سرشناسه: البطاقة تعريف:یزدي، سید محمد کاظم بن عبدالعظیم، 1353 - 1338ق.
عنوان المؤلف واسمه: اجتماع الامر والنهی / تأليف السيد محمد كاظم الطباطبایي الیزدي: حققه و علق علیه حسین حلبیان الاصفهاني
تفاصيل النشر: قم انتشارات خوبی 1442ق - 1400ش.
مواصفات المظهر: 624 ص.
شابک: 0-9-97726-622-978
حالة الاستماع: فیپا
ملحوظة: العربية
ملحوظة: کتاب حاضر نخستین بار با اعداد محسن الاحمدی الطهرانی توسط انتشارات خدادادی در سال 1391 منتشر شده است.
ملحوظة: کتابنامه: ص. [598] - 616؛ همچنین به صورت زیرنویس.
ملحوظة: نمایه
موضوع: Jurisprudence principles *
موضوع: اصول فقه شیعه - قرن 13ق.
موضوع: A grreement of command and prohibition
معرف المضافة: حلبیان، حسین، 1360 -
تصنيف الكونجرس: BP164/5
تصنيف ديوي: 297/21
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7632549
وضعیت رکورد: فیپا
عنوان کتاب اجتماع الامر و النهي
تألیف: آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائی الیزدی؛
حققه و علق عليه: آیت الله الحاج الشيخ حسين حلبيان الاصفهاني
الناشر: منشورات الخوئي
تصميم الغلاف: حسن الصدرائي نيا
قطع: وزیری
شابک: --9-97726-622-978
تاريخ الانتشار: الطبعة الاولى: 1442ق / 1400 ش
العدد: 100 نسخة
السعر: 110000 تومان
حق النشر محفوظ للمحقق و الناشر
انتشارات خویی
09127525525
ص: 1
اجتماع الأمروالنهی
تأليف
فقیه اهل البیت علیهم السلام
سماحة آية الله العظمى
السيد محمد كاظم الطباطبایی اليزدي
حققه و علق علیه
فقیه اهل البیت علیهم السلام
سماحة آية الله الحاج الشیخ حسین حلبیان اصفهانی
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله ربّ العالیمن وصلّى الله على محمد وآله الطیبین الطاهرین لاسیّما بقیة الله في الأرضین (عجل الله تعالی فرجه) ولعنة الله على أعدائهم أجمعین.
تأريخ الفراغ من تحقيق كتاب (اجتماع الأمر والنهي) لآية الله العظمىٰ السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (رضوان الله تعالی علیه) تحقيق فقیه أهل البیت (علیهم السلام) آية الله الحاج الشيخ حسين حلبيان الإصفهاني (مدّظلّه) أنشأها الدكتور السيّد مضر الحسينيّ الحلّي(1) (دامت برکاته).
لخير الخلقِ إن نهدي اج- *** -تماع الأمر والنهيِ
رسولِ الله خيرِ النا*** سِ في نشرٍ وفي طيِّ
وآلِ البيتِ ساداتِ ال-*** -ورىٰ عن غيرهم نأيي
ص: 3
حسينٌ يا فقيه الدي-*** -نِ يا مَن جادَ بالمرضيّ
لقد أحييتَ فعلَ الخي-*** -رِ للعلَّامةِ اليزدي
جزاه الله بالحسنىٰ*** وبالألطاف ما يُجزي
فداك الحاسد الشاني*** من الفظِّ ومن عيِّ
وسِفر جئتنا يُغني*** بما یروي وما یقضي
ويهدينا ويحمينا*** مِنَ السوء ومن غيِّ
فذا التأريخُ: (والتقوى اج-*** -تماعُ الأمرِ والنهي) (1))
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین وصلّى الله على سیّدنا محمّد وآله الطاهرین ولعنة الله على أعدائهم إلى یوم الدین.
وبعد فهذا تحقیق کتاب اجتماع الأمر والنهي لآیةالله العظمى السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي (رحمة الله علیه).
هو السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (1253(1)-1337).
قال العلّامة السیّد حسن الصدر في ترجمته: السيد محمّدكاظم الطباطبائي اليزدي نزيل النجف الأشرف، سيّد علماء الإماميّة اليوم، ومرجع الشيعة، وحافظ الشريعة، فقيه كامل، طويل الباع في الفقه والأصول، حسن التفريع في الفروع
ص: 5
الفقهيّة، متبحّر في المسائل الشرعيّة، له أنظار دقيقة، وتأسيسات في العلمين رشيقة.
انتهت إليه رئاسة الإماميّة في العصر الحاضر، لا أجلّ ولا أوقع في النفوس منه عند عامّة الإماميّة في مشرق الدنيا ومغربها.
له تأليفات حسنة مطبوعة بإيران مرّات، منها:1- تعليقاته على كتاب المكاسب لشيخنا العلّامة.
2- رسائل عدّة في مسائل متعدّدة في الفقه والأصول.
3- وأحسن مؤلّفاته العروة الوثقى في الفروع عملها لعمل المقلّدين، وهي من أحسن كتب الفروع والمتون الفقهيّة.
كان دام بقاه هاجر من بلده يزد إلى أصفهان لتحصيل العلم، ولازم فيها درس أستاذه حجّة الإسلام الشيخ الفقيه الماهر الحاج شيخ محمّدباقر بن المحقّق الشيخ محمّدتقي صاحب الحاشية، حتّى صدّقه وأجازه وشهد له بالكمال، فهاجر إلى النجف الأشرف، وحضر درس الشيخ الفقيه الشيخ راضي بن الشيخ محمد آل شيخ جعفر النجفي، ولازم عالي مجلس درس سيدنا الأستاذ العلّامة الميرزا محمّدحسن الشيرازي إلى أن هاجر السيد الأستاذ إلى سامراء، فاستقلّ بعده بالتدريس والاشتغال لنفسه، وأخذ في تحقيق الحقائق، وتدقيق الدقائق، خائضاً في العلم بغاية جهده، ومنتهى كدّه ووَكْده، وكنت حينئذٍ في النجف فلم أر مثله في بذل الجهد وكثرة الكدّ والجدّ في الاشتغال، حتّى ملك من العلم زمامه وكشف من الفقه لثامه، ولم يضيّع الله سبحانه له تعبه وجهاده في الدين، فأعطاه ما يعطي المقرّبين الراسخين. كثّر الله في أئمة الشيعة أمثاله، وأدام لهم وجوده وإفاداته.
وقد فاجأنا نعيه، وأنّه توفّي ليلة الثلاثاء في الساعة السادسة منها، ثامن وعشرين شهر رجب سنة 1337 (سبع وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف) الهجريّة، وأقيمت له المآتم والفواتح في سائر البلاد، وأحزن فقده الإسلام والمسلمين حتّى أهل
ص: 6
السنّة ببغداد، فرضي الله عنه وأرضاه.
وكان مولده سنة ست وخمسين ومائتين بعد الألف، فيكون عمره اثنتين وثمانين سنة تقريباً إذا حسب سنة التولّد وسنة الوفاة، ودفن في الإيوان الكبير ممّا يلي باب الطوسي.(1)
وقال العلّامة السيّد محسن الأمين: «السيد محمّدكاظم اليزدي ابن السيد عبدالعظيم الكسنوي النجفي الطباطبائي الحسني الشهير باليزدي.ولد في كسنو قرية من قرى يزد على مسافة ثلاثين ميلا منها سنة 1247 وكسنو اسم بنت يزدجرد آخر سلاطين الفرس الذي فرّ هارباً فقتل في طاحونة وكانت القرية لها فسمّيت باسمها وتوفي في النجف بذات الرئة وداء الجنب بين الطلوعين من يوم الثلاثاء 28 رجب سنة 1337 ودفن في مقبرته المعروفة خلف جامع عمران في المشهد العلوي. ينتهي نسبه إلى إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (علیه السلام).
كان فقيهاً أصولياً محققاً مدققاً انتهت إليه الرئاسة العلمية وكان معول التقليد في المسائل الشرعية عليه وقبض على زعامة عامة الإمامية وسوادهم وجبيت إلیه الأموال الكثيرة مما يقلّ أن يتفق نظيره... نشأ على العمل في الزراعة مع أبيه ثم عزم على طلب العلم على الكبر فقرأ في يزد المبادي العربية وسطوح الفقه والأصول ثم خرج إلى أصفهان فاخذ عن الشيخ محمد باقر الأصبهاني ابن الشيخ محمّدتقي صاحب حاشية المعالم والحاج محمّدجعفر الآبادهي وفي سنة 1281 هاجر إلى النجف مع الشيخ محمّدتقي الشهير بآقا نجفي والشيخ محمد حسين(2) والشيخ محمّدعلي الإصبهانيين أبناء أستاذه المتقدم الشيخ محمّدباقر وفي هذه السنة توفّي الشيخ مرتضى
ص: 7
الأنصاري فلم يتسن له الأخذ عنه وأخذ عن الفقيهين الشيخ مهدي الجعفري(1) والشيخ راضي النجفي الشهير وعن الميرزا الشيرازي قبل خروجه إلى سامراء وانصرف إلى التدريس والتأليف وكان لغوياً متقناً فصيحاً قيماً بالعربية والفارسية ينظم وينثر فيهما جيد النقد قوي التمييز. وكان يصلي جماعة في الصحن الشريف ويأتم به الخلق الكثير ويحضر درسه نحو 200 تلميذ.
صنّف 1- (العروة الوثقى) رسالة في العبادات للمقلدين فيها فروع كثيرة جيدة الترتيب أفرز فيها كل فرع على حدة بعنوان مسألة وجعل لأعداد مسائلها أرقاماً فسهل التناول منها وأقبل الناس عليها ونسخت نجاة العباد طبعت مرتين بالعربية وطبع معهابعض أبواب المعاملات وزيد في الطبعة الثانية كتاب الحجّ لم يتمّ وترجمت إلى الفارسية وطبعت باسم (الغاية القصوى) وعلق عليها بعد وفاتها كل من نصب نفسه للتقليد وجملة منها طبعت مع التعليق وبذلك تكون قد طبعت ما يزيد عن خمس مرات ولها تتمة في جملة من أبواب المعاملات مع الاستدلال طبعت بعد وفاته في جزءين صغيرين فيهما القضاء والرباء والوقف والعدد والهبة 2- حاشية المكاسب مطبوعة 3- كتاب التعادل والتراجيح مطبوع 4- رسالة في اجتماع الأمر والنهي مطبوعة 5- رسالة في الظنّ المتعلق بأعداد الصلاة وكيفية الاحتياط مطبوعة 6- رسالة في منجزات المريض 7- أجوبة المسائل مجلد ضخم طبع بعضه. وفي أيّامه ظهر أمر المشروطة في إيران وأعقبها خلع السلطان عبدالحميد في تركيا وكان هو ضدّ المشروطية وبعض العلماء يؤيّدونها كالشيخ ملا كاظم الخراساني وغيره وتعصب لكل منهما فريق من الفرس وكان عامة أهل العراق وسوادهم مع اليزدي خصوصاً من لهم فوائد من بلاد إيران لظنّهم أنّ المشروطية تقطعها وجرت بسبب ذلك فتن وأمور يطول شرحها
ص: 8
وليس لنا إلّا أن نحمل كلّاً منهما على المحمل الحسن والاختلاف في اجتهاد الرأي...
وقد اضطرب لموت المترجم جمهور العراقيين وسوادهم في أنحاء العراق وأقيمت مآتم لا تكاد تحصر لكثرتها في العراق وإيران وحضر مأتمه في إيران أحمد شاه واشترك في مأتمه الفريقان ببغداد.
وكان ظهور أمره بعد وفاة الميرزا الشيرازي كغيره من رؤساء عصره فإنّهم لم يرأسوا إلّا بعد وفاته وكثيرون أقاموا مجلس الفاتحة للميرزا أمّا هو فذهب إلى مسجد السهلة ولم يصنع فاتحة فقلّده كثير من العوامّ لذلك. وكان يحضر مجلس درسه في أوّل الأمر جماعة لا يبلغون العشرة كنّا نراهم ونحن ذاهبون إلى درس الخراساني وجمهور الطلبة منحاز إلى درس الشيخ ملا كاظم ثمّ تمادت به الأمور وكثر حضّار مجلس درسه.
وهو أوّل من عيّن الخبز يومياً للطلبة وعيالاتهم».(1)قال الشیخ آقا بزرگ الطهراني: «هو سيّدنا ومولانا السيّد محمّد كاظم ابن السيّد الجليل السيّد عبد العظيم الطباطبائي الكسنوي اليزدي النجفي؛ العلّامة الأجلّ حجّة الإسلام وآية الله على الأنام.
كان مرجع الشيعة وحافظ الشريعة والمنتهي إليه الرئاسة العامّة الإلهيّة على الطائفة الحقّة الإماميّة.
أصله من كِسْنَویّه من قرى يزد. والمشهور عند أحفاده أنّه ولد سنة 1253ﻫ. هاجر من يزد إلى إصفهان للتحصيل، فاشتغل هناك على العلّامة الفقيه الحاج الشيخ محمّد باقر الإصفهاني إلى أن برع وكمل، وحصلت له الإجازة من شيخه. فتشرّف بالنجف مع ولد أستاذه العلّامة الشهير بآغا نجفي في سنة 1281ﻫ. فحضر درس
ص: 9
الشيخ العلّامة الفقيه الشيخ راضي النجفي وبحث آية الله الحاج السيّد ميرزا محمّد حسن الحسينيّ الشيرازي إلى أن هاجر [الأستاذ] إلى سامرّاء. فلم يهاجر معه، واشتغل هناك بالبحث والتدريس إلى أن صار للدين ركن ركين وأسّ أسيس.
وقد خرج من قلمه الشريف ممّا هو مطبوع: الحاشية على المكاسب للعلّامة الأنصاري (ذ 6: 220 رقم 1234) مبسوطة، ورسالات في مسائل متعدّدة من الفقه والأصول كاجتماع الأمر والنهي (ذ 1: 268 رقم 1407)، وحجيّة الظنّ في الركعات (ذ 6: 273 رقم 1484)، والتعادل والتراجيح (ذ 4: 204 رقم 1016)، والهبة، والوقف، والوكالة، والرباء، والقضاء، والعدد، والسئوال والجواب (ذ 12: 248 رقم 1633) المبسوط، ورسائل عمليّة، أجلّها: العروة الوثقى (ذ 15: 252 رقم 1623)، وطريق النجاة (ذ 15: 170 رقم 1121)، وذخيرة الصالحين (ذ 10: 16 رقم 76) والمنتخب(1) (ذ 22: 365 رقم 7461)، والحواشي على أكثر الرّسائل العمليّة. وقد كتب بخطّه رسائل الشيخ الأنصاري (ذ 16: 132 رقم 293) من أوّل «الأصول العمليّة» إلى آخر «التراجيح»؛ شرع فيه بيزد وتمّمه في إصفهان سنة 1280ﻫ؛ وكتب عليه حواشي كثيرةلا سيّما في الاستصحاب وما بعده. (ذ 6: 160 رقم 880). و[على ما مرّ من أنّ] المشهور عند أحفاده أنّه ولد سنة 1253، فيكون عمره يومئذٍ سبع وعشرين سنة. وطبع له أيضاً: الصحيفة الكاظميّة (ذ 15: 23 رقم 115)، وبستان نياز (ذ 3: 108 رقم 354)، وله: ردّ المقدّمة الثالثة من مقدّمات الانسداد (ذ 10: 225) ورسالة في الاستصحاب (ذ 2: 25 رقم 87) رأيتهما عند تلميذه الحاجّ الشيخ علي أكبر الخوانساري، الجامع للسؤال والجواب (ذ 12: 248
ص: 10
رقم 1633) له.
وزوجته الأولى بنت الفاضل الصالح الورع التقيّ الحاج ملّا حسن بن الحاج محمّد إبراهيم بن الحاج عبد الغفور اليزدي، رأيت تملّكاته لجملة من الكتب من سنة 1255ﻫ إلى سنة 1273ﻫ. توفّي المترجم له (قدس سره) يوم الثلاثاء، الثامن والعشرين من رجب سنة 1337ﻫ، ودفن بمقبرة نوّاب رامپور: السيّد محمّد حامد خان في سنة 1354ﻫ بتوسّط حفيده السيّد رضا بن السيّد محمّد بن السيد محمّد كاظم. وهذا النوّاب كان أوّل المثرين في الدنيا كما في مجلّة الهلال لجرجي زيدان، ورزقنا الحجّة الثانية بصحبة ولده النوّاب عبدالكريم خان».(1)
وفي أحسن الودیعة: «العالم الفاضل الفقیه والعارف الکامل الوجیه فخر الأعاظم والبحر المتلاطم السیّد الأستاذ والمولى العماد السیّد محمّدکاظم بن عبدالعظیم الطباطبائي نسباً الیزدي بلداً ومنشأً والإصفهاني تحصیلاً والغروي مسکناً ومدفناً... وقد هاجر بعد بلوغه إلى أصفهان فسکن بها مدّة من الزمان متلمذاً على فقهائها الأرکان وعلمائها الأعیان کالعلّامتین الآیتین الأعلمین الشقیقین عمّي أبي صاحبي الروضات ومباني الأصول والعلّامة الماهر نجل الشیخ محمّد تقي صاحب الحاشیة الشیخ محمّد باقر».(2)
وفي کلام بعض الأعلام: السیّد الأجلّ الطباطبائي السیّد المحقّق الیزدي.(3)
وقال بعض الأعلام في ترجمته: «السيد محمّدكاظم ابن السيد عبدالعظيم الطباطبائي اليزدي النجفي: الفقيه الأصولي الكبير والزعيم الديني الجليل والفقيه الأعظم والرئيس المطلق الذي لا يدانيه أحد وكان بحراً متلاطماً علماً وتحقيقاً ومتانةً
ص: 11
مستحضراً للفروع الفقهية ومتون الأخبار له التضلع في المعقول والمنقول والأدب ومن شيوخ الفقه والأصول عابد زاهد ورع تقي لم تتمكن السياسة من إغرائه وافتتانه وتخديره وجذبه رغم محاولاتها الشيطانية ومواعيدها الدنيوية الضئيلة ولد في يزد وقرأ فيها المقدمات والعلوم العربية ومضى إلى أصفهان وحضر أبحاث علمائها وتخرج عليهم وهاجر في 1281ﻫ إلى النجف الأشرف وتتلمذ على الشيخ مهدي كاشف الغطاء المتوفى 1289ﻫ والشيخ راضي النجفي المتوفى 1290ﻫ والسيد محمّدحسن الشيرازي ونال مرتبة الاجتهاد والفتيا واستقل بالتدريس والبحث وتقلد زعامة الحوزات الدينية في العراق وإيران وشملت مرجعيته أكثر الأمصار الإسلامية وقرأ عليه جمع غفير من الشيوخ وانهالت عليه الاستفتاءات من كافة الأقطار لما كان له في نفوس المسلمين من النفوذ والإطاعة والإكبار والتقديس إلى أن توفّي 28 رجب 1337ﻫ وقد أطل عمره الشريف على 95 سنة.
له: اجتماع الأمر والنهي. الاستصحاب. بستان نياز. التعادل والتراجيح. حاشية فرائد الأصول. حاشية المكاسب. حجية الظنّ في عدد الركعات وكيفية صلاة الاحتياط. رسالة في إرث الزوجة من الثمن والعقار. السؤال والجواب. الصحيفة الكاظمية. العروة الوثقى. الكلم الجامعة والحكم النافعة. رسالة في منجزات المريض.
ترجم في: أحسن الوديعة 1/188. أختران تابناك /387. الأعلام 7/234. أعيان الشيعة 46/206. الذريعة 1/268 و 2/25 و 3/108 و 4/204 و 6/160، 220، 273 و 11/55 و 12/248 و 15/23، 252 و 18/126 و 23/18. ريحانة الأدب 6/391. شخصيت أنصاري /428. شهداء الفضيلة/251. علماء معاصرين /113.
الفوائد الرضوية/ 596. كتابهاي عربي /175، 158، 193، 194، 195، 274، 277، 278، 286، 287، 293، 298، 299، 304، 358، 391، 452،
ص: 12
455، 477، 488، 490، 511، 588، 621، 821، 841، 855، 909. لغت نامه 50/182. ماضي النجف 3/8، 90، 121، 184، 198، 230، 236، 263، 269، 285، 286، 298، 372. معارف الرجال2/326. معجم المؤلفين 11/156. معجم المؤلفين العراقيين 3/230. مكارم الآثار 4/1321. نجوم السماء 2/279. هدية الرازي /145. معجم رجال الفكر والأدب 3/1358».(1)
وجاء ترجمته في بعض المصادر هکذا: «السيد محمّدكاظم بن السيد عبدالعظيم الطباطبائي اليزدي المتوفى 1337ﻫ/ 1919م ولد الإمام السيد محمّدكاظم بن السيد عبدالعظيم الطباطبائي اليزدي في قرية كسنو، إحدى قرى يزد عام 1247ﻫ/ 1831م، ونشأ بها، وقرأ المقدمات فيها، ثم هاجر إلى أصفهان، وحضر أبحاث الشيخ محمد باقر نجل صاحب هداية المسترشدين والشيخ محمّدجعفر آبادهئي وغيرهما، وفي عام 1281ﻫ، هاجر إلى مدينة النجف الأشرف، وتتلمذ على علمائها وفقهائها منهم:
1- السيد محمد حسن الشيرازي.
2- الشيخ مهدي كاشف الغطاء.
3- الشيخ راضي النجفي.
وأشارت المصادر إلى أن الإمام السيد اليزدي قد تتلمذ على الشيخ محمد حسن بن محمد إبراهيم الأردكاني [وتلمذ عليه الشيخ يوسف الحاريصي]. وأصبح عالماً فقيهاً أصولياً، ويقول الشيخ القمي: إنّه سيد علماء الأمة وشيخ طائفتها وحامل لواء الشيعة ومختلفها، وقطب رحى الشريعة وموئلها، ويقول الشيخ حرز الدين: إنّه كان بحراً متلاطماً علماً وتحقيقاً ومتانةً، مستحضراً للفروع الفقهية ومتون الأخبار، ويقول الخياباني: إنّه من فحول المتبحرين من علماء الإمامية في القرن الحاضر،(2) وإنّه عالم محقق
ص: 13
مدقق، جامع للعلوم الدينية فروعاً وأصولاً، وقد تولى الإمام اليزدي المرجعية العليا بدون منافس بعد وفاة الإمام الآخوند الملا محمّدكاظم الخراساني، فركن إليه طلبة العلم في النجف الاشرف، وأصبح علماً بارزاً ومقلَّداً لجمهور الإمامية، وقد قيل: إنّه كان ندّاً للإمام الشيخ محمّدتقي الشيرازي».(1)وفي منار الهدى: «السیّد کاظم الیزدي صاحب العروة الوثقى في الفقه المتداول بأيدي الطلاب اليوم. عالم فاضل جليل متبحّر فقيه. سمعت من أستاذي الشيخ محمّدتقي القمشئي الإصفهاني الساكن بالنجف الأشرف قال: سمعت من جناب السيّد يقول: نظرت في الجواهر من أوّل الطهارة إلى آخر الديات سبع مرّات».(2)
وفي کتاب زندگانی حضرت آیة الله چهارسوقی (رحمة الله علیه):
«و عمده تحصیلش در اصفهان نزد صاحب روضات وصاحب مبانی وحاج شیخ محمّد باقر ابن شیخ محمّد تقی اصفهانی بوده، سپس به نجف اشرف هجرت کرده و آنجا به حوزه درس مرحوم شیخ راضی ابن شیخ محمّد نجفی و آیة الله مجدّد حاج میرزا محمّد حسن شیرازی حاضر و پس از فوت سیّد مجدّد به افاده و تدریس پرداخته لیلاً و نهاراً مشغول افاضه و استفاضه بوده آنی را غفلت نداشته است. بالأخصّ در تحقیق علم فقه نهایت کوشش و جدیّت را به کار برده تا مجتهدی فحل و فقیهی بارع و بی همال گردید و بالأخره ریاست کبری و زعامت عظمای شیعه به او مفوض و مسلّم شد».(3)
ذکر أنّ آیة الله السیّد محمّد کاظم الطباطبائي الیزدي (رحمة الله علیه) مجاز عن الشیخ مهدي
ص: 14
بن علي بن جعفر کاشف الغطاء،(1) وأنّ لآیةالله الشیخ عبدالکریم الزنجاني(2) (رحمة الله علیه) إجازة من السیّد في الروایة والاجتهاد.(3) ومن تلامذتهآیةالله السیّد محمّدباقر الدرچهئي(4) وآیةالله الشیخ أحمد کاشف الغطاء وآیةالله الشیخ محمّدحسین کاشف الغطاء(5) وآیةالله السیّد علي النجف آبادي(6) وآیةالله المیرزا أبوالهدى الکلباسي،(7) وآیة الله الشیخ مهدي النجفي المسجدشاهي الإصفهاني وآیة الله الشیخ محمّدرضا النجفي المسجدشاهي الإصفهاني وآیة الله السیّد علي الموسوي البهبهاني، رحمة الله علیهم.
ص: 15
وقيل في تاریخ وفاته:
ومذ کاظم الغیظ نال النعیما *** وحاز مقاماً وفضلاً کریماً
وجاور ربّاً غفوراً رحیماً *** فأرّخ: لقد فاز فوزاً عظیماً (1)
هذا کتاب قیّم رصین مفصّل بدیع فیه تحقیقات عالیة وتدقیقات عمیقة في مسألة اجتماع الأمر والنهي بحیث لا نعلم أبسط منه في هذا البحث في مؤلّفات علماء الإسلام من الشیعة والعامة لسیّد الفقهاء والمجتهدین آیةالله العظمى السیّد محمّدکاظم الطباطبائي شکر الله سعیه وأعلى الله مقامه.
قال الشیخ آقابزرگ (رحمة الله علیه): «اجتماع الأمر والنهي للسيد الأستاد العلامة السيد محمّدكاظم بن عبدالعظيم الطباطبائي اليزدي النجفي المتوفى بها في الثاني والعشرين من رجب سنة 1337، فرغ منه سنة 1300 وطبع بطهران سنة 1317».(2)وطبع أخیراً بتحقیق الحاجّ الشیخ محسن الأحمدي الطهراني(3) شکر الله سعیه.
ص: 16
وبتوفیق من الله تعالى ترجمت الکتاب إلى الفارسیّة ثم قمت بتحقیق هذا الکتاب القیّم وساعدني في التحقیق أخي العالم العدل الفقیه الأصولي المحقّق حجّةالإسلام والمسلمین الحاج الشیخ أحمد حلبیان (دامت برکاته) نجل خیر الحاج مصطفى حلبیان الإصفهاني (دامت برکاته). وکذا ساعدني في مقابلة شطر من الکتاب أخي الحاج مهدي حلبیان(1) حفظه الله. وبعد التحقيق نظر فيه آيةالله المجاهد الحاج السيّد مرتضى مستجاب الدعواتي (دام ظله).
وأشکر العلّامة آیةالله الحاجّ السیّد جعفر الحجة الکشفي (دامت برکاته) (2) لکتابة خطّ غلاف الکتاب بشکل حسن رائع، والخطّاط الفنّان الأستاذ نبیل المعموريالنجفي(3)
ص: 17
حفظه الله خطّاط مسجد الکوفة لکتابة اسم المحقّق من خطّ الغلاف.(1)
وکذا أشکر السیّدة تَهْمِيْنِه نصر آزاداني لأجل تنظيم الکتاب وتصمیمه.
وأهدي ثواب تحقیق هذا الکتاب إلى رسول الله (صلى الله علیه و آله وسلم) وأهل بیته الطاهرین لاسیّما سیدي ومولاي أمیرالمؤمنین علي بن أبي طالب (علیهما السلام) باب مدینة علم النبي (صلى الله علیه و آله وسلم).
1. مخطوطة في مکتبة المسجد الأعظم بقم المشرّفة، حصلنا علیها بمساعدة الشیخ الفاضل المیرزا علي السلیماني البروجردي سلّمه الله. ونعبّر عنها ب- «المخطوطة».
2. مخطوطة في مکتبة الوزیري في یزد حصلنا علیها بمساعدة فضیلة العالم التقيّ حجةالإسلام الشیخ هادي دَشَن الیزدي(2) وفضیلة الصالح الذکيّ محمّد الوزیري الکردستاني الیزدي(3) حفظهما الله تعالى. ونعبّر عنها ب- «مخطوطة مکتبة الوزیري».
في آخرها: «وقد وقع الفراغ من تسویده وتحریره في یوم العشرین من شهر رجب المرجب من شهور السنة التاسعة من العشر الأوّل من المائة الرابعة من الألف الثاني في النجف الأشرف على مشرفه الآلاف التحیة والسلام على ید العبد الأقلّ الأفقر الخاطي محمّدحسین بن الحاجي عبدالغفور الیزدي الساکن في النجف الأشرف على مشرفه الآلاف التحیة والسلام».
3. الطبعة الحجریّة المعروفة التي تصدّى لمقابلتها واستكتابها الجنابان المُستطابان الآقا الشيخ عليّ اليزدي والفاضل الكامل الآقا محمّدمهدي الكاشاني
ص: 18
وکاتبها جناب زين العابدين الإصفهاني ونعبّر عنها ب- «الطبعة الحجریّة».
4. الطبعة المحققّة بتحقیق الحاج الشیخ محسن الأحمدي الطهراني حفظه الله، حصلنا علیها بمساعدة الحاج الشیخ رضا المختاري حفظه الله. ونعبّر عنها ب-«الطبعة المحقّقة».
1. تقدیم مقدّمة في أحوال المؤلف وتعریف الکتاب وتحقیقه؛
2. تصحیح الکتاب ومقابلته مراراً مع النظر في النسخ المعتمدة وتقویم النصّ؛
3. تقطیع النصّ وتعیین رؤوس المطالب وتنظیم الفهرست؛
4. تخریج الآیات والروایات وأقوال العلماء من مصادرها المطبوعة والمخطوطة؛
5. شرح بعض الکلمات والمصطلحات؛
6. شرح بعض المطالب الغامضة في الرسالة؛
7. إثبات تعلیقات ونقود على بعض الآراء المطروحة في الکتاب؛
8. إراءة آراء الأصولیین وجهابذة الفنّ في بعض هوامش الکتاب؛
9. إراءة بعض آراء المصنف المرتبطة بمباحث الکتاب من سائر کتبه العلمیة؛
10. تنظیم الفهارس الفنیّة.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما کنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین والصلاة والسلام على سیدنا محمّد وآله الطاهرین.
حسین حلبیان
20 جمادى الآخرة
1442
ص: 19
ص: 20
ص: 21
ص: 22
ص: 23
ص: 24
ص: 25
ص: 26
هو الله
بسم الله الرّحمن الرّحيم
لمّا كان مسألة جواز اجتماع الأمر والنّهي من جوامع مسائل الأصول؛ إذ قد اجتمع فيها دقائق الفقه ورقائق المعقول وقد غربل وأكثر في تمييز حقائقها أرباب الألباب والعقول ولم يميّزوا حقّها القشر من اللّباب والأصول من الفضول إلى أن وصل النّوبة إلى جامع ايتمار الأمر وانتهاء النّهي بأمر النهى ورافع راية العلم ولواء الفضل في عين الدّهى العالم الرّباني والمحقّق الصّمداني بحر العلوم الثّاني من آل طباطبا ذي الأصول والمباني أبي المكارم والمفاخم سيّد العلماء الأعاظم سيّدنا السيّد محمّد كاظم اليزدي النّجفي أدام الله ظلّه العالي فقد كان لعلوّ ذهنه الوقّاد ودنوّ فكره النّقاد أهلاً لأن يجيل في ميدان حقائق مبانيها فرس التّحقیق ويزيل عقد معانيها بأنامل التّدقيق كتب دام ظلّه هذه الرّسالة الغرّاء حین ما يدرّس بها جمعاً من الفضلاء وتمّت بحمد الله فائقة جميع ما كتب في هذا الباب من الكتب والرّسائل ووسيلة موصلة لأفاضل الطلّاب إلى أحسن الوسائل.
ثمّ إنّه قد مدّ الفضلاء أعناقهم وشدّ العلماء أشواقهم إلى تحصيلها فانصرفوا خائبين ورجعوا دائبين لقلّة النّسخ وضنّة من نسخ [إلی] أن منّ الله تعالى على الطّالبين
ص: 27
بأن طبعت أحسن الطّبع وأكثر وانتشر بحمد الله في کلّ صُقع ورَبع فليغتنم الطّالبون وليلتذّ الشّاربون ولمثل هذا فليعمل العاملون والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطّاهرين سنة 1316.
ص: 28
هذه رسالة شريفة ونسخة منيفة في جواز اجتماع الأمر والنّهي لجامع جوامع التقوى والفضل ومحقّق حقائق الفرع ودقايق الأصل والحاكم بين الأوائل والأواخر بالقول الفصل السّيد السّند الأوحد الوفيّ الزّكيّ التّقيّ الصّفيّ والبحر اللجّيّ الألمعيّ اللّوذعيّ ظهير الأنام حجّة الإسلام كهف الأرامل وكافل الأيتام علم الأعلام، سيّد العلماء الأعاظم السّيّد محمّد كاظم اليزدي النّجفي أدام الله تعالى ظلّه العالي.
ص: 29
ص: 30
ص: 31
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطّاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.
وبعد فيقول الفقير إلى الله محمّد كاظم بن(1) عبد(2) العظيم الطّباطبائي اليزدي لقد سألني بعض الإخوان من الفضلاء حين مذاكرتي لهذه المسألة أن أكتب ما أذكره في المباحثة ليكون تذكرة لي ولغيري فأجبته إلى ذلك وما توفيقي إلّا بالله عليه توکلّت وإليه أُنيب.
ص: 32
ص: 33
المسائل الکلاميّة؟
وعلى تقدير كونها أصوليّة هل هي عقليّة محضة أو للّفظ(1) فيها مدخليّة؟ وجوه.
فصرّح المحقّق القمي بأنّها من المسائل الکلاميّة حيث قال: «وهذه المسألة وإن كانت من المسائل الکلاميّة إلّا أنّها لمّا كانت يتفرّع عليها كثير من المسائل الفرعيّةذكرها الأصوليّون في كتبهم فنحن نقتفي آثارهم».(2)
وقال في المناهج: «اعلم أنّ مسألة اجتماع الوجوب والحرمة من المسائل الکلاميّة الّتي ليس(3) من شأن الأصولي البحث عنها».(4)
وقال في الإشارات: «ولأجاد من قال إنّها من المسائل العقلية(5) الکلاميّة».(6)
وذكر في الهداية «أنّها من المسائل المتعلّقة بالأحکام»(7) يعني أنّها من المبادي الأحکاميّة.
قال: «ولذا ذكرها هناك جماعة من الأعلام».(8)
ص: 35
قلت: قد حكي عن الحاجبي(1) والعضدي(2) وشيخنا البهائي(3) (قدس سره) ذكرها فيها.(4)
ويظهر من بعضهم أنّها من الأصولية العقلية وأنّ الأنسب ذكرها في الأدلّة العقلية. بل قيل: ذكرها بعضهم هناك.ويظهر من ذكر صاحب المعالم لها في مباحث النّهي(5) أنّها لفظية لغوية.
وربما يستظهر كونها لفظية في الجملة بمعنى دخل اللّفظ فيها وكون النّزاع في الأعمّ من اللفظ وحكم العقل من الأردبيلي(6) وسيّد الرّياض(7) في الرّسالة الّتي أفردها
ص: 36
في هذه المسألة حيث فصّلا بين العقل والعرف،(1) وقالا: إنّ الاجتماع جائز عقلاً لا
ص: 37
عرفاً.
والحقّ أنّ لکلّ وجه صحّة(1)، فإنّ هذه المسألة تختلف باختلاف التّقريرات كمسألة وجوب المقدّمة وحرمة الضدّ حيث إنّهما يمكن تقريرهما أصوليّة وفرعيّة ومن المبادي.
فهذه المسألة أیضاً يمكن تقريرها کلامية بأن يكون البحث عن جواز اجتماع الوجوب والحرمة بمعنى إمکانه عقلاً إمکانا ذاتيّاً أو وقوعيّاً وعدمه من حيث إنّه مطلب من المطالب الواقعيّة من غير نظر إلى ملاحظة استنباط الحكم(2) الفرعي منها ومن غير نظر إلى كونه بحثاً عن حال الوجوب والحرمة؛ فإنّ المسائل الکلاميّة هي الباحثة عن أحوال الوجود والموجود(3) مع الالتزام بكونه على وجه لا ينافي قواعد الشّرع.
وإن قلنا: إنّه يعتبر فيها كونها باحثة عن أحوال المبدأ(4) والمعاد، نقول: يمكن أن يقال: يكفي في ذلك كون الغرض فهم حال الأوامر والنّواهي الصّادرة من الله تعالى.
ويمكن تقريرها على وجه يكون من المبادي الأحکاميّة بأن يكون البحث عن
ص: 38
حال الوجوب والحرمة وأنّهما هل يكونان متنافيين بحيث لا يمكن اجتماعهما فيمورد واحد ولو مع تعدّد الجهة أو لا؟ إذ على هذا التّقدير يكون بحثاً(1) عن لوازم الوجوب والحرمة فتدخل في المبادي الأحکاميّة الباحثة عن حال الأحکام ولوازمها.
وظاهرهم أنّها ليست من المسائل الأصوليّة حینئذٍ بل بحث عن مقدّماتها كالبحث عن المبادي اللّغويّة فإنّها أیضاً خارجة عن المسائل الأصوليّة وإن کان يمكن إدراج کلتیهما(2) فيها لكن ظاهرهم خروجهما.
ويمكن تقريرها أصوليّة بأن يكون البحث عن جواز الاجتماع وعدمه من حيث إنّه ممّا يحكم به العقل ويكون(3) دليلاً على المسألة الفرعيّة وهي صحّة الصّلاة في الدّار الغصبيّة وعدمها؛ إذ على هذا التّقدير يكون بحثاً عن حال الدّليل الّذي هو العقل أو الحكم العقلي فيكون من المسائل الأصوليّة، سواء عرّفناها بأنّها: «العلم بالقواعد الممهّدة للاستنباط»(4) أو «العلم بأحوال الدّليل»(5)
أمّا على الأوّل فواضح.
وأمّا على الثاني فلأنّه بحث عن أنّ العقل حاكم بالإمکان أو بالامتناع وهذا بحث عن حال الدّليل الّذي هو العقل بناء على أنّ الموضوع هو ذات العقل وبناء على
ص: 39
أنّه حكم العقل حيث يقال: إنّ الدّليل العقلي حکم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي فيكون البحث عن وجوده وعدمه وهو بحث(1) عنه.
فالبحث عن حال الدّليل أعمّ من أن يكون بحثاً عن حاله بعد وجوده ودليليّته كما في البحث عن تخصيص الكتاب بخبر الواحد بعد الفراغ عن حجيّتهما وكالبحث عن حكم العقل في المقام وسائر المقامات بناء على جعل الدّليل ذات العقل فإنّحكمه حال من أحواله، أو بحثاً عن حجيّته وعدم حجيّته كما في(2) البحث(3) عن حجيّة خبر الواحد، أو بحثاً عن وجوده وعدمه كالبحث عن حكم العقل في المقام بناء على كون الدّليل حكم العقل لا ذاته فإنّه راجع إلى البحث عن وجود الدّليل الّذي هو حكم العقل.
ويمكن تقريرها أصوليّة لفظيّة بأن يكون البحث عن حال الأوامر والنّواهي الواردة في الكتاب والسّنّة وأنّها دالّة على كون متعلّقاتها غير حرام أو غير واجب.
أو(4) أنّ العرف هل يفهم من الأمر والنّهي المتعلّقين بموضوعين بينهما عموم من وجه التّخصيص وأنّ(5) الفرد الجامع خارج عن أحدهما أو لا؟
أو أنّه هل يكون في الشّرع ما يدلّ على عدم جواز الاجتماع أو لا؟
كأن يكون مقتضى خبر أو آية عدم جواز الاجتماع أو جوازه كما يمكن أن يدّعى
ص: 40
أنّ قوله: «لا يطاع الله من حيث يعصى»(1)، دالّ على عدم الجواز الشّرعي وكذا قوله (علیه السلام): «لو أنّ النّاس أخذوا ما أمرهم الله [عزوجلّ](2) به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ».(3)
فعلى هذه الوجوه الثّلاثة - وحاصلها كون الأمر والنّهي دالّين عرفاً على شرطيّة كون متعلّقهما غير حرام أو غير واجب أو كون اجتماعهما في مورد بحسب الظّاهروالعموم(4) ظاهراً(5) في نظر العرف في تخصيص أحدهما أو استفادة قرينة عامّة من مثل الخبرين على عدم الاجتماع - يكون البحث أصوليّاً لفظيّاً.
ويمكن على وجه بعيد أبعد تقريرها فرعيّة بأن يكون البحث عن حال ما تعلّق(6) به الأمر والنّهي بحسب العموم وأنّه صحيح أو لا؟
فتحصّل أنّ هذه المسألة يختلف حالها بحسب اختلاف التّقريرات كمسألة مقدّمة الواجب ومسألة الضدّ ومسألة حرمة التّجري إلى غير ذلك.
ص: 41
ولا يضرّ الاختلاف بحسب اختلاف التّقرير وحيثيّة البحث؛ لأنّه في الحقيقة ليست مسألة واحدة مختلفة الحال، بل هي على کلّ تقدير وتقرير مسألة أخرى من جهة حیثیّة البحث من(1) اختلاف الموضوع أو المحمول وإن كانا واحداً في النّظر(2) البدوي في الجميع.
مع أنّ الاختلاف باختلاف حيثيّة البحث من حيث هو أیضاً لا بأس به مع قطع النّظر عن التحليل المذكور.
ألا ترى أنّ مسألة مفهوم الشّرط من حيث هي من المسائل النّحوية أو البيانية وإذا لوحظ في البحث حال القضايا الواردة في الكتاب والسّنة كانت من المسائل الأصوليّة وهكذا مسألة دلالة الأمر على الوجوب وغير ذلك كمباحث العمومات والمطلقات. فتدبّر.
هذا، وقد يقال(1) بتعيين كونها من المبادي الأحکاميّة وأنّها ليست کلاميّة ولا أصوليّة.
أمّا أنّها ليست کلاميّة وأنّه لا وجه لما ذكره المحقّق القمي وغيره فلأنّها(2) إنّما تكون کلاميّة إذا كان النّظر إلى أنّ الاجتماع قبيح أو لا؟ حيث إنّها تصير حینئذٍ من التّحسين والتقبيح العقليين وليس كذلك، إذ جملة من کلماتهم ظاهرة في دعوى استحالة الاجتماع ذاتاً حيث عدّوه من التکلیف المحال بالمحال(3) ولا دخل لها حینئذٍ بالحسن والقبح.
وفيه منع انحصار المسائل الکلاميّة بالتّحسين والتقبيح كما هو واضح؛ إذ أغلبها ليست كذلك مثل مسألة الصّفات من العلم والقدرة وغيرها ممّا لا يخفى.
ولعلّ القائل يريد بذلك أنّ المسائل الکلاميّة المرتبطة بالفرعيّات لا بدّ أن تكون باحثة عن التّحسين والتقبيح، وهو أیضاً كما ترى.
وقد يقال - في وجه عدم كونها کلاميّة -:
إنّ الکلام ما يبحث فيه عن أحوال المبدأ(4) والمعاد حيث إنّها: «صناعة نظريّةيقدر معها على إثبات الصّانع وصفاته الّتي يتوصّل بها إلى إثبات النّبيّ (صلى الله علیه و آله وسلم)
ص: 43
والوصيّ (علیه السلام) والمعاد بما فيها من العقائد»، وظاهر أنّ المسألة لا ترجع إليها.
نعم لو كان البحث عن صدوره عنه كان له وجه، لكنّ الظّاهر عدم رجوع النّزاع إليه كما يظهر من کلماتهم نقضاً وإبراماً ومجرّد كونها من المباحث العقلية لا يلحقها بالکلاميّة.(1)
وفيه: أوّلاً: إنّ الغرض من البحث تشخيص حال الأوامر والنّواهي الشرعیّة وإن كانت الکلمات مطلقة كما في غالب المباحث الأصوليّة.
وثانياً: إنّ الکلام ما يبحث فيه عن المطالب العقلية على وجه يوافق الشّرع والمقام كذلك.
والإنصاف أنّها أظهر في كونها کلاميّة من غالب مباحث الأمور العامّة.
بل جملة من مباحث الجواهر والأعراض مثل مباحث الماهيّة ولواحقها ومسألة الجزء الذي لا يتجزّى وغيرها وإن کان ربما يتخيّل دخلها في العقائد الدّينيّة بوجه بعيد.
فعلى تقدير كون الکلام ما ذكره، نقول: هذه المسألة أولى بكونها منه من تلك المسائل وعلى تقدير العدم فالأمر أوضح(2)
وأمّا أنّها ليست أصوليّة فلأنّها ما يكون باحثاً عمّا يستنبط منه الحكم الشرعي(3) الفرعى بلا واسطة وفي المقام وإن کان يستنبط صحّة الصّلاة وعدمها من هذه المسألة
ص: 44
إلّا أنّها متفرّعة على تحقّق التّعارض وعدمه بين دليلي الأمر والنّهي وهو متفرّع على جواز الاجتماع وعدمه.فالصحّة لا تتفرّع على الجواز والعدم إلّا بتوسّط فهم التعارض وعدمه.
فهذه المسألة من مبادي المسألة(1) الأصوليّة الّتي هي وجود التّعارض والتّناقض بين الأدلّة وعدمه.(2)
ويرد عليه: أوّلاً: النّقض بجملة من المباحث الأصوليّة فإنّها يتفرّع عليها الحكم الفرعي بوسط مثل مسألة جواز تخصيص الكتاب بالخبر(3) الواحد أو تفسيره به فإنّه يثبت به كون الخبر مثلاً(4) قرينة على إرادة المعنى التأویلي من الكتاب فالحكم الفرعي وهو مؤدّى المعنى التأویلي للآية متفرّع على وجود القرينة على إرادته وهو متفرّع على جواز كون الخبر مخصّصاً(5) أو مفسّراً.
ومثل مسألة جواز التّرجيح بالمرجّحات الغير المنصوصة(6) مثل الشّهرة الفتوائية فإنّه يتفرّع عليها كون الخبر الموافق لها أرجح ويتفرّع على الأخذ به تعيّن مدلوله وكذا
ص: 45
مسألة وجوب الترجيح ومسألة كون الحكم عند التّعادل التخيير دون التوقّف والتساقط وهكذا مسألة حجية خبر الواحد فإنّه يتفرّع عليها كون الخبر الفلاني دليلاً(1) على الحكم إلى غير ذلك.
وثانياً: بالمنع وأنّ الأصوليّة أعمّ(2) ممّا يتفرّع عليه الحكم بوسط أو بلا وسط.وثالثاً: أنّ التّعارض وعدمه أمر انتزاعي وإلّا ففي الحقيقة الصحّة والفساد متفرّعان(3) على جواز الاجتماع وعدمه.
بل التّعارض عبارة أخرى عن عدم جواز الاجتماع؛ إذ هو بمعنى التّنافي بين الأمر والنّهي وهو عين التّعارض.
إلّا أن يقال: إنّ التّعارض العرفي متفرّع على ثبوت التّنافي العقلي والفساد متفرّع على التّعارض العرفي.
وفيه: منع ذلك بل التّنافي العقلي كافٍ في التّخصيص من غير حاجة إلى التّعارض العُرفي.
بل لا يتحقّق التّعارض العرفي بمجرّد المنافاة(4) العقلية كما في سائر القرائن العقلية فإنّها بنفسها قرينة من غير توسيط(5) العرف في ذلك.
وقد يقال: بعدم معقوليّة كون المسألة من الأصوليّة اللّفظيّة على حذو ما ذكره
ص: 46
في بحث المقدّمة وأنّ كون البحث في المقامين(1) وكذا(2) بحث الضدّ لفظيّاً في غاية الضّعف.
وحاصل ما ذكره في وجه ذلك في بحث المقدّمة: «أنّ المتعارف في الأبحاث اللغويّة هو تسليم المتخاصّمين لوجود المعنى المتنازع في وضع اللّفظ بإزائه وعدمه.
وإنّما النّزاع بينهما في ثبوت العلقة الوضعيّة الجعليّة بين ذلك المعنى المعقول وبين اللّفظ، كما في نزاعهم في أنّ الأمر للوجوب أو للنّدب؟ فإنّ الطّلب المتأكّد الّذي هو الوجوب وغير المتأكّد الّذي هو الاستحباب معنيان معقولان من حيث هما موجودان في الخارج وإنّما النّزاع في أنّ لفظ الأمر دالّ على هذا أو ذاك؟ومثل نزاعهم في أنّ الشّرط له مفهوم أو لا؟ فإنّ تعليق العدم على العدم من المعاني الموجودة في الخارج وإنّما النّزاع في أنّ القضيّة الشّرطيّة هل تدلّ(3) على تعليق الوجود على الوجود فقط أو تدلّ على تعليق العدم على العدم أیضاً؟
وهكذا في سائر الموارد فاللّازم كون المعنى المشكوك في دلالة اللّفظ عليه من المعاني المتحقّقة في الخارج المعقولة في حدّ نفسه وكان النّزاع في دلالة اللّفظ عليه وعدمه وفي المقامات المذكورة النّزاع والإشکال في أصل تحقّق(4) المعنى في الخارج.
مثلاً في بحث المقدّمة، النّزاع في ثبوت الملازمة العقلية وعدمها بين وجوب ذي المقدّمة ووجوبها لا في وضع اللّفظ لها بعد ثبوتها، فالقائل بالإثبات يدّعي الثّبوت والقائل بالعدم يدّعي عدم الثّبوت وليس الوجوب في الواقع تارة على وجه يحكم العقل بثبوت الملازمة وتارة على وجه لا يحكم فيكون النّزاع في أنّ اللّفظ موضوع لأيّ
ص: 47
الوجوبين؟
وكذا في بحث الضدّ النّزاع في تحقّق الملازمة بين وجوب الشّي ء وحرمة ضدّه.
وفي المقام النّزاع في ثبوت المضادّة والمنافاة العقلية بين الوجوب والحرمة بحيث لا يمكن اجتماعهما في مورد واحد ولو مع تعدّد الجهة وليس الوجوب والحرمة تارة على وجه يكون بينهما مضادّة وتارة على وجه لا يكون حتّى يكون النزاع في أنّ لفظ الأمر والنّهي أو الوجوب والحرمة موضوع لأيّ القسمين؟ مثلاً.
نعم على القول بتحقّق الملازمة بين الوجوبين عقلاً في بحث المقدّمة أو بين الوجوب وحرمة الضدّ في بحث الضدّ، أو تحقّق المنافاة العقلیة بین الوجوب والحرمة في المقام تكون(1) الملازمة أو المنافاة من المداليل الالتزاميّة للّفظ(2) إذا قلنا بأنّهما(3) مناللّوازم الّتي لا يحتاج التّصديق بها إلى وسط في الإثبات ومجرّد ذلك لا ينهض وجهاً لدخولها في مباحث الألفاظ.
ومن ذلك ظهر أنّه لا وجه لاستدلال صاحب المعالم على عدم وجوب المقدّمة في بحثها بانتفاء الدّلالات الثّلاث.(4)
وكذا لا وجه لجواب بعض المحقّقين(5) عنه بأنّ عدم الدّلالة بواسطة القرينة
ص: 48
لاينافي ثبوت الوضع إلى غير ذلك ممّا ينبئ عن كون(1) البحث لغويّاً لفظيّاً؛ لما عرفت من عدم معقوليّة ذلك بعد كون النّزاع في أصل المعقوليّة والتّحقّق في الخارج والبحث اللّغوي(2) فرع كون المعنى موجوداً متحقّقاً».(3)
أقول: ليس مراد من يجعل البحث لفظيّاً أنّ اللّفظ يدلّ على الملازمة العقلية أو المنافاة العقلي حتّى يقال(4): إنّه لا يعقل مع عدم تحقّق الملازمة(5) أو تحقّق عدمها.
بل مراده ثبوت الملازمة الجعليّة أو المنافاة(6) الجعلية(7) أو العرفية(8) وهذا لا يتوقّف إلّا على إمکان جعل اللّفظ ذا دلالتين: دلالة على أصل الوجوب ودلالة على وجوب المقدّمة مثلاً، بجعل اللّزوم بينهما وضعاً أو إمکان كونه ظاهراً في العرف فيذلك من جهة أنّه لا يطلق(9) اللّفظ في العرف ولا يستعمل إلّا مع إرادة وجوب المقدّمة أیضاً أو مع إرادة كون متعلّقه غير حرام.
فاللّزوم كما أنّه قد يكون عقليّاً كذلك قد يكون عرفيّاً وقد يكون وضعيّاً ولايشترط في الدّلالة الوضعيّة أو العرفيّة كون المعنى موجوداً في الخارج بل يكفيه
ص: 49
كونه متعقّلاً(1) ومتصوّراً ومن المعلوم أنّ إرادة وجوب المقدّمة من الأمر بذي المقدّمة معقولة وكذا إرادة كون متعلّق الوجوب غير حرام،(2) فيصحّ وضع اللّفظ بإزائه.
كيف ولو كان اللّازم كون المعنى موجوداً في الخارج فلا يتمّ في مثل مفهوم الشّرط أیضاً؛ إذ من المعلوم أنّ تعليق الوجود على الوجود لا يلازم عقلاً تعليق العدم على العدم لإمکان تعدّد السّبب إلّا أنّه يعقل التّعليق(3) العدمي من حيث هو فيجعله مدلولاً للفظ.
ففي المقام أیضاً يعقل ويتصوّر كون الوجوب ملازماً لوجوب المقدّمة أو لحرمة الضدّ أو لعدم حرمة الشّي ء(4) من جهة أخرى فيمكن دلالة اللّفظ عليه وحینئذٍ فيصحّ أن يقال: إنّ الوجوب متصوّر على وجهين تارة على وجه يتبعه وجوب شي ء آخر بمعنى أن يكون ملازماً له في الإرادة وأخرى على وجه لا يتبعه وجوب شي ء آخر.
والإشکال إنّما نشأ من تخيّل كون اللّازم(5) أن يكون اللّازم عقلياً حتّى يكون اللّفظ دالّاً عليه، وليس الأمر كذلك؛ إذ اللزوم(6) عقلي وعرفي وشرعي ووضعي كما عرفت.
فالإنصاف أنّه لا إشکال في إمکان كون(7) البحث لفظيّاً بأحد الوجوه المتصوّرةسابقاً وإمکان كونه أعمّ من العقلي واللّفظي إلّا أنّ ظاهر عناوين القوم أنّ نزاعهم في
ص: 50
الجواز العقلي وعدمه كما يظهر من استدلالاتهم أیضاً.
وما صنعه صاحب(1) المعالم(2) من ذكر المسألة في مباحث النّهي(3) لا يدلّ على كون البحث لفظيّاً لقوّة احتمال كونه من جهة أنّ الغالب أنّ الوجوب والحرمة مستفادان من اللفظ.
وكذا لا دلالة في تفصيل الأردبيلي(4) وسيّد الرّياض(5) بين العقل والعرف على كون البحث أعمّ من اللّفظي والعقلي(6) لقوّة احتمال كون المراد التّفصيل بين حكم العقل بالنّظر البدوي المسامحي وبين حكمه بالنّظر الدّقيق الحكمي فمرادهما من العرف حكم العقل على حسب ما يفهمه العرف المبنيّ أفهامهم على المسامحة وعدم المداقّة والغرض أنّ العقل في أوّل النّظر يحكم بالامتناع لكن في النّظر الدّقيق يحكم بالجواز.
وقد يوجّه کلامهما بأنّ مرادهما الفرق بين المعنى الّذي يفهمه العقل(7) من
ص: 51
الوجوب والحرمة والمعنى الّذي يفهمه العرف منهما فغرضهما أنّ العقل يحكم بجواز اجتماع الوجوب والحرمة بمعناهما(1) العرفي وبعدم جواز اجتماعهما بمعناهما(2) الحقيقيالعقلي، فعلى التّقديرين الحاكم هو العقل، والتّفاوت إنّما هو في متعلّق الحكمین(3)
والأوجه الوجه الأوّل؛ إذ ليس معناهما العرفي غير معناهما الحقيقي بل لا حقیقة لهما إلّا ما عند العرف؛ إذ الأحکام الخمسة حقیقتها الاعتبارات العقلائيّة العرفيّة إلّا إذا جعلنا الطّلب عين الإرادة النفسيّة لا إنشاء الاقتضاء فإنّها على هذا التّقدير أمور متأصّلة خارجيّة ومن الأوصاف الحقيقيّة، فيمكن أن يكون حقیقة الإرادة غير ما يتعقّله(4) العرف منها بخلافه على الأوّل فإنّ تأصّلها عين هذه الاعتبارات فإنّ إنشاء الاقتضاء(5) اعتبار من الاعتبارات فحقیقته ليس إلّا هذا الاعتبار العرفي.
فتحصّل أنّه لم يعلم من أحد منهم جعل النّزاع لفظيّاً أو أعمّ(6) منه ومن العقلي وما يذكرون في طيّ الاستدلالات من فهم العرف التّخصيص(7) فهو استطراد وإلّا
ص: 52
فأصل النّزاع في الحكم العقلي.
نعم قال في الهداية: «فالکلام في جواز اجتماع الوجوب والتحريم بأيّ لفظ وردا. هذا بالنّظر إلى الکلام في الجواز العقلي وأمّا بالنسبة إلى الفهم العرفي الذي هو أحد المعنيين اللّذين وقع البحث فيهما فإنّما يقوم البحث في الظواهر والإطلاقات دون النّصوص والتّصريحات».(1)
ويظهر منه تعميم النّزاع.
وكذا يظهر من المناهج أیضاً حيث قال: «اعلم أنّ مسألة اجتماع الوجوب والحرمة من المسائل الکلاميّة الّتي ليس من شأن الأصولي البحث عنها(2) من حيث هيهي.
والمسألة الأصولية الّتي يريدون بيانها هنا أنّه إذا ورد عامّان من وجه متنافيان فهل يخصّص أحدهما بالآخر في موضع التّنافي أم لا؟
والبحث عن ذلك هو مراد الأصولي ولكنّ التخصيص تارة بالفهم العرفي وأخرى بتلك المسألة الکلاميّة الّتي هي امتناع(3) اجتماع الحكمين».(4) إلى آخر کلامه.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ غرضه أنّ الأولى أن يجعل العنوان كذلك لا أنّ النّزاع فعلاً(5) كذلك.(6)
ص: 53
قال في الإشارات - بعد ما ذكر أنّ المسألة عقليّة لا دخل لها باللّغة واستجود كونها کلاميّة وأنّ المناسب ذكرها في المبادي الأحکاميّة -:
«نعم لو ذكرها من يقول بامتناع الاجتماع في الأدلّة العقلية حيث إنّ بناءه على أنّ العقل يحكم برفع أحد الحكمين فله وجه ويصير حاله كحال أصالة البراءة في أنّه لايستدلّ بها إلّا على نفي الحكم الشّرعي ولذا يمكن ذكره(1) فيها لغيره تبعاً».(2) انتهى.
ويستفاد من کلامه أنّ كونها أصوليّة عقلية مبنيّ على الحكم(3) بالامتناع فعند القائلين(4) بالامتناع تكون أصوليّة عقلية؛ إذ البحث عنها بحث عن الدّليل العقلي على رفع أحد الحكمين.
وأمّا عند القائلين بالجواز فلا يكون الدّليل على الحكم وهو صحّة الصّلاة إلّا العموم؛ إذ لا مانع منه بناء على هذا القول والعقل إنّما يحكم بعدم المانع عن مقتضي العموم.
وفيه: أنّ البحث عنها ليس إلّا عن ثبوت الحكم بالامتناع أو الجواز(5) فإذا كانت أصوليّة عقلية فعلى القولين وإلّا فكذلك فلا يمكن التّفكيك بینهما.
نعم لو كان البحث بعد الفراغ عن إثبات الامتناع أو الجواز أمكن أن يقال: إنّه
ص: 54
بحث عن الدّليل(1) العقلي بناء على القول بالامتناع وليس كذلك بناء على الجواز وليس الأمر كذلك؛ إذ المفروض أنّ البحث منحصر في أصل الإثبات وجوداً أوعدماً فلا وجه لكون ذكر القائل بالجواز هناك تبعيّاً والقائل بالامتناع بالأصالة من جهة كون المسألة من ذلك الباب.
والحاصل: أنّ البحث عن جواز الاجتماع والعدم بحث واحد، غاية الأمر أنّ واحداً يقول بالامتناع والآخر يقول بالجواز فإذا ناسب ذكر هذا البحث في الأدلّة العقلية فلا يتفاوت الحال بالنّسبة إلى القولين.
ولعلّ نظره فيما ذكره إلى أنّ البحث المذكور عند القائل بالامتناع بحث عن الدّليل العقلي وهذا البحث بعينه بالنّظر إلى القول بالجواز بحث عن غير الدّليل العقلي؛ إذ القائل به لم يبحث عن الدّليل العقلي في الواقع بحسب نظره.
فهو نظير ما يمكن أن يقال - بل ببالي أنّه قيل أیضاً -: إنّ البحث عن حجيّة خبر الواحد بحث عن مسألة أصوليّة عند من أثبت الجواز؛ لأنّه عنده بحث عن الدّليل الذي هو موضوع علم الأصول، غاية الأمر أنّه بحث عن دليليّة الدّليل، وعند القائل بعدم الحجيّة(2) هذا البحث بعينه بحث عن غير الدّليل فليس من المسائل الأصوليّة.
لكنّه كما ترى.(3)
بقي الکلام في الثمرة بين كون المسألة المذكورة(4) أصوليّة أو کلاميّة أو من
ص: 55
المبادي والظاهر عدم ترتّب ثمرة إلّا في النّذر وأشباهه؛ إذ غاية ما يتصوّر من الثّمرة أن يقال: بناء على كونها أصوليّة يمكن إثباتها بالظّن بناء على(1) حجيّة الظّن في الأصول أیضاً وبناء على كونها کلاميّة لا يمكن؛ لأنّ الظّن ليس بحجة فيها.
ولكنّه كما ترى؛ إذ لو قلنا بحجيّة الظّن في الأصول(2) فلا فرق بين ما كان منها حقیقة وبين ما كان من غيرها ممّا ذكرها الأصوليّون فيها لتوقّف الاستنباط عليها،فالظّن معتبر فيها من هذه الحيثيّة وإن لم يكن معتبراً فيها من حيث هي.
وذلك لأنّ ملاك حجّية الظّن في الأصول حجيّته من حيث استلزامه الظّن بالحكم الفرعيّ الکلّي و(3)لا يتفاوت الحال في ذلك بين كونها من الأصول أو من غيره؛ إذ الدّليل على فرضه دلّ على حجيّة کلّ ظنّ تولّد منه الظّن بالحكم الفرعي.
نعم لو فرض وجود دليل خاصّ على حجيّة الظّن في خصوص المسائل الأصوليّة دون سائر مقدّمات(4) الفقه تمّ ما ذكر من الثّمر(5)لكنّه فرض غير واقع، فتدبّر.
ص: 56
ص: 57
ثمّ إنّه لا بدّ قبل الشّروع في أصل(1) المطلب من ذكر مقدّمات:
المقدّمة الأولى: في بيان محلّ النّزاع في المسألة والکلام فيه في مواضع:
وفي الاصطلاح يستعمل في معانٍ على ما قيل.(1)فقد يستعمل في قبال الاستحالة كما يقال: «يجوز(2) ارتفاع الضدّین ولا يجوز اجتماع النقيضين».
وقد يستعمل فيما(3) يقابل القبح(4) كما يقال: «لا يجوز صدور المعجزة على يد الكاذب(5)» أو «لا يجوز الظّلم من الله تعالی» مثلاً.
وقد يستعمل فيما يقابل الغلط كما يقال: «يجوز استعمال اللّفظ في المعنى المجازي مع القرينة ولا يجوز استعمال المشترك في أزيد من معنى».
وقد يستعمل فيما يقابل الباطل كما يقال: «يجوز بيع الفضولي» یعني يصحّ.
وقد يستعمل(6) فيما يقابل الوجوب والحرمة الشّرعيّين أو العقليين.
والجامع بين الکلّ هو المضيّ وعدم المنع إلّا أنّ المانع قد يكون حكم العقل بالاستحالة أو(7) القبح(8) وقد يكون شرعيّاً وضعيّاً وقد يكون شرعيّاً تکلیفيّاً وقد يكون لُغويّاً.
ص: 59
والجواز أیضاً كذلك عقلي وشرعي تکلیفي ووضعي ولغوي.(1)
والمراد به في المقام بناء على كون المسألة عقلية محضة - على ما عرفت من ظاهر عنوان القوم - هو الأعمّ ممّا يقابل الاستحالة أو القبح، فالمراد به الإمکان العقلي الأعمّ من الذّاتي والوقوعي وبناء على تعميم محلّ(2) النزاع إلى اللّفظي أیضاً - كما هو الأليق بالمقصود - المراد به الأعمّ منهما ومن عدم المنع الشّرعي بمعنى عدم الدّليل على عدم الاجتماع شرعاً ويكفي القائل بالمنع إثبات أحد الأمور المذكورة. ولا بدّ للقائل بالجواز من نفي الکلّ.
ثانيها(3): المراد بالاجتماع المضاف إلى الأمر والنّهي هو كون أمر واحد متعلّقاً لهما فعلاً ولو بالانطباق العقلي ولو مع عدم الالتزام بترتّب لوازمهما وآثارهما.
فالمراد اجتماعهما بنفسهما ولا يعتبر في صدقه وكونه داخلاً في محلّ النّزاع التزام ترتّب جميع اللّوازم من الصحّة وحصول القرب والثواب والعقاب.
فلو فرضنا عدم حصول القرب مع الالتزام بوجود الأمر والنّهي كما ربما يظهر من المحقّق القمي(4) (قدس سره) أو عدم إمکان قصد التقرّب كما قد يقال كان من الاجتماع
ص: 60
المتنازع فيه والقائل به قائل بجواز الاجتماع وإن کان باطلاً من حيث إنّه إذا فرض وجود الأمر فلا معنى لعدم إمکان قصد القربة وكذا لا معنى لعدم حصول القرب والثواب من هذه الحيثيّة(1) وإن کان معاقباً من الحيثيّة(2)الأخرى.
فالغرض أنّه ليس المراد من الاجتماع المتنازع فيه الاجتماع بجميع الآثار واللّوازم وإن کان القول به متعيّناً على فرضه.
كما أنّه لا يكفي فيه الالتزام بترتّب الآثار مع عدم أحدهما كأن يقال: إنّ النّهي غير موجود لكنّ العقاب موجود، كما يقال: إنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً.
فمن قال بأنّ من توسّط أرضاً مغصوبةً ليس منهياً(3) عن الخروج لكنّه معاقب عليه، لیس قائلاً بالاجتماع وكذا(4) من قال: إنّ الصّلاة في الدّار الغصبيّة(5) ليست مأموراًبها لكنّها صحيحة من جهة أنّها واجدة لمصلحة المأمور بها(6) ومطابقة للطّبيعة المأمور بها، كما نلتزم به على فرض(7) القول بعدم الجواز أو(8) أنّها غير صحيحة أیضاً لكنّها مسقطة للتکلیف بالصّلاة، ليس قائلاً بالاجتماع؛ إذ ليس هذا اجتماعاً للأمر والنّهي.
ومن ذلك ظهر أنّه لا وجه لما يظهر من بعضهم من أنّ المراد الاجتماع مع جميع
ص: 61
خواصّهما ولوازمهما وأحكامهما من حصول القرب والامتثال والثواب والعقاب،(1) إلّا أن يكون غرضه أنّ النّزاع في الاجتماع الذي(2) من شأنه ما ذكر واقعاً وإن لم يلتزم القائل به بذلك.
وكذا لا وجه لما حكي عن العضدي من ذكر القول بالإسقاط في عداد أقوال المسألة حيث إنّه - بعد ما مثّل لمحلّ النّزاع بمسألة الصّلاة في الدّار المغصوبة - قال:
«قال الجمهور: تصحّ الصّلاة، وقال القاضي: لا تصحّ لكن یسقط الفعل(3) عندها لا بها، وقال أحمد وأكثر المتکلّمين والجُبّائي: لا تصحّ ولا تسقط(4)».(5) انتهى.
فإنّ الإسقاط ليس اجتماعاً بل عرفت أنّ الصحّة مع عدم(6) الأمر أیضاً ليس اجتماعاً فضلاً عن الإسقاط ولعلّ غرضه ذكر الأقوال في خصوص الصّلاة المذكورة وإن کان لا دخل لبعضها بمسألة الاجتماع أو أنّ قولين(7) منها راجعان إلى قول واحد في أصل المسألة فإنّ القول الثّاني والثّالث کليهما قول بالامتناع(8).
ثمّ المراد من الاجتماع المذكور أعمّ من الآمري والمأموري المشوبين، وأمّا
ص: 62
الآمري الصّرف والمأموري كذلك فخارجان عن النّزاع.
بيان ذلك: أنّ الاجتماع إمّا آمري صرف كما إذا کلّف الشّارع بالصّلاة في الدّار المغصوبة مع النّهي عن الغصب إذا(1) كان المکلّف محبوساً فيها وكما إذا کلّف بإکرام زيد وتركه بخصوصه.
وإمّا آمري مشوب بأن يكون لاختيار المکلّف أیضاً مدخل(2) في الاجتماع، وهو قسمان:
فقد يكون الاختيار موجوداً حين العمل كما إذا قلنا بأنّ متعلّق الأحکام هي الأفراد وکلّفنا بالصّلاة وترك الغصب فإنّ في الصّلاة في الدّار المغصوبة اجتماعاً(3) للأمر والنهي من قبل الشارع حيث أمر بجميع الأفراد على سبيل البدليّة بناء على هذا القول ويكون المکلّف أیضاً دخيلاً فيه(4) حيث(5) إنّه كان له(6) أن يختار فرداً آخر(7) فبسوء اختياره جمع بينهما.
وقد يكون الاختيار سابقاً على حال العمل كما إذا دخل المكان الغصبي وقلنا بأنّه مأمور بالخروج وترك الغصب أو بالصّلاة وترك الغصب وأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار خطاباً أیضاً.
وإمّا مأموري مشوبٌ كما إذا قلنا إنّ(8) متعلّق الأحکام هي الطبایع وفرضنا أنّ
ص: 63
الشّارع أمر بالصّلاة من غير تقييد بكونها في غير المكان المغصوب فأتى المکلّف بهافيه فإنّ الاجتماع(1) إنّما جاء من سوء اختيار المکلّف فهو مأموري إلّا أنّ الآمر أیضاً دخيل فيه حيث إنّه أیضاً لم يقيّد الطّبيعة المطلوبة.
وإنّما جعلنا هذا القسم مأمورياً والسّابقين آمرياً مع أنّ الکلّ مشترك في أنّ الاجتماع من قبل الآمر والمأمور بمعنى أنّ لکلّ منهما دخلاً فيه؛ لأنّ في السّابقين مدخليّة الآمر أكثر من مدخليّة المکلّف حيث أمر بخصوص الفرد ونهى عنه وإن کان الأمر تخييرياً وكان للمکلّف مندوحة وفي هذا القسم مدخليّة المأمور أكثر حيث إنّ الآمر لم يلاحظ خصوص الأفراد ولم يأمر بها، غاية الأمر أنّه لم يقيّد الطبيعة.
وإمّا مأموري صرف كما إذا قلنا إنّ متعلّق الطّلب هي الطّبيعة المقيّدة بكونها في غير الفرد المحرّم بأن لا يكون الفرد المحرّم مورداً للأمر العقلي التطبیقي أیضاً إلّا أنّ ذات ذلك الفرد في حدّ نفسه واجد(2) لمصلحة المأمور به(3) فيكون مطلوباً لكنّه غير مأمور به بأن يكون دائرة المطلوب أوسع من دائرة الطّلب كما في التوصّليات بل التعبّديات أیضاً يمكن أن تكون كذلك كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
لا إشکال في خروج القسم الأوّل وهو الآمري الصّرف عن محلّ النّزاع؛ لأنّه تکلیف محال أو بالمحال، وهو واضح.
وكذا في(4) خروج القسم الأخير لما عرفت أیضاً من أنّه ليس من اجتماع الأمر والنّهي بل اجتماع ذات المأمور به مع المنهي عنه وإن کان لا بدّ من التّکلّم فيه بعد الفراغ عن المسألة وأنّه إذا قلنا بعدم جواز الاجتماع فهل يمكن تصحيح العمل من
ص: 64
هذا الوجه أو لا؟ وذلك(1) بأن يقال: إنّ الصّلاة في الدّار الغصبيّة وإن لم تكن(2) مأموراً بها مطلقاً(3) إلّا أنّها مثل سائر أفراد الصّلاة في واجديتها للمصلحة. غاية الأمر أنّ الشّارع لا يمكنه طلبها؛ لأنّ المفروض أنّه نهى عن الغصب المتّحد معها فلو عصى المکلّفوأتى بها فقد حصل الغرض وأتى بالمطلوب.
كما إذا فرضنا أنّ المولى يريد الماء لرفع(4) العطش فأمر عبده بإتیانه ولا يمكنه أمر غير عبده لأنّه(5) ليس مطاعاً بالنّسبة إليه(6) لكنّه إذا أتى بالماء فقد أتى بمطلوبه ويحصل غرضه.
لكنّ هذا إسقاط وما نحن فيه يمكن أن يكون أداء؛ لأنّ المأمور(7) أتى بذلك الفرد لا غيره.
وكيف كان فلا دخل له بما نحن فيه من اجتماع الأمر والنّهي نظير القول بالإسقاط.
وأمّا الأقسام الأخر فکلّها محلّ النزاع.
لكن قد يقال بخروج القسم الثاني(8) منها(9) عنه(10)؛ إذ مسألة الامتناع بالاختيار مسألة برأسها وقد تکلّموا فيها مستقلّاً.
ص: 65
وفيه: أنّ الحيثيّة الّتي يتکلّمون فيها هناك غير هذه الحيثيّة؛ إذ يمكن أن يقال: إنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار من حيث هو، لكن إذا كان من اجتماع الأمر والنّهي فلا يجوز التکلیف؛ لأنّه محال، فیختصّ حینئذٍ جواز التکلیف مع عدم القدرة حين العمل بما إذا كان مثل ترك المقدّمة الوجوديّة في زمان ذى المقدّمة أو قبله(1) فإنّه يمكن أن يقال: إنّه مأمور به وإن لم يمكنه(2) الإتیان؛ لأنّه ممتنع بالاختيار، أمّا مثل المثال المذكور أي الخروج عن المكان المغصوب فيبتني جواز حرمته ووجوبه على هذه المسألة.وقد يتخيّل خروج القسم الأوّل(3) منها(4) عنه(5) من حيث إنّ متعلّق الأحکام إذا كان هو الأفراد فيكون الوجوب المتعلّق بها وجوباً تخييريّاً شرعيّاً والمفروض أنّ الحرمة عينية فإذا تعلّق الحرمة العينية(6) بفرد فلا يمكن(7) تعلّق الأمر الشّرعي به ولو كان تخييريّاً للزوم السّفه في ترخيص فعله فضلاً عن الوجوب، مع أنّ كونه من التّناقض واضح لايخفى على أحد فلا يظنّ من أحد النزاع فيه.
وهذا بخلاف القسم الأخير وهو المأموري المشوب حيث إنّ المتعلّق إذا كان هو الطّبيعة كما هو المفروض فيه فلا يكون من التّخيير الشّرعي وليس من التناقض لاختلاف موضوعي الحكمين أو ليس تناقضه على فرضه واضحاً حتّى لا يقبل
ص: 66
النّزاع.(1)
وفيه: أوّلاً: أنّ رجوعه إلى التّخيير الشّرعي ممنوع؛ إذ فرق واضح بين التخيير بين الأفراد(2) شرعاً وبين ما نحن فيه؛ إذ في التّخيير الشّرعي جميع الأفراد واجبة على سبيل التخيير بخصوصيّتها لا من حيث انطباقها على الطّبيعة وفي المقام ولو قلنا إنّ الطّلب متعلّق بالفرد إلّا أنّ المطلوب کلّ واحد من الأفراد من حيث إنّه وجود الطّبيعة فالخصوصيّات ملغاة وكان المطلوب هو الطّبيعة إلّا أنّه لمّا(3) لم يمكن طلب الطّبيعة من حيث هي اعتبروا أنّ الطّلب تعلّق بالأفراد فالمطلوب على هذا الفرض الفرد لا من حيث إنّه فرد بل من حيث إنّه طبيعة.
وإن شئت فقل: إنّ المطلوب فرد ما من الأفراد لا هذا وذاك(4) على سبيل التّخيير وإذا كان كذلك فلا يلزم سفه في إيجابه على هذا الوجه وتحريمه عيناً مع أنّ مجرّد ذلك لايوجب كونه خارجاً عن محلّ النّزاع فإنّه يمكن أن يختفي هذا البيانأي كونه راجعاً إلى التّخيير الشّرعي على واحد.
ومن ذلك ظهر أنّه لا وجه لما قد يحتمل في المقام من كون أصل النّزاع في المسألة صغرويّاً بأن يكون النّزاع في أنّ متعلّق الأحکام هي الطّبائع حتّى يجوز الاجتماع بالاتّفاق أو الأفراد حتّى لا يجوز كذلك.
وبعبارة أخری: الاجتماع في مثل الصّلاة والغصب آمري حتّى لا يكون جائزاً أو مأموري حتّى يكون جائزاً.
ويؤيّده ما يرى من استدلال المجوّز بكون المتعلّق هو الطّبيعة والمانع بكونه هو
ص: 67
الفرد.
وذلك لما عرفت من إمکان النّزاع على التّقديرين مع إطلاق کلماتهم وظهورها في كونه كبرويّاً فلا وجه لصرفها عن ظاهرها.
مع أنّ ظاهر أدلّتهم الأخر ما ذكرنا خصوصاً مع أنّه لو كان كما ذكر لم يكن وجه لهذا النّزاع بعد البحث عن تلك المسألة أي كون متعلّق الأحکام هو الطّبيعة أو الفرد مع أنّ أكثرهم عنونوا هذه المسألة بعد التکلّم في تلك المسألة.
فظهر أنّ الأقسام(1) الثّلاثة(2) کلّها محلّ النّزاع وکلّها من اجتماع الأمر والنّهي إلّا أنّ في القسم الأخير الأمر تطبیقي وفي القسمين الأوّلين تحقيقي.
وإن شئت فقل: إنّهما من اجتماع الأمر والنّهي والأخير من اجتماع المأمور به من حيث إنّه مأمور به مع المنهي عنه لكنّه مع هذه الحيثيّة من اجتماع الأمر والنّهي والنّزاع فيه من هذه الجهة.
ومن ذلك ظهر ضعف ما يظهر من المناهج(3) من خروج اجتماع المأمور به والمنهي عنه عن هذا النّزاع حيث قال:«اعلم أنّ ه-ٰهنا مسألتين:
إحداهما: أنّه هل يجوز كون شي ء واحد متعلّقاً للوجوب والحرمة من جهتين - إلى أن قال -:
وثانيتهما: أنّه إذا أمر بعامّ ونهى عن آخر أعمّ من وجه من الأوّل فأتى المکلّف
ص: 68
بالفرد الجامع فهل يحصل له الامتثال مع الإثم أم لا يمتثل؟
والکلام في المسألة الأولى غير الکلام في الثانية؛ إذ لا دخل لها بتعلّق الأوامر والنّواهى بالطّبایع أو الأفراد ولا بوجوب المقدّمة وعدمه(1)
نعم يصلح الفرد الّذي هو محلّ الاجتماع في الثانية مثالاً للأولى على بعض الوجوه.
وأمّا الکلام في الثّانية فإنّما هو بعد الکلام في الأولى ومتفرّع علیه(2) فإنّا لوقلنا في الأولى بالجواز يتفرّع عليه الامتثال بهذا الفرد مع الإثم وإن قلنا فيها بالامتناع فتحقیق حال ذلك الفرد موقوف على مسائل معنونة:
إحداها: أنّ متعلّق الأحکام هوالطّبيعة أو الأفراد؟
ثانيتها: أنّ مقدّمة الواجب واجبة أم لا؟
ثالثتها: أنّه لو توصّل بالمقدّمة المحرّمة(3) إلى الواجب هل يحصل الامتثال بذى المقدّمة أم لا؟
فإن قلنا: إنّ المتعلّق هو الفرد يتعيّن عدم الامتثال بالفرد وكذا إن قلنا بوجوب المقدّمة وعدم الامتثال بالمقدّمة المحرّمة(4) وإن قلنا إنّ المتعلّق هو الطبيعة ولا يجب المقدّمة أو يجب ولكن لو توصّل بالمقدّمة المحرّمة يسقط وجوب المقدّمة الواجبة ويحصل الامتثال بذي المقدّمة أمكن القول بصحّة هذا الفرد مع حصول الإثم.- إلى أن قال -:
ص: 69
ثمّ لمّا كان بناء الأكثر على تعلّق الأوامر بالأفراد ووجوب المقدّمة فرّعوا المسألة الثانية على الأولى مطلقاً وذكروها في خلالها لما ذكر ولأجل ذلك اشتبه الأمر على بعضهم وغفل وخلط واختلط ولم يفرّق بين المسألتين فعنون الأولى وحكم بالجواز فيها واستدلّ عليه بأنّ الفرد في الثّانية ليس متعلّقاً للأمر وما أدري ما المناسبة بين الدّليل وبين المدلول؟
- إلى أن قال -:
والأحسن أن يعنون کلّ من المسألتين بعنوان على حدة».(1) انتهى.
وجه الضّعف أنّ العنوان إذا كان اجتماع الأمر والنّهي الأعمّ من القسمين فلا فرق بين المسألتين.
ويدلّ على التّعميم مضافاً إلى تعميم العنوان ملاحظة الاستدلالات على ما ذكره والمناسبة بين الدّليل والمدلول حینئذٍ واضحة ولا اختصاص لما ذكره من العنوان بما ذكر والاستدلال كما ذكر ببعض دون بعض.
بل هو كذلك في کلام المتقدّمين أیضاً مثل العضدي(2) وغيره وليس مرادهم من الاستدلال المذكور(3) مجرّد إثبات الصحّة ولو مع عدم الأمر العقلي التطبیقي أیضاً بل غرضهم أنّ المتعلّق إذا كان هو الطّبيعة المرسلة السّارية في جميع الأفراد، فالفرد الجامع صحيح من حيث إنّه منطبق على الطّبيعة المأموربها وإنّه وإن کان منهياً(4) عنه إلّا أنّه(5) مأمور به بالأمر التطبیقي وأنّه لا مانع من هذا الاجتماع؛ لأنّ المفروض أنّ الشّارع لم
ص: 70
يأمر بخصوص هذا الفرد المحرّم بل أمر بالطّبيعة من غير نظر إلى الأفراد أصلاً.
غاية الأمر أنّه إذا لم يقيّد الطّبيعة فللعقل أن يجعل هذا الفرد متعلّقاً لأمره لأنّه منطبق على ما أمر به فلا يكون الدّليل غير مناسب لعنوان المسألة.فإن کان مراد صاحب المناهج(1) من المسألة الثّانية النزاع في صحّة الصّلاة مع فرض كون المطلوب والمأمور به هو الطّبيعة السّارية وعدم كونها مقيّدة فلا نسلّم كونها مسألة أخرى، بل هي من أفراد المسألة الأولی؛ إذ قد عرفت أنّه راجع إلى اجتماع الأمر والنهي وإن کان مراده النّزاع فيها مع الالتزام بعدم الأمر ولو تطبيقاً بأن يكون المطلوب هو الطّبيعة المقيّدة فكونها مسألة أخرى مسلّم إلّا أنّ نظر القوم إلى ما ذكرنا، فهو خارج عن مفروضهم كما عرفت.
هذا مع إمکان دعوى أنّ هذا القسم من الاجتماع الّذي يرجع في الحقيقة إلى اجتماع المأمور به والمنهي عنه مع فرض عدم الأمر أیضاً داخل في نزاعهم هذا وأنّ نزاعهم في الأعمّ من اجتماع الأمر والنّهي واجتماع ذات المأمور به مع المنهي عنه كما يظهر من جواب المانعين عن الاستدلال بمثال الخياطة من أنّ المقصود حصولها كيفما اتّفقت.
فإنّ ظاهر هذا الکلام بعد بداهة عدم الفرق بين التعبّدي والتوصّلي في الجواز وعدمه أنّ ذات المقصود والمطلوب حاصل، ولهذا يحكم بالامتثال في التوصّليات؛ لأنّ(2) المأمور به من حيث إنّه مأمور به حصول الخياطة كيفما اتّفقت وإنّ اجتماع الأمر والنّهي فيها جائز وحینئذٍ فيشهد على أنّ مثل هذا الاجتماع أیضاً من محلّ النزاع إذ(3)
ص: 71
غاية الأمر أنّه(1) في التوصّلي جائز وفي التعبّدى ليس بجائز. فتأمّل.(2)
ويمكن استظهاره کذلك(3) من قول بعضهم بجواز الاجتماع في التوصّلياتوأنّها خارجة عن(4) محلّ النّزاع؛ حيث إنّه جعله من الاجتماع مع أنّه ليس من اجتماع الأمر والنّهي؛ لما عرفت من بداهة عدم الفرق في الجواز وعدمه بين التعبّديات والتوصّليات.
هذا، ولكن التّحقیق عدم شمول النزاع لهذا القسم حسبما ذكرنا سابقاً حيث إنّه ليس من اجتماع الأمر والنّهي(5) ولو تطبيقاً فهو خارج عن عنوانهم. وحكمهم بالجواز في التوصّليات إمّا محمول على ظاهره ويحكم بفساده أو محمول على أنّه ليس من الاجتماع الّذي هو محلّ النزاع لا أنّه منه ولكنّه جائز لأنّه توصّلي، وكذلك جوابهم عن استدلال الخياطة(6) مع أنّه ظاهر في حصول الامتثال الّذي هو فرع الأمر فتعبيرهم بلفظ الإطاعة والامتثال كاشف عن أنّ مرادهم من هذا الکلام ظاهره فلا يكون شاهداً على ما ذكر.
وكيف كان فالاجتماع التّطبيقي الّذي ذكرنا داخل في العنوان وليس مسألة
ص: 72
أخرى.
ثالثها: لا إشکال في عدم اختصاص النّزاع بما إذا كان الحكم مستفاداً من لفظي الأمر والنّهي بل يشمل کلّ لفظ يؤدي مؤدّاهما بل وما كان مستفاداً من الأدلّة اللبّيّة أیضاً(1)
وهل یختصّ بخصوص الوجوب والحرمة أم يعمّهما والاستحباب والكراهة؟
وبعبارة أخری: هل النّزاع مختصّ بالإلزاميّين(2) أو يجري في غيرهما أیضاً من غيرهما والمختلفين(3) أو يعمّ مطلق الأحکام الخمسة؟
وجوه، فيظهر من بعضهم الاختصاص بهما وإن کان المناط جارياً في غيرهماأیضاً ومن آخر شموله لمطلق الطّلبين المتضادّين.
وقال في الإشارات: «إنّ النّزاع هل يخصّ الوجوب والحرمة أم يعمّهما وغيرهما من الأحکام الخمسة؟ لا ريب في الثاني فإنّ ما يقتضي الجواز فيهما يعمّ غيرهما وما يقتضي الامتناع كذلك».(4)
وظاهره أنّ مثل اجتماع الوجوب والإباحة أیضاً داخل في النّزاع والظاهر أنّ مراد من قال باختصاص النّزاع انصراف العنوان ومراد من قال بالتعميم شمول المناط فلا اختلاف.
ثمّ هل يشمل النّزاع لجميع أقسام الأمر والنهي من النّفسيّين والغيريّين
ص: 73
والتعبّديّين والتوصّليّين والتّعينيّين والتّخييريّين والكفائيّين والعينيّين والمختلفين في الجميع إلى غير ذلك من الأقسام أو لا؟
قال في الفصول: «وإطلاق الأمر والنّهي في العنوانات ينصرف إلى النّفسيّين العينيّين التعينيّين».(1)
وقال في الإشارات: «ولا فرق في جميع الصّور بين كون الوجوب والحرمة عينيّين أو تخييریّين أو كفائيّين موقّتين أو لا، نعم لا يجوز أن يكونا مضیّقين».(2)
وظاهره التّعميم ولكن لا يبعد صحّة ما ذكره في الفصول من الانصراف إلّا أنّه لا بأس بالإشارة الإجماليّة إلى جميع الأقسام وأنّ أيّاً منها داخل في النزاع ولو بالمناط وأيّاً منها خارج عنه إمّا لأنّه جائز الاجتماع بالإجماع أو لأنّه(3) ممتنع الاجتماع كذلك.
الحرمة النفسيّة فالظاهر أنّ مراده الغيري التوصّلي لا مثل الوضوء والغسل من الغيري التعبّدي.
وكذا لا إشکال في التّعميم من حيث الأصليّة والتبعيّة(1)؛ إذ لا يتفاوت الحال بين كون الحكم مستفاداً من خطاب مستقلّ أو لا، كما هو واضح.
ويمكن أن يحمل کلام من قال بالفرق على إرادة الإسقاط وأنّه(1) في التوصّليات يمكن سقوط الطلب بإتیان الفرد المحرّم من جهة حصول الغرض بخلاف التعبّديات أو على إرادة اجتماع ذات المأمور به مع عدم الأمر(2) مع المنهي عنه وأنّ الصحّة من هذه الجهة مع الالتزام بخروجه عن محلّ النّزاع أو بدعوى كون النزاع وإن کان أعمّ من اجتماع الأمر والنّهي أو اجتماع ذات المأمور به مع المنهي عنه إلّا أنّ هذا الاجتماع جائز في خصوص التوصّليات وإن لم يجز اجتماع الأمر والنّهي فيها(3) مثل التعبّديات.
والحاصل: إن کان(4) مراد القائل ما هو ظاهر عبارته من جواز اجتماع الأمر والنّهي في التوصّليات وإن لم يجز في التعبّديات فلا وجه له لوضوح عدم الفرق.
وإن کان مراده الإسقاط وجواز(5) اجتماع ذات المأمور به مع المنهي عنه وأنّه خارج عن محلّ النّزاع فهو حقّ في الجملة.
وإن کان مراده كون هذا الاجتماع(6) داخلاً في النّزاع وأنّه يجوز في التوصّليات دون التعبّديات فله وجه إلّا أنّ التحقیق كما عرفت خروج هذا القسم عن النّزاع مع إمکان كونه جائزاً في التعبّديّات أیضاً كما أشرنا إليه سابقاً(7) وسيأتي تمام الکلام فيه لاحقاً.
ص: 76
وأمّا من حيث التّعيين والتّخيير:
فأمّا التعيينیان بالتعيين العقلي فقد يقال بخروجهما عن محلّ الکلام؛ إذ لا يجوز الاجتماع فيهما اتّفاقاً؛ لأنّه يعتبر في محلّ النزاع أن يكون للمکلّف مندوحة وإلّا كانمن الاجتماع الآمري الصّرف ولا مندوحة في المقام.
ولكن يمكن إجراء النزاع فيهما أیضاً(1) إذا كان التعيين من سوء اختيار المکلّف كمسألة(2) من توسّط أرضاً مغصوبة فإنّه من محلّ النّزاع إذا قلنا: إنّ الامتناع بالاختيار لاينافي الاختيار خطاباً.
نعم على القول بالمنافاة(3) خارج عن النزاع(4) إذا كان النّزاع في اجتماعهما في زمان واحد وإلّا أمكن جريان النّزاع على هذا القول أیضاً كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وأمّا التخييريان فقد عرفت من الإشارات(5) دخولهما في النّزاع.
وقد يقال بخروجهما عنه وأنّ الاجتماع جائز فيهما بلا إشکال من غير فرق بين كون تخييرهما شرعيّاً كما في الأمر بتزويج إحدى الأختين والنّهي عن الأخرى أو عقليّاً كما لو فرض الأمر بطبيعة باعتبار فرد والنّهي عنها باعتبار فرد آخر فإنّ المرجِع في الأوّل إلى وجوب أحدهما وحرمة الجمع وفي الثاني إلى وجوب أحد الأفراد وحرمة إتباعه بفرد آخر.(6)
ص: 77
هذا والحقّ دخولهما في محلّ النّزاع على ما ذكره في الإشارات.(1)
وتحقیق الحال يقتضي بيان حقیقة الحرام التخييري ولو على وجه الإجمال.
فنقول: اختلفوا في تحقّق التخيير في الحرام على نحو تحقّقه في الواجب وعدمه، وأنّه هل يجوز النّهي عن شيئين(2) على سبيل التخيير بأن يكون المحرّم أحدهما أو لا؟فالأشاعرة(3) على الجواز وأنّه لا مانع منه ولازمه تحقّق المخالفة مع الإتیان بهما والامتثال إذا تركهما أو أحدهما كما أنّ لازم الوجوب التخييري تحقّق المخالفة بتركهما والامتثال بإتیان أحدهما أو إتیانهما دفعة.
وعن المعتزلة إنكاره؛ إذ النّهي حینئذٍ يرجع إلى مفهوم أحدهما وهو يقتضي حرمتهما معاً على سبيل التّعيين؛ لأنّ الإتیان بکلّ واحد منهما إتیان لمفهوم أحدهما فيكون حراماً كما هو الشّأن في کلّ نهي تعلّق بالقدر المشترك بين أمرين أو أمور؛ إذ النّهي المتعلّق بکلّي يقتضي عدم إيجاده في الخارج أصلاً.
وأجابوا عن النقض بالتّحريم المتعلّق بالأختين والأمّ والبنت بأنّه متعلّق بالجمع بينهما فليس من الحرام التخييري.
كيف ولو كان متعلّقاً بمفهوم أحدهما اقتضى حرمة أحدهما أیضاً؛ لأنّ إيجاده إيجاد لذلك القدر المشترك. وعن ظاهر الشهيد(4) (رحمة الله) أیضاً اختياره.
ص: 78
وفيه أوّلاً: منع كون الحرمة متعلّقاً في الحرام التخييري بمفهوم أحدهما بل بکلّ منهما على سبيل التّخيير، وكذا في الواجب.(1)
وثانياً: منع كون اللازم حرمة الجميع؛ إذ النّهي المتعلّق بالقدر المشترك یتصوّر(2) على وجهين؛ إذ قد يتعلّق النّهي به بمعنى عدم(3) إيجاده في الخارج أصلاً وقديتعلّق به مع إرادة عدم إيجاده في الجملة فيكفيه عدم إيجاد واحد من أفراده.
ولذا قلنا: إنّ النّهي كالأمر لا يقتضي الدّوام والتكرار من حيث هو وإنّ الدّوام والتّكرار مستفادان من إطلاقه وإلّا فمجرّد تعلّق النّهي بالطبيعة يقتضي ترك إيجادها في الجملة الصّادق بترك فرد واحد في زمان واحد.
فنقول: النّهي المتعلّق في المقام بالقدر المشترك بناء عليه إنّما هو على الوجه الثّاني، وتمام الکلام في محلّه. وحینئذٍ فلا وجه لما ذكروه.
نعم جوابهم عن مسألة تحريم الأختين والأمّ والبنت صحيح حيث إنّ ظاهر الآية(4) كون الحرمة متعلّقة بالجمع.
ص: 79
وأمّا إذا فرضنا كون لسان الدّليل «لا تفعل إمّا هذا أو ذاك(1)» فيؤخذ بظاهره ويحمل على الحرمة التخييريّة لعدم المانع.
هذا واختار بعض المحقّقين بعد اختياره الجواز وإيراده على استدلال المعتزلة بما ذكرنا أنّ التحريم حینئذٍ يتعلّق بالجمع(2) لا بکلّ منهما على سبيل التخيير على ما هو الشّأن في الواجب.
ومحصّل مرامه: أنّ التّحريم إنّما يكون متفرّعاً على المفسدة كما أنّ الوجوب متفرّع(3) على المصلحة فإذا تعلّق الحرمة بشيئين على وجه التخيير اقتضى أن يكون في کلّ منهما مفسدة(4) كما أنّ في کلّ من الواجبين التخييريّين مصلحة.ولازم كون کلّ(5) منهما ذا مفسدة حرمتهما عيناً وإن كانت المفسدة واحدة؛ لأنّ إيجاد کلّ منهما إيجاد لتلك المفسدة.
وهذا بخلاف الواجب فإنّ المصلحة في کلّ منهما لا تقتضي(6) وجوبهما تعييناً؛ إذ المفروض إذا كان وحدة المصلحة فبإيجاد کلّ منهما يوجد تلك المصلحة في الخارج ويسقط الوجوب عن الآخر فلا بدّ أن يكون المفسدة في الجمع بينهما ومقتضى ذلك
ص: 80
حرمة الجمع لا الجميع على وجه التخيير.
وبالجملة: المفسدة(1) المقتضية للنّهي إمّا أن تكون في کلّ منهما أو في أحدهما المعيّن أو في مفهوم أحدهما أو في الجمع بينهما.
فعلى الأوّل والثالث يلزم كون الحرمة تعيینية.
وعلى الثاني كون الحرام خصوص ذلك الواحد.
فتعين الرّابع ولازمه(2) ما ذكر من حرمة الجمع.
فالمتحصّل من تعلّق النّهي بشيئين على وجه التخيير النّهي عن الجمع، فإن أراد الأشاعرة من الجواز هذا المعنى فهو، وإن أرادوا(3) كونه على نحو الأمر المتعلّق بهما كذلك من كون کلّ منهما واجباً فهو غير متّجه.(4)
أقول: لا يخفى أنّ ما ذكره التزام بمقالة المعتزلة بتغيير(5) الدّليل فإنّهم منعوا من جواز التخيير على نحو التخيير في الواجب وأنّ ما ظاهره ذلك لا بدّ أن يؤوّل(6)
مع أنّ فيه: أنّ ه-ٰهنا شقّاً آخر وهو أن يكون المفسدة في کلّ واحد منهمابشرط اجتماعه مع الآخر أو في حال الاجتماع ولازمه(7) حرمة کلّ منهما بشرط اجتماعه مع الآخر أو في حال الاجتماع على وجه التخيير على نحو الواجب، فمجرّد إتیان أحدهما
ص: 81
لايستلزم حصول المفسدة حتّى يلزم أن يكون حراماً تعييناً.
والتحقیق جواز(1) التخيير على نحو الواجب:
أمّا على مذهب الأشاعرة من عدم كون الأحکام تابعة للمفاسد والمصالح فواضح وكذا على مذهب من يكتفي بمصلحة التکلیف ولا يوجب كون المصلحة والمفسدة في الفعل.
وأمّا على القول بكون الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد في المکلّف به فنختار أنّ کلّ واحد من الفعلين مشتمل على المفسدة في حال اجتماعه مع الآخر إلّا أنّ المفسدة واحدة ولازم ذلك كون کلّ منهما حراماً تخييرياً كما هو واضح.
وهذا لا يرجع إلى حرمة الجمع فإنّه إنّما يكون إذا كانت المفسدة في هذا العنوان والمفروض(2) عدمه.
وكذا لا يرجع إلى حرمة(3) المجموع من حيث المجموع فإنّه فرع كون کلّ من الفعلين جزء محقّق المفسدة وهو أیضاً خلاف المفروض.
فه-ٰهنا صور ثلاث:
إحداها: أن تكون المفسدة في المجموع بأن يكون کلّ منهما دخيلاً فيها.
الثّانية: أن تكون(4) في کلّ واحد منهما.
الثّالثة: أن تكون(5) في عنوان الجمع بينهما.
ص: 82
ولازم الأولى حرمة المجموع المركّب. ولازم الثّانية حرمة الجميع تعييناً إذاكانت المفسدة في کلّ منهما مطلقاً وتخييراً(1) إذا كانت بشرط الاجتماع أو في حاله مع كون المفسدة واحدة. ولازم الثّالثة حرمة الجمع.
وإذا كان کلّ واحدة من هذه الصّور معقولاً فلا بدّ من ملاحظة لسان الدّليل وبعد كونه(2) على وجه يوافق الوجه الثّاني فلا داعي إلى الصّرف والتأویل.
إذا عرفت ذلك ظهر لك كون الاجتماع في التخييريين أیضاً محلّ إشکال(3) وذلك لما عرفت من أنّ لازم الوجوب التخييري تحقّق الامتثال بإتیان أحدهما أو کليهما دفعة حيث إنّ کلّاً منهما واجب والمخالفة بتركهما معاً.
ولازم الحرمة التخييريّة تحقّق الامتثال بترك أحدهما أو کليهما دفعة حيث إنّ کلّا منهما حرام والمخالفة بإتیانهما معاً، فإذا فرض أنّ المکلّف أتى بهما فيصدق أنّه أتى بالواجب والحرام(4) فيلزم اجتماع الطّاعة والمعصية في شي ء واحد.
وكذا إذا تركهما يصدق أنّه ترك الواجب والحرام فيلزم اجتماع الطّاعة والمعصية في التركين؛ إذ لا يمكن الحكم بأنّ أحدهما معيّناً واجب والآخر حرام في کلّ من الفرضين؛ إذ لا معيّن كما هو واضح.
فلا بدّ على القول بالجواز من الالتزام بالصحّة والإثم في صورة الإتیان بهما معاً وبالامتثال للنّهي والإثم بالنسبة إلى الأمر في صورة تركهما معاً.
ص: 83
وعلى القول بالامتناع لا بدّ من تقييد الوجوب بصورة عدم إتیانهما معاً(1) وجعل(2) الواجب أحدهما بشرط لا فإذا أتى بهما فقد أتى بالمحرّم فقط.ومن تقييد الحرمة بصورة عدم تركهما معاً فالحرام هو أحدهما بشرط الإتیان بالآخر فتركهما معاً ليس تركاً للحرام بل ترك للواجب فقط، فيرجع الأمر إلى كون کلّ منهما واجباً بشرط الانفراد وکلّ منهما حراماً بشرط الاجتماع وهذا ليس من الحرام والواجب التخييريين حقیقة.
ولا فرق في ذلك بين كون متعلّق الطّلبين واحداً أو متعدّداً(3) وبين كون التخيير عقليّاً أو شرعيّاً.
مثال الأوّل في التخيير العقلي: كما إذا قال: «أکرم العالم [و](4) لا تكرم العالم في الجملة» وفي الشرعي ما إذا قال: «أکرم إمّا زيداً أو عمرواً و لا تكرم إمّا زيداً أو عمرواً».
ومثال الثّاني في العقلي ما إذا قال: «صلّ ولا تغصب في الجملة».
وفي الشرعي ما إذا قال: «صلّ أو صم يوم الجمعة ولا تغصب أو لا تكرم زيداً».
فلو فرضنا أنّه(5) أکرم جميع العلماء في المثال الأوّل أو ترك إکرام الجميع وأکرم
ص: 84
زيداً وعمرواً(1) في المثال الثّاني أو ترك إکرامهما معاً أو صلّى في المكان المغصوب مع ارتكاب سائر أفراد الغصب ممّا(2) كان مورداً لابتلائه في الثّالث أو اختار الصّلاة في المكان المغصوب مع إکرام زيدٍ في الرّابع يجيء الإشکال المذكور من اجتماع الطّاعة والمعصية.
نعم لو ترك الصّلاة والغصب في الثّالث أو ترك الجميع في الرّابع فلا إشکال فإنّه آثم بترك الصّلاة مطيع بترك الغصب ولا وحدة فيهما كما هو واضح.
والحاصل: أنّه على القول بالامتناع لا بدّ من تقييد وجوب کلّ منهما بصورة عدم الإتیان بالآخر حتّى يكون إتیان کلّ منهما في حال إتیان الآخر غير مشمول للأمر ويكون حراماً صِرفاً وتقييد حرمة کلّ منهما بصورة الإتیان بالآخر حتّى يكون تركأحدهما في حال ترك الآخر تركاً لغير الحرام بل للواجب وعلى القول بالجواز لا حاجة إلى هذا التّقييد. فدعوى خروج التّخييريّين عن محلّ النّزاع لا وجه لها.
هذا کلّه في صورة الإتیان بهما دفعة أو تركهما كذلك. وأمّا إذا كانا تدريجيين فيمكن أن يقال بعدم ورود الإشکال من حيث إنّه إذا أتى بأحدهما يتعيّن الآخر للحرمة وإذا ترك أحدهما يتعيّن الآخر للوجوب فإذا أتى بالثّاني أیضاً فيكون هو المحرّم دون الأوّل ولا يجتمع الطّاعة والعصيان وكذا إذا ترك الآخر أیضاً بعد تركه الأوّل يكون تركاً للواجب والأوّل امتثال للحرام.
ولكن هذا موقوف على كون المبغوض في الواجب التّخييري إذا ترك أحد الفردين أوّلاً بحيث تعيّن الآخر خصوص ترك الآخر لا الأوّل أیضاً وكذا كون(3) المبغوض في الحرام التّخييري فعل الآخر فقط بعد فعل الأوّل ويمكن منعه وأنّ
ص: 85
المبغوض کلا الفعلين أو کلا التّركين وإن کان الثّاني متعيّناً للفعل أو التّرك وصار واجباً أو حراماً تعيينيّاً بأن يكون فعل الثّاني بعد فعل الأوّل أو تركه بعد ترك الأوّل كاشفاً عن كون الأوّل أیضاً مبغوضاً.
وهذا لا ينافي التّعيين(1) العرضي بالنّسبة إلى الثّاني كما لا يخفى وعلى هذا فيجري الإشکال المذكور ويحتاج إلى التّقييد الّذي ذكرنا على القول بالامتناع فيكون التّخيير بين التّدريجيّين أیضاً محلّاً(2) للنّزاع.
فإن قلت: غاية ما ذكرت أنّ اللّازم على القول بالامتناع تقييد کلّ من الوجوب والحرمة بالقيد الّذي ذكر وأنّ کلّاً منهما(3) واجب بشرط الانفراد وحرام بشرط الاجتماع(4) وهذا لا يخرجهما عن الوجوب والحرمة التّخييريّين؛ إذ حینئذٍ أیضاً کلّ منهما واجب وحرام فيلزم اجتماعهما(5)غاية الأمر عدم اجتماع الطّاعة والمعصيةفي شي ء واحد.
قلت: لا نسلّم(6) اجتماعهما على الوجه الّذي ذكرنا؛ إذ الاجتماع إنّما يتحقّق إذا كان کلّ منهما واجباً وحراماً مطلقاً والمفروض أنّه إذا كان هذا واجباً كان الحرام هو الآخر وإذا كان حراماً كان الواجب هو الآخر فلم يجتمعا في الاعتبار في شي ء واحد.
فمآل ما ذكرنا إلى أنّ هذا حرام بشرط الإتیان بالآخر وواجب بشرط ترك الآخر فيصير من باب الاجتماع مع تعدّد الشّرط كما إذا قال: «يجب إکرام زيد إن جاء
ص: 86
ويحرم إکرامه إن لم يجئ» ومثل هذا الاجتماع خارج عن محلّ(1) النّزاع.
هذا، مع أنّ وجوب التّقييد المذكور على القول بالامتناع وعدمه على القول بالجواز يكفي في كون التّخييريّين محلّ النّزاع وإن کان بعد التّقييد أیضاً من الاجتماع الجائز الّذي هو خارج عن النّزاع.
ثمّ هذا کلّه بناء على المختار وتصوير(2) الحرام التّخييري وأنّ النّهي متعلّق بکلّ واحد منهما في غير صورة الاجتماع مع الوجوب.
وأمّا إذا قلنا بأنّ النّهي متعلّق بالجمع فيمكن أن يقال في صورة الاجتماع وإتیانهما: «لم يجتمع الطّاعة والمعصية في شي ء واحد؛ إذ کلّ منهما واجب والحرام عنوان الجمع بينهما».
لكنّه أیضاً لا يتمّ؛ إذ لو كان الجمع حراماً كان المجموع علّة له وعلّة الحرام حرام فيلزم اجتماع الطّاعة والمعصية لو أتى بهما.
نعم يتمّ ما ذكر(3) لو قلنا إنّ مقدّمة الحرام ليست محرّمة ولو كانت علّة وهو خلاف التّحقیق.
وممّا ذكرنا ظهر ما في کلام القائل المتقدّم(4) من أنّ التّخييريّين خارجان عنالنّزاع وأنّ الاجتماع فيهما(5) جائز بلا إشکال، فإنّه إن أراد الجواز بمعناه الظّاهر وأنّه لا يقيّد شي ء من الحكمين فقد عرفت الإشکال فيه وإن أراد الجواز بالمعنى(6) الأخير الّذي
ص: 87
ذكرناه(1) فقد عرفت أنّه لا يخرجهما عن النّزاع.
مع أنّه ليس من الاجتماع حقیقة لتعدّد الشّرط.
وأمّا المختلفان فإن کان الأمر تخييريّاً عقليّاً والنّهي تعيينيّاً فهو من محلّ النّزاع كقوله: «صلّ ولا تغصب».
وإن کان بالعكس كما لو انحصر فرد الصّلاة في الصّلاة في المكان المغصوب وكان منهيّاً عن الغصب في الجملة فقد يقال بخروجه عن محلّ النّزاع وأنّه غير جائز(2)
لكنّه كما ترى؛ فإنّه مثل السّابق، فلو أتى بالصّلاة في المكان المغصوب مع فرض ارتكاب سائر أفراد الغصب ممّا هو محلّ لابتلائه بحيث تحقّق مخالفة النّهي كان من الاجتماع الّذي هو محلّ النّزاع.
وكذا لو ترك الصّلاة المفروضة وجعل امتثال النّهي بترك هذا الفرد من الغصب وأتى بسائر أفراده فإنّه امتثل النّهي بالتّرك المحرّم فهذا التّرك اجتمع فيه الطّاعة والعصيان.
وإن کان الأمر تخييريّاً شرعيّاً والنّهي تعيينيّاً أو بالعكس فهو خارج عن محلّ النّزاع؛ لأنّه اجتماع آمري، كما إذا قال: «أکرم زيداً معيّناً ولا تكرم إمّا زيداً أو عمرواً» أو «لا تكرم زيداً وأکرم إمّا زيداً أو عمرواً» فمثل هذه الصّورة غير جائز بلا تأمّل؛
ص: 88
لأنّه تکلیف سفهي(1).
وفرق واضح بينه وبين ما لو قلنا: إنّ متعلّق الأحکام هو الأفراد، حيث جعلناه محلّ النّزاع في مثل قوله: «صلّ ولا تغصب»؛ إذ قوله: «صلّ» بناء على هذا القول أیضاً لا يرجع إلى مثل المقام من التّخيير الشّرعي كما عرفت سابقاً.
فما ذكره بعضهم من أنّ مقتضى المنع في المختلفين الشّرعيّين من جهة لزوم السّفه تخصيص(2) محلّ النّزاع بالقول بكون متعلّق الأحکام هو الطّبائع وإلّا رجع إلى التّخيير الشّرعي وكان التکلیف سفهاً،(3) لا وجه له كما ذكرنا سابقاً.(4)
هذا، ولازم من جعل مرجع النّهي التّخييري إلى النّهي عن عنوان الجمع جعل النّهي التّخييري الشّرعي والأمر التّعييني محلّاً للنّزاع؛ إذ في الحقيقة يكون المنهي عنه العنوان الکلّي لا خصوص کلّ من الفردين حتّى يكون سفهاً فلا تغفل.
كما أنّ الصّورة الأخرى أیضاً تدخل في محلّ النّزاع بناء على مذهب من يقول في التّخيير الشّرعي أنّ الواجب هو عنوان أحدهما وهو القدر المشترك بين الفردين إلّا أن يقال: إنّ المدار في لزوم السّفه إنّما هو على ظاهر التّعبير فلا ينفع كون الوجوب راجعاً إلى عنوان أحدهما أو كون الحرمة راجعة إلى عنوان الجمع. فتدبّر.
وأمّا من حيث الكفائيّة والعينيّة فحكم الكفائيّين حكم التّخييريّين في كونهما محلّ النّزاع ولازم من(5) حكم بخروج التّخييريّين الحكم بخروجهما أیضاً كما لا يخفى.
ص: 89
ولا فرق ه-ٰهنا أیضاً بين كون متعلّقهما واحداً كأن يقول: «صلّوا على الميّت كفاية ولا تصلّوا على الميّت كفاية» فيحصل اجتماع الطّاعة والعصيان لو صلّوا عليه دفعة جميعاً أو تركوها كذلك أو متعدّداً كأن يقول: «صلّ على الميّت كفاية ولا تغصب كذلك» فيحصل الاجتماع لو صلّى في المكان المغصوب مع ارتكاب الجميعللغصب أو صلّى الجميع دفعة عليه في المكان المغصوب فعلى القول بامتناع(1) الاجتماع لا بدّ من تقييد الأمر بصورة عدم إتیان الجميع في المثال الأوّل وبعدم الإتیان في المكان المغصوب أو بعدم ارتكاب البقيّة للغصب في المثال الثّاني وتقييد النّهي بصورة إتیان الجميع أو ارتكاب البقيّة للغصب.
ثمّ لا يخفى أنّه في صورة مخالفة الجميع للنهي يستحقّ کلّ واحد عقاباً مستقلّاً ويكون فعل کلّ واحد مبغوضاً كما هو شأن الحرام الكفائي كما أنّ لازم الوجوب الكفائي أیضاً مبغوضیّة ترك کلّ واحد وعقابه عليه مستقلّاً لو تركوا جميعاً(2) ولو صلّى الجميع تدريجاً أو ارتكبوا الغصب كذلك فلا يحصل الاجتماع بل إنّما يكون الحرام هو فعل الأخير أو تركه؛ لأنّه يصير عينيّاً بالنّسبة إليه ولا يكون فعله كاشفاً عن كون فعل الجميع حراماً ولا تركه كذلك، وإن قلنا بذلك في الحرمة التّخييريّة التّدريجيّة؛ وذلك لأنّ المفروض جواز الفعل للأوّل وكونه مأذوناً في الفعل ما لم يتضيّق فلا يعقل أن يصير حراماً بسبب فعل غيره؛ لأنّه ليس باختياره، وكذا في ترك الواجب.
وهذا بخلاف الحرام التّخييري فإنّ كون إتیانه للفرد الأخير سبباً لحرمة إتیانه الفرد الأوّل على وجه الكشف معقول؛ لأنّه مختار في فعله وتركه.
فيظهر من ذلك أنّ صورة التّدريج في المقام خارج عن النّزاع ولو قلنا بدخولها فيه في التّخييريّين.
ص: 90
هذا فيما لو كان المتعلّق واحداً؛ إذ لو ترك البقيّة(1) الفعل بحيث خرج عن قدرتهم وجب عليه عيناً ولو أتوا به حرم عليه عيناً فلا يكون من الاجتماع.
وأمّا مع تعدّد المتعلّق فيصير من اجتماع الواجب العيني مع الحرام الكفائي فيما لو تركوا جميعاً للمأمور به وتعيّن عليه(2) فأتى به في المكان المغصوب أو من اجتماع الحرام العيني مع الواجب الكفائي فيما لو أتوا به فتعيّن عليه التّرك أي ترك الغصب فصلّى في المكان المغصوب مثلاً.وأمّا المختلفان فيكونان أیضاً من محلّ النّزاع في الجملة كما إذا كان أحدهما تخييريّاً بحيث يكون للمکلّف مندوحة كما إذا قال: «صلّ على للميّت كفاية ولا تغصب عيناً»(3) فأتى بالصّلاة في المكان المغصوب، دون ما لم يكن كذلك كما إذا قال: «صلّ على الميت ولا تصلّ على الميت الفلاني»(4)، فلا يجوز كونه واجباً وحراماً.
ومن ذلك يظهر الإشکال فيما ورد من كراهة الصّلاة على المخالفين عيناً مع كون الصلاة عليهم واجبة کفایةً(5) وكذا ما ورد من كراهة القضاء بين النّاس عيناً(6) مع كونه من الواجبات الكفائيّة؛ إذ لا فرق في ورود الإشکال بين كون الحكم كراهة أو حرمة.
ص: 91
والإشکال فيهما(1) أقوى من إشکال العبادات المكروهة كما هو واضح؛ إذ فيها المندوحة متحقّقة وليس كذلك المقام، فلا بدّ من التوجيه بحمل الكراهة على المبادرة إلى الفعل مع وجود من يقوم بالكفاية لا كراهة أصل الفعل مطلقاً.
هذا، ولو كان المختلفان(2) من قبيل قوله: «يجب على العالم الصّلاة على الميّت کفایةً(3) ويحرم على الفاسق عيناً» ممّا يكون بين مورد(4) التکلیفين هو العموم من وجه بالنسبة إلى المکلّفين لا بالنسبة إلى الفعل فهل يكون من محلّ النزاع أو لا يجوز الاجتماع فيه ولو قلنا بالجواز في أصل المسألة؟
وجهان:
من تحقّق المندوحة للعالم الفاسق من حيث إمکان تركه للصّلاة المفروضحرمتها(5) عليه؛
ومن أنّ الاجتماع فيه راجع إلى الآمر حيث إنّه کلّفه بترك الصّلاة عيناً مع أنّه أمره بها في ضمن عموم قوله(6): «يجب على العالم».
والأقوى هو الثّاني وعدم كفاية إمکان الترك في كونه مندوحة بل لا فرق في الحقيقة بين هذه الصّورة والصّورة السابقة فعلى هذا لو صلّى العالم الفاسق لم تجز بالنّسبة إلى العدول.
والحاصل: أنّه فرق بين كون التخيير وعدم التعيين بالنّسبة إلى الفعل كقوله: «صلّ على الميّت ولا تغصب» حيث إنّه مخيّرٌ في أفراد الصّلاة وبين كون عدم التّعيين
ص: 92
بالنّسبة إلى المکلّفين فإنّ کلّ واحد مکلّف على نحو الكفاية فلا يجوز تکليفه عيناً بترك بعض الأفراد أو الجميع؛ لأنّه اجتماع آمري ولا يثمر(1) فيه عدم التّعيين بالنّسبة إلى کلّ واحد واحد. فتدبّر.
وأمّا من حيث التّوسعة والتّضييق فالموسّعان مثل المخيّرين أیضاً سواء كان متعلّقهما واحداً كأن يقول: «أوجد طبيعة النّوم فيما بين الصّبح والغروب ولا توجد(2) طبيعة النّوم(3) كذلك في الجملة»، فيجب عليه النّوم في الجملة وتركه في الجملة(4) موسّعاً ويحصل اجتماع الطّاعة والعصيان لو نام مستمرّاً إلى الغروب أو ترك كذلك، أو متعدّداً كما إذا قال: «صلّ الظّهر من الزّوال إلى الغروب ولا تغصب في الجملة كذلك».
ويحصل الاجتماع (5) إذا أتى بالصّلاة في ضمن الغصب مع استمرار الغصب إلىالغروب أو تركهما إلى الغروب.
لكنّ هذا إذا قلنا إنّه إذا أتى بالحرام مستمرّاً يكون آتياً بالمحرّم من أوّل الوقت إلى آخره - لا أنّ المحرّم خصوص آخر الوقت؛ لأنّه قبله كان مأذوناً في الارتكاب - وإلّا ففي صورة اتّحاد المتعلّق لا يتصوّر الاجتماع أصلاً(6)؛ لأنّه إذا نام من أوّل الوقت إلى الغروب يكون آتياً بالواجب في أوّل الوقت ويكون الحرام النّوم في خصوص
ص: 93
الآخر؛ لأنّه قد تضيّق حینئذٍ فلا يكون من الاجتماع، بل الأوّل واجب والآخر حرام.
وكذا في صورة التّرك يكون الأوّل امتثالاً للحرام والتّرك في الآخر يكون حراماً.
وفي صورة التعدّد لو أتى بالصّلاة في آخر الوقت في ضمن الغصب مع فرض ارتكابه الغصب من أوّل الوقت إلى الآخر(1) يكون(2) من قبيل اجتماع المضیّقين.
ولو أتى بالصّلاة في المكان المغصوب قبل آخر الوقت لا يكون من اجتماع(3) المحرّم؛ لأنّه مأذون في ارتكاب الغصب قبل أن يتضيّق.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ لازم القول بعدم دخول التّخييريين عدم دخول الموسّعين بالأولى فلا وجه لما ذكره ذلك القائل من أنّه لا فرق بين الموسّعين والمضیّقين في دخولهما في النزاع مع أنّه حكم بخروج [التخییریین](4)فتدبّر.
وأمّا المضیّقان فلا إشکال في دخولهما في النزاع كأن يقول: «صلّ في أوّل الظهر ولا تغصب» إذا أتى بالصّلاة في المكان المغصوب، فما ذكره في الإشارات(5) من خروج المضیّقين(6) عن النزاع وأنّه لا يجوز فيهما الاجتماع لا وجه له ولعلّه ناظر إلى الشّخصیين، ولا يخفى ما فيه فإنّ الدّخول في الجملة كافٍ.وأمّا المختلفان فكذلك داخلان إلّا أنّه إذا كان النّهي موسّعاً والأمر مضیّقاً
ص: 94
يجري فيه ما ذكر من كونه من قبيل المقام إذا قلنا بكون الحرام تمام الفعل لا خصوص آخر الوقت.
وأمّا من حيث الإطلاق والمشروطية فلا فرق كما لايخفى وكذا من حيث التّوقيت وعدمه وكذا من حيث كونهما(1) حقیقيّين أو ابتلائيّين أو مختلفين فالکلّ داخل في النزاع؛ لأنّ الإشکال ليس من حيث اجتماع المصلحة والمفسدة في الفعل فقط حتّى لا يجري في الابتلائيّين والمختلفين بل اجتماع الطّلبين محال وإن لم يكن مصلحة ومفسدة.
رابعها: يعتبر في الاجتماع الّذي هو محلّ النزاع وحدة متعلّقهما كما سيأتي تفصيل الحال فيه.
وأیضاً يعتبر وحدة زمانهما فلو كانا في زمانين جاز الاجتماع بلا إشکال.
ولو كان المتعلّق واحداً شخصيّاً مع اتّحاد الجهة كما لو جوّزنا النسخ قبل حضور وقت العمل وقال: «صم غداً»، ثمّ بعد ساعة قال: «لا تصم غداً»، بحيث كانا من التّکلیف المعلّق بأن کان زمان التکلیف قبل زمان الفعل،(2) وإن كانا من المشروط فليس من الاجتماع أصلاً؛ لأنّ التکلیف إنّما يتنجّز بعد دخول الوقت على هذا التّقدير
ص: 95
والمفروض أنّه بعد دخول الوقت(1) لا يكون إلّا الحكم الثاني.
ومن هذا القبيل ما اختاره صاحب(2) الفصول(3) في مسألة من توسّط أرضاً مغصوبةمن أنّه مکلّف بالخروج وليس منهيّاً عن الغصب.
نعم هو منهي عنه قبل الدّخول(4)؛ إذ قبله يكون منهيّاً عن الدّخول والوقوف والخروج لكن بعد الدخول لا يبقى النّهي بل يكون مأموراً بالخروج فهذا الخروج منهيٌّ [عنه] (5) بالنّهي السّابق(6) ومأمور به الآن ولا يضرّ الاجتماع من جهة تعدّد الزّمان.
ويظهر من بعضهم اعتبار اتّحاد الرّتبة فلو كانا في مرتبتين جاز اجتماعهما كأن يكون الأمر مرتّباً(1) على مخالفة النهي كما إذا قال: «أزل النجاسة» فإنّه مستلزم للنّهي عن الصّلاة لكنّها(2) مأمورٌ بها على فرض عصيان النّهي بعصيان(3) الأمر بالإزالة وإخلاء الزّمان للصّلاة. وهذا ما يقولون: «إنّ اجتماع الأمر والنّهي على سبيل الترتّب جائز».(4)وسيأتي تحقیق الحال فيه في آخر المسألة.(5)
وقريب من ذلك ما يظهر منهم من جواز اجتماع الحرمة الواقعية مع الوجوب الظّاهري أو بالعكس فيما إذا كان الأصل العملي مخالفاً للواقع فإنّ هذا الاجتماع أیضاً من باب تعدّد المرتبة فإنّ موضوع الحكم الظاهري مرتّب(6) على الحكم الواقعي ومتأخّر عنه.
لكن هذا بناء على كون مؤدّى الأصول حكماً ظاهريّاً عمليّاً لا مجرّد العذر وإلّا فلا إشکال.
وتحقیق الحال فيه في محلّ آخر ولعلّنا نتکلّم فیه في آخر المسألة.(7)
ص: 97
ويظهر من صاحب الفصول(1) اشتراط كون النهي بمعنى طلب التّرك المطلق لا طلب الترك على وجه خاصّ وإلّا جاز الاجتماع كما في مسألة الضدّ حيث إنّ النّهي عن الضدّ إنّما يجي ء من قبل وجوب ترك الضدّ من حيث إنّه مقدّمة والواجب من الترك هو التّرك الموصل فيكون النّهي عن الفعل بمعنى طلب التّرك الموصل لا مطلق التّرك.
وقد بيّنه بما لا مزيد عليه في مسألة الضدّ(2) وأشار إلیه ه-ٰهنا أیضاً.
إلّا أنّه لا يخفى أنّه في الحقيقة يخرج عن عنوان الاجتماع من حيث إنّ الفعل لايصير منهيّاً عنه، بل إنّما يحرم عليه ترك الترك(3) فليس من باب اجتماع الأمر والنهي كما اعترف به أیضاً وسيأتي الکلام فيه في آخر المسألة.(4)
هذا، ولا يعتبر في الاجتماع الّذي هو محلّ النزاع كون الأمر والنّهي من آمر واحد فلو كان أحدهما من واحد والآخر من آخر أیضاً يكون محلّاً للنزاع بحسب المناط؛ وذلك لأنّ إشکال اجتماع الإرادتين والمصلحة والمفسدة وإن لم يكن جارياً لكن يجري فيه إشکال التکلیف بالمحال. فتدبّر.(5)
خامسها: لا إشکال في عدم جواز اجتماع حكمين متقابلين من الأحکام
ص: 98
الوضعيّة كالطّهارة والنجاسة والشرطية والمانعيّة ونحوهما ومناط(1) النزاع أیضاً لا يجري فيها.
فلو قال: «کلّ ماء طاهر» وقال: أیضاً «کلّ ملاقٍ للنجس نجس» لا يمكن الأخذ بعمومهما والحكم بأنّ الماء الملاقي طاهر ونجس فيترتّب عليه أحكامهما.
وكذا إذا قال: «التكتّف(2) مانع عن الصّلاة» وقال: أیضاً «وضع اليد على شي ء من البدن في حال الصّلاة شرط فيها» فلا يمكن الحكم بأنّ وضع إحدى اليدين على الأخرى محقّق للشرط والمانع وهذا في غاية الوضوح.
وكذلك(3) لا إشکال في عدم جواز اجتماع الوجوب والحرمة المتفرّعين على الأحکام الوضعيّة؛ إذ اجتماعهما فرع جواز اجتماعهما الّذي عرفت عدم الإشکال في عدمه فلا يمكن أن يقال في المثال المفروض: «إنّ وضع إحدى اليدين على بشرة الأخرى واجب من حيث إنّه مصداق لکلّي الشرط وحرام من حيث إنّه مصداق لکلّي المانع الّذي هو التكتّف».والسّر في ذلك أنّ هذا القسم من الاجتماع، اجتماع(4) آمري ولا يمكن أن يكون مأموريّاً؛ إذ الآمر جعل المجمع(5) شرطاً ومانعاً ولو في ضمن کلّيّين(6)، وهذا لا يجوز
ص: 99
والحكم التکلیفي متفرّع على هذا الوضع فلا يجوز الاجتماع فيه أیضاً.
سادسها: قد عرفت أنّ محلّ النّزاع اجتماع الأمر والنهي في الشيء الواحد.
والمراد به الاجتماع المصداقي بأن يكون الشي ء الواحد مصداقاً للمأمور به(1) والمنهي عنه.
فالاجتماع الموردي لا بأس به كالصّلاة مع النظر إلى الأجنبيّة حيث إنّ النظر خارج عن الصّلاة مقارن معها.
والمراد من الشي ء الواحد أعمّ من أن يكون جزئيّاً حقیقيّاً تحت کلّي متعلّق الأمر وکلّي متعلّق النهي كإکرام زيد الّذي هو عالم فاسق أو کلّياً تحت الکلّيين كإکرام کلّي العالم الفاسق(2) فيما إذا قال: «أکرم العالم ولا تكرم الفاسق».
ويعتبر أن يكون للمکلّف مندوحة في الامتثال وإلّا كان من الاجتماع الآمري الخارج عن محلّ النزاع.
واعلم أنّه قد يقال في تحرير النزاع: إنّ محلّه(3) ما إذا كان کلّ من الأمر والنّهي متعلّقاً بکلّي ويكون بين الکلّيين عموم من وجه لا التساوي ولا التّباين وأن لا يكون
ص: 100
مصداق کلّ منهما منحصراً في مورد الاجتماع.(1)
وقد يقال: إنّ محلّه ما إذا كان متعلّقهما شيئاً واحداً مع تعدّد الجهة،(2) فالنزاع في أنّه هل يجوز اجتماعهما في شي ء واحد کلّي أو جزئي مع تعدّد الجهة على وجه يكون للمکلّف مندوحة أو لا؟
و(3)ظاهر التّحرير الأوّل اختصاص النزاع بما إذا كان الشي ء الواحد مورداً لهما في ضمن کلّي متعلّق الأمر وکلّي متعلّق النّهي.
وظاهر الثاني كون الشي ء الواحد بنفسه مورداً لهما كأن يقول: «أکرم زيداً ولاتكرم زيداً».
ولكنّ الظاهر عدم الاختلاف بينهما إلّا بمجرّد التعبير؛ لأنّ المعقول من مورد النزاع ما إذا كان الاجتماع بسوء اختيار المکلّف فلا يكون إلّا إذا كان متعلّقهما في لسان الدليل غير مورد الاجتماع وهذا لا يكون إلّا إذا كان المورد فرداً مجمعاً(4)للکلّيين(5)
ص: 101
وإلّا فلا ينبغي التأمّل في عدم جواز اجتماعهما على واحد في لسان الدّليل كأن يقول: «أکرم زيداً ولا تكرم زيداً» وإن کانا من جهتين تعلیليّتين أو تقييديّتين بالمعنى الّذي يجعل محلّاً للنّزاع كما سيأتي بيانه؛ وذلك لعدم كون الاجتماع حینئذٍ من سوء اختيار المکلّف، فلمّا كان اللّازم كون المتعلّق في لسان الدّليل متعدّداً والمورد والمجمع واحداً، فالمحرّرعلى الوجه الأوّل لاحظ المتعلّق وقال: النزاع إنّما هو فيما يكون بين متعلّق الأمر والنهي عموم من وجه.
والمحرّرعلى الوجه الثاني لاحظ نفس مورد الاجتماع وقال: إنّ(1) النزاع فيما لو اجتمعا في شي ء واحد مع تعدّد الجهة یعني أن يكون الأمر من حيث إنّه فرد للکلّي الفلاني والنهي من حيث إنّه فرد للکلّي الفلاني(2) فمراده الأمر والنهي التطبیقي بالمعنى الأعمّ لا الحقيقي الّذي في لسان الدليل.
هذا، والظاهر أنّ کلّاً من التحريرين يتأتّى على کلّ من القولين في متعلّق الأحکام أنّه الطبيعة أو الأفراد.
أمّا التحرير الأوّل فواضح.
وأمّا الثاني فلأنّ الأمر والنّهي فيه أعمّ من الحقيقي بأن يكون المتعلّق في الواقع هو هذا الشخص أو التطبيقي بأن يكون تعلّق الأمر به من باب أنّه ينطبق(3) على الطبيعة المأمور بها وكذا في النّهي.
ويمكن على بُعد أن يكون نظر المحرّر الأوّل إلى كون متعلّق الأحکام هو الطبيعة ونظر الثاني إلى كون متعلّقها(4) الأفراد.
ص: 102
ولكنّ التحقیق عدم الفرق بين التحريرين وعدم الاختصاص وإلّا لزم قصر(1)النزاع على أحد القولين مع أنّه أعمّ منهما قطعاً.
وقد عرفت سابقاً أنّه فرق واضح بين كون الأمر والنهي واردين في لسان الدليل على شي ء واحد وبين ورودهما في الظاهر(2) على الطبيعة وفي الواقع على الفرد؛ حيث إنّ الفرد غير معيّن مع أنّه غير ملحوظ بخصوصيّاته الفرديّة.
فلا فرق بينه وبين الکلّي في الحقيقة إلّا بمقدار يندفع به محذور عدم مقدوريّة الطبيعة من حيث هي وعدم صلاحيّتها لتعلّق الأمر والنّهي لعدم القدرة على إيجادها.
وممّا ذكرنا من رجوع التحريرين إلى واحد وأنّ الاختلاف إنّما هو في مجرّد التّعبير ظهر أنّه لا وجه لما يظهر من الشّيخ (قدس سره) في الهداية من الجمع بين التحريرين وأنّ النزاع في الأعمّ من اجتماعهما على واحد شخصيّ أو نوعيّ مع تعدّد الجهة التّقييديّة ومن كون المتعلّقين کلّيين بينهما عموم من وجه أو مطلق.
حيث قال:
«ثمّ نقول: إنّ الأمر والنّهي إمّا أن يتعلّقا بشيئين أو بشي ء واحد.
وعلى الأوّل إمّا أن يكونا متباينين أو متساویین أو يكون بينهما عموم وخصوص مطلق مع تعلّق النّهي(3) بالأخصّ أو الأعمّ أو عموم من وجه.
وعلى الأوّل فإمّا(4) أن يكونا متلازمين بحسب الوجود أو متفارقين أو يكون المأمور به ملازماً للمنهيّ عنه أو بالعكس.
ص: 103
وعلى الثاني فإمّا أن يكون تعلّق الأمر والنّهي من جهة واحدة أو من جهتين.
والجهتان إمّا أن تكونا تعلیليّتين أو تقييديّتين أو یكون الجهة المأخوذة في المأمور به تقييديّة والأخرى تعلیليّة أو بالعكس.
ثمّ إنّ الجهتين إمّا أن تكونا متباينتين أو متساويتين أو يكون بينهما عموم(1)مطلق(2) أو من وجه وعلى فرض التّباين يجري فيهما التّلازم من الجانبين أو من جانب واحد والتّفارق حسب ما مرّ».(3)
ثمّ ذكر أنّ جملة من هذه الصّور خارجة عن النزاع:
ومن جملتها أن يكون بين متعلّق(4) الأمر والنّهي العموم المطلق مع تعلّق الأمر بالأخصّ ويظهر منه أنّ العموم من وجه بل العموم المطلق مع كون الأمر بالأعمّ داخل في النزاع.
ومن جملتها تعلّقهما بشي ء واحد من جهتين تعلیليّتين ويظهر منه دخول صورة تعلّقهما بشي ء واحد من جهتين تقييديّتين في النزاع.
مع أنّك عرفت(5) وجوب إرجاع الشي ء الواحد مع تعدّد الجهة إلى الکلّيين؛ وذلك لأنّه لا يعقل النزاع في صورة(6) جواز اجتماع الأمر والنّهي على شي ء واحد في لسان الدّليل كأن يقول: «أکرم زيداً ولا تكرم زيداً» وإن کان مع تعدّد الجهة؛ لأنّ ذلك لا يخرجه عن الاجتماع الآمري الّذي لا يجوز قطعاً.
ص: 104
فلا بدّ أن يكون المراد عن(1) الشي ء الواحد هو المجمع للکلّيين.
وحینئذٍ فلا يبقى فرق بينه وبين صورة تعدّد المتعلّق بالعموم المطلق أو من وجه.
والحاصل: أنّه إن أراد من تعلّقهما بشي ء واحد كونهما كذلك في لسان الدّليل فهو خارج عن النزاع قطعاً وإن أراد ذلك في ضمن الکلّي المتعلّق لکلّ واحد منهما فيتّحد مع صورة التعدّد فلا وجه لعدّه في قبالها.
هذا، ولا يخفى أنّه لا وجه لما ذكره أیضاً من كون النّسبة بين الجهتين إمّا تبايناً(2) أوكذا وكذا وذلك لأنّ التّباين لا يعقل في صورة كون المتعلّق شيئاً واحداً لأنّهذا الشّي ء الواحد يكون مجمعاً للجهتين فلا تكونان متباينتين(3)وإن أراد التّباين المفهومي فهو حاصل في جميع الصّور.
وكيف كان فلکلّ من التّحريرين المذكورين وجه ومآلهما واحد. والجمع بينهما لا وجه له.
ثم التّحرير الأوّل لا يحتاج إلى ذكر تعدّد الجهة وأنّ المراد بها التعلیليّة أو التّقييديّة(4) وأمّا الثاني فلا بدّ فيه من ذكر تعدّد الجهة.
ص: 105
ويجي ء معه البحث في أنّ محلّ(1) النزاع في(2) الجهة التعلیليّة أو التّقييديّة(3)؟(4)
فنقول: إنّ ظاهر ما حكيناه عن الهداية(5) - كصريح بعضهم - أنّ محلّ النّزاع إنّما هو مع تعدّد الجهة التّقييديّة وأنّ التعلیليّة لا تجدي(6)
وصرّح بعضهم كصاحب المناهج(7) وغيره أنّ الجهة التّقييديّة خارجة عن النّزاع
ص: 106
وأنّ النزاع مع تعدّد الجهة(1) التعلیليّة.
ومراد الأوّلين من التّقييديّة كون الحكم في الحقيقة وارداً على الجهة بأن يكون التّسرية إلى الفرد من باب دخوله في تلك الجهة كقوله: «أکرم زيداً من حيث إنّه عالم» فإنّه في قوة «أکرم العالم»؛ ومن التعلیليّة أن يكون الحكم وارداً على الفرد(2) بأن يكون هو المتعلّق للحكم وكانت الجهة علّة لثبوته له.
فغرضهم أنّ محلّ النّزاع ما إذا رجع الحكمان في الحقيقة إلى الکلّيين بحيث يتعدّد متعلّقهما(3) في الحقيقة لا أن يكونا واردين على الشّخص الخاصّ بحيث يكون محلّهما واحداً.
ومراد الآخرين من التّقييديّة أن يكون بحيث يتكثّر الموضوع بسببها ويكون لکلّ واحد من الحكمين موضوع غير الآخر بحيث لم يجتمعا في محلّ واحد كأن يقول: «أکرم زيداً من حيث علمه وبملاحظة علمه بأن يكون إکرامك له بقصد أنّه عالم، ولاتكرم زيداً لفسقه، أي: لا تكرمه بملاحظة كونه فاسقاً(4) وبقصد إکرام الفاسق».
فيختلف الحكم حینئذٍ باختلاف القصد.
ومن المعلوم خروج هذا الفرض عن مورد النزاع.
ومرادهم من التعلیليّة أن يكون الحكمان واردين على موضوع واحد بلحاظ اندراجه(5) في المتعلّقين كالصّلاة في المكان المغصوب المحرّمة(6) من حيث إنّها غصب
ص: 107
والواجبة من حيث إنّها صلاة.
هذا، ولكن يبقى الإشکال في الفرق بين التّعليلي والتّقييدي بالمعنى الأوّل؛ إذ في التعلیليّ أیضاً الحكم في الحقيقة(1) وارد على الجهة الّتي هي العلّة في الحكم؛ إذ مقتضى العلّيّة ذلك. فلو قال: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مُسكر»، يكون في قوّة «لا تشرب المسكر».
فالحقّ أنّ النزاع في الجهتين التعلیليّتين(2) وأنّ التّقييديتين بالمعنى(3) الثاني خارجتان عن(4) النّزاع(5) وعلى المعنى الأوّل للتّقييدي لا تفاوت بينه وبين التعلیليّ؛ إذ في الصّلاة في الدّار المغصوبة الّتي هي محلّ النزاع يصدق التقييدي بالمعنى الأوّل والتعلیليّ أیضاً كما لايخفى.
ثمّ لا يخفى أنّه بناء(6) على ما بيّنا من كون التّحرير على الوجه الثاني راجعاً إلى الأوّل وأنّه لا يتفاوت(7) بينهما؛ إذ من المعلوم كون المراد من الشّي ء الواحد فيه هو(8) ما يكون مجمعاً للکلّي المتعلّق للأمر والنّهي، لا موقع لبيان أنّ الجهة تقييديّة أو تعلیليّة لوضوح وجوب كونها تعلیليّة لا تقييديّة بالمعنى الثاني.
ص: 108
ولذا لم يتعرّض صاحب المعالم(1) الّذي هو ممّن حرّر النزاع على الوجه الثاني لكون الجهة تقييديّة أو تعلیليّة.
فيكون الحاجة إلى هذا التّشخيص على فرض كون المتعلّق في لسان الدّليلشيئاً واحداً وعليه ينبغي الحكم بخروج کلتا الصّورتين عن النزاع؛(2) إذ مع كون الجهتين تعلیليّتين(3) يكون المتعلّق واحداً والاجتماع آمريّاً ومع كونهما تقييديتين لا إشکال في الجواز؛ لأنّ المتعلّق مختلف بحيث لا يمكن الاجتماع.
وبالجملة بعد وضوح رجوع التقییدي بالمعنى الأوّل إلى التعلیليّ وعدم التفاوت بينهما ووضوح كون المراد من الشي ء الواحد في عنوان النزاع وفي التّحرير الثاني مجمع الکلّيين ولا(4) الشي ء الواحد في لسان الدليل لا يبقى مجال(5) للبحث عن الجهة وأنّها تعلیليّة أو تقييديّة؛ إذ على هذا يتعيّن كونها تعلیليّة في مقابل التقييديّة بالمعنى الثاني.
نعم لو أريد ذكر حكم صورة كون المتعلّقين في لسان الدليل واحداً لا بأس بذكر حكم الجهتين ومعه ينبغي الحكم بخروجهما عن النزاع حسبما عرفت. وسيأتي بعض الکلام في ذلك(6) إن شاء الله.
هذا، وقد يقال في تحرير النزاع: إنّ متعلّق الأمر والنّهي إمّا متّحدان ذهناً
ص: 109
وخارجاً وإمّا متعدّدان فيهما وإمّا متعدّدان ذهناً ومتّحدان(1) خارجاً ولا نزاع في الأوّل؛ لأنّه لايجوز بلا إشکال، ولا في الثاني؛ لأنّه جائز بلا إشکال إذا لم يكن بينهما تلازم في الخارج، وإنّما النزاع في الثّالث.
وقريب منه ما يقال: إنّهما إمّا متّحدان ذهناً وخارجاً وإمّا متعدّدان كذلك وامّامتّحدان [خارجاً](2) ومتعدّدان [ذهناً](3)والأوّل غير جائز سواء ذكر الجهة أو سكت عنها(4)والثاني إمّا يكون التعدّد في جميع المواد وهذا جائز بلا إشکال وإمّا يكون في بعض الأحيان وهذا محلّ النزاع سواء كان التعدّد في مادّتين والاتّحاد في مادّة بأن يكون النّسبة عموماً من وجه أو كان التعدّد في مادّة والاتّحاد في أخرى بأن يكون عموماً مطلقاً. والثالث قسمان؛ إذ قد يكون الجهة تعلیليّة وهذا غير جائز بلا إشکال وقد يكون تقييديّة وهذا جائز بلا إشکال.(5)
ولا يخفى أنّ مرجعهما إلى التّحرير الأوّل؛(6) إذ الّذي جعلاه محلّا للنزاع هو الاجتماع في ضمن کلّيين بينهما عموم من وجه أو مطلق.
ص: 110
وكيف كان فحيث إنّه يعتبر في محلّ النزاع أن يكون للمکلّف مندوحة بأن لايكون الاجتماع آمرياً صِرفاً فينحصر محلّ(1) النزاع فيما يكون بين المتعلّقين عموم من وجه أو مطلق مع كون الأخصّ هو النّهي دون الأمر إلّا إذا كان النهي تخييرياًّ عقليّاً، كأن يقول: «صلّ في الدار الغصبيّة ولا تغصب في الجملة» فأوجد الصّلاة في الدار الغصبيّة مع ارتكابه لجميع أفراد الغصب ويشترط عدم انحصار أفراد الکلّيين في المجمع وعدم التّلازم بينهما في الإيجاد والعدم.
وغير هذه الصّورة الّتي ذكرنا من صور(2) ورود الأمر والنهي الّتي ذكرها في الهداية(3) في عبارته المتقدّمة خارج عن النزاع إمّا لكونه جائزاً بلا إشکال أو غير جائزبلا إشکال مع كونه اجتماعاً للأمر والنّهي أو عدمه.
وأمّا صورة اتّحاد المتعلّق في التخييريّين والكفائيّين كما لو قال: «صلّ في الجملة ولا تصلّ في الجملة» أو «صلّوا على الموتى ولا تصلّوا على الموتى» حيث قلنا بجريان النزاع فيهما فهي(4) داخلة في مناط النزاع وإلّا فالعنوان غير شامل لهما وإن أريد التعميم فلا بدّ من التعميم.
وكيف كان فصورة تباين المتعلّقين وعدم تلازمهما في الوجود جائزة بلا إشکال، سواء كانا شخصيين كقوله: «أکرم زيداً ولا تكرم عمرواً» أو کلّيين كقوله:
ص: 111
«أکرم العالم ولا تكرم الجاهل»، وسواء كان بينهما وحدة جنسيّة أو نوعيّة بأن يكونا مندرجين في جنس واحد أو نوع واحد أو لا.
وربما منع بعضهم صورة اتّحادهما في الجنس أو النوع نظراً إلى أنّ الأحکام تابعة للحسن والقبح الذاتيّين(1) فلا يجوز أن يكون بعض أفراد النّوع الواحد مأموراً به وبعضها(2) منهيّاً عنه.
وفيه ما لا يخفی؛ إذ يرد عليه أوّلاً: النّقص بما ورد من هذا القبيل كثيراً كالسّجود لله فإنّه واجب وللشمس والقمر فإنّه حرام.
وما أجابوا به من أنّ الحرام هو تعظیم الشمس والقمر دون السجود لهما فلایکون النوع واحداً،(3) کما ترى.
وثانياً: المنع من كون الحسن والقبح ذاتيّين في جميع الموارد فقد يختلفان بالوجوه والاعتبار.وعلى فرض كونهما ذاتيّين في جميع الموارد نمنع أنّ الأحکام تابعة لهما،(4) بل الوجوه والاعتبارات أیضاً دخيلة في مناط الحكم وهو تابع لما يبقى فعلاً بعد الكسر والانكسار وملاحظة الموانع.
فغاية الأمر أنّ الحسن والقبح الذاتيّين مقتضيان للحكم لا أنّهما علّة تامّة، وتمام الکلام في محلّه.
ثمّ لا يخفى أنّ هذا القائل في الحقيقة يدّعى اتّحاد المتعلّق لا أنّهما لا يجوز
ص: 112
ورودهما مع تعدّده؛ إذ مرجع کلامه إلى أنّ النّهي الوارد عن بعض الأفراد نهي عن النّوع وكذا الأمر فيلزم تواردهما على واحد.
وأمّا بقيّة الصّور فهى غير جائزة كما إذا كان المتعلّق(1) متعدّداً مع التّباين والتّلازم في الوجود أو مع التّساوي أو مع العموم من وجه أو المطلق وانحصار الأفراد في المجمع أو تلازمها(2) في الوجود أو مع كون الأخصّ هو الأمر في غير الحرام التّخييري أو مع وحدة المتعلّق من دون ذكر جهة أو مع اتّحادها أو مع تعدّدها وكونها تعلیليّة أو تقييديّة بالمعنى الأوّل الّذي ذكرناه آنفاً من غير فرقٍ بين(3) تصادق الجهتين وعدمه وما عدا الأولى من هذه الصّور اجتماع الأمر والنّهي والأولى ليس باجتماع أیضاً.
ثمّ إنّ الوجه في عدم جوازها كون الاجتماع آمرياً ومستلزماً للتکلیف بالمحال(4) وهو غير جائز بلا إشکال.
نعم لازم من(5) جوّزه التّجويز في المقام أیضاً.
لكن قد يمنع كون التّجويز في المقام لازماً لمذهب المجوّزين للتکلیف بالمحال(6) لأحد وجهين:
ص: 113
الأوّل: أنّ ما نحن فيه في غير الصّورة الأولى من هذه الصّور وهي صورة تلازم المتباينين وثالثها وهو(1) صورة تلازم العامّين بحسب الأفراد في الوجود من التکلیف المحال مضافاً إلى أنّه تکلیف بالمحال فلا يمكن صدوره من الآمر وإن قلنا بجواز التکلیف بالمحال(2)
ولذا قال في المعالم(3): «ومنعه(4) بعض المجیزين(5) لذلك(6) نظراً إلى أنّه تکليف محال(7)».(8)
ويقرّر كونه تکلیفاً محالاً بوجوه(9):
الأوّل: أنّ الوجوب مشتمل على جواز الفعل وعدم جواز الترك والحرمة مشتملة على جواز الترك وعدم جواز الفعل فجنس کلّ من الحكمين مناقض لفصل الآخر فيكون في اجتماعهما في محلّ واحد اجتماع النقيضين من وجهين.
ص: 114
ولو لوحظ اجتماع المجموع مع المجموع أي نفس الحكمين كان من اجتماعالضدّين وإذا كان بين الوجوب والحرمة مناقضة في مقام التفصيل ومضادّة في مقام الإجمال فكذا بين الإيجاب والتحريم؛
لأنّهما تابعان لهما أو لاتّحادهما معهما حقیقة وأنّ التغاير بينهما بالاعتبار كما يقال(1) بذلك في الإيجاد والوجود أیضاً، فيكون حال الإيجاب والتحريم في المقام حال إيجاد النّقيضين أو الضدّين في التكوينیات(2) في كونه من المحال الذاتي لا حال الأمر بإيجاد الضدّين أو الجمع بين النّقيضين.
بل الإيجاب والتّحريم أیضاً نوعان من التكوين فهما تكوين تشريعي یعني في عالم التشريع تكوين للحكم الشرعي.
فالاختلاف بين التكوين والتشريع والمقابلة بينهما إنّما يجي ء من قبل المكوَّن بالفتح لا من الاختلاف في كيفية الجعل والتكوين. فتدبّر.
ويرد عليه أوّلاً: أنّا لا نسلّم(3) أنّ الوجوب مشتمل على جواز الفعل والحرمة على جواز الترك بل الوجوب مطلوبیّة الفعل على سبيل الحتم والحرمة مطلوبیّة الترك كذلك.
فکلّ منهما معنى بسيط على ما بيّن في محلّه.
وعلى فرض التسليم لا نسلّم المناقضة(4) المذكورة؛ إذ المناقض لجواز الفعل عدم الجواز بمعنى عدم جعل الجواز لا عدم الجواز بمعنى جعل اللّاجواز وفصل الحرمة
ص: 115
عدم الجواز بالمعنى الثاني وكذا جواز الترك يناقضه لاجوازه بمعنى لا جعل الجواز لا بمعنى جعل اللّاجواز وفصل الوجوب هو الثاني.
مع أنّه كيف يعقل أن يكون بين نفس الحكمين مضادّة ويكون بين جزأيهما(1) مناقضة؛ إذ لو فرض كون حكم مركّباً من جواز الفعل ولا جواز التّرك بمعنى لا جعلالجواز وآخر مركّباً من جواز الترك ولا جواز الفعل بمعنى لا جعل(2) الجواز فكما أنّ بين کلّ من جنس أحدهما وفصل الآخر مناقضة فكذا بين المجموع مع المجموع من حيث اشتماله على هذا الجزء لكن ليس لنا مركّب كذلك على ما في بادي النظر.
وثانياً: نقول: إنّ المضادّة إنّما هي بين الوجوب والحرمة الواقعيين فإنّهما من الأوصاف الخارجيّة المتضادّة كالسّواد والبياض فلا يعقل أن یتّصف المحلّ الواحد بالوجوب الواقعي بمعنى ما يكون منشأ(3) للذّمّ والعقاب بمخالفته عند العقل أو العرف أو الشرع والحرمة كذلك.
فهما بوجودهما الواقعیين متضادّان والأمر والنّهي لا يستلزمانهما فإنّ الأمر إيجاب إنشائي والنهي تحريم كذلك(4) ولازمهما الوجوب والحرمة الإنشائيان لا الواقعيان.
ألا ترى أنّ العبد إذا أمر سيّدَه بشي ء فقد أوجب عليه بمعنى أنّه أوجد الوجوب الإنشائي ولم يتحقّق وجوب حقیقي واقعي أي لم يوجد وجوب في نظر العقل والعقلاء.
ص: 116
فالإيجاب والوجوب ليسا من قبيل الكسر والانكسار بل من قبيل إنشاء التّمليك والملكية الإنشائية(1) ونمنع المضادّة بينهما على هذا الوجه.
فحقیقة الإيجاب والتّحريم عند من جوّز التکلیف بالمحال ليس أزيد من إنشاء الوجوب والحرمة ولا تضادّ بينهما.
نعم على مذهب العدليّة لا بدّ من حصول وجوب واقعي عقيب إيجاب الشّارع وحرمة واقعيّة عقيب تحريمه.
فإيجابه الإنشائي مستلزم للإيجاب الحقيقي بمعنى جعل الوجوب واقعاً فيتمّ هذاالوجه بناء على تقرير التضادّ على مذهبهم إذا جوّزوا التکلیف بالمحال أیضاً.
یعني أنّهم لو جوّزوا التکلیف بالمحال لا يلزمهم تجويز اجتماع الأمر والنّهي في الواحد الشخصي؛ لأنّه تکلیف محال على مذهبهم من أنّ حقیقة التکلیف إيجاد الوجوب والحرمة الواقعيين.
هكذا يظهر من الشيخ في الهداية.(2)
لكن يمكن أن يقال بعدم الفرق بين مذهب العدليّة والأشاعرة في ذلك؛ إذ على مذهبهم أیضاً ليس الأمر إلّا الإيجاب والتحريم الإنشائيان ويحصل الواقعيان أیضاً مع عدم المانع. وأمّا معه فلا يحصلان.
فحقیقة الإيجاب ليس إلّا الإيجاد الإنشائي للوجوب والمفروض عدم المضادّة بينه وبين الحرمة الإنشائية وعدم حصول الوجوب الواقعي إنّما هو من جهة المانع منه وهو كونه تکلیفاً بالمحال.
ص: 117
فليس الحال في المقام إلّا كحال التکلیف بالمحال؛ حيث إنّه أیضاً ليس إلّا إنشاء للوجوب.
وأمّا الوجوب الحقيقي فلا يحصل معه؛ إذ لا يكون معه المکلّف ملزماً به عند العقل والعرف بحيث يصحّ عقابه.
وإن التزمت به فنلتزم في المقام أیضاً بتحقّق کلا الحكمين حقیقة بمجرّد إنشاء الشّارع بعد عدم المضادّة بين الإنشائين والمنشأين(1)
وبالجملة بعد البناء على عدم المضادّة بين الإنشائيّين(2) منهما لا يتفاوت الحال(3) بين العدليّة والأشاعرة؛ إذ حقیقة الإيجاب ليس سوى الإيجاد الإنشائي والحصول الواقعي لا يكون معتبراً في حقیقته.
ودعوى(4) أنّ إيجاب الشارع مستلزم لإخباره بالوجوب الواقعي وكذا تحريمهمستلزم للحرمة الواقعيّة فمع حصولهما يجي ء المضادّة ومع عدم حصولهما يلزم الكذب عليه وهو محال على مذهب العدليّة، فيصحّ أن يقال: إنّ الإيجاب والتّحريم عندهم بالنّسبة إلى الشارع ليس إلّا ما يكون مؤثّراً في الوجود الواقعي فتتمّ(5) المضادّة المذكورة؛
مدفوعة بأنّ المقصود إثبات الاستحالة الذّاتية لا من حيث القبح وعدمه والوجه المذكور لا يفي به.
مع أنّ هذا المعنى بعينه موجود في التکلیف بالمحال(6) حيث إنّ إيجاب الشارع فيه أیضاً مستلزم لإخباره بالوجوب الواقعي مع أنّه كذب. فتدبّر.
ص: 118
الثاني: أنّ إيجاب الشارع للفعل يفيد حسنه ونهيه عنه يفيد قبحه فيلزم من اجتماع الأمر والنّهي اجتماع الضدّين وهما(1) الحسن والقبح وهو محال(2)
وأورد عليه بأنّه يتمّ على مذهب العدليّة القائلين بالتّحسين والتّقبيح العقليين والقائلون بجواز التکلیف بالمحال وهم الأشاعرة لا يقولون بهما.
فكما أنّهم ينفون الحسن والقبح السّابقين على الأمر والنّهي كذلك ينفون(3) اللاحقين وليس مفاد الحسن والقبح عندهم إلّا مجرّد تعلّق أمر الشّارع ونهيه بل على فرض تسليم الحسن والقبح العقلييّن السّابقين لا يثبتون اللاحقين حيث إنّهما مبنيّان على وجوب شكر المنعم الحقيقي وهم يمنعون منه(4)
والحاصل: أنّ الحسن والقبح الحادثين بالأمر والنّهي إنّما يجيئان من قبل وجوب شكر المنعم الممنوع عندهم ولو على فرض تسليم الحسن والقبح العقليّين قبلالأمر والنّهي فليس الفعل عندهم إلا مأموراً به ومنهيّاً عنه وهما معنى الحسن والقبح الشرعيّين عندهم.
ومن البيّن عدم المضادّة بينهما فلا يلزمهم المنع من الاجتماع لو جوّزوا التکلیف بالمحال.
فهذا الوجه أیضاً إنّما يتمّ على مذهب العدليّة في الحسن والقبح فلو جوّزوا التکلیف بالمحال لا يلزمهم تجويز الاجتماع في المقام؛ لأنّه محال.
ص: 119
أقول: يمكن أن يقال: بناء على مذهب العدليّة أیضاً لا يتمّ الوجه المذكور إذا بنينا على عدم المضادّة بين نفس الطلبين من حيث إنّ حقیقتهما الإيجاب والتّحريم الإنشائيان كما هو الفرض.
وذلك لأنّ الحسن العقلي الحادث بالأمر من جهة كون الإتیان بالمأمور به شكراً للمنعم ليس صفة وجوديّة حادثة في ذات الفعل حتّى ينافي القبح الحاصل من جهة النّهي بل هما نظير الحسن والقبح الشرعيّين على مذهب الأشاعرة.
فإنّ معنى كون الفعل حسناً عقلياً على هذا أنّ العقل يحكم بوجوب إتیانه من حيث إنّه منطبق على عنوان الشكر(1) ومعنى كونه قبيحاً أنّ العقل يحكم بوجوب تركه لإنّ إتیانه كفر.
ففي الحقيقة الحسن والقبح الشكر والكفر لا ذات الفعل منهما(2) وهما تابعان لأمر الشارع ونهيه المفروض عدم المضادّة بينهما فهما بما هما تابعان لهما لا مضادّة بينهما كما لا مضادّة بين متبوعيهما.
والحاصل: أنّه إذا قلنا إنّه يمكن أن يجعل الفعل واجباً شرعيّاً وحراماً فمن حيث إنّه واجب إتیانه حَسَنٌ یعني أنّه شكر ومن حيث إنّه حرام فإتیانه قبيح یعني أنّه(3) كفران.ولا يحدث فيه أزيد من ذلك ولا يصير ذاته حسناً وقبيحاً عقلاً وفي الحقيقة الشكر والكفران عين الإطاعة(4) والعصيان الواجبة أو المحرّمة بحكم العقل ولا يزيد
ص: 120
هذا الوجوب على الوجوب الشرعي المفروض عدم المضادّة بينه وبين الحرام. فمجرّد كون الحاكم هو العقل لا يوجب حصول المضادّة.
فإن قلت: الوجوب الشرعي مجرّد الإنشاء الغير المنافي لإنشاء الحرمة بخلاف الوجوب العقلي الحادث بعد أمر الشارع فإنّه وجوب حقیقي واقعي وقد اعترفت(1) سابقاً أنّه مضادّ للحرمة الواقعيّة فمقصود المستدلّ أنّ لازم الإيجاب والتحريم الشرعيّين حدوث الوجوب والحرمة العقليّين الحقيقيّين من حيث إنّ الإتیان شكر وكفران وهما متضادّان فلا يمكن جعلهما من حيث استتباعهما لهما فهما وإن لم يتضادّا من حيث ذاتهما إلّا أنّهما متضادّان من حيث ما يتبعهما ويلزمهما(2)
قلت: لازم الإيجاب الشرعي وجوب الطاعة عقلاً مع الإمکان والقدرة ومع فرض عدم الإمکان فلا يحدث الوجوب العقلي وإلّا لزم عدم جواز التکلیف بالمحال أیضاً ذاتاً.
وبعبارة أخری: يلزم كون کلّ تکلیف بالمحال تکلیفاً محالاً؛ لأنّه لا يمكن أن يصير واجب الإطاعة عقلاً والمفروض أنّ لازم الإيجاب الشّرعي ذلك مع أنّك لا تقول باستحالته إلّا عرضاً.
هذا، ولو قرّر الاستدلال بالنسبة إلى الحسن والقبح السّابقين على الإيجاب والتّحريم بأن يقال: إنّ الوجوب يقتضي أن يكون الفعل حسناً بمعنى أنّه ناشٍ عنه والحرمة تقتضي(3) كونه قبيحاً فلا يمكن تواردهما على موضوع واحد؛ لأنّه لا يمكن أن
ص: 121
يكون حسناً وقبيحاً.
وبعبارة أخری: الوجوب لا يكون إلّا عن حسن في الفعل ومصلحة فيه فعلاً بعد الكسر والانكسار، والحرمة لا تكون إلّا عن قبح ومفسدة وإذا لم يمكن كون فعل واحد حسناً وقبيحاً بعد الكسر والانكسار بل لا بدّ من كون الغالب أحدهما فلا يمكن توارد الأمر والنّهي(1) على ذلك الفعل؛
فالجواب أوّلاً: أنّ هذا ليس من الاستحالة الذّاتيّة في اجتماع الأمر والنّهي بل هو بملاحظة(2) أنّ الحكيم لا يأمر بغير الحسن الفعلي ولا ينهى عن غير القبيح الفعلي وإلّا فيمكن إيرادهما عليه من حيث هو.
وثانياً: لا نسلّم وجوب كون الحسن والقبح في الفعل ويمكن(3) أن يكون المصلحة في التکلیف ولا منافاة(4) بين كون الأمر والنّهي کلیهما عن مصلحة في جعلهما وإن لم يكن الفعل حسناً ولا قبيحاً أو كان أحدهما.
هذا، مع أنّ الکلام إنّما هو على مذهب الأشاعرة الغير القائلين بالحسن والقبح مطلقاً لا السّابقين ولا اللّاحقين ولا في التکلیف ولا في المکلّف به.
الثالث: أنّ اجتماع الأمر والنّهي اجتماع للضدّين بالنّظر إلى الإرادة والكراهة بالنّسبة إلى فعل واحد(5) فإنّ الآمر مريد للفعل والناهي كاره له ولا يمكن كون فعل
ص: 122
واحد مراداً ومكروهاً.
وأورد عليه أیضاً: بأنّه إنّما يتمّ على مذهب القائلين بأنّ الطّلب عين الإرادة أو ناشٍ عنها بمعنى أنّه وإن کان عبارة عن إنشاء الاقتضاء إلّا أنّه لا بدّ أن يكون ناشياً عنالإرادة النفسيّة موافقاً لها كما هو ظاهر مذهب العدليّة فإنّ الظّاهر من جماعة منهم الاتّحاد وظاهر أخری(1) الملازمة.
وأمّا على مذهب الأشاعرة القائلين بأنّ الطّلب(2) غير الإرادة وأنّه مجرّد إنشاء الاقتضاء وإن لم يكن موافقاً للإرادة النفسيّة كما في الأوامر الامتحانيّة وغيرها فلا؛ إذ لا مضادّة بين الاقتضائين.
بل يمكن أن يقال: إنّ مراد العدليّة أیضاً(3) من الاتّحاد الاتّحاد بالنّسبة إلى الإرادة الإنشائيّة الاقتضائيّة لا الإرادة النفسيّة فلا يتمّ الاستدلال على مذهبهم أیضاً.
وحيث إنّ التّحقیق هو كون الطّلب عبارة عن إنشاء الاقتضاء وإن لم يكن عن إرادة نفسيّة - وإن کان الغالب كونه موافقاً لها وظاهر الحال ذلك أیضاً - فهذا الدّليل لايتمّ مطلقاً.
فلو قلنا بجواز التکلیف بالمحال يلزمنا جواز الاجتماع في المقام كما يلزم الأشعري أیضاً.
فتبيّن عدم تماميّة شي ء من الوجوه الثّلاثة حتّى على قواعد العدليّة أیضاً وإن قيل: إنّ الوجهين الأوّلين يتمّان على قواعدهم كما عرفت.
ص: 123
هذا، ولكنّ الإنصاف أنّ اجتماع الطّلبين من حيث هما أیضاً محال وإن لم نقل بأنّ الطّلب عين الإرادة النفسيّة أو ملازم معها(1) بمعنى أنّ وجودهما الإنشائيين أیضاً متضادّان.
وذلك لأنّ الإرادة الإنشائيّة تنافي الكراهة الإنشائيّة إذا كانتا حقیقيّتين في مقابل الصّوريّتين(2)
فإنّ الإرادة الإنشائية ليست محض إظهار إرادة الفعل وإن علم عدم إرادته بلالإظهار الحقيقي وإن لم يكن في الواقع مريداً فلا بدّ في تحقّقها من كونها تامّة في مقام الإظهار ومن المعلوم أنّه إذا أنشأ(3) الإرادة والكراهة معاً فلم ينشأ(4) شيئاً منهما.
وبعبارة أخری: الطّلب هو البعث على الفعل وهو إنّما يتحقّق إذا لم يكن هناك ما ينافيه والبعث على الترك منافٍ له.
فإذا قال: «افعل [و](5) لا تفعل» في آنٍ واحد، فلم يصدر منه إلّا صورة الطّلبين ولا يصدق أنّه بعثه على الفعل وبعثه(6) أیضاً على الترك فلا فرق بين الإيجاب والتّحريم الإنشائيين والحقيقيّين في المضادّة.
فحالهما حال إنشاء الفسخ والإمضاء في العقد الخياري في زمان واحد فكما لايكون فسخاً ولا إمضاء فكذا في المقام.
وحال الإرادتين الإنشائيّتين حال إنشاء الكفر والإسلام بمعنى إظهارهما
ص: 124
وتعقّدهما فكما لا يمكن اجتماع الاعتقادين فکذا لا يمكن اجتماع التّعقّدين.
فالإرادة الإنشائية إظهار إرادة قلبيّة وهو لا يتحقّق مع إظهار الخلاف.
ومنشأ(1) الاشتباه الخلط بين البعث الإنشائي الحقيقي والإرادة الإنشائية الحقيقية والبعث الصّوري والإرادة الصّوريّة.
فعدم المضادّة إنّما يسلّم بين الصّوريين منهما لا بين الحقيقيين(2) ومن المعلوم أنّ الأمر الصّوري ليس أمراً، والأوامر الامتحانية أوامر حقیقيّة لا صوريّة على ما بيّن في محلّه وإن تخيّل بعضهم كونها صوريّة.
نعم هي صوريّة في مقابل الأوامر الواقعيّة وإلّا ففي مقام البعث والطّلب هي تامّة.
وبالجملة لو قال: «صم غداً و(3)لا تصم غداً» فلم يحدث منه إلّا صورة الطّلبين لاحقیقتهما.
وكذا لو أشار بيده اليمنى «افعل» وبيده اليسرى «لا تفعل» لم يظهر إرادة الفعل ولا التّرك إلّا صورة.
فحقیقة الطّلبين ولو بوجودهما الإنشائيين متضادّتان(4) لا يمكن إيجادهما(5)فتدبّر.
الثاني من وجهي منع الملازمة بين تجويز التکلیف بالمحال وتجويز الاجتماع في
ص: 125
هذا المجال ما عن شيخ مشايخنا المحقّق(1) الشّريف(2) قدّس سرّه اللّطيف وتبعه بعض آخر(3):
من أنّ القائلين بجواز التکلیف بالمحال لا يجوّزون کلّ تکلیف بالمحال بل إنّهم قائلون به فيما لا يكون تکلیفاً بالمحال عند غيرهم؛ لأنّهم قائلون بالجبر فيجعلونجميع التكاليف تکلیفاً بالمحال فالنّزاع بينهم وبين المانعين صغرويّ.
فما يكون محالاً عند العدليّة كالطّيران إلى السّماء والجمع بين الضدّين لا يجوّزون التکلیف به، فلا يلزم من قولهم بجوازه القول بالجواز فيما نحن فيه.
ص: 126
وفيه: أنّ هذا منافٍ لما نقله صاحب المعالم(1) عن بعضهم من التّعليل لعدم الجواز فيما نحن فيه بأنّه تکلیف محال لا تکلیف بالمحال.
ولما يظهر من الأقوال في تلك المسألة حيث إنّ المنقول فيها أربعة أقوال:
[1]. قول بالجواز مطلقاً.
[2]. وقول بالمنع مطلقاً.
[3]. وقول بالجواز في المحال العرضي وعدمه في المحال الذّاتي كالجمع بين الضدّين.
[4]. وقول بالجواز إذا كانت الاستحالة من سوء اختيار المکلّف فإنّ الظاهر من التّفصيل بين الذّاتي والعرضي أنّ القائل بالجواز مطلقاً يقول به حتّى في مثل الجمع بالضدّين.
هذا مع أنّ مقتضى استدلالاتهم ذلك مع أنّه إذا كان التکلیف بالمحال جائزاً فلا فرق بين أقسام المحال فلازم کلامهم التّجويز في المقام وإن لم يقولوا به وليس المقصود أنّهم قائلون بالجواز بل كونه لازماً لمذهبهم. فتدبّر.
ص: 127
بقى هنا(1) أمور
الأوّل: قد عرفت أنّ توارد الأمر والنّهي على المتباينين جائز إذا لم يكونا متلازمين وغير جائز إذا كانا كذلك وأنّه خارج عن النّزاع، مع أنّه ليس باجتماع؛ لأنّ المتعلّق والمحلّ متعدّد.
لكن لا يخفى أنّه إذا كان التّلازم جزئياً بمعنى كونه في بعض الموادّ أو بالنّسبة إلى بعض الأفراد كما إذا قال: «أکرم زيداً ولا تكرم عمرواً» وكان بعض أفراد إکرام زيد ملازماً لإکرام عمرو، أو قال: «أکرم العادل ولا تكرم الفاسق» وكان إکرام زيد العادل ملازماً لإکرام عمرو الفاسق وإن لم يكن تلازم بين سائر أفرادهما فهذه الصّورة خارجة عن مسألة الاجتماع؛ لأنّ المفروض أنّ إکرام زيد غير إکرام عمرو لا أنّ الإکرام الواحد إکرام لهما إلّا أنّها(2) داخلة(3) في مناط النّزاع بمعنى أنّ بعض مناطاته جارٍ فيها.
فإنّه لو قلنا: إنّ مناط عدم الجواز في محلّ النزاع هو كون التکلیف محالاً فليس بجارٍ فيها لتعدّد المتعلّق لكن لو كان المناط كونه تکلیفاً بالمحال فهو جارٍ فيها؛ إذ الأمر بهذا الإکرام مع النّهي عن ذاك غير جائز مع كونهما متلازمين.
وكذا ما يقولون من(4) أنّ الفرد المجمع إمّا داخل في متعلّق الأمر أو في متعلّق النّهي ولا يمكن أن يكون داخلاً فيهما؛ لأنّه إمّا مشتمل على المصلحة أو على المفسدة
ص: 128
فإنّ نظيره جارٍ في المقام أیضاً، فإنّ هذا الإکرام الملازم لإکرام عمرو مع كونه ملازماً للحرام إمّا مشتمل على المصلحة أو على المفسدة فلا بدّ إمّا من عدم شمول النّهي لإکرام عمرو أو عدم شمول الأمر لإکرام زيد.
ومن قبيل ما ذكرنا ما لو كان الصّلاة في موضع ملازمة للنّظر إلى الأجنبيّة بحيث لو صلّى فيه كان مضطرّاً إلى النّظر إليها فهذا الفرد من الصّلاة لا يمكن أن يكون مأموراً به على القول بعدم جواز الاجتماع وإن لم يكن من الاجتماع المصداقي.
هذا إذا لم تكن(1) الصّلاة علّة للنّظر بل كانا متلازمين في الوجود وإلّا فيدخل في محلّ النّزاع من حيث إنّ علّة الحرام حرام إذا قلنا به(2) وإلّا فلا فرق بين الصّورتين.
الثاني: أنّ ما ذكرنا من عدم دخول العامّين من وجه أو المطلق في النزاع إذا كان أفرادهما منحصرة في المجمع لأنّه اجتماع آمريّ إنّما هو إذا لم يكن الانحصار من سوء اختيار المکلّف وإلّا كمسألة من توسّط أرضاً مغصوبة حيث إنّه مأمور بالتخلّص عن الغصب الّذي لا يمكن إلّا بارتكابه.
فإن قلنا: إنّ الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار خطاباً، فهو خارج أیضاً وإلّا فداخل في النّزاع، بمعنى أنّا إذا جوّزنا الخطاب مع كون الامتناع من سوء اختيار المکلّف فلا يلزمنا جواز الاجتماع في المقام إلّا إذا قلنا بجواز اجتماع الأمر والنّهي؛ إذ على القول بعدم الجواز لأنّه تکلیف محال لا يجوز هذا التکلیف وإن قلنا إنّ الامتناع بالاختيار لاينافيه خطاباً.
ص: 129
وحيث إنّ المحقّق القمي(1) (قدس سره) قائل بجواز الاجتماع وبعدم المنافاة في تلك المسألة التزم بأنّه مکلّف بالخروج ومنهي عنه من حيث إنّه غصب وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً.
ظاهر الحاجبي(1) على ما قيل والعضدي(2) والأبهري(3) والزّركشي(4) والإصفهاني(5) خروجه بل نسب إلى الجمهور.
وكيف كان فالأظهر دخوله في البحث لما يظهر من استدلالاتهم وتمثيلاتهم ولايضرّ كون العرف حاكماً بالتقييد والتّخصيص وحمل المطلق على المقیّد بعد كون حيثيّة البحث شيئاً آخر.
لكن لمّا أشکل على المحقّق القمي (رحمة الله) (6) الفرق بين هذا البحثوالبحث الآتي من دلالة النّهي على الفساد وعدمه التزم بتخصيص محلّ النزاع في المقام(7) بالعامّين من وجه وجعل العامّ المطلق مورداً للبحث في تلك المسألة(8) وفرّق بينهما بذلك.(9)
وأنت خبير بما فيه وأنّ ملاحظة تمثيلاتهم واستدلالاتهم في المقامين تنافيه.
ص: 131
وأنّه يمكن الفرق بين المسألتين بغير ذلك من وجوه:
أحدها:ما ذكره بعضهم من أنّ النزاع في المقام في الدّلالة العقليّة والحكم العقلي وفي تلك المسألة في الدّلالة اللّفظيّة والفهم العرفي.
ويظهر من الهداية أیضاً ذلك حيث قال: «إنّ العامّ المطلق خارج عن هذا البحث من جهة فهم العرف للتّقييد(1) والتّخصيص فلا حاجة إلى البحث عنه في المقام بعد فهمهم التّخصيص وإن کان ما ذكروه من الوجه العقلي جارياً فيه أیضاً».(2)
یعني أنّ هذا النزاع يشمله من حيث إنّه عقلي وإن کان(3) من جهة وضوح حكمه بملاحظة الفهم العرفي غير محتاج إلى البحث عنه في هذا المبحث.
الثاني: ما اختاره صاحب الفصول(4) من أنّ النزاع في المقام فيما إذا كان الأمرمتعلّقاً بطبيعة والنّهي بأخرى سواء كان بينهما عموم من وجه أو مطلق.
وفي تلك البحث فيما إذا اتّحد طبيعة متعلّقيهما من غير فرق بين العامّين من وجه والمطلق أیضاً.
ص: 132
فمثال العامّين من وجه مع تعدّد المتعلّق من حيث الطّبيعة: «صلّ ولا تغصب» ومع اتّحاده: «صلّ الفجر ولا تصلّ في الدّار الغصبيّة» ومثال العامّ المطلق مع تعدّد الطّبيعة: «صلّ ولا تغصب في الصّلاة» ومع الاتّحاد: «صلّ ولا تصلّ في الدّار الغصبيّة».
ولعلّ نظره في هذا الفرق إلى ما يظهر من کلمات المجوّزين من أنّ متعلّق الأمر غير متعلّق النّهي وأنّ المبغوض هو طبيعة الغصب والمحبوب(1) هو طبيعة الصّلاة مثلاً، ومن(2) کلماتهم في تلك المسألة من أنّ النّهي إذا تعلّق بعبادة فلا يمكن أن تكون محبوبة مثلاً فإنّ ظاهرهم كون النّهي متعلّقاً بنفس الطّبيعة المطلوبة.
لكن لا يخفى عدم تماميّة هذا الفرق حيث إنّه لا فرق بين قوله: «لا تغصب في الصّلاة» وقوله(3): «لا تصلّ في الدّار الغصبيّة» في أنّ النّهي في الحقيقة من جهة صفة الغصبيّة لا من حيث الصّلاتيّة(4) فيمكن للقائلين بالجواز أن يقولوا: إنّ النّهي في المثال الثاني أیضاً إنّما هو بلحاظ الغصبيّة، فكأنّه في اللّبّ متعلّق بطبيعة أخرى وبعنوان آخر.
وكذا الوجه الأوّل في الفرق أیضاً غير تمام؛ لأنّ بعضهم استدلّ في البحث الآتي بالدّليل العقلي،(5) فراجع. وبعضهم في المقام فصّل بين العقل والعرف.(6) وبعضهم
ص: 133
استدلّ بفهم العرف تخصيص أحد العامّين بالآخر.(1)
مضافاً إلى أنّ ظاهر هذا الوجه أنّه لو جعل البحث في المقام من حيث العرف أو في تلك المسألة من حيث العقل اتّحدت المسألتان وليس كذلك كما سنبيّن.
فالتحقیق في الفرق بينهما هو الوجه الثّالث: وهو أن يقال: إنّ القضيّة المسؤول(2)
ص: 134
عنها في هذا البحث غير القضيّة المسؤول عنها في ذاك(1)؛ وذلك لأنّ النزاع في المقام في أنّه هل يجوز الاجتماع بين الطّلبين أم لا؟ سواء كان هناك صحّة وفساد أو لا.
فلو فرضنا أنّ الإتیان بالمأمور به لا يستلزم الصحّة أو لم يكن المحلّ قابلاً للصحّة والفساد جرى هذا البحث من حيث(2)إنّ النّظر ليس إلّا إلى حيث الاجتماع وعدمه.والبحث في تلك المسألة إنّما هو من حيث الصحّة والفساد وأنّ النهي هل يقتضي كون متعلّقه فاسداً إذا كان قابلاً للصحّة والفساد أو لا؟ سواء كان اقتضاؤه(3) من جهة حكم العقل أو فهم العرف.
فالنزاع في المقام من حيث الحكم التکلیفي وفي ذلك المقام من حيث الحكم الوضعي.
ويمكن التفكيك بينهما بأن يقال في المقام بجواز الاجتماع وفي ذلك المقام بدلالة النهي على الفساد.
أو يقال في المقام بعدم جواز الاجتماع وفي ذلك المقام بعدم دلالة النهي على الفساد وبالصحّة من حيث إنّ المأتي به وإن لم يكن مأموراً به إلّا أنّه منطبق على الطّبيعة المأمور بها فيكون صحيحاً أو من حيث إنّه محبوب ذاتي وإن لم يكن مطلوباً بالفعل من جهة تعلّق النّهي به ویکفي في صحّة العمل مطابقته للمحبوبيّة ولا يلزم في صحّة العبادات وجود أمر فعلي بها ویکفي في نيّة القربة قصد كونه محبوباً ذاتيّاً.
وبالجملة المسألتان مختلفتان لا ربط لإحداهما بالأخرى سواء جعلناهما عقليتين
ص: 135
أو عرفيتين أو مختلفتين(1) وإن لم يمكن التفكيك بينهما من حيث الأقوال بأن يكون لازم المجوّز في المقام عدم الفساد في ذاك(2) ولازم المانع الحكم(3) بالفساد هناك فضلاً عن إمکان التفكيك حسبما عرفت.
فلو جعلتا(4) عقليتين فالنزاع في المقام في أنّ العقل يحكم بالمنافاة بین الطلبين أو لا؟
وفي ذلك المقام في أنّه هل يحكم بأنّ المنهيّ عنه فاسدٌ وأنّه لا يمكن أن یکون صحيحاً ومأموراً به لا من جهة عدم جواز اجتماع الطّلبين بل من جهة إحداث النّهي فيه صفة لا يقبل معها لأن يكون صحيحاً ومأموراً به وإن لم يكن منافاة بينالطلبين بما هما أو لا؟
ولو جعلتا(5) عرفيّتين فالبحث في المقام في أنّ العرف هل يفهم من الأمر أنّ متعلّقه لا بدّ وأن لا يكون حراماً ومن النّهي أنّ متعلّقه لا بدّ وأن لا يكون واجباً أو لا(6)؟ وفي المقام الآتي في أنّ العرف هل يفهم من النّهي أنّ متعلّقه فاسد غير قابل للصحّة أو لا؟
فافترقت المسألتان من حيث الموضوع والمحمول.
نعم هذه المسألة أحد مباني المسألة الآتية على بعض الوجوه(7) وهذا لا يوجب
ص: 136
الاتّحاد كما لا يخفى.
وممّا بيّنّا ظهر الفرق بينهما وبين مبحث العامّ والخاصّ وأنّ العامّ يحمل على الخاصّ ولو جعلناهما عرفيّتين(1)؛(2) إذ البحث فيهما ليس عن التّخصيص وعدمه وإن کان بعد الحكم بعدم جواز الاجتماع أو دلالة النّهي على الفساد يجب الحكم بالتّخصيص(3) فكأنّهما صغرويّتان بالنّسبة إلى بحث العامّ والخاصّ فإنّ البحث فيه بعد الفراغ عن المنافاة بين العامّ والخاصّ والبحث فيهما إنّما هو عن تحقّق المنافاة وعدمه فلا تغفل.
الرّابع: حيث قد عرفت أنّ الاجتماع الآمري غير جائز وأنّه خارج عن محلّالکلام يظهر لك اختصاص البحث في المقام بالعامّ المنطقي(4) وأنّ العامّ الأصولي سواء
ص: 137
البدلي والشمولي خارجٌ عنه كما إذا قال: «أکرم العلماء ولا تكرم الفسّاق» أو قال: «أکرم أيّ عالم أردت ولا تكرم الفسّاق أو الفاسق» فلا إشکال في عدم جواز كون العالم الفاسق داخلاً في العامّين بل هو خارج عن أحدهما والمسألة داخلة في عنوان التعارض(1) المبحوث عنه في باب التّعادل والتّرجيح.(2)ثمّ ليس کلّ عامّ منطقيّ داخلاً في عنوان البحث في المقام بل يعتبر أن يكون
ص: 138
ورود الحكم على الطّبيعة المطلقة السّارية في جميع الأفراد معلوماً بحيث لم يكن مانع عن شمول کلا(1) العامّين لجميع أفرادهما إلّا عدم جواز الاجتماع على فرضه.
فلو فرضنا عدم العلم بذلك واحتملنا عدم إرادة العموم من أحدهما من غير جهة المنع عن الاجتماع دخل في باب التّعادل والترجيح الواجب فيه الرّجوع إلى المرجّحات الدّلاليّة أو السّنديّة وغيرها.
ومن ذلك يظهر الجواب عمّا يورد إشکالاً في المقام من أنّ اختلافهم في المقام في جواز الاجتماع وعدمه ينافي ما ذكروه في ذلك الباب من وجوب العمل بأظهر الدّليلين دلالة أو أرجحهما سنداً أو متناً أو مضموناً والتخيير أو التّساقط مع فقد المرجّحات فإنّ لازم القول بجواز الاجتماع في المقام العمل بکلا الدّليلين في مورد الاجتماع فيما إذا كان أحدهما آمراً والآخر ناهياً؛ وذلك لأنّ مفروض المقام الفراغ عن السّند والدّلالة بحيث لو فرض انحصار أفراد العامّين في المجمع كان من باب التّزاحم لا التّعارض.
ففي مسألة الصّلاة والغصب شمول دليل حرمة الغصب حتّى لصورة(2) الصّلاة معلوم وكون المأمور به طبيعة الصّلاة بحيث لا يشذّ عنها شاذّ إلّا لمانع معلوم وإنّما الإشکال في أنّ الحرمة المفروضة مانعة من شمول الأمر لهذا الفرد أم لا؟
والمفروض في ذلك البحث العلم بأنّ أحد العامّين مخصّص وأنّ المجمع خارج عن أحدهما أو الشّك في شمول الدّليل له مع عدم مساعدة دليل على دخوله فيهما مهما أمكن.
فلا منافاة(3) بين المقامين؛ إذ ما نحن فيه داخل في باب التّزاحم لا التّعارض.
ص: 139
ويأتي تمام بيان لهذا في ذي قبل(1) إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك تعرف ضعف ما قيل في دفع الإشکال المذكور والفرق بينالمقامين من أنّ محلّ الکلام في المقام في العامّ المنطقي وفي ذلك البحث العامّ الأصولي؛(2) إذ هو
ص: 140
على إطلاقه غير صحيح بل يعتبر أن يكون شمول النّهي معلوماً وكون الفرد محرّماً مفروضاً وشمول الأمر أیضاً من حيث هو مع قطع النّظر عن مانع الاجتماع معلوماً.
وأضعف من هذا ما ذكره(1) بعضهم(2) من اختصاص النزاع في المقام بما إذا كانالعموم من وجه بين نفس المأمور به والمنهي عنه كما في قوله: «صلّ ولا تغصب» لا في المتعلّق كما في قولك(3): «أکرم عالماً ولا تكرم فاسقاً» فإنّ الإکرام باعتبار إضافته إلى العالم والفاسق قد اختلف ماهيّته بالعموم من وجه لا من حيث هو قال: «ولعلّ الوجه
ص: 141
في ذلك هو اختلاف متفاهم المثال مع مثال المسألة».(1)
وذلك لضرورة عدم الفرق بين الصّورتين والمثالين بالنّسبة إلى المقامين وقد اعترف القائل به أیضاً في آخر کلامه حيث قال: «إلّا أنّ المجوّز مطالب بالفرق بين المقامين».(2)
أقول: لم يفرق أحد بما ذكره حتّى يكون مطالباً بالفرق وقد عرفت الفرق بين البابين ومورد البحث في المقامين.
الأولی: محلّ النّزاع في المقام الأمر والنّهي المولويان، فالإرشاديان والمختلفان خارجان عن النزاع من حيث وضوح جواز الاجتماع فيهما ولوقلنا بأنّ الأمر الإرشاديطلب وكذا النّهي - لا(3) أنّه إخبار -؛ وذلك لأنّه وإن کان طلباً إلّا أنّه طلب صوري عبوري من قبيل الكناية المقصود منها لازم المعنى(4) وإن کان اللّفظ مستعملاً في معناه الحقيقي للعبور إلى المعنى اللّازمي فكأنّه إخبار حقیقة فإذا قال الطبيب: «اشرب الشي ء الفلاني» فكأنّه قال: «إنّه نافع لكذا». وهكذا نهيه.
فالطلبان في الحقيقة إخباران عن المصلحة والمفسدة ولا بأس باجتماعهما(5) من
ص: 142
جهتين(1) كما هو واضح.
الثّانية: قيل في مقام تحرير(2) النزاع(3): الوصف إمّا لازم أي مقوّم للماهيّة أو للشخص أو مفارق، فالأوّل كقوله: «اغتسل ولا ترتمس» وقوله: «اشتر لي حيواناً ولاتشتر أبيض(4)». والثاني كقوله: «خط لي ثوباً ولا تكن في موضع الفلاني». والثالث كقوله: «صلّ ولا تغصب». لا إشکال في دخول الثالث في النزاع وفي شموله للأوّلين وجهان أو وجوه، ثالثها الفرق بين اللّازم للماهيّة فغير داخل واللازم للشخص فداخل.(5)
ثمّ قال: «وتجويز الاجتماع وحُصول الإطاعة فيما لو تعلّق النّهي بالوصف اللّازم كما لو قال لعبده: «اشتر لي حيواناً ولا تشتر لي ابيض(6)» فاشترى حيواناً أبيض(7)في غاية البُعد عن(8) أنظار(9) العقلاء فلعلّ الاتّفاق واقع في مثله على عدم جواز الاجتماع وأنّه خارج عن النزاع».(10) انتهى(11).
ص: 143
أقول: وجوه النّظر في کلامه لا يخفى.(1)
باب اجتماع الأمر والنّهي أسند الثاني إلى الأكثر.
وربما يقال: إنّ المتعلّق أوّلاً هو الطبيعة وثانياً هو الأفراد، بمعنى أنّها هي المأموربها في اللّبّ والواقع لکن لا كما يقوله القائل بالطّبيعة من كونها كذلك تبعاً بل بالأصالة(1) وبالذات(2)
فالمطلوب في أوّل الأمر وفي بادي الحال، الطّبيعة لكنّ الغرض إتیان الأفراد فهي المتعلّق في الحقيقة حسبما يظهر من الشّيخ في الحاشية.(3)
ثمّ المراد بالطبائع هي الکلّيات الطّبيعيّة على ما صرّحوا به وهي معروضات الکلّيات المنطقيّة وبالأفراد هي الأشخاص الخارجيّة سواء كانت بلحاظ أنّها طبيعة متشخّصة بمعنى مجموع القيد والمقيّد أو لا بهذا اللّحاظ.
ويمكن أن يكون المراد بها الطبائع المقيّدة مع دخول التّقييد وخروج القيد على ما يظهر من صاحب الفصول.(4)
ص: 145
لكنّ الظاهر الأوّل؛ إذ الثاني هو ما يسمّونه بحصص الکلّي فإنّ الماهيّة من حيث هي مع قطع النّظر عن التقييد بالخصوصيّات هي الکلّي الطّبيعي ومع التّقييد وخروج القيد هي الحصص ومع دخوله هي الأفراد.
ثمّ عنوان جملة منهم وإن کان كما ذكرنا إلّا أنّه لا فرق بين الأمر والنّهي وسائر التعبيرات بل وسائر الأحکام فيجري النّزاع في الوضعيات أیضاً.
فمثل قوله: «الغنم حلال» وقوله: «الاستدبار مبطل» أو «الفلان شرط» أو(1) نحو ذلك أیضاً داخل في مناط(2) النزاع(3)ولذا قد يقال في العنوان: هل متعلّق الأحکام هي الطّبيعة أو الأفراد؟ثمّ إنّ الکلام في الإيجاب الجزئي بالنّسبة إلى كونه هو الطّبيعة والکلّي بالنّسبة إلى كونه هو الفرد وذلك لأنّه لا إشکال ولا خلاف في كون المتعلّق هو الفرد فيما لو قال: «کلّ غنم حلال» أو «کلّ عالم يجب إکرامه» أو نحو ذلك.
ومحلّ الخلاف ما لو كان المتعلّق في ظاهر التّعبير هو الطّبيعة.
ثمّ إنّ الکلام تارة بالنّسبة إلى وضع الألفاظ وأنّها موضوعة لطلب الطّبائع أو الأفراد حتّى يكون البحث لغوياً وتارة بالنّسبة إلى حكم العقل وأنّه هل يعقل التعلّق بالطّبائع حتّى تبقى الظّواهر على ظاهرها(4) أو لا يعقل حتّى يجب التصرّف فيها بالحمل على المجاز أو جعلها من باب إطلاق الکلّي على الفرد وتعدّد الدالّ والمدلول أو أنّه هل
ص: 146
يكون العقل حاكماً بوجوب كون المتعلّق کلّياً ولو جزئياً أي في بعض المقامات أم لا(1)؟
أمّا المقام الأوّل:
فنقول: لا ينبغي التأمّل في أنّ الأوامر والنّواهي موضوعة لطلب الطّبيعة وظاهرة فيه وذلك للتبادر بالنّسبة إليها أنفسها ولأنّها مأخوذة من المصادر الخالية عن اللّواحق وهي موضوعة للطبائع مثل أسماء الأجناس للتبادر ولدعوى السّكّاكي الإجماع على ذلك بالنّسبة إلى المصادر.(2)
ودعوى أنّ المادّة الموجودة في الأوامر مغايرة للمادّة المجرّدة(3) في الوضع وأنّها موضوعة للخصوصيّات بعيدة كدعوى الوضع بالنّسبة إلى مجموع المادّة والهيئة من غير ملاحظة کلّ منهما بانفراده.ولم أر مخالفاً فيما ذكر إلّا صاحب المناهج(4) حيث إنّه منع التبادر بالنّسبة إلى
ص: 147
طلب الطّبيعة ومنع الإجماع والتبادر بالنّسبة إلى المصادر أیضاً بل اختار أنّ المصادر وأسماء الأجناس موضوعة للأفراد وإذا كانت الأوامر مأخوذة من المصادر فتكون موضوعة لطلب الخصوصيّات وأنت خبير بما في کلامه(1)
هذا، وقد يقال: «إنّ المتبادر من الأوامر طلب الأفراد لكن لا بخصوصيّاتها(2) بل من حيث إنّها مصاديق للطبيعة»،(3) - كما يظهر من الحاشية - وإنّ هذا لا ينافي كونها مأخوذة من المصادر الموضوعة للطّبيعة من غير تغیّر في وضع الموادّ في ضمن الأوامر بدعوى أنّ القضايا الطّبيعيّة يتبادر منها في العرف الأفراد وأنّها راجعة إلى المسوّرة(4)فتكون(5) الطبائع مرادة من حيث كونها عنوانات للأفراد وأنّ المطلوب في الحقيقة هي
ص: 148
الأفراد فالمتعلّق هو الأفراد مع كون الموادّ موضوعة للطبائع من دون التزام بخروجها عن أوضاعها.
قلت: هذا مشکل؛ إذ لا بدّ إمّا من الحكم بالمغايرة بين الموادّ في ضمن الهيئات وبين غيرها أو الحكم بكون مطلوبیّة الأفراد مستفاداً من الخارج لا من اللّفظ كما لايخفى.
فالجمع(1) بين الاستفادة من اللّفظ وظهوره(2) فيها لا يجتمع مع الحكم بكون الموادّ باقية على حالها من الوضع للطّبائع. فتدبّر.
وأمّا المقام الثاني: فالحقّ أنّ المتعلّق هي الطبائع في حكم العقل بأحد الوجهين: من أنّه لا يرى مانعاً عن ذلك فتبقى(3) الظواهر على حالها، ومن حكمه مستقلّاً بأنّه لا بدّ من كون المتعلّق هو الطّبيعة في بعض الموارد،(4) ومن(5) حيث إنّه مبني في الجملة على وجود الکلّي الطّبيعي فلا بدّ من التّکلّم فيه مجملاً.
فنقول: اختلفوا في وجود الکلّي الطبيعي بمعنى الماهيّة اللّابشرط المقسمي على أقوال:
ص: 149
أحدها: أنّه غير موجود في الخارج وأنّ الموجود فيه هو الأفراد فقط ولازم هذاالقول كون الأفراد متباينة الحقيقة في الحقيقة وإنّما اشتراكها في أمر انتزاعي صرف لیس(1) له حقیقة نظير ما يقوله المشّاؤون(2) في الوجودات الخارجيّة والوجود المفهومي حيث إنّ الوجودات عندهم متباينة الحقائق والوجود المفهومي ليس قدراً مشتركاً بينها بل هو أمر انتزاعي عنوان لها فالکلّي الطّبيعي على مذهب هذا القائل نظير الوجود المفهومي والأفراد مصاديقه لا أفراده وإنّما أفراده حقیقة هي المفاهيم الکلّية الموجودة في أذهان المنتزعين.
الثاني: أنّه موجود بوجود ربّ النّوع بمعنى أنّه هو وليس هناك شي ء آخر(3) موجود سوى الأفراد وسوى أرباب أنواعها وهذا القول في الحقيقة نفي لوجوده(4) كما لا يخفی؛ إذ ربّ النّوع ليس هي الماهيّة اللّا بشرط(5) بل فرد كامل لذلك النّوع واجد لجميع مراتبها الكماليّة مجرّد عن المادّة؛ إذ أرباب الأنواع هي المُثُل الأفلاطونيّة.(6)
ص: 150
الثّالث: أنّه موجود في الخارج بوجود حقیقي شخصيّ وأنّه واحد بالعدد ومتحقّق في ضمن جميع الأفراد ومتّصف بالأضداد وأنّ نسبته إليها نسبة الأب الواحد إلى الأولاد وهذا ما(1) نسبه الشّيخ الرّئيس إلى الرّجل الهمداني(2) وهو في غاية السّخافة.ويمكن إرجاعه إلى القول السّابق بأن يكون مراده من كونه واحداً بالعدد أنّه فرد كامل ومراده من وجوده في ضمن جميع الأفراد نحو من علقة مع کلّ منها علقة التّربية والحفظ فهو أیضاً في الحقيقة نفي لوجوده بالمعنى المصطلح.
ص: 151
الرّابع: أنّه موجود بالمعنى المعروف بوجود الأفراد ومتّحد معها في الخارج وأنّه ليس واحداً بالعدد بل بالنّوع ونسبته إلى الأفراد نسبة الآباء مع الأولاد وهذا مذهب المحقّقين من الحكماء والأصوليين.
لكنّ(1) القائلين(2) بأصالة الماهيّة منهم يقولون: إنّه موجود في الخارج بالأصالة وإنّ الوجود ينسب إليه أوّلاً وبالذات، والقائلين بأصالة الوجود يقولون: إنّه موجود في الخارج بالعرض والمجاز بتوسّط وجود الشخص؛ إذ التشخّص يساوق الوجود فالوجود ينسب على هذا القول أوّلاً وبالذات إلى الشخص أي إلى الوجود؛ لأنّه المجعول(3) حقیقة وينسب إلى الکلّي أي الماهيّة من حيث هي ثانياً وبالعرض؛ لأنّهمجعول بالجعل التّبعي العرضي بتوسّط جعل الوجود فهى بعدُ باقية على اعتباريّتها كما قبل الوجود، غاية الأمر أنّه تحقّق في الخارج ما تنتزع منه.
وهم أیضاً بين قولين:
منهم من يقول: إنّ وجوده من قبيل حركة جالس السّفينة بالنّسبة إلى حركتها بمعنى أنّ كونه موجوداً بالعرض والمجاز دون الحقيقة جليّ مثل الحركة المذكورة.
ومنهم من يقول: إنّه من قبيل الجنس بالنّسبة إلى الفصل حيث إنّ كون وجود الجنس بواسطة وجود الفصل في غاية الخفاء؛ إذ هما لشدّة اتّحادهما في الخارج لا يفهم منهما من أوّل النظر أنّ وجود الجنس عرضي.
والحاصل: أنّ الواسطة في العروض قد يكون جليّاً مثل حركة السّفينة وقد يكون خفيّاً مثل بياض البياض والأبيض وقد يكون أخفى مثل وجود الفصل بالنسبة
ص: 152
إلى الجنس(1) فمنهم من يجعل المقام من الأوّل ومنهم من يجعله من الأخير.
ثم إنّه ظهر من هذا أنّ وجود الکلّي الطبيعي في الخارج لا يبتني على القول بأصالة الماهيّة والقول بعدم وجوده أیضاً ليس مبنيّاً(2) على القول بأصالة الوجود(3) كما ربما يتخيّل بل يمكن اختيار کلّ من القولين على کلّ من القولين.
نعم لو أريد من وجوده في الخارج الوجود المتأصّل الحقيقي بمعنى أنّ الماهيّة متحقّقة في الخارج أصالة فظاهر أنّه مبتنٍ على القول بأصالة الماهيّة.
وبالجملة الکلام في المقام في أنّ الفرد والکلّي کلاهما موجود في الخارج أو الموجود هو الفرد فقط؟ والکلام في تلك المسألة في أنّ الکلّي أو الفرد الّذي حكم بوجوده في الخارج هل المتأصّل والمجعول للجاعل فيه هو ماهيّتهما أو وجودهما؟
فالقائل بأصالة الوجود كما يجعل الماهيّة الکلّية على فرض وجودها مجعولة بالعرض كذلك يجعل ماهيّة الفرد أیضاً كذلك فمعنى كون الکلّي الطبيعي فيالخارج على مذهب القائل بأصالة الوجود(4) كونه موجوداً بالعرض لاتّحادها مع الوجود كما صرّح به المحقّق السبزواري(5) واختاره. فتدبّر.
والحقّ هو القول الرابع وأنّ الکلّي موجود بوجود الأشخاص، بمعنى أنّ في الخارج ما لو لوحظ مع العراء عن الخصوصيّات كان قابلاً للصدق على الكثيرين فمعنى کلّيته(6) هو كونه قابلاً للصدق على الكثيرين في الذهن لا أنّه موجود في الخارج بوصف الکلّية، فإنّه محال.
ص: 153
فهو من قبيل ما يقال: إنّ الجوهر ما يكون في وجوده الخارجي غير محتاج إلى الموضوع دفعاً للإشکال الوارد على وجود الجواهر في الذهن وإنّها متّصفة بأنّها جواهر مع أنّها في هذا النحو من الوجود محتاجة إلى الموضوع لأنّها قائمة بالنفس.
وما ذكرنا مراد من قال: «إنّ الکلّي الطّبيعي متّصف بالکلّية شأناً وبالقوّة لا إنّه کلّي بالفعل»، فغرضه أنّ معنى کلّيته(1) ذلك؛ لأنّه(2) ليس بکلّي فعلاً.
هذا والدّليل على وجوده في الخارج هو البداهة والوجدان؛ لأنّا إذا لاحظنا أفراد ماهيّة واحدة كالإنسان نرى بينها شركة في أمر متحقّق بالفعل في الخارج وليس اشتراكها(3) مثل اشتراك أفراد مفهوم الجزئي والکلّي في كونه في(4) أمر انتزاعي.
فاتّصاف زيد وعمرو بالإنسانيّة ليس مثل(5) اتّصافهما بكونهما جزئياً وليس مثل اتّصاف ماهيّة الإنسان والحمار في كونهما کلّياً.
فالکلّية المشتركة بينهما والجزئية المشتركة بين زيد وعمرو إنّما هما من الأمور الانتزاعيّة بخلاف الإنسانيّة المشتركة بين زيد وعمرو، وهذا واضح، وهو العمدة فيالمقام.
لا ما ذكروه من الوجوه دليلاً على وجوده مثل ما ذكره المحقّق السّبزواري في
ص: 154
منظومته من أنّ الکلّي الطبيعي مقسم لأفراده ومقسم الموجود لا بدّ أن يكون موجوداً؛ لأن کلّ واحد من الأقسام هو ذلك المقسم مع خصوصيّة أخرى.(1)
وإليه يرجع ما يقال: من إنّه لا إشکال في وجود الأخصّ فلا بدّ من وجود الأعمّ الّذي هو الکلّي؛
إذ فيه: أنّ المقسم يمكن أن يكون أمراً انتزاعيّاً أیضاً مثل أنّه يقال: الجزئي ينقسم إلى زيد وعمرو وبكر كما يقال: الإنسان ينقسم إليهم.
ولا شكّ أنّ الجزئيّة من الأمور الاعتباريّة.(2)
ومثل ما يقال إنّ الکلّي يحمل على الأفراد ولا بدّ في الحمل من الاتّحاد في الخارج؛
إذ فيه: أنّه يكفيه مثل الاتّحاد المتحقّق في الأمور الانتزاعية مع مناشئ انتزاعها.
ألا ترى أنّه يقال: «زيد جزئي» و«عمرو جزئي» و«الإنسان کلّي» وهكذا.
إذ فيه: أنّ الجزئيّة تحليليّة عقليّة لا خارجيّة، كيف ولو كانت خارجيّة لزم التّسلسل؛ لأنّه على هذا التقدير يكون للکلّي وجود وللشخص(1) الّذي هو الجزء الآخر أیضاً وجود وإذا كان موجوداً كان متشخّصاً؛ لأنّ الشي ء ما لم يتشخّص لم يوجد، فينقل الکلام إليه ويقال: إنّه مركب من الکلّي والتشخّص. وهكذا.
ومثل ما يقال: إنّه لو لم يكن موجوداً يلزم انتفاء الحقائق؛ لأنّ المفروض أنّه عبارة عن ماهيّة الشي ء؛
إذ فيه: أنّه يلزم ذلك لو لم يقل: «إنّ الفرد ماهيّة متشخّصة»، وقيل: «إنّه مجرّد التشخّص» وليس كذلك. غاية الأمر أنّه يلزم تباين الأفراد في الحقيقة وهو خلاف الوجدان. وهذا هو ما ذكرنا من الدّليل.
إذ فيه: أنّ لازم هذا وجود جميع الأمور الانتزاعيّة.
وحلّه: أنّا نقول ينتزع الکلّي من نفس الأفراد لا من خصوص تشخّصاتها وخصوصيّاتها.
واستدلّ القائل بعدم وجوده بأنّه لا يعقل وجود الکلّي في الخارج؛ إذ الشي ء ما لم يتشخّص لم يوجد، وأیضاً لو وجد يلزم منه كون شي ء واحد کلّياً وجزئياً وأیضاً يلزم منه تعدّد الواحد.
والجواب يظهر ممّا ذكرنا من أنّه ليس معنى(1) كونه کلّياً أنّه متّصف بالکلّية الخارجيّة بل معناه أنّه لو لوحظ مجرّداً عن الخصوصيّات كان کلّياً صادقاً علىالكثيرين.
وهذا بخلاف الفرد فإنّه إذا تصوّر في الذهن كان جزئياً غير قابل للصّدق على الكثيرين وحینئذٍ فلا يضرّ تشخّصه في کلّيته؛ لأنّه متشخّص بلحاظ الخصوصيّات وکلّي بلحاظه(2) معرّى(3) ولا يضرّ تعدّده بتعدّد الجزئيات في وحدته مع عدم لحاظها.
وأمّا ما قيل: من أنّه لو كان موجوداً في الخارج يلزم منه وجود شي ء واحد في أزمنة متعدّدة وأمكنة متعدّدة؛
ففيه: أنّه لا يضرّ ذلك في الواحد بالنّوع وإنّما لا يجوز هذا في الواحد بالشّخص فهذا يرد على ما قاله الرّجل الهمداني حيث إنّه قال: إنّه واحد بالعدد ومع ذلك موجود
ص: 158
في الأشخاص ومتّصف بخصوصيّاتها(1).(2)
ثمّ إنّ نسبة الکلّي إلى أفراده نسبة الجزئيّة في الذّهن والاتّحاد في الخارج فهو في الذّهن والتعقّل جزء للأفراد وفي الخارج عينها وليس الفرد مقدّمة لوجوده - كما ذهب إليه المحقّق القمي (قدس سره)(3) -؛ وذلك لأنّ هناك شيئاً واحداً خارجياً(4) يصدق عليه أنّه وجود الکلّي ووجود الفرد، فإيجاد الکلّي ليس إلّا جعله متشخّصاً في الخارج.
كما أنّ إيجاد الفرد أیضاً ليس إلّا إيجاد الکلّي متشخّصاً فالوجود ينسب إليهما على نسق واحد وفي عرض واحد بل لو لوحظ التحليل العقلي كان الکلّي مقدّمةللفرد حيث إنّه جزؤه(5)
والحاصل: أنّه يصدر من الجاعل تأثير واحد وأثر(6) واحد في الخارج وهو الکلّي المتشخّص ولكنّه یتّصف بالکلّية بلحاظ وبالفرديّة بلحاظ(7)
والحكم الشّرعي تارة يرد عليه باللّحاظ الأوّل فيقال: «إنّ الحكم متعلّق بالطبيعة» وتارة باللحاظ الثاني فيقال: «إنّه متعلّق بالفرد» ويتفاوت الحال في الأصالة والتّبعيّة كما هو واضح.
ص: 159
إذا عرفت ذلك فنقول: إذا كان الکلّي الطّبيعي ممكن الإيجاد في الخارج والمفروض أنّ ظاهر الدّليل تعلّق الحكم به حسبما عرفت في المقام الأوّل فلا وجه لصرفه عن ظاهره فكون هذا الدليل عقليّاً من حيث إنّ العقل يرفع المانع.
ويمكن أن يقال بعد الحكم بوجود الکلّي الطّبيعي: إنّ العقل مستقلّ بتعلّق الأحکام بالطّبائع؛ وذلك لأنّها تابعة للمصالح والمفاسد والحسن والقبح وهما إنّما يكونان في الطّبائع الکلّية.
أمّا على القول بالذّاتية أو الصّفات اللّازمة(1) فواضح. وأمّا على القول بالوجوه والاعتبار؛ فلأنّ المعلوم عدم دورانها مدار الاعتبارات الشخصيّة بل الکلّيات منها مثل النّفع والضّرر ونحوهما وإذا كان الحسن والقبح في الکلّيات فلا بدّ من تعلّق الحكم بها(2) دون الأفراد.
هذا ولكن مقتضى هذا الوجه عدم تعلّق الحكم في شي ء من الموارد بالأفراد فلا بدّ من الالتزام بكون قوله: «أکرم کلّ واحد من العلماء» راجعاً إلى قوله: «أکرم طبيعة العالم» وهكذا وهو مشکل.
ودعوى أنّه يمكن كون الخصوصيّات الشخصيّة الدّاخلة تحت عنوان واحدمحلّاً ومورداً للحسن والقبح مثل خصوصيّات أفراد(3) الكذب الضّارّ أو النّافع فإذا علّق الشّارع الحكم بالأفراد يستكشف منه ذلك؛
مدفوعة - مضافاً إلى بُعده -؛ بأنّ لازمه(4) بطلان التمسّك بهذا الوجه
ص: 160
والانحصار في الوجه السّابق.
والأولى الالتزام بما ذكر وأنّه لا فرق بين «أکرم العالم» و«أکرم العلماء» ويكون سرّ التّعبير بالعموم الأفرادي إرادة إسراء الحكم إلى جميع أفراد الطّبيعة.
هذا ولكنّ الإنصاف عدم تماميّة هذا الوجه لمكان الاحتمال المذكور(1) وإن کان بعيداً.(2)
هذا مع إمکان كون المصلحة والحسن في التکلیف لا في المکلّف به فيكون في الأمر بالأفراد على سبيل العموم الاستغراقي أو البدلي مصلحة.
فالمعتمد هو الوجه الأوّل وهو الحكم بكون المتعلّق هو الطّبيعة(3) فيما لو كان كذلك في ظاهر الدّليل لعدم المانع من إبقائه على ظاهره.
نعم يلحق به ما إذا علم مصلحة الحكم وأنّها في المکلّف به في طبيعته سواء كان من جهة ظهور الدّليل في كون المناط كذا أو نصوصيّته أو من(4) الخارج.
واستدلّ القائل بالتعلّق بالأفراد بأنّ الکلّي الطّبيعي غير موجود في الخارج فيكون التکلیف بإيجاده من التکلیف بالمحال فيكون هذا من القرينة العقليّة على إرادة الأفراد.
وقد عرفت الجواب وأنّه موجود فيمكن الأمر بإيجاده ويكون متعلّقاً للإيجاد
ص: 161
أوّلاً لا بواسطة الفرد، فلا وجه لما يقال في الجواب بناء على وجوده بأنّه مقدور بالواسطة والمقدور بالواسطة مقدور.
مع أنّ هذا التّعليل إنّما يناسب إذا كان المستدلّ ناظراً إلى عدم إمکان إيجاده من حيث إنّه أثر الفعل الخارجي نظير الأفعال التوليديّة(1) وليس كذلك؛ إذ غرضه أنّه لايمكن إيجاده أصلاً.
نعم هو مناسب لما سيجيء من الدّليل.
ثم لو شكّ في وجود الکلّي الطّبيعي وعدمه أیضاً يكفي في الحكم بكون المتعلّق هو الطّبيعة؛ لظاهر(2) الدّليل وعدم المانع بل يمكن أن يجعل ظاهر الدّليل دليلاً على وجوده بمعنى ترتيب الآثار الشرعیّة. فتدبّر.
وأجاب المحقّق القمي (قدس سره) على فرض عدم وجود الکلّي أیضاً:
بأنّ المنكرين لا ينكرون أنّ العقل ينتزع من الأفراد صوراً کلّية؛ إمّا من ذواتها أو من أعراضها المكتنفة بها وهذه الصّور الانتزاعية معنى الکلّي الطّبيعي عند هؤلاء.
وهي وإن كانت غير موجودة في الخارج بالنظر الدّقيق الفلسفي إلّا أنّها لمّا كان لها نوع اتّحاد مع الأفراد ويزعم أهل العرف وجودها بتخیّل أنّ وجود الأفراد وجودها فلا بأس بالتکلیف بها والحكم بإيجادها؛(3) لأنّ الأحکام الشرعیّة واردة على حسب الأفهام العرفيّة وإن كانت مخالفة للدّقائق الحكميّة.
ص: 162
وأورد عليه: بأنّه إذا لم يمكن إيجاد الکلّي في الخارج فلا ينفع تخيّل العرف إمکان وجوده في صحّة التکلیف به؛ لأنّه من التکلیف بالمحال.وإن أريد من تعلّق التکلیف بإيجاده تعلّقه بإيجاد ما يفهم العرف أنّه إيجاده وهو الفرد فيرجع إلى القول بالتعلّق بالأفراد.
وما اشتهر من أنّ الأحکام دائرة مدار فهم العرف إنّما يكون فيما لو علّق الشارع حكماً على موضوع تخيّل أهل العرف كون الشيء الفلاني فرده وليس(1) بفرده فإنّه يحكم بأنّ الحكم معلّق على الأفراد المعدودة لذلك الموضوع عُرْفاً.
كما إذا قال: «أبقِ حكم الموضوع السّابق» وحكم العرف على موضوع بأنّه الموضوع السّابق مع عدم كونه كذلك بحسب الدّقة كما في الماء المتغیّر بعد زوال التغیّر، أو قال: «الدّم نجس» وحكم أهل العرف بأنّ اللّون ليس بدم مع كونه دماً بحسب الدّقة لاستحالة انتقال العرض.
ففي الحقيقة الحكم الشرعي واردٌ على الأعمّ من الفرد وغيره في الفرض الأوّل وعلى خصوص بعض الأفراد في الفرض الثاني.
وهذا بخلاف المقام فإنّ المفروض أنّ الحكم وارد على نفس الطّبيعة وأنّ المراد إيجادها حقیقة وهذا ممّا لا يمكن.
نعم إذا قيل: إنّ المراد من إيجاد الطّبيعة إيجاد الأفراد؛ لأنّ أهل العرف يفهمون من الأمر بإيجاد الطّبيعة إيجاد الأفراد كان(2) داخلاً في تلك القاعدة، لكنّه خلاف المقصود؛ إذ قد عرفت أنّ عليه يكون المتعلّق هو الأفراد حقیقة.
ص: 163
قلت: يمكن أن يوجّه ما ذكره بأنّا لا نقول: إنّ المطلوب إيجاد الطّبيعة حقیقة في الخارج لزعم(1) أهل العرف إمکانه ولا إنّ الطبيعة(2) عنوان لإرادة الفرد، حتّى يقال: إنّه التزام بالتعلّق بالفرد.
بل نقول: إنّ المطلوب إيجاد الطّبيعة بما لها من الوجود الاعتباري الانتزاعي(3)وإذا كان لها نحو وجود اعتباري لمكان اتّحادها مع الأفراد أمكن أن تطلب في الخارج بهذا المقدار لا بالوجود الحقيقي حتّى يقال: إنّه مُحال.
ومن المعلوم أنّ الأمور الاعتباريّة أیضاً قبل وجود منشأِ انتزاعها مغايرة لما بعده.
فالمراد إيجاد الطبيعة بإيجاد الأفراد نظير ما إذا قال: «أوجد الفوقيّة»، فإنّه صحيح إذا أريد إيجادها بما لها من الوجود الاعتباري(4) الّذي ليس إلّا إيجاد(5) السّقف(6) فإنّه وإن لم يكن إيجاداً حقیقة في الخارج إلّا أنّ اعتبار الفوقيّة قبل وجود السّقف غيره بعده.
فقبله اعتبار ذهني صرف وبعده اعتبار خارجي فلا مانع من كون المطلوب هذا المقدار.
ص: 164
وكذا إذا قال: «ايت بالجزئي أو بالکلّي»، فإنّ إتیان زيد يكفي مع كون المطلوب إتیان عنوان الجزئي الّذي هو من الأمور الانتزاعيّة.
فللجزئي تحقّق في الخارج في انتزاعيّته ليس له هذا التحقّق قبل إيجاد الجزئي فليس المراد إيجاد السّقف وإتیان زيد إلّا تبعاً لكونهما مستلزمَين لإتیان المطلوب الّذي هو الفوقيّة أو الجزئي.
بل أقول: إنّ القائل بوجود الکلّي الطّبيعي في الخارج بالوجود العرضي كما هو على القول بأصالة الوجود مرجع کلامه إلى ما ذكرنا.
فإنّه لا يمكن على قوله أیضاً إيجاد الطّبيعة حقیقة، بمعنى أنّ الکلّي على مذهبه إنّما يكون من الأمور الانتزاعيّة المنتزعة من الوجود الّذي هو التشخّص.
والحاصل: أنّه إذا كان المراد من الإيجاد هذا المقدار لمسامحة أهل العرف في كونه إيجاداً للطّبيعة وإن لم يكن إيجاداً حقیقة فلا مانع منه.
نعم يشکل هذا: بأنّ كون المصلحة في هذا الأمر الاعتباري بعيد بل الظاهر أنّ محلّ الحسن والمصلحة هو الموجود الخارجي الحقيقي وهو الأفراد على القول بعدم وجود الکلّي الطّبيعي. فتأمّل.
وفيه ما لا يخفى.
وقد يستدلّ عليه:
بأنّ الأحکام تابعة للحسن والقبح وهما بالوجوه والاعتبار(1) ولازم هذا كون الأحکام متعلّقة بالأفراد. وفيه ما عرفت.
وقد يستدلّ عليه: بأنّ الکلّي مقدور بالواسطة ومتعلّق التکلیف لا بدّ أن يكون مقدوراً أوّلاً:
إمّا لأنّه لا يمكن الأمر بالمسبّب وأنّه يرجع إلى الأمر بالسّبب؛ لأنّ تعلّق الأمربه حال وجود السّبب محال؛ لأنّه تحصيل للحاصل، وحال عدمه محال؛ لأنّه ممتنع.
وإمّا لأنّ الحكم على ما عرّفوه خطاب الله المتعلّق بأفعال المکلّفين والمقدور بالواسطة ليس من فعل المکلّف بل من آثار فعله ففعله في المقام إنّما هو إيجاد الفرد ووجود الطبيعة أثر فعله.
ص: 166
وفيه أوّلاً: أنّ الفرد والکلّي متّحدان في الوجود الخارجي وليس أحدهما واسطة في وجود الآخر كما عرفت.
وثانياً: أنّه لا مانع من الأمر بالمسبّب فإنّا نقول يتعلّق به الطلب حال عدم السّبب لا بشرط العدم وأیضاً كون الکلّي على فرض كون الفرد واسطة من الآثار دون الأفعال ممنوع(1)؛ لأنّه نظير الأفعال التوليديّة.
فليس کلّ ما يكون مقدوراً بالواسطة(2) من الآثار كما هو واضح.
واستدلّ في الحاشية(3) على مختاره - من كون المتعلّق هو الأفراد ثانياً وبالمآل وإن کان هو الکلّي أوّلاً بمعنى أنّه عنوان لملاحظة الأفراد وأنّ الحكم متعلّق(4) بها من حيث إنّها مصاديق(5) الطّبيعة لا بلحاظ خصوصيّاتها كما يقوله القائل بالتعلّق بالأفراد ابتداءً -:
بأنّ المتبادر من الأوامر والنّواهي ومن القضايا الطّبيعيّة؛ مثل قوله: «الغنم حلال» و«البيع حلال» ونحوهما هو الأفراد من الحيثيّة المذكورة وأیضاً القضايا الطّبيعيّة غير معتبرة في شي ء من العلوم؛ إذ المقصود منها بيان معرفة حال ما وجد أو يوجد فيالخارج ولا يستفاد من القضيّة(6) الطّبيعيّة إلّا حالها من حيث هي ولا نظر فيها
ص: 167
إلى الخارج، ولذا يقال: «الرّجل خير من المرأة» مع كون جميع أفراد المرأة خيراً من جميع أفراد الرّجل في الخارج.
ولهذا قالوا في تقرير دليل الحكمة لإرجاع المفرد المحلّى باللّام إلى العموم:
إنّ الطّبيعة(1) غير مرادة لعدم الفائدة في تعليق الحكم عليها بل المراد الأفراد على سبيل الاستغراق لعدم(2) المعيِّن للمعيَّن من الأفراد.
وحاصل مدّعاه: أنّ بناء الشرع(3) على بيان الحكم القطعي(4) للموضوع والمستفاد من الطّبيعة مجرّد بيان المقتضي ولا فائدة فيه.(5)
قلت: أمّا التبادر الّذي ذكره فهو ممنوع خصوصاً مع اعترافه بأنّ المبدأ موضوع للطّبيعة وأنّه باقٍ على ما كان ولم يتصرّف فيه أصلاً وأنّ الکلّي الطّبيعي ممكن الوجود في الخارج.
وأمّا ما ذكره من عدم اعتبار الطّبيعیّة(6) في العلوم؛
ففيه: أوّلاً: أنّه ممنوع وما ذكروه من عدم الاعتبار به في العلوم العقليّة فهو من جهة أنّ غرضهم إعطاء القواعد الکلّيّة الغير المنخرمة في شي ء من المقامات خصوصاً في الاستنتاجات(7) وأمّا في الشّرعيّات فيمكن أن يكون الغرض متعلّقاً بمجرّد إثبات
ص: 168
المقتضي.
وثانياً: لا يلزم أن يكون بيان حال ما وجد أو يوجد في الخارج بالتّعليقبالأفراد؛ إذ بعد البناء على وجود الکلّي الطبيعي كما هو المفروض يمكن تعليق الحكم به باعتبار الفعليّة والخارج.
وبعبارة أخری: إثبات الفعلیة يمكن بإرادة الطّبيعة أیضاً بنصب القرینة على أنّ المراد بيان حالها أينما وجدت وإن لم يكن النّظر إلى خصوصيّات الأفراد.
بل يمكن أن يقال: إنّ غرضهم من إرجاع المفرد المعرّف إلى العموم نفي كون القضية مهملة وإنّ الحكم معلّق على الطّبيعة السّارية الّتي هي(1) في قوّة عموم(2) الأفراد(3) لا أنّ المقصود هو الفرد، بل الظّاهر ذلك كما لا يخفى.
ثمّ ما ذكره من أنّ المتعلّق هو الأفراد بلحاظ كونها من مصاديق الطّبيعة عين القول بالتعلّق بالطبيعة كما لا يخفی؛ إذ بعد إمکان وجودها وعدم خصوصيّة في خصوصيّاتها لا داعي إلى ملاحظتها إلّا تبعاً فالمتعلّق بالأصالة هونفس الطّبيعة.
نعم لو قلنا بعدم وجود الکلّي الطّبيعي فلا بدّ من القول بأنّ الحكم یتعلّق(4) بالأفراد بعد الاعتراف بأنّ المقصود بيان حال ما وجد أو يوجد في الخارج.
ثمّ إنّه أورد على القول بالتعلّق بالأفراد بوجهين:
ص: 169
أحدهما: أنّ لازمه كون جميع الأوامر والنّواهى بل أكثر خطابات الشّرع مجازات.
وأجاب في المناهج: بالمنع من ذلك على مختاره من أنّ الموادّ وأسماء الأجناس أیضاً موضوعة للأفراد.(1)
بكثرة الاستعمال، ففي أوّل الأمر كان الاستعمال(1) مجازاً ثمّ صار حقیقة.(2)
قلت: ولا يخفى ما في(3) هذه الأجوبة.
أمّا الأوّل فلمنع(4) كون المصادر للأفراد.
وأمّا الثاني فلبُعد المغايرة.
وامّا الثّالث فلأنّ الاستعمال ليس خاصّاً بالشّرع والالتزام بالنّقل في العرف السّابق بعيد.
والحقّ في الجواب: أنّه يمكن التزام كون الاستعمالات من باب إطلاقالکلّي على الفرد بإرادة الخصوصيّة من القرینة العقليّة فيكون من باب تعدّد الدالّ والمدلول ووحدة المراد الواقعي ففرق بين المراد من اللّفظ والمراد الواقعي.
وما ذكره في الفصول: من أنّ هذا إنّما يتمّ على القول بوجود الکلّي الطّبيعي وأمّا على القول بعدمه فلا(5)؛ إذ لا تحقّق للطّبيعة حینئذٍ في ضمن الأفراد حتّى يطلق عليه اللّفظ باعتباره؛
مدفوع بأنّ الکلّي الانتزاعي الّذي يعترف به المنكرون يكفي في الإرادة وفي(6)
ص: 171
كون اللّفظ حقیقة، فإنّ الإطلاق على الفرد لا يلزم أن يكون على وجه یکون(1) الکلّي مطلوباً ولو ضمن الفرد.
بل يمكن أن يكون مراداً على وجه العنوانيّة والمرآتيّة للأفراد ومن المعلوم أنّ الاستعمال على هذا الوجه صحيح واللّفظ حقیقة؛ إذ لا يلزم أن يكون المستعمل فيه متعلّقاً(2) للغرض بالذات ولذا نقول: إنّ الكنايات حقائق(3)
هذا، وذكر في القوانين في المنع من كون المقام من باب إطلاق الکلّي على الفرد ما لا يفهم محصّله، فإنّه قال:
«فإن قلت: على ما ذكرت من كفاية مطلق اتّحاد الکلّي مع الفرد فيصحّ إطلاق الکلّي(4) وإرادة الفرد حقیقة وإن کان الاتّحاد غير واقع في نفس الأمر فلا مجاز.
قلت: فرق بيّن بين قولنا: «ايتني برجل» و«أتاني رجل(5)» و«سلّم أمري إلى الرّجل لا المرأة».
والمسلّم في كون الکلّي حقیقة في الفرد هو الصّورة الأولى.وفي الثانية إشکال: فإنّ المراد منه شخص خاصّ وإنّما علّق الحكم على المطلق أوّلاً ليسري إلى الفرد والمطوي في ضمير المتکلّم إنّما هو الرّجل الخاصّ مثل قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِيْنَةِ﴾(6) فلم يعلّق الحكم أوّلاً على الفرد الخاصّ ولم
ص: 172
يقصد من اللّفظ دلالته على الخصوصيّة وبذلك يمكن إدراجه تحت الحقيقة أیضاً.
وأمّا الثّالثة فلا التفات فيه إلى الفرد لا أوّلا وبالذات ولا ثانياً ولكن لمّا لم يمكن الامتثال إلّا بالفرد وجب من باب المقدّمة. ولا ريب أنّ الأوامر من قبيل الثالث فلا ريب أنّ إرادة الفرد من ذلك مجاز. فتدبّر».(1) انتهى.
ولعلّه يريد أن يقول: إنّ كون إرادة الفرد حقیقة إنّما هو فيما لو(2) كان اللّافظ ملتفتاً إليه وكان مفهوماً لأهل العرف بخلاف ما إذا لم يكن كذلك وأريد من باب حكم العقل.
والفرق أنّه على الأوّل يمكن أن يقال الطّبيعة مرادة من اللّفظ والفرديّة من الخارج بخلاف الثاني فإنّه إذا أريد الفرد فلا بدّ أن يراد من نفس اللّفظ فيكون مجازاً. فتدبّر.
الثاني: أنّ القائل بالتعلّق بالأفراد لا يمكنه أن يقول: إنّ المطلوب هو الفرد المعيّن لعدم المعيِّن، ولا جميع الأفراد ولو على سبيل البدل؛ إذ اللّازم رجوعه إلى الواجب التخييري.
مع أنّ الفرق بين التعييني والتخييري معلوم ولذا نازعوا في الواجب التخييري على أقوال شتّى ولم ينازعوا في المقام أصلاً.
فتعيّن أن يكون المراد فرداً(3) من الطّبيعة(4) وهو أیضاً کلّي فيلزم الكَرّ على ما فرّ
ص: 173
منه(1)
وأجيب تارة کما(2) في المناهج: من أنّ المراد ليس هو الفرد المنتشر حتّى يكون کلّياً بل الفرد الخاصّ على سبيل البدليّة بمعنى أنّ الواجب جميع الأفراد على سبيل البدليّة والفرق بين التّعييني والتخييري أنّ التّخيير في الأوّل غير مصرّح به للشّارع بل هو عقلي بخلاف الثاني.(3)
وتارة بما في الفصول: من منع كون فرد ما من الطّبيعة کلّياً بل هو جزئي مردّد؛ لأنّ المفروض أنّ الماهيّة حینئذٍ مقيّدة بالتشخّص المانع من الشّركة.
وكون التّقييد ترديدياً لا يضرّ في كونه جزئياً؛ إذ الملاك في كونه جزئياً أخذ التقييد بالشّخص(4) فيه ولا مدخل لكونه تعيينيّاً أو ترديديّاً.
ص: 174
قال: ولذا نقول: إنّ النكرات من المفردات المنوّنة بتنوين التنكير وما(1) في حكمها والمثنى والمجموع جزئيات وليست بکلّيات.
ولو كان مدلول النكرة الماهيّة(2) المقيّدة بمفهوم الفرد دون مصداقه امتنع إفادتهالمعنى البدليّة؛ لأنّ الکلّي المقيّد بکلّي آخر کلّي ثالث يتساوي نسبته إلى أفراده من غير بدليّة لامتناع وجود کلّي في أفراده بطريق البدليّة.(3)
وحاصل کلامه: أنّ المراد في المقام على القول بالأفراد مصداق فرد ما من الطّبيعة(4) وكذا في النكرة لا مفهومه ومن المعلوم أنّه جزئي.
قلت: الوجه في الجواب هو الأوّل؛ وذلك لأنّا نمنع أنّ فرداً ما الّذي(5) هو مدلول النّكرة جزئي بل هو کلّي صادق على أفراده بالفعل وإن لم يرد مفهوم فرد(6) ما بل أريد مصداقه؛ إذ مصداقه المراد في المقام هو رجل ما مثلاً لا خصوص زيد أو خصوص(7) عمرو؛ إذ من المعلوم أنّ معنى «رجل» ليس زيداً وعمرواً(8) بل الرّجل المقيّد بالتشخّص فهو کلّي الفرد.
والفرق بينه وبين الطّبيعة الکلّيّة أخذ الخصوصيّة جزءاً(9) له وعدم أخذها(10) في
ص: 175
الطّبيعة الکلّية فلو كان مدلول قوله: «صلّ» «ايت بصلاةٍ مّا» كان کلّياً أیضاً؛ إذ غاية الأمر إرادة الخصوصيّة في المأمور به بحيث تكون جزءاً(1) لموضوع الطّلب وهذا لا يخرجه عن الکلّية فهو الفرد الکلّي والأشخاص الخاصّة أفراده حقیقة.
وأمّا الکلّي بمعنى الطّبيعة فالأشخاص مصاديقه في الحقيقة لاشتمالها على الخصوصيّة الغير الماخوذة فيه. فتدبّر.
وحینئذٍ فالجواب عن الإشکال أن يقال: لا نسلّم أنّه على القول بالفرد يجب إرادة کلّي الصّلاة المقيّدة بالتشخّص بمعنى هذا المجموع حتّى يقال: إنّه کلّي.وبعبارة أخری: ليس مدلول الأمر مثل مدلول النّكرة هو الفرد المنتشر.
بل المراد والمدلول خصوص الجزئيّات الخارجيّة على وجه البدليّة لكن لا بلحاظها مفصّلة والحكم بالتّخيير بينها حتّى يرجع إلى التّخيير الشّرعي بل بتعليق الحكم على خصوص فرد غير معين ولازم عدم تعيينه كون الطّلب على وجه التّخيير والبدليّة.
فالملحوظ أوّلاً هو الواحد لا المتعدّد وإنّما يجي ء التعدّد من قبل عدم التّعيين وهذا هو مراد صاحب(2) الفصول(3) أیضاً إلّا أنّ الإيراد عليه أنّه يجعل هذا معنى النّكرة أیضاً وينكر كون الرّجل المقيّد بالخصوصيّة الغير المعيّنة کلّياً، مع أنّه ليس كذلك كما عرفت.
والحاصل: أنّه قد يعلّق الحكم على مفهوم فرد ما وهذا لا إشکال في كونه کلّياً ولا في عدم كونه مدلول النّكرة ولا الأوامر وقد يعلّق على الطّبيعة المقيّدة بالتشخّص الغير المعيّن على وجه دخول القيد وهذا معنى النّكرة؛ إذ من المعلوم أنّ معنى «رجل»
ص: 176
الماهيّة المقيّدة بالتشخّص أيّ تشخّص كان وهذا کلّي لصدقه على زيد وعمرو وهكذا.
وقد يعلّق على مصداق النّكرة أعني خصوصيّات الأفراد لا على التّعيين وهذا متعلّق الأوامر على القول المذكور وهو جزئي ولا إشکال فيه.
نعم يرد عليه: أنّه يلزم عدم تعيين محلّ الحكم وموضوعه وهو مشکل؛ لأنّ الأحکام الشرعیّة من الأعراض الخارجيّة المحتاجة إلى محلّ معيّن.
ألا ترى أنّه لا يمكن عروض السّواد لأحد الجسمين الخارجيّين لا على التّعيين.
ولهذا قالوا: «إنّه لا يجوز بيع أحد العبدين المعيّنين» وعلّلوا المنع بالإبهام مضافاً إلى الغرر والجهالة ومنع بعضهم الغرر والجهالة أیضاً(1) وخصّ الوجه في المنع بالإبهام.(2)ويمكن الجواب: بأنّ الأحکام الشرعیّة وإن كانت من الأعراض الخارجيّة إلّا أنّها من الأمور الاعتباريّة فخارجيّتها عين هذا الأمر الاعتباري، ونمنع عدم إمکان تعلّقها بالمبهم لأنّ الاعتبار المذكور صحيح(3) في أنظار العقلاء.
ألا ترى أنّها تتعلّق بالکلّيات مثل الأمر بالکلّي وبيع الکلّي مع أنّها معدومة ولايمكن عروض العرض(4) الخارجي للمعدوم.
ففرق بين الأعراض الخارجيّة المتأصّلة مثل السّواد والبياض وغيرها مثل الأحکام الشرعیّة.
ص: 177
نعم يشکل الأمر على من جعل الطّلب عين الإرادة النفسيّة لعدم إمکان تعلّقها بالمبهم والمعدوم كما في الإرادة التكوينيّة. فتدبّر.
ثمّ على ما ذكرنا وإن کان يرجع الأمر بالأخرة إلى وجوب کلّ فرد على سبيل البدليّة كما في الواجب التخييري إلّا أنّه يمكن الفرق بينهما:
إمّا بكون التّخيير مصرّحاً به في التخييري بخلاف المقام كما عرفت أو بكون التخيير ه-ٰهنا بين الأفراد المتّفقة الحقيقة بخلاف التخييري؛
أو بأنّ طرف التّخيير غير محصور في المقام بخلاف التّخييري.
لكن لا يخفى أنّ هذه(1) الفروق ليست فرقاً على الحقيقة خصوصاً مع إمکان فرض التّخيير الشّرعي أیضاً بين متّفقي(2) الحقيقة.
فالأولى أن يقال: إنّ المطلوب في الواجب التّخييري لمّا كان متعدّداً في أوّل النظر فيكون التخيير راجعاً إلى قصور في الطّلب بشوبه بجواز الترك إلى البدل بخلاف المقام حيث إنّ المطلوب واحد، فالطّلب فيه غير مشوب.غاية الأمر أنّ المطلوب لمّا أخذ على وجه عدم التّعيين فيجيء الشوب بجواز الترك ثانياً فمن الأوّل يرد الطّلب التّعييني على ذلك المطلوب وهو الواحد لا بعينه وبملاحظة عدم التّعيين تجي ء(3) البدليّة.
ولا فرق في ذلك بين القول بوجود الکلّي الطّبيعي وعدمه؛ أمّا على القول بالوجود فواضح حيث إنّ المطلوب حینئذٍ الماهيّة المقيّدة بتشخّص خارجي غير معيّن؛
ص: 178
وأمّا على القول بالعدم فلأنّ الماهيّة وإن لم تكن(1) موجودة في ضمن المقيّدات إلّا أنّه يلاحظ الأمر الانتزاعي حینئذٍ ويجعل مرآة(2) لملاحظة الماهيّات المتشخّصة ويعلّق الحكم على واحد منها بلحاظ أنّه ماهيّة متشخّصة بتشخّص غير معيّن.
فعلى التقديرين:الحكم معلّق على الماهيّة المتشخّصة بالتشخّص(3) الغير المعيّن(4)
غاية الأمر أنّه على أحد التقديرين: الماهيّة مع قطع النظر عن هذا التشخّص موجود وعلى الآخر غير موجود وهذا لا يضرّ في إمکان حمل الحكم عليه.
غاية الأمر أنه يحتاج على الثاني إلى مرآة وهو الکلّي الانتزاعي.
فلا وجه لما ذكره صاحب الفصول من أنّ الفرق المذكور مبني على القول بوجود الکلّي الطّبيعي.(5)
هذا ولا يخفى أنّه في لبّ اللّب يرجع المقام(6) إلى التّخيير الشرعي ولا بأس به فإنّ المنظور في الفرق إنّما هو ملاحظة(7) الحكم والإنشاء أوّلاً لا ما في لبّ قلب المولى كما لايخفى.
ولا يضرّ هذا في عدم النّزاع في المقام مع أنّهم(8) نازعوا في التّخييري على أقوالشتّى مع أنّه على فرض عدم التّفاوت أصلاً أیضاً يمكن أن يقال: إنّ عدم النّزاع في
ص: 179
المقام من جهة البناء على أحد المذاهب هناك أو إنّهم(1) أحالوا المقام على ذلك المقام. فتدبّر.
ثمّ إنّ لصاحب الفصول في هذا المقام تفصيلاً بين متعلّق الأمر والطّلب فجعل الأوّل کلّياً والثاني فرداً على بعض الوجوه الّذي هو مختاره.
فإنّه ذكر ما محصّله بعد مقدّمة مطويّة: هي أنّه لا بدّ من اعتبار الوجود في الأمر والعدم في النّهي وإلّا فلو جعل الأمر عبارة عن طلب الماهيّة لم يفارق النهي؛ حيث إنّه أیضاً طلب وأیضاً لا معنى لطلب نفس الطّبيعة مع قطع النظر عن الوجود؛ لأنّه لا حسن فيها إلّا من حيث الوجود وإلّا لزم كفاية تصوّرها في مقام الامتثال وهو باطل(2)؛ إذ(3) الوجود إمّا أن يعتبر في المعنى الهيئي للأمر ويقال: إنّه دالّ بهيئته على طلب الإيجاد وإمّا أن يعتبر في المادّة ويقال: إنّه دالّ على طلب الماهيّة المقيّدة بالوجود الخارجي أو الماهيّة الخارجيّة.
والفرق بينهما أي بين الماهيّة المقيّدة والماهيّة الخارجيّة بالإجمال والتّفصيل في لحاظ القيد والمقيّد.
فعلى الأوّل أعني اعتباره في المعنى الهيئي يكون متعلّق الأمر الّذي هو بمعنى طلب الإيجاد(4) الماهيّة الکلّيّة ولا يمكن أن يكون هو الفرد وإلّا لزم تحصيل الحاصل؛ لأنّ فرديّة الطّبيعة إنّما هي بانضمام الوجود إليها؛ إذ الطّبائع بأسرها کلّيات
ص: 180
ولايتحصّل من انضمام کلّي إلى آخر إلّا کلّي ثالث متعلّق(1) الأمر بالفرد على الحقيقة يؤدّي إلى ما ذكر.
ولو جعل المتعلّق ما يكون فرداً بعد انضمام الوجود فهو التزام في الحقيقةبتعلّقه بنفس الطبيعة؛ لأنّ المفروض أنّه لم يصر فرداً بعدُ وأنّما يكون كذلك بعد الوجود.
وأمّا متعلّق الطّلب فالمفروض أنّه الإيجاد حيث قلنا: إنّ الأمر طلب الإيجاد؛ إذ الطّلب حینئذٍ جزء المدلول الهيئي للأمر مضافاً إلى جزئه الآخر ومتعلّقاً به وهو الإيجاد وهو عين الوجود والتغاير بالاعتبار والوجودات متباينة الحقائق ولا جامع بينها متحقّقاً في الخارج حتّى يقال: إنّ الطّلب تعلّق بکلّي الوجود.
نعم الوجود المفهومي قدر مشترك بينها لكنّه أمر انتزاعي لا حقیقة له في الخارج وليست الوجودات أفراداً لهذا المفهوم بل مصاديقه وإنّما أفراده المفاهيم الموجودة في أذهان الذاهنين.
فعلى هذا، الطلب لا يتعلّق بهذا المفهوم؛ لأنّه انتزاعي وليس مورداً للمصلحة والمفسدة بل يجعل آلة لملاحظة الوجودات الخارجيّة المتباينة ويعلّق الطّلب عليها.
وعلى الثاني أعني اعتباره في المادّة يكون المعنى الهيئي عين الطّلب ويكون متعلّقهما أي الأمر والطّلب هو الطّبيعة المقيّدة مع دخول التّقييد وخروج القيد.
وحینئذٍ فإن قلنا: إنّ الفرد عبارة عن ذلك كان المتعلّق لهما هوالفرد.
وإن قلنا: إنّ الفرد هو الطّبيعة المقيّدة مع دخول التقييد والقيد بمعنى المجموع المركّب فمتعلّقهما ليس فرداً؛ لأنّ المفروض خروج القيد من(2) المتعلّق ودخوله في الفرد ولا طبيعة لأنّ المفروض اعتبارها مقيّدة بالوجود الخارجي فيكون أمراً ثالثاً غير الکلّي وغير الفرد وحيث إنّ التحقیق أنّ الأمر طلب الإيجاد بمعنى أنّ الإيجاد معتبر في المعنى
ص: 181
الهيئي للأمر فيختلف متعلّق الطّلب والأمر حسبما عرفت.(1)
قلت: في کلامه نظر من وجوه:
أحدها: أنّا لا نسلّم اعتبار الوجود في متعلّق الطلب حسبما ذكره حتّى يكون الفرق بين الأمر والنّهي هو اعتبار الوجود في متعلّق الأوّل والعدم في متعلّق الثاني بعد اشتراكهما في كونهما طلبين.
بل نقول: معنى الأمر طلب الماهيّة من حيث هي والوجود معتبر في حقیقة الطّلب؛ إذ هو عبارة عن حبّ وجود الشي ء وإيجاده.
فإذا تعلّق هذا الأمر البسيط الخارجي الّذي هو(2) في التّحليل عبارة عمّا ذكر بالماهيّة من حيث هي أفاد مطلوبیّتها من حيث الوجود والحيثيّة معتبرة في حقیقته والتّعبير من ضيق العبارة فليس الطّلب نظير الحبّ حيث إنّه قد يتعلّق بالماهيّة بلحاظ وجودها وقد يتعلّق بها بلحاظ عدمها وقد يتعلّق بها من حيث هي فيفيد في هذه الصّورة محبوبيّة نفسها في مرتبتها مع قطع النّظر عن الوجود الذّهني والخارجي والعدم نظير القضايا الطّبيعيّة(3) كقولك: «الرّجل خير من المرأة» فإنّ هذا المعنى
ص: 182
صحيحٌ ولو لم يكن في الدّنيا رجل وامرأة أو كان جميع أفراد المرأة خيراً(1) من أفراد الرّجل.
والحاصل: أنّ تعليق الحبّ على الطّبيعة من حيث هي لا بلحاظ الوجود والعدم معقول ويفيد حسنها ومحبوبيّتها في حدّ نفسها وأمّا تعليق الطّلب عليها فلا معنى له إلّا إفادة محبوبيّة وجودها ولا يعقل بدون ذلك ولو لم یکن الوجود معتبراً في حقیقته أمكن أن يطلب الماهيّة من حيث هي مع عدم إفادة إرادة الوجود الذّهني أو الخارجي مع أنّه غير معقول.
والفرق بين الأمر والنّهي على ما ذكرنا هو أنّ الأمر طلب الماهيّة والنّهي منعهوالأوّل من مقولة الإرادة والثاني من مقولة الكراهة وکلاهما متعلّقان بالوجود ويؤيّد ذلك أنّ الأمر والنّهي كالإرادة والكراهة ضدّان بلحاظ نفسهما لا من(2) حيث متعلّقهما ولو كانا مشتركين في الطّلب.
وكان الفرق بما ذكره من كون المتعلّق هو الوجود في الأوّل والعدم في الثاني لم يكونا ضدّين إلّا بلحاظ المتعلّق ومن المعلوم أنّ الإرادة والكراهة ليستا من قبيل إرادة وجود الرّجل وإرادة وجود المرأة في كون تغايرهما بلحاظ تغاير المتعلّق.
وعلى ما ذكرنا فلا وجه لما ذكره من أنّ الأمر هو طلب إيجاد الماهيّة أو طلب الماهيّة(3) المقيّدة بالوجود الخارجي؛ إذ قد عرفت أنّه عبارة عن طلب الماهيّة من حيث
ص: 183
هي فيكون متعلّق الأمر والطّلب کلیهما کلّياً.
ولو تنزّلنا عمّا ذكرنا من كون الوجود معتبراً في حقیقة الطّلب نقول: هنا شق آخر وهو أن يقال: إنّ الأمر طلب الماهيّة من حيث الوجود بأن يكون الوجود معتبراً في تعلّق الطّلب بالماهيّة لا في المعنى الهيئي ولا المادّي وإن کان في اللّب راجعاً إلى اعتباره في المتعلّق.
الثاني: أنّ ما ذكره من أنّه بناءً على كون معنى الأمر طلب الإيجاد لا يعقل كون متعلّقه الفرد للزوم تحصيل الحاصل؛
فيه: أنّه إن أراد كونه تحصيلاً للحاصل من جهة أنّ الفرد لا يصير فرداً إلّا بعد الوجود فهو ممنوع؛ إذ لا نقول: إنّ الأمر تعلّق به بعد وجوده.
بل نقول: إنّه تصوّر الفرد الخارجي وأمر بإيجاده ودعوى أنّه ما لم ينضمّ إليه الوجود الخارجي لا يصير فرداً فما دام في الذّهن فهو کلّي ممنوعة(1)
كيف ونحن نرى بالوجدان أنّا نتصوّر زيداً وعمرواً ويكون هذا الموجود في الذّهن جزئياً.غاية الأمر أنّ الآمر يتصوّر الأفراد الجزئيّة قبل وجودها بالتّصوّر الإجمالي ولايعقل التفصيلي إلّا في حقّ الله تعالى.
هذا مع أنّه لو كان الأمر كذلك لم يعقل تعلّق الطلب أیضاً بالأفراد؛ لأنّه طلب للحاصل.
وإن أراد من تحصيل الحاصل أنّه يلزم تكرار لحاظ الوجود حيث إنّه اعتبر في المعنى الهيئي وفي المادة ولا حاجة إليه؛ لأنّه إذا قيل: إنّ الأمر طلب الإيجاد فيكفيه
ص: 184
التعلّق بالماهيّة وإذا جعل متعلّقاً بالفرد فكأنّه طلب إيجاد الماهيّة(1) الموجودة؛
فيرد(2) عليه أنّه يلزم ذلك لو لوحظ الفرد الّذي هو المتعلّق بلحاظ أنّه ماهيّة موجودة وأمّا لو لوحظ لا بلحاظ وجوده بل بلحاظ سائر العوارض المشخّصة فلا.
وهي وإن كانت مساوقة للوجود في الخارج إلّا أنّ لحاظها غير لحاظ مفهوم الوجود فنقول: يلاحظ الفرد المشخّص الخارجي قبل وجوده ثم يأمر بإيجاده ويطلب وجوده فلا تكرار في لحاظ الوجود ولذا يصحّ أن يقال: «أوجد واحداً من أفراد الماهيّة الفلانيّة»، من دون محذور.
ثمّ إنّه لا إشکال في إمکان الأمر بالنّكرة مع أنّها عنده عبارة عن واحد من المصاديق الغير المعيّنة(3) فالأمر تعلّق بالفرد وإلّا لزم كون مفاد النكرة کلّياً أو استعمالها في الکلّي مجازاً في مقام الأوامر.
إلّا أن يقال: إنّ متعلّق الأمر ليس هو النّكرة في مثل قوله: «ايتني برجل» بل المتعلّق الإتیان وهو کلّي والکلام فيه لا في مثل رجل وحینئذٍ فينحصر النقض بمثل «أوجد صلاة»مثلاً؛ إذ متعلّق الإيجاد فيه هو الفرد.
ولا يمكن أن يقال: إنّ متعلّقه کلّي الإيجاد؛ لأنّه لا کلّي له في الخارج على مذهب صاحب الفصول(4) مع أنّ المعنى الهيئي في هذا الأمر ليس طلب الإيجاد بلالطّلب فقط وإلّا لزم تعلّق الطلب بإيجاد الإيجاد فطلب الإيجاد تعلّق بالفرد وهو صلاة ما.
ص: 185
الثّالث: أنّ ما ذكره من أنّ متعلّق الطّلب هو الإيجاد وهو عين الوجود إلى آخر ما قال؛(1)
فيه: أنّا ندّعي أنّ الطلب تعلّق بکلّي الإيجاد والوجود وما ذكره من عدم الجامع بين الوجودات وإن کان ممّا ذهب إليه الحكماء بأسرهم؛ إذ هم بين قائل بأصالة الماهيّة وحینئذٍ لا حقیقة للوجود في الخارج بل هو أمر اعتباري صرف وبين قائل بأصالة الوجود لكن بجعله حقیقة واحدة ذات مراتب مقولة عليها بالتّشكيك فيكون حینئذٍ کلّياً بمعنى آخر يعبّر عنه بالکلّي السّعي وبين قائل بأصالة الوجود لكن مع تباين أفراده المجهولة الكنه كما هو مذهب المشّائين.
إلّا أنّ الإنصاف أنّ القول بوحدة الوجود ممّا لا يعقل(2)؛ إذ يحتاج إلى تعقّل طور وراء العقل حسبما ذكروه.(3)
ص: 186
وأمّا القول بالتّباين فهو وإن کان له وجه في بادي الرّأي إلّا أنّا نرى أنّ الوجدان الّذي يشهد بوجود الکلّي الطبيعي من أفراد الماهيّات(1) بملاحظة شركتها في أمر متحقّق خارجي يشهد بمثله(2) بالنّسبة إلى أفراد الوجودات.
فكما أنّا نرى أنّ بين زيد وعمرو من حيث الماهيّة قدراً مشتركاً كذلك نرى بين وجوديهما جامعاً متحقّقاً ولا يلزم كون الوجود قدراً مشتركاً بين جميع الموجودات بأن يكون نوعاً واحداً بل يمكن أن يكون أنواعاً فوجود الإنسان نوع ووجود الحمار نوع آخر.
ومرادنا بالنوع الحقيقة الواحدة الکلّيّة وإن لم يكن كأنواع الماهيّات(3) مركباً من جنس وفصل. فتدبّر.
وحینئذٍ فنقول(4): إنّ متعلّق الطلب الّذي هو جزء مدلول الأمر من(5) حيث الهيئة أیضاً هو الکلّي.
ثمّ إنّ البيان الّذي ذکره(6) كما ترى مبنيّ على القول بأصالة الوجود.
وأمّا إذا قلنا بأصالة الماهيّة فلا يكون هناك إلّا الوجود المفهومي الانتزاعي الّذي هو القدر المشترك بين الوجودات الخاصّة فيكون الطّلب متعلّقاً به ولا يضرّ
ص: 187
انتزاعيّته في كونه متعلّقاً للطلب وإن کان الحسن والقبح في الحقيقة في منشأِ(1) انتزاعه.
أو نقول: إنّ الطلب متعلّق بالماهيّة بلحاظ هذا المفهوم الانتزاعي أعني بلحاظ كونها منشأ لهذا الانتزاع فالوجود الانتزاعي حینئذٍ آلة لملاحظة الماهيّة كذلك وعلى التقديرين يكون المتعلّق کلّياً.
الرّابع: أنّ ما ذكره من كون المتعلّق لا کلّياً ولا جزئياً على تقدير كون الأمر لطلب الحقيقة الخارجيّة على فرض تفسير الفرد بالمجموع المركب؛
فيه: أنّه حینئذٍ کلّي؛ إذ مجرّد تقييده بالوجود لا يخرجه عن الکلّيّة بناء على القول بوجود الکلّي الطّبيعي كما هو مختاره؛ إذ الفرض حینئذٍ أنّ المطلوب هو الکلّي الطبيعي بلحاظ وجوده الخارجي لا بلحاظ ذاته ولا بلحاظ وجوده الذّهني حتّى يكفي في مقام الامتثال تصوّر الماهيّة.
ودعوى أنّ الکلّي الطبيعي هو الماهيّة من حيث هي والماهيّة اللا بشرط والمفروض اشتراط الوجود فيها فتخرج عن كونها کلّياً طبيعياً؛
مدفوعة بأنّ المفروض خروج القيد والماهيّة المقيّدة عين اللّابشرط؛ إذ هو يجتمع مع ألف شرط وإلّا لزم الاعتراف بعدم كون الطبيعي موجوداً وإنّما الموجود أشخاصه.
فإن قلت: وإن کان الکلّي موجوداً في الخارج إلّا أنّه إذا قيّد بالوجود واعتبر مقيّداً به خرج عن الکلّية فهو کلّي موجود في الخارج في حال الوجود لا مع لحاظ تقيّده(2) بالوجود كما هو المفروض.
ص: 188
قلت: ليس الطّبيعي موجوداً في ضمن الأشخاص بأن يكون هناك کلّي موجود في الخارج ومقيّد بوجود التشخّصات حتّى يكون لحاظ وجوده الرّاجع إلى لحاظ(1) تشخّصه منافياً لكونه کلّياً بل هو في الخارج عين التشخّصات كما عرفت.
فاعتبار وجوده لا ينافي کلّيته وإن کان راجعاً إلى لحاظ تشخّصه بالتّبع من حيث إنّ الکلّي الموجود عين الفرد الموجود.(2)
والحاصل: أنّ اعتبار الوجود إنّما ينافي الکلّية إذا كان المقصود منه تعليق الحكم عليه بلحاظ تشخّصه وأمّا إذا كان الغرض منه تعليق الحكم عليه من حيثوجوده الخارجي مع قطع النظر عن تشخّصه وإن کان لا ينفكّ عنه فلا.
نعم إذا اعتبر كذلك يرجع إلى الحصّة؛ لأنّها الکلّي المقيّد بالتشخّص مع خروج القيد ولا يضرّ؛ لأنّه کلّي أیضاً في قبال الفرد وإن لم يكن کلّياً في قبال الماهيّة من حيث هي لا بهذا التّقييد.
مع أنّه يمكن أن يقال: إنّه لا يرجع إلى الحصّة(3) أیضاً؛ لأنّ المفروض تقييده(4) بالوجود لا بالتشخّص وإن کان مساوقاً له، فالحصّة هي الماهيّة المقيّدة بالتشخّص مع خروج القيد لا المقيّدة بالوجود كذلك.
وظنّي أنّ الاشتباه إنّما نشأ من عدم الفرق بين هذين الأمرين من حيث كونهما متساوقين فتخيّل أنّ اعتبار أحدهما يلازم اعتبار الآخر وليس كذلك لما عرفت من أنّ اعتبار التشخّص يجعله فرداً واعتبار الوجود لا يخرجه عن كونه کلّياً. فتدبّر.
ص: 189
ويمكن دفعه بأنّ المراد بالطّبيعة هناك ما يقابل الأمرين لا ما يقابل الأفراد.
نعم يشکل الأمر إذا فسّرنا المرّة والتكرار بالفرد والأفراد دون الدّفعة والدّفعات. ويمكن دفعه أیضاً بما لا يخفى على المتأمّل.
المقدّمة الثّالثه في بيان ثمرة(1) المسألة:
ذكر الأصوليّون(2) أنّه يظهر الثّمرة في إبقاء الإطلاقات والعمومات على حالها والحكم بصحّة الأفراد الّتي هي المجمع بين الطّبيعتين(3) مع الحكم بحرمتها بناء على جواز الاجتماع وإجراء أحكام التّعارض بينهما(4) على القول بعدم جواز الاجتماع(5)؛ لأنّه حینئذٍ لا بدّ إمّا من إبقاء إطلاق الأوامر أو إبقاء إطلاق النّواهى فيحصل(6) المعارضة بملاحظة عدم إمکان الاجتماع فيجب الرّجوع إلى المرجّحات الدّلاليّة أوّلاً، ومع عدمها فالخارجيّة من السّنديّة والمتنيّة وغيرها من الشّهرة والموافقة للكتاب ونحوهما(7) ومع عدمها فهل يقدّم النّهي لما ذكروه من الوجوه من قاعدة الاشتغال وتقديم دفع المفسدة والاستقراء ونحو ذلك أو لا؟
ص: 191
قولان:
فإن قدّمنا الأمر لأحد وجوه الترجيح(1) نحكم بصحّة العمل وعدم الحرمة؛
وإن قدّمنا النّهي نحكم بالحرمة وعدم الصحّة.
والحاصل: أنّهم جعلوا المقام بناء على عدم جواز الاجتماع من باب التّعارضوأجروا عليهما جميع أحكام(2) التّعارض.
قلت: يمكن المناقشة في الثمرة على کلا الفرضين.
أمّا ما ذكروه على فرض القول بالجواز فلأنّا نمنع الحكم بالصحّة وإبقاء الأمر على حاله لإمکان أن يكون فهم العرف على التّخصيص وإن جاز الاجتماع عقلاً ففي قوله: «صلّ ولا تغصب» يفهمون المعارضة بينهما في مادّة الاجتماع وإن أمكن عقلاً إبقاؤهما على حالهما والعمل بهما.(3)
وأیضاً يمكن أن يكون هناك دليل شرعي عامّ أو خاصّ ببعض المقامات دالّ على عدم جواز الاجتماع وبطلان العمل مثل قوله (علیه السلام): «لا يطاع الله من حيث يعصى»(4) وقوله (علیه السلام): «لو أنّ النّاس أخذوا ما أمرهم الله [عزوجلّ](5) به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم
ص: 192
حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ»(1) ومثل قول أمير المؤمنين (علیه السلام) لكميل: «يا كميل انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول».(2)
إلّا أن يقال: إنّ غرضهم(3) أنّه بناء على هذا القول لا مانع من الأخذ بالإطلاق من حيث هو لا أنّه يجب الأخذ به(4) ويحكم بالصحّة كذلك ولعلّه كذلك وإن کان ظاهر کلامهم أنّه يحكم فعلاً بالصحّة.ولذا قال في المعالم: فمن أجازه صحّحها یعني الصّلاة في المكان المغصوب ومن أحاله أبطلها(5).(6) فإنّ الظّاهر أنّ هذا الحكم منهم من جهة عدم تماميّة الأخبار عندهم وعدم فهم العرف المعارضة مع قطع النظر عن عدم جواز الاجتماع(7)
فالمانع من الصحّة عندهم منحصر في حكم العقل بعدم جواز الاجتماع(8) فعلى هذا لا بأس بإطلاق الحكم بالصحّة على القول المذكور.
هذا کلّه لو جعلنا النّزاع في خصوص الجواز العقلي كما هو ظاهر(9)، وأمّا لو جعلناه أعمّ(10) من الشرعي فلا إشکال في الثمرة؛ إذ الجواز بهذا المعنى يلازم الصحّة الفعليّة.
ص: 193
وأمّا ما ذكروه على فرض القول(1) بعدم جواز الاجتماع(2) فلأنّه مبني على جعل المقام من باب التّعارض مع أنّه من قبيل التّزاحم مع فرض تقديم النّهي لأهمّيّته من جهة كونه عينيّاً(3) والأمر تخييرياً أو مع العلم بكونه فعليّاً من الخارج.
فمفروض المسألة إنّما هو مورد علم كون الفرد المجمع حراماً بالفعل وشكّ في كونه مأموراً به أم لا؟ من جهة الشك في جواز الاجتماع وعدمه بعد العلم بكونه واجداً للمصلحة الموجودة في سائر الأفراد المباحة ولجميع الشرائط والأجزاء وفاقداً لجميع الموانع سوى تعلّق النّهي به.
فإن جعلناه مانعاً عن تعلّق الطّلب به لعدم جواز اجتماع الطّلبين نحكم بعدم تعلّق الأمر به من هذه الجهة لا من حيث نقص في ذلك الفرد من حيث وجود مانع أو فقد شرط أو جزء وإن قلنا بجواز الاجتماع(4) فلا إشکال.والحاصل: أنّ مفروض المسألة ما إذا كان الفرد جامعاً لجميع ما يعتبر في المأمور به ولجميع ما يعتبر في المنهي عنه ولمصلحة الأوّل ومفسدة الثاني وكان حرمته فعلاً معلومة إمّا من الخارج أو من جهة المزاحمة مع الأمر وكون النّهي أهمّ من حيث إنّه تعييني والأمر تخييري ولم يكن هناك مانع من الصحّة إلّا حيثيّة المبغوضیّة والنّهي بناء على القول بعدم الجواز(5) كما في مسألة الصّلاة في(6) الدّار(7) المغصوبة فإنّ حرمة هذا الفرد من الغصب أیضاً معلومة كسائر الأفراد والصّلاة جامعة لجميع الأجزاء والشّرائط
ص: 194
وإنّما البطلان على القول به يجي ء من قبل عدم إمکان توجّه الأمر إليه.
والشاهد على كون المفروض ما ذكرنا مضافاً إلى ملاحظة الأمثلة الّتي يذكرونها حكمهم بصحّة العمل إذا أتى به على الوجه المحرّم ناسياً أو جاهلاً للموضوع أو غافلاً فإنّه لو لم يكن المأمور به مع قطع النّظر عن النّهي والمبغوضیّة جامعاً لجميع الشرائط لم يكن وجه للحكم بالصحّة.
وبعبارة أخری: لو كان المقام من قبيل التعارض لم يكن فرق بين حال العلم والجهل وإذا كان الأمر على ما ذكرنا فلا وجه لما ذكروه من ملاحظة المرجّحات الدّلالية والسّندية وغيرها.
بل الوجه أن يقال: بناءً على جواز الاجتماع نحكم بالحرمة والصحّة لعدم المزاحمة وبناء على العدم نحكم بالحرمة وعدم الصحّة من جهة التمانع بين الأمر والنّهي والمفروض فعلية النّهي.
بل أقول: يمكن أن يحكم بصحّة العمل حينئذٍ وإن قلنا بعدم(1) جواز الاجتماع؛ وذلك لأنّ المفروض كون الفرد تامّاً(2) من جميع الجهات إلّا من حيث توجّه الأمر إليه ولا حاجة إلى الأمر في الحكم بالصحّة بل یکفي فيها وجود الشّرائط والأجزاء؛ إذ المانع من توجّه الأمر قصور في حيثيّة الطلب لا في المطلوب فهذا الفرد كسائر الأفرادفي جميع الحيثيّات وفي المحبوبيّة للشارع.
غاية الأمر أنّه لا يمكنه الأمر به من جهة نهيه عنه من حيثيّة أخرى وإلّا فلا فرق في كونه محصّلاً لغرضه بينه وبين سائر الأفراد فيكون الإتیان به مسقطاً لأمره وإتیاناً لمطلوبه بمعنى ذات المطلوب فهو أداء بالنّسبة إلى ملاحظة ذات المأمور به وإسقاط بالنّسبة إلى ملاحظته بوصف أنّه مأمور به.
ص: 195
والحاصل: أنّه قد تكون(1) دائرة المطلوب والمأمور به أوسع من دائرة الطّلب والأمر كما في المقام وقد تكون أضيق كما في الأمر بالمقدّمة فإنّه متعلّق بذاتها مع قطع النّظر عن قيد الإيصال إلى ذي المقدّمة إلّا أنّ المطلوب هو المقدّمة الموصلة(2) بذي المقدّمة؛ إذ الغرض إنّما هو فيها ولا يمكن الأمر بها بل يجب الأمر بذاتها؛ وذلك لأنّ قيد الإيصال والموصليّة(3) بذي المقدّمة لا يمكن أن يكون في حيّز الأمر وإلّا لزم تكرار الطّلب بالنّسبة إلى ذي المقدّمة حيث إنّه مأمور به(4) في حدّ نفسه ومأمور به من حيث إنّه قيد في المقدّمة إذا كان المطلوب هو الموصلة؛ إذ حصول ذى المقدّمة معتبر في تحصيل وصف الإيصال فيلزم ما ذكرنا من التّكرار.
فكما أنّ الغرض قد يقيّد المطلوب وإن لم يمكن(5) تقييد المأمور به كما في المقدّمة الموصلة كذلك قد يعمّم المطلوب وإن لم يمكن(6) تعميم الأمر كما في المقام وكما في الفعل التوصّلي المأتي به حال الغفلة والنّسيان والنّوم ونحو ذلك فإنّه لا يمكن أن يتعلّق به الطّلب لكنّه مطلوب للآمر؛ إذ لا فرق بينه وبين ما يؤتى به في حال الالتفات في نظر المولى وفي حصول غرضه.
فإن قلت: إنّ ما ذكرت من الصحّة مع عدم الأمر إنّما يسلّم في التوصّلي الغير المحتاج إلى قصد القربة لا في التعبّدي فإنّه يحتاج إلى الأمر ليمكن قصد الامتثال.قلت: لا يعتبر في قصد القربة قصد الأمر بل یکفي فيه الإتیان بداعي الله على أيّ وجه يكون.
ص: 196
وحينئذٍ فنقول: يقصد في المقام الإتیان به؛ لأنّه محبوب لله ومشتمل(1) على ما يفي بغرضه.
ولذا قلنا بصحّة قصد القربة في المقدّمات وإن لم نقل بوجوبها الغيري ولا رجحانها النّفسي إذا كان القصد في إتیانها التوصّل بها إلى ذيها ممّا يجب نفساً.
وبهذا يندفع الإشکال في كون الوجوب الغيري قاصراً عن كونه ملاكاً لعباديّة العبادة كالوضوء أو كافياً في اتّصافها بها كسائر المقدّمات إذا أريد إتیانها على وجه العبادة.
فالقدر(2) المسلّم من اعتبار القربة في العبادات بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ هذا المقدار الّذي ذكرنا.
ولذا تراهم(3) يذكرون لقصد القربة مراتب متعدّدة إحداها(4) قصد امتثال(5) الأمر، ولذا حكمنا بصحّة غسل الجمعة إذا أتى به لا بعنوان امتثال أمره بل بقصد امتثال أمر غسل الجنابة بناء على تداخل الأغسال فإنّه بالنّسبة إلى غسل الجنابة المقصودة امتثال وبالنّسبة إلى غسل الجمعة أداء لا امتثال.
فإنّ ماهيّة غسل الجمعة هو الغسل بقصد القربة وإن لم يكن بعنوان امتثال أمره بل لأمر آخر وقد حصل في الخارج فإنّ كونه لله یکفي في تحقّق موضوعه المفروض توقّفه(6) على القربة.
فهو نظير الإتیان بالتوصّليات من دون قصد الامتثال بل هو من هذه الجهة
ص: 197
توصّلي بل جميع التعبّديات لا يعتبر فيها سوى تحقّق موضوعها في الخارج ومعنى تعبّديّتها أنّه لا تتحقّق(1) إلّا بقصد الامتثال والقربة.
فإذا صدق القصد المذكور بدون قصد خصوص الأمر فقد تحقّق(2) الموضوع في الخارج وهو كافٍ إلّا أن يستفاد من الدّليل خصوصاً أو عموماً اعتبار قصد القربة من الجهة المأمور بها، وهو في محلّ المنع.
فإن قلت: إذا كان العمل غير مشروط بالقربة كالتوصّليات يكفيه الإتیان به بداعي المحبوبيّة لله تعالى ويصير عبادة بالمعنى الأعمّ بهذا القصد؛ إذ المفروض أنّه من حيث هو محبوب له تعالى وأمّا في التعبّديات فليس المحبوب ذات الفعل بل هو مقيّداً بالقربة فلا يمكن الإتیان بداعي المحبوبيّة إلّا بعد إحراز الموضوع الموقوف على قصد القربة.
قلت: هذا الإشکال سارٍ في جميع العبادات ولا اختصاص له بالمقام وهو وارد مع فرض توجّه الأمر أیضاً والدّفع مشترك بين المقامين وله محلّ آخر.
فإن قلت: المفروض أنّ هذا الفرد مبغوض صرف لله تعالى وليس مأمورا ًبه أصلاً، فكيف يمكن الإتیان به(3) بداعي المحبوبيّة؟! فلو سلّمنا كفاية هذا في قصد القربة فإنّما نسلّمه فيما لم يكن مبغوضاً بالفعل.
قلت: كونه مبغوضاً من جهة الخصوصيّة لا ينافي كونه محبوباً من حيث إنّه واجد لمصلحة المأمور به وهذه المحبوبيّة وإن لم تكن فعليّة بل هو بالفعل مبغوض إلّا أنّ جهتها كافية في قصد القربة ويمكن معها الإتیان بداعي الله تعالى.
ص: 198
كما لو قلنا(1) بجواز اجتماع الأمر والنهي(2) فإنّ مجرّد وجود الأمر لا يرفع المبغوضیّة فكما يمكن قصد القربة بناء على القول بجواز الاجتماع ولا يضرّ به المبغوضیّة الموجودة فعلاً فكذلك يمكن بناء على القول بعدمه بملاحظة كونه مشتملاً على جهة المحبوبيّة وكونه وافياً بغرض الآمر.فتحصّل أنّ الصحّة لا تكون متفرّعة على القول بجواز الاجتماع وليست محتاجة إلى الأمر الفعلي من غير فرق بين التوصّليات والتعبّديات وبين كون المورد مباحاً فعلاً أو حراماً إذا علم من الخارج أنّه محبوب من حيث هو، وإنّ عدم ورود الطّلب عليه إنّما هو من جهة مانع عنه لا لقصور في المطلوب.
بل أقول: لا يمكن تصحيح ما ذكروه من صحّة العمل إذا أتى به ناسياً أو جاهلاً وإنّ النّهي الواقعي لا يوجب البطلان إلّا بما ذكرنا من كفاية كون المورد واجداً(3) للشرائط فاقداً للموانع وأنّه لا يحتاج إلى الأمر الفعلي.
وإلّا فلو أريد إثبات الصحّة من جهة أنّ النهي الواقعي لا ينافي(4) الأمر وأنّ الأمر موجود كما يظهر من بعضهم؛ يرد عليه: أنّ النّهي الواقعي وإن کان لا ينافي الأمر الظاهري إلّا أنّه ينافي الأمر الواقعي فهو في الواقع خالٍ عن الأمر بناء على منع الاجتماع ولازمه البطلان(5) إذا لم نقل بما ذكرنا من كفاية المحبوبيّة الذاتيّة.
ودعوى أنّ الصحّة إنّما هي من جهة الأمر الظاهري؛
مدفوعة بما قرّر في محلّه من أنّه لا يفيد الإجزاء إذا لم يطابق الواقع كما هو
ص: 199
المفروض.
والتزام كفاية المحبوبيّة الواقعيّة مع وجود الأمر الظاهري الخيالي كما فيما ذكروه وعدم كفايتها مع عدمه كما في مفروضنا مجرّد تخرّص؛ إذ الأمر الخيالي لا ينفع شيئاً.
نعم المبغوضیّة الفعليّة غير موجودة فيما ذكروه وقد عرفت أنّها غير منافية لقصد القربة.
فإن قلت: سلّمنا أنّه يمكن إثبات الصحّة بدون الأمر إذا فرضنا تماميّة الفعل من جميع الجهات إلّا من حيث تعلّق الطّلب به وأنّ مورد المسألة ومفروضها ذلك إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ النهي الفعلي كما أنّه مضادّ للأمر ومانع عن فعليّته(1) كذلكيحتمل أن يكون مانعاً عن المطلوب أیضاً.
وبعبارة أخری: غاية ما ذكرت أنّ المطلوب تمام من جميع الجهات وأنّه لا مانع من صحّته إلّا عدم تعلّق الأمر به لمكان تعلّق النهي وأنّه غير منافٍ لها إلّا أنّه يمكن كون النهي مانعاً عن حصول المصلحة والمحبوبيّة الذاتيّة بأن يكون الفعل مقيّداً بعدم تعلّق النّهي ویكون النّهي الفعلي كسائر موانع(2) المأمور به مضافاً إلى كونه مانعاً عن الأمر فلايكون حصول المصلحة والوفاء بالغرض محرزاً.
قلت: أوّلاً: يمكن دعوى العلم بعدم هذا الاحتمال وأنّ مانعيّته على فرضه منحصرة في منع توجّه الأمر وعلى فرض الاحتمال يمكن دفعه(3) بالأصل بناء على جريان الأصل في الشّك في المانعيّة؛ إذ لا فرق بين هذا المانع وسائر الموانع المحتملة.
فهو مثل ما إذا احتمل مانعيّته(4) بناء على جواز الاجتماع فكما يدفع بالأصل
ص: 200
فكذا على هذا الفرض.
ثمّ إنّ إثبات كون المورد من قبيل التزاحم مع كون توجّه النّهي معلوماً يحتاج إلى دليل خارجي من إجماع أو غيره فکلّ مورد علم ذلك كان من مسألة اجتماع الأمر والنّهي المتنازع فيه وليس علينا تشخيص الصّغريات(1) ولا معيار لها کلّياً.
نعم قد يقال بإمکان استفادة ذلك من مثل قوله (صلى الله علیه و آله وسلم): «الصّلاة معراج المؤمن»(2) و«قربان کلّ تقي»(3) ونحوهما؛ إذ الظاهر منهما محبوبيّة ذات الصّلاة أينما وجدت، وهو كما ترى.
وقد يتوهّم إمکان إثباته بالإطلاقات فإنّ المستفاد من مثل قوله: «صلّ» أنّالصّلاة محبوبة ومطلوبة بجميع أفرادها.
وغاية ما يفيد قوله: «لا تغصب» بناء على القول بعدم جواز الاجتماع تقييد الطّلب بغير مورد الغصب وأمّا الدّلالة على المحبوبيّة الذاتيّة فهي باقية لا مانع عنها.
وبعبارة أخری: النّهي مانع عن الحكم التکلیفي لا عن(4) لازمه الوضعي وهو المحبوبيّة والاشتمال على المصلحة.
وفيه: أنّ استكشاف المحبوبيّة إنّما هو بالأمر وحيث لا أمر فلا يعلم ذلك وليس الدّلالة على الحكم الوضعي أو المعنى النفس الأمري دلالة مستقلّة منفكّة عن الدّلالة على المطلوبیّة.
ص: 201
وكيف كان فتبيّن ممّا ذكرنا عدم تماميّة الثمرة(1) المذكورة.
نعم يظهر الثمرة في ترتيب آثار الامتثال وعدمه فبناء على جواز الاجتماع يكون الإتیان بذلك الفرد امتثالاً وبناء على عدمه يكون أداء لا امتثالاً. فلو نذر امتثال أمر من أوامر الشارع يُبِرُّ(2) نذره بإتیان ذلك الفرد بناء على الجواز ولا [یبرّ بناء](3) على عدمه.
هذا، ويمكن تصحيح ما ذكروه من الثمرة فيما لو ورد الأمر والنّهي على العامّين من وجه مع فرض عدم العلم بكون المورد من التزاحم بأن کان يحتمل بقاء کلّ من العامّين على عمومه وتخصيص أحدهما بالآخر وفرض عدم فهم التّعارض بينهما عرفاً.
فحینئذٍ يقال: إن جوّزنا الاجتماع نبقي کلّاً منهما على حاله ونحكم في مادّة الاجتماع بالصحّة والإثم.
وإن لم نجوّز يلزم إعمال أحكام التعارض بينهما؛ لأنّ العقل الحاكم بعدم الجواز يحكم بحصول المعارضة بينهما فيمكن تقديم کلّ منهما على حسب ما يقتضيه المرجّحات الدّلالية والخارجيّة.
ص: 202
وقد يتخيّل وجوب تقديم النّهي حینئذٍ في جميع الموارد من حيث الدّلالة والمرجّح الدّلالى مقدّم على سائر(1) المرجّحات؛ وذلك لأنّ دلالته إنّما هي بالعموم ودلالة الأمر إنّما هي بالإطلاق فنحكم(2) بدخول المورد تحت النّهي.
وفيه: أنّ قوّة العموم إنّما تسلّم إذا كان لفظيّاً كما إذا قال: «أکرم کلّ عالم» وقال: «لا تكرم الفاسق» أو بالعكس. وأمّا إذا كان بالتعليق على الطبيعة كما في المقام فلا.
فدلالة کلّ من قوله: «صلّ» وقوله: «لا تغصب» على وجوب أو حرمة مورد الاجتماع إنّما هي بالإطلاق.
غاية الأمر أنّه يحمل على العموم الاستغراقي في النّهي وعلى العموم البدلي في الأمر.
وإن شئت قلت: المقام من باب تعارض العموم البدلي والاستغراقي ولا تقديم لأحدهما على الآخر.
نعم لو جعلنا دلالة النهي على العموم لا من باب تعليق الحكم على الطّبيعة بل من باب الظهور العرفي بأن قلنا: إنّ معنى قوله: «لا تغصب» لا توجد شيئاً من أفراد الغصب - مع قطع النّظر عن سريان الطّبيعة -، أمكن تقديمه على الأمر حيث إنّ عمومه البدلي من باب السّريان قطعاً.لكنّ الإنصاف عدم التّفاوت بين المقامين وأنّ کلّاً منهما من باب التّعليق على الطّبيعة ومن باب السّريان فلا وجه لتقديم النّهي کلّياً بل قد يقدّم الأمر لقوّة دلالته أو سنده.
مع أنّا لو سلّمنا قوّة دلالة النّهي من حيث هو أمكن أن يكون ظهور الأمر
ص: 203
أقوى لخصوصيّة بعض الموارد فلا يتمّ التقديم کلّياً على ذلك الفرض أیضاً.
وما ذكرنا سابقاً من تقديم النّهي کلّياً وكونه(1) فعلياً دون الأمر فإنّه مبنيّ على جواز الاجتماع إنّما كان في فرض المزاحمة ومن المعلوم أنّ النهي اليقيني التعييني مقدّم(2) في مقام المزاحمة على الأمر التخييري لإمكان امتثال الأمر في غير هذا الفرد فلا يتوهّم التنافي بين ما ذكرنا ه-ٰهنا وهناك.
فتحصّل أنّ الثمرة المذكورة(3) من وقوع التعارض وجریان أحكامه على القول بالمنع وعدمه على القول بالجواز صحيحة في الفرض المذكور إلّا أنّه لا يخفى أنّه غير واقع؛ لأنّه إذا لم يعلم كونهما من باب المتزاحمين فيحكم العرف بينهما بالمعارضة بمجرّد ملاحظة(4) كون النّسبة عموماً من وجه ولا ينتظر ملاحظة العقل جواز الاجتماع أو عدمه(5) فلا يتوقّف جريان أحكام التعارض على القول بعدم الجواز.(6)
ومن ذلك يظهر أنّه لا ثمرة في تعميم النّزاع إلى العامّ والخاصّ المطلقين بناء على ما ذكروه؛ لأنّ التعارض بينهما وتقديم الخاصّ معلوم بلا حاجة إلى فهم هذه المسألة عقلاً.
ص: 204
وأمّا على ما ذكرنا من أنّ مورد المسألة صورة التزاحم فالثمرة ظاهرة فيهما أیضاً؛ لأنّ الحكم بالبطلان مبنيّ على عدم جواز الاجتماع لا على مجرّد تقديم النّهي؛ لأنّ المفروض فعليّته.
نعم قد عرفت أنّ الثمرة إنّما تتمّ على ما قالوه من كون الصحّة في العبادات متفرّعة على الأمر والامتثال ولا يكفيها المحبوبيّة الذّاتيّة، وأمّا على ما قلنا فلا تتفرّع على فرض المزاحمة أیضاً.
فظهر أنّ هذه المسألة قليلة الثمرة على مختارنا سواء العامّان من وجه والمطلق لأنّا خصصنا مورد المسألة بالمتزاحمين واكتفينا في(1) الصحّة(2) بالمحبوبيّة الذّاتيّة. فتدبّر.
ومن ثمرات المسألة أنّه لو ورد خبر واحد حاكم بالصحّة في مورد الاجتماع كالصّلاة في الدار الغصبيّة فعلى القول بالجواز يؤخذ به وعلى القول بالمنع لا بدّ من الطّرح أو التأویل لمخالفته لحكم العقل.(3)
ص: 205
المقدّمة الرابعة: في بيان الأصل في المسألة على فرض الشكّ؛ إذ كونها عقليّة لاينافي الشكّ؛(1) إذ غاية الأمر أنّ العقل إذا لم ير مانعاً عن جواز الاجتماع لا يحكم بالامتناع لا أنّه يحكم بالإمکان ولا يجب أن يحكم في جميع المسائل العقليّة بأحد الطّرفين فهو إن علم بعدم المانع يحكم بالإمکان وإن فهم المانعيّة يحكم بالامتناع وإلّافيتوقّف.
والبحث تارة في الأصل بالنّسبة(2) إلى أصل الجواز وعدمه أي بالنّسبة إلى المسألة الأصوليّة وتارة في الأصل بالنّسبة إلى حكم المسألة الفرعيّة.
فمن المعلوم أنّه لا أصل في البين؛ إذ الشكّ إنّما هو في الإمکان وعدمه وليس لأحدهما حالة سابقة ولا يجري أصل آخر سواء خصصنا المسألة بالإمکان العقلي أو عمّمناها إلى الشرعي أیضاً فإنّه(3) عند الشك في جواز الاجتماع شرعاً وعدمه بمعنى حكم الشارع کلّياً بترتيب آثار الجواز أو آثار عدمه لا أصل أیضاً؛ لأنّ الأصل عدم جعل کلا الحكمين بعد الشّك في الإمکان العقلي.
نعم لو علمنا بالإمکان عقلاً وشككنا في تصرّف الشارع بالحكم بالمنع وعدمه، أمكن أن يقال: الأصل عدم منع الشارع فيثبت الإمکان الشرعي أیضاً.
وقد يتخيّل جريان أصل الإمکان بمعنى البناء عليه؛ لأنّ بناء العقلاء عند الشكّ على ترتيب آثار الإمکان والحكم به.
ص: 206
ولذا قال الشيخ الرّئيس: کلّ ما قرع سمعك من العجائب ولم يقم عليه برهان فذره في بقعة الإمکان.(1)
ولأنّ الغالب في الأشياء ذاتاً صفة الإمکان فالمشكوك يلحق به وعوّلوا على هذا الأصل في جملة من المسائل كمسألة جواز إعادة المعدوم فإنّه استدلّ بعضهم على جوازها بأصالة الإمکان وكمسألة جواز التعبّد بخبر الواحد عقلاً وكمسألة إمکان(2) الاشتراك(3) إلى غير ذلك.
ولا يخفى ما فيه؛ فإنّ(4) بناء العقلاء ليس على الحكم بالإمکان(5) الذاتي أو الوقوعي بمجرّد الشكّ بل على احتمال الإمکان كما هو لازم التوقّف عند الشّكّ، ومراد الشيخ أیضاً هذا المعنى یعني أنّه مع عدم الدّليل لا يجوز النفي والحكم بالامتناع، بل يجب التوقّف واحتمال الإمکان.(6)
ص: 207
فکلامه نظير ما في الأخبار من قولهم (علیهم السلام) (1) ﴿فذروه(2) في سنبله﴾.(3)ولذا حكي(4) عنه أنّه قال: «إنّ من تعوّد أن يصدّق من غير دليل فقد انسلخ عن الفطرة الإنسانية».
والفرق بين الحكم بالإمکان بحسب الظاهر واحتماله(5) الّذي هو مراد الشّيخ أنّه على الأوّل(6) يبنى عليه ويترتّب آثاره ولو لم يدلّ على الجواز دليل وعلى الثاني(7) لا يترتّب آثاره. نعم لو ورد ما ظاهره الجواز يُؤخذ به ولا يُطرح.
وأمّا دعوى الغلبة فيرد عليها:
أوّلاً: أنّ غايتها إفادة الظنّ ولا دليل على التعويل عليه.
وثانياً: أنّها ممنوعة؛ إذ الأشياء التي رأيناها کلّها ممكنة ولعلّ الممتنعات ممّا لم نصل إليها وإلى تصوّرها إلى غير النهاية.(8)
ص: 208
فنقول: قد يكون لکلّ من الأمر والنهي إطلاق بالنسبة إلى مورد الاجتماع بأن يكونا لفظيّين غير مجملين، وقد لا يكون كذلك، فعلى الأوّل يؤخذ بإطلاق کلّ منهما(1) ويحكم في مورد الاجتماع بالإثم والصحّة؛ لعدم العلم(2) بالمانع لتوجّه الأمر الّذي لازمه الصحّة سواء علمنا كونهما من باب التزاحم وأن النّهي فعلي أو لا، لكن إذالم يفهم التعارض بينهما عرفاً وإلّا فيجب إجراء أحكام التعارض حسبما عرفت سابقاً.
وما قد يتخيّل من عدم الحاجة إلى الإطلاق في صورة التزاحم؛ لأنّ المقدار المفهوم من الإطلاق معلومٌ من(3) الخارج بفرض التزاحم بل لا يمكن التمسّك بالإطلاق حینئذٍ؛ لأنّه ليس ناظراً إلى عدم المانع العقلي والمفروض أنّ الإشکال إنّما هو من جهته فهو نظير التمسّك بالإطلاق لإثبات كون المشكوك كونه مورداً للابتلاء(4) من(5) موارده حيث إنّه لا يجوز؛ لأنّ التنجيز(6) ليس إلّا بيد العقل(7) والإطلاقات ليست ناظرة إلى إثباته؛
ص: 209
مدفوعٌ بأنّ الإطلاقات إذا كانت ناظرة إلى إثبات الحكم الفعلي(1) فيتمسّك بظهورها في نفي التقييد العقلي والمقام من هذا القبيل.
وأمّا عدم التمسّك في مسألة التنجيز(2) فلأنّ الظهور غير محرز فيها فلذا لا يمكن التمسّك بالإطلاق فيها وذلك لأنّ قوله: «لا تشرب الخمر» إنّما يكون ظاهراً في وجوب الاجتناب بالنّسبة إلى من يصحّ توجيه الخطاب إليه بأن كانت الخمر حاضرة عنده، فمع الشكّ في صحّة التوجيه لا ظهور للّفظ لا أنّه ظاهر بالنسبة إلى جميع أفراد الخمر الموجودة في الدّنيا والعقل يقيّده بالنّسبة إلى غير مورد الابتلاء.
فالظهور إنّما هو بمقدار ما يصحّحه العقل والعرف فمع الشكّ لا ظهور إلّا في الإيجاب الشرطي بخلاف المقام وأشباهه ممّا يكون العقل مانعاً عن الأخذ بالظّهور المحرز فيصحّ التمسّك بالإطلاق مع الشكّ فيه ويحتاج إليه في إثبات الصحّة؛ إذ مع عدمه غاية ما يكون معلوماً من فرض التزاحم هو وجود المقتضي والمفروض عدم كفايته في الصحّة والاحتياج إلى توجّه الأمر كما هو مذهب المشهور.وعلى الثاني فالمرجع الأصول العملية وحینئذٍ يمكن أن يقال: الأصل عدم كفايته في الامتثال للتکلیف المعلوم بالفرض وإن قلنا بأصالة البراءة في الشكّ في الشّرطيّة والجزئيّة والمانعيّة في(3) الدوران بين التخيير والتعيين.
وذلك لأنّ الشكّ في المقام ليس في المانعيّة للمأمور به بل في توجّه الأمر إلى الفرد المشكوك من جهة المانع العقلي عنه وأصالة البراءة لا ترفع هذا الشكّ كما إذا كان الشكّ في طريق الامتثال فإنّه يؤخذ بقاعدة الاشتغال؛ لأنّه على فرض عدم جواز
ص: 210
الاجتماع لا(1) تقييد من قبل الشارع حتّى يقال: إنّه ضيق من قبله وهو مرفوع.
ولكنّ الحقّ جريان البراءة بناء على جريانها في المذكورات(2)؛ لأنّه يرجع إلى تقييد المأمور به بالأخرة وأنّه هل قيّد الصّلاة مثلاً بغير المكان المغصوب من جهة عدم إمکان توجّه الأمر إليها أم لا؟ وهذا ضيق من قبل عدم بيان الشارع فيما عليه البيان.
ولذا قلنا: إنّ الشكّ في طريق الامتثال أیضاً إذا كان راجعاً إلى الشّارع مثل الشكّ في اعتباره القربة فيها يرجع فيه(3) إلى البراءة ولا يضرّ كون الشكّ المذكور من جهة الشكّ في توجّه الأمر؛ لأنّا نقول: القدر المعلوم من وجوب الصّلاة وجوب الإتیان بالأجزاء والشّرائط المعلومة من غير اختصاص بمكان خاصّ كما نقول في الدوران بين التعيين والتخيير.
مع أنّ التکلیف هناك معلومٌ وإنّما الشك في كون الطرف الآخر أیضاً واجباً ومورداً للأمر حتّى يكون كافياً في مقام الامتثال أم لا؟
بل المقام أولى منه؛ حيث إنّ الأمر تعلّق بکلّي الصّلاة والفرد المشكوك فرد منها بخلاف تلك المسألة حيث إنّ المشكوك ليس داخلاً في کلّي المأمور به اليقيني ومع ذلك نقول: القدر المعلوم من التکلیف هو الإتیان بأحد الأمرين وإن کان(4) تعلّق الأمر بأحدهما أعمّ من التعييني والتخييري معلوماً والشكّ يرجع إلى سقوطه عنالمکلّف بإتیان الآخر.
وبالجملة لا إشکال في المقام من حيث النهي؛ لأنّه إذا كان من باب التزاحم
ص: 211
فوجوده یقینيّ وإن کان من غيره فهو مدفوع بأصالة البراءة(1)
وإنّما الإشکال في توجّه الأمر ولا يمكن رفع(2) الشّكّ من هذه الجهة لكن نرجع(3) إلى البراءة في مورده من حيث رجوعه إلى الشكّ في تقيّد المأمور به من جهته وعدم تقييده(4) ولا فرق في الرّجوع إليها في الشّك في المانعيّة بين ما كان کذلك من الأوّل أو بالمآل.
هذا ويمكن أن يقال بصحّة العمل واقعاً لا من باب أصل البراءة بناء على ما ذهب إليه المشهور من أنّ النهي الواقعي يجتمع مع الأمر وأنّ المنع مختصّ بالنّهي الفعلي(5) فيما إذا لم يكن من باب التزاحم وكان النهي مشكوكاً حيث إنّه يدفع بأصل البراءة(6) وبعد الحكم بعدم الحرمة لا مانع من الأمر. لكنّ هذا في غير صورة وجود الإطلاق؛ إذ معه لا يمكن الحكم بالبراءة من الحرمة.
والحاصل: أنّ المانع من توجّه الأمر إذا كان هو النّهي الفعلي لا الواقعي والمفروض الشكّ فيه فبعد جريان أصل البراءة بالنسبة إليه يكون المانع مرتفعاً واقعاً.
ص: 212
نعم هذا لا يتمّ على مختارنا من أنّ النهي الواقعي أیضاً لا يجتمع مع الأمرالواقعي(1) والظاهري لا يثمر في الإجزاء.(2) فعلى ما ذكرنا نحتاج إلى إجراء(3) أصالة البراءة.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من الرّجوع إلى البراءة أو الاشتغال إنّما هو على مذهب المشهور القائلين بتوقّف الصحّة على الأمر وأنّه(4) على فرض عدم جواز الاجتماع يكون العمل باطلاً.
ص: 213
وأمّا على المختار من كفاية تماميّة المطلوب في حدّ نفسه وإن لم يتعلّق به الطلب لقصور فيه من جهة لزوم اجتماع الضدّين فلا حاجة إلى إجراء أصالة البراءة في صورة العلم بكونهما من باب التزاحم؛ لأنّ المفروض على هذا عدم لزوم تقييد في المطلوب ولو من جانب الطلب.
نعم لو احتملنا كون المبغوضیّة مانعة لنفس(1) المطلوب أیضاً كما أنّها مانعة عنالطلب في عرض سائر الموانع نحتاج إلى الأصل من هذه الجهة حسبما(2) ذكرنا سابقاً.
ص: 214
ص: 215
إذا عرفت هذه المقدّمات فنقول:
اختلفوا في جواز الاجتماع(1) وعدمه على قولين.
وربّما يذكر ثالث وهو التفصيل بين العقل والعُرف وأنّه(2) يجوز عقلاً لا عرفاً وينسب إلى المحقّق الأردبيلى(3) وصاحب الرياض.(4)
ويحتمل تفصيل آخر وهو القول بعدم الجواز عقلاً والجواز عرفاً بمعنى أنّ العرف يحكم بكفاية الإتیان بالفرد المحرّم في مقام الامتثال وأنّ العبد مطيعٌ عاصٍ من الجهتين؛ إذ المدار في الإطاعة على ما يعدّ إطاعة عرفاً وعند العقلاء وإن لم تكن(5) صادقة بالنظر الدّقيق الفلسفي.
فالأمر وإن لم يكن متوجّهاً إلى ذلك الفرد حقیقة إلّا أنّ العرف يجعله مأموراً به
ص: 216
والمفروض أنّه واجد لشرائط الصحّة مع قطع النظر عن الأمر.
وهذا الوجه لازم من تمسّك للجواز(1) بحكم العرف بكونه مطيعاً عاصياً(2) فيمثال الخياطة في المكان المحرّم على أحد الوجهين الآتيين.
وربما يدّعى الإجماع(1) عليه كما نقل(2) عن العلّامة في المنتهى(3) والقاضي في إحقاق الحقّ(4) والسّيد العميد(5) وصاحبي المعالم(6) والمدارك(7) والنراقي(8) في تجريد الأصول(9) بل
ص: 219
ادّعى بعضهم البداهة كصاحب المدارك(1)
وربما ينسب إلى الفضل بن(1) شاذان(2) والکليني(3) والسيّد في الذريعة(4) بل عن المجلسي(5) أنّه قال: إنّ الظاهر من کلام الفضل أنّ جواز الاجتماع من مسلّمات
ص: 222
الشيعة.(1)
لكن ربما يخدش(2) في النّسبة إلى بعض من ذكر؛ فإنّ وجه النسبة إلى الفضل(رحمة الله علیه) أنّه ذكر في مقام الردّ على العامّة القائلين بعدم صحّة العدّة من المرأة إذا خرجت من بيتها قياساً على عدم صحّة الطلاق في حال الحيض بجامع كون کلّ منهما منهيّاً عنه بأنّه
ص: 223
فرق بينهما، فإنّ الطلاق في حال الحيض خالٍ عن شرط الصحّة وهو كونه في الطّهر بخلاف الخروج عن البيت فإنّ البقاء فيه ليس شرطاً للعدّة فالأوّل نظير الصّلاة بلا طهارة من حيث إنّها فاقدة للشرط والثاني نظير الصّلاة في الدّار الغصبيّة حيث إنّ عدم الغصب ليس من شرط الصّلاة وإنّما الغصب محرّم في حال الصّلاة كالخروج في حال العدّة.
ويمكن أن يكون هذا منه إلزاماً على العامّة بمقتضى مذهبهم كما احتمله في المدارك(1) والرّياض(2)
ويمكن أن يكون من جهة أنّ الغصب عنده خارج عن حقیقة الصلاة في الخارج بمعنى عدم اتّحادهما بل كونهما من باب الاجتماع الموردي كما أنّ مثال العدّة كذلك حيث إنّ الخروج محرّم مقارن للعدّة لا متّحد معها فيكون ناظراً إلى ما ذكره المحقّق (رحمة الله) في المعتبر(3) وشيخنا البهائي (رحمة الله) في الحبلالمتين(4) من أنّ الكون المحرّم
ص: 224
ليس جزءاً(1) من الصّلاة وهو وإن کان في محلّ المنع إلّا أنّه يكفي احتماله في کلام الفضل (رحمة الله علیه).
ويمكن أن يكون ذلك من جهة أنّ الصلاة عنده من التوصّليّات وأنّ وجوب القربة فيها مستقلّ لا على وجه الاشتراط فيكون الصحّة من باب الإسقاط كما ربما يستظهر من السّيّد أیضاً حيث إنّه حكم بعدم بطلان الصّلاة بالرّيا(2) فإنّه لا يتمّ إلّا إذا قلنا: إنّ القربة واجبة مستقلّاً لا شرطاً في الصّلاة(3)
ويمكن أن يكون من جهة ما ذكرنا سابقاً من عدم الحاجة إلى الأمر في الحكم بها بل يكفيها اشتمال الفعل على سائر الأجزاء والشرائط إلى غير ذلك.
وربما يحمل کلامه على أنّ الصّلاة في الدّار الغصبيّة مأذون فيها بالإذن الفحوائي فالصحّة من هذه الجهة، أو لأنّ للنّاس حقّاً في جميع الأراضي من حيث
ص: 225
الصّلاة كما قد يدّعى.
وأنت خبير بأنّ کلامه ظاهر في الحكم بالصحّة مع الاعتراف بالحرمة فلا يناسبه هذان التوجيهان.
وكيف كان فبعد الاحتمالات المذكورة لا وجه للنسبة إليه ولا إلى الکليني؛لأنّه أیضاً لم يصنع(1) شيئاً إلّا أنّه نقل عن الفضل کلامه ولم يورد عليه ولا وجه لما ذكره المجلسي (رحمة الله علیه) أیضاً.
لكنّ الإنصاف ظهور کلامه(2) فيما نسب إليه.
نعم لا وجه لنسبة الجواز إلى السّيّد(3) فإنّ کلامه المتوهّم منه ذلك أجنبيّ عن المقام حيث قال: «وقد يصحّ أن يقبح من المکلّف جميع أفعاله على وجه ويحسن على وجه آخر وعلى هذا الوجه يصحّ القول بأنّ من دخل زرع غيره على سبيل الغصب أنّ له الخروج بنيّة التخلّص وليس له التصرّف بنيّة الفساد وكذلك من قعد على صدر حيّ إذا كان انفصاله يؤلمه کعقوده(4) وكذلك المجامع زانياً له الحركة بنيّة التخلّص وليس له الحركة على وجه آخر».(5) انتهى.
ومن المعلوم أنّ مراده اختلاف فعل واحد باختلاف العنوان وأنّه قد يكون حراماً وقد يكون مباحاً، لا أنّه في زمان واحد یتّصف بالحكمين.
ص: 226
بل يمكن أن يقال: إنّه من المانعين حيث إنّه قال في موضع آخر: «فأمّا الضيعة المغصوبة فالصلاة فيها مجزية؛ لأنّ العادة جرت بأنّ صاحبها لا يحظر على أحد الصّلاة فيها والتعارف يجري مجرى الإذن».(1) انتهى.
فإنّ تعليل الإجزاء بعدم المنع ظاهر في أنّها غير مجزية مع المنع وإلّا كان الأولى استناده إلى عدم مانعيّة الحرمة كما لا يخفى.
وكذلك لا وجه للنّسبة إلى الأردبيلي فإنّ کلامه في شرح الإرشاد كالصريحفي خلافه حيث إنّه بعد ما حكم ببطلان صلاة(2) الضيف لو علم عدم(3) إذن المضيف وبصحّتها في کلّ موضع علم الإذن ونفيه الاستبعاد عن كون الصلاة في المغصوب من قبيل ذلك وأنّ العلم حاصل برضا صاحبه بالصّلاة، قال ما خلاصته على ما حكي عنه:
واعلم أنّ سبب بطلان الصلاة في الدار الغصبيّة هو النهي عنها من جهة عدم جواز التصرّف في مال الغير فلا يبطل صلاة المضطرّ والناسي والجاهل لعدم النّهي - إلى أن قال -: وإذا تحقّقت أنّ سبب بطلانها لزوم اتّحاد(4) المأمور به مع المنهي عنه، تحقّق(5) عدم بطلان ما لم يتّحد أو ما لم يكن عبادة مثل(6) الصّوم(7) والزكاة. نعم يلزم بطلان الأخذ والإعطاء والكيل والوزن لو كان عبادة.(8)
ص: 227
ثمّ قال: «وأمّا الطهارة في المغصوب فإن قلنا إنّ إجراء الماء على العضو تصرّف في فضاء ملك الغير فلا تصحّ وإلّا صحّت».(1)
ثمّ قال: «ويمكن مجي ء البطلان من جهة الأمر بالخروج المقتضي للنهي عن الوضوء ويمكن أن يقال: لا شكّ أنّه مأمور بالوضوء في المكان المباح؛ إذ الشارع لا يجوّز الوضوء في المكان الغصبي وهو ظاهر والمفهوم عُرفاً ولغةً من مثل هذا الکلام عَدَمُ الرّضا بالوضوء وبطلانه ولأنّه لم يأت بالمأمور به عرفاً.
نعم العقل يجوّز الصحّة لو صرّح بأنّه: لو فعلتَ في المكان الغصبي بعد ما نهيتُك عنه لصحّ وعوقبتَ بما فعلتَ، وبمثله ويمكن القول بالبطلان في كثير من العبادات بل بعض المعاملات والمناكحات».(2) انتهى.
فإنّ أوّل کلامه كالصّريح في عدم الجواز. نعم ربما يتوهّم من قوله: «نعم العقليجوّز» إلى آخره، الجواز إلّا أنّ الظاهر أنّ مراده هو الجواز في مثل الطهارة ممّا لم يتّحد مع المنهي عنه مع الإغماض عن كون الإجراء تصرّفاً في الفضاء كما هو ظاهر کلامه؛ حيث إنّه أراد ذكر وجه آخر للبطلان غير ذلك.
فملخّص مطلبه أنّ في صورة الاتّحاد العمل باطل بحكم العقل وفي صورة عدم الاتّحاد والمقارنة للحرام أیضاً يمكن الحكم بالبطلان من جهة اقتضاء الأمر بالشي ء النهي(3) عن الضدّ أو من جهة فهم العرف التقييد وإن لم يحكم به العقل.
ص: 228
ومن ذلك ظهر أنّه لا وجه لإسناد التفصيل بين العقل والعرف إليه أیضاً حيث إنّه على الظاهر من قبيل هذه العبارة ومن المعلوم كونها أجنبيّة عن ذلك لما عرفت من أنّه ناظر إلى غير مورد الاتّحاد والاجتماع الّذي هو محلّ النزاع(1) وعلى فرض كونه ناظراً إلى المقام يكون من المجوّزين لا من المفصّلين في المسألة فإنّ رجوعه إلى العرف إنّما هو بعد الفراغ عن الجواز من حيث العقل على الاحتمال المذكور(2) ومجرّد التفصيل بين العقل والعرف في حكم المسألة الفرعيّة لا يقتضي كونه مفصِّلاً في هذه المسألة الأصولية فلايجوز نسبة التفصيل إلیه(3) في هذه المسألة؛ إذ کلّ من يقول بالجواز أو بعدمه(4) عقلاً يرجع في المسألة الفرعيّة إلى سائر الأدلّة أیضاً(5) من فهم العرف وغيره.
فعدّه من المفصِّلين إنّما يصحّ إذا كان في مقام تعداد الأقوال في المسألة الأصوليّة قائلاً بالتفصيل وهذا واضح.
وأمّا نسبة التفصيل إلى سيّد الرياض(6) فهي مخالفة لما يظهر من کلماته في الصّلاة
ص: 229
في المكان(1) واللباس(2) الغصبيين إلّا أن تكون سماعاً منه مشافهة(3) مع أنّك قد عرفت أنّه لا معنى لهذا التفصيل في هذه المسألة الّتي یكون التکلّم فيها بملاحظة حكم العقل إلّا أن يوجّه بأحد التوجیهین المتقدمين.
فعلى تقدير صدق النّسبة لا بدّ إمّا من جعله النزاع في الحکم(4) الأعمّ من حكم العقل والشرع والعرف، وإمّا من أحد التوجيهين، وربما يوجّه بتوجيه آخر وهو أنّ العقل وإن کان لا يحكم بالامتناع بملاحظة أنّ متعلّق الأحکام هو الطّبائع إلّا أنّه بعد حكم العرف بأنّ المتعلّق في الحقيقة هو الفرد يحكم العقل بالامتناع فكون عدم الجواز من باب فهم العرف إنّما(5) من جهة تشخيصه الصّغرى وإلّا فالحاكم بالامتناع هو العقل.
لنا وجوه:
الأوّل: أنّك قد عرفت في المقدّمات أنّ متعلّق الأحکام هو الطبائع من حيث هي وأنّ اعتبار الوجود إنّما هو في حاقّ الطلب ومعه يرتفع جميع ما يتصوّر مانعاً من
اجتماع الضدّين من حيث الطلبين أو الإرادتين(1) أو المحبوبيّة والمبغوضیّة أو المصلحة والمفسدة ومن التکلیف المحال أو(2) التکلیف بالمحال وذلك لأنّ المتعلّق
مختلف على هذا ولا دخل لأحدهما بالآخر.
غاية الأمر أنّ المکلّف بسوء اختياره جمعهما في مصداق واحد وهذا لا يضرّ بعد عدم نظر الشارع إلى هذا الفرد أصلاً وبالمرّة(3)؛ فإنّ هذا مقتضى التعلّق(4) بالطبيعة سواء كانت الأفراد مباحة أو محرّمة فإنّ الإتیان بها ليس من حيث إنّها مطلوبة بل من حيث انطباقها على المطلوب بحكم العقل وحكمه بالانطباق وكفايته من هذه الحيثيّة لايتفاوت بكونه محرّماً أو مباحاً.
بل(5) وكذلك لو قلنا بأنّ(6) الطلب متعلّق بالطّبيعة من حيث الوجود أو بالطّبائع
ص: 231
المأخوذة بلحاظ الوجود؛ وذلك لأنّ الوجود مأخوذ على الوجه الکلّي بمقدار يخرج الطّبيعة من حيث هي مع قطع النظر عن الوجودين أو بلحاظ الوجود الذّهني وإلّا فلا نظر إلى الأفراد أصلاً وإلّا رجع إلى التعلّق بالأفراد إمّا أوّلاً أو بالمآل وقد عرفت أنّه خلاف التحقیق.
فإن قلت: سلّمنا أنّ الأمر الشرعي لم يتعلّق بالأفراد أوّلاً وبالأصالة إلّا أنّه متعلّق بها تبعاً من حيث انطباقها على الطبيعة(1) كما هو المختار من كونها عينها أو من حيث كونها مقدّمة لها(2) كما يقوله المحقّق القمي(3); فيلزم اجتماع الطلب الشرعي مع النهي في مورد واحد ويعود الإشکال.
قلت: أمّا على المختار من العينية فنقول: إنّ الطلب التبعي ليس طلباً حقیقة. كيف وإلّا لكان المتعلّق هوالطبيعة والفرد معاً فيلزم تعدّد الطلب الحقيقي وهو واضح الفساد،(4) فمعنى الطلب التبعي هو أنّ العقل يحكم بأنّ ما أمر به الشارع كأنّه هذا فيورد عليه الطلب على(5) هذا(6) الوجه من حيث كونه منطبقاً عليها(7)
ص: 232
وأمّا(1) على ما ذكره المحقّق القمي (رحمة الله): من أنّ الفرد مقدّمة فبناء على وجوب المقدّمة وإن کان هناك طلب آخر شرعي مستكشف من حكم العقل إلّا أنّ هذا الطلب إنّما يتعلّق بالأفراد المباحة دون المحرّمة، فالفرد من هذه الحيثيّة حرام صرف كما أنّه لو أريد على الأوّل حكم العقل بوجوب الإتیان بالفرد من حيث إنّه منطبق على الطبيعة بناء على حكومة العقل بذلك نقول: إنّه لا يحكم بالوجوب في الفرد المحرّم وهذا لا ينافي بقاء حكمه(2) بالانطباق والوجوب الانطباقي.فللعقل في المقام حكمان:
أحدهما: حكمه بأنّ الفرد منطبق على الطّبيعة المطلوبة من حيث هي وأنّه لو أتى به كفى من حيث إنّه إتیان للطبيعة وهذا أشبه شي ء بالحكم الوضعي.
والثاني: أمره وإلزامه بإتیانه لأنّه مقدّمة أو لأنّه عين الطبيعة.
والحكم الأوّل لا يختلف فيه الأفراد المباحة والمحرّمة. وأمّا الحكم الثاني فهو مقصور على المباحة ولا إشکال، فيكون الحال كما لو قلنا بعدم وجوب المقدّمة أو بعدم حكومة العقل أصلاً وأنّ أحكامه إرشاديّة محضة فكما لا يرد إشکال على هذا التقدير فكذا على القول بالوجوب في سائر المقامات وعدمه في المقام من جهة المانع الّذي هو الحرمة.
فإن قلت: إذا كان الفرد حراماً صرفاً كما اعترفت به فمن أين يقصد القربة على فرض كونه موقوفاً على الأمر وعدم كفاية ما ذكر سابقاً من اشتماله على المصلحة ووفائه بغرض الآمر؟!
ص: 233
قلت: يمكن قصدها بملاحظة إتیان الطبيعة المأمور بها بإتیانه فإنّ إتیانه عين إتیانها وهو حرام من حيث إنّه فرد لكن بإتیان الطبيعة يمكن قصد القربة كما أنّه إذا لم يكن حراماً يكون قصد القربة بملاحظة كونه عين الطّبيعة وإلّا فهو من حيث إنّه فرد مباح ولا يمكن قصد القربة بالمباح والمفروض أنّه في صورة الإباحة أیضاً لا يتعلّق به أمر وإنّما الامتثال من حيث انطباق المأمور به عليه وهذا واضح.
فإن قلت: إذا فرضت حرمة الفرد من حيث هو فيكون الأمر بالطبيعة مقيّداً بغيره لعدم إمکان سراية الأمر منها إليه فكأنّه قال: «ايت بالطّبيعة في غير هذا الفرد» فلايكون صحيحاً ولا يمكن معه قصد القربة، فالأمر وإن تعلّق بالطّبيعة إلّا أنّه لايمكن إبقاؤها(1) على إطلاقها بل تكون مقيّدة بحكم العقل بغير الفرد المحرّم فيكون نظير سائرالتقييدات.
قلت: سلّمنا أنّ الأمر لا يسري إلى هذا الفرد ولا يمكن إسراؤه(2) إليه إلّا أنّه لا حاجة إلى هذا الإسراء فإنّ الصحّة إنّما جاءت(3) من قبل الانطباق ولو لم يكن أمر والتّقييد اللّازم من جهة العقل(4) إنّما هو في نفس الطّلب بمعنى أنّه لا يمكن تعلّقه بهذا الفرد لا في مقام الانطباق، فكان ه-ٰهنا حكم وضعي ومن حيثيّته(5) لا تقييد، وحكم تکلیفي والتقييد إنّما هو من جهته فلا(6) يضرّ في الحكم الوضعي.
ص: 234
فالتقييد العقلي إنّما هو بالنسبة إلى الطلب فقط ومعناه عدم رخصة الشارع في إتیان هذا الفرد أو(1) نهيه عنه لا(2) بالنّسبة إلى مقام الكفاية(3) الّذي هو لازم الانطباق القهري. فليس التقييد في المقام نظير سائر التقييدات.
وإن شئت المثال لنظيره نقول: هو من قبيل ما لو نذر أن يأتي بصلاة ظهره(4) في اليوم الفلاني في المسجد فإنّه يجب عليه أن ياتي بها(5) فيه وليس مرخَّصاً في إتیانها في غيره، لكن لو أتى بها في الغير تكون(6) صحيحة لعدم التقييد إلّا في مقام الطلب بمعنى أنّ الشارع إذا أوجب الوفاء بالنذر فلا يمكنه إيراد الطلب على الصّلاة في غير المسجد بل يتقيّد طلبه به قطعاً، لكنّ الترخيص الوضعي وهو الكفاية لو أتى بها في غير المسجد بحاله.
والسرّ فيه: أنّه من قبيل التکلیف في التکلیف ومن قبيل تعدّد المطلوب بخلاف سائر التقييدات فإنّها راجعة إلى تقييد أصل المطلوب بمعنى تضييق دائرته مع وحدتهوالمقام أیضاً كذلك حيث إنّ النهي تکلیف مستقلّ وارد على الصّلاة ولا يكون مبيّناً لمقدار المطلوب بالنسبة إلى أصل الصّلاة ولازمه أنّه لو عصى في أحد التکلیفين دون الآخر بقي الامتثال بحاله بالنّسبة إليه وإن لم يمكن(7) توجيه الأمر إلى خصوص ذلك المأتي؛ لأنّ المفروض أنّه لا حاجة إليه بعد كون المتعلّق هو الطّبيعة.
والحاصل: أنّ النّهي الخالي عن لحاظ الإرشاد الوارد لبيان صرف التکلیف
ص: 235
لايوجب تقييداً بل هو من قبيل إيراد تکلیف على تکلیف آخر كما أنّ الأمر المولوي أیضاً كذلك ولازمه بقاء التکلیف الأوّلي على سعة دائرته من حيث هو وأنّ تقييد الطلب والتکلیف بلحاظ التکلیف الطاري.
ولعمري إنّ هذا من أوضح الشواهد على جواز الاجتماع بالمعنى الّذي ذكرنا.
فإن قلت: إنّ ما ذكرت اعتراف بمذهب الخصم حيث إنّك أیضاً تقول: لا يجوز توارد الأمر والنّهي على موضع واحد. غاية الأمر أنّه اجتمع المأمور به والمنهي عنه.
وبعبارة أخری: اجتمع متعلّق الأمر والنهي والکلام في اجتماعهما لا في اجتماع متعلّقهما(1)
قلت: مرادنا من جواز الاجتماع هذا المعنى وليس خارجاً عن محلّ(2) النزاع كما قد عرفت سابقاً حيث قلنا: إنّ النزاع في الأعمّ من جواز اجتماع(3) المتعلّقين واجتماع الطلبين حيث إنّ الأوّل أیضاً اجتماع للطلبين بالمعنى الّذي عرفت.
فلا وجه لما في المناهج(4) من أنّ القول بأنّ المتعلّق هو الطبيعة وتسليم امتناع
ص: 236
الاجتماع مع التعلّق بالفرد ليس إلّا تسليم المطلب.
والعجب من بعضهم أنّه قال بجواز الاجتماع تمسّکاً بتعلّق الأوامر بالطبائع فإنّه على هذا القول أين الواحد الّذي هو واجب وحرام معاً؟! إذ ليس أمر واحد سوى الفرد والظاهر أنّ الغفلة إنّما نشأت(1) من تمثيل القوم بالصّلاة في الدّار المغصوبة ولم يتفطّن بأنّه مبتنٍ على تعلّق الأمر بالفرد أو وجوب المقدّمة. انتهى.
وذلك لأنّ المراد بالواحد، المصداق الّذي هو منطبق على کلتا الطّبيعتين(2) ولايلزم أن يكون الأمر بخصوص الفرد؛ لأنّ المانع يمنع عن مثل هذا الاجتماع أیضاً ويقول بتقييد متعلّق الأمر بغير هذا الفرد من حيث إنّ المطلوب هو الطّبيعة من حيث الإيجاد حسبما عرفت وستعرف.
ومن ذلك يظهر أنّ النزاع لا يرجع إلى اللّفظي كما تخيّله حيث قال: لو أريد اجتماع متعلّقي الطّلبين من جهة التعلّق بالطّبيعة يوجب رجوع النّزاع إلى اللّفظي؛ لأنّه ليس مراد القوم وتمثيلهم بالصّلاة في الدار المغصوبة إمّا لأجل اختيارهم تعلّق الأوامر بالأفراد أو باعتبار وجوب المقدّمة. انتهى.
مع أنّك قد عرفت أنّ وجوب المقدّمة لا يقتضي الاجتماع؛ إذ نختار أنّ الواجب(3) غير هذه المقدّمة ولا إشکال؛ إذ(4) يمكن معه الحكم بالصحّة(5)، مع أنّك قد
ص: 237
عرفت أنّ الفرد ليس مقدّمة.
والحاصل: أنّ الاجتماع بالمعنى الّذي ذكرنا أیضاً محلّ النزاع ولا يكونالنزاع لفظياً؛ إذ المانع يمنع عن هذا أیضاً ولو قال بالتعلّق بالطبيعة والقائل بالفرد أیضاً لا يلزم أن يكون مانِعاً بل يمكنه القول بالجواز كما سيأتي.
ثمّ لا يخفى أنّه لا فرق بمقتضى هذا الدليل بين ما إذا كان المقام من قبيل قوله: «صلّ ولا تغصب» ممّا يكون بين المتعلّقين عموم من وجه وما كان من قبيل قوله: «أکرم العالم ولا تكرم الفاسق»(1) ممّا يكون النسبة بين متعلّقي المتعلّقين عموماً من وجه
ص: 238
فإنّ المتعلّق وإن کان طبيعة واحدة وهو الإکرام إلّا أنّه مختلف باعتبار الإضافة إلى طبيعة العالم وطبيعة الفاسق.
فما قد يتخيّل من الفرق وأنّ الثاني داخل في مسألة التعادل والترجيح في غيرمحلّه.(1)
وقد عرفت سابقاً: أنّ هذا الباب من التزاحم وباب التعادل والترجيح من التعارض وهذا هو الفارق بينهما لا ما ذكر من أنّ الکلام في المقام فيما كان من قبيل الأوّل وفي ذلك المقام فيما كان من قبيل الثاني.
وكذا لا فرق بين ما إذا كان العنوان المنهي عنه من قبيل الوصف المفارق لبعض أفراد المأمور به كالغصب بالنّسبة إلى الصّلاة حيث إنّ الغصبيّة ليست من مشخّصات الصّلاة بل من أوصافها المفارقة وإن كانت متّحدة معها في الوجود الخارجي.
وما إذا كان من قبيل الوصف اللازم أي المشخّص للفرد والمقوّم له كما إذا قال: «اغتسل ولا ترتمس في الماء» أو قال: «اقرء ولا تجهر بصوتك»؛ حيث إنّ الارتماس نوع من الغسل ومقوّم لبعض أفراده وكذا الجهر والإخفات.
وقد يتخيّل عدم الجواز في الثاني وعدم جريان الدّليل المذكور؛ حيث إنّ
ص: 239
الخصوصيّة إذا كانت داخلة في فرديّة الفرد فلا يمكن إبقاء الطبيعة المأمور بها على حالها من الإطلاق مع كون بعض الأفراد محرّماً من حيث إنّه فرد؛ إذ يرجع إلى تعلّق الأمر والنهي بشي ء واحد.
فإنّ الغسل إذا كان مأموراً به من حيث هو فيكون محبوباً بجميع أفراده ولا يمكن أن يكون بعض أفراده بوصف أنّه فرد مبغوضاً وإذا كان الوصف لازماً فاللازم ذلك.
وفيه: أنّا نمنع أنّ النهي راجع إلى الفرد من حيث إنّه فرد بل من حيث إنّه فرد خاصّ أو فرد لطبيعة أخرى لا من حيث إنّه فرد لهذه الطبيعة.مع أنّه يمكن أن يكون المحبوب الطبيعة بجنسها لا بخصوصيّاتها فالمحبوب الغسل من حيث إنّه(1) غسل مع قطع النظر عن كونه ارتماسيّاً أو ترتيبيّاً.
ومن ذلك يظهر ضعف ما قد يتخيّل أیضاً: من عدم جريان الدليل المذكور فيما إذا كان بين المتعلّقين عموم وخصوص مطلق مثل قوله: «صلّ ولا تصلّ في الدار الغصبيّة»، فإنّه - مضافاً إلى أنّ العرف يفهم التخصيص فلا ثمرة للبحث من حيث حكم العقل - لا يعقل فيه الاجتماع؛ إذ النهي إذا تعلّق بخصوص الصّلاة في الدار الغصبيّة لا يعقل بقاء طبيعة الصّلاة على المطلوبیّة من حيث هي؛ إذ المفروض أنّ بعض أفرادها من حيث إنّه صلاة خاصّة منهي عنه.
وجه الضعف: أنّ النهي ليس عن الصلاة من حيث إنّها صلاة بل عن الخصوصيّة وإن کان متعلّقاً في لسان المولى بالصّلاة الخاصّة فإنّه في الحقيقة راجع إلى نفس الخصوصيّة فكأنّه نهى عن طبيعة الغصب مطلقاً أو في حال الصّلاة ولا فرق في
ص: 240
ذلك بين كون المكان من المشخّصات والمقوّمات للفرد أو لا.
أمّا على الثاني فواضح، وأمّا على الأوّل فلأنّه لا يرجع النهي إلى حيثيّة كونها صلاة بل إلى حيثيّة الغصبيّة وطبيعة الصلاة محبوبة بما هي طبيعة لا بلحاظ أفرادها حتّى يقال: إنّ الخصوصيّة المشخّصة إذا كانت مبغوضة فلا يمكن بقاء الطبيعة على إطلاقها، فما قد يقال من الفرق لا وجه له.
وكذا لا فرق بين أن يكون النهي بلحاظ كونها في المكان المغصوب أو بلحاظ الخصوصيّات المقارنة لهذه الكيفيّة.
وبعبارة أخری: لا يتفاوت الحال بين كون المبغوض عنوان المكان الخاصّ أو خصوصيّة أخرى في هذا الفرد ويكون كونها في هذا المكان معرِّفا لتلك الخصوصيّة؛ إذ على التقديرين لا يرجع النهي إلى الصّلاة الخاصّة من حيث إنّها صلاة خاصّة بلإلى خصوصيّتها سواء كانت هو المكان أو خصوصيّة أخرى معرَّفة به ومقارنة معه فلا ينافي كون الطّبيعة الصّلاتية(1) من حيث كونها صلاة محبوبة على إطلاقها.
ثمّ في مفروض المسألة ممّا كان النهي عن بعض الأفراد معلوماً كونه للمبغوضیّة النفسيّة نمنع فهم العرف التخصيص أیضاً؛ إذ هو إنّما يكون فيما لم يعلم كونه مولوياً وإلّا فلا يفهم منه المانعيّة والتّخصيص؛ لأنّه إنّما يكون إذا كان للإرشاد ولا يمكن الجمع بين الطّلب والإرشاد لكونهما متباينين(2)،(3) فما يكون للتحريم النّفسي المستلزم
ص: 241
للعقاب على مخالفته لا يمكن أن يكون للإرشاد إلى البطلان.(1)
بل يكون من قبيل التکلیف في التکلیف كما في العامّين من وجه بالنّسبة إلى مورد الاجتماع، بل مع قطع النّظر عن هذا القول ليس المقام ممّا يفهم العرف فيه التخصيص لأنّ النزاع(2) فيما كان من باب التزاحم لا التعارض فلا وجه لما ذكره(3) من أنّ العرف يفهم التخصيص فلا ثمرة في البحث العقلي.
فلا فرق بين العامّين من وجه والعامّ والخاصّ المطلقين في كونهما متساويي(4) النسبة بالنسبة إلى هذه المسألة ومسألة التعارض، فالعرف يفهم التخصيص إذا كانا من قبيل المتعارضين.
غاية الأمر أنّه(5) في العامّين من وجه يفهم أنّ أحدهما لا بعينه مخصّص ولا دخل للتخصيص العرفي إذا(6) كانا من قبيل المتزاحمين؛ لأنّ المفروض أنّ کلّ واحد من التکلیفين في حدّ نفسه متعلّق بالمکلّف، وإنّما الإشکال في عدم إمکان الجمعبينهما أو إمکانه.
ثمّ هذا کلّه بناء على المختار من تعلّق الأحکام بالطبائع.
وأمّا على القول الآخر أو على المختار فيما كان المتعلّق في ظاهر الدليل هو الأفراد فهل يمكن إجراء مثل الدليل المذكور أو لا؟
ص: 242
نقول: أمّا إذا قلنا إنّ المتعلّق هو کلّي الفرد لا خصوص الأشخاص بمعنى أنّ المأمور به مثلاً الصّلاة المقيّدة بتشخّص من التشخّصات بحيث أخذ التشخّص في متعلّق الطلب على الوجه الکلّي من باب ضمّ کلّي إلى کلّي بناء على أنّ العرف يفهم من الأوامر والنواهي ذلك لا من باب عدم وجود(1) الکلّي الطبيعى؛ إذ بناءً عليه كما لا يكون المتعلّق طبيعة الصّلاة مع قطع النظر عن التشخّص كذا لا يكون مع التقييد(2) بالتشخّص على الوجه الکلّي؛ إذ المانع على هذا التقدير الکلّيّة المشتركة بين الصّورتين.
فنقول: يمكن إجراء الدّليل المذكور؛ إذ أخذ التشخّص على الوجه الکلّي لايوجب كون کلّ فرد متعلّقاً للأمر بخصوصه حتّى يلزم الاتّحاد في مورد الطلبين شرعاً.
بل يكون وجوب کلّ فرد من باب الانطباق على الطّبيعة المطلوبة فيجري ما ذكرنا کلّه حرفاً بحرف.
وأمّا إذا قلنا: «إنّ المتعلّق هو مصداق فردٍ ما أي المصداق اللابعينه أو جميع الأفراد على وجه البدليّة والتخيير»، فلا يجري الدّليل المذكور؛ لأنّ الاجتماع حینئذٍ شرعي لا تطبیقي إلّا أن يقال: وإن کان المتعلّق للأمر کلّ واحد من الأفراد إلّا أنّ الملحوظ لیس(3) هو الخصوصيّة الفرديّة بل الطبيعة الموجودة في ضمنه.
فاعتبار الخصوصيّة إنّما هو من جهة عدم إمکان تعليق الحكم على الطّبيعة لالأنّ الفرد بخصوصيّة الفرديّة مورد للمصلحة والمفسدة فكأنّ الطلب تعلّق بالطّبيعة فیكون للفرد جهتان تعلّق بإحداهما الأمر وبالأخرى النهي في اللّبّ فيكون كما إذا تعلّق بالطّبيعة فالمانع من الاجتماع التعلّق بالفرد من حيث إنّه هو لا التعلّق به من
ص: 243
والحسن والمصلحة إنّما يكونان فيها لا فيه، فإنّه على هذا التقدير كأنّ الطّلب متعلّق بها وإن لم يكن كذلك من جهة عدم إمکان التعلّق(3) بها وهذا عكس ما نقلناه سابقاً عن بعض المحقّقين من أنّ الطّلب متعلّق بالطبيعة أوّلاً وبالفرد بالمآل.(4) فإنّا نقول: إنّ الطلب متعلّق بالفرد أوّلاً وبالطبيعة بالمآل یعني في لبّ الواقع. فتدبّر.
ولعلّه لذا ذهب بعضهم إلى جواز الاجتماع مع قوله بعدم وجود الکلّي الطبيعي وتعلّق الأحکام بالأفراد كما حكي(5) عن الحاجبي حيث إنّه أجاز الاجتماع واحتجّ عليه بأنّ مورد الأمر والنهي متغايران(6) مع مصيره إلى أنّ الأوامر تتعلّق(7) بالأفراد دون الطبائع معلّلاً(8) بامتناع تحقّقها في الخارج.(9)
ص: 244
وظاهر الإشارات أیضاً جواز الاجتماع بناءً على التعلّق(1) بالأفراد أیضاً حيث إنّه بعد ما حكم بالجواز ووضوحه بناءً على التعلّق بالطبيعة قال: «نعم لو كان خفاء فهو على تقدير كون متعلّق الحكمين الفرد وعليه نقول: لا ريب أنّ المتعلّق في طرف النهي کلّ الأفراد وفي طرف الأمر ليس فرداً شخصيّاً ولا کلّ فرد بل المطلوب فيه أحد الأفراد فالوجوب لم يتعلّق بشخص معيّن من الأفراد حتّى يجتمع الوجوب والحرمة في شي ء واحد فلا إشکال».(2) انتهى.
فإن قلت: لازم ما ذكرت جواز اجتماع الأمر التخييري الشرعي مع النهي العيني مع أنّك لا تقول به فإنّه اجتماع آمري.
قلت: فرق بين المقامين حيث إنّ کلّ واحد من أفراد التخيير الشّرعي(3) مطلوب ومأمور به من حيث هو شي ء خاصّ بمعنى أنّ الخصوصيّة منظورة فيه وفي الواجب العيني ولو قلنا إنّ المتعلّق هو الأفراد لا يكون الواجب هو الفرد من حيث خصوصيّته(4) بل بلحاظ وجود(5) الکلّي في ضمنه كما عرفت.
فيمكن أن يقال فيه: كأنّ الطّلب متعلّق بالکلّي وفي الواجب التخييري لايمكن
ص: 245
ذلك ومن ذلك يظهر فرق آخر بين الوجوب العيني والتخييري بناء على التعلّق بالأفراد مضافاً إلى ما عرفت سابقاً، فلا تغفل(1)
هذا، وقد يقرّر الدّليل بوجه آخر وهو أنّ الکلّيين المتعلّقين للأمر والنّهيلايجتمعان في الوجود الخارجي أیضاً حتّى يلزم الاجتماع بل هما كما أنّهما متعدّدان في حدّ نفسهما كذلك متعدّدان في المصداق والوجود الخارجي أیضاً. نعم هما متّحدان في الوجود بنحو من الاتّحاد العرضي من حیث اتّحاد منشأِ انتزاعهما.
والوجه في ذلك أنّ المفروض كون النسبة بينهما هو العموم من وجه ولا يعقل الاتّحاد في الطبيعتين كذلك(2)؛ إذ لا بدّ في الاتّحاد من كون أحد الکلّيين أعمّ(3) والآخر أخصّ(4) حتّى يكون الأوّل جنساً والآخر فصلاً.
وقد تقرّر في محلّه: أنّه(5) لا اتّحاد في غيرهما(6) والفصل لا يمكن أن يكون أعمّ(7) من وجه(8) من الجنس ففي التقرير السّابق سلّم اتّحادهما في الوجود الخارجي حقیقة.
لكن قيل: إنّه لا يضرّ بعد كون الحكم وارداً على الطبيعة وفي هذا التقرير يدّعى عدم الاتّحاد فيه فلو قلنا إنّ الاتّحاد في الوجود يضرّ في جواز الاجتماع لا يتمّ الدليل بالتقرير السّابق ويتمّ بهذا التقرير ولازم هذا التقرير كما ترى أنّ كون النسبة عموماً من
ص: 246
وجه إنّما هو بلحاظ المورد لا المصداق، فبالنسبة إلى المصداق متباينان وبالنسبة إلى المورد بينهما عموم من وجه.
هذا ولكنّ التحقیق عدم صحّة هذا التقرير وذلك لأنّ ما ذكروه من عدم الاتّحاد إلّا في الأعمّ والأخصّ أي الجنس والفصل، مرادهم الاتّحاد بحسب الذات لا الوجود الخارجي؛ إذ الاتّحاد فيه معلوم بالوجدان فإنّ الحيوان الأبيض مصداق للأبيض والحيوان قطعاً وليس ه-ٰهنا مصداقان ووجودان في الخارج ولذا يصحّ حمل أحدهما على الآخر ومن المعلوم أنّ المناط فيه الاتّحاد في الوجود الخارجي.وأمّا الاتّحاد بحسب الذات فلا بدّ فيه من كون أحد الشيئين جنساً والآخر فصلاً ولا يكفيه مجرّد الأعمّيّة والأخصّيّة ولذا لا يكون النّوع أو(1) الجنس(2) متّحداً مع العرض الخاصّ بحسب الذّات بل بحسب الوجود فقط.
والسرّ في ذلك أنّ الاتّحاد الذاتي لا بدّ أن يكون بين اللامتحصّل والمتحصّل حتّى يكون الأوّل فانياً في الثاني كالجنس والفصل والهيولى والصّورة.
وأمّا العامّان من وجه فيكون کلّ منهما متحصّلاً في حدّ نفسه فلا يمكن الاتّحاد بينهما لعدم إمکان فناء أحدهما في الآخر بحسب الذّات، وكذا بالنّسبة إلى النوع والجنس والعرض الخاصّ؛ لأنّ النّوع متحصّل فلا يتّحد مع العرض وليس داخلاً في ذاته أیضاً، والجنس وإن کان لا متحصّلاً(3) إلّا أنّ تحصّله ليس بالعرض بل بالفصل، فاتّحاد الأنواع والأجناس والفصول مع الأعراض الخاصّة والعامّة إنّما هو في الوجود
ص: 247
فقط، والکلّي الّذي بينه وبين الآخر عموم من وجه يكون عرضاً عامّاً(1) بالنّسبة إليه لا محالة.
فتبيّن أنّ دعوى التغاير بحسب المصداق والوجود الخارجي في العامّين من وجه في غير محلّه فلو لم نكتف في جواز الاجتماع بما ذكرنا في التقرير الأوّل وقلنا بكون الاتّحاد في الوجود مضرّاً لا يمكن إتمام الدليل.
نعم لو كان العامّان(2) من العناوين الثانوية والأفعال التوليديّة كالتأديب والتعظيم والظّلم والإيذاء ونحوها كما إذا قال: «أدّب زيداً ولا تؤذه» فيما لو أمكن التأديب بغير الضرب فأدّبه بالضّرب يمكن أن يقال: إنّهما موجودان في الخارج بوجودين متغايرين وذلك لأنّ وجود هذه العناوين إنّما هو بنحو من الاعتبار وليست متّحدة مع العناوينالأوّلية بل هي منشأ(3) انتزاعها واعتبارها فبالضّرب الّذي هو العنوان الأوّلي يتحقّق التّأديب وهو أمر آخر غير الضّرب بل متولّد منه وكذا الإحراق والإلقاء في النّار.
ودعوى أنّ وجود الإحراق عين وجود الإلقاء وهكذا، كما ترى؛ إذ من المعلوم أنّ العلّة غير متّحدة في الخارج مع المعلول ولا يلزم أن يكون الفعل الخارجي من قبيل الحركة والسّكون حتّى يقال: ليس في الخارج وراء الإلقاء أو الضرب أو نحو ذلك حركة وسكون، كيف ولازم ذلك إنكار كون العناوين الثانوية من أفعال(4) المکلّفين وجعلها من آثار الأفعال وهو خلاف التحقیق.
ص: 248
بل لها نحو آخر من الوجود وهو الاعتبار المنتزع من الأفعال الأوّليّة وحينئذٍ فنقول: اعتبار التأديب غير اعتبار الإيذاء في الخارج وإن كانا منتزعين من فعل واحد وهو الضرب فإن أريد من التقرير المذكور هذا المقدار في(1) هذا القسم من الأفعال فهو صحيح، وان أراد الکلّية فلا نسلّم(2)
ثمّ إنّ الصّلاة والغصب ليسا من العناوين الانتزاعيّة الثانوية بل الصّلاة عبارة عن نفس الأفعال الخارجيّة فهي نظير السكنجبين المركّب من الخَلّ والدِبْس مركّبة من الأفعال المعهودة ولو كانت عنواناً منتزعاً من هذه الأفعال وكانت هذه الأفعال محقّقة لها لزم عدم جريان أصل البراءة عند الشّك في الشرطيّة والجزئيّة؛ لأنّ الشكّ حينئذٍ يرجع إلى المحقّق لذلك العنوان البسيط نظير الشّكّ في جزئيّة شي ء للوضوء ولا يجري الأصل حینئذٍ كما قرّر في محلّه؛ إذ لا يمكن على هذا الفرض أن يقال: إنّ القدر المعلوم من التکلیف ما عدا الجزء أو الشرط المشكوكين.
وذلك لأنّ الواجب حينئذٍ هو ذلك العنوان فيجب تحصيله كما أنّ الواجب في الوضوء هو الطهارة ولا بدّ من تحصيلها ومقتضاه عدم جريان الأصل في الشكّ في جزئيّة شي ء للوضوء.
والحاصل: أنّ من المعلوم أنّ الصلاة اسم لهذه الأفعال الخارجيّة وكذاالغصب عبارة عن التصرّف في مال الغير فالصّلاة في الدار الغصبيّة مصداق للتصرّف والأفعال(3) المعهودة وهذا بخلاف التأديب والإيذاء كما عرفت فإنّ الاتّحاد الخارجي بينهما إنّما هو بالنّسبة إلى منشأِ انتزاعهما وهو الضرب.
ص: 249
وممّا ذكرنا من صحّة التقرير المذكور في بعض الموارد وعدمها في البعض(1) الآخر ظهر النظر فيما ذكره في الحاشية(2) جواباً عنه من الوجوه الّتي:
محصّل أوّلها: أنّ الطبائع المقرّرة في الشّريعة كالصّلاة والغصب من الأمور الاعتباريّة بحسب الخارج لا وجود لها إلّا بوجود منشأ انتزاعها وهو متّحد في الخارج فإنّ الكون في المكان موجود واحد ينتزع منه الصّلاة والغصب وهما وإن كانا متغايرين في وجودهما الاعتباري إلّا أنّه لا وجود لشيء منهما استقلالاً بل بتبعيّة وجود منشأ انتزاعهما.
فالطلب المتعلّق بهما يتعلّق بهما بلحاظ وجود منشأ انتزاعهما بمعنى أنّ الطلب متعلّق بهما إلّا أنّ الغرض منه(3) إيجادهما بإيجاد المنشأ لا بلحاظ نفسهما فلا يثمر(4) التغاير بينهما في حدّ نفسهما بوجودهما الاعتباري.(5)
وفيه: أوّلاً: ما اعترف به من أنّه إذا كان لهما نحو من الوجود الاعتباري والمفروض تعلّق الطلب بهما فلا وجه لصرفه إلى منشأ انتزاعهما؛ لأنّ متعلّق المصلحةوالمفسدة هو ذلك الوجود الاعتباري.
وثانياً: أنّا نمنع كون الطبائع المقرّرة من الأمور الاعتباريّة مطلقاً فمثل الصّلاة
ص: 250
والغصب من الأفعال الخارجيّة كما عرفت.
ومحصّل ثانيها: أنّ التكاليف المتعلّقة بها إنّما تتوجّه إلى الأفعال الخارجيّة فالصّلاة وإن كانت من الأمور الاعتباريّة المنتزعة من الأفعال الخارجيّة من الحركات والسّكنات وتعلّق الطلب بها في الشريعة إلّا أنّه يرد حقیقة على تلك الأفعال وهي متّحدة مع الحركات الغصبيّة في الخارج.
والفرق بين هذا الوجه والسّابق أنّه سلّم في السّابق تعلّق الأمر بتلك الأمور الاعتباريّة إلّا أنّه قال: إنّ معنى إيجادها إيجادها بإيجاد منشأ انتزاعها(1) وفي هذا الوجه يقول: إنّ(2) التکلیف من الأوّل يرد على المنشأ.(3)
وفيه: منع ذلك فإنّ الأفعال التوليديّة متعلّقة للطلب حقیقة دون عللها.
ودعوى أنّها غير مقدورة؛ مدفوعة بكفاية القدرة بالواسطة.
ودعوى أنّها من الآثار للأفعال ولا يتعلّق القدرة(4) إلّا بالفعل؛
مدفوعة بخروجه عن الفرض، فإنّ المفروض أنّها أفعال للمکلّف كما لا يخفى.
ودعوى أنّ الأمر بها أمر بعللها في نظر العرف، خلاف الواقع، فإذا فرضنا أنّ المصلحة في الإحراق وكونه مقدوراً بالواسطة يكون الطلب الوارد عليه متعلّقاً به حقیقة دون الإلقاء.
ص: 251
نعم يجب الإلقاء من باب المقدّمة بناء على القول بوجوبها.
ومحصّل ثالثها: أنّ المفروض كون النّسبة بين الطبيعتين هي(1) العموم(2) من وجه ولا بدّ في مثلهما من الاتّحاد من جهة والمغايرة من أخرى فهما متّحدان بحسب المصداق في الخارج ومتغايران في وجودهما بحسب الذات في الخارج.
ألا ترى أنّ الحيوان والأسود يصدقان على شي ء واحد ويحملان عليه مع أنّ مفاد الحمل هو الاتّحاد في الوجود ولا ينافيه كون وجود ذلك المصداق في نفسه مغايراً لوجود السّواد في نفسه أعني الأسود بما هو أسود. فهناك جهة اتّحاد وجهة مغايرة.
وإنّما يصحّ الحمل بملاحظة الأولى دون الثانية ولذا لا يصحّ حمل السّواد على الجسم ويصحّ حمل الأسود عليه وتعلّق الأمر والنهي بهما إنّما هو من الجهة الأولی؛ إذ المفروض كون النّسبة هو العموم من وجه.
ولو كان من الجهة الثانية كان بينهما المباينة في المصداق؛ إذ لا شي ء من حيثيّة الصلاة مثلاً بغصب ولا من حيثيّة الغصب(3) بصلاة فيلزم توارد الأمر والنهي على شي ء واحد.(4)
وفيه:أنّه إذا اعترف بمغايرتهما في الوجود الخارجي بحسب الذات فلا يبقى مجال لدعوى الاتّحاد في المصداق؛ إذ ليس الوجود الخارجي إلّا بوجود المصداق فمع
ص: 252
كون الوجود الخارجي في أحدهما مغايراً للوجود الخارجي للآخر يلزم المغايرة في المصداق أیضاً.
والتحقیق في مثل الحيوان والأبيض أنّهما متغايران بحسب(1) الذّات(2) لا فيالوجود الخارجي بحسب الذّات ومتّحدان بحسب الوجود الخارجي أي في المصداق ولا يلزم من كونهما متّحدين بحسب الوجود الخارجي(3) أن يكون السواد هو الجسم وإنّما يلزم ذلك لو كانا متّحدين بحسب الذات أي في الذاتيات.
ألا ترى أنّه(4) في العموم المطلق أیضاً إذا كان أحدهما عَرَضيّاً بالنّسبة إلى الآخر لا يصحّ الحمل بحسب الذّات بل يصحّ بحسب الوجود والمصداق فقط.
ثمّ لو سلّمنا مغايرتهما في الوجود الخارجي واتّحادهما في المصداق حسبما زعمه لانسلّم أنّ الأمر والنهي يتعلّق بهما بملاحظة اتّحادهما؛ إذ غاية الأمر أنّهما يتعلّقان بهما بملاحظة وجودهما الخارجي والمفروض مغايرتهما فيه، فأين وحدة المتعلّق؟
وكون المفروض أنّ النسبة بين المأمور به والمنهي عنه العموم من وجه لا يقتضي أن يكون التکلیف بلحاظ وحدتهما في المصداق؛ إذ لم يقل أحد إنّه لا بدّ أن يكون الأمر والنهي باللّحاظ الّذي بينهما العموم من وجه.
بل غاية الأمر أنّ النزاع في العامّين من وجه ولا يأبى هذا من أن يكونا بلحاظ وجود کلّ منهما الّذي هو جهة مغايرتهما على البناء المذكور.(5)
ص: 253
ثمّ إنّه ذكر وجوه(1) أخرى من الجواب عن التقرير المذكور حاصلها أنّا وإن سلّمنا مغايرة(2) الطّبيعتين من حيث الوجود الخارجي والاستراحة من هذه الحيثيّة إلّا أنّه يلزم محذور الاجتماع في الفرد حيث إنّه حرام قطعاً وواجب أیضاً:
إمّا لانطباقه على الطّبيعة المطلوبة فيكون واجباً بوجوبها حيث إنّها واسطة في ثبوت الوجوب له بالجهة التعلیليّة لا بالجهة التّقييدية لا بأن يكون هناك وجوبانأحدهما متعلّق بالطّبيعة والآخر بالفرد حتّى يقال: إنّه خلاف الواقع؛ إذ من المعلوم أنّ الوجوب الشرعي واحد. بل(3) لأنّ الطّبيعة إذا كانت مطلوبة من حيث الإيجاد فيكون الطلب بالمآل وارداً على الفرد والطّبيعة ملحوظة عنواناً للأفراد فيلزم المحذور المذكور.
وإمّا لأنّ الخصوصيّة الفرديّة مقدّمة لإيجاد الطّبيعة المطلوبة فهى أیضاً مطلوبة ولا يمكن الالتزام بجواز الاجتماع في الواجب الغيري كما قد يتخيّل؛ إذ لا فرق بين أفراد الواجبات ولا يمكن الالتزام بحرمتها محضة ودعوى الإسقاط؛ إذ هو إنّما يتصوّر في مقدّمة مغايرة مع ذيها في الخارج لا مثل المقام حيث إنّها متّحدة مع ذيها من جهة وإن كانت مغايرة(4) معه من(5) أخرى.
ففي مثله لا يمكن كونها محرّمة صرفة ومسقطة؛ إذ حرمتها تستلزم(6) تقييد مطلوبیّة ذيها بغيرها فلا تكون مسقطة.
ص: 254
وإن قيل: نمنع كون(1) الخصوصيّة مقدّمة لإيجاد الطبيعة؛
قلنا: إن جعلت لازمة لها فيلزم المحذور حيث إنّ تحريم اللّازم يستلزم تحريم الملزوم وهو الطّبيعة مع أنّها واجبة أیضاً وإن جعلت ملازمة معها نقول: وجوب الطّبيعة يستلزم وجوب علّتها وحرمةُ المعلول الآخر وهو الخصوصيّة مستلزمة لحرمة تلك العلّة فيلزم المحذور في تلك العلّة.
وإن قيل: إنّا نقول: إنّ تلك العلّة محرّمة صرفة ومسقطة؛
نقول: حصول الطبيعة بالخصوصيّة المفروضة غير حصولها بخصوصيّة أخرى. فإن كانت الطبيعة مطلوبة على إطلاقها بحيث تشمل(2) جميع الخصوصيّات لزم محذور الاجتماع فيها وإن قيّدت الطبيعة بغيرها من سائر الخصوصيّات فلا يكون الإتیان بهاواجباً فلا يحصل(3) الامتثال.
وإمّا لأنّ الفرد محلّ وجود(4) الطّبيعتين؛ إذ هما خلافان لا ضدّان فيمكن قيامهما بمحلّ واحد فالوجوب والحرمة اللاحقان لهما لاحقان لمحلّهما وهو الفرد بتوسّطهما فيلزم فيه اجتماع الضدّين وهما الوجوب والحرمة بتوسّط الخلافين وهما الطبيعتان القائمتان به(5).(6)
ص: 255
قلت يرد عليه: أوّلاً: أنّ ما ذكره في الوجه الأوّل من هذه الوجوه مبنيّ على القول بتعلّق الأحکام بالأفراد ولو بالمآل وهو خلاف التحقیق وخلاف مبنى الاستدلال.
فعلى ما هو التحقیق نمنع كون الطبيعة واسطة في ثبوت الوجوب للفرد حتّى تكون الجهة تعلیليّة بل هي واسطة في العروض والفرد واجب بالعرض والمجاز فلا يرد إشکال.
وكذا ما ذكره في الوجه الثالث بل هو في الحقيقة راجع إلى الوجه الأوّل.
ومن الغريب أنّه أورد على هذا الوجه: بأنّ الطبيعتين واسطتان في العروض لا في الثبوت، مع أنّه دفع هذا الإيراد عن الوجه الأوّل وهما كما ترى واحد وعلى فرض التعدّد فالدفع مشترك كالإيراد.
ويرد على ما ذكره في الوجه الثاني: أنّا نمنع كون الخصوصيّة مقدّمة لإيجاد الطبيعة بل هما متلازمان(1) ولا يضرّ اختلافهما في الحكم ولا يرد الإشکال في علّتهما؛ إذ نختار أنّها محرّمة صرفة والتقييد الّذي ذكره ممنوع كما عرفت سابقاً.
فيمكن كون الطبيعة مطلوبة على إطلاقها وإن كانت الخصوصيّة محرّمة؛ إذ ليس معنى إطلاقها إيجاب الخصوصيّة بل الطبيعة من حيث هي أينما وجدت، وعلى فرض تسليم المقدّميّة نمنع ورود المحذور؛ لأنّ الاتّحاد المذكور ممنوع على هذاالفرض، وعلى فرضه غير مضرّ كما قلنا على القول بالعينيّة.
فإنّ الحكم الوارد على هذا الموجود إنّما هو بلحاظ كونه طبيعة لا بلحاظ كونه فرداً فالخصوصيّة من حيث هي لا حكم لها من حيث الوجوب كما إذا كانت مباحة
ص: 256
فلايضرّ كونها محرّمة مع(1) كونها واجبة من حيث انطباقها على الطبيعة، فإنّ هذا الوجوب ليس على الحقيقة بل عرضي مجازي وفي الحقيقة الواجب هو الطبيعة فكونها متّحدة مع الطّبيعة من إحدى الجهتين لا يضرّ فهي على القول بالمقدّميّة كالمقدّمات المغايرة في الوجود صرفة.
وثانياً نقول: جميع هذه الوجوه إنّما هي بعد تسليم مغايرة الطّبيعتين من حيث الوجود ومعه لا وجه للحكم باتّحادهما في المصداق وكون الفرد منطبقاً على کلتیهما؛ إذ هو فرع اتّحادهما في الوجود.
وكذا لا وجه لدعوى اتّحاد الخصوصيّة مع الطبيعة من جهة على فرض كونها مقدّمة فلا وجه لإيراد الإشکال بالنسبة إلى الفرد بشي ء من هذه الوجوه، بل على التسليم المذكور يكون الفرد محقّقاً ومحصّلاً لکلّ من الطبيعتين ولا يضرّ حرمته في وجوب ما يتحقّق به نظير حرمة الإلقاء في النار ووجوب الإحراق إذا لم يكن منحصراً في الإلقاء.
وما يقال: من عدم إمکان حرمة العلّة مع وجوب المعلول، ممنوع على إطلاقه.
بل هو إنّما يسلّم فيما إذا كانت العلّة منحصرة لا مثل المقام.
وبالجملة فعلى فرض تسليم المغايرة في الوجود يصير المقام نظير ما إذا قال: «أکرم العالم ولا تكرم الفاسق» وفرض كون إکرام زيد العالم ملازماً لإکرام عمرو الفاسق في أنّ المتعلّق فيهما مختلف، غاية الأمر تلازمهما في الوجود فلا إشکال إذا كان للمکلّف مندوحة بأن أمكنه اختيار فرد من الإکرام غير ملازم.
ص: 257
الثاني(1): لا إشکال في أنّه يمكن أن يكون طبيعة ذات مصلحة بجميع أفرادهاوطبيعة أخرى ذات مفسدة كذلك بحيث لا يكون مقولتا المصلحة والمفسدة واحدة حتّى يحصل الكسر والانكسار في الفرد المجمع بأن يكون سنخاهما متغايرين مثل زيادة الرّطوبة وإزالة الصّفراء مثلاً فيكون الفرد المجمع واجداً لکلتيهما.
ومن المعلوم أنّ الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد وإذا كانتا في الطّبيعتين من غير خصوصيّة وتقيّد فلازمه تعلّق الحكم بهما كذلك.
فيكون الفرد المجمع منطبقاً على کلتيهما وواجباً وحراماً بهذه الملاحظة أي بمعنى عدم تقيّد الطبيعة المأمور بها بغيرها(2) وعدم ملاحظة الكسر والانكسار في المصلحة والمفسدة الموجودتین(3) فيه.
فإن قلت: سلّمنا ذلك وأنّه لا يحصل الكسر والانكسار إلّا أنّ الحكم تابع لما هو أهمّ منهما كما في الواجبين المتزاحمين.
قلت: إنّ ذلك إنّما هو إذا أريد إيراد الحكم على الفرد وأمّا إذا أورد(4) على الطبيعة فلا. ومن ذلك يظهر عدم ورود النقض بأنّ مقتضى هذا البيان جواز الأمر والنّهي على تقدير التعلّق بالأفراد بأن يقال: إنّ الفرد إذا كان واجداً للمصلحة والمفسدة من غير كسر وانكسار والمفروض أنّ الحكم تابع لهما فلازمه جواز الاجتماع بناء عليه أیضاً.
وذلك لأنّا نقول: سلّمنا ذلك إذا كان الحكم وارداً على جهتي الفرد بأن یكون الجهتان تقييديّتين وأمّا إذا لوحظتا تعلیليّتين بحيث يكون الفرد مورداً للحكم
ص: 258
فلا نسلّم ذلك بل يلاحظ أنّ أيّاً من المصلحة والمفسدة أهمّ ويجعل الحكم الفعلي تابعاً له وعلى تقدير كونهما تقييديّتين فيرجع إلى التعلّق بالطبيعتين ويخرج عن الفرض.
الثالث: أنّا نراجع وجداننا نجد أنّه مع قطع النظر عن المصلحة والمفسدة أیضاً لا مانع من أن يقول: «صلّ ولا تغصب، ولو أتيت بالصّلاة في المكان المغصوب فقد أتيت بمطلوبي من الصّلاة ولكن أعاقبك بمخالفتي في نهيي»، ومنع ذلك مكابرة كدعوى أنّ ذلك من جهة الوفاء بغرضه لا من جهة الإتیان بمطلوبه من حيث إنّه مطلوبه ومن المعلوم أنّ التمسّك بهذا الوجه إنّما يصحّ لمن لم يحكم عقله بامتناع الاجتماع وإلّا فلا يجوز الأخذ باللّوازم مع القطع بعدم الملزوم كما هو واضح.
والغرض الاستدلال به على هذا الفرض(1) فلا وقع لما في المناهج(2) من الإيراد عليه بأنّه من باب الاستدلال الإنّي(3) وإثبات الملزوم بإثبات اللّازم ولا بدّ أن يلاحظ
ص: 259
أوّلاً(1) هل يجوز التصريح بالأمر والنهي أم لا؟ فإن شكّ فيه يجوز التمسّك بجواز التصريح بالصحّة والعقاب.هذا وأمّا(2) ما يقال من أنّه على فرض التّصريح المذكور يعلم أنّ مقصوده ومطلوبه الطّبيعة أينما وجدت وليس الکلام فيه؛ إذ الإشکال إنّما هو في صورة عدم التّصريح بإرادة الطبيعة أينما وجدت فواضح الفساد؛ إذ الکلام في جواز الاجتماع عقلاً لا في الفهم العرفي التخصيص.
والفرق بين التصريح وعدمه إنّما يصحّ بالنّسبة إلى الفهم العرفي وأمّا في الحكم العقلي إذا ثبت جواز إرادة الطّبيعة أينما وجدت ثبت المطلوب.
الرابع: أنّا نراجع العرف نجد حكمهم بالطّاعة والعصيان فيما إذا أمر المولى بطبيعة(3) ونهى عن أخرى بينهما عموم من وجه مع إتیان العبد بالفرد المجمع، كما إذا قال: «امش کلّ يوم خمسين خطوة ولا تتحرك في جوانب الدار الفلاني» فمشى الخمسين فيها،(4) أو قال: «خط هذا الثوب ولا تتصرّف في المكان المغصوب» فخاطه فيه.
ص: 260
وأمّا التمثيل بالأمر بالخياطة والنّهي عن الكون في المكان الفلاني ففي غير محلّه؛ لأنّ المتعلّق فيه مختلف كما لا يخفى.
وتقريب الاستدلال أنّ العرف والعقلاء إذا حكموا بما هم عقلاء بالإطاعة والعصيان في الفرض المذكور كشف ذلك عن جواز الاجتماع عقلاً فهذا حكم عقلي إجمالي فلا يرد أنّ التمسّك بالعرف في المسألة العقليّة لا(1) وجه له.
ويمكن أن يقرّر على وجه آخر وهو أنّ العرف إذا حكموا بالطّاعة والعصيان فيفهم منه جواز الاجتماع شرعاً وإن لم يكشف عن حكم العقل ويكفينا الجواز الشرعي؛ إذ النّزاع في جواز الاجتماع واقعاً وإن کان الدليل عليه ما يكون حجّة شرعیّة(2) فهو وإن کان لا يفيد الجواز العقلي لكن يفيد الجواز الواقعي فإنّا إذا لم يحكم عقولنا بجواز الاجتماع ولا بعدمه يجوز لنا مراجعة العرف في طريقتهم(3) في مقام الامتثال وإذا وجدناهم يكتفون في مقام الامتثال بالفرد المحرّم نقول بكفايته؛ لأنّ طريقة امتثال الأوامر والنّواهي ليست إلّا ما بید العقلاء.
والحاصل: أنّهم لا يحكمون بتقييد(4) الطّبيعة المأمور بها بغير الفرد المحرّم فمع الشكّ في جواز الاجتماع يؤخذ بحكمهم ويحكم بحصول الامتثال.
بل يمكن أن يقال: مع القطع بعدم جواز الاجتماع عقلاً أیضاً يجوز المراجعة إليهم في ذلك؛ لأنّ الأحکام الشرعیّة تابعة للأفهام العرفيّة؛ إذ يستكشف من ذلك أنّ الشارع اكتفى في مطلوبه بمثل ذلك الفرد وإن لم يمكن عقلاً إبقاء الطّبيعة على
ص: 261
إطلاقها وإرسالها. فتأمّل.(1)
ويمكن أن يقرّر على وجه ثالث وهو أنّا نراجع العرف نجدهم يجوّزون إبقاء الطّبيعة المأمور بها على إطلاقها ولا يقيّدونها بغير الفرد المحرّم في أوامرهم العرفيّة فيجوز عندهم الأمر بالخياطة بأيّ وجه اتّفقت.
وبعبارة أخری: يجوّزون اجتماع الأمر والنّهي في أوامرهم ونواهيهم ولا فرق في ذلك بين الأوامر الشرعیّة والعرفيّة فإذا جاز في الثانية فيجوز في الأوّل أیضاً.
ويمكن أن يورد على الدّليل بالتقرير الأخير بأنّ محلّ النزاع إنّما هو الجواز بالنّسبة إلى أمر الحكيم ونهيه وإلّا فجواز الاجتماع في الجملة ممّا لا مجال لإنكاره؛ إذ لا يصل جميع الأفهام إلى معرفة امتناعه.
كيف ومن البيّن: أنّ القائلين بجواز الاجتماع يجوز منهم صدور التکلیف على الوجه المذكور غير أنّه لا يترتّب على أمرهم إلّا الوجوب والتحريم الإنشائيين دون الواقعيين.
فجواز الاجتماع في الأوامر العرفيّة وفي أنظارهم بالنّسبة إلى أوامرهم لا يفيد فيما هو محلّ النّزاع في کلام الحكيم العالم بحقايق الطّلب والتکلیف والحكم.(2)
ص: 262
وفيه: أنّه إذا لم ير العقلاء مانعاً عن الاجتماع في أوامرهم وإراداتهم فيكشف عن عدم المنافاة(1) واقعاً في الشّرعيّات؛ إذ السنخ واحد واحتمال عدم الوصول إلى واقع الأمر جارٍ فيما لو استدلّ بالدّليل العقلي أیضاً؛ إذ يمكن فيه الخطأ.
ودعوى أنّه لا يحصل في أوامرهم إلّا مجرّد الإنشاء وإلّا فالطلب الحقيقي أحدهما؛
مدفوعة بأنّه إذا لم يكن مانع عن اجتماعهما بحسب الإنشاء فيكونان واقعيين؛ إذ المغايرة بين الواقعي والإنشائي إنّما هو في وجوب الطّاعة وعدمه وكون المنشئمطاعاً أو لا.
ولو أريد من الإنشائي(2) مجرّد الصّورة وأنّه لا حقیقة للطّلب المذكور فورود المنع عليه واضح.
ويمكن أن يورد على التقرير الثاني بأنّ الکلام في جواز الاجتماع عقلاً وحكم العرف بعدم المانع إن لم يكشف عن حكم العقل الإجمالي فلا ثمرة فيه.
وفيه: ما مرّ من(3) أنّ النزاع في الجواز الواقعي وإن کان الدليل عليه غير العقل من الشّرع والعرف.
ص: 263
نعم الإنصاف أنّه مع القطع بعدم الجواز(1) عقلاً لا يجوز التمسّك بالعرف. وكون الأحکام واردة على حسب الأفهام العرفيّة لا يثمر في ورود الأمر على ما لا يمكن وروده عليه عقلاً.
نعم لو أريد إثبات اكتفاء الشارع عن المطلوب بغيره وإن لم يكن مطلوباً فله وجه.
وأجيب عنه بالتقرير الأوّل بوجهين:
أحدهما: أنّ الوجه في صدق الإطاعة في المذكورات أنّ المعلوم من الخارج فيها أنّ المقصود حصول تلك الطّبيعة بأيّ وجه اتّفقت وعلى أيّ وجه حصلت فلا يفيد(2) في مثل الصّلاة والغصب ممّا لا يعلم فيه ذلك.
وفيه ما لا يخفی؛ إذ هو التزام بمذهب الخصم؛ إذ الکلام إنّما هو في إمکان إرادة الطبيعة كذلك بحيث لا تكون(3) مقيّدة بغير الفرد المحرّم.
الثاني: أنّا نمنع صدق الإطاعة والامتثال وما يرى من حكم العرف إنّما هو مسامحة منهم حيث إنّه أتى بما هو متعلّق لغرض المولى فيتوهّمون في أوّل النظر أنّه مطيعٌ
ص: 264
وبعد التأمّل ينكشف الحال وأنّه عاصٍ صرف، غاية الأمر أنّه أسقط أمر المولى أیضاً لإتیانه بذات المطلوب.
لكنّ هذا إنّما يتمّ في التوصّليات وفي التعبّديات لا سقوط أیضاً؛ إذ هو فرع الامتثال.
وربما يورد عليه: بأنّا نرى أنّه لو عاقبه المولى على ترك المطلوب عدّ سخيفاً ولا كذلك لو عاقبه على مخالفة النهي فيكشف ذلك عن حصول الامتثال.
وفيه: أنّه يمكن أن يكون ذلك من باب أنّه أسقط الأمر فالأمر وإن لم یتمثل إلّا أنّه سقط عن ذمّته وأنّه(1) لا معنى لعقابه عليه كما إذا فعله غيره وإن کان هو بانياً على عدم الإتیان؛ إذ غاية الأمر أنّه تجرّى في ذلك وإلّا فليس بعاصٍ.
بل نقول: إذا كان على المکلّف دين موقّت وتركه في تمام الوقت عمداً لكن اتّفق أنّ الديّان أبرؤوا(2) ذمّته أو أدّى عنه غيره لا يجوز عقابه إلّا على التجّري بناء على حرمته. فمجرّد عدم جواز العقاب على مخالفة الأمر وترك المطلوب لا يكون دليلاً على المطلب.
والأولى أن يقال: إنّا نرى بالمراجعة إلى العرف والوجدان أنّه لو جعل ثواباً بإزاء إتیان المطلوب يجب عليه الإعطاء وإن جاز له العقاب على المخالفة بالنّسبة إلى النهي وهذا كاشف عن حصول الامتثال ومنع ذلك في غير محلّه، أو يقال: نرى أنّ الأمر كذلك وإن کان المورد من التعبّديّات. فتدبّر.(3)
ص: 265
الخامس: أنّه لو لم يجز الاجتماع لكان من جهة المضادّة وهي محقّقة(1) بين الأحکام(2) الخمسة کلّها ولازمه عدم اجتماع بعضها مع بعض، مع أنّه ورد ذلك في الشرع كثيراً فيكشف ذلك(3) عن جواز الاجتماع حتّى في الوجوب والحرمة.
فمن الموارد، العبادات المكروهة مثل الصّلاة في الأزمنة المكروهة(4) والأمكنة كذلك(5) والألبسة كذلك(6) ومثل الوضوء بالماء المشمّس(7) أي(8) المسخّن بالشمس والأذان والإقامة في جملة من الموارد فيحصل من ملاحظة جميع ذلك القطع بالجواز؛ لأنّ ورود النهي قطعي ودلالته على الكراهة المصطلحة أیضاً كذلك؛ إذ التّأویل في جميع هذه النّواهي الظاهرة فيها ممّا يقطع بعدمه وعلى فرض عدم القطع من حيث
ص: 266
الدّلالة فلا إشکال في كونها ظاهرة فيمكن التمسّك بها في إثبات المطلب؛ إذ قد عرفت سابقاً أنّ النزاع في الجواز الواقعي(1) وإن کان الدّليل عليه غير العقل من الأدلّة الشرعیّة وعلى فرض كون النّزاع في الحكم العقلي نقول: يكفينا الدّليل المذكور وإن لم يكن مثبتاً لما هو محلّ النّزاع.والنّسبة بين مورد الأمر والنّهي في هذه الصّور(2) وإن کان هو العموم المطلق إلّا أنّه يستفاد منه(3) حكم العموم من وجه بالأولويّة.
مع أنّه يمكن أن يقال: بورود العموم من وجه أیضاً على الوجه المذكور مثل أوامر الصّلاة ونواهي التصرّف في المال المشتبه بالغصب أو المتّهم صاحبه من حيث الطّهارة والنّجاسة والكون في مواضع التّهمة وغير ذلك.
وهذا الاستدلال كما عرفت إنّما ينفع(4) من لم يحكم عقله بالامتناع وإلّا فلا بدّ:
إمّا من الالتزام بالفرق بين الإلزاميّين وغيرهما وأنّ ملاك المنع عدم الرّخصة المتحقّقة فيهما دون غيرهما لا مجرّد المضادّة؛
وإمّا من التوجيه والتأویل في النّواهي المذكورة ويكفيه أن يقول: لمّا كان العقل حاكماً بعدم جواز(5) الاجتماع(6) فيكشف عن أنّ المراد من هذه النّواهي(7) خلاف ظاهرها من الكراهة المصطلحة وإن لم يعلم(8) المعنى(9) التأویلي.
ص: 267
ويمكن كون التأویل مختلفاً بالنّسبة إلى الموارد المذكورة بأن يكون النّهي في بعضها راجعاً إلى أمر خارج وفي بعضها محمولاً على الإرشاد إلى قلّة الثواب أو غيره ولا يلزم كون التأویل واحداً وهذا يرفع الاستبعاد المذكور.
هذا ولكنّ المانعين أرادوا بيان ذلك المعنى التأویلي فذكروا وجوهاً:
أحدها: أنّ الكراهة في الموارد المذكورة بمعنى قلّة الثواب وليست بمعناها المصطلح فلا بأس باجتماعها مع الوجوب وبيان ذلك يختلف في موارد العموم منوجه وموارد العموم المطلق:
أمّا الأوّل: فهو أن يقال كما(1) في الحاشية: إنّ أقصى ما يقتضيه النواهي المتعلّقة بتلك التصرّفات مرجوحيّتها بالنظر إلى ذواتها وهي لا تنافي رجحانها من جهة أخرى لكونها جزءاً من العبادة الواجبة فيحصل المعارضة بين الجهتين ومن البيّن أنّ مرجوحيّة المكروه لا توازي(2) رجحان الواجب، فغاية الأمر أن يحصل نقصان في ثواب الواجب فيكون الفعل راجحاً لا مرجوحاً بالمعنى المصطلح.
نعم هي بالنظر إلى ذواتها مكروهة بالمعنى المصطلح وذلك لا يقتضي ثبوت الكراهة بهذا المعنى في جميع الموارد حتّى في مورد الاجتماع؛ إذ المفروض أنّه عرضه فيه رجحان يزيد على تلك المرجوحيّة من جهة كونه جزءاً من العبادة الواجبة.(3)
ص: 268
والحاصل: أنّ النّواهى المذكورة تفيد الكراهة المصطلحة وتكشف عن منقصة في تلك الأفعال ولما عارض تلك المنقصة في مورد الاجتماع ما يزيد عليها ويغلبها من الرّجحان والحكم تابع لما هو الغالب عن(1) الجهتين فلا يبقى الحكم ولكن تبقى المنقصة وهي توجب قلّة الثّواب.
ففي المورد اجتمع جهتا(2) المصلحة والمنقصة دون نفس الحكمين لمكان المضادّة بينهما دونهما.
وأمّا الثاني: فهو أن يقال: إنّ المراد من تلك النّواهي المتعلّقة بالعبادات، الإرشاد إلى قلّة الثواب فليست مستعملة في معناها الظاهر حتّى يلزم اجتماع الضدّين.
وأورد على ما ذكر في العامّين من وجه بوجوه:
أحدها: أنّ هذا الجواب لا يجري في العبادات المكروهة الّتي لا دليل على اشتمالها على مصلحة زائدة على مصلحة(3) الوجوب؛ إذ بعد مصادفة الرّجحان الموجب للأمر بالمرجوحيّة الموجبة للنهي الكراهي(4) لا يبقى مقدار یکفي في الإيجاب وإنّما يتمّ في الموارد الّتي ثبت زيادة مصلحة الوجوب بمقدار المنقصة المنقّصة لها حتّى يبقى ما هو كافٍ في الإيجاب وإثبات هذا في جميع الموارد دونه خرط القتاد.
ص: 269
وأجيب: بأنّ ثبوت الوجوب بعد ملاحظة الكراهة كما هو المفروض كاشف عن زيادة المصلحة على المقدار اللّازم؛ إذ الإجماع قائم على بقاء الوجوب مع كونها مكروهة.(1)
نعم لو لم نعلم(2) الوجوب في مورد بعد الكراهة يبقى الإشکال إلّا أنّه ليس لنا مورد كذلك؛ إذ الإجماع على الوجوب قائم في جميع الموارد.
مع أنّ المجيب يكفيه الاحتمال.
قلت: لا وقع لهذا الإيراد والجواب أصلاً وذلك لأنّ ظاهرهما لابدّيّة كون مصلحة الوجوب زائدة وأنّها يمكن أن تنقص بحيث يرتفع الوجوب وأنّ الإجماع على بقاء الوجوب یدلّ على الصحّة والبقاء، من جهة الكشف عن الزّيادة بالمقدار المساوي للمنقصة.
مع أنّ الأمر ليس كذلك بل لا يمكن رفع اليد عن الوجوب إذا عارضه الكراهة في شي ء من الموارد مع قطع النظر عن الإجماع؛ ولذا تراهم يحكمون بالوجوب من دون ملاحظة الزيادة والنظر إليها ومن دون ملاحظة الإجماع.والسرّ في ذلك أنّ(3) مورد الکلام هو(4) ما كان من قبيل التزاحم ومن المعلوم أنّ منقصة الكراهة لا توازي رجحان الواجب ولا توجب رفعه وإن کان في أوّل درجة الإيجاب لاختلاف سنخيهما(5) كاختلاف سنخي مفسدة الحرمة ومصلحة الاستحباب، ولذا لا يتأمّل في عدم جواز الإتیان بمحرّم زاحم مستحبّاً.
ص: 270
فالحزازة المستكشفة(1) بالنّهي ليست من مقولة ما يراعى في مقام الإيجاب حتّى توجب نقصاً فيه.
ولو فرضنا الکلام فيما يكون من قبيل التعارض فلا إشکال في أنّه لا بدّ من الرّجوع إلى المرجّحات السنديّة والدلاليّة وقد يكون المرجّح لدليل النهي فلا بدّ من الحكم بعدم الوجوب كما في سائر مقامات التعارض بين الدليلين.
ألا ترى أنّه لو تعارض ما يدلّ على الوجوب وما يدلّ على الاستحباب أو الإباحة بالعموم من وجه لا يقال: إنّ مصلحة الإباحة لا تقاوم مصلحة الوجوب بل يرجع إلى المرجّحات، فلا وجه للکلام المذكور أصلاً؛ إذ في مقام المزاحمة لا يحتاج إلى زيادة المصلحة بل يكفيه كونه في أوّل درجة الوجوب ولا تزاحمه المنقصة الموجبة للكراهة وإن بلغت ما بلغت وفي مقام المعارضة المرجِع المرجّحات المذكورة في باب التعادل والترجيح.
الثاني: أنّ هذا الجواب لمّا كان مبنياً على المصلحة والمفسدة لا يتمّ على مذاق من كان نافياً لهما كالأشعري فلا بدّ من جواب يتمّ على مذهبه أیضاً؛ إذ هو المستدلّ بالدّليل المذكور.
وفيه: أنّ الغرض بيان الحقّ في المطلب وإن لم يتمّ على مذهب الأشعريالباطل عندنا، فنقول: لو قلنا بمقالة الأشعري نلتزم بجواز الاجتماع.
فإن قلت: سلّمنا بطلان مذهب الأشعري لكن من الإماميّة من يقول بكفاية المصلحة في الأمر وإن لم تكن مصلحة في المأمور به، بل هو الحقّ على ما قرّر في محلّه؛ إذ
ص: 271
الأحکام تابعة لحسن تشريعها.
قلت: نعم ولكن لا يلزم أن يكون كذلك في جميع المقامات فقد تكون(1) المصلحة في الأمر وقد تکون(2) المصلحة(3) في المأمور به ويتمّ الجواب بالتزام كون المقام ممّا يكون المصلحة والمفسدة في الفعل المأمور به والمنهيّ عنه وأنّ النهي كاشف عن المنقصة والحزازة.
نعم لو علمنا في موردٍ، أنّ المصلحة في الأمر لا يتمّ الجواب المذكور. وأنّى لنا بإثبات ذلك؟
هذا مع إمکان أن يقال: إنّ النهي المتعلّق بطبيعة كاشف عن مبغوضيّتها ومكروهيّتها النفسيّة على مذهب الأشعري أو غيره ممّن لا يقول بالمفسدة في الفعل ففي مورد الاجتماع تبقی(4) تلك المکروهيّة وإن لم يكن الطلب باقياً.
فالكراهة(5) بمعنى طلب التّرك تزول بالمعارضة لكن تبقى(6) الكراهة النفسيّة المستكشفة بالنّهي ولازمها قلّة الثواب.
ويمكن أن يقال: إنّ الأشعري لا ينكر الحسن والقبح الشرعيّين فيمكن أن يجعل النّهي كاشفاً عن المنقصة الشرعیّة فبزوال الطلب في مورد الاجتماع تبقى(7) تلك المنقصة ولذا لا يلزم على قول(8) الأشعري انسداد باب التزاحم؛ إذ على مذهبه يمكن
ص: 272
فرض المزاحمة بين الوجوب والكراهة والحرمة والاستحباب.
فلو قال بعدم جواز اجتماع الحكمين لا بدّ وأن يقول في مورد المزاحمة ببقاء المنقصة المتحقّقة في الطّبيعة المكروهة أو الرّجحان الموجود في الطّبيعة المندوب إليها. فتدبّر.
الثالث: أنّه لو حمل النّهي في مورد الاجتماع على الإرشاد إلى قلّة الثواب يلزم منه استعماله في معنيين(1)؛ إذ من المعلوم أنّ المراد منه في سائر أفراده الكراهة المصطلحة(2) لعدم إمکان التزام إرشاديّته في جميعها.
ويمكن أن يجاب: بأنّه مستعمل في القدر المشترك بين الطّلب والإرشاد أي في(3) مطلق الطلب ويكون فهم الخصوصيّة من الخارج.
لكنّه بعيد لو قلنا بصحّته وأنّ الجامع بين الطلب الإرشادي والمولوي موجود.
والأولى أن يقال: إنّ النهي لم يستعمل إلّا في الكراهة(4) المصطلحة ولازمه خروج مورد الاجتماع عن كونه متعلّقاً له بحسب الفعليّة وإنّما يستكشف المنقصة وقلّة الثواب من تعلّقه(5) بالطبيعة على وجه يدلّ على أنّ الطّبيعة ذات منقصة أينما وجدت وليس الدّليل عليها النّهي المتعلّق بالفرد؛ إذ المفروض عدم تعلّقه به ففي الحقيقة
ص: 273
يستكشف ذلك(1) من تعلّقه بالطّبيعة على وجه يستلزم المزاحمة كما هوالمفروض. فتدبّر.
الرّابع: أنّه إذا قيل بتخصيص النّهي بغير مورد الاجتماع وتقديم جانب الأمرلكونه إلزامياً كما هو المفروض على تقدير القول بامتناع اجتماع الطّلبين فلا وجه لدعوى بقاء المنقصة فإنّه رجم بالغيب؛ إذ الدّليل عليها إمّا العقل وليس المقام من قبيل المستقلّات(2) العقليّة، وإمّا النّقل وهو في المقام منحصر في النّهي.
فبعد القول بتخصيصه بغير مورد الاجتماع كما هو مناط الجواب لا يبقى نهي حتّى يستفاد منه المنقصة والكراهة الغير(3) المصطلحة.
ودعوى أنّها تستفاد من عنوان الدّليل كما أنّه يستفاد من عنوان(4) دليل الوجوب المصلحة؛
مدفوعة بأنّ ذلك فرع بقاء النّهي وعدم التّخصيص وإلّا فليس العنوان شاملاً(5) حتّى يستفاد منه ذلك.
فإن قلت: سلّمنا الخروج عن العنوان إلّا أنّ التّخصيص من قبيل المانع بعد وجود المقتضي كما في «أکرم العلماء ولا تكرم الفسّاق» ولذا لو شكّ في الفسق في بعض الأفراد يتمسّك بأصالة العدم ويحكم بوجوب الإکرام ففي المقام أیضاً المقتضي للكراهة(6) - وهي المنقصة - موجود(7)، وامتناع الاجتماع من قبيل المانع فالمقتضي بعدُ
ص: 274
باقٍ.
قلت: ليس کلّ تخصيص من قبيل المقتضي والمانع بل بعضها من قبيل تعدّد العنوان فليس کلّ عامّ من قبيل المقتضي. والتمسّك بأصالة عدم الفسق في المثال إنّما يوجب إحراز عنوان وجوب(1) الإکرام فلا دخل له بمسألة المقتضي والمانع.
نعم لو كان العنوان ممّا يستقلّ بحكمه العقل على وجه لا ينافي التّخصيص الشرعي كان للقول ببقاء الجهة بعد ارتفاع الحكم وجه.
ولكن لا يعقل التخصيص في حكم العقل ولو كان وجه التّخصيص عقليّاً لميبعد الالتزام ببقاء الجهة كما في التزاحم بين الواجبين فإنّ العقل قاضٍ بعدم تعلّق الطّلب بهما مع العلم ببقاء المصلحة إلّا أنّ ما نحن فيه ليس كذلك.
ودعوى أنّه من هذا القبيل لأنّ الوجه في التّخصيص فيه أیضاً هو امتناع اجتماع الطّلبين على وجه لو فرض ارتفاع الطّلب من أحد الطّرفين يبقى الآخر بلا مانع؛ إذ المطلوب تامّ من جميع الجهات ولذا حكموا بصحّة صلاة ناسي الغصبيّة وجاهلها؛
مدفوعة بأنّ لازم ذلك جريان مثله في مثل قولنا: «أکرم عالماً ولا تكرم الفاسق» مع أنّه على تقدير التخصيص لا يعلم ببقاء المصلحة في الفرد الخارج والفرض أنّ ذلك لا يقتضي إلّا عدم تعلّق الطّلب بالفرد الجامع فلنا أن نحكم ببقاء المصلحة بعد ارتفاع الطّلب وقد عرفت فساده.
قلت: قد عرفت سابقاً أنّ المفروض فيما كان من قبيل المانع العقلي وهو امتناع اجتماع الطّلبين وإلّا فالحكم معلّق على الطّبيعتين من حيث هما على وجه يسري إلى جميع الأفراد مع عدم المانع فلا وجه للإطالة المذكورة.
ص: 275
فنقول: إنّ المنقصة مستفادة من عنوان الدّليل ولا يضرّ التّخصيص بعد كونه عقليّاً.
ودعوى أنّ لازمه جريانه في مثل المثال المذكور؛
مدفوعة بأنّه من قبيل المتعارضين لا المتزاحمين ولو فرض كونه من قبيل المتزاحمین(1) التزمنا بمثله فيه أیضاً.
ودعوى أنّ لازمه جريانه في النهي التحريمي؛
مدفوعة بأنّه كذلك وأنّ مصلحة الأمر باقية إلّا أنّ الصحّة فرع الأمر على مذاقهم فلذا لا يحكمون بالصحّة ولذا ذكرنا أنّ العمل بناء على مذهب المانعين صحيح على التحقیق من عدم تفرّع الصحّة على الأمر حسبما عرفت.
فحاصل الکلام: أنّ تعليق الحكم على الطّبيعة على ما هو المفروض يقتضيسريانه(2) إلى جميع الأفراد مع عدم المانع سواء في الإلزاميّين وغيرهما وعلى القول بالامتناع يرتفع أحد الطّلبين ويبقى الجهة وبقاؤها بالنّسبة إلى الأمر لا یکفي في الصحّة وبالنّسبة إلى النّهي یکفي في قلّة الثواب بمعنى وجود الحزازة والمنقصة.
ومن الغريب أنّ المُورِد المذكور حام حول المطلب وتحفظ عن الوقوع فيه، وأغرب منه أنّه اعترف به بعد ذلك على ما سننقل عنه.
فتحصّل أنّه لا مانع من التوجيه المذكور بناء على القول بالامتناع؛ إذ محلّ النّزاع على ما عرفت إنّما هو صورة التزاحم لا التعارض.
كيف ولا مفرّ(3) عن الرّجوع إلى المرجّحات لو فرض التعارض مع قطع النظر عن المضادّة بين الطّلبين.
ص: 276
ولو فرضنا أنّ محلّ النزاع في المسألة الأعمّ من المتزاحمين والمتعارضين، أمكن أن يقال: إنّ الإجماع على بقاء الوجوب والكراهة كاشف عن كون المقام أي العبادة المكروهة في صورة العموم من وجه من التزاحم.
نعم الأولى أن يقال: إنّ المراد بكراهة العبادة حينئذٍ في کلمات الفقهاء وجود الحزازة في الواجب من جهة النّهي المتعلّق بالطّبيعة لا قلّة الثواب؛ إذ المنقصة الباعثة على الكراهة قد لا تقتضي(1) قلّة الثواب.
بل يمكن دعوى عدم كونها كذلك في جميع المقامات؛ إذ قد عرفت أنّ سنخ منقصة الكراهة غير سنخ مصلحة الوجوب فلا توجب نقصاً في ثواب الواجب أصلاً؛ إذ لا يحصل الكسر والانكسار بينهما والمراد بالغالبيّة والمغلوبيّة أنّ الحكم يتبع أقواهما لا أنّه يزيل أحدهما الآخر أو ينقصه كما لا يخفى.
وأورد على ما ذكر في العامّ والخاصّ المطلقين أیضاً بوجوه:
منها: ما ذكر في السّابق من أنّه لا يتمّ على مذهب الأشعري النافي للمفسدةوالمنقصة فلا يمكن جعل النهي للإرشاد إلى قلّة الثواب النّاشئة(2) من(3) المنقصة(4) الذاتية.
وفيه: ما عرفت مضافاً إلى أنّه لا مانع في المقام من جعل النهي للإرشاد إلى قلّة
ص: 277
الثواب من دون توسّط المنقصة والمفسدة؛ إذ المفروض في المقام أنّ النّهي مستعمل في ذلك بخلاف السّابق حيث إنّ النهي كان مستعملاً في معناه الظّاهر فلم يمكن كونه إرشاداً إلى قلّة الثواب.
ومنها: أنّ قضيّة اللّطف ومراعاة(1) المصالح والمفاسد تخصيص الأمر في هذه الموارد بالفرد الغير المشتمل على المنقصة لأنّ في الأمر به تفويتاً من دون انجبار.
فإن قيل: لعلّ ذلك من جهة أنّه قد ينحصر الفرد في المشتمل على تلك المنقصة فيحصل تفويت الواجب مع التخصيص المذكور.
يقال: إنّه يمكن أن يؤمر به على وجه الترتيب بأن يؤمر به أوّلاً بالفرد الخالي عن المنقصة ومع عدمه بالمشتمل عليها.
وفيه: أنّه إذا كان المفروض وجود المصلحة الكافية في الوجوب في جميع الأفراد فلا وجه للتخصيص بل اللّازم إطلاق الأمر وتوجيه النهي الکراهي(2) لأنّه مقتضى مراعاة(3) المصالح والمفاسد.
وبعبارة أخری: لمّا كان الفرد المذكور مشتملاً على الجهتين فاللازم مراعاتهمامعاً(4) بالأمر والنهي على الوجه المذكور وهو واضح.
ص: 278
ومنها: ما ذكره المحقّق القمي من أنّه مع هذه المنقصة إمّا يكون مطلوب الفعل فقط أو مطلوب التّرك كذلك أو مطلوبهما معاً فعلى الأوّل لا كراهة وعلى الثاني لا وجوب وعلى الثالث يلزم الاجتماع.(1)
وفيه ما لا يخفی؛ إذ لنا أن نختار الأوّل قوله: لا كراهة، نقول: هو كذلك بالمعنى المصطلح كما هو المدّعى لا مطلقاً.
ولنا أن نختار الثالث لكن بحمل(2) مطلوبیّة الترك على الطّلب الإرشادي لا المولوي ولا إشکال.
ومنها: أنّ لازم التوجيه المذكور كون الأفراد الغير المشتملة على المنقصة مثل الصّلاة في البيت مباحة مع أنّها ليست كذلك بالاتّفاق؛ إذ العبادة لا تكون مباحة.
ولو التزم بأنّ المباح إيقاعها في البيت لا نفسها نقول: إنّ المكروه کذلك(3) أیضاً إيقاعها في الحمّام(4) لا نفسها وكذا المحرّم إيقاعها في الدار الغصبيّة لا نفسها فيلزم
ص: 279
الحكم بجواز الاجتماع.
وفيه أیضاً ما لا يخفی؛ إذ نلتزم بإباحتها لكن لا بالمعنى المصطلح بمعنى جواز الفعل والترك بل بمعنى عدم قلّة الثواب ولا كثرته وإلّا فالإيقاع في البيت عين الإتیان بالواجب وهو واجب؛ أو نقول: إنّها مباحة بمعنى أنّ حيثيّة كونها في البيت لا تقتضي رجحاناً ولا مرجوحيّة، ولا إشکال ولا يضرّ عدم إطلاق المباح بالمعنى الّذي ذكرنا عليها في ألسنتهم؛ إذ الوجه فيه عدم(1) ورود شي ء في الأخبار بالنسبة إليها حتّى يحتاج إلى الإطلاق المذكور.
ومنها: أنّ لازمه كون الفرد المباح مثل الصّلاة في البيت أفضل فردي الواجب؛ لأنّه أكثر ثواباً بالنّسبة إلى ما اشتمل على المنقصة، وهو باطل اتفاقاً(2)
ويرد أیضاً: عدم انضباط المكروه؛ إذ يمكن أن يقال: الصّلاة في البيت مكروه لأنّها أقلّ ثواباً من الصّلاة في المسجد والصّلاة في بعض المساجد بالنسبة إلى بعض آخر تكون كذلك مع أنّه لا يطلق عليها الكراهة اتفاقاً.
بل لازمه أن يكون غير ما هو أكثر الأعمال ثواباً مكروهاً وهو بديهي الفساد.
وفيه: أنّ المراد قلّة الثواب بالنسبة إلى ما أعّد للطّبيعة من حيث هي مع قطع النّظر عن المنضمّات؛ إذ يمكن أن يكون للصّلاة من حيث هي ثواب(3) قد يزيد لبعض
ص: 280
الخصوصيّات مثل خصوصيّة المسجدية وقد ينقص(1) لآخر كخصوصيّة الحمّاميّة وقد لا يزيد ولا ينقص بأن لم يكن للخصوصيّة حكم كالبيتيّة.
ودعوى أنّ ما أعّد للطّبيعة لا يكون إلّا بملاحظة أقلّ الأفراد ثواباً ولا يمكن أنتقتضي الخصوصيّة شيئاً وراء الطّبيعة إذا لم تكن(2) بعنوان آخر لعينية الخصوصيّة مع الطّبيعة الموجودة؛ إذ المفروض أنّ الحكم لاحق(3) للطّبيعة باعتبار خصوصيّات الوجودات فهي ما لم تكن(4) داخلة تحت عنوان آخر لا تكون شيئاً وراء إيجاد الطّبيعة؛
مدفوعة أوّلاً: بإمکان التزام كون الخصوصيّة داخلة تحت عنوان آخر. فللصلاة حكم ولعنوان الإيقاع في الحمّام حكم آخر ولا يلزم أن يكون بين ذلك العنوان وعنوان المأمور به عموم(5) من وجه.
ألا ترى أنّه يمكن كون المحرّم عنوان الغصب حال الصّلاة المتّحد معها ففي المقام أیضاً يمكن أن يكون المكروه عنوان الكون في الحمّام حال الصّلاة المتّحد(6) معها فيلزم من ذلك نقص في ثوابها.
وثانياً: أنّه لا يلزم كونها داخلة في عنوان آخر وليس کلّ خصوصيّة راجعاً إلى إيجاد الفرد بما هو فرد بل قد يكون أمراً وراء أصل الإيجاد كما هو كذلك بالنسبة إلى الإيقاع في الحمّام؛ إذ هذه الخصوصيّة أمر وراء أصل الإيجاد فهي راجعة إلى ضميمة للفرد فيمكن أن تكون(7) منقّصة لثواب الطبيعة الموجودة.
ص: 281
والحاصل: أنّ النقص لا يأتي من قبل خصوصيّة الفرديّة بل من قبل ضميمة خارجيّة لازمة لها وما أعدّ للطّبيعة يلزم أن يكون بملاحظة أقلّ الأفراد ثواباً بما هو فرد لا بما هو ملازم مع خصوصيّة أخرى أیضاً.
ويمكن أن يجاب عن الإيراد المذكور:
بأنّه إن أريد أنّ اللّازم إطلاق المكروه على کلّ(1) ما كان أقلّ ثواباً بالنّسبة إلى فرد آخر أو عبادة أخرى، ففيه: منع ذلك بل المتبع ما يكون متعلّقاً للنهي في کلامالشارع.
وإن أريد أنّ اللّازم على الشّارع النّهي عن کلّ ما كان كذلك، ففيه: أنّه يمكن أن يكون النّهي في نظره مشروطاً بوصول الفعل في المرجوحيّة(2) إلى حدّ خاصّ يشبه الفعل به ما لا ثواب له فلا يلزم النّهي عن(3) کلّ قليل الثواب بالنسبة إلى غيره.
فما لم ينه عنه الشّارع يكشف عن عدم وصوله إلى ذلك الحدّ.
ودعوى أنّ المعنى المذكور ليس من التوقيفيّات بل المناط فيه مطلق المرجوحيّة بالنسبة إلى الغير ممنوعة. فتدبّر.
ومنها: أنّ استعمال النواهي في الإرشاد إلى قلّة الثواب ممّا لا سبيل إليه؛ لأنّه استعمال لما يدلّ على الطلب في المعنى الخبري وهو غير جائز أو تعسّف كما قاله في القوانين.(4)
ص: 282
وفيه: أنّه ليس المراد من النّهي قلّة الثواب بل الطلب الإرشادي وهو من معاني الأمر والنّهي، والذي يوجب التعسّف هو إرادة الإرشاد المجرّد عن الطّلب.
ودعوى أنّه إذا كان مستعملاً في الطلب يعود المحذور من لزوم اجتماع الطّلبين؛
مدفوعة بأنّ الممنوع هو اجتماع الطّلبين الحقيقيين لا الإرشاديين ولا المختلفين، وذلك لأنّ الطّلب الإرشادي طلب صوري مجازي، وفي اللبّ المراد به الإرشاد كما في أمر(1) الطّبيب فإنّه وإن کان طلباً في الصّورة إلّا أنّه في المعنى إخبار عن النافع والضّار فيمكن أن يأمر من حيث إنّه طبيب بشرب الدّواء الفلاني وينهى عنهمن حيث إنّه مولى لعبده ولا منافاة(2) كما لا منافاة(3) إذا(4) أخبر بالمصلحة والمفسدة من غير أمر، ثم نهى عن الفعل أو أَمَرَ به.
وبالجملة الغرض من الطلب الإرشادي إراءة المصلحة وبذل المنصحة فهو من قبيل الكنايات في أنّ المراد من اللّفظ غير المراد الواقعي والغرض العبور من معنى إلى آخر ولذا لا منافاة(5) بين أن يقول: «زيد طويل النجاد(6)» مع قوله: «لا سيف لزيد أصلاً».
ص: 283
هذا وأجاب في الفصول عن الإشکال:
أوّلاً: بالتزام إرادة الإرشاد المجرّد عن الطّلب قال: والتّعسف اللّازم منه ليس إلّا المخالفة للظاهر وهو ممّا يجب ارتكابه عند قيام الحجّة عليه.(1)
وثانياً: بإمکان إرادة طلب التّرك الغيري وهولا ينافي الرّجحان النّفسي وحيث استشعر أنّ الطلب الغيري للترك أیضاً ينافي(2) مطلوبیّة الفعل(3) لعدم جواز اجتماع الطّلبين مطلقاً دفع الإشکال بما هو مختاره من أنّ مطلوبیّة المقدّمة إنّما هي على تقدير الإيصال إلى ذيها فلا يلزم توارد الطّلبين على محلّ واحد؛ لأنّ مطلوبیّة الفعل على تقدير عدم التوصل بالترك ومطلوبیّة الترك على تقدير التوصّل به، ففي المقام يكون فعل الصّلاة في الحمّام مطلوباً ويكون تركها أیضاً مطلوباً على تقدير التوصّل به إلى الصلاة في البيت أو المسجد والمراد من النّهي هو طلب الترك للتوصّل إلى الأكمل.(4)
وما ذكره ثانياً من الطّلب الغيري يرد عليه:
أوّلاً: أنّه ليس راجعاً إلى هذا التوجيه من إرادة قلّة الثواب بل هو توجيه آخر سيأتي كما اعترف به هو أیضاً وكأنّه لم يلتفت إلى ما ذكرنا من الطّلب الإرشادي حيث لم يذكره مع أنّه لا غبار عليه أصلاً؛ إذ هو طلب نفسي إرشادي وليس الطلب الإرشادي منحصراً في الغيري بل نحو الإرشاد في النفسي غير نحوه في الغيري(1)؛ إذ الطّلب الغيري المذكور مولوي إرشادي لا إرشادي صرف بأن يكون الطّلب صورياً.
وبالجملة هذا التوجيه غير ما بأيدينا من إرادة قلّة الثواب والمفروض أنّ الغرض دفع الإشکال عنه.
ومن ذلك يظهر ما في کلام بعض المحقّقين في حاشيته حيث إنّه في مقام هذا التوجيه قد يظهر منه(2) أنّ المراد مجرّد الإرشاد من دون الطّلب(3) وقد يظهر منه أنّ المراد الطّلب الغيري وأنّ النهي لطلب الترك للوصلة إلى ما لا حزازة فيه،(4) مع أنّه لادخل لأحدهما بالآخر، وکلّ منهما توجيه مستقلّ. فراجع کلامه.
ص: 285
وثانياً: أنّ ما ذكره من اندفاع إشکال اجتماع الطّلبين بتخصيص المقدّمة بالموصلة ممنوع. فإنّا وإن ساعدناه في المبنى وأنّ المطلوب من المقدّمة هي الموصلة إلّا أنّا لا نساعده على دفع الإشکال المذكور.
وذلك لأنّ الطّلب الغيري كما عرفت غير الإرشادي الّذي ذكرنا؛ إذ هو مولوي إرشادي(1) بمعنى أنّ طلب التّرك فيه حقیقي لا صوري إلّا أنّه ليس المطلوب في الحقيقة إلّا الإيصال إلى الغير وإذا كان الترك الموصل مطلوباً فلا يمكن كون الفعل أیضاً مطلوباً بناءً على عدم جواز الاجتماع.
والتخصيص بالموصلة إنّما هو في مقام الامتثال لا في مقام الطّلب بمعنى أنّ الطّلب لا يسقط عن المکلّف في حال من الأحوال.
غاية الأمر أنّه لو أتى بالمقدّمة من دون إيصال لم يأت بما هو مطلوب المولى وإلّا فطلب الترك موجود على التقديرين ومعه يبقى الإشکال.
نعم لو قلنا إنّ المطلوب من المقدّمة إنّما هي الموصلة بمعنى أنّه لو كان لا يأتي في الواقع بذي المقدّمة لا تكون المقدّمة مطلوبة ولازمه عدم العقاب على تركها وإن قلنا بصحّة العقاب على ترك الواجبات الغيرية من حيث هي كما يظهر من صاحب المعالم(2) حيث خصّ وجوب المقدّمة بما إذا كان مريداً لإتیان ذيها يندفع الإشکال.
إلّا أنّه مع كونه فاسداً في نفسه لا يقول به صاحب الفصول حيث إنّه صرّح في
ص: 286
بحث المقدّمة أنّ المراد من كون المطلوب هي الموصلة أنّ غيرها لا يكون كافياً في مقام الامتثال ولا یتّصف بالمطلوبیّة في الخارج لا أنّ الطّلب من المولى لا يتعلّق إلّا بماكان موصلاً(1).(2)
فهو نظير كون الصّلاة مطلوبة في جميع الأحوال والأزمان إلّا أنّها لا تتّصف بالصحّة في الخارج إلّا مع إتیانها بجميع الشرائط والأجزاء فلو لم يأت ببعض الشرائط فقد عصى وترك المطلوب وهذا واضح جدّاً.(3)
ولذا(4) قلنا: إنّ ما فرّعه على المقدّمة الموصلة من عدم كون النهي المستفاد من الأمر بالشي ء موجباً للفساد في غير محلّه.(5) فتدبّر.
ص: 287
وثالثاً: بناء على كون المراد من النّهي الطّلب الغيري المتوصل به إلى إتیان الأكمل يلزم الحكم بكراهة کلّ ناقص كان تركه مقدّمة للكامل.
ولا يمكن الجواب بما أجبنا سابقاً من إرادة ما أعدّ للطبيعة إذ الطلب الغيري إنّما هو بحكم العقل ولا يتفاوت فيه الحال بين الأفراد بل وغيرها أیضاً إذا أمكن الترك للوصلة إليه.
نعم لو قلنا بعدم وجوب المقدّمة وأنّ الطلب الغيري في المقام شرعي صرف أمكن التخصيص بما خصّه الشارع، إلّا أن يقال: على التقدير الأوّل أیضاً يمكن أنيجعل الكراهة اصطلاحاً خاصّاً وإن کان المناط عامّاً.
هذا وربما يورد عليه تارة بفساد المبنى من المقدّمة الموصلة.(1)
وفيه: أن الحقّ صحّته على ما بيّن في محلّه إلّا أنّه لا ينتج في المقام كما عرفت.
مرجوحيّة ترك هذا الترك لا الفعل.(1)
وفيه: أنّ الغرض لمّا كان هو التوجيه والتأویل فیکفي أن يكون المراد من مکروهيّة الفعل مجرّد مطلوبیّة الترك على الوجه المذكور وهذا هو المراد من المنقصة في الفعل فليس المراد المنقصة(2) في الفعل حقیقة.
وتارة: بأنّ القول بعدم مطلوبیّة أفراد الواجب المخيّر بعد الإتیان بغيرها في مقام الامتثال لا يخلو عن حزازة حيث إنّ جميع الأفراد في نظر الآمر سواء والطلب الصّادر منه وارد على جميعها ولا يسقط الطّلب باختيار بعضها. نعم مع الإتیان ببعضها لا يبقى الطلب لا أنّه لم يكن متعلّقاً من الأوّل ببقية الأفراد.(3)
والحاصل: أنّ لازم ما ذكره كون الطّلب متعلّقاً ببعض الأفراد دون بعض معأنّه باطل وإن کان يسقط عن غير المأتي به من جهة حصول الامتثال.
وفيه: منع كون لازم کلامه ما ذكر بل هو يجعل الفعل مطلوبا لنفسه ولازمه مطلوبیّته على جميع التقادير. نعم يجعل مطلوبیّة الترك على تقدير خاصّ.
فإن قلت: نعم ولكن يلزم منه كون مطلوبیّة الكامل على فرض عدم الإتیان بالناقص؛ لأنّ مقدّمته إذا كانت مطلوبة على بعض التقادير فلازمه كون مطلوبیّته أیضاً كذلك.
قلت: لا نسلّم ذلك بل نقول: إنّ مطلوبیّة الكامل أیضاً على جميع التقادير بل مطلوبیّته الاستحبابيّة أیضاً كذلك والترك الموصل أیضاً مطلوب على کلّ حال إلّا أنّه
ص: 289
لا یتّصف بالمطلوبیّة في مقام الامتثال إلّا إذا كان موصلاً.
ويتخيل صاحب الفصول(1) أنّ هذا يجعل المتعلّق مختلفاً.
فالإيراد عليه إنّما هو ما ذكرنا من أنّه ليس كذلك إذ لا ينقطع الطّلب عن المکلّف على حال فلا يمكن أن يطلب الفعل مع كونه مطلوب التّرك على وجه خاصّ.
ولعلّه لما ذكرنا أمر المُورِد المذكور بعد بيان الإيراد بالتأمّل.(2)
ومنها: أنّ هذا التوجيه لا يجري في العبادات الّتي لا بدل لها مثل الصّلاة في الأزمنة المكروهة والصّيام كذلك حيث إنّ لکلّ وقت وظيفة صلاة ولکلّ يوم وظيفةصوم فلا يعقل الإرشاد إلى النّقص(3) فيها للتوصل فيها إلى الأكمل.
وفيه: أوّلاً: أنّه لا يلزم أن يكون البدل من جنس المبدل فيمكن أن يكون المقصود الإتیان بعمل آخر مضاد لذلك العمل ولو مثل قراءة(4) القرآن والدّعاء بدلاً عن الصّوم لمن يضعفه الصّوم عنهما كما نصّ على ذلك بالنّسبة إلى صوم يوم عرفة.(5)
ص: 290
ففي جميع المقامات البدل على هذا الوجه موجود لجميع النّاس ولو فرض في بعض المقامات عدم منافاة بعض الأعمال الكاملة للصّوم في الأيام المكروهة أمكن أن ينزل الأخبار على متعارف الناس في متعارف الأحوال.
وثانياً: نمنع أنّ الإرشاد بالمعنى الّذي ذكرنا يحتاج إلى بدل وإنّما المحتاج إليه الطلب الغيري المقدّمي فيمكن أن يطلب التّرك صورة للإرشاد إلى كون العمل ذا حزازة ونقص وإن لم يكن(1) الغرض تركه للتوصل إلى شي ء آخر.
وفائدة هذا الإرشاد اطّلاع المکلّف عليه ليختار الغير إذا أراد أن يأتي بصوم يوم واحد لا أزيد أو لم يمكنه إلّا صوم أحد اليومين أو الأيّام إلى غير ذلك من الفوائد.
وهذا المقدار یکفي في حكمة التعبير عن الإرشاد المذكور بالنّهي الظّاهر في طلب الترك.
مع أنّ الغالب أنّ الإنسان لا يصوم جميع الأيّام ولا يصلّي في جميع الأوقات فعليه أن يختار الأكمل في مقام الدّوران في إرادته فيريد الشارع إخباره بالناقص والكامل ليمكنه إدراك الأكمل إذا أراد.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ التوجيه المذكور بناءً على القول بالامتناع ممّا لا غبار عليه أصلاً لكن الأولى حسبما عرفت في العامّين من وجه أن يعبّر عن قلّة الثواب بالحزازة والمنقصة وأنّ النّهي لبيان ذلك لأنّ مجرّد الحزازة في الفعل لا یقتضي قلّة الثواب.
ويمكن أن يقال: إنّه لبيان عدم تاكّد الرّجحان والمطلوبیّة بالنسبة إلى سائر أفرادالطّبيعة لكن التعبير بقلّة الثواب أیضاً لا بأس به في المقام وإن منعناه(2) في المقام السّابق.
وأولى مما ذكرنا أن يقال: إنّ النهي للإرشاد إلى حزازة في الفعل أو إلى قلّة الثواب أو إلى عدم تأكّد الرجحان لأنّ کلّ هذه ممكن ولا معين لواحد منها وليس
ص: 291
شي ء منها أقرب إلى معنى النّهي وإن کان يمكن دعوى أقربية الإرشاد إلى الحزازة إليه من الآخرين.
نعم يبقى في التوجيه المذكور أنّه إذا كان العمل مع هذه المنقصة راجحاً في حدّ نفسه بحيث يكون فعله أولى من تركه المطلق فلا وجه لترك الأئمة (علیهم السلام) له على ما روي عنهم (علیهم السلام).
إلّا أن يقال: إنّهم كانوا يشتغلون بالأفضل ولو كان مثل إصلاح المعاش(1) الّذي قد يكون أفضل من الإتیان بالصّلاة(2) ونحوها.
وأیضاً لا وجه لأمرهم بالتّرك مع عدم الإشارة في شي ء من هذه الأخبار الكثيرة بأنّ الطلب المذكور للإرشاد إلى المنقصة؛ إذ قد يكون المکلّف لا يأتي بما هو أفضل ولو كان موجوداً؛ إذ كثيراً ما يكون إقباله بالصّلاة مثلاً في الزمان المكروه بحيث لو تركها لايأتي بها في زمان آخر ولا يكون له إقبال بغيرها من الأعمال.
فكان اللّازم الإشارة في واحد من الأخبار إلى أنّ النّهي إرشادي وأنّ العمل مع ذلك يكون راجح الفعل على التّرك في حدّ نفسه.
إلّا أن يقال: إنّه قد ورد منهم ذلك ولم يصل إلينا، وهو بعيد.
أو يقال: یکفي فيه الأوامر المطلقة والتأكيدات الواردة في الصّلاة والصّوم المستحبّين وكان(3) الأصحاب يفهمون بملاحظتها من النّواهي المذكورة الإرشاد المذكور، وهو أیضاً بعيد.
أو يقال: إنّه لا بدّ منه بعد استقلال العقل بالامتناع ولا يضرّ بُعده.
مع أنّ هذا الإشکال وارد على جميع التوجيهات ولا اختصاص له بهذا التوجيه
ص: 292
بل هو أقربها بعد لزوم التوجيه حسبما عرفت.
مع أنّه يمكن أن يقال: یکفي في البيان ما ورد في صوم عرفة من أنّ كراهته من جهة كونه مضعفا للدّعاء فيمكن أن يستفاد منه المثاليّة لغيره أیضاً. فتدبّر.
الثاني من الوجوه: ما حكي عن الوحيد البهبهاني(1) (قدس سره) من أنّ المراد بكراهة العبادات(2) مرجوحيتها الإضافية(3) ويرادفها خلاف الأولى، والمراد من النواهي بيان المرجوحيّة بالنسبة إلى الغير والظاهر أنّ المراد من المرجوحيّة المذكورة طلب التّرك الغيري لا المنقصة بالنسبة إلى الغير كما يظهر من تنظيره بمرجوحيّة القصر بالنسبة إلى الإتمام في المواطن الأربعة(4) وباجتماع الوجوب النفسي مع الاستحباب الغيري والعكس.
ص: 293
وإن کان يظهر من بعض بيانات المحقّق القمي (قدس سره) أنّ المراد منها مجرّد المنقصة في الفعل(1) فيكون راجعاً إلى التوجيه المتقدّم أو قريباً منه.
وكيف كان فيرد عليه بناء على إرادة الطّلب الغيري - مضافاً إلى ما مرّ سابقاً من عدم انضباط الكراهة حينئذٍ؛ إذ کلّ مفضول بالنّسبة إلى الأفضل مطلوب الترك بالطّلب الغيري المقدّمي، ومن عود المحذور؛ حيث إنّ الطّلب الغيري للتّرك أیضاً لايجتمع مع الوجوب النّفسي للفعل، إلّا أن يجاب بالمقدّمة الموصلة، وقد عرفت أنّه لاينفع، مع أنّه خلاف مذهب المجيب،(2) أو يقال: إنّ الطّلب الغيري يجتمع مع النّفسي، وفيه: أنّه لا فرق حسبما عرفت مراراً، إلّا أن يقال: إنّه طلب صوري مجازي بمعنى أنّ هناك طلباً واحداً متعلّقاً(3) بذي المقدّمة وينسب إلى المقدّمة بالعرض والمجاز وهو نفي لمطلوبیّة المقدّمة في الحقيقة؛ إذ مقتضى مطلوبیّتها أنّ هناك طلبین مولويین
ص: 294
حقیقيین(1) أحدهما نفسي متعلّق بذي المقدّمة والآخر غيري متعلّق بالمقدّمة وإن کان إرشادياً بمعنى آخر ومعه لا يجوز الاجتماع.
ودعوى أنّ المطلوب في الحقيقة التوصّل بالمقدّمة إلى ذيها فلا يكون الطلب وارداً على نفس الترك؛
مدفوعة بأنّ التوصّل ليس أمراً متحقّقاً في الخارج سوى إيجاد المقدّمة.
والحاصل: أنّ المحذور غير مندفع بجعل الطّلب غيرياً كما عرفت سابقاً -:
أوّلاً: أنّه لا يجري في العامّين من وجه؛ إذ لا يمكن أن يجعل الطّلب المتعلّق بالطّبيعة المكروهة في حدّ نفسها غيريّاً في صورة الاجتماع ونفسيّاً في غيرها.وثانياً: أنّه لا يتمّ فيما لا يكون تركه مقدّمة لإتیان الأفضل مثل ما لا بدل له ولو في اختيار المکلّف، مع أنّ البدل في اختياره لا ينفع في الطلب الغيري بل لا بدّ أن يكون الترك مقدّمة للوصول إليه عقلاً.
وثالثاً: أنّ ظاهر النواهي الكراهة النفسيّة ومرجوحيّة الفعل في حدّ نفسه لا مجرّد طلب الترك وإن جعلنا الفعل معه مرجوحاً؛ لأنّه لا يصير مرجوحاً نفسيّاً فمع إمکان حمل النواهي على ظاهرها من مرجوحيّة الفعل وكونه ذا منقصة في حدّ نفسه حسبما هو مقتضى التوجيه السّابق لا وجه لهذا التوجيه، وإن قلنا إنّ مطلوبیّة الترك لاتقتضي(2) مرجوحيّة الفعل بل مبغوضیّة ترك التّرك فيصير أبعد.
فالإنصاف أنّ هذا التوجيه مرجوح بالإضافة إلى التوجيه(3) السّابق إلّا(4) أن يراد من المرجوحيّة مجرّد المنقصة لا مطلوبیّة التّرك فيكون مثل السّابق أو راجعاً إليه.
ص: 295
هذا ولا وقع لما ذكره المحقّق القمي (قدس سره) إيراداً على التوجيه المذكور من أنّ الفعل مع هذه المرجوحيّة الإضافية إمّا أن يكون مطلوب الفعل أو التّرك أو مطلوبهما وعلى الأوّل لا كراهة وعلى الثاني لا وجوب وعلى الثالث يعود المحذور،(1) لما مرّ في نظيره على التوجيه الأوّل(2) من إمکان إرادة الأوّل على وجه والثالث على آخر - مع أنّ هذا الإيراد إنّما يناسب إذا جعلنا المراد من المرجوحيّة المنقصة لا طلب الترك الغيري - ولا لما ذكره أیضاً من أنّه يمكن أن يقال بنظيره في النّهي التّحريمي أیضاً وأنّ الفعل راجح ذاتي ومرجوح(3) بالإضافة إلى الغير؛ لأنّ مرجوحيّة الغصب(4) ليست غيريّة قطعاً والصّلاة متّحدة معه فلا يمكن ذلك فيه.
مقارن لها.
ومعنى كراهة العبادة حينئذٍ الحزازة الحاصلة من جهة المقارنة كأن يقال: «يكره الصّلاة مع النّظر إلى الأجنبيّة في حالها» فإنّ النّهي في الحقيقة متعلّق بالنّظر حال الصّلاة ولا منقصة فيها من حيث هي.
فإطلاق الكراهة كتعلّق النّهي مسامحة.
ولا يضّر عدم البيان بعد معلومية كون الغرض ترك النّظر أو ترك الصّلاة في المواضع المذكورة والإتیان بها في غيرها.
ولا يضرّ أیضاً عدم كراهة التعرّض للرّشاش أو السّيل في غير حال الصّلاة؛ إذ يمكن أن يكون ذلك مكروهاً حال الصّلاة فقط كما يمكن أن يكون المحرّم الغصب حال الصّلاة فقط.
ومن ذلك يظهر اندفاع ما ربما يورد عليه من أنّه لو أريد تعلّق النّهي بأمر خارج غير متّحد خرج عن كراهة العبادة، ولو أريد تعلّقه بأمر خارج متّحد لم ينفع؛ لأنّ في النّهي التّحريمي أیضاً كذلك.
وذلك لما عرفت من أنّ إطلاق الكراهة مسامحة.
نعم يرد عليه: أنّه لا يتمّ في جميع الموارد والاستقراء المذكور ممنوع.
مع أنّه خلاف ظاهر النّواهي المذكورة فإنّها ظاهرة في كراهة نفس العبادةويبعد تعلّق(1) النهي بها في هذه الأخبار الكثيرة مع كونه في الحقيقة متعلّقاً بأمر خارج لا يخطر ببال المکلّف أصلاً.
ولو أراد الموجّه المذكور جريان هذا التّوجيه في بعض الموارد وإن کان البعض
ص: 297
الآخر محتاجاً إلى توجيه آخر صار أبعد عن الإيراد.
لكن ظاهره بل صريحه حيث تمسّك بالاستقراء جريانه في جميع المقامات مع أنّه لا يتمّ تصنّعه في بعضها فضلاً عن كونه جارياً فيه بلا بُعد.
وأیضاً لا يتمّ في موارد العموم من وجه فإنّ من المعلوم أنّ النّهي متعلّق بنفس التصرّف في المال المشتبه بالغصب أو النّجس تنزيهاً المتّحد مع الصلاة لا بالتعرض له فلا يتمّ التوجيه المذكور فيها.
ولعلّ هذا مراد المحقّق القمي (قدس سره) حيث قال: إنّ التوجيه المذكور لا يتمّ بالنسبة إلى الصّلاة في مواضع التّهمة،(1) فإنّ نفس الكون فيها منهي عنه فغرضه أنّه ليس النّهي متوجّهاً إلى التعرض للتهمة فإنّه وإن کان ممكناً إلّا أنّه خلاف الواقع؛ إذ معلوم أنّ نفس الكون مكروه.
فلا وجه لما أورده عليه في الفصول من أنّ للموجّه أن يجعل النّهي فيه أیضاً عن التعرض للتهمة؛(2) إذ مجرّد الإمکان لا ينفع بعد معلومية كون نفس الكون مكروهاً في غير حال الصّلاة فلا يمكن أن يقال بتعلّقه بالتعرض إذا كان حال الصلاة.
نعم يمكن أن يناقش في خصوص هذا المثال بأنّ الكون ليس جزءاً من الصّلاة؛ إذ الظّاهر أنّ المراد منه مجرّد تحيّزه في ذلك المكان والكون الّذي هو جزء الصّلاة غير هذا الكون.
لكنّ الظّاهر أنّ غرض المحقّق المذكور المثالية لکلّ ما كان من قبيل العموم من وجه.
هذا وربما يقال: إنّ كون جزء العبادة مكروهاً لا يضرّ فيها بخلاف ما إذا كانحراماً فإنّه لا بدّ من كون أجزاء العبادة مرخصاً فيها ولا يلزم كونها بجميعها راجحة
ص: 298
فنلتزم في موارد العموم من وجه بالكراهة المصطلحة فلا(1) يضرّ.
وفيه: أنّه وإن کان صحيحاً من حيث هو كما سيأتي بيانه إلّا أنّا نقول: لا يلزم أن يكون مرخّصاً فيه أیضاً بل يمكن أن يكون حراماً صِرفاً ويكون العبادة من حيث الجملة واجبة حسبما يأتي إن شاء الله تعالى.
مع أنّه لو تمّ لجرى في العموم المطلق أیضاً فيمكن أن يقال: إنّ الكون في الحمّام جزء من الصّلاة وكراهته لا تضرّ(2) في رجحانها، إلّا أن يقال: الفرق أنّ(3) النهي في العموم المطلق تعلّق بنفس الصّلاة لا بالكون بخلاف موارد العموم من وجه ولا بأس به. فتدبّر.
وربّما يقال: نلتزم في موارد العموم من وجه بما مرّ سابقاً من تخصيص النهي بحكم العقل بغير مورد الاجتماع وبقاء المنقصة لتصادم مصلحة الوجوب ومفسدة الكراهة وغلبة جانب الوجوب فيبقى في طرف الكراهة مجرّد الجهة المنقّصة، وهو صحيح إلّا أنّك عرفت أنّ غرض الموجّه بيان توجيه ينفع في جميع الموارد.
نعم يمكن أن يقال: ظاهر کلامهم(4) توجيه خصوص موارد العموم المطلق. فتدبّر.
وقد يورد على التوجيه المذكور بوجوه أخر(5) لا وقع لها:
أحدها: أنّ التعرض للرّشاش ونحوه ليس إلّا الكون الّذي هو متّحد مع
ص: 299
الصّلاة فلا يكون التعلّق(1) بالأمر الخارج نافعاً.
وفيه: أنّ التعرّض عنوان منتزع من الكون الخارجي لا نفسه فلا يكون متّحداً معالصّلاة فهو نظير العناوين الثانوية.
إلّا أن يقال: إذا كان مكروهاً فلازمه كراهة سببه وهو الكون المتّحد مع الصّلاة.
وفيه: منع كونه مكروهاً في المقام ولو قلنا بمطلوبیّة المقدّمة؛ إذ كون الكون واجباً يمنع عن تعلّق الكراهة به فيكون المكروه خصوص مسبّبه فقط.
هذا مع أنّه على فرض تسليم اتّحاد التعرض مع الصّلاة لنا أن نلتزم تعلّق النّهي بعنوان آخر غيره ممّا لا يكون متّحداً؛ إذ الغرض التوجيه على وجه لا يلزم المحذور فالمناقشة المذكورة من قبيل المناقشة في المثال ولا يضرّ بأصل المدّعى.
الثاني: أنّ هذا التوجيه لا يجري فيما يؤمن من الرّشاش ونحوه مع أنّ الكراهة مطلقة.
وفيه: أنّه يمكن أن يقال المكروه التعرض الشأني للرشاش لا الفعلي.(2)
الثّالث: أنّه يمكن أن يقال بمثله في النّواهي التحريمية كأن يقال: إنّ المحرّم التعرض للغصب حال الصلاة لا نفسها(3)
وفيه: أنّ المفروض أنّ النهي متعلّق بنفس الغصب لا بالتعرض له ولا داعي إلى صرفه إلى التعرض. نعم لو ورد مورد حكم فيه بصحّة العمل المتّحد مع محرّم لا يمكن
ص: 300
فيه التوجيه إلّا بذلك نلتزم به.
ثمّ إنّك بعد ما عرفت من صحّة هذا التوجيه في الجملة وفي بعض الموارد وإن کان بعيداً من حيث إنّه مخالف لظاهر النواهي تعرف أنّه لا وجه لما التزم به(1) بعض من ضاق عليه المجال في دفع الإشکال المتقدم - من أنّ ذلك الخارج إن کان متّحداً مع العبادة يعود المحذور وإن کان مقارناً لا وجه للحكم بكراهة العبادة المقارنة مع ذلك المكروه - من أنّ التوجيه المذكور أجنبي عن المقام وأنّ ذكره في المقام خبطٌ منالناقل.(2)
وإنّما هو جوابٌ عن إشکال آخر أورده المحقّق الداماد (رحمة الله علیه) في السّبع الشداد(3) والبهائي (رحمة الله علیه) في الزبدة(4) من أنّ وجود المكروه في العبادات يوجب تسديس الأحکام أو تسبيعه حيث قال في السبع الشداد بعد ما أورد ضروباً من الإشکال ما لفظه:
«ثم إنّه إذا صحّ ذلك يصحّح قسم(5) آخر سوى الخمسة المشهورة وهو ما يثاب تاركه [من حيث هو تارك](6) - وفاعله أیضاً من حيث هو فاعل له ولكن يكون ثواب تركه -(7) أكثر من ثواب فعله وبإزاء هذا قسم آخر أيضاً وهو ما يثاب فاعله(8) من حيث
ص: 301
هو فاعله [من حیث هو فاعل له](1) وتارکه [أیضاً](2) من حيث هو تارکه(3) ولکن يکون ثواب فعله أکثر من ثواب ترکه. فإذن يفسد عليهم الحكم على الأحکام الشرعیّة التکلیفية بالتخميس».(4) انتهى.
فأجابوا عن هذا الإشکال بأنّ النهي ليس متعلّقاً بالعبادة بل بأمر خارج مجامع معها في الوجود فنفس العبادة واجبة أو مستحبة ولا يثاب على تركها وإنّما الثواب لترك أمر آخر مقارن معها فالحكم بالتخميس غير منخرم فلا وجه لذكره في المقام.
وذلك لما عرفت من أنّ إطلاق الكراهة إنّما هو من باب المسامحة من جهةالمقارنة المذكورة ومجرّد اتّحاد الجواب في المقام وذلك المقام لا يدلّ على كونه أجنبيّاً مع أنّه على فرض كون نظر الموجّه إلى ذلك المقام لا يضرّ بعد إمکان إجرائه في المقام أیضاً كما لا يخفى.
ومتعلّق الأمر هو الطّبيعة فيختلف مورد الأمر والنّهي.
وذكر في بيانه ما محصّله على ما حكي عنه:
أنّ متعلّق الأوامر هي الطبائع دون الخصوصيّات فيكون(1) نصّاً في طلب الماهيّات(2) بخلاف النهي فإنّه في معنى السّلب وسلب المركب من الطبيعة والخصوصيّة قد يكون برفع الجزئين وقد يكون برفع أحدهما كما هو الشأن في رفع المركبات فيكون تعلّقه(3) بالطبيعة ظاهراً لا نصّاً ومن القواعد المقرّرة وجوب صرفالظاهر بالنصّ حيثما وقع التعارض بينهما.(4)
ص: 303
وأورد عليه بوجوه(1):
أحدها: أنّ هذا التوجيه إنّما يلائم مذهب المجوّزين دون المانعين؛ إذ عندهم لايجوز الاجتماع ولو تعدّد مورد الأمر والنهي إذا كانا متّحدين في الوجود الخارجي كما هو المفروض.
الثاني: أنّ الاستدلال المذكور مما لا مساس له بدعواه؛ إذ لا کلام لنا الآن في كيفية تقديم النهي على الأمر حتّى يقال: إنّه نصّ ويجب صرف الظاهر به ولا مناسبة بين قاعدة انتفاء المركب وبين المقام.
الثّالث: أنّ الخصوصيّة إذا لم ترجع إلى عنوان مغاير لعنوان الفعل لا تكون إلّا
ص: 304
نحو وجود الماهيّة فلا يمكن تعلّق النّهي بها مع كون الماهيّة(1) مطلوبة؛ إذ الآثار والخواص الّتي للماهيّات إنّما تلحقها باعتبار أنحاء الوجودات فتكون هي وعاء لآثارها من الحسن والقبح والحرارة والبرودة ونحو ذلك وليست الخصوصيّات أمراً وراء الوجودات حتّى يتعلّق النهي بها مع كون تلك الماهيّات باقية على حسنها بحسب وجودها الخارجي.
الرّابع: أنّه يلزم منه عدم الاطّراد وجريانه فيما ليس بمكروه إجماعاً.
قلت: الإنصاف ورود الإشکال الأوّل دون ما عداه وذلك لأنّ غرضه على ما يظهر من کلامه دفع الإشکال عن تعلّق النّهي في قوله: «لا تصلّ في الحمّام» ونحوه بنفس الصّلاة فيقتضي الخروج عن الإطلاق في قوله: «صلّ» فكيف يحكم بالصحّة مع أنّ النهي متعلّق بما تعلّق به الأمر من الطّبيعة وأنّه من قبيل الاجتماع الآمري.
وحاصل دفعه: أنّ النّهي وإن توجّه إلى نفس الصّلاة في لسان الدّليل إلّا أنّه لمّا قيّد بقيد كونها في الحمّام فيمكن أن يتوجّه النّهي إلى القيد، ويمكن أن يتوجّه إلى المقيّد بوصف أنّه مقيّد، ولمّا كان في معنى السّلب الوارد على المركّب والقدر المعلوم منه(2) نفيه في الجملة فيحمل على نفي خصوص القيد جمعاً بينه وبين قوله: «صلّ»؛ لأنّ قوله: «صلّ» كالصّريح في تعلّق الأمر بالطّبيعة بل صريح، وهذا محتمل لتعلّق النّهي بالطّبيعة الموجودة في ضمن الفرد فيقتضي تقييد الإطلاق ولتعلّقه بخصوص القيد فلا يكون النّهي وارداً على الطّبيعة المقيّدة بل على نفس القيد فلا يستلزم التقييد، ومقتضى
ص: 305
الجمع هو ذلك فلا منافاة(1)؛ لأنّه يصير من قبيل العامّين منوجه.
والحاصل: أنّ غرضه دفع الإشکال من حيث كونه المقام من قبيل العامّ المطلق الّذي مرجعه إلى الاجتماع الآمري وأنّه يمكن توجيهه بوجه يصير من قبيل العموم من وجه، فقاعدة انتفاء المركب مناسبة للمقام وليس الغرض بيان كيفية تقديم النهي.
بل قد عرفت أنّه يقدم الأمر من حيث إنّه نصّ على النهي المتعلّق ظاهراً بالطّبيعة.
وأمّا حديث كون الخصوصيّة نحو وجود الطّبيعة فلا يمكن تعلّق النهي بها؛
ففيه: أنّها كما عرفت زائدة على أصل الفرديّة فليس النهي متعلّقاً بالفرد بما هو طبيعة بل به بما هو فرد خاصّ حسبما عرفت سابقاً.
ولا يلزم كونها راجعة إلى عنوان آخر مع إمکان الإرجاع(2) أیضاً وإن لم يرجع إلى العموم من وجه حقیقة بأن يقال: إنّ عنوان الإيقاع في الحمّام مكروه كما يمكن أن يجعل المحرّم الغصب حال الصّلاة كما عرفت مراراً.
وأمّا ما ذكره من عدم الاطّراد ومن لزوم كون ما ليس بمكروه مكروهاً؛
فلا يخفى ما فيه؛ إذ في جميع المقامات يمكن أن يقال النهي باعتبار الخصوصيّة بل هو كذلك قطعاً؛ إذ ليس أصل الطّبيعة ممّا فيه حزازة بل هي في الخصوصيّة المتّحدة معها.
فتحصّل أنّه لا يرد عليه إلّا(3) أنّ هذا التوجيه إنّما يناسب مذهب المجوّزين(4) لدفع الإشکال من حيث كون النهي متعلّقاً بنفس العبادة.
ص: 306
وظنّي أنّه أیضاً لا يريد إلّا دفع هذا الإشکال وليس غرضه الجواب عن النّواهي المكروهة بناء على مذهب المانعين والناقل اشتبه عليه الأمر وحينئذٍ فلا إيراد عليه أصلاً وکلامه في غاية المتانة ولا بدّ من المراجعة إلى الرّسالة(1) المنسوبة إليه.
الخامس: من الوجوه ما اختاره في الفصول(2) ومحصّله أنّ الكراهة الاصطلاحية مشتملة على رجحان الترك ومطلوبیّته ومرجوحيّة الفعل وهذه الأمور مشتركة بين العبادات وغيرها إلّا أنّ مطلوبیّة الترك(3) في غير العبادات إنّما تعتبر لنفسه ومرجوحيّة الفعل إنّما تعتبر بالنّسبة إلى التّرك.
وأمّا في العبادات فيتصوّر بوجهين:
أحدهما: أن يكون مرجوحيّة الفعل فيها(4) بالنّسبة إلى الطّبيعة المعرّاة عن اللّواحق المرجّحة والمنقصة وراجحية الترك ومطلوبیّته لأجل التوصّل إلى الأفضل وهذا مطّرد في الواجبات النفسيّة وجارٍ في المندوبات الّتي لها بدل دون غيرها؛ إذ
ص: 307
لايعقل طلب التّرك الغيري فيها.
الثاني: أن يكون المرجوحيّة فيها لاحقة للفعل المقيّد بالقربة مقيساً إلى الترك المقيّد بها ويكون الترك المقيّد بها مطلوباً لنفسه فيكون کلّ من الفعل والترك المقيّد بالقربة مطلوباً لنفسه مع أرجحيّة الترك ليكون الفعل مرجوحاً بالنسبة إليه.
وبهذا البيان يقرب مكروه العبادات من مكروه غيرها ويكون محصله التّخيير بين الفعل والترك المقيّدين بالقربة.
وهذا جارٍ فيما لا بدل له من المندوبات ويمكن تصويره في الواجبات أیضاً إلّاأنّ وقوعه في الشّرع غير ثابت.
نعم يمكن اعتباره في الواجبات الملتزمة بنذر وشبهه حيث يمكن أن يجعل على نفسه شيئاً على الوجه المذكور.
ثم حقّق ذلك(1) بما محصّله أنّ من الأفعال ما يترجح فعله على تركه مطلقاً كالتوصّليات؛ ومنها ما يترجّح فعله المقيّد بالقربة على تركه كالعبادات. وكذلك التروك فإنّها قد تكون(2) توصّلية كالزنا والسّرقة وقد تكون(3) عباديّة كمفطرات الصّوم.(4)
ص: 308
ثمّ کلّ منهما إمّا يترجح فعله على تركه المطلق فيكون تركه المطلق مرجوحاً كالواجبات التعيينية وقد يترجّح فعله بالنسبة إلى تركه على وجه خاصّ كالتخييريات حيث إنّ الفعل فيها راجح على الترك لا إلى بدل وفي الحقيقة يكون کلّ واجب تخييري راجعاً إلى التخيير بين الفعل والترك على وجه مخصوص وهو الترك مع الإتیان بالبدل ومثله التخيير في المقام إلّا أنّ التخيير في المقام بين النفسيين وهناك بين نفسي وغيري لأنّ ترك کلّ خصلة إنّما يجب مقدّمة للتوصّل إلى أخری(1)
ثم أوضح ذلك بما لا حاجة إليه في أصل المطلب ولا إلى ذكره - إلى أن قال -: لا يقال: هذا تخيير بين الفعل والترك فيرجع إلى الإباحة فلا يتحقّق الطّلب، لأنّا نقول: ليس مطلق التخيير بين الفعل والترك إباحة بل إذا كانا متقابلين بأن يمتنع فيه الواسطة وليس المقام منه، وهل هذا إلّا كالتخيير بين فعل وترك فعل آخر إذا تنافيا في(2) الاجتماع، غاية الأمر أنّ التنافي هنا من حيث الذات وهناك بواسطة أمر خارج - إلى أن قال ما محصّله -: وهذا الوجه(3) وإن کان خلاف ظاهر النواهي إلّا أنّه أقربالمحامل إليه.(4)
قلت: أمّا الوجه الأوّل فقد عرفت ما فيه سابقاً.
وأمّا الوجه الثاني فربما يورد عليه بوجهين:
ص: 309
أحدهما: أنّ ذلك مبنيّ على أن يكون القربة(1) من القيود اللاحقة للفعل ومن وجوه المطلوب وليس كذلك وإلّا لزم الدور، بل التحقیق أنّها من قيود الامتثال.
وفيه: أوّلاً: أنّ التحقیق أنّها(2) من قيود المأمور به وأنّ الدّور مندفع؛ لأنّ قصد القربة وإن كان موقوفاً على وجود الأمر إلّا أنّ الأمر غير موقوفٍ على تحقّق قصد القربة في الخارج، بل یکفي أن يتصوّر الآمر الفعل مع قصد الأمر المتوجّه إليه لو كان متوجّهاً إليه ثم يأمر بذلك الفعل.
غاية الأمر أنّه لا يعقل تحقّق القربة(3) في الخارج إلّا بعد تحقّق الأمر وأنّ مقدورية الفعل إنّما هو بالأمر ولا بأس به.
فنقول للآمر أن يقول: «إنّ الصّلاة مثلاً عبارة عن الأفعال المخصوصة وقصد الأمر المتعلّق بها إن تعلّق بها». ثم يقول: «ايت بالصلاة».
مع أنّه يمكن قصد القربة بوجه آخر غير قصد الأمر بأن يقصد كون الفعل محبوباً للمولى أو موجباً للقرب إليه أو نحو ذلك من وجوه القصد الغير الموقوفة علىالأمر على ما بيّن في محلّه.
وثانياً: لو سلّمنا أنّها معتبرة في طريق الامتثال فلا إشکال في أنّها ليست واجباً مستقلّاً بحيث لو أتى بالفعل لا معها كان الفعل صحيحاً، غاية الأمر أنّه عصى بترك القصد.
بل معنى اعتبارها في طريق الامتثال أنّه لو لم يقصد القربة كان ما أتى به غير
ص: 310
المأمور به الواقعي وإن کان في نظرنا هو هو بأن يكون الأفعال المخصوصة في الواقع لها نحو وجود خاصّ لا يتحقّق في الخارج إلّا بقصد القربة، فيكون من المقدّمات العقلية فلو أتى بها لا بها(1) لم يكن ما كان مطلوباً في الواقع فيكون القربة حينئذٍ معرِّفة لشرط واقعي وهو الخصوصيّة المعتبرة في الأفعال الخارجيّة فيكون الفعل مقيّداً بتلك الخصوصيّة وحينئذٍ يمكن أن يكون المطلوب الفعل المقيّد بها والترك المقيّد بها.
غاية الأمر أنّه يجب تبديل قصد القربة بتلك الخصوصيّة فيكون التعبير بالقربة من باب أنّها معرّفة لتلك الخصوصيّة فيتمّ مطلب الموجّه أیضاً.
الثاني: أنّا لو أغمضنا عمّا ذكر نقول: لا نعقل(2) كون کلّ من فعل شي ء وتركه مقرِّبا فإنّه تناقض؛ إذ لو كان المقرّب فعله فلا قربة في تركه وبالعكس؛ إذ من الواضح محالية اتّصاف طرفي النقيض بالتقرّب.
وفيه: أنّ المقرِّبية ليست من الصّفات الواقعية للأفعال والتّروك بل هي من جهة تعلّق أمر الشارع ونهيه فإذا فرض تعلّق أمره بکلّ من الفعل والترك كان کلّ منهما مقرِّباً.
وإن قيل: إنّه لا بدّ أن يكون هناك مصلحة في المأمور به(3) ولا يعقل أن يكون المصلحة في کلّ من الفعل والترك؛قلنا: يمكن أن يكون المصلحة في الأمر لا في المأمور به، مع أنّه إذا كانت القربة
ص: 311
قيداً للفعل والترك فيمكن كون کلّ منهما ذا مصلحة كما لا يخفى.
هذا ويمكن أن يورد عليه:
أوّلاً: بأنّ ما ذكره من التخيير بين الفعل والترك لا يحتاج إلى اعتبار قصد القربة في طرف الترك بل یکفي في الفرق بينه وبين الإباحة اعتبارها في الفعل فقط؛ إذ يتحقّق الواسطة حينئذٍ وهو الفعل لا بقصد القربة.
بل يمكن أن يتصوّر التخيير بين الفعل والترك مع عدم اعتبار القربة أصلاً ويتحقّق الفرق(1) بأنّ في الإباحة لا مصلحة في شي ء من الفعل والترك ولا طلب وهنا في کلّ منهما مصلحة وکلّ منهما مطلوبٌ على وجه التخيير ولا يضرّ عدم الواسطة كما إذا(2) خيّر بين الضدّين الذين(3) لا ثالث لهما.
ودعوى أنّه لا حاجة إلى الأمر حينئذٍ؛ إذ مع عدمه يحصل واحد من الفعل والترك؛
مدفوعة أوّلاً: بأنّ لازمه عدم إمکان التخيير بين الضدّين المذكورين مع أنّه ممكن قطعاً.
وثانياً: بأنّ فائدة الأمر حينئذٍ إمکان التعبّد والإتیان بقصد القربة بخلاف ما إذا لم يأمر، مع أنّه يمكن أن يكون هناك مصلحة في نفس الأمر غير ما ذكر من إمکان التعبّد.
بل إذا فرضنا إمکان(4) كون المصلحة في کلّ من الفعل والترك والمفروض أنّ
ص: 312
الأمر تابع للمصلحة فلا مفرّ من الأمر حينئذٍ على وجه التخيير.
ودعوى عدم إمکان ذلك مجازفة كدعوى عدم معقوليّة البعث إليهما.مع أنّ المکلّف منبعث بنفسه؛ إذ لازمه عدم الأمر فيما لو كان المکلّف آتياً بالفعل في علم الله تعالى، بل لو لوحظ ذلك ينسدّ باب التکلیف؛ إذ لا فائدة في البعث مع كونه في علم الله تعالى آتياً ولا إذا كان في علمه تاركاً.
وإن قيل: إنّ الفائدة هي الإثابة والعقاب، قلنا: فكذا في المقام.
وثانياً: أنّ ظاهر(1) النّواهي المذكورة كون المطلوب مجرّد الترك فالتقييد باعتبار القربة مع عدم الإشارة إليه في شي ء من الأخبار بعيد غايته.
وثالثاً: أنّ ظاهرها وجود منقصة ومرجوحيّة في الفعل وما ذكره راجع إلى مطلوبیّة الترك فقط من دون حزازة في الفعل، مع أنّ استعمال النّهي في الأمر بالترك خلاف ظاهر آخر؛ إذ ظاهر النّهي المنع من الفعل لا الأمر بالتّرك.
ورابعاً: إذا كان المراد من النّهي طلب الترك على وجه التخيير فمن أين يستفاد أفضليته من الفعل؟! إلّا أن يقال: إنّه يستفاد من الإجماع أو بعض الأخبار مثل قوله (علیه السلام): «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك [تطوّعاً](2)»(3) وهو كما ترى.
أو يقال: إنّ التعبير عن الأمر بالنهي يستفاد منه الأفضلية المذكورة؛ إذ العدول
ص: 313
عن التعبير الأصلي إلى ما يكون ظاهراً في(1) خلاف المطلوب لا بدّ له من نكتة.
السّادس: ما اختاره شيخ مشايخنا الشّيخ المحقّق الأنصاري(2) وحاصله أنّ الکلام في مقامات؛ إذ تارة يكون المنهيّ عنه أخصّ مطلقاً مع وجود البدل، وتارة لا معه،وتارة يكون أعمّ من وجه كالطهارة بالماء المشتبه والصّلاة في بيوت الظّالمين.
فيحتاج بيان الحال فيه إلى مقدّمة هي أنّ المستفاد من إطلاق الأمر المتعلّق بالطّبيعة في موارده أمور ثلاثة:
الأوّل: ترخيص المکلّف في إيجادها في ضمن أيّ فرد كان.
الثاني: حصول الامتثال وسقوط الطلب بإتیان أي فرد كان بمعنى أنّها متساوية في مقام الامتثال.
الثّالث: أنّها متساوية في الأجر والثواب فإذا فرضنا تعلّق النهي بفرد من أفراد تلك الطّبيعة فإمّا أن يكون ناظراً إلى التّرخيص التکلیفي أو الوضعي فلا(3) مَحالة يكون تحريمياً.
وهل يستفاد منه عدم وقوع الامتثال بالمنهي عنه أو يفيد التّحريم فقط أو يستفاد منه خصوص الفساد وعدم الامتثال ولا يستفاد منه التحريم؟
وجوه يبحث عنها في مسألة دلالة النّهي على الفساد وإن لم يكن النّهي تحريميّاً
ص: 314
فهو(1) ناظر إلى عدم استواء(2) الأفراد في الأجر والثواب كما أنّ النّهي التحريمي كالنّهي عن الصلاة في الحرير يستفاد منه مجرّد المانعيّة ولا يستفاد منه التّحريم إلّا على وجه التشريع.
ثمّ لو علم توجّه النّهي إلى إحدی(3) المراتب المستفادة من الأمر فهو وإلّا فلو شك في ذلك فهل يحكم بالتحريم ويتبعه الفساد على القول بامتناع الاجتماع أو بالفساد فقط بمعنى أنّه يحمل على كونه ناظراً إلى الترخيص(4) الوضعي أو بالكراهة المصطلحة أو غيرها؟
وجوه، أظهرها الثاني؛ لأنّ الكراهة بمعنييها خلاف الظاهر والتحريم وإن کانظاهر النّهي إلّا أنّ النّهي الوارد في مقام توهّم الصحّة يستفاد منه الفساد كالأمر الوارد عقيب الحظر المستفاد منه الرّخصة فقط دون الوجوب.
ودعوى أنّ النّهي كما يمكن أن يكون ناظراً إلى الصحّة كذا يمكن أن يكون(5) ناظراً إلى الجواز المستفاد من إطلاق الأمر؛
مدفوعة بأنّ رفع الجواز يلازم رفع الصحّة على القول بالامتناع فيكون نظير دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر والأصل قاضٍ بعدم التحريم عرفاً كما في الأوامر الواردة في مقام بيان الأجزاء والشّرائط فإنّها محمولة على الإرشاد إلى الجزئية والشّرطية وحيث إنّ ظهور الأمر في الصحّة أكثر من ظهوره في تساوي الأفراد في الأجر والثواب فلذلك(6) قلنا: إنّ الكراهة بکلا معنييها خلاف الظاهر.
ص: 315
نعم يصحّ ذلك فيما لو علم بإجماع ونحوه عدم الفساد فإنّ المنساق من النهي حينئذٍ عدم التساوي في المرتبة.
وإذا تمهّد هذا فنقول:
إنّ النّواهي المذكورة ليست على حقائقها من رجحان الترك ومرجوحيّة الفعل بل هي إرشاد إلى عدم تساوي الأفراد في الثّواب وليست خالية عن الطّلب بل هي للطّلب الإرشادي ولا يضرّ اجتماعه مع الوجوب لأنّ المقصود منه بيان قلّة الثواب فليس من الطّلب حقیقة وحينئذٍ فلا يلزم استعمال الإنشاء في الإخبار والمراد قلّة الثواب بالنّسبة إلى ما أعدّ للطّبيعة من حيث هي فلا يلزم عدم الانضباط.
نعم يشکل في العبادة الّتي علم بعدم زيادة ثوابها على القدر الواجب، ويدفعه عدم العلم بمثلها في العبادات المكروهة واحتمال كون بعضها كذلك لا يجدي في(1) النقض(2)؛ إذ مورد(3) النقض(4) ما يكون معلوماً أنّه كذلك وليس، وأیضاً العرف قاضبحمل النّواهي الواردة في مقام توهّم الاستواء على ما ذكرنا من القلّة.
وهوالعبادات الّتي لا بدل(5) لها فنقول: الإشکال فيها يرد على المجوّز أیضاً ولایختصّ بالمانعين وحسم مادة الإشکال فيها يحتاج إلى تمهيد هو أنّه: يمكن أن يكون کلّ من فعل الشي ء وتركه معنوناً بعنوان ذي مصلحة مقتضية للأمر به فيكون مخيراً
ص: 316
بين الفعل والترك کلّ بعنوان كالأکل المندرج تحت عنوان(1) إجابة المؤمن وتركه المندرج تحت عنوان الصّوم.
فحيث لا يمكن الجمع بين المتناقضين وجب الحكم بالتّخيير بينهما ولا يلزم من ذلك دخوله تحت الإباحة فإنّ ذلك إنّما يلزم مع عدم الواسطة وهي موجودة وهو الفعل والترك المجرّدان عن قصد العنوان المنضمّ إليهما فإنّ الإفطار بلا ملاحظة أنّه إجابة للمؤمن لا حسن فيه، كما أنّ تركه بلا ملاحظة عنوان الصّوم كذلك فالمقام نظير التخيير بين الفعل والترك المستفاد من حكم العقل في إنقاذ الغريقين حيث إنّه مخيّر بين فعل کلّ إنقاذ وتركه حيث إنّه حسن من حيث إنّه مجامع لعنوان إنقاذ الآخر.
لكن فرق بينه وبين المقام وهو أنّ فعل الإنقاذ في أحدهما ليس عين عدم الإنقاذ في الآخر فإنّ وجود أحد الضدّين ليس عين عدم الآخر وأمّا فيما نحن فيه فترك الصّوم وفعل الأکل عين عنوان الإجابة.
وبعد ذلك فنقول: إنّ الظاهر من ملاحظة النّواهي الواردة فيما لا بدل له أنّها من جهة احتفافها بعنوان آخر كما يظهر بالتصفح في مطاويها.
فكراهة صوم الولد بدون إذن الوالد إنّما هي من جهة أنّه مخالفة له وكذا كراهة صوم الزوجة بدون إذن الزوج. وكراهة صوم الضيف من جهة أنّ تركه داخل تحت عنوان إجابة المؤمن وكذا صوم من دعي(2) إلى طعام.
وكراهة صوم عرفة من جهة أنّ تركه داخل تحت عنوان الاحتياط على ما يظهرمن الرواية عن أبي جعفر (علیه السلام): «أكره أن أصومه [یعني يوم(3) عرفة](4) أتخوّف أن يكون
ص: 317
يوم عرفة يوم [النحر](1) وليس بيوم صوم».(2)
وكراهة صوم يوم عاشورا(3) إنّما هي من جهة التشبيه ببني أميّة لعنهم الله، إلى غير ذلك. فنختار أنّه مخير بين الفعل بعنوان الصوم والترك بأحد العناوين المذكورة.
فإن قلت: إنّ ذلك لا يتمّ فيما لا يكون هناك عنوان آخر كصوم السفر والصّلاة في الأوقات المكروهة.
قلت: أوّلاً: يمكن انتزاع العنوان في جميع الموارد كعنوان التشبه بعبدة الشمس في الصلاة وقت الطلوع والغروب.
وثانياً: نقول: العنوان الواقعي موجود ويمكن قصده إجمالاً؛ وذلك لأنّ حكم العقل بامتناع الاجتماع قاضٍ بذلك.
فإن قلت: فعلى ذلك لا حاجة إلى الأمر والنهي؛ لأنّ المکلّف إمّا يفعل أو يترك.
قلت: لعلّ الوجه أن يكون ذلك منه بداعي الامتثال ولا يرد الإشکال الوارد على صاحب الفصول؛ لأنّا اعتبرنا لحوق عنوان آخر لا عنوان القربة.
وإن قيل: كيف يقصد ذلك العنوان وهو مجهول في بعض المقامات؟
قلنا: قصد الأمر قصد له إجمالاً وهو كافٍ.
ثمّ قال: ويرد على الوجه المذكور أمران:
الأوّل: أنّ قضيّة ما ذكرت(4) تساوي الفعل والترك وظاهر کلماتهم والأخبار مرجوحيّة الفعل وهي غير مستفادة(5) ممّا ذكرت بل ولا أفضلية الترك.
ص: 318
ويدفعه أنّ الأفضلية يمكن استفادتها من بعض الأخبار أو من الإجماع أو من ترك الأئمة (علیهم السلام) لها أو من التعبير بالنّهي.
الثاني: أنّ مناط هذا الإرشاد ربما يقال بتحقّقه في جميع العبادات المستحبة مع أفضلية بعضها من بعض.
ويمكن دفعه بالتزامه فيما إذا كان أحدهما مقارناً للآخر كالإنقاذ.
وهو تصوير الكراهة في موارد العموم من وجه فالوجه فيها هو ما ذكر فيما لا بدل له والأفضلية أیضاً مستفادة من الوجوه المذكورة وليس التخيير شرعياً ليلزم الاستعمال في أكثر من معنى بل بحكم العقل.(1) انتهى.
أقول: في کلامه (قدس سره) أنظار لا بأس بالإشارة إليها إجمالاً:
أحدها: أنّ المقدّمة المذكورة ممّا لا حاجة إليها؛ إذ لا فرق بين النهي التحريمي والتنزيهي في أنّهما ناظران إلى الترخيص في الفعل وأنّهما يمنعان عنه، غاية الأمر أنّ أحدهما على وجه المنع من النقيض والآخر على وجه الإذن فيه فمفاد کلّ منهما المنع من الفعل وإذا أبقي هذا المنع على ظاهره أفاد عدم صحّة العبادة لما يعتبر فيها من الرجحان وإذا لم يمكن(2) الإبقاء على الظاهر ولا بدّ من التوجيه فلا فرق بينهما فكما يمكن أن يحمل النّهي التنزيهي على الإرشاد إلى نفي استواء الأفراد في الأجر والثواب
ص: 319
كذا يمكن أو يجب حمل النهي التحريمي أیضاً على الإرشاد إلى مفسدة ملزمة للترك(1) بما هي.
مثلاً إذا أمر بعبادة ونهى عن بعض أفرادها تحريميّاً ومع ذلك دلّ الدليل علىصحّة ذلك الفرد فبناء على القول بعدم جواز الاجتماع لا بدّ من أن يقال: إنّ في ذلك الفرد مصلحة ملزمة للفعل ومفسدة ملزمة للتّرك وإنّ الشارع قدّم المصلحة وجعل الحكم تابعاً لها في مقام الفعلية فأبقى الأمر على حاله وفي طرف النهي بقي الجهة من غير طلب فيكون النهي للإرشاد إلى تلك المفسدة وأنّها لو لم تكن مزاحمة بالمصلحة أوجبت(2) الترك فيكون الفعل معها أقلّ ثواباً من المجرّد عن تلك المنقصة فلا خصوصيّة في النّهي التنزيهي في القابلية للرجوع إلى التساوي في الأجر فهما من حيث هما منافيان لبقاء الأمر وبعد التأویل والتوجيه لا منافاة(3) لشي ء منهما.
ثمّ من أين علم أنّ النهي ناظر إلى التساوي في الأجر؟ إذ يمكن أن يكون ناظراً إلى التساوي في الرجحان الّذي هو معنى الأمر حقیقة فيكون لإفادة عدم تاكّد الرجحان وعدم تساوي الأفراد فيه، بل هذا أولی؛ لأنّ الرجحان مستفاد من الأمر بحقیقة معناه بخلاف الأجر والثواب حيث إنّه لا نظر للأمر إليه أصلاً.
ثمّ إنّ ما ذكره من: «أنّه لو كان النّهي ناظراً إلى الترخيص المستفاد من الإطلاق فلا محالة يكون تحريمياً وهل يستفاد منه»، إلى آخره،(4) لا وجه له؛ إذ لو علم أنّه نهي تحريمي فبناء على امتناع الاجتماع يلزمه الفساد ولو علم أنّه إرشادي وأنّه إرشاد إلى المانعيّة فكذلك ولو شكّ في كونه تحريمياً أو إرشادياً فالمرجِع ما ذكره في قوله بعد
ص: 320
ذلك: «ثم لو علم توجّه»، إلى آخره، فلا وجه لقوله: «أو يفيد التحريم فقط»(1)؛ إذ بناءً على امتناع(2) الاجتماع(3) كما هو مذهبه أو مفروضه لا وجه للتحريم فقط.
ثمّ لا وجه لقوله: «إنّ النهي الوارد في مقام توهّم الصحّة يستفاد منه الفساد»،(4) بعد كون النهي حقیقة في التحريم تکلیفاً.
نعم النواهي المتعلّقة بالعبادات يستفاد منها المانعيّة لكثرة استعمالها فيها فليسمجرّد الورود في مقام توهّم الصحّة كافياً في ذلك.
ثمّ ما ذكره من أنّ الشّك راجع إلى الأقلّ والأكثر فيؤخذ بالأقلّ وهو نفي الصحّة فقط(5)، إن کان مع قطع النظر عن الظهور في الإرشاد عرفاً فلا وجه له؛ لأنّ ظاهر النهي الحرمة، وإن کان بملاحظته فلا حاجة إلى الأصل؛ لأنّه إذا كان للإرشاد فلا يستفاد منه التحريم. فتدبّر.
الثاني: أنّ الحمل على قلّة الثواب بالمعنى الّذي ذكره خلاف ظاهر النّواهي والحمل على(6) الإرشاد إلى الحزازة والمنقصة أولى منه؛ لأنّه أقرب إلى معنى النهي.
ثمّ لا وجه لتخصيصه الوجه المذكور بما له بدل؛ إذ يجري فيما لا بدل له أیضاً؛ إذ الإرشاد بالمعنى المذكور يجري فيه أیضاً؛ إذ ليس المراد من الطلب الإرشادي حينئذٍ الطلب الغيري.
ص: 321
كيف ولو كان المراد منه ذلك لم يجز الاجتماع؛ لأنّه طلب حقیقي مولوي وإن کان إرشادياً بوجه آخر. فالّذي يجوز فيه الاجتماع مع الوجوب هو الطلب الإرشادي الصوري وهو متصوّر فيما لا بدل له أیضاً.
ثمّ لا وجه للإشکال الّذي ذكره فيما لا يكون ثوابه زائداً على المقدار المعتبر في الواجب ولا(1) لجوابه حسبما عرفت سابقاً؛ إذ مجرّد قلّة الثواب الناشئة من النهي التنزيهي لا يزاحم مصلحة الواجب وثوابه وإن کان في أوّل درجة الوجوب.
الثّالث: ما ذكره فيما لا بدل له إنّما تلقنه من صاحب الفصول،(2) غاية الأمر أنّه بدّل قيد القربة بقيد انضمام عنوان آخر.(3)فيرد عليه بعض ما ورد على صاحب الفصول مضافاً إلى أنّ مقتضى ما بيَّنه أنّ کلّاً من العنوانين مطلوب في حدّ نفسه فعلاً ولکلّ منهما مصلحة يجب تحصيلها عيناً فيكون کلّ من الفعل والترك بضميمة ذلك العنوان مطلوباً عينياً وإنّما جاء التخيير بحكم العقل من باب عدم إمکان الجمع وهذا يناسب مذهب المجوّزين.
غاية الأمر أنّ العقل في المقام في مقام الفعلية يحكم(4) بالتخيير وفي مقام النهي
ص: 322
التحريمي يحكم بوجوب تقديم النّهي في مقام الفعليّة لكن يبقى مصلحة عنوان الواجب فيمكن الحكم بالصحّة من جهتها بعد كون الأمر الشرعي مطلقاً وإن فرض أنّ التقييد العقلي يوجب التقييد(1) الشرعي أیضاً فنقول: لا وجه للحكم في المقام بالتخيير أیضاً بل لا بدّ من الكسر والانكسار في مصلحتي الفعل والترك ومع التساوي فهو مباح ومع غلبة إحداهما فالحكم تابع له.
والحاصل: أنّه إذا لم يقل في المقام بالكسر والانكسار مع كون کلّ من العنوانين في حدّ نفسه ذا مصلحة فعليّة موجبة للطلب الفعلي بل بالتخيير من جهة عدم إمکان الجمع فکذا في النهي التحريمي أيضاً(2) عنوان المأمور به ذو مصلحة فعلية وعنوان المنهي عنه ذو مفسدة كذلك فلا يجوز القول بالكسر والانكسار ومجرّد تغليب أحدهما في مقام الحكم الفعلي لا يرفع الآخر من البين فلا بدّ من القول بالصحّة مع أنّ بعض العناوين المذكورة من قبيل النهي التحريمي يوجب مرجوحيّة الفعل لا مجرّد مطلوبیّة الترك مثل عنوان مخالفة الوالد وإيذائه ومخالفة الزوج وعصيانه والتشبّه ببني أميّة لعنة الله علیهم فإنّ الفعل معنون بهذه العناوين فيكون مكروهاً نظير كون الصّلاة محرّمة لأنّها غصب ولا تفاوت بينهما إلّا من حيث عدم الرخصة في الغصب والرخصة في هذه الأمور.وإن شئت قلت: لازم ما ذكره جواز الاجتماع إذا اجتمع(3) المستحب مع المكروه؛ إذ مفروض المقام من قبيله فمقتضى ما ذكره أن يقال - فيما إذا كان الفعل مستحبّاً من جهة ومكروهاً من أخرى -:
إنّ کلّاً من العنوانين في حدّ نفسه مطلوب والعقل بملاحظة عدم إمکان الجمع
ص: 323
يحكم بالتخيير ولا يجب التقييد، مع أنّه لا يقول به فلا وجه للتوجيه الّذي ذكره وكان الأولى أن لا يعيّن العنوان المنضمّ إلى الترك بأحد العنوانات المذكورة من إجابة المؤمن ومخالفة الوالد ونحوهما.
ويقول: يمكن أن يكون الترك معنوناً بعنوان يكون مطلوباً على وجه التخيير بينه وبين عنوان الصوم والصلاة بأن يكون هناك مصلحة واحدة قائمة بکلّ منهما كما في سائر التخييرات(1) الشرعیّة لكن لمّا كان بصدد إثبات كون الظاهر ذلك وهذا الّذي ذكرناه لا يمكن دعوى ظهوره عيّنه فيما ذكره ممّا يمكن دعوى ظهوره مع الغفلة عمّا يرد عليه ممّا ذكرنا.
ثمّ لا وجه لما ذكره جواباً عن السؤال(2) بأن لا حاجة إلى الأمر والنهي؛ إذ المطلوب حاصل مع عدم الأمر أیضاً.
وذلك(3) لأنّ هذا السؤال إنّما يرد إذا لم يكن هناك واسطة والمفروض أنّها موجودة فكان الأولى الجواب بوجودها؛ إذ فائدة الأمر حينئذٍ كما في سائر المقامات فلا وقع للسؤال ولا للجواب.
ثمّ إنّ العناوين المذكورة ممّا يجب القصد إليها كما هو المفروض ولا إشارة في شي ء من الأخبار إلى لزوم ذلك بل إنّما حكمت بالكراهة على الإطلاق.
الرّابع: أنّ ما ذكره من كون التوجيه في العموم من وجه كتوجيه ما لا بدل له(4)لا وجه له؛ إذ لا وجه لدعوى كون الترك للصّلاة في بيوت الظالمين بدلاً عن فعلها إذا
ص: 324
كان بعنوان الاحتياط مثلاً؛ إذ لازمه جواز ترك الواجب، ولذا خصّ صاحب الفصول(1) هذا التخيير بما لا بدل له من المستحبات ولم يقل بجريانه في الواجبات ولا في ذوي الأبدال من المستحبات.
فإن قلت: إنّ الترك للصّلاة في بيوت الظالمين منضمّاً إلى الإتیان بها في غيرها بدل عن فعلها فيها.
قلت: فعلى هذا يصير طرف التخيير الفعل في غيرها وهو كذلك ولا يكون للترك من حيث هو مدخلية فضمّه إلى الفعل لغو.
ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره قبل ذلك من الالتزام بجريان التوجيه المذكور في کلّ مفضول بالنسبة إلى الأفضل لا وجه له أیضاً.
فهذا التوجيه لو تمّ فإنّما يتمّ فيما لا بدل له من المستحبات ويمكن إجراؤه في ذوي الأبدال من المستحبات إذا أمكن دعوى كون تركها بدلاً عن فعلها كما أنّ فعلها في غير المكان أو الزمان المكروهين بدل عن فعلها فيهما لكن ليس لنا مورد يمكن ذلك فيه.
والإنصاف أنّ التوجيه بقلّة الثواب کلّية على الوجه الّذي ذكرنا من كون النّهي للطلب على وجه الإرشاد إلى الحزازة في الفعل وعدم تاكّد رجحانه أولى من الجمیع.
ويمكن أن يجاب عن بعض الموارد بتعلّق النهي بأمر خارج وعن بعضها بما ذكر من قلّة الثواب بالمعنى المذكور وعن بعضها بالطلب الغيري. هذا في العموم المطلق.
وأمّا في العموم من وجه فالوجه ما ذكرناه أوّلاً من التخصيص العقلي وبقاء الجهة. فتدبّر(2)
ثمّ هذا کلّه على مذهب المانعين.
ص: 325
وأمّا على مذهب(1) المجوّزين فنلتزم بالكراهة المصطلحة في موارد العموم من وجه ولا إشکال لتعدّد الجهة كما في النهي التحريمي سواء كانت المفسدة اللازمة للجهة المرجوحة(2) ممّا يساوي المصلحة اللّازمة للعبادة فيصير الفرد عارياً عن الجهة الموجبة للأمر والنهي بعد ملاحظة الجهتين بمعنى أنّه لو أريد إيراد الحكم عليه لا يحكم إلّا بالإباحة أو كانت المفسدة أكثر أو أقلّ.
وذلك لأنّ المعيار وجود المصلحة في عنوان المأمور به من حيث هو وهو موجود وليس الحكم وارداً على الفرد فلا يضرّ مرجوحيته في حدّ نفسه أو إباحته ولا يخفى أنّه لو كانت العبادة واجبة فلا مَحالة يكون المصلحة أقوى من مفسدة الكراهة في مقام الفعلية، إلّا أن يقال: يمكن أن يكون المفسدة أقوى وأولى بالمراعاة(3)؛ لأنّ المفروض أنّه يمكن إتیان الفرد الآخر في إحراز مصلحة الوجوب فيكون الأولى بعد هذه الملاحظة ترك الفرد ويكون مكروهاً صِرفاً.
وكيف كان فبعد ورود الحكم على الطبيعة لا إشکال فإنّ الإتیان بالفرد راجح في جميع الصّور من حيث إنّه إتیان بالطبيعة ومأمور به من هذه الحيثيّة وإن کان منهياً عنه من حيث الطبيعة الأخرى.
وأمّا في موارد العموم المطلق فلا إشکال فيما له بدل(4) أیضاً ومرادنا ممّا له(5) بدل ما يكون له(6) بدل من سنخه بأن يكون للمطلوب أفراد كان أحدها مرجوحاً وكان المأمور به إيجادها بإيجاد واحد بأن يكون على وجه التّخيير العقلي لا کلّ بدل وإن کان
ص: 326
عبادة أخرى فإنّه لا ينفع في المقام كما لا يخفى فإنّه في هذه الصورة أیضاً يكون المطلوب الطبيعة الراجحة في حدّ نفسها والمرجوح الخصوصيّة المنضمّة(1) إليها في بعض الموارد.
ولا فرق أیضاً بين أن يكون مرجوحيّة الفرد أقوى من رجحان الأمر أو مساوياً أو أقلّ لما مرّ من أنّ الحكم وارد على الطبيعة وبإتیان الفرد المرجوح الصّرف يحصل امتثال الطبيعة كما في صورة كون الخصوصيّة محرّمة أیضاً؛ إذ النهي ليس وارداً على الفرد من حيث إنّه طبيعة بل من حيث خصوصيّته.
وأمّا فيما لا بدل له كالصوم في السّفر والصلاة في الأوقات المكروهة(2) حيث إنّهما مطلوبان والأفراد الأخر ليست أبدالاً لهذه بل لکلّ يوم صوم ولکلّ وقت وظيفة صلاة فيشکل الكراهة المصطلحة؛ لأنّه يعتبر في العبادة الرجحان المفقود على هذا التقدير ولايمكن قصد القربة ويكون من قبيل الاجتماع الآمري على فرض تعلّق الأمر فمع عدمه لا رجحان ومع وجوده يلزم الاجتماع الآمري.
ولنا أن نقول: إنّا أیضاً(3) في هذه الموارد نوجّه ونؤوّل(4) بأحد التوجيهات المتقدمة من جعل النهي للإرشاد إلى قلّة الثواب أو نحوه أو جعل الأمر للإرشاد إلى المصلحة الموجودة فيه وإن کان بالفعل مكروهاً بلحاظ كون المفسدة أقوى من تلك المصلحة.
ص: 327
فإن قلت: فلا يتمّ الاستدلال بهذه النواهي.
قلت: يکفينا في الاستدلال سائر الموارد ممّا له بدل لعدم الداعي إلى صرفها عن ظاهرها بخلاف هذه الموارد.
ودعوى وحدة السياق فيها؛ مدفوعة بعدم مانعيتها.
ألا ترى أنّ سياق النواهي الكراهية(1) واحدة في العبادات وغيرها ومع ذلكيحملون(2) النواهي في خصوص العبادات على الإرشاد للمانع العقلي فكذلك نحن نخصّ التأویل بهذه الموارد لوجود المانع فيها دون سائرها لعدم المانع ولو فرضنا الشّك في جواز الاجتماع في هذه الموارد أیضاً نُبقيها على ظواهرها فيها أیضاً.
هذا، ولكن التحقیق كراهتها(3) بالمعنى المصطلح أیضاً ولا يضرّ ذلك في كونها عبادة وفي قصد القربة.
وبيان ذلك موقوف على مقدّمة هي أنّ المراد من العبادات الماهيات المخترعة لأجل التعبّد بها بمعنى أنّ أصل شرعها لذلك وبوجه آخر ما يعتبر فيه قصد الامتثال أو القربة أو نحوهما من الغايات المذكورة في محلّها ويعتبر فيها رجحان بحسب أصل ذاتها وحقیقتها وإلّا لما أمكن التعبّد بها ولا قصد القربة ولها وجودات واقعية ولوجوداتها آثار واقعية ولو بجعل الشارع مثل الفوز بالجنّة أو الوصول إلى درجة معيَّنة منها متى صحّت وأتى بها على وجهها ترتّب عليها ذلك الأثر(4)
ويمكن أن ينضمّ إليها بحسب بعض وجوداتها خصوصيّات موجبة لمفسدة أو
ص: 328
منقصة من جهة أخرى لا دخل لها بمصلحتها بحيث لا يوجب دفع(1) تلك المصلحة وذلك الأثر من البين بأن يكون مقولة تلك المفسدة مباينة لمقولة ذلك الأثر كأن تكون(2) موجبة لعقاب أو لسخط أو لدخول النّار في مدّة مثلاً مع كونه بعد مستحقّا لذلك المقدار من الثواب.
فحينئذٍ لو وجدت في الخارج مع هذه الخصوصيّة يترتّب عليها الأمران وذلك نظير السّكنجبين النافع لدفع الصفراء الموجب لضرر من جهة أخرى لا دخل له برفع الصّفراء.وحينئذٍ فإمّا أن تكون(3) تلك العبادة مورداً للحكم من حيث هي مع إمکان إيجادها على وجه لا يترتّب عليها تلك المفسدة بأن يكون المطلوب الطبيعة بإيجاد واحد مع عدم الانحصار في الفرد المرجوح فلا إشکال، سواء كانت تلك الجهة من المفسدة ملزمة ومحرّمة أو غير ملزمة وسواء كان بينها(4) وبين العبادة عموم من وجه أو مطلق؛
وإمّا أن تكون(5) مورداً للحكم على وجه العموم الاستغراقي بحيث يكون کلّ واحد من أفرادها مورداً للحكم وحينئذٍ لا بدّ من ملاحظة أنّ أيّاً من الجهتين أولى بالمراعاة(6)؟ وأنّ المصلحة في الأمر أو في النهي؟ فيحكم على طبقة.
فإن(7) فرضنا كون الجهة المحرّمة أو الموجبة للكراهة أولى بالمراعاة(8) نقول: إنّها
ص: 329
حرام صرف أو مكروه صرف وكذا إذا كان الحكم وارداً على الطبيعة مع الانحصار في الفرد المحرّم أو المرجوح.
ولكن المصلحة الموجودة فيها المترتّبة على وجودها بعدُ بحالها إلّا ما يكون فرع تعلّق الأمر بها مثل ثواب امتثال الأمر فإنّه لا يمكن أن يترتّب إلّا مع(1) وجود الأمر.
فلو فرضنا أنّ المکلّف أتى بتلك الماهيّة فقد أتى بما هو عبادة أي بما هو موضوعٌ ومخترع(2) للعبادة ويترتّب عليها الآثار والخواص ويترتّب المفاسد المترتّبة على تلك الخصوصيّة ومفسدة مخالفة النهي الفعلي أیضاً فيمكن أن تكون صحيحة؛ إذ الرجحان الذاتي موجود وقصد القربة أیضاً ممكن بلحاظ ذلك الرجحان فتكون(3) عبادة من حيث الذات وصورة عبادة في مقام الفعلية؛ إذ المفروض حرمتها أو كراهتهافعلاً وتكون أیضاً مقرّبة من حيث ذاتها وغير مقرّبة بالفعل.
إذا عرفت ذلك فنقول: يمكن تصوير الكراهة فيما لا بدل له بوجهين:
أحدهما: أن يقال: إنّ الأمر بالصوم والصّلاة مثلاً على وجه العموم الأفرادي وأنّ المطلوب صوم کلّ يوم والصلاة في کلّ وقت ويكون الفرد الكذائي مكروهاً صرفاً بلحاظ خصوصيّته وإن کان راجحاً بحسب أصل الذات بمعنى أنّ الشارع في مقام الفعلية راعى جانب المنقصة والمفسدة وجعلهما أولى بالمراعاة(4) فنهى عن ذلك
ص: 330
الفرد.
ولازمه عدم شمول العموم المذكور لهذا الفرد إلّا أنّه مع ذلك رخّص في الإتیان به كما هو المستفاد من نفس النهي التنزيهي فيجوز الإتیان به بقصد إحراز تلك المصلحة وتكون(1) عبادة في الصورة لا بمعنى أنّه فاسد ومع ذلك هو بصورة العبادة بل بمعنى أنّه صلاة صحيحة لا يوجب القرب من حيث الأمر(2) الفعلي لفرض عدم الأمر وإن کان يوجب القرب بمعنى تلك المصلحة فهي عبادة بحسب الذات حقیقة أعني أنّها من أفراد ما جعل واخترع للعبادة وصورة عبادة فعلاً أعني أنّها في مقام الفعلية ليست ممّا يتعبّد به فيكون المخترع والمجعول أوسع دائرة ممّا يكون مورداً للأمر.
وقد عرفت سابقاً أنّ في قصد القربة یکفي قصد الإتیان بما هو محبوب من حيث هو وإن کان مبغوضاً بملاحظة ضمّ جهة أخرى وبملاحظة النهي الفعلي.
وقد عرفت أیضاً سابقاً أنّه بناء على عدم جواز الاجتماع يمكن تصحيح العمل بهذا الوجه ففي الحقيقة هذا راجع إليه؛ لأنّا التزمنا بعدم الأمر، وللمقام أولوية ممّا مرّ من حيث إنّ النهي تنزيهي يبقى فيه الرخصة في الفعل بخلاف النهي التحريمي إذاقدّمناه على الأمر فإنّه لا يبقى معه الرّخصة.
الثاني: أن يقال: إنّ الأمر ليس متعلّقاً بالصّوم والصّلاة على وجه العموم الاستغراقي بل على وجه الکلّية والقضيّة الطبيعية على وجه يستفاد منه مطلوبیّته بالطّلب التعييني أينما وجدت فکلّ فرد مطلوبٌ من حيث إنّه إيجاد للطّبيعة وفي جميع
ص: 331
الأوقات والأحوال يكون المطلوب هو الطبيعة.
والمفروض أنّه يمكن إيجادها على وجه لا يستتبع المفسدة بأن يوجدها في زمان آخر أو مكان آخر فلو أتى بها مع تلك الضّميمة فقد أتى بالطّبيعة المطلوبة ويكون راجحاً من هذه الحيثيّة بالفعل أیضاً ويمكنه قصد امتثال الأمر المتعلّق بتلك الطّبيعة.
فيكون حاله حال ما له بدل في أنّ الأمر تعلّق بالطّبيعة مع وجود المندوحة وإتیان الفرد المرجوح إنّما هو بسوء اختيار المکلّف.
ولكن تماميّة هذا الوجه مبنيّ على كون الأمر بطبيعة الصوم والصّلاة على نحوالطّلب المطلق(1) بأن يكون في کلّ يوم مأموراً بطبيعة الصّوم ولو في اليوم المكروه؛ لأنّه الممكن الإيجاد بلا منقصة بعد ذلك اليوم.
وأمّا لو كان على نحو الطّلب المشروط فلا يكون الأمر متوجّهاً إليه في اليوم المكروه لعدم إمکان الإيجاد على الوجه المذكور فلا يمكنه قصد الأمر.
هذا ولا يخفى أنّه يمكن أن ينزل على ما ذكرنا ما ذكره المحقّق القمي (قدس سره) في المقام(2) حيث قال: إنّ العقل لا يستبعد أن يكون لأصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيّات رجحان وللخصوصيّة مرجوحيّة، إلى آخر ما قال.(3)
فإنّ ظاهره وإن کان هو الكسر والانكسار بين المصلحة والمفسدة ولكن يمكنأن يكون مراده من ذلك تبعية الحكم الفعلي لما هو أولى بالمراعاة(4) مع بقاء کلّ منهما على حاله؛ إذ حينئذٍ لا يرد عليه شي ء.
ص: 332
وقد صرّح بأنّ القدر المسلم من الرجحان في العبادة هو الرجحان في أصل الذات.(1)
وما ذكره في قصد القربة من أنّه لا يعتبر حصول القربة في العبادة وإلّا لما صحّ أكثر عباداتنا،(2) غرضه أنّه لا يعتبر حصول القرب بالفعل وإن کان يمكن قصد القربة بلحاظ الرجحان الحاصل من حيث الذات فيكون ناظراً إلى الوجه الأوّل الّذي ذكرنا.
وما ذكره ثانياً من أنّه لا ينحصر معناه في طلب القرب بل من معانيه موافقة الأمر وأنّه يقصد ذلك(3) فلعلّه ناظر إلى الوجه الثاني.
وما ذكره ثالثاً من أنّ صورة العبادة تکفي(4) في قصد القربة(5) ليس غرضه الصّورة المجرّدة عن الصحّة بل مراده أنّه يمكن أن يصحّ العمل على وجه العبادة؛ لكونه عبادة بحسب الذات وإن کان لا يتعبّد به بالفعل لعدم الأمر فهو صورة بالنسبة
ص: 333
إلى مقام الفعلية وحقیقة بالنّسبة إلى مقام الذّات حسبما ذكرنا(1).
وحينئذٍ يندفع عنه جميع ما أورد عليه من النّقض:
أوّلاً: بما إذا كان العمل محرّماً وأنّ لازمه الحكم بالصحّة للرجحان في أصل الذات؛ إذ نقول:
أوّلاً: إنّا نلتزم(2) بذلك وأنّه لو كانت الطّبيعة منحصرة في الفرد المحرّم لا أمر ولا رخصة ومع ذلك لو أتى بها بقصد رجحانها الذاتي صحّت.
وثانياً: فرق بين المحرّم والمكروه حيث إنّه لا رخصة في المحرّم وفي المكروه الرخصة موجودة، فيمكن أن يقال: إنّها كاشفة عن بقاء الرجحان الذاتي وأنّ المقام من باب تزاحم المصلحة والمفسدة بخلاف صورة الحرمة فإنّه يمكن أن يكون من قبيل التخصيص الشرعي.
فلا بدّ في الحكم بالصحّة من إحراز كونه من باب التّزاحم من الخارج، ومن(3) أنّه لا يعقل كون العبادة مرجوحة والمفروض أنّه كذلك لمكان ما ذكره من الكسر والانكسار، ومن أنّه لا معنى لقصد القربة مع عدم الأمر ومع العلم بعدم حصول القرب، ومن أنّ صورة العبادة مع عدم الصحّة لا فائدة فيها إلى غير ذلك.
ثمّ لا يخفى أنّه إلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره في الفصول في آخر المطلب حيث
ص: 334
قال: بل التحقیق على القول بتعلّق الأحکام، إلى آخره،(1) وهو بعينه مراد المحقّق القمي (رحمة الله علیه)
كما عرفت فلا وجه للإيراد عليه بما أورده.
ثم إنّ التوجيهات الّتي ذكرها وأورد عليها کلّها يمكن تصحيحها على مذهب المجوّزين وما أورد عليها إنّما هو على مذهب المانعين والمحقّق القمي (رحمة الله علیه) إنّما يتکلّم على مذهبه وليس المقام مقام الإيراد على أصل المذهب.
نعم ما ذكره من توجيه ملاحظة الأجزاء والجملة إنّما يصحّ بناء على عدم لحاظالكسر والانكسار بل بما ذكرنا من تبعية الحكم الفعلي لما هو الأصلح رعايته(2)
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لم ينهج منهج الإنصاف مع المحقّق القمي (رحمة الله علیه) حيث قال: إنّه سلك مسلك الاعتساف.(3)
ثمّ ممّا ذكرنا ظهر وجه ترك الأئمة (علیهم السلام): الصّلاة والصّوم في الأزمنة المكروهة من غير إشکال وأنّه لمكان كونها مكروهة صرفة.
ولو ورد منهم (علیهم السلام) أمر بهما(4) بالخصوص يمكن أن ينزل على الرخصة أو الإرشاد إلى الصحّة.
ولو ورد عملهم (علیهم السلام) وأنّهم صلّوا أو صاموا كما ورد في الصوم في السّفر في شعبان(5) فيمكن أن ينزل على التّعليم لبيان الرّخصة أو على النذر أو نحو ذلك. فتدبّر.
الثاني: من الموارد الواقعة في الشرع اجتماع الوجوبين واجتماع الوجوب
ص: 335
والاستحباب سواء كانا تعیينيين أو تخييريين أو مختلفين والتقريب ما مرّ في العبادات المكروهة والمانعون إن استقلّ عقلهم بعدم جواز الاجتماع فلا بدّ لهم من التوجيه والتأویل.
وأوجه ما يمكن أن يقال بناء على مذهبهم هو الحكم بعدم شمول شي ء من الطلبين للمورد إذا كان النّسبة هو العموم من وجه وأنّه محكوم بالوجوب المتأكّد من جهة وجود مناط الحكمين، والمناطان يجتمعان فيوجبان(1) الطّلب الوجوبي المتأكّد فيكون كما لو كان هناك مصلحتان داعيتان إلى طلب شي ء على وجه الوجوب أوعلى وجه الاستحباب في أحدهما والوجوب في آخر بحيث لو انفرد کلّ واحدة(2) منهما اقتضت لحكم كما لو فرضنا أنّه محتاج إلى إسهال البلغم والصّفراء والسّكنجبين مسهل لهما فإنّه يجب شربه متأكّداً من جهة وجود الفائدتين.
والحاصل: أنّ شيئاً من الدّليلين غير شامل للمورد إلّا أنّ المفروض لمّا كان صورة التزاحم(3) فيحكم بالوجوب لوجود المناطين سواء في الوجوبين والمختلفين.
نعم إذا كان الآمر متعدّداً كما إذا أمر الوالد بشي ء والوالدة أیضاً به وجوباً أو ندباً أو مختلفاً فالطلب متعدّد لكن المورد لا یتّصف إلّا بمطلوبیّة واحدة متأكدة.
والفرق بينه وبين صورة اتّحاد الآمر أنّه لا يعقل فيها بناء على الامتناع اجتماع إرادتين بالنسبة إلى شي ء واحد لآمر واحد كما لا يعقل اتّصاف محلّ واحد بحكمين.
وفي صورة تعدّد الآمر يمكن اجتماع الإرادتين ولكن المحلّ متّصف بحكم واحد إذا قلنا بأنّ الموجود فيه شخص واحد من الحكم وإلّا فيمكن التزام تعدّد الحكم أیضاً كما سيأتي الإشارة إليه.
ص: 336
وأمّا إذا كان النسبة بالعموم المطلق فيحمل الأمر الندبي على الإرشاد إلى كثرة الثواب أو تأكّد الرجحان أو نحو ذلك على حذو ما مرّ في العبادات المكروهة، وفي الوجوبين إذا كان أحدهما أخصّ يحمل على التخصيص(1) فيكون المراد من العامّ غير هذا الفرد.
مثلاً إذا قال: «أکرم العلماء» ثم قال: «أکرم زيداً» فيحمل الأوّل على ما عدا زيد(2) ويمكن جعله إرشاداً إلى كثرة الثواب وتأكّد الطّلب أیضاً وإذا كان المورد واحداً شخصاً(3) كأن يقول: «أکرم زيداً» ثم يقول: «أکرم زيداً» فيحمل الوارد ثانياً على الإرشاد إلى التأكّد وكثرة الثواب سواء كان الثاني أیضاً وجوبياً أو ندبياً.
ومن ذلك يظهر ما إذا كان المورد عامّاً من وجه لكن كان الطّلبان تعيينيينكأن يقول: «أکرم العالم» و«أکرم الهاشمي» بحيث يكون المراد الطبيعة السّارية في جميع الأفراد وكان المطلوب إکرام الجميع فإنّه يحكم بعدم شمول شي ء من الخطابين لمورد الاجتماع(4) وأنّه مطلوب متأكداً(5) من جهة وجود المناطين.
ويمكن أن يقال بشمول الخطاب الوارد أوّلاً دون الثاني إلّا بمناطه.
ويمكن أن يقال: إنّ الشامل أحدهما المعين عند الله تعالى والآخر غير شامل إلّا بمناطه. ويمكن إجراء هذا الوجه في التخييريين أیضاً.
وبالجملة بناء على مذهب المانعين لا يمكن إيراد الإرادتين على محلّ واحد سواء كان المورد واحداً شخصاً(6) أو عامّاً من وجه أو مطلقاً فإنّهما أیضاً بناء على مذهبهم
ص: 337
يرجعان إلى الواحد الشخصي فلا بدّ إمّا من الحمل على الإرشاد في أحدهما وهو إنّما يكون فيما لو كان خاصّاً والآخر عامّاً أو كان متأخّراً والآخر متقدّماً وإمّا من الحكم بعدم شمولهما وأنّ المورد محكوم بالوجوب من جهة تعدّد المناط.
هذا وللشّيخ المحقّق الانصاري(1) على ما في بعض التقريرات توجيه آخر وهو الفرق بين التعيينیين والمختلفين والتخييريين، قال ما حاصله:
أنّه لا کلام في امتناع اجتماع الوجوب والاستحباب العينيين على وجه يكون الطّلبان قائمين بنفس الطّالب فإنّه إمّا يوجب اجتماع المثلين أو اجتماع الضدّين.
وذلك لأنّه إن قيل باتّحاد الطلب والإرادة وفسّر(2) الإرادة باعتقاد النفع فيرجع إلى العلم ويكون الاختلاف بين الوجوب والاستحباب حينئذٍ باختلاف المراد فيكوناجتماعهما اجتماعاً للمثلين وهو محال.
ودعوى أنّ المتّصف بالمطلوبیّة هو الماهيّة(3) الذهنية لامتناع اتّصاف الخارجيّة بها لكونها موجودة فيلزم تحصيل الحاصل والماهيّة(4) الذهنيّة تختلف باعتبار الملاحظات؛
مدفوعة بأنّ تعدّد الملاحظة إن لم يكن بلحاظ تعدّد العناوين بل كان بمجرّد تصوّرها تارة للطلب الوجوبي وأخرى للطّلب الندبي فلا فائدة فيه؛ إذ مرجعه إلى
ص: 338
تغاير التصوّرين وتعدّد الطلب محتاج إلى تعدّد المتصوّر وإن کان بلحاظ اختلاف العناوين فهو سديد إلّا أنّ غاية ذلك اختلاف ما تعلّق به الطلب وهو العنوان الملحوظ للآمر.
واللّازم اختلاف ما يسقط به الطّلب وهو الّذي ينتزع منه المطلوبیّة أیضاً ولا اختلاف فيه فيلزم اجتماع المثلين فيه.
ومن ذلك ظهر أنّ ذلك كافٍ في إبطال الاجتماع وإن لم يلاحظ حال الطّالب حتّى يقال: إنّا لا نعقل كيفية الطّلب الصّادر من الله تعالى.
وإن قيل بمغايرة الطّلب والإرادة أو قيل بعدم رجوع الإرادة إلى العلم فهو وإن کان كما ذكرنا من كونهما من اجتماع المثلين وأنّ سنخهما واحد إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ اختلافهما حينئذٍ(1) من قبيل اختلاف العلم والظّن حيث إنّ اختلافهما ليس بواسطة اختلاف المعلوم والمظنون بل باختلاف نفسهما(2) فعلى هذا يكون اجتماعهما من باب اجتماع الضدّين.
هذا مع قطع النظر عن الخصوصيّة المائزة للاستحباب عن الوجوب وإلّا فمع ملاحظتها(3) فيلزم(4) اجتماع الضدّين مطلقاً سواء على القول بتعلّق الأحکام بالطبائع أو الأفراد؛ إذ الأحکام کلّها متضادّة(5).
وبعد ما تبيّن أنّ اجتماعهما إمّا اجتماع للضدّين أو المثلين وکلاهما محال، فنقول: لا بدّ من توجيه ما ورد من هذا القبيل مثل الوضوء لغاية واجبة ومندوبة بالحمل على
ص: 339
تأكّد الطلب بمعنى أنّ کلّاً من الطلبين متحقّق إلّا أنّ المحلّ فعلاً متّصف بمطلوبیّة واحدة متأكّدة نظير السواد الضعيف والشديد حيث إنّ الضّعيف يضمحلّ في جنب الشديد فيكون الحاصل هو الوجوب الفعلي والندب يكون بمجرّد الجهة.
وذلك لأنّ جهات الأحکام الغير(1) الإلزاميّة إذا اجتمعت مع الإلزاميّة يكون الحكم الفعلي مستنداً إلى الثانية ويكون الأولى موجودة بدون الفعلية إلّا أنّها كافية في الثواب والعقاب ويجوز الإتیان بنيّة الأمر الاستحبابي.
فظهر أنّ اجتماع الحكمين فعلاً غير ممکن وإنّما الممكن اجتماع الجهتين؛ إذ في مقام الفعلية يحصل من الاجتماع التأكّد.
نعم الآثار المستندة إلى الاستحباب من الثواب والامتثال موجودة وكذا الکلام في اجتماع الوجوبين كأمر کلّ من الوالدين بشي ء واحد فإنّه يوجب التأكّد.
فإن قلت: لا معنى للتأكّد بعد تعارض الطّلبين وحكم العقل بالامتناع؛ إذ لا بدّ من التساقط فلا يثبت وجوب فضلاً عن التّأكّد.
قلت: بعد تسليم اختلاف مراتب الطّلب شدّةً وضعفاً لا وجه لما ذكر فإنّ اجتماعهما يقتضي مرتبة أشدّ فلا تعارض ولا تساقط.
مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ التعارض إنّما هو في استناد الأثر إليهما على وجه الاستقلال وبعد التعارض يحكم بالتساقط في الاستقلال دون أصل الوجود فيكون كما لو عقد الوليّان لشخص واحد.
وبالجملة فلا محذور في تأكّد الطّلب سواء قلنا بوجود المصالح كما هو مذهب العدلية أو لا كما هو مذهب الأشعري.(2)
هذا في العينيين وأمّا إذا كان الوجوب تخييرياً والاستحباب عينياً كالصّلاة في
ص: 340
المسجد فيمكن حمله على الإرشاد إلى مزية حاصلة في ذلك الفرد.
ويمكن أن يجاب أیضاً بعدم التضادّ بين الوجوب والاستحباب المذكورين.
وذلك لأنّ الاستحباب وارد على الفعل بوصف اتّصافه بالوجوب فهما متضادّان إذا كانا(1) في عرض واحد بأن يكون الفعل في نفسه واجباً ومستحبّاً.
وأمّا إذا كان واجباً في نفسه ومستحبّاً بعد اتّصافه بالوجوب فيكون الاستحباب في طول الوجوب ولا منافاة بينهما(2)
والسرّ في ذلك أنّ الوجوب التخييري مشوبٌ بجواز الترك إلى البدل(3) كما أنّه متّصف بعدم جواز الترك لا إلى بدل فبالاعتبار الثاني لا یتّصف(4) بالاستحباب وأمّا بالاعتبار الأوّل فیتّصف به؛ لأنّ ذلك الجواز إن کان بلا رجحان ولا مرجوحيّة فالفعل مباحٌ وإن کان راجحاً فالفعل مكروهٌ وإن کان مرجوحاً فهو(5) مستحب وإنّما لا یتّصف بالحرمة لأنّ جواز الترك ينافي حرمته وإلّا انقلب الواجب التخييري تعيينيّاً.
والحاصل: أنّ جواز الترك لا يخلو عن رجحان أو مرجوحيّة أو مساواة(6) ولا بدّ فيه من أحد هذه ومحلّ الوجوب حينئذٍ الفعل باعتبار تركه لا إلى بدل ومحلّ الاستحباب هو باعتبار تركه إلى بدل ولا تضادّ بينهما.
وأمّا التخييريان فحالهما حال اجتماع الوجوب التخييري مع الكراهة فيما إذا كان بين العنوانين عموم من وجه وقد عرفت أنّ أوجه الوجوه فيه هو القول بوجود
ص: 341
الجهة(1) ولا يمكن الحمل على الإرشاد إلى الأفضلية للزوم استعمال اللّفظ في معنيين؛ إذ من المعلوم أنّه مستعمل في الطّلب بالنسبة إلى غير مورد الاجتماع.(2) انتهى.
أقول(3) في کلامه (قدس سره) أنظار:
أحدها: لا وجه لما ذكره من كون اجتماع الوجوب والاستحباب من اجتماع المثلين؛ وذلك لأنّه على فرض جعل الطّلب عين الإرادة المفسرة بالعلم لا يكون الاختلاف بمجرّد اختلاف المعلوم والمراد.
بل الوجوب هو العلم الخاصّ أي العلم بالمصلحة الملزمة والاستحباب هو العلم بالمصلحة الغير الملزمة.
فالتقيد بالمضاف إليه داخل في حقیقتهما فيكون الاختلاف بينهما بنفسهما كما إذا جعلنا الطّلب غير الإرادة أو جعلنا الإرادة غير(4) العلم.
وأیضاً لا وجه لما ذكره في قوله: هذا مع قطع النّظر عن الخصوصيّة المائزة(5)؛
إذ أوّلاً: نقول إنّه مناف لما ذكره أوّلاً من أنّ الاختلاف إنّما هو في المعلوم والمراد؛ إذ لازمه أنّ الخصوصيّة غير داخلة في حقیقة الطّلبين.
وثانياً: لا معنى لعدم ملاحظتها وجعل الحكمين من قبيل المثلين؛ إذ هي بمنزلة
ص: 342
الفصل لکلّ واحد من الأحکام ولا يتحصّل الشي ء بدون فصله فمع قطع النّظر عنها لا يكون الوجوب وجوباً ولا الاستحباب استحباباً.
فالتحقیق: أنّ الأحکام الخمسة متضادّة(1) على جميع المذاهب في الطّلب والإرادة سواء جعلناها بسيطة أو مركبة من الجنس والفصل كما هو واضح.
هذا، مع أنّ جعل الإرادة التکلیفية عين العلم الّذي هو عين الذات الواجب كماترى. وللکلام فيه مقام آخر.
ثانيها: ما ذكره في بيان التوجيه للطّلبين التعيينيين من إفادة التأكّد، ظاهره أنّ کلّاً من الطّلبين آت ومتحقّق إلّا أنّ المحلّ لا یتّصف بهما بوصف كونهما طلبين شخصيين نظير السّوادين الواردين على المحلّ حيث إنّ کلّاً منهما وارد إلّا أنّ المحلّ لا یتّصف بشخصين من السّواد.
ولذا ذكر أنّ الثواب والعقاب والامتثال متحقّق وأنّه(2) يجوز الإتیان بقصد الأمر الندبي(3)
وهذا البيان كما ترى إنّما يناسب مذهب المجوّزين دون المانعين؛ إذ بناء على مذهبهم لا يمكن تأتّي الطّلبين فيلزم التساقط، غاية الأمر أنّ جهتيهما موجودتان بناء على كون المقام من باب التزاحم وعليه يشکل إجزاؤه بناءً على مذهب الأشعري الّذي
ص: 343
لا يقول بالمصلحة والمفسدة إلّا على توجيه بعيد حسبما عرفت سابقاً.
فما ذكره في السّؤال وارد، والجواب الّذي ذكره لا يتمّ كما لا يخفى.
هذا مع أنّ جعل المقام من قبيل السواد الضعيف والشديد يقتضي أن يكون الطلبان متعدّدين في مقام الفعلية بحسب اتّصاف المحلّ أیضاً؛ إذ فرق بين المقام وبين الأعراض الخارجيّة من قبيل السواد والبياض، فاجتماع شخصين من الأعراض غير جائز إلّا أنّ اجتماع شخصين من الطلب لا بأس به؛ لأنّ وجوده وجود اعتباري وحقیقته صرف الاعتبار.
فيمكن أن يقال: إنّ المحلّ متّصف بوجوبين إذا أمر به الوالد والوالدة وليس نظیر(1) السواد الوارد على السواد؛ إذ التشخّص هناك إنّما هو بلحاظ الوجود الخارجي المتأصّل الّذي لا اعتبار للاعتبار فيه.
ومن المعلوم أنّه في الخارج سواد واحد ولو كان بعضه من قبل الأمر الكذائيوالآخر من قبل(2) آخر؛ نظير ورود قطرة من ماء هذا الكوز على قطرة من ماء كوز آخر فإنّ اختلاف الكوزين واختلاف المائين في الخارج لا يضرّ بوحدة القطرتين بعد الانضمام؛ إذ التشخّص إنّما هو بلحاظ الوجود الخارجي دون لحاظ كونه من هذا الكوز أو من ذاك(3) أو من ماء زيد أو عمرو.
وأمّا الوجوب الوارد على المحلّ فتشخّصه إنّما هو باعتبار المعتبر الّذي هو الآمر وإذا كان الآمر متعدّداً أو واحداً وكان اعتباره متعدّداً يكون الوجوب أیضاً متعدّداً من حيث تحقّقه في المحلّ كما أنّه متعدّد من حيث لحاظه الصّدوري قطعاً إذا كان الآمر
ص: 344
متعدّداً أو كان المتعلّق في لحاظ(1) الآمر الواحد متعدّداً كما على القول بتعلّق الأحکام بالطّبائع. فتدبّر.
والحاصل: أنّ هذا البيان الّذي ذكره إنّما يناسب مذهب المجوّزين وعلى مذهب المانعين لا يمكن أن يقال: إنّه يترتّب عليه ثوابان أو عقابان؛ لعدم تعدّد الطلب الّذي هو ملاك الأمرين.
وكذا لا يجوز الإتیان بقصد الأمر الندبي إذا قلنا: إنّ الامتثال فرع الأمر.
نعم على ما ذكرنا سابقاً من كفاية الجهة في قصد القربة وإن لم يكن هناك أمر يتمّ ما ذكر، لكنّه لا يقول به.(2) فتدبّر.
ص: 345
هذا ويظهر منه في كتاب الطّهارة في بحث تداخل الأغسال موافقته لما ذكرنا من أنّ الموجود مجرّد الجهة وأنّ الأمر الندبي غير موجود والتأكّد إنّما يجي ء من مجرّد الجهة.(1) فراجع.(2)
نعم البيان المذكور أو القريب منه(3) صريح الشيخ محمدتقي (قدس سره) في الحاشية(4) في بحث التداخل وسيأتي النقل عنه. فانتظر.
ثالثها: أنّ ما ذكره في المختلفين من جواز الاجتماع وعدم التضادّ؛
فيه: أوّلاً: أنّ جواز الترك الّذي يكون في الوجوب التخييري ليس أمراً وراء الوجوب حتّى يقال: إنّه إمّا مع الرجحان أو المرجوحيّة أو المساواة(5) بل هو عين مفاد
ص: 346
الوجوب التخييري فإذا كان مع الرجحان فلازمه كون ذلك الفرد مفضولاً بالنسبة إلىسائر الأفراد وإذا كان مرجوحاً كان ذلك الفرد أفضل فيرجع(1) الأرجحية والمرجوحيّة إلى أفضلية الفرد(2) ومفضوليته بناء على مذهب المانعين وليس أمراً
آخر وحكماً آخر حتّى يكون من الاجتماع.
وكون الترك واقعة من الوقائع فلا بدّ(3) فيه من حكم، ممنوع إذا أريد ذلك مع قطع النظر عن الفعل وحكمه.
والحاصل: أنّ ما ذكره إنّما يتمّ إذا كان الجواز خارجاً عن حقیقة الوجوب حتّى يمكن أن يكون حكماً آخر ومن المعلوم أنّ نحو الوجوب التخييري مشوب بجواز الترك فهو داخل في حقیقته فلا يرجع إلى حكم آخر غير الوجوب كما هو المقصود.
وثانياً: أنّ ما ذكره من البيان يقتضي جواز اجتماع الكراهة والإباحة أیضاً مع الوجوب فلا وجه لما ذكره سابقاً من التوجيه في(4) العبادات(5) المكروهة.
وربما يورد عليه أیضاً بأنّ لازمه جريان ذلك في التخيير الشرعي مع الاستحباب أیضاً مع أنّ الظاهر انعقاد إجماعهم على عدم الجواز.
قلت: الإجماع ممنوع فإنّ بعض الخصال في الكفارات قد يكون مستحباً نظير استحباب الصّلاة في المسجد ولا فرق.
وربما يورد عليه أیضاً: بأنّه مستلزم لجواز اتّصاف الفعل بوجوبين فيما لو نذر إيجاد الواجب في مكان خاصّ فإنّ الفعل باعتبار تركه لا إلى بدل متّصف بالوجوب
ص: 347
الأصلي وباعتبار تركه إلى بدل متّصف بالوجوب النذري وهو محال.
وفيه أیضاً: أنّه يمكن الالتزام به ولا دليل على المنع عنه بعد الالتزام في الوجوب والاستحباب بل يجب القول به مع أنّه يمكن إبداء الفرق بما أشار إلیه (قدس سره) من أنّه لو كان الترك حراماً انقلب الواجب التخييري تعيينیاً.ودعوى تعدّد الجهة؛ مدفوعة بأنّ لازمه جواز الاجتماع في الجميع.
رابعها: ما ذكره في التخييريين من عدم وجود الحكم وبقاء الجهة.
فيه: أنّه يمكن الحكم فيهما بما ذكره في العينيّين من التأكّد(1) فالفرد المجمع للکلّيين يكون محلّاً لحكمين تخييريين ويكون طلبه المتعلّق به طلباً متأكّداً لمكان إيجابه(2) تخييراً وندبه كذلك ولا يلزم منه استعمال اللفظ في معنيين(3) كما لا يخفی؛ إذ التأكّد إنّما يجي ء بعد بقاء کلّ من الطّلبين على حاله فيكون أمراً قهرياً وإلّا فيلزم هذا المحذور في بعض أفراد العينيین أیضاً كما إذا قال: «أکرم العلماء وجوباً وأکرم الهاشميين ندباً» فإنّ في العالم الهاشمي اجتمع حكمان عينيان فيفيد التأكّد ولو كان التأكّد باستعمال اللّفظ في الإرشاد لزم استعمال الطّلبين في معنيين(4) لعدم كون الطّلب إرشادياً بالنسبة إلى سائر الأفراد.
ص: 348
والحاصل: أنّ ما ذكره في التعیينيين(1) غير الحمل على الإرشاد قطعاً ومن المعلوم جريانه في التخييريين فلا وجه لإجراء ما ذكره في العامّين من وجه في العبادات المكروهة فيهما.
بل يمكن أن يقال: لازم ما ذكره في التعيينيين من التأكّد القهري في مقام الفعلية القول بنظيره في العبادات المكروهة في العامّين من وجه فإنّ لازم الطلبين الطلب الغير(2) المتأكد(3) والطّلب الناقص عن مرتبته. فلا تغفل.
ولصاحب الفصول(4) في المقام توجيه وتفصيل آخر وحاصله: أنّه إمّا أن يكون الوجوب والاستحباب نفسيين أو غيريين مع اتّحاد الغير أو مع اختلافه أو مختلفين.
ففي النفسيين والغيريين(5) مع اتّحاد الغير لا يجوز الاجتماع لمنافاة(6) المنع من الترك مع عدمه إذا كانا نفسيين أو مع اتّحاد الغير.
وذلك لأنّه لا يمكن أن يكون فعل واحد ممنوع الترك في نفسه وغير ممنوعه كذلك، أو ممنوع الترك باعتبار إيصاله إلى فعل آخر وغير ممنوعه(7) كذلك.
وما ورد من هذا القبيل كالصّلاة في المسجد محمول على الأفضلية.
وأمّا مع كونهما غيريين مع اختلاف الغير أو كونهما مختلفين فإن فسّرنا
ص: 349
الاستحباب برجحان الفعل مع عدم المنع من الترك جاز الاجتماع؛ إذ لو امتنع لكان إمّا باعتبار الرجحان ولا حجر من هذه الجهة؛ إذ انضمام الرجحان إلى الرّجحان لا يوجب إلّا تأكّد الرجحان، أو باعتبار ما تقوّما به من(1) المنع من النقيض وعدمه ولا حجر أیضاً لعدم المنافاة(2) بين المنع من ترك الفعل(3) لنفسه أو لغيره وبين عدم المنع(4) لغيره أو لأمر آخر فإنّ عدم المنع حينئذٍ راجع إلى عدم اقتضاء ذلك الاعتبار للمنع وهو لا ينافي اقتضاء اعتبار آخر له.
ودعوى أنّه يمكن أن يقال بمثله في النفسيين أیضاً؛ إذ يمكن أن يكون فعل ممنوع الترك من جهة ملاحظة مصلحة فيه وغير ممنوعه بملاحظة جهة أخری(5)؛
مدفوعة بأنّ المعتبر في المندوب النفسي عدم المنع النفسي لا عدم استناد المنعإلى شي ء مثل وقوع الصّلاة مثلاً في المسجد فإنّ هذا لا یکفي في تحصيل ماهيّة المندوب. وهذا بخلاف الواجب والمندوب الغيريين فإنّ المنع وعدمه من جهة ذلك الغير یکفي في الحكم بوجوبه أو استحبابه.
وإن فسّرنا الاستحباب برجحان الفعل مع الإذن في الترك لم يجز الاجتماع مطلقاً.
وذلك لأنّ الإذن في الترك مطلقاً كما هو المعتبر في الاستحباب ينافي عدمه المعتبر في الوجوب مطلقاً.
قال: والحدّ الأوّل أسدّ وأولی؛ لأنّ الرجحان لما كان من الصفات المشتملة على
ص: 350
المراتب المختلفة بالشدة والضّعف فالنوع الكامل منه يشتمل على المنع من النقيض والناقص منه لا يشتمل علیه، وأمّا كون الترك مأذوناً فيه أو لا، فخارج عن حقیقة الرجحان ومقوّماته بل هو من المقارنات الاتفاقية.(1)
قلت: أمّا ما ذكره في النفسيين فهو كذلك بناءً على مذهب المانعين.
وأمّا ما ذكره من الغيريين والمختلفين، ففيه: أنّ مجرّد كون الغير مقتضياً لوجوب(2) الشيء أو ندبه لا یکفي في الحكم بهما بل لا بدّ من كونه مطلوب الفعل مع المنع أو مع عدمه فعلاً ومن المعلوم(3) عدم إمکان كون فعل واحد ممنوع الترك وغيره.
والسرّ في ذلك أنّ الطلب الغيري عبارة عن مطلوبیّة الفعل لأجل ملاحظة ذلك الغير فيكون ذلك الغير في الحقيقة بمنزلة العلّة المقتضية لإيجاب الشي ء أو ندبه فلا بدّ من كون ذلك الوجوب أو الندب أمراً متحقّقاً فعلاً كما(4) أنّ مجرّد وجود جهة الوجوب أو الاستحباب النفسيين لا یکفي في الحكم بتحقّقهما فكذلك في الغيريينلا یکفي وجود ذلك الغير واقتضاؤه(5) في حدّ نفسه بل لا بدّ من الفعلية.
ولا فرق بين جعل الفصل عدم المنع من الترك أو الإذن فيه، ولو كانت الجهة المقتضية كافية أمكن أن يقال: بناء على التفسير الثاني أیضاً إنّ الجهة المقتضية للإذن كافية.
ثم ما ذكره من التفسيرين وجعل الأوّل أولى والحكم بمغايرتهما لا وجه له؛ لأنّ
ص: 351
الظاهر أنّ المتحقّق في الخارج أمر بسيط يمكن تحليله إلى الرجحان مع عدم المنع أو الرجحان مع الإذن، لا أنّ حقیقته مختلفة عليهما، فالإذن وعدمه والمنع وعدمه من الأمور الاعتباريّة بعد تحقّق أمر بسيط في الخارج غير مختلف الحال لا(1) أنّ هناك معنيین وحقیقتین(2) في عالم التصوّر وإنّما الإشکال في أنّ الاستحباب أيّهما هو وذلك كما أنّ الإيجاب طلب بسيط ينتزع منه تارة المنع من الترك وتارة عدم الإذن فيه ولا يتصوّر هناك معنيان مختلفان وحقیقتان كذلك.
ودعوى(3) الفرق بينه وبين الندب بأنّ في الوجوب لا بدّ من الالتفات إلى الترك والمنع عنه أو إنشاء عدم الإذن ولو في التحليل بمعنى إنشاء الطلب على وجه ينتزع منه ذلك بخلاف الندب حيث إنّه يكفيه إنشاء الطّلب الراجح من غير التفات إلى شي ء فيكون مجرّد عدم المنع كافياً في فصله ولو كان من جهة عدم الالتفات إليه أصلاً فحينئذٍ(4) نقول: إنّ الطلب الندبي يتصوّر على وجهين؛ إذ تارة يطلب على وجه ينتزع منه الإذن وتارة يطلب على وجه لا ينتزع منه(5) إلّا مجرّد عدم المنع بمعنى عدم الالتفات إليه أصلاً(6)لا إنشاء عدم المنع حتّى يساوق الإذن؛
مدفوعة بأنّ الطلب على وجه عدم الالتفات إلى المنع وعدمه ولو في حاقّ الذهن محال؛ إذ لا يعقل إرادة الشي ء من دون أن يرجع إلى الرضا بالترك وعدمه.كيف وهو إيجاد القدر المشترك والجنس بلا فصل.
وعلى فرض تعقّله بدعوى أنّ الطّلب غير الإرادة بل هو مجرّد الإنشاء ويمكن
ص: 352
إنشاء القدر المشترك فنمنع كونه استحباباً بل هو حكم سادس فيكون الأحکام التکلیفية على هذا ستّة. فتدبّر.
ثم إنّ ما ذكره - من أنّ المندوب النفسي يعتبر فيه عدم المنع النفسي فلا يجتمع مع الواجب النفسي الّذي يعتبر فيه المنع من النقيض لنفسه؛ إذ المنع من النقيض لنفسه وعدمه كذلك لا يجتمعان بخلاف الغيري فإنّه يمكن أن يكون بالاعتبار ويجتمع مع النفسي أو غيري آخر، وجعل السرّ فيه أنّ الرجحان النفسي لا يتعدّد بتعدّد الجهات المقتضية له إلّا في التحليل الّذي ليس مبنى اعتبار الأحکام عليه بل يتقوى بتكثرها ويكون الحاصل رجحان واحد -؛(1)
يرد عليه: أنّ في النفسيين أیضاً يمكن اعتبار الجهات؛ إذ يمكن أن يقال: إنّ هذا الفرد مثلاً راجح ومانع من النقيض لنفسه وغير مانع عنه لنفسه حيث إنّ نفسه نفسان بلحاظ تعدّد الجهات ولا يلزم ملاحظة مجموع الجهات ثم الحكم على طبقها.
نعم يجب ذلك إذا لم يرجع کلّ بعض من تلك الجهات إلى عنوان مستقلّ للحكم كما إذا كان العنوان واحداً وكان فيه مصالح عديدة فإنّه يلاحظ المجموع في لحوق الحكم ويتقوّى بتكثرها حينئذٍ.
لكن المفروض في مقامنا تعدّد العنوان ففيه يجب ملاحظة کلّ من تلك المصالح والحكم بمقتضاه فيكون الفرد المجمع كأنّه متعدّد.
فلا فرق حينئذٍ بين النفسين وغيرهما فيما ذكره وملاك الفرق الّذي ذكره هو التفكيك بينهما بجعل المنع وعدمه في النفسيّين(2) فعليّاً وفي الغيريين والمختلفين مجرّد الاقتضاء ولو لم يكن فعلياً ولا وجه لهذا التفكيك كما عرفت من أنّ الطلب الغيري
ص: 353
أیضاً لا بدّ وأن يكون(1) ممنوع الترك أو غيره فعلاً وإلّا فبمجرّد(2) اقتضاء ذلك الغيرلوجوبه أو ندبه لا يصدق عليه المطلوب الغيري ومعنى(3) مطلوبیّة المقدّمة ليس على مجرّد الاقتضاء كما لا يخفى.
وقد يجاب عن إشکال اجتماع الوجوب والاستحباب في مثل الصّلاة في المسجد ونحوه من الواجبات التخييرية(4) الّتي يكون بعض أفرادها مستحباً بأنّ مورد الاستحباب اختيار الفرد الأفضل ومورد الوجوب هو أصل الفعل فلم يتّحد المحلّ.
وأورد في الفصول(5) عليه:
بأنّه متّضح الفساد؛ لأنّه إن أراد(6) بالاختيار الإرادة فمع فساده في نفسه يوجب الخروج عن محلّ(7) النزاع لأنّ الکلام ليس في استحباب إرادة الواجب، وإن أراد شيئاً آخر فهو ممّا لا يساعد عليه النظر(8) الصحيح على إدراكه.(9)
قلت: مراده غير الإرادة قطعاً وأنّ الاستحباب تعلّق بعنوان اختيار الفرد الكذائي، لكن يرد عليه أنّ عنوان الاختيار وإن کان مغايراً لعنوان أصل الفعل إلّا أنّهما متّحدان في الوجود الخارجي.
فهذا الوجه إنّما يدفع إشکال الاجتماع مع كون المتعلّق واحداً حيث إنّ الصّلاة
ص: 354
في المسجد ليس عنواناً آخر والمجوّز أیضاً في الإشکال؛ إذ هو إنّما يجوّز مع تعدّد الجهة وتعدّد العنوان، فهو مناسب لمذهب المجوّزين لا المانعين فإنّ تعدّد العنوان عندهم لايجدي.
هذا ويمكن أن يوجه الوجه المذكور بأنّ الاختيار من العناوين الثانوية المغايرة(1) للعناوين الأوّلية في الوجود الخارجي؛ إذ وجودها في الخارج بنحو من الاعتبار كما مرّ سابقاً فهو نظير الإحراق الّذي هو موجود في الخارج لا بوجود الإلقاءبل بوجود مغاير معه، فعلى هذا لا يلزم الاجتماع في محلّ واحد.
وهذا الوجه وإن کان خلاف ظاهر الأدلّة؛ إذ ظاهرها أنّ المستحب عنوان الصلاة في المسجد لا عنوان الاختيار، إلّا أنّ ارتكابه ممّا لا بدّ منه بناء على مذهب المانعين.
ومن ذلك يظهر إمکان تصحيح ما ذكر(2) في مثل المقام من توجيه آخر هو أنّ الأمر الاستحبابي تعلّق بتحصيل الرجحان الثابت في الفعل الزائد على الرجحان الوجوبي فإنّه رجحان يرجح تحصيله على التعيين(3) مع جواز تركه لا إلى بدل مطلقاً.
ولا يرد أنّ ذلك يجري أیضاً فيما لا تخيير فيه فإنّه أیضاً يمكن أن يحلّل إلى أصل الرجحان والزيادة عليه إذا فرض فيه ذلك بأن يكون هناك واجب تعييني مشتمل(4) على مصلحة أصل الوجوب وعلى مصلحة زائدة عليه فينبغي أن يكون مستحباً أیضاً باعتبار تحصيل تلك الزيادة مع أنّه ليس كذلك قطعاً.
وذلك - أعني عدم الورود - لأنّ امتياز تلك الزيادة هنا بمقابلة البدل يصلح
ص: 355
وجهاً لاعتبارها منفردة بخلاف الواجب التعييني، فيمكن أن يقال: إنّ عنوان تحصيل تلك(1) الزيادة عنوان آخر ثانوي بالنسبة إلى عنوان أصل الفعل.
وإن منع ذلك نقول: إنّه عنوان مغاير في الوجود له فيمكن أن يتعلّق به الاستحباب ويتعلّق الوجوب بأصل الفعل.
ولا يرد عليه ما أورد عليه في الفصول: بأنّ تحصيل الرجحان الزائد عين تحصيل الرجحان الوجوبي فيبقى الإشکال بحاله.(2)
وذلك لأنّ تحصيل الرجحان الوجوبي ليس مورداً للطلب بل المورد للوجوب هو أصل الفعل.
وفي طرف الاستحباب نقول: إنّ مورده ليس أصل الفعل بل تحصيل الرجحانالزائد(3)فتدبّر وتأمّل فإنّ كون عنوان التحصيل المذكور ثانوياً أو مغايراً في الوجود لعنوان أصل الفعل يمكن منعه.
هذا ويمكن أن يجاب عن أصل الإشکال بوجه آخر وهو أنّ ملاك المنع من اجتماع الأمر والنهي ليس تضادّ الأحکام حتّى يقال: إنّ(4) لازمه عدم جواز اجتماع الوجوب والاستحباب.
بل الوجه فيه لزوم التکلیف بالمحال ولو بالنّسبة إلى خصوص ذلك الفرد؛ إذ لا يمكن للمکلّف الامتثال فيه وإن أمكنه بالنسبة إلى غير ذلك الفرد، ومن هنا يعلم عدم كفاية مجرّد المندوحة بإتیان غيره.
وهذا الوجه لا يتمّ إلّا في اجتماع کلّ من الوجوب والاستحباب مع کلّ من
ص: 356
الحرمة والكراهة ففي الوجوب والندب والحرمة والكراهة غير جارٍ فنختار أنّ الفعل واجب بالفعل حقیقة ومستحب كذلك وإن منعنا من اجتماع الأمر والنهي.
ويمكن أن يقال بوجه آخر وهو أن يدّعى أنّ التضادّ متحقّق بين المذكورات لا بين الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة ونحو ذلك؛ لأنّ ملاكه هو عدم اجتماع الإرادة والكراهة؛ إذ هما متضادّان. وأمّا الإرادة الحتميّة وغيرها فهما خلافان لا ضدّان ولا مثلان فالتضادّ إنّما يجي ء من قبل جنس الأحکام لا من قبل فصلها وإن کان فصل الوجوب والحرمة أیضاً متضادّين.
فإن قلت: لازم هذا الوجه(1) جواز اجتماع الوجوب والاستحباب مع اتّحاد الجهة أیضاً مع أنّك لا تقول به.
قلت: نلتزم بجوازه بناء على مذهب الأشعري الّذي لا يقول بتبعية الأحکام للمصالح، وأمّا بناء على مذهب العدلية فلا يجوز لا من جهة التضادّ بل من جهة أنّ الجهات المقتضية للطلب الوجوبي والندبي يجب ملاحظتها أجمع والحكم على طبقها إذا لم ترجع إلى عنوانين وفائدتها حينئذٍ تأكّد الطلب وتقوّيه.مثلاً إذا كان في السّكنجبين مصلحة ملزمة وهي إسهال الصفراء(2) وغير ملزمة وهي إسهال البلغم فإن کان الحكم معلّقاً على عنواني الإسهالين يكون شربه مستحباً وواجباً، وأمّا إذا كان الحكم معلّقاً على عنوان السكنجبين من دون العنوانين المذكورين بأن يكونا علة مقتضية للحكم يكون الشرب واجباً مؤكّداً، وهذا واضح، ففي صورة اتّحاد العنوان لا يمكن تعدّد الحكم بملاحظة نشوه عن المصلحة؛ إذ لاتلاحظ متعدّداً.
ص: 357
فإن قلت: إن كنت تقول بالجواز من جهة أنّ مورد الحكمين هو العنوانان(1) المختلفان وإن اتّحدا في المصداق؛ إذ هو لا يضرّ من جهة أنّه ليس محلّاً حقیقة للحكمين فلازمه جواز الاجتماع في الوجوب والحرمة أیضاً.
وإن كنت تقول بذلك مع لحاظ أنّ المحلّ لهما هو الفرد والمصداق كما هو بناء مذهب المانعين فكيف يسوغ اتّصاف الفعل الخارجي حينئذٍ بالوجوب والاستحباب فعلاً كما هو مقتضى بيانك؛ إذ غاية الأمر جواز اجتماع الأمر الوجوبي والأمر الندبي. لكنّ المحلّ لا یتّصف فعلاً إلّا بالوجوب؛ لأنّه يصدق عليه أنّه لا يجوز تركه فلا يمكن أن يقال إنّه جائز الترك فعلاً فيكون مورداً للأمر الندبي إلّا أنّه لا يوجب اتّصافه فعلاً بالاستحباب حسبما سيأتي بيانه في نقل کلام الشيخ محمد تقي (قدس سره) في حاشية المعالم.(2)
قلت: المراد أنّ الفرد متّصف بالفعل بالوجوب والاستحباب كما أنّه محلّ للطلبين والأمرين ولا بأس به؛ لأنّ الوجوب(3) إذا كان من جميع الجهات ينافي الندب وهكذا(4) الندب من جميع الجهات ينافي الوجوب.
وأمّا الاتّصاف بکلّ منهما في الجملة فعلاً فلا بأس به.ألا ترى أنّه لا منافاة(5) بين إيراد حكم فعلي على الطبيعة وإيراد ضدّه أیضاً عليها فعلاً إذا أخذت في الجملة كأن يقال: «الإنسان في الدار» و«الإنسان ليس في الدّار» فالأوّل بلحاظ وجود زيد فيها والثاني بلحاظ عدم وجود عمرو فيها، وأمّا إذا أخذت مطلقة فلا يصح.
ص: 358
وما يقال من أنّ النهي المتعلّق بالطبيعة يقتضي ترك جميع الأفراد فهو من جهة أخذها مطلقة لا مهملة، ففي المقام أیضاً يصحّ أن يقال: إنّ الفعل واجب بالفعل وليس بواجب بالفعل؛ لأنّ کلّاً منهما ملحوظٌ ببعض الجهات، فمجرّد الاستحباب والوجوب لا تضادّ بينهما وإنّما التضادّ بين مطلقيهما، أعني ما أخذ منهما من جميع الجهات.
فإن قلت: إذا كان الملاك عدم المنافاة بين المهملتين فاللازم الجواز في الوجوب والحرمة أیضاً؛ إذ هما أیضاً كذلك إذا أخذا مهملين(1) ومن بعض الجهات.
قلت: ليس الملاك مجرّد ذلك وإنّما يجدي هذا إذا قلنا بعدم المنافاة بين الأمرين من حيث صدورهما عن الآمر وانحصر الإشکال في اتّصاف المحلّ بهما بالفعل كما هو المفروض بعد ما ذكرنا. وفي الوجوب والحرمة الإشکال في صدور الإرادة والكراهة عن الآمر بالنسبة إلى محلّ واحد؛ إذ قد عرفت أنّهما ضدّان لا يجتمعان.
نعم بناء على الوجه الأوّل من ادعاء عدم التضادّ بين مطلق الأحکام فالأمر كذلك مع قطع النظر عن التکلیف بالمحال؛ إذ مع قطع النظر عنه يمكن أن یتّصف المحلّ بالوجوب والحرمة معاً کلّ من جهة وفي الجملة بناء على عدم التضادّ بين الإرادة والكراهة. لكن هذا البناء فاسدٌ، إلّا أن يقال: إنّ الطلب غير الإرادة. فتأمّل وراجع ما سبق في أوّل المسألة.
ومن البيان المذكور ظهر اندفاع ما ربما يمكن أن يقال: إنّ لازم ما ذكرت عدم جواز اجتماع الوجوبين والندبين؛ إذ هما مثلان واجتماعهما كاجتماع الضدّين محال.
مع أنّه إذا جاز اجتماع الوجوب والندب فاجتماع الوجوبين والندبين بالأولى.وذلك - مع أنّه لا أولوية كما لا يخفى - لأنّ المثلين الوجوبان(2) من جميع الجهات وعلى
ص: 359
الإطلاق وأمّا الوجوبان مع أخذ کلّ منهما في الجملة فهما خلافان وكذا الندبان كذلك.
فإن قلت: القياس على جواز توارد الوجود والعدم على الطّبيعة المأخوذة مهملة في غير المحلّ من حيث إنّ الطبيعة المأخوذة كذلك أمر کلّي فيكون في الحقيقة محلّ الوجود أو الحكم الوجودي بعض الأفراد ومحلّ العدم أو الحكم العدمي فرد آخر، وأمّا في مقامنا فالمفروض وحدة المحلّ شخصاً فكيف يجوز توارد الحكمين عليه فعلاً؟
قلت: يجوز إيراد الحكمين على(1) الطبيعة بوصف(2) كونها أمراً واحداً وذلك إذا أخذت في المقامين من حيث هي هي(3)
وإن شئت التطبيق على المقام نقول: إنّ الإهمال معتبر في الوجود والعدم یعني يجوز أن یتّصف الطبيعة من حيث هي هي بالوجود والعدم أو الحكمين أحدهما وجودي والآخر عدمي إذا أخذا في الجملة فكما(4) يمكن(5) اعتبار الإهمال في الطّبيعة كذا اعتباره في الحكمين الواردين عليها أیضاً. فتدبّر.
ومن تلك الموارد:
تداخل الأغسال والوضوءات واجباتها ومندوباتها ومختلفاتها والاستدلال بها مبنيّ على جعلها حقائق مختلفة: إمّا مع قطع النظر عن النية أیضاً وحينئذٍ يكون
ص: 360
وجوب النية على القاعدة وتكون(1) متصادقة في مورد الاجتماع ويستكشف ذلك عن أدلّة(2) التداخل، وإمّا مع ملاحظة النية بأن يكون حقیقة الغسل واحدة لكن يكون المعتبر في کلّ غسل قصد خصوصيّة عنوان السّبب فيكون مغايرتها بلحاظ النية وعنوان الإتیان بها جمعة أو جنابة، فالمأتي به بقصد الأمرين أو الأمور مورد الاجتماع.
وأمّا إذا جعلنا حقیقتها واحدة وجعلنا التداخل قهرياً ولم نعتبر قصد العنوان أیضاً بأن تكون(3) الجنابة مثلاً سبباً لوجوب الغسل والحيض كذلك وهكذا كما في أسباب الوضوء فالمجوّز أیضاً يحتاج إلى التأویل والتوجيه.
وذلك لأنّه إنّما يجوز الاجتماع مع تعدّد الجهة بحيث يكون مورد کلّ من الطلبين غير الآخر ولا يكفيه تعدّد العلة والجهة التعلیليّة، وحينئذٍ نقول: الظاهر أنّ حقائقها متغايرة.
وذلك لظهور إجماعهم على اعتبار النية عن الجميع في التداخل وأنّه يجوز التعدّد بأفراد کلّ بنية، ولظاهر قوله (علیه السلام): «إذا اجتمعت لله(4) عليك حقوق»(5) وقوله (علیه السلام) «أجزأك عنها غسل واحد»(6) فإنّ كونها حقوقاً وكون الاكتفاء بواحد على وجه الإجزاء دالّان على التعدّد والتغاير، ولظاهر قوله (علیه السلام) «کلّ غسل قبله وضوء(7) إلّا غسل
ص: 361
الجنابة»(1) فإنّ مقتضاه تعدّد الأغسال وتغايرها، وأیضاً هو ظاهر الإضافة إلى العناوين المذكورة في کلمات العلماء والأخبار كقولهم «غسل الجنابة» و«غسل الحيض» ونحو(2) ذلك ولو كانت واحدة(3) كانت مثل الوضوء حيث لايقال: «وضوء النوم» و«وضوء البول»، وغير ذلك.
فهذه الأمور دالّة إمّا على تعدّد حقائقها بما عدا النية أیضاً غاية الأمر كونها متصادقة من جهة الكشف عن أخبار التداخل، وإمّا على تعدّدها بملاحظة النيّة وأنّه ليس التداخل قهرياً بحيث يكون أسباب الغسل كأسباب الوضوء فيكون التداخل المذكور دليلاً على جواز اجتماع الحكمين من المثلين أو الضدّين.
ولو فرض كون التداخل في بعض المقامات قهرياً فنحن أیضاً نلتزم بالتأویل لما مرّ من عدم جواز الاجتماع مع عدم(4) تعدّد(5) الجهة التقييدية، فنقول: إنّه إمّا محمول على التداخل السّببي ولا إشکال لعدم(6) الاجتماع حينئذٍ أو على التأكّد إذا كان من التداخل المسبّبي إذا جوّزنا ذلك في التداخل القهري ويكفينا في الاستدلال حينئذٍ بحث الأغسال لما استظهرنا من تعدّد حقائقها بأحد الوجهين.
هذا وأمّا على مذهب المانعين فلا بدّ من التأویل في جميع الموارد والأصوب حينئذٍ أن يقال: إنّ التداخل على قسمين: التداخل السّببي والتداخل المسبّبي.
والمراد بالأوّل ما يكون الأسباب فيه بمنزلة سبب واحد وذلك بأن يكون المسبّب من الأحکام الغير القابلة للتكرار أو التأكيد كما في أسباب الطهارة والنّجاسة
ص: 362
والحدث ونحوها من الأحکام الوضعية.
فإنّ الأسباب لو تواردت يكون الثاني لغواً غير مؤثر ولو وجدت دفعة كانت مشتركة في التأثير أو يكون المسبّب قابلاً للتكرار أو التأكيد ولكن كان متفرّعاً على ما لم يقبل ذلك بأن يكون ثبوته باعتباره كأسباب وجوب الوضوء فإنّه وإن کان قابلاً للتأكّد والتكرار إلّا أنّ ثبوته إنّما هو بلحاظ المحدثية ووجوب رفع الحدث الّذي لا يقبل التأكّد والتكرّر(1)
وفي الحقيقة هذا أیضاً راجع إلى السّابق لأنّ الموجبات مثبتات للحدث وهو موجب للوضوء أو يكون المسبّب قابلاً للأمرين ولكن علم كون السّبب هو القدرالمشترك بين الأسباب كما إذا قلنا إنّ أسباب الوضوء أسباب له من غير توسّط إيجابها الحدث فإنّ الظاهر أنّ السّبب هو القدر المشترك بينها.
وقد يتخيّل أنّه إذا كان المسبّب مفهوماً واحداً فهو من التداخل السّببي لا محالة أو لا يكون من التداخل أصلاً؛ إذ لا يعقل كونه من التداخل(2) المسبّبي؛ وذلك لأنّه إذا فرض وحدة المفهوم فالسّبب الموجود أوّلاً أفاد تحقّقه فالّذي يوجد بعد ذلك إمّا يكون لغواً أو يوجب إيجاده في ضمن فرد غير الفرد الّذي أوجبه الأوّل. فعلى الثاني لا يكون من التداخل؛ إذ لا يعقل اتّحاد الفردين من ماهيّة واحدة، وعلى الأوّل فيكون من تداخل السّبب وكونه هو القدر المشترك.
وفيه: منع ذلك؛ إذ يمكن أن يكون السبب(3) الثاني أیضاً مقتضياً لوجود ذلك المفهوم من غير أوْله إلى إرادة فرد آخر ويكون لازمه تأكّد المسبّب إذا فرض كونه قابلاً
ص: 363
له ففي أسباب الوضوء إذا فرض عدم توسّط الحدث وأنّها أسباب الوضوء(1) تعبّداً لا من جهة كونها موجبة للحدث وفرض عدم العلم بأنّ السبب هو القدر المشترك نقول بتأكّد الوجوب كما نقول(2) بذلك بالنسبة إلى غاياته فإنّه(3) من باب تداخل المسبب.
ولا وجه لما ذكره المحقّق الانصاري (قدس سره) في كتاب الطهارة من جعلها من باب التداخل السّببي حيث قال: «وكما لا تداخل في الوضوء بالنسبة إلى أسبابه كذا لا تداخل بالنسبة إلى غاياته بل الوضوء فعل واحد يطلب لأمور متعدّدة يترتّب جميعها على رفع الحدث بالوضوء ولا فرق بين الأسباب الواجبة والمندوبة والملفّقة».(4) انتهى.
ومراده من عدم التداخل بالنسبة إلى الأسباب عدم التداخل المسببي كما لايخفى وإلّا فلا إشکال في كونها من التداخل السببي.وبالجملة فلا ينبغي التأمّل في الفرق بين الأسباب والغايات؛ إذ مجرّد كونها مترتّبة على رفع الحدث لا يقتضي عدم تعدّد المسبّب وعدم تداخله؛ إذ غاية الأمر أنّه يجب عنوان رفع الحدث متأكّداً فإنّ الوجوب قابل للتأكّد سواء كان وجوب الوضوء أو وجوب رفع الحدث.
والحاصل: أنّ مجرّد اتّحاد المفهوم لا يقتضي كون التداخل على فرضه سببياً بل يقبل كونه مسببياً أیضاً إلّا أن يعلم أنّ السبب هو القدر المشترك أو لم يكن المسبب قابلاً للتأكّد والتكرّر(5)
هذا والمراد من التداخل المسبّبي أن يكون اقتضاء کلّ من السّببين محرزاً وكان
ص: 364
بين المسببين تصادق أو كان المسبب مفهوماً واحداً على ما ذكرنا كما في الأغسال وما مرّ من الوضوء بالنسبة إلى غاياته أو إلى أسبابه على الفرض الّذي ذكرنا.
إذا عرفت ذلك فنقول: أمّا التداخل السّببي فلا إشکال فيه؛ إذ لم يجتمع فيه حكمان(1) لا مثلان ولا ضدّان؛ لأنّ المفروض فيه أنّ السّبب الثاني لا يؤثر وإذا كانا دفعة فهما مشتركان في التاثير ولا يفيد تعدّدهما حينئذٍ التأكّد أیضاً وإن کان المحلّ قابلاً له؛ إذ بعد اتّحاد السّبب لا وجه للتأكّد أیضاً كما هو واضح وإذا وجد السبب الندبي أوّلاً ثم السّبب الوجوبي كالبول بعد الرعاف أو القيء فينقلب الحكم الندبي حكماً(2) وجوبياً كما ينقلب المرتبة الضّعيفة(3) من الحدث - إذا قلنا بأنّ القيء حدث ضعيف - مرتبة قويّة ويكون الأثر مستنداً إلى السّبب الثاني من غير تأكّد أیضاً لمكان الانقلاب دون التضاعف.
وأمّا المسبّبي فنلتزم فيه بأنّ الموجود فيه هو(4) وجوب واحد مؤكّد بملاحظة اقتضاء کلّ من السّببين، سواء كانا سببين للوجوب أو مختلفين وذلك الوجوب مستند إلى مجموع الجهتين فالأمر الموجود فيه أمر ثالث غير الأمرين؛ لأنّ کلّاً منهما مستندإلى إحدى الجهتين وهذا الأمر مستند إلى مجموعهما والفرد المجمع جنابة وحيض أو جنابة وجمعة مثلاً لكن جمعة متّصفة بالوجوب من حيث اتّحاده مع الجنابة ولا يكون مستحباً لعدم شمول الأمر الندبي له على ما هو المفروض ولا يضرّ كون الجمعة واجبة بالعرض كما قد تصير(5) واجبة بالنذر.
ص: 365
لكن الفرق أنّ في صورة النذر ينقلب الأمر الندبي وجوبياً فيكون وجوبه من حيث إنّه جمعة بخلاف المقام فإنّ وجوبه من حيث إنّه جنابة فغسل الجمعة يصير واجباً لكونه جنابة.
ولا فرق فيما ذكرنا بين القول باختلاف الحقيقة والتصادق في مورد الاجتماع وبين القول باتّحاد الحقيقة وعدم المغايرة أصلاً بناءً على جعله من التداخل المسبّبي كما فرضنا.
وعلى ما ذكرنا فلو أراد نية الوجه فعليه أن ينوي العنوانين مع نية الوجوب ولايجوز نية الندب ولو أراد الإتیان بالجمعة فقط فلا يمكن(1) قصد الامتثال إذا قلنا إنّه معلّق على وجود الأمر بعنوانه الخاصّ لكن يمكنه(2) قصد الأمر الوجوبي المتعلّق به لكنّه حينئذٍ قصد للجنابة أیضاً.
ولو قلنا بالتداخل فيما لو قصد أحدهما أیضاً فبناء على جواز الاجتماع يكون متّصفاً بالوجوب والاستحباب إلّا أنّه لا يكون امتثالاً إلّا بالنسبة إلى الأمر الّذي قصده وبالنسبة إلى الآخر يكون أداءً لا امتثالاً فلو قصد الجنابة يكون امتثالاً لأمره وأداء لأمر الجمعة أیضاً.
ودعوى أنّ كونه أداء فرع الإتیان به وهو فرع الامتثال المفروض عدمه؛ وذلك لأنّ المفروض أنّ غسل الجمعة من العبادات الموقوفة على قصد القربة والامتثال، فكيف يكون أداء مع عدم قصد أمر الجمعة؟!
مدفوعة بأنّ القدر المتيقن من اعتبار القربة(3) هو هذا المقدار ونمنع كون اللازمفي تحقّق العبادة القربة بلحاظ عنوانه الخاصّ فغسل الجمعة إنّما هو الارتماس في الماء
ص: 366
بقصد القربة وإن کان بلحاظ أمر الجنابة إذا فرض العلم بكون مصداقهما واحداً كما هو المفروض من جهة الاستكشاف عن أدلّة التداخل، وأمّا بناء على عدم جواز الاجتماع فهو متّصف بالوجوب ليس إلّا، إلّا(1) أنّه لو نوى الأمر الوجوبي فلا إشکال ولو نوى الأمر الندبي فيشکل بناء على اعتبار قصد الأمر إلّا أنّه لو فرضنا قيام الدليل على أنّه لو قصد الجمعة فقط أیضاً یغني عن الجنابة فيكشف عن كفاية قصد الجهة في صحّة العمل ويكون حينئذٍ أداءً بالنسبة إلى الجنابة الغير المقصودة ويحتمل أن يكون من باب الإسقاط.
هذا کلّه إذا قلنا بتضادّ الوجوب والاستحباب أیضاً كما في الحرمة والوجوب، وأمّا لوقلنا باختصاص التضادّ بغير صورة الاتّحاد في الجنس كما احتملنا سابقاً فعلى القول بالمنع أیضاً نقول باجتماعهما في المقام حسبما عرفت سابقاً حتّى في صورة اتّحاد العنوان لكفاية المغايرة من حيث السبب في جعل الحكمين.
فیختصّ ما ذكرنا سابقاً - من عدم جواز اجتماع الوجوب والاستحباب في العنوان الواحد ولو قلنا بعدم المضادّة بينهما بناء على مذهب العدلية - بما إذا لم يختلفا في السبب بحيث يكون بين السببين بحسب الوجود الخارجي عموم من وجه وإلّا فيجوز اجتماعهما كما في أسباب الغسل إذا كان بعضها موجباً للاستحباب وبعضها للوجوب(2) إذا اجتمعا في مورد.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه بناء على مذهب المانعين إن قلنا بالمضادّة بين الأحکام الخمسة کلّها فالموجود في مسألة تداخل الواجب والمستحب ليس الوجوب الناشئ من الجهتين وبالنسبة إلى الندب لا أمر ولا طلب ولا ندب بالفعل فليس من طرفه إلّا جهة الندب.
ص: 367
وإن قلنا بعدم المضادّة بين مثل الوجوب والندب فجميع المراتب المذكورة موجودة بالنسبة إلى کلّ من الأمرين لكن بعض المانعين من اجتماع الأمر والنهيكالشيخ(1) في الحاشية في بحث التداخل سلك مسلكاً بين الأمرين المذكورين فحكم بأنّ العمل متّصف فعلاً بالوجوب فقط لمكان المضادّة بينه وبين الاتّصاف بالندب فعلاً إلّا أنّ الأمر الندبي والطلب الندبي موجودان فيجوز له قصد الامتثال بالنسبة إلى المندوب أیضاً لعدم المضادّة بين الأمرين ولا بين الطلبين. بل إنّما هي بين الوصفين من حيث اتّصاف الفعل بهما فعلاً.
فعلى هذا لو نوى امتثال الأمرين كان الفعل متّصفاً بالوجوب فقط لكن يكون إيقاع المکلّف له على کلّ من الجهتين وإذا قصد الأمر الوجوبي فقط فقد أدّى الفعل المتّصف بالوجوب من جهة وجوبه وإذا قصد الأمر الندبي فقط فقد أدّى الواجب على جهة الندب.
قال ما حاصله:
فإن قلت: إنّ الأمر الإيجابي قاضٍ بإنشاء الوجوب والأمر الندبي قاضٍ بإنشاء الندب فكيف يتصوّر اجتماع الأمرين مع عدم اجتماع الحكمين؟
قلت: الأمر ليس إلّا إنشاء الطلب الخاصّ بعنوان الحتم أو عدمه وأمّا وجوب الفعل بحسب الواقع أو ندبه فهو ممّا(2) يلزم من الطّلب المفروض في بعض صوره فلا
ص: 368
مدافعة بين الإنشائين المفروضين.
والّذي يتراءى(1) التدافع فيه إنّما هو بالنسبة إلى ما يتفرّع عليهما من الحكم، فنقول: ليس مقتضى إنشاء(2) الطلب الندبي عدم المنع من الترك مطلقاً وإنّما مقتضاه عدم المنع من الترك بذلك الطّلب لعدم بلوغه إلى حدّ الإلزام فلا ينافي حصول المنعمن جهة أخرى.
فالندب يحصل ويلزم من الطلب النّدبي مع قطع النّظر عن الجهة الموجبة والمفروض وجودها(3) وأمّا الجهة الموجبة فيقتضي الوجوب مطلقاً وحينئذٍ(4) الفعل متّصف بالوجوب في الواقع والأمر الندبي لا يؤثر في اتّصافه بالندب الواقعي أیضاً لمكان المضادّة بين الوصفين فيبقى مقتضياً بلا أثر ولا بأس به؛ إذ اقتضاؤه للندب الفعلي إنّما هو مشروط بعدم المانع بخلاف اقتضاء الأمر الوجوبي فإنّه مطلق.(5)
قلت: إذا قلنا بعدم المضادّة والمنافاة(6) بين الطلبين والأمرين فلا مانع من اتّصاف المحلّ بهما أیضاً؛ وذلك لأنّه لا إشکال في تاثير الأمر الندبي أیضاً مقداراً من الرجحان كيف وإلّا فلا وجه لحصول(7) التأكّد وذلك المقدار هو الاستحباب الفعلي؛ إذ هو إذا أريد به في الجملة لا ينافي الوجوب في الجملة كما عرفت سابقاً.
فالموجود في المحلّ هو(8) رجحان مؤكّد هو في الحقيقة مركب من رجحانين
ص: 369
ووحدته إنّما هي في النظر الجليل وليس هذا الرجحان المركّب مستنداً إلى الأمر الوجوبي الخاصّ؛ لأنّه لا يقتضي هذا المقدار.
ودعوى أنّه نظير السواد الضعيف والقوي المستندين إلى سببين حيث إنّه شخص واحد من السواد؛
مدفوعة بالفرق بين المقامين فإنّ المدار في الوحدة والتعدّد هناك على الحسّ(1) والعوارض الخارجيّة بخلاف المقام كما لا يخفى.
هذا وأجاب في المناهج(2) عن أصل الإشکال أعني إشکال اجتماع الوجوب والاستحباب في مسألة التداخل بأنّه لا يتوقّف على الاجتماع فإنّه يمكن أن يكون من باب إجزاء الواجب عن المندوب أو عكسه بمعنى أنّه يترتّب على العمل ثوابهما ويسقط بفعل أحدهما التکلیف عن الآخر.
وهذا الوجه كما ترى مبنيّ على أن يكون الشخص الجنب في يوم الجمعة مکلّفاً بغسلين أحدهما واجب والآخر مندوب وأنّه إن قصد الإتیان بأحدهما امتثل ذلك ولكن يسقط تکلیفه عن الآخر وإلّا فلو فرض عدم تکلیفه إلّا بغسل واحد بأن يكون الإجزاء والتداخل قهرياً فلا يندفع الإشکال؛ لأنّ هذا الواحد متّصف بالوجوب والاستحباب.
ص: 370
وحينئذٍ فيرد عليه: أنّه إذا كان المراد الإجزاء مع قصد أحدهما فكيف يكون مکلّفاً بغسلين؟! إذ لا يمكنه إتیان غسلين بعد هذا الدليل على الإجزاء.
وإن قال: إنّه مکلّف بالجنابة فقط أو بالجمعة(1) فقط فهو خلاف المفروض وخلاف ظاهر الأدلّة وإن کان غرضه ذلك مع الإتیان بقصدهما معاً فلازمه اجتماع الحكمين أیضاً؛ إذ لا معنى لقصدهما مع كونه أحدهما.
والحاصل: أنّه إن أراد أنّه مکلّف إمّا بغسل الجنابة فقط أو الجمعة فقط فهو خلاف ظاهر الأدلّة، مع أنّه(2) لا معنى للإسقاط حينئذٍ.
وإن أراد أنّه مکلّف بغسلين ولكن یکفي واحد فإن أراد ذلك مع الإجزاءالقهري وأنّه لو قصد هذا يسقط ذاك(3) أیضاً قهراً فلا معنى لكونه مکلّفاً بغسلين مع هذا الحكم القهري، وإن أراد ذلك مع التداخل الاختياري بأنّ قصدهما معاً فلا معنى لقصدهما مع كون غسله أحدهما.
فإن قلتَ: قد قلتَ سابقاً بجواز التداخل القهري مع تعدّد الطّلبين في العنوان الواحد فَلِمَ تقول بعدم المعقولية في المقام؟!
قلتُ: إنّما كان مع كون المأتي به مأموراً به بکلا الأمرين بحيث يكون لازم اجتماعهما التأكّد والقائل المذكور لا يقول بذلك(4) في المقام بل يقول: إنّ الماتي به أحد الغسلين وإنّه مسقط للآخر(5) مع كونه مکلّفاً به، وهذا غير معقول لعدم إمکان الإتیان بهما معاً على هذا الفرض فلا يمكن كونهما مکلّفاً بهما. فتدبر.
ص: 371
ثمّ إنّ ما ذكره من الإسقاط خلاف ظاهر الأدلّة وأقوال العلماء فإنّ المشهور أنّه يجوز أن ينويهما ويكون امتثالاً للطّلبين وظاهر الأخبار أیضاً ذلك فإنّ المتبادر منها قصد الجميع لا خصوص أحدها فلا يكون من الإسقاط.
نعم ذكر جماعة أنّه لا يجوز الجمع بين النيتين:
فعن قواعد الشهيد (رحمة الله علیه): لو نوى الجنابة والجمعة بطل لتنافي الفعلين.(1)
وعن جامع المقاصد: إن نوى الواجب والمندوب قيل: يجزي عنهما، وقيل: لايجزي؛ لأنّ الفعل الواحد لا يكون واجباً وندباً.(2)
وعن العلّامة
(رحمة الله علیه) في كثير من كتبه الجزم بالبطلان. وعلّله فيالمختلف(3) بأنّه إن نوى الوجوب عن الجمعة والجنابة لا يجزي؛ لأنّه نوى الوجوب عمّا ليس بواجب، وإن نوى الندب لم يوقع غسل الجنابة على وجهه، وإن نواهما كان الفعل الواحد قد نوى فيه الوجوب والندب فلا يقع عليهما ولا على أحدهما؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح.(4)
لكنّ الشهيد (رحمة الله علیه) صرّح في الذكرى(5) في مسألة الصلاة على الموتى بجواز الجمع.(6)
ص: 372
بل في القواعد(1) أیضاً قال بعد العبارة السّابقة: «ويحتمل الإجزاء؛ لأنّ نيّة الوجوب هي المقصودة فتلغو نية الندب».(2)
وعن العلّامة (رحمة الله علیه) في التذكرة(3) في بحث الصّلاة على الميّت الواجب عليه الصلاة والمستحب عليه: ولو قيل بإجزاء الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن.(4)
وكيف كان فالاستدلال بمسألة التداخل مبنيّ على القول بكون الغسل الواحد امتثالاً للأمرين(5) إمّا مع قصدهما(6) أو مع قصد مطلق الغسل.
فالجواب بدعوى الإسقاط ليس في محلّه خصوصاً بعد ظهور الأدلّة فيما ذكر.
وعن صاحب الذخيرة أنّه أجاب عن الإشکال:أوّلاً: بأنّ الدليل لمّا دلّ على الاجتزاء بغسل واحد عن(7) الغسلين(8) يلزم أن يقال: إحدى الوظيفتين تتأدّى(9) بالأخرى بمعنى أنّه يحصل له ثوابها وإن لم يكن من أفرادها حقیقة كما تتأدّى صلاة التحية بالفريضة والصوم المستحب بالقضاء.
ص: 373
وثانياً: بأنّ ما دلّ على استحباب غسل الجمعة یختصّ(1) بصورة لا يحصل سبب الوجوب والمراد من كونه مستحباً أنّه مستحب من حيث نفسه مع قطع النظر عن طريان العارض المقتضي للوجوب.(2) انتهى.
وظاهر جوابه الأوّل أنّه مکلّف بالتکلیفين إلّا أنّه إن نوى الواجب يجزي عن الندب دون العكس فحینئذٍ لا يرد عليه ما أوردنا على المناهج من عدم معقولية التکلیفين مع الحكم بالإسقاط؛ لأنّ الإسقاط على أحد التقديرين فقط.
نعم لو أراد التأدّي من الطرفين ورد عليه ما ورد عليه.
وقوله: «كما تتأدّى صلاة التحية»(3) إلى آخره، يؤيّد الأوّل.
هذا ولكن يرد عليه ما ذكرنا من أنّ ظاهر المشهور والأدلّة الجمع بين النيتين وأنّه امتثال للأمرين والإشکال إنّما هو على هذا الفرض.
وربما يورد(4) عليه أیضاً بأنّ تأدّي إحدى الوظيفتين بالأخرى غير معقول إلّا أن يكون المصلحة الداعية إلى طلبها موجودة في الأخرى وهذا يوجب إيجاب المندوب أیضاً فإنّه أحد أفراد المخير لاستوائهما في المصلحة.
ولعلّه حمل کلام صاحب الذخيرة على التأدّي من الطرفين حيث قال: وهذايوجب إيجاب المندوب،(5) وإلّا لكان الواجب أن يقول: وهذا يوجب استحباب
ص: 374
الواجب.
وكيف كان لا وجه لهذا الإيراد؛ إذ مرجعه إلى نفي معقولية الإسقاط بدعوى أنّ المسقط إذا لم يكن مشتملاً على مصلحة السّاقط فلا معنى لإسقاطه وإن اشتمل كان في عرضه فيكون أحد الفردين المخير بينهما.
وفيه: أنّ مجرّد الاشتمال على مصلحته لا يستلزم ذلك؛ إذ يمكن أن يكون هناك مانع عن جعل الحكم كما في المقام حيث إنّه لا يعقل الاتّصاف بالوجوب والاستحباب على مذهب المانعين.
ويمكن أن يكون الإسقاط من باب الاشتمال على بعض المصالح بحيث لم يمكن(1) الأمر بالفعل بعد ذلك؛ لعدم إمکان التبعيض فلا يتعلّق به الأمر في عرض الساقط لعدم الاشتمال على تمام مصلحته، ويسقط الأمر عن السّاقط لحصول بعض مصالحه والمقدار الفائت ليس ممّا يكون قابلاً للإيجاب.
وأقوى الدليل على الجواز الوقوع كما في المثالين وغيرهما.
هذا وأمّا جوابه الثاني فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون المراد أنّ دليل الاستحباب لا يشمل المقام فلا يكون مکلّفاً بغسل الجمعة أصلاً لا مستحبّاً ولا واجباً.
وثانيهما: أن يكون مراده أنّه مکلّف به لكن على وجه الوجوب.
فعلى الأوّل يرد عليه أنّه خلاف الإطلاقات بل خلاف ظاهر أدلّة الإجزاء والتداخل أیضاً والظاهر أنّ مراده هو الثاني وغرضه أنّ غسل الجمعة إنّما يكون مستحباً إذا لم يتّحد مع الجنابة الواجبة وإلّا فهو واجب وهذا صحيح؛ إذ يرجع إلى ما ذكرنا سابقاً من أنّ اجتماع الجهتين موجب للاتّصاف بالوجوب المتأكّد مع كون العمل
ص: 375
مصداقاً للمستحبّ أیضاً، فذات المستحبّ موجود بوصف الوجوب.
وحینئذٍ فلا وجه لما أورده عليه في كتاب الطّهارة من أنّه إن أراد وجوب غسل الجمعة لعارض فهو بعيد جدّاً وإن أراد وجوبه من حيث مصادقته مع عنوان واجب فالإشکال في أنّه محكوم بالاستحباب المضادّ للوجوب أوّلاً فلا يجوز قصده والمفروض قصد الغسلين.(1) انتهى.
وليت شعري كيف يحكم بِبُعد الوجوب العرضي للجمعة مع أنّه التزم(2) في دفع الإشکال بالاتّصاف بالوجوب فعلاً وبقاء جهة الاستحباب فإنّ لازمه ذلك كما لايخفى.
وأجاب في الجواهر عن الإشکال بوجه آخر وهو: أنّ هذا الفرد ليس مصداقاً للکلّيين حتّى يلزم الإشکال بل هو أمر خارج عنهما فهو من قبيل فرد(3) لکلّي(4) آخر اجتزى الشارع به عن الواجب والمندوب لكن لمّا شابههما في الصورة سمّي بالتداخل وإلّا فهو ليس غسل جنابة وغسل جمعة ليرد ذلك.(5)
ثمّ قال:
فإن قلت: هذا الغسل واجب أو مستحبّ أو کلاهما؟
قلت: هو حيث يقوم مقام الأغسال الواجبة فهو أحد فردي الواجب المخيّر
ص: 376
بمعنى أنّ المکلّف مخيّر بين أن يأتي بالفعلين أو بالفعل الواحد المجزي عنهما وحيث يقوم مقام الواجب والمندوب فهو مندوب محضاً؛ لأنّه يجوز تركه لا إلى بدل؛ لأنّ بدله الواجب والمستحبّ جميعاً يجوز تركه والاقتصار على الواجب فقط وهو ليس بدلاً عنه فيجوز تركه لا إلى بدل، فلا يكون واجباً، فينوي بناء على اشتراط نيّة الوجهالنّدب فيه مع نيّة الاجتزاء به عن الواجب والمندوب وعلى عدم الاشتراط ينوي القربة مع نيّة الاجتزاء به(1) عن الجميع.(2) انتهى.
وأورد عليه: بأنّ هذا الثالث إذا كان مأموراً به بأمر ثالث غير أمر غسل الجنابة وأمر غسل الجمعة فيكون أحد فردي الواجب التخييري الشرعي وأحد فردي المستحبّ التخييري الشرعي فيجتمع فيه الوجوب والاستحباب ويصير الأمر أشکل؛ لأنّ التخيير العقلي في الواجب والمستحبّ يمكن القول باجتماع فردين منه في مصداق واحد بخلاف التخيير الشرعي فجعله طبيعة ثالثة لم يُجد نفعاً بل زاد إشکالاً.(3)
قلت: مع أنّه بصدد دفع إشکال اجتماع الوجوب والاستحباب فكيف يصرّح بأنّه من حيث إنّه قائم مقام الواجب واجب تخييري ومن حيث المجموع مستحبّ؟!
وأیضاً يلزم على بيانه اجتماع الوجوب والاستحباب من جهتين: من جهة أنّه بدل عن الجمعة ومن حيث إنّ المجموع من حيث المجموع مستحبّ وهو(4) بدل عنه
ص: 377
فهذا الّذي ذكره إنّما كان مناسباً لو كان الإشکال كون شي ء واحد مصداقاً للواجب والمستحبّ لا كونه مستحبّاً وواجباً بالفعل، مع أنّ الأمر بالعكس؛ إذ اجتماع ذاتيهما لا إشکال فيه كما عرفت حيث قلنا: إنّه مصداق للکلّيين إلّا أنّه متّصف فعلاً بالوجوب.
ثمّ ما ذكره من نيّة الاستحباب بناء على نيّة الوجه لا وجه له بل المناسب أن ينوي الوجوب والندب؛ لأنّه بأحد الاعتبارين واجب.
ثمّ إنّ هذا الجواب لا يجري في العرفيات الّتي نعلم بأنّ المأتي به ليس من الأمر الثالث بل هو مصداق للکلّيين كما إذا أمر بإکرام زيد وجوباً وبإکرام عمرو ندباًوكان فرد واحد من الإکرام إکراماً لهما فإنّ من المعلوم أنّ هذا الفرد حقیقة مصداق للکلّيين. فتدبّر.
ثمّ الظاهر(1) على ما ذكره أنّه لا ينوي جمعة ولا جنابة؛ لأنّه جعله ثالثاً فينوي ذلك الثالث مع أنّ ظاهر(2) الأصحاب والأدلّة نيّة العنوانين.
وإن قال: إنّه ينويهما ومع ذلك يكون ثالثاً، فيرد عليه أنّه لا معنى لذلك مع عدم كونه منهما.
هذا ولو قال بعد ما حكم بأنّه أمر ثالث: إنّه ليس إلّا مستحبّاً صِرفاً وأنّه مسقط للجنابة والجمعة لا طرف للتخيير كان أبعد عن الإيراد؛ إذ على هذا لم يجتمع الحكمان فالمکلّف في يوم الجمعة يجب عليه غسل جنابة ويستحبّ عليه غسل جمعة ويستحبّ عليه بأمر ثالث مكشوف عن أدلّة التداخل غسل آخر إذا أتى به أجزأ عن التکلیفين وأسقطهما عن الذمّة.
ودعوى أنّه إذا كان مسقطاً فلا بدّ من اشتماله على مصلحتهما فيكون طرفاً للتخيير؛ مدفوعة بما عرفت.
ص: 378
فعلى هذا لا يرد عليه إلّا أنّه خلاف ظاهر الأدلّة والعلماء. فتدبّر.
وأجاب في الفصول عن الإشکال بما حاصله أنّ التداخل إمّا في الواجبات فقط أو المندوبات فقط أو المختلفات، وعلى التقادير إمّا أن(1) يكون مع النيّة أو يكون قهريّاً. ثمّ النيّة إمّا أن(2) تكون جزءاً أو شرطاً فمع اعتبار النيّة وكونها جزءاً لا إشکال لتعدّد المتعلّق حتّى في المختلفين، غاية الأمر أن يشترك الواجب والمندوب في جزء وهو ما عدا النيّة فيلزم وجوبه واستحبابه ولا بأس به لاختلاف الغيریين(3) ومع كونها شرطاً أو عدم اعتبارها فلا إشکال إذا اختلف الحكمان بالنفسيّة والغيريّة أو مع اختلاف الغيرومع كونهما نفسيّين أو كون الغير واحداً يحمل على تأكّد الحكم في المتّفقين وعلى أفضليّة الفرد في المختلفين.(4)
ويرد عليه أوّلاً: أنّا نمنع تعدّد المتعلّق بمجرّد اختلاف النيّة ولا يخرج العمل عن كونه واحداً كما هو واضح خصوصاً مع أنّ نية الجميع نية واحدة لا تعدّد فيها فجميع أجزاء العمل واحد حتّى النيّة؛ إذ لا ينوي هذا بنيّة مستقلّة ثمّ ذاك(5) بنيّة مستقلّة.
وثانياً: بناء على التعدّد وكفايته لا فرق بين كونها شرطاً أو جزءاً؛ إذ بناء على
ص: 379
الشرطيّة أیضاً التقيّد(1) داخل في العمل فلو فرضنا صدق تعدّد العمل فينبغي القول به على القولين خصوصاً على مذهبه(2) من جعل النيّة من قيود المأمور به لا معتبرة فيطريق الامتثال.
وثالثاً: أنّ الاختلاف في النفسيّة والغيرية وتعدّد الغير لا يجدي في دفع الإشکال
ص: 380
حسبما(1) عرفت سابقاً.
ورابعاً: أنّ ما حكم به من التأكّد والأفضليّة على تقدير التداخل القهري كما على شرطيّة النيّة على إطلاقه ممنوع؛ إذ مع التداخل القهري(2) إنّما يتمّ التأكّد إذا كان من التداخل المسبّبي وأمّا إذا كان من السببي فلا يحصل على(3) تأكّد ولا أفضلية، بل قد عرفت سابقاً أنّ بعضهم استشکل في إمکان جعله من التداخل المسبّبي وقال: إنّ التداخل القهري لا يكون إلّا(4) التداخل السّببي.
وأجاب الشهيد (رحمة الله علیه) في الذكرى(5) عن مسألة التداخل - أعني اجتماع الوجوب والاستحباب - بأنّ نيّة الوجوب يستلزم نيّة الندب لاشتراكهما في الترجيح ولا يضرّ اعتقاد منع الترك؛ لأنّه مؤكّد للغاية. قال: ومثله الصّلاة على جنازتي بالغ وصبيّ بل مطلق الواجبة. (6)
وقال في قواعده(7) بعد حكمه بالبطلان إذا جمع(8) بين النيّتين: «ويحتمل الإجزاء؛
ص: 381
لأنّ نيّة الوجوب هي المقصودة فتلغو نيّة الندب».(1)
ويمكن إرجاعهما إلى ما ذكرنا سابقاً من أنّ الفعل متّصف بالوجوب بالفعل وإن کان مصداقاً للمندوب أیضاً مع وجود الجهة النادبة.
هذا ويمكن أن يجاب عن الإشکال في بعض موارد التداخل مثل مسألة تأدية التحيّة بالفريضة والصّوم المستحبّي بالقضاء بوجه آخر وهو أن يقال: إنّ الاجتماع الممنوع إنّما هو إذا كانا في عرض واحد كأن يكون مکلّفاً بالتحيّة وبالفريضة وكان المأتي به مصداقاً لهما وهو ممنوع؛ إذ الظاهر أنّه مکلّف بالصّلاة في المسجد إذا دخله بأيّ وجه كانت.
وبعبارة أخری: المستحبّ الإتیان بصلاةٍ ما وإن کان بعنوان الوجوب عن نفسه أو عن غيره فهو نظير الصّوم في الاعتكاف حيث إنّه يشترط فيه الصّوم بأيّ عنوان کان ولو كان استيجارياً فلو صلّى الفريضة في المسجد فهي صلاته الواجبة وهذه الواجبة بعنوان أنّها صلاة كذائيّة متّصفة بالاستحباب من حيث إنّها تحيّة فليست ذات الصّلاة صلاة التحيّة إلّا إذا قصد بها ذلك دون سائر العنوانات.
وكذا الکلام بالنسبة إلى الصّوم في اليوم الّذي يستحبّ فيه الصّوم بالخصوص فإنّا نقول: المستحبّ هو كونه صائماً بأيّ صوم كان فإذا نوى القضاء يكون صوماً واجباً وبهذا العنوان یتّصف بالاستحباب.
وبالجملة فالإشکال أنّما هو في صورة كون الصلاة الواحدة من حيث إنّها صلاة مصداقاً للأمرين أمّا إذا كانت أوّلاً مصداقاً للفريضة ومصداقاً للتحيّة بعد عروض عنوان الفريضة وبهذا الوصف فلا بأس.
ص: 382
وحینئذٍ فصلاة التحيّة قسمان قسم يكون مستحبّاً من حيث إنّها صلاة تحيّة ويكون معنوناً بها أوّلاً وتكون(1) التحيّة عنواناً أوّلياً لها وقسم يكون مستحبّاً بوصف كونها معنوناً أوّلاً بعنوان آخر.
وإن شئت فقل: إنّ المستحبّ في الحقيقة هو عنوان تحصيل الصّلاة لا أصلهاكما نقول به بالنسبة إلى الصّلاة في أوّل الوقت حيث إنّ الواجب هو عنوان الصّلاة والمستحبّ عنوان التعجيل والمبادرة وهما من العناوين الثانوية.
ويمكن أن ينزّل على ما ذكرنا ما ذكره السبزواري في جوابه الأوّل حيث قال: إنّ التحية تتأدّى بالفريضة وإن لم تكن من أفرادها.(2) یعني من أفرادها الأوّلية.
ويكون مراده أنّ في يوم الجمعة يستحبّ غسل ما وإن کان غسل الجنابة فالجنب يجب عليه أن يأتي بغسل الجنابة إلّا أنّه يتأدّى به غسل الجمعة أیضاً حيث إنّه يتحقّق ولو كان بعنوان آخر. فتدبّر.
هذا وربّما يعدّ من موارد اجتماع الحكمين المركّبات الواجبة المشتملة على الأجزاء المندوبة كالصّلاة المشتملة على القنوت وتعدّد ذكر الركوع والسّجود والتكبيرات المستحبّة وغيرها فإنّ هذه الصلاة واجبة من حيث إنّها فرد من الواجب ومندوبة من حيث اشتمالها على الأجزاء المندوبة فهي نظير الصلاة في المسجد.
ويجاب بناءً على مذهب المانعين بما أجيب به هناك من أنّه أفضل أفراد الواجب
ص: 383
التخييري.
قلت: يمكن أن يقال: إنّها ليست من قبيل المقام بل هذه الصلاة واجبة ومندوبة بمعنى أنّها مركّبة من الواجب والمندوب وقد تعلّق بها أمران أمر وجوبي متعلّقه الأجزاء الواجبة وأمر ندبي متعلّقه الأجزاء المندوبة فهي من حيث المجموع لم يتعلّق بها حكم واحد ولا حكم لها وفرق واضح بين مثل كون الصلاة في المسجد والقنوت، فإنّ الكون المذكور غير منفكّ عن مطلق الكون الّذي هو جزء وجوبي بخلافالقنوت.
نعم لو قلنا: إنّ المکلّف مخيّر في ذكر الركوع والسجود بين الواحد(1) والثلاثة وإنّ الثلاثة على فرضها أحد فردي الواجب التخييري، كان نظير الكون المذكور، لكن مثل القنوت والتكبيرات المستحبّة ليست كذلك لجواز تركها لا إلى بدل.
ولو قلنا: إنّ الصلاة المذكورة واجبة وأنّها أحد أفراد التخيير، يلزم كون القنوت واجباً مع أنّ استحبابه إجماعي أو القول بأنّه ليس بجزء وإنّما هو مستحبّ خارجي في حال الصلاة وهو أیضاً خلاف الإجماع.
ودعوى أنّا نلتزم بأنّه واجب إذا أتى به؛ لأنّه حینئذٍ جزء للواجب ولا معنى لكون جزء الواجب غير واجب وإنّما معنى استحبابه أنّه يجوز تركه من حيث هو وإلّا فمع الإتیان به لا يعقل إلّا أن يكون واجباً كما التزم به المحقّق(2) الأنصاري(3) على ما نقل
ص: 384
عنه؛
مدفوعة بأنّه إذا كان قبل الإتیان به مستحبّاً فكيف یتّصف بالوجوب بعد الإتیان به؟!
وما ذكر من أنّ جزء الواجب لا يعقل إلّا أن يكون واجباً؛
فيه: أوّلاً: أنّه أوّل الدعوى؛ إذ جزء الواجب من حيث هو واجب لا يعقل أنيكون مستحبّاً وهذا ليس جزءاً إلّا للشخص الموجود في الخارج وليس جزءاً للواجب من حيث هو واجب.
وثانياً: نمنع كونه جزءاً للواجب بل هو جزء لمركب بعض أجزائه واجب ومجموعه ليس بواجب ولا مندوب، بل لا حكم له من حيث المجموع ولا بهذه الحيثيّة واجب ومندوب بمعنى اشتماله عليهما فلا إشکال.
فإن قلت: المفروض أنّ التشخّص والفرديّة لاحقان لهذا المجموع؛ إذ لا يصدق الصّلاة على الأجزاء الواجبة في ضمن هذا المركّب بل الصّلاة إنّما هو المجموع فالأمر المتعلّق بطبيعة الصّلاة يسري إلى هذا المجموع فكيف لا يكون واجباً؟
ص: 385
وبعبارة أخری: الوجوب لاحق للفرد وهو في هذا المركّب مجموعه لا أجزاؤه(1) الواجبة فقط.
قلت: نعم لكن نمنع أنّ وجوب الطبيعة يقتضي وجوب الفرد بتشخّصه بل يقتضي وجوب الأجزاء الواجبة فقط وإن لم تكن صلاة متشخّصة وذلك لأنّ الوجوب اللاحق للمركّب إنّما يتعلّق بأجزائه فقوله: «صلّ» في قوة قوله: «كبّر، اركع، اسجد بقيد الارتباط»، فلا يقتضي إلّا وجوب ما لا يمكن تركه.
والحاصل: أنّ لحوق الوجوب لکلّ فرد حتّى المشتمل على الجزء المندوب ممنوع، ويمكن أن يكون بعض أجزاء الفرد مستحبّاً بل مباحاً.
ألا ترى أنّه لو قال: «ايتني بذراع من كرباس من مال زيد» مع فرض كون الذراع لا بشرط عدم الزيادة في عالم الوجود فأتى بذراعين من كرباس مقدار ذراع منه من أحد الطرفين من مال زيد ومقدار ذراع منه من طرفه الآخر من مال عمرو يصدق قطعاً أنّه أتى بما کلّف به؛ لأنّه أتى بمقدار الذراع من مال زيد مع(2) أنّه ليس شيئاً متشخّصاً في الوجود الخارجي؛ إذ التشخّص قائم بمجموع الذراعين؛ لأنّه كرباس واحد فتمام هذا الشخص ليس واجباً قطعاً وإنّما هو مشتمل على الواجب.ودعوى أنّه يصدق الذراع من الكرباس على نصف هذا الشخص وإن لم يكن متشخّصاً بخلاف ما نحن فيه فإنّ الصلاة لا تصدق على الأجزاء الواجبة في ضمن هذا المركّب؛
مدفوعة بأنّ الصلاة ليست إلّا هذه الأجزاء الخارجيّة فمعنى وجوبها وجوبها(3) وليست عنواناً خاصّاً بسيطاً حتّى يقال: إنّها لا تصدق على الأجزاء المذكورة. فلو
ص: 386
فرضنا أنّه لم يقل: «صلّ» بل قال: «كبّر واركع واسجد منضمّاً» لكان مثل مسألة الذراع قطعاً، فكذا الحال إذا قال: «صلّ» ولكن كانت اسماً لهذا المركّب الخارجي.
والحاصل: أنّه لا يجب أن يكون الامتثال قائماً بالفرد بما هو فرد بل المدار على وجود الطبيعة بأجزائها الواجبة وإن كانت(1) في ضمن فرد ليس تمامه واجباً.
بل أقول: يمكن تحقّق الامتثال بإيجاد الطبيعة وإن لم يكن بوجود الفرد(2) مثلاً إذا قال: «أوجد الخطّ» فأوجد المکلّف خطّاً مقدار شبر مثلاً فإنّه يصدق عليه إيجاد الطّبيعة وإن کان بعدُ مشغولاً به إلى فرسخ فبمجرّد إيجاد الخط يصدق الامتثال وإن لم يتشخّص بعدُ لفرض اشتغاله به وتطويله إلى فرسخ فالشخص لا يصدق إلّا بعد تمام الخطّ والامتثال يصدق بأوّل الإيجاد. فتدبّر.
وإن شئت قلت: إنّ الأجزاء الواجبة مصداق للطّبيعة الواجبة وإن لم يكن(3) فرداً متشخّصاً وإنّ المصداق أعمّ من الفرد؛ إذ في الفرد يعتبر التشخّص وفي المصداق لا يعتبر ذلك.
ويمكن أن يؤيّد ما ذكرنا بما هو مقرّر في محلّه من أنّه لو أتى ببعض الأجزاء المستحبّة على وجه محرّم يوجب بطلانه، لا يبطل ذلك العمل؛ لأنّ غاية الأمر أنّ وجود ذلك الجزء المستحبّي كعدمه ولا يلزم منه البطلان؛ إذ الامتثال يقوم بما عداه.
مع أنّ ذلك الجزء داخل في تشخّص ذلك الفرد حيث أتى به بعنوان الجزئيّةوكونه خارجاً عنه عند الشارع وفي الواقع من جهة بطلانه لا يوجب كون التشخّص قائماً بما عداه، وإلّا فلنا أن نقول: إنّ الأجزاء الواجبة في حدّ نفسها متشخّصة وهي فرد
ص: 387
للواجب والمركّب منها ومن الجزء المستحبّي فردٌ آخر مستحبّ وهناك أمران: أمر وجوبي قائم بالأجزاء الواجبة وأمر مستحبّي قائم بالمجموع من حيث المجموع، فما يكون داخلاً في التشخّص في الحسّ(1) لا يلزم أن يكون داخلاً في التشخّص الواقعي. فالجزء المأتي به على وجه البطلان داخل في التشخّص الحسّي لكنّه خارج عند الشارع، وكذا في المقام الجزء المستحبّي داخل في التشخّص الحسّي لكنّه خارج عن فرد الواجب بما هو واجب. والأولى ما ذكرنا أوّلاً من أنّه مصداق لا فرد متشخّص.
وكيف كان فهو خارج عمّا نحن فيه من اجتماع الحكمين لما عرفت من أنّ متعلّق کلّ من الحكمين غير الآخر.
هذا(2) وربما يمكن أن يظنّ ظانّ أنّ مسألة النذر - أعني نذر النوافل - من اجتماع الحكمين حيث إنّ الصلاة المنذورة مستحبّة من حيث هي وواجبة باعتبار كونها منذورة فيكون هذا المورد(3) أیضاً من الموارد الواردة في الشرع ومن موارد النقض.
ولكنّ التحقیق أنّه ليس كذلك؛ لأنّه من انقلاب الاستحباب وجوباً بالعرض بناءً على أنّ قوله: «فِ بنذرك» معرِّف ومرآة(4) لما يجب بالنذر من الأفعال، فهو عبارة أخرى عن قوله: «صلّ وصُم وتصدّق» ونحو ذلك لا أنّه عنوان من العناوين.
وذلك لأنّه على هذا التقدير يكون من قبيل التقييد لما دلّ على استحباب الأمور المذكورة والأمر الندبي انقلب أمراً وجوبيّاً بهذا الدّليل.
ص: 388
وأمّا بناءً على كونه(1) عنواناً من العناوين وأنّ الملحوظ نفس عنوان العمل بما جعله على نفسه والوفاء بمقتضاه فنقول: إنّه حینئذٍ من العناوين الثانوية المغايرة فيوجودها الحقيقي الّذي هو عين الاعتبار للعنوان الأوّلي فذات الصّلاة مستحبّة وعنوان الوفاء واجب وهو نظير عنوان التأديب بالنسبة إلى نفس الضرب.
نعم الصلاة المذكورة مقدّمة لهذا الواجب فبناء على وجوب المقدّمة تكون واجبة من هذه الجهة فلا بدّ من الالتزام بالانقلاب حینئذٍ.
والتحقیق هو الوجه الأوّل من المعرّفية والمرآتية؛ وذلك لأنّ الظاهر أنّ الإيجاب الشرعي الوارد على النذر إمضاء لما فعله الناذر وجعله على نفسه وهو قد التزم بالصلاة والصّوم وجعلهما واجباً على نفسه فيكون الوجوب الشرعي أیضاً وارداً عليهما لا على عنوان الوفاء بما هو وفاء.
فإن قلت: فعلى هذا لا يجب الوفاء بالنذر إذا فرضنا أنّ الناذر جعل شيئاً على نفسه بعنوان الاستحباب؛ إذ مقتضى إمضائه استحبابه لا وجوبه.
قلت: نلتزم بذلك بل نقول: إنّه خارج عن حقیقة النذر فإنّ حقیقته الالتزام وجعل الشي ء لازماً على نفسه فمثل الجعل الندبي لا يشمله أدلّة النذر على الوجهين من العنوانية والمرآتية.
هذا وممّا ذكر ظهر حال المباحات والمستحبّات الّتي صارت مقدّمة للواجب فإنّها ليست من اجتماع الوجوب والاستحباب أو الإباحة للانقلاب المذكور.
ولكنّ الإنصاف أنّها من اجتماع الحكمين وإن لم نقل به في مسألة(2) النذر وقلنا
ص: 389
فيها بالانقلاب على الوجه الأوّل.
وذلك لأنّه يحصل من ملاحظة انضمام الاستحباب إلى الوجوب المقدّمي رجحان زائد على المقدار الكافي في الوجوب، فبناء على مذهب المانعين يحصل الوجوب المتأكّد وبناء على مذهب المجوّزين يكون للفعل جهتان ويستحقّ الثواب على عمله وإن لم يكن الوجوب المقدّمي موجباً للثواب،(1) وعلى القول به يستحقّثوابين.
وهذا بخلاف مسألة النذر على الوجه الأوّل فإنّه لا يحصل من النذر إلّا انقلاب الأمر الندبي وجوبياً ولا يكون هناك تأكيد ولا استحقاق ثوابين.
والسّر فيه أنّ الواجب فيها امتثال الأمر الندبي فيكون الوجوب وارداً(2) على الفعل المستحبّ بعنوان أنّه مستحبّ بخلاف باب المقدّمة فإنّ الوجوب العرضي وارد على ما ورد عليه الاستحباب من ذات الفعل؛ لأنّه المقدّمة لا الفعل بعنوان أنّه مستحبّ.
نعم لازم هذا البيان أنّه لو فرضنا أنّ الناذر جعل على نفسه ذات الفعل الندبي مع قطع النظر(3) عن الأمر الندبي وقلنا بصحّة ذلك - لأنّه وإن کان يعتبر في النذر أن يكون متعلّقه راجحاً إلّا أنّ ذات الفعل أیضاً راجح لأنّه مورد للأمر الندبي ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك فلا يلزم قصده امتثال الأمر الندبي - فحینئذٍ يلزمنا القول باجتماع الحكمين؛ لأنّ الوجوب النذري على هذا في عرض الاستحباب؛ إذ هو وارد على ما ورد عليه ولازمه تعدّد الثواب ثواب النذر وثواب الأمر الندبي إذا قصدهما
ص: 390
حال العمل فلا بدّ على مذهب المانعين من التوجيه بالتأكّد. فتدبّر.
ويمكن أن يعدّ من اجتماع الحكمين مسألة الأموال المباحة إذا طرأها(1) الحرمة بعنوان الغصب فالغنم المغصوب مباح وحرام فهى نظير المباح الّذي صار مقدّمة للحرام إذا قلنا بحرمته كما إذا كان سبباً.
بل الإنصاف أنّ المقام أولى وذلك لأنّ الظاهر أنّ قوله: «الغنم حلال» أو ﴿أُحِلّ لَكُم الطّيباتُ﴾(2) أو نحو ذلك ليست مقيّدة بعدم ورود العنوان المحرّم بل تفيد الحلّيّة الذاتيّة الّتي لا تنافي الحرمة العرضيّة وتجتمع(3) معها(4) وإن قلنا بالتقييد في الأفعالالمباحة الّتي صارت مقدّمة لواجب أو حرام والوجه في الفرق أنّ إباحة تلك الأفعال ليست إلّا من باب عدم وجود العنوان الموجب أو المحرّم وإلّا فهي(5) ليست عنواناً مجعولاً وداخلاً تحت کلّي جعله الشارع مباحاً بالخصوص بخلاف إباحة الأعيان المباحة فإنّها كذلك فالأفعال مباحة غالباً أو کلّياً من جهة عدم دخولها تحت أحد العناوين الواجبة أو المحرّمة والأعيان المذكورة مباحة بعناوينها الخاصّة في بيان(6) الشارع فالإباحة في الأوّل مقيّدة وفي الثاني مطلقة واللازم عدم الاجتماع في الأوّل والاجتماع في الثاني [و](7) لا أقلّ من احتمال الفرق بما ذكرنا. فتدبّر.
ص: 391
ويمكن أیضاً بذكر(1) جملة أخرى من الموارد الّتي اجتمع فيها حكمان يمكن أن يحصل القطع بجواز اجتماع الأمر والنهي بملاحظتها(2) فعليك بالتتبّع والتأمّل والتثبّت.
ص: 392
حجّة المانعين وجوه:
أحدها: ما يكون ناظراً إلى أنّ الاجتماع من باب التکلیف المحال(1) وقد لخّصته من جملة من تقريرات الاستدلال وهو أنّ اجتماع الأمر والنهي يستلزم اجتماع الضدّين المحال؛ إذ لازمه اجتماع الوجوب والحرمة في محلّ واحدٍ؛ وذلك لأنّه لا يمكن تعلّق الطلب بالماهيّة من حيث هي مع قطع النظر عن الوجود والعدم وعن كونها خارجيّة لما مرّ سابقاً من أنّه لا يبقى على هذا فرق بين الأمر والنهي؛ إذ هما مشتركان في الطّلب، وأیضاً لا تأثير للقدرة إلّا في الوجود والعدم فلا يصحّ التکلیف إلّا بهما، وأیضاً الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي فلا يعقل طلبها، وأیضاً المتبادر من الأمر والنهي رجحان الوجود أو العدم لا الطّبيعة من حيث هي، بل قد يقال: إنّ الوجود مأخوذ في نفس موادّ الأفعال ولذا ترى أنّ ضرب ويضرب يفيدان الحكم بإيجاد الضرب في الماضي أو المستقبل، وإذا لم تكن(2) الطبيعة مورداً للطلب:
فإمّا أن نقول: إنّ متعلّقه الأفراد ابتداء وتكون(3) الطبيعة متصوّرة من حيث كونها عنواناً لها وحینئذٍ فلزوم اجتماع الوجوب والحرمة في محلّ واحد واضح.
وإمّا أن نقول: إنّ متعلّقه هو الوجود والعدم أو الإيجاد والترك بناء على القول بأصالة الوجود وأنّ المجعول للفاعل ليس إلّا هو وأنّ الماهيات اعتبارات منتزعة(4) من
ص: 393
أنحاء الوجودات، فيكون المطلوب بالأمر هو وجود الطّبيعة وبالنهي عدم وجودها، والوجود المفهومي المشترك بين الموجودات(1) ليس قابلاً لذلك؛ لأنّه أمر اعتباري صِرف، فيكون المطلوب والمبغوض هو الوجود الخارجي الحقيقي، لا بمعنى أنّالطلب يتعلّق به بعد تحقّقه في الخارج؛ إذ هو محال؛ لأنّه مستلزم لتحصيل الحاصل، بل بمعنى أنّ الآمر يجعل مفهوم الوجود مرآة(2) لملاحظة الوجودات الخارجيّة ويعلّق الطلب عليها قبل تحقّقها والوجود الخارجي واحد بالنسبة إلى المأمور به والمنهي عنه في مورد الاجتماع؛ إذ المفروض تصادقهما ومعناه الاتّحاد في الوجود وحینئذٍ فيلزم كون ذلك الوجود الواحد مطلوباً ومبغوضاً معاً.
وإمّا أن نقول: إنّ متعلّقه الطبيعة الخارجيّة أي الطبيعة من حيث الوجود والعدم بناء على القول بأصالة الماهيّة(3) وأنّ الوجود أمر اعتباري لا حقیقة له في الخارج، بمعنى أنّ الآمر يلاحظ الماهيّة(4) الخارجيّة من حيث كونها خارجيّة ويجعلها متعلّقاً للطلب والمنع لا بمعنى أنّهما لا يتعلّقان إلّا بما هو موجود في الخارج وإلّا لزم تحصيل(5) الحاصل على حذو ما مرّ في الوجود والعدم.
وحینئذٍ نقول: إنّ الکلّيين متّحدان من حيث كونهما خارجيين؛ لأنّ ملاكه الوجود الخارجي وهما متّحدان فيه بمعنى أنّهما صارا بحيث ينتزع منهما وجود واحد فمع الاجتماع يلزم ورود الوجوب والحرمة على مورد واحد.
ودعوى أنّ الممنوع اجتماعهما مع اتّحاد الجهة ومع تعدّدها كما في المقام لا مانع؛
ص: 394
مدفوعة بأنّ التعدّد مُجدٍ إذا كانتا تقييديتين(1) بحيث يكون متعلّق کلّ من الحكمين غير الآخر وفي المقام ليس كذلك.
أمّا بناءً على كون المتعلّق هو الفرد فواضح؛ لأنّ المفروض ورودهما على ذلك الفرد، غاية الأمر أنّ علّة الوجوب هو الصلاتية مثلاً وعلّة الحرمة الغصبيّة وإلّا فمحلّ الحكمين نفس الفرد وهو واحد.
وأمّا بناءً على كون المطلوب هو وجود الطبيعة أو إيجادها فلأنّ ذلك الوجودلايتعدّد بإضافته إلى الغصب أو الصلاة والمفروض أنّه محلّ الحكم وتعدّدهما لا يثمر فيه بعد عدم ورود الحكم عليهما من حيث هما.
نعم(2) الوجود المفهومي الاعتباري يمكن دعوى تعدّده؛ لأنّه يصدق اعتباره بالنسبة إلى کلّ من الطبيعتين لكنّ المفروض أنّه ليس مناطاً في الحكم بل المناط الوجود الحقيقي الخارجي فتعدّد الجهة في هذه الصورة أیضاً لا يثمر لكونها(3) تعلیليّة كالسّابق.
وأمّا بناءً على كون المطلوب هو الطبيعة الخارجيّة فإنّه وإن کان(4) يمكن دعوى أنّ کلّاً من الحكمين وارد على غير ما ورد عليه الآخر؛ لأنّ الموجود الخارجي متّصف بالوجوب لكونه صلاة وبالحرمة لكونه غصباً والجهتان تقييديتان، إلّا أنّ النافع من الجهة التقييدية ما يكون بحيث يتعدّد الموضوع والمحلّ للحكمين من الحيثيّة الّتي تعلّق بها الحكم وليس كذلك في المقام؛ لأنّ الطبيعة المأمور بها إنّما أمر بها من حيث وجودها الخارجي وكذا الطّبيعة المنهي عنها ولا تعدّد من هذه الحيثيّة؛ لأنّ المفروض وحدة وجودهما.
ص: 395
وبتقرير آخر إنّما ينفع تعدّد الجهة إذا كان المقيّد بأحد القيدين غير المقيّد بالقيد الآخر كما في الضرب التأديبي والظّلمي، فلا بدّ أن يكون هناك مطلق يعتبر تارة مقيّداً بقيد ومحلّاً لحكم بهذا الاعتبار وتارة مقيّداً بقيد آخر ومحلّاً لحكم آخر باعتباره بحيث لايكون للمطلق من حيث هو حكم، وفي المقام ليس إلّا الفرد الموجود في الخارج الّذي يكون بأحد الاعتبارين صلاة وبالاعتبار الآخر غصباً، ولا يتعدّد هو بتعدّدهما فهذه الصّورة أیضاً نظير الجهة التعلیليّة ومجرّد كون الحكم وارداً في الحقيقة على الجهتين أعني الصّلاة والغصب لا ينفع بعد كون الحكم وارداً عليهما بلحاظ خارجيتهما والمفروض اتّحادهما من هذه الحيثيّة.
وإنّما لم نجعل هذه الصّورة من الجهة التعلیليّة وقلنا: إنّها نظيرها؛ لأنّ الحكمليس وارداً في هذه الصّورة على الموجود الخارجي الّذي هو الفرد كما في الصورة الأولى ولا على الوجود الّذي هو واحد كما في الصورة الثانية حتّى يقال: إنّ وجوبهما إنّما هو لأجل كونهما فرداً أو وجوداً للصّلاة وحرمتهما إنّما هي لأجل كونهما فرداً أو وجوداً للغصب بل الحكم في هذه الصورة وارد على الطبيعتين الخارجیتين(1) وإسناده إلى الفرد الموجود إنّما هو بالعرض ومن باب أنّه هو(2) متّحد مع الکلّيين فيصدق أنّ الحكم وارد على نفس الجهتين وليس كالسّابقتين حيث إنّ الجهتين فيهما علّتان(3) للحكم.
والحاصل: أنّ الحكم في هذه الصّورة وإن کان وارداً على الجهتين إلّا أنّه لا ينفع في رفع المحذور من اجتماع المتضادّين لعدم تعدّد المتعلّقين في الخارج.
وما يقال من منع اتّحاد الطبيعتين في الوجود الخارجي لاستحالة اتّحاد غير
ص: 396
الجنس والفصل والمفروض في المقام غيرهما، أمّا بناءً على العموم من وجه فواضح وأمّا بناءً على العموم المطلق فلأنّ الأخصّ ليس فصلاً بالنسبة إلى الأعمّ بل من الأعراض اللاحقة له فيكونان بحسب الوجود متباينين فعلى تقدير القول بأنّ المتعلّق هو الوجود يكون المتعلّق مختلفاً وكذا على تقدير القول بأنّه الطبيعة الخارجيّة فلم يجتمع الضدّان في محلّ واحد؛
مدفوع أوّلاً: بأنّ ذلك أي التغاير في الوجود إنّما يتمّ بالنسبة إلى الماهيات المتأصلة في الخارج بحيث يكون ما يحاذيها موجوداً في الخارج ففيها لا يعقل الاتّحاد إلّا إذا كان أحدهما جنساً والآخر فصلاً، وأمّا الأمور الاعتباريّة المنتزعة من الوجود الخارجي ممّا لا يكون الموجود المتأصّل إلّا ما ينتزع منها فلا نسلّم فيها ذلك؛ إذ يمكن اتّحادها في الوجود الخارجي من جهة اتّحاد ما ينتزع منها(1)
وثانياً: سلّمنا أنّهما متعدّدان في الوجود بحسب الواقع إلّا أنّه لا شكّ فياتّحادهما فيه بوجه آخر ولذا يصحّ حمل أحدهما على الآخر وتكون(2) النسبة بينهما التصادق بالعموم من وجه أو غيره، فغاية الأمر أنّ هناك جهة مغايرة وجهة اتّحاد فلو ورد عليهما الحكم من الجهة الأولی(3) جاز تعدّد الحكمين وأمّا إذا ورد عليهما من الجهة الثانية فلايجوز ذلك وفي محلّ النزاع الحكم وارد عليهما من الجهة الثانية ولذا جعل بينهما العموم من وجه.
كيف ولو كان من الجهة الأولى كان بينهما التباين یعني أنّ الحكم وارد على وجود الصّلاة والغصب لا على جهة الصّلاتيّة وجهة الغصبيّة وهما في الوجود متّحدان.
ص: 397
فتحصّل أنّه لا يجوز الاجتماع على شي ء من الأقوال في متعلّق الأحکام سواء جعلناه الأفراد أو وجود الطبيعة أو الطبيعة من حيث الوجود والطبيعة الخارجيّة.
نعم لو كان يمكن التعلّق بالطّبيعة من حيث(1) هي أمكن القول بجواز الاجتماع لكنّه واضح الفساد حسبما مرّ هنا وفيما سبق.
فلا بدّ للقائل بالجواز أن يلتزم بأحد أمور:
إمّا القول بعدم تضادّ الأمر والنّهي والوجوب والحرمة؛
وإمّا القول بجواز اجتماع الضدّين؛
وإمّا القول بعدم وحدة المحلّ(2) إمّا لأنّ المتعلّق هو الطبيعة من حيث هي(3) وإمّا لأنّ الکلّيين لا يتّحدان في الخارج وبحسب الوجود الخارجي؛
وإمّا القول بإجداء تعدّد الجهة.
وقد عرفت أنّه لا يمكن الالتزام بشي ء من ذلك.
هذا ونقول في الجواب: أمّا كون المتعلّق هو الأفراد فقد عرفت فساده سابقاً.
وأمّا كونه هو الوجود والإيجاد فأوّلاً في محلّ المنع أیضاً بل التحقیق أنّالوجود معتبر في نفس الوجوب والطلب حسبما عرفت سابقاً فيكون المتعلّق هو الطبيعة من حيث هي(4)
وثانياً: على فرض التعلّق بالوجود نقول: إنّ الوجود أمر کلّي كسائر الکلّيات ويكون المحبوب هو هذا الوجود من حيث كونه فرداً لوجود الصلاة والمبغوض هو
ص: 398
من حيث كونه فرداً لوجود الغصب وليس المتعلّق شخص هذا الوجود،(1) فيكون كما لو قلنا إنّ المتعلّق الطبيعة الکلّية.
ودعوى أنّه لا يعقل كون الوجود کلّياً في عرض سائر الکلّيات بل هو إمّا کلّي سِعِيٌّ أو أفراد متباينة الحقائق على اختلاف المذهبين قد عرفت ما فيها.
فإن قلت: إذا كان الوجود کلّياً ففي مقام التشخّص يحتاج إلى وجود آخر ليتشخّص؛ إذ کلّ کلّي إنّما يتشخّص بالوجود وهو محال؛ إذ لا وجود للوجود.
قلت: التشخّص إنّما هو بخصوصيّاته(2) فأنحاء الوجودات مشخّصة لطبيعته(3) وهذا كما أنّ خصوصيّات الأفراد مشخّصات لسائر الکلّيات بناء على أصالة الماهيّة واعتباريّته(4) فنمنع أنّ التشخّص بالوجود، غاية الأمر أنّه يساوق الوجود فلا يلزم أن يكون بالوجود ومع فرضه فنخصّصه بغير الوجود ونقول: التشخّص في الوجود بخصوصيّات أخر غير الوجود. فتدبّر.
ثمّ إذا قلنا: إنّ المتعلّق هو الوجود فلا يلزم أن نقول بأصالته حتّى يقال: إنّ الوجود الحقيقي الخارجي متعلّق للأحكام وهو واحد، بل يمكن أن يقال بأصالة الماهيّة ولا يضرّ اعتباريّته(5) في كونه متعلّقاً للطلب والوجوب؛ إذ ليس أمراً اعتبارياً يكفيه صرف الاعتبار، بل هو أمر منتزع من الماهيّة إذا حصلت في الخارج فهو أمر اعتباري له جهة تحقّق وتحصّل فيمكن أن يتعلّق به الطلب، وحینئذٍ نقول: الوجودالمنتزع من ماهيّة الصلاة في الخارج غير ما هو منتزع من ماهيّة الغصب فيتعدّد المتعلّق.
ص: 399
والحاصل: أنّ الوجود المفهومي لمّا كان أمراً اعتبارياً صرفاً لا يمكن أن يتعلّق به الطلب لكن الوجودات الخاصّة(1) المنتزعة من الماهيّات الخارجيّة بوصف كونها خارجيّة لا مانع من تعلّق الطلب بها ويمكن دعوى تعدّدها بالنسبة إلى مورد اجتماع الکلّيين بناء على أصالة الماهيّة.
وأمّا كون المتعلّق هو الطبيعة الخارجية فمع الإغماض عمّا ذكرنا من أنّ الوجود معتبر في مفهوم الطلب ومعه يكون(2) المتعلّق هو الطبيعة من حيث هي وإن کان صحيحاً إلّا أنّه لا ينتج ما ذكره؛ إذ بناء على أصالة الماهيّة كما هو المفروض على هذا التقدير نمنع وحدة الطبيعتين(3)؛ إذ ملاك وحدتهما هو وحدة وجودهما وإذا كان أمراً اعتبارياً فيكون الوجود المنسوب إلى کلّ منهما اعتباراً مغايراً لما ينسب إلى الآخر.
ودعوى أنّه وإن کان يمكن اعتبار المغايرة إلّا أنّه يمكن اعتبار وجود واحد لهما معاً أیضاً كما هو مقتضى التّصادق؛
مدفوعة بأنّه لا یثمر بعد إمکان لحاظ مغايرتهما أیضاً كما لا يخفى.
هذا وعلى فرض اتّحادهما في الوجود نقول: إنّ محلّ الطّلب والمنع هو نفس الکلّيّين غاية الأمر دخول التقيّد(4) بالوجود وهما متغايران وإن اتّحد القيد الّذي يكون تقيّده معتبراً في کلّ منهما.
ومن ذلك يظهر حال ما إذا قلنا بالتعلّق بالطبيعة وقلنا بأصالة الوجود فإنّ القيد وهو الوجود ليس مناطاً في الحكم بل نفس الکلّيين ولا يضرّ كونهما من الأمور الاعتباريّة لما عرفت على القول بأنّ المتعلّق هو الوجود من أنّ الأمر الاعتباري الّذي
ص: 400
لايمكن تعلّق الطلب به ما يكون اعتبارياً صرفاً لا مثل المقام فإنّ الطبيعة الخارجيّة ممّا يمكن طلبه وإن قلنا إنّ المتحقّق في الخارج وجوده، ولذا لا يَفرُق العقل في جواز طلب وجود الطّبيعة بين القولين، وكذا في جواز طلب الطّبيعة من حيث الوجود.
فظهر أنّ ابتناء القولين في المقام أعني كون المتعلّق هو الوجود أو الطبيعة الخارجيّة على القولين من أصالة الوجود أو الماهيّة حسبما ظهر من تقرير الاستدلال ويظهر من کلام صاحب الفصول(1) ليس في محلّه.
فحاصل الکلام أنّ لنا أن نقول: إنّ المتعلّق هو الطبيعة من حيث الوجود وإنّ الطّبيعتين متغايرتان(2) والفرد الخارجيّ والوجود المشترك بينهما ليس مناطاً في الحكم فلا يضرّ وحدته، والامتثال إنّما يتحقّق بإيجاد الطبيعة المطلوبة بإيجاد الفرد وهو من حيث هو لا حكم له(3) حتّى إذا كان مباحاً أیضاً.
نعم یتّصف إذا كان مباحاً بالوجوب العرضي والمقدّمي بناءً على جعله مقدّمة وإذا كان حراماً فلا یتّصف بهذا الوجوب أیضاً.
وأمّا الوجوب الشرعي فهو وارد على نفس الطبيعة.
وإن شئت فقل: إنّ الفرد متّصف بالوجوب وبالحرمة معاً لكن من جهتين تقييديّتين بمعنى أنّ الحكم في الحقيقة وارد على التقیّدين(4)
ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكر من أنّ النافع من تعدّد الجهة التقييدية إنّما هو ما إذا كان کلّ من المقيَّدين ممتازاً عن الآخر في الوجود(5) لا وجه له؛ إذ یکفي ورود الحكم
ص: 401
على نفس الجهة وإن لم يتعدّد الوجود بعد ما لم يكن محلّاً للحكم.
وأمّا ما يظهر من بعضهم من أنّ الجهة التقييدية لا تتصوّر(1) إلّا إذا كان هناك عامّ ورد عليه قيدان وكان کلّ منهما موجوداً بوجود مغاير للآخر كالضرب المنقسم إلى التأديب والظلم، وأمّا إذا كان أمراً واحداً كالفرد فيما نحن فيه فلا يعقل كونالجهة فيه(2) تقييدية؛ إذ لا يمكن تعدّد الفرد الواحد؛(3)
ففيه ما لا يخفی؛ إذ نمنع انحصار الجهة التقييدية فيما ذكر، بل هي أعمّ منه وممّا ذكرنا ممّا كان الشي ء الواحد محلّاً لحكمين باعتبارين يكون الحكم في الحقيقة وارداً على کلّ من الاعتبارين أي الجهتين.
وإن ضويق عن تسمية هذا جهة تقييدية نقول: إنّ مثل هذا لا بأس به سواء سمّيته جهة تقييديّة أو تعلیليّة لكن من الواضح أنّه ليس من الجهة التعلیليّة؛ إذ ملاكها
ص: 402
ورود الحكم على المقيّد بالجهة بحيث كانت الجهة علّة ومناطاً في ورود الحكم كما في المصالح والمفاسد الموجبة للوجوب والحرمة ومن المعلوم أنّه ليس الحال في المقام كذلك إلّا على القول بتعلّق الأحکام بخصوص الأفراد(1) ابتداءً أو على الوجود الخارجي الواحد والمفروض تعلّقه بنفس الطبيعة ووروده على الفرد أو الوجود الخاصّ إنّما هو بالعرض ومن باب الانطباق.
هذا وأمّا ما ذكر من حديث تغاير الکلّيين في الوجود وعدم معقوليّة اتّحادهما في مثل المقام فقد عرفت سابقاً الکلام فيه وأنّه إنّما يتمّ في العناوين الثانوية دون الأوّلية مثل الصّلاة والغصب.
ودعوى كونهما من العناوين الثانوية(2) قد عرفت فسادها فلا يتمّ القول بجواز الاجتماع فيها إلّا بما ذكرنا من أنّ الفرد والوجود الوحداني ليسا محلّاً ومناطاً للحكم.نعم يمكن الالتزام(3) به في العناوين الأوّلية أیضاً إذا قلنا بأصالة الماهيّة وكون الوجود اعتبارياً؛ إذ الماهيّتان(4) اللّتان بينهما عموم من وجه لا يعقل اتّحادهما من حيث هما مع قطع النظر عن الوجود ومع جعل الوجود أمراً اعتبارياً يمكن دعوى تعدّد هذا الاعتبار بالنسبة إليهما فهما متعدّدان من حيث الوجود أیضاً كما مرّت(5) الإشارة إلیه آنفاً.
وممّا ذكرنا ظهر عدم تماميّة الجواب الأوّل(6) الّذي ذكر في الاستدلال من الفرق بين الکلّيات المتأصّلة وغيرها؛ إذ قد عرفت أنّ غير المتأصّلة أولى بالتعدّد من حيث
ص: 403
الوجود إذا كان المراد منها العناوين الثانوية والأمور الاعتباريّة.
فدعوى تعدّد الوجود في الأمور المتأصّلة والاتّحاد في غيرها خلاف الصّواب.
مع أنّ ظاهر المجيب(1) في المقام وصريحه في مقام آخر كون الصّلاة والغصب من الأمور الغير المتأصّلة وقد عرفت عدم تماميّته(2)
وأمّا الجواب الثاني(3) فيرد عليه أنّك إذا سلّمت تعدّد الوجود الواقعي في مورد الاجتماع فيندفع المحذور من اجتماع الضدّين، واتّحادهما من وجه آخر لا يضرّ بالمطلب مع أنّه ممنوع؛ إذ مع تسليم المغايرة في الوجود في الواقع لا وجه للاتّحاد أیضاً وصحّة الحمل تقتضي(4) عدم المغايرة في الوجود فهي دليل على عدم المغايرة وعدم صحّة تسليمها فلا وجه للتسليم ودعوى الاتّحاد والمغايرة من وجهين.
وإن أراد من المغايرة الواقعيّة مغايرة حيثيّة الغصبيّة لحيثيّة الصّلاتيّة ومن الاتّحاد الاتّحاد في الوجود؛
ففيه: أنّ حيثيّة الغصبيّة وحيثيّة الصّلاتيّة ليستا من الموجودات الخارجيّة بوجودممتاز عن وجود نفس الغصب والصّلاة.
ثمّ على فرض تسليم ما ذكره من تعدّد الوجود من جهة والاتّحاد من أخرى نمنع أنّ الحكم في المقام بلحاظ جهة الاتّحاد؛ إذ غاية ما في الباب أنّ الحكم إنّما هو بلحاظ الوجود بمعنى أنّ الوجوب ورد على طبيعة الصّلاة من حيث وجودها. وأمّا كون ذلك الوجود هو الوجود المتّحد مع الغصب دون الوجود المغاير لوجوده فلا دليل عليه بل مقتضى التعليق على عنوان الصّلاة اعتبار الوجود المغاير كما لا يخفى.
ص: 404
هذا کلّه إن أراد من تسليم المغايرة في الوجود التسليم في مورد الاجتماع كما هو ظاهر کلامه.
وإن أراد أنّهما متغايران في الوجود في غير مورد الاجتماع فلا يحتاج إلى هذه البيانات وليس تسليماً لتعدّد الوجود الّذي هو في کلام المُورد؛ إذ مراده إنّما هو بالنسبة إلى مورد الاجتماع.
فتحصّل أنّه يمكن القول بجواز الاجتماع إذا قلنا: إنّ المتعلّق هو الطّبيعة من حيث هي وإنّ الوجود معتبر في مفهوم الطلب، وكذا إذا قلنا إنّ المتعلّق هو الإيجاد والوجود وقلنا: إنّه أمر کلّي كسائر الکلّيات، وكذا إذا قلنا إنّه هو الوجود وإنّه ليس کلّياً بل له أفراد متباينة الحقائق في وجودها الاعتباري ولكن قلنا بأصالة الماهيّة، وكذا إذا قلنا: إنّه هو الطبيعة من حيث الوجود مع دخول(1) التقيّد(2) وخروج القيد وإن قلنا بوحدة الطبيعتين في الوجود سواء قلنا بأصالة الوجود أو بأصالة الماهيّة، وكذا إذا قلنا: إنّه هو الطبيعة المقيّدة بالوجود مع كون الطبيعتين أو إحداهما(3) من العناوين الثانوية، وكذا إذا كانا من العناوين الأوّلية إذا قلنا بتعدّدهما من حيث الوجود.
فيبقى عدم الجواز مختصّاً بما إذا قلنا بتعلّق الأحکام بالأفراد ابتداءً سواء قلنا باستفادة ذلك من الأوامر أوّلاً أو بواسطة التعليق على الطبيعة إذا جعلناها مرآةً لملاحظة الأفراد نظير الوضع فيما يكون وضعه عامّاً والموضوع له خاصّاً كما فيالمبهمات(4)وقد عرفت سابقاً أنّ هذا القول(5) بکلا تصويريه(6) بمعزل عن الصّواب.
ص: 405
فإن قلت: إذا جعلت الأحکام متعلّقة بالطّبائع من حيث الوجود فلا مناص عن القول بعدم جواز الاجتماع؛ وذلك لأنّه لا شك أنّ الکلّي الطّبيعي عين الأفراد في الخارج وإذا كان وجوده عين وجود الأفراد فلا بدّ أن يكون وجوبه أیضاً عين وجوبها وكذا في الحرمة فيلزم الاجتماع في الفرد من هذه الجهة ومن المعلوم عدم تعدّد الفرد المجمع للکلّيّين في الخارج بتعدّد الجهة. فلا بدّ لك إمّا القول(1) بعدم اعتبار الوجود في متعلّق الأحکام، أو القول بعدم عينيّة الفرد للکلّي في الوجود، أو القول بعدم جواز الاجتماع، فما ذكرت من أنّ الفرد ليس مورداً للحكم الشرعي وأنّه وارد على الطبيعة حقیقة والفرد منطبق عليها وأنّ الامتثال إنّما هو من جهة الانطباق على المطلوب لا من جهة أنّه مطلوب ليس بصحيح؛ إذ لا معنى لوجود الطبيعة من حيث الوجود وعدم وجوب الفرد الّذي هو عينها في الوجود.
قلت: نمنع أنّ ما كان متّحداً مع شي ء في الوجود يلزم أن يرد عليه حكمه وإن کان(2) ذلك الحكم باعتبار الوجود.
ألا ترى أنّ الفرد متّصف في الخارج بأنّه مصداق خارجي للطبيعة الخارجيّة ولايصحّ أن يقال: إنّ الکلّي الخارجي مصداق لنفسه مع أنّ الفرد باعترافك عين الکلّي الخارجي في الخارج، وكذا يصحّ اتّصاف الکلّي الخارجي بالکلّية الخارجيّة ولا يصحّ اتّصاف الفرد الخارجي بها.
نعم الفرد بما هو کلّي أي متّحد معه متّصفٌ بأنّه کلّي والکلّي بما هو فرد متّصف بأنّه مصداق لا من حيث هو فكذا في الوجوب الفرد بما هو کلّي متّصف بالوجوب الوارد عليه لا بما هو فرد، وهذا في الحقيقة ليس إلّا اتّصاف الکلّيبالوجوب؛ إذ الفرد
ص: 406
بما هو(1) کلّي ليس إلّا الکلّي فهو في حدّ نفسه لا یتّصف بالوجوب وكذا بالحرمة.
وهذا معنى ما ذكرنا أنّه متّصف بالحكمين بالجهتين التقييديّتين(2) بمعنى ورود الحكم على الجهتين، مع أنّه لو كان اللّازم اتّصاف الفرد بما اتّصف به الکلّي من حيث الوجود لزم أن يكون وجوبه تعيينياً؛ لأنّ وجوب الکلّي كذلك وليس كذلك؛ إذ لا إشکال في جواز ترك کلّ فرد إلى بدل(3)
وما قيل من أنّا نلتزم بكون وجوب الفرد أیضاً تعيينياً كتعيينيّة وجوب الکلّي بمعنى عدم كفاية فرد من ماهيّة أخرى مقامه؛ لأنّ هذا معنى كون الکلّي واجباً تعيينيّاً فلا ينافي قيام فرد آخر من هذا الکلّي مقام هذا الفرد؛
مدفوع بأنّ مرجع هذا إلى أنّ وجوبه ليس إلّا من حيث انطباق(4) الکلّي عليه وإلّا فلو كان واجباً في حدّ نفسه بعين وجوب الکلّي لزم كونه تعيينيّاً بمعنى عدم قيام غيره مقامه، كما أنّ غير الکلّي لا يقوم مقامه.
مع أنّه كيف يعقل وحدة الإيجاب وتعدّد الواجب بحيث يكون کلّ منهما واجباً في حدّ نفسه؟! وإنّما المعقول كون أحدهما واجباً حقیقةً والآخر واجباً بالعرض من باب اتّحاده مع الواجب والمفروض أنّ الواجب الحقيقي هو الکلّي بناء على التعلّق بالطّبائع.
فإن قلت: فاللازم على ما ذكرت كون الوجود في أحدهما أیضاً حقیقيّاً وفي الآخر بالمجاز.
ص: 407
قلت: فرق بين الوجود والوجوب؛ إذ الأوّل مداره التحقّق(1) في الخارج وهو صادق بالنسبة إلى کلّ منهما حقیقة بخلاف الوجوب فإنّه باعتبار المعتبِر الّذي هو الحاكم وهو إنّما اعتبره بالنسبة إلى الکلّي فقط دون الفرد.
ألا ترى أنّ إيجاد أحد المتلازمين يستلزم إيجاد الآخر حقیقة وإيجابه لا يستلزم إيجاب الآخر إلّا(2) بالعرض والمجاز؛ فلا يكون وضع الجَدْي خلف القفا(3) واجباً(4)
الثاني(5): من الوجوه أنّا لو سلّمنا عدم كون الاجتماع من التکلیف المحال وأنّه(6) لا يلزم منه الجمع بين الضدّين أو النقيضين من جهة أنّ متعلّق التکلیفين متعدّد وأنّ الفرد بما هو ليس مناطاً ومتعلّقاً للحكم ولا مانع من تعليق الوجوب على الطبيعة من غير تقييدها بغير الفرد المحرّم إلّا أنّه لا إشکال في أنّه لا يمكن للمکلّف العمل بمقتضى التکلیفين بالنّسبة إلى الفرد المجمع؛ إذ لا يمكنه إيجاده وترك إيجاده فيلزم التکلیف بالمحال.
ص: 408
ولا يجدي تعدّد الجهة في الخروج عن كونه تکلیفاً بما لا يطاق بعد عدم التعدّد في الخارج.
ومجرّد وجود المندوحة لا یکفي في رفع القبح وإلّا لجاز الأمر الندبي بالفعل والترك معاً لوجود المندوحة من حيث عدم الإلزام بأحد الطرفين، فاللازم تقييدمتعلّق أحد الطلبين ليخرج عن كونه تکلیفاً بما لا يطاق الامتثال به.
والحاصل: أنّ جعل المتعلّق هو الطبيعة من غير نظر إلى الأفراد إنّما يثمر في رفع كونه تکلیفاً محالاً؛ لأنّه يكفيه ورود کلّ من الطّلبين على غير ما ورد عليه الآخر في مقام الإرادة والإنشاء، وأمّا في مقام العمل فلا يمكن للمکلّف العمل بهما معاً بالنسبة إلى محلّ الاجتماع فإنّه مقام الإيجاد الخارجي ولا يمكن الإيجاد وتركه.
والجواب: أنّ ذلك إنّما يلزم إذا كان الفرد متعلّقاً للتکلیفين ولو بالتخيير الشرعي في أحدهما وأمّا مع فرض عدم ورود الحكم عليه أصلاً(1) فلا يكون من التکلیف بالمحال وإنّما يلزم ذلك إذا كان إيجاد الطبيعة وتركها مطلوباً للآمر وليس كذلك على ما هو المفروض، فكون التکلیف محالاً وبالمحال متلازمين في المقام، والّذي يخرجه عن الأوّل يخرجه عن الثاني أیضاً.
نعم إنّما يصحّ التمسّك بكون التکلیف بالمحال إذا فرضنا عدم المضادّة بين الوجوب والحرمة ولو مع وحدة المتعلّق وقلنا: إنّ المتعلّق هو الفرد، فإنّه حینئذٍ تکلیف بالمحال وإن لم يكن محالاً والمفروض أنّه ليس البناء على ذلك.
وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين المقام وبين الأمر بالفعل والترك على وجه الندب فإنّ عدم الجواز فيه إنّما هو من جهة ورود الأمر عليهما شرعاً وإلّا فلو فرض كونه مثل
ص: 409
المقام بأن يكون المتعلّق عنواناً منطبقاً(1) على الفعل وعنواناً(2) آخر منطبقاً(3) على الترك فلا مانع منه أیضاً.
الثّالث: أنّ الوجوب والحرمة وكذا غيرهما من الأحکام التکلیفيّة من الأعراض الخارجيّة اللاحقة لأفعال المکلّفين في وجودها الخارجي نظير السّواد والبياض ونظيرسائر الأحکام الشرعیّة الوضعيّة مثل الطّهارة والنّجاسة ونحوهما، فكما لا يجوز كون شي ء واحد متّصفاً بالبياض والسواد أو مصداقاً لطبيعة الأبيض والأسود أو للطّاهر والنجس فكذا في المقام،(4) ولذا لو قال الشارع: «کلّ ماء طاهر» وقال أیضاً(5): «کلّ ملاقٍ للنجاسة نجس»، لا يحكم في الماء الملاقي للنجاسة بأنّه طاهر من جهة ونجس من أخرى.(6)
ص: 410
وبعبارة أخری: لا فرق في عدم جواز اجتماع الضدّين بين أن يكون فرد واحد متّصفاً بهما من حيث هو أو يكون مصداقاً لطبيعتين متضادّتين فإنّ تضادّ الطبيعتين أیضاً إنّما هو بلحاظ الاجتماع في الفرد، فلا يمكن أن يكون جسم واحد متّصفاً بالبياض والسواد ولا أن يكون مصداقاً للأبيض والأسود.
ففي المقام أیضاً كما لا يمكن أن يكون الفرد واجباً وحراماً كذا لا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب والحرام.
وغاية ما يقول المجوّزون: أنّ الفرد ليس محلّاً للحكم الشرعي من حيث هو وأمّا كونه مصداقاً للواجب والحرام فلا يمكن إنكاره والمحذور لازم عليه أیضاً كما عرفت.
والنجاسة، فإنّ المتّصف بالسواد ليس إلّا الأفراد، والطبيعة لا تتصف إلّا إذا صارت متّحدة مع الفرد ويكون اتّصافها بالسواد من باب اتّحادها مع الفرد الّذي هو متّصف به ولذا لا يطلق الأسود على ما لم يوجد بعدُ، فقبل وجوده لا يكون أسود إلّا بالتقدير وكذا في الطهارة والنجاسة.
وهذا بخلاف الوجوب والحرمة فإنّ الطبيعة متّصفة بهما قبل وجودها وإن کان بلحاظ وجودها والفرد یتّصف بهما من باب اتّحاده مع الطبيعة، فالمقام عكس ما هو الحال في السواد والبياض؛ إذ الفرد یتّصف بهما حقیقة والطبيعة بالعرض من باب اتّحادها مع الفرد والوجوب والحرمة لاحقان أوّلاً للطبيعة ويلحقان الفرد بالعرض من باب اتّحاده معها ولو كان الوجوب نظير السواد لم یتّصف المحلّ به قبل وجوده إلّا تقديراً كما في السواد مع أنّه لا یتّصف به إلّا قبل وجوده وإلّا لزم طلب الحاصل وهو محال.
وقول(1) الشارع: «الماء طاهر» قضية مقدّرة وقوله: «الصّلاة واجبة» قضيّة محقّقة، فالماء یتّصف بالطّهارة إذا وجد والصّلاة متّصفة بالوجوب قبل الوجود فمحلّ الوجوب ذات الصّلاة لكن بلحاظ الوجود.
ص: 412
مع أنّك عرفت أنّ الوجود معتبر في نفس الوجوب لا في(1) المتعلّق فيصحّ القول بأنّ متعلّقه نفس ذات الصّلاة مع قطع النظر عن الوجود فكون الصّلاة محلّاً للوجوب نظير كونها(2) محلّاً للوجود فكما أنّ الماهيّة معروضة(3) للوجود في الخارج لكن لا بحيث يكون محلّيّتها له بعد تحقّقها في الخارج بل تحقّقها إنّما هو به فكذا الصّلاة الخارجيّة متّصفة بالوجوب لكن لا بمعنى أنّها بعد تحقّقها في الخارج تصير محلّاً له بل اتّصافها به قبل تحقّقها فكون الوجوب من الأعراض الخارجيّة نظير كون الوجود منها فكما لا يقتضي محلّاً موجوداً قبل العروض فكذا في الوجوب. فتدبّر.
الرّابع (4): أنّ الأحکام الشرعیّة بناء على قواعد(5) العدليّة تابعة للحسن والقبح فلايجوز الأمر إلّا بما كان حسناً ولا النهي إلّا عمّا كان قبيحاً فاجتماعهما لا يكون إلّا باجتماع الحسن والقبح والشي ء الواحد لا یتّصف بهما معاً؛ إذ هما وإن كانا من الأمور الاعتباريّة إلّا أنّهما لا تلحقان(6) إلّا الأفعال الخارجيّة باعتبار كونها خارجيّة ولذا لا يعدّ من تصوّر حقائق العبادات أو المحرّمات من فاعل الحسن والقبيح، فهما نظير الوحدة اللاحقة للواحد والزّوجيّة اللاحقة للاثنين لا من قبيل الجنسيّة اللاحقة للحيوان والفصليّة اللاحقة للناطق فإنّ لحوقهما بحسب الوجود الذهني فقط، فإذا كان(7) طبيعة
ص: 413
متّصفة بالحسن وأخرى بالقبح واتّحدتا في المصداق فلا يمكن اتّصافه بمقتضى الطبيعتين من الحسن والقبح وإلّا لزم كون الشي ء الواحد حسناً وقبيحاً فلا بدّ من تغليب أحدهما والحكم بثبوته فقط وبعدمهما مع التكافؤ وإذا كان الأمر فيهما على هذا الوجهفالحكم الشرعي التابع لهما أیضاً كذلك.
فإن قلت: مجرّد كونهما من الأوصاف الخارجيّة لا يقتضي ما ذكرت ولذا نرى أنّ الوحدة والكثرة تجتمعان في شي ء واحد باعتبارين مع كونهما من الأوصاف اللاحقة للموجودات الخارجيّة. ألا ترى أنّ العشرة متّصفة بالكثرة وبالوحدة کلّ باعتبار. فَلِمَ لا يكون الشي ء الواحد أیضاً حسناً وقبيحاً كذلك؟
قلت: متعلّق الوحدة في المثال غير متعلّق الكثرة فإنّ متعلّق(1) الأوّل العشرة مع وصف الانضمام والهيئة الاجتماعيّة، ومتعلّق الثاني نفس الآحاد المنضمّة فالمركّب من الآحاد والهيئة غير نفس الآحاد فقط، فيجوز اتّصاف المركّب بوصف مضادّ لما یتّصف به(2) نفس الآحاد وذلك كالإنسان الأبيض أي المقيّد بالأبيضيّة حيث یتّصف بأنّه جوهر والمجموع المركّب من الإنسان والأبيضيّة ليس كذلك.
وأمّا في مقامنا فالفعل الخارجي الواحد مصداق لطبيعتين ومجمع حكمين ولا مغايرة بين محلّيهما.
والجواب عنه أیضاً يظهر ممّا ذكرنا فإنّا نقول: إنّ الفرد لا یتّصف بحسن ولا قبح وإنّما المتّصف بهما الطبيعة المقيّدة بالوجود مع دخول التقيّد(3) وخروج القيد ومعه
ص: 414
فلا إشکال. فالحال فيهما كحال نفس الحكمين بل أهون.
ولذا قد يقال بجواز اجتماعهما في شي ء واحد باعتبارين مع القول بعدم جواز اجتماع الحكمين وعدم كفاية المغايرة الاعتباريّة في متعلّقهما.
ثمّ إنّ جعل الحسن والقبح من قبيل الوحدة والزوجيّة لا يناسب المدّعى فإنّهما من الأوصاف اللاحقة للأعمّ من الموجود الخارجي كما لا يخفى.
وكذا نفي كونهما من قبيل الجنسيّة والفصليّة؛ إذ لم يتوهّم أحد كونهما مثلهما في كونهما من الأمور اللاحقة للموجود الذهني فقط، ولا يثمر عدم كونهما منقبيلهما في المدّعى؛ إذ لو كانا من لواحق الطّبيعة مع قطع النظر عن الوجود الخارجي والذهني صدق عدم كونهما من قبيل المذكورين ولا ينفع فيما هو المدّعى، وكان الأحسن أن يقال: إنّهما من قبيل السّواد والبياض لا من قبيل الوحدة والكثرة وأشباههما.
ثمّ لا يخفى أنّ التغاير المدّعى في متعلّقي الوحدة والكثرة في مثال العشرة ليس إلّا بمجرّد الاعتبار وإلّا ففي الخارج ليس إلّا نفس الآحاد المنضمّة والهيئة الانضماميّة ليست إلّا باعتبار المعتبِر ويمكن ادّعاء مثل ذلك في الصّلاة في الدّار الغصبيّة.
ثمّ اعلم أنّ هذا الدليل مأخوذ من کلام صاحب الفصول (رحمة الله علیه) لكنّي غيّرت تقريره قليلاً لما فيه من سوء بيان في الجملة، وذلك لأنّه قال: إنّ قاعدة التحسين والتقبيح قاضية بأنّ الأمر يستتبع حسناً في المأمور به والنهي يستتبع قبحاً في المنهي عنه فمتى اجتمعت الجهتان في شي ء فإمّا أن تتكافئا(1) فيرجع حكمه إلى الإباحة أو یترجح إحداهما(2) على الأخرى فيرجع حكمه إلى الأحکام الأربعة.(3)
ثمّ بعد ذلك بيّن عدم جواز اجتماع الحسن والقبح؛ لأنّهما من لواحق الأمور
ص: 415
الخارجيّة.(1)
فمقتضى أوّل کلامه أنّ الحسن والقبح يجتمعان لكن يحصل بينهما الكسر والانكسار والحكم تابع للغالب منهما، ومقتضى آخره عدم اجتماعهما كالوجوب والحرمة.
ولا يخفى المنافاة(2) بينهما؛ إذ مع كونهما من لواحق الأفعال الخارجيّة وعدم اجتماعهما بحسب الوجود الخارجي لا معنى للكسر والانكسار بينهما، فالكسر والانكسار إنّما يتمّ إذا كانا لاحقين للطّبيعة من حيث هي حتّى يكون في الفرد جهتاهما بلحاظ مصداقيّته للطّبيعتين.ألا ترى أنّا إذا قلنا: لا يجوز اتّصاف الشي ء الواحد بالوجوب والحرمة، لا يصحّ لنا أن نقول: يحصل الكسر والانكسار بينهما. فالكسر والانكسار فرع تحقّقهما.
نعم يمكن أن يحمل قوله: «فمتى اجتمعت الجهتان» على إرادة اجتماع مقتضيیهما(3) لا اجتماعهما بنفسهما، لكنّه خلاف ظاهر کلامه كما لا يخفى.
وكيف كان لا ينبغي التأمّل في عدم تماميّة هذا الدليل؛ إذ معلوم أنّه لا مانع من اجتماع الحسن والقبح في شي ء واحد باعتبارين والفرد یتّصف حقیقة بکلّ منهما فعلاً.
نعم يحصل الكسر والانكسار بينهما لو أريد الحسن المطلق أو القبح المطلق لكن ليس هذا منافياً للاجتماع بل مؤكّده؛ إذ لا بدّ من وجود کلّ منهما حتّى يحصل الكسر والانكسار.
والشاهد على ما ذكرنا مضافاً إلى الوجدان أنّه يمكن قطعاً كون طبيعة مقتضية
ص: 416
بذاتها للحسن وأخرى مقتضية كذلك(1) للقبح فإذا اجتمعا(2) في مصداق فهو متّصف بکلیهما كما في الكذب والإحسان، فإنّ قبح الأوّل كحسن الثاني ذاتي فإذا فرض كون الكذب في مورد إحساناً في حقّ الغير كما في إنجاء مؤمن فهو مجمع الوصفين فيكون مورداً للمزاحمة فلا بدّ من ترجيح أحدهما في مقام الحكم والعمل، ولا فرق بينه وبين ما إذا دار الأمر بين الإتیان بقبيح أو ترك حسن في موردين فإنّ مجرّد المزاحمة بينهما لا يوجب خروجهما عمّا هما عليه.
وكذا إذا دار الأمر بين ارتكاب قبيح أو أقبح فإنّ وجوب تقديم القبيح لايقتضي رفع قبحه بل هو من الاضطرار المسوّغ لارتكاب(3) القبيح. وهذا واضحٌ جدّاً.
فتبيّن جواز اجتماع الحسن والقبح في شي ء واحد شخصي من جهتين وإن كانتا(4) تعلیليّتين بحيث كان المتّصف نفس الفرد حقیقة وإن کان لا يجوز ذلك بالنسبة إلى الوجوب والحرمة. فتدبّر.
الخامس: سلّمنا أنّ جميع مبادئ الأمر والنهي من المحبوبيّة والمبغوضیّة والحسن والقبح والراجحيّة والمرجوحيّة والمصلحة والمفسدة لا مانع من اجتماعهما(5) من(6) الجهتين، إلّا أنّا نقول: إنّ الحكم الشرعي بناءً على قواعد العدليّة تابع لما هو الغالب من
ص: 417
الجهتين بعد الكسر والانكسار ولا يجوز إيراد حكمين على موضوع واحد بمقتضى کلّ من تينك الجهتين.
وكذا الحال في أوامر الموالي(1) والعبيد.ألا ترى أنّه لو كان في شرب السّكنجبين مصلحة من وجه ومفسدة من آخر يلاحظ ما هو الأقوى أو الأهمّ ويحكم على طبقه ولا يؤمر بالشّرب وتركه وكذا إذا كان في فعل واحد مصلحة وفي تركه مصلحة أخرى لا يحكم بوجوب فعله وتركه بل يحكم على طبق الغالب وبالإباحة مع التساوي.(2)
وهكذا الحال في جميع المقامات بل الغالب أنّ في الأفعال جهات متعارضة ولايتعدّد حكمها، ففي المقام لا بدّ في(3) مجمع الکلّيّين الحكم على طبق ما هو الأقوى من حيث مناط الحكم وإن أغمضنا عن كون الاجتماع تکلیفاً مُحالاً أو بالمحال.
والجواب - بعد الإغماض عن أنّ الحكم تابع لحسن التشريع وإن لم يكن في الفعل مصلحة أو مفسدة ويكفيه كون المصلحة في نفس التکلیف -: أنّا نقول: إنّ ما ذكر مسلّم بالنّسبة إلى العنوان المأمور به أو المنهي عنه فإذا فرضنا أنّ الأمر تعلّق بالطّبيعة ولو كان باعتبار الوجود فاللازم ملاحظة المصلحة الفعليّة الباقية بعد الكسر والانكسار فيها وكذا بالنّسبة إلى النّهي، فنقول: طبيعة الصّلاة ذات مصلحة كذائيّة وطبيعة الغصب ذات مفسدة كذائيّة فلا بدّ من تعلّق الأمر بالأولى والنهي بالثانية
ص: 418
والفرد ليس مأموراً به حتّى يلاحظ فيه الكسر والانكسار.
فظهر الفرق بين ما نحن فيه ومثال السّكنجبين حيث إنّه عنوان واحد تعارض فيه المصلحة والمفسدة وليست إحداهما في عنوان والأخرى في الآخر واجتمعا في مصداق واحد ولو فرض تعلّق الطّلب بعنوان آخر منطبق عليه يكون نظير ما نحن فيه كما إذا قال: «أزل الصّفراء ولا تشرب ما يزيل البلغم» مثلاً.
بل أقول: هذا الدليل أدلّ على عكس المدّعى حيث إنّ مقتضاه أنّ الحكم تابع لما فيه المصلحة، والمفروض أنّ في نفس الطبيعة مصلحة خالصة والخصوصيّات المنضمّة إليها في وجودها الخارجي ممّا ليست راجعة إلى خصوصيّات الأفراد من حيث إنّها أفراد كالغصبيّة في مثال الصّلاة ليست مناطاً في مصلحتها وإن كانت ملحوظة بلحاظ الوجود وكانت تلك الخصوصيّات متّحدة معها من حيث الوجود.
السّادس: سلّمنا أنّ کلّاً من الأمر والنّهي متعلّق بالطّبيعة وكذا جميع مباديهما وأنّ الفرد ليس مورداً للحكم أصلاً وأنّه لا يلزم من الاجتماع تکلیف مُحال ولا بالمحال لمغايرة المتعلّقين(1) إلّا أنّه لا يمكن إرسال الطّبيعة المأمور بها وبقائها على إطلاقها بل هي مقيّدة بحكم العقل بغير الفرد المحرّم؛ لأنّ المفروض أنّه(2) فيه مفسدة غالبة على المصلحة الموجودة فيه من جهة انطباقه على الطبيعة المأمور بها بحيث لا يمكن للشارع الأمر به بخصوصه إذا أراد ذلك.
فالطّبيعة المأمور بها الواجدة للمصلحة الداعية إلى طلبها بجميع أفرادها وإن كانت مطلقة من حيث هي ولم يقيّدها الشّارع بما عدا الفرد المحرّم إلّا أنّها مقيّدة بحكم
ص: 419
العقل،(1) كما إذا كان بعض الأفراد غير مقدور فإنّ الأمر بالطّبيعة لا يبقى بحكمالعقل على(2) إطلاقه(3) بل ينصبّ على ما عدا ذلك الفرد والمانع الشّرعي كالمانع العقلي عند العقل وإذا كانت مقيّدة فلا یکفي الإتیان به في مقام الامتثال.
والجواب أنّه إن أريد من التقييد المذكور أنّ العقل لا يرخّص في الإتیان بذلك الفرد(4) تکلیفاً فهو كذلك لكنّه لا ينافي صحّته من جهة الرخصة الوضعية من حيث انطباقه على الطّبيعة واشتماله على مصلحتها وإن أريد التّقييد من حيث الترخيص الوضعي بحيث يكون كسائر التّقييدات الشرعیّة فلا نسلّم ذلك بل لا يجوز للعقل ولا للشرع ذلك بعد اشتماله على ما هو مناط الطّلب المتعلّق بالطّبيعة، وعدم قابليّته لتعلّق التکلیف به بنفسه من جهة المزاحمة المذكورة غير ضائر في مصداقيّته لما هو المأمور به، فالتقييد على هذا الوجه منافٍ لتبعیّة الأحکام للمصالح؛ إذ لازمه تفويت المصلحة الموجودة فيه على فرض العصيان لخطاب آخر. فتدبّر.
السّابع: أنّ الأصوليّين(5) متّفقون على إجراء أحكام التعارض على مثل «أکرم
ص: 420
العالم ولا تكرم الفاسق» ممّا كان بين متعلقي متعلّقي الطّلبین(1) عموم من وجه ولا فرق بينه وبين مثل «صلّ(2) ولا تغصب» ممّا كان العموم من وجه بين نفس المتعلّقين فلا بدّ وأن يكونا من المتعارضين وأن لا يجوز الحكم باجتماع الحكمين فيهما أیضاً.
ودعوى(3) الفرق بأنّ الحكم في المثالين الأوّلين متعلّق بالأفراد ابتداءً ولفظ العالم والفاسق مرآة للأفراد فكأنّه راجع إلى العامّ الأصولي فيكون الاجتماع فيه من الاجتماع الآمري، كما ترى؛ إذ ظاهرهم جريان الحكم المذكور حتّى مع كون الحكم معلّقاً على طبيعة العالم والفاسق وكونهما عنوانين لا معرّفين.
ص: 421
مع أنّ کلّية الدعوى المذكورة في جميع المقامات لا بيّنة عليها ويمكن ادّعاء مثلها فيما هو محلّ النزاع في المقام.
فإن قلت: فرق آخر بين المقامين وهو أنّ المتعلّق في المثال الأوّل وهو الإکرام واحد في الأمر والنهي وتعلّقه بالعالم والفاسق لا يخرجه عن ذلك، غاية الأمر أنّه إذا كان العالم غير الفاسق يكون الإکرام متعدّداً من حيث شخصه وأمّا في موردالاجتماع فيلزم تعلّق(1) الوجوب والحرمة بعنوان واحد وهو الإکرام بخلاف المقام فإنّ الغصب غير الصّلاة من حيث الطّبيعة والمفهوم فيتعدّد المتعلّق حتّى في مورد الاجتماع.
قلت: لا نسلّم ذلك فإنّ الإکرام المتعلّق للأمر هو المضاف إلى العالم وهو نوع مغاير للإکرام المتعلّق للنهي وهو المضاف إلى الفاسق ومع اختلاف الإضافة لا يتحقّق الاتّحاد الّذي هو مناط التناقض أو التضادّ؛ إذ لم يتعلّقا بشي ء واحد.
ودعوى أنّ هذا القدر(2) من الاختلاف لا یکفي في التعدّد؛ لأنّه مجرّد الاعتبار وإلّا فإکرام العالم الفاسق بإکرام واحد شي ء واحد فإضافته إلى العالم والفاسق لايوجب تعدّده، فهو كالبياض الموجود في الثوب المعمول من القطن حيث إنّه واحد حقیقة وإن کان يمكن إضافته إلى القطن وإلى اللباس وتعدّد هذه الإضافة لا يوجب تعدّده؛
مدفوعة بأنّ المغايرة المذكورة كافية إذا كانت في عنوان الحكم بأن يكون الحكم وارداً على عنوان إکرام الفاسق وإکرام العادل لا(3) على عنوان الإکرام، والمفروض اعتباره كذلك، فالاتّحاد في المفهوم مع قطع النظر عن الإضافة لا يضرّ بالمطلب.
وفي مثال البياض أیضاً إذا كان حكم معلّقاً على عنوان بياض اللّباس وآخر على
ص: 422
عنوان بياض القطن يكون التعدّد المذكور كافياً.
فالمدار هو العنوانيّة في لسان الدّليل والتعدّد من هذه الحيثيّة وإن كانت الحقيقة واحدة في الخارج.
فتحصّل عدم الفرق بين المقامين فمقتضى إجماعهم على إجراء حكم المعارضة في المثال الأوّل إجراؤه(1) في مثال النزاع أیضاً.(2)
والجواب: أوّلاً: أنّ هذا الإجماع إنّما ينفع إذا لم يعلم اختلافهم في المثال الثاني ومع العلم بالنزاع والاختلاف كيف(3) يمكن إجراء حكم الإجماع؟!
غاية الأمر أن يكون هذا إيراداً عليهم.
نعم إنّما يثمر مع النزاع أیضاً إذا كنّا عالمين بصحّة إجماعهم هناك وكشفه عن الواقع ولكن ليس كذلك بل يحتمل خطاؤهم هناك ويحتمل أن يكون ذلك منهم من جهة اعتقادهم الفرق بين المثالين بأحد الوجهين المذكورين أو غيرهما وإلّا فمع التفاتهم إلى عدم الفرق لا نسلّم إجراءهم أحكام التعارض على المثال الأوّل أیضاً.
ويحتمل أن يكون نظرهم في هذا النزاع إلى حكم العقل وفي ذلك الباب إلى حكم(4) العرف والظاهر أنّهم في باب التعارض أیضاً لا يفرقون بين المثالين وكذا في المقام وهذا كاشف عن اختلاف نظرهم في المقامين.
ص: 423
وثانياً: نقول إنّ نظرهم في المقام إلى باب التزاحم وإلى مورد يكون الحكم معلقاً على الطبيعة بحيث يعلم وجود المصلحة أو المفسدة في جميع الأفراد ولم يكن هناك مانع إلّا الأمر والنّهي وعدم إمکان الجمع بينهما أو إمکانه وفي المثال الّذي ذكره إلى ما لم يحرز فيه ذلك وليس نظرهم إلى الفرق بين المثالين.
والحاصل: أنّ کلامهم في المقام بعد فرض شمول النهي لجميع الأفراد على سبيل التعيين وشمول الأمر لجميع الأفراد على التخيير العقلي مع قطع النّظر عن النهي وفي ذلك المقام مختصٌّ بما كان احتمال التخصيص وعدم الإرادة متحقّقاً في کلّ من العامّين فلا دلالة لما أجمعوا عليه هناك على شي ء ولا إشکال عليهم أیضاً.
الثّامن: أنّ العرف يفهم في مثل «صلّ ولا تغصب» ونحوه من أمثلة الاجتماع التخصيص وأنّ الشارع لم يُرد کلّاً من العامّين بعمومه وهذا كاشف إجمالي عن حكم العقل بعدم جواز الاجتماع؛ إذ ليس في اللّفظ ما يدلّ عليه.
مع أنّه لو كان في اللّفظ ما يدلّ عليه أیضاً كفى في الحكم بعدم جواز الاجتماع.(1)
والجواب - بعد تسليم فهم العرف التخصيص - أنّ ذلك مسلّم فيما كان من باب التعارض بأن يكون في مورد لم يعلم تعليق الحكم على الطّبيعة السّارية في جميع
ص: 424
الأفراد وكون جميعها واجداً لمصلحة الحكم واحتمل قصر الحكم والمصلحة على بعض الأفراد، وقد عرفت أنّ محلّ النزاع إنّما هو فيما كان من باب التّزاحم والعرف لا يفهم التخصيص في مثله ولو فهموا لم يكن ذلك حجة؛ إذ لا يرجع إلى اللّفظ بلالمسألة حینئذٍ(1) عقليّة لا دخل لفهم العرف فيها.
التّاسع: أنّه لو قال أحد: «افعل هذا الفعل من هذه الجهة ولا تفعله من تلك الجهة» كأن يقول: «تصرّف في هذا المكان من جهة كونه صلاة ولا تتصرّف فيه من جهة كونه غصباً» لنسبوه إلى السّفاهة وخفّة الرّأي ولولا امتناع الاجتماع لم يكن كذلك.
وبتقرير آخر لو جاز الاجتماع ولو مع تعدّد الجهة لجاز التصريح به مع أنّه لا يجوز قطعاً.(2)
ولذا(1) ترى أنّه يصحّ أن يقول: «صلّ ولا تغصب ولو أتيت بالصّلاة في الدار الغصبيّة أتيت بمطلوبي لكن أعاقبك على مخالفة النهي» ولو كان الأمر مقيّداً بما عدا(2)هذا الفرد لم يصحّ ذلك.(3)
العاشر: أنّه يشترط في تعلّق الأمر بشي ء في ضمن العموم أن يكون ذلك الشي ء - مضافاً إلى كونه فرداً لذلك العامّ - بحيث لم يعلم من الخارج أنّه لو سئل من الآمر أو الناهي تعلّق أمره أو نهيه به أنكره وتحاشى عنه، ولو علم ذلك يكشف عن عدم كونه مشمولاً للأمر في ضمن العموم ولو على سبيل الانطباق، ومن المعلوم أنّه لو قال: «اذهب إلى السّوق ولا تركب» فسئل عن الذهاب راكباً لا يجيب ب-: «افعل ولاتفعل».(4)
ويظهر(5) جوابه ممّا مرّ فإنّ دخوله في المطلوب على وجه الانطباق لا يتوقّف على إمکان كونه بنفسه متعلّقاً للأمر والنهي، ولذا لو سئل أنّ هذا الفرد منطبق على
ص: 426
مطلوبك بحيث لو أتيت به كنت آتياً بمطلوبك أو لا؟ يجيب قطعاً بأنّه منطبق.
ثمّ إنّه قد يقال: إنّه لا مانع من اجتماع الأمر والنّهي في شي ء واحد على ما مرّ إلّا أنّه لا يمكن الامتثال بهذا الفرد؛ لأنّه موقوف على قصد القربة ولا يمكن ذلك؛ إذ لايطاع الله تعالى من حيث يعصى، والفعل الّذي علم كونه مبغوضاً للشارع من جهة المفسدة الغالبة على المصلحة كيف يمكن التقرّب به إلیه؟!
والجواب عنه يظهر ممّا مرّ؛ إذ الامتثال والتقرّب إنّما هو من جهة كونه مصداقاً للمأمور به وواجداً لمصلحته فلا تكون(1) الإطاعة من حيث العصيان؛ إذ لا يتقرّب بهذا الفعل من جهة كونه غصباً مثلاً بل من جهة كونه صلاة ولا مانع منه بل لا يعقل عدم إمکان قصد الامتثال والقربة مع فرض وجود الأمر بعد الاعتراف بالتعلّق بالطّبيعة وعدم كون الفرد محلّاً للحكم سواء كان مباحاً أو محرّماً؛ إذ المدار حینئذٍ على قصد الإتیان بالطبيعة الموجودة في ضمن هذا الفرد. وهذا واضح.
ص: 427
عرفت المناقشة في صدق النّسبة إلى الأخيرين(1) - بأنّه مقتضىالجمع بين أدلّة المجوّزين من عدم لزوم اجتماع الضدّين وغيره من المحاذير وبين ما يظهر في العرف من فهم التعارض بين الأمر والنّهي في مادّة الاجتماع والحكم بلزوم تخصيص أحدهما بالآخر لو ساعد عليه دليل، والتساقط والرّجوع إلى الأصل مع عدمه.
وربما يورد عليه بأنّ هذا الاختلاف بين العقل والعرف إمّا يكون في موضوع واحد بأن يكونا متّفقين على كون متعلّق الأحکام هي الطّبایع أو الأفراد وإمّا يكون في موضوعين بأن يكون المتعلّق عند العقل الطبایع وعند العرف الأفراد لا سبيل إلى الأوّل لامتناع كون حكم العرف على خلاف حكم العقل، كيف وأهل العرف هم العقلاء؟! وحكمهم بشي ء حكم عقلي إجمالي، ولا إلى الثاني؛ إذ على هذا لا نزاع بينهما في أنّه على فرض تعلّق الأحکام بالطّبائع يجوز(2) الاجتماع وعلى فرض التعلّق بالأفراد لايجوز فلا بدّ من تشخيص هذا بعد اتّفاقهما على الحكم على کلّ من التقديرين.
فإن قيل: وجه الاختلاف في الحكم اختلافهما في تشخيص الصّغرى فالعقل بملاحظة أنّ الأمر موضوع لطلب الطبيعة يحكم بأنّها المتعلّق ويجوز الاجتماع،
ص: 429
والعرف يفهم من الأوامر التعلّق بالأفراد وأنّ المراد خلاف الوضع اللغوي فيحكم بالامتناع.
يقال: إذا كان المعنى اللّغوى ما(1) ذكر فلا وجه للعدول عنه إلّا إذا كان هناك وضع عرفي ثانوي أو قرينة والأوّل معلوم العدم والثاني إمّا عقليّة أو غيرها من غلبة الاستعمال أو الوجود(2) ممّا هو منشأ الاختلاف والأوّل معلوم العدم أو مفروضه؛ إذ لا مانع عند العقل من التعلّق بالطّبيعة على ما هو المفروض وكذا الثاني؛ إذ لا نرى شيئاًيقضي بأنّ المستفاد من الخطابات الشرعیّة غير مداليلها اللّغوية.
ثمّ على فرض وجود الوضع الثانوي أو القرينة المعتبرة فلا وجه لحكم العقل بخلافه؛ إذ لا بدّ له من الحكم على طبق ما يستفاد من الخطابات عند العرف.
وبعبارة أخری: يجب عليه الحكم على الموضوع الّذي يستفاد من العرف كونه موضوعاً وعلى أيّ حال فلا وجه للاختلاف بين العقل والعرف.
قلت: يمكن أن يوجّه التفصيل المذكور بوجه آخر وهو أن يقال بأنّ(3) العقل والعرف متطابقان على تعلّق الأحکام بالطّبایع من حيث الوجود وأنّه لو اتّحدت الطّبيعتان في الوجود لا يحصل الامتثال ولا يجوز تعلّق الطّلبين بهما على إطلاقهما إلّا أنّ العقل لدقّة نظره يرى أنّهما متغايران في الوجود؛ لأنّه لا يجوز اتّحاد الکلّيين الذين بينهما عموم من وجه والعرف ينظر بالنظر المسامحي فيحكم باتّحادهما في مورد الاجتماع فيحكم بالمنع وحینئذٍ فالمتّبع حكم العرف؛ لأنّه كما يكون هو المدار في تشخيص
ص: 430
موضوعات الأحکام، ولذا لا يحكم بنجاسة لون الدّم لحكمه بعدم كونه دماً وإن کان بالدقّة العقليّة محكوماً بأنّه دم لعدم جواز انتقال العرض، فكذا يكون هو المدار في تشخيص الإطاعة والعصيان بحسب مصداقهما ومرجع المقام إلى ذلك؛ إذ العرف يحكم بأنّه لا یکفي في امتثال الأمر المتعلّق بالصلاة الإتیان بها في الدار الغصبيّة.
ويمكن أن يجعل المقام من تشخيص الموضوع بأن يقال: إنّ المرجع إلى كون مثل هذا الفعل مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به أم لا؟
هذا ولكنّه بعد غير صحيح؛ إذ قد عرفت عدم صحّة القول بعدم اتّحاد الکلّيين في الوجود وأیضاً عرفت أنّه على فرض الاتّحاد أیضاً يجوز الاجتماع فالحكم بعدمه على هذا(1) التقدير لا وجه له(2)
ثمّ على فرض الاختلاف بين العقل والعرف لا وجه لما ذكر من تقديم العرف؛إذ هو إنّما يكون مرجِعاً في خصوص ما يرجع إلى مداليل الألفاظ وظهوراتها لا في صدق الإطاعة والعصيان فإنّ مداره العقل وإرجاع المقام إلى تشخيص الموضوع كما ترى؛ إذ ليس الاختلاف في صدق الصّلاة من حيث مفهومها مثلاً بل في تعلّق الأمر بمورد الاجتماع وعدمه؛ إذ الشكّ في المصداقيّة للمأمور به بما هو مأمور به ليس إلّا من جهة تعلّق الأمر وعدمه.
فظهر أنّه لا وجه للتفصيل المذكور على فرض وجود القائل به.
نعم له وجه لو جعلنا محلّ النزاع من باب التّعارض لا التّزاحم فإنّه يمكن أن يقال حینئذٍ: إنّ العقل يحكم بإمکان الاجتماع إلّا أنّ العرف يفهم التخصيص وعلى هذا يكون البحث قليل الفائدة؛ إذ لا يثمر حكم العقل بإمکان الاجتماع بعد كون
ص: 431
المدار على العرف الحاكم بالتخصيص بالنّسبة إلى أحد الدّليلين.
هذا وممّا ذكرنا تقدر على توجيه التفصيل بعكس هذا التفصيل وهو كون العقل حاكماً بالمنع والعرف حاكماً بالجواز وعلى دفعه إلّا أنّه لا قائل به وإن احتملنا سابقاً استفادته من بعض أدلّتهم. فلا تغفل.
ص: 432
ص: 433
وينبغي التّنبيه على أمور:
الأوّل(1): إذا لم يكن بين الکلّيّين التصادق بل كانا متغايرين في الوجود لكن كانا متلازمين فإن کان التلازم کلّياً وبحسب جميع الأفراد فلا إشکال في عدم جواز الأمر بأحدهما والنهي عن الآخر سواء كان من الجانبين أو من جانب الأمر فقط بأن يكون جميع أفراد المأمور به ملازماً للمنهي عنه دون صورة العكس، فإنّه لا إشکال في الجواز فيها(2) في الجملة ويجري فيه البحث الآتي.
وإن کان التلازم بحسب بعض الأفراد إمّا بالعلّيّة كأن يكون أحدهما علّة للآخر أو كانا معلولين لثالث كما إذا أمر برمي حجر ونهى عن قتل المسلم فرمى حجراً كان علّة لقتله مع قدرته على الرّمي بغير هذا الوجه، أو نهى عن رمي الحجر وأمر بقتل الكافر فرمى وقتله مع إمکان القتل بوجه آخر، أو أمر بإيقاظ المؤمن ونهى عن إيقاظ
ص: 434
الكافر فصاح صيحة كانت علّة لإيقاظهما(1) مع إمکان الإيقاظ بوجه آخر.
وإمّا لا بها كما إذا فرض كون إکرام زيد ملازماً لإهانة عمرو وقد قال الآمر: «أکرم العالم ولا تهن العادل» وكان زيد عالماً وعمرو عادلاً بأن يكون إذا أکرم زيداًمُلجأً ومضطرّاً في إهانة عمرو، وفي هذا قد يكون التلازم من الطرفين وقد يكون من طرف واحد فإن لم يكن للمکلّف مندوحة بأن يكون فرد المأمور به منحصراً في المنهي عنه(2) فلايجوز تواردهما على کلیهما(3)؛ إذ حاله حال التلازم في الوجود بحسب جميع الأفراد.
وأمّا مع المندوحة كأن يكون للمأمور به فرد آخر غير ملازم للعنوان المنهي عنه كأن يقول: «صلّ ولا تغصب» وكان قادراً على الصّلاة في المكان الّذي لا يلازم(4) التصرّف في المغصوب بتصرّف غير صلاتي(5) فصلّى في المكان الملازم لذلك كما إذا صلّى في مكان لا يمكن له الصّلاة فيه إلّا أن يضع رحله(6) مثلاً في المكان المغصوب أو نحو ذلك أو قال: «صلّ ولا تنظر إلى الأجنبيّة»، فصلّى في مكان يلازم النّظر إلى الأجنبيّة حال الصّلاة أو بعدها أو كان قادراً على إکرام غير زيد في المثال المتقدّم فأکرمه مع استلزامه لإهانة عمرو فهل يصحّ عمله بناء على مذهب المانعين ويكون هذا الفرد مصداقاً للمأمور به أم لا؟
إن کان المستند في المسألة الدليل الأوّل وهو لزوم اجتماع الضدّين فمن المعلوم عدم شموله للمقام وإن کان المستند غيره من الوجوه الأخر فمقتضاه الشمول لما نحن
ص: 435
فيه وإن لم يكن من اجتماع الأمر والنهي في شي ء واحد، فلو قلنا: إنّ شمول الأمر والنهي للفرد المجمع بين الکلّيّين مستلزم للتکلیف بما لا يطاق في المسألة المتقدّمة، فكذا في المقام لا يجوز شمول الأمر لهذا الإکرام والنهي لهذه الإهانة،(1) وكذا لا يجوز شمول قوله: «صلّ» للصّلاة المستلزمة للنّظر إلى الأجنبيّة، وكذا إذا قلنا: إنّ الأمر تابع للمصلحة الفعليّة بعد الكسر والانكسار فهذا الفرد لا مصلحة فيه؛ لأنّ مصلحته مزاحمة بمفسدة الفعل الآخر الملازم له فلا يكون مع هذه ذا مصلحةخالصة،(2) فلا بدّ من تقييد المأمور به بغير هذا الفرد.
هذا وإنّما تكون صورة حرمة المعلول مع وجوب العلّة ممّا نحن فيه إذا لم نقل بحرمة علّة الحرام وإلّا فتكون داخلة في المسألة المتقدّمة(3) حيث إنّ العلّة حینئذٍ واجبة ومحرّمة، وأمّا صورة العكس فتكون ممّا نحن فيه ولو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب؛ لأنّه یختصّ بغير الفرد المحرّم فلا تكون العلّة حینئذٍ واجبة بل محرّمة صرفة إلّا أنّها مسقطة فينحصر الإشکال فيه بالمعلول من حيث ملازمته مع العلّة المحرّمة.
ثمّ لا فرق فيما ذكرنا بين ما لو جعلنا المقام من باب التعارض أو التزاحم كما لايخفى.
هذا کلّه في توارد الوجوب والحرمة ونحوهما الاستحباب والكراهة.
وأمّا الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة فالظّاهر(4) أنّه لا مانع منه حتّى في صورة كون التلازم کلّياً من الجانبين. فتدبّر.
ص: 436
الثاني: إذا قلنا بجواز الاجتماع فلا إشکال؛ إذ يعمل حینئذٍ بمقتضى کلّ منهما من الصحّة والعقاب ونحوهما.
وإذا قلنا بالمنع فذكروا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن(1) أحد الدّليلين لحصول المعارضة بينهما فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات الدّلاليّة والتعبّديّة من السنديّة وغيرها.
وحینئذٍ فمع كونهما قطعيّين من حيث السند المرجِع المرجّحات الدّلاليّة ومع فقدها الرّجوع إلى الأصل ومع قطعيّة أحدهما يقدّم على الآخر وأمّا قطعيّتهما معاً من حيث السند والدّلالة فلا يتصوّر ومع ظنّيّتهما من حيث السند فمع الترجيح الدّلالي يؤخذ به كائناً ما كان ومع عدمه فإن قلنا بالرّجوع إلى المرجّحات السنديّة في العامّين من وجه يرجع إليها وإن قلنا باختصاص ذلك بغيرهما أو لم يكن هناك مرجّح أصلاً فالمرجع إلى الأصل المختلف بحسب المقامات.
ففي مثل الصّلاة في الدار الغصبيّة يحكم بالفساد والإباحة. والتفكيك غير ضائر؛ لأنّه بمقتضى الأصول.
وقد يقال بوجوب تقديم النهي کلّياً من جهة رجحان الدّلالة لوجهين:
أحدهما: ما ذكره جماعة واختاره في الإشارات(2) من قوّة دلالة النهي؛ لأنّها
ص: 437
بالعموم بخلاف دلالة الأمر فإنّها بالإطلاق.
وفيه: أنّ النهي أیضاً يدلّ بالإطلاق، غاية الأمر أنّه يحمل على العموم الاستغراقي بخلاف إطلاق الأمر فإنّه محمول على العموم البدلي وهذا لا يوجب قوّةفيه كما لا يخفى.
الثاني: ما عن المحقّق الأنصاري من أنّ النهي في مادّة الاجتماع ناظر إلى جهة التّرخيص الثابت بالأمر(1) في الفعل فهو حاكم على الأمر.(2)
وفيه: أنّ النهي إنّما يكون ناظراً إلى الترخيص إذا كان إرشادياً وهو لا يكون إلّا في الخاصّ المطلق.
مع أنّه أیضاً من التخصيص لا الحكومة وأیضاً المفروض في المقام كون النهي للحرمة لا الإرشاد وإن کان أخصّ من الأمر.
فالکلام(3) في مثل: «صلّ» و«لا تصلّ في الدار الغصبيّة» داخل في هذا النزاع إذا علم كون النهي للتحريم من جهة خصوصيّة الغصبيّة وإذا كان للتحريم فلا يكون ناظراً إلى الترخيص وإلّا يلزم الاستعمال في التحريم والإرشاد معاً وهو غير جائز؛(4) إذ لا جامع وعلى فرض وجوده معلوم عدم إرادته وإلّا فيحتاج في إثبات الحرمة إلى دليل خارج؛ إذ الطّلب الجامع بين التحريم والإرشاد لا يدلّ على التحريم.
ص: 438
وإن أراد النظر إلى الترخيص التکلیفي لا الوضعي فكون النهي ناظراً(1) ليس بأولى من كون الأمر ناظراً(2) إلى المنع المستفاد من النهي فهما متعارضان في ذلك.
وقد يقال بتقديم النهي کلّياً أیضاً لا من جهة رجحان الدّلالة بل تعبّداً لوجوه:
أحدها: أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة في صورة الدوران سواء كانتا معلومتين ودار الأمر بين الأمرين أو كان المعلوم إحداهما(3) مع الدوران.
وفيه أوّلاً: أنّه ممنوع بل يختلف المقامات إذا كانتا إلزاميّتين ومع الاختلاف يقدّم الإلزامي على غيره، هذا مع العلم بهما وكونهما متزاحمين وأمّا مع العلم بإحداهما(4) لا على التعيين كما في المقام فيجوز الرجوع إلى أصل الإباحة أو التخيير.
وثانياً: أنّ في ترك الواجب أیضاً مفسدة ملزمة.
وثالثاً: أنّه لا يلزم كون الفعل مشتملاً على مصلحة أو مفسدة؛ إذ يمكن أن تكون(5) المصلحة في التکلیف لا في المکلّف به، وإن أريد العقاب والثواب فلا شكّ أنّ ترك الواجب أیضاً يوجب العقاب كما أنّ ترك الحرام يوجب الثواب أیضاً.
هذا وقد يورد عليه أیضاً بأنّ ما نحن فيه ليس من موارد هذه القاعدة؛ لأنّها
ص: 439
مختصّة بما إذا لم نقل فيه بالترجيح كان المرجع فيه التخيير مثل ما لو دار الأمر بين وجوب شي ء وحرمته كشرب التتن(1) مثلاً إذا احتمل وجوبه أیضاً. وفي مثل ما نحن فيه إذا لم نقل بالترجيح نرجع إلى الأصل من الفساد والإباحة فلا مسرح للقاعدة المذكورة فيه.
وفيه ما لا يخفى صغرىً وكبرىً؛ إذ أوّلاً نقول: مقتضى القاعدة في المقام أیضاً التخيير بعد عدم الترجيح؛ لأنّه من تعارض النصّين؛ وثانياً لا وجه لتخصيص القاعدة بمورد التخيير.
مع أنّ في الدوران بين المحذورين أیضاً لا نسلّم أنّ الأصل هو التخيير.
الثاني: الاستقراء؛ لأنّ الغالب في موارد الدّوران بين الوجوب والحرمة تقديم الشارع جانب الحرمة، ولذا أمر بترك العبادة أيّام الاستظهار وبترك الوضوء عند اشتباه الماء الطاهر بالنجس حيث قال: «يهریقهما ويتیمّم».(2)
ولا يخفى ما فيه؛ إذ لا تثبت(3) الغلبة بمجرّد هذين الموردين، مع أنّه لا دليل على اعتبارها؛ إذ غايتها الظنّ.
نعم لا بأس به إذا قلنا بالترجيح به في خصوص الخبرين.
هذا مضافاً إلى أنّ ترك العبادة والوضوء غير معلوم أنّه من هذه الجهة أي من
ص: 440
جهة تغليب الحرمة(1) فلعلّه لشي ء آخر فلا يثمر في الإلحاق.
مع أنّ الاستظهار ليس بواجب ومسألة الإراقة ليست من المقام لكون حرمة الوضوء تشريعيّة فيمكن الاحتياط فالتقديم تعبّدي.
وقد يقال: إنّ الاستظهار على فرض وجوبه لعلّه من باب قاعدة الإمکان في الحيض فلا دلالة فيه على المدّعى من تغليب الحرمة ومسألة الإراقة على فرض كون حرمة الوضوء بالماء النجس ذاتيّة إنّما هي من جهة ثبوت البدل للوضوء وهو التيمّم فلهذا لا يزاحم المحرّم.
قلت: يمكن للقائل أن يقول: إنّ السرّ في قاعدة الإمکان هو تغليب الحرمة وأمّا ثبوت البدل فلا دخل له(2) في عدم المزاحمة؛ إذ لا فرق بين ما له بدل وما لا بدل له في ذلك كما لا يخفى.
فالأولى الاقتصار على أنّ الحرمة تشريعيّة فالتقديم ليس من جهة التغليب.
الثّالث: ما دلّ من الأخبار على التوقّف عند تعارض الأمر والنهي المؤيّد بما عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) من قوله (علیه السلام): «أفضل من اكتساب(3) الحسنات اجتناب السّيئات»(4) وقوله (علیه السلام): «إنّ(5) اجتناب السّيئات أولى من اكتساب الحسنات».(6)
ص: 441
وفيه: أنّها معارضة بما دلّ على التخيير(1)، مع أنّ المراد من التوقّف فيها ليس تغليب جانب الحرمة، مع أنّ الأمر والنهي فيها غير مختصّ بالإلزاميين فيشتمل(2) غيرهما ولو كانا مختلفين، مع أنّها في عرض سائر الأخبار الدالّة على التوقّف عند تعارض الخبرين مطلقاً(3) من غير تخصيص بالأمر والنهي.
وأمّا المرسلتان فظاهرتان في معارضة المندوبات مع المحرّمات.
ثمّ لا يخفى أنّ هذه الوجوه على فرض تماميّتها إنّما تدلّ على تقديم جانب الحرمة بعد فقد سائر المرجّحات السنديّة، ولذا ذكرها بعض الأصوليّين(1) في باب التراجيح واعتمد عليها بعد فقد جميع المرجّحات، فلا وجه للأخذ بها في المقام مقدّماً عليها كما هو ظاهر القائل.
ثمّ أقول من رأس: إنّ جميع ما ذكروه في المقام من الرجوع إلى المرجّحات الدلاليّة والسنديّة والأصل وغير ذلك إنّما يناسب لو كان المقام من باب التعارض.
وأمّا على ما هو التحقیق من كونه من باب التزاحم فلا وجه للرجوع إلى المرجّحات المذكورة أصلاً.
نعم التمسّك بأولويّة دفع المفسدة على فرض تماميّتها وكذا الاستقراء ألصق بباب التزاحم ولعلّ هذا هو السرّ في التشبّث بهما في المقام مع الإغماض عن المرجّحات السنديّة؛ لأنّ كون المقام من التزاحم مركوز الأذهان وإن كانوا غير ملتفتين إلیه، ولذا يقولون بعدم مانعيّة النّهي الواقعي مع فرض الغفلة أو الجهل، ولو كان من التعارض لم يكن لذلك وجه كما سبقت الإشارة إلیه وسيأتي.
ولا فرق على ما ذكرنا بين القطعيّين والظنيّين والمختلفين بل في القطعيين من حيث السند والدلالة أولى كما في مثال الصّلاة والغصب حيث إنّه لا إشکال في دلالة الأمر والنهي ولا في سنديهما.
ص: 443
وحینئذٍ نقول: لا ينبغي التأمّل في تقديم النهي(1) على فرض عدم جواز
الاجتماع؛ لأنّه من دوران الأمر بين النهي التعييني والوجوب التخييري ومن المعلوم وجوب رفع اليد عن الأمر عند المزاحمة لمكان وجود البدل ولو كان الأمر بالعكس كان بالعكس كما هو واضح.(2)
ثمّ على فرض كونه من باب التعارض لا وجه لإطلاقهم الرجوع إلى الأصل
ص: 444
عند فقد المرجّحات؛ إذ لو كان من تعارض الخبرين فمقتضى القاعدة التخيير كما بيّن(1) في باب التراجيح.
الثّالث: ظاهر کلماتهم أنّه على مذهب المانعين إذا قدّمنا النهي فالعمل باطل، وكذا إذا شككنا في ترجيح النهي أو الأمر ورجعنا إلى الأصل من غير فرق بين صورة العلم والجهل بموضوع الحرمة أو الحكم والنسيان.
ويظهر من بعضهم الحكم بالصحّة في صورة النسيان والجهل بالموضوع(2) وأنّ النهي الواقعي لا يوجب البطلان(3) ولا ينافي الأمر بل عن بعضهم الصحّة في الجاهل
ص: 445
بالحكم أیضاً.(1)ويظهر من صاحب الجواهر الفرق فيه بين المعذور وغيره.(2)
وادّعى المحقّق الأنصاري في رسالته في قاعدة الضرر تسالمهم على أنّ النهي الواقعي لا يوجب الفساد.(3)
ويظهر من صاحب الإشارات وجود القول بالصحّة حتّى حال العلم أیضاً حيث قال:
ص: 446
«اختلفوا في أنّ مقتضى عدم جواز الاجتماع هل مجرّد عدم إمکان كون الشي ء الواحد مطلوباً ومبغوضاً أو يزيد عليه الحكم بالبطلان؟ قولان، أشهرهما الثاني واختار أوّلهما بعض الأواخر(1) وتبعه آخر استناداً إلى أنّ قول الشارع «صلّ» مطلق والأمر يقتضي الإجزاء في ضمن کلّ ما صدق عليه المأمور به، وقوله «لا تغصب» أیضاً مطلق يقتضي حرمة کلّ ما صدق عليه أنّه غصب. والقاعدة المتقدّمة بعد استقرارها على عدم الجواز لا يقتضي إلّا لزوم إرجاع أحد العامّين إلى الآخر وأيّد ببعض الأخبار الدالّة على أنّ للنّاس من الأرض حقّاً فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات الخارجيّة».(2)
ومراده بذلك(3) البعض المحقّق القمي(4) ولعلّه استظهر من کلامه المذكور أنّمراده الحكم بالصحّة حتّى مع الشكّ في ترجيح أحد العامّين.
ولذا أورد عليه بقوله: ويرد عليه أنّ ما ذكره غير منكر إلّا أنّه لا ينافي الحكم بالبطلان بل يؤكّده، فإنّ العامّين إذا تعارضا فيشكّ في الصحّة في مورد الاجتماع فيحكم بالبطلان؛ لأنّ الصحّة [تتوقّف علی] (5) موافقة الأمر وهو مشكوك.(6)
ص: 447
والظّاهر أنّ مراد المحقّق المذكور أنّ مجرّد عدم جواز الاجتماع لا يوجب البطلان؛ إذ يمكن ترجيح الأمر على النهي وتخصيصه بغير مورد الاجتماع لا أنّه مع الشكّ في الترجيح أو مع البناء على تقديم النهي أیضاً يحكم بالصحّة؛ إذ من المعلوم أنّه لا وجه للأخذ بإطلاق الأمر في إفادة الإجزاء حینئذٍ.
وحینئذٍ فلا يرد عليه ما ذكره.
وكيف كان فلا وجه لما ذكروه من الفرق بين صورة الجهل والعلم سواء جعلنا المقام من باب التعارض أو التزاحم؛ إذ على الأوّل(1) إذا رجّحنا النهي إمّا بالدّلالة وإمّا بالمرجّحات الأخر لا معنى للفرق بين صورة العلم بالنهي وعدمه؛ إذ هو نظير ما إذا قال: «صلّ ولا تصلّ مستدبراً أو متكتّفاً» أو نحو ذلك فإنّ الواجب حینئذٍ هو الصّلاة المقيّدة بغير الأمرين فمع الإتیان بها معهما يجب عليه الإعادة.
وبالجملة يكون من قبيل سائر التخصيصات والتقييدات في سائر الموارد وهو واضح، وكذا إذا شككنا في الترجيح؛ لأنّه يرجع إلى الشكّ في تعلّق الأمر بالمأتيّ به وهو موجب للشكّ في الخروج عن العهدة.وأمّا على الثاني(2) فلأنّ کلّاً من الدليلين وإن کان تامّاً من حيث السند والدّلالة إلّا أنّه إذا قلنا بعدم جواز اجتماع الطّلبين وأنّ النّهي مقدّم لمكان أهميّته من حيث إنّه تعييني فلا يسقط ذلك النهي في حال الجهل والنسيان فلا يجوز تعلّق الأمر بالفرد المجمع واقعاً، ومجرّد تعلّق الأمر الفعلي من جهة الجهل بالواقع لا يثمر؛ لأنّه أمر خيالي عذري.
ص: 448
مدفوع بأنّ النهي الواقعي كافٍ في المزاحمة والمانعيّة؛ لأنّه وإن لم يناف الأمرالظاهري إلّا أنّه منافٍ للأمر الواقعي فيرتفع الأمر واقعاً ومع ارتفاعه لا وجه للحكم بالصحّة، مع عدم كون الأمر الظاهري مقتضياً للإجزاء كما هو التحقیق.(1)
ودعوى عدم المنافاة(2) بين الواقعيين كما ترى.
فإن قلت: إنّ المانعیّة والمنافاة(3) إنّما هي بين الطّلبين والنهي الواقعي ليس من مقولة الطلب وكذا أمره.
ص: 450
قلت: إن كانا من مقولة المحبوبيّة والمبغوضیّة فهما أیضاً متنافيان بل وكذا لو كانا من مجرّد المصلحة والمفسدة؛ إذ على هذا ليس الحكم عبارة إلّا عن المصلحة الفعليّة بعد الكسر والانكسار لا مجرّد جهة المصلحة.
هذا مع أنّ التحقیق أنّ الحكم الواقعي من مقولة الطّلب وأنّه مقتضى أدلّة بطلان التصويب فالمعنى الّذي يُنشؤه(1) الآمر إن وصل إلى المکلّف يسمّى بالحكم المنجّز وإن لم يصل إلیه يسمّى بالحكم الواقعي سواء كان من جهة الجهل أو النسيان فلايتفاوت الحكم في وجوده الواقعي والظاهري.
فإن قلت: إذا كان المقام من التزاحم على ما هو المفروض فالأمر الواقعي متعلّق بالفعل كالنهي الواقعي إلّا أنّه لمكان عدم إمکان الخروج عن عهدتهما وأهميّة النهي حكمنا بوجوب العمل على طبق الثاني، فإذا غفل المکلّف عن النهي وأتى بالفعل فقد أتى بالمطلوب الواقعي كما في الواجبين المتزاحمين إذا كان أحدهما أهمّ وغفل المکلّف عنه وأتى بالآخر.
قلت: نعم ولكنّ اللازم الحكم بالصحّة حتّى مع العلم أیضاً؛ لأنّه في حدّ نفسه مطلوب باعترافك وهو كافٍ في الصحّة وقصد القربة ممكن أو نفرض الکلام فيما لايحتاج إلیه.
مع أنّ مقتضى مذهب المانعين عدم الأمر رأساً للمنافاة(2) بين الطلبين فليس إلّا شأنيّة الأمر، وكفايتها ممنوعة.
فتحصّل أنّه لا وجه للفرق بين الجهل والعلم.
ومسألة الوضوء الضرري مع الجهل بكونه ضرريّاً حيث يقال بالصحّة إذا قلنا
ص: 451
بها ليست من قبيل المقام؛ إذ نقول: إنّ المستفاد من الأدلّة أنّ(1) رفع وجوب الوضوء إذا كان ضررياً إنّما هو من باب الامتنان وهو إنّما يكون إذا كان الوقوع في الضرر من جهة حكم الشارع كما في صورة العلم، وأمّا في صورة الجهل فهو من جهة جهل المکلّف بموضوع الضرر فلا يشمله أدلّة الرفع، بل مقتضى الامتنان الاكتفاء به فليس الوجه كون النهي الواقعي غير موجب للفساد.
نعم لو قلنا بكون عدم وجوب الوضوء من جهة حرمة الإضرار بالنفس لا من جهة شمول قوله (صلى الله علیه و آله): «لا ضرر ولا ضرار»(2) ولا من الأدلّة الخاصّة كان من قبيل المقام وحینئذٍ نمنع الصحّة.لكن ليس كذلك، ولذا لو توضّأ عالماً بالإضرار لا يقول بالصحّة من يقول(3) بجواز اجتماع الأمر والنهي.
مع أنّه لو كان المستند دليل حرمة الإضرار وكان من قبيل المقام يمكن أن يقال: الظاهر من الدليل كون العلم شرطاً في موضوع الحرمة فمع الجهل لا حرمة واقعاً أیضاً بخلاف المقام فإنّ الحرمة الواقعية معلومة؛ إذ من المعلوم أنّ التصرّف في مال الغير حرام واقعاً كسائر المحرّمات من غير فرق بين حالات المکلّف، غاية الأمر معذوريّته على بعض التقادير.
ثمّ على تقدير عدم كون النهي الواقعي مضرّاً وموجباً للفساد لا فرق بين الجهل بالحكم والموضوع فلا وجه للفرق من هذه الجهة.
ص: 452
ودعوى أنّ مع الجهل بالحكم النّهي فعلي ولذا يحكم بإثمه واستحقاقه العقاب؛
مدفوعة بأنّه أعمّ من المدّعى(1) من وجه؛ إذ قد يكون مع جهل الحكم معذوراً وقد يكون مع جهل الموضوع أیضاً مقصّراً غير معذور.
مع أنّ النهي الفعلي بالنّسبة إلى الجاهل الغافل قبيح أو غير معقول؛ لأنّ الفعليّة لا تتصوّر إلّا مع العلم وكونه بمنزلة العامد إنّما هو في الإثم والعقاب والصحّة والفساد إذا كان الجهل رافعاً للتّکلیف لا في تعلّق التکلیف الفعلي وتنجّز الخطاب.
فلو فرض كون المانع من الصحّة النهي الفعلي فلا فرق بينه وبين الجاهل بالموضوع ولا يتفاوت فيه كونه معاقباً أو لا.
وبالجملة الأمر يدور بين أن يكون المانع من الأمر فعلية النهي أو الأعمّ، فعلى الأوّل مطلقاً مفقود وعلى الثاني مطلقاً موجود.
وممّا ذكرنا يظهر عدم الوجه لما يظهر من المحقّق الانصاري في أواخر مسألة أصل البراءة من أنّ المدار على النهي الواقعي مع عدم الترخيص الشرعي في الظّاهر كما في الجاهل بالحكم بخلاف الجاهل بالموضوع فإنّه وإن کان منهياً واقعاً إلّا أنّه مرخّص شرعاً في الظاهر.ولذا قال بعد ما فرّق بين الجهل بالحكم والموضوع: «نعم يبقى الإشکال في ناسي الحكم خصوصاً المقصّر وللتأمّل في حكم عبادته مجال، بل تأمّل بعضهم في ناسي الموضوع لعدم الترخيص الشرعي من جهة الغفلة. فافهم».(2) انتهى، حيث استشکل في ناسي الموضوع من جهة وجود النهي الواقعي وعدم الترخيص الظاهري الشرعي وإن کان الترخيص العقلي موجوداً.
وكيف كان فالوجه ما ذكرنا من عدم الفرق.
ص: 453
ثم التّحقیق صحّة العمل حتّى مع العلم(1) وإن قلنا بعدم جواز اجتماع(2) الأمر والنهي(3) بناء على كون المقام من التزاحم لما عرفت سابقاً من أنّ الصحّة لا تدور مدار الأمر بل یکفي في الحكم بها كون الشي ء مطابقاً للمصلحة الواقعيّة وإن لم يكن أمر بالفعل إذا كان عدم الأمر من جهة عدم إمکان تعلّق الطلب لا لقصور في المطلوب(4) من غير فرق بين التعبّديات والتوصّليات في ذلك لإمكان قصد القربة من الجهات الأخر غير جهة قصد الامتثال والأمر.
الرّابع: لا فرق في عدم جواز الاجتماع بناء على القول به بين التعبّديات والتوصّليات.
وربما يحكى عن بعضهم(5) جواز الاجتماع في التوصّليات بمعنى أنّ الواجبالتوصّلي يجتمع مع الحرام حيث جعل الفرق بين التوصّلي والتعبّدى بأنّ لازم الأوّل
ص: 454
جواز اجتماعه مع الحرام دون الثاني،(1) ويظهر من صاحب المعالم أیضاً أنّه(2) خصّ الجواز بالواجب الغيري التوصّلي.(3)
وربما يقال: إنّ ظاهر کلامه جواز الاجتماع حتّى إذا كان الوجوب تعيينياً حيث قال: «إنّه ليس(4) على حدّ غيره من الواجبات»،(5) فيجوز أن يجتمع مع الحرام، إلّا أنّه غير مراد قطعاً بل المراد فيما إذا كان للمکلّف مندوحة.
نعم لو قلنا إنّ اجتماع الطلبين لا مانع منه وإنّما الإشکال في إمکان(1) قصد القربة من حيث إنّه لا يمكن قصد القربة في إتیان ما هو مبغوض المولى تمّ الفرق، لكنّك عرفت آنفاً عدم(2) تماميّة هذا الوجه وأنّه إذا تعلّق الأمر فيمكن قصد القربة أیضاً.
هذا وربما يوجّه کلام المجوّز بأنّ مراده الإسقاط وأنّ في الواجب التوصّلي لّما كان الغرض حصول الفعل في الخارج بأيّ وجه اتّفق وإن لم يمكن(3) تعلّق الأمر به على هذا الوجه فيكون الإتیان به مسقطاً للواجب بخلاف الواجب(4) التعبّدي فإنّ الغرض منه حصول الإطاعة وهي فرع الأمر فلذا لا يكون الإتیان بالمحرّم مسقطاً ففي التوصّلي يكون دائرة المطلوب وما فيه المصلحة أوسع من دائرة الطلب بخلاف التعبّدي.
وفيه: أنّه إن کان المراد أنّ التوصّلي يمكن أن يكون كذلك فنقول: إنّ في التعبّدي أیضاً يمكن أن تكون(5) المصلحة في الأعمّ ممّا تعلّق به الأمر بأن يكون الفعل تامّ المصلحة من جميع الجهات ويكون النهي مانعاً عن تعلّق الأمر به لمكان المضادّة كما هو كذلك على فرض المزاحمة وحینئذٍ يصحّ العمل ويكون مسقطاً عن الواجب كما عرفت آنفاً.
وإن کان المراد أنّ التوصّلي دائماً يكون كذلك فهو ممنوع؛ إذ قد يكون المصلحة
ص: 456
في التوصّلي أیضاً مقصوراً على مقدار ما تعلّق به الأمر.
نعم حال التوصّلي الغيري كذلك(1) ولعلّه لذا اقتصر في المعالم(2) عليه حيث أراد بيان الکلّية، وفي الواجب الغيري التوصّلي معلوم أنّ المصلحة مجرّد الوجود في الخارج بأيّ وجه كان؛ إذ المقصود منه الوصول إلى الغير، إلّا أن يقال: وإن کان مقتضى القاعدة كما تقول إلّا أنّ الإجماع واقع على أنّ جميع التوصّليات یکفي فيها الوجود في الخارج بأيّ نحو كان ومن أيّ شخص صدر، فيجوز الفرق بإرادة الکلّيّةفي مطلق التوصّلي بعد تحقّق الإجماع المذكور.
هذا وربما يقال: إنّ مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الإجماع أیضاً ذلك في التوصّليات مطلقاً وذلك لإطلاق مادّة الأمر وعدم تقييده بالمباح.
ودعوى أنّ الهيئة إذا كانت مختصّة بغير المحرّم على ما هو المفروض(3) تكون مقيّدة لذلك الإطلاق؛
مدفوعة بأنّها غير صالحة لذلك وذلك لأنّ اختصاصها بالمباح إنّما هو من جهة عدم إمکان تعلّقها بالأعمّ لمكان المضادّة بين الطلبين(4) فهو يرجع إلى قصور فيها ومثل هذا لا يصلح أن يكون مقيّداً للإطلاق.
بيان ذلك أنّ القيود اللّاحقة للمأمور به على وجوه:
أحدها: ما يؤخذ فيه قبل لحوق الطلب مثل المكان والزمان ونحوهما.
ص: 457
ثانيها(1): ما يلحقه بعد ملاحظة لحوق الطلب كالامتثال.
ثالثها: ما يعرض بعروض نفس الطّلب.
لا إشکال فيما كان من قبيل الأوّل وأنّه يوجب التقييد.
وأمّا الثاني: فيكون مقيّداً للمطلوب لا لمتعلّق الأمر؛ إذ لا يعقل أن يكون القيد في حيّز الأمر على ما بيّن في محلّه.
وأمّا الثّالث: فلا يكون مقيّداً للمطلوب بل يبقى على إطلاقه وإن کان دائرة الطلب والأمر أضيق منه.(2)
والسرّ فيه أنّ المقيّد إنّما يكون مقيّداً إذا أمكن عدم التقييد فيه مثل قيد المؤمنة في الرّقبة وقيد الزّمان والمكان وأمّا إذا لم يمكن إلّا المقيّد فلا يكون مقيّداً وفي المقام لا يمكن أن يشمل الأمر لغير المباح فيكون اختصاصه به من باب ضيق المجال لا منباب إرادة المقيّد من حيث إنّه مقيّد من جهة عدم وجود المصلحة في المطلق، فإطلاق المادّة بعدُ بحاله فيدلّ على أنّ المطلوب مطلق الفعل وإن لم يتعلّق الطلب إلّا بالمباح منه.
وهكذا الحال بالنّسبة إلى فعل الغير فيكون الإسقاط في التوصّلي بمقتضى القاعدة وهذا بخلاف التعبّدي فإنّ المقصود فيه الامتثال ولا يحصل مع عدم الأمر.
وإن شئت فقل: إنّ المطلوب فيه الفعل مع القربة فمع عدم الأمر لا يكون المأتيّ به منطبقاً على المطلوب مع قطع النظر عن الطلب أیضاً، والتقريب المذكور لكون الفرد المحرّم مسقطاً للواجب بعينه يجري في الفعل المأتيّ به على وجه الغفلة أو النوم أو نحو(3) ذلك فإنّه وإن لم يتعلّق به الأمر لقصوره عن شمول الفعل المذكور لعدم كونه
ص: 458
مقدوراً وعدم إمکان تعلّق التکلیف به إلّا أنّ مقتضى إطلاق المادّة كفايته في مقام إسقاط الغرض وإسقاط المأمور به ولا يكون الاختصاص في الطّلب موجباً لتقييده(1)؛ لأنّه لا يمكن فيه التعميم فلا يكون صالحاً للتقييد.
قلت: لا يخفى ما فيه أمّا أوّلاً فلأنّه لا إطلاق في المادّة إلّا بقدر مفاد الهيئة؛ إذ لم تذكر إلّا معروضة لها(2) فلا وجه لدعوى إطلاقها مع كون الهيئة مقيّدة بغير المحرّم أو(3) بغير(4) المغفول عنه فعلى فرض تسليم(5) عدم صلاحيّتها للتقييد نقول: إنّه تقيید(6) قهري.
والحاصل: أنّ المادة في حدّ نفسها وإن كانت مطلقة إلّا أنّ المذكور في الکلام ليس إلّا بمقدار قابلية الهيئة فأين الإطلاق حتّى يتمسّك به أو يستكشف منهكون المصلحة في الأعمّ؟
وثانياً: نمنع أنّ شرط قابلية المقيّد للتقييد إمکان اعتباره مطلقاً.
ألا ترى أنّ قوله: «أعتق مؤمنة»، بعد قوله: «أعتق رقبة»، مقيّدٌ له قطعاً مع أنّه لايصلح لإرادة الإطلاق منه.
غاية ما في الباب أنّه كان يمكن أن يقول مكانه: «أعتق الرقبة أعمّ من المؤمنة وغيرها» أو لا يذكره ويقتصر على قوله: «أعتق رقبة» وفي المقام أیضاً يمكن أن يقول: «إنّى أريد الضرب الصادر منك سواء كان حراماً أو مباحاً أو ملتفتاً إلیه أو مغفولاً
ص: 459
عنه یعني أنّ کلّ ذلك وافٍ لغرضي». فإذا عدل عن ذلك وقال: «اضرب» والمفروض أنّه لا يشمل المحرّم ولا المغفول عنه فلا وجه للتمسّك بإطلاق الضرب بعد ذلك، وهذا واضح غايته.
وبالجملة فالمادّة تابعة للهيئة في الإطلاق والتقييد ولا يعقل التمسّك بإطلاقها مع عدم الإطلاق في الهيئة.
وثالثاً: أنّه على فرض تماميّته يجري في التعبّديات أیضاً لما عرفت.
نعم لا يجري بالنّسبة إلى الغفلة والنوم ونحوهما فيها لعدم تحقّق القصد مع الغفلة والمفروض(1) اعتباره فيها لكن بالنسبة إلى الحرمة لا فرق ويمكن قصد القربة من الوجوه الأخر غير قصد الأمر حسبما عرفت مراراً(2)، بل بالنسبة إلى الغفلة أیضاً يمكن إجراؤه في التعبّديات إذا كان الفعل مقصوداً بعنوانه الأوّلي ومغفولاً عنه بالعنوان الّذي يكون مأموراً به بناء على عدم اعتبار أزيد من قصد القربة والأمر في التعبّديات فيمكن أن يقصد القربة بالحركة الخاصّة إذا علم تعلّق الأمر بها مع الغفلة عن كونها داخلة تحت عنوان السجود مثلاً.
هذا وتمسّك المحقّق الأنصاري بإطلاق المادّة بالتقريب المذكور لكون الفعل المغفول عنه واجباً وإتیانه أداء للواجب لا إسقاطاً لكنّه خصّه بالمغفول عنه بالعنوانالّذي هو متعلّق للأمر بعد كونه بعنوانه الأوّلي اختيارياً.
قال على ما في بعض(3) تقريرات مقدّمة الواجب(4) ما ملخّصه وحاصله: أنّ
ص: 460
الفعل إذا كان غير مقصود بعنوانه الأوّلي أي بعنوان كونه حركة وسكوناً كالواقع في حال النوم فلا إشکال في عدم تعلّق الوجوب ولا الأمر به، فالإتیان به ليس أداءً وإن کان إسقاطاً وأمّا إذا كان اختيارياً بهذا العنوان ومغفولاً عنه بعنوانه الّذي تعلّق به الأمر فإن کان ممّا يكون القصد محقّقاً له بحيث لا يصدق أصل العنوان إلّا مع القصد كالتعظيم والتأديب فكذلك، وإلّا فإن کان من العبادات فكذلك؛ إذ مع اعتبار قصد القربة لا يمكن الإتیان به إلّا بقصد العنوان؛ إذ المعتبر التقرّب بالعنوان المأمور به وهو موقوف على القصد وإلّا فيكون الإتیان به أداءً للواجب ويتعلّق به الوجوب وإن لم يتعلّق به الأمر؛ وذلك لأنّه لا يعقل تعلّق الأمر والطلب به؛ لأنّه غير اختياري بهذا العنوان، لكن لا مانع من كونه واجباً واقعياً ومتعلّقاً للتکلیف الواقعي؛ إذ لا يشترط فيه العلم.
ولذا نقول بتکلیف الجهّال بالأحکام واقعاً وان لم يتنجّز في حقّهم، فالعلم شرط للتنجّز دون أصل الحكم.
ودعوى أنّ الجاهل الغافل غير قادر على إتیان المأمور به فكيف يكون مکلّفاً مع أنّ القدرة شرط أصل التکلیف؟!
مدفوعة بأنّ العجز المانع من التکلیف العجز عن الفعل من غير جهة الغفلة وأمّا العجز من هذه الجهة فليس بمانع فالمدار في القدرة على القدرة على فرض الالتفات إلى الفعل والأمر وهي حاصلة في المقام فثبت أنّه مکلّف بهذا الفعل في الواقع وهو واجب عليه ولكن ليس بمأمور به وليس متعلّقاً للطلب؛ إذ لا يمكن توجيه الطلب نحو الغافل بالنّسبة إلى الفعل المغفول عنه.
ولا ملازمة بين الوجوب والأمر؛ إذ قد يجتمعان كما في العالم الملتفت(1)، وقد
ص: 461
يكون الفعل مأموراً به ولا يكون(1) واجباً كما في التعبّديات حيث إنّ متعلّق الأمر ليسإلّا ما عدا القربة؛ إذ لا يمكن أن تقع(2) القربة في حيّز الأمر مع أنّ الواجب هو الفعل مع(3) قصد(4) القربة، وقد يكون واجباً ولا يكون مأموراً به كما في التوصّليات بالنسبة إلى الفعل المغفول عنه حيث إنّه واجب واقعي ولا يكون متعلّقاً للأمر.
وقد يمثّل لذلك أیضاً بما إذا وقع ولد المولى في البئر مع غفلته فإنّه يجب على العبد إخراجه وإن لم يأمر به المولى لغفلته، وإذا أمكن تعلّق الوجوب الواقعي بالفعل المغفول عنه نقول: إنّ إطلاق المادّة يدلّ عليه ولا يضرّ فيه تقيید(5) الطلب بالمقصود والاختياري؛ لأنّ تقيیده(6) ليس اختيارياً للآمر إلّا أنّه(7) لا يمكنه أن يأمر بالأعمّ من الاختياري وغيره؛ إذ لا يعقل تعلّق الطلب بالفعل المغفول عنه والقيد(8) إنّما يكون مقيّداً إذا أمكن إيراده على الوجهين أي على وجه التقييد وعلى وجه الإطلاق(9) بأن يكون أمره بيد الآمر.
وأمّا إذا لم يكن كذلك كما في المقام حيث إنّه لا يمكنه أن يعلّق الطلب على خصوص الاختياري بقيد أنّه اختياري ولا على الأعمّ منه بل لا بدّ له من تعليقه على
ص: 462
مطلق الفعل وإن لم يتعلّق هو من جهة قصوره إلّا بالاختياري فلا يصلح للتقييد، فيؤخذ بإطلاق المادّة ويحكم بأنّه مطلوب واقعي وإن لم يكن متعلّقاً للأمر فيكون الإتیان به أداءً للواجب بمقتضى القاعدة لا إسقاطاً.
ولا يخفى عليك أنّ لازم هذا البيان القول بأنّ الواجب التوصّلي يجتمع مع الحرام؛ وذلك لأنّ عدم إمکان تعلّق الأمر بالفرد المحرّم أیضاً إنّما هو من جهة قصور الطّلب وإلّا فيمكن أن يكون الفعل مشتملاً على المصلحة الموجبة ويكون واجباً واقعياًويكون إطلاق المادّة دليلاً عليه.
وقد تفطن بذلك وذكر أنّه فرق بين المقامين وهو أنّ المتراءى(1) من الأوامر هو تقييد العنوان أوّلاً بغير المحرّم ثمّ إيراد الطلب عليه لا أن يكون خروج الفرد المحرّم بواسطة عدم تعلّق عروض الطلب إلّا للمباح.
فالظّاهر أنّ الأمور الرّاجعة إلى تصرّف الآمر على وجه لو لم نقل بذلك التصرّف يلزم نسبة القبيح إلیه كإرادة الفرد المحرّم من المأمور به معتبرة فيه مع قطع النظر عن لحوق الأمر لأن لا يلزم(2) اجتماع الإرادة والكراهة.
وأمّا الأمور الّتي لا مدخل لإرادة الآمر فيها مثل العجز والجهل فالظّاهر أنّ اختصاص المطلوب بغيرها إنّما هو بواسطة امتناع تعلّق الطلب من جهة قصوره، فالقياس فاسد.
ودعوى أنّه يجوز تعلّق الطلب بالقدر المشترك بين المحرّم والمحلّل؛ إذ القبيح إنّما يتأتّى بملاحظة خصوص الفرد المحرّم وبطلان الخاصّ من حيث الخصوصيّة لا يستلزم بطلان العامّ من حيث إنّه عامّ؛
مدفوعة بأنّه إن أريد بذلك التسرية إلى الفرد المحرّم فغير سديد، وإلّا فغير
ص: 463
مفيد.(1)
أقول: الإنصاف عدم الفرق بين المقامين(2)؛ إذ اجتماع الإرادة والكراهة مُحال ذاتاً(3) بناءً على مذهب المانعين فلا يجوز تعلّق الأمر بالمحرّم كعدم جواز تعلّقه بغير المقدور بل هو غير مقدور شرعاً مضافاً إلى عدم إمکان مجي ء الأمر من حيث هو، فمقتضى ما ذكره من انحصار صلاحيّة التقييد فيما لم يكن من جهة قصور الطلب،(4)متحقّق في المقام والفرق الّذي ذكره غير فارق؛ إذ يمكن أن يقال بالنسبة إلى الفعل(5) المغفول عنه أیضاً: إنّ الآمر يلاحظ قبل تعلّق الطلب الأفراد المقدورة ويعلّق(6) الطلب عليها.
ودعوى أنّ ما ذكره من الفرق وإن کان غير تامّ إلّا أنّه يمكن الفرق بوجه آخر وهو أنّ الأمر بالمباح بمعنى اختيار الفرد المباح معقول ولكنّ الأمر بالفعل الاختياري غير معقول؛ إذ لا يمكن أن يكون قيد الاختياريّة في حيّز الأمر؛ إذ مع الالتفات لا يمكنه إيجاد الفعل لا عن قصد ومع الغفلة لا يمكنه إيجاد الفعل عن قصد فالفعل المغفول عنه في حدّ نفسه غير مقدور بخلاف الإتیان بالفرد المحرّم فإنّه في حدّ نفسه مقدور، غاية الأمر عدم إمکان تعلّق الأمر به؛
مدفوعة بأنّ مجرّد هذا لا يكون فارقاً؛ لأنّ المراد من التقييد بالاختياري ليس
ص: 464
بحيث يكون قيد الاختيار معروضاً للطلب بأن يجب على المکلّف إيجاده، بل معناه أنّ الفعل الغير الاختياري غير مطلوب وأنّه يجب عليه إيجاد الفعل عن قصد وأن لايكتفي بالفعل الغير الاختياري إذا فرض صدوره منه.
وبعبارة أخری: كما يمكن إيجاد الفرد المباح كذا يمكن إيجاد الفعل عن قصد، غاية الأمر أنّه في حال الالتفات لا يمكنه الفعل إلّا معه وهذا لا يوجب أن لا يتعلّق به التکلیف لكفاية المقدوريّة من حيث أصل الإيجاد وعدمه ولا يلزم أن يكون القيد في حدّ نفسه قابلاً للإتیان والترك على فرض الإتیان بالمقيّد فلا يضرّ كونه مضطرّاً إلى القصد إذا أراد الفعل في كون الفعل المقيّد بالاختيار مطلوباً.
والحاصل: أنّه یکفي في اختياريّة القصد اختياريّة الفعل المقصود بمعنى أنّه يمكنه أن يفعل عن قصد وأن يترك الفعل، فعلى هذا لا فرق(1) بين المقامين أصلاً.
فإن قلت: هنا فرق آخر وهو أنّ في الغافل يتصوّر التکلیف الواقعي وفي الفرد المحرّم لا يتصوّر ذلك؛ لأنّه إذا وجب واقعاً والمفروض العلم به فيلزم كونه فعلياًومأموراً به؛ لأنّا لا نعني بالمأمور به إلّا ما وجب واقعاً وتعلّق به علم المکلّف.
وهذا بخلاف الغافل فإنّه بغفلته لا يتحقّق في حقّه الأمر والطلب الفعلي فالثّبوت الواقعي في العالم يلازم كونه مأموراً به والمفروض عدم جواز الأمر بالمحرّم وفي الغافل ليس كذلك.
قلت: أوّلاً: إنّه يمكن أن يكون في الواقع ذا مصلحة موجبة وإن لم يكن واجباً واقعياً فيلزم أن يكون مسقطاً مع أنّه لا يلتزم بكونه مسقطاً أیضاً بمقتضى الإطلاق بل يخصّ الإسقاط(2) أیضاً بالغافل.
وثانياً: إنّا نقول: إنّ الوجوب الواقعي إذا علم به يلازم كونه مأموراً به إذا لم
ص: 465
يكن مانع من توجّه الأمر، والنهي الفعلي على ما هو المفروض مانع عنه فيمكن كونه واجباً مع عدم كونه مأموراً به وإن علم بالوجوب بناءً على الفرق بين الوجوب والمأموريّة على ما هو مذهبه.(1)
ثمّ أقول: يرد على ما ذكره - مضافاً إلى النقض المذكور وإلى النقض بإتیانالغير فإنّه يقول: إنّ مقتضى الأوامر وجوب المباشرة مع أنّ لازم ما ذكره كفاية فعل الغير أیضاً لإطلاق المادة، والهيئة غير صالحة للتقييد بعين ما ذكر؛ لأنّه لا يمكن تکلیف الشخص بإيجاد فعل الغير إلّا أن يرجع الأمر إلى تحصيل الفعل في الخارج فالأمر بأصل الفعل كالضّرب والغسل ونحوهما لا يمكن تعميمه إلى فعل الغير بل هو اختصاص قهري كما في قيد الاختياريّة - وجوه من الإيراد:
ص: 466
أحدها: أنّه لا معنى للتفكيك بين الوجوب والأمر فإنّ الوجوب الّذي هو عين الإيجاب ولا تغاير بينهما إلّا بالاعتبار لا يمكن أن ينفكّ في الأمر، غاية الأمر أنّه قد يكون واصلاً إلى المکلّف وقد لا يكون وإذا فرض أنّ الوجوب الواقعي يتعلّق بالفعل المغفول عنه فيكون مأموراً به بالأمر الواقعي وظاهر الخطابات ليس إلّا إثبات ذلك الوجوب، فقوله: «اضرب» إظهار لما هو موجود في الواقع في قلب المولى ولا يتفاوت الحال في المعنى المُنْشَأ(1) به أن يصل إلى المکلّف أو(2) لا.
فكما يتعلّق الوجوب الواقعي بالفعل المفروض يتعلّق به الطّلب والأمر فيمكن التمسّك بإطلاق الأمر حینئذٍ ولا حاجة إلى دعوى إطلاق المادّة.
نعم في الحقيقة التمسّك إنّما هو بإطلاق المادّة لكن بلحاظ تعلّق الأمر بها وإذا فرض عدم إمکان توجيه قوله: «اضرب» إلى الغافل بدعوى أنّ مفاد «اضرب» هو الطّلب الواصل إلى المکلّف فهو مع أنّه في غاية المنع يلزم عدم إمکان كونه مکلّفاً في الواقع أیضاً.
إلّا إذا قلنا: إنّ المراد بالوجوب الواقعي هو الاشتمال على المصلحة ومجرّد المحبوبيّة الذاتيّة وليس من مقولة الطّلب والتکلیف وهو باطل بداهة أنّ الفعل الغير المقدور أصلاً أیضاً يمكن أن يكون مشتملاً على المصلحة ولا يقال: إنّه واجب واقعي.
وبالجملة التکلیف والطلب ليس إلّا إنشاء إرادة الفعل والترك وهذا المعنى إنوصل إلى المکلّف بأيّ نحو كان من دلالة العقل أو اللّفظ بالجملة الخبريّة أو الإنشائيّة أو الإجماع أو بالكشف النفساني يقال له التکلیف الفعلي المنجّز ويكون في موافقته
ص: 467
ومخالفته الثواب والعقاب وإن لم يصل إلیه يقال له التکلیف الواقعي ولا يتفاوت حاله في الصورتين حتّى يصحّ على(1) إحداهما تعلّقه بالفعل المغفول عنه ولا يصحّ على الأخرى.
ومفاد الأوامر ليس إلّا هذا المعنى ولم يشترط في وضعها الوصول إلى المکلّف حتّى يكون إطلاق قوله «اضرب» لمن لا يسمع مجازاً.
وأمّا ما ذكر من المثال للتفكيك بين الوجوب والأمر؛
ففيه: أنّه كما لا أمر للمولى الغافل بالنّسبة إلیه فكذا لا وجوب عليه من قبله فليس وجوب إخراج الولد وجوباً مولوياً حتّى يكون من موارد التفكيك بل الوجوب فيه عقلي والأمر العقلي أیضاً موجود ويصحّ العقاب على مخالفته وإن لم يكن مولوياً، فلم يلزم التفكيك.
ودعوى أنّ مقتضى الملازمة كونه مولوياً أیضاً؛
مدفوعة بأنّ هذه القاعدة إنّما هي في الأحکام الشرعیّة لا في کلّي أحكام الموالي والعبيد وفي الأحکام الشرعیّة إذا فرض عدم الأمر الشرعي في مثل هذا المورد فبحكم العقل يكون مأموراً به كما أنّه يكون واجباً بحكمه.
نعم لو جعل الوجوب عبارة عن مجرّد المحبّة التقديريّة والأمر التقديري الموجود في نفس المولى على فرض الالتفات إلى الولد والبئر والوقوع فيها صحّ أن يقال: إنّ الوجوب موجود، لكن مع ذلك نقول: الأمر أیضاً موجود؛ إذ العقل بعد كشفه عن هذا الوجوب يكون كاشفاً عن الأمر أو محقّقاً له كما في سائر(2) المستقلّات العقليّة بعد قاعدة الملازمة.
ص: 468
ثانيها: ما ذكرنا آنفاً من منع الإطلاق على فرض قصور الطّلب؛ إذ المادّةالمعروضة لهذه الهیئة لا إطلاق لها إلّا بمقدارها فهذه الهيئة نظير الصور اللاحقة للهيولى لا يمكن أن تكون مقيّدة مع كونها مطلقة.
نعم المعروض(1) مع قطع النظر عن العروض مطلق یعني أنّ الطلب ورد على مطلق الضرب لكنّ الکلام في مقدار ما صار مذكوراً في الکلام وهو ليس إلّا ما يكون مشمولاً لهذه الهيئة بمقتضى مفادها.
ثالثها: ما ذكرنا أیضاً من أنّه على فرض الإطلاق لا(2) مانع من كون تقيید الهيئة تقييداً قهرياً له بل اختيارياً أیضاً حيث إنّه لا يشترط فيه الشرط المذكور.
مع أنّ الکلام في التقييد الوضعي من جهة احتمال كون المصلحة خاصّة بالفعل الاختياري وعدم اختصاصها به، ويمكن إطلاق المادّة وتقييدها من هذه الحيثيّة والقيد قابل لکلا الأمرين وإن لم يكونا قابلين للتقييد والإطلاق من حيث التکلیف، فيجوز أن يكون المطلوب الفعل الأعمّ من الاختياري والاضطراري أو خصوص الاختياري لا بأن يعرض الوجوب لهذا المطلق بما هو مطلق أو للمقيّد بما هو مقيّد، بل بأن يكون نظيرعروض الوجوب للصّلاة(3) المقيّدة بعدم الحدث ولو كان قهرياً أو للمطلق أعمّ من المقرون بالحدث القهري وعدمه فإنّ التقييد بعدم الحدث القهري لا يكون من التقييد التکلیفي؛ إذ لا يمكن النهي عن الحدث القهري.
ص: 469
رابعها: أنّ من شرط التمسّك بالإطلاق كونه بحيث لو أريد المقيّد ولم يبيّن لزم الإغراء بالجهل ومع ضيق دائرة الطّلب لا يكون كذلك فلا يلزم من عدم ذكر القيد على فرض إرادته إغراء بالجهل فلا يجوز التمسّك بهذا الإطلاق.
خامسها: ما قد يقال من منع كون الفعل الاضطراري واجباً واقعياً؛ لأنّ الأحکام تابعة للحسن والقبح والمتّصف بهما الأفعال الاختيارية فإرادة المطلق من حيث الواقع معلوم العدم.
ويمكن أن يجاب عن هذا بأنّ الحسن والقبح الفاعليّين وإن اختصّا بالأفعال الاختياريّة إلّا أنّ الأحکام ليست تابعة لهما بل للحسن والقبح الموجودين في الفعل في حدّ نفسه ولا علم بانتفائهما في الفعل المغفول عنه فيجوز التمسّك بالإطلاق على فرض صحّته من غير هذا الوجه.
سادسها: لا اختصاص لما ذكره بالتوصّليّات بل يجرى في التعبّديّات أیضاً؛ إذ يمكن قصد القربة والامتثال مع الغفلة عن عنوان المأمور به حسبما أشرنا إلیه(1) سابقاً.
سابعها: إذا تمّ ما ذكره فلا اختصاص له بما إذا كان الفعل اختياريّاً بعنوانه الأوّلى بل يجري في المغفول عنه بجميع(2) عناوينه كفعل الغافل المحض والنائم بعد فرض استناده إلى المکلّف كما هو كذلك؛ إذ من المعلوم أنّه يقال للنائم: إنّه ضرب أو
ص: 470
شرب الماء، وكذا في الغافل.
نعم لو أخذ يده غيره وضرب على شي ء لا يقال: إنّه ضرب، وهو خارج عمّا نحن فيه.
وبالجملة بعد فرض إسناد(1) الفعل إلیه لا فرق بين القسمين؛ إذ عدم القدرة من حيث الغفلة وعدم كونه اختياريّاً مشترك الورود، ومجرّد كونه اختياريّاً بعنوان أنّه حركة أو سكون لا يجدي بعد كون المأمور به العنوان الخاصّ المغفول عنه.
فإن قلت: المتبادر من الأوامر الأفعال المقصودة.قلت: هو ممنوع(2) وعلى فرضه فلا بدّ أن يكون المقصود عنوان المأمور به لا الحركة والسّكون.
فلو قال: «اضرب»، يجب أن يكون المقصود هو(3) الضّرب بناء على التبادر المذكور فلا يشمل ما إذا حرّك يده اختياراً لا بقصد الضرب فاتّفق أنّه كان في مقابلها شخص وقعت عليه وصار ضرباً. وهذا واضح.
فتحصّل أنّه لا فرق في عدم جواز الاجتماع بناء على القول به بين التعبّديّات والتوصّليّات وإنّ(4) کلّاً منهما قابل للإسقاط دون الأداء ولا دلالة في الأوامر على الإسقاط في شي ء منهما.
نعم قد يدّعى الإجماع على أنّ کلّ ما ثبت(5) كونه توصّليّاً فالمقصود منه مجرّد
ص: 471
الوجود في الخارج فيسقط بالفرد المحرّم.
هذا في مطلق التوصّلي وأمّا خصوص الغيري منه فيمكن دعوى العلم بالإسقاط من غير الإجماع أیضاً؛ لأنّه إذا كان الغرض منه الوصول إلى الغير فمعلوم حصوله بالحرام أیضاً.
ولعلّه لذا خصّ صاحب المعالم(1) القول بالاجتماع به حسبما ذكرنا فيكون مراده من الاجتماع كون المحرّم كافياً ومسقطاً في هذا القسم من التوصّل(2) بحسب القاعدة دون التعبّدي وسائر التوصّليات النفسيّة فإنّ الإسقاط فيها يحتاج إلى دليل من خارج.
اجتماع الأمر النفسي مع النهي الغيري مع أنّهما من المانعين، لكنّ الأوّل بنى ذلك على مسألة الترتّب والثاني على المقدّمة المُوصلة.
وحاصل ما ذكره الأوّل في بيان مرامه(1): أنّه إذا كان هناك(2) واجبان متزاحمان أو مندوبان أو واجب ومندوب كذلك وكان أحد الواجبين أو المندوبين أهمّ من الآخر سواء كان ذلك من جهة ضيقه وسعة الآخر أو من غير هذه الجهة فلا إشکال في أنّه يجب على المکلّف في الرتبة الأولى الإتیان بالأهمّ في المثالين الأوّلين وبالواجب في الثالث؛ لأنّه أهمّ من المندوب، لكن لو عصى وأتى بغير الأهمّ يصحّ عمله ويكون مأموراً به؛ إذ يجوز الأمر به على فرض عصيان أمر الأهمّ؛
إذ المانع المتصوّر أحد أمور:
الأوّل(3): لزوم التکلیف بما لا يطاق والأمر بالضدّين في زمان واحد؛ إذ المفروض أنّه لا يسقط الأمر عن الأهمّ بالبناء على العصيان.
الثّاني: لزوم الأمر بفعل الأهّم والأمر بتركه في زمان واحد.
وإن شئت فقل: اجتماع الأمر والنهي فيه؛ إذ المفروض أنّ تركه مقدّمة للإتیان بغير الأهمّ وإذا فرض وجوبه لحصول شرطه وهو البناء على العصيان فيجب ترك ضدّه وهو الأهم، ووجوبه وإن لم يكن في عرض وجوب الأهمّ إلّا أنّ المفروض أنّ
ص: 473
الأهمّ واجب مطلقاً فيلزم فيه ما ذكر؛ إذ هو واجب نفسي وحرام مقدّمي.
الثّالث: لزوم ما ذكر في غير الأهمّ فيجب فعله على فرض العصيان وتركه؛ لأنّه مقدّمة لفعل الأهمّ الواجب في هذا الحال أیضاً.
وجميع هذا الأمور مدفوعة:
أمّا الأوّل: فلأنّه إنّما يلزم إذا كان التکلیفان في مرتبة واحدة، أمّا لو كانا مترتّبين فلا مانع منه؛ إذ مطلوب الآمر أوّلاً هو الإتیان بالأهمّ وإذا أتى به المکلّف فقدبرء من(1) التکلیف والعقاب وعلى فرض عصيانه يجي ء التکلیف الآخر فلم يؤمر في زمان واحد بالجمع بين الضدّين.
والحاصل: أنّه لا مانع من التکلیفين المذكورين من حيث الإلزام من قبل الشارع؛ لأنّهما مترتّبان، ولا من حيث ملاحظة حال المکلّف؛ إذ هو في سعة منهما لإمکان رفع الشغل عن نفسه بالإتیان بالأهمّ، ولا من حيث اجتماع(2) الحسن والقبح لجواز اجتماع الحسن الذاتي والقبح الغيري وبالإضافة إلى الغير(3).(4)
وأمّا الثاني: فلأنّ فعل الأهمّ وإن کان واجباً في جميع المراتب إلّا أنّ تركه لا يجب وإن کان مقدّمة للإتیان بغير الأهمّ؛ إذ هو(5) شرط لوجوبه(6) ووجوبه إنّما يثبت على تقديره، وقد تقرّر في محلّه عدم وجوب المقدّمات الوجوبيّة وإن كانت وجوديّة
ص: 474
أیضاً.(1)
ودعوى أنّ الشرط وهو العصيان إنّما يحصل بعد مضيّ الوقت فكيف يكون غير الأهّم واجباً ولم يحصل شرطه؟!
مدفوعة بأنّ ذلك من الشرط المتأخّر نظير إجازة الفضولي فإذا علم من الأوّل أنّه يحصل العصيان بعد ذلك يجب عليه الإتیان بغير الأهمّ ولا يجب هذا الترك وهذا العصيان فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي في الأهمّ.(2)
وأمّا الثّالث: فلأنّ الممنوع(3) من اجتماع الأمر والنهي والأمر بالفعل والترك إنّما هو إذا كانا في مرتبة واحدة، وأمّا إذا كان أحدهما مترتّباً على الآخر فلا مانع منه.وفي المقام الأمر مترتّب على النهي؛ لأنّه مترتّب على عصيان الأهمّ بترك مقدّمته وهي ترك الضدّ الّذي هو غير الأهمّ فالأمر بغير الأهمّ لمّا كان مترتّباً على ترك الأهمّ فيكون مترتّباً على ترك مقدّمته أیضاً فيكون الأمر به متأخّراً عن النهي عنه من حيث تأخّره عن الأمر بالأهمّ الّذي هو في معنى تأخّره عن الأمر بترك ضدّه الّذي في معنى النهي عن فعل ذلك الضدّ وهو غير الأهمّ.
ودعوى أنّ حاصل ذلك أنّه مأمور بغير الأهمّ على فرض الإتیان به؛ لأنّ الأمر به إذا كان مترتّباً على مخالفة نهيه فهو راجع إلى ذلك؛
مدفوعة بأنّه مترتّب على الأعمّ من ذلك؛ لأنّه مأمور به بشرط عدم تركه الموصل إلى الأهمّ وهذا يتصوّر على وجهين:
أحدهما: أن لا يتركه أصلاً؛
الثاني: أن يتركه ولا يأتي بالأهمّ أیضاً ولا مانع من ترتّب وجوب الأخصّ على
ص: 475
البناء على إيجاد الأعمّ.
فإن قلت: غاية ما ذكرت جواز مثل هذا التکلیف لكن يحتاج إلى دليل من خارج فلا يترتّب عليه ثمرة؛ إذ المقصود منه تصحيح العمل وبمجرّد ذلك لا يصحّ؛ إذ المفروض عدم الدليل على هذا التکلیف وهذا الترتيب.
قلت: يكفيه الإطلاقات فإنّها وإن قيّدت بحكم العقل في الرّتبة الأولى لكن لمّا كان المانع من العمل بها لزوم التکلیف بالمحال أو اجتماع الأمر والنهي والمفروض عدم مانعيّتهما على الوجه المذكور فيؤخذ بها.
وبعبارة أخری: المقتضي لکلّ من التکلیفين موجود والمانع عقلي يقتصر فيه على القدر المتيقّن، ولمّا كان الوجه في رفع اليد عن ذلك المقتضي مشغوليّة الزمان بالضدّ وعدم خلوّه للضدّ الآخر فلو فرض خلوّ الزمان فلا وجه لرفع اليد عنه.(1)
أقول: أمّا ما ذكره في دفع الإشکال الأوّل(2) فلا وجه له؛ إذ لا(3) فرق في قبحالتکلیف بما لا يطاق بين أن يكون التکلیفان(4) مطلقين أو أحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً بشرط حاصل؛ إذ بعد حصوله يلزم الأمر بالضدّين في زمان واحد.
ولا ينوط استحالته بأن يكون المأمور به عنوان الجمع بينهما حتّى يقال: لم يأمر بذلك بل الأمر بکلّ منهما كافٍ في ذلك كما هو المفروض، فما لم يسقط التکلیف الأوّل لا يصحّ الأمر بالثّاني، ومجرّد كون المکلّف في سعة لا يصحّح التکلیف على الوجه
ص: 476
المذكور وإلّا فيلزم جواز الأمر بالضدّين على وجه الندب فيهما أو(1) في أحدهما.
والحاصل: أنّ التکلیف الثاني وإن لم يكن في مرتبة الأوّل إلّا أنّ(2) كون الأوّل في جميع المراتب يوجب عود المحذور.
وأمّا ما ذكره في دفع الإشکال الثاني فهو صحيح لكن قد يورد عليه أیضاً بأنّه مبنيّ على الشرط المتأخّر وهو باطل.
وأیضاً لا معنى لكون شي ء واحد مقدّمة للوجود والوجوب معاً، وعلى فرض جوازه فيلزم كونه واجباً بوجوب ذي المقدّمة وما لا يكون واجباً من مقدّمات الوجوب هو ما يكون من الشّرائط المتقدّمة كطيّ المسافة بالنّسبة إلى الحجّ فإذا فرض وجوب الحجّ على فرض طيّ المسافة فلا يكون واجباً؛ لأنّه بعد إتیانه يجب الحجّ ولا يعقل الأمر به بعد ذلك.
وأمّا الشّرط المتأخّر فيمكن إيجابه بعد وجوب المشروط كما هو المفروض فيلزم الاجتماع بين الأمر والنّهي بالنّسبة إلى الأهمّ أیضاً.
قلت: لا وجه لشي ء من الإيرادين.
أمّا الأوّل: فلما بيّن في محلّه من تعقّل ذلك ويكفيك في ذلك أنّه لولاه لم يعقل التکلیف بالواجبات المتدرّجة طول الزمان المحدود مثل الصّوم والصّلاةونحوهما فإنّه في أوّل الفجر لم يوجد شرط التکلیف وهو الحياة(3) إلى آخر اليوم وليس له القدرة على إتیان الصّوم فعلاً والإمساك في الآن الأوّل ليس صوماً قطعاً فلا يعقل التکلیف بالصّوم إلّاعلى تصوير الشّرط المتأخّر بأن يقال: يجب عليه الصوم من أوّل الفجر إذا
ص: 477
كان واجداً للشّرط وهو القدرة والحياة(1) إلى آخر اليوم فلو بقي على ذلك كشف عن وجوبه ولو مات أو عجز كشف عن عدم الوجوب.
ودعوى أنّ الشرط هو وجود الحياة(2) والقدرة في أوّل الوقت وإذا عجز أو مات يسقط عنه(3) التکلیف، كما ترى؛ إذ لا معنى بالأمر بالصّوم الّذي هو الإمساك طول النهار مع أنّه يموت في الأثناء.
وأمّا الثاني: فلأنّه لا يعقل أن يجب المقدّمة الوجوبيّة وإن كانت متأخّرة؛ لأنّه إذا قال: «إن كنت تاركاً للإزالة من الآن إلى ساعة فصلّ»، لا يعقل أن يقول: «اترك الإزالة»؛ إذ يرجع حاصله إلى قوله: «اترك الإزالة على فرض تركه»، ولا معنى له.
نعم لو قلنا: إنّ الشرط في الحقيقة هو البناء على الترك أو كونه بحيث يترك، كان الأمر كما ذكر لكنّه على هذا الفرض يخرج عن الشرط المتأخّر وعن فرض کلام المحقّق المذكور؛ لأنّه صرّح بأنّ الشرط هو نفس الترك وإخلاء الزّمان في الواقع وأنّه يجب عليه إذا علم من نفسه ذلك أن ياتي بالضدّ الآخر.
وأمّا ادّعاء عدم جواز كون شي ء واحد مقدّمة للوجوب والوجود فممّا لا محصّل له كما لا يخفى.
وأمّا ما ذكره في دفع الإشکال الثالث فلا وجه له أیضاً؛ إذ الترتّب المذكور لايصحّح اجتماع المتضادّين وإن أغمضنا عن استحالة طلب الضدّين؛ إذ اجتماع الإرادة والكراهة لا يجوز بناء على مذهب المانعين.
مع أنّ الترتّب بين الأمر والنهي ممنوع؛ إذ غاية الأمر الترتّب بين الأمر بغير
ص: 478
الأهمّ والأمر بالأهمّ وبين الأوّل والأمر(1) بترك ضدّ الأهّم من حيث الإيصال إلیه.
لكن هذا ليس ترتّباً بين الأمر بغير الأهمّ والنهي عنه وإلّا لزم ما ذكر من كون الأمر به على فرض مخالفة نهيه بإتیانه.
فالترتّب إنّما ينفع على فرض تسليم نفعه إذا كان بين الأمر والنهي لا إذا كان بين الأمر والأمر بالضدّ الآخر أو الأمر بالأعمّ من ذلك النهي حسبما أجاب عن الإيراد. فتدبّر.
هذا وحكي عن المحقّق الأنصاري (قدس سره) دفع الإشکال الثاني بوجه آخر - بعد الإيراد على الدفع بالوجه المذكور بما ذكر من عدم معقوليّة الشّرط المتأخّر ومن أنّه لا ينفع كونه مقدّمة للوجوب في عدم وجوبه بعد كونه مقدّمة للوجود أیضاً -:
وهو أنّ تعلّق الطّلب بشي ء إنّما يكون بواسطة حثّ المطلوب منه على ذلك الشي ء وعلى تقدير علم الطالب بأنّه لا مَحالة يأتي بذلك الشي ء فلا وجه لطلبه لكونه لغواً إلّا إذا كان المقصود من الأمر التعبّد كما في العبادات ففي غيرها لا يعقل الطلب إلّا مع عدم عزم المکلّف وبنائه على الإتیان بذلك المطلوب؛ لأنّ المفروض أنّ المقصود مجرّد وجوده في الخارج وهو حاصل مع البناء المذكور وإن لم يأمر به.
مع أنّه من طلب الحاصل وهو مُحال.
وإذا كان الأمر كذلك فنقول: إنّ المکلّف إذا كان بانياً على ترك الأهمّ فلا يکلّفه الشارع بهذا الترك وإن کان مقدّمة للإتیان بغير الأهمّ فلا يلزم في الأهمّ اجتماع الأمر والنهي.(2)
ص: 479
قلت: لا يخفى ما في هذا الوجه؛ إذ بمجرّد إتیان المکلّف بالمطلوب لا يلزم رفع اليد عن الطلب خصوصاً في المقدّمات حيث إنّ الأمر بها لا يحتاج إلى إنشاءمستقلّ في خصوص المقدّمات(1) حتّى يلزم اللّغويّة.
مع أنّه لا معنى للطلب إلّا إرادة الآمر لذلك الشي ء من المکلّف، فمع العلم بأنّه(2) مراده ومحبوبه لا يمكن نفي المطلوبیّة عنه.
مضافاً إلى أنّ الفائدة في الطلب إمکان قصد الامتثال والتقرّب نظير التعبّديّات، غاية الأمر أنّها لا تصحّ إلّا مع القصد المذكور بخلاف التوصّليّات فإمکان التعبّد والتقرّب یکفي في الخروج عن اللّغويّة.
هذا مع أنّه على ما ذكره يمكن نفي الحاجة إلى الطلب في التعبّديّات أیضاً إذا كان المکلّف بانياً على الإتیان؛ إذ يمكن إرشاده إلى أنّه لا يصحّ العمل إلّا مع قصد التقرّب وهو غير موقوف على قصد الأمر بل یکفي فيه قصد موافقته(3) غرض المولى حسبما عرفت مراراً.
وأمّا دعوى أنّ الطلب مع البناء المذكور من طلب الحاصل المُحال؛
فمدفوعة بأنّ المفروض أنّ المطلوب لم يحصل بعدُ ومجرّد بناء المکلّف على إتیانه لا يوجب كون الأمر به من تحصيل الحاصل.
فتحصيل الحاصل المحال هو ما إذا وجد في الخارج وأمّا إذا لم يوجد فلا.
هذا کلّه مضافاً إلى أنّ لازم ما ذكره عدم تعلّق الطلب بالتوصّليات أصلاً؛ إذ مع البناء على العدم والعصيان أیضاً يكون الطلب لغواً أو محالاً؛ لأنّه من تحصيل
ص: 480
الممتنع فيلزم عدم كون العُصاة مکلّفين أصلاً، بل في التعبّديّات أیضاً مع فرض العصيان يلزم ما ذكر.
ودعوى أنّ ثمرة التکلیف بالنسبة إلى العُصاة العقاب؛
مدفوعة بأنّه يمكن أن يقال: الثمرة مع البناء على الإتیان أیضاً الثواب إذا قصد الأمر.
ولما ذكرنا من كون اللازم عدم تکلیف العُصاة التزم به سيّد تلامذته السيد المحقّق الأستاد(1) دام ظلّه العالي وأجاب به عن الإشکال الأوّل أیضاً وهو لزوم الأمر بالضدّين فقال: إذا كان المکلّف بانياً على عصيان الأهمّ فلا يكون مکلّفاً بالإتیان به إلّا صورة وإلّا ففي الحقيقة لا يعقل البعث فلا يلزم تعلّق الطلبين الحقيقيين بالمکلّف.
قلت: ومنه يمكن دفع الإشکال الثالث أیضاً؛ إذ مع البناء على عصيان الأهمّ لايؤمر بترك غير الأهمّ من باب المقدّمة فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي في غير الأهمّ
ص: 481
أیضاً.
وأنت خبير بما في هذه الکلمات.
والتّحقیق أنّ التکلیف یتعلّق(1) بالبانين على الإتیان والبانين على العصيان ولا مانع منه من اللّغويّة والمُحاليّة وإلّا لزم جواز(2) اجتماع(3) الأمر والنهي(4) في جميع المقامات؛ إذ مع البناء على الإتیان بالفرد المجمع لا يكون مکلّفاً بالترك حتّى يلزم اجتماع(5) الأمروالنهي(6) مع أنّهم لا يلتزمون بذلك.
وممّا ذكرنا ظهر ما في کلام بعض الأفاضل(7) من تلامذة المحقّق المذكور من
ص: 482
الفرق بين الواجبات التوصّليّة النفسيّة والغيريّة المقدّميّة وأنّ الأولى لا يتعلّق بها الطلب مع البناء على الإتیان لمكان اللّغويّة دون الثانيّة لعدم الحاجة إلى إنشاء مستقلّ فيها وإنّما وجوبها يكون تابعاً لوجوب ذيها فلا يلزم اللّغويّة فيها.
وذلك لما عرفت من أنّ المانع ليس منحصراً في اللّغويّة بل هي مع كون الطلب من تحصيل الحاصل المُحال ولا فرق فيه بين النفسيّات والغيريّات.
مع أنّ الأمر في النفسيّات أیضاً قد يكون في ضمن عموم يشمل هذا الشخص وغيره فإدخاله في العموم لا يحتاج إلى مؤونة(1) إنشاء مستقلّ فلا فرق.
هذا مضافاً إلى ما عرفت من عدم تماميّة أصل المطلب.
ثمّ إنّه يرد على القول بالترتّب أنّه لو تمّ فيجري في الحرام النفسي أیضاً؛ إذ يجوز على هذا أن يقول: «لا تكن في الدّار المغصوبة ولو كنت وعصيت نهيي فصلّ»، فيلزم اجتماع(2) الأمر والنهي النفسيين أیضاً على سبيل الترتّب ولو كان متعلّق الأمرمنحصراً في الفرد المحرّم بأن لا يكون له مكان مباح.
مع أنّ القائل بجواز الاجتماع لا يقول به في المقام حيث إنّه يخصّه بما إذا كان للمکلّف مندوحة.
ومن العجب أنّ القائل بالترتّب لا يقول بجواز الاجتماع مع المندوحة وقد عرفت أنّ لازمه(3) جوازه مع عدمها.
ص: 483
فإن قلت: إنّ الوجه في تخصيصه بالحرام الغيري أنّه لا يعقل اجتماع المفسدة النفسيّة والمصلحة كذلك في شي ء واحد وفي الحرام الغيري لا يكون مفسدة وإنّما نهي عنه توصّلاً إلى واجب آخر وإلّا فهو تامّ المصلحة بالفرض.
قلت: إنّ المانع من جواز الاجتماع هو عدم إمکان اجتماع الطّلبين وإذا أمكن ذلك من جهة الترتّب واندفع الممانعة بذلك فلا فرق؛ إذ يمكن أن يكون في فعل الصّلاة(1) مصلحة تامّة عامّة وإنّما منع عن الأمر بها تعلّق غرض الآمر بترك الغصب فإذا فرض أنّ المکلّف يرتكبه(2) بالعصيان فيمكن أن يؤمر بها على هذا الفرض ويشملها الإطلاقات بعين ما ذكر في الغيري.
وأمّا ما ذكر من عدم اجتماع المصلحة والمفسدة؛
ففيه ما عرفت سابقاً من أنّه لا مانع منه إذا كان من الجهتين.
ويرد على القول المذكور أیضاً أنّ التمسّك بالإطلاقات لتصحيح العمل بعد فرض جواز التکلیف المذكور ممّا لا وجه له؛ إذ المفروض أنّها قد قيّدت بحكم العقل في الرّتبة الأولى فلا وجه للعمل بها بعد ذلك.
فلو كان قوله: «صلّ» مقيّداً بقوله: «أزل النّجاسة» بحكم العقل وصار محصله أنّه يجب الصّلاة(3) إلّا إذا كان هناك تکلیف بإزالة النجاسة فلا يمكن أن يتمسّك به ثانياً ويقال: «وإن لم تزل النجاسة فصلّ»؛ إذ لم يذكر إلّا مرّة واحدة وقد قيّد بالقيد المذكور.وبالجملة الإطلاق غير وافٍ بالمراتب الطوليّة.
هذا إذا أخذنا بظاهر کلامه من أنّ الأمر بغير الأهمّ مشروط بالعصيان وإلّا
ص: 484
فيمكن أن يقرّر المطلب بوجه لا يرد عليه هذا الإيراد وهو أن يقال: إنّ إطلاق قوله: «أقيموا الصّلاة» يقتضي وجوبها في جميع الأحوال وبعد حكم الشارع بوجوب الإزالة قيّد الأمر المذكور بحكم العقل بقدر المانع وهو شغل الوقت بفعل الأهمّ، فمجرّد الأمر بالأهمّ لا يقيّد الإطلاق لعدم المزاحمة بالفرض بل ما لم يوجد المانع يجب العمل بالإطلاق المذكور.
ومن ذلك يظهر أنّ شغل الزمان مانع لا أنّ العصيان وخلوّ الزمان شرط، فليس من قبيل الشرط المتأخّر حتّى يرد عليه الإشکال السّابق؛ إذ ليس المتأخّر مؤثراً في المتقدّم بل الأثر إنّما هو للمقتضي، والمانع على فرض وجوده يؤثّر في المنع ومع(1) عدمه على ما هو المفروض فيعمل المقتضي عمله.
وكيف كان فعلى هذا التقرير يمكن التمسّك بالإطلاق إلّا أنّه لا يكون من قبيل تعدّد المرتبة؛ إذ الأمران حینئذٍ في عرض واحد، غاية الأمر أنّ أحدهما مطلق والآخر قد قيّد بسبب خروج بعض الحالات وهو حالة مشغوليّة الزمان بالأوّل بما عدا تلك الحالة، فكأنّه قال: «أزل النجاسة وصلّ إلّا إذا كنت مشتغلاً بالإزالة» ومن المعلوم أنّهما حینئذٍ في مرتبة واحدة فلا يتمّ ما ذكره من الترتّب.
فتحصّل أنّه لو قرّر المطلب على وجه يكون من الترتّب لا يمكن التمسّك بالإطلاق؛ إذ هو لا يعود بعد زواله بالمزاحمة وإن قرّر على وجه يمكن التمسّك به لايكون هناك ترتّب. فتدبّر.
هذا وقد يورد على القول المذكور بأنّ لازمه تعدّد عقاب المکلّف على فرض عصيان الأمر الثاني أیضاً وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.
وأنت خبير بأنّه لا مانع منه بعد وجود الأمرين كما في صورة عدم المزاحمة.
ص: 485
بقي شي ء وهو أنّه لو تمّ القول بالترتّب فلا یختصّ بما إذا كان أحد الواجبين أهمّ من الآخر بل يجري في المتساویين من المتزاحمين أیضاً.
وحاصل ما ذكره الثاني(1) أنّ الممتنع اجتماع النهي بمعنى طلب الترك المطلق مع الأمر وأمّا النهي بمعنى طلب ترك خاصّ فلا مانع من اجتماعه مع الأمر سواء كان مع(2) تغاير الجهتين أو بدونه ولكن مع كونه على وجه التخيير أو الترتيب بأن يكون تعلّق الأمر مبنيّاً على تقدير المخالفة في النهي كما في فعل الضدّ للواجب مثل الصّلاة بالنّسبة إلى الإزالة(3) فإنّه يجوز أن یتّصف بالوجوب على تقدير عصيان ذلك الواجب مع كون تركه مقدّمة له ولا يضرّ اجتماع الأمر والنهي فيه.
وذلك لأنّ ذلك النهي الغيري إنّما يجي ء من قبل مقدّمية ترك الضدّ لفعل الضدّ الآخر والواجب من المقدّمة هي الموصلة فالمطلوب إنّما هو ترك خاصّ وهو الترك الموصل دون مطلقه ومطلوبیّته إنّما يقتضي مبغوضیّة ترك الترك لا الفعل فلا يلزم من وجوب ذلك الفعل اجتماع الأمر والنهي في مورد واحد.
وتوضيح ذلك أنّ المطلوبیّة والمبغوضیّة كالرّجحان والمرجوحيّة من الصّفات المتضادّة المتقابلة ومتى اتّصف فعل أو ترك بإحداهما اتّصف مقابله بمقابلها، لكن مقابل الفعل المطلق الترك، ومقابل الفعل المقيّد تركه، ومقابل الترك المطلق الفعل، وأمّا مقابل الترك المقيّد ترك الترك لا الفعل؛ لأنّه ليس نقيضاً له لارتفاعهما في الترك المجرّد عن القيد، وحینئذٍ فيجوز أن یتّصف الفعل بالوجوب على تقدير ترك التوصّل
ص: 486
بتركه إلى فعل الواجب والترك على تقدير التوصّل، فيختلف مورداهما ومورد الأمر والنهي الناشي من الأمر المقدّمي، حيث إنّ مورد الأوّل الفعل ومورد الثاني ترك الترك.
نعم لو كان المطلوب المقدّمي مطلق الترك أو كان الفعل مطلوباً مطلقاً أو على تقدير التوصّل لزم اجتماعهما في مورد واحد وليس كذلك فملاك المطلب أمران: تقييد الترك في النهي بالموصل وتقييد الأمر بتقدير عدمه.
ومن ذلك يظهر أنّه لا مدخل للنفسيّة والغيريّة في ذلك فيجوز في النفسيّينوالغيريّين أیضاً مع تحقّق الأمرين المذكورين وأنّه لا يرجع ما ذكرنا إلى ما ذكره بعضهم من أنّ الأمر النفسي يجتمع مع النهي الغيرى؛ إذ هو إنّما يقول به من جهة كونه غيريّاً ونحن نقول به من جهة اختلاف المورد بعد التقييدين المذكورين.
لا يقال: ترك الترك المقيّد أعمّ من الفعل والترك المجرّد وحرمة العامّ يستلزم حرمة الخاصّ.
لأنّا نقول: العموم بحسب الوجود لا يفيد وبحسب الصّدق ممنوع.
وقد مرّ بيانه في ردّ شبهة الكعبي،(1) وتظهر الثمرة فيما لو نذر التعبّد بترك مرجوح كالسّفر منفرداً فإنّه يجب عليه تركه متقرّباً فلو عصى وسافر كان سفره مباحاً وأمّا تحريم فعل الإفطار في شهر رمضان مع أنّ المطلوب تركه المقيّد بالنيّة فليس من جهة وجوب تركه المقيّد بل لوجوب تركه المطلق أیضاً؛ ولهذا يحرم عليه وإن ترك النيّة ابتداءً أو أفطر وربما يحرم من حيث تسبيبه لترك الواجب أیضاً كما لو شرع في الصّوم ثم بدا(2) له الإفطار بناءً على عدم العبرة بالاستدامة الحكميّة في نيّته وعلى تقدير اعتباره
ص: 487
يعصي بنقض النيّة لاستناد الإبطال إلیه.
فإن قلت: غاية ما ذكرت عدم ورود الإشکال بالنّسبة إلى الاجتماع في فعل الضدّ لكنّه يرد بالنّسبة إلى الترك المتوصّل به حيث إنّه مطلوب على کلّ تقدير من جهة المقدّميّة مع أنّه مبغوض أیضاً من جهة أنّ فعل الضدّ واجب فيكون تركه مبغوضاً؛ وذلك لأنّ فعل الضدّ مطلوب وإن کان مطلوبیّته مقيّدة بصورة عدم التوصّل فيكون مقابله وهو الترك المطلق مبغوضاً بفرديه من الترك المتوصّل به وغيره، فعلى تقدير عدم التوصّل يكون الترك المتوصّل به أیضاً مبغوضاً؛ لأنّه مقتضى مطلوبیّة المطلق(1) فيلزم الاجتماع في الترك المتوصّل به.
قلت: إذا كان مطلوبیّة الفعل مقيّدة بصورة عدم التوصّل فيكون مبغوضیّةتركه(2) أیضاً كذلك والفعل والترك وإن كانا مطلقين لكن يصيران مقيّدين بواسطة تقييد المطلوبیّة والمبغوضیّة فلا يكون المبغوض إلّا الترك الغير المتوصّل به.
والسرّ فيه أنّ الطلب إذا كان بشرط عدم التوصّل فلا يعقل أن يكون الترك المتوصّل به مبغوضاً من جهته؛ إذ لا معنى لأن يقال: على فرض عدم التوصّل بالترك لايجوز الترك ولو متوصّلاً به، فالترك المبغوض وإن کان مطلقاً لإطلاق الفعل إلّا أنّه يتقيّد قهراً بأحد الفردين من جهة تقيّد الطلب.
فإن قلت: لازم ما ذكرت كون کلّ من فعل الضدّ وتركه مطلوباً، أمّا فعله فلحصول شرطه وهو عدم التوصّل بتركه إلى الواجب وأمّا تركه فلأنّه مقدّمة لذلك الواجب وهذا(3) محال لاستحالة التکلیف الفعلي بالفعل والترك معاً.
قلت: إن كانت الاستحالة من جهة استلزامه لاجتماع وصفين متنافيين في شي ء
ص: 488
واحد، فقد عرفت عدمه من جهة اختلاف المورد.
وإن كانت من حيث استلزامه التکلیف بالمحال من جهة طلب الضدّين من الفعل والترك؛
ففيه: أنّ التکلیفين وإن كانا فعليين لكن ليس مقتضاهما الجمع بين الفعل والترك، كيف وانتفاء أحدهما معتبر في مطلوبیّة الآخر وإنّما يمتنع ذلك إذا آلَ إلى طلب الجمع بينهما.
وبالجملة العقل لا يستحيل التکلیف بالضدّين إذا كان التکلیف بأحدهما مبنياً على تقدير الخلوّ من الآخر لا لجواز التکلیف بالمحال إذا استند إلى المکلّف، بل لأنّه ليس تکلیفاً بالمحال حيث إنّ ثبوت أحدهما منوط بعدم وقوع الآخر فكما يصحّ رجحان أحد الضدّين مطلقاً والآخر على تقدير عدم التشاغل به ولا يلزم منه رجحان الممتنع أعني الجمع بين الضدّين فكذلك الحال بالقياس إلى التکلیف والطلب.(1)
أقول: يرد عليه أوّلاً: أنّه على هذا البيان ليس المقام من باب اجتماع(2) الأمر والنهي(3) في شي ء واحد على ما اعترف به، بل قال في أوّل مسألة الاجتماع: إنّ عدّه من باب الأمر بالمتنافيين أقرب من عدّه من باب اجتماع الأمر والنهي.(4)
وحینئذٍ فلا وجه لما اختاره في مسألة الضدّ من أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ(5) إلّا أنّه لا يقتضي الفساد لاختلاف المورد(6)؛ إذ في الحقيقة الأمر لا
ص: 489
يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ على هذا البيان فينبغي أن يعدّ نفسه من النافين للاقتضاء.
وثانياً: إنّ المقدّمة الموصلة وإن كانت حقّاً إلّا أنّه لا يتفرّع عليها ما ذكره في المقام وذلك لأنّ معنى تخصيص الوجوب بالموصلة أنّ غيرها لا یتّصف بالوجوب في مقام الامتثال وإلّا ففي مقام الطّلب والتّکلیف لا ينفكّ الوجوب عن ذات المقدّمة، فعلى کلّ حال يجب عليه الترك الموصل فكأنّه في التحليل يجب عليه الترك والإيصال لكن بشرط المعيّة كما في کلّ مقيّد وقيد، بل في کلّ جزء من أجزاء الواجب، فإنّ المقيّد لا ينفكّ عن الوجوب لكن لا يحصل الامتثال إلّا بإتیان القيد وكذا في الأجزاء، وحینئذٍ فلا يمكن اتّصاف الفعل بالوجوب؛ لأنّ تركه المطلق مطلوب في ضمن الترك(1) الموصل كما في کلّ مقيّد وقيد.نعم لو كان الوجوب وارداً على خصوص القيد دون المقيّد بأن يكون الواجب على فرض الترك، الترك الموصل بمعنى وجوب التوصّل دون ذات المقدّمة كان كما ذكره؛ إذ حینئذٍ يمكن أن يكون الفعل مطلوباً على تقدير ترك الترك الموصل لكن ليس الأمر كذلك قطعاً وهو معترف بأنّ نفس المقدّمة واجبة.
وأمّا ما ذكره من أنّ مقابل الترك الخاصّ ترك الترك لا الفعل؛ ففيه: أنّه وإن
ص: 490
کان كذلك إلّا أنّ أعمّيته من الترك المجرّد ومن(1) الفعل یکفي في المقابلة، فکلّ من فرديه مقابل لذلك الترك، بل كون الفعل مقابلاً للترك الخاصّ أولى من الترك المجرّد.
ومن ذلك ظهر(2) أنّ ارتفاعهما أي الفعل والترك الخاصّ كما في الترك المجرّد عن الخصوصيّة لا يقتضي عدم المقابلة وإلّا فالترك المجرّد أیضاً كذلك؛ إذ هو والترك الخاصّ يرتفعان بالفعل، ولا يلزم في المقابلة كون الفعل مصداقاً لترك الترك حتّى يقال: إنّه وجودي وترك الترك عدمي، كيف وإلّا فيمكن أن يقال: إنّ مقابل الترك المطلق أیضاً ليس هو الفعل بل ترك الترك، غاية الأمر أنّ ترك الترك ه-ٰهنا لا يتحقّق إلّا بالفعل ومجرّد هذا لا يقتضي كونه مصداقاً له حقیقة.
وبالجملة فكما أنّ مقابل الترك المطلق حقیقة هو ترك الترك ومع ذلك يعدّ الفعل مقابلاً له فكذا بالنّسبة إلى الترك الخاصّ، والانحصار وعدمه لا مدخل لهما في المصداقيّة وعدمها.
هذا مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ الفعل مصداق حقیقي لترك الترك سواء كان الترك مطلقاً أو خاصّاً، ففعل الصّلاة عين ترك تركه المطلق وعين تركه الموصل.
نعم فعل أحد الضدّين ليس عين ترك الضدّ الآخر.
ومن ذلك ظهر الفرق بين المقام وما ذكره في دفع شبهة الكعبي من منع مصداقيّة الفعل للترك؛(3) إذ الکلام هناك في مصداقيّة فعل أحد الضدّين لترك الآخرلا
ص: 491
في مصداقيّته لترك ترك نفسه كما في المقام. فلا تغفل.
وإن شئت الحقّ فأقول من رأس: إنّ مقابل الفعل المطلق الترك المطلق(1) فمطلوبیّة الأوّل يستلزم مبغوضیّة الثاني وبالعكس، ومقابل الترك المطلق حقیقة هو ترك الترك، لكنّه يصدق على الفعل المطلق فمطلوبیّته يستلزم مبغوضيّته وبالعكس، ومقابل الفعل الخاصّ تركه المتحقّق تارة بترك المقيّد وتارة(2) بترك القيد(3) وتارة(4) بتركهما معاً وعلى التقادير فمصداقه إنّما هو الترك، وأمّا الفعل المجرّد فليس مصداقاً له بل مقارن للمصداق ولذا يمكن كونه مطلوباً ويمكن كونه مبغوضاً مع كون الفعل الخاصّ مطلوباً.
مثلاً إذا وجب(5) الصّلاة مع القربة فيمكن كون الصّلاة المجرّدة عنها أیضاً مطلوبة ويمكن كونها مبغوضة.
وأمّا الترك فلا يمكن كونه مطلوباً مع مطلوبیّة الفعل الخاصّ بل مطلوبیّته يستلزم مبغوضيّته إلّا إذا كان الطلب وارداً على خصوص القيد بأن يكون على فرض إيجاد الفعل إيجاد الخصوصيّة واجباً فحینئذٍ يمكن كون الترك أیضاً مطلوباً، ومقابل
ص: 492
الترك الخاصّ ترك ذلك الترك وهو أیضاً يتحقّق تارة بالفعل وتارة(1) بالترك المجرّد عن الخصوصيّة لكنّ الفعل مصداق له وأمّا الترك المجرّد فليس مصداقاً وإنّماالمصداق له حینئذٍ ترك الخصوصيّة المقارنة للترك المجرّد.
ولذا لا يعقل كون الفعل مطلوباً مع مطلوبیّة الترك الخاصّ ولكن يعقل كون الترك المجرّد مطلوباً ويمكن كونه مبغوضاً.
فظهر من ذلك أنّ مقابل الفعل أبداً الترك ومقابل الترك أبداً الفعل، لكن مع الانحصار إذا كانا مطلقين ولا معه إذا كانا مقيّدين.
فمع كون المطلوب في المقام هو الترك الموصِل يكون الفعل مبغوضاً؛ لأنّه مقابله فلا يمكن كونه مطلوباً أیضاً. فافهم واغتنم واستقم.
وثالثاً: سلّمنا أنّ مطلوبیّة الترك الخاصّ لا يقتضي مبغوضیّة الفعل إلّا أنّه يمكن أن يقال بحرمته من جهة كونه سبباً لترك الترك المبغوض بناء على أنّ سبب الحرام حرام كما اعترف(2) به بالنّسبة إلى فعل الإفطار الموجب لترك الصوم المحرّم فلا يمكن مع هذا كونه مطلوباً أیضاً.
فإن قلت(3): إنّ فعل الصّلاة مثلاً ليس علّة لترك الترك الموصل بل هما معلولا الإرادة.
قلت: على فرض التسليم يجري مثله في فعل الإفطار أیضاً فلا وجه لتسليم العلّيّة هناك دون ما نحن فيه.
ص: 493
ورابعاً: أنّ ما ذكره أخيراً في دفع كون ما ذكره من قبيل التکلیف بالضدّين من أنّه ليس مکلّفاً بالجمع بل أحد التکلیفين منوط بعدم التشاغل بالفعل الآخر يرجع(1) إلى ما ذكره أخوه المحقّق في مسألة الترتّب،(2) ويرد عليه ما ورد عليه.والعجب أنّه قد اعترف هناك بأنّ الترتّب غير صحيح لاستلزامه التکلیف بالمحال بعد حصول شرط التکلیف(3) الثاني،(4) وقد اختاره في
ص: 494
المقام.(1)
فإن قلت: الفرق أنّ في المقام لا يلزم اجتماع الأمر والنهي وهناك كان يلزم.
قلت: نعم لكنّه أورد عليه هناك بكونه تکلیفاً بالمحال وهو جارٍ في المقام أیضاً.
نعم لو كان تشبّثه هناك بكونه تکلیفاً محالاً أمكن أن يختار في المقام الجواز؛ لأنّه ليس تکلیفاً محالاً.
والحاصل: أنّه لا وجه للإيراد على الوجه السّابق بكونه تکلیفاً بالمحال وأنّ الترتّب لا ينفع في دفعه مع اختياره في المقام الجواز بالنّسبة إلى الفعل والتّرك. فتدبّر.
ثمّ إنّه لا وجه لما أورده على الوجه السّابق من أنّه لا دليل على كون وجوب الضدّ مشروطاً بالعصيان مع استناده في المقام في إثبات ذلك إلى الإطلاقات فإنّهامشتركة بين الوجهين فلو تمّت دليلاً على المقام فكذا في الوجه السابق.
وكيف كان فقد تحصّل أنّ إشکال الاجتماع لا يندفع بالترتّب وأنّه لا ينفع في دفع أصل الاجتماع حسبما رامه صاحب الفصول(2) ولا في دفع استحالته حسبما تخيّله أخوه المحقّق.(3)
ص: 495
هذا ويمكن أن يدفع أصل لزوم الاجتماع بوجه آخر من غير ابتناء على المقدّمة الموصلة لكن مع البناء على الإغماض عن كون التکلیف بالضدّين من الصّلاة والإزالة تکلیفاً بما لا يطاق وعلى القول بأنّ الترتّب ينفع(1) في رفع استحالة مثل هذا التکلیف وهو أنّ من المعلوم أنّ المتّصف بالوجوب من المقدّمات إنّما هي الأفراد المباحة دون المحرّمة ومن المعلوم أیضاً أنّه يمكن أن يكون بعض أفراد المقدّمة محرّماً بعنوان آخر.
مثلاً إذا كان قولنا: «لا إله إلّا الله» واجباً فقولنا: لا إله، واجب من حيث إنّه جزء من هذا المجموع لكن يمكن أن يكون بعنوان الوحدة حراماً ولا محذور فيه أصلاً، فيجب عليه قوله: لا إله، ويحرم عليه الاقتصار عليه بحيث لو اقتصر عليه يكون آتياً بالحرام النفسي مضافاً إلى تركه للواجب الّذي هو المجموع.
وإذا كان الأمر كذلك فنقول: إذا كانت الإزالة واجبة فترك الصّلاة مقدّمة لها وواجب بوجوبها إلّا أنّه إذا فرضنا أنّ الصّلاة أیضاً واجبة مع فرض إخلاء الزّمان عن التّشاغل بالإزالة فيكون تركها الغير الموصل إلى الإزالة حراماً من حيث إنّه ترك للواجب فیختصّ الوجوب المقدّمي بالترك الموصل لا لاختصاص الوجوببالموصلة من المقدّمات بل لما عرفت من أنّ الترك الغير الموصل ترك للواجب وهو حرام وإذا لم یتّصف الترك الغير الموصل بالوجوب فلا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في الصّلاة.
فإن قلت: إنّ هذا إنّما يتمّ إذا كانت الصّلاة واجبة من الأوّل حتّى يكون تركها حراماً قبل أن یتّصف بالوجوب المقدّمي وأمّا إذا كان(2) الواجب في الرّتبة الأولى الإزالة وبوجوبها يجب مقدّمتها فيجب ترك الصّلاة قبل أن تتّصف(3) الصّلاة بالوجوب
ص: 496
فلايمكن كونها واجبة ليحرم تركها.
قلت: على فرض خلوّ الزّمان عن الإزالة يكون وجوب الصّلاة من الأوّل في عرض وجوب الازالة؛ إذ قد عرفت سابقاً أنّ التشاغل من قبيل المانع لا أنّ الخلوّ شرط، فنقول: مقتضى الإطلاقات وجوب کلّ من الضدّين فإذا لم يكن أحدهما أهمّ من الآخر فلازم المزاحمة سقوط وجوب کلّ منهما مع فرض التشاغل بالآخر؛ لأنّه مانع عنه والعقل يحكم بعدم الوجوب عند(1) وجود المانع وأمّا مع عدم التشاغل فيكون المانع مرتفعاً فيبقى الوجوب الثابت بالإطلاقات بلا مانع.
ولازم وجوب کلّ منهما مع عدم فرض(2) المانع وجوب ترك الآخر إذا كان موصلاً دون الترك الغير الموصل؛ لأنّه ترك للواجب وهو حرام وإذا كان أحدهما أهمّ فيكون الواجب عليه هو الإتیان به والاقتصار عليه لكن مع فرض إخلاء الزمان يكون الآخر أیضاً بلا مانع من الأوّل فيكون واجباً أیضاً ولازمه حرمة تركه فیختصّ وجوب تركه بالموصل وأمّا غير الموصل فحرام لا یتّصف بالوجوب.
والحاصل: أنّه بناءً على صحّة الترتّب وعدم استحالة التکلیف بالضدّين على الوجه المذكور(3) لا يكون وجوب أحد الضدّين مانعاً عن وجوب الآخر بل المانع عنه شغل الزمان بالآخر ومع فرض عدمه يكون الوجوب ثابتاً من الأوّل فيكون تركهحراماً.
نعم تركه الموصل إلى الآخر واجب لعدم المانع عن وجوبه لعدم حرمته.
وهذا الوجه في الثمرة راجع إلى ما ذكره صاحب الفصول(4) لكن لا يرد عليه ما
ص: 497
أوردنا عليه من جهة أنّه(1) كان يريد إثبات وجوب الصلاة مثلاً من جهة اختصاص الوجوب المقدّمي بالمقدّمة الموصلة فقلنا: إنّه لا ينفع ونحن لا نريد إثبات وجوب الصلاة بذلك بل نثبته بالإطلاقات مع الإغماض عن المقدّمة الموصلة وغيرها ونثبت عدم وجوب غير الموصلة بإثبات وجوب الصّلاة(2) حيث إنّ لازمه حرمة تركها المنافي لوجوبه المقتضي لتخصيص الوجوب المقدّمى بالموصلة. فافهم واغتنم.
لكن هذا الوجه بعد غير صحيح لما عرفت من الإشکال في صحّة التکلیف بالضدّين على الوجه المذكور.(3)
نعم لو قلنا بصحّته فإشکال الاجتماع يندفع بهذا البيان.
واحتمل شيخ المحقّقين في هداية المسترشدين جواز اجتماع(1) الاستحباب والكراهة - بعد ما صرّح بعدم جواز اجتماع الوجوب حتّى(2) مع الاستحباب واجتماعالحرمة حتّى مع الكراهة، بل يظهر منه اختياره.
قال: وقد يقال(3): إنّ رجحان الفعل من جهة لا ينافي رجحان الترك من جهة أخرى. نعم الممتنع حصولهما من جهة واحدة.
ثمّ فرّق بين هذه الصّورة وبقية الصّور من الإلزاميّين والمختلفين بأنّ في الإلزاميّين لمّا كان الرجحان مع المنع من النقيض يكون المنع من الترك والمنع من الفعل متضادّين لا يمكن اجتماعهما في فعل واحد وإن کان من جهتين إلّا على طريق الشأنيّة بمعنى اجتماع جهتي الحكمين دون الحكم الفعلي؛ إذ هو تابع لترجيح إحدى الجهتين على الأخرى أو التخيير بينهما وكذا الحال في صورة بلوغ الرّجحان في أحد الطّرفين إلى حدّ المنع من النقيض؛ إذ لا يجامع المنع من الفعل أو الترك بحسب الواقع عدم حصوله للزوم الجمع بين النقيضين.
وأمّا إذا لم يبلغ في شي ء منهما إلى حدّ المنع من النقيض فلا مانع منه؛ إذ لا مانع من رجحان الفعل على الترك من دون حصول المنع من الترك ورجحان الترك على الفعل كذلك بحسب الواقع من جهتين.(4)
ثمّ أورد الإشکال بأنّه إن لوحظ ثبوت الحكمين على نحو القضية الطبيعيّة من دون ثبوتهما للفرد بحسب الواقع فلا مانع منه في شي ء من الصّور، وإن لوحظ على
ص: 499
نحو القضية المحصورة فمن الظّاهر(1) امتناعه في النّدب والكراهة أیضاً؛ إذ كما يثبت التضادّ بين المنع من الفعل والمنع من الترك فكذا بين رجحان الفعل ورجحان الترك.
غاية الأمر أنّ المضادّة في الواجب والحرام من جهتين من جهة الجنس ومن جهة الفصل وفي النّدب والكراهة من الجهة الأولى خاصّة.
وأجاب بما حاصله: أنّ المنع من الترك والإذن فيه فضلاً عن كونه مع الرّجحان متضادّان لا يمكن ثبوتهما بحسب الواقع ولو من جهتين إلّا أن تكونا مميّزتينلأحدهما(2) عن(3) الآخر في الخارج كضرب اليتيم ظلماً وتأديباً، فلا بدّ من ملاحظة جميع الجهات ثمّ الحكم على مقتضاه، وأمّا مع عدم المنع من النقيض فيمكن رجحان الفعل والترك من جهتين ولا يلزم ملاحظة جميع الجهات ويمكن اتّصاف المصداق الواحد بالرجحانين معاً بحسب الواقع بملاحظة انطباقه على الجهتين، غاية الأمر أنّه(4) نظير الفعلين المتلازمين إذا كان أحدهما مندوباً والآخر مكروهاً فإنّه إن أتى بالمندوب فقد أتى بالمكروه وإن ترك المندوب فقد ترك المكروه(5) أیضاً وحینئذٍ إن تعادلا تخيّر المکلّف بين الأخذ بالتکلیفين وإلّا كان الأولى ترجيح الأرجح منهما.
ودعوى أنّه مع التساوي يكون مباحاً؛
مدفوعة بأنّ المباح ما لا مصلحة في فعله وتركه أو لم يكن فيه تعدّد العنوان لا مثل المقام ممّا في فعله مصلحة من جهة انطباقه على عنوان وفي تركه مصلحة من جهة انطباقه على عنوان آخر فهو لا يلحق بالمباح، غاية الأمر تخيير المکلّف بين الأخذ
ص: 500
بالحكمين والعمل على طبق أحدهما.(1)
قلت: الإنصاف أنّ ما ذكره ممّا يؤيّد جواز اجتماع الطلبين مطلقاً؛ إذ البيان المذكور جارٍ في جميع الصّور وهو (قدس سره) لم يزد(2) في الفرق على مجرّد دعوى وجوب ملاحظة جميع الجهات في الإلزاميّين والمختلفين وعدم وجوبه في الندب والكراهة، ومن المعلوم أنّه يمكن في الإلزاميّين أیضاً فضلاً عن المختلفين أن يقال: لا يجب ملاحظة جميع الجهات إذا كانت داخلة تحت عنوانين أو عناوين متعدّدة حسبما ذكرنا سابقاً.
ومن العجب تجويزه الاجتماع في الصورة المذكورة مع اختلاف الجنس فيها ومنعه في الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة مع اتّحادهما في الجنس وقد عرفت سابقاً احتمال الجواز فيهما على مذهب المانعين أیضاً. فتدبّر.
ثمّ أقول: السرّ في صدور مثل هذه الکلمات من مثل المحقّق المذكور أنّ جواز الاجتماع ممّا هو مركوز الأذهان(3) المستقيمة فإذا سبقت إليها شبهة وحكمت بخلاف المركوز في بعض الصّور تكون باقية على مقتضاها في البقيّة؛ إذ القسر لا تدوم ولا تعمّ، ولذا تراهم يحكمون بالجواز فيما إذا كان المکلّف جاهلاً بالنهي أو نحو ذلك من الصّور مع عدم الفرق بحسب الأدلّة ومناط الحكم.
السّابع: قد أشرنا سابقاً إلى جواز اجتماع الحكمين ولو على مذهب المانعين إذا
ص: 501
كان أحدهما صورياً والآخر حقیقياً كالأمر الإرشادي مع النهي النفسي وبالعكس وكالأمر الامتحاني مع النهي الحقيقي الواقعي وبالعكس وكالأمر التسجيلي(1)والتعجيزي(2) مع النهي الحقيقي وبالعكس، وكذا يجوز الاجتماع إذا كان أحدهما شرعياً والآخر عقلياً غير كاشف عن الشرع كما في الدوران بين المحرّمين إذا كان بسوء اختيار المکلّف وكان أحدهما أشدّ من الآخر فإنّه يمكن أن يقال: إنّ الأخفّ باقٍ على حرمته ومع ذلك يجب عليه اختياره بحكم العقل من باب ارتكاب أقلّ القبيحين على بعض الوجوه الّتي ستأتي(3)
وكذا يمكن القول بالجواز إذا كان الآمر والنّاهي متعدّداً كأمر الوالد ونهي الوالدة وبالعكس.
وقد يقال بجواز الاجتماع إذا كان أحدهما ظاهرياً والآخر واقعياً لعدم المضادّة بين الحكمين حینئذٍ، وبذلك يجاب عن إشکال التناقض الوارد في ثبوت الحكم الواقعي حتّى حال الجهل بناءً على مذهب المخطّئة مع حكم الشارع بالرجوع إلى الأصول العمليّة وهي قد تكون مخالفة للواقع، وكذا بالنسبة إلى مؤدّيات الطرق مع مخالفتها للواقع، فإنّ صلاة الجمعة إذا كانت محرّمة في الواقع وأدّت الأمارة أو الأصل العملي(4) إلى وجوبها يلزم التناقض واجتماع الأمر والنهي وهكذا في سائر المقامات.
وحاصل الجواب أنّ التناقض إنّما يكون إذا كانا(5) في رتبة(6) واحدة بأن يكونا
ص: 502
واقعيين أو ظاهريين وأمّا إذا كان أحدهما واقعياً فقط والآخر ظاهرياً فقط فلا مضادّة بينهما.
والإنصاف أنّ الإشکال لا يندفع بمجرّد ذلك بناءً على كون مؤدّيات الطرق والأصول على فرض مخالفتها للواقع أحكاماً شرعیّة وينحصر دفعه بالتزام كونها أحكاماً عذريّة كسائر الأعذار العقليّة فيكون من باب اجتماع الأمر الخيالي والنهي الواقعي أو العكس(1)؛ إذ حینئذٍ معنى وجوب العمل بالطرق أو الأصول وجوب الإتیانبمؤدّياتها على فرض المطابقة للواقع ويكون الأمر بالعمل بمجرّد احتمال إدراك الواقع نظير الاحتياط فكأنّ الشارع قال: «اعمل بالخبر لعلّك تدرك الواقع وإن لم تدركه(2) فأنت معذور».
وأمّا بناءً على كونها أحكاماً شرعیّة فلا يجوز الاجتماع حتّى بناء على مذهب المجوّزين لعدم تعدّد الجهة ولزوم اتّصاف الفعل الواحد بالحكمين من غير تعدّد الجهة، وإشکال التناقض باقٍ أیضاً؛ إذ لم ينخرم شي ء من الوحدات الثمانية ولا وجه لما يقال: إنّه من باب تعدّد المحمول؛ إذ الوجوب الغير الواصل غير الوجوب الواصل وهكذا؛ وذلك لأنّ نحو الحكمين واحد والوصول وعدمه لا مدخل لهما في ذلك ولا يمكن إرادة الفعل والترك معاً وإن لم يصل أحدهما(3) إلى المکلّف.
وكذا لا وجه لما قد يقال من أنّه من باب اختلاف القوّة والفعل؛ إذ الحكم الشأني غير شأنيّة الحكم.(4)
ص: 503
وكذا لا وجه لجعله من باب تعدّد الموضوع فإنّ الحكم الواقعي ثابت لنفس الفعل والظاهري ثابت للفعل المجهول الحكم؛ إذ الجهل مناط ورود الحكم الظاهري على الفعل وإلّا فمحلّ الحكم الظاهري أیضاً نفس الفعل.
وقد يدفع الإشکال بأنّه(1) من باب الترتّب؛ إذ الحكم الظاهري ترتّب(2) على الواقعي، وفيه ما لا يخفى.
فتبيّن أنّ المناص لیس إلّا الالتزام بعذريّة الأحکام الظاهريّة حتّى يكون في صورة المخالفة للواقع من قبيل الطلب الصّوري.
نعم يمكن أن يقال: إنّ الحكم الظاهري من قبيل البدل عن الواقع ولو كان بدلاً ظاهرياً فلا منافاة(3) بينهما فالطّهارة الاستصحابيّة بدل عن الطّهارة الواقعيّة وكذا سائر المقامات وفي مثل شرب التتن إذا كان حراماً في الواقع يكون إباحته من باب الإغماض عن النهي الواقعي لا بمعنى عدم ثبوته حقیقة حتّى يكون تصويباً بل بمعنى أنّه كأنّه مرتفع والاجتماع على هذا الوجه لا بأس به فيمكن جعلها من باب الأحکام الشرعیّة ورفع المنافاة على الوجه الّذي ذكرنا، وحاصله الالتزام بالبدليّة والتنزيل في بعض المقامات والبناء على الإغماض عن الواقع في بعضها الآخر. فتدبّر.
الثّامن: قد عرفت سابقاً أنّ محلّ النزاع في المسألة فيما كان للمکلّف مندوحة فنقول: إذا لم يكن مندوحة بأن انحصر المأمور به في المنهي عنه، فتارة يكون الانحصار من الأوّل وحینئذٍ فلا يجوز الاجتماع بالإجماع(4)، وتارة يكون عرضياً وهو قد يكون لا
ص: 504
بسوء اختيار المکلّف وقد يكون بسوء اختياره.
فعلى الأوّل كما لو انحصر ماؤه(1) للوضوء أو الغسل في الغصبي أو مكانه للصّلاة في الغصبي بأن صار محبوساً في دار الغير أو كان في مكان(2) مباح(3) لا يقدر على الصلاة إلّا بالتصرّف في ملك الغير حال الصّلاة أو توسّط أرضاً مغصوبة لا عن(4) عمد، لا إشکال أیضاً في عدم الجواز وأنّه لا بدّ من رفع اليد عن أحد الطلبين ولو على مذهب المجوّزين؛ إذ تجويزهم ذلك إنّما كان مع المندوحة، وتعدّد المتعلّق لا ينفع في المقام لمكان الانحصار في الحرام لا لأنّ الأمر حینئذٍ يتعلّق بذلك الفرد لعدم إمکان غيره، بل لأنّ تعليق الأمر على الطبيعة إنّما يصحّ مع وجود الفرد المباح وهو مصحّح لذلك فمع عدمه لا يجوز الأمر بها أیضاً، فلا يتوهّم أنّه إذا كان المتعلّق هو الطّبيعة من غير نظر إلى الأفراد فلا فرق بين الانحصار وعدمه.
ثمّ نقول: أمّا في مثال من توسّط فلا إشکال في أنّه مأمور بالخروج وليس منهياً عنه، وأمّا في سائر الأمثلة فلا بدّ من رفع اليد عن أحد التکلیفين ولا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات في مزاحمة الواجب للحرام، فقد يرجّح الأمر وقد يرجّح النهي.
ولا يجري في المقام ما ذكرنا سابقاً من تغليب جانب النهي کلّية بناء على عدم الجواز؛ إذ هو إنّما كان من جهة كون النهي تعيينياً والأمر تخييرياً،(5) وليس كذلك في
ص: 505
المقام؛ إذ الأمر أیضاً تعييني لفرض الانحصار.
نعم لو استندنا في تغليب النهي إلى الوجوه الأخر الّتي ذكرها الأصوليون فهي جارية في المقام أیضاً، لكن قد عرفت عدم تماميّتها.(1)
ثمّ مع فرض تغليب النهي لو أتى بالواجب مع عدم الأمر هل يحكم بصحّته بناءعلى ما ذكرنا سابقاً من أنّه على مذهب المانعين أیضاً يمكن تصحيح العمل ولو كان عبادياً؛ لأنّ الکلام إذا كان في المزاحمة فيكون الفرد المحرّم مشتملاً على المصلحة الداعية إلى الأمر ووافياً بغرض الآمر فيمكن قصد القربة بتحصيل الغرض أم لا؟ للفرق بين المقامين حيث إنّ الأمر كان موجوداً في المقام السابق بالنّسبة إلى الطبيعة، غاية الأمر عدم سرايته إلى الفرد المحرّم بخلاف المقام فإنّ الأمر ليس متوجّهاً إلى المکلّف أصلاً؟
الحقّ عدم الفرق وما ذكر لا يكون فارقاً، فلو صلّى في المكان المغصوب مع عدم(2) الأمر صحّت صلاته وأسقطت القضاء والإعادة ولو توضّأ بالماء المغصوب صحّ وضوؤه(3) ولا يجب عليه بعد ذلك التيمّم وإن کان من الأوّل مأموراً به دون الوضوء؛ لأنّ المفروض أنّ الصّلاة والوضوء مشتملان على المصلحة والآمر لا يقدر على الأمر بهما، فإذا أتى بهما المکلّف فقد أتى بما هو محبوب المولى من حيث هو.
ويمكن أن يقال بالفرق بين الصّلاة والوضوء فالأوّل صحيح دون الثاني؛ لأنّ التکلیف انتقل إلى البدل الّذي هو التيمّم فصار الشّرط هو دون الوضوء فلا يصحّ وضوؤه.
ص: 506
لكنّ التحقیق عدم الفرق؛ لأنّ الانتقال إلى البدل ليس من جهة عدم اشتمال المبدل منه على المصلحة حتّى تكون(1) الصلاة مثلاً مقيّدة بالبدل، بل من باب عدم إمکان الأمر به، فإذا أتى به فتحصل(2) الطّهارة ولا يبقى محلّ للتيمّم، والصّلاة مقيّدة بالتيمّم إذا لم يكن المکلّف متطهّراً ومع فرض الطّهارة لا يبقى التقيید.
فتحصّل أنّه يمكن تصحيح العمل بما ذكرنا مع عدم الأمر أصلاً.
هذا ولكن ربما يمكن أن يقال بوجود الأمر أیضاً على فرض عصيان النهي وقد ذكرنا سابقاً أنّ لازم(3) من جوز(4) اجتماع الأمر النفسي والنهي الغيري بالترتّب القول بهفي مثل المقام أیضاً فيكون من الأوّل منهياً عن الغصب غير مأمور بالصّلاة، لكنّه على فرض عصيان النهي يكون مأموراً بالصلاة، بمعنى أنّه إذا علم من نفسه أنّه يبقى في المكان المغصوب مقدار الصّلاة تجب عليه ويدلّ عليه الإطلاقات بالتقريب المتقدّم.
ويرد عليه ما ذكرنا هناك من لزوم اجتماع الأمر والنهي؛ إذ الكون الّذي هو جزء الصّلاة مأمور به ومنهي عنه ضرورة أنّه لا ينقطع النهي بالبناء على العصيان، والترتّب لا ينفع في رفع الإشکال حسبما عرفت مفصّلاً.
نعم لو كان المنحصر في الحرام مقدّمة الواجب لا نفسه كما لو انحصر الإناء الّذي يتوضّأ منه في المغصوب أو الذهب وكان الماء مباحاً يمكن القول بوجود الأمر على فرض العصيان في المقدّمة كما هو كذلك بالنسبة إلى المقدّمة المتقدّمة كالركوب على الدابة الغصبيّة للحجّ، ففي المقارنة أیضاً كالمثال نقول: إنّه مأمور بذي المقدّمة على
ص: 507
فرض العصيان ويكون من قبيل الشرط المتأخّر، والدليل عليه إطلاقات الأمر بالوضوء فإنّ المانع منها إنّما هو عدم تمکّن المکلّف من جهة النهي الشّرعي وإذا فرض مخالفته للنهي فهو مع هذا الوصف متمکّن.
والفرق بين هذه الصّورة وما هو محلّ کلامنا في المقام أنّ في هذه الصّورة لا يلزم اجتماع الأمر والنهي لا في المقدّمة ولا في ذيها، أمّا في ذيها فواضح؛ إذ النهي عن استعمال آنية الذهب أو عن التصرّف في آنية الغير لا يسري إلى الوضوء كما هو واضح، وأمّا في المقدّمة فلأنّها(1) محرّمة صرفة ولا يسري الوجوب من ذي المقدّمة إلیها؛ إذ هي شرط الوجوب وقد عرفت أنّ مقدّمة الوجوب وإن كانت مقدّمة الوجود أیضاً لا تتّصف(2) بالوجوب المقدّمي، وهذا بخلاف ما كان محلّاً للکلام في المقام فإنّ الأمر بالصّلاة على فرض الغصب أمر بجميع أجزائها ومنها الكون الغصبي فيلزم الاجتماع فيه.
ومن العجب أنّ بعض الأفاضل ذكر في مسألة(3) الوضوء بالآنية المغصوبة لزومالاجتماع في المقدّمة وذيها.
قال: لأنّ النهي عن الغصب يوجب النهي عن الوضوء لفرض الانحصار فإذا كان مأموراً به يلزم الاجتماع فيه وبوجوبه يسري الوجوب إلى الاغتراف من باب المقدّمة فيلزم الاجتماع فيه أیضاً.(4)
ص: 508
وردّ بذلك على صاحب الفصول(1) حيث حكم بصحّة الوضوء بالوجه الّذي ذكرنا ولا بأس؛ إذ هو ملتزم بالإيراد على صاحب الفصول بأيّ وجه كان.
وكيف كان فيمكن القول بوجود الأمر على وجه الترتّب في مثل هذه الصورة، بل هو كذلك لكفاية الإطلاقات بالبيان الّذي ذكرناه(2) سابقاً.
وحاصله أنّ المانع من توجّه الأمر إلى الوضوء بعد اشتماله على المصلحة ليس إلّا عدم القدرة وعلى فرض مخالفة النهي يكون قادراً، ولا يجري ه-ٰهنا إشکال الأمر بالضدّين وطلب المحال.
وأمّا في مقامنا ممّا كان نفس المأمور به منحصراً في الحرام وفي المسألة السابقة أعني مسألة الأمر بالضدّين فلا ينفع الترتّب لوجود المحذور من اجتماع الأمر والنهي في کلتا المسألتين والتکلیف بما لا يطاق في خصوص تلك المسألة؛ إذ في مقامنا لايلزم إلّا الاجتماع كما هو واضح.
ص: 509
ولعلّه لما ذكرنا(1) من الفرق بين صورة انحصار نفس الواجب في الحرام وصورة انحصار مقدّمته فيه نظر صاحب الفصول حيث خصّ الحكم بالصحّة بالصورة الثانية دون الأولی(2) فلم يحكم فيها بالصحّة إذا كان مثل المقام، وصحّح بالمقدّمة الموصلة إذا كان من باب الأمر بالضدّين(3) فلا يرد عليه في حكمه بالصحّة في الصّورة المذكورة شي ء.
نعم إنّما يتمّ الحكم بالصحّة إذا جعلنا العصيان من باب الشرط المتأخّر أو قلنا: إنّ ترك الاغتراف من قبيل المانع لتوجّه الأمر، وأمّا لو قلنا: إنّ الشرط كونه ممّن يعصي فلا يتمّ الحكم بالصحّة لما عرفت سابقاً من أنّ المقدّمة حینئذٍ تتّصف بالوجوب؛ لأنّ الشرط للوجوب على هذا غير نفس الاغتراف فلا مانع من وجوبه إذا وجب الوضوء وإنّما(4) لا يسري الوجوب إلى المقدّمة الّتي هي(5) شرط للوجوب دون غيره فإذا جعلنا
ص: 510
الشرط نفس الاغتراف تمّ الحكم بعدم وجوبه، وأمّا إذا جعلناه كونه ممّن يغترف فإذا كان الشرط حاصلاً فيجب الوضوء ويجب الاغتراف أیضاً فيلزم الاجتماع فيه.
والتّحقیق ما عرفت سابقاً من أنّ العصيان من باب رفع المانع فلا إشکال، ولكنّظاهر صاحب الفصول أنّه يجعل كونه ممّن يغترف شرطاً(1) فيشکل ما ذكره من هذا الوجه.
وعلى الثاني(2) فإمّا أن لا يكون(3) مضطرّاً إلى ارتكاب الحرام من حيث هو كما لو أهرق ماءه(4) المباح وانحصر أمره بالوضوء بالماء المغصوب وكما لو ذهب عمداً إلى مكان مباح لا يقدر على الصّلاة إلّا في دار الغير والظاهر أنّ حكمه حكم الصورة السّابقة وأنّه لا بدّ من رفع اليد عن أحد التکلیفين ولكنّه عاصٍ بالنسبة إلى التکلیف الّذي خالفه قطعاً فإذا قلنا بسقوط الوضوء أو الصلاة يعاقب على تركهما؛ لأنّه بمجرّد إهراق الماء تحقّق مخالفة الأمر وعصيانه إذا كان الوقت داخلاً وكذا بالنسبة إلى الصلاة.
وإمّا أن يكون مضطرّاً إلى ارتكاب الحرام كمن توسّط أرض الغير عمداً فإنّه مضطرّ إلى ارتكاب أحد المحرّمين من البقاء أو الخروج، فحینئذٍ هل هو مکلّف بالخروج ومع ذلك منهي عنه؟
وبعبارة أخری: هل يجوز اجتماع الأمر والنهي أم لا؟ قولان.
فظاهر(5) المشهور عدم الجواز؛
ص: 511
وحكي عن أبي هاشم الجواز،(1) واختاره المحقّق القمي وأسنده إلى أكثر أفاضل متأخّرينا. قال: «بل هو ظاهر الفقهاء».(2)
ويظهر منه أنّ وجه النسبة أنّهم حكموا بكون المستطيع مکلّفاً بالحجّ إذا أخّرهاختياراً وإن فات استطاعته.(3)
وربما يورد عليه أنّ ما حكم به الفقهاء إنّما هو وجوب الحجّ مع فوت الاستطاعة الشرعیّة وبقاء العقليّة فلا يكون من المقام.
ویکفي في فساد النسبة المذكورة ذهاب المشهور من أصحابنا إلى عدم جواز الاجتماع فيما فيه المندوحة فكيف بما ليس فيه ذلك؟
قلت: يمكن أن يقال: إنّ مراد المحقّق القمي(4) صورة تأخير الحجّ عند خروج الرفقة وزوال الاستطاعة في ذلك العام فإنّهم يحكمون بعصيان المکلّف بعد مجي ء ذي الحجّة ولا يكون العصيان إلّا مع مخالفة الأمر، وعند خروج الرفقة لم(5) يحصل المخالفة بل هي إنّما تتحقّق عند مجيء وقت الحجّ فحكمهم بالعصيان مع أنّه فرع الأمر ومخالفتِه كاشف عن تجويزهم التکلیف بما لا يطاق إذا كان بسوء اختيار المکلّف.
وغرضه أنّ لازم کلامهم هذا تجويزهم(6) الاجتماع في المقام أیضاً حيث إنّه لا
ص: 512
مانع منه إلّا كونه تکلیفاً بما لا يطاق، وإلّا فمسألة الحجّ لا دخل لها باجتماع الأمر والنهي.
ويمكن أن يكون مراده صورة زوال الاستطاعة العقليّة فيما لو أخّر الحجّ عن العام الأوّل فإنّهم يحكمون بكون المکلّف عاصياً ولا يكون إلّا مع كونه مکلّفاً بالحجّ.
نعم يرد على المحقّق المذكور أنّ مجرّد الحكم بالعقاب والعصيان لا يدلّ على كونه مأموراً بالحجّ ومخاطباً فيمكن أن يكون من جهة الأمر السّابق والمخالفة السّابقة من جهة ترك المقدّمة وإن کان لا يعاقب إلّا عند مجي ء وقت الحجّ.
وكيف كان فقد صرّح المحقّق المذكور(1) بعد ذلك بأنّ النهي الموجود فيالمقام نظير التکلیف الابتلائي یعني أنّه تسجيلي ومن باب التنبيه على استحقاق العقاب(2) لا أنّه بمعنى طلب الترك حقیقة.
وعلى هذا فلا ينبغي عدّه من المجوّزين؛ إذ الاجتماع(3) على هذا الوجه جائز عند الجميع؛ إذ هو في الحقيقة ليس من الاجتماع.
هذا ولا يخفى أنّ القائل بجواز الاجتماع في المقام بين من يقول بالجواز مطلقاً كما عن ظاهر أبي هاشم(4) وغيره ممّن تمسّك بمجرّد أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي
ص: 513
الاختيار(1) وبين من يقول به إذا كان هناك تعدّد الجهة بأن کان بين الموردين عموم من وجه كالمحقّق القمي (قدس سره).(2)
والحقّ هو القول الأوّل؛ وذلك لاستحالة تعلّق الإرادة والكراهة بالخروج مع أنّه واحد شخصي.
هذا إذا كان هو المتعلّق للطّلبين، وأمّا إذا كان المتعلّق طبيعة الغصب وطبيعة التخلّص فلأنّه(3) إذا لم يكن للتخلّص إلّا الفرد المحرّم فلا يعقل تعلّق الطلب به لما عرفت من أنّ المصحّح للتعلّق بالطبيعة وجود الفرد المباح.
وإن شئت فقل: إنّه يلزم من الاجتماع تکلیف ما لا يطاق ولا فرق في قبحه بينأن يكون المکلّف هو السّبب فيه أو لا.
نعم في النهي التسجيلي والأمر الحقيقي لا مانع منه لكنّ الکلام في وجود هذا النهي؛ إذ لا دليل عليه ولا حاجة إلیه في العقاب؛ إذ یکفي فيه النهي السّابق والمخالفة الحاصلة من إيجاد السّبب.
مع أنّه يمكن القول بعدم العقاب أیضاً إلّا على الدّخول وسيأتي الکلام فيه(4)
والحاصل: أنّ اجتماع الطلبين على وجه الحقيقة ممّا يأبى عنه العقل حتّى على القول بالجواز في أصل المسألة.
وما اشتهر من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لا وجه له إن أريد ذلك
ص: 514
خطاباً، وإن أريد عقاباً فلا يجدي.
مع أنّ الظاهر أنّ مورده غير المقام وأنّ المشهور أرادوا من ذلك الرّد على الجبريّة القائلين بأنّ فعل العبد إمّا واجب الصّدور أو ممتنع الصّدور؛ إذ مع الإرادة واجب ومع عدمها ممتنع، فقيل لهم: إنّ الوجوب بالاختيار والامتناع بالاختيار لا ينافيان الاختيار، يعنون بذلك نفي الجبر.
وممّا ذكرنا ظهر ما في استدلال القائل بالجواز من أنّه مقتضى العمل بالدليلين وأنّه لا مانع منه إلّا اجتماع الإرادة والكراهة.
ويدفعه تعدّد الجهة أو التکلیف بما لا يطاق ولا بأس به إذا كان بسوء اختيار المکلّف.
ثمّ إنّ المحقّق القمي (قدس سره) بعد ما قرّر الاستدلال بنحو ما ذكرناه قال:
لا يقال: الخروج أخصّ مطلقاً من الغصب والعرف يفهم التخصيص.
لأنّا نقول: ليس الخروج مورداً للأمر من حيث هو، بل لأنّه تخلّص(1) عن الغصب وانحصار التخلّص في هذا الفرد بحسب العادة لا يضرّ فإنّ الظاهر أنّ العامّ الّذي أفراده الموجودة في الخارج منحصرة في الفرد بحسب العادة بل في نفس الأمر أیضاً لا يخرج عن كونه عامّاً في باب التعارض فليضبط ذلك، فإنّه فائدة جليلة لم أقف علىتصريح بها في کلامهم.(2)
وأورد عليه في الإشارات بأنّ معاملة العموم من وجه مع ما كان أفراده النفس الأمريّة منحصرة في الفرد لا وجه له ولا يعدّ عامّاً في العرف لعدم الاستغراق فيه بالفعل والمدار عليه. مع أنّ التصريح من القوم موجود بخلاف ما ذكره.(3)
ص: 515
قلت: الإنصاف ورود(1) الإيراد على ظاهر کلام المحقّق المذكور حيث إنّ الظاهر منه أنّه جعل المقام من باب المعارضة ومع ذلك حكم بإجراء حكم العموم مع الانحصار ولا وجه له كما في الإشارات.
فالأولى أن يقال:
إن أريد من دعوى أنّ(2) أخصّية الخروج أنّه(3) يوجب التخصيص، فلا وجه له؛ لأنّ المقام من المزاحمة لا من المعارضة.
وإن أريد أنّه يوجب ورود الإرادة والكراهة على شي ء واحد شخصي، ففيه: أنّ الخروج ليس مورداً من حيث هو(4) بل لأنّه غصب فيكون كسائر المقامات.
وكيف كان قد عرفت سقوط الدليل المذكور.
ثم إنّ القائلين بعدم جواز الاجتماع في المقام اختلفوا في مسألة من توسّط أرضاً مغصوبة ونظائرها مثل من لبس ثوباً مغصوباً وأدخل فرجه في فرج الأجنبيّة أو نقل مال الغير عن مكانه ونحو ذلك هل هو مأمور بالخروج أو الإخراج أو الرّد أو نحو ذلك أو منهي عنها؟ على أقوال:
فعن جماعة أنّه مأمور به ولا يجري عليه حكم المعصيّة أیضاً، ولعلّه مذهب المشهور.وربما ينسب إلى ظاهر الفقهاء حيث حكموا بصحّة الصّلاة حال الخروج ولذا
ص: 516
قال العلّامة في النهاية(1): «أطبق العقلاء(2) كافة على تخطئة أبي هاشم(3) في قوله بأنّ الخروج تصرّف في المغصوب فيكون معصية فلا يصحّ الصّلاة وهو خارج سواء تضيّق الوقت أم لا».
ص: 517
وفي الاستفادة من الحكم(1) المذكور نظر ظاهر؛ إذ يمكن كون الحكم بالصحّة من جهة جواز الاجتماع في أصل المسألة أو في خصوص المقام من حيث إنّ النهي السابق قد انقطع في اللّاحق.
وعن الرازي(2) أنّه مأمور به وليس بمنهي عنه ولكن يجري عليه حكم المعصية.(3)
ص: 518
وذهب صاحب الإشارات(1) إلى أنّه منهي عنه وليس بمأمور به؛
وصاحب الفصول(2) إلى أنّه منهي عنه بالنهي السّابق ومأمور به في اللّاحقفاجتمع فيه الأمر والنهي في زمانين.
استدلّ للأوّل بأنّ الخروج وإن کان تصرّفاً في المغصوب إلّا أنّه معنون بعنوان التخلّص عن الغصب وهو واجب عقلاً وشرعاً(3) ولا وجه لتعلّق النهي به ولو سابقاً؛ إذ هو بهذا العنوان مطلوب من الأوّل أیضاً.
وفيه: أنّه إن أريد أنّه مأمور به بهذا العنوان من الأوّل على وجه الإطلاق فلا معنى له؛ إذ لازمه كون الدخول واجباً من باب المقدّمة وهو بديهي الفساد وإن أريد وجوبه بشرط الدخول فهو وإن کان كذلك إلّا أنّه لا مانع من النهي السابق؛ إذ قبل الدخول یكون جميع أنحاء التصرّف في مال الغير حراماً حتّى هذا التخلّص ويمكنه
ص: 519
الامتثال بترك الدخول، ولازم القول المذكور أن لا(1) يكون الدخول حراماً إلّا من حيث نفسه فلو فرضنا عدم حرمة الدخول من حيث هو يلزم أن لا يكون محرّماً من حيث المقدّمية للتصرّف الخروجي ولا يمكن الالتزام به.
ألا ترى أنّه لو علم أنّه لو دخل دار زيد مثلاً يجبر على شرب الخمر لا يجوز له الدخول وإن لم يكن الشرب حين صدوره حراماً؛ إذ قبل الدخول مکلّف بترك شرب الخمر في حال الدخول ويصحّ تکلیفه به ويكون الدخول حراماً من باب المقدّمة وإن کان(2) ينقطع النهي بالدخول، فكذا في المقام.
ويمكن أن يستدلّ للرازي(3) إذا لم يرجع قوله إلى قول صاحب الفصول بأنّ الخروج وإن کان مأموراً به ولا يكون منهياً عنه إلّا أنّه مبغوض للمولى ذاتاً وعدم النهي عنه من جهة عدم الإمکان فيعاقب على إتیان المبغوض اختياراً؛ لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً نظير العقاب على ترك الواجبات أو الإتیان بالمحرّمات في حال الجهل بحكمها إذا كان مقصّراً في ترك تحصيل العلمحين الالتفات، فإنّ الخطاب لا يتوجّه إلى الجاهل حال جهله لكن يمكن عقابه من جهة تقصيره لا بمعنى كون العقاب على ترك التحصيل بل بمعنى أنّ التقصير فيه يصحّح العقاب على الواقعيات.
واستدلّ صاحب الإشارات على ما ذكره: أمّا على كونه منهياً عنه فبأنّه غصب وهو حرام، وأمّا على عدم كونه مأموراً به فبأنّ الخروج ليس متعلّقاً للأمر بل الواجب
ص: 520
إنّما هو عدم التصرّف في ملك الغير بغير إذنه والخروج مقدّمة له وليس واجباً.(1)
وفيه منع عدم وجوب المقدّمة مع أنّ الخروج عين التخلّص الّذي هو واجب بحكم العقل، مضافاً إلى أنّه لا يعقل النهي عن هذا التصرّف مع فرض دوران أمره بينه وبين البقاء الّذي هو أشدّ حرمة.
ويمكن توجيه القول المذكور بوجه آخر وهو أنّه لا شكّ أنّ جميع أنحاء التصرّفات(2) في مال الغير حرام حتّى هذا التصرّف الخروجي، والتکلیف الوجوبي يتعلّق بترك الغصب والخروج مقدّمة له ومقدّمة الواجب إنّما تكون واجبة إذا لم تكن محرّمة فلا یتّصف الخروج بالوجوب لمكان النهي وإن انقطع بسبب تحقّق المخالفة.
غاية الأمر أنّه يجب من باب التخلّص عن الغصب وعن المحرّم الأشدّ بحكم العقل لكن لا يكون واجباً شرعاً، وما حكم به العقل يحكم به الشرع إذا لم يكن هناك مانع وفي المقام لا يمكن تعلّق الوجوب الشرعي به فلا يجري قاعدة الملازمة.
والحاصل: أنّ الخروج تصرّف غصبي حرام فلا يمكن أن يكون واجباً وإن کان النهي منقطعاً بعد الدخول؛ لأنّ الانقطاع إنّما يكون بالمخالفة وبعد انصباغ المحلّ بصبغ الحرمة لا يمكن انصباغه بالوجوب الشرعي، وأنّ حكم العقل بوجوبه من باب وجوب ارتكاب أقلّ القبيحين. فتدبّر(3)
واحتج صاحب الفصول لما صار إلیه بأنّ الغصب بجميع أنحائه مبغوض للمولى حتّى حال الخروج فما دام يمكن النهي عنه يكون منهياً(4) وإذا لم يمكن ينقطع
ص: 521
النهي، فقبل الدخول لما كان المکلّف متمکّناً من تركه بجميع أنحائه يكون مکلّفاً به وبعد الدخول يرتفع التمکّن مقدار ما يتوقّف عليه التخلّص الواجب بحكم العقل والشرع وهو مقدار الخروج المفروض انحصار التخلّص فيه، فلا يعقل بقاء إرادة الترك بالنسبة إلیه.
فيكون للخروج باعتبار ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادّان أحدهما مطلق وهو النهي والآخر مشروط بالدخول وهو الأمر وهما غير مجتمعين ليلزم الجمع بين الضدّين، بل یتّصف بکلّ في زمان ويلحقه حكمه من استحقاق الثواب والعقاب باعتبار الحالين ولو كانت المبغوضیّة مضادّة للمطلوبیّة ولو مع تعدّد الزمان لزم امتناع البداء في حقّنا مع وضوح جوازه وإنّما لا يترتّب هنا أثر الأوّل لرفع البداء له بخلاف المقام ولا يضرّ كون الشي ء الواحد طاعة وعصياناً؛ لأنّ تنافيهما ليس من حيث نفسيهما بل باعتبار ما أضيفا إلیه من الأمر والنهي وتنافيهما لا يكون إلّا مع وحدة الزمان.(1)
وأورد(2) عليه بوجوه:
أحدها: أنّه لا وجه لما ادّعاه من النهي السّابق؛ إذ التصرّف في مال الغير ليس من العناوين الّتي لا يختلف حكمها بتبدل العناوين ضرورة اتّصافه بالوجوب إذا اتّصف بعنوان حفظ النفس فيمكن أن يختلف حكمه بلحوق عنوان التخلّص أیضاً ولا شكّ أنّ موضوع التخلّص ممّا لا يختلف حكمه بعد الدخول وقبله وإن توقّف وجوده في الخارج على الدخول لترتّب طبيعي بينهما؛ إذ هذا التوقّف الوجودي لايعقل
ص: 522
أن يكون منشأ لاختلاف حكم ذلك الموقوف؛ إذ الحكم تابع لعنوان ينتزع تارة من ذات الفعل وأخرى باعتبارات(1) لاحقة له عند وجوده في الخارج ولا مدخل للأمور الّتي يتوقّف وجود العنوان عليها في ذلك.
وحینئذٍ فنقول: إنّ الحركات الواقعة في ملك الغير تارة غصب وأخرى معنونة بعنوان التخلّص عنه ويلحق کلّاً حكمه من غير مداخلة لأحد العنوانين في الآخر فالغصب مبغوض دائماً والتخلّص مطلوب كذلك ولو فرض كونه قبل الدخول حراماً وبعد الدخول واجباً يلزم كونه طاعة وعصياناً وهو محال، ولا يندفع استحالته بما ذكره من تعدّد الزمان؛ إذ(2) اختلاف الزمان إنّما ينفع في رفع التناقض إذا كانت القضية سالبة في أحدهما موجبة في الآخر كقولك: «زيد قائم أمس» و «زيد ليس بقائم الآن».
وأمّا إذا كان عنوان الفعل في أحدهما غير عنوانه في الآخر فلا يعقل أن يكون اختلاف الزمان في مثله رافعاً للتناقض.
توضيحه أنّ الحركات الواقعة في مال الغير لا يلحقها حكم مع قطع النظر عن لحوق العناوين وبلحوق الغصبيّة يلحقها الحرمة وبلحوق التخلّص يلحقها الوجوب ولا مدخل للزمان في ذلك وإنّما هو منشأ لوجود موضوع الوجوب في الخارج وعدم وجوده، فالبعدية إنّما تكون(3) مؤثّرة في تحقّق عنوان التخلّص في الوجود الخارجي، وأين ذلك من الزمان الّذي يؤخذ ظرفاً لوقوع النسبة في القضية؟
فإن أراد من قوله: «إنّ الغصب بجميع أنحائه حرام» جميع ما اتّصف بعنوان الغصبيّة فهو مسلّم ولا يجدي.
ص: 523
وإن أراد ما يعمّ الحركة الخروجية المعنونة بعنوان التخلّص فلا نسلّم حرمته؛ إذ العقل والنقل على ما اعترف به قد تعاضدا على وجوبه ومطلوبیّته.(1)
وفيه: أنّ كون التصرّف في مال الغير من قبيل الأفعال الّتي لا حكم لها فينفسها بل يختلف باختلاف العناوين اللاحقة ممنوع بل هو متّصف بالقبح في حدّ نفسه، غاية الأمر أنّه يطرؤه(2) في بعض الأحوال والأوقات عنوان يوجب رفع اليد عن حكمه كالاضطرار وحفظ النفس ونحو ذلك فهو كسائر المحرّمات المضطرّ إلى ارتكابها الغير الخارجة عن قبحها الذاتي.
وعلى فرض التسليم نقول: إنّ عنوان الغصبيّة لا ينفكّ عنه والمفروض أنّ الحرمة لازمة له من حيث هو ولحوق عنوان التخلّص ليس بعد زوال عنوان الغصبيّة بل هو طارٍ عليه فهو في طوله لا في عرضه.
فدعوى عدم المداخلة بين العنوانين ممنوعة.
وأمّا ما ذكره من أنّ عنوان التخلّص مطلوب من الأوّل فإن أراد أنّه مطلوب مطلقاً فهو واضح الفساد؛ ضرورة أنّ لازمه كون الدخول واجباً من باب المقدّمة، وإن أراد مطلوبیّته بشرط الدخول فلا يجديه؛ إذ لا يكون حینئذٍ واجباً من الأوّل فيمكن أن يكون من الأوّل حراماً ولا يلزم اجتماع الحرمة والوجوب في زمان واحد.
ودعوى لزوم اجتماع الطاعة والعصيان في شي ء واحد؛
مدفوعة بما ذكره في الفصول.(3)
ص: 524
وما ذكره من أنّ تعدّد الزمان لا يرفع التناقض في المقام(1)؛ إذ هو إنّما يؤثّر في تغیّر العنوان وتعدّده ولا مدخل له في تغیّر الحكم من حيث هو؛
فيه: أنّ العنوان لا يتغیّر بتغیّر الزمان بل يحدث عنوان آخر مع بقاء العنوان الأوّل فيصدق أنّ هذه الحركة الخاصّة متّصفة بكذا في زمان وبضدّه في آخر.
وكان الأولى أن يقول: إنّ تعدّد الزمان إنّما يثمر إذا كان الفعل متعدّداً بتعدّدهكما في مثال «قيام زيد» فإنّ قيامه أمس غير قيامه اليوم بخلاف المقام، فإنّ الفعل الواحد الشخصي متّصف بحكمين في زمانين وهو مشکل.
ولعلّه إلیه نظر بقوله:
الثاني: لو سلّمنا أنّ اختلاف الزمان يجدي في دفع التناقض(2) نقول: قد قرّر في محلّه أنّ اختلاف نفس الزمان من دون رجوعه إلى اختلاف عنوان الفعل كالشي ء الواحد الشخصي لا يعقل توارد الأمر والنهي عليه كما نبّهوا على ذلك في مسألة النّسخ قبل حضور وقت العمل. (3)
ولكن فيه: أنّ غير المعقول إنّما هو إذا كان حكم الثاني وارداً على نفس العنوان
ص: 525
الأوّل وأمّا إذا كان وارداً على عنوان آخر متّحد في المصداق مع الأوّل فلا بأس به كما في المقام فإنّ الحركة الخاصّة متّصفة بالحرمة من حيث إنّها غصب، وبالوجوب لا من حيث إنّها غصب بل من حيث إنّها تخلّص عن الغصب وإن كانت غصباً(1) أیضاً في حال كونها تخلّصاً، وأمّا النسخ فيجوز وإن کان العنوان واحداً أیضاً وسيأتي بيانه(2) إن شاء الله.
الثّالث: أنّ القول بإجداء اختلاف الزمان ينافي ما هو بصدده من إجراء حكم النهي السابق، كيف والنهي مفروض الاختصاص بالزمان الأوّل ولازم ذلك اختصاص حكمه أیضاً بذلك الزمان.
ألا ترى أنّ حرمة الخمر في الأمس لا توجب إجراء حكمه إلى اليوم.(3)
وفيه: أنّ اختصاص النهي بالزمان السّابق ليس من جهة حصول البداء بالنسبة إلیه حتّى يرتفع أثره بل من جهة عدم إمکان تسريته إلى ما بعد الدخول من جهة الاضطرار إلى الارتكاب وبمجرّد الدخول يتحقّق عصيانه فيجري حكمه.
وبعبارة أخری: انقطاع النهي إنّما هو بالمخالفة والعصيان ولازم ذلك استحقاق العقاب فليس من قبيل المثال المذكور ولا من قبيل البداء أیضاً كما بيّنه صاحب الفصول(4) في کلامه المتقدّم.
ص: 526
الرّابع: أنّ استفادة الحكم المذكور من الدليل اللّفظي الدالّ على حرمة الغصب مثل قوله: «لا تغصب» لا تخلو(1) عن إشکال فإنّه بعمومه يدلّ على تحريم جميع أفراد الغصب في مرتبة واحدة والترتيب المذكور ممّا لا يعقل استفادته من الدليل المذكور.(2)
وفيه: أنّ مقتضى العموم المذكور حرمة جميع أفراد الغصب وأنحائه ووجوب تركها، والعقل يخصّص التکلیف المذكور بصورة التمکّن من الترك، فقبل الدخول لمّا كان متمکّناً من الترك يتوجّه إلیه الخطاب وبعد الدخول والمخالفة ينقطع الخطاب لعدم التمکّن من الترك ولا محذور في ذلك فليس الاستفادة من مجرّد الدليل اللّفظي.
الخامس: أنّ ما أفاده من أنّ النهي على وجه الإطلاق والأمر مشروط بالدخول لا يخلو(3) عن تناقض فإنّ النهي على الإطلاق وجميع التقادير ينافي الأمر به علىبعضها.(4)
وفيه: أنّ المراد من كون النّهي على الإطلاق عدم(5) اشتراطه بالدخول وأنّه متوجّه إلیه قبل الدخول لا أنّه يبقى إلى ما بعد الدخول أیضاً حتّى ينافي الأمر.
ص: 527
والمراد من جميع التقادير جميع أفراد الغصب من الدخول والخروج والبقاء لا جميع الأزمنة فلا تناقض في کلامه كما هو واضح.(1)
فقول المُورِد(2) - أنّ ما ذكره صاحب الفصول(3) ساقط جدّاً من جهة هذه الإيرادات - ساقط جدّاً.
والإنصاف صحّة ما ذكره لكن على مذاقنا من إجداء تعدّد العنوان وتعدّد الجهة في أصل المسألة لا على مذاقه من عدم إجدائه.
وعمدة الإشکال لزوم اجتماع حكمين متضادّين في فعل واحد شخصي ولو في زمانين مع عدم الانقلاب وعدم رفع اليد عن الحكم الأوّل فإنّه مشکل على مذاقه.
وتحقیق الحال في ذلك وفي أصل المطلب برسم أمور:
الأوّل: لا إشکال في حرمة التصرّف في مال الغير بجميع أنحائه عقلاً ونقلاً حتّى التصرّف الخروجي الّذي هو مصداق للتخلّص فإنّه قبل الدخول حرام ويصحّ النهي عنه وإن کان لو دخل يؤمر به من حيث إنّه تخلّص؛ إذ ذلك لا يخرجه عن كونه مبغوضاً في نفسه؛ إذ لا مانع من النهي المذكور على الإطلاق قبل الدخول لقدرته على موافقته بتركه بترك الدخول وعلى مخالفته بإيجاده بإيجاد الدخول لا بمعنى أنّه يتحقّق المخالفة حين(4) الدخول لعدم مجي ء زمانه وعدم تحقّقه بعد(5) في الخارج بل بمعنى أنّه
ص: 528
یتّصف بالمخالفة حينه ويصحّ التکلیف به لمكان القدرة عليه بإيجاد(1) سببه وتركه كما في سائر المحرّمات المقدورة بالواسطة وإن انقطع النهي عنها حينها؛ إذ هو لا ينافي كونها حراماً ومخالفة، فإذا رمى سهماً يصيب رجلاً بعد ساعة يكون القتل الواقع في الخارج حين وقوعه(2) مخالفة(3) وإن انقطع النهي حين الرّمي.
ومن قبيل ما نحن فيه النهي عن شرب الخمر المجبور عليه إذا دخل مكاناً خاصّاً، فإنّه محرّم عليه قبل الدخول لمكان قدرته على تركه بترك الدخول فيه فإذا دخل وشرب يصدق عليه مخالفة ذلك النهي وإن کان مأموراً به حين الشرب لمكان المجبوریّة ولا فرق في كون الخروج حراماً ومبغوضاً من حيث هو بين أن يكون الدخول عصیاناً(4) أو نسياناً.
غاية الأمر عدم العقاب على الفرض الثاني كما إذا كان مجبوراً في أصل الدخول فإنّ خروجه كدخوله مبغوض ومحرّم معذور في ارتكابه ولا يخرج بذلك عن كونه حراماً من حيث نفسه نظير قتل النفس جهلاً أو نسياناً وليست الحرمة دائرة مدار العمد والعصيان.
الثاني: لا إشکال أیضاً في كون التخلّص عن الحرام واجباً بشرط الوقوع فيه لا مطلقاً فإنّ لازمه وجوب الوقوع فيه من باب المقدّمة ولا يمكن الالتزام به وحینئذٍ فإن أمكن بغير الإتیان بالمحرّم تعيّن فيه كما لو كان قادراً على إرضاء المالك في الحال وإلّا
ص: 529
تعيّن ارتكاب ذلك المحرّم إذا كان أخفّ حرمة من المحرم(1) الواقع فيه.
كما إذا(2) انحصر أمره فيما نحن فيه بالخروج فإنّه يجب عليه من غير تأمّل وإشکال بحكم العقل، ولكن لا يخرج المحرّم عن كونه محرّماً من حيث هو نظير الاضطرار إلى سائر المحرّمات.
هذا ولو اختار الخروج في الفرض الأوّل وهو ما إذا كان هناك فرد للتخلّص محلّل فهل يكون واجباً وحراماً من حيث إنّه مصداق للتخلّص الواجب نظير الصلاة والغصب أم لا؟
التحقیق أنّه ليس من هذا الباب بل هو حرام صرف ولو على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي(3) مع المندوحة.
وذلك لأنّ العقل الحاكم بوجوب التخلّص يعيّن طريقه في غير الخروج المحرّم، فإنّ التخلّص عنه أیضاً واجب بحكمه فلا يعقل أن يكون مصداقاً للتخلّص الواجب خصوصاً في مثل(4) ما نحن فيه ممّا يكون المحرّم المتخلّص عنه والمتخلّص به عنواناً واحداً.
وفي الفرض الثاني أیضاً لا يكون الخروج تخلّصاً عن أصل الحرام بل عن بعض أفراده الأشدّ في الحرمة مثل البقاء أبداً ففي الفرض الأوّل لمّا كان الواجب عليه التخلّص عن طبيعة الغصب لا عن خصوص بعض أفراده تعيّن مصداقه في خصوص المباح ولا يكون الخروج مصداقاً له إلّا بالنّسبة إلى الجزء الأخير منه؛ إذ هو تخلّص عن طبيعة الغصب، وفي الفرض الثاني الواجب هو التخلّص عن الفرد الأشدّ فيكون
ص: 530
الخروج مصداقاً له، وهذا واضح.
هذا بناء على كون الخروج مصداقاً للتخلّص وأمّا على فرض كونه مقدّمة له كما هو التحقیق فنقول أیضاً: إنّ العقل یعيّن طريق تحصيله في غير الخروج. فتدبّر.
الثّالث: يجوز كون فعل واحد شخصي متّصفاً بحكمين مختلفين في زمانين فيالجملة وذلك بأن ينقلب الحكم الأوّل إلى الحكم(1) الثاني بحيث يرتفع الأوّل أصلاً:
إمّا بالبداء(2) الحقيقي كما إذا أمر بفعل في زمان خاصّ بتخيّل أنّه ذو مصلحة فبان له بعد ذلك وقبل مجي ء زمان الفعل أنّه ذو مفسدة فنهى عنه، فإنّ ذلك الفعل الخاصّ يكون متعلّقاً للأمر والنهي في زمانين لكن يكون الحكم الثاني بعد رفع الحكم الأوّل بحيث لا يبقى أثره أیضاً، وهذا في حقّ الشارع مُحال، فإنّ البداء في حقّه إبداء بعد الإخفاء فليس الحكم الأوّل شاملاً لذلك الفعل؛
وإمّا بانقلاب موضوع المکلّف كما إذا بلغ الصّبي بعد الظهر مثلاً قبل مضيّ مقدار الصّلاة فإنّ الصّلاة المعيّنة كانت مستحبّة قبل البلوغ وقد صارت واجبة بعده وكما إذا فرض للمکلّف مقدار من المال لا يكون بقدر الاستطاعة الشرعیّة ولكن لو بلغ إلى الميقات وكان عنده هذا المقدار(3) يكون مستطيعاً فقبل أن يصل إلیه يكون مکلّفاً بحجّ هذه السنة ندباً وإذا وصل إلى الميقات متسكّعاً يصير الحجّ واجباً عليه؛ لأنّه يصير مستطيعاً فانقلب التکلیف في المثالين بانقلاب موضوع الصّبي بالغاً وغير المستطيع مستطيعاً؛
ص: 531
وإمّا بانقلاب موضوع المکلِّف - بالكسر - كما إذا كان شخص عبداً لمالكٍ فنهاه عن فعل خاصّ فمات المالك وصار عبداً لمالكٍ آخر فأمره بذلك الفعل؛
وإمّا بانقلاب موضوع المکلَّف به وتبدّل عنوانه كما إذا نهاه المالك عن التصرّف في ملك خاصّ فانتقل ملكه إلیه أو إلى شخص آخر وأباح له ذلك التصرّف الخاصّ في الزمان الخاصّ.
ففي جميع هذه الصّور يتوارد حكمان مختلفان على موضوع واحد شخصي ولو بحسب الزمان لكن مع اختلاف زمان الحكمين ولا بأس بذلك ولا يضرّ عدم إمکان امتثال التکلیف الأوّل من حيث إنّ المفروض أنّه ينقلب إلى التکلیف الثاني قبل مجي ء زمان الفعل؛ إذ لا يعتبر في التکلیف أزيد من إمکان الامتثال مع فرض بقاءالتکلیف وهو كذلك، وعدم الإمکان من جهة ارتفاع الحكم لا يضرّ بصحّة وروده.
هذا وأمّا(1) اتّصاف فعل واحد بحكمين مختلفين ولو في زمانين لا على وجه الانقلاب بل مع بقاء أثر الحكم الأوّل فلا يجوز إذا كان الحكم الثاني وارداً على عنوان الحكم الأوّل.
مثلاً إذا كان الخروج فيما نحن فيه حراماً من الأوّل من حيث إنّه خروج فلا يجوز أن يجب من هذه الحيثيّة بعد الدخول وإن کان الحكم الثاني مشروطاً والأوّل مطلقاً؛ لأنّ ذلك الخروج في محلّه متّصف بالمبغوضیّة والحرمة فلا يعقل أن يكون واجباً أیضاً ولو كان النهي منقطعاً؛ إذ الانقطاع ليس برفع اليد عنه بل بإيجاد سبب المخالفة ومثل هذا الانقطاع لا أثر له.
ألا ترى أنّه لو كان قتل زيد حراماً فلا يمكن أن يكون واجباً بعد رمي السهم وقبل الوصول إلیه إلّا بالبداء ومعه يرتفع النهي من الأصل بحيث لا يكون المکلّف
ص: 532
معاقباً ويكون عمله مثل التجرّي على الحرام، وكذا إذا حرم عليه الارتماس في الماء فألقى نفسه من شاهق في الماء فقبل الوصول إلیه وبعد الإلقاء وإن انقطع النهي إلّا أنه لا يمكن أن یتّصف الارتماس بغير الحرمة إلّا مع البداء أو غيره من أنحاء الانقلاب.
ففيما نحن فيه أیضاً الخروج إذا كان محرّماً قبل الدخول فلا يعقل أن یتّصف بالوجوب من هذه الحيثيّة بعده.
ودعوى أنّ الارتماس والقتل في المثالين خارجان عن تحت القدرة فلذا لا يعقل وجوبهما بخلاف الخروج فيما نحن فيه؛
مدفوعة بأنّه لا فرق بين الاضطرار إلى الفعل بالخصوص أو إلى أحد الفعلين وفيما نحن فيه وإن لم يكن مضطرّاً إلى خصوص الخروج عقلاً إلّا أنّه مضطرّ إلى أحد المحرّمين من البقاء والخروج.
وإن شئت فقل: إنّه مضطرّ إلى الخروج بعد حكم الشرع بحرمة البقاء وأشدّيّتها من حرمة الخروج.مع أنّ الملاك ليس هو الاضطرار بحيث يكون الفعل خارجاً عن تحت(1) قدرته(2)، بل هو(3) عدم معقولية اتّصاف المحلّ بالمحبوبيّة بعد صيرورته متّصفاً بالمبغوضیّة؛ لأنّ المفروض أنّ الخروج الواقع بعدُ لا يخرج عن كونه مخالفة للآمر ومبغوضاً له.
وهذا الحكم جارٍ في جميع الموارد الّتي أوجد المکلّف سبب الحرام ولم يتحقّق المحرّم بعدُ في الخارج فلا يعقل اتّصافه بحكم مخالف بغير الانقلاب.
نعم إذا كان له عنوان آخر يجوز أن یتّصف بالحكم المخالف من حيث ذلك
ص: 533
العنوان فمثل الارتماس المفروض يجوز أن یتّصف بالوجوب من حيث إنّه غسل الجنابة لكن إذا كان الحكم وارداً على عنوان الغسل الأعمّ من الارتماس والترتيب، وإلّا فلايجوز وجوب خصوص الارتماسي(1) من الغسل؛ لأنّه إذا كان الارتماس حراماً فلايجوز أن يكون واجباً ولو في ضمن الغسل، وأمّا إذا وجبت(2) طبيعة الغسل(3) الأعمّ فأوجده المکلّف في ضمن الارتماس فلا بأس به ويكون من اجتماع الأمر والنهي مع تعدّد الجهة، وفي المقام أیضاً يمكن أن یتّصف الخروج بالوجوب(4) من حيث إنّه تخلّص عن الغصب وإن کان منحصراً فيه فيكون تعدّد الجهة مجدياً في ذلك وإن لم يكن مجدياً مع اتّحاد الزمان لفرض الانحصار.
والحاصل: أنّه يجوز اجتماع الوجوب والحرمة في شي ء واحد شخصي إذا كان مع تعدّد العنوان مع المندوحة ولو في زمان واحد، ولا مع المندوحة لفرض الانحصار إذا كان في زمانين، فتعدّد الزمان بمنزلة المندوحة في صورة وحدة الزمانفيشترط في جواز الاجتماع أمران: تعدّد العنوان، وأحد الأمرين من المندوحة أو تعدّد الزمان.
إذا عرفت ذلك ظهر لك الحال في المسألة وأنّه منهي عنه قبل الدخول ومأمور به بعده لكن بعنوان التخلّص.
وإنّ ما ذكره في الفصول من الجواز مع تعدّد الزمان(5) إنّما ينفع على مذاق من يجوّز الاجتماع مع تعدّد الجهة ويقول بتعلّق الأحکام بالطبایع، وأمّا على مذاقه فلا
ص: 534
ينفع، وأیضاً ظاهر کلامه إجداء تعدّد الزمان حتّى مع عدم تعدّد العنوان وقد عرفت استحالته وأنّ تنظيره بالبداء تنظير بغير النظير.
فإن قلت: على ما ذكرت أیضاً يلزم ورود الحكمين على عنوان واحد؛ وذلك لأنّ هذا القسم من التخلّص كان قبل الدخول متّصفاً بالحرمة فلا يعقل أن يكون واجباً بعده.
قلت: نعم ولكن ليست الحرمة واردة عليه بعنوان أنّه تخلّص بل بعنوان أنّه غصب، فالتخلّص المخصوص مصداق للحرام لا أنّه بعنوانه حرام، وهذا واضح(1)
وممّا ذكرنا من إمکان توجّه النهي إلى الحرام المضطرّ إلیه قبل الاضطرار وإن وجب بعده ظهر أنّه لا حاجة إلى التزام كون النهي في أمثال ذلك متوجّهاً إلى إيجاد سبب الاضطرار دون نفس الفعل المضطرّ إلیه لمكان وجوبه بالاضطرار.
فلا وجه لما ذهب إلیه بعضهم من الالتزام بذلك حيث إنّه لمّا حكم بأنّ مثل التصرّف في مال الغير وشرب الخمر ونحوهما في حدّ نفسه لا حكم له ولا یتّصف بالحرمة بل يختلف باختلاف العناوين اللاحقة(2) ويكون(3) الخروج في المثال المتقدّمحراماً قبل الدّخول رأی(4) أنّ لازم ذلك وجوب إيجاد السّبب من باب المقدّمة
ص: 535
للتخلّص الواجب أو لا أقلّ من جوازه بناءً على كون وجوب التخلّص مشروطاً بالدخول مع أنّه لا يمكن الالتزام بشي ء منهما فحكم بأنّ النهي في أمثال ذلك متعلّق بإيجاد السبب للاضطرار.
قال: ونظير ذلك قد يتحقّق في الأوامر فإنّه ربما لا يمكن الأمر بشي ء ابتداءً فيتعلّق الأمر(1) بمقدّمته، ثمّ يتعلّق بعد ذلك بذيها وذلك كما لو قلنا بعدم تکلیف الغافل الصرف إلّا بعد العلم التفصيلي فإنّ الآمر لو حاول طلب شي ء منه لا بدّ أن يطلب أوّلاً تحصيل(2) العلم حتّى يتوجّه إلیه التکلیف بذي المقدّمة.
ومن هنا ذهب جماعة(3) إلى أنّ المکلّف المقصّر إنّما يعاقب على ترك تحصيل العلم وإلى ما ذكرنا يشير بعض الأخبار من المنع عن المسافرة إلى البلاد الّتي لا يتمکّن المسافر(4) فيها من أداء أحكام الإسلام وعلى ذلك استقرّ بناء العقلاء في أمور معاشهم؛ إذ يعاقبون على التسبيبات المذكورة دون نفس(5) المسبّبات.
ص: 536
ولعلّ حمل کلام الرّازى(1) على ذلك أولى ممّا حمله عليه صاحب الفصول(2) لماعرفت من فساده جدّاً، كما أنّه يحتمل أن يكون ذلك مراد من قال: إنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار خطاباً لا عقاباً، فإنّ العقاب على الممتنع قبيح فلا بدّ أن يكون المراد العقاب على السّبب(3).(4) انتهى.
إذ قد عرفت إمکان توجّه الخطاب بذي المقدّمة مع أنّ الحكم بحرمة السبب المذكور إن کان من باب المقدّميّة فلا يعقل إلّا مع حرمة ذي المقدّمة، وإن کان من باب أنّه محرّم نفسي فلا وجه له؛ إذ من المعلوم أنّه لا مفسدة فيه سوى الإيصال إلى الحرام.
ودعوى أنّ الإيصال إلى الحرام أیضاً من المفاسد فيمكن الحرمة النفسيّة لذلك؛
مدفوعة بأنّ لازمه الحكم بوجوب المقدّمات وحرمتها نفساً ولا يمكن الالتزام به.
ولا يخفى أنّ ما ذكره هذا القائل غير ما اختاره بعضهم من أنّ الأمر بالمسبّبات أمر بأسبابها وكذا النهي؛ إذ ذلك أیضاً إنّما يفرض فيما يمكن تعلّق التکلیف بالمسبّبات والمفروض في المقام عدم إمکان النهي عن المسبّب على ما ذكره هذا القائل.
ص: 537
هذا وأمّا في مسألة الجاهل فلا وجه للقول بكون تحصيل العلم واجباً نفسيّاً بل التکلیف متعلّق بالواقعيّات وإلّا لزم التصويب.
والتکلیف مقتضٍ للعقاب إلّا إذا كان للمکلّف عذر قاطع فمع فرض تقصيره لا مانع من عقابه على نفس الواقع وإن کان غافلاً عنه وإن فرض عدم قدرته على إتیانالواقع مع قطع النظر عن الجهل فنقول: لا مانع من عقابه إذا كان ذلك من جهة تقصيره في المقدّمات لكن مع الالتزام بكون التكاليف من باب الواجبات المعلّقة لا المشروطة وإلّا فلو كان التقصير قبل أوقات التكاليف يشکل عقابهم ونلتزم بالعدم حینئذٍ.
وأمّا کلام الرازي(1) فقد عرفت محمله، وكذا قولهم: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وأمّا دعوى استقرار بناء العقلاء على ما ذكره فهي ممنوعة بل عقابهم على نفس المسبّبات وإن كانت غير مقدورة؛ لأنّ القدرة عليها حين إيجاد الأسباب كافٍ في صحّة العقاب عليها. فتدبّر.
ثمّ لا يخفى أنّه بناءً على وجوب الخروج سواء قلنا بكونه منهياً عنه بالنهي السّابق أو لا، يكون وجوبه مقصوراً على ما إذا كان بقصد التخلّص مع حصوله أیضاً في الخارج.
فلو خرج لا بعنوان التخلّص بل بقصد العدوان أو لا(2) عن قصد لا يخرج عن
ص: 538
كونه محرّماً ومعاقباً عليه ولا يشمله الإذن أو(1) الوجوب(2) لا لاعتبار قصد العنوان في صدق موضوع التخلّص نظير ما يقال في مثل(3) التأديب والتعظيم لمنع ذلك فيه بل فيهما أیضاً فإنّ التخلّص يتحقّق بالخروج ولو كان لا عن قصد وكذلك التأديب والتعظيم.
فإنّ التأديب إيجاد الأدب والتعظيم إيجاد ما يوجب العظمة ولا يتوقّف شي ءمن(4) ذلك(5) على القصد.
نعم لا نضايق في أنّ بعض أفراد(6) التعظيم(7) لا يصدق عليه العنوان إلّا مع القصد لكن ليس كذلك(8) کلّيّة، بل لأنّ العقل والنقل متطابقان على كون التصرّف في مال الغير حراماً وقبيحاً والقدر المرخص فيه بحكم العقل والشرع الحاكم على طبقه ما يكون بقصد التخلّص؛ إذ لا مانع عقلاً من العقاب على ما يكون بعنوان العدوان وليس الاضطرار موجباً لأزيد من الإذن على التقدير المذكور.
وكذا في وجوب التأديب نقول(9): إنّ الإيذاء حرام وقبيح والقدر المأذون فيه ما كان بقصد التأديب فالضرب بقصد الإيلام والإيذاء لا يكون مرخّصاً فيه وإن حصل منه الأدب في الخارج وصدق عليه أنّه تأديب خصوصاً مع جهل المکلّف بكون
ص: 539
الضرب المذكور سبباً للأدب وأنّه مأذون فيه على هذا الوجه وكذا في المقام إذا كان جاهلاً بأنّ المشي إلى الجهة المعيّنة خروج عن الغصب وتخلّص منه.
فإن قلت: المفروض أنّ مطلق الخروج مشتمل على مصلحة التخلّص والحكم العقلي تابع للمصلحة فلا وجه لقصر حكمه على ما إذا كان بقصد التخلّص.
قلت: سلّمنا أنّ المصلحة في المطلق إلّا أنّ هناك مانعاً(1) عن شمول الحكم له؛ لأنّ التصرّف العدواني قبيح من حيث هو ولا بدّ في الخروج عنه من الاقتصار على مقدار الإلجاء وهو خاصّ بحكم العقل بما إذا كان مع القصد المذكور فإنّ العقل لا يستقبح العقاب على ما كان لا بهذا القصد.
وإن شئت فقل: إنّ الحكم تابع لمصلحة التشريع ولا یکفي مجرّد مصلحة الفعل في ذلك، وكذا لو مشى نحو الخارج بقصد التخلّص لكن بدا له في ذلك قبل الخروج فإنّه لا يخرج تصرّفه عن كونه محرّماً ومعاقباً عليه ويكشف عدم خروجه عنبقاء النهي بالنّسبة إلى مقدار ما مشى أیضاً لا لاعتبار المقدّمة الموصلة بل لما مرّ من أنّ العقل لايرخّص في مثل التصرّف المذكور.
نعم لو كان قاصداً للخروج ومشى نحو الخارج فحال بينه وبينه(2) مانع قهري كان مقدار ما مشى متّصفاً بالوجوب بناءً على وجوب مطلق المقدّمة دون خصوص الموصلة إذا جعلنا الخروج مقدّمة للتخلّص لا مصداقاً له، ولو جعلناه مصداقاً له فكذلك(3) إن جعلنا المصداق مجموع الحركة الخروجيّة من حيث المجموع(4) وإن جعلنا
ص: 540
المصداق المشي نحو الخارج فيكون کلّ قدم متّصفاً بالتخلّص؛ لأنّه تخلّص عن البقاء في مقامه السّابق. فتأمّل.
لكن لا ينبغي التأمّل في كون الخروج مقدّمة للتخلّص وأنّه عنوان بسيط لايتحقّق في الخارج إلّا بالخروج.
ثمّ ممّا ذكرنا ظهر حال الصّلاة حال الخروج فإنّها تصحّ إذا كانت نافلة مطلقاً أو فريضة في ضيق الوقت بناءً على وجوب الخروج وإن قلنا بحرمته بالنهي السابق؛ لأنّه قد انقطع فلا مانع من الأمر بالصّلاة ولو على مذهب المانعين من الاجتماع في أصل المسألة، بل عن العلّامة في المنتهی(1) دعوى الإجماع على الصحّة.(2)
نعم لازم من قال بأنّه منهي عنه وليس بمأمور به أصلاً بطلان الصّلاة؛ لعدم الأمرإلّا بناءً على ما احتملناه(3) سابقاً من صحّة الصّلاة ولو مع عدم الأمر.
وأمّا على مذهب أبي هاشم(4) وغيره ممّن قال بكونه مأموراً به ومنهياً عنه فقد يتخيّل بطلان الصّلاة.
قال في الجواهر بعد ما حكم بالصحّة: «لكن عن أبي هاشم أنّ الخروج أیضاً
ص: 541
تصرّف في المغصوب فيكون معصية فلا تصحّ الصّلاة حینئذٍ».(1)
بل يظهر من المحكي(2) عن نهاية(3) العلامة(4) إسناد عدم الصحّة إلیه.(5)
ولكن فيه نظر فإنّه إذا كان واجباً وحراماً عنده فلازمه صحّة الصّلاة؛ إذ يكون نظير مذهب المجوّزين للاجتماع في أصل المسألة، فلا وجه للحكم بالبطلان على مذهبه.ويحتمل الحكم بصحّة النافلة حال الخروج على جميع المذاهب بناءً على عدم
ص: 542
كون القراءة(1) تصرّفاً في المغصوب، فإنّه ليس فيها ركوع وسجود ویکفي فيها الإيماء لهما.
هذا وأمّا الصّلاة مع البقاء وعدم الخروج فباطلة على مذهب المانعين مطلقاً إلّا إذا كانت نافلة وأتى بها بالإيماء على البناء المذكور.
وأمّا على مذهب المجوّزين في أصل المسألة فمبنيّة على وجود الأمر بطبيعة الصلاة وعدمه.
فإن قلنا بوجوب الخروج أو كان التخلّص ممكناً بغيره من غير مضيّ زمان فتكون صحيحة وإن اختار الفرد المشتمل على الرّكوع والسّجود بسوء اختياره.
وإن قلنا بعدم وجوب الخروج ولم يمكن التخلّص بغيره، أو أمكن وكان محتاجاً إلى مضيّ زمان فتكون باطلة؛ لعدم الأمر حینئذٍ بها أصلاً إلّا على ما احتملناه(2) من الصحّة ولو مع عدم الأمر.
ثمّ إنّه ربما يستشکل في حكمهم بصحّة الفريضة حال الخروج إذا كان في ضيق الوقت ولو قلنا بوجوبه وعدم النهي فيما لو كان الدخول في دار الغير عمداً وعدواناً بأنّ من المعلوم أنّه حینئذٍ معاقب على ترك الصّلاة المشتملة على الرّكوع والسّجود ومعه لايعقل صحّة الصّلاة الاضطراريّة؛ لأنّ العقاب لا يكون إلّا مع العصيان وهو فرع عدم كون هذه بدلاً وإلّا لزم الجمع بين البدل والمبدل منه.
وبعبارة أخری: إذا كان مکلّفاً بهذا البدل فكأنّه أتى بالمبدل منه فلا وجه
ص: 543
للعقاب وإذا حكم بالعقاب فيكشف عن عدم كون البدل مکلّفاً به ولذا حكي عنيحيى بن سعيد(1) إسناد الصحّة إلى القيل المشعر بالضعف.
قلت: هذا الإشکال سيّال في جميع المقامات الّتي يكون المکلّف سبباً للدخول تحت العنوان الاضطراري مثل إهراق الماء بعد الوقت وإيجاد سبب العجز عن القيام في الصّلاة وتفويت السّاتر وهكذا.
وحاصل تقرير الإشکال أنّه معاقب قطعاً ولا يكون العقاب على إهراق الماء؛ لعدم حرمته نفساً والحرمة المقدّميّة فرع كونه موجباً لتفويت الصلاة والمفروض عدم الفوات لصيرورته مکلّفاً بالصّلاة مع التيمّم أو جالساً أو عارياً أو نحو ذلك فلا يعقل العقاب على ترك الواجب.
ويمكن الجواب بأنّه معاقب على ترك الصّلاة التامّة الكاملة الواجبة في المرتبة الأولى لفرض التمکّن منها والأمر بالبدل إنّما هو بعد عصيانه للتکلیف الاختياري وليس البدل في عرض المبدل منه كما في المسافر والحاضر بل في طوله.
فهو من الأوّل مکلّف بالصّلاة مع الوضوء فما دام يمكنه ذلك في تمام الوقت يجب عليه، وإذا أهرق ماءه(2) اختياراً فقد عصى بترك الصّلاة مع الوضوء ويعاقب على ذلك، وإن صار بعد ذلك مکلّفاً بالبدل ولا يلزم الجمع بين العوض والمعوّض عنه؛ إذ
ص: 544
لم يکلّف بهما في زمان واحد.
فالمقام نظير ما لو ترك الصّلاة في الوقت وصار مکلّفاً بالإتیان بها خارج الوقت بناءً على القول بأنّ القضاء بالأمر الأوّل بجعله من باب تعدّد المطلوب فإنّه يعاقب على ترك الصّلاة في الوقت لا على ترك أصل الصّلاة إذا أتى بها خارج الوقت.ففي المقام أیضاً نقول بأنّه(1) مکلّف بأصل الصّلاة وبكونها مع الوضوء إن أمكن فيعاقب على ترك الصّلاة مع الوضوء لا على ترك أصل الصّلاة ولاعلى خصوص ترك الوضوء.
والحاصل: أنّه مکلّف بالبدل والمبدل منه على سبيل الترتّب، نظير ما ذكره كاشف الغطاء في دفع الإشکال عن مسألة صحّة صلاة الجاهل بالقصر والإتمام والجهر والإخفات،(2) مع كونه معاقباً على ترك الواقع.
ولكن لا يرد علينا ما يرد عليه من الإشکال، فإنّه على ما ذكره يرجع إلى إيجاب القصر والإتمام في آنٍ واحد؛ إذ بالعصيان لا يرتفع الواقع بخلاف مقامنا فإنّ التکلیف الاختياري يسقط بالعصيان ويصير مکلّفاً بالبدل بعده.
ص: 545
وبالجملة العقاب على ترك المبدل منه إنّما ينافي صحّة البدل إذا كان في عرض(1) المبدل منه(2) دون ما إذا كان مترتّباً على عصيانه ولا يستلزم الجمع بينهما على هذا الوجه.
هذا وربما يستشکل على المشهور في حكمهم بصحّة الصّلاة حال الخروج بوجه آخر وهو أنّه منافٍ لما ذهبوا إلیه من بطلان الصّلاة في المغصوب مع الجهلبالحرمة؛ إذ هما من وادٍ واحد وهو عدم توجّه النهي فعلاً إلى المکلّف.
وأنت خبير بعدم الوقع(3) لهذا الإشکال؛ إذ الفرق بين المقامين واضح حيث إنّ المتوسّط للغصب ليس مکلّفاً بترك الغصب حال الخروج لا واقعاً ولا ظاهراً وإن قلنا بكونه معاقباً من جهة النهي السابق، فلا مانع من تعلّق الأمر بالصّلاة به بخلاف الجاهل فإنّه مکلّف واقعاً بالترك فلا يمكن أمره بالصّلاة بناءً على مذهب المانعين.
نعم يرد الإشکال على من خصّ المنع بالأمر والنهي الفعليّين(4) وقد عرفت سابقاً(5) أنّه لا وجه له.
التّاسع: إذا كان الفعل المطلوب من المکلّف ممّا يتوقّف على الشّركة مع غيره كأن يطلب منه رفع حجر لا يمكنه رفعه إلّا مع آخر فشارك مع من يحرم عليه ذلك
ص: 546
الفعل، فهل يكون من اجتماع الأمر والنهي أو لا؟
الظاهر أنّه ليس منه إذا فرض كون المطلوب من کلّ مکلّف الشّركة فيه فإنّ حرمته على الآخر لا دخل له بوجوبه عليه؛ إذ هما في الحقيقة فعلان أحدهما واجب والآخر حرام.
وأمّا إذا فرض كون الواجب على کلّ إيجاد ذلك الفعل في الخارج ولو بمعاون بحيث يكون المکلّف به نفس الفعل المفروض لا الشّركة فيه فلا يبعد صدق الاجتماع، فبناءً على عدم الجواز لا يحصل الامتثال إذا كان المعاون ممّن يحرم عليه ذلك.
ومن ذلك يظهر حال ما إذا وجب عليه فعل يكون متقوّماً باثنين كما إذا وجب عليه إعطاء درهم لفقير(1) فأعطاه فقيراً يحرم عليه الأخذ فإنّه يحصل الامتثال وإن کان حراماً على الآخذ أخذه؛ لأنّ الواجب هو الإعطاء ولا دخل له بأخذ الآخر وإن کان لايتحقّق إلّا به.
نعم يشترط فيه كونه أهلاً للأخذ من حيث هو وكانت الحرمة تکلیفيّة صرفة كما لو كان الآخذ ممّن نذر أن لا يأخذ(2) من غيره شيئاً وأمّا إذا كانت الحرمة من حيث عدم أهليّته(3) كأن لا يكون فقيراً أو كان هاشميّاً وكان الدرهم(4) صدقة من غير الهاشمي فلايحصل الامتثال لكن لا من جهة الاجتماع بل من جهة عدم قابليّة المحلّ، ففي الحقيقة يحرم على المعطي أیضاً هذا الفرد من الإعطاء.
وممّا ذكرنا ظهر حال البيع بالنّسبة إلى من يجب عليه إذا كان المشتري ممّن يحرم عليه الشّراء من جهة كونه مکلّفاً بصلاة الجمعة وكان وقت النداء فإنّه يحصل الامتثال
ص: 547
بالنسبة إلى الأوّل؛ إذ البيع فعل والشراء فعل آخر وحرمة أحدهما لا يستلزم حرمة الآخر إلّا من باب الإعانة على الإثم إذا فرض كونه كذلك.
نعم لو كان الواجب عليه المعاملة البيعيّة لا خصوص الإيجاب أمكن أن يقال:يلزم الاجتماع؛ إذ المکلّف به حینئذٍ تمام المعاملة فالشّراء أیضاً كأنّه فعل للبائع من حيث التسبيب فلا يحصل الامتثال بناءً على عدم الجواز.
وأمّا في صورة وجوب نفس البيع فالاجتماع لا يكون إلّا في المجموع من حيث المجموع والمفروض أنّ المکلّف به بعض هذا المجموع وهو البيع فقط وتوقّفه على الشّراء لا يجعلهما فعلاً واحداً فيحصل الامتثال ولو تعمّد في اختيار هذا الفرد وتمکّن من المعاملة مع غيره مع قطع النظر عن الإعانة على الإثم أو مع فرض جهل الآخر بالحرمة لكن بشرط عدم كون الحرمة من جهة عدم قابليّة المحلّ.
والحاصل: أنّه إن وجب عليه إيجاد المعاملة بتمامها بحيث يكون الشّراء أیضاً فعلاً تسبيبیاً له فلا يحصل الامتثال إلّا إذا كان المشتري ممّن يجوز في حقّه الشّراء وأمّا إذا كان الواجب البيع فقط فلا يضرّ في امتثاله كون الشّراء حراماً على المشتري(1)
ومن هنا ظهر أنّ سراية الحرمة من أحد الطّرفين إلى الآخر في النكاح ليست من جهة لزوم الاجتماع لولاها بل إنّما هي من جهة أنّه إذا قال: «يحرم عليه تزويج البنت أو الأخت» أو نحو ذلك(2) يستفاد منه عدم أهليّتهما للزّوجيّة له فيكون النكاح محرّماً على البنت والأخت أیضاً من هذه الجهة.
مع أنّه يستفاد منه الحرمة من الطّرفين أوّلاً مع قطع النظر عن عدم الأهليّة أیضاً.
والحاصل: أنّ الوجه في الحكم بالحرمة على النساء أیضاً مع اختصاص النواهي
ص: 548
بالرّجال ليس لزوم اجتماع الأمر والنهي في العقد الّذي هو فعل واحد لولا الحكم بالحرمة، بل الوجه كون النهي ظاهراً في إفادة الحكم الوضعي وهو عدم القابليّة ولازمه عدم حصول الزّوجيّة ولازمه الحرمة أو كونه ظاهراً في الحرمة على النّساء أیضاً وإن ذكر الرّجال من باب المثال والأشرفيّة.
ولعلّه إلى ما ذكرنا نظر المحقّق(1) والشهيد(2) الثانيان في حكمهما بسراية الحرمة من أحد الطّرفين إلى الآخر لا إلى ما تخيّله صاحب الإشارات من لزوم الاجتماع.فلا وجه لإيراده عليهما بعد التوجيه بذلك حيث قال:
«صرّح الثانيان وغيرهما بأنّ تحريم النكاح من أحد الطّرفين يقتضي ثبوت التحريم من الطّرف الآخر.
وربما يظهر من کلام سيّد الأواخر(3) القطع بذلك ومن هذا استخرج غير واحد منهم(4) النكتة في تخصيص الله تعالى الحكم بالرّجال في محرّمات النكاح ويلزمهم أنّ تحريم المعاملة على أحد المتقابلين(5) يقتضي تحريمها على الآخر.
ويمكن أن يوجّه بأنّ العقد والنكاح لمّا كان أمراً واحداً بسيطاً لا يجتمع فيه الحكمان المتضادّان.
وفيه: أنّ ذلك لا يتمّ، فإنّ العقد له آثار في الموجب وآثار في القابل كما أنّ له إيجاباً وقبولاً فيمكن اختلاف المصلحة فيه بأحد الاعتبارين دون الآخر، وأیضاً لو كان العقد أمراً واحداً بسيطاً لامتنع اتّصاف الطّرفين به لاستحالة قيام العرض الواحد
ص: 549
بمحلّين مستقلّين، فإنّ وحدة الحالّ يستلزم وحدة المحلّ بالضّرورة وإن اختلف فيه ويتفرّع عليه فروع لا تخفی».(1) انتهى.
فتحصّل أنّ حرمة المعاملة من أحد الطرفين إمّا أن يكون من باب الحكم الوضعي ولازمه السّراية إلى الآخر وإمّا أن يكون تکلیفاً صرفاً ولازمه عدم السراية إلّا من باب الإعانة مع اجتماع شروطها وأنّ محرّمات النكاح من قبيل الأوّل والبيع وقت النداء من قبيل الثاني.
ونظر الجماعة في السّراية إلى الحكم الوضعي لا إلى أنّ العقد أمر واحد بسيط فلا إيراد عليهم، ولذا يبعد(2) التزامهم بالبطلان فيما لو حرم النكاح على أحد الطّرفين من جهة النّذر أو نحوه من مخالفة الأب(3) إذا نهى عن التزوّج(4) أو التزويج بشخص خاصّ.
وأما مسألة نكاح البكر بدون إذن الأب على القول بعدم الصحّة فهي من باب شرطية الإذن لا لمجرّد الحرمة.
ولازم ما ذكرنا صحّة النكاح إذا كان أحدهما مُحرِماً وكانت الحرمة من باب الإحرام إلّا أن يستفاد من الدليل شرطيّة الإحلال في الصحّة ولا بدّ من المراجعة.(5)
ص: 550
العاشر: لا بأس بذكر بعض فروع المسألة ليكون تمريناً للمتعلّم.
والجلوس للتشهّد من أفعال الصّلاة تصرّف في مال الغير، فاجتمع(1) فيها الأمر والنهي،(2)ولا فرق في القيام بين أن يكون بوضع تمام قدميه على المغصوب أو بعض کلّ منهما أو بعض إحداهما.
نعم لو وضع رجليه في مكان مباح وكانت أصابعه على المغصوب بحيث لم
ص: 552
يكن معتمداً عليها(1) فلا بأس به لعدم دخلها حینئذٍ في تحقّق القيام، وكذا بالنّسبة إلى غير الأصابع من أطراف الرجلين مع عدم الاعتماد.
وأمّا مع(2) الاعتماد(3) فيتحقّق الاجتماع؛ لأنّ القيام أمر واحد وهو متحقّق بمجموع ما وضعه على الأرض وكفاية البعض في تحقّقه إنّما يثمر مع الاعتماد على خصوص ذلك البعض.
وأمّا مع الاعتماد على الکلّ فيكون الفرد المتحقّق منه هو المستند إلى المجموع(4) فيكون محرّماً.
ولعلّ ما ذكرنا مراد صاحب الفصول (رحمة الله) حيث قال: «ولو قام على غيره ووضع أصابع رجليه عليه أو سجد على غيره ووضع أصابع يديه عليه أو كان الوضع في غير حال الوجوب فالوجه عدم البطلان».(5)
فمراده صورة عدم الاعتماد وعدم المدخليّة فعلاً في تحقّق القيام أو الوضع حال السّجود وإلّا فمشکل لما عرفت.
هذا وأمّا لو كان قائماً على المغصوب في بعض أحوال القيام دون بعضفیختصّ الحرمة والبطلان بذلك فإن کان في حال القراءة الواجبة بطل ووجب التّدارك وإن کان في حال القنوت بطل ووجب التّدارك وإن کان في حال القنوت بطل ولا يجب التّدارك ولا تبطل(6) الصّلاة إلّا إذا عدّ فعلاً كثيراً ولا يضرّ كونه قياماً واحداً في اختصاص الحرمة بذلك البعض؛ لأنّ الحكم الشرعي يجعله متعدّداً كما بالنّسبة إلى
ص: 553
الاستحباب والوجوب فهو فرد واحد عرفي لكنّه متعدّد بحسب الاعتبار الشرعي وهو مشخّص له كما في کلّ فعل وحداني مستمرّ كالجلوس في مكان فلو كان واجباً بمقدار ساعة وكان الزّائد عليه حراماً یختصّ الحرمة بذلك الزائد مع أنّ الجلوس واحد، وهذا واضح.
ففرق بينه وبين القيام على المغصوب والمباح وإن کان مقدار المباح كافياً في صدق القيام على فرض الاعتماد عليه فقط.
وكذا الکلام بالنّسبة إلى الجلوس للتشهّد ولا فرق فيما ذكرنا بين كون المغصوب(1) خصوص المقام أو هو مع الفضاء أو خصوص الفضاء.
نعم مع اختصاصه بخصوص المقام لا يحصل الاتّحاد بالنسبة إلى الركوع وأمّا مع اختصاصه بالفضاء فيكون کلّ من المذكورات متّحداً مع التصرّف الغصبي؛ إذ القيام في الفضاء المغصوب تصرّف فيه.
وهكذا البقيّة سواء جعلنا الهُوِيّ إلى الرّكوع والسّجود واجباً مستقلّاً أو مقدّمياً فإنّ الحالة الرّكوعية أیضاً تصرّف في الفضاء المغصوب.
هذا ولو كان واقفاً في مكان مباح مع كون الفضاء أیضاً مباحاً لكن وقع ثوبه على المغصوب أو مدّ يده إلى الفضاء المغصوب فلا بأس إلّا أن يكون الصّلاة في ذلك المكان مستلزماً لوقوع ثوبه على المغصوب بحيث يكون ملازماً للفرد فإنّه يوجب البطلان لا للاتّحاد(2) لعدمه، بل لأنّ هذا الفرد لا يكون مطلوباً على مذهب المانعين بمقتضى بعض أدلّتهم حسبما عرفت.
هذا(3) وأمّا حال القراءة في المكان المغصوب فمن الظاهر عدم الاتّحاد وإن کان
ص: 554
الفضاء مغصوباً؛ لأنّ حركات الفم خارجة عن حقیقة القراءة، إلّا أن يقال: إنّ قرع الصّوت للهواء تصرّف في فضاء الغير وهو كما ترى.
نعم تبطل القراءة من جهة كونها ملازمة(1) لحركات الفم بناءً على بعض الأدلّة.
ويمكن أن يقال: إنّ هذه القراءة تصرّف عرفاً في مال الغير وإن لم يحصل الاتّحاد حقیقة.
ومن ذلك ظهر حال تلاوة القرآن والدّعاء(2) ونحوهما(3) من العبادات القوليّة في الفضاء المغصوب.
والأقوى البطلان بناءً على عدم جواز الاجتماع: إمّا للاتّحاد بناءً على عدّه عرفاً تصرّفاً؛ وإمّا لعدم شمول الطلب لهذا الفرد الملازم للمحرّم.
ولذا حكم ببطلان القراءة المنذورة في المكان المغصوب جماعة(4) منهم العلّامة(5) والشهيدان في الدروس(6) والروض(7) والمقاصد العلية(8) وخالف فيه الأردبيلي(9)
ص: 555
ولعلّه نظر إلى عدم الاتّحاد حقیقة.
ثمّ لا فرق في بطلان الصّلاة في المكان المغصوب بناءً(1) على مذهب المانعينبين الفريضة والنافلة إلّا إذا أتى بالنافلة بلا ركوع وسجود(2) بل بالإيماء القلبي لهما بناءً على كفايته إذا قلنا: إنّ القراءة والأذكار(3) لا تكون تصرّفاً في المغصوب.
وأمّا إذا أتى بها مع الرّكوع والسّجود ونحوهما على الوجه المتعارف فلا إشکال في البطلان للاتّحاد ومجرّد عدم حاجة النافلة إليها لا يقتضي ذلك مع فرض إتیانها.
وينبغي أن يحمل على ذلك ما يحكی(4) عن المحقّق من الحكم بصحّة النافلة في المكان المغصوب معلّلاً بأنّ الكون ليس جزءاً منها ولا شرطاً فيها.(5)
ولذا حكي عن كاشف اللثام(6) حمل کلامه على إرادة الإتیان بها ماشياً مومياً للرّكوع والسّجود في حال الخروج.
المحرّم.
ومن هنا حكي(1) عن جماعة الصحّة كالشّهيدين في البيان(2) والروض(3) والجزائري(4) في شافيته(5) والمجلسي في البحار(6).
ومجرّد كونه منتفعاً(7) بهما حال الصّلاة لا يوجب الاتّحاد.
لكن يمكن القول بالبطلان إذا عدّت(8) الصّلاة تحتهما تصرّفاً في المغصوب؛ لأنّه حینئذٍ يصدق الاتّحاد ولذا حكي عن بعض الأعيان البطلان بل قال بالبطلان في کلّ موضع يكون من الانتفاع بالمغصوب.
ص: 557
قال: يعتبر في المكان الإباحة بحيث لا يتوجّه إليه منع التصرّف أو الانتفاع بوجه من الوجوه في أرض أو فضاء أو فراش أو خيمة أو صهوة أو أطناب(1) أو حبال أو أوتاد أو خفّ أو نعل أو مركوب أو سرجه أو وطائه أو رحله أو نعله أو باقي ما اتّصل به أو بعض منها مع الدّخول في الاستعمال وإن قلّ أو سقف أو جدران(2) أو بعض منهما ولو حجراً واحداً(3) أو إباحة البيت مع إحاطة جدار(4) [الدار] (5) المغصوب؛ لأنّه لا يخرجه عن حكم المغصوب بخلاف سور البلد.(6) انتهى.
بل حكي عن بعض أهل البحرين البطلان مع غصب مثل سور البلد أیضاً.(7)والإنصاف عدم صدق التصرّف والانتفاع في جملة من المذكورات وصدق الانتفاع(8) حال الصّلاة لا یکفي في البطلان بل لا بدّ من صدق كون الصّلاة تصرّفاً وانتفاعاً.
نعم إذا صدق ذلك ينبغي الحكم بالبطلان.
ص: 558
ومنها: الصّلاة في مكان يحرم الكون فيه كما تحت الجدار المشرف على الانهدام بحيث يكون مظنّة الضّرر وفي مواضع التهمة إذا بلغت حدّ حرمة الكون وكالمكان الّذي نذر أن لا يكون فيه أو حلف أو نهاه من يجب عليه طاعته.
وذلك لاتّحاد الأكوان الصّلاتيّة من القيام والجلوس(1) والرّكوع والسّجود مع الكون المفروض.
ولكن ذهب صاحب الفصول(2) إلى عدم البطلان(3)؛ لعدم الاتّحاد بدعوى أنّ المحرّم هو الكون بمعنى التحيّز والواجب هو الكون بمعنى الحركة والسّكون وهما متعدّدان بحسب الوجود الخارجي فإنّ للمکلّف في المكان أكواناً(4) ثلاثة:
كوناً(5) بمعنى الوجود وهذا ليس متعلّقاً للتکلیف وكوناً(6) بمعنى التحيّز وكوناً(7) بمعنى الحركة والسكون وهذان متقارنان في الوجود لا متّحدان ولذا لا يصدق أنّ بعض التحيّز حركة أو سكون كما يصدق أنّ بعض الصّلاة غصب.قال: وأمّا ما يقال: «إنّ الحركة كون الجسم في المكان الثاني بعد كونه في المكان الأوّل أعني مجموع الكونين» فمسامحة، بل التحقیق في حدّها ما ذكره الآخرون من أنّها «خروج الجسم من مكان إلى مكان» فيكون أمراً مغايراً للكون في المكان مضافاً إليه.
لا يقال: فالحركة الخاصّة لكونها أمراً إضافياً تتوقّف على الكون الخاصّ
ص: 559
ضرورة أنّ المضاف الخاصّ يتوقّف على خصوص ما يضاف إليه فيجب الكون الخاصّ من باب المقدّمة فيجتمع فيه الأمر والنهي؛
لأنّا نقول: ليس المراد أنّ الحركة صفة مضافة إلى الكون في المكان بل إلى نفس المكان والكون فيه من لوازمه فلا توقّف لها عليه أصلاً.
ومع الإغماض عن ذلك نقول: إنّما يجب الحركة الخاصّة بالوجوب التخييري نظراً إلى أنّها أحد أفراد الواجب التعييني على تقدير حصول مقدّمتها من الكون المحرّم لا مطلقاً ووجوب الواجب على تقدير حصول مقدّمته لا يقتضي وجوبها.
فالکلام في المقام على حدّ الکلام في الضدّ حيث يجب على تقدير ترك الواجب.
فإن قلت: قضيّة النهي عن طبيعة الكون حرمة کلّ واحد من أفرادها والخروج من مكان سبب للكون في مكان آخر وهو محرّم فيحرم الخروج منه لحرمة معلوله.
قلت: كما أنّه سبب للتوصّل إلى الفرد المحرّم كذلك سبب للتخلّص عن فرد محرّم أیضاً فيتساقطان ويبقى السّبب خالياً عن الحكم بلحاظهما(1) فإذا تحقّق له جهة أخرى مقتضية لوجوبه صحّ اتّصافه به.
ويظهر من ذلك أنّه لو كانت الحركة في جوانب المكان بحيث يتسبّب لزوال الكون المباح وحدوث الكون المحرّم كانت محرّمة - إلى أن قال -: واعلم أنّه يتفرّع على ما حقّقناه من تغاير الكونين فروع. ثمّ ذكر جملة من الفروع.(2)منها: من آجر نفسه على الكون في مكان کان له أن يوجر(3) نفسه لآخر على عمل كالخياطة والتجارة والصّلاة فيه إذا ساغ له التصرّف فيه.(4)
ص: 560
قلت: الإنصاف اتّحاد الكونين في الخارج فلا يتفرّع الفروع الّتي ذكرها وعلى فرض التعدّد أمكن القول ببطلان الصّلاة؛ لأنّ هذا الفرد من الصّلاة لا يكون مطلوباً لملازمته مع الكون المحرّم حسبما مرّ مراراً؛ إذ ليس الكون في المكان المحرّم نظير النظر إلى الأجنبيّة حال الصّلاة فإنّه ليس ملازماً للفرد لإمکان ترك النظر في کلّ حين.
نعم هو مثل الصّلاة في مكان لا يقدر على الصّلاة فيه إلّا مع النظر(1) إلى الأجنبيّة وقد ذكرنا سابقاً(2) أنّ لازم مذهب المانعين بطلانها بمقتضى بعض أدلّتهم.
ومنها: الطّواف مع نعل مغصوبة أو على دابّة مغصوبة أو على فرش مغصوب فيبطل بناءً على مذهب المانعين للاتّحاد.
الحركة والسّكون وإن لم يتحقّق الاجتماع إلّا أنّه بالنّسبة إلى التحيّز قد تحقّق وهو كافٍ.
نعم لو تحرّك المعتكف في المسجد حركة محرّمة أو سكن سكوناً محرّماً لم يبطل اعتكافه بمقتضى مذهب صاحب الفصول من تعدّد الكونين وقد صرّح بذلك(1) وجعله من جملة الفروع المشار إليها ولازمه عدم البطلان في الوقوف أیضاً إذا تحرّك حركة محرّمة أو سكن سكوناً كذلك.
وقد عرفت منع التعدّد. وعلى فرض تسليمه لا يجري ما ذكرناه(2) في الصّلاة من البطلان من جهة الملازمة لعدمها(3) في المقام لإمكان ترك الحركة المحرّمة والسكون المحرّم کلّ حين فهما نظير النظر إلى الأجنبية حال الصّلاة في أنّه حرام مقارن ولا يوجب البطلان.
ومنها: الصّلاة أو الطّواف في ثوب مغصوب أو محمول كذلك ولو كان خيطاً واحداً(4)؛ لأنّ الطواف والحركات الصّلاتيّة تصرّف فيه ولا فرق بين السّاتر وغيره فتبطل الصّلاة والطّواف على مذهب المانعين مطلقاً وعلى مذهب المجوّزين يحكم
ص: 562
بصحّتهما(1) مطلقاً ولو حمل المغصوب حال القيام وألقاه حال الرّكوع فلا بطلان لعدم الاتّحاد إلّا أن يعدّ الصلاة على الوجه المذكور تصرّفاً فيه كما لا يبعد ذلك إذا كان لابساً له حال القيام لدفع البرد ونحوه فحینئذٍ يحكم بالبطلان.وربما يخصّ البطلان بخصوص السّاتر ويحكم في غيره بعدمه كما عن جماعة منهم المحقّق في المعتبر(2) وصاحب المدارك(3) وكاشف اللثام(4)
قال في المعتبر(5): «اعلم أنّي لم أقف على نصّ من أهل البيت (علیهم السلام) بإبطال الصّلاة وإنّما هو شي ء ذهب إليه المشايخ الثّلاثة وأتباعهم، والأقرب أنّه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصّلاة باطلة؛ لأنّ جزء الصّلاة يكون منهياً عنه وتبطل الصّلاة بفواته، أمّا لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان کلبس خاتم من ذهب(6)».(7)
وعن كاشف اللّثام أنّ حاصل مراده - یعني المحقّق (رحمة الله علیه) -:
أنّ النهي إنّما يقتضي الفساد إذا تعلّق بالعبادة لجزئها أو لشرطها وأدرجه هنا في الجزء في کلامه لجريانه مجراه باعتبار مقارنته فإذا استتر بالمغصوب صدق أنّه استتر استتاراً منهياً عنه ضرورة كون الاستتار به عين لبسه والتصرّف فيه، فلا يكون استتاراً مأموراً به في الصّلاة فقد صلّى صلاة خالية عن شرطها الّذي هو الاستتار المأمور به.
ص: 563
وليس هذا كالتّطهير من الخبث بالمغصوب فإنّه وإن نهي عنه لكن تحصل الطّهارة، وشرط الصّلاة إنّما هو الطّهارة لا فعلها، وإذا سجد أو قام على المغصوب فعل سجوداً أو قياماً منهياً عنه لمثل ذلك بخلاف ما إذا قام وركع وسجد لابساً للمغصوب متحرّكاً فيه؛ إذ ليس شي ء من ذلك عين التصرّف فيه وإنّما هو مقرون به والتصرّف هو لبسه وتحريكه.(1)
ثمّ قال: وهو کلام متين لا يخدشه شي ء وإن اتّجه البطلان بغير السّاتر بل وغيراللّباس وغير المستصحب أیضاً بناءً على الأمر بالردّ أو الحفظ مع منافاة(2) الصّلاة وكون الأمر نهياً عن ضدّه واقتضائه الفساد وإن کان الضدّ عبادة.(3)
قلت: لا وجه للتفصيل المذكور؛ إذ غاية ما يمكن أن يوجّه به أمّا بالنّسبة إلى عدم البطلان في غير الساتر فبأن يقال: حسبما ظهر من کلام المحقّق(4) وصرّح به كاشف اللثام(5) أنّ المحرّم(6) - وهو اللبس والتحريك - مقارن للصّلاة لا متّحد معها.
وأمّا بالنّسبة إلى البطلان في السّاتر:
فإمّا بأن يقال: إنّ السّتر جزء الصّلاة فيكون حاله حال سائر أجزائها إذا أتى بها
ص: 564
على الوجه المحرّم في بطلانها للنّهي وبطلان الصّلاة لفقد جزئها كما(1) هو(2) ظاهر کلام المحقّق؛
وإمّا بأن يقال: إنّه وإن لم يكن جزءاً إلّا أنّه بمنزلة الجزء فيما ذكر لكونه مقارناً للصّلاة فحاله حال الأجزاء؛
وإمّا بأن يقال: إنّه وإن کان شرطاً إلّا أنّه يعتبر فيه صفة المأموريّة ومع النّهي ينتفي(3) هذه الصّفة فلا يتحقّق الشّرط فتبطل الصّلاة لفقد الشرط كما فهمه صاحب الجواهر(4) من کلام كاشف اللثام(5)؛
وإمّا بأن يقال: إنّه شرط عبادي فمع النّهي يبطل؛ لعدم إمکان القربة وعدم جوازاجتماع الأمر والنّهي كما في سائر العبادات كما فهمه صاحب(6) الرياض(7) من كاشف اللثام(8)؛
وإمّا بأن يقال: إنّه وإن کان شرطاً ولم يعتبر فيه قصد القربة ولا صفة المأموريّة إلّا أنّ الأمر به لا يتعلّق إلّا بالمباح منه؛ لعدم جواز الاجتماع فيكون إتیان المنهي عنه بمنزلة العدم لعدم شمول دليل(9) الشّرط وهو الأمر بالاستتار له كما هو الظّاهر من کلام كاشف اللثام(10)
ص: 565
ولا يخفى فساد الکلّ.
أمّا ما ذكر وجهاً لعدم البطلان في غير السّاتر فلما عرفت من الاتّحاد في الحركات الصّلاتيّة مثل الرّكوع والسّجود؛ إذ هي تصرّف في ذلك المغصوب ولازمه البطلان فليس من قبيل لبس خاتم من ذهب؛ إذ فيه ليس المحرّم الحركة والسّكون بل مجرّد اللّبس.(1)
وأمّا ما ذكر من الوجوه للبطلان في السّاتر فلأنّه يرد على الأوّل والثاني منها(2) منع الجزئيّة وهو واضح ومنع المنزلة، ومجرّد المقارنة مع الصّلاة لا يقتضي ذلك، كيف وغالب الشّروط كذلك.
ولو سلّمنا كونه جزءاً نمنع عدم جواز كونه منهياً عنه؛ إذ الوجه فيه إمّا عدم إمکان ذلك عقلاً أو الإجماع على عدم وقوعه شرعاً.
أمّا الأوّل فممنوع؛ إذ لا مانع عقلاً من أن يكون بعض أجزاء العبادة أعمّ من المحرّم والمباح؛ لإمكان أن يكون مركب تعبّدي موقوفاً في تحقّقه على شي ء خاصّ بأن يكون جزءاً له وإن أتي به على الوجه المحرّم وتكون عباديّته باعتبار المجموع منحيث المجموع، ولذا قلنا سابقاً: إنّه يمكن كون جزء العبادة مباحاً أیضاً.
وأمّا الثاني فلأنّ القدر المسلّم من الإجماع على كون جميع أجزاء الصّلاة عبادة موقوفة على الأمر غير مثل الستر.
بل أقول: قد قام الإجماع على عدم اعتبار القربة فيه وهو كاشف إمّا عن عدم الجزئيّة أو عن عدم اعتبار الأمر والقربة في کلّ جزء.
وعلى الثّالث أیضاً منع اعتبار الصّفة المذكورة فيه؛ إذ لا دليل عليه.
ص: 566
وعلى الرّابع أنّ الإجماع منعقد على عدم كونه عبادة كما عرفت.
وعلى الخامس: أوّلاً: أنّ الشرط إنّما(1) هو المستوريّة لا فعل السّتر فاختصاص الأمر بالمحلّل لا يقتضي فقد الشرط؛ إذ هو حینئذٍ نظير رفع الخبث بالماء المغصوب.
وثانياً: على فرض كون الشّرط هو السّتر نقول: لا يقتضي النّهي بطلانه؛ إذ الشّرط مطلق هذا الفعل ولو لم يكن مأموراً به فيكون كما لو قلنا: إنّ الشّرط هو المستورية، فدائرة الشّرط أوسع من دائرة الأمر المقدّمي المتعلّق به.
ودعوى أنّ الدّليل إذا كان مثل قوله: «استتر العورة» فلا يشمل المنهي عنه فكيف تقول: «إنّ الشرط مطلق السّتر»؟!
مدفوعة بأنّ هذا الأمر إرشاد إلى الحكم الوضعي وهو الشّرطيّة فلا مانع من تعلّقه بالمحرّم أیضاً؛ إذ قد عرفت سابقاً أنّ الأمر الإرشادي يجتمع مع النهي؛ لأنّه أمر صوري لا حقیقي.
نعم لو جعلناه أمراً مولوياً ولو غيرياً يكون مختصّاً بالمباح، إلّا أنّ الإنصاف أنّ أمثال هذه الأوامر لبيان الشّرطيّة كما أنّ النواهي المتعلّقة بما يتعلّق بالعبادات لبيان المانعيّة فليست إلّا طلباً صورياً.
ثمّ لا يخفى أنّ لازم کلام هؤلاء الجماعة(2) اختصاص البطلان بما إذا كان هو السّاتر فعلاً بحيث لو ألقى بقي مكشوف العورة أو بعضها، وأمّا إذا كان فوقه أو تحته لباس مباح فلا يوجب البطلان.هذا(3) وذهب صاحب الجواهر(4) - بعد حكمه بعدم الفرق بمقتضى القاعدة بين
ص: 567
السّاتر وغيره من مطلق الملبوس والمستصحب - إلى عدم البطلان حتّى في السّاتر لقوّة عدم الاتّحاد وأنّ التصرّف المحرّم مقارن للحركات الصّلاتيّة وأنّه فرق بين المكان المغصوب واللّباس المغصوب ففي المكان يلزم الاتّحاد دون اللّباس.
وقال في بيانه: «إنّ المتصوّر في لبس المغصوب ثلاثة(1) محرّمات:
أوّلها: أصل الغصب وهو لا يقتضي الفساد إلّا بناء على مسألة الضدّ.
وثانيها: لبسه بمعنى ملابسته وهو أیضاً لا يقتضي الفساد؛ لعدم كونه أحد أجزاء الصّلاة؛ إذ هو يرجع إلى كونه عليك لا كونك فيه ومن هنا كان المتّجه الصحّة(2) في کلّ ما حرم لبسه کلباس الشّهرة وغيرها خلافاً للأستاد الأكبر في كشفه حيث قال بالبطلان(3) فيه أیضاً وأنّ المدار على عروض صفة التّحريم بوجه من الوجوه.(4)
- إلى أن قال -:
ثالثها: تحريكه بالقيام والرّكوع والسجود ونحوها ولا ريب في حرمة ذلك لكن قد يمنع اتّحاده مع الأفعال المزبورة(5) الّتي هي حركات للبدن وتصرّف فيه من غير توقّف على حركات اللّباس.
نعم تحريكه مقارن لها فهو محرّم حالها لا أنّها هي هو ضرورة كون المتحرك أمران مغايران هما البدن واللّباس.
ص: 568
والفرق بينه وبين المكان واضح بمعلوميّة ضروريّة الجسم وأكوانه للمكان(1) بخلاف اللّباس المعلوم كونه ليس من ضروريّاته.وما يتراءى(2) في بادئ النظر من أنّ هذه الأفعال نفسها تصرّف في اللّباس يرفعه التأمّل الجيّد فيما ذكرناه وأنّ المرجع هو التحريك المزبور وليس المدار على إطلاق التصرّف في العرف الّذي لم يلتفت إلى التحليل المذكور».(3) انتهى.
قلت: أوّلاً: يمكن دعوى الاتّحاد حقیقة وأنّ الهُوِيّ إلى الرّكوع والسّجود تصرّف في اللّباس كما في المكان، إلّا أن يقال: إنّ الهُوِيّ ليس واجباً بل من المقدّمات فلايكون حرمته موجباً لفقد الجزء وفي حال الرّكوع ليس إلّا اللّبس وهو محرّم مقارن بخلاف المكان فإنّ نفس الحالة الرّكوعيّة تصرّف فيه.
وثانياً: على فرض تسليم عدم الاتّحاد حقیقة يكفينا صدق التصرّف عرفاً إذا عدّ نفس الصّلاة فيه تصرّفاً فإنّ الحكم وإن کان عقلياً إلّا أنّ تشخيص موضوع المحرّم بيد العرف فإذا جعلوا الصّلاة في(4) اللّباس(5) تصرّفاً فيه يكون النهي وارداً عليها.
ومن ذلك يمكن أن لا يفرق(6) بين حال التحريك وحال(7) عدمه خصوصاً إذا جعله ساتراً للعورة حيث إنّه استعمله حینئذٍ في الصّلاة فإنّه يصدق أنّه صلّى بهذا
ص: 569
اللّباس فيكون كماء الوضوء.
هذا مع عدم الجلوس عليه حال التشهّد وإلّا فيدخل في مسألة المكان ويكون مثل الفرش(1) المغصوب.
وثالثاً: سلّمنا عدم صدق التصرّف العرفي أو عدم كفايته لكن نقول: الملازمة الفرديّة كافية في البطلان حسبما أشرنا إليه مراراً فهذا الفرد من الهُوِيّ أو القيام الّذي يكون ملازماً للتصرّف في مال الغير لا يكون فيه مصلحة الأمر.
وإن شئت فقل: إنّ حركة البدن علّة لحركة اللّباس وعلّة الحرام حرام فلا تكونواجبة.
نعم ما ذكره من عدم البأس(2) من حيث نفس اللّبس(3) حقّ ومن ذلك نحكم بعدم البطلان في لباس الذّهب ولباس الشّهرة ولباس المرأة بالنّسبة إلى الرّجل وبالعكس والمنذور عدم لبسه ونحو ذلك مثل الحرير إذا لم نستفد من الأدلّة مانعيّته وجعلناه مجرّد حكم تکلیفي، لكن ليس كذلك؛ لأنّ قوله: «لا تصلّ في الحرير»(4) ظاهر في المانعيّة وإن کان لنا فيه إشکال من حيث إنّه إذا كان المراد بيان المانعيّة فيكون النّهي إرشاديّاً ولازمه عدم الحرمة التکلیفيّة مع أنّ لبس الحرير محرّم نفسي ولا يمكن استعمال النّهي في الإرشاد والطّلب المولوي معاً وكذا الأمر؛ لعدم الجامع بینهما(5)
ص: 570
بل أقول: إنّ النّواهي الواردة عن الحرير مطلقاً لا شكّ في كونها للطّلب المولوي فكذا الخاصّة بالصّلاة.
فالنّهي المتعلّق بما يتعلّق بالعبادة إنّما يستفاد منه المانعيّة إذا لم يرد مطلقاً أیضاً.
والحاصل: أنّ بعد لحاظ كون نواهي الحرير لبيان التّکلیف النّفسي يضعّف حمل النواهي الخاصّة بالصّلاة فيه على بيان المانعيّة، مع أنّ الأصل في النّهي كونه مولوياً.
وكيف كان فحرمة اللّبس تکلیفاً لا(1) تستلزم(2) البطلان لما أشار إليه في الجواهر(3) من عدم الاتّحاد وليس الحرام هو التصرّف حتّى يقال بالاتّحاد عقلاً أو عرفاً.فإن قلت: ما الفرق بين اللّبس وبين الكون في المكان حيث تقول بعدم اتّحاد الأوّل مع الحركات الصّلاتيّة وقد أوردت على صاحب الفصول(4) في دعوى عدم اتّحاد الكون معها وقلت بالاتّحاد، والكون في اللّباس مثل الكون في المكان فكما أنّ اللّباس محيط بالبدن كذلك المكان محيط به.
ص: 571
قلت: الفرق ما ظهر من کلام الجواهر من أنّ اللّبس عبارة عن كون اللّباس على البدن لا عن كون البدن في اللّباس(1) فلو كان اللّبس عبارة عن كون البدن في اللّباس لكُنّا نقول بالاتّحاد.
والفارق هو ذلك لا ما يظهر من آخر کلام صاحب الجواهر من عدم كون اللّباس من ضروريّات البدن بخلاف المكان(2) فإنّه ليس ملاكاً كما هو واضح.
ولذا نقول بالاتّحاد بالنّسبة إلى الكون على الفرش المغصوب حيث إنّ التفريش هو الكون عليه مثل الكون في المكان مع أنّ الفرش ليس من الضروريّات، ودعوى أنّه حینئذٍ هو المكان كما ترى.
ويمكن أن يقال بالاتّحاد في غير الضّرب من أفعال التيمّم أیضاً بناء على اعتبار العلوق(1) فيه.
هذا وأمّا مع إباحة الماء والتّراب ومحلّ الضّرب وغصبيّة المكان أو الفضاء
ص: 573
الواقع فيه الأفعال أو الآنية المغترف منها أو مصبّ الماء فقد يقال بعدم البطلان(1)؛ لعدمالاتّحاد كما عن المعتبر(2) والمنتهی(3) والمدارك(4) والحبل(5) المتين(6) بالنّسبة إلى المكان.
وقد يقال بالبطلان(7) في الجميع أو البعض كما عن العلّامة في النّهاية(8) والشّهيدين في الذّكرى(9) والدّروس(10) والرّوض(11) والمقاصد العليّة(12) والأردبيلي في مجمع البرهان(13) بالنّسبة إلى المكان أو الفضاء؛ وعن صاحب الحدائق(14) بالنّسبة إلى
ص: 574
وعن كاشف الغطاء بالنّسبة إلى الجميع بل کلّ ما يعدّ الوضوء تصرّفاً فيه بحسب حاله حتّى اللّباس والنّعل.(1)
ويمكن توجيه البطلان(2) بالنّسبة إلى المكان بما عن الذكرى(3) من أنّ أفعال الطّهارات من ضرورتها المكان فالأمر بها أمر بالكون كما في الصّلاة مع أنّه محرّم أیضاً فيلزم الاجتماع.
ولكنّ فيه ما لا يخفی؛ إذ الكون من ضروريّات الجسم ولا دخل له بالطّهارات وفرق بينها وبين الصّلاة حيث إنّ القيام فيها مثلاً عين الكون في المكان المغصوب وهذا بخلاف غسل الأعضاء.
ويمكن توجيهه بالنّسبة إلى الفضاء بما عن صاحب الحدائق من أنّ المكان كما يطلق على ما استقلّ عليه الإنسان كذا يطلق على الفراغ الّذي يشغله بدن الإنسان فكما أنّ القيام في الصّلاة منهي عنه باعتبار أنّه استقلال في المكان كذلك حركات اليد فيالوضوء في هذا الفراغ.(4)
وفيه: أنّ حركات اليد ليست من أجزاء الوضوء؛ إذ هو عبارة عن الغسل الّذي هو إجراء الماء على الأعضاء وحركات اليد مقدّمة له.
نعم يتمّ ما ذكره بالنّسبة إلى المسح حيث إنّه إمرار اليد على الممسوح.
بل يمكن أن يقال: إنّه موجب للتصرّف في المكان أیضاً حيث إنّه يحتاج إلى نوع اعتماد على الرّجل الموجب للاعتماد على مال الغير.
ص: 576
ويمكن أن يقال: إنّ جريان الماء على الأعضاء نوع تصرّف أیضاً في الفضاء.
ويمكن أن يقال: إنّ الغسل ليس عبارة عن انتقال الماء عن محلّ إلى محلّ ولا عن انغسال المحلّ بل هو عبارة عن إجراء الماء الّذي هو من فعل المکلّف وهو كما قد يكون بإرسال الماء على الأعضاء بحيث يكون جارياً عليها بنفسه كذا قد يكون بإمرار اليد فهو فرد للإجراء كما أنّ الإرسال فرد آخر، ومجرّد عدم الحاجة إلى الإمرار لا يوجب عدم فرديّته إذا فرض الغسل بهذه الكيفيّة.
فهو نظير الضّرب الّذي قد يكون باليد وقد يكون بالآلة فيلزم الاتّحاد في نفس الغسل.
هذا ولكنّ التّحقیق أنّ الإجراء فعل توليدي یتولّد من الإمرار(1) نظير الإحراق المتولّد من الإلقاء في النّار وتحريك المفتاح المتولّد من تحريك اليد ولذا نمنع كون الأمر بالمسبّبات عين الأمر بأسبابها كما قد يتخيّل.
فالأولى توجيه البطلان بالنّسبة إلى الفضاء بل المكان أیضاً بأنّ هذا الفرد من الغسل أو المسح الملازم للمحرّم غير مطلوب شرعاً فإنّ كونه في مكان كذا أو في الفضاء الفلاني من مشخّصاته وليس مثل النّظر إلى الأجنبيّة حال الصّلاة في كونه حراماً مقارناً لا دخل له بتشخيص(2) الفرد.
ويمكن توجيه البطلان بالنّسبة إلى الآنية(3) المغترف منها بأنّ الوضوء والغسلمنها يعدّ تصرّفاً فيها واستعمالاً لها فيلزم الاتّحاد.
هذا ولو غمس يده فيها بقصد الغسل أو ارتمس فيها بقصد الغسل فيكون تصرّفاً فيها واستعمالاً لها قطعاً.
ص: 577
ويمكن فيها(1) توجيه البطلان بالنّسبة إلى المصبّ أیضاً بذلك أو بالتّلازم الفردي إذا فرض وضوؤه(2) في مكان لا يمكنه ذلك إلّا بصبّ الماء في المكان المغصوب أو بأنّ الوضوء مثلاً علّة للمحرّم فيكون محرّماً وأمّا إذا أمكنه عدم الصبّ فيه فصبّ فلا يجري الوجهان.
ومنها: إعطاء الخمس(3) أو الزّكاة في المكان المغصوب بناء على كون الواجب هو الإعطاء لا الوصول إلى الفقير وكذا التصدّق.(4)
ومنها: إعطاء مال يحرم عليه إعطاؤه(5) لنذر أو شبهه خمساً أو زكاة أو صدقة فإنّه يجتمع فيه الأمر من جهتها والنّهي من جهة النّذر ونحوه.
ومنها: قضاء الدّين أو المعاملة المعاطاتيّة في المكان المغصوب أو بمال يحرمعليه
ص: 578
التصرّف فيه لنذر وشبهه(1) فإنّه يجتمع فيه الأمر والنّهي إلّا أنّه لا يكون باطلاً لمكان تعلّق النهي بالأمر الخارج عن المعاملة وكونها توصّليّة.
ومنها: إجراء صيغة عقد أو إيقاع في مكان مغصوب بناء على كون مثل التکلّم تصرّفاً في الفضاء لكن لا يوجب البطلان لما مرّ.
وكذا إذا نذر أن لا يتکلّم فأجرى الصّيغة.
ومنها: إذا نذر أن يأتي بواجب ولو توصّلياً(2) فأتى به في المكان المغصوب فإنّه بناءً على عدم جواز الاجتماع(3) لا یکفي في الخروج عن العهدة.
ومنها: إذا حمل جنباً أو نجاسة في حال الطّواف بناء على حرمة إدخال النّجاسة الغير المتعدّية في المسجد وكون المحرّم أعمّ من الإدخال والإبقاء فإنّه يكون طوافه متعلّقاً للنّهي من حيث اتّحاده مع عنوان الإدخال وكذا إذا وجب عليه دخول المسجد فدخله حاملاً لجنب(4) أو لنجاسة إذا قلنا باتّحاد الدّخول والإدخال وعلى فرض عدم الاتّحاد وكون الدّخول سبباً للإدخال وكذا كون المشي سبباً للإبقاء فيكون الاجتماع من حيث كونه علّة للمحرّم.
ص: 579
تذنيبٌ(1): لا يخفى أنّ لازم مذهب المانعين عدم استحقاق من وجب عليه عملبالإجارة الأجرة المسمّاة(2) إذا أتى بالعمل على الوجه المحرّم كما إذا آجر نفسه لكنس المسجد فكنسه بآلة مغصوبة أو آجر نفسه للحجّ من البلد فركب الدابّة المغصوبة إلى الميقات وكذا(3) سائر الموارد.
وذلك لأنّ الفرد المحرّم لا يشمله الأمر الإجاري فلا يكون عمله وفاءً لما عليه ولا يجدي في ذلك كون العمل(4) توصّليّاً؛ لأنّ(5) المعيار في استحقاق الأجرة إتیان العمل المستأجر عليه(6) والسّقوط إنّما ينفع في رفع التّکلیف لا في استحقاق الأجرة.
ولذا لو أتى المنوب عنه بالمقدّمات على الوجه المحرّم سقط عنه التّکلیف وكذا لو أتى لا بقصد التّوصّل فإنّه ليس عليه إلّا إتیان الواجب ومع حصوله في الخارج يسقط عنه ولو كان بفعل الغير أیضاً فيما يمكن فیه ذلك أیضاً(7)
وأمّا الأجير فلا يثمر السّقوط في حقّه بل قد لا يسقط(8) عنه أیضاً إذا لم يأت على الوجه المأمور به. فلو مشى نحو الميقات لا بقصد النّيابة لا يكفيه؛ إذ المشي جزء لعمله المستأجر عليه.
نعم لو كان أجيراً على الحجّ فقط لا على المقدّمات بحيث كان وجوبها من باب
ص: 580
المقدّميّة(1) الصّرفة كان حاله حال المنوب عنه في سقوط المقدّمة عنه إذا أتى بها ولو لا بقصد التّوصّل إلى الحجّ ولازم ذلك عدم توزّع الأجرة على المشي لو فرض موته قبل تمام الحج وعدم استحقاقه أصلاً لو مات قبل الميقات، وهذا بخلاف ما إذا كان المستأجر(2) عليه الحجّ من البلد.
وبالجملة فحال الأجير بالنّسبة إلى استحقاق الأجرة حال المنوب عنه فياستحقاق الثواب فكما لا يستحقّ الثواب إلّا مع الإتیان على الوجه المأمور به والسّقوط لا ينفع في استحقاقه الثواب، فكذا النّائب في استحقاقه(3) الأجرة.
إلّا أن يقال: إنّ الأمر الإجاري وإن کان لا يشمل الفرد المحرّم إلّا أنّ متعلّق الإجارة هو الفعل المطلق أعمّ من المحلّل والمحرّم بمعنى أنّه الطّبيعة اللّابشرط فيكون الإتیان به بأيّ وجه كان كافياً في استحقاق الأجرة.
نعم لو سقط عنه لا بإتیانه بل بإتیان الغير أو بغير ذلك لا يستحقّ الأجرة؛ إذ(4) لم يأت بالعمل، وأمّا مع إتیانه به فلا فرق بين ما لو أتى على الوجه المحرّم أو المحلّل. والإتیان لا بقصد النّيابة أیضاً ليس إتیاناً فلا يوجب الاستحقاق.
والحاصل: أنّ متعلّق الإجارة هو الأعمّ، وهذا نظير ما مرّ سابقاً من أوسعيّة دائرة المطلوب في التوصّليّات من دائرة الطّلب، فهنا أیضاً نقول: إنّ دائرة الإجارة أوسع من دائرة الأمر بالوفاء بها ويستكشف ذلك بملاحظة غرض المستأجر فإنّه متعلّق بحصول الفعل في(5) الخارج بأيّ وجه كان.
ص: 581
هذا ولكن لا يصحّ ذلك على مذاق المانعين؛ إذ على مذاقهم ينصبّ العقد على الأفراد المباحة كانصباب الأمر بالطّبيعة على الأفراد المحلّلة، ولو فرض قصد المتعاملين التعميم كان من الاستيجار على العمل المحرّم وهو غير جائز، فكما لا يصحّ إذا قال: «آجرتك نفسي على(1) أن أركب الدابّة الغصبيّة إلى الميقات وأحُجّ» فكذا لا يصحّ مع التعميم.
وأمّا على مذاق المجوّزين فلا إشکال لإمکان تعلّق الإجارة بالطّبيعة المطلقة نظير الأمر المتعلّق بها، فإتیان الأجير بالفرد(2) المحرّم إتیان بمورد(3) الإجارة ومتعلّق الأمر الإجاري.ولنرفع القلم عن هذه المسألة والقدم عن هذه المرحلة ونختم الکلام بحمد الله الملك العلّام والصّلاة على محمّد وآله الكرام.
وقد وقع الفراغ على يد الفقير إلى الله الغني محمّدكاظم بن(4) عبدالعظيم الطّباطبائي اليزدي عامله الله بلطفه الخفي في يوم مولد النّبي [صلى الله علیه و آله وسلم] من شهر ربيع الأوّل من شهور السّنة العاشرة من العشر الآخر من المائة الثالثة من الألف الثاني(5) في النجف الأشرف على مشرفه آلاف التحيّة والسّلام(6)
والمرجوّ من الله التوفيق لما يوجب الرّضوان ومن الإخوان العفو عمّا فيه من النقصان أو الزّلل والنسيان وأن ينظروا(7) بعين الرضا والإحسان.
ص: 582
[وقد تصدّى لمقابلة هذه الرّسالة الشّريفة والنّسخة المنيفة واستكتابها الجنابان المُستطابان زُبدتا العلماء الأعلام قُدوتا الفضلاء العظام العالم العامل الصفيّ الأوحدي الآقا شيخ عليّ اليزدي والفاضل الكامل الصّمداني الآقا محمّدمهدي الكاشاني زيد أفضالهما المعالي.
وقد وقع الفراغ من كتابتها بيد الأقلّ زين العابدين الإصفهاني في شهر رمضان المبارك من شهور سنة ستّ عشرة وثلاث مائة بعد الألف من الهجرة النّبويّة من مكّة(1) إلى المدنية على مهاجرها آلاف آلاف سلام وتحيّة والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، والسّلام، سنة 1316].
ص: 583
ص: 584
- الآيات
- الروايات
- الأعلام
- الكتب والرسائل
- الأمكنة
- الفرق
ص: 585
ص: 586
﴿وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّٰادِ التَّقْوىٰ﴾ (سورة البقرة: 197): 4
﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِه﴾ (سورة آل عمران: 102): 41، 192
﴿أُحِلّ لَكُم الطّيباتُ﴾ (سورة المائدة: 4): 391
﴿فَذَرُوهُ في سُنبُلِه﴾ (سورة یوسف: 47): 208
﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِيْنَةِ﴾ (سورة القصص: 20): 172
اجتناب السّيئات أولی من اكتساب الحسنات: 441
أجزأك عنها غسل واحد: 361
إذا اجتمعت لله عليك حقوق: 361
أفضل من اكتساب الحسنات اجتناب السّيئات: 441
إفطارك لأخیك المؤمن أفضل من صیامك تطوعاً: 313
أكره أن أصومه أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحی وليس بيوم صوم: 317
الصلاة قربان کلّ تقي: 201
الصّلاة معراج المؤمن: 201
ضَعِ الجَدْيَ في قَفاك وصلِّ: 408
کلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة: 361
لا تحلّ الصّلاة في حریر محض: 570
لا ضرر ولا ضرار: 452
لو أنّ النّاس أخذوا ما أمرهم الله [عزوجلّ] به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو...: 41، 192
يا كميل انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول: 193
ص: 587
آل البيت (علیهم السلام): 3، 17، 19، 28، 582
رسول الله محمّد بن عبدالله (صلى الله علیه و آله): 3، 18، 19، 28، 201، 582
الإمام أمیرالمؤمنین علي بن أبي طالب (علیهما السلام): 18، 193، 201
الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (علیهما السلام): 7
الإمام محمّد بن علي بن الحسین (علیهم السلام): 317
الإمام جعفر بن محمّد الصادق (علیهما السلام): 192، 313
الإمام علي بن موسی الرضا (علیهما السلام): 201
العسکریین (علیهما السلام): 17
بقیة الله الأعظم (عجّل الله تعالی فرجه الشریف): 3
الأئمة(علیهم السلام): 292، 319، 335
مسلم بن عقیل بن أبي طالب (علیه السلام): 17
فاطمة المعصومة (سلام الله علیها): 17
«ا»
الآبادهئي، الحاج محمّدجعفر: 7، 13
الآصفي، محمّدمهدي: 17
أبو بصیر: 192
إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (علیه السلام): 7
الأبهري، أحمد: 131
الأحمدي الطهراني، محسن: 16، 19
الأراکي، محمّدعلي: 575
الأردبيلي، أحمد: 36، 51، 216، 221، 229، 428، 555، 574
الأردكاني اليزدي، محمّدحسن بن محمّدإبراهيم: 13
أحمد شاه: 9
الأشرفي الشاهرودي، مصطفی: 573
الإصفهاني، السید أبوالحسن: 230
الإصفهاني، السیّد أبوالقاسم: 10
الإصفهاني، زين العابدين: 19، 583
الإصفهاني، محمود بن عبدالرحمن: 131
الإصفهاني، المیرزا مهدي: 572
الأشرفي الشاهرودي، مصطفی: 17
أمین الشیرازي، أحمد: 17
الأمين العاملي، السيّد محسن: 7
الأنصاري، مرتضی (المحقّق الأنصاري): 8، 37، 46، 49، 301، 314، 319، 321، 322، 324، 338، 342، 343، 346، 348، 364، 376، 377، 384، 446، 453، 460، 464، 466، 479، 480، 535
«ب»
الباقلاني، القاضي أبوبکر: 218
بحرالعلوم الطباطبائي، السیّد مهدي: 15
بعض أهل البحرين: 558
«ت»
التبریزي، جواد: 16، 411
التبریزي، کاظم: 17، 217
ص: 588
«ج»
الجُبّائي، أبوهاشم: 513، 516، 541
الجبوري، کامل سلمان: 15
جرجي زيدان: 11
الجزائري، أحمد بن إسماعیل: 557
الجویني: 518، 520، 538
«چ»
الچهارسوقي، میر سید حسن: 14
الچهارسوقي، السیّد محمدهاشم (صاحب مباني الأصول): 11، 14، 216«ح»
الحائري الیزدي، عبدالکریم: 575
الحاجبي، عثمان بن عمر ابن الحاجب: 36، 131
الحاريصي، يوسف بن علي: 13
الحسينيّ الحلّي، السيّد مضر سلیمان: 3
الحسیني الروحاني، السیّد محمّد: 411
الحسیني الروحاني، السیّد محمّدصادق: 442
الحسیني السیستاني، السیّد علي: 551
حرز الدين، محمّدحسین: 13
حلبیان الإصفهاني، الحاج مصطفی: 17
حلبیان الإصفهاني، أحمد: 17، 573
حلبیان الإصفهاني، حسین: 3، 4، 19
حلبیان الإصفهاني، مهدي: 17
الحلّي، السّید حیدر: 3
الحلّي، یحیی بن سعید: 544
«خ»
الخراساني، محمّدكاظم: 8، 9، 14، 138
الخوانساري، آقا جمال الدین (جمال المحقّقين): 130
الخوانساري، آقا حسین (المحقّق الخوانساري): 220
الخوانساري، علي أكبر: 10
«د»
دَشَن الیزدي، هادي: 18
«ر»
الرازي، الفخر: 218، 518، 520، 537
الرّجل الهمداني: 151، 158
الرشتي، المیرزا حبیب الله: 508
الروزدري، علي: 481
«ز»
الزّركشي، محمّد بن بهادر الشافعي: 131
الزنجاني، عبدالکریم: 15
الزند الکرماني، محمدباقر: 11
«س»
السبزواري، محمدباقر (المحقّق السبزواري): 373، 374، 376، 383
السبزواري، المولی هادي: 154
السّكّاكي، یوسف: 147
السلطان عبدالحميد: 8
سلطان العلماء، حسین بن محمّد الحسیني (سلطان المحقّقين): 221، 428
السلیماني البروجردي، المیرزا علي: 18
سهل بن زیاد: 338
السیّد سلیمان الکبیر: 3
السیّد ضیاء الدین: 219
ص: 589
السّيد عميد الدین: 219
السيّد المرتضی، علي بن الحسین الموسوي: 3، 222، 226
«ش»
شریف العلماء المازندراني، محمّد شریف: 101، 126، 531
الشفتي، زین العابدین: 15
الشفتي، السید محمّدباقر (حجّة الإسلام): 15
الشهيد الأوّل، محمّد بن مکّي: 78، 372، 381، 574
الشهيد الثاني، زین الدین بن علي: 549، 574
الشّهيدان: 555، 557
الشیخ البهائي، محمّد بن الحسین العاملي: 36، 224، 301
الشّيخ الرّئيس، حسین بن عبدالله بن سینا: 151
شيخ المحقّقين، محمدتقي (صاحب هداية المسترشدين): 7، 11، 14، 80، 81، 103، 117، 147، 167، 168، 250، 254، 256، 268، 285، 358، 368، 472، 473، 476، 495، 499الشیرازي، محمّدتقي: 14
الشّيرازي، حبیب الله الباغنوي الشافعي: 130
الشیرازي، المیرزا محمّدحسن (المحقّق الأستاد): 6، 8، 9، 12، 13، 14، 34، 481
«ص»
الصافي الگلپایگاني، لطف الله: 16، 238
صاحب الإشارات (محمّدإبراهیم الکلباسي الإصفهاني): 15، 54، 446، 519، 520، 549
صاحب الجواهر (محمّدحسن النجفي الإصفهاني): 376، 377، 446، 565، 567
صاحب الحدائق (یوسف البَحراني): 574، 576
صاحب الروضات (السید محمّدباقر الخوانساري): 11، 14
صاحب الفصول (محمّدحسین الإصفهاني الحائري): 98، 132، 145، 170، 175، 180، 182، 184، 186، 188، 284، 286، 290، 307، 312، 322، 325، 334، 349، 351، 379، 401، 415، 472، 486، 489، 495، 509، 519، 521، 526، 528، 537، 553، 559، 561
صاحب المدارك (السیّد محمّد العاملي): 219، 220، 563
صاحب المعالم (حسن بن زین الدین): 36، 75، 109، 219، 455، 472
الصدر، السیّد حسن: 5
الصدر، السیّد محمّدباقر: 17، 412
«ط»
الطباطبائي، السیّد علي (سیّد الریاض): 36، 51، 216، 229، 428، 549، 565
ص: 590
الطباطبائي البروجردي، السیّد حسین: 217
الطباطبائي الیزدي، السيّد رضا ابن السيّد محمّد ابن السيد محمّد كاظم: 11
الطباطبائي الیزدي، السيد عبدالعظيم: 7، 9، 11، 16، 32، 582
الطباطبائي الیزدي، السید عبدالعزیز: 5
الطباطبائي الیزدي، السید علي: 5
الباطبائي الیزدي، السید محمّد: 5
الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم: 3، 4، 5، 9، 10، 11، 13، 14، 15، 27، 29، 32، 582
الطهراني، محمّدمحسن (آقا بزرگ): 9، 16
«ع»
العراقي، ضیاء الدین (المحقّق العراقي): 405
العضدي، عبدالرحمن بن أحمد الشافعي: 36، 70، 130، 131
العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف: 219، 372، 516، 541، 542، 555، 574
العلّامة الفاني، السیّد علي: 17
العّلامة المجلسي، محمّدباقر بن محمّدتقي: 222، 226، 557
«غ»
الغراوي، رافد: 18
الغراوي، محمّدرضا: 18
الغزالي: 517
«ف»
الفضل بن شاذان: 222، 223، 225
«ق»
القائیني، محمّدعلي: 15
القاضي نور الله الشوشتري: 219
القزویني، محمّدحسن: 16
القمي، عباس: 13
القمشئي الإصفهاني، محمّدتقي: 14
«ك»
الكاشاني، محمّدمهدي: 18، 583
کاشف الغطاء، أحمد: 15کاشف الغطاء، جعفر بن خضر النجفي (الأستاد الأكبر): 15، 576
كاشف الغطاء، مهدي بن علي بن جعفر کاشف الغطاء (مهدي الجعفري): 8، 12، 13، 15
کاشف الغطاء، محمّدحسین: 15
كاشف اللثام، محمّد بن الحسن الإصفهاني (الفاضل الهندي): 563، 565
الکشفي، السیّد جعفر الحجة: 17
الکعبي: 487
کمیل: 193
الکلباسي، المیرزا أبوالهدی: 15
الکليني، محمّد بن یعقوب: 222
الکوکبي، السیّد أبوالقاسم: 17
«ل»
اللاري، السیّد عبدالحسین: 138
«م»
المامقاني، عبدالله: 10
المجتهدي، أحمد: 16
ص: 591
المحقّق الإصفهاني، محمدحسین: 411
المحقّق الثاني، علي بن الحسین الکرکي: 549
المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: 224، 563
المحقّق الداماد، السیّد محمّدباقر: 301
المحقّق الشیرواني، محمّد بن الحسن (ملّامیرزا): 48
المحقّق القمي، المیرزا أبوالقاسم (صاحب القوانین): 35، 60، 130، 131، 159، 162، 163، 164، 172، 221، 232، 233، 294، 296، 298، 332، 334، 335، 447، 514، 515
المختاري، رضا: 19
مستجاب الدعواتي، السيّد مرتضى: 17
معرفت، محمّدهادي: 17
المعموري النجفي، نبیل: 17، 18
المکارم الشیرازي، ناصر: 17
الموسوي البهبهاني، السیّد علي: 15
الموسوي الخمیني، السید روح الله: 230
الموسوي الخلخالي، السیّد فاضل: 573
الموسوي الخلخالي، السیّد محمّد: 573
الموسوي الخلخالي، السیّد محمّد مهدي: 573
الموسوي الخوئي، السّید أبوالقاسم: 17، 573
الموسوي الطهراني، السیّد رسول: 16
«ن»
النائیني، محمّدحسین: 238
النجف آبادي، السیّد علي: 15
النجفي، راضي: 6، 10، 12، 13، 14النجفي الإصفهاني، محمّدباقر بن محمّدتقي: 6، 7، 9، 11، 13، 14
النجفي الإصفهاني، محمّدتقي (آقانجفي): 7، 9
النجفي الإصفهاني، محمدحسين (صاحب التفسیر): 7
النجفي الإصفهاني، محمّدرضا: 15
النجفي الإصفهاني، محمّدعلي: 7
النجفي الإصفهاني، مهدي: 15
النجفي، هادي: 594
نصر آزاداني، تهمینه: 18
النراقي، أبوالقاسم: 16
النراقي، أحمد: 71، 106، 147، 165، 170، 236، 370
النراقي، مهدي: 34، 219
نوّاب رامپور، السيّد محمّدحامد خان: 11
النوّاب عبدالكريم خان: 11
«و»
الوحيد البهبهاني، محمّدباقر: 15، 293
الوحید الخراساني، حسین: 17
الوزیري الکردستاني الیزدي، محمّد: 18
«ي»
يزدجرد: 7
اليزدي، عليّ: 18، 583
الیزدي، محمّدحسین ابن الحاجي عبدالغفور: 18
اليزدي، ملّا حسن ابن الحاج محمّد إبراهيم ابن الحاج عبد الغفور: 11
ص: 592
القرآن الکریم: 290، 555
«ا»
اجتماع الأمر والنهي: 3، 5، 8، 10، 12، 29
أحسن الودیعة: 11، 12
إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل: 219
أحکام مهر در فقه شیعه: 573
أختران تابناك: 12
إشارات إلی مفاتیح الأحکام: 35، 54، 74، 144، 446، 519
أصول فقه الشیعة: 573
الأعلام: 12
أعيان الشيعة: 12
«ب»
بحار الأنوار: 222، 557
بستان نياز و گلستان راز: 10، 12
البيان: 557
«ت»
تجريد الأصول: 219
تذكرة الفقهاء: 373
تنزیه المعبود في الردّ علی وحدة الوجود: 186
«ج»
جامع المقاصد: 372
جستارهایي فقهي وأصولي: 452
جواهر الکلام: 14، 376، 541
الجوهر الفرید في مهامّ الأسانید: 15
«ح»
الحبل المتین: 224، 574
حاشية فرائد الأصول: 12
حاشیة المعالم: 428
حاشية المكاسب: 6، 8، 10، 12
«د»
الدّروس الشرعیّة: 555، 574
دیوان الشریف المرتضی: 3
دیوان السیّد حیدر الحلّي: 3
دیوان السیّد سلیمان الکبیر: 3
«ذ»
ذخيرة الصالحين: 10
ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد: 373
الذريعة إلی أصول الشریعة: 222
الذریعة إلی تصانیف الشیعة: 12
الذريعة من تراث المرتضى: 226
ذكرى الشیعة في أحکام الشریعة: 372، 381، 574، 576
«ر»
رجال الشیخ الانصاری: 338
ردّ المقدّمة الثالثة من مقدّمات الانسداد: 10
رسائل الشيخ الأنصاري (فرائد الأصول): 10
رسالة في إرث الزوجة من الثمن والعقار: 12
رسالة في استحالة اجتماع الأمر والنهي: 37، 429، 302، 307
ص: 593
رسالة في الاستصحاب: 10، 12،
رسالة في بیان جواز النسخ: 126
رسالة في حرمة الربا: 15
رسالة في الظنّ المتعلق بأعداد الصلاة وكيفية الاحتياط: 8، 10، 12
رسالة في منجزات المريض: 12
رفع النزاع من البین في الصلح المقصود منه الفرار عن الدین: 11
روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 555، 557، 574
ریاض المسائل: 229، 230، 549ريحانة الأدب: 12
«ز»
الزبدة (زبدة الأصول): 301
زندگانی حضرت آیة الله چهارسوقی: 14
زندگانی و شخصيت شیخ انصاری: 12
«س»
السؤال والجواب (أجوبة المسائل): 8، 10
السّبع الشداد: 301
«ش»
الشافية في الصلاة (الشافیة الصلاتیة): 557
شرح الدّروس (مشارق الشموس): 221
شعب المقال في درجات الرجال: 16
شهداء الفضيلة: 12
«ص»
الصحيفة الكاظميّة: 10، 12
صدی الأیام: 3
«ط»
طريق النجاة: 10
طریق الوصول: 15
«ع»
العروة الوثقى: 6، 8، 10، 12، 14، 327
علماء معاصرين: 12
«غ»
الغاية القصوى: 8
«ف»
الفصول الغرویّة: 74، 98، 145، 170، 284، 298، 307، 356، 379، 401، 472، 519، 524
فقه الشیعة: 573
الفوائد الرضوية: 12
«ق»
القواعد والفوائد: 372، 373، 381
القوانین المحکمة في أصول الفقه: 172، 221
«ك»
كتاب التعادل والتراجيح (التعارض): 8، 10، 12
کتب الطهارة: 376
کرّاسات في الاقتصاد الإسلامي: 17
الكلم الجامعة والحكم النافعة: 12
كشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء: 558
کشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء: 16
کفایة الأصول: 138
ص: 594
«ل»
لغت نامه: 13
«م»
ماضي النجف: 13
مجلّة تراثنا: 15
مجلّة فقه أهل البیت:: 452
مجلّة الهلال: 11
مجمع الفائدة والبرهان (شرح الإرشاد): 227، 574
مختلف الشیعة 372
مدارك الأحکام: 219، 574
المسؤولیّة المدنیّة للطبیب بین الفقه والقانون: 452
معارف الرجال: 13
معالم الدین وملاذ المجتهدین: 36، 74، 75، 109، 114، 193، 219
المعتبر في شرح المختصر: 224، 563، 574
معجم رجال الفكر والأدب: 13
معجم المؤلفين: 13
معجم المؤلفين العراقيين: 13
المقاصد العليّة: 555، 574
مقالة حول أصل البراءة ومسلك منجزيةالاحتمال: 209
مكارم الآثار: 13
منار الهدی: 14
مناهج الأحکام: 35، 53، 68، 71، 106، 144، 165، 170، 236، 259، 370
منتخب الرسائل: 10
منتهى المطلب في تحقیق المذهب: 219، 541، 574
المنظومة: 155
میزان الفقاهة: 15
«ن»
نجاة العباد: 8
نجوم السماء: 13
نماز طواف: 266، 327
نهاية الإحکام في معرفة الأحکام: 516، 542، 574
«و»
وجیزة عزیزة: 216
«ه»
هدایة المسترشدین (الحاشية): 13، 35، 103، 117، 147، 167، 250، 254، 256، 268، 285، 358، 368، 472، 499، 501
هدية الرازي: 13
ص: 595
«ا»
إستهبان: 17
إصفهان: 6، 9، 10، 11، 13، 14، 17
إيران: 6، 9، 573
«ب»
باب الطوسي: 7
بغداد: 7، 10
«ت»
تركيا: 8
«س»
سامراء: 6، 10
«ش»
شیکاگو: 573
«ج»
جامع عمران: 7
«ط»
طهران: 16، 573
«ع»
العتبة العباسیة المقدّسة: 338
العراق: 9
«ف»
فارس: 17
«ق»
قم المشرّفة: 17
«ك»
كِسْنَویّه (كسنو): 7، 9، 13
«م»
مدرسة المیرزا جعفر: 18
المدنية المنوّرة: 583
مسجد الأتابکي: 18
مسجد السهلة: 9
المشهد العلوي: 7
المشهد المقدس الرضوي: 18، 573
مکتبة المسجد الأعظم: 18
مکتبة الوزیري: 18
مكّة المکرّمة: 583
«ن»
النجف الأشرف: 5، 6، 7، 12، 13، 14، 17، 573، 582
نیریز: 17
«ي»
يزد: 6، 7، 9، 10، 13، 17
ص: 596
الأشاعرة: 78، 82، 117، 122، 123، 218، 271، 340، 343، 357
الإماميّة: 5، 6، 14، 217
الشيعة: 5، 13، 223، 573
العدلية: 117، 340، 357
المشّاؤون: 186
المعتزلة: 78، 81، 217
ص: 597
قرآن کریم.
1- أحسن الودیعة في تراجم مشاهیر مجتهدي الشیعة: السیّد محمّد مهدي الموسوي الإصفهاني الکاظمي، تعلیق: السیّد عبدالستّار الحسني البغدادي، مؤسسة تراث الشیعة، قم، الطبعة الأولى، 1437 ق.
2- إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل: السیّد نورالله الحسیني المرعشي التستري، تعلیق: السیّد شهاب الدین المرعشي النجفي، مکتبة آیةالله العظمى النجفي المرعشي، قم.
3- الإحکام في أصول الأحکام: علي بن محمّد الآمدي، تحقیق: عبدالرزّاق عفیفي، المکتب الإسلامي، بیروت، الطبعة الثانیة، 1407ق.
4- استحالة اجتماع الأمر والنهي: السیّد علي الطباطبائي الحائري، تحقیق: حسین حلبیان، مجلة تراثنا (نشرة فصلیة تصدرها مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث)، قم، العدد 147.
5- إشارات إلى مفاتیح الأحکام: الحاج محمّدإبراهیم الکلباسي، طهران، الطبعة الأولى، 1245ق.
6- الإشارات والتنبیهات: حسین بن عبدالله بن سینا، تحقیق: کریم فیضي، مؤسسة مطبوعات دیني، قم، 1384 ش.
7- أُصول الفقه: محمّدعلي الأراکي، مؤسسة در راه حق، قم، الطبعة الأولى، 1375ش.
ص: 598
8- الأُصول الوسیط، مصباح الهدي: المیرزا مهدي الإصفهاني، تحقیق: مؤسسة معارف أهل البیت (علیهم السلام)، قم، الطبعة الثانیة، 1440ق.
9- أُصول فقه الشیعة: السیّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، تقریر: السیّد محمّدمهديالموسوي الخلخالي، فقیه أهل البیت (علیهم السلام)، قم، الطبعة الأولى، 1436 ق.
10- أعیان الشیعة: السیّد محسن الأمین، تحقیق: السیّد حسن الأمین، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، الطبعة الأولى، 1403ق.
11- أقرب المجازات إلى مشایخ الإجازات: السیّد علي نقي النقوي اللکهنوي، تقدیم: السیّد محمّدرضا الحسیني الجلالي، مرکز إحیاء التراث التابع لدار المخطوطات للعتبة العبّاسیة المقدّسة، کربلاء، الطبعة الأولى، 1347 ق.
12- الانتصار: السیّد على بن الحسین (السيّد المرتضی)، تحقیق: علي الدباغ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1415 ق.
13- أنیس المجتهدین: محمّدمهدي النراقي، تحقیق: نعمت الله الجلیلي، غلامرضا النقي، ولي الله القرباني، محسن النوروزي، بوستان کتاب، قم، 1388ش.
14- أوثق الوسائل في شرح الرسائل: المیرزا موسى التبریزي، تصحیح: زین العابدین بن علي بن لطفعلي، 1343ق، نشر الکتبي النجفي، قم.
15- إیضاح الفرائد: السیّد محمّد الحسیني التنکابني، مقابلة: السیّد مهدي بن محمّد الحسیني التنکابني، المطبعة الإسلامیة (اخوان کتابچي)، طهران، الطبعة الأولى، 1359ق.
16- إیضاح الفوائد في شرح مشکلات القواعد: محمّد بن حسن فخر المحقّقین، تحقیق: السیّد حسین الموسوي الکرماني، علي پناه الإشتهاردي، عبدالرحیم البروجردي، مؤسسة إسماعیلیان، قم، الطبعة الأولى، 1387ق.
17- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (علیهم السلام): العلّامة محمّدباقر بن محمّدتقي المجلسي، دار إحیاء التراث العربي، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403ق.
18- البحر المحیط في أصول الفقه: محمّد بن بهادر بن عبدالله الزرکشي الشافعي، تحقیق: محمّد محمّد تامر، دار الکتب العلمیّة، بیروت، 1421ق.
ص: 599
19- بحوث في علم الأصول: الشهید السیّد محمّدباقر الصدر، تقریر: السیّد محمود الهاشمي الشاهرودي، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1417ق.
20- بدائع الأفکار: المیرزا حبیب الله الرشتي، مقابلة: أبوالقاسم بن محمّدرضا النوري، 1313ق.
21- بدائع الأفکار في الأصول: ضیاء الدین العراقي، تقریر: هاشم الآملي، المطبعة العلمیة، النجف الأشرف، الطبعة الأولى، 1370ق.
22- البرهان في أصول الفقه: عبدالملك بن عبدالله الجویني الشافعي، تحقیق: عبدالعظیم الدیب، مطابع الدوحة الحدیثة، الطبعة الأولى، 1399ق.
23- البیان: محمّد بن مکّي الشهید الأوّل، تحقیق: محمّد حسّون، بنیاد فرهنگي إمام مهدي (عجل الله تعالی فرجه)، قم، الطبعة الأولى، 1412ق.
24- البیان: السیّد محمّدحسین الحسیني الجلالي، تحقیق: حسین حلبیان، مجمع الذخائر الإسلامیّة، قم، 1436 ق.
25- بیان الأصول: السیّد حسین الطباطبائي البروجردي، لطف الله الصافي الگلپایگاني، مطبعة ثامن الحجج (علیه السلام)، قم، الطبعة الأولى، 1428ق.
26- بیان المختصر: محمود بن عبدالرحمن بن أحمد الإصفهاني، تحقیق: محمد مظهر بقا، جامعة أمّ القرى، مکّة المکرّمة، الطبعة الأولى، 1406ق.
27- تبصرة الفقهاء: محمّدتقي النجفي الإصفهاني، تحقیق: السیّد صادق الحسیني الإشکوري، مجمع الذخائر الإسلامیّة، قم، الطبعة الأولى، 1427ق.
28- تجرید الأصول: المولى محمّدمهدي بن أبي ذر النراقي، تصحیح: الشیخ علي الیزدي، مطبعة السیّد مرتضى، 1317ق.
29- تحریر الأحکام الشرعیّة على مذهب الإمامیّة: حسن بن یوسف العلّامة الحلّي، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، مشهد الرضا (علیه السلام)، الطبعة الأولى.
30- تحریر الأصول: ضیاء الدین العراقي، تقریر: مرتضى المظاهري الإصفهاني، تحقیق: حمزة حمزوي، نشر مهر، قم، الطبعة الأولى، 1363ش.
ص: 600
31- تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله علیه و آله وسلم): الحسن بن علي بن الحسین بن شعبة الحرّاني الحلبي، تحقیق: علي أکبر الغفّاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1404ق.
32- تحقیق الأصول: السیّد علي الحسیني المیلاني (على ضوء أبحاث آیة الله العظمى الشیخ حسین الوحید الخراساني)، نشر الحقائق، الطبعة الثانیة، 1428ق.
33- تذکرة الفقهاء: حسن بن یوسف العلّامة الحلّي، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1414ق.
34- التراث المتبقى من شریف العلماء: حسین حلبیان، مجلة تراثنا (نشرة فصلیة تصدرها مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث)، قم، العدد 137، 1440ق.
35- تعلیقات الفصول في الأصول: أحمد الشیرازي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1386ق.
36- التفسیر الکبیر: محمّد بن عمر الرازي، الطبعة الثالثة.
37- التقریب والإرشاد: أبوبکر محمّد بن الطیّب الباقلاني، تحقیق: عبدالحمید بن علي أبورنید، مؤسسة الرسالة، بیروت، الطبعة الأولى، 1418ق.
38- تقریرات آیةالله المجدّد الشیرازي: السیّد محمّدحسن الشیرازي، تقریر: علي الروزدري، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1409ق.
39- تقريرات دروس خارج الأصول: حسین حلبیان، تقریر: محمّدرضا پناهي، مخطوط.
40- تقریرات في أصول الفقه: السیّد عبدالحسین اللاري، مؤتمر آیة الله السیّد عبدالحسین اللاري، قم، الطبعة الأولى، 1418ق.
41- تقویم الإیمان (وشرحه کشف الحقائق): السیّد محمّدباقر المیرداماد، الشارح: السید أحمد العلوي، مؤسسة مطالعات إسلامي، طهران، الطبعة الأولى، 1376 ش.
42- تکملة أمل الآمل: السیّد حسن الصدر، تحقیق: حسین علي محفوظ، عبدالکریم الدباغ، عدنان الدباغ، دار المؤرخ العربي، بیروت، الطبعة الأولى، 1429ق.
43- تهذیب الأحکام: محمّد بن الحسن الطوسي، تحقیق: السیّد حسن الموسوي الخرسان،
ص: 601
دارالکتب الإسلامیّة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.
44- تهذیب الأصول: السیّد روح الله الموسوي الخمیني، تقریر: جعفر السبحاني، مؤسسة إسماعیلیان، قم.
45- جامع الشتات في أجوبة السؤالات: المیرزا أبوالقاسم القمي، تحقیق: مرتضى الرضوي، نشر کیهان، طهران، الطبعة الأولى، 1413ق.
46- الجامع للشرایع: یحیى بن سعید الحلّي، تحقیق: جمع من العلماء بإشراف آیةاللهالشیخ جعفر السبحاني، مؤسسة سید الشهداء (علیه السلام)، قم، الطبعة الأولى، 1405ق.
47- جامع المدارك في شرح المختصر النافع: السیّد أحمد الخوانساري، مکتبة الصدوق، طهران، 1355ش.
48- جامع المقاصد في شرح القواعد: علي بن الحسین الکرکي، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)، قم، 1414ق.
49- جستارهایی فقهی و اصولی با نگرشی بر آراء فقهای ایران و عراق: حسین حلبیان، مجمع الذخائر الإسلامیّة، قم، الطبعة الأولى، 1393 ش.
50- جواهر الأصول: السیّد محمّدباقر الصدر، تقریر: محمّدإبراهیم الأنصاري الأراکي، دارالتعارف للمطبوعات، بیروت، الطبعة الأولى، 1415ق.
51- جواهر الکلام في شرح شرایع الإسلام: محمّدحسن النجفي الإصفهاني، تصحیح: عباس القوچاني، عليّ الآخوندي، بیروت، الطبعة السابعة، 1404ق.
52- الجوهر الفرید في مهامّ الأسانید: السیّد محمّد حسین الحسیني الجلالي، تحقیق: حسین حلبیان، مجمع الذخائر الإسلامیّة، قم، الطبعة الأولى، 1436 ق.
53- حاشیة المکاسب: السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي، تحقیق: عبّاس بن محمّد آل سباع القطیفي، مؤسسة طیبة لإحیاء التراث، قم، الطبعة الثانیة، 1429ق.
54- الحاشیة على شرح التجرید: المیر السیّد شریف الجرجاني، مخطوطة في مکتبة مجلس الشورى، رقم 10350.
55- الحاشیة على شرح العضد على مختصر المنتهی: حبیب الله الشیرازي الباغنوي الشافعي،
ص: 602
مخطوطة في مرکز إحیاء التراث الإسلامي، قم، رقم 3043.
56- الحاشیة على شرح العضد على مختصر المنتهی: أحمد الأبهري، مخطوطة في مکتبة مؤسسة آیةالله العظمى السیّد حسین الطباطبائي البروجردي في مسجد الأعظم، قم، رقم353.
57- الحاشیة على حاشیة الشیرازي الباغنوي: آقا جمال الدین الخوانساري، مخطوطة في مرکز إحیاء التراث الإسلامي، رقم 2148، الاستنساخ 1189ق.
58- الحاشیة على العروة الوثقی: حسین حلبیان، مخطوطة.
59- الحاشیة على القوانین: محمد شریف (شریف العلماء) المازندراني، تحقیق: حسین حلبیان، نسخة في مکتبة بیت الحاج مصطفى حلبیان في إصفهان.
60- الحاشیة على کفایة الأصول: حسین حلبیان، مخطوطة.
61- الحاشیة على معالم الدین: حسین بن محمّد الحسیني المرعشي (سلطان العلماء)، انتشارات الداوري، قم، الطبعة الأولى.
62- حاشیة معالم الدین: محمّدصالح بن أحمد المازندراني، منشورات مکتبة الداوري، قم، الطبعة الأولى.
63- حاشية معالم الدین: المولى الميرزا محمّد الشيرواني، اسم الکاتب: محمّدکاظم بن محمّدجعفر، مخطوطة في مکتبة مجلس الشورىٰ الإسلامي برقم 90156، تاريخ تمام الکتابة: یوم الاثنین 26 صفر 1246ق.
64- الحبل المتین في أحکام الدین: محمّد بن الحسین العاملي، تصحیح: مرتضى أحمدیان، مکتبة بصیرتي، قم، الطبعة الأولى، 1390ق.
65- الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة: یوسف بن أحمد البحراني، تحقیق: محمّدتقي الإیرواني، السیّد عبدالرزّاق المقرّم، مکتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1405 ق.
66- حقائق الأصول: السیّد محسن الطباطبائي الحکیم، مکتبة بصیرتي، قم، الطبعة الخامسة، 1408ق.
67- الحکمة المتعالیة في الأسفار العقلیة الأربعة: صدرالدین محمّد الشیرازي، دار إحیاء
ص: 603
التراث العربي، بیروت، الطبعة الثالثة، 1981 م.
68- درر الفوائد: عبدالکریم الحائري الیزدي، مع تعالیق: محمّدعلي الأراکي، باهتمام: محمّد المؤمن القمي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة السادسة، 1418ق.
69- الدروس الشرعیّة في فقه الإمامیّة: محمّد بن مکّي الشهید الأوّل، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1417ق.
70- دروس في علم الأصول: السیّد محمّدباقر الصدر، دار الهدى، قم، الطبعة الأولى، 1422ق.
71- دروس في مسائل علم الأصول: المیرزا جواد التبریزي، دار الصدیقة الشهیدة سلام الله علیها، قم، الطبعة الثانیة، 1387ش.
72- ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد: محمّدباقر بن محمّدمؤمن السبزواري، مؤسسةآل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1247ق.
73- الذريعة إلى أُصول الشريعة: السیّد على بن الحسین (السيّد المرتضی)، تحقيق: الدكتور أبو القاسم گرجي، منشورات جامعة طهران، 1346ش.
74- الذریعة إلى تصانیف الشیعة: محمّدمحسن آقابزرگ الطهراني، دار الأضواء، بیروت، الطبعة الثالثة، 1403ق.
75- ذکرى الشیعة في أحکام الشریعة: محمّد بن مکي الشهید الأوّل، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1419ق.
76- رجال الشیخ الأنصاري: مرتضى بن محمّدأمین الأنصاري، تحقیق: حسین حلبیان، العتبة العبّاسیة المقدّسة، کربلاء، الطبعة الأولى، 1442ق.
77- رسائل آقا جمال خوانساري: آغا جمال الدین الخوانساري، کنگره بزرگداشت آقا حسین خوانساري، قم، الطبعة الأولى، 1378ش.
78- الرسائل الأصولیّة: محمّدباقر الوحید البهبهاني، تحقیق ونشر: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحید البهبهاني، قم، الطبعة الأولى، 1416ق.
ص: 604
79- الرسائل التسع: محمّدحسن الآشتیاني، مؤتمر العلّامة الآشتیاني، قم، الطبعة الأولى، 1383ش.
80- رسائل الشريف المرتضى: السیّد على بن الحسین (السيّد المرتضی)، تحقیق: السیّد مهدي الرجائي، السیّد أحمد الحسیني الإشکِوَري، دارالقرآن الکریم مدرسة آیة الله العظمى الگلپایگاني، قم، الطبعة الأولى، 1405ق.
81- الرسائل الفقهیّة: محمّدباقر الوحید البهبهاني، تحقیق ونشر: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحید البهبهاني، قم، الطبعة الأولى، 1419ق.
82- رسائل فقهیّة: مرتضى بن محمّدأمین الأنصاري، المؤتمر العالمي للشیخ الأنصاري، قم، الطبعة الأولى، 1414ق.
83- رسائل المحقّق الکلباسي: أبوالمعالي محمّد بن محمّد إبراهیم الکلباسي.
84- رسالة بعض الأفاضل إلى علماء مدینة السلام: حسین بن عبدالله بن سینا، مخطوطة في مجلس الشورى الإسلامي في مجلد باسم «بحیرة نفیسة»، 23/1255س، تاریخ الکتابة 1091 ق.
85- رسالة في بیان جواز النسخ: محمّدشریف بن حسنعلي شریف العلماء المازندراني، تحقیق: حسین حلبیان وأحمد حلبیان، چتر دانش، الطبعة الأولى، 1441 ق.
86- رسالة في حجیّة الظنّ: أبوالمعالي محمّد بن محمّدإبراهیم الکلباسي، الطبعة الأولى، 1317ق.
87- رسالة في حرمة الربا: أبوالهدى الکلباسي، تحقیق: حسین حلبیان، مجلة تراثنا (نشرة فصلیة تصدرها مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث)، قم، العدد143، 1441 ق.
88- رفع النزاع من البین في الصلح المقصود منه الفرار عن الدین: محمّدباقر الزند الکرماني، تحقیق وترجمة: حسین حلبیان، چتر دانش، طهران، الطبعة الأولى، 1441 ق.
89- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: زین الدین بن علي الشهید الثاني، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى.
90- روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: السیّد محمّدباقر بن زین العابدین الموسوي
ص: 605
الخوانساري، تحقیق: أسدالله إسماعیلیان، مؤسسة إسماعیلیان، قم، 1390ق.
91- الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیّة: زین الدین بن علي الشهید الثاني، تصحیح وتعلیق: السیّد محمد کلانتر، منشورات جامعة النجف الدینیّة، الطبعة الأولى، 1386ق.
92- ریاض المسائل في تحقیق الأحکام بالدلائل: السیّد علي الطباطبائي الحائري، مؤسّسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، مشهد، الطبعة الأولى، 1421ق.
93- زبدة الأصول: محمّد بن الحسین العاملي، تحقیق: السیّد علي جبّار گلباغي ماسوله، نشر شریعت، قم، الطبعة الأولى، 1383ش.
94- زبدة الأصول: السیّد محمّدصادق الحسیني الروحاني، حدیث دل، طهران، الطبعة الثانیة، 1382ش.
95- زندگاني آیة الله چهارسوقي: السیّد محمّد علي الروضاتي، مؤسسة تراث الشیعة، قم، الطبعة الأولى، 1396ش.
96- السبع الشداد: السیّد محمّدباقر المیرداماد، طهران، الطبعة الأولى، 1397ق.
97- سفینة النجاة: محمّدمحسن الفیض الکاشاني، الطبعة الأولى.
98- سنن الترمذي: محمّد بن عیسى الترمذي، تحقیق: عبد الوهّاب عبد اللطیف، دارالفكر، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403ق.
99- السیّد محمّدکاظم الیزدي سیرته وأضواء على مرجعیته ومواقفه ووثائقه السیاسیّة: کامل سلمان الجبوري، منشورات ذوي القربى، قم، الطبعة الأولى، 1427 ق.
100- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي، تحقیق: عبدالحسین محمّدعلي بقّال، مؤسسة إسماعیلیان، قم، الطبعة الثانیة، 1408ق.
101- شرح الأسماء الحسنی: المولى هادي السبزواري، الطبعة الحجریّة، مکتبة بصیرتي، قم.
102- شرح العروة الوثقی: حسین حلبیان، مخطوط.
103- شرح العضد على مختصر المنتهى لابن حاجب المالکي: عضدالدین عبدالرحمن بن أحمد الشافعي الإیجي، تصحیح: فادي نصیف وطارق یحیى، دار الکتب العلمیّة، بیروت،
ص: 606
الطبعة الأولى، 1421ق.
104- شرح کفایة الأصول: حسین حلبیان، مخطوط.
105- شرح المنظومة: المولى هادي السبزواري، تصحیح وتعلیق: حسن حسن زاده الآملي، تحقیق: مسعود الطالبي، نشر ناب، طهران، الطبعة الأولى، 1369ق.
106- شرح نجاة العباد: أبوطالب الأراکي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1420ق.
107- شناختنامه آیةالله العظمى السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي: باهتمام: علي أکبر زماني نژاد، نشر دانش حوزه، قم، الطبعة الأولى، 1391 ش.
108- شروط صحة الشرط: السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي، تقریر: السیّد محمّدباقر الموسوي الدرچهئي، تحقیق: حسین حلبیان.
109- ضوابط الأصول: السیّد إبراهیم الموسوي القزویني، 1371ق.
110- طبقات أعلام الشیعة: محمّدمحسن الطهراني آقابزرگ، دار إحیاء التراث العربي، بیروت، الطبعة الأولى، 1430ق.
111- طریق الوصول إلى أخبار آل الرسول (علیهم السلام): هادي النجفي، دارالتفسیر، قم، الطبعة الأولى، 1437ق.
112- عمدة الأصول: السیّد محسن الخرّازي، مؤسسة در راه حق، قم، الطبعة الأولى، 1422ق.
113- العروة الوثقی: السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي، تصحیح: أحمد المحسني السبزواري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1419 ق.
114- العروة الوثقی: السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي، مع تعالیق: السیّد علي الحسیني السیستاني، دارالمؤرخ العربي، بیروت، الطبعة الثانیة، 1431ق.
115- عقود حیاتي: السیّد محمّدحسین کاشف الغطاء، تحقیق: أمیر کاشف الغطاء، منشورات مدرسة ومکتبة الإمام کاشف الغطاء العامّة، النجف الأشرف، 1433 ق.
ص: 607
116- علل الشرایع: محمّد بن علي الصدوق، تحقیق: السیّد محمّدصادق بحرالعلوم، مکتبة الداوري، قم، 1385ق.
117- العین: خلیل بن أحمد الفراهیدي، تحقیق: مهدي المخزومي وإبراهیم السامرائي، نشر الهجرة، قم، الطبعة الثانیة، 1410ق.
118- غایة المأمول من علم الأصول: السیّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، تقریر: محمّدتقي الجواهري، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1428ق.
119- غایة المسؤول في علم الأصول: السیّد محمّد حسین الحسیني الشهرستاني، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى.
120- غرر الحکم ودرر الکلم: عبدالواحد بن محمّد التمیمي الآمدي، تحقیق: السیّد مهدي الرجائي، دارالکتاب الإسلامي، قم، الطبعة الثانیة، 1410ق.
121- فرائد الأصول: مرتضى بن محمّدأمین الأنصاري، تحقیق: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة التاسعة، 1428ق.
122- الفردوس الأعلی: محمّدحسین کاشف الغطاء، شرح: السیّد محمّدعلي القاضي الطباطبائي، دار أنوار الهدى، قم، الطبعة الأولى، 1426ق.
123- الفصول الغرویّة في الأصول الفقهیّة: محمّدحسین الحائري الإصفهاني، دار إحیاء العلوم الإسلامیّة، قم، الطبعة الأولى، 1404ق.
124- فقه فتوائي: محمدکاظم الخراساني، باهتمام: مهدي المهریزي، مؤتمر الآخوند الخراساني، قم، 1390ش.
125- الفوائد الحائریّة: محمّدباقر الوحید البهبهاني، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1415ق.
126- فوائد الأصول: محمّدحسین النائیني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1376ش.
127- الفوائد الأصولیة: مرتضى الأنصاري، تحقیق: حسن المراغي، نشر شمس تبریزي، طهران، الطبعة الأولى، 1426ق.
ص: 608
128- فهرست نسخه های خطّی کتابخانه مؤسسه ی حضرت آیةالله العظمی بروجردی: السیّد أحمد الحسیني الإشکِوَري، مجمع الذخائر الإسلامیّة، قم، 1426ق.
129- فهرست نسخه های خطی کتابخانه عمومی آیةالله العظمی مرعشی نجفی: السیّد أحمد الحسیني الإشکِوَري، مکتبة آیةالله العظمی النجفي المرعشي، قم، 1362ق.
130- فهرست نسخه های خطی مرکز إحیاء میراث اسلامی: السیّد أحمد الحسیني الإشکِوَري، قم، الطبعة الأولى.
131- فهرستگان نسخه های خطّی ایران (فنخا): مصطفی الدرایتي، سازمان أسناد وکتابخانه ملّي إیران، طهران، 1391ش.
132- قواعد الأحکام في معرفة الحلال والحرام: حسن بن يوسف العلّامة الحلّي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1413ق.
133- القواعد الشریفة: محمّدشفیع بن عليأکبر الجاپَلَقي، الطبعة الأولى، قم.
134- القواعد والفوائد: محمّد بن مکّي الشهید الأوّل، تحقیق: السیّد عبدالهادي الحکیم، مؤسسة البلاغ، بیروت، 1433ق.
135- القوانین المحکمة في أصول الفقه: المیرزا أبوالقاسم القمي، 1303ق.
136- الکافي: محمّد بن یعقوب الکلیني، تحقیق:علي أکبر الغفّاري، محمّد الآخوندي، دارالکتب الإسلامیّة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.
137- الکافي في الفقه: أبوالصلاح تقي الدین بن نجم الدین الحلبي، تحقیق: رضا الأستادي، مکتبة أمیرالمؤمنین (علیه السلام)، أصفهان، الطبعة الأولى، 1403ق.
138- کتاب الزهد: حسین بن سعید الأهوازي، تحقیق: غلامرضا عرفانیان الیزدي، المطبعة العلمیة، قم، الطبعة الثانیة، 1402ق.
139- کتاب التعارض: السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي، تحقیق: حلمي عبدالرؤوف السنان، منشورات دار مدین، قم، الطبعة الثانیة، 1433ق.
140- کتاب التقریرات المسمى بالمحاکمات بین الأعلام: عبد النبي النجفي، تقریر: مسلم السرابي التبریزي، چاپخانه قم، الطبعة الأولى.
ص: 609
141- کتاب الصلاة: مرتضى بن محمّدأمین الأنصاري، تحقیق: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، المؤتمر العالمي بمناسبة ذکرى المئویة الثانیة لمیلاد الشیخ الأعظم الأنصاري، قم، الطبعة الأولى، 1415ق.
142- کتاب الطهارة: مرتضى بن محمّدأمین الأنصاري، تحقیق: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، المؤتمر العالمي بمناسبة ذکرى المئویة الثانیة لمیلاد الشیخ الأعظم الأنصاري، قم، الطبعة الأولى، 1415ق.
143- کتاب من لا یحضره الفقیه: محمّد بن علي الصدوق، تحقیق: علي أکبر الغفّاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1413ق.
144- کشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس: مفلح بن الحسن الصیمري، مخطوطة في مکتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم 22498.
145- کشف الظنون عن أسامي الکتب والفنون: مصطفى بن عبدالله حاجي خلیفه، بیروت، دار إحیاء التراث العربي.
146- کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغرّاء: جعفر بن خضر النجفي، تحقیق: عبّاس تبریزیان وعبدالحکیم ضیاء ومحمّدرضا طاهریان الذاکري، مکتب الإعلام الإسلامي، فرع خراسان، الطبعة الأولى، 1422ق.
147- کشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحکام: محمّد بن الحسن الإصفهاني الهندي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1416ق.
148- کفایة الأصول: محمّدکاظم الخراساني، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة السادسة، 1430ق.
149- الکنى والألقاب: عبّاس القمي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1429ق.
150- لوامع الأحکام في فقه شریعة الإسلام: المولى محمّدمهدي بن أبي ذر النراقي،الطبعة الأولى، قم.
151- مباني الأحکام في أصول شرائع الإسلام: مرتضى الحائري الیزدي، تحقیق: محمّدحسین
ص: 610
أمراللّهي الیزدي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1432ق.
152- المباني الأصولیّة لآیةالله السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي: حسین حلبیان، مخطوط.
153- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: أحمد بن محمّد الأردبیلي، تحقیق: مجتبى العراقي وعلي پناه الإشتهاردي وآقا حسين اليزدي الإصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1403ق.
154- مجمع الفرائد في الأصول: علي فریدة الإسلام الکاشاني، چاپخانه أمیر، قم، الطبعة الأولى، 1368ق.
155- محجة العلماء: محمدهادي الطهراني، باهتمام: عبدالحسین بن محمدعلي الخوشنویس الإصفهاني.
156- المحصول في علم الأصول: السیّد محسن بن الحسن الأعرجي الکاظمي، تحقیق: هادي الشیخ طه، مرکز المرتضى لإحیاء التراث والبحوث الإسلامیّة، النجف الأشرف، الطبعة الأولى، 1437ق.
157- المحصول في علم أصول الفقه: محمّد بن عمر الرازي، تحقیق: طه جابر فیاض العلواني، مؤسسة الرسالة، بیروت، الطبعة الثانیة، 1412ق.
158- مختصر منتهي السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل: عثمان بن عمر ابن الحاجب المالكي، تحقیق: نذیر حمادو، دار ابن حزم، بیروت، الطبعة الأولى، 1427ق.
159- مختلف الشیعة في أحکام الشریعة: حسن بن یوسف العلّامة الحلّي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1413ق.
160- مدارك الأحکام في شرح عبادات شرائع الإسلام: محمّد بن علي الموسوي العاملي، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، بیروت، الطبعة الأولى، 1411ق.
161- مرآة العقول: محمّدباقر المجلسي، باهتمام: محمّد الآخوندي، دار الکتبالإسلامیة، طهران، 1363ش.
162- مسالك الأفهام إلى تنقیح شرایع الإسلام: زین الدین بن علي الشهید الثاني، مؤسسة
ص: 611
المعارف الإسلامیّة، قم، الطبعة الأولى، 1413ق.
163- المسؤولیة المدنیّة للطبیب بین الفقه والقانون: حسین حلبیان، مجلّة فقه أهل البیت (علیهم السلام)، قم، الأعداد 70 إلى 72، 1434 ق.
164- مستدرك سفینة البحار: علي النمازي الشاهرودي، تحقیق: حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، 1419ق.
165- المستصفى في علم الأصول: محمّد الغزالي، تصحیح: محمّد عبدالسلام عبدالشافي، دارالکتب العلمیّة، بیروت، 1417ق.
166- مستند الشیعة في أحکام الشریعة: أحمد بن محمّدمهدي النراقي، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1415ق.
167- مشارق الشموس في شرح الدروس: آقا حسین بن محمّد الخوانساري، تحقیق: السیّد جواد ابن الرضا، 1430ق.
168- مطارح الأنظار: مرتضى الأنصاري، تقریر: المیرزا أبوالقاسم الکلانتري الطهراني، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة الثانیة، 1383ش.
169- مع علماء النجف الأشرف: السیّد محمّد الغروي، بیروت، دارالثقلین، الطبعة الأولى، 1420ق.
170- معارف الرجال: محمّد حرزالدین، تعلیق: محمّدحسین حرزالدین، مکتبة آیة الله العظمى النجفي المرعشي، قم، 1405 ق.
171- معالم الدین وملاذ المجتهدین: جمال الدین حسن بن زین الدین، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، 1406ق.
172- المعالم في علم أصول الفقه: محمّد بن عمر الرازي، تحقیق وتعلیق: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمّد معوض، دار المعرفة، القاهرة، 1414ق.
173- المعتبر في شرح المختصر: جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي، تحقیق: محمّدعلي الحيدري والسيد مهدي شمس الدين والسيد أبو محمد المرتضوي والسيّد علي الموسوي، مؤسسة سیّد الشهداء (علیه السلام)، قم، الطبعة الأولى، 1407ق.
ص: 612
174- معتصم الشیعة في أحکام الشریعة: محمّدمحسن الفیض الکاشاني، تحقیق: مسیح التوحیدي، المدرسة العالیة للشهید المطهري، طهران، 1387ش.
175- معجم المخطوطات العراقیّة: مصطفى الدرایتي، دیوان الوقف الشیعي، بغداد، الطبعة الأولى، 1439ق.
176- مفتاح الأحکام: أحمد بن محمّدمهدي النراقي، تحقیق: السيّد مهدي الطباطبائي والشيخ عليّ الحميداوي الأنصاري والشيخ محسن النوروزي والسيّد حسين بني هاشمي، بوستان کتاب، قم، الطبعة الأولى، 1430ق.
177- مفتاح العلوم: یوسف السکّاکي، تحقیق: نعیم زرزور، دارالکتب العلمیّة، بیروت، الطبعة الثانیة، 1407ق.
178- مفتاح الکرامة في شرح قواعد العلّامة: السیّد محمّدجواد بن محمّد الحسیني العاملي، تحقیق: محمّدباقر الخالصي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1419ق.
179- المفصّل في تاریخ النجف الأشرف: السيّد حسن عیسى الحکیم، المکتبة الحیدریّة، قم، الطبعة الأولى، 1427ق.
180- المقاصد العلیّة في شرح الرسالة الألفیّة: زین الدین بن علي الشهید الثاني، نشر مکتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1420ق.
181- مقامع الفضل: محمّدعلي الکرمانشاهي، مؤسسة العلّامة المجدّد الوحید البهبهاني، قم، الطبعة الأولى، 1421 ق.
182- مقالات الأصول: آقا ضیاء الدین العراقي، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1420ق.
183- مکارم الآثار: محمّدعلي المعلّم الحبیب آبادي، تحقیق: السیّد محمّدعلي الروضاتي، نفائس مخطوطات إصفهان، الطبعة الأولى، 1364 ش.
184- المکاسب: مرتضى بن محمّدأمین الأنصاري، تحقیق: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة الرابعة عشرة، 1433 ق.
ص: 613
185- منار الهدى في الأنساب: محمّدحسین الأعلمي الحائري، تحقیق: أحمد الحائري الأسدي، مکتبة العلّامة ابن فهد الحلّي، کربلاء، الطبعة الثانیة، 1432 ق.
186- مناط الأحکام: المولى نظرعلي الطالقاني، 1304ق.
187- مناهج الأحکام: أحمد بن محمّدمهدي النراقي، الطبعة الحجرية.
188- مناهج الوصول إلى علم الأصول: السیّد روح الله الموسوي الخمیني، مؤسسة نشر وتنظیم آثار الإمام الخمیني، قم، الطبعة الأولى، 1415ق.
189- منتقى الأصول: السیّد محمّد الحسیني الروحاني، تقریر: الشهید السیّد عبدالصاحب الحکیم، قم، الطبعة الأولى، 1413ق.
190- منتهى الأفکار: هاشم الآملي، تقریر: محمّدتقي المجلسي الإصفهاني، مطبعة النجف، الطبعة الأولى، 1380ق.
191- منتهى المطلب في تحقیق المذهب: حسن بن یوسف العلّامة الحلّي، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد الرضا (علیه السلام)، الطبعة الأولى، 1412ق.
192- منجزات المریض: السیّد محمّدکاظم الطباطبائي الیزدي، فقه الثقلین، قم، الطبعة الأولى، 1431ق.
193- المنخول من تعلیقات الأصول: محمّد الغزالي، تحقیق: محمّد حسن هیتو، دار الفکر المعاصر، بیروت، الطبعة الثالثة، 1419ق.
194- منیة اللبیب في شرح التهذیب: السیّد ضیاءالدین عبدالله بن محمّد الحسیني الحلّي، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، قم، الطبعة الأولى، 1431ق.
195- موسوعة البرغاني في فقه الشیعة: محمّدصالح البرغاني، طهران، تقدیم: عبدالحسین الصالحي، الطبعة الأولی، 1407ق.
196- موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البیت (علیهم السلام): مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1436ق.
197- میزان الفقاهة: السیّد محمّدباقر الموسوي الدرچهئي، إعداد: السید صادق الحسیني الإشکوري، مجمع الذخائر الإسلامیّة، قم، 1439ق.
ص: 614
198- نتائج الأفکار: السیّد إبراهیم الموسوي القزویني، بمبئي، الطبعة الأولى، 1258ق.
199- نفائس الأصول في شرح المحصول: أحمد بن إدریس القرافي المصري، تحقیق: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمّد معوض، مکتبة نزار مصطفى الباز، مکّة المکرّمة.
200- نقد الأصول الفقهیّة: محمّدمحسن الفیض الکاشاني، حبیب الله العظیمي، نشر جامعة فردوسي، مشهدالرضا علیه آلاف التحیّة والثناء، الطبعة الأولى، 1380ش.
201- نگاهی به آثار و برخی نظریات اصولی آیة الله سید محمد کاظم طباطبائی یزدی: حسین حلبیان، مجلة نقد کتاب فقه و حقوق، طهران، العددان 9 و10، 1396ش.
202- نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول: السیّد عبّاس المدرّسي الیزدي، منشورات الداوري، قم، الطبعة الأولى، 1383ش.
203- نور السبل: عبدالرسول المجتهد الیزدي، تحقیق وتقدیم: مهدي المهریزي، علي الصدرائي الخوئي، حمید الأحمدي الجلفائي، دار نشر سهل، قم، الطبعة الأولى، 1439ق.
204- نهایة الإحکام في معرفة الأحکام: حسن بن یوسف العلّامة الحلّي، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1419ق.
205- نهایة الدرایة في شرح الکفایة: محمّدحسین الإصفهاني، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، بیروت، الطبعة الثانیة، 1429ق.
206- نهایة الأصول: السیّد حسین الطباطبائي البروجردي، تقریر: حسینعلي المنتظري، نشر تفکّر، قم، الطبعة الأولى، 1415ق.
207- نهایة الوصول إلى علم الأصول: حسن بن يوسف العلّامة الحلّي، تحقیق: إبراهیم البهادري، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، قم، الطبعة الأولى، 1425ق.
208- نهایة الوصول إلى علم الأصول: أحمد بن علي بن تغلب الحنفي (ابن الساعاتي)، تحقیق: إبراهیم شمس الدین، دار الکتب العلمیّة، بیروت،
209- نهج البلاغة (من کلام أمیرالمؤمنین علي بن أبي طالب (علیهما السلام)): السیّد محمّد بن الحسین (السید الرضي)، شرح: محمد عبده، دار الذخائر، قم، 1412ق.
ص: 615
210- الوافیة في أصول الفقه: عبدالله بن محمّد التوني، تحقیق: السیّد محمّدحسین الرضوي الکشمیري، مجمع الفکر الإسلامي، قم، الطبعة الثانیة، 1415ق.
211- وجیزة عزیزة: السیّد محمّد هاشم الچهارسوقي، الطبعة الأولى، 1317ق.
212- وسائل الشیعة: محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1409ق.
213- وسیلة الوسائل في شرح الرسائل: السیّد محمّدباقر الطباطبائي الیزدي،دارالطباعة المخصوصة للحاج ملّا عباس علي التبریزي، 1291ق.
214- وسیلة الوصول إلى حقائق الأصول: السیّد أبوالحسن الإصفهاني، تقریر: المیرزا حسن السیادتي السبزواري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1422ق.
215- وقایة الأذهان: محمّدرضا النجفي الإصفهاني، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1413ق.
216- هدایة المسترشدین في شرح أصول معالم الدین: محمّدتقي النجفي الإصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الثانیة، 1429ق.
217- الهدایة في الأصول: السیّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، تقریر: حسن الصافي الإصفهاني، مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، قم، الطبعة الأولى، 1417ق.
218- ینابیع الأحکام في معرفة الحلال والحرام: السیّد علي الموسوي القزویني، تحقیق: السیّد عبدالرحیم الجزمئي القزویني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسین بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1430ق.
ص: 616
مقدّمة التحقیق.. 5
المؤلف.... 5
حول الکتاب... 16
النسخ المعتمدة 18
منهجنا في تحقیق الکتاب: 19
الصفحة الأولىٰ من مخطوطة المسجد الأعظم.. 21
الصفحة الأخيرة من مخطوطة المسجد الأعظم.. 22
الصفحة الأولىٰ من مخطوطة مکتبة الوزيري.. 23
الصفحة الأخيرة من مخطوطة مکتبة الوزيري.. 24
الصفحة الأولىٰ من الطبعة الحجرية. 25
الصفحة الأخيرة من الطبعة الحجرية. 26
[مقدّمة الطبعة الحجریّة] 28
[لوحة صدر الصفحة الأولى في الطبعة الحجریّة] 30
نصّ الکتاب / 32
[مقدمة المؤلف] 33
محلّ المسألة. 34
[محلّ المسألة، وأنّها أصولية أو من المبادئ الأحکامية أو المسائل الکلامية؟] 35
[أقوال الأصولیین في وجوه المسألة] 36
ص: 617
[التقریرات المختلفة من مسألة اجتماع الأمر والنهي] 39
[تقریر المسألة کلامیّة] 39
[تقریر المسألة على وجه المبادي الأحکامیّة] 40
[تقریر المسألة أصولیّة عقلیّة] 40
[تقریر المسألة أصولیّة لفظیّة] 41
[تقریر المسألة فرعیّة] 42
[اختلاف حیثیة المسألة بحسب اختلاف التقریرات] 42
[ما یظهر من العنوان في کلمات الأصولیین] 43
[القول بأنّ المسألة من المبادي الأحکامیّة لا کلامیّة ولا أصولیّة] 44
تذنیب [في ذکر کلام الحاج محمّد إبراهیم الکلباسي (رحمة الله علیه) والإشکال فیه] 55
[ثمرة البحث في کون المسألة أصولیّة أو کلامیّة أو من المبادي الأحکامیّة] 57
مقدمات... 58
[مقدّمات قبل الشّروع في أصل المطلب] 59
[المقدّمة الأولى: في تحریر محلّ النزاع في المسألة] 59
[الموضع الأوّل: في معنى الجواز لغةً وعرفاً واصطلاحاً] 59
[الموضع الثاني: في تحقیق معنى الاجتماع] 61
[خروج الاجتماع الآمري الصرف والمأموري كذلك عن محلّ النزاع] 64
[في تضعیف قول صاحب المناهج] 69
[الموضع الثالث: في تحقیق الفرق بین أقسام الأمر والنهي وعدمه] 74
[الموضع الرابع: في اعتبار وحدة متعلّق الأمر والنهي] 96
[الموضع الخامس: في عدم جواز اجتماع الحكمين المتقابلين من الأحکام الوضعيّة] 100
[الموضع السادس: في التحریرات المختلفة لمحلّ النزاع ومجمع الأمر والنهي] 101
[بقى هنا أمور:] 130
ذنابتان 144
[المقدّمة الثانية: في أنّ متعلّق الأوامر والنواهي هي الطبائع أو الأفراد؟] 147
[المراد من الطبایع والأفراد] 148
[مقامان في البحث اللغوي والبحث العقلي] 149
[الأقوال في أنّ الکلّي الطبيعى موجود في الخارج أم لا؟] 153
[الوجوه غیر التامّة المذکورة لإثبات الوجود الکلّي الطبیعي] 158
[استدلال القائلین بعدم وجود الکلّي الطبیعي] 161
ص: 618
[نسبة الکلّي بأفراده] 162
[في بيان الرأي المختار] 163
[استدلال القائلين بتعلّق الأمر أو النهي بالأفراد] 165
[ردّ على هذا الاستدلال] 165
[ردّ المحقّق القمّي (رحمة الله علیه) على الاستدلال] 166
[إیراد على المحقّق القمي (رحمة الله علیه)] 166
[توجیه کلام المحقّق القمّي (رحمة الله علیه)] 167
[إیراد على التوجیه المذکور] 169
[استدلال صاحب المناهج (رحمة الله علیه) لتعلّق الحکم بالفرد وردّه] 169
[استدلال آخر لتعلّق الحکم بالفرد وردّه] 169
[استدلال آخر لعدم تعلّق التکلیف بالکلّي] 170
[إیرادات على هذا الاستدلال] 170
[کلام شیخ المحقّقین (رحمة الله علیه) في متعلّق التکالیف] 170
[نقد کلام شیخ المحقّقین (رحمة الله علیه)] 172
[إیرادان على تعلّق الحکم بالأفراد] 173
[بيان تفصيل صاحب الفصول (رحمة الله علیه) بین متعلّق الأمر والطلب] 183
[إیرادات على رأي صاحب الفصول (رحمة الله علیه)] 185
خاتمة. 193
[المقدّمة الثالثة: في بيان ثمرة المسألة] 195
[تعارض الإطلاقات والعمومات في المجمع على القول بالامتناع] 195
[المناقشة في الثمرة المذکورة] 196
[الثمرة في ترتیب آثار الامتثال وعدمه] 206
[تصحیح ما ذکروه من الثمرة بناء على التعارض] 206
[ثمرة المسألة على بناء على التزاحم] 209
[وجوب طرح أو تأویل الخبر الحاکم بالصحة على القول بالمنع] 209
[المقدّمة الرابعة: في بيان الأصل في المسألة على فرض الشك] 210
أمّا من الحيثيّة الأولى [والمسألة الأصولیّة] 210
وأمّا من الحيثيّة الثانية أعني من حیث المسألة الفرعیة. 213
أصل المسألة. 219
[الشروع في المسألة] 220
ص: 619
[نقل الأقوال واستظهارها من أهلها] 220
[القائلین بالامتناع] 221
[القائلین بالجواز] 224
[القول بالتفصیل] 233
[في تحقیق الحق في المسألة] 234
[في أدلّة جواز الاجتماع] 235
[الدليل الأوّل: الاستدلال على الجواز بتعلّق الأحکام بالطبائع] 235
[الدلیل الثاني: الاستدلال على الجواز بالطبیعة] 262
[الدليل الثالث: الاستدلال على الجواز بالمراجعة إلى الوجدان] 263
[الدليل الرابع: الاستدلال على الجواز بالمراجعة إلى العرف والعقلاء] 264
[الدليل الخامس: وقوع الاجتماع بين الأحکام في موارد من الشريعة] 270
[في تحریر أدلّة المانعين والجواب عنها] 398
[الدليل الأوّل: كون الاجتماع من التکلیف المحال للزوم اجتماع الضدّين] 398
[نقد الدلیل الأوّل] 403
[الدليل الثاني: كون الاجتماع تکلیفاً بما لا يطاق] 414
[نقد الدلیل الثاني] 415
[الدليل الثالث: كون اجتماع الوجوب والحرمة نظير اجتماع السواد والبياض] 416
[نقد الدلیل الثالث] 418
[الدليل الرابع: لزوم اتّصاف الشي ء الواحد بالحسن والقبح من اجتماع الأمر والنهي] 420
[نقد الدلیل الرابع] 421
[الدليل الخامس: تبعيّة الحكم الشرعي للغالب من الجهتين بعد الكسر والانكسار] 424
[نقد الدلیل الخامس] 425
[الدليل السادس: اقتضاء حكم العقل بتقيّد الطبيعة بغير الفرد المحرّم] 426
[نقد الدلیل السادس] 427
[الدليل السابع: عدم الفرق بين المقام وبين موارد التعارض] 427
[نقد الدلیل السابع] 430
[الدليل الثامن: انكشاف حكم العقل بعدم جواز الاجتماع من فهم العرف] 431
[نقد الدلیل الثامن] 431
[الدليل التاسع: نسبة الناس الآمر بشي ء من جهة والناهي عنه من جهة آخر إلى السّفاهة] 432
[نقد الدلیل التاسع] 432
ص: 620
[الدليل العاشر: شرط تعلّق الأمر بشي ء في ضمن العموم أن لا يعلم إنكار الآمر لفرديّته] 433
[نقد الدلیل العاشر] 434
[الإشکال على الاجتماع بعدم إمکان الامتثال] 435
[جواب الإشکال] 435
[في تحریر حجّة المفصّل بین العقل والعرف] 436
[نقد حجّة المفصّل بین العقل والعرف] 437
تنبيهات... 441
[تنبيهات في آخر المسألة] 442
[التنبیه الأوّل: في حكم الکلّيين المتغايرين في الوجود المتلازمين] 442
[التنبیه الثاني: في إجراء مرجّحات باب التعارض على القول بالامتناع أو تقدیم النهي] 445
[الرجوع إلى المرجّحات على فرض التعارض] 445
[قول بتقدیم النهي من جهة رجحان الدلالة على فرض التعارض] 445
[قول بتقدیم النهي تعبّداً لا من جهة رجحان الدلالة] 447
[فرض الاجتماع من التعارض أو التزاحم] 451
[تقدیم النهي على فرض الامتناع] 452
[على فرض التعارض تقتضى القاعدة التخییر لا الرجوع إلى الأصل] 452
[التنبیه الثالث: في حكم العمل مع تقديم النهي على مذهب المانعين] 453
[التنبیه الرابع: في عدم الفرق بين التعبّديات والتوصّليات على القول بالامتناع] 462
[القول بجواز الاجتماع في التوصلیّات] 462
[ردّ جواز الاجتماع في التوصلیات] 463
[توجیه کلام المجوّز] 464
[نقد التوجیه] 464
[القول بأنّ مقتضى القاعدة في التوصلیات جواز الاجتماع لإطلاق مادّة الأمر] 465
[إیرادات على هذا القول] 467
[مبنى المحقّق الأنصاري (رحمة الله علیه)] 468
[نقد مبنى المحقّق الأنصاري (رحمة الله علیه)] 472
[وجوه أخر من الإیراد على کلام المحقّق الأنصاري (رحمة الله علیه)] 474
[حاصل الکلام: لا فرق على الامتناع بین التعبدیات والتوصلیات] 480
[التنبیه الخامس: في عدم الفرق بين النفسيّين والغيريّين والمختلفين] 481
[في بیان تصحيح صاحب هداية المسترشدين (رحمة الله علیه) جواز الاجتماع بالترتّب] 482
ص: 621
[نقد کلام صاحب هدایة المسترشدین (رحمة الله علیه)] 485
[بیان المحقق الأنصاري (رحمة الله علیه) في دفع الإشکال الثاني] 488
[نقد بیان المحقّق الأنصاري (رحمة الله علیه)] 489
[رأي السیّد المحقّق الأستاد ونقده] 490
[الرأي المختار] 491
[الإیراد على القول بالترتّب لو تمّ] 492
[تصحيح صاحب الفصول (رحمة الله علیه) لجواز الاجتماع بالمقدّمة الموصلة] 495
[نقد کلام صاحب الفصول (رحمة الله علیه)] 498
[بیان آخر لدفع لزوم الاجتماع] 505
[نقد البیان المذکور] 508
[التنبیه السادس: في عدم جواز اجتماع الحکمین مطلقاً على القول بالمنع] 508
[احتمال صاحب الهدایة (رحمة الله علیه) لجواز اجتماع الاستحباب والكراهة] 509
[نقد کلام صاحب الهدایة (رحمة الله علیه)] 511
[التنبیه السابع: في بیان جواز اجتماع الأمر الصّوري مع النهي الواقعي وبالعكس] 511
[التنبیه الثامن: في حكم الاجتماع مع عدم المندوحة ومن توسّط أرضاً مغصوبة] 514
[الانحصار البدوي] 515
[الانحصار العرضي] 521
[اختلاف المانعين في مسألة المتوسّط في الأرض المغصوبة] 526
[في تحقیق المسألة] 538
[نقد کلام المحقّق الأنصاري (رحمة الله علیه)] 545
[حكم الصلاة حال الخروج من الأرض المغصوبة] 551
[حکم الصلاة مع البقاء وعدم الخروج] 553
[إشکال في صحّة الصلاة مع الخروج بأنّ العقاب أمارة على عدم بدلیّة الصلاة الاضطراریّة] 554
[نقد الإشکال] 554
[إشکال آخر على صحّة الصلاة حال الخروج بأنّه شبیه بالصلاة مع الجهل بالحرمة] 556
[نقد الإشکال] 556
[التنبیه التاسع: مشارکة المأمور بفعل مع من یحرم علیه ذلك الفعل] 557
[التنبیه العاشر: في فروع يظهر منها ثمرة المسألة] 562
[الصلاة في المکان المغصوب أو الفرش المغصوب] 562
[الصلاة تحت سقف مغصوب] 568
ص: 622
[الصلاة في مكان يحرم الكون فيه كما تحت الجدار المشرف على الانهدام] 570
[الطواف مع الغصب] 572
[الاعتکاف على فرش مغصوب] 572
[الوقوف بعرفات على فرش مغصوب] 572
[الصلاة أو الطواف في ثوب مغصوب] 573
[الطهارة بماء مغصوب أو تراب مغصوب] 583
[إعطاء الخمس أو الزکاة في المکان المغصوب] 589
[إعطاء مال یحرم إعطاؤه لنذر خمساً أو زکاة] 589
[قضاء الدین في المکان المغصوب والمعاملة المعاطاتیة بمال یحرم التصرف فیه لنذر] 590
[إجراء صیغة عقد أو إیقاع في مکان مغصوب] 590
[الإتیان بالواجب المنذور ولو توصلیّاً في المکان المغصوب] 590
[حمل جنب أو نجاسة حال الطواف] 590
[تذنيب: في لزوم عدم استحقاق الأجرة إذا أتى بالعمل على الوجه المحرّم على قول المانعين] 591
[خاتمة الطبعة الحجرّیة] 594
الفهارس الفنيّة / 596
فهرس الآیات... 598
فهرس الروایات... 598
فهرس الأعلام. 599
فهرس الکتب والرسائل.. 604
فهرس الأمکنة. 607
فهرس الفرق.. 608
مصادر التحقیق.. 609
فهرس المطالب... 628
ص: 623
Agreement of Command and Prohibition
Compiled by:
Grand Ayatullah al-Sayid
Muhammad Kazem al-Tabatabaei al-Yazdi
Research by:
Ayatullah al-Haj Hussain Halabian al-Isfahani
ص: 624