جلوات الولائية فى دقائق القرآنية

اشارة

جلوات الولائية فى دقائق القرآنية

نويسنده: حسن احمدى

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن و الرحیم

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه فى هذه الساعة و فى كل الساعة ولياً و حافظاً و قائداً و ناصراً و دليلاً و عيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً و تمتعه فيها طويلاً.

ص: 3

قال على عليه السلام: ... و لو شرحت لك كل ما اسقط و حرّف و بدّل مما يجرى هذا المجرى لطال و ظهر ما تحظر التقية اظهاره من مناقب الأولياء و مثالب الأعداء...(1)

عن على عليه السلام: ... و لو علم المنافقون ما عليهم من ترك هذه الآيات التى بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه... فتركوه بحاله و حجبوا عن تأكيده الملتبس بابطاله فالسعداء ينتهون عليه و الأشقياء يعمون عنه...(2)

عن الصادق عليه السلام: كتاب اللّه على أربعة أشياء العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء.(3)

ص: 4


1- . الاحتجاج ج1 / 254
2- . الاحتجاج ج1 / 252؛ البحار ج24 / 195
3- . مصباح الشريعة / 459

الإهداء

الى ولىّ القرآن و روحه صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه)

الإهداء الى ربّانى آياته و تالى كتابه و ترجمانه و دليل محكماته و متشابهاته.

الإهداء الى العالم بحدوده و القائم على تنزيله و تأويله

الإهداء الى روح الكلمات الإلهيّة و الناطق بالحكمة الربّانية و مفسّر العلوم القرآنيّة و مظهر الولاية العلوية.

الإهداء الى نور قلوب المؤمنين بقية اللّه فى الأرضين(عجل اللّه فرجه).

ص: 5

بسم اللّه الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على المبلغ عن اللّه محمد بن عبداللّه و أهل بيته الأئمّة المعصومين عليهم السلام، سيّما خاتم الأوصياء و نور قلوب الأولياء، ميزان العلم و الكمال، ولى القرآن و روحه صاحب العصر و الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه) و اللعن على أعدائهم أعداء اللّه الى يوم لقاء اللّه.

«يا أيها العزيز، مسّنا و أهلنا الضّر و جئنا ببضاعة مُزجاة فأوف لنا الكيل و تصدّق علينا إنّ الّله يجزى المتصدقين».(1)

ص: 6


1- . يوسف / 88

فهرس الكتاب

هداية الثِقلين··· 11

لطيفة نورانية حول حقيقة كلام اللّه تعالى··· 13

محمد و آل محمد عليهم السلام ام الكتاب و ثقل القرآن··· 19

حقانية الأئمّة عليهم السلام من ظاهر القرآن و باطنه فى تنزيله و تأويله··· 25

إنزال الكتب و إرسال الرسل لإظهار حقيقة القران و روحه··· 32

باطن القرآن و ظاهره ورد للدعوة الى الولاية··· 40

من حامل القرآن بظاهره و باطنه و العالمون به؟··· 47

من الراسخون بشئون القرآن و العارفون بحدوده من تنزيله و تأويله؟··· 56

حذف الحقائق من بطون القرآن فى انكار شئونات الولائية··· 62

طرح الفصاحة و البلاغة فى كتمان أمر الولاية··· 66

سرّ وجود الآيات المتشابهات فى القرآن··· 69

سرّ عداوة المعاندين مع تأويلات القرآن··· 71

سرّ مراتب القرآن لإثبات حقانية البواطن··· 76

سرّ دقائق القرانية و رموزها لتبيين شئونات الولائية··· 82

سرّ التسليم فى التفسير أو التأويل الى معرفةالنبى و الأئمّة عليهم السلام··· 85

ص: 7

ضرورة التسليم لا التفسير بالرأى··· 90

وصية النبى التمسك بالثقلين و التسليم عليهما··· 94

اثبات حقانية الشيعة من ظاهر القرآن و باطنه··· 98

دفع توهم ضعف أسناد الروايات فى شأن الأئمّة··· 104

دفع شبهة الغلو فى أخبار الفضائل و تأويلات القرآن··· 112

فى حجية ظواهر القرآن ببيان المعصوم عليه السلام··· 117

فى معنى التنزيل و التأويل و التفسير··· 123

جهات التشابه لمناسبة الظواهر مع البواطن··· 127

الموازين الصحيحة على الجرى و التطبيق··· 131

جواز أخذ المصاديق الواضحة لظاهر القرآن و باطنه··· 137

الجرى و التطبيق و أخذ المصداق الأتم و الأكمل··· 139

جملة من مضرات التأويلات الباطلة المنفية··· 145

بيان الصدرى الشيرازى حول التأويلات المنفية··· 147

خلف فاحش فى الإدعاء··· 152

الإمتزاج و الإختلاط تستدعى التفكيك··· 156

النتائج المعكوسة و لزوم الإنفكاك بينها··· 157

التاويلات المنفية العرفانية أو التدليسات الذوقية الخرافية··· 159

الحكمة و العرفان النوأفلاطونى الصدرائى عقيب التحريفات الباطنية لابن العربى··· 161

الصدر الشيرازى و التأويلات المنفية··· 163

ص: 8

تحريف الصدرى الشيرازى فى المعاد الجسمانى··· 164

أما تأويله حول الخلود:··· 164

قوله فى الأزلية:··· 165

تأويله حول الرضا و التوكل··· 165

كلامه حول الغضب··· 165

كلامه حول الجبر و الاختيار··· 166

كلامه حول عبادة اللّه ··· 166

أما كلامه فى الأنبياء··· 166

انهدام الحقائق القرآنية على التحريفات الباطنية العرفانية··· 168

و اليك بعدة من تحريفاتهم و تدليساتهم حول الآيات الشريفة··· 169

ص: 9

ص: 10

هداية الثِقلين

.(1) انّ القرآن نور من الجهالة و هدىً من الضلالة و رشد من الغواية و عصمة من الهلكة.

و القرآن كتاب الحكمة و الوحى و الشريعة على جميع القوانين الفردى و الإجتماعى و الأخلاقى و الإقتصادى و السياسى و...، كتاب فيه تبيان كل شى ء و هدىً للعالمين.

فى القرآن أسرار العلوم الربّانية و سرّ نزوله إثبات التوحيد و الرسالة و ظاهره و باطنه لحفظ شئونات الولائيّة و تحكيم حقّانيّة الأئمة عليهم السلام و هو الدليل على حقانيّة الشيعة.

إنّ القرآن فى أعلى مرتبة الفصاحة و البلاغة و هى المعجزة الإلهيّة التى قد عجزت الجن و الإنس للمعارضة معه و قد انطوى فيه جميع الحقائق الربّانيّة.

إنّ القرآن دعوة الى الحق و الرسالة و الولاية و هو الصيانة الضامنة الّتى أنزله اللّه على محمد صلى الله عليه و آله وسلم أشرف السفراء المقرّبين و تبيان علومه من ظاهره و باطنه و تنزيله و تأويله على أهل بيته الطاهرين المعصومين عليهم السلام.

ص: 11


1- . و قد أوردوها الخاصة و العامة على نحو التواتر: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: انّى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتى أهل بيتى و هما الخليفتان من بعدى و انهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض... وسائل ج27 / 34؛ كمال الدين ج1 / 64؛ ابن أبى الحديد فى شرح النهج ج9 / 133

إنّ القرآن يسمّو الانسان الى السعادة الأبديّة و يرقاه الى أعلى مراتب الملكيّة و ينزله فى أعلى غرف المبنيّة من الجنة.

إنّ القرآن منزّه عن أوهام أهل الجهالة و عن تحريفات من حواه التضليل والغباوة و قد ألزم اللّه الخلق على الجلوس الى أبواب أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام.

فالّذى ألزمنى على التكلّم حول مفاهيم القرآن من تنزيله و تأويله و تبيين الجلوات الولائية فى دقائق القرآنية، اشارة الى دقائق معارف الأئمّة عليهم السلام و سرّ التسليم فى التفسير و التأويل أيضاً هو الوصول الى مراتب الأئمّة عليهم السلام و شئونهم و دفع توهم الغلو و ضعف أسناد الأخبار الولائية و دفع شبهات المتحرّفين المتدّلسين الّذين أدبروا عن التمسك بالثقلين و الهداية من مشكاة الكواكب الدّرية و معدن العلوم النبويّة انّهم أظهروا العقائدة الفاسدة و أبدعوا أفكار شيطانيّة و زعموها أسرار الباطنيّة الإلهاميّة الكشفيّة و الشهوديّة و أعرضوا عن ظواهر القرآن و السنة و اخترعوا تأويلاتا باطلة و أوردوا مفاسدا عظيمة و انهدموا بها الشريعة، زعما منهم بأنها حكمة الهيّة و ادّعوا انّها منطبقة على موازين القرآن و السنة أخذوها عن الخائنين بالائمة عليهم السلام، مثل أبوحنيفه و قتادة و جمهور العامة و اخرين من الصوفية كإبن عربى و سيظهر بأنّها من التأويلات الذوقيّة الخرافيّة و منطبقة على مشرب الصوفية و الآراء الباطلة العرفانية النو افلاطونيّة و الإبليسيّة و من الزنادقة الهنوديّة و الزردشتيّة و ساير الملل المنحرفة و السلام على من إهتدى على ميزان القرآن و العترة.

ص: 12

لطيفة نورانية حول حقيقة كلام اللّه تعالى

لا شبهة بانّ اللّه تعالى متكلم و كلامه حادث و ليس مثل كلام المخلوق، اذ كما لا يوصف ذاته لايوصف فعله، فكما لايشبه فعله فعل البشر كذلك لايشبه كلامه كلام البشر، فالمتكلم بالأسماء و الحروف غير الأسماء و اللّه تعالى خالق الأسماء و الأصوات و الحروف و موجدها.(1) فاللّه تعالى هو المؤثر فى خلقة تمام الأشياء بنوره و مشيّته حيث شاء و على ما شاء، فأحدث كلامه بنوره و مشيّته، و منتهى كلامه الى الكلمة و الكلمة الى الحروف و الحروف الى الألف و الألف الى النقطة و النقطة أيضاً فى عالم الأنوار، عبارة عن ظهور الحقيقة النورانية

ص: 13


1- . فى مكاتبة الإمام الصادق عليه السلام الى عبد الملك بن أعين... الى أن قال القرآن كلام اللّه محدث غير مخلوق و غير أزلى مع اللّه تعالى. البحار ج 5 / 30؛ توحيد الصدوق / 227 عن الرضا عليه السلام (فى مسائل أبى قرّة) فقال أبوقرّة: فما تقول فى الكتب؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و كل كتاب انزل، كان كلام اللّه، أنزله للعالمين نوراً و هدىً و هى كلّها محدثه و هى غير اللّه... و اللّه أحدث الكتب كلّها التى أنزلها. فقال أبوقره: فهل تفنى؟ فقال ابوالحسن عليه السلام: أجمع المسلمون على انّ ما سوى اللّه فان و ما سوى اللّه فعل اللّه... و هى كلّها محدثة مربوبة، أحدثها من ليس كمثله شى ء، هدىً لقوم يعقلون فمن زعم انّهن لم يزلن معه، فقد اظهر ان اللّه ليس بأول قديم و لا واحد و انّ الكلام لم يزل معه و ليس له بدء و ليس بآله. البحار ج 10 / 344؛ الإحتجاج ج2 / 405؛ نورالثقلين ج3 / 412 قال أبوهاشم الجعفرى خطر ببالى ان القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال أبومحمد عليه السلام: يا أبا هاشم، اللّه خالق كل شى ء و ما سواه مخلوق. البحار ج 50 / 208

الباطنية التى تكون هى مبدء الخِلقة التى لا عبارة و لا إشارة لها و قد بيّن حقيقتها مولانا أبى الحسن الرّضا عليه السلام لعمران الصابى ... و كان أول إبداعه و ارادته و مشيّته، الحروف التى جعلها أصلا لكل شى ء و دليلاً على كل مدرك وفاصلاً لكل مشكل و تلك الحروف تفريق كل شى ء من اسم حق و باطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى و عليها اجتمعت الأمور كلها و لم يجعل للحروف فى إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى و لا وجود لانّها مبدعة بالإبداع و النور فى هذا الموضع أول فعل اللّه الذى هو نور السموات و الأرض، و الحروف هى المفعول بذلك الفعل و هى الحروف التى عليها الكلام و العبارات كلها من اللّه عزوجل علّمها خلقه...(1) و قد جاء فى فقره من دعاء عرفه... عن الحسين عليه السلام: ... و الكتاب الجامع بالنور الساطع....(2) و قد قال اللّه تعالى فى محكم كتابه: «ولكن جعلناه نوراً نهدى به من نشاء من عبادنا...»(3) فاللّه تعالى تجلى لخلقه فى كلامه، و عرف نفسه لخلقه بنوره(4) فكلامه نور من أنواره النازلة على قلب من يشاء من عباده، فاللّه تعالى جعل بينه و بين خلقه واسطة نورية و هى محفوظة فى غامظ علمه،

ص: 14


1- . التوحيد / 436؛ البحار ج 92 / 117 باب «إن القرآن مخلوق»
2- . الإحتجاج ج1 / 339 و ج2 / 74
3- . الشورى / 52
4- . عن الصادق عليه السلام قال: لقد تجلى اللّه لخلقه فى كلامه ولكنهم لايبصرون. البحار ج 89 / 107 و ج 18 / 221؛ منهاج البراعة ج19 / 213 قال أمير المؤمنين على عليه السلام: فتجلى لهم سبحانه فى كتابه من غير ان يكونوا رأوه. منهاج البراعة ج19 / 213

الى أن يهب ما يشاء لمن يشاء «لا يسئل عمّا يفعل و هم يسئلون»(1) فقال اللّه تعالى:«لكن اللّه يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه»(2) و قال اللّه عزوجل: «قد جائكم من اللّه نور و كتاب مبين»(3) و قال أيضاً «فآمنوا باللّه و رسوله و النور الذى أنزلنا».(4) ان اللّه تعالى بعلمه و قدرته خلق الحروف النورانية التى هى مبدء الكلمات التكوينية و التشريعية و التدوينية و التلفيظيّة من النقطة التى تسمّى بعرش العلم و باطن القرآن، و نور اللّه و المثل الأعلى و الحجاب الأعظم، و هى وجه اللّه الباقى الذى بمشيته و نوره أبدعه على غير مثال و وصف و تقدير و تحديد(5) فقال فى كتابه «فآمنوا باللّه و رسوله و النور الذى أنزلنا».(6) و قال أيضاً «قد جاءكم برهان من ربكم و أنزلنااليكم نوراً مبيناً»(7) لا يخفى عليك بانّ من ضروريات مذهب الشيعة انّ المشية

ص: 15


1- . الأنبياء / 23
2- . النساء / 166؛ التغابن / 8
3- . المائدة / 15
4- . التغابن / 8
5- . قال الحسين عليه السلام: العلم الذى دعى اليه المصطفى و هو علم الحروف و علم الحروف فى لام الألف و علم لام الألف فى الألف و علم الألف فى النقطة و علم النقطة فى المعرفة الأصليّة و علم المعرفة الأصليه فى علم الأزل و علم الأزل فى المشية أى المعلوم و علم المشية فى غيب الهوية و هو الذى دعا اليه نبيه بقوله فاعلم انه لا اله الا اللّه و الهاء (هو) فى انه راجع الى غيب الهوية. بوستان معرفت / 210 عن ينابيع المودة؛ الزام الناصب ج1 / 215 عن على عليه السلام: ... أنا النقطة، أنا الخط أنا الخط أنا النقطة أنا النقطة و الخط. البحار ج40 / 165 قال أبوعبداللّه عليه السلام: ... و العرش هو الباب الباطن الذى يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الأين و المشية و صفة الإرادة و علم الألفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدء... البحار ج58 / 30 ح51؛ التوحيد / 322 عن على عليه السلام: ... كلما فى القرآن فى الحمد فى البسمله و كلما بدء فى البسمله فى الباء و كلما فى الباء فى النقطة و أنا النقطة التى تحت الباء... القطرة ج1 / 119؛ البرسى فى المشارق / 21
6- . التغابن / 8
7- . النساء / 174

محدثة أحدثها اللّه بعلمه و انّ المشية هى ابداء الحروف النورانية و الخلق الأول هو النور بصورة الحروف النورانية التى هى حقيقة القرآن.

عن الرضا عليه السلام: و اعلم ان الابداع و المشية و الارادة معناها واحد و أسمائها ثلاثة و كان أول ابدائه و ارادته و مشيته، الحروف التى جعلها أصلا لكل شى ء...(1) بما بيَّنا بانّ حقيقة القرآن بمشيته و بإحداثه النور (ثمّ انّه فى ام الكتاب و فى لوح محفوظ نزل من عند رب العالمين) بان لا فرق له بين الإنزال و التنزيل و النزول التدريجى و الدفعى بالنسبة الى حقيقة القرآن اذ التنزيل فرع حقيقته المحفوظة عن أيدى الخلق لانّ القرآن الذى على غير مثال و وصف و تقدير ليس لنزوله و انزاله معنى يتصور و يفهم غير انّ ما جائت فى الروايات الكثيرة الدالة على نزوله الى البيت المعمور بعد انتقاله من اللوح و القلم و كيفية نزوله لحقيقة القرآن

ص: 16


1- . روى مسنداً فى الكافى و رواه الصدوق بأدنى تفاوت فى التوحيد / 436. عن أبى عبداللّه عليه السلام: ان اللّه تعالى خلق اسماً بالحروف و هو عزوجل غير منعوت متصوّت و باللفظ غير منطّق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفى عنه الأقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعه أجزاء معاً، ليس واحد قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها و حجب واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التى أظهرت، فالظاهر هو اللّه تبارك و تعالى و عزّ سبحانه، لكل اسم من هذه أربعة اركان فذلك اثنى عشر ركناً ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً اليها فهو الرحمن الرحيم... و حجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة و ذلك قوله عزوجل: «قل أدعوا اللّه أو أدعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماءالحسنى». الأسراء / 110؛ البحار ج4 / 167؛ التوحيد / 190 عن الصادق عليه السلام: إنّ اسم اللّه الأعظم ثلاثة و سبعون حرفاً، أعطى اثنين و سبعين حرفاً و حجب عنه حرف واحد. مصابيح الأنوار ج1 / 137 فى دعاءٍ بعد زيارة مولانا الهادى عليه السلام: اللهم باسمك المكنون المخزون المكتوم عمَّن شئت الطاهر المطهر المقدّس النور التام الحىّ القيّوم العظيم نور السموات و نور الأرضين... البحار ج88 / 190؛ جمال الاصبوع / 279

التى لا يتردد فيها من أسن على المعارف الالهيّة و الشاهد على ذلك قوله تعالى «إنّه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لايمسّه الاّ المطهرون»(1) و قوله تعالى «و إنّه فى ام الكتاب لدينا لعلى حكيم».(2) منها عن الصادق عليه السلام: صلى الله عليه و آله وسلم ... كتابه فى السماء علمه بها و كتابه فى الأرض علومنا فى ليلة القدر و فى غيرها(3) منها قال اللّه تعالى «و كذلك أوحينا اليك روحاً من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدى به من يشاء...».(4) و الحق ان القرآن المبين، هو الذى فى ام الكتاب عند اللّه محفوظ فيعلم ان للكتاب أصل يعلمه العالم العارف بحقيقته.

فى تفسير القمى فى ذيل سورة القدر قال...: فهو القرآن أنزل الى البيت المعمور فى ليلة القدر جملة واحدة.(5) قال الصدوق(ره): إنّ القرآن نزل فى شهر رمضان الى البيت المعمور ثمّ أنزل من البيت المعمور فى مدّة عشرين سنة.(6) فظهر انّ للقرآن حقيقة نورية نزل من عالم الأنوار و الحقائق الى الدنيا و هى المتنزّلة المتصف بالنزول بعد دهر الداهرين عن حدوثه ولكن مراتب نزوله من العوالم العالية الى السافلة تقتضى السنخيّة معها اذا الألفاظ و الكتب مقولة الكيف و الأصوات و الأعراض فبما انّ حقيقة القرآن لا يوصف بالصعود و النزول ولكن للقرآن منازل كثيرة و

ص: 17


1- . الواقعة / 78
2- . زخرف / 4
3- . تفيسر القمى ج2 / 351؛ نورالثقلين ج5 / 247
4- . الشورى / 52
5- . تفسير القمى ج2 / 431
6- . فى اعتقادات الصدوق / 82؛ البحار ج18 / 250

حقيقته نازلة من عند اللّه العالم القيوم الذى أحدثه بصورة النور فى قالب الحروف النورانية و أودعها الى وكرها و موضعها(1)، ثم انتقل الى ام الكتاب الذى هو مرتبة من حقيقة القرآن و هو قطب جميع الكتب، و هو القرآن المجيد فى اللوح المحفوظ و الكتاب المكنون الذى لا يمسه الا المطهرون فقال اللّه تعالى «انّه فى ام الكتاب لدينا لعلى حكيم»(2) فهم عليهم السلام الشاهدون و العالمون لمعالمه ثم انتقل من اللوح و القلم الذى هو جسم نورانى الى قلب اسرافيل ثم انتقل الى قلب ميكائيل و قلب جبرائيل و نزوله الى البيت المعمور ثم نزوله على قلب النبى صلى الله عليه و آله وسلم و بعد نزوله فى القرائة و الاستماع و القلوب ينتقل الى القرطاس و الكتابة و آخر نزوله فى المحشر و الجنة فيقال لقارئيه اقرأ و ارقأ.

ص: 18


1- . عن أبى عبداللّه عليه السلام: ... ان الامام وكر لارادة اللّه... البحار ج 25 / 385 ح 4 و عن أبامحمد العسكرى عليه السلام: ... بل قلوبنا أوعية لمشية اللّه... البحار ج 5 / 336؛ نورالثقلين ج5 / 486 قال الرضا عليه السلام عن آبائه عن على عليه السلام: ... جعلهم تراجم مشيته و ألسن ارادته... نورالثقلين ج3 / 433؛ البحار ج94 / 114 عن أبى الحسن عليه السلام قال: ان اللّه جعل قلوب الأئمة عليهم السلام مورداً لارادته فاذا شاء اللّه شيئاً شاءوه... البحار ج25 / 372 / 23؛ التوحيد / 371؛ بصائر الدرجات ج1 / 517
2- . زخرف / 4

محمد و آل محمد عليهم السلام ام الكتاب و ثقل القرآن

انّ اللّه تعالى بمشيته و ارادته و من نور عظمته خلق محمداً و آل محمد عليهم السلام بالنورانية، و النور و العلم و الكمال من تمامية حقائقهم، و هم بمنزلة غيب القرآن و حقيقته و باطنه.

فبذلك انّهم عليهم السلام ام الكتاب و الكتاب المبين و اللوح المحفوظ و القرآن الكامل و الفرقان الجامع و كلّها من لمعات أنوارهم و أشعة جمالهم و ذلك بأجمعه نازلة لأجلهم و ظاهره و باطنه مأوّلة بهم و محسّناته مفسّرة بهم و فيهم و منهم و اليهم.

فالكتاب الجامع الذى قد اجتمع اللّه فيه جميع الكلمات التى فيها تبيان شئونهم هو حقيقة محمد و آل محمد عليهم السلام الذين يعبّرون بهم مرادات اللّه من تنزيلاته و تأويلاته، محكماته، متشابهاته، ظواهره و بواطنه و ان كانوا بعد تنزلهم ينسبون علومهم اليه و يأخذون عنه فكان جبرئيل يأخذ الوحى عن غيب النبى صلى الله عليه و آله وسلم ثم يبلغه اليه تشريفاً به، و هذه تفضّل منه اليه و منّة و اعطاء كل ذى حق حقه، لانّ جبرئيل خادمه و النبى معلمه.

فالحقائق اللمعانى هم معلموا الملائكة النورانى و الروحانى و هم

ص: 19

فى الدنيا حملته و مفسّروه و مبيّنوه و معالمه مستضائة بهم و منهم و هم المهيمن على الكتب كلّه و الحافظون لأحكامه من ظاهره و باطنه.

فالذى هو علة لإيجاد الخلائق و زيّن به الكتب و أخبر به المرسلون و كلّف الامم به و أخذ اللّه عليه الميثاق و أوجبه على الأنبياء و الأوصياء و سائر ما خلق اللّه الاقرار بفضله و شرفه هو تلك الحقيقة و هو باطن هذا القرآن النازل و روح تلك القرآن الفاصل و حقيقته و هو ولاية محمد و آل محمد عليهم السلام و هى الكلمة الطيبة العالية المحمودة.

فبما انّ نزول القرآن لأجل الحق و إحقاقه، و الحق الذى هو مدار جميع الحقوق و الحقائق و بيان لسرّ خلقة الخلائق هو ولاية محمد و آل محمد عليهم السلام الذين هم صاحب الأسرار و الدقائق فهم محور الحق و مداره و أصله و فرعه و أوله و آخره و حقانية القرآن بهم و منهم ولهم.

قال أبوجعفر عليه السلام: انّ علياً عليه السلام آية لمحمد صلى الله عليه و آله وسلم و انّ محمداً صلى الله عليه و آله وسلم يدعو الى ولاية على عليه السلام.(1) فبذلك انّ جميع كرائم آيات القرآن مفسّره بهم و نازلة فى شأنهم و مأولة فى حقهم و بكلام جامع: انّ علوم القرآن مرتبة من ظهوراتهم و مبيّنة لكمالاتهم التى رتّبهم اللّه فيها، بل معجزة كاملة لإحياء أمر ولايتهم فقد قال اللّه تعالى «انّه لقرآن كريم فى كتاب مكنون»(2) فاللّه تعالى يحلف بعظمتها فى سورة القلم بتلك الجوهرة السمينه بقوله «ن والقلم و ما يسطرون»(3) فالنون اسم للنبى صلى الله عليه و آله وسلم و القلم اسم

ص: 20


1- . البحار ج23 / 208 ح 11؛ بصائر الدرجات ج1 / 71
2- . الواقعة / 77 / 78
3- . النون / 1

لعلى عليه السلام.(و هما وصفان لتوصيف محمد و على عليهماالسلام).(1) فهم الكلمات التامات و الكتاب الجامع الذى سطر اللّه أوصاف نبيّه و وصيّه فى كتابه فخلق اللّه تعالى النبى و على عليهماالسلام ثم أظهر كمالات محمد و على عليهماالسلام فى جنة الخلد و أمره باستنساخ شئونهم و مكارمهم بشهود الملائكة، ثم خلق اللّه قلماً و لوحاً فكتب فيه ما يكون فيهما فى الكتاب المكنون المحفوظ فوق عرشه على سرادقات العرش، المكتوبة فيه جميع الكتب المنزلة من عند اللّه و انّها قطب جميع الكتب و هو المقصودة لخلقة الخلق و الغرض الأقصى لإنزال الكتب.(2) فى حديث النورانية قال على عليه السلام: ... فلمّا خلق اللّه القلم نظر اليه بعين الهيبة فأنشق اجلالاً لهيبة اللّه ثم أمره ان يجرى على اللوح... فخر القلم ساجداً باكياً مأة عام ثم رفع رأسه... فقال فمن محمد الذى قرنتاسمه باسمك... فبقى القلم سكران من حلاوة اسم محمد صلى الله عليه و آله وسلم ما شاء اللّه... (الى ان قال) السلام عليك يا محمد صلى الله عليه و آله وسلمقال: و عليك

ص: 21


1- . عن أبى الحسن عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه «ن و القلم و ما يسطرون» فالنون اسم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم و القلم اسم لأميرالمؤمنين و على ذريتهما عليهم السلام.البحار ج35 / 402 و ج4 / 244؛ البرهان ج5 / 454؛ تأويل الآيات / 685
2- . لايخفى بأنّ كثيراً من الآيات الواردة بعنوان كلمات اللّه يتأوّل أو يفسّر بولايتهم.البحار ج24 / 357 / 182 منها عن أبى عبداللّه عليه السلام قال: «اليه يصعد الكلم الطيّب» فاطر/10 قال: ولايتنا أهل البيت و... البحار ج24 / 180 / 182 عن أبى الحسن عليه السلام قال: ولاية على عليه السلام مكتوب فى جميع صحف الأنبياء و لن يبعث اللّه نبياً الّا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله وسلم و ولاية وصيّه على عليه السلام.بصائر الدرجات ج2 باب1 ح8 / 9 عن الصادق عليه السلام: ... ان اللّه عزوجل جعل ولايتنا أهل البيت قطب القران و قطب جميع الكتب عليها يستدير محكم القران و بها نوهت الكتب... العياشى ج 1 / 5 ح9

السلام أيها القلم و رحمتى و بركاتى...(1) عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: ... فقال: فهو نهر فى الجنة قال اللّه تعالى: أجمد فجمد فصار مداداً ثم قال للقلم اكتب فسطر القلم فى اللوح المحفوظ... فالمداد مداد من نور و القلم قلم من نور و اللوح لوح من نور... يابن سعيد لولا انّك أهل للجواب ما اجيبك، فالنون ملك يؤدّى الى القلم و هو ملك و القلم يؤدّى الى اللوح و هو ملك و اللوح يؤدّى الى اسرافيل و اسرافيل يؤدّى الى ميكائيل و ميكائيل يؤدّى الى جبرئيل و جبرئيل يؤدّى الى الأنبياء و الرسل.(2) عن أبى عبداللّه عليه السلام: ... فهو الكتاب المكنون الذى منه النسخ كلّها...(3) و فى رواية اخرى... فأصل السجدة من نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم و نور العرش من نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم و نور القلم من نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم و نور اللوح من نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم... و نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم من نور الجبّار...(4) عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ... فأول ما خلق نور حبيبه (محمد صلى الله عليه و آله وسلم) قبل خلق الماء و العرش و الكرسى و السموات و الأرض و اللوح و القلم.(5) ان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال: ان اللّه تعالى كتب كتاباً قبل ان يخلق السموات و الأرض و هو عنده فوق العرش، الخلق منتهون الى ما فى

ص: 22


1- . البحار ج15 / 29 و ج54 / 200 بهذا المضمون؛ الذريعة للعباد / 25؛ الأنوار فى مولد النبى9 / 8
2- . كنز العمال ج 13 / 377؛ معانى الأخبار / 23؛ نورالثقلين ج5 / 388؛ البحار ج54 / 368 باب انّهم القلم و اللوح المحفوظ و الكتاب المبين و الامام المبين و ام الكتاب... البحار ج 25 / 169
3- . نورالثقلين ج2 / 519؛ البحار ج54 / 361
4- . الذريعة للعباد / 25
5- . البحار ج15 / 27 و ج54 / 198

ذلك الكتاب و تصديق ذلك فى كتاب اللّه «و انّه فى ام الكتاب لدينا لعلى حكيم».(1) عن زراره عن أبى عبداللّه عليه السلام قال: ... ان اللّه عزوجل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن الى يوم القيامة، قبل خلق آدم بألفى عام، و انّ كتب اللّه كلها فيما جرى فيه القلم، منها هذه الكتب المشهورة فى هذا العالم، التوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن أنزلها اللّه من اللوح المحفوظ على رسله...(2) عن أبى الحسن الماضى عليه السلام... قال قلت «و انّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلاً»(3) قال قل «نزّلنا عليك القرآن» بولاية على عليه السلام.(4) عن أبى عبداللّه عليه السلام فى قوله تعالى «انّا أنزلناه فى ليلة القدر»(5)... قال نزلت ولاية أميرالمومنين فيها...(6) عن أبى الحسن العالم عليه السلام فى قوله تعالى «ما نفدت كلمات اللّه»(7) قال نحن الكلمات التى لا تدرك فضائلنا.(8) قال أبوعبداللّه عليه السلام فى قوله تعالى «و انّه فى ام الكتاب لدينا لعلىحكيم» قال هو أميرالمومنين عليه السلام و فى رواية الأئمة عليهم السلام.(9) عن أبى عبداللّه عليه السلام فى قوله تعالى «ذلك الكتاب لاريب فيه»(10)

ص: 23


1- . الزخرف / 4؛ البحار ج 54 / 371
2- . البحار ج54 / 369؛ نورالثقلين ج1 / 432
3- . الانسان / 23
4- . الكافى ج 1 / 435 ح 91
5- . القدر / 1
6- . معانى الأخبار / 316؛ نورالثقلين ج5 / 629
7- . لقمان / 26
8- . البحار ج24 / 174 ح 1؛ نورالثقلين ج4 / 216
9- . البحار ج23/ 208/ 210 ح 16 / 20 و ج24/ 12 ح 35 / 373؛ نورالثقلين ج4 / 593؛ تأويل الآيات / 537
10- . البقرة / 2

قال الكتاب على عليه السلام لا شك فيه.(1) عن أبى عبداللّه عليه السلام فى قوله تعالى «فأما من اوتى كتابه بيمينه»(2) قال... و الكتاب الامام عليه السلام...(3)

ص: 24


1- . بحار ج24 / 352
2- . الانشقاق / 7
3- . البحار ج8 / 11

حقانية الأئمّة عليهم السلام من ظاهر القرآن و باطنه فى تنزيله و تأويله

لامجال للترديد لإثبات حقانية محمد و آل محمد عليهم السلامعن ظاهر القرآن و باطنه، لانّهم عدل القرآن و ثقله و عندهم ما نزلت به رسله و هبطت به ملائكته، فهم المقصودون من تنزيله و تأويله، و هم المفسّرون و المترجمون و المأوّلون، و الدليلون لآياته و معجزاته و على محكماته و متشابهاته، و القائمون على تنزيلاته و تأويلاته، فبذلك نقول:

فاللّه تعالى قد وصف أنبيائه بأحسن التوصيف بما يليق بشأنهم و ما يترتب على عصمتهم و علو شأنهم و مرتبتهم، فمعظم آيات القرآن مع جامعيته لكل شى ء علم و كمال و لإصلاح أمر الدنيا و الآخرة، المشتملة على الاصول الإعتقادية و المعارف اليقينية من أمر التوحيد و النبوة و الولاية، و كلها ترجع الى وصف الأنبياء سيّما خاتمهم و أوصيائه عليهم السلام و ما ورد فى فضلهم و منزلتهم.

و قد جاء فى الأخبار العديدة(1) عن الخاصة و العامة، بانّ ثلث

ص: 25


1- . شواهد التنزيل ج1 / 55 بسنده قال قال لى على بن الحسين عليه السلام نزل القرآن علينا و لنا كرائمه. ابن مغازلى فى مناقبه / 328 ح 275 عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه و آله وسلم انّه قال: ان القرآن أربعة أرباع فربع فينا أهل البيت خاصة و ربع حلال و ربع حرام و ربع فرائض و أحكام و اللّه أنزل فينا كرائم القرآن. الكافى ج4 / 659 شواهد التنزيل ج1 / 58 عن الأصبغ عن على عليه السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً ثلث فينا و ثلث فى عدوّنا و ثلث فرائض و أحكام و سنن و أمثال. عن أبى جعفر عليه السلام: ... انّ القرآن نزل أثلاثاً ثلث فينا و فى أحبائنا و ثلث فى أعدائنا و من كان قبلنا و ثلث سنة و مثل. تفسير العياشى ج1 / 10 ح 7 عن ابن عباس قال: ما أنزل اللّه تعالى سورة فى القرآن الا و كان على ابن أبى طالب عليه السلام أميرها و شريفها و لقد عاتب اللّه أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلم و ما قال لعلى عليه السلام الّا خيراً. الهيثمى فى الصواعق / 38؛ المناقب المرتضوية / 31؛ شواهد التنزيل ج1 / 30؛ تفسير الفرات / 49 عن عبداللّه بن العباس قال قال لى أميرالمومنين عليه السلام: نزل القرآن أرباعاً ربع فينا و ربع فى عدوّنا و ربع سنن و أمثال و ربع فرائض و أحكام و لنا كرائم القرآن. تفسير الفرات / 46 / 48؛ ابن المغازلى فى مناقبه / 248 / 375؛ البحار ج35 / 359

القرآن و ربعه ورد فى شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام بتنزيله و تأويله.

بعد ما بينا لاحقاً يظهر بان: لامجال للتشكيك فيما يرويه ثقاتنا: و لاموضع للمناقشة بعد التوجه الى الاصول الممهدة و القواعد الكلية لحجية الأخبار فى تأويلات الآيات و تنزيلها التى أوردوها المحدّثون بعنوان التنزيل أو التأويل و من ناقشها بتوهم ان الاشتمال على فضائلهم بعنوان المصداق الأتم لا بنحو التنزيل أو التأويل (بل بعنوان التفسير)، فالمقصود فيها الشرح و التوضيح لا القرآنية و هو يدعى بانّه لو كان مذكوراً فيها بعنوان آيات الولاية تنزيلاً لاحتجوا بها مضافاً بانّ الروايات المشتملة فيها على ذكر اسامى الأئمّة عليهم السلاممخالفة مع الكتاب، فيجب طرحها و قد استضعفها أيضاً بانّها من الغلو و لا يناسب مع حكم العقل. فنقول:

لابدّ للمفسّر المسنّ على الولاية ان ينظر غاية التدبّر فى ظاهر التنزيل بعد ملاحظة التناسب بينها و بين التأويل، فيما يتعلّق بجامعية القرآن لأحكام الدين و الدنيا التى من أهمها أمر ولاية الأئمّة المعصومين عليهم السلامو ان تلك الروايات التى أوردوها المحدثون فيها بانّ

ص: 26

ثلث القرآن أو ربعها فى شأنهم هل هى بعنوان التنزيل أو التفسير او التأويل؟! و قد اجيب عنها بامور:

أولاً: للناظر الى ارتباط حقيقة القرآن معهم لامجال للتشكيك فيها.

و ثانياً: ان الوثوق بالصدور دليل على صحتها و قد نقلها جملة من الخاصة و العامة.

و ثالثاً: عدم معرفة البواطن و كيفية التناسب بين الظاهر و الباطن لاتكون دليلاً على عدم صحتها.

و رابعاً: ليس المراد من الروايات التثليث و التربيع، التسوية الحقيقية بينهما و لا يبعد ايرادها بعنوان التأويل و التفسير لا التنزيل و هم اعلم بها.

و خامساً: يمكن تطبيق ثلث القران و ربعه على الأئمّة عليهم السلام مع ان معظمها فى حق الامم الماضية و لكن يصح بالنظر الى القواعد الكلية فى كيفية استخراج معارف الأئمّة عليهم السلام و سيأتى عند تبيين الموازين الصحيحة على الجرى و التطبيق.

فكلما جرى فى حق احد من الخلق مكرمه و خير و صلاح فهو جار فى حق الأئمّة و كلما ورد فى القرآن للشر و الخبائث ذكر فهو وارده لأعدائهم.(1)

ص: 27


1- . سئلت عبداً صالحاً عليه السلام عن قوله تعالى: «انّما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها و ما بطن» قال: ... جميع ما حرم اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الجور و جميع ما أحل اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الحق عليهم السلام.الأعراف / 33؛ الكافى ج1 / 374 ؛ وسائل الشيعة ج25 / 10

فبالحقيقة: ان الأمر الذى هو سبب خلقة الخلق و اكرام اللّه تعالى اياهم، هو ولاية محمد و آل محمد عليهم السلام الذى ألزم كل نبى باظهار علوّ مرتبتهم و زيّن بها الكتب و كلّف الامم، الايمان بها و أخذ الميثاق منهم على ذلك، و ما أوجب اللّه على الأنبياء بإظهار مرتبتهم بحيث أخذ من النبى صلى الله عليه و آله وسلم العهد على ذلك، فكيف لم يبلغ النبى صلى الله عليه و آله وسلم و لايدعوا امته على ذلك.

قال أبوجعفر عليه السلام: انّ علياً عليه السلام آية لمحمد صلى الله عليه و آله وسلم و انّ محمداً صلى الله عليه و آله وسلم يدعو الى ولاية على عليه السلام.(1) و الحق انّ أول من دعى الناس اليها فى الدنيا و فى عالم الأرواح هو نفس النبى صلى الله عليه و آله وسلم.(2) و الدليل على ذلك وروده فى القرآن بالتنزيل و التأويل نحو قوله تعالى «يا أيها الرسول بلّغ ما انزل اليك (فى على) من ربّك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته»(3) و كثيراً من الآيات المختصة النازلة و المأوّلة فى حق على و أولاده المعصومين عليهم السلام المشعرة عليها فى روايات التثليث أو التربيع.

ص: 28


1- . البحار ج23 / 208 ح 11 و ج35 / 370؛ بصائر الدرجات ج1 / 72 / 77
2- . عن أبى جعفر و أبى عبداللّه عليهماالسلام: ان اللّه خلق الخلق و هى أظلة فأرسل رسوله محمداً صلى الله عليه و آله وسلم فمنهم من آمن به و منهم من كذبه... البحار ج5 / 259 ح 64؛ تفسير العياشى ج2 / 126 قال أبوعبداللّه عليه السلام: يا مفضل أما علمت ان اللّه تبارك و تعالى بعث رسوله و هو روح الى الأنبياء و هم أرواح قبل خلق الخلق بألفى عام... البحار ج15 / 14؛ علل الشرايع ج1 / 162 عن أبى الحسن عليه السلام قال: ولاية على عليه السلام مكتوب فى جميع صحف الأنبياء و لن يبعث اللّه نبياً الا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله وسلم و ولاية وصيه على عليه السلام. بصائر الدرجات جزء2 باب 7 / 8 / 9 و الروايات فى ذلك كثيرة تركناها اختصاراً.
3- . المائدة / 67؛ البحار ج37 / 156؛ مناقب ابن شهر آشوب ج3 / 21

فمعظم الآيات تنزيلها و تأويلها وردت لاعلان علوّ شئونات محمد و آل محمد عليهم السلام و ابلاغ منزلتهم و (انّ ترتّب على ذلك من هداية الخلق و جامعيته لجميع العلوم و المعارف و أحكام الدين و ما يرشدهم لأمر الدنيا و الآخرة)، المأولة بحقوقهم، المفسرة بالمعانى الباطنية بل كم من آية فى القرآن ذكر فيما أسامى الأنبياء و مريم و ما جرى بينهم ولكن المعاندين و المنافقين بعداوتهم مع آل الرسول اسقطوا أساميهم عن الآيات التى ورد فيها التصريح بعنوان التنزيل و التأويل و ابقوا فيه اسم أبى لهب و قد جعل اللّه فيها الرموز و الاشارات لهداية الامة و استنقاذ الشيعة من تحريفات ظالميهم، اذ المنحرفين حذفوفا بغضاً و عداوة.

عن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى: «قد جائكم الرسول بالحق من ربكم»(1) قال فى ولاية على عليه السلام.(2) عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى: «نزل به الروح الامين على قلبك ليكون من المنذرين»(3) قال هى الولاية لأميرالمؤمنين عليه السلام.(4) قال سألت عن أبى عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه تعالى «ان اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران»(5) قال هو آل ابراهيم و آل محمد عليهم السلامعلى العالمين فوضعوا اسماً مكان اسم.(6)

ص: 29


1- . النساء / 170
2- . مقدمة البرهان / 128
3- . الشعراء / 193
4- . تفسير الصافى ج1 / 15؛ الكافى ج1 / 412؛ تفسير الفرات / 293؛ بصائر الدرجات ج1 / 73
5- . آل عمران / 33
6- . تفسير العياشى ج1 / 168؛ نورالثقلين ج1 / 328

عن أبى عبداللّه عليه السلام قال: أنزل اللّه فى القرآن سبعة بأسمائهم فمحت قريش ستة و تركوا أبالهب.(1) فى الكافى قال سألت أباعبداللّه عليه السلام: من قول اللّه تعالى «أطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم»(2) فقال: نزلت فى على ابن أبى طالب و الحسن و الحسين عليهم السلام فقلت له: ان الناس يقولون فما له لم يسم علياً و أهل بيته فى كتاب اللّه؟ قال: فقال: قولوا لهم، انّ رسول اللّه نزلت عليه الصلاة و لم يسمّ اللّه لهم ثلاثاً و لا أربعاً حتى كان رسول اللّه هو الذى فسّر ذلك لهم...(3) قال قال أبوعبداللّه عليه السلام: انّ فى القرآن ما مضى و ما يحدث و ما هو كائن، فيه أسماء الرجال فألقيت و انّما الإسم الواحد منه فى وجوه لايحصى يعرف ذلك الوصاة.(4) عن أبى عبداللّه عليه السلام: لو قد قرء القرآن كما انزل لالفيتنا فيه مسمّين.(5) عن أبى جعفر عليه السلام: بعد مسمّين كما سمى من قبلنا.(6) عن أبى جعفر عليه السلام قال: لولا انّه زيد فى كتاب اللّه و نقص منه ما خفى حقّنا على ذى حجى و لو قد قام قائمنا فنطق صدقة القرآن.(7) عن أبى جعفر عليه السلام عن أبيه عن جدّه قال قال أميرالمؤمنين عليه السلام:

ص: 30


1- . رجال الكشى / 290
2- . النساء / 59
3- . الكافى ج1 / 286؛ نورالثقلين ج1 / 502
4- . تفسير العياشى ج1 / 12 ح 10؛ البرهان ج1 / 46؛ وسائل الشيعة ج27 / 196
5- . تفسير العياشى ج1 / 13 ح 4؛ نورالثقلين ج4 / 12
6- . تفسير العياشى ج1 / 13 ح 5؛ البحار ج89 / 55 / 115
7- . تفسير العياشى ج1 / 13 ح 6؛ البرهان ج1 / 51

سمّوهم بأحسن أمثال القرآن يعنى عترة النبى، هذا عذب فرات فاشربوا و هذا ملح اجاج فأجتنبوا.(1) عن داود ابن كثير عن الصادق عليه السلام: ... انّ اللّه خلقنا فاكرم خلقنا و جعلنا أمنائه و حفظته و خزانه على ما فى السموات و ما فى الأرض و جعل لنا أضداداً و أعداء فسمانا فى كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء و أحبها اليه تكنية عن العدو و كنّى عن الأعداء و سمّى أضدادنا و أعدائنا فى كتابه وكنى عن أسمائهم و ضرب لهم الأمثال فى كتابه فى أبغض الأسماء اليه و الى عبادة المتّقين.(2) و غير ذلك من الروايات المتضافرة سنداً و متناً التى تركناها اختصاراً.

ص: 31


1- . البرهان ج1 / 52؛ تفسير العياشى ج1 / 13
2- . تأويل الآيات / 22؛ البحار ج24 / 303؛ البرهان ج1 / 53

إنزال الكتب و إرسال الرسل لإظهار حقيقة القران و روحه

و الذى تستفاد من الآيات و الروايات و البراهين العقليّة بانّ اللّه تعالى خلق محمداً و آل محمد عليهم السلام و جعلهم السبب لخلقة الموجودات و الواسطة لإيصال الفيوضات الى جميع المخلوقات و جعل معرفتهم و محبّتهم و رضاهم معرفته و رضاه.

ثم بعث النبى المكرم و الرسول المنذر الى كافة الخلق فى كل عالم للأداء بشيراً و نذيراً بين يدى الأنبياء فقال اللّه تعالى: «هذا نذير من النذر الاولى»(1) و قال اللّه تعالى «انّما أنت منذر و لكل قوم هاد»(2) و قال أيضاً: «تبارك الذى نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً».(3) و لايخفى انّ التكليف على جميع تلك العوالم و الامم لطف منه تعالى و الا لزم لغوية البعث و الحكمة.

فالكنز الخفى الذى خلقت السموات و الأرضين لأجله و انّه الواسطة لطريق هداية الخلق و كمالهم المنطوية فى كتاب مبين و ام الكتاب و اللوح المحفوظ هو حقيقة المحمدية و الولاية العلوية للعترة الهادية الطاهرة، لانّ جميع الكمالات و المحسّنات الخَلقى و الخُلقى

ص: 32


1- . النجم / 56
2- . الرعد / 7
3- . الفرقان / 1

و الظاهرى و الباطنى من أولها الى آخرها منطوية فيهم و بهم و منهم و اليهم و هم أصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه...

فالنور النازل و الفرقان الفاصل و القرآن الجامع للحق من الباطل بجميع مراتبة لهم و بهم و منهم و اليهم فقال عليه السلام... و محمد صلى الله عليه و آله وسلم يدعوا الى ولاية على عليه السلام.

فهذا الأمر هو الذى علّة لإيجاد الخلائق و موجب لقبول الطاعات و منجى من الهلكات الذى أخذ اللّه عليه الميثاق و أوجبه اللّه على الملائكة و الأنبياء و الأوصياء و سائر الخلق الإقرار به و هو الذى أخبر المرسلون و زيّن به الكتاب و كلّف به الامم.

ثم على ولايتهم و تلك السيادة العظمى أخذ اللّه ميثاقهم بانّهم أفضل الخلق و أولاهم و أشرفهم و أنزل عليها الكتاب و كلّف جميع العوالم و الامم بقبولها طوعاً و رغبة أو كرهاً و كراهةً، ثم بعث اللّه جميع الأنبياء و رسله و أخذ عليهم العهد عليها ليتعلّموا اممهم بمعرفتها و الإقرار بها.

فلذا ورد فى جميع الكتب و الصحف تصريحاً أو تلويحاً ظاهراً و باطناً اليها بانّهم أولى و أفضل على الأنبياء فى جميع الكمالات و المعجزات، و ما ظهر من الأنبياء لديهم قطرة فى مقابل البحر، فلذلك سمى الأنبياء بأولوالعزم فجميع الكتب النازلة لتبيين حقوقهم و شئونهم التى رتّبهم اللّه فيها و معجزة كاملة لإحياء أمر ولايتهم و قد قال

ص: 33

لها «انّه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسّه الا المطهّرون».(1) و قال اللّه تعالى«و لقد كتبنا فى الزبور...»(2) و قال اللّه تعالى «يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة»(3) و قال اللّه تعالى «و اذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه».(4) عن العياشى عن الحسن بن على عليه السلام: ... من دفع فضل أميرالمؤمنين عليه السلامعلى جميع من بعد النبى صلى الله عليه و آله وسلم فقد كذب بالتوراة و الإنجيل و الزبور و صحف ابراهيم و سائر كتب اللّه المنزلة فانّه ما نزل شى ء منها الا و أهمّ ما فيه بعد الا مر بتوحيد اللّه عزوجل و الاقرار بالنبوة، الاعتراف بولاية على عليه السلام و الطيبين من آله عليهم السلام...(5) ... ان موسى ناجاه ربه تبارك و تعالى فقال له: ... اوصيك يا موسى وصية المشفق بإبن البتول عيسى بن مريم... و من بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيّب الطاهر المطهّر، فمثله فى كتابك انّه مؤمن مهيمن على الكتب كلها...(6)عن الصادق عليه السلام: ان اللّه عزوجل جعل ولايتنا قطب القرآن و قطب جميع الكتب عليها يستدير محكم القرآن و بها نوّهت الكتب و يستبين الإيمان.(7) عن زرارة عن أبى عبداللّه عليه السلام قال: ... ان اللّه عزوجل أمر القلم

ص: 34


1- . الواقعة / 78 / 79
2- . الأنبياء / 105؛ البرهان ج 3 / 475
3- . الأعراف / 157؛ البرهان ج2 / 40 ح2
4- . آل عمران / 187
5- . البحار ج 37 / 172
6- . روضة الكافى ج8 / 43؛ تحف العقول / 490
7- . العياشى ج 1 / 5 ح9؛ البحار ج89 / 27

فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن الى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفى عام، و انّ كتب اللّه كلها فيما جرى فيه القلم...، منها هذه الكتب الأربعة المشهورة فى هذا العالم التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان، أنزلها اللّه عن اللوح المحفوظ على رسله صلوات اللّه عليهم أجمعين...

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم... فقال أوص يا محمد صلى الله عليه و آله وسلمالى ابن عمّك على بن ابى طالب عليه السلام فانّى قد أثبته فى الكتب السالفة و كتبت فيها انّه وصيك و على ذلك أخذت ميثاق الخلائق و مواثيق أنبيائى و رسلى، أخذت مواثيقهم لى بالربوبية و لك يا محمد بالنبوة و لعلى ابن ابى طالب عليه السلامبالولاية.(1) قال الامام العسكرى عليه السلام قال الصادق عليه السلام: ... (و لمّا جاءكم) هولاء اليهود و من يليهم من النواصب «كتاب من عند اللّه مصدق لما معهم»(2) القرآن مشتملاً على وصف فضل محمد و على عليهماالسلام و إيجاب ولايتهما و ولاية أوليائهما و عداوة أعدائهما «نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب»(3) اليهود التوراة و كتب أنبياء اللّه (وراء ظهورهم) تركوا العمل بما فيها و حسدوا محمداً صلى الله عليه و آله وسلم على نبوّته و علياً عليه السلام على وصيته و جحدوا ما وقفوا عليه من فضائلهما (كانّهم لا يعلمون) و فعلوا فعل من جحد ذلك و الرد له فعل من لا يعلم مع علمهم بانّه حق.(4)قال اللّه تعالى... «يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة»(5)

ص: 35


1- . البحار ج 26 / 272 ح 11؛ أمالى ابن الشيخ / 64 / 63
2- . البقرة / 89
3- . البقرة / 101
4- . تفسير الامام عليه السلام / 471؛ تفسير البرهان ج1 / 292؛ البحار ج9 / 330
5- . الأعراف / 157؛ البرهان ج 2 / 40 ح 2

قال اللّه تعالى... «و لقد كتبنا فى الزبور...»(1) و فيه قال عليه السلام... و كل كتاب نزل فهو عند أهل العلم و نحن هم.

قال اللّه تعالى «انّه فى ام الكتاب لدينا لعلى حكيم»(2) عن أبى عبداللّه عليه السلام: ... و قد ذكر المسيح و جرت من بعده فى الحواريين فى المستحفظين و انّما سمّاهم اللّه تعالى المستحفظين لانّهم استحفظوا الإسم الأكبر و هو الكتاب الذى يعلم به علم كل شى ء الذى كان مع الأنبياء يقول اللّه تعالى «لقد أرسلنا رسلنا من قبلك و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان»(3) و (الكتاب) الإسم الأكبر و انّما عرف مما يدعى الكتاب التوراة و الإنجيل و الفرقان فيها كتاب نوح و فيها كتاب صالح و شعيب و إبراهيم فأخبر اللّه تعالى «ان هذا لفى الصحف الأولى صحف ابراهيم و موسى»(4) فأين صحف ابراهيم؟ قال: انّما صحف ابراهيم الإسم الأكبر و صحف موسى الإسم الأكبر ثم أنزل اللّه عليه ان أعلن فضل وصيّك...(5) قال أبوجعفر عليه السلام: انّ علياً عليه السلام آية لمحمد صلى الله عليه و آله وسلم و ان محمداً صلى الله عليه و آله وسلم يدعوا الى ولاية على عليه السلام.(6)و قال اللّه تعالى «و اذ أخذ اللّه من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسى و عيسى ابن مريم و أخذنا منهم ميثاقا غليظاً ليسأل

ص: 36


1- . الأنبياء / 107؛ البرهان ج3 / 75 ح 1
2- . زخرف / 4؛ البرهان ج4 / 135؛ الكافى ج1 / 293؛ نورالثقلين ج5 / 249 / 558
3- . الحديد / 25
4- . الأعلى / 19
5- . الكافى ج 1 / 225 ح 5؛ كنز العمال ج 14 / 240
6- . البحار ج23 / 208 ح11؛ بصائر الدرجات / 91 / 5

الصادقين عن صدقهم...».(1) فى تفسير الامام عليه السلام... ان ولاية محمد و ال محمد عليهم السلام هى الغرض الأقصى و المراد الأفضل، ما خلق اللّه أحداً من خلقه و لا بعث أحداً من رسله الا ليدعوهم الى ولاية محمد و على عليهماالسلام و خلفائه و يأخذ عليهم العهد ليقيموا عليه و ليعمل به سائر عوام الامم.(2) سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: ان اللّه أخذ ميثاق النبيين على ولاية على عليه السلام و أخذ عهد النبيين بولاية على عليه السلام.(3) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم... فقال: يا محمد «و إسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا» قال قلت على ما بعثوا؟ قال على ولايتك و ولاية على بن ابى طالب عليه السلام...(4) عن الباقر عليه السلام قال: ... ثم أخذ الميثاق على النبيين... قالوا بلى فثبتت العزيمة لهولاء الخمسة فى المهدى...(5) قال أبوعبداللّه عليه السلام: يا مفضل أما علمت ان اللّه تعالى بعث رسوله و هو روح الى الأنبياء و هم أرواح قبل خلق الخلق بألفى عام قلت بلى، قال أما علمت انّه دعاهم الى توحيد اللّه و طاعته و اتباع أمره و وعدهم الجنة على ذلك...(6) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: ما تكاملت النبوة لنبى فى الأظلّة حتى عرضت

ص: 37


1- . الأحزاب / 7
2- . تفسير الامام / 379؛ البحار ج26 / 290
3- . البحار ج 26 / 281؛ بصائر / 21 / 22
4- . گنجى فى كفاية الطالب / 75؛ ينابيع المودّة / 82 / 238؛ خوارزمى فى مناقبه / 246؛ شواهد التنزيل ج2 / 222
5- . الكافى ج2 / 8 ح1؛ بصائر الدرجات ج1 / 70؛ البحار ج26 / 279
6- . البحار ج26 / 281؛ بصائر الدرجات ج1 / 73

عليه ولايتى و ولاية أهل بيتى و مثلوا له فأقروا بطاعتهم و ولايتهم.(1) عن أبى جعفر عليه السلام فى قول اللّه تعالى «و لقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى و لم نجد له عزماً»(2)... و انما سمى اولوالعزم لانّه عهد اليهم فى محمد و الأوصياء من بعده (و القائم) و المهدى و سيرته، فأجمع عزمهم ان ذلك كذلك و الإقرار به...(3) عن أبى جعفر و أبى عبداللّه عليهماالسلام قالا: ان اللّه خلق الخلق و هى أظلّة، فأرسل رسوله محمداً صلى الله عليه و آله وسلم، فمنهم من آمن به و منهم من كذبه ثم بعثه فى الخلق الآخر فآمن به من كان آمن به فى الأظلّة و جحده من جحد به يومئذ فقال اللّه تعالى «فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل».(4) عن أبى الحسن عليه السلام قال: ولاية على عليه السلاممكتوب فى جميع صحف الأنبياء و لن يبعث اللّه نبياً الا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله وسلم و ولاية وصيه على عليه السلام.(5) فى تفسير الإمام عليه السلام فى قول اللّه تعالى «و لقد آتينا موسى الكتاب»(6) التوراة المشتمل على أحكامنا و على ذكر فضل محمد و أهل بيته الطيبين عليهم السلام و امامة على عليه السلام.

و فى تفسير الامام عليه السلام... فى قوله تعالى «ان الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب»المشتمل على ذكر فضل محمد و على و الأئمّة عليهم السلام.

ص: 38


1- . البحار ج26 / 281 ح27
2- . طه / 115
3- . البحار ج26 / 278 و ج26 / 280 / 282 / 278؛ الكافى ج2 / 373؛ علل الشرايع ج1 /122
4- . يونس / 74؛ البحار ج5 / 259 ح64؛ تفسير العياشى ج2 / 126
5- . البحار ج36 / 280؛ بصائر الدرجات ج1 / 72
6- . البقرة / 174

عن الرضا عليه السلام: ... أشهد انّ محمداً عبده و رسوله استخلصه فى القدم على سائر الامم على علم منه بانفراده عن التشاكل و التماثل من أبناء الجنس... أقامه فى سائر عالمه فى الأداء مقامه...(1) عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ... فكان حظ آدم من الخبر انباؤه و نطقه بمستودع نورنا، فدعى الناس ظاهراً و باطناً و ندبهم سراً و أعلاناً و استدعى على التنبيه على العهد الذى قدّمه الى الذر قبل النسل.

و الروايات المتواترة معنىً بتلك المضامين كثيرة تركناها إختصاراً.

ص: 39


1- . فى دعاء الغدير؛ البحار ج 97 / 113؛ مقدمة التحف العقول ج 1؛ مصباح المتهجد ج2 / 753

باطن القرآن و ظاهره ورد للدعوة الى الولاية

بعد التأمل فيما ذكرنا سابقاً: بانّ علة الحقيقى و المقصود المنتهية لإيجاد الخلائق التى هى ملاك قبول الطاعات و منجياً من الهلكات و أوجبه اللّه على الأنبياء و الملائكة المقرّبين الإقرار به و أخذ من جميع الخلائق الميثاق عليه و زيّن الكتب به و كلّف الامم عليه و أخبر المرسلون بالوعد و الوعيد به، هو ولاية محمد و آل محمد عليهم السلام و محبّتهم و ما جاء فى حقّهم، لانّ اللّه لم يخلق الخلق الا للعبودية و لم تعبد الا بعد المعرفة، و معرفته تعالى متوقف على الإيمان بالقرآن و بما جاء به و لا يخفى بانّ الإيمان باللّه لم يتيسر الا بالإيمان بالأنبياء و الأوصياء و ما جائوا به، و هو الاعتقاد بتوحيد القرآن، و آدابه و سنته و حقائقه و ظاهره و باطنه و إنذاره و...

و الخبير يعرف بانّ ذلك الأمر الخطير لابدّ و ان يتكلم به القرآن و يرشد الخلق اليه فجميع ما نزل فى القرآن من أوامره و شرائفه بظاهره و باطنه، فيما يناسب فى شأنهم و لإظهار علوّ منزلتهم و جميع مواعظ اللّه و محسنات القرآن من البشارات و الخيرات أيضاً نازلة فيهم و لأجلهم لانّهم المصاديق المهمة لكل خير و صلاح و كمال.

ص: 40

فبذلك البيان صحّ تأويل ما ورد فى القرآن من الحكايات و الأمثال و القصص بالنسبة الى الأنبياء السابقين و أوصيائهم و ما جرى بيد مخالفيهم، بالنسبة الى ما وقع بمحمد و وصيه عليهماالسلام و ما جاء لأعدائهما و لو لم يرد فيه بنص خاص.

و هكذا كل ما جاء ذكره لسالف الزمان من جميع أنواع السنن و الأمثال و الوقائع التى ينبغى ان تقع فى امة محمد صلى الله عليه و آله وسلم، لانّ كل من كان من سنخ خوطب له بالخير و الصلاح فهو يشمل للرسول و الأئمّة و شيعتهم و كل من نسب منهم بسوء و شرّ يشمل لمخالفيهم، فكل جاحد و منكر مع الأنبياء فى العالم داخل فى أعاديهم و مخالفيهم لانّ القرآن يجرى كما تجرى الشمس.

و لانّ ثمرة إبلاغ جميع الأنبياء و الأوصياء و تعاليمهم و زحماتهم ظهرت فى نبوة خاتم الأنبياء و فى خلافة وصيه خاتم الأوصياء، فأعداء محمد و آل محمد عليهم السلام هم المجرمون فى جميع الأعصار و الأزمان و هم الكاملون فى العداوة و البغضاء مع سيد الأبرار و سيحشرهم مع سيد الأشرار ابليس الأبالسة و الشاهد على ذلك من الآيات و الروايات كثيرة أشرنا اليها.

عدة منها: الأخبار التى ورد بانّه تجرى فى هذه الامة ما فى الامم السابقة و قد قال اللّه تعالى: «سنة اللّه التى قد خلت من قبل»(1) و قال: «سنة اللّه خلوا من قبل»(2) و قال: «لتركبنَّ طبقاً عن طبق».(3)

ص: 41


1- . الفتح / 43
2- . الأحزاب / 62
3- . الانشقاق / 19

عن على عليه السلام فى قوله تعالى: «لتركبنّ طبقاً عن طبق»(1) أى لتسلكنّ سبيل من كان قبلكم من الامم فى الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء.(2) عن أبى عبداللّه عليه السلام قال: ان للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقيل له: و لم ذلك يابن رسول اللّه قال: ان اللّه عزوجل أبى الا ان يجرى فيه سنن الأنبياء فى غيباتهم و انّه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم قال اللّه تعالى «لتركبن طبقاً عن طبق»(3) أى سنناً عن سنن من كان قبلكم.(4) انّ علياً عليه السلام رفع يديه الى السماء و قال: ان القوم استضعفونى كما استضعف بنو اسرائيل هارون.(5) عدة منها: الروايات المتواترة بانّ هذه الامة تفترق كما افترقت الامم السابقة الى واحدة و سبعين فرقة الواردة فى كتب الفريقين: قال النبى صلى الله عليه و آله وسلم: انّ امة موسى افترقت الى واحدة و سبعين فرقة، واحدة منها ناجية و الباقون فى النار، و هذه الامة ستفترق الى ثلث و سبعين، واحدة منها ناجية و الباقون فى النار.(6) و عدة منها: الروايات الكثيرة الواردة فيها بانّ جميع الخيرات والمحسنات الظاهرة و الباطنة نزلت فيهم و لهم و جميع الخبائث و الشرور جارية على أعدائهم من سالف الزمان الى يوم القيامة.

عن الكاظم عليه السلام فى قوله تعالى: «إنّما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها و

ص: 42


1- . الانشقاق / 19
2- . الاحتجاج ج1 / 248؛ البحار ج65 / 267
3- . الانشقاق / 19
4- . اثبات الهداة ج5 / 103
5- . البحار ج28 / 241
6- . شواهد التنزيل ج1 / 269؛ كمال الدين ج2 / 662

ما بطن»(1) قال: القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرم اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمة الجور و جميع ما أحل اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمة الحق.(2) عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام: يا محمد اذا سمعت اللّه ذكر أحد من هذه الامة بخير فنحن هم و اذا سمعت اللّه ذكر قوماً بسوء ممن مضى، فهم عدوّنا.(3) عن الصادق عليه السلام: يا أبامحمد، ما من آية تقود الى الجنة و لا يذكر أهلها بخير الا و هى فينا و فى شيعتنا و ما من آية نزلت يذكر أهلها بشر و لا تسوق الى النار الا و هى فى عدونا و من خالفنا.(4) و عدة منها: ما ورد بان ثلث القرآن أو ربعه نزل فى شأنهم عليهم السلام.

قال سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: نزل القرآن على أربعة أرباع ربع فينا و ربع فى عدونا و ربع فى فرائض و أحكام و ربع سنن و أمثال و لنا كرائم القرآن.(5) عن على عليه السلام يقول: نزل القرآن أثلاثا ثلث فينا و فى عدونا و ثلثسنن و أمثال و ثلث فرائض و أحكام.(6) عن ابن عباس قال: ان اللّه أنزل فى على عليه السلامكرائم القرآن قال أبوعبداللّه عليه السلام: من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن.(7) عن الصادق عليه السلام: يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا فى

ص: 43


1- . الأعراف / 33
2- . تفسير العياشى ج2 / 16؛ الكافى ج1 / 374
3- . تفسير العياشى ج1 / 13
4- . الكافى ج8 / 36؛ فضائل الشيعة / 25
5- . تفسير العياشى ج1 / 9
6- . تفسير العياشى ج1 / 9؛ تفسير الفرات / 46
7- . المحاسن ج1 / 216

فضلنا أما سمعوا قوله: «و نريد ان نمن على الذين استضعفوا»(1) واللّه يا مفضل ان تنزيل هذه الآية فى بنى اسرائيل و تأويلها فينا و انّ فرعون و هامان تيم و عدى.(2) عن على عليه السلام انه قال: صورة محمد صلى الله عليه و آله وسلم آية فينا و آية فى بنى امية.

عن ابن عباس فى قوله تعالى: «فاصدع بما تؤمر»(3) قال: أمره اللّه ان يظهر القرآن و ان يظهر فضائل أهل بيته كما أظهر القرآن.(4) عن ابن عباس قال: ما نزل (فى أحد من كتاب) اللّه ما نزل فى على عليه السلام.(5) عن مجاهد قال: نزلت فى على سبعون آية لم يشاركه فيها أحد (أو ثمانون آية).(6) قال ابن عباس: نزلت فى على عليه السلام ثلاث مأة آية.

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: على عليه السلام تفسير القرآن.قال على عليه السلام: ... أنا كتاب اللّه الناطق.(7) عن الصادق عليه السلام: ان اللّه عزوجل جعل ولايتنا قطب القرآن و قطب جميع الكتب عليها يستدير محكم القرآن و بها نوهت الكتب و يستبين الايمان.(8) عن أبى الحسن عليه السلام قال قلت: «إنّا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً»(9)

ص: 44


1- . قصص / 5
2- . البحار ج53 / 26
3- . الحجر / 94
4- . شواهد التنزيل ج1 / 423
5- . شواهد التنزيل ج1 / 52
6- . البحار ج36 / 117
7- . وسائل الشيعة ج27 / 34
8- . تفسير العياشى ج1 / 5؛ البحار ج89 / 27
9- . الانسان / 23

قال: نزَّلنا عليك القرآن بولاية على عليه السلام «تنزيلاً» قلت: هذا تنزيل؟ قال: تأويل.(1) عن أبى عبداللّه عليه السلام: ... و انّما أراد اللّه بتعميته فى ذلك ان ينتهوا الى بابه و صراطه و ان يعبدوه و ينتهوا فى قوله الى طاعة القوّام بكتابه و الناطقين عن أمره و ان يستنطقوا ممّا احتاجوا اليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم...(2) قال قلت لأبى عبداللّه عليه السلام: أنتم الصلوة فى كتاب اللّه و أنتم الزكوة و أنتم الصيام و أنتم الحج فقال: يا داود، نحن الصلوة فى كتاب اللّه و نحن الزكوة و نحن الصيام و نحن الحج و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة اللّه و نحن قبلة اللّه و نحن وجه اللّه قال اللّه تعالى: «فأينما تولوا فثم وجه اللّه»(3) و نحن الآيات و نحن البينات و عدوّنا فى كتاب اللّه الفحشاء و المنكر و البغى و الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام و الأصنام و الأوثان و الجبت و الطاغوت و الميتة و الدم و لحم الخنزير يا داود ان اللّه خلقنا و فضلنا و جعلنا امنائه و حفظته و خزانه على ما فى السموات و ما فى الأرض و جعل لنا أضداداً و أعداءً فى كتابه و كنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء و أحبها اليه تكنّيه عن العدوّ و سمّى أضدادنا و أعدائنا فى كتابه و كنّى عن أسمائهم و ضرب لهم الأمثال فى كتابه فى أبغض الأسماء اليه و الى عبادة المتقين.(4)

ص: 45


1- . الكافى ج1 / 435 ح 91
2- . المحاسن ج1 / 267؛ وسائل الشيعة ج27 / 191
3- . البقرة / 115
4- . اللوامع النورانية / 229؛ تأويل الآيات / 22؛ البحار ج24 / 303

قال على عليه السلام: ... اعلم يا هذا الرجل ان اللّه تعالى ما بعث نبيه بأمر من الامور الا و له متشابه و تأويل و تنزيل، كل ذلك على التعبّد فمن لم يعرف تأويل صلاته فصلاته كلها خداع ناقصة غير تامة...(1)

ص: 46


1- . البحار ج 79 / 270؛ علل الشرايع ج2 / 598؛ نورالثقلين ج1 / 319

من حامل القرآن بظاهره و باطنه و العالمون به؟

تستفاد من الروايات النورانية، بانّ حقيقة الأنوار المقدسة محمد و آله الطاهرة عليهم السلامبتلك الحقائق النورانية و النفوس الكاملة التى خلقوا من نور واحد «نور عظمة اللّه و جلالة» حاملين للعلوم الربانية و الشئون الالهيّة و هم صندوق سره و خزائن علمه و تراجمة وحيه.

فبما أنّ العلم لازم ذات النور، فهم بحقائقهم هم البرهان النورى و وجه اللّه الباقى الذى أضاءوا كل شى ء و هم علم اللّه الذى أحاط بكل شى ء، و الرحمة الواسطة المحيطة على كل شى ء، و ان علم الأولين و الآخرين بالنسبة الى علومهم كالقطرة فى جنب البحار المتصلة بالمنبع.

فهم مخلوقون بنور العظمة، و شاهدون على جميع الخلق بتلك الحقيقة، فهم علم اللّه و صندوق سرّه و ام الكتاب و الكتاب المبين و اللوح المحفوظ المستور عن معلومات البشر لان علمهم من علم اللّه فقال: (أنا أيضاً أعلمه من علم اللّه)(1) قال أبوعبداللّه عليه السلام الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق.(2) فهم المحيطون و الشاهدون على كل شى ء و هم الشهداء على أهل الدنيا و الآخرة و الاولى اذ أشهدهم خلقها، بالنور الأعظم و الروح

ص: 47


1- . البحار ج50 / 84
2- . الكافى ج1 / 251 ح4؛ بصائر الدرجات ج1 / 487

المقدس و الاسم الأعظم و بتلك الأرواح المقدسة و الأبدان العلينية فقال: (أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن).

الحق (انّ الامام اذا أراد أن يعلم علم) و قد قال النبى صلى الله عليه و آله وسلم للحسين عليه السلام: (علمه علمى انه لاعلم بالكائن قبل كينونته) فقال اللّه تعالى: «عالم الغيب فلايظهر على غيبه أحداً الا من ارتضى من رسول».(1) فلأنهم أوعية المشية و محالها و نور اللّه المستضائة به كل شى ء و هم وكرها و مستقرها.

فعالم الامكان بجميع صفحاتها و علومها من غيبها و شهودها مشهودة لديهم اذ هم الشاهدون عليها نوراً و علماً و هداية تكويناً و تشريعاً.

فهم الكتاب الحقيقى الذى مفسر باللوح المحفوظ و ام الكتاب، و النون و القلم و الكتاب المبين المنزه عن التغيير والتبديل الموجود خزنته عند عرش الرحمن و كلّها رشحه من لمعات حقائقهم.

عن موسى ابن جعفر عليه السلام: ان اللّه تعالى خلق نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم من نور اختراعه من نور عظمته و جلاله... و جعلهما أمناء له و شهداء على خلقه و خلفاء على خليقته و عيناً عليهم و لساناً له اليهم قد استودع فيهما علمه و علمهما البيان و استطلعهما على غيبه.(2) فعظمة تلك الكتاب و حامليه تظهر فى عظمة كاتبه، و أيضاً جامعيته يدور مدار كاتبه، فالمتكلم بذلك الكتاب هو اللّه، و هو غير

ص: 48


1- . الجن / 26
2- . الأنوار الساطعة ج2 / 361؛ البرهان ج4 / 192؛ تأويل الآيات / 393؛ البحار ج35 / 28

الكتاب و الأسماء و الحروف، اذ هو موجده و نوره و حجابه و الحق تعالى أعلن بإظهار شئونهم فى كتابه، فالقرآن الجامع الكامل بظاهره و باطنه، بكرائمه و ظرائفه نازلة لإظهار جلالتهم و إبلاغ شئونهم و مراتبهم التى رتَّبهم اللّه فيها.

فبما ان محمداً و آل محمد عليهم السلام هم الفرقان الأعظم بولايتهم و نورانيتهم، فهم الشاهدون و الحاملون على عالم الغيب و الشهادة و على التكوين و التشريع و على الباطن و الظاهر و الملك و الملكوت و على جميع المعجزات و البراهين لإثبات الحق و ابطال الباطل فعلومهم من خزانة سرّ اللّه فهم الحاملون للمعارف و العلوم من ظاهر القرآن و باطنه و تأويلاته و محكماته و متشابهاته و العالمون بالكتاب كله و الناطقون به و وارثونه و علومه مستضائه بهم و منهم و اليهم فهم معلموه و مفسّروه و مبيّنوه، فمعانى الكتاب بأجمعه عندهم من ظاهره و باطنه و كل من لم يخرج من عندهم فى ذلك فهو زخرف و قول بغير علم و تفسير بالرأى.

لانّهم حمله كتاب اللّه فى كل عالم و لكل غاية و هم المهيمن على ذلك فقال اللّه تعالى فى ذلك: «و أنزلنا عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه».(1)

ص: 49


1- . المائدة / 48 باب من عنده علم الكتاب البحار ج35 / 429 و ج23 / 191 (باب من عنده علم الكتاب كله) البحار ج26 / 170 / 194 / 198 و ج40 / 1 / 145 / 146 / 212 / 306 / 310 (باب من عنده انّهم آيات اللّه و بيّناته) البحار ج23 / 206

قلت لأبى جعفر عليه السلام: «قل كفى باللّه شهيداً بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب»(1) قال: ايّانا عنّى و على أولنا و على أفضلنا و خيرنا بعد النبى صلى الله عليه و آله وسلم...(2) سمعوا أباعبداللّه عليه السلام يقول: انّى لاعلم ما فى السموات و ما فى الأرضين و اعلم ما فى الجنة و اعلم ما فى النار و اعلم ما كان و ما يكون قال: ثم مكث هنيئة، فرأى ان ذلك كبر على من سمعه، فقال له: علمت ذلك من كتاب اللّه ان اللّه يقول: «فيه تبيان كل شى ء».(3) قال سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كله كما أنزل الا كذاب و ما جمعه و حفظه كما أنزله اللّه تعالى الا على ابن ابى طالب عليه السلام و الأئمّة من بعده.(4) قال سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: مايستطع أحد ان يدعى ان عنده جميع القرآن كله ظاهره و باطنه غير الأوصياء.(5) قال سمعت أباعبداللّه عليه السلام: واللّه انى لاعلم كتاب اللّه من أوله الى آخره، كانه فى كفى فيه خبر السماء و خبر الأرض و خبر ما كان و خبر ما هو كائن قال اللّه عزوجل «فيه تبيان كل شى ء».(6) قال سمعت أباجعفر عليه السلام: عن هذه الرواية ما فى القرآن آية الا و لها ظهر و بطن و ما فيه حرف الا و له حد و لكل حد مطلع، ما يعنى بقوله

ص: 50


1- . الرعد / 43
2- . بصائر الدرجات ج1 / 215
3- . بصائر الدرجات ج1 / 128؛ الكافى ج1 / 261
4- . الكافى ج1 / 228؛ نورالثقلين ج5 / 464
5- . الكافى ج1 / 228؛ شرح نهج ابن أبى الحديد ج8 / 46
6- . بصائر الدرجات ج1 / 194؛ الكافى ج1 / 229

لها ظهر و بطن قال: ظهره تنزيله و بطنه تأويله، منه ما مضى و منه ما لم يكن بعد، يجرى كما يجرى الشمس و القمر كلما جاء منه شى ء وقع قال اللّه تعالى «و ما يعلم تأويله الا اللّه والراسخون فى العلم» نحن نعلمه.(1) قال على عليه السلام: ... فقال يا شاب لو قرأت القرآن لكان خيراً لك، فقال: انى لا أحسنه و لوددت ان أحسن منه شيئاً فقال: ادن منى فدنا منه، فتكلم فى اذنه بشى ء خفى، فصور اللّه القرآن كله فى قلبه فحفظ كله.(2) قال سمعت أباجعفر عليه السلام: (الى ان قال) فيه خبركم و خبر ما قبلكم و خبر ما بعدهم و خبر السماء و خبر الأرض فلو آتاكم من يخبركم عن ذلك لعجبتم.(3) قال: واللّه لقد قال لى جعفر بن محمد عليه السلام: ان اللّه علم نبيه التنزيل و التأويل قال فعلمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم علياً عليه السلام قال و علمنا واللّه...(4) عن الصادق عليه السلام انه قال: سدير... فهل وجدت فيما قرأت من كتاب

ص: 51


1- . تفسير الصافى ج1 / 17؛ تفسير العياشى ج1 / 11
2- . البحار ج42 / 17 ح1
3- . البحار ج92 / 90 ح35؛ المحاسن ج1 / 267 قد جاء تفسير ام الكتاب فى البحار ج24 / 208 بأميرالمؤمنين و الأئمة. و قد جاء تفسير علم الكتاب فى البحار ج40 / 1 / 146 / 212 بأميرالمؤمنين و الأئمّة. و قد جاء تفسير ام الكتاب أيضاً فى البحار ج23 / 210 ح16 / 20 و ج24 / 12 و ج35 / 373 بأميرالمؤمنين و الأئمّة. و قد جاء فيما ورد فى لوح المحفوظ فى البحار ج26 / 4 أنا اللوح المحفوظ - أنا أمين اللّه على علمه - أنا صندوق السرّه. و أيضاً انظر ما ورد فى امام مبين فى البحار ج35 / 427 باب 23 و ج35 / 428 ح2 باب انّ علم القرآن بظاهره و باطنه عندهم. البحار ج92 / 78 / 114
4- . جامع الأحاديث ج24 / 718

اللّه «قل كفى باللّه شهيداً»قال و أومى بيده الى صدره: علم الكتاب كله واللّه عندنا ثلثاً.(1) عن أبى جعفر عليه السلام قال: ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كله كما أنزل الا كذاب و ما جمعه و حفظه كما أنزل الا على ابن ابى طالب عليه السلامو الأئمة عليهم السلام من بعده.(2) قال على عليه السلام: لو شئت لاوقرت سبعين بعيراً فى تفسير فاتحة الكتاب.(3) (فى حديث الى ان قال)... فقال أبوالحسن عليه السلام: علينا نزل قبل الناس و لنا فسر قبل ان يفسر فى الناس فنحن نعرف حلاله و حرامه و ناسخه و منسوخه و سفريه و حضريه و فى أى ليلة نزلت كم من آية و فيمن نزلت و فيما نزلت...(4) عن زيد بن على قال قال أميرالمؤمنين عليه السلام: ما دخل رأسى نوم و لا غمض على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم حتى علمت من رسول اللّه ما نزل به جبرئيل فى ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهى و فيما نزل و فيمن تنزل.

قال قلت لأبى عبداللّه عليه السلام: ان الأحاديث تختلف عنكم قال فقال: ان القرآن نزل على سبعة أحرف و أدنى ما للامام ان يفتى على سبعة وجوه، ثم قال: «هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب».(5)

ص: 52


1- . شرح أحاديث كافى ج2 / 273
2- . الكافى ج1 / 228؛ نورالثقلين ج5 / 464
3- . البحار ج89 / 93؛ مناقب ابن شهر آشوب ج2 / 43
4- . بصائر الدرجات ج1 / 198؛ وسائل الشيعة ج27 / 197
5- . تفسير العياشى ج1 / 12 ح11؛ الخصال ج2 / 358؛ البحار ج89 / 83

عن على عليه السلام قال: لو استقامت لى الأمرة و كسرت أو ثنيت لى الوسادة لحكمت لأهل التوراة بما أنزل اللّه فى التوراة حتى تذهب الى اللّه انى قد حكمت بما أنزل اللّه فيها و لحكمت لأهل الإنجيل بما أنزل اللّه فى الإنجيل حتى يذهب الى اللّه انى قد حكمت بما أنزل اللّه فيه و لحكمت فى أهل القرآن بما أنزل اللّه فى القرآن حتى يذهب الى اللّه انى قد حكمت بما أنزل اللّه فيه.(1) قال على عليه السلام: ما بين اللوحين شى ء الا و أنا أعلمه.(2) قال على عليه السلام: ما نزلت آية الا و قد علمت فيمن أنزلت و أين نزلت و على من نزلت ان ربى و هب لى قلباً عقولاً و لساناً ناطقاً طلقاً.(3) قال سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول: أنا أهل بيت لم يزل اللّه يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله الى آخره و ان عندنا من حلال اللّه و حرامه ما يسعنا (من) كتمانه ما نستطيع ان نحدث به أحداً.(4) عن سليم قال سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ... فما نزلت آية على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من القرآن الا اقرأنيها و املاها علىَّ فاكتبها بخطى و علمنى تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصها و عامها و دعا اللّه لى ان يعلمنى فهمها و حفظها فما نسيتآية من كتاب اللّه تعالى...(5)

ص: 53


1- . تفسير العياشى ج1 / 15 ح3؛ تفسير البرهان ج1 / 17 ح15
2- . تفسير العياشى ج1 / 15 ح11؛ تفسير البرهان ج1 / 38
3- . تفسير العياشى ج1 / 15 ح12؛ تفسير البرهان ج1 / 17 ح14؛ شواهد التنزيل ج1 / 45
4- . تفسير العياشى ج1 / 15 ح8؛ تفسير البرهان ج1 / 16 ح11 و 20؛ بصائر الدرجات ج1 / 507
5- . تفسير العياشى ج1 / 14 ح2

قال سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول: قد ولدنى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم و أنا أعلم كتاب اللّه و فيه بدء الخلق و ما هو كائن الى يوم القيامة و فيه خبر السماء و خبر الأرض و خبر الجنة و خبر النار و خبر ما كان و خبر ما هو كائن، اعلم ذلك كانّها انظر الى كفى ان اللّه يقول «فيه تبيان كل شى ء».(1) عن المفضل قال دخلت على الصادق عليه السلامذات يوم فقال لى: يا مفضل هل عرفت محمداً و علياً و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام كنه معرفتهم؟ قلت: ياسيدى و ما كنه معرفتهم، قال: يا مفضل... فمن عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمناً فى السنام الأعلى، قال قلت: عرفنى ذلك يا سيدى، قال: يا مفضل تعلم انّهم علموا ما خلق اللّه عزوجل و ذرأه و برأه و انّهم كلمة التقوى و خزان السموات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار و عرفوا كم فى السماء من نجم و ملك و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة الا علموها و لا حبة فى ظلمات الأرض «و لا رطب و لا يابس الا فى كتاب مبين»(2) هو فى علمهم و قد علموا ذلك...(3) روى أبى نعيم عن ابن مسعود قال: ان القرآن نزل على سبعة أحرف و ما منها أحرف الا و له ظهر و بطن و ان على ابن ابى طالب عليه السلام عنده منه علم الظاهر و الباطن.(4)

ص: 54


1- . البحار ج92 / 98 ح65 / 67 / 68 / 69؛ بصائر الدرجات ج1 / 198؛ الكافى ج1 / 61
2- . الأنعام / 59
3- . البحار ج26 / 176؛ تأويل الآيات / 478
4- . مقدمة التفسير القمى ج1 / 20

قال قلت لأبى عبداللّه عليه السلام: ان الأحاديث تختلف عنكم، فقال: ان القرآن نزل على سبعة أحرف و أدنى ما للامام ان يفتى على سبعة وجوه، ثم قال «هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب».(1) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لعلى عليه السلام: ... أنا صاحب التنزيل و أنت صاحب التأويل.(2) عن أبى جعفر عليه السلام فى قول اللّه تعالى «و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم» فرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أفضل الراسخين فى العلم قد علمه اللّه جميع ما أنزل اللّه تعالى عليه من التنزيل و التأويل و ما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله و هو و أوصياءه من بعده يعلمونه كله...(3)

ص: 55


1- . تفسير العياشى ج1 / 12 ح11؛ نورالثقلين ج4 / 462؛ الخصال ج2 / 358
2- . ينابيع المودّة / 123؛ وسائل الشيعة ج27 / 188
3- . بصائر الدرجات ج1 / 204؛ الكافى ج1 / 213

من الراسخون بشئون القرآن و العارفون بحدوده من تنزيله و تأويله؟

قال اللّه تعالى: «و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم».(1) لا شبهة بان القرآن هو النور النازلة على قلب النبى صلى الله عليه و آله وسلم و لايفارق قلوب الأئمة عليهم السلام اذ كما لايمكن انفصال الروح عن البدن، و المعنى عن اللفظ، و التأويل عن التنزيل، كذلك لايمكن الافتراق بين القرآن و العترة، لانهما الثقلان و هم مع القرآن، و القرآن معهم لا يفارقونه و لايفارقهم و هم معادن تنزيله و تأويله و تفسيره بجامعيته.

فبذلك جميع علوم القرآن من ظاهره و باطنه منحصر فيما جائت من عندهم، و هم مجاريها و معادنها و أولها و آخرها لانّهم هم الألسن الناطقة لبيان علوم المستضائه من القرآن الكريم.

فلهذا لا يجوز لأحد ان يدعى من معارف القرآن من تنزيله و تفسيره و اعمال الرأى فى مفاهيمه و ضرب بعض آياته ببعضه لفهم معناه، نعم للعالم بقواعد العربية و سياق الآيات ان يعرف و يتدبر و يتفكر حولها بقدر ما يسعه و بالتوجه الى من فسره صاحب الكتاب، و سيأتى تمام الكلام حول حجيه ظواهر القرآن.

ص: 56


1- . آل عمران / 7

و ما روى عن العامة عن الصادق عليه السلام: كتاب اللّه على أربعة أشياء، العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق، فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء.(1) هذا الحديث مع ضعف سنده لايليق ان يستند العارف بظواهر القرآن مع زيغ بصره و خسرانه و ان يدعى برأيه و نظره ان يعرف فهم القرآن بدون المراجعة الى العالم به و مفسره لانّ القرآن نزل للإشارة اليهم و الأمر بأخذ معارف القرآن عنهم و الأمر بطاعتهم، فكيف له بذلك من دون استماع علومه من الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

عن الباقر عليه السلام لقتادة المفسر: ... ويحك يا قتادة ان كنت انما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلك و اهلكت و ان كنت قد أخذته من الرجال فقد هلك و اهلكت...(2) انّما الكلام لمن يدّعى الرسوخ فى معارف القرآن و بواطنه و هو يرى فهم تلك التأويلات الباطنى، و يدّعى بانّ اللّه قد أعطاه الحكمة لتمييز البواطن و تشخيص الحقائق، فيعلم رموز القرآن و مقاصده من تفسيره و تنزيله و تأويله، بإدعائه بإنحصار الألفاظ فى المعانى المصطلحة و يتعلق فهمه على معانيه، فله ان يعرف بتلك الاسلوب تأويلات القرآن و مفاهيمه و يفسره زعماً منه بان المعانى المصطلحة بطون الألفاظ المتداولة.

و الحق ان فيه تحريف الحقائق القرآنية و التدليس بها، اذ فهم

ص: 57


1- . مصباح الشريعة / 459؛ البحار ج75 / 278
2- . الكافى ج8 / 311؛ وسائل الشيعة ج27 / 185

التأويلات الباطنى منحصر ببيان المعصوم و لا يجوز لأحد ان يستند فهم بطن من بطونها الى غير المعصوم، لانّهم الواقفون عليها.

ولكنهم يرون و يدّعون بأعطائهم العلم والحكمة فيأخذونه بآرائهم من دون النظر الى محكمات الآيات و ما ينبغى عليه ظواهرها بسياقها، و من دون التأمل لمناسبة المتشابهات بالمحكمات و ما يبتنى عليها فى تفسيرها من أولياء القرآن.

فبما ان لهم رأياً خفياً باطنياً يناسب على مذاقهم و مسلكهم، يتأولون كتاب اللّه عليه بأدنى مناسبة بتلك المعنى الباطنى، فيرونها مطابقاً مع ظاهر القرآن.

كما يقول ابن العربى لفرعون: (بانه مات مؤمنا مستكمل الايمان) و مقاله بعض مقلديه ليست بأوحش منه بقوله (هذا هو الظاهر الذى ورد به القرآن).(1) و الحق ان العدول عن معنى الظاهر، من دون قرينة عقلائى لمعنى الصريحة الصحيحة خلاف العقل و حكمة التشريع، و يلزمه أولا ان ينظر باللغة الصحيحة مع سياق محكمات الآيات و ما ورد من التفسير حول تنزيلها و تأويلها و مع ملاحظة ظاهرها بباطنها و ما جائت من الأخبار حولها، ثم يلاحظ مع العقل الصريح المؤيد من عند اللّه، من دون مخالفتها بمحكمات الشريعة.

و الذى يشاهد من بعض الروايات بان العلماء وارث علوم الأنبياء من بعدهم و هم وارثون معارف القرآن و مفاهيمه من تنزيله و تأويله،

ص: 58


1- . شرح الفصوص / 468 جوادى

فهى محمول على الذين يأخذون علم الباطن عنهم لا من عند أنفسهم و من رأيهم و نظرهم و ان اظهروا الانقياد بهم ظاهرا و حصل لهم المعرفة و اليقين بمحكماته و بعض غرائبه و استظهر لهم الاشارات و اللطائف، لان الراسخ فى بطون القرآن من استظهر له بالرجوع اليهم لا من عند أنفسهم فقد قال اللّه تعالى فى حقهم «و لو ردّوه الى الرسول و الى اولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم».(1) نحو ما ورد لجابر الجعفى(2) انه كان يعلم باطن القرآن و تأويله فهو محمول لواجديته من امامه عليه السلام كما ورد لميثم التمار ان علياً عليه السلام علّمه تأويل القرآن.(3) عن أبى عبداللّه عليه السلام ان اللّه تعالى: علم نبيه التنزيل و التأويل فعلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم علياً.(4)

ص: 59


1- . النساء / 83 قال على للحسن عليهماالسلام: ... ان ابتدئك بتعليم كتاب اللّه و تأويله... البحار ج1 / 219؛ تحف العقول / 71؛ شرح نهج ابن أبى الحديد ج16 / 68 قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لعلى عليه السلام: أنا صاحب التنزيل و أنت صاحب التأويل...وسائل الشيعة ج27 / 188 فى دعاء النبى صلى الله عليه و آله وسلم لعلى عليه السلام: اللهم فقهه فى الدين و علمه الحكمة و التأويل... محجة البيضاء ج2 / 253؛ و قد رواها من دون كلمة الحكمة البحار ج66 / 92؛ ارشاد القلوب ج2 / 252 فى تفسير الامام عليه السلام: أتدرون من المتمسك به الذى له يتمسكه هذا الشرف العظيم، هو الذى يأخذ القرآن و تأويله عنا أهل البيت أو عن وسائطنا السفراء عنّا الى شيعتنا لا عن آراء المجادلين لهم و قياس الفاسقين، فأما من قال فى القرآن برأيه فان اتفق له مصادفة صواب فقد جهل فى أخذه من غير أهله... وسائل الشيعة ج27 / 201؛ البحار ج89 / 183
2- . قال ذكر عند أبى جعفر عليه السلام جابر فقال: (رحم اللّه جابر لقد بلغ من علمه انه كان يعرف تأويل هذه الآية «و ان الذى فرض عليك القرآن لرادك الى معاد» يعنى الرجعة. القصص / 85؛ البحار ج53 / 61؛ نورالثقلين ج4 / 144؛ تفسير القمى ج1 / 25
3- . ان ميثم التمار كان يقول لإبن عباس سلنى عما شئت من تفسير القرآن فانى قرأت تنزيله على أميرالمؤمنين على عليه السلام و علمنى تأويله. كشف الظنون ج1 / 429؛ البحار ج42 / 128
4- . البحار ج92 / 97 ح61؛ جامع الأحاديث ج24 / 718

عن أبى جعفر عليه السلام: ما يستطيع أحد ان يدعى ان عنده جميع القرآن كله ظاهره و باطنه غير الأوصياء.(1) قال أبوعبداللّه عليه السلام: نحن الراسخون فى العلم و نحن نعلم تأويله.(2) عن الصادق عليه السلام: ان العلماء ورثة الأنبياء... فانظروا علمكم عمن تأخذونه فان فينا أهل البيت فى كل خلف عدولاً، ينفون عنه تحريف الغالين و انتهال المبطلين و تأويل الجاهلين.(3) قال قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: ان فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و هو على ابن ابى طالب عليه السلام.(4) عن أحدهما عليهماالسلام فى قوله تعالى «و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم»(5) فرسول اللّه أفضل الراسخين فى العلم قد علّمه اللّه جميع ما أنزل عليه من التنزيل و التأويل و ما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله و أوصيائه من بعده يعلمونه كلّه...(6) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فى قوله تعالى «قل بفضل اللّه و برحمته»(7) فضل اللّه القرآن و العلم بتأويله و رحمته توفيقة لموالاة محمد و آلهالطاهرين عليهم السلام و معاداة أعدائهم...(8) ثم قال صلى الله عليه و آله وسلم: يرفع اللّه بهذا القران و العلم بتأويله و بموالاتنا أهل

ص: 60


1- . تفسير الصافى ج1 / 12؛ الكافى ج1 / 228؛ شرح نهج ابن أبى الحديد ج8 / 46
2- . الكافى ج1 / 213؛ بصائر الدرجات ج1 / 204
3- . البحار ج2 / 92؛ بصائر الدرجات ج1 / 11؛ الكافى ج1 / 32؛ من لا يحضره الفقيه ج4 / 578
4- . تفسير العياشى ج1 / 15؛ مناقب ابن شهر آشوب ج3 / 44
5- . آل عمران / 7
6- . وسائل الشيعه ج18 / 132؛ بصائر الدرجات ج1 / 203
7- . يونس / 58
8- . تفسير الامام عليه السلام / 15؛ البحار ج1 / 217

البيت و التبرى من أعدائنا أقواما فيجعلهم فى الخير قادة أئمة فى الخير...(1) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: انما أتخوف على امتى من بعدى ثلاث خصال: ان يتاولوا القرآن على غير تأويله أو يتبعوا زلة العالم أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا...(2) قال أبوعبداللّه عليه السلام: ... و لا قادرين عليه و لا على تأويله الا من حده و بابه الذى جعله اللّه له فافهم انشاء اللّه...(3) فى حديث الإحتجاج فى وجوه التفسير الى أربعه أقسام...

عن ابن عباس: ... و أما الذى تعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه و فروع الأحكام.(4) عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ... اياك ان تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء فانه رب تنزيل يشبه بكلام البشر و هو كلام اللّه و تأويله لايشبه كلام البشر، كما ليس شى ء من خلقه يشبهه كذلك لايشبهه فعله شيئاً من أفعال البشر ولايشبه شى ء من كلامه بكلام البشر فكلام اللّه تبارك و تعالى صفته و كلام البشر أفعالهم فلاتشبه كلام اللّه بكلام البشر فتهلك و تضّل، قال فرّجت عنى فرج اللّه عنك و حللت عنى عقده فعظم اللّه أجرك يا أميرالمؤمنين عليه السلام.(5)

ص: 61


1- . البحار ج1 / 217؛ تفسير الامام / 16
2- . البحار ج2 / 42؛ الخصال ج1 / 164
3- . البحار ج92 / 100؛ وسائل الشيعة ج27 / 198
4- . البرهان ج4 / 533؛ رياض السالكين ج5 / 440
5- . البحار ج90 / 137؛ نورالثقلين ج3 / 352

حذف الحقائق من بطون القرآن فى انكار شئونات الولائية

قال اللّه تعالى: «يحرفون الكلم عن مواضعه»(1) لا شبهة بعد بناء العقلاء على حجية الظواهر و انّها حجة بالسيرة المستمرة العقلائية لانتقال المرادات عن ظواهر القرآن، ولكن كلام اللّه لا يشبه كلام البشر له ظهراً و بطناً و تنزيلاً و تأويلاً و فيه دقائق و حقائق و رموزاً و اشارات يعلمها الراسخون و العالمون الحاملون له ولكن هذه الامة كسائر الامم السالفة الذين تغيروا كتب الأنبياء كالتوراة و الإنجيل فبدلوا و حرّفوا القرآن من موضعه و سرّ تبديلهم و تحريفهم اياه ما هو السرّ فى تغيير الامم السابقة ما يضرّ بدنياهم و سلطنتهم.

و لايخفى: ان للقرآن ظهراً و بطناً و فيه اشارات و كنايات و رموز التى استدل المعصومين عليهم السلام بها على حقانيتهم و حفظ شئونهم و مراتبهم فلو كان على ظهر واحد من دون تأويل، أيسر لهم على حذف الحقائق الباطنية و ما كان منه المقصود فى مكنونه من إبلاغ ولاية محمد و آل محمد عليهم السلام و فى هذا النوع من التكلم أصدق شاهد على حقانية القرآن و بلاغته و اعجازه لإثبات أمر الولاية لمن كان له أدنى

ص: 62


1- . النساء / 46

دراية، نعم ان الأصل عدم التغيير فى القرآن لانّ اللّه تعالى يقول «انّا نحن نزّلنا الذكر و انّا له لحافظون»(1) و قال أيضاً «انّ علينا جمعه و قرآنه ثم انّ علينا بيانه».(2) فبما ان اللّه يعلم سوء اختيار امة محمد صلى الله عليه و آله وسلمفى تحريف الكتاب و تبديلهم ما هو المقصود من عنوانه و حفظ حدوده فى وصيّه، جعل فى ظاهر القرآن رموزاً و دقائق و حروفاً تناسب بأمر الولاية، بحيث لو أظهرها العالم بجميع مراتبه و معانيه أنكروها و بها انكشف تلك الحقيقة، و لبان حقانيتهم و من جانب لو بيّن اللّه جميع محامدهم فى الظاهر دون الباطن لأسقطوها و غيّروها بالكلية.

و قد قال اللّه تعالى: «لتركبن طبقاً عن طبق»(3) و قال اللّه تعالى: «سنة اللّه التى قد خلت من قبل و لن تجد لسنة اللّه تحويلاً».(4) فبذلك لم يبق فى القرآن فيما ورد فى منزلتهم فضل ظاهر الّا حرّفه الناس و لذا جعل فضائلهم فى بطونه و مكنونه بحيث لايطلع عليه المعاندون و المنكرون لحقوقهم، فيسقطونها و يغيرونها، فمع ذلك دسسوا ليلاً و حروفوه و بدّلوه و من هذه الموارد حذف بعض ظواهر التنزيل و بواطن التأويل و الشاهد على ذلك مضافاً الى الآيات نحو «يحرفون الكلم عن مواضعه».(5)

ص: 63


1- . يوسف / 12
2- . القيامة / 18 / 19
3- . الانشقاق / 19
4- . الفتح / 23
5- . المائدة / 13

و قول اللّه تعالى: «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللّه».(1) عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ... و انّما جعل اللّه تبارك و تعالى فى كتابه هذه الرموز التى لايعلمها غيره و غير أنبيائه و حججه فى أرضه لعلمه بما يحدثه فى كتابه المبدّلون من اسقاط حججه منه و تلبيسهم ذلك على الامّة ليعينوهم على باطلهم، فأثبت به الرموز و أعمى قلوبهم و أبصارهم لما عليهم فى تركها و ترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه، و جعل أهل الكتاب القائمين به و العالمين بظاهره و باطنه من شجرة «أصلها ثابت و فرعها فى السماء...»(2) و لو علم المنافقون لعنهم اللّه ما عليهم من ترك هذه الآيات التى بيّنت لك تأويلها، لأسقطوها مع ما اسقطوا منه ولكن اللّه تعالى اسمه، ماض حكمه بايجاب الحجة على خلقه... فتركوه بحاله و حجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله فالسعداء ينتهون عليه و الأشقياء يعمون عنه و «من لم يجعل اللّه له نوراً فما له من نور...»(3) عن أبى جعفر عليه السلام: لولا انّه زيد فى كتاب اللّه أو نقص منه ما خفى على ذى حجى و لو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن.(4) و الشواهد على تلك الامر كثيرة:

منها ما جاءت فى كيفية جمع القرآن من الخاصة و العامة و

ص: 64


1- . البقرة / 79؛ البحار ج30 / 187
2- . ابراهيم / 24
3- . النور / 24؛ البرهان ج4 / 539؛ البحار ج24 / 195 و ج90 / 119؛ الاحتجاج ج1 / 252
4- . تفسير العياشى ج1 / 13

تحريفهم و تبديلهم و حذفهم على غير ما بينه الله بلسان الوحى.

قال على عليه السلام: ... و لو شرحت لك كل ما اسقط و حرّف و بدّل مما يجرى هذا المجرى لطال و ظهر ما تحظر التقية اظهاره من مناقب الأولياء و مثالب الأعداء.(1) عن الباقر عليه السلام قال: ان ظهر القرآن الذين نزل فيهم و بطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم.(2)

ص: 65


1- . البرهان ج5 / 539؛ الاحتجاج ج1 / 254؛ نورالثقلين ج1 5438
2- . تفسير العياشى ج1 / 11

طرح الفصاحة و البلاغة فى كتمان أمر الولاية

ان اللّه تعالى عرّف نفسه لخلقه فى كلامه و كتابه، فهو يكون فى جامعيته بأعلى درجة الاعتبار و الصلاحية لجميع مراتب الخلقة و هداية الامة فهو كتاب الحكمة و القانون و الحقوق و الأخلاق و الشريعة و... و قد أقر بذلك نوابغ ادباء العرب فى طول التاريخ بانه لايكون كلاماً أعلى و أبلغ و أفصح منه و قد تحدى به القرآن حيث يقول «قل لئن اجتمعت الانس و الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله»...(1) فالقرآن بظاهره و باطنه فى أعلى درجة الفصاحة و البلاغة و قد عجز الخلائق ان يأتون و يتحدّون بآية مثله ولكن لما لم يكن فى كلام أحد من المعصومين ذكر و أثر لفاصحته و بلاغته فلا مجال لطرح تلك الفصاحة و البلاغة الّا فى كتمان أمر الولاية، و نحن نعلم يقيناً بانّه نور و شفا و هداية للعالمين اذا كان مبيّنه و مفسّره و مأوله محمد و آل محمد عليهم السلاملان جميع معالمه من ظاهره و باطنه، محكمه و متشابهه تنزيله و تأويله عندهم، و هم المدعون لمعارفه و علومه، كما هو حقه،

ص: 66


1- . الأسراء / 88

و هم المهديّون و الهادون بحقائقه فهم أدرى بحقيقة القرآن حيث و قد أنزل اللّه القرآن فى بيوتهم، و الا يفسّره و يؤوّله على رأيه من كان صفته الشيطنة و يتخذ منه المناقضات من حواه التظليل و الزندقة أو يدعى فصاحته و بلاغته لكتمان امر الولاية.

فظهر لنا ان أعداء محمد و آل محمد عليهم السلام و منكرى فضائلهم لما كانوا بصدد محو آثارهم و اختفاء مراتبهم انهم محتاجون أكثر الى اثبات تلك الفصاحة و البلاغة للقرآن حيث احسّوا شدة احتياجهم لوسائسهم، لتسدوا بذلك عن الجلوس الى أبواب العصمة و الطهارة و أخذ معارف القرآن و علومه عنهم، و ذلك الأمر من أعظم العناد و الكفر بالقرآن و الالحاد بهم و بولايتهم حتى اعلنوا ذلك عند رأس النبى بقوله (حسبنا كتاب اللّه) و قد أظهروا النفاق و العناد عند غصبهم الخلافة و منعهم آثار النبى صلى الله عليه و آله وسلم و ما جاء القرآن فى حقهم من تنزيله و تأويله.

و قد جرى بذلك الأمر حتى شاع التحدى و سدوا أبواب أهل بيت العصمة و معدن علوم النبوية و فتحوا أبواب الظلمة من نحو قتادة و أبوحنيفة و من جرى مجريهم ليمنعوا عن الرجوع الى بيوت محمد و آل محمد عليهم السلام و أخذ المعارف القران عنهم...

عن الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام: ثم ان اللّه جل ذكره بسعة رحمته و رأفته بخلقه و علمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسماً منه يعرفه العالم و الجاهل و قسماً

ص: 67

لايعرفه الا من صفا ذهنه و لطف حسه و صح تميزه ممن شرح اللّه صدره للاسلام و قسماً لايعرفه الا اللّه و أمنائه الراسخون فى العلم و انما فعل اللّه ذلك لئلا يدّعى أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعل اللّه لهم و ليقودهم الاضطرار الى الأيتمار لمن ولاهم أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززاً وافتراءً على اللّه عزوجل و اغتراراً بكثره من ظاهرهم و عاونهم و عاندوا اللّه جل اسم و رسوله...

و لو ذكر اسمه فى الكتاب لأسقط مع ما أسقط ذكره و هذا و ما أشبهه و ما يراد لهم فى تأويلاته هذا و ما أشبهه من الرموز التى ذكرت لك بثبوتها فى الكتاب ليجهل معناها المحرفون فيبلغ اليك و الى أمثالك...(1) فى خطبة لأميرالمؤمنين عليه السلام: ... و اعلم ان الراسخين فى العلم هم الذين أغناهم اللّه عن الاقتحام فى السدد المضروبه دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمّنا به كل من عند ربنا فمدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول مالم يحيطوا به علماً(2) و سمّى تركهم التعمق فى حاله مالم يكلّفهم البحث عنه منهم رسوخاً فاقتصر على ذلك و لاتقدر عظمة اللّه على قدر عقلك فتكون من الهالكين.(3)

ص: 68


1- . الاحتجاج ج1 / 253؛ نورالثقلين ج1 / 767
2- . البحار ج 92 / 110
3- . التوحيد / 55؛ نهج البلاغه صبحى / 55؛ الكافى ج8 / 394

سرّ وجود الآيات المتشابهات فى القرآن

قال اللّه تعالى: «منه آيات محكمات هنّ ام الكتاب و اخر متشابهات».(1) انّ اللّه تعالى بعث رسوله بالحق و ختم النبوة به و أنزل عليه الكتاب الذى منطوياً فيه جميع الحقائق و المعارف و الحدود و الأحكام، فجعل فيه الآيات الظاهرة و الباطنة و الناسخة و المنسوخة و العام و الخاص و المحكم و المتشابه، و حيث ان النبى صلى الله عليه و آله وسلم لم يتمكنه ابلاغ جميع ذلك فى المدة القليل من ابلاغه، أودع علمه الى وصيه و أمر الامة باتباعه و هداية القران و حث الناس بالتمسك بهما.

و اللّه تعالى و رسوله يعلم الانحراف من امته و تركهم وصيته فى وصيه فجعل اللّه سبحانه لهداية الناس ظاهر كتابه مشتملاً على المتشابه الذى لايعلمه الا اللّه و الراسخون فى العلم، لالجائهم الى الإقرار و الاعتراف بولاية أوليائه و الرجوع اليهم فى معالمه، فبذلك وجب عليهم الرجوع الى خزنة الوحى و أبواب العلم الذين أمرهم اللّه باتباعهم ولكنهم أعرضوا عنهم و تركوا من كان عارفاً و عالماً بإرجاع

ص: 69


1- . آل عمران / 7

المتشابه الى المحكم فقال اللّه تعالى فيهم «و لو ردوا الى الرسول و اولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم».(1) و لو كان القرآن كله محكماً و اكتفوا بظاهره و لم يرجعوا الى من وضعه اللّه لهدايتهم لهلكوا و اهلكوا و قد احتج المعصوم عليه السلام عليهم بانّهم محتاجون لمعرفة القرآن اليهم لانّهم أهل بيت الوحى و التطهير و عندهم معدن التنزيل و التأويل فوجود المتشابه يستدعى النظر حولها بوجوب الرجوع الى العالم بها، اذ لو كان محكماً كله لم يكن موجباً للتأمل و ارجاع علمها الى صاحبها، و من جانب لو كان أخذ المتشابه جائزاً يوجب فرار الناس لتوجيه مذاهبهم و مسالكهم، و يتمسك كل فرقة على حقانية مذهبه بكل مشتبه و فيها اغراء بالجهل و تحريف الحقائق و اختلاف فى المذاهب و حذف الحقائق القرآنية و إنسداد باب الوحى و الولاية و معظمها نفوذ المكاتب المختلفة لتوجيه مرامهم فى تأويلات كلامهم.

فى تفسير النعمانى عن الصادق عليه السلام... و انّما هلك الناس فى المتشابه لانّهم لم يقفوا على معناه و لم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم و استغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء.(2) قال الرضا عليه السلام من ردّ متشابه القرآن الى محكمة فقد هدى الى صراط مستقيم.(3)

ص: 70


1- . النساء / 83
2- . وسائل الشيعة ج18 / 148؛ البحار ج90 / 12
3- . العيون ج1 / 290؛ وسائل الشيعة ج27 / 115

سرّ عداوة المعاندين مع تأويلات القرآن

لاشبهة بان أعظم الحقائق التى لايصل العبد الى منتهى درجات العبودية الا بها، هى معرفة محمد و آل محمد عليهم السلام و ولايتهم و قد أوضحه النبى فى ظاهر القرآن و باطنه و لايخفى بانّ الذى أخبر به المرسلون و زين به الكتب و تدعوا الامم به هو ذلك الحق و ما يتعلق بشئونه ولكن الظَلَمة و أعداء الدين بعداوتهم و جسارتهم على صاحب الشريعة باعتقادهم الفاسدة الكفرية و مجعولاتهم المنحرفة المبنية على الكذب و السوء والباطل بصدد تحكيم إنحرافاتهم فى تأويلاتهم الباطلة و تدليساتهم الإبليسية عند تكذيبهم النبى و وصيه.

فقال اللّه تعالى فى حقّهم «و كذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس و الجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا».(1) فلأعداء الدين كتاباً باطنياً بنوا عليه جميع تعدّياتهم يدرسون و يتعلمون منتهى كفرهم منه، الذى استحكم بنيانه شياطين الإنس و الجن «... على شفا جُرُف هار فانهار به فى نار جهنم».(2) قال أبوجعفر عليه السلام: ... فلو سئل ولى الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطاناً

ص: 71


1- . الأنعام / 112
2- . التوبة / 109

أخبرك بكذا و كذا حتى يفسر له تفسيراً و يعلّمه الضلالة التى هو عليها...(1) ذلك الكتاب الباطل بعد تنزله فى القرون الماضيه مملوّة أوراقه بالمجعولات و المكذوبات الابليسيّة المؤسسة على القياسات الكفرية و الباطل و السوء و الفحشاء الظاهرة و الباطلة و ظهوره فى معارضات الخلفاء الثلاثة ظاهره(المشحونة بالعناد) لتحكيم رسوماتهم الجاهلية.

فهم من أول الأمر بصدد محو آثار النبوة، الحاكية من تمامية كفرهم خصوصاً حين طلب النبى صلى الله عليه و آله وسلم لتدوين كتاب لتحكيم أمر الإمامة و الخلافة من بعده فقال لعنة اللّه عليه معترضاً (حسبنا كتاب اللّه).

و ان أردت ان تعلم تمامية عداوتهم و كفرهم فانظر بما جرى منهم بقتل السيدة الطاهرة فاطمة عليهاالسلام و ابنها محسن عليه السلام و فى قضية غصب الخلافة والفدك و هلمّ جرى...

فبالجملة انّهم بتمامية عداوتهم و خباثة سريرتهم بصدد محو آثار الأنبياء سيّما خاتمهم عند كتمان علومه بظاهره و باطنه، بحيث أمروا بإحراق الكتب و الأحاديث و القرآن و نشر آثار الجاهلية و اليك ما يدلّ على ذلك.

منها: ما فى قضية أبى هريره حيث خالف الثانى لعنة اللّه عليه مع النبى عند القاء كلمة التوحيد، فضرب على صدر أبى هريره...

ص: 72


1- . الكافى ج1 / 253؛ البرهان ج5 / 709

منها: قال انّ على أحاديث عن رسول اللّه، فقال: انّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب، فأنشد الناس ان يأتوه بها فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها.(1) منها: عن عمرلعنة اللّه عليه يقول: جردوا القرآن و لاتفسروه و أقلوا الرواية عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم و انا شريككم.(2) منها: ان عمر بن الخطاب لعنة اللّه عليه أتى النبى بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب (مررت بأخ لى من يهود) فقرأه على النبى، فغضب، فقال: أمتهوكون فيها يابن الخطاب و الذى نفسى بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيه لاتسألوهم عن شى ء فيخبروكم بحق، فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به و الذى نفسى بيده لو ان موسى كان حياً ما وسعه الا ان يتبعنى.(3) منها: كان عمر كتب الى أهل الكوفة لاتسمّوا أحداً بإسم نبى و أمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمّين بمحمد...(4) فبالحقيقة ما أرادوا من تلك الأفعال الشنيعة و المعارضات الكثيرة مع ظاهر القرآن و آثار النبى و أوصيائه و باطنه الا الإهانة و الهتك بالأحاديث النبوية فليس مرادهم من ذلك الا شدة علاقتهم لتثبيت رسومات الجاهلية و آثار الضلالة...

ص: 73


1- . ابن سعد فى طبقاته ج5 / 14 / 188؛ فى مقدمة الوسائل الشيعة / 10
2- . ابن أبى الحديد فى شرح النهج ج3 / 120 و ج12 / 93
3- . أحمد فى مسنده ج3 / 387؛ ابن سعد فى طبقاته ج2 / 41؛ سيوطى فى الدر المنثور ج2 / 48؛ مجمع الزوائد ج1 / 42 ح150؛ حلية الأبرار ج1 / 323
4- . عمدة القارى ج7 / 143؛ الغدير ج6 / 309

ان عمر لعنه اللّه قال على المنبر ما تقولون فى قوله تعالى «أو يأخذهم على تخوف»(1) فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، فقال هذه لغتنا، التخوّف، التنقّص قال: فهل تعرف العرب ذلك فى أشعارنا، قال: نعم... فقال عمر أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل، قال: و ما ديوانكم قال شعر الجاهلية فانّ فيه تفسير كتبكم و معانى كلامكم.(2) قال معاوية لعنه اللّه بعبد اللّه بن عباس...، فانّا قد كتبنا فى الآفاق، ننهى عن ذكر مناقب على و أهل بيته عليهم السلام، فكفّ لسانك، فقال: يا معاوية أتنهانا عن قرائة القرآن؟ قال: لا، قال: أتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم، قال: فنقرأه و لانسأل عمّا عنى اللّه به؟ ثم قال: فأيّهما اوجب علينا قرائته أو العمل به؟ قال: العمل به، قال: كيف نعمل به و لانعلم ما عنى اللّه؟ قال سل عن ذلك من يتأوّله غير ما تتأوّله أنت و أهل بيتك! قال: انّما أنزل القرآن على أهل بيتى فاسأل عنه آل أبى سفيان يا معاوية؟! أتنهانا ان نعبد اللّه بالقرآن بما فيه من حلال و حرام، فان لم تسأل الامة عن ذلك حتى تعلم تهلك و تختلف، قال: اقرؤا القرآن و تأوّلوه و لاترووا شيئاً مما أنزل اللّه فيكم و ارووا ما سوى ذلك قال: فانّ اللّه يقول فى القرآن «يريدون ان يطفئوا نور اللّه بأفواههم و يأبى اللّه الا ان يتمّ نوره»(3) قال: يا ابن عباس اربع على نفسك و كفّ لسانك و ان كنت لابدّ فاعلاً فليكن ذلك سرّاً لايسمعه أحداً علانية ثم رجع الى بيته

ص: 74


1- . النحل / 47
2- . الغدير ج6 / 321؛ تفسير البيضاوى ج1 / 667؛ تفسير القرطبى ج 10 / 110؛ تفسير الكشاف ج2 / 165
3- . التوبة / 32

فبعث اليه بمأة ألف درهم و نادى منادى معاوية ان قد برئت الذمة ممن روى حديثاً فى مناقب على و فضل أهل بيته، و كان أشد الناس بلية أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة...(1)

ص: 75


1- . الإحتجاج ج2 / 294؛ البحار ج44 / 123 ح16

سرّ مراتب القرآن لإثبات حقانية البواطن

عن جابر قال سئلت أباجعفر عليه السلام: عن شى ء فى تفسير القرآن فأجابنى ثم سئلته ثانية فأجابنى بجواب آخر... فقال: يا جابر انّ للقرآن بطناً و للبطن بطناً و ظهراً و للظهر ظهراً، يا جابر، ليس شى ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، يا جابر ان الآية لتكون أولها فى شى ء و آخرها فى شى ء و هو كلام متصل ينصرف على وجوه.(1) و فى رواية: فلاتكوننّ ممن يقول لشى ء انّه فى شى ء واحد.

لا يخفى بانّ للقرآن مراتب و بواطن كثيرة و ارتباط تام بين العناوين الظاهرية مع بواطنها ولكن ما السرّ لتلك الرابطة بينهما؟! لا يخفى عليك كما ان الأغذية ظاهره فى نماء الأبدان فكذلك غذاء الروح أيضاً متوقفة على متابعة الأنبياء و الأوصياء و علومهم بظاهرها و باطنها فكما انّ الماء سبب لإحياء الجماد و النبات و الإنسان، فكذلك بوجود الأنبياء و الأوصياء و هداياتهم و إرشادهم تحيى القلوب الميتة.

فبالجملة: كلما كان فى ظاهر القرآن الأمر بإجتناب الخبائث نحو

ص: 76


1- . تفسير البصائر ج50 / 582؛ المحاسن ج2 / 300؛ تفسير العياشى ج1 / 11؛ وسائل الشيعة ج27 / 192

الخمر و الميتة و الدم ففى باطنها أيضاً يأمر بإجتناب رؤساء تلك الرزائل و الخبائث، اذ تلك الرابطة من الامور العقلائية و سيأتى التنبيه على ذلك فى رواية مولانا الصادق عليه السلام.

لاشبهة بانّ محمداً و آل محمد عليهم السلام هم المقصودون فى الخلقة و هم الغرض الأقصى لها و الخلق لأجلهم خلقوا و بهم رزقوا.

ثم يعلم و يعرف بانّ جميع حدود القرآن و الدين من الامور العبادى و الإجتماعى و الأخلاقى و الإقتصادى و السياسى و جميع المحسنات و الخيرات الشرعى و العقلى و الخلقى و الخُلقى لايصل العبد اليها الا بمعرفة من هو حقيقة تلك الامور به و لأجله، اذ لولا الأنبياء و الأوصياء لم يكن لتلك المعانى عين و لا أثر فيعرف ان لا تكون معنى لتلك الحقائق الا بواسطة محمد و آل محمد عليهم السلام.

فيعرف كمال الإرتباط بين ظواهر الشرع و الكمالات و الخيرات مع بواطنها بأدنى تأمل.

فيجد كما ان للخيرات و الكمالات و المحسنات بمعناها الكامل رابطة مع أساسها و أصولها فكذلك يجد بان ليس لتلك العقيدة بدون العمل بكل ما جاء به الأنبياء نفع و فائدة اذ الظاهر طريق الوصول الى الواقع و الباطن و لا ريب انّ تلك الباطن هو حقيقة محمد و آل محمد عليهم السلام.

كتب المفضل الى أبى عبداللّه عليه السلام و سئله... فبلغك انّهم يزعمون انّ الدين انّما هو معرفة الرجال ثم بعد ذلك اذا عرفتهم فاعمل ما شئت و ذكرت انّك قد عرفت ان أصل الدين معرفة الرجال فوفقك اللّه و

ص: 77

ذكرت انّه بلغك انّهم يزعمون ان الصلوة و الزكوة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الشهر الحرام هو رجل و ان الطهر و الإغتسال من الجنابة هو رجل و كل فريضة افترضها اللّه على عباده هو رجل و انّهم ذكروا ذلك بزعمهم من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه به من غير عمل و قد صلى و آتى الزكوة و صام و حج و اعتمر و إغتسل من الجنابة و تطهّر و عظم حرمات اللّه و الشهر الحرام و المسجد الحرام و انّهم ذكروا ان من عرف هذا بعينه و بحدّه و ثبت فى قلبه جاز له ان يتهاون فليس له ان يجتهد فى العمل و زعموا انّهم اذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها و انّهم لم يعملوا بها و انّه بلغك انّهم يزعمون ان الفواحش التى نهى اللّه عنها الخمر و الميسر و الربا و الدم و الميتة و لحم الخنزير هو رجل... يزعمون ان لهذا ظهراً و بطناً يعرفونه فالظاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم و الباطن هو الذى يطلبون و به أمروا بزعمهم... كتبت تسألنى عن قولهم فى ذلك أحلال هو أم حرام و كتبت تسألنى عن تفسير ذلك و أنا أبينه حتى لاتكون فى ذلك فى عمى...

و أخبرك انّ هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله و لم يعطوا فهم ذلك و لم يعرفوا حدّ ما سمعوا فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم... ولكنهم حرّفوها و تعدوا و كذّبوا و تهاونوا بأمر اللّه و طاعته ولكنى أخبرك... انّ اللّه حدّها بحدودها لئلا يتعد حدوده أحد فأخبرك بحقائق، ان اللّه تعالى أختار الإسلام لنفسه ديناً فرضى من خلقه فلم يقبل من أحد الّا به...

ص: 78

فأفضل الدين معرفة الرسل و ولايتهم و أخبرك ان اللّه أحل حلالاً و حرم حراماً الى يوم القيامة، فمعرفة الرسل و ولايتهم و طاعتهم هو الحلال، فالمحلل ما أحلوا و المحرم ما حرموا و هم أصله و منهم الفروع الحلال و ذلك شعبهم، فمن فروعهم أمرهم شيعتهم و أهل ولايتهم بالحلال من أقام الصلوة و ايتاء الزكوة و صوم شهر رمضان و حج البيت و العمرة و تعظيم حرمات اللّه و شعائره و مشاعره و الطهور و الإغتسال من الجنابة و مكارم الأخلاق و جميع البر و ذكر اللّه...

فعدوّهم هم الحرام المحرّم و أوليائهم هم الداخلون فى أمرهم الى يوم القيامة، فهم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الخمر و الميسر و الزنا و الربا و الدم و الميتة و لحم الخنزير فهم الحرام المحرّم و أصل كل حرام، و هم الشرّ و أصل كل شرّ و منهم فروع الشرّ كله، و من ذلك الفروع الحرام و استحلالهم اياها، و من فروعهم تكذيب الأنبياء و جحود الأوصياء و ركوب الفواحش و ركوب المحارم كلها و انتهاك المعاصى و انّما أمر اللّه بالعدل و الإحسان و ايتاء ذى القربى يعنى مودة ذى القربى و ابتغاء طاعتهم و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى و هم أعداء الأنبياء و أوصياء الأنبياء و هم المنهى عن مودّتهم و طاعتهم و أخبرك انى لو قلت لك ان الفاحشة و الخمر و الميسر و الزنا و الميتة و الدم و لحم الخنزير هو رجل و أنا أعلم ان اللّه قد حرّم هذا الأصل و حرم فرعه و نهى عنه و جعل ولايته كمن عبد من دون اللّه وثناً و شركاً و من دعا الى عبادة نفسه فهو كفرعون اذ قال أنا ربكم الأعلى، فهذا كله على وجه ان شئت قلت هو رجل و هو الى جهنم و

ص: 79

من شايعه على ذلك فافهم مثل قول اللّه «انّما حرّم عليكم الميته و الدم و لحم الخنزير»لصدقت.

ثم لو انّى قلت ان فلاناً ذلك كله لصدقت، ان فلاناً هو المعبود المتعدى حدود اللّه التى نهى عنها ان يتعدى، ثم انّى أخبرك ان الدين و أصل الدين هو رجل و ذلك الرجل هو اليقين و الإيمان و هو إمام امته و أهل زمانه، فمن عرفه عرف اللّه و من أنكره أنكره اللّه و دينه و من جهله جهل اللّه و دينه و حدوده و شرايعه بغير ذلك الإمام و ذلك جرى بانّ معرفة الرجال دين اللّه... و أخبرك انى لو قلت ان الصلوة و الزكوة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الطهور و الإغتسال من الجنابة و كل فريضة كان ذلك هو النبى الذى جاء به عند ربه لصدقت، لانّ ذلك كله انّما يعرف بالنبى و لولا معرفة ذلك النبى و الإيمان به و التسليم له ما عرف ذلك... فهذا كلّه ذلك النبى و أصله و هو فرعه و هو دعانى اليه و دلّنى عليه و عرفنيه و أمرنى به و واجب علىّ له الطاعة فيما أمرنى به لايسعنى جهله و كيف يسعنى جهله من هو فيما بينى و بين اللّه... و كيف لايكون ذلك معرفة الرجل و انما هو الذى جاء به عن اللّه و انما أنكر الدين من أنكره...

ان اللّه تبارك و تعالى انّما أحبّ ان يعرف بالرجال و ان يطاع بطاعتهم فجعلهم سبيله و وجهه الذى يؤتى منه لايقبل اللّه من العباد غير ذلك لايسئل عما يفعل و هم يسئلون، فقال فيما أوجب من

ص: 80

محبته لذلك الرجل «من يطع الرسول فقد أطاع اللّه».(1) فمن قال لك انّ هذه الفريضة كلها انّما هى رجل و هو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق، و من قال على الصفة التى ذكرت أنت بغير الطاعة لايعنى التمسك فى الأصل بترك الفروع لاتعنى بشهادة ان لا اله الا اللّه بترك شهادة انّ محمداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم و لم يبعث اللّه نبياً قط الا بالبر و العدل و المكارم و محاسن الأعمال و النهى عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، فالباطن منه ولاية أهل الباطل و الظاهر منه فروعهم، و لم يبعث اللّه نبياً قط يدعوا الى معرفة ليس معها طاعة فى أمر و نهى، فانّما يقبل اللّه من العباد العمل بالفرائض التى إفترضها اللّه على حدودها مع معرفة من جائهم به من عنده و دعاهم اليه، فأول من ذلك معرفة من دعا اليه ثم طاعته فيما يقربه اليه من الطاعة له و انه من عرف أطاع و من أطاع حرّم الحرام ظاهره و باطنه و لايكون تحريم الباطن و استحلال الظاهر انّما حرّم الظاهر بالباطن و الباطن بالظاهر معاً جميعاً و لايكون الأصل و الفروع و باطن الحرام حرام و ظاهره حلال و لايحرم الباطن و يستحل الظاهر و كذلك لايستقيم ان يعرف صلوة الباطن و لا الزكوة و لا الصوم و لا الحج و لا العمرة و لا المسجد الحرام و جميع حرمات اللّه و شعائره و ان ترك معرفة الباطن...(2)

ص: 81


1- . النساء / 80
2- . بصائر الدرجات ج1 / 532؛ البحار ج24 / 287

سرّ دقائق القرانية و رموزها لتبيين شئونات الولائية

لاشبهة لمن هو عارف بشئونات الأئمة المعصومين محمد و آله الطيبين الطاهرين عليهم السلام و المتبحّر الذى أسنّ على أمر الولاية و المفسّر المتدبّر فى القران و الرواية اذا توجّه الى رموز آيات الكتاب و دقائقه يتوجّه الى ذكر نكات و دقائق تناسب بأمر الولاية و شئوناتها و مقاماتها التى لاتعطيل لها فى كل مكان و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فعليه النظر الى ترتّب تلك الدقائق المأخوذة من ظاهر الكتاب و تنزيله و تأويله و التأمل فى بيان سرّ التقديم و التأخير و الذكر و الحذف و علة الافراد و التثنية و الجمع و التعريف و التذكير و سائر وجوه الحصر و التقييد و العام و الخاص و المطلق و المقيد و غير ذلك الواردة فى ظاهر الكتاب و سياقها و تفسيرها و ارتباطاتها لتلك الجهات مع تنزيلاتها لشئونات الأئمة الأطياب و مراتبهم و عليه ان يتأمل فى ظاهر القرآن بتلك الجهات و النظر فى معانيه والارتباط بينها حتى تستفاد منها مراتب محمد و آل محمد عليهم السلامو عليه ان يعرف سرّ خلقة جميع العوالم و الموجودات على المعرفة و العبودية و لا وسيلة و لا طريق لتلك المعرفة الا بمعرفة أوليائه محمد و آل محمد عليهم السلام.

ص: 82

و للمؤمن بذلك ان ينظر و يتدبر فى القرآن بان جميع ما ورد فى الكتاب المبين المتوجه الى المكلفين له ظاهر متين و باطن عميق و ليس الوصول لذلك الباطن الا بهذا الظاهر البليغ، و لايرقى العبد الممتحن الى درجات الإيمان الا بمعرفة تلك الحقائق القويم.

فبما انّ مسير تلك المعرفة و الوصول لتلك الحقيقة لا يمكن الا بواسطة أنبيائه و أوصيائه، لانّ القرآن نزل فى بيوتهم و هم المفسّرون المؤولون و المبينون لحدوده بظاهره و باطنه و... فمسير معرفة اللّه و معرفه تلك الحقائق أيضاً فى معرفة محمد و آل محمد عليهم السلام عن كتاب اللّه و ما بيّنه النّبى صلى الله عليه و آله وسلم و الائمة المعصومين عليهم السلام.

فعليه ان يشعر و يفهم ان كل آية من كتاب اللّه لجامعيته لأحكام الدين فى آدابه و مواعظه و مواعده من سننه و أحكامه و تفسيره و تنزيله و تاويله بسبب تلك المراتب فى القرآن من سرّ التقديم و التأخير و العلل المختلفة فى ظاهره و باطنه بأجمعها مشعرة و ناظرة الى بيان حقيقة واحدة و هو تبيين ما هو المقصود من خلقة الموجودات و الغرض الأقصى من إنزال الكتب و إرسال الرسل و هو التوجه الى معرفة أوليائه و هم المصداق الأتم و ميزان لجميع معارف القرآن و حدوده، و هم المقصودون بذلك القرآن المشهود و هم الكتاب المبين الجامع و ام الكتاب الحقيقى الباطنى الذى لايمسّه الا المطهّرون و بتلك الحقيقة يعلم و يرتفع المناقضات المموّهة لدى غير العارف بتلك الجهة.

ص: 83

فبهذه الجهة: علينا أخذ معارف الكتاب ظاهره و باطنه، تنزيله و تأويله عنهم فالمفسّر له ان يتدبر فى معارف القرآن و النظر فى الآيات و التفكر فى معانيه و رموزه نظراً دقيقاً عميقاً ليصل الى تلك الحقيقة لتبيين تلك الظرائف الملتفّة فى وجوه القرآن ظاهره و باطنه و لمّا لم يكن للقرآن نقص و لا خلاف فى إعجازه يظهر تلك الأسلوب لحقانية تلك الحقيقة و ما هو المقصود من إنزال الكتب و إرسال الرسل و جامعيته.

و الشاهد على ذلك ما قال الامام عليه السلام... و أمّا ما أراك من الخطاب بالإنفراد مرة و بالجمع مرة من صفة البارى جل ذكره فانّ اللّه تعالى على ما وصف به نفسه... انّما أراد بالخلق إظهار قدرته... و أجرى فعل بعض الأشياء على أيدى من إصطفى من امنائه فكان فعلهم فعله و أمرهم أمره... و ليجعل ذلك مثالاً لأوليائه و امنائه و عرّف الخليقة فضل منزلة أوليائه و فرض عليهم من طاعتهم مثل الذى فرض منه لنفسه و ألزمهم الحجة بان خاطبهم خطاباً يدل على انفراده و توحّده و بانّ له أولياء تجرى افعالهم و أحكامهم مجرى فعله و عرّف الخلق اقتدارهم على عالم الغيب فهم العباد المكرمون «الذين لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون».(1)

ص: 84


1- . فى البرهان ج4 / 538؛ البحار ج90 / 117

سرّ التسليم فى التفسير أو التأويل الى معرفة النبى و الأئمّة عليهم السلام

انّ القرآن نزل للارشاد الى ولاية محمد و آل محمد عليهم السلامو معرفتهم و الاعلان بحقهم و الإرشاد اليهم و الأمر بطاعتهم و ترك مخالفتهم، ففى الحقيقة وجه الرجوع الى الأئمة عليهم السلام فى مقام التفسير و بيان التأويل هو الأمر بمعرفتهم و الإيقان بفرض طاعتهم، و هو لايمكن للعارف بحدود القرآن الا من حيث واجديته من أئمّة القرآن لا عن زيغ نظره و رأيه و من تلقاء نفسه أو من آراء المجادلين و المحرّفين المنحرفين عن هداية الثقلين لانّهم المقصودون من إنزاله فلذلك أمرنا بالرجوع اليهم فى تفسير القرآن و تنزيله و تأويله و نهانا عن التفسير بالرأى و إعمال النظر بالقياسات الوهمية و الأوهام الظنية و التأويلات المنفية الباطنية.

فلايجوز تفسير القرآن الا بالأثر الصحيح و النص الصريح و هى غير ما يستفاد من اللفظ بحسب القواعد اللغوية و القوانين الأدبية و هى و ان كانت أيضاً حجة بالسيرة القطعية الا ما كان مخالفاً مع العقل الصريح كآيات الدالة على اثبات الجسمية للّه تعالى.

و المراد من التفسير بالرأى المنهى فى الروايات عنه ان يكون

ص: 85

للمفسّر رأى مال اليه بحسب رأيه و نظره و هو سبب لوقوعه فى الخطاء فى مقابل الوحى نحو قوله فى قول اللّه تعالى «اذهب الى فرعون»(1) أى المراد منها الذهاب الى النفس الأمّارة و موسى بالعقل و المصر بالبدن...

و قد قال النبى صلى الله عليه و آله وسلم: من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ.(2) عن النبى صلى الله عليه و آله وسلم من فسر القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار.(3) عن الصادق عليه السلام: ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض الا كفر.

عن الباقر عليه السلام: ويحك يا قتادة ان كنت انما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت و ان كنت أخذته من الرجال فقد هلكت و أهلكت.(4) عن الصادق عليه السلام: من فسر القرآن برأيه ان أصاب لم توجر و ان اخطأ فهو أبعد من السماء.(5) فى تفسير النعمانى... عن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى «فنسوا حظاً مما ذكروا به...»(6) و ذلك انّهم ضربوا بعض القرآن ببعض و احتجوا بالمنسوخ و هم يظنون انه الناسخ و احتجوا بالمتشابه و هم يرون انه المحكم و احتجوا بالخاص و هم يقدرون انه العام و احتجوا بأول الآية

ص: 86


1- . النازعات / 17
2- . وسائل الشيعة ج27 / 205
3- . منهاج البراعة ج6 / 181
4- . الكافى ج8 / 381؛ وسائل الشيعة ج27 / 185
5- . تفسير العياشى ج1 / 17؛ البحار ج89 / 110
6- . المائدة / 14

و تركوا السبب فى تأويلها و لم ينظروا الى ما يفتح الكلام و الى ما يختمه و لم يعرفوا موارده و مصادره ان لم يأخذوه عن أهله فضلوا و اضلوا و اعلموا رحمكم اللّه انه من لم يعرف من كتاب اللّه عزوجل الناسخ من المنسوخ و الخاص من العام و المحكم من المتشابه و الرخص من العزائم و المكى و المدنى و أسباب التنزيل و (عدّ أشياء من شرائط التفسير...) فليس بعالم بالقرآن و لا هو من أهله و متى ادعى معرفة هذه الأقسام مدع بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على اللّه الكذب و رسوله و مأويه جهنم و بئس المصير.(1) عن أبى عبداللّه عليه السلام فى ضمن حديث طويل: ... لايسع أهل علم القرآن الذين آتاهم اللّه علمه ان يأخذوا فيه بهوى و لا رأى و لا مقاييس أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه و خصهم به و وضعه عندهم كرامة من اللّه أكرمهم بها و هم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الامة بسؤالهم...(2) قال أبوعبداللّه عليه السلام: من دان اللّه بغير سماع من صادق ألزمه اللّه البتة الى العناء...(3) عن أبى عبداللّه عليه السلام قال: ان اللّه خص عباده بآيتين من كتابه ان لا يقولوا حتى يعلموا و لا يردّوا ما لم يعلموا قال اللّه عزوجل «ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا على اللّه الا الحق»(4) و قال اللّه عزوجل

ص: 87


1- . البحار ج90 / 3
2- . هداية الأبرار / 159
3- . هداية الأبرار / 150 / 157؛ بصائر الدرجات ج1 / 14؛ الكافى ج1 / 377؛ العيون ج2 / 9
4- . الأعراف / 169

«بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله».(1) عن أبى جعفر عليه السلام: ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا فقولوا اللّه اعلم، أن الرجل لينتزع بالآية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السماء و الأرض.(2) عن الصادق عليه السلام: فأمّا ما سئلت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لانّ القرآن ليس على ما ذكرت و كل ما سمعت فمعناه على غير ما ذهبت اليه، و انّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حق تلاوته و هم الذين يؤمنون به و يعرفونه و أما غيرهم فما أشد اشكاله عليهم و أبعده عن مذاهب عقولهم و لذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم انه ليس شى ء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن و فى ذلك تحيّر الخلائق أجمعون الا من شاء اللّه و انّما أراد بتعميته فى ذلك ان ينتهوا الى بابه و صراطه و ان يعبدوه و ينتهوا فى قوله الى طاعة القوام بكتابه و الناطقين عن أمره و ان يستنبطوا ما احتاجوا اليه من ذلك لا عن أنفسهم ثم قال اللّه تعالى «و لو ردوه الى الرسول و الى اولى الأمر منهم...»(3) فأما غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً و لايوجد و قد علمت انه لا يستقيم ان يكون الخلق كلهم ولاة الأمر لايجدون من يأتمرون عليه و لا من يبلغونه بأمر اللّه و نهيه فجعل اللّه الولاة خواص ليقتدى بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك ان شاء اللّه و اياك و اياك و تلاوة القرآن برأيك فانّ الناس غير مشتركين فى

ص: 88


1- . يونس / 39؛ بصائر الدرجات ج1 / 537؛ الكافى ج1 / 43
2- . الكافى ج1 / 42؛ المحاسن ج1 / 206
3- . النساء / 83

علمه كاشتراكهم فيما سواه من الامور و لاقادرين على تأويله الا من حدّه و بابه الذى جعله اللّه له فافهم ان شاء اللّه و اطلب الأمر من مكانه تجده ان شاء اللّه.(1)

أما آيات المنع فى تفسير القرآن فهى:

قال اللّه تعالى «بل هو آيات بينات فى صدور الذين»(2) و قال اللّه تعالى «و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم»(3) و قال اللّه تعالى «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا»(4) و قال اللّه تعالى «و لو ردّوه الى الرسول و الى اولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»(5)

و أما أخبار المنع فهى:

باب عدم جواز استنباط الأحكام من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها من الأئمّة عليهم السلام.(6) أما الدليل على حجية التدبر فى القرآن و انّه تبياناً لكل شى ء سيأتى الاشارة اليها. نحو قوله تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها».(7)

ص: 89


1- . هداية الأبرار / 161؛ وسائل الشيعة ج27 / 198؛ المحاسن ج1 / 268
2- . العنكبوت / 49
3- . آل عمران / 7
4- . فاطر / 32
5- . النساء / 83
6- . وسائل كتاب القضاء باب 13 ح 82؛ الكافى ج1 / 168 / 242؛ بصائر الدرجات / 951؛ روضة / 269 / 311؛ الكافى ج1 / 168 باب 5 صفات القاضى باب تحريم الحكم بغير الكتاب و السنة.
7- . محمد / 24

ضرورة التسليم لا التفسير بالرأى

لاشبهة بانّ معانى الظاهرية من القرآن بإعتبار دلالة ألفاظه يعرفه من عرف اللغة و نظر الى اسلوب الكلام و مواقعها و على معانيها بحسب إقتضاء الكلام ظاهرها و مورد نزولها، و أما معرفة تفسيرها و باطنها و كشف الحقائق و الأسرار منحصرة على بيان من خاطب اللّه به لانّ التأويل هوالباطن و التفسير بابها و هو موكول على الخبير الواقف على التنزيل و التأويل.

نعم الأخذ بظاهر الآيات التى لإخفاء فيها، ليست من مصاديق التفسير المنهى و ان احتاج الظهور، و لو سلّمنا بانّه من التفسير فلايكون تفسيرا بالرأى فليس ممنوعا بالأدلّة الواردة على التدبّر و التفكّر فى القرآن.

ولكن العدول عن معنى الظاهرى، و النظر على سياق الآيات و حمله على معنى من دون قرينة و بدون ملاحظة القوانين اللغوية و الأدبية التى ليست بحجة فى حجية الظواهر فهى من التفسير بالرأى، فعلى ذلك انّ الذين بإدبارهم عن حكم العقل فى حجية الظواهر و إنغمارهم على تأويلات الباطل انّهم هتكوا حجاب حجية الظواهر، و

ص: 90

فسروا القرآن بآرائهم الكاسد على خلاف الظاهر، فعليهم التسليم و الإنقياد على القرآن و الكتاب الناطق، لا التفاخر و الإبتلاء على الآراء الباطل.

عن الصادق عليه السلام... لانّهم لم يقفوا على معناه و لم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم و استغنوا بذلك من مسألة الأوصياء...(1) فظهر ان لايجوز الإكتفاء لفهم معانى القرآن بالقرآن و ضرب القرآن بعضه ببعض و إتخاذ القياس و الرأى و الإعتماد على التفاسير العامة من أبوحنيفه و قتادة...

عن زيد الشحام قال دخل قتادة بن دعامه على أبى جعفر عليه السلام فقال يا قتاده أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون فقال بلغنى انك تفسر القرآن؟ و قال له قتاده: نعم... يا قتادة ان كنت فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت و ان كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت و أهلكت، يا قتادة ويحك انّما يعرف القرآن من خوطب به.(2) و الحق ان هذا المعنى من الاكتفاء بالقران فقط، ابداء نظرية المعاندين من الخلفاء الثلاثة و من تابعهم فى قولهم حسبنا كتاب اللّه و المعاوية عليه الهاوية لإختفاء حقانية الأئمّة عليهم السلام.

فبالجملة: انّ التفسير بالرأى منهى بالأدلة الكثيرة، و هو ان يكون للمفسّر رأى و نظر يحتج لإثباته على وفق ميله و غرضه، أما اذا كان

ص: 91


1- . وسائل الشيعة ج27 / 201
2- . الكافى ج8 / 317

رأيه موافقاً مع القواعد اللغوية و القوانين الأدبية و المحكمات القرآنية و العقل الصريح و السيرة المستمرة مع التمسك بالسنة القطعية المشهورة بدون اتخاء الرأى عن الآيات المشتبه فهو حجة قطعية.

عن أبى عبداللّه عليه السلام: ... و اعلموا انه ليس من علم اللّه و لا من أمره ان يأخذ أحداً من خلق اللّه فى دينه بهوى و لا رأى و لا مقاييس قد أنزل اللّه القرآن و جعل فيه تبيان كل شى ء، و جعل للقرآن و لتعلم القرآن أهلاً... و كما لم يكن لأحد من الناس مع محمد صلى الله عليه و آله وسلم ان يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه خلافاً لأمر محمد صلى الله عليه و آله وسلم فكذلك لم يكن لأحد من الناس بعد محمد صلى الله عليه و آله وسلم ان يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه... أيتها العصابة... أمرهم عليكم بآثار رسول اللّه و سنته و آثار الأئمّة الهداة من اهل بيت رسول اللّه من بعده و سنتهم فانّه من أخذ بذلك فقد اهتدى و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لانّهم الذين أمر اللّه بطاعتهم و ولايتهم...(1) عن أميرالمؤمنين عليه السلام: فأمرهم اللّه بالإختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل اللّه سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه؟!!(2) فبالنتيجة: الصيانة الضامنة فى تفسير القرآن فيما جائت عن العترة الهادية و التسليم عليها لا إتخاذ الرأى و الهوى و ضرب القرآن بعضه ببعض أو التوجيهات الباطلة و التأويلات المنفية أو التحريفات

ص: 92


1- . بصائر الدرجات ج18 / 22 ح2؛ الكافى ج8 / 5؛ وسائل الشيعة ج27 / 37
2- . الاحتجاج ج1 / 261؛ البحار ج101 / 270

الباطنية لانّ فيها تحريف الحقائق القرآنية و هى أول التلبيس و التدليس المقبوحة عقلاً و نقلاً.

فلهذا المفسّر المتأوّل برأيه يمحو الحقائق و يغلق باب الوحى و الهدى و يرد على القرآن الأوهام الباطلة و يتكلم عن صاحب الكلام بالكذب و التدليس عوضاً عمّا جاء به النبى صلى الله عليه و آله وسلم و السلام على من اتبع الهدى.

ص: 93

وصية النبى التمسك بالثقلين و التسليم عليهما

انّ القرآن بظاهره و باطنه هو الميزان لتشخيص الحقائق و الدقائق للحق عن الباطل اذا كان مبيّنه و مفسّره و مأوّله محمد و آل محمد عليهم السلام لانّهم باب اللّه المؤتى منه، فهم الصراط الأقوم و القرآن الناطق و الفرقان الجامع لمعرفة الرب و آياته.

و النبى صلى الله عليه و آله وسلم أمر امّته بالتمسّك بهما و حثّ الناس على الإقتداء بهما فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فى حجة الوداع... انّى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً كتاب اللّه و عترتى أهل بيتى و انّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظر كيف تخلّفونى فيهما! ألا هذا عذب فرات فأشربوا و هذا ملح أجاج فاجتنبوا...(1) فأساس حفظ الشريعة على العلوم الالهية التى علّمه اللّه نبيّه فى القرآن الذى أمر اللّه بالتدبّر و التفكر فيه، و النبى صلى الله عليه و آله وسلم دعى امته الى النور المبين و القرآن المتين و الفرقان بين الحق و الباطل و أوضح حدوده من محكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه تنزيله و تأويله و أودع علمه الى أوصيائه المعصومين عليهم السلام و أمر باتباعهم و الإقتداء

ص: 94


1- . الاحتجاج ج 1 / 262؛ البحار ج 2 / 100 ح 59 و ج 2 / 285 ح 2

بهداياتهم و الناس استبدوا بآرائهم عن وحى السماء و حرّفوا حقائق التنزيل و التأويل و سيروا على خلاف منويّات النبى صلى الله عليه و آله وسلم و انحرفوا عن أخذ معارف القران عن من نزلت القران فى بيوتهم و من أودع اللّه علمه عندهم و تأوّلوا على خلاف سيرة سيد المرسلين و ضرورة العقل السليم و بديهة الشرع المبين.

فبالجملة: من أراد الوصول الى حقائق القرآن و تفسيره و تنزيله و تأويله بدون وساطتهم و بالإتكاء على أفكار عقولهم فقد ألحد و أدبر عن التمسك بالثقلين المأمور بالرجوع اليهما، فهل القرآن و النبى صلى الله عليه و آله وسلم وكّلا الامة لفهم معانى القرآنية و العلوم الربانية الى أفكارهم الناقصة، أم وظيفتهم المراجعة لتصديق ما جاء من عند اللّه الى النبى و عترته الطاهرة عليهم السلام الذين هم أولياء القرآن و أهل بيت الوحى و العترة، و ما يكون ذلك الا الوهن فى بعثة النبى و الإهانة بساحة القرآن و العترة، فلهذا حثّ الناس على الإقتداء بهما.

قال صعد النبى المنبر فخطب... ان اللّه عزوجل أنزل على القرآن و هو الذى من خالفه ضلّ و من ابتغى علمه عند غير على صلى الله عليه و آله وسلم هلك أيها الناس... و لا تخلفونى فى أهل بيتى... و انّكم مجموعون و مساءلون عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما انّهم أهل بيتى...(1) عن منصور بن حازم قال قلت لأبى عبداللّه عليه السلام ... و قلت للناس تعلمون ان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من كان هو الحجة على خلقه؟ قالوا بلى!

ص: 95


1- . البحار ج38 / 94؛ أمالى الصدوق / 65؛ وسائل الشيعة ج27 / 186

قلت: فحين مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من الحجة على خلقه؟ قالوا القرآن! فنظرت فى القرآن فاذا هو يخاصم به المرجى و القدرى و الزنديق الذى لايؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت ان القرآن لايكون حجة الا بقيّم... فأشهد انّ علياً كان قيّم القرآن...(1) و قد تظافرت عن النبى صلى الله عليه و آله وسلم بالمنع من تفسير القرآن لانّ علمه خاص بالأئمّة و هم المخصوصون بالقرآن و نحن المأمورون بالرجوع اليهم و المستضيئون بعلومهم تسليماً فعلينا الرجوع الى القرآن و العترة معاً فى بيان تفسير القرآن و تنزيله، ظاهره و باطنه لا الإتكال على الآراء المتخذة من تأويلات الباطنية و تسويلات المعاندين مع العترة الهادية و المجادلين لردّ أخبار الأئمّة فلنا التصديق بكل ما جاء به الأئمّة و التسليم فيما نقلوا أصحابهم حول القرآن و مفاهيمها و ما أوردوا من التأويلات، لا ضرب القرآن بعضه ببعض، و انحصار فهم القرآن بالقرآن فقط، أو اتخاذ الرأى و الإعتماد على التفاسير العامة و ساير المجادلين الذين طرحوا القرآن عضين.

عن كامل قال أبوجعفر عليه السلام: يا كامل... أتدرى ما قول اللّه تعالى «قد أفلح المؤمنون»(2) قلت أفلحوا و فازوا و ادخلوا الجنة قال: قد أفلح المسلّمون انّ المسلّمين هم النجباء.

عن أبى جعفر عليه السلام يقول: ان اللّه تعالى لم يدع شيئا تحتاج الامة الى يوم القيامة الا أنزله اللّه فى كتابه و بينه لرسوله و جعل لكل شى حدا و

ص: 96


1- . الكافى ج1 / 169؛ وسائل الشيعة ج27 / 176
2- . المؤمنون / 1

جعل عليه دليلاً يدل عليه و جعل على من تعدّى ذلك الحد حدا.(1) قال أبوعبداللّه عليه السلام: ... أما انّه شرّ عليكم ان تقولوا بشى ء ما لم تسمعوه منّا...(2) عن النبى صلى الله عليه و آله وسلم: من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ.(3) عن النبى صلى الله عليه و آله وسلم: من فسر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار.(4) عن أبى عبداللّه عليه السلام أمر الناس بمعرفتنا و الردّ الينا و التسليم لنا ثم قال: ... و جعلوا فى أنفسهم ان لا يردوا الينا كانوا بذلك مشركين.(5) عن أبى الحسن عليه السلام انّما هلك من كان قبلكم بالقياس و انّ اللّه تعالى لم يقبض نبيه حتى أكمل له جميع دينه فى حلاله و حرامه فجاء كم بما تحتاجون اليه فى حياته و تستغنون به و بأهل بيته بعد موته...(6)

ص: 97


1- . بصائر الدرجات ج1 / 6؛ الكافى ج1 / 59
2- . الكافى ج2 / 402؛ وسائل الشيعة ج27 / 70
3- . وسائل الشيعة ج27 / 205
4- . منهاج البراعة ج6 / 181
5- . بصائر الدرجات ج1 / 521؛ الكافى ج2 / 398
6- . و الروايات بهذا المعنى كثيرة تركناها اختصارا. المحاسن ج1 / 272؛ باب وجوب التسليم فيما جاء عنهم البرهان ج4/ 548 ح9؛ بصائر الدرجات ج1 / 150

اثبات حقانية الشيعة من ظاهر القرآن و باطنه

لاريب بانّ القرآن خرج الناس من الكفر و الجهل الى الإيمان و العلم و الكمال فهو بجامعيّته لأمر الدنيا و الآخرة، مشتملة على جميع ما يحتاج الإنسان للإرتقاء الى أعلى درجات التربية و الكمال.

فبذلك كل من استعلم و استسلم من مصدر الوحى و طلب الهداية من معدنه و استبان أمره على الموازين الصحيحة منه، و استظهر تلك الحقيقة من ظاهر القرآن و باطنه و تفسيره و تنزيله من معدن الوحى و أهل بيت الوحى عليهم السلام فقد اهتدى على الطريقة المستقيمة.

فنقول: انّ الشيعة أخذ معالم القرآن من معدن التنزيل و التأويل و من أصحاب الأئمّة فى التفسير فهم المستنبطون و المستظهرون مفاهيم القرآن و معارف الأئمّة و أحكام الشريعة، و أوضحوا آيات الولاية المأولة فى حق على و الأئمّة الطاهرين عليهم السلام عنهم.

فكما انّ القرآن لإثبات حقانية محمد و آل محمد عليهم السلام فكذلك انّ القرآن بجامعيته نازلة لإثبات حقانية المهتدون بأنواره و العاملون لآثاره و المستضيئون بأنواره و المنقادون لأحكامه، و ما هم الا الشيعة، المتمسّكون بالثقلين، فالقرآن سند قوية على حقانية الشيعة، لانهم أخذوا معالم الوحى و التنزيل من معدن التنزيل و التأويل أميرالمؤمنين عليه السلام مدينة علم النبى و حكمته، و استفادوا منه أصحابه،

ص: 98

و انتشروا حقائقه و دقائقه (رموز أسراره من تنزيله و تأويله) محكماته و متشابهاته (ناسخه و منسوخه) عامه و خاصه (مطلقه و مقيّده) مبيّنه و مبهمه (قصصه و حكمه) سننه و أمثاله (وعده و وعيده) حلاله و حرامه (مجمله و مفصله) تقديمه و تأخيره (رخصه و عزائمه) اعرابه و لغاته (تجويده و نوادره) معانيه و غرائبه (قرائته و فضائله) من ابتدائه الى انتهائه عنهم عليهم السلام، ثم أخذ أصحاب الأئمّة عليهم السلام من أئمّتهم، فأول من دوّن فى علم التفسير من شيعته عبداللّه بن عباس ثم بعده جابربن عبداللّه الأنصارى و أبى بن كعب و سعيد بن جبير و يحيى بن يعمر فى علوم القرآن و هكذا المصنفون و المألفون حول أسباب النزول و أجزاء القرآن و اعرابه و لغاته و علم تجويد القرآن من الشيعة و أصحاب الأئمّة عليهم السلام.(1)

ص: 99


1- . فقد دوّن أكثر من ثلاث مأة و ثمانون تفسيراً من الشيعة حول القرآن. منها: عن اسماعيل بن عبد الرحمن الكوفى متوفى سنة127. منهم: محمد بن سائب البشر الكلبى وهو من حوارى الامام زين العابدين والباقر عليهماالسلام متوفى سنة146. منهم: جابر بن يزيد الجعفى من أصحاب الباقر عليه السلام متوفى سنة127 فأول من صنف فى آيات الأحكام محمد بن سائب الكلبى فأول من صنف فى غرائب القرآن أبان بن تغلب المتوفى سنة141 فأول من صنف فى معانى القرآن أبان بن تغلب المتوفى سنة141 فأول من صنف فى ناسخ القرآن و منسوخه عبداللّه بن عبد الرحمن الأصم من أصحاب الصادق عليه السلام. فأول من صنف فى نوادر القرآن على بن الحسين بن الفضال فأول من صنف فى متشابه القرآن حمزة بن حبيب الزيات الكوفى من أصحاب الصادق عليه السلاممتوفى سنة156. فأول من صنف فى فضائل القرآن أبى ابن كعب الأنصارى من الصحابة فأول من صنف فى آيات الأحكام منهم: محمد بن خالق البرقى و محمد بن مسعود العياشى و حسن بن على ابن ابى حمزه البطائنى و على بن ابراهيم القمى و الشيخ الطائفة فى تفسيره التبيان و السيد الرضى فى تفسيره المسمّى بحقائق التنزيل و دقائق التأويل و الروض الجنان لأبو الفتوح الرازى من أعلام القرن الخامس و مجمع البيان للطبرسى و غيرهم من أعلام الشيعة.

فى كتاب الأربعين(1) بسنده عن رسول اللّه انّه قال: لما خلق اللّه ابراهيم كشف اللّه عن بصره فنظر الى جانب العرش نوراً فقال: الهى و سيدى ما هذا النور؟ قال يا ابراهيم هذا نور محمد صفوتى، قال: الهى و سيدى أرى نوراً الى جانبه قال يا ابراهيم هذا نور على ناصر دينى قال: الهى و سيدى و ارى نوراً ثالثاً يلى النورين قال: يا ابراهيم هذا نور فاطمة تلى أباها و بعلها فطمت بها محبيها من النار قال: الهى و سيدى و أرى نورين يليان الثلاثة أنوار قال يا ابراهيم هذا الحسن و الحسين عليهماالسلام يليان نور أبيهما و امهما و جدهما، قال: الهى و سيدى و أرى تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة أنوار، قال: يا ابراهيم هؤلاء الأئمّة من ولدهم قال: الهى و سيدى و بماذا يعرفون؟ قال: يا ابراهيم أولهم على بن الحسين و محمد بن على و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و على بن موسى و محمد بن على و على ابن محمد و الحسن العسكرى و المهدى بن الحسن صاحب الزمان عليهم السلام، قال: الهى و سيدى و أرى أنواراً لايحصى عددها الا انت، قال: يا ابراهيم هؤلاء شيعتهم و محبتهم...

قال ابراهيم الهى اجعلنى من شيعتهم و محبّيهم فأنزل اللّه فى القرآن «و ان من شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب سليم».(2) عن أبى بصير قال أبوعبداللّه عليه السلام: فى قوله تعالى: «فإستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوّه»(3)لينهئكم اسم...(4)

ص: 100


1- . أبوالفوارس / 38
2- . الصافات / 84؛ اثبات الهداة ج2 / 327
3- . قصص / 15
4- . منهاج الصادقين ج7 / 79؛ البحار ج68 / 12 ح 13؛ تفسير القمى / 557؛ البرهان ج4 / 20 ح1؛ العوالم ج42 / 482 ح 1 و / 464 ح 1

الدر المنثور باسناده عن على عليه السلام قال: تفترق هذه الامة على ثلث و سبعين فرقة، اثنان و سبعون فى النار و واحدة فى الجنة و هم الذين قال اللّه عزوجل فى حقّهم «و ممّن خلقنا امة يهدون بالحق و به يعدلون»(1) و هم أنا و شيعتى.(2) عن عبدالرحمن بن يزيد ابن أسلمة عن أبيه فى قول اللّه عزوجل «صراط الذين أنعمت عليهم» قال: النبى و من معه و على بن أبى طالب عليه السلام و شيعته.(3) قال سألت موسى بن جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزوجل «و التين و الزيتون»(4) قال: التين فالحسن عليه السلام و أما الزيتون فالحسين عليه السلام «و طور سينين» أميرالمؤمنين عليه السلام «و البلد الأمين» رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هو سبيل آمن اللّه به الخلق فى سبلهم و من النار اذا أطاعوه «الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات»(5) ذاك أميرالمؤمنين على عليه السلام و شيعته «فلهم أجر غير ممنون».(6) باسناده عن الأصبغ قال سمعت علياً عليه السلام يقول: أخذ رسول اللّه بيدى ثم قال: يا أخى قول اللّه عزوجل «ثواباً من عند اللّه و اللّه عنده حسن الثواب»(7) «و ما عند اللّه خير للأبرار»(8) قال أنت الثواب و

ص: 101


1- . الأعراف / 181
2- . ينابيع المودة / 109 نحوه و غيرهم؛ الدر المنثور ج3 / 149؛ مناقب الخوارزمى / 237؛ الخصال ج2 / 538
3- . شواهد التنزيل ج1 / 66 / 85
4- . التين / 1
5- . الانشقاق / 25
6- . التين / 6؛ شواهد التنزيل ج1 / 138 و ج2 / 352؛ تفسير الفرات الكوفى / 217
7- . آل عمران / 195
8- . آل عمران / 198

شيعتك الأبرار.(1) عن أبى جعفر عليه السلام فى قول اللّه تعالى «ضرب اللّه رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلما لرجل هل يستويان مثلاً»(2) قال: الرجل السالم، الرجل على و شيعته.(3) عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى «هل يستوى الذين يعلمون و الذين لايعلمون» قال: «و الذين يعلمون» نحن، «و الذين لايعلمون»عدوّنا «و انّما يتذكر اولى الألباب»(4) شيعتنا.(5) عن جابر عن أبى جعفر محمد بن على عليه السلام قال قال رسول اللّه: يا على عليه السلام الآية أنزلها اللّه «ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات هم خيرالبرية»(6) هم أنت و شيعتك يا على.(7) عن جابر فى قول اللّه تعالى «كل نفس بما كسبت رهينة الا أصحاب اليمين»(8) عن أبى جعفر عليه السلام قال: نحن و شيعتنا أصحاب اليمين.(9)عن درّ المنثور عن ابن عباس قال: لما نزلت «الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية» قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لعلى عليه السلام

ص: 102


1- . شواهد التنزيل ج1 / 178
2- . الزمر / 29
3- . شواهد التنزيل ج2 / 119؛ البحار ج24 / 160 ح 8؛ مجمع البيان ج8 / 497
4- . الزمر / 9
5- . شواهد التنزيل ج2 / 116؛ تفسير الفرات الكوفى / 137؛ البحار ج24 / 119 باب 41 ح 1 و ج61 / 93 ح 35؛ بصائر الدرجات / 17 الروايات بهذه المضمون عندنا كثيرة.
6- . البيّنة / 7
7- . الطبرى فى تفسيره ج30 / 146؛ سيد حسن خان فى تفسير فتح البيان ج10 / 323؛ شواهد التنزيل ج2 / 358 و غيره و من الخاصة البحار ج68 / 25 ح 46؛ وسائل الشيعة ج11 / 444 ح 19 و غيرهما.
8- . المدثر / 38
9- . شواهد التنزيل ج2 / 293؛ المحاسن ج1 / 171؛ البرهان ج4 / 43 ح2؛ البحار ج68 / 29 ح58 و / 48 ح 92

هو أنت و شيعتك تأتى أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين...(1) هذه عدة من الروايات الواردة فى حق شيعة أميرالمؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام و قد أوردوها الخاصة و العامة من الروايات المتواترة حولها التى تركناها اختصاراً.(2) عن الأصبغ بن نباته قال: كنت جالساً عند أميرالمؤمنين عليه السلام فأتاه ابن الكوّاء فقال له يا أميرالمؤمنين أخبرنى عن قول اللّه عزوجل «و على الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم»(3) فقال: ويحك يابن الكواء نحن نقف يوم القيامة بين الجنة و النار و من نصرنا عرّفناه بسيماه فأدخلناه الجنة و من كان أبغض لنا عرفناه بسيماه فادخلناه النار.(4)

ص: 103


1- . مناقب خوارزمى ج178 / 270؛ تاريخ ابن عساكر / 50؛ الصواعق المحرقة من الهيثمى / 159؛ تفسير الفرات الكوفى / 219؛ تفسير السيوطى ج6 / 379؛ شواهد الحسكانى ج2 / 360 / 365 البحار ج68 / 53؛ تأويل الآيات ج2 / 831؛ البرهان ج4 / 479 ح 1
2- . شواهد التنزيل ج1 / 198؛ ينابيع المودّة / 192
3- . الأعراف / 46
4- . المناقب الفاخرة؛ البحار ج53 / 48؛ تفسير البرهان ج2 / 552

دفع توهم ضعف أسناد الروايات فى شأن الأئمّة

ان الكلام حول طريقة القدماء و المتأخرين فى العمل بالأخبار يستدعى تدوين كتاب مستقلّ لكن اجمال الكلام فى ذلك هو:

انّ القدماء اعتمدوا على أربع مأة اصول، قد جمعها الكلينى فى الكافى و من بعده الصدوق فى الفقيه و الشيخ فى التهذيب و الإستبصار، فهى معتمدة عندهم مع كثرة الروايات الآخر و الصحيح عندهم ما هو الوثوق بصدورها عنهم اما لتواترها التى دلّتهم على ذلك أو المحفوفة بالقرائن الموجودة بأسانيد مختلفة أو من الكتب المعتبرة المعتمدة عليها.

و من المهمّ توثيقهم و تصريحهم بانّ كل حديث أوردوها فهو عندهم صحيح اما لتواتره أو مقترن بما يوجب صحة مضمونه و ان اشتمل طريقهم على ضعف ولكن المتأخرون من العلامة و ما بعده لم يكتفوا بذلك بل وضعوا الإصطلاح الجديدة لتمييز الصحيح عن غيره بزعمهم انّها أخبار آحاد انّهم لايعملون الا بخبر العدل الإمامى انّهم انقسموا الخبر الى الصحيح و الحسن و الموثّق و الضعيف و الصحيح عندهم ما كان جميع سلسلة رواته إمامى عدل ممدوح و...

ص: 104

و الحق انّ رؤساء المذهب كالكلينى و الصدوق و الطوسى مع قربهم بعصر الأئمّة و تكرّر الأخبار فى كتبهم بالأسانيد العديدة و ادعائهم بانّها متخذة من الاصول المعتمدة مع اعتمادهم بضبطها و وثاقتها لا مجال لأحد للتشكيك بمرويّاتهم.

و من جملة القرائن الدالة على صدق مدعاهم:

أولاً: وجود الاصول الأربع مأة المتداولة قبل الكلينى و الصدوق التى يعملون بها، التى يتمكنون من استعلام صحة الكتب الأربعة منها، نحو كتاب حريز و جامع البزنطى و غيره.

و ثانياً: وجود تلك الضعاف فى الاصول الأربع مأة و ما نقلوها لعلمهم بصحتها لوجودها فى الكتب المعتمدة، أو لها طريق آخر لصحتها أو تعاضد الروايات بالأسانيد المعتبرة عنده.

و ثالثاً: شهادة معظم المتقدّمين على صحة ما فى الكتب الأربعة بأجمعها و شهادة المؤلّفين حولها على الوثوق بصدورها و العمل بها، و شهادة أكابر المتأخرين بانّها متخذة من الأخبار الصحيحة، مضافاً بانّهم اعتمدوا على الطريق الضعيف مع تمكّنهم على الطريق الصحيح عند المتأخرين و ما هو الا دليلاً على اعتمادهم عليها.

و السرّ لتنويع الأخبار الى الاصطلاح الحديثة إختلاط الشيعة مع العامة فى العصور الماضية اذ وجود قلة الحديث (خمس مأة) عن النبى صلى الله عليه و آله وسلمو ادبارهم عن بيت الوحى سبب لوضعهم تلك الإصطلاح، فبعده بكثرة الإمتزاج معهم يوجب ورودها الينا.

ص: 105

فبما انّ البناء العامة على ستر الحق فى فضائل الأئمّة و نشر علومهم وضعوا الاصطلاح الجديد فى الرواية و انّهم لما رأوا من الأخبار الكثيرة فى فضل العترة الطاهرة و ما وجد من طعنهم على الخلفاء الثلاثة انهم دسّسوها بانّها أخبار آحاد و انّها ليست بحجة فضعّفوها و نسبوها الى الغلو و القدماء من أئمّة الحديث كسابقيهم من أصحاب الأئمّة الذين أخذوا تفسير القرآن و تأويلها من مشكاة النبوية و العلوية، عرفوا صحتها بوجودها فى العصور الأئمّة فى الاصول الأربع مأة و بعدها فى الكتب الأربعة، فحكموا بصحتها، فلم يكن اعتمادهم فى ذلك على صحة سندها وحده بل على وجود القرائن القوية عندهم على صحتها.

فالأصل المسلّم عند القدماء لترتّب الصحة على الرواية هو الوثوق بصدورها عن المعصوم بأى وجه كانت إما بتواترها أو وجود القرائن القوية فيها أو اتفاق أصحاب الحديث عليها بل يرون بانجبار ضعفها بالشهرة المقبولة عندهم.

و المتأخرون لمّا رأوا بمعتقدهم تخالف بعضها مع بعض و لم يرويها العدل الامامى، استضعفوها فى السند و المتن، انّهم لم يقدروا على رفع الإشكال و وجه الجمع فردّوها بغير علم فبذلك لم يعبأ بقول من رأى بانّها موهن بمراتب الأئمّة و مخالف مع القواعد العربية و الاسلوب الواقعية و بعيد عن الوقائع التاريخية و مناف مع التطبيقات الواقعية، فبنوها الى الغلو و الالحاد فقال اللّه تعالى «بل كذبوا بما لم

ص: 106

يحيطوا بعلمه»(1) فعليهم التوقف فيها أو ردّ علمها الى صاحبها، اذ الرد عليهم كالراد على اللّه.

قيل: ردّ الأخبار المنسوبة الى الأئمّة عليهم السلام فى الفضائل، الموجودة فى هذه الكتب المعتبرة، و لو كان راويها ممن لا يوثق بالاصطلاح الجديدة يكون ظلماً بالرسول و أهل بيته المعصوم عليهم السلامفانّهم قالوا (اعرفوا منازل شيعتنا على قدر رواياتهم و دراياتهم عنّا) فالذى هو المدار لتلك الموازنة هو الحكم بصحة ما فى الكتب الأربعة و ما يستفاد من الأخبار حول شئونات العترة الطاهرة من الفضائل الباهرة بالنظر الى الأخبار و أسنادها و دفع الإستبعاد عن متنها...

هذا علامة المجلسى(ره) مروّج آثار الشيعة و مسنّ على الولاية أورد قريباً من مأة ألف حديثاً من الأخبار فى المعارف و الفضائل و أكثرها متفقة بين العامة و الخاصة، و أورد ضعيفها تأييداً لقويها فكل ما أورده من الروايات من رجال الضعفاء عند المشهور فهو اما مع تأييد رواية قوية أو شهادة من مخالفينا من الأعداء فى فضل الأولياء أو لتأييده بظاهره مع القرآن أو باطنه، أو تذكرة لأحكام عقلية فطرية أو لبيان رواية حق آخر صدرت تقية، أو تسامحاً فى أدلة السنن... كلها بعنوان التأييد لفرقة الناجية من الشيعة، نحو أخبار افتراق الامة على ثلاثة و سبعين فرقة...

روى الكلينى عن أبى عبيدة الحذاء قال سمعت أباجعفر عليه السلام يقول:

ص: 107


1- . يونس / 39

و اللّه انّ أحب أصحابى الىّ و أورعهم و أفقهم و أكتمهم لحديثنا و انّ اسوأهم عندى حالاً و أمقتهم للذى اذا سمع الحديث ينسب الينا و يروى عنّا فلم يعقله و اشمأز منه و جحده و كفر من دان به و هو لايدرى لعل الحديث من عندنا خرج و الينا اسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا.(1) عن أبى جعفر و أبى عبداللّه عليهماالسلام قال: لا تكذّبوا الحديث اذا أتاكم به مرجئى و لا قدرى و لا حرورى ينسبه الينا فانّكم لا تدرون لعله شى ء من الحق فيكذّب اللّه فوق عرشه.(2) عن الهادى عليه السلام قال محمد بن عيسى سألته عن العلم المنقول الينا عن آبائك و أجدادك قد اختلف علينا فكيف نصنع؟ أنعمل على اختلافه؟ أو الرّد اليك فيما اختلف فيه؟ فكتب ما علمتم انّه قولنا فألزموه و ما لم تعلموها فردّوه الينا.(3) عن حمزة بن بزيع عن السائى عن أبى الحسن عليه السلام انّه كتب اليه فى رسالته... و لا تقل لما بلغك عنّا أو نسب الينا هذا باطل، و ان كنت تعرفه منّا خلافه فانّك لا تدرى لم قلناه و على أى وجه وصفناه.(4) و من الموارد التى رموا راويه بالغلو الروايات الواردة فى فضائل العترة الطاهرة فى تأويلات الآيات الباهرة نحو الأخبار الواردة بان ما فوّض الى رسول اللّه فقد فوّض الى الأئمّة و نحو ما ورد من الروايات

ص: 108


1- . الكافى ج2 / 223؛ وسائل الشيعة ج27 / 88
2- . المحاسن ج1 / 230
3- . نزهة النواظر / 17؛ بصائر الدرجات ج1 / 524
4- . مكاتيب الأئمّة ج4 / 512

المثبتة لعلم غيب النبى و الأئمّة عليهم السلام فمن رآها انّها مخالفة مع القرآن فهو غافل عن وجوب التمسك بالقرآن و العترة.

و غيرها من الأخبار المعرضة عنه بتوهم عدم صحة الإسناد.

منها ما فى الكافى بسند صحيح عن أبى بصير عن أبى عبداللّه عليه السلام فى قول اللّه تعالى «و انه لذكر لك و لقومك»(1) فرسول اللّه الذكر و أهل بيته المسئولون و هم أهل الذكر.(2) و استشكل بها بانّه كيف يمكن الإلتزام به مع ان الضمير راجع اليه انه لذكر لك و هو المراد من الخطاب غافلاً بانّ المستفاد من الآية تكون نتيجة المنطوق لا المنطوق فلهذا جاء فى الحديث (فرسول اللّه) لانّ الفاء للتفريع المستفاد من المنطوق.

فانّ النبى نفس الذكر و هو فى أعلى درجات التذكر بهذا الذكر فليتفرع المفهوم من المنطوق كما قال اللّه تعالى «الذين آمنوا قد أنزل اللّه اليكم ذكراً رسولاً».(3) فباالجملة: اعتبار الكتب الأربعة مدار مذهب الشيعة و ملاك افتخارها فما نقله العلامة المجلسى فى أسناد الكافى فى مرآة العقول بقوله ضعيف بعضا، فمراده (ضعيف على المشهور) ولكن يذكر بعده (و معتبر عندى).(4) فمنهم (المفضل بن عمر الجعفى الكوفى، ذكروه فى غير

ص: 109


1- . الزخرف / 44
2- . نورالثقلين ج3 / 56
3- . الطلاق / 10
4- . مرآة العقول باب من ضعفهم المشهور و قواه المجلسى فى أخبار يقول المجلسى لهؤلاء المضعفين ضعيف على المشهور مردود عند المتقدمين حيث توهموا الغلو فى بعض أخبارهم.

المعتمدين زعما منهم بانّه كان فاسد المذهب و قد ورد فى حقه مدحا و قدحا فى الأخبار.

منها عن أبى الحسن عليه السلام: يرحم اللّه المفضل ان كان ليكتفى (ليقنع) بدون هذا.(1) منها عن أبى الحسن عليه السلام: ما عندى كذلك ما لى فيهم مثله.(2) منها قال أباالحسن عليه السلام: رحم اللّه المفضل قد استراح.(3) ولوجاء فى حقّه الخلط و انّه من الخطابية و مقالته فى إسماعيل فقد حمل على أول عمره ثم صار من الصلحاء و الثقات.

و منهم محمد بن سنان من أصحاب أبى الحسن الرضا عليه السلام: انّ محمد بن سنان ممن روى النص عن الرضا من أبيه و انّه من خاصته و ثقاته من أهل الورع و العلم و الفقه و هو من شيعته.(4) فقال موسى بن جعفر عليه السلام فى حقه:... نعم كذلك وجدتك فى صحيفة أميرالمؤمنين عليه السلام اما انّك فى شيعتنا أبين من البرق فى الليلة الظلماء...(5) أمر الامام محمد بن اسماعيل البحرانى بتولية اياه و أخذ المسائل الشرعية عنه...

كما قال له الامام أبوجعفر عليه السلام بعد فوته.... جزى اللّه محمد بن سنان عنى خيراً.(6)

ص: 110


1- . رجال الكشى اختيار معرفة الرجال ج2 / 620؛ الكافى ج1 / 320
2- . مكاتيب الأئمّة ج4 / 27
3- . رجال قهپائى ج 6 / 124 / 123
4- . رجال قهپائى ج 5 /222
5- . رجال قهپائى ج5 / 226؛ العيون ج1 / 33
6- . فلاح السائل / 12؛ البحار ج49 / 276

كما قال له الامام أبوجعفر عليه السلام فى حقّه: ما خالفنى و لا خالف أبى قط.(1) لكن نقله العلامة فى غير المعتمدين و نقل تضعيف الشيخ و نجاشى و ابن الغضائرى و قولهم انّه غال ضعيف ثم قال بعد توثيق المفيد له، توثيق المفيد معارض بعدم توثيق غيره.

و الحق انّ طعنهم عليه لقبل إعتداله فقد عصى و لعن و ضعّف و اذا تاب و استقام و قرّ و عظم و فى الروايات كناية على إعتبار قوله و صحة روايته نحو:

عن محمد بن سنان قال شكوت الى الرضا عليه السلام وجع العين فأخذ قرطاسا فكتب الى أبى جعفر عليه السلام و هو أقل من يدى و دفع الكتاب الى الخادم و أمرنى ان أذهب معه و قال اكتم فآتيناه و خادم قد حمله قال ففتح الخادم الكتاب بين يدى أبى جعفر عليه السلام قال فجعل أبوجعفر عليه السلام ينظر فى الكتاب و يرفع راسه الى السماء و يقول ناج ففعل ذلك مرارا فذهب كل وجع فى عينى و أبصرت بصرا لا يبصره أحدا فقال قلت لأبى جعفر عليه السلام جعلك اللّه شيخاً على هذه الأمة كما جعل عيسى بن مريم شيخاً على بنى اسرائيل قال ثم قلت له يا شبيه صاحب فطرس...(2)و منهم (محمد بن فضيل ابن كثير الأزدى الكوفى الصيرفى له كتاب روى أبى الحسن موسى و الرضا عليهماالسلام فهو ضعيف يرمى بالغلو.

ص: 111


1- . وسائل الشيعة ج30 / 474؛ البحار ج49 / 276
2- . البحار ج50 / 66؛ رجال الكشى / 582

دفع شبهة الغلو فى أخبار الفضائل و تأويلات القرآن

يستفاد من الآيات(1) الشريفة و الروايات(2) العديدة بانّ مناط الغلو، امّا ادعاء الالوهية لغير الرب تعالى(3)، أو ادعاء النبوة أو الإمامة لغير المعصومين عليهم السلام و غير ذلك.

و النبى و الأئمّة المعصومين عليهم السلام هم الهادون المهديون و المعصومون المدلّون على اللّه تعالى عبيد مربوبون اصطفاهم اللّه لنفسه و أكرمهم فجعلهم خليفته فى خلقه و لسانه فيهم و أمينه عليهم

ص: 112


1- . قال اللّه تعالى «يا أهل الكتاب لاتغلوا فى دينكم» نساء/ 171 و قال اللّه تعالى «لقد كفر الذين قالوا ان اللّه هو المسيح ابن مريم»المائدة/72 / 77 و قال اللّه تعالى «و لايأمركم ان تتّخذوا الملائكة و النبيين أرباباً أيأمركم بالكفر»آل عمران / 79
2- . قال الصادق عليه السلام احذروا على شبانكم الغلاة، لايفسدوهم فانّ الغلاة شرّ خلق اللّه، يصغّرون عظمة اللّه و يدّعون الربوبية لعباد اللّه و اللّه انّ الغلاة لشرّ من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا. مقدمة البرهان / 62؛ البحار ج25 / 265 قال قلت لأبى عبداللّه عليه السلام: انّ قوماً يزعمون انّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآناً«يا أيها الرسل كلوا من الطيبات» قال: يا سدير، سمعى و بصرى و شعرى و بشرى و لحمى و دمى من هؤلاء براء، برى ء اللّه منهم و رسوله، ما هؤلاء على دينى و دين آبائى و اللّه لايجمعنى و اياهم يوم القيامة الا و هو عليهم ساخط، قال قلت فما أنتم جعلت فداك؟! قال: خزّان علم اللّه و تراجمة وحى اللّه و نحن قوم معصومون أمر اللّه بطاعتنا و نهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء و فوق الأرض. المؤمنون / 51؛ الكافى ج1 / 269 و غيرها البحار ج25 / 298 قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاتتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا ما شئتم و لم تبلغوا و إيّاكم و الغلو كغلو النصارى فانّى برى ء من الغالين. الاحتجاج ج2 / 438؛ تفسير الامام عليه السلام / 50 قال على عليه السلام: إيّاكم و الغلو فينا، انّا عبيد مربوبون و قولوا فى فضلنا ما شئتم. الخصال ج2 / 614؛ البحار ج25 / 270
3- . عن أبى عبداللّه عليه السلام: فمن ادعى للأنبياء ربوبية أو ادعى للأئمّة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمّة عليهم السلامامامة فنحن براء منه فى الدنيا و الآخرة. العيون / 324؛ البحار ج25 / 135 / 272

و خازنه فى السماوات و الأرضين، فجعل معرفتهم معرفته و محبّتهم محبّته.

فبكلمة واحدة، أعطاهم اللّه علمه و قدرته و جميع ما احتاج الخلق لأمر دنياهم و آخرتهم و هم يعملون بإذنه فيما يشاء و كيف يشاء، بل هم وكر لمشية اللّه و خزّان علم اللّه لايسئل عمّا يفعل و هم يسئلون.

عن الصادق عليه السلام: لو أذن لنا ان نعلم الناس حالنا عند اللّه و منزلتنا عنه، لما احتملتم، قال له فى العلم؟ فقال: العلم أيسر من ذلك ان الامام وكر لارادة اللّه عزوجل لايشاء الا ما شاء اللّه.(1) فكل مؤمن و مطيع للّه تعالى فهو لهم مطيع (من أطاعكم فقد أطاع اللّه) ولكن الخلق ما بين الغالى و التالى، الإفراطى والتفريطى.

عدة من الناس من القاصرين لانّهم بجهة مخالطتهم و معاشرتهم مع العامة العمياء مع اعتقادهم بأمر الإمامة فى النص و العصمة ولكن لما رأوا عجائب أحوال الإمام عليه السلام و غرائبه أنكروه و كذّبوه، و ألحدوا فى قبوله و تأوّلوه على مذهبه حتى لو قيل له بانّ الإمام قادر على التكلم بغير العربية و الأخبار عما فى الضمائر و السرائر و ما فى الأرحام و ما يخفى الصدور و الآجال، أو إظهار العجائب من المعجزات يكذبوه و ينسبوا المؤمن المقر بذلك الى الزندقه و الغلو، فلذلك ان الأئمّة عليهم السلام اختفوا كثيراً من غرائب أحوالهم عن الجاهلين القاصرين؟ فمن ذلك أنكروا ما ورد من الروايات حول بطون الآيات فى فضائلهم و ما ورد

ص: 113


1- . المحتضر / 128؛ البحار ج25 / 385 ح 41

فى شئونهم و مراتبهم التى رتّبهم اللّه فيها.

انّهم تخيّلوا بانّ أكثر ما روى فى تأويلات الآيات هو مما وضعها الغلاة، و هو يرى ضعف سندها، و عدم انطباقها فى دلالتها مع سياق الآيات مضافاً بانّ لايقبله العقل و ساير ما توهّمه، حيث يرى بانّ الغلاة جعلوا تلك الروايات فى الفضائل.

و عمدة ما يقال لدفع شبهات هؤلاء المغرضين هو انّ أعداء على عليه السلام وضعوا أخباراً مجعولة تشديداً لعداوتهم لا ذكر الفضائل فى حقّه هذا أولاً.

و ثانياً: إثبات حقانية التأويل لباطن القرآن و فى فضل على عليه السلام يكون من لسان النبى صلى الله عليه و آله وسلم حيث يقول (أنا صاحب التنزيل و أنت صاحب التأويل) و الإبتلاء بالغلاة من زمان الباقر و الصادق عليهماالسلام.

و ثالثاً: التضعيف لتلك الأخبار مع الوثوق بصدورها لايسرى الا فى أخبار الحلال و الحرام لا روايات الفضائل و تأويلات الآيات، اذ كم من رواية فى باب الفضائل مع وجود ضعف السند يحكم العقل بحجيتها و لو نقلها عامى، اذ الفضل ما شهدت به الأعداء، نحو قوله صلى الله عليه و آله وسلم فى حق على عليه السلام (على ممسوس فى ذات اللّه).

و الحق انّ التضعيف فى أسنادها بعد الوثوق بصدورها و التأييد فى أسنادها من طريق آخر لايضرّها و لامجال للتشكيك فى نقلها.

مضافاً: صراحة دلالة معظمها مع سياق الآيات و يقبله العقل الصريح المؤيّده بالسيرة المنقولة من عظماء أرباب الآثار و الأخبار.

ص: 114

قال سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: ... و انّ أسوء أصحابى عندى حالاً و أمقتهم الىّ الذى اذا سمع الحديث ينسب الينا و يروى عنّا فلم يحتمله قلبه و اشمأزّ منه و جحده و كفر من دان به و لايدرى لعل الحديث من عندنا خرج و الينا أسند فيكون بذلك خارجاً من دينناً.(1) و الحق انّ المعيار لصحة الخبر فى الفضائل، الوثوق بالصدور و وجودها فى كتب صحاح الأربعة من الشيعة و لو نقلها غير الإمامى، اذ كم من خبر صحيح سنده و قد أعرضوا عنه الأصحاب و اعراضهم لاينافى مع صحته و كم من خبر ضعيف انجبره الأصحاب بعملهم و يكفينا فى باب الفضائل الوثوق بالصدور مع اعتقاد الأصحاب بمضمونه.

و ثانياً: كم من خبر ضعفوها الأصحاب بالنظر الى سندها ولكن له طريق صحيح آخر لسنده.

و ثالثاً: كم من خبر ضعيف يؤيّد مضمونه فى الروايات الآخر بالأسناد الصحيح.

و رابعاً: تضعيف ابن الغضائرى و من تبعه لايضر مع توثيق المحمدين الثلاثة و ايرادهم فى كتبهم لأجل وثوقهم بها مع الترجيح بالأسبقية و الأوثقية لهم و هو دليل على حجية الأخبار فى الفضائل.

و خامساً: لا دخل للعقل لجرى القرآن مدار الباطن، و لا وجه لإستبعاد الجرى و التطبيق فى متون المعارف بصرف توهّم عدم

ص: 115


1- . مقدمة البرهان / 61؛ غيبة النعمانى / 285؛ البحار ج25 / 366

مقبوليتها بالعقل، اذ ليس للعقل ميزان لصحة الإنطباق و عدمها الا التسليم بما ورد عن المعصومين عليهم السلام.

عن الكاظم عليه السلام فى مكاتبته الى على بن سويد: ... و لاتقل لما بلغك عنّا أو نسب الينا هذا باطل و ان كنت تعرف خلافه فانّك لاتدرى لم قلناه و على أى وجه وصفناه...(1) قال النبى صلى الله عليه و آله وسلم: من رد حديثاً بلغه عنّى فأنا مخاصمه يوم القيامة فاذا بلغكم عنّى حديث لم تعرفوا، فقولوا: اللّه أعلم.(2) قال النبى صلى الله عليه و آله وسلم: من بلغه عنّى حديث فكذّب به فقد كذب ثلاثة اللّه و رسوله و الذى حدّث به.(3) عن السجاد عليه السلام قال: ... فان وضع لك أمر فاقبله و الا فاسكت تسلم ورد علمه الى اللّه...(4)

ص: 116


1- . البحار ج2 / 209؛ تفسير البرهان ج2 / 209
2- . البحار ج2 / 212
3- . البحار ج2 / 212
4- . كتاب السليم ج1 / 61

فى حجية ظواهر القرآن ببيان المعصوم عليه السلام

لا خلاف فى جواز العمل بظاهر القرآن و هو حجة بتمامه لانّ للقرآن ظهوراً عرفياً يفهمه أهل اللسان و المحقق البصير بعد التأمل فى الحجية، يجد بانّ الأخبار من جانب حجية ظواهره و المنع مختلفة ولكن المنع فى ذلك أكثر عدداًو أصرح دلالة، فبذلك ذهب عدة الى امتناع الوصول الى معنى الآيات بدون النظر الى الأخبار الواردة فى التفسير و لايمكن العمل على مقتضاه الا بتعليم من الأئمّة المعصومين عليهم السلام، فعلم الكتاب كلّه عند آل محمد عليهم السلام فعلينا المراجعة اليهم فلايمكن علينا فهم القرآن الا بواستطهم، و لم نستقل فهم شى ء من الكتاب بآرائنا.

انّا لانشك بانّ فى القرآن ظاهراً و باطناً، تنزيلاً و تأويلاً، محكماً و متشابهاً و... و لايعلم معالمه الا من عند من نزل القرآن فى بيوتهم، لانّ مفاهيمها و معالمها مختفية عنّا، فمع ذلك امرنا بالتدبّر فى القرآن و انّ فيه تبياناً لكل شى ء و قد ورد فى الأخبار الكثيرة الدالة على عرضها عند التعارض على القرآن فما وافق كتاب اللّه أمرنا بأخذه.

و القرآن ينادى بالتعقل و التأمل و التدبر فى آياته ففيه دلالة واضحة بانّ لنا حق الوصول بأخذ المعارف القرآنية منه، لكن بالتدبر فى القواعد الكلية و منها:

ص: 117

أولاً: لزوم خلو المعانى القياسية و الآراء المتخذة من العقول الناقصة و خلوّه من المعانى الإصطلاحية.

و ثانياً: لزوم التفحّص حول المدارك القطعى من حيث الصدور و الدلالة من الروايات لفهم معانى القرآن.

و ثالثاً: طرح الروايات المخالف مع محكمات القرآن و الحديث و التعقل الصريح.

ثم بعد الإيمان و الإيقان بانّ المستفاد من سيرة الأئمّة الأطياب المستشهدة بأخبار الباب و آثار الأئمّة الأبرار، استكشاف الحقائق من ظواهر القرآن، فمع ذلك انّا نمنع فهم جميع المعارف الحقة عنه من دون المراجعة الى الذين نزل القرآن فى بيوتهم و المفسّرون لآياته، اذ منه آيات محكمات و آخر متشابهات و منه ناسخ و منسوخ و منه عام و خاص و منه مجمل و مبين و منه تعريض... و لايعرف ذلك الا من جهة اخبارهم و ذلك عندهم.

عن على عليه السلام: ... ان اللّه... قسم كلامه ثلاثة أقسام، فجعل قسماً منه يعرفه العالم و الجاهل و قسم لايعرفه الا من صفا ذهنه و لطف حسه و صحّ تمييزه ممن شرح اللّه صدره و قسماً لا يعرفه الا اللّه و امناءه الراسخون فى العلم و انّما فعل اللّه ذلك لئلايدعى أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلممن علم الكتاب ما لم يجعل اللّه لهم و ليقودهم الاضطرارى الى الأيتمار لمن ولاة أمرهم...(1)

ص: 118


1- . الاحتجاج ج1 / 253؛ وسائل ج27 / 194؛ نورالثقلين ج1 / 767

فملخص الكلام فى المقام هو انّ اصول التفسير فى حجة الظواهر بحكم العقل الواضح فى قول المعصوم عليه السلام و هى غير فهم ظاهر القران على اسلوب أهل اللغة و السياق بحسب فهم العرف.

عن الصادق عليه السلام: كتاب اللّه على أربعة أشياء، العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق، فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء.(1) ولكن الإنسان مع زيغ نظره و غفلته، كيف له ان يفسّر القرآن بعضه ببعض الا اذا جعل اللّه قلبه واسعاً لفهم معانيه من ظاهره و باطنه و هو لايمكن الا بمراجعته الى مفسّره و مبيّنه فأى وجه له لفهم معانيه و مفاهيمه مستقلاً حتى ينجر فى اعمال نظره بمخالفته مع أئمّة القرآن فكم من رأى للمفسّر لتصحيح غرضه و اثبات مدعاه، فيتأول برأيه أو يتسارع بظاهر العربية بتفسير، من دون التوجه الى مواقع كلام اللّه، فعليه المراجعة الى العالمين بتفسيره و تأويله الذين أنزل اللّه القرآن فى بيوتهم، الحاملون لمعالمه و المفسّرون لآياته...

و هيهنا شبهة و هى: قيل فلو لم يكن القرآن كافياً لفهم معارف الالهية لامعنى لإرجاع فهم معانيه فى مقام التحدى الى القرآن، فلنا أخذ المعارف من القرآن بدون التوجه الى الروايات و دليلهم فى ذلك بانّ القرآن نور و النور لايستنير بنور آخر و بما انّ القرآن للتحدى مع الكفار فلو لم تكن كافياً للتحدى فما معنى إرجاعهم الى ذلك.

ص: 119


1- . عن أميرالمؤمنين و الحسين عليهماالسلام رواه مثله؛ مصباح الشريعة / 459؛ البحار ج89 / 20 / 103؛ عوالى اللئالى ج4 / 105

و ببيان آخر: فلو لم يكن القرآن هادياً و نوراً فما معنى الأمر بالتدبر و التفكر فيه و الّا يلزم الدور و الدور باطل...

قال بعض فى تفسيره: ... فالحق انّ الطريق الى فهم القرآن الكريم غير مسدود(1) و انّ البيان الإلهى و الذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادى الى نفسه... فكيف يتصوّر ان يكون الكتاب الذى فرضه اللّه بانّه هدى و انّه نور و انّه تبيان كل شى ء مفتقراً الى هاد غيره و مستنيراً بنور غيره و مبيناً بأمر غيره... و أما آيات الأحكام فقد اجتبينا تفصيل البيان فيها لرجوع ذلك الى الفقه... و لا معنى لإرجاع فهم معانى الآيات... حتى الى بيان النبى صلى الله عليه و آله وسلم. أقول:

أولاً: لو كان القرآن نوراً لما استثنى منه آيات المعاد و الأحكام و لاينافى فهمه و تفسيره بالرجوع الى بيان المعصوم عليه السلام.

و ثانياً: لاشبهة بانّه نور و شفاء للسعادة و الهداية و فيه تبيان كل شى ء بجميع مراتبه بظاهره و باطنه، تنزيله و تأويله فمع ذلك كله فهل يعرفه آحاد الخلق أكثر مفاهيمه فكم من مورد انّه يقول فى تفسيره (اللّه أعلم) و مع ذلك لاينافى مع نوريته.

و ثالثاً: يلزم لغوية الأمر بأخذ معالم القرآن عن أهل بيت الوحى و الاستضائه بعلوم القرآن عنهم عليهم السلام، فكم شبيهاً قوله بقول من قال (حسبنا كتاب اللّه).

و رابعاً: لايلزم من الأمر بالتدبر و التفكر فيه (مع وجود آيات

ص: 120


1- . طباطبائى فى الميزان ج3 / 86 / 87

المتشابه)، ظهورية جميع آياته نحو «الى ربها ناظرة».

و خامساً: عرض القرآن على القرآن على مسلك العامة، لإختفاء وجه الممتازة للشيعة بإفتقارهم الى أهل بيت العصمة فى جميع المعارف خصوصاً فى فهم معارف القرآن.

و سادساً: بانّ كثيراً ما ظهر منهم، الخطاء، بإتكائهم على آرائهم و أعوجائهم عن طريق أخذ معارف القرآن و إعمال نظرهم من دون التوجه الى بيان المعصوم عليه السلام.

و الحق انّ معالم القرآن و مفاهيمه من ظاهره و باطنه يحتاج الى بيان النبى صلى الله عليه و آله وسلم و المبيّنون لحدوده و معارفه لأنّ كليهما ثقلين و مؤيدين لأنفسهما و ينادين بأنه صامت و الامام نفس الكتاب و هو الناطق بانهما بحسب الواقع و بإقتضاء حقيقة المعصومين عليهم السلام و واقعهم لايحتاج الى البيان و قد بيّنا سابقاً بانّ حقيقته أيضاً ينادى بحقانية محمد و أهل بيته عليهم السلام و القرآن ينادى بانّه فى نفسه لايحتاج الى الغير، مع انّه يحتاج لتبيين معالمه و معارفه الى المعصومين عليهم السلام.

عن أبى عبداللّه عليه السلام: انّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حق تلاوته و هم الذين يؤمنون به و يعرفونه، فأما غيرهم فما أشدّ اشكاله عليهم و أبعده من مذاهب قلوبهم و لذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم انّه ليس شى ء أبعد من الرجال من تفسير القرآن... و انّما أراد اللّه بتعميته فى ذلك ان ينتهوا الى بابه و صراطه و ان يعبدوه و ينتهوا فى قوله الى طاعة القوام بكتابه و الناطقين عن أمره و ان يستنبطوا ما

ص: 121

احتاجوا اليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثم قال اللّه تعالى «و لو ردّوه الى الرسول و الى اولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»(1) فأما غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً... و ايّاك و تلاوة القرآن برأيك، فانّ الناس غير مشتركين فى علمه كإشتراكهم فيما سواه من الامور و لا قادرين على تأويله الا من حدّه و بابه الذى جعله اللّه له...(2) لايخفى على الخبير، بانّه من التأسف لمن يدعى المعرفة بالقرآن و هو يوهن بالتفاسير الروائيّة فيما ورد عن المعصوم عليه السلام حيث يقول (بانّه تطبيق ليس بتفسير) و ينسب المحدثون بالتقصير و الخطاء بروايتهم عن السلف بقوله (فهم لا يزيدوا على ما أفسده السلف اصلاحاً).(3) و انّما الكلام فى انّ ما أورده على مسالك السلف من المفسّرين، وارد بعينه على طريقته فى التفسير و حيث يروى عن العامة مضافاً بانّه ليس من حق التفسير ان يفسّر المفسّر القرآن بالقرآن كما فعله المخالفون من العامة حيث اعرضوا عن أبواب الهدى، كيف هو و من قبله استغنوا بفهمهم عن الرجوع الى العالمين بتفسير القرآن و تأويلاته...!(4)

ص: 122


1- . النساء / 83
2- . وسائل الشيعة ج27 / 191؛ البحار ج89 / 100
3- . تفسير الميزان ج1 / 5
4- . تفسير الميزان / 8

فى معنى التنزيل و التأويل و التفسير

لايخفى على المفسّر المدقق بانّ للقرآن ظهراً و بطناً بل له بواطن كثيرة فظاهره تنزيل و باطنه تأويل، و كشف المراد من ظاهره و باطنه يسمّى تفسير و قد اختلفوا فى معنى التفسير و التنزيل و التأويل، فقال بعض بانّ التفسير هو التأويل:

قال صاحب تاج العروس(1): التفسير و التأويل واحد... و استشهد بقوله تعالى «سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً»(2) أو قوله تعالى«أحسن تأويلاً».(3) قال فى القاموس الفسر: الابانة و كشف المغطى كالتفسير.

قال فى النهاية لإبن أثير: التأويل نقل ظاهر اللفظ من وضعه الأصلى الى ما يحتاج الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.

و قال فى مجمع البيان: التفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل و التأويل رد أحد المحتملين الى ما يطابق الظاهر و المعنى.

فى الصحاح الفسر: البيان و التأويل و تفسير ما يؤول اليه الشى ء.

هل التفسير يتكلم فى الألفاظ و يتعلق بالمحكمات أو تفسير الظاهر

ص: 123


1- . ج7 / 349؛ لسان العرب ج15 / 106
2- . الكهف / 88
3- . الأسراء / 35

بالرواية و العيان؟ و التأويل فى المعانى و كشف السرائر و المرام؟ و الذى تستفاد من الروايات فى باب التفسير و التنزيل و التأويل: ان التفسير كشف المعنى من ظواهر الآيات و سياقها، و أخبار عما أنزل فيه القرآن و عن سبب نزوله، فلهذا يقتصر فيها على ظاهر النقل و الرواية و...

و التأويل فهم بواطنها الى السبعة أو السبعين اوازيد، و صرف معنى الظاهر و ارجاع الكلام فيه الى معنى أخفى منه، المأخوذ من الشواهد الروائية، فلهذا لايبلغ أحد كنه معنى تأويلات كلام اللّه تعالى الا بما جائت من الأئمّة عليهم السلام.

عن الصادق عليه السلام قال: ... و لهذه العلة و اشباهها لايبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب اللّه الا نبيه صلى الله عليه و آله وسلم و أوصيائه عليهم السلام...(1) فالتفسير اظهار ما خفى، فيحتاج لظاهر معناه الى القرائن اللفظية و الحالية (أى فهم السياق منه) و بعد ظهور المعانى الظاهر منه لكشف معناه بالتنزيل، ثم يصل النوبة لفهم تأويلها أى فهم المعنى الغير الظاهر و هو التأويل الباطنى منه.

عن الصادق عليه السلام: ... و ما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى ان وجدوا له مفسّراً، قيل: و ما فسّره رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم؟! قال: بلى! قد فسّره لرجل واحد و فسّر للامة شأن ذلك الرجل و هو على ابن أبى طالب عليه السلام.(2) عن الصادق عليه السلام: انّ للقرآن تأويلاً فمنه ما قد جاء و منه ما لم يجى ء

ص: 124


1- . وسائل الشيعة ج18 / 148؛ البحار ج90 / 9
2- . وسائل الشيعه ج18 / 131؛ الكافى ج1 / 350؛ نورالثقلين ج4 / 358

فاذا وقع التأويل فى زمان امام من الأئمّة عرفه امام ذلك الإمام.(1) عن أحدهما عليهماالسلام فى قوله تعالى «و ما يعلم تأويله الا اللّه»(2) فرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أفضل الراسخين فى العلم، قد علمه اللّه جميع ما أنزل عليه من التنزيل و التأويل و ما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله و أوصيائه من بعده يعلمونه كلّه...(3) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: ... ما أنعم اللّه عزوجل على عبد بعد الإيمان، باللّه أفضل من العلم بكتاب اللّه و المعرفة بتأويله...(4) قال النبى صلى الله عليه و آله وسلم فى قوله عزوجل(5): «قل بفضل اللّه و برحمته»(6) فضل اللّه القرآن و العلم بتأويله و رحمته توفيقه لموالاة محمد و آله الطيبين و معاداة أعدائهم... ثم قال: يرفع اللّه بهذا القرآن و العلم بتأويله و بموالاتنا أهل البيت و التبرى من أعدائنا أقواماً فيجعلهم فى الخير قادة...(7) عن ابن مسعود قال: انّ القرآن نزل على سبعة أحرف، ما منها حرف الّا له ظهر و بطن و ان على بن ابى طالب عليه السلام علم الظاهر و الباطن...(8) ان ميثم التمار كان يقول لإبن عباس: سلنى ما شئت من تفسير

ص: 125


1- . الكافى ج1 / 191؛ بصائر الدرجات / 195؛ تفسير العياشى ج1/ 15؛ وسائل الشيعه ج18 /135 / 145 / 139 / 150 / 149/ 132
2- . آل عمران / 7
3- . وسائل ج18 / 132؛ بصائر الدرجات ج1 / 203؛ تفسير العياشى ج1 / 164
4- . فى تفسير الامام / 15؛ البحار ج89 / 183
5- . فى تفسير الامام / 4 / 5
6- . يونس / 58
7- . البحار ج92 / 183؛ تفسير الامام عليه السلام / 16
8- . حلية الأبرار ج1 / 65؛ ينابيع المودة / 373

القرآن، فانّى قرأت تنزيله على أميرالمؤمنين عليه السلام و علمنى تأويله.(1) عن الكاظم عليه السلام فى قوله تعالى «انّما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها و ما بطن»(2) فقال: انّ القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرم اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الجور و جميع ما أحل اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الحق.(3) فى حديث فضيل قال سئلت أباجعفر عليه السلام: ... ما يعنى بقوله لها ظهر و بطن، قال عليه السلام: ظهره تنزيله و بطنه تأويله...(4) عن جابر قال سئلت أباجعفر عليه السلام: عن شى ء من تفسير القرآن فأجابنى ثم سئلت ثانية فأجابنى بجواب آخر... قال عليه السلام: ان للقرآن بطناً و للبطن بطناً و ظهراً و للظهر ظهراً...(5) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: ان فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و هو على بن أبى طالب عليه السلام.(6)

ص: 126


1- . كشف الظنون ج1 / 429؛ البحار ج42 / 128
2- . الأعراف / 33
3- . البحار ج23 / 384 ح84؛ تفسير العياشى ج2 / 16؛ بصائر الدرجات ج1 / 33
4- . البحار ج92 / 97؛ تفسير الصافى ج1 / 17 مقدمة الرابع
5- . البرهان ج1 / 16؛ المحاسن ج2 / 300
6- . تفسير الصافى ج1 / 15

جهات التشابه لمناسبة الظواهر مع البواطن

انّ كلام اللّه جارية للحقائق الكلية و الكليات الشاملة و المراتب الكاملة مع ارتباط ظاهرها بباطنها الجامعة.

فلنا الإيمان (بعد الإيقان بكلام اللّه تعالى) بتلك الحقائق الكلية الجارية فى جميع مراتبها الكاملة و النازلة، بأىّ جهة من التشابه فى ظاهر ألفاظها مع بواطنها و لأىّ معنى فى مناسبة الألفاظ مع معانيها الظاهرية و الواقعية.

قال أبوعبداللّه عليه السلام: ... فلا و اللّه ما أمرناك و لا أمرناه الا بأمر وسعنا و وسعكم الأخذ به و لكل ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحق و لو أذن لنا لعلمتم انّ الحق فى الذى أمرناكم، فردوا الينا الأمر و سلّموا لنا و اصبروا لأحكامنا و ارضوا بها و الذى فرّق بينكم فهو راعيكم الذى استرعاه اللّه خلقه و هو أعرف بمصلحة غنمه فى فساد أمرها، فان شاء فرّق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها...(1) قال أبوعبداللّه عليه السلام: انّا نجيب الناس على الزيادة و النقصان...(2) عن الرضا عليه السلام: ... انّ كلام آخرنا مثل كلام أولنا و كلام أولنا مصداق

ص: 127


1- . روضة المتقين ج14 / 122
2- . الكافى ج1 / 65

لكلام آخرنا و اذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردوه عليه و قولوا أنت أعلم بما جئت به، فانّ مع كل قول منّا حقيقة و عليه نور، فما لا حقيقة معه و لا نور عليه فذلك قول الشيطان.(1) فبذلك يمكن ان تستفاد من مجموع الروايات وجوهاً لتناسب الظواهر مع البواطن، اذ القرآن جارية لكل زمان و جارية لكل ما يحتاج اليه الناس كجريان الليل و النهار و الشمس و القمر...

منها: كل مؤمن من ابتداء الخلق الى يوم القيامة، مصداق للعنوان العام للإيمان فهو مؤمن بمحمد و أوليائه و محبّ لهم، و فى مقابله كل منكر و ظالم فى العالم فهو منكرهم و من مخالفيهم... فلهذا ورد عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من الفريقين قال صلى الله عليه و آله وسلم: لو اجتمع الناس على ولاية على ابن أبى طالب عليه السلام لما خلق اللّه النار.

منها: كل ما جاء فى القرآن بعنوان الخير و الكمال و المحسنات الخلقى و الخُلقى فهو صفة للأنبياء و الأوصياء و مكرمة لمحمد و أهل بيته عليهم السلام و كل ما ورد و من نسب اليه الشرّ و القبيح و الخبائث فهو لمخالفيهم من الأولين و الآخرين.

منها: كل ما جاء فى القرآن بعنوان الإيمان و الحق و النور و العقل و الخير هكذا يشمل بمعناه الكامل و مصداقه الأتمّ الأنبياء و أوصيائهم و شيعتهم حسب مراتبهم و فى رأسهم لمحمد و أهل بيته عليهم السلام و كل ما ورد على خلاف ذلك من الكفر و الباطل و الجهل و الظلمة و الشرّ

ص: 128


1- . البحار ج2 / 250

ينصرف الى أعاديهم و ظالميهم من أول الخلق الى يوم القيامة.

منها: كل ما ورد فى الآيات من القصص و الحكايات و الأمثال و السنن الحسنة المذكورة فيها ذكر الأولين من الأنبياء و المرسلين و مؤمنيهم فهو مؤوّلة فى حق محمد و آله عليهم السلام و شيعتهم و مؤمنيهم، و جميع ما ورد من القصص و الأمثال فى حق الكافرين الملحدين نحو فرعون و شدّاد و هامان و من تابعهم من الطواغيت و الظلمة فهو فى حق أعدائهم و مؤوّلة بفرعون هذه الامة و طاغوتيها و جبتيها حذو النعل بالنعل لانّهم المصاديق الأتمّ لها.

منها: كل ما كان ظاهره الطيبات و لتغذية الأبدان، فباطنه مؤوّلة فى قوة القلوب و غذاء الروح نحو الماء و النور و الضياء لانّ النبى و أوصيائه عليهم السلام هم الأصل فى وساطة الخيرات و البركات الى المخلوقين.

فبذلك كل ما كان ظاهره فى الخبائث و الفواحش كالموت و الخمر و الميتة و الدم فباطنه أيضاً منصرفة الى أعداء محمد و آل محمد عليهم السلام لانّهم الأصل لجميع الخبائث و الرزائل الظاهرى و الباطنى و هم الشجرة الملعونة فى القرآن.

منها: كل ما كان ظاهر القرآن فى الأمر بمعرفته تعالى و عبادته و رضاه و غضبه أو ما ورد فيه من نسبة العضو الى اللّه كجنب اللّه و يد اللّه و قلب اللّه و روح اللّه و هكذا فباطنه ينصرف الى هياكل التوحيد محمد و أهل بيته المعصومين عليهم السلام لانّ الملوك ينسبون أعمال خدمهم الى أنفسهم و لو بنحو المجاز.

ص: 129

منها: من الامور المتسالم عليه بين جميع الملل و الأقوام، انّ أفعال الاُمم و القبائل من بدو الخلقة ينتسب الى رؤسائهم، لاسيّما نسبة أفعال الوزراء و الروساء الى أميرهم.

فبما انّ ثلث القرآن حكايات و قصص عن الأولين ثم يتبعهم الآخرين، و القرآن نزل بإياك أعنى و اسمعى يا جاره، فجميع قصصه و حكاياته جارية و منتسبة الى أولياء اللّه و تابعيهم القذّة بالقذّة و حذو النعل بالنعل و بقانون المقابلة جميع ما ينتسب الى الكفّار و الظلمة ينصرف الى رؤساء الطواغيت و الظلمة لانّهم أصلهم.

فبالنتيجة: الواجب على كل مؤمن بحدود القرآن بظاهره و باطنه و تنزيله و تأويله و سائر شئونه، الإيمان بتلك الحقائق و انّ للقرآن كليات كاملة و مصاديق تامّة، فهو فى ام الكتاب محفوظة لايمسّه الا المطهّرون، تنزيل من رب العالمين، نزل به الروح الأمين على لسان النبى الامى الكريم.

قال أبوعبداللّه عليه السلام: ياهيثم التميمى، انّ قوماً آمنوا بالظاهر و كفروا بالباطن، فلم ينفعهم شى ء و جاء قوم من بعدهم، فآمنوا بالباطن و كفروا بالظاهر، فلم ينفعهم ذلك شيئاً و لا ايمان الا بباطن و لا باطن الا بظاهر.(1)

ص: 130


1- . بصائر الدرجات ج1 / 536؛ البحار ج33 / 377

الموازين الصحيحة على الجرى و التطبيق

عن أبى جعفر عليه السلام قال: ظهر القرآن الذين نزل فيهم و بطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم...(1) قال أبو عبداللّه عليه السلام لعمر بن حنظلة: ... حسبك كل شى ء فى الكتاب من فاتحته الى خاتمته مثل هذا فهو فى الأئمّة عليهم السلام عنى به.(2) عن الكاظم عليه السلام فى قوله تعالى «انّما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها و ما بطن» فقال: انّ القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرم اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الجور و جميع ما أحل اللّه فى الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الحق.(3) بما انّ القرآن أكمل وسيلة لتزكية نفوسنا، فوجب لنا تعريض نفوسنا على القرآن ليعرف ضلالتها و هداياتها، فالقرآن لهداية جميع الناس فكما انّ آية المتقين تطبيق حى للمتقين الى زماننا هذا لما نزل فى حقّهم و أيضاً آية الفاسقين حى ينطبق على الفاسقين الى زماننا هذا، فالقرآن جارية فى كل زمان، ولكن ما الميزان لذلك الجرى و الإنطباق؟!

ص: 131


1- . البحار ج92 / 94 ح46؛ تفسير العياشى ج1 / 11
2- . الصافى ج 1 / 14؛ البحار ج 19 / 3؛ البرهان ج 1 / 22؛ تفسير العياشى ج 1 / 13
3- . الأعراف / 33؛ البحار ج23 / 384 ح84 و / 19 ح10 و / 301 ح7؛ تفسير العياشى ج2 / 16

انّ اللّه لايجعل القرآن لزمان دون زمان و لا لاُناس دون اُناس و لا لاُمة دون اُمة بل هو حى تجرى كما تجرى الشمس و القمر، لكن فى موطن ظاهره يخاطب النبى صلى الله عليه و آله وسلم بقوله تعالى «يا أيها النبى» و اخرى يخاطب عامّة الناس بقوله «يا أيها الناس» و مرّة ينادى المؤمنين بقوله «يا أيها الذين آمنوا».

عن الصادق عليه السلام: عليكم بالقرآن فما وجدتم آية نجى بها من كان قبلكم فاعملوا به و ما وجدتموه ممّا هلك بها من كان قبلكم فإجتنبوه.(1) عن أبى الحسن على بن محمد بن الرضا عليه السلام عن أبيه قال: انّ رجلاً سأل أبا عبداللّه عليه السلام ما بال القرآن لايزداد على النشر و الدرس الا غضاضة؟ فقال: لانّ اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان و لا لناس دون ناس فهو فى كل زمان جديد و عند كل قوم غض الى يوم القيامة.(2) عن أبى جعفر عليه السلام: ... و لو انّ الآية اذا نزلت فى قوم ثم مات اولئك ماتت الآية لما بقى من القرآن شى ء ولكن القرآن يجرى على آخره مادامت السموات و الأرض و لكل قوم آية يتلوها و هم، منها من خير أو شرّ.(3) عن الصادق عليه السلام قال: ... ولكنه حىّ يجرى فيمن بقى كما جرى فيمن مضى.(4)

ص: 132


1- . الصافى ج1 / 10؛ البحار ج1 / 16
2- . البحار ج92 / 15؛ مجموعة الورام ج2 / 72
3- . تفسير العياشى ج1 / 19؛ تفسير الصافى ج1 / 21
4- . مقدمة البرهان / 5؛ الكافى ج1 / 192

قال الصادق عليه السلام: ... و ان كانت الآيات فى ذكر الأولين، فما كان منها من خير فهو جار فى أهل الخير و ما كان منها من شرّ فهو جار فى أهل الشرّ...(1) عن على عليه السلام قال: من أراد ان يسأل عن أمرنا و أمر القوم فانّا و أشياعنا يوم خلق اللّه السموات و الأرض على سنة موسى و أشياعه و انّ عدوّنا (و أشياعه) يوم خلق اللّه السموات و الأرض على سنة فرعون و أشياعه...(2) عن الباقر عليه السلام حيث يقول لحمران... و ان ظهر القرآن الذين نزل فيهم و بطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم.(3) عن جابر قال سئلت أباجعفر عليه السلام عن شى ء من تفسير القرآن فأجابنى ثم سئلت ثانية فأجابنى بجواب آخر فقلت جعلت فداك كنت أجبت فى هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم فقال لى يا جابر انّ للقرآن بطنا و للبطن بطناً و ظهراً و للظهر ظهراً يا جابر ليس شى ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآيه لتكون أولها فى شى ء و آخرها فى شى ء و هو كلام متصل ينصرف على وجوه.(4) هذا الخبر يدل على انّ للقرآن باطن و ظاهر و للآية تأويلات مختلفة و لاينافى ان أولها فى شئ و آخرها فى شى ء و أيضاً لاينافى أولها فى تفسير الظاهر و آخرها فى التأويل و بالعكس.

ص: 133


1- . تأويل الآيات / 23؛ البحار ج24 / 316
2- . شواهد التنزيل ج1 / 43؛ تفسير الفرات / 42 / 314
3- . تفسير العياشى ج1 / 11؛ معانى الأخبار / 259
4- . تفسير العياشى ج1 / 12؛ تفسير القمى ج1 / 19

و بعد التأمل فى ما ذكرناه نقول: ما الميزان لتلك الجرى و الإنطباق؟ لا ريب بأنّ علينا الإعتماد لفهم معانى القرآن باللغة مع التوجه الى سياق الآيات و التفسيرالوارد حولها، فعلينا لفهم الألفاظ العربية فهم التناسب بين ظاهر اللفظ و المعنى و الواقع الموضوع له لا الركون و الجمود على الفهم اللغوى التقليدى أو المعنى الاصطلاحى و العرفانى.

مضافاً بانّ سياق الآية قبلها و بعدها يرشدنا لمعناها الواقعى كما فى قوله تعالى«فاكهة و أبّاً» و بعدها قوله تعالى «متاعاً لكم و لأنعامكم».(1) أضف الى هذه وجود التفاسير عن أئمّة الوحى عليهم السلام لتبيين المعنى تطبيقاً واحداً، لكن هل لنا لفهم المعنى الأشمل و الإنطباق الأكمل لجميع موارد المشابه دليل جارية بالسوية أم لا؟ و ما الميزان فى ذلك، هذا هو الذى يجعل القرآن حيا أبداً، فعلينا فهم الصحيح لحدود تطبيق التفسير لعموم الآية و جريها على ساير الموارد بظاهرها و باطنها.

تستفاد من مجموع آيات القرآن و من وجوه تنزيله و تأويله كما انّ القرآن لهداية الناس حين يقول «يا أيها الناس» و لا يختص حينئذ بقوم و ملة دون آخر، فكذلك انّ خطاب المؤمنين بقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا»مختصة بالمؤمنين من كل امة و طائفة، و هكذا سائر

ص: 134


1- . العبس / 31 / 32

المخاطبين المقصودين بالخطاب المعهود اليهم بعنوان المخاطبة نحو «يا أيها النبى» «يا نساء النبى» ولكن هل تشمل تلك الخطابات للسايرين بمثل المخاطبين أم لا؟ فهل تجرى الآية و ينطبق على عدة آخر، الغير الموجودين فى سياق الآية؟ لاشبهة انّ القرآن جار على كل زمان، و لكل امة فى كل تنزيل و تأويل لو كانوا بتلك المرتبة من النزول، ولكن شمولها فى مورد نزول بعضها بنحو العموم و الإطلاق مورد التأمل بل المنع لانّ فى تعليل الروايات قد جائت بهذا النحو- لنا خاصة- لنا و شيعتنا (لنا و لعدوّنا) فاتخاد المصداق الأتم و الفرد الأكمل، ثم الجرى على السائرين يحتاج الى دليل يلزمنا ذلك الجرى و الإنطباق.

فعلينا النظر الجميل فى مورد التنزيل و التأويل لصحة ذلك الجرى فى مورد الإنطباق، هذا موضوع زلة الأقدام، فبما ذكرنا يظهر انّ جميع الخيرات و المحسنات لمحمد و آل محمد عليهم السلام فاختصاصها بهم و فى شأنهم تنزيلاً و تأويلاً مؤيدة بالروايات كما ان جميع الخبائث و الشرور و السيئات منصرفة الى أعدائهم و مخالفيهم تنزيلاً و تأويلاً على ما تستفاد من الروايات الكثيرة.

قال على عليه السلام: ان ثلثى القرآن فينا و فى شيعتنا... و الثلث الباقى أشركنا فيه الناس فما كان من شر فلعدونا...(1) هذه طريقة أهل البيت لإنطباق القرآن على ما يقبل الإنطباق و ان

ص: 135


1- . البحار ج89 / 85

كان خارجاً عن مورد التنزيل و لم يرد فيه نص صريح ولكن الإعتبار و السياق يساعده لانّ القرآن نزل هداية للعالمين.

عن الباقر عليه السلام: ... ما من آية نزلت تسوق الى الجنة الا و هى فى النبى و الأئمّة عليهم السلام و أشياعهم و أتباعهم و ما من آية تسوق الى النار و هى فى أعدائهم و المخالفين لهم و ان كانت الآيات فى ذكر الأولين، فما كان منها فى خير فهو جار فى أهل الخير و ما كان منها فى شرّ فهو جار فى أهل الشر...(1)

ص: 136


1- . تأويل الآيات / 23

جواز أخذ المصاديق الواضحة لظاهر القرآن و باطنه

عن أبى بصير قال قال الصادق عليه السلام: يا أبامحمد ما من آية نزلت تقود الى الجنة و تذكر أهلها بخير الا و هى فينا و فى شيعتنا، و ما من آية نزلت تذكر أهلها بشر و تسوق الى النار الا و هى فى عدوّنا و من خالفنا.(1) لا شبهة بانّ مصداق الخير و الايمان و الطيّب بأكمله و أتمّه بقانون الجرى و الانطباق جارية فى مصداقه الأتمّ و الأكمل منه و هو محمد و آل محمد عليهم السلام كما انّ مصداقه الأكمل و الأتمّ من الشرّ و الكفر و الخبيث أعداء محمد و آل محمد عليهم السلام فقال عليه السلام... ان ذكر الخير كنتم أوله و أصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه...

فلنا أخذ المصداق فى كل مورد بما يناسبها، ففيها المصداق الأكمل و الأتم لها، نحو سورة المؤمنين لجميع الامة على نهج واحد و المنافقين للمنافقين.

فكل خير و إيمان و حق و طيب و جميع المحسنات الخَلقى و الخُلقى تنزيلاً و تأويلاً فى حقهم أصلاً و فرعاً و تنزيلاً و تأويلاً، أولاً و آخراً، فهم المصاديق الأتم و الأكمل لذلك، فهم أصله و فرعه و معدنه

ص: 137


1- . البحار ج27 / 125

و مأواه و منتهاه و شيعتهم الملحقون بهم بحسب الدرجات المختلفة فيهم، فعلى ذلك كل من عمل و انطبق فى ذلك السلك، فهو ملحق بهم.

هذه قاعدة عامة تجرى كما تجرى الشمس فهى مؤيدة بالروايات العامة و الخاصة و ظاهر الآيات الناصة و شأنية القرآن لهداية العامة.

انّما الكلام و هو موضع زلة الأقدام فى غير هذه الموارد، فلايجوز لنا أخذ المصداق الأتم و الأكمل مع صراحة سياق الآيات لأشخاص خاصة و وجه نزولها و الروايات الناصة الخاصة لموردها.

فى تفسير الامام عليه السلام: أتدرون من المتمسك به، الذى له بتمسكه هذا الشرف العظيم؟ هو الذى يأخذ القرآن و تأويله عنّا أهل البيت (أو عن وسائطنا الى شيعتنا) لا عن آراء المجادلين و قياس الفاسقين، فأما من قال فى القرآن برأيه فان اتفق له مصادفة صواب، فقد جهل فى أخذه عن غير أهله...(1) فى تفسير النعمانى عن الصادق عليه السلام: ... انّهم ضربوا بعض القرآن ببعض... و احتجوا بالخاص و هم يقدرون انّه العام و احتجوا بأول الآية و تركوا السبب فى تأويلها و لم ينظروا الى ما يفتح الكلام و الى ما يختمه و لم يعرفوا موارده و مصادره، اذ لم يأخذوه عن أهله فضلوا و أضلوا... فليس بعالم بالقرآن و لا هو من أهله و متى ما إدعى معرفة هذه الأقسام مدع بغير دليل فهو كاذب مرتاب، مفتر على اللّه الكذب و رسوله و مأويه جهنم و بئس المصير.(2)

ص: 138


1- . تفسير الامام عليه السلام / 14؛ وسائل الشيعة ج27 / 33
2- . البحار ج90 / 3؛ تفسير الصافى ج1 / 39

الجرى و التطبيق و أخذ المصداق الأتم و الأكمل

لايخفى عليك بانّه يمكن ان يجرى عند التطبيق آية مع تأويلها لعدة خاصة ثم يجى ء فى تأويل آخر أيضاً لعدة آخر بمناسبة آخر تأويلاً أو تنزيلاً ولكن من العالم بتلك الإنطباق؟ نحو جريان سورة هل أتى فى الروايات فى شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام و اخرى فى كل مؤمن فعل ذلك للّه عزوجل.

قال على عليه السلام فى قوله تعالى «و يطعمون الطعام على حبه...» فأنزل اللّه سبحانه الآيات فيهم و هى جارية فى كل مؤمن فعل ذلك للّه عزوجل.(1) فهل يمكن(2) التعدى عن تأويل آية ورد فيها رواية الى عدة اخرى على نهج اخرى و وجه أوفى بالتوجه الى سياق الآيات و الحكم الواضح من العقل المستند الى النص الى موارد اخرى لو كانت دليلها محكماً لا متشابهاً... كما ينصرف الطاغوت و الظالمين و الملعونين فى الامم السالفة الى الفرد الكامل منه فى هذه الامة و الى رؤساء السقيفةو الشجرة الملعونة فى القرآن و مؤولة ببنى امية و آل أبى سفيان ثم تابعيهم و هكذا.

ص: 139


1- . الانسان / 8؛ تفسير القمى ج2 / 399؛ البحار ج35 / 243
2- . نور الثقلين ج 5 / 471

فمطلقات الآيات و عموماتها تنصرف فى مرتبة التأويل الى الفرد الكامل منه مع حفظ دائرتها فى السعة و الضيق...

نحو قوله تعالى «لقد أضلنى عن الذكر» الذكر الأتم ينصرف الى ولاية ولى اللّه و طاعتهم و ذكرهم، و الاضلال عن الذكر منصرف الى أعداء أميرالمؤمنين عليه السلام فظاهر التنزيل الى يوم القيامة و تأويله ينصرف الى أبى بكر و عمر.(1) و نحو قوله تعالى «اهدنا الصراط المستقيم»المصداق الأكمل هو أميرالمؤمنين و الأئمّة المعصومين عليهم السلامثم شيعتهم الأولين منهم ثم الآخرين الى يوم القيامة.(2) و نحو قوله تعالى «يوم يعض الظالم على يديه» المراد منه، المصداق الأتم من الظالم هو الأول و صاحبه.(3) و نحو قوله تعالى «أ و لم يرى الانسان انّا خلقناه من نطفة فاذا هم خصيم مبين» أطلق الانسان على الكامل فى النفاق و الكفر ثم من وافقه المصرّ على خصومته و جداله مع الحق و الولاية.(4) و نحو قوله تعالى «فأما من أوتى كتابه بيمينه» نزلت فى على عليه السلام و جرت لأهل الإيمان مثلاً.(5) و نحو قوله تعالى «و من قتل مظلوماً» ... هو الحسين عليه السلام و بتلكالاًطلاق تنصرف الآية الى الفرد الأكمل منه.(6)

ص: 140


1- . الفرقان / 29؛ تفسير القمى ج2 / 112
2- . الكافى ج1 / 433
3- . الفرقان / 27؛ تفسير القمى ج2 / 113
4- . يس / 77؛ البحار ج57 / 375
5- . الحاقة / 19؛ الكافى ج2 / 32؛ تفسير العياشى ج2 / 302
6- . الأسراء / 33؛ تفسير العياشى ج2 / 290

و نحو قوله تعالى «و اذا المؤودة سئلت» فينصرف الى الفرد الأكمل منه و هو المحسن بن على بن ابى طالب عليه السلام.(1) و نحو قوله تعالى «و وصّينا الإنسان بوالديه» المنصرف على الحسين عليه السلام و هو الأكمل العناوين لانّ حمله و فصاله ثلاثون شهراً.(2) و نحو قوله تعالى «و الشجرة الملعونة فى القرآن» ينصرف الى رؤساء الظلمة و الخلفاء الثلاثة و بنى اميّة و تابعيهم.(3) و نحو قوله تعالى «و اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم» فبعث عليهم خير شيعتنا كسلمان و المقداد و أباذر و عمار و نظرائهم فى العصر الذى يليهم ثم فى كل عصر الى يوم القيامة.(4) عن أبى عبداللّه عليه السلام فى قوله تعالى «ان الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا...»(5) قال هم الأئمّة و تجرى فيمن استقام من شيعتنا و سلّم لأمرنا و كتم حديثنا عند عدوّنا... و قد و اللّه مضى أقوام كانوا على مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا و سلّموا لأمرنا...(6) عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى «الذين جاهدوا فينا»(7) قال نزلتفينا، و فى رواية آل محمد عليهم السلام و لأشياعهم.(8) و نحو قوله تعالى «أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و اولى الأمر منكم»

ص: 141


1- . التكوير / 8؛ السليم ج2 / 949؛ كامل الزيارات / 63
2- . الأحقاف / 15؛ الكافى ج1 / 464
3- . الأسراء / 60؛ رياض السالكين ج1 / 165
4- . البقرة / 40 / 47 / 122؛ تفسير الامام عليه السلام / 240؛ تفسير العياشى ج1 / 44
5- . الأحقاف / 13
6- . لوامع النورانية / 352؛ تفسير القمى ج2 / 297؛ بصائر الدرجات ج1 / 94
7- . العنكبوت / 69
8- . لوامع النورانية / 290؛ تفسير الفرات / 320؛ الاختصاص / 127

المقصود من أولى الأمر، الأئمّة المعصومين عليهم السلام من طريق الخاصة و العامة.(1) و نحو قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه و كونوا مع الصادقين»المقصود الأئمّة المعصومين عليهم السلام بنص خاص و دلالة واضحة، فلايقول من الصادقين فالمستفاد المصداق الأكمل منه.(2) و نحو قوله تعالى «مولاه و جبرئيل و صالح المؤمنين»(3) و المراد هو أميرالمؤمنين عليه السلام من طريق الخاصة و العامة و لا يؤخذ المصداق الأتم من الصالح من المؤمنين عليه السلام فهل تستفاد الفرد الأتم و الأكمل منه؟(4) و فى قوله تعالى (فى مقدمة سورة الواقعة) و هذه السورة لأميرالمؤمنين عليه السلام خاصة لايشركه فيها أحد.(5) و فى قوله تعالى «انما أنت منذر و لكل قوم هاد»(6) ينصرف الى أميرالمؤمنين عليه السلام و الأئمّة عليهم السلام فقط فهم الهادون الى الصراط المستقيم و الاستقامة و العصمة منحصرة بهم و فيهم.(7)عن أبى عبداللّه عليه السلام قال قلت له «انّما أنت منذر و لكل قوم هاد»فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم المنذر و على الهادى، يا أبامحمد فهل منا هاد اليوم، قلت بلى، جعلت فداك، مازال فيكم هاد من بعد هاد حتى رفعت اليك فقال رحمك اللّه يا أبامحمد و لو كانت اذا نزلت آية على رجل ثم

ص: 142


1- . النساء / 59؛ الكافى ج1 / 187؛ تفسير الفرات / 108
2- . التوبة / 119؛ الكافى ج1 / 208؛ تفسير الفرات / 174؛ بصائر الدرجات ج1 / 31
3- . التحريم / 4
4- . شواهد التنزيل ج2 / 341؛ تفسير القمى ج2 / 377
5- . تفسير كنز ج 13 / 1
6- . الرعد / 7
7- . الكافى ج1 / 191؛ بصائر الدرجات ج1 / 30

مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حى يجرى فيمن بقى كما جرى فيمن مضى.(1) و قال اللّه تعالى «انا عرضنا الأمانة» المراد من الأمانة هى الولاية، بدليل خاصة و عامة فهى نازلة فى حق الأئمّة المعصومين عليهم السلام فقط و مؤوّلة بولايتهم.(2) و قال اللّه تعالى «انّا أنزلناه فى ليلة القدر» المراد منها فاطمة عليهاالسلام.(3) و قال اللّه تعالى «اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا»(4) عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية فى آل محمد عليهم السلام خاصة.(5) و قال اللّه تعالى «و نريد ان نمن... و نجعلهم أئمّة...»(6) فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة و اخرى (هى لنا وفينا) قال نزلت فينا خاصة فى أميرالمؤمنين عليه السلام و ذريته و ما ارتكب من أمر فاطمة عليهاالسلام.(7) و من تلك الموارد آية الصلوات و التطهير و الولاية و المودة.

و غير ذلك النازلة فيهم تنزيلها أو تأويلها بالخصوص فعلى ذلك لايجوز أخذ المصداق لها بالسهولة الا فى صورة شمول العمومات و المحكمات لتلك الموارد.

عن أبى عبداللّه عليه السلام فى قوله تعالى «قل كفى باللّه شهيداً»(8) قال: ...

ص: 143


1- . البحار ج 23 / 4؛ بصائر الدرجات / 10
2- . الأحزاب / 72؛ بصائر الدرجات ج1 / 76؛ الكافى ج1 / 413
3- . القدر / 1؛ تفسير الفرات / 581
4- . الحج / 39
5- . اللوامع / 226؛ شواهد التنزيل ج1 / 520؛ تأويل الآيات / 334
6- . قصص / 5
7- . اللوامع / 287؛ تأويل الآيات / 335؛ تفسير البرهان ج3 / 888
8- . الأسراء / 96

فلما رانى أتتبع هذا و أشباهه من الكتاب، قال عليه السلام: حسبك كل شى ء فى الكتاب من فاتحته الى خاتمته مثل هذا فهو فى الأئمّة عليهم السلامعنى به.(1) و فى قوله تعالى «الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار»(2) قال: روى انّها نزلت فى أميرالمؤمنين على بن ابى طالب عليه السلامو كان سبب نزولها، انّه كان معه أربعه دراهم فتصدق بدرهم منها بالليل و بدرهم فى النهار و بدرهم فى السرّ و بدرهم فى العلانية، فنزلت هذه الآية و الآية اذا نزلت فى شى ء فهى منزلة فى كل ما تجرى فيه.

ص: 144


1- . البحار ج92 / 116؛ تفسير العياشى ج1 / 13؛ نورالثقلين ج2 / 524
2- . البقرة / 274؛ تفسير الفرات / 70 / 72 / 140 / 151

جملة من مضرات التأويلات الباطلة المنفية لاشبهة بانّ الصيانة الضامنة فيما جائت به القران و السنة الواردة عن الائمه عليهم السلام و هى فى تصديقهما و التسليم عليهما، لاتوجيههما و تأويلهما، و الركون الى الرأى و القياس و التوجيه بما لايرضى اللّه و رسوله صلى الله عليه و آله وسلم.

و لايخفى عليك بان منع التأويل المنفى يكون لأجل تحريف الحقائق و التدليس بها و قد قال اللّه تعالى «يحرفون الكلم عن مواضعه».(1) فبما ان بناء العقلاء على حجية ظواهر القران، فتحريف الكلام و تأويله عن موضعه خلاف السيرة العقلاء و الوجدان و القرآن! اذ ليس فيه الحجة الظاهرى و الباطنى! فضرر التأويل المنفى تشمل جميع الملل و الأديان فى جميع الحقائق و معارضة مع ضرورية حجية الظواهر و من ذلك الضرر.

أولاً: يلزم الهرج و المرج عند عدم اعتبارية الظهور.

و ثانياً: يلزم تحريف الحقائق و اختفائها.

و ثالثاً: يلزم اختلاطاً فى المذاهب و امتزاجاً فى المشارب و المسالك.

ص: 145


1- . النساء / 46

و رابعاً: يورث الإختلاف بين المذاهب الحقة.

و خامساً: يلزم التكلم عن صاحب الكلام بالكذب و التدليس و قد قال اللّه تعالى «اللّه اذن لكم أم على اللّه تفترون».(1) و سادساً: يلزم منه خلط الواقعيات.

و سابعاً: يلزم منه حذف الحقائق القرآنية.

و ثامناً: يلزم منه انسداد باب الوحى و الهداية.

و تاسعاً: يلزم منه نقض غرض المتكلم الحكيم.

و عاشراً: يلزم منه نفوذ المكاتب المنحرفة، لتوجيه مرامهم فى تأويل كلامهم.

فبذلك يظهر بانّ المتأول و المتدلّس ضالّ و مضلّ و مبطل! لانّه بصدد تحريف الحقائق فى تأويلاته و توجيهاته.

و الحق انّ الأهداف دواعى الوصول للكلام الى الحقائق، و هو أمر تضمينى عقلائى فالمتأوّل لايصل الى مقصوده الا بتوجيهه الحقائق الى عقيدته، و هو من التفسير بالرأى، لانّه يمحو الحق و يثبت الباطل فى تأويله، بل هو نوع من التدليس و هو مقبوح عقلاً و نقلاً.

ص: 146


1- . يونس / 59

بيان الصدرى الشيرازى حول التأويلات المنفية يدعى بعض الحكماء انّ الحكمة المصطلحة، المتعالية بزعمهم منطبقة على ميزان القرآن و السنة، انّهم لمّا رأوا عدم تطابق آرائهم مع ظواهر الشرع، أوّلوها مع مباينة كلامهم الحكمية و العرفانية خصوصاً تأويلاتهم المنفية حول الآيات الكثيرة.

الحق انّ الصيانة فى التسليم و التصديق بهما لا التوجيه و الركون الى الآراء الفلسفية و العرفان الصوفية، فتحريف الكلام و التدليس به خلاف حجية الظواهر و ظاهر الآيات و الروايات، و قد أذعن بذلك الصدرى الشيرازى يقول رداً على التأويل المنفى(1): ... و أما كونه حراماً شرعاً فلان الألفاظ اذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه عن صاحب الشرع و من غير ضرورة تدعوا اليه من دليل العقل اقتضى بطلان الثقة بالألفاظ، و لو جاز صرف الألفاظ الشرعية من مفهومها الأول مطلقاً من غير داع عقلى لسقط منفعة كلام اللّه و كلام رسوله فان ما يسبق منه الى الفهم لايوثق به و الباطن لاضبط له بل

ص: 147


1- . كسر الأصنام / 30 مطهرى در زيان تأويل گويد: أثر اين چنين توجيهات و تأويلات صرفا گمراه شدن ذهن دانشجو و طلبه و هركس ديگر كه رجوع به اين مطالب داشته باشد مى باشد. مكتب تفكيك / 32

يتعارض فيه الخواطر و يمكن تنزيله على وجوه شتى و انحاء ترى.

و هذا أيضاً من المفاسد العظيمة ضرورياً و البدع الشايعة عند المسمّين بالصوفية و بهذا الطريق توسلت الباطنية الى هدم جميع الشريعة بتأويلها و تنزيلها على رأيهم فيجب الاحتراز عن الاغترار بتلبيساتهم فانّ شرّهم أعظم على الدين من شرّ الشياطين، اذ الشياطين بوساطتهم يتزرّع الى انتزاع الدين من قلوب المسلمين.

و يقول الشيرازى أيضاً فى رسالة حدوث العالم: ... ثم تأويل ما ورد فى نصوص الكتاب و السنة انّما هو لقصور العقول عن الجمع بين قواعد الملة الحنيفة و الحكمة الحقيقة و الا فألفاظ الكتاب و السنة غير قاصره عن افادة الحقائق و تصوير العلوم و المعارف المتعلقة بأحوال المبدء و المعاد حتى يحتاج الى الصرف عن الظاهر للأقاويل و إرتكاب التجوز البعيد و التأويل.(1) لايخفى عليك بان أول التحريف و التدليس هو انعكاس معنى آخر للتأويل، غير ما هو الحق فى ذلك من معناها اللغوى بمعنى صرف الألفاظ عن مقتضى ظواهرها من دون دليل توجبها لانّ الألفاظ وضع للحقائق الخارجية لا المعانى التصورية المصطلحة المستحدثة الباطنية العرفانية، فالتأويل فى منطق القرآن و الحديث و أرباب اللغة هو بطن من بطون الآية مع حفظ مدلول الكلام و منطوقه و سياقه على حسب حجية الظواهر، ثم اوّل المعنى الظاهرى الى الباطنى مع

ص: 148


1- . حدوث العالم / 15 / 17

التوجه الى تفسيرها و وجه ارتباط ظاهرها بباطنها و ارجاع فهمها مع حفظ محكمها بحكم العقل الصريح و النظر الى بيان المعصوم عليه السلام ولكن العرفاء عدلوا عن معناها الظاهرى فكيف بتأويلها، انّهم حملوها على المعنى الذى أرادوها على حسب رأيهم بغير قرينة و على خلاف حجية الظواهر و غيرها...

فالحق ان العرفاء لايحترمون بظاهر الشريعة و القرآن فكيف بباطنه و ان ادعوها، انظر مقالة بعض المتأخرين حول كلام ابن العربى عند قوله لفرعون بانّه مات مؤمناً يقول (هذا هو الظاهر الذى ورد به القرآن).

و قد صرح بتلك التأويلات الباطلة نيكولولسون فى حق ابن العربى حيث يقول: ... انه يأخذ نصاً من القرآن و الحديث و يؤوّله بالطريقة التى نعرفها فى كتاب فيلون اليهودى و اريجن الاسكندرى...

يعمد ابن العربى فى كل ذلك الى تخريج المعانى التى يريدها من الآيات و الأحاديث بطريقة خاصة فى التأويل، فان كان فى ظاهر الآية ما يؤيد مذهبه مهما كانت دلالتها على التشبيه و التجسيم أخذ بها و الا صرفها الى غير معناها الظاهر...

و عماده فى كل ذلك، انّه يتكلم بلسان الباطن الذى هو فى الحقيقة لسان مذهبه و يترك الظاهر الذى يعبر عن عقيده العوام...(1) قال أبوالعلاء العفيفى استاذ جامعة الفاروق فى تعليقته على

ص: 149


1- . عارف و صوفى / 66

الفصوص: ... هكذا اقتضى مذهب وحدة الوجود ان يغيّر ابن العربى مفاهيم الاصطلاحات الدينية و يستبدل بها مفاهيم اخرى فلسفية صوفية تتّفق مع روح مذهبه...(1) و قد يدعى بعض بانّ حكمتهم و أحكامها و ما تستفاد منها موافقة مع ظاهر الشريعة حيث يقول: و نحن نحمل كلامهم على الرموز و نؤوّلها تأويلات حسنة بقدر ما يمكن ان شاء اللّه...(2) و حاشى الشريعة الحقة الالهية البيضاء ان تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية و تبّاً لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب و السنة...(3) و قال أيضاً فى موضع آخر: ... نحن اذا قابلنا و طبقنا عقائدنا على ميزان القرآن و الحديث وجدنا منطبقة على ظواهر مدلولاتهما من غير تأويل، فعلمنا انّها الحق بلاشبهة و ريب، و لمّا كانت تأويلات المتكلّمين و الظاهريين من العلماء فى القرآن و الحديث مخالفة لمكاشفاتنا المتكرره الحقة، طرحناها.(4) و قال فى موضع آخر: ... كذلك هدانى ربى بالبرهان النير العرشى الى صراط مستقيم.(5) يقول فى العرشية حول ختم و وصيه: ... استعيذ باللّه ربى الجليل فى جميع اقوالى و مألفاتى و معتقداتى و مصنفاتى فى كل ما يقدح

ص: 150


1- . الفصوص / 42 112
2- . فى الأسفار ج 8 / 241 و ج 8 / 303
3- . الأسفار ج 2 / 342
4- . عارف و صوفى / 124
5- . الأسفار ج 2 / 292

فى صحة مطابقة للشريعة أتانا بها سيد المرسلين أو يشعر بوهنى...

و يقول أيضاً فى الأسفار(1): ... اياك و ان تظن بفطانتك البتراء ان مقاصد هؤلاء القوم من أكابر العرفان و اصطلاحاتهم و كلماتهم المرموزة خالية عن البرهان من قبيل المجازفات التخمينية أو التخيلات الشرعية، حاشاهم عن ذلك و عدم تطبيق كلامهم على القوانين الصحيحه البرهانيه و المقدمات الحقه الحكمية، ناش عن قصور الناظرين و قلة شعورهم بها و ضعف احاطتهم بتلك القوانين و الا فمرتبة مكاشفاتهم فوق مرتبة البراهين فى افادة اليقين...(2) و هذا الإدعاء بعينه موجود فى حق ابن العربى و غيره من أصحاب التأويلات المنفية من الباطنية...

ص: 151


1- . الأسفار ج2 / 315
2- . الأسفار ج 7 / 110 يقول ملا الصدرى الشيرازى: گفته هايم از مشكات نبوت و ولايت و از چشمه هاى كتاب و سنت استخراج شده. العرشية / 111

خلف فاحش فى الإدعاء

كيف يمكن الجمع بين الإدعاء و الإفتراء، من جانب يدعى تطابق آرائه على ظاهر الكتاب و اخرى من الوهن بآراء جملة من الصوفية و المتفلسفة فيقول: و لا تشتغل بالتّرهات العوام الصوفية من الجهلة و لاتركن الى الأقاويل المتفلسفة جملة فانّها فتنة مظلمة و الأقدام عن جادة الصواب مزلة... و قانا اللّه و أياك من شرّ هذين الطائفتين و لاجمع بيننا و بينهم طرفة عين...(1) و من جانب يمدحهم و يقول: ... فالحق ان من له قدم راسخ فى التصوف و العرفان...(2) و اخرى عنه: ... كيف و جميع المحققين من أكابر الفلاسفة و الصوفية...

و من جانب يذم علماء الشيعة و يوبّخهم بانّهم على ظاهر الشريعة بقوله: و قد ابتلينا بجماعة غار بهم الفهم فغمش عيونهم عن أنوار الحكمة... كأبصار الخفافيش يرون التدبر... بدعة...(3) و من جانب يمدح و يثنى على ابن العربى و السهروردى و غيرهما

ص: 152


1- . الأسفار ج 1 / 12
2- . الأسفار ج 2 / 322
3- . الأسفار ج 1 / 12

بانّهم المحققون و الأفاضل و العارف القيومى و العارف الصمدانى السبحانى و يمدحهم بالمجازفة و اليك بها.(1) انّ الشيرازى يذم الفقهاء المتعبدين بظاهر القرآن و أخبار المعصومين عليهم السلام الذين عندهم علماء الظاهر و شبههم بالخفافيش ولكن يمدح رؤساء الصوفية و يلقبهم بأحسن التماجيد و لعمرى ما أدرى من مراده من جملة الصوفية و جهلتهم هل هو ابن العربى، أم مراده الصوفية قبل المسيح أم بعده أو السهروردى أو ابن السينا أو غير ذلك.

و الحق انّه فى ادعائه متأوّل و متدلّس لانّه مع تلك الدعوى يقول: بانّهم أحيوا رسوم الجاهلية من اليونانيين و الهند و الزرتشت فكيف بإنطباقها مع ظواهر الكتاب و السنة؟! و قد صرّح بذلك الشيرازى حيث يقول: ... التى أثبتها أفلاطون و أفلاطونيون و نحن قد أحيينا رسوم المتقدمين فى القول بهذا المذهب و تقويمه...

و قال فى الأسفار فى مدح السهروردى... شيخ أتباع المشرقيين المحيى رسوم حكماء الفرس...

ص: 153


1- . الأسفار ج 2 / 322 و قال الشيخ الفاضل الغزالى الأسفار ج 2 / 363 و قد حقق الشيخ الجليل محيى الدين الأعرابى الأسفار ج 2 / 333 فكذلك عند كثير من المشايخ الموحدين كالشيخين محيى الدين الأعرابى و صدر الدين القونوى الأسفار ج 2 / 334 و قال العارف القيومى مولانا جلال الدين الرومى فى المثنوى الأسفار ج 2 / 329 و قد سماه الشيخ العارف الصمدانى الربانى محيى الدين الاعرابى... و غير ذلك مطهرى در شرح منظومه گويد ج 1 / 238 علامه طباطبائى معتقدند كه اصلا در اسلام هيچ كس نتوانسته است يك سطر مانند محيى الدين بياورد...

فبالجملة كيف يمكن الجمع بين تلك التهافة من الإدعاء و الإفتراء و التوهين و التمجيد، فالحق ان هذا أول التدليس و التكذيب و سيأتى بانّ فى ادعائه أيضاً بان عقائده منطبقة على موازين الشريعة كذب و افتراء و تدليس...

انّهم لمّا رأوا عدم الميزان لبراهينهم مع ظواهر الكتاب و السنة أولوا نصوص الكتاب بالتأويل المنفى و وجدوا عدم تطابق أقوالهم مع البراهين فى التوحيد أولوا كلامهم بالتدليس و خالفوا التنزيل مع التأويل قالوا: بانّ الصوفى مأمور بالباطن و الأنبياء جائوا بظاهر الشريعة و لايجوز كشف الأسرار الباطنية الا لخواص أهل الطريقة...(1) و الخبير يجد النقص فى كلامهم بانّ الظاهر لسان الباطن مضافاً بانّ النبى و الأئمّة عليهم السلام هم أولياء لأسرار الباطنى فكيف بهم! فهم لم ينطقوا بتلك الأراجيف الباطنى...

ولكن شيوخ الصوفية و فى رأسهم الحلاج و ابن العربى و الشيرازى و غيرهم هتكوا ستر الأسرار و افتضحوها حيث يقول ابن العربى:(2)ان اللّه تجلّى لى مراراً و قال أنصح عبادى، فهو مأمور بإظهار هذه الأسرار... اقول نستجير باللّه من هذه الطامات! فبذلك يدعون النبوةالأخص... فالنبوة و الرسالة من حيث ماهيتها و حكمها ما انقطعت و ما نسخت و انّما انقطع الوحى الخاص بالرسول و النبى من نزول الملك على اذنه و قلبه فلايقال للمجتهد و لا الامام انه نبى و لا رسول و أما

ص: 154


1- . قال الطباطبائى فى الميزان ج5 / 282... ان القول بانّ تحت ظواهر الشريعة حقائق هى باطنها حق...
2- . فى الفصوص / 244

الأولياء فلهم فى هذه النبوة مشرب عظيم.... و بعض الأولياء يأخذونها وراثة عن النبى و هم الذين شاهدوه كأهل بيته ثم علماء الرسوم يأخذونها سلفاً عن سلف الى يوم القيامة فيبعد السند و أما الأولياء يأخذونها عن اللّه.

قال السيد أحمد الخوانسارى فى العقائد الحقّة: ... لابدّ من الأخذ بما هو صريح الكتاب و السنة و تأويلهما يوجب سلب الأمان كما قيل فى رد ما هو فى كلام بعض الصوفية من (ظهور نور فى الباطن عند ظهور طور وراء العقل و ان نسبة العقل الى ذلك النور كنسبة الوهم الى العقل).(1) فقال فى جوابه... يمتنع ان يكون طور وراء طور العقل الا النبوة و الرسالة و الوحى و لو جاز ذلك لبطلت الشرايع و جميع الأحكام العقلية و ارتفع الأمان و أنسد باب الإيمان.

ص: 155


1- . العقائد الحقة / 164

الإمتزاج و الإختلاط تستدعى التفكيك

لا يخفى بانّ جميع مبانى اعتقادهم منطبقة و متخذة من أكابر الفلاسفة اليونانية و الزردشتية و البودائية و غيرهم حرفاً بحرف فكيف بتطابقها مع ظاهر القرآن.

و الخبير يعرف مباينة طريقتهم مع معتقدات العلماء الشيعة و مشيهم فى ذلك على غير طريقة سيد المرسلين و الأئمّة المعصومين عليهم السلاملكنهم لما رأو عدم التطابق بين مقالاتهم مع القرآن الكريم و ما بينوها الأئمّة الأطيبين حول الآيات من تنزيل و تأويل أظهروا الأقاويل الفاسدة بعد قطع أيديهم عن الأدلة الواضحة و الحجّة الظاهرة فتأولوا الآيات الباهرة على قانون المكاشفة زعماً منهم بانّها هداية ربانية عرشية كاملة، و الحق ان مقالاتهم و آرائهم الفلسفى و العرفانى حول تفسير القران و اتخاذ التأويلات المنفية غير صحيحة فما الدليل على صحة بعض دون بعض مع المكاشفة؟ الا بقاعدة الإنطباق و التأويل أو التدليس الضالّة.

ص: 156

النتائج المعكوسة و لزوم الإنفكاك بينها

فلنا التفكيك عن المخالطة و المغالطة لان الحقائق تظهر ثمرتها بعد انفكاكها و قد اذعن بعض بلزوم تفكيك الظواهر الدينية عن المباحث العقلية فقال:

... و بالجملة فهذه طرق ثلاثة فى البحث عن الحقائق و الكشف عنها، الظواهر الدينية و طرق البحث العقلى و طرق تصفية النفس، أخذ بكل منها طائفة من المسلمين على ما بين الطوائف الثلاث من التنازع و التدافع، و جمعهم فى ذلك كزوايا المثلث كلّما زادت فى مقدار واحدة منها نقصت من الآخر بين و بالعكس...

و قد عرفت ان الكتاب يصدق من كل من الطرق ما هو حق، و حاشا ان يكون هناك باطن حق و لايوافقه ظاهره، و حاشا ان يكون هناك حق من ظاهر أو باطن و البرهان الحق يدفعه و يناقضه.

و لذلك رام جمع من العلماء بما عندهم من بضاعة العلم على اختلاف مشاربهم ان يوفّقوا بين الظواهر الدينية و العرفان كإبن العربى و عبد الرزاق الكاشى و ابن فهد و الشهيد الثانى و الفيض الكاشانى.

و آخرون ان يوفقوا بين الفلسفة و العرفان كأبى نصر الفارابى و

ص: 157

الشيخ السهروردى و...

و آخرون ان يوفقوا بين الظواهر الدينية و الفلسفة كالقاضى سعيد و غيره.

و آخرون ان يوفّقوا بين الجميع كإبن سينا فى تفاسيره و كتبه و صدر المتألهين الشيرازى فى كتبه و رسائله و عدة ممن تأخر عنه، و مع ذلك كله فالإختلاف العريق على حاله لاتزيد كثرة المساعى فى قطع أصله الا شدة فى التعرّق، و لا فى اخماد ناره الا اشتعالاً.(1) فبالجملة: ان الحق واحد و ليس فيه تناقض و اختلاف و الميزان لكشف الحقائق بنور العقل فى تصديق الوحى لا المتخدة عن تأويلات الباطنية و المشرب الصوفية الملحدة أو الحكمة اليونانية النوأفلاطونية بغير اعتصام من صاحب الشريعة فقال اللّه تعالى «فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم».(2) و قد صرح به الصادق عليه السلام: ... احذروا فكم من بدعة زخرفت بآية من كتاب اللّه، ينظر الناظر اليها فيراها حقاً و هى باطل...(3)

ص: 158


1- . تفسير الميزان ج 5 / 282
2- . آل عمران / 7
3- . البحار ج3 / 96 عن على عليه السلام: ... و يعطف الرأى على القرآن اذا عطفوا القرآن على الرأى... نهج البلاغه الصبحى / 195 / 757

التاويلات المنفية العرفانية أو التدليسات الذوقية الخرافية

لاشبهة بان بعثه الأنبياء و سرّ نزول الكتب معرفته تعالى و عبوديّته، التى جائت النبى صلى الله عليه و آله وسلم لتعليم القرآن الذى أساسه على معرفة الرب و خلع الأنداد لا انتشار الفلسفة و ترويج الحكمة الاصطلاحية اليونانية و عرفان الصوفية الملحدة القائلين بوحدة الوجود و الموجود! انّ النبى صلى الله عليه و آله وسلم علم الامة القرآن الذى مستكفياً لهداية الخلق.

أيكون القرآن ناقصاً فاستعين بالبراهين الفلسفية و القياسات الصوفية لرفع نقصانه؟! حاشا و كلا.

ان هذا القرآن كافياً مستكفياً فقال اللّه تعالى «لارطب و لايابس الا فى كتاب مبين»(1) لكنهم استغنوا بتحريفاتهم عن التمسك بظاهر القرآن و اعتمدوا فى تأويلاتهم على الكشف من غير التدبر لآيات الرب تعالى.

فأول التأويل و التدليس حذف الحقائق القرآنية و السنة المحكمة النبوية و الأخبار العلوية و تبديلها و خلطها و تحريفها باختراع المصطلحات الباطنية الصوفية فلنا اخراج المعانى اللغوية عوضاً عن الاصطلاحات المستحدثة العرفانية، لانّ وضع الألفاظ فى مقابل

ص: 159


1- . الأنعام / 59

الحقائق الخارجية لا المعانى التصورية الخيالية و التأويلات الباطنية، و لا المكاشفات الوهمية بدون تثبيتها فى نصوص الشريعة ثم انضمامها بالسيرة المحكمة النبوية و تأييدها مع العقل الصريح فلابدّ للناظر ان يتأمل حول التأويلات المنفية من العرفاء و الصوفية و وقوع تحريفهم و تدليسهم فيها.

و لاريب بانّ التأويل المنفى هو ما لايساعد الظاهر من مراعات القواعد العربية و اللغة و مايلاحظ من سياق الآيات و ما ورد حول الآيات من التفاسير و التأويلات المحكمة المؤيدة بحكم العقل الواضح، و تأييدها بمحكمات صاحب الشريعة و بياناتهم حولها.

فهذه هى التأويل المثبت، لااتخاذ الرأى و الهوى فى مقابل منويات الشارع بإحداث المعانى الغير الواقعية و المفاهيم الواردية عوضاً عن التعاليم الالهية فالميزان الصحيح لتميز الحق ملاحظة ما جائت من عند صاحب الشريعة لا الالتفات الى تلك الدعاوى الباطلة و التحريفات المنفية، هو المراجعة الى ظواهر الآيات المحكمة من دون التصرف فى ألفاظ الكتاب و احداث المعانى الوهمية الغير المراده بل الأخذ عن الراسخون فى العلم و الثقلين اللذين أمرنا بالتمسك بهما.

و سيجد الباحث المحقق مباينة تأويلاتهم مع ظواهر القرآن بصورة التحريف و التبديل بل التدليس.

ص: 160

الحكمة و العرفان النوأفلاطونى الصدرائى عقيب التحريفات الباطنية لابن العربى

التأويل عند جميع أرباب العرفان، هو الوصول الى الحقائق العالية المنطوية فى المفاهيم الخفية و هى التأويلات الذوقية لدى نفس العارف لان العلم بحقائق الأشياء عندهم متعذر و عقول البشر و ادراكاته قاصر عن درك حقائق الأشياء فلهذا يرى العارف من وراء عقله و يقول ان لها طورا وراء طور العقل من طريق الشهود و المكاشفة و اعلم ان أفاضل البشر قاصرون عن ادراك حقائق الامور(1) بل عاجزون عن ادراك النفس...

عن الشيخ الرئيس: ان الوقوف على حقائق الأشياء ليس فى قدره البشر.(2) اقول تلك المكاشفة الخيالية عندهم من الأسرار الباطنية الالهية، فليست عندنا الا المغالطات الشيطانية و التناقضات و التحريفات بل التدليسات الفاسدة التى لامصونية لها.

و لايخفى بان العلم بحقائق الأشياء متوقف على صحة المحاورة و

ص: 161


1- . فى الأسفار ج 7 / 118
2- . الأسفار ج 1 / 391؛ عارف و صوفى / 179

الحجية على الظواهر مع التوجه الى وجود القرائن المقالية و الحالية فى سياق الكلام الوصول الى مقاصد المتكلم المنطوية فى كلماته المتداولة، لكن الوقوف على حقيقة مراداته و المعانى الباطنية و الحقائق المخفية متوقف بيانه الى نفس المتكلم لا سيما اذا كان المتكلم هو اللّه الذى ليس كلامه شبيهاً بكلام البشر.

و الحق ان العرفاء و الصوفية لايحترمون بظاهر الشريعة و القرآن فكيف بباطنه و حقائقه هذا ابن العربى يعدل عن ظاهر القرآن على خلاف بناء العقلاء و سياق الآيات، فيحكم بما تقتضيه مذاقه على مشرب الباطنية من الصوفية، فينهدم بذلك أساس الشريعة و الأديان و ما جاء فى القرآن من الظاهر و الباطن.

قال المجلسى: ... لايخفى على من راجع كلامهم و تتبع اصولهم، ان جلها لايطابق ما ورد فى شرايع الأنبياء و انما يمضغون ببعض اصول الشرائع و ضرورة الملل على ألسنتهم فى كل زمان حذراً من القتل و التكفير من مؤمنى أهل زمانهم...(1)

ص: 162


1- . البحار ج 8 / 328

الصدر الشيرازى و التأويلات المنفية

انّ الصدرى الشيرازى فى طوره الجديدة حذف الوجوه الممتازه من القرآن الحديثة و السيرة النبوية بمطابقة حكمته المتعالية مع مقالات اكابر الصوفية و الفلاسفة اليونانية نقلاً بنقل و لفظاً بلفظ أليس هذا منه الا تحريفاً أو تدليساً؟! نحو استناده بقوله تعالى حول مسئلة وحدة الوجود و الموجود و هى ان اللّه تعالى عين الأشياء و كل الأشياء و ليس فى الدار غيره ديار، و هذه عقيدة ضالّة مضلة كفرية و فكره قديمة من المسيحية اليونانية و البودائية و الزرتشتية و ساير الزنادقة من الصوفية و عقيدة أفلاطونيون.

قال برمانيدس... هو كل الوجود و وجود الكل...(1) قال فلوطين... هو كل الأشياء...(2) عقيده عرفاء الهند... من الذرة الى الشمس كلها عين ذات الحق.(3) عقيده الزرتشت... كل موجود هو الحق...(4) عقيده ابن العربى... سبحان من أظهر الأشياء و هو عينها...(5) يقول ملا الصدرا... و لا ثانى له فى العين و ليس فى دار الوجود

ص: 163


1- . سير حكمت در اروپا ج1 / 15
2- . سيرحكمت در اروپا ج 1 / 86
3- . ناسخ ج 4 / 182
4- . ناسخ ج 23 / 237
5- . فى الفتوحات ج 2 / 604

غيره ديار التى هى فى الحقيقة عين ذاته...(1) يقول ملا الصدرا... كل بسيط الحقيقة فكذلك هو كل الأشياء فواجب الوجود كل الأشياء...(2) تحريف الصدرى الشيرازى فى المعاد الجسمانى قال العلامة الحلى: اتفق المسلمون على اعادة الأجسام خلافاً للفلاسفة.(3) قال: ... و لايخفى على ذى بصيرة ان النشأة الثانية طور آخر من الوجود يباين هذا الطور المخلوق من التراب و الماء و الطين و ان الموت و البعث ابتداء حركة الرجوع الى اللّه أو القرب منه لا العود الى الخلقة المادية و البدن الترابى الكثيف الظلمانى...(4)

أما تأويله حول الخلود:

... فانّ المخلوق الذى غاية وجوده أن يدخل فى جهنم حسب الوضع اللهى و القضاء الربانى لابدّ ان يكون ذلك الدخول موافقاً لطبعه و كمالاً لوجوده... و كمال الشى ء الموافق له لايكون عذاباً فى حقّه(5) و بالنسبة الى المشركين الذين يعبدون غير اللّه... فينقلب عذابهم عذباً فى حقهم...

فصل: اتفق أهل الاسلام على ان يحسن من اللّه تعذيب الكفار و

ص: 164


1- . فى الاسفار ج 2 / 292 / 294 و ج 2 / 300 / 367
2- . الأسفار ج 2 / 368 انظر مقالته حول وحدة الوجود و الموجود فى مواضع مختلفه من الأسفار و المشاعر / 83 ؛ الأسفار ج 7 / 341 و ج 1 / 71 و العرشية / 22 و الشواهد / 33
3- . الهيات ج 4 / 175؛ فى الاسفار ج 9 / 153 / 31 / 45
4- . الأسفار ج 9 / 153
5- . الأسفار ج 9 / 352

قال بعضهم لايحسن أما الفرقة الأولى فمستندهم أدلة سمعيه كالكتاب و الاجماع و الخبر و أما الفرقة الثانية فمستندهم دلائل عقلية... و أما أهل النار فمآلهم الى النعيم ولكن فى النار اذ لابدّ لصورة النار بعد انتهاء مدة العذاب ان يكون برداً و سلاماً على من فيها و هذا نعيمهم...

قوله فى الأزلية:

قال أفلاطون: انّ كل مبدع ظهرت صورته فى حد الابداع فقد كانت صورته فى علم الأول الحق و الصور عنده بلانهاية أزلية...(1) و قال أيضاً: ... ان العقول المفارقة خارجة عن الحكم بالحدوث لكونها ملحقه بالصقع الربوبى لغلبة أحكام الوجود عليها...(2)

تأويله حول الرضا و التوكل

فاذا علم هذا، بلغ الى مقام التوكل و الرضا، فاذا بلغ اليهما و احكمهما يصل الى مقام الوحدة فيصير عبداً مخلصاً عن شوب الشرك بالكلية، اذ فى الشكر ضرب من الشرك الخفى لكونه لاستجلاب المزيد و كذا فى التوكل فانه يستدعى متوكلاً و متوكلاً عليه يتكلف المتوكل فى حواله أمره الى الوكيل و الرضا، و ان كان باب اللّه الأعظم ففيه أيضاً رائحة من الاشتراك.(3)

كلامه حول الغضب

مكاشفة: اعلم ان رحمة اللّه وسعت كل شى ء وجوداً و ماهية

ص: 165


1- . ملل و نحل / 177 / 181 / 201 / 198
2- . فى الأسفار ج 5 / 206
3- . فى تفسير سورة الواقعة / 115؛ تاريخ الفلسفة / 43

فوجود الغضب أيضاً من رحمة اللّه على عين الغضب فعلى هذا.(1) فلايمكن الوصول الى معرفة ذاته الا بفناء السالك عن نفسه و باندكاك جبل انيته حتى يشهد ذاته الى ذاته...(2)

كلامه حول الجبر و الاختيار

ان الأفعال كلها بالحقيقة صادرة عنه تعالى فكل ما هو مقدور مجعول الفاعل فهو من حيث صدوره عن ذلك الفاعل صادرة عن الحق تعالى.(3) تبصرة عقلية: قد علمت ان جميع الأشياء صادرة من اللّه تعالى و هو عالم بصدورها (أى الأفعال) عنه راض بذلك غير كاره، و هذه معنى مختاريته الخالى عن النقص و القصور و التغيّر.(4)

كلامه حول عبادة اللّه

حكمة قرآنية: ان جميع الناس يعبدون اللّه بوجه حتى عبدة الأصنام فانّهم يعبدونها لظنهم الالهية فيها، فهم أيضاً يعبدون ما تصوروه اله العالم بالحق الا ان كفرهم لأجل تصديقهم غير اللّه انه هو اللّه فقد أصابوا فى التصور و أخطأ فى التصديق و لافرق بينهم و بين كثير من الاسلاميين من هذا الوجه قال اللّه تعالى «و قضى ربك الا تعبدوا الا اياه».(5)

أما كلامه فى الأنبياء

فالنبوة و الرسالة من حيث ماهيتها و حكمها ما انقطعت و ما

ص: 166


1- . يقول فى حول الغضب / 17
2- . يقول فى أسرار الآيات / 17 حول معرفة اللّه
3- . يقول فى أسرار الآيات حول الجبر و الاختيار / 22
4- . فى تفسير سورة الواقعة / 74
5- . الأسراء / 23؛ فى الشواهد الربوبية / 144

نسخت و انما انقطع الوحى الخاص بالرسول و النبى من نزول الملك على اذنه و قلبه... و أما الأولياء فلهم فى هذه النبوة مشرب عظيم... و أما الأولياء يأخذونها عن اللّه... فهم أتباع الرسل بمثل هذا السند العالى المحفوظ الذى (لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه).(1) يقول الشيرازى بعد ايراده مقالة ابن العربى حول توبة الفرعون بانه يقول (فرعون مات مؤمناً موحداً).(2) ثم يقول: يفوح من هذا الكلام رائحة الصدق و قد صدر من مشكوة التحقيق و موضع القرب و الولاية.(3)

ص: 167


1- . يقول فى الشواهد الربوبية / 377 حول النبوة
2- . فى تفسير سورة البقرة ج 3 / 364
3- . كفى فى حق ملاصدرى الشيرازى ما وصفوه علمائنا الماضين بالتكفير و غيره. قال العلامه النورى: الحكيم المتاله و الشهير بملاصدرا محقق مطالب الحكمة و مروج دعاوى الصوفية بما لامزيد عليه... فى المستدرك ج 3 / 422 و قد أكثر فيها من الطعن على الفقهاء و حمله الدين و تجهيلهم و خروجهم من زمرة العلماء و عكس الأمر فى حال ابن العربى صاحب الفتوحات حمده و وصفه فى كلماته بأوصاف لاينبغى الا الأوحدى من العلماء الراسخين مع انه لم يرفى العلماء العامة و نواصبهم مثله. و أما المولى صدر الدين الشيرازى كان حكيماً فلسفياً صوفياً بحتاً... ثم نقل فتوى طائفة من الفقهاء الأعلام بكفره...صاحب الروضات / 331 من قصص العلماء يقول: بانّ جمع من الفقهاء يعتقدون بكفره...التنكابنى / 331

انهدام الحقائق القرآنية على التحريفات الباطنية العرفانية

بما بينا سابقاً ظهر بان لابدّ للمفسر ان ينظر غاية التدبر حول تفسير القرآن من ظواهره و بواطنه و المعنى اللغوى فى موضوعه و التوجه الى سياق الآيات و مفادها و بعد النظر الدقيق الى وجه تنزيل الآيات و تفسيرها و معرفة تأويلها و تطابقها مع محكم القرآن بحكم العقل الصريح بحيث تكون مفاد الآية مؤيّدة بالروايات الواردة حولها فليس له الأخذ بغير هذا الطريق الواضح فى التفسير و هذا غير ما يتأوله الباطنية فى تأويلاتهم اذ لا تخلو طريقتهم من تعسف فى اللغة و تشطط فى المعنى و تدلس فى الواقع خصوصاً اذا عمدوا الى الحيل اللفظية للوصول الى المعانى الباطنية الى الاصطلاحية التى أوضعوها من عندهم و قد أوضحنا طريقة ابن العربى فى ذلك و كفانا لإيضاحه ما أوردنا جملة من تلك التأويلات المنفية.

فاللازم على المفسر خلو المعنى الاصطلاحى عن اللفظ مع وجود المدارك القطعى من حيث الصدور و الدلالة و تأييدها بمحكمات القرآن و الحديث و موافقتها مع العقل الصريح الفطرى.

ص: 168

و اليك بعدة من تحريفاتهم و تدليساتهم حول الآيات الشريفة

منها: ما يقول ابن العربى فى الفص الموسوية بان مراد بقول فرعون «قال لانّ اتخذت الهاً غيرى لأجعلنك من المسجونين»(1) يقول: أى من المستورين لان السين من أحرف الزوائد فاذا حذفت من سجن بقيت (جن) و معناها الوقاية و الستر.

و منها: ما يقول فى الفص الهارونى / 192... فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر فى انكاره و عدم اتساعه أى كان عتب موسى أخاه هارون لأجل انكاره عبادة العجل و عدم اتساعه قلبه لذلك(2) و أيضا يقول فان العارف من يرى الحق فى كل شى ء فكان موسى يربّى هارون تربية علم.

ومنها: ما يقول... ان فرعون مات مؤمناً مستكمل الايمان(3) يقول أيضاً... فقبضه طاهراً مطهراً ليس فيه شى ء من الخبث لانه قبضه عند ايمانه.

يقول صدر الشيرازى فيها: و يفوح من هذا الكلام رائحة الصدق و

ص: 169


1- . الشعراء / 29
2- . شرح الفصوص / 440 / 325
3- . شرح الفصوص / 440 / 325؛ الفص الموسوى / 201

قد صدر من مشكوة التحقيق و موضع القرب و الولاية.(1) منها: ما يقول فى قوله تعالى «لقد كفر الذين قالوا ان اللّه هو المسيح بن مريم».(2) قال انّ النصارى انما أخطؤا حيث قالوا انّ اللّه هو المسيح بن مريم و لم يقولوا ان اللّه هو العالم كله فلو قالوا كذلك ارتفع عنهم الخطاء بالمرّة.(3) و هكذا فى شرح القيصرى يقول... فأدّى نظر بعضهم فيه الى القول بالحلول... و لما ستر اللّه بالصورة العيسوية المقيّدة فقط نسبوا الى الكفر... من حيث ان هوية الحق هى التى تعينت و ظهرت بالصورة العيسوية كما ظهرت بصورة العالم كله...(4) منها ما يقول فى قوله تعالى «فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات»(5) ... فهم أول الثلاثة فقدّمه على المقتصد و السابق فذكره بالظلم اثبات لمعرفة عظيمة لا ذم فى حقّه.و اخرى يقول فيها: المراد منه من ظلم نفسه بترك الدنيا الى مرتبة فناء فى اللّه و الاتصاف بجميع الكمالات...(6)

ص: 170


1- . تفسير صدر المتألهين ج3 / 3654 و قد قال اللّه تعالى «و جاوزنا ببنى اسرائيل البحر... حتى اذا أدركه الغرق قال آمنت... الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين» يونس / 90 / 91 و قد قال اللّه تعالى «و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت قال انى تبت الآن...» النساء / 18
2- . المائدة / 72
3- . الفص العيسوى / 325
4- . شرح الفصوص للقيصرى / 856 / 864
5- . فاطر / 32
6- . شرح الفصوص للقيصرى / 526 / 527 / 451 انظر ما جاء من الأخبار حول الآية فى تفسير البرهان ج4 / 546 / 552 و نورالثقلين ج4 / 361 / 364

منها ما يقول فى قوله تعالى: «ممّا خطيئاتهم...»(1) فهى التى خطت بهم فغرقوا فى بحار العلم بالله... و هى التى خطت بهم أى ساقتهم و سلكت بهم «فادخلوا ناراً» أى فادخلوا فى نار المحبة و الشوق حال كونهم فى عين الماء... و استولت عليهم فى عين الماء بالله و الماء فى صورة العلم...

لا يخفى عليك بانه خرج الضلال و الخطيئة و النار عن معناها الظاهر و حملها على التأويل المنفى بحسب محكم التنزيل و التأويل.(2) منها ما يقول فى قوله تعالى «انى مسنى الشيطان»(3) بان المراد من الشيطان هو البعد و ان ما شعر به ايوب لم يكن الم المرض الذى ابتلاه الله به بل الم عذاب الحجاب و الجهل بالحقائق.

منها ما يقول فى قوله تعالى «ان الشرك لظلم عظيم»(4) ان الشرك منتف فى نفس الامر اذ عين الوحدة الأحدية هى ظاهرة فى كل من الصور...

يقول القيصرى فى شرحها: و بالنسبة بالمشركين يعبدون غير الله فينتقم منهم لكونهم حصر الحق فيما عبدوه و جهلوا الاله المطلقمقيدا و اما من حيث ان معبودهم عين الوجود الحق الظاهر فى تلك الصور فما يعبدون الا اللّه و رضى اللّه منهم من هذا الوجه و ينقلب

ص: 171


1- . نوح / 25
2- . شرح الفصوص للقيصرى / 529 / 520
3- . ص / 41
4- . لقمان / 13

عذابهم عذبا.(1) منها ما يقول فى قوله تعالى «ليس كمثله شى ء»(2) اعلم ان التنزيه عند أهل الحقائق فى الجناب الالهى عين التحديد و التقييد فالمنزه أما جاهل و أما صاحب السوء الأدب.(3) منها ما يقول فى قوله تعالى «هل أتاك حديث موسى... فاخلع نعليك»(4) أى صورتك الظاهرة و صورتك الباطنة يعنى جمسك و روحك فلا تظهر اليهما لانهما نعلاك اللذان تمشى بهما فى عالم الأغيار «انك بالواد المقدس» و هو الذات الوجود الحق المقدس من كل شى ء...(5) منها ما يقول السبزوارى نقلاً عن الصدر الشيرازى فى تأويل أربعة نهر فى القرآن بان المراد منها العلوم الأربعة من المنطق و الرياضيات و الطبيعيات و الالهيات.

ثم يوضح السبزوارى بان المراد منها أربعة نهر:الأول: النهر اللاهوتى يتعلق بعالم الأسماء.

الثانى: النهر الجبروتى يتعلق بعالم العقول.

الثالث: النهر الملكوتى الأعلى يتعلق بعالم النفوس.

الرابع: و النهر الملكوتى الأسفل يتعلق بعالم المثل المعلقة.(6) منها ما يقول عبد الرزاق الكاشى فى قوله تعالى «يا هامان بن لى

ص: 172


1- . الفص اللقمانيه / 1091
2- . الشورى / 11
3- . تفسير ابن العربى ج 2 / 228 ممد الهمم / 357
4- . طه / 9 / 12
5- . شطحيات الصوفية / 194
6- . شرح الأسماء الحسنى / 206

صرحاً لعلى أبلغ الأسباب».(1) و الصرح الذى أمر فرعون و هامان ببنائه هو قاعدة الحكمة النظرية من القياسات الفكرية فان القوم كانوا منطقيين محجوبين بعقولهم المشوبة بالوحى غير المنورة بنور الهداية...(2) و أيضاً يقول حول جبرئيل... و هو العقل الفعال و ميكائيل هو الروح الفلك السادس...

منها ما يقول فى قوله عليه السلام (لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين)... لان استحالة التفويض على مشرب التوحيد الأفعالى أظهر لوضوح امتناع تفويض الأمر الخارجى الى صورة مرآتية لا حقيقة لها عدا حكاية ذى الصورة... كما ان امتناع الجبر على هذا المشرب أيضاً أبين لان الإكراه انّما يتصور فيما يكون هناك شى ء موجود له اقتضاء و إرادةو أما الصورة المرآتيّة التى لا واقعية لها عدا الإرائة و الحكاية... فحينئذ يصير معنى نفى الجبر و التفويض عن تلك الصورة و اثبات منزلة الوسطى بين طرفى الافراط و التفريط من باب السالبة بانتفاء الموضوع فى الأولين و من باب المجاز فى الاسناد فى الثالث...(3) منها ما يقول فى قوله تعالى «هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن»(4) فنبّه أيضاً بانه هو عين الأشياء.(5) منها ما يقول فى ممدّ الهمم: و اذا كان الحق وقاية الحق بوجه و

ص: 173


1- . الغافر / 36
2- . عبد الرزاق فى تفسيره ج2 / 400
3- . الفلسفة الالهية للجوادى / 83 / 84
4- . الحديد / 3
5- . شرح الفصوص القيصرى / 17

العبد وقاية الحق بوجه فقل فى الكون ما شئت ان شئت قلت هو الخلق و ان شئت قلت هو الحق و ان شئت قلت هو الخلق و الحق و ان شئت قلت لا حق من كل وجه و لا خلق من كل وجه و ان شئت قلت بالحيرة فى ذلك...(1) فبالجملة عدة من المنحرفين من الباطنية المسمين باخوان الصفا فى أول الأمر اتبعوا آثار أفلاطون و أرسطو حول دراسة اصطلاحات الفلسفية و اختلطوها مع أراجيف الصوفية لمعاضدة السياسية العباسية و انهدموا بها ركن الشريعة الحقة معارضة مع التفاسير المأثورة و الأحاديث النبوية و العلوية مخالفة مع العقل الصريح و لا يكونمقصدهم فى ذلك الا ربط العلوم البشرية بالمعارف الحقة الالهية استحكاما لعقيدتهم الفاسدة فيرون بان تنزلات الظاهرية بصورة الألفاظ حقيقتها هى المفاهيم العقلية و هم يرون فى قوله تعالى «أنزل من السماء ماء (أى القرآن) فصالت أودية بقدرها»(2)... «فاحتمل الصيد زبداً رابياً» يعنى ما يحصل ألفاظه و ظاهره معانى متشابهاتها حفظتهما قلوب المنافقين الزائغة الشاكين المتحيرين.

فانهم انحرفوا عن ضوء القرآن و هدايته و سيروا على ظل الآراء النوأفلاطونية و تأوّلوا الآيات القرآنية على خلاف ضرورة العقل السليم و بديهة الشرع المبيّن، قطعوا أيديهم عن ظواهر كلمات الوحى و ركنوا الى اصطلاحاتهم العرفانية ثم تابعهم عدة من المبدعه الصوفية

ص: 174


1- . ممد الهمم / 277 / 278
2- . الرعد / 17

المستندة آرائهم الى مكاشفاة عدة من الزنادقة كابن عربى و غيره.

و قد قال اللّه تعالى فى حقّهم «و أما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم...».

«و السلام على من اتبع الهدى»

ص: 175

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.