدا، وهو قول النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «أَشْرَافُ أُمَّتِي...». ولهذا الحديث شرح مفصل، فمن هي أمة النبي المصطفي صلي الله عليه و آله اولا؟
قال تعالي: «وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَي النّاسِ »(1)، هذه هي قيمة أمته صلي الله عليه و آله ومنزلتها، فأبناء أمته هم الشهداء علي عامة البشر، ثم لا بد أن نعرف من هم أشراف هذه الأمة؟ أولئك الأشراف الذين يضع النبي الخاتم صلي الله عليه و آله وسام الشرف علي صدورهم، يقول: «أَشْرَافُ أُمَّتِي: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَ أَصْحَابُ اللَّيْلِ»(2) (الملحق:1). فالشرف ذلك الشرف الذي يعتبره أشرف المخلوقات شرفا يتلخص في كلمتين، هما: «حمَلَةُ الْقُرْآنِ وَ أَصْحَابُ اللَّيْلِ». بادروا من اليوم، فلا يفوتنكم نهار أو ليلة دون القيام بذلك العمل.
ففي النهار «حمَلَةُ الْقُرْآنِ»، «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ»(3) ، وينبغي قطع المسافة
ص: 348
بطريقة تنتهي إلي الهدف بسرعة، فقد بينت الروايات المختلفة جميع دقائق الكمال، ولا بد من جمعها في مكان واحد، ففي هذا الموضع قد ذكر هذه الجملة، وقد بين في موضع آخر كيف يمكنكم أن تصبحوا حملة للقرآن، فاقرؤوا ما تيسر لكم من القرآن، واهدوا تلاوته إلي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف (1)، أي اقطعوا العمل عن أنفسكم وصلوه به. أتعلمون ماذا يحقق لكم قطع العمل عن النفس وربطه بالإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف؟ إن هذا الأمر بحاجة إلي بحث فني مهم؛ لأن قطع العمل عن النفس وربطه بمبدأ فيض الوجود مثله مثل الإكسير الذي يحول المعادن، وهذا القرآن يغير الروح. هذه هي الكلمة الأولي.
الكلمة الثانية «اصحابُ اللَّيلِ». استيقظوا آخر الليل علي أي حال من الأحوال، تأملوا فيما أقول جيدا وفكروا فيه بدقة: في أنه ما هو أعلي مقام؟ إنه المقام الذي حدده الباري تعالي للشخص الأول في عالم الوجود، ولا يعقل سوي ذلك عقلا ونقلا، لقد وعد الله نبيه الكريم صلي الله عليه و آله بمثل هذا المقام، ولكن مع توفر خصوصية فيه، حيث قال تعالي : «و مِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً»(2)من هنا ينبغي أن نفهم كيف انقضي عمرنا دون أن نقطع الطريق
ص: 349
الصحيح، ودون أن نحصل علي هذا الشرف.
«أَشْرَافُ أُمَّتِي: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَ أَصْحَابُ اللَّيْلِ»، فإن حصل ذلك اتصلت النفس بمبدأ النور، واستمدت منه، حينها سيفهم الإنسان الأثر التربوي لهذا الدين. علي أن هذه الوصفة هي وصفة عملية، لا تتحقق بمجرد الكلام، بل لا بد من اقترانها بالعمل.
أما فيما يتصل بالناس لئلا تفوت هذه الفرصة المواتية، فحاولوا في هذه العشرة التي تمثل ربيع القلوب القيام بعملين أساسيين مهما كلفا من ثمن؛ إذ لا عمل أفضل منهما عند الله تعالي، الأول: رد عبد آبق أو ضال إلي المولي، وإرجاعه إلي عبوديته. هذه هي الكلمة الأولي.
الكلمة الثانية: هي تعريف الإنسان البعيد عن إمام زمانه به عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ وعليه فاجعلوا محاضراتكم منصبة علي هاتين الكلمتين؛ لما لها من أهمية كبيرة، ولا تفوتنكم هذه الفرصة، فكونوا أولا من حملة القرآن وأصحاب الليل، ثم تصدوا لهداية الناس، لتشاهدوا آثارها، ولئن جعلتم مذنبا واحدا يتوب عن ذنوبه، أو عرفتم متباعدا عن إمام زمانه به عجل الله تعالي فرجه الشريف، كان لكم من الأجر ثواب مئة سنة من العبادة بصيام نهارها وقيام ليلها(1). فاغتنموا الفرصة(2)، ولا تفوتن من بين أيديكم.
ص: 350
أما الأمر الثالث فهي مسؤوليتنا تجاه صاحب هذه الأيام، فهل أدركنا أي دم أريق فيها؟ وهل فهمنا أي شخص قُتل؟
أخرج كل من الشيخ الطوسي قدس سره والشيخ الصدوق قدس سره وابن قولويه قدس سره رواية سأنقل لكم منها موضع الشاهد فقط، إنها تبين منزلة دم سيد الشهداء عليه السلام، أما منزلته هو فلا أحد يعلم بها! هذا ما يسعنا قوله.
فما سنذكره حديث صحيح يفتي مثل الشيخ الأنصاري قدس سره طبقا لهذا السند في مواضع الاحتياط من الدماء والنفوس، وهو من كلام حجة الله، ومن ذلك اللسان المعصوم: «أشْهَدُ أنَّ دَمَكَ سَكَن في الخُلُدِ»(1)
من هو القادر علي أن يفهم من هو الحسين بن علي عليه السلام؟ وأين هو الخلد؟ إن دم الحسين عليه السلام زينة الملأ الأعلي، ذلك العالم الذي هو مركز القديسين في العالم، ومن كان جسده هناك فأين تسكن روحه(2)؟ من بوسعه أن يعي من هي الشخصية التي قتلت؟ وكيف قتلت؟ ولماذا قتلت؟
من هنا ينبغي لنا أن نفهم حقيقة الأمر.
لسنا بمستوي يؤهلنا لمعرفته نفسه؛ يجب أن نتقصي بأبصارنا آخر أفق بلغه شعاع
ص: 351
وجود الإمام عليه السلام ؛ ليتسني لنا أن نكتشف ما هي حقيقة تلك الشمس؟ وأين هي؟ وهذا ما يحصل عند وصول شعاعه إلي زوار قبره الشريف.
قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام للحسين بن علي بن ثوير: «يا حُسَينُ! إِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ زِيَارَةَ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام إِنْ كَانَ مَاشِياً كُتِبَ الله له بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ وَ مُحِيَ عَنْهُ سَيِّئَةٌ و إِنْ كَانَ رَاكِباً كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَافِرٍ حَسَنَةً وَ حَطَّ بِهَا عَنْهُ سَيِّئَةً»(1) (الملحق:2). ولهذا الكلام دلالات، منها أنك تنقي في ذلك الموضع، وتجرد من كل شائبة؛ لتكتسب الأهلية اللازمة.
وما هو مدهش هنا هو قول الإمام عليه السلام: «حَتَّي إِذَا صَارَ فِي الْحَائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ المُفلحينَ».
ولا زلت مندهشا مذهولا من هذا الأمر! فما المراد من كونه من المفلحين؟
ص: 352
ارجعوا إلي القرآن الكريم، ولاحظوا ما هي شروط الوصول إلي الفلاح؟ لتعوا ما هذا النظام الذي يجعل الناس من المفلحين؟ اقرؤوا سورة «المؤمنون» لتروا فيها قوله تعالي: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»(1)، ومن هم المؤمنون؟ «ألَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَشِعُونَ»(2)، أي الذين لهم تلك الصفات المذكورة إلي قوله: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»(3) ، فإذا بلغوا هذه الصفة صاروا من المفلحين.
وما أعظم مقام المفلحين حيث قال تعالي :«ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًي لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَي هُدًي مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(4)
فما إن يصل الزائر إلي باب الحائر الحسيني حتي يصبح من المفلحين، فما هذا الإكسير الذي يحول الأشياء بهذا النحو، ويصير الحديد الذي يضع خطاه في طريق الزيارة ذهبا أحمر؟
الأهم من ذلك كله أن تفكروا وتتأملوا في هذه الأمور الدقيقة، واعلموا أن حج بيت الله الحرام حج للبيت، في حين أن زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام هي حج لله نفسه؛ إذ الحج معناه القصد، والمقصود هناك هي الكعبة، بينما المقصود في الزيارة هو الله ذاته؛ وذلك ما ورد في النص الصحيح من أنه: «مَنْ زارَ الْحُسَيْنِ عليه السلام كَانَ كَمَنْ زَارَ اللَّهَ فِي عَرْشِهِ»(5)
ص: 353
ما الذي يحصل بعد الانتهاء من حج الله؟ ما يحير العقول هو قول الإمام عليه السلام: «وَ إِذَا قَضَي مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ»، مما يعني أن حال الزائر ينقلب، فيسمو من مقام المفلحين إلي مقام الفائزين بانتقاله من باب مرقده الشريف إلي موضع الرأس، ولكن ما المراد من مقام الفائزين؟ لا بد هنا من ملاحظة نص كلام الله المجيد ليتسني لنا فهم الحديث.
تأملوا الأمور الدقيقة التي تؤدي إلي هذه المكانة: «الَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّهِ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولئِكَ هُمُ الفائِزونَ»(1)، هذا هو مقام الفائزين. «ييُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»(2). عندها تتحقق هذه المرتبة، وهي مرتبة كمال السعادة البشرية، بالتواجد عند موضع الرأس من مرقد الإمام الحسين عليه السلام.
فلئن كانت زيارة مرقده تحدث مثل هذا الانقلاب في وضع الإنسان، فما الذي سيجري يوم القيامة، حين تقدم أمه بضلعها المكسور(3)، وفي عضدها كمثل
ص: 354
الدملج، (الملحق:3) وعليها ذلك القميص الملطخ بالدم(1)؟
ومن هنا، يجب أن يتشح هذا البلد بأكمله هذا العام بالسواد، ويرفع راية «يا حسين»، ويصرخ الجميع وينادون باسمه؛ فإن العالم بأسره يتغير في عزاء مثل هذا الإنسان العظيم. يتصور البعض أن في مراسم العزاء هذه نحوا من الإفراط، أين العقل من هؤلاء؟ وأين الشعور؟ كل ما هنالك إنما هو تفريط وليس إفراطا.
الواقعة هي واقعة أبكت جميع الخلائق كما في النص الصحيح: «وَبَكَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَ مَا فِيهِنَّ وَ مَا بَيْنَهُنَّ وَ مَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَ النَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَ مَا يُرَي وَ مَا لَا يُرَي»(2)
فعلي الناس أن يتحلوا باليقظة، فهذا ابن حجر الهيتمي(3)، وسائر المحدثين والمؤرخين من أهل السنة، يصرح جميعهم: لما حمل رأس الحسين بن علي عليه السلام علي الرمح، لم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط(4).
حياة التوحيد والدين والقرآن بدم سيد الشهداء عليه السلام
ص: 355
ما هي وظيفة الناس في أيام عاشوراء؟ ينبغي لشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام أن لا يصغوا إلي هذه الخزعبلات، فإن لم تتشبثوا به عليه السلام خسرتم الدنيا والآخرة؛ فلا حياة لهذا التوحيد وهذا الدين وهذا القرآن إلا بدم سيد الشهداء عليه السلام، فهو من حصن بثورته العظيمة هذا الدين إلي يوم القيامة.
«أوضَحَ بِك الكتابَ »(1)، فهو الذي كشف النقاب عن القرآن، وهو الذي أحيي الإيمان والدين، فهلا تأملتم! لماذا يطوف حول قبره مئة وأربعة وعشرون ألف نبي؟(2) إذ لولا عاشوراء لذهب كل ما جاء به الأنبياء و المرسلون أدراج الرياح.
ص: 356
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قال: «شَرَفُ اَلْمُؤْمِنِ قِيَامُ اَللَّيْلِ وَ عِزُّهُ اِسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ اَلنَّاسِ». (الكليني، الكافي: ج2، ص148؛ علي الطبرسي، مشكاة الأنوار: ص226؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج9، ص448؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 72، ص109).
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قال: «مَنْ زَارَ الْحُسَينَ عليه السلام مِنْ شِيعَتِنَا لَمْ يرْجِعْ حَتَّي يغْفَرَ لَهُ كلُّ ذَنْبٍ وَ يكتَبَ لَهُ بِكلِّ خُطْوَةٍ خَطَاهَا وَ كلِّ يدٍ رَفَعَتْهَا دَابَّتُهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ وَ مُحِي عَنْهُ أَلْفُ سَيئَةٍ وَ يرْفَعُ لَهُ أَلْفُ دَرَجَةٍ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص257؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص25).
و عَنْ أَبِي اَلصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وهُوَ يَقُولُ : «مَنْ أَتَي قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَهٍ حَسَنَهً، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص255؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص440؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص142).
«...وَ ضَرَبَ عُمَرُ لَهَا بِالسَّوطِ [بِسَوْطِ أَبِي بَكْرٍ]عَلَي عَضُدِهَا حَتَّي صَارَ كَالدُّملَجِ الاَسوَدِ المُحتَرِقِ». (الخصيبي، الهداية الكبري: ص40؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 53، ص19).
ص: 357
ورُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ وابن عباس قالا: «...فَضَرَبَهَا قُنْفُذٌ الْمَلْعُونُ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ حِينَ مَاتَتْ وَ إِنَّ فِي عَضُدِهَا كَمِثْلِ الدُّمْلُجِ مِنْ ضَرْبَتِهِ». (سليم بن قيس الهلالي، كتاب سليم: ص151؛ الطبرسي، الاحتجاج: ج1، ص109 (مع اختلاف يسير)؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص270).
ص: 358
14 كانون الأول 2009م= 29 ذو الحجة 1430ه
ص: 359
ص: 360
قال الله تعالي: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللَّهِ»(1) هذا نص القرآن الكريم، ومعني قول الباري عز و جل: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا» أنه لا شيء في منظومة الوجود بأكملها أحسن من هذا العمل، وهذا هو عملكم شريطة أن تعرفوا قدر هذه النعمة، رأيت بعض الفقهاء الكبار، ممن كان كلامهم هو الواقع، وقد رأوا في عالم الرؤيا أن أبا الفضل العباس عليه السلام يشطب بأمر من الإمام الحسين عليه السلام بعض الأسماء من سجله، ويسجل أسماء أشخاص آخرين؛ ولذا عليكم أن تعملوا علي تسجيل أسمائكم في هذا السجل، والأهم من ذلك إياكم أن تحذف أسماؤكم من هذا السجل؛ فإن لذلك لحسرة لا تدانيها حسرة.
ما هي مسؤوليتنا؟ قبل كل شيء لا بد أن تعرفوا طبيعة عملكم؛ فإن لكل عمل شروطا، فالصلاة مشروطة بالوضوء، ومن دونه تبطل، حتي لو استغرق الركوع فيها ألف عام، وعملكم الدعوة إلي الله تعالي : «وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَي اللَّهِ»، والدعوة إلي الله ذات شعب، ومن شعبها لزوم التحدث عن آلاء الله وألطافه وتوضيحها للناس في جميع المجالس والمحاضرات، ليعوا أن الله هو المبدأ وهو المنتهي، وأن كل شيء فان إلا وجهه الكريم(2)، وكل شيء مرتبط به، ولتكن دعوتكم بحيث لا ينسي الناس ذكر الله تعالي بعد عودتكم إلي دياركم.
ص: 361
لا بد أن تبينوا للناس أننا خلقنا من نطفة قذرة، بحيث يجب غسلها و إزالتها فيما لو سقطت علي ثوب الأب أو الأم، ثم ينتهي بها الأمر إلي الكنيف، فمن أين خلقنا؟ ومن الذي خلقنا علي هذه الصورة؟ فنحن تلك النطفة(1) التي تحولت إلي هذا الشكل، ولو تعرض عرق من عروق دماغنا لأدني اهتزاز لفقدنا الذاكرة، بحيث لا نميز بين اليد اليمني واليد اليسري! فنحن مغمورون بنعمه وآلائه في كل لحظة وآن؛ من هنا ينبغي لكم أن تعملوا في ظل رعايته وإشرافه علي أن تترك أقوالكم وأفعالكم تأثيرا في تغيير الناس، ليتذكروا الله ليلا ونهارا، واعملوا علي أن لا يبقي أحد تاركا للصلاة في تلك المناطق.
إن السبيل إلي الدعوة محصور بما حدده الله جل وعلا حينما قال : «مُبَشِّراً وَنَذِيراً»(2) ، فالهدف كل الهدف يكمن في هذا الأسلوب، من هنا نعرف كيف فقدت المنابر أثرها وضاع الجوهر الأساسي من كل شيء، «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَي اللَّهِ»(3). هذا هو الطريق إلي الدعوة، ولا شيء إلا وهو في القرآن، كالبشارة والإنذار، وذكروا الناس من علي المنابر بالآيات المرتبطة بالجنة وبالآيات المتعلقة بالنار، والروايات المتعلقة برحمة الله تعالي (الملحق:1) وعذابه؛ لكي يستيقظوا من سباتهم.
افتحوا القرآن واقرؤوا سورة الملك، لتروا عم تحدثت، واقرؤوا سورة الواقعة أيضا: «إِذا وَقَعَتِ اَلْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ*خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ* إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ
ص: 362
رَجًّا* و بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا»(1). أي يوم ينتظرنا؟ يوم يهد فيه جبل دماوند هذا، ويتلاشي حتي يصبح «هَباءً مُنْبَثًّا»، كذرات الغبار التي تتراءي تحت أشعة الشمس. قال تعالي : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»(2). فالطريق إلي الدعوة يمر عبر التبشير والإنذار، وقراءة آيات الرحمة وآيات العذاب؛ ليعرف الناس أن لكل عمل جزاء
من هنا، فالمهم أن يعلم الجميع طبيعة هذا العمل، وعليكم أن تمهدوا الأرضية المناسبة له، فابدؤوا بأنفسكم أولا، ثم أوصوا الناس بالعمل به، وابدؤوا اعتبارا من هذه الليلة، ثم أوصوا الناس به هناك، واعلموا بأنه لا ينبغي لنا أن نغتر بأنفسنا، وبمدي تأثير كلامنا في الناس، بل يجب إعداد التربة كما ينبغي، ومن ثم نثر البذور فيها، ويجب أن نبدأ بأنفسنا ونسعي إلي تغييرها.
ما هو السبيل الصحيح؟ السبيل هو لزوم تقديم الصلاة علي كل عمل، (3)
(الملحق:2). لا بد أن نفهم مسالك الدين، وأن ندرك مثل هذه الأمور الدقيقة، فلربما يسهل علينا النطق بكلمة خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله، إلا أن الشيء الذي يحيرالعقول هو أن حقيقة الخاتم، و هو من يمثل الشخصية الأولي في عالم الإمكان، قد ذكر حين
ص: 363
احتضاره، في تلك اللحظات الحساسة في حياة كل إنسان، وقبل أن ينطفي ذلك السراج المنير الذي أوقده الله، قد ذكر كلمتين كانتا آخر جملة نطق بها، إحداهما : الوصية بالصلاة، والأخري: الوصية بالنساء وما ملكت الأيمان(1).
خلاصة الكلام: أن بيان هاتين الكلمتين بحاجة إلي تدوين كتاب، ومن الضروري الالتفات إلي تينك النقطتين: الأولي تمثل أقوي الموجودات، أعني الذات القدسية، والطريق إليه هو الصلاة، والثانية تمثل أضعف الأفراد، أو الضعيفين بحسب تعبير الحديث، وهما النساء وما ملكت الأيمان، وقد أنهي الرسول صلي الله عليه و آله مسؤوليته ببيان كلا الأمرين.
وذلك هو ذات العمل الذي قام به رئيس المذهب الجعفري لما دنت وفاته عليه السلام حيث قال في وصيته الأخيرة: «لاَ يَنَالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلاَةِ»(2)
(الملحق:3).
اعملوا ما في وسعكم؛ كي لا يبقي في تلك المناطق تارك للصلاة، فهذه هي المسؤولية التي تقع علي عاتقنا تجاه الله سبحانه.
ذكرنا سابقا أن الأمر الثاني الذي ينبغي أن يتجسد فينا شخصية وفيهم كذلك
ص: 364
هو إعداد النفوس، ومن ثم نثر بذور الآيات والروايات، فما الذي يسهم في تهيئة الأرضية وإعداد النفوس؟ يجب فهم هذا الأمر جيدا، والتأمل كثيرا في الآيات القرآنية: «لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَي المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ»(1)
الجملة الأولي في الآية المباركة هي «يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ» لا بد للفقيه أن يفتح أبوابا متعددة عبر الدقائق والإشارات القرآنية، فأول ما ينبغي للناس هو تلاوة آيات الله. فلما يزل القرآن مجهولا بعد. أتعلمون ما الذي تفعله الشمس بالأرض؟ إن إشراق نور الشمس علي الأرض يقضي علي جميع الموجودات الضارة، ويستخرج منها تلك القوي الكامنة فيها، كذلك الحال في أرواحنا، فشمس أرواحنا هي القرآن الكريم، وهذا الكلام ثابت بالدليل والبرهان، وليس مجرد خطابة. طبقوا هذا البرنامج، واعملوا علي أن يتربي الناس علي ذلك في تلك المناطق، من يحسن منهم تلاوة القرآن فمن الضروري له القيام بذلك، فعندما يذكر الباري عز و جل أمرا ما في القرآن يتحتم علينا إدراك أهمية هذا الأمر «فاقروأ ما
تيسر من القرآن»(2)، فلا تدعوا يوما من الأيام دون أن تقرؤوا فيه القرآن(3)، (الملحق:4) . وقوموا بختم القرآن الإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ لما لذلك من آثار و خصوصيات،
ص: 365
فما نذكره لكم إنما هو عصارة عمر طويل، واعلموا بأن هذا القرآن حينما ينسب إلي إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف سيؤدي بكم إلي نقلة نوعية. يجب أن يعزز الناس ارتباطهم بالله تعالي وإمام زمانهم، وكل ما سوي ذلك فهو خطأ، وأحد طرق الارتباط هو ختم القرآن الكريم وإهداؤه إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف. فأين نحن من هذا الإمام الهمام؟ وأني لنا أن نتصور من هو إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؟
هناك قصة نقلها لي المرحوم الحاج الميرزا أحمد الكفائي قدس سره، نجل المرحوم الآخوند قدس سره صاحب الكفاية، الذي درس الكفاية عند والده، ثم حقنا بألطافه فقام بتدريسنا هذا الكتاب، وقد كان نموذجا للتقوي، ومع رحيل هؤلاء الأتقياء شهدت الساحة فراغا كبيرا.
قال الميرزا أحمد قدس سره : مرضت والدتي، وباءت جميع محاولات علاجها بالفشل، ثم قيل لنا: هناك سيد يجيد علم الرمل، وينبئ عن كل ما يطلب منه، فأخذت أنا وأخي المرحوم آقا زاده في طلبه، وبينا نحن ذات يوم في صحن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذ شاهدنا سيدا يرتدي ملابس رثة، وهو يصعد بعض سلالم الصحن، فقال لنا شخص من الحاضرين: ذاك هو السيد الذي تبحثان عنه.
قال : فتقدمنا تجاهه أنا وأخي الابن الأكبر للآخوند والحائز علي شهادة الاجتهاد من الآخوند قدس سره نفسه، فسلمنا عليه، وقلنا له: أنت السيد الذي نبحث عنه، واتضح لنا أنه هو. ثم قال: نويت شيئا ولم أبح به لأحد، فأخذ السيد سبحته وبدأ يدير حباتها، ثم ما لبث أن قال لي: نيتك ترتبط بامرأة استحوذ عليها المرض، ولم تشف علي الرغم من جميع المحاولات، وإنها ستموت بعد ثلاثة أيام.
ص: 366
فعرف أخي الذي كان يقف إلي جانبي بما نويت، وأنها تتعلق بوالدتي، وبعد برهة قال أخي لهذا السيد: أنا أيضا نويت، وأريد منك أن تحدثني عما نويت! قال: فما إن أخذ السبحة وأدار حباتها حتي تغير لون وجهه ورد علي أخي قائلا: نيتك ترتبط بشخص هو الآن في مكة، وهو الآن في الشام، وهو الآن في الكوفة، وبعدما ذكر كلمة «الآن» مرتين أو ثلاث مرات قال: إن نيتك ترتبط بمن يدور العالمين حول محور وجوده. ثم قال في كلمة ثالثة: ترتبط نيتك بإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف.
فذهل أخي وذهلت أنا أيضا، وأصررنا عليه أن يعلمنا هذا العلم، فقال: أنتما من أولاد العلماء، وهذا العلم ملازم للفقر المدقع الذي لا حول معه ولا قوة وأنتما لا تتحملانه، قال ذلك ثم انصرف ذاهبا. وعلي إثر ذلك قصصنا الحكاية علي المرحوم الآخوند قدس سره، وهو بدوره ظل حائرا من قصة هذا الرجل علي الرغم من عظمته، ثم بحثنا عنه فلم نعثر له علي أثر. هذا هو حال إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فأين أنا وأنت من هذا الرجل العظيم؟
ما هذه إلا ذريعة نتعلل بها لنهدي له ما تيسر لنا من قراءة القرآن، وهذا الأمر يؤدي إلي شمولنا بعنايته ولطفه؛ ذلك أن له ارتباطا وثيقا بالقرآن الكريم، بل هو ثمرة فؤاده، ونور عينيه. فلما تقرؤون القرآن وتهدونه له، وحينما تعرض عليه صحيفة أعمالكم عصر يوم الجمعة، (1)(الملحق :5) فيري فيها أنكم قرأتم القرآن،
ص: 367
وأهديتموه له طيلة أيام الأسبوع، تري ماذا سيكون موقفه منكم؟ فلكم أن تتخيلوا حساب ذلك.
فإذا كانت أعمالكم علي هذه الشاكلة طيلة أيام السنة، فهو أدري بما يكافئكم، عندما يعرض عليه كتاب التقدير في ليلة القدر التي« تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أمر»(1)، ولفظ «كل» فيها موضوع للعموم، مما يعني أن جميع الأمور بيده وبإمضائه(2)، فيري حينها صحيفة أعمالكم، وهي مليئة بهذه الأعمال طيلة أيام السنة.
كونوا قدوة للآخرين في تطبيق هذا الكلام، ومروا الناس المتعلمين منهم في تلك المناطق بلزوم العمل به، أما الأميون فأوصوهم بقراءة سورة التوحيد إحدي عشرة مرة صباحا، ومثلها مساء عند الخلود إلي النوم، وليقرؤوها ما استطاعوا في باقي ساعات اليوم(3)، وليهدوها إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف.
اعملوا علي أن يأنس الناس في تلك المناطق بالصلاة و بالقرآن وبإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف في كل يوم وفي كل سنة، هذا هو السبيل إلي الدعوة والتبليغ، ولا بد من تطبيق هذه الطريقة بصورة عملية.
حاولوا في جميع مجالسكم أن تقرؤوا أنتم أو شخص آخر زيارة «سلام علي آل
ص: 368
ياسين» قبل ارتقاء المنبر، وليس من الضروري قراءة الدعاء المذكور بعدها، لأنه طويل، فاكتفوا بقراءة الزيارة فقط؛ لئلا يطول المقام بالمستمعين، فقد قال ولي العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف : «إِذَا أَرَدْتُمُ التَّوَجُّهَ بِنَا إِلَي اللَّهِ وَ إِلَيْنَا فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَي: سَلَامٌ عَلَي آلِ يس »(1) ولا ريب في أن نظر الإمام عليه السلام سيطال هذه المجالس، حينها سيكون لكلامي وكلامك تأثير في الناس. واختموا تلك المجالس بالدعاء للإمام الحجة بن الحسن عجل الله تعالي فرجه الشريف(2)
اعملوا علي أن تعرفوا الناس هناك في هذه الليالي والأيام بالمعصومين الأربعة عشر عليه السلام، أي تناولوا بالحديث في كل ليلة فضائل و مناقب واحد من الأئمة الميامين عليهم السلام (3) بحيث يكون الناس علي دراية ومعرفة بالإمام علي النقي عليه السلام (الملحق:6) بعدما تعودون إلي دياركم، فلا ينبغي ترك ذلك، بل لا بد من اغتنام الفرصة ومعرفة قدر هذه النعمة التي من الله تعالي بها عليكم ووفقكم للحصول عليها، فإن الحفاظ علي أيتام آل محمد عليهم السلام(4) من الأمور البالغة في الأهمية، ولاسيما في مثل هذه الأيام.
وستتجلي أهمية هذه الكلمات حين الموت، فلو توفرت لكم فرصة هداية شخصي
ص: 369
ما، وفرطتم فيها، فستتحسرون علي ذلك عند الموت. كلما تذكرت ذلك أصابتني الحيرة، كم هو أجر الإنسان لو استطاع تعريف شخص ما إلي إمام زمانه، أو أسهم في توبة إنسان مذنب؟ إن أجر هذا العمل هو ثواب عبادة مئة سنة بصيام نهارها وقيام ليلها(1). إن الحظ قد حالفكم، فاغتنموا هذه الفرصة، ولا تفرطوا فيها.
ثمة أركان ثلاثة يجب العمل بها في مناطق التبليغ:
الركن الأول: ترسيخ عقائد الناس، أي تعريفهم بالله تعالي والأئمة المعصومين عليهم السلام؛ كي لا تؤثر فيهم الشبهات، ولا يزعزعهم أصحابها.
الركن الثاني: الروايات الأخلاقية، فمن اللازم أن تحملوا معكم كتاب «بحار الأنوار» لتقرؤوا منه تلك الروايات، فإن كلام الأئمة عليهم السلام مؤثر جدا، أما كلامي وكلامكم فإنه لا يحل عقدة، ينبغي أن تكون الكلمات التي تجري علي لساننا هي كلمات الإمام الخامس والإمام السادس عليهما السلام، تلك هي الكلمات المؤثرة.
الركن الثالث: الأحكام. حاولوا أن تختاروا النخب والأذكياء في المناطق التي تذهبون إليها، لتعلموهم المسائل الشرعية؛ فيتسني للناس الوصول إلي الأحكام الشرعية ومعرفة المسائل الأخلاقية والعقائدية بواسطتهم بعد عودتكم إلي دياركم.
هذا هو برنامج المجالس، ونسأل الله بعد العمل بهذه التوصيات، والتوسل بسيد الشهداء عليه السلام، وببركة هذه الأيام المباركة، أن تحل مشاكلكم ومشاكل الناس هناك أيضا. ومجمل الكلام: بوسعكم السفر إلي تلك المناطق، والعودة منها، وقد
ص: 370
عمر تم آخرتكم، وسرتم في الطريق الصحيح.
الأمر الأخير هو أن تولوا قضية عاشوراء منتهي الأهمية، فلا ينبغي أن توسوس للناس أنفسهم بأن لا معني لكل هذا الضجيج والنحيب بعد زهاء ألف وأربعمئة سنة؟ لا بد أن يعي هؤلاء الناس أن واقعة عاشوراء علي قدر كبير من الأهمية، إلي درجة أن جميع المخالفين أخرجوا هذه الرواية : «وَمما ظهر يَوم قَتله...لم يُرفع حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ»(1). إن الواقعة علي مثل هذه العظمة، فيما قيمة دموعنا مقابل ذلك؟ فإذا كان الجماد يبكي عليه دما عبيطا(2) فما الذي ينبغي أن يفعله الإنسان؟
من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ إنما يعرف الإمام الحسين عليه السلام من يفهم معني المباهلة: «فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسَنا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل»(3) .
ومعني قضية المباهلة هو أن دعاء خاتم النبيين صلي الله عليه و آله، ودعاء أمير المومنين عليه السلام، ودعاء الصديقة الكبري عليها السلام، ودعاء الإمام المجتبي ، إنما يؤثر ويختتم بنفس خامس آل العباء وتأمينه، حينها يسدل الستار علي مشهد المباهلة.
هذا هو الإمام الحسين عليه السلام، وهل يمكن الحديث عن عظمة شخص يمتلك مثل هذا المقام السامي وهذه الدرجة الرفيعة عند الله تعالي ؟!
ص: 371
من هو الإمام الرضا عليه السلام؟ هو من يذهب الفقهاء من الشيخ الطوسي قدس سره حتي الشيخ الأنصاري قدس سره فداء لأهداب عينيه، ولقد قال هذا الإمام الهمام عليه السلام: «إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا»(1). فقد كان بكاؤه عليه السلام من الكثرة بحيث تقرحت جفونه، تلك هي قضية سيد الشهداء عليه السلام
حذار أن يطلق بعض الناس التخرصات والشبهات، ولا ينبغي أن يصغي لكلامهم، فمهما عظم العزاء، واشتد العويل والبكاء في الهيئات والمواكب، فإن ذلك لقليل بحق هذه المصيبة الكبري.
ص: 372
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ اَلطُّورِ إِذْ نادَيْنا». قال: «كَتَبَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ كِتَاباً قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اَلْخَلْقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ فِي وَرَقِ آسٍ أَنْبَتَهُ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَي اَلْعَرْشِ ثُمَّ نَادَي: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي أَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي وَ غَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَغْفِرُونِي فَمَنْ لَقِيَنِي مِنْكُمْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدِي وَ رَسُولِي أَدْخَلْتُهُ اَلْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي». (الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص10؛ الديلمي، أعلام الدين: ص 358).
وروي أيضا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: «إنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً، و لَمْ أُبْعَثْ عَذَاباً». (العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 18، ص 243).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام: «فَضْلُ الْوَقْتِ الْأوَّلِ عَليَ الأخيرِ [خَيْرٌ ]لِلْمُؤْمِنِ [مَنْ] وَلَدِهِ وَمالِهِ». وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: «فَضلُ الوَقتِ الأوَّلِ علي الآخِيرِ كَفَضلِ الآخِرَةِ علي الدُّنيا». (الكليني، الكافي: ج3، ص274؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص36؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2، ص 41 الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج4، ص123).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله: «لا يَنالُ شَفاعَتي مَنِ استَخَفَّ بِصلاتِهِ ،ولا يَرِدُ عَلَيَّ الحَوضَ، لاَ وَ اللَّهِ». (البرقي، المحاسن : ج 1، ص 79؛ الكليني،
ص: 373
الكافي : ج6، ص400؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج81، ص241).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: «اَلقُرْآنُ عَهْدُ اللّه اِلي خَلْقِهِ، فَقَدْ يَنْبَغي لِلْمَرْءِ المُسْلِمِ اَنْ يَنْظُرَ في عَهْدِهِ، وَ اَنْ يَقْرَأ مِنْهُ في كُلِّ يَوْمٍ خَمْسينَ آيةً». (الكليني، الكافي: ج2، ص 609؛ ابن فهد الحلي، عدة الداعي: ص 273؛ ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي : ج4، ص 22).
عَن أَبِي الحَسَنِ عليه السلام قَالَ: سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، قَالَ: «إنَّ أعمالَ العِبادِ تُعرَضُ عَلي رُسولِ اللّه ِصلي الله عليه و آله كُلَّ صَباحٍ أبرارِها و فُجّارِها ، فَاحذَروا». (الصفار، بصائر الدرجات: ص444، الكليني، الكافي: ج1، ص219 (مع اختلاف يسير)؛ علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي: ج1، ص304؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 191؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 17، ص149).
وَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: «يَا مُفَضَّلُ!... وعُرِضَ عَلَيْنَا أعمالُهم، فَرَاَينَا لُهم ذُنُوباً وخَطَايَا، فَبَكَي جَدُنَا رَسُوُل الله صلي الله عليه و آله وَبَكَينَا رَحمَهً لِشيعَتناَ». (الخصيبي، الهداية الكبري: ص٤28).
عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام إِلَي ظَاهِرِ سُرَّ مَنْ رَأَي يَتَلَقَّي بَعْضَ الْقَادِمِينَ فَأَبْطَئُوا فَطُرِحَ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام غَاشِيَةُ السَّرْجِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَ نَزَلْتُ عَنْ دَابَّتِي وَ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ يُحَدِّثُنِي فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ قِصَرَ يَدِي وَ ضِيقَ حَالِي فَأَهْوَي بِيَدِهِ إِلَي رَمْلٍ كَانَ عَلَيْهِ جَالِساً فَنَاوَلَنِي مِنْهُ كَفّاً وَ قَالَ اتَّسِعْ بِهَذَا يَا أَبَا
ص: 374
هَاشِمٍ وَ اكْتُمْ مَا رَأَيْتَ فَخَبَأْتُهُ مَعِي وَ رَجَعْنَا فَأَبْصَرْتُهُ فَإِذَا هُوَ يَتَّقِدُ كَالنِّيرَانِ ذَهَباً أَحْمَرَ فَدَعَوْتُ صَائِغاً إِلَي مَنْزِلِي وَ قُلْتُ لَهُ: اسْبُكْ لِي هَذِهِ السَّبِيكَةَ فَسَبَكَهَا وَ قَالَ لِي: مَا رَأَيْتُ ذَهَباً أَجْوَدَ مِنْ هَذَا وَ هُوَ كَهَيْئَةِ الرَّمْلِ فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا فَمَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: كَانَ عِنْدِي قَدِيما» (الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج2، ص118؛ ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب : ص 532، العاملي، الدر النظيم: ص727؛ الأربلي، كشف الغمة : ج 3، ص 192؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 50، ص 138).
ص: 375
ص: 376
21 كانون الثاني 2011م = 15 صفر 1432ه
(لقاء مع المبلغين)
ص: 377
ص: 378
«ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ»(1)، أتعلمون أي عمل قد تيسر لكم؟ وأي حظ أقبل عليكم؟ بيد أن العمر قد انقضي دون أن نفهم مسؤوليتنا، أو نعمل بها. إن العمر يمر كالبرق الخاطف، ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي عقدنا مثل هذا الاجتماع في المكان ذاته، وها نحن نجتمع مرة أخري هذا العام، كيف انقضي هذا العام؟ وكأن لم يكن شيئا مذكورة، هذا هو عمر الإنسان، فإن غاية ما يصل إليه مئة عام.
هكذا تمر الأيام، فما الذي يحصل مقابل ذلك؟ لو أدرك الإنسان حقيقة الأمر لأصيب بالحيرة والذهول، فمحل وقوع الأعمال محدود جدا، في حين أن أثرها غير محدود؛ إذ هناك الأبدية التي لا انقضاء لها. فما الذي ينبغي فعله ليكون مقابلا لتلك الحياة؟ عندما قلت لكم: إننا لم نفهم شيئا، عنيت ذلك حقا لم نفهم، فلم ندرك أي يوم هذا الذي يقع قبال أيام الدنيا القلائل؟ ولم نفهم أي مكان هو هذا المكان، كما لم نعرف الدنيا ولا الآخرة!
علي أية حال، من هو أمير المؤمنين عليه السلام؟ إنه الشخص الذي يقف أصحاب الجنة متحيرين أمام عظمته، حيث يتفاجؤون في الجنة إذ يرون فيها شمسا تشرق، يقولون: ««مُتَّكِئينَ لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً وَ لا زَمْهَريرا»(2)، فما هذه الشمس المشرقة؟ فيأتيهم الجواب: لقد تبسم أمير المؤمنين عليه السلام، فأشرقت الجنان بنور ثغره وشفتيه(3).
ص: 379
كان هذا الرجل العظيم إذا جن عليه الليل يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: «آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَطُولِ الطَّرِيقِ وَبُعْدِ السَّفَرِ»(1). هذا ما يدعونا إلي القول بأننا لم نفهم شيئا من الحياة وأن العمر قد انتهي؛ فلا بد من أن نستفيق في أقرب فرصة. أما أنتم فلو اغتنمتم الفرصة المتاحة لكم، وعرفتم قدرها، وعملتم بما يتوجب عليكم العمل به، فستنالون سعادة لا حدلها ولا حصر.
ص: 380
كما ذكرت لكم سابقا، قد طلب الله تعالي من نبيه الخاتم صلي الله عليه و آله الدعوة إلي سبيله، حيث قال: «ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ» ، وعملكم هو الدعوة إلي سبيل الرب؛ ولذا يتعين علينا أن ندرك مدي أهمية هذا العمل، وما الذي ينبغي إعداده لهذا الغرض؟
فما هو السبيل إلي الله؟ إن الطرق إلي الله متعددة، اقرؤوا زيارة الجامعة لتفهموا ذلك جيدا، حيث ورد فيها: «أَنْتُمُ السَبِيلُ الأعظَمُ»(1)، فلا يعقل استخدام اسم التفضيل إلا مع وجود فاضل ومفضول، فلا يقال: أعظم إلا مع وجود عظيم.
من أين يبدأ السبيل إلي الله؟ يبدأ أولا من إيقاظ القلب بذكر الله تعالي :««الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّه أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(2).
ثم يصل الدور إلي تعليم الأحكام الإلهية، فكل حكم منها يمثل سبيلا إلي الله جل وعلا، فالوضوء والصلاة والصيام و... كل واحد منها سبيل من السبل إلي الله.
إن مسؤوليتنا في تلك المناطق شاقة للغاية؛ لأن الناس هناك أيتام إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف(3) ومن هو اليتيم؟ اليتيم هو المنقطع عن أبيه؛ ونحن جميعا أيتام؛ إذ
ص: 381
الإمام عليه السلام هو الوالد الشفيق(1)، وقد افتقدناه جميعا في عصر الغيبة.
إننا نظن أن لنا قيمة تذكر، فلربما يتوهم أحدنا بأنه أنهي كل هذه المراحل الدراسية وقام بكل هذه الأعمال، فكيف يتقدم علينا يوم القيامة شخص ما يقطن منطقة من تلك المناطق النائية، مع كل ذلك التاريخ الحافل الذي نتمتع به؟! إنما تكمن الخطورة في جهلنا بالواقع، فلربما يكون خاصة عباد الله في تلك المناطق؛ لأن الله تعالي أخفي عباده عن الأعين: «لله تحت قباب العز طائفة.. أخفاهم عن عيون الناس إجلالا»(2) (الملحق:1).
من المحتمل أن تري بعض الأفراد في تلك المناطق قد بلغوا مقاما ساميا ودرجة رفيعة نتيجة جهادهم في سبيل الله ؛ فإن للجهاد أشكالا مختلفة، فالجهاد الذي أقوم به أنا - مثلا - يختلف عن جهاد ذلك الفلاح المسكين في تلك المناطق؛ فمن يزاول الزراعة هناك، ويبذل طاقة كبيرة من الصباح حتي المساء، فضلا عن ابتلائه بالمخالفين له في المذهب والعقيدة، علي أنه لو اعتنق عقيدتهم لتوفرت له جميع
ص: 382
وسائل الراحة والنعم، ولكنه يؤثر الصبر علي محبة أهل البيت عليهم السلام ومذهب الحق(1)، فإن مثل هذا الشخص تتلاشي جميع أعمالي مقابل عمله يوم القيامة، وإنكم ستشدون الرحال إلي مثل هذه المناطق.
(الملحق: 2)، وكان يحمل اسم الله الأعظم(1) - قيل له: أيهما أفضل لحيتك أم ذنب الكلب؟ فرد سلمان : مادمت لم أعبر الصراط لست أعلم أيهما أفضل، فقد أراد ذلك السائل أن يسخر من سلمان، إلا أنه بحر من العلم، حيث أجابه بهذا الجواب: إذا ما عبرت الصراط فسيتضح حينها أينا أفضل. من هنا ينبغي لكم أن تصرفوا جميع طاقاتكم في تلك المناطق؛ لعلكم تحظون بعناية الباري تعالي، وولي الله الأعظم عجل الله تعالي فرجه الشريف، وتنالوا من سفركم هذا زادا لآخرتكم؛ ولذا يجب أن تكون دعوتكم منصرفة إلي سبيل الله فقط .
ما هو السبيل إلي الله؟ علموا الناس أحكام الدين الإلهي كالوضوء والصلاة.. قولا وعملا، إننا-في الحقيقة - في حيرة من أمرنا، بم نجيب الله سبحانه؟ فالمشكلة تكمن في أننا نعيش ونقضي أيام حياتنا هنا، بينما يعيش هؤلاء في مناطق نائية، بعيدة عن التعاليم الدينية. فماذا سيقول الله لهؤلاء المعممين غدا؟ لماذا لم تذهبوا إلي تلك المناطق؟ لماذا لم تعلموا الناس واجباتهم؟ نسأل الله أن يعفوا عنا!
وعلي أية حال، اعملوا ليلا ونهارا، فلا ينبغي أن تبذلوا جهودكم أثناء ارتقاء المنبر فقط، وتخلدوا إلي الراحة في باقي الأوقات، فلا قيمة لمتاع الدنيا، إنما قيمة
ص: 384
عملكم في أن تهدوا شخصا واحدا إلي الله تعالي هناك، أن تعلموا أحدهم الأحكام والتعاليم الدينية، أن تحثوا الناس علي قراءة القرآن، (1) والتوسل بأهل البيت عليهم السلام(2). عندئذ ستكون النتيجة ما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ عَلَي يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»(3).
قد نجد طالبا حوزويا مغمورا من طلاب العلوم الدينية، يذهب في العشرة الأخيرة من شهر صفر إلي منطقة نائية ليس فيها رجل دين، فيتوب علي يديه مذنب، أو يتعرف بواسطته ضال علي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فيعود من سفره وقد ادخر لنفسه ثواب عبادة مئة عام(4)، بينما تمضي حياتنا وتنقضي أعمارنا دون أن نستفيد منها أي شيء
من أهم الأعمال التي ينبغي القيام بها في تلك المناطق، تعليم الأحكام الإلهية؛ فعليكم أن تتفقدوا المدارس، وتتحدثوا إلي اليافعين والشباب؛ بغية تحصينهم من الشبهات، وليكن ذلك علي نحو يشدهم إلي هذا الطريق بعدما ترجعون من مناطقهم، هذا هو الأمر الأول.
والأمر المهم الآخر هو لزوم تعريف الناس هناك بأئمة المذهب، فاذكروا لهم
ص: 385
فضائل أهل البيت عليهم السلام، واسردوا لهم مناقبهم، حتي تكون لهم دراية تامة بالمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام بعد عودتكم من مناطقهم، وعليكم أن تخصصوا في كل ليلة محاضرة لأحد الأئمة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام(1)
ثمة حديث محير للعقول حقا، وإني لأصاب بالحيرة كلما فكرت فيه، وهو الحديث المروي عن أم سلمة، عن رسول الله صلي الله عليه و آله
ماهي مقامات الملائكة؟ إن الفارق بيننا وبين الملائكة كالفارق بين السماء والأرض، فمقام الملائكة هو أنهم «لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(2)ومن الملائكة من قال عنهم أمير المؤمنين عليه السلام: «مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ، وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ؛ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ، وَ أَخْوَفُهُمْ لَكَ وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْكَ»(3)
المحير للعقول أن هذه الملائكة تهبط من السماء إلي الأرض عندما يجتمع الناس في مجلس الذكر فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام، فتحضر في ذلك المجلس، ثم تعرج إلي السماء عند تفرق الحاضرين. الأمر المحير للألباب حقا هو هذا المقطع من الرواية: «فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجَتِ اَلْمَلاَئِكَهُ إِلَي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةُ: إنّا نَشُمُّ مِنْ رَائِحَتِكُمْ مَا لاَ نَشَمُّهُ مِنَ اَلْمَلاَئِكَهِ فَلَم نَرَ رائِحَةً أطيَبَ مِنها! فَيَقولونَ: كُنّا عِندَ قَومٍ يَذكُرونَ مُحَمَّدا وأهلَ بَيتِهِ، فَعَبلقَ فينا مِن ريحِهِم فَعُطِّرنا».
فالحقيقة أن الملائكة هم الذين يدركون أهمية بيان فضائل أهل البيت عليهم السلام، لا نحن، ولا ريب في أن هذا الكلام محير للعقول، خصوصا الفقرة الأخيرة من الرواية التي ورد فيها: «فَيَقُولُونَ اهْبِطُوا بِنَا إِلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ: تَفَرَّقُوا وَ مَضَي كُلُّ وَاحِدٍ
ص: 386
مِنْهُمْ إِلَي مَنْزِلِهِ فَيَقُولُونَ: اهْبِطُوا بِنَا حَتَّي نَتَعَطَّرَ بِذَلِكَ المكَانِ»(1). إن هذا الأمر العجيب حقا ومحير للألباب!؟
أسفا علي العمر الذي ولي ولم نفهم ما نفعله؟ فاستغلوا وقتكم هناك في مثل هذه الأمور، علموا الناس الأحكام الدينية، وحثوهم علي الصلاة، والسبيل إلي ذلك هو تذكير الناس بآلاء الله تعالي ونعمه؛ كيف خلق الإنسان من نطفة ثم علقة؟ وكيف رد الإنسان علي هذا المعروف في المقابل؟ ما الذي منحنا الله إياه؟ وما الذي أخذه منا؟ علي أن الذي يأخذه منا يدخره لنا، وإلا فهو الغني المطلق: «فَإِنَّ اللَّه خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ»(2)
ولئن أمرنا بعدم ارتكاب المعصية، فلأجل الحفاظ علينا من الرذائل والموبقات؛ كي نبقي جديرين بالقرب منه تعالي، ولئن أمرنا بالطاعات وبتلاوة كلامه المجيد، فلأن درجات الجنة بعدد آيات القرآن، فيجب علينا تعلم هذه الآيات؛ بغية الوصول إلي تلك الدرجات(3)
ص: 387
عرفوا الله تعالي إلي الناس، وذكر وهم بما فعله لهم، وما هو واجبهم تجاهه، وفهموهم حقيقة الصلاة (الملحق: 3). فإن لها من الأهمية ما جعل خاتم النبيين وخير المرسلين صلي الله عليه و آله يلهج بها في آخر أنفاسه قائلا: «الصَّلاةَ، الصَّلاةَ، الصَّلاةَ»(1)
وكانت الأنفاس الأخيرة لرئيس المذهب هي: «لاَ يَنَالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلاَةِ»(2)، فالشفاعة التي يحتاج إليها الجميع من الأولين والآخرين لا ينالها المستخف بصلاته، فاسعوا إلي تعريف الناس بعظمة الصلاة.
ثمة أمر مهم للغاية، وهو ضرورة أن تحثوا الناس المتعلمين منهم علي ختم القرآن الكريم في كل شهر، وذلك من خلال قراءة جزء واحد منه في كل يوم، وإن تيسر قراءة أكثر من ذلك فهو أفضل، وإهداء ذلك إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فهذا يضمن لكم سبيل السعادة. وباختصار: لا بد من الاتصال بالبحر بنحو من الأنحاء، والتطهر من نجاسات المعاصي.
فالسبيل إلي الاتصال بذلك البحر هو قراءة القرآن، وإهداؤه إلي الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف(3)، أما الأميون وغير المتعلمين فليقرؤوا سورة التوحيد ليلا ونهارا بقدر
ص: 388
ما يستطيعون(1)، وليهدوها إلي الإمام علي كل حال، وإذا قام المتعلمون بالجمع بين الأمرين فهو نور علي نور. وبادروا أنتم إلي فعل ذلك، وادعوا الناس جميعا إلي القيام به؛ لتصبح سنة حسنة: اقرؤوا القرآن واهدوه إلي الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف.
هذا هو جوهر العلم، ننقله إليكم، بل هو تجسيد للحديث النبوي: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي»(2)، فالقرآن الذي تتلونه يمثل الارتباط بكتاب الله، والهدية التي تقدمونها لإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف تمثل الارتباط بالعترة، فلا ريب في أن قراءة القرآن أمدا طويلا وإهداءها له، هي مصداق للتمسك بالقرآن والعترة. وهذا ما سيتجلي أثره عند الاحتضار، وفي أول ليلة من ليالي القبر. فاعملوا علي نشر ذلك وتجسيده بين الناس، وعطروا مجالسكم بذكر فضائل أهل البيت عليه السلام، ومعرفة الأئمة
ص: 389
الميامين عليهم السلام، فإن شذي عطرها تبلغ إلي العرش الأعلي(1)
المهم أن يتعرف الناس علي كلام الله المجيد، ويعززوا ارتباطهم بكلام الله الناطق، فإن الله كتابين: كتاب تدويني، وكتاب تكويني، الكتاب التدويني هوالقرآن الكريم، والكتاب التكويني هو إمام العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف والزمان(2) (الملحق:4).
فإذا ما جرت تربية الناس علي هذا الأمر، فسيعيشون مع كتاب الله، والعترة الطاهرة دائما، ومن يصبح كذلك يعد شخصا آخر مختلفا عما كان عليه قبل هذا الارتباط.
وعلي سبيل المثال، ضعوا باقة ورد إلي جانب حفنة من الطين، فبمرور الزمن وبعد بضعة أيام سترون الطين وقد تعطر بعطر الورد. لكننا - للأسف - لم يكن لدينا من يربينا علي ذلك منذ البداية، فلم نقف علي تلك اللطائف حتي انقضي العمر. فإن كانت هذه الروح تأنس بالقرآن الكريم منذ مرحلة الشباب، ذلك القرآن الذي يهدي إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فإن رائحة العطر التي تفوح منها بعد بلوغ عامها السبعين ستحير ملائكة السماء. فابدؤوا بأنفسكم في العمل بذلك، ثم ادعوا الناس إليه، لتكون النتيجة هي: «ادْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ »(3)، والخاتمة هي: «أَنتُمُ السَّبيلُ الأَعْظَمُ»(4).
ص: 390
«وأوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري». (السيد حيدر الآملي، تفسير المحيط الأعظم: ج4، ص181؛ محمد تقي المجلسي، روضة المتقين: ج9، ص285).
وروي أيضاً: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ اَلْبَاقِرِ، عن أبيه علي بن الحسين، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ علي، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَخْفَي أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْفَي رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ رِضَاهُ وَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ. وَ أَخْفَي سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ، فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ سَخَطُهُ مَعْصِيَتَهُ وَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ. وَ أَخْفَي إِجَابَتَهُ فِي دَعْوَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَ شَيْئاً مِنْ دُعَائِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ إِجَابَتَهُ وَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ. وَ أَخْفَي وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْداً مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ فَرُبَّمَا يَكُونُ وَلِيَّهُ وَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ». (الشيخ الصدوق، الخصال: ص209؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص296؛ الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص112؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج66، ص 274).
جِبْرِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنِي محمد بْنِ عِيسَي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَي، عَنْ حَرِيزٍ، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ لِي: «تَروي ما يَروِي النّاسُ أنَّ عَلِيًّا عليه السلام قالَ في سَلمانَ : أدرَكَ عِلمَ الأَوَّلِ وعِلمَ الآخِرِ؟ قُلتُ: نَعَم . قالَ: فَهَل تَدري ما عَني؟ قُلتُ: يَعني عِلمَ بَني إسرائيلَ وعِلمَ النَّبِيِّ صلي الله عليه و آله . فَقالَ: لَيسَ هكَذا يَعني، ولكِن عِلمَ النَّبِيِّ صلي الله عليه و آله وعِلمَ عَلِيٍّ عليه السلام وأمرَ النَّبِيِّ صلي الله عليه و آله وأمرَ عَلِيٍّ عليه السلام». (الشيخ الطوسي، اختيار
ص: 391
معرفة الرجال: ج 1، ص 64).
وروي في كتاب " الطبقات": «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّهَ، عَنْ أَبِي اَلْبَخْتَرِيِّ، قال: سُئِلَ عَلِيٌّ عَن سَلمانَ، فَقَالَ: أُوتِيَ العِلمَ الأَوَّلِ والعِلمَ الآخِرِ، لا يُدْرَكُ ما عِندَهُ... قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجاجُ بنُ مُحَمدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ [عليه السلام] عَن سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فقَالَ: ذَاكَ امْرِؤٌ مِنَّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ لَكُمُ بِمِثْلِ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ عَلِمَ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ و الْعِلْمَ الْآخَرَ وَقَرَأَ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ وَقَرَأَ الْكِتَابَ الْآخِرَ وَكَانَ بَحْرًا لَا يُنْزَفُ». (ابن سعد، الطبقات الكبري: ج4، ص85).
وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه "حلية الأولياء": «حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسي، حدثنا خلاد بن يحيي، حدثنا مسعر، حدثنا عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: سئل علي بن أبي طالب [عليه السلام] عن سلمان (رضي الله تعالي عنهما) فقال: تابع العلم الأول والعلم الآخر ولا يدرك ما عنده». (أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء : ج 1، ص187).
وروي: «قال علي [عليه السلام]: سلمان أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو ما أهل البيت. وقال: وعن علي [عليه السلام]، وذكر سلمان فقال: ذاك مثل لقان الحكيم بحر لا ينزف». (الذهبي، تاريخ الإسلام: ج 2، ص515).
وورد كذلك: «قال: قالوا يعني لعلي [عليه السلام] : يا أمير المؤمنين! فحدثنا عن سلمان الفارسي. قال: ذاك رجل منا أهل البيت، أدرك علم الأولين والآخرين، من لكم بلقمان الحكيم». (ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج21، ص421؛ المزي، تهذيب الكمال: ج 11، ص251).
ص: 392
قَالَ عَلَي عليه السلام: «... أَنَا صَلَاةُ الْمُؤْمِنِ، أَنَا حَيَّ عَلَي الصَّلَاةِ، أَنَا حَيَّ عَلَي الْفَلَاحِ، أَنَا حَيَّ عَلَي خَيْرِ الْعَمَلِ». (ابن شاذان، الفضائل : ص 83؛ السيد هاشم البحراني، حلية الأبرار: ج 2، ص124).
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: «الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ»، قال : «كتاب [الكتاب ] علي لا رَيْبَ فِيهِ [لَا شَكَّ فِيهِ ]». (محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1، ص26؛ علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي: ج1، ص30؛ البرسي، مشارق أنوار اليقين: ص 253؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج1، ص91؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج 1، ص 123؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص21).
ص: 393
ص: 394
3كانون الأول 2010م = 26 ذو الحجة 1431ه
ص: 395
ص: 396
قال تعالي: «وَمَن أَحسَنُ قَولا مِّمَّن دَعَآ إِلَي اللَّهِ وَعَمِلَ صَلِحا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ(1)، ينبغي لمن يأخذ علي عاتقه الدعوة إلي الدين والمذهب في هذه الأيام أن يعلم بأن هذا العمل هو عمل الأنبياء: «الَّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسالتِ اللهِ»(2) فهذا العمل أرفع شأنا من أن يناله بياننا أو تطاله كلماتنا، فالمهم في عصرنا الحالي هو الحفاظ علي أيتام آل العصمة(3)
فإن للحفاظ علي أولئك المنقطعين عن إمام زمانهم عجل الله تعالي فرجه الشريف، في ظل هذه الابتلاءات المتنوعة في الحياة، والحرمان من تعلم أصول المذهب والدين، إن لذلك من الأهمية ما يعجز عنه الكلام، فإن استطعتم في سفركم هذا أن تعرفوا ضالا بإمام زمانه عجل الله تعالي فرجه الشريف، أو تعيدوا إلي الصلاة تاركا لها، كان لكم من الأجر ما لا يوصف؛ ذلك أن الرسول الكريم صلي الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام: «لَأنْ يَهْديَ اللهُ عَلي يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»(4)
فإن كل ما طلعت عليه الشمس منذ أن نشأت هذه المنظومة الشمسية إلي يوم «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ»(5) في طرف وهداية إنسان واحد في طرف آخر، فهي أفضل من جميع ذلك.
ص: 397
غاية ما في الأمر أن الدعوة إلي الدين ينبغي أن تكون بالنحو الذي أراده صاحب هذا الدين: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(1)
إن لشجرة الدين الطيبة جذورا، ولها جذع وأغصان وأوراق وثمار؛ فعلي من يمضون لأداء مهمة التبليغ أن يعلموا ما هو واجبهم؟
فجذور شجرة الدين هي العقائد الحقة، ومعارف أهل البيت عليهم السلام، فهي تمثل أصل هذه الشجرة الطيبة وجذورها، أما جذعها فهو الأخلاق الفاضلة والملكات النفسانية الحميدة، وأغصانها عبارة عن الأعمال الصالحة. فإذا أصبحت العقيدة هي العقيدة الحقة، وأضحت الملكات النفسانية أخلاق فاضلة، وصار السلوك أعمالا صالحة، فإن ثمرة هذه الشجرة ستكون السعادة الأبدية التي لا حد لها ولا حصر، ولا بد من التنقيب عن هذه الحياة الأبدية من هنا ومنذ الآن.
من أهم واجبات المبلغين في تلك المناطق الرد علي الشبهات، فكما أن البدن يصاب بأنواع الفيروسات، كذلك الروح تبتلي بأنواع الشبهات؛ فإن شبهات المخالفين للدين، ممن تؤازرهم الشياطين، تترك - بلا شك - أمراضا روحية في عقول الضعفاء في الدين، ومسؤوليتكم هي الرد علي تلكم الشبهات.
فإذا رأيتم من تلوثت روحه بشبهة من شبهات الفرق والمذاهب الباطلة، ينبغي أن تسخروا كل ما لديكم من طاقة في علاجها، كما يفعل الطبيب الحاذق، ثم
ص: 398
اعملوا علي ترسيخ عقيدة الناس بهذا المذهب الذي جثا العالم بين يديه، والذي أخرس بقوة منطقه و متانة استدلاله أتباع الديانات الأخري، من يهود و نصاري وملحدين، وجميع أهل المذاهب الباطلة، حيث وقفوا عاجزين أمام قدرته وهيبته.
إلا أن ذلك يتطلب منكم أن تتحلوا بالكفاءة العلمية، وعندئذ يصبح كل واحد منكم كالحسن بن يوسف بن المطهر، العلامة الحلي(1)
فقد جمع سلطان عصره علماء المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، وحضر رجل ذو كفاءة علمية، فحاججهم وألقم الجميع حجرا، ورفع لواء التشيع عالياً في هذا البلد، ففي حين كان المذهب الستي هناك هو المذهب الرسمي السائد، انقلب الأمر ظهراً رأساً علي عقب، فتغيرت خطب الجمعة إثر ذلك في سائر أرجاء البلد(2)هذه هي الكفاءة والقدرة لأحد أبطال الدين، فعليكم بتقوية أسسكم العلمية.
ص: 399
ص: 400
المسؤولية الثانية التي تقع علي عاتق الدعاة والمبلغين في ظل هذا البرنامج هي لزوم تعزيز العقائد، وتعليم الأحكام، وتهذيب الأخلاق، ولا شك في أن عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام كفيلة بتحقيق كل ذلك. أيقظوا الناس ليدركوا الحقيقة، وليعرفوا ما هو يوم عاشوراء؟ وليفهموا أي قيامة قامت في ذلك اليوم؟ إننا نطلق كلمة عاشوراء ونتفوه بها، ولكن أني لنا أن نفهم من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ وما الذي فعله؟
إنه بحر لجي يغرق فيه أمثال الشيخ الأنصاري قدس سره، ويتحير فيه أمثال المحقق الحلي قدس سره، والعلامة الحلي قدس سره، فكيف لنا فهم حقيقة عاشوراء؟ أو يستطيع أحد أن يعرف أصحاب الإمام عليه السلام(1)حق معرفتهم، ليتسني له معرفته عليه السلام؟
لمن هذا الكلام؟ إنه حديث لرئيس المذهب الجعفري، الإمام السادس عليه السلام، ذلك الشخص الذي يعود إليه الفضل في كل ما بأيدينا، من المبدأ إلي المعاد، ومن الطهارة إلي الديات، ذلك الذي قدم للدنيا جوهر دعوة الأنبياء المئة والأربعة وعشرين ألفاً متمثلة بصورة المذهب الجعفري.
لقد عبر الإمام عليه السلام في هذا الحديث بكلمة «أشهد»، وأهل الفن والمختصون يعلمون مدي صعوبة الشهادة؟ فليس للشاهد أن يشهد حتي يكون المشهود به
ص: 401
واضحا كعين الشمس، والمحير للعقول هو أن الإمام عليه السلام قال: «أَشْهَدُ لَقَدِ اقْشَعَرَّتْ لِدِمَائِكمْ أَظِلَّةُ الْعَرْشِ»(1)، وأردف: «اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ»(2)
إن العقل ليحار في كل كلمة من هذه الكلمات، فهذا هو كلام الإمام السادس عليه السلام يشهد أن دم الحسين عليه السلام قد سكن الخلد، فمن كان الخلد مسكنا لدمه فأين مستقر روحه؟ تلك هي منزلة دماء سيد الشهداء عليه السلام.
ثم يبلغ الأمر إلي أن تقشعر لدمائه ودماء أصحابه أظلة العرش «وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أظلَّةُ العَرْشِ وَبَكي لَهُ جَميعُ الخلائِقِ»، و«الخلائق»: جمع محلي بالألف واللام، تشمل كل ما هو مخلوق ولا يستثني منه أحد سوي الله جل وعلا، فقد بكوا عليه السلام.
ما هذه الضجة العظمي؟ ما الذي فعله الحسين عليه السلام؟ «وَ بَكَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَ مَا فِيهِنَّ وَ مَا بَيْنَهُنَّ وَ مَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَ النَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَ مَا يُرَي وَ مَا لَا يُرَي»(3)إن العقول لتحيرت إذ بكت عليه السماوات السبع، فإن جميع هذه الكواكب والمجرات إنما هي في السماء الأولي، فقد قال تعالي: «وزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ»(4)، ففي السماء الأولي تسبح المليارات من الكواكب المنتشرة في
ص: 402
الفضاء، فما بالك بما تضمه السماوات السبع؟ بينما يقول الإمام الصادق عليه السلام: «وكَتْ له السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَ مَا فِيهِنَّ وَ مَا بَيْنَهُنَّ وَ مَنْ يَتَقَلَّبُ في الْجَنَّةُ وَ النَّارُ وَ مَنْ خَلَقَ رَبُّنَا وَ مَا يُرَي وَ مَا لَا يُرَي».
وسط كل ذلك يظهر جماعة فيقولون: هنالك إفراط في مراسم العزاء! وما ذلك إلا خطأ سببه الجهل، فمن الذي يفهم أي يوم هو يوم عاشوراء؟ ومن الذي يدرك أي رأس قد حمل علي الرمح؟ ومن الذي يعي أي يد قطعت إلي جانب نهر العلقمي؟ عليكم أن تنقلوا إلي الناس هذه الحقائق.
روي عن رفاعة بن موسي النخاس الموثق بتوثيق الشيخ النجاشي(1) وابن شهر آشوب(2)والعلامة(3) أنه دخل علي الإمام الصادق عليه السلام، والإمام عليه السلام لا يكلم في هذه الأمور كل من هب ودب، حتي يكون الشخص علي مثل هذه المنزلة، فسأله الإمام عليه السلام: «يا رِفَاعَةُ! أَمَا حَجَجْتَ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا كَانَ عِنْدِي ما أحُجُّ بِهِ ، ولكِنّي عَرَّفتُ عِندَ قَبرِِ الْحُسَيْنِ بن علي عليه السلام».
ولا يخفي أن للحج من المنزلة والعظمة ما دعا الرسول صلي الله عليه و آله أن يواجه أعرابياً لم يدرك الحج بمثل هذه الرواية: «لَمَّا أَفَاضَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تَلَقَّاهُ أَعْرَابِيٌّ فِي أَفْطَحَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنِّي خَرَجْتُ أُرِيدُ اَلْحَجَّ فَعَاقَنِي عَائِقٌ وَ أَنَا رَجُلٌ مَلِيٌّ كَثِيرُ اَلْمَالِ فَمُرْنِي مَا أَصْنَعُ فِي مَالِي مَا أَبْلُغُ مَا بَلَغَ اَلْحَاجُّ. قَالَ: فَالْتَفَتَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَي أَبِي قُبَيْسٍ فَقَالَ لَوْ
ص: 403
أَنَّ أَبَا قُبَيْسٍ لَكَ زِنَهَ ذَهَبَهٍ حَمْرَاءَ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ مَا بَلَغْتَ مَا بَلَغَ اَلْحَاجُّ (1)
ما يحير العقول حقا هو أن الإمام الصادق عليه السلام تابع كلامه مع رفاعة قائلا: «لَوْ لاَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَدَعَ اَلنَّاسُ اَلْحَجَّ لَحَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ لاَ تَدَعُ زِيَارَهَ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَبَداً».
سأقول لكم شيئا فاذهبوا وتأملوا فيه مليا، بعدما ذكر الإمام عليه السلام هذا الكلام قال: الراوي: «سَكَتَ طَوِيلاً»، لا بد من الوقوف هنا والتأمل كثيرة في مثل هذه النكات الدقيقة، لقد سكت الإمام عليه السلام طويلا، فما هي دلالات هذا السكوت؟ إنني وجميع الفقهاء والعلماء لعاجزون عن إدراك الأسرار الكامنة في هذا السكوت!
وبعد فترة من السكوت، رفع الإمام عليه السلام رأسه وقال: «مَنْ خَرَجَ إِلَي قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَارِفاً بِحَقِّهِ غَيْرَ مُسْتَكْبِرٍ صَحِبَهُ ألفُ مَلَكٍ عَن يَمينِهِ،وألفُ مَلَكٍ عَن يَسارِهِ».
إن سيد الشهداء عليه السلام هو من أرسل الباري تعالي عقل الكل نبيه الخاتم إلي الأرض، ليلتقط دمه ودماء أصحابه في قارورة ويرفعها إلي العرش(2)
الكلام هنا للإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فهو الذي يقول: «مَنْ خَرَجَ إِلَي قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ غَيْرَ مُسْتَكْبِرٍ صَحِبَهُ أَلْفُ مَلَكٍ عَنْ يَمِينِهِ وَ أَلْفُ مَلَكٍ عَنْ يَسَارِهِ».
فإذا كان هذا هو الأثر فمن هو ذلك المؤثر الذي ترك مثل هذا الأثر؟ هذا ما
ص: 404
ينبغي لكم أن تكتشفوه بواسطة البرهان الإتي عبر الانتقال من المعلول إلي العلة، فعلينا أن نعرف الشجرة من خلال الثمرة، والمعدن من خلال الجوهر؛ لا بد لنا أن نفهم من عظمة زيارة قبره عليه السلام عند الله تعالي ما هي درجته وما هي أهمية ثورته، لتكون زيارة قبره علي هذا القدر من الأهمية، بحيث يصحب الزائر ألف ملك عن يمينه وألف ملك عن يساره حتي يعود إلي داره.
نص كلام الإمام السادس عليه السلام هو: «كُتِبَ لَهُ أَلْفُ حِجَّةٍ وَ أَلْفُ عُمْرَةٍ مَعَ نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ»(1)(الملحق:1) أي كلام هذا؟ إنه نص الكلام الذي أورده شيخ الطائفة ورئيس الفرقة الشيخ الطوسي قدس سره في «مصباح المتهجد»، والذي مضي علي تأليفه أكثر من ألف عام، فهذا الخبر قد ورد بهذا السند، وفي مثل هذا الكتاب، وبقلم مثل هذا الرجل الذي ظل رئيساً لجميع علماء الطائفة لأكثر من ألف عام.
فنلاحظ أن الله جل وعلا يعطي لزائر هذا القبر الشريف ثواب ألف حجة، وثواب ألف عمرة، وأي حجة هي؟ وأي عمرة؟ إنها حجة مع نبي من أنبياء الله وعمرة مع وصي من أوصيائه، هذا ما نص عليه الإمام السادسعليه السلام، والمقصود هو الحج والعمرة تحت راية خاتم النبيين صلي الله عليه و آله، ومع أمير المؤمنين عليه السلام. هذا هو سيد
ص: 405
الشهداء عليه اسلام، فما الذي فعله ليعطي هذا المقام الرفيع؟
ينبغي للمواكب الحسينية التحلي باليقظة؛ لئلا ترتكب فيها معصية، والمهم في الأمر هو ضرورة أن لا يبطل مفعول هذا الإكسير الأحمر: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(1) فعلي مقيمي العزاء الحسيني أن يتنزهوا عن الحرام، وأن يلتزموا بالواجبات، كما يجب أن تمثل جميع المواكب والهيئات مظهراً من مظاهر التقوي، ولا ينبغي لتلك الرايات والأعلام المرفوعة أن ترفرف فوق نظرة خاطئة، أو كلمة بذيئة، أو عمل فاسد؛ فإن تلك الهيئات هي موضع عناية خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه و آله. فاجتنبوا الحرام، واعملوا بالواجبات، واعلموا أن كل ما تقومون به في عزائه إنما يمثل ما أنتم أهل له، وليس ما هو أهل له.
«فُجِعَ بِكَ الرَّسولُ ، واُزعِجَتِ البَتولُ، وطاشَتِ العُقولُ»(2) (الملحق:2). إني لفي
ص: 406
حيرة من أمري، ماذا عساني أن أقول؟ فالرسول الأكرم صلي الله عليه و آله مفجوع في عزاء سيد الشهداء عليه السلام، وقد بلغ الحزن بالبتول فاطمة الزهراء عليهاالسلام أن تنوح عليه وتعول كل يوم، حتي رقت لها ملائكة السماء، وباتت العقول طائشة بفعل هذه المصيبة.
أي مقام هو مقام سيد الشهداء عليه السلام؟ ليس بوسعنا أن نتحدث عن الإمام عليه السلام نفسه، وإنما لله تعالي أن يأتي علي ذكره؛ فجاءت سورة «والفجر»؛ تعبيراً منه تعالي عن صاحب الرأس القطيع سيد الشهداء عليه السلام، حيث قال: «يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّۀُ * ارْجِعي إِلي رَبِّكِ راضِيَۀً مَرْضِيَّۀً«(1) وقد قال حجة الله عليه السلام: «فَإِنَّهَا سُورَهُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ »(2) .
دعك عن حديثنا نحن، وليحدثنا عنه الإمام زين العابدين عليه السلام صاحب زبور آل محمد عليهم السلام، حيث نظر إلي عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام فاستعبر، تأملوا جيداً في كلام الإمام عليه السلام، فإنه قال بعد أن استعبر: «ما مِنْ يَوْم أشَدُّ عَلَي رَسُولِ
ص: 407
الله مِنْ يَومِ أُحُد، قُتِلَ فيهِ حمزهُ بْن عبدالمُطَّلِب، أسَدُ اللهِ وأسَدُ رسولِه» هذا هو نص كلام الإمام الرابع عليه السلام عن الرجل الأول في عالم الإمكان، ثم أردف قائلاً: «وبَعدَهُ يَومَ مُؤتَهَ، قُتِلَ فيهِ ابنُ عَمِّهِ جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ». وبعد أن جاء علي ذكر كلا هذين اليومين قال عليه السلام: «و لَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ صلي الله عليه و آله»، فلم يمض علي الرسول صلي الله عليه و آله يوم كيوم عاشوراء، والله وحده هو العالم بما حل برسول الله صلي الله عليه و آله في ذلك اليوم.
المهم في الحديث الماضي، أن الإمام السجاد عليه السلام بعد تلك الكلمات ترحم علي عمه العباس عليه السلام قائلاً: «رَحِمَ اللَّهُ الْعَبَّاسَ فَلَقَدْ آثَرَ وَ أَبْلَي وَ فَدَي أَخَاهُ بِنَفْسِهِ حَتَّي قُطِعَتْ يَدَاهُ». ليس لأحد أن يصف شهادة قمر بني هاشم، فقد ضرب مثالا في التضحية، تخيلوا ماذا فعل بعد قطع يديه ؟ لما قطعت يمينه قال :
وَاللَّهِ إنْ قَطَعْتُمُ يَميني*** اِنّي اُحامي اَبَداً عَنْ ديني
وَعَنْ إِمامٍ صادِقِ اليَقِينِ ***نَجْلِ النَّبِيّ الطّاهِرِ الأَمِيِن
ولما قطعت شماله، أنشد قائلا:
يا نَفْسُ لا تَخْشَي مِنَ الْكُفّارِ***و اَبْشِري بِرَحْمَهِ الْجَبّارِ
مَعَ النَّبِيّ السَّيِّدِ الْمخْتارِ***قَد قَطَّعوُا بِبَغيِهِم يَساري
فَأصْلِهِمْ يا ربِّ حَرِّ النَّارِ (1)
هكذا كان العباس عليه السلام، وهكذا كانت تضحيته وشهادته.
ص: 408
بيد أن الذي يحير عقول جميع الحكماء، وأفهام جميع الفقهاء، هو أن الإمام عليه السلام قال بعد ذلك: «إِنَّ الله لِلْعَبَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي مَنْزِلَةً»، وكلمة عند الله تعني منزلة فوق الجنة وفوق الخلد الأعلي، بحيث: « يَغبِطُهُ بِها جَميعُ الشُهداء يَومَ القِيامَة».
إنه لأمر محير وعجيب حقاً، فمنذ أول الخلقة ابتداءً بزمان النبي آدم عليه السلام لما استشهد هابيل، ومروراَ بيوم أحد لما استشهد حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه السلام، إلي الشهداء الذين تساقطوا بعد يوم أحد، فأين هي النهاية؟ ستكون النهاية يوم ظهور الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، ليندرج تحت هذه الكلمة «جَمِيعُ اَلشُّهَدَاءِ» أولئك الشهداء الذين يسقطون في ركابه، فأي منزلة تلك التي يغبطه عليها جميع الشهداء(1)؟ إنها منزلة حامل لواء الحسين عليه السلام (الملحق: 3)، فما بالك بمنزلته هو عليه السلام؟
تناهي إلي أسماعنا-ونتمني أن لا يكون الخبر صحيحا - أن البعض بصدد القيام
ص: 409
بعمل خاطئ؛ وهو ما يفرض علينا التحذير من مغبته، فإن كان هؤلاء من السعداء، سيصبحون من التعساء في هذه الدنيا، وإن كانوا من الأشقياء فلن يصيبهم مكروه في دار الدنيا، ولكن ستقصم ظهورهم ويحرمون إلي الأبد من الرحمة الإلهية، حينما يؤتي بيدي أبي الفضل العباس المقطوعتين يوم القيامة(1)
مفاد الخبر أن البعض - لا إله إلا الله - يريد تجسيد قمر بني هاشم عليه السلام في دور يمثله أحد الفنانين، فمن يقف حجة الله علي الخلق أمام قبره قائلاً: «سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَاَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلينَ وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميعِ الشُّهَداءِ وَالصِّدّيقينَ، وَالزَّاكِياتُ الطَّيِّباتُ فيما تَغْتَدي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ(2)،
ص: 410
ومن يسلم عليه الله عز و جل ومئة وأربعة وعشرون ألف نبي في كل صباح ومساء، مثل هذا الشخص يبتغون أن يظهروه في دور أحد الفنانين، أسأل الله أن لا يرتكبوا مثل هذه الهفوة، فإذا ما أقدموا علي ذلك نقول لهم: قد أعذر من أنذر.
ينبغي للشباب المؤمن والغيور، المتفاني في قمر بني هاشم عليه السلام، يقيموا القيامة في عزاء قمر بني هاشم في تاسوعاء هذه السنة أكثر من السنين الماضية؛ رداً علي هذا الكلام الخاطئ، ليقولوا لأبي الفضل عليه السلام: يا قطيع اليدين في كربلاء، ويا مهشوم الرأس بالعمود في سبيل الله، إنك لأسمي من كل ذلك .
يا له من زمان، ويا لها من غير الزمان، كتب لنا أن نعيش لنشاهد في هذه الأيام من ينوي تمثيل دور هذا الرجل العظيم للناس بواسطة الممثلين والفنانين؟
اعلموا أيها الناس أن عرض شخصية قمر بني هاشم عليه السلام في مثل هذه الأعمال الفنية وتمثيل دوره، إنما يهدف إلي التقليل من قيمته وتحطيم هيبته في مراسم العزاء ومجالس الرثاء؛ فمن ير تلك المشاهد التمثيلية، وينظر إلي الفنان الذي يمثل الدور، فسيفقد الحماس المطلوب في العزاء. وليعلم هؤلاء أن الذين حاولوا إخماد هذا السراج من ذوي الجزمات الجلدية وربطات العنق لم يتسن لهم ذلك، فلن يطفأ هذا السراج بواسطة هذه اللحي والجيوب المفتوحة.
نتساءل في ختام الكلام: من الذي يحمي العالم ويكون ظهيرا له؟ من الذي يحمي الأولين والآخرين ويكون ظهيرة لهم؟ من هو أمل العالم كله ؟ من هو أمل الأولين والآخرين؟ إن أمل العالم والحامي له هو من تحمل أمه قميصه الملطخ
ص: 411
بالدماء يوم القيامة(1)! رباه كيف لي أن أقول: إن من يمثل الحامي والظهير لعالم الإمكان، لما وقف بجانب نهر العلقمي ردد قائلا: «الآن انكسر ظهري»(2)
فيا قمر بني هاشم عليه السلام! ما الذي فعلته؟ ومن أنت ليقول الإمام الحسين عليه السلام لما سقطت علي الأرض صريعا: «اِنقَطَعَ رَجائي»(3)، في حين كان وجهه يزداد تألقاً وإشراقاً كلما اشتد عليه الأمر وازدادت المصائب(4)؟ (الملحق:4)
يا قمر بني هاشم عليه السلام! من أنت ليقف زينة عرش الله علي نهر العلقمي قائلاً:
اَليَومَ نَامَتْ اَعْيُنٌ بِكَ لَمْ تَنَمْ***وَ تَسَهَّدَتْ أُخْري فَعَزَّ مَنَامُهَا(5)
أما وقد رحلت ولم تعرف النوم بعدك عينا السيدة زينب الكبري عليهاالسلام.
ص: 412
قَالَ الْإمَامُ الصَّادِقُ عليه السلام لمُعَاوِيَهَ بْنِ وَهْبٍ: «لاَ تَدَعْ زِيَارَهَ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِخَوْفٍ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهُ رَأَي مِنَ اَلْحَسْرَهِ مَا يَتَمَنَّي أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَي اَللَّهُ شَخْصَكَ وَ سَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَهُ وَ اَلْأَئِمَّهُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ؟ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَي وَ يُغْفَرَ لَكَ ذُنُوبُ سَبْعِينَ سَنَةً أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدنيا وَ لَيْسَ علَهُ ذَنْبٌ يُتْبَعَ بِهِ؟ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه و آله». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص230؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص47؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص53).
روي عَنْ أَبِي حَمْزَهَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ الثُّمَالِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام… فلَسْتُمْ كُلُّكُمْ قَائِمِينَ بِالْحَقِّ؟ قَالَ: بَلَي. قُلْتُ: فَلِمَ سُمِّيَ الْقَائِمُ قَائِماً؟ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ جَدِّيَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ضَجَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَهُ إِلَي اللَّهِ تَعَالَي بِالْبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ وَ قَالُوا: إِلَهَنَا وَ سَيِّدَنَا! أَتَغْفَلُ عَمَّنْ قَتَلَ صَفْوَتَكَ وَ ابْنَ صَفْوَتِكَ وَ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ؟ فَأَوْحَي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ قَرُّوا مَلَائِكَتِي فَوَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ ثُمَّ كَشَفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنِ الْأَئِمَّهِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام لِلْمَلَائِكَهِ فَسُرَّتِ الْمَلَائِكَهُ بِذَلِكَ فَإِذَا أَحَدُهُمْ قَائِمٌ يُصَلِّي فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: بِذَلِكَ الْقَائِمُ أَنْتَقِمُ مِنْهُمْ». (الشيخ الصدوق، علل الشرائع: ج1، ص160؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص 221؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص474).
ص: 413
ورد في الرواية: «قَاَل لَهُ العَبّاسُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام: يَا أَخِي! أَتَاكَ القَومُ، قالَ: فَنَهَضَ، ثُمَّ قالَ : يا عَبّاسُ، اركَب بِنَفسي أنتَ يا أخي حَتّي تَلقاهُم، فَتَقولُ لَهُم: ما لَكُم؟، وما بَدا لَكُم؟ وتَسأَلُهُم عَمّا جاءَ بِهِم». (أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين: ص105؛ الشيخ المفيد، الإرشاد: ج2، ص90؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص454).
مصادر أهل السنة: البلاذري، أنساب الأشراف: ج3، ص184؛ الطبري، تاريخ الطبري: ج4، ص315؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4، ص56؛ النويري، نهاية الأرب: ج20، ص 633.
وروي أيضا: «لما قتل العباس... بان الانكسار في وجه الحسين عليه السلام». (البهبهاني، الدمعة الساكبة: ص 328؛ المازندراني، معالي السبطين: ج1، ص409 (نقلا عن أبي مخنف)).
في «معالي السبطين» عن منتخب التواريخ أن الشيخ الأزري (رحمة الله تعالي عليه) لما كان ينظم في أبي الفضل العباس عليه السلام قصيدته المائية المعروفة ووصل في نظمه إلي قوله: يوم أبو الفضل استجار به الهدي. توقف في ذلك وفكر في نفسه أنه لا يكون قد غالي في ذلك في حق أبي الفضل العباس عليه السلام، وقال بما لا يناسب مقام الإمام الحسين عليه السلام، وعلي إثره تصور بأن هذا المصراع من البيت لعله لا يكون مقبولا عند الإمام الحسين عليه السلام؛ ولذلك توقف في نظم مصراعة الآخر ولم يكمل البيت محاولا تعديله أو حذفه. فلما جنه الليل ونام، رأي في منامه الإمام الحسين عليه السلام وهو يثني علي مصراعه الذي نظمه ويقول له: «لنعم ما قلت يا أزري وأحسنت
ص: 414
وأجدت»، ثم أضاف عليه السلام قائلا: «نعم، لقد استجرت بأخي أبي الفضل العباس عليه السلام يوم عاشوراء، وذلك حين اشتد الضر وعظم البلاء». ثم قال له:أفلا أكملت البيت وأتممته وقلت بعده: «وَالشَّمْس مِنْ كَدِرِ الْعِجاجِ لِثامُها». (الحائري المازندراني، معالي السبطين: ج 1، ص 441).
لما قتل العباس قال الحسين عليه السلام: «أَلانَ إنكَسَرَ ظَهرِي وَ قَلَّت حِيلَتِي». (محمد بن أبي طالب، تسلية المجالس: ج 2، ص310؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 45، ص 42؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 285؛ المقرم، مقتل الحسين: ص 424؛ الشيخ محمد السماوي، إبصار العين في مقتل الحسين عليه السلام: ص225).
مصادر أهل السنة: الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 2، ص 34. كما وردت هذه العبارة في أغلب كتب التواريخ الأخري.
ص: 415
ص: 416
21 تشرين الثاني 2011م= 24ذو الحجة 1432ه
ص: 417
ص: 418
قال الله سبحانه وتعالي: «وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلَي اللّهِ »(1). أيام عاشوراء أمامنا، عاشوراء التي لم يستطع ولن يستطيع أحد أن يفهم حقيقتها.
فإن ما قام به الإمام الحسين عليه السلام هو الذي دعا الإمام الحسن عليه السلام أن يقول: «لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ»(2)، قال ذلك بعد أن رأي أيام جميع الأنبياء و أيام جميع الأوصياء وأيام جميع الأولياء.
ماذا فعل عليه السلام؟ فقد أفهم البشرية أن الحياة الإنسانية هي أغلي جوهرة يمتلكها الإنسان، وأن المساومة علي هذه الجوهرة بأي ثمن إنما هي خسارة تورث الحسرة والندامة، وإنما يتجنب هذه الخسارة من لا يرضي ببيع عقل الجواهر هذا إلا بثمن واح وهو الله تعالي: «بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ »(3)
كما ورد في زيارة أخري للإمام الحسين عليه السلام: «بَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَ العَميِ وَ الشَّكُ وَ الإرْتِيابِ اِلي بابِ الهُدي مِنَ الرَّدْيِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 401؛ الشيخ المفيد، المزار: ص108؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص59؛ المشهدي، المزار: ص376؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 177، ج 98، ص210).
ص: 419
ثم إلام بلغ الأمر؟ لقد بلغ حدا أكد معه حجة الله علي العباد علي ضرورة المداومة علي قراءة سورة الفجر(1): (الملحق:1) «وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ»(2). فما هي تلك الليالي العشر؟ وما هو الشفع؟ والوتر؟ وأي فجر ذلك الفجر ؟(3)(الملحق: 2).
والذي أمرنا بالمداومة علي سورة الفجر هو الذي يعلم من أين تبدأ هذه السورة؟ وإلي أين تنتهي؟ فالبداية هي من الفجر: «وَالْفَجْر»، وختامها قوله جل وعلا: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (4). ثم يكل البيان ويخرس اللسان وينكسر القلب إزاء من باع نفسه لله تعالي: «ارْجِعِي إِلَي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً».
إن شهر محرم هو شهر الله، وأيامه هي أيام الله، حيث ورد في نص القرآن
ص: 420
الكريم: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللَّهِ»(1). ينبغي اغتنام الفرصة في هذه الأيام، فأيام عاشوراء ربيع تنتعش فيه القلوب، إن أقصي ما يستفيده الفقهاء من الفقاهة أن يبالغ الفقهاء والعلماء بالدين في اغتنام هذه الفرصة، وأن يقضوا هذا العمر في الدعوة إلي الله، ولو كان هناك شيء أفضل وأعلي من ذلك لما قال الله تعالي في كتابه الكريم: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللَّهِ» ، فادعوا الناس إلي الله تعالي.
قولوا للناس ماذا كانوا؟ وماذا صاروا؟ وماذا سيصبحون؟ «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ »، فتأملوا أنتم أولا، ثم ذكروا الناس: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ*يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ»(2)، من الذي «أَنشَأَكُم»، «وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ؛»(3)، إلي أن قال: «ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(4). لقد أعطي الله الإنسان ما أعطي، لكننا لم نجن سوي الخسارة؛ لأننا قضينا الحياة الدنيا بعيدا عنه، فاستيقظوا من سباتكم الآن، فالطريق صعب جدا(5)، ولا سبيل للعودة(6).
ص: 421
وانتهت دار العمل، وحل يوم الجزاء، ولا شيء ينفع سوي العون الإلهي.
لا تفارقوا القرآن الكريم، وابدؤوا بتلاوته في جميع أيامكم، وأوصوا الناس به أيضا، فاقرؤوا منه كل يوم(1) جزءاً واحداً علي الأقل، ونوروا أرواحكم بكلام الله تعالي، ففي الحديث النبوي المأثور: «نَوّرُوا بُيُوتَكُمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ»(2) (الملحق :3). «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ»(3)، نوروا دار قلوبكم المظلمة بهذا المصباح المنير، ولا تغفلوا عن ذلك الحديث الصحيح، واهدوا تلاوتكم إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف(4)؛ لتكون هذه الهدية سببا للطفه ورعايته، عل نظرة منه إلينا تحدث انقلاباً وتغييراً جوهرياً في وجودي ووجودكم، فلولا يلامس إكسير عنايته ونظره أفئدتنا المتصدئة، لظلت قاسية كالحجارة.
ص: 422
اعملوا علي إحياء أمر آل محمد عليهم السلام في المجالس والمحافل المختلفة، فقد روي حديث طريف في هذا المجال عن الفضيل بن يسار، وهو من أعيان أصحاب الأئمة عليهم السلام، وبيان الأئمة عليهم السلام مع الرواة الفقهاء جدير بالدقة والتأمل؛ فاجعلوا هذا الحديث ضمن برامجكم في جميع مجالس عاشوراء.
ثمة خصوصية لنص كلام الإمام عليه السلام، حيث قال: «يا فُضَيلُ! تَجلِسونَ و تُحَدِّثونَ؟» فقد سأله أولا عن الجلوس والاجتماع، ثم عن تزيين تلك المجالس بأحاديث أهل البيت عليه السلام. «قالَ : نَعَم جُعِلتُ فِداكَ . قالَ : إنَّ تلكَ المَجالِسَ اُحِبُّها». طوبي لمن صارت مجالسه محبوبة له عليه السلام.
لا تضيعوا أوقات الناس بقراءة الصحف، ولا تقايضوا أنفسكم ولا الناس بهذه الألاعيب السياسية، بل اعكفوا علي قراءة القرآن وروايات أهل البيت عليهم السلام: «إنَّ تلكَ المَجالِسَ اُحِبُّها ، فأحْيوا أمْرَنا». لا ينبغي أن نكون حمالين لغيرنا، فمن سوء حظنا أننا نقايض حياتنا مع من ضيعناه، ذلك هو جزاؤنا: «وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ»(1). فلا بد أن تكون المجالس مشحونة بإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام.
«يا فُضيلُ، فَرَحِمَ اللّه ُمَن أحْيي أمْرَنا»، من السهل النطق بهذا الكلام، إن الذي تتصرف أنفاسه بعالم الإمكان، ومن لا تتستي معرفته إلا بواسطة علمه واستجابة دعوته(2) (الملحق:4)، قد قال مستعملا النسبة التحققية في (الفعل الماضي): «رَحِمَ
ص: 423
اللّهُ عَبْدا اَحْيا أمْرَنا»، ولم يستعمل النسبة الترقبية في (الفعل المضارع)، إذ لم يقل: «يَرْحَمُ اللَّهُ»، فما معني الرحمة التي ذكرها الإمام عليه السلام؟ اقرؤوا القرآن لتدركوا معناها، حيث قال تعالي : «ورَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»(1)، «تَجْلِسُونَ وَ تُحَدِّثُونَ» حدثوا بنا، وأحيوا أمرنا «رَحِمَ اللّهُ من اَحْيي أمْرَنا».
قال الإمام عليه السلام في ذلك الحديث: «يَا فُضَيْلُ! مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِثْلُ جَنَاحِ اَلذُّبَابِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَ لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ اَلْبَحْرِ»(2) الملحق: 5).
ما الذي دعا الإمام عليه السلام إلي قول ذلك؟ وما الذي جري ليتحدث بهذا الحديث؟ اعرفوا صاحب هذه الذكري وعرفوه إلي الناس، من هو ليكون البكاء عليه بمقدار جناح الذباب سببا لغفران جميع الذنوب؟ إن ذلك ليكشف بالبرهان الإتي عن عظمة هذا العمل.
ص: 424
إن برهان الإمام الصادقعليه السلام عبارة عن هذا الحديث: مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَرِيرٍ اَلْقُمِّيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ لِأَبِي: «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ مِنْ مُحَدَّثِي اَللَّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ»(1)
من هو الحسين عليه السلام؟ وما الذي فعله ليكون زائره من محدثي الله تعالي فوق عرشه؟ ثُمَّ قَرَأَ: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»(2)، فالذهاب لزيارته عليه السلام تبلغ بأقدام الزائر مقام العندية «عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»، فإن كان زائر قبرك يا أبا عبد الله «عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»، فأين محلك أنت مع ذلك الرأس القطيع؟
هناك رواية صحيحة، بسند يفتي أمثال الشيخ الأنصاري قدس سره في أعظم المسائل اعتماداً عليه، وهي أن زيداً الشحام قال: قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: كَانَ كَمَنْ زَارَ اَللَّهَ فِي عَرْشِهِ قَالَ: قُلْتُ: مَا لِمَنْ زَارَ أَحَداً مِنْكُمْ [أَحَدُكُم] قَالَ: كَمَنْ زَارَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ »(3)(الملحق:6).
ها هنا ينقطع البيان؛ فمن زار أحدا من الأئمة عليهم السلام كان كمن زار رسول الله صلي الله عليه و آله،
ص: 425
بينها من زار أبا عبد الله الحسين عليه السلام كان كمن زار الله في عرشه! فكربلاؤه قد أضحت عرش الله، وزيارته أمست زيارة الله، فيا للأسف! إننا لم نفهم من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ وماذا فعل؟ وما الذي حدث في يوم مقتله؟
حسبكم هذه الكلمات التي سأنقلها، فجميعكم من أهل الفضل والعلم، ولا داعي لشرحها:
«لَقَد صُرِعَ بِمَصرَعِكَ الإِسلامُ، وتَعَطَّلَتِ الحُدودُ وَالأَحكامُ، وأظلَمَتِ الأَيّامُ، وَانكَسَفَتِ الشَّمسُ، وأظلَمَ القَمَرُ، وَاحتُبِسَ الغَيثُ وَالمَطَرُ، وَاهتَزَّ العَرشُ وَالسَّماءُ، وَاقشَعَرَّتِ الأَرضُ وَالبَطحاءُ وَشَمِلَ البَلاءُ، وَاختَلَفَتِ الأهواءُ، وفُجِعَ بِك الرَّسولُ، وَأُزْعِجَتِ الْبَتُولُ، وَطاشَتِ الْعُقُولُ..... السَّلَامُ عَلَي مَنْ طَهَّرَهُ الْجَلِيلُ السَّلَامُ عَلَي مَنِ افْتَخَرَ بِهِ جَبْرَئِيلُ ».
يا أبا عبد الله ! من أنت؟ ومن تكون؟ وما الذي فعلت؟
«أَلسَّلامُ عَلي مَنْ ناغاهُ فِي الْمَهْدِ ميكآئيلُ، لسَّلامُ عَلي مَنْ نُكِثَتْ ذِمَّتُهُ وَ ذِمَّهُ حَرَمِهِ، السَّلَامُ عَلَي مَنِ انْتُهِكَتْ حُرْمَهُ الْإسْلَامِ فِي إرَاقَهِ دَمِهِ ... فَنَزَعَ الرّسَولُ الرِّداءَ، وَعَزّاهُ بِكَ المَلائِكَهُ وَالأنبِياءُ».
أما الكلمة التي تقصم الظهر فهي قول الإمام عليه السلام: «فُجِعَت بِكَ أُمُّكَ».
«وَفُجِعَتْ بِكَ أُمُّكَ فاطِمَهُ الزَّهراءُ، وَاخْتَلَفَتْ جُنودُ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، تُعَزِّي أبَاكَ أمِيرَ المُؤْمِنينَ، وَأُقيمَتْ علَيكَ الْمَآتِمُ فِي أَعْلَي عِلِّيِّينَ، وتَلَطَمَ عَلَيك فِيهَا الحُورُ العِينُ، وَتَبْكِيكَ السَّماواتُ وَسُكّانُها، وَالْجِبَالُ وَ خُزَّانُهَا، السَّحَابُ وَ أَقْطَارُهَا، وَالأرْضُ وَقِيعانُها، وَالبِحارُ وَحِيتانُها، وَمَكَّهُ وَبُنيانُها، وَالجِنانُ وَوِلْدانُها، وَالبَيتُ وَالمَقامُ وَالمَشعَرُ
ص: 426
الحَرامُ»(1).
يا مولانا يا صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف! أنت صاحب العزاء، وأنت المعزي : «وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطناً»(2). يا ولي ذلك الدم الذي ملأ منه سيد الشهداء عليه السلام فقد قائلا: «بِسْمِ اللّه وَبِاللّه، وَعَلي مِلَّهِ رَسُولِ اللّه»(3)، تعال فأخبرنا من هو الحسين عليه السلام؟ وقل لنا ما الذي حدث؟ وارفع بيدك ذلك القميص الملطخ بالدم.
اقرؤوا في هذه السنة دعاء الفرج ابتداء من يوم عاشوراء إلي يوم الأربعين، وليقرأه الناس أيضا في مجالسهم، فإنه هو صاحب العزاء، ولا بد له من الظهور وإحياء أمره.
ص: 427
ص: 428
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: «اقْرَؤوا سُورَةَ الْفَجْرِ فِي فَرَائِضِكُمْ وَ نَوَافِلِكُمْ فَإِنَّهَا سُورَةٌ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) مَنْ قَرَأَهَا كَانَ مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي دَرَجَتِةِ مِنَ الْجَنَّة إِنَ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». (الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص 123؛ الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج10، ص341؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6، ص144، العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 82، ص39).
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه و آله قال: «من قرأ هذه السورة غفر الله له بعدد من قرأها، وجعل له نورا يوم القيامة، ومن كتبها وعلقها علي وسطه، وجامع زوجته حلالا، رزقه الله ولداً ذكراً قرة عين». (السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج5، ص649).
وعن النبي الكريم صلي الله عليه و آله أيضاً: «مَن قَرَأَها في لَيالٍ عَشرٍ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَمَن قَرَأَها في سائِرَ الأيّامِ كانَت لَهُ نُوراً يَومَ القِيامَةِ». (الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: ج10، ص 341؛ الكفعمي، المصباح: ص450؛ الشيخ الحويزي، تفسير نور الثقلين: ج 5، ص 571).
جَابِرٌ الْجُعْفِيِّ عَنِ الإِمامِ الباقِرِ عليه السلام فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشر»، «يا جَابِرُ! «وَالْفَجْرِ» جدّي «وَلَيَالٍ عَشْرٍ» عَشْرَهُ أَئِمَّهٍ، «وَالشَّفْعِ» امِيرُ الْمُؤْمِنِين، «وَالْوَتْرِ» اسْمُ الْقَائِمِ عجل الله تعالي فرجه الشريف». (ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص 281).
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: «اَلشَّفْعُ» اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ، «الْوَتْرُ» أَمِيرُ الْمُؤْمِنِين».
ص: 429
علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج 2، ص419؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج24، ص350).
عنْ أَبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام قالَ: إِنَّ الْبيتَ إِذَا كانَ فِيهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ يَتْلُو الْقُرْآنَ يَتَرَاءَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ كَمَا يَتَرَاءَي أَهْلُ الدُّنْيَا الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي السَّمَاءِ». (ابن فهد الحلي، عدة الداعي: ص269؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6، ص199؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 89، 200).
كَذَلِكَ رَوَي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُومِنِينَ عليه السلام: «الْبَيْتُ الَّذي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُذْكَرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ وَتَحْضُرُهُ الْمَلائِكَهُ ، وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ ، وَيُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِيءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ لِأَهْلِ الاْءَرْضِ، وَالْبَيْتُ الَّذي لا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَلا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ، وَتَهْجُرُهُ الْمَلائِكَهُ، وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ». (الكليني، الكافي: ج2، ص610؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج 6، ص 199).
(الملحق : 4)
قَالَ الْإمَامُ الصَّادِقُ عليه السلام: «أَِنَّ اَلْإِمَامَ مُؤَيَّدٌ بِرُوحِ اَلْقُدُسِ وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ يَرَي فِيهِ أَعْمَالَ اَلْعِبَادِ وَ كُلَّمَا اِحْتَاجَ إِلَيْهِ لِدَلاَلَهٍ اِطَّلَعَ عليه.... ودَلالَتُهُ في خَصلَتَينِ: فِي العِلمِ وَاستِجابَهِ الدَّعوَهِ. وكُلُّ ما أخبَرَ بِهِ مِنَ الحَوادِثِ الَّتي تَحدُثُ قَبلَ كَونِها فذلِكَ ، بِعَهدٍ مَعهودٍ إلَيهِ مِن رَسولِ اللّهِ صلي الله عليه و آله تَوارَثَهُ مِن آبائِهِ». (الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص193؛ الشيخ الصدوق، الخصال: ص 528 (مع اختلاف يسير)؛ الأربلي، كشف الغمة : ج 3، ص83).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ عليه السلام قَالَ: «اجْتَمِعوا وَ تَذاكروا، تَحُفَّ بِكُمُ الْمَلائِكَةُ
ص: 430
رَحِمَ اللهُ مَن أَحْيَا أمْرَنَا». (الشيخ الصدوق، مصادقة الإخوان: ص 38؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 12، ص 22).
وَرُويَ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام، قَالَ لِخَيْثَمَهَ وَ أَنَا أَسْمَعُ: «يا خَيثَمَةُ! اقرأ مَوَالِيَنَا السَّلَامَ، وأَوْصِهِمْ بِتَقْوَي اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَأَن يَعُودُ غَنِيُّهُمْ عَلَي فَقِيرِهِمْ، وَقوِيُّهُم عَلي ضَعيفِهِم، وَأَن يَشْهَدَ أَحْيَاؤُهُمْ جَنَائِزَ مَوْتَاهُمْ، وَأَنْ يَتَلاَقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّ لُقْيَاهُمْ حَيَاهٌ لِأَمْرِنَا. ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ: رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَي أَمْرَنَا». (الحميري القمي، قرب الإسناد: ص 32؛ الشيخ المفيد، الاختصاص: ص29؛ الشيخ الطوسي، الأمالي: ص135؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 71، ص 223؛ الراوندي، الدعوات: ص225 (مع اختلاف يسير)).
ورُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: «تَلاقوا وتَحادَثُوا العِلمَ، فَإِنَّ بِالحَديثِ تُجلَي القُلوبُ الرائِنَهُ، وبِالحَديثِ إحياءُ أمرِنا، فَرَحِمَ اللّهُ مَن أحيا أمرَنا». (ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي: ج4، ص67؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 1، ص 202).
عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عليه السلام قَاَل: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِشَطِّ اَلْفُرَاتِ، كَانَ كَمَنْ زَارَ اَللَّهَ فَوْقَ [في] عَرْشِهِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص279؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص85؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص 46؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص272؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص69 و76).
وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام قَاَل: «... ومَنْ زَارَهُ [أيِ الحُسَينَ عليه السلام] يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّمَا زَارَ اللَّهَ فَوْقَ [فِي ] عَرْشِهِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص325؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار : ج98، ص93).
ص: 431
و عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَاَل: «مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ بن علي عليه السلام يَومَ عاشوراءَ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اَللَّهَ فِي عَرْشِهِ». (الشيخ المفيد، المزار: ص51؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج6، ص51؛ الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 771؛ السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال: ج3، ص64).
وروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام قَاَل لبشيرِ الدّهّانِ: «يا بشير! مَنْ زَارَ قَبْر َالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اَللَّهَ فِي عَرْشِهِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص282؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص 77).
وقَاَل عليه السلام أيضاً مخاطباً بشير: «يَا بَشِيرُ! اسْمَعْ وَ أَبْلِغْ مَنِ احْتَمَلَ قَلْبُهُ، مَنْ زَارَ الحُسَينِ عليه السلام يَومَ عرفة كَانَ كَمَنْ زَارَ اَللَّهَ فِي عَرْشِهِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص320؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص87).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْبَرْقِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مَا لِمَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِنَ اَلثَّوَابِ؟ فَقَالَ: «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُرِيدُ بِهِ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَا عِنْدَهُ لاَ مَا عِنْدَ اَلنَّاسِ، غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَهِ ذُنُوبَهُ وَ لَوْ أَنَّهَا بِعَدَدِ شَعْرِ مِعْزَي كَلْبٍ... إلي أن قال: وهُوَ في حَدِّ مَن زارَ اَللَّهَ فِي عَرْشِهِ». (السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال: ج3، ص340؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص 471).
ص: 432
23 تشرين الثاني 2011م = 26 ذو الحجة 1432 ه
ص: 433
ص: 434
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اِنْتَهِزُوا فُرَصَ اَلْخَيْرِ فَإِنَّهَا تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحَاب»(1). كيف مضت الأيام من عامنا الماضي إلي هذا العام؟ كأن شيئا لم يكن؛ هكذا قد انقضت سنة أخري من حياتنا، وطويت صفحة من صحيفة أعمارنا، إنها الحياة تمر أيامها شئنا أم أبينا، وأي حياة هي!
ما فاتَ مَضي وَما سَيأْتيك فَاينَ***قُمْ فَاغْتَنِمِ الْفُرْصَةَ بَينَ الْعَدَمَينِ.(2)
فحياتنا محفوفة بعدمين، وهذا بدوره مركب، سنفتقده بأسرع من لمح البصر، غير أنه يخيل إلينا أننا نعيش عمراً طويلاً، فلولا تساءلنا: ما الذي بقي بين أيدينا من الماضي؟ لا شيء، وماذا نملك من المستقبل؟ لا شيء، وهذه اللحظة التي نعيشها سرعان ما تلتحق هي الأخري بما مضي.
لم يتمكن أحد أن يدرك حقيقة هذه الحياة الدنيا، سوي أولئك الذين بايعوا الله تعالي، فيالها من تجارة رابحة! ويالها من أرباح حققوها إزاء ما قدموه؟
إنكم لا تعلمون ما الذي حدث لكم وما هذا التوفيق الذي نلتموه؟ فلقد حالفكم من الحظ ما يكل الوصف عن بيانه، إن ما تنوون القيام به إنما هو عمل الأنبياء عليهم السلام:«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَي بِاللَّهِ
ص: 435
حَسِيبًا»(1) وعمل النبي الخاتم صلي الله عليه و آله: «أَيُّهَا اَلْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنْذِرْ »(2)، «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ». فقد خاطب الباري تعالي النبي صلي الله عليه و آله قائلا: «قُمْ فَأَنْذِرْ»، ويخاطبكم كذلك بقوله: «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَه مِنْهُمْ طَائِفَهٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ »(3). فالعمل إذن هو عمل النبي المصطفي صلي الله عليه و آله
فاغتنموا هذه الفرصة، واشكروا هذه النعمة، غير أن المهم هو أن تدركوا حقيقة هذا العمل، ثم تتصدوا لتحقيق شروطه وتزيلوا العقبات الجاثمة في هذا الطريق؛ فلا يتسني تحقيق النتائج المطلوبة إلا بالوقوف علي الشروط اللازمة وإدراك المعوقات والعراقيل.
وتتجلي أهمية هذا العمل أكثر فأكثر من خلال قول النبي الخاتم صلي الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام: «لأن يَهدي اللّه ُ علي يَدَيكَ رجُلاً خَيرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَت علَيهِ الشَّمسُ»(4).
ويزداد الأمر وضوحا إذا لاحظنا أن القائل هو خاتم النبيين صلي الله عليه و آله، وأن المخاطب هو سيد الوصيين عليه السلام.
بوسعكم الحصول علي مثل هذه السعادة في هذا السفر بإنقاذكم ضالا، بأن تعلموا الصلاة أو الوضوء لمن لا يحسن الصلاة، أو لا يجيد الوضوء. إن العقل يندهش من مدي أهمية هذا العمل!
ص: 436
ورد في نص القرآن الكريم: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(1). وإحياء جميع النفوس صفة يتحلي بها من ذكره الإمام عليه السلام في تأويل هذه الآية قائلا: «مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلالٍ إِلَي هُدًي قَالَ ذَاكَ تَأْوِيلُهَا الأعْظَمُ»(2). فكلمة «ضلال» نكرة وكلمة «هدي» نكرة أيضا، فلئن أخرج أحدكم شخصا من أي شكل من أشكال الضلال إلي أي شكل من أشكال الهدي يحصل علي أجر لا يدرك، هذا نص كلام الباري جل وعلا، وذاك تفسير حجة الله عليه السلام.
فهذا السفر يوفر لكم مثل هذه الفرصة الكبيرة، فاعملوا ما استطعتم علي تعليم الأشخاص الجاهلين بالعقائد والأحكام والأخلاق؛ لأن الأجر المترتب علي هذا التعليم يفوق مستوي الفهم.
ورد في الرواية المأثورة عن الإمام الكاظم عليه السلام: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ يُنْقِذُ يَتِيماً مِنْ أَيْتَامِنَا الْمُنْقَطِعِينَ عَنَّا وَ عَنْ مُشَاهَدَتِنَا بِتَعْلِيمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، أَشَدُّ عَلَي إِبْلِيسَ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ»(3). ولا يذكر الإمام عليه السلام العابد حتي تكون عبادته مقبولة عند الله تعالي، ويبقي عالم واحد علي الرغم من ذلك أفضل من ألف عابد. ولكن أني لنا بذلك العالم؟ ذلك العالم الذي قد بلغ أولا جوهر العلم وحقيقته.
متي يبلغ الفقيه جوهر العلم؟ حينما يفهم القرآن. ومتي يفهم القرآن؟ إن فهم
ص: 437
القرآن ليس متاحا للجميع، فإن القرآن في متناول يدي ويدك، لكن الباري تعالي يقول: «ذلِكَ الْكِتبُ» مشيراً إليه باسم الإشارة الموضوع للبعيد، ولم يقل: «هذا الكتاب»، لماذا؟ لأن ما بين أيدينا إنما هو جلد القرآن وأديمه، أماحقيقة القرآن ففي كتاب مكنون علي حد تعبير القرآن نفسه: «إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَبٍ مَّكْنُونٍ*لَّايَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»(1). فلم يفهم القرآن سوي الذين اكتسبوا أو تلك الطهارة التي تتناسب مع القرآن، فإنه وحي من الله، لا تطاله الأيدي بسهولة.
أول ما ينبغي للإنسان أن يتصف به هو التقوي، فقد قال تعالي: «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ »(2). لم لا يكون لكلامنا أي تأثير في الناس؟ لأننا أنفسنا غير متأثرين، فالمتأثر هو من يكون مؤثرا، فلو لم يشعر الشخص بالتأثير فكيف يترك تأثيرا في غيره؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه. فالشرط الأول لهذا العمل إذا هو التقوي والإخلاص، (الملحق:1) فإن أخلصتم النية، واتقيتم الله، فستحيطكم من حيث لا تشعرون هالة من أنوار القرآن والروايات أينما حللتم؛ لأن القرآن نور: «قَدْ
ص: 438
جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ» (1)
ينبغي لكم التركيز في قوله تعالي : «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ، سُبُلَ السَّلاَمِ»(2). عليكم أولا أن تتبعوا أنفسكم رضوان الله تعالي، ثم احزموا حقائب السفر، متسلحين بالقرآن الكريم وكلمات أهل البيت عليهم السلام، فإن ذلك النور سينور القلوب ويغيرها في أي أرض وطأتم.
إننا نعيش في زمن حرج، ولا تتصوروا أننا نعيش في فترة مواتية، إنها الفترة التي يصفها الرسول الكريم صلي الله عليه و آله قائلا: «لا يَبقي مِنَ الإِيمانِ إلَا اسمُهُ، ومِنَ الإِسلامِ إلّا رَسمُهُ، ولا مِنَ القُرآنِ إلّا دَرسُهُ، مَساجِدُهُم مَعمورَهٌ، وقُلوبُهُم خَرابٌ عَنِ الهُدي».(3) (الملحق:2) فجميع ما ذكره صلي الله عليه و آله معجزة.
ما أكثر ما يردد اسم الإسلام، ولكن أين حقيقة الإسلام؟ وما أكثر محافل تعليم القرآن! أنظر كيف يتلون الكتاب بتلك الألحان المتعددة، وفقا لتلك القواعد، ولكن بتلك الوجوه والأذقان الحليقة، ذلك هو قول الرسول: صلي الله عليه و آله «و لا مِن القرآنِ إلاّ درَسُهُ»، تري المساجد عامرة بالبناء، ولكن القلوب خاوية من ذكر الله.
ص: 439
لم يزل هناك عظماء مجهولون، لقد رحل العلماء الكبار، وانقطعت أخبارهم، فلم يبق منهم أحد، من كان أولئك العظماء؟ إنهم من أمثال الشيخ الأنصاري قدس سره أعجوبة الدهر، فليس من الهين لكل أحد أن يعرف من هو الشيخ الأنصاري، ذلك الشيخ الذي تتسم كل كلمة من كلماته بمنتهي الدقة، اعلموا ذلك جيدا، ثم افهموا الدين.
كان هذا الشيخ الجليل يعبر في كتابه المكاسب عن صاحب الجواهر قدس سره ب«بعض المعاصرين»، ومن هو صاحب الجواهر؟ إنه الشخص الذي أقام ضجة كبري متناولا كتاب الطهارة إلي آخر الديات، وقد تميز بأنه حينما يريد بيان مسألة ما يبدأ بنقل جميع الأقوال وآراء القدماء والمتأخرين فيها، ثم يبحث فيها من جهة القواعد الأصولية ويبين أدلتها.
وقد كان المرحوم النائيني قدس سره لا يمنح أحدا إجازة الاجتهاد حتي يختبر مدي فهمه لكتاب الجواهر، وعلي الرغم من ذلك فقد كان الشيخ الأنصاري قدس سره يطلق علي صاحب الجواهر اسم «بعض المعاصرين»، بينما يعبر عن الشيخ كاشف الغطاء قدس سره ب«بعض الأساطين»(1)، فقد كان كاشف الغطاء قدس سره من أكابر الفحول؛ حتي أن صاحب الجواهر نفسه كان يلقبه ب«الأستاذ الأكبر» كلما ذكره.
ص: 440
ذات مرة قدم المرحوم كاشف الغطاء قدس سره إلي طهران، فقيل له: إن سكان طهران باتوا أبعد ما يكون عن الدين، فسألهم أن يجمعوا له الناس ليخطب فيهم، ثم ارتقي المنبر، واستطاع أن يقلب الأمور رأسا علي عقب، ويترك تأثيرا واسعا في الناس بكلمتين اثنتين، بينما لا نجد أثرا لكلامنا اليوم مهما تحدثنا. هكذا كان أولئك العظماء، فإن للتقوي والعلم مثل هذا التأثير من حيث لا نشعر.
لم يذكر الشيخ كاشف الغطاء في تلك الكلمة أي مقدمة، وإنما قال : أيها الناس! أري طهران علي حال، وكأنه ليست هناك قيامة ! فما كان من الناس إلا أن ضجوا بالبكاء والعويل، فقد تمكن أن يغير المدينة بكلمة واحدة، فيالها من أنفاس مؤثرة!
لما سافر المرحوم كاشف الغطاء قدس سره إلي مدينة لاهيجان حدثت له قصة طريفة ذكرها المرحوم اللاهيجي قدس سره، وهو من العلماء المحترمين في النجف الأشرف، التقيته إبان شيخوخته وقال لي شخصيا: إنه رأي في أيام شيخوخته الشخص الذي حدثت له تلك القصة.
مجمل القصة: أنه لما وصل المرحوم كاشف الغطاء قدس سره إلي مدينة لاهيجان أحضروا عنده شاب في منتهي الجمال والوسامة، لكنه أصيب بداء جعله نحيفا جدا حتي التصق جلده بعظمه، فسأله الشيخ كاشف الغطاء قدس سره ما بالك؟ فقال له: كنت شابا في غاية القوة والعنفوان، وأتمتع بقدر كبير من الجمال، ذات يوم وبينما كنت أتجول في حدائق لاهيجان ومزارعها، إذ قدمت نحوي فتاة في منتهي الحسن والجمال، فنشأت بيننا علاقة انتهت إلي المعاشرة الجنسية، وما إن حدث ذلك حتي سلبت مني عصارة جسمي، واستمر ذلك الوضع أياما عديدة، كانت تلك الفتاة
ص: 441
حينما تقدم تظهر من بعيد وكأنها جبل أسود، ثم تتضاءل تدريجياً، فإذا دنت مني تحولت إلي فتاة جميلة لا نظير لها، وحين أضاجعها أخسر عصارة جسمي. فكيف لي بعلاج هذا الداء ؟
مما يحير العقل أن الشيخ كاشف الغطاء قدس سره طلب ورقة وقلماً، فكتب عليها بعض الكلمات ثم طواها، وقال للشاب: حينما تحضر تلك الفتاة افتح هذه الورقة وأعطها إياها، وقل لها: إنها من الشيخ جعفر قدس سره، فقال الشاب: إن هذه الفتاة قد أعطتني أيضا مجوهرات وحليا كثيرة، فكتب له الشيخ ورقة أخري وقال له: ضعها فوق تلك الحلي، فأخذ الشاب الورقتين من الشيخ.
كان المرحوم اللاهيجي قدس سره يأتي في بعض الأمسيات إلي حجرة الحاج نصر الله الخلخالي في مدينة النجف الأشرف، وقد نقل هذه القصة في ذلك المكان، وأكد أنه التقي بالشاب المذكور أيام شيخوخته.
قال هذا الشاب: أخذت الورقتين وذهبت إلي مزارع المنطقة، فلاح لي من بعيد ما يشبه الجبل الأسود، ثم اقترب وإذا هو تلك الفتاة، إنها كانت من عفاريت الجن. قال: ففتحت الورقة وأعطيتها إياها، فقالت لي : ذهبت إلي كاشف الغطاء قدس سره؟ قال: قلت: نعم. فتوجهت إلي المجوهرات والحلي، فشاهدت الورقة الأخري، ثم رجعت إلي الوراء، وما لبثت أن تحولت إلي دخان صعد إلي عنان السماء، وانتهي كل شيء.
بعد ذلك، سئل الشيخ كاشف الغطاء قدس سره: ماذا كتبت في الورقتين بحيث كان لها هذا التأثير العظيم؟ فرد قائلا: كتب في كل ورقة منهما عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» فقط، وأمرته أن يعرضها عليها.
إن بسملة الشيخ فقط قد فعلت كل هذا، ونحن نتلو القرآن بأكمله دون أن نري لذلك أي تأثير، فما السر في ذلك؟ لا شك في أن السر يكمن في قوله تعالي : «لَا
ص: 442
يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»(1)، فوجود تلك الطهارة يستلزم وجود ذلك الأثر؛ فإن أردتم أن يكون كلامكم مؤثراً فلا بد لكم من التحلي بالتقوي أولا، ثم استمداد الغيب الإلهي بسبب التغير الذي طرأ علي زماننا، وإلا لم يكن لكلامنا أي تأثير.
والسبيل إلي ذلك أولا في أن تواظبوا أنتم علي هذا العمل، وتوصوا الناس هناك بالمداومة عليه وعدم تركه، كذلك أوصوا كل من يجيد القراءة والكتابة بالشروع في تلاوة القرآن، وأن لا يتركه في أي يوم، واطلبوا من جميع الناس الالتزام بتلاوته.
ثانية، اقرؤوا القرآن الكريم، واهدوا تلاوته إلي ولي العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ لتشملكم رعايته، فلئن كنا نتخبط في الفساد من جميع الجهات، فإن هذه الهدية تجعل من سليمان عالم الإمكان ينظر إلينا بعين الرأفة والرحمة، فتشملكم والناس كذلك عنايته ولطفه من حيث لا تشعرون. هذا هو الطريق الثاني.
لا تلتزموا بارتقاء المنبر مساء فقط، بل بكروا منذ الصباح لعلاج الناس مثل طبيب دوار بطبه(2) واغتنموا هذه الفرصة جيدا، واستفيدوا منها غاية الاستفادة فلا تتركوا ذكر المواعظ والعبر، والتذكير بالأمور العقائدية والأخلاقية والأحكام الدينية أينما حللتم، وحيثما نزلتم، فلئن التزمتم بهذه الأمور الثلاثة في مسيرتكم الدعوية فستنالون سعادة الدنيا والآخرة.
المهم أن تبذلوا جهودا كبيرة في مناطق تواجدكم، وتزوروا المدارس فيها؛ لتعلموا الأطفال حقيقة هذا المذهب، وانقلوا إلي الناس سيرة الأئمة الأطهار، عليهم السلام
ص: 443
وعرفوهم بفضائلهم ومناقبهم(1). فعلي سبيل المثال، تناولوا في كل ليلة من ليالي عاشوراء الحديث عن سيرة أحد الأئمة الميامين عليهم السلام؛ ليكون الناس قد تعرفوا خلال هذه الفترة إلي الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.
لقد تطرقنا في مقدمة كتاب «منهاج الصالحين» إلي سيرة الأئمة المعصومين عليه السلام بصورة مختصرة، فإن لم يكن لديكم متسع من الوقت، فخذوا نسخة من هذا الكتاب، واقرؤوه علي مسامع الناس للتعريف بهم، ولا يفوتنكم بيان عظمة عاشوراء؛ فهذا العمل يضمن لكم السعادة الأبدية إن شاء الله.
من كلمات الإمام الثامن عليه السلام، أنه قال: «يَا ابْنَ شَبِيبٍ! إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ»(2). هذه الجملة التي قالها الإمام التفوه بها صعب للغاية.
من هو الإمام الرضا عليه السلام؟ إنه الشخص الذي قال عنه الإمام جعفر الصادق عليه السلام لولده الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: «إِنَّ عَالِمَ آل محمد لَفِي صُلْبِكَ وَ لَيْتَنِي أَدْرَكْتُهُ»(3)، إنه لكلام محير حقا، هذا هو علي بن موسي الرضا عليه السلام.
وقد قال الإمام علي بن موسي الرضال عليهماالسلام: «إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا»(4)، مع
ص: 444
أن عالم الإمكان برمته فداء لكل جفن من أجفان الإمام الرضا عليه السلام. إننا لا نعلم ما يوم عاشوراء؟ ذلك اليوم الذي قال عنه الإمام علي بن موسي الرضا عليهماالسلام: «إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا»، فأي مصيبة تلك التي أقرحت جفونه عليه السلام؟
لا تصغوا إلي كلمات العوام الواهية، فمهما ازدادت عظمة العزاء لسيد الشهداء عليه السلام؟ يبقي ذلك قليلاً بحقه، فلا يغرنكم من يصف هذا العزاء بالإفراط، أني لنا ببلوغ حقيقة هذه القضية؟ إنها في غاية الأهمية والعظمة، حتي ورد في الرواية الصحيحة: «وَبَكَتْ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالأَرضَونَ السَّبعُ ... وَما يُري وَما لا يُري»(1). هذه هي عظمة قضية عاشوراء، فاسعوا إلي حث الناس في تلك المناطق علي عدم نسيان سيد الشهداء عليه السلام طوال أيام السنة، علي أمل أن تعودوا من هذا السفر ببركات وفيرة وفوائد جمة.
ص: 445
ص: 446
قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «مَنِ اتَّقي مِنكُم وأصلَحَ فَهُوَ مِنّا أهلَ البَيتِ». (القاضي نعمان المغربي: ج1، ص62؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج2، ص 391).
وقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَر الْبَاقِرُ: «وَاللّهِ يا أبا خالِدٍ لا يُحِبُّنا عَبدٌ ويَتَوَلاّنا حَتّي يُطَهِّرَ اللّهُ قَلبَهُ، وَلَا يُطَهِّرُ اللّهُ قَلْبَ عَبدٍ حتّي يُسلِّمَ لَنا وَ يَكوُنَ سِلْماً لَنا، فَاذَا كانَ سِلْماً لنَا سَلَّمَه اللّهُ مِنْ شَديدِ الْحِسَابِ، وَآمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَومَ القِيامَهِ الأكبَرِ».(علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي: ج 2، ص 372؛ الكليني، الكافي: ج 1، ص 194؛ القاضي نعمان المغربي، دعائم الإسلام: ج1، ص73؛ حسن بن سليمان الحلي، مختصر بصائر الدرجات: ص96؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج5، ص396؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 23، ص308).
قَالَ أَمِيرُ الْمُومِنِينَ: «يَأْتِي عَلَي اَلنَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقَي فِيهِمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ وَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ إِلاَّ اِسْمُهُ وَ مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَهٌ مِنَ اَلْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ اَلْهُدَي ...». (نهج البلاغة، الحكمة 369؛ الكليني، الكافي: ج8، ص308؛ الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص 253؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص66؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 2، ص109).
مصادر أهل السنة: البيهقي، شعب الإيران: ج 2، ص 311؛ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي : ج 3، ص 283.
ص: 447
ص: 448
9 كانون الثاني 2012 م = 14 صفر 1433ه
ص: 449
ص: 450
قال الله تعالي في محكم كتابه الكريم: «ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَهِ وَالْمَوْعِظَهِ الْحَسَنَهِ وَجدِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(1)
لا عمل أفضل عند الله من هداية الناس إلي الحق(2)، فهذه الجملة هي عصارة بعثة جميع الأنبياء عليهم السلام، وتتلخص وظيفة المنتسبين إلي عنوان أهل العلم والدين في عصر الغيبة في هاتين الكلمتين: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»(3)، ويتلخص القول في كلمتين: التفقه في الدين(4)، وهذا يمثل أساس الأمور وأسُ المطالب.
ولكننا نجهل أي دين هو، «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ»(5)، فالدين الذي يجب أن يتعبد به كل شخص عند الله تعالي إنما هو الإسلام فقط، والتفقه أساس الإسلام.
الوظيفة الأولي للمسلم هي التفقه في الدين، ولا تفقه في الدين إلا إذا هضم الدين بالعقل والفهم، فما هي حدود دائرة الدين؟ «ولِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ»(6). إن دائرة الدين تبتدئ بالمبدأ وتختتم بالمعاد، وتتوسطهما النبوة والإمامة، والأخلاق، والأحكام التي منها الطهارة إلي الديات، فالفقيه الحقيقي هو من يتمكن من معالجة
ص: 451
آلام الناس بواسطة معرفة الله ومعرفة النبي صلي الله عليه و آله ومعرفة الإمام عليه السلام، ويكون قادرا علي تعليمهم الأحكام الإلهية، فمثل هذا الفقيه محترم عند الله تعالي إلي درجة أنه أشد علي إبليس من ألف عابد(1)؛ لأن كل ما تنسجه أذهان الملحدين يغدو هشيما تذره الرياح بواسطة التفقه في الدين، وعملكم في هذا السفر هو الدعوة إلي الدين، ولا ريب في أن الدعوة إلي الدين متوقفة علي فهم الدين، ومن ثم تفهيمه الآخرين، ولكل من هذه العناوين بحث مفصل، لكننا نكتفي بالإشارة فقط.
يمكن اختزال السبيل إلي الفهم والتفهيم بكلمتين، فمتي ما جسدناهما فتح في وجهنا باب الفهم والتفهيم معا، فما هاتان الكلمتان؟ هما الكلمتان اللتان أوصي بهما خاتم الأنبياء وعقل الكل صلي الله عليه و آله جميع أمته قبيل رحيله من هذه الدنيا، وهما: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، لَنْ تَضلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا أبَداً»(2)
والنتيجة هي أننا لو تمسكنا بالقرآن وإمام العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف لانفتح أمامنا باب الفهم وباب التفهيم أيضا، ولا بد أن نبدأ بإلزام أنفسنا بالتمسك بهاتين الكلمتين قبل أن نوصي بها الآخرين، فقد هدينا إلي الطريق، بيد أننا قضينا أعمارنا بالبطالة والغفلة.
روي عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْمُغِيرَهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنُ [ الكاظم ] عليه السلام قَالَ: قُلْتُ له: «إِنَّ أَبِي
ص: 452
سَأَلَ جَدَّكَ عَنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَقَالَ لَهُ جَدُّكَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَقَالَ لَهُ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ لَهُ جَدُّكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ أَبِي نَعَمْ مَا اسْتَطَعْتُ فَكَانَ أَبِي يَخْتِمُهُ أَرْبَعِينَ خَتْمَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ خَتَمْتُهُ بَعْدَ أَبِي فَرُبَّمَا زِدْتُ وَ رُبَّمَا نَقَصْتُ عَلَي قَدْرِ فَرَاغِي وَ شُغُلِي وَ نَشَاطِي وَ كَسَلِي فَإِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله خَتْمَةً وَ لِعَلِيٍّ عليه السلام أُخْرَي وَ لِفَاطِمَةَ عليهاالسلام أُخْرَي ثُمَّ لِلْأَئِمَّةِ عليهم السلام حَتَّي انْتَهَيْتُ إِلَيْكَ فَصَيَّرْتُ لَكَ وَاحِدَةً مُنْذُ صِرْتُ فِي هَذَا الْحَالِ فَأَيُّ شَيْ ءٍ لِي بِذَلِكَ قَالَ: لَكَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَلِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(1).
ولو أننا قد عملنا بهذا الكلام منذ شبابنا وتزامنا مع شروعنا بطلب العلم، لكان حالنا غير ما نحن عليه اليوم؛ لأن ذلك يحتاج إلي العمل ولا يكتفي فيه علي القول، فهذه الروايات بمثابة الإكسير الأحمر، فلو قدر للمؤمن أن يقرأ القرآن إبان شبابه، اختلط القرآن بلحمه ودمه(2)، وذلك متوقف علي مواصلة القراءة؛ لأن المهم هو العمل، ثم المداومة عليه(3)، فكيف لا تحيي الأرض الميتة إذا ما هب عليها نسيم الربيع كل يوم؟ «فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ »(4)، لكن هذه الكلمات لم تفهم بعد.
فعندما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام «فإنّهُ رَبيعُ القُلوبِ»، يعني بذلك أن تلاوة
ص: 453
القرآن تحيي قلوبنا كما يحيي نسيم الربيع الأرض الميتة، فلما يتلي القرآن الكريم ويهدي إلي الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف ينقطع العمل عن الشخص ويرتبط بالإمام، ومتي ارتبط به انقلب إلي إكسير أحمر.
لقد أنزل الله تعالي سورة التوحيد، وجعل لها أهمية كبري، فاقرؤوا الروايات الواردة في هذه السورة، لتعلموا مدي عظمتها، حيث ورد في رواية صحيحة السند، يفتي أمثال الشيخ الأنصاري قدس سره طبقا لسندها في أهم المسائل كالدماء، أن سورة التوحيد تعدل ثلث القرآن(1)، وعندئذ تكون قراءتها ثلاث مرات بمثابة ختم القرآن(2) (الملحق:1).
لماذا لا يتأثر الناس بالقرآن؟ السر في ذلك أنه لا القارئ يحمل شروط التأثير، ولا المستمع يمتلك شروط التأثر، ولو قمنا بذلك لتوفرت شروط التأثير والتأثر في القارئ و المستمع معا؛ لكن ينبغي أن نهتم بفقه الرواية، أي: بدراية الرواية(3)، لا مجرد الرواية، فقراءة الرواية لا تعد كمالآ، وإنما الكمال في فهم الحديث، وعندما قال الإمام عليه السلام عن القرآن الكريم: «فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ»(4)، احتوت هذه الجملة علي كل ما يجب أن تحتويه؛ فإن القرآن يحيي نفوسنا، ويحيي نفوس المستمعين لتلاوته، كما
ص: 454
يحيي نسيم الربيع الأرض الميتة.
ولا شك في أن الرواية التي تنقلونها للناس بمثابة بذرة تنبض بالحياة؛ لأنها خرجت من أفواهكم، تلك الأفواه والأرواح التي أحييت بالقرآن، ومن يستمع إليكم يحيي بتلاوته القرآن؛ وبالتالي تنبت هذه البذرة في تلك القلوب.
السبيل إلي التأثير يكمن في أن تتقيدوا بقراءة القرآن علي مدار السنة، وتهدوه إلي الإمام صاحب العصر و الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، والسبب في إصرارنا علي إهدائه له هو أنه عصارة جميع الأنبياء عليهم السلام، وخلاصة جميع الأوصياء عليهم السلام(1)، فالهدية له هدية لجميع الأنبياء والأولياء، وعندئذ تكون نتيجة ذلك هي العمل بقوله صلي الله عليه و آله: «اِنّي تارِكٌ فيكُم الثقلين: كتابَ اللّهِ وَعِترتي أهل بَيْتي»(2)، وبذلك يحيي قلب القائل وروح المستمع أيضا. هذا هو سبيل التبليغ وسبيل التفقه في الدين، بل هذا هو فقط سبيل التأثير في أرواح الناس.
ص: 455
لا بد من تعلم طرق التربية من القرآن والروايات، فحينما نسلك هذا السبيل نحصل علي الاستفادة القصوي، والنتيجة هي أنكم تحيون أنفسكم، وتحيون أنفس مستمعيكم.
ثم لاحظوا ماذا تكون نتائج أعمالكم هذه؟ فمن نتائج عملكم خلال هذه الأيام أن قلوب الناس الذين هم أيتام آل محمد عليهم السلام(1) تتعرف بواسطتكم علي الدين. وقد يتفق أن يسافر الداعية منكم ثم يعود إلي بلده، وهو لا يدري ما كتب في صحيفة أعماله، والحال أنه قد كتب فيها: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(2)، فربما نري أنه قد كتب له أجر إحياء الناس جميعاً؛ ذلك أن المفسر الحقائق القرآن - وهو الإمام الصادق عليه السلام والإمام الباقر عليه السلام، لا أنا ولا أنت - قد ذكر في تفسير هذه الآية وفيما يخص إحياء النفس الوارد فيها أنه: «مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلاَلٍ إِلَي هُدًي»(3).
فالطالب الذي شد الرحال إلي تلك القرية وأعاد إلي الصلاة شخصا كان قد تركها، أو جعل مذنبا يتوب إلي ربه، «أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلاَلٍ إِلَي هُدًي»، مثل هذا الطالب ربما يسافر وصحيفة أعماله بيضاء فارغة، ثم يعود وفي صحيفته أنه قد
ص: 456
أحيي الناس جميعا.
أو ربما يهدي ضالا، فيعرفه بإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فيكتب له في صحيفة أعماله ثواب مئة سنة من الصلاة والصيام(1). إنكم عرضة لهذه الفرص، ولا بد لكم من معرفة قدرها.
ينبغي لكم من الليلة الأولي وفي أي مجلس و محاضرة أن تهتموا بأمرين، وتحثوا الناس علي الالتزام بهما، هما: الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، فالصلاة هي صلة الإنسان بالله تعالي؛ فلا بد من إحياء هذا العهد، لاحظوا دعائم الإسلام(2)، فإقامة الصلاة أولآ، «الصَّلاةُ عَمودُ الدِّينِ»(3). فاحرصوا علي أن لا يبقي في المنطقة التي تذهبون إليها تارك للصلاة.
وادعوا الجميع لتلاوة القرآن طيلة أيام السنة، ولا ينبغي أن ينقطع عن قراءته أحد، سواء كان متعلما أم أميا، وزوروا المدارس، فإن أطفالها أيتام إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، وعرفوهم بالله والمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام بلغة تتناسب مع
ص: 457
أعمارهم، وذكروهم بالاء الرحمن ونعم المنان(1).
فلا بد من إيقاظ كل فرد، واسألوا: ماذا كنت؟ وماذا صرت؟ ومن الذي سواك بهذا الشكل؟ ماذا كنت أنا وأنت؟ اقرؤوا القرآن الكريم: «هَلْ أَتي عَلَي الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً»(2)؛ لتروا كيف خلقني الله وخلقك بعد أن لم نكن شيئا؟ لقد سخر الكون بأسره لكي يخلقني ويخلقك.
إن النطفة التي توجد في صلب الأب حصيلة لجميع الآفاق الكونية؛ فثمة دور لليل والنهار، والشمس والقمر، والفصول الأربعة، والسماء والأرض، لإيجاد جوهر في لقمة الطعام، ثم ينتقل إلي صلب الأب، ومنه إلي رحم الأم، في تلك الظلمات الثلاث: «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ»(3).
إن في هذه التعبيرات لدقة، في ظلمات ثلاث: بطن الأم، رحم الأم، المشيمة؛ حيث قام بتنشئة تلك النطفة في هذه الظلات، فمن الذي منح الإنسان هذا الدماغ؟ ومن الذي أعطاه هذه العين المبصرة؟(4).
ص: 458
مضت آلاف السنين، والعالم يحاول، ولم يتمكنوا من الوصول إلي الأسرار الكامنة في هذا الجلد، فهذا الجلد الذي تشاهدونه يحتوي علي ملايين المسامات والغدد التي تسهل عملية التعرق، وينمو عليه الشعر الذي يرتبط بالجلد عن طريق البصيلة، وهذا يستدعي منا التأمل والتدبر في الصلاة وفي مختلف الأوقات، والتساؤل: ماذا كنت؟ وماذا صرت؟
لا زال الطب وعلم التشريح يعمل منذ آلاف السنين، ولم يتوصل بعد إلي أسرار جلد الإنسان. كما أن كل شعرة تنمو من بصيلة في أسفلها، أو فقل : كل شعرة عبارة عن شجرة، لها جذورها الخاصة بها، وأما اللون فهو في حد ذاته أمر عجيب، فلون شعر الشاب إكسير عظيم، لا يعرفه إلا جابر بن حيان الذي وصل شيئا فشيئا إلي نتيجة، ووضع القطرة علي القنطار، وقد تعلم ذلك من الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
ولكن، لعن الله من أغلق باب هذا العلم في وجوهنا؛ فلو كان هذا الباب قد فتح للإمام الصادق عليه السلام، وسمح له بتعليم جابر بن حيان السر في شعر الإنسان واستخراج الإكسير الأعظم منه، ونشر تلك العلوم والمعارف، لبلغت البشرية مراقي الكمال، وغاية السمو، فما الذي جنته البشرية من إغلاق هذا الباب؟
انشروا الوعي بين الناس، وقولوا لهم: ماذا كانت تلك النطفة القذرة؟ وماذا صارت؟ لقد أصبحت إنسانا، يحتوي شعر رأسه فقط علي أسرار جمة، فضلا عن دماغه وباقي أعضائه.
حاولوا أينما حللتم أن لا تحزموا حقائب العودة إلا وقد عرف الناس ليلتها سيرة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام، والسبيل إلي ذلك هو التطرق في كل أمسية من
ص: 459
الأمسيات إلي فضائل ومناقب واحد من هؤلاء الأعلام، حدثوهم عن معاجزهم، وانقلوا لهم أحاديثهم وكلماتهم؛ ليفهموا من هو خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله؟ ومن هو علي المرتضي عليه السلام؟ (الملحق:2) ومن هي فاطمة الزهراء عليهاالسلام؟
من المؤسف أننا لم نع ذلك جيداً، ولربما يمضي أحد طلاب العلوم الدينية ثم يعود، وقد كتب اسمه في دفتر المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام، فلو أنكم تناولتم في كل محاضرة من محاضراتكم سيرة أحد هؤلاء المعصومين عليهم السلام، وعرفتم الناس بهم، فسيكتب اسمكم حينها في سجل النبي الخاتم صلي الله عليه و آله، وأمير المؤمنين عليه السلام، والإمام العسكري عليه السلام، وباقي الأئمة الميامين عليهم السلام. فالطريق إلي ذلك سهل يسير، وقد تطرقنا في مقدمة كتاب «منهاج الصالحين» إلي سيرة الأئمة عليهم السلام باختصار، فيمكنكم الرجوع إليه وقراءة الروايات الواردة في هذا المجال.
لا تشترط الأجر علي العبادة كما يفعل المتسولون فإن المولي نفسه يعلم كيف يربي العبد(1)
جاءت نملة برجل جرادة ثم أخذ الهدهد رجل الجرادة وقدمها هدية إلي نبي الله سليمان عليه السلام، فقبلها النبي عليه السلام ومسح علي رأسه، ودعا له بالبركة، فحدثت له القنزعة التي علي رأسه، ومنذ ذلك الحين وعلي الرغم من تطاول الزمن وكل هدهد يحمل
ص: 460
علي رأسه القنزعة ببركة مسحة النبي سليمان عليه السلام(1) (الملحق: 3).
ولو أهدي أحدكم في طريق التبليغ والدعوة جرادة إلي سليمان هذا العالم، ألا وهو الحجة بن الحسن عجل الله تعالي فرجه الشريف، فسيمسح الإمام بيده علي رأسه، ويضع عليه تاجا يبقي علي رؤوس أولاده إلي يوم القيامة؛ ولكن للأسف قد ضاعت أعمارنا هباء منثورا، ولم ندرك كيف نصرف هذه الثروة؟ وفي طريق من ننفقها؟
والخلاصة: ينبغي أن تكون نتيجة سفركم كلمتين: تعريف الناس بالله تعالي، وتعريفهم بولي العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فالموضوع كله يتلخص في هاتين الكلمتين؛ لأن كل ما هو موجود فهو من الله جل وعلا، وكل ما هو منه تعالي فهو ببركة
ص: 461
الإمام المعصوم عليه السلام: «بِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرَي وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الْاَرْضُ وَالسَّمَاءُ»(1)
حاولوا أينما ذهبتم وحيثما حللتم أن لا يخلو أي مجلس من مجالسكم، وأي أمسية من أمسياتكم من بيان الأحكام الدينية، فعلموا الناس الصلاة والوضوء والطهارة والنجاسة؛ فهل تعلمون ما هو تأثير ذلك؟ سيكون حينها لكل كلمة منكم تأثير كبير، وستحصلون علي الأجر الوفير؛ فقد ورد في الرواية أن معلم الخير - ومنه الأحكام الإلهية طبعا - يستغفر له جميع أهل السماء والأرض(2). هذا هو أجركم.
ص: 462
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه و آله: «أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ كل لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالوا: وَ مَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ" ثُلُثَ القُرْآنِ». (الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص191؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج6، ص225؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج89، ص348).
و رُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، َنْ عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام قَالَ: «مَن قَرَاءَ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَثُلُثَ التَّوْرَاةِ وَثُلُثَ الْإِنْجِيلِ وَثُلُثَ الزَّبُورِ». (الشيخ الصدوق، التوحيد: ص95؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6، ص225، السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج5، ص795؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج89، ص348).
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ آمَنَ بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ وَهُوَ يُبْغِضُ عَلِيَّاً فَهُوَ كَاذِبٌ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ». (ابن عقدة الكوفي، فضائل أمير المؤمنين: ص29؛ القاضي نعمان المغربي، شرح الأخبار: ج1، ص153؛ الشيخ الطوسي، الأمالي : ص249؛ ابن جبر، نهج الإيمان: ص 455؛ العلامة الحلي، كشف اليقين: ص227؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة : ج 1، ص103؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار : ج39، ص 253).
مصادر أهل السنة: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 42، ص 280؛ ابن كثير، البداية والنهاية: ج 7، ص391.
ص: 463
وقد روي الشيعة وأهل السنة هذه الرواية عن ابن عقدة الشيعي، وكانت كلمات أهل السنة حول ابن عقدة كالتالي:
قال ابن عساكر : «الدارقطني يقول: كان أبو العباس بن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده». (الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج 5، ص 221).
قال الذهبي: «ابن عقدة حافظ العصر والمحدث البحر، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، مولي بني هاشم، وكان أبوه نحويا صالحا يلقب بعقدا...». الذهبي، تذكرة الحفاظ : ج 3، ص 839).
وقال أيضا: «قال ابن عدي: كان ابن عقدة صاحب معرفة وحفظ متقدما في هذه الصناعة». (الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3، ص840 - 841).
قال ابن حجر: «وأَبُو الْعَبَّاس اَلْهَمْدَانِيُّ هُوَ ابنُ عُقْدَةَ حَافِظٌ كَبِيرٌ...». (ابن حجر، تلخيص الحبير : ج 2، ص 137).
وقال العيني: «هو أَبُو الْعَبَّاس بن عقدة أحد الحفاظ لكنه شيعي». (العيني، عمدة القاري: ج 7، ص149).
عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عليه السلام قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا الْقُنْبُرَةَ وَ لَا تَسُبُّوهَا وَ لَا تُعْطُوهَا الصِّبْيَانَ يَلْعَبُونَ بِهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ التَّسْبِيحِ لِلَّهِ تَعَالَي وَ تَسْبِيحُهَا لَعَنَ اللَّهُ مُبْغِضِي آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام». (الكليني، الكافي: ج6، ص225؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج9، ص19؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 61، ص303).
وعَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أيضاً قَالَ: «في كُلِّ جناح هُدْهُدٍ مَكْتُوبٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ: آلُ مُحَمَّدٍ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ». (الكليني، الكافي: ج6، ص224؛ الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص236؛ الشيخ الطوسي، الأمالي: ص350؛ حسن بن سليمان الحلي، المحتضر: ص164؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج27، ص261).
ص: 464
7 تشرين الثاني 2012 م = 22 ذو الحجة 1433ه
ص: 465
ص: 466
إن فهم حقيقة عاشوراء من أهم القضايا علي الإطلاق، علي أن هذه القضية غير المسبوقة وغير الملحوقة في تاريخ البشرية لم تفهم ولم تبين بالشكل المطلوب، والأهم من ذلك هو أن هذه الأيام هي أيام الربيع، غير أن ربيع القلوب الذي يوافيها بنسيم فيضه، هو أن يزدهر ذلك الحب - لا شعوريا - في هذه الأيام، وذلك بمقتضي: «اِنَّ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام مَحَبَّةً مَكْنُونَةً»(1) (الملحق:1)، فلا بد أن نستفيد إلي أبعد حدود من هذه الفرصة المتاحة.
إن أعظم مصيبة علي كل شخص هي مصيبة الحسرة(2)، الحسرة علي أننا كنا قادرين علي الاستفادة من هذه الحياة بصورة أفضل فلم نفعل، ولا يأمن من هذه الحسرة إلا من كانت حياته تجسيدا لجملتين قد جاءتا في الآية الشريفة: « لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»(3)؛ فإن كل ما نبتغيه هو في القرآن الكريم، ولكن أين من يفهمه ويدركه؟ كل ما في الأمر يكمن في هاتين الجملتين، حيث لا حسرة لمن كانت حياته مطابقة لهاتين الجملتين: الأولي التفقه في الدين، والثانية إنذار القوم.
ص: 467
يتصور البعض أنه يكفيهم الاشتغال بالدراسة طيلة أيام السنة، وهذا يمثل نوعا من وساوس الشيطان، «ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»، فكل من فوت من يديه الفرصة في هذه الأيام فسيبتلي بحسرة لا توصف، فما هي هذه الحسرة؟ أفضل بيان لذلك هو نص كلام الإمام عليه السلام؛ فإن كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل(1)، فالحكمة كل الحكمة والمعرفة كل المعرفة هي في تلك الجمل، وحسبكم الرواية التالية بما تضمه من إشارات لمن هم أهل لذلك.
روي الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن جده أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: « قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا». تأملوا في الرواية فقرةً فقرةً، فإن شرحها يطول، لكننا سنكتفي بالنص فقط، قال عليه السلام: «مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا»، فليس المقصود أي شخص كان، بل لا بد أن يكون متحليا بهذه الصفة: «عالما بِشَرِيعَتِنَا فَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَي نُورِ الْعِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ بِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ينبغي معرفة المؤثر من خلال الأثر، وللعلم طريقان: الطريق «الإني» والطريق«اللمي»، ف«الإني» يكون بالانتقال من المعلول إلي العلة، وذلك حيث يسأل: ما هي العلة التي نتج عنها هذا المعلول؟
قال الإمام عليه السلام: «مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا، فَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَي نُورِ الْعِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ بِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ عَلَي رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ
ص: 468
يُضِيءُ لجَمِيعِ اهل الْعَرَصَات»، تأملوا، فهذا الوصف صادر من كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، فأي مقام هذا؟ وأي منصب هو؟ يجتمع في عرصات يوم القيامة الأولون والآخرون، من الجن والإنس، فإذا التاج الذي يوضع علي رأس هذا الشخص يضيء لجميع أهل العرصات.
«وعَلَيهِ حُلَّهٌ»، فما هي قيمتها؟ قال الإمام عليه السلام في وصفها: «لَا تَقُومُ لِأَقَلِّ سِلْكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»، علما أن الدنيا لا تقتصر علي الأرض وحسب، قال تعالي: «وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا»(1)، ما يعني أنها شاملة لجميع هذه المنظومة، فجميع هذه الدنيا من السماء العلوية إلي الأرض السفلية لا تعدل خيطا واحدا من تلك الحلة!
«ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ [مِنْ عِنْدِ اللّهِ]: يَا عِبَادَ اللَّهِ! هَذَا عَالِمٌ مِنْ تَلَامِذَةِ بَعْضِ عُلَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ»، هذا هو التعريف به، والمهم هو فهم هذه الجمل: « أَلَا فَمَنْ أَخْرَجَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْرَةِ جَهْلِهِ فَلْيَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هَذِهِ الْعَرَصَاتِ إِلَي نُزْهَةِ الْجِنَانِ»، ثم ماذا يفعل؟
أولا: «فَيُخْرِجُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنْيَا خَيْراً»، «فَلْيَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هَذِهِ الْعَرَصَاتِ إِلَي نُزْهِ الْجِنَانِ».
ثانيا: «أَوْ فَتَحَ عَنْ قَلْبِهِ مِنَ الْجَهْلِ قُفْلًا».
ما أعظم هذا الكلام؟ يقوم هذا الشخص بإخراج من فتح عن قلبه قفلا من أقفال الجهل في مجال الأحكام الإلهية أو العقائد الحقة، يقوم بإخراجه من ظلمة تلك العرصات إلي النور.
ثالثا: «أؤ أَوْضَحَ لَهُ عَن شُبْهَةٍ»(2). بمعني أنقذ روحه الغارقة في تلك الشبهة من
ص: 469
ظلمتها، ولسوف ينقذه أيضا من ظلمة تلك العرصات.
نشاهد اليوم شياطين الجن والإنس يلقون مختلف أنواع الشبهات في النفوس الضعيفة، ولا شك في أن النفوس الضعيفة تتأثر شئنا أم أبينا بهذه الأمراض، فإذا ما فتح المرض لنفسه مجالا للنفوذ تكون النتيجة هي العلة والسقم. ها هنا يملي الواجب عليكم جميعا بعد التفقه في الدين العمل علي إنقاذ أيتام آل محمد عليهم السلام(1) من الأمراض والأسقام المختلفة في هذا الزمان المليء بالظلات، لتنالوا إثر ذلك ما ذكرنا من أجر.
ينبغي لكم القيام بأمور ثلاثة:
الأول: ترسيخ العقائد، فلا بد لكم أينما ذهبتم وحيثما حللتم من تأصيل عقائد الأمة وتلك الجماعة، بحيث تبقي قلوبهم راسخة ومصرة علي العقائد الحقة حتي بعد عودتكم إلي دياركم.
الثاني: تهذيب الأخلاق، فاقرؤوا للناس روايات أهل البيت عليهم السلام من مواعظ «بحار الأنوار»، وهذبوا نفوس الأمة بتلك الكلمات.
ص: 470
الثالث: تعليم الأحكام الإلهية، لتكون مجالسكم مشحونة بما عبر عنه النبي صلي الله عليه و آله قائلا: «إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ»(1). فإن قصرتم في عملكم، وآثرتم الدعة والراحة، فستحتملون غدا تلك الحسرة، أنا كنا قادرين أن نضع مثل هذا التاج علي رؤوسنا، وأن ننال من الله مثل هذه الحلة، فوا أسفاه إذ لم نفعل ذلك : «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ»(2)، ولا سبيل حينها إلي الرجوع.
حكي أحد أساتذتنا - وقد كان من العلماء الأخيار والأبرار - أنه كان يحمل جنازة لأحد الموتي، وقد شاهد شخص ممن يمتلكون عينا برزخية روح ذلك الميت فوق تلك الجنازة وهي تردد البيتين التاليين:
أسفا لكأس العمر كنت تملكه***ولم تعرف حقه فما يجديك الآخرون
كنت عبدا وقد جاءك الخلاص***وقد خسرت فماذا يفعل الآخرون(3)
«اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وَ حَسْرَةُ الْفَوْتِ»(4). يا للحسرة، فقد انقضي العمر ولم نفهم ماذا نفعل! وكيف يمكننا الاستفادة المثلي من هذه الدنيا؟!
حاولوا تقوية القلوب، وفهموا هذه الأمة أن عاشوراء هي الحدث الصاخب في
ص: 471
عالم الحلقة(1)، واقضوا عن طريق البراهين العلمية والفقهية علي هذه الأباطيل التي يتناقلها العوام عن الخواص والخواص عن العوام بين الناس؛ ليعي الناس ما معني عاشوراء؟ ومن هو الإمام الحسين عليه السلام؟ وماذا فعل؟
من خصائص الملائكة أنها تنجذب إلي الملأ الأعلي؛ ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام في خلق الملائكة: «مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ، وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ؛ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ، وَ أَخْوَفُهُمْ لَكَ، وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْكَ».(2)لكن شيخ الطائفة ورئيس الفرقة، الشيخ الطوسي قدس سره، أخرج في كتابه قبل أكثر من ألف عام زيارة لأصحاب سيد الشهداء علي السلام تحير عقل كل حكيم وذي لب، فمما ورد فيها أن الملائكة قد حفت بهم، وسكنت معسكرهم، وحلت في مصارعهم، ليس لها فراق إلي يوم التلاق(3). فإن كانت هذه هي منزلة أصحابه عليه السلام؟، فأين هي منزلة ذلك الغلام الذي هو: «أَشْبَهُ اَلنَّاسِ خَلْقاً وَ خُلُقاً وَ مَنْطِقاً بِرَسُولِكَ»؟(4)»؟ (الملحق: 2).
ص: 472
هناك رواية صحيحة السند، وهي من الروايات التي يعتمد علي سندها مثل الشيخ الأنصاري قدس سره، وليس كل من تحدث عن الفقه، فيرفع بموجبها اليد عن أصالة الاحتياط في المسائل المبنية علي الاحتياط، وسند هذه الرواية كالتالي:
حدثني أبي، أي علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم. إن هذا السند لعجيب عند الفقهاء؛ إذ يشتمل علي اثنين من أصحاب الإجماع، فهو في غاية الصحة. أما نص الرواية فهو:
عنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ عليه السلام دَمْعَةً حَتَّي تَسِيلَ عَلَي خَدِّهِ بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً»(1) (الملحق:3). هذا أجر من تدمع عيناه علي مقتل الإمام
ص: 473
الحسين عليه السلام، فأي مقام هذا؟
نقل العلامة المجلسي، وهو فحل الفحول، عن بعض العلماء قصة عجيبة فيمن ينكر فضل البكاء علي سيد الشهداء عليه السلام، فقال:
«رَأَيْتُ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حُكِيَ عَنِ السَّيِّدِ عَلِيٍّ الْحُسَيْنِيِّ قَالَ: كُنْتُ مُجَاوِراً فِي مَشْهَدِ مَوْلَايَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي الرِّضَا عليه السلام مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ عَاشُورَاءَ ابْتَدَأَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْرَأُ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَوَرَدَتْ رِوَايَةٌ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ عَلَي مُصَابِ الْحُسَيْنِ وَ لَوْ مِثْلَ جَنَاحِ الْبَعُوضَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ (1) (الملحق:4) وَ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ مَعَنَا جَاهِلٌ مُرَكَّبٌ يَدَّعِي الْعِلْمَ وَ لَا يَعْرِفُهُ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ وَ الْعَقْلُ لَا يَعْتَقِدُهُ وَ كَثُرَ الْبَحْثُ بَيْنَنَا وَ افْتَرَقْنَا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَ هُوَ مُصِرٌّ عَلَي الْعِنَادِ فِي تَكْذِيبِ الْحَدِيثِ فَنَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَرَأَي فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَ حُشِرَ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ صَفْصَفٍ لا تَري فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً وَ قَدْ نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ وَ امْتَدَّ الصِّرَاطُ وَ وُضِعَ الْحِسَابُ وَ نُشِرَتِ الْكُتُبُ وَ أُسْعِرَتِ النِّيرَانُ وَ زُخْرِفَتِ
ص: 474
الْجِنَانُ وَ اشْتَدَّ الْحَرُّ عَلَيْهِ وَ إِذَا هُوَ قَدْ عَطَشَ عَطَشاً شَدِيداً وَ بَقِيَ يَطْلُبُ الْمَاءَ فَلَا يَجِدُهُ فَالْتَفَتَ يَمِيناً وَ شِمَالًا وَ إِذَا هُوَ بِحَوْضٍ عَظِيمِ الطُّولِ وَ الْعَرْضِ قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا هُوَ الْكَوْثَرُ فَإِذَا فِيهِ مَاءٌ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَ أَحْلَي مِنَ الْعَذْبِ وَ إِذَا عِنْدَ الْحَوْضِ رَجُلَانِ وَ امْرَأَةٌ أَنْوَارُهُمْ تُشْرِقُ عَلَي الْخَلَائِقِ وَ مَعَ ذَلِكَ لُبْسُهُمُ السَّوَادُ وَ هُمْ بَاكُونَ مَحْزُونُونَ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ لِي: هَذَا مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَي وَ هَذَا الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَي وَ هَذِهِ الطَّاهِرَةُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ فَقُلْتُ: مَا لِي أَرَاهُمْ لَابِسِينَ السَّوَادَ وَ بَاكِينَ وَ مَحْزُونِينَ؟ فَقِيلَ لِي: أَلَيْسَ هَذَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ؟ فَهُمْ مَحْزُونُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ: فَدَنَوْتُ إِلَي سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ وَ قُلْتُ لَهَا: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنِّي عَطْشَانُ فَنَظَرَتْ إِلَيَّ شَزْراً وَ قَالَتْ لِي: أَنْتَ الَّذِي تُنْكِرُ فَضْلَ الْبُكَاءِ عَلَي مُصَابِ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ وَ مُهْجَةِ قَلْبِي وَ قُرَّةِ عَيْنِيَ الشَّهِيدِ الْمَقْتُولِ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً؟ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلِيهِ وَ ظَالِمِيهِ وَ مَانِعِيهِ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ. قَالَ الرَّجُلُ: فَانْتَبَهْتُ مِنْ نَوْمِي فَزِعاً مَرْعُوباً وَ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ كَثِيراً وَ نَدِمْتُ عَلَي مَا كَانَ مِنِّي وَ أَتَيْتُ إِلَي أَصْحَابِيَ الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ وَ خَبَّرْتُ بِرُؤْيَايَ وَ تُبْتُ إِلَي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ »(1).
يا أبا عبد الله ! ماذا فعلت؟ حتي قال الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام: «إنَّ يومَ الحُسَين، أقرَحَ جُفُونَنا»(2)» (الملحق: 5). ربما تحمر العيون من كثرة البكاء، بيد أن جفون الإمام الرضا عليه السلام قد تقرحت؛ فأني لنا أن نبين حجم المصيبة وهي ليست مما يناله البيان؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.
ص: 475
ص: 476
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام قال: «نَظَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله إلَي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ هُوَ مُقْبِلٌ، فَأجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ وَ قَالَ: «إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ حَرَارَهً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً. ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَه. قيل: وَ مَا قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَةٍ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه؟ قَالَ: لَا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إلَّا بَكَي». (الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل: ج10، ص318؛ البروجردي، جامع أحاديث الشيعة: ج12، ص555 - 556).
وقال عليَّ بنَ الحُسينِ عليهماالسلام: «أيُّها النَّاسُ أعْطِينَا سِتّاً وَ فُضِّلْنَا بِسَبْعٍ أعْطِينَا الْعِلْمَ وَ الْحِلْمَ وَ السَّمَاحَهَ وَ الْفَصَاحَهَ وَ الشَّجَاعَهَ وَ الْمَحَبَّهَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ...». (العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص 137 - 138؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص ٤38).
ورُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام؟ قال: «مَنْ أَرَادَ اَللَّهُ بِهِ اَلْخَيْرَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ حُبَّ زِيَارَتِهِ...». (ابن قولويه، كامل الزيارات، 269؛ الحر العاملي، هداية الأمة إلي أحكام الأئمة: ج5، ص497؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص76).
فتقدم علي بن الحسين [عليهماالسلام]، وأمه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وهو يومئذ ابن ثمان عشرة سنة، فلما رآه الحسين [عليه السلام] رفع شيبته نحو السماء وقال: «اللهم اشهد علي هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقا وخُلقا ومنطقا برسولك محمد (صلي الله عليه [وآله] وستم)، كنا إذا اشتقنا إلي وجه
ص: 477
رسولك نظرنا إلي وجهه، اللهم فامنعهم بركات الأرض، وإن منعتهم ففرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا ليقاتلونا ويقتلونا».
ثم صاح الحسين [عليه السلام] بعمر بن سعد: «ما لك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلط عليك من يذبحك علي فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلي الله عليه [وآله] وسلم)»
ثم رفع صوته وقرأ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّهً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [آل عمران: 33 - 34]
ثم حمل علي بن الحسين [ عليهماالسلام ] وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي***نحن وبيت الله أولي بالنبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي***أطعنكم بالرمح حتي ينثني
أضربكم بالسيف حتي يلتوي***ضرب غلام هاشمي علوي
فلم يزل يقاتل حتي ضج أهل الكوفة [الناس] لكثرة من قتل منهم، حتي روي أنه قتل علي ما هو فيه من العطش مئتين وعشرين رجلا، ثم رجع إلي أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: «يا أبت! العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلي شربة من الماء سبيل، أتقوي بها علي الأعداء؟
فبكي الحسين [عليه السلام] وقال: «واغوثاه! يا بني قاتل قليلا، فما أسرع أن تلقي جدك محمدا (صلي الله عليه [وآله] وسلم) فيسقيك بكأسه الأوفي شربه لا تظمأ بعدها أبدا» .
ثم قال: «يعز علي محمد وعلي علي وعلي أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك، يا بني! هات لسانك». فأخذ لسانه فمصه ودفع إليه خاتمه وقال : «أمسكه في فيك وارجع إلي قتال عدوك؛ فإني أرجو أن لا تمسي حتي يسقيك جدك
ص: 478
بكأسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبدا». فرجع إلي القتال وشد علي الرجال وهو يقول:
الحرب قد بانت لها حقائق***وظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لا نفارق***جموعكم أو تغمد البوارق
فلم يزل يقاتل حتي قتل تمام المئتين، ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي علي مفرق رأسه ضربة صرعته وتناوشه الناس بأسيافهم، ثم إنه اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلي عسكر الأعداء، فقطعوه بأسيافهم إربا إربا، فلما بلغت روحه التراقي نادي رافعا صوته: «يا أبتاه! هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبدا، وهو يقول: العجل العجل، فإن لك كأسا مذخوره؛ حتي تشربها الساعة».
فصاح الحسين [عليه السلام] وقال: «قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم علي الرحمن وعلي انتهاك حرمة الرسول، علي الدنيا بعدك العفا».
قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلي امرأة خرجت مسرعة، كأنها الشمس الطالعة، تنادي بالويل والثبور، وتقول: واحبيباه، يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه، يا ابن أخاه. فسألت عنها، قيل لي: هي زينب بنت علي [عليهماالسلام]، وجاءت وانكبت علي جسد علي بن الحسين [عليهماالسلام]، فجاء الحسين [عليه السلام] إليها وأخذ بيدها وردها إلي الفسطاط، وأقبل بباقي فتيانه وقال: «احملوا أخاكم رحمكم الله». فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتي وضعوه عند الفسطاط الذي يقاتلون أمامه.
مصادر أهل السنة: الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 2، ص 34 - 36.
وروي أيضا: كان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر ابن الحسين بن علي [عليهماالسلام]، وأمه ليلي ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي. وذلك أنه أخذ يشد علي الناس وهو يقول:
ص: 479
أنا علي بن الحسين بن علي***نحن ورب البيت أولي بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
قال : ففعل ذلك مرارا، فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي، ثم الليثي، فقال: علي آثام العرب إن مر بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه. فمر يشد علي الناس بسيفه، فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه، فضرع واحتووا له الناس فقطعوهم بأسيافهم.
قال أبو مخنف : حدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم الأزري، قال:
سماع أذني يومئذ من الحسين يقول: قتل الله قوما قتلوك، يا بني ما أجرأهم علي الرحمن، وعلي انتهاك حرمة الرسول، علي الدنيا بعدك العفا. قال: وكأني أنظر إلي امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة، تنادي : يا أخياه ويا بن أخاه! فقيل : هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلي الله عليه و آله، فجاءت حتي أكبت عليه، فجاءها الحسين [ عليه السلام] فأخذ بيدها فردها إلي الفسطاط. وأقبل الحسين [ عليه السلام] إلي ابنه وأقبل فتيانه إليه، فقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه حتي وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه. (أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين: ص 160 -
.(164
وورد أيضا: «فلم يزل يقاتل حتي قتل تمام المئتين، ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي علي مفرق رأسه ضربه صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلي عسكر الأعداء، فقطعوه بسيوفهم [بأسيافهما] إربا إربا». (أحمد بن الأعثم الكوفي، الفتوح: ج4، ص282؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص 44 الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص286).
وكفي في عظمة علي الأكبر عليه السلام أن ما قاله فيه الإمام الحسين عليه السلام، من أنه «أَشْبَهُ
ص: 480
النَّاسِ خَلْقاً وَ خُلُقاً وَ مَنْطِقاً بِرَسُولِك»، ورد في شأن و منزلة الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف أيضا، حيث ورد عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابِرُ بنُ عَبدِ اللّه ِ الأَنصارِيُّ، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهُ اسْمِي، وَ كُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقاً وَ خُلْقاً، تَكُونُ بَهُ غَيْبَةٌ وَ حَيْرَةٌ تَضِلَّفِيهَا اَلْأُمَمُ ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ، يَمْلَؤُهَا عدلاً قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً ظُلْماً». (علي بن بابويه القمي، الإمامة والتبصرة: ص 120؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 286؛ الخزاز القمي، كفاية الأثر: ص67؛ الأربلي، كشف الغمة : ج 3، ص327؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج36، ص309).
مصادر أهل السنة: القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص386
«مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ مَنْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ دَمْعَةً، أَوْ قَطَرَتْ قَطْرَةً، بَوَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ». (السيد ابن طاووس، الطرائف، 202 - 203؛ العلامة الحلي، نهج الحق وكشف الصدق: ص257).
وروي أيضا: قال عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام: «مَنْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَهً وَ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَهً بَوَّأَهُ اَللَّهُ بِهَا فِي اَلْجَنَّهِ حُقُباً يَسْكُنُهَا أََحْقَاباً وَاَحْقَاباً». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص202؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص292).
عن الربيع بن منذر، عن أبيه، قال: كان حسين بن علي رضي الله عنه يقول:«من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة، آتاه الله عز و جل الجنة»، أخرجه أحمد في المناقب.
مصادر أهل السنة: أحمد بن عبد الله الطبري، ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: ص19.
ص: 481
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَهُ: «مَنْ ذُكِرَ الْحُسَيْنُ عليه السلام عِنْدَهُ، فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ [عَيْنَيْهِ ] مِنَ الدُّمُوعِ مِقْدَارُ جَنَاحِ ذُبَابٍ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ يَرْضَ لَهُ بِدُونِ الْجَنَّهِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص202؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج14، ص507؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص 291).
عَنْ مُعَاوِيَهَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَدِيثٍ قَالَ: «كلُّ الجَزَعِ وَالبُكاءِ مَكروهٌ، سِوَي الجَزَعِ وَالبُكاءِ عَلَي الحُسَينِ عليه السلام». (الشيخ الطوسي، الأمالي : ص 162؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 2، ص 923؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج44، ص280).
عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَال: «كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ نَحْنُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عَفَّانَ عَلَي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَرَّبَهُ وَ أَدْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: يَا جَعْفَرُ! قَالَ: لَبَّيْكَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ الشِّعْرَ فِي الْحُسَيْنِ وَ تُجِيدُ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ: قُلْ، فَأَنْشَدَهُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ فَبَكَي وَ مَنْ حَوْلَهُ حَتَّي صَارَتِ الدُّمُوعُ عَلَي وَجْهِهِ وَ لِحْيَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا جَعْفَرُ! وَ اللَّهِ لَقَدْ شَهِدَتْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ هَاهُنَا يَسْمَعُونَ قَوْلَكَ فِي الْحُسَيْنِ عليه السلام وَ لَقَدْ بَكَوْا كَمَا بَكَيْنَا وَ أَكْثَرَ وَ لَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَي لَكَ يَا جَعْفَرُ فِي سَاعَتِهِ الْجَنَّةَ بِأَسْرِهَا وَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. فَقَالَ: يَا جَعْفَرُ! أَلَا أَزِيدُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا سَيِّدِي. قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ قَالَ فِي الْحُسَيْنِ عليه السلام شِعْراً فَبَكَي وَأَبْكَي بِهِ إِلَّا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ وَ غَفَرَ لَهُ ». (الشيخ الطوسي، رجال الكشي: ج2، ص574؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار:
ص: 482
ج 44، ص282؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 541).
وروي [عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ] قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «لَمَّا نَزَلَتْ «وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ» اَلْآيَهَ فِي اَلْيَهُودِ أَيِ اَلَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَ اَللَّهِ وَ كَذَّبُوا رُسُلَ اَللَّهِ وَ قَتَلُوا أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَنْ يُضَاهِيهِمْ مِنْ يَهُودِ هَذِهِ اَلْأُمَّهِ؟ قَالُوا: بَلَي يَا رَسُولَ اَللَّهِ قَالَ: قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَنْتَحِلُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِي يَقْتُلُونَ أَفَاضِلَ ذُرِّيَّتِي وَ أَطَايِبَ أَرُومَتِي وَ يُبَدِّلُونَ شَرِيعَتِي وَ سُنَّتِي وَ يَقْتُلُونَ وَلَدَيَّ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ كَمَا قَتَلَ أَسْلاَفُ اَلْيَهُودِ زَكَرِيَّا وَ يَحْيَي. أَلاَ وَ إِنَّ اَللَّهَ يَلْعَنُهُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ وَ يَبْعَثُ عَلَي بَقَايَا ذَرَارِيِّهِمْ قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَهِ هَادِياً مَهْدِيّاً مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ اَلْمَظْلُومِ يُحْرِقُهُمْ بِسُيُوفِ أَوْلِيَائِهِ إِلَي نَارِ جَهَنَّمَ. أَلاَ وَ لَعَنَ اَللَّهُ قَتَلَهَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مُحِبِّيهِمْ وَ نَاصِرِيهِمْ وَ اَلسَّاكِتِينَ عَنْ لَعْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّهٍ يُسْكِتُهُمْ. أَلاَ وَ صَلَّي اَللَّهُ عَلَي اَلْبَاكِينَ عَلَي اَلْحُسَيْنِ رَحْمَهً وَ شَفَقَهً وَ اَللاَّعِنِينَ لِأَعْدَائِهِمْ وَ اَلْمُمْتَلِئِينَ عَلَيْهِمْ غَيْظاً وَ حَنَقاً. أَلاَ وَ إِنَّ اَلرَّاضِينَ بِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ شُرَكَاءُ قَتَلَتِهِ. أَلاَ وَ إِنَّ قَتَلَتَهُ وَ أَعْوَانَهُمْ وَ أَشْيَاعَهُمْ وَ اَلْمُقْتَدِينَ بِهِمْ بِرَاءٌ مِنْ دِينِ اَللَّهِ. إِنَّ اَللَّهَ لَيَأْمُرُ مَلاَئِكَتَهُ اَلْمُقَرَّبِينَ أَنْ يَتَلَقَّوْا دُمُوعَهُمُ اَلْمَصْبُوبَهَ لِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ إِلَي اَلْخُزَّانِ فِي اَلْجِنَانِ فَيَمْزُجُوهَا بِمَاءِ اَلْحَيَوَانِ فَتَزِيدُ عُذُوبَتُهَا وَ طِيبُهَا أَلْفَ ضِعْفِهَا وَ إِنَّ اَلْمَلاَئِكَهَ لَيَتَلَقَّوْنَ دُمُوعَ اَلْفَرِحِينَ اَلضَّاحِكِينَ لِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ يَتَلَقَّوْنَهَا فِي اَلْهَاوِيَهِ وَ يَمْزُجُونَهَا بِحَمِيمِهَا وَ صَدِيدِهَا وَ غَسَّاقِهَا وَ غِسْلِينِهَا فَيَزِيدُ فِي شِدَّهِ حَرَارَتِهَا وَ عَظِيمِ عَذَابِهَا أَلْفَ ضِعْفِهَا يُشَدِّدُ بِهَا عَلَي اَلْمَنْقُولِينَ إِلَيْهَا مِنْ أَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَذَابَهُمْ». (التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام: ص369؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج1، ص268؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج44، ص304؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم: الإمام الحسين عليه السلام: ص 598).
ص: 483
رَوَي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: «كُنتُ عِندَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام اُحَدِّثُهُ، فَدَخَلَ عَلَيهِ ابنُهُ، فَقالَ لَهُ: مَرحَبا، وضَمَّهُ وقَبَّلَهُ وقالَ: حَقَّرَ اللّهُ مَن حَقَّرَكُم، وَانتَقَمَ مِمَّن وَتَرَكُم، وخَذَلَ اللّهُ مَن خَذَلَكُم، ولَعَنَ اللّهُ مَن قَتَلَكُم ، وكانَ اللّهُ لَكُم وَلِيّا وحافِظا وناصِراً . فَقَد طالَ بُكاءُ النِّساءِ وبُكاءُ الأَنبِياءِ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ ومَلائِكَهِ السَّماءِ . ثُمَّ بَكي وقالَ: يا أبا بَصيرٍ! إنَّ فاطِمَهَ عليهاالسلام لَتَبكيهِ وتَشهَقُ ، فَتَزفِرُ جَهَنَّمُ زَفرَهً ، لَولا أنَّ الخَزَنَهَ يَسمَعونَ بُكاءَها ، وقَدِ استَعَدّوا لِذلِكَ مَخافَهَ أن يَخرُجَ مِنها عُنُقٌ أو يَشرُدَ دُخانُها، فَيُحرِقَ أهلَ الأَرضِ، فَيَحْفَظُونَهَا [فَيَكبَحونَها] ما دامَت باكِيَهً ، ويَزجُرونَها ويوثِقونَ مِن أبوابِها مَخافَهً عَلي أهلِ الأَرضِ ، فَلا تَسكُنُ حَتّي يَسكُنَ صَوتُ فاطِمَهَ عليهاالسلام. وإنَّ البِحارَ تَكادُ أن تَنفَتِقَ ، فَيَدخُلَ بَعضُها عَلي بَعضٍ ، وما مِنها قَطرَهٌ إلّا بِها مَلَكٌ مُوَكَّلٌ ، فَإِذا سَمِعَ المَلَكُ صَوتَها أطفَأَ نارَها بِأَجنِحَتِهِ ، وحَبَسَ بَعضَها عَلي بَعضٍ مَخافَهً عَلَي الدُّنيا وما فيها ومَن عَلَي الأَرضِ. فَلا تَزالُ المَلائِكَهُ مُشفِقينَ ، يَبكونَهُ لِبُكائِها، ويَدعونَ اللّهَ، ويَتَضَرَّعونَ إلَيهِ، ويَتَضَرَّعُ أهلُ العَرشِ ومَن حَولَهُ ، وتَرتَفِعُ أصواتٌ مِنَ المَلائِكَهِ بِالتَّقديسِ للّهِ مَخافَهً عَلي أهلِ الأَرضِ، ولَو أنَّ صَوتا مِن أصواتِهِم يَصِلُ إلَي الأَرضِ لَصَعِقَ أهلُ الأَرضِ ، وتَقَطَّعَتِ الجِبالُ وزُلزِلَتِ الأَرضُ بِأَهلِها . قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنَّ هذَا الأَمرَ عَظيمٌ! قالَ : غَيرُهُ أعظَمُ مِنهُ ما لَم تَسمَعهُ . ثُمَّ قالَ لي : يا أبا بَصيرٍ! ، أما تُحِبُّ أن تَكونَ فيمَن يُسعِدُ فاطِمَهَ عليهاالسلام ، فَبَكَيتُ حينَ قالَها فَما قَدَرتُ عَلَي المَنطِقِ ، وما قَدَر عَلي كَلامي مِنَ البُكاءِ . ثُمَّ قامَ إلَي المُصَلّي يَدعو ، فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ عَلي تِلكَ الحالِ ، فَمَا انتَفَعتُ بِطَعامٍ وما جاءَنِي النَّومُ» (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص169؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص208).
ص: 484
وَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ يَحْيَي، عَنْ أَبِيهِ، وَ كَانَ عَلَي مَطْهَرَهِ عَلِيٍّ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ إِلَي صِفِّينَ فَلَمَّا حَاذَانَا نَيْنَوَي نَادَي: صَبْراً أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ بِشَاطِئِ اَلْفُرَاتِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ! مَا قَوْلُكَ صَبْراً أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَي رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَيْنَاهُ تَفِيضَانِ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا لِعَيْنَيْكِ تَفِيضَانِ دُمُوعاً أَ غَضَبَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اَلْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَاطِئِ اَلْفُرَاتِ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَهً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا فَلَمْ تَمْلِكْ عَيْنَايَ أَنْ فَاضَتَا». (ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص9؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج 2، ص270؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص 247).
وروي حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثني شرحبيل بن مدرك الجعفي، عن عبد الله بن يحيي الحضرمي، عن أبيه، أنه سافر مع علي، وكان أحب مطهرته حتي حاذي نينوي وهو منطلق إلي صفين، فنادي : صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله ! فقلت: ماذا أبا عبد الله؟ قال: دخلت علي النبي (صلي الله عليه وسلم) وعيناه تفيضان، قال: قلت: يا رسول الله! ما لعينيك تفيضان؟ أغضبك أحد؟ قال: «قام من عندي جبريل فأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات، [فقال: هل لك أن أريك من تربته؟ فقلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ما ملكت] فلم أملك عيني أن فاضتا». .
مصادر أهل السنة: ابن أبي شيبة الكوفي، المصنف: ج8، ص 632؛ الضحاك، الآحاد والمثاني : ج 1، ص308.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السِّنَانِيُّ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيَّا الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ بُهْلُولٍ، قَالَ: حَدَّثَنَاعَلِيُّ بْنُ
ص: 485
عَاصِمٍ عَنِ اَلْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في خُرُوجِهِ [فِي خَرْجَتِهِ] إِلَي صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلَ بِنَيْنَوَي وَ هُوَ بشَطِّ اَلْفُرَاتِ قَالَ بِأَعْلَي صَوْتِهِ يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ! أَتَعْرِفُ هَذَا اَلْمَوْضِعَ؟ قُلْتُ لَهُ: مَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لَوْ عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حَتَّي تَبْكِيَ كَبُكَائِي قَالَ فَبَكَي طَوِيلاً حَتَّي اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ سَالَتِ اَلدُّمُوعُ عَلَي صَدْرِهِ وَ بَكَيْنَا مَعاً وَ هُوَ يَقُولُ: أَوْهِ أَوْهِ مَا لِي وَ لِآلِ أَبِي سُفْيَانَ؟ مَا لِي وَ لآِلِ حَرْبٍ؟ حِزْبِ اَلشَّيْطَانِ وَ أَوْلِيَاءِ اَلْكُفْرِ صَبْراً يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ فَقَدْ لَقِيَ أَبُوكَ مِثْلَ اَلَّذِي تَلْقَي مِنْهُمْ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَ لَلصَّلاَهِ فَصَلَّي مَا شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ كَلاَمِهِ اَلْأَوَّلِ إِلاَّ أَنَّهُ نَعَسَ عِنْدَ اِنْقِضَاءِ صَلاَتِهِ وَ كَلاَمِهِ سَاعَهً ثُمَّ اِنْتَبَهَ فَقَالَ: يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ! فَقُلْتُ: هَا أَنَا ذَا فَقَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُ فِي مَنَامِي آنِفاً عِنْدَ رَقْدَتِي؟ فَقُلْتُ: نَامَتْ عَيْنَاكَ وَ رَأَيْتَ خَيْراً يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي بِرِجَالٍ قَدْ نَزَلُوا مِنَ اَلسَّمَاءِ مَعَهُمْ أَعْلاَمٌ بِيضٌ قَدْ تَقَلَّدُوا سُيُوفَهُمْ وَ هِيَ بِيضٌ تَلْمَعُ وَ قَدْ خَطُّوا حَوْلَ هَذِهِ اَلْأَرْضِ خَطَّهً ثُمَّ رَأَيْتُ كَأَنَّ هَذِهِ اَلنَّخِيلَ قَدْ ضَرَبَتْ بِأَغْصَانِهَا اَلْأَرْضَ تَضْطَرِبُ بِدَمٍ عَبِيطٍ وَ كَأَنِّي بِالْحُسَيْنِ سَخْلِي وَ فَرْخِي وَ مُضْغَتِي وَ مُخِّي قَدْ غَرِقَ فِيهِ يَسْتَغِيثُ فِيهِ فَلاَ يُغَاثُ وَ كَأَنَّ اَلرِّجَالَ اَلْبِيضَ قَدْ نَزَلُوا مِنَ اَلسَّمَاءِ يُنَادُونَهُ وَ يَقُولُونَ: صَبْراً آلَ اَلرَّسُولِ فَإِنَّكُمْ تُقْتَلُونَ عَلَي أَيْدِي شِرَارِ اَلنَّاسِ وَ هَذِهِ اَلْجَنَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ إِلَيْكَ مُشْتَاقَهٌ...». (الشيخ الصدوق، الأمالي، ص694؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 533؛ أحمد بن الأعثم الكوفي، الفتوح: ج2، ص552؛ قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح: ج3، ص1145، العاملي، الدر النظيم: ص538؛ السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز: ج4، ص197؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 44، ص 252).
مصادر أهل السنة: أحمد بن موسي بن مردويه الأصفهاني، مناقب علي بن أبي طالب: ص209.
ص: 486
عَنِ اَلْفَضْلِ بن شاذان، قال: سَمِعْتُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لَمَّا أَمَرَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَذْبَحَ مَكَانَ اِبْنِهِ إِسْمَاعِيلَ اَلْكَبْشَ اَلَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ تَمَنَّي إِبْرَاهِيمُ عليه السلام أَنْ يَكُونَ قَدْ ذَبَحَ اِبْنَهُ إِسْمَاعِيلَ بِيَدِهِ وَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَبْحِ اَلْكَبْشِ مَكَانَهُ لِيَرْجِعَ إِلَي قَلْبِهِ مَا يَرْجِعُ إِلَي قَلْبِ اَلْوَالِدِ اَلَّذِي يَذْبَحُ أَعَزَّ وُلْدِهِ عَلَيْهِ بِيَدِهِ فَيَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ أَرْفَعَ دَرَجَاتِ أَهْلِ اَلثَّوَابِ عَلَي اَلْمَصَائِبِ فَأَوْحَي اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ! مَنْ أَحَبُّ خَلْقِي إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ! مَا خَلَقْتَ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله. فَأَوْحَي اَللَّهُ تعالي إِلَيْهِ: أَفَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ نَفْسُكَ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي قَالَ: فَوَلَدُهُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ وَلَدُكَ؟ قَالَ: بَلْ وَلَدُهُ قَالَ: فَذَبْحُ وَلَدِهِ ظُلْماً عَلَي أَيْدِي أَعْدَائِهِ أَوْجَعُ لِقَلْبِكَ أَوْ ذَبْحُ وَلَدِكَ بِيَدِكَ فِي طَاعَتِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ! بَلْ ذَبْحُ وَلَدِهِ ظُلماً عَلَي أَيْدِي أَعْدَائِهِ أَوْجَعُ لِقَلْبِي. قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! فَإِنَّ طَائِفَهً تَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ أُمَّهِ مُحَمَّدٍ سَتَقْتُلُ اَلْحُسَيْنَ اِبْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً كَمَا يُذْبَحُ اَلْكَبْشُ وَ يَسْتَوْجِبُونَ بِذَلِكَ سَخَطِي فَجَزِعَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام لِذَلِكَ وَ تَوَجَّعَ قَلْبُهُ وَ أَقْبَلَ يَبْكِي فَأَوْحَي اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَا إِبْرَاهِيمُ! قَدْ فَدَيْتُ جَزَعَكَ عَلَي اِبْنِكَ إِسْمَاعِيلَ لَوْ ذَبَحْتَهُ بِيَدِكَ بِجَزَعِكَ عَلَي اَلْحُسَيْنِ وَ قَتْلِهِ وَ أَوْجَبْتُ لَكَ أَرْفَعَ دَرَجَاتِ أَهْلِ اَلثَّوَابِ عَلَي اَلْمَصَائِبِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ». (الشيخ الصدوق، الخصال : ص 58؛ الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص187؛ الحر العاملي، الجواهر السنية: ص251؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: ج4، ص279؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج4، ص618؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج12، ص124).
عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عليه السلام: «أَتَي مُوسَي العَالَمِ فَأَصَابَهُ وَهُوَ فِي جَزِيرَهٍ مِنْ جَزَائِرِ
ص: 487
اَلْبَحْرِ إِمَّا جَالِساً وَ إِمَّا مُتَّكِئاً فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَي نْكَرَ السَّلَامَ إِذْ كَانَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا سَّلاَمُ. قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَي بْنُ عِمْرَانَ قَالَ أَنْتَ مُوسَي بْنُ عِمْرَانَ اَلَّذِي كَلَّمَهُ اَللَّهُ تَكْلِيماً؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: جِئْتُ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً. قَالَ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَمْرٍ لاَ تُطِيقُهُ وَ وُكِّلْتَ انت بِأَمْرٍ لاَ أُطِيقُهُ ثُمَّ حَدَّثَهُ العالِمُ بِما يُصيبُ آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ البَلاءِ وَ كَيدِ الأَعداءِ حَتَّي اِشْتَدَّ بُكَاؤُهُمَا ثُمَّ ححَدَّثَهُ العالِمُ عَن فَضلِ آلِ مُحَمَّدٍ حَتَّي جَعَلَ موسي يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَ حَتَّي ذَكَرَ فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ مَبْعَثَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَي قَوْمِهِ وَ مَا يَلْقَي مِنْهُمْ وَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ». (علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي: ج2، ص38؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج3، ص648؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج13، ص279؛ الشيخ محمد القمي المشهدي، تفسير كنز الدقائق : ج8، ص107).
عن سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْقُمِّيِّ قَالَ: قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي يَا بْنَ رَسُولِ اَللَّهِ عَنْ تَأْوِيلِ كَهَيَعَصَ قَالَ: «هَذِهِ اَلْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ اَلْغَيْبِ أَطْلَعَ اَللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ثُمَّ قَصَّهَا عَلَي مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ اَلْخَمْسَهِ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا فَكَانَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَهَ وَ اَلْحَسَنَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ وَ اِنْجَلَي كَرْبُهُ وَ إِذَا ذَكَرَ اِسْمَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَنَقَتْهُ اَلْعَبْرَهُ وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ اَلْبُهْرَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَاتَ يَوْمٍ: يا إِلَهِي! مَا بَالِي إِذْ ذَكَرْتُ أَرْبَعَاً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي وَ إِذَا ذَكَرْتُ اَلْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي وَ تَثُورُ زَفْرَتِي؟ فَأَنْبَأَهُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي عَنْ قِصَّتِهِ فَقَالَ: كهيعص فَالْكَافُ اِسْمُ كَرْبَلاَءَ وَ اَلْهَاءُ هَلاَكُ اَلْعِتْرَهِ وَ اَلْيَاءُ يَزِيدُ وَ هُوَ ظَالِمُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلْعَيْنُ عَطَشُهُ وَ اَلصَّادُ صَبْرُهُ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمْ يُفَارِقْ مَسْجِدَهُ ثَلاَثَهَ أَيَّامٍ وَ مَنَعَ فِيهِا اَلنَّاسَ مِنْ اَلدُّخُولِ عَلَيْهِ وَ أَقْبَلَ عَلَي اَلْبُكَاءِ وَ اَلنَّحِيبِ وَ كَانَتْ نُدْبَتُهُ: إِلَهِي! أَتُفْجِعُ خَيْرَ خَلْقِكَ بِوَلَدِهِ؟ إِلَهِي!
ص: 488
أَتُنْزِلُ بَلْوَي هَذِهِ اَلرَّزِيَّهِ بِفِنَائِه؟ِ إِلَهِي! أَتُلْبِسُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَهَ ثِيَابَ هَذِهِ اَلْمُصِيبَهِ؟ إِلَهِي! أَتَحُلُّ كُرْبَهَ هَذِهِ اَلْفَجيعَهِ بِسَاحَتِهَا؟ ثُمَّ كَانَ يَقُولُ: إِلَلهم اُرْزُقْنِي وَلَداً تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي عَلَي اَلْكِبَرِ وَاجْعَلْهُ وارِثاً وَصِيّاً، وَاجْعَلْ مَحَلَّهُ مِنِّي مَحَلَّ الحُسَينِ، فَإِذَا رَزَقْتَنِيهِ فَافْتِنِّي بِحُبِّهِ ثُمَّ اِفْجَعْنِي بِهِ كَمَا تَفْجَعُ مُحَمَّداً حَبِيبَكَ بِوَلَدِهِ. فَرَزَقَهُ اَللَّهُ يَحْيَي وَ فَجَعَهُ بِهِ، وَ كَانَ حَمْلُ يَحْيَي سِتَّهَ أَشْهُرٍ وَ حَمْلُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَذَلِكَ». (الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 461؛ محمد بن جرير الطبري، دلائل الإمامة: ص 513؛ الشيخ الطبرسي، الاحتجاج: ج2، ص272؛ السيد شرف الدين، تأويل الآيات: ج 1، ص300؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 14، ص 178).
مصادر أهل السنة: القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص 320 (أخرجه ذيل الحديث المذكور).
عَنْ أَبِي حَمْزَهَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَرْبَعَهَ آلاَفِ مَلَكٍ شُعْثاً غُبْراً فَلَمْ يَزَلْ يَبْكُونَهُ مِنْ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ إِلَي زَوَالِ اَلشَّمْسِ فَإِذَا زَالَتِ اَلشَّمْسُ هَبَطَ أَرْبَعَهُ آلاَفِ مَلَكٍ وَ صَعِدَ أَرْبَعَهُ آلاَفِ مَلَكٍ فَلَمْ يَزَلْ يَبْكُونَهُ حَتَّي يَطْلُعَ اَلْفَجْرُ وَ يَشْهَدُونَ لِمَنْ زَارَهُ وَ يُشَيِّعُونَهُ بِالْوَفَاءِ إِلَي أَهْلِهِ وَ يَعُودُونَهُ إِذَا مَرِضَ وَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص 352).
حَدَّثَنِي محمد بن الْحَسَنِ بْنِ أحمد بن الوليد وجَمَاعَةُ مَشَايِخِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَي عَنْ عُبَيْدِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي غُنْدَرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي اَلْبُومَهِ قَالَ: «هَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَآهَا بِالنَّهَار؟ِ قِيلَ لَهُ: لاَ تَكَادُ تَظْهَرُ بِالنَّهَارِ وَ لاَ تَظْهَرُ إِلاَّ لَيْلاً قَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَأْوِي
ص: 489
اَلْعُمْرَانَ أَبَداً فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ آلَتْ عَلَي نَفْسِهَا أَنْ لاَ تَأْوِيَ اَلْعُمْرَانَ أَبَداً وَ لاَ تَأْوِي إِلاَّ اَلْخَرَابَ فَلاَ تَزَالُ نَهَارَهَا صَائِمَهً حَزِينَهً حَتَّي يَجُنَّهَا اَللَّيْلُ فَإِذَا جَنَّهَا اَللَّيْلُ فَلاَ تَزَالُ تَرِنُّ [ترث] عَلَي اَلْحُسَيْنِ عليه السلام حَتَّي تُصْبِحَ». (ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 199؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص213).
ص: 490
10 تشرين الثاني 2012م = 25 ذو الحجة 1433ه
ص: 491
ص: 492
من المهم جدا فهم معني التبليغ، فما هو التبليغ؟ وما هي شروطه؟ وما الذي ينبغي فعله؟ من المؤسف أننا لم نفهم القرآن، فحسبنا منه آية واحدة، وهي قوله جل وعلا: «وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ»(1)
إن الوظيفة التي حددها الله تعالي لأول شخصية في عالم الإمكان، وإمام جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام هي التبليغ الديني: «ما عَلَي الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ » . فلا بد لكم أن تدركوا أي عمل هذا العمل؟ وعمل من كان؟ وما هي الشروط التي ينبغي توفيرها؟ علي أن إدراك هذا الأمر في غاية الصعوبة، وكل ما لدينا في هذه الروايات، وكلما قرأناها استفدنا منها الجديد.
الشرط الأول هو التقوي، لأن السبيل سبيل الله السبوح القدوس، والمقام مقام النبوة والإمامة المقرون بالعصمة المطلقة. ومن المسلم أن الشرط الأول لمن يروم القيام بعمل الأنبياء والقيام بما يرضي الله تعالي هو التناسب، فهذه المصابيح التي ترونها مضيئة ما كانت لتلتقط التيار الكهربائي لو لم تنفصل الزجاجات عن الأحجار ولم نقم بتصفيتها، فالتيار موجود في جميع أرجاء هذه الحسينية، ولكن ليس بوسع غير هذه المصابيح ذات الزجاج المصفي الاتصال به والإنارة.
والنتيجة أنه يجب علينا أن ندرك أن الفيض الإلهي لا يتأتي إلا بتنقية الباطن
ص: 493
فالشرط الأول هو التقوي وخلوص النية .
ثم إنه لا بد أن نري ما هذه الأيام؟ وإلي من تنتسب ؟ وما الذي فعله هذا الشخص؟ ولماذا؟ لا بد أن نفهم ذلك جيدا.
لقد أطلق الإمام الحسين عليه السلام جملة هزت دنيا العلم، حيث قال عليه السلام: «مَنْ كانَ فِينَا بَاذِلًا مُهْجَتَهُ، مُوَطِّناً عَلَي لِقَائِنَا[لِقَاءِ اللَّهِ] نَفْسَهُ، فَلْيرْحَلْ مَعَنَا»(1). فليس كل أحد يليق بمرافقتنا، والملاحظ أنه قال: «فِينَا» ولم يقل: «في سبيلنا»، وكل ذلك يشتمل علي نكات.
«مَنْ كانَ فِينَا بَاذِلًا مُهْجَتَهُ» فالذي يبذل مهجته فينا.
«مُوَطِّناً عَلَي لِقَاءِ اللَّهِ نَفْسَهُ» ويوطن نفسه علي لقاء الله.
«فَلْيرْحَلْ مَعَنَا» فذلك هو الذي يرحل معنا، ولا يليق كل أحد بمقامنا.
ص: 494
أي مقام أحرزه أصحاب الإمام الحسين عليه السلام؟ وأي سعادة قد نالوا؟ إن العقل البحار أمام ذلك! فقد بلغوا مرتبة لم يبلغ شأوها أحد من الأولين والآخرين(1)، حيث يقف 124 ألف نبي أمام ذلك الغلام الأسود ليقولوا: «اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَوْلِيآءَ اللَّهِ وَاَحِبَّائَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَنْصارَ دينِ اللَّهِ»(2). لقد بلغ غلام أسود هذه المرتبة العليا حينما توفرت فيه تلك الدرجة من التقوي والتضحية، حيث خاطب الإمام عليه السلام بطريقة محيرة للألباب، مستأذنا في القتال قائلا: «يا بن رسول الله! وَاللّهِ إنَّ ريحي لَمُنتِنٌ، وإنَّ حَسَبي لَلَئيمٌ، ولَوني لَأَسوَدُ، فَتَنفَّس عَلَيَّ بِالجَنَّهِ».(3)
ثم جاء الإمام عليه السلام فوقف علي رأسه قائلا: «اَللّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهَهُ، وَطَيِّبْ ريحَهَ». وبعد عشرة أيام تم العثور علي جنازته كأنه البدر في ليلة تمامه(4)
ص: 495
إن السير في هذا الطريق وبلوغ هذه الدرجات الرفيعة متيسر في زماننا أيضا، فإن الفيض الإلهي لا ينقطع؛ وعليه يمكن القيام بعمل يبلغ بالإنسان تلك المراتب، وإن تعذرت مجاراتهم ولكن يمكن الاقتداء بهم بالسير علي خطاهم. هذا هو الطريق.
ثمة رواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام كلما وقع نظري عليها أري أنها حاوية لجميع الدقائق والرقائق واللطائف في سطور عدة، ولم تسنح لي الفرصة لشرحها إلي الآن، وسأقوم بشرحها لو أتيح لي المجال في المسجد الأعظم إن شاء الله. لقد اجتمعت في هذه الرواية جميع وظائف المبلغ الديني.
روي الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام. تأملوا في هذه الكلمات جيدا، فإن الخطاب فيها الموسي بن عمران عليه السلام، فلا بد أن ينظر أولا من هو القائل؟ ومن هو المخاطب؟ القائل هو الله جل وعلا، والمخاطب كليم الله، والخطاب هو: «وَندَيْنهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنهُ نَجِيّاً»(1)
والنبي موسي عليه السلام هو من سادة الأنبياء عليهم السلام، وسادة الأنبياء خمسة(2)، وسيد السادات هو خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله(3)، أحدهم موسي بن عمران عليه السلام.
ص: 496
جاء الخطاب إلي موسي عليه السلام أن اعمل عملين: «حَبِّبْنِي إلي خَلقي وحَبِّبْ خَلقي إلَيَّ»، فجميع وظائفكم تتلخص في هاتين الكلمتين، هذا هو السبيل الصائب، ولا جدوي لقراءة الصحف للناس، لا بد من معرفة الدستور الإلهي.
خطاب يحير العقول، يوجه مثل هذا الخطاب إلي النبي موسي عليه السلام وهو كليم الله؟ مما يجعله مندهشا وهو يتساءل عن نوع هذا العمل الذي يحب الله إلي الخلق، ويحبب الخلق إلي الله، فورد الخطاب: «ذَكِّرهُم آلائِي ونَعمَائِي لِيُحِبّوني».
حينما ترتقون المنبر عرفوا الناس بما منحهم الله تعالي؛ لتتحقق عندئذ الكلمة الأولي، فتحببون الله إلي الخلق، وذكروهم ماذا كنا؟ وماذا كان من هو أفضل الفضلاء وأعلم العلماء؟ لم يكن سوي نطفة نتنة، فهل هناك من هو مستثني من هذه القاعدة؟! ولو سقطت هذه النطفة علي ثوب أحد لبادر إلي غسلها وإلقائها في الكنيف، فمن الذي صورها بهذه الصورة؟ «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَلِقِينَ»(1).
في كل لحظة من أي شيء خلق: «خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ»(1)، «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ»(2)، وقال تعالي: «إِنَّا خَلَقْنَا الاْءِنسَن مِن نُّطْفَهٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَهُ سَمِيعَا بَصِيرًا»(3)
ثم إن هذه النطفة التي لا يعلم بها الأب ولا الأم تستقر في رحم المرأة، وتأخذ مسيرها في النمو في ظلمات ثلاث: المشيمة والرحم وبطن الأم، وعلي الرغم من مضي آلاف السنين علي اكتشاف علم الطب، وعلم التشريح علي وجه الخصوص، لا زال الإنسان حائرة في أسرار الجلد، ولم تقتصر الحيرة علي الجلد فقط، بل تعدته إلي كل بصيلة من بصيلات الشعر وما تكتنفها من أسرار؛ لأن كل شعرة تنبت من بصيلة، فكيف غرست هذه البصيلة في جلد الإنسان؟ وكيف تنبت الشعرة من تلك البصيلة؟ وما السر في لون الشعر ؟ لقد علم الإمام الصادق عليه السلام جابر بن حيان أحد أسرار لون الشعر، فتوصل جابر إلي الإكسير الأعظم، هذا فيما يتصل بشعر الإنسان، فما بالك بدماغه؟ وكيفية الحفظ والفهم؟ كيف يستحضر دماغ الإنسان الكلمات ويربط بعضها ببعض؟ إن أدني خلل في تلافيف الدماغ قد يؤدي إلي تعطله وتوقفه عن العمل.
ذكرنا أن الله تعالي أوحي إلي موسي عليه السلام: «حَبِّبْنِي إِلَي خَلْقِي»، ومن أعظم مسؤولياتكم خلال التبليغ تذكير الناس بنعم الله وآلائه؛ ليعوا ما الذي فعله تعالي في الآفاق والأنفس: «سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ؛ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»(4). فمن المؤسف أن القرآن الكريم بات مهجورا(5)
ص: 498
هذا هي مسؤوليتك الأولي، ومسؤوليتك الأخري هي أن تحبب الخلق إلي، «قَالَ [مُوسَي عليه السلام]: يا رَبِّ! كَيفَ أفعَلُ ؟ قالَ : ذَكِّرهُم آلائي ونَعمائي لِيُحِبّوني، فَلَئِن تَرُدَّ آبِقا عَن بابي أو ضالاًّ عَن فِنائي أفضَلُ لَكَ مِن عِبادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِصِيامِ نَهارِها وقِيامِ لَيلِها . قَالَ مُوسَي (عَلَيهِ السَّلامُ) وَ مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الآبِقُ مِنْكَ؟ قَالَ: الْعَاصِي الْمُتَمَرِّدُ قَالَ: فَمَنِ الضَّالُّ عَنْ فِنَائِكَ؟ قَالَ: الْجَاهِلُ بِإِمَامِ زَمَانِهِ تُعَرِّفُهُ وَ الْغَائِبُ عَنْهُ بَعْدَ مَا عَرَفَهُ ، الْجَاهِلُ بِشَرِيعَةِ دِينِهِ تُعَرِّفُهُ شَرِيعَتَهُ»
فواجبكم في هذا السفر هو أن تحببوا الله إلي الناس، وتحببوا الناس إلي الله تعالي، هذان أمران اثنان ينبغي لكم القيام بها، وعليكم أن تعرفوا الضال الغافل عن إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف به. هذا هو الطريق، فانتهجوا هذا السبيل بالتقوي، والإخلاص في النية، وفكروا جيدا قبل القيام بأي خطوة.
إن القافلة التي تحركت في مثل هذه الأيام من المدينة تصل إلي كربلاء بعد بضعة أيام، فمن هم هؤلاء؟ وماذا فعلوا؟ لقد سقوا شجرة توحيد الله تعالي بمياه حياتهم: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَهً طَيِّبَهً كَشَجَرَهٍ طَيِّبَهٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّمآءِ»(1)
لولا دم سيد الشهداء علبه اليلام في يوم عاشوراء لما بقي أثر لكلمة «لا إله إلا الله» علي
ص: 499
وجه الكرة الأرضية في عصرنا الحالي؛ فكل ما هو موجود من الصلاة والصيام، ومن التوحيد، ومن المبدأ والمعاد، إنما هو ببركة دمه الطاهر. تلك هي مسؤوليتكم.
ثم ذكر الله سبحانه للنبي موسي عليه السلام ثواب هذا العمل بقوله: «فَلَئِن تَرُدَّ آبِقا عَن بابي أو ضالاًّ عَن فِنائي أفضَلُ لَكَ مِن عِبادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِصِيامِ نَهارِها وقِيَامِ لَيلِهَا». وعند سؤاله عن العبد الآبق، خاطبه تعالي بأنه: «اَلْعَاصِي اَلْمُتَمَرِّدُ »، وعن الضال عن فنائه، قال له: « اَلْجَاهِلُ بِإِمَامِ زَمَانِهِ تُعَرِّفُهُ وَ اَلْغَائِبُ عَنْهُ بَعْدَ مَا عَرَفَهُ اَلْجَاهِلُ بِشَرِيعَهِ دِينِهِ تُعَرِّفُهُ شَرِيعَتَهُ، وَ مَا يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَ يَتَوَصَّلُ [بِهِ] إِلَي مَرْضَاتِهِ».
فأي تجارة تنتظركم في هذا السفر؟ شريطة أن تدركوا ذلك، وتوقروا الظروف المناسبة. فما هو السبيل إلي ذلك؟ وما الذي ينبغي فعله؟
السبيل إلي ذلك يبدأ - كما ذكر الباري عز و وجل - من تعريف الناس بالله تعالي، ثم بإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف(1)فالكلام كل الكلام ينصب علي كلمتين: الله، وإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ فإن كل ما هو موجود هو من الله، وكل ما هو موجود هو ببركة إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف(2)، ولذا يجب تربية الناس علي هاتين الكلمتين.
ابدؤوا جميع مجالسكم بالدعاء الإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف:: «أللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحجّة
ص: 500
بْنِ الْحَسَنِ(1)، وعندما تقام المجالس فلتقرأ زيارة آل ياسين؛ لأن من خصوصياتها أن الإمام عليه السلام يلقي بقراءتها نظرة علي ذلك المجلس، فإن نظر الإمام إلي مجلسكم يكون كلامكم أكثر تأثيرا، ويصبح قلب المستمع أكثر استعدادا لاستقبال الكلام. فابدؤوا مجالسكم بقراءة هذه الزيارة(2).
استغلوا جميع الأوقات أينما كنتم، ولا تجلسوا عاطلين عن العمل إلي أن يحين موعد ارتقائكم المنبر ليأتيكم الناس، كونوا كالطبيب الدوار(3) الذي يبحث عن مريض لعلاجه.
اذهبوا إلي المدارس لتفتحوا باب المعرفة للشباب واليافعين الوافدين إلي الحياة، وانقلوا لهم فضائل أهل البيت عليهم السلام، ونوروا قلوبهم بنور ولاية أئمة الدين عليهم السلام؛ فإذا ما فعلتم ذلك، وعالجتم هؤلاء المرضي، كان لكم من الأجر والثواب ما لا يوصف؛ لأن تعريف الناس بالأئمة المعصومين عليهم السلام، وتعليمهم المسائل الشرعية، خير لكم مما طلعت عليه الشمس، هذا كلام الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «و ايمُ اللّه ِلَأن يَهدي اللّه ُعلي يَدَيكَ رجُلاً خَيرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَت علَيهِ الشَّمسُ و غَرَبَت»(4)
منذ أن وجدت هذه الشمس إلي يوم «إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ »(5)، حيث لا يعرف أحد
ص: 501
أوله ولا آخره إلا الله والشهداء علي الخلق، وهم الأربعة عشر(1). عندئذ، يكون تعليم مسألة دينية وذكر فضيلة من فضائل الأئمة الميامين عليهم السلام خير للإنسان مما طلعت عليه المنظومة الشمسية من أول الخلقة إلي نهايتها.
أنتم أمام تجارة لن تبور في هذه الأيام، ولكن شريطة أن تعرفوا قدرها، فهذا هو السبيل من البداية. ابدؤوا من هذه الليلة ولا تتركوا العمل بذلك في أي يوم، اقرؤوا القرآن علي مدار السنة مهما أمكن، ثم اهدوه إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ لتشملكم عنايته ورعايته.
إن نظرة واحدة من الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف كفيلة أن تغير العالم بأسره، فمن الذي يعرفهعليه السلام؟ لا أحد عرفه، ولا أدرك من هو؟ وما هو مقامه؟(2)
وليست منظومة عالم الإمكان هي الوحيدة التي تدور حول محور هذا الإمام الهام، (الملحق:1) إننا قضينا أعمارنا في الدراسة والتعلم ولم ندرك أن: «بِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرَي وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الْاَرْضُ وَالسَّمَاءُ»(3).
ص: 502
إن ثبات جميع عوالم الوجود وقوامها وقيامها متوقف علي الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، أتعلمون ما هي نسبة الروح إلي البدن؟ إن نسبته عليه السلام إلي عالم الإمكان برمته كنسبة الروح إلي البدن(1)، فاعملوا علي كسب رعايته وعنايته، علي أن السبيل إلي ذلك يكون باهتمامكم بالأيتام(2)، والذين تشدون الرحال إلي مناطقهم هم أيتام آل محمد عليهم السلام.
الأمر الآخر الذي يلزم الالتفات إليه هو ضرورة تشخيص ذوي الاستعداد والطاقات أينما حللتم، والبدء بتدريسهم، فليقم الرجال بتدريس الرجال، والنساء بتدريس النساء. علموهم أحكام الدين، لتسجل الحسنات في صحيفة أعمالكم حتي بعد عودتكم إلي دياركم، فإذا قام هذا الفرد بتعليم الناس ما تعلمه منكم تسجل حسنة له وأخري لكم في كل مرة. زوروا المدارس حتما، وتكلموا مع الشباب واليافعين ممن لديهم نفوس متأهبة، واعطفوا أنظارهم إلي الله وأئمة الدين عليهم السلام.
حاولوا أن تستفيدوا من أيام تواجدكم في تلك المناطق، بحيث لا تعودون منها حتي يكون الناس بعد عودتكم قد عرفوا من هو الإمام الحسن العسكري عليه السلام (الملحق: 2) ومن هو الإمام علي النقي عليه السلام (الملحق:3)، تناولوا في كل محاضرة من
ص: 503
محاضراتكم الحديث عن واحد من الأئمة الميامين عليهم السلام، وبيان فضائله ومعجزاته، وقراءة الروايات المأثورة عنه في باب الأخلاق والآداب.
كثر في زماننا هذا الحديث والنقاش في البكاء، وإقامة المراثي واللطم علي الصدور، (الملحق:4) ولا شك في أن ذلك من أعظم علامات الغضب الإلهي. إن ما يضمن الحفاظ علي هذه الدولة هو فقط و فقط يوم عاشوراء والأيام الفاطمية، ولهذه القضية جذورها وتفاصيلها.
حينما كنت أحضر بحث المرحوم الميرزا كان يحضر معنا الدكتور الشيخ حسن خاني، وذات يوم أخبرني الحاج الشيخ علي أكبر نوغاني أن لهذا الرجل حكاية طريفة، وهي حكاية طويلة، خلاصتها:
أن الروس كانوا قد دخلوا إيران قبل حكم رضا خان، وكان الدكتور الشيخ حسن خاني طبيبا في الفرقة التي تشكلت للتصدي للروسيين، قال: كنت موجودا في العيادة أعالج الجنود، فإذا بجندي قادم، شعرت أنه يختلف عن الآخرين، حيث كان في جبهته أثر السجود، فقال: أصبت بعيار ناري، وقد جئت لتخرجه لي.
فقلت له: ليس الأمر بهذه السهولة، فلا بد من تخدير بدنك لفترة ما قبل إخراج العيار الناري منه، قال: لا داعي لذلك، سأقوم أنا بتخدير جسدي وسأفيقه أنا كذلك.
قال الطبيب: بقينا متحيرين من هذا الأمر، وبالفعل جاء هذا الرجل واستلقي علي السرير، ثم حدق في السقف، وسمعناه يتمتم بكلمات فهمنا منها: «بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور علي نور...»، وأكمل كلامه بصوت منخفض،
ص: 504
فلم نفهم ما قال.
نظرنا إلي بدنه، فوجدناه بلا روح متصلبا كجذع شجرة، فبدأنا بالعملية، واستخرجنا العيار الناري، ثم قطبنا الجرح، وتنحينا عنه جانبا، وإذا به قد فتح عينيه، ثم ردد تلك الكلمات ذاتها، فنهض جالسا، ما أثار فينا الحيرة والاستغراب.
سألناه: من تكون؟ ومن أين أنت؟ قال: اسمي حسين، من سكان منطقة ساوجبلاغ، فسألناه : علي أي مذهب أنت؟ قال: الحنفي. ثم فهمنا لاحقا أنه يقصد بذلك «ملة إبراهيم حنيفا».
ثم ذهب وعاود المجيء بعد يومين أو ثلاثة، ففتحنا له الضماد، وسألناه: ما هو عملك؟ إنك لست جنديا، أمرك غامض كيا اللغز.
فجاء علي لساني أن قلت له: هل أنت من أصحاب إمام الزمان؟ عجل الله تعالي فرجه الشريف وما إن قلت ذلك حتي ارتعدت فرائصه، وقال: أي غلطة هذه التي تتفوه بها؟ أين أنا من الإمام؟ إنه لا يلتقي به سوي سبعة أشخاص، ونحن مرتبطون بهؤلاء السبعة، وهذا هو محل الشاهد.
والحكاية طويلة، فقد قال: إننا مرتبطون بهؤلاء السبعة، وأنا مسؤول عن هذه المنطقة. فقلنا له: لم لا يشمل إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف هذه الدولة برعايته، ولا ينظر إليها بعين الرأفة والرحمة، حتي أنها أصبحت تحت سلطة الروس؟ فرد: إنه غير راض عنها. قال هذا الكلام في ذلك الزمان، فكيف الحال الآن؟ وأردف: إنه يرعي هذه الدولة لأجل عاشوراء فقط. هذا هو عاشوراء.
حاولوا تعريف الناس بعظمة عاشوراء، وأهمية إقامة مراسم العزاء، (الملحق: 5) وفهموهم ما هي قضية عاشوراء؟ وما معني قول الإمام عليه السلام: «بَكَتْ له السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ ... وَما يُري وَما لا يُري»(1). فعناية الإمام
ص: 505
الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف إنما هي ببركة هذا اليوم؛ ولذا ينبغي تعريف الناس بعظمة عاشوراء
ثم قال ذلك الطبيب لهذا الشخص : اطلب من الأشخاص الذين ترتبط بهم أن يطلبوا من الإمام حل هذه المشكلة، فأجابه: إن إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف لا يريد ذلك، ثم نهض من مكانه وصرخ قائلا: اذهبوا. حدث ذلك قبل الظهر، وما إن حل وقت العصر حتي شهدنا ضجة في معسكر الجيش الروسي، وبدأ الجنود بحزم أمتعتهم، فسألنا: ما الذي يجري؟ قيل: وصلت برقية من القيصر بلزوم التحرك فورا. كل هذه الضجة إنها حدثت بنفس من أنفاس شخص له علاقة بالأشخاص السبعة المرتبطين بالإمام الغائبجل الله تعالي فرجه الشريف.
فهموا الناس ذلك جيدا، وواصلوا السير في هذا الطريق بإذن الله تعالي، فلا تتركوا تلاوة القرآن في أي يوم، بل اقرؤوا القرآن واهدوه إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، وأينما ذهبتم أوصوا المتعلمين بتلاوته، وأوصوا الأميين والأقل تعليما بتكرار قراءة سورة التوحيد،(1) وإهدائها إلي الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ فبهذا تشملكم عنايته، وتشمل جميع مستمعيكم أيضا إن شاء الله تعالي.
ص: 506
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وَ صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا وَ جَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ وَ لِسَانَهُ النَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ وَ يَدَهُ الْمَبْسُوطَةَ عَلَي عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ وَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتَي مِنْهُ وَ بَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ . بِنَا أَثْمَرَتِ الْأَشْجَارُ وَ أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَ جَرَتِ الْأَنْهَارُ وَ بِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّمَاءِ وَ يَنْبُتُ عُشْبُ الْأَرْضِ وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ وَ لَوْ لَا نَحْنُ مَا عُبِدَ اللَّهُ». (الكليني، الكافي: ج1، ص 144؛ حسن بن سليمان الحلي، المحتضر: ص228؛ السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان: ج4، ص294؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 24، ص197).
قال الْحَسَنُ بْنُ ظَرِيفٍ: اخْتَلَجَ فِي صَدْرِي مَسْأَلَتَانِ أَرَدْتُ الْكِتَابَ بهِمَا إِلي أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَكَتَبْتُ اِلَيهِ أَسْأَلُهُ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام إِذَا قَامَ بِمَ يَقْضِي؟ وأَيْنَ مَجْلِسُهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ؟ وَأَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ شَيْ ءٍ لِحُمَّي الرِّبْعِ، فَأَغْفَلْتُ ذكر الْحُمّي. فَجَاءَ بالْجَوَابُ : «سَأَلْتَ عَنِ الْقَائِمِ ، فَإِذَا قَامَ قَضي بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عليه السلام ، لَايَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ ؛ وكُنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عن حُمَّي الرِّبْعِ ، فَأُنْسِيتَ ، فَاكْتُبْ فِي ورَقَةٍ، وعَلِّقْهُ عَلَي الْمَحْمُومِ: « قُلنَا يَنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ». فَكَتَبْتُ ذَلِكَ وَ عَلَّقْتُهُ عَلَي مَحْمُومٍ فَبَرَأَ وَ أَفَاقَ. (الكليني، الكافي: ج1، ص509؛ الشيخ المفيد، الإرشاد: ج2، ص331؛ قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح: ج 1، ص 432؛ الأربلي،
ص: 507
كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج3، ص208؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج92، ص31).
ورُوِيَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْحَاجَهَ، فَحَكَّ بِسَوْطِهِ اَلْأَرْضَ، قَالَ : وَ أَحْسَبُهُ غَطَّاهُ بِمِنْدِيلٍ، وَ أَخْرَجَ خَمْسَمِائَهِ دِينَارٍ[فِيهَا نَحْوُ اَلْخَمْسِمِائَهِ دِينَارٍ]، فَقَالَ : «يَا أَبَا هَاشِمٍ! خُذْ وَ أَعْذِرْنَا». (الكليني، الكافي: ج1، ص507؛ الشيخ المفيد، الإرشاد: ج2، ص328؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص531؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة : ج 3، ص207؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج. 5، ص279).
«حدَّثَ جَماعَةٌ مِن أهلِ إصفِهانَ مِنهُم أبوالعَبّاسِ أحمدُ بنُ النَّصرِ ، وَأبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلويَّةِ ، قالوا : كانَ بِأَصفَهَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبدُالرَّحمنِ وَكانَ شِيعِيّاً ، قِيلَ لَهُ : ما السَّبَبُ الَّذي أوجَبَ عَلَيكَ القَولُ بِإمامَةِ عَليٍّ النَّقيِّ دونَ غَيرِهِ مِن أهلِ الزَّمانِ؟ قالَ : شاهَدتُ مَا أَوجَبَ ذلِكَ عَليَّ، وَذَلِكَ أَنّي كُنتُ رَجُلاً فَقيراً وَكانَ لي لِسانٌ وَجُرأةٌ ، فَأخرَجَني أهلُ إصفَهَانَ سِنةً مِنَ السِّنينَ مَعَ قَومٍ آخَرينَ ، إلي بَابِ المُتَوَكِّل مُتَظَلِّمينَ. وَكُنّا بِبابِ المُتَوَكِّلِ يَوماً إِذ خَرَجَ الأمرُ بِإحضارِ عَليِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الرِّضا عليهم السلام؛ فَقُلتُ لِبَعضِ مَن حَضَرَ : مَن هذا الرَّجُلُ الَّذي قَد أمِرَ بِإحضارِهِ ؟ فَقيلَ : هذا رَجُلٌ عَلَويٌ تَقولُ الرافِضَةُ بِإمامَتِهِ ، ثُمَّ قالَ : وَيُقَدِّرُ أنَّ المُتَوَكِّلَ يُحضِرُهُ للقَتلِ ، فَقُلتُ : لا أبرَحُ مِن ها هُنا حَتَّي أنظُرَ إلي هذا الرَّجُلِ أيِّ رَجُلٍ هُوَ ؟ قالَ : فَأقبَلَ راكِبا عَلي فَرَسٍ وَقَد قامَ النّاسُ يُمنَةَ الطَّريقِ وَيُسرَتِهِ يَنظُرونَ إلَيهِ ، فَلَمّا رَأيتُهُ وَقَعَ حُبُّهُ في قَلبي ، فَجَعلتُ أدعو لَهُ في نَفسي بِأن يَدفَعَ اللّه ُ عنه شَرَّ المُتَوَكِّلِ ، فَأقبَلَ يَسيرُ بَينَ النّاسِ وَهُوَ يَنظُرُ إلي
ص: 508
عُرْفِ دَابَّتِهِ لاَ يَنْظُرُ يَمْنَهً وَ لاَ يَسْرَهً، وَأنا دائمُ الدُّعاءِ لَهُ، فَلَمّا صارَ بِإِزَائي أقبَلَ إِلَيَّ بِوَجهِهِ وَقَالَ : استَجَابَ اللّه ُ دُعاءَكَ وَطَوَّلَ عُمرَكَ وَكَثَّرَ مالَكَ وَوَلَدَكَ. قَالَ: فَارْتَعَدْتُ مِنْ هَيْبَتِهِ، وَ وَقَعْتُ بَيْنَ أَصْحَابِي فَسَأَلُونِي وَ هُمْ يَقُولُونَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقُلْتُ: خَيْرٌ وَ لَمْ أُخْبِرْهُمْ بِذَلِكَ. فَانْصَرَفْنَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَي أَصْفَهَانَ فَفَتَحَ اَللَّهُ عَلَيَّ اَلْخَيْرَ بِدُعَائِهِ وَ وُجُوهاً مِنَ اَلْمَالِ حَتَّي أَنَا اَلْيَوْمَ أُغْلِقُ بَابِي عَلَي مَا قِيمَتُهُ ألفَ ألفَ دِرهَمٍ سِوي ما لي خارِجَ داري ؛ وَرُزِقتُ عَشَرةً مِنَ الأولادِ وَقَد بَلَغتُ الآن مِن عُمري نَيِّفا وَسَبعينَ سَنَةً ، وَأنا أقولُ بِإمامَةِ هذا الَّذي عَلِمَ ما في قَلبي وَاستَجابَ اللّه ُدَعاءَهُ فِيَّ وَلَيِ». (ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب: ص 550؛ قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح: ج1، ص392؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج3، ص183؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 50، ص141).
حَدَّثَنِي قُدَامَهَ بْنِ زَائِدَه، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عليُّ بنُ اَلْحُسَينِ عليه السلام: «... إِنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَطِيرُ فَرَحاً فَيَجُولُ الْأَرْضَ كُلَّهَا بِشَيَاطِينِهِ وَ عَفَارِيتِهِ فَيَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ الشَّيَاطِينِ! قَدْ أَدْرَكْنَا مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ الطَّلِبَةَ وَ بَلَغْنَا فِي هَلَاكِهِمْ الْغَايَةَ وَ أَوْرَثْنَاهُمُ النَّارَ إِلَّا مَنِ اعْتَصَمَ بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ فَاجْعَلُوا شُغُلَكُمْ بِتَشْكِيكِ النَّاسِ فِيهِمْ وَ حَمْلِهِمْ عَلَي عَدَاوَتِهِمْ وَ إِغْرَائِهِم بِهِمْ وَ أَوْلِيَائِهِمْ حَتَّي تَسْتَحْكِمُوا ضَلَالَةَ الْخَلْقِ وَ كُفْرَهُمْ وَ لَا يَنْجُو مِنْهُمْ نَاجٍ». (ابن قولويه، كامل الزيارات: ص266؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 28، ص 60؛ ج 45، ص183؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 365).
ص: 509
ورد في زيارة الناحية المقدسة: «.. وَ فُجِعَتْ بِك َ اُمُّك َالزَّهْرآءُ، وَ اخْتَلَفَتْ جُنُودُ الْمَلآئِكَةِ الْمُقَرَّبينَ، تُعَزّي أَباك َ أَميرَالْمُؤْمِنينَ، واُقيمَتْ لَكَ الْمَاتِمُ في أَعْلي عِلِّيّينَ، َ ولَطَمَتْ عَلَيْك الْحُورُ الْعينُ، وَ بَكَتِ السَّمآءُ وَ سُكّانُها، وَ الْجِنانُ وَ خُزّانُها...». (محمد المشهدي، المزار: ص506؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص323).
قال صاحب مستدرك سفينة البحار: «في جواهر الكلام، عن منتخب الطريحي: روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه كان إذا هل هلال عاشوراء اشتد حزنه، وعظم بكاؤه علي مصاب جده الحسين عليه السلام، والناس يأتون إليه من كل جانب ومكان يعرونه بالحسين عليه السلام، ويبكون وينوحون معه علي مصاب الحسين عليه السلام، ثم يقول: اعلموا أن الحسين عليه السلام حي عند ربه يرزق من حيث يشاء، وهو دائما ينظر إلي معسكره ومصرعه، ومن حل فيه من الشهداء. وينظر إلي زواره والباكين عليه، والمقيمين العزاء عليه، وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنازلهم في الجنة. وأنه ليري من يبكي عليه، فيستغفر له، ويسأل جده وأباه وأمه وأخاه أن يستغفروا للباكين علي مصابه والمقيمين العزاء عليه، ويقول: لو يعلم زائري والباكين علي ما له من الأجر عند الله تعالي لكان فرحه أكثر من جزعه. وأن زائري والباكي علي لينقلب إلي أهله مسرورا وما يقوم من مجلسه إلا وما عليه ذنب، وصار كيوم ولدته أمه». (النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار: ج 7، ص212).
ص: 510
30 كانون الأول 2012م = 16 صفر 1434 ه
ص: 511
ص: 512
اليوم من مقدمات يوم الأربعين، وقد قرأتم جميعا في هذا الدرس وعلي مدار سنة كاملة: «اَللّهُمَّ اِنّي اُجَدِّدُ لَهُ في هذَا الْيَوْمِ وَفي كُلِّ يَوْم...».
إن النطق بذلك صعب جدا، ومقدمته هي: «اَللّهُمَّ اِنّي اُجَدِّدُ لَهُ في هذَا الْيَوْمِ وَفي كُلِّ يَوْم...». هذا ما قرأتموه جميعاً في جميع الأيام، فمن مفاخر هذا الدرس أن يفتتح بهذه الزيارة(1) التي تقرأ بعد صلاة الصبح، ومن الجمل الواردة في هذه الزيارة:
«اَللّهُمَّ اِنّي اُجَدِّدُ لَهُ في هذَا الْيَوْمِ وَفي كُلِّ يَوْم...»، وفي دعاء العهد(2) أيضا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا، وَ مَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي». فما الذي أجدده في محضر الباري تعالي؟ «عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً فِي رَقَبَتِي».
إلي أن يصل إلي قوله: «اللَّهُمَّ فَكَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْرِيف ، وَفَضَّلْتَنِي بِهذِهِ الفَضِيلَةِ، وَخَصَصْتَني بِهذِهِ النِّعْمَةِ»(3). أي شرف هذا؟ وأي تشريف؟ قرأنا هذا الدعاء، فهل فهمنا معناه؟! «وَفَضَّلْتَنِي بِهذِهِ الْفَضِيلَهِ، وَخَصَصْتَنِي بِهذِهِ النِّعْمَهِ»، أي نعمة هذه؟ إنها العهد والعقد والبيعة.
الأمر الأول: ما المراد من العهد؟ ومن كنت تعاهده كل يوم؟ إنك تعاهد بقولك «عهداً» قطب دائرة عالم الإمكان، ومن «بِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرَي وَ بِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الْأَرْضُ
ص: 513
وَ السَّمَاءُ»(1)، ثم اتلوا القرآن الكريم، لتجده يقول: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»(2)
في
الأمر الثاني: «عَقدَاً»، أجدد العقد له في كل يوم، اقرأ القرآن حيث يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3) .
الأمر الثالث: «وَبَيْعَةً فِي رَقَبَتِي»، كل مفردة من هذه المفردات بحاجة إلي كتاب لشرحها، العهد ثم العقد ثم البيعة، فما معني البيعة؟ البيعة من مادة «بيع» بمعني أن يبيع الإنسان نفسه للإمام، وعندما يصل الأمر إلي هنا يصبح الموضوع دقيقاً وعميقاً جداً.
لا ريب في لزوم الدعاء، فلا سبيل سواه، وقد ورد في مقدمة الدعاء المذكور: «اللَّهُمَّ فَكَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْرِيف»، فأي شرف أعظم من أن يكون هو أحد طرفي المعاهدة، والطرف الآخر عبارة عن النطفة والعلقة المليئة بالذنوب والأخطاء؟ في الطرف الأول عصارة جميع الأنبياء عليهم السلام «المُنتَهي إلَيهِ مَواريثُ الأنبِياءِ وَلَدَيْهِ مَوجُودٌ آثارُ الأصْفِياءِ»(4)، وفي الطرف الآخر أنا وأنت، فأي شرف أفضل من هذا الشرف؟ وأية نعمة أفضل من هذه النعمة؟ فأعنا أنت يا رب! فما هو متعلق هذا العهد والعقد والبيعة؟
ص: 514
ها هنا متعلق العهد والعقد والبيعة: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ»، وبما أن هذا المتعلق مرهق جدا فقد ذكر بصورة الدعاء. وهنا أمور عدة أيضا، تبدأ من الأنصار: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ»، ثم تصل النوبة إلي «أَشْياعُه»، ثم «الذَّابِّينَ عَنْهُ»،وتنتهي عند قوله: «الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْه»(1).
«اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ»، وقد قال الباري تعالي في محكم كتابه الكريم: «إن تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ»(2)، فما معني هذه النصرة؟ «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ». تنقسم النصرة إلي ثلاثة أقسام: بالقلب وباللسان وباليد.
طوبي لمن بلغوا جميع أنواع النصرة، فأصبحوا من أنصاره قلباً ولساناً ويداً أيضاً، وفي المقابل ما مصير من أحجم منكم عن هذه النصرة؟ مع أنه عليه السلام يقول: «مَنْ سَمِعَ وَاعِيَتَنَا ثم لم يجبنا أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَي مَنْخِرِهِ فِي النَارِ»(3) (الملحق:1). هذا هو الطرف الآخر للقضية.
ص: 515
أما لو نصر الأئمة الميامين من أهل البيت عليهم السلام، فقد قال الإمام عليه السلام: «مَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ وَ نَصَرَنَا بِيَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَهُوَ مَعَنَا»(1) (الملحق:2). وليست هذه المعية كنسبة هذا الشعاع إلي الشمس، فإن هذا الشعاع مع الشمس، أما من ينصرنا بقلبه ولسانه ويده، فهو في درجتنا؛ ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «في دَرَجَتِنا»(2)
قرأتم هذا الدعاء علي مدار سنة كاملة، وقد حل في هذه العشرة وقت العمل به، فالنصرة باللسان هي وظيفة كل فرد منكم في هذه الأيام.
يثير الوهابية و البهائية والمسيحية ضجة كبيرة في بلدنا، ونحن في صمت مطبق، والحكومة مشغولة بأجهزتها، فمتي تتفرغ لإنقاذ هؤلاء الشباب الذين وقعوا
ص: 516
ضحية للانحرافات في مستنقعات الغي، نتيجة التضليل الممنهج من قبل (الكنائس المنزلية)؟! لقد امتد طمع البهائية إلي درجة السعي لامتلاك الصيدليات في هذا البلد، ولا أحد يفكر بمتابعة هذه القضايا وهي من مسؤوليات الحكومة وعليها أن تقف في وجه هذه الهجمة الإعلامية.
يعاني الشباب العاطل عن العمل اليوم مشكلتين أساسيتين: بلوغهم سن الزواج من جهة، والفقر الذي يعصف بالمجتمع من جهة ثانية. لقد بلغ الفقر مرحلة أن تقوم امرأة في عامها الثاني والعشرين ببيع إحدي كليتيها لتوفير مستلزمات الحياة، وفي مثل هذه الظروف تقوم المسيحية والبهائية بإغراء الشباب بالنساء، وتقوم الوهابية بدفع الأموال لهم، والجميع غارقون في نوم عميق، ونحن في نوم أعمق.
من واجبكم نصرة هذا الغريب في هذه العشرة، فالإمام الغائب عجل الله تعالي فرجه الشريف قلق علي أيتامه من أن يقعوا فريسة للذئاب؛ وليس ثمة من يلبي نداءه و أنينه: «هَلْ مِنْ ناصِرٍ يَنْصُرُني؟»(1) (الملحق:3). فانطلقوا إلي المدن والقري؛ وحافظوا علي شباب الشيعة، وطوبي لكم.
«عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ»(2). فلا تكونوا بمنأي عن هذه
ص: 517
السعادة، قال تعالي : « ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ۛهُدًي لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ»(1)، وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: «أي مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ يَبُثُّونَ »(2)
علي أن العلم الذي أعطاكموه الله علي ثلاثة أقسام: «آيَةٌ مُحْكَمَةٌ»، أي ترسيخ عقائد الناس، و «سُنَّهٌ قَائِمَهٌ»، أي تهذيب أخلاق الناس، و« فَرِيضَهٌ عَادِلَهٌ »، أي تعليم الأحكام للناس، «وَماسِواهُنَّ فَضلٌ»(3). هذا هو العلم، والعالم الذي يبلغ هذه المرتبة أفضل من ألف عابد، فقوام الدين «بعالِمٍ ناطِقٍ مُستَعمِل ٍلِعِلمِهِ»(4)، فإن العالم الناطق غير الأبكم العامل بعلمه هو الذي ينشغل بتحصيل العلم في الأيام الدراسية وينشغل بالتبليغ أيام التبليغ، واحصلوا علي هذه السعادة، وكونوا حين الاشتغال بالدراسة مصداقا لقوله تعالي : «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ»، وفي أيام الفراغ مصداقا لقوله جل وعلا: «ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»(5)
ص: 518
إننا علي أعتاب الأربعين، فعرفوا الناس بمن قتل؟ ولم تل؟ وكيف تل؟
القاسم بن العلاء هو وكيل الناحية المقدسة، [وكيل الإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام]، عاش 117 سنة، وقد عاصر ثلاثة من الأئمة المعصومين: الإمام علي النقي الهادي عليه السلام، والإمام الحسن العسكري عليه السلام، حتي أدرك الإمام الحجة بن الحسن عجل الله تعالي فرجه الشريف (1). روي عنه كل من الشيخ الكليني قدس سره، وعلي بن إبراهيم القمي قدس سره (2)
ص: 519
ومناقبه مما لا يمكن إحصاؤها وتقريرها، وقد ذكر الشيخ الطوسي قدس سره في «مصباح المتهجد» أن التوقيع خرج من الناحية المقدسة إلي هذا الرجل. ونظرا لضيق الوقت، وعدم اتساعه لقراءة متن التوقيع كاملا، سنشير إلي بعض فقراته؛ لتعلموا: ما هي حقيقة الأربعين؟ وما هي وظيفتكم تجاه صاحب يوم الأربعين؟ فإن التأثير إنما هو الكلام الإمام عليه السلام.
نص كلام الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام هو: «خَرَجَ إِلَي اَلْقَاسِمِ بْنِ اَلْعَلاَءِ اَلْهَمَدَانِيِّ وَكِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ مَوْلاَنَا اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وُلِدَ يَوْمَ اَلْخَمِيسِ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ فَصُمْ وَ اُدْعُ فِيهِ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اَلْمَوْلُودِ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ الْمَوْعُودِ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ».
تكمن الأهمية في قول الإمام عليه السلام: «بَكَتْهُ السَّماءُ وَمَنْ فيها، وَالاَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها، وَلَمّا يَطَأْ لابَتَيْها، قَتيل الْعَبْرَةِ، وَسَيِّدِ الاُْسْرَةِ، الْمَمْدُودِ بِالنُّصْرَةِ يَوْمَ الْكَرَّةِ، الْمُعَوَّضِ مِنْ قَتْلِهِ اَنَّ الاَئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ». ما الذي فعله عليه السلام ليكون تسعة أئمة من ذريته عوضاً من دمه؟ ليكون أجره زين العابدين عليه السلام والصحيفة السجادية، وباقر العلوم عليه السلام والمآثر الباقرية، والصادق عليه السلام والآثار الجعفرية، والكاظم عليه السلام والعلوم الكاظمية، وعلي بن موسي الرضا عليه السلام والحجج الرضوية، ومحمد بن علي الجواد عليه السلام والجود والتقوي، وعلي بن محمد الهادي عليه السلام والنقاء النقوي، والحسن بن علي العسكري عليه السلام والهيبة العسكرية؟ كل ذلك تعويضا من شهادته.
والمهم في الأمر: من الذي يجسد ثمرة الخلقة، ونتيجة بعثة جميع الأنبياء عليهم السلام، فما
ص: 520
الذي فعله عليه السلام ليكون «المُعَوّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ الأئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ»؟ لقد منح جميع ذلك في قبال شهادته.
ماذا فعل بعد؟ إن ما ورد في الرواية لعجيب، نختم كلامنا بهذه الجملة: «اَللّ_هُمَّ وَهَبْ لَنا في هذَا الْيَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَة، وَاَنْجِحْ لَنا فيهِ كُلَّ طَلِبَته، كَما وَهَبْتَ الْحُسَيْنِ لُِمحَمَّد جَدِّهِ». إنها لجملة محيرة، تتضمن حشرا من المعاني، منها أن سيد الشهداء عليه السلام هبة الله لخاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله
«وَ عَاذَ فُطْرُسُ بِمَهْدِهِ فَنَحْنُ عَائِذُونَ بِقَبْرِهِ»(1). لا بد أن نري ما الذي وجده
ص: 521
فطرس في مهده عليه السلام ليستعيذ به؟ وما الذي يجده أولئك الذين يستجيرون بقبره؟
ص: 522
عَنْ [أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ] عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ وَاعِيَتَنَا فَلَمْ يَنْصُرْنَا أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَي مَنْخِرَيْهِ فِي النَّارِ نَحْنُ الْبَابُ إِذَا بُعِثُوا فَضَاقَتْ بِهِمُ الْمَذَاهِبُ نَحْنُ بَابُ حِطَّهٍ وَ هُوَ بَابُ الْإِسْلَامِ [اَلسَّلاَمُ اَلسِّلْمُ]، مَنْ دَخَلَهُ نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَوَي». (فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي: ص 367؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول: ص115؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 65، ص61).
وورد: [قال الحسين بن علي عليه السلام]: «وأنت يا بن الحر فاعلم أن الله عز و جل مؤاخذك بما كسبت و أسلفت من الذنوب في الأيام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلي توبة تغسل بما ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلي نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله علي ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقنا وركبنا الظلم كنت من أعواني علي طلب الحق. فقال عبيد الله بن الحر: والله يا بن بنت رسول الله! لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدهم علي عدوك، ولكني رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفا من بني أمية ومن سيوفهم، فأنشدك بالله أن تطلب مني هذه المنزلة، وأنا أواسيك بكل ما أقدر عليه، وهذه فرسي ملجمة، والله ما طلب عليها شيئا إلا أذقته حياض الموت، ولا طلب وأنا عليها فلحقت، وخذ سيفي هذا، فوالله ما ضربت به إلا قطعت. فقال الحسين عليه السلام: يا بن الحر! ما جئناك لفرسك وسيفك، إنما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك، فلا حاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي أتخذ المضلين عضدا؛ لأني قد سمعت رسول الله صلي الله عليه و
آله وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم علي حقهم إلا أكبه الله علي وجهه في النار. ثم سار الحسين عليه السلام من عنده
ص: 523
ورجع إلي رحله. فلما كان من الغد رحل الحسين عليه السلام، وندم ابن الحر علي ما فاته من نصرته». (أحمد بن الأعثم الكوفي، الفتوح: ج 5، ص 74).
وروي أيضا: قال الإمام الحسين عليه السلام: «سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: من سمع نداء أهل البيت ولم يجبه أكبه الله علي منخريه في النار». (الطريحي، المنتخب: ص ٤27).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «فِي الجَنَّهِ ثَلاثُ دَرَجاتٍ ، وفِي النّارِ ثَلاثُ دَرَكاتٍ، فَأَعلي دَرَجاتِ الجَنَّهِ لِمَن أَحَبَّنا بِقَلبِهِ وَنَصَرَنا بِلِسانِهِ وَيَدِهِ، وَفِي الدَّرَجَهِ الثّانِيَهِ مَن أَحَبَّنا بِقَلبِهِ وَنَصَرَنا بِلِسانِهِ، وَفِي الدَّرَجَهِ الثّالِثَهِ مَن أَحَبَّنا بِقَلبِهِ، وفي أسفَلِ دَرَكٍ مِنَ النّارِ مَن أبغَضَنا بِقَلبِهِ وأعانَ عَلَينا بِلِسانِهِ ويَدِهِ . وفِي الدَّرَكِ الثّانِيَهِ مِنَ النّارِ مَن أبغَضَنا بِقَلبِهِ وأعانَ عَلَينا بِلِسانِهِ . وفِي الدَّرَكِ الثّالِثَهِ مِنَ النّارِ مَن أبغَضَنا بِقَلبِهِ ». (البرقي، المحاسن : ج1، ص153؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 27، ص 93).
ومما ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: «انْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَرَأْيِي وَهَوايَ علَي التَّسلِيمِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الْمُرْسَلِ، وَالسِّبْطِ الْمُنْتَجَبِ». (ابن قولويه، كامل الزيارات : ص403؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج98، ص179).
«فَقامَ ونادي: هَل مِن ذابٍّ عَن حَرَمِ رَسولِ اللّهِ؟ هَل مِن مُوَحِّدٍ؟ هَل مِن مُغيثٍ؟ هَل مِن مُعينٍ؟ فَضَجَّ النّاسُ بِالبُكاءِ.». (ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص 52).
«وَ نَادَي [اَلْحُسَينُ بْنُ عَليِّ عليهاالسلام]: «هَلْ مِنْ ذاب يذُب عَنْ حَرَمِ رَسُولِ الله صلي الله عليه و آله؟ هَلْ
ص: 524
مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَّهَ فِينَا؟، هَل مِن مُغيثٍ يَرجُو اللّهَ بِإِغاثَتِنا؟ هَل مِن مُعينٍ يَرجو ما عِندَ اللّهِ في إعانَتِنا؟ فَارتَفَعَت أصواتُ النِّساءِ بِالعَويلِ». (السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلي الطفوف: ص69؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، 46؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص 289).
وروي أيضا: «فجعل الحسين [عليه السلام] ينظر يمينا وشمالا، فلم ير أحدا يبارز أعداءه، فبكي بكاء شديدا وهو ينادي: وامحمداه! واعلياه! واحمزناه! واجعفراه! واعباساه! يا قوم! أما من معيني يعيننا؟ أما من خائف من عذاب الله فيذب عنا؟». (القندوزي الحنفي، ينابيع المودة لذوي القربي: ج3، ص75).
وروي كذلك: ثُمَّ صاحَ [الحسين عليه السلام]: «أَمَا مِنْ مُغِيثٍ يُغِيثُنَا لِوَجْهِ الله [تَعَالَي]؟ أَمَا مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ الله صلي الله عليه و آله؟». (أحمد بن الأعثم الكوفي، الفتوح: ج5، ص101؛ السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلي الطفوف: ص61؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص12؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام: ص259).
مصادر أهل السنة: ابن الصباغ، الفصول المهمة: ج2، ص823؛ الخوارزمي، مقتل الحسين : ج 2، ص12.
ص: 525
ص: 526
28 تشرين الأول 2013م = 23 ذو الحجة 1434 ه
ص: 527
ص: 528
إن الأيام التي أمامنا عظيمة جدا، إلي درجة أن العقل يعجز عن إدراكها، ويقصر اللسان عن بيانها؛ إذ لم يفهم أحد ما هو يوم عاشوراء؟ وما الذي جري فيه؟ وما هو الأثر المترتب عليه؟
«لا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يا أَبا عَبْدِ الله»، إن هذا الكلام صادر من حجة الله. لقد انطوت الأيام علي حوادث جمة، حيث شهد الدهر يوم نوح عليه السلام وسفينته، ويوم إبراهيم عليه السلام وتلك المقامات، ويوم موسي وعيسي عليهماالسلام، ويوم خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله، ويوم أمير المؤمنين عليه السلام، إلا أن الإمام عليه السلام يقول: «لا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يا أَبا عَبْدِ الله»(1).
لكننا-وللأسف – لم نستفد من هذه الأيام كما ينبغي؛ أيام هب فيها نسيم عبق من كربلاء، وهي الربيع الذي ينعش القلوب، أيام مناسبة لمن ارتدي هذا الزي المقدس لكي ينتهز هذه الفرصة لينثر بذور حقائق المذهب في عقول عامة الناس.
ولا يخفي أن الروايات المأثورة عن كل واحد من الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام بمثابة مدينة علم، وهي حقا بحر متلاطم للمتفقهين.
ثمة جملة لرسول الله صلي الله عليه و آله، رواية تضمنت سطرا واحدا جمع في طياته كتبا عديدة، قال صلي الله عليه و آله: «أَرْبَعَةٌ تَلْزَمُ كُلَّ ذِي حِجًي مِنْ اُمَّتي. قيلَ: يا رَسولَ اللّه ِ! ما هُنَّ؟ قالَ: اِسْتِماعُ
ص: 529
الْعِلْمِ، وَ حِفْظُهُ، وَ اَلْعَمَلُ بِهِ و نَشْرُهُ »(1). أولا: «اِسْتِماعُ الْعِلْمِ»، فلا بد أن نفهم ما معني هذه الهيئة من مادة (سمع) حينما ترتبط بالعلم؟
أولا: استماع العلم، ومن الواضح أن لا مجال هنا لبيان فقه الحديث، فحسبنا الإشارة فقط.
ثانيا: (حِفْظُهُ)، ما المراد بحفظ العلم؟
ثالثا: (وَ اَلْعَمَلُ بِهِ)، ومع ذلك كله فإن الكمال في الكلمة التالية.
رابعا: «وَ نَشْرُهُ»، فالمهم هو نشر العلم.
لو عمل العلماء وطلبة الحوزة العلمية بهذا الحديث، فهل يبقي للمخالفين في المذهب مجال للتبليغ ضده؟ والويل لنا إن سُئلنا يوم الحساب: إنكم قد ارتديتم هذا الزي وانتسبتم إلي هذا السلك، وتزودتم من موائدنا، فهل عملتم علي نشر تراثنا؟ مأساتنا هي البحث عن الراحة.
لقد انقضت أيام التفقه، وبتنا في أيام الإنذار(2). فمن يقصر في هذا الزمان مع تمكنه من القيام بمسؤوليته فعليه أن يستعد للجواب غدا، وإلا فحسرة الفوت آتية(3) بأني كنت قادرا بهذه العلوم أن أنتشل ضالا من هاوية الضلالة في أيام عاشوراء فلم لم أفعل؟
ص: 530
ما أعظم هذا الحديث حيث تكمن خصوصيته في متنه، والميزة في أن نقرأه ثم نستوعبه، وليس في نسج الخيال.
وردت عن أبي محمد العسكري عليه السلام رواية أود الإشارة إليها، حيث قال: «حَضَرَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ الصِّدِّيقَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ عليهماالسلام،فَقالَت: انَّ لِي وَالِدَةً ضَعِيفَةً وَقَدْ لُبِسَ عَلَيها في أَمرِ صَلاتِهَا شَيءٌ، وَقَد بَعَثَتني إِلَيكِ أَسأَلُكِ، فَأَجابَتها فاطِمَهٌ عَلَيها السلام عَن ذلِكَ، ثُمَّ ثَنَّتْ، فَأَجَابَتْ، ثُمَّ ثَلَّثَتْ [فَأَجَابَتْ ] إِلَي أَنْ عَشَّرَتْ فَأَجَابَتْ». لمن وجه السؤال؟ لقد وجه لمن هي مستغرقة في الله، وفي سبيل الله(1)، وعلي الرغم من الانشغال تكرر السؤال عشر مرات، وكانت السيدة الزهراء عليهاالسلام ترد عليه في كل مرة، «ثُمَّ خَجِلَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ، فَقَالَتْ: لَا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ»، أصغوا جيدا إلي ما قالته عليهاالسلام في ردة فعل مذهلة: «قَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: هَاتِي وَ سَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ، أَرَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِيَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَي سَطْحٍ بَحَمْلٍ ثَقِيلٍ، وَ كِرَاؤُهُ مِئَةُ أَلْفِ دِينَارٍ، أَيَثْقُلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لَا»، وأردفت عليهاالسلام: «اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَي إِلَي الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً فَأَحْرَي أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَيَّ»، ما يعني أنك أنت من تمنين علي بالسؤال، ولست أنا!
ص: 531
فهل تعاملنا مع أيتام آل محمد عليهم السلام في مجال الأحكام والعقائد وفي القضايا الدينية علي هذه الشاكلة؟ لقد أخلد البعض إلي الراحة في هذه الأيام، بينما هب البعض الآخر لتعليم الأحكام الدينية لأولئك المنقطعين عن إمام زمانهم، ولأيتام آل محمد عليهم السلام(1)، ماذا ربح هؤلاء؟ وماذا خسر أولئك؟
عبارات مدهشة: إنني اكتريت للنهوض بأعباء هذا الحمل، فماذا أعطيت إزاء ذلك؟ «اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَي إِلَي الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً». فإن جميع هذه المجرات والكواكب في السماء الأولي، حتي تصل النوبة إلي السماء السابعة، حيث اللوح والقلم والكرسي: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ»(2)، ثم تليها نوبة العرش، فأجر كل مسألة: «مِلءِ ما بَيْنَ الثَّري اِلَي الْعَرشِ لُؤلُؤءاً»!
عظيمة هي تلك الرواية، حيث تقول الصديقة الطاهرة عليهاالسلام: «سَمِعْتُ أَبِي [رَسُولَ اللَّهِ ] صلي الله عليه و آله و سلّم يَقُولُ: إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ، فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ عَلَي قَدْرِ كَثْرَةِ عُلُومِهِمْ، وَ جِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللَّهِ». فأي خلع تلك التي يخلعها الله عليهم؟ إن هذه الخلع تناسب مع علم الشخص، هذا أولا، وتتناسب من جهة ثانية مع مقدار نشر ذلك العلم بين الناس، فيقال يومئذ : أي شخص علمت؟ وأي شبهة رددت؟ وأي مسألة لجاهل بينت؟ وأي عقيدة رسخت؟ فالخلع بقدر ما قدمت في هذه المجالات: «وَ كُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ»(3)، «وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ»(4)
ص: 532
الحديث طويل، وفيه تفاصيل كثيرة، ولا يتسع الوقت لتناولها، غير أن المهم هو ما ورد في نهايته، حيث قالت الصِّدِّيقَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ عليهاالسلام: «سَمِعْتُ أبي [رسول الله] صلي الله عليه و آله يقول: إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ عَلَي قَدْرِ كَثْرَة عُلُومِهِمْ وَ جِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللَّهِ، حَتَّي يُخْلَعَ عَلَي الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَلْفُ أَلْفِ خِلْعَة مِنْ نُورٍ....، إنَّ سِلكاً مِن تِلكَ الخِلَعِ لَأَفضَلُ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ألفَ ألفِ مَرَّة»(1). فهل يمكن إحصاء ثواب مثل هذا الشخص؟ يعطي ألف ألف خلعة من نور، كل سلك فيها أفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة!
هذا أجر من يشد الرحال في عاشوراء من أجل التبليغ في المناطق المحرومة،
ص: 533
والعمل علي حل مشاكل أيتام آل محمد عليهم السلام. فماذا فعل هولاء لحفظ الدين؟ و ماذا فعلنا نحن؟ا
من هو الإمام الرابع من أئمة الهدي عليهم السلام؟ ورد في الرواية أن مناديا ينادي في عرصات يوم القيامة: «أَيْنَ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ ؟»(1)»، هذا و النبي الكريم صلي الله عليه و آله، ينظر، وعلي بن الحسين عليهماالسلام يمشي بين صفوف الأنبياء عليهم السلام، وصفوف سائر الخلائق.
إن نتيجة الخلقة هي عبادة الله تعالي(2)، وليس هناك من يكون زين العابدين بين جميع العابدين من الأولين والآخرين إلا الإمام زين العابدين عليه السلام.
لقد بلغ انقطاعه إلي الله في العبادة إلي درجة أن ابنه سقط في البئر والإمام عليه السلام في الصلاة وسمع صراخ الحريم وعويلهن ولم يتحرك حتي أكمل صلاته بتعقيباتها، ثم جاء إلي البئر فمد يده وأخرج الطفل، فقيل يا بن رسول الله صلي الله عليه و آله لم لم تقطع الصلاة؟ فقال عليه السلام: «كُنتُ بَينَ يَدَي جبّارٍ لَو مِلتُ بِوَجهِي عَنهُ لَمالَ بوَجهِهِ عَنّي»(3). فما قيمة
ص: 534
العالم برمته إزاء هذه الكلمة.
ورد في الرواية: نظر سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ علي بن الحسين عليه السلام إِلَي عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَاسْتَعْبَرَ ثُمَّ قَالَ: «ما مِنْ يَوْمٍ اَشَدُّ عَلي رَسولِ اللهِ صَلّي اللهِ عَلَيه وَ آلهِ وَ سَلَّمْ مِنْ يَوْمٍ اُحُدٍ قُتِلَ فيهِ عَمُّهُ حَمْزَةٍ بْنِ عَبدالمطلَبٍ اَسَدُ اللهِ وَ اَسَدُ رَسولِهِ وَ بَعْدَهُ يَوْمَ مُوْتَةِ قُتِلَ ابْنُ عَمَّهُ جَعفر بنُ ابي طالبٍ. ثُمّ قال عليهِ السّلام : وَ لا يَومِ كَيومِ الْحُسَينِ عليه السلام(1).
ثم ماذا قال الإمام زين العابدين عليه السلام؟ أعاد النظر إلي وجه ذلك اليتيم، وقال: «إن للعباس عند الله تبارك وتعالي منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة»(2)، فأي منزلة هذه التي يتحسر عليها جميع الشهداء، ابتداء من حمزة سيد الشهداء عليه السلام، ومرورا بجعفر الطيار عليه السلام الذي أبدله الله تعالي عن يديه المقطوعتين بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة؟ فجميع الشهداء يغبطون منزلته العظيمة عند الله تعالي.
ص: 535
ماذا فعل العباس بن علي عليهماالسلام حتي نال هذا المقام؟ إن العقل ليحتار واللسان لينعقد، لقد طرد العسكر، ونزل إلي الفرات، وعلي الرغم من أنه كان أشد عطشا من الجميع وقف إلي جانب الماء، وأخذ منه غرفة بيده ليشرب، هنا يكمن الإيثار الذي أوجب له تلك المنزلة، فقد كان النبي الكريم صلي الله عليه و آله راضيا بشر به الماء، وكذا أمير المؤمنين عليه السلام، وسيد الشهداء عليه السلام، وكان عالما بكل ذلك، ولكن «فذكر عطش الحسين عليه السلام»، حينئذ أنشد قائلا:
يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ هُوني***وَ بَعدَهُ لا كُنتِ أن تَكوني
فرمي الماء من يديه، وملأ القربة، وخرج قاصدا معسكر الحسين عليه السلام، فكمن له الجميع، ثم ماذا؟ إن اللسان لا ينطلق هنا؛ ولذا أكتفي بهذا القدر لتعرف منزلة هذا الشخص العظيم.
لقد ضربوا العباس بن علي عليهماالسلام علي يمينه فبرؤوها، فارتجز قائلا:
وَاللّه ِإن قَطَعتُمُوا يَميني***إنّي اُحامي أبَداً عَن ديني
عَن إمامٍ صادِقِ اليَقينِ***نَجلِ النَّبِيِّ الطّاهِرِ الأَمينِ
ثم ضربوه علي يساره فبرؤوها أيضا، فقال:
يا نَفْسُ لا تَخْشَي مِنَ الْكُفّارِ***وَأَبْشِري بِرَحْمَةِ الْجَبّارِ
مَعَ النَّبِيِّ السَّيِّدِ الُمخْتارِ***قَدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسارِي
فأصلهم يا رب حر النار(1) (الملحق:1)
ص: 536
والأهم من ذلك كله، أنه لما قطعت كلتا يديه نظر إلي القرية التي كان همه إيصالها إلي المخيم، فرأي أن الماء قد سال منها إلي الأرض، تأملوا كيف تحول الأمل إلي اليأس، وفي تلك الأثناء أصابه سهم في عينه، (الملحق:2) ما الذي كنا سنفعله لو أن شوكة أصابت زاوية من أعيننا؟ فما بالكم بسهم يصيب العين! لكن أبا الفضل العباس عليه السلام تماسك، وما هي إلا لحظات حتي ضرب بعمود علي رأسه، فحان وقت السقوط، ومن يهو إلي الأرض يتلق الأرض بيديه، فكيف هوي عليه السلام؟ فقال حينها عبارة لم يقلها طيلة حياته، فقد كان ينادي أخاه: «يا سيدي، يا مولاي»، أما في تلك اللحظة فقد نادي: «يَا أَخَاهُ أَدرِك أَخَاكَ»(1)(الملحق: 3).
ص: 537
ص: 538
وقف الإمام الحسين عليه السلام، وهو ملاذ العالم الوحيد، وموئل عالم الإمكان، وقف إلي جانب جسد أبي الفضل العباس عليه السلام، وقال كلاما لا بد أن نفهم منه حجم المصيبة؛ فمن اكتوي فؤاده بولده علي الأكبر عليه السلام، وحمل بيديه جسده إلي المخيم، لم يقل مثل هذه الجملة التي قالها حينما وقف إلي جانب جسد أخيه العباس عليه السلام: «أَلانَ إنكَسَرَ ظَهرِي وَ انقَطَعَ رَجائِي»(1)، ثم عاد وحيدا إلي الخيام.
لماذا لم يحمل الحسين عليه السلام جسد العباس عليه السلام إلي الخيام؟ فقد جمعت هناك جميع الأجساد، إلا ذلك الجسد الذي بقي في مكانه، لست أقوي علي ذكر السبب؛ فإن جسده الطاهر كان مقطع الأعضاء، متي ما حمل منه عضو سقط العضو الآخر. ولما وصل الحسين عليه السلام إلي الخيام هرع إليه النساء والأطفال، يسألونه عن العباس عليه السلام، فلم ينبس ببنت شفة، بل ذهب إلي خيمة أخيه، فأزال عمودها لتهوي(2).
ومما جاء علي لسان صادق أهل البيت عليهم السلام مسلما علي أبي الفضل العباس عليه السلام:
ص: 539
«سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَاَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلينَ وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميعِ الشُّهَداءِ وَالصِّدّيقينَ، وَالزَّاكِياتُ الطَّيِّباتُ في_ما تَغْتَدي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ ...».
وأردف الإمام الصادق عليه السلام قائلا: «وَرَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عِلِّيّينَ، وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ»(1).فأين هي عليون؟ حيث رفع الله تبارك وتعالي إليها ذكر أبي الفضل العباس عليه السلام، ذلك الذي جاد بنفسه الكريمة في سبيل الدين بتلك الصورة.
هذه الأيام هي أيام عاشوراء، فاسعوا فيها إلي تعريف الناس بعظمة المصيبة تلك المصيبة الكبري. فقد كلف النبي الخاتم صلي الله عليه و آله بعمل ليس لأحد أن ينهض به سواه، فها هي تلك المسؤولية ؟ لقد أعطاه الله تعالي قارورة، وأمره أن يجمع فيها دم نحر الحسين عليه السلام، فجاء النبي صلي الله عليه و آله، إلي موضع نحره عليه السلام، فلما حز رأسه الشريف كان النبي صلي الله عليه و آله جالسا عند منحره، فوضع الدم في القارورة(2)، هذا كلام حجة الله في أرضه، ثم رفع القارورة إلي السماء، فما بلغ سماء من السماوات السبع حتي اقشعرت، وبلغ الكرسي فاقشعر أيضا، إلي أن انتهي إلي العرش، فوضع القارورة عند أظلته، وستبقي تلك الأظلة مقشعرة إلي يوم القيامة(3).
ص: 540
«فقال العباس لأخيه الحسين: يا أخي! ما تري ما حل بنا من العطش، وأشد الأشياء علينا عطش الأطفال والحرم؟ فقال الإمام عليه السلام: امض إلي الفرات وآتنا بشيء من الماء. فقال: سمعا وطاعة. فضم إليه رجالا وسار حتي أشرفوا علي المشرعة، فتوثبوا عليهم الرجال، وقالوا لهم: ممن القوم؟ قالوا: نحن من أصحاب الحسين. قالوا: وما تصنعون؟ قالوا: فقد كظنا العطش، وأشد ذلك علينا عطش الحرم والأطفال. فلما سمعوا ذلك حملوا عليهم فمنعوهم، فحمل عليهم العباس، فقتل منهم رجالا وجدل أبطالا حتي كشفهم عن المشرعة، ونزل فملا قربته ومد يده ليشرب، فذكر عطش الحسين عليه السلام، فنفض يده وقال: والله لا ذقت الماء وسيدي الحسين عطشان. ثم صعد المشرعة، فأخذه النبل من كل مكان حتي صار جلده كالقنفذ من كثرته، فحمل عليه رجل من القوم، فضربه ضربة قطع بها يمينه، فأخذ السيف بشماله، فحمل عليه آخر فقطعها، فانكب وأخذ السيف بفمه، فحمل عليه رجل، فضربه بعمود من حديد علي رأسه، ففلق هامته، فوقع علي الأرض وهو ينادي: يا أبا عبد الله ! عليك مني السلام. فلما رأي الحسين عليه السلام أخاه وقد انصرع صرخ: وا أخاه! واعباساه! وا مهجة قلباه! يعز والله علي فراقك. ثم حمل علي القوم وكشفهم عن ه، ثم نزل إليه فحمله علي ظهر جواده، وأقبل به إلي الخيمة، فطرحه وهو يبكي حتي أغمي عليه».الطريحي، المنتخب في جمع المراثي والخطب: ص ٤30).
ص: 541
في بعض الكتب: «أن العضاب بن الأسود الكندي (لعنه الله) رماه [العباس] بسهم علي عينه الشريفة».(المازندراني، معالي السبطين: ج 1،ص 454؛ ترجمة معالي السبطين: ص 641).
ولما وصل الإمام الحسين عليه السلام إلي مصرع أبي الفضل العباس عليه السلام رآه: «مقطوع اليمين واليسار، مرضوخ الجبين، مشكوك العين بسهم». (أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين: ص179؛ الشيخ محمد السماوي، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام: ص 62).
«وحكي أن المرحوم السيد محمد إبراهيم القزويني (المتوفي سنة 1360 ه) كان يؤم الناس في صلاة الجماعة في مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام، وأن المرحوم الشيخ محمد علي الخراساني (المتوفي سنة 1383 ه_) الذي يعد من الوعاظ البارزين كان يرتقي المنبر لإلقاء محاضرة دينية بعد تلك الصلاة. وذات ليلة تطرق المرحوم الواعظ الخراساني إلي مصيبة أبي الفضل العباس عليه السلام، وأشار إلي إصابة السهم لعينه الشريفة، فكان لذلك تأثير كبير علي المرحوم القزويني، فبكي بكاء شديدا ثم قال له: لماذا تقرأ مثل هذه المصيبة الكبيرة التي لا ترتكز إلي سند قوي جدا؟ فشاهد في عالم الرؤيا أنه واقف بين يدي أبي الفضل العباس عليه السلام، فقال له: سيد إبراهيم! هل كنت حاضرا في كربلاء لتري ماذا فعل بي القوم يوم عاشوراء؟ فلما قطعوا يدي انهالت علي السهام من كل حدب وصوب، منها سهم أصاب عيني [وربما قال: عيني اليمني]، وكلما حركت رأسي ليخرج السهم ما كان ليخرج وسقطت عمامتي من علي رأسي، ثم رفعت ركبتي وانحنيت لإخراجه، لكن العدو ضربني بعمود من الحديد علي رأسي».(ترجمة معالي السبطين: ص632).
ص: 542
«.... فرمي الماء وملأ القربة وحملها علي كتفه الأيمن وتوجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب، فحاربهم حتي ضربه نوفل الأزرق علي يده اليمني فقطعها، فحمل القربة علي كتفه الأيسر، فضربه نوفل فقطع يده اليسري من الزند، فحمل القربة بأسنانه، فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره، فانقلب عن فرسه وصاح إلي أخيه الحسين: أدركني، فلما أتاه رآه صريعا، فبكي وحمله إلي الخيمة».(العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص41).
وقال المؤرخون في هذا المجال أيضا: «... فضربه بعمود علي رأسه، فخر صريعا إلي الأرض، ونادي بأعلي صوته: أدركني يا أخي. فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر، فرآه مقطوع اليمين واليسار، مرضوخ الجبين، مشكوك العين بسهم، مرتثا بالجراحة، فوقف عليه منحنيا، وجلس عند رأسه يبكي حتي فاضت نفسه، ثم حمل علي القوم فجعل يضرب فيهم يمينا وشمالا، فيفرون من بين يديه كما تفر المعزي إذا شد فيها الذئب، وهو يقول: أين تفرون وقد قتلتم أخي؟! أين تفرون وقد فتتم عضدي ؟! ثم عاد إلي موقفه منفردا».(أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين: ص179؛ الشيخ محمد السماوي، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام: ص 62).
وورد في بعض الكتب: «لما نادي يا أخاه! أدرك أخاك، ساق الريح صوت العباس عليه السلام إلي مسامع الحسين عليه السلام».(المازندراني، معالي السبطين: ج 1، ص449۔ 452).
وذكروا: أن العباس عليه السلام لما سقط من علي فرسه إثر جراحي منكبه قال: يا أخا أدرك أخاك. وقد سمع صوته الحسين عليه السلام وعلم أنه سيلتحق بجده وأبيه. وقد تأوه الإمام المظلوم عليه السلام بآه مهيبة قد زلزلت أرض كربلاء. (ملا حسين الكاشفي، روضة الشهداء: ص 418).
ص: 543
وذكروا أيضا: «روي أبو مخنف أن أحد الظلمة ضربه بعمود من الحديد علي رأسه ففلق هامته، فلم تعد لديه القدرة علي البقاء علي ظهر الجواد، فانصرع عقيرا علي الأرض وهو يخور بدمه، عندئذ صاح: يا أخا أدرك أخاك، وفي رواية: يا أخي يا حسين! عليك مني السلام».(الملا حبيب الكاشاني، تذكرة الشهداء: ج1، ص595).
وقالوا: «فانقلب عن فرسه، وصاح إلي أخيه الحسين عليه السلام وقال: أدركني يا أبا عبد الله». (الدربندي، أسرار الشهادة: ص 334؛ ترجمة أسرار الشهادة: ج 2، ص 1088).
ص: 544
هم الربانيون وخاصة الله
17 كانون الأول 2013م = 13 صفر 1435ه_
ص: 545
ص: 546
إننا علي أعتاب العشرة الأخيرة من شهر صفر، وبرنامج أهل العلم يتلخص في كلمتين، فعلي الرغم من أجهزة إدارية عديدة لوضع برامج لطلاب العلوم الدينية، لا نري لذلك أي أثر وأي نتيجة، لماذا؟ لأن البرنامج الصحيح هو الذي عينه الله تعالي، فبرامج هؤلاء الطلاب قد تم تعيينها من قبله جل وعلا، ولا حاجة إلي تعيين زيد أو عمرو، ويتلخص هذا البرنامج في جملتين اثنتين: الجملة الأولي: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ»، والجملة الثانية: «لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ»(1) ، فلا ثالث لهما، ولكن لا بد من المثابرة والعمل الدؤوب لفهم هاتين الكلمتين.
ينبغي استغلال الوقت وانتهاز الفرصة، فما هي أعمارنا؟ إنها عبارة عن نسيج من حبل مكون من مجموعة من الخيوط، فما هو ذلك الحبل؟ هو هذه الأنفاس التي نستنشقها، وفي كل نفس ينقطع خيط من تلك الخيوط، حتي نصل إلي الخيط الأخير شئنا أم أبينا: «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ»(2)؛ لأن عمر ذلك النسيج قد انتهي.
ولا بد لكل نفس من الأنفاس أن تكون له ثمرة ونتيجة، فما هي تلك الثمرة؟ إنها لا تعدو كلمتين: الكلمة الأولي: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ»، ووقتها الأيام الماضية، والكلمة الثانية: «وَلِيُنذِروا قَومَهُم»، ووقتها هذه العشرة الأخيرة من شهر صفر.
ص: 547
فطوبي لمن فهم ذلك واستفاد من عمره!
للميرزا الشيرازي قدس سره خصوصيات كثيرة، ومعرفة رجال العلم في حد ذاتها فن. إن جذور أفكار الميرزا النائيني قدس سره الذي يعد فحل الفحول بين المتأخرين تتجلي في أفكار الميرزا الشيرازي قدس سره، الذي لم يكن يمتلك الفرصة الكافية لاستقبال الناس؛ لانشغالاته العلمية واهتماماته الاجتماعية المتعددة.
ذات يوم طرق باب الميرزا قدس سره شيخ معمم يرتدي ثيابا رثة، فقال للحاجب: أريد مقابلة الميرزا، فرد عليه الحاجب بأن الوصول إلي الميرزا غير سهل للأعلام الأفاضل فضلا عنك؟ فقال الشيخ: ما عليك سوي إخباره بأن فلانا علي الباب. فجاء الحاجب وأخبر الميرزا بذلك، فما إن سمع الميرزا اسمه حتي تغير لونه، ونهض من مكانه مسرعا، وارتدي ملابسه، وجاء بنفسه إلي الباب لاستقبال هذا الشيخ، فقدم الشيخ علي نفسه، وهو يسير من خلفه، وسط تعجب جميع الأعلام، من أمثال الأستاذ الحاج الشيخ عبد الكريم قدس سره، والميرزا محمد تقي الشيرازي قدس سره، وغيرهم من الأعيان.
ثم أجلسه في مكانه، و جلس هو أمامه، وتبادلا أطراف الحديث في خلوة مدة من الزمن، ثم تحرك الشيخ للخروج، فشيعه الميرزا إلي باب الدار وودعه، وظل ينظر إليه حتي اختفي عن الأنظار.
هذا ما جعل الجميع يندهشون من هذا التصرف؟ فسأله المقربون منه: لم تصرفت علي هذا النحو؟ ومن هذا الشخص؟ فرد قدس سره قائلا: أقولها كلمة واحدة، أنا مستعد لأن أعطي كل ما قمت به في حياتي مقابل أن تسجل أعمال هذا الشيخ في صحيفة أعمالي.
ص: 548
فازدادت دهشة خواص الميرزا وسألوا: وما حكاية هذا الشيخ؟ - تأملوا كيف فاز هؤلاء وكيف خسرنا نحن؟ - قال الميرزا: كان هذا الشيخ زميلي في الدراسة والمباحثة، وكان مستقبله الدراسي أكثر إشراقا من مستقبلي، فجاءني ذات يوم ليقول: لقد حددت تكليفي، وما ينبغي لي القيام به، فقلت: وما هو تكليفك؟ فقال: وجدت منطقة لا يذكر فيها أهل البيت عليهم السلام، وجميع سكانها ليسوا علي مذهب التشيع، أريد أن أشد الرحال إليها. قلت: وماذا تعمل هناك؟ قال: سأذهب وأسكن في مسجد تلك المنطقة، وأفتح فيه كتابا لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، وسيكون هذا هو عملي فيما بعد.
وواصل الميرزا الشيرازي قدس سره حديثه، وهو متأثر، قائلا: لقد ذهب هذا الشيخ إلي تلك المنطقة، فكانت حياته أن اتخذ المسجد وكرا له، وأسس فيه كتابا لتعليم الأطفال، وأعلن للناس أنه مستعد لتعليم أبنائهم مجانا، دون أي مقابل، وقد كان الناس ينتظرون مثل هذه الفرصة.
فبدأ بتعليم الأطفال القراءة والكتابة، وكانت حياته صعبة للغاية، فقد كان يخرج ليلا إلي الشوارع والأزقة ليجمع فتات الخبز اليابس الذي يلقيه سكان القرية أمام بيوتهم فيقتات عليه، ولم يزل هذا قوته وعمله حتي استطاع التأثير في الأطفال، وتعليمهم مودة أهل البيت عليهم السلام، فتغيرت المنطقة برمتها.
قال الميرزا الشيرازي قدس سره: إنني أطلب من الله تعالي أن يسجل جميع أعمالي، من علم وعمل وصلاة ليل وغيرها، في صحيفة أعماله، ويسجل عمله هذا في صحيفة أعمالي: «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ»(1)
فإن كانت منزلة هذا الشيخ عند الميرزا بهذا القدر، فما هي منزلته عند الإمام
ص: 549
صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؟
من هنا، ينبغي لكم أن تغتنموا العشرة الأخيرة من شهر صفر، فانطلقوا إلي المناطق المحرومة والنائية من أجل إحياء المذهب؛ فلئن تمكنتم من إقناع شخص واحد بالتوبة، أو تعليم جاهل حكما شرعيا، كان أجركم كأجر من أحيي الناس جميعا: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1). وقد قال حجة الله علي الخلق، الإمام الصادق عليه السلام، في معني إحياء النفس الوارد في الآية الشريفة: «أَخْرَجَها مِنْ ضَلَالٍ إِلَي هُدًي»(2)(الملحق:1). فلا يفوتنكم هذا الفوزالعظيم.
ما معني السلام الذي نردده في مستهل هذه المحاضرات كل يوم منذ العاشر من محرم؟ أي سلام؟ هل عرفتم ما هذا السلام؟ إن مجرد ذكره يمثل عبئا ثقيلا : «اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَباعَبْدِاللَّهِ وَ عَلَي الاَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِناَّئِكَ »(3) (الملحق: 2). فمن هو المخاطب؟ أعرفتموه؟ «وَ عَلَي الاَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِناَّئِكَ»، فهل عرفنا تلك الأرواح؟
أقول وأنا مستعد لإثبات قولي بالبرهان العلمي: لو اجتمع الفقهاء من الشيخ الطوسي قدس سره حتي الشيخ الأنصاري قدس سره لعجزوا عن إدراك روح واحدة من تلك
ص: 550
«الاَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِناَّئِكَ».هذه هي الدائرة، فما هو قطرها؟ ومن يقف في مركزها؟ ومن هم أصحابه وأنصاره؟ إن هذا الأمر عظيم ومحير للألباب.
قال الإمام الحسين عليه السلام ليلة عاشورء مخاطبا أصحابه: «هذَا اللَّيلُ قَد غَشِيَكُم، فَاتَّخِذوهُ جَمَلًا،و لِيَأخُذ كُلُّ رَجُلٍ مِنكُم بِيَدِ رَجُلٍ مِن أهلِ بَيتي، تَفَرَّقوا في سَوادِ هذَا اللَّيلِ»(1).
سأنقل لكم كلام اثنين من أصحاب الإمام عليه السلام، ليتضح أن الجميع عاجز عن إدراك حقيقة شخصية هؤلاء وما قاموا به.
ومن هو المخاطب في كلام الأصحاب؟ هو الجالس علي الكرسي، وهو لوح الوجود المحفوظ(2)، وكتاب الله المبين(3)، وقلب عالم الإمكان، والعالم بالسر
ص: 551
والعلن. إنهم يخاطبون من هذه منزلته، و بهذا النحو:
لما قال الإمام الحسين عليه السلام هذا الكلام، نهض مسلم بن عوسجة، وقال كلمات محسوبة، فذكر الله تعالي، ثم قال: «والله لَو عَلمتُ اَنِّي اُقتَل ثُمَّ أحْيا ثُمَّ أحْرَقُ ثُمَّ احيا ثم أذْرَي وَ يفْعَلُ ذَلِك بِي سَبْعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقْتُك»(1)، قال ذلك ثم جلس، أوليس أهل العالم عاجزين عن إدراك هذه الروح؟
ثم قام زهير وقال: «وَاللّه ِ ، لَوَدِدتُ أنّي قُتِلتُ ، ثُمَّ نُشِرتُ ، ثُمَّ قُتِلتُ، حَتّي اُقتَلَ هكَذا ألفَ مرة وأنَّ اللّه َتعالي يَدفَعُ بِذلِكَ القَتلَ عَن نَفسِكَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتيَان مِن أهلِ بَيتِكَ»(2).أي كان يتمني أن يدفع عن أهل بيت الحسين عليه السلام، ومنهم القاسم بن الحسن، وإن أدي ذلك إلي قتله بهذا الشكل.
مرتبة تتبعها مرتبة، رد سيد الشهداءعليه السلام علي موقف الأصحاب بأن أراهم منازلهم من الجنة، فقال لهم: «إرْفَعُوا رُءُوسَكُمْ وَ انْظُرُوا فَجَعَلُوا ينْظُرُونَ إِلَي
ص: 552
مَوَاضِعِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّة وَ هُوَ يقُولُ لَهُمْ: هَذَا مَنْزِلُكَ يَا فُلَانُ»(1).إن العالم في قبضة قدرته، فمن هو سيد الشهداء؟ وهؤلاء هم أصحابه، وقد أري كل واحد منهم مكانه في الجنة.
المهم في الأمر أن نعرف: من هؤلاء؟ كيف كانوا؟(2) وكيف أصبحوا؟ كيف كان أولهم؟ وكيف أصبح آخرهم؟ ولهذا قلت: إن جميع العلماء من شيخ الطائفة قدس سره إلي الشيخ الأنصاري قدس سره، ليعجزون عن إدراك حقيقة كل فرد من هذه «الاَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِناَّئِكَ وحَلّتْ بِرَحْلِكَ »(3).
رُوِيَ أَنَّ عصارة الخلق رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله كَانَ يَوْماً مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مَارّاً فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَ إِذَا هُمْ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلي الله عليه و آله عِنْدَ صَبِيٍّ مِنْهُمْ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَ يُلَاطِفُهُ ثُمَّ أَقْعَدَهُ عَلَي حَجْرِهِ وَ كَانَ يُكْثِرُ تَقْبِيلَهُ فَسُئِلَ عَنْ عِلَّةِ ذَلِكَ فَقَالَ صلي الله عليه و آله: «إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الصَّبِيَّ يَوْماً يَلْعَبُ مَعَ الْحُسَيْنِ
ص: 553
وَ رَأَيْتُهُ يَرْفَعُ التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ وَ يَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَ عَيْنَيْهِ فَأَنَا أُحِبُّهُ لِحُبِّهِ لِوَلَدِيَ الْحُسَيْنِ وَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَنْصَارِهِ فِي وَقْعَةِ كَرْبَلَاءَ»(1).فهذا الصبي هو محبوب الرسول صلي الله عليه و آله، إن مثل سلمان عليه السلام يدرك معني ذلك، حيث يقول حبيب الله صلي الله عليه و آله: «أَنَا أُحِبُّهُ لِحُبِّهِ لِوَلَدِيَ الْحُسَيْنِ»، حينها نزل جبرئيل ليخبره صلي الله عليه و آله بأن هذا الصبي سيقتل يوم عاشوراء مع ركب الحسين عليه السلام، هكذا كان أولهم فكان كذلك آخرهم، هؤلاء هم أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، فمن هو الحسين نفسه عليه السلام يا تري؟
لم ينتبه الأمر عند هذا الحد، ومن المؤسف أن العمر قد انقضي وتصرم ولم نفهم ما معني عاشوراء؟ ما معني كربلاء؟ من هو سيد الشهداء عليه السلام؟ ومن هم أصحابه؟ فقد كان حجة الله الإمام الصادق عليه السلام يقف مقابل قبورهم قائلا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرَّبَّانِيُّونَ»(2)، «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا شِيعَهَ اللَّهِ»(3).كل جملة من هذه الجمل مذهلة للعقول، ومحيرة للألباب، فمن هم هؤلاء ليسلم عليهم الإمام عليه السلام بهذا الشكل؟ ومن يستطيع فهم هذه الكلمات؟
«أَنْتُمْ خِيَرَةُ الله»، إن كانت ذرة من الضوء بهذه العظمة فكيف تكون عظمة
ص: 554
الشمس؟ لم يكن هؤلاء سوي ذرات تدور حول سيد الشهداء عليه السلام، وقد حصلوا علي هذه الدرجة، فما هي مكانته هو عليه السلام؟
«انْتُمْ خِيَرَة الله، اختارَكم اللّه ُ لأبي عَبْدِ اللَّهِ»، والجملة التي تضج بالعظمة حيث يقول عليه السلام: «وَأَنْتُمْ خَاصَة الله»(1).علي أن شرح هذه الكلمات مما لا يمكن في هذا الوقت المحدود، وإنما يتطلب فرصة أخري.
وخاتمة القول: إني سأشير هنا إلي رواية لتعلموا ما القضية؟ ومن هو سيد الشهداء عليه السلام؟ والمهم هو نص الرواية، فقد روي شيخ المحدثين الصدوق قدس سره أن ابن عباس رأي النبي صلي الله عليه و آله في الرؤيا ليلة قتل سيد الشهداء عليه السلام، والظاهر أن ذلك كان في الليلة الحادية عشرة من المحرم، قال: «رَأَيتُ النَّبِيَّ اللَّيلَهِ الَّتي قُتِلَ فِيهَا الْحُسَيْنِ و بِيَدِهِ قَارُورَةٌ».ولما سأله ابن عباس عنها، قال صلي الله عليه و آله: «هَذِهِ دِمَاءُ الحُسَينِ عليه السلام وأَصْحَابَهُ أرفَعُهَا إلَي اللَّهِ تَعَالَي»(2).
ها هنا يتضح لكم أن جميع الفقهاء من الشيخ الطوسي قدس سره إلي الشيخ الأنصاري قدس سره ألهم أن يدركوا ما فعله هؤلاء الأصحاب الذين اختلطت دماؤهم بدم سيد الشهداء عليه السلام؟ حتي يأتي الإنسان الأول في عالم الإمكان، النبي الخاتم صلي الله عليه و آله
ص: 555
إلي كربلاء، فيأخذ تلك الدماء، قائلا لابن عباس: «أرفَعُهَا إلَي اللَّهِ تَعَالَي»؛ فأي منزلة تلك التي بلغها دم ذلك العبد الأسود؟(1)فما بالك بذلك الإكسير الذي حول كل هؤلاء إلي جواهر؟ فأين هي منزلته عليه السلام؟ وما الذي فعله عليه السلام؟ وإلي أين بلغ؟ إننا لعاجزون عن البيان: «وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ»(2).ونهاية المطاف: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً»(3).
فإذا كان دم أصحابه عليه السلام قد رفع إلي العرش، فأين رفع دمه هو عليه السلام؟ هذا الأمر مما لا يدرك ولا يوصف: «ارْجِعِي إِلَي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً».
أي نبي فعل ما فعله الإمام الحسين عليه السلام؟ تصوروا كم المساحة بين الرأس والصدر؟ وكم يمكن أن تتحمل من الجراح والإصابات؟ قال الإمام الخامس من أئمة الهدي عليهم السلام: «اُصيبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَليهما السلام وَ وُجِدَ بِهِ ثَلاثُ مِئةٍ وَ بِضْعَا وَ عِشْرُينَ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ أوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ فَرُوِيَ إنَّها كانَتْ كُلُّها في مُقَدَّمِهِ»(4) (الملحق:3).
ص: 556
ولكن كيف كان حاله هو عليه السلام؟ كان يردد: «إلهي! رضا بقضائك وتسليما لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين»(1)
ص: 557
ص: 558
عَن فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جعفر عليه السلام: قَولُ اللّه ِ عزَّ و جَلَّ في كِتابِهِ : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، قَالَ: «مِنْ حَرَقٍ أَوْ غَرَقٍ».قلت: فمَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلاَلٍ إِلَي هُدًي؟ قَالَ: «ذَاكَ تَأْوِيلُهَا الْأَعْظَم».(الكليني، الكافي: ج 2، ص210 -211؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج16، ص186).
وَرُويَ عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَسْأَلُكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ».فَقُلْتُ: كُنْتُ عَلَي حَالٍ وَ أَنَا الْيَوْمَ عَلَي حَالٍ أُخْرَي،كُنْتُ أَدْخُلُ الْأَرْضَ فَأَدْعُو الرَّجُلَ وَ الاِثنَيْنِ وَ الْمَرْأَةَ فَيُنْقِذُ اللَّهُ مَنْ شَاءَ،وَ أَنَا الْيَوْمَ لاَ أَدْعُو أَحَداً؟ فَقَالَ:«وَ مَا عَلَيْكَ انْ تُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَ بَيْنَ رَبِّهِمْ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ ظُلْمَةٍ إِلَي نُورٍ أَخْرَجَهُ ثُمَّ قَالَ: وَ لاَ عَلَيْكَ إِنْ آنَسْتَ مِنْ أَحَدٍ خَيْراً أَنْ تَنْبِذَ إِلَيْهِ الشَّيْءَ نَبْذاً».قُلْتُ:أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً ، قَالَ: «مِنْ حَرَقٍ أَوْ غَرَقٍ» ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «تَأْوِيلُهَا الْأَعْظَمُ أَنْ دَعَاهَا فَاسْتَجَابَتْ لَهُ».الكليني، الكافي: ج 2، ص211؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج16، ص186).
وَرُويَ أيضا: عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «لَإِطْعَامُ مُؤْمِنٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِتْقِ عَشْرِ رِقَابٍ وَ عَشْرِ حِجَجٍ، قَالَ: قُلْتُ: عَشْرِ رِقَابٍ وَ عَشْرِ حِجَجٍ» قَالَ: فَقَالَ: يَا نَصْرُ إِنْ لَمْ تُطْعِمُوهُ مَاتَ أَوْ تُذِلُّونَهُ فَيَجِيءُ إِلَي نَاصِبٍ فَيَسْأَلُهُ وَ اَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ مَسْئَلَهِ اَلنَّاصِبِ يَا نَصْرُ مَنْ أَحْيَي مُؤْمِناً فَكَأَنَّمَا أَحْيَي اَلنَّاسَ جَمِيعاً، فَإِنْ لَمْ تُطْعِمُوهُ فَقَدْ أَمَتُّمُوهُ وَ إِنْ أَطْعَمْتُمُوهُ فَقَدْ أَحْيَيْتُمُوهُ».(الكليني، الكافي: ج2، ص 204؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج24، ص303-304).
ص: 559
ورُويَ عَن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ: «مَنْ سَقَي اَلْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ يُوجَدُ فِيهِ اَلْمَاءُ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَهً، وَ مَنْ سَقَي اَلْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُوجَدُ فيهِ الماءُ كانَ كَمَن أحيي نَفسا ، و مَن أحيي نَفسا فكأنّما أحيي الناسَ جَميعا». (الكليني، الكافي: ج4، ص57؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 64-65).
قال شيخنا ثقة الإسلام النوري رحمه الله: «أما زيارة عاشوراء فكفاها فضلا وشرفا أنها لا تسانخ سائر الزيارات التي هي من إنشاء المعصوم وإملائه في ظاهر الأمر، وإن كان لا يبرز من قلوبهم الطاهرة إلا ما تبلغها من المبدأ الأعلي، بل تسانخ الأحاديث القدسية التي أوحي الله جلت عظمته بها إلي جبرئيل بنصها، بما فيها من اللعن والسلام والدعاء، فأبلغها جبرئيل إلي خاتم النبيين صلي الله عليه و آله، وهي - كما دلت عليه التجارب - فريدة في آثارها من قضاء الحوائج ونيل المقاصد ودفع الأعادي، لو واظب عليها الزائر أربعين يوما أو أقل، ولكن أعظم ما أنتجته من الفوائد ما في كتاب دار السلام، وملخصه: أنه حدث الثقة الصالح التقي الحاج المولي حسن اليزدي، المجاور للمشهد الغروي، وهو من الذين وفوا بحق المجاورة وأتعبوا أنفسهم في العبادة، عن الثقةالأمين الحاج محمد علي اليزدي، قال: كان في يزد رجل صالح فاضل، مشتغل بنفسه ومواظب لعمارة رمسه، يبيت في الليالي بمقبرة خارج بلدة يزد تعرف بالمزار، وفيها جملة من الصلحاء، وكان له جار نشأ معه من صغر سنه عند المعلم وغيره إلي أن صار عشارا، وكان كذلك إلي أن مات ودفن في تلك المقبرة قريبا من المحل الذي كان يبيت فيه الرجل الصالح المذكور، فرآه بعد موته بأقل من شهر في المنام في زي حسن وعليه نضرة النعيم، فتقدم إليه وقال له: إني عالم بمبدئك ومنتهاك وباطنك وظاهرك، ولم تكن ممن يحتمل في حقه حسن الباطن، ولم يكن عملك مقتضيا إلا العذاب والنكال، فبم
ص: 560
نلت هذا المقام؟ قال: نعم، الأمر كما قلت، كنت مقيما في أشد العذاب من يوم وفاتي إلي أمس، وقد توفيت فيه زوجة الأستاذ أشرف الحداد، ودفنت في هذا المكان، وأشار إلي طرف بينه وبينه قريب من مئة ذراع، وفي ليلة دفنها زارها أبو عبد الله عليه السلام ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة أمر برفع العذاب عن هذه المقبرة، فصرت في نعمة وسعة وخفض عيش ودعة. فانتبه متحيرا ولم تكن له معرفة بالحداد ومحله، فطلبه في سوق الحدادين فوجده، فقال له: ألك زوجة؟ قال: نعم، توفيت بالأمس ودفنتها في المكان الفلاني، وذكر الموضع الذي أشار إليه. قال: فهل زارت أبا عبد الله عليه السلام؟ قال: لا. قال: فهل كانت تذكر مصائبه؟ قال: لا. قال: فهل كان لها مجلس تذكر فيه مصائبه؟ قال: لا. فقال الرجل: وما تريد من السؤال؟ فقص عليه رؤياه، قال: كانت مواظبة علي زيارة عاشوراء».(الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان: ص 463).
قال الصادق [جعفر بن محمد عليهما السلام] : «وُجِدَ [فيه] بِالحُسَينِ عليه السلام ثَلاثٌ وثَلاثونَ طَعنَة ، وأربَعٌ وثَلاثونَ ضَربَة».(أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين : ص200؛ محمد بن جرير الطبري، دلائل الإمامة : ص178؛ ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص 58؛ السيد ابن طاووس، اللهوف في قتل الطفوف: ص 76، العاملي، الدر النظيم : ص 572؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص57).
مصادر أهل السنة: البلاذري، أنساب الأشراف: ج3، ص203؛ المسعودي، مروج الذهب: ج3، ص62؛ محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري: ج4، ص346؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4، ص79؛ النويري، نهاية الأرب: ج20، ص 460؛ الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 2، ص 42.
وَ رُوِيَ أيضا: «قِيلَ أَلْفٌ وَ تِسْعُمِائَهِ جِرَاحَهٍ وَ كَانَتِ اَلسِّهَامُ فِي دِرْعِهِ كَالشَّوْكِ فِي جِلْدِ اَلْقُنْفُذِ».(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص258؛ العلامة
ص: 561
المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص 52).
وَوَرَدَ: «وأمَرَ [شِمْرِ] الرُّماة أن يَرموهُ ، فَرَشَقوهُ بِالسِّهامِ حَتّي صارَ كَالقُنفُذِ، فَأَحجَمَ عَنهُم».(الشيخ المفيد، الإرشاد: ج2، ص111؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: ج1، ص468؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: ص189؛ يوسف بن حاتم العاملي، الدر النظيم : ص558).
ورُويَ في كِتَابُ اَلنَّوَادِرِ لِعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قال: إن أبا جعفر عليه السلام قال: «..وَ لَقَدْ قَتَلوهُ قِتلَهً نَهي رسول الله صلي الله عليه و آله أَنْ يُقْتَلَ بِهَا اَلْكِلاَبُ لَقَدْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَ اَلسِّنَانِ وَ بِالْحِجَارَة وَ بِالْخَشَبِ وَ بِالْعَصَا وَ لَقَدْ أَوْطَؤوهُ اَلْخَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ». (عدة محدثين (نخبة من الرواة)، الأصول الستة عشر: ص 122؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج45، ص91؛ الشيخ عبد الله البحراني، العوالم : الإمام الحسين عليه السلام : ص317).
ص: 562
وخير ما نبتدئ به القرآن الكريم.
1. إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام، الشيخ محمد السماوي (م. 1370)، تحقيق: الشيخ محمد جعفر الطبسي، الطبعة الأولي 1419، الناشر: مركز الدراسات الإسلامية لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية.
2. إثبات الهداة، الحر العاملي (م. 1104).
٣. الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي (م.560)، تحقيق: السيد محمد باقر الخرسان، سنة الطبع: 1386، الناشر: دار النعمان النجف الأشرف.
4. الاختصاص، الشيخ مفيد (م. 413)، تحقيق: علي أكبر الغفاري - السيد محمد الزرندي، الطبعة الثانية 1414، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع.
5. اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي (م.460)، تصحيح و تعليق: ميرداماد الأسترآبادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، سنة الطبع: 1404، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
6. الإرشاد، الشيخ المفيد (م.413)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، الطبعة الثانية 1414، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
7. إرشاد الأذهان، العلامة الحلي (م. 726)، تحقيق: الشيخ فارس الحسون، الطبعة الأولي 1410، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ص: 563
8. إرشاد القلوب، الحسن بن محمد الديلمي (م. ق 8)، الطبعة الثاني 1415، الناشر: الشريف الرضي.
9. الإشارات والتنبيهات، أبو علي سينا (م.428)، (الشرح: نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي - شرح الشرح: العلامة قطب الدين محمد بن محمد أبي جعفر الرازي، الطبعة الأولي 1383 ش، الناشر: نشر البلاغة - قم
10. الأصول الستة عشر، عدة محدثين (م. ق 2)، الطبعة الثانية 1405، الناشر: دار الشبستري للمطبوعات - قم
11. الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق (م. 381)، تحقيق: عصام عبد السيد، الطبعة الثانية 1414، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
12. أعلام الدين في صفات المؤمنين، الديلمي (م. ق 8)، نشر وتحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
13. إعلام الوري بأعلام الهدي، الشيخ الطبرسي (م. 548)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي 1417، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
14. إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس (م. 664 أو 668)، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.
15. إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علي اليزدي الحائري (م. 1333)، تحقيق: السيد علي عاشور.
16. ألقاب الرسول صلي الله عليه و آله وعترته، مجموعة من قدماء المحدثين (م. ق 4)، سنة الطبع: 1406، الناشر: مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي - قم
17. الأمالي، الشريف المرتضي (م. 436)، تصحيح و تعليق: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الطبعة الأولي 1325، الناشر: مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي.
18. أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق (م.381)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولي 1417، الناشر: مؤسسة البعثة .
ص: 564
19. الإمامة والتبصرة، ابن بابويه القمي (م.329)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم المقدسة، الطبعة الأولي 1404، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم المقدسة .
20. الأنوار القدسية، الشيخ محمد حسين الأصفهاني (م. 1320)، تصحيح و تعليق: الشيخ علي النهاوندي، الطبعة الأولي 1415، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية -قم
21. الإيقاظ من الهجعة بالبرهان علي الرجعة، الحر العاملي (م. 1104)، تحقيق: مشتاق المظفر، الطبعة الأولي 1422، الناشر: دليل ما - قم.
22. بحار الأنوار، العلامة المجلسي (م.1110)، الطبعة الثانية 1403، الناشر: مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان.
23. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني (م. 1107)، الطبعة الأولي 1417، الناشر: مؤسسة دار التفسير.
24. بشارة المصطفي، محمد بن علي الطبري (م. 525)، التحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، الطبعة الأولي 1420، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة.
25. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ، الصفار، (م. 290)، تصحيح و تعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، سنة الطبع: 1404، الناشر: منشورات الأعلمي - طهران.
29. بغية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد العقيلي الحلبي، ابن العديم، (م. 660)، حققه وقدم له: الدكتور سهيل زكار، سنة الطبع: 1408، الناشر: مؤسسة البلاغ، بيروت - لبنان.
27. البلد الأمين والدرع الحصين، الشيخ إبراهيم الكفعمي (م.905)، سنة الطبع: 1383، الناشر: مكتبة الصدوق، طهران - بازار سراي ارديبهشت
28. بيت الأحزان، الشيخ عباس القمي (م. 1359)، الطبعة الأولي 1412، الناشر: دارالحكمة - قم
29. تاريخ آل زرارة، أبو غالب الزراري (م. 368)، سنة الطبع: 1399، المطبعة: رباني.
ص: 565
30. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، شرف الدين الحسين الأسترآبادي (م. ن 965)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الطبعة الأولي 1407، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف- قم المقدسة .
31. تحرير الأحكام، العلامة الحلي (م. 726)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الأولي 1420، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام.
32. تحفة السنية في شرح نخبة المحسنية، السيد عبد الله الجزائري (م. 1173)، مخطوط.
33. تذكرة الشهداء.
34.. تسلية المجالس، محمد بن أبي طالب.
30. . التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، السيد ابن طاووس (م. 664)، الطبعة الأولي 1416، الناشر: مؤسسة صاحب الأمرعجل الله تعالي فرجه الشريف .
36. تفسير أبي حمزة الثمالي، أبو حمزة الثمالي (م.148)، الطبعة الأولي 1420، الناشر: دفتر نشر الهادي.
37. تفسير الإمام العسكري عليه السلام، المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام (م.260)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الطبعة الأولي 1409، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم المقدسة.
38. تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، السيد حيدر الآملي (م. 782)، تحقيق: السيد محسن الموسوي التبريزي، الطبعة الرابعة 1428، الناشر: مؤسسه فرهنگي و نشر نور علي نور.
39. تفسير الميزان، السيد الطباطبائي (م. 1402)، الناشر: مؤسسة النشر- الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
40. تفسير العاملي، إبراهيم العاملي (م. 1388)، تصحيح: علي أكبر الغفاري، الناشر: مكتبة الصدوق.
ص: 566
41. تفسير كبير منهج الصادقين في إلزام المخالفين، الملا فتح الله الكاشاني (م. 988)، فارسي، سنة الطبع: 1333 ش، المطبعة: محمد حسن علمي
42. تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي (م. 1125)، تحقيق: حسين درگاهي، الطبعة الأولي 1407، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر- وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
43. تفسير الصافي، فيض كاشاني (م. 1091)، الطبعة الثانية 1416، الناشر: مكتبة الصدر - طهران.
44. تفسير العياشي، أبو النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي (م. 320 ه. ق)، تحقيق وتعليق وتصحيح: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الناشر والمطبعة، المكتبة العلمية الإسلامية.
45. تفسير جوامع الجامع، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م.548)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولي 1418، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
46. تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي (م. 352)، تحقيق: محمد الكاظم، الطبعة الأولي 1410، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي - طهران.
47. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي (م. 307)، الناشر: مؤسسة دار الكتاب - قم
48. تفسير مجمع البيان، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م. 548)، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة الأولي 1415، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
49. تفسير نور الثقلين، الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (م. 1112)، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة الرابعة 1412، الناشر: مؤسسة إسماعيليان - قم
ص: 567
50. التمحيص، محمد بن همام الإسكافي (م. 336)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف- قم المقدسة.
51. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري (م. 605)، مجموعة ورام، الطبعة الثانية 1368 ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية.
52. تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي (م. 460)، تحقيق و تعليق: السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة 1365 ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية.
53. الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي (م. 560)، تحقيق: نبيل رضا علوان، الطبعة الثانية 1412، الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر - قم المقدسة.
54. ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق (م.381)، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة الثانية 1368 ش، الناشر: الشريف الرضي - قم
55. جامع الأسرار ومنبع الأنوار، السيد حيدر الآملي (م. 8)، الطبعة الثانية 1368 ش، الناشر: شركت انتشارات علمي و فرهنگي وابسته به وزارت فرهنگ و آموزش عالي و انجمن ايرانشناسي فرانسه.
56. جامع عباسي، الشيخ البهائي العاملي (م. 1031)، فارسي، الناشر: مؤسسة انتشارات فراهاني - طهران.
57. الجواهر السنية، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (م. 1104)، سنة الطبع: 1384المطبعة : النعان - النجف الأشرف.
58. الحدائق الوردية، المحلي (م.652).
59. حقائق الإيمان، الشهيد الثاني (م. 965)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الأولي 1409، الناشر: مكتبة آية الله العظمي المرعشي - قم المقدسة.
60. حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار، السيد هاشم البحراني (م. 1107)، سنة الطبع: 1356 ش، الناشر: دار الكتب العلمية - قم .
ص: 568
61. الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (م. 573)، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، إشراف: السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، الطبعة الأولي 1409، الناشر: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم المقدسة.
62. الخصال، الشيخ الصدوق (م. 381)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، سنة الطبع: 1403، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
63. خلاصة الأقوال العلامة الحلي (م. 726)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولي 1417، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.
64. الدر النظيم، حاتم العاملي (م.664)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
65. الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، الشهيد الأول (م. 786)، الطبعة الأولي1379 ش، الناشر: زائر.
66. الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهيد الأول (م. 786)، تحقيق: مؤسسة النشر-الإسلامي، الطبعة الثانية 1417، الناشر: مؤسسة النشر - الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
67. الدعوات، قطب الدين الراوندي (م. 573)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الطبعة الأولي 1407، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم
68. دلائل الإمامة، الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري (م. قرن 4)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولي 1413، الناشر: مؤسسة البعثة-قم
69. ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري (م.1090)، الطبعة: حجرية، الناشر: مؤسسة آل البيت عجل الله تعالي فرجه الشريف لإحياء التراث.
70. ذكري الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (م. 786)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي 1419، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
ص: 569
71. رجال ابن داود، ابن داود الحلي (م. 740)، تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، سنة الطبع: 1392، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، الشريف الرضي - قم
72. رسائل الشهيد الثاني، الشهيد الثاني (م. 965)، الطبعة: حجرية، الناشر: مكتبة بصيرتي -قم
73. رسائل الكركي، المحقق الكركي (م. 940)، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الأولي 1409، الناشر: مكتبة آية الله العظمي المرعشي۔ النجفي - قم.
74. رسائل و مسائل، ملا أحمد النراقي (م. 1345)، فارسي، تحقيق: رضا الأستادي، الطبعة الأولي 1380 ش، الناشر: كنگره بزرگداشت ملا مهدي و ملا أحمد نراقي.
70. الرواشح السماوية، المحقق الداماد (م.1041)، تحقيق: غلام حسين قيصريه ها، نعمة الله الجليلي، الطبعة الأولي 1422، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر .
76. روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، الشيخ أبو الفتوح الرازي (م. ق 6)، فارسي، تصحيح: الدكتور محمد جعفر ياحقي - الدكتور محمد مهدي ناصح، سنة الطبع:1371 ش، الناشر: آستان قدس رضوي.
77. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (م. 1070)، نققه وعلق عليه: السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي، الناشر: بنياد فرهنگ اسلامي حاج محمد حسين كوشانپور.
78. روضة الواعظين، محمد بن الفتال النيشابوري الشهيد (م. 508)، تحقيق: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الناشر: الشريف الرضي - قم
79. الروضة في فضائل أمير المؤمنين، شاذان بن جبرئيل القمي، (م.660)، تحقيق: علي الشكر چي، الطبعة الأولي 1423.
ص: 570
80. زبدة التفاسير، الملا فتح الله الكاشاني (م. 988)، تحقيق: مؤسسة المعارف، الطبعة الأولي 1423، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم.
81. شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي (م.1411)، تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي۔ النجفي، تصحيح: السيد إبراهيم الميانجي، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي - قم
82. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (م. 363)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، الطبعة الثانية 1414، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
83. شرح الأسماء الحسني، ملا هادي السبزواري (م. 1289)، الطبعة: حجرية، الناشر: مكتبة بصيرتي، قم.
84. شرح تبصرة المتعلمين، آقا ضياء العراقي (م.1361)، كتاب القضاء، تحقيق: محمد هادي معرفة، المطبعة: مهر - قم
85. شرح توحيد الصدوق، القاضي سعيد القمي (م. 1103).
86. الصحيفة السجادية الكاملة، الإمام زين العابدين عليه السلام (م. 94)، خط: عبد الرحيم أفشاري زنجاني، سنة الطبع: 1404، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
87. الصراط المستقيم إلي مستحقي التقديم، زين الدين أبو محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (م. 877)، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، الطبعة الأولي 1384، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
88. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيد ابن طاووس (م. 664)، الطبعة الأولي 1399 ، المطبعة: الخيام - قم.
89. عدة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلي (م.841)، تصحيح: أحمد الموحدي القمي، الناشر: مكتبة وجداني - قم
ص: 571
90. العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي (م. 7)، تحقيق:علي أوسط الناطقي، الطبعة الأولي 1423، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر.
91. علل الشرايع، الصدوق (م.381)، تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، سنة الطبع: 1385، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.
92. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن البطريق الأسدي الحلي (م. 600)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
93. العوالم - الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ عبد الله البحراني (م. 1130)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الطبعة الأولي 1407، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف
94. عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ابن أبي جمهور الأحسائي (م. 880)، تحقيق: الشيخ مجتبي العراقي، الطبعة الأولي 1403 المطبعة : سيد الشهداء - قم
95. العويص، الشيخ المفيد (م. 413)، تحقيق: الشيخ محسن أحمدي، ، الطبعة الثانية 1414، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
96. عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي (م. ق 6)، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، الطبعة الأولي، الناشر: دار الحديث.
97. عيون المعجزات، حسين بن عبد الوهاب (م. ق 5)، سنة الطبع: 1369 ، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.
98. عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق (م. 381)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الأولي 1404، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
99. الغارات، إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (م. 283)، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث.
100. غاية المرام، السيد هاشم البحراني (م. 1107)، تحقيق: السيد علي عاشور.
101. الغدير، الشيخ الأميني (م. 1392)، الطبعة الرابعة 1397، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان.
ص: 572
102. الغرر الحكم، التميمي الآمدي.
103. الغيبة، ابن أبي زينب النعماني (م. 380)، تحقيق: فارس حسون كريم، الطبعة الأولي 1422، الناشر: أنوار الهدي.
104. الغيبة، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (م. 460)، تحقيق: عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الأولي 1411، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم المقدسة.
105. الفتوح، أحمد بن اعثم الكوفي (م. 314)، تحقيق: علي شيري، الطبعة الأولي 1411، الناشر: دار الأضواء.
106. الفرج بعد الشدة، القاضي التنوخي (م. 384)، الطبعة الثانية 1364 ش، الناشر: الشريف الرضي - قم
107. الفصول المهمة في أصول الأئمة، الحر العاملي (م. 1104)، تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني، الطبعة الأولي 1418، الناشر: مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا عليه السلام.
108. الفضائل، شاذان بن جبرئيل (م. 660)، سنة الطبع: 1381 ، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.
109. فقه الرضا عليه السلام، علي بن بابويه القمي (م. 329)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي 1406، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام- مشهد المقدسة .
110. فلاح السائل، السيد ابن طاووس (م. 664).
111. فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، النجاشي (م450)، الطبعة الخامسة 1416، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .
112. قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، الطبعة الأولي1419، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .
ص: 573
113. قرب الإسناد، الحميري القمي (م. 304)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي 1413، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
114. قصص الأنبياء، الراوندي (م. 573)، تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني، الطبعة الأولي 1418، الناشر: الهادي.
115. قواعد الأحكام، العلامة الحلي (م. 726)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولي 1413، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
116. القواعد والفوائد، الشهيد الأول (م. 786)، تحقيق: السيد عبد الهادي الحكيم، الناشر: مكتبة المفيد - قم
117. كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه (م. 367)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولي 1417، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.
118. كامل البهائي، عماد الدين الطبري.
119. كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري (م.1281)، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام للطباعة والنشر.
120. كتاب المكاسب، الشيخ الأنصاري (م.1281)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الأولي 1415، الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكري المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.
121. كتاب سليم بن قيس، سليم بن قيس الهلالي الكوفي (م. ق 1)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، الطبعة الأولي 1422، الناشر: دليل ما
122. كشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن عيسي ابن أبي الفتح الأربلي (م. 693)، الطبعة الثانية 1405، الناشر: دار الأضواء - بيروت.
123. كشف اللثام، الفاضل الهندي (م. 1137)، سنة الطبع: 1405، الناشر: مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي - قم
ص: 574
124. كشف المحجة لثمرة المهجة، السيد ابن طاووس (م. 664)، فارسي، المترجم: أسد الله مبشري، الطبعة الثانية 1374ش، الناشر: دفتر نشر فرهنگ إسلامي.
125. كفاية الأثر، الحزاز القمي (م. 400)، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، سنة الطبع: 1401، الناشر: بيدار.
126. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق (م. 381)، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، سنة الطبع: 1405، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
127. كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي (م. 449)، الطبعة الثانية 1369 ش، الناشر: مكتبة المصطفوي - قم
128. الكني والألقاب، الشيخ عباس القمي (م. 1359)، الناشر: مكتبة الصدر - طهران.
129. اللهوف في قتلي الطفوف، السيد ابن طاووس (م. 664)، الطبعة الأولي1417، الناشر: أنوار الهدي - قم
130. لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين (م. 1371)، سنة الطبع: 1331، الناشر: مكتبة بصيرتي - قم
131. مئة منقبة، ابن شاذان (م. 412)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الطبعة الأولي 1407، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم المقدسة.
132. مثير الأحزان، ابن نما الحلي (م. 645)، سنة الطبع: 1369، الناشر: المطبعة الحيدرية -النجف الأشرف.
133. المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة، السيد شرف الدين (م. 1377)، مراجعة و تحقيق : محمود البدري، الطبعة الأولي 1421، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية.
134. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي (م. 1085)، الطبعة الثانية 1362 ش، الناشر: مرتضوي.
135، مجمع النورين، الطبعة: حجرية، الشيخ أبو الحسن المرندي.
ص: 575
136. المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي (م. 274)، تصحيح و تعليق: السيد جلال الدين الحسيني المحدث، سنة الطبع: 1370، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.
137. المحتضر، عز الدين الحسن بن سليمان الحلي (م. ق 9)، تحقيق: السيد علي أشرف، الطبعة الأولي 1424 ، الناشر: المكتبة الحيدرية.
138. المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء، الفيض الكاشاني (م.1091)، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، الناشر: دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم.
139. مختصر- بصائر الدرجات، عز الدين الحسن بن سليمان الحلي (م. ق 9)، الطبعة الأولي 1370، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.
140.مختلف الشيعة، العلامة الحلي (م. 726)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية 1413، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
141. مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني (م. 1107 ه. ق)، تحقيق: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، الطبعة الأولي 1413، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية .
142. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة المجلسي (م.1111)، تقديم: السيد مرتضي العسكري، إخراج ومقابلة وتصحيح: السيد هاشم الرسولي، الطبعة الثانية 1404، الناشر: دار الكتب الإسلامية.
143. المزار، محمد بن المشهدي (م. ق 6)، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، الطبعة الأولي 1419، الناشر: نشر القيوم - قم
144. المسائل العكبرية، الشيخ المفيد (م. 413)، تحقيق: علي أكبر الإلهي الخراساني، الطبعة الثانية 1414، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
145. مسائل علي بن جعفر، علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام (م. ق 2)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي 1409، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام مشهد المقدسة.
ص: 576
146. مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري (م. 1320)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي 1408، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
147. مسند الرضا عليه السلام، داود بن سليمان الغازي (م. 203)، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، الطبعة الأولي 1418، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.
148. مشارق أنوار اليقين، الحافظ رجب البرسي (م. ح 813)، تحقيق: السيد علي عاشور، الطبعة الأولي 1419 ، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
149. مشرق الشمسين، البهائي العاملي (م. 1031)، الطبعة: حجرية، الناشر: مكتبة بصيرتي-قم
150. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي (م. ق 7)، تحقيق: مهدي هوشمند، الطبعة الأولي 1418، الناشر: دار الحديث.
151. مصادقة الإخوان، الشيخ الصدوق (م.381)، إشراف: السيد علي الخراساني الكاظمي، الناشر: مكتبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف العامة.
152. المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية)، الشيخ إبراهيم الكفعمي (م. 905)، الطبعة الثالثة 1403، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
153. مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة)، المير جهاني (م. 1388)، سنة الطبع: 1388.
154. مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب للإمام الصادق عليه السلام (م.148)، الطبعة الأولي 1400، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
155. مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي (م. 460)، الناشر: مؤسسة فقه الشيعة، بيروت - لبنان.
156. معالم الدين وملاذ المجتهدين (قسم الفقه)، حسن بن زين الدين العاملي (م.1011)، تحقيق: السيد منذر الحكيم، الطبعة الأولي 1418، الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر.
107. معالي السبطين، الشيخ محمد مهدي المازندراني (م. 1385).
ص: 577
158. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق (م.381)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، سنة الطبع: 1361ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .
159. معجم رجال الحديث، السيد الخوئي (م. 1413)، الطبعة الخامسة 1413.
160. مفتاح الفلاح، البهائي العاملي (م. 1031)، الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
161. مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي (م. 157)، تعليق: حسن الغفاري، المطبعة: العلمية - قم
162. المقنع، الشيخ الصدوق (م. 381)، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي عليه السلام، سنة الطبع: 1415، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام.
163. المقنعة، الشيخ المفيد (م. 413)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية 1410، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
164. مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي (م.548)، الطبعة السادسة 1392، الناشر: الشريف الرضي.
165. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق (م. 381)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية 1404، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
166. المناقب، محمد بن علي بن الحسين (م. ق 5).
167. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (م. 588)، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، سنة الطبع: 1376، الناشر: مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.
168. مناقب آل محمد، عبد الواحد الموصلي.
169. مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، محمد بن سليمان الكوفي (م.300)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الأولي 1412، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة.
170. منتهي المطلب، العلامة الحلي (م. 726)، الطبعة: حجرية .
ص: 578
171. منية المريد، الشهيد الثاني (م. 966)، تحقيق: رضا المختاري، الطبعة الأولي 1409، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.
172. نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، القاضي التنوخي (م. 384)، تحقيق: عبود الشالجي المحامي، سنة الطبع: 1393.
173. نفس الرحمن في فضائل سلمان، حسين النوري الطبرسي (م. 1320)، تحقيق: جواد القيومي الجزه اي الإصفهاني، الطبعة الأولي 1411، الناشر: مؤسسة الآفاق.
174. نهج الإيمان، ابن جبر (م. ق 7)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الأولي 1418، الناشر: مجتمع إمام هادي عليه السلام، مشهد.
175. نهج البلاغه، خطب الإمام علي (م. ق 40)، شرح: الشيخ محمد عبده، الطبعة الأولي 1412، الناشر: دار الذخائر، قم - إيران.
176. نهج الحق وكشف الصدق، العلامة الحلي (م. 726)، تقديم: السيد رضا الصدر، تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي، سنة الطبع: 1421، الناشر:مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة - قم
177. النوادر، فضل الله الراوندي (م. 571)، تحقيق: سعيد رضاعلي العسكري، الطبعة الأولي 1377ش، الناشر: مؤسسة دار الحديث الثقافية.
178. نوادر المعجزات، محمد بن جرير الطبري الشيعي، (م. ق 4)، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف ، الطبعة الأولي 1410، الناشر: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف - قم المقدسة.
179. الهداية الكبري، الحسين بن حمدان الخصيبي (م. 334)، الطبعة الرابعة 1411، الناشر: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
180. الوافي، الفيض الكاشاني (م.1091)، غني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل: ضياء الدين الحسيني الإصفهاني، الطبعة الأولي 1406، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة - إصفهان.
ص: 579
181. وسائل الشيعة، الحر العاملي (م. 1104)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الثانية 1414، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم.
182. اليقين، السيد ابن طاووس (م. 6)، تحقيق: الأنصاري، الطبعة الأولي 1413، الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري)، قم.
183. الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي (م.911)، تحقيق: سعيد المندوب، الطبعة الأولي 1416، الناشر: دار الفكر - بيروت.
184. إثبات الوصية، المسعودي.
185. الآحاد والمثاني، ابن أبي عاصم الضحاك، (م. 287)، تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة، الطبعة الأولي 1411، الناشر: دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع.
186. إحياء علوم الدين، الغزالي (م. 505)، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت.
187. الأدب المفرد، البخاري (م. 256)، الطبعة الأولي 1406، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت - لبنان.
188. الاستيعاب، ابن عبد البر (م. 463)، تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة الأولي 1412، الناشر: دار الجيل، بيروت.
189. أسد الغابة، عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير (م. 630)، الناشر: إسماعيليان، طهران.
190. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (م. 852)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولي 1415، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت،.
191. إمتاع الأسماع، المقريزي (م. 845)، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد النميسي، الطبعة الأولي 1999م، سنة الطبع: 1420، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
ص: 580
192.البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (م. 774)، تحقيق وتدقيق وتعليق : علي شيري، الطبعة الأولي 1408 ه. ق، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
193. تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي (م.911)، تحقيق: لجنة من الأدباء، توزيع: دار التعاون عباس أحمد الباز، مكة المكرمة.
194. التاريخ الكبير، البخاري (م. 256)، الناشر: المكتبة الإسلامية .
195. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي (م. 463)، دراسة وتحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، الطبعة الأولي 1417، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
196. تاريخ ابن معين الدوري، يحيي بن معين (م. 233)، تحقيق: عبدالله أحمد حسن، الناشر: دار القلم.
197. تاريخ الإسلام، الذهبي (م.748)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الأولي 1407، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت.
198. تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، ابن جرير الطبري (م.310)، مراجعة و تصحيح: نخبة من العلماء الأجلاء، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت.
199. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر (م. 571)، تحقيق: علي شيري، سنة الطبع 1415، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
200. التذكرة الحمدونية، ابن حمدون (م. 562)، تحقيق: إحسان عباس وبكر عباس، الطبعة الأولي 1996م، الناشر: دار صادر للطباعة والنشر.
201. ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، ابن عساكر (م. 571)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الثانية 1414، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.
202. تفسير ابن عربي، ابن عربي (م. 638)، ضبطه وصححه وقدم له : الشيخ عبد الوارث محمد علي، الطبعة الأولي 2001م، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
203. تفسير أبي السعود، أبو السعود (م. 951)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت .
ص: 581
204. تفسير الآلوسي، الآلوسي (م1270).
205. تفسير الثعلبي، الثعلبي (م. 427)، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، الطبعة الأولي 1422، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.
206. تفسير الرازي (التفسير الكبير)، الرازي (م. 606).
207. تفسير القرطبي، القرطبي (م. 671)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.
208. تلخيص الحبير، ابن حجر (م. 852)، الناشر: دار الفكر.
209. تهذيب الكمال، المزي (م. 742)، تحقيق وضبط وتعليق : الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة 1406، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان،
210. تهذيب التهذيب، شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (م. 852)، الطبعة الأولي 1404، الناشر: دار الفكر.
211. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري (م.310)، ضبط وتوثيق و تخريج: صدقي جميل العطار، سنة الطبع: 1415، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر - والتوزيع، بيروت - لبنان.
212. الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي (م.911)، الطبعة الأولي 1401، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
213. جواهر العقدين، السمهودي.
214. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام، محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي (م. 871)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الأولي 1415، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم
215. الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، البري (م. ق 7)، تحقيق: الدكتور محمد التونجي الطبعة الأولي 1902، الناشر: مكتبة النوري - دمشق.
ص: 582
216. خصائص أمير المؤمنين عليه السلام، النسائي (م. 303 ه. ق)، تحقيق وتصحيح الأسانيد و وضع الفهارس: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوي الحديثة - طهران.
217. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين البيهقي (م. 458)، وثق أصوله وخرج حديثه وعلق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولي 1405، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
218. ذخائر العقبي، أحمد بن عبد الله الطبري (م. 694)، سنة الطبع: 1356، الناشر: مكتبة القدسي - القاهرة.
219. الذرية الطاهرة النبوية، محمد بن أحمد الدولابي (م.310)، تحقيق: سعد المبارك الحسن، الطبعة الأولي 1407، الناشر: الدار السلفية - الكويت.
220. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري (م. 538)، تحقيق: عبد الأمير مهنا، الطبعة الأولي 1412، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
221. الرياض النضرة في مناقب العشرة، أبو جعفر أحمد المحب الطبري (م.694)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
222. سبل الهدي والرشاد، الصالحي الشامي (م. 942)، تحقيق وتعليق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الطبعة الأولي 1414، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
223. سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني (م. 273)، تحقيق وترقيم وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
224. سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني (م. 275)، تحقيق وتعليق : سعيد محمد اللحام، الطبعة الأولي 1410، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
225. السنن الكبري، النسائي (م. 303)، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، الطبعة الأولي 1411، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
ص: 583
226. السنن الكبري، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (م. 458 ه. ق)، الناشر: دار الفكر - بيروت.
227. سنن الترمذي، أبو عيسي محمد بن عيسي بن سورة الترمذي (م. 279)، تحقيق: عبدالوهاب عبد اللطيف، سنة الطبع: 1403، الناشر: دار الفكر - بيروت.
228. السيرة الحلبية، الحلبي (م. 1044)، سنة الطبع: 1400، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
229. سير أعلام النبلاء، الذهبي (م.748)، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق: حسين الأسد، الطبعة التاسعة 1413، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.
230. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (م. 656)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.
231. شعب الإيمان، أحمد بن الحسين البيهقي (م. 458)، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، تقديم: عبد الغفار سليمان البنداري، الطبعة الأولي 1410، الناشر: دارالكتب العلمية، بيروت - لبنان.
232. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان بن أحمد (م. 354)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثانية 1414، الناشر: مؤسسة الرسالة.
233. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري (م. 256)، سنة الطبع: 1401، الناشر: دار الفكر - بيروت.
234. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيشابوري (م. 261)، الناشر: دار الفكر - بيروت.
235. الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيتمي المكي (م. 974)، خرج أحاديثه وعلق حواشيه وقدم له: عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية1385، الناشر: مكتبة القاهرة.
236. الطبقات الكبري، ابن سعد (م. 230)، الناشر: دار صادر - بيروت.
237، عمدة القاري، العيني (م. 855)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت .
ص: 584
238. العين، الخليل الفراهيدي (م. 175)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية 1409، الناشر: مؤسسة دار الهجرة.
239. الفايق في غريب الحديث، الزمخشري (م. 538)، الطبعة الأولي 1417، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
240. الفتاوي الكبري، ابن تيمية (م. 728)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفي عبد القادر عطا، الطبعة الأولي 1408، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
241. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني (م. 852)، الطبعة الثانية، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت.
242. فضائل الصحابة، النسائي (م. 303)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
243. فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي (م. 1031)، تحقيق و تصحيح: أحمد عبد السلام، الطبعة الأولي 1415، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
244. الكامل في التاريخ، ابن الأثير (م.630).
245. كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب (الخصائص الكبري)، جلال الدين السيوطي (م.911)، سنة الطبع: 1320، الناشر: دار الكتاب العربي.
246. كنز العمال، المتقي الهندي (م. 975)، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، سنة الطبع: 1409، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.
247. لسان العرب، ابن منظور (م.711)، سنة الطبع: 1405، الناشر: أدب الحوزة.
248. لسان الميزان، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (م. 825) الطبعة الثانية 1390، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
249. مجمع الزوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (م. 807)، سنة الطبع: 1408، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
250. مجموعة الفتاوي، ابن تيمية (م. 728).
ص: 585
251. المحاضرات والمحاورات، جلال الدين السيوطي (م.911)، تحقيق: الدكتور يحيي الجبوري، الطبعة الأولي 142٤، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان.
252. المستدرك علي الصحيحين، محمد بن عبدالله المعروف بالحاكم النيسابوري (م. 405)، تحقيق: الدكتور يوسف المرعشلي، سنة الطبع: 1406، الناشر: دار المعرفة، بيروت.
253. مسند أبي يعلي الموصلي، أحمد بن علي بن المثني التميمي الموصلي (م. 307)، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث.
254. مسند أبي داود الطيالسي، سليمان بن داود الطيالسي (م. 204)، الناشر: دار المعرفة بيروت - لبنان.
255. مسند أحمد، أحمد بن حنبل (م. 241)، الناشر: دار صادر - بيروت.
256. المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي (م. 235 ه. ق)، تحقيق: سعيد محمد اللحام، الطبعة الأولي 1409، الناشر: دار الفكر.
257. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهم السلام، محمد بن طلحة الشافعي (م. 652)، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية.
258. معارج الوصول إلي معرفة فضل آل الرسول عليهم السلام، الشيخ محمد الزرندي الحنفي (م. 750)، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية.
259. معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي)، البغوي (م.510)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، الناشر: دار المعرفة.
260. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (م. 360)، تحقيق و تخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، الناشر: دار إحياء التراث العربي.
261. معرفة السنن والآثار، البيهقي (م. 458)، تحقيق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية.
262. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني (م.356)، تقديم وإشراف: كاظم المظفر، الطبعة الثانية 1385، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.
ص: 586
263. المناقب، الموفق الخوارزمي (م. 568)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، الطبعة الثانية 1414، الناشر: مؤسسة النشر- الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
264. مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي (م. 483)، الطبعة الأولي 1426، الناشر: انتشارات سبط النبي عليهاالسلام.
265. منتخب مسند عبد بن حميد، عبد بن حميد بن نصر الكسي (م.249)، حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه: السيد صبحي البدري السامرائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، الطبعة الأولي 1408، الناشر: مكتبة النهضة العربية.
266. موارد الظمآن، الهيثمي (م. 807)، تحقيق: حسين سليم أسدالداراني، الطبعة الأولي 1411، الناشر: دار الثقافة العربية .
267. المواقف، الإيجي (م.756)، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الطبعة الأولي 1417، الناشر: دار الجيل - بيروت.
268. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحلواني (م. 5)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، الطبعة الأولي 1408، الناشر: مدرسة الإمام المهدي - قم المقدسة.
269. نظم درر السمطين، محمد الزرندي الحنفي (م. 750)، الطبعة الأولي 1377.
270. نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري (م. 733)، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
271. الوافي بالوفيات، الصفدي (م. 764)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفي، سنة الطبع: 1420، الناشر: دار إحياء التراث.
272. ينابيع المودة لذوي القربي، الشيخ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي (م. 1294)، التحقيق : السيد علي جمال أشرف الحسيني، الطبعة الأولي 1416، الناشر: دار الأسوة.
ص: 587
ص: 588
في وصف الإمام الحسين عليه السلام
روز عاشورا است يا صبح ازل ***مشرق الانوار وجه لم يزل
مطلع الفجر شب قدر وجود ***شد برون از پرده هر سري كه بود
دوش سر خيل رسالت بي رداست***چون عزاي خامس آل عباست
من چه گويم بارالها روز كيست ***آن قدر گويم كه روز آن كسي است
كه خريدار متاع او خداست*** خون او را خود خدايش خونبهاست
درج عصمت گوهرش را پروريد ***حق در آن تن روح قدسي را دميد
شير نوشيد از زبان مصطفي*** پرورش دادش دو دست مرتضي
مهد جنبانش بود روح الامين*** رفت در گهواره تا خلد برين
روز اول پر گشود او تا فلك*** بال و پر بگرفت از فرش ملك
روز آخر درگذشت از ما سوي*** رفت با سر تا حريم كبريا
از همه كون و مكان دامن كشيد ***خود خدا داند كجا او آرميد
تشنه لب جان داد بر شط فرات*** خاك درگاهش بشد آب حيات
كاروان سالار عشاق خدا است*** در صراط الله مصباح الهدي است
عرش اعلي منزل آب و گلش*** تا كجا رفته دگر جان و دلش
ص: 589
هست دست عالمي بر دامنش*** ماه و پروين خوشه چين خرمنش
قطب هستي نقطه خال لبش*** گردن گردون اسير زينبش
در سپهر معرفت شمس الضحي است*** در مدار بندگي بدر الدجي است
كشتي طوفان گرداب بلا است*** شاهد محشر شهيد كربلا است
عقل حيران، عشق سرگردان كه كيست*** آنكه نام او حسين بن علي است
پرده خيمه چو افكند از جمال*** وجه حق برداشت سبحات جلال
سوره توحيد يزدان شد برون*** قل تعالي الله عما يشركون
آفتابي ز آسمان آواره گشت*** چرخ عصمت آن زمان بيچاره گشت
ناگهان عقد ثريا را گسيخت*** پيش پايش هر چه اختر داشت ريخت
آه طفلان گشت سد راه شاه*** حلقه زد چون هاله گرد روي ماه
نوگلان در پيش آن عاليجناب*** ريختند از نرگس چشمان گلاب
كاي پدر شايد زما رنجيده اي*** بس كه بانگ العطش بشنيده اي
هين مرو بابا فدايت جان ما*** پا بنه بر ديده گريان ما
اشك و آه جمله را با اين كلام*** داد پاسخ كه عليكن السلام
چون وداع شاه با زينب رسيد*** محشري اندر حرم آمد پديد
زينب اي اعجوبه صبر و ظفر*** دخت رد الشمسي و شق القمر
اي بلند اختر چكيده عقل و دين*** دخت زهرا و امير المؤمنين
ني فقط شمس و قمر را دختري*** بلكه ناموس خداي اكبري
ص: 590
روي زانوي نبي بنشسته اي*** اندر آغوش علي پرورده اي
شير از پستان عصمت خورده اي*** گوي سبقت را ز عالم برده اي
زين آب هست ي اگردر خانه اي*** گنج حقي گرچه در ويرانه اي
همدم و همراه سلطان وجود*** با امين الله در غيب و شهود
آمد آندم راه را بر شه ببست*** سوز آهش قلب عالم را شكست
مهلتي اي زينت عرش برين*** جز تو سبطي نيست بر روي زمين
اي تو تنها يادگار جد من*** مي رود با رفتن تو پنج تن
مهلتي اي شمع جمع اولين*** وي ز تو روشن چراغ آخرين
مي روي آهسته تر مركب بران*** مي رود با رفتنت جان از جهان
گفتني ها را به خواهر شاه گفت*** زان مسيحا دم گل زهرا شكفت
با زبان حال با بنت رسول*** گفت اي پرورده دست بتول
هان نپنداري كه پايان يافت راه*** راه ما را منتهي باشد اله
رفتم و هستي تو مير كاروان*** اين امانت را به جد من رسان
پاسداري كن پس از من از حريم*** خود نگهداري كن از در يتيم
غنچه نشكفته باغ مرا*** كن تو با خار مغيلان آشنا
اين يتيمان را كجا آرامش است*** مشعل شام غريبان آتش است
روز پيك حق تو در بازار باش*** شب پرستار تن بيمار باش
دختر رنجور اگر بيدار شد*** خواب ديد و تشنه ديدار شد
ص: 591
چون به ديدارم سپارد جان پاك*** در خرابه گنج را بسپر به خاك
هر كجا باشي دلم همراه توست*** اين سر خونين چراغ راه توست
زان سفر چون ديد نبود چاره اي*** رفت زينب جانب گهواره اي
شير خوار آورد آندم در برش*** تا كه قرآن را بگيرد بر سرش
چون كلام الله را بر سر گرفت*** سرور دين افسر از اصغر گرفت
طفلي افسرده دل و خشكيده لب*** بر سر دست پدر در تاب و تب
خواست تا بوسد لب خشك پسر*** تير كين بوسيد حلقش زودتر
شه رخ از خون پسر گلگون نمود*** چهره خورشيد غرق خون نمود
ارغواني رخ ز داغ اكبرش*** لاله گون گشتي ز خون اصغرش
نازمت اي برده از عالم سبق*** خون تو شد آبروي وجه حق
پس به سوي آسمان آن خون بريخت*** رشته صبر ملائك را گسيخت
غنچه نشكفه اي پژمرده گشت*** قلب عالم از غمش افسرده گشت
بر ذبيح عشق خواند آن دم نماز*** عقل حيران شد از آن راز و نياز
با نمازي كه بر آن پيكر گذاشت*** پرده هاي عرش را از هم شكافت
بانگ تكبيرش بر آن گلگون پسر*** زد به جان عالم امكان شرر
گنج هستي را به زير خاك كرد*** خاك را تاج سر افلاك كرد
گلشن خلقت از اين غنچه شكفت***راز هستي را عيان كرد و نهفت
دل نمي كند از كنار تربتش*** تا خطاب دع بشد از حضرتش
ص: 592
پس ز جا برخاست بر زين زد قدم*** باقدر گفتا قضا جف القلم
شاه چون بر پشت مركب جا گرفت*** عرش بر كرسي زين مأوي گرفت
ذو الجناح آندم براق راه شد*** ذو الجناحين از دو پاي شاه شد
از دو زانوي شه دين پر گرفت*** شهپر روح القدس در بر گرفت
طاير توحيد در پرواز شد*** شهسوار عشق ميدان تاز شد
كرد عزم شهريار آن شهريار*** گشت صحرا از قدومش لاله زار
فرش زير پاي شه رخسار حور*** بر سر شه افسر الله نور
مهر تابان از جمال او خجل*** عقل فعال از كمالش منفعل
نور حق را شمع رخسارش مثل*** طلعتش آئينه صبح ازل
ملك امكان خطه فرمان او*** گوي چرخ اندر خم چوگان او
نيست شد در هستي او هر چه بود*** همچو ماهيات در نور وجود
انبياء و مرسلين در هر طرف*** بهر ياريش دل و جان روي كف
پيش روي وي ملائك سر به دست*** ليك او سرگرم سوداي الست
پيك نصرت آمد و دادش جواب*** هين مشو بين من و ربم حجاب
چون خريدار ولاي او شدم*** عاشق كرب و بلاي او شدم
شه سوار و زينبش اندر ركاب*** چون مهي تحت الشعاع آفتاب
او چو شمع و خواهرش پروانه بود*** هر دو را از سوختن پروا نبود
ديد چون خالي است جاي مادرش***جاي مادر خواست بوسد حنجرش
ص: 593
بوسه زد چون بر گلوي خشك شاه*** گشت هم آغوش آندم مهر و ماه
بر گلوي خشك شاه چون لب نهاد*** آتشي اندر دل زينب فتاد
كان گلو را مصطفي بوسيده است*** مرتضي آن را چو گل بوييده است
چشمه جوشان عشق ذات هوست*** پس چرا خشكيده يا رب اين گلوست
پس ببوسيد و به ميدان شد روان*** سنگباران شد تن جان جهان
سنگ كين چون بر جبين شه نشست*** حق نما آئينه اي درهم شكست
روز شد بر اهل عالم شام تار*** منكسف شد شمس در نصف النهار
در حجاب خون نهان شد ماهتاب*** از خسوف ماه بگرفت آفتاب
دامنش را بر كشيد و ناگهان*** گشت سرمستتر حق عيان
سينه اي كو مخزن توحيد بود*** برتر از ترسيم و از تحديد بود
سينه يا گنجينه گنج وجود*** رازدار عالم غيب و شهود
مظهر اعلاي ستار العيوب*** پرده دار حضرت غيب الغيوب
قلب عالم اندر او بگرفته جا*** وه چه قلبي خانه ذات خدا
دل مگو جان جهان در او نهان*** دل مگو نور خدا از او عيان
دل مگو گنجينه علم و يقين***مخزن اسرار رب العالمين
ناگهان تيري برون شد از كمان***خورد بر قلب شه كون و مكان
منهدم شد قبله كروبيان*** گشت ويران كعبه لاهوتيان
خون ز قلب عالم امكان چو ريخت*** ناگهان شيرازه قرآن گسيخت
ص: 594
خون دل را چون به گردون برفشاند***عالم و آدم به خاك غم نشاند
بر ملائك شد عيان سر سجود***كاين چنين گوهر به كان خاك بود؟
في سبيل الله خونش را بداد***افسر ثاراللهي بر سر نهاد
زينت خلد برين شد خون او***خون مگو نقش و نگار عرش هو
پس به حال سجده بر خاك اوفتاد*** تربتش شد خارق سبع الشداد
شد جگر تفديده از سوز عطش***رفته نور از چشم و خشكيده لبش
شرحه شرحه دل ز داغ دلبران*** قطعه قطعه تن ز شمشير و سنان
در هياهو خلق و او در ذكر هو*** بود بسم الله و بالله ورد او
واي از آن ساعت كه او در قتلگاه*** جان داد و ديده ها بر خيمه گاه
پيش چشمش عترت دور از وطن*** از قفا مي شد جدا سر از بدن
عرش مي لرزيد و كرسي مي تپيد*** از فلك در ماتمش خون مي چكيد
بود تسليما لامرك بر لبش*** يا غياث المستغيثين مطلبش
ارجعي بشنيد آن دم از خدا*** با لب خندان سر از تن شد جدا
سر مگو سر خدا در آن نهان*** تن مگو روح خدا در آن روان
آن خداوندي كه او را آفريد*** قبض روحش كرد و جانش را خريد
مطمئن نفسي به حق پيوست و رفت*** او طلسم خلق را بشكست و رفت
شد غبار آلود روي عقل كل*** مو پريشان جامع الشمل رسل
پا برهنه پايه كون و مكان*** سر برهنه سرور پيغمبران
ص: 595
خون بجوشيد از زمين و آسمان*** غرق ماتم شد جهان بيكران
انبياء سرگشته در آن سرزمين*** گوئيا گم گشته از خاتم نگين
اولياء بر سينه و برسر زنان*** بارالها كو نشان بي نشان
اندر آن غوغا و در آن شور و شين*** گفت زينب ناگهان هذا حسين؟
بانگ يا جدا چو از دل بركشيد*** قلب عقل كل ز آه او تپيد
رو به جدش كرد و گفت اينجا نگر*** كاين حسين توست در خون غوطه ور
آنكه روي سينه پروردي به ناز*** بر سر دوشت نشاندي در نماز
اين تو و اين غرقه در خون پيكرش*** مي روم شايد كنم پيدا سرش
يوسف زهراست اندر كنج چاه*** يا ذبيح الله اندر قتلگاه
گوي سبقت برد اندر روزگار*** كنز مخفي شد به دستش آشكار
گفت يا رب اين عمل از ما پذير*** در ره تو او شهيد و من اسير
زان شهادت حق و عدل آباد شد*** زين اسارت عقل و دين آزاد شد
شرح اين ماتم نگنجد در بيان*** هم قلم بشكست و هم كل اللسان
ما يري، مالايري، بر او گريست*** جن و انس، ارض و سماء بر او گريست
تا صف محشر عزاي او بپاست*** اوست ثار الله، خدا صاحب عزاست
همچو قرآن خاك قبر او شفاست*** سجده گاه انبياء و اوصياست
چون نباشد بين او با حق حجاب*** شد دعا در قبه او مستجاب
كربلاي او چو عرش كبرياست*** زائرش چون زائر ذات خداست
ص: 596
انبياء در انتظار رخصتند*** قدسيان صف بسته اندر نوبتند
تا به طرف مرقدش نائل شوند*** در جوار او به حق واصل شوند
تا قيامت زنده باشد نام او*** كل شيء هالك الا وجهه
لب ببند آخر وحيد از گفتگو*** كي بگنجد بحر عشق اندر سبو
ص: 597
ص: 598
مقدمة المؤسسة...7
المقدمة...17
المحاضرة الأولي
أظلة العرش تقشعر
وجميع الخلائق تبكي
سيد الشهداء عليه السلام فوق التعريف...23
التعريف بسيد الشهداء عليه السلام في زيارته...23
منصب خاص بسيد الشهداء عليه السلام...24
مسكن دم الإمام الحسين عليه السلام...25
أظلة العرش تقشعر وجميع الخلائق تبكي...27
انقلاب قوسي النزول و الصعود...27
إضافة الفاني إلي المفتي فيه...28
قتيل الله...29
حامل الاسم الأعظم...30
الدم المسفوك...30
رؤيا ابن عباس...33
الملحق...35
ص: 599
المحاضرة الثانية
الحقيقة الحسينية عين الحقيقة المحمدية
أهمية الدعوة والتبليغ، وكفالة أيتام آل محمد عليهم السلام...39
العقائد الشيعية الأصيلة...42
مصباح الهداية...44
المحب لسيد الشهداء عليه السلام حبيب الله...46
الحقيقة الحسينية عين الحقيقة المحمدية...48
يوم الحسين عالي عليه السلام...52
الملاحق...55
(الملحق:1)...55
(الملحق:2)...56
(الملحق:3)...57
(الملحق:4)...58
(الملحق:5)...58
(الملحق:6)...60
الملحق:7)...61
(الملحق: 8)...61
(الملحق:9)...61
(الملحق:10)...62
(الملحق:11)...62
(الملحق:12)...63
ص: 600
(الملحق:13)...63
أ- بكاء جميع المخلوقات...63
ب - بكاء السماء والأرض...64
ج - بكاء السماوات السبع والأرضين السبع...65
د. احمرار السماء حين استشهاده عليه السلام...66
ه- كسوف الشمس وظهور الكواكب في النهار...67
و - احمرار الشمس...68
از - مطر السماء دما و رمادا...69
ح - تحت كل حجر دم عبيط...71
(الملحق:14)...73
الملحق:15)...74
المحاضرة الثالثة
تربة الإمام الحسين عليه السلام
المرابطون في ثغور العقائد الشيعية
طهارة العلماء المرابطين...79
العقائد الحقة إرث اليد القطيعة لقمر بني هاشم...81
التلقين الاهي للدعاة والمبلغين...82
عناية ولي العصر التامة بعاشوراء...83
اكسير تربة كربلاء...84
قبض النبي الخاتم صلي الله عليه و آله الي يوم لتربة كربلاء ...86
ص: 601
الامامة، وبسط المعرفة الكبري، والعبادة العظمي: أجر لدماء سيد الشهداء عليه السلام...87
تربة في مصاف جبرئيل الأمين...88
السجود عالي تربة مرقد سيد الشهداء عليه السلام ينور الأرضين السبع...89
ستر التكبيرات السبع...90
الملاحق...93
(الملحق:1)...93
(الملحق:2)...93
الملحق:3)...95
(الملحق:4)...96
(الملحق:5)...97
(الملحق:6)...98
(الملحق:7)...100
(الملحق:8)...100
المحاضرة الرابعة
معرفة عاشوراء
معرفة عاشوراء...103
يوم التغابن...103
عاشوراء تمهيد لمواكبة أهل البيتعليهم السلام في الرفيق الأعلي...106
مقامات سيد الشهداء عليه السلام في حديث اللوح...107
خزانة قلب سيد الشهداء عليه السلام...108
معراج الملائكة ومزار الأنبياء عليهم السلام...109
ص: 602
الملاحق...113
(الملحق:1)...113
(الملحق:2)...115
(الملحق:3)...116
(الملحق:4 )...116
(الملحق: 5)...119
(الملحق:6)...122
(الملحق:7)...124
المحاضرة الخامسة
مراتب المعرفة والتوحيد الاثنتا عشرة
مسؤوليات المبلغين...127
حاجاتنا إلي أبي عبد الله الحسين عليه السلام...128
معرفة واقعه عاشوراء ومبدئها ونتيجتها...129
عمل الامام الحسين عليه السلام منبثق من جميع مراتب التوحيد...129
عظمة واقعة عاشوراء...132
طلب الملائكة والأنبياء عليه السلام...134
إلغاء الأفراح عندما تتزامن أعياد الربيع مع عزاء سيد الشهداء عليه السلام...136
الملاحق...137
(الملحق:1)...137
(الملحق:2)...137
ص: 603
المحاضرة السادسة
مرتبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام الخاصة
ثروة العمر وعوائدها...141
الحكمة من فهم الدين...143
الإنذار نتيجة التفقه...145
حقيقة الإنذار أشعة شمس الخاتمية...145
زيارة قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام تعدل إحدي وعشرين حجة مقبولة...147
الدرجة التي لا ينالها سوي الإمام الحسين عليه السلام...148
دولة ولي العصر ثمرة نهائية لعاشوراء...150
الملاحق...151
(الملحق:1)...151
(الملحق:2)...153
(الملحق:3)...153
(الملحق:4)...154
(الملحق:5)...155
المحاضرة السابعة
إكسير وجود الإمام الحسين عليه السلام
الدعوة إلي الله، أحسن اختيار...159
سبيل الدعوة إلي الله...159
السير في الآفاق والأنفس...160
ص: 604
الله والسبيل إلي الله...162
سيد الشهداء عليه السلام سبيل الله الأعظم...162
زيارة الإمام الحسين عليه السلام تعدل ثلاثين حجة مبرورة مقبولة زاكية مع رسول الله صلي الله عليه و آله...164
إكسير وجود الإمام الحسين عليه السلام...166
زائر الإمام الحسين عليه السلام في أعلي عليين...166
الملاحق...169
(الملحق:1)...169
(ملحق:2)...171
(ملحق:3)...172
المحاضرة الثامنة
علم الإمام الحسين عليه السلام عين علم النبي صلي الله عليه و آله
حقيقة الإنذار ومنزلة المنذرين ...175
الاتصال بنور الوجود...177
ظهر الجمال وتخفي العجائب...178
علم الإمام الحسين عليه السلام عين علم النبي صلي الله عليه و آله...180
سبب استجابة دعاء النبي زكريا عليه السلام...181
الملاحق...185
(الملحق:1)...185
(الملحق:2)...185
(الملحق:3)...186
ص: 605
المحاضرة التاسعة
التوحيد والنبوة والإمامة
رهن دماء سيد الشهداء عليه السلام
معرفة الامام الحسين عليه السلام في الحياة البرزخية...191
هداية أيتام آل محمد...191
تصديق الفقاهة...193
ثمرة الهداية...194
إنقاذ اليتيم...195
الحاجات الأساسية...196
نثر بذور محبة الله...197
القميص الملطخ بدم سيد الشهداءعليه السلام...199
التوحيد والنبوة والامامة رهن دماء سيد الشهداء عليه السلام....201
السجود علي تربة الحسين عليه السلام...202
دماء نحر الحسين عليه السلام في أكف النبي صلي الله عليه و آله...204
الملاحق...207
(الملحق:1)...207
(الملحق:2)...207
(الملحق:3)...208
(الملحق:4)...208
(الملحق:5)...210
(الملحق:6)...212
ص: 606
(الملحق:7)...213
(الملحق:8)...215
المحاضرة العاشرة
سقي شجرة المعرفة والعبادة
بدم الإمام الحسين عليه السلام
جوهر العمر والحياة...221
معرفة الإمام الحسين عليه السلام فوق إدراك العظاء...221
ما كتب عن يمين العرش...222
الغاية من الحلقة...222
في حسرة الزيارة ...224
شفاء عين آية الله البروجردي بتراب قدم زائر الإمام الحسين عليه السلام...225
التسجيل في سجل المعزين علي الامام الحسين عليه السلام...226
أهمية مواكب العزاء...229
رعاية شؤون العزاء...230
الملاحق...231
(الملحق:1)...231
(الملحق:2)...232
(الملحق:3)...232
الملحق:4)...234
الملحق:5)...235
ص: 607
المحاضرة الحادية عشرة
إشراقة شمس أبي عبد الله الحسين عليه السلام
مقام الانذار...239
إحياء القلوب...240
تنفس العقل بنور الوحي...241
القرآن جلاء للقلوب...242
الاتصال بالمنهل المعين لامام العصر...244
اشراق شمس أبي عبد الله الحسين عليه السلام...244
دائرة شعاع نور الامام الحسين عليه السلام...246
النبي صلي الله عليه و آله حاسر الرأس حافي القدمين...247
الملاحق...249
(الملحق:1)...249
(الملحق:2)...249
(الملحق: 3)...250
(الملحق: 4)...250
المحاضرة الثانية عشرة
الشعائر الحسينية
معرفة الله بمعرفة سيد الشهداء عليه السلام...255
معرفة حق الامام عليه السلام طريق إلي معرفة النورانية...256
حكاية حول عظمة مصيبة السيدة زينب الكبري عليه السلام...257
ص: 608
التوحيد و النبوه و الوصايه رهن دماء سيد الشهداء عليه السلام...259
دعا الامام الصادق عليه السلام للمعزين و زائرين سيد الشهداء عليه السلام....260
الحفاظ علي الشعائر الحسنيه...263
الملاحق...269
(الملحق:1)...269
(الملحق:2)...269
(الملحق:3)...270
(الملحق:4)...271
نبذة من فضائل السيدة زينب الكبري عليهاالسلام...271
(الملحق:5)...273
«إن عمر رفس فاطمة عليهما السلام حتي أسقطت محسنا»...273
(الملحق:6)...275
(الملحق:7)...275
المحاضرة الثالثة عشرة
مسؤولية الدعاة طلب الإصلاح في الأمة
طلب الإصلاح في أمة النبي صلي الله عليه و آله...281
أصحاب سيد الشهداء عليه السلام...282
تمهيد الأرضية للتأثير...283
وظيفة المبلغين والدعاة...285
موضوعات المنبر...286
ص: 609
أولا: تعليم أحكام الله...286
ثانيا: تعزيز الارتباط بامام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف بواسطة زيارة آل يس...28٦
ثالثا: بيان أصول العقائد...286
رابعا: إلقاء محبة الله في القلوب...286
خامسا: الرد علي الشبهات...289
قصة (ليلة عيسي) في رشت...289
سادسا : الوقوف علي القابليات وتنميتها...291
حكايه الميرزا الشيرازي مع شيخ رث الثياب...292
سابعا: الأخلاق...292
ثامنا: فضائل أهل البيت عليهم السلام...294
تاسعا: بيان الروايات...294
عاشرا: الدعوة إلي الله وأهل البيتعليهم السلام فقط...295
الملاحق...297
(الملحق:1)...297
نبذة من مناقب أصحاب سيد الشهداء عليه السلام...297
(الملحق:2)...298
(الملحق:3)...299
(الملحق:4)...300
(الملحق: 5)...301
(الملحق:6)...302
ص: 610
المحاضرة الرابعة عشرة
مصباح الهدي وسفينة النجاة
ثمرة بعثة الأنبياء ونزول الكتب متوقفة علي نهضة سيد الشهداء عليه السلام...307
شبهة الوهن في العزاء...307
إضعاف الشعائر الحسينية...310
إمطار السماء دما وترابا أحمر...313
احمرار الأفق بعد مصيبة عاشوراء...313
مصيبة سيد الشهداء عليه السلام أقرحت جفون الامام الرضا عليه السلام...314
اسم الامام الحسين عليه السلام في قائمة العرش...315
شهقة السيدة الزهراء عليهاالسلام في مصيبة سيد الشهداء عليه السلام...317
الملاحق...319
(الملحق:1)...319
(الملحق:2)...320
(الملحق:3)...322
المحاضرة الخامسة عشرة
عشرة الأربعين والمراكز الأربعة لعوالم الوجود
تكفل أيتام آل محمد عليهم السلام...325
مسؤوليتنا تجاه أيتام آل محمد عليهم السلام...326
أجر رد الشبهات وحيرة الجهل...327
مرافقة النبي الخاتم صلي الله عليه و آله...327
الشكر علي التوفيق...328
ص: 611
السير إلي الله وأوليائه عن طريق كلمات أهل البيت عليهم السلام...329
دعاء العهد ونسيم الربيع لسورة التوحيد...330
عشرة الأربعين منسوبة إلي المراكز الأربعة لعوالم الوجود...331
زيارة الأربعين من علامات الإيمان...331
معرفة الإمام الحسن عليه السلام...332
زيارة الإمام الرضا عليه السلام زيارة لخاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله...332
شهادة قلب عالم الوجود، خاتم الأنبياء تان ايلام صلي الله عليه و آله...333
التعريف بهذه المحاور الأربعة...333
بيان المسائل الشرعية والأحكام...333
دفع الشبهات...334
تنمية المواهب والطاقات...334
إحياء النفوس في المناطق المحرومة...335
إحياء النفوس بمعرفة إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...336
حقيقة الصلاة...336
معرفة إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف والسلام علي الامام الحسين علي ..عليه السلام...337
توخي الحذر في أوساط أهل السنة...338
الملاحق...341
(الملحق:1)...341
(الملحق:2)...341
(الملحق:3)...342
(الملحق:4)...342
(الملحق:5)...343
ص: 612
نبذة من فضائل النبي الكريم صلي الله عليه و آله...343
(الملحق:6)...344
المحاضرة السادسة عشرة
زيارة الإمام الحسين عليه السلام زياده الله
هداية النفوس...347
حملة القرآن وأصحاب الليل...348
هداية الضالين وتعريف الناس بإمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...350
دم الحسين عليه السلام زينة الملأ الأعلي...351
منزلة الزائر لكربلاء بعد إشراق أشعة النور الحسيني...351
زائر مرقد الحسين عليه السلام في مقام المفلحين...352
زيارة الله...353
مقام الفائزين...354
بكاء جميع الخلائق وتدفق الدم من الأرض...355
حياة التوحيد والدين والقرآن بدم سيد الشهداء عليه السلام...355
الملاحق...357
(الملحق:1)...357
(الملحق:2)...357
(الملحق: 3)...357
ص: 613
المحاضرة السابعة عشرة
اختتام قضية المباهلة بنفس سيد الشهداء عليه السلام
سجل سيد الشهداء عليه السلام...361
الدعوة إلي الله وبيان آلائه و ألطافه...361
التبشير والانذار هما الطريق إلي الدعوة...362
الصلاة ورعاية المملوكين...363
القرآن شمس الروح الإنسانية...364
دوران العالمين حول محور إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...366
قصة الشيخ الكفائي قدس سره...366
القرآن ثمرة فؤاد إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف ونور عينيه...367
زياره آل ياسين...368
تعريف الناس بالمعصومين الأربعة عشر عليه السلام...369
ترسيخ العقائد وذكر الروايات الأخلاقية والأحكام الشرعية...370
تدفق الدم تحت كل حجر في عاشوراء...371
انتهاء قضية المباهلة بأنفاس سيد الشهداء عليه السلام...371
البكاء علي سيد الشهداء عليه السلام أقرح جفون الإمام الرضا عليه السلام...371
الملاحق...373
(الملحق:1)...373
(الملحق:2)...373
(الملحق:3)...373
(الملحق:4)...374
ص: 614
(الملحق: 5)...374
الملحق:6)...374
المحاضرة الثامنة عشرة
أهل البيت عليهم السلام سبيل الله الأعظم
عمر الدنيا المحدود حيال آخرة بلا حدود...379
إشراق شمس الجنة من تبسم أمير المؤمنينعليه السلام...379
زاد سفر الآخرة...380
اهل البيت عليهم السلام هم السبيل الأعظم إلي الله...381
ذكر الله والأحكام الإلهية...381
مسؤوليتنا الكبيرة في المناطق المحرومة...381
الخواص من عباد الله...382
نكران الذات...383
تواضع سلمان...383
سبيل الله...384
ثواب عبادة مئة عام...385
تعليم الأحكام الامية وتعريف الناس بأهل البيتعليهم السلام...385
تعطر الملائكة بالمجالس المعقودة لذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام...386
تعليم الأحكام وبيان حقيقة الصلاة والنعم الالهية...387
إهداء قراءة القرآن إلي إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...388
ص: 615
الكتاب التدويني والتكويني...390
الملاحق...391
(الملحق:1)...391
(الملحق:2)...391
(الملحق:3)...393
(الملحق:4)...393
المحاضرة التاسعة عشرة
منزلة قمر بني هاشم في مقام عندية الله
تبليغ الرسالات الالهية...397
شجرة الدين الطيبة...398
علاج مختلف الشبهات...398
الكفاءة العلمية للعلامة الحكي...399
تعزيز العقائد والأحكام والأخلاق في ضوء عاشوراء...401
الخلد الأعلي موطن دم سيد الشهداء عليه السلام...401
اهتزاز أظلة العرش وبكاء جميع الخلائق...402
حديث رفاعة...403
الستر في عظمة زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام...404
ألف ملك عن يمين الزائر و ألف عن يساره...404
ثواب ألف حجة وألف عمرة مع رسول الله صلي الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام...405
ص: 616
الاكسير الأحمر لمراسم العزاء المقترنة بمظاهر التقوي...406
فاجعة الرسول صلي الله عليه و آله ونحيب الزهراء عليهاالسلام...406
سورة (الفجر) سورة الحسين عليه السلام...407
لا يوم كيوم الحسين عليه السلام...407
منزلة قمر بني هاشم عليه السلام عند الله...408
قمر بني هاشم عليه السلام أسمي من التمثيل والتصوير...409
إقامة القيامة في عزاء قمر بني هاشم عليه السلام...411
سيد الشهداء عليه السلام عند رأس قمر بني هاشم عليه السلام...411
الملاحق...413
(الملحق:1)...413
(الملحق:2)...413
(الملحق:3)...414
نبذة من فضائل أبي الفضل العباس عليه السلام...414
(الملحق: 4)...415
المحاضرة العشرون
كربلاء عرش الله
لا يوم كيومك...419
قيمة جوهر الحياة الانسانية...419
المداومة علي تلاوة سورة الفجر...420
شهر محرم شهر الله...420
ص: 617
تلاوة القرآن تضفي النورانية علي الروح...422
حب الامام الصادق عليه السلام لمجالس إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام...423
دمعة مثل جناح الذباب...424
الحديث إلي الله فوق عرشه...425
كربلاء عرش الله...425
مقتطفات من زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام...426
الملاحق...429
(الملحق:1)...429
(الملحق:2)...429
(الملحق:3)...430
(الملحق:4)...430
(الملحق: 5)...430
(الملحق:6)... 431
المحاضرة الحادية والعشرون
تقرح الجفون إثر البكاء علي سيد الشهداء عليه السلام
الحياة بين عدمين...435
عمل الأنبياء والنبي الخاتم صلي الله عليه و آله...435
إحياء النفوس...437
علماء أفضل من ألف عابد...437
بلوغ حقيقة القرآن عن طريق الطهارة...437
ص: 618
التقوي والاخلاص شرط في تأثير الكلام...438
اتباع رضوان الله...439
لا يبقي من القرآن إلا درسه...439
عظمة الشيخ كاشف الغطاء قدس سره العلمية والعملية...440
كلمتان للشيخ كاشف الغطاء قدس سره تقلبان طهران رأسا علي عقب...441
كرامة للمرحوم كاشف الغطاء قدس سره في لاهيجان441.
الطبيب الجوال...443
تقرح جفون الامام الرضا عليه السلام في مصيبة كربلاء...444
بيان عظمة عاشوراء...445
الملاحق...446
(الملحق:1)...447
(الملحق:2)...447
المحاضرة الثانية والعشرون
إحياء نفوس البشر
عصارة بعثة الأنبياء عليهم السلام هداية البشر...451
التمسك بالكتاب والعترة...452
الطريق إلي مجالسة الأئمة المعصومين عليهم السلام...452
إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف يمثل عصارة جميع الأنبياء وخلاصة جميع الأوصياء...455
إحياء الناس جميعا...456
ص: 619
التأكيد علي الصلاة وتلاوة القرآن...457
نطفة الإنسان في ظلمات ثلاث...458
الأسرار الكامنة في جلد الانسان وشعره...459
تعريف الناس بالمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام...459
رجل جرادة هدية لسليمان عالم الوجود عليه السلام...460.
معلم الخيرات...462
الملاحق...463
(الملحق:1)...463
(الملحق:2)...463
(الملحق:3)...464
المحاضرة الثالثة والعشرون
البكاء علي مصيبة سيد الشهداء عليه السلام
المحبة المكنونة...467
هداية الضعفاء من ظلمة الجهل إلي نور العلم...468
ترسيخ العقائد وتهذيب الأخلاق وتعليم الأحكام الاهية...470
حكاية مشاهدة روح لميت بعين برزخية...471
عاشوراء الحدث الصاخب في عالم الحلقة...471
الدموع الجارية علي الخدود...473
المنكر لفضيلة البكاء محروم من حوض الكوثر...474
ص: 620
الملاحق...477
(الملحق:1)...477
(الملحق:2)...477
(الملحق:3)...481
(الملحق:4)...482
(الملحق: 5)...482
عظمة البكاء علي مصائب الإمام الحسين عليه السلام...482
إنشاد الشعر في مصائب الإمام الحسين عليه السلام...482
بكاء وشهقة الزهراء عليهاالسلام وتغير عوالم الوجود...484
بكاء النبي الأكرم صلي الله عليه و آله...485
بكاء أمير المؤمنين عليه السلام...485
بكاء النبي إبراهيم عليه السلام وبلوغه الدرجة الرفيعة للصابرين في المصائب....487
بكاء موسي والخضر عليهماالسلام...487
بكاء النبي زكريا عليه السلام...488
بكاء الملائكة...489
بكاء البوم...489
المحاضرة الرابعة والعشرون
بذل دم المهجة
التبليغ شأن خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله...493
التقوي وتهذيب الباطن...493
ص: 621
بذل المهجة في سبيل سيد الشهداء عليه السلام...494
الغلام الأسود لسيد الشهداء عليه السلام...495
السير علي خطي أصحاب سيد الشهداء عليه السلام...496
تحبيب الله إلي الخلق وتحبيب الخلق إلي الله...496
مراحل خلقة الإنسان وأسرارها...497
قافلة كربلاء وسقي شجرة التوحيد...499
التوحيد والمعاد ببركه دم سيد الشهداء ...عليه السلام...499
عباده أفضل من صلاة مئة سنة وصومها...500
دعاء الفرج و زيارت آل ياسين...500
الطبيب الدوار...501
ختم القرآن وإهداؤه إلي إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...502
دوران عالم الامكان حول محور إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...504
قوام جميع عوالم الوجود بولي العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف...503
تعليم ذوي الاستعداد و تعريف الناس بأهل البيت عجل الله تعالي فرجه الشريف...503
شبهة البكاء علي سيد الشهداء عليه السلام...504
حكاية أحد المرتبطين بأصحاب إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...504
تلاوة القرآن وسورة التوحيد هدية لإمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...506
الملاحق...507
(الملحق:1)...507
(الملحق:2)... 507
من فضائل الإمام الحسن العسكري عليه السلام...507
ص: 622
(الملحق:3)...508
من فضائل الإمام الهادي عليه السلام...508
(الملحق:4)...509
(الملحق:5)...510
محاضرة الخامسة والعشرون
الملك فطرس يلوذ بمهد الإمام الحسين عليه السلام
تحديد العهد مع إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف...513
متعلق العهد والعقد والبيعة...515
نصرة أهل البيت عليهم السلام بالقلب واللسان واليد...515
معية أهل البيت عليهم السلام...516
لزوم التصدي للوهابية والبهائية والمسيحية...516
إمام الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف قلق علي أيتام آل محمد عليهم السلام...517
نشر علوم أهل البيت عليهم السلام...517
دعاء يوم ميلاد سيد الشهداءعليه السلام...519
الأئمة التسعة عليهم السلام من نسل الإمام الحسين عليه السلام...520
سيد الشهداء عليه السلام هبة الله لخاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله...521
الملك فطرس يلوذ بمهد الامام الحسين عجل الله تعالي فرجه الشريف...512
الملاحق...523
(الملحق:1)...523
(الملحق:2)...524
(الملحق:3)...524
ص: 623
محاضرة السادسة والعشرون
سلام الله علي قمر بني هاشم
يوم أفضل من جميع الأيام...529
نشر العلم...529
لؤلؤ بحجم الثري إلي العرش...531
أجر علماء الشيعة...532
زين العابدين...534
لا يوم كيوم الحسين عليه السلام...535
جميع الشهداء يغبطون منزلة قمر بني هاشم علي السلام...535
تذكر عطش أبي عبد الله الحسين عليه السلام...536
يا أخاه أدرك أخاك...536
الآن انكسر ظهري...539
سلام الله علي قمر بني هاشم عليه السلام...539
ذكر أبي الفضل العباس عليه السلام في عليين...540
دم سيد الشهداء عليه السلام عند أظلة العرش...540
الملاحق...541
(الملحق:1)...541
(الملحق:2)...542
(الملحق:3)...543
ص: 624
المحاضرة السابعة والعشرون
أصحاب الإمام الحسين عليه السلام
هم الربانيون وخاصة الله
التفقه والانذار...547
تبجيل الميرزا الشيرازي لشيخ ذي ثياب رثة...548
عجز جميع الفقهاء عن إدراك أرواح أصحاب أبي عبد الله عليه السلام...550
سيد الشهداء عليه السلام هو اللوح المحفوظ والكتاب المبين وقلب عالم الامكان...551
كلام مسلم بن عوسجة وزهير ليلة عاشوراء...552
منازل أصحاب الإمام الحسين عليه السلام...552
تراب قدمي سيد الشهداء عليه السلام...553
الربانيون وشيعة الله...554
خاصة الله...554
دم سيد الشهداء عليه السلام وأصحابه عند العرش الالهي...555
جراح الرماح والسيوف والسهام...556
الملاحق...559
(الملحق:1)...559
(الملحق:2)...560
(الملحق:3)...561
المصادر والمراجع...563
ص: 625
أولا: المصادر الشيعية...563
ثانيا: مصادر أهل السنة...580
قصيدة سماحة آية الله العظمي الوحيد الخراساني في وصف الإمام الحسين عليه السلام...589
المحتويات...599
ص: 626