إقامة الحدود في زمن الغيبة

اشارة

الإسم : إقامة الحدود في زمن الغيبة

المؤلّف : العلّامة السيّد محمّد باقر الشفتي قدس سره

المحقّق : السيّد مهدي الشفتي

الناشر : مكتبة مسجد السيّد باصبهان

الطبعة المحقّقة : الأولى

الكميّة : 1000 نسخة

التاريخ للطبع : 1425 ه ق

اصفهان - مكتبة مسجد السيّد

الهاتف : 3366579 - 0311

ص: 1

اشارة

الإسم : إقامة الحدود في زمن الغيبة

المؤلّف : العلّامة السيّد محمّد باقر الشفتي قدس سره

المحقّق : السيّد مهدي الشفتي

الناشر : مكتبة مسجد السيّد باصبهان

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للَّه الّذي جعل لكلّ شى ء حدّاً ينتهي إليه و أنّه قائم بالقسط ، عدل في الحكم، رؤوف بالعباد، مالك الملك، رحيم بالخلق، والصلاة والسلام على أكمل بريّته و سيّد رسله محمّد و آله و عترته ، المحيين لسنّته و الحافظين لحدوده ، سيّما ابن عمّه المرتضى عليّ أميرالمؤمنين و قرّة عينه خاتم الأوصياء بقيّة اللَّه في الأرضين عليه و على آبائه أفضل صلوات المصلّين .

و أمّا بعد، فهذا كتاب في بيان وظيفة المكلّفين الّذين يتمكّنون من إقامة الحدود الإلهيّة في عصر غيبة حجّة اللَّه تعالى عن الأنظار، و يعتقدون بأنّ إقامتها موجبٌ لإحياء العدل و إيجاد المدينة الفاضلة الّتي ينتهي آمال البشريّة في هذه النشأة إلى تحصيلها لكي تكون سببًا للفوز بالسعادة الأبديّة في النشأة الآخرة .

و كان المصنّف قدس سره معتقداً، مقيّداً بها، عاملاً برعاية جميع جوانبها، مقيماً لها، مجرياً بنفسه و إنفاذ أمره و حكمه، تأسّيًا بجدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - صلوات اللَّه عليه - « فإنّه عليه السلام خشنٌ في ذات اللَّه - عزّوجلّ - غير مداهن في

ص: 5

دينه » (1)، كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حقّه عليه السلام.

والداعي لتقرير الحدود من الشارع المقدّس إنّما هو لحفظ الإسلام و وقاية المسلمين من التصرّفات الخاطئة الموجبة لهلاك النفوس واختلال النظام ؛ و لهذا كان المصنّف قدس سره يصرّ على إقامة الحدود .

و قد جاء في الحديث الشريف عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إقامة حدّ خيرٌ من مطر أربعين صباحاً » (2) ؛ و في حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّ اللَّه تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وآله : « مَن عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادّتي » (3).

و لذلك ينبغي للفقيه العالم المجتهد ، الجامع لشرائط الفتوى ، المتمكّن من الإقامة و الأمن من مضرّة أهل الفساد، أن يخشي اللَّه تعالى في تبيين أحكامه وإقامة حدوده، كما قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه : « إِنّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءَ ».

فلا يستحيي من إظهار الحقّ و إبراز الدين و الشريعة، و بيان المسائل والوظائف للعباد، خصوصًا في زمان بسط أيديهم، و نفوذ كلامهم، وإنفاذ أحكامهم و فتاويهم، « إذ أخذ اللَّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب

ص: 6


1- الإرشاد للمفيد : ج 1 ص 173 .
2- الكافي : ج 7، ص 174، ح 3 .
3- الكافي : ج 7، ص 185 ح 1 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 9 ح 23 .

مظلوم » (1)، و بالأخص فيما إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر علمه ؛ و معلوم أنّ إقامة الحدود الإلهيّة من أظهر مصاديق إظهار العلم و أبرزها .

ففي مقدّمة البحث عرّف المصنّف قدس سره معنى الحدّ و من خلال نقل كلمات الفقهاء - قدّس اللَّه تعالى أرواحهم الزكيّة - حدّد البحث و حصر الأقوال في المسألة في أربعة، ثمّ ورد في أصل المسألة .

ولتنقيح البحث عقد له مقامات أربعة :

المقام الأوّل : في جواز إقامة المولى الحدود على مماليكه .

المقام الثاني : في جواز إقامة الزوج الحدود على الزوجة مطلقًا .

المقام الثالث : في جواز إقامة الوالد الحدّ على ولده و عدمها .

المقام الرابع : في أصل المطلب، أي : في جواز إقامة الحدود للفقهاء في هذه الأعصار .

و بيّن فيها أحوال بعض نقلة الأخبار من رواة الأحاديث، و ذكر المدح والذمّ فيهم كما هو ديدنه بأدنى مناسبة أو بواسطة من الوسائط .

و في ختام الرسالة لقد أجاد التحقيق في الخطابات القرآنيّة و بيان معنى المراد من كلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : « اللهمّ ارحم خلفائي » (2)، تبعاً لقول اللَّه تبارك وتعالى في كتابه : « خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ » (3).

ص: 7


1- نهج البلاغة : الخطبة 3 .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 420 ح 5919 .
3- المطفّفين : 26 .

المنهج لتحقيق الكتاب

النسخ الموجودة عندي ثلاثة، كلّها مخطوطة في ضمن مجموعة قيّمة، يعني : كتاب « السؤال والجواب » للمصنّف قدس سره، و فيها أكثر رسائله الفقهيّة ؛ والكتاب الّذي بين يديك رسالة مستقلّة في موضوعها، و لقد أجاد فيما أفاد قدس سره.

و قمت أوّلاً باستنساخ أحدها، ثمّ بالتطبيق و المقابلة مع النسختين الاخريتين، ثمّ اعتمدت في تخريج الأقوال والآراء على المصادر الّتي أشار إليها الماتن على قدر وسعي و طاقتي .

و لا أظنّ أنّ عملي هذا مصونٌ من الزلل و الخطأ، والملتمس من القارئين الكرام أن ينظروا فيه بعين الإغماض، و نسئلهم لنا الدعاء و طلب المغفرة .

و في الختام نذكر نبذة من حياة المصنّف قدس سره و آثاره الباقية، و نسأل اللَّه تعالى أن يوفّقنا لإحيائها و طبعها و نشرها بأحسن وجه إن شاء اللَّه تعالى .

و الحمد للَّه الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللَّه تعالى، والسلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين .

السيّد مهدي الشفتي

أصفهان - مدرسة مسجد السيّد

ربيع المولود 1423 ه

ص: 8

ترجمة المؤلّف

اشارة

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

اسمه و نسبه

هو السيّد محمّد باقر الموسوي الشفتى الجيلاني ، ثمّ الاصبهاني ، المشتهر في الآفاق بحجّة الإسلام على الإطلاق .

و أمّا نسبه الشريف كما بيّنه في أوّل « مطالع الأنوار » الّذي هو من أهمّ مصنّفاته :

محمّد باقر بن محمّد نقي بن محمّد زكي بن محمّد تقي بن شاه قاسم بن مير أشرف بن شاه قاسم بن شاه هدايت بن الأمير هاشم بن السلطان السيّد علي قاضي بن سيّد علي بن السيّد محمّد بن السيّد علي بن السيّد محمّد بن السيّد موسى بن السيّد جعفر بن السيّد إسماعيل بن السيّد أحمد بن السيّد محمّد بن السيّد أحمد بن السيّد محمّد بن السيّد أبي القاسم بن السيّد حمزة بن سيّدي و مولاي و سندي و مقتداي موسي بن

ص: 9

جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب - عليه و عليهم أكمل التسليمات والتحائف .

ثمّ الحسين بن سيّدتي و مولاتي و جدّتي، روحي لمرقدها الفداء، فاطمة الزهراء - عليها آلاف التحيّة و الثناء - بنت سيّد المرسلين و ملاذ العالمين محمّد خاتم النبيّين، عليه أسنى التحيّات من فاطر السماوات والأرضين (1).

مولده

يظهر من بعض إجازاته لبعض تلاميذه أنّه ولد في سنة ( 1180 ه ق )، في قرية چرزه، قرية من قرى طارم العُليا من توابع الجيلان .

كلمات العلماء في شأنه

صدر في حقّه أقوال كثيرة من عدوّ و صديق، و إنّا نذكر نبذة من كلمات العلماء الّذين مدحوه بأحسن المدح، ولكن لا التفات بذكر كلمات الجهلاء في ذمّه، إذ كلامهم مقلوبٌ عليهم و متاعهم مردودٌ إليهم، لما روي عن أجدادي العظام - عليهم آلاف التحيّة و السلام - : « انّ اللعنة إذا خرجت من فىّ صاحبها، تردّدت فإن وجدت مساغاً، و إلّا رجعت على صاحبها » (2).

ص: 10


1- مطالع الأنوار : ج 1 ص 1 .
2- بحار الأنوار : ج 69 ص 208 .

و أمّا نصوص كلماتهم :

1 - العلّامة الفقيه الحاج السيّد محمّد باقر الخوانساري قدس سره

و هو من جملة تلامذته و المستجازين عنه شفاهًا ؛ قال في الروضات :

العجب العجاب و أنجب الأنجاب و حيرة أولى الألباب و ذخيرة اللَّه العزيز الوهّاب و سيّد حجّاج بيت اللَّه المستطاب مولانا حاجي سيّد محمّد باقر ... .

كان - رحمة اللَّه تعالى على روحه المنوّر و مرقده المطهّر - أرفع من أن يصفه الواصفون في أمثال هذا الكتاب، أو يخرج عن عهدة شى ء من ثنائه ألسنة أرباب الخطاب، حيث أنّه اجتمع فيه مكارم أخلاق الأنبياء العشرة الكاملة و انتزع عنه من يوم خلقه اللَّه سائر صفات الخلق الغير العادلة .

رأيته في العقل أفضل جميع أهل زمانه، بل عين إنسان هو إنسان عين جميع أترابه و أقرانه، و وجدته في الدين دانت له قاطبة حفّاظه وديّانه و خزّانه بل إيمان الخلائق جزء من إيمانه ، و اعتقدته في العلم أفقه من تكلّم على حقيقة شى ء من برهانه، و تفطّن إلى دقيقة فرع من أغصانه .

و لقيته في الحلم أحلم من كظم الغيظ على الجاهلين بمنزلته و مكانه، و أحمل من حمل أعباء الخلائق بحسن خلقه و طيب لسانه، و ألفيته في الجود معترفاً كلّ موجود بانّه من رهائن إحسانه بنفسه أو بماله أو بعلمه

ص: 11

أو بشأنه .

و وافيته في العرف معروفاً بين أهل الجوانب من الأرض بأنّه مزيّن ديوانه و مذيّل عنوانه، كيف لا و مسجده الجديد الأعظم بإصبهان يشهد بعلوّ كعبه و رفعة بنيانه، بل هو آية من آيات ملكه و علامة من علامات سلطانه .

و شاهدته في البرّ أوصل كلّ أحد بالقاطعين من رحمه و إخوانه ، وباصرته في الصبر أملكهم لنفس عند تراكم أشجانه، و توارد هزازه وأحزانه، فلم يترجّح ميزان أحد من الصابرين على ميزانه .

و عاينته في الشكر فوق كلّ شكر ربّه بجانبه، و أظهره بنطقه و بيانه، و ثلثهما بالعمل بأركانه، و شبّهته في اللين سيّد المرسلين مع جميع أقوامه و أخدانه .

فاستوفى مراتب المعارف و الأخلاق بأسرها ، و استقصى مدارج المكارم والآداب بأصبارها، و صار بين أنجم العلماء كأنّه البدر التمام، و جنب أبحر الكرماء كأنّه البحر الطمطام علماً فائقاً في المعالي سائر فضلائنا الأعلام و حجّة كاملاً من مواهب الرحمة، قد أعطاه اللَّه الزمام في هذه الأيّام (1).

ص: 12


1- روضات الجنّات : ج 2 ص 99 و 100 .

2 - ثقة المحدّثين الحاج الشيخ حسين النوري قدس سره

قال في خاتمة المستدرك :

سيّد الفقهاء الأعلام، المدعوّ بحجّة الإسلام ...، و قد جمع اللَّه فيه من الخصال النفسانيّة من العلم و الفضل و التقوى و الخشية و القوّة في الدين و السخاء ، والإهتمام بأمور المسلمين، و الجاه العظيم ، و نشر الشرائع و الأحكام ، و تعظيم شعائر الإسلام، و إجراء الحدود الإلهيّة في الأنام، والهيبة في قلوب السلاطين والحكّام ، ما لم يجتمع في أحد من أقرانه، له مؤلّفات حسنة تنبى ء عن طول باعه ، و رسائل عديدة في مطالب رجاليّة تظهر منها دقّة نظره و كثرة اطّلاعه (1).

3 - خاتم المحدّثين الحاج الشيخ عبّاس القمّي قدس سره

قال في الكني و الألقاب :

حجّة الإسلام عند العامّة يطلق على أبي حامد الغزالي ...، و أمّا عندنا فيطلق على السيّد العلّامة محمّد باقر بن محمّد نقي الموسوي الشفتي الجيلاني الإصبهاني، الّذي كان أمره في العلم و التحقيق و التدقيق والديانة و الجلالة و مكارم الأخلاق، أشهر من أن يذكر و أجلّ من أن يسطر ... ؛ له حكايات في عباداته ومناجاته و نوافله و سخائه و عطاياه

ص: 13


1- مستدرك الوسائل : ج 3 ص 399 .

و في إقامة الحدّ و غير ذلك (1).

4 - المولى عبدالكريم الإصبهاني قدس سره

قد وصف أستاذه العلّامة بعبارات لطيفة في خاتمة « مطالع الأنوار » الّذي استنسخه بخطّه الجميل، و قال :

قد تمّ المجلّد الأوّل من كتاب الصلاة من مطالع الأنوار الّذي صنّفه سيّدي وسندي و أستادي و مولاي و مقتداي السيّد الأجلّ و الإمام الأفضل، زبدة العلماء والمحقّقين، و قدوة الفضلاء و المدقّقين، و أفضل الفقهاء و المتبحّرين، و أكمل المحدّثين و المجتهدين ، وارث علوم الأنبياء و المرسلين ، برهان الإسلام والمسلمين، مقتدي أصحاب المعرفة و الإيمان، مالك ممالك التحقيق و العرفان، جامع المعقول والمنقول، حاوي الفروع و الأصول .

صاحب الفضائل و الفواضل، كاشف معضلات المسائل، المرتضى المجتبى الأورع الأكرم المخصوص بمراضي الأخلاق و مفاخر الشيم، جامع العلوم الإلهيّة، حاوي الصفات الملكيّة، حافظ مراسم الشريعة، كاشف الأسرار الخفيّة، قبلة طلّاب الهداية، كعبة أرباب الدراية، واضح سفينة النجاة، سابق أصحاب الرجات، منبع العزّ و السعادات، صاحب

ص: 14


1- الكنى و الألقاب : ج 2 ص 173 .

الكرامات و المقامات، قطب ذلك الحقيقة و الكمال .

هادي الخلائق عن مهالك الضلال، صاحب النفس القدسيّة، جامع الأوصاف الانسيّة، نجماً لإهتداء المُريدين و رجماً للشياطين المَريدين، المتخلّق بأخلاق اللَّه، و المؤيّد من عند اللَّه ، سلالة العترة الطاهرة النبويّة ، كهف الذريّة الشريفة العلويّة ، فخر المحقّقين والمجتهدين، سراج الملّة و الدين، قدوة السادات و جامع أنواع السعادات، العالم العامل العادل، النحرير الفاضل الكامل .

المتجلّي بأنوار الحقائق اللاهوتيّة، المتخلّي عن العلائق الناسوتيّة، السيّد الأعظم و المولى المعظّم، علّامة العلماء، نتيجة الفقهاء، أفضل المتقدّمين و المتأخّرين، ونخبة الفضلاء و المتبحّرين، طائف بيت اللَّه الحرام، و زائر أئمّة الأنام، ملاذ السادات المصطفويّة، و معاذ الذريّة المرتضويّة .

مروّج الشريعة المحمّديّة، و ناشر الطريقة الأحمديّة، وارث سيّد الأنس و الجانّ، نائب إمام العصر و الزمان - عليهما صلوات اللَّه الملك المنّان - سمّى الإمام الخامس من ذريّة حبيب إله العالمين محمّد - عليه و آله أفضل صلوات المصلّين - والمنسوب إلى الإمام السابع و النور الساطع من الأئمّة المعصومين - صلوات اللَّه عليهم أجمعين (1).

ص: 15


1- مطالع الأنوار : ج 1 ص 266 .

5 - العلّامة السيّد شفيع الجابلقي قدس سره

قال في الروضة البهيّة :

« السيّد السند و الركن المعتمد ، الإمام الأجلّ الأعظم ، النحرير الذاخر ، والسحاب الماطر ، الفائق على الأوائل و الأواخر ، الحاج السيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الرشتي الشفتي ...، و كان أزهد أهل زمانه و أعبدهم و أسماهم، فلذا أقبلت له الدنيا بحيث انتهت الرئاسة الدينيّة و الدنيويّة إليه .

و يعاون الطلّاب، و يعطي كلّ واحد منهم بقدر مؤونته بل أزيد، و يعطي الفقراء بل الأغنياء و الرؤساء كثيراً ، و كلّ المحتاجين يرجعون إليه ولا يحرمهم ، بل يعطي كلّاً منهم على حسب حاجته (1).

6 - المولى الشيخ حبيب اللَّه الكاشاني قدس سره

قال في لباب الألقاب :

الملقّب بحجّة الإسلام، المعروف بين الخواصّ و العوامّ، و لو قيل : انّه كان آية من آيات اللَّه لما كان كذباً في الكلام ، فهو السيّد السند ، والركن المعتمد ، و المؤيّد من اللَّه الصمد، الّذي لا يحيط بفضائله و فواضله عدد،

ص: 16


1- الروضة البهيّة : 19 .

و لا ينتهي ذكره إلى أمد، الأفقه الأوثق الأعلم ، المعروف بالمعروف والكرم ، باسط الأيادي و ناشر النعم، محيي سنّة جدّه أشرف أولاد آدم ، بالجملة هو المشهور بين العرب و العجم ، وقد عجز عن تحرير مدائحه لسان القلم (1).

7 - العلّامة السيّد الأمين العاملي قدس سره

قال في أعيان الشيعة :

كان رئيساً مبسوط اليد في إصفهان و سائر إيران ، يقيم الحدود الشرعيّة، و له آثار فخمة لا يشيّدها إلاّ الملوك، مثل مسجده في شقّ بيد آباد الّذي بناه سنة ( 1245 ) (2).

8 - الميرزا محمّد التنكابني قدس سره

قال في « قصص العلماء » ما هذا لفظه :

وحيد أيّام و مقتداى أنام و در علم عربيّت و هيئت و فقه و رجال ودرايه از مهره أعلام و حذقه علماء كرام ، عالم عامل و بارع و فاضل، و عليم باذل ناذل ، استاد أكامل أفاضل و در زهد و ورع و تقوى او را

ص: 17


1- لباب الألقاب : 70 .
2- أعيان الشيعة : ج 9 ص 188 .

ثانى و تالى نبوده .

أمّا علم آن جناب پس از حيّز تحرير دبير خارج، و جميع مراقى ومراتب علم را عارج و در تفريع أوحد زمان، و در استدلال نهايت دقيق و با كمال تحقيق، حافظه او ضرب المثل دوران و تأليفات او بسيار .

و عبادت آن بزرگوار به نحوى بود كه از نصف شب تا به صبح به گريه وزارى وتضرّع اشتغال داشته و در اواخر زندگانى آن قدر گريسته بود و به هاى هاى ناله وبى قرارى و گريه و زارى كرده بود كه او را باد فتق عارض شده بود .

پس هر زمانى كه به مسجد مى رفت، ذاكرين تا او نشسته بود بر بالاى منبر نمى رفتند مگر زمانى كه از مسجد بيرون مى آمد و اگر ذاكرى بر بالاى منبر مى رفت و او حضور داشت، بر نمى خواست و باز گريه مى كرد (1).

نشآته العلميّة و الاجتماعيّة

ولد في سنة ( 1180 ه ق ) في قرية من قرى رشت، وانتقل إلى شفت و هو ابن سبع سنين، ثمّ هاجر إلى العراق سنة ( 1197 ه ق ) و له سبع عشرة سنة، فحضر في

ص: 18


1- قصص العلماء : 135 - 137 .

كربلاء على الاستاذ الأكبر و المير السيّد علي، صاحب الرياض، ثمّ رحل إلى النجف و تلمّذ على العلّامة الطباطبائي بحر العلوم و الشيخ الأكبر كاشف الغطاء، ثمّ رجع إلى الكاظميّة و قرأ القضاء و الشهادات على المقدّس الأعرجي مدّة .

و في سنة ( 1205 ه ق ) رحل إلى قم و حضر عند المحقّق القمّي ستّة أشهر ، وكان يقول : أرى لنفسي الترقي الكامل في هذه المدّة القليلة بقدر تمام ما حصل لي في مدّة مقامي بالعتبات العاليات .

فكتب له الميرزا قدس سره إجازة مبسوطة مضبوطة في سنة ( 1215 ) كان يغتنم بها من ذلك السفر المبارك .

ثمّ رحل إلى كاشان عند المولى مهدي النراقي و تلمّذ عليه مدّة قليلة، ثمّ انتقل إلى إصبهان في سنة ( 1216 ) أو ( 1217 ) فسكن بها .

و سمعت من الأشياخ أنّه بعد وروده إلى تلك الناحية ليس له شى ء من الكتب إلّا مجلّد واحد من المدارك ، و كان مجرّداً من الأموال قليل البضاعة بل عديمها إلّا سفرة لمحلّ الخبز .

فاجتمع عليه أهل العلم و المحصّلون وانتقلت إليه رئاسة الإماميّة في أغلب الأقطار بعد ذهاب المشايخ - رحمهم اللَّه - فصار مرجعاً للفتوى، و كان يقيم الحدود الشرعيّة .

سمعت أنّه أقام حدّ القتل على تسعين أو أكثر بيده أو بيد من يأمره ، بلا خشية ولا خوف، ولم يتّفق لأحد من علماء الإماميّة بعض ما حصل له من النفوذ وبسط اليد، و ذلك لحسن باطنه و سلامة ذاته، واللَّه أعلم حيث يجعل رسالته .

ص: 19

و حجّ بيت اللَّه الحرام في سنة ( 1231 ) من طريق البحر، و من آثاره العظيمة الّتي أسّس على التقوى في هذا السفر المبارك يكون تعيين حدود الطواف، وتحديد العرفات، و بناء المنارتين في مسجد الحرام، و اتّخاذ أراضي الفدك وإيهابها إلى سادات المدينة، و ذلك وقع في زمن حكومة شريف حسين العثماني .

و في حدود سنة ( 1245 ه ق ) أخذ في بناء المسجد الأعظم بإصبهان و أنفق عليه مالاً جزيلاً، و جعل له مدارس و حجرات للطلبة و أسّس أساسًا لم يعهد مثله من أحد العلماء و المجتهدين، و بنى فيه قبّة لمدفن نفسه .

وفاته و مدفنه

عاش - قدّس اللَّه نفسه الزكيّة - خمس و ثمانين سنة ثمّ أجاب دعوة الإلهيّة في عصيرة يوم الأحد، الثاني من شهر ربيع الثاني سنة ( 1260 ه ق ) ، و دفن بعد ثلاثة أيّام من وفاته في البقعة الّتي بناها لنفسه في جانب مسجده الكبير في إصبهان، وهي الآن مشهد معروف و مزار متبرّك .

قال المحقّق الخوانساري قدس سره في الروضات :

و قد أنشدت قصيدة طويلة في مرثيته بالعربيّة، و مطلعها كما يمرّ بالنظر الفاتر :

لمن العزاء و هذه الزفرات ما هي في الزمر

تبكي السماء و في الأرض الفساد به ظهر

ص: 20

و جرت عيون الدمع من صمّ الجبال و حاولت

لتزول وانشقت جيوب الصبر واشتمل الضرر

وانحبرت الآفاق واختل السياق بأسره

و تغيّرت شمس المشارق منه وانخسف القمر

ما أكثر الحزن الجديد و أكبر الهول الشديد

و أعظم الرزء المفخّم في الخلائق للبشر

من فقد سيّدنا الإمام الباقر العلم الّذي

جلّت عن العدّ المحامد منه و الكرامات الكبر

بكاء جوف الليل من خوف الإله و مقتدي

طول النهار على نيابته الإمام المنتظر

إلى تمام ثمانين بيتاً تقريباً و يقول في آخرها و فيه الهداية إلى تاريخ وفاته أيضاً بحساب الجمل :

و سألت طبعي القزم عن تاريخ رحلته

فجرّ ذيلاً و قال : « اللَّه أنزله كريم المستقر » (1)

( 1260 )

ص: 21


1- روضات الجنّات : ج 2 ص 104 .

تآليفه القيّمة

و قد رشح من قلمه الشريف تآليف قيّمة في علوم مختلفة ، تظهر منها جامعيّته من المعقول و المنقول ؛ و إنّا نذكر هنا ما وقفنا عليها مع حذف المكرّرات الّتي ذكرها أرباب التراجم للمؤلّف قدس سره.

مؤلّفاته في الفقه :

1 - مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام .

2 - تحفة الأبرار ، الملتقط من آثار الأئمّة الأطهار عليهم السلام.

3 - الخلاصة و المنتخب من تحفة الأبرار .

4 - السؤال والجواب .

5 - القضاء و الشهادات .

6 - مناسك الحجّ .

7 - رسالة في آداب صلاة الليل و فضلها .

8 - رسالة في جواز هبة الولي المدّة في العقد المنقطع .

9 - رسالة في حرمة محارم الموطوء على الواطي .

10 - رسالتان في مسألة سلام النافلة .

ص: 22

11 - رسالة في حكم إقامة الحدود في زمن الغيبة، و هي الّتي بين يديك.

12 - رسالة في عدم لزوم القبض في الوقف المختصّ .

13 - رسالة في أحكام الغسالة .

15 - رسالة في تطهير العجين بتخبيزه و عدمه .

16 - رسالة في التقليد .

17 - رسالة في تزويج أخت المطلّقة .

18 - رسالة في الشكيّات .

19 - رسالة في صلح حقّ الرجوع في الطلاق .

20 - رسالة في قبول قول المرأة في عدم المانع لها من النكاح .

21 - رسالة في الصلاة في جلد الميتة المدبوغ .

22 - رسالة في لزوم الإقرار عند الحاكم و عدمه .

23 - حواش على كتاب فروع الكافي .

24 - رسالة في كيفيّة زيارة العاشوراء .

مؤلّفاته في أصول الفقه :

25 - الزهرة البارقة لمعرفة أحوال المجاز والحقيقة .

26 - رسالة في تقديم اليد على الاستصحاب .

ص: 23

27 - رسالة في الاستصحاب .

28 - رسالة لرفع النزاع و الجدال في أنّ المترادفين هل يمكن أن يتحقّق بينهما العموم المطلق أو من وجه ؟!

29 - الحاشية على تهذيب الأصول .

30 - الحاشية على معالم الدين .

31 - رسالة في الاجتهاد والتقليد .

مؤلّفاته في الرجال :

32 - رسالة في مشتركات الرجال .

33 - الرسائل الرجاليّة .

و هي رسائل متعدّدة في علم الرجال الّتي طبع بتحقيق الفاضل الخبير حجّة الإسلام السيّد مهدي الرجائي - حفظه اللَّه تعالى - في مجلّد، و تشتمل على هذه الرسائل :

1 - رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان .

2 - رسالة في تحقيق حال إبراهيم بن هاشم .

3 - رسالة الإرشاد الخبير البصير إلى تحقيق الحال في أبي بصير .

4 - رسالة في تحقيق حال أحمد بن محمّد بن خالد البرقي .

ص: 24

5 - رسالة في تحقيق حال إسحاق بن عمّار الساباطي .

6 - رسالة في تحقيق حال حسين بن خالد .

7 - رسالة في تحقيق حال حماد بن عيسى الجهني .

8 - رسالة في تحقيق حال سهل بن زياد الآدمي الرازي .

9 - رسالة في بيان حكم روايات شهاب بن عبد ربّه .

10 - رسالة في تحقيق حال عبدالحميد بن سالم العطار و حال ابنه محمّد.

11 - رسالة في تحقيق حال عمر بن يزيد .

12 - رسالة في تحقيق حال محمّد بن إسماعيل الّذي يروي عنه الكليني.

13 - رسالة في تحقيق حال محمّد بن أحمد الراوى عن العمركي .

14 - رسالة في تحقيق حال محمّد بن خالد البرقي .

15 - رسالة في تحقيق حال محمّد بن سنان .

16 - رسالة في تحقيق حال محمّد بن الفضيل .

17 - رسالة في تحقيق حال محمّد بن عيسى اليقطيني .

18 - رسالة في بيان أشخاص الّذين لقّبوا بما جيلويه .

19 - رسالة في إتّحاد معاوية بن شريح مع معاوية بن ميسرة .

20 - رسالة في بيان العدّة من أصحابنا المتكرّرة في أسانيد الكافي .

ص: 25

مؤلّفاته في العقائد :

34 - رسالة في تعيين عمر الإمام السجّاد عليه السلام في واقعة كربلاء .

35 - السؤال و الجواب حول عقائد الشيخيّة .

36 - مناظرته مع محمّد شاه القاجار .

37 - أصول دين .

و له قدس سره تأليف آخر في علم النحو و هي :

37 - الحليّة اللّامعة ؛ في شرح البهجة المرضيّة .

ما صدر من قلمه في الإجازات :

فقد أجاز لجماعة من تلاميذه، إجازات كبيرة و مختصرة الّتي جمعها بعض تلاميذه .

قال العلّامة الطهراني في الذريعة :

« 595 - كتاب الإجازات : لحجّة الإسلام الإصفهاني ... ، دوّنت فيه صورة ثلاث عشرة إجازة من الإجازات المبسوطة الّتي أصدرها السيّد للمجازين منه ، تقرب من خمسة عشر ألف بيت ... ، و قد أورد جميعها الشيخ العلّامة ميرزا محمّد الطهراني العسكريّ في مستدرك إجازات

ص: 26

البحار، و لعلّه جمعها بعض تلاميذ السيّد حجّة الإسلام » (1).

مشايخه في الحديث

يروي عن جمّ غفير من علماء عصره إمّا قراءة أو سماعاً أو إجازة، و هم :

1 - العلّامة ميرزا أبوالقاسم الجيلاني القمّي قدس سره، المتوفّى سنة 1231 ه ق .

2 - العلّامة الشيخ جعفر النجفي قدس سره، المتوفّى سنة 1228 ه ق .

3 - الشيخ سليمان بن معتوق العاملي قدس سره، المتوفّى سنة 1227 ه ق .

4 - الأمير السيّد علي الطباطبائي قدس سره، المتوفّى سنة 1231 ه ق .

5 - العلّامة السيّد محسن الأعرجي قدس سره، المتوفّى سنة 1227 ه ق .

6 - الميرزا محمّد مهدي الشهرستاني قدس سره، المتوفّى سنة 1216 ه ق .

ولكن كان يحرم من إجازة بعض الأفاضل في عصره، مثل : الوحيد البهبهانيّ والسيّد بحرالعلوم - رحمهما اللَّه - كما نقل عنه صاحب الروضات قدس سره في روضاته حيث قال :

و قد ذكر لي - أجزل اللَّه تعالى برّه - أنّي كنت في ذلك الزمان غير راغب في الاستجازة عن الأساتيد الأعيان، مثل سائر طلاّب الرياسة المتّهمين بإطالة هذا العنوان، مع أنّ سلوك أولئك معي كان يشهد بتوقّعهم ذلك منّي

ص: 27


1- الذريعة : ج 1 ص 124 .

وإجابتهم إيّاي بمحض الإظهار وبدون الإصرار . و من هذه الجهة حرمت الرواية عن مثل سميّنا المروّج و سائر مَن في طبقته من أفاضل تلك الديار ؛ فيا ليتني لم أظهر من نفسي مثل ذلك الاستغناء، و لم ابن الأمر بهذه المثابة من البناء، فأورد نفسي في هذا الغناء (1).

مجمع درسه و تلاميذه

قال المحقّق الخوانساري قدس سره في الروضات :

« و كان يعجبه في مجامع درسه الانتقال إلى الكلام على هذا الفنّ [ يعني علم الرجال ] بواسطة من الوسائط ، و كان درسه منحصراً في الفقه والحديث و لا يعجبه التعمّق في أصول الفقه وغيره (2).

و قد خرج من عالي مجلس تدريسه مأة و خمسين مجتهد، و إن شئت أن تطّلع على أسمائهم و أحوالهم، فراجع إلى كتاب : « بيان المفاخر في شرح أحوال المؤلّف قدس سره »، للمحقّق المرحوم السيّد مصلح الدّين المهدويّ .

ص: 28


1- روضات الجنّات : ج 2 ص 100 .
2- روضات الجنّات : ج 2 ص 102 .

مصادر الترجمة

1 - أحسن الوديعة، للسيّد محمّد مهدي الموسوى قدس سره.

2 - أعيان الشيعة، للعلّامة السيّد الأمين العاملي قدس سره.

3 - الإمامة، لابنه العلّامة السيّد أسد اللَّه الشفتي قدس سره.

4 - بحار الأنوار، للعلّامة المجلسي قدس سره.

5 - بيان المفاخر، للسيّد مصلح الدّين المهدوي قدس سره.

6 - تذكرة القبور، للمولى عبدالكريم الجزي قدس سره.

7 - تراجم الرجال، للسيّد أحمد الحسيني قدس سره.

8 - الذريعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني قدس سره.

9 - روضات الجنّات، للعلّامة السيّد محمّد باقر الخوانساري قدس سره.

10 - الروضة البهيّة، للعلّامة السيّد شفيع الجابلقي قدس سره.

11 - الزهرة البارقة، للمؤلّف قدس سره.

12 - السؤال و الجواب، للمؤلّف قدس سره.

13 - طرائف المقال، للسيّد علي البروجردي قدس سره.

14 - الفرق بين الفريضة و النافلة، للشيخ منيرالدّين البروجردي قدس سره.

ص: 29

15 - فوائد الرضويّة، للشيخ عبّاس القمي قدس سره.

16 - قصص العلماء، للميرزا محمّد التنكابني قدس سره.

17 - الكرام البررة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني قدس سره.

18 - الكني و الألقاب، للحاج الشيخ عبّاس القمّي قدس سره.

19 - لباب الألقاب، للمولى الشيخ حبيب اللَّه الكاشاني قدس سره.

20 - مستدرك الوسائل، للحاج الشيخ حسين النوري قدس سره.

21 - مطالع الأنوار، للمؤلّف قدس سره.

22 - مقدّمة مناهج المعارف، للحاج مير سيّد أحمد الروضاتي قدس سره.

23 - مكارم الآثار، للميرزا محمّد علي المعلّم الحبيب آبادي قدس سره.

ص: 30

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للَّه المتفرّد بالقدم والكمال، المتقدّس بقدس جلاله عن مشابهة الأشياء والأمثال، و الصلوة و السلام على مَن اصطفاه اللَّه تعالى نجاة عن الضّلال، و على ابن عمّه الخليق (1) من طينته المنجي عن الشدائد والأعلال، و آله و عترته الهداة لما ينجي من مآلم (2) الأصفاد و الأنكال .

أمّا بعد : فيقول الملتجئ إلى باب سيّده الكريم المتعال الّذي يكون العفو عن السيّئات لديه أحبّ من المؤاخذة بالخطيئات، ابن محمّد نقي الموسويّ،محمّد باقر - وقاهما اللَّه عن الشدائد في العرصات - هذه مقالةٌ في تحقيق إقامة الحدود في هذه الأعصار الّتي غابت حجّة اللَّه تعالى عن الأنظار، عجّل اللَّه تعالى فرجه وأكحل عيوننا بتراب نعاله بحقّ أشرف البريّة و أكمل المخلوقات، عليه و على جدّه و آبائه آلاف التحيّة من بارئ الأرضين والسماوات .

ص: 35


1- في بعض النسخ : المخلوق .
2- في نسخة : تألّم .

معنى الحدّ في اللغة

فنقول : قال في الصحاح :

الحدّ : الحاجز بين الشيئين، و حدّ الشي ء : منتهاه، تقول : حددت الدار أحدّها حدًّا، والتحديد مثله، و فلان حديد فلان : إذا كان أرضه إلى جانب أرضه ؛ والحدّ : المنع، و منه قيل للبوّاب : حدّاد (1).

معنى الحدّ في المنطق

و في اصطلاح أئمّة الميزان هو : المعرّف للشي ء المشتمل لذاتيّاته، ولذا قيل :

التعريف بالفصل القريب حدٌّ، و بالخاصّة رسم ؛ و إن اشتمل كلّ منهما على الجنس القريب فتامٌ، و إلّا فناقص (2).

و عند غيرهم هو المعرّف للشي ء مطلقًا، و إن اشتمل على خاصّة .

معنى الحدّ في الشرع

و في الشرع اختلفت كلماتهم في ذلك، ففي الشرائع :

كلّ ما له عقوبة مقدّرة يسمّى حَدّاً، و ما ليس كذلك يسمّى تعزيراً (3).

ص: 36


1- الصحاح للجوهري : ج 2، ص 462 .
2- تهذيب المنطق : ص 3 .
3- شرائع الإسلام : ج 4، ص 136 .

و لا يخفى أنّ الظاهر من العبارة أن يكون الضمير في : « يسمّى » عائدٌ إلى : « كلّما »، فمقتضاه أن يكون ذلك الشي ء حدّاً، و ليس كذلك، فالمراد أنّ تلك العقوبة تسمّى حدّاً، فالمراد أنّ الحدّ عقوبة مقدّرة لمعصية معيّنة .

و فيه : أنّ طرده منقوضٌ ببعض التعزيرات، كما في تزويج الذمّيّة على المسلمة، و وطء الرجل زوجته حائضاً أو في نهار شهر رمضان، و في إتيان البهائم و نحوها ممّا يكون العقوبة فيه مقدّرة، مع أنّه ليس من أفراد المحدود .

روي في باب ما يجب فيه التعزير من حدود الكافي عن منصور بن حازم، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل تزوّج ذمّيّة على مسلمة ولم يستأمرها، قال : يفرّق بينهما، قال : قلت : فعليه أدب ؟ قال : نعم، إثنا عشر سوطاً و نصف ثمن حدّ الزاني (1).

و في الباب : عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة و هي حائض، قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي استدباره نصف دينار ؛ قال : قلت : جعلت فداك، يجب عليه شي ء من الحدّ ؟ قال : نعم، خمسة و عشرون سوطاً، ربع حدّ الزاني (2).

و في الباب أيضاً : عن إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أتى أهله و هي حائض ؟ قال : يستغفر اللَّه و لا يعود، قلت : فعليه أدب ؟

ص: 37


1- الكافي : ج 7، ص 241 ح 8 .
2- الكافي : ج 7، ص 243 ح 20 .

قال : نعم، خمسة و عشرون سوطاً ربع حدّ الزاني (1).

و في الباب : عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبداللَّه عليه السلام في رجل أتى امرأته و هي صائمة قال : إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطاً وضربت خمسة و عشرين سوطاً (2).

و في باب الحدّ على ما يأتيه البهيمة : عن عبداللَّه بن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام و عن إسحاق بن عمّار، عن إبراهيم، و عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعاً : إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت بالنار و لم ينتفع بها و ضرب هو خمسة و عشرون سوطاً ربع حدّ الزاني، و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أخذ ثمنها منه و دفع إلى صاحبها وذبحت و أحرقت بالنار و لم ينتفع بها (3).

و سنده في التهذيب (4) صحيح .

و كذا ينتقض طرده بالقصاص، سواء كان في الطرف أو في النفس، لوضوح أنّه يصدق على قطع يد قاطع اليد أنّه عقوبة مقدّرة لأجل معصية خاصّة .

و هكذا الحال في قصاص النفس، فلو حدّد الحدّ بأن يقال : « إنّه عقوبة مقدّرة

ص: 38


1- الكافي : ج 7، ص 242 ح 13 .
2- الكافي : ج 7، ص 242 ح 12 .
3- الكافي : ج 7، ص 204 ح 3 .
4- التهذيب : ج 10 ص 60 ح 218 .

للزاني و اللائط و القاذف والسارق والشارب والمحارب والساحر والمرتدّ وهكذا، يسلم عن ذلك .

و أمّا ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في مقام التحديد في المسالك حيث قال :

و هو لغةً : المنع - إلى أن قال - : و شرعًا : عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام البدن بواسطة تلبّس المكلّف بمعصية خاصّة عيّن الشارع كمّيّتها في جميع أفراده ؛ و التعزير لغةً : التأديب، و شرعاً : عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع غالباً (1).

ففيه ما لا يخفى، لأنّ التحديد إنّما هو للتعريف، و ما ذكره إنّما يناسب فيما إذا حصل معرفة المحدود من غير طريق التعريف، كما لا يخفى على المتأمّل .

و قال الفاضل الأسترآبادي في آيات الأحكام :

و هو عقوبة قد عيّنها الشارع على كبيرة زجراً عنها (2).

و فيه ما عرفت .

نقل عبارات الفقهاء في جواز إقامة الحدود و عدمه

و على أيّ حال، فالأهمّ الاشتغال إلى ما هو أهمّ من ذلك، فنقول : اختلف الأصحاب - قدّس اللَّه تعالى أرواحهم - في أنّه هل يسوغ إقامة الحدود

ص: 39


1- مسالك الافهام : ج 2، ص 337 .
2- لم نعثر على كتابه .

والتعزيرات في هذه الأعصار للفقهاء، أم لا ؟

فقيل بالجواز لكلّ أحد، لكن على ولده و أهله و مماليكه إذا لم يخف في ذلك ضرراً من الظالمين، و بالعدم في غير ذلك مطلقاً و لو للفقيه الجامع لشرائط الفتوى.

و هو الظاهر من شيخ الطائفة في النهاية، قال :

فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها إلّا لسلطان الزمان المنصوب من قبل اللَّه تعالى ، أو من نصبه الإمام لإقامتها .

و لا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال، و قد رخّص في حال قصور أيدي أئمّة الحقّ و تغلّب الظالمين أن يقيم الإنسان الحدّ على ولده وأهله و مماليكه إذا لم يخف في ذلك ضرراً من الظالمين و أمن بوائقهم، فمتى لم يأمن ذلك لم يجز له التعرّض لذلك على حال .

و من استخلفه سلطان ظالم على قوم و جعل إليه إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال، و يعتقد أنّه إنّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ، لا بإذن سلطان الجور، و يجب على المؤمنين معونته و تمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك و ما هو مشروع في شريعة الإسلام .

فإن تعدّى فيما جعل إليه الحقّ في ذلك لم يجز له القيام و لا لأجل غيره (1) معاونته على ذلك ، اللهمّ إلّا أن يخاف في ذلك على نفسه، فإنّه يجوز له حينئذٍ أن يفعل ذلك في حال التقيّة ما لم يبلغ قتل النفوس، فأمّا

ص: 40


1- في المصدر : و لا لأحد معاونته .

قتل النفوس فلا يجوز فيه التقيّة على حال .

و أمّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين فلا يجوز ذلك أيضاً إلّا لمن أذن له سلطان الحقّ في ذلك، و قد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم في حال لا يتمكّنون فيه من تولّيه بنفوسهم، فمن تمكّن من إنفاذ حكم أو إصلاح بين الناس أو فصل بين المختلفين فليفعل ذلك و له بذلك الأجر والثواب (1).

و منهم من منع عن إقامتها على غير العبيد، كابن إدريس، قال في السرائر بعد أن حكى الكلام المذكور عن النهاية إلى قوله : « و أمن بوائقهم » ما هذا لفظه :

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : والأقوى عندي أنّه لايجوز له أن يقيم الحدود إلّا على عبده فحسب، دون ما عداه من الأهل والقرابات، لما قد ورد في العبيد من الأخبار (2)، واستفاض به النقل بين الخاصّ والعامّ .

و قد روي أنّ من استخلفه سلطان ظالم على قوم و جعل إليه إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال، و يعتقد أنّه يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ، لا بإذن سلطان الجور ، و يجب على المؤمنين معونته وتمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك و ما هو مشروع في شريعة الإسلام.

ص: 41


1- النهاية : ص 301، باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
2- وسائل الشيعة : كتاب الحدود والتعزيرات، باب 30، مقدّمات الحدود .

إلى أن قال :

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : والرواية أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (1)، و قد اعتذرنا له فيما يورده في هذا الكتاب - أعني النهاية - في عدّة مواضع، و قلنا إنّه يورده إيراداً من طريق الخبر، لا اعتقاداً من جهة الفتيا والنظر، لأنّ الإجماع حاصل منعقد من أصحابنا من المسلمين جميعاً أنّه لايجوز إقامة الحدود، و لا المخاطب بها إلّا الأئمّة والحكّام القائمون بإذنهم في ذلك .

و أمّا غيرهم فلا يجوز له التعرّض بها على حال، و لا يرجع عن هذا الإجماع بأخبار الآحاد، بل بإجماع مثله، أو كتاب اللَّه تعالى، أو سنّة متواترة مقطوع بها، فإن خاف الإنسان على نفسه من ترك إقامتها، فإنّه يجوز له أن يفعل في حال التقيّة ما لم يبلغ قتل النفوس، فلا يجوز فيه التقيّة عند أصحابنا بلا خلاف بينهم .

و أمّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين، فلا يجوز أيضاً إلّا لمن أذن سلطان الحقّ في ذلك، و قد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين المحصّلين الباحثين عن مأخذ الشريعة، الديّانين القيّمين بذلك في حال لا يتمكّنون فيه من تولّيه نفوسهم، فمن تمكّن من إنفاذ حكم و هو من أهله، أو إصلاح بين الناس، أو فصل بين المختلفين، فليفعل ذلك و له به

ص: 42


1- النهاية : 300 .

الأجر والثواب ما لم يخف في ذلك على نفسه، و لا على أحد من أهل الإيمان، و يأمن الضرر فيه ، فإن خاف شيئاً من ذلك لم يجز له التعرّض له على حال (1).

قال شيخنا الراوندي في فقه القرآن، في تفسير قوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ » (2)، ما هذا لفظه :

والخطاب بهذه الآية و إن كان متوجّهًا إلى الجماعة، فالمراد به الأئمّة بلا خلاف، لأنّ إقامة الحدّ ليس لأحد إلّا للإمام، أو لمن نصبه الإمام (3).

و قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان، في تفسير الآية :

« فَاجْلِدُوا » هذا خطابٌ للأئمّة، أو من يكون منصوباً للأمر من جهتهم، لأنّه ليس لأحد أن يقيم الحدود إلّا للأئمّة عليهم السلام وولاتهم بلا خلاف (4).

و منهم : من جوّز إقامتها على جميع الناس، لكن للفقيه الجامع لشرائط الفتوى بشرط الإمكان، و هم الأكثر .

قال في المقنعة :

أمّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام والمنصوب من قبل اللَّه تعالى،

ص: 43


1- السرائر : ج 2، ص 25 .
2- النور : 2 .
3- فقه القرآن للقطب الراوندي : ج 2، ص 372 .
4- مجمع البيان : ج 7، ص 219 .

و هم الأئمّة الهدى من آل محمّد صلى الله عليه وآله، أو من نصبوه لذلك من الأمراء والحكّام .

و قد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، فمن تمكّن من إقامتها على ولده و عبيده و لم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها، و من خاف من الظالمين إعتراضًا عليه في إقامتها، أو خاف ضرراً بذلك على نفسه، أو على الدين فقد سقط عنه فرضها، و كذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من قومه و أمن بوائق الظالمين، فقد لزمه إقامة الحدود عليهم، فليقطع سارقهم، و يجلد زانيهم، و يقتل قاتلهم .

و هذا فرض معيّن على من نصبه المتغلّب لذلك على ظاهر خلافته له والإمارة من قبله على قوم من رعيته، فيلزمه إقامة الحدود و تنفيذ الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفّار و من يستحقّ ذلك من الفجّار .

و يجب على إخوانه من المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم يتجاوز حدّاً من حدود الإيمان، أو يكون مطيعاً في معصية اللَّه تعالى من نصبه من سلطان الضلال، فإن كان على وفاق للظالمين في شي ء يخالف اللَّه تعالى به لم يجز لأحد من المؤمنين معونته فيه، و جاز لهم معونته بما يكون به مطيعاً للَّه تعالى من إقامة حدّ و إنفاذ حكم على حسب ما

ص: 44

تقتضيه الشريعة، دون ما خالفها من أحكام أهل الضلال (1).

و في المراسم :

فأمّا القتل والجراح في الإنكار فإلى السلطان أو من يأمره السلطان، فإن تعذّر الأمر لمانع، فقد فوّضوا عليهم السلام إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدّوا واجباً و لا يتجاوزوا حدّاً .

و أمروا عامّة الشيعة بمعاونة الفقهاء على ذلك ما استقاموا على الطريقة ولم يحيدوا، فإن اضطرّتهم تقيّة أجابوا داعيها، إلّا في الدماء خاصّة، فلا تقيّة فيها، و قد روي أنّ للإنسان أن يقيم على ولده و عبده الحدود إذا كان فقيهًا و لم يخف من ذلك على نفسه، والأوّل أثبت (2).

و قوله : « والأوّل أثبت » له احتمالان، من جهة التخصيص والإطلاق ؛ أمّا الأوّل : فلأنّ الرواية المذكورة لمّا اقتضت انحصار الجواز في الولد والعبيد و لم يكن ذلك بمرضيّ عنده، أشار إليه بقوله : « والأوّل أثبت »، أي : جواز إقامة الحدود بعنوان الإطلاق أثبت و أولى من هذا التخصيص .

و أمّا الثاني : فلأنّ مقتضى إطلاق الرواية جواز إقامة الحدّ على الولد والعبد للوالد والسيّد بعنوان الإطلاق و لو حال حضور الإمام عليه السلام، و لم يكن ذلك بمرضيّ عنده، كما يستفاد من قوله : « فإلى السلطان أو من يأمره السلطان »، قال :

ص: 45


1- المقنعة : ص 810 .
2- المراسم : ص 263 .

« والأوّل أثبت » .

ثمّ قال :

و من تولّى من قبل ظالم و كان قصده إقامة الحدّ، أو اضطرّ إلى المتولّي (1)، فليتعمّد تنفيذ الحقّ ما استطاع، و ليقض حقّ الإخوان (2).

و في الكافي لأبي الصلاح :

تنفيذ الأحكام الشرعيّة والحكم بمقتضى التعبّد فيها من فروض الأئمّة عليهم السلام المختصّة بهم دون مَن عداهم ممّن لم يؤهّلوه لذلك، فإن تعذّر تنفيذها بهم عليهم السلام و بالمأهول لها من قبلهم لأحد الأسباب لم يجز لغير شيعتهم تولّى ذلك، و لا التحاكم إليه، و لا التوصّل بحكمه إلى الحقّ، و لا تقليده الحكم مع الاختيار، و لا لمن لا يستكمل له (3) شروط النيابة عن الإمام في الحكم من شيعته .

إلى أن قال :

فمتى تكاملت هذه الشروط فقد أذن له في تقليد الحكم، وإن كان مقلّده ظالماً متغلّباً، و عليه متى عرض له ذلك أن يتولّاه، لكون هذه الولاية أمراً بمعروف و نهياً عن منكر تعيّن فرضها بالتعريض للولاية عليه، و إن

ص: 46


1- في المصدر : التولّي .
2- المراسم : ص 264 .
3- في المصدر : لم يتكامل له .

كان في الظاهر من قبل المتغلّب فهو نائبٌ عن وليّ الأمر عليه السلام في الحكم و مأهول له لثبوت الإذن منه و من آبائهم عليهم السلام لمن كان بصفته في ذلك، فلا يحلّ له العفو عنه (1).

و إن لم يقلّد من هذه حاله النظر بين الناس، فهو في الحقيقة مأهول لذلك بإذن ولاة الأمر عليهم السلام و إخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم و حمل حقوق الأموال إليه، والتمكين من أنفسهم لحدّ أو تأديب تعيّن عليهم، لايحلّ لهم الرغبة عنه، ولا الخروج عن حكمه (2).

و في الغنية :

يجب في متولّي القضاء أن يكون عالماً بالحقّ في الحكم المردود إليه، بدليل إجماع الطائفة، و أيضاً فتولية المرء ما لايعرفه قبيحة عقلاً، و لا يجوز فعلها ؛ و أيضاً فالحاكم مخبرٌ في الحكم عن اللَّه تعالى، و نائبٌ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، و لا شبهة في قبح ذلك من دون العلم ؛ و أيضاً قوله تعالى: « وَ مَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمآ أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ » (3).

و من حكم بالتقليد لم يقطع على الحكم بما أنزل اللَّه، و يحتجّ على المخالف بما رووه في خبر تقسيم القضاة : و رجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار، و من قضى بالفتيا فقد قضى على جهل، و يجب فيه

ص: 47


1- في المصدر : لا يحلّ له القعود عنه .
2- الكافي في الفقه : ص 421 .
3- المائدة : 44 .

أن يكون عدلاً بلا خلاف إلّا من الأصمّ ؛ و خلافه غير معتدّ به .

و ينبغي أن يكون كامل العقل، حسن الرأي، ذا علم (1) و ورع، و قوّة على القيام بما فوّض إليه (2) ؛ و يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء من الأموال والحدود والقصاص ؛ و غير ذلك - سواء في ذلك ما علمه في حال الولاية أو قبلها - بدليل إجماع الطائفة (3).

و في المبسوط :

للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام، عبداً كان أو أمة، مزوّجة كانت الأمة أو غير مزوّجة، عندنا و عند جماعة .

و قال قوم : « ليس له ذلك »، و من قال : « له ذلك » فمنهم من قال : « له التعزير أيضاً » و هو الأصحّ، و منهم من قال : « ليس له ذلك ».

و أمّا الحدّ لشرب الخمر ، فله أيضاً إقامته عليهم عندنا، لما رواه عليٌّ عليه السلام : « أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم » (4)، و هذا عامّ .

و أمّا القطع بالسرقة، فالأولى أن نقول : « له ذلك » لعموم الأخبار و قال بعضهم : « ليس له ذلك »، فأمّا القتل بالردّة، فله أيضاً ذلك لما قدّمناه،

ص: 48


1- في بعض النسخ : حلم .
2- في بعض النسخ : بما فوّض اللَّه .
3- غنية النزوع : ص 426 .
4- المعجم الأوسط للطبرانى : ج 5، ص 301 .

ومنهم من قال : « ليس له ذلك »، والقول الأوّل أصحّ عندنا . و من قال : « للسيّد إقامة الحدّ عليهم » أجراه مجرى الحاكم والإمام، و كلّ شي ء للإمام أو الحاكم إقامة الحدّ به، من إقرار و بيّنة و علم، فللسيّد مثله .

و منهم من قال : ليس له أن يسمع البيّنة، لأنّ ذلك يتعلّق به الجرح والتعديل، و ذلك من فروض الأئمّة ؛ والأوّل أصحّ عندنا، فإذا ثبت أنّه يسمع البيّنة و إليه الجرح والتعديل كالإمام، فمتى ثبت ذلك عنده عمل به .

و من قال : « ليس له ذلك » قال : « الإمام يسمع البيّنة و يبحث عنها »، فإذا صحّت عنده حكم بها و كانت الإقامة إلى السيّد، وكان للإمام ما إليه و للسيّد ما إليه .

و أمّا إقامته ( ما إليه يحكم ) (1) بعلمه فقد ثبت عندنا أنّ للحاكم أن يحكم بعلمه فيما عدا الحدود ؛ و في أصحابنا من قال : « وكذلك في الحدود » و في الناس من قال مثل ذلك على قولين (2).

و في الخلاف :

للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأحكام من الأموال والحدود والقصاص و غير ذلك، سواء كان من حقوق اللَّه أو من حقوق الآدميّين،

ص: 49


1- ما في المعقوفين ليس في المصدر .
2- المبسوط : ج 8، ص 11 .

فالحكم فيه سواء، و لا فرق بين أن يعلم ذلك بعد التولية في موضع ولايته، أو قبل التولية، أو بعدها قبل عزله، وفي غير موضع ولايته، الباب واحد (1).

ثمّ نقل الخلاف و الأقوال بين العامّة، فقال : « دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ».

و فيه أيضاً :

من فعل ما يجب به الحدّ في أرض العدوّ من المسلمين وجب عليه الحدّ، إلّا أنّه لا يقام عليه الحدّ في أرض العدوّ، بل يؤخّر إلى أن يرجع إلى دار الإسلام .

و قال الشافعي : يجب الحدّ و إقامته، سواء كان هناك إمام أو لم يكن . وقال أبو حنيفة : إن كان هناك إمام وجب و أقيم، و إن لم يكن فيه إمام لم يقم .

إلى أن قال :

دليلنا على وجوب الحدّ قوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ » (2) و لم يفصّل ؛ و قوله تعالى : « وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُما » (3) ؛ و إنّما أجزناه (4) لإجماع الفرقة على

ص: 50


1- الخلاف : ج 3، ص 322، المسألة 41 .
2- النور : 2 .
3- المائدة : 38 .
4- في المصدر : أخّرناها .

ذلك (1).

و في الجامع مشيراً إلى الأمر بالمعروف :

و يجبان باليد واللسان والقلب، و يبدأ بالوعظ و التخويف، فإن لم ينجع أُدّب، و إن لم ينجع إلّا بالقتل و الجراح فعل، فإن لم يتمكّن فبالقلب . و قيل : إذا بلغ إلى القتل و الجراح لم يجز إلّا بإذن الإمام، والأوّل أصحّ (2).

و فيه أيضاً في مباحث الحدود :

و يتولّى الحدود إمام الأصل أو خليفته أو من يأذنان له فيه ؛ وروي أنّ السيّد يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه والوالد على ولده، و للإمام أن يحكم بعلمه في حقوق اللَّه كالزنا واللواط من غير مطالبة أحد، و في حقوق الناس كالدين، و حدّ السرقة عند المطالبة، و خليفته كذلك . وقيل : لا يحكم خليفته بعلمه في حقوق اللَّه و يحكم به في حقوق الناس (3).

و في الشرائع مشيراً إلى النهي عن المنكر :

و لو افتقر إلى الجراح أو القتل هل يجب ؟ قيل : نعم، و قيل : لا، إلّا بإذن

ص: 51


1- الخلاف : ج 3، ص 230، المسألة 9 .
2- الجامع للشرائع : ص 243 .
3- الجامع للشرائع : ص 548 .

الإمام، و هو الأظهر . و لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلّا للإمام مع وجوده أو من نصبه لإقامتها، و مع عدمه يجوز للمولى إقامة الحدّ على مملوكه (1). و هل يقيم الرجل الحدّ على ولده وزوجته ؟ فيه تردّد .

و لو وُلى وال من قبل الجائر و كان قادراً على إقامة الحدود، هل له إقامتها ؟ قيل : نعم، بعد أن يعتقد أنّه يفعل ذلك بإذن إمام الحقّ ؛ و قيل : لا، و هو أحوط .

و لو اضطرّه السلطان إلى إقامة الحدود جاز حينئذٍ إجابته ما لم يكن قتلاً ظلماً، فإنّه لا تقيّة في الدماء .

و قيل : يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود في حال غيبة الإمام، كما لهم الحكم بين الناس مع الأمن من ضرر سلطان الوقت، و يجب على الناس مساعدتهم على ذلك ؛ و لا يجوز أن يتعرّض لإقامة الحدود و لا الحكم بين الناس إلّا عارفٌ بالأحكام (2)، مطّلعٌ على مآخذها، عارفٌ بكيفيّة إيقاعها على الوجوه الشرعيّة (3).

و في النافع مشيراً إليه أيضاً :

أمّا لو افتقر إلى الجرح أو القتل لم يجز إلّا بإذن الإمام ؛ و كذا الحدود

ص: 52


1- في المسالك ( ج 1 ص 130) : و شرطه العلم بمقاديرالحدود لئلاّ يتجاوز حدّه .
2- قال في المسالك ( ج 1 ص 130 ) : المراد بالعارف المذكور الفقيه المجتهد، و هو العالم بالأحكام الشرعيّة بالأدلّة التفصيليّة .
3- شرائع الإسلام : ج 1، ص 312، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

لاينفذها إلّا الإمام أو من نصبه . و قيل : يقيم الرجل الحدّ على زوجته وولده و مملوكه . و كذا قيل : يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة إذا أمنوا، و يجب على الناس مساعدتهم (1).

و في كشف الرموز :

و أمّا البحث في الفقهاء فقد قال الشيخان و سلاّر : قد فوّضوا ذلك إلى الفقهاء، و لنا فيه نظر (2).

و في التذكرة :

لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلّا الإمام أو من نصبه الإمام لإقامتها، ولايجوز لأحد سواهما إقامتها على حال ؛ و قد رخّص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه إذا لم يخف ضرراً على نفسه وماله، و غيره من المؤمنين و أمن بوائق الظالمين .

قال الشيخ رحمه الله : و قد رخّص أيضاً في حال الغيبة إقامة الحدّ على ولده

ص: 53


1- مختصر النافع : ص 115 .
2- كشف الرموز : ج 1 ، ص 434 ؛ و عبارته هكذا : « قال سلاّر : « و إلّا يثبت المنع ، فأمّا الفقهاء فقد جزم الشيخان بأنّ في حال الغيبة، ذلك مفوّض إليهم إذا كانوا متمكّنين، و لنا فيه نظر ». و عبارة سلاّر في المراسم العلويّة ( ص 263 ) هكذا : « فقد فوّضوا عليهم السلام إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدّوا واجبًا و لا يتجاوزوا حدّاً و أمروا عامّة الشيعة بمعاونة الفقهاء على ذلك ما استقاموا على الطريقة ».

وزوجته إذا أمن الضرر ؛ و منع ابن إدريس ذلك في الولد والزوجة، وسلّمه في العبد (1).

و في رواية حفص بن غياث : أنّه سأل الصادق عليه السلام : مَن يقيم الحدود، السلطان أو القاضي ؟ فقال [ عليه السلام ] : إقامة الحدود إلى من إليه الحكم (2).

و هل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان (3)، عملاً بهذه الرواية، كما يأتي أنّ للفقهاء الحكم بين الناس، فكان إليهم إقامة الحدود، و لما في تعطيل الحدود من الفساد .

و قد روي أنّ من استخلفه سلطان ظالم على قوم و جعل إليه إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال و يعتقد أنّه إنّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ لا بإذن سلطان الجور ؛ و يجب على المؤمنين معونته و تمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك و ما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإن تعدّى من جعل إليه الحقّ لم يجز له القيام به، و لا لأحد معاونته على ذلك (4). و منع ابن إدريس ذلك .

نعم، لو خاف الإنسان على نفسه من ترك إقامتها جاز له ذلك للتقيّة ما

ص: 54


1- السرائر : ص 161 .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71 ، ح 5135 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6 ص 314 ح 871 و ج 10، ص 155، ح 621 .
3- المقنعة : ص 810، النهاية : ص 302 .
4- النهاية : ص 301 .

لم يبلغ قتل النفوس، فإن بلغ الحال ذلك لم يجز فعله، ولا تقيّة فيها على حال (1).

و في المنتهى :

لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلّا الإمام أو من نصبه الإمام لإقامتها، لايجوز لأحد غيرهما (2) إقامتها على حال، و قد رخّص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه .

إلى أن قال :

قال الشيخ رحمه الله : و قد رخّص في حال الغيبة إقامة الحدّ على ولده وزوجته إذا أمن الضرر، و منع ابن إدريس ذلك و سلّمه في العبد.

إلى أن قال :

فهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان عملاً بهذه الرواية ؛ و عندي - في هذه الرواية - في ذلك توقّف .

و قال فيما بعد ذلك بفاصلة قليلة :

قال الشيخان رحمهما الله : يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود في حال غيبة الإمام، كما لهم الحكم بين الناس مع الأمن من الضرر .

ص: 55


1- تذكرة الفقهاء : ج 9، ص 445 .
2- في المصدر : سواهما .

- إلى أن قال : - و هو قويٌّ عندي (1).

و في التحرير :

لا يجوز لأحد إقامة الحدود غير الإمام أو من نصبه الإمام لإقامتها ؛ وقد رخّص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه إذا لم يخف ضرراً على نفسه و لا ماله و لا أحد من المؤمنين .

قال الشيخ : فقد رخّص أيضاً في حال الغيبة إقامة الحدّ على الولد والزوجة مع الأمن، و منعه ابن إدريس للفقهاء .

و هل يجوز للفقهاء إقامة الحدود حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان، و هو قويٌّ عندي، و يجب على الناس مساعدتهم على ذلك (2).

و في القواعد :

و أمّا إقامة الحدود فإنّها للإمام خاصّة أو من يأذن له، و لفقهاء الشيعة في حال الغيبة ذلك ؛ و للمولى في حال الغيبة إقامة الحدّ على مملوكه، و في إقامته على ولده و زوجته قول بالجواز، و لو ولّي من قبل الجائر عالماً بتمكّنه من وضع الأشياء في مظانّها، ففي جواز إقامة الحدّ بنيّة أنّه نائبٌ عن سلطان الحقّ نظر، فإن ألزمه السلطان بها جاز ما لم يكن قتلاً ظلماً،

ص: 56


1- منتهى المطلب ( ط - ق ) : ج 2، ص 994 .
2- تحرير الأحكام : ج 2، ص 242 .

فلا تقيّة و إن بلغ حدّ تلف نفسه (1).

و في الإرشاد مشيراً إلى النهي عن المنكر :

لو افتقر إلى الجرح أو القتل افتقر إلى إذن الامام على رأي، و لا يقام الحدود إلّا بإذنه، و يجوز إقامتها على المملوك ؛ و قيل : على الولد والزوجة، و للفقيه الجامع لشرائط الإفتاء - و هي : العدالة والمعرفة بالأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة - إقامتها والحكم بين الناس بمذهب أهل الحقّ، و يجب على الناس مساعدته على ذلك والترافع إليه، و المؤثر لغيره ظالم .

إلى أن قال :

والوالي من قبل الجائر إذا تمكّن من إقامة الحدود قيل : جاز له معتقداً نيابة الإمام، والأحوط المنع (2).

و في التبصرة :

و لو افتقر إلى الجراح لم يفعله إلّا بإذن الإمام، والحدود لا يقيمها إلّا بأمره ؛ و يجوز للرجل إقامة الحدّ على عبده و ولده و زوجته إذا أمن الضرر ؛ و للفقهاء إقامتها حال الغيبة مع الأمن، و يجب على الناس

ص: 57


1- قواعد الأحكام : ج 1، ص 119 .
2- إرشاد الأذهان : ج 1، ص 353 .

مساعدتهم (1).

و في التلخيص مشيراً إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

و يجبان بالقلب مطلقًا، و إن لم يؤثّر فباللّسان، فإن لم يؤثّر فباليد ما لم يبلغ الجراح، فيشترط الإمام على رأي، إلّا في المملوك والولد والأهل على رأي ؛ و كذا إقامة الحدود والوالي من جانب الجائر والقادر يقيمها [ معتقدًا ] نيابة الأصل على رأي .

و لو اضطرّ إلى ما لا يجوز استعماله إلّا في الدماء، و يجوز النيابة عن العادل، و قد يجب و يحرم عن غيره مع استعمال المحرّم، ولا يجوز معه، و للفقهاء العارفين الحكم والفتوى، و يجب مساعدتهم، و المؤثّر لغيرهم ظالم (2).

و في المختلف - بعد ذكر الخلاف والنسبة إلى السيّد عدم افتقار النهى عن المنكر إلّا بإذن الامام، و لو انجرّ الأمر إلى الجرح والقتل - ما هذا لفظه : والأقرب ما قاله السيّد .

و قال فيما بعد ذلك مشيراً إلى إقامة الحدود :

والأقرب عندي جواز ذلك للفقهاء - إلى أن قال : - والعجب أنّ ابن إدريس ادّعى الإجماع في ذلك مع مخالفة مثل الشيخ و غيره من

ص: 58


1- تبصرة المتعلّمين : ص 115 .
2- تلخيص المرام : ص 89 .

علمائنا فيه (1).

و في الدروس :

يقضي الإمام بعلمه مطلقًا، و غيره في حقوق الناس، و في حقّه تعالى قولان : أقربهما القضاء (2).

و فيه في مباحث الأمر بالمعروف :

والحدود والتعزيرات إلى الإمام و نائبه و لو عموماً، فيجوز في حال الغيبة للفقيه الموصوف بما يأتي في القضاء إقامتها مع المكنة، و تجب على العامّة تقويته و منع المتغلّب عليه مع الإمكان ؛ و يجب عليه الإفتاء مع الأمن، و على العامّة المصير إليه والترافع إليه في الأحكام، فيعصي مؤثّر المخالف و يفسق، و لا يكفي في الحكم والإفتاء التقليد .

إلى أن قال :

و يجوز للمولى إقامة الحدّ على رقيقه إذا شاهد، أو أقرّ الرقيق، أو قامت عنده بيّنة تثبت عند الحاكم على قول ؛ و للأب الإقامة على ولده كذلك وإن نزل ؛ و للزّوج على الزوجة، حرّين أو عبدين أو أحدهما، فيجتمع على الأمة ولاية الزوج والسيّد ؛ ولا فرق بين الجلد والرجم، لما روي أنّه لو وجد رجلاً يزني بامرأته فله قتلهما ؛ و منع الفاضل من الرجم

ص: 59


1- مختلف الشيعة : ج 1، ص 339 .
2- الدروس : ص 174 .

والقطع بالسرقة .

و لا يشترط في الزوجة الدخول، وفي اشتراط الدوام نظر، أقربه المنع، فتجوز إقامته في المؤجّل .

و في جواز إقامة المرأة الحدّ على رقيقها والمكاتب على رقيقه والفاسق مطلقًا نظر ؛ و لا يملك إقامة الحدّ على المكاتب والمبعّض، و لو اشترك الموليان اشتركا (1) في الاستيفاء، و لا يجوز لأحدهما الاستقلال .

و لو ولّي من قبل الجائر كرها، قيل : جاز له إقامة الحدّ معتقداً النيابة عن الإمام، و هو حسن إن كان مجتهداً، و إلّا فالمنع أحسن (2).

و في اللمعة :

و يجوز للفقهاء حال الغيبة إقامة الحدود مع الأمن، والحكم بين الناس مع اتّصافهم بصفات المفتي، و هي : الإيمان والعدالة ومعرفة الأحكام بالدليل والقدرة على ردّ الفروع إلى الأصول ؛ ويجب الترافع إليهم، ويأثم الرادّ عليهم ؛ و يجوز للزوج إقامة الحدّ على زوجته والوالد على ولده والسيّد على عبده (3).

و في غاية المراد :

ص: 60


1- في المصدر : اجتمعا .
2- الدروس : ص 165 .
3- اللمعة الدمشقيّة : ص 75 .

واختار المصنّف في المختلف الجواز للفقهاء، لأنّ تعطيل الحدود يُفضي إلى ارتكاب المحارم ؛ و لما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام.

- إلى أن قال : -

« اُنظروا إلى مَن كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حَكَماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكمًا، إذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما بحكم اللَّه إستخفّ و علينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على اللَّه تعالى وهو على حدّ الشرك باللَّه عزّوجلّ » (1)، والترافع و وجوب قبول حكمه عامّ ، انتهى (2).

و يظهر منه الميل إلى الجواز .

و في تعليقات المحقّق الثاني على الشرائع :

القول بالجواز - مع التمكّن من إقامتها على الوجه المعتبر والأمن من الضرر له و لغيره من المؤمنين و من ثوران الفتنة - لايخلو من قوّة (3).

و في تعليقاته على الإرشاد - بعد أن عنون كلام الإرشاد : « قيل : و على الولد والزوجة » - ما هذا لفظه :

الأصحّ أنّه لابدّ في الوالد والزوج من كونه جامعاً لشرائط الفتوى،

ص: 61


1- الكافي : ج 1، ص 67، ح 10، تهذيب الأحكام : ج 6، ص 301 - 302، ح 845 .
2- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد للشهيد الأوّل : ج 1، ص 511، كتاب الجهاد .
3- حاشية شرائع الإسلام ( المطبوعة ضمن حياة المحقّق الكركيّ و آثاره ) : ج 11 ص 212 .

فيجوز له ذلك .

و قال في الوالي من قبل الجائر :

والأصحّ أنّه لايجوز له ذلك إلّا إذا كان بالصفات (1).

و في المسالك - بعد أن عنون العبارة السالفة من الشرائع، أي قوله : « و قيل : يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال غيبة الإمام عليه السلام » - ما هذا لفظه :

هذا القول مذهب الشيخين و جماعة من الأصحاب، و به رواية عن الصادق عليه السلام، و في طريقها ضعف، و لكن رواية عمر بن حنظلة مؤيّدة لذلك، فإنّ إقامة الحدود ضربٌ من الحكم، و فيه مصلحة كلّية، و لطفٌ في ترك المحارم، و حسمٌ لانتشار المفاسد، و هو قويّ (2).

و في الروضة عند التكلّم في إقامة السيّد والزوج والوالد على المملوك والزوجة والولد :

هذا الحكم في المولى مشهورٌ بين الأصحاب لم يخالف فيه إلّا الشاذّ، وأمّا الآخران فذكرهما الشيخ رحمه الله، و تبعه جماعة منهم : المصنّف، و دليله غير واضح، و أصالة المنع يقتضي العدم، نعم لو كان المتولّي فقيهاً فلا شبهة في الجواز (3).

ص: 62


1- حاشية إرشاد الأذهان ( المطبوعة ضمن حياة المحقّق الكركيّ و آثاره ) : ج 9 ص 310 و 311 .
2- مسالك الافهام : ج 3، ص 108 .
3- الروضة البهيّة : ج 2، ص 419 .

و في التنقيح بعد أن عنون عبارة النافع : « و كذا قيل : يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة » :

القائل هو الشيخان، و كذا قال سلاّر، ما لم يكن قتلاً أو جرحاً، ومنع منه ابن إدريس، قال : هو رواية شاذّة . و اختار العلاّمة قول الشيخين محتجّاً بأنّ تعطيل الحدود يفضي إلى ارتكاب المحارم و انتشار المفاسد، و ذلك مطلوب الترك في نظر الشارع ؛ و بما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام في حديث طويل يقول فيه : « أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا و حرامنا »، إلى آخر الحديث (1). قال : و هذا يؤيّد العمومات والنظر .

أمّا العمومات فقوله صلى الله عليه وآله : « العلماء ورثة الأنبياء »، و معلوم أنّهم لم يورّثوا من المال شيئاً، فيكون وراثتهم العلم و الحكم، والأوّل تعريف المعرّف، فيكون المراد هو الثاني، و هو المطلوب . و قوله صلى الله عليه وآله : « علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل » ؛ و معلوم أنّ أنبياء بني إسرائيل لهم إقامة الحدود .

و أمّا النظر، فهو أنّ المقتضي لإقامة الحدود قائمٌ في صورتي حضور الإمام و غيبته، و ليست الحكمة عائدة إلى مقيمه قطعاً، فيكون عائدة إلى مستحقّه، أو إلى نوع المكلّفين ؛ و على التقديرين لابدّ من إقامتها

ص: 63


1- مختلف الشيعة : ج 4، ص 463 .

مطلقًا (1).

واكتفى في غاية المرام و المهذّب البارع بنقل القولين من دون ترجيح لأحدهما من الآخر في البين .

قال في غاية المرام - بعد أن أورد العبارة السالفة من الشرائع، أي قوله : « وقيل : للفقهاء العارفين إقامة الحدود حال غيبة الإمام إلى آخره » - ما هذا كلامه :

هذا قول الشيخ و ابن الجنيد و سلاّر، واختاره العلاّمة، و منع ابن إدريس من إقامة الحدّ في حال الغيبة مطلقًا على غير مملوك، لاختصاص هذا الحكم بالإمام أو نائبه (2).

و في المهذّب :

الثالثة : للفقهاء إقامة الحدود و هو على العموم، و هو مذهب الشيخ في النهاية و أبي عليّ، واختاره العلاّمة لما تقدّم، و لرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام.

إلى أن قال :

و منع ابن إدريس من ذلك و قال : لا يقيم غير الإمام إلّا على المملوك

ص: 64


1- التنقيح الرائع : ج 1، ص 596 .
2- غاية المرام : ج 1، ص 547 .

فقط (1).

و في كنز العرفان مشيراً إلى قوله تعالى : « وَ لا تَأْخُذْكُم بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ » (2) :

والخطاب هنا و في قوله : « فَاجْلِدُوا » الأئمّة والحكّام (3).

و في آيات الأحكام للفاضل الأسترآبادي في تفسير قوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى » :

و الخطاب لحكّام الشرع من النبيّ والأئمّة عليهم السلام و ولاتهم، فيجب عليهم إقامة الحدّ على كلّ امرأة زنت و رجل زنى (4).

و في الكفاية مشيراً إلى القول بالجواز :

و لعلّ الترجيح لهذا إذا كان الفقيه مأموناً لرفع الفساد (5).

و في المفاتيح :

و كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّهما غير مشروطين بإذنه عليه السلام، و نسبة القول باشتراطهما به إلينا فريةٌ علينا من المخالفين ؛

ص: 65


1- المهذّب البارع : ج 2، ص 328 .
2- النور : 2 .
3- كنزالعرفان، للفاضل المقداد : ص 341 .
4- آيات الأحكام : ذيل الآية 2 من سورة النور (24) .
5- كفاية الأحكام : ص 83 .

وكذا إقامة الحدود والتعزيرات وسائر السياسات البدنيّة، فإنّ للفقهاء المأمونين إقامتها في الغيبة بحقّ النيابة عنه عليه السلام إذا أمنوا الخطر على أنفسهم، أو أحد من المسلمين على الأصحّ، وفاقاً للشيخين والعلاّمة وجماعة، لأنّهم مأذونون من قبلهم عليهم السلام في أمثالها (1).

هذه هي العبارات المتعلّقة بالمرام الصادرة من علمائنا العظام، والمتحصّل منها أقوال :

أقوال الفقهاء في جواز إقامة الحدود و عدمه

[القول الأوّل : الجواز عند التمكّن ]

الأوّل : يجوز للفقهاء في هذه الأعصار الّتي غابت الحجّة فيها عن الأبصار والأنظار إقامة الحدود والتعزيرات عند التمكّن منها على قاطبة المكلّفين المستحقّين لها لارتكاب موجبها و لو لم يكونوا من العبيد والأولاد والأزواج، بل وجبت عليهم حينئذ .

و هو مختار المقنعة، والمراسم، والكافي لأبي الصلاح، والمبسوط، والخلاف، والغنية، والجامع، والتحرير، والقواعد، والإرشاد، والمسالك، والروضة، والمختلف، والتبصرة، والدروس، واللمعة، و غاية المراد، و تعليقات المحقّق الثاني

ص: 66


1- مفاتيح الشرائع : ج 2 ، ص 50 ، كتاب مفاتيح الحسبة و الحدود .

على الشرائع، والإرشاد، والتنقيح، و كنز العرفان، والمفاتيح، فلاحظ عباراتهم السالفة .

و يمكن حمل العبارة السالفة من شيخنا الراوندي و شيخنا الطبرسي رحمهما الله عليه، لوضوح أنّ الفقهاء ممّن نصبهم الأئمّة عليهم السلام و ولاتهم، و ليس في كلام شيخنا الراوندي تصريحٌ بأنّه لابدّ أن يكون ممّن نصبوهم لإقامة الحدود فقط .

[القول الثاني : عدم الجواز إلّا للموالي على عبيدهم ]

الثاني: عدم الجواز إلّا للمولى على عبيدهم ؛ و هو مختار السرائر، و قد سمعت عبارته .

[القول الثالث : جوازها لمن استخلفه السلطان، وكذا للوالد على الولد، والزوج على الزوجة والسيّد على عبده ]

الثالث : جوازها لِمَن استخلفه السلطان الظالم على قوم، و أجاز له إقامة الحدود مع اعتقاد أنّه إنّما يفعلها بإذن سلطان الحقّ لا بإذن سلطان الجور .

و كذا جوازها للوالد على ولده و الزوج على زوجته و السيّد على عبده ؛ و عدم

ص: 67

الجواز لغيرهم و لو كان فقيهاً و تمكّن من إقامتها .

و هو الظاهر من شيخ الطائفة في النهاية، فلاحظ عبارته السالفة .

[اختلاف كلمات الفقهاء في بيان المراد ]

ثمّ اختلفت كلماتهم في بيان المراد من ذلك، فالظاهر من بعضهم أنّه لايعتبر في إقامة الوالد والزوج والسيّد على الولد والزوجة والمملوك إذن الإمام ؛ و لا كونهم جامعين لشرائط الفتوى، فيسوغ لهم ذلك و لو مع عدم إذنه عليه السلام و لو مع التمكّن منه و عدم تحقّق الشرائط ؛ و هو الظاهر من كلامه في النهاية و قد سلف، فليلاحظ، والمصرّح به في المبسوط، لكن في العبد، حيث قال :

للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام (1).

إلى آخر عبارته السالفة .

والظاهر منها دعوى اتّفاق علماء الشيعة عليه، قال :

أمّا الكلام في صفة السيّد الّذي له إقامة الحدود فجملته أنّه لابدّ أن يكون ثقة من أهل العلم بقدر الحدود، باطشًا في نفسه، فإذا كان كذلك فله إقامته بنفسه، و إن كان ضعيفًا في نفسه و كلّ من يقيمه عليه و إن كان

ص: 68


1- انظر المبسوط : ج 8، ص 11 .

فاسقًا أو مكاتبًا، قال بعضهم : ليس له ذلك، لأنّها ولاية والرقّ والفسق ينافيان الولاية ؛ و قال آخرون : له ذلك، لأنّه يستحقّ ذلك بحقّ الملك، فلا يؤثر الفسق كالتزويج، فإنّ للسيّد أن يزوّج أمته و إن كان فاسقًا ؛ وهذا هو الأقوى عندي لعموم الأخبار الّتي وردت لنا في ذلك .

فإن كان السيّد امرأة قال قوم : « لها ذلك » ؛ و هو الأصحّ عندي، و قال آخرون : « ليس لها ذلك كالفاسق والمكاتب »، فمن قال : « لها ذلك إقامته بنفسها »، و من قال : « ليس لها ذلك » منهم من قال : يقيمه الإمام، و قال بعضهم : « يقيمه وليّها الّذي يزوّجها كما إليه تزويج رقيقها (1).

والظاهر من كلام النهاية أنّه فيما إذا لم يتمكّن سلطان الحقّ من إقامة الحدود، لقوله : « و قد رخّص في حال قصور » إلى آخره، لكنّه أعمّ من أن يكون كلّ من الوالد والزوج والسيّد فقيهاً أو لا، لكن حمله العلاّمة في المختلف على حال الفقاهة، قال :

قال الشيخ في النهاية : « قد رخّص في حال قصور أيدي أئمّة الحقّ وتغلّب الظالمين أن يقيم الإنسان الحدّ على ولده و أهله ومماليكه إذا لم يخف ضرراً في ذلك من الظالمين و أمن بوائقهم، فمتى (2) لم يأمن ذلك لم يجز له التعرّض لذلك على حال ». و كذا قال ابن البرّاج، و منع

ص: 69


1- المبسوط : ج 8، ص 12 .
2- في المصدر : فمن .

سلاّر من ذلك .

و قال ابن إدريس : الأقوى عندي لا يجوز له أن يقيم الحدود إلّا على عبده فحسب دون ما عداه من الأهل والقرابات، لما قد ورد في العبد من الأخبار واستفاض به النقل بين الخاصّ والعامّ، والأقرب الأوّل . لنا أنّه يشترط فيه أن يكون فقيهاً، و سيأتي بيان تجويز ذلك للفقهاء (1)، انتهى .

ثمّ إنّ ما عزاه إلى سلاّر فليس بصحيح، إذ مقتضاه أنّ سلاّر منع من إقامة الأب والزوج والسيّد - مع استجماعهم للفقاهة - الحدود على الولد والزوجة والعبد ؛ وهو غير صحيح قطعاً، لما عرفت من تصريحه بتفويض الأئمّة عليهم السلام إقامة الحدود للفقهاء، فنقول : إنّ الخصوصيّة في الموارد الثلاثة مع تحقّق الفقاهة لو لم تكن الدواعي في إقامة الحدود لم تكن مانعة قطعاً .

والظاهر أنّ الداعي لحمله كلام سلاّر على ذلك هو قوله : « والأوّل أثبت » بعد قوله : « و قد روي أنّ للإنسان أن يقيم على ولده و عبده الحدود إذا كان فقيهًا » (2) ، لكنّه لا يصلح لذلك، بل معناه أحد الوجهين الّذين أوردناهما عند إيراد عبارته، فلاحظ حتّى يتّضح لك الحال، فحمل كلامه على ما حمله عليه غير جيّد، و إن وافقه فخر المحقّقين في الإيضاح و شيخنا الصيمريّ في غاية المرام في ذلك وغيرهما كما ستقف عليه .

ص: 70


1- السرائر : ج 2، ص 24 .
2- المراسم العلويّة : ص 264 .

تنقيح المقام يستدعي أن يقال : إنّ هنا مقامات .

[المقام الأوّل :في جواز إقامة الموالي الحدود على مماليكهم]

اشارة

فنقول : الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب في الجملة، و قد عرفت التصريح به، و بعدم الافتقار فيه إلى إذن الإمام عليه السلام من المبسوط و مثله الخلاف، قال :

للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام، سواء كان عبدًا أو أمةً، مزوّجةً كانت الأمة أو غير مزوّجة . و به قال ابن مسعود وابن عمر و أبوبردة و فاطمة عليها السلام و عائشة و حفصة، و في التابعين الحسن البصريّ و علقمة والأسود، و في الفقهاء الأوزاعيّ والثوريّ والشافعيّ وأحمد و إسحاق .

و قال أبو حنيفة و أصحابه : ليس له ذلك، و الإقامة إلى (1) الأئمّة فقط . وقال مالك : إن كان عبدًا أقام عليه السيّد الحدّ، و إن كانت أمة ليس لها

ص: 71


1- في المصدر : على .

زوج فمثل ذلك، و إن كان لها زوج لم يقم عليها الحدّ، لأنّه لا يد له عليها. دليلنا : إجماع الفرقة و أخبارهم (1).

و فيه أيضاً :

له - أي : للسيّد - إقامة الحدّ على مملوكه في شرب الخمر، و له أن يقطعه في السرقة و يقتله بالردّة، و وافقنا عليه الشافعيّ في شرب الخمر قولًا واحدًا، و في القطع والسرقة قولان، والأصحّ مثل ما قلناه، و في القتل بالردّة على وجهين . دليلنا : إجماع الفرقة و أخبارهم (2).

و فيه أيضاً :

يقيم السيّد الحدّ على مملوكه باعترافه و بالبيّنة و بعلمه ؛ و وافقنا الشافعيّ في الاعتراف قولاً واحداً، و في البيّنة على قولين، و كذلك في العلم . دليلنا : إجماع الفرقة و أخبارهم (3).

و فيه أيضاً :

إذا كان السيّد فاسقًا أو مكاتبًا أو امرأةً كان له إقامة الحدّ على مملوكه ؛ وللشافعي فيه قولان (4)، أحدهما مثل ما قلناه، والثاني ليس له ذلك،

ص: 72


1- الخلاف : ج 3، ص 186 ؛ المسألة 38 .
2- الخلاف : ج 3، ص 187، المسألة 39 .
3- الخلاف : ج 3، ص 187، المسألة 40 .
4- في المصدر : وجهان .

لأنّ الفسق يمنع منه . دليلنا : عموم الأخبار الّتي وردت بإقامة السيّد (1) الحدّ على مملوكه و لم يفصّل (2).

والحاصل : أنّ جواز إقامة السيّد الحدّ على عبده ممّا لا خلاف فيه، لأنّه المصرّح به في المقنعة، والنهاية، والمبسوط، والخلاف، والوسيلة، والغنية، والسرائر، والشرائع، والمنتهى، والتذكرة، والتحرير، والمختلف، والقواعد، والإرشاد، والتبصرة، والتلخيص، والدروس، واللّمعة، و غاية المراد، و تعليقات المحقّق الثاني على الشرائع والإرشاد، والروضة، والمسالك، و غيرهم، و في الخلاف في مواضع، والغنية عليه الإجماع، و عبارة الخلاف قد سمعتها .

و في الغنية :

و يجوز للسيّد إقامة الحدّ على من ملكت يمينه بغير إذن الإمام، ولايجوز لغير السيّد ذلك إلّا بإذنه . كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه، و فيه الحجّة (3).

فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين علمائنا .

و أمّا ما يظهر من المختلف حيث قال :

قال الشيخ في النهاية : و قد رخّص في حال قصور أيدي أئمّة الحقّ

ص: 73


1- في المصدر : بأنّ للسيّد إقامة الحدّ .
2- الخلاف : ج 3، ص 187، المسألة 41.
3- غنية النزوع : ص 622 .

وتغلّب الظالمين أن يقيم الإنسان الحدّ على ولده و أهله و مماليكه إذا لم يخف في ذلك ضررًا من الظالمين و أمن بوائقهم، فمتى لم يأمن ذلك لم يجز له التعرّض لذلك على حال ؛ و كذا قال ابن البرّاج و منع سلاّر من ذلك .

و قال ابن إدريس : الأقوى عندي أنّه لا يجوز له أن يقيم الحدود إلّا على عبده فحسب دون ما عداه من الأهل والقرابات (1).

فغير مطابق للواقع كما نبّهنا عليه، و لا يبعد أن يكون الموقع له في ذلك كلام سلاّر : « والأوّل أثبت » بعد قوله : « و قد روي أنّ للإنسان أن يقيم على ولده وعبده الحدود إذا كان فقيهًا و لم يخف من ذلك على نفسه » (2)، فيتوهّم من ظاهره أنّ المدلول عليه بالرواية يكون غير أثبت عنده، فيكون إقامة السيّد الحدّ على عبده غير مرضيّ عنده، لكنّك قد عرفت ممّا أوضحناه في بيان مراده أنّه ليس بمراد، و هو ظاهر .

فالظاهر أنّ ما ذكره شيخنا ابن فهد في المهذّب و شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة منشؤه التعويل على ما في المختلف .

قال في المهذّب :

الثانية : إقامة الحدّ على المملوك مختار الشيخ و القاضي و ابن إدريس

ص: 74


1- مختلف الشيعة : ج 1، ص 339 .
2- انظر المراسم : ص 261 .

والعلاّمة، و منع سلاّر (1).

و كلام الروضة قد سمعته .

قال في المسالك :

جواز إقامة السيّد الحدّ على مملوكه هو المشهور بين الأصحاب، لم يخالف فيه إلّا الشاذّ (2).

و كتب في الحاشية مشيراً إلى المخالف الشاذّ ما هذا لفظه :

و هو سلاّر رحمه الله، فإنّه منع من إقامة غير الإمام مطلقًا، انتهى (3).

و هو غير صحيح قطعًا ؛ و كيف مع أنّ كلامه صريح في أنّ الأئمّة عليهم السلام فوّضوا إقامة الحدود إلى الفقهاء، فلاحظ كلامه السالف .

والحاصل : أنّ ما نسبوه إلى سلاّر غير صحيح .

و ممّا يرشدك إلى انتفاء الخلاف في المسألة بين علمائنا كلام شيخ الطائفة في المبسوط قال :

للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام - عبداً كان أو أمة، مزوّجة كانت الأمة أو غير مزوّجة - عندنا و عند جماعة، و قال

ص: 75


1- المهذّب البارع : ج 2، ص 328 .
2- مسالك الأفهام : ج 3، ص 105 .
3- مسالك الأفهام : ج 3، ص 106 .

قوم: ليس له ذلك (1).

و في موضعين من هذا الكلام إرشاد إلى انتفاء الخلاف في علمائنا، أحدهما : قوله : « عندنا » ؛ والثاني : نسبة الخلاف إلى العامّة .

و أوضح منه في الدلالة عليه عبارته المذكورة من الخلاف، بل الظاهر منه أنّ أكثر المخالفين أيضاً وافقونا على ذلك .

و يرشدك إليه أيضاً كلام الغنية، حيث قال بعد دعوى إجماع الطائفة :

و يحتجّ فيها على المخالف في السيّد بما رووه من قوله عليه السلام : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم (2).

فالظاهر من جميع ما ذكر أنّ الخلاف في المسألة في الجملة غير ظاهر ؛ ويومئ إليه كلام الشرائع والقواعد والإرشاد و غيرها (3)، فليلاحظ .

والحاصل : هو أنّا لم نجد المخالف في المسألة، و لا نقله ناقل عدا العلاّمة وشيخنا ابن فهد و شيخنا الشهيد الثاني، و هم قد صرّحوا بنسبة الخلاف إلى سلاّر، و قد علمت عدم استقامته، فلو لم يعيّنوا المخالف كنّا احتملنا أنّه غيره، لكنّه بعد التعيين و تبيّن الخلاف ممّا لا تعويل عليه .

ص: 76


1- المبسوط : ج 8، ص 11 .
2- غنية النزوع : ص 425 ؛ والحديث في سنن الدارقطني : ج 3، ص 158 ح 228 ؛ والبيهقي: ج 8، ص 245 ؛ و مسند أحمد بن حنبل : ج 1، ص 95، و في المعجم الأوسط للطبراني : ج 5 ص 301 .
3- انظر الشرائع : ج 1، ص 312 ؛ و القواعد : ج 1، ص 525 ؛ والإرشاد : ج 1، ص 353 .

و أمّا ما صدر من المحقّق في النافع من نسبة جواز الإقامة إلى قيل (1)، فهو غير مستلزم لإنكاره الجواز، لاحتمال التردّد، مضافًا إلى أنّه يمكن أن يقال : إنّ ذلك باعتبار الجمع بين الزوجة والولد والمملوك .

و ربما يومئ إليه كلامه في الشرائع (2) حيث قطع أوّلاً بجواز إقامة المولى الحدّ على مملوكه و جعل التردّد مختصّاً بإقامة الوالد والزوج الحدّ على الولد والزوجة، على أنّ المملوك غير مذكور في بعض النسخ المعتبرة من النافع .

و إنّما قلنا في الجملة، لما ستقف عليه من أنّ الظاهر من العلاّمة في المختلف وسلاّر أنّهما يقولان بذلك عند فقاهة المولى لا مطلقًا ؛ و ستقف على تحقيق الحال في ذلك، لكنّه لا يخفى لتصحيح كلامهما كما لا يخفى وجهه على من لاحظه .

نعم، ربما يظهر من صاحب الجامع التردّد في ذلك حيث نسبه إلى الرواية، فقال:

و روي أنّ السيّد يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه، والوالد على ولده (3).

لكنّه يمكن أن يكون وجهه ما نبّهنا عليه من حيث الإطلاق، بل الظاهر ذلك .

و على أيّ حال إنّ جواز إقامة السيّد الحدّ على مملوكه ممّا لا ينبغي التأمّل فيه.

ص: 77


1- انظر المختصر النافع : ص 139 .
2- انظر الشرائع : ج 1، ص 312 .
3- الجامع للشرائع : ص 548 .

[النصوص الدالّة على جواز إقامة السيّد الحدّ على مملوكه ]

والمستند فيه - مضافًا إلى الإجماع المنقول في عدّة مواضع من الخلاف والغنية و عدم ظهور الخلاف في المسألة - عدّة نصوص :

منها : ما تمسّك به جماعة من الأعيان، منهم : شيخ الطائفة في الخلاف حيث قال : و أيضاً روي عن عليٍّ بن أبي طالب - عليهما الصلاة والسلام - أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : « أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم » (1).

و قصوره من حيث أنّه من طرقهم بعد الاعتضاد بالعمل غير ضائر .

و منها : الصحيح المرويّ في باب النوادر من حدود الكافي و في كتاب الحدود من التهذيب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : من ضرب مملوكًا حدّاً من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفّارة إلّا عتقه (2).

بناءً على أنّ المستفاد منه جواز إقامة الحدّ عند ارتكاب موجبه، لكن يمكن التأمّل في ذلك، إذ غاية ما يستفاد منه أنّه من ضرب مملوكًا حدّاً عند إيجابه على نفسه حدّاً لم يكن كفّارته عتقه ؛ و أمّا الدلالة على الجواز حينئذٍ فلا .

ص: 78


1- الخلاف : ج 3، ص 187 .
2- الكافي : ج 7، ص 263، و تهذيب الأحكام (مع تفاوت يسير) : ج 10، ص 27 .

و منها : الموثّق - كالصحيح - المرويّ في أواخر باب النوادر من حدود الكافي، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : ربما ضربت الغلام في بعض ما يحرم، فقال : و كم تضربه ؟ فقلت : ربما ضربته مائة، فقال : مائة مائة ؟ فأعاد ذلك مرّتين، ثمّ قال : حدّ الزنا ! إتّق اللَّه، فقلت : جعلت فداك فكم لي ينبغي أن أضربه ؟ فقال : واحدًا، فقال : واللَّه لو علم أنّي ما أضربه إلّا واحدًا ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده، فقال : فاثنين، قلت : جعلت فداك هذا هو هلاكي إذًا، قال : فلم أزل أماكسه حتّى بلغ خمسة، ثمّ غضب فقال : يا إسحاق، إن كنت تدري حدّ ما أجرم، فأقم الحدّ فيه (1)، و لا تعدّ حدود اللَّه (2).

وجه الدلالة هو : أنّ الغلام و إن كان يستعمل في معان، منها : الابن الصغير، ومنه قوله تعالى : « وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيْمَيْنِ فِي الْمَدِيْنَةِ » (3).

و منها : ما في القاموس، قال :

الغلام : الطارّ الشارب، والكهل ضدّه، أو من حين يولد إلى أن يشيب، والجمع : أغلمه و غلمان، انتهى (4).

و معنى قوله : الطارّ : الشارب الّذي طرّ شاربه، أي : نبت ؛ والظاهر أنّه المراد

ص: 79


1- في المصدر : عليه .
2- الكافي : ج 7، ص 267 ح 34 .
3- الكهف : 82 .
4- القاموس المحيط : ج 4، ص 157 .

من : « وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ » (1).

و منها : العبد، قال في المغرب :

الغلام : الطارّ الشارب، والجارية أُنثاه، و يستعاران للعبد والأمة (2).

و منها : ما رواه في الكافي : عن بكر بن محمّد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سأله رجل و أنا حاضر، فقال : يكون لي الغلام فيشرب الخمر، و يدخل في هذه الأمور المكروهة، فأريد عتقه، أعتقه (3) أحبّ إليك أم أبيعه وأتصدّق بثمنه ؟ قال : إنّ العتق في بعض الزمان أفضل و في بعض الزمان الصدقة أفضل، فإذا كان الناس حسنةً حالهم فالعتق أفضل، و إذا كانوا شديدةً حالهم فالصدقة أفضل ؛ الحديث (4).

و منها أيضاً : الموثّق المرويّ في باب صدقات النبيّ صلى الله عليه وآله و فاطمة والأئمّة عليهم السلام : عن أبان، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ أبا جعفر عليه السلام مات وترك ستّين غلامًا، و أعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم، فأخرجت عشرين فأعتقهم (5).

و إطلاق الغلام في الأخبار على المملوك شائع، لكنّ الظاهر أنّ المراد من الغلام في الحديث الّذي كلامنا فيه هو هذا المعنى، كما لا يخفى وجهه على من

ص: 80


1- الطور : 24 .
2- المغرب، للمطرزي : ج 2، ص 77 .
3- في المصدر : فهل عتقه .
4- الكافي : ج 6، ص 195 ح 4 .
5- الكافي : ج 7، ص 55 ح 12 .

تأمّل فيه .

و قوله : « إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ عليه » صريحٌ في المطلوب .

و منها : الصحيح المرويّ في باب ما يجب على المماليك والمكاتبين من الحدود من حدود الكافي، و في باب حدّ المماليك في الزنا من الفقيه، عن ابن محبوب، عن ابن بكير، عن عنبسة بن مصعب قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : إن زنت جارية لي أحدّها (1) ؟ قال : نعم، و ليكن ذلك في سرّ، فإنّي أخاف عليك السلطان (2).

و في الفقيه هكذا : و روى ابن محبوب، عن عبداللَّه بن بكير، عن عنبسة بن مصعب قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : إن زنت جارية لي أحدّها ؟ قال : نعم، و ليكن ذلك في سرّ، فإنّي أخاف عليك السلطان (3).

[ و ] رواه في باب ما جاء في ولد الزنا أيضاً بإسناده عن عنبسة بن مصعب، لكن على نحو ما رواه في التهذيب كما ستقف عليه (4).

[ و ] رواه في كتاب الحدود من التهذيب في الصحيح : عن عبداللَّه بن مسكان، عن عنبسة بن مصعب - أيضاً هكذا - قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : جارية لي زنت،

ص: 81


1- في الكافي : كانت لي جارية فزنت، أحدّها ؟
2- الكافي : ج 7، ص 235، ح 8 .
3- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 45، ح 5055 .
4- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3، ص 144 ؛ تهذيب الأحكام : ج 8 ص 227 ح 817 .

أحدّها ؟ قال : نعم، قلت : أبيع ولدها ؟ قال : نعم، قلت : أحجّ بثمنه ؟ قال : نعم (1).

و منها : رواه شيخنا الصدوق في باب ما جاء في ولد الزنا، بإسناده عن عنبسة بن مصعب، و لم يذكر طريقه إليه (2).

و منها : الموثّق المرويّ في الكتاب المذكور من التهذيب : عن طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن عليٍّ عليه السلام قال : إضرب خادمك في معصية اللَّه - تعالى عزّوجلّ - واعف عنه فيما يأتي إليك (3).

و منها : الصحيح المرويّ في باب النوادر عن أواخر كتاب الديات من الكافي : عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي العبّاس قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : ما للرجل يعاقب به مملوكه ؟ فقال : على قدر ذنبه (4).

و دلالة النصوص المذكورة على المدّعى ظاهرة، و إن كانت مختلفة في الظهور والخفاء والإطلاق والفحوى .

توضيح الحال في ذلك هو : أنّ الحديثين الأخيرين يدلاّن على المدّعى بالإطلاق، لوضوح أنّ العقاب على قدر الذنب، كما يشمل الحدّ يشمل التعزير، وكذا قوله عليه السلام : « اضرب خادمك في معصية اللَّه » كما لايخفى، و إن أمكن إدّعاء ظهور الثاني في الحدّ، بناءً على أنّ قدر الذنب يؤمئ إلى التعيين، والعقوبة المعيّنة

ص: 82


1- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 26 ح 81 .
2- انظر كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3، ص 144، ح 3529 .
3- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 27 ح 84 .
4- الكافي : ج 7، ص 370 ح 3 .

إنّما هي في موجبات الحدود .

و أمّا غيرهما فمنطوقه يقتضي جواز إقامة الحدود، فيستفاد جواز التعزير بالفحوى .

ثمّ إنّ المورد في بعضها و إن كانت حدّ الزنا، لكن يتمّ المدّعى بانتفاء الفارق، فأوضح الجميع قوله : « إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ عليه » .

و يدلّ عليه أيضاً ما رواه في قرب الإسناد : عن عبداللَّه بن حسن، عن جدّه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال : سألته عن رجل هل يصلح له أن يضرب مملوكه من الذنب يذنبه ؟ قال : يضربه على قدر ذنبه، إن زنى جلده، وإن كان غير ذلك فعلى قدر ذنبه السوط و (1) السوطين و شبهه، و لا يفرط في العقوبة (2).

هذه النصوص الستّة عثرنا بها في طرقنا في هذا المطلب، و أمّا ما ورد في طرقهم فيه فمتعدّدة أيضاً، منها ما تقدّم .

و منها : ما روي في جملة من كتبهم المعتبرة كالمصابيح : عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال : يا أيّها الناس ! أقيموا على أرقّائكم الحدّ، من أحصن منهم و من لم يحصن، فإنّ أمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت

ص: 83


1- في المصدر : أو .
2- قرب الاسناد : ص 259 .

إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وآله، فقال : أحسنت (1).

قال : و في رواية : دعها حتّى ينقطع، ثمّ أقم عليها الحدّ (2).

و منها : ما روي في المصابيح و غيره أيضاً : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ، و لا يثرب عليها، ثمّ إن زنت فليجلدها الحدّ و لا يثرب عليها، ثمّ إن زنت الثالثة فتبيّن زناها فليبعها و لو بحبلٍ من شعر (3).

و على أيّ حال إنّ دلالة النصوص المذكورة على المدّعى ظاهرة .

و أمّا ما رواه في باب النوادر من حدود الكافي : عن أحمد بن محمّد، في مسائل إسماعيل بن عيسى، عن الأخير، في مملوك يعصي صاحبه، أيحلّ ضربه أم لا ؟ فقال : لا يحلّ لك أن تضربه إن وافقك فأمسكه، و إلّا فخلّ عنه (4).

فهو مقدوح سنداً و دلالة ؛ أمّا الأوّل، فلأنّ إسماعيل بن عيسى مجهول الحال، لإهماله في كتب الرجال .

و على تقدير الإغماض عنه - بناءً على أنّ المخبر هو أحمد بن محمّد، انّه في

ص: 84


1- صحيح مسلم : ج 5، ص 125، سنن الترمذي : ج 2، ص 448، المستدرك للحاكم : ج 4، ص 369، كنز العمّال : ج 5، ص 453 .
2- صحيح مسلم : ج 5، ص 125.
3- مصابيح السنة، للبغوي : ج 2، ص 539، ح 2686 ؛ و في صحيح البخاري : ج 3، ص 42، وصحيح مسلم : ج 5، ص 124 .
4- الكافي : ج 7، ص 261 ح 5 .

مسائل إسماعيل بن عيسى كذا، فلا يضرّ جهله - نقول : لم يعلم أنّ المراد من الأخير مَن هو ؟ أَ هو المعصوم عليه السلام أو غيره ؟

لكنّ الظاهر أنّ المراد منه المعصوم، و أنّه مولانا الكاظم عليه السلام، بناءً على أنّه الملائم للطبقة ؛ و هذا القدر يكفي في المقام .

و أمّا الثاني، فنقول : إنّ غاية ما يستفاد منه النهي عن الضرب فيما إذا عصى مالكه ؛ و أين ذلك من المعارضة للنصوص السالفة الدالّة على جواز إقامة الحدّ والضرب في معصية اللَّه سبحانه ؟!

ثمّ على تقدير الإغماض عنه - بناءً على أنّ معصية المالك أيضاً ممّا نهى اللَّه تعالى عنه - نقول : إنّ ذلك غير صالح لمعارضة النصوص السالفة، لأكثريّتها عدداً وأصحّيّتها سنداً وأقوائيّتها دلالةً وأوفقيّتها عملاً، فلابدّ من طرحه أو حمله على ما إذا لم يتعلّق به الطلب الحتميّ من المولى، أو تعلّق طلبه فيما خالف طلبه سبحانه.

على أنّا نقول : إنّ شيخ الطائفة روى الحديث، فذكر مقام المملوك الأجير، فقد روي في أواخر باب الزيادات من حدود التهذيب : عن إسماعيل بن عيسى، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الأجير يعصي صاحبه، أَيحلّ ضربه أم لا ؟ فأجاب: لا يحلّ أن تضربه، إن وافقك فأمسكه، و إلّا فخلّ عنه سبيله (1).

و كون الرواية على ما في الكافي عن مسائل إسماعيل بن عيسى وموافقة الحديث لما في التهذيب يحصل ظنّ قويّ أنّ السؤال في أصل الحديث كان عن

ص: 85


1- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 148 ح 591 .

الأجير، فلا دخل فيما نحن بصدده .

بل يمكن أن يقال : إنّ الكتاب الّذي أخذ الحديث منه قد سقط فيه من قلم الناسخ « عن أبي الحسن عليه السلام » و كان المذكور بعد الإسقاط : « عن الأجير يعصي صاحبه »، فصحّف الأجير فيه بالأخير، فزيد : « في مملوك ».

وعلى أيّ حال لاتعويل عليه فيما نحن فيه كما لا يخفى؛ فنقول: إنّ جواز إقامة السيّد الحدود على مملوكه ممّا لاينبغي التأمّل فيه، بل لاخلاف فيه بين الأصحاب.

و إنّما الكلام هنا في مطالب :

[المطلب الأوّل :هل يلزم اتّصاف المولى بالفقاهة أم لا ؟ ]

اشارة

أحدها : إنّ ذلك إنّما هو عند اتّصاف المولى بالفقاهة أو لا ؟

فيه خلاف، فالظاهر من المراسم (1) والعلاّمة في المختلف (2) هو الأوّل ؛ و هو الظاهر من شيخنا المفيد في المقنعة لقوله :

ص: 86


1- المراسم : ص 261 .
2- المختلف : ج 4 ص 478 .

و قد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، فمن تمكّن من إقامتها على ولده و عبده و لم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها (1).

إلى آخر عبارته السالفة .

و من شيخنا أبي الصلاح أيضاً، فلاحظ عبارته السالفة، قال :

و لا لمن لا يستكمل شروط النيابة عن الإمام في الحكم من شيعته (2).

إلى آخر ما سلف .

والظاهر من أكثر الأصحاب هو الثاني، إذ هو الظاهر من النهاية والمبسوط والخلاف والغنية والسرائر والشرائع والمنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والإرشاد والتبصرة والدروس واللمعة و غاية المراد والروضة والمسالك و غيرهم (3)، و إن اختلفت كلماتهم في الصراحة والظهور، ففي المبسوط والخلاف تصريح بذلك .

ص: 87


1- المقنعة : ص 810 .
2- الكافي في الفقه : ص 421 .
3- انظر النهاية : ص 301 ؛ والمبسوط : ج 8 ص 11 ؛ والخلاف : ج 5 ص 398 ؛ والغنية : ج 1 ص 425 ؛ والسرائر : ج 2 ص 24 ؛ والشرائع : ج 1 ص 312 ؛ و منتهى المطلب ( ط. ق ) : ج 2 ص 944 ؛ والتذكرة : ج 9 ص 445 ؛ والتحرير : ج 2 ص 242 ؛ والقواعد : ج 1 ص 525 ؛ والإرشاد : ج 1 ص 353 ؛ والتبصرة : ص 90 ؛ والدروس : ج 2 ص 48 ؛ واللمعة : ص 46 ؛ وغاية المراد : ج 1 ص 508 ؛ والروضة البهيّة : ج 2 ص 419 ؛ والمسالك : ج 3 ص 105 .

قال في الأوّل :

أمّا الكلام في صفة السيّد الّذي له إقامة الحدود، فجملته أنّه لابدّ أن يكون ثقة من أهل العلم بقدر الحدود .

- إلى أن قال : - وإن كان فاسقًا أو مكاتبًا قال بعضهم : ليس له ذلك، لأنّها ولاية، والرقّ والفسق ينافيان الولاية، وقال آخرون : له ذلك ؛ - ثمّ قال : - و هو الأصحّ عندي (1).

و في الثاني :

إذا كان السيّد فاسقًا أو مكاتبًا أو امرأة كان له إقامة الحدّ على مملوكه، وللشافعي فيه قولان (2) : أحدهما مثل ما قلناه .

- إلى أن قال : - دليلنا عموم الأخبار الّتي وردت بإقامة السيّد الحدّ (3) على مملوكه و لم يفصّل (4).

و في المبسوط أيضاً :

فإن كان السيّد امرأة قال قوم : لها ذلك، و هو الأصحّ عندي (5).

ص: 88


1- المبسوط : ج 8، ص 12 .
2- في المصدر : وجهان .
3- في المصدر : بأنّ للسيّد إقامة الحدّ .
4- الخلاف : ج 3، ص 187، المسألة 41 .
5- المبسوط : ج 8 ص 12 .

و عبارة السرائر والغنية كالصريح في هذا المطلب فليلاحظ .

فعلى هذا ما ظهر من العلاّمة في المختلف - حيث أنّ الظاهر منه أنّه جعل محلّ النزاع صورة فقاهة المولى، فاللازم منه أنّ عدم الجواز في صورة انتفاء الفقاهة محلّ وفاق بين الأصحاب - فليس على ما ينبغي، بل الإطلاق هو الظاهر من أكثر الأصحاب ؛ و حمل كلماتهم على صورة الفقاهة حملٌ للكلام على الفرد النادر كما لا يخفى .

[مستند القولين في المسألة ]

بقي الكلام في مستند القولين، فنقول : يمكن الاستدلال للقول بالاشتراط بما في المراسم حيث قال :

و قد روي (1) أنّ للإنسان أن يقيم على ولده و عبده الحدود إذا كان فقيهًا ولم يخف من ذلك على نفسه (2).

و بما ستقف عليه من رواية حفص بن غياث قال : سألت أباعبداللَّه عليه السلام مَن يقيم الحدود، السلطان أو القاضي ؟ فقال [ عليه السلام ] : إقامة الحدود إلى من إليه الحكم (3).

ص: 89


1- وسائل الشيعة : ج 18، ص 339، باب 30 من أبواب مقدمات الحدود .
2- المراسم العلويّة : ص 264 .
3- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71 ، ح 5135 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6 ص 314 ح 871 و ج 10، ص 155، ح 621 .

والجواب أمّا عن الأوّل، فهو إنّا لم نجد هذه الرواية في شي ء من الكتب المعتبرة و لا نقلها ناقل ؛ والظاهر أنّه إشارة إلى ما ذكره شيخنا المفيد في المقنعة بعد ما حكم بأنّ إقامة الحدود من مناصب الأئمّة، حيث قال :

و قد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، فمن تمكّن من إقامتها على ولده و عبيده و لم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها (1).

لوضوح أنّ الضمير في « فوّضوا » عائدٌ إلى الأئمّة عليهم السلام، والسياق يشهد أنّ المراد من قوله : « فمَن تمكّن من إقامتها » من الفقهاء، فاللازم أنّ المراد من هذا الكلام أنّ الأئمّة عليهم السلام فوّضوا إقامة الحدود للوالد والسيّد الفقيهين على الأولاد والمماليك، و هو الّذي عبّر عنه بما في المراسم كما لا يخفى .

و ممّا يؤيّد أنّ ما في المراسم إشارة إليه هو الاقتصار بالوالد والمولى دون الزوج كما في المقنعة .

و على تقدير تسليم أن يكون المراد به غيره نقول : إنّه رواية مرسلة غير معلومة السند والمأخذ، فلا تصلح لمعارضة حديث واحد فضلاً عن الأحاديث المتعدّدة .

و أمّا عن الثاني، فنقول : الظاهر من سياقه أنّ السؤال منه عمّن يقيم الحدود على وجه العموم والإطلاق، و لا شبهة في انحصاره فيمن إليه الحكم، فاللازم منه

ص: 90


1- المقنعة : ص 810 .

أنّ غيره لا يكون كذلك، و هو مسلّم، فلا منافاة بينه وبين ما يدلّ على أنّ غير من إليه الحكم يقيم الحدود في بعض الموارد كما لا يخفى .

و على تقدير التسليم نقول : إنّ النسبة بينه و بين النصوص السالفة الدالّة على أنّ للمولى إقامة الحدود على عبده عمومٌ من وجه، فلابدّ من الرجوع إلى الترجيح، و هو للنصوص المذكورة، لأوثقيّة السند و أكثريّة العدد، والاعتضاد بما يظهر من عمل الأكثر، و بإطلاق الإجماعات المنقولة، و الأقوائيّة في الدلالة .

فالتحقيق في المسألة : أنّ للموالي إقامة الحدود على مماليكه (1) وإن لم يتّصفوا بشرائط الفتوى، لإطلاق النصوص السالفة .

أمّا صحيحة أبي بصير المذكورة، فلوضوح أنّ المستفاد منها جواز ضرب المملوك للمولى عند إيجابه حدًّا على نفسه، سواء كان جامعًا لشرائط الفتوى، أم لا .

قال في باب النوادر من حدود الفقيه :

أذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة، و من ضرب مملوكه حدًّا لم يجب عليه لم يكن عليه كفّارةٌ إلّا عتقه (2).

و أمّا موثّقة إسحاق بن عمّار، فلأنّ المستفاد من قوله عليه السلام : « إن كنت تدري حدّ

ص: 91


1- كذا في النسخ ؛ والصواب : مماليكهم .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 73 ح 5143 .

ما أجرم فأقم الحدّ » (1)، هو أنّ المناط في إقامة الحدّ هو معرفة حدّ الجرم فقط، وظاهر أنّها غير مستلزم لاستجماعه شرائط الفتوى كما لا يخفى .

و أيضاً أنّ الخطاب فيه إلى إسحاق (2) بن عمّار، و هو و إن كان ثقة، لكن يظهر من صدر الحديث إلى آخره أنّه لم يكن بشرائط الفتوى، فلاحظ الحديث حتّى يتّضح عليك سرّ ما قلناه .

و أمّا حديث عنبسة بن مصعب الّذي أطبقت المشايخ الثلاثة على إيراده في الأصول المعتبرة، فالأمر فيه أظهر من السابق، لأنّه عليه السلام سوّغ لعنبسة إقامة حدّ الزنا بجاريته إن زنت ؛ و معلومٌ أنّ حكمهم عليهم السلام على الواحد حكمهم على الجماعة، فيسوغ لكلّ أحد إقامة حدّ الزنا على جاريته الزانية .

ثمّ الظاهر من ملاحظة كتب الرجال أنّ عنبسة لم يكن ممّن جمع شرائط الفتوى، فيتمّ المرام .

وممّا ذكر في حديث عنبسة يتّضح الحال في رواية طلحة، فلا افتقار إلى الإعادة .

و أمّا صحيحة أبي العبّاس، فظهور الحال فيها يغني عن إظهاره، لوضوح أنّ الرجل في السؤال في قوله : « ما للرجل يعاقب مملوكه ؟ » أعمّ من الجامع لشرائط الفتوى و غيره، بل الغالب هو الثاني كما لا يخفى .

ص: 92


1- الكافي : ج 7 ص 267 ح 34 .
2- في بعض النسخ بدل « إلى إسحاق » : لإسحاق .

و تجويزه عليه السلام عقوبة المملوك على قدر الذنب من غير تفرقة بين الصورتين دليل ثبوت الحكم في الحالين، سيّما مع كون غير الجامع للشرائط أغلب، فالظاهر أنّ المسألة ممّا لاينبغي التأمّل فيها .

[هل يختصّ جواز إقامة الحدود بالعبيد أو يعمّ الإماء أيضًا ؟ ]

ثمّ إنّ المذكور في جملة من العبارات و إن كان إقامة الحدّ على العبد كالمقنعة والمراسم والسرائر والتبصرة واللمعة و غيرها، بل مقتضى الحصر المفهوم من كلام السرائر عدم جوازها على غير العبد و لو كان أمة (1)، لقوله : « والأقوى عندي أنّه لا يجوز له أن يقيم الحدود إلّا على عبده » (2).

لكنّ الظاهر أنّه من المسامحات المعتادة الّتي لا مؤاخذة فيها، للقطع بأنّه لا فرق بين العبيد والإماء في ذلك، فالأولى التعبير بالمملوك الشامل للصنفين، كما في النهاية والمبسوط والخلاف والغنية والشرائع والتحرير والتذكرة و غيرها .

و لعلّ الداعي إلى اختلاف التعبير اختلافه في النصوص، ففي صحيحة أبي بصير و أبي العبّاس عبّر بلفظ « المملوك » الشامل لهما، وفي موثّقة إسحاق بن

ص: 93


1- في بعض النسخ : أمته .
2- السرائر : ج 2 ص 24 .

عمّار عبّر بلفظ « الغلام » الظاهر في العبد، و هو مع ظهوره مدلول عليه بالعبارة السالفة من المغرب .

والحاصل أنّ جواز إقامة الحدود من الموالي كما هو ثابت في حقّ العبيد ثابتٌ في حقّ الإماء أيضاً، و هو ممّا لا ريب فيه .

[ولاية إقامة الحدود على الأمةهل يختصّ بما إذا لم تكن مزوّجة، أو لا ؟]

و إنّما الكلام في أنّ ولاية إقامة الحدود على الأمة هل يختصّ بما إذا لم تكن مزوّجة، أو لا، بل ثابتة و لو بعد التزويج ؟

لا ينبغي التأمّل في التعميم فيما إذا كانت مزوّجة بعبده ؛ و إنّما الكلام فيما إذا كانت مزوّجة بغيره، سواء كان مملوكًا كما إذا كانت مزوّجة بعبد الغير، أو حرّاً .

والاستصحاب يقتضي الثبوت مطلقًا ؛ والظاهر من كلام المبسوط أنّه محلّ وفاق بين أصحابنا، قال :

للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام، عبدًا كان أو أمة، مزوّجة كانت الأمة، أو غير مزوّجة، عندنا و عند جماعة، و قال قوم: ليس له ذلك (1).

ص: 94


1- المبسوط : ج 8 ص 11 .

بل في الخلاف عليه الإجماع، فلاحظ عبارته السالفة .

[المطلب الثاني :هل يختصّ جواز اقامة الحدود على المملوك بالرجال، أم يجوز للمرأة أيضًا ؟ ]

والمطلب الثاني : في أنّ ولاية المولى لإقامة الحدود على المملوك هل تختصّ بما إذا كان رجلاً ؛ أو لا، بل تثبت و لو في حقّ المرأة ؛ فكما يسوغ للرجل إقامة الحدّ على مملوكه تسوغ للمرأة إقامته على مملوكها و لو كان عبدًا ؟

مقتضى جملة من العبارات الأوّل، قال في النافع :

قيل : يقيم الرجل الحدّ على زوجته و ولده و مملوكه (1).

و في التبصرة :

و يجوز للرجل إقامة الحدّ على عبده و ولده و زوجته (2).

و في الخلاف :

ص: 95


1- المختصر النافع : ص 115 .
2- تبصرة المتعلّمين : ص 114 .

للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام (1).

و مثله كلام المبسوط والغنية والجامع .

و في القواعد :

و للمولى في حال الغيبة إقامة الحدّ على مملوكه (2).

و في الدروس :

و يجوز للمولى إقامة الحدّ على رقيقه (3).

والحاصل أنّ كلماتهم في هذا المقام على أربعة أنحاء : بعضها اشتمل على لفظ « الرجل »، و بعضها على لفظ « السيّد »، و بعضها على لفظ « المولى » ؛ و في هذه الأقسام الثلاثة إرشاد إلى اختصاص الحكم بالرجل، لوضوح أنّ الظاهر من السيّد والمولى ذلك .

والنحو الرابع من أنحاء العبارات إشتمالها على لفظ « الإنسان »، فمقتضى هذا النحو هو التعميم، لظهور أنّ الإنسان كما يشتمل الذكور يشتمل الإناث أيضاً كما في النهاية والمراسم والتذكرة والمنتهى والتحرير (4).

ص: 96


1- الخلاف : ج 5 ص 395 .
2- قواعد الأحكام : ج 1، ص 525 .
3- الدروس : ج 2، ص 48 .
4- انظر النهاية : ص 301 ؛ المراسم : ص 261 ؛ تذكرة الفقهاء : ج 9 ص 445 ؛ منتهى المطلب ( ط .ق ) : ج 2 ص 994 ؛ تحرير الأحكام : ج 2 ص 242 .

و لنعم ما صنع المحقّق في الشرائع، قال :

يجوز للمولى إقامة الحدّ على مملوكه، و هل يقيم الرجل الحدّ على ولده و زوجته ؟ فيه تردّد (1).

إذ مقابلة الرجل بالمولى يرشد إلى أنّ المراد من المولى ما يعمّ الرجال والنساء كما لا يخفى .

والحاصل : أنّ مقتضى الأنحاء الثلاثة الأُوَل اختصاص الحكم بالرجل، كما أنّ مقتضى النحو الثالث ثبوت الحكم في حقّ النساء أيضاً ؛ و هو المصرّح به في كلام شيخ الطائفة في المبسوط، قال :

إن كان السيّد امرأة قال قوم : لها ذلك، و هو الأصحّ عندي ؛ و قال آخرون : ليس لها ذلك كالفاسق والمكاتب، فمَن قال : لها ذلك، اقامته بنفسها، و مَن قال : ليس لها ذلك، فمنهم من قال : يقيمه الإمام، و قال بعضهم : يقيمه وليّها الّذي يزوّجها، كما إليه تزويج رقيقها، انتهى (2).

والظاهر أنّ المراد من القوم في كلامه المخالفون، فيظهر منه أنّه لم يظهر عليه المخالف من علماء الشيعة .

و على أيّ حال ينبغي الرجوع إلى المستند، فنقول : إنّ النصوص الّتي عثرنا بها في المسألة - الّتي أوردناها فيما سلف - الواردة في طرقنا خمسة، ثلاثة منها

ص: 97


1- شرائع الاسلام : ج 1، ص 312 .
2- المبسوط : ج 8، ص 12 .

خوطب بها إلى الرجل، و هي : موثّقة إسحاق بن عمّار، و معتبرة عنبسة بن مصعب، و مقبولة طلحة بن زيد ؛ و واحدة منها وقع السؤال عن الحكم في ذلك للرجال، و هي : صحيحة أبي العبّاس المذكورة، فلا يمكن التمسّك بشي ء من النصوص الأربعة في إثبات التعميم .

فأحسن ما يمكن التمسّك به في إثبات التعميم صحيحة أبي بصير المذكورة، لقوله عليه السلام فيها : « من ضرب مملوكًا حدّاً من الحدود من غير حدّ أوجبه على نفسه » إلى آخر الحديث، لوضوح أنّ « مَن » الموصولة يعمّ الصنفين .

و يؤيّد الشمول ثبوت الحكم المنطوق (1) منه في حقّ النساء أيضاً، لوضوح أنّ الضرب بقدر الحدّ من غير ارتكاب موجبه كما يكون باعثًا لعتق العبد في حقّ الرجال يكون داعيًا له في حقّ النساء أيضاً كما لايخفى، فليكن الأمر بالإضافة إلى المفهوم أيضاً كذلك .

و لا ينافيه النصوص الأربعة المذكورة، لوضوح أنّ غاية ما يستفاد منها جواز إقامة الحدود على المملوك في حقّ الرجال، و أمّا عدم الجواز في حقّ النساء فلا، كما لا يخفى، فلا منافات بينها و بين ما أفاد الجواز في حقّهنّ أيضاً كما لا يخفى .

لكنّ الإنصاف أنّ التعويل في إثبات هذا الحكم على ذلك في غاية الإشكال، لما نبّهنا عليه فيما سلف (2) من ادّعائه ما يستفاد من المفهوم في الصحيحة

ص: 98


1- في بعض النسخ : المنطوقيّ .
2- في بعض النسخ : سالفًا من أنّ غاية ما يستفاد .

المذكورة هو : أنّ من ضرب مملوكه حدًّا من الحدود عند استحقاقه لذلك لا يكون عتقه مطلوبًا في حقّه حينئذ ؛ و لا يلزم منه الجواز، سيّما في مقابلة قوله عليه السلام : « إقامة الحدود إلى مَن إليه الحكم » (1)، لوضوح أنّ المراد إنّما هو فيما إذا لم تكن المرأة جامعة لشرائط الفتوى .

[المطلب الثالث :هل تثبت إقامة الحدّ على المملوك مطلقًا أو تثبت ولو في صورة إقامة البيّنة ؟ ]

اشارة

والمطلب الثالث : في أنّ إقامة الحدود من السيّد على المملوك هل تختصّ بما إذا شاهد الموجب منه أو أقرّ به عنده، أو لا بل تثبت و لو في صورة إقامة البيّنة عنده عليه ؟

ذهب في الخلاف إلى الثاني، قال :

يقيم السيّد الحدّ على مملوكه باعترافه و بالبيّنة و بعلمه، و وافقنا الشافعي في الاعتراف قولًا واحدًا، و في البيّنة على قولين، وكذلك في العلم .

ص: 99


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71 ، ح 5135 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6 ص 314 ح 871 و ج 10، ص 155، ح 621 .

دليلنا : إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضاً عموم الأخبار الّتي وردت بإقامة الحدّ على المماليك، فيتناول كلّ وجه يثبت به ذلك (1).

و في المبسوط :

و مَن قال : للسيّد إقامته عليهم، أجراه مجرى الحاكم والإمام، وكلّ شي ء للإمام أو الحاكم إقامة الحدّ به من إقرار و بيّنة و علم فللسيّد مثله ؛ و منهم من قال : ليس له أن يسمع البيّنة، لأنّ ذلك يتعلّق به الجرح والتعديل، و ذلك من فروض الأئّمة عليهم السلام ؛ والأوّل أصحّ عندنا (2).

و عزا شيخنا الشهيد اجتزاء السيّد في إقامة الحدّ على مملوكه بالبيّنة إلى قول، قال :

و يجوز للمولى إقامة الحدّ على رقيقه إذا شاهد، أو أقرّ الرقيق، أو قامت عنده بيّنة تثبت عند الحاكم على قول (3).

و أنكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، قال :

و شرطه العلم بمقادير الحدود، لئلاّ يتجاوز حدّه، و مشاهدة الموجب، أو إقرار المملوك الكامل به ؛ أمّا ثبوته بالبيّنة فيتوقّف على الحاكم الشرعيّ (4).

ص: 100


1- الخلاف : ج 3، ص 187 .
2- المبسوط : ج 8، ص 12 .
3- الدروس : ج 2، ص 48 .
4- مسالك الأفهام : ج 3، ص 106 .

تحقيق المقام يستدعي أن يقال : لا ينبغي الريب في الجواز في صورة المشاهدة، و هكذا الحال في صورة الإقرار إن قيل : إنّ إقرار المملوك لكونه إقرارًا في حقّ مولاه غير مؤاخذ به، و قد صرّحوا به في مباحث الإقرار و غيرها .

قال المحقّق في الشرائع :

لا يقبل إقرار المملوك بمال، و لا حدّ، و لا جناية توجب أرشًا أو قصاصًا (1).

و في النافع :

و لا بدّ من كون المقرّ حرّاً مختارًا جائز التصرّف، فلا يقبل إقرار الصغير (2) و لا المجنون و لا العبد بماله، و لا حدّ و لا جناية و لو أوجبت قصاصًا (3).

و في الدروس :

يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والحرّية .

- إلى أن قال : - و أمّا العبد فلا يقبل إقراره بما (4) يتعلّق بمولاه من نفسه أو ماله، نعم يتبع في المال بعد العتق . و قيل : يتبع في الجناية أيضاً، وكذا

ص: 101


1- شرائع الإسلام : ج 3، ص 119 .
2- في المصدر : الصبيّ .
3- المختصر النافع : ص 233 .
4- في نسخة : فيما .

لو أقرّ بحدّ أو تعزير (1).

قلنا : دلّت النصوص السالفة على أنّ للمولى إقامة الحدّ على مملوكه عند إتيانه بموجبه، و إقرار العبد لدى سيّده بإتيانه بالزنا - مثلاً - أربع مرّات سبيل علم المولى بإتيانه بموجبه، فيقال : هذا مملوك قد أتى بموجب الحدّ، فإذا كان كذلك يسوغ للسيّد إقامة الحدّ عليه .

أمّا الصغرى فلأنّ الكلام على تقديره، و غاية ما في الباب أنّ إقرار المملوك بموجب الحدّ أوجب علم المولى بذلك ؛ و أمّا الكبرى فللنصوص السالفة، فعلى هذا لو لم يفد إقرار المملوك بقيامه بموجب الحدّ علم المالك بذلك لم يجز له إقامة الحدّ، فما ذكروه في مباحث الإقرار محمولٌ عليه .

[تنافي كلمات الأصحاب في المقام مع ما قرّروه في مباحث الإقرار والحدود ]

والحاصل : أنّ كلماتهم في المقام تنافي ما قرّروه في مباحث الإقرار والحدود و غيرهما حيث اشترطوا في جواز التعويل على الإقرار كون المقرّ حرّاً ؛ و قد سمعت كلام المحقّق في مباحث الإقرار من الشرائع والنافع ؛ قال في مباحث الحدود من الأوّل :

ص: 102


1- الدروس : ج 3، ص 127 .

و يثبت الزنا بالإقرار أو البيّنة، أمّا الإقرار فيشترط فيه بلوغ المقرّ، وكماله، والاختيار، والحرّيّة (1).

و في مباحث اللواط والسحق :

كلاهما لا يثبتان إلّا بالإقرار أربع مرّات، أو بشهادة أربعة رجال بالمعاينة، و يشترط في المقرّ البلوغ و كمال العقل والحرّيّة والاختيار (2).

و في القيادة :

فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، أو بين الرجال والرجال للّواط، وتثبت بالإقرار مرّتين مع بلوغ المقرّ و كماله و حرّيته واختياره (3).

و في القتل :

يعتبر في المقرّ البلوغ و كمال العقل والاختيار والحرّية (4).

والحاصل أنّ المستفاد من كلماتهم في مقامات متعدّدة أنّ عدم جواز التعويل على إقرار المملوك في إجراء الحدود و غيرها من الأمور المسلّمة عندهم .

والوجه في ذلك عدم انصراف المستند في جواز التعويل على الإقرار إلى ذلك،

ص: 103


1- شرائع الإسلام : ج 4، ص 138 .
2- شرائع الإسلام : ج 4 ص 146 .
3- شرائع الإسلام : ج 4، ص 148 .
4- شرائع الإسلام : ج 4، ص 203 .

لكون المقرّ هنا مملوكًا للغير، فيكون إقرار المملوك على نفسه بحدّ و غيره إقرارًا على ملك الغير، فلا تعويل عليه، كما يؤمئ إليه الصحيح المرويّ في باب حدّ السرقة من التهذيب : عن الفضيل، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إذا أقرّ العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع، و إذا شهد عليه شاهدان قطع (1).

فعلى هذا لابدّ من تخصيص ما دلّ على إقامة الحدّ على مَن أقرّ بنفسه بحدّ، كالصحيح المرويّ في باب ما يجب على مَن أقرّ على نفسه بحدّ : عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مَن أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه إلّا الرجم، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثمّ جحد لم يرجم بغير (2) المملوك (3).

و أمّا الصحيح المرويّ في الباب المذكور من الكافي، و باب ما يجب على المماليك من الحدود، و باب حدّ السرقة من التهذيب : عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة أنّه قد سرق قطعه، والأمة إذا أقرّت على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها (4).

فقد حمله شيخ الطائفة في التهذيب على صورة انضمام البيّنة بالإقرار .

إذا علمت المنافاة بين كلماتهم نقول : يمكن الجواب عنه من وجوه :

ص: 104


1- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 112 ح 440 .
2- بغير المملوك » ليس في المصدر .
3- الكافي : 7 / 220 ح 5 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 45، ح 161 .
4- الكافي : ج 7، ص 220 ح 7 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 112، ح 441 .

الأوّل : ما بيّناه من أنّ ما ذكروه من جواز عمل السيّد بمقتضى إقرار مملوكه فيما إذا أفاد إقرارهم العلم بما أقرّوا به، لكنّه غير صحيح، إذ مع استفادة العلم لا فرق بين السيّد و غيره في ذلك، إذ مع استفادة العلم للإمام أو الحاكم يجوز لهما العمل بمقتضى العلم .

والثاني : إنّ ما ذكروه في هذا المقام من جواز إقامة السيّد الحدّ على مملوكه اتّكالاً على إقراره (1)، مبنيٌّ على الغفلة عمّا ذكروه في مقامات أُخر من أنّ المملوك لا يؤاخذ بإقراره، لأنّ إقراره في ملك الغير و حقّه ؛ و هو أيضاً بعيد جدّاً .

والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ مقتضى قوله صلى الله عليه وآله : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (2)، جواز المؤاخذة بإقرار أيّ مقرّ كان، فيؤخذ (3) المقرّ بإقراره مطلقًا و لو كان مملوكًا، خرج غير السيّد بالإضافة إلى المملوك، فيبقى هو داخلاً تحت العموم.

والحاصل أنّ مقتضى قوله صلى الله عليه وآله : « إقرار العقلا على أنفسهم جائز » جواز المؤاخذة على المقرّ على ضرر نفسه، سواء كان ضررًا ماليّاً أو بدنيّاً، و إذا أقرّ المملوك بموجب الحدود المؤدّية إلى الإقرار بضرر نفسه ينبغي أن تجوز المؤاخذة للحاكم والسيّد، خرج الأوّل بالإجماع، فيبقى الباقي على حاله .

و يدلّ عليه أيضاً ما روي عن كتاب صفات الشيعة لشيخنا الصدوق أنّه روى

ص: 105


1- في بعض النسخ : على الإقرار .
2- غوالي اللألي : ج 1، ص 223، ح 104 ؛ وسائل الشيعة : ج 16، ص 111، ح 2 .
3- في بعض النسخ : فيؤاخذ .

عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال : إنّ المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنًا عليه (1).

بناءً على أنّه إذا قامت بيّنة عند المولى بأنّ مملوكه أوجد موجب الحدّ يجوز له العمل بمقتضاه كما ستقف عليه ؛ والمدلول عليه بالحديث أنّه أصدق على نفسه من البيّنة، فجواز العمل بمقتضى إقراره للسيّد بطريق أولى .

بقي الكلام في صورة إقامة البيّنة عند السيّد، فنقول : قد عرفت أنّ المصرّح به في كلام شيخ الطائفة في الخلاف والمبسوط أنّه يجوز له إقامة الحدّ حينئذ، و هو المصرّح به في كلام غيره أيضاً .

قال في السرائر :

روى أصحابنا أنّ للسيّد أن يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام، سواء كان ذلك باعترافه، أو البيّنة، أو بعلمه، و سواء كان السيّد فاسقًا أو عدلاً، رجلاً، أو امرأة (2).

و في التحرير :

للسيّد إقامة الحدّ على المملوك ذكراً كان أو أنثى، و كذا المملوكة، سواء كانت مزوّجة، أو غير مزوّجة، و سواء ثبت بالبيّنة، أو بالإقرار، أو العلم،

ص: 106


1- صفات الشيعة : ص 37 .
2- السرائر : ج 3، ص 436 .

و لا يفتقر في ذلك إلى إذن الإمام ؛ وكذا حدّ شرب الخمر و قطع السرقة و قتل الردّة .

و لو كان العبد مشتركًا لم يكن لأحدهما الإقامة، بل يجتمعان على ذلك . و لو انعتق بعضهم لم يكن للمولى حدّهم، و لا المرهونة و لا المستأجرة ؛ و للمولى سماع البيّنة والجرح والتعديل (1).

و خالف في ذلك شيخنا الشهيد الثاني، و قد سمعت كلامه في المسالك، ملخّصه: أنّ سماع البيّنة من وظيفة الحاكم، و به صرّح في موضع آخر منه أيضاً في نظير المسألة، قال :

أمّا البيّنة فسماعها من وظيفة الحاكم (2).

والتحقيق الأوّل، فيسوغ للمولى إقامة الحدود على مملوكه عند إقامة البيّنة و لو لم يكن جامعًا لشرائط الفتوى .

والبيّنة الّتي نقول إنّها من وظيفة الحاكم إنّما هي في مقام المرافعة أن يكون هناك مدّع و مدّعى عليه .

و بعبارة أخرى فنقول : إنّ حكم الحاكم عند استناده إلى البيّنة لابدّ من إقامتها عنده، فلا يمكن الحكم من الحاكم تعويلاً على إقامة البيّنة عند غيره، و ذلك لأنّا نقول : كلّ بيّنة يسوغ لكلّ أحد العمل بمقتضى إخبارها، إلّا إذا قام دليل على

ص: 107


1- تحرير الأحكام : ج 2، ص 223 .
2- مسالك الأفهام : ج 2، ص 344 .

خلافه، و ما نحن فيه ليس من ذلك، لانتفاء الدليل عليه .

أمّا غير الإجماع فظاهر، و أمّا الإجماع فلما عرفت من الخلاف، بل الظاهر من كلام شيخ الطائفة انتفاء الخلاف فيه في علماء الشيعة، لاقتصاره في مقام ذكر الخلاف على المخالف من العامّة، فلاحظ عبارته السالفة .

لكنّ الاحتياط إحالة البيّنة على الحاكم والتصدّي لإقامة الحدود بعد صدور الحكم منه .

ص: 108

المقام الثاني في جواز إقامة الزوج الحدود على الزوجة مطلقًا و لو لم يكن جامعًا لشرائط الفتوى

اشارة

تنقيح المقام يستدعي بيان أمور :

[الأمر الأوّل :في القائل بالجواز]

فنقول : إنّ هذا القول هو الظاهر من شيخ الطائفة في النهاية قال :

و قد رخّص في حال قصور أيدي أئمّة الحقّ و تغلّب الظالمين أن يقيم الإنسان الحدّ على ولده و أهله (1).

إلى آخر ما سلف .

ص: 109


1- النهاية : ص 301 .

واختاره العلاّمة في التبصرة قال :

والحدود لا يقيمها إلّا بأمر الإمام، و يجوز للرجل إقامة الحدّ على عبده و ولده و زوجته (1).

و كذا الحال في حدود التحرير والقواعد كما ستقف عليه .

و شيخنا الشهيد في الدروس و اللمعة ؛ قال في الأوّل - بعد أن حكم بأنّ للمولى إقامة الحدّ على مملوكه عند المشاهدة أو إقراره - ما هذا لفظه :

و للأب الإقامة على ولده كذلك و إن نزل، و للزوج على الزوجة حرّين أو عبدين أو أحدهما، فيجتمع على الأمة ولاية الزوج والسيّد (2).

و في الثاني - بعد أن حكم بأنّ للفقهاء إقامة الحدود - ما هذا عينه :

و يجوز للزوج إقامة الحدّ على زوجته والوالد على ولده (3).

و حكي في الإيضاح و غيره هذا القول عن ابن البرّاج (4)، و في غاية المرام عن ابن الجنيد (5).

ص: 110


1- تبصرة المتعلّمين : ص 90 .
2- الدروس : ص 165 .
3- اللمعة الدمشقيّة : ص 75 .
4- انظر إيضاح الفوائد : ج 1 ص 399 .
5- انظر غاية المرام : ج 1 ص 546 .

[الأمر الثاني :في التنبيه على الاشتباه الصادر في هذا المقام من جماعة من الأعلام]

منهم : الشيخ السديد الشيخ مفلح الصيمريّ بعد أن عنون عبارة الشرائع : « و هل يقيم الرجل الحدّ على زوجته و ولده ؟ فيه تردّد » (1)، ما هذا لفظه :

الجواز مذهب الشيخ في النهاية و ابن الجنيد والعلاّمة في المختلف قال : إنّه يشترط (2) أن يكون فقيهًا، و مذهبه جواز إقامة الحدود للفقهاء، مع أنّ جوازه للفقهاء عند القائل به على العموم لا يختصّ بالولد والزوجة، مع أنّ سلاّر قائلٌ بالمنع من إقامة الحدود على الولد والزوجة، مع قوله بجوازه للفقهاء على العموم، فيكون للولد والزوجة حكم بانفرادهما (3)، انتهى.

والاشتباه فيه من وجهين :

ص: 111


1- شرائع الإسلام : ج 1 ص 313 .
2- فى المصدر : لأنّه يشترط .
3- غاية المرام : ج 1، ص 546 .

أحدهما : ما عزاه إلى سلاّر من منعه إقامة الزوج الحدّ على الزوجة، فإنّه لم يتعرّض للزوج والزوجة أصلاً، كشيخه شيخنا المفيد في المقنعة، فلاحظ عبارته السالفة .

والثاني : مقتضاه أنّ سلاّر قال بالمنع من إقامة خصوص الوالد الحدّ على ولده ؛ و ليس الأمر كذلك، فإنّ مقتضى كلامه السالف تجويزه إقامة الحدود للفقهاء مطلقًا و لو على غير الولد والزوجة والمملوك، و عدم تجويزها لغير الفقيه كذلك .

و منهم : فخر المحقّقين في الإيضاح، حيث قال - بعد أن عنون كلام والده العلاّمة : « و في إقامته على ولده و زوجته قولٌ بالجواز » - ما هذا لفظه :

أقول : هذا القول للشيخ في النهاية و ابن البرّاج، و منع سلاّر من ذلك (1).

و مثله شيخنا ابن فهد في المهذّب (2).

و في التنقيح في شرح عبارة النافع : « و قيل : يقيم الرجل الحدّ على زوجته وولده » :

القائل هو الشيخ، و تابعه القاضي، و منعه سلاّر (3).

وجه الاشتباه يظهر ممّا سلف .

والظاهر أنّ الداعي للإشتباه لهؤلاء الأجلّة ملاحظة كلام العلاّمة في المختلف

ص: 112


1- إيضاح الفوائد : ج 1، ص 399 .
2- المهذّب : ج 2 ص 328 .
3- التنقيح الرائع : ج 1 ص 596 .

من غير رجوع إلى كتاب سلاّر، كما نبّهنا عليه فيما سلف .

[الأمر الثالث :في مستند القولين]

[الاستدلال بقوله تعالى : « واللاتي يأتين الفاحشة ... » ]

فنقول : يمكن الاستدلال للقول بالجواز و لو لغير الفقيه بقوله تعالى : « والَّتِى يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِّسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّيهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً » (1).

بناءً على أنّه خطاب إلى الأزواج، أو إلى الأعمّ منهم ؛ و إمساكهنّ في البيوت عبارةٌ عن حبسهنّ فيها، فظاهر الآية يقتضي أنّه إذا أتت الزوجة بالفاحشة الّتي هي عبارة عن الزنا - كما يرشد إليه قوله تعالى : « وَ لا تَقْرَبُواْ الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيْلاً » (2) - يكون زوجها مكلّفًا في مقام عقوبتها بحبسها في البيت إلى أن تموت .

والمذكور في كلام جماعة من المفسّرين : إنّ هذا كان حدّهنّ في بداية الأمر، ثمّ نُسِخ بآية النور .

ص: 113


1- النساء : 15 .
2- الإسراء : 32 .

قال شيخنا الثقة الأجلّ عليّ بن إبراهيم في تفسيره :

كان في الجاهليّة إذا زنى الرجل يؤذى، والمرأة تحبس في البيت إلى أن تموت، ثمّ نسخ ذلك بقوله : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ » (1).

و قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان :

كان في مبدأ الإسلام إذا فجرت المرأة و قام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبداً حتّى تموت، ثمّ نسخ ذلك بالرجم في المحصنين، والجلد في البكرين .

- إلى أن قال : - و حكم هذه الآية منسوخٌ عند جميع المفسّرين، و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللَّه عليهما السلام (2).

فنقول في وجه الاستدلال على إثبات المرام هو : إنّك قد عرفت أنّ مقتضى سوق الآية الشريفة هو أنّ المخاطب بقوله تعالى : « فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ » هو الأزواج، فكان الزوج هو المخاطب بإقامة الحدّ على الزوجة في صورة الإتيان بالفاحشة .

و غاية ما علم من آية الجلد تغيير العقوبة بعقوبة أخرى، و هي مائة جلدة ؛ وأمّا التغيير في المعاقب والمقيم للحدّ فمقتضى الاستصحاب بقاء ما كان على ما كان،

ص: 114


1- تفسير القمّي : ج 1، ص 133، والآية في سورة النور 2 .
2- مجمع البيان : ج 3، ص 40 .

وهو المطلوب، فإذا ثبت ذلك في حدّ الزنا نقول في غيره، لعدم القول بالفصل .

[الاستدلال بجملة من النصوص ]

و لجملة من النصوص، منها : الصحيح المرويّ في باب الرجل يتزوّج بالمرأة على أنّها بكر فيجدها غير عذراء، من نكاح التهذيب : عن محمّد بن القاسم بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيّبًا، أيجوز له أن يقيم عليها ؟ قال : فقال : قد تفتق البكر من المركب و من النزوة (1).

فتق البكارة : شقّها و زوالها .

وجه الاستدلال هو : أنّ في الكلام حذفًا، والظاهر أنّ التقدير هكذا : أيجوز للزوج أن يقيم الحدّ عليها في تلك الصورة ؛ لوضوح أنّ هذا هو المناسب كما لايخفى ؛ و يشهد عليه تتبّع النصوص الواردة في مباحث الحدود .

ثمّ نقول : إنّ الظاهر من السؤال أنّ الراوي اعتقد جواز إقامة الزوج الحدّ على الزوجة فيما إذا تيقّن الزنا، و إنّما سؤاله في خصوص مورد السؤال حيث توهّم زناها، لأنّه تزوّجها على أنّها بكر، فوجدها ثيّبًا ؛ و قرّره عليه السلام وأجاب بما حاصله : أنّه لا يجوز له إقامة الحدود في مورد السؤال، لأنّ زوال البكارة كما يكون من الزنا يكون من غيره، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ، فلا يسوغ له إقامة الحدّ حينئذٍ .

ص: 115


1- تهذيب الأحكام : ج 7، ص 428، ح 1705 .

على أنّه يمكن أن يقال : بعد الإغماض عن حكاية التعزير يتمّ الاستدلال أيضاً، لوضوح أنّ جوابه عليه السلام في قوّة التعليل للحكم بعدم جواز إقامة الحدّ في مورد السؤال، فكأنّه قيل : لا يجوز له إقامة الحدّ، لأنّه قد يفتق البكر من المركب والنزوة، فمقتضاه أنّ عدم جواز إقامة الزوج الحدّ على الزوجة إنّما هو لقيام احتمال غير الزنا ؛ و يستفاد منه جوازها فيما إذا تيقّن الزنا، و هو المطلوب .

و منها : الصحيح المرويّ في نكاح التهذيب في شرح : « و إذا كان للرجل امرأة فسافحت، فهو بالخيار بين المقام عليها و بين تطليقها، وليس يجب عليه طلاقها لذلك » : عن ابن محبوب، عن عبّاد بن صهيب، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : لا بأس بأن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني، و إن لم يقم عليها الحدّ، فليس عليه من إثمها شي ء (1).

قوله عليه السلام : « إذا كانت تزني » ظرفٌ لقوله : « رآها »، أي : لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني وقت زنائها .

وجه الدلالة هو : أنّ قوله عليه السلام : « و إن لم يقم عليها الحدّ » إمّا أن يكون عطفًا على قوله عليه السلام : « إن رآها تزني »، أو وصليّة ؛ و على التقديرين يكون الضمير في « لم يقم » عائدًا إلى الزوج ؛ والمعنى : لا بأس في إمساك الرجل زوجته الزانية، سواء أقام عليها حدّ الزنا أم لا، فعلى هذا دلالته على المدّعى ظاهرة .

و منها : ما رواه شيخنا الشهيد في الدروس حيث قال - بعد أن حكم بأنّ للزوج

ص: 116


1- تهذيب الأحكام : ج 7، ص 331، ح 1362 .

إقامة الحدّ على زوجته - ما هذا لفظه : لما روي أنّه لو وجد رجلاً يزني بامرأته فله قتلهما (1) ؛ أي : الزاني والزانية .

و يمكن المناقشة امّا في دلالة الآية الشريفة، فلأنّ الاستدلال بها يتوقّف على أن يكون المخاطب بقوله تعالى : « فَاسْتَشْهِدُوا » هو الأزواج، و هو ممنوع، لجواز أن يكون المخاطب هو الحكّام، فلا يستقيم الاستدلال، إذ حينئذٍ يكون المخاطب بقوله تعالى : « فَأَمْسِكُوهُنَّ » الحكّام، و لا كلام في ذلك .

و يمكن الجواب عنه بأنّه مخالفٌ لما يقتضيه سوق الآية الشريفة، لوضوح أنّ « نسائكم » في قوله تعالى : « والَّتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِّسائِكُمْ » (2) إمّا بمنزلة قوله تعالى : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ » إلى قوله تعالى : « وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ » (3)، أو الأعمّ ؛ و أمّا حمله على خصوص نساء الحكّام ممّا لا يلتفت إليه .

و على التقدير الأوّل يكون مقتضى السياق أن يكون المخاطب بقوله تعالى : « فَاسْتَشْهِدُواْ » و بقوله : « فَأَمْسِكُوهُنَّ » خصوص الأزواج ؛ و على الثاني يكون أعمّ، و على التقديرين يتمّ التقريب .

نعم، يمكن القدح في الاستدلال بنحو آخر، و هو أن يقال : إنّ المفروض بأنّ الحكم المستفاد من الآية قد نسخ بقوله تعالى :« الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ

ص: 117


1- الدروس : ج 2، ص 48 .
2- النساء : 15 .
3- النساء : 23 .

مِنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ » (1)، والمخاطب بهذ الخطاب هو الحكّام ؛ و ستقف على الكلام في ذلك، فقد عيّن في الناسخ مقيم الحدود والمتصدّي لها، فلا يسوغ لغيره .

و أمّا في الصحيح الأوّل، فلأنّ المتعلّق المحذوف كما يمكن أن يكون الحدّ يمكن أن يكون الشهادة ؛ و على الأوّل يستقيم الاستدلال دون الثاني .

والجواب عنه هو : أنّ الثاني و إن كان محتملاً، لكنّه مخالف للظاهر، أمّا أوّلًا : فلأنّه لو كان المراد ذلك كان المناسب أن يقال : أَيجوز له أن يشهد عليها .

و أمّا ثانيًا : فلأنّ الظاهر من جوابه عليه السلام أنّ عدم جواز المذكور في السؤال إنّما هو لاحتمال أن يكون زوال البكارة من المركب والنزوة ؛ والظاهر منه أنّه لو انتفى هذا الاحتمال يسوغ للزوج إقامة ما كان مرادًا من السؤال، و ذلك إنّما يتمّ إذا كان المتعلّق المحذوف هو الحدّ، دون الشهادة، لوضوح أنّ الشهادة على تقدير انحصار الأمر في الزنا إنّما يجوز إذا كان معه ثلاثة شهود كما لا يخفى، فالظاهر أنّ المراد إقامة الحدّ، فيتمّ المرام .

و أمّا في الصحيح الثاني، فلأنّ الاستدلال إنّما يتمّ إذا كان الفعل في قوله عليه السلام : « و إن لم يقم عليها الحدّ » مبنيًّا للفاعل، و أمّا إذا كان للمفعول فلا كما لا يخفى، فإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال .

والجواب عنه : أنّ حمل الفعل على المبنيّ للفاعل أولى من الحمل على المفعول في نفسه، سيّما في المقام، لكونه مسبوقًا بما يتعيّن رجوعه إلى الزوج

ص: 118


1- النور : 2 .

وملحوقًا به، لقوله عليه السلام : « إن رآها تزني فليس عليه من إثمها شي ء » .

إن قيل : إنّ هاهنا مانعًا آخر من حمله على الحدّ، إذ حدّ الزوجة هو الرجم، وهو موجب لقتلها، فلا معنى لإمساكها حينئذ، بخلاف ما إذا كان المراد إقامة الشهادة .

قلنا : هذا مشترك الورود، لوضوح أنّه لا يختلف الحال فيه بين ما إذا كان المقيم للحدّ هو الزوج، أو غيره كما لا يخفى .

ثمّ نقول : إنّ حدّ الزوجة إنّما يكون رجمًا عند تحقّق الإحصان، و أمّا مع عدمه فلا .

والحاصل أنّ دلالة النصوص المذكورة على المدّعى ثابتة، فينبغي الحكم بمضمونها، وفاقًا لشيخ الطائفة (1)، والعلاّمة في التبصرة (2)، و شيخنا الشهيد في الدروس واللمعة (3)، والمحكيّ عن ابن الجنيد و ابن البرّاج (4)، بل المفتي على خلافه غير معلوم عدا ابن إدريس (5).

و أمّا المحقّق والعلاّمة و فخر المحقّقين والشيخ المفلح والفاضل المقداد وابن

ص: 119


1- النهاية : ص 301 .
2- تبصرة المتعلّمين : 90 .
3- الدروس : ج 2 ص 48 ؛ واللمعة : 46 .
4- انظر غاية المرام : ج 1 ص 546 ؛ و إيضاح الفوائد : ج 1 ص 399 .
5- انظر السرائر : ج 2 ص 24 .

فهد ، فإنّهم حكوا هذا القول عن الشيخ و اسكتوا عنه (1).

نعم، ربما يمكن أن يقال : إنّ الظاهر من المقنعة والمراسم (2) خلافه على النحو الّذي قرّرناه عند البحث عن إقامة الحدود من المولى على عبده .

و أمّا ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك، فمبنيّ على عدم الظفر بمستنده، قال في الروضة :

هذا الحكم في المولى مشهورٌ بين الأصحاب لم يخالف فيه إلّا الشاذّ، وأمّا الآخران فذكرهما الشيخ رحمه الله و تبعه جماعة منهم المصنّف، و دليله غير واضح، و أصالة المنع يقتضي العدم (3).

و في المسالك :

منشأ التردّد من دعوى الشيخ رحمه الله ورود الرخصة في ذلك، و من أصالة المنع، و عدم ظهور موجب الرخصة، و قد ظهر بذلك أن المنع أقوى (4).

و نحن بهداية اللَّه تعالى و توفيقه لما أظهرنا المستند، فلا تعويل على ما ذكره .

ثمّ إنّ الظاهر من العلاّمة في التذكرة والمنتهى والتحرير انحصار المانع في ابن إدريس، قال في التذكرة :

ص: 120


1- انظر الشرائع : ج 1 ص 313 ؛ والتحرير : ج 2 ص 242 ؛ والإيضاح : ج 1 ص 399 ؛ و غاية المرام : ج 1 ص 546 ؛ والتنقيح : ج 1 ص 596 ؛ والمهذّب : ج 2 ص 328 .
2- انظر المقنعة : ص 810 ؛ والمراسم : ص 261 .
3- الروضة البهيّة : ج 2، ص 419 .
4- مسالك الافهام : ج 1، ص 127 .

قال الشيخ : و قد رخّص في حال الغيبة إقامة الحدّ على ولده وزوجته إذا أمن الضرر، و منع ابن إدريس ذلك في الولد والزوجة وسلّمه في العبد (1).

و مثله في المنتهى والتحرير (2).

فمن هذا يظهر ندرة المخالف في المسألة و شذوذه .

على أنّا نقول : إنّ العلاّمة - أحلّه اللَّه تعالى محلّ الكرامة - و إن حكى هذا القول في أكثر كتبه في مباحث الأمر بالمعروف ساكتًا عنه من غير أن يفتي به، لكنّه - قدّس اللَّه تعالى روحه - في مباحث الحدود قطع بذلك .

قال في التحرير :

للسيّد إقامة الحدّ على عبده و جاريته، و للأب إقامة الحدّ على ولده، وللزوج إقامة الحدّ على زوجته بعلمهم (3).

و فيه أيضاً :

لو وجد مع امرأته رجلاً يزني بها ساغ له قتلهما معًا، و لا إثم، وفي الظاهر يقتل إلّا أن يقيم البيّنة على دعواه، أو يصدّقه الوليّ (4).

ص: 121


1- التذكرة : ج 9 ص 445 .
2- المنتهى : ج 2 ص 994 ؛ التحرير : ج 2 ص 242 .
3- تحرير الأحكام ( ط . ق ) : ج 2، ص 221 .
4- تحرير الأحكام ( ط . ق ) : ج 2، ص 223 .

و فيه أيضاً في حدّ المحارب :

لو وجد رجلاً يزني بامرأته فله قتلهما (1).

و في القواعد :

و للزوج الحرّ إقامة الحدّ على زوجته، سواء دخل بها أو لا، في الدائم دون المنقطع ؛ و في العبد إشكال .

و للرجل إقامة الحدّ على ولده، و هل يتعدّى إلى ولد ولده ؟ إشكال، وسواء كان الولد ذكراً أو أنثى .

و هذا كلّه إنّما يكون إذا شاهد السيّد، أو الزوج، أو الوالد الزنا، أو أقرّ الزاني، فإن قامت عنده بيّنة عادلة فالأقرب الافتقار إلى إذن الحاكم.

و يجب أن يكون عالمًا بإقامة الحدود و قدرها و أحكامها .

و لو كان الحدّ رجمًا أو قتلاً اختصّ بالإمام، و كذا القطع في السرقة .

و لو كانت الأمة مزوّجة كان للمولى الإقامة، و في الزوج الحرّ أو العبد إشكال (2).

و فيه أيضاً :

لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما، و لا إثم، و في الظاهر يقاد،

ص: 122


1- تحرير الأحكام ( ط . ق ) : ج 2 ص 234 .
2- قواعد الأحكام : ج 3، ص 532 .

إلّا مع البيّنة بدعواه، أو يصدّقه الوليّ (1).

و في الإرشاد :

و من وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما، و لا يصدّق إلّا بالبيّنة أو تصديق وليّهما (2).

و كذا الحال في المحقّق لكن في الجملة، قال في الشرائع :

إذا وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما و لا إثم عليه، و في الظاهر عليه القود، إلّا أن يأتي على دعواه ببيّنة، أو يصدّقه الوليّ (3).

بل نقول : إنّ الظاهر من ابن إدريس - الّذي هو الأصل في الخلاف - في مباحث الحدود عدوله عمّا أفتى به في مباحث الأمر بالمعروف، حيث قال :

و إذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً يفجر بها و هما محصنان كان له قتلهما، و كذلك إذا وجد مع جاريته أو غلامه (4).

و في الدروس ما قد سمعته فيما سلف .

و في اللمعة :

ص: 123


1- قواعد الأحكام : ج 3، ص 534 .
2- إرشاد الأذهان : ج 2 ، ص 174 .
3- شرائع الإسلام : ج 4، ص 145 .
4- السرائر : ج 3، ص 445 .

لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما و لا إثم (1).

و في الروضة في شرحه :

( فله قتلهما ) فيما بينه و بين اللَّه تعالى ( و لا إثم عليه ) بذلك، وإن كان استيفاء الحدّ في غيره منوطًا بالحاكم . هذا هو المشهور بين الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفًا ؛ و هو مرويّ أيضاً .

و لا فرق في الزوجة بين الدائم والمتمتّع بها، و لا بين المدخول بها و غيرها، و لا بين الحرّة والأمة، و لا في الزاني بين المحصن و غيره، لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك .

والظاهر اشتراط المعاينة على حدّ ما يعتبر في غيره، و لايتعدّي إلى غيرها، وإن كان رحمًا أو محرمًا، اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق.

و هذا الحكم بحسب الواقع كما ذكر، و ( لكن ) في الظاهر ( يجب ) عليه ( القود ) مع إقراره بقتله، أو قيام البيّنة به ( إلّا مع ) إقامته ( البيّنة ) على دعواه، ( أو التصديق ) من وليّ المقتول (2).

و في المسالك :

إذا اطّلع الإنسان على الزانيين و لم يكن من أهل الحدود، فمقتضى

ص: 124


1- اللمعة الدمشقيّة : ص 237 .
2- الروضة البهيّة : ج 9، ص 120 .

الأصل عدم جواز استيفائه منهما بنفسه، لكن وردت الرخصة في جواز قتل الزوجة والزاني بها إذا علم الزوج بهما، سواء كان الفعل يوجب الرجم أو الجلد، كما لو كان الزاني غير محصن، أو كانا غير محصنين ؛ و سواء كان الزوجان حرّين أو عبدين أم بالتفريق ؛ و سواء كان الزوج قد دخل أم لا ؛ و سواء كان دائمًا أو متعة، عملاً بالعموم (1).

ص: 125


1- مسالك الأفهام : ج 2، ص 344 .

[تحقيق المقام في ثلاثة مطالب ]

اشارة

تحقيق المقام يستدعي أن يقال : إنّ هنا ثلاثة مطالب :

[المطلب الأوّل :يجوز للزوج قتل الزاني بزوجته]

[النصوص الدالّة على المسألة ]

و يمكن الاستدلال لإثباته بعدّة نصوص :

منها : ما رواه في باب من لا دية له من كتاب ديات الكافي، و باب القضاء في قتيل الزحام و من لا يعرف قاتله من التهذيب : عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام في رجل دخل على دار آخر للتلصّص أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به أم لا ؟ فقال : اعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، و لا يجب عليه شي ء (1).

ص: 126


1- الكافي : ج 7، ص 294 ح 16 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 209 ح 825 .

و منها : الصحيح المرويّ في البابين من الأصلين : عن الحلبي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : أيّما رجل اطّلع على قومٍ في دارهم لينظر إلى عوراتهم، فرموه ففقؤا عينه (1) أو جرحوه فلا دية له . و قال : من بدأ فاعتدى فاعتُدي عليه فلا قود له (2).

و منها : المعتبر المرويّ في البابين من الأصلين : عن العلاء بن الفضيل، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إذا اطّلع رجلٌ على قومٍ يشرف عليهم أو ينظر من خلل شي ء لهم، فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينه، فليس عليهم غرم (3).

و منها : الصحيح المرويّ في البابين من الأصلين، و باب من لا دية له من جراح أو قتل من الفقيه : عن سليمان بن خالد، قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له (4).

و منها : ما رواه في باب من لا دية له في جراح أو قتل من الفقيه : عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل اطّلع على قومٍ لينظر إلى عوراتهم، فرموه فقتلوه أو جرحوه أو فقؤوا عينه ؟ فقال : لا دية له (5).

ص: 127


1- في المصدر : وفقؤوا عينيه .
2- الكافي : ج 7، ص 290 ح 1 ؛ التهذيب : ج 10 ص 206 ح 813 .
3- الكافي : ج 7، ص 291 ح 5 ؛ التهذيب : ج 10، ص 207 ح 818 .
4- الكافي : ج 7 ص 292 ح 1 ؛ التهذيب : ج 10، ص 208 ح 813 ؛ الفقيه : ج 4 ص 74 ح 229 .
5- الفقيه : ج 4، ص 74 ح 227 .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب المذكور من الفقيه : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام، و قال : من اطّلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحتان في تلك الحال، و من دمّر على مؤمن في منزله بغير إذنه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحالة (1).

قال في الصحاح :

دمّر، يدمّر دمورًا : دخل بغير إذن (2) .

و لا يخفى أنّ دلالة النصوص المذكورة على المرام بعضها بالإطلاق، و بعضها بالفحوى، و بعضها بهما، كما لا يخفى هذا التفصيل على أولي النهى .

و منها : الصحيح المرويّ في باب المرأة تدخل بيت زوجها رجلاً، فيقتله زوجها، فتقتل المرأة زوجها و ما يجب في ذلك : عن يونس بن عبدالرحمن، عن عبداللَّه بن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له : رجل تزوّج امرأة، فلمّا كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة، فلمّا ذهب الرجل يباضع أهله ثار الصديق، فاقتتلا في البيت، فقتل الزوج الصديق، و قامت المرأة فضربت الرجل ضربة فقتلته بالصديق، قال : تضمن المرأة دية الصديق و تقتل بالزوج (3).

ص: 128


1- الفقيه : ج 4، ص 76 ح 236 .
2- الصحاح : ج 2، ص 659 .
3- الفقيه : ج 4، ص 122 ح 426 .

و طريقه إلى يونس و إن لم يذكره في المشيخة، لكن يظهر من الفهرست أنّ طريقه اشتمل على إسماعيل بن مرار و صالح بن السنديّ، وكلاهما مجهولان .

قال في الفهرست :

أخبرنا بجميع كتبه و رواياته جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، و عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عنه .

و أخبرنا بذلك ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبداللَّه والحميري و عليّ بن إبراهيم و محمّد بن الحسن الصفّار، كلّهم عن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، وصالح بن السندي، عنه .

و رواها محمّد بن عليّ بن الحسين، عن حمزة بن محمّد بن العلويّ ومحمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عليّ بن إبراهيم، [ عن أبيه ]، عن إسماعيل و صالح، عنه، عن يونس .

و أخبرنا بذلك ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس .

و قال محمّد بن عليّ بن الحسين : سمعت محمّد بن الحسن بن الوليد رحمه الله يقول : كتب يونس بن عبدالرحمن الّتي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، و لم

ص: 129

يروه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه و لا يفتى به (1).

انتهى كلام الفهرست .

و بما ذكره فيه يظهر أنّ طريقه إلى يونس و إن كان صحيحًا، لكن طريق شيخنا الصدوق إليه غير صحيح، لاشتماله على ما ذكر .

فعلى هذا ما ذكره المحقّق الأسترآبادي في أواخر رجاله الوسيط (2) حيث قال: « و إلى يونس بن عبدالرحمن صحيح على ما ذكره الشيخ في الفهرست و إن لم يذكره الصدوق في المشيخة »، فغير صحيح .

لا يقال : إنّ تصحيحه يمكن أن يكون لما حكاه الصدوق عن شيخه ابن الوليد، لظهور عدم كفايته في التصحيح الّذي كلامنا فيه كما لا يخفى .

نعم، يمكن الحكم بصحّة الحديث الّذي كلامنا فيه، لكونه مأخوذًا عن كتاب يونس .

والظاهر أنّ استناده إلى يونس عنده كاستناد الفقيه إليه عندنا، فلا يضرّ ضعف الواسطة بينه و بينه .

إذا علمت ذلك فلنعد إلى وجه الدلالة، فنقول : إنّ حكمه عليه السلام بقتل المرأة لقتل الزوج، و ضمان المرأة دية الصديق دون ضمانها في مال الزوج دالّ على انتفاء الحرج للزوج في قتل الصديق المريد للفجور بزوجته، فيظهر منه انتفاء الجرح في

ص: 130


1- الفهرست : ص 266 .
2- مخطوط ؛ انظر منهج المقال : ص 416 .

قتل الزاني بالزوجة بطريق أولى كما لا يخفى .

ثمّ إنّ الحديث المذكور مرويّ في الكافي والتهذيب أيضاً (1)، لكنّ السند فيهما اشتمل على محمّد بن حفص، عن عبداللَّه بن طلحة، عن أبي عبداللَّه .

والظاهر أنّ محمّد بن حفص هو محمّد بن حفص بن غياث، و لم يذكروا له مدحًا، إلّا أنّ رواية جماعة من الأجلّة كإبراهيم بن هاشم - كما في هذا الحديث - والصفّار والحميري و سعد بن عبداللَّه - على ما يظهر من شيخ الطائفة في رجاله (2) - عنه يومئ إلى حسنه .

و أمّا عبداللَّه بن طلحة، فهو أيضاً مجهول الحال، إلّا أنّ النجاشي ذكر أنّ له كتابًا يرويه عنه عليّ بن إسماعيل المِيثَميّ (3).

و صرّح العلاّمة في التحرير بأنّه فطحيّ (4)، فيكون سند الفقيه أقوى منهما، و إن لم يظهر المأخذ في الحكم (5) بالفطحيّة .

ففي الكافي :

عن عليّ، عن أبيه، عن محمّد بن حفص، عن عبداللَّه بن طلحة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها،

ص: 131


1- الكافي : ج 7 ص 293 ح 13 ؛ التهذيب : ج 10 ص 209 ح 824 .
2- انظر رجال الطوسي : ص 438 ؛ الفهرست : ص 116 .
3- رجال النجاشي : ص 224، الرقم 588 .
4- تحرير الأحكام : ج 5، ص 538 .
5- في بعض النسخ : بالحكم .

فلمّا جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها، فتحرّك إبنها، فقام فقتله بفأس كان معه، فلمّا فرغ حمل الثياب و ذهب ليخرج حملت عليه بالفأس، فقتله، فجاء أهله فيطلبون بدمه من الغد .

فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : اقض على هذا كما وصفت لك، فقال : يضمن مواليه الّذين يطلبون بدمه دية الغلام، و يضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بمكابرتها على فرجها أنّه زان، و هو في ماله غريمه (1)، وليس عليها في قتلها إيّاه شي ء ؛ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من كابر امرأة ليفجر بها فقتله فلا دية له و لا قود (2).

و عنه، قال : قلت : رجل تزوّج امرأة، فلمّا كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها، فأدخلته الحجلة، فلمّا دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق، إلى آخر الحديث السالف (3).

و في الفقيه لم يذكر قول : « اقض على هذا كما وصفت لك »، و إنّما المذكور فيه هكذا : فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « يضمن مواليه الّذين طلبوا بدمه » إلى آخره (4).

و أورده في المقنع (5) أيضاً كذلك، و هو أولى .

ص: 132


1- في المصدر : يغرمه .
2- الكافي : ج 7، ص 293، ح 12 .
3- الكافي : ج 7، ص 293، ح 13 .
4- الفقيه : ج 4، ص 121 ح 422 .
5- المقنع : ص 525 .

قال في السرائر :

و قد روي في شواذّ الأخبار ما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته عن عبداللَّه بن طلحة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها - إلى أن أورد الحديث الأوّل بتمامه فقال - :

قال محمّد بن إدريس : هذه الرواية مخالفة للأدلّة و أصول المذهب، لأنّا قد بيّنا أنّ قتل العمد لا تضمنه العاقلة، والسارق المذكور قتل الإبن عمداً، فكيف يضمن مواليه دية الإبن ؟! و أمّا قتلها له فلا قود عليها و لا دية في ذلك، كما قال : لأنّه قد استحقّ القتل من وجهين : لمكان غصبه فرجها، لأنّ من غصب امرأة فرجها وجب عليه القتل ؛ والوجه الثاني : لمكان قتله ولدها، فإنّه يجب لها القود عليه .

و أمّا إلزامه في ماله أربعة آلاف درهم، فلا دليل على ذلك، والّذي يقتضيه مذهبنا أنّه يجب عليه مهر مثلها يستوفي من تركته إن كان قد خلّف تركة، لا يجب أكثر من ذلك، لأنّه لا دليل على أكثر من مهر المثل، لأنّه دية الفرج المغصوب، و هو العُقْر - بضمّ العين غير المعجمة و تسكين القاف - و هو دية الفرج المغصوب عند أهل اللغة والفقهاء .

- ثمّ قال : - و روي أيضاً أنّه قال : قلت : رجل تزوّج امرأة، فلمّا كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها، فأدخلته الحَجَلة - والحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس، و هو بيت يزيّن بالثياب والأسرّة والنمارق والستور .

ص: 133

- إلى أن قال : -

قال محمّد بن إدريس : أمّا قتلها بالزوج فصحيح، و أمّا إلزامها دية الصديق في مالها فلا دليل عليه من كتاب و لا سنّة مقطوع بها و لا إجماع، بل لا دية له، و دمه هدر، لأنّ قتله مستحقّ، لأنّه متعدّ بخصومة صاحب المنزل في منزله و على امرأته، و إنّما هذه روايات و أخبار آحاد توجد في المصنّفات، لا دليل على صحّتها، فلا يحلّ و لا يجوز الفتيا بها، لأنّها لا تعضدها الأدلّة، بل الأدلّة بالضدّ منها (1).

حاصله : الإيراد في الرواية الأولى من وجهين :

الأوّل : إنّ قتل الابن من السارق قتل عمد، فلا تضمن العاقلة الدية في مثله، وضمان العاقلة إنّما هو في قتل الخطإ .

والجواب عنه : أنّ قتل العمد و إن كان موجبًا للقود، لكنّه عند إمكانه ؛ و أمّا عند عدم الإمكان - كما فيما نحن فيه لكون القاتل مقتولاً في محلّ الكلام - فيرجع حينئذٍ إلى الدية من مال القاتل إن كان له مال، و إلّا فمن الأقرب إليه، وفاقًا لما أفتى جماعة من فحول الأصحاب .

قال شيخ الطائفة في النهاية :

و متى هرب القاتل عمدًا و لم يقدر عليه إلى أن مات أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الّذين

ص: 134


1- السرائر : ج 3، ص 362 .

يرثون ديته، فلا يجوز مؤاخذتهم بها مع وجود القاتل (1).

و قال شيخنا أبو الصلاح :

و إذا هرب قاتل العمد فمات قبل أن يقدر عليه فالدية من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى عاقلته ؛ و من خلّص قاتل عمد من أولياء مقتوله قسراً (2) أخذ بإحضاره، فإن أحضره، و إلّا حبس حتّى يحضره، فإن مات القاتل فعليه ديته (3).

و قال شيخنا ابن حمزة :

و لا يلزم عاقلة القاتل عمدًا شي ء من الدية، إلّا إذا هرب القاتل ولم يقدر عليه حتّى مات و لم يخلف مالاً (4).

و فيه أيضاً فيما بعده :

و ما يجب بدل القود فهو دية قتل العمد المحض و يلزم القاتل، إلّا إذا هرب و لم يظفر به حتّى يموت، و لم يكن له مال كما ذكرناه، انتهى (5).

أي : حينئذٍ يكون دية المقتول على عاقلة القاتل .

ص: 135


1- النهاية : ص 736 .
2- في بعض النسخ : قهراً .
3- الكافي في الفقه : ص 395 .
4- الوسيلة : ص 437 .
5- الوسيلة : ص 440 .

و قال السيّد ابن زهرة في الغنية :

و متى هرب قاتل العمد و لم يقدر عليه حتّى مات أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الّذين يرثون ديته، بدليل الإجماع المتكرّر (1).

والمستند فيه - مضافًا إلى الإجماع المنقول - الموثّق المرويّ في باب العاقلة من ديات الكافي، و باب البيّنات على القتل من كتاب ديات التهذيب : عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل قتل رجلاً متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه ؟ قال : إن كان له مال أخذت الدية من ماله، و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، لأنّه لا يبطل دم امرئ مسلم (2).

و زاد في الكافي : فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام .

والصحيح المرويّ في الباب المذكور من التهذيب : عن أحمد بن محمّد بن أبي بصير (3)، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قتل رجلاً عمداً، ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات، قال : إن كان له مال أخذ منه، و إلّا أخذ من الأقرب فالأقرب (4).

والمراد بأبي جعفر في المقام هو مولانا الجواد عليه السلام بقرينة الراوي، فإن كانت مطلقة ينصرف إلى مولانا الباقر عليه السلام .

ص: 136


1- غنية النزوع : ص 405 .
2- الكافي : 7 / 365 ح 3 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 170 ح 671 .
3- في المصدر : أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر .
4- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 170 ح 672 .

والموثّق - كالصحيح - المرويّ في باب ما جاء فيمن قتل ثمّ فرّ من الفقيه : عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر في رجل قتل رجلاً عمداً ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات ؟ قال : إن كان له مال أخذ منه، و إلّا أخذ من الأقرب فالأقرب (1).

و هذه النصوص المذكورة مع اعتبار سندها و إطباق المشايخ العظام على إيرادها في الأصول المعتبرة، و مصير جماعة من فحول الأصحاب إلى الفتوى بمضمونها، تعيّن العمل بمقتضاها، فلا وجه للتأمّل في المسألة .

فعلى هذا ما ذكره ابن إدريس بعد أن حكى العبارة السالفة من النهاية حيث قال :

قال محمّد بن إدريس : هذا غير واضح، لأنّه خلاف الإجماع وظاهر الكتاب والمتواتر من الأخبار و أصول مذهبنا، و هو أنّ موجب قتل العمد القود دون الدية - على ما كرّرنا القول فيه - بغير خلاف بيننا، فإذا فات محلّه و هو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل، و انتقاله إلى المال الّذي للميّت أو إلى مال أوليائه حكم شرعيّ يحتاج مثبته إلى دليل شرعيّ، ولم نجده (2) أبدًا (3).

فلا شبهة في ضعفه .

ص: 137


1- الفقيه : ج 4، ص 124 ح 1 .
2- في المصدر : و لن يجده .
3- السرائر : ج 3، ص 330 .

إذا علمت ذلك فلنعد إلى ما كنّا بصدد بيانه، فنقول : إنّ القاتل في مفروض الحديث لمّا قتل بعد القتل انتفى محلّ القود، فنقول : إنّ القاتل عمداً في ذلك قتل بعد القتل فلا قود، فينتقل إلى الدية في ماله، و مع انتفائه تؤخذ الدية من أقاربه .

غاية ما هناك أنّه عليه السلام حكم بمطالبة الدية من أقاربه، فيمكن أن يكون ذلك لعلمه عليه السلام بانتفاء المال الوافي للدية للقاتل، فلا ينافيه حكمه عليه السلام بضمان السارق في ماله أربعة آلاف درهم بمكابرتها على فرجها لإمكان أن يكون المال المتخلّف عنه هذا المقدار .

فنقول : إنّ ما ذكره ابن إدريس من أنّ قتل العمد لا تضمنه العاقلة، إن أراد عدم ضمان العاقلة فيما إذا تمكّن الوليّ من القود فهو مسلّم، و كذا الحال فيما إذا لم يتمكّن منه، لكن تمكّن من أخذ الدية من مال القاتل ؛ وإن كان المراد أنّها لاتتحمل (1) الدية مطلقًا و لو مع عدم التمكّن من القود واستيفاء الدية من مال القاتل، فهو ممنوع .

والسند ما مرّ من دلالة النصوص المعتبرة المستجمعة لشرائط الحجّيّة المفتى بمضمونها عند جماعة من أجلّة الأصحاب .

و إنّما صرنا إلى ضمان العاقلة لدية قتل الخطأ لدلالة الدليل عليه، و هي متحقّقة فيما نحن فيه، فلا وجه للاستبعاد فيه، بل الاستبعاد هناك أقوى ممّا نحن فيه، لوضوح أنّ القول بذلك هناك مطلقًا و لو مع التمكّن من مال القاتل و وجوده ؛

ص: 138


1- في بعض النسخ : و إن أراد أنّها لا تحمل .

وفيما نحن فيه إنّما يكون عند عدم وجوده و عدم التمكّن من الاستيفاء من ماله، فلا وجه للاستبعاد .

و إلى هذا المعنى أشار المحقّق - قدّس اللَّه تعالى نفسه الزكيّة - في نكت النهاية، قال :

إنّما ألتزم الأولياء دم الغلام بناءً على أنّ القاتل إذا مات قبل القصاص وجبت الدية في ماله، فإن لم يكن فعلى الأقرب فالأقرب، و قد ذهب إلى ذلك جماعة من فقهائنا، منهم ابن الجنيد، انتهى (1).

و المقصود من هذا التطويل تحقيق المسألة، إذ قد يتّفق عدم التمكّن من القود من قاتل العمد لفرارٍ أو موتٍ قبل القود، كما كنت حال تحرير المسألة مبتلى بمثل هذه الواقعة، لصدور قتل العمد من بعض الأشرار واختار الفرار من القرار قبل أن وصل إليه أيدي أولياء المقتول، و تحقّق لهم عليه سلطان .

و أمّا إذا سلّطوا عليه فخلّصه منهم بعض الأشرار ثمّ اختار الانهزام، فهناك حكم آخر، كما هو المستفاد من الصحيح الّذي أطبقت المشايخ الثلاثة على إيراده .

أمّا ثقة الإسلام، ففي باب الرجل يخلّص مَن وجب عليه القود من الكافي (2) ؛ و أمّا شيخنا الصدوق، ففي باب القود و مبلغ الدية من الفقيه (3) ؛ و أمّا شيخ الطائفة،

ص: 139


1- النهاية و نكتها : ج 3، ص 400 .
2- الكافي : ج 7، ص 286 ح 1 .
3- الفقيه : ج 4، ص 109، ح 5208 .

ففي باب ضمان النفوس من التهذيب :

عن حريز، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجلٍ قتل رجلاً عمدًا، فرفع إلى الوالي، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء ؟ فقال : أرى أن يحبس الّذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتّى يأتوا بالقاتل، قيل : فإن مات القاتل و هم في السجن ؟ قال : فإن مات فعليهم الدية (1).

و في الكافي و الفقيه : « يؤدّونها إلى أولياء المقتول ».

قال في النهاية :

و من قتل غيره متعمّدًا فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقيدوه بصاحبهم، فخلّصه إنسان، كان عليه ردّه، فإن لم يردّه كان عليه الدية (2).

و في السرائر مثله (3).

هذا كلّه في الإيراد الأوّل .

و أمّا الإيراد الثاني - أي : القدر اللازم في دية الفرج المغصوب هو مهر المثل لا أربعة آلاف درهم - فقد أجاب عنه المحقّق في نكت النهاية والعلاّمة (4) بما

ص: 140


1- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 223 ح 875 .
2- النهاية : ص 758 .
3- السرائر : ج 3 ص 363 .
4- انظر نكت النهاية : ج 3 ص 401 ؛ و قواعد الأحكام : ج 3 ص 653 .

حاصله : أن لا تعيين في مهر المثل لئلّا تجوز الزيادة عليه، فيمكن أن يكون ما حكم به عليه السلام في تلك الواقعة - أي : أربعة آلاف درهم - هو مهر المثل في تلك المرأة .

هذا كلّه فيما أورده على الرواية الأولى ؛ و أمّا ما أورده على الرواية الثانية من قوله : « أمّا إلزامها دية الصديق في مالها، فلا دليل عليه من كتاب و لا سنّة مقطوع بها » إلى آخره، فقد أجيب عنه بما حاصله : أنّ ذلك إنّما هو لكون المرأة سببًا لإدخال صديقها في الحجلة، كما هو المدلول عليه بقوله : « فعمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته في الحجلة » .

و كيفما كان، إنّ دلالة الحديث على أصل المدّعى من جواز قتل الزوج للزاني بزوجته ظاهرة، كما نبّهنا عليه فيما سلف، فهو مدلول عليه بالنصوص المذكورة المستفيضة و كلمات الأعاظم الأجلّة، فلا ينبغي التأمّل في المسألة .

[هل يختصّ ثبوت قتل الزاني بالزوجة بالزاني المحصن أم لا ؟ ]

ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق و ترك الاستفصال في النصوص المذكورة ثبوت الحكم، سواء كان الرجل الزاني محصنًا أم لا، فالتخصيص بالإحصان كما صدر من ابن إدريس غير صحيح، قال في السرائر :

ص: 141

إذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً يفجر بها و هما محصنان، كان له قتلهما، و كذلك إذا وجده مع جاريته أو غلامه، فإن وجده ينال منها دون الفرج كان له منعه منها و دفعه عنها، فإن أبى الدفع عليه فهو هدر فيما بينه و بين اللَّه تعالى (1).

و فيه أيضاً :

قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : « و من قتل رجلا ثمّ ادّعى أنّه وجده مع امرأته أو في داره قتل به، أو يقيم البيّنة على ما قال (2).

قال محمّد بن إدريس : الأولى أن يقيّد ذلك بأنّ الموجود كان يزني بالمرأة و كان محصنًا، فحينئذٍ لا يجب على قاتله القود ولا الدية، لأنّه مباح الدم ؛ و أمّا إن أقام البيّنة أنّه وجده مع المرأة، لا زانيًا بها، أو زانيًا بها و لا يكون محصنًا، فإنّه يجب على من قتله القود و لا تنفعه بيّنته هذه، انتهى (3).

و مقتضى هذا الكلام أنّه لا يجوز للزوج القتل إلّا إذا رآه يزني بزوجته و هو محصن، فجواز القتل متوقّف على اجتماع الأمرين، فينتفي عند انتفاء واحد منهما كما ينتفي عند انتفائهما، فعلى هذا لو وجده مريدًا للفجور بزوجته لا يسوغ له القتل و لو كان محصنًا ؛ و كذا الحال لو وجده يزني بها عند انتفاء الإحصان، بل

ص: 142


1- السرائر : ج 3 ، ص 445 .
2- النهاية : ص 744 .
3- السرائر : ج 3، ص 343 .

الظاهر أنّه يجوز له قتل الزاني بزوجته ولو لم يكن محصنًا .

تنقيح المقام يستدعي أن يقال : هنا أربع صور : علم الرجل بإرادة الداخل في بيته الفجور بزوجته، محصنًا كان الداخل أم غيره، و مشاهدته للزاني بأهله كذلك .

جواز قتل الزاني في الصورتين الأخيرتين ممّا لا ينبغي التأمّل فيه .

والمستند في ذلك - مضافًا إلى العموم و الإطلاقات (1) في النصوص السالفة - الصحيح المرويّ في باب التحديد من حدود الكافي، و باب ما يجب به التعزير والحدّ من الفقيه، و باب حدود الزنا من حدود التهذيب :

عن فضالة، عن داود بن فرقد - كما في الكافي والتهذيب - و داود بن أبي يزيد - كما في الفقيه - قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : إنّ أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قالوا لسعد بن عبادة : أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعًا به ؟ قال : كنت أضربه بالسيف .

قال : فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : ماذا يا سعد ؟ قال سعد : قالوا لي : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت تصنع به ؟ فقلت : كنت أضربه بالسيف، فقال : يا سعد، فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعد رأي عيني و علم اللَّه بأنّه قد فعل، فقال : إي واللَّه، بعد رأي عينك و علم اللَّه بأنّه قد فعل، لأنّ اللَّه قد جعل لكلّ شي ء حدّاً، و جعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً (2).

ص: 143


1- في بعض النسخ : الإطلاق .
2- الكافي : ج 7، ص 294 ح 12 ؛ الفقيه : ج 4 ص 24 ح 4992 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 3 ح 5 .

وجه الدلالة : أنّ المستفاد منه جواز القتل للزوج حال وجود الأربعة الشهود، سواء كان الرجل محصنًا أم غيره .

و أوضح منه في الدلالة عليه ما ستقف عليه .

و أمّا الصورتان الأُولَيان، فالّذي يدلّ على جواز القتل فيهما أيضاً عدّة نصوص :

منها : ما روي في الباب السالف من الكافي والتهذيب : عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام، في رجل دخل دار آخر للتلصّص أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به أم لا ؟ فقال : اعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، و لا يجب عليه شي ء (1).

[البحث في سند رواية الفتح بن يزيد الجرجاني ]

سنده في الكتابين هكذا : عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد، ومحمّد بن الحسن، عن عبداللَّه بن الحسن العلوي، جميعًا، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ .

والظاهر أنّ محمّد بن الحسن في هذا المقام هو الصفّار، لكونه في طبقة عليّ بن إبراهيم، لرواية ثقة الإسلام عنهما من غير واسطة ؛ و وثاقتهما بل جلالتهما ظاهرة، فيكون محمّد بن الحسن في السند معطوفًا على عليّ بن إبراهيم، فوجود واحد منهما يكفي في الحكم بصحّة الحديث فضلاً عن اجتماعهما .

ص: 144


1- الكافي : ج 7، ص 294 ح 16 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 209، ح 825 .

و أمّا مختار بن محمّد، فهو مختار بن بلال بن المختار مجهول، بل مهمل في الرجال، لكن ذكره شيخ الطائفة في الفهرست في ترجمة الفتح بن يزيد ما هذا لفظه :

له كتاب، أخبرنا به جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن المختار بن بلال بن المختار، عن فتح بن يزيد (1).

و لمّا كانت الرواية في سند الحديث الّذي كلامنا فيه عن الفتح بن يزيد يمكن أن يكون المذكور فيه هو المختار بن بلال الراوي عن فتح بن يزيد بأن يكون بلال لقبًا لوالده .

و يؤيّده ما في سند التهذيب حيث قال : « عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار، و محمّد بن الحسن، عن عبداللَّه بن الحسن العلويّ جميعًا عن الفتح بن يزيد الجرجاني »، فلاحظ عبارة الفهرست حيث إنّ المذكور فيها رواية المختار بن بلال المختار .

و ذكر في الرجال في باب من لم يرو : « المختار بن هلال بن المختار بن أبي عبيد، روى عن فتح بن يزيد الجرجاني، روى عنه الصفّار » (2).

والظاهر أنّ الرجل واحد، فأبوه إمّا هلال، أو بلال، فالاشتباه في أحد الموضعين .

ص: 145


1- الفهرست : ص 201 .
2- رجال الطوسي : ص 437 .

و على أيّ حال، فهو إمّا مهملٌ في كتب الرجال، أو مذكورٌ بما لا يخرجه عن الإهمال، إلّا أنّ رواية عليّ بن إبراهيم الثقة الجليل القدر عنه - كما في سند الحديث - يومئ إلى التعويل عليه .

ثمّ إنّ المذكور في طبقته و هو عبداللَّه بن الحسن العلويّ، و إن كان مهملًا في الرجال أيضاً، لكن كثرة رواية محمّد بن عبداللَّه بن جعفر الحميريّ الثقة الجليل عنه، و كذا كثرة روايته عن جدّه عليّ بن جعفر - كما يظهر من كتاب قرب الإسناد (1) - ترشد إلى حسنه و مدحه .

ثمّ إنّ إنفراد كلّ واحد منهما في سند الحديث لا ينفكّ عن تعويل ما على الحديث، سيّما الثاني، فضلاً عن اجتماعهما فيه كما فيما نحن فيه .

بقي الكلام في حال الراوي فنقول : إنّ العلاّمة - نوّر اللَّه تعالى مرقده - وإن ذكر في ترجمته في الخلاصة : أنّ الرجل مجهول والإسناد إليه مدخول (2)، لكن إطباق جماعة من أعاظم الفضلاء - حيث رووا عن كتابه ولو كانت الرواية بالواسطة - وأكابر المحدّثين كشيخنا الصدوق و شيخه الجليل محمّد بن الحسن بن الوليد ومحمّد بن الحسن الصفّار - كما علمت من كلام الفهرست - يرشد إلى التعويل عليه ؛ مضافًا إلى رواية عليّ بن إبراهيم و إيراد ثقة الإسلام حديثه في الكافي، فالحديث لا يخلو عن اعتبار .

ص: 146


1- انظر قرب الاسناد : ص 176، ح 646 ؛ و ص 213 ح 834 ؛ و ص 216 ح 846 .
2- خلاصة الأقوال : ص 388 الرقم 1558 .

و دلالته على المدّعى ظاهرة، لوضوح أنّ المدلول عليه به هو أنّ الدخول للدار للفجور مبيح للقتل، و هو المطلوب .

و منها : ما رواه في أواخر باب الحدّ في السرقة من التهذيب : عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال : إذا دخل عليك اللصّ يريد أهلك و مالك، فإن استطعت أن تبدره و تضربه فابدره واضربه، و قال : اللصّ محاربٌ للَّه تعالى و رسوله، فاقتله فما مسّك منه فهو عَلَيّ (1).

[البحث في سند رواية غياث بن إبراهيم ]

رواه بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن غياث بن إبراهيم، و في النسخة : محمّد بن يحيى في مقام محمّد بن عيسى، فالسند إلى الراوي صحيح، لأنّه إمّا ابن يحيى، أو ابن عيسى، و أيّهما كان يكون ثقة .

أمّا ابن عيسى فإنّه الأشعريّ الّذي وثّقه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (2) في مسألة البهيمة الموطوءة، والعلاّمة السميّ المجلسيّ في الوجيزة (3)، و هو الظاهر من النجاشي (4) و غيره .

و أمّا ابن يحيى فإنّه في المقام محمّد بن يحيى الخزّاز الثقة، لما ذكره شيخ

ص: 147


1- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 136، ح 538 .
2- مسالك الأفهام : ج 12، ص 31 .
3- الوجيزة : ص 311، العدد 1751 .
4- رجال النجاشي : ص 338، العدد 905 .

الطائفة في الفهرست في ترجمة غياث بن إبراهيم حيث قال :

له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى الخزّاز، عن غياث بن إبراهيم (1).

و أمّا أحمد بن محمّد، فهو إمّا ابن عيسى، أو ابن خالد البرقي، وكلاهما ثقة، فالمذكور في السند إن كان محمّد بن عيسى يظنّ أنّ الراوي عنه ابنه ؛ و إن كان محمّد بن يحيى يظنّ أنّ الراوي عنه البرقي، لما ذكره في الفهرست (2) من روايته عنه، و إن كان كلّ واحد منهما محتملًا في كلّ واحدٍ منهما .

فأمر الحديث يتبع حال الراوي - أي : غياث بن إبراهيم - فنقول : قد وثّقه النجاشي والعلاّمة (3) ؛ و كذا المحقّق، قال في مباحث غسل الميّت من المعتبر :

إنّ غياث بُتريّ (4)، لكنّه ثقة (5).

ص: 148


1- الفهرست : ص 196 .
2- انظر الفهرست : ص 437 .
3- انظر رجال النجاشي : ص 305 الرقم 833 ؛ و الخلاصة : ص 385 الرقم 1547 .
4- قال ابن إدريس الحلّيّ رحمه الله : البُتْرِيّة فرقة تنسب إلى كثير النَوّاء و كان أبتر اليد ( السرائر : 5 / 247 ). و قال الشيخ الطريحيّ : البُتْريّة - بضمّ الموحّدة فالسكون - : فرقة من الزيديّة، وقيل : نسبوا إلى المغيرة بن سعد، و لقبه : الأبتر . و قيل : البتريّة هم أصحاب كثير النوا [ كذا ]الحسن بن أبي صالح و سالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة و سلمة بن كهيل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الّذين دعوا إلى ولاية عليّ عليه السلام، فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة، و يبغضون عثمان و طلحة و الزبير و عائشة، و يرون الخروج مع ولد عليّ عليه السلام، انتهى ( مجمع البحرين : 3 / 213 ).
5- المعتبر : ج 1، ص 264 .

لكنّ شيخ الطائفة حكم بِبُتريّته (1) كالمحقّق و غيرهما، فيكون حديثه موثّقًا .

و منها : ما رواه في باب قتال المحارب واللصّ من أواخر جهاد التهذيب : عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن وهب، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام أنّه قال : إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره بالضربة إن استطعت، فإنّ اللصّ محارب للَّه و لرسوله صلى الله عليه وآله، فما تبعك فيه (2) شي ء فهو عليّ (3).

[البحث في سند رواية وهب و وجه دلالتها ]

و أبي جعفر في السند هو أحمد بن محمّد بن عيسى، هو و أبوه ثقتان، لكنّ وهب ضعيف، فالحديث ضعيف .

قال في القاموس :

اللصّ : فعل الشي ء في سَتْر، و إغلاق الباب و إطباقه، والسارق، ويثلّث، جمعه : لصوص و لصاص، و هي لَصّة، الجمع : لصّات و لصائص (4).

ص: 149


1- انظر الفهرست : ص 196، الرقم 560 ؛ و رجال الطوسيّ : ص 142 الرقم 1541 .
2- في المصدر : منه .
3- تهذيب الأحكام : ج 6، ص 157 .
4- القاموس المحيط : ج 2، ص 317 .

قال في الصحاح :

بدرت إلى الشي ء، أبدر بدورًا، أسرعت و كذلك بادرت إليه (1).

وجه الاستدلال هو : أنّه عليه السلام أمر أوّلاً بالسرعة إلى ضرب الداخل في البيت المريد للأهل، و علّله عليه السلام بكون اللصّ محاربًا، فيندرج تحت قوله تعالى : « إِنَّما جَزءُاْالَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ يَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً أَن يُقَتَّلُواْ » (2) الآية .

و منه يظهر أنّ المراد بالضربة ما يعمّ القتل، فيتمّ المدّعى .

إن قيل : إنّ المدّعى جواز قتل الزوج لمن دخل في بيته مريدًا للفجور بأهله و زوجته، والمدلول عليه بالحديثين جوازه للمريد بالأهل والمال، فلا يمكن التمسّك بهما في جواز قتل المريد لأحدهما، فلا يتمّ التقريب .

قلنا : إنّ الواو فيهما بمعنى : « أو »، لقوله عليه السلام في الحديث الأوّل : « أو الفجور » .

و أيضاً أنّ الداخل في الدار لإرادة أخذ المال لا شبهة في صدق اللصوصيّة في حقّه، فمقتضى قوله عليه السلام : « إنّ اللصّ محارب » إلى آخره، جواز القتل في حقّه، واستقلال أحد المتعاطفين في الحكم يقتضي استقلال الآخر فيه أيضاً .

و أيضاً لا شبهة في دلالته على جواز قتل المريد للمال، فجوازه في حقّ المريد للفجور بطريق أولى .

ص: 150


1- صحاح اللغة : ج 2، ص 586 .
2- المائدة : 33 .

و منها : الصحيح السالف، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : من دمّر على مؤمن في منزله بغير إذنه فدمه مباح للمؤمن (1).

و دلالته على المدّعى ممّا لا خفاء فيه .

و منها : جميع النصوص الّتي أوردناها في أوائل المبحث، بعضها بالمنطوق وبعضها بالمفهوم، فليلاحظ .

و من جميع ما ذكر تبيّن أنّ ما بنى عليه ابن إدريس من أنّ جواز القتل للزوج إنّما هو في حقّ الزاني المحصن، فينتفي في ثلاث صور من الصور الأربعة المذكورة غير صحيح .

إن قيل : يمكن الاستدلال له بما دلّ على التفرقة في الزاني بين المحصن و غيره بثبوت الرجم في الأوّل والجلد في الثاني، كالموثّق المرويّ في باب حدود الزنا من التهذيب : عن سماعة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : الحرّ و الحرّة إذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مأة جلدة، فأمّا المحصن والمحصنة فعليهما الرجم (2).

قلنا : إنّ المراد منه و من أمثاله من حيث الزنا و ثبوت الحكم بالإضافة إلى الحاكم، و فيما نحن فيه لا من تلك الحيثيّة، و هو بالإضافة إلى الزوج .

و أيضاً أنّ الحدّ في المحصن والمحصنة إنّما هو الرجم، و فيما نحن فيه هو القتل، فلا ينبغي التأمّل في جواز قتل الزاني بالزوجة و إن لم يكن محصنًا .

ص: 151


1- الفقيه : ج 4، ص 76 ح 236 ؛ وسائل الشيعة : ج 29، ص 67، ح 1 .
2- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 3 ح 6 .
[غاية ما يستفاد من النصوص جواز قتل الزاني بالزوجة إذا وجدت الشهود مطلقًا ولو لم يكن في بيت الزوج ]

بقي في المقام شي ء ينبغي التنبيه عليه، و هو أنّ غاية ما يستفاد من النصوص المذكورة أنّه يجوز للزوج قتل الزاني بزوجته في داره ؛ ولايلزم منه الجواز مطلقًا و لو لم يكن في داره، كما إذا كان في دار الزاني ؛ و كلمات من تعرّض للمسألة مطلقة عدا صاحب الجامع، قال :

و من وجد في بيته رجلاً يزني بزوجته فقتله أقيد به (1)، إلّا أن يقيم أربعة شهداء بذلك، فيهدر دمه (2).

و تحقيق الحال في ذلك يقتضي التفصيل في المسألة بين الزاني بالزوجة ومريد الزنا بها، ففي الأوّل يجوز له القتل مطلقًا و لو لم يكن في بيته، بخلافه في الثاني، فلا يجوز في غير بيته .

أمّا الثاني، فلأنّ المدلول عليه بالنصوص الّتي هي مستندة للحكم ليس إلّا هذا القدر، فلاحظها حتّى تتّضح لك حقيقة الحال .

و أمّا الأوّل، فلعموم المستند، فلاحظ حكاية سعد حيث أنّ المستفاد منها

ص: 152


1- أُقيد به : أي : اقتصّ منه .
2- الجامع للشرائع : ص 552 .

أنّه صلى الله عليه وآله نبّه على الجواز فيما إذا وجدت الشهود الأربعة أينما كان ولو في غير بيت الزوج، والرواية الآتية من الدروس .

و يدلّ عليه أيضاً ما رواه شيخ الطائفة في المبسوط عن أميرالمؤمنين عليه السلام : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لأبي بكر : لو وجدت مع امرأتك رجلاً ما كنت صانعًا به ؟ قال : أقتله، و قال لعمر : لو وجدت مع امرأتك رجلاً ما كنت صانعًا به ؟ قال : أقتله . قال بعد إيرادهما : إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أقرّ أبابكر و عمر على ما قالا (1).

على أنّ الفارق في المسألة غير معلوم، إذ كلّ من تعرّض للمسألة كلامه مطلق .

بقي في المقام شي ء آخر، و هو : أنّ المستفاد من الحكاية المذكورة انتفاء الجواز مع انتفاء الشهود الأربعة، سيّما على النحو الّذي رواها البرقيّ في محاسنه حيث روى عن أبيه عليهما السلام قال : قال سعد بن عبادة : أرأيت يا رسول اللَّه، إن رأيت مع أهلي رجلاً أفأقتله ؟ قال صلى الله عليه وآله : يا سعد فأين الشهود الأربعة (2).

و يمكن الجواب عنه بأنّ الظاهر أنّ ذلك إنّما هو لدفع القود منه في الظاهر، لا لانتفاء أصل الجواز ؛ و ستقف على ما يرشدك إليه .

ص: 153


1- المبسوط : ج 7، ص 48 .
2- المحاسن : ج 1، ص 274، ح 381 .

[المطلب الثاني هو :أنّه كما يجوز للزوج قتل الزاني بزوجته يجوز له قتل زوجته الزانية أيضًا]

اشارة

و قد سمعت التصريح بذلك في العبارات السالفة ؛ و معلومٌ أنّ ذلك إنّما هو إذا كانت مطاوعة للزاني، و هو ظاهر .

[المستند في المسألة ]

والمستند في ذلك وجوه :

الأوّل : إطباقهم عليه ما يظهر من التتبّع في كلماتهم، لما عرفت من أنّ من أنكر جواز إقامة الزوج الحدود على زوجته - كابن إدريس - صرّح بالجواز فيما نحن فيه (1).

ص: 154


1- انظر السرائر : ج 3 ص 445 .

و كذا الحال فيمن يظهر منهم (1) التوقّف كالمحقّق (2)، لما عرفت من أنّه حكى القول بجواز إقامة الحدود من الزوج على الزوجة في مباحث الأمر بالمعروف، و سكت عنه ؛ و صرّح بالجواز فيما نحن فيه في مباحث الحدود .

والحاصل : أنّ الحكم بذلك فيما بينهم مسلّم، بل مقطوع به عندهم .

والثاني : الرواية المشار إليها في الدروس حيث قال :

و روي (3) أنّه لو وجد رجلاً يزني بامرأته فله قتلهما (4).

و هذه الرواية و إن لم نعثر بها في الأصول، لكن إخبار مثل شيخنا الشهيد بها في قبولها واعتضادها بعمل الأعاظم يغني عن المناقشة في سندها .

والثالث : ما وجد في كتبهم، ففي كتاب تيسير الوصول إلى جامع الأصول :

عن ابن المسيّب : أنّ رجلاً من أهل الشام وجد رجلاً مع امرأته فقتله و قتلها، فأشكل على معاوية الحكم فيه، فكتب إلى أبي موسى ليسأل له عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه، فقال له عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه : هذا شي ء ما وقع بأرضي، عزمت عليك لتخبرني . فقال له أبو موسى : إنّ معاوية كتب إليّ أن أسألك فيه، فقال عليّ رضى الله عنه : أنا أبوالحسن، إن لم يأت بأربعة

ص: 155


1- في نسخة : فيما يظهر منه .
2- انظر شرائع الإسلام : ج 4 ص 145 .
3- وسائل الشيعة : ج 18، ص 413، ح 2 .
4- الدروس : ج 2، ص 48 .

شهداء فليعط برمّته (1).

انتهى ما في الكتاب المذكور .

معنى برمّته أي : بجملته و كلّيّته .

قال في الصحاح :

والرمّة : قطعة من الحبل بالية، والجمع : رمم و رمام، و بها سمّي ذو الرُمّة .

إلى أن قال :

و منه قولهم : « دفع إليه الشي ء برُمَّته »، و أصله : أنّ رجلاً دفع إلى رجل بعيراً بحبل في عنقه، فقيل ذلك لكلّ من دفع شيئاً بجملته (2) ؛ انتهى .

والمراد فيما نحن فيه : أنّ القاتل إن لم يأت بأربعة شهداء فيما جعله سببًا للقتل يردّ نفسه إلى أولياء دم المقتول ليقيدوا منه .

وجه الدلالة هو : أنّ المستفاد منه هو أنّه إن أتى بأربعة شهود لا يكون مؤاخذًا بما فعله، فيكون القتل في حقّه (3) جائزًا في الواقع، والقصاص عند انتفاء البيّنة إنّما هو لانتفاء التعويل على قوله في الظاهر .

ثمّ إنّ السؤال والجواب مذكور في أحاديثنا أيضاً، كما ستقف عليه من الفقيه

ص: 156


1- تيسير الوصول إلى جامع الأصول : ج 2 ، ص 226 .
2- الصحاح : ج 5، ص 1937 .
3- في نسخة : في حصّته فيه .

والتهذيب، لكن ليس فيهما تصريح بقتل الزوجة، إلّا أنّ شيخ الطائفة أورده في المبسوط و فيه تصريح بقتل الزوجة أيضاً ؛ قال :

و روى سعيد بن المسيّب : أنّ رجلاً من أهل الشام يقال له : ابن جبير (1)، وجد مع امرأته رجلاً فقتله و قتلها، فأشكل على معاوية (2).

إلى آخر ما سلف، و لعلّه رواه عن كتبهم .

ص: 157


1- في المصدر : ابن خيبري .
2- المبسوط : ج 7 ص 48 .

[المطلب الثالث :إذا قتل الزوج وادّعى أنّه رآه يزني بزوجته، فعليه إقامة البيّنة ]

اشارة

و المطلب الثالث هو : أنّ الزوج إذا قتل وادّعى أنّ الداعي له عليه أنّه رآه يزني بزوجته، يقاد منه، إلّا إذا أقام البيّنة عليه .

[المستند في المسألة ]

والمستند في ذلك - مضافًا إلى لزوم الهرج والمرج في الدين لولاه، إذ كلّ أحد يقدم على قتل من شاء قَتْلَه و يدّعي عليه ذلك - الصحيح المرويّ في أواخر باب النوادر من أواخر ديات الكافي، و باب الزيادات من أواخر التهذيب، عن ابن مسكان، عن أبي مخلّد - كما في الكافي - و أبي خالد - كما في التهذيب - :

عن أبي عبداللَّه عليه السلام : قال : كنت عند داود بن عليّ، فأتى برجل قد قتل رجلاً، فقال له داود بن عليّ : ما تقول، قتلت هذا الرجل ؟ قال : نعم، أنا قتلته، قال : فقال له داود : و لِمَ قتلته ؟ قال : فقال : إنّه كان يدخل على منزلي بغير إذني، فاستعديت عليه الولاة الّذين كانوا قبلك، فأمروني إن هو دخل بغير إذني أن أقتله، فقتلته .

ص: 158

قال : فالتفت داود إلىّ فقال : يا أبا عبداللَّه، ما تقول في هذا ؟ قال : فقلت له : أرى أنّه قد أقرّ بقتل رجل مسلم فاقتله، قال : فأمر به فقتل .

ثمّ قال أبو عبداللَّه عليه السلام : إنّ أناسًا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان فيهم سعد بن عبادة، فقالوا: يا سعد ! ما تقول لو ذهبت إلى منزلك، فوجدت فيه رجلاً على بطن امرأتك، ما كنت صانعًا به ؟ قال : فقال سعد : كنت واللَّه أضرب رقبته بالسيف .

قال : فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله و هم في هذا الكلام، فقال : يا سعد ! من هذا الّذي قلت : أضرب عنقه بالسيف ؟ قال : فأخبره بالّذي قالوا و ما قال سعد، قال : فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عند ذلك : يا سعد، فأين الشهود الأربعة الّذين قال اللَّه عزّوجلّ ؟ قال : فقال سعد : يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعد رأي عيني و علم اللَّه عزّوجلّ فيه أنّه قد فعل ؟

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إي واللَّه يا سعد بعد رأي عينك و علم اللَّه عزّوجلّ أنّه قد فعل إنّ اللَّه تعالى قد جعل لكلّ شى ءٍ حدّاً، و جعل على من تعدّى حدود اللَّه حدّاً، و جعل ما دون الشهود الأربعة مستورًا على المسلمين (1).

و يدلّ عليه أيضاً ما رواه في باب نوادر الديات من الفقيه، و باب الزيادات من أواخر التهذيب : عن يحيى بن سعيد بن المسيّب - كما في الفقيه - و يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب - كما في التهذيب - أنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعريّ : أنّ ابن أبي الجسرين - كما في التهذيب - و ابن أبي الحسين - كما في

ص: 159


1- الكافي : ج 7، ص 375، ح 15 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 312، ح 1166 .

الفقيه - وجد على بطن امرأته رجلاً فقتله (1)، و قد أشكل حكم ذلك على القضاة، فسأل عليًّا عليه السلام عن هذا الأمر، قال : فسأل أبو موسى عليًّا عليه السلام، فقال : واللَّه ما هذا في هذه البلاد - يعني الكوفة - و ما يليها، و ما هذا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا ؟

قال : كتب إليّ معاوية : أنّ ابن أبي الحسين - كما في الفقيه - و ابن أبي الجسرين - كما في التهذيب - وجد مع امرأته رجلاً فقتله، و قد أشكل حكم ذلك على القضاة (2)، فرأيك في هذا ؟ فقال عليّ عليه السلام : أنا أبوالحسن، إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد، و إلّا دفع إليه برمّته (3).

و ما رواه في المبسوط حيث قال :

روي أنّ رجلاً قتل رجلاً فادّعى أنّه وجده مع امرأته، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : عليه القود إلّا أن يأتي ببيّنة (4).

[بيان الأقوال في جواز إقامة الزوج الحدّ على زوجته و عدمه ]
اشارة

إذا تحقّقت المطالب المرقومة، فلنعد إلى ما كنّا بصدد بيانه، فنقول : اعلم : أنّهم بعد إطباقهم ظاهراً على جواز قتل الرجل للزاني بزوجته وزوجته الزانية على ما ظهر ممّا فصّلناه، اختلفوا في أنّه هل يجوز للرجل إقامة الحدّ على زوجته أم لا ؟

ص: 160


1- في التهذيب : وجد رجلاً مع امرأته فقتله .
2- في التهذيب : و قد أشكل عليه القضاء فيه .
3- الفقيه : ج 4، ص 172، ح 5396 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 314، ح 1168 .
4- المبسوط : ج 7، ص 48 .

على أقوال :

[القول الأوّل : الجواز مطلقًا ]

الأوّل : الجواز مطلقًا ؛ و هو الظاهر من شيخ الطائفة في النهاية، والعلاّمة في التحرير والتبصرة، و شيخنا الشهيد في الدروس واللمعة، والمحكيّ عن ابن الجنيد وابن البرّاج (1).

و جماعة ممّن نبّهنا عليهم اقتصروا على نقله مع السكوت عنه من غير تصريح بتقويته و لا تضعيفه .

[القول الثاني : عدم الجواز كذلك ]

والثاني : العدم كذلك ؛ و هو مختار ابن إدريس و قد سمعت عبارته (2)، ولعلّه الظاهر من شيخنا المفيد في المقنعة، و سلاّر بن عبدالعزيز، لأنّ الظاهر منهما عدم جواز التعرّض لإقامة الحدود في زمن الغيبة إلّا للفقهاء، فلاحظ عبارتهما السالفة (3).

ص: 161


1- انظر النهاية : ص 301 ؛ و تحرير الأحكام : ج 5، ص 312 ؛ والتبصرة : ص 90 ؛ والدروس: ج 2 ص 48 ؛ واللمعة : ص 46 ؛ والمهذّب البارع : ج 1 ص 342 ؛ و حكاه عن ابن الجنيد في غاية المرام : ج 1 ص 546 .
2- انظر السرائر : ج 2 ص 24 و 25 .
3- انظر المقنعة : ص 810 ؛ والمراسم : ص 260 و 261 .

و كذا الحال في شيخنا يحيى بن سعيد، قال في الجامع :

و يتولّى الحدود إمام الأصل، أو خليفته، أو من يأذنان له فيه، وروي أن السيّد يقيم الحدّ على ما ملكت يمينه، والوالد على ولده (1).

حيث أنّه لم يتعرّض للزوج بالإضافة إلى زوجته، فيلوح منه عدم اعتقاده لذلك.

[القول الثالث : التفصيل بين الرجم والقتل فالعدم، و غيرها فالجواز ]

والثالث : التفصيل بين الرجم والقتل والقطع فالعدم، و غيرها فالجواز ؛ و هو المدلول عليه بكلام العلاّمة في القواعد، قال :

و لو كان الحدّ رجمًا أو قتلاً أختصّ بالإمام، و كذا القطع في السرقة (2).

و يمكن الاستدلال للأوّل بالصحيح المرويّ في نكاح التهذيب في الموضع الّذي نبّهنا عليه : عن ابن محبوب، عن عبّاد بن صهيب، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني، و إن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شي ء (3).

توضيح قوله عليه السلام : « إذا كانت تزني » : لعلّ الإتيان به بعد قوله عليه السلام : « إن رآها

ص: 162


1- الجامع للشرائع : ص 548 .
2- قواعد الأحكام : ج 3 ص 532 .
3- تهذيب الأحكام : ج 7، ص 331، ح 1362 .

تزني » للتنبيه على أنّها و لو كانت مصرّة بالزنا لا يحرم عليه إمساكها، بناءً على أنّ « كان » للدوام والاستمرار ؛ و لمّا كان المفهوم من الشرط أولى بالحكم من المذكور لا يكون التعليق مقتضيًا لانتفاء الحكم عند انتفاء الشرط، فحاصل المعنى : أنّه لا بأس بأن يمسك الرجل امرأته الزانية و إن كانت مصرّة بالزنا .

و قوله : « إن لم يقم عليها الحدّ » إلى آخره، فيه احتمالان :

أحدهما : أن يكون « إن » فيه للشرط والواو للعطف، و جزاؤه قوله عليه السلام : « فليس عليه من إثمها شي ء »، فعلى هذا يكون المقصود من الحديث إفادة حكمين :

الأوّل : التنبيه على جواز إمساك الزوجة الزانية و عدم لزوم طلاقها لذلك .

و الثاني: أنّه عند انتفاء إقدام الزوج بإقامة الحدّ عليها لا يصل إليه من إثمها شي ء .

والاحتمال الثاني : أن يكون « إن » للوصل، و يكون قوله : « فليس عليه » إلى آخره تفريعًا على قوله عليه السلام : « لا بأس أن يمسك الرجل » .

و دلالة الحديث على التقديرين على المدّعى ظاهرة .

و يمكن المناقشة بأنّ ذلك إنّما هو إذا كان الفعل فيه للفاعل، و أمّا إذا كان مبنيًّا للمفعول فلا .

والجواب عنه : ما مرّ من أنّ حمل الفعل على الفاعل - ولا سيّما في المقام، لكونه مسبوقًا بما يتعيّن عوده إلى الزوج و ملحوقًا به، فحمل « لم يقم » على أنّه

ص: 163

مبنيّ للفاعل ليتضمّن الضمير العائد إلى الزوج - أولى .

و يتوجّه عليه : أنّه قد تقدّم أنّ الزوج يقتل زوجته الزانية إن رآها تزني، وقد نبّهنا فيما سلف أنّ قتل الزوجة حينئذٍ محلّ وفاق بين الأصحاب، فالتمسّك به في محلّ الكلام لا ينفع .

والجواب عنه هو : أنّ حاصل الإيراد هنا يؤول إلى أمرين :

الأوّل : أنّ حمل الفعل هنا على المبنيّ للمفعول متعيّن، لمنافاة المبنيّ للفاعل بما سلف من لزوم قتل الزوج لزوجته الزانية .

والجواب عنه : أنّ غاية ما يظهر ممّا سلف جواز القتل لا لزومه، فلا منافاة .

والثاني : أنّ غاية ما يظهر من الحديث جواز قتل زوجته الزانية إذا رآها تزني، و قد عرفت أنّه محلّ وفاق بين الأصحاب، فالتمسّك به في محلّ النزاع في غير محلّه .

والجواب عنه : أنّ ذلك على الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المذكورين، أي : إذا جعلت كلمة « إن » للشرط ؛ و أمّا إذا كانت وصليّة، فلا .

توضيح الحال في بيان هذا الاحتمال يستدعي أن يقال : إنّ معنى الحديث بناءً على كون « إن » للوصل هكذا : لا بأس بأن يمسك الرجل زوجته إن رآها تزني، سواء أقام الحدّ عليها أم لا ؛ و معلوم أنّ الإمساك مع إقامة الحدّ إنّما يكون إذا كان الحدّ غير القتل كالجلد، فقد دلّ الحديث على جواز إقامة الحدّ ؛ غاية ما في الباب أنّ الزوج حينئذٍ مخيّرٌ بين القتل والجلد .

ص: 164

والحاصل : أنّه لم يظهر ممّا ذكر في المسألة السالفة إلّا جواز قتل زوجته الزانية لا لزومه، فلا منافاة بينه و بين ما دلّ على جواز إقامته، كما لا يخفى .

و يدلّ عليه الصحيح المرويّ في باب الرجل يتزوّج بالمرأة على أنّها بكر، فيجدها غير عذراء، من كتاب نكاح الكافي : عن محمّد بن القاسم بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر، فيجدها ثيّبًا، أيجوز له أن يقيم عليها ؟ قال : فقال : قد تفتق البكر عن المركب و من النزوة (1).

وجه الدلالة هو : أنّه لابدّ هنا من الالتزام بتقدير شي ء، و هو إمّا الحدّ أو الشهادة ؛ والأوّل أولى، إذ لو كان المراد الشهادة يكون المناسب أن يقول: هل يشهد عليها ؟ كما لا يخفى .

و أيضًا أنّ الظاهر من الجواب أنّ عدم جواز المسؤول عنه إنّما هو لعدم انحصار فتق البكارة و زوالها في الزنا، فالمستفاد منه أنّه لو كان الأمر منحصرًا فيه أو يتعيّن ذلك له من وجه آخر ليسوّغ له ذلك الشهادة ؛ و هو غير صحيح، إذ الشهادة على الزنا إنّما تكون إذا اتّفق معه ثلاثة نفر، و إلّا لم يجز له ذلك، بل أوجبت الشهادة حينئذٍ إقامة الحدّ عليه، فتعيّن الأوّل .

و أمّا حمل الحديث على أنّ المراد جواز القيام مع المرأة، فمخالف للظاهر جدّاً، لاستلزامه حمل الفعل الثلاثيّ المزيد فيه على معنى الثلاثى المجرّد، أي : حمل « يقيم » على معنى « يقوم »، و حمل « على » بمعنى « مع » .

ص: 165


1- الكافي : ج 5، ص 413، ح 1 .

والحاصل : أنّ تقدير الحدّ في الحديث أولى من غيره ممّا ذكر، فيتمّ الاستدلال، إذ المستفاد من الحديث أنّ عدم جواز إقامة الحدّ إنّما هو لإمكان زوال البكارة بالركوب والنزوة، فلو فرض القطع بكون زوالها في الزنا ينبغي جوازها، و هو المطلوب، فنقول : إذا جاز للزوج إقامة حدّ الزنا على الزوجة يجوز غيرها، كقطع اليد في السرقة، والقتل في الارتداد والسحر، لعدم القول بالفصل .

لا يقال : إنّ الفارق موجود، لما عرفت من تفصيل العلاّمة بين القتل والرجم والقطع و غيرها، فمنع في الثلاثة الأُوَل، و جوّز في غيرها .

لأنّا نقول : إنّ مقتضى قوله عليه السلام : « لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني » إلى آخره، أنّه لا بأس في إمساكها، سواء أقام الزوج الحدّ عليها أم لا ؛ و مقتضاه جواز الإقامة و لو كان رجمًا، كما لايخفى على المتأمّل، فبضميمة عدم القول بالفصل يتمّ المدّعى .

[هل يختصّ جواز إقامة الحدّ على الزوجة بما إذا كانت دائمة، أو يعمّها و للانقطاع ؟ ]

بقي الكلام في أنّ ما ذكره هل يختصّ بما إذا كانت الزوجة دائمة، أو يعمّها وللانقطاع ؟

الظاهر : الأوّل، إذ المتبادر من قوله عليه السلام : « لا بأس بأن يمسك الرجل امرأته إن

ص: 166

رآها تزني » هو الدوام .

و يؤيّده أنّ شيخ الطائفة تمسّك به في جواز إمساك الزوجة الزانية و عدم لزوم طلاقها، فلاحظ عنوانه السابق ؛ و معلوم أنّ الطلاق لا يكون إلّا في الدوام .

و كذا الحال في قوله : « في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر » إلى آخره .

و يؤيّده عدم شيوع الانقطاع في زمان صدور الأخبار، واختفاؤه من خوف الأشرار .

فالحقّ اختصاص الحكم بالدوام، فلا يثبت في الانقطاع، وفاقًا للمصرّح به في القواعد، قال :

و للزوج (1) إقامة الحدّ على زوجته، سواء دخل بها أو لا، في الدائم دون المنقطع (2).

و هو الظاهر من جملة من العبارات .

و خلافًا لشيخنا الشهيد في الدروس، قال :

و في اشتراط الدوام نظر، أقربه المنع، فيجوز إقامته في المؤجّل (3).

ص: 167


1- في المصدر : و للزوج الحرّ .
2- قواعد الأحكام : ج 3، ص 532 .
3- الدروس : ج 2 ص 48 .
[هل يجوز للزوج إقامة الحدّ على زوجته ولو كان عبدًا ]

هذا إذا كان الزوج حرّاً، و أمّا إذا كان عبداً فإشكال، بل الظاهر العدم .

والحاصل : أنّ هنا أربعة احتمالات : كلاهما حرٌّ أو رقٌّ، أو الزوج حرٌّ والزوجة رقٌّ، و عكسه .

و لا يبعد أن يدّعى اختصاص الحكم بالقسم الأوّل، فلا يثبت في غيره، لعموم قوله عليه السلام : « إقامة الحدّ إلى من إليه الحكم » (1) ؛ والتخصيص إنّما يثبت فيما ذكر، لكونه المتبادر من الحديث و كلام من تعرّض للمسألة، فيبقى غيره مندرجًا تحت العموم .

[الظاهر تعميم جواز قتل الزاني ولو كان بغير زوجته ]

و هل الأمر في المسألة السابقة أيضاً كذلك، فلا يسوغ قتل الزاني إلّا إذا كان الزنا بزوجته الدائمة ؟

ص: 168


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71 ، ح 5135 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6 ص 314 ح 871 و ج 10، ص 155، ح 621 .

الظاهر : التعميم، فيسوغ له قتل الزاني و لو كان بزوجته المتمتّع بها، بل الأمر كذلك و لو كان الزنا بغير زوجته كبنته و أخته .

[الظاهر اختصاص جواز القتل بزوجته الدائمة فلا يثبت في غيرها ]

هذا في جانب الزاني ؛ و أمّا المزنيّ بها، فالظاهر اختصاص الحكم بزوجته الدائمة، فلا يثبت في غيرها و لو كانت متمتّعًا بها و غيرها من المحارم .

أمّا التعميم في الزاني، فلعموم المقتضى لذلك، فلاحظ مقبولة فتح بن يزيد الجرجانيّ في رجلٍ دخل دار آخر للتلصّص والفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به أم لا ؟ فقال : اعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، و لا يجب عليه شي ء (1).

و صحيحة محمّد بن مسلم السالفة، لقوله عليه السلام فيها : من دمّر على مؤمن في منزله بغير إذنه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحالة (2).

و صحيحة سليمان بن خالد : من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له (3).

ص: 169


1- الكافي : ج 7، ص 294، ح 16 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 209 ح 825 .
2- الفقيه : ج 4 ص 76 ح 236 .
3- الكافي : ج 7، ص 292 ح 9 ؛ الفقيه : ج 4 ص 74 ح 229 ؛ التهذيب : ج 10 ص 208 ح 821 .

و فحوى صحيحة الحلبي : عن أبي عبداللَّه عليه السلام : أيّما رجل اطّلع على قوم في دارهم لينظر على عوراتهم، ففقؤا عينه أو جرحوه فلا دية له (1).

و معتبرة العلاء بن الفضيل، عن أبي عبداللَّه عليه السلام (2).

فليلاحظ، فإنّ النصوص المذكورة اقتضت بالعموم أو الفحوى جواز القتل للزاني بزوجته الدائمة والمتمتّع و غيرها من البنات والأخوات و غيرها كما لايخفى .

و أمّا التخصيص في المزنيّ بها بمعنى أنّه لا يجوز للرجل قتل المزنيّ بها إلّا إذا كانت زوجته الدائمة، فلا يسوغ و لو كانت متمتّعًا بها أو بناته أو أخواته، فلانتفاء المستند على ما ظهر ممّا سلف .

ص: 170


1- الكافي : ج 7، ص 290 ح 1 ؛ التهذيب : ج 10 ص 206 ح 813 .
2- انظر الكافي : ج 7 ص 291 ح 5 ؛ والتهذيب : ج 10 ص 207 ح 818 .

[المقام الثالث: في جواز إقامة الوالد الحدّ على ولده و عدمها]

[فيه أقوال ثلاثة : الجواز، العدم، التفصيل ]

ففيه خلاف، فالجواز مختار الشيخ في النهاية، والعلاّمة في التحرير والتبصرة، و شيخنا الشهيد في الدروس و اللمعة، والمحكيّ عن ابن الجنيد و ابن البرّاج، كما عرفت ممّا فصّلناه (1).

و العدم هو المصرّح به في السرائر، والظاهر من شيخنا المفيد في المقنعة، و سلاّر في المراسم، و أبي الصلاح في الكافي على ما ظهر ممّا أسلفنا (2).

واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ؛ قال في المسالك - بعد أن

ص: 171


1- انظر النهاية : ص 301 ؛ و تحرير الأحكام : ج 5، ص 312 ؛ والتبصرة : ص 90 ؛ والدروس: ج 2 ص 48 ؛ واللمعة : ص 46 ؛ والمهذّب البارع : ج 1 ص 342 ؛ و حكاه عن ابن الجنيد في غاية المرام : ج 1 ص 546 .
2- انظر السرائر : ج 2 ص 24 و 25 ؛ والمقنعة : ص 810 ؛ والمراسم : ص 260 و 261 ؛ والكافي في الفقه : 421 - 423 .

عنون العبارة السالفة من الشرائع : « و هل يقيم الرجل الحدّ على ولده و زوجته ؟ فيه تردّد » - ما هذا كلامه :

منشأ التردّد من دعوى الشيخ - رحمه اللَّه - ورود الرخصة في ذلك (1)، و من أصالة المنع، و عدم ظهور موجب الرخصة، و قد ظهر بذلك أنّ المنع أقوى (2).

و في الروضة :

و هذا الحكم في المولى مشهور بين الأصحاب لم يخالف فيه إلّا الشاذّ، و أمّا الآخران فذكرهما الشيخ، و تبعه جماعة منهم المصنّف، و دليله غير واضح، و أصالة المنع يقتضي العدم (3).

و ما تقدّم من العلاّمة من التفصيل بين القتل والقطع والرجم فالعدم، وإلّا فالجواز متحقّق هنا أيضاً، فالأقوال ثلاثة .

[مستند القول بالجواز و وجه الاستدلال به ]

و لعلّ المستند في الجواز الموثّق - كالصحيح - المرويّ في باب النوادر من أواخر حدود الكافي : عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : ربّما

ص: 172


1- انظر النهاية : ص 301 .
2- مسالك الأفهام : ج 3، ص 106 .
3- الروضة البهيّة : ج 2 ص 419 .

ضربت الغلام في بعض ما يحرم، فقال : و كم تضربه ؟ فقلت : ربّما ضربته مائة، فقال : مائة، مائة ؟ فأعاد ذلك مرّتين، ثمّ قال : حدّ الزنا ؟ إتّق اللَّه .

فقلت : جعلت فداك، فكم ينبغي لي أن أضربه ؟ فقال : واحدًا، فقلت : واللَّه لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحدًا ما ترك لي شيئًا إلّا أفسده، فقال : فاثنين، فقلت : جعلت فداك، هذا هو هلاكي إذن، قال : فلم أزل أماكسه حتّى بلغ خمسة، ثمّ غضب، فقال : يا إسحاق، إن كنت تدري حدّ ما أجرم، فأقم الحدّ عليه و لا تعدّ حدود اللَّه (1).

وجه الاستدلال هو : أنّ الغلام و إن استعمل في الأخبار في العبد أيضاً، لكنّ الظاهر من كتب اللغة أنّه ليس من المعاني الحقيقيّة له .

قال في القاموس :

الغلام : الطارّ الشارب (2).

إلى آخر ما تقدّم، حيث انّه لم يذكر العبد في جملة معانيه، فلو كان من جملة معانيه لذكره، و منه يظهر المراد ممّا ذكره .

و في الصحاح قال :

الغلام معروف (3).

ص: 173


1- الكافي : ج 2، ص 267، ح 34 .
2- القاموس المحيط : ج 4 ص 157 .
3- الصحاح : ج 5، ص 1997 .

و في المغرب :

الغلام : الطارّ الشارب، و الجارية أنثاه، و يستعاران للعبد والأمة، انتهى (1).

و هذا دليل على أنّ العبد ليس من المعاني الحقيقيّة لهذا اللفظ ؛ و من المعلوم لزوم حمل الألفاظ على معانيها الحقيقيّة إلّا عند الاقتران بالقرائن الصارفة عنها، وهو غير معلوم، فيتمّ الاستدلال .

والحاصل : أنّ المراد بالغلام في الحديث إمّا العبد أو الولد الطارّ الشارب، والألف واللام على التقديرين عوضٌ عن المضاف إليه، أي : غلامي أو ولدي الموصوف، والحمل على الثاني أولى لما علم .

إن قيل : سلّمنا ذلك، لكن يظهر من قوله : « ثمّ غضب فقال » إلى آخره، أنّ الأمر في قوله عليه السلام : « فأقم الحدّ عليه » من باب التهديد كما في قولك : إذا لم تستح فافعل ما شئت، أو الإهانة كما في قوله تعالى : « ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْكَرِيْمُ » (2)، فلا يصحّ التمسّك به في مقام الاستدلال .

قلنا : ليس الأمر كذلك، إذ لو كان كذلك لما حاجة إلى قوله : « إن كنت تدري حدّ ما أجرم » إلى آخره، لكنّ الإنصاف أنّ في النفس بعد شيئاً، لا لما ذكر أخيرًا، بل لحمل الغلام على المعنى المذكور، إذ الغلام في اللغة و إن كان كما ذكر، لكن في

ص: 174


1- المغرب للمطرزي : ج 2، ص 77 .
2- الدخان : 49 .

حمله في الحديث على المعنى المذكور تأمّل لا يخفى على المتأمّل، فتأمّل جدّاً حتّى يتّضح لك وجهه .

و يمكن التمسّك في إثبات المرام بعدم القول بالفصل بأن يقال : إنّهم على قولين : قول بالجواز في كلّ من الزوج والوالد على الزوجة والولد، و بالعدم كذلك، فالقول بالتفصيل بأن يقال : بالجواز في الزوج، و بالعدم في الوالد، قولٌ بالتفصيل خارقٌ للإجماع المركّب، فحيث قلنا بالجواز في الزوج والزوجة يلزمنا القول في الوالد والولد أيضاً، فتأمّل .

ص: 175

[المقام الرابع: في أصل المطلب]

اشارة

فنقول : كما يجوز للفقهاء في هذه الأعصار - الّتي غابت الحجّة فيها عن الأنظار - التعرّض للفتوى والمرافعة والحكم بين الناس، يجوز لهم إقامة الحدود .

تنقيح المقام يستدعي أن يقال : إنّ الظاهر من تصفّح كلمات الأصحاب اختلافهم في أصل المسألة على أقوال :

[القول الأوّل :جواز إقامة الحدود للموالي على مماليكهم مطلقًا، و عدمه لغيرهم ولو كانوا جامعين لشرائط الفتوى ]

الأوّل : جواز إقامة الحدود للموالي على مماليكهم مطلقًا و لو لم يكونوا جامعين لشرائط الفتوى، و عدمه لغيرهم كذلك، و لو كان حائزًا للشرائط ؛ و هو

ص: 176

الّذي يتوهّم من كلام ابن إدريس في مباحث الأمر بالمعروف من السرائر (1).

[القول الثاني :مثل الأوّل مع انضمام الآباء والأزواج إلى الموالي ]

والثاني : مثله مع انضمام الآباء والأزواج إلى الموالي، فيسوغ لهم إقامة الحدود على الأولاد والزوجات مطلقًا، فلا يسوغ لغيرهم كذلك ؛ و هو الّذي يتوهّم من كلام شيخ الطائفة في النهاية (2) في المبحث المذكور .

[القول الثالث : الجواز للفقيه مطلقًا، و عدمه لغيره كذلك إلّا للمولى ]

والثالث : الجواز للفقيه مطلقًا، و عدمه لغيره كذلك، إلّا للمولى على مملوكه، و هو مختار شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك (3).

ص: 177


1- السرائر : ج 2 ص 24 .
2- النهاية : ص 301 .
3- انظر الروضة البهيّة : ج 2 ص 420 ؛ و مسالك الأفهام : ج 3 ص 105 .

[القول الرابع :عدم الجواز لغير الفقيه مطلقًا ]

والرابع : عدم الجواز لغير الفقيه مطلقًا، و لو كان له ولاية المالكيّة، و جوازه للفقيه كذلك، و لو لم يكن له تلك الولاية، فيسوغ للفقيه إقامة الحدود على قاطبة المكلّفين، و لا يجوز لغيره على أحد .

و هو الظاهر من المقنعة والمراسم والكافي لأبي الصلاح، والعلاّمة في المختلف (1)، و قد أوردنا العبارات الّتي استفيدت منها الأقوال المذكورة في أوّل الرسالة، فليلاحظها من أراد الملاحظة .

[القول الخامس : الجواز للمولى والوالد والزوج والفقيه الجامع للشرائط ]

والخامس : هو الجواز للمولى والوالد والزوج على المملوك والولد والزوجة

ص: 178


1- انظر المقنعة : ص 810 ؛ والمراسم : ص 261 ؛ والكافي في الفقه : ص 423 ؛ والمختلف : ج 4 ص 478 .

مطلقًا، و عدمه لغيرهم، إلّا للفقيه الجامع للشرائط فيسوغ له مطلقًا .

أمّا الجواز لهؤلاء الثلاثة المذكورة فقد أوضحنا الحال في ذلك، و أمّا العدم لغيرهم إذا لم يكن فقيهًا فلانتفاء ما يدلّ على الجواز .

[كلمات الأصحاب في جواز إقامة الحدود للفقهاء ]

و أمّا الجواز للفقيه فهو مختار المقنعة والخلاف والمبسوط والوسيلة والمراسم والكافي والسرائر والجامع والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة والتحرير والمختلف والقواعد والإرشاد والتلخيص والتبصرة واللمعة والدروس والمسالك والروضة والكفاية والمفاتيح (1).

و عبارة المقنعة والمبسوط والخلاف والمراسم والكافي قد سمعتها، فلا افتقار إلى الإعادة، إلّا أنّه في الكافي في مواضع متعدّدة دلالة على ذلك :

ص: 179


1- انظر المقنعة : ص 810 ؛ والخلاف : ج 6 ص 207 ؛ والمبسوط : ج 8 ص 12 ؛ والوسيلة : ص 209 ؛ والمراسم : ص 261 ؛ والكافي في الفقه : ص 423 ؛ والسرائر : ج 2 ص 25 ؛ والجامع للشرائع : ص 523 ؛ والشرائع : ج 1 ص 313 ؛ والمختصر النافع : ص 139 ؛ والمنتهى ( ط . ق ) : ج 2 ص 995 ؛ والتذكرة : ج 9 / 445 ؛ والتحرير : ج 5 ص 312 ؛ والمختلف : ج 4 ص 478 ؛ والقواعد : ج 3 ص 531 ؛ والإرشاد : ج 1 ص 353 ؛ والتلخيص : ص 156 ؛ والتبصرة : 90 ؛ واللمعة : ص 46 ؛ والدروس : ج 2 ص 47 ؛ والمسالك : ج 3 ص 108 ؛ والروضة : ج 2 ص 417 ؛ والكفاية : ج 1 ص 409 ؛ والمفاتيح : ج 2 ص 50 .

منها : ما ذكره بعد ما فرغ من أحكام الجنائز حيث عقد فصلاً فقال :

يجب على كلّ مكلّف إن علم غيره مؤمنًا - لتصديقه بجملة المعارف والشرائع - عدلاً - باجتناب سائر القبائح فعلاً وإخلالاً - أن يتولاّه ويمدحه و يعظمه بحسب منزلته في الإيمان، ويجري عليه أحكام المسلمين العدول، و يقطع له بالثواب، بشرط مطابقة الباطن للظاهر عن يقين .

- إلى أن قال : - فإن أخلّ بواجب عقليّ و سمعيّ أو فعل قبيحًا محرّمًا مدحه على إيمانه على الوجه الّذي ثبت عنده من ظاهر أو باطن، و ذمّه على ما فعله من القبيح ذمًّا مقيّدًا ؛ - إلى قوله : - و حكم له بالفسق وأجرى عليه أحكام الفسّاق من اجتناب الصلاة خلفه، و قبول شهادته، و إعطائه شيئاً من حقوق الأموال الواجبة، و كراهيّة مناكحته حيّاً و ميّتاً، و إن علم غيره كافراً أن يلعنه، و يبرأ منه، و يقطع ولايته، و يحرم مودّته، و يحكم بدوام عقابه .

- إلى أن قال - : والقبيح على ضربين، أحدهما : يختصّ بعصيانه سبحانه، والثاني : ينضمّ إلى عصيانه فيه ظلم غيره .

- إلى قوله : - و مظالم العباد على ضربين، أحدهما : يصحّ قبضه واستيفاؤه كالأموال والرباع والحيوان و سائر المملوكات، فمن شرط صحّة التوبة من ذلك الخروج إلى المظلوم من عين الظلامة أو بدلها إن كان حيّاً، و إلى ورثته إن كان ميّتاً، والاعتذار إليه والرغبة في التحليل

ص: 180

ممّا دخل عليه من غمّ، وفات من نفع، وينوب مناب إيصالها إسقاط مستحقّها .

فإن تعذّر ذلك لفقد عين الظلامة و بدلها أو المظلوم، ففرضه على الوجه الأوّل استحلال المظلوم، فإن عفى عن الحقّ سقطت تبعته، و إن أبى فليعزم على الخروج إليه من الظلامة في أوّل أحوال الإمكان، و يلزمه التقتير على نفسه و عياله، و عزل ما يفضل عن حفظ الحيات للمظلوم .

و على الوجه الثاني عزل الظلامة من ماله، والعزم على إيصالها إلى مستحقّها، والوصيّة بها إن احتضر دون ذلك، فإن قطع يقينًا بانقراض مستحقّي الظلامة فهي من جملة الأنفال، فإذا فعل ما يلزمه من ذلك صحّت التوبة، و إن لم يفعل لم تصحّ .

والثاني : ما لا يصحّ قبضه واستيفاؤه، و هو على ضروب : منها : السبّ والتعريض، فيلزمه من جهة التوبة (1) إكذاب نفسه ممّا قال مفتريًا أو معرضًا بمحضر ممّن سمعه إن كان خاصًّا، أو على رؤوس الأشهاد إن كان عامًّا .

فإن كان المقذوف قد علم بالقذف فليتعذّر إليه و يكذب نفسه لديه ويستنزله (2) عن الحدّ والتعزير، فإن عفى سقط، و إن طالب فعليه

ص: 181


1- في المصدر : من حقّ التوبة .
2- في بعض النسخ : و يستغفر له .

التمكين من نفسه . وليتولّ ذلك منه سلطان الإسلام .

و إن كان المقذوف جاهلاً بالافتراء عليه لم يجز إعلامه به، و على القاذف أن يعيد (1) نفسه إلى سلطان الإسلام أو من يصحّ منه إقامة الحدّ ليجلده بحسب ما وقع منه من قذف أو تعريض، و لا يجوز له إسقاط ما وجب من دون وليّه، انتهى (2).

و منها : ما ذكره فيما بعد ذلك في أواخر مباحث الجهاد حيث قال :

و أمّا الفسق فمستحقّ بكلّ معصية ليست بكفر، و هو مقتضٍ لفرضين، أحدهما : يختصّ الماضي، والثاني : يختصّ المستقبل، فالفرض الأوّل مختصّ بسلطان الإسلام أو من يصحّ نيابته عنه، و هو على خمسة أضرب : منها ما يوجب الحدّ، و هو الزنا واللواط والسحق والجمع بين أهل الفجور له، والقذف والسرقة والفساد في الأرض و شرب الخمر والفقّاع، إلى آخره (3).

و قوله : « أو من يصحّ نيابته » يقتضي جواز إقامة الحدود لمن صحّت نيابته عنه، والفقيه الجامع للشرائط كذلك .

و منها : ما ذكره في مباحث القضاء، و قد أوردناه بطوله في أوائل المبحث .

ص: 182


1- في المصدر : أن يقيد .
2- الكافي في الفقه : ص 241 - 244 .
3- الكافي في الفقه : ص 263 .

و منها : ما ذكره في هذا المبحث عند التكلّم في جواز تعويل الحاكم في الحكم على علمه مطلقًا في غير الحدود، قال :

فأمّا ما يوجب الحدّ، فإن كان العالم بما يوجبه الإمام فعليه الحكم بعلمه، لكونه معصومًا مأمونًا، فإن كان غيره من الحكّام الّذين يجوز عليهم الكذب لم يجز له الحكم بمقتضاه، لأنّ إقامة الحدّ أوّلاً ليست من فرضه (1).

إلى آخر ما ذكره .

و هو صريحٌ على أنّه يسوغ لغير الإمام من الحكّام إقامة الحدود عند الإقرار أو البيّنة، كما لا يخفى .

و في الوسيلة في مباحث القضاء :

فإن عرض حكومة (2) للمؤمنين في حال انقباض يد الإمام فهي إلى فقهاء شيعتهم (3).

و هو أعمّ من أن تكون الحكومة في الحدود و غيرها .

و فيه أيضاً في تلك المباحث :

والحقوق ثلاثة : فإن كانت للَّه لم يحكم بها على الغائب، و إن كانت

ص: 183


1- الكافي في الفقه : ص 432 .
2- في المصدر : حكمه .
3- الوسيلة : ص 209 .

للناس حكم على ما ذكرنا، و إن كانت للَّه تعالى من وجه وللناس من وجه آخر حكم على الغائب بحقّ الناس، و ذلك مثل السرقة . و يجوز للحاكم المأمون الحكم بعلمه في حقوق الناس، و للإمام في جميع الحقوق (1)، انتهى .

و مقتضاه جواز الحكم للحاكم بالبيّنة أو الإقرار على المدّعى عليه الحاضر في الحدود و غيرها، كما لا يخفى .

و فيه أيضاً في مباحث الزنا :

و إنّما يثبت بأحد شيئين : بالبيّنة و بإقرار الفاعل على نفسه .

- إلى أن قال : - و أمّا ثبوته بإقرار الفاعل فيصحّ بأربعة شروط : بإقرار الفاعل أربع مرّات في مجالس متفرّقات، و كونه عاقلاً كاملاً مختارًا، فإن رجع قبل أن يتمّ أربعًا سقط .

و يستحبّ للحاكم التعريض إليه بالرجوع، و إن رجع بعد الأربع لم يسقط إن كان موجبه الجلد، و يسقط إن كان موجبه القتل .

و يجوز للإمام إقامة الحدّ إذا شاهد من غير قيام بيّنة و إقرارٍ من الفاعل ؛ و إن كان يتعلّق بحقوق الناس لم يجز له ذلك إلّا بعد مطالبة صاحب الحقّ باستيفاء حقّه، انتهى (2).

ص: 184


1- الوسيلة : ص 217 .
2- الوسيلة : ص 409 - 410 .

و دلالة هذا الكلام من البداية إلى النهاية على إقامة الحدود لغير الإمام، بل لمطلق الحكّام ممّا لا يخفى على أولى الأحلام ؛ و قد أوردنا في أوائل الرسالة كثيرًا من عباراتهم في المسألة، فلا افتقار إلى الإعادة .

بل نقول : إنّ المخالف بل المتوقّف في المسألة غير ظاهر، عدا ما يظهر من العبارة السالفة من شيخ الطائفة في النهاية، و شيخنا الراوندي في فقه القرآن، و شيخنا الطبرسي في مجمع البيان، و ابن إدريس في السرائر (1)، حيث انّ المدلول عليه بكلامهم عدم جواز إقامة الحدود إلّا للأئمّة عليهم السلام و ولاتهم .

والمحقّق في الشرائع والنافع (2)، حيث انّه عزى القول بجواز إقامة الحدود للفقهاء فيهما إلى قيل، و هو يرشد إلى تردّده في ذلك .

[نقل كلام مَن يتوهّم منه المخالفة ]

و نحن نقول : إنّ الظاهر في بادئ الأمر و إن كانت كلماتهم موهمة لذلك، لكنّ بعد التأمّل ليس الأمر كذلك .

أمّا شيخ الطائفة فلأنّ المشار إليه في قوله :

و قد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم في حالٍ لا يتمكّنون فيه من تولّيه

ص: 185


1- انظر النهاية : ص 300 ؛ و فقه القرآن : ج 2 ص 372 ؛ و مجمع البيان : ج 7 ص 124 ؛ والسرائر : ج 2 ص 24 .
2- انظر الشرائع : ج 1 ص 313 ؛ والمختصر النافع : ص 139 .

بنفوسهم، فمن تمكّن من إنفاذ حكم أو إصلاح بين الناس أو فصل بين المختلفين، فليفعل ذلك (1).

كلّ من إقامة الحدود والحكم بين الناس، و لا ينافيه التفريع المذكور في كلامه : « فمن تمكّن من إنفاذ حكم » إلى آخره، لوضوح شموله لإقامة الحدود، سيّما بعد ملاحظة قوله : « أو فصل بين المختلفين ».

والحاصل أنّه ذكر أوّلاً حال كلّ من إقامة الحدود والحكم بين الناس في حال ظهور الإمام و تسلّطه، و حكم بأنّه لا يجوز لأحدٍ أن يتصدّى لشي ء منهما حينئذ إلّا بإذنه، أشار إلى الأوّل بقوله : « فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها إلّا لسلطان الزمان المنصوب من قبل اللَّه تعالى أو من نصبه الإمام لإقامتها » إلى آخره .

و إلى الثاني بقوله : « فأمّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين، فلا يجوز بذلك أيضاً إلّا لمن أذن له سلطان الحقّ في ذلك »، ثمّ ذكر حال كلّ واحد منهما في زمن عدم ظهور الإمام عليه السلام بقوله : « و قد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم في حالٍ لايتمكّنون فيه » إلى آخر ما سلف .

فيكون المشار إليه في هذا الكلام كلّ واحد من الأمرين، كما لايخفى على المتأمّل في مجموع عبارته ؛ و قد أوردناها في أوائل الرسالة، فليلاحظ .

و لذا لم نجد أحداً من العلماء نسب إليه الخلاف في المسألة، بل كلّ من تصدّى

ص: 186


1- النهاية : ص 301 .

لذكر الخلاف نسب إليه القول بالجواز .

قال في التذكرة :

و هل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان (1).

و مثله ذكره في المنتهى والتحرير (2).

و في كشف الرموز :

أمّا البحث في الفقهاء فقد قال الشيخان و سلاّر : قد فوّضوا ذلك إلى الفقهاء (3).

و في التنقيح :

القائل هو الشيخان (4).

و في المسالك مشيرًا إلى القول بالجواز :

هذا القول مذهب الشيخين - رحمهما اللَّه - و جماعة من الأصحاب (5).

ص: 187


1- تذكرة الفقهاء : ج 9 ص 445 .
2- منتهى المطلب ( ط . ق ) : ج 2 ص 995 ؛ تحرير الأحكام : ج 2 ص 242 .
3- لم نجده فيه بهذه العبارة، بل فيه : « و كذا قيل : يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة إذا أمنوا، و يجب على الناس مساعدتهم » - إلى أن قال : - و قال سلاّر : و إلّا يثبت (ثبت خ) المنع، فأمّا الفقهاء فقد جزم الشيخان بأنّ في حال الغيبة ذلك مفوّض إليهم إذا كانوا متمكّنين، و لنا فيه نظر » ( كشف الرموز : ج 2، ص 433 و 434 ).
4- التنقيح الرائع : ج 1، ص 596 .
5- المسالك : ج 3 ص 107 .

و في غاية المرام - بعد أن عنون عبارة الشرائع : « و قيل للفقهاء العارفين إقامة الحدود » إلى آخره - ما هذا لفظه :

هذا قول الشيخ وابن الجنيد و سلاّر (1).

إلى آخر ما ذكره .

بل عزى في المهذّب البارع هذا القول إلى الشيخ في خصوص النهاية، حيث قال :

الثالثة : للفقهاء إقامة الحدود على العموم، و هو مذهب الشيخ في النهاية، انتهى (2).

و هذه النسبة صحيحة، و وجهها ما نبّهنا عليه .

و أمّا كلام شيخنا الراوندي في فقه القرآن (3)، فلأنّ الحصر في كلامه : « إقامة الحدّ ليس لأحدٍ إلّا للإمام أو لمن نصبه الإمام » مسلّم، لكن لا يلزم منه المخالفة، لأنّا نقول : إنّ الفقهاء ممّن نصبهم الإمام عليهم السلام كما ستقف عليه .

و منه يظهر الحال في كلام شيخنا الطبرسي في مجمع البيان من قوله :

ليس لأحدٍ أن يقيم الحدود إلّا للأئمّة عليهم السلام و ولاتهم بلا خلاف (4).

ص: 188


1- غاية المرام : ج 1، ص 547 .
2- المهذّب البارع : ج 2، ص 328 .
3- فقه القرآن : ج 2 ص 372 .
4- مجمع البيان : ج 7، ص 219 .

لوضوح أنّ الفقهاء من جملة ولاتهم .

و ممّا يؤيّد أنّ مراده ما يعمّ الفقهاء ما ذكره من نفي الخلاف، فلو لم يكن مراده ذلك لم تصحّ هذه الدعوى، لكون القول بالجواز من أعيان الأصحاب، بل من جميعهم، كما ستقف عليه .

[نسبة المنع إلى ابن إدريس عن بعض، و نقل مواضع من كلماته ]

بقي الكلام في ابن إدريس، فإنّ جماعة من المتأخّرين نسب إليه إنكار الجواز، منهم : شيخنا الصيمريّ في غاية المرام مشيراً إلى القول بأنّه يجوز للفقهاء إقامة الحدود :

هذا قول الشيخ وابن الجنيد و سلاّر، واختاره العلاّمة .

- إلى أن قال : - و منع ابن إدريس من إقامة الحدّ في حال الغيبة مطلقًا على غير المملوك (1).

و منهم : شيخنا ابن فهد في المهذّب البارع حيث قال :

الثالثة : للفقهاء إقامة الحدود على العموم، و هو مذهب الشيخ في النهاية و أبي عليّ، واختاره العلاّمة .

ص: 189


1- غاية المرام : ج 1، ص 547 .

- إلى أن قال : - و منع ابن إدريس من ذلك و قال : لا يقيم غير الإمام إلّا على المملوك فقط (1).

و منهم : الفاضل المقداد، قال في التنقيح في شرح عبارة النافع : « وكذا يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة إذا أمنوا، و يجب على الناس مساعدتهم » :

القائل هو الشيخان، و كذا قال سلاّر : ما لم يكن قتلاً أو جرحًا، ومنع منه ابن إدريس و قال : هو رواية شاذّة (2)، انتهى .

و نحن نقول : إنّ ما فهمه هؤلاء الأماجد العظام من كلام هذا النحرير العلاّم غير مقترن بالاستقامة والصواب، و إن كان ممّا يوهمه بعض ألفاظه في ذلك المرام، فلاحظ عبارته السالفة .

والحاصل أنّ الظاهر من كلامه أنّ المقصود منه ما نبّهنا عليه في كلام الشيخ في النهاية ملخّصه :

إنّ المراد منه هو : أنّه في زمن ظهور الإمام و استيلائه لا يجوز لأحد إقامة الحدود و لا الحكم و لا الإفتاء إلّا لمن نصبه الإمام وأذن له في ذلك ؛ و أمّا في زمن الغيبة فالأمر في كلّ من إقامة الحدود والحكم بين الناس مفوّض إلى فقهاء شيعتهم (3).

ص: 190


1- المهذّب البارع : ج 2، ص 329 .
2- التنقيح الرائع : ج 1، ص 596 .
3- السرائر : ج 2 ص 24 .

فلا يكون ابن إدريس مخالفًا للشيخ و غيره من هذه الجهة .

نعم، إنّ المستفاد من كلام الشيخ أنّه كما يجوز (1) إقامة الحدّ للمولى على مملوكه، كذا جوّزها للوالد على ولده، والزوج على زوجته، وابن إدريس منكر لذلك.

و كذا المتولّي من قبل سلطان الجائر على رعيّته مطلقًا، و لو لم يكن فقيهًا وكان في زمن ظهور الإمام ؛ وابن إدريس منكر لذلك أيضاً، و نسب هذه إلى الرواية، وذكر أنّه أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته إيراداً لا اعتقاداً (2).

فما في التنقيح من النسبة إلى ابن إدريس أنّه ذكر : أنّ إقامة الحدود من الفقهاء رواية شاذّة (3)، غير مطابق للواقع .

والحاصل : أنّ الداعي لوقوع هؤلاء العظام فيما وقعوا فيه من المخالف للواقع كلام ابن إدريس حيث قال :

لأنّ الإجماع حاصل منعقد من أصحابنا و من المسلمين جميعًا أنّه لايجوز إقامة الحدود و لا المخاطب بها إلّا الأئمّة والحكّام القائمون بإذنهم في ذلك، فأمّا غيرهم فلا يجوز له التعرّض بها على حال (4).

من غير أن يتأمّلوا في ذيل كلامه في ذلك المقام، فضلاً عن كلماته في مقامات

ص: 191


1- في بعض النسخ : كما جوّز .
2- انظر السرائر : ج 2 ص 24 .
3- التنقيح الرائع : ج 1 ص 596 .
4- السرائر : ج 2 ص 25 .

أخر.

تنقيح المقام يستدعي إيراد ما حضرني الآن من كلماته الدالّة على خلاف ما عزوا إليه، فنقول : إنّ المشار إليه لاسم الإشارة في كلامه :

و قد فوّضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين المحصّلين الباحثين عن مآخذ الشريعة الديّانين القيّمين بذلك في حال لا يتمكّنون فيه من تولّيه نفوسهم (1).

هو ما نبّهنا عليه في عبارة النهاية، أي : كلّ من إقامة الحدود والحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين (2).

و أنّ المراد من قوله : « لا يجوز إقامة الحدود و لا المخاطب بها إلّا الأئمّة عليهم السلام والحكّام القائمون بإذنهم في ذلك » (3) إلى آخره، عدم الجواز في زمن ظهور الإمام أو مطلقًا، لكن بالنسبة إلى غير الفقهاء، بناءً على أنّ المراد من قوله : « الحكّام القائمون بإذنهم » ما يعمّهم .

والحاصل أنّ المشار إليه لاسم الإشارة في كلامه ما ذكر لوجوه :

منها : دعوى الإجماع في كلامه، لوضوح أنّ القول بجواز إقامة الحدود من الفقهاء في زمن الغيبة معروفٌ بين علماء الشيعة و غيرهم ؛ و قد سمعت العبارات

ص: 192


1- السرائر : ج 2 ص 25 .
2- النهاية : ص 301 .
3- السرائر : ج 2 ص 25 .

الصادرة ممّن تقدّم على ابن إدريس الدالّة عليه، كعبارة شيخنا المفيد في المقنعة، وسلاّر بن عبد العزيز في المراسم، و أبي الصلاح في الكافي، و شيخنا الطوسي في كتبه و غيرهم، فكيف يمكن اختفاء مثل ذلك على ابن إدريس حتّى ادّعى إجماع الأصحاب، بل المسلمين على خلافه ؟!

و منها : قوله :

فمن تمكّن من إنفاذ حكم (1) أو إصلاح بين الناس، أو فصل بين المختلفين فليفعل ذلك (2).

لوضوح أنّ إنفاذ الحكم يعمّ إقامة الحدود، بل يمكن قصر المراد منه فيها لقوله : « أو فصل بين المختلفين » .

و منها : قوله :

و من دعا غيره إلى فقيه من فقهاء أهل البيت، ليفصل بينهما فلم يجبه وآثر المضي إلى المتولّي من قبل الظالمين، كان في ذلك متعدّيًا للحقّ، مرتكبًا للآثام، مخالفًا للإمام، مرتكبًا للسيّئات العظام .

و لا يجوز لمن يتولّى الفصل بين المختلفين والقضاء بينهم أن يحكم إلّا بموجب الحقّ .

- إلى أن قال : - و من لا يحسن القضايا والأحكام في إقامة الحدود

ص: 193


1- في بعض النسخ زيادة : و هو من أهله .
2- السرائر : ج 2 ص 25 .

و غيرها، لا يجوز له التعرّض لتولّى ذلك على حال (1)، فإن تعرّض لذلك (2) كان مأثومًا معاقبًا (3).

و منها : ما ذكره في مباحث الحدود حيث قال :

و إذا تكامل شهود الزنا أربعة و شهدوا به، ثمّ ماتوا أو غابوا، جاز للحاكم أن يحكم بشهادتهم و يقيم الحدّ على المشهود عليه، لقوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ » (4)، و هذا زانٍ بغير خلاف ؛ انتهى (5).

لوضوح أنّ المراد منه حال الحاكم، إمّا في خصوص هذه الأزمنة أو مطلقًا، فيشمل حكم زمان الغيبة قطعًا، فقد دلّ على إقامة الحدّ من الحاكم فيها، و هو المراد .

و منها : ما ذكره في تلك المباحث أيضاً، قال :

إذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر، كان عليه أن يقيم الحدّ عليه، و لا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة و لا الإقرار ؛ وكذلك النائب من قبله، لأنّا قد بيّنا في كتاب القضاء أنّ للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء

ص: 194


1- في المصدر : لا يجوز له التعرّض لذلك على حال .
2- في المصدر : له .
3- السرائر : ج 2 ص 25 و 26 .
4- النور : 2 .
5- السرائر : ج 3، ص 434 .

بغير خلاف بين أصحابنا (1).

و منها : ما ذكره في أواخر السرائر بعد أن عقد فصلاً في تنفيذ الأحكام، و هو أظهرها في الدلالة على المرام، و هو مطابق لما أوردناه من الكافي لأبي الصلاح، حيث قال :

و صحّة التنفيذ يفتقر إلى معرفة من يصحّ حكمه، و يمضي تنفيذه، فإذا ثبت ذلك فتنفيذ الأحكام الشرعيّة والحكم بمقتضى التعبدّ فيها من فروض الأئمّة عليهم السلام المختصّة بهم دون من عداهم ممّن لم يؤهّلوا لذلك، فإن تعذّر تنفيذها بهم عليهم السلام و بالمأهول لها من قبلهم لأحد الأسباب لم يجز لغير شيعتهم المنصوبين لذلك من قبلهم عليهم السلام تولّي ذلك، و لا التحاكم إليه، و لا التوصّل بحكمه إلى الحقّ، و لا تقليد الحكم مع الاختيار، و لا لمن لم يتكامل له شروط النائب عن الإمام عليه السلام في الحكم من شيعته، وهي العلم بالحقّ في الحكم المردود إليه (2).

- إلى أن قال : - فمتى تكاملت هذه الشروط فقد أذن له في تقليد الحكم، و إن كان مقلّده ظالمًا متغلّبًا .

و عليه متى عرض لذلك أن يتولاّه، لكون هذه الولاية أمراً بمعروف ونهيًا عن منكر، تعيّن غرضهما بالتعريض للولاية عليه، و هو و إن كان

ص: 195


1- السرائر : ج 3 ص 432 .
2- السرائر : ج 3، ص 537 .

في الظاهر من قبل المتغلّب، فهو في الحقيقة نائبٌ عن وليّ الأمر عليه السلام في الحكم، و مأهول له، لثبوت الإذن منه و من آبائه عليهم السلام لمن كان بصفته في ذلك، فلا يحلّ له العقود (1) عنه، و إن لم يقلّد مَن هذه حاله النظر بين الناس، فهو في الحقيقة مأهول لذلك بإذن ولاة الأمر عليهم السلام وإخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم إليه، و حمل حقوق الأموال إليه والتمكين من أنفسهم لحدّ أو تأديب تعيّن عليهم، لا يحلّ لهم الرغبة عنه، و لا الخروج عن حكمه (2).

إلى آخر ما ذكره ؛ و قد علمت أنّه مطابق لما ذكره شيخنا أبو الصلاح في الكافي، بل عين عبارته (3).

و قوله : « والتمكين من أنفسهم » إلى آخره، صريحٌ في المطلب .

و منها : ما ذكره بعده في آخر الكتاب في مقام الاستدلال بأنّ للحاكم التعويل على علمه في الحكم في جميع الأشياء، حيث قال :

و أمّا ما يوجب الحدود فالصحيح من أقوال طائفتنا و ذوي التحصيل من فقهاء عصابتنا لا يفرّقون بين الحدود و بين غيرها من الأحكام الشرعيّات، في أنّ للحاكم النائب من قبل الإمام أن يحكم فيها بعلمه، كما أنّ للإمام ذلك، مثل ما سلف في الأحكام الّتي هي غير الحدود، لأنّ

ص: 196


1- في بعض النسخ : القعود .
2- السرائر : ج 3، ص 538 و 539 .
3- أنظر الكافي في الفقه : ص 421 - 423 .

جميع ما دلّ هناك هو الدليل هاهنا، والفرق بين الأمرين مخالف مناقض في الأدلّة .

و ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ ما يوجب الحدود فإن كان العالم بما يوجبه الإمام فعليه الحكم بعلمه، لكونه معصومًا مأمونًا، وإن كان غيره من الحكّام الّذين يجوز عليهم الكذب لم يجز له الحكم بمقتضاه، وتمسّك بأن قال : لأنّ إقامة الحدّ أوّلاً ليست من فروضه، و لأنّه بذلك شاهد على غيره باللواط والزنا أو غيرهما، و هو واحد، و شهادة الواحد بذلك قذف يوجب الحدّ و إن كان عالمًا .

يوضح ذلك أنّه لو علم ثلاثة نفر غيرهم زانيًا، لم يجز لهم الشهادة عليه، فالواحد أحرى أن لا يشهد عليه .

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : و ما اخترناه أوّلاً هو الّذي تقتضيه الأدلّة، و هو اختيار السيّد المرتضى - قدّس اللَّه تعالى روحه - في انتصاره، واختاره شيخنا أبو جعفر في خلافه، و غيرهما من الأجلّة والمشيخة .

و ما تمسّك به المخالف لما اخترناه فليس فيه ما يعتمد عليه ولا ما يستند إليه، لأنّ جميع ما قاله و أورده يلزم في الإمام مثله حرفًا فحرفًا .

فأمّا قوله : « إقامة الحدود ليست من فروضه »، فعين الخطأ المحض عند

ص: 197

جميع الأمّة، لأنّ الحكّام جميعًا هم المفتون (1) بقوله تعالى : « وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا » (2) ؛ و كذلك قوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ » (3)، إلى غير ذلك من الآيات ؛ انتهى (4).

و أنت إذا تأمّلت في العبارات المذكورة تعلم أنّ ما عزوه إلى ابن إدريس من منعه إقامة الحدود من الفقهاء في هذه الأزمنة غير مقرون بالصحّة، و أنّ الداعي لتلك النسبة الجمود ببعض كلماته، من دون تأمّل في السابق عليه واللاحق به، بل الّذي يظهر من مجموع كلماته الّتي أوردناها في المقام و غيرها أنّ إصراره في الجواز فوق كلام المجوّزين .

و من جميع ما ذكر تبيّن أنّ المخالف في المسألة غير موجود، لأنّا لم نجد المخالف في المسألة، و لا نقله ناقل عدا ما علمت به من نسبة الخلاف في كلمات جماعة من الأصحاب إلى ابن إدريس، و قد اتّضح لك الحال في ذلك .

بل نقول : إنّ المتوقّف في المسألة غير ظاهر عدا المحقّق والعلاّمة، فإنّ العلاّمة في المنتهى ذكر في موضع :

و عندي في ذلك توقّف .

ص: 198


1- في المصدر : جميعهم هم المعينون .
2- المائدة : 38 .
3- النور : 2 .
4- السرائر : ج 3، ص 545 .

لكنّه بعده بفاصلة قليلة قوّى الجواز حيث قال :

قال الشيخان رحمهما الله : يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود في حال غيبة الإمام، كما لهم الحكم بين الناس مع الأمن من الضرر .

- إلى أن قال : - و هو قويّ عندي (1).

مضافًا إلى أنّ فتواه في غالب كتبه التصريح بالجواز من غير تأمّل .

و أمّا المحقّق و قد سمعت ما ذكره في مباحث الأمر بالمعروف من الشرائع والنافع (2) الدالّ على تردّد في المسألة، لكنّ الظاهر منه في مباحث الحدود من الكتابين المصير إلى الجواز، قال في الشرائع :

يجب على الحاكم إقامة حدود اللَّه تعالى بعلمه كحدّ الزنا، أمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة، حدّاً كان أو تعزيراً (3).

و فيه أيضاً في حدّ اللواط :

و يحكم الحاكم فيه بعلمه، إماماً كان أو غيره، على الأصحّ (4)، انتهى .

والحاكم في كلامه يعمّ الحاكم في زمن الغيبة لو لم ندّع الظهور فيه .

هذا تحقيق الحال في التنبيه على فتوى الأصحاب في المسألة الملتقطة من

ص: 199


1- منتهى المطلب ( ط . ق ) : ج 2، ص 995 .
2- انظر الشرائع : ج 1 ص 313 ؛ والمختصر النافع : 139 .
3- شرائع الإسلام : ج 4، ص 145 .
4- شرائع الإسلام : ج 4، ص 146 .

كلماتهم في موارد متشتّتة .

[مختار المصنّف قدس سره : جواز إقامة الحدود للفقهاء، لوجوه ]

و المختار عندي في المسألة هو : الجواز للفقيه الجامع لشرائط الفتوى، بل عدم جواز الإخلال عند التمكّن من الإقامة والأمن من مضرّة أهل الفساد، لوجوه :

[الوجه الأوّل : إطباق الأصحاب عليه ]

اشارة

الأوّل : إطباق الأصحاب على ذلك ظاهراً على ما عرفت ممّا فصّلناه من عدم ظهور الخلاف في المسألة، و لا نقله ناقل عدا ما ذكره جماعة من نسبة الخلاف إلى ابن إدريس .

و قد عرفت أنّ الداعي لتلك النسبة جمودهم على ما يوهمه بعض كلماته من غير تأمّل في صدر كلامه و لا ذيله، و لا ملاحظة كلماته في مباحث أخر، و نبّهنا على أنّ إصراره في هذا المطلب فوق إصرار أكثر المفتين بالجواز .

فنقول : إنّ القول بأنّ الفقيه الجامع للشرائط يتصدّى لإقامة الحدود ممّا أطبق عليه الأصحاب ظاهرًا، فيجب المصير إليه .

أمّا الصغرى فلما عرفت ممّا فصّلناه .

و أمّا الكبرى فلما أطبقت المشايخ العظام - قدّس اللَّه تعالى أرواحهم - على روايته .

ص: 200

[إطباق المشايخ الثلاث على رواية مقبولة عمر بن حنظلة ]

أمّا ثقة الإسلام ففي باب اختلاف الحديث من كتاب العقل والجهل من أصول الكافي (1)، و كذا في باب كراهة الارتفاع إلى قضاة الجور من كتاب القضاء من فروعه (2) عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة .

و أمّا شيخنا الصدوق ففي باب الاتّفاق على عدلين في الحكومة من أبواب القضايا والأحكام من الفقيه (3) بإسناده إلى داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة .

و أمّا شيخ الطائفة، ففي باب من إليه الحكم من كتاب القضايا والأحكام من أصل التهذيب (4)، بإسناده عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن محمّد بن عيسى .

و كذا في باب الزيادات في القضايا والأحكام من التهذيب (5)، بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا

ص: 201


1- انظر الكافي : ج 1، ص 67 ح 10 .
2- انظر الكافي : ج 7 ص 412 ح 5 ، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور .
3- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3، ص 8 ح 18 .
4- تهذيب الأحكام : ج 6، ص 218 ح 514 .
5- تهذيب الأحكام : ج 6، ص 301 و 302 ح 845 .

يكون بينهما منازعة في دَين أو ميراث، فيتحاكمان (1) إلى السلطان و إلى القضاة، أيحلّ ذلك ؟ قال : فقال عليه السلام : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتًا وإن كان حقًّا (2) ثابتًا له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللَّه أن يكفر به، قال اللَّه عزّوجلّ : « يُرِيدُونَ أَن يَتَحاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُواْ أَنْ يَكْفُرُواْ بِهِ » (3).

قال : قلت : فكيف يصنعان ؟ قال : ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكمًا، فإنّي قد جعلته عليكم حاكمًا، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه - كما في التهذيب، و في الكافي : فلم يقبله منه - فإنّما استخفّ بحكم اللَّه، و علينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على اللَّه، و هو على حدّ الشرك باللَّه .

قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلفا فيما حكما، و كلاهما اختلفا في حديثكم (4) ؟

قال : الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر .

ص: 202


1- في التهذيب والفقيه : فتحاكما .
2- في بعض النسخ : حقّه .
3- النساء : 60 .
4- في الفقيه : في حديثنا .

قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضّل واحد منهما (1) على صاحبه .

قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به، المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه (2) لا ريب فيه ؛ الحديث .

و صدر الحديث غير مذكور في الفقيه، بل مذكور فيه : « قال : قلت : في رجلين اختار كلّ واحد منهما رجلاً، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما »، إلى آخره .

[الكلام عن سند المقبولة ]

ينبغي أوّلاً نقل الكلام في سنده، ثمّ في دلالته، فنقول : قد عرفت أنّ شيخنا الصدوق رواه في الفقيه بإسناده عن داود بن الحصين، قال في المشيخة :

و ما رويته عن داود بن الحصين فقد رويته عن أبي و محمّد بن الحسن - رضي اللَّه عنهما - عن سعد بن عبداللَّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين، عن داود بن الحصين (3).

و لا كلام في هذه الطريقة إلّا من جهة الحكم بن مسكين، فإنّه لم يذكر في كتب

ص: 203


1- في الفقيه : ليس يتفاضل واحد .
2- في الفقيه : فإن المجمع عليه حكمنا .
3- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 466 .

الرجال بمدح، إلّا أنّ الظاهر من النجاشي أنّ له كتبًا (1)، فسند الكافي والتهذيب أحسن، فينبغي نقل الكلام في ذلك .

فنقول : لا اختلاف في سند الحديث في الكتابين، إلّا أنّ ثقة الإسلام رواه عن محمّد بن يحيى، و شيخ الطائفة رواه بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، وطريقه إليه صحيح .

و باقي رجال السند في الكتابين متّحد كما علمت ممّا ذكرناه، فالتكلّم في أحد السندين يغني عن التكلّم في الآخر، فنختار سند الكافي لعلوّه، فنقول : قد عرفت أنّه رواه عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة .

أمّا محمّد بن يحيى، فهو محمّد بن يحيى العطّار الّذي لا خلاف في وثاقته بين (2) علماء الرجال .

و أمّا محمّد بن الحسين، فهو محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الّذي وثّقه النجاشي و شيخ الطائفة والعلاّمة و غيرهم (3)، و أورده شيخ الطائفة في الرجال في أصحاب سادتنا الجواد والهاديّ والعسكريّ عليهم السلام (4).

ص: 204


1- انظر رجال النجاشي : ص 159، العدد 421 .
2- في نسخة : عند .
3- انظر رجال النجاشي : ص 334 الرقم 897 ؛ و رجال الطوسي : ص 379 الرقم 5615 ؛ والخلاصة: ص 240 الرقم 818 ؛ و منتهى المقال : ج 6 ص 27 الرقم 2583 .
4- رجال الطوسي : ص 379 الرقم 5615 ؛ و ص 391 الرقم 5771 .

و في رجال النجاشي :

أنّه مات سنة اثنين و ستّين و مائتين (1).

و أمّا صفوان، فهو و إن كان مطلقًا في سند التهذيب كما في باب كراهة الارتفاع إلى قضاة الجور من كتاب قضاء الكافي أيضاً، لكنّ المصرّح به في الباب المذكور من أصوله أنّه ابن يحيى .

و صفوان بن مهران و إن كان مشتركًا معه صفوان بن يحيى في الوثاقة والجلالة، إلّا أنّ ابن يحيى أوثق، لكونه من أصحاب الإجماع، فلا كلام في سند الحديث باعتبار هؤلاء الأجلّة المذكورة (2).

و إنّما الكلام في باقي رجاله، و هم : محمّد بن عيسى الّذي يروي عن صفوان، و داود بن الحصين الّذي يروي عنه صفوان، والراوي عن الإمام عليه السلام، أي : عمر بن حنظلة .

[بيان حال محمّد بن عيسى ]

فنقول : أمّا محمّد بن عيسى، فهو في المقام مشتركٌ بين الأشعريّ الّذي أنّه من أصحاب مولانا الرضا والجواد عليهما السلام، و بين اليقطينيّ الّذي هو من أصحاب مولانا

ص: 205


1- رجال النجاشي : ص 334، الرقم 897 .
2- كذا في النسخ، والصواب : المذكورين .

الرضا والجواد والهادي والعسكريّ عليهم السلام، لأنّ النجاشي والعلاّمة (1) ذكرا أنّه من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام ؛ و أورده شيخ الطائفة في رجاله في أصحاب مولانا الرضا والهادي والعسكريّ عليهم السلام (2)، و مع ذلك إيراده إيّاه في باب : « من لم يرو » (3) ليس على ما ينبغي .

فنقول : أمّا محمّد بن عيسى الأشعريّ، فإنّ النجاشي والعلاّمة و إن لم يصرّحا بتوثيقه، لكن ذكرا في ترجمته ما يغني عن التوثيق، فقالا :

إنّه شيخ القمّيّين و وجه الأشاعرة (4).

و شيخنا الشهيد الثاني والعلاّمة السميّ المجلسيّ صرّحا بتوثيقه ؛ أمّا شيخنا الشهيد الثاني ففي المسالك (5) في مسألة البهيمة الموطوءة و غيرها، و ستقف على عبارته ؛ و أمّا العلاّمة المجلسيّ ففي الوجيزة (6).

و أمّا محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين، فقد اختلفت مقالة العلماء في شأنه، فشيخنا الصدوق و شيخه ابن الوليد و شيخنا الطوسيّ والمحقّق الحلّي على تضعيفه، فحكى الصدوق عن شيخه أنّه قال :

ص: 206


1- انظر رجال النجاشي : ص 333، الرقم 896 ؛ و الخلاصة : ص 241 الرقم 821 .
2- انظر رجال الطوسي : 367 الرقم 5464 و ص 391 الرقم 5758 ؛ و ص 401 الرقم 5885.
3- انظر رجال الطوسي : ص 448 الرقم 6361 .
4- رجال النجاشي : ص 338، الرقم 590 ؛ خلاصة الاقوال : 257 الرقم 881 .
5- المسالك : ج 12 ص 31 .
6- الوجيزة : ص 101 .

ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه (1).

و قال شيخنا الطوسي في الفهرست :

محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ ضعيف، استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة، و قال : أنا لا أروي ما يختصّ بروايته، و قيل : إنّه كان يذهب مذهب الغلاة (2).

و قال في رجاله في باب من لم يرو :

محمّد بن عيسى اليقطيني ضعيف (3).

و في باب أصحاب مولانا الهادي عليه السلام :

محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، يونسي، ضعيف ( على قول القميّين ) (4).

و في باب أصحاب مولانا أبي محمّد العسكريّ عليه السلام :

محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ، بغداديّ، يونسيّ (5).

و قال في الاستبصار، في باب أنّه لا يجوز العقد على امرأة عقد عليها الأب أو

ص: 207


1- نقله عنه النجاشي : 333 الرقم 896 .
2- الفهرست : ص 402 الرقم 612 .
3- رجال الطوسي : ص 448 الرقم 6361 .
4- رجال الطوسي : ص 391 الرقم 5758 .
5- رجال الطوسي : ص 401 الرقم 5885 .

الإبن - في مقام الردّ على رواية ظاهرها توقّف حرمة العقد على الدخول - ما هذا كلامه :

على أنّ هذا الخبر مرسل منقطع، و طريقه محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، و هو ضعيف، و قد استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه رحمه الله من جملة الرجال الّذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة و قال : ما يختصّ بروايته لا أرويه، ثمّ قال : و من هذه صورته في الضعف لا يعترض بحديثه (1).

و قال المحقّق في مباحث الأغسال المسنونة من المعتبر، ما هذا لفظه :

و قال شاذّ منّا : غسل الإحرام واجب، و لعلّه استناد إلى ما رواه محمّد بن عيسى عن يونس - إلى أن قال : - و محمّد بن عيسى ضعيف (2).

و في مسألة الوضوء بماء الورد، بعد أن أورد الحديث الدالّ على جواز الوضوء والغسل بماء الورد، ما هذا لفظه :

والجواب : الطعن في السند، فإنّ سهلاً و محمّد بن عيسى ضعيفان، و ذكر ابن بابويه عن ابن الوليد أنّه لا يعتمد على حديث محمّد بن عيسى عن يونس (3).

ص: 208


1- الاستبصار : ج 3، ص 156 ح 568 .
2- المعتبر : ج 1، ص 358 .
3- المعتبر : ج 1، ص 81 .

و في مسألة جواز التوضّؤ قبل غسل مخرج البول :

فالجواب : الطعن في السند، فإنّ الراوي محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة ؛ و أحاديث محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس يمنع العمل بها ابن بابويه رحمه الله عن ابن الوليد (1).

و وافقهم شيخنا الشهيد الثاني، فقد صرّح في مواضع من المسالك بضعفه :

منها : في مباحث الأطعمة والأشربة في مسألة البهيمة الموطوءة بعد أن أورد الرواية المشتملة على القرعة فيها قال :

و بمضمون الرواية عمل الأصحاب، مع أنّها لا تخلو من ضعف و إرسال، لأنّ راويها محمّد بن عيسى عن الرجل، و محمّد بن عيسى مشترك بين الأشعريّ الثقة، واليقطينيّ، و هو ضعيف (2).

و منها : ما ذكره في كتاب القضاء في مسألة لزوم اليمين على المدّعى على الميّت بعد إقامة البيّنة، حيث قال :

ص: 209


1- المعتبر : ج 1، ص 125 .
2- مسالك الأفهام : ج 12، ص 31 .

مع أنّ في طريقها محمّد بن عيسى العبيديّ، و هو ضعيف على الأصحّ، انتهى (1).

و منها : ما ذكره في مسألة تبرّؤ الوالدين من جريرة ولده و ميراثه، حيث قال :

والروايتان مع شذوذهما (2) ضعيفتان، لجهالة يزيد في الأولى، وفي طريقها أيضاً محمّد بن عيسى، و هو ضعيف أو مشترك (3)، انتهى .

و مراده على ما يظهر ممّا حكينا عنه أنّ محمّد بن عيسى في ذلك السند إن كان هو اليقطينيّ و لم يكن محتملاً لغيره فهو ضعيف، و إن احتمل غيره يكون مشتركًا بين الأشعريّ الثقة و اليقطيني الضعيف .

و أيضاً ذكره في حاشيته على الخلاصة للعلاّمة بعد أن أورد الأخبار الدالّة على قدح زرارة المشتملة أسانيدها على محمّد بن عيسى ما هذا لفظه :

فقد ظهر اشتراك جميع الأخبار القادحة في إسنادها إلى محمّد بن عيسى، و هي قرينة عظيمة على ميل و انحراف منه على زرارة، مضافًا إلى ضعفه في نفسه .

و قد قال السيّد جمال الدين بن طاووس، و نعم ما قال : و لقد أكثر محمّد بن عيسى من القول في زرارة حتّى لو كان بمكان من العدالة كادت الظنون تسرع إليه بالتهمة، فكيف و هو مقدوح فيه ؟ (4).

والمختار وفاقًا للمحقّقين مقبوليّة روايته، بل وثاقته و عدالته، منهم : الفضل بن شاذان على ما حكاه تلميذه عليّ بن محمّد القتيبي عنه، كما حكاه الكشّي في

ص: 210


1- مسالك الأفهام : ج 13، ص 462 .
2- في المصدر زيادة : و مخالفة حكمهما للأصل، بل للكتاب والسنّة .
3- مسالك الأفهام : ج 13، ص 238 .
4- تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : ص 38 .

رجاله، حيث حكى عن عليّ بن محمّد القتيبي أنّه قال :

كان الفضل يحبّ العبيدي، و يثنى عليه، و يمدحه، و يميل إليه، و يقول : ليس في أقرانه مثله (1).

و منهم : الكشّي، قال في ترجمة محمّد بن سنان :

قد روى عنه الفضل، و أبوه و يونس، و محمّد بن عيسى العبيدي، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان (2)، و أيّوب بن نوح، و غيرهم من العدول والثقات من أهل العلم (3)، انتهى .

والمستفاد من هذا الكلام توثيق هؤلاء الأعلام الّذين منهم محمّد بن عيسى العبيديّ كما لا يخفى ؛ و لعلّه المراد ممّا ذكره المدقّق السميّ الداماد من قوله :

فقد وثّقه أبو عمرو الكشيّ (4).

و منهم : أبو العبّاس بن نوح، و هو أستاذ النجاشي، و ستقف على عبارته .

و منهم : النجاشي، قال في ترجمته :

أبو جعفر جليل من أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف،

ص: 211


1- اختيار معرفة الرجال : ج 2، ص 817، الرقم 1021 .
2- في المصدر زيادة : و ابنا دندان .
3- اختيار معرفة الرجال : ج 2، ص 796، العدد 979 .
4- انظر الرواشح السماويّة : ص 260 .

روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة و مشافهة - ثمّ ذكر ما حكاه الكشّي عن الفضل بن شاذان فقال : - بحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله (1).

و هو كما أفاد .

و منهم : العلاّمة، فإنّه صحّح طريق الصدوق إلى إسماعيل بن جابر، وإلى حنّان بن سدير، و إلى داود الصيرفي، و إلى عليّ بن ميسرة، و إلى ياسين الضرير (2).

و قد اشتمل الطريق في جميع ذلك على محمّد بن عيسى، قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن إسماعيل بن جابر، فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه عن عبداللَّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن إسمعيل بن جابر (3).

و قال :

و ما كان فيه عن حنّان بن سدير، فقد رويته عن أبي و محمّد بن الحسن - رضي اللَّه عنهما - عن سعد بن عبداللَّه و عبداللَّه بن جعفر الحميري جميعًا عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن حنّان (4).

ص: 212


1- رجال النجاشي : ص 333، الرقم 896 .
2- انظر خلاصة الأقوال : ص 437، 439 و 442 .
3- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 426 .
4- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 428 .

و له إليه طريقان آخران، أحدهما : اشتمل على إبراهيم بن هاشم، والآخر : اشتمل على عبدالصمد بن محمّد، و عبدالصمد بن محمّد غير مصرّح بالتوثيق، وإبراهيم بن هاشم معدود عندهم من الحسان، فيكون التصحيح مبنيًّا على توثيق محمّد بن عيسى، و هو المطلوب، فتأمّل .

و قال :

و ما كان فيه عن داود الصرمي، فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه، عن سعد بن عبداللَّه، و عليّ بن إبراهيم بن هاشم جميعًا عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن داود الصرمي (1).

و قال :

و ما كان فيه عن عليّ بن ميسرة، فقد رويته عن أبي رضى الله عنه، عن سعد بن عبداللَّه، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشا، عن عليّ بن ميسرة (2).

و قال :

و ما كان فيه عن ياسين الضرير، فقد رويته عن أبي و محمّد بن الحسن - رضي اللَّه عنهما قالا : حدّثنا سعد بن عبداللَّه، و عبداللَّه بن جعفر، عن

ص: 213


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 450 .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 501 .

محمّد بن عيسى، عن ياسين الضرير البصريّ (1).

و أيضاً أنّه كثيراً مّا صحّح الحديث في المنتهى والمختلف و قد اشتمل سنده على محمّد بن عيسى، من ذلك ما في مبحث القراءة قال :

و في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها (2).

و منه ما في مبحث سجود التلاوة، حيث قال :

لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل سمع السجدة تقرأ ؟ فقال : لا يسجد إلّا أن يكون منصتًا لقراءته (3).

و قال في الخلاصة :

والأقوى عندي قبول روايته (4).

و منهم : المحقّق المدقّق السميّ الداماد، قال :

ص: 214


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 516 .
2- منتهى المطلب : ج 5 ص 56 ؛ والحديث في الكافي : ج 3، ص 314 ح 9 ؛ والاستبصار : ج 1، ص 315 ح 1171 ؛ وتهذيب الأحكام : ج 2، ص 70 ح 256 .
3- مختلف الشيعة : ج 2 ص 184 ؛ والحديث في الكافي : ج 3، ص 318، ح 3 ؛ و تهذيب الأحكام : ج 2، ص 291 ح 1169 .
4- خلاصة الأقوال : ص 242 .

والأصحّ عندي أنّ محمّد بن عيسى العبيدي ثقة، صحيح الحديث (1).

و منهم : العلاّمة السميّ المجلسيّ، فإنّه أيضاً صرّح بتوثيقه في الوجيزة (2).

و هو الظاهر من والده العلاّمة المولى التقيّ المجلسيّ (3).

و كلمات الجارحين غير صالحة للمعارضة، أمّا كلام ابن الوليد، فلأنّ ما وصل منه إلينا كلامان، أحدهما : ما مرّ ممّا حكاه شيخنا الصدوق عنه من أنّه قال :

ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه (4).

و هذا الكلام غير صريح في تضعيف نفسه، بل و لا ظاهر فيه، بل الدلالة على خلافه أظهر، لوضوح أنّه لو كان المراد تضعيف نفسه لما وجه لاختصاص عدم الاعتماد بأحاديثه المأخوذة من كتب يونس، إذ الظاهر من هذا الكلام مقبوليّة روايته المأخوذة من غير كتب يونس، فالظاهر منه أنّ عدم الاعتماد من حديثه حينئذٍ ليس لأجل القدح في نفسه، بل لأمر آخر .

و قد صرّح بعض المحقّقين من المتأخّرين (5) بأنّ منشأه هو : أنّ ابن الوليد كان يعتقد أنّه يعتبر في الإجازة أن يقرأ على الشيخ، أو يقرأ الشيخ (6) و يكون السامع

ص: 215


1- إثنى عشر رسالة للمحقّق الداماد : ج 7، ص 49 ؛ وانظر الرواشح السماويّة : 176 و 260 .
2- الوجيزة : ص 311، العدد 1752، و فيه : محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين ثقة .
3- انظر روضة المتّقين : ج 14، ص 54 و 249 .
4- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 492، الرقم 2 .
5- هو الوحيد البهبهانيّ رحمه الله أستاذ المصنّف قدس سره، في تعليقته على منهج المقال : ص 313 .
6- في المصدر : أو يقرأ الشيخ عليه .

فاهمًا لما يرويه ؛ و كان لا يعتبر الإجازة المشهورة بأن يقول : « أجزت لك أن تروي عنّي » ؛ و كان محمّد بن عيسى صغير السنّ، و لا يعتمدون على فهمه عند القراءة، و على (1) إجازة يونس له .

و على فرض الإغماض عنه نقول : يكفي في هذا الباب ما ذكره النجاشي بعد حكايته، حيث قال :

و رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول و يقولون : مَن مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى (2).

و الكلام الثاني ما أورده في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى، من أنّ :

محمّد بن الحسن بن الوليد قد يستثنى من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن موسى الهمداني، أو ما رواه عن رجل، أو يقول بعض أصحابنا، أو عن محمّد بن يحيى المعادي (3)، أو عن أبي عبداللَّه الرازي - إلى أن قال : - أو عن محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع (4).

و هذا أيضاً لا يدلّ على الطعن في هذا الرجل، بناءً على أنّ نفس الرجل لو كان مطعونًا عنده فلا حاجة إلى التقييد بقوله : « بإسناد منقطع »، لوضوح أنّ الظاهر منه

ص: 216


1- في المصدر : و لا على .
2- رجال النجاشي : ص 333 ، الرقم 896 .
3- في المصدر : المعاذي .
4- رجال النجاشي : 348 الرقم 939 .

أنّه يقبل روايته عنه لو لم يكن بإسناد منقطع .

و حكى النجاشي عن شيخه أبي العبّاس بن نوح أنّه قال :

و قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه - رحمه اللَّه - على ذلك إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد، فلا أدري ما رابه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة، انتهى (1).

و قوله : « إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد » استثناءٌ من قوله : « وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه »، والمراد أنّ هذا الشيخ قد أصاب في استثناء رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عن هؤلاء إلّا في محمّد بن عيسى، فلا أدري ما رابه فيه، أي : لا أدري ما أدخله في الريب في حقّه، مع أنّ محمّد بن عيسى كان على ظاهر العدالة والثقة، فلا ينبغي أن يستثني روايته عنه .

فعلى هذا يكون « رابه » من باب راب يروب، أو يريب، كما في الحديث المشهور : « دع ما يريبك إلى ما لايريبك » (2)، أي : أترك ما فيه شكّ إلى ما لا شكّ فيه .

ص: 217


1- رجال النجاشي : ص 348، العدد 939 .
2- نقله الشيخ الحرّ في الوسائل : ج 18 ص 122 ح 38 ، عن جوامع الجامع للشيخ الطبرسي قدس سره ؛ و رواه العلاّمة المجلسيّ عن غوالي اللألي : ج 1 ص 394 ح 40 ؛ و ج 3 ص 330 ح 214، في أحاديث رواها الشهيد الأوّل، راجع البحار : ج 2 ص 259 ؛ و هكذا نقله السيّد المرتضى في الناصريّات في المسألة 38، و قال الطبرسي في « جوامع الجامع : ج 1 ص 13 » : و في الحديث : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ».

فقوله : « لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة » يكون توثيقًا له، فالموثّق لمحمّد بن عيسى الّذي كلامنا فيه هو : الفضل بن شاذان، والكشّي، و ابن نوح الّذي هو من مشايخ النجاشي و أستاذه، والعلاّمة، والمدقّق السميّ الداماد، والمجلسيّان، وغيرهم .

و قلّما يجتمع التوثيق من هؤلاء العظام لواحد كما لا يخفى، فلا تعويل على كلمات الجارحين، إذ الظاهر أنّ المنشأ في الجميع قول شيخنا ابن الوليد، و قد اتّضح ممّا بيّنا حاله .

فعلى هذا يمكن أن يقال : إنّ التعويل على محمّد بن عيسى العبيديّ أشدّ و أكثر من التعويل على محمّد بن عيسى الأشعريّ، كما لا يخفى وجهه .

و ممّا يدلّ على مدح هذا الرجل - مضافًا إلى ما سلف - ما رواه شيخ الطائفة في كتاب الطلاق، من التهذيب بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ قال : بعث إليّ أبوالحسن الرضا عليه السلام رزم (1) ثياب و غلمانًا، وحجّة لي، و حجّة لأخي موسى بن عبيد، و حجّة ليونس بن عبدالرحمن، فأمرنا أن نحجّ عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثًا فيما بيننا .

فلمّا أردت أن أعبي الثياب رأيت في أضعاف الثياب طينًا، فقلت للرسول : ما هذا ؟ فقال : ليس يوجّه بمتاع إلّا جعل فيه طينًا من قبر الحسين عليه السلام .

ثمّ قال الرسول : قال أبوالحسن عليه السلام : هو أمان بإذن اللَّه تعالى، و أمرنا بالمال

ص: 218


1- رِزَم جمع رزمة، والرِزْمة - بالكسر - من الثياب و غيرها : ما جمع و شدّ معًا .

بأمور من صلة أهل بيته و قوم محاويج لا يؤبه لهم، و أمر بدفع ثلاثة مائة دينار إلى رُحم (1) امرأة كانت له، و أمرني أن أطلّقها عنه، وأمتّعها بهذا المال، و أمرني أن أشهد على طلاقها صفوان بن يحيى، وآخر نسي محمّد بن عيسى اسمه (2).

ثمّ السند و إن انتهى إلى محمّد بن عيسى، لكن لمّا أثبتنا وثاقته لم يكن مضرّاً .

ثمّ لا يخفى أنّ دلالة الحديث على مدح هذا الرجل ممّا لا خفاء فيه، حيث انّ مدلوله أنّه عليه السلام فوّض إليه ثلاثة مناصب :

منها : استنابته عليه السلام في الحجّ عنه .

و منها : تفويض قسمة المال في المحاويج إليه .

و منها : تفويض أمر طلاق زوجته عليه السلام إليه .

كلّ واحد منها يكفي في الدلالة على المدح، فضلاً عن اجتماعها .

[بيان حال داود بن الحُصَين ]

و أمّا داود بن الحُصَين - بالحاء المهملة المضمومة والصاد المفتوحة كما في الإيضاح (3) - فقد وثّقه النجاشي فقال :

داود بن الحصين الأسديّ، مولاهم، كوفيّ، ثقة، روى عن أبي عبداللَّه

ص: 219


1- في الاستبصار : رُحيم .
2- تهذيب الأحكام : ج 8، ص 40 ح 121 ؛ الاستبصار : ج 3، ص 280 ح 992 .
3- إيضاح الاشتباه : ص 178 الرقم 267 .

وأبي الحسن عليهما السلام، و هو زوج خالة عليّ بن الحسن بن فضّال، كان يصحب أبا العبّاس البَقْباق (1).

و أورده شيخ الطائفة في الرجال في باب أصحاب مولانا الصادق عليه السلام مهملاً من غير تعرّض له بمدح و لا قدح (2)، لكن ذكره في أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام مع التصريح بوقفه، فقال :

داود بن الحصين واقفيّ (3).

و ذكره في الفهرست ساكتًا عن فساد مذهبه و صحّته، قال :

له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيّد عن ابن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر، عنه (4).

و أورده العلاّمة في باب المجروحين فقال :

والأقوى عندي التوقّف في روايته (5).

بعد أن حكى الحكم بالتوقّف عن شيخ الطائفة، والتوثيق عن النجاشي ؛ فما في تلخيص الرجال (6) من نقل التوثيق من الخلاصة أيضاً فغير مطابق للواقع .

ص: 220


1- رجال النجاشي : ص 159، الرقم 421 .
2- انظر رجال الطوسي : ص 190 الرقم 14 .
3- رجال الطوسي : ص 336، الرقم 5007 .
4- الفهرست : ص 124، الرقم 277 .
5- خلاصة الأقوال : ص 345 الرقم 1366 .
6- مخطوط، لم نعثر عليه .

والتحقيق أن يقال : إنّ حديثه معدود من الموثّقات، إذ الجمع بين كلامي النجاشي والشيخ اقتضى ذلك، بناءً على أنّ قوله : « ثقة » ظاهرة في صحّة العقيدة، و لفظ « واقفيّ » نصّ في فساد العقيدة ؛ و لا يصلح الظاهر لمعارضة النصّ، فتحمل الوثاقة على أنّ المراد منها الاحتراز عن الكذب.

إن قيل : إنّ ذلك إنّما يتّجه إذا كان كلّ من التوثيق والتنبيه على فساد العقيدة في كلام شخص واحد، و أمّا إذا كان أحدهما في كلام واحد والآخر في كلام آخر فلا، بل اللازم حينئذٍ الرجوع إلى الترجيح، لا الجمع بين الكلامين .

قلنا : إنّ التفرقة بين كون كلّ منهما في كلام شخص واحد و بين كونهما في كلام شخصين و إن كانت ممّا تتوهّم، لكنّها ليست على حدّ أوجب التخصيص، لوضوح أنّ دلالة « ثقة » على إرادة الموثّق كون الرجل إماميًّا ليست في قوّة دلالة « واقفيّ » على إرادة صاحبه فساد العقيدة، لكون لفظ « واقفيّ » نصّاً في ذلك، فإرادة صحّة العقيدة من لفظ « ثقة » ليست في حدّ إرادة فساد العقيدة من لفظ « واقفيّ »، لوضوح أنّ لفظ « واقفيّ » لم يستعمل في الإماميّ، بخلاف لفظة « ثقة »، فإنّ استعماله في غير الإماميّ من الأمور المسلّمة .

فالقدر المتيقّن من لفظ « ثقة » إرادة الموثّق عن الاجتناب عن الكذب، لكونه نصّاً في ذلك، فالمتيقّن منه إرادة هذا المعنى، فلابدّ من حمله عليه عند وجود المعارض كما فيما نحن فيه ؛ و أمّا عند انتفائه، فيحمل على المعنى الظاهر .

ثمّ على تقدير تسليم إرادة الموثّق ما هو الظاهر منه ؟

ص: 221

نقول : إنّ كلام الموثّق يرجع إلى عدم الوجدان، فلا يصلح له المعارضة من يدّعي الوجدان، لوضوح أنّ غاية ما يظهر من كلام الموثِّق بعد حمله على ما هو الظاهر منه أنّه يعتقد إماميّته، لعدم ظهور فساد عقيدته عليه، فالجارح يدّعي ظهور فساد عقيدته عليه، فتأمّل .

[بيان حال عمر بن حنظلة ]

و أمّا عمر بن حنظلة، فذكره شيخ الطائفة في رجاله في أصحاب مولانا الصادق عليه السلام (1).

و ذكر في تلخيص الرجال و نقد الرجال (2) عن الشيخ أنّه ذكره في أصحاب مولانا الباقر عليه السلام أيضًا .

و في نسختين من رجاله عندي لم يوجد إلّا في أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، لكن ستقف فيما نذكره عن بصائر الدرجات روايته عن مولانا الباقر عليه السلام (3)، و هو قرينة صدق لما في تلخيص المقال و نقد الرجال، و لم يذكره النجاشي و لا العلاّمة.

و شيخ الطائفة و إن ذكره، لكن لم يذكر ما يخرجه عن الجهالة، إلّا أنّ شيخنا

ص: 222


1- رجال الطوسيّ : ص 252 الرقم 3542 .
2- انظر منهج المقال : ص 249 ؛ و نقد الرجال : ج 3، ص 353 .
3- بصائر الدرجات : ص 210 ح 1 .

الشهيد الثاني وثّقه في شرح الدراية (1)، و نقل عن ولده المحقّق الشيخ حسن أنّه قال :

و من عجيب ما اتّفق لوالدي رحمه الله في هذا الباب أنّه قال في شرح بداية الدراية : إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بتعديل و لا جرح ؛ و لكنّه حقّق توثيقه من محلّ آخر، فإنّي وجدت بخطّه في بعض فوائده ما صورته : عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح و لا تعديل، و لكنّ الأقوى عندي أنّه ثقة، لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت : « إذن لا يكذب علينا » .

والحال بأنّ الحديث الّذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلّقه به في هذا الحكم مع ما علم من انفراده غريب، و لو لا الوقوف على الكلام الأخير لم يختلج في الخاطر أنّ الاعتماد في ذلك على هذه الحجّة، فتدبّر (2)، انتهى .

أقول : إنّ الحديث المذكور مرويّ في باب وقت صلاة الظهر والعصر من الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة، قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « إذن لا يكذب علينا ».

ص: 223


1- الرعاية فى علم الدراية : ج 2، ص 131 .
2- منتقى الجمان : ج 1، ص 19 .

قلت : ذكر أنّك قلت : « إنّ أوّل صلاة افترضها اللَّه تعالى على نبيّه صلى الله عليه وآله الظهر، وهو قول اللَّه عزّوجلّ : « أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدِلُوكِ الشَّمْسِ » (1)، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك (2).

ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة، و هو آخر الوقت، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر، فلم يزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين، و ذلك المساء، فقال : صدق (3).

و رواه أيضاً في الكافي، في باب وقت المغرب والعشاء الآخرة بالسند المذكور : عن يزيد بن خليفة قال : قلت : - إلى قوله : - « إذن لا يكذب علينا ». قلت : قال : وقت المغرب إذا غاب القرص إلّا أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان إذا جدّ به السير أخّر المغرب و يجمع بينها و بين العشاء، فقال : صدق (4).

أقول : إنّ الحكم بضعف السند المذكور إمّا باعتبار اشتماله على محمّد بن عيسى، و هو العبيديّ، فقد عرفت الجواب عنه و أنّه ممّن لا ينبغي التأمّل في وثاقته و يعلم وجهه ممّا فصّلناه، أو باعتبار راوي المذكور - أي : يزيد بن خليفة - فينبغي نقل الكلام في حاله .

ص: 224


1- الإسراء : 78 .
2- السُبحة بالضمّ : صلاة النافلة .
3- الكافي : ج 3، ص 275، ح 1 .
4- الكافي : ج 3، ص 279، ح 6، تتمّة الحديث هكذا : « و قال : وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل، و وقت الفجر حين يبدو حتّى يضي ء ».

في بيان حال يزيد بن خليفة

فنقول : قال الكشّيّ :

حدّثني حمدويه بن نصير قال : حدّثني محمّد بن عيسى ومحمّد بن مسعود، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن النضر بن سويد رفعه، قال : دخل على أبي عبداللَّه رجل يقال له : يزيد بن خليفة، فقال له : مَن أنت ؟ فقال : من بَلحارث بن كعب، قال : فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : ليس من أهل بيت إلّا وفيهم نجيب أو نجيبان وأنت نجيب بلحارث بن كعب (1).

قوله : « و محمّد بن مسعود » عطفٌ على : « حمدويه »، فيكون الطريق إلى نضر بن سويد اثنين، أحدهما : حمدويه عن محمّد بن عيسى - و هو العبيدي - عن النضر بن سويد، فالطريق إليه صحيح، و هو ثقة، لكنّه لايكفي لتصحيح الحديث، لكونه مرفوعًا، لكنّه لا ينافي حصول المظنّة، والمستفاد منه مدح ليزيد بن خليفة وإن لم يصل إلى حدّ التعديل والوثاقة، و لذا قال العلاّمة في الخلاصة :

و هذا الطريق غير متّصل، و مع ذلك فلا يوجب التعديل (2).

و قال النجاشي :

ص: 225


1- إختيار معرفة الرجال : ج 2، ص 626، الرقم 611 .
2- خلاصة الأقوال : ص 418 الرقم 1692 .

يزيد بن خليفة الحارثيّ روى عن أبي عبداللَّه عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة، أخبرنا محمّد بن محمّد قال : حدّثنا أبوالحسن بن داود قال : حدّثنا ابن عقدة، قال : حدّثنا حُمَيد بن زياد، قال : حدّثنا عبيداللَّه بن أحمد، عن عليّ بن الحسن، عن محمّد بن أبي حمزة، عن يزيد بكتابه (1).

و كونه ذا كتاب يدلّ على مدحه، لا سيّما بعد تعويل (2) جماعة من المعوّل عليهم - خصوصًا مثل : محمّد بن أبي حمزة الثقة - عليه، و يظهر من سؤاله في الحديث دقّته في أمر دينه .

و هنا شي ء، بيانه هو : أنّ محمّد بن أبي حمزة إنّما عدّوه من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، و قد عرفت أنّه الراوي عن يزيد بن خليفة الّذي أورده شيخ الطائفة في رجاله في أصحاب سيّدينا الصادق والكاظم عليهما السلام، لكنّه غير مضرّ، لكونهما من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، و كذا يروي محمّد بن أبي حمزة عنه .

و أمّا الرواية عن مولانا الكاظم عليه السلام فلمّا كانت مختصّة بيزيد بن خليفة أورده في أصحابه عليه السلام أيضاً (3) دون محمّد بن أبي حمزة .

نعم، ذكر شيخ الطائفة كالعلاّمة في الخلاصة أنّه واقفيّ (4)، و إن كان الظاهر من

ص: 226


1- رجال النجاشي : ص 452، الرقم 1224 .
2- في نسخة : بعد ملاحظة تعويل .
3- رجال الطوسي : ص 346 الرقم 5171 .
4- رجال الطوسي : ص 346 ؛ خلاصة الأقوال : ص 417 الرقم 1692 .

الكشّي والنجاشي صحّة عقيدته (1).

ثمّ على تقدير تسليم الضعف فيه نقول : إنّه غير مضرّ، لما علمت من أنّ في سند الحديث يونس، و هو يونس بن عبدالرحمن، والطريق إليه صحيح، و هو من أصحاب الإجماع، فلا يضرّ ضعف مَن تقدّم عليه، لكنّه مبنيّ على التحقيق من وثاقة محمّد بن عيسى العبيدي، فلا ينفع، بالإضافة إلى شيخنا الشهيد الثاني، لإصراره في تضعيفه، على ما عرفت ممّا حكيناه عنه .

هذا كلّه في الكلام في سند الحديث .

و أمّا دلالته على المدح فغير خفيّة، و إن أبيت الدلالة على العدالة نقول : إنّ ثمرة التجشّم في إثبات العدالة إنّما هي تحصيل الظنّ بصدقه، فحيث أخبر عليه السلام أنّه لا يكذب، يكفي ذلك في قبول خبره كما لا يخفى، مضافًا إلى إخباره عليه السلام في موضعين بأنّه صدق، فيستفاد منه مدح لعمر بن حنظلة، و إن كان كلامه الأوّل - وهو قوله عليه السلام : « إذن لا يكذب علينا » - في الدلالة على المدح أقوى .

[الروايات الّتي تدلّ على مدح عمر بن حنظلة ]

و ممّا يدلّ على مدحه أيضاً : الصحيح المرويّ في باب العمل في ليلة الجمعة : عن فضالة، عن أبان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن عمر بن حنظلة، قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : القنوت يوم الجمعة ؟ فقال : أنت رسولي إليهم في هذا، إذا صلّيتم في

ص: 227


1- انظر رجال الكشّي : ص 334 الرقم 611 ؛ و رجال النجاشي : ص 452 الرقم 1224 .

جماعة ففي الركعة الأولى، و إذا صلّيتم وحدانًا ففي الركعة الثانية (1).

و ممّا يدلّ على مدحه أيضاً : ما رواه شيخنا الثقة الأقدم في بصائر الدرجات في الموثّق - كالصحيح - عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة، فقال : قلت لأبي جعفر عليه السلام إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال : أجل، قال : قلت : فإنّ لي إليك حاجة، قال : و ما هي ؟ قلت : تعلّمني الإسم الأعظم ؛ قال : و تطيقه ؟ قلت: نعم، قال : فادخل البيت، قال : فدخلت البيت فوضع أبو جعفر يده على الأرض فأظلم البيت، فأرعدت فرائص عمر، فقال : ما تقول، أعلّمك ؟! فقال : لا، قال : فرفع يده، فرجع البيت كما كان (2).

و ممّا يدلّ على مدحه أيضاً : ما روى في روضة الكافي : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يا عمر لا تحملوا على شيعتنا، وارفقوا بهم، فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون (3).

و لعلّ المعنى : لا تحملوا العامّة بإظهار ما لا ينبغي إظهاره على أذيّة شيعتنا .

فقد اتّضح من جميع ما ذكر أنّه لو لم نقل بصحّة حديث عمر بن حنظلة، فلا ينبغي التأمّل في كونه من الحسان .

ص: 228


1- الكافي : ج 3، ص 427 ح 3 ؛ تهذيب الأحكام : ج 3، ص 16 ح 57 ؛ الاستبصار : ج 1، ص 417 ح 1601 .
2- بصائر الدرجات : ص 230، ح 1 .
3- الكافي : ج 8، ص 275، ح 522 .

مضافًا إلى ما عرفت من أنّ السند في الحديث الّذي كلامنا فيه اشتمل على صفوان بن يحيى، و هو من أصحاب الإجماع، والطريق إليه صحيح، فالحديث موثّق كالصحيح .

[الكلام في دلالة مقبولة عمر بن حنظلة ]

و حيث انتهى الكلام في سند الحديث، فلنعد إلى دلالته، فنقول : إنّ إقدام الفقيه لإقامة الحدود في زمن الغيبة ممّا لم يظهر فيه مخالف من الأصحاب، بل يمكن أن يقال : إنّه ممّا أطبق عليه الأصحاب ظاهرًا، فيجب المصير إليه .

أمّا الصغرى : فلما فصّلنا ؛ و أمّا الكبرى : فلقوله عليه السلام في الموثّق كالصحيح السالف : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » بعد قوله عليه السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه من أصحابك » كما في الكافي (1)، و « أصحابك » من دون كلمة « من » كما في الفقيه والتهذيب (2).

فعلى ما في الكافي يكون المجمع عليه بصيغة اسم المفعول، و على ما في الفقيه والتهذيب يكون بصيغة اسم الفاعل، و هو أظهر .

والتقدير : الّذي أجمع عليه أصحابك فيؤخذ به عن حكمنا، و يترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك .

ص: 229


1- الكافي : ج 1، ص 68 ح 10 .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3، ص 6 ح 18 ؛ التهذيب : ج 6، ص 302 ح 845 .

و لا يخفى أنّ المناسب أن يقال : فيؤخذ حكمنا منه، لكنّ المذكور في كلّ من الكتب الثلاثة كما ذكرناه .

و يمكن توجيهه من وجوه :

منها : أن تكون كلمة « من » فيه للتعليل كما في قوله تعالى : « مِمَّا خَطِيْئاتِهِمْ أُغْرِقُواْ » (1)، والمعنى فيما نحن فيه : فيؤخذ به لأجل استفادة حكمنا .

و منها : أن تكون بمعنى « عند » كما في قوله تعالى : « لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلآ أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا » (2)، والمعنى : فيؤخذ به عند إظهار حكمنا واستفادته .

و منها : أن تكون بمعنى « في » كما في قوله تعالى : « إِذَا نُودِىَ لِلصَّلوةِ مِن يَّوْمِ الجُمُعَةِ » (3)، والمعنى : فيؤخذ به في مقام استفادة حكمنا .

[المراد من : « المجمع عليه » و إثبات حجّيّته ]

وجه الدلالة هو : أنّ المجمع عليه في قوله عليه السلام : « المجمع عليه أصحابك » أعمّ من أن يكون الإجماع في الرواية، أو العمل، أو كليهما، فيشمل الجميع، فالمراد أنّه حين الاختلاف يؤخذ بالرواية المجمع عليها، سواء كان الإجماع في العمل بها، أو في روايتها، أو كليهما .

ص: 230


1- نوح : 25 .
2- آل عمران : 10 .
3- الجمعة : 9 .

و قوله عليه السلام : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » تعليلٌ للأخذ بذلك، فمقتضاه جواز الأخذ بكلّ المجمع عليه و لو لم تظهر الرواية الّتي عليها الإجماع، كما لايخفى على المتأمّل، لوضوح أنّ التعليل بذلك إنّما يحسن إذا كان المجمع عليه حجّة مطلقًا، فالمستفاد منه حجّيّة الرواية الّتي أجمع الأصحاب على روايتها، أو العمل بها، أو على كلّ من روايتها والعمل بها، و كذا حجّيّة الإجماع مطلقًا و لو لم يحصل منه العلم بقول المعصوم عليه السلام و لم يظهر مستنده، لما نبّهنا من أنّ التعليل بذلك إنّما يحسن على هذا التقدير، سيّما بعد وضع المظهر مقام المضمر .

و لا ينافيه قوله عليه السلام : « و يترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك »، لوضوح صدقه على ما خالف الإجماع، فلا يصلح لصرف السابق عن ظاهره، كما لا يخفى وجهه على من دقّق النظر في ذلك، والقرينة الصارفة لا تكون إلّا عند المعاندة .

والحاصل : أنّ هذا القول كما يصحّ الإتيان به عند ظهور المخالف يصحّ الإتيان به عند عدم ظهوره، بل عند ظهور عدمه، فلا يصحّ التمسّك به في صرف المجمع عليه عن ظاهره، لا سيّما بعد كونه معلّلاً بقوله عليه السلام : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ».

قال المحقّق في المعتبر في بحث منزوحات البئر ما هذا لفظه :

ثمّ هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملاً ظاهرًا، و قبول الخبر بين الأصحاب مع عدم الرادّ له يخرجه إلى كونه حجّة، فلا يعتدّ إذن بمخالف فيه، و لو عدل إلى غيره لكان عدولاً عن المجمع على الطهارة

ص: 231

به إلى الشاذّ الّذي ليس بمشهور، و هو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمّن لقوله عليه السلام : « خذ ما اجتمع عليه أصحابك واترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور » (1) .

و مثله في الدلالة على المرام، بل أقوى منه من وجه، ما روي في كتاب الاحتجاج حيث قال :

و روي عنهم عليهم السلام أيضاً أنّهم قالوا : « إذا اختلفت أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنّه لا ريب فيه » (2).

و كلمة « ما » في قوله عليه السلام للموصول، والمراد به إمّا خصوص الأحاديث المختلفة أو الأعمّ ؛ والظاهر الثاني، إذ العبرة بعموم اللفظ، والمراد أنّه عند اختلاف الأحاديث لابدّ من الأخذ بما اجتمعت عليه الشيعة، سواء كان المجمع عليه من جملة الأحاديث المختلفة أم لا، فمقتضاه الأخذ بالمجمع عليه و إن لم يظهر المستند فيه .

ثمّ إنّ مفهوم الشرط و إن اقتضى عدم لزوم الأخذ بما اجتمعت عليه الشيعة عند انتفاء الاختلاف في الأحاديث، لكنّه مدفوع بانتفاء القول بالفرق .

بقي الكلام هنا في شي ء آخر، و هو أنّ لزوم الأخذ بالمجمع عليه هل يختصّ بما إذا كان اتّفاق الأصحاب في شي ء مقطوعًا به، أو لا، بل يثبت ولو كان مظنونًا،

ص: 232


1- المعتبر : ج 1، ص 62 .
2- الاحتجاج : ج 2، ص 109 .

بمعنى أنّه بعد الفحص التامّ والبحث البليغ لم يظهر لنا مخالف، فحينئذٍ يكون إطباقهم مظنونًا بالظنّ القويّ ؟

الظاهر هو الثاني، لوضوح أنّ القطع بانتفاء المخالف من الشيعة نادر، بل الغالب الشائع هو الظنّ بالإجماع والاتّفاق، فينصرف إليه قوله عليه السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه من أصحابك »، سيّما بعد فرض تحقّق الخلاف من الحاكمين في الحديث.

أو نقول : إنّ احتمال وجود المخالف مدفوعٌ بالأصل، سيّما بعد كونه مظنون العدم، فيصدق عليه أنّه ممّا أجمع عليه الأصحاب شرعًا، لاقتضاء الدليل الشرعيّ أنّه كذلك، فيكون واجب الأخذ، لقوله عليه السلام : « فيؤخذ به من حكمنا »، و هو المطلوب .

و يمكن التمسّك أيضاً في إثبات حجّية مثل هذا الإجماع - الّذي يحصل منه الظنّ بقول المعصوم و رضائه - بالنصوص المستفيضة المقتضية لذلك :

منها : الصحيح المرويّ في باب العلّة الّتي من أجلها لا تخلو الأرض من حجّة، من العلل : عن صفوان بن يحيى و عبداللَّه بن المغيرة، عن عبداللَّه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ اللَّه لا يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال : خذوه كاملاً، و لو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم، و لم يفرق بين الحقّ

ص: 233

والباطل (1).

و منها : الصحيح المرويّ في الباب المذكور، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : إنّ الأرض لا تخلو إلّا و فيها عالم، كلّما زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إن نقصوا شيئاً تمّمه لهم (2).

و منها : الصحيح المرويّ في الباب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها من يعلم الزيادة والنقصان، فإذا جاء المسلمون بزيادة طرحها، و إذا جاؤوا بالنقصان أكمله لهم، فلو لا ذلك اختلط على المسلمين أمورهم (3).

و منها : ما رواه في الباب أيضاً، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ اللَّه لم يدع الأرض إلّا و فيها عالم يعلم الزيادة والنقصان من دين اللَّه عزّوجلّ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله، و لو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم (4).

و منها : الحسن المرويّ في الباب أيضاً، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : ما ترك اللَّه الأرض بغير عالم ينقص ما زاد

ص: 234


1- علل الشرائع : ج 1، ص 196، ح 4 .
2- علل الشرائع : ج 1، ص 199، ح 23 .
3- علل الشرائع : ج 1، ص 199، ح 24 .
4- علل الشرائع : ج 1، ص 200، ح 27 .

الناس، و يزيد ما نقصوا (1).

و منها : ما رواه في الباب أيضاً، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : إنّ الأرض لن تخلو إلّا و فيها عالم، كلّما زاد المؤمنون شيئًا ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم (2).

و منها : الصحيح المروي في باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، من أصول الكافي، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس و سعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إن نقصوا شيئًا أتمّه لهم (3).

وجه الدلالة مع ظهورها هو : أنّ المراد من الردّ من الزيادة و الإتمام بعد النقصان هو : أنّه لو اتّفق إطباقهم على الباطل ردعهم الإمام عليه السلام إلى الحقّ.

والنصوص المذكورة مع اعتبار سندها و استفاضتها دالّة عليه، فالمستفاد منها هو : أنّ ما وقع إطباق المؤمنين عليه يكون ذلك حقًّا، فيجب المصير إليه .

والفرق بين هذا الإجماع والإجماع الكاشف عن قول المعصوم و رضائه - أي : المفيد للقطع بذلك - هو : أنّ هذا قطعيّ و ذلك ظنّيّ، لعدم بلوغ النصوص المذكورة إلى حدّ التواتر المفيد للقطع بالصدور أو المعنى، و إن ادّعى فيها التواتر .

ص: 235


1- علل الشرائع : ج 1، ص 201، ح 32 ؛ و للحديث تتمّة، و هي : و لو لا ذلك لاختلط على الناس أمورهم .
2- علل الشرائع : ج 1، ص 200، ح 28 .
3- الكافي : ج 1، ص 178، ح 2 .

[الوجه الثاني من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : رواية حفص بن غياث ]

اشارة

والثاني من الوجوه المذكورة : خصوص النصّ الوارد في المسألة، و هو الّذي رواه شيخنا الصدوق في باب نوادر الحدود، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام : من يقيم الحدود، السلطان أو القاضي ؟ فقال [ عليه السلام ] : إقامة الحدود إلى مَن إليه الحكم (1).

و رواه شيخ الطائفة في موضعين من التهذيب، أحدهما : في باب الزيادات في القضاء والأحكام، بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن عليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام قلت : من يقيم الحدود، السلطان أو القاضى ؟ فقال : إقامة الحدود إلى من إليه الحكم (2).

والثاني : في آخر باب الزيادات من كتاب الحدود، بإسناده عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام : مَن يقيم الحدود، السلطان أو القاضي ؟ قال : إقامة الحدود إلى من إليه الحكم (3).

ص: 236


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71، ح 5135 .
2- تهذيب الأحكام : ج 6، ص 314، ح 871 .
3- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 155، ح 621 .
[الكلام عن سند الحديث ]

ينبغي نقل الكلام في سنده، ثمّ في دلالته، فنقول : قال شيخنا الصدوق في المشيخة :

و ما كان فيه عن سليمان بن داود المنقري فقد رويته عن أبي - رضي اللَّه عنه - عن سعد بن عبداللَّه، عن القاسم بن محمّد الاصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري المعروف بابن الشاذكونيّ (1).

[بيان حال والد الصدوق ]

أمّا والد الصدوق، فهو عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، قال النجاشي :

شيخ القميّين في عصره، و متقدّمهم و فقيههم و ثقتهم (2)، واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح عليهم السلام، و سأله مسائل، ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد عليّ بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب عليه السلام و يسأله فيها الولد، فكتب إليه : « قد دعونا اللَّه لك بذلك، و سترزق ولدين ذكرين خيّرين »، فولد له أبو جعفر و أبو عبداللَّه من أمّ ولد .

ص: 237


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 467 .
2- في المصدر هنا زيادة : كان قدم العراق .

و كان أبو عبداللَّه الحسين بن عبداللَّه يقول : سمعت أبا جعفر يقول : أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر عليه السلام، و يفتخر بذلك .

- إلى أن قال : - أخبرنا أبوالحسين (1) العبّاس بن عمر بن العبّاس بن محمّد بن عبدالملك بن أبي مروان الكِلْوَذانِيّ - رحمه اللَّه - قال: أخذت إجازة عليّ بن الحسين بن بابويه لمّا قدم بغداد سنة ثمان و عشرين وثلاثمائة بجميع كتبه .

و مات عليّ بن الحسين سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة، و هي السنة الّتي تناثرت فيه النجوم .

و قال جماعة من أصحابنا : سمعنا أصحابنا يقولون : كنّا عند أبي الحسين (2) عليّ بن محمّد السمريّ - رحمه اللَّه - فقال : « رحم اللَّه عليّ بن الحسين بن بابويه »، فقيل له : « هو حيّ »، فقال : « إنّه مات في يومنا » . فكتب اليوم، فجاء الخبر بأنّه مات فيه (3).

انتهى كلام النجاشي .

و لا يخفى عليك أنّ ما ذكره رحمه الله من تأريخ وفات هذا الشيخ الجليل القدر مخالفٌ لما يظهر من ولده الجليل شيخنا الصدوق في كمال الدين، قال :

ص: 238


1- في المصدر : أبوالحسن .
2- في المصدر : أبي الحسن .
3- رجال النجاشي : ص 261، الرقم 684 .

حدّثنا أبو الحسين صالح بن شعيب الطالقاني - رضي اللَّه عنه - في ذي القعدة سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة قال : حدّثنا أبو عبداللَّه أحمد بن إبراهيم بن مخلّد قال : حضرت بغداد عند المشايخ - رضي اللَّه عنهم - فقال الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري - قدّس اللَّه روحه - ابتداءً منه : « رحم اللَّه عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ ». قال: فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنّه توفّي ذلك اليوم، و مضى أبو الحسن السمريّ - رضي اللَّه عنه - بعد ذلك في النصف من شعبان سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة (1)، انتهى .

فعلى هذا تكون وفاة عليّ بن الحسين إمّا في سنة سبع و عشرين أو ثمان وعشرين و ثلاثمائة، لا تسع و عشرين، كما لا يخفى على المتأمّل، لكنّ التعويل على ما ذكره النجاشي، لكونه أضبط ؛ و ما في كمال الدين ليس بمعوّل عليه .

ثمّ أقول : إنّ التأريخ المذكور فيما حكاه النجاشي لقدوم هذا الشيخ الجليل ببغداد - أي : سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة - الظاهر أنّه إشارة إلى ما ذكره قبله، حيث قال :

واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح - رحمه اللَّه - و سأله مسائل (2)، إلى آخره .

والظاهر منه و ممّا ذكره في تأريخ وفاته أنّ قدومه ببغداد كان قبل وفاته بسنة، لكن لا يخفى ما فيه، إذ اللازم منه و ممّا ذكره النجاشي :

ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد عليّ بن جعفر » (3) إلى آخره .

ص: 239


1- كمال الدين و تمام النعمة : ص 503، ح 32 .
2- رجال النجاشي : ص 261، الرقم 684 .
3- رجال النجاشي : ص 261، الرقم 684 .

أن يكون ولادة ولديه اللذين أحدهما شيخنا الصدوق في تلك السنة، و هو غير ملائم لما يظهر في موارد من كلماته في الفقيه، حيث قال :

قال والدي في رسالته إليّ (1).

لوضوح أنّ الظاهر منه أنّه كان في حال حياة والده على حدّ يليق أن يرسل إليه رسالة .

مضافًا إلى أنّ الظاهر من العبارة السالفة أنّ الولدين كانا من أمّ ولد واحدة، فعند كون ولادتهما في سنة لا يمكن إلّا أن ولدا توأمًا، و لم يحضرني من صرّح بذلك .

و أيضاً انّ كتب الصدوق مشحونة بالرواية عن والده من غير واسطة (2)، إلّا أن يقال : إنّ الاجتماع المدلول عليه بكلام النجاشي كان قبل ما دلّ عليه الكلام الّذي حكاه عن أبي الحسن العبّاس بن عمر بن العبّاس .

ثمّ لا يخفى أنّ ما حكاه النجاشي عن جماعة من أصحابنا من أنّهم قالوا : « سمعنا أصحابنا يقولون : كنّا عند أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ » إلى آخره،

ص: 240


1- الفقيه : ج 3 ص 39 .
2- انظر المقنع : ص 43 و 112 .

في محلّه، لأنّ ولادة النجاشي - على ما ذكره في الخلاصة (1) - في سنة اثنتين وسبعين و ثلاثمائة، فتكون المدّة المتخلّلة بين وفاة عليّ بن الحسين بن موسى وتولّد النجاشي ثلاثًا و أربعين سنة، فلا بُعْد لحكايته عن جماعة من أصحابه .

لكن صدور مثل هذا الكلام عن العلاّمة - قدّس اللَّه تعالى روحه - حيث قال :

و قال جماعة من أصحابنا : سمعنا أصحابنا يقولون : كنّا عند أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ - رحمه اللَّه - فقال : رحم اللَّه عليّ بن الحسين بن بابويه، فقيل له : هو حيّ، فقال : إنّه مات في يومنا هذا، فكتب اليوم، فجاء الخبر بأنّه مات فيه (2).

لا يخفى ما فيه، لأنّه - نوّر اللَّه تعالى روحه - على ما ذكره في الخلاصة :

ولد في تاسع عشر شهر رمضان سنة ثمان و أربعين و ستّمائة (3).

فلا يمكن حكاية الحكاية على النحو المذكور في كلامه كما لا يخفى، فكأنّه كان في نظره التصريح باسم النجاشي، فذهل عن قلمه .

[بيان حال سعد بن عبداللَّه ]

و أمّا سعد بن عبداللَّه، فجلالة قدره أظهر من أن ينبّه عليه .

ص: 241


1- خلاصة الأقوال : ص 72 الرقم 118 .
2- خلاصة الأقوال : ص 178 الرقم 531 .
3- خلاصة الأقوال : ص 113 الرقم 274 .
[بيان حال القاسم بن محمّد الأصفهاني ]

و أمّا القاسم بن محمّد الأصفهانيّ، فقد قال النجاشي : إنّه لم يكن بالمرضيّ، حيث قال :

القاسم بن محمّد القمّيّ، يعرف بكاسولا، لم يكن بالمرضيّ، له كتاب النوادر، أخبرنا ابن نوح قال : حدّثنا الحسن بن حمزة قال : حدّثنا ابن بُطَّة قال : حدّثنا البرقي عن القاسم (1).

و هو و إن ذكره في القمّي، لكنّ الظاهر أنّ الموصوف في كلام الصدوق بالأصفهاني و الموصوف في كلام النجاشي بالقميّ واحد، لأنّه لم يذكر في رجال النجاشي و رجال الشيخ و فهرسته والخلاصة إلّا في عنوان واحد (2).

و لأنّ شيخ الطائفة في الفهرست بعد أن عنون الموصوف بالأصفهانيّ قال : إنّه يعرف بكاسولا، حيث قال :

القاسم بن محمّد الأصفهانيّ، المعروف بكاسولا (3).

و قد عرفت من كلام النجاشي أنّه قال في القمّيّ : إنّه يعرف بكاسولا ؛ و هو

ص: 242


1- رجال النجاشي : ص 315، الرقم 863 .
2- انظر رجال النجاشي : ص 315 الرقم 863 ؛ و رجال الطوسيّ : ص 490 الرقم 7 ؛ والفهرست : ص 127 الرقم 565 ؛ والخلاصة : ص 389 الرقم 1562 .
3- الفهرست : ص 202، الرقم 576 .

الظاهر من طريقهما إليه أيضاً، و طريق النجاشي إليه فقد سمعته .

قال في الفهرست في ترجمة القاسم بن محمّد الأصفهانيّ :

له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبداللَّه، عن القاسم بن محمّد (1).

و قد عرفت من طريق النجاشي أنّ ابن بطّة روى عن البرقي عن القاسم بن محمّد، والبرقيّ هو أحمد بن أبي عبداللَّه المذكور في طريق النجاشي، فالموصوف بالقمّي والأصفهاني واحد، فلعلّ أحدهما باعتبار المولد، والآخر باعتبار المسكن.

فعلى هذا يكون القاسم بن محمّد الأصفهانيّ المذكور في مشيخة الصدوق (2) والفهرست متّحدًا مع القاسم بن محمّد القمّي المذكور في كلام النجاشي .

و أمّا حاله فقد سمعت من النجاشي أنّه قال : « لم يكن بالمرضيّ » ؛ و مثله صنع العلاّمة في ترجمته مع ذكره إيّاه في القسم الثاني، و حكايته عن ابن الغضائريّ أنّه قال : « حديثه يعرف تارةً و ينكر أخرى، و يجوز أن يخرج شاهدًا » (3).

و ذكره ابن داود أيضاً في القسم الثاني مع حكايته عن ابن الغضائريّ غلوّه (4) ؛ ولم يحكه العلاّمة عنه في الخلاصة مع حكايته عنه ما سمعته .

ص: 243


1- الفهرست : ص 202، الرقم 576 .
2- الفقيه : ج 4 ص 65 .
3- خلاصة الأقوال : ص 389، الرقم 1562 .
4- رجال ابن داود : ص 267، الرقم 402 .

والحقّ أن يقال : إنّ شيئاً ممّا ذكر ليس بصريح في تضعيف الرجل، أمّا كلام النجاشي فلوضوح عدم كونه مرضيّاً يستدعي عدم إمكان الحكم بعدالته، و لا يلزم منه الحكم بفسقه .

و أمّا كلام ابن الغضائريّ فغير مفتقر إلى البيان .

و أمّا نسبة الغلوّ إليه كما صدرت من ابن داود، فلم تظهر صحّتها، سيّما بعد ما علمت من انتفائها في كلام العلاّمة .

و أمّا ذكرهما إيّاه في القسم الثاني، فلأنّ القدر المتيقّن من ذلك توقّفهما في قبول روايته، لا الحكم بضعفه .

مضافًا إلى أنّهما صحّحا طريق الصدوق إلى سليمان بن داود، و قد عرفت اشتماله عليه .

قال في الخلاصة في مقام بيان حال طرقه :

و عن معاوية بن شريح صحيح، و كذا عن سليمان بن داود المنقري (1).

و قال ابن داود :

و أمّا الصحيح ممّا يتعلّق بالشيخ أبي جعفر بن بابويه رحمه الله فيما رواه عن كردويه ؛ - إلى أن قال : - و معاوية بن شريح، و سليمان بن داود المنقري الشاذكوني (2).

ص: 244


1- خلاصة الأقوال : ص 440 .
2- رجال ابن داود : ص 309 .

و هذا التصحيح و إن لم يكن ملائمًا لذكرهما إيّاه في القسم الثاني، لكن لمّا كان التصحيح في آخر الكتاب يمكن أن يطّلعا حين كتابة آخر الكتاب من حاله ما لم يكونا مطّلعين عليه فيما قبل .

و لعلّه لذلك خصّ جماعة من علمائنا الأعلام الطعن في الحديث الوارد في درك صلاة الجمعة عند مزاحمة الناس، بسبب اشتماله على حفص بن غياث، مع اشتمال سنده على القاسم بن محمّد المذكور أيضاً .

منهم : ابن إدريس، قال في موضع من السرائر ما هذا لفظه :

والّذي ذكره في مسائل الخلاف رواية حفص بن غياث القاضي، و هو عامّيّ المذهب (1).

و منهم : المحقّق، قال في المعتبر في مباحث صلاة الجمعة في زمن الغيبة :

حفص بن غياث عامّيّ (2).

و منهم : شيخنا الشهيد، قال في الذكرى - استضعافًا للرواية المشار إليها - :

فإنّ حفصًا عامّيّ، تولّى القضاء من قبل الرشيد بشرقي (3) بغداد، ثمّ بالكوفة (4).

ص: 245


1- السرائر : ج 1، ص 300 .
2- المعتبر : ج 2، ص 298 .
3- في المصدر : بشرق .
4- الذكرى : ج 4 ص 127 .

و أوضح منه في الدلالة على المرام كلامه في البيان، حيث قال في مقام الردّ على الرواية المذكورة ما هذا لفظه :

لكن في الطريق حفص، فالبطلان متّجه (1).

و منهم : العلاّمة، قال في المنتهى :

و ما ذكره في الخلاف فهو تعويل على رواية حفص، و هو ضعيف (2).

و منهم : المحقّق الثاني، قال في جامع المقاصد - مشيراً إلى الرواية المذكورة - :

و في المستند ضعف، فإنّ حفصًا هذا عامّيّ (3).

و منهم : الفاضل المقداد، قال في التنقيح :

قال في المبسوط بالحذف لرواية حفص بن غياث، و هي ضعيفة لضعفه (4).

و يمكن أن يقال : إنّه يمكن أن يكون ذلك من جهة عدم ملاحظة غيره من رواة الحديث، لا أن يكون غيره من رواة غير مطعون عندهم، بل الظاهر ذلك .

ص: 246


1- البيان : ص 107 .
2- منتهى المطلب : ج 5 ، ص 445 .
3- جامع المقاصد : ج 2، ص 430 .
4- التنقيح الرائع : ج 1، ص 232 .

و الرواية المشار إليها مرويّة في كلّ من الكافي والفقيه والتهذيب (1)، والسند في الجميع مشتمل على القاسم بن محمّد الّذي كلامنا فيه، وينتهي إلى حفص بن غياث .

روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن حفص بن غياث .

لكنّ الإنصاف مع ذلك كلّه أنّ التعويل عليه مشكل، و قد صرّح المحقّق الأسترآبادي في بيان حال طريق الصدوق بضعفه مرارًا (2)، و وافقه العلاّمة السميّ المجلسيّ في الوجيزة (3).

[بيان حال سليمان بن داود المنقري ]

و أمّا سليمان بن داود، فنقول : قال النجاشي :

سليمان بن داود المنقري، أبو أيوّب الشاذكوني، بصريّ، ليس بالمتحقّق بنا، غير أنّه روى عن جماعة من أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّد عليهما السلام، و كان ثقة، له كتاب، أخبرنا (4) عدّة من أصحابنا عن محمّد

ص: 247


1- الكافي : ج 3 ص 429 ح 9 ؛ الفقيه : ج 1 ص 270 ح 1235 ؛ التهذيب : ج 3 ص 21 ح 78.
2- انظر منهج المقال : ص 407 و ما بعدها .
3- انظر الوجيزة : ص 83 .
4- في المصدر : أخبرناه .

بن وهبان بن محمّد، قال : حدّثنا أبوالقاسم عليّ بن محمّد بن كثير بن حَمُّوية العسكريّ الصوفي قال : حدّثنا أبو عبدالرحمن محمّد بن أحمد الزعفرانيّ، عن القاسم بن محمّد عنه به (1).

و ما ذكره من قوله : « أبو أيّوب الشاذكوني » مخالفٌ لما سلف من مشيخة الفقيه من قوله : « المعروف بابن الشاذكوني » (2).

ثمّ إنّ ما حكاه العلاّمة - قدّس اللَّه تعالى روحه - عن النجاشي من أنّه قال :

ليس بالمتحقّق بنا، غير أنّه يروي عن جماعة من أصحابنا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، و كان ثقة (3).

غير مطابق لما فيه، لما عرفت من أنّ المذكور فيه : « من أصحاب جعفر بن محمّد عليهما السلام »، فما في نقد الرجال حيث قال :

و نقل العلاّمة قدس سره عن النجاشي : أنّه من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، و فيه أنّه من أصحاب جعفر بن محمّد عليهما السلام (4).

فغير مطابق لا لما في النجاشي و لا لما في الخلاصة، لما عرفت من أنّ الموجود في النجاشي : « أنّه يروي عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّد عليهما السلام »، لا أنّه من أصحابه .

ص: 248


1- رجال النجاشي : ص 184، الرقم 488 .
2- الفقيه : ج 4، ص 65 .
3- خلاصة الأقوال : ص 352 الرقم 1388 .
4- نقد الرجال : ج 2، ص 361 .

و منه يظهر الحال في الحكاية عن الخلاصة .

إن قيل : يمكن أن يكون الوجه فيما حكاه في النقد جعل « في أصحابنا » في كلام النجاشي خبراً آخر، لأنّ قوله (1) : « انّه يروي » - بناءً على أنّ ما يذكر في ترجمة شخص - الظاهر أنّه من أحواله .

قلنا : إنّه مخالف للظاهر جدّاً، مضافًا إلى أنّ رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمّد عليهما السلام إمّا بواسطة كما فيما نحن فيه و أمثاله، أو بواسطتين كما يظهر ممّا رواه شيخ الطائفة في باب كيفيّة الصلاة من زيادات التهذيب، بإسناده إلى محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن النعمان بن عبدالسلام، عن أبي حنيفة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام (2).

و أمّا روايته عنه عليه السلام بلا واسطة فلا يحضرني الآن، و بُعده غير خفيّ على أولي الأبصار ؛ و لذا ترى أنّ شيخ الطائفة لم يذكره في رجاله من أصحابه عليه السلام، فتأمّل .

ثمّ إنّ العلاّمة وابن داود أورداه في القسم الثاني من كتابيهما المقصود لبيان حال المجروحين أو المتوقّف عليهم، و حكيا عن ابن الغضائريّ تضعيفه، ففي الخلاصة :

قال ابن الغضائريّ : إنّه ضعيف جدّاً، لا يلتفت إليه، يوضع كثيرًا على المهمّات (3).

ص: 249


1- في بعض النسخ : لأنّ في قوله .
2- تهذيب الأحكام : ج 2، ص 317، ح 1295 .
3- خلاصة الأقوال : ص 352، الرقم 1388 .

كما صرّح بضعفه المحقّق الأسترآبادي والعلاّمة السميّ المجلسيّ .

قال في منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال :

و طريق الصدوق إلى سليمان بن داود المنقريّ ضعيف بقاسم بن محمّد الاصفهانيّ، و سليمان ضعيف أيضاً (1).

و في الوجيزة :

سليمان بن داود المنقري ضعيف (2).

لكنّ الظاهر من شيخ الطائفة تعويله عليه، قال في الفهرست :

سليمان بن داود المنقري، له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عنه . و أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه و محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبداللَّه والحميريّ و محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عنه (3).

و اعتماد هؤلاء الأجلّة العظام على كتابه دليل على الاعتماد على مصنّفه، مضافًا إلى التوثيق الّذي علمته من النجاشي، فالحقّ أنّ حديثه ليس أقلّ رتبة من الأحاديث الموثّقة .

ص: 250


1- منهج المقال : ص 173 .
2- الوجيزة : ص 221، العدد 843 .
3- الفهرست : ص 138، الرقم 326 .
[بيان حال حفص بن غياث ]

و أمّا حفص بن غياث، فقد حكم الكشيّ و شيخ الطائفة في الرجال والفهرست أنّه عاميّ (1) ؛ و وافقهما على ذلك كثير من العلماء كابن إدريس و المحقّق والعلاّمة و شيخنا الشهيد و غيرهم ممّن سمعت عباراتهم (2).

لكنّ الظاهر من النجاشي عدم تسليم عامّيّته، لعدم التنبيه عليه في ترجمته (3).

كما هو الظاهر ممّا رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي في باب فضل حامل القرآن : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول لرجل : أتحبّ البقاء في الدنيا ؟ فقال : نعم، قال : و لِمَ ؟ قال : لقراءة « قل هو اللَّه أحد » .

فسكت عنه، فقال لي بعد ساعة : يا حفص ! مَن مات من أوليائنا وشيعتنا و لم يحسن القرآن علّم في قبره ليرفع اللَّه به من درجته، فإنّ درجات الجنّة على قدر آيات القرآن، يقال له : إقرأ وارق، فيقرأ ثمّ يرقى .

قال حفص : فما رأيت أحدًا أشدّ خوفًا على نفسه من موسى بن جعفر عليهما السلام، و لا

ص: 251


1- انظر رجال الكشّي : ص 390 الرقم 733 ؛ و رجال الطوسي : ص 118 الرقم 50 ؛ والفهرست : ص 158 الرقم 242 .
2- انظر السرائر : ج 1 ص 300 ؛ والمعتبر : ج 2 ص 298 ؛ والخلاصة : ص 340 الرقم 1349 ؛ وذكرى الشيعة : ج 4 ص 127 ؛ و جامع المقاصد : ج 2 ص 430 .
3- انظر رجال النجاشي : ص 134 الرقم 346 .

أرجى الناس منه، و كانت قراءته حزنًا، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانًا (1).

و أظهر منه في الدلالة على تشيّعه ما روي في روضة الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا، و ما عليك إن لم يثن الناس عليك، و ما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت محموداً عند اللَّه تبارك و تعالى .

إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول : لا خير (2) إلّا لأحد رجلين : رجل يزداد فيها كلّ يوم إحسانًا، ورجل يتدارك منيّته بالتوبة ؛ و أنّى له بالتوبة، فواللَّه أن لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل اللَّه عزّوجلّ منه عملاً إلّا بولايتنا أهل البيت ؛ ألا و من عرف حقّنا، و رجا الثواب بنا، و رضي بقوته نصف مدّ كلّ يوم، و ما يستر به عورته، و ما أكنّ به رأسه، و هم مع ذلك واللَّه خائفون وجلون ودّوا أنّه حظّهم من الدنيا (3)، و كذلك وصفهم اللَّه عزّوجلّ حيث يقول : « وَالَّذِيْنَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » (4) ما الّذي أتوا به ؟ أتوا واللَّه بالطاعة مع المحبّة والولاية، و هم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم، و ليس واللَّه خوفهم خوف شكّ فيما هم فيه من

ص: 252


1- الكافي : ج 2، ص 606، ح 10 .
2- في المصدر زيادة : في الدنيا .
3- أي : هم راضون بما قدّر لهم من التقيّة في الدنيا و لا يريدون أكثر من ذلك حذراً من أن يصير سبباً لطغيانهم .
4- المؤمنون : 60 .

إصابة الدين، و لكنّهم خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا و طاعتنا .

ثمّ قال : إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل، فإنّ عليك في خروجك أن لاتغتاب، و لا تكذب، و لا تحسد، و لا ترائي، و لا تتصنّع، و لا تداهن .

ثمّ قال : نعم، صومعة المسلم بيته، يكفّ فيه بصره و لسانه و نفسه وفرجه، إنّ من عرف نعمة اللَّه بقلبه استوجب المزيد من اللَّه عزّوجلّ قبل أن يظهر شكرها على لسانه، و من ذهب يرى أنّ له على الآخر فضلاً فهو من المستكبرين .

فقلت له : إنّما يرى أنّ له عليه فضلاً بالعافية إذا رآه مرتكبًا للمعاصي، فقال : هيهات هيهات، فلعلّه أن يكون قد غفر له ما أتى، و أنت موقوف محاسب، أما تلوت قصّة سحرة موسى عليه السلام.

ثمّ قال : كم من مغرور بما قد أنعم اللَّه عليه، و كم من مستدرج يستر اللَّه عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه .

ثمّ قال : إنّي لأرجو النجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة إلّا لأحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر، و صاحب هوى، والفاسق المعلن، ثمّ تلا : « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » (1).

ثمّ قال : يا حفص ! الحبّ أفضل من الخوف، ثمّ قال : واللَّه ما أحبّ اللَّه من أحبّ الدنيا و والى غيرنا، و من عرف حقّنا و أحبّنا فقد أحبّ اللَّه تبارك اللَّه وتعالى.

ص: 253


1- آل عمران : 31 .

فبكى رجل، فقال : أتبكي، لو أنّ أهل السماوات والأرض كلّهم اجتمعوا يتضرّعون إلى اللَّه عزّوجلّ أن ينجيك من النار و يدخلك الجنّة لم يشفعوا فيك (1).

ثمّ قال : يا حفص كن ذنبًا و لا تكن رأسًا، يا حفص قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من خاف اللَّه كلّ لسانه .

ثمّ قال : بينا موسى بن عمران عليه السلام يعظ أصحابه إذ قام رجل فشقّ قميصه، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه : يا موسى ! قل له : لا تشقّ قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك .

ثمّ قال : مرّ موسى بن عمران عليه السلام برجل من أصحابه و هو ساجد، فانصرف من حاجته و هو ساجد على حاله، فقال له موسى عليه السلام : لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه : يا موسى ! لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبلته حتّى يتحوّل عمّا أكره (2) إلى ما أحبّ (3).

و لا يخفى أنّ هذين الحديثين و غيرهما ممّا رواه حفص ينافي الحكم بعاميّته كما لا يخفى ؛ و لعلّ الداعي للحكم بذلك كونه ممّن تولّى القضاء من قبل الرشيد، لكن لا يخفى ما فيه .

و قد ادّعى شيخ الطائفة إجماع الطائفة على العمل بروايته، و قال في الفهرست:

ص: 254


1- في المصدر زيادة : ثمّ كان لك قلب حيّ لكنت أخوف الناس للَّه عزّوجلّ في تلك الحال .
2- في المصدر : أكرهه .
3- الكافي : ج 8، ص 128، ح 98 .

« له كتاب معتمد » (1).

فالحديث المذكور مقبول سنداً، سيّما بعد روايته في الفقيه و موضع من التهذيب عن سليمان بن داود (2)، فلا يضرّ ضعف القاسم بن محمّد في الطريق، لكون الحديث مأخوذاً من كتاب سليمان، و ذكر الطريق لاتّصال السند .

فالحديث مقبول سنداً، سيّما بعد اعتضاده بعمل الأصحاب و تلقّيهم إيّاه بالقبول، فلا ينبغي القدح في سند الحديث .

[الكلام في دلالة حديث حفص بن غياث ]

و أمّا دلالته فهي من فرط الظهور كالنور في ليلة الديجور، فنقول : إنّ الفقيه ممّن إليه الحكم، فليسوغ له إقامة الحدود .

أمّا الصغرى فلقوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة السالفة : « أنظروا إلى رجل منكم نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فارضوا به حكمًا، فإنّي قد جعلته عليكم حاكمًا » (3).

و أمّا الكبرى فلقوله عليه السلام في الحديث الّذي كلامنا فيه : « إقامة الحدود إلى مَن

ص: 255


1- الفهرست : ص 116 .
2- انظر الفقيه : ج 1 ص 270 ح 1235 ؛ والتهذيب : ج 3 ص 21 ح 78 .
3- الكافي : ج 1، ص 67، ح 10 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6، ص 301 ، ح 845 .

إليه الحكم » (1).

[الوجه الثالث من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : صحيح ابن ميثم ]

والثالث : الصحيح المرويّ في الكافي والتهذيب : عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم، عن أبيه قال : أتت امرأة محجّ (2) أميرالمؤمنين عليه السلام فقالت : يا أميرالمؤمنين ! إنّي زنيت فطهّرني طهّرك اللَّه، فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الّذي لا ينقطع .

- إلى أن قال عليه السلام : - اللهمّ إنّه قد ثبت لك عليها أربع شهادات، و إنّك قد قلت لنبيّك صلى الله عليه وآله فيما أخبرته به من دينك : يا محمّد ! مَن عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني، و طلب بذلك مضادّتي، اللهمّ فإنّي غير معطّل حدودك، و لا طالب مضادّتك، و لا مضيّع لأحكامك، بل مطيع لك، و متّبع سنّة نبيّك (3).

ص: 256


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71 ، ح 5135 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6 ص 314 ح 871 و ج 10، ص 155، ح 621 .
2- كما في المحاسن والتهذيب ؛ و في الكافي : مجحّ ؛ و في النهاية : المجحّ - بتقديم المعجمة على المهملتين - : الحامل المقرب الّتي دنا ولادُها ( النهاية في غريب الحديث : ج 1 ص 240 ).
3- الكافي : ج 7، ص 185 ح 1 ؛ تهذيب الأحكام : ج 10، ص 9 ح 23 .

و هو مرويّ في محاسن البرقي عن أبيه، عن عليّ بن أبي حمزة إلى آخر السند (1) ؛ و مرويّ في الفقيه أيضاً لكن مرسلاً (2).

فنقول : إنّ تعطيل الحدود عبارة عن عدم الإتيان بها عند وجود أسبابها للمتمكّن من الإتيان بها، فمقتضى الحديث - مع اعتبار سنده بل كمال قوّته - أنّه معاندة باللَّه تعالى، فيكون معصية، بل من أعظم المعاصي، فيكون إقامتها واجبة للمتمكّن منها مطلقًا ولو كان فقيهًا، و هو المطلوب .

ثمّ لا يخفى أنّ الحديث المذكور مرويّ في كلّ من الكافي والتهذيب بسند آخر أيضاً ؛ قال في الكافي بعد أن أورد الحديث بتمامه بسند المذكور ما هذا كلامه :

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن خلف بن حمّاد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : جاءت امرأة حامل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، فقالت له : إنّي فعلت فطهّرني (3).

ثمّ ذكر نحوه .

و مثله في التهذيب، لكن رواه بإسناده إلى أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن خالد بن حمّاد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام (4)، فذكر مثل ما في الكافي .

ص: 257


1- المحاسن : ج 2، ص 309 ح 23 .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 32 ح 5018 .
3- الكافي : ج 7 ص 188 ذيل الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام : ج 10، ص 11 ح 24 .

[الوجه الرابع من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : النصوص المستفيضة لذلك بعنوان العامّ ]

والرابع : النصوص المستفيضة المقتضية لذلك بعنوان العموم .

منها : الموثّق المرويّ في الكافي عن حنّان بن سدير، عن أبيه قال : قال أبو جعفر عليه السلام : حدٌّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة و أيّامها (1).

و منها : ما رواه عن السكوني، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إقامة حدّ خيرٌ من مطر أربعين صباحًا (2).

و منها : ما رواه فيه أيضاً عن عبدالرّحمن بن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « يُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » (3)، قال : ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث اللَّه رجالاً فيحيون العدل، فتحيى الأرض لإحياء العدل، و لَإقامة الحدّ للَّه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحًا (4).

ص: 258


1- الكافي : ج 7، ص 174، ح 1 .
2- الكافي : ج 7، ص 174، ح 3 .
3- الروم : 19 .
4- الكافي : ج 7، ص 174، ح 2 .

[الوجه الخامس : من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : النصوص المعتبرة الواردة في موارد خاصّة ]

اشارة

والخامس : النصوص المعتبرة الواردة في موارد خاصّة .

منها : الصحيح المرويّ فيه أيضاً عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن بريد العجليّ قال : سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها، فقال : يقتل محصنًا كان أو غير محصن (1).

و منها : الصحيح المرويّ فيه عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل غصب امرأة نفسها، قال : قال : يضرب ضربة بالسيف بالغة (2) منه ما بلغت (3).

و منها : الصحيح المرويّ فيه أيضاً عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام في رجل غصب امرأة نفسها، قال : يقتل (4).

و منها : الصحيح المرويّ فيه أيضاً عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش (5).

ص: 259


1- الكافي : ج 7، ص 189، ح 1 .
2- في المصدر : بلغت .
3- الكافي : ج 7، ص 189، ح 2 .
4- الكافي : ج 7، ص 189، ح 3 .
5- الكافي : ج 7، ص 189، ح 4 .

و منها : الصحيح المرويّ فيه أيضاً عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يغصب المرأة نفسها، قال : يقتل (1).

و منها : الموثّق - كالصحيح - المرويّ فيه أيضاً عن ابن بكير، عن رجل قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : الرجل يأتي ذات محرم، قال : يضرب ضربة بالسيف، قال ابن بكير : حدّثني حريز، عن بكير بذلك (2).

كذا في الكافي .

و منها : ما رواه فيه عن عبداللَّه بن بكير، عن أبيه قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَن أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف، أخذت منه ما أخذت (3).

و أمّا الصحيح المرويّ فيه أيضاً عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب قال : سمعت بكير بن أعين يروي عن أحدهما عليهما السلام قال : مَن زنى بذات محرم حتّى يواقعها ضرب ضربة بالسيف، أخذت منه ما أخذت، و إن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف، أخذت منها ما أخذت ؛ قيل له : فمن يضربهما و ليس لهما خصم ؟ قال : ذاك إلى الإمام إذا رفعا إليه (4).

فغير مناف لما نحن بصدده، لأنّ المراد من الإمام هنا ما يعمّ نائبه بقرينة ما تقدّم .

ص: 260


1- الكافي : ج 7، ص 189، ح 5 .
2- الكافي : ج 7، ص 190، ح 4 .
3- الكافي : ج 7، ص 190، ح 6 .
4- الكافي : ج 7، ص 190، ح 1 .

و منها : الصحيح المرويّ فيه أيضاً عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن امرأة تزوّجت رجلاً و لها زوج، قال : فقال : إن كان زوجها الأوّل مقيمًا معها في المصر الّذي هي فيه تصل إليه ويصل إليها، فإنّ عليها ما على الزاني المحصن الرجم، قال : و إن كان زوجها الأوّل غائبًا عنها أو كان مقيمًا معها في المصر لا يصل إليها و لا تصل إليه، فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة، و لا لعان بينهما .

قلت : من يرجمها أو يضربها الحدّ و زوجها لا يقدّمها إلى الإمام، و لا يريد ذلك منها ؟ [ قال ] (1) فقال : إنّ الحدّ لا يزال للَّه في بدنها حتّى يقوم به من قام، أو تلقى اللَّه و هو عليها غضبان .

قلت : فإن كانت جاهلة بما صنعت ؟ قال : فقال : أليس هي في دار الهجرة ؟ قلت : بلى، قال : فما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تتزوّج زوجين .

قال : و لو أنّ المرأة إذا فجرت قالت : لم أدر أو جهلت أنّ الّذي فعلت حرام، ولم يقم عليها الحدّ إذن لتعطّلت الحدود (2).

وجه الدلالة هو : أنّ الموصول في قوله : « حتّى يقوم به من قام » يشمل غير الإمام أيضاً كما لا يخفى .

ص: 261


1- ما بين المعقوفين من المصدر .
2- الكافي : ج 7، ص 192، ح 1 .

و أيضاً مقتضى التعليل في قوله عليه السلام : « إذن لتعطّلت الحدود » العموم، لأنّا نقول: لو لم يجز إقامة الحدود في زمن الغيبة إذن لتعطّلت الحدود .

ثمّ نقول : إنّ الداعي الظاهر لتقرير الحدود من الشارع الحكيم إنّما هو لحفظ ناموس الشريعة، و وقاية الناس عن الإقدام بأسبابها الموجبة لهلاكة النفوس واختلال النظام، و مقتضاه الإقدام بالحدود الموجبة للاجتناب عن أسبابها في كلّ زمان، كما لا يخفى على أولي التأمّل والأحلام .

[الاستدلال لإثبات المرام بجملة من آيات الكتاب ]

ثمّ أقول : يمكن الاستدلال لإثبات المرام بجملة من آيات الكتاب :

منها : قوله تعالى في سورة المائدة : « إِنَّمَا جَزاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَيَسْعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادَاً أَنْ يُّقَتَّلُوْا أَوْ يُصَلَّبُوْا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِم وَ أَرْجُلِهِم مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِي الدُّنْيَا وَ لَهُمْ فِي الأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيْمٍ ٌ » (1).

ص: 262


1- المائدة : 33 .
[بحثٌ في الخطابات القرآنيّة ]

اعلم : أنّ آيات الكتاب على أقسام، بعضها ممّا لا ينبغي التأمّل في اختصاصه بالموجودين في عصره - صلوات اللَّه و سلامه عليه - كقوله تعالى : « يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَيكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ » (1).

و قوله تعالى : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لا تَرْفَعُواْ أَصْوَتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَ لا تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » (2).

و قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ » (3) .

و قوله تعالى : « وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيْكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيْعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ » (4).

و قوله تعالى : « لا تَجْعَلُواْ دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ » (5).

ص: 263


1- المجادلة : 12 .
2- الحجرات : 2 .
3- الحجرات : 3 .
4- الحجرات : 7 .
5- النور : 63 .

و غيرها ممّا ضاهاها .

و بعضها ممّا لا ينبغي التأمّل في شموله للمعدومين أيضاً، كقوله تعالى : « وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا » (1).

[ و قوله : ] « و لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا » (2).

[ و قوله : ] « وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنِّ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاءَخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلَاحًا وَ لَهُنَّ مِثْلُ ألَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ » (3).

و قوله تعالى : « وَالْوَلِدتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » (4).

و قوله تعالى : « وَ أُوْلَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا » (5).

[ و قوله : ] « وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ » (6).

ص: 264


1- الإسراء : 33 .
2- آل عمران : 97 .
3- البقرة : 228 .
4- البقرة : 233 .
5- الطلاق : 4 .
6- الطلاق : 3 .

و قوله تعالى : « الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَلَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَ عَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (1).

و قوله تعالى : « الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَواْ لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَنُ مِنَ الْمَسِّ » (2)، الآية .

و قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ وَ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (3).

و غيرها ممّا شابهها .

والظاهر أنّ هذين الصنفين ممّا لا معنى للخلاف فيه .

والقسم الثالث هو : ما اشتمل على النداء، أو كاف الخطاب، أو تائه، و لم يكن فيه ما يوجب الاختصاص إلّا اشتماله على الخطاب، كقوله تعالى : « يَاءَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُواْ وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيْهِ مَيْتًا » (4).

و قوله تعالى : « إِنْ تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَ إِنْ تُخْفُوهَا وَ تُؤْتُوهَا الفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ » (5).

ص: 265


1- البقرة : 274 .
2- البقرة : 275 .
3- البقرة : 277 .
4- الحجرات : 12 .
5- البقرة : 271 .

و قوله تعالى : « يَاءَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالعَدْلِ » (1) .

و قوله تعالى : « يَاءَيُّهَا الَّذِيْنَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ » (2).

و قوله تعالى : « يَاءَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنْ جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاءٍ فَتَبَيَّنُواْ أَنْ تُصِيْبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَدِمِيْنَ » (3).

و غير ما ذكر من الآيات الكثيرة المضاهية لما ذكر .

و هذا القسم ممّا اختلف فيه، و ستقف على تحقيق الحال في ذلك .

إذا علم ذلك نقول : إنّ الآية المذكورة - و هو قوله تعالى : « إِنَّمَا جَزَاؤُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ » (4) إلى آخره من القسم الثاني، فالمستفاد منه أنّ جزاء تلك الفرقة الخاسرة ما ذكر في أىّ زمان ؛ و مقتضاه أن يكون المتصدّي لإقامة ذلك الجزاء عليهم هو العالم به .

و إن أردت أن تنكشف عليك حقيقة الحال فتأمّل فيما أبيّن لك من المثال، فنقول : نظير ذلك نظير سلطان (5) يكتب في دفتر : انّ جزاء من ارتكب تلك

ص: 266


1- البقرة : 282 .
2- البقرة : 278 .
3- الحجرات : 6 .
4- المائدة : 33 .
5- في بعض النسخ : انّ ذلك نظير سلطان .

الفاحشة من الرعيّة ذلك الأمر، و أرسل بتوسّط حاكم منصوب منه إليهم، ثمّ يموت الحاكم فيما بينهم و لم يبلغ أيدي الرعيّة إلى ذلك السلطان، لكن يبقى ذلك الدفتر فيما بينهم، والعقل يقضي بحسن قيام العالم بكيفيّة ذلك الجزاء على مَن ارتكب تلك الفاحشة، لا سيّما بعد ملاحظة أنّ الداعي لوضع ذلك الجزاء صونًا للناس عن الهلاك، و حفظًا للنظام بين العباد .

فلو أقام بذلك الجزاء العالم به واتّفق أن السلطان بعد مرور الأزمان ألقى إليه السؤال : لِمَ فعلت ذلك ؟ و ذكر في مقام الجواب : بأنّ الموجود في الدفتر الّذي أرسلت إلينا أنّ جزاء هؤلاء الفرقة الخاسرة ذلك، و لم يكن فيه أنّ المقيم فيه لابدّ أن يكون شخصًا معيّنًا، و تأمّلنا فوجدنا الإخلال ممّا فيه مظنّة المؤاخذة، فلذلك أقمنا ذلك، و علم السلطان صدقه من قلوبهم، فلا شبهة في حسن الجواب و قبح المؤاخذة، كما لايخفى على ذي فطنة و دراية .

[الخطابات القرآنيّة هل هي مختصّة بالموجودين في زمن الخطاب، أو تشمل المعدومين أيضًا ؟ ]

و من الآيات المشار إليها قوله تعالى : « وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا » (1) ؛ و « الزَّانِيَةُوَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ » (2).

ص: 267


1- المائدة : 38 .
2- النور : 2 .

اعلم : أنّ هاتين الآيتين من القسم الّذي وقع الخلاف فيه بين أئمّة الأصول في اختصاصه بالموجودين في زمن الخطاب، أو لا ؟

تنقيح المقام يستدعي أن يقال : إنّ مراد القائلين بالاختصاص ما هو، أَهو الموجودين حين نزول الوحي، كما هو المدلول عليه بجملة من عباراتهم، قال العلاّمة في تهذيب الأصول :

الخطاب بالصيغة الدالّة على المخاطبة مثل : « يا أيّها الناس » خاصّ بالموجودين في عصره صلى الله عليه وآله (1).

أو هو الموجودون في بلد الوحي، أو في مجلسه ؟

[بحثٌ في كيفيّة نزول القرآن ]

ثمّ نقول : إنّ جملة من الآيات القرآنيّة والنصوص الواردة من العترة الطاهرة دالّةٌ على نزول القرآن بجملته في ليلة القدر، أو في شهر رمضان كقوله تعالى : « حم * وَالْكِتَابِ المُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ » (2).

ص: 268


1- تهذيب الأصول : ص 38 .
2- الدخان : 1 - 3 .

و قوله تعالى : « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ » (1) .

و قوله تعالى : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنَ » (2).

و روي في الكافي في باب ليلة القدر من كتاب الصوم : عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : نزلت التوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في إثني عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، و نزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، و نزل القرآن في ليلة القدر (3).

و روي أيضاً في الصحيح عن الفضيل و زرارة و محمّد بن مسلم، عن حمران أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ » (4)، قال : نعم، ليلة القدر، و هي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر (5).

و روي في باب النوادر من كتاب فضل القرآن منه أيضاً : عن حفص بن غياث، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنَ » و إنّما أنزل القرآن في عشرين سنة بين أوّله و آخره، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل

ص: 269


1- القدر : 1 .
2- البقرة : 185 .
3- الكافي : ج 4، ص 157، ح 5 .
4- الدخان : 3 .
5- الكافي : ج 4، ص 157، ح 6 .

في طول عشرين سنة (1).

و في تفسير الثقة الجليل عليّ إبراهيم في تفسير « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ » :

يعني القرآن « فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ » هي ليلة القدر، أنزل اللَّه القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة (2).

ثمّ إنّ المقالات الصادرة من علماء الأصول إنّما تناسب حين نزول الآيات على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، و أمّا قبله من حين النزول إلى البيت المعمور إلى النزول إليه صلى الله عليه وآله فلا، كما لا يخفى .

تحقيق المقام يستدعي أن يقال : إنّ الخطابات المذكورة لها ظاهر عند الكتابة والارتسام في شي ء، كما أنّ لها ظاهرًا عند التلفّظ و إلقائها إلى المخاطب .

أمّا الأوّل : فلا اختصاص له بالموجودين في زمن الكتابة، بل يشمل كلّ مَن كان متّصفًا بالصفة المدلول عليها بذلك الكلام ممّن علم المتكلّم اتّصافه بها بالفعل أو فيما بعد، و لا توقّف له بالمشافهة والاستماع ضمن إرادة المتكلّم منها، فها أنا أصوّر لك مثالاً يوصلك إلى حقيقة الحال .

فنقول : استوضح المرام بسلطان يقرّر دستور الرعايا و يثبته في دفتر، و أفرض صورة الكتابة هكذا : يا أهل أصفهان - مثلاً - أوجبت عليكم أن تفعلوا بكذا،

ص: 270


1- الكافي : ج 2، ص 628، ح 6 .
2- تفسير القمّي : ج 2، ص 290 .

وتنتهوا عن كذا ؛ و لا شبهة في صحّة ذلك و استقامته، فيكون المراد : كلّ مَن يصدق عليه أنّه مِن أهل أصفهان و لو لم يكن حين الكتابة موجوداً .

[ما هو المراد من الخطابات المصدّر ب « يا أيّها الناس » و نحوها ؟ ]

فنقول : إنّ الخطاب المصدّر ب « يا أيّها الناس » أو « يا أيّها الّذين آمنوا » - المخلوق من اللَّه تعالى في اللوح أو في الروح الأمين - يصدق حقيقة على كلّ مَن كان مِن أفراد الناس في الأوّل، و مَن آمن إلى يوم القيامة فيما إذا كان المراد بقاء المعنى المدلول عليه بذلك الخطاب إلى يوم القيامة، لعلمه تعالى حين خلق ذلك الخطاب و قبله بمن يختار الإيمان فيما بعد إلى يوم القيامة، و كذا مَن يوجد من أفراد الناس إلى انقراض العالم، فيكون الجميع مرادًا من ذلك الخطاب حين خلقه ؛ و لا توقّف له بهذا الاعتبار على وجود المخاطب (1) حين الانتقاش والخلق، و لا على استماعه حينئذ .

و أمّا الثاني : - أي : المعنى الظاهر منها حين التلفّظ الّذي ينوي به الإفادة والاستفادة - فلا ينبغي التأمّل في أنّه لا يكون إلّا عند وجود المخاطب واستماعه الخطاب، و إلّا يكون قبيحًا، فعلى هذا يكون كلّ فرد من أفراد الناس الموجودين حين نزول الخطاب إليه صلى الله عليه وآله و مَن سيوجد إلى يوم القيامة مراداً منه حين خلقه ؛

ص: 271


1- في بعض النسخ : المخاطبين .

وأمّا حين نزوله إليه صلى الله عليه وآله و تلفّظه فيما إذا أراد التبليغ، فيتوقّف على وجود المخاطبين و استماعهم الخطاب .

فالآيات المذكورة بالاعتبار الأوّل يكون المراد منها مَن كان موجودًا في عصره صلى الله عليه وآله و مَن يوجد، لكن بعد وجوده إلى يوم القيامة ؛ و بالاعتبار الثاني يكون مختصّاً بمن ألقاها صلى الله عليه وآله إليهم من المستمعين لها، سواء كان الإلقاء منه صلى الله عليه وآله في مجلس واحد، أو في مجالس متعدّدة .

فعلى هذا يمكن أن تكون الآيات القرآنيّة بأسرها مخلوقة من اللَّه تعالى قبل إيجاد آدم أبي البشر بألفي عامّ بالارتسام في اللوح مثلاً، لكن يكون المراد منها ما كان موجودًا بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله و مَن يوجد بعدهم إلى يوم القيامة، و يكون إنزال الجملة في ليلة واحدة إلى البيت المعمور .

ولا تنافيه الآيات المنزلة عند أسباب خاصّة كقوله تعالى : « إِنْ جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاءٍ فَتَبَيَّنُواْ » (1)، أو نحوه، لوضوح أنّ المراد منه و من أمثاله حين الخلقة (2) إعطاء القاعدة الكلّيّة و تأسيسها، و يكون وقوع القضيّة في الخارج من مرجّحات نزولها عليه صلى الله عليه وآله.

لكن يتوجّه الإشكال في نحو قوله تعالى : « قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَ تَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ » (3).

ص: 272


1- الحجرات : 6 .
2- في بعض النسخ : خلقته .
3- المجادلة : 1 .

و يمكن دفعه أيضاً : بأنّ التعبير عن الواقعة بالماضي باعتبار تحقّق الوقوع وعلمه سبحانه بوقوعها، فلا إشكال .

إذا علم ذلك نقول : إنّ اشتمال الآيات بالنداء و أداة الخطاب على ما قرّرناه لا ينافي كونها مخلوقة قبل نزولها .

[مَن هو المقصود بالخطاب في الآيتين المذكورتين ؟ ]

ثمّ نقول : إنّ الآيتين المذكورتين - أي قوله تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ » الآية (1)، و قرينها - يكون المأمور بإقامة الجَلد و قطع اليد هو النبيّ صلى الله عليه وآله و الأئمّة - صلوات اللَّه عليهم - و خلفاؤهم .

قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان :

« فَاجْلِدُواْ » خطاب للأئمّة عليهم السلام و مَن يكون منصوبًا للأمر من جهتهم، لأنّه ليس لأحد أن يقيم الحدود إلّا للأئمّة عليهم السلام (2) و ولاتهم بلا خلاف (3).

و في آخر الفقيه :

ص: 273


1- النور : 2 .
2- في المصدر : الأئمّة عليهم السلام .
3- مجمع البيان : ج 7، ص 219 .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : اللهمّ ارحم خلفائي . قيل : يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، و مَن خلفاؤك ؟ قال : الّذين يأتون من بعدي يروون حديثي و سنّتي (1).

ولا شبهة في صدق ذلك في حقّ قاطبة الفقهاء، فبالتقريب السالف يكون الكلّ مراداً من الآيتين الشريفتين، فمقتضاهما جوازتصديقهم لإقامة الحدود، بل لزومه.

فمن جميع ما ذكر تبيّن أنّ جواز إقامة الحدود في هذه الأعصار للفقهاء مدلولٌ عليه بما يظهر من إطباق علماء الطائفة و عمومات الكتاب والسنّة خصوصًا الرواية السالفة - أي قوله عليه السلام : « إقامة الحدود إلى مَن إليه الحكم » (2) - المعتضدة بإطباق الأصحاب على العمل بمضمونها، والاعتبار كما لا يخفى على أولي الأبصار .

فالحكم في المسألة ممّا لا ينبغي التأمّل فيه، فللَّه الحمد والشكر والمنّة .

تمّت في 1243 .

ص: 274


1- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 420، الرقم 5919 .
2- كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4، ص 71 ، ح 5135 ؛ تهذيب الأحكام : ج 6 ص 314 ح 871 و ج 10، ص 155، ح 621 .

بعون اللَّه و توفيقه - تبارك و تعالى - قد فرغت من تحقيق هذه الرسالة الشريفة، للعلّامة المحقّق آية اللَّه العظمى الحاجّ السيّد محمّد باقر الشفتي، المعروف بحجّة الإسلام على الإطلاق - أعلى اللَّه مقامه الشريف - في 14 ذي قعدة الحرام من سنة 1421 ق .

و أنا العبد الراجي رحمة الباري : السيّد مهدي الشفتيّ، ابن المرحوم السيّد محمّد رضا قدس سره، بن السيّد محمّد باقر الثاني المعروف بحاجّ آقا، بن العلّامة المحقّق السيّد أسد اللَّه الموسويّ النجفيّ، بن السيّد محمّد باقر الشفتيّ المعروف بحجّة الإسلام - رحمة اللَّه عليهم أجمعين .

و أسأل اللَّه تعالى أن يجعله ذخيرة ليومٍ لا ينفع مال و لا بنون إلّا من أتى اللَّه بقلب سليم ؛ و أن يوفّقني لنشر سائر مؤلّفاته قدس سره و مؤلّفات سائر أسلافنا، و لما يحبّ و يرضى .

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

ص: 275

ص: 276

فهرس المطالب

مقدّمة التحقيق 5

المنهج لتحقيق الكتاب 8

ترجمة المؤلّف 9

اسمه و نسبه 9

مولده 10

كلمات العلماء في شأنه 10

نشآته العلميّة و الاجتماعيّة 18

وفاته و مدفنه 20

تآليفه القيّمة 22

ص: 277

مشايخه في الحديث 27

مجمع درسه و تلاميذه 28

مصادر الترجمة 29

إقامة الحدود في زمن الغيبة

معنى الحدّ في اللغة 36

معنى الحدّ في المنطق 36

معنى الحدّ في الشرع 36

نقل عبارات الفقهاء في جواز إقامة الحدود و عدمه 39

أقوال الفقهاء في جواز إقامة الحدود و عدمه :

القول الأوّل : الجواز عند التمكّن 66

القول الثاني : عدم الجواز إلّا للموالي على عبيدهم 67

القول الثالث : جوازها لمن استخلفه السلطان، وكذا للوالد على الولد، والزوج على الزوجة والسيّد على عبده 67

اختلاف كلمات الفقهاء في بيان المراد 68

ص: 278

المقام الأوّل : في جواز إقامة الموالي الحدود على مماليكهم 71

النصوص الدالّة على جواز إقامة السيّد الحدّ على مملوكه 78

المطلب الأوّل : هل يلزم اتّصاف المولى بالفقاهة أم لا ؟ 86

مستند القولين في المسألة 89

هل يختصّ جواز إقامة الحدود بالعبيد أو يعمّ الإماء أيضًا ؟ 93

ولاية إقامة الحدود على الأمة هل يختصّ بما إذا لم تكن مزوّجة، أو لا ؟ 94

المطلب الثاني : هل يختصّ جواز اقامة الحدود على المملوك بالرجال، أم يجوز للمرأة أيضًا ؟ 95

المطلب الثالث : هل تثبت إقامة الحدّ على المملوك مطلقًا أو تثبت ولو في صورة إقامة البيّنة ؟ 99

تنافي كلمات الأصحاب في المقام مع ما قرّروه في مباحث الإقرار والحدود 102

ص: 279

المقام الثاني : في جواز إقامة الزوج الحدود على الزوجة مطلقًا و لو لم يكن جامعًا لشرائط الفتوى 109

الأمر الأوّل : في القائل بالجواز 109

الأمر الثاني : في التنبيه على الاشتباه الصادر في هذا المقام من جماعة من الأعلام 111

الأمر الثالث : في مستند القولين 113

الاستدلال بقوله تعالى : « واللاتي يأتين الفاحشة ... » 113

الاستدلال بجملة من النصوص 115

تحقيق المقام في ثلاثة مطالب :

المطلب الأوّل : يجوز للزوج قتل الزاني بزوجته 126

النصوص الدالّة على المسألة 126

هل يختصّ ثبوت قتل الزاني بالزوجة بالزاني المحصن أم لا ؟ 141

البحث في سند رواية الفتح بن يزيد الجرجاني 144

البحث في سند رواية غياث بن إبراهيم 147

البحث في سند رواية وهب و وجه دلالتها 149

ص: 280

غاية ما يستفاد من النصوص جواز قتل الزاني بالزوجة إذا وجدت الشهود مطلقًا ولو لم يكن في بيت الزوج 152

المطلب الثاني : أنّه كما يجوز للزوج قتل الزاني بزوجته يجوز له قتل زوجته الزانية أيضًا 154

المستند في المسألة 154

المطلب الثالث : إذا قتل الزوج وادّعى أنّه رآه يزني بزوجته، فعليه إقامة البيّنة 158

المستند في المسألة 158

بيان الأقوال في جواز إقامة الزوج الحدّ على زوجته و عدمه 160

القول الأوّل : الجواز مطلقًا 161

القول الثاني : عدم الجواز كذلك 161

القول الثالث : التفصيل بين الرجم والقتل فالعدم، و غيرها فالجواز 162

هل يختصّ جواز إقامة الحدّ على الزوجة بما إذا كانت دائمة، أو يعمّها وللانقطاع ؟ 166

هل يجوز للزوج إقامة الحدّ على زوجته ولو كان عبدًا 168

ص: 281

الظاهر تعميم جواز قتل الزاني ولو كان بغير زوجته 168

الظاهر اختصاص جواز القتل بزوجته الدائمة فلا يثبت في غيرها 169

المقام الثالث : في جواز إقامة الوالد الحدّ على ولده و عدمها 171

فيه أقوال ثلاثة : الجواز، العدم، التفصيل 171

مستند القول بالجواز و وجه الاستدلال به 172

المقام الرابع : في أصل المطلب 176

القول الأوّل : جواز إقامة الحدود للموالي على مماليكهم مطلقًا، و عدمه لغيرهم ولو كانوا جامعين لشرائط الفتوى 176

القول الثاني : مثل الأوّل مع انضمام الآباء والأزواج إلى الموالي 177

القول الثالث : الجواز للفقيه مطلقًا، و عدمه لغيره كذلك إلّا للمولى 177

القول الرابع : عدم الجواز لغير الفقيه مطلقًا 178

القول الخامس: الجواز للمولى والوالد والزوج والفقيه الجامع للشرائط 178

كلمات الأصحاب في جواز إقامة الحدود للفقهاء 179

نقل كلام مَن يتوهّم منه المخالفة 185

نسبة المنع إلى ابن إدريس عن بعض، و نقل مواضع من كلماته 189

ص: 282

مختار المصنّف : جواز إقامة الحدود للفقهاء، لوجوه 200

الوجه الأوّل : إطباق الأصحاب عليه 200

إطباق المشايخ الثلاث على رواية مقبولة عمر بن حنظلة 201

الكلام عن سند المقبولة 203

بيان حال محمّد بن عيسى 205

بيان حال داود بن الحُصَين 219

بيان حال عمر بن حنظلة 222

في بيان حال يزيد بن خليفة 225

الروايات الّتي تدلّ على مدح عمر بن حنظلة 227

الكلام في دلالة مقبولة عمر بن حنظلة 229

المراد من : « المجمع عليه » و إثبات حجّيّته 230

الوجه الثاني من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : رواية حفص بن غياث 236

الكلام عن سند الحديث 237

بيان حال والد الصدوق 237

ص: 283

بيان حال سعد بن عبداللَّه 241

بيان حال القاسم بن محمّد الأصفهاني 242

بيان حال سليمان بن داود المنقري 247

بيان حال حفص بن غياث 251

الكلام في دلالة حديث حفص بن غياث 255

الوجه الثالث من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : صحيح ابن ميثم 256

الوجه الرابع من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : النصوص المستفيضة لذلك بعنوان العامّ 258

الوجه الخامس : من وجوه الاستدلال على جواز إقامة الحدود للفقهاء : النصوص المعتبرة الواردة في موارد خاصّة 259

الاستدلال لإثبات المرام بجملة من آيات الكتاب 262

بحثٌ في الخطابات القرآنيّة 263

الخطابات القرآنيّة هل هي مختصّة بالموجودين في زمن الخطاب، أو

ص: 284

تشمل المعدومين أيضًا ؟ 267

بحثٌ في كيفيّة نزول القرآن 268

ما هو المراد من الخطابات المصدّر ب « يا أيّها الناس » و نحوها ؟ 271

مَن هو المقصود بالخطاب في الآيتين المذكورتين ؟ 273

فهرس المطالب 277

ص: 285

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.