احکام الدیات فی الشریعه الاسلامیه الغراء

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور : احکام الدیات فی الشریعه الاسلامیه الغراء/ تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1434 ق.= 2013 م.= 1392.

مشخصات ظاهری : 672 ص.

فروست : السیاسه الاسلامیه؛ 3.

موسسه الامام صادق (ع)؛ 784.

شابک : 978-964-357-523-6

وضعیت فهرست نویسی : فاپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : دیات

شناسه افزوده : موسسه امام صادق (ع)

رده بندی کنگره : BP195/7/س2الف3 1392

رده بندی دیویی : 297/375

شماره کتابشناسی ملی : 3112014

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

* هويّة الكتاب

السياسة الإسلاميّة

3

أحكام الديات

في

الشريعة الإسلامية الغرّاء

تأليف

الفقيه المحقّق

جعفر السبحاني نشر

مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

ص: 3

سبحاني تبريزي، جعفر، 1308 -

أحكام الديات في الشريعة الإسلامية الغرّاء / تأليف جعفر السبحاني. - قم: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1392.

ص 672. (السياسة الإسلامية، 3) 6-523-357-964-978

فهرست نويسى بر اساس اطلاعات فيپا.

كتابنامه به صورت زيرنويس.

1. ديات (فقه). 2. فقه جعفرى -- قرن 15. الف. مؤسسه امام صادق 7. ب. عنوان.

3 الف 2 س/ 9/183..3422/297

1392

اسم الكتاب: أحكام الديات في الشريعة الإسلامية الغرّاء

المؤلف: الفقيه المحقّق جعفر السبحاني التبريزي

الطبعة: الأُولى

تاريخ الطبع: 1392 ه ش / 1434 ه. ق / 2013 م

المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

القطع: وزيري

عدد النسخ: 1000 نسخة

التنضيد والإخراج الفني: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام - السيد محسن البطاط

تسلسل النشر: 784 تسلسل الطبعة الأُولى: 405

مركز التوزيع

قم المقدسة: ساحة الشهداء: مكتبة التوحيد

ص: 4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين؛ والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وأفضل رسله محمد وآله العترة الطاهرين.

أمّا بعد؛ فإنّ الإسلام عقيدة، وشريعة. فالعقيدة هي الإيمان باللّه ورسوله واليوم الآخر؛ والشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الكريمة، وتحقّق لها السعادة الدنيوية والأُخروية.

وقد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، ووضع الحلول لكافّة المشاكل التي تواجه الإنسان بحيث أغنت المسلمين عن التطفّل على موائد الآخرين. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ وجود الأحكام الكثيرة في الفقه الإسلامي أدلّ دليل على أنّ الشريعة الإسلامية هي ثمرة الوحي السماوي، إذ يمتنع لإنسان عادي أن يأتي بهذا الكم الهائل من التشريع الذي ينبثق عنه نظام كامل للحياة على المستوى الاجتماعي والفردي، ومنها الأحكام السياسية التي هي عماد الأمن والاستقرار في المجتمع.

ولمّا فرغنا عن دراسة الحدود الشرعية والقصاص باشرنا بدراسة كتاب الديات استجابة لرغبات حضّار بحثنا، وقد اتّخذنا كتاب «تحرير الوسيلة» للسيد الأُستاذ الإمام الخميني - أعلى اللّه مقامه - منهجاً للدراسة.

والكلام في كتابنا - الديات - يدور على المحاور التالية:

ص: 5

1. أقسام القتل.

2. مقادير الديات.

3. موجبات الضمان.

4. الجناية على الأطراف. وفيه مقاصد:

1. في ديات الأعضاء.

2. في الجناية على المنافع.

3. في الشجاج والجراح. مضافاً إليها ملاحق أربع: في دية الجنين، والعاقلة، والجناية على الحيوان، وكفّارة القتل. ويشكّل هذا المحور عمدة البحوث الموجودة في الكتاب.

كما يشتمل كتابنا هذا على خاتمة فيها أمران، وهما:

1. ما هو السبب لتحمّل العاقلة؟

2. كتاب ظريف. وهو عبارة عن الرواية التي رواها ظريف بن ناصح عن أمير المؤمنين عليه السلام في الديات. وقد جئنا بها كاملة لأهميّتها، ولنقلنا عنها كثيراً في ثنايا بحوثنا المختلفة.

هذا وفي الختام أرجو أن يكون كتابي هذا نبراساً يضيء الطريق لطلّاب العلم والفضيلة، وأن يكون ذخراً للمؤلّف يوم لا ينفع مال ولا بنون.

والحمد للّه ربّ العالمين.

جعفر السبحاني

قم - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

27 ربيع الثاني - 1434 ه

ص: 6

كتاب الديات

وهي جمع الدية بتخفيف الياء، وهي المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها، سواء كان مقدّراً أو لا، وربّما يسمّى غير المقدّر بالأرش والحكومة، والمقدّر بالدية، والنظر فيه: في أقسام القتل، ومقادير الديات، وموجبات الضمان، والجناية على الأطراف، واللواحق. *

* قد أشار قدس سره إلى أُمور:

1. الديات: جمع الدية بتخفيف الياء، والتشديد لحن، والتاء في آخره عوض عن «الفاء» المحذوف، والأصل ودي حذفت (الواو) وأُبدل مكانها (التاء) مثل: عِدة، الّتي أصلها: وعد، وعلى هذا فهو مصدر.

2. تعريف الدية: المال الواجب بالجناية على الحرّ في النفس أو فيما دونها، كالأطراف والمنافع.

3. أنّ المال الواجب لو كان مقدّراً في الشرع يسمّى (ديةً)، وإلّا فيطلق عليه الأرش أو الحكومة، وربّما تطلق الدية على الجميع.

4. الكلام في هذا الكتاب يدور على المحاور التالية:

الأوّل: أقسام القتل.

الثاني: مقادير الديات.

الثالث: موجبات الضمان.

ص: 7

القول في أقسام القتل

اشارة

المسألة 1. القتل إمّا عمد محض، أو شبيه عمد، أو خطأ محض. *

الرابع: الجناية على الأطراف والمنافع، الّتي عبّر عنها باللواحق.

والدليل على مشروعية الدية قوله سبحانه: «وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً»1.

مضافاً إلى الاتّفاق بين المسلمين، والسنّة المتواترة كما ستوافيك.

وإليك الكلام في المحور الأوّل.

* ينقسم القتل إلى:

1. قتل عمد محض.

2. قتل شبه عمد.

3. قتل خطأ محض. ولكلّ حكم خاص، فيجب على الفقيه التعرّف عليها بشكل يستطيع تمييز كلٍّ عن الآخر.

ص: 8

المسألة 2. يتحقّق العمد بلا إشكال بقصد القتل بفعل يقتل بمثله نوعاً، وكذا بقصد فعل يقتل به نوعاً وإن لم يقصد القتل، بل الظاهر تحقّقه بفعل لا يقتل به غالباً رجاء تحقّق القتل، كمن ضربه بالعصا برجاء القتل فاتّفق ذلك. *

القتل العمدي

كان على المصنّف تعريف القتل العمدي، ولكنّه اكتفى بذكر الأمثلة، ويمكن انتزاع التعريف من مجموعها.

فذكر قدس سره أنّ قتل العمد يتحقّق بأحد الأُمور الثلاثة:

1. إذا قصد القتل بفعل يقتل بمثله، وبعبارة أُخرى: إذا كان قاصداً للقتل والآلة قتّالة.

2. إذا قصد فعلاً يقتل به نوعاً بمعنى أنّ الآلة قتّالة وإن لم يقصد القتل.

3. إذا فعل فعلاً لا يقتل به غالباً بمعنى أنّ الآلة لا تكون قتّالة، مثلاً ضرب بالعصا رجاء تحقّق القتل، فاتّفق ذلك. وإنّما ذكر «الرجاء» دونّ «القصد» لوضوح أنّه إذا لم تكن الآلة قاتلة لم يتمشّ القصد الجدّي إلّاإذا كان بصورة الرجاء فما ربّما يُقال: إنّه إذا قصد القتل وإن لم يكن الفعل أو الآلة ممّا يقتل، عمد لا يخلو عن تسامح.

فتكون النتيجة: أنّ القتل يوصف بالعمد إذا كانت الآلة قتّالة والفاعل قاصداً للقتل، أو إذا كانت الآلة قتّالة ولم يقصد القتل، أو قصد فعلاً لا يقتل به غالباً رجاء تحقّق القتل. وبذلك يُعلم أنّه لو منعه من الطعام والشراب في

ص: 9

مدّة لا يحتمل فيها البقاء ولم يقصد به القتل، فهو عمد - كما سيوافيك في المسألة الرابعة - وهو داخل في القسم الثاني: أي فعل فعلاً يقتل به نوعاً وإن لم يقصد القتل.

وقد مرّ الكلام في هذه الأقسام في كتاب القصاص، ويمكن استفادة حكم الجميع من صحيحة الحلبي، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا كله عمد، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره»(1).

فقوله: «اعتمد شيئاً» أي: قصد إنساناً بما يقتل كالحديدة، والحجر، فيدخل فيه الأمران الأوّلان. إذا قصد القتل والمفروض أنّ الآلة قتّالة فهو الأمر الأوّل، وإذا قصد الضرب مع فرض كون الآلة قتّالة فهو الأمر الثاني.

وفي قوله: «أو بوكزة» يدخل الأمر الثالث، فإنّ الوكزة غير قتّالة غالباً، لكن ربّما يتّفق معها القتل، كما هو الحال في قصة موسى عليه السلام، قال سبحانه:

«فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ»2 ، لكن يوصف بالعمد إذا كان مع رجاء القتل، نعم لا يوصف عمل النبي موسى بالعمد؛ لأنّه لم يكن قاصداً للقتل، بل حاول الدفاع عن الإسرائيلي، والتفصيل في محلّه.5.

ص: 10


1- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

المسألة 3: إذا قصد فعلاً لا يحصل به الموت غالباً ولم يقصد به القتل، كما لو ضربه بسوط خفيف أو حصاة ونحوهما، فاتّفق القتل فهل هو عمد أو لا؟ فيه قولان، أشبههما الثاني. *

المسألة 4: لو ضربه بعصا ولم يقلع عنه حتّى مات، فهو عمد وإن لم يقصد به القتل؛ وكذا لو منعه من الطعام أو الشراب في مدّة لا يحتمل فيها البقاء، ولو رماه فقتله فهو عمد وإن لم يقصده. **

* إذا قصد الضرب دون القتل، ولم تكن الآلة قاتلة، لكن ترتّب عليه القتل، كما لو ضربه بسوط خفيف أو حصاة، فاتّفق القتل، فهل هو عمد أو لا؟ فيه قولان، الأشبه عند المصنّف أنّه ليس بعمد.

وقد أوضحنا الكلام في ذلك في كتاب القصاص.

وتظهر الثمرة في أنّه لو كان من قبيل العمد وشبهه فالدية على الضارب، ولو كان من قبيل الخطأ فالدية على العاقلة.

** أشار إلى أمثلة ثلاثة كلّها من قبيل العمد:

1. لو ضربه بعصا ولم يقلع عنه حتّى مات فهو عمد، وإن لم يقصد به القتل؛ وذلك لأنّ الآلة قتّالة، لأنّ المراد الضرب بالعصا عدّة مرات، وعدم الإقلاع كناية عن الضرب بعد الضرب.

وتشهد على ذلك رواية يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إن ضرب رجل رجلاً بعصاً أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يَشبه العمد فالدية على القاتل، وإن علاه وألحّ عليه بالعصا

ص: 11

المسألة 5: شبيه العمد ما يكون قاصداً للفعل الّذي لا يقتل به غالباً غير قاصد للقتل، كما [لو] ضربه تأديباً بسوط ونحوه فاتّفق القتل، ومنه علاج الطبيب إذا اتّفق منه القتل مع مباشرته العلاج، ومنه الختان إذا تجاوز الحدّ، ومنه الضرب عدواناً بما لا يقتل به غالباً من دون قصد القتل. *

أو بالحجارة حتّى يقتله فهو عمد يقتل به، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد».(1)

وفي رواية أُخرى عن العلاء بن فضيل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «العمد الّذي يضرب بالسلاح أو بالعصا لا يقلع عنه حتّى يقتل، والخطأ الّذي لا يتعمّده»(2).

والحاصل: كون الآلة قتّالة، يكفي في صدق العمد.

2. لو منعه من الطعام أو الشراب في مدّة لا يحتمل فيه البقاء.

3. ولو رماه فقتله فهو عمد وإن لم يقصده، لأنّ الفعل ممّا يقتل به.

القتل شبه العمد

شبه العمد ما لا يكون الفعل يقتل به، ولا كان الضارب قاصداً للقتل، كما لو ضربه تأديباً بسوط فاتّفق القتل.

وجه كونه غير عمد لأنّه لم يقصد القتل ولم يكن الفعل ممّا يقتل به

ص: 12


1- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.
2- . الوسائل: 9، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

المسألة 6: يلحق بشبيه العمد لو قتل شخصاً باعتقاد كونه مهدور الدم أو باعتقاد القصاص فبان الخلاف، أو بظن أنّه صيد فبان إنساناً. *

غالباً، ووجه كونه شبه العمد لأنّه قصد الفعل أي الضرب، الملازم في الواقع للقتل وإن لم يعلم به الضارب، فلا يوصف مثله بالخطأ المحض.

ومنه علاج الطبيب إذا اتفق منه القتل مع مباشرته للعلاج، حيث إنّه قصد الفعل أي العلاج بقطع عضو أو حقن إبرة، وبما أنّه لم يكن واقفاً على أنّه ينتهي إلى القتل وصف بشبه العمد.

ونظيره الختان إذا تجاوز الحدّ.

وحصيلة الأمر: كلّ فعل مقصود لا يلازم القتل ولم يكن الفاعل قاصداً له لكن انتهى إليه، يُسمّى بشبه العمد.

وعلى هذا فلو صفعه عدواناً وانتهى إلى القتل فهو شبه العمد.

* لو اعتقد أنّ زيداً مهدور الدم أو قاتل أبيه وقتله، فبان الخلاف؛ أو ظن أنّه صيدٌ فبان إنساناً، فهو ملحق بشبه العمد، لأنّه وإن قصد قتل الشخص لكن باعتقاد أنّه مهدور الدم، أو أنّه قاتل أبيه فقتله قصاصاً، فبان الخلاف، فلا يمكن وصفه بالعمد لأنّه لم يقصد قتل إنسان مصون الدم.

قال المحقّق في تعريف العمد: إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمداً عدواناً.(1)

ومن المعلوم أنّه وإن أزهق النفس المعصومة المكافئة لكن جهله9.

ص: 13


1- . شرائع الإسلام: 4/159.

المسألة 7: الخطأ المحض المعبّر عنه بالخطأ الّذي لا شبهة فيه هو أن لا يقصد الفعل ولا القتل، كمن رمى صيداً أو ألقى حجراً فأصاب إنساناً فقتله، ومنه ما لو رمى إنساناً مهدور الدم فأصاب إنساناً آخر فقتله. *

بعصمتها يصدّه عن كون القتل عمداً وعدواناً. ومع ذلك فقد ألحقه المصنّف بشبه العمد حكماً لا موضوعاً.

وجهه: أنّ الجاني في المقام قصد القتل بما هو هو، (فيفارق فعل المعلّم والطبيب والختّان حيث لم يقصدوا القتل مطلقاً) ولكن جهله بالمصونية صار سبباً لإلحاقه بشبه العمد، دون العمد نفسه.

القتل الخطئيّ المحض

القتل الخطئيّ المحض عبارة عمّا لو قصد شيئاً فأصاب غيره، بحيث لم يكن الغير مقصوداً أبداً؛ ففي صحيح أبي العباس عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت:

أرمي الشاة فأصيب رجلاً، قال: «هذا الخطأ الّذي لاشكّ فيه»(1) فلو رمى صيداً أو ألقى حجراً فأصاب إنساناً فقتله، فصدق أنّه قصد شيئاً فأصاب غيره، ومنه يعلم معنى قوله في المتن: «أن لا يقصد الفعل ولا القتل» فعدم قصدهما إنّما يصحّ إذا قيسا إلى الإنسان أو إلى مصون الدم، وإلّا فهو قصد الفعل في المثال الأوّل والقتل في المثال الثاني.

ص: 14


1- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7.

المسألة 8: يلحق بالخطأ محضاً فعل الصبي والمجنون شرعاً. *

المسألة 9: تجري الأقسام الثلاثة في الجناية على الأطراف أيضاً، فمنها عمد، ومنها شبه عمد، ومنها خطأ محض. **

* بما أنّ قصد الصبي كلا قصد، والمجنون كذلك لا اعتبار بقصده، فيوصف فعلهما بالخطأ المحض، وإلّا فقتل الصبي قتل عمدي لغة وإن لم يكن كذلك شرعاً.

** كما أنّ الجناية على النفس تنقسم إلى أقسام ثلاثة، فهكذا الجناية على الأطراف والمنافع كاليد والعين ونحوها، تنقسم إلى ثلاثة: فمنها العمد، ومنها شبه العمد، ومنها الخطأ المحض.

فتلخّص ممّا ذكره المصنّف أنّ أقسام القتل لا تتجاوز عن خمسة هي:

1. يقصد القتل بعمل يقتل بمثله نوعاً (قصد القتل والآلة قتّالة).

2. يقصد فعلاً يُقتل به نوعاً وإن لم يقصد القتل (الآلة قتّالة لكن لم يقصد القتل).

3. يقصد فعلاً لا يقتل به غالباً، لكن رجاء تحقّقه (قصد القتل رجاءً والآلة غير قتّالة).

4. أن يقصد الفعل (أي الضرب) دون القتل، بآلة لا تقتل إلّانادراً.

5. أن يقصد الفعل (أي الرمي) إلى شيء، لكنّه يصيب إنساناً خطأ. أو يريد القتل بتصوّر أنّه غير محقون الدم فبان خلافه.

فالثلاثة الأُولى من مقولة العمد، والرابع شبه عمد، والخامس بكلا

ص: 15

المثالين من الخطأ المحض.

وبما أنّا أشبعنا الكلام في هذه الأقسام في كتاب القصاص نكتفي بهذا المقدار.

ملحق يتعلّق بحوادث الطرق

يقع البحث في هذا الموضوع على وجهين:

1. ما يتعلّق بالسائق.

2. ما يتعلّق بالمارّة.

أمّا ما يتعلّق بالسائق في داخل المدينة، فإنّه إذا خالف الإشارات الّتي تأمر بالتوقّف، أو تمنع عن الحركة السريعة، ومع ذلك لم يعتدّ بعلامات المرور، ووقع الحادث فقتل إنساناً، فلو أطمأنّ بأن مخالفة الإشارات والضوابط تؤدّي إلى قتل مصون النفس فلا شكّ أنّه قتل عمد، وإلّا فهو شبه عمد، وتكون الدية على القاتل لا على عاقلته.

ومنه يظهر حال السائق في خارج المدن، فالحكم كما مرّ في داخل المدن، يعدّ عمداً إن اطمأنّ بأنّ عمله سيؤدي إلى القتل، وشبه عمد إذا لم يطمأنّ بذلك. وأمّا ما يتعلّق بالمارّة، فلو خالف إنسان الضوابط الّتي تأمر بعدم العبور أو العبور من المكان المخصص للعبور، فلو كان السائق واقفاً على حال المارّة، فهو عمد. وإلّا فهو أيضاً شبه عمد لو لم يكن خطأ محض.

إلّا أن تكون نسبة القتل إلى السبب - أعني: المارّة - أقوى من نسبته

ص: 16

القول في مقادير الديات

اشارة

المسألة 1: في قتل العمد حيث تتعيّن الدية أو يصالح عليها مطلقاً مائة إبل، أو مائتا بقرة، أو ألف شاة، أو مائتا حلّة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم. *

إلى المباشر - أعني: السائق - وهذا كما في المثال التالي:

إذا كان السائق ملتزماً بقانون المرور، ومطبّقاً عمله على وفقه، ولكن العابر ظهر أمام السيارة فجأة، بحيث لم يتمكّن السائق من إيقاف سيارته، فالقتل منتسب إلى السائق بالمباشرة وإلى العابر بالتسبيب، لكنّ نسبته إلى العابر أقوى، فالحكم بعدم تعلّق الدية أقوى.

غير أنّ الحكم السائد في عامّة الموارد في المحاكم هو نسبة القتل إلى السائق حتّى في المثال المزبور، ولعلّه لأجل المحافظة على الدماء، حتّى لا يكون ذريعة بيد السائق فيدّعي ظهور العابر أمامه بصورة مفاجئة وعدم تمكّنه من إيقاف عجلته.

* ذكر المصنّف في هذه المسألة دية العمد، وستوافيك دية شبه العمد ودية الخطأ في المسألة 13 وما بعدها.

ثم إنّ قول المصنّف: «حيث تتعيّن الدية» إشارة إلى الصور الّتي لا يجوز فيها القصاص مع كون القتل عن عمد، كقتل الوالد ولده، أو كقتل العاقل المجنون، على ما مرّ في كتاب القصاص.

وأمّا قوله: «أو يصالح عليها مطلقاً» إشارة إلى ما إذا كان الحكم الأوّلي

ص: 17

هو القصاص، لكن الجاني وأولياء المجنيّ عليه تصالحوا على الدية. فإن تصالحا على مبلغ خاصّ قليلاً كان أو كثيراً فهو، وإن أطلقا فيتعيّن ما في المقام.

وهذا هو المراد من قوله: «أو يصالح عليها مطلقاً».

ثمّ إنّ المصنّف ذكر في قتل العمد أُموراً ستة:

1. مائة من الإبل. 2. مائتا بقرة. 3. ألف شاة. 4. مائتا حُلّة.

5. ألف دينار. 6. عشرة آلاف درهم.

ولندرس هذه المقادير كما وردت في الروايات الّتي هي على طوائف:

الأُولى: ما تضمّنت الأُمور الستة:

1. ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول:

كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشاة ألف شاة ثنيّة، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حُلّة.

قال عبدالرحمن بن الحجّاج: فسألت أبا عبداللّه عليه السلام عمّا روى ابن أبي ليلى، فقال: كان عليّ عليه السلام يقول: «الدية ألف دينار (وقيمة الدينار عشرة دراهم)، وعشرة آلاف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي مائة من الإبل، ولأهل السواد مائتا بقرة، أو ألف شاة»(1). والحديث صحيح، ويأتي ذيل الحديث في الطائفة الثانية.

ص: 18


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

2. روى جميل بن درّاج في الدية: قال: ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، ويؤخذ من أصحاب الحُلل الحُلل، ومن أصحاب الإبل الإبل، ومن أصحاب الغنم الغنم، ومن أصحاب البقر البقر(1). والحديث صحيح.

ولا يخفى أنّ الحلّة قد جاءت في رواية ابن أبي ليلى دون ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللّه عليه السلام.

نعم وردت في الرواية الثانية، ولم يعلم أنّه كلام الإمام، إذ ربّما يكون فتوى من جميل بن درّاج، ثم إنّ المستفاد من الروايتين هو التنويع بمعنى كون الواجب على أهل الإبل هو الإبل، والبقر لأهله. وسيوافيك أنّ التنويع لغاية التسهيل فلا ينافي التخيير.

الطائفة الثانية: ما ذكر فيها الأُمور الخمسة

3. ويدلّ عليها مضافاً إلى ما مرّ من رواية عبدالرحمن بن الحجّاج الذي سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن صحّة ما رواه ابن أبي ليلى؛ ما رواه أبو بصير - في حديث - قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الدية؟ فقال: «دية المسلم عشرة آلاف من الفضّة، وألف مثقال من الذهب، وألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً، ومن الإبل مائة على أسنانها، ومن البقر مائتان»(2).

أمّا السند، فالحديث ضعيف بعلي بن أبي حمزة. إلّاأن يقال: إنّ جلالة الراوي عنه - أعني: علي بن الحكم بن الزبير النخعي الأنباري الذي يقول

ص: 19


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

الطوسي في حقّه: ثقة، جليل القدر - دليل على أنّه أخذ الحديث عن علي بن أبي حمزة أيّام استقامته، لا أيّام وقفه، إذ من البعيد أن يأخذ عنه في ذلك الوقت، هذا كلّه حول السند.

وأمّا المضمون، فالمراد من قوله: «ألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً»:

ثلاثة أسنان أي: الأعلى والأدنى والأوسط، أي يعطي من الجميع، ولا يجبر على الدفع بسنّ واحد. ويدلّ على ذلك ما يأتي «ألف شاة مخلطة»(1).

ثم إنّ أهل اللغة ذكروا للغنم أسماء مختلفة حسب عمرها، قالوا: ولد الشاة حين تضعه ذكراً كان أو أُنثى سخلة وبهمة، فإذا فصل عن أُمّه فهو حمل وخروف، فإذا أكل واجترّ فهو بذج وفرفور، فإذا بلغ النزو فهو عمروس. وكلّ أولاد الضأن والمعز في السنة الثانية جَذَع، وفي الثالثة ثني، وفي الرابعة رباع، وفي الخامسة سديس، وفي السادسة سالغ، وليس له بعد هذا اسم.(2)

وكذلك ذكروا للبقر أسماء حسب عمرها، قال الجوهري: ولد البقرة أول سنة عجل، ثم تبيع، ثم جذع، ثم ثني، ثم رباع، ثم سديس، ثم سالغ سنة، وسالغ سنتين إلى ما زاد.(3)

وأمّا قوله: «ومن الأبل مائة على أسنانها» فيحتمل أن يكون المراد مثل ما ذكرناه في الغنم، أي من الأقسام الثلاثة مخلوطة، ويحتمل أن يراد الأسنان المعروفة للإبل، وعندئذٍ لم يُبيّن في الرواية ما هو السن المجزي.».

ص: 20


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 12.
2- . نهاية الأرب في فنون الأدب: 10/128.
3- . الصحاح للجوهري: مادة «سلغ».

وأمّا الأسنان المعروفة فقد ذكرها الكليني في «الكافي»، والصدوق في «الفقيه» و «معاني الأخبار» في باب أسنان الإبل وحاصله:

أوّل ما تطرحه أُمّه إلى تمام السنة يُسمّى حوار.

فإذا دخل في الثانية سُمّي ابن مخاض، لأنّ أُمّه قد حملت.

فإذا دخل في الثالثة سُمّي ابن لبون، وذلك أنّ أُمّه قد وضعت وصار لها لبن.

فإذا دخل في الرابعة سُمّي الذكر حقّاً والأُنثى حِقّة لأنّه استحق أن يحمل عليه.

فإذا دخل في الخامسة سّمّي جذعاً.

فإذا دخل في السادسة سُمّي ثنيّاً لأنّه قد ألقى ثنيته. ويطلق عليه المسان كما سيأتي.

فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته وسُمّي رباعيّاً.

فإذا دخل في الثامنة ألقى السن الّتي بعد الرباعية وسُمّي سديساً.

فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسُمّي بازلاً.

فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، وليس له بعد هذا اسم.(1)

وأمّا ما هو المجزي من هذه الأسنان فسيوافيك بيانه في المسائل التالية.

ثم الظاهر من الرواية هو التخيير لا التنويع، ومع ذلك يمكن أن يقال:8.

ص: 21


1- . الكافي: 3/533؛ الفقيه: 2/13؛ معاني الأخبار: 328.

عدم التنافي بين التنويع والتخيير إذا كان التنويع لأجل التسهيل والرخصة لا العزيمة، بمعنى أنّ دفع الإبل لإصحابها لمّا كان أسهل من عشرة آلاف درهم، جعل الفريضة على أهل الإبل هو الإبل لكن رخصة لا عزيمة، وعلى غيرهم، الذهب والفضة.

وتقديمهما على الأنعام الثلاثة لا يدلّ على أنّهما هما الأصل.

الطائفة الثالثة: ما ذكر فيها الأُمور الأربعة

4. روى عبداللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في حديث: «إنّ الدية مائة من الإبل، وقيمة كلّ بعير من الورق مائة وعشرون درهماً، أو عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كلّ ناب من الإبل عشرون شاة»(1)، والحديث مرسل، حسب نقل الكليني. نعم رواها الشيخ بسند صحيح وفيه دلالة على التخيير.

والمراد من قوله: «كلّ ناب» الناقة المسنّة سُمّيت بذلك لطول نابها ولا يقال للجمل ناب، وسيوافيك معنى (المسانّ).(2)

5. روى العلاء بن الفضيل، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «في قتل الخطأ مائة من الإبل، أو ألف من الغنم، أو عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار».(3)

وفي السند ضعف، لوجود محمد بن سنان في السند ويدلّ على التخيير، وقد عرفت أنّ مرجع التنويع إلى التسهيل ولا ينافي التخيير.

ص: 22


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.
2- . مجمع البحرين: مادة «ينب».
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 8.

6. روى العلاء بن الفضيل عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال: «والخطأ مائة من الإبل، أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار»(1).

والحديث ضعيف لوجود محمد بن سنان في السند.

الطائفة الرابعة: ما ذكر فيها الأُمور الثلاثة

7. روى الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «الدية عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار» قال جميل: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «الدية مائة من الإبل».(2) والحديث صحيح. ولا منافاة بين ما يرويه الحلبي وما رواه جميل.

8. ما رواه يونس عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث، قال:

«الدية عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار، أو مائة من الإبل».(3)

والحديث مرسل، ودلالته على التخيير واضحة.

9. ما رواه عبداللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «مَن قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه، إلّاأن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفاً، أو ألف دينار، أو مائة من الإبل، وإن كان في أرض فيها الدنانير فألف دينار، وإن كان في أرض فيها الإبل فمائة من الإبل، وإن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب ذلك اثنا عشر ألفاً».(4) والحديث صحيح. وسيوافيك الكلام في قوله: «فالدية اثنا عشر

ص: 23


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 13.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 5.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 9.

ألفاً» مع أنّ المشهور عشرة آلاف درهم.

10. روى عبيداللّه بن زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «الدية ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل».(1) وفي السند قاسم بن سليمان وهو لم يوثق لكن القرائن تدلّ على وثاقته.

11. روى أبو بصير، قال: دية الرجل مائة من الإبل، فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك، فإن لم يكن فألف كبش، هذا في العمد، وفي الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلطة.(2) والحديث ضعيف لوجود علي بن أبي حمزة في السند.

الطائفة الخامسة: ما ذكر فيها أمران فقط

12. صحيح معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن دية العمد؟ فقال: «مائة من فحولة الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم».(3)

13. موثقة أبي بصير، قال: سألته عن دية العمد الّذي يقتل الرجل عمداً؟ قال: فقال: «مائة من فحولة الإبل المسانّ، فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم».(4) وظاهر الرواية اشتراط الفحولة وإن كان المشهور عدمه.

ص: 24


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 10.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 12.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 3. المسان: جمع المسنة وهي من الإبل مادخل السادسة وتُسمّى الثنية.

14. ما رواه زيد الشحام، عن أبي عبداللّه عليه السلام في العبد يقتل حراً عمداً، قال: «مائة من الإبل المسانّ، فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم»(1).

الطائفة السادسة: ما ذكر فيها أمر واحد من الستة

اشارة

15. روى محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما، عن أحدهما عليهما السلام في الدية، قال: «هي مائة من الإبل وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك»(2)الحديث. وهو صحيح.

يقول صاحب الوسائل: ضمير (فيها) راجع إلى الإبل أي لا يعتبر فيها القيمة بل العدد، ويحتمل اختصاصه بأهل الإبل، واللّه أعلم.

17. روى الصدوق باسناده عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعليٍّ عليه السلام، قال: «يا عليّ، إنّ عبدالمطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه له في الإسلام إلى أن قال: وسنّ في القتل مائة من الإبل فأجرى اللّه ذلك في الإسلام».(3)

إكمال

ويمكن استفادة دية النفس من الروايات التي تحدد ديتها، بألف دينار، ونصفها بخمس مائة دينار، وثلثي الدية، بستمائة وستة وستين ديناراً

ص: 25


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 5.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 6.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 14.

وثلثي دينار، وثلث الدية، بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ديناراً وثلث دينار، وخمس الدية، بمائتي دينار، وثمن الدية، بمائة وخمسة وعشرين دينار، وعشر الدية بمائة دينار.(1) إلى غير ذلك من الروايات.

الاختلاف بين الروايات

1. في عدد الغنم

تضافرت الروايات على أنّ الدية من الغنم ألف شاة، ولكن يظهر من رواية عبداللّه بن سنان(2) أنّ مقدار الدية هو ألفان حيث قال: ومن الغنم قيمة كلّ ناب (المسنّة) من الإبل عشرون شاةً، فبما أنّ الواجب من الإبل هو مائة من الإبل، والبدل من كلّ واحد من الإبل عشرون شاة، تكون النتيجة وجوب 2000 من الشياه.

20 * 100\2000.

والّذي يمكن أن يقال هو وجود الضعف في الرواية؛ لأنّها مرسلة حيث إنّ السند كالتالي: علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن عبداللّه بن سنان، نعم نقلها الشيخ بسند صحيح كما مرّ، مضافاً إلى إعراض الأصحاب عن مضمونها حيث لم يقل به أحد من الأصحاب. نعم دلّت الروايات الصحاح الثلاث(3) على العدد المذكور ولكن لم يعمل بها الأصحاب.

ص: 26


1- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 1، 2، 5، 9، 13، 16، 17، 18، 19 من أبواب ديات الأعضاء.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 3، ومضى برقم 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، 3 و 5. وتقدمت في الطائفة الخامسة برقم 12، 13 و 14.
2. في عدد الدراهم

دلت الروايات المتقدّمة تحت الرقم: 1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 8 على أنّ نصاب الدراهم هو عشرة آلاف درهم.

وفي مقابلها ما يدلّ على أنّ النصاب هو اثنى عشر ألف درهم وهي الروايات 4 و 9 و 10. والأُولى ضعيفة للإرسال في السند. والثالثة في سندها القاسم بن سليمان وهو لم يوثق وإن دلّت القرائن على توثيقه.

وأمّا الدلالة فهنا وجهان:

1. الجمع الدلالي على النحو الذي قال به الشيخ وهذا لفظه:

إن هذا العدد «اثنا عشر ألف درهم» من وزن ستة، فإذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف [إذا كان من سبعة] ولا تنافي بين الأخبار.(1)

وهذا يدلّ على أنّ الدراهم كانت مختلفة الوزن، فعلى بعض الأوزان الخفيفة يجب دفع 12,000 درهم إذا كان وزنها من ستة دوانيق، ويجب 10,000 درهم إذا كان من سبعة، وبما أنّ الغالب كان هو الثاني لذلك تضافرت الروايات عليه.

قال الشيخ الطوسي: من يقل اثني عشر ألفاً أراد من وزن ستة، ومن يقل عشرة آلاف أراد من وزن سبعة، فلا يتعارضان على هذا.(2)

فإن قلت: لو دفع 12,000 درهم، من وزن ستة دوانق، يلزم أن يدفع

ص: 27


1- . التهذيب: 10/162، برقم 645.
2- . الخلاف: 5/228، المسألة رقم 10.

333 درهماً زيادة.

توضيحه: إن 10,000 درهم من وزن 7 دوانق يكون وزنها 70,000 دانق، فلو قسمت على وزن 6 دوانق يكون الحاصل أنّ عليه أن يدفع 11,666 درهماً، والتفاوت بين 12,000 و 11,666 هو 333 درهم.(1)

قلت: هذه الزيادة ليست مهمة لأنّ الاعتبار بالسكة على الدرهم لا على مقدار المادة الّتي فيها، فعلى هذا لا مانع من أن يكون عشرة آلاف درهم مساوياً في القيمة مع 12,000 درهم، وذلك لأنّ الدرهم ذا وزن 7 دوانق له اعتبار سوقي أكثر من الدرهم ذا وزن 6 دوانق.

الثاني: أن يحمل ما دلّ على اثني عشر ألف، على التقية، بقرينة ما سيوافيك من أنّ الشافعي في القديم يقول: الأصل مائة من الإبل، فإن اعوزت انتقلت إلى أصلين ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، فتكون الدية أُصولاً ثلاثة: مائة من الإبل، أو ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم.(2)

3. في الحلل

أمّا كفاية الحلل فقد قال في «الجواهر»: فلا أجد فيه خلافاً معتدّاً به بل عن بعض الأصحاب نفيه عنه، بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر

ص: 28


1- . ويمكن إجراء هذه المحاسبة بالشكل التالي: 12000 درهم من وزن 6 دوانق \ 72000 دانق 10000 درهم من وزن 7 دوانق \ 70000 دانق فالتفاوت بين الوزنين \ 2000 دانق وهو يساوي وزن 333 درهماً من وزن 6 دوانق، ويساوي وزن 285 درهماً من وزن 7 دوانق.
2- . الخلاف: 5/226، المسألة 10.

والتحرير وغيرهما، الإجماع عليه.(1)

ومع ذلك فليس له دليل صالح في الروايات سوى صحيح عبدالرحمن (بن الحجّاج) وقد ورد في كلام ابن أبي ليلى دون كلام الإمام الصادق عليه السلام كما مرّ.

نعم ورد في صحيح جميل بن درّاج: في الدية: قال: ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، ومن أصحاب الإبل الإبل ومن أصحاب الغنم الغنم، ومن أصحاب البقر البقر.(2)

ولكن لم يرد فيها العدد، بل على كفاية أصل الحلل.

وعلى ذلك فالاكتفاء بمائتي حلّة في غاية الإشكال لوجود الاختلاف الفاحش في القيمة بينها وبين الآخرين، لأنّ المراد من الحلّتين الرداء والإزار.

فلو فرضناها ثلاث قطع فالثالثة هي العمامة، فأين هي من مائة من الإبل أو مائتي بقرة وألف شاة، والتخيير بينها تخيير بين الأقل والأكثر وهو غير جائز، لأنّ الجاني يختار الأقل مطلقاً فيبقى تشريع الأكثر كاللغو.

ثم إنّه يمكن حل الإشكال بوجهين:

1. تخصيص الحُلّة بأهلها، ولعلّ الاكتفاء هناك بالحلتين أو الحلل لأجل تسهيل الأمر على أهلها.

2. أنّ الاكتفاء بالحلّة لأجل كون كلّ حلّة يومذاك عشرة دنانير ويدلّ 4.

ص: 29


1- . جواهر الكلام: 43/7.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

على ذلك ما رواه في «دعائم الإسلام»(1)، إذ جاء فيها: «وعلى أهل البزّ(2)، مائة حلّة قيمة كلّ حلّة عشرة دنانير»، وعلى هذا فيرتفع الاختلاف ولا يمكن الاكتفاء بالحلل الرخيصة الّتي تورث الاختلاف في القيمة.

هذا كلّه حول ما ذكره المصنّف ويأتي في المسائل الآتية ما يتعلّق بالأُمور الستة.

فإن قلت: إنّ أكثر ما دلّ على دية النفس وارد في قتل الخطأ، فكيف يمكن أن يستدلّ بهذه الروايات على دية العمد، وقد مضى أنّ المصنّف قال في المسألة: في قتل العمد حيث تتعيّن الدية الخ.

قلت: إنّ الأصل في قتل العمد هو القصاص لا الدية، وإنّما تتعيّن الدية فيما لا يجوز القصاص فيه، أو فيما إذا تصالحوا عليها، فعندئذٍ تكون الدية في هذه الحالة دية الخطأ، فلا مانع من ورود هذه الروايات في دية الخطأ وكونها أصلاً في دية العمد أيضاً.

أُصول الديات في فقه أهل السنّة

اشارة

هذا ما عندنا ووافقنا في ذلك: أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل إلّاأنّهم قالوا في الشاة: إنّها ألفان.

وقال أبو حنيفة: لها ثلاثة أُصول: الإبل مائة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، ولا يجعل الإعواز شرطاً، بل يكون بالخيار في تسليم أي

ص: 30


1- . جامع أحاديث الشيعة: 31/394.
2- . البزّ: الثياب.

الثلاثة شاء.

وللشافعي فيه قولان، قال في القديم: الأصل مائة من الإبل، فإن أعوزت انتقلت إلى أصلين: ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم. كلّ واحد منهما أصل، فتكون الدية ثلاثة أُصول: مائة من الإبل أو ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم.

إلّا أنّ للإبل مزية وهي أنّها متى وجدت لم يُعدل عنها، وبه قال أبو بكر وعمر وأنس بن مالك.

وقال في الجديد: إن أعوز الإبل انتقل إلى قيمة الإبل حين القبض ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم، فالدية الإبل والقيمة بدل عنها لا عن النفس.

ثم قال الشيخ: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم.(1)

وقال في «المغني»: قال القاضي: لا يختلف المذهب أنّ أُصول الدية:

الإبل والذهب والورق، والبقر والغنم، وهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها، وهذا قول عمر وعطاء وطاووس، وفقهاء المدينة السبعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد لأن عمرو بن حزم روى في كتابه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم كتب إلى أهل اليمن:

«إنّ من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بيّنة فإنّه قود إلّاأن يرضي أولياء المقتول، وإنّ في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعاً الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلثا أو ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كلّ إصبع من الأصابع0.

ص: 31


1- . الخلاف: 5/226-227، المسألة 10.

المسألة 2: يعتبر في الإبل أن تكون مسنّة، وهي الّتي كملت الخامسة ودخلت في السادسة، وأمّا البقرة فلا يعتبر فيها السن ولا الذكورة والأُنوثة وكذا الشاة، فيكفي فيهما ما يسمّى البقرة أو الشاة، والأحوط اعتبار الفحولة في الإبل وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من قوة. *

في اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، والرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار».(1)

وروى ابن عباس أنّ رجلاً من بني عديّ قُتل فجعل النبي ديته اثني عشر ألفاً، رواه ابن داود وابن ماجة.(2)

وهذا النصّ يدلّ على وجود الخلاف بينهم في عدد الدراهم.

والعجب أنّ القاضي لم يذكر الحلل.

ما هي الشروط المعتبرة في الإبل؟

اشارة

قال المحقّق: ودية العمد مائة بعير من مسانّ الإبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حلّة كلّ حلّة ثوبان من برود اليمن، أو ألف دينار، أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم.(3)

اشترط المصنّف في الإبل أن تكون مسنّة، وهي الّتي كملت الخامسة

ص: 32


1- . مكاتيب الرسول: 2/575، كتابه صلى الله عليه و آله و سلم إلى أهل اليمن.
2- . المغني: 9/481.
3- . شرائع الإسلام: 4/245، بتلخيص.

ودخلت في السادسة، ونقل في «الجواهر» عن «المهذب البارع» وغيره، وقال:

المسانّ: جمع المسنّة وهي من الإبل ما دخل في السادسة، وتسمّى الثنيّة أيضاً.

فإن دخلت في السابعة فهي الرباع والرباعية(1).

ويدلّ على هذا الشرط ما ورد في صحيح معاوية بن وهب ورواية زيد الشحّام وموثقة أبي بصير، أعني قوله عليه السلام: «الإبل المسانّ»(2).

هذا كلّه حول شرط كونها من المسانّ، فهل يشترط فيها الفحولة؟

الظاهر: اشتراطه لما عرفت من رواية معاوية بن وهب وموثقة أبي بصير الّتي جاء فيهما: «مائة من فحولة الإبل المسانّ، فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم».

والجمل يقابل الناقة، والإبل مشترك بينهما.

ورواية زيد الشحّام وإن لم يشتمل المقطع الأوّل منها على كلمة «الفحولة» ولكنّه يستفاد اشتراطها من المقطع الثاني حيث قال: «وإن لم يكن فمكان كلّ جمل». ورواية عبداللّه بن سنان وقد مرّت في الطائفة الثالثة برقم 4، فلاحظ.

وبهذه الروايات الأربع يقيّد ما ورد في بعض الروايات من الإطلاق، ولذلك قال في «الجواهر»: والاحتياط لا ينبغي تركه. وتبعه المصنّف وقال:

والأحوط اعتبار الفحولة في الإبل، ولكنّه قوّى عدم الاعتبار، لاشتمال4.

ص: 33


1- . جواهر الكلام: 43/5.
2- . لاحظ الوسائل 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2 و 5 و 3. وقد مرّ نصّ الروايات الثلاث في الطائفة الخامسة، برقم 12، 13 و 14.

الروايات الثلاث على الترتيب الّذي لا نقول به، أعني: إعطاء مقابل كلّ جمل عشرون من الغنم.

أقول: إنّ الدليل على اشتراط السنّ والفحولة في الإبل هو هذه الروايات الثلاث، وهي مشتملة على أمرين لا نقول بهما:

الأوّل: اشتراط الترتيب، فلا تصل النوبة إلى فحولة الغنم إلّابعد عدم إمكان دفع الجمال.

الثاني: أنّ كلّ جمل يعادل عشرين من فحولة الغنم، فاللازم في الغنم طبقاً لهذه الروايات هو ألفان من فحولة الغنم، لا الألف.

وعندئذٍ نقول: لو كان اشتمال الروايات الثلاث على هذين الأمرين، مانعاً عن الاحتجاج بها فيلزم عدم اشتراط السنّ ولا الفحولة، وإن لم يكن مانعاً فالسنّ والفحولة في عرض واحد، ولا وجه للإفتاء باعتبار السنّ والاحتياط في الفحولة، بل يجب إمّا الإفتاء فيهما أو الاحتياط فيهما، فما في المتن من الإفتاء في السنّ والاحتياط في الفحولة لا يوافق الضابطة.

هذا كلّه في الإبل، وأمّا البقر، فقد قال المحقّق: أو مائتا بقرة.(1) والتاءفي البقرة للجنس لا للتأنيث. واعتبرها في محكيّ النهاية والجامع والمهذّب وتبعهم المصنّف وقال: فلا يعتبر فيها السنّ ولا الذكورة ولا الأُنوثة. وكذا الشاة، فيكفي فيهما ما يسمّى البقرة أو الشاة.

أقول: فيما ذكره نظر:5.

ص: 34


1- . شرائع الإسلام: 4/245.

المسألة 3: الحلّة ثوبان، والأحوط أن تكون من برود اليمن.

والدينار والدرهم هما المسكوكان، ولا يكفي ألف مثقال ذهب أو عشرة آلاف مثقال فضة غير مسكوكين. *

أمّا أوّلاً: فقد ورد ذكر فحولة الغنم في الروايات الثلاث، فلو كانت ممّا يحتجّ به - كما احتجّ بها في السنّ - فيجب أن يحتجّ بها في فحولة الغنم.

وثانياً: قد ورد التعبير عن الغنم بالكبش في بعض الروايات، ففي رواية العلاء بن الفضيل: «وإن كانت من الغنم فألف كبش»(1)، كما ورد في رواية معلى أبي عثمان قوله: «ومن الشاة في المغلظة ألف كبش إذا لم يكن إبل»(2).

* في المسألة أمران:

الأوّل: ما هو المراد بالحُلّة؟

الحُلّة ثوبان، والأحوط أن تكون من برود اليمن.

قال المحقّق في «الشرائع»: أو مائتا حُلّة كلّ حلّة ثوبان من برود اليمن(3).

ويدلّ عليه ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج: قال: سمعت ابن أبي ليلى إلى أن قال: وعلى أهل الحلل (وفي بعض النسخ: أهل اليمن) الحلل، مائتي حُلّة(4). ولكن قد تقدّم أن في «دعائم الإسلام» وجوب (مائة حُلّة قيمة كلّ حُلّة عشرة دنانير)(5).

ص: 35


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 13.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 9.
3- . شرائع الإسلام: 4/245.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
5- . جامع أحاديث الشيعة: 31/331.

وفي «المصباح المنير»: الحُلّة - بالضم - لا تكون إلّاثوبين من جنس واحد.(1)

وفي «النهاية» الأثيرية: الحُلّة واحدة الحُلل، وهي برود اليمن، ولا تُسمّى حُلّة إلّاأن تكون ثوبين من جنس واحد.(2)

وقد نقل في «الجواهر» كلمات سائر اللغويين وأكثرهم على أنّ الحُلّة هي الثوبان، أحدهما إزار والآخر رداء، وبما أنّك قد عرفت أنّ الاقتصار بثوبين في دفع الدية لا يخلو من إشكال، إذ لم يرد في رواية صحيحة، وإن ورد في كلمات الفقهاء، فقلنا - كما سبق -: أنّها لا تجزي إلّافي صورتين:

1. إذا بلغت قيمة المائتي حلّة ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، كما في رواية «دعائم الإسلام».

2. أو إذا وقعت الجناية عند أهل الحلل تسهيلاً لأمرهم فالأولى الاقتصار بالخمسة.

الأمر الثاني: ما هو المراد بالدينار والدرهم؟

يجب أن يكون الدينار والدرهم مسكوكين. ويدلّ على شرطية السكّة ورودها في رواية عبدالرحمن بن الحجّاج وجميل بن درّاج، والعلاء بن الفضيل، والحلبي، ويونس وعبداللّه بن سنان وعبيد اللّه بن زرارة(3).

ص: 36


1- . المصباح المنير: 1/148، مادة «حل».
2- . النهاية في غريب الحديث: 1/432، مادة «حلل».
3- . لاحظ الروايات المذكورة تحت الارقام 1 و 2 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10.

نعم ورد في رواية أبي بصير: «دية المسلم عشرة آلاف من الفضة وألف مثقال من الذهب»(1).

وهنا سؤال: ما هو المراد من السكّة؟ هل أُريد بها السكّة الإسلامية فهي غير موجودة الآن، لأنّ المراد السكّة التي يتعامل بها فتقع ثمناً، وإن أُريد الأعمّ إسلامية كانت أم غيرها فهو أيضاً لا يخلو من إشكال، إذ لا يتعامل بها.

والّذي يمكن أن يقال هو: إنّ الميزان ما في رواية أبي بصير، وهو أنّ المطلوب هو الفضة والذهب الخالصين من الغش، وإنّما اعتبرت السكّة لأجل أنّ المسكوك يقع مورد ثقة عند الإنسان لخلّوه من الغش، ويظهر من الرجوع إلى الروايات في بيع الدرهم المغشوش أنّ الدراهم والدنانير كانا مختلفين من حيث النقاوة، ولذلك اعتبر الإمام عليه السلام في بعض الموارد الورق الخاص.

فظهر بذلك جواز الاكتفاء بنفس الذهب والفضة إذا كانا خالصين من الغش بحيث يكونا قريبين من الدرهم والدينار المسكوكين من جهة الاشتمال على المادّة.3.

ص: 37


1- . لاحظ الرواية تحت رقم 3.

المسألة 4. الظاهر أنّ الستة على سبيل التخيير، والجاني مخيّر بينها، وليس للولي الامتناع عن قبول بذله، لا التنويع بأن يجب على أهل الإبل الإبل، وعلى أهل الغنم الغنم وهكذا، فلأهل البوادي أداء أيّ فرد منها، وهكذا غيرهم وإن كان الأحوط التنويع. *

الجاني مخيّر في بذل ما يشاء وليس للولي الاعتراض

قال المحقّق: وهذه الستة أُصولٌ في نفسها، وليس بعضها مشروطاً بعدم بعض، والجاني مخيّر في بذل أيّها شاء(1).

وقد أشار المحقّق في الفقرة الأُولى إلى المسألة الخامسة في كلام المصنّف، وفي الفقرة الثانية إلى مسألتنا هذه، وكان على المصنّف تقديم المسألة الخامسة على الرابعة لأنّ التخيير فرع كونها أُصولاً ستة.

ما ذكره قدس سره هو ظاهر قسم من الروايات،(2) لكن الظاهر ممّا رواه معاوية بن وهب وزيد الشحّام وأبو بصير، خلاف ذلك.

ففي الأُولى: «فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم».(3)

ونظيره ما في رواية زيد الشحّام،(4) ورواية أبي بصير(5).

ص: 38


1- . شرائع الإسلام: 4/245-246.
2- . لاحظ الرواية رقم 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 5.
5- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

المسألة 5. الظاهر أنّ الستة أُصول في نفسها، وليس بعضها بدلاً عن بعض ولا بعضها مشروطاً بعدم بعض، ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي، فالجاني مخيّر في بذل أيّها شاء. *

وفي رواية أبي بصير الأُخرى: «دية الرجل مائة من الإبل فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك»(1).

وقد حمله صاحب الجواهر على التقية لرجحان الأُخرى عليها، ويمكن أن يقال: إنّ هذه الروايات وردت تعليماً، لا أنّ الثاني مشروط بعدم الأوّل، نظير قول الإمام عليه السلام: «وإن فاتك الماء لم يفتك التراب».

والمراد تسهيل الأمر على الناس لا تضييق الأمر عليهم. كما هو اللازم من إلزام البدوي بدفع الأنعام، والقروي بدفع النقدين.

فإذا كان في مقام التعليم لا يستفاد منه شرطية عدم الأوّل إلّاإذا كانت هناك قرينة كما في رواية التيمّم.

حصيلة الكلام: أنّ في تخصيص كلّ طائفة بنوع خاص بحيث لا يجوز له دفع النوع الآخر، حرجاً لا يلائم روح الإسلام، بعد كون الجميع مساوياً لما هو الغاية من الدية.

الجاني مخيّر في بذل ما شاء من الأُصول الستة

أمّا كونها أُصولاً مستقلّة فهو ظاهر ما دلّ على التخيير كما مرّ، فإنّ لازم التخيير كونها أُصولاً مستقلة، وقد عرفت أنّ ما دلّ على اختصاص

ص: 39


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 12.

بعض الأصناف بطائفة خاصّة إنّما هو من باب التسهيل، خصوصاً في زمان كان الدرهم والدينار في غاية الندرة، كما يُعلم ممّا روي عن علي عليه السلام.

نعم يظهر من ابن البرّاج اعتبار التساوي في القيم، قال: فدية العمد المحض إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ألف دينار جياد، وإن كان من أصحاب الفضّة فعشرة آلاف درهم جياد، وإن كان من أصحاب الإبل فمائة مسنّة قيمة كلّ واحدة منها عشرة دنانير، أو مائتا مسنّة من البقر إن كان من أصحاب البقر قيمة كلّ واحدة منها خمسة دنانير، أو ألف شاة إن كان من أصحاب الغنم قيمة كلّ واحدة منها دينار واحد، أو مائتا حُلّة إن كان من أصحاب الحلل قيمة كلّ حلّة خمسة دنانير»(1).

وبذلك يُعلم أنّ ما ذكره المصنّف تبعاً لأكثر الفقهاء من قوله: «ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي فالجاني مخيّر في بذل أيّها شاء» لا يمكن المساعدة عليه، إذا كان التفاوت فاحشاً، نعم التقارب القليل لا يكون مانعاً، لأنّه لازم تجويز الأُصول الستة على وجه التخيير، إذ قلّما يتّفق أن يكون النوعان متّحدين في القيمة مائة بالمائة.

نعم لا يبعد التقارب بين الأُصول الخمسة أي: ألف دينار وعشرة آلاف درهم، ومائة إبل ومائتا بقرة، وألف شاة في عصر صدور الروايات.

ويظهر هذا ممّا رواه الفريقان في أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم دفع ديناراً لعروة البارقي ليشتري شاة. والرواية دالّة على أنّ قيمة الشاة يوم ذاك كانت ديناراً، وهو6.

ص: 40


1- . المهذب: 2/457؛ جواهر الكلام: 43/16.

وإن اشترى شاتين، بذكائه ولكنّه باع إحداهما بدينار(1)، وهو أيضاً يحكي عمّا ذكرناه من كون قيمة الشاة كانت ديناراً.

ولو افترضنا وجود التفاوت الكثير بين الأنواع في عصرنا فما هو الحل؟ فهنا وجهان:

1. أنّ المرجع هو الذهب والفضة، وذلك لأنّ التقدير بهما أمر ثابت، وإنّما يقدّر سائر الأجناس بهما، وعلى هذا فالميزان هو ما ذُكر، فلو وافق سائر الأجناس معهما أو قاربهما فهو، وإلّا فيترك ويؤخذ بالدرهم والدينار، ولعلّ قيمة سائر الأجناس كانت في عصر الصدور وبعده قليلاً، مساوية لألف دينار أو عشرة آلاف درهم كما مرّ.

ويشهد على ذلك أنّه لو اختلف مقدار المساحة مع مقدار الوزن بالكيل في الكرّ يكون المرجع هو الثاني لأنّه أمر ثابت، بخلاف المساحة بالأشبار فإنّها تختلف حسب كون الإنسان قصيراً أو طويلاً.

2. أن يكون المرجع هو الإبل، لأنّه الأصل في دية النفس وقد سنّها عبدالمطلب وأمضاها الإسلام، وما بقي من الأصناف فرع له، فيكون المرجع هو الأصل عند الاختلاف البارز بين الأُصول.

نعم لو كان الاختلاف قليلاً، والذي لا تنفك عنه الأُصول المختلفة الفرع فالجاني مخيّر بينهما.6.

ص: 41


1- . مسند أحمد: 4/376.

المسألة 6. يعتبر في الأنعام الثلاثة هنا وفي قتل شبيه العمد والخطأ المحض: السلامة من العيب، والصحّة من المرض، ولا يعتبر فيها السمن، نعم الأحوط أن لا تكون مهزولة جدّاً وعلى خلاف المتعارف، بل لا يخلو ذلك من قوّة، وفي الثلاثة الأُخر السلامة من العيب، فلا تجزي الحلّة المعيوبة، ولا الدينار والدرهم المغشوشان أو المكسوران، ويعتبر في الحلّة أن لا تقصر عن الثوب، فلا تجزي الناقصة عنه بأن يكون كلّ من جزئيها بمقدار ستر العورة، فإنّه لا يكفي. *

الشروط المعتبرة في الأُصول الستة

في المسألة أُمور ثلاثة:

1. السلامة من العيب والصحّة من المرض في الأنعام الثلاثة.

2. السلامة من الغش والكسر في الدينار والدرهم ومن العيب في الحُلّة.

3. يشترط في الحلّة أن لا تقصر عن الثوب، فلا تجزي الناقصة عنه.

أمّا الدليل على السلامة من العيب والصحّة من المرض هو انصراف إطلاقات الروايات إلى العاري منهما، كما هو الحال إذا بيع واحد منهما فينصرف إلى السليم والصحيح، فلو بان أيضاً معيوباً أو مريضاً فللمشتري خيار الفسخ، وما ذلك إلّالأنّ المبيع منصرف إلى الصحيح من العيب والسليم من المرض وإن لم يذكرا في متن العقد.

ومنه يعلم حال الثلاثة الأخيرة، فالمغشوش أو المكسور من الدينار والدرهم، والمعيوب من الحلّة لا يجزي لانصراف الأدلّة إلى غيرهما.

ص: 42

المسألة 7. تستأدى دية العمد في سنة واحدة، ولا يجوز له التأخير إلّا مع التراضي، وله الأداء في خلال السنة أو آخرها، وليس للولي عدم القبول في خلالها، فدية العمد مغلّظة بالنسبة إلى شبه العمد والخطأ المحض في السنّ في الإبل والاستيفاء، كما يأتي الكلام فيهما. *

والجميع من قبيل الشروط المبني عليها العقد في المعاملات وإن لم يكن مذكوراً في متنه، ومثله المقام فالروايات منصرفة إلى الصحيح من العيب والسليم من المرض.

وهذا كلّه حول السلامة والصحّة.

نعم يشترط في الحلّة ألّاتقصر عن الثوب فلا تجزي الناقصة عنه، فلا يكفي أن يكون كُلٌ ساتراً للعورة، بل يجب أن يكون القميص طويلاً والاتّزار بالإزار كذلك.

دية العمد تُستأدى في سنة واحدة

قال المحقّق: تستأدى دية العمد في سنة واحدة من مال الجاني، مع التراضي بالدية، وهي مغلّظة في السن والاستيفاء.(1)

الدية تنقسم إلى مغلّظة ومخفّفة، فدية العمد مغلّظة بالنسبة إلى دية شبه العمد، والدية الثانية مغلّظة بالنسبة إلى دية الخطأ.

وقد أشار المصنّف هنا إلى أنّ التغليظ في أمرين:

1. أن تكون من مسانّ الإبل وهي ما دخل السنة السادسة.

ص: 43


1- . شرائع الإسلام: 4/245.

2. تستأدى في سنة واحدة بخلاف شبه العمد والخطأ.

ويدلّ على الأوّل ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن دية العمد؟ فقال: «مائة من فحولة الإبل المسانّ».(1)

ويدلّ على الثاني صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتستأدى دية العمد في سنة»(2). والمسألة مورد اتّفاق.

قال في «الخلاف»: الدية المغلّظة هي ما تجب عن العمد المحض، وهي مائة من مسانّ الإبل.

وقال أيضاً: دية العمد المحض حالّة في مال القاتل. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: هي مؤجلة عليه في ثلاث سنين.(3)

ومراده من كونها حالّة في مقابل التأجيل في ثلاث سنين، فذكر في كلامه التغليظ في الأمرين المذكورين.

وبذلك يُعلم أنّ ما أورده صاحب الجواهر على الشيخ غير تامّ.(4)

وأمّا مبدأ السنّة فربما قيل من حين التراضي لا من حين الجناية، ولكن الظاهر أنّ المبدأ هو صدور الحكم من القاضي بالدية.

نعم لو بذل الجاني الدية فليس للمجني عليه عدم القبول، شأن كلّ 3.

ص: 44


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2. ولاحظ الحديث 3 و 5.
2- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
3- . الخلاف: 5/219، المسألة 3 و 4.
4- . جواهر الكلام: 43/13.

المسألة 8. للجاني أن يبذل من إبل البلد أو غيرها، أو يبذل من إبله أو يشتري أدون أو أعلى مع وجدان الشرائط من الصحّة والسلامة والسنّ، فليس للولي مطالبة الأعلى أو مطالبة الإبل المملوك له فعلاً. *

دين حالّ إذا بذله المديون فليس للدائن الامتناع عن أخذه، إلّاأن يرضى ولي المجنيّ عليه بالتأخير، فيجوز.

فالتغليظ في السنّ يرجع إلى الإبل خاصّة، والتغليظ في الاستيفاء يرجع إلى عامّة الأُصول.

وبذلك يصحّ عدم جواز التأخير عن السنة مع الإمكان.

الجاني مخيّر في البذل مع مراعاة الشرائط

قد عرفت أنّ المشهور هو تخيير الجاني بين الأصناف الخمسة أو الستة، فعلى هذا فللجاني أن يبذل أي إبل كانت، إبل أهل بلده أو غيره، الإبل الّتي يملكها أو يشتريها من غيره، من غير فرق بين الأعلى والأوسط والأدنى إذا كان جامعاً للصحّة والسلامة والسنّ.

فلو طلب المجنيّ عليه الإبل الأعلى أو الإبل المملوكة له، فلا يجب على الجاني إجابته.

والدليل في كلّ ذلك إطلاق الدليل في كلّ الصور.

ص: 45

المسألة 9. لا يجب على الولي قبول القيمة السوقية عن الأصناف لو بذلها الجاني مع وجود الأُصول، ولا على الجاني أداؤها لو طالبها الولي مع وجودها، نعم لو تعذّر جميع الأصناف وطالب الولي القيمة تجب أداء قيمة واحدة منها، والجاني مخيّر في ذلك، وليس للولي مطالبة قيمة أحدها المعيّن. *

المسألة 10. الظاهر عدم إجزاء التلفيق بأن يؤدّي مثلاً نصف المقدّر ديناراً ونصفه درهماً، أو النصف من الإبل والنصف من غيرها.

**

لو بذل الجاني القيمة السوقية مع وجود الأُصول

إذا كان الواجب على الجاني نفس الأُصول الستة فذمّته مشغولة بأحدها لا بقيمتها، وعلى هذا لو بذل الجاني القيمة مع وجود الأُصول، لا يجب على الولي قبول القيمة السوقية عن الأصناف، ولو طالب بها الولي لا يجب على الجاني أداؤها مع وجود الأصناف، لما عرفت من أنّ الواجب هو نفس الأُصول.

نعم لو تعذّرت جميع الأصناف فإن صبر الولي حتّى يرتفع العذر فهو، وإن طالب ينتقل إلى أداء قيمة واحدة منها. وبما أنّ الجاني مخيّر بين الأصناف، فتكون النتيجة أنّه مخيّر بين قيمة واحد منها.

عدم إجزاء التلفيق بين الأُصول

إنّ الواجب على الجاني أحد الأُصول، والملفقّ ليس منها، إلّاإذا كان بينهما تراضٍ وتصالح.

ص: 46

المسألة 11. الظاهر جواز النقل إلى القيمة مع تراضيهما، كما أنّ الظاهر جواز التلفيق بأن يؤدّي نصف المقدّر أصلاً، وعن نصفه الآخر من المقدّر الآخر قيمة عنه لا أصلاً. *

المسألة 12. هذه الدية على الجاني، لا على العاقلة ولا على بيت المال؛ سواء تصالحا على الدية وتراضيا بها، أو وجبت ابتداءً، كما في قتل الوالد ولده ونحوه ممّا تعيّنت الدية. **

في جواز التراضي على القيمة أو على التلفيق

إذا كان الواجب عليه أوّلاً وبالذات هو الأُصول الخمسة أو الستة فالجاني مديون والمجني عليه دائن، وللدائن إسقاط الدية عن ذمّته من رأس، فإذا كان هذا جائزاً فالتراضي على القيمة أو على التلفيق أولى بأن يكون جائزاً، لأنّ كلّ ذلك من باب الدين، والاختيار بيد المديون.

دية قتل العمد على الجاني لا على العاقلة

ويدلّ عليه معتبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تضمن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً»(1).

وفي السند «عليّ بن أبي حمزة» ولكن الراوي عنه، هو الحسن بن محبوب، وهو أجلّ من أن يروي عن واقفي حين وقفه، فلابد من أن يقال: إنّه أخذ عنه الحديث حين استقامته؛ ومثله خبر السكوني.(2)

ص: 47


1- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

المسألة 13. دية شبيه العمد هي الأصناف المتقدّمة، وكذا دية الخطأ. ويختصّ العمد بالتغليظ في السنّ في الإبل والاستيفاء كما تقدّم. *

ولا على بيت المال لاختصاصه بما إذا لم يُعرف الجاني. والمسألة مورد اتّفاق.

هذا من غير فرق بين وجوب القصاص ابتداء وتراضيا على الدية، أو وجبت الدية ابتداءً كما في قتل الوالد ولده، فإنّ الوالد لا يقتل بالولد، فالواجب عليه الدية ابتداءً، والدليل ما تقدّم.

وبالجملة مقتضى القاعدة كون الجاني هو الضامن للدية؛ سواء ثبتت ابتداءً، أو تراضيا عليها، خرج منه قتل الخطأ حيث تضمنها العاقلة على خلاف القاعدة.

الدية في العمد وشبهه والخطأ واحدة

الدية في الأقسام الثلاثة (العمد وشبهه والخطأ) واحدة، وهو ظاهر الإطلاقات الكثيرة حيث سُئل عن مقدار الدية على وجه الإطلاق، فأجاب بأنّ الدية كذا وكذا، من غير فرق بين الأقسام الثلاثة.

روى عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: الدية ألف دينار، وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعشرة الآف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي مائة من الإبل، وعلى أهل السواد مائتي بقرة أو ألف شاة».(1)

وإطلاق الرواية وغيرها يعمّ الأقسام الثلاثة، فلاحظ.

ص: 48


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، ذيل الحديث 1.

المسألة 14. اختلفت الأخبار والآراء في دية شبيه العمد، ففي رواية: أربعون خلفة أي الحامل، وثنيّة، وهي الداخلة في السنة السادسة، وثلاثون حقّة، وهي الداخلة في السنة الرابعة، وثلاثون بنت لبون، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

وفي أُخرى: ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة، وهي الداخلة في السنة الخامسة، وأربع وثلاثون ثنيّة كلّها طروقة، أي البالغة ضراب الفحل أو ما طرقها الفحل فحملت.

وفي ثالثة: بدل «كلّها طروقة» «كلّها خلفة».

وفي رابعة جمع بينهما فقال: كلّها خلفة من طروقة الفحل، إلى غير ذلك، فالقول بالتخيير للجاني بينها غير بعيد، لكن لا يخلو من إشكال، فالأحوط التصالح، وللجاني الأخذ بأحوطها. *

اختلاف الأخبار والآراء في دية شبه العمد

اشارة

قبل البدء في بيان مصادر الأحكام المختلفة في دية شبه العمد نذكر معنى المفردات الواردة فيها:

1. الخلفة: الحامل من النوق، وإنّما تطلق على الحامل لأنّها تخلِف الولد.

2. الثنيّة: هي الّتي تدخل في السنة السادسة والناقة ثنيّة، والثنيّ الّذي يلقي ثنيّته وهي أسنان مقدّم الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل.

3. الحِقّة: الطاعن في الرابعة، للذكر والأُنثى يقال لها: حقّة لأنّها يحقّ لها أن تركب. وربّما يطلق على المذكّر «حقّ» والمؤنث «حقّة».

ص: 49

4. الجذعة: وهي الداخلة في السنة الخامسة، سمّيت بذلك لأنّها تجذع مقدّم أسنانها أي تسقط.

ولعلّ الفرق بين الثنيّة والجذعة في الإبل هو زمان سقوط الأسنان، لكن في الصحاح: الجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط، وعلى هذا فالفرق بينهما واضح.

ثم إنّ الماتن أتى في المتن بمصطلحات نشير إليها تباعاً:

5. ثنيّة كلّها طروقة: أي البالغة ضراب الفحل، ولعلّ العبارة تشير إلى قابليتها للحمل.

6. أوما طرقها الفحل فحملت إشارة إلى فعلية الحمل.

7. بدل «كلّها طروقة»، «كلّها خلفة»، أي الحوامل.

8. جمع بينهما فقال: كلّها خلفة من طروقة الفحل، ولعلّه إشارة إلى كونها حوامل من طروقة الفحل.

وهناك مصطلحات لا بأس بالإشارة إليها:

أوّل ما تطرحه أُمّه إلى تمام السنة: حوار، مالم ينفصل عن أُمّه، فإذا انفصل فهو: فصيل.

وإذا دخل في الثانية سمّي: ابن مخاض، أي ولد أُمّ حامل وهي مخاض؛ وذلك لأنّ الناقة بعد فصل الولد تصير حاملاً.

فإذا دخل في الثالثة سمّي ابن لبون، أي ولد أم ترضع ولدها.

وقد علمت أسماء من دخل الخامسة والسادسة، فإذا دخل في

ص: 50

السابعة ألقى رباعيته وسمّي رَباعاً، فإذا دخل في الثامنة ألقى السنّ الّتي بعد الرباعية سمّي سديساً، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسمّي بازل، يقال: بزل ناب البعير أي طلع، فإذا دخل في العاشر فهو مخلف(1).

ذكر المصنّف أنّ الأخبار اختلفت في دية شبيه العمد، فذكر روايات أربع، وها نحن نذكر تلك الروايات مع الإشارة إلى مَنْ أفتى طبقاً لمضمونها.

الأوّل: ما يدلّ على أنّ دية شبه العمد هي 40 خلفة وثنيّة، و 30 حقّة، و 30 بنت لبون

اشارة

ويدلّ عليه رواية واحدة وهي صحيحة عبداللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر، أنّ دية ذلك تغلظ، وهي مائة من الإبل: منها أربعون خلفة من بين ثنيِّة إلى بازل عامها - أي الحاملة من بين الداخلة السنة السادسة إلى التاسعة - وثلاثون حقّة، وثلاثون بنت لبون»(2).

وقد رواها المشايخ الثلاثة والسند صحيح، فهذا هو المستند في الباب لولم يدلّ دليل أقوى منه على الخلاف.

فإن قلت: إنّ ظاهر الرواية تعيّن الإبل في دية شبه العمد، وهو مخالف للإجماع.

ص: 51


1- . انظر من لا يحضره الفقيه: كتاب الزكاة: 2/25، ونقله أيضاً في معاني الأخبار: 328 وقال: وجدت مثبتاً بخط سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

قلت: إنّ الرواية بصدد بيان من يريد دفع الدية من الإبل وأنّه يجب أن يدفع كذا وكذا، لا أنّ الإبل متعيّنة مطلقاً.

وقد ذكر المحقّق قولين وقال بعد ذكر الأوّل: وفي رواية: ثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقّة، وأربعون خلفة وهي الحامل.(1)

وقال العاملي في «مفتاح الكرامة»: هذه الرواية رواها المحمّدون الثلاثة وهي صحيحة في بعض الطرق عن عبداللّه بن سنان، وبها عمل الصدوق في الفقيه في ظاهره، والمقنع والجامع على ما حُكي عنه، والمختلف والمقتصر والمسالك والمفاتيح، وقد حكي عن أبي عليّ وهو الظاهر عن التحرير، ونسبه في الغنية إلى الرواية. وقد عمل بها في «المبسوط» غير أنّه أثبت مكان «ثلاثين بنت لبون» ثلاثين جذعة.(2)

وقد اختاره صاحب الجواهر حيث قال: فالمتّجه العمل بما في رواية عبداللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام(3). فاللازم دفع أربعين خلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها وثلاثون حِقّة وثلاثون جَذَعة.

الثاني: الواجب ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنيّة كلّها طروقة.

ويدلّ عليه ما رواه أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام حيث قال: «دية المغلظة الّتي تشبه العمد ثلاث، وثلاثون حقّة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع0.

ص: 52


1- . شرائع الإسلام: 4/246.
2- . مفتاح الكرامة: 10/359-360، الطبعة القديمة.
3- . جواهر الكلام: 43/20.

وثلاثون ثنية كلّها طروقة الفحل».(1)

والطروقة على وزن فعولة بمعنى مركوبة الفحل، وكلّ امرأة طروقة فحلها، كذا كلّ ناقة طروقة فحلها، والجملة كناية عن الحمل.

وفي السند علي بن أبي حمزة إلّاأنّ الراوي عنه علي بن الحكم الذي هو ثقة جليل القدر من رجال الإمام الرضا عليه السلام والجواد عليه السلام، له أكثر من 1462 رواية في الكتب الأربعة.

الثالث: ثلاث وثلاثون حِقّة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنيّة كلّها خَلِفَة.

ويمكن أن يكون نظر المؤلّف إلى ما رواه ابن أبي عمير قال: فقلت لجميل هل للإبل أسنان معروفة؟ فقال: نعم ثلاث وثلاثون حقّة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها، كلّها خلفة إلى بازل عامها(2).

لكن الرواية في مورد الخطأ لا في مورد شبه العمد كما صرّح به في ذيل الرواية؛ ويمكن أن يكون مستنده ما رواه في «عوالي اللآلي» عن محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل، عن الصادق عليه السلام أنّها (أي دية المغلظّة الّتي تشبه العمد) ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون كلّها خلفة(3).ر.

ص: 53


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.
3- . عوالي اللآلي: 3/609. ولعلّه سقط لفظ «ثنيّة» بعد قوله: «وأربع وثلاثون» وإلّا لا تصلح للاستدلال وتكفي رواية ابن أبي عمير.

الرابع: ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنيّة كلّها خلفة من طروقة الفحل.

ويدلّ عليه ما رواه العلاء بن الفضيل، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال: والدية المغلّظة في الخطأ الذي يشبه العمد ثلاث وثلاثون حقّة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنيّة كلّها خَلِفة من طروقة الفحل».(1)

والسند لا يخلو من ضعف لوجود محمد بن سنان فيه.

والعجب أنّ الظاهر من الشرائع أنّ الأقرب عنده: ثلاث وثلاثون بنت لبون، وثلاث وثلاثون حقّة، وأربع وثلاثون ثنيّة طروقة الفحل.(2)

وليس في الروايات ما يدلّ عليه إلّاأنّ الجزء الأوّل من كلامه - أعني:

ثلاث وثلاثون بنت لبون - لم يرد في واحدة من الروايات وإنّما الوارد في رواية عبداللّه بن سنان ثلاثون بنت لبون.

وأمّا الفقرة الثانية - أعني: ثلاث وثلاثون حقّة وأربع وثلاثون ثنيّة طروقة الفحل - فقد وردت في رواية العلاء بن الفضيل. فالجزء الأوّل من كلامه ليس له دليل والجزءان الآخران وردا في رواية العلاء بن الفضيل، أعني:

هي دليل القول الثالث. فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ المسألة شائكة والروايات متعارضة وليس للأصحاب قول موحّد، فلم يستبعد المصنّف تخيير الجاني لكنّه استدرك وقال: لكن لا يخلو من إشكال، فالأحوط التصالح، وللجاني6.

ص: 54


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 13.
2- . شرائع الإسلام: 4/246.

المسألة 15: هذه الدية أيضاً من مال الجاني لا العاقلة، فلو لم يكن له مال استسعى أو أُمهل إلى الميسرة كما في سائر الديون، ولو لم يقدر عليها ففي كونها على بيت المال احتمال. *

الأخذ بأحوطها.

ولكن الأقوى هو الأخذ بالقول الأوّل وهو رواية عبداللّه بن سنان الّتي نقلها المشايخ الثلاثة، وعن جمع من الأصحاب العمل به.

* في المسألة فروع ثلاثة:

الأوّل: دية شبه العمد على الجاني

وذلك مقتضى قاعدة كون دية الجناية على الجاني، فالمباشر لها أولى بأن يدفع ثمن الجناية من غيره، وأمّا ثبوتها على العاقلة في الخطأ فقد خرج بالنص، والسرّ في تشريعها على العاقلة، إيجاد التعاون والتعاضد في أداء هذا الدين الباهض، وبقي الباقي تحت القاعدة وأنّه على الجاني.

الثاني: لو ثبت إعسار الجاني

فهنا احتمالان:

1. أن يستسعي في أداء الدية، استلهاماً من قول الإمام علي عليه السلام في المديون ليس له مال: «يدفع إلى الغرماء فيقال: اصنعوا به ما شئتم إن شئتم فآجروه، وإن شئتم استعملوه».(1) وهو يدلّ على وجوب التكسّب.

ص: 55


1- . الوسيلة: 441.

المسألة 16. الأحوط للجاني أن لا يؤخّر هذه الدية عن سنتين، والأحوط للوليّ أن يمهله إلى سنتين، وإن لا يبعد أن يقال تُستأدى في سنتين. *

2. الإمهال إلى الميسرة ولا يجب عليه التكسّب؛ لقوله تعالى: «وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»1 ، كما إذا صار صاحب مال عن طريق الإرث والهبة، وقد أشار المصنّف إلى كلا القولين.

ولكن القول الأوّل هو الأقرب، كما عليه المحقّق في باب الدين.

الثالث: لو لم يقدر على الدية

ولو لم يقدر عليها، فهل هي على بيت المال؟ احتمال ذكره المصنّف في المتن أخذاً بالضابطة الكلية لئلّا يبطل دم امرئ مسلم، لكن في عموم القاعدة بحث ونظر.

في مدة استيفاء دية شبه العمد

في المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّ دية شبه العمد تستوفى في سنتين، ونقله في «مفتاح الكرامة» عن المقنعة والمبسوط والمراسم والغنية والسرائر والإرشاد والتبصرة والمختلف واللمعة والمهذب البارع والمقتصر، والرياض إلى غير ذلك من أعلام الفقه، على نحو يعرب عن كونه المشهور بين الأصحاب.

الثاني: ما عليه ابن حمزة من أنّه تؤدّى في سنة إن كان موسراً، وإلّا في سنتين.(1)

ص: 56


1- . الوسيلة: 441.

الثالث: إنّها تؤدّى في ثلاث سنين، وهو خيرة السيد الخوئي.

أمّا القول الأوّل: فقد استدلّ عليه في «المختلف»، وغيره بالاعتبار؛ لأنّه كما ظهر التفاوت بين العمد والخطأ في الأجل لتفاوت الجناية فيها، وجب أن يظهر بالنسبة إليهما وإلى شبيه العمد في الزمان لوجود المقتضي عملاً بالمناسبة.(1)

وبعبارة أُخرى: إنّ الاستيفاء في سنتين فيه تخفيف بالإضافة إلى العمد، وتغليظ بالإضافة إلى الخطأ المحض، حيث إنّ الدية في الأوّل تؤدّى في سنة، وفي الثاني تؤدّى في ثلاث، ففي شبه العمد تؤدّى لا محالة في سنتين.

وأمّا الثاني: أنّها تؤدّى في سنة إن كان موسراً، والظاهر أنّه لا دليل عليه إلّا إمكان إطلاق العمد عليه في الجملة فإنّه يقال عمد شبيه بالخطأ،(2) ولا يخفى ضعفه، فإنّ ما دلّ على أنّ دية العمد تُستأدى إلى سنة منصرف إلى العمد المحض.

وأمّا الثالث: أنّها تستأدى في ثلاث سنين: وهو خيرة السيد الخوئي.

واستدلّ عليه بإطلاق صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: «تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتُستأدى دية العمد في سنة»(1).

يلاحظ عليه: أنّه لو كان الإمام مقتصراً بذكر الخطأ لصحّ الأخذ بإطلاقه الشامل للخطأ شبه العمد، لكن تذييله بذكر حكم العمد يورث الإجمال1.

ص: 57


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

في الصدر لاحتمال دخول المورد في العمد.

وبعبارة أُخرى: أنّ سكوت الإمام عن دية شبه العمد، دائر بين دخولها في دية الخطأ أو في دية العمد، ولا وجه للترجيح.

نعم يؤيّده ما ورد في صحيحة عبداللّه بن سنان: «في الخطأ وشبه العمد أن يقتل بالسوط»(1)، حيث جعل شبه العمد تفسيراً للخطأ، وهذا دليل على دخوله في الخطأ لا في العمد.

ما هو مقتضى الأصل عند الشكّ؟

إذا كان المورد مردّداً بين دخوله في العمد وبين دخوله في الخطأ، يقع الكلام في مقتضى الأصل فيمكن أن يقال: الأصل في الدية الفورية، وخرج عنه التأخير إلى سنة بالإجماع والأصل بقاؤها على حالها.

يلاحظ عليه: أنّ الفور والتراخي خارجان عن مدلول الأمر بدفع الدية وكلٌّ رهن دليل خارجي كما حقّق في محلّه وكون الشيء ديناً، لا يلازم إيفاءه فوراً، بل تابع لكيفية تعلّقه.

ويمكن أن يقال: العلم بحرمة تأخيرها عن ثلاث سنوات، أمر مسلّم، وأمّا الزائد عليها - أعني: حرمة التأخير عن السنة أو السنتين - فهي أمر مشكوك والأصل عدمها، فينطبق على مختار السيد الخوئي قدس سره.

ثم إنّ المصنّف احتاط في جانب الجاني فقال: عليه أن لا يؤخّر هذه الدية عن سنتين، واحتاط في جانب الولي فقال: عليه أن يمهله إلى سنتين.

ص: 58


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

المسألة 17. لو قلنا بلزوم إعطاء الحوامل لو اختلف الولي ومن عليه الدية في الحمل، فالمرجع أهل الخبرة، ولا يعتبر فيه العدالة، وتكفي الوثاقة واعتبار التعدّد أحوط وأولى، ولو تبيّن الخطأ لزم الاستدراك، ولو سقط الحمل، أو وضع الحامل، أو تعيّب ما يجب أداؤه، فإن كان قبل الإقباض يجب الإبدال، وإلّا فلا. *

أقول: الأَولى أن يقول: أن لا يؤخّر عن سنة لاحتمال دخول الجناية في العمد، كما أنّ الأَولى أن يقول: الأحوط أن يمهله الولي إلى ثلاث سنين لاحتمال دخولها في الخطأ.

وأمّا قول المصنّف في آخر المسألة: لا يبعد أن يقال: تُستأدى في سنتين لأجل أنّ الشهرة الفتوائية كافية في ثبوت الحكم، كما حقّق في محلّه.

القول بلزوم إعطاء الحوامل والاختلاف فيها

في المسألة فروع خمسة:

1. لو اختلف الولي ومن عليه الدية في وجود الحمل فما هو المرجع؟

2. لو كان المرجع، هو أهل الخبرة فهل تعتبر فيهم العدالة أو تكفي الوثاقة؟

3. هل يعتبر فيهم التعدّد أو يكفي الواحد؟

4. لو تبيّن خطأ أهل الخبرة.

5. لو سقط الحمل أو وضع أو تعيّب.

أمّا الأوّل: فقد قال المحقّق: ولو اختلف في الحوامل رجع إلى أهل

ص: 59

المعرفة، ولو تبيّن الغلط لزم الاستدراك. ولو أُزلقت بعد الإحضار قبل التسليم لزم الإبدال، وبعد الإقباض لا يلزم.(1)

لم يسبق من المصنّف اعتبار الحوامل في دية شبه العمد وإن ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، ولذلك قال: «لو قلنا بلزوم إعطاء الحوامل» نعم هو المختار عندنا فقد ورد فيها «أربعون خَلِفة بمعنى الحامل» فلو عملنا بها، فعندئذٍ يقع الكلام فيما لو اختلف الولي ومن عليه الدية في وجود الحمل وأنّ الناقة، هل هي حامل أو لا؟ فالمرجع فيه - كسائر الموضوعات الّتي يختلف فيها المترافعان - هم أهل الخبرة.

وأمّا الثاني: فالظاهر كفاية الوثوق للسيرة المستمرة بين العقلاء في المقام، حيث يرجعون إلى الأطباء وأصحاب التخصّصات إذا كانوا ثقاة، وقد قلنا في محلّه: إنّ الحجّة ليست قول الثقة، بل الخبر الموثوق الصدور.

وأمّا الثالث: كفاية الواحد، فالظاهر كفايته لما أثبتنا في كتاب «كليات في علم الرجال» حجّية قوله في غير ما اشترط فيه تعدّد الشاهد، كالمرافعات والهلال والطلاق، وقد احتاط في المتن باعتبار التعدّد، وهو حسن.

الرابع: لو تبيّن خطأ حدس الخبير لزم الاستدراك على الجاني؛ لأنّ قوله حجّة من باب الطريقية، وقد انكشف عدم صوابه، فالذمة مشغولة بردّ الحامل واقعاً.

وأمّا الخامس: فلو فرضنا سقوط الحمل أو وضع الحامل أو تعيّبه،6.

ص: 60


1- . شرائع الإسلام: 4/246.

المسألة 18. في دية الخطأ روايتان: أُولاهما: ثلاثون حقّة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض - وهي الداخلة في السنة الثانية - وعشرون ابن لبون. والأُخرى: خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقّة وخمس وعشرون جذعة، ولا يبعد ترجيح الأُولى، ويحتمل التخيير، والأحوط التصالح. *

فلو كان بعد الإقباض فذمّة الجاني بريئة بإقباض الحامل الصحيحة، نعم لو كان قبل الإقباض يجب الإبدال، لعدم خروجه كما هو الواجب عليه.

إلى هنا تمّ الكلام في دية العمد وشبه العمد.

بقي الكلام في دية الخطأ، وهذا هو الّذي يذكره المصنّف في المسألة التالية.

في دية الخطأ

قد عرفت أنّ دية العمد عبارة عن مائة من الإبل بشرط أن تكون مسنّة - أعني: ما كملت الخامسة ودخلت في السادسة - وعرفت أنّ دية شبيه العمد قد اختلفت فيها الأقوال، والمختار عندنا هو طبقاً لما رواه عبداللّه بن سنان.

وأمّا دية الخطأ ففيها قولان.

قال المحقّق: ودية الخطأ المحض عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقّة، وفي رواية: خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقّة وخمس وعشرون جذعة.(1)

ص: 61


1- . شرائع الإسلام: 4/246.

أقول: أمّا القول الأوّل فقد دلّ عليه ما ورد في ذيل رواية عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «والخطأ يكون فيه ثلاثون حقّة وثلاثون ابنة لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر».(1)

وأمّا القول الثاني فقد دلّت عليه روايتان:

1. ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث، قال: «والخطأ مائة من الإبل إلى أن قال: وإن كانت (الدية) الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقّة وخمس وعشرون جذعة».(2)

2. ما رواه العياشي في تفسيره عن عبدالرحمن عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

«كان علي عليه السلام يقول: في الخطأ خمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون حقّة، وخمس وعشرون جذعة»(3).

والأقوى هو الأخذ بالقول الأوّل لصحّة سند رواية عبداللّه بن سنان، وقد عرفت أنّ المشايخ الثلاثة قد نقلوها.

وأمّا القول الثاني فالرواية الأُولى فيه ضعيفة لوقوع محمد بن سنان في السند، وأمّا الرواية الثانية فهي مرسلة؛ لأنّ العياشي يروي عن عبدالرحمن وبين العياشي والراوي فاصل زماني كبير، ولعلّ الراوي عن الإمام هو عبدالرحمن بن أبي عبداللّه الّذي كان من فقهاء البصرة، ولذلك قال0.

ص: 62


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات النفس، الحديث 13.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 10.

المسألة 19. دية الخطأ المحض مخفّفة عن العمد وشبهه في سنّ الإبل وصفتها لو اعتبرنا الحمل في شبهه، وفي الاستيفاء فإنّها تُستأدى في ثلاث سنين في كلّ سنة ثلثها، وفي غير الإبل من الأصناف الأُخر المتقدّمة لا فرق بينها وبين غيرها. *

المصنّف: ولا يبعد ترجيح الأُولى، ثم احتمل التخيير واحتاط بالتصالح.

دية الخطأ مخفّفة في السن والصفة والاستيفاء

قال المحقّق: دية الخطأ مخفّفة في السن والصفة والاستيفاء.(1)

يريد أنّ دية الخطأ المحض مخفّفة بالنسبة إلى العمد وشبهه في أُمور ثلاثة:

1. سنّ الإبل.

2. صفة الإبل.

3. مدّة الاستيفاء.

أمّا الأُولى فقد عرفت أنّه يشترط أن تكون الإبل في دية العمد مسنّة، دون المقام.

وأمّا الثانية - أي الصفة - فقد عرفت أنّه يشترط في دية شبه العمد في قسم من الإبل أن تكون حوامل. وقد مرّ في صحيحة عبد اللّه بن سنان أربعون خَلِفة من بين ثنية إلى بازل عامها، فيشترط فيه دون المقام.

وأمّا الثالثة فإنّه يشترط في دية العمد أن تستوفى في سنة واحدة،

ص: 63


1- . شرائع الإسلام: 4/246.

المسألة 20. تُستأدى الدية في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين على اختلاف أقسام القتل، سواء كانت الدية تامّة كدية الحر المسلم، أو ناقصة كدية المرأة والذمّي والجنين أو دية الأطراف. *

وفي شبه العمد في سنتين، على أحد القولين. وأمّا في الخطأ فقد اتّفقوا أنّه تستأدى عبر ثلاث سنين. كما مرّ في صحيحة أبي ولّاد. ثمّ الظاهر أنّه يجب الأداء طول تلك المدة؛ سواء دفعها مرّة واحدة، أو أثلاثاً في كلّ سنة ثلثاً، أو أقل أو أكثر والأقل لأجل تسهيل الأمر على الجاني، والكيفية تابعة لاختياره.

وسيأتي الكلام فيه في المسألة 21.

ثمّ إنّ عدم اعتبار السنّ والحمل إنّما يتصوّر إذا كانت الدية الإبل وأمّا في غيرها فالتخفيف ينحصر في مدة الاستيفاء.

في مدة استيفاء دية الخطأ

قال المحقّق: وتُستأدى في ثلاث سنين؛ سواء كانت الدية تامّة، أو ناقصة، أو دية طرف.(1)

لا شكّ أنّه إذا كانت الدية تامّة كمائة من الإبل أو ألف دينار فإنّها تُستأدى - حسب ما مرّ - في سنة في العمد، وسنتين في شبه العمد - على اختلاف فيها -، وثلاث سنين في الخطأ.

إنّما الكلام إذا كانت الدية غير تامّة، كما إذا كان المقتول امرأة أو ذمّياً أو جنيناً، فالظاهر أنّها أيضاً محكومة بنفس الحكم؛ فالعمد في سنة، وشبهه

ص: 64


1- . شرائع الإسلام: 4/246.

في سنتين، والخطأ في ثلاث سنين.

لأنّ ظاهر إطلاق صحيحة أبي ولّاد عدم الفرق بين كون الدية تامّة أو ناقصة إذا تعلّقت الدية بالقتل.

روى أبو ولّاد عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتُستأدى دية العمد في سنة»،(1) من غير فرق بين تمام الدية أو نقصها في العمد والخطأ؛ لصدق الدية على التام والناقص.

ومن غير فرق بين كون المَنْشأ هو قتل النفس أو الجناية على الأطراف الّتي تكون الدية فيه ناقصة، كقطع اليد الواحدة، فالحكم في التامّة والناقصة واحد تُستأدى حسب نوع الجناية من العمد وشبهه والخطأ.

ولكن هناك قول آخر في دية الأطراف أشار إليه المصنّف في المسألة التالية.1.

ص: 65


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

المسألة 21. قيل: إن كانت دية الطرف قدر الثلث أُخذ في سنة واحدة في الخطأ، وإن كان أكثر حلّ الثلث بانسلاخ الحول، وحلّ الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثاً آخر فما دون، وإن كان أكثر حلّ الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث، وفيه تأمّل وإشكال، بل الأقرب التوزيع إلى ثلاث سنين. *

في مدة استيفاء دية الأطراف

قد عرفت فتوى المحقّق والمصنّف في دية الأطراف وأنّ حكمها مع قتل النفس واحد، والجميع يؤدّى في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين، لصدق (الدية) على الجميع، والموضوع هو الدية من غير فرق بين التمام والنقصان.

ولو كانت دية الطرف ثلث دية النفس فهي أيضاً تُؤدّى في ثلاث سنين إذا كان خطأ.

ثم إنّ صاحب الجواهر حكى عن العلّامة، الخلافَ في تقسيم دية الطرف (إذا كانت ثلث الدية، أو ثلثين) إلى ثلاث سنين، وذكر أنّ وجهه أصالة الحلول أوّلاً ودعوى انسباق الصحيح (يعني صحيح أبي ولّاد) إلى دية النفس ثانياً.

ثم قال: وإن كان فيه منع بعد تصريح مَن عرفت وظهور غيره.

لكنّه قدس سره عاد يوجّه فتوى العلّامة بالحلول بوجه آخر وهو أنّ الظاهر كون الأجل المزبور متمّماً لها (الدية) فيلحقه التوزيع أيضاً بتوزيعها، وحينئذٍ فالطرف إن كانت ديته قدر الثلث أُخذ في سنة واحدة في الخطأ، وإن كان أزيد حَلّ الثلث بانسلاخ الحول، وحلّ الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثاً آخر

ص: 66

فما دون، وإن كان أكثر، حلّ الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث، وإن تعدّد الجاني والمجنيّ عليه حلّ عند كلّ حول ثلثٌ، وإن قلع عينيه وقطع يديه ورجليه حلّ له ثلث لكلّ جناية، وكذا الكلام في الطرف لو قطع عمداً أو شبه عمد بالنسبة إلى أجلهما.

نعم قد يقال بالحلول فيما ليس له مقدّر من الجراح مع احتمال إلحاقه بالدية المقدّرة بعد ملاحظة النسبة(1).

والفرق بين القولين أنّ العلّامة يقول بالحلول مطلقاً، وصاحب الجواهر يقول به في مقدار ثلث دية النفس ولو كانت تمامها.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره مبني على أنّ معنى قوله عليه السلام: «تُستأدى في ثلاث سنين» هو لزوم تأدية ثلث دية النفس في السنة الأُولى. فرتّب على هذا، أنّه لو كان كلّ الدية ثلث دية النفس، فيجب دفعه في تلك السنة، فكان دفع الثلث لازم فيها، سواء كان ثلث دية النفس، أو كان الكلّ، هو الثلث.

يلاحظ عليه: أنّ الاستظهار ممنوع، فلو سلّمنا الاستظهار المذكور - وليس بمسلّم - فإنّ مفاده أنّه يجب دفع ثلث الدية فيها، إذا كان دية النفس لا مطلق الثلث ولوكان تمام الدية.

ولذلك اختار المصنّف قولاً ثالثاً وهو تقسيط كلّ دية إلى ثلاثة أقساط، سواء كان دية النفس أو دية الطرف التي ربما يكون تمامها، ثلث دية النفس.

وهنا نظر رابع وهو أنّ الرواية - في مورد أي نوع من الديات -،4.

ص: 67


1- . جواهر الكلام: 43/24.

المسألة 22. دية قتل الخطأ على العاقلة بتفصيل يأتي - إن شاء اللّه تعالى - ولا يضمن الجاني منها شيئاً، ولا ترجع العاقلة على القاتل. *

ليست بصدد بيان تقسيط الدية أثلاثاً، بل بصدد بيان أنّه يجب على الجاني، الخروج عن عهدة الدية في تلك السنين وليس له التأخير عنها، وأمّا كيفية الخروج فهو موكول إلى إمكانات الجاني واختياره، فله الخروج عن العهدة مرة واحدة ولو في السنة الأخيرة، أو التقسيط أنصافاً، أو أثلاثاً أو أرباعاً بشرط الخروج عمّا يجب في ثلاث سنين.

دية قتل الخطأ على العاقلة

ذكر المصنّف هنا فرعان:

1. دية قتل الخطأ على العاقلة، ولا يضمن الجاني منها شيئاً.

2. لا ترجع العاقلة على القاتل.

أمّا الأوّل فالمسألة اتّفاقية بين الفريقين، قال الشيخ: دية قتل الخطأ على العاقلة، وبه قال جميع الفقهاء. وقال الأصمّ: إنّه يلزم القاتل دون العاقلة، قال ابن المنذر: وبه قالت الخوارج ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً إجماع الأُمّة، والأصمّ لا يعتدّ به مع أنّ خلافه قد انقرض.(1)

وأمّا الثاني فهذا هو المشهور أخذاً بإطلاق الروايات لكن في «مفتاح الكرامة»: ولا ترجع بها العاقلة على القاتل بإجماع الأُمّة كما في السرائر، خلافاً للمفيد وسلّار كما سيأتي.(2)

ص: 68


1- . الخلاف: 5/275-276، المسألة 96.
2- . مفتاح الكرامة: 21/164، من الطبعة المحقّقة.

المسألة 23. لو ارتكب القتل في أشهر الحرم - رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرّم - فعليه الدية وثلث من أي الأجناس كان تغليظاً، وكذا لو ارتكبه في حرم مكة المعظمة، ولا يلحق بها حرم المدينة المنورة ولا سائر المشاهد المشرّفة، ولا تغليظ في الأطراف ولا في قتل الأقارب. *

ولكن الموجود في «المقنعة» لا يوافق المحكيّ، قال: ومَن قتل خطأ ولم تكن له عاقلة تؤدّي عنه الدية، أدّاها هو [الجاني] من ماله، فإن لم يكن له مال ولا حيلة أدّاها عنه السلطان من بيت المال.(1)

والظاهر من كلامه هو ضمان العاقلة لا الجاني، غاية الأمر أنّه إذا لم يكن للعاقلة مال أدّى عنها الجاني. وقد نبّه بذلك صاحب «مفتاح الكرامة» وأنّ ابن إدريس هو الذي نسبه إلى المفيد خطأً.

لو ارتكب القتل في الأشهر الحرم

اشارة

لو قتل إنسانٌ محقون الدم في أشهر الحرم، وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، أضعفت الدية بإضافة الثلث وهو مورد وفاق.

والكلام في المقام في دية المقتول، وأمّا ما يجب على القاتل من الكفّارة فهو شيء آخر لم يذكره المصنّف هنا وإنّما ذكرها في آخر الكتاب تحت عنوان «اللواحق في كفّارة القتل».

وإليك كلمات الأصحاب:

قال الشيخ: دية الخطأ تغلّظ في الحرام وفي الحرم، وقال الشافعي:

ص: 69


1- . المقنعة: 743.

تغلّظ في ثلاثة مواضع في الحرم والشهر الحرام، وإذا قتل ذا رحم محرّم مثل الأبوين والإخوة والأخوات وأولادهم. وبه قال (وذكر جمعاً من الصحابة والتابعين) وقال أبو حنيفة ومالك: لا تغلظ في موضع من المواضع وبه قال (وذكر جمعاً من التابعين) وروي عن ابن مسعود(1).

وقال المحقّق: ولو قتل في أشهر الحرم أُلزم دية وثلثاً من أي الأجناس كان، فهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة؟ قال الشيخان: نعم، ولا يعرف التغليظ في الأطراف.(2)

أقول: يقع الكلام في أُمور خمسة:

1. تغليظ الدية في أشهر الحرم.

2. تغليظ الدية في حرم مكة.

3. تغليظ الدية في الحرم النبوي وسائر المشاهد.

4. تغليظ الدية في الأطراف.

5. تغليظ الدية في قتل الأقارب.

الأمر الأوّل: تغليظ الدية في أشهر الحرم

تغلّظ الدية في أشهر الحرم، وقد وقفت على أقوال الفقهاء. ويدلّ عليه روايتان:

1. خبر كليب الأسدي، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقتل في

ص: 70


1- . الخلاف: 5/222، المسألة 6.
2- . شرائع الإسلام: 4/246.

الشهر الحرام، ما ديته؟ قال: «دية وثلث»(1).

قال في «الجواهر»: وخبره الآخر قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «مَن قتل في شهر حرام فعليه دية وثلث».(2)

والظاهر وحدة الخبرين كما هو الظاهر من الوسائل حيث روى لفظ الحديث عن الكليني ثم أشار إلى أنّ الصدوق والشيخ رويا مثله.

2. ما رواه في الفقيه بإسناده عن أبان عن زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

«عليه دية وثلث»(3).

ولكن الاستدلال بالحديث الثاني مورد نظر؛ لأنّ الصدوق لم يذكر صدر الحديث حتّى يُعلم مورده وهل هو القتل في الأشهر الحرام أو القتل في الحرم ومع هذا الإجمال لا يحتجّ به.

فاتّضح أنّ الدليل الوحيد هو خبر كليب الأسدي وأمّا رواية الصدوق، فبما أنّ السؤال غير مذكور فلا يمكن الاستدلال بها. وأمّا ما رواه في الوسائل عن علي بن رئاب عن زرارة(4) فهو راجع إلى الكفّارة ولذلك لم نستدلّ به.

ويأتي الاستشهاد به في آخر البحث لأمر آخر، فانتظر.

نعم يمكن الاستدلال أيضاً برواية زرارة التي رواها كلّ من الكليني4.

ص: 71


1- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . التهذيب: 10/215؛ جواهر الكلام: 43/26.
3- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 5؛ لاحظ الفقيه: 4/110، باب القود ومبلغ الدية، الحديث 20.
4- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

والشيخ، وبما أنّها صالحة للاستدلال بها على الحرم المكيّ، نرجئ دراستها إلى الفرع التالي.

الأمر الثاني: تغليظ الدية في حرم مكّة

اتّفقت كلمات الفقهاء أنّه لا يلحق بالحرم المكيّ الحرم النبوي ولا سائر المشاهد، وأمّا مكة المكرّمة فقد نسبه في الشرائع إلى الشيخين كما عرفت لكن مع تردّده فيه، قال صاحب «مفتاح الكرامة»: قال المحقّق في نكت النهاية:

في قتل الحرم توقّف، ونحن نطالب الشيخين بدليل ذلك، ونحوه ما في «النافع» حيث قال: لا أعرف الوجه، واقتصر في «الشرائع» و «التحرير» على نسبة ذلك إلى الشيخين؛ وتبعهما على ذلك أبو العباس والمقداد والشهيد الثاني في كتابيه والكاشاني، وكذا الشهيد في «غاية المرام» مع تصريح أكثرهم بعدم النصّ؛ وأنّ ذلك لعجيب مع وجود النصّ المعتبر السند، الواضح الدلالة، المعتضد بالإجماعات المذكورة، وبما علّله به المتأخّرون من اشتراكهما في الحرمة وتغليظ قتل الصيد فيه المناسب لتغليظ غيره، مضافاً إلى الأخبار المرسلة في «الخلاف» في موضعين منه.(1)

أقول: أشار في كلامه إلى أمرين:

1. وجود النصّ المعتبر.

2. الأخبار المرسلة في الخلاف.

أمّا الثاني فليس هناك حديث منقول باللفظ في الخلاف، وإنّما أحال

ص: 72


1- . مفتاح الكرامة: 21/167.

المسألة إلى أخبار الفرقة كعادته في سائر المواضع، ومراده من الأخبار ما أشار إليه في الأمر الأوّل.

وأمّا الأمر الأوّل - أعني: النص المعتبر - فهو كالتالي:

1. ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن تغلب، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل رجلاً في الحرم، قال: «عليه دية وثلث، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، ويعتق رقبة، ويطعم ستين مسكيناً» قال: قلت: يدخل في هذا شيء، قال: «وما يدخل»؟ قلت:

العيدان وأيام التشريق، قال: «يصومه فإنّه حق لزمه»(1).

وقد أورد السيد الخوئي على الاستدلال بالرواية بوجهين:

أوّلاً: من جهة الإرسال، فإن في سندها ابن أبي عمير وهو لا يمكن أن يروي عن أبان بن تغلب بلا واسطة، فإنّ أبان قد مات في زمان الصادق عليه السلام أي في عام 141 ه، وابن أبي عمير لم يدرك الإمام الصادق عليه السلام (المستشهد في 148 ه) فإذن الرواية ساقطة من جهة الإرسال فلا يمكن الاعتماد عليها.(2)

ويمكن الإجابة عنه بأنّ سقوط الواسطة لا يضر، لما ثبت من أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّاعن ثقة، ويمكن أن يكون الراوي المحذوف اسمه هو جميل، لرواية ابن أبي عمير عن جميل عن أبان بن تغلب في بعض4.

ص: 73


1- . الكافي: 4/140، برقم 9؛ ولاحظ الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 2، وفيه: «يصوم» بدل «يصومه».
2- . مباني تكملة المنهاج: 2/204.

الموارد.(1)

ويحتمل تطرّق الغلط إلى نسخ الكافي، والصحيح أبان بن عثمان لا أبان بن تغلب كما في رواية الشيخ الآتية.

ثانياً: اشتمال الرواية على العيدين مع أنّه ليس في الأشهر الحرم إلّاعيدٌ واحد، وهو عيد الأضحى، وأمّا عيد الفطر فهو ليس في الأشهر الحرم.(2)

ويمكن الإجابة عنه بإمكان تطرّق الغلط إلى نسخ الكافي بشهادة أنّه رواه في التهذيب بصورة المفرد، كما سيوافيك.

2. روى الشيخ باسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل في الحرم؟ قال: «عليه دية وثلث، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قال: قلت: هذا يدخُل فيه العيد وأيام التشريق؟ فقال: «يصومه فإنّه حق لزمه».(3)

والظاهر أنّ هنا رواية واحدة لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام غير أنّ الكافي نقلها عن زرارة عن طريق أبان بن تغلب، والشيخ عن طريق أبان بن عثمان المتوفّى عام 191 ه، وقد توفّي ابن أبي عمير سنة 217 ه، والكافي نقله بصيغة التثنية (العيدان) والشيخ بصيغة المفرد، فالرواية صالحة للاستدلال لولا احتمال أنّ الحرم مقروء بالضم أي الحُرم، فعندئذٍ ينطبق على الفرع الأوّل أي القتل في الشهر الحرام، ولذلك لا يمكن الاستدلال على الفرع الثاني، بل يمكن استظهار كونه بصيغة الجمع، أعني: الحُرُم، بما ذكره صاحب1.

ص: 74


1- . لاحظ: الكافي: 413/4، باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة.
2- . مباني تكملة المنهاج: 204/2.
3- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 3؛ لاحظ التهذيب: 216/10 برقم 851.

الجواهر من أن ما ذُكر من الكفّارة، كفّارة القاتل في الشهر الحرام لا الحرم الشريف.(1) ويريد صيام شهرين متتابعين في أشهر الحرم في روايتي الكليني والشيخ.

ويدلّ على ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلاً خطأ في أشهر الحرم؟ فقال: «عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» الحديث.(2)

الأمر الثالث: تغليظ الدية في الحرم النبوي وسائر المشاهد

لو قلنا بعموم الحكم بالحرم المكي، فلا دليل على إلحاق الحرم النبوي وسائر المشاهد به كما هو واضح.

الأمر الرابع: تغليظ الدية في الأطراف

الظاهر اختصاص الحكم بالقتل، ولا يعمّ جناية الطرف لعدم الدليل على الإلحاق.

الأمر الخامس: تغليظ الدية في قتل الاقارب

لا دليل على إلحاق الأقارب بالقتل في الحرم، وإن ذهب إليه الشافعي.

بقيت هنا كلمة وهي عموم الحكم للصور الثلاث للقتل، وقد صرّح بعمومه في «مباني تكملة المنهاج» قائلاً: دية القتل في الأشهر الحرم عمداً أو خطأ دية كاملة وثلثها»، ولفظ الدية في الرواية لا يكون قرينة على الخطأ

ص: 75


1- . جواهر الكلام: 34/27.
2- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

المسألة 24. لو رمى وهو في الحلّ - بسهم ونحوه - إلى مَن هو في الحرم فقتله فيه لزمه التغليظ، ولو رمى وهو في الحرم إلى مَن كان في الحلّ فقتله فيه، فالظاهر أنّه لم يلزمه. وكذا لو رماه في الحل فذهب إلى الحرم ومات فيه أو العكس لم يلزمه، كان الرامي في الحل أو الحرم. *

لإمكان أخذها في العمد إذا تصالحا عليها، ثم لو ثبت التغليظ في الخطأ لثبت في صورة العمد بطريق أولى. نعم جاء لفظ الخطأ في رواية زرارة.(1)

لو رمى في الحل إلى الحرم وبالعكس

اشارة

قال المحقّق: لو رمى في الحلّ إلى الحرم فقتل فيه، لزم التغليظ، وهل يغلظ مع العكس؟ فيه تردّد.(2)

وقد ذكر المحقّق فرعين إلّاأنّ المتن يشتمل على فروع أُخرى أيضاً، وهي:

1. لو رمى وهو في الحل بسهم إلى مَن هو في الحرم فقتله فيه.

2. لو رمى وهو في الحرم إلى من كان في الحل فقتله فيه.

3. لو رماه في الحل فذهب إلى الحرم فمات فيه.

4. لو رماه في الحرم فذهب إلى الحل فمات فيه.

أمّا الفرع الأوّل: فلا شكّ أنّه يُغلَّظ؛ لأنّه يصدق أنّه قتله في الحرم، وإن كان الرامي خارج الحرم، فالموضوع هو القتل في الحرم، من دون تقييد

ص: 76


1- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . شرائع الإسلام: 246/4.

المسألة 25. لو قتل خارج الحرم والتجأ إليه لا يقتصّ منه فيه، لكن ضيّق عليه في المأكل والمشرب إلى أن يخرج منه، فيقاد منه، ولو جنى في الحرم اقتصّ منه فيه، ويلحق به المشاهد المشرّفة على رأي. *

بكون الرامي في الحرم.

أمّا الفرع الثاني - أعني: إذا رمى وهو في الحرم إلى من كان في الحل فقتله فيه - فقد تردّد فيه المحقّق، والظاهر - كما عليه المصنّف - عدم التغليظ، لعدم صدق القتل في الحرم، ومجرّد حصول سببه في الحرم لا يكفي في صدق وقوع القتل في الحرم. وقياس المقام بمن رمى من الحرم صيداً في الحلّ - حيث يجب عليه التغليظ - قياس لا نقول به.

وأمّا الفرع الثالث - أعني: لو رماه في الحلّ فذهب إلى الحرم فمات فيه - فلا تغليظ؛ لأنّه ذهب باختياره إلى الحرم، ولولاه لمات في الحلّ، فلا يقال: «إنّه قتله في الحرم».

وأمّا الفرع الرابع - أعني: لو رماه في الحرم وخرج بنفسه إلى الحل فمات فيه - فلا تغليظ لعدم صدق القتل في الحرم.

وبعبارة أُخرى: القتل هو زهوق الروح لا مجرّد الرمي والإصابة، والمفروض أنّ روحه قد أُزهقت وهو في الحلّ.

* هنا فروع:

الأوّل: في حكم الاقتصاص لو قتل خارج الحرم ثم لجأ إليه

لو جنى خارج الحرم ودخل الحرم، فلا يقتل ولكن يضيّق عليه

ص: 77

في الطعام والشراب.

قال المحقّق: ولا يقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه ويضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج.(1)

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا قَتَل أو قَطَعَ في غير الحرم، ثم لجأ إلى الحرم، لم يُقتل ولم يُقطع، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج، فيقام عليه الحدّ.

وقال الشافعي: يُستقاد منه في الطرف والنفس معاً في الحرم.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: يستقاد منه في الطرف، فأمّا في النفس فلا يستقاد منه حتى يخرج، ويضيّق عليه، ويُهجر، ولا يبايع ولا يُشارى حتى يخرج. قالوا: والقياس يقتضي أن يُقتل به، لكنّا لا نقتله استحساناً.

فصارت الأقوال ثلاثة من عدم الاستقادة مطلقاً، والاستقادة كذلك، والتفصيل بين النفس فلا يستقاد والطرف فيستقاد.

ثمّ استدلّ الشيخ بإجماع الفرقة وأخبارهم وبما ورد في القرآن والسنّة.(2) ويدلّ عليه:

1. ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يجني في غير الحرم، ثم يلجأ إلى الحرم؟ قال: «لا يقام عليه الحدّ، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يكلّم، ولا يبايع، فإنّه إذا فعل به ذلك يُوشِك أن يخرج فيقام عليه الحدّ، وإن جنى في الحرم جناية، أُقيم عليه8.

ص: 78


1- . شرائع الإسلام: 246/4.
2- . الخلاف: 224/5، المسألة 8.

الحدّ في الحرم، فإنّه لم ير للحرم حرمة». ورواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير.(1)

2. ما رواه الكليني بسنده عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلاً في الحلّ ثمّ دخل الحرم؟ فقال: «لا يُقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يُؤوى، حتّى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ».(2)

الفرع الثاني: في حكم الاقتصاص لو جنى في الحرم

لو جنى في الحرم اقتصّ منه فيه، وذلك لانتهاكه الحرمة، والمسألة مورد اتّفاق، وفي الشق الآخر من هذه الصحيحة (صحيحة معاوية بن عمار):

قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: «يقام عليه الحدّ في الحرم صاغراً لأنّه لم ير للحرم حرمة، وقد قال اللّه عزّ وجلّ: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»3 فقال: هذا هو في الحرم، وقال:

«فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ» ».(3) ويشهد على ذلك ما تقدّمه من الآيات على أنّ مورد الآية هو الحرم، نظير: «وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ» (4)، إلى غيرها

ص: 79


1- . الوسائل: 18، الباب 34 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة، الحديث 1.
2- . الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 1، ولاحظ بقية أحاديث الباب.
3- . البقرة: 193.
4- . البقرة: 191.

من الآيات الواردة حول قتال المسلمين مع كفّار قريش في الحرم الشريف.

الفرع الثالث: حكم مَن جنى ثم لجأ إلى المشاهد المشرّفة

حكم مَن جنى في الخارج والتجأ إلى المشاهد المشرّفة أو جنى فيها، فهل تلحق بالحرم أم لا؟

فقد قال به المفيد في المقنعة، والشيخ في النهاية، وابن البراج في المهذّب، وابن إدريس في السرائر، واستحسنه المحقّق في النكت، وأفتى به صاحب الجواهر حتى قال: قد تُشعر عبارة المحقّق بل صريح غيره بالتوقّف بل المنع، لكن وصفه بقوله: ولا يخلومن جرأة.(1)

الظاهر أنّه لا تختص الجرأة بمن توقّف أو منع، بل تعمّ مَن أفتى باللحوق بوجوه اعتبارية، كما عليه صاحب الجواهر، حيث استدلّ عليه بما ورد عنهم: «إنّ بيوتنا مساجد» ولما تواتر من رفع العذاب الأُخروي عمّن يدفن بها، والعذاب الدنيوي أولى، فإنّ كلّ ذلك مناسب لوجوب تعظيمها واستحباب المجاورة بها، والقصد إليها، لا لحوقها بالحرم المكّي، فالتوقّف أولى.

ص: 80


1- . جواهر الكلام: 43/32.

المسألة 26. ما ذكر من التقادير دية الرجل الحرّ المسلم، وأمّا دية المرأة الحرّة المسلمة فعلى النصف من جميع التقادير المتقدّمة، فمن الإبل خمسون ومن الدنانير خمسمائة، وهكذا. *

في دية المرأة الحرة المسلمة

قال المحقّق: ودية المرأة على النصف من جميع الأجناس.(1)

وقال الشيخ في «الخلاف»: دية المرأة نصف دية الرجل. وبه قال جميع الفقهاء، وقال ابن عُليّة والأصمّ: هما سواء في الدية. ثم استدلّ بما روى عمرو بن حزم أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «دية المرأة على النصف من دية الرجل» وروى معاذ نحو هذا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم. وهو إجماع الأُمّة، وروي ذلك عن علي عليه السلام وعن عمر و زيد بن ثابت ولا مخالف لهم.(2)

المراد من المرأة هنا الحرّة المسلمة لا الأمة، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الأعضاء أو غير سليمة. ويدلّ على تنصيف الدية روايات منها:

1. ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال: «دية المرأة نصف دية الرجل».(3)

2. ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في رجل قتل امرأته متعمداً، فقال: «إن شاء أهلها أن يقتلوه ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية.

ص: 81


1- . شرائع الإسلام: 246/4.
2- . الخلاف: 254/5، المسألة 63.
3- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

المسألة 27. تتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصاً ودية حتى تبلغ ثلث دية الحرّ، فينتصف بعد ذلك ديتها، فما لم تبلغ الثلث يقتص كلّ من الآخر بلا ردّ، فإذا بلغته يقتصّ للرجل منها بلا ردّ، ولها من الرجل مع الردّ، ولا يلحق بها الخنثى المشكل. *

وإن شاءُوا أخذوا نصف الدية؛ خمسة آلاف درهم».(1)

فعلى هذا فديتها من الإبل خمسون، ومن الدنانير خمسمائة، وهكذا.

وقد مرّ التفصيل في ذلك في كتاب القصاص، فلاحظ.

في تساوي المرأة والرجل في الجراح حتى تبلغ الثلث

أقول: مرّ الكلام في هذه المسألة في كتاب القصاص، في فصل القول في الشرائط المعتبرة في القصاص، المسألة الثانية والتي جاء فيها ما يلي: يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف، وكذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ.

وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم تبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحرّ، فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيها، فحينئذٍ لا يقتصّ من الرجل لها إلّامع ردّ التفاوت.

وبما أنّا استقصينا الكلام في المسألة في كتاب القصاص فمن أراد فليرجع إلى هناك.

نعم يبقى الكلام في قوله: «ولا يلحق بها الخنثى المشكل»، وذلك لأنّه مردّد بين كونها رجلاً فالدية تامّة، أو مرأة فالدية على النصف فلا يمكن

ص: 82


1- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 2، ولاحظ بقية روايات الباب.

المسألة 28. جميع فرق المسلمين المحقّة والمبطلة متساوية في الدية إلّا المحكوم منهم بالكفر كالنواصب والخوارج والغلاة مع بلوغ غلوهم الكفر. *

التمسّك بأحد الدليلين بحقّها، لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، ولجهة الاحتياط يؤخذ نصف من دية المرأة ونصف من دية الرجل، فتكون ديته ثلاثة أرباع دية الرجل على ما نقله صاحب الجواهر عن بعضهم.(1) والأولى التصالح فيما زاد على النصف.

في تساوي جميع فرق المسلمين في الدية إلّاالمحكوم بالكفر

وجه المساواة في غير الفرق الثلاثة هو أنّ الموضوع في الروايات هو دية المسلم(2)، والمفروض أنّ الجميع متفيّئون تحت راية الإسلام.

روى الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام عن عليّ عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «أمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّااللّه، فإذا قالوها حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم».(3)

روى مسلم عن عمر بن الخطاب: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم دفع الراية يوم خيبر إلى علي عليه السلام وقال: امش ولا تلتفت حتّى يفتح اللّه عليك؛ قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول اللّه على ماذا أقاتل؟ قال: «قاتِلْهم حتى يشهدوا أن لا إله إلّااللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، فإذا فعلوا ذلك منعوا

ص: 83


1- . جواهر الكلام: 33/43، ولاحظ: مفتاح الكرامة: 368/10.
2- . وقد عقد صاحب الوسائل باباً باسم في دية الرجل الحرّ المسلم، فلاحظ.
3- . بحارالأنوار: 242/65، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام: 1/70 برقم 280.

المسألة 29. دية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام بعد بلوغه - بل بعد بلوغه حدّ التميّز - دية سائر المسلمين، وفي ديته قبل ذلك تردّد. *

منك دماءهم وأموالهم إلّابحقّها وحسابهم على اللّه»(1).

ولا شكّ أنّ الاعتقاد بالمعاد من أركان الإسلام، وعدم ذكره لكونه أمراً مسلماً في عامّة الشرائع، إذ لا مفهوم لشريعة سماوية إذا جرّدت عن المعاد.

وأمّا الطوائف الثلاثة فلأجل كفرهم، والنواصب والخوارج خارجون عن كرامة الإسلام، وأمّا الغلاة فيحكم بكفرهم إذا بلغ غلوهم حدّ الكفر.

في دية ولد الزنا

قال المحقّق: ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم، وقيل: دية الذمّي، وفي مستند ذلك ضعف.(2)

وفي المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّ دية ولد الزنا دية المسلم في صورتين:

1. بلغ وأظهر الإسلام.

2. لم يبلغ ولكن بلغ حدّ التمييز وأظهر الإسلام.

وأمّا إذا كان صغيراً لم يبلغ حدّ التمييز فلم يذكره المحقّق، وإنّما ذكره المصنّف لكن تردّد في ديته هل هي دية المسلم أو لا؟ وفي حواشي الشهيد: أنّ المنقول أنّه إن أظهر الإسلام فديته دية مسلم وإلّا دية ذمي وهو جمع

ص: 84


1- . صحيح مسلم: 7/121، كتاب فضائل علي عليه السلام.
2- . شرائع الإسلام: 247/4.

بين القولين.(1)

وقد نسب السيد العاملي ما ذكره المحقّق إلى الشرائع والنافع وكشف الرموز والتحرير والإرشاد والمختلف وحواشي الشهيد والمسالك والمقدّس الأردبيلي، ثم أضاف: أنّ هذا القول لم يُعرف لأحد قبل المحقّق والشهرات حدثت بعده.

وقال في «المسالك»: القول الأوّل (دية المسلم) مذهب الأكثر، وهم القائلون بإسلامه، لأنّه حينئذٍ مسلم فيدخل تحت عموم المسلمين. ثم يصفه بالأصحّية.(2)

وقال الأردبيلي: كون دية ولد الزنا، دية المسلم هو المشهور، ولعلّ مبناه أنّه مسلم على المشهور، وفيه إشكال فإنّه ليس بمسلم حقيقة وملحق به شرعاً، نعم ذلك غير بعيد إذا بلغ وقال بالإسلام.(3)

القول الثاني: أنّ ديته دية الذمّي، ذهب إليه السيد المرتضى حيث قال:

وممّا انفردت به الإمامية: القول بأنّ دية ولد الزنا ثمانمائة درهم. وخالف باقي الفقهاء في ذلك. والحجّة لنا بعد الإجماع المتردّد: أنّا قد بيّنا أنّ من مذهب هذه الطائفة أنّ ولد الزنا لا يكون قط طاهراً ولا مؤمناً بإيثاره واختياره وإن أظهر الإيمان، وهم على ذلك قاطعون وبه عاملون.(4)3.

ص: 85


1- . لاحظ: مفتاح الكرامة: 172/21.
2- . مسالك الأفهام: 323/15.
3- . مجمع الفائدة والبرهان: 322/14.
4- . الانتصار: 273.

ويظهر من كلامه أنّ ما ذكره مورد اتّفاق حيث قال: والحجّة بعد الإجماع المتردّد أنّا قد بيّنا الخ.

وممّن وافق المرتضى من المتأخّرين صاحب الرياض حيث قال: إنّ قول السيد ليس بذلك البعيد للأصل مع عدم معلومية دخول ولد الزنا في إطلاق أخبار الديات، حتى ما ذُكر فيه لفظ المؤمن والمسلم لإطلاقهما غير معلوم الانصراف إلى نحوه من حيث عدم تبادره منه(1) مع انسباق سياقه إلى بيان مقدار الديات(2) وغيره ممّا لا يتعلّق بما نحن فيه، فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسّك به، وكذا شمول ما دلّ على جريان أحكام الإسلام على مُظْهره، لنحو ما نحن فيه، ليس بمقطوع به، فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله.(3)

أقول: ما ذكره العلمان في غاية الغرابة، أمّا ما ذكره السيد من أنّ مذهب الطائفة أنّ ولد الزنا لا يكون قط طاهراً الخ، لم يثبت، بشهادة أنّ المشهور لم يعد ولد الزنا من النجاسات، وقد ذكرنا في محلّه أنّ الإجماعات الواردة في الخلاف وانتصار السيد المرتضى لا يمكن الاعتماد عليه، لأنّ الاحتجاج به في الكتابين وقع محاكاة لاحتجاج أهل السنّة حيث يحتجّون به.

وأمّا ما ذكره صاحب الرياض من التمسّك بالأصل فهو مقطوع بالدليل الاجتهادي، قال سبحانه: «وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناًل.

ص: 86


1- . الضمير في «نحوه» يرجع إلى ولد الزنا.
2- . يريد أنّ الروايات في مقام بيان مقدار الديات، ولا إطلاق لها بالنسبة إلى من له الدية.
3- . جواهر الكلام: 36/43 نقلاً عن رياض المسائل.

تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»(1) وإطلاقه يعمّ كلّ الناس حتى بالنسبة إلى ولد الزنا إذا أظهر الإسلام، أضف إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «كلّ مولود يولد على الفطرة ثمّ أبواه ينصّرانه ويهوّدانه ويمجّسانه».(2)

وقال ابن إدريس - بعد ما نقل مذهب السيد المرتضى -: ولم أجد لباقي أصحابنا قولاً فأحكيه، والذي تقتضيه الأدلّة التوقّف في ذلك، ولا دية له؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة.(3)

ولكن العلّامة ردّ على السيد ومؤيّده وقال: الوجه عندي وجوب دية المسلم إن كان متظاهراً بالإسلام، بل ويجب القود لو قتله مسلم عمداً؛ لعموم الآية «اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ، وقوله عليه السلام: «المسلمون بعضهم أكفّاء لبعض».(4)

والأصل الذي بناه السيد عليه من كفر ولد الزنا، ممنوع.(5)

القول الثالث: أنّ ديته دية المسلم وإن كان غير بالغ ولا مميّز، وهذا هو المستفاد من الإطلاق في النافع والإرشاد وكشف الرموز وغاية المراد والمقتصر والتنقيح، إذ ليس من هذا القيد فيها أثر.(6)

والظاهر أنّ هذا هو الأقوى؛ لأنَّ الموضوع في الآيات والروايات هو الولد اللغوي - أعني: من خُلق من ماء رجل - فهو يعم ولد الحلال والحيض والزنا. ويترتّب عليه كلّ آثار الولد من وجوب النفقة وجواز النظر، وحرمة نكاح الزاني مع بنته المتولدة من زناه، وحرمة نكاح الولد مع أُخته من1.

ص: 87


1- . النساء: 94.
2- . البرهان: 261/3، الحديث 5؛ التاج الجامع للأُصول: 180/4.
3- . السرائر: 352/3.
4- . سنن أبي داود: 180/4، 181، برقم 4530، كتاب الديات.
5- . مختلف الشيعة: 325/9.
6- . مفتاح الكرامة: 172/21.

أبيه، ووجوب الصلاة عليه عند الموت.

نعم سلب الشارع بعض الآثار عن ولد الزنا كعدم التوارث وعدم الإمامة والمرجعية؛ وذلك لأنّ الآيات والروايات تعمّ الجميع دفعة واحدة، ويترتّب عليه كلّ ما يترتّب على غيره إلّاما خرج بالدليل.

نعم لا تبعد شرطية إظهار الإسلام للبالغ لانقطاع التبعية بعد البلوغ والحكم بالإسلام يحتاج إلى دليل وليس إلّاالإظهار به من غير فرق بين ولدي الحلال والزنا.

هذا هو مقتضى القاعدة، نعم في المسألة روايات تؤكّد على أنّ دية ولد الزنا هي دية الذمّي، ولكنّها لا تؤيّد موقف السيد المرتضى، لأنّ ولد الزنا في نظره كالكافر الحربيّ، فيكون دمه هدراً، وإليك دراسة الروايات:

1. روى الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن عبد الرحمن بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «دية ولد الزنا دية اليهودي ثمانمائة درهم».(1)

وقد مرّ أنّ المحقّق قال: وقيل: دية الذمّي، وفي مستند ذلك ضعف، فلندرس هذا الضعف.

أمّا السند فالكلام في عبد الرحمن بن حمّاد وما بعده.

أمّا هو فقد قال عنه النجاشي: عبد الرحمن بن (أبي) حمّاد، أبو القاسم كوفي صيرفي انتقل إلى قم وسكنها وهو صاحب دار أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي. ورُمي بالضعف والغلو.(2)1.

ص: 88


1- . الوسائل: 19، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . رجال النجاشي برقم: 631.

الظاهر أنّ كلمة (أبي) في كلام النجاشي زائدة.

وأمّا عبد الرحمن بن عبد الحميد، فليس له إلّارواية واحدة في الكتب الأربعة.(1)، فهو مهمل لم يوثّق، كما أنّ الواقع في آخر السند (بعض مواليه) مجهول، فالضعف في السند واضح لأنّ السند مؤلّف ممّن رُمي بالضعف ومن أُهمل ومَنْ جُهل.

2. روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن بعض رجاله قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دية ولد الزنا؟ قال: «ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي».(2)

والسند ينتهي إلى جعفر بن بشير ولا غبار عليه، وإنّما الإشكال فيمن يروي عنه - أعني: «عن بعض رجاله» - فهو مجهول، ولكن يمكن الذب عنه بأنّ جعفر بن بشير ممّن لا يروي إلّاعن ثقة.

3. ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن جعفر عليه السلام قال: «دية ولد الزنا دية الذمّي ثمانمائة درهم».(3)

وفي السند عبد الرحمن بن حمّاد، وقد مرّ عليك بأنّه قد رمي بالضعف والغلو.

وأمّا إبراهيم بن عبد الحميد فهو مختلف فيه فقد وثّقه الطوسي وقال:

ثقة له أصل ذكره في رجال الصادق عليه السلام، ووصفه في رجال الكاظم عليه السلام3.

ص: 89


1- . لاحظ التهذيب: 315/10 برقم 12.
2- . الوسائل: 19، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
3- . الوسائل 19، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

بقوله: واقفي، وقال النجاشي: له كتاب النوادر، يرويه عنه جماعة، ولكن لم يوثّقه.

وقد نقل الأردبيلي الروايات الثلاث، ووصف الرواية الأُولى بأنّ في طريقها عبد الرحمن بن حمّاد، وهو مجهول، ووصف الرواية الثانية بأنّ في طريقها إبراهيم بن عبد الحميد، وقد قيل: إنّه واقفي.

ووصف الرواية الثالثة بجهل بعض رجالها.

وعلى كلّ تقدير فالروايات الثلاث لا تخلو عن ضعف، فلا يمكن أن يحتجّ بها في هذه المسألة الشائكة.

وأمّا ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن دية ولد الزنا؟ قال: «يُعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه».(1)

فالحديث لا يخلو عن ضعف في المتن حيث سُئل عن مقدار الدية، وأُجيب بشيء آخر.

نعم روى الصدوق في «المقنع» عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: دية ولد الزنا دية العبد ثمانمائة درهم،(2) ولكنّه مرسل.

وعلى ما ذكرنا فقد خرجنا بالنتيجة التالية:

1. إذا بلغ وأظهر الإسلام، فهو مسلم حقيقة له ما لغيره من المسلمين يقتصّ من قاتله، وديته دية المسلم.

2. إذا بلغ وامتنع من إظهار الإسلام فهو محكوم بالكفر لا يقتص1.

ص: 90


1- . الوسائل 19، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . مستدرك الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

المسألة 30. دية الذمّي الحرّ ثمانمائة درهم يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً، ودية المرأة الحرّة منهم نصف دية الرجل، بل الظاهر أنّ دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته، كما أنّ الظاهر أنّ دية الرجل والمرأة منهم تتساوى حتى تبلغ الثلث مثل المسلم، بل لا يبعد الحكم بالتغليظ عليهم بما يغلّظ به على المسلم. *

من قاتله وديته دية الكافر.

3. إذا بلغ وميّز أو لم يميّز فعلى ما ذكرنا من بقاء التبعية، ديته دية مسلم.

في دية الذمّي

اشارة

ذكر المصنّف في المسألة فروعاً، المهم منها الأوّل وهو تحديد مقدار دية الذمّي، وأمّا سائر الفروع فسيوافيك بيانها في نهاية دراسة الفرع المذكور، أقول:

الأوّل: في مقدار دية الذمّيّ الحر

اشارة

دية الذمّي من المسائل الشائكة لاختلاف الروايات وكلمات الأصحاب فلنذكر أوّلاً شيئاً من الأقوال:

قال الشيخ في «الخلاف»: دية اليهودي والنصراني مثل دية المجوسي ثمانمائة درهم، واختلف الناس فيها على أربعة مذاهب، فقال الشافعي: ثلث دية المسلم، وقال قوم: هي على النصف من دية المسلم، ذهب إليه: عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير، وفي الفقهاء مالك بن أنس.

ص: 91

وذهب قوم إلى أنّها مثل دية المسلم لا يفترقان. ذهب إليه ابن مسعود، وهو إحدى الروايتين عن عمر، وعثمان، وبه قال في التابعين: الزهري، وفي الفقهاء: الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.

وقال أحمد بن حنبل: إن كان القتل عمداً فدية المسلم، وإن كان خطأ فنصف دية المسلم، والذمّي والمعاهد والمستأمن في كلّ هذا سواء.(1)

فهم على أقوال أربعة: ثلث دية المسلم، نصف ديته، مثل دية المسلم، التفصيل بين العمد فدية المسلم والخطأ فنصف ديته.

هذا قول أهل السنّة، وأمّا أصحابنا فدية الذمّي الحرّ - عندهم - ثمانمائة درهم إجماعاً؛ كما في الانتصار والخلاف والغنية وكنز العرفان، وهو المشهور رواية وفتوىً كما في كشف اللثام، وأشهر فيهما كما في الروضة، والمشهور في عمل الأصحاب كما في المقتصر، والمشهور كما في النافع و كشف الرموز والمهذب البارع و التنقيح و ملاذ الأخيار، وعليه عامّة أصحابنا إلّاالنادر كما في الرياض. والأخبار بذلك متضافرة وهي سبعة أو أكثر وفيها الصحيح والمعتبر، معتضدة بالأصل والشهرات والإجماعات.(2)

إذا عرفت هذا فلندرس الروايات الواردة، وهي على طوائف:

الطائفة الأُولى: ما يؤّكد على أنّ الدية ثمانمائة درهم،

فتارة يكون الموضوع فيها اليهودي أو النصراني أو المجوسي، وأُخرى لفظ الذمّي، وثالثة اليهود والنصارى دون المجوس، ورابعة يذكر المجوس ويلحقه باليهود

ص: 92


1- . الخلاف: 263/5-264، المسألة 77.
2- . مفتاح الكرامة: 176/21.

والنصارى، ففي الجميع نجد التأكيد على العدد المذكور، وإليك ذكر هذه الروايات:

1. روى الكليني بسند صحيح عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إبراهيم يزعم أنّ دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء، فقال:

«نعم، قال الحق».(1)

والرواية بصدد بيان التسوية من دون بيان الحدّ، وأمّا مَن هو إبراهيم في المتن، فليس بواضح، وليس مؤثراً في فقه الحديث. ولعلّ المراد به إبراهيم النخعي الكوفي التابعي المتوفّى سنة 93 ه، وكانت آراؤه معروفة في الكوفة في عصر الصادقين عليهما السلام.

2. روى الكليني بسند صحيح عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«دية اليهودي والنصراني والمجوسي، ثمانمائة درهم».(2)

3. روى الكليني بسند صحيح عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث، قال: «دية الذمّي ثمانمائة درهم».(3)

4. روى الكليني أيضاً بسند موثّق عن ليث المرادي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دية النصراني واليهودي والمجوسي؟ فقال: «ديتهم جميعاً سواء ثمانمائة درهم، ثمانمائة درهم».(4)5.

ص: 93


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . الوسائل 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
3- . الوسائل 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.
4- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 5.

5. روى عبد اللّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن عبد اللّه بن الحسن، عن(1) علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي، كم هي؟ سواء؟ قال: «ثمانمائة، ثمانمائة كلّ رجل منهم».(2)

6. روى الشيخ في «التهذيب» عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «بعث النبي صلى الله عليه و آله و سلم خالد بن الوليد إلى البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس، فكتب إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إنّي أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمائة درهم ثمانمائة، وأصبت دماء قوم من المجوس، ولم تكن عهدت إليَّ فيهم عهداً، فكتب إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ ديتهم مثل دية اليهود والنصارى، وقال: إنّهم أهل الكتاب».(3)

7. روى الشيخ عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دية اليهود والنصارى والمجوس؟ قال: «هم سواء ثمانمائة درهم».(4)

8. روى الشيخ عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كم دية الذمّي؟ قال: «ثمانمائة درهم».(5)

9. روى أيضاً عن ليث المرادي وعبد الأعلى بن أعين جميعاً، عن9.

ص: 94


1- . الظاهر سقوط لفظ: عن جدّه.
2- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 6.
3- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.
4- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 8.
5- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 9.

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليهودي والنصراني ثمانمائة درهم ثمانمائة درهم».(1)

10. صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مسلم فقأ عين نصراني؟ قال: «إنّ دية عين النصراني أربعمائة درهم».(2) وهو يدلّ بالملازمة على أنّ دية النفس هو ثمانمائة؛ لأنّ في العينين دية كاملة.

11. روي في «دعائم الإسلام» عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا قتل المسلم اليهودي أو النصراني أُدّب أدباً بليغاً وغُرم ديته وهو ثمانمائة درهم».(3)

12. روي في الفقه الرضوي: «ودية الذمّي ثمانمائة درهم، والمرأة على هذا الحساب أربعمائة درهم».(4)

***

ويظهر من بعض الروايات أنّ المرتكز لدى صحابة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في دية اليهودي والنصراني هو ثمانمائة درهم، وكان الشكّ عالقاً بدية المجوسي، كما مرّ في قضية خالد بن الوليد.

وهذه الروايات التي ناهزت اثنتي عشرة رواية تؤكّد على أنّ دية الذمّي هي ثمانمائة درهم، وقد ادّعي الإجماع عليه أيضاً، والشهرة أيضاً توافقه وفي الوقت نفسه تخالف فتوى العامّة، ومع ذلك ففي المقام روايات أُخرى تخالفها ندرسها تالياً.2.

ص: 95


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 10.
2- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
3- . مستدرك الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
4- . مستدرك الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة

روى الشيخ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم».(1)

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّ ديتهم جميعاً أربعة آلاف درهم

روى الصدوق، قال: روي أنّ دية اليهودي والنصراني والمجوسي أربعة آلاف درهم، لأنّهم أهل الكتاب.(2)

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على أنّ ديتهم جميعاً هي دية المسلم

1. روى الشيخ عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم».(3)

2. روى الشيخ باسناده، عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أعطاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم ذمة فديته كاملة»، قال زرارة: فهؤلاء؟ قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«وهؤلاء من (ممن) أعطاهم ذمة».(4)

هذا جملة مما ورد في المقام من الروايات المؤيدة والمخالفة فلندرسها سنداً ودلالة.

ص: 96


1- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . الوسائل 19، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 12.
3- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
4- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

أمّا ما ورد في الطائفة الثانية - أعني: كون دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة - فهي ضعيفة لوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في سندها، والراوي عنه «القاسم بن محمد الجوهري» وهو واقفي مثله.

وأمّا ما ورد في الطائفة الثالثة أعني رواية الصدوق، فهي مرسلة.

وأمّا روايات الطائفة الرابعة، فرواية أبان بن تغلب وزرارة صحيحتان سنداً. وأمّا علاج التعارض فبوجوه:

1. حمل الصحيحتين على التقيّة لما عرفت من القول بالمساواة عن عدّة من التابعين والفقهاء.

2. حملهما على المتعوّد لقتل أهل الذمّة إذ يجوز قتله قصاصاً فكيف لا يجوز أخذ دية النفس منه؟! وقد حمل صاحب المستدرك ما دلّ على المساواة على المتعوّد.(1)

3. الحكم بالمساواة لأجل مصلحة وقتية. ويدلّ على ذلك رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسلم قتل ذميّاً؟ فقال: «هذا شيء شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد، وعن قتل الذمّي»، ثمّ قال: «لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذمّيّين، ومن قتل ذميّاً ظلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميّاً حراماً ما آمن بالجزية وأدّاها ولم يجحدها».(2)1.

ص: 97


1- . مستدرك الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

فالظاهر أنّ قوله: «هذا شيء شديد لا يحتمله الناس» أي القول بأنّ ديتهم ثمانمائة درهم، لأنّه يصير ذريعة لقتل الذمّي، وإلّا فالحكم الواقعي هو هذا، نعم يتجاوز عنه لمصلحة خاصّة، فلعل ما دلّ على المساواة محمول على هذا القسم، ويقرب من ذلك حمل هذه الطائفة على المتعوّد على قتل الذمّيّين.

وإن شئت قلت: إنّ الحديث يدلّ على وجود التفاوت بين الديتين، أعني:

قوله: «فليعط أهله، دية المسلم»، كما أنّ قوله: «ويؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم» يدلّ على أنّ الحكم الأوّلي والمسلّم بين المسلمين في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وبعده في دية الذمّي هو ثمانمائة، وإنّما عدل الإمام عنه إلى كونها تساوي دية المسلم، لمصلحة ملزمة وقد أُشير إليها بقوله: «حتى ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمّي»، ويكون الحكم عندئذٍ أشبه بالحكم الولائي لدَرء المفسدة، لا حكماً شرعيّاً كليّاً وإن فقد ملاكه.

ويدلّ على كون الحكم ولائياً ما سبق من أنّ المسلم المتعوّد لقتل الذمي يُقتل قصاصاً لئلّا يتّخذ ذلك ذريعة لقتل أهل الكتاب.

إلى هنا تمّت دراسة الفرع الأوّل وإليك الكلام في سائر الفروع:

الثاني: دية المرأة الذمّيّة

دية المرأة من أهل الذمّة نصف دية الرجل منهم. وقد ورد التصريح به في الفقه الرضوي: «دية الذمّي ثمانمائة درهم ودية المرأة على هذا الحساب أربعمائة درهم» وورد أيضاً التقييد بالرجل في رواية «قرب الإسناد» حيث قال:

«ثمانمائة كلّ رجل منهم».(1)

ص: 98


1- . مستدرك الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

والمتلقّى من هذين الحديثين وغيرهما أنّ كون دية الرجل ضعف دية المرأة يرجع إلى طبيعة الجنسين من غير فرق بين المسلم والذمّي، ويكفي في المقام قوله: «دية المرأة نصف دية الرجل».(1)

الثالث: في دية أعضاء الذمّي وجراحاته

إنّ دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما، كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته.

وعلى هذا فدية اليد الواحدة من الرجل نصف تمام دية نفس الذمّي، فبما أنّ دية النفس فيه ثمانمائة درهم تكون دية اليد الواحدة أربعمائة درهم، وبما أنّ دية النفس في المرأة أربعمائة درهم، تكون دية اليد الواحدة لها مائتا درهم.

الرابع: تساوي دية الذمّي والذمّية في الأعضاء حتى تبلغ الثلث

إنّ دية الرجل والمرأة منهم تتساوى في الأعضاء حتى تبلغ الثلث مثل المسلم، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف كما هو الحال في المرأة المسلمة؛ وذلك لأنّ الموضوع هو الرجل والمرأة وإطلاقهما يعمّ الذمّيّ والذمّيّة.

الخامس: التغليظ على أهل الذمّة

اشارة

الحكم بالتغليظ عليهم بما يغلّظ به في المسلم؛ لأنّ التغليظ من آثار هتك حرمة الأشهر الحُرم أو الحرم على القول به في الثاني. وهو مشترك بين قتل المسلم والذمّي.

ص: 99


1- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

المسألة 31. لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار؛ سواء كانوا ذوي عهد أم لا، وسواء بلغتهم الدعوة أم لا، بل الظاهر أن لا دية للذمّي لو خرج عن الذمّة، وكذا لا دية له لو ارتدّ عن دينه إلى غير أهل الذمّة، ولو خرج ذمّي من دينه إلى دين ذمّي آخر ففي ثبوتها إشكال، وإن لا يبعد ذلك. *

* في المسألة فروع:

1. لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار.

2. لا دية للذمّي لو خرج عن الذمّة.

3. لا دية للذمّي لو ارتدّ عن دينه إلى غير أهل الذمّة، كما لو صار النصراني صابئياً.

4. لو خرج ذمّي من دينه إلى دين ذمّي آخر، كما لو تنصّر اليهودي، أو تهوّد النصراني.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار

فقد قال الشيخ في «الخلاف»: من لم تبلغه الدعوة لا يجوز قتله قبل دعائه إلى الإسلام بلا خلاف. وإن بادر إنسان فقتله لم يجب عليه القود بلا خلاف أيضاً، وعندنا لا تجب عليه الدية. وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي:

يلزمه الدية، وكم يلزمه؟ فيه وجهان: منهم من قال: يلزمه دية المسلم، لأنّه ولد على الفطرة، والمذهب أنّه يلزمه أقل الديات ثمانمائة درهم دية المجوسي.

ص: 100

دليلنا: أنّ الأصل براءة الذمّة، وشغلها يحتاج إلى دليل.(1)

وقال المحقّق: ولا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار، ذوي عهد كانوا أو أهل حرب، بلغتهم الدعوة أو لم تبلغ.(2) ويظهر وجهه ممّا سنذكره في الفرع الثاني.

الفرع الثاني: لا دية لمن خرج عن الذمّة

فقد استدلّ عليه في «الجواهر» بالأصل وقال: بلا خلاف للأصل.(3)

أقول: إذا تمّ الإجماع فهو، وإلّا فلا مجال لأصل البراءة بعد كون المرتكز في النفوس، احترام الدماء وحرمة إراقتها إلّابحق، قال علي عليه السلام: «الناس صِنْفَانِ:

إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أَوْ نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»(4).

أضف إلى ذلك: ورود ألفاظ اليهود والنصارى والمجوس في غير واحد من النصوص السابقة، الشاملة للذمّي وغيره، وإن ورد في بعضها لفظ الذمّيّ، لكن ليس المقام من قبيل تقييد المطلق بالمقيّد، لكونهما مثبتين.

والذي يمكن الاستدلال به ما رواه الشيخ بإسناده عن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غشّوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال:

«لا، إلّايكون متعوّداً لقتلهم»(5).

وجه الدلالة: أنّ الظاهر أنّهم كانوا ذمّيين فخرجوا بعدائهم

ص: 101


1- . الخلاف: 265/5، المسألة 79.
2- . شرائع الإسلام: 247/4.
3- . جواهر الكلام: 43/41.
4- . نهج البلاغة: قسم الرسائل، برقم 53.
5- . الوسائل: 19، الباب 16 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

وغشّهم المسلمين عنها، فيُستفاد منه كبرى كلّيّة وهي أنّه لا قصاص ولا دية لغير الذمّي سواء كان ذمّياً ثم خرج عنه أو لم يكن، ومع ذلك كلّه لابدّ من التأديب والتعزير؛ لما عرفت من أنّ الأصل حرمة الدماء إلّابحق. واللّه العالم.

ومنه يظهر حكم الفرع الثالث.

الفرع الرابع: لو خرج ذمّي من دينه إلى دين ذمّي آخر

لا بأس من القول فيه بثبوت الدية؛ لأنّه لم يخرج عن كونه ذمّياً لأنّه بالعدول من دينه إلى دين ذمّي آخر لم يخرج عن موضوع الدليل.

ص: 102

القول في موجبات الضمان

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوّل: في المباشر(1)

اشارة

المسألة 1. المراد بالمباشرة أعمّ من أن يصدر الفعل منه بلا آلة، كخنقه بيده أو ضربه بها أو برجله فقتل به، أو بآلة كرميه بسهم ونحوه، أو ذبحه بمدية، أو كان القتل منسوباً إليه بلا تأوّل عرفاً، كإلقائه في النار، أو غرقه في البحر، أو إلقائه من شاهق، إلى غير ذلك من الوسائط التي معها تصدق نسبة القتل إليه. *

ما هو المراد بالمباشر؟

الفعل المنسوب إلى الإنسان تارة يوصف بالفعل المباشري وأُخرى بالتسبيبي، أمّا الأوّل فقد عرّفه المصنّف في المقام، وأمّا الثاني فقد عرّفه في المبحث الثاني الآتي، فالفعل المباشري عبارة عن الفعل الذي ينسب إلى فاعله في نظر العرف بلا تسبيب سبب من غير فرق بين أن يصدر منه بلا آلة، كالخنق باليد والضرب بها وبالرّجل، أو أن يصدر بآلة كالرمي بالسهم والحجر والذبح بالسكين، فبما أنّ الآلة في المقام عديمة الشعور ينسب الفعل إلى الفاعل ويُلغى دور الآلة.

ص: 103

المسألة 2. لو وقع القتل عمداً يثبت فيه القصاص. والكلام هاهنا فيما لا يقع عمداً، نحو أن يرمي غرضاً فأصاب إنساناً، أو ضربه تأديباً فاتّفق الموت، وأشباه ذلك ممّا مرّ الكلام فيها في شبيه العمد والخطأ المحض. *

ونظيره إذا قتله بالإلقاء في النار أو من شاهق، فالمباشرة في هذه الفروض متحقّقة عرفاً وإن كان للنار تأثيرٌ في الموت على وجه لولاها لما مات، لكنّها لما كانت غير شاعرة بفعلها ينسب إلى الملقي.

وحصيلة الكلام: أنّه لا يشترط في الفعل المباشري عدم توسّط الآلة بين الفاعل والفعل، بل تصدق المباشرة معها، لما عرفت من أنّ الآلة يغفل العرف عن تأثيرها لأجل كونها عديمة الشعور.

لو رمى غرضاً فأصاب إنساناً

قال المحقّق: فضابطها (المباشرة) الإتلاف لا مع القصد إليه، كمن رمى غرضاً فأصاب إنساناً أو كالضرب للتأديب فيتّفق الموت منه،(1) أي أنّ الميزان في غير العمد، صدق الإتلاف دون القصد إليه وإلّا لثبت القصاص.

وبما أنّ الكلام في المقام في الدية خرج القتل العمدي عن محطّ الكلام، فانحصر البحث على شبيه العمد والخطأ، فالأوّل كما لو ضرب تأديباً فاتّفق الموت، والثاني كما إذا رمى غرضاً فأصاب إنساناً.

وحاصل الكلام: أنّه يشترط في ثبوت الدية نسبة الإتلاف إلى

ص: 104


1- . شرائع الإسلام: 248/4.

المسألة 3. لو ضرب تأديباً فاتّفق القتل فهو ضامن؛ زوجاً كان الضارب، أو وليّاً للطفل، أو وصيّاً للوليّ، أو معلّماً للصبيان، والضمان في ذلك في ماله. *

الفاعل دون قصده، وإلّا لثبت القصاص، ولذلك قال المحقّق: فضابطها - يعني المباشرة - الإتلاف لا مع القصد إليه.

ثمّ إنّه لو ضرب المعلم الطفل أو الزوج الزوجة لغاية التأديب فانجرّ إلى الموت، فيقع الكلام في ضمان المعلم والزوج، وهذا ما أشار إليه المصنّف في المسألة التالية.

لو ضرب تأديباً فاتّفق القتل فهو ضامن

الكلام فيما لو ضرب تأديباً فانتهى إلى القتل، كضرب الزوج للزوجة، والولي للطفل أو وصيه، أو المعلم للصبي.

إذا ضرب الزوج الزوجة أو الولي أو وصيه الطفل أو المعلم الصبي، يقع الكلام في تبيين موضوعه أوّلاً، وبيان حكمه ثانياً.

أمّا الأوّل فهو ليس من قبيل العمد، لأنّه لم يقصد القتل وليس الفعل ممّا يقتل، وليس أيضاً من قبيل الخطأ المحض، لأنّه يشترط فيه أن لا يقصد وقوع الفعل على الإنسان، كما إذا رمى غرضاً فأصاب إنساناً حيث لم يقصد رمي الإنسان، فيكون المقام من قبيل شبه العمد.

وأمّا الثاني أي حكمه من الضمان وعدمه فقال المصنّف بالضمان؛ وجهه: صدق الإتلاف ولا يشترط في صدقه قصده، بل تكفي نسبة الإتلاف إليه ولو مع عدم القصد، كما إذا أتلف حال كونه نائماً شيئاً من غير فرق

ص: 105

بين الأنفس والأموال. وبه قال الشيخ في «المبسوط» حسب ما حكى عنه صاحب «مفتاح الكرامة»: إنّه يضمن الدية في ماله، لأنّ التأديب مشروط بالسلامة.(1)

فإن قلت: إنّه من التعزير السائغ فينبغي أن لا يوجب ضماناً.

قلت: إنّ التعزير السائغ محدّد بعدم الإتلاف، فلو انتهى إليه فقد خرج عن السائغ إلى غيره، غاية الأمر جهل الفاعل بالتجاوز يوجب رفع القود، وأمّا الدية فلا وجه لعدمها بعد انتساب الإتلاف إلى الضارب.

ثمّ إنّ الدية في الموارد المذكورة على الضارب: لأنّه قصد وقوع الفعل على المقتول وإن لم يقصد موته، فافترق مع من رمى غرضاً فأصاب إنساناً، لا على العاقلة لأنّه من قبيل شبه العمد فهو على الفاعل نفسه.1.

ص: 106


1- . مفتاح الكرامة: 4/21.

المسألة 4. الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً في العلم أو العمل ولو كان مأذوناً، أو عالج قاصراً بدون إذن وليّه أو بالغاً بلا إذنه، وإن كان عالماً متقناً في العمل، ولو أذن المريض أو وليّه الحاذق في العلم والعمل، قيل: لا يضمن، والأقوى ضمانه في ماله، وكذا البيطار.

هذا كلّه مع مباشرة العلاج بنفسه، وأمّا لو وصف دواءً وقال: إنّه مفيد للمرض الفلاني، أو قال: إنّ دواءك كذا من غير أمر بشربه، فالأقوى عدم الضمان. نعم لا يبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف. *

في ضمان الطبيب

في المسألة فروع:

1. إذا أتلف الطبيبُ بعلاجه وكان قاصراً في العلم أو العمل، وإن أذن له المريض.

2. إذا عالج الطبيبُ قاصراً كالطفل والمجنون بدون إذن وليّه، أو بالغاً بلا إذنه، وإن كان متقناً في العلم والعمل.

3. لو كان حاذقاً في العلم والعمل وعالج المريض بإذنه.

4. لو وصف الطبيب دواءً وقال: إنّه مفيد للمرض الفلاني أو قال: إنّ دواءك كذا من غير أمر بشربه.

5. لو راجع المريض عيادة الطبيب وأجرى له الفحص على النحو المتعارف وكتب له الوصفة مشيراً عليه بالعمل بها.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: قال المحقّق: الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن

ص: 107

كان قاصراً.(1)

وقال العلّامة: الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً.(2)

وقال صاحب مفتاح الكرامة: وكذا يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصر المعرفة إجماعاً كما في التنقيح.(3)

ويقرر وجه الضمان بوجهين:

1. أنّ الميزان في الضمان هو الاتلاف من غير إذن والمريض أذن بالتطبّب لا في الإتلاف.

2. إنّه إذن بالتطبّب بزعم أنّه صالح له علماً وعملاً ولم يكن كذلك حتى عند الطبيب نفسه فيكون مضموناً قطعاً.

الفرع الثاني: إذا عالج قاصراً بدون إذن وليه أو بالغاً بلا إذنه، يضمن وإن كان عالماً متقناً في العمل.

قال المحقّق: (يضمن) إذا عالج طفلاً أو مجنوناً لا بإذن الولي أو بالغاً لم يأذن.(4)

وقال العلّامة: الطبيب يضمن إذا عالج طفلاً أو مجنوناً بغير إذن الولي أو بالغاً عاقلاً لم يأذن.(5) ويكفي في الحكم بالضمان صدق الإتلاف بغير إذن منه، كما لو أتلف مال الغير بلا إذن فيضمن إجماعاً.5.

ص: 108


1- . شرائع الإسلام: 248/4.
2- . تحرير الأحكام: 527/5.
3- . مفتاح الكرامة: 9/21.
4- . شرائع الإسلام: 248/4.
5- . تحرير الأحكام: 527/5.

الفرع الثالث: لو أتلف الطبيب الحاذق في العلم والعمل وعالج المريض بإذنه، فقد نقل في المتن وجهين: الضمان وعدمه، واستقوى الأوّل في مال نفس الطبيب.

قال المحقّق: ولو كان الطبيب عارفاً وأذن له المريض في العلاج فآل إلى التلف، ففيه قولان:

1. لا يضمن، لأنّ الضمان يسقط بالإذن، لأنّه فعل سائغ شرعاً.

2. أنّه يضمن لمباشرته الإتلاف وهو أشبه.

فإن قلنا: لا يضمن فلابحث، وإن قيل: يضمن، فهو يضمن في ماله.(1)

وقال العلّامة في «القواعد»: وإن كان حاذقاً وأذن له المريض، فآل علاجه إلى التلف فالأقرب الضمان في ماله.(2) أمّا الضمان فهو قول الشيخ المفيد، والطوسي في النهاية، وابن البراج في الكامل، وسلّار وأبي الصلاح وابن زهرة والطبرسي والكيدري ونجم الدين ونجيب الدين ابني سعيد، وجعلوه شبيه عمد.(3)

والظاهر الضمان؛ لأنّ الإذن بالطبابة غير الإذن بالإتلاف، والمفروض انحصار الإذن في السلامة لا في ضدها.

نعم ذهب ابن إدريس إلى القول بأنّه لا يضمن لوجوه ثلاثة: للأصل أوّلاً، وسقوطه بإذنه ثانياً، ولأنّه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضماناً ثالثاً.1.

ص: 109


1- . شرائع الإسلام: 248/4-249.
2- . قواعد الأحكام: 3/651.
3- . مفتاح الكرامة: 10/21.

يلاحظ على الجميع: أنّ الأصل - أي أصالة البراءة - مقطوع بالدليل لقاعدة الضمان على المتلف، والإذن في العلاج - كما مرّ - ليس إذناً في الإتلاف، والجواز الشرعي لا ينافي الضمان، كما في الضرب للتأديب، غاية الأمر بما أنّه لم يكن عامداً لا يقتص منه.(1)

أضف إلى ذلك: رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام مَن تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلّا فهو ضامن».(2)

وجه الدلالة: أنّه لو لم يكن ضامناً لما أُمر بأخذ البراءة، مضافاً إلى التصريح بالضمان في قوله: «فهو ضامن».

الفرع الرابع: لو لم يباشر العلاج بنفسه وإنّما وصف دواءً بأنّه مفيد للمرض الفلاني أو دواءك كذا، وكان المخاطب مبتلى بنفس المرض فاستعمله وأدّى إلى تلفه، فلا يضمن لعدم صحّة نسبة التلف إلى الطبيب، إذ لم يأمر به نظير من قرأ الكتب الطبية وعالج مرضه بما وجد فيها فأدّى إلى تلفه، فلا يعدّ المؤلّف ضامناً.

الفرع الخامس: التطبيب على النحو المتعارف إذا كتب له الوصفة مشيراً إلى كيفية العمل بها، فالظاهر هو الضمان لاستناد التلف إليه عرفاً وكون المريض مختاراً في العمل بها لا يضرّ بعد صحّة استناد الإتلاف إلى الطبيب، بل هذه الصورة، هي المورد المتيقّن من رواية السكوني فلاحظ.1.

ص: 110


1- . جواهر الكلام: 46/43.
2- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

المسألة 5. الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ وإن كان ماهراً، وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال، والأشبه عدم الضمان. *

الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ
اشارة

قال الشيخ في «الخلاف»: الختّان، والبيطار، والحجّام يضمنون ما يجنون بأفعالهم، ولم أجد أحداً من الفقهاء ضمّنهم، بل حكى المزني أنّ أحداً لا يضمنهم. دليلنا: إجماع الفرقة المحقّة.(1)

أشار قدس سره في هذه المسألة إلى صورتين:

1. إذا تجاوز الختّان الحدّ وإن كان ماهراً.

2. إذا لم يتجاوزه لكن أضر الختان بالولد فمات.

أمّا الأُولى: إذا تجاوز الختّان وقطع شيئاً من الحشفة فهو ضامن في عامّة الصور، فرّط في العمل أو لا، كان قاصراً في عمله أو لا.

ويدلّ على ما ذكرنا من العموم وجوه:

1. أنّه من مقولة الإتلاف، وما يقال من أنّ إذن الولي كاف في عدم الضمان، غير تامّ؛ لأنّ الإذن مقيّد بالسلامة، والمفروض أنّه تجاوزها.

2. ما رواه الشيخ في «التهذيب» بسند صحيح عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ علياً عليه السلام ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام.(2) ومورده هذه الصورة،

ص: 111


1- . الخلاف: 5/503، المسألة 26.
2- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 12.

لأنّه كان مأذوناً في قطع الغلاف لا في قطع الحشفة، فكيف لا يكون ضامناً؟! وقال المحقّق بعد ذكرها: والرواية مناسبة للمذهب.(1) وإطلاق الرواية يعمّ صورتي التفريط وعدمه؛ وما في «الجواهر» من أنّه قضيّة في واقعة، محتملة لتفريط الختّان بقطع الحشفة الذي لم يؤمر به، خلاف الإطلاق، ولو كان المورد من مقولة التفريط لصرّح الإمام الحاكي لفعل جدّه.

3. روايته الأُخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مَن تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه، وإلّا فهو له ضامن».(2)

فإنّ منصرف قوله: «فهو له ضامن» ما إذا كان ماهراً وتجاوز الحدّ؛ لأنّ الولي لا يأذن له إلّاإذا علم أنّه ماهر في فنّه، فإذا لم يأخذ البراءة - كما هو المفروض - فيكون ضامناً.

أمّا الصورة الثانية: فالمفروض أنّ الطبيب ماهر مأذون وهو لم يتجاوز حدّ الختان، إلّاأنّ العمل أضرّ بالولد فمات، بحيث لو قام بها أي ختّان لترتّب على عمله الموت أيضاً، فالظاهر - بل الأقوى - عدم الضمان، لأنّه من لوازم العمل المأذون الذي يكون الطبيب والولي عنه غافلين، فالحكم بالضمان مع عدم وجود التقصير والقصور في ناحية الطبيب، أمر بعيد.

وما روي عن علي عليه السلام من أنّه ضمّن الختّان فمنصرف عن هذه الصورة.

أضف إلى ذلك: أنّ عملية الختان واجب كفائي للطبيب وقد قام بوظيفته دون تقصير أو قصور، فلا يحكم عليه بالضمان، فوجود أرضية خاصّة1.

ص: 112


1- . شرائع الإسلام: 251/4.
2- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

في الولد صارت مع الختان سبباً للموت، لا توجب الضمان. ثمّ على القول بالضمان في كلتا الصورتين فهو من ماله لا على العاقلة.

فإن قلت: المتبادر من قوله: «فليأخذ البراءة من وليه» انحصار عدم الضمان بالبراءة وإلّا فيضمن.

قلت: هذا فيما إذا علم الاستناد دون ما إذا لم يعلم، أو علم عدمه كما في المقام، فإنّ الموت إنّما هو لوجود أرضية خاصّة في المختون أدّت إلى موته.

ثمّ إنّه قد ورد في المقام روايات تؤيّد عدم ضمان الطبيب إذا لم يتجاوز الحدّ، منها:

1. ما رواه محمد بن يحيى، عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن أحمد بن إسحاق قال: كان لي ابن وكان تصيبه الحصاة، فقيل لي: ليس له علاج إلّاأن تبطّه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت في دم ابنك، قال: فكتبت إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام فوقّع عليه السلام: «يا أحمد، ليس عليك فيما فعلت شيء، إنّما التمست الدواء وكان أجلُه فيما فعلت».(1) والبط هو الشقّ، والحصاة واحدة الحصى وهي صغار الحجارة.

فلو ثبتت حجّية الرواية لدلّت على كفاية الظن بالسلامة في المداواة.

2. خبر إسماعيل بن الحسن المتطبّب المروي في «روضة الكافي» قال:

قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي رجل من العرب، ولي بالطبّ بصر، وطبّي طبّ عربي، ولست آخذ عليه صفداً؟ فقال: «لا بأس»، قلت: إنّا نبط الجرح ونكوي بالنار، قال: «لا بأس»، قلت: ونسقي هذه السموم الأسمحيقون والغاريقون،ق.

ص: 113


1- . الكافي: 53/6، كتاب الحقيقة، باب النوادر، الحديث 6، وفيه حمدان بن إسحاق.

المسألة 6. الظاهر براءة الطبيب ونحوه - من البيطار والختّان - بالإبراء قبل العلاج، والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً فيما لا ينتهي إلى القتل، والوليّ فيما ينتهي إليه، وصاحب المال في البيطار، والوليّ في القاصر، ولا تبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتى فيما ينتهي إلى القتل، والأحوط الاستبراء منهما. *

قال: «لا بأس»، قلت: إنّه ربّما مات؟ قال: «وإن مات».(1)

أقول: كانت عملية الطبابة - آنذاك - على حدّ البساطة والسذاجة، ولم يكن طريق للعلاج إلّاما ورد فيها، وأمّا اليوم فقد تطوّر الطب وتشعبّت فروعه، فاحتاج كلّ عضو من أعضاء الإنسان إلى متخصّص يعالج المريض بأحدث الأجهزة، فالعلاج بهذه الطرق وبهذه الأدوية إذا أدّت للموت، موجب للضمان أيضاً.

* في المسألة فروع:

1. براءة الطبيب بالإبراء قبل العلاج.

2. اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً مطلقاً فيما ينتهي إلى القتل أولا.

3. اعتبار إبراء الولي في القاصر.

4. اعتبار إبراء صاحب المال في البيطار.

وإليك دراسة الفروع:ل.

ص: 114


1- . الكافي: 193/8، الحديث 229. الصفد: الأجر، الأسمحيقون: نوع من الأدوية وفي المجمع حبّ مسهل.
الأوّل: براءة الطبيب بالإبراء قبل العلاج

براءة الطبيب بالإبراء، سواء كان المبرئ هو المريض أو الوليّ، وهو كذلك فتوى ونصّاً.

أمّا الأوّل، فقد قال المحقّق: وهل يبرأ [يعني الطبيب ونحوه] بالإبراء قبل العلاج؟ قيل: نعم، لرواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مَن تطبّب أو تبيطر، فليأخذ البراءة من وليّه وإلاّ فهو ضامن».

ولأنّ العلاج ممّا تمسّ الحاجة إليه، فلو لم يشرع الإبراء، تعذّر العلاج، وقيل: لا يبرأ لأنّه إسقاط الحق قبل ثبوته.(1)

وقال العلّامة في التحرير: ولو أبرأه المريض قبل العلاج قيل: يصحّ، لرواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تطبب إلخ، وإلّا فهو ضامن». ولأنّه ممّا تمسّ الحاجة إليه، فلولا تسويغه لحصل الضرر.

وقيل: لا يصحّ لأنّه إبراء ممّا لم يثبت. ثم ذكر رواية تضمين علي عليه السلام للختّان الذي قطع حشفة غلام.(2)

ثمّ إنّ القول بصحّة البراءة مذكور في كلمات المشايخ، منهم: الشيخ المفيد(3)، والشيخ(4)، وأتباعهما، وأبو الصلاح.(5)

وأمّا النص فيدلّ عليه رواية النوفلي، عن السكوني، عن الصادق عليه السلام - كما مرّ - و الأصحاب عملوا بروايتهما إذا لم تخالف قاعدة مسلّمة.

أضف إلى ما ذكرنا: أنّه ربما يكون المريض على عتبة الموت

ص: 115


1- . شرائع الإسلام: 249/4.
2- . التحرير: 5/528.
3- . المقنعة: 734.
4- . النهاية: 734.
5- . الكافي في الفقه: 402.

فعندئذٍ يجب على الطبيب علاجه، ومن ناحية أُخرى ربما ينتهي العلاج إلى موته، فالحكم عليه بالضمان ضرر.

وأمّا ما يستدلّ به من أنّه إبراء لما لم يثبت، فهو نظير القول بضمان ما لم يجب، فهو غير تام لما قلنا في محلّه من كفاية وجود المقتضي للضمان والإبراء، ولا يشترط اشتغال الذمّة فعليّاً. وكم له من نظير في الفقه ضماناً وبراءة، كضمان التالف في زمان العقد عن البائع إذا بان أنّ المبيع مِلكٌ للغير، وكبراءة بائع الحيوان من العيب الطارئ عليه في ثلاثة أيام.(1)

الثاني: اعتبار إبراء المريض لو كان بالغاً عاقلاً
اشارة

اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً مطلقاً من غير فرق بين ما ينتهي إلى القتل أولا، بل لا يكفي إذن الولي، إذ لا ولي له في هذا الحال وإنّما هو أولى بنفسه، وكون الولي هو المطالِب بعد ذلك لا يرفع سلطنته الآن على نفسه.(2)

وما في المتن من تخصيص اعتبار إبرائه ممّا لا ينتهي إلى القتل، غير واضح ولعلّه اعتمد في التفصيل على رواية السكوني حيث جاء فيها: «فليأخذ البراءة من وليّه» ولكن الظاهر أنّ التعبير بالولي لأجل الاختصار بكلمة تعمّ المريض، والطفل والقاصر ورب المال.

نعم الأحوط كما أفاد في المتن أخذ البراءة من المريض والولي.

وأمّا الفرع الثالث والرابع فواضحان، إذ لو كان المريض هو الحيوان فالمبرئ هو مالكه، ولو كان المريض غير بالغ أو مجنوناً، فالمبرئ وليّه.

ثمّ الظاهر كفاية الاستبراء وإن لم يكن في ضمن عقد بناءً على

ص: 116


1- . الوسائل: 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2، 3، 4.
2- . جواهر الكلام: 48/43.

المسألة 7. النائم إذا أتلف نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته على وجه يستند الإتلاف إليه، فضمانه في مال العاقلة، وفي الظئر إذا انقلبت فقتلت الطفل رواية: بأنّ عليها الدية كاملة من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظأرت طلباً للعزّ والفخر، وإن كانت إنّما ظأرت من الفقر فإنّ الضمان على عاقلتها، وفي العمل بها تردّد، ولو كان ظئرها للفقر والفخر معاً فالظاهر أنّ الدية على العاقلة، والأُمّ لا تُلحق بالظئر. *

لزوم العمل بالشرط الابتدائي وعليه المحقّق الأردبيلي.(1) وأمّا على القول بعدم لزوم الوفاء بالشرط الابتدائي فيجب أن يؤخذ في إجارة الطبيب، وعندئذٍ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان وخيار المجلس في نفس العقد.

وبما أنّ الأقوى عندنا كفاية كل من الصورتين فلا فرق بين الأخذ في ضمن عقد أو الاشتراط على وجه الإطلاق؛ لعموم قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «المؤمنون عند شروطهم».

* في المسألة فرعان:

1. إذا أتلف النائم نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته.

2. إذا انقلبت الظئر فقتلت الطفل.

وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: إذا أتلف النائم نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته

لا شكّ في ثبوت الضمان في المقام، إنّما الإشكال في أنّه هل هو

ص: 117


1- . جواهر الكلام: 48/43.

على النائم أو على العاقلة؟

ذهب الشيخ في «النهاية» إلى أنّه على النائم وقال: ومن نام فانقلب على غيره فقتله، فإنّ ذلك شبيه العمد تلزمه الدية في ماله خاصّة، وليس عليه قود.(1)

وأمّا المحقّق فالظاهر من صدر عبارته التوقّف وقال: النائم إذا أتلف نفساً بانقلابه أو بحركته قيل: يضمن الدية في ماله، وقيل: في مال العاقلة. ثمّ إنّه جاء بعد هذه العبارة في المطبوع من «الشرائع» قوله: «والأوّل أشبه» فيكون موافقاً للشيخ، ولكن وردت في متن الشرائع في المسالك والجواهر مكان: «الأوّل»، قوله: «وهو»، الراجع إلى مال العاقلة فيكون مخالفاً للشيخ.(2)

وظاهر العلّامة مخالفة الشيخ وموافقة المحقّق حسب نسختي المسالك والجواهر قال: النائم إذا انقلب على غيره فأتلفه، قيل: يضمن في ماله، وقيل:

يضمن على العاقلة، وهو أقوى، واضطرب ابن إدريس هنا.(3)

وظاهر المتن أنّه على العاقلة؛ لأنّه من مقولة الخطأ المحض، باعتبار عدم قصد الفعل ولا قصد القتل.

وتصوّر أنّه من مقولة شبه العمد غير تام، لعدم وجود القصد في انقلاب النائم حتى يلحق به. نعم روى ابن إدريس رواية مرسلة وقال: «إنّ من نام وانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد تلزمه الدية في ماله خاصّة وليس عليه القود»(4) لكنّها رواية مرسلة لا يحتجّ بها.ه.

ص: 118


1- . النهاية: 758.
2- . لاحظ: شرائع الإسلام: 4/249؛ مسالك الأفهام: 15/330؛ جواهر الكلام: 43/51.
3- . تحرير الأحكام: 528/5، المسألة رقم 7167.
4- . السرائر: 365/3، باب ضمان النفوس وغيره.

وذهب السيد الخوئي إلى عدم ثبوت الدية مطلقاً لا في ماله ولا في مال العاقلة، أمّا الأوّل فلعدم استناد القتل إليه بعمد أو شبه عمد، وأمّا الثاني فلما تقدّم من أنّه يعتبر في القتل الخطئي - على ما فُسّر في الرواية - العمد في الفعل بأن يريد شيئاً ويصيب غيره، والمفروض انتفاء القصد هنا، فلا يكون داخلاً في القتل الخطئي.(1)

أقول: لا شكّ أنّ هنا قتلاً ومقتولاً، لا يمكن إنكارهما فلابدّ لهما من فاعل، فمن هو الفاعل؟ والمفروض أنّه لم يمت حتفه أنفه، وإنّما قتل بسبب الضغط الوارد عليه، والقتل إمّا يوصف بالعمد أو شبه عمد أو بالخطأ، فكيف يمكن أن يخرج عن الأقسام الثلاثة؟!

وأمّا التفسير الوارد في الرواية فهو من باب الغلبة، فإنّ القتل الخطئي يتحقّق بالنحو الوارد فيها.

الفرع الثاني: لو انقلبت الظئر فقتلت الطفل
اشارة

لو انقلبت الظئر فقتلت الطفل، فهل الضمان عليها أو على عاقلتها؟

الأشبه بالقواعد أنّه على العاقلة لما ذكرنا في انقلاب النائم من عدم قصد الفعل ولا القتل.

ومع ذلك فقد وردت رواية تدلّ على التفصيل، ورواها الكليني والشيخ والصدوق والبرقي:

1. روى الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن

ص: 119


1- . مباني تكملة المنهاج: 222/2.

خالد، عن محمد بن أسلم، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «أيّما ظئر قوم قتلت صبياً لهم وهي نائمة [فانقلبت عليه] فقتلته، فإنّ عليها الدية من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظاءرت طلباً للعزّ والفخر، وإن كانت إنّما ظاءرت من الفقر فإنّ الدية على عاقلتها».(1)

وفي السند كما تقدّم محمد بن أسلم، قال النجاشي عنه: أصله كوفي، وكان يتّجر إلى طبرستان يقال: إنّه كان غالياً فاسد الحديث،(2) وضعّفه في الوجيزة.

2. ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن أسلم

3. ورواه أيضاً بإسناده عن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أسلم الجبلي

4. ورواه البرقي عن أبيه، عن محمد بن أسلم، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم.(3) فقد وقع في هذه الأسانيد الأربعة محمد بن أسلم وقد عرفت حاله.

5. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن ناجية، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام. وفي السند محمد بن ناجية وله روايتان في الكافي والفقيهن.

ص: 120


1- . الوسائل: 19، الباب 29 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
2- . رجال النجاشي: 368، برقم 999.
3- . نفس المصدر: وقد سقط: اسم محمد بن أسلم عن سند البرقي في الوسائل، ولذلك حكم السيد الخوئي بصحّة السند أخذاً بما ورد في المطبوع ولم يرجع إلى المحاسن.

المسألة 8. لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً فماتت يضمن الدية في ماله، وكذا لو أعنف بها ضمّاً؛ وكذا الزوجة لو اعنفت بالرجل ضماً، وكذا الأجنبي والأجنبية مع عدم قصد القتل. *

والتهذيب ولم يوثّق، مضافاً إلى أنّ محمد بن علي مشترك.

6. ورواه الصدوق بنفس السند وفيه محمد بن ناجية.

ففي الأسانيد الأربعة وقع محمد بن أسلم وفي الأسنادين الأخيرين وقع محمد بن ناجية، ولأجل هذا تردّد المصنّف، ولكن يمكن أن يقال: إذا كثرت الأسانيد يعضد بعضها بعضاً، فالعدول عن مثله مشكل.

نعم قال العلّامة: وعندي في هذا التفصيل نظر، لأنّ فعل النائم إن كان خطأ، فالدية على العاقلة على التقديرين، وإن كان شبيه العمد فالدية في ماله على التقديرين، والتفصيل لا وجه له.(1)

والظاهر أنّه لو قلنا بحجّية الرواية فلا إشكال في التفصيل تعبّداً. نعم التفصيل يختصّ بالظئر لا بالأُم المرضعة، فحكمها حكم النائم إذا انقلب على غيره، فلو قتلته فالضمان على العاقلة.

* في المسألة فرعان:

1. لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً، أو ضمّاً، وكذا لو أعنفت الزوجة بالزوج ضمّاً.

2. لو أعنف الأجنبي بالأجنبية مع عدم قصد القتل.

وإليك دراسة الفرعين:7.

ص: 121


1- . تحرير الأحكام: 529/5، المسألة رقم 7167.
الفرع الأوّل: لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً وضمّاً

قال المحقّق: إذا أعنف بزوجته جماعاً في قبل أو دبر، أو ضمّاً، فماتت، ضمن الدية، وكذا الزوجة.(1)

ووجه كونه في ماله أنّه قصد الفعل ولم يقصد القتل فيكون من مصاديق شبه العمد، فالدية في ماله، أضف إلى ذلك: صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سُئل عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنّها ماتت من عنفه؟ قال:

«الدية كاملة ولا يقتل الرجل».(2)

ونسبه في «الجواهر» إلى الشيخين وسلّار وابن إدريس والقاضي وغيرهم.(3)

ويؤيده خبر زيد عن أبي جعفر عليه السلام في رجل نكح امرأة في دبرها فألح عليها حتى ماتت من ذلك؟ قال: «عليه الدية».(4)

وللشيخ في «النهاية» تفصيل قال: فإن كانا متّهمين أُلزما الدية، وإن كانا مأمونين لم يكن عليهما شيء.(5)

وقد استند في ذلك إلى مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن رجل أعنف على امرأته أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر، قال: «لا شيء عليهما إذا كانا مأمونين، فإن اتّهما

ص: 122


1- . شرائع الإسلام: 249/4.
2- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
3- . جواهر الكلام: 53/43.
4- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
5- . النهاية: 758.

المسألة 9. من حمل شيئاً فأصاب به إنساناً ضمن جنايته عليه في ماله. *

ألزما اليمين باللّه أنّهما لم يردا القتل».(1) وتكون النتيجة هو تعلّق الدية بالحالف.

والرواية لإرسالها لا تصلح للاحتجاج، ويحتمل أن يكون اليمين فيها على القسامة إثباتاً للقود دون الدية كما في الجواهر.(2)

الفرع الثاني: لو أعنف الأجنبي بالأجنبية مع عدم قصد القتل

فقد عُلم حكمه ممّا سبق، فإنّه من قبيل شبه العمد حيث قصد الفعل ولم يقصد القتل.

مَن حمل شيئاً فأصاب به إنساناً

إذا حمل إنسان على رأسه متاعاً فأصاب به إنساناً، كما لو حمل على رأسه خشبة طويلة، أو حطباً، فالمشهور أنّه يضمن، بشرط أن لا يدفعه غيره، وإلّا كان ضمان ذلك على الدافع.

قال المحقّق: من حمل على رأسه متاعاً فكسره، وأصاب به إنساناً، ضمن جنايته [في كلا الموردين] في ماله.(3)

وقال العلّامة: إذا حمل على رأسه متاعاً فكسره، أو أصاب به إنساناً، فجنى في نفس أو طرف أو جرح، ضمن المتاع وما جناه، من ماله.(4) أي لا

ص: 123


1- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.
2- . جواهر الكلام: 54/43.
3- . شرائع الإسلام: 249/4.
4- . تحريرالأحكام: 529/5، المسألة رقم 7169.

من مال العاقلة. وعليه المصنّف في المتن.

أقول: يجب أن يكون الكلام مركّزاً على ضمان الجناية على النفس أو الطرف بدفع الدية وعدمه، وأمّا ضمان المال المكسور وغيره فهو خارج عن مصبّ البحث، ويبحث فيه في كتاب الإجارة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه يدلّ على الضمان ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فمات أو انكسر منه؟ فقال: «هو ضامن».(1) الظاهر أنّ الضمير في قوله: «منه» يرجع إلى الإنسان لا إلى المتاع لكونه أقرب فتكون الرواية ممحضة لبيان موت الإنسان أو كسر شيء من أجزاء بدنه.

وأورد عليه في «المسالك» بوجهين:

الأوّل: ضعف السند لوقوع سهل بن زياد فيه.

أقول: إنّ هذه الرواية رويت بطرق وقع في بعضها سهل بن زياد دون الآخر، وإليك الطرق:

1. أمّا الكليني فقد عرفت السند.

2. ما رواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان.(2)9.

ص: 124


1- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
2- . التهذيب: 230/10، برقم 909.

وهذا الطريقان فيهما سهل بن زياد، وإليك الطرق الأُخرى:

3. ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.(1)

وأمّا سند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب فبالنحو التالي: الحسين بن عبيد اللّه، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه محمد بن يحيى، عن محمد بن علي بن محبوب.(2)

4. ما رواه الصدوق عن ابن أبي نصر(3) وسنده إليه بالنحو التالي، قال:

فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن (رضي اللّه عنهما) عن سعد بن عبد اللّه والحميري، جميعاً عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.(4)

فعُلم أنّ السندين الأخيرين صحيحان بلا إشكال.

على أنّ سهل بن زياد، الأمر فيه سهل.

إلى هنا اتّضح عدم الإشكال في السند.

الوجه الثاني: أي ممّا أورده صاحب المسالك، قال: إنّ إطلاق الرواية مخالف للقواعد لأنّه إنّما يضمن المصدوم في ماله، مع قصده إلى الفعل وخطئه في القصد، فلو لم يقصد الفعل كان خطأ محضاً، كما تُقرر.4.

ص: 125


1- . التهذيب: 222/7، برقم 973.
2- . تهذيب الأحكام: قسم شرح المشيخة: 72/10.
3- . الفقيه: 123/3، برقم 13.
4- . الفقيه: قسم المشيخة: 18/4.

وأمّا المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أميناً عليه، كغيره من الأموال.(1)

وحاصل الإشكال الثاني: أنّ المضمون مشكل من جهتين:

1. إنّ القتل في المقام خطأ محض، بشهادة أنّه لم يقصد وقوع الفعل على المقتول، فكان خطأ محضاً فتحمله العاقلة لا نفس الشخص كما عليه الرواية.

2. أنّ المعتبر في ضمان المتاع هو التفريط والمفروض أنّه لم يفرّط، فكيف يحكم بالضمان على الإطلاق.

أقول: إنّ المضمون مشكل من جهة ثالثة وهي: أنّ هذه الرواية نقلها الصدوق بنحو آخر حيث قال: إنّه مأمون، ومع التعارض بين نقلي الكليني والصدوق كيف يصحّ الأخذ بالأوّل؟!

وربما يتصوّر التعارض بين الصحيحة وما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه؟ قال: «إن كان مأموناً فليس عليه شيء، وإن كان غير مأمون فهو ضامن».(2) والظاهر عدم التعارض لما مرّ من أنّ الضمير في «منه» يرجع إلى الإنسان لا إلى المتاع، فليس فيها ما يدلّ على حكم المتاع، حتى يلزم التعارض.

وعلى كلّ تقدير فالعمل بالرواية لهذه الجهات مشكل، فالقول بأنّ الضمان على العاقلة أقوى.7.

ص: 126


1- . مسالك الأفهام: 331/15.
2- . الوسائل: 13، الباب 30 من أبواب كتاب الإجارة، الحديث 7.

المسألة 10. مَن صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات، فلا دية إلّامع العلم باستناد الموت إليه، فحينئذٍ إن كان قاصداً لقتله فهو عمد يقتصّ منه، وإلّا شبيه عمد فالدية من ماله، فلو صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل فمات، فالظاهر ثبوت الدية إلّاأن يثبت عدم الاستناد، [ومع ثبوت الاستناد أو الشكّ فيه](1) فمع قصد القتل بفعله فهو عمد، وإلّا فشبيهه مع عدم الترتّب نوعاً أو غفلته عنه، ومن هذا الباب كلّ فعل يستند إليه القتل، ففيه التفصيل المتقدّم، كمن شهر سيفه في وجه إنسان، أو أرسل كلبه إليه فأخافه، إلى غير ذلك من أسباب الإخافة. *

مَن صاح ببالغ غير غافل
اشارة

قال المحقّق: مَن صاح ببالغ (عاقل غير غافل) فمات، فلا دية. أمّا لو كان مريضاً أو مجنوناً أو طفلاً، أو اغتفل البالغ الكامل، وفاجأه بالصيحة، لزمه الضمان. ولو قيل بالتسوية في الضمان، كان حسناً، لأنّه سبب الإتلاف ظاهراً.

وقال الشيخ: الدية على العاقلة، وفيه إشكال، من حيث قصد الصائح إلى الإخافة، فهو عمد الخطأ. وكذا البحث لو شهر سيفه في وجه إنسان.(2)

وقال العلّامة: لو صاح بصبي أو مجنون، أو بالغ كامل مريض، أو اغتفل الرشيد البالغ، أو فاجأه بالصيحة، ضمن، ولو صاح بالبالغ العاقل من غير اغتفال ولا مفاجأة فمات، فلا ضمان إلّاأن ينسب الموت إلى الصيحة فيضمن،

ص: 127


1- . الزيادة منا يقتضيها سياق العبارة.
2- . شرائع الإسلام: 249/4.

وكذا لو ذهب عقل البالغ أو الصبي بالصيحة.(1)

وفي المسألة فروع:

1. من صاح ببالغ عاقل غير غافل ومات فلا دية، إلّاإذا علم استناد موته به، وقصد الصائح قتل المصاح به.

2. تلك الصورة أي عُلم الاستناد لكنّه صاح به وقصد الفعل دون القتل، كما لو قصد الإخافة فقط.

3. لو صاح بطفل أو مريض أو صبي أو جبان أو غافل، فمات، فالأصل استناد موته إليه، وعندئذٍ ففيه التفصيل بين قصد قتل المصاح به، وإخافته.

4. كلّ فعل استند إليه القتل ففيه التفصيل المتقدّم كمن شهر سيفه في وجه إنسان أو أرسل كلبه إليه فأخافه إلى غير ذلك من أسباب الإخافة.

الفرع الأوّل: مَن صاح ببالغ غير غافل ومات

إذا صاح ببالغ عاقل غير غافل، فلا دية لعدم ثبوت الاستناد وكونه عاقلاً بالغا مصحّاً يمنع عن طروء الظن باستناد الموت إلى مجرد فعل الصائح.

وسيأتي وجه الفرق بينه وبين الفرع الثالث، لكنّه إذا علم الاستناد، أو صاح وقصد به القتل، أو كانت الصيحة على نحو يترتّب عليها الموت عادة وكان الصائح عالماً بذلك، فهو قتل عمد.

الفرع الثاني: لو قصد الفعل دون القتل

لو قصد الفعل دون القتل ولم تكن الصيحة ممّا يترتّب عليها

ص: 128


1- . تحرير الأحكام: 529/5، المسألة 7170.

الموت عادة فهو شبه عمد، ففيه الدية في ماله، وهو مقتضى القواعد.

وأمّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أيّما رجل فزّع رجلاً من الجدار أو نفّر به عن دابته، فخرّ فمات فهو ضامن لديته، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه»،(1) فهي محمولة على ما إذا قصد الفعل ولم يقصد القتل ولم يكن الفعل ممّا يترتّب عليه القتل عادة.

الفرع الثالث: مَن صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل

إذا كان المصاح به طفلاً أو مريضاً أو جباناً أو غافلاً فمات، فإن ثبت عدم استناد الموت إلى صياحه فهو، وإن لم يثبت فإن قصد القتل فهو عمد، وإلّا فشبه العمد إذا لم يكن الموت مترتّباً على فعله عادة أو كان غافلاً ففيه الدية في ماله.

نعم يبقى الكلام في التفريق بين الفرعين الأوّل والثالث حيث جعل الأصل في الأوّل عدم الاستناد إلّاأن يثبت، ولكنّه جعل الأصل في الثالث الاستناد إلّاأن يثبت خلافه.

ويمكن أن يقال: إنّ المصاح به في الأوّل بالغ عاقل غير غافل فيبعد استناد موته إلى الصياح، فلذلك لا يضمن إلّاأن يثبت الاستناد؛ بخلاف الثاني فإنّ المصاح به طفل أو مريض أو جبان أو غافل فإنّ طبيعة هؤلاء طبيعة ضعيفة مستعدة للموت بالصيحة، ولذلك فالأصل فيه هو استناد الموت إلى الصياح، إلّا أن يثبت عدمه.

وبما ذكر يعلم حكم الفرع الرابع أعني: كلّ فعل يستند إليه القتل،

ص: 129


1- . الوسائل: 19، الباب 15 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

المسألة 11. لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات، فإن زال عقله واختياره بواسطة الإخافة فالظاهر ضمان المخيف، وإلّا فلا ضمان، ولو صادفه في هربه سبع فقتله فلا ضمان. *

كما لو شهر سيفه في وجه إنسان أوأرسل إليه كلبه فاخافه، ففيه التفصيل المتقدّم، أي التفصيل بين البالغ العاقل غير الغافل، وبين المريض وامثاله، ولكلّ صورتان: قصد القتل، وعدمه.

لو أخافه فهرب

في المسألة فروع:

1. لو أخافه فزال عقله واختياره بواسطة الإخافة، فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات.

2. لو أخافه ولم يزل عقله واختياره، فهرب فأوقع نفسه من شاهق وغيره.

3. لو أخافه فهرب فصادفه في هربه سبعٌ فقتله.

وإليك دراسة الفروع:

أمّا الفرع الأوّل: فلا شكّ في ضمان المخيف؛ لأنّ السبب أقوى من المباشر، لأنّه بإخافته صار سبباً لزوال عقله فقتل نفسه من حيث لا يشعر. ثمّ الضمان إمّا بالقصاص، أو بالدية إذا اجتمعت شروطهما.

وأمّا الفرع الثاني: فعدم الضمان هو الظاهر؛ لأنّه أخافه فقط والمفروض بقاء عقله وشعوره واختياره، فلو قتل نفسه فإنّما قتلها باختياره، فهذا التفصيل في كلام المصنّف أولى من الإطلاق في كلام الشيخ الطوسي حيث قال:

ص: 130

المسألة 12. لو وقع من علوّ على غيره فقتله، فمع قصد قتله فهو عمد وعليه القود، وإن لم يقصده وقصد الوقوع وكان ممّا لا يقتل به غالباً، فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله، وكذا لو وقع إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع، [والفعل ممّا لا يقتل غالباً].(1) ولو ألقته الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته، ولو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير. *

لو طلب إنسان بسيف مشهور ففر، فألقى نفسه في بئر، فلا ضمان لأنّه ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع، فهو المباشر لإهلاك نفسه، فيقوى أثره على السبب.(2)

وأمّا الفرع الثالث: فقد قال الشيخ: وكذا (أي لا ضمان) لو صادفه في هربه سبع فأكله.(3)

والظاهر هو الضمان؛ لأنّه لولا إخافته بسيف مشهور لما هرب، ولما أكله السبع، ولذلك نرى العلّامة في التحرير يقول: ولو قيل بالضمان كان وجهاً.(2)

لو وقع من علوّ على غيره

في المسألة فروع:

1. إذا وقع من علوّ على غيره مع قصد قتله فقتله.

ص: 131


1- . الزيادة ممّا يقتضيه سياق العبارة. (2و3) . المبسوط: 159/7.
2- . تحرير الأحكام: 530/5، المسألة 7170.

2. تلك الصورة ولكن لم يقصد القتل، بل قصد الوقوع، وكان الوقوع ممّا لا يقتل به غالباً.

3. لو وقع من علوّ على غيره إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع.

4. لو ألقته الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه.

5. لو مات الواقع.

وإليك دراسة الفروع:

أمّا الفرع الأوّل: فهو من مقولة العمد حيث قصد القتل؛ سواء أكان الوقوع ممّا يقتل به غالباً، أو لم يكن، فعليه القود.

وأمّا الفرع الثاني - أعني: ما لو لم يقصد القتل بل قصد الوقوع وكان الفعل ممّا لا يقتل به غالباً -: فهو شبه العمد، لانطباق تعريفه عليه، فتكون الدية في ماله.

وأمّا الفرع الثالث - أي ما لو وقع إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع -: فهو أيضاً من مقولة شبه العمد لكونه قصد الوقوع وكان الفعل ممّا لا يقتل غالباً.

فالفعل في هذه الفروع الثلاثة منتسب إلى الواقع، غاية الأمر يختلف حكمها لأجل قصد القتل وعدمه، أو كون الوقوع ممّا يقتل به غالباً أم لا.

وأمّا الفرع الرابع - أعني: ما لو ألقته الريح أو زلق -: فلا ضمان عليه ولا على عاقلته لعدم استناد الفعل إليه.

وعلى هذا يحمل ما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع على رجل فقتله؟ فقال: «ليس عليه شيء»، وبهذا المضمون روايات أُخرى.(1)4.

ص: 132


1- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1، 2، 3، 4.

وأمّا الفرع الخامس: لو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير الأربعة الماضية؛ لأنّه هو السبب المباشر في قتل نفسه من دون مدخلية شخص آخر لقتله.

ثمّ إنّ عبارة المصنّف في قوله: وكذا لو وقع إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع، أولى من عبارة المحقّق حيث قال: وإن وقع مضطراً إلى الوقوع أو قصد الوقوع لغير ذلك، فهو خطأ محض والدية فيه على العاقلة.(1)

حيث عطف قوله: أو قصد الوقوع ب «أو»، مع أنّ المصنّف عبّر عنه ب:

«مع».

وأورد عليه في «كشف اللثام»(2) بما هذا توضيحه:

1. ماذا يريد المحقّق من قوله: وإن وقع مضطرّاً إلى الوقوع، فإن أراد ما يزول به القصد إلى الوقوع فيكون كمن ألقته الريح فلا تترتّب عليه الدية مع أنّه قال: الدية فيه على العاقلة.

2. وإن أراد الإلجاء، مع القصد إلى الوقوع على الغير، فيكون من قبيل شبه العمد، والدية في ماله، لا على عاقلته كما ذكر.

3. وإن قصد الوقوع لا على الغير، فعندئذٍ لا يكون فرق بين المعطوف والمعطوف عليه، حيث جاء في الثاني: أو قصد الوقوع لغير ذلك، فلا معنى للعطف ب: «أو».

وقد قام صاحب الجواهر بدفع الإشكال عن العبارة، فمن أراد التوضيح فليرجع إليه.(3)3.

ص: 133


1- . شرائع الإسلام: 251/4.
2- . كشف اللثام: 243/11.
3- . لاحظ: جواهر الكلام: 71/43.

المسألة 13. لو دفعه دافع فمات فالقود في فرض العمد والدية في شبهه على الدافع، ولو دفعه فوقع على غيره فمات فالقود أو الدية على الدافع أيضاً، وفي رواية صحيحة: أنّها على الذي وقع على الرجل فقتله، لأولياء المقتول، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه، ويمكن حملها على أنّ الدفع اضطره إلى الوقوع بحيث كان الفعل منسوباً إليه بوجه. *

لو دفعه دافع فمات أو وقع على غيره

كان الكلام في المسألة السابقة هو وقوع الإنسان بنفسه من علو على غيره، ولكن الموضوع في هذه المسألة هو سقوطه بدفع الغير، وفيها فرعان:

1. لو دفعه دافع فمات المدفوع.

2. لو دفعه ووقع على غيره فمات من وقع عليه.

وإليك دراستهما:

أمّا الفرع الأوّل: فينقسم إلى العمد وشبهه، فإن قصد قتل المدفوع أو كان الفعل ممّا يقتل غالباً، فهو عمد، وعليه القود.

وإن لم يقصد القتل ولم يكن الفعل قاتلاً، فهو شبه عمد والدية على القاتل.

وأمّا الفرع الثاني - أعني: لو دفعه فوقع على غيره فمات الغير - فلو تحقّق شرط العمد فيقاد، وإن تحقّق شرط شبه العمد فالدية في ماله، والمسؤول في كلتا الصورتين هو الدافع.

هذا حسب القواعد ولكن ورد في رواية عبد اللّه بن سنان التي

ص: 134

رواها الكليني - وفي سنده «سهل بن زياد» - والصدوق عن الحسن بن محبوب - وسنده إليه صحيح -: عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله، فقال: «الدية على الذي وقع على الرجل فقتله، لأولياء المقتول، قال: ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه، قال: وإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً».(1)

وانطباقها على القواعد مشكل؛ لأنّ الفعل لو كان فعل الدافع ومستنداً إليه فالدية ابتداءً في ماله لا في مال المدفوع، وإن كان مستنداً إلى المدفوع فالدية في ماله ولا معنى لرجوعه بعد الدفع إلى الدافع، ولذلك صار المصنّف بصدد تأويله. وقال: ويمكن حملها على أنّ الدفع اضطرّه إلى الوقوع بحيث كان الفعل منسوباً إليه بوجه.

وعلى هذا بما أنّ الدافع صار سبباً للوقوع على الغير فيُرجع إليه نهاية، وبما أنّ المدفوع صار مضطرّاً إلى الوقوع، تتعلّق الدية بماله ويرجع نهاية على الدافع.2.

ص: 135


1- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

المسألة 14. لو صدمه فمات المصدوم، فإن قصد القتل أو كان الفعل ممّا يقتل غالباً فهو عمد يقتصّ منه، وإن قصد الصدم دون القتل ولم يكن قاتلاً غالباً، فديته في مال الصادم. ولو مات الصادم فهدر لو كان المصدوم في ملكه أو محل مباح أو طريق واسع. ولو كان واقفاً في شارع ضيّق فصدمه بلا قصد يضمن المصدوم ديته، وكذا لو جلس فيه فعثر به إنسان، نعم لو كان قاصداً لذلك وله مندوحة فدمه هدر، وعليه ضمان المصدوم. *

لو صدمه صادم فمات أحدهما

قال المحقّق: إذا صدمه فمات المصدوم، فديته في مال الصادم، أمّا الصادم لو مات فهدر، إذا كان المصدوم في ملكه، أو في موضع مباح، أو في طريق واسع. ولو كان في طريق المسلمين ضِيْق، قيل: يضمن المصدوم ديته، لأنّه فرّط بوقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه، كما إذا جلس في الطريق الضيّق وعثر به إنسان. هذا إذا كان لا عن قصد. ولو كان قاصداً وله مندوحة، فدمه هدرٌ، وعليه ضمان المصدوم.(1)

الفرق بين هذه المسألة وما سيأتي هو أنّ الاصطدام حصل هنا من جانب واحد، فإنّ واحداً منهما صادم والآخر مصدوم، بخلاف ما سيأتي، فهناك اصطدام من الجانبين.

وفي المسألة فرعان:

ص: 136


1- . شرائع الإسلام: 250/4. يقال صدمه: دفعه وضربه بجسده، واصطدم الفارسان ضرب أحدهما الآخر.

1. لو صدمه فمات المصدوم.

2. لو صدمه فمات الصادم.

وإليك دراسة الفرعين:

أمّا الفرع الأوّل: فتأتي فيه الصور الثلاث: العمد وشبهه والخطأ.

فإن قصد القتل أو كان الفعل ممّا يقتل غالباً فهو عمد يقتصّ منه؛ ولو لم يقصد القتل، ولم يكن الصدام قاتلاً غالباً وإن قصده، فهو شبه العمد وديته في مال الصادم.

وإن كان الصدام تلقائياً أي دون أن يقصد الصدام، فهو خطأ.

وأمّا الفرع الثاني: فلو مات الصادم فهنا صور:

1. لو كان المصدوم واقفاً في ملكه أو محل مباح أو طريق واسع، فحصل الصدام ومات الصادم، فدمه هدر، لاستناد الموت إلى فعله.

2. ولو كان المصدوم واقفاً في طريق ضيّق، فحصل الصدام بلا قصد من الصادم، يضمن المصدوم ديته لأنّه كشبه العمد، حيث إنّ الوقوف في شارع ضيّق يستعقب الصدام، فجلوسه فيه نوع قصد للفعل، غاية الأمر بما أنّه لم يقصد القتل ولم يكن الوقوف قاتلاً، فيوصف بشبه العمد.

وحصيلة الكلام: أنّه لو كان الصادم مقصراً دون المصدوم، كما إذا كان المصدوم واقفاً في ملكه أو طريق وسيع فحصل الصدام وقتل الصادم، فدم الصادم هدر؛ وأمّا لو انعكس بأن كان المصدوم هو المقصر، كما إذا كان جالساً في شارع ضيّق، فمات الصادم بالصدام من دون قصد من الصادم، فالدية على المصدوم؛ ونظير ذلك فيما لو عثر به إنسان، فمات العاثر.

ص: 137

المسألة 15. إذا اصطدم حرّان بالغان عاقلان فماتا فإن قصدا القتل فهو عمد، وإن لم يقصدا ذلك ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالباً فهو شبيه العمد؛ يكون لورثة كلّ منهما نصف ديته، ويسقط النصف الآخر، ويستوي فيهما الراجلان والفارسان والفارس والراجل، وعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة مركوب الآخر لو تلف بالتصادم؛ من غير فرق بين اتّحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوّة والضعف، ومن غير فرق بين شدّة حركة أحدهما دون الآخر، أو تساويهما في ذلك إذا صدق التصادم. نعم لو كان أحدهما قليل الحركة بحيث لا يصدق التصادم بل يقال صدمه الآخر، فلا ضمان على المصدوم، فلو صادمت سيّارة صغيرة مع سيّارة كبيرة كان الحكم كما ذكر، فيقع التقاصّ في الدية والقيمة، ويرجع صاحب الفضل إن كان على تركة الآخر. *

3. نعم لو سلك الصادم هذا الطريق الضيّق مع علمه بوقوف المصدوم فيه، سلكه بقصد الصدام، فانتهى إلى موت الصادم، فدمه هدر، ويكون ضمان المصدوم عليه، لكونه قاصداً للفعل فانتهى إلى قتله، فيكون القتل مستنداً إلى فعله.

ثم إنّ المصنّف قيّد هدر دم الصادم بوجود المندوحة كالمكان الوسيع، والظاهر عدم الحاجة، لأنّ المفروض كون الصادم قصد بسلوكه الطريق الضيّق، الصدام، َ وهذا يكفي في كون دمه هدراً، سواء أكانت مندوحة أو لا.

لو اصطدم حرّان بالغان عاقلان
اشارة

في المسألة فروع:

ص: 138

1. إذا اصطدم حرّان بالغان عاقلان، قاصدان القتل.

2. تلك الصورة، لكن قصدا الفعل دون القتل، ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالباً.

3. تلك الصورة، ولكن لم يتعمدا الاصطدام لا قتلاً ولا فعلاً، كما إذا كان الطريق مظلماً.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو اصطدم حرّان بالغان عاقلان قاصدان

فهو من مقولة العمد؛ وذلك لأنّ كلّاً منهما قصد قتل الآخر، من غير فرق بين أن يكون الفعل ممّا يقتل أو لا. وبما أنّ المفروض أنّهما ماتا فيسقط القصاص تهاتراً، نعم لو قصد أحدهما القتل دون الآخر ومات غير القاصد، يقتصّ من القاصد الباقي.

الفرع الثاني: لو اصطدم حران غير قاصدين للقتل

فهو من مقولة شبه العمد، لأنّ المفروض أنّ الطرفين قصدا الفعل دون القتل، ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالباً، وبما أنّ كلّاً منهما قتل بفعل نفسه وبفعل غيره، يكون لورثة كلٍّ منهما نصف ديته ويسقط النصف الآخر؛ وذلك لأنّه لم يقتل بفعل الآخر تماماً بل النصف منه، ولذلك قلنا: يسقط النصف الآخر.

قال المحقّق: إذا اصطدم حرّان فماتا، فلورثة كلّ منهما نصف ديته ويسقط النصف وهو قدر نصيبه، لأنّ كلّ واحد منهما تلف بفعله وفعل غيره.(1)

ص: 139


1- . شرائع الإسلام: 250/4.

نعم لو كانا متساويين في الدية يسقط نصف دية كلٍّ في مقابل الآخر.

وأمّا لو كانا مختلفين، كما لو كانا أحدهما رجلاً والآخر امرأة، رجع صاحب الفضل إلى تركة الآخر.

هذا كلّه حكم الدية، وأمّا المركوب فعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة مركوب الآخر إن تلف بالتصادم، من غير فرق بين كون الاصطدام عمدياً أو شبه عمد فهذا الحكم في المتن يعمّ كلا الفرعين، فتذكّر.

ولا فرق بين اتّحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في الشدّة والضعف، فلو كانت سيارة أحدهما أعلى قيمة والآخر أنزلها، يجب على الثاني نصف قيمة سيارة الآخر وإن بلغت ما بلغت، لأنّ النصف من وسيلته تلف به، نعم تلف النصف الآخر بسبب صاحبها.

ثمّ لا فرق بين المركوبين بين أن يتّفق سيرهما قوّة وضعفاً، أو يختلف، مثلاً: لو كان أحدهما يعدو والآخر يمشي، لأنّ الاصطدام والحركة المؤثرة إن وجدت منهما جميعاً اكتفي به، ولم ينظر إلى مقادير المؤثر وتفاوت الأثر، وهكذا الحال في الراجلين، وجه الجمع أنّ الموضوع هو الاصطدام وهو يصدق على عامّة الصور.(1)

وهذا نظير ما لو قَتل شخصان شخصاً، غير أنّ أحدهما جرحه جرحاً واحداً وجرحه الآخر أكثر من جرح واحد، لكن القتل استند إلى فعلهما معاً، فيستويان في القصاص والدية.

نعم لو كانت حركة أحداهما ضعيفة جدّاً بحيث يُعدّ اصطدامه مع3.

ص: 140


1- . جواهر الكلام: 64/43.

المسألة 16. لو لم يتعمّد الاصطدام - بأن كان الطريق مظلماً أو كانا غافلين أو أعميين - فنصف دية كلّ منهما على عاقلة الآخر، وكذا لو كان المصطدمان صبيّين أو مجنونين أو أحدهما صبيّاً والآخر مجنوناً لو كان الركوب منهما أو من وليّهما فيما إذا كان سائغاً له، ولو أركبهما أجنبي أو الولي في غير مورد الجواز أي مورد المفسدة فدية كلّ منهما تماماً على الذي ركّبهما، وكذا قيمة دابتهما لو تلفتا. *

الآخر أمراً ضعيفاً، فالقصاص والدية على الطرف الآخر.

هذا وقد جعل المحقّق موضوع الاصطدام هو الدابة، ولكن الموضوع في حياتنا الحاضرة هو السيارة أو السفينة، فيجري فيهما ما مرّ في الدابة، فيتصوّر فيه كون القتل عمداً أو شبه عمد. فلو كانا متساويين يقع التقاصّ في الدية والقيمة، وإلّا يرجع صاحب الفضل على تركة الآخر.

وأمّا الفرع الثالث، فسيوافيك شرحه في المسألة التالية.

لو لم يتعمّدا الاصطدام
اشارة

كان الموضوع في المسألة الماضية القتل العمدي وشبه العمد الناتج عن الاصطدام، ولكن الموضوع في هذه المسألة ما يكون القتل خطأ، وإليك صورهُ:

1. إذا كان الطريق مظلماً، أو كان المصطدمان غافلين أو أعميين.

2. لو كان المصطدمان صبيين أو مجنونين أو أحدهما صبياً والآخر مجنوناً، وكان الركوب منهما أو من ولييهما فيما إذا كان الركوب سائغاً.

3. لو أركبهما أجنبي أو ولي في غير مورد الجواز، كما إذا كان في

ص: 141

مورد المفسدة.

أمّا الصورة الأُولى: فقد قتل نصف كلّ بنفسه، والنصف الآخر، بمقابله، فلا دية في الأوّل لأنّه قتل نفسه، ولو عن خطأ، وتجب نصف الدية في الثاني لأنّ الغير قتله عن خطأ، ويكون نصف الدية على عاقلته.

وأمّا الصورة الثانية: فهي كالصورة الأُولى؛ لأنّ المفروض أنّ الركوب كان منهما أو من وليّهما فيما كان الركوب جائزاً، فبما أنّ نصف كلّ منهما قتل بفعل نفسه، فلا دية عليه والنصف الآخر قتل بفعل الغير، وبما أنّ عمد الصبي والمجنون خطأ، فنصف الدية فيه على عاقلة الآخر.

ومنه يظهر حكم قيمة مركوبهما في كلتا الصورتين، فنصف قيمة مركوب كلّ على الآخر، فضمان الدابتين عليهما كغيرهما، ممّا يتلفانه من الأموال.

وأمّا الصورة الثالثة: قال المحقّق: لو أركبهما أجنبي أو الولي في غير مورد الجواز، فإنّ ضمان دية كلّ منهما بتمامها على المُركب.(1) بلا خلاف وكذا دابتهما، لاستناد القتل والإتلاف إليه ولم يكن مجوّز للارتكاب، فالسبب هنا أقوى من المباشر الذي قصدُه كلا قصدٍ، ولذلك يختلف حكم هذه الصورة عن الثانية حيث إنّ المناط فيها هو المباشر وهو صبيّ، والملاك في المقام على السبب - أعني: الولي الذي أركبه بلا مجوّز شرعي - ولكن نقل عن كشف اللثام والمبسوط أنّ دية الراكب على عاقلة المُركب،(2) ولكن الظاهر غيره، لأنّ مورد ضمان العاقلة إنّما هو في الخطأ المحض، والمفروض أنّ الولييّن أركباهما مع العلم بعدم وجود مسوّغ للإركاب، فيضمنان الدية وقيمة المركوب.6.

ص: 142


1- . شرائع الإسلام: 250/4.
2- . راجع: جواهر الكلام: 43/66.

المسألة 17. لو اصطدم حرّان فمات أحدهما وكان القتل شبيه عمد، يضمن الحي نصف دية التالف، وفي رواية: يضمن الباقي تمام دية الميّت؛ وفيها ضعف. ولو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا، سقط نصف دية كلّ واحدة منهما وثبت النصف، وثبت في مالهما نصف دية الجنين مع كون القتل شبيه العمد، ولو كان خطأً فعلى العاقلة. *

* في المسألة فرعان:

1. لو اصطدم حرّان ومات أحدهما وكان القتل شبه عمد.

2. لو تصادم حاملان فأسقطتا، وماتتا.

هذه المسألة نفس المسألة السابقة والفرق موت كليهما في السابقة وموت أحدهما في المقام، فلندرس الفرعان:

الفرع الأوّل: لو اصطدم حرّان فمات أحدهما

قال المحقّق: لو اصطدم الحرّان فمات أحدهما وكان القتل شبه عمد، يضمن الباقي نصف دية التالف، والنصف الآخر هدر، لأنّه من جنايته.(1)

وذلك لأنّ المفروض أنّه قتل نصفه بفعله ولا دية فيه، والنصف الآخر بفعل الآخر، فيكون النصف الآخر عليه لا على العاقلة؛ لأنّ المفروض كما يحكي عنه لفظ «الاصطدام» عدم وجود قصد القتل، وليس مجرد الاصطدام قاتلاً، فيكون القتل شبه عمد. نعم وردت رواية تدلّ على أنّ الباقي يضمن تمام دية الميّت، وإليك متن الرواية ثمّ دراسة سندها ومتنها.

ص: 143


1- . شرائع الإسلام: 250/4.

روى الكليني عن أحمد بن محمد الكوفي، عن إبراهيم بن الحسن، عن محمد بن خلف، عن موسى بن إبراهيم المروزي، عن أبي الحسن عليه السلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في فرسين اصطدما، فمات أحدهما فضمّن الباقي دية الميّت».(1)

والمحقّق وصف الرواية بأنّها شاذّة. وجه الشذوذ عدم صحّة السند أوّلاً ومخالفة المضمون القواعد ثانياً.

وإليك دراسة السند، فأحمد بن محمد الكوفي مردّد بين كونه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة أو أحمد بن محمد العاصمي، وكلاهما ثقة.

أمّا إبراهيم بن الحسن فهو مهمل في الرجال، ويروي عن وهب بن حفص، كما في الكافي.(2)

ومحمد بن خلف أيضاً مهمل في الرجال، ومثله موسى بن إبراهيم المروزي، فهو أيضاً مهمل في الرجال.

وحصيلة السند أنّ الرواية لا يمكن الاحتجاج بمثلها.

وأمّا المضمون فالضامن هو العاقلة لكون القتل عن خطأ، وعلى فرض ضمان الباقي فإنّما يضمن النصف لا تمامها؛ لأنّ المفروض أنّ نصفه قتل بنفسه.

الفرع الثاني: لو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا

لوتصادم حاملان فأسقطتا وماتتا، يقع الكلام في دية

ص: 144


1- . الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
2- . الكافي: 472/1، الحديث 1.

المسألة 18. لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً فهو له ضامن حتى يرجع إليه، فإن فقد ولم يعلم حاله فهو ضامن لديته، وإن وجد مقتولاً وادّعى على غيره وأقام بيّنة فقد برئ، وإن عدم البيّنة فعليه الدية ولا قود عليه على الأصحّ. وكذا لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره. وإن وجد ميتاً فإن علم أنّه مات حتف أنفه أو بلدغ حية أو عقرب ولم يحتمل قتله فلا ضمان، ومع احتمال قتله فعليه الضمان على الأصحّ. *

أنفسهما وجنينيهما.

قال المحقّق: ولو تصادم حاملان سقط نصف دية كلّ واحدة وضمنت نصف دية الأُخرى، أمّا الجنين فيثبت في مال كلّ منهما نصف دية جنين كامل.(1)

أمّا الأوّل فلأنّ المفروض أنّ النصف من أي من النفسين، قُتل بفعل أنفسهما فيكون هدراً، وأمّا النصف الآخر فقُتل بفعل الآخر فعليه نصف الدية، لكن ثبتت دية الجنين في مالهما.

ويراد من الجنين في المسألة ما تمّت خلقته ودخلته الروح، ففي الأُنثى خمسمائة دينار، وفي الذكر ألف دينار، هذا كلّه إذا كان القتل شبه العمد، ولو كان خطأ فعلى العاقلة، فهي تدفع نصف دية الأُم ونصف دية الجنين.

لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً ثم فُقِد

في المسألة فروع:

ص: 145


1- . شرائع الإسلام: 250/4.

1. لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً وفقد ولم يُعلم حاله.

2. إن وجد مقتولاً وادّعى أنّ غيره قتله وأقام بيّنة على ما ادّعى.

3. تلك الصورة لكن لم تكن لديه بيّنة.

4. لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره.

5. إن وجد ميتاً، ولم يحتمل قتله.

6. تلك الصورة مع احتمال قتله.

وإليك دراسة الفروع:

أمّا الفرع الأوّل: لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً ولم يعلم حاله وأنّه حي أو ميّت، فهو له ضامن حتّى يرجع إليه، وعليه المشهور.

قال المحقّق: من دعا غيره، فأخرجه من منزله ليلاً، فهو له ضامن حتّى يرجع إليه. فإن عدم فهو ضامن لديته.(1)

ويراد من الضمان الأوّل كونه مسؤولاً عن إرجاعه إلى بيته، فإن طرأ اليأس من العود فهو ضامن لديته.

وحكاه في «مفتاح الكرامة» عن كثير من أصحابنا؛ كالمفيد في المقنعة، والشيخ في النهاية، وسلّار في المراسم، والحلبي في الكافي، والوسيلة لابن حمزة، و ابن زهرة في الغنية، والمحقّق في الشرائع والنافع، والعلّامة في التحرير والإرشاد والتبصرة والمختلف، إلى غير ذلك.(2)

ونُقل عن ابن إدريس في «السرائر» أنّه قال: الذي تقتضيه الأدلّة أنّه إذا كان غير متّهم عليه ولا يعلم بينهما إلّاخير وصلح فلا دية عليه بحال؛ وأمّا إذا1.

ص: 146


1- . شرائع الإسلام: 252/4.
2- . مفتاح الكرامة: 33/21.

كان يعلم بينهما مخاصمة وعداوة، فلأوليائه القسامة بما يدّعونه من أنواع القتل، فإن ادّعوا قتله عمداً كان لهم القود، وإن ادّعوا أنّه خطأ كان لهم الدية لأنّ إخراجه ووجود العداوة بينهما تقوم مقام اللوث.(1)

ويدلّ على قول المشهور:

1. ما رواه عبد اللّه بن ميمون عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا دعا الرجل أخاه بليل، فهو له ضامن حتى يرجع إلى بيته».(2)

2. ما رواه عمرو بن أبي المقدام - في رواية طويلة - عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، أنّه قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: كلّ من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن، إلّاأن يقيم عليه البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله».(3)

والرواية صحيحة مضافاً إلى عمل الأصحاب بها.

وأمّا الفرع الثاني: إذا وجد مقتولاً ودار الأمر بين كونه مقتولاً بيد المخرج أو غيره، فإن ادّعى المخرج أنّ غيره قتله وأقام بيّنة على ما ادّعى، فلا شكّ أنّه تبرأ ذمّته ما لم تقم البيّنة على مشاركته في القتل، بمعنى أنّه أخرجه عن بيته وقتله الآخر، بل قامت البيّنة على أنّه قد قتله غيره وهي ساكتة عن حال المخرج.

وأمّا الفرع الثالث: إذا وجد مقتولاً وادّعاه على غيره لكن عدمت البيّنة، ففي المتن: على المخرج الدية دون القود.ة.

ص: 147


1- . مفتاح الكرامة: 33/21؛ السرائر: 364/3.
2- . الوسائل: 19، الباب 36 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 18 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1. وللرواية ذيل فراجعه، وأمر الإمام بقتل المخرج كان صورياً لأجل استكشاف الأمر، كما هو الظاهر من ذيل الرواية.

ويدلّ عليه إطلاق الرواية الأُولى، حيث قال: «فهو له ضامن حتى يرجع إلى بيته» والقدر المتيقّن هو الدية لا القود، لعدم ثبوت استناد القتل إليه.

وبالجملة يحكم عليه بالدية لأنّه أخرجه من بيته ولم يردّه إليه، لا بالقود لعدم ثبوت استناد القتل إليه.

وأمّا الفرع الرابع: لو وجد مقتولاً ولكن المخرج لم ينسبه إلى غيره، خلافاً للفرع الثالث حيث ادّعاه على غيره، فعليه الدية لإطلاق الرواية، دون القود لعدم ثبوت استناد القتل إليه.

وأمّا الفرع الخامس: فلو وجد ميّتاً حتف أنفه أو بلدغ حيّة أو عقرب ولم يحتمل قتله، فلا ضمان، لفرض موته حتف أنفه.

وأمّا الفرع السادس: تلك الصورة ولكن يحتمل قتله بالسمّ وغيره، ففيه الضمان عملاً بإطلاق الرواية.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه ضامن إلّاإذا أقام بيّنة أنّ غيره قتله، أو ما إذا ثبت موته حتف أنفه، ولم يحتمل قتله، ففي هاتين الصورتين يضمن الدية ما لم يثبت كونه قاتلاً. بقي الكلام في مدخلية الليل في الحكم الشرعي وعدمها، ظاهر النص كونه جزء الموضوع فلا يعمّ الحكم لما إذا أخرجه من منزله نهاراً.

ويحتمل أن يكون القيد وارداً مورد الغالب، لأنّ الليل أفضل ساتر لعملية الاختطاف، ولو كانت الظروف على نحو صار نهارها كليلها، كما هو الحال في المدن الكبيرة فلا يبعد إلغاء الخصوصية وتعميم الحكم لهما. واللّه العالم.

ص: 148

المبحث الثاني: في الأسباب

اشارة

والمراد بها هاهنا: كلّ فعل يحصل التلف عنده بعلّة غيره، بحيث لولاه لما حصل التلف، كحفر البئر ونصب السكّين وإلقاء الحجر وإيجاد المعاثر ونحوها. *

* عقد المصنّف باباً باسم موجبات الضمان، ثم قال: وفيه مباحث، خصّ المبحث الأوّل منها بالمباشر، وهذا هو الذي خرجنا من دراسته، وأمّا المبحث الثاني فقد خصّ بالتسبيب؛ وذلك لأنّ القاتل تارة يباشر بنفسه القتل وقد سبق الكلام فيه، و أُخرى يسبب دون أن يباشر، فاستدعى ذلك تعريف السبب أوّلاً، ثمّ دراسة مسائل هذا المبحث.

والمراد من السبب غير ما يُراد به في الأُصول وهو: المقتضي لولا المانع، أو في العلوم العقلية وهو: العلّة المؤثرة، بل المراد - هنا - ما عُرّف بقولهم: «ما لولاه لما حصل التلف» وإن كانت علّة التلف غيره، كحفر البئر ونصب السكين، فإنّ التلف عنده بسبب العثار، ولكن لولا هذه الأُمور لما حصل التلف.

وإن عُبّر عن السبب هنا بالشرط لكان أفضل، أي ما يتوقّف عليه تأثير المؤثر.

ص: 149

المسألة 1. لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئراً أو أوتد وتداً أو ألقى معاثر ونحو ذلك، لم يضمن دية العاثر؛ ولو كان في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه، فعليه الضمان في ماله. ولو حفر في ملك غيره فرضي به المالك فالظاهر سقوط الضمان من الحافر، ولو فعل ذلك لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان، كمن رشّ الماء في الطريق لدفع الحّر أو لعدم نشر الغبار ونحو ذلك. *

* في المسألة فروع:

1. لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئراً، وصار ذلك سبباً لعثر العاثر وقتله.

2. لو وضعه في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه.

3. لو وضعه في ملك غيره فرضي به المالك.

4. لو فعل ذلك في طريق المسلمين لمصلحة المارّة، كمن رشّ الماء في الطريق لدفع الحَرّ أو لعدم نشر الغبار.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئراً

لو وضع حجراً أو حفر بئراً أو أوتد وتداً أو ألقى معاثر أو ما أشبهها في ملكه أو ملك مباح له التصرّف فيه بما أراد، لم يضمن دية العاثر، لأنّه تصرّف في ملكه تصرّفاً مباحاً، أو فيما يجوز له التصرّف فيه شرعاً، ولم يُدْخِل العاثرَ إلى ملكه وإنّما دخل هو من تلقاء نفسه، فلا يعدّ عمله سبباً للقتل، مضافاً

ص: 150

إلى النبوي المعروف: «البئر جُبار، والعجماء جُبار، والمعدن جُبار»،(1) بناءً على كون المراد هدر دية الواقع في مثل البئر.

وأمّا العجماء فهي الدابّة، وأمّا المعدن فهو ما إذا إنهار على من يعمل فيه فهلك لم يؤخذ به مستأجره. بشرط أن يقوم بواجبه في نظر الحفّارين.

ويدلّ عليه مضافاً إلى الحديث النبوي الروايات التالية:

1. ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه؟ فقال: «أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأمّا ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه».(2)

2. و ما رواه أيضاً بإسناده عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنى الحنّاط، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلاً حفر بئراً في داره ثم دخل رجلٌ فوقع فيها لم يكن عليه شيء ولا ضمان ولكن ليغطها»،(3) وظاهر قوله: «ثم دخل» أنّه دخل بلا إذن، وإلّا لقال: ثم «ادخل» أو ما يفيد ذلك.

الفرع الثاني: الضمان على مَن وضع حجراً في طريق المسلمين أو في ملك غيره

فلو حفر في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه، فعليه الضمان.

ويدلّ عليه:

1. ما رواه الشيخ باسناده عن ابن أبي نجران، عن مثنى، عن زرارة،

ص: 151


1- . الوسائل: 19، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3. ويروي أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى زهاء مائة وأربعة وخمسين رواية، قيل: هو واقفي وقد تاب.
3- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل حفر بئراً في غير ملكه، فمرّ عليها رجل فوقع فيها؟ فقال: «عليه الضمان؛ لأنّ كلّ من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان».(1)

والظاهر أنّ المراد في غير ملكه يعمّ طريق المسلمين؛ لأنّه كناية عمّن ليس له فيه حقّ التصرّف؛ سواء أكان مملوكاً للغير، أو لم يكن له مالك.

2. ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن».(2)

الفرع الثالث: لا ضمان على من وضع حجراً في ملك غيره فرضي به المالك

لو فعل ذلك في ملك غيره فرضي به، فلا يضمن؛ لأنّه كمن حفر بئراً للغير في ملكه، فلو سقط فيه شخص لا يستند الفعل إلى الحافر. لأنّه أشبه بالأجير يعمل ويترك المحل لمالكه، وعليه أن يغطَ البئر إذا احتمل دخول الغير مأذوناً.

الفرع الرابع: لا ضمان على مَن عمل عملاً حسناً في طريق المسلمين

لو فعل ذلك في طريق المسلمين لكن لمصلحة المارّة، كما إذا رش الماء لدفع الحَر وغيره، فليس عليه ضمان، لانصراف الأدلّة عن ذلك.

ص: 152


1- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1. وابن أبي نجران: عبدالرحمن بن أبي نجران الثقة. والظاهر أنّ المراد من «مثنى» هو الحنّاط بقرينة الرواية السابقة.
2- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2. علي بن النعمان في السند ثقة المعروف بالأعلم النخعيّ. وأبو الصباح هو إبراهيم بن نعيم الثقة.

المسألة 2. لو حفر بئراً - مثلاً - في ملكه ثم دعا مَن لم يطّلع كالأعمى، أو كان الطريق مظلماً، فالظاهر ضمانه، ولو دخل بلا إذنه أو بإذنه السابق قبل حفر البئر ولم يطّلع الآذن فلا يضمن. *

مضافاً إلى قوله تعالى: «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»1 .

لو حفر بئراً ودخل عليه مَن لم يطّلع

في المسألة فرعان:

1. لو حفر بئراً مثلاً في ملكه ثم دعا مَن لم يطّلع، كالأعمى أو كان الطريق مظلماً، فقد استظهر المصنّف ضمان المالك، ولو قال: «فهو ضامن قطعاً» لكان أفضل، إذ يُعدّ المالك سبباً للتلف؛ لأنّه حفر بئراً على نحو لو سقط فيه شخص يموت قطعاً، ففي هذه الحالة لو دعا إنساناً غير مطّلع على ملكه وهو يحتمل احتمالاً قوياً أنّ المدعو، ربما يمرّ على البئر، ومع هذا لم يقدم على إخباره، فيعدّ سبباً للموت، فيكون ضامناً.

2. تلك الصورة لكن دخل بلا إذنه أو إذنه السابق قبل حفر البئر، ولم يطّلع عليه الآذن، فلا يضمن، لعدم استناد التلف إليه، إذ كلّ إنسان مأذون في حفر البئر في ملكه، فالإشكال على الداخل حيث دخل بلا إذن أو اكتفى بالإذن السابق. نعم لو علم المالك بأنّه ربما يدخل فيه بعض الأصدقاء ولو بلا إذن، ومع ذلك فلم يغط البئر، ربما يمكن أن يكون ضامناً.

ص: 153

المسألة 3. لو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد وإن تمكّن من إزالته، ولو رفع الحجر ووضعه في محلّ آخر نحو المحلّ الأوّل أو أضرّ منه، فلا إشكال في الضمان، وأمّا لو دفعه عن وسط الطريق إلى جانبه لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان. *

لو جاء السيل بحجر

فرض المسألة فيما إذا صار الحجر سبباً لعثار العاثر وقتله.

وفي المسألة فروع:

1. لو جاء السيل بالحجر وصار سبباً لقتل أحدٍ، فلا ضمان على أحد لعدم استناد القتل إليه، وإن تمكّن الآخرون من إزالته لعدم وجوب الإزالة على أحد، واحتمال كونه سبباً لعثار العاثر لا يوجب التنجيز، إلّاأن يقال: على الحاكم الشرعي أن يقوم بواجبه برفع الحجر إذا احتمل أنّه يوجب العثر والقتل، ولو تساهل فعليه الدية من بيت المال، فتأمّل.

2. لو رفع الحجر ووضعه في محلّ آخر نحو المحلّ الأوّل، أو أضرّ منه، فلا إشكال في الضمان، لاستناد التلف إليه، خصوصاً إذا علم بأنّ المحل الثاني مظنّة لعثار العاثر، ولو لم يرفعه عن مكانه لما قتل به الرجل، وعندئذٍ لا فرق بين كون الحجر ممّا جاء به السيل أو وضعه الآخر في ذلك المكان، لكن لا يضمن الأوّل لعدم التكليف بخلاف الثاني.

3. لو قام بذلك عن وسط الطريق إلى جانبه لمصلحة المارّة وانتهى إلى عثور العاثر إذا مشى على ذلك الطريق، فلا يضمن لعدم استناد التلف إليه، لكونه محسناً.

ص: 154

المسألة 4. لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً فدخل ثالث فيه عدواناً ووقع في البئر، ضمن الحافر. *

4. لو حفر بئراً إلى جانب هذا الحجر الذي جاء به السيل فعثر إنسان بذلك الحجر وسقط في البئر، ففي «القواعد»(1): الضمان جميعه على الحافر، لتعديه بالحفر قرب الحجر المزبور وتركه له، فكأنّه هو الواضع له حينئذٍ.(2)

ولم يذكره المصنّف.

وجه الضمان: وجود أرضية لعثور العاثر بالحجر وسقوطه في البئر غير المغطّى، ففعله هذا جنب الحجر، يُعدّ سبباً للتلف.

في ضمان مَن حفر بئراً في ملك غيره عدواناً

لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً فوقع فيها شخص آخر؛ سواء أكان هو المالك، أو الداخل فيه عدواناً فهو ضامن.

أمّا الضمان في المالك فهو واضح؛ لأنّ تلف المالك يستند إلى حفر البئر حيث تصرّف في ملكه بلا إذنه وعدم إطّلاعه بمحل البئر.

إنّما الكلام في مَن دخل فيه عدواناً، فيضمن لاستناد القتل إلى الحافر، خصوصاً إذا علم أنّه ربما يدخل فيه الغير عدواناً ونسياناً، وكون الدخول محرّماً لا يسبب عدم ضمانه؛ لأنّ القتل يستند إلى فعل الحافر لا الداخل.

فإن قلت: ما الفرق بين مَن حفر في ملكه بئراً ودخل فيه ثالث عصياناً فوقع فيه، فقد مرّ أنّه ليس هناك ضمان، وبين مَن حفر في ملك الغير ودخل

ص: 155


1- . قواعد الأحكام: 3/654.
2- . جواهر الكلام: 100/43.

المسألة 5. من الإضرار بطريق المسلمين إيقاف الدواب فيه وإلقاء الأشياء للبيع، وكذا إيقاف السيارات إلّالصلاح المارّة بمقدار يتوقّف عليه ركوبهم ونقلهم. *

فيه ثالث فيضمن الحافر؟

قلت: الفرق واضح إذ للمالك أن يتصرّف في ماله، فلو حفر بئراً في ملكه فقد تصرّف تصرفاً سائغاً، وبما أنّ دخول الغير كان بلا إذنه لا يُعدّ التلف أثراً لفعله - أعني: الحفر - لأنّه جاء غاصباً، ولم يكن المالك مطّلعاً على دخوله حتى يغطي البئر، بخلاف الشخص الثالث فإنّه وإن تصرّف في مال الغير تصرّفاً عدوانياً لكن موته ليس من آثار ذلك التصرّف، بل من آثار حفر الحافر بشهادة أنّه لو لم يحفر البئر لما وقع فيها.

وبعبارة أُخرى: دخوله في ملك الغير لم يكن منتهياً لموته لولا حفر الحافر.

في ضمان مَن أضرّ بطريق المسلمين
اشارة

قال المحقّق: ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين قيل: لا يضمن؛ لأنّ الحفر لذلك سائغ، وهو حسن.(1)

وعلّله بقوله: لأنّ الحفر لذلك سائغ، وأوضحه في «الجواهر» بقوله: مع إذن الإمام الذي قد عرفت أنّه أقوى في ولايته من المالك.

أقول: لابدّ من تقييد ذلك بتغطية البئر، وإلّا لما كان الحفر غير المغطى لمصلحة المسلمين، خصوصاً في الليل المظلم.

ص: 156


1- . شرائع الإسلام: 254/4.

المسألة 6. ومن الإضرار إخراج الميازيب بنحو يضرّ بالطريق، فإنّ الظاهر فيه الضمان، ومع عدم الإضرار لو اتّفق إيقاعها على الغير فأهلكه فالظاهر عدم الضمان. وكذا الكلام في إخراج الرواشن والأجنحة، ولعلّ الضابط في الضمان وعدمه إذن الشارع وعدمه، فكلّ ما هو مأذون فيه شرعاً ليس فيه ضمان ما تلف لأجله، كإخراج الرواشن غير المضرّة ونصب الميازيب كذلك، وكلّ ما هو غير مأذون فيه ففيه الضمان، كالإضرار بطريق المسلمين بأيّ نحو كان، فلو تلف بسببه فالضمان ثابت، وإن لا تخلو الكلية في الموضعين من كلام وإشكال. *

ويدلّ ذلك على أنّ كلّ عمل كان لمصلحة المسلمين فهو جائز.

وبذلك يعلم أنّ كلّ ما كان مضرّاً بسالكي الطريق فإن صار سبباً للقتل فهو ضامن، ومثّل له المصنّف بقوله:

1. إيقاف الدواب فيه.

2. عرض الأشياء للبيع في الطرق.

3. إيقاف السيارات إلّابمقدار يتوقّف عليه ركوبهم ونزولهم.

فإنّ هذه الأعمال أعمال غير مأذون بها، فلو صارت أسباباً للتلف يكون صاحبها ضامناً.

* الميازيب: جمع الميزاب، هو القناة التي يجري فيها الماء، وتوضع على أطراف سقف البيت.

الرواشن: جمع روشن وهو الكوّة، أي النقبة في الحائط،

ص: 157

والروشن والجناح يشتركان في إخراج خشب من حائط المالك إلى الطريق، بحيث لا يصل إلى الجدار المقابل ويبنى عليهما، ولو وصل إلى الجدار المقابل فهو الساباط.

وربما فرّق بين الرواشن والأجنحة بأنّ الجناح يُضم إلى ما ذكر بأن يوضع لها أعمدة من الطريق، وفي القاموس: الساباط: سقيفة بين دارين تحتها طريق.

إذا وقفت على مفردات المسألة ففيها فرعان:

الأوّل: في حكم إخراج الميازيب لو أدى إلى قتل إنسان أو تلف متاع

قال الشيخ: مَن أخرج ميزاباً إلى شارع فوقع على إنسان فقتله، أو متاع فأتلفه، كان ضامناً. وبه قال جميع الفقهاء، إلّابعض أصحاب الشافعي، فإنّه قال:

لا ضمان عليه، لأنّه محتاج إليه، قال أصحابه: ليس هذا بشيء. دليلنا: إجماع الأُمّة، وهذا القول شاذ لا يعتدّ به.(1)

وقال المحقّق: نصب الميازيب إلى الطرق جائز وعليه عمل الناس، وهل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه الله: لا يضمن. وقال الشيخ: يضمن لأنّ نصبها مشروط بالسلامة، والأوّل أشبه.(2)

وقد فرّق المصنّف بين الإضرار فيضمن، وعدمه فلا يضمن؛ وقد جعل نصب الميزاب على قسمين:

ص: 158


1- . الخلاف: 290/5، المسألة 119.
2- . شرائع الإسلام: 255/4.

1. ما يضرّ بالطريق، وهو ما إذا كان على ارتفاع منخفض، ربما يضر بالمارّة، فيزاحم عبورَ الناس، فلو سقط فأهلك المارّة ففيه الضمان.

2. ما لا يضرّ بالطريق، كما إذا كان على ارتفاع عالٍ، على نحو لا يزاحم عبور الناس، فلو سقط فأهلك أحد المارّة، فلا ضمان. والقسمان مبنيّان على الملازمة بين الحكم التكليفي والوضعي فلو جاز لعدم كونه مضرّاً بالمارّة، فلا يضمن، ولو لم يجز كما إذا كان مضرّاً بهم ضمن، ولكن كلّية القاعدة مورد إشكال، كما صرّح به المصنّف في ذيل المسألة بشهادة أنّه يجوز أكلُ طعام الغير في المجاعة ولكنّه ضامن، كما أنّه لو تساهل في إنجاء غريق فيعصي ولكن ليس بضامن، وسيوافيك تفصيله في نهاية المطاف.

الفرع الثاني: إخراج الرواشن والأجنحة في الطريق المسلوكة

فلو سقط الروشن ونحوه وأهلك ففيه التفصيل السابق، فلو كان غير مضار يكون مأذوناً، بخلاف ما إذا أضرّ بالطريق فلو سقط ففيه الضمان.

وسيوافيك وجه التفصيل في كلام المحقّق في الشرائع.

قال الشيخ: إذا أشرع جناحاً إلى طريق المسلمين، أو إلى درب نافذ (أي المسلوك) أو غير نافذ وبابه فيه، أو أراد إصلاح ساباط على وجه لا يضرّ بأحد من المارّة، فليس لأحد معارضته ولا منعه منه. وبه قال الشافعي، وقال أبوحنيفة: له ذلك ما لم يمنعه مانع، فأمّا إن اعترض عليه معترض أو منعه مانع كان عليه قلعه. دليلنا: أنّ الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.(1)

ص: 159


1- . الخلاف: 290/5، المسألة 118.

وكلامه هذا ناظر إلى جواز العمل، وأمّا إذا صار سبباً لهلاك إنسان أو تلف متاع، فلم يذكر فيه شيئاً، والمهم هو الثاني لا الأوّل، فإنّ السيرة المستمرة من عصر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى قرون هي إخراج الأجنحة والرواشن وإيجاد الساباطات بين الطرق. وقد استدلّ الشيخ على الجواز وقال: لأنّ هذه الأجنحة والساباطات والسقائف (كسقيفة بني النجار وسقيفة بني ساعدة وغيرها) إلى يومنا هذا لم ينقل أنّ أحداً اعترض عليها، ولا أُزيلت باعتراض معترض عليها.

ثبت أنّ إقرارها جائز بإجماع المسلمين.

وعبارته هذه صريحة بأنّ كلامه في المقام الأوّل.

نعم ذكر المحقّق كلا الأمرين وقال: وكذا إخراج الرواشن في الطرق المسلوكة إذا لم تضرّ بالمارّة. قال الشيخ: يضمن نصف الدية؛ لأنّه هلك عن مباح، ومحظور، والأقرب أنّه لا يضمن مع القول بالجواز. وضابطه أنّ كلّ ما للإنسان إحداثه في الطريق لا يضمن ما يتلف بسببه، ويضمن بما ليس له إحداثه.(1)

وقد تبعه المصنّف في هذا التفصيل في كلا الفرعين وقال: ولعلّ الضابط في الضمان وعدمه إذن الشارع وعدمه، فكلّ ما هو مأذون فيه شرعاً ليس فيه ضمان ما تلف لأجله، وكلّ ما هو غير مأذون فيه، ففيه الضمان.

ولعلّ وجهه هو تبعية الأحكام الوضعية - الضمان وعدمه - للأحكام التكليفية - كالحرمة والجواز - فلو كان العمل حراماً يلازم الضمان، ولو4.

ص: 160


1- . شرائع الإسلام: 255/4.

كان جائزاً فهو يلازم عدمه، ولعل ما ذكره هو المعروف عرفاً في حياتنا الحاضرة، فلو كان العمل أمراً جائزاً حسب المقررات، وانتهى اتّفاقاً إلى الهلاك والتلف لا يحكم على صاحب البيت بالضمان إذا لم يقصّر في عمله، بخلاف العكس.

فإن قلت: إنّ القاعدة في فقهنا ليست كلّية، وأشار إلى ذلك السيد العاملي بقوله: إنّ إباحة السبب لا تُسقط الضمان، كالتأديب والطبابة، والبيطرة، وبلّ الطين في الطريق لحاجته، وطرح القمامة والتراب فيه، وقشور البطيخ وشبهها، وبول دابته فيه، فإنّه يباح له ذلك كله بشرط السلامة.(1)

وربما يؤيّد القول بالضمان مطلقاً ما رواه المحمدون الثلاثة عن النوفلي عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو أوتد وتداً، أو أوثق دابة أو حفر بئراً في طريق المسلمين، فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن».(2)

قلت: الظاهر صحّة القاعدة، أمّا الرواية فالمتبادر منها ما إذا كان عمله عملاً محرّماً بقرينة قوله: «أو أوتد وتداً أو أوثق دابة أو حفر بئراً في طريق المسلمين» وهذا قرينة على أنّ الميزاب وغيره كان يوجد ضرراً للمارّة - مثلاً كان منصوباً على ارتفاع منخفض بحيث كان يضر بالمارّة - والظاهر في المسألة ما ذكره المحقّق، وخروج بعض الموارد لا يضرّ بالاستدلال بالقاعدة ما لم يدلّ دليل على تخصيص القاعدة.1.

ص: 161


1- . مفتاح الكرامة: 60/21.
2- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

وأمّا مسألة البيطار والطبيب فخارجة بالدليل، وأمّا ما يقال بالضمان في مؤدّب زوجته، والمعلّم إذا أدّب الصبي، فليس فيهما نصّ وإنّما جروا بذلك على القواعد. ونظيره الضمان في عام المجاعة؛ وذلك لأنّ «لا ضرر» قاعدة امتنانية، فلا يكون جواز الأكل سبباً لعدم الضمان. كما أنّ عدم الضمان فيما إذا تساهل في إنجاء الغريق، لأجل عدم استناد الغرق إلى الناظر المتساهل بعد كون الورود إلى الماء الكثير مع عدم معرفة السباحة، علّة تامّة للغرق.

وحصيلة الكلام: أنّ الظاهر ملازمة الجواز الشرعي لعدم الضمان والضمان في موارد خاصّة إمّا للنصّ، وإمّا لأنّ الجواز الشرعي بلا ضمان إذا كان موجباً للضرر بالغير فيحكم بالضمان؛ لأنّ القاعدة امتنانية فلا امتنان في الجواز بلا ضمان.

وقد ذكر المحقّق أيضاً بأنّه لو وضع إناءً على حائطه وكان في معرض السقوط، فسقط فتلف به إنسان أو حيوان أو أكثر ضمن، وإن لم يكن في معرض السقوط وسقط اتّفاقاً لم يضمن.(1)

وهو يؤيّد التفصيل المعروف، أي القاعدة الكلّية.4.

ص: 162


1- . شرائع الإسلام: 256/4.

المسألة 7. لو اصطدم سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال، فإن كان ذلك بتعمّد من القيّمين لهما فهو عمد، وإن لم يكن عن تعمّد، وكان الاصطدام بفعلهما أو بتفريط منهما مع عدم قصد القتل وعدم غلبة التصادم للتسبّب إليه، فهو شبيه عمد أو من باب الأسباب الموجبة للضمان، فلكلّ منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلفه، وعلى كلّ منهما نصف دية صاحبه لو تلفا، وعلى كلّ منهما نصف دية من تلف فيهما، ولو كان القيّمان غير مالكين كالغاصب والأجير ضمن كلّ نصف السفينتين وما فيهما، فالضمان في أموالهما نفساً كان التالف أو مالاً. ولو كان الاصطدام بغير فعلهما ومن غير تفريط منهما بأن غلبتهما الرياح فلا ضمان، ولو فرّط أحدهما دون الآخر فالمفرّط ضامن، ولو كان إحدى السفينتين واقفة أو كالواقفة ولم يفرّط صاحبها لا يضمن. *

لو اصطدمت سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال
اشارة

في المسألة فروع ستة، والموضوع فيها اصطدام سفينتين وحكمهما يُعلم من مسألة اصطدام الفارسين، لأنّ السفينتين كالفرسين، والملاحين كالفارسين.(1) والفروع التي ستوافيك يعلم حكمها ممّا ذكرنا في تعريف قتل العمد وشبهه والقتل الخطئي، وحكم المفرّط وعدمه، والجميع واضحة الحكم، ذكرها الفقهاء في كتبهم إلّاأنّ المصنّف أضاف شقوقاً أُخرى، والفروع هي:

ص: 163


1- . مفتاح الكرامة: 122/21.

الأوّل: لو اصطدم سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال، فإن كان ذلك بعمد من القيّمين، فهو عمد؛ لأنّ المفروض أنّ الاصطدام صدر عن عمد من كليهما فالتلف حصل بفعله وفعل غيره فبما أنّهما ماتا يسقط القصاص بالتهاتر. نعم يضمن كلّ، نصف ما أتلف في ماله. قال المحقّق: لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيّمين وهما مالكان، فلكلّ منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه.(1) وأشار في المتن إلى هذا الفرع بقوله: «فان كان ذلك بتعمّد من القيّمين».

قال العلّامة في «القواعد»: ولو اصطدمت سفينتان فهلك ما فيهما من المال والنفس، فإن كانا مالكين وقصدا التصادم وعلما بحصول التلف معه غالباً، فعلى كلّ منهما القصاص لورثة كلّ قتيل، وعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه ونصف ما فيها من المال.(2)

وكان عليه أن يضيف ويقول: وعلى كّل واحد منهما أيضاً نصف دية صاحبه إن تلف إذا لم يتمكّن من القصاص، كما جاء في «مفتاح الكرامة».(3)

الثاني: تلك الصورة ولكن لم يكن الاصطدام عن تعمّد بل كان الاصطدام بفعلهما أو بتفريط منهما مع عدم قصد القتل وعدم غلبة التصادم للتسبب إلى التلف فهو شبيه عمد؛ لأنّ المفروض أنّ الفعل مقصود لكن لا بقصد القتل ولم يكن السبب قتّالاً غالباً، فلكلّ منهما على صاحبه نصف1.

ص: 164


1- . شرائع الإسلام: 255/4.
2- . القواعد: 662/3.
3- . مفتاح الكرامة 122/21.

قيمة ما أتلفه، وعلى كلّ منهما نصف دية صاحبه لو تلفا، وعلى كلّ منهما نصف دية من تلف فيهما؛ وذلك لأنّ التلف كان بفعلهما، فيقسّط الضمان في كلّ ما تلف عليهما.

الفرع الثالث: ولو كان القيّمان غير مالكين كالغاصب والأجير، وكان التلف بفعلهما ضمن كلٌّ نصف السفينتين وما فيهما، فالضمان في أموالهما نفساً كان التالف أو مالاً.

قال العلّامة: ولو لم يكونا مالكين ضمن كلّ منهما نصف السفينتين وما فيهما.(1)

والظاهر أنّ هذا الفرع ينقسم إلى صورتين: العمد، وشبه العمد.

ولذلك صار كلّ الضمان على عهدة الأجيرين أو الغاصبين دون العاقلة.

الفرع الرابع: ولو كان الاصطدام بغير فعلهما من غير تفريط منهما كالريح العاصفة، فلا ضمان. قال الشيخ: إذا اصطدمت السفينتان من غير تفريط من القائم بهما في شيء من أسباب التفريط بريح فهلكتا وما فيهما من المال والأنفس أو بعضه، كان ذلك هدراً ولا يلزم واحداً منهما لصاحبه شيء.

وللشافعي فيه قولان: أحدهما عليهما الضمان، والآخر لا ضمان عليهما.(2)

وقال العلّامة: ولو لم يفرطا، بل غلبتهما الرياح، فلا ضمان.(3) وعلّله في «مفتاح الكرامة» بقوله لأنَّهما مغلوبان، فكان كما لو غلبتهما دابتاهما على/3

ص: 165


1- . القواعد: 663/3.
2- . الخلاف: 275/5، المسألة 194.
3- . القواعد: 663/3

أنّ ضبط الدابة أسهل من إمساك السفينة في البحر إذا هاج، ولا ضمان على العاقلة، إذ القتل غير مستند إليهما بل إلى عامل خارجي. نعم قد احتمل في راكبي الدابتين الغالبتين ضمان العاقلة، تلفَ النفس وتركه هنا مع أنّ غلبة الريح كغلبة الدابّة، والسفينة كالدابة والملاح كالراكب.(1)

والحقّ أنّ القياس في غير محلّه لمن ركب السفينة وشاهد هيجان البحر.

الفرع الخامس: ولو فرّط أحدهما دون الآخر، فالمفرّط ضامن.

قال العلّامة: ولو اختلف حالهما بأن يكون أحدهما عامداً أو مفرّطاً، لم يتغيّر حكم كلّ منهما باختلاف حال صاحبه.(2)

فقد تبع العلّامة في ذلك «مبسوط» الشيخ، قال: فأمّا إذا كان أحدهما مفرّطاً والآخر غير مفرّط، فحكم المفرّط بمنزلة أن لو كانا مفرّطين حرفاً بحرف، وحكم غير المفرّط بمنزلة أن لو كانا غير مفرّطين.(3)

والمراد أنّ لكلّ من العامد والمفرّط حكم والطرف الآخر له حكمه، فلو كان صدور الفعل من أحدهما عمدياً والآخر شبه العمد يحكم كلّ بحكم فعله.

الفرع السادس: لو كانت إحدى السفينتين واقفة أو كالواقفة ولم يفرّط صاحبها، لا يضمن، قال العلّامة: ولو وقعت سفينة على أُخرى واقفة، أو سائرة لم يضمن صاحب الأُخرى، وضمن صاحب الواقعة مع التفريط.(4)3.

ص: 166


1- . مفتاح الكرامة: 123/21.
2- . القواعد: 663/3.
3- . المبسوط: 7/168.
4- . القواعد: 663/3.

ونظيرهما السيارتان إذا كانت إحداهما واقفة في الليل الأظلم فإن كان قد أعطى إشارة على توقّفه بمصباح الإشارة فلا يُعدُّ مفرّطاً، بخلاف ما لو لم يعط إشارة.

هذه هي أحكام اصطدام السفينتين ومنها يعلم حكم اصطدام السيارتين ولكن تشخيص المقصّر عن غيره يرجع إلى قضاء شرطة المرور وقوانين تنظيم حركة السيارات في الطرق، فيجب أن تكون متبعة في تشخيص المقصّر.

فلو قاد أحد سيارته إلى الوراء واصطدم بالسيارة التي تأتي وراءه فيعدّ الأوّل مقصّراً وإن لم يقصد الاصطدام، وكذا لو دخل في زقاق ممنوع الدخول من جانب واحد فحصل التصادم، لأنّ هذه القوانين موضوعة لمنع حصول خسائر في الأرواح والأموال، فمن أخذ إجازة السياقة فقد التزم بهذه القوانين، فليس له الاعتراض بأنّها قوانين بشرية لا صلة لها بالشرع؛ وذلك لأنّها مثل الشروط الّتي يلتزم بها المتبايعان عند العقد ويتبعها حكم الشرع بالضمان وغيره.

ص: 167

المسألة 8. لو بنى حائطاً في ملكه أو ملك مباح على أساس يثبت مثله عادة فسقط من دون ميل ولا استهدام، بل على خلاف العادة كسقوطه بزلزلة ونحوها، لا يضمن صاحبه ما تلف به وإن سقط في الطريق أو في ملك الغير، وكذا لو بناه مائلاً إلى ملكه، ولو بناه مائلاً إلى ملك غيره أو إلى الشارع ضمن، وكذا لو بناه في غير ملكه بلا إذن من المالك. ولو بناه في ملكه مستوياً فمال إلى غير ملكه، فإن سقط قبل تمكّنه من الإزالة فلا ضمان، وإن تمكّن منها فللضمان وجه. ولو أماله غيره فالضمان عليه إن لم يتمكّن المالك من الإزالة، وإن تمكّن فالضمان لا يرفع عن الغير، فهل عليه ضمان فيرجع الورثة إليه وهو يرجع إلى المتعدّي، أو لا ضمان إلّاعلى المتعدّي؟ لا يبعد الثاني. *

* في المسألة فروع ستة:

الأوّل: لا ضمان على مَن بنى حائطاً في ملكه فسقط بسبب خارجي

لو بنى حائطاً في ملكه أو ملك مباح على أساس يثبت مثله عادة، فسقط من دون ميل في الجدار إلى أحد الجانبين ولا استهدام، بل على خلاف القاعدة كسقوطه بزلزلة ونحوها، لا يضمن صاحبه ما تلف به وإن سقط في الطريق أو في ملك الغير. قال العلّامة: وإذا بنى حائطاً في ملكه أو مباح فوقع الحائط على إنسان فمات فلا ضمان، سواء وقع إلى الطريق أو إلى ملكه، وسواء مات بسقوطه عليه، أو بغباره إن كان قد بناه مستوياً على أساس يثبت مثله عليه.(1)

ومثله ورد في الشرائع.(2)

ص: 168


1- . قواعد الأحكام: 655/3.
2- . شرائع الإسلام: 255/4.

وذلك لعدم تعدّيه وتفريطه بوجه، والمفروض أنّه سقط على خلاف العادة من دون ميل ولا استهدام، فلابدّ أن يكون السقوط معلولاً لوجود هزة في الأرض أو عاصفة تقلع الأشجار القوية فضلاً عن الجدار المبني حديثاً، وعلى كلّ تقدير فالضمان فرع استناد التلف إلى الباني، والمفروض عدمه.

الفرع الثاني: لا ضمان على مَن بنى حائطاً مائلاً إلى ملكه

تلك الصورة ولكن بناه مائلاً إلى ملكه، فعدم الضمان واضح فالخسارة على صاحب الملك. نعم لو دعا ضيوفاً فجلسوا في ظل الجدار فسقط عليهم، يكون المالك ضامناً لكونه مفرّطاً في بناء الجدار وإجلاس الضيوف في ظلّه.

الفرع الثالث: لو بنى حائطاً مائلاً إلى ملك غيره فهو ضامن

ولو بناه مائلاً إلى ملك غيره أو إلى الشارع، فسقط وأتلف، ضمن.

قال المحقّق: ولو بناه مائلاً إلى غير ملكه ضمن.(1)

وقال العلّامة: ولو بناه مائلاً إلى الشارع أو إلى ملك جاره أو مال إليهما بعد الاستواء وفرّط في الإزالة أو بناه على غير أساس، ضمن إن تمكّن من الإزالة بعد ميله، ومطلقاً إن كان مائلاً من الأصل أو على غير أساس.(2)

وجه الضمان واضح؛ لأنّ التلف مستند إلى فعله فإنّ الجدار المائل يسقط بأدنى سبب. والمفروض أنّه تمكّن من الإزالة، أو قصّر من بدء الأمر.

الفرع الرابع: لو بنى حائطاً في غير ملكه بلا إذن فهو ضامن

لو بناه في غير ملكه بلا إذن من المالك، ففيه - مضافاً إلى

ص: 169


1- . شرائع الإسلام: 255/4.
2- . قواعد الأحكام: 655/3.

الضمان - تصرّف في ملك الغير، وسكوت الغير ليس دليلاً على رضاه بالفعل.

فالتلف مستند إلى فعله.

الفرع الخامس: لو بنى حائطاً مستوياً في ملكه فمال إلى غير ملكه

لو بناه في ملكه مستوياً فمال إلى غير ملكه(1)، فلو سقط مع عدم تمكّنه من الإزالة فلا ضمان، وإن تمكّن منها فللضمان وجه.

قال المحقّق: ولو بناه في ملكه مستوياً فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه ضمن إن تمكّن من الإزالة، ولو وقع قبل التمكّن لم يضمن ما يتلف به، لعدم التعدّي.(2)

قال الشيخ في «المبسوط»: ولو بناه مستوياً في ملكه فمال بنفسه إلى الطريق ثم وقع، قال قوم: لا ضمان عليه، وقال بعضهم: عليه الضمان. والأوّل أقوى لأنّه بناه في ملكه ومال بغير فعله فوجب أن لا يضمن، ثم قال: وقال بعضهم: إذا وقع فأتلف نفساً وأموالاً فإن كان قبل المطالبة بنقضه وقبل الإشهاد عليه فلا ضمان، وإن كان قد طولب بنقضه وأشهد عليه به فوقع بعد القدرة على نقضه، فعليه الضمان. وإن كان قبل القدرة على نقضه فلا ضمان، وهذا أقوى.(3)

وفي «مفتاح الكرامة» مثل ذلك عن القاضي، والجماعة أعرضوا عن ذلك التفصيل، ولعلّه لعدم ظهور وجهه. واحتمل في توجيهه احتمال الغفلة بدونهما.(4)

ص: 170


1- . والفرق بين هذا الفرع والفرع الثالث، وجود الميل من أوّل الأمر في الجدار فيه وحدوثه هنا.
2- . شرائع الإسلام: 255/4.
3- . المبسوط: 7/187، وقد ذكر للمسألة خمسة فروع.
4- . مفتاح الكرامة: 56/21.

ولا يخفى أنّ الشيخ ذكر في كلامه تفصيلين: التفصيل بين قبل المطالبة بنقضه والإشهاد عليه فلا يضمن، وأمّا إذا كان بعدهما ففيه التفصيل بين القدرة على نقضه فالضمان، وعدمها فلا ضمان. أمّا وجه التفصيل الأوّل فلما ذكره صاحب مفتاح الكرامة من عدم احتمال الغفلة عند المطالبة والإشهاد، واحتماله عند عدمها. وأمّا وجه التفصيل الثاني بأنّ وجوب النقض مشروط بالقدرة والمفروض أنّه سقط قبل القدرة خصوصاً مع أطلاع الجار عن حال الجدار.

الفرع السادس: لو بنى حائطاً وأماله غيره فالضمان عليه

ولو أماله غيره فله صورتان:

الأُولى: إن لم يتمكّن المالك من الإزالة فالضمان على الغير.

الثانية: وإن تمكّن فالضمان لا يرفع عن الغير، فهل على المالك ضمان فيرجع الورثة إليه؟ وهو يرجع إلى المتعدّي أو لا ضمان على المتعدّى؟ لم يستبعد المصنّف الثاني.

أمّا الصورة الأُولى فحكمها واضح؛ لأنّه السبب الوحيد للتلف، لأنّه أمال الحائط ولم يتمكّن المالك من الإزالة.

إنّما الكلام في الصورة الثانية حيث إنّ إمالة الغير لا تكون سبباً تامّاً مع تمكّن المالك من الإزالة، لكنّه توهّم باطل، إذ معنى ذلك أن يتحمّل أحدٌ إضرار الغير وإن كان واقعاً في ملكه، والظاهر أنّ الضمان على المتعدّي لا على صاحب الملك.

ص: 171

المسألة 9. لو أجّج ناراً في ملكه بمقدار حاجته مع عدم احتمال التعدّي، لم يضمن لو اتّفق التعدّي فأتلفت نفساً أو مالاً بلا إشكال، كما لا إشكال في الضمان لو زاد على مقدار حاجته مع علمه بالتعدّي، والظاهر ضمانه مع علمه بالتعدّي وإن كان بمقدار الحاجة، بل الظاهر الضمان لو اقتضت العادة التعدّي مع الغفلة عنه فضلاً عن عدمها، ولو أجّج زائداً على مقدار حاجته، فلو اقتضت العادة عدم التعدّي فاتّفق بأمر آخر على خلاف العادة ولم يظنّ التعدّي، فالظاهر عدم الضمان، ولو كان التعدّي بسبب فعله ضمن ولو كان التأجيج بقدر الحاجة. *

لو أجّج ناراً في ملكه
اشارة

في المسألة فروع:

1. لو أجّج ناراً في ملكه بمقدار حاجته، مع عدم احتمال التعدّي واتّفق التعدّي فأتلفت نفساً أو مالاً.

2. لو زاد على مقدار حاجته مع علمه بالتعدّي.

3. لو كان بمقدار حاجته مع علمه بالتعدّي.

4. لو أجّج زائداً على مقدار حاجته واقتضت العادة عدم التعدّي فاتّفق على خلاف العادة، ولم يظن التعدّي.

5. لو اقتضت العادة التعدّي مع الغفلة عنه فضلاً عن عدمها.

6. لو كان التأجيج بمقدار الحاجة وكان التعدّي بسبب فعله.

أقول: الفروع المذكورة غير منصوصة، فلابدّ لاستخراج أحكامها

ص: 172

من التمسّك بالقواعد، والملاك في وجوب الضمان ما هو؟ يُحتمل أمران:

1. العلم بالتعدّي بل الظن به، سواء كان التأجيج بمقدار الحاجة أو زائداً عليه.

2. كفاية التأجيج زائداً على الحاجة، وإن لم يكن معه ظن أو علم بالتعدّي.

وأمّا ما نقل في «مفتاح الكرامة» عن بعض فتاوى الشهيد أنّه اعتبر في الضمان أحد الأُمور الثلاثة:

1. مجاوزة الحاجة. 2. وجود الريح العاصفة. 3. غلبة الظن بالتعدّي.(1)

فلا يخفى أنّ مرجع الأخيرتين واحد، لأنّ عصف الريح سبب لحصول غلبة الظن.

إذا علمت ذلك فلندرس أحكام الفروع على ضوء القواعد.

الفرع الأوّل: إذا لم يتجاوز عن مقدار الحاجة ولم يحتمل التعدّي، فلا يضمن لو اتّفق التعدّي فأتلف نفساً أو مالاً، لعدم وجود واحد من السببين وقد قام بعمل مأذون شرعاً وعرفاً، لكن اتّفق التعدّي من حيث لا يظن ولا يُعلم، فلا يُعدّ المؤجّج سبباً للتلف.

وإلى هذه الصورة يشير العلّامة بقوله: ولو أشعل ناراً في ملكه فطارت شرارة أو سرت إلى ملك جاره، فإن كان الهواء ساكناً أو كان بينه وبين الجار حائل يمنع الريح، ولم يتجاوز قدر الحاجة، فلا ضمان.(2)3.

ص: 173


1- . مفتاح الكرامة 69/21.
2- . قواعد الأحكام: 656/3.

ومع ذلك فالقول بعدم الضمان بصورة قاطعة لا يخلو من تأمّل، لأنّه وإن قام بعمل مأذون لكنّه لا ينافي الضمان، ومثله كونه غير مفرّط فلابدّ في نفي الضمان من فرض وجود عامل خارجي، سبّب سريان النار إلى الأموال والنفوس في ملكه كهبوب الريح العاصفة أو كون الهواء مساعداً للإحراق، أو وجود أسلاك كهربائية مستعدة للاحتراق إلى غير ذلك من الأُمور الخارجة عن الترقّب والتنبّؤ، فلاحظ.

الفرع الثاني: ما لو أجّج زائداً على مقدار الحاجة مع علمه بالتعدّي، فلا شكّ في ضمانه لأنّ العلم بالتعدّي وحده كافٍ في ضمان المؤجّج فضلاً عمّا لو أجّج أزيد من حاجته، وإلى هذه الصورة يشير المحقّق بقوله: إلّاأن يزيد على مقدار الحاجة مع غلبة الظن بالتعدّي كما في أيام الأهوية.(1)

الفرع الثالث: لو أجّج بمقدار الحاجة مع العلم بالتعدّي، فيضمن قطعاً لأنّ العلم بالتعدّي - وحده - من أسباب الضمان. الفرع الرابع: عكس الفرع الثالث، وهذا هو الفرع الخامس في كلام المصنّف لكن جعلناه فرعاً رابعاً ليكون عدلاً للثالث، فلو أجّج زائد على مقدار حاجته، مع عدم احتمال التعدّي، لكن اتّفق أمرٌ آخر على خلاف العادة، ولم يكن مظنوناً، فلا يضمن لأنّ التلف مستند إلى طروء أمر آخر، كعصف الريح بغتة ولم تكن مظنونة، وإلى هذا يشير المحقّق بقوله: ولو عصفت بغتة لم يضمن.(2)4.

ص: 174


1- . شرائع الإسلام 256/4، ونظيره ما ورد في قواعد العلّامة.
2- . شرائع الإسلام: 256/4.

المسألة 10. لو أجّجها في ملك غيره بغير إذنه، أو في الشارع لا لمصلحة المارّة ضمن ما يتلف بها بوقوعه فيها من النفوس والأموال وإن لم يقصد ذلك. نعم لو ألقى آخر مالاً أو شخصاً في النار لم يضمن مؤجّجها، بل الضمان على المُلقي، ولو وقعت الجناية بفعله التوليدي كما [لو] أجّجها وسرت إلى محلّ فيه الأنفس والأموال يكون ضامناً للأموال، وأمّا الأنفس فمع العمد وتعذّر الفرار فعليه القصاص، ومع شبيهه الدية في ماله، ومع الخطأ المحض فعلى العاقلة، ثمّ إنّه يأتي في فتح المياه ما ذكرنا في إضرام النار. *

فظهر الفرق بين الفرعين الثالث والرابع فالضمان في الأُوّل دون الثاني؛ لأنّ العلم بالتعدّي في الأُوّل كافٍ في الضمان، لأنّه قام بعمل عدواني في نفسه، بخلاف الثاني فقد أجّج زائداً على حاجته دون أن يحتمل السريان لكن فوجئ بعامل خارجي.

الفرع الخامس: لو اقتضت العادة التعدّي، كما لو كانت الريح عاصفة لكن المؤجّج غافل عنه، أو غير غافل، فالظاهر الضمان في كلا الحالين؛ وذلك لأنّ الغفلة وعدم الغفلة يؤثّر في الحكم التكليفي، وأمّا الحكم الوضعي - أعني:

الضمان - فهو تابع للسببية والمفروض أنّ السبب هو المؤجّج.

الفرع السادس: تلك الصورة ولكن كان التعدّي بسبب فعله كما لو صبّ الزيت في النار بمقدار الحاجة ضمن؛ لأنّ التلف مستند إليه.

* في المسألة فروع:

1. لو أجّج النار في ملك غيره بغير إذنه، أو في الشارع لا لمصلحة

ص: 175

المارّة، فتلفت نفس أو مال وإن لم يقصد.

2. لو ألقى مالاً أو شخصاً في نار أجّجها غيره.

3. لو وقعت الجناية بفعله التوليدي كما لو أجّجها فسرت إلى محلٍّ فيه الأنفس والأموال.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو أجّج ناراً في ملك غيره فهو ضامن

فقد أشار إليه المحقّق بقوله: ولو أجّجها في ملك غيره ضمن الأنفس والأموال في ماله لأنّه عدوان مقصود.(1)

ومراده بقوله: «لأنّه عدوان مقصود»، هو أنّ تأجيج النار في ملك الغير وإن لم يقصد تلف الأنفس والأموال، لكن إذا كان العمل حراماً يكفي في ثبوت ما يتبعه من سائر الأعمال من الحرمة والعدوان، وإن لم يقصد.

وهذا نظير حفر البئر في ملك الغير عدواناً، ونحوها، فإنّ الضمان فيه على الحافر لا المالك. والظاهر التفصيل بين الأموال والنفوس، أمّا الأُولى فلا خلاف في ضمانها، وأمّا الأنفس فإن أمكنهم الفرار أو التخلّص فلا ضمان وإلّا ضمن، نقله في «مفتاح الكرامة» عن الشهيد في حواشيه وعليه المصنّف.(2)

ثم إنّ الضمير المؤنث في قوله: «بها» أو «فيها» يرجع إلى النار، والضمير المذكّر في «بوقوعه» يرجع إلى الموصول، والمقصود: وجود

ص: 176


1- . شرائع الإسلام: 256/4.
2- . مفتاح الكرامة: 69/21.

الأنفس والأموال في ملك الغير أو الشارع فتلفتا بهذه النار فيكون ضامناً وإن لم يقصد.

الفرع الثاني: لو ألقى مالاً أو شخصاً في نار أجّجها غيره

لو أجّج شخصٌ ناراً وَألقى آخرُ مالاً أو إنساناً في النار، فالضامن هو الآخر لأنّ المباشر أقوى من السبب، خصوصاً إذا أجّج النار لمصلحة نفسه، من غير فرق بين كون النار في ملكه أو في ملك غيره.

الفرع الثالث: لو وقعت الجناية بفعله التوليدي

لووقعت الجناية بفعله التوليدي، كما لو أجّجها وسرت إلى محل فيه الأنفس والأموال، والفرق بين هذا الفرع والأوّل واضح، وهو أنّ النفوس والأموال كانت موجودة في محل التأجيج في الفرع الأوّل، بخلاف المقام فإنّهما كانا بعيدين عن محل التأجيج لكن النار سرت إلى محلّهما، فعندئذٍ حكم الأموال يختلف مع الأنفس.

إذا علمت الفرق يقع الكلام في مورد الفرع.

أمّا الأموال فلا شكّ أنّه يضمنها لأنّ التلف مستند إلى فعله؛ سواء أكان قاصداً للسراية، أم لم يقصد، فإنّ الحكم الوضعي - أعني: الضمان - لا يلازم كون الفعل مقصوداً، فكون الفعل التوليدي حلالاً لا يكون دليلاً على عدم ضمان مال الغير إذا تلف به.

إنّما الكلام إذا تلفت به النفوس، فإنّ المصنّف قسّمه إلى عمد وشبهه وخطأ محض.

ص: 177

أمّا الأوّل: فيتصوّر بما لو قصد بفعله التوليدي سريان النار وانتهائه إلى البيت المجاور وقتل من فيه، ولكنّه لا يحكم بالعمد إلّاإذا تعذّر الفرار، وإلّا فيعزّر ولا يقتصّ منه.

يبقى الكلام في تصوّر القسمين الآخرين.

وأمّا الثاني: ففيما إذا لم يقصد القتل ولا السريان، ولكن يعلم بوجود إنسان وراء الجدار، فسرت النار وقتلته فهو شبه العمد لعدم كون القتل مقصوداً ولا الفعل قتّالاً.

وأمّا الثالث: أي الخطأ المحض، فيأتي فيه التفصيل السابق فلو لم يتمكّن من الفرار فعلى العاقلة، وإن تمكّن فيذهب سُدى.

ومن هذه الفروع الثلاثة الخاصّة بتأجيج النار يعلم حكم فتح المياه.

هذا كلّه حسب القواعد، وأمّا الروايات فقد وردت في المورد رواية واحدة عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام: أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت، واحترق متاعهم؟ قال: «يغرم قيمة الدار وما فيها ثم يقتل».(1)

ولا يخفى أنّ موضع الرواية هو العمد، أي جاء بالنار لإحراق الدار ومن فيها.1.

ص: 178


1- . الوسائل: 19، الباب 41 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

المسألة 11. لو ألقى فضولات منزله المزلقة - كقشور البطيخ - في الشارع، أو رشّ الدرب بالماء على خلاف المتعارف لا لمصلحة المارّة فزلق به إنسان، ضمن. نعم لو وضع المارّ العاقل متعمّداً رجله عليها فالوجه عدم الضمان، ولو تلف به حيوان أو مجنون أو غير مميّز ضمن. *

لو ألقى قُمامة منزله المزلقة في الشارع

قال المحقّق: وكذا [يضمن] لو ألقى قمامة المنزل المزلقة، كقشور البطيخ أو رشّ الدرب بالماء.(1) أمّا إلقاء الفضولات فإنّ طريق المسلمين ليس محلّ إلقاء القمامة، فهو من قبيل الإضرار في طريقهم وإن لم يقصد الإضرار، إذ يكفي فيه كون التلف مستنداً إلى فعله.

وقد خصّ صاحب الشرائع الضمان بمن لم ير الرشّ أو لم يشاهد القمامة، و إلى هذا أشار المصنّف بقوله: نعم لووضع المار العاقل متعمّداً رجله عليها، فالوجه عدم الضمان، وذلك لقوّة المباشر وضعف السبب.

وأمّا الرشّ فلو كان لا لمصلحة المارّة على وجه صار الطريق مزلقة فيضمن لاستناد التلف إليه، وأمّا لو كان الرشّ عادياً لمصلحة البيت أو المارة فلا يحكم بالضمان لجريان العادة على رشّ الأرض أمام البيوت منعاً لإثارة الغبار، ومنه يظهر حكم ما لو تلف حيوان أو مجنون أو صبي غير مميّز، بإلقاء القشور أو الرشّ الخارج عن المتعارف.

ص: 179


1- . شرائع الإسلام: 4/256.

المسألة 12. لو وضع على حائطه إناءً أو غيره فسقط وتلف به نفس أو مال لم يضمن إلّاأن يضعه مائلاً إلى الطريق، أو وضعه بنحو تقتضي العادة سقوطه على الطريق، فإنّه يضمن حينئذٍ. *

لو وضع على حائطه إناء فسقط

لو وضع على حائطه إناءً أو غيره فسقط وتلف به نفس أو مال، لم يضمن لأنّه تصرّف في ماله تصرّفاً مأذوناً، وكان الوضع جامعاً للشرائط وكانت العادة قاضية على بقاء الإناء في محلّه، فلو سقط فإنّما سقط بعامل خارج عن قدرة الواضع.

نعم لو وضعه مائلاً إلى الطريق أو وضعه على وجه يسقط مثله، فيضمن لقوّة السبب.

ص: 180

المسألة 13. يجب حفظ دابته الصائلة، كالبعير المغتلم والفرس العضوض والكلب العقور لو اقتناه، فلو أهمل حفظها ضمن جنايتها، ولو جهل حالها أو علم ولم يقدر على حفظها ولم يفرط فلا ضمان، ولو صالت على شخص فدفعها بمقدار يقتضي الدفاع ذلك فماتت، أو وردت عليها جناية لم يضمن، بل لو دفعها عن نفس محترمة أو مال كذلك لم يضمن، فلو أفرط في الدفاع فجنى عليها مع إمكان دفعها بغير ذلك، أو جنى عليها لغير الدفاع ضمن. والظاهر جريان الحكم في الطيور الضارية والهرّة كذلك حتى في الضمان مع التعدّي عن مقدار الدفاع. *

في أحكام الدابة الصائلة والطيور الضارية

في المسألة فروع:

1. حكم الدابة الصائلة كالبعير المغتلم (الهائج)، والفرس العضوض، والكلب العقور، مع العلم بحالها، والقدرة على حفظها.

2. تلك الصورة مع الجهل بحالها أو عدم القدرة على حفظها.

3. لو صالت الدابة الصائلة على شخص فقتلها دفاعاً عن نفسه، أو وردت عليها جناية.

4. تلك الصورة ولكن دفعها عن نفس محترمة أو مال كذلك.

5. لو أفرط في الدفاع فجنى عليها.

6. لو جنى عليها لغير الدفاع.

7. جناية الهرّة مع الضراوة.

ص: 181

وإليك دراسة الفروع:

أمّا الفرع الأوّل: فلا شكّ أنّه يجب على المالك حفظ دابته الصائلة، دفعاً للضرر والضرار، ولو أهمل ضمن جنايتها لأقوائية السبب - أعني: مالك الدابة لشعوره وعلمه وقدرته - من المباشر - أعني: الدابة لفقدانها الشعور - وعلى ذلك تضافرت كلمات الأصحاب، قال المحقّق: يجب حفظ دابته الصائلة، كالبعير المغتلم والكلب العقور، فلو أهمل، ضمن جنايتها.(1) وذكر العلّامة في «القواعد» ما يقرب منه.(2)

ويدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن بختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلاً، فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف؟ فقال:

«صاحب البختي ضامن للدية، ويقتصّ ثمن بختيه».(3)

وقريب منه خبر علي بن جعفر عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام.(4)

وأمّا ما روي من أنّ العجماء جُبار(5)، فهو محمول على غير هذه الصورة، والمراد من الجُبار الهدر الذي لا دية فيه ولا قود.

الفرع الثاني: لو كانت الدابة صائلة وجهل المالك بحالها، أو علم ولم يقدر على حفظها، فلا يضمن، إذا لم يفرّط لقوة المباشر وضعف السبب. قال المحقّق: ولو جهل حالها أو علم ولم يفرّط، فلا ضمان.(6)3.

ص: 182


1- . شرائع الإسلام: 256/4.
2- . قواعد الأحكام: 657/3.
3- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
4- . نفس المصدر، الحديث 4.
5- . الوسائل: 19، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، روايات الباب.
6- . شرائع الإسلام: 256/4؛ ولاحظ: قواعد الأحكام: 657/3.

ولعلّه يشير إلى التفصيل بين علم المالك وجهله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أوّل مرّة لم يضمّن صاحبه، فإذا ثنّى ضمّن صاحبه».(1)

وذلك لأنّه في أوّل مرّة لم يكن عالماً بحاله، بخلاف المرّة الثانية، وسيوافيك الكلام فيه أيضاً.

الفرع الثالث: ولو جنى على الدابة الصائلة جان، لم يضمن إذا كان للدفع؛ لأنَّ دفعه حينئذٍ جائز إن لم يكن واجباً، بل لو دفع آدمياً فقتله لم يكن ضامناً، فكيف بالحيوان.

الفرع الرابع: لا فرق بين أن يكون الدفع عن نفسه أو عن نفس محترمة أو مال محترم، على نحو لم يكن يندفع إلّابالجناية، فيجب الاقتصار على ما يندفع به.

الفرع الخامس: نعم لو أفرط في الدفاع ضمن.

الفرع السادس: لو جنى على الحيوان لا للدفع أو لإمكان اندفاعه بدونه، فيضمن لعدم المجوّز للجناية مع احترام مال المسلم، فمن أتلف مالاً فهو له ضامن.

الفرع السابع: الظاهر وحدة الحكم في عامّة الدواب الصائلة والضارية، ولذلك عطف العلاّمة الهرّة الضارية على الكلب العقور.(2)، ولكن3.

ص: 183


1- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2. وفي السند محمد بن الحسن بن شمّون، وهو واقفي غال.
2- . قواعد الأحكام: 657/3.

المحقّق استبعد الموضوع في الهرّة، قائلاً: بأنّه لم تجر العادة بربطها وحفظها بخلاف الدواب، وأورد عليه في «الجواهر» بندرة الضراوة في الهرّة المملوكة لمعيّن، فلا وجه للاستناد إلى العادة في ذلك.(1)

بقي هنا أمر وهو وجود التفصيل في بعض الروايات بين الليل والنهار أو المرّة والمرّتين:

1. روى زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام أنّه كان يضمّن صاحب الكلب إذا عقر نهاراً، ولا يضمنّه إذا عقر بالليل.(2)

2. روى السكوني عن جعفر، عن أبيه عليها السلام قال: «كان علي عليه السلام لا يضمّن ما أفسدت البهائم نهاراً، ويقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه، وكان يضمّن ما أفسدت البهائم ليلاً».(3)

3. ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أوّل مرّة لم يضمّن صاحبه، فإذا ثنّى ضمّن صاحبه».(4)

والظاهر أنّ الموضوع ليس هو الليل والنهار أو المرّة والمرّتين، بل الملاك هو التفريط وعدمه حيث إنّ على صاحب الكلب حفظه نهاراً عن أذى الآخرين، فلو عقر أحداً فقد فرّط في حفظه، بخلاف الليل فإنّ حفظه في2.

ص: 184


1- . جواهر الكلام: 131/43.
2- . الوسائل: 19، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.
3- . الوسائل: 19، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
4- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

الليل ليس على صاحبه، بل جرت العادة على ربط الكلب نهاراً لا ليلاً، وذلك لحراسة الدار والبستان، فعلى المارّ أن يحفظ نفسه من شرّه؛ ومن ذلك يظهر حال الزرع نهاراً فعلى صاحب الحائط حفظ زرعه فلو أفسدته الدابة كشف عن تفريطه، بخلاف الليل. ومنه يظهر وجه الفرق بين المرّة والمرّتين، لأنّ حال الفحل غير معلوم في المرّة الأُولى، فلا يُعدّ عدم حفظه تفريطاً، بخلاف المرّة الثانية.

ويشهد على ما ذكرنا من أنّ الميزان هو التفريط وعدمه، عدم تضمين الإمام عليه السلام إضرار فرس لرجل من أهل اليمن، ويحمل على أنّ الإضرار كان في المرّة الأُولى منه حيث لم يُعلم حال الفرس حتى يكلّف المالك بحفظه.

روى عبيد اللّه الحلبي عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً عليه السلام إلى اليمن، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو فمرّ برجل فنفحه برجله فقتله، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي عليه السلام، فأقام صاحب الفرس البيّنة عند علي عليه السلام أنّ فرسه أفلت من داره ونفح الرجل، فأبطل علي عليه السلام دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم فقالوا: يا رسول اللّه إنّ عليّاً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ عليّاً ليس بظلّام ولم يخلق للظلم، إنّ الولاية لعلي من بعدي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلّاكافر».(1)

والوجه ما ذكرنا من أنّ حال الفرس لم يكن معلوماً عند مالكها.1.

ص: 185


1- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

المسألة 14. لو هجمت دابة على أُخرى فجنت الداخلة، فإن كان بتفريط المالك في الاحتفاظ ضمن، وإن جنت المدخول عليها كان هدراً. *

المسألة 15. مَن دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم، وإلّا فلا ضمان، من غير فرق بين كون الكلب حاضراً في الدار أو دخل بعد دخوله، ومن غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره وعدمه. **

لو هجمت دابة على أُخرى

الفرق بين فرعي المسألة واضح، فجناية الداخلة على المدخولة دليل على أنّ صاحبها فرّط في حفظها حيث خرجت عن مربطها وجنت على المدخولة في مربطها، وأمّا إذا انعكست فجنت المدخولة فدم الداخلة هدر بنفس الدليل، والحاصل: أنّه يجب على صاحب الدابة ربطها لئلّا تدخل على الأُخرى فتجني أو يجنى عليها.

مَن دخل دار قوم فعقره كلبهم

التفريق بين الدخول بإذن صاحب الدار فيضمن عقر كلبه، وبين دخوله بلا إذن فلا يضمن لأجل أنّ الإذن في الدخول علامة أنّه يحميه في داره عن كلّ شرّ يتمكّن من دفعه، فلو عقره كلبه فيكشف عن عدم الحماية والتفريط؛ بخلاف ما إذا دخل بلا إذنه، فلا إعلان للحماية، فلا تفريط من جانب المالك.

ولا فرق بين كون الكلب حاضراً في الدار أو دخل بعد دخوله، إذا تمكّن صاحب الداخل من دفعه.

ص: 186

ثمّ إنّ المصنّف أضاف شيئاً آخر وقال: من غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره وعدمه؛ وذلك لأنّ معنى الإذن في الدخول هو الحماية المطلقة.

ويشهد على ذلك إطلاق ما يلي من الروايات:

1. ما رواه زيد بن علي عليه السلام عن آبائه، عن علي عليهم السلام: «وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون، وإذا دخلت بغير إذن فلا ضمان عليهم».(1)

2. رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم، قال: لا ضمان عليهم، وإن دخل بإذنهم ضمنوا».(2)2.

ص: 187


1- . الوسائل: 19، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.
2- . الوسائل: 19، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

المسألة 16. راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها وإن لم يكن عن تفريط لا برجليها، ولا يبعد ضمان ما تجنيه برأسها أو بمقاديم بدنها، ولو ركبها على عكس المتعارف ففي ضمان ما تجنيه برجليها دون يديها وجه لا يخلو من إشكال. وإن كان كلتا رجليه إلى ناحية واحدة لا يبعد ضمان جناية يديها، وفي ضمان جناية رجليها تردّد. وهل يعتبر في الضمان التفريط؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال، نعم لو سلبت الدابة اختياره مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابّة شموساً، فالوجه عدم الضمان لا برجلها ولا بيدها ومقاديم بدنها. وكذا الكلام في القائد في التفصيل المتقدّم، أي ضمان ما تجنيه بيدها ومقاديمها دون رجلها(1).

ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها وإن لم يكن عن تفريط، والظاهر عدم الفرق بين الطريق الضيّق والواسع. وكذا السائق يضمن ما تجنيه مطلقاً، ولو ضربها فجنت لأجله ضمن مطلقاً، وكذا لو ضربها غيره فجنت لأجله ضمن ذلك الغير، إلّاأن يكون الضرب دفاعاً عن نفسه، فإنّه لا يضمن حينئذٍ الصاحب ولا غيره. *

في أحكام ضمان الدابة الجانية
اشارة

في المسألة فروع:

1. إذا امتطى الدابة وركبها على الوجه المتعارف، فجنت بيديها

ص: 188


1- . في المطبوع «ورجلها» وهو تصحيف إذ لو ضمن ما برجلها لم يكن هناك تفصيل، وفي بعض النسخ نفس ما أثبتناه في المتن.

أو رجليها، أو برأسها أو بمقاديم بدنها.

2. إذا ركبها على عكس المتعارف فجنت برجليها ويديها.

3. إذا جنت وكان كلتا رجلي الراكب إلى ناحية واحدة.

4. لو سلبت الدابة اختياره مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابة شموساً.

5. لو جنت الدابة وهو قائد.

6. لو جنت الدابة وهو واقف بها.

7. إذا جنت في الطريق: الضيّق والواسع.

8. إذا جنت الدابة وهو سائق.

9. لو جنت الدابة لأجل ضرب الضارب.

10. إذا كان الضرب دفاعاً عن النفس.

وقبل دراسة هذه الفروع نقدّم أمرين:

1. أنّ وجه كثرة الفروع في هذه المسألة هو اختلاف حالات الدابة، ومن بيده عند الجناية، فتارة تجني بيدها، وأُخرى برجلها، وثالثة برأسها، ورابعة بمقاديم بدنها.

ثمّ إنّ من بيده الدابة إما راكب أو قائد أو سائق أو واقف بها، وعلى جميع التقادير إنّ الدابة تارة تجني بنفسها من دون ضم عامل آخر إليها، وأُخرى لأجل ضربها، ولأجل هذا كثرت فروع المسألة.

ثمّ إنّه في وسع الراكب على الوجه المتعارف أن يسيطر على يدي

ص: 189

الدابة دون رجليها، بخلاف السائق فإنّه يسيطر على الرجلين واليدين، كما في رواية العلاء بن الفضيل.

2. أنّه يظهر من التعليل الوارد في الرواية أنّ الحكم بالضمان في بعض الموارد ليس حكماً تعبدّياً، بل حكماً نابعاً من إمكان السيطرة على الدابة وعدمه، فترى أنّه يقول في صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام - تعليلاً للضمان بما إذا جنت بيدها دون رجلها -: بأنّ «رجليها خلفه إن ركب، فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن اللّه يدها يضعها حيث يشاء».

وعلى ذلك فالضابطة في الضمان هي التفريط في السيطرة على الدابة، وعدمه، إلّاإذا دلّ الدليل على الخلاف، فيكون الدليل هو المتّبع.

إذا علمت ذلك فلنشرع في دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: إذا جنت الدابة المركوبة

قال المحقّق: راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها، وفيما تجنيه برأسها تردّد، أقربه الضمان لتمكّنه من مراعاته.(1)

وظاهر عبارة المحقّق أنّ الضمان مختصّ بصورة التفريط حيث قال:

«لتمكّنه من مراعاته» وأمّا المصنّف فقد عمّم صورة عدم التفريط أيضاً، فحكم بالضمان؛ سواء أكان بيديها، أو برأسها، أو بمقاديم بدنها إلّارجليها. ومقتضى التعليل لضمان ما تجنيه باليدين ولعدمه في الرجلين في الصحيحين هو ما ذكره المحقّق من أنّ الميزان هو التفريط، ولذلك لابأس أن يقال: مصب ما

ص: 190


1- . شرائع الإسلام: 257/4.

ورد من الروايات في المقام هو صورة التفريط دون غيره كما إذا قام بكلّ ما يلزم على المالك من الحفظ والصيانة. وأمّا الروايات فهي:

1. روى العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها، قال: «ليس عليه ما أصابت برجلها، وعليه ما أصابت بيدها».(1) والرواية منصرفة إلى الركوب المتعارف بأن يكون كلّ رجل إلى جانب لا الرجلان إلى جانب واحد.

2. صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابته إنساناً برجلها، فقال: «ليس عليه ما أصابت برجلها ولكن عليه ما أصابت بيدها، لأنّ رجليها خلفه إن ركب، فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن اللّه يدها يضعها حيث يشاء». الحديث(2)

وأمّا ما رواه أبو مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام، في صاحب الداية أنّه يضمن ما وطأت بيدها ورجلها، وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه إلّاأن يضربها إنسان»،(3) فلا يخالف ما ذكرناه؛ لأنّ الموضوع فيها هو الوطء باليدين والرجلين بمعنى أنّه يطأ عليه باليدين ثم بالرجلين بعد كون السبب هو اليدان. ثمّ إنّ قوله: «نفحت» كما في الكافي(4) فالظاهر أنّ الصحيح «بعجت» بمعنى «شقت».(5)0.

ص: 191


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2. وفي السند محمد بن سنان.
2- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.
3- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.
4- . الكافي: 153/7.
5- . التهذيب: 227/10.
الفرع الثاني: لو ركب وكان وجهه إلى خلف الدابة

هنا وجهان:

1. العكس في الضمان لمفهوم التعليل المزبور، فيضمن ما تجنيه برجلها دون يديها.

2. الضمان في الجميع. أمّا اليدان فلإطلاق النصّ، وأمّا الرجلان فلأنّه حينئذٍ يملكها.

والظاهر أن يقال: خروج المورد عن النصّ، فيكون المرجع هو الضابطة، أعني: التفريط وعدمه من غير فرق بين اليدين والرجلين.

الفرع الثالث: لو ركب ورجليه إلى جهة واحدة

لو ركب وكلتا رجليه إلى ناحية واحدة، قال المصنّف: لا يبعد ضمان جناية يديها، وفي ضمان جناية رجليها تردّد.

أقول: الظاهر خروج المورد عن النصّ والمرجع هو الضابطة في هذه الموارد، وبما أنّ الدابة حيوان غير عاقل ولكن زمام أمرها بيد الراكب العاقل، فيكون هو المسؤول عن الجناية، فلو فرّط يسند الفعل إليه لأقوائيّة السبب، وإن لم يفرّط فلا، بل يكون المباشر أقوى من السبب. فالحكم في هذا الفرع نفس الحكم في السابق.

والذي يمكن أن يقال: إنّ ما ورد من الروايات ليس نابعاً عن التعبّد، وإنّما هو تبيين لما في ارتكاز العقلاء في هذه الموارد من توجّه المسؤولية إلى من فرّط دون من لم يفرّط. وعلى هذا فالضابطة هي التفريط إلّاأن يدلّ دليل

ص: 192

على الضيق والسعة.

الفرع الرابع: لو سلبت الدابة اختيار راكبها

لو سلبت الدابة اختيار راكبها مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابة شموساً، فقد أفتى المصنف بعدم الضمان لما أصابت برجلها ولا بيدها ولا بمقاديم بدنها. ووجه عدم الضمان أمران:

1. عدم علمه بالمصاب (الواقعة) وإلّا كان عليه إعمال الحفظ بالنسبة إليه، وعدم الضمان هنا يدلّ على أنّ الميزان هو التفريط.

2. عدم كون الدابة شموساً، إذ يلزم عند ذلك التحفّظ عن شرّها.

الفرع الخامس: لو جنت الدابة وهو قائد

لو جنت الدابة وهو قائد، فهو كالراكب يضمن ما تجنيه بيديها ومقاديمها، دون رجليها، نعم في المطبوع «ورجلها» وهو تصحيف والصحيح كما في بعض النسخ: دون رجلها؛ لأنّه التفصيل المتقدّم وإلّا فلا معنى للتفصيل. ويدلّ عليه ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه ضمّن القائد والسائق والراكب، فقال: «ما أصاب الرجلُ فعلى السائق، وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب».(1)

ونظيره ما رواه السكوني أنّ عليّاً عليه السلام كان يضمّن القائد والسائق والراكب.(2) ويحمل في صورة الجمع على التفصيل الوارد في روايته

ص: 193


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 5.
2- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 11.

السابقة من اختصاص ما أصابته الرجلُ بالسائق، وما أصابته اليد بالقائد والراكب.

الفرع السادس: في ضمان الواقف بدابته

لو وقف بها، فقد أفتى المصنّف بضمان ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها وإن لم يكن عن تفريط.

قال العاملي: أمّا ضمان الواقف بدابته في الطريق - راكباً كان أو قائداً - جنايتها، فهو صريح المبسوط وغيره وأنّه يضمن ما تجنيه بيديها ورجليها، وقد تعطي هذه أنّه لا يضمن ما تجنيه برأسها.

ويؤيد ذلك ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وإذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها»(1).(2)

وما ذكره في المتن من عطف المقاديم هو الأحوط والأوفق بالقاعدة.

الفرع السابع: لو كان الطريق ضيقاً أو واسعاً

لا فرق بين أن يكون الطريق ضيّقاً أو واسعاً؛ لأنّه إنّما سوّغ له الانتفاع بهذه المرافق بشرط السلامة فيضمن ما يحدث من ذلك.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الميزان هو التفريط فيجب أن يفرّق بين الطريق الضيّق والواسع، إذ ربما يكون جناية الدابة أمراً ممّا لابدّ منه في الطريق الضيّق، وإن لم يفرط صاحب الدابة، فإذن تفريطه بذهابه في هذا الطريق.

ص: 194


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
2- . مفتاح الكرامة: 84/21-85.
الفرع الثامن: لو جنت الدابة وهو سائق

إذا جنت الدابة وهو سائق، فقد أفتى المصنّف بضمان الجميع، لرواية العلاء بن الفضيل، قوله: «وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها».(1)

ويؤيّده التعليل الوارد في صحيحة الحلبي في مورد الراكب من: «أنّه يملك بإذن اللّه يدها يضعها حيث يشاء».(2)

والمفروض أنّه يملك مجموع يديها ورجليها. ولا ينافي ما ذكرناه في التفصيل السابق في رواية السكوني من اختصاص ما أصابته الرجلُ بالسائق؛ لأنّه في صورة اجتماع من السائق والقائد والراكب، فتذكرّ.

الفرع التاسع: لو جنت الدابة بسبب الضرب

لو جنت الدابة بسبب ضرب الراكب أو غيره فالضمان على الضارب، راكباً كان أو غيره. قال المحقّق: وكذا إذا ضربها فجنت، ضمن؛ وكذا لو ضربها غيره، ضمن الضارب.(3)

وذلك لتحقّق النسبة إليه، مضافاً إلى صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّه سُئل عن الرجل ينفّر بالرجل فيعقره، وتعقر دابته رجلاً آخر؟ فقال: «هو ضامن لما كان من شيء».(4)

ص: 195


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.
3- . شرائع الإسلام: 257/4.
4- . الوسائل: 19، الباب 15 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1. يقال: نفرت الدابة من كذا: جزعت وتباعدت، ويقال: عقرت الدابة بالسيف: ضربت قوائمها، وفي نسخة الوسائل طبعة طهران: «ويعقر دابته رجل آخر» وهو تصحيف، وما أثبتناه في المتن هو الموافق للتهذيب. لاحظ التهذيب 227/10، رقم الحديث 8905.

المسألة 17. لو كان للدابة راكب وسائق وقائد أو اثنان منها، فالظاهر الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد فيما فيه كذلك، من غير فرق بين المالك وغيره. وقيل: لو كان صاحب الدابة معها ضمن دون الراكب، وهو كذلك لو كان الراكب قاصراً. *

وحديثه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أيّما رجل فزّع رجلاً من الجدار أو نفّر به عن دابته فخرّ فمات، فهو ضامن لديته، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه».(1)

الفرع العاشر: لو كان ضارب الدابة يدافع عن نفسه

إذا كان ضرب الغير دفاعاً عن النفس، فلو قصد الدفع لم يكن ضامناً، للأصل والشك في اندراجه في إطلاق الأدلّة؛ مضافاً إلى ما رواه أبو بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كان راكباً على دابة فغشي رجلاً ماشياً حتى كاد أن يوطأه فزجر الماشي الدابة عنه فخرّ عنها فأصابه موت أو جرح؟ قال: «ليس الذي زجر بضامن، وإنّما زجر عن نفسه».(2)

لو كان للدابة راكب وسائق وقائد

لو اجتمع في المورد راكب وسائق وقائد، أو اثنان منهم، فيشترك الجميع فيما فيه الاشتراك، وينفرد كلٌّ بما فيه الانفراد. أمّا الأوّل فاشتركوا في ضمان ما تجنيه بيديها ورأسها، واختصّ السائق بجناية الرجلين، أخذاً

ص: 196


1- . الوسائل: 19، الباب 15 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 21 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3.

المسألة 18. لو ركبها رديفان تساويا في الضمان، إلّاإذا كان أحدهما ضعيفاً لمرض أو صغر، فالضمان على الآخر. *

بحكم الكل. وربّما يفصّل بين كون صاحب الدابة معها، فالضمان عليه دون الراكب، وهو صحيح فيما إذا لم يكن للراكب أي مسؤولية، وإنّما ركب الدابة وألقى كلّ الأُمور على صاحبها.

قال العلّامة: ولا ضمان على الراكب إذا كان صاحب الدابة معها.(1)

لو ركب الدابة اثنان تساويا في الضمان

لو ركبها اثنان تساويا في ضمان ما تجنيه بيدها ورأسها، لصدق الراكب على كلّ منهما؛ ولخبر سلمة بن تمّام عن علي عليه السلام في دابة عليها ردفان، فقتلت الدابة رجلاً أو جرحت، فقضى في الغرامة بين الردفين بالسوية.(2)

اللهمّ إلّاإذا كان الآخر ضعيفاً - لكبر أو صغر أو مرض - لا دور له في توجيه الدابة.

أقول: ما دلّ على ضمان الراكب ناظر إلى ما إذا كان الراكب وحده، ولا أقل هو القدر المتيقّن، وعلى ضوء ما ذكرنا فإنّ ضمان الراكب ليس بما أنّه راكب بل بما أنّ بيده أمر الدابة فلا يشمل ما دلّ على الضمان، الرديفَ الثاني الذي ليس له دور في قيادة الدابة، وأمّا ما روي عن علي عليه السلام فهو قضية في واقعة لا يمكن الاستدلال به، لما عرفت من أنّ الضمان في هذه الموارد ليس أمراً تعبديّاً، بل لأجل كون الضمان على من بيده زمام الدابّة، ومن الممكن أن يمنع الدابة

ص: 197


1- . قواعد الأحكام: 657/3 ولاحظ ما مرّ من السكوني صفحة 193.
2- . الوسائل: 19، الباب 43 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

المبحث الثالث: في تزاحم الموجبات

اشارة

المسألة 1. إذا اجتمع السبب والمباشر فمع مساواتهما أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر، كاجتماع الدافع والحافر، واجتماع واضع المعاثر وناصب السكّين والدافع، واجتماع مؤجّج النار مع الملقي، واجتماع الباني لحائط مائل مع مسقطه. ولو كان المباشر ضعيفاً والسبب قويّاً فالضمان على السبب، كما لو حفر بئراً في الشارع وغطّاها فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالواقعة فسقط في البئر، فإنّ الضمان على الحافر. *

عن الجناية أساساً.

* قد مرّ أنّ المراد من السبب هو الشرط، بمعنى أنّه لولاه لما حصل المسبب، ثمّ إنّه إذا اجتمع السبب والمباشر، فلهما حالات ثلاث:

1. إذا كان تأثير كلّ من السبب والمباشر متساويين.

2. لو كان تأثير المباشر أقوى.

3. لو كان تأثير المباشر ضعيفاً والسبب قوياً.

وقد أفتى المصنّف في الحالتين الأُوليتين بأنّ الضمان على المباشر، بخلاف الثالث فالضمان على السبب، وإليك الأمثلة:

1. الدافع مع الحافر، كما لو حفر بئراً في غير ملكه، وعلم به الغير ودفع ثالثاً إليها، فالضمان على الدافع، لأنّ القتل مستند إليه، دون الحافر.

2. ناصب السكّين والدافع، فلو نصب سكّيناً في الطريق ودفع الآخرُ

ص: 198

ثالثاً عليها، فالضمان على الدافع لاستناد القتل إليه.

3. مؤجّج النار مع الملقي، فلو أجّج ناراً في الطريق، وألقى آخرُ شخصاً فيها، فالضمان على الملقي.

4. اجتماع باني الحائط مائلاً مع مسقطه، فلو بنى حائطاً مائلاً إلى السقوط وأسقطه الآخر على الغير.

ففي هذه الصور الضمان على المباشر وإن كان هو والسبب متساويين، فضلاً عمّا لو كان المباشر أقوى.

كلّ ذلك في صورة العلم.

وأمّا إذا انعكس الأمر، بأن كان المباشر ضعيفاً والسبب قوياً فالضمان على السبب، كما لو حفر بئراً في الطريق وغطّاها، فدفع غيره شخصاً ثالثاً عليها مع جهله بوجود البئر، فسقط فيها فإنّ الضمان على الحافر.

وحصيلة الكلام: أنّ الضمان على مَن يستند إليه القتل عُرفاً وإن كان للغير نحو مدخلية فيه، فلذلك ترى في صورة علم السبب والمباشر يكون الضمان على الثاني، وفي صورة جهل المباشر، وعلم السبب ينعكس الحكم.

ثمّ إنّ السيد الخوئي رحمه الله استشكل في الصورة الأخيرة - أعني: إذا كان الدافع جاهلاً - فقال: وأمّا إذا كان جاهلاً فالمشهور أنّ الضمان على الحافر، ثم قال: وفيه إشكال، ولا يبعد كون الضمان على كليهما؛ أمّا الحافر فلإطلاق ما دلّ على ضمانه(1)، وأمّا الدافع فلاستناد القتل إليه، فيكون داخلاً في القتله.

ص: 199


1- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1، وغيره.

الشبيه بالعمد، والجهل بالحال لا يكون رافعاً لصحة استناد القتل إليه. ومن هنا لو دفع شخصاً إلى حفيرة طبيعية لا يعلمها الدافع فسقط فيها فمات، أو دفعه إلى بئر في ملكه لا يعلمها، فلا شبهة في ضمان الدافع، ولا فرق بين ذلك وما نحن فيه.(1)

أقول: يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ ضمان الحافر في المقام لأجل استناد القتل إليه. لا لإطلاق الروايات فإنّ مصبّها ما إذا كان الحفر علّة تامّة له كما هو ظاهر قوله: رجل حفر بئراً في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها، فقال: «عليه الضمان؛ لأنّ كلّ مَن حفر بئراً في غير ملكه كان عليه الضمان».(2) وليس الحفر في المقام كذلك.

وثانياً: أنّ الدافع ليس بضامن في المقام، وقياسه بالموردين قياس مع الفارق، حيث إنّ مشاركة الحافر مع الدافع صارت سبباً لعدم ضمان الدافع لأنّ السبب كان أقوى، بخلاف الموردين إذ لم يشارك الدافع أحد، فيكون هو الضامن. وحصيلة الكلام: أنّ القول بالتفصيل بضمان الدافع في صورة العلم، والحافر في صورة الجهل، هو الأنسب للقواعد والأوفق للعقول الحصيفة.ه.

ص: 200


1- . مباني تكملة المنهاج: 259/2. الظاهر أنّ الضمير في «ملكه» يرجع إلى المدفوع وضمير الفاعل في «لا يعلمها» يرجع إلى الدافع.
2- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1 وغيره.

المسألة 2. لو اجتمع السببان فالظاهر أنّ الضمان على السابق تأثيراً، وإن كان حدوثه متأخّراً، كما لو حفر بئراً في الشارع وجعل آخر حجراً على جنبها، فسقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع. ولو نصب سكّيناً في البئر فسقط في البئر على السكّين، فالضمان على الحافر، ولو وضع حجراً ووضع آخر حجراً خلفه فعثر بحجر وسقط على آخر، فالضمان على الواضع الذي عثر بحجره، وهكذا. هذا مع تساويهما في العدوان، ولو كان أحدهما عادياً فالضمان عليه خاصّة، كما لو وضع حجراً في ملكه وحفر المتعدّي بئراً فعثر بالحجر وسقط في البئر، فالضمان على الحافر المتعدّي. *

لو اجتمع السببان فعلى مَن الضمان؟

كان البحث في المسألة السابقة حول اجتماع السبب والمباشر، والكلام في المقام هو اجتماع السببين، وقد مثّل له المصنّف بما يلي:

الأوّل: لو حفر أحدٌ بئراً في الشارع، وجعل آخر حجراً على جنبها، فسقط العاثر بالحجر في البئر. وقد أفتى المصنّف بأنّ الضمان على السبب السابق تأثيراً وإن تأخر حدوثاً، وهو وضع الحجر لأنّه أثّر قبل أن يؤثر البئر.

وقد فرض في المتن، حفر البئر متقدّماً على وضع الحجر، لكن الحجر أسبق تأثيراً على البئر، ولعلّه إلى هذا أشار المحقّق بقوله: لو اجتمع سببان، ضمن مَن سبقت الجناية بسببه، كما لو ألقى حجراً في غير ملكه وحفر الآخر بئراً، فلو سقط العاثر بالحجر في البئر، فالضمان على الواضع.(1)

ص: 201


1- . شرائع الإسلام: 258/4.

وفي «الجواهر» بقوله: فالضمان على الذي سبقت الجناية بسببه المقتضي لضمانه فيستصحب حكم أثر السبب الأوّل، وبه رُجّح على السبب الثاني الذي قد صار بالنسبة إلى الأوّل كالشرط للمباشر.(1)

قال العلّامة: ولو اجتمع سببان مختلفان، قدّم الأوّل منهما في الضمان.(2)

واستشكل فيه السيد الخوئي وقال: الأظهر أنّ الضمان على كليهما؛ وذلك لأنّ ما استند إليه لا يخلو من إشكال، وذلك لأنّه لا مجال للاستصحاب أصلاً حيث إنّه لا أثر للسبب الأوّل قبل السبب الثاني، بل هو مستند إلى كليهما معاً، فالنتيجة أنّ نسبة الضمان بالنسبة إلى كلا السببين على حدّ سواء، فلا وجه لترجيح السابق جناية على اللاحق كذلك.(3)

ولعلّه الظاهر، إذ فرق بين هذه الصورة وما اجتمع فيه المباشر والسبب، حيث يلاحظ فيه ما هو أقوى تأثيراً لكن الظاهر في المقام أنّ التلف مستند إلى فعلهما، إذ ليس مجرد وضع الحجر سبباً للتلف لولا حفر الحافر، وكذلك العكس.

المثال الثاني: لو حفر بئراً في غير ملكه ونصب آخر سكّيناً في البئر فسقط أحدٌ في البئر على السكّين، فعلى مقتضى ما ذكره من كون الضمان على السابق تأثيراً، فالضمان على الحافر لأنّه أسبق تأثيراً قبل واضع السكّين، ويأتي هنا ما استشكل به السيد الخوئي في المثال السابق، لأنّ كلّاً من الحفر2.

ص: 202


1- . جواهر الكلام: 146/43.
2- . قواعد الأحكام: 658/3.
3- . مباني تكملة المنهاج: 260/2.

ونصب السكّين وإن كان سبباً تامّاً للقتل لكن السبب الأوّل خرج عن كونه سبباً تامّاً لوقوعه على السكّين فاشتركا في القتل، وهذا نظير من ضرب ضربة قاتلة ولكن قبل زهوق روحه ضرب الآخر ضربة أثرت فيه فالضمان عليهما.

المثال الثالث: لو وضع حجراً ووضع شخص آخر حجراً خلفه، فعثر بالحجر وسقط إلى الخَلف، فالحكم عند المصنّف مثل ما سبق فالمؤثر سابقاً هو الحجر الذي عُثر به دون الحجر الذي سقط عليه. ولو قيل بالاشتراك يكون أولى؛ لأنّ كلّاً بمجرده ليس سبباً للتلف، بل السبب هو المجموع من السببين.

هذا كلّه مع تساويهما في العدوان، ولو كان أحدهما عادياً كان الضمان عليه، كما لو وضع حجراً في ملكه وحفر المتعدّي بئراً في ملك الغير، فعثر بالحجر وسقط في البئر، فالضمان على الحافر المتعدّي، وإن كان تأثيره متأخّراً عن الحجر الذي عُثر به؛ وذلك لأنّ واضع الحجر لم يكن عادياً بل جارياً على أُسلوب القانون في ملكه، وأمّا الآخر الذي حفر بئراً في ملك الغير هو المتعدّي فيكون الضمان عليه.

ص: 203

المسألة 3. لو حفر بئراً قليل العمق فعمّقها غيرُه، فهل الضمان على الأوّل للسبق، أو على الثاني، أو عليهما؟ احتمالات، أرجحها الأوّل. *

لو حفر بئراً وعمّقه غيره فعلى مَن الضمان؟

مفروض المسألة فيما إذا حفر أحدٌ بئراً في طريق المسلمين لكن كان قليل العمق بحيث لا يكون التردي فيها موجباً للقتل، ثم جاء شخص آخر فزاد في عمقها، فإذا وقع فيه أحد المارّة، فهل الضمان على الحافر الأوّل لأنّه أسبق السببين في التأثير وهو خيرة التحرير والإرشاد، أو يكون على الاشتراك وذلك لأنّ التلف استند إلى سبب واحد وهو التردّي في البئر بما لها من العمق، وهو خيرة الإيضاح والمحقّق الثاني؟(1)

قال العلّامة: ولو حفر بئراً قليل العمق فعمّقها غيره، فالضمان على الأوّل أو يشتركان، إشكال.(2)

ورجّح المصنّف الوجه الأوّل استناداً على الضابطة السابقة من تقديم السابق تأثيراً.

لكن القول بالاشتراك أظهر؛ لأنّ كلّاً من الفعلين غير متلف، وإنّما المتلف هو المجموع من الحفرين فيؤاخذان، ولو قلنا بضمان السابق تأثيراً فيما إذا حفر أحدهما ونصب الآخر سكّيناً في وسط البئر، لا نقول به في المقام لأنّه قياس مع الفارق، وأنّ كلّاً من الحفر ونصب السكّين متلف مستقلاً، فإذا اجتمعا تنسب الجناية إلى الأوّل، بخلاف المقام فإنّ الأوّل غير متلف بمفرده، وإنّما يتلف بضم الآخر.

ص: 204


1- . مفتاح الكرامة: 94/21.
2- . قواعد الأحكام: 658/3.

المسألة 4. لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر - مثلاً - فالضمان على الجميع، والظاهر أنّه بالسويّة وإن اختلف قواهم. *

المسألة 5. لو سقط اثنان في البئر فهلك كلّ منهما باصطدام الآخر، فالضمان على الحافر. **

لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر فعلى مَن الضمان

لا شكّ أنّ المسألة من باب المشاركة في القتل فيكون الضمان على الجميع، وقد مرّ أنّه لا يعتبر في المشاركة مساواة العمل، بل يكفي نفس المشاركة، وإن كان تأثير البعض أخفّ من تأثير الآخر، لكن المجموع بما هو مجموع قد أثّر في القتل، ومثله المقام.

لو سقط اثنان في البئر فماتا فعلى من الضمان؟

لو حفر إنسان بئراً في طريق المسلمين، فغطّاها ثمّ سقط اثنان في البئر فهلك كلٌّ باصطدام الآخر، فأفتى المصنّف أنّ الضمان على الحافر.

وصريح كلام المصنّف أنّ كلّاً هلك باصطدام الآخر، ولكن المُعنون في كلام العلّامة غيره.

قال: ولو تردّى في بئر فسقط عليه آخر فضمانهما على الحافر، وهل لورثة الأوّل الرجوع على عاقلة الثاني بنصف الدية، حتى يرجعوا به على الحافر، إشكال.(1)

ص: 205


1- . قواعد الأحكام: 658/3.

ومحل الفرض في كلامه ما إذا كانت البئر محفورة عدواناً واستند موت الأوّل إلى أمرين التردّي وسقوط الآخر عليه، كما أنّ موت الثاني استند إلى الاصطدام، فالضمان على الحافر؛ لأنّه السبب في ترديهما وموتهما.

وبما أنّ الأوّل قُتِل نصفه بالتردّي ونصفه الآخر بسقوط الآخر عليه، احتمل رجوع ورثة الأوّل على عاقلة الثاني بنصف الدية، حتى يرجعوا به على الحافر، ولكنّه ضعيف.

بل المقام من مقولة أقوائيّة السبب (الحافر) من المباشر (أي الساقط الثاني).

ص: 206

القول في الجناية على الأطراف

اشارة

وفيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في ديات الأعضاء

اشارة

اعلم أنّ كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ففيه الأرش المسمّى بالحكومة، فيفرض الحر عبداً قابلاً للتقويم ويقوّم صحيحه ومعيبه ويؤخذ الأرش.

ولابدّ من ملاحظة خصوصيّات الصحيح والمعيب حتى كونه معيباً في أمد: كما في شعر الرأس الذي ينبت في مدّة، وأمّا التقدير ففي موارد:

* دية الأعضاء على قسمين:

الأوّل: ما ورد فيه التقدير شرعاً، وهو في ثمانية عشر عضواً عند المحقّق، نظير:

1. الشعر، 2. العينان، 3. الأنفس، 4. الأُذنان، 5. الشفتان، 6. اللسان، 7.

الأسنان، 8. العنق، 9. اللحيان، 10. اليدان، 11. الأصابع، 12. الظهر، 13. النخاع، 14. الثديان، 15. الذكر، 16. الشفران، 17. الاليتان، 18. الرجلان.

واقتصر السيد الخوئي على ستة عشر موضعاً(1) وزاد المصنّف وأنهاها إلى الحادي والعشرين موضعاً كما سيوافيك.

ص: 207


1- . مباني تكملة المنهاج: 2/267.

الثاني: ما لم يرد فيه التقدير شرعاً، ففيه الأرش. وهناك ثلاثة طرق لمحاسبة التفاوت:

الطريق الأوّل: محاسبة التفاوت بفرض المجروح حرّاً وعبداً
اشارة

ما ذكره المصنّف في كيفية تقدير الدية فيما لا نصّ فيه هو المعروف بين القدماء، وطريقه أن يجعل الحرّ بمنزلة المملوك فيقوّم صحيحاً ومجروحاً مثلاً، وتنسب إحداهما إلى الأُخرى، فيؤخذ من ديته بنسبة النقص، فلو لم يجب الأرش مع عدم التقدير، لزم الاعتراف بوجود جناية لا استيفاء لها ولا قصاص ولا دية، في الشرع وهو منافٍ لما يمكن القطع به من الأدلّة؛ ففي خبر أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إنّ عندنا الجامعة»، قلت: وما الجامعة؟ قال:

«الجامعة صحيفة فيها كلّ حلال وكلّ حرام وكلّ ما يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش».(1)

مثلاً في شعر الرأس الدية الكاملة، إذا لم ينبت، فإن نبت ففيه الأرش، بمعنى يفرض عبداً ويقوّم مع الشعر وبلا شعر، فالتفاوت بين القيمتين هو الأساس والحكومة على وجه الإجمال، ثمّ إنّه يقع الكلام في صحّة هذا الطريق من وجوه:

الأوّل: ما هو الدليل عليه؟

هذا الطريق وإن كان معروفاً بين القدماء بل الفقهاء، لكنّ الروايات الواردة في المقام تشير إلى أحد العناوين الثلاثة:

ص: 208


1- . الكافي: 239/1، والحديث مفصّل نقلناه بتلخيص.

1. قيمة عدل.

2. الحكومة.

3. الأرش.

وليس في هذه العناوين أيّة إشارة إلى هذا الطريق، وإليك دراسة الروايات الواردة في المقام.

أمّا العنوان الأوّل: فنذكر منه ما يلي:

1. روى سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرِجْل الواحدة نصف الدية، وفي الأُذن نصف الدية إذا قطعها من أصلها، وإذا قطع طرفها ففيها قيمة عدل».(1) وأين هذه الرواية من الاحتساب المذكور.

2. روى العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية الأنف إلى أن قال: وما كان من ذلك من جروح أو تنكل فيحكم به ذو عدل منكم - يعني به الإمام - قال: «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ»2»3 . ويحتمل ان تكون الرواية ناظرة إلى العنوان الثاني.

وأمّا العنوان الثاني - أعني: الحكومة - فقد وردت في رواية عن الصدوق بإسناده عن أبان وقال: إنّ في روايته: الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلّاالحكومة والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيهاظ.

ص: 209


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

قصاص إلّاالحكومة.(1) ولا تدلّ الرواية على ما ذكروه من الاحتساب.

وأمّا العنوان الثالث - أعني: الأرش - فقد ورد فيما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ميّت قطع رأسه، قال: «عليه الدية»، قلت: فمن يأخذ ديته؟ قال: «الإمام هذا للّه، وإن قطعت يمينه أو شيء من جوارحه فعليه الأرش للإمام».(2)

الثاني: عدم التمكّن من إعمال هذا القياس

ما ذكروه من الطريق صحيح بالنسبة إلى أعصارهم، فقد كان العبد والأمة متوفران في مجتمعاتهم ولذلك لجأوا إلى هذا الطريق، ونعم الطريق هو.

وأمّا الأحوال الحاضرة، فلا يمكن الوصول إلى هذا الطريق، لعدم وجود العبيد والإماء في مجتمعاتنا المعاصرة.

نعم الحضارة الغربية ألغت نظام الرق وأنعمت على كلّ فرد بالحرية، ولكنّها من باب آخر فرضت مكان العبودية الفردية العبودية الجماعية، بواسطة الاستعمار الذي أُريد به - في أوّل أيامه - عمران البلدان، ولكن أصبحت أهدافه بعد ذلك، امتصاص ثروات هذه البلدان واستعباد أهلها.

الثالث: إذا عُلم التفاوت فما هو المنسوب إليه؟

لو وقفنا على مقدار التفاوت، بين الشخصين، كما في المثال المذكور حيث صار التفاوت عشرة، يقع الكلام في أنّه هل يؤخذ بهذا التفاوت،

ص: 210


1- . الوسائل: 19، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

أو ينسب إلى دية النفس، أو دية العضو؟ هنا احتمالات:

1. ينسب التفاوت إلى دية النفس التي هي ألف دينار، فيجب أن يدفع عُشر دية النفس وهي مائة.

2. ينسب التفاوت إلى دية العضو، كالدية التي هي خمسمائة دينار، فيؤخذ منها عُشرها، أعني خمسون ديناراً.

3. يحتمل أن تكون دية هذا التفاوت بلا نسبة إلى شيء، أعني: عشرة دنانير.

والظاهر هو الأوّل دون الثاني والثالث.

***

الطريق الثاني: تقدير الحاكم

هذا الطريق هو خيرة السيد الخوئي فإنّه استشكل على الطريق الأوّل، قائلاً بأنّ الإجماع المدّعى في المسألة إنّما هو الإجماع على الحكومة وأمّا تفسيرها في المتن، فلم يثبت بدليل ولا إجماع عليه، فإذن الصحيح ما ذكرناه (أن يأخذ الحاكم من الجاني ما يرى فيه المصلحة)، واستدلّ على ذلك بروايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل، وما كان جروحاً دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»(1).

ص: 211


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1.

فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على أنّ تعيين الدية في الجروح دون الاصطلام إنّما هو بحكم ذوي عدل من المسلمين، بمعنى أنّ الحاكم يستعين في تعيين الدية في أمثال ذلك بشهادتهما.

ثم استدلّ بروايتين أُخريين تدلّان على أنّ حقّ المسلم لا يذهب هدراً، ثمّ قال: لو لم يعيّن الحاكم غرامته بمقتضى شهادة ذوي عدل من المسلمين، لذهب حقّ المسلم هدراً.(1)

أقول: لا شكّ أنّ الرجوع إلى الحاكم وكون الملاك ما رآه مصلحة، لا يحل العقدة، إذ يبقى الكلام فيما هو الملاك لديه للتقدير إلّاأن يتّكل على ما في الطريق الثالث.

الطريق الثالث: تقدير أهل الخبرة
اشارة

الرجوع إلى أهل الخبرة من الأطباء وغيرهم ليقدروا نسبة العجز إلى النفس، وهذا هو المعمول في تعيين مقدار التعويق عند المعوّقين، مثلاً يقولون: فلان معوّق خمساً وعشرين بالمائة 25%.

نعم هذا يتمّ في الأعضاء التي لها مدخلية في القدرة والعجز، ولا يتمّ في الأعضاء المتعلّقة بكمال الإنسان وجماله.

مثلاً لو كوى وجنته بحديدة محماة، فسوف يوجد في وجهه نقطة سوداء تؤثر في جمال الإنسان، فكيف يمكن لنا تقدير أرشه، على حسب عجزه إلى النفس، والمفروض أنّه لا دخل له في العجز والقدرة.

ص: 212


1- . مباني تكملة المنهاج: 267/2.

والذي يمكن أن يقال: إنّ الطريق الثاني المستفاد من الروايات لابدّ أن تستمدّ في التقدير من ضابطة، وليست هي إلّاما جاء في الطريق الثالث وكيفية المحاسبة.

إنّ الأطباء والخبراء إذا قدّروا مقدار النقص بحسب النسبة المئوية من الواحد إلى التسع والتسعين، فبهذا المقدار من النسبة المئوية يؤخذ من دية النفس، فلو كان النقص بقدر خمس وعشرين بالمائة، يؤخذ من دية النفس الربع، ولو قدّر خمسون يؤخذ من الدية نصفها. وبهذا يمكن الجمع بين الطرق الثلاثة في النتيجة.

وعلى كلّ تقدير فيجب على الفقيه أن يتحرّى الطريق الأصلح للخروج من هذا المأزق.

ص: 213

الأوّل: الشعر
اشارة

المسألة 1. في شعر رأس الذكر - صغيراً كان أو كبيراً، كثيفاً أو خفيفاً - الدية كاملة إن لم ينبت، كما لو صب على رأسه ماءً حاراً فسقط شعره ولم ينبت، أو أذهب شعره بأيّ وجه كان. وكذا في اللحية إذا حلقت أو نتفت - مثلاً - ولم تنبت، الدية كاملة، وإن نبتا ففي اللحية ثلث الدية على الأقوى، وفي شعر الرأس الأرش، وأمّا الأنثى ففي شعرها ديتها كاملة إن لم ينبت، ولو نبت ففيه مهر نسائها، من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة. *

* في المسألة فروع:

1. إذا جنى على شعر رأس الذكر، ولم ينبت.

2. إذا جنى على لحية رجل، ولم تنبت.

3. إذا جنى على اللحية ونبتت.

4. إذا جنى على شعر الرأس ونبت.

5. إذا جنى على شعر رأس الأُنثى ولم ينبت.

6. إذا جنى على شعرها ولكن نبت.

وإليك دراسة الفروع.

وحاصل الأحكام في الفروع الستة: أنّه فيما لم ينبت الدية الكاملة، فالرجل ألف دينار والمرأة خمسمائة.

وفيما نبت فالمنصوص شعر اللحية وفيه ثلث الدية، وأمّا شعر الرأس ففيه الأرش. وفي شعر المرأة مهر نسائها.

ص: 214

وإليك التفصيل:

الفرع الأوّل: لو جنى على شعر رأس الذكر

إذا جنى على شعر رأس الذكر بصبّ ماء حار أو غيره على نحو لم ينبت ففيه الدية كاملة، لدخوله تحت الضابطة من أنّ كلّ ما يكون في بدن الإنسان منه واحد، ففيه الدية كاملة. وهذا خيرة المشهور، ولم يتأمّل فيه إلّاصاحب المسالك وتبعه الأردبيلي وسيأتي وجه تأمّله.(1)

ويدلّ على خيرة المشهور:

1. ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صبّ ماءً حاراً على رأس رجل فامتعط شعره فلا ينبت أبداً؟ قال: «عليه الدية».(2)

والرواية صحيحة السند، والصدوق أخذ الرواية عن كتاب جعفر بن بشير وذكر سنده إليه في المشيخة وذكره في الوسائل على نحو الإجمال.(3)

والرواية هذه خالية عن ذكر «اللحية».

ثمّ إنّ الشيخ الطوسي نقل الرواية بالجمع بين شعر الرأس واللحية، فروى عن محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن الحسين [بن أبي الخطاب] عن جعفر بن بشير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل دخل الحمّام فصُبَّ عليه ماءٌ حار، فامتعط شعر رأسه

ص: 215


1- . مجمع الفائدة والبرهان: 356/14.
2- . من لا يحضره الفقيه: 4/149 برقم 5330.
3- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

ولحيته فلا ينبت أبداً؟ قال: «عليه الدية».(1)

والسند نفس السند غير أنّ الراوي في الفقيه عن محمد بن الحسين (بن أبي الخطاب) هو: سعد بن عبد اللّه القمّي، وفي التهذيب هو: محمد بن الحسن الصفار.

ترى أنّه جمع بين شعر رأس واللحية، ولذلك استشكل في «المسالك» وقال: وفي الاستدلال نظر لدلالة الرواية على وجوب الدية لهما معاً، لا لكل واحد الذي هو المدّعى.(2)

يلاحظ عليه: بأنّه وقف على رواية التهذيب دون رواية الفقيه وقد جاء في الثاني «شعره» أي فقط، كما مرّ ومن المعلوم أنّ «الفقيه» أضبط من «التهذيب» على أنّه من المحتمل أن تكون ال «واو» بمعنى «أو» فيكون المعنى كلّ واحد منهما.

2. خبر سلمة بن تمّام المروزي، قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره، فاختصموا في ذلك إلى علي عليه السلام فأجّله سنة فجاء فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية.(3)

وضعف الخبر منجبر بالشهرة العملية المعلومة.

ثمّ لا فرق في شعر الرأس إذا لم ينبت بين الذكر والأُنثى والصغير والكبير، ولا بين الكثيف والخفيف؛ لإطلاق الرواية، ومعقد الإجماع.

ثمّ إنّ صاحب المسالك استدلّ برواية مسمع، والظاهر أنّه من سهو3.

ص: 216


1- . التهذيب: 250/10، الحديث 992.
2- . مسالك الأفهام: 398/15.
3- . الوسائل: 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

القلم فإنّ موردها هو اللحية لا شعر الرأس.

الفرع الثاني: إذا جنى على لحية رجل ولم تنبت

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا حلق لحية غيره فنبتت كان عليه ثلث الدية وعند الفقهاء لا شيء عليه، وإن لم تنبت فقد ذكرنا الخلاف فيه. وقال في موضع آخر: شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين متى أُعدم إنبات شيء منها، ففيها الدية، ففي شعر الرأس واللحية دية كاملة. ثم روى عن زيد وقال: إنّه قضى فيه بثلث الدية.(1)

وقال المحقّق: وكذا (الدية) في شعر اللحية.(2) وقال العلّامة في «القواعد»: وفي شعر اللحية الدية، إن لم ينبت.(3)

ووصفه العاملي بالمشهور ناقلاً عن المسالك والمفاتيح.(4)

ويدلّ عليه الخبران التاليان:

1. خبر مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قَضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت، الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية».(5)

2. ما رواه الصدوق باسناده عن السكوني: مثله.(6)

ويؤيّده ما رواه سليمان بن خالد حيث جمع بين اللحية والرأس، وقد قلنا: إنّه يحتمل كون «الواو» بمعنى «أو».

ص: 217


1- . الخلاف: 197/5، المسألة 67.
2- . شرائع الإسلام: 261/4.
3- . قواعد الأحكام: 670/3.
4- . مفتاح الكرامة: 197/21.
5- . الوسائل: 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
6- . نفس المصدر، ذيل الحديث 1.
الفرع الثالث والرابع: لو جنى على اللحية والشعر فنبتا

إذا جنى على اللحية فنبتت، أو على شعر الرأس فنبت، فقد أفتى في المتن بأنّ في الأوّل ثلث الدية وفي الثاني الأرش. أمّا الأوّل فقد ذهب إليه أبو علي والصدوق في المقنع وظاهر الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف، ونسبه في المختلف إلى ابن إدريس.(1)

وفي الشرائع: فإن نبتا فقد قيل في اللحية ثلث الدية، والرواية ضعيفة.(2)

ويدلّ عليه خبر مسمع المروي في الكافي والتهذيب باسنادين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت، الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية».

ورواه الصدوق في الفقيه عن السكوني(3).

والرواية وإن كانت ضعيفة لكن رواها المحمدون الثلاثة ولا معارض لها، وقد عمل بها الأقدمون حتّى من لا يعمل بأخبار الآحاد، ولذلك قال في المتن: على الأقوى.

وأمّا الثاني ففيه الأرش، وذلك للضابطة الكلية من أنّ كلّ مورد لا مقدّر فيه للدية شرعاً، فالمرجع فيه هو الحكومة. هذا كلّه يرجع إلى شعر الذكر ولحيته، بصورهما الأربع، وإليك الكلام في شعر رأس المرأة.

ص: 218


1- . مفتاح الكرامة: 199/21.
2- . شرائع الإسلام: 261/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1 و ذيله. نقلاً عن الفقيه: 4/150 برقم 5332.
الفرع الخامس: لو جنى على شعر المرأة

إذا جنى على شعر المرأة، فلم ينبت، ففيه الدية كاملة.

قال المحقّق: أمّا شعر المرأة ففيه ديتها.(1)

ووصفه في «الجواهر» بقوله: بلا خلاف أجده.(2) ويدلّ عليه ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن سليمان عن عبد اللّه بن سنان في حديث، قال: جعلت فداك فما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ قال: «يضرب ضرباً وجيعاً ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها، فإن نبت أُخذ منه مهر نسائها، وإن لم ينبت أُخذت منه الدية كاملة:

خمسة آلاف درهم».(3)

وروى الصدوق في الفقيه جزءاً من الحديث بالسند التالي: قال: روى إبراهيم بن هاشم، عن صالح بن السندي، عن محمد بن سليمان المصري عن عبد اللّه بن سنان.(4)

ونقله الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن سليمان المنقري، عن عبد اللّه بن سنان.(5)

ترى أنّ الراوي عن عبد اللّه بن سنان في طريق الكافي كما مرّ هو: محمد بن سليمان، وفي طريق الصدوق في الفقيه هو: محمد بن سليمان المصري، وفي طريق التهذيب حسب نقل الوسائل: محمد بن سليمان المنقري، ولكن في أصل التهذيب: سليمان المنقري وهو الصحيح، فإنّ سليمان المنقري

ص: 219


1- . شرائع الإسلام: 261/4.
2- . جواهر الكلام: 147/43.
3- . الكافي: 261/7، الحديث 10.
4- . الفقيه: 34/4، برقم 100.
5- . التهذيب: 262/10، برقم 1036.

هو سليمان بن داود المنقري وهو ثقة.

وأمّا محمد بن سليمان فالظاهر أنّه مجهول، واحتمل السيد الخوئي أنّ المراد منه هو محمد بن سليمان الديلمي وهو ضعيف. ولا مانع من أن يروي عن عبداللّه بن سنان اثنان: محمد بن سليمان، وسليمان بن داود المنقري.

وعلى هذا فالمستند هو ما رواه الشيخ على ما في «التهذيب» عن سليمان المنقري الذي يراد به سليمان بن داود المنقري.

ثمّ إنّ السيد العاملي تفطّن إلى الاضطراب في السند فقال: الحديث مروي بسندين: أحدهما: في باب الحدّ في القيادة رواه المحمدون الثلاث، وفيه محمد بن سليمان، وهو مجهول.

والآخر: رواه في «التهذيب» في باب الديات كذلك فيما وجدناه فيما عندنا من نسخة، ولكنّه في «الوافي» رواه في المقام عن سليمان بن داود المنقري، فإن صحّ ما في «الوافي» كان الحديث حسناً عندنا أو صحيحاً على الأقرب عند الأُستاذ قدس سره.(1)

هذا كلّه إذا لم ينبت.

الفرع السادس: لو جنى على شعر رأس المرأة ثم نبت

إذا جنى على شعر الرأس، ولكن نبت، ففيه مهر نسائها، إجماعاً كما في «الغنية»، وبلا خلاف أجده إلّامن الإسكافي كما في «الرياض»، وهو المشهور بحيث لم يظهر الخلاف إلّامن ابن الجنيد فأثبت فيه ثلث الدية، والدليل

ص: 220


1- . مفتاح الكرامة: 197/21.

المسألة 2. لو نبت بعضه دون بعض فهل فيه الأرش، أو أخذ من الدية بالحساب فيلاحظ نسبة غير النابت إلى الجميع فيؤخذ نصف الدية إن كان نصفاً، وثلثها إن كان ثلثاً، وهكذا ولا يلاحظ خفة الشعر وكثافته؟ الثاني أرجح في غير النابت، وفي النابت لا يسقط الأرش على الظاهر. *

على ما ذكرناه هو صحيح عبد اللّه بن سنان على ماعرفت، فقد جاء فيه: «فإن نبت أخذ منه مهر نسائها، وإن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة».

قلت: فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال: «يابن سنان إنّ شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملاً».(1)

لو نبت بعض الشعر دون البعض فهل فيه الأرش؟

كان مدار البحث في المسألة السابقة فيما إذا لم ينبت كلّ الشعر أو نبت كلّه، وأمّا لو فرض أنّه نبت نصف شعر الرأس أو ثلثه، فهذا هو موضوع البحث في المقام، وقد ذكر في المتن وجهان:

1. أنّ فيه الأرش، وهو خيرة «الوسيلة» لابن حمزة قال: إنّ شعر الرأس لا قصاص فيه، فإن كان رجلاً ولم ينبت ففيه الدية، وإن نبت بعضه أو كلّه ففيه الأرش على ما يراه الإمام.(2)

2. أُخذ من الدية بالحساب، نقله في «كشف اللثام» عن الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام قال: إنّه لو نبت كلّه أو بعضه، أُخذ من الدية بالحساب،

ص: 221


1- . الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . الوسيلة: 444.

المسألة 3. تشخيص عدم نبات الشعر أبداً موكول إلى أهل الخبرة، فإن حكم أهل الخبرة بعدم النبات تؤخذ الدية، ولو نبت بعد ذلك فالظاهر رجوع ما فضل من الدية. *

وأضاف أنّه أقرب إن أمكنت معرفة قدر النابت وغيره.(1)

وأضاف في «الجواهر» وقال: ستعرف اتّفاقهم ظاهراً على اعتبار النسبة في أبعاض كلّ ما له مقدّر.(2)

ثمّ إنّ المصنّف اختار الوجه الثاني في غير النابت وقال: الثاني أرجح في غير النابت. ثم قال: وفي النابت لا يسقط الأرش على الظاهر، وذلك لأنّ مورد الروايات فيما لو نبت الكل أو لم ينبت منه شيء، وأمّا إذا نبت البعض فهو خارج عن مصبّ الروايات، ولا يكون فيه إلّاالأرش، وقد مرّ أنّه إذا نبت الكلّ ففي اللحية ثلث الدية وفي شعر الرأس، الأرش، فإذا كان هذا حال الكلّ، فالأولى أن يكون البعض (إذا نبت بعضه) كذلك ففيه الأرش، إذ لم يرد فيه تقدير.

تشخيص عدم نبات الشعر موكول إلى أهل الخبرة

قد عرفت أنّ الإمام يحبس الجاني حتى يعلم حال شعر المجني عليه، وأنّه هل ينبت شعره أو لا؟ وعلى هذا فلو اختلفوا في إمكان الإنبات وعدمه، يؤخذ بقول أهل الخبرة من دون حبس سنة، فلو حكم أهل الخبرة بعدم الإنبات ولكن ظهر الخلاف ونبت الشعر، فحينئذٍ ينقص الدية إلى مقدار

ص: 222


1- . كشف اللثام: 325/11.
2- . جواهر الكلام: 172/43.

المسألة 4. لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنّة، يؤخذ مهر المثل.

نعم لو زاد على الدية الكاملة فليس لها إلّاالدية، ويحتمل الرجوع إلى الأرش. *

الأرش الذي هو حكم من نبت شعر رأسه. ولو أخذ تمام الدية في شعر اللحية ثم نبت، يتعيّن عليه ثلث الدية فينقص الدية إلى ثلثها.

لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنّة

قد عرفت أنّه إذا جنى على شعر المرأة ثم نبت بعد الجناية، فإنّ لها على الجاني مهر نسائها. ثمّ إنّ مهر نسائها إمّا أن يزيد على مهر السنّة، أو يزيد على الدية الكاملة. فعلى الأوّل يؤخذ بمهر نسائها أخذاً بإطلاق الرواية، إنّما الكلام إذا زاد عن ديتها كاملة فهناك احتمالات ثلاثة:

1. الأخذ بالإطلاق ما دلّ على أنّ ديتها، مهر نسائها، من غير فرق بين كونه أنقص من الدية أو مساوياً أو أزيد.

2. الأخذ بالدية الكاملة لاستبعاد أن تكون دية الشعر بعد ما نبت أزيد من الدية الكاملة، فيكون المرجع هو الدية. وأمّا إطلاق الرواية فهو منصرف إلى غير هذه الصورة.

3. الرجوع إلى الأرش، ولعلّ الثاني أظهر. ولكون المورد ممّا لم يرد فيه نصّ، فالأفضل التصالح.

ص: 223

المسألة 5. في شعر الحاجبين معاً خمسمائة دينار، وفي كلّ واحد نصف ذلك، وفي بعض منه على حساب ذلك. هذا إذا لم ينبت، وإلّا ففيه الأرش، فلو نبت بعض ولم ينبت بعض ففي غير النابت بالحساب، وفي النابت الأرش ظاهراً. *

لو جنى على الحاجبين

في المسألة فروع:

1. إذا جنى على الحاجبين أو أحدهما ولم ينبت.

2. تلك الصورة ولكن نبت.

3. نبت البعض دون البعض.

أمّا الفرع الأوّل: أي إذا جنى على الحاجبين معاً ولم ينبت، ففي كلّ واحد منها ربع الدية والمجموع نصفها - أعني: خمسمائة دينار - قال المحقّق: وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كلّ واحدة نصف ذلك، وما أُصيب منه فعلى الحساب.(1)

وقال العلّامة: وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كلّ واحد نصف ذلك ربع الدية، وفي البعض بالحساب.(2)

وقال السيد العاملي بعد نقل عبارة العلّامة: كما في المقنعة والنهاية والمبسوط في القصاص، والمراسم والوسيلة والسرائر والشرائع والنافع

ص: 224


1- . شرائع الإسلام: 4/261.
2- . قواعد الأحكام: 670/3.

والإرشاد والتحرير والتبصرة واللمعة والروضة. ووصفه في المسالك والمفاتيح ومجمع البرهان بأنّه المشهور، ومذهب الأكثر كما في كشف اللثام والرياض.(1)

ويدلّ عليه خبر أبي عمرو المتطبّب عن أبي عبد اللّه عليه السلام من إفتاء أمير المؤمنين عليه السلام: «وإن أُصيب الحاجب فذهب شعره كُلّه فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً، فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك».(2)

ومنصرف الرواية عدم الإنبات، وإلّا كان اللازم أن يذكره.

ويؤيّده ما ورد في فقه الرضا عليه السلام: إذا أُصيب الحاجب فذهب شعره كلّه فديته نصف دية العين، فإن نقص من شعره شيء حسب على هذا القياس.(3)

وتكون الرواية مخصّصة لما دلّ على أنّ ما كان في الجسد اثنان ففيه الدية.

هذا هو المشهور، وهناك قولان آخران هما:

1. الدية كاملة، وهو خيرة الشيخ في المبسوط قال: فأمّا اللحية وشعر الرأس والحاجبين فإنّه يجب فيها عندنا الدية.(4) وهو خيرة ابن زهرة في الغنية، والكيدري في الإصباح على ما حكاه في الجواهر.(5)

وفي الوقت نفسه خالفه في موضع آخر (في كتاب القصاص)3.

ص: 225


1- . مفتاح الكرامة: 21/199.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
3- . فقه الرضا عليه السلام: 42.
4- . المبسوط: 153/7.
5- . جواهر الكلام: 175/43.

قال: وعندنا وشعر الحاجبين بنصف الدية.(1)

ويدلّ على ما اختاره ما ورد من أنّه ما كان في الجسد اثنان ففيه الدية.

يلاحظ عليه: بأنّ ذلك ضابطة عامّة، وما ذكرناه من الروايات مخصّص لها.

2. ما اختاره سلّار في مراسمه من أنّه إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية، وقد روي أيضاً أنّ فيهما إذا لم ينبت مائة دينار.(2)

لو أراد من قوله: بحاجبه أحد الحاجبين فينطبق على المشهور، ولو أراد كليهما فيخالف، وأمّا ما ذكره من مائة دينار فقد قال في «الجواهر»: ولكن لم تثبت الرواية.(3)

الفرع الثاني: إذا جنى على الحاجبين أو أحدها ونبت ففيه الأرش، أخذاً بالضابطة فيما لم يرد فيه تقدير.

الفرع الثالث: إذا نبت بعض ولم ينبت بعض، ففي غير النابت بالحساب، ويعتبر بنسبة المحل المقطوع منه إلى جميع الأجزاء، فيؤخذ بالحساب، فلو لم ينبت نصف الحاجب فعليه نصف ربع الدية.

وفي النابت فبالأرش، وذلك لأنّه إذا نبت الكلّ ففيه الأرش، فكيف إذا نبت البعض، ولا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع بالجزء.3.

ص: 226


1- . المبسوط: 83/7.
2- . المراسم: 245، باب ذكر أحكام الجناية على ما دون النفس.
3- . جواهر الكلام: 177/43.

المسألة 6. في الأهداب الأربعة أي الشعور النابتة على الأجفان أقوال أقربها الأرش، وأحوطها الدية كاملة مع عدم النبت. *

لو جنى على الأهداب

وقبل بيان المسألة نشير إلى بعض المصطلحات:

1. الجفن: جمعه جفون وأجفان: غطاء العين من أعلى إلى أسفل.

2. الشفر، والشُفر، جمعه أشفار: أصل منبت شعر الجفن.

3. الأهداب، الهدب شعر أشفار العينين.

4. لكلّ عين جفنان وبالتالي شفران وهدبان، فتكون الأهداب أربعة أي الشعور النابتة على الأجفان حسب تعبير الجواهر وتبعه المصنّف، أو الثابتة على الأشفار حسب اللغة.

إذا عرفت ذلك فلو جنى على الأهداب الأربعة ففيه أقوال:

1. ما ذهب إليه الشيخ في «الخلاف»: إذا جنى على أهداب العينين فاعدم إنباتها ففيها الدية كاملة.(1)

واستدلّ رحمه الله بإجماع الفرقة وأخبارهم، ولم نقف على رواية إلاّ ما حكاه محقّقو الكتاب عن «دعائم الإسلام».(2)

ولذلك فسّره في «مفتاح الكرامة» بقوله: لعلّه أراد ما مرّ من أنّ ما كان من الأعضاء اثنين ففيهما الدية، وفيما كان أربعة ففيه الدية وهكذا.(3)

ص: 227


1- . الخلاف: 237/5، المسألة 25.
2- . دعائم الإسلام: 431/2، ح 1493.
3- . مفتاح الكرامة: 201/21.

ونقل في «مفتاح الكرامة» أنّ القول بالدية نسب في الوسيلة إلى الرواية، وفي الروض إلى الأكثر.(1) والنسبة إلى ابن حمزة غير صحيحة.(2)

2. ما نقل عن القاضي أنّ فيهما نصف الدية كالحاجبين، حكاه عنه الشهيدان وغيرهما، والمنقول من عبارته في «المختلف» أنّ ذلك في الأشفار.(3)

3. ذهب المحقّق إلى أنّ الأقرب السقوط حال الانضمام والأرش حال الانفراد.(4)

وبه قال العلّامة في «القواعد»، قال: وفي الأهداب الدية على رأي، فإن قطعت الأجفان بالأهداب فديتان، ولو قيل بالأرش حال الانفراد والسقوط حال الاجتماع، أمكن.(5)

ويراد من حال الاجتماع قطع الأجفان معها لكونها حينئذٍ تابعة كشعر اليدين للأصل، وأمّا الأرش حال الانفراد فلأنّهم لم يذكروا في الشعور مقدّراً سوى شعر الرأس واللحية والحاجبين، فيكون الأرش هو المحكّم بعد عدم دليل معتبر على التقدير المزبور.(6)

وأمّا المصنّف فقد استقرب الأرش لنفس الدليل المذكور حيث لم3.

ص: 228


1- . مفتاح الكرامة: 201/21.
2- . لاحظ الوسيلة: 447.
3- . مفتاح الكرامة: 201/21.
4- . شرائع الإسلام: 262/4.
5- . قواعد الأحكام: 670/3.
6- . جواهر الكلام: 177/43.

المسألة 7. لا تقدير في غير ما تقدّم من الشعر، لكن يثبت له الأرش إن قلع منفرداً، ولا شيء فيه لو انضم إلى العضو إذا قطع أو إلى الجلد إذا كشط، فلا شيء للأهداب إذا قطع الأجفان، ولا في شعر الساعد أو الساق إذا قطعا زائداً على دية العضو. *

يرد في الشعور تقدير إلّاما مرّ.

نعم الأحوط الدية كاملة بما مرّ من أنّ كلّ ما في الإنسان كان منه اثنان ففيه الدية كاملة، والمراد بالاثنان هو التعدّد فيشمل الأهداب الأربعة.

لو جنى على الشعر النابت على الساعدين أو الساقين
اشارة

قد تقدّم وجوب التقدير في اللحية وشعر الرأس رجلاً أو امرأة، ولم يرد في غيرهما أي تقدير، فعلى هذا فلا تقدير في النابت على الساعدين أو الساقين، لكن إذا أزال هذا الشعر فيهما منفرداً ففيه الأرش.

نعم لو كان مع الانضمام مع العضو كما لو قطعه، أو إلى الجلد كما لو كشطه فلا شيء على الشعر، لكونه تبعاً للعضو والجلد، فتختصّ الدية بالعضو فقط.

وعلى هذا إذا قطع الأجفان فلا شيء على الأهداب.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ ما لا نصّ فيه من الشعر إذا أزاله منفرداً ففيه الأرش، وأمّا إذا أُزيل منضمّاً إلى الجلد أو العضو فالدية عليهما، ولا شيء على الشعر بداهة أنّ قطع العضو أو كشط الجلد لا ينفكّ عن الشعر مع عدم ورود الدية إلّاعليهما لا على الشعر.

ص: 229

المسألة 8. يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل، وكذا في لحية المرأة لو فرض النقص وفي كلّ مورد ممّا لا تقدير فيه، ولو فرض أنّ إزالة الشعر في العبد أو الأمة تزيد في القيمة أو لا ينقص منها، لا شيء عليه إلّاالتعزير، ولو فرض التعييب بذلك وجب الأرش. *

* في المسألة فروع:

1. لحية الخنثى المشكل.

2. لحية المرأة.

3. إزالة الشعر في العبد والأمة إذا لم تنقص القيمة.

4. تلك الصورة لو فرض التعييب بالإزالة. وإليك دراسة الفروع.

الفرع الأوّل: الجناية على لحية الخنثى المشكل

إذا قلنا بأنّ الخنثى المشكل طبيعة ثالثة فتكون ممّا لم يرد فيها تقدير، فلابدّ في إزالة شعرها من الأرش، إنّما الكلام فيما إذا لم نقل بذلك فيدور أمرها بين كونه مذكراً ففي إزالة لحيته تقدير، ولو كان امرأة ففيها الأرش.

ومع وجود هذا العلم الإجمالي قال في الروضة: إنّ الخنثى المشكل كالمرأة، في لحيتها الأرش.(1) وقال في «الجواهر»: وكذا يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل.(2)

مع أنّ الأرش أحد طرفي العلم الإجمالي والطرف الآخر هو التقدير، فاللازم أكثر الأمرين من الأرش أو التقدير خروجاً عن الاشتغال، إلّاأن

ص: 230


1- . مفتاح الكرامة: 203/21.
2- . جواهر الكلام: 180/43.

يقال: إنّ وجود اللحية آية كونها ذكراً، فتجب ديتها.

الفرع الثاني: الجناية على لحية المرأة

إذا أزال لحية المرأة، واعتبرت هذه الإزالة نقصاً في المرأة، فالواجب الأرش.

قال العلّامة: لو كانت اللحية للمرأة فالواجب الأرش إن نقصت بها القيمة.(1)

ولكن الغالب عدم نقص القيمة، لأنّ المرغوب في المرأة هو عدم وجود اللحية، ولذلك يتعيّن فيه التعزير دون الأرش، وافتراض نقص قيمتها بالإزالة فرض بعيد جدّاً.

الفرع الثالث: إزالة الشعر في العبد والأمة

إزالة الشعر في العبد والأمة إذا لم تنقص القيمة، أقول: مراده من إزالة الشعر في العبد غير اللحية وغير شعر الرأس، لما عرفت من وجود التقدير فيهما.

فالمراد هنا إزالة الشعر في غير هذين الموضعين، فإن صار ذلك سبباً لنقص القيمة ففيه الأرش، وإلّا التعزير.

الفرع الرابع: لو فرض التعيّب بإزالة الشعر

لو فرض التعيّب بالإزالة، والفرق بين هذا الفرع وما سبقه هو أنّ

ص: 231


1- . قواعد الأحكام: 670/3.
الثاني: العينان
اشارة

المسألة 1. في العينين معاً الدية، وفي كلّ واحدة منهما نصفها، والأعمش والأحول والأخفش والأعشى والأرمد كالصحيح، ولو كان على سواد عينه بياض فإن كان الإبصار باقياً بأن لا يكون ذلك على الناظر فالدية تامّة، وإلّا سقطت بالحساب من الدية لو أمكن التشخيص، وإلّا ففيه الأرش. *

إزالة الشعر أوجب نقص القيمة من دون إحداث عيب فيه، وأمّا لو أحدث العيب فالأرش متعيّن.

في دية العينين

قبل الدخول في شرح المسألة نذكر معاني المفردات المذكورة فيها:

1. الأعمش: وهو الذي ضعف بصره مع سيلان دمع عينه في أكثر الأوقات، وجمعه عُمُش، ومؤنثه: عمشاء.

2. الأحول: من به حَوَل وهو أن تميل إحدى الحدقتين إلى الأنف والأُخرى إلى الصُّدغ، والعين الحولاء هي المنحرفة عن مركزها الأصلي.

3. الأخفش: وهو من كان بَصرُهُ ضعيفاً خِلقةً، أو ضاقت عيناه، أو يُبصر في الليل دون النهار.

4. الأعشى: من ساء بصره بالليل والنهار، أو يُبصر بالنهار ولم يبصر بالليل.

5. الأرمد: من به رمدَ، وهو كلّ ما يؤلم العين، أو يسبب هيجانها.

ص: 232

إذا علمت ذلك فهذه الأصناف الخمسة من الأعين مع ما فيها من النقص فهي بحكم العين الصحيحة، فبما أنّ في العينين تمام الدية وفي كلّ واحدة نصفها، فهذه الأعين والصحيحة سواء. ويدلّ على ما ذكرنا الضابطة الكلّية من أنّ في كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففي كل واحد منه نصف الدية، كما يدلّ عليه من الروايات ما يلي:

1. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكسر ظهره، قال: «فيه الدية كاملة، وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وفي الأُذنين الدية، إلخ».(1)

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين والعينين». قلت: رجل فقئت عينه؟ قال:

«نصف الدية إلخ».(2)

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، من غير فرق بين العين الصحيحة وغيرها ممّا ذكرنا من الأقسام.

نعم لو كان على سواد عينيه بياض، فإن كان الإبصار باقياً بأن لا يكون ذلك على الناظر فالدية تامّة؛ لأنّ الدية في مقابل الإبصار والمفروض وجوده.

ولو فرضنا وجوده في إحدى العينين فنصف الدية. وإن لم يكن كذلك بمعنى أنّ قسماً من الإبصار كان باقياً دون البعض أسقط الحاكم من الدية بمقدار الذاهب من الإبصار إن عُرف بالأجهزة الصناعية، وإلّا كان فيه الأرش.1.

ص: 233


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 2. في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور خلقة أو بآفة من اللّه تعالى، ولو أعورها جانٍ واستحقّ ديتها منه كان في الصحيحة نصف الدية، سواء أخذ ديتها أم لا، وسواء كان قادراً على الأخذ أم لا، بل وكذا النصف لو كان العور قصاصاً. *

لو جنى على العين الصحيحة للأعور

الأعور: هو من ذهب حِسُّ إحدى عينيه.

فيقع الكلام فيما لو جُني على عينه الصحيحة، وأُخرى فيما لو جُني على عينه العوراء، وسيأتي الكلام في الثانية في المسألة التالية.

إذا عرفت ذلك: فلو جنى أحد على العين الصحيحة من الأعور، ففيه الدية الكاملة؛ لأنّ عينه الصحيحة كانت تقوم مقام كلا العينين الصحيحتين فبالجناية على الصحيحة جعله أعمى.

ويدلّ عليه من الروايات:

1. ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في عين الأعور الدية كاملة»(1). والمراد عينه الصحيحة، لا العين العوراء، وهذا مصطلح فإذا قيل عين الأعور فيراد عينه الصحيحة، ولو قصدت الأُخرى لقيل: العين العوراء.

2. ما رواه محمد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت، أن تفقأ

ص: 234


1- . الوسائل: 19، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية، وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين صاحبه».(1)

والقدر المتيقّن من الروايتين ما إذا كان العور خلقة أو بأخذ من اللّه؛ وأمّا إذا كان العور قصاصاً، أو بجناية جانٍ كان في الصحيحة نصف الدية خمسمائة دينار. ويدلّ عليه أُمور:

1. إطلاق ما دلّ على أنّ في إحدى العينين نصف الدية، خرجت الصورة الأُولى بالدليل وبقيت الصورة الثانية تحت الإطلاق.

2. الإجماع الظاهر في «الخلاف» قال: في العين العوراء إذا كانت خلقة أو ذهبت بآفة من قبل اللّه الدية كاملة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.(2)

والعبارة وإن كانت راجعة إلى الصورة الأُولى لكن التقييد كاشف عن اختصاص الحكم بما إذا كان العور خلقياً أو عارضاً بآفة.

3. إنّ أخذه العوض أو استحقاقه له وإن لم يأخذه، أو ذهابه قصاصاً يصدّ عن تنزيل عينه الموجودة منزلة العينين، بل ينزلها منزلة إحدى العينين.(3)3.

ص: 235


1- . الوسائل: 19، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2. ولاحظ سائر أحاديث الباب.
2- . الخلاف: 212/5، المسألة 95.
3- . جواهر الكلام: 185/43.

المسألة 3. في العين العوراء ثلث الدية إذا خسفها أو قلعها، سواء كانت عوراء خلقة أو بجناية جان. *

لو جنى على العين العوراء

كان الكلام في المسألة السابقة إذا جُني على العين الصحيحة للأعور، وأمّا المقام فالكلام فيما إذا جُني على العين العوراء، فيما لو خسفها أو قلعها، ففيه ثلث الدية من غير فرق بين كونها عوراء خلقة أو بجناية جان. قال الشيخ:

في العين القائمة إذا خُسفت ثلث ديتها صحيحة. وبه قال زيد بن ثابت، وقال جميع الفقهاء: فيها الحكومة.(1)

قال المحقّق: أمّا العوراء ففي خسفها روايتان: إحداهما: ربع الدية، وهي متروكة؛ والأُخرى: ثلث الدية، وهي مشهورة، سواء كانت خلقة أو بجناية جان.(2)

قال العلّامة: وفي خسف العوراء ثلث دية الصحيحة، وروي الربع سواء أكانت بخلقة أو جناية.(3)

أقول: إنّ الروايات على أصناف ثلاثة:

الأوّل: ما يدلّ على ربع الدية. نظير ما رواه عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في العين العوراء تكون قائمة فتخسف؟ فقال: «قضى فيها علي بن أبي طالب عليه السلام نصف الدية في العين الصحيحة».(4)

ص: 236


1- . الخلاف: 212/5، المسألة 96.
2- . شرائع الإسلام: 263/4.
3- . قواعد الأحكام: 671/3.
4- . الوسائل: 19، الباب 29 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

وقد عمل بها المفيد وسلّار. فإنّ نصف دية العين الصحيحة، يكون ربع الدية التامّة.

الثاني: ما يدلّ على ثمن الدية. نظير ما رواه عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل فقأ عين رجل ذاهبة وهي قائمة؟ قال: «عليه ربع دية العين».(1) وواضح أنّ ربع دية عين واحدة هو ثمن دية الإنسان كاملة، وفي «الجواهر»: لم يعمل بها أحد.(2)

الثالث: ما يدلّ على ثلث الدية. نظير صحيح بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي وأُنثييه، ثلث الدية».(3) والعين العوراء قسم من العين العمياء وهو الذي استظهره صاحب الوسائل حيث إنّه بعد ما نقل ما يدلّ على نصف الدية في العين الصحيحة أو ما يدلّ على ربع دية العين، قال: «ويأتي ما يدلّ على أنّ في عين الأعمى ثلث الدية»، وظاهره أنّه تلقّاه معارضاً للوجهين الأوّلين، ولا تصحّ المعارضة إلّاإذا قلنا بأنّ العين العوراء من قبيل العين العمياء فما دلّ على حكم العين العمياء فهو دليل على حكم العين العوراء فتدبّر. ووصفه في «الشرائع» بأنّها مشهورة.

وعليها العمل ويظهر من «الخلاف» كما مرّ الإجماع عليه.ل.

ص: 237


1- . الوسائل: 19، الباب 29 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- . جواهر الكلام: 43/185-186.
3- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1. وقد سقطت كلمة «ثلث» في الوسائل.

المسألة 4. في الأجفان الدية، وفي تقدير كلّ جفن خلاف، فمن قائل: في كلّ واحد ربع الدية، ومن قائل: في الأعلى ثلثاها وفي الأسفل الثلث، ومن قائل: في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف، وهذا لا يخلو من ترجيح، لكن لا يترك الاحتياط بالتصالح. *

* في المسألة فرعان:

1. دية الأجفان.

2. ما يجب في كلّ جفن. أمّا الفرع الأوّل: دية الأجفان

فالظاهر من الشيخ وغيره أنّ فيهما الدية كاملة، قال في «الخلاف»: في الأربعة الأجفان الدية كاملة، وفي كلّ جفنين من عين واحدة خمسمائة دينار، في الأسفل منها ثلث ديتها، وفي العليا ثلثا ديتها.(1)

وأرسله في «الشرائع» إرسال المسلّمات، وقال: وفي الأجفان الدية.(2)

ونفى عنه الخلاف في «التحرير» وقال: وفي الأجفان الأربعة الدية بلا خلاف.(3)

أقول: الأجفان جمع الجَفْن: غطاء العين.

ويدلّ عليه من طريق الأخبار الصحيحة:5.

ص: 238


1- . الخلاف: 236/5، المسألة 34.
2- . شرائع الإسلام: 262/4.
3- . تحرير الأحكام: 599/5.

1. صحيحة ابن سنان: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين».(1) والمراد: ففي الواحد نصف الدية كما في نسخة «الكافي». ويدلّ بالملازمة على أنّ في الجميع تمام الدية، فيكون كلّ جفنين بمنزلة واحد فيكونان كالعين الواحدة.

2. صحيحة هشام بن سالم قال: «كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية».(2)

والحديث حسب نقل الشيخ منقطع، وحسب ما رواه الصدوق متّصل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام.(3)

وما ربّما يقال من أنّ الأجفان ليس ممّا في الإنسان منه اثنان، بل أربعة مدفوع بأنّ الجفنين هما غطاء عين واحدة، فيوصف كلاهما في كلّ عين واحدة.

الفرع الثاني: إذا قطع جفناً واحداً

أقول: فيه أقوال ثلاثة كلّها للشيخ، ذكرها المحقّق في «الشرائع» وقال:

وفي تقدير كلّ جفن خلاف.

1. قال في «المبسوط»: في كلّ واحد ربع الدية.(4)

2. وقال في «الخلاف»: في العليا ثلثا ديتها، وفي الأسفل ثلث7.

ص: 239


1- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
3- . لاحظ: الفقيه: 100/4، برقم 332.
4- . المبسوط: 130/7.

دية العين.(1)

3. وقال في موضع آخر: في شفر العين الأعلى ثلث دية العين، وفي شفر العين الأسفل نصف دية العين.(2)

أمّا القول الأوّل: فقد استند إلى صحيحة هشام وصحيحة عبد اللّه بن سنان، بالبيان الماضي، حيث يكون كلّ جفنين بمنزلة الواحد، فيكونان كالعين الواحدة، ولازم ذلك أنّ في كلّ جفن ربع الدية.

وأوضحه في «الجواهر» قائلاً بإمكان استفادة توزيع الدية على المتعدّد الذي يثبت فيه الدية والفرض الإجماع على ثبوتها في الأربع، فتتوزع عليها؛ لأنّ الأصل عدم الزيادة، مضافاً إلى انسباق التوزيع للتساوي في مثله؛ ولعلّه لأجله قال في «المسالك»: هو الأظهر، بعد أن اعترض بضعف دلالة الخبرين عليه.(3)

وأمّا القول الثاني: فقد نسبه الشيخ في «الخلاف» إلى الشافعي وادّعى إجماع الفرقة عليه وأخبارهم.

وفي «الجواهر»: فلم نقف له على دليل سوى الدعوى المزبورة التي لم نقف فيها على خبر، كيف وقد خالف هذا القول في موضع آخر من «الخلاف»، كما سيوافيك.(4)3.

ص: 240


1- . الخلاف: 236/5، المسألة 24.
2- . النهاية: 764، ولاحظ: شرائع الإسلام: 262/4.
3- . جواهر الكلام: 182/43.
4- . جواهر الكلام: 182/43.

وأمّا القول الثالث: فقد اختاره كثير من الفقهاء، ونقله في «مفتاح الكرامة» عن كثير من القدماء والمتأخّرين، وفي «المراسم» أنّه ثابت بالرسم النبوي العلوي.(1)

ويريد به رواية ظريف بن ناصح عن الصادق عليه السلام في كتابه المشهور في الديات بين الأصحاب، ورواه المحمّدون الثلاثة بطرق عديدة جدّاً، ولو كان في السند ضعيف أو مجهول، فهو منجبر بالشهرة العملية بين المتقدّمين والمتأخّرين، وقد جاء فيه: «إن أُصيب شفر العين الأعلى فشتر، فديته ثلث دية العين مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار، وإن أُصيب شفر العين الأسفل فشتر، فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً».(2)

نعم يختصّ الحديث بصورة الشتر، ولا يعمّ سائر الصور إلّابإلغاء الخصوصية فلاحظ.

ولا يخفى أنّه لولا هذا النصّ لكان القول الأوّل أولى بالعناية والأخذ لما مرّ من صاحب الجواهر من حديث التوزيع، إذ أنّ العرف يوزّع دية الكل على كلّ عضو، لكن الرواية الأخيرة تصدّنا عن الأخذ به فهو أظهر من القولين، ومع ذلك فالتصالح أولى، كما أشار إليه في المتن.ا.

ص: 241


1- . مفتاح الكرامة: 208/21.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1. شتر الشيء: قطعه، وشتر العين: قلب جفنها.
الثالث: الأنف
اشارة

المسألة 1. في الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة، وكذا في مارنه، وهو ما لان منه ونزل عن قصبته. ولو قطع المارن وبعض القصبة دفعة فالدية كاملة، ولو قطع المارن ثم بعض القصبة فالدية كاملة في المارن والأرش في القصبة، ولو قطع المارن ثم قطع جميع القصبة ففي المارن الدية، فهل للقصبة الدية أو الأرش، فيه تأمّل، ولو قطع بعض المارن فبحساب المارن. *

في دية الأنف
اشارة

في المسألة فروع:

1. إذا قطع الأنف من أصله.

2. إذا قطع مارنه كلّه فقط.

3. إذا قطع المارن وبعض القصبة(1) دفعة واحدة.

4. إذا قطع المارن ثم قطع بعض القصبة.

5. إذا قطع المارن ثم قطع جميع القصبة.

6. إذا قطع بعض المارن.

وإليك دراسة الفروع:

ص: 242


1- . القصبة كلّ عظم ذي مخّ نحو الساق والذراعين على التشبيه بالقصبة، وهي كلّ نبات يكون ساقه أنابيب. مجمع البحرين: مادة «قصب».
الفرع الأوّل: لو قطع الأنف من أصله

إذا قطع الأنف من أصله ففيه الدية كاملة. قال الشيخ في «الخلاف»: في ذهاب الشمّ بالأنف، الدية بلا خلاف.(1) ومورد العبارة وإن كان ذهاب الشمّ فيكون في قطع الأنف بوجه أولى.

ويدلّ عليه - قبل الروايات الخاصّة - ما مرّ من رواية هشام بن سالم وعبد اللّه بن سنان أنّ ما في الإنسان واحد ففيه الدية.

وأمّا ما ورد فيه بالخصوص، فهو:

موثّقة سماعة وقد جاء فيها: «وفي الأنف إذا قُطع الدية كاملة» وغيرها.(2)

وظاهر الموثّقة أنّ الدية لتمام الأنف الشامل للقصبة والمارن.

الفرع الثاني: لو قطع المارن

والمارن هو ما لان من الأنف، فلو قُطع كلّه ففيه الدية كاملة، قال العاملي:

هذا ما تسالم فيه الخصوم واستفاضت به النصوص وفيها الصحيح والحسن والموثّق.(3)

يشير رحمه الله إلى الروايات التالية:

1. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام وجاء فيها: «وفي الأنف إذا قطع المارن الدية».(4)

ص: 243


1- . الخلاف: 238/5، المسألة 28.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7 ولاحظ الحديث 3 و 14.
3- . مفتاح الكرامة: 212/21.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

2. ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام وفيها قوله: «وفي الأنف إذا قطع المارن الدية».(1)

3. ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قطع الأنف من المارن ففيه الدية تامة».(2)

4. ما رواه سماعة: «وفي الأنف إذا قطع المارن الدية كاملة».(3)

الفرع الثالث: لو قطع المارن وبعض القصبة

إذا قطع المارن وبعض القصبة دفعة واحدة، ففيه الدية كاملة.

قال العلّامة في «القواعد»: ولو قطع المارن وبعض القصبة، فالدية.(4)

وجهه ما ذكرنا من أنّ المتبادر من الروايات أنّ الدية على مجموع الأنف المركّب من القصبة والمارن، وعلى هذا فلو قطع المارن وبعض القصبة مرّة واحدة، فلا تزيد ديتها على دية الكلّ، بل يمكن أن يقال: إنّ هذا الفرد داخل تحت الصورة السابقة، أعني: قطع الأنف كاملاً، إنّما الكلام في الفرع التالي.

الفرع الرابع: لو قطع المارن ثم قطع بعض القصبة

إذا قطع المارن ثم قطع بعض القصبة فقولنا: ثم قطع بعض القصبة، إشارة إلى التفريق في الجناية عليهما، فيكون هناك جنايتان، ورد في إحداهما

ص: 244


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 10.
4- . قواعد الأحكام: 671/3.

التقدير وهو قطع المارن، ولم يرد في الأُخرى - أعني: قطع بعض القصبة - تقدير، فيرجع فيه إلى الحكومة.

الفرع الخامس: لو قطع المارن ثم قطع جميع القصبة

إذا قطع المارن ثم قطع جميع القصبة، قال العلّامة: ولو قطع المارن ثم القصبة، فالأقرب ثبوت الدية في المارن والحكومة في القصبة.(1)

وهناك احتمال آخر أشار إليه المصنّف وهو ديةٌ للمارن ودية للقصبة. وهو بعيد إذ لم يثبت في قطع نفس القصبة شيء من التقدير بخلاف المارن إذا قطع مجرداً، فقد ورد فيه التقدير، فيكون المحكّم هو الدية للمارن والأرش للقصبة.

الفرع السادس: لو قطع بعض المارن
اشارة

إذا قطع بعض المارن، قال العلّامة: وفي بعضه بحسابه من المارن.(2)

ووجهه أنّ كلّ عضو له مقدّر شرعي فإذا قطع بعضه، نُسب إليه وأُخذ له بالحساب، كما هو الحال في غير هذا المقام.

ص: 245


1- . قواعد الأحكام: 672/3.
2- . قواعد الأحكام: 671/3.

المسألة 2. لو فسد الأنف وذهب بكسر أو إحراق أو نحو ذلك ففيه الدية كاملة، ولو جبر على غير عيب فمائة دينار على قول مشهور. *

* في المسألة فرعان:

1. إذا فسد الأنف وذهب بكسر أو إحراق.

2. لو جُبر بدون طروء عيب. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو فسد الأنف وذهب بكسر أو إحراق

أقول: الفرعان مذكوران في «الشرائع» على النحو التالي: وكذا [الدية كاملة] لو كُسر ففسد، ولو جُبر على غير عيب فمائة دينار.(1)

فهل المراد من فساد الأنف كما عن الروض(2) سقوطه لا صيرورته أشلّ، الذي يأتي حكمه ودليله، أو أنّ المراد ذهاب شمّه دون سقوطه؟

الظاهر هو الثاني بشهادة الفرع الثاني من إمكان الجبر، فإنّه لو سقط لا يبقى للجبر مكان.

وعلى هذا فالكلام مركّز فيما إذا كان الأنف باقياً لكن فسد شمّه وصار كالعدم، ولعلّه يشمله قوله عليه السلام: «وما كان فيه واحد، ففيه الدية».(3)

فهو كما يشمل القطع يشمل الفساد، لاشتراكهما في عدم استخدام الأنف في وظيفته وهي الشمّ.

ص: 246


1- . شرائع الإسلام: 263/4.
2- . جواهر الكلام: 191/43.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

المسألة 3. في شلل الأنف ثلثا ديته صحيحاً، وإذا قطع الأشل فعليه ثلثها. *

الفرع الثاني: لو انجبر الأنف بدون عيب
اشارة

لو انجبر الأنف على غير عيب، فقد أفتى المحقّق والمصنّف في المتن أنّ فيه مائة دينار، وليس هناك نصّ وإنّما يمكن استفادة حكمه ممّا ورد في كسر الظهر إذا جُبر، فقد جاء في كتاب ظريف: «وإن انكسر الصلب فجبر على غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار، وإن عثم فديته ألف دينار».(1)

فإنّ المتبادر من الرواية أنّ ذلك حكم كلّ ما كُسر وجبر، والظهر مورد للحكم لا مقيّده، فتأمّل.

* في المسألة فرعان:

1. إذا جنى على أنفه فصار أشلّ.

2. إذا قطع الأنف الأشل.

وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: إذا جنى على أنفه فصار أشلّ

قال المحقّق: وفي شلله ثلثا ديته.(2)

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا جنى على أنفه فصار أشلّ، كان فيه ثلثا

ص: 247


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1. عثم العظم المكسور: إذا انجبر من غير استواء، ومنه: عثمت يده: إذا جبرت على غير استواء.
2- . شرائع الإسلام: 263/4.

دية الأنف، وقال الشافعي: فيه قولان، أحدهما الدية كاملة، والثاني: فيه الحكومة.(1)

والدليل على ذلك الضابطة التي ذكرها الأصحاب في شلل كلّ الأعضاء، وأنّ الدية ثلثا دية ذلك العضو المشلول.

ويدلّ على الضابطة ما رواه الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر منه الزند؟ قال: فقال: «إذا يبست منه الكفّ فشلت أصابع الكف كلّها، فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد، قال: وإن شلّت بعض الأصابع وبقي بعض، فإنّ في كلّ أصبع شلّت ثلثي ديتها، قال: وكذلك الحكم في الساق والقدم إذا شلّت أصابع القدم».(2) وتوهّم أنّ مورد الرواية هو الذراع وسراية حكمه إلى الأنف أشبه بالقياس، مدفوع بما في الذيل، أعني قوله: «وكذلك الحكم في الساق والقدم إذا شلّت أصابع القدم»، فإنّه يدلّ على سعة الحكم.

الفرع الثاني: لو قطع الأنف الأشل

كان الكلام في الفرع السابق مركّزاً على الجناية التي صارت سبباً لشلل الأنف، وقد عرفت أنّ ديتها هو ثلثا الدية، وأمّا الكلام في هذا الفرع فهو مركّز على قطع الأشل، ويدلّ عليه:

خبر الحكم بن عتيبة، وفيه: «وكلّ ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»،(3) ولا تعارض بين الخبرين لاختلاف موضوعهما، كما مرّ.

ص: 248


1- . الخلاف: 237/5، المسألة 27.
2- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
3- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 4. في الروثة نصف الدية إذا قطعت، فهل هي طرف الأنف، أو الحاجز بين المنخرين، أو مجمع المارن؟ احتمالات، ويحتمل أن ترجع الاحتمالات إلى أمر واحد، وهو طرف الأنف الذي يقطر منه الدم، وهو مجمع المارن، وهو محل الحاجز، فإذا قطع الحاجز من حيث يرى من الأعلى إلى الأسفل قطع طرف الأنف، وهو مجمع المارن، وإن لا يخلو من تأمّل. *

لو جنى على روثة الأنف
اشارة

هذه المسألة واضحة الحكم، مجملة الموضوع، وأمّا وضوح الحكم فلما ورد في كتاب ظريف من قوله: «فإن قطعت روثة الأنف وهي طرفه فديتها خمسمائة دينار».(1)

وقال في «الفقيه»: وإن قطعت روثة الأنف فديتها خمسمائة دينار نصف الدية.(2)

وامّا إجمال الموضوع فقد اختلفت كلمتهم في تفسيره فذكر المصنّف وجوهاً ثلاثة:

1. طرْف الأنف.

2. الحاجز بين المنخرين.

3. مجمع المارن.

ص: 249


1- . الكافي: 331/7.
2- . الفقيه: 57/4. والظاهر سقوط لفظة «وهي طرفه» عن نسخة الفقيه.

ثم ارجع الاحتمالات الثلاثة إلى أمر واحد.

قال المحقّق: الحاجز بين المنخرين.(1)

وفي «اللسان» فسّره بالمعاني التالية:

1. الروثة مقدّم الأنف أجمع.

2. طرْف الأنف حيث يقطر الرعاف.

3. روثة الأنف طرْفه.

4. الروثة طرف الإرنبة.

وفي المجمع: «رأيت على أنف رسول اللّه وإرنبته أثر الماء والطين» ومثله «كان يسجد على جبهته وإرنبته»، والإرنبة: «طرف الأنف» عند الكلّ.

5. قيل: فلان يضرب بلسانه روثة أنفه.

6. في حديث حسّان أنّه أخرج لسانه فضرب به روثة أنفه، أي أرنبته وطرفه من مقدّمه.

7. روثة العقاب منقاره.(2)

والذي يمكن أن يقال بعد الإحاطة بما جاء في تفسير لفظة «روثة» في حديث ظريف وكلمات أصحاب المعاجم، إنّ «الروثة» عبارة عن رأس المارن، فإنّ المارن عبارة عن مجموع ما لان من الأنف، والروثة عبارة عن رأسه، ويدلّ على ذلك الأُمور التالية:».

ص: 250


1- . شرائع الإسلام: 4/263.
2- . لسان العرب: 2/157، مادة «روث».

1. إنّ الحديث فسّرها بالطَرْف والظاهر أنّه بالسكون، قال سبحانه:

«وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ»1 أي ينظرون إلى العذاب بغضّ معظم عيونهم.

2. ما في المجمع - كما مرّ - من أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم سجد وفي إرنبته أثر الماء والطين، والإرنبة هي الروثة، ومن المعلوم أنّ الماء والطين يلصقان في منتهى الأنف من أسفل، وهو رأس المارن.

3. إنّ صاحب اللسان - وهو خرّيت الفن - قد فسّرها أوّلاً بمقدّم الأنف.

4. الأمثال الدارجة من أنّ فلاناً ضرب بلسانه روثة أنفه، ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا استعلى عليه الغضب إنّما يضرب بلسانه منتهى أنفه.

وعلى ذلك فالصحيح ما ذكره المصنّف من الاحتمال الأوّل وهو طرف الأنف، وأمّا تفسيرها بالحاجز كما عن المحقّق فلا ينافي ما ذكرنا فإنّ منتهى الأنف يصل إلى الحاجز بين المنخرين، فقطع الروثة لا ينفك غالباً عن قطع الحاجز.

وأمّا تفسيره بمجمع المارن فمثل ما سبق؛ لأنّ أجزاء المارن تجتمع في روثة الأنف.5.

ص: 251

المسألة 5. في [قطع] أحد المنخرين ثلث الدية، وقيل: نصفها، والأوّل أرجح، ولو نفذت في الأنف نافذة على وجه لا تفسد - كرمح أو سهم - فخرقت المنخرين والحاجز فثلث الدية؛ وكذا لو ثقبته، فإن جبر وصلح فخمس الدية على الأحوط. *

* في المسألة فروع:

1. إذا قطع أحد المنخرين.

2. إذا خرقت المنخرين والحاجز.

3. إذا ثقبت النافذة الأنف مكان الخرق.

4. إذا جنى بالخرق والثقب لكن جبر والتئم. وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: إذا قطع أحد المنخرين

ففيه ثلاثة أقوال:

1. أنّ فيه الثلث.

2. أنّ فيه النصف.

3. أنّ فيه الربع.

أمّا القول الأوّل: فهو خيرة الشرائع وجمع من المتأخّرين؛ ويدلّ عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محمد بن يحيى، عن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام أنّه قضى في شحمة الأُذن بثلث دية الأذن، وفي الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع، وفي كلّ جانب من الأنف ثلث دية الأنف.(1) والرواية صريحة في قطع

ص: 252


1- . الوسائل: 19، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

أحد الطرفين.

والرواية ضعيفة كما أشار إليه المحقّق وقال: وفي الرواية ضعف غير أنّ العمل بمضمونها أشبه.(1)

وجه الأشبهية هو اشتمال الأنف على المنخرين والحاجز بينهما، فتقسط الدية أثلاثاً.

ويؤيده ما رواه عن يوسف بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه (عبدالرحمن) عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّه جعل في وفي خشاش الأنف كلّ واحد ثلث الدية».(2) ولفظة: «كلّ واحد» إشارة إلى المنخرين.

والخشاش: بكسر الخاء المعجمة عويد يُجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام ليكون أسرع لانقياده، وكأنّ المراد في الرواية محلّ الخشاش تسمية للمحل باسم الحال مجازاً وليست ناصّة على المطلوب.

وأمّا القول الثاني - أعني: نصف الدية - فهو خيرة المبسوط والوسيلة.(3)

قال العلّامة: وفي أحد المنخرين نصف الدية، واستدلّ عليه في المبسوط بأنّه ذهب نصف الجمال والمنفعة(4)، وقد أُيّد بأنّهما اثنان فيعمّها مامرّ من الحكم فيما إذا كانا اثنين.3.

ص: 253


1- . شرائع الإسلام: 263/4. وجه الضعف وقوع «غياث بن كلوب» في السند وهو عاميّ.
2- . الوسائل: 19، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2. وفي الوسائل: عن عبدالرحمن، والظاهر زيادة لفظ «عن» وما ذكرنا مطابق لنقل الشيخ في التهذيب.
3- . مفتاح الكرامة: 216/21.
4- . المبسوط: 131/7؛ قواعد الأحكام: 672/3.

والظاهر انصراف الاثنين إلى المنفصلين(1) لا كلّ ما يمكن أن يقال - إنّهما اثنان في الجملة، ولهذا لا يجب بقطعهما معه من دون قطع الحاجز - تمام الدية.

فالقول الأوّل هو الأقوى.

وأمّا القول الثالث: وهو فيه ربع الدية فهو المنسوب إلى الكيدري والتقي، ولم نجد له دليلاً، ويمكن أن يقال: إنّ المارن الذي فيه الدية الكاملة أربعة أجزاء هي: المنخران والحاجز والروثة، فتقسّط الدية عليها مضافاً إلى أصالة البراءة من الزائد.(2)

الفرع الثاني: إذا خرقت المنخرين والحاجز

كان الفرع الأوّل حول قطع أحد المنخرين، وأمّا هذا الفرع ففيما لو نفذت في الأنف نافذة على وجه لا يفسد كرمح أو سهم، فخرقت المنخرين والحاجز، ففيه ثلث الدية. ويدلّ عليه ما رواه ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأنف: وإن نفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح، فديته ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار.(3) وهو ثلث الدية.

وما في المتن: «لا تفسد» الظاهر انّه مصحف لا تنسدّ في الحديث، ولعلّ نسخة المصنّف كانت «لا تنسد» فطرق التصحيف عليها في الطبع.

ص: 254


1- . خرجت البيضتان بالدليل.
2- . جواهر الكلام: 197/43.
3- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1. ويؤيده الحديث 2 من ذلك الباب.
الفرع الثالث: إذا ثقبت النافذة الأنف مكان الخرق

إنّ الموضوع في الفرعين الثالث والثاني واحد غير أنّه في الثاني هو خرق الأنف وفي المقام ثقبه، والضمير في كلام المصنّف (ولو ثقبه) يرجع إلى الأنف، وقد حكم المصنّف بوحدة الحكم في الخرق والثقب أخذاً بالمناط.

الفرع الرابع: إذا جنى بالخرق والثقب لكن جبر والتئم

أفتى في المتن بخمس الدية على الأحوط أي مائتا دينار، لكن في رواية ظريف حسب نقل «الكافي» خمس دية الروثة حيث قال: «وإن كانت نافذة فبرأت والتأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مائة دينار».(1)

وفي الوسائل: «فديتها خمس دية الأنف، مائتا دينار».(2)

ولعلّ المصنّف اعتمد على نسخة الوسائل، ولكن الموجود في «الكافي» الذي نقلت عنه الرواية ما عرفت، والعجب أنّ محقّق الوسائل جعل مصادر مابين الهلالين كتاب «الكافي» في الهامش مع أنّ الموجود فيه خلافه.(3)

ص: 255


1- . الكافي: 331/7، الباب 38.
2- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . لاحظ: الوسائل: 29/293، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
الرابع: الأُذن
اشارة

المسألة 1. في الأُذنين إذا استؤصلا الدية كاملة، وفي استئصال كلّ واحدة منهما نصفها، وفي بعضها بحساب ديتها إن كان نصفاً فنصف، أو ثلثاً فثلث وهكذا. *

في دية الأُذن
اشارة

في المسألة فروع:

1. إذا قُطعت الأُذنان.

2. إذا قطعت أُذن واحدة.

3. إذا قطع بعض الأُذن.

وإليك دراسة الفروع:

أمّا الأوّلان فيكفي فيهما ما تضافر من أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففي كلّ واحد منهما نصف الدية، وفيهما تمام الدية، وقد مرّ ما يدلّ على ذلك، فلنذكر بعض الروايات:

1. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية».

هكذا في الوسائل ولكن في «الكافي»: «ففي الواحد نصف الدية».(1)

2. وصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يُكسر ظهره؟

ص: 256


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1. ولاحظ الحديث 12 من هذا الباب.

قال: «فيه الدية كاملة»، إلى أن قال: «وفي الأُذنين الدية وفي إحداهما نصف الدية».(1)

3. روى العلاء بن فضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في أسنان الرجل الدية تامّة، وفي أُذنيه الدية كاملة».(2)

وأمّا الفرع الثالث: فقد قال المحقّق: وفي بعضها بحسب ديتها.(3)

قال الشيخ في «النهاية»: وفيما قطع منهما بحسب ذلك.(4) ونقله العاملي عن النهاية والمبسوط وأكثر من تأخّر عن الشيخ.(5)

ويدلّ عليه خبر سماعة، قال: سألته عن اليد؟ قال: «نصف الدية، وفي الأُذن نصف الدية إذا قطعها من أصلها، وإذا قطع طرفاً منها قيمة عدل».(6)

وفي كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأُذنين إذا قطعت إحداهما فديتها خمسمائة دينار، وما قطع منها فبحساب ذلك.(7)

وربّما يستدلّ عليه بخبر مسمع ولكن مورده شحمة الأُذن، كما سيوافيك، وبذلك يُعلم أنّ المراد من قوله: «قيمة عدل» هو ملاحظة المساحة كلّها ثم نسبة المقطوع إليه فتؤخذ الدية بحسب النسبة.1.

ص: 257


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8. ولاحظ الحديث 9 و 12 وغيرهما من نفس الباب.
3- . شرائع الإسلام: 263/4.
4- . النهاية: 736.
5- . مفتاح الكرامة: 224/21.
6- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9 و 10.
7- . الوسائل: 19، الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 2. في خصوص شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وفي بعضها فبحسابها، وفي خرم الأُذن ثلث ديتها على الأحوط بل الأظهر. *

* في المسألة فروع:

1. إذا قطع شحمة الأُذن.

2. إذا قطع بعض الشحمة.

3. إذا ثقب (خرم) الشحمة. وإليك دراستها.

الفرع الأوّل: لو قطع شحمة الأُذن

إذا قطع شحمة الأُذن ففيه ثلث دية الأُذن. قال الشيخ في «الخلاف»: في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن، وكذلك في خرمها، وقال الشافعي: فيها بحسب ما نقص من الأُذن.(1)

وهذا خيرة المحقّق، قال: وفي شحمتها ثلث دية الأُذن على رواية فيها ضعف لكن تؤيّدها الشهرة. ويريد خبر مسمع: «أنّ علياً قضى في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن».(2)

الفرع الثاني: لو قطع بعض الشحمة

إذا قطع بعض الشحمة، فالضابطة أنّ دية ذلك البعض بحساب دية الأصل، فإذا كانت دية الأصل هي ثلث الدية، (دية الأُذن الواحدة) فلو قطع ثلث الشحمة فالدية ثلث الثلث، فبما أنّ ثلث الدية عبارة عن 166,66

ص: 258


1- . الخلاف: 234/5، المسألة 19.
2- . شرائع الإسلام: 263/4.

فثلثه 55,55.(1)

الفرع الثالث: لو خرم شحمة الأُذن
اشارة

إذا خرم الشحمة أي ثقبها، فقد مرّ عن الشيخ في النهاية: وفي شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن وكذلك في خرمها ثلث ديتها.(2) ولمّا كان ذلك أمراً غريباً إذ كيف تتساوى دية قطع الشحمة مع ثقبها ولأجل ذلك فقد مرّ عن الشيخ في «الخلاف» أنّ في خرم الشحمة ثلث دية الأُذن. وحمل ابن إدريس عبارة الشيخ على ثلث دية الشحمة لا ثلث دية الأُذن.(3)

وجعله المصنّف في المتن هو الأحوط والأظهر، أمّا الأحوط فهو واضح بالنسبة للجاني لحصول البراءة اليقينية من الدية، وأمّا كونه أظهر، فهو رهن تأييد الأخبار له وربّما يستدلّ بالروايات:

1. خبر معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصاب سرّة رجل ففتقها؟ فقال عليه السلام: «في كلّ فتق ثلث الدية».(4) أي ثلث دية العضو الذي حصل فيه الفتق.

2. ما جاء في كتاب ظريف قال عليه السلام: «وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية العظم الذي هو فيه».(5)

ص: 259


1- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- . النهاية: 766.
3- . السرائر: 382/4.
4- . الوسائل: 19، الباب 32 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
5- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 3.

3. ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قضى في خرم الأنف ثلث دية الأنف.(1)

ولعلّ هذه الأحاديث تشرف الفقيه على الاطمئنان بأنّ المراد ثلث دية الأُذن لا ثلث دية الشحمة.

ولكن يمكن المناقشة فيما ذكر أوّلاً بأنّ الفتق في الرواية الأُولى غير الثقب كما أنّ القرحة في الرواية الثانية غيره، نعم تبقى الرواية الثالثة وموردها الأنف دون الأُذن، ووحدة الحكم رهن إلغاء الخصوصية.

فبذلك يظهر أوّلاً أنّ ما ذكر في المتن بأنّه الأظهر، غير ظاهر.

وثانياً: أنّ مقتضى البراءة هو عدم الزائد على ثلث دية الشحمة.

وثالثاً: أنّه من المستبعد أن تكون دية قطع الشحمة وثقبها واحدة، وهو ثلث دية الأُذن، فما ذكر أحوط دون الأظهر.

وأمّا مقتضى القواعد فهو الاكتفاء بثلث دية الشحمة أخذاً بأصل البراءة.

هذا مع أنّ تعبير المتن: «وفي خرم الأُذن» غير منطبق على عنوان المسألة في كتب الأصحاب؛ لأنّ الموضوع فيها خرم الشحمة لا الأُذن، ولعلّه اتّخذ الأُذن موضوعاً ليسهل الحكم بثلث دية العضو، فلاحظ.2.

ص: 260


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

المسألة 3. لو ضربها فاستحشفت أي يبست فعليه ثلثا ديتها، ولو قطعها بعد الشلل فثلثها على الأحوط في الموضعين، بل لا يخلوان من قرب. *

* في المسألة فرعان:

1. لو ضرب الأُذن فيبست، وانقطع جريان الدم عنها.

2. لو قطعها بعد الشلل. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو ضرب الأُذن فيبست

إذا ضرب الأُذن فيبست وانقطع جريان الدم عنها، فقد اختار الشيخ أنّ فيهما الدية كاملة، قال: إذا جنى على أُذنيه جناية فشلّتا ففيهما ثلثا ديتهما.(1)، والمختار عند صاحب الجواهر والمصنّف أنّه من قبيل شلل العضو الذي فيه ثلثا ديته بلا خلاف أجده فيه.(2)

وقد مرّ في المسألة الثالثة من مسائل الأنف أنّ في شلل الأنف ثلثا ديته صحيحاً وإذا قطع الأشل فعليه ثلثها، والمقامان من واد واحد.

واعلم أنّ الضابطة: في شلل العضو ثلثا الدية وردت في مورد اليد والذراع والساق والقدم في رواية الفضيل بن يسار(3) وقد فهم المشهور أنّ ما ورد فيها، ضابطة كلية لكلّ عضو من أعضاء بدن الإنسان وإن لم يكن منها، ولذلك قلنا به في الأنف أيضاً ومثله المقام، أعني: الأوّل.

ص: 261


1- . الخلاف: 233/5، المسألة 18.
2- . جواهر الكلام: 203/43.
3- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

المسألة 4. الأصم فيما مرّ كالصحيح، ولو قطع الأُذن - مثلاً - فسرى إلى السمع فأبطله أو نقص منه ففيه - مضافاً إلى دية الأُذن - دية المنفعة من غير تداخل، وكذا لو قطعها بنحو أوضح العظم، وجب مع دية الأُذن دية الموضحة من غير تداخل. *

الفرع الثاني: لو قطع الأُذن بعد الشلل
اشارة

لو قطعها بعد الشلل، فقد عرفت في الأنف أنّ عليه ثلث الدية، وهكذا المقام مضافاً إلى مارواه الحكم بن عتيبة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أصابع اليدين إلى أن قال: «وكلّ ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح».(1)

* في المسألة فروع:

1. حكم الأصم.

2. لو قطع الأُذن فسرى إلى السمع فأبطله أو نقص منه.

3. لو قطعها بنحو أوضح العظم. وإليك دراستها.

الفرع الأوّل: في أُذن الأصم

أُذن الأصم كأُذن الصحيح بلا خلاف ولا إشكال، إذ الصمم ليس نقصاً في الأُذن بل في السماع.(2) والدية للأُذن لا للسماع، وهي جمال للإنسان.

الفرع الثاني: لو قطع الأُذن فأبطل السمع

لو قطع الأُذن فسرى إلى السمع فأبطله أو نقص سمعه، ففيه ديتان:

ص: 262


1- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . جواهر الكلام: 203/43.
الخامس: الشفتان
اشارة

المسألة 1. في الشفتين الدية كاملة، وفي كلّ واحدة منهما النصف على الأقوى، والأحوط في السفلى ستمائة دينار، وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها طولاً وعرضاً. *

دية الأُذن ودية المنفعة. وفي «مفتاح الكرامة»: لو قطع أُذنه فأزال سمعه كانتا جنايتين لا ترتبط إحداهما بالأُخرى، وقد قالوا في باب القصاص: إنّه تستوي أُذن الصغير والكبير والصحيحة والمثقوبة والسمينة والهزيلة.(1)

الفرع الثالث: لو قطع الأُذن بنحو أوضح العظم

لو قطعها بنحو أوضح العظم، وجبت عليه مع دية الأُذن دية الموضحة لأصالة عدم التداخل، وكذلك الحال لو سرى إلى السمع فأفسده، لم تتداخل الديات: دية القطع، دية الموضحة، ودية ذهاب المنفعة. وسيوافيك في المقصد الثالث في الشجاج والجراح أنّ دية الموضحة هو خمسة أبعرة، وبما أنّ الأُذن تعدّ من الرأس، فحكم الموضحة في الرأس هو ما ذكرنا.

في دية الشفتين
اشارة

في المسألة فرعان:

1. إذا قطع الشفتين.

2. إذا قطع واحدة منهما. وإليك دراستهما.

ص: 263


1- . مفتاح الكرامة: 226/21.
الفرع الأوّل: لو قطع الشفتين

فيدلّ عليه مضافاً إلى الضابطة المنصوصة، من أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية، روايتان:

1. ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام وفيها: «وفي الشفتين الدية».(1)

2. رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي الشفتين الدية».(2)

الفرع الثاني: لو قطع واحدة من الشفتين
اشارة

إذا قطع واحدة منهما، فللأصحاب فيه أقوال أربعة:

1. في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان، وهو خيرة المفيد.(3)

2. في العليا أربعمائة وفي السفلى ستمائة، وهو خيرة الشيخ في «النهاية».(4)

3. في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان، وقد نقله المحقّق عن ابن بابويه، والمراد به علي بن بابويه والد الشيخ الصدوق.(5)

4. إنّهما سيّان لا يختلفان، وهو خيرة ابن أبي عقيل واستحسنه المحقّق.

وإليك دراسة أدلّة الأقوال.

أمّا القول الأوّل: فقد علّله المفيد بأنّ المنفعة بها أكثر، وبما ثبت عن آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم.

ص: 264


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.
3- . المقنعة: 755.
4- . النهاية: 766.
5- . لاحظ: شرائع الإسلام: 264/4.

يلاحظ عليه: أمّا الوجه الأوّل فهو استحسان، وأمّا قوله: وبما ثبت عن آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم، فلم نقف على دليل له، قال العاملي: إنّ هذا شهادة من المفيد على ثبوت ذلك وهو أبلغ وأثبت ممّا يرويه ويسنده.(1)

نعم تدلّ رواية ظريف على دية الشفة السفلى هي ثلثا الدية وتكون دليلاً على فتوى المفيد في السفلى فقط، وأمّا العليا ممّا ورد فيه لا يوافقه كما سيأتي عند الكلام في القول الثالث.

وأمّا القول الثاني: أعني في العليا أربعمائة دينار وفي السفلى ستمائة دينار، فهو خيرة المقنع والهداية والنهاية والوسيلة والمهذب والطبرسي والمختلف.(2) واستدلّ عليه بوجهين:

1. رواية أبي جميلة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبداللّه عليه السلام: قال: «في الشفة السفلى ستة آلاف درهم، وفي العليا أربعة آلاف، لأنّ السفلى تمسك الماء».(1)

2. نسبه المحقّق في الشرائع إلى كتاب ظريف: «وذكره ظريف في كتابه أيضاً».(2)

ولكن الموجود فيه غيره، إذ جاء فيه: «ودية الشفة السفلى - إذا استؤصلت - ثلثا الدية: ستمائة وستة وستون ديناراً وثلثا دينار».(3)

بقي الكلام في رواية أبي جميلة، وهو المفضّل بن صالح، قال النجاشي في ترجمة جابر بن زيد: روى عنه جماعة غُمز فيهم وضعّفوا منهم1.

ص: 265


1- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- . شرائع الإسلام: 264/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المفضّل بن صالح، فلا يعتمد على خبره لو كان هناك دليل على خلافه.

وأمّا القول الثالث: وهو المنسوب إلى ابن بابويه وهو أنّ في العليا نصف الدية، وفي السفلى الثلثان، وهو قول نادر مضافاً إلى أنّ لازمه الزيادة على الدية بمقدار 160 ديناراً. ومع ذلك تدلّ عليه رواية ظريف فقد جاء فيها: وإذا قطعت الشفة العليا واستؤصلت فديتها خمسمائة دينار - إلى أن قال: - ودية الشفة السفلى إذا استؤصلت ثلثا الدية: ستمائة وستة وستون ديناراً وثلثا دينار.(1)

أمّا القول الرابع: أي أنّهما سواء في الدية، فتؤيّده الضابطة والأخبار الخاصّة.

أمّا الضابطة فقد مرّ مراراً أنّكلّ ما في الجسد منه اثنان ففي الواحد نصف الدية.

وأمّا الأخبار فكالتالي:

1. مضمرة سماعة: «الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية».(2) بناءً على أنّ المراد بيان التقدير لا أصل وجوب الدية، إذ ليس هو محل الشكّ.

2. خبر زرارة: «في الشفتين الدية، وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية».(3)

والظاهر أنّ المراد من «وفي إحداهما» أي إحدى كلٍّ من الشفتين والعينين لا خصوص العينين، ويؤيّد الحكم أصالة البراءة من الزيادة،6.

ص: 266


1- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 10؛ التهذيب: 246/10.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

المسألة 2. حدّ الشفة في العليا ما تجافى عن اللثّة متصلة بالمنخرين والحاجز عرضاً، وطولها طول الفم، وحدّ السفلى ما تجافى عن اللثّة عرضاً وطولها طول الفم، وليست حاشية الشدقين منهما. *

ولعلّه لأجل هذا وصفه في الشرائع بأنّه حسن.

وحصيلة الكلام: أنّه يدلّ على القول الثاني خبر أبي جميلة وهو ضعيف، ويدلّ على القول الثالث رواية ظريف وهو مخالف للقاعدة، فلم يكن بد من الأخذ بالقول الرابع لأنّ الضابطة المعروفة هي المرجع في المقام، وقد عرفت أنّ روايتا سماعة وزرارة تؤيّدان القاعدة، فالعدول عنها بلا دليل قاطع، غير جائز.

في حدّ الشفة العليا والسفلى

قال المحقّق: وحدّ الشفة السفلى عرضاً ما تجافى عن اللثّة مع طول الفم، والعليا ما تجافى عن اللثّة متّصلاً بالمنخرين والحاجز مع طول الفم.(1)

وقال العلّامة في «التحرير»: وحدّ السفلى عرضاً ما تجافى عن الأسنان واللثّة ممّا ارتفع عن جلدة الذقن، وحدّ العليا عرضاً ما تجافى عن الأسنان واللثّة إلى اتّصاله بالمنخرين والحاجز، وحدّهما في الطول طول الفم إلى حاشية الشدقين، وليست حاشية الشدقين منهما.(2)

كما أنّ لكلّ آية شأن نزول، ولكلّ رواية سبب صدور، فهكذا أنّ لعنوان كثير من المسائل سبباً، وهذا هو الشيخ في «المبسوط»، والديلمي

ص: 267


1- . شرائع الإسلام: 247/4.
2- . تحريرالأحكام: 587/5. وأمّا الشدقان فلا شكّ أنّهما من الشفة.

المسألة 3. لو جنى عليها حتى تقلّصت فلم تنطبق على الأسنان ففيه الحكومة، ولو استرختا بالجناية فلم تنفصلا عن الأسنان بضحك ونحوه، فثلثا الدية على الأحوط، ولو قطعت بعد الشلل فثلثها. *

في «المراسم» والمحقّق في «الشرائع» والعلّامة في «القواعد» تعرّضوا لحدّ الشفتين، وفي «الجواهر» كان المراد بذلك الردّ على من قال من العامّة بعدم القصاص فيهما لعدم حدّ لهما، ومنهم من حدّهما بغير ذلك.(1)

أقول: لا إشكال في حدّ الطول وإن طول كلّ من الشفتين يتحّد مع طول الفم، إنّما الكلام في تحديد عرض كلّ من الشفتين العليا والسفلى.

وأمّا حدّهما عرضاً فنقول: إنّ لكلّ شفة داخلاً وخارجاً، فالشفة العليا من الداخل تتّصل باللّثة، ومن الخارج تتّصل بالمنخرين والحاجز الذي بينهما.

وأمّا الشفة السفلى فداخلها يتّصل بلثّة الأسنان من الفك الأسفل، والخارج يتّصل بجلدة الذقن، وأمّا معنى التجافي في الموردين فالمراد أنّ حدّ العليا يتعدّى من اللثة إلى حدّ المنخرين، وأمّا السفلى فيتعدّى عن اللثّة وتتجاوز عنها إلى جلدة الذقن.

* في المسألة فروع:

1. إذا جنى على الشفة حتى تقلّصت.

2. لو جنى عليهما فاسترختا.

3. لو قطعت بعد الشلل.4.

ص: 268


1- . راجع: جواهر الكلام: 206/4.
لو جنى على الشفتين حتى تقلّصت أو استرختا

أمّا الفرع الأوّل والثاني: فيقع الكلام فيهما في مقامين:

الأوّل: أنّ المصنّف في المتن - تبعاً للمحقق - أفرد الضمير في التقلّص وثنّاه في الاسترخاء، مع أنّ الشيخ الطوسي ثنّى الضمير في كلا الموردين وقال: فإن جنى عليهما جان فيبستا وصارتا مقلّصتين، لا تنطبقان على الأسنان أو استرختا حتّى صارتا لا تنفصلان عن الأسنان إذا كشّر (أي تبسّم) وضحك ففيهما الدية، لأنّهما في حكم المتلفين ولا يبقى معهما الجمال(1).

والحقّ مع المحقّق: لأنّ التقلّص عبارة عن انزواء الشفة علوّاً كما في المنجد، ومن المعلوم أنّه يتصوّر في الشفة العليا حيث تنكمش إلى الفوق، دون السفلى، ومع ذلك يحتمل التقلّص في الشفة السفلى.

الثاني: هل في التقلّص الحكومة كما استقربه المحقّق(2) وأفتى به في المتن، أو أنّ فيه الدية تامّة كما عليه الشيخ في «المبسوط» على ما حكاه في «مفتاح الكرامة».(3)

الظاهر هو الأوّل لأنّه لم يرد فيه حدّ معيّن. وأمّا الدية كاملة فهي فيما إذا قطع الشفة كاملة.

نعم وجّه الشهيد الثاني كلام الشيخ بقوله: فإنّ مع التقلص تزول المنفعة المخلوقة لأجلها والجمال فيجري مجرى عدمها.(4)

يلاحظ عليه: أنّ التقلّص لا يفقد الإحساس فلا يلحق بالعضو التالف.

ص: 269


1- . المبسوط: 7/132.
2- . شرائع الإسلام: 264/4.
3- . مفتاح الكرامة: 230/21.
4- . مسالك الأفهام: 414/15.

المسألة 4. لو شقّ الشفتين حتى بدت الأسنان فعليه ثلث الدية، فإن برأت فخمس الدية، وفي إحداهما ثلث ديتها إن لم تبرأ، وإن برأت فخمس ديتها على قول معروف في الجميع. *

الفرع الثالث: لو قطع الشفة المشلولة

لو قطعت الشفة المشلولة ففيها ثلث ديتها، أخذاً بالضابطة التي ذكرناها في المسألة الثالثة من مسائل الأنف بأنّه إذا قطع الأشل (من الأنف) ففيه ثلث ديته، ومرّ الاستدلال على الضابطة بصحيحة الفضيل بن يسار وخبر الحكم بن عتيبة، فراجع.

لو شقّ الشفتين أو إحداهما

ذكر المصنّف لمن شُقّت شفته أو شفتاه، صوراً:

1. لو شُقّت الشفتان حتى بدت الأسنان، فعلى الجاني ثلث الدية.

2. فإن برأتا فخمس الدية.

3. في إحداهما ثلث ديتها إن لم تبرأ.

4. وإن برأت فخمس ديتها.

وحاصل الصور: أنّ الشفتين إذا شقّتا حتى بدت الأسنان ولم يبق شيء منهما ولم تبرءا أو لم يلتئما ففيه ثلث الدية، وإن برأتا فخمس الدية.

وإذا شقّت إحداهما ولم تبرأ ثلث دية الشفة، فإن برأت فخمس ديتها.

ففي الصورة الأُولى يكون ثلث الدية الكاملة، أي مقدار 333 ديناراً

ص: 270

وثلث الدينار، وفي الصورة الثانية يكون خمس الدية الكاملة أي مقدار 200 دينار، وفي الصورة الثالثة يكون ثلث دية الشفة أي مقدار 166/23 ديناراً، وفي الصورة الرابعة يكون خمس دية الشفة أي مقدار 100 دينار.

وعلى هذا: فالمأخذ في الشفتين الدية الكاملة وثلثها فيما إذا لم تلتئم وخمسها إذا التأمت. والمأخذ في إحداهما إذا لم تلتئم ثلث دية الشفة، وعند الالتئام خمس دية الشفة.

وحصيلة الكلام: أنّ في الشفتين عند عدم الالتئام 333 ديناراً وثلثه، وفيهما عند الالتئام 200 دينار.

وفي إحداهما عند عدم الالتئام 23/166 ديناراً.

وفي إحداهما عند الالتئام 100 دينار

وقال في «الجواهر» بعد نقل الصور: وفي «كشف اللثام» نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن الغنية الإجماع عليه.(1)

إنّما الكلام في تطبيق ما اتّفقوا عليه على رواية ظريف، فعليك بالتأمّل فيما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم لرواية ظريف.(2) والظاهر عدم الانطباق في بعض الصور.1.

ص: 271


1- . جواهر الكلام: 207/43-208.
2- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
السادس: اللسان
اشارة

المسألة 1. في لسان الصحيح إذا استؤصل الدية كاملة، وفي لسان الأخرس ثلث الدية مع الاستئصال. *

في دية اللسان
اشارة

في المسألة فرعان:

1. إذا قطع اللسان الصحيح جسماً ونطقاً.

2. إذا قطع لسان الأخرس. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو قطع اللسان الصحيح جسماً ونطقاً

فمقتضى النصوص هو الدية الكاملة، وقد دلّت صحيحة هشام بن سالم على أنّ كلّ ما في الإنسان واحد ففيه الدية كاملة، وأمّا النصوص الخاصّة فهي:

1. صحيح العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في أنف الرجل إلى أن قال: و (في) لسانه الديةُ تامّة».(1)

2. موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي اللسان إذا قطع الدية كاملة».(2)

الفرع الثاني: لو قطع لسان الأخرس
اشارة

لو قطع لسان الأخرس، فالظاهر أنّ ثلث الدية مورد وفاق، قال الشيخ في «الخلاف»: في لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية اللسان الصحيح، وقال

ص: 272


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 11.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

المسألة 2. لو قطع بعض لسان الأخرس فبحساب المساحة، وأمّا الصحيح فيعتبر قطعه بحروف المعجم، وتبسط الدية على الجميع بالسوية، من غير فرق بين خفيفها وثقيلها، واللسنيّة وغيرها، فإن ذهبت أجمع فالدية كاملة، وإن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب خاصّة. *

الشافعي وجميع الفقهاء: فيه الحكومة ولا مقدّر فيه.(1)

ويدلّ عليه صحيحة بُريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصيّ وأُنثييه، ثلث الدية».(2)

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأخرس خلقة أو عرضاً، ولكن ورد التفصيل بينهما في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس؟ فقال: «إن كان ولدته أُمّه وهو أخرس فعليه الدية، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعدما كان يتكلّم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه».(3)

ولكن الرواية غير معمول بها فلا يمكن الاحتجاج بها.

* في المسألة فرعان:

1. لو قطع بعض لسان الأخرس.

2. لو قطع بعض لسان الصحيح. وإليك دراستهما.ل.

ص: 273


1- . الخلاف: 241/5، المسألة 34.
2- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، هذا على ما في مرآة العقول، وأمّا الكافي والتهذيب ففي كلا الموردين: «ثلث الدية» وعليه لا يدلّ على التفصيل.
الفرع الأوّل: لو قطع بعض لسان الأخرس

إذا قطع بعض لسان الأخرس، فبحسابه مساحة، فإنّ مثل لسانه كسائر الأعضاء وجوارح الإنسان، فما لم يكن له مقدّر، فيؤخذ بحسابه إلى المقدّر، فبما أنّ في قطع لسان الأخرس كلّه ثلث الدية، فلو قطع نصفه يكون فيه نصف ثلث الدية، فإذا كان ثلث الدية هو 13 333، فنصفه 23 166.

الفرع الثاني: لو قطع بعض لسان الصحيح

إذا قطع بعض اللسان الصحيح، فيحاسب بحروف المعجم ويعطى الدية بحسب ما لا يفصح منها لا بحساب المساحة، وهذا القول هو المعروف بأنّ المدار هو ذهاب المنفعة أي منفعة اللسان في أداء الحروف. قال السيد العاملي - بعد قول العلّامة في القواعد: «لو قطع بعض لسان الصحيح اعتبر بحروف المعجم» -: بإجماع الفرقة وأخبارهم وعندنا وعند العامّة، كما في «المبسوط» و «السرائر»، وهو المشهور كما في «المسالك»، ومذهب الأكثر كما في «مجمع البرهان»، وبه صرّح في «المقنعة» و «النهاية» و «المراسم» و «الوسيلة» و «الشرائع» و «النافع» و «التحرير» و «الإرشاد» و «التبصرة» و «اللمعة» و «المهذب البارع» و «المقتصر» و «الروضة» وغيرها، بل هو خيرة «الغنية» و «الكافي» و «الإصباح» - كما ستسمع - وفي أكثرها التصريح بعدم الاعتداد بالمساحة وهو ظاهر الباقين كما ستعرف.(1)

هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام فيما هو المراد من حروف المعجم، فالمشهور هو الحروف الثمان والعشرين، أو التسعة والعشرين، التي

ص: 274


1- . مفتاح الكرامة: 21/233.

تشكّل العمود الفقري للّغة العربية، فتقسم الدية عليها بالسوية، وهذا المشهور وعليه أكثر الروايات، إلّارواية واحدة (وهي رواية سماعة التي تتضمّن تقسيم الدية على حساب الجمل) كما سيأتي الكلام فيه.

تقسيم الدية وفقاً لما يفصحه وما لا يفصحه

وردت روايات تدلّ على أنّ الدية تقسّط على منافع اللسان فما لم يفصح به كان عليه الدية، وهي كثيرة، وموردها إلّارواية سماعة -: ضرب الرجل على نحو يحدث فيه تلك الحالة دون أن يُقطع من لسانه شيء، ولكن لا فرق بين الصورتين، من حيث الحكم.

وقد جمعها صاحب الوسائل في الباب الثاني من أبواب ديات المنافع، وإليك الروايات:

1. ما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ضرب رجلاً في رأسه، فثقل لسانه؟ أنّه يعرض عليه حروف المعجم كلّها، ثمّ يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها.(1)

فهذه الضابطة - أعني: (الدية على ما لم يفصح) - ممّا تضافرت عليه بقية الروايات.

2. ما رواه الكليني عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في رجل ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثقل لسانه، فقال: «يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح منها فلا شيء فيه، و مالم يفصح به كان عليه الدية، وهي تسعة

ص: 275


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

وعشرون حرفاً» ورواه الصدوق عن البزنطي عن عبد اللّه بن سنان إلّاأنّه قال:

ثمانية وعشرون حرفاً.(1)

3. ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم تقرأ، ثمّ قسِّمت الدية على حروف المعجم، فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقياس من ذلك».(2)

4. ما رواه سماعة قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب غلاماً على رأسه فثقل بعض لسانه وأفصح ببعض الكلام ولم يفصح ببعض، فأقرأه المعجم، فقسّم الدية عليه، فما أفصح به طرحه، وما لم يفصح به ألزمه إياه».(3)

5. ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم، فما لم يفصح به منها يؤدّي بقدر ذلك من المعجم، (يقسم) أصل الدية على المعجم كلّه، يعطى بحساب ما لم يفصح به منها، وهي تسعة وعشرين حرفاً».(4) وهذه الرواية نفس ما رواه الكليني والصدوق وذكرناها برقم 2.

وقد مرّ أنّ في نقل الكليني ونقل الشيخ هنا أنّ عدد المعجم تسعة وعشرون حرفاً، وفي نقل الصدوق ثمانية وعشرون حرفاً. وسيوافيك الكلام في ترجيح أحدهما على الآخر.

6. روى الشيخ بسنده عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أُتي5.

ص: 276


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.

أمير المؤمنين عليه السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي البعض، فجعل ديته على حروف المعجم، ثمّ قال: تكلّم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً، فجعل ثمانية وعشرين جزءاً، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك».(1)

7. روى الصدوق في «عيون الأخبار» بإسناده عن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «إنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ وجلّ ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم، وأنّ الرجل إذا ضُرِب على رأسه بعصا فزعم أنّه لا يفصح ببعض الكلام، فالحكم فيه أن يعرض عليه حروف المعجم، ثمّ يعطى الدية بقدر ما لم يفصح منها».(2)

إذا عرفت ما ذكرنا من الروايات فلنذكر أُموراً:

1. الإعجام عبارة عن إزالة الإبهام عن الحرف، فلذلك قسّمت الحروف إلى معجمة - أي منقوطة - ومهملة - أي غير منقوطة - لكن المراد هنا مطلق الحروف من غير فرق بين المهملة والمعجمة.

2. إنّ حروف المعجم في رواية عبد اللّه بن سنان على نقل الكليني والشيخ تسعة وعشرون حرفاً، وعلى نقل الصدوق لتلك الرواية ثمانية وعشرون حرفاً، وعلى رواية السكوني التي نقلها الشيخ ثمانية وعشرون حرفاً، فمن عدّها أكثر فقد جعل الهمزة والألف حرفين، ومن اكتفى بالأقل فقد عدّهما حرفاً واحداً. والظاهر كون الأقل أقوى وأشهر، لأنّ في رواية8.

ص: 277


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 6.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 8.

التسع والعشرين اضطراباً حيث نقلها الصدوق على نحو والكليني على نحو آخر، حتى أنّ الشيخ الذي نقل العدد الأكثر، نقل الأقل في رواية السكوني(1)، ولذلك يقول صاحب الوسائل: الأقل أقوى وأشهر، فإذا سقطت رواية ابن سنان لأجل الاضطراب عن الحجية يكون المرجع رواية السكوني، خلافاً للسيد الخوئي حيث عكس الأمر وجعل التسعة والعشرين أقوى مستدلّاً بأنّ رواية السكوني فيها ضعف حيث إنّ في سند الشيخ إلى النوفلي ضعفاً، واعتمد على رواية عبد اللّه بن سنان حسب نقل الكليني والشيخ، وقدّمها على رواية الصدوق. ومع ذلك كلّه فالمشهور هو ثمانية وعشرون، يقول ابن دريد: واعلم أنّ الحروف التي استعملتها العرب في كلامها في الأسماء والأفعال والحركات والأصوات تسعة وعشرون حرفاً مرجعهن إلى ثمانية وعشرين حرفاً.(2) وليعلم أنّ المناقشة في أسانيد المشايخ إلى أصحاب الكتب والأُصول غير تامّة؛ لأنّ هذه الكتب كانت مشهورة رائجة ثابتة نسبتها إلى مؤلّفيها، وإنّما ذكرت الأسانيد في المشيخة، لأجل اخراجها عن الإرسال إلى الاسناد، وقد حققنا الكلام في ذلك في كتابنا «كليات في علم الرجال».

3. مورد الروايات عامّة فيما إذا عجز عن التكلّم لعروض ثقل على لسانه بسبب الضربة، فالموضوع في عامّة الروايات هو ثقل لسانه، أو ثقل بعض لسانه، وأمّا إذا قطع من لسانه فهونظير ما لو ضرب فثقل لسانه، فالميزان في كلا الموردين واحد، وهو: تقسيم الدية على ما يفصح وما لا يفصح.1.

ص: 278


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 6.
2- . جمهرة اللغة: 41/1.

ويدلّ عليه رواية أُخرى لسماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل ضرب غلامه ضربة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم يفصح ببعض، فقال: «يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية، وما لم يفصح به أُلزم الدية»، قال: قلت:

كيف هو؟ قال: «على حساب الجُمل».(1)

فعلى هذا فلا فرق في سلب التكلّم بالحروف بين كونه مستنداً إلى ثقل اللسان أو قطع شيء منه، فالجميع من واد واحد ويدلّ على القسم الأوّل - أي الاستناد إلى ثقل اللسان - روايات ست، ويدلّ على القسم الثاني - أي الاستناد إلى قطع شيء من اللسان - رواية سُماعة، وسيوافيك في المسألة الرابعة أنّ في قطع اللسان قولين آخرين:

أ. الاعتبار بالمساحة، وهو خيرة الأردبيلي.

ب. الأخذ بأكثر الأمرين، وهو خيرة الشهيد الثاني. وسيأتي الكلام فيهما.

ولولا أنّ المصنّف ذكر مسألة قطع اللسان بصورة مستقلّة، لاستوفينا الكلام في الأقوال فيها، هنا.

4. قد اتّفقت الروايات الست على أنّ الميزان هو حروف المعجم غير أنّ الرواية الأخيرة جعلت العبرة «على حساب الجمل» ولولا ذيل الرواية لحملنا حساب الجمل على حساب المعجم، لكن الرواية مذيّلة بشيء يمنع عن ذلك، لأنّه يفسره بالنحو التالي:7.

ص: 279


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 7.

«الألف ديتها واحد، والباء ديتها اثنان، والجيم ثلاثة، والدال أربعة، والهاء خمسة، والواو ستة، والزاء سبعة، والحاء ثمانية، والطاء تسعة، والياء عشرة، والكاف عشرون، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والنون خمسون، والسين ستّون، والعين سبعون، والفاء ثمانون، والصاد تسعون، والقاف مائة، والراء مائتان، والشين ثلاثمائة، والتاء أربعمائة، وكلّ حرف يزيد بعد هذا من ألف ب ت ث، زدتَ له مائة درهم».

ولا يخفى ما في هذا الذيل من إشكالات ثلاثة:

الأوّل: ما أشار إليه الشيخ الطوسي إذ قال: ما تضمّن هذا الخبر من تفصيل الدية على الحروف، يشبه أن يكون من كلام بعض الرواة حيث سمعوا أنّه قال:

يفرّق على حروف الجمل، ظنّوا أنّه على ما يتعارفه الحساب، ولم يكن القصد ذلك، بل القصد أنّها تقسّم على أجزاء متساوية.(1)

الثاني: أنّ حروف الجمل هي الحروف الأبجدية أعني:

أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ. وإذا أردنا أن نقف على حساب الجمل فهي هكذا:3.

ص: 280


1- . التهذيب: 263/10 برقم 1043.

أ 1

ب 2

ج 3

د 4

ه 5

و 6

ز 7

ح 8

ط 9

ي 10

ك 20

ل 30

م 40

ن 50

س 60

ع 70

ف 80

ص 90

ق 100

ر 200

ش 300

ت 400

ث 500

خ 600

ذ 700

ض 800

ظ 900

غ 1000

فلو كان حساب الدية على حساب الجمل الرائج المصور آنفاً بالدرهم لنقص مجموع ما ذكر من الأرقام عن العشرة آلاف درهم، بل تكون نتيجة الجمع: 5995.

ولو كان حسابها بالدينار تكون النتيجة 5995 ولزادت عن الألف بكثير لأنّ حساب كلّ عدد متقدّم يحفظ بحاله ويزيد عليه حساب العدد المتأخّر لا أنّ الأوّل يدغم في الثاني. مع العلم بأنّ الرواية قد صرّحت بأنّ الحساب بالدرهم.

الثالث: أنّه توقّف على قوله: «التاء» أربعمائة مع أنّه لم يذكر حروف الجملتين أعني: (ثخذ، و ضظغ) إلّاأن يقال: كفى في ذكرهما قوله: «وكلّ حرف يزيد بعد هذا زدت له مائة درهم».

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الميزان هو مقدار الإفصاح وعدمه، من غير فرق بين كون السبب هو الضرب وثقل اللسان، أو القطع.

ص: 281

المسألة 3. حروف المعجم في العربية ثمانية وعشرون حرفاً، فتجعل الدية موزعة عليها، وأمّا غير العربية فإن كان موافقاً لها فبهذا الحساب، ولو كان حروفه أقل أو أكثر فالظاهر التقسيط عليها بالسوية كلّ بحسب لغته. *

توزيع دية اللسان على حروف المعجم في العربية

قد مرّ الكلام في المسألة السابقة، في وجود الاختلاف بين الروايات في عدد حروف المعجم، ففي رواية عبد اللّه بن سنان على نقل الكليني والشيخ هو تسع وعشرون حرفاً، وعلى رواية الصدوق لها ثمانية وعشرون حرفاً، كما أنّ عددها على رواية السكوني ثمانية وعشرين، وقد مرّ تصريح صاحب جمهرة اللغة على الثاني، ولعلّه الأقوى - وقد مرّ وجهه -، غير أنّ الكلام في غير العربية، فالحروف الفارسية اثنان وثلاثون، وهي في سائر اللغات أكثر من ذلك، فمقتضى القاعدة تقسيط الدية بحسب لغة المجنيّ عليه، لا اللغة العربية.

إذ في اللغة الفارسية حروف تختصّ بهذه اللغة نظير:

پ، چ، ژ، گ، فتبلغ اثنين وثلاثين حرفاً.

ومناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك، بل يمكن أن يقال: انصراف الروايات إلى لغة كلّ إنسان.

إنّما يقع الكلام في أنّ الميزان في عد الحروف هو الكتابة أو أنّ الميزان هو التلفّظ فلو كان الميزان هو الأُولى لصحّ القول بزيادة حروفها على

ص: 282

المسألة 4. الاعتبار في صحيح اللسان بما يذهب الحروف لا بمساحة اللسان، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية، ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف فنصف الدية. *

العربية، وأمّا لو كان الميزان هو التلفّظ فتنقص عن العدد المذكور فإنّ كثيراً من الحروف العربية، يتلفّظ في الفارسية على نمط واحد نظير: الزاء والضاد والذال والظاء، وكذا الحاء والهاء وعند ذلك ينقص عدد الحروف فيها عن الرقم المذكور. الظاهر هو القول الثاني لما في موثقة سماعة: «يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية» وعلى هذا فلو عجز عن التكلّم بالزاء والذال والضاد والظاء فيحسب حرفاً واحداً، واللّه العالم.

لو ذهبت منفعة اللسان بسبب القطع

كان البحث في المسائل المتقدّمة، هو ذهاب منفعة اللسان بسبب الضرب، دون القطع، إنّما الكلام فيما إذا كان ذهاب المنفعة بسبب القطع فلو كان المقطوع كلّ اللسان، ففيه الدية كاملة.

إنّما الكلام إذا قطع بعضه ففي المقام أقوال أربعة:

الأوّل: ما في المتن من أنّ الميزان مقدار ذهاب المنافع لا مقدار المساحة من اللسان، فلو قطع نصفه لكن ذهب ربع الحروف ففيه الربع، ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف ففيه النصف. وتدلّ عليه رواية سماعة المتقدّمة(1)حيث إنّ موردها القطع، وقد جعل الميزان مقدار ما يفصح وما لا يفصح.

ص: 283


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 7.

القول الثاني: أنّ الميزان في مقدار الدية هو مساحة اللسان، فلو قطع الكلّ فلا أثر في الاختلاف وإنّما يلزم على الجاني، الدية كاملة؛ وأمّا لو قطع نصفه فالدية بالنصف، وإن كان ذهاب المنفعة ربعها، كما أنّه لو كان ذهاب المنفعة ثلثاها فالدية على النصف، وهذا القول هو الذي قوّاه المحقّق الأردبيلي في شرحه على الإرشاد، قال: فإنّ الدليل على ما سمعت، إنّما دلّ على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب من الجرم شيء، إذ ما كان في الدليل ما يشمل على قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف. وأنّه قد يسقط من اللسان ولا يحصل قصور في صدور الحروف، فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما إذا كان النقص فيها فقط، وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه(1) فقط.

وعلى تقدير الاجتماع يحتمل جعل المدار على المساحة فإنّها المدار فيما له مقدّر، وليس للنقص مقدّر.

ويبعد احتمال جعل المدار على المنفعة كما هو ظاهر المتن (فإنّه قال في المتن: وفي البعض بنسبة ما يسقط من حروف المعجم)، والأكثر.(2)

ويحتمل أكثر الأمرين للاحتياط وللعمل بدليل المساحة والمنفعة.(3)

وحاصل كلامه:

1. أنّ ما دلّ على أنّ المدار هو نقصان الحروف، ورد في مورد ذهاب المنفعة ولم يذهب من جرم اللسان شيء، فلا يحتجّ به في المقام، أعني: ما إذا قطع بعض اللسان مع ذهاب المنفعة.4.

ص: 284


1- . اللسان.
2- . أي وظاهر الأكثر.
3- . مجمع الفائدة والبرهان: 377/14.

2. لو فرضنا أنّه قطع بعض اللسان ولم يحصل نقص في إظهار الحروف، فلا يظهر هنا ملاحظة المنافع، إذ الفرض أنّ المنافع محفوظة مع قطع البعض.

3. ثمّ إنّ هنا صوراً ثلاثاً: والمدار على المنافع في أولاها، والمساحة في الأُخريين، وإليك الصور:

1. إذا حصل النقص في المنفعة فقط فالمدار هو ملاحظة ما فات من المنافع.

2. إذا قطع بعض اللسان، دون أن يحصل نقص في المنافع فالمدار هو ملاحظة المساحة.

3. إذا اجتمعا فالمدار هو المساحة لأنّها المدار في سائر الموارد، كالأُذن والأنف.

4. واحتمل وجوب أكثر الأمرين للاحتياط والعمل بدليلين: المساحة والمنفعة.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره خلاف رواية سماعة(1) حيث إنّ موردها القطع، وقد جعل الميزان في مقدار الدية ما يفصح وما لا يفصح مع قطع النظر عمّا في ذيله من حساب الجمل.

القول الثالث: وهو للشهيد الثاني حيث قال: وقيل: مع قطع البعض يعتبر أكثر الأمرين من الذاهب من اللسان ومن الحروف، لأنّ اللسان عضو متّحد في الإنسان فيه الدية من غير اعتبار الحروف، كما أنّ النطق بالحروف منفعة7.

ص: 285


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 7.

متّحدة فيها الدية من غير اعتبار اللسان، فإذا كان الذاهب من اللسان أكثر من الحروف وجب دية الزائد من حيث اللسان، وبالعكس، وهذا أظهر.(1)

وهذا هو الذي ذكره الأردبيلي في آخر كلامه ثم عدل عنه في ذيل كلامه.(2)

نعم هو موافق للاحتياط في جانب الجاني لأجل براءة ذمّته، لا في جانب المجنيّ عليه، لاحتمال أن يكون الواجب أحد الأمرين، لا أكثر الأمرين. أضف إلى ذلك: أنّه مخالف لإطلاق الروايات.

القول الرابع: أن يكون الواجب مجموع الأمرين كما ذكره المحقّق الأردبيلي وقوّاه صاحب الرياض.(3)

ولكن النسبة إلى الأردبيلي غير صحيحة، إذ لم يقل بمجموع الأمرين بل قال بأكثر الأمرين، إذ يلزم على الأوّل ديتان، بخلاف الثاني فيلزم فيه أكثر الديتين، قال: ويحتمل أكثر الأمرين، للاحتياط وللعمل بدليل المساحة والمنفعة.(4)

ولا يخفى ضعف هذا الاحتمال على فرض وجود القائل به لعدم وجوب أكثر من دية واحدة، إمّا الأقل وإمّا الأكثر لا الجمع بين الديتين.

وعلى كلّ تقدير فقد أفتى المصنّف بما هو المشهور وقال: لو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية. ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف، فنصف الدية وقد عرفت دليله.4.

ص: 286


1- . مسالك الأفهام: 417/15.
2- . مجمع الفائدة والبرهان: 378/14.
3- . مباني تكملة المنهاج: 287/2.
4- . مجمع الفائدة والبرهان: 387/14.

المسألة 5. لو لم يذهب الحرف بالجناية لكن تغيّر بما يوجب العيب فصار ثقيل اللسان أو سريع النطق بما يعدّ عيباً، أو تغيّر حرف بحرف آخر ولو كان الثاني صحيحاً لكن يعد عيباً، فالمرجع الحكومة. *

لو صار لسانه ثقيلاً أو سريع النطق

قال المحقّق: ولو صار سريع النطق أو إزداد سرعة، أو كان ثقيلاً فزاد ثقلاً فلا تقدير فيه، وفيه الحكومة، وكذا لو نقص، فصار ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح.(1)

وحاصله: أنّه إذا زالت السرعة بعدما كان سريعاً أو زاد في الثقل بعد ما كان ثقيلاً أو صار الضرب سبباً لأداء الصحيح بالفاسد، كأن يأتي بالراء شبيهة بالغين، كلّ ذلك فيه الحكومة، إذ ليس فيه تقدير صحيح.

ونقل في الجواهر أنّه ربّما يحتمل لزوم دية الحرف في صورة بقائه غير صحيح، وأورد عليه بأنّ الحكومة أعدل منه.

هذا من غير فرق بين طروء العيب المذكور بسبب الضرب أو بسبب قطع اللسان.

نعم يحتمل أنّه إذا كان العيب مستنداً إلى قطع اللسان، لزوم أرش القطع باعتبار المساحة خاصّة، وهو خيرة صاحب كشف اللثام كما نقله صاحب الجواهر.(2)

ص: 287


1- . شرائع الإسلام: 264/4.
2- . جواهر الكلام: 217/43.

المسألة 6. لو قطع لسانه جان فأذهب بعض كلامه ثم قطع آخر بعضه فذهب بعض الباقي، أخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأوّلي إلى ما بقي بعدها، فلو ذهب بجناية الأوّل نصف كلامه فعليه نصف الدية، ثم ذهب بجناية الثاني نصف ما بقي، فعليه نصف هذا النصف أي الربع وهكذا. *

لو قطع لسانه جانٍ ثم قطع آخر بعضه

قال المحقّق: ولو جنى آخر اعتبر بما بقي وأُخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأوّل.(1)

توضيحه: أنّه لو جنى شخصان على لسان واحد، فجنى الأوّل فاذهب بجنايته نصف الحروف مثلاً، ثمّ جاء الثاني فاذهب نصف الباقي لا كلّه، ففي المسألة وجهان:

1. وجب عليه الربع لوضوح أنّه أذهب ربع المنفعة، لا جميعها، نعم لو أذهب النصف الباقي تماماً يجب عليه النصف.

2. يعتبر أكثر الأمرين من المقطوع والذاهب من الكلام.(2) وتظهر الثمرة في فرع آخر وهو أنّه لو قطع الأوّل ربع اللسان فذهب نصف الكلام كان عليه نصف الدية، لأنّ الذاهب من الكلام أكثر من الذاهب من اللسان لأنّ المفروض أنّه قطع ربع اللسان.

ص: 288


1- . شرائع الإسلام: 265/4.
2- . جواهر الكلام: 220/43.

المسألة 7. لو أعدم شخص كلامه بالضرب على رأسه ونحوه من دون قطع، فعليه الدية، ولو نقص من كلامه فبالنسبة كما مرّ، ولو قطع آخر لسانه الذي أخرس بفعل السابق فعليه ثلث الدية وإن بقيت للّسان فائدة الذوق والعون بعمل الطحن، من غير فرق بين قدرة المجنيّ عليه على الحروف الشفوية والحلقية أم لا. *

ثمّ لو جاء الآخر فقطع بقية اللسان وافترضنا أنّه ذهب ربع الكلام فلو قلنا بأنّ العبرة هنا بالمساحة لا بالذاهب من الكلام يجب عليه ثلاثة أرباع الدية، إذ المفروض أنّه قطع ثلاثة أرباع من اللسان، وإن ذهب ربع المنافع.

لو أعدم شخص كلامه ثم قطعه آخر

قال العلّامة في «القواعد»: ولو أعدم الأوّل كلامه ثم قطعه آخر، كان على الأوّل الدية، وعلى الثاني الثلث.(1)

وذلك لأنّ الأوّل أعدم كلامه رأساً من غير قطع فوجبت عليه الدية تامّة لذهاب المنفعة كلّها، وعلى الآخر ثلث الدية لأنّ لسانه لسان الأخرس، لأنّ الذي لا ينطق بحرف فهو أخرس، ولو عرضاً.

فإن قلت: ربّما تبقى في اللسان فائدة الذوق، وربّما تبقى الحروف الشفوية والحلقية.

قلت: إنّها ليست من منفعة اللسان، وإن اعتبرت في قطعه.(2)

ص: 289


1- . قواعد الأحكام: 675/3.
2- . جواهر الكلام: 220/43.

المسألة 8. لو قطع لسان طفل قبل بلوغه حدّ النطق فعليه الدية كاملة، ولو بلغ حدّه ولم ينطق فبقطعه لا يثبت إلّاالثلث، ولو انكشف الخلاف يؤخذ ما نقص من الجاني. *

المسألة 9. لو جنى عليه بغير قطع فذهب كلامه ثم عاد فالظاهر أنّه تستعاد الدية، وأمّا لو قلع سنّه فعادت فلا تستعاد ديتها. **

لو قطع لسان طفل قبل بلوغه

لو قطع لسان طفل كان فيه الدية، إذ الأصل السلامة، ولو بلغ حدّاً ينطق مثله ولم ينطق فالثلث لظن الآفة.

ثمّ إذا انكشف الخلاف بأن نطق بعد ذلك فيعتبر حينئذٍ بالحروف فيؤخذ من الجاني ما نقص، فإن كان بقدر المأخوذ أوّلاً، فهو، وإلّا أتم له، وإن نقص(1) أُستعيد منه، ولو لم يذهب شيء من الحروف فالحكومة.(2)

ولا يخفى أنّ ما ذُكر إنّما يصحّ فيما لو قطع شيئاً من لسان الطفل، فالتعبير بأنّه قطع لسان طفل كما في المتن، والشرائع والقواعد، ليس بجيّد.

لو ذهب كلامه بغير قطع ثم عاد

قال العلّامة: إن جنى عليه فذهب بكلامه من غير أن يقطع شيئاً من اللسان، فأخذ الدية، ثم عاد كلامه، استُعيد منه الدية، لأنّه لو ذهب كلامه لما عاد، فلمّا رجع عُلم أنّه لم يذهب، قاله في المبسوط(3). وقال في «الخلاف»:

ص: 290


1- . الظاهر: زاد.
2- . قواعد الأحكام: 675/3.
3- . المبسوط: 163/7.

لا تستردّ.(1) وهو حسن.(2)

وما اختاره العلّامة هو نفس خيرة المحقّق حيث قال: وهو الأشبه.(3)

ووجه كونه أشبه لأنّ الأخذ كان بحق، والاستعادة تفتقر إلى دليل كما أفاده الشيخ في «الخلاف».

وقد استشكل عليه في «الجواهر»(4) بأنّ المنساق من النصوص كون الذاهب دائماً دون الذاهب مدّة، ولذلك أفتى المصنّف بأنّ تستعاد.

والظاهر أنّ الجناية أثرّت في أعصاب المجنيّ عليه تأثيراً مؤقّتاً عاقه عن إعمال النطق، لكن مضي الزمان صار سبباً لقوّة الأعصاب على أداء الكلام، فلا يكون العود هبة جديدة بل نفس الشيء.

نعم يقع الكلام في الفرق بين المقام حيث قالوا بالاستعادة وبين قلع السنّ فيما لو عادت، فقالوا: لا تستعاد ديتها، وذلك لأنّ السن الجديدة هبة جديدة، وليس عوداً للمقلوع، ولذلك قال المحقّق: أمّا لو قلع سن المثغر فأخذ ديتها وعادت لم تستعد ديتها لأنّ الثانية غير الأُولى.(5)4.

ص: 291


1- . الخلاف: 242/5، المسألة 37.
2- . تحرير الأحكام: 577/5، المسألة 7229.
3- . شرائع الإسلام: 265/4.
4- . جواهر الكلام: 43/224.
5- . شرائع الإسلام: 265/4.
السابع: الأسنان
اشارة

المسألة 1. في الأسنان الدية كاملة، وهي موزعة على ثمان وعشرين سناً، اثنتا عشرة في مقاديم الفم: ثنيتان ورباعيتان ونابان من أعلى ومثلها من أسفل، ففي كلّ واحدة منها خمسون ديناراً، فالجميع ستمائة دينار، وست عشرة في مآخر الفم، في كلّ جانب من الجوانب الأربعة (أربعة ضواحك)(1) وأضراس ثلاثة، في كلّ واحدة منها خمسة

وعشرون ديناراً، فالجميع أربعمائة دينار، ولا يلحظ النواجذ في الحساب ولا الأسنان الزائدة. *

في دية الأسنان
اشارة

قال الشيخ في «المبسوط»: دية الأسنان: وعندنا في جميعها الدية كاملة، في اثني عشر المقاديم ستمائة دينار، خمسون، خمسون، وفي ستة عشر في مواخير الفم، أربعمائة، في كلّ واحدة خمسة وعشرون ديناراً.(2)

ويظهر من قوله: «عندنا» أنّ المسألة اتّفاقية، وقال الشيخ في «الخلاف»:

الأسنان كلّها فيها الدية بلا خلاف، وعندنا أنّها ثمانية وعشرون سناً، الأصلية اثنا عشر في مقاديم الفم، وستة عشر في مواخيره، ففي التي في مقاديم الفم في كلّ واحدة خمس من الإبل، أو خمسون ديناراً، وفي التي في مواخيره في كلّ واحدة خمسة وعشرون ديناراً، الجميع ألف دينار. وقال الشافعي:

ص: 292


1- . الصحيح: ضاحك واحد. فالمجموع أربعة ضواحك في الجوانب الأربعة.
2- . المبسوط: 137/7.

الأسنان اثنان وثلاثون. الأصلية في كلّ سن خمس من الإبل، والمقاديم والمواخير سواء، فإن قلعت واحدة كان فيها خمس من الإبل. وبه قال ابن عباس، ومعاوية. وقال عمر بن الخطاب: في السن خمس من الإبل، وهي التي تبين عند الكلام والأكل. فأمّا الأضراس ففي كلّ ضرس بعير. وإن قلعت دفعة واحدة فللشافعي فيه قولان: المشهور منهما أنّ فيها مائة وستين بعيراً. والقول الآخر: فيها دية كاملة لا أكثر منها.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً ما قلنا مجمع على وجوبه، وما زاد عليه لا دليل على وجوبه، والأصل براءة الذمّة.(1)

وقال به العلّامة في «التحرير» حيث قال: في الأسنان الدية كاملة إجماعاً، وتقسّم على ثمانية وعشرين سناً، اثنا عشر مقاديم وستة عشرة مآخير.(2)

الروايات المؤيدة

1. خبر الحكم بن عتيبة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: بعض الناس في فيه اثنان وثلاثون سنّاً، وبعضهم له ثمانية وعشرون سنّاً، فعلى كم تقسّم دية الأسنان؟ فقال: «الخلقة إنّما هي ثمانية وعشرون سنّاً اثنى عشرة في مقاديم الفم وستّ عشرة في مواخيره، فعلى هذا قسمة دية الأسنان، فدية كلّ سنّ من المقاديم إذا كسرت حتّى تذهب خمسمائة درهم، فديتها كلّها ستّة آلاف درهم، وفي كلّ سنّ من المواخير إذا كسرت حتّى تذهب فإنّ ديتها مائتان وخمسون درهماً وهي ست عشرة سنّاً فديتها كلّها أربعة آلاف درهم،

ص: 293


1- . الخلاف: 243/5، المسألة 38.
2- . تحرير الأحكام: 602/5.

فجميع دية المقاديم والمواخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، وإنّما وضعت الدية على هذا، فما زاد على ثمانية وعشرين سنّاً فلا دية له، وما نقص فلا دية له، هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام».(1)

والسند ضعيف بالحكم بن عتيبة فإنّه زيدي بتري، ووقع في أربع وعشرين مورداً في الكتب الأربعة، لكن الأصحاب عملوا بهذه الرواية، والرجل من رجال الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام.

2. روى الصدوق، قال: وروى ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

قال: «أصابع اليدين والرجلين في الدية سواء».

وقال: «في السن إذا ضربت انتظر بها سنة».

وقضى أمير المؤمنين عليه السلام في الأسنان التي تقسم عليها الدية أنّها ثمانية وعشرون سنّاً: ستة عشر في مواخير الفم واثنا عشر في مقاديمه، فدية كلّ سنّ من المقاديم إذا كُسر حتى يذهب خمسون ديناراً يكون ذلك ستمائة دينار، ودية كلّ سنّ من المواخير إذا كُسر حتى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون ديناراً، فيكون ذلك أربعمائة دينار فذلك ألف دينار، فما نقص فلا دية له وما زاد فلا دية له.

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله: إذا أُصيب الأسنان كلّها فما زاد على الخلقة المستوية وهي ثمانية وعشرون سنّاً فلا دية لها، وإذا أُصيبت الزائدة مفردة2.

ص: 294


1- . الوسائل: 19، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

عن جميعها ففيها ثلث دية التي تليها.(1)

أقول: ذكر المحقّق الأردبيلي أنّ قول الفقيه أي: (قال مصنّف هذا الكتاب) يدلّ على أنّ قوله: «قضى» في صدر الحديث إلى قوله: «قال مصنّف هذا الكتاب» تتمة رواية عبد اللّه بن سنان، وهي صحيحة فتكون على المشهور رواية صحيحة، وإن لم تكن من تتمّتها فلم تكن صحيحة، بل مرسلة ولكنّها مؤيّدة لرواية الحكم المشهورة.(2)

وقال في «مفتاح الكرامة» بعد نقل كلام الأردبيلي، قلت: الظاهر أنّها مرسلة.(3)

وعلى كلّ تقدير فالروايتان مع إطباق الأصحاب عليهما - إلّامن شذّ - دليل كون الحكم قطعياً.

نعم تردّد الشهيد الثاني فقال: بأنّ التفصيل المذكور هو المعروف من مذهب الأصحاب وبه رواية ضعيفة، لكنّها مشهورة مجبورة بذلك على قاعدتهم(4)، ثم ذكر الروايات المخالفة التي سندرسها تالياً.

الروايات المخالفة

1. روى الكليني بسند صحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الأسنان كلّها سواء في كلّ سنّ خمسمائة درهم».(5)

ص: 295


1- . الفقيه: 103/4، برقم 346. ولاحظ: الوسائل: 19، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، نقله ملخّصاً.
2- . مجمع الفائدة والبرهان: 14/389.
3- . مفتاح الكرامة: 255/21.
4- . مسالك الأفهام: 420/15.
5- . الوسائل: 19، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

يلاحظ على الاستدلال بأنّ ما ورد في الرواية يزيد على الدية الكاملة، لأنّ نتيجة ضرب 500 درهم في 28 سنّاً يكون 14000 درهم، ولذلك حملها الشيخ على الثنايا والمقاديم دون المآخير، لما تقدّم ويأتي.

2. ما رواه ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «وفي الأسنان في كلّ سنّ خمسون ديناراً، والأسنان كلّها سواء».(1)

لكنّه لا يصلح للمعارضة، لأنّ نتيجة ضرب 50 * 28 يساوي 1400 دينار.

3. نعم روى العامّة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه كتب لعمرو بن حزم: «وفي السنّ خمس من الإبل».(2) وروى أصحابنا مثل ذلك أيضاً. وعليه تكون الدية حسب الإبل 120 بعيراً.

4. خبر ظريف، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في السنّ خمس من الإبل».(3)

ولا يخفى أنّ هذه الروايات إمّا مؤوّلة، أو محمولة على التقية.

بقي الكلام في قوله: «ولا يلحظ النواجذ من الأسنان في الحساب، ولا الأسنان الزائدة» أي ليس لها أحكام ما سبق من الأسنان مقاديمها ومآخيرها، نعم لو قلعت منفردة فستوافيك أحكامها، لأنّ هذه الأحكام للثمانية والعشرين، لا لغيرها، نعم لها أحكام خاصّة في المسألة الثالثة.6.

ص: 296


1- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . سنن البيهقي: 89/8.
3- . الوسائل: 19، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

المسألة 2. لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين نقص من الدية بإزائه، كان النقص خلقة أو عارضاً. *

المسألة 3. ليس للزائد على ثمان وعشرين دية مقدّرة، والظاهر الرجوع إلى الحكومة، سواء كانت الزيادة من قبيل النواجذ التي هي في رديف الأسنان أو نبت الزائد جنبها داخلاً أو خارجاً، ولو لم يكن في قلعها نقص أو زاد كمالاً فلا شيء، وإن كان الفاعل ظالماً آثماً، وللحاكم تعزيره. **

لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين
اشارة

الدليل على حكم المسألة هو ما مرّ في خبر الحكم بن عتيبة، فقد جاء فيه: «فما زاد على الثمانية وعشرين فلا دية له، وما نقص فلا دية له» والمقام من مصاديق الفقرة الثانية.

وبعبارة أُخرى: الدية على عدد الأسنان المتبقية فلكلّ سنّ دية خاصّة، ومن المعلوم أنّ الحكم فرع وجود الموضوع.

** في المسألة فرعان:

1. حكم الأسنان الزائدة على الثمانية والعشرين.

2. لو قلع سنّاً زائداً فلم يحصل نقص، أو زاد كمالاً. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: حكم الأسنان الزائدة على الثمانية والعشرين

الأسنان الزائدة على قسمين؛ قسم ينبت على رديف الأسنان

ص: 297

ويسمّى بالنواجذ، أو أسنان العقل.

وقسم ينبت في جنب السنّ داخلاً أو خارجاً.

إذا علمت ذلك فاعلم أنّ في الفرع قولين:

الأوّل: الحكومة، وهو خيرة المفيد، قال في «المقنعة»: وما زاد على هذه الأسنان في العدد فليس له دية موظّفة، لكنّه ينظر فيماينقص من قيمة صاحبه بذهابه منه أن لو كان عبداً، ويعطى بحساب دية الحرّ منه.(1)

وهو خيرة المصنّف أيضاً. وجهه: أنّ المورد لم يرد فيه تقدير فيكون من مصاديق الحكومة.

الثاني: ثلث دية الأصلي. وقد اختاره المحقّق حيث قال: وليس للزائدة دية إن قلعت منضمة إلى البواقي وفيها ثلث دية الأصلي لو قلعت منفردة، وقيل: فيها الحكومة، والأوّل أظهر.(2)

ووجهه ما تقرّر في غير هذا الموضع من وجوب ثلث دية الأصل لكلّ عضو زائد، والمقام من مصاديق هذه الضابطة.

والدليل عليها ما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الاصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة.(3)

يلاحظ عليه: أنّ مورد الرواية خصوص الاصبع وقياس غيره عليه باطل، اللّهمّ إلّاأن يدّعى ظهور الرواية في كونها قاعدة كلّية، في كلّ الأعضاء، فالمتّجه حينئذٍ الحكومة مطلقاً، ولا ينافيه قوله في خبر الحَكم: «فما زاد على2.

ص: 298


1- . المقنعة: 756.
2- . شرائع الإسلام: 266/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

المسألة 4. لا فرق في الأسنان بين أبيضها وأصفرها وأسودها إذا كان اللون أصلياً لا لعارض وعيب، ولو اسودت بالجناية ولم تسقط فديتها ثلثا ديتها صحيحة على الأقوى، ولو قلع السن السوداء بالجناية أو لعارض فثلث الدية على الأحوط، بل لا يخلو من قرب، وفي انصداع السن بلا سقوط، الحكومة على الأقوى. *

ثمانية وعشرين فلا دية له»، وذلك لوجهين:

1. أنّ العبارة محمولة على ما لو قُلع الزائد مع سائر الأسنان.

2. أنّ المراد نفي الدية المقدّرة لا الأرش.

الفرع الثاني: لو قلع سناً زائداً ولم يحصل نقص
اشارة

لو قلع السن الزائد دون أن يحدث نقص، أو ظهر فيه كمال، فلا شكّ أنّ القالع لو كان طبيب الأسنان وكان القلع بإذن صاحب السنّ فلا إثم تكليفاً، ولا وضيعة وضعاً، إنّما الكلام فيما إذا قلعه طبيب الأسنان أو غيره بلا إذن صاحب السن، فلا شكّ أنّه يُعدّ آثماً ويعزر، ولكن لا يحكم عليه بالدية أو الأرش، بحجّة أنّ عمله لا يُعدّ جناية، لو لم يحدث فيه كمال.

* في المسألة فروع:

1. عدم الفرق بين الأسنان أبيضها وأصفرها وأسودها.

2. لو جنى على السنّ واسودّت ولم تسقط.

3. لو قلع السنّ السوداء بالجناية أو لعارض.

4. لو جنى فانصدع السنّ ولم يسقط.

ص: 299

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لا فرق بين الأسنان البيضاء والسوداء خلقةً

قال العلّامة: لا فرق بين البيضاء والسوداء خلقة أو الصفراء، بأن كانت قبل أن يثغر سوداء ثم نبتت كذلك، أمّا لو كانت بيضاء قبل أن يثغر ثم نبتت سوداء رُجع إلى العارفين، فإن اسندوا السواد إلى علّة فالحكومة، وإلّا فالدية.(1)

وحاصل كلامه: أنّ السواد إذا كان خلقيّاً لا يُعدّ عيباً، وهكذا الاصفرار، ولو كان قبل أن يثغر سوداء ثم نبت كذلك فهو دليل على أنّه خلقي، نعم لو تغيّر وكان أبيض - قبل أن يثغر - ثم نبت أسود، فلو حكم العارفون بأنّ السواد طبيعي فهو، وإلّا فلا يحكم بحكم الأسود الصحيح. وجه عدم الفرق بين الأقسام الثلاثة إطلاق الرواية أو الروايتين على ما سلف.

الفرع الثاني: لو جنى على السن حتى اسودّت
اشارة

لو جنى على السن جانٍ فاسودّت ولم تسقط، ففيها ثلثا دية الصحيحة.

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا ضرب سنّه فاسودّت كان عليه ثلثا دية سقوطها، وقال الشافعي: فيه الحكومة.(2)

ويدلّ عليه ما يلي:

صحيح عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «السن إذا ضُربت انتظر بها سنة، فإن وقعت أُغرم الضارب خمسمائة درهم، وإن لم تقع واسودّت أُغرم ثلثي الدية».(3)

ص: 300


1- . قواعد الأحكام: 677/3.
2- . الخلاف: 5/246، المسألة 45.
3- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

وموردها وإن كان ما فيه الدية خمسمائة درهم إلّاأنّه من باب المثال فتعمّ ما إذا كانت الدية مائتين وخمسين درهماً.

ويؤيّده ما سيوافيك من أنّ فيها الثلث إذا قلعت سوداء.

دراسة الروايات النافية

نعم ينافيها ما يلي:

دلّت الروايات الثلاث على أنّ دية الإسوداد هو الدية الكاملة، وهي بين مرسلة ومعتبرة:

1. ما في مرسل أبان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا اسودَّت الثنية جعل فيها الدية».(1)

ولكن الشيخ حمل لفظ الدية على إيجاب ثلثي الدية فيها دون الدية الكاملة، أضف إليه: أنّها مرسلة لا نحتجّ بها في مقابل الصحيحة.

2. ما في كتاب ظريف، قال عليه السلام: «فإذا اسودّت السن إلى الحول(2) ولم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً».(3) ولعلّه شاهد على أنّ الدية في مرسل أبان هي الدية الكاملة، وبما أنّ كتاب ظريف معتبر، تقع المعارضة بينه وبين الصحيحة.

3. ما حكي عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام من أنّ السن إذا اسودّت

ص: 301


1- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3. وفي نسخة «زيادة ثلث» في هامش المخطوط.
2- . إلى مضّي حول فإنّ الإسوداد يحصل تدريجيّاً.
3- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

إلى الحول، ولم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً. وفيه ما مرّ في المنقول عن كتاب ظريف.

والمرجع بعد التساقط هو البراءة عن الزائد على الثلثين.

نعم في بعض الأخبار: إذا تغيّرت السن إلى السواد ديته ستة دنانير، وإذا تغيّرت إلى الحمرة فثلاثة دنانير، وإذا تغيّرت إلى الخضرة فدينار ونصف.(1)

ومن المعلوم أنّ هذه الرواية غير معمول بها.

الفرع الثالث: لو قلع السنّ السوداء بالجناية

لو قلع السنّ السوداء بالجناية أو لعارض، ففي المسألة أقوال ثلاثة كلّها للشيخ.

الأوّل: قال الشيخ في «الخلاف»: إذا قلعها قالع بعد اسودادها، كان عليه ثلث ديتها صحيحة، وقال الشافعي: عليه ديتها كاملة.(2)

وهو خيرة المحقّق قال: وفيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر.(3)

ويدلّ عليه خبر العرزمي، عن أبيه عن عبدالرحمن، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أنّه جعل في السنّ السوداء ثلث ديتها.(4)

ولكن الرواية ضعيفة بيوسف بن الحارث ومحمد بن عبد

ص: 302


1- . مفتاح الكرامة: 206/21. ورواه المعلّق على الوسائل عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام: 43.
2- . الخلاف: 246/5، المسألة 46.
3- . شرائع الإسلام: 266/4.
4- . الوسائل: 19، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

الرحمن العرزمي. فإنّ الأوّل ممّا استثناه ابن الوليد من روايات نوادر الحكمة، وله ثلاث روايات في الكافي والتهذيب. وأمّا الثاني فهو لم يوّثق، نعم له روايات في الكافي والتهذيب وهو من رجال الصادق عليه السلام.

والذي يمكن أن يقال: إنّ المحقّق وصف هذا القول بالأشهرية، وقد عمل به كثير من الأصحاب. وقال العاملي بعد نقل القول: وعليه الإجماع كما في الخلاف وظاهر الغنية فيما حُكي، وهو خيرة المقنع والوسيلة والسرائر والشرائع والنافع والتحرير والإرشاد والمختلف واللمعة والمختصر، والروض والروضة ومجمع البرهان والرياض.(1)

ولعلّ هذا المقدار من الشهرة كافٍ في جبر الرواية، مضافاً إلى أنّه يؤيّده ما ورد في شلل العضو من قول الإمام الباقر عليه السلام: «وكلّ ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح».(2) بناءً على أنّ السن السوداء شلل.

القول الثاني: يجب ربع ديتها، لخبر عجلان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في دية السن الأسود ربع دية السنّ».(3)، وهو خيرة الشيخ في النهاية.(4)

ولكن الرواية ضعيفة بعلي بن محمد بن الحسين، فهو مجهول، وأمّا عجلان فلو كان المراد به عجلان أباصالح فقد روى الكشي عن العياشي أنّه قال: سمعت علي بن الحسن بن فضال يقول: عجلان أبو صالح ثقة، وعلى كلّ تقدير فلا يحتج بالرواية. نعم أفتى به الشيخ في «النهاية»، والقاضي في

ص: 303


1- . مفتاح الكرامة: 262/21.
2- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
4- . النهاية: 767.

«الكامل»، وابن سعيد في «الجامع للشرائع»، على ما حُكي.(1)

وأورد عليه السيد العاملي وقال: وفيه على ضعف الخبر وندرة القول به وعدم مقاومته لما مرّ، أنّه يلزم نقصان ديتها عن إتلافها بالجناية بادئ بدء.

ولعلّ مراده: أنّه لو جنى أحد على السن واسودّت تكون ديتها ثلثا دية السن، ثم لو أسقطه هو تكون ديتها ربع الدية، فيكون المجموع أقل من الدية الكاملة للسن، وذلك لأنّ مجموع ثلثي دية السن وربعها يصير 1112 وهو أقلّ من دية السن الكاملة.

القول الثالث: المرجع هو الحكومة وهو خيرة الشيخ في «المبسوط»، لضعف الأخبار الواردة في الثلث فيرجع إلى القاعدة، ومال إليه في المسالك واستحسنه في المفاتيح.(2) هذا هو ما يمكن أن يقال في هذا الفرع.

ثمّ إنّ السيد الخوئي اختار أنّ الدية هو ربعها وقال: ويمكن الاستدلال لهذا القول بقوله عليه السلام في معتبرة ظريف: «فإن سقطت بعد وهي سوداء فديتها اثنا عشر ديناراً ونصف الدينار» بتقريب أنّ المفروض في الرواية أنّ دية السن خمسون ديناراً فيكون اثنا عشر دينار ونصف دينار ربع دية السن، ففيما كان دية السن خمسة وعشرين ديناراً كانت دية السوداء منه ستة دنانير وربع.

فإن قيل: إنّ ما ذكر من الرواية إنّما هو موافق لما في الكافي والتهذيب، وأمّا الفقيه فالموجود فيه أنّ ديته خمسة وعشرون ديناراً، وبما أنّ النقل عن كتاب ظريف معارض بمثله فلا يمكن الاستدلال بشيء منهما.1.

ص: 304


1- . مفتاح الكرامة: 262/21.
2- . مفتاح الكرامة: 262/21.

قلنا: نعم إلّاأنّ التعارض إنّما هو في المقدار الزائد على الربع وأمّا مقدار الربع فهو المتّفق عليه بين النقلين ويثبت ذلك لا محالة ويدفع الزائد بالبراءة.

وبعبارة أُخرى: أنّ كتاب ظريف كان مشتملاً على تقدير دية السنّ السوداء ولكنّها مردّدة بين الربع والنصف فيؤخذ بالمتيقّن ويرجع في المشكوك إلى أصالة البراءة. ويؤيّد ذلك - مضافاً إلى ما هو المشهور من أنّ الكليني أضبط نقلاً من الصدوق ولا سيّما مع موافقة الشيخ له في النقل - أنّ ما في الفقيه لم يوجد له قائل منّا.(1)

وحاصل التعارض: أنّ المفروض في رواية ظريف أنّ دية الصحيحة خمسون ديناراً فيكون 12,5 دينار هو الربع، وأمّا على رواية الفقيه، فقد جاء فيها: وإن سقطت بعد وهي سوداء فديتها خمسة وعشرون ديناراً.(2)

فإذا تعارضتا يؤخذ بالمتيقّن منهما.

أقول: ما ذكره قدس سره صحيح في تعارض البيّنتين وأمّا تعارض الخبرين، فالظاهر سقوطهما عن الحجّية لأنّ كلّاً منهما ينفي الآخر، فما يدلّ على الربع ينفي النصف، وما يدلّ على النصف ينفي الربع بحدّه، وإن لم ينفه بذاته، فكيف يؤخذ بالأقل بحدّه، ولعلّ القول الأوّل أقوى.

الفرع الرابع: لو جنى فانصدعت السن ولم تسقط
اشارة

لو جنى فانصدعت السنّ ولم تسقط، ففيه قولان:

ص: 305


1- . مباني تكملة المنهاج: 296/2-297.
2- . الفقيه: 59/4.

الأوّل: ديتها ثلثا دية الصحيحة. قال المحقّق: وفي انصداعها ولم يسقط «ثلثا ديتها» وفي الرواية ضعف.

الثاني: الحكومة.

والأوّل خيرة الشيخ في النهاية، قال: وإذا ضربت السنّ فلم تسقط لكنّها اسودت أو انصدعت ففيها ثلثا دية سقوطها.(1) وقال به العلّامة في التحرير.(2)

والثاني أي الحكومة قال المحقّق: الحكومة أشبه.(3)

أمّا القول الأوّل فقال في «مفتاح الكرامة»: إنّ به رواية لكنّها ضعيفة.(4)

وقال المحقّق: وفي الرواية ضعف.

ولكن اعترف غير واحد ممّن تأخّر عنه بعدم العثور عليها، وليس المورد من الشهرة الفتوائية المجردة التي قلنا بحجيتها، إذ لم تثبت الشهرة ولا الشهرة العملية، إذ لم يثبت أصل الرواية، فكيف العمل بها؟! ولهذا صارت الحكومة أشبه بأُصول المذهب كما مرّ عن المحقّق، ولأجل ذلك اختار المحقّق والمصنّف الحكومة

وأمّا ما في كتاب ظريف: «فإن انصدعت ولم تسقط فديتها خمسة وعشرون ديناراً».(5) فلم يعمل به أحد.1.

ص: 306


1- . النهاية: 768.
2- . تحرير الأحكام: 602/5، المسألة 7254.
3- . شرائع الإسلام: 267/4.
4- . مفتاح الكرامة: 260/21.
5- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 5. لو كسر ما برز عن اللثّة خاصّة وبقي السنخ - أي أصله المدفون فيها - فالدية كالسنّ المقلوعة، ولو كسر شخص ما برز عنها ثم قلع الآخر السنخ فالحكومة للسنخ، سواء كان الجاني شخصين أو شخصاً واحداً في دفعتين. *

* في المسألة فرعان:

1. لو كسر ما برز عن اللثّة خاصّة، وبقي السنخ.

2. لو كسر شخص ما برز عنها ثم قلع الآخر السنخ، أو نفس الشخص في دفعتين. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو كسر ما برز عن اللثة

لو كُسر الظاهر أجمع وبقي السنخ أي الأصل المدفون، ففيه الدية، وعلّله في «المبسوط» بقوله: السنّ ما شاهدته زائداً على اللثّة، والسنخ أصلها المدفون في اللثّة.(1) وقال أهل اللغة: السنخ أصل السن.(2)

والظاهر أنّه ليس هناك فرق بين كسر السن من اللثّة أو قلعها، فإنّ السنخ المدفون في اللحم لا عبرة به، بل ربّما يوجب الأذى فعلى صاحبها قلعه، ولم يشكّ فيه سوى الأردبيلي. ويظهر من «الشرائع» أيضاً الترديد.(3)

ص: 307


1- . المبسوط: 137/7.
2- . مفتاح الكرامة: 263/21. السنخ في كلمات أهل اللغة: «أصل كلّ شيء» وفي مورد السنِّ يكون المراد جَذْرها.
3- . شرائع الإسلام: 4/266. حيث قال: ولو كسر ما برز من اللثّة ففيه تردّد، والأقرب أنّ فيه دية السن.

المسألة 6. لو قلع سنّ الصغير غير المثغر انتظر إلى مضيّ زمان جرت العادة بنباتها، فإن نبتت فالأرش على قول، ولا يبعد أن تكون دية كلّ سنّ بعيراً، وإن لم تنبت فديتها كسنّ البالغ. *

الفرع الثاني: لو كسر ما برز عن اللثة وقلع آخر السنخ

لو قُلع السنخُ فعليه الحكومة لعدم التقدير فيه، سواء كان الجاني شخصين أو شخصاً واحداً في دفعتين.

وتصوّر أنّه يلزم أن يكون الواجب أكثر من الدية حيث إنّ الكاسر يدفع الدية والقالع يدفع شيئاً حسب نظر الحاكم، غير تام، لاختلاف العملين وقتاً، فإنّ الحكومة لأجل الألم والأذى، بخلاف ما لو قلع الجميع مرّة واحدة.

لو قلع سن الصغير غير المثغر
اشارة

في المسألة أقوال ثلاثة:

1. ينتظر بها، فإن نبتت لزم الأرش، وإلّا ففيها الدية.

2. أنّ فيها الدية مطلقاً من غير تفصيل.

3. أنّ فيها بعيراً.

أمّا القول الأوّل: ففيما إذا لم ينبت فالقول بالدية على القاعدة، وتكفي فيه الإطلاقات، إنّما الحاجة إلى الدليل فيما إذا نبت بعد فترة فقيل الحكومة، مستدلّاً برواية جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: في سنّ الصبيّ يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت؟ قال: «ليس عليه قصاص، وعليه

ص: 308

الأرش».(1)

يلاحظ عليه: بضعف الرواية بوجهين:

1. للإرسال.

2. لم يرد فيه الانتظار مع لزومه حتى يتبيّن حال سنّ الصبيّ في المستقبل أنّه هل ينبت أو لا؟ وسيوافيك ما يؤيّده في القول الثالث.

وأمّا القول الثاني: فدليله إطلاق النصوص ومقتضاه عدم الفرق بين سنّ الصغير وغيره.

يلاحظ عليه: أنّ مصبّ الروايات هو الأسنان الثابتة كأسنان المثغر، وأمّا أسنان الصبيّ التي هي في معرض السقوط فلا تشملها الإطلاقات إلّاإذا انتظر وتبيّن أنّه لا ينبت، فعندئذٍ يصحّ التمسّك بالإطلاق؛ لأنّ الجاني بجنايته ضيّع على الصبيّ السنّ الصحيح الثابت، إذ لولا قلعه، يسقط سنّ الصغر، وينبت مكانه السنّ الثابت كما هو السنّة في أغلب الصبيان إلّاما شذّ وندر الذي لا يحسب، بخلاف ما إذا نبت فالإطلاق لا يشمله.

وأمّا القول الثالث: أعني أنّه إن نبتت فديتها بعير، وإن لم تنبت ففيها ديتها، قال في «مفتاح الكرامة»: القائل بالبعير أبو علي.(2) وقد استند في ذلك إلى ما رواه مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ علياً عليه السلام قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً بعيراً في كلّ سنّ».(3)6.

ص: 309


1- . الوسائل: 19، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . يعني ابن الجنيد.
3- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

المسألة 7. لو قلعت سنّ فأُثبتت في محلّها فنبتت كما كانت ففي قلعها الدية كاملة، ولو جعلت في محلّها سنّ فصارت كالسنّ الأصلية حيّة نابتة، فالأحوط في قلعها دية الأصليّة كاملة، بل لا يخلو من وجه. *

والرواية تشهد على الشق الأوّل، وقد مرّ أنّ الشق الثاني - أي الدية في صورة عدم الإنبات - غني عن الدليل الخاص لكفاية الإطلاقات.

ويحتمل أن يكون حكم الإمام من باب الأرش وعندئذٍ يتّحد مع القول الأوّل.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأقوى هو القول الأوّل، وقد عرفت ضعف التمسّك بالإطلاقات ومرّ احتمال رجوع الثالث إلى الأوّل.

* في المسألة فرعان:

1. لو قلعت سن فأُثبتت تلك السنّ في محلّها فنبتت فقلعها قالع.

2. تلك الصورة ولكن جعلت في محلها سنٌ آخر، فصارت كالأصلية حيّة نابتة. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو قلعت سن فأُثبتت في محلّها

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا جنى على سنّه فندرت - يعني: سقطت - ثم أعادها في مغرزها بحرارة دمها فثبتت ثم قلعها بعد هذا قالعٌ كان عليه الدية.

وقال الشافعي: لا شيء على القالع؛ لأنّه قد أحسن فإنّه كان عليه أن يقلعها، وإلّا أجبره السلطان على قلعها لأنّها ميتة ألصقها ببدنه فلا تصحّ صلاته فيها مثل الأُذن.

ص: 310

ثمّ ردّ الشيخ وقال: إنّ السن لا يلحقها حكم الميتة، فأمّا الدية فعموم الأخبار يدلّ عليها.(1)

وعلى هذا فالرجل يأخذ ديتين دية من القالع الأوّل، والثانية من القالع الثاني، أخذاً بالإطلاق وهو أمر غريب. ولعلّه لأجل ذلك ذهب المحقّق الخوئي إلى أنّ فيه الحكومة قائلاً بانصراف ما دلّ على ثبوت الدية في قلع السنّ عن ذلك.(2) ويحتمل أن يكون التعدّد لأجل تعدّد القلع وإن كانت السن واحدة. فلاحظ.

وأمّا الحكومة فلما عرفت من أنّ كلّ مورد لا مقدّر فيه شرعاً فالمرجع فيه نظر الحاكم، حيث إنّ حق المسلم لا يذهب هدراً.

الفرع الثاني: لو قلعت سن وجعل مكانها سن آخر

تلك الصورة ولكن جعلت في محلّها سنّ أُخرى، وهذا ما عبّر عنه المحقّق بقوله: ولو أثبت الإنسان في موضع المقلوعة عظماً فنبت فقلعه قالع، قال الشيخ: لا دية ويقوى فيه الأرش، لأنّه يستصحب ألماً وشيناً.(3)

ولكن المصنّف ذهب فيه كالصورة الأُولى إلى الدية، ولو قلنا بانصراف الأدلّة عن هذه الصورة كالصورة السابقة لندرة الوجود خصوصاً في عصر صدور الرواية وشذوذه، وأين زرع السن عن زرع سائر الأعضاء من حيث الشيوع فيها دونها، فالحكومة في كلا الفرعين أولى.

ص: 311


1- . الخلاف: 245/5، المسألة 42.
2- . مباني تكملة المنهاج: 299/2.
3- . شرائع الإسلام: 266/4.
الثامن: العنق
اشارة

المسألة 1. في العنق إذا كسر فصار الشخص أصعر - أي مال عنقه ويثنى في ناحية - الدية كاملة على الأحوط، وكذا لو جنى عليه على وجه يثني عنقه وصعر، وكذا لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد وعاش كذلك بإيصال الغذاء إليه بطريق آخر، وقيل في الموردين بالحكومة، ولا يبعد هذا القول. *

في دية العنق
اشارة

في المسألة فروع:

1. إذا جنى فكسر عنق شخصٍ فصار أصعر أي مائل العنق. يقال صَعِر وجهه: مال إلى أحد الشقّين.

2. لو جنى عليه على وجه يُثنى عنقه، بلا كسر. يقال: ثنى الشيء طواه وعطف بعضه على بعض.

3. لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد، وعاش كذلك بإيصال الغذاء إليه بطريق آخر.

الفرع الأوّل: لو كسر عنق شخص فصار أصعر

قال المحقّق: إذا كُسر فصار الإنسان أصور،(1) الدية.(2)

وقد حكى محقق كتاب الجواهر أنّ في الأصل أصغر ولكن

ص: 312


1- . أصور: ذو الصَور، والصور: الميل والعوج، يقال: في عنقه صور، أي عوج.
2- . شرائع الإسلام: 267/4.

الصحيح أحد الأمرين أصعر أو أصور، وسيوافيك في خبر مسمع: «في الصعر الدية».

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا كسر رقبته فصار كالملتفت ولم يعد إلى ما كان عليه، الدية. وقال الشافعي: فيه الحكومة. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم.(1)

أقول: ويدلّ عليه ما مرّ مراراً من أنّ كلّ ما في بدن الإنسان منه واحدٌ ففيه الدية، كما في رواية هشام بن سالم.

مضافاً إلى خبر مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «في الصعر الدية و الصعر أن يثنى عنقه فيصير في ناحية».(2)

نعم جاء في كتاب ظريف: وإن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت، فديته خمسمائة دينار.(3)

وفي الجواهر: «لم أجد عاملاً به منّا»، نعم نقل العاملي: «الإفتاء به في الوسيلة».(4)

الفرع الثاني: لو جنى على شخص فصار أصور

إذا جنى عليه فصار أصور وإن لم يكن كسر، ففيه الدية كاملة

ص: 313


1- . الخلاف: 253/5، المسألة 62.
2- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
4- . مفتاح ا لكرامة: 10/436. ويظهر من الكيدري في إصباح الشيعة: 507، العمل به. فلاحظ.

بنفس الدليل الماضي في الفرع السابق. لكن شموله لهذه الصورة لا يخلو من خفاء، ولعلّ القدر المتيقّن من كونه أصعر اجتماع الأمرين: الكسر والميل دون الأخير فقط، ولذلك احتمل في المتن الحكومة في هذه الصورة وما بعدها.

الفرع الثالث: لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد

لو جنى عليه بما يمنع الازدراد رأساً، ففيه احتمالان:

1. الدية، لأنّ فوت هذه المنفعة أعظم من فوت الذوق الذي ستعرف وجوب الدية في ذهابه.

2. الحكومة. وهو خيرة الشيخ في «المبسوط»، قال: وقد روى أصحابنا أنّه إذا صار أصور فيه الدية، وإن صيّره بحيث لا يزدرد شيئاً فإن مات فعليه القود، وإن عاش قالوا: لا شيء عليه، وينبغي أن يقول: إنّ عليه حكومة.(1)

وقد مال إليه في المتن بل في الفرع السابق أيضاً، لعدم ورود التقدير فيه، وقياسه على فوت الذوق لا نقول به.

ص: 314


1- . المبسوط: 147/7.

المسألة 2. لو زال العيب - أي تمايل العنق وبطلان الازدراد - فلا دية، وعليه الأرش، وكذا لو صار بنحو يمكنه الازدراد وإقامة العنق والالتفات بعسر. *

لو زال العيب فلا دية وعليه الأرش

قال المحقّق: لو زال الصَّوَر أو بطلان الازدراد، فلا دية، وفيه الأرش.

وكذا إذا صار صَور لكن يمكن الإقامة والالتفات بعسر، أو أمكنه الازدراد.(1)

وجهه واضح لعدم الموضوع للدية، لكن عمل الجاني جناية وفيه الأرش.

ثمّ إنّ معنى ما ذكر أنّه إذا أخذ الدية ثم برأ على النحو المذكور، يسترد الدية ويأخذ الأرش، فتأمّل.

ص: 315


1- . جواهر الكلام: 43/244.
التاسع: اللحيان
اشارة

المسألة 1. في اللحيين إذا قلعا الدية كاملة، وفي كلّ واحد منهما نصفها خمسمائة دينار، وهما العظمان اللّذان ملتقاهما الذقن، وفي الجانب الأعلى يتّصل طرف كلّ واحد منهما بالأُذن من جانبي الوجه، وعليهما نبات الأسنان السفلى. *

في دية اللحيين

اللحيان: هما العظمان اللّذان مجتمع رأسيهما الذقن، والرأسان الآخران لهما في أُصول الأُذنين وعليهما نبات الأسنان السفلى، وهما من تمام الخلقة وفيهما الجمال والمنفعة.(1)

فإذا قلعا ففيهما الدية كاملة، وفي كلّ واحد منهما نصف الدية أخذاً بالضابطة المذكورة في روايتي ابن سنان(2)، وهشام بن سالم.(3) مضافاً إلى الإجماع ولا فرق بين اليمنى واليسرى كما في اليدين ولا في كون إحداهما أقوى والأُخرى أضعف.

هذا كلّه إذا قُلعا بلا أسنان، كلحيي الطفل، أو من لا أسنان له لكبر أو آفة.

وسيوافيك ما لو قلعا مع الأسنان في المسألة الثالثة.

ص: 316


1- . المبسوط: 141/7.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

المسألة 2. لو قُلع بعضٌ من كلّ منهما أو من أحدهما فبالحساب مساحة، ولو قلع واحد منهما وبعض من آخر فنصف الدية للمقلوع، وبالحساب للبعض الآخر. *

المسألة 3. ما ذكرناه ثابت فيما إذا قلعا منفردين عن الأسنان، كقلعهما عمّن لا سنّ له، وأمّا لو قلعا مع الأسنان فتزاد دية الأسنان ولا تتداخلان. **

لو قلع أحد اللحيين أو بعضهما

في المسألة فرعان:

1. لو قلع بعض من كلٍّ منهما أو من أحدهما.

2. لو قلع واحدٌ منهما وبعضٌ من آخر. وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: لو قلع بعضاً من واحد أو من كليهما فالمصنّف على الحساب بحسب المساحة، ويساعده العرف، فإذا كان لمجموع المساحة دية فلبعض منها بحسب المساحة.

الفرع الثاني: لو قلع واحدٌ منهما وبعضٌ من الآخر، فللمقلوع نصف الدية، أخذاً بروايتي ابن سنان وهشام بن سالم، وأمّا البعض من الآخر فبحسب مساحة المقلوع.

اللحيان لو قلعا مع الأسنان

قال المحقّق: ولو قلعا مع الأسنان، فديتان(1)، لهما وللأسنان، لأنّ

ص: 317


1- . شرائع الإسلام: 267/4.

المسألة 4. لو جني عليهما ونقص المضغ أو حصل نقص فيهما ففيه الحكومة. *

العاشر: اليدان
اشارة

المسألة 1. في اليدين الدية كاملة، وفي كلّ واحدة نصفها، من غير فرق بين اليمنى واليسرى، ومن كانت له يد واحدة خلقة أو لعارض فلها نصف الدية. **

الأصل عدم التداخل، لكن الأسنان بالحساب فلو كانت مجموع الثمانية والعشرين موجودة فدية كاملة، ومع نقصانها، فبحسابه.

لو جنى على اللحيين ونقص المضغ

قال المحقّق: وفي نقصان المضغ مع الجناية عليهما أو تصلّبهما، (على وجه يعسر تحريكهما) الأرش(1) كما إذا لم يكن هناك قلع لهما أو لأحدهما، بل كان نتيجة الجناية نقصان المضغ، فالأرش لعدم وجود التقدير في هذا الحال.

في دية اليدين
اشارة

في المسألة فرعان:

1. دية اليدين، ودية اليد الواحدة.

2. من كانت له يد واحدة.

ص: 318


1- . شرائع الإسلام: 267/4.
أمّا الفرع الأوّل: في دية اليدين ودية اليد الواحدة

قال الشيخ في «المبسوط»: في اليدين الدية بلا خلاف، لقوله عليه السلام: «وفي اليدين الدية»، ولقوله عليه السلام: «وفي اليد خمسون من الإبل»، وفي كلّ واحدة منهما نصف الدية.(1)

وظاهر العبارة أنّ المسألة اتّفاقية بين المسلمين.

ويدلّ عليه صحيحتا عبد اللّه بن سنان، وهشام بن سالم.(2)

وروى العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام: وكذلك دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل».(3)

وفي موثّقة سماعة، قال: سألته عن اليد، قال: «نصف الدية».(4)

الفرع الثاني: من كانت له يد واحدة
اشارة

قال الشيخ في «الخلاف»: من قطعت إحدى يديه في الجهاد وبقيت الأُخرى، فقطعها إنسان كان فيها نصف الدية. وبه قال جميع الفقهاء، وقال الأوزاعي: كمال الدية دية اليدين.(5)

وظاهر كلام الشيخ اتّفاق المسلمين. ويدلّ عليه إطلاق قوله: «في اليد نصف الدية» من غير فرق بين من له يدان ومن له يد واحدة.

ص: 319


1- . المبسوط: 143/7.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، 12.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 14.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.
5- . الخلاف: 250/5، المسألة 56.

المسألة 2. حدّ اليد التي فيها الدية المعصم - أي المفصل الذي بين الكف والذراع - فلو قطعت إحداهما من المفصل ففيها نصف الدية، وإن كانت فيها الأصابع فلا دية للأصابع في الفرض، ولو قطعت الأصابع منفردة ففيها خمسمائة دينار نصف الدية. *

* في المسألة فروع:

الأوّل: ما هو حدّ اليد؟

حدّ اليد هو المعصم ويراد به: الكوع، والمفصل الذي بين الكف والذراع، موضع السوار.

قال الشيخ: إنّ اليد التي يجب هذا فيها، هي الكف أي الكوع، وهو أن يقلعها من المفصل الذي بينها وبين الذراع، فإن قطع أكثر من ذلك كان فيها دية وحكومة بقدر ما يقطع.(1)

وفي «كشف اللثام» الإجماع عليه حيث قال: وحدّ اليد المعصم عندنا خلافاً لبعض العامّة.(2)

وجهه: أنّ لفظ اليد يستعمل تارة في جميع العضو أي رؤوس الأصابع إلى أصل المنكب، وأُخرى في الأصابع خاصّة، وثالثة فيها مع الكف، ورابعة فيهما مع الذراع، وعلى هذا فحمل اليد في النصوص على حدّ المعصم يحتاج إلى دليل وهو الإجماع.

ص: 320


1- . المبسوط: 143/7.
2- . مفتاح الكرامة: 270/21.
الفرع الثاني: إذا قطع إحدى اليدين من المعصم

لو قطع أحد اليدين من المعصم فنصف الدية، وقد اتّضح دليله لما عرفت من أنّ المراد من اليد في النصوص هو الكف وإن كان فيها أصابع إذ الأصابع عندئذٍ تابعة لليد، ولإطلاق قوله: «في كلّ واحدة نصف الدية».

الفرع الثالث: إذا قطعت الأصابع منفردة

قال الشيخ في «الخلاف»: في الخمس الأصابع من يد واحدة خمسون من الإبل بلا خلاف.(1)

وقال في «المبسوط»: وأمّا الأصابع إذا قطعها وحدها دون الكف ففيها نصف الدية، والواجب فيها بالسوية كلّ أصبع عشر من الإبل.(2)

ويدلّ عليه ما رواه الحكم بن عتيبة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أصابع اليدين وأصابع الرجلين فقال لي: «يا حكم الخلقة التي قسمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين».(3)

وسيأتي من المصنّف تفصيل ذلك في القسم الحادي عشر. ولا وجه لذكره في المقام.

ص: 321


1- . الخلاف: 248/5، المسألة 50.
2- . المبسوط: 143/7.
3- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 3. في قطع الكف مع فقد الأصابع الحكومة، سواء كان بلا أصابع خلقة أم بآفة أم بجناية جان. *

في قطع الكف مع فقد الأصابع
اشارة

قال العلّامة: وفي قطع كف لا إصبع عليه الحكومة.(1)

وجهه: عدم تقدير له، ولا تطلق اليد على الكف وحده، وإطلاقه على الأصابع وحدها للنصّ.(2)

ولكن شرط العلّامة: لا يجوز أن يبلغ أرش الكف على دية الأصابع أجمع، أي لا يزيد الأرش عن خمسمائة دينار.

ووجهه: أنّه يلزم أن يكون في اليد الواحدة من رؤوس الأصابع إلى المعصم دية نفس كاملة، نصفها للكف والنصف الآخر للأصابع.

ص: 322


1- . قواعد الأحكام: 679/3.
2- . كما في حدّ السارق.

المسألة 4. لو قطعت الكف ذات الأصابع مع زيادة من الزند، ففي اليد خمسمائة دينار. وكذا لو قطعها مع مقدار من الذراع، فهل في الزيادة حكومة أو الاعتبار بحساب المساحة؟ فيه تردد. *

* في المسألة فرعان:

1. إذا قطعت الكف ذات الأصابع مع زيادة من الزند.

2. لو قطعها مع مقدار من الذراع.

الفرع الأوّل: لو قطعت الكف مع زيادة من الزند

قال المحقّق: ولو قُطع معها شيءٌ من الزند، ففي اليد خمسمائة دينار، وفي الزائدة الحكومة.(1)

وقال العلّامة: ولو قطع اليد ومعها شيء من الزند، ففي اليد نصف الدية وفي الزائد الحكومة.(2)

وعليه الشيخ في «المبسوط»، قال: فإن قطع أكثر من ذلك (المعصم) كان فيها دية وحكومة، بقدر ما يقطع(3)، وذلك لأنّه إذا قطع شيئاً من الزند كان جناية لا تقدير فيها، فيكون فيها الحكومة؛ لأنّه ليس هناك مفصل محسوس.(4)

ووجهه واضح، إذ لا تقدير لما زاد على المعصم فتكون فيه الحكومة.

ص: 323


1- . شرائع الإسلام: 267/4.
2- . قواعد الأحكام: 678/3.
3- . المبسوط: 143/7.
4- . مفتاح الكرامة: 272/21. بتلخيص.
الفرع الثاني: لو قطع مع مقدار من الذراع
اشارة

تلك الصورة، لكن قطعها مع مقدار من الذراع، ففيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: الحكومة فيما زاد، وحكاه في «مفتاح الكرامة» عن الأكثر.

القول الثاني: الاعتبار بحساب المساحة. وقد حُكي عن ابن إدريس، وتردّد المصنّف رحمه الله بين الحكومة والاعتبار بحساب المساحة.

وقد علّله صاحب «مفتاح الكرامة» بقوله: إنّ في الذراعين الدية، وفي أحدهما نصفها، ومقتضاه أنّه يجيء اعتبار المساحة وتقسيط دية الذراع عليها، فلو قطع مع الكف عشر الذراع كان عليه دية اليد وعشر دية الذراع. واحتمل في الجواهر أنّ مراد مَن قال بالحكومة هو ما لا ينافي المساحة.(1)

القول الثالث: لا تجب إلّانصف الدية. وهو خيرة المفاتيح.

وجهه: أنّ الاخبار قد وردت على أنّه في اليدين الدية، فلا يجب على من قطع الكفّ مع بعض الزند أو الذراع إلّانصف الدية لمكان الصدق ودخول الأضعف في الأغلظ.(2)

وهنا قول رابع وهو كون الحاكم مخيّراً بين الحكومة والمساحة.

ص: 324


1- . جواهر الكلام: 246/43.
2- . مفتاح الكرامة: 272/21.

المسألة 5. في قطع اليد من المرفق خمسمائة دينار؛ كان لها كف أو لا، ومن المنكب كذلك كان لها مرفق أو لا، ولو قطعت من فوق المرفق فيحتمل في الزيادة الحكومة، ويحتمل الحساب مساحة. *

* في المسألة فروع:

1. قطع اليد من المرفق.

2. قطع اليد من المنكب.

3. لو قطع شيئاً من فوق المرفق.

أقول: الفرع الأخير نظير الفرعين في المسألة المتقدّمة، غير أنّ المحور هناك الزند وما فوقه، وأمّا المقام فالموضوع هو المرفق وما فوقه، فيأتي فيهما ما ذكرناه هناك، فنقول:

الفرع الأوّل: قطع اليد من المرفق

أي نصف الدية إذا قطع اليد من المرفق، سواء كان لها كف أو لا.

وجهه: عموم النصوص فإنّها دلت بأنّ في اليدين الدية وفي إحداهما نصفها، وقد عرفت أنّ لها إطلاقات أربعة: الأصابع، من الزند، من المرفق، من المنكب، فلا يجب في شيء من هذه الموارد الأربعة إلّاالدية، ولو شكّ يدفع بالأصل.

الفرع الثاني: لو قطع اليد من المنكب

إذا قطع اليد من المنكب فحكمه ما مرّ في الأوّل وهو عموم

ص: 325

النص، وصحّة إطلاق اليد على المجموع من المنكب إلى الأصابع.

الفرع الثالث: لو قطع شيئاً من فوق المرفق

تلك الصورة ولكن قطع شيئاً من فوق المرفق ففيه احتمالات ثلاثة:

1. الحكومة.

2. الاعتبار بحساب المساحة.

3. عدم وجوب شيء زائد على الدية.

وذلك لنفس الوجوه التي ذكرناها في المسألة السابقة.

ويحتمل كما مرّ كون الحاكم مخيّراً بين الحكومة والمساحة.

ص: 326

المسألة 6. لو كان له يدان على زند أو على مرفق أو على منكب ففي الأصلية دية اليد كاملة وفي الزائدة الحكومة، والتشخيص بينهما عرفي أو موكول إلى أهل الخبرة، ومع الاشتباه وعدم التميّز لو قطعهما معاً شخص واحد فعليه الدية والأرش، ومع تعدّد القاطع، فالظاهر الحكومة بالنسبة إلى كلّ منهما، ولو كان القاطع واحداً لكن قطع الثاني بعد دفع الحكومة، فالظاهر لزوم دية كاملة عليه. *

لو كان له يد زائدة

في المسألة فروع:

1. لو كانت له يدان على زند أو على مرفق أو على منكب، وقطع أحدهما وكانت الأصلية متميّزة عن الزائدة.

2. تلك الصورة ولكن كانت الأصلية غير متميّزة، وقطعهما شخص واحد.

3. تلك الصورة لكن تعدّد القاطع.

4. نفس الصورة ولكن القاطع واحد، وقد قطع الثانية بعد دفع الحكومة.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو كانت له يدان على زند أو على مرفق أو منكب، فلو قطع أحدهما، ففي الأصلية الدية وفي الزائدة الحكومة، والتشخيص بينهما عرفي أو موكول إلى أهل الخبرة.

وجهه واضح؛ لأنّ الأصلية تدخل تحت قوله: «وفي اليد نصف

ص: 327

الدية»، وأمّا الزائدة فلا تُعدّ يداً حقيقة، ولكنّه جناية لا تترك سُدى، فيكون فيها الحكومة.

وأمّا تميّز الأصلية فيتمّ بانفرادها بالبطش، أو كونها أشدّ بطشاً والأخذ بصولة وشدّة، أو أنّ أهل الخبرة يميزون الأصلية من غيرها.

الفرع الثاني: كان الفرع الأوّل مبنياً على قطع أحدهما مع تميز الأصلية عن الزائدة، ولكن الأساس في هذا الفرع عدم التميّز، فعندئذٍ نقول: لو قطعهما معاً شخص واحد فعليه الدية والأرش، للعلم الإجمالي بأنّه قطع يداً أصلية ويداً زائدة، فلكلّ حكمها.

ولا يخفى أنّ عدم التمييز ليس مؤثراً في هذا الفرع، بل حكمه مع التمييز واحد وإنّما يؤثر في الفرع الأوّل.

الفرع الثالث: لو اشتبهت الأصلية بالزائدة، لكن كان القاطع متعدّداً، فهناك علم إجمالي بأنّ أحدهما محكوم بإعطاء الدية والآخر محكوم بالحكومة، والمفروض أنّ قاطع الأصلية غير متميّز عن قاطع الزائدة.

وفي «الجواهر»: أنّ المتّجه الحكومة في كلّ منهما للأصل.(1)

وجهه: أنّ العلم الإجمالي إنّما يؤثر إذا كان القاطع شخصاً واحداً، وأمّا إذا كان دائراً بين شخصين فكلّ منهما يجري الأصل في الزائد على الحكومة. يلاحظ عليه: أنّ لازم ذلك هو علم القاضي بعدم وصول حقّ المجني عليه تماماً، ولذلك يحتمل تقسيط الحكومة والدية عليهما عملاً بقاعدة العدل والإنصاف.3.

ص: 328


1- . جواهر الكلام: 250/43.
الحادي عشر: الأصابع
اشارة

المسألة 1. في أصابع اليدين الدية كاملة، وكذا في أصابع الرجلين، وفي كلّ واحدة منهما عشر الدية، من غير فرق بين الإبهام وغيره. *

وأمّا الرجوع إلى القرعة في تعيين الجاني على اليد الأصلية فغير تام لاختصاصها بصورة المرافعة والمنازعة، وليس هنا نزاع؛ لأنّ الجميع من الجانبين والقاضي، جاهلون بالموضوع متحيّرون.

الفرع الرابع: تلك الصورة أي اشتباه الأصلية بالزائدة، لكن كان القاطع واحداً، وقد قطع الثانية بعد دفعه الحكومة، فيجب عليه دفعُ دية كاملة، للعلم الإجمالي بأنّه يجب عليه في القطع الأوّل إمّا الدية وإمّا الحكومة، ومثله في القطع الثاني، فيحصل له علم تفصيلي بوجوب الأمرين. وما في المتن «فالظاهر» ليس بجيد، بل اللازم أن يقول: فالمتعيّن. واللّه العالم.

وهنا احتمال آخر في الزائدة، وهو دفع ثلث دية اليد قياساً على الإصبع الزائدة، كما سيوافيك في المسألة 3. فانتظر.

في دية الأصابع
اشارة

في المسألة فرعان:

1. دية أصابع اليدين والرجلين.

2. دية كلّ إصبع، من غير فرق بين الإبهام وغيره.

الفرع الأوّل: في دية أصابع اليدين والرجلين

في أصابع اليدين العشر، وكذا في أصابع الرجلين ديةٌ كاملة،

ص: 329

والظاهر أنّ المسألة اتّفاقية بين المسلمين.

قال في «الخلاف»: في الخمس الأصابع من يد واحدة خمسون من الإبل، بلا خلاف.(1)

ويدلّ عليه ما رواه ابن سنان وهشام بن سالم كما مرّ مراراً، ولو كان هناك خلاف فإنّما هو في الفرع التالي. ثم المراد من الاثنين في الحديث هو المتعدد لا الاثنان في مقابل الواحد، ولذلك تشمل الأصابع.

الفرع الثاني: في دية كلّ إصبع

وفيها أقوال ثلاثة:

الأوّل: لا شكّ أنّه لو قطع الخمس من الأصابع فعليه نصف دية كاملة، إنّما الكلام إذا قطع بعضها فالمشهور في كلّ إصبع عشر الدية، وفي «كشف الرموز»: أنّه الأظهر بين الأصحاب والأشهر في الروايات، وفي «السرائر» أنّه هو الصحيح الذي تقتضيه أُصول المذهب، وفي «الرياض»: أنّه عليه المتأخّرون كافّة، وفي «النافع»: أنّه الأشهر، وفي المسالك ومجمع البرهان والمفاتيح: أنّه المشهور.(2)

ويدلّ عليه عدّة روايات:

1. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الإصبع عُشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شُلّت، قال: وسألته عن الأصابع أهنّ سواء في الدية؟ قال:

نعم.(3)

ص: 330


1- . الخلاف: 248/5، المسألة 50.
2- . مفتاح الكرامة: 281/21.
3- . الوسائل: 19، الباب 39، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

2. خبر الحكم بن عُتيبة، وفيه: «وفي كلّ أصبع من أصابع الرجلين ألف درهم».(1)

3. ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية، في كلِّ أصبع عَشرٌ من الإبل».(2)

4. ما رواه سماعة قال: سألته عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية؟ فقال: «هنّ سواء في الدية».(3)

5. ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في السن خمسة من الإبل أقصاها وأدناها سواء، وفي الأصبع عشرة من الإبل».(4)

6. ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الأصبع عشر من الإبل، إذا قطعت من أصلها أو شُلّت».(5)

وهذا القول هو المعروف الذي دلّت عليه روايات متضافرة، نعم هذا القول هو خيرة الشافعي أيضاً، قال الشيخ: وقال الشافعي: الخمسة متساوية في كلّ واحدة عشر من الإبل.(6)

القول الثاني: ما عليه الشيخ في «الخلاف»، في الإبهام ثلث دية اليد الواحدة وفي الأربع البواقي الثلثان بالسوية.0.

ص: 331


1- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.
4- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.
5- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.
6- . الخلاف: 248/5، المسألة 50.

قال الشيخ: وروى أصحابنا أنّ في الإبهام منها ثلث ديتها وفي الأربع الأصابع منها ثلثا ديتها بالسوية، وقال الشافعي: الخمسة متساوية في كلّ واحدة عشر من الإبل.(1)

وكلام الشيخ ظاهر في أنّ المشهور بين الأصحاب هو القول الثاني ولذا قال: وروى أصحابنا أنّ في الإبهام منها ثلث ديتها إلخ، ثمّ إنّه ذكر قول الشافعي المبني على التسوية المشعر بأنّه قول المخالف.

ولكن الذي يضعّف رأي الشيخ أنّه قال: روى أصحابنا، ويكفي في ذلك أنّهم رووا ما في كتاب ظريف، ولم يقل: وبه قال أصحابنا.

وعلى ذلك فالشهرة مع القول الأوّل دون القول الثاني، نعم استند القول الثاني إلى ما في كتاب ظريف من قوله: ففي الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار وستّة وستون ديناراً وثلثا دينار، - إلى أن قال -: وفي الأصابع في كلّ أصبع سدس دية اليد ثلاثةٌ وثمانون ديناراً وثلث دينار.(2)

والمجموع يصير دية كاملة لليد؛ لأنّ للإبهام ثلث دية اليد، أي 166 ديناراً و 23 دينار، و إذا كان في كلّ أصبع 83 ديناراً و 13 دينار، فيكون مجموع دية الأصابع الأربعة 333 ديناراً و 13 دينار.

فإذا أُضيفت إليها دية الإبهام، تكون صورة المسألة هكذا:

333 و 13

+ 166 و 23 فيكون مجموع دية الأصابع الخمسة: 500 دينار.1.

ص: 332


1- . الخلاف: 248/5، المسألة 50.
2- . الوسائل: 19، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

ولكن الحق هو القول الأوّل لتضافر الروايات وكونها مشهورة، ومجرد كونها موافقة للعامّة لا يسبب رفع اليد عنها.

الظاهر هنا تقديم المشهور الموافق للعامة على غير المشهور المخالف للعامّة؛ وذلك لأنّ الشهرة العملية بالرواية من قبيل مميزات الحجّة من الدليلين عن اللا حجّة منهما بخلاف مخالفة العامّة، فإنّها من مرجّحات إحدى الحجّتين على الأُخرى، وعلى ذلك كان على السيد الخوئي ترجيح القول الأوّل لا الثاني.

وهنا قول ثالث: اختاره أبو الصلاح الحلبي، قال: في كلّ أصبع عُشر الدية إلّا الإبهام فديتها ثلث دية اليد.(1)

يلاحظ عليه: أنّه إن أراد عُشر دية اليد الواحدة تكون دية اليد عندئذٍ أقلّ من خمسمائة دينار، وذلك لأنّ عشر دية اليد الواحدة عبارة عن خمسين ديناراً، فتكون دية الأصابع 4 * 50\200 دينار للأصابع الأربع.

وبما أنّ دية الإبهام ثلث دية اليد 5003\166,6

فمجموع دية الأصابع الخمسة 166/6 + 200\366 ديناراً.

وهو أقل من دية اليد الكاملة أي (500 دينار) كماترى.

فخرجنا بالنتيجة التالية: أنّ القول الأوّل هو الأقوى، وكونه موافقاً لما عليه العامّة لا يعارض الشهرة العملية، خلافاً للمحقّق الخوئي حيث عكس الأمر، فلاحظ.(2)2.

ص: 333


1- . الكافي في الفقه: 398.
2- . مباني تكملة المنهاج: 303/2.

المسألة 2. دية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث عقد، في كلّ عقدة ثلثها، وفي الإبهام مقسومة على اثنتين؛ في كلّ منهما نصفها. *

في دية الأنامل
اشارة

قال الشيخ في «الخلاف»: في كلّ أنملة من الأصابع الأربع ثلث ديتها وفي الإبهام نصف ديتها؛ لأنّ لها مفصلين. وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي:

في أنملة الإبهام ثلث ديتها مثل غيرها؛ لأنّ لها ثلاث أنامل ظاهرتان وباطنة.(1)

وقال المحقّق: ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية، عدا الإبهام فإنّ ديتها مقسومة بالسوية على اثنين.(2)

ويدلّ عليه ما رواه الصدوق عن السكوني بطريق قوي، وروى الشيخ عنه معلّقاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقضي في كلّ مفصل من الإصبع بثلث عقل تلك الإصبع إلّاالإبهام فإنّه كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام، لأنّ لها مفصلين».(3)

وعلى هذا فلو قطع أنملة من السبابة ففيها ثلث دية الأصبع، أمّا لو قطع أنملة من الإبهام ففيها نصف دية الأصبع.

ص: 334


1- . الخلاف: 5/249، المسألة 51.
2- . شرائع الإسلام: 268/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 42 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 3. في الإصبع الزائدة إذا قطعت من أصلها ثلث الأصلية، ولا يبعد جريان الحكم بالنسبة إلى الأنملة الزائدة. *

* في المسألة فرعان:

1. دية الإصبع الزائدة.

2. دية الأنملة الزائدة. وإليك دراستهما.

أمّا الأوّل: في دية الأصبع الزائدة

قال المحقّق: وفي الإصبع الزائدة ثلث الأصلية.(1)

قال السيد العاملي: إجماعاً كما في صريح الغنية أو ظاهرها، ولا نعرف فيه خلافاً كما في كشف اللثام، وبه صرّح في المقنعة والنهاية والمراسم والسرائر والشرائع والنافع والتحرير والإرشاد واللمعة والروض والروضة وغيرها.(2)

ويدلّ عليه ما رواه المشايخ الثلاثة عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة».(3)

نعم ربّما تتوهّم المعارضة بينها وبين ما في خبر الحكم بن عتيبة حيث قال عليه السلام: «يا حكم، الخلقة التي قسّمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين، فما زاد أو نقص فلا دية له، وعشرة أصابع في الرجلين فما زاد أو نقص فلا دية له».(4)

ص: 335


1- . شرائع الإسلام: 4/268.
2- . مفتاح الكرامة: 284/21.
3- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 4. لو كان عدد الأصابع الأصلية في بعض الطوائف وكذا عدد أناملهم الأصلية زائداً على القدر المتعارف، لا يبعد أن يكون التقسيط على حسبها. *

المسألة 5. في شلل كلّ واحدة من الأصابع ثلثا ديتها، وفي قطعها بعد الشلل ثلثها. **

ولكنّه محمول على قطع الزائد منضمّاً، وأمّا خبر غياث فمحمول على قطعها منفردة.

الفرع الثاني: في دية الأنملة الزائدة

قطع الأنملة الزائدة فيه ثلث دية الأنملة الأصلية، وليس له دليل صالح إلّا فحوى الخبر المزبور.

لو كان عدد الأصابع والأنامل زائداً على المتعارف
اشارة

إنّ الروايات الواردة في دية اليد والأصابع وإن كانت ظاهرة أو منصرفة إلى المتعارف، لكن ملاك الحكم يشمل من له أصبع أصلي زائد على الخمسة، أو أنملة زائدة على الثلاث، وذلك لأنّ الدية على مجموع الأصابع، والمجموع يُقسّم على الأجزاء، فلو كانت الأجزاء خمسة أصابع فهو، وإلّا فعلى الستة أصابع. ومنه يعلم حكم التقسيم على الأنامل، فعشر الدية لكلّ إصبع، فلو اشتملت الإصبع على أربع أنامل فالعشر للجميع. كما أنّها لو اشتملت على الأقل من الثلاثة فالعشر يقسّم على الاثنين كما هو الحال في الإبهام حيث يقسّم العشر على أنملتين.

** في المسألة فرعان:

ص: 336

1. إذا جنى على إصبع أو مفصل منه فشُلّت.

2. لو قطع الإصبع بعد شللها. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو جنى على إصبع أو مفصل منه فشلّت

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا جنى على أصبع أو مفصل منه، فشُلّت كان فيها ثلثا ديتها.(1)

وقال الشافعي: فيها ديتها.(2)

قال المحقّق: وفي شلل كلّ واحدة ثلثا ديتها.(3)

وقال العاملي: المحكيّ في الخلاف والغنية على أنّ كلّ عضو فيه مقدّر إذا جنى عليه فصار أشلّ وجب فيه ثلثا ديته.(4)

ويدلّ عليه ما رواه المحمدون الثلاثة عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر منه الزند، قال: فقال: إذا يبست منه الكفّ فشلّت أصابع الكفّ كلها فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد، قال: وإن شلّت بعض الأصابع وبقي بعض فإنّ في كلّ إصبع شلّت ثلثي ديتها، قال: وكذلك الحكم في الساق والقدم إذا شلّت أصابع القدم.(5)

نعم ويعارضها روايات إمّا محمولة على التقية أو مؤوّلة حيث تدلّ على وجوب دية العضو، كما حكيناه عن الشافعي، نظير:

1. خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الإصبع عشرة من الإبل

ص: 337


1- . وفي المطبوع ثلث ديتها، وهو تصحيف.
2- . الخلاف: 249/5، المسألة 52.
3- . شرائع الإسلام: 268/4.
4- . مفتاح الكرامة: 284/21.
5- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

إذا قطعت من أصلها أو شُلّت».(1)

2. حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شُلّت».(2)

3. ما ورد في كتاب ظريف: وشلل اليدين كلتاهما الشلل كلّه ألف دينار، وشلل الرجلين ألف دينار.(3)

أقول: يمكن حمل الأوّلتين بأنّ الصحيح (سُلّت) مكان (شُلّت) فيكون عطف تفسير للقطع، فلا يكون دليلاً لصورة الشلل التي ليس فيها قطع. مضافاً إلى ما في اللسان نقلاً عن الأزهري: سمعت أعرابياً يقول: شُلّ يد فلان بمعنى قطعت.

الفرع الثاني: لو قطع الإصبع بعد شللها

لو قطعها بعد الشلل، ففيه الثلث، قال المحقّق: وفي قطعها بعد الشلل الثلث، وكذا لو كان الشلل خلقة.(4)

ويدلّ عليه قول أبي جعفر عليه السلام للحكم بن عتيبة: «وفي كلّ أصبع من أصابع الرجلين ألف درهم، وكلّما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح».(5)

ص: 338


1- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.
2- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
4- . شرائع الإسلام: 268/4.
5- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 6. في الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود فاسداً عشرة دنانير على الأحوط، وإن نبت أبيض فخمسة دنانير. *

ويدلّ عليه أيضاً قول أبي عبد اللّه عليه السلام للحسن بن صالح، قال: سألته عن عبد قطع يد رجل حرّ وله ثلاث أصابع من يده شلل إلى أن قال: «وقيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف ألف درهم لأنّها على الثلث من دية الصحاح».(1)

وجه الدلالة: إنّ دية ثلاثة أصابع الصحيحة، ثلاثة آلاف درهم، وثلثها ألف درهم. ولكن يشكل الاستدلال به لأنّه جعل الثلث دية الأصابع مع الكفّ والكلام في ديتها مجرّدة عنه.

ومنه يعلم عدم الفرق بين كون الشلل لعارض أو لخلقة، لإطلاق النصّ.

في دية الظفر

قال الشيخ في «النهاية»: وفي الظفر إذا قلع ولم ينبت أو نبت أسود عشرة دنانير، فإن خرج أبيض خمسة دنانير.(2)

ونسبه في «مفتاح الكرامة» إلى كتب المتقدّمين والمتأخّرين.(3)

ويدلّ عليه ما رواه مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الظفر إذا قطع ولم ينبت أو خرج أسود فاسداً عشرة

ص: 339


1- . الوسائل: 19، الباب 28 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2. والحسن بن صالح عرفه النجاشي بقوله: كوفي له كتاب.
2- . النهاية: 768.
3- . مفتاح الكرامة: 21/286.

دنانير، فإن خرج أبيض فخمسة دنانير».(1)

قال المحقّق: وفي الرواية ضعف، غير أنّها مشهورة.(2)

وفي رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي الظفر خمسة دنانير».(3)

ويمكن الجمع بحملها على ما إذا خرج أبيض. ولم يتعرض لحكم خروجه أسود، ومنه يظهر ما في كتاب ظريف: في كلّ ظفر من أظفار اليد خمسة دنانير، ومن أظفار الرجل عشر دنانير.(4) ولكن التفصيل بين أظفار اليد والرجل مشكل، لم يقل به أحد وما في المتن من التفريق بين الصورتين هو الأقوى.2.

ص: 340


1- . الوسائل: 19، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . شرائع الإسلام: 268/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- . الكافي: 337/7 و 342.
الثاني عشر: الظهر
اشارة

المسألة 1. في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح بالعلاج والجبر، وكذا لو احدودب بالجناية فخرج ظهره وارتفع عن الاستواء، أو صار بحيث لا يقدر على القعود أو المشي. *

في دية الظهر

لو كُسر الظهر ولم يصلح، أو أُصيب فاحدودب - كُسر أو لم يُكسر - أو صار بحيث لا يقدر على القعود أو المشي، ففي جميع هذه الصور الدية كاملة.

قال العلّامة في «القواعد»: وفي الظهر إذا كُسر، الدية كاملة، وكذا لو أُصيب فاحدودب، أو ارتفعت قدرته على القعود.(1)

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما رواه ابن سنان وهشام بن سالم من أنّ «كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية وما كان فيه واحد ففيه الدية، الروايات التالية:

1. ما رواه الكليني بسند صحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكسر ظهره، قال: «فيه الدية كاملة».(2)

2. ما رواه الشيخ باسناده عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الصلب الدية».(3)

3. ما رواه الكليني عن بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى

ص: 341


1- . قواعد الأحكام: 680/3.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

المسألة 2. لو عولج وبقي على الاحديداب فالدية كاملة، وكذا لو بقي من آثار الكسر شيء بأن لا يقدر على المشي إلّابعصا، أو ذهب بذلك جماعه أو ماؤه، أو حدث به سلس ونحو ذلك. *

أمير المؤمنين عليه السلام في رجل كُسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس، أنّ فيه الدية».(1)

4. ما رواه الشيخ في «التهذيب» قال: روى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعاً، عن الرضا عليه السلام قالا: عرضنا عليه الكتاب، قال: «هو نعم حق، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر عماله بذلك، ثم قال: والظهر إذا حدب ألف دينار».(2)

لو عولج الظهر وبقي من أثر الجناية

قد مرّ في المسألة الأُولى الدية الكاملة فيما لو لم يصلح الظهر بالعلاج والجبر، وعندئذٍ يبقى الكلام فيما إذا عولج، وقد ذكر في المتن صوراً ثلاثاً:

1. إذا عولج ولكن بقي على حالة الاحديداب.

2. لو بقي من آثار الكسر شيء، بأن لا يقدر على المشي إلّابعصا.

3. ذهب بذلك جماعُه أو ماؤه أو حدث به سلس، فاللازم في الصور الثلاث عدم سقوط الدية بل يجب دفعها كاملة، وذلك لأنّ ما دلّ (3) على أنّه لو عولج وصلح فديته مائة دينار - كما سيأتي في المسألة الثالثة - خاصّ

ص: 342


1- . الوسائل: 19، الباب 14 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . التهذيب: 297/10.
3- . سيأتي في المسألة 3.

المسألة 3. لو عولج فصلح ولم يبق من أثر الجناية شيء فمائة دينار. *

بالمقام الذي لم يبق من أثر الجناية شيءٌ، والمفروض بقاء أثرها إمّا بصورة الاحديداب، أو غيره من الآثار المترتّبة على الجناية، أخذاً بحكم الحالة السابقة من كمال الدية الثابت قبل العلاج.

لو عولج الظهر فصلح ولم يبق من أثر الجناية شيء

في المسألة قولان:

1. الواجب دفع ثلث الدية.

2. الواجب دفع مائة دينار.

أمّا القول الأوّل فعليه الشيخ في «النهاية»، والمحقّق في «الشرائع».

قال المحقّق: ولو صلح كان فيه ثلث الدية، وفي رواية ظريف: إن انكسر الصلب وانجبر على غير عيب فمائة دينار.(1)

قال الشيخ في «النهاية»: وفي الظهر إذا كُسر ثم صلح ثلث الدية.(2)

ومن المعلوم أنّ «النهاية» فقه منصوص.

والظاهر أنّه المشهور بين الفقهاء، والظاهر وجود نصّ وصل إليهم ولم يصل إلينا، إذ ليس بأيدينا ما يدلّ عليه.

والذي يمكن أن يؤيّد هذا القول أمران:

1. الشهرة الفتوائية بين القدماء، وهي بنفسها تصلح أن تكون دليلاً

ص: 343


1- . شرائع الإسلام: 4/268.
2- . النهاية: 768.

على المسألة لولا المعارض.

2. يمكن الاستئناس للمقام بما ورد في خرم الأنف، روى مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في خرم الأنف ثلث دية الأنف»(1)، وهو ثلث دية النفس.

ونظيره: ما رواه محمد بن عبد الرحمن العزرمي عن أبيه عبد الرحمن، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «وفي خشاش الأنف في كلّ واحد ثلث الدية».(2)

وتأييده بما ورد في رضّ الرصغ أو الرسغ(3) إذا جبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية اليد.(4) غير صحيح، إذ الوارد فيه ثلث دية اليد. نعم لو فسّرت اليد، باليدين يكون ثلث ديتهما، ثلث دية النفس.

ويدلّ على التقدير الثاني رواية ظريف.

روى محمد بن يعقوب بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: وإن إنكسر الصلب فجبر على غير عثم(5) ولا عيب فديته مائة دينار.(6) وبه أفتى في المتن، ولا يخفى أنّ التفاوت بين الديتين كثير، وبالتعارض يسقط الدليلان، فالمرجع هو أصل البراءة من الزائد، ولعلّه لذلك أفتى في المتن بالأقل.1.

ص: 344


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 13.
3- . الرسغ المفصل بين الساعد والكف والساق والقدم، ومثل ذلك في الدابّة.
4- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
5- . العثم: الانجبار من غير استواء.
6- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 4. المراد بالظهر هو العظم الذي ذوفقار ممتدّ من الكاهل إلى العجز وهو الصلب، وكسره يوجب الدية. *

ما هو المراد من الظهر والصلب؟

هل الصلب و الظهر بمعنى واحد؟ أو أنّهما مختلفان؟

ذهب صاحب الجواهر إلى الأوّل، فنقل عن مختصر النهاية أنّ الصلب هو الظهر.(1)

والظاهر أنّ الظهر في مقابل البطن، ويطلق من لدن الكاهل إلى العَجْب طولاً و مابين المنكبين عرضاً. وأمّا الصلب فإنّما يطلق على خصوص العظم الذي فيه فقار.

نعم إذا أُطلق كسر الظهر يراد به كسر الصلب، إذ ليس في الظهر عظم يعتدّ به إلّاالعظم الذي فيه فقار. ويشهد على ما ذكرناه قول ابن منظور والمصباح المنير.

قال الأوّل: الصلب عظم من لدن الكاهل(2) إلى العَجْب(3)، والجمع أصلب ثم قال: والصلب من الظهر، وكلّ شيء من الظهر فيه فقار فذلك الصلب.(4)

ص: 345


1- . جواهر الكلام: 262/43.
2- . الكاهل: أعلى الظهر ممّا يلي العنق، يقال: كاهل القوم سندهم وسيدهم.
3- . والعجب: ما انضم إليه الوركان من أصل الذنب المغروز في مؤخّر العجز، وقيل: هوأصل الذنب كلّه. انظر لسان العرب: 1/582، مادة «عجب».
4- . لسان العرب: 526/1، مادة «صلب».

المسألة 5. لو كسر فشلّت الرجلان فدية لكسر الظهر، وثلثا الدية لشلل الرجلين. *

وفي «المصباح المنير»: والصلب كلّ ظهر له فقار.(1)

وبهذا يُعلم أنّ ما ذكره في المتن من تفسير الظهر بالعظم الذي ذو فقار ليس تفسيراً لغوياً بل تفسيراً بالقرينة وهو كسر الظهر الذي ليس له موضع إلّا العظم، وأمّا ما جاء في زيارة سيد الشهداء عليه السلام من قول الزائر: «أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة» لا يدلّ على واحد من القولين، بل قابل للانطباق على كلا المعنيين.

لو كسر الظهر فشلّت الرجلان

إذا كسر ظهره وانتهى الكسر إلى شلّ الرجلين، فهل هناك دية واحدة - أعني: لكسر الظهر - أو ديتان: إحداهما لكسر الظهر، والأُخرى لشل الرجلين؟ مقتضى القاعدة عدم التداخل؛ ولذلك قال الشيخ في «الخلاف»: إذا كُسر صلبه فشَلّت رجلاه، كانت عليه دية في كسر الصلب وثلثا الدية في شلل الرجلين، وقال الشافعي: فيه دية وحكومة، فالدية عنده في شلل الرجلين والحكومة في كسر الصلب.(2) ويدلّ عليه ما مضى من أنّ في شلل الأصابع ثلثي الدية، وقد مضى أنّ الفقهاء فهموا من الرواية كونها ضابطة كلّية في كلّ الأعضاء.(3)

نعم يعارضه ما في كتاب ظريف، قوله: «والشلل في اليدين كلتاهما

ص: 346


1- . المصباح المنير: 417.
2- . الخلاف: 252/5، المسألة 59.
3- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
الثالث عشر: النخاع
اشارة

المسألة 1. في قطع النخاع دية كاملة، وفي بعضه الحساب بنسبة المساحة. *

المسألة 2. لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر فإن كان فيه الدية المقدّرة يثبت - مضافاً إلى دية النخاع - دية أُخرى، وإن لم تكن فيه الدية فالحكومة. **

ألف دينار، وشلل الرجلين ألف دينار».(1) وهي محمولة على الشلل المجرّد عن القطع أو الكسر، وفيه تأمّل.

في دية قطع النخاع

والنخاع - بالضم - هو الخيط الأبيض داخل عظم الرقبة، ممتد إلى الصلب يكون في جوف الفقار.(2)

وبما أنّه في بدن الإنسان منه واحد، يكون في الجناية عليه - أي قطعه - دية كاملة، إنّما الكلام في قطع بعضه، فالماتن قال: الحساب بنسبة المساحة، تبعاً لصاحب الجواهر، والمراد هو المحاسبة من الطول لا العرض.

وسيأتي الكلام في النخاع عند البحث عن دية المنافع.

لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر

وجه المسألة واضح؛ لأنّه إذا كان لكلّ عضو دية مقرّرة فلا

ص: 347


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- . مجمع البحرين، مادة «نخع».
الرابع عشر: الثديان
اشارة

المسألة 1. الثديان من المرأة فيهما ديتها، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها. *

المسألة 2. لو قطعتا أو قطعت واحدة منهما مع شيء من جلد الصدر ففي الثدي ديتها بما مرّ، وفي الجلد الحكومة، ولو أجاف الصدر لزم مع ذلك دية الجائفة. **

وجه للتداخل، كما أنّه إذا لم يكن له دية مقرّرة فالحكومة محكّمة.

في دية الثديين

قال الشيخ: في ثديي المرأة ديتها، لأنّهما من أصل الخلقة، وفيهما الجمال والمنفعة، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها.(1)

والدليل عليه القاعدة المتقدّمة مراراً؛ وما ورد في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل قطع ثدي امرأته، قال:

«إذن أُغرّمه لها نصف الدية»(2).

لو قطع مع الثديين شيئاً من الجلد

قال العلّامة في «القواعد»: ولو قطع معهما شيئاً من جلد الصدر فالدية وحكومة.(3)

أمّا الدية فلهما، وأمّا الحكومة فلقطع الجلد لأنّ قطعه لابدّ له من

ص: 348


1- . المبسوط: 148/7.
2- . الوسائل: 19، الباب 46 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . قواعد الأحكام: 681/3.

المسألة 3. لو أُصيب الثدي وانقطع لبنها مع بقائها، أو تعذّر نزول اللبن مع كونه فيها، أو تعذّر نزوله في وقته مع عدم كونه فعلاً فيها، أو قلّ لبنها، أو عيب كما إذا در مختلطاً بالدم أو القيح، ففيه الحكومة. *

عوض، وما قدّر له في الشرع مقدّر.(1)

ثم قال العلّامة: فإن أجاف (الصدر) فدية للثديين وحكومة عن الجلد ودية الجائفة.(2) فتجتمع هنا ديتان للثدي والإجافة وحكومة للجلد. وتأتي دية الإجافة في فصل الشجاج والجراح.

لو أُصيب الثدي وانقطع اللبن

ذكر المصنّف هنا صوراً:

1. انقطع لبنها مع بقائها.

2. تعذّر نزول اللبن، مع كونه فيها.

3. تعذّر نزوله في وقته مع كونه فيها فعلاً.

4. قلّ لبنها.

5. إذا عيب، كما لو صار مختلطاً بالدم أو القيح.

فبما أنّ الجميع ممّا ليس له مقدّر في الشرع، فالمرجع فيه الحكومة.

قال الشيخ في «المبسوط»: فإن كان فيهما لبن فانقطع، فحكومة، وإن لم يكن فيهما لبن فعاد وقت نزول اللبن فيهما ولم ينزل فإن قال أهل الخبرة: إنّما لا ينزل للجناية، ففيهما حكومة، وإن قالوا: قد ينقطع بجناية وغير

ص: 349


1- . مفتاح الكرامة: 296/21.
2- . قواعد الأحكام: 680/3.

المسألة 4. لو قطع الحلمتين من المرأة قيل فيه الدية، وفيه إشكال ويحتمل الحكومة، ويحتمل الحساب بالمساحة، والأخير لا يخلو من رجحان. *

جناية،(1) فحكومة.

ووقت نزوله في العادة الحامل لأربعين يوماً، فإذا وضعت فشرب اللباء منها لم يدرّ منها لبن حتى يمضي ثلاث أو مدّة النفاس ثم يدرّ لبنها، فإذا لم يعاود في وقت عوده في العادة حينئذٍ سئل أهل الخبرة ويكون على ما مضى.(2)

هل في حلمتي المرأة دية أو حكومة؟

قال الشيخ في «المبسوط»: إذا قطع من الثديين الحلمتين، وهما كهيئة الزّر(3) في رأس الثدي يلتقمهما الطفل، وفيهما الدية، لأنّهما من تمام الخلقة، ففيهما الجمال والمنفعة.(4)

واستشكل فيه المحقّق قائلاً: من أنّ الدية للثديين والحلمتان بعضهما.(5)

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من أن تكون جزءاً من الثدي، ومع ذلك تحسب مستقلة إذا جُني عليها، وذلك كالأصابع فإنّها جزء من اليد تابعة لها، لكن إذا وقعت مورد الجناية تحسب مستقلة.

ص: 350


1- . أي انقطع بسبب الأمرين لا الجناية فقط.
2- . المبسوط: 148/7.
3- . الزّر: ما يجعل في اللباس: قال الشاعر: قد زُرّ أزاره على القمر.
4- . المبسوط: 148/7.
5- . شرائع الإسلام: 269/4.

المسألة 5. في حلمة ثدي الرجل ثُمن الدية مائة وخمسة وعشرون ديناراً، وفيهما معاً الربع، وفي قول: إنّ فيهما الدية، والأوّل أقوى. *

وبما أنّ لحلمة الثدي شأناً خاصّاً في جمال المرأة وانتفاع الطفل بها فلا يبعد عدّها أمراً مستقلاً تشمله الروايات العامّة من كونه واحداً في بدن الإنسان أو متعدّداً.

فلو قلنا بالدية فهو وإلّا فالقول بالحكومة هو الأرجح؛ لأنّ فيه جمال المرأة والمنفعة، واحتمال الحساب بالمساحة كما في المتن، لا يخلو من بعد لأنّ نسبتها إلى مجموع الثدي قليلة جداً.

في حلمة ثدي الرجل

في المسألة أقوال:

1. فيهما الدية. وهو خيرة الشيخ في «المبسوط»، قال: أمّا حلمتا الرجل، قال قوم: فيهما الحكومة، وقال آخرون: فيهما الدية، وهو مذهبنا.(1)

وقد استشكل فيه المحقّق، وذلك لعدم ثديين للرجل يكونان بعضاً منهما، لأنّ الحلمة فرع وجود الثدي، فإذا لم يكن الأصل محكوماً بالدية فكيف يحكم على الفرع بها.

2. ما اختاره ابن بابويه وقال: في حلمتي ثدي الرجل، ثمن الدية، مائة وخمسة وعشرون ديناراً، وفيهما معاً ربع الدية.

ويدلّ عليه ما ورد في كتاب ظريف، قوله: «وفي حلمة ثدي الرجل

ص: 351


1- . المبسوط: 148/7.
الخامس عشر: الذكر
اشارة

المسألة 1. في الحشفة فما زاد الدية كاملة وإن استؤصل إذا كان بقطع واحد، من غير فرق بين ذكر الشاب والشيخ والصبيّ والخصيّ خلقة، ومن سلّت أو رضّت خصيتاه وغيره إذا لم يكن موجباً للشلل. *

ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون ديناراً».(1) ولعلّه أرجح لوجود النصّ.

وعلى هذا يكون حديث ظريف مخصّصاً لما دلّ على تمام الدية فيما يكون في بدن الإنسان متعدّداً، إذ لازم ذلك تمام دية النفس.

3. الحكومة، وهو خيرة الإيضاح والمسالك.(2) ولا يخفى ضعفه بعد وجود النص.

في دية الذكر

في المسألة فرعان:

1. إذا قطع الحشفة فما زاد حتى مع الاستئصال.

2. عدم الفرق بين الشاب والشيخ والصبيّ والخصيّ. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: في دية حشفة الذكر

قال الشيخ في «الخلاف»: في الذكر الدية.(3)

وقال المحقّق: وفي الحشفة فما زاد الدية وإن استؤصل.(4)

ص: 352


1- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، ولاحظ: الفقيه: 65/4، برقم 194.
2- . مفتاح الكرامة: 298/21، ولاحظ: المسالك: 434/15؛ وإيضاح الفوائد: 699/4.
3- . الخلاف: 259/5، المسألة 70.
4- . شرائع الإسلام: 269/4.

وقال العلّامة في «القواعد»: وتثبت الدية في الحشفة فما زاد وإن استؤصل.(1)

وحصيله الكلام: أنّ في قطع الحشفة وحدها الدية، كما أنّ في قطعها مع القضيب إلى حدّ الاستئصال دية واحدة، لا ديتان، إذا كان القطع دفعة واحدة، فحينئذٍ فالقضيب كالكف، والحشفة كالأصبع، لا تتفاوت الحال في وجوب كمال الدية بقطع الحشفة خاصّة أو مع القضيب أو بعضه من غير وجوب دية أُخرى أو حكومة لما زاد عليها.(2)

ويدلّ عليه روايات:

1. صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وفي الذكر إذا قطع من موضع الحشفة، الدية».(3)

2. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي الذكر إذا قطعت الحشفة وما فوق، الدية».(4)

والرواية دليل على أنّ قطع جميع الذكر دفعة واحدة فيه دية واحدة.

3. ما رواه يونس أنّه عرض على أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاب الديات، وكان فيه: والذكر إذا استؤصل ألف دينار.(5)

وفيما ذكرنا غنى وكفاية، ولاحظ سائر الروايات.(6)4.

ص: 353


1- . قواعد الأحكام: 681/3.
2- . جواهر الكلام: 266/43.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
5- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
6- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الأحاديث 6 و 7 و 10 و 14.

المسألة 2. لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الحشفة حسب، لا جميع الذكر. *

الفرع الثاني: في ذكر الشاب والشيخ والصبي والخصي خلقة

لا فرق بين شاب أو شيخ أو صبيّ لم يبلغ، والخصيّ خلقة، ومن سُلّت خصيتاه أو رُضّتا على وجه لا يؤدي إلى شلل في ذكره.

ويدلّ عليه إطلاق النصوص والفتاوى ومعقد الإجماع.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: في ذكر الصبيّ الدية، وفي ذكر العنين الدية».(1)

مضافاً إلى أنّه في أكثر الروايات كون الموضوع هو الذكر، نعم ورد في صحيح بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «في لسان الأخرس، وعين الأعمى، وذكر الخصيّ وأُنثييه ثلث الدية».(2)

فهو محمول على وجود شلل فيه.

ونقل العاملي عن أبي حنيفة أنّه لم يوجب في ذكر الخصيّ إلّا الحكومة.(3)

لو قطع بعض الحشفة

لو قطع بعض الحشفة نسب المقطوع إلى الحشفة خاصّة ولا ينسب

ص: 354


1- . الوسائل: 19، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . مفتاح الكرامة: 306/21.

المسألة 3. لو انخرم مجرى البول من دون قطع ففيه الحكومة، ولو قطع بعض الحشفة وكان القطع ملازماً لخرم المجرى فلا شيء إلّاما للحشفة، وإن لم يكن ملازماً وكان الخرم جناية زائدة فله الحكومة، وللحشفة ما تقدّم. *

إلى جميع الذكر على ما حكي عن بعض العامّة، فإن كان المقطوع نصفها فنصف الدية، وإن ثلثاً فالثلث، وعلى هذا فقس، لما مرّ من أنّ في قطع الحشفة الدية كاملة، فيحسب المقطوع بالنسبة إلى العضو الذي له دية كاملة. نظير قطع شيء من الإصبع، حيث إنّ الدية بالنسبة إلى الإصبع لا إلى اليد، وذلك لأنّ للأصابع في حدّ نفسها دية.

لو انخرم مجرى البول
اشارة

في المسألة فروع:

1. لو جنى على نحو انخرم(1) مجرى البول من دون قطع.

2. لو قطع بعض الحشفة وكان القطع ملازماً لخرم المجرى.

3. لو قطع بعض الحشفة ولم يكن القطع ملازماً لخرم المجرى، بل عُدّ الخرم جناية زائدة.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: إذا انخرم مجرى البول دون قطع فبما أنّه ليس فيه دية مقدّرة ففيه الحكومة.

ص: 355


1- . خرمه: ثلمه، ثَقبه، شق وَتَرَة أنْفِه. والظاهر أنّ المراد هو الشق.

المسألة 4. لو قطع الحشفة وقطع آخر أو هو بقطع آخر ما بقي، فالدية لقطعها والحكومة لقطع الباقي، ولو قطع بعض الحشفة والآخر ما بقي منها فعلى كلّ منهما بحساب المساحة. *

الفرع الثاني: إذا قطع بعض الحشفة وكان القطع ملازماً لخرم المجرى، فالمجموع جناية واحدة، فلا شيء إلّاما للحشفة بحساب المساحة، لأنّ قطع بعض الحشفة يلازم خرم المجرى طبيعة.

الفرع الثالث: لو قطع ولم يكن القطع في حدّ نفسه ملازماً للخرم ولكن اتّفق الخرم، فيحسب الخرم جناية زائدة وراء قطع الحشفة فللجناية الزائدة الحكومة، ولقطع بعض الحشفة ما بحساب المساحة.

* في المسألة فرعان:

1. لو قطع شخص الحشفة ثم قطع آخر - أو هو نفسه - ما بقي من الذكر.

2. لو قطع شخص بعض الحشفة وجاء الآخر وقطع ما بقي منها. وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: لو قطع الحشفة ثم ما بقي من الذكر

فعلى مَن قطع الحشفة الدية كاملة، وأمّا من قطع الباقي من الذكر سواء كان هو القاطع الأوّل أو شخص آخر، الحكومة، لأنّ في قطع الحشفة دية مقدّرة، أمّا الباقي من الذكر فليس فيه دية مقدّرة، ففيه الحكومة.

وهو نظير ما لو قطع الأصابع ثم قطع هو أو غيره الكف، فعلى الأوّل الدية لوجود التقدير، وعلى الثاني الحكومة لعدم التقدير فيه.

ص: 356

المسألة 5. لو قطع بعض الحشفة وقطع آخر الذكر باستئصال، ففي قطع بعضها الحساب بالمساحة، وفي قطع الباقي وجوه: الحكومة أو الحساب بالنسبة إلى الحشفة والحكومة فيما بقي، أو الدية كاملة، أوجهها الأوّل وأحوطها الأخير. *

الفرع الثاني: لو قطع بعض الحشفة والآخر ما بقي منها

وأمّا لو قطعت الحشفة بواسطة شخصين فعلى كلّ منهما بحساب المساحة، فلو قطع الأوّل الثلث والآخر الثلثين، فعلى الأوّل ثلث الدية وعلى الثاني ثلثا الدية، وهكذا.

لو قطع بعض الحشفة وقطع الآخر ما بقي مع الذكر
اشارة

لو قطع شخص بعض الحشفة وقطع آخر الباقي من الحشفة والذكر باستئصال، فلا شكّ أنّ على الأوّل الحساب بالمساحة لأنّ الدية على مجموع الحشفة، فلو قطع بعضها فيحسب حسب المساحة، فلو قطع النصف فنصف الدية وهكذا. إنّما الكلام على مَن قطع باقي الحشفة مع القضيب باستئصال، فقد احتمل المصنّف فيه الوجوه التالية:

1. الحكومة، 2. الحساب بالنسبة إلى الحشفة. والحكومة فيما بقي، 3.

الدية كاملة.

لا شكّ أنّ الأخير هو الأحوط، إنّما الكلام فيما هو الأوجه من الوجهين الباقيين.

والظاهر أنّ الأوجه هو الثاني؛ وذلك لأنّ المفروض أنّ للحشفة

ص: 357

المسألة 6. في ذكر العنّين ثلث الدية، وكذا في قطع الأشلّ، وفي قطع بعضه بحسابه، ولا يبعد أن يكون الحساب بالنسبة إلى المجموع لا خصوص الحشفة. *

الدية، وهذا القاطع الثاني قطع بعض الحشفة، فعليه الحساب بحساب المساحة لأجل قطع بعض الحشفة، وبما أنّ في قطع القضيب لم يرد تقدير، ففيه الحكومة، فعلى القاطعين بالنسبة إلى الحشفة، الدية بحسب المساحة، فتكون النتيجة دفع دية كاملة، وأمّا القضيب فهو على القاطع الثاني بالحكومة.

* في المسألة فروع:

1. دية ذكر العنّين.

2. دية قطع الأشلّ.

3. دية قطع بعض الأشلّ. وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: في ذكَر العنّين

قولان:

1. ما هو المشهور: أنّ فيه ثلث الدية. وهو خيرة الشيخ في الخلاف والنهاية.

قال في الأوّل: وفي ذكر العنّين ثلث دية الذكر الصحيح، وقال جميع الفقهاء فيه الحكومة.(1)

وقال في «النهاية»: وفي ذكر العنّين ثلث دية الصحيح(2).

ص: 358


1- . الخلاف: 202/5، المسألة 74.
2- . النهاية: 769.

وعليه المحقّق في الشرائع، قال: وفي ذكر العنّين ثلث الدية وفيما قطع منه فبحسابه.(1)

وكأنّهم أدخلوه في الشلل، قال الشيخ في كتاب ديات «الخلاف»: العين القائمة واليد الشلّاء والرجل الشلّاء ولسان الأخرس والذكر الأشلّ، كلّ هذا وما في معناه يجب ثلث الدية.(2)

2. قول أبي علي والصدوق: إنّ فيه الدية، لقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني: «في ذكر العنّين الدية».(3) فإن ثبت الإعراض فهو، وإلّا فالقول بالدية أوفق بالقواعد؛ لأنّ المفروض سلامة الذكر في العنّين دون الأشلّ فلعلّ هنا عوامل روحية تسبب اعتراض الآلة عند إرادة الإيلاج دون أن يكون فيها علّة جسمانية، وأين هذا من الشلل؟

لكن أعرض عنه المشهور، فلا يحتجّ به.

الفرع الثاني: في قطع الأشلّ

الفرق بين العنّين والأشلّ هو أنّ العنّين هو الذي لا يقدر على إتيان النساء، ولا يشتهيها، وامرأةٌ عنّينة لا تشتهي الرجال، قال الأزهري: سُمّي عنّيناً لأنّ ذكره يعنّ لقبل المرأة، أي يعترض إذا أراد إيلاجه.(4)

وأمّا الأشلّ: فهو الذي يكون منبسطاً دائماً ولا ينقبض في الماء البارد، أو يكون منقبضاً فلا ينبسط في الماء الحار.(5)

ص: 359


1- . شرائع الإسلام: 269/4.
2- . الخلاف: 260/5، المسألة 71.
3- . الوسائل: 19، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- . مجمع البحرين، مادة «عنن».
5- . قواعد الأحكام: 682/3.

وعرّفه في «المبسوط» بأنّه قد استرسل فلا ينتشر ولا يقوم ولا ينقبض ولا ينبسط كالخرقة.(1)

ففي قطع الذكر الأشلّ ثلث الدية، فإنّ الضابطة في الجناية على المشلول هو ثلث دية الصحيح.

الفرع الثالث: قطع بعض الأشلّ

له صورتان:

1. ما إذا تجاوز القطع في الأشلّ الحشفة، فلا شكّ أنّ الحساب بالنسبة إلى مجموع القضيب.

2. أمّا إذا قطع بعض الحشفة من ذكر الأشلّ، فهل الميزان في الحساب بالنسبة للحشفة - كما هو الحال في الصحيح - أو بالنسبة إلى مجموع الذكر؟

ذهب المشهور إلى أنّ الميزان هو الحساب بالنسبة إلى مجموع الذكر قائلاً: بأنّ الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم في لذة الجماع وقد ورد أنّ الدية فيها بخصوصها، بخلافها في الأشلّ لاستواء الجميع في عدم المنفعة، وعدم ورود الدية في حشفته مع كونه عضواً واحداً.(2) فيكون الحساب بالنسبة إلى الجميع لا إلى الحشفة بخلاف الصحيح. ثمّ إنّ ما ذكره صحيح في الأشلّ، وأمّا العنّين ففيه تأمل كما مرّ.

ص: 360


1- . المبسوط: 93/7.
2- . مفتاح الكرامة: 309/21.

المسألة 7. لو قطع نصف الذكر طولاً ولم يحصل في النصف الآخر خلل من شلل ونحوه، فنصف الدية، وإن أحدث في الباقي شللاً فنصف الدية للقطع وثلثا دية النصف الآخر للشلل، فعليه خمسة أسداس. *

لو قطع نصف الذكر طولاً

في المسألة فرعان:

1. لو قطع نصف الذكر طولاً، ولم يحصل في النصف الآخر خلل.

2. نفس الصورة لكن أحدث في الباقي شللاً. وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: قال العلّامة في «القواعد»: ولو قطع نصف الذكر طولاً ولم يحصل في النصف الآخر خلل، فنصف الدية.(1)

وقال في «التحرير»: فإن قطع بعضه طولاً مثل أن يشقّه باثنين ويقطعه فعليه ما يخصّه من الدية وهو النصف.(2) وهو موافق للقاعدة لأنّ الدية للمجموع والمفروض أنّه شقّه نصفين، فأتلف النصف دون الآخر.

الفرع الثاني: لو قطع نصف الذكر طولاً، فذهب بذلك الجماع فالدية كاملة، لما سيوافيك في الجناية على المنافع، هذا ما لم يذكره المصنّف.

وإن حدث شلل في الباقي فالواجب خمسة أسداس الدية التي هي نصف دية الصحيح لما قطعه، وثلثا دية النصف الآخر.

توضيحه: أنّه بقطع النصف وجب عليه نصف الدية - أعني: 500 دينار - التي هي ثلاثة أسداس الدية، وبإيجاد الشلل في النصف الآخر وجب عليه

ص: 361


1- . قواعد الأحكام: 682/3.
2- . تحرير الأحكام: 579/5

المسألة 8. في ذكر الخنثى المشكل أو المعلوم أُنوثته، الحكومة. *

ثلثا دية النصف الآخر - على ما مرّ من الضابطة - وثلثا دية النصف الآخر عبارة عن 33313 ديناراً، فإذا جمعنا الديتين يكون حاصل الجمع 83313 ديناراً. وهي خمسة أسداس الدية الكاملة، فلو أُضيف إليه سدس الدية - أعني: 16623 - يكون حاصل الجمع 1000 ديناراً.

في ذكر الخنثى المشكل

في ذكر الخنثى إذا عُلم أنّها امرأة أو استمر الاشتباه، الحكومة، كما هو الحال في غيره من الزوائد المعلومة أو المشكوكة. ويحتمل إيجاب الدية في المشتبه للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين: الحكومة أو الدية ولا يحصل اليقين بالبراءة إلّابالثانية، وليس المقام من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليين من الشبهة الموضوعية، بل من قبيل تعلّق العلم بالمتباينين، وإنّما التردّد بينهما في المصداق، وهو غير متعلّق العلم، فتدبّر.

نعم لو عُلم أنّه رجل ففي مفروضه ديتان: إحداهما للذكر والأُخرى للأُنثيين. نعم ذكر الصدوق في «المقنع» أنّ في ذكر الخنثى وأُنثييه الدية.(1)

وما ذكره صحيح فيما إذا علم أنّه رجل، وأمّا ما رواه بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في لسان الأخرس، وعين الأعمى، وذكر الخصيّ وأُنثييه، ثلث الدية».(2) فالموجود فيها «الخصيّ» دون «الخنثى»، مع أنّ الوارد فيها ثلث الدية لا الدية كاملة.

ص: 362


1- . المقنع: 180.
2- . الوسائل: 19، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
السادس عشر: الخصيتان
اشارة

المسألة 1. في الخصيتين الدية كاملة، فهل لكلّ واحدة نصفها أو لليسرى ثلثان ولليمنى الثلث؟ الأوجه الثاني، والأحوط الثلثان في اليسرى والنصف في اليمنى لو قلعتا دفعتين. *

في دية الخصيتين
اشارة

في المسألة فرعان:

1. لو قلعت الخصيتان دفعة واحدة.

2. لو قلعتا دفعتين. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: لو قلعت الخصيتان دفعة واحدة

فالمشهور أنّ فيهما الدية كاملة.

قال الشيخ في «الخلاف»: في الخصيتين الدية بلا خلاف.(1)

وقال المحقّق: وفي الخصيتين الدية.(2)

ويدلّ عليه ما رواه يونس أنّه عرض على أبي الحسن عليه السلام كتاب الديات وكان فيه: «(في) البيضتين ألف دينار».(3)

وأمّا ما ورد في كتاب ظريف من قوله: «في خصية الرجل خمسمائة دينار»(4)، فمحمول على واحدة منهما.

ص: 363


1- . الخلاف: 259/5، المسألة 69.
2- . شرائع الإسلام: 269/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- . مستدرك الوسائل: 19، الباب 18 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

هذا كلّه إذا قلعتا دفعة واحدة.

الفرع الثاني: لو قلعت الخصيتان دفعتين

لو قلعتا دفعتين، فهنا وجهان:

1. التوزيع بالسوية. ويدلّ عليه أمران:

الف. عموم ما دلّ على أنّ كلّ ما كان منه في الجسد اثنان ففي كلّ منهما نصف الدية.

ب. ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وفيه: «وفي البيضتين الدية».(1)

كلّ ذلك يدلّ على التساوي بين البيضتين.

2. أنّ في اليسرى الثلثين، وفي اليمنى الثلث، معلّلاً بأنّ الولد يخلق من اليسرى.

قال الشيخ: وفي اليسرى ثلثا الدية، وفي اليمنى ثلثها، وبه قال سعيد بن المسيّب، قال: لأنّ النسل منها، كما رواه أصحابنا.(2)

وقال المحقّق: وفي رواية: في اليسرى ثلثا الدية لأنّ منها الولد، والرواية حسنة.(3) وهو يشير إلى ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قلت:

فرجل ذهبت إحدى بيضتيه، قال: «إن كانت اليسار ففيها ثلثا الدية»، قلت: ولِمَ، أليس قلت: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية؟ فقال: «لأنّ الولد

ص: 364


1- . التهذيب: 245/10، ورواه في الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، ذيل الحديث رقم 4.
2- . الخلاف: 5/259، المسألة 69.
3- . شرائع الإسلام: 269/4.

من البيضة اليسرى».(1)

ولو عملنا بالحديث يأتي فيه ما ذكره المحقّق حيث قال: والرواية تتضمّن عدولاً عن عموم الروايات المشهورة.(2)

ويريد بالمشهورة ما تضافر من أنّ كلّ ما في الجسد منه اثنان ففي كلّ واحد نصف الدية.

وعلى كلّ تقدير فالظاهر أنّ الصحيحة أخصّ من العمومات، فتقدّم عليها. نعم مجرد كون الولد من البيضة اليسرى لا يكون دليلاً على الاختلاف، وإنّما الدليل هو نصّ الإمام عليه السلام عليه.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من تخصيص العموم بصحيحة عبد اللّه بن سنان، إنّما يجري في العمومات لا في مثل ما ورد في «المستدرك» عن علي عليه السلام أنّه قال:

«وفي البيضتين الدية، وفي كلّ واحدة منهما نصف الدية، وهما سواء».(3)

فإنّه نصّ في التسوية فيقع التعارض بينه و بين رواية ابن سنان.

ولذلك احتاط المصنّف في المتن وقال فيما لو قلعتا دفعتين الثلثان في اليسرى، والنصف في اليمنى عملاً بكلا الدليلين، أي ما دلّ على التسوية وما دلّ على التفاوت.

ثمّ إنّه قد نُقل قولان آخران: أحدهما: عن الراوندي، وهو التفصيل بين الشيخ الآيس من الجماع، فالنصف، وبين الشاب فالثلثين؛ جمعاً بين9.

ص: 365


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . شرائع الإسلام: 269/4.
3- . مستدرك الوسائل: 336/10، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.

المسألة 2. لا فرق في الحكم بين الصغير والكبير والشيخ والشاب، ومقطوع الذكر وغيره، وأشلّه وغيره، والعنّين وغيره. *

المسألة 3. في أُدرة الخصيتين - وهي انتفاخهما - أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على مشي ينفعه ففيه ثمانمائة دينار، أربعة أخماس دية النفس. **

النصوص، لكنّه جمع تبرّعي.(1)

وأمّا القول الآخر: فهو ما حكي عن أبي علي من أنّ فيهما الدية كاملة إذا قطعتا معاً، وفي اليسرى وحدها الدية (كاملة)، وفي اليمنى نصفها.(2)

ولا وجه لهذا القول إذ لم يدلّ دليل على تمام الدية في اليسرى، بخلاف ما أُشير إليه من الاحتياط في المتن، إذ قد دلت رواية ابن سنان على الثلثين في اليسرى.

* لا فرق في الحكم بين الأصناف المذكورة في المسألة لإطلاق الدليل الشامل لعامّة الصور، وقد مرّ أنّ الراوندي فرّق بين الشيخ اليائس من الجماع، والشاب.

في أُدرة الخصيتين

أُدرة الخصيتين عبارة عن انتفاخهما، وأمّا الفحج فقد فسّره الفاضل الهندي بقوله: مَن تباعدت رجلاه عقباً وتدانتا صدراً، أو تباعد فخذاه أو وسط ساقيه، فلم يقدر على المشي.(1)

ص: 366


1- . كشف اللثام: 398/11.

وفي «مفتاح الكرامة»: الأُدرة - بضم الهمزة فسكون الدال ففتح الراء المهملتين - وهي الانتفاخ، والفحج - بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم - ما إذا تباعدت رجلاه أعقاباً مع تقارب صدور قدميه.(1)

وفي «مجمع البحرين»: تباعد ما بين الرجلين في الأعقاب، مع تقارب صدور القدمين.(2) وهو أمر طارئ غبَّ الجناية على الخصيتين ولذا ذكره في المقام.

ويدلّ عليه ما رواه الكليني بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «فإن أُصيب رجل فأُدرَ خصيتاه كلتاهما فديته أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يستطع المشي إلّامشياً لا ينفعه فديته أربعة أخماس دية النفس، ثمانمائة دينار».(3)

وطرق الكليني إلى كتاب ظريف مختلفة، صحيح بعضها، ولذلك قال المحقّق: ومستنده كتاب ظريف، غير أنّ الشهرة تؤيّده.(4)

قلت: مضافاً إلى الشهرة أنّه مروي بعدّة طرق فيها الصحيح وغيره، فلا محيص حينئذٍ عن العمل به.4.

ص: 367


1- . مفتاح الكرامة: 313/21.
2- . مجمع البحرين: مادة «فحج».
3- . الوسائل: 19، الباب 18 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
4- . شرائع الإسلام: 269/4.
السابع عشر: الفرج
اشارة

المسألة 1. في شفري المرأة - أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم - ديتها كاملة، وفي إحداهما نصفها، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ثيباً أو بكراً، مختونة أو غيرها، قرناء أو رتقاء أو سليمة، مفضاة أو غيرها. *

في دية الفرج

قال الشيخ في «المبسوط»: الأُسكتان والشفران عبارة عن شيء واحد، وهو اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، وهما عند أهل اللغة عبارة عن شيئين، قال بعضهم: الأُسكتان هو اللحم المحيط بشق الفرج، والشفران حاشيتا الأُسكتين كما أنّ للعينين جفنين ينطبقان عليهما، وشفرهما هي الحاشية التي تنبت فيها أهداب العين، فالأُسكتان كالأجفان والشفران كشفري العين. فإذا ثبت هذا فمتى جنى عليهما جان فقطع ذلك منها فعليه ديتها.(1)

وإليك نقل ما حضرني من المعاجم:

«اسك»: الاسكتان: شفرا الرحم(2)، وقال الجوهري: الاسكتان بكسر الهمزة جانبا الفرج.(3)

قال المحقّق: الشفران وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، وفيهما ديتها، وفي كلّ واحدة نصف ديتها. وتستوي في الدية السليمة والرتقاء.(4)

ص: 368


1- . المبسوط: 149/7.
2- . العين: 393/5.
3- . الصحاح: 1572/4.
4- . شرائع الإسلام: 269/4.

ونظيره ما قاله العلّامة في «القواعد».(1)

وأمّا الماتن فقد جعل العنوان: الفرج. وعبّر في المسألة بشفري المرأة، ولكن الوارد في الروايات قطع الفرج.

1. روى الكليني عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ في كتاب علي عليه السلام: لو أنّ رجلاً قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها، وإن لم يؤد إليها الدية قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك».(2)

وأُشكل على الحديث سنداً ومضموناً، أمّا السند فإنّ عبد الرحمن بن سيابة مختلف فيه، وإن كان الأظهر كونه ثقة، وأمّا المضمون فما ورد في ذيل الحديث، لأنّ الفرج ليس موضعاً للقصاص.

2. ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل قطع فرج إمرأته؟ قال: أُغرمه لها نصف الدية».(3)

ورواه في «الوسائل» كما ذكرنا، ولكن ورد في الكافي والتهذيب مكان (فرج إمرأته)، ورد (ثدي امرأته).(4)

والأولى أن يستدل بما رواه هشام بن سالم من أنّه كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية.(5)

وعلى ذلك فلا فرق بين الكبيرة والصغيرة والمختونة وغيرها لإطلاق الدليل.1.

ص: 369


1- . قواعد الأحكام: 683/3.
2- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2.
3- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
4- . لاحظ: الكافي: 314/7، الحديث 17؛ والتهذيب: 252/10، الحديث 998.
5- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12؛ ولاحظ رواية عبد اللّه بن سنان، نفس الباب، الحديث 1.

المسألة 2. لو شلّتا بالجناية فالظاهر ثلثا ديتها، ولو قطع ما بهما الشلل ففيه الثلث. *

المسألة 3. في الركب - وهو في المرأة موضع العانة من الرجل - الحكومة؛ قطعه منفرداً أو منضمّاً إلى الفرج، وكذا في عانة الرجل الحكومة. **

* وجهه ما تقدّم غير مرّة وهو أنّ كلّ جناية أدّت إلى شلل العضو، فديتها ثلثا ديته، ولو جنى على المشلول بالقطع فديته الثلث.

ما هو المراد من الرَّكب؟

الركب - بالفتح - لحم العانة، وهو في المرأة مثل موضع العانة من الرجل، ففي قطع أي واحد منهما الحكومة، لعدم التقدير.

قال في «المبسوط»: فإن قطع الركب معهما ففي الركب حكومة، والركب هو الجلد الثاني فوق الفرج، وهو منها بمنزلة شفرة الرجل، وفيه حكومة.(1)

ووجه الحكومة عدم التقدير، من غير فرق بين قطعه منفرداً أو منضمّاً إلى الفرج، لعدم الدليل على التبعية، نحو تبعية الكف إلى الأصابع، غاية الأمر الدية للفرج، والحكومة للركب.

ص: 370


1- . المبسوط: 149/7. ولعلّ في العبارة تصحيفاً ولعلّ الصحيح: «الجلد الناتئ» أي الجلد الواقع فوق الفرج، ولعلّ «شفرة» تصحيف «شعر الرجل» أي محلّ شعر الرَّجُل. واللّه العالم.

المسألة 4. في إفضاء المرأة ديتها كاملة، وهو أن يجعل مسلكي البول والحيض واحداً، وكذا لو جعل مسلكي الحيض والغائط واحداً على الأحوط في هذه الصورة، من غير فرق بين الأجنبي والزوج إلّافي صورة واحدة وهي ما إذا كان ذلك من الزوج بالوطء بعد البلوغ، وأمّا قبل البلوغ فعليه ديتها مع مهرها. *

في دية إفضاء المرأة
اشارة

اختلف في معنى الإفضاء:

1. أن يجعل مسلكي البول والحيض واحداً.

2. أن يجعل مسلكي الحيض والغائط واحداً.

3. أن يجعل مسلكي البول والغائط واحداً.

أمّا الأوّل فهو أقرب لأنّ بين المسلكين حاجزاً دقيقاً والإفضاء هو إزالة ذلك الحاجز، فإذا تحامل عليها ربّما انقطعت تلك الجلدة.

وأمّا الثاني: فهو خيرة ابن سعيد وهو غير معروف.

وأمّا الثالث: فهو يتوقّف على ازالة الحاجزين، فهو غريب بعيد الوقوع في العادة.(1)

إذا عرفنا معنى الإفضاء فنقول: في المسألة فرعان:

1. إذا أفضى الأجنبي امرأة.

2. إذا أفضى الزوج زوجته. وإليك دراستهما:

ص: 371


1- . المبسوط: 149/7؛ جواهر الكلام: 29/419-421.

الفرع الأوّل: قال المحقّق: وفي إفضاء المرأة ديتها.(1)

وقال العلّامة: وفي إفضاء المرأة ديتها.(2)

ويدلّ عليه:

1. صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟ فقال: «الدية كاملة».(3)

2. ما رواه الصدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قضى في امرأة أُفضيت بالدية.(4)

الفرع الثاني: إذا أفضى الزوج زوجته، فإن كان بعد البلوغ تسقط الدية، ولو كان قبله ضمن الدية والمهر.

قال المحقّق: وتسقط (يعني الدية) في طرف الزوج إن كان بالوطء بعد البلوغ، ولو كان قبل البلوغ، ضمن الزوج مع مهرها ديتها، والإنفاق عليها حتى يموت أحدهما.(5)

ويدلّ على التفصيل بما بعد البلوغ وقبله ما يلي:

1. صحيحة حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سُئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك فلمّا دخل بها اقتضها فأفضاها؟ فقال: «إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها4.

ص: 372


1- . شرائع الإسلام: 270/4.
2- . قواعد الأحكام: 682/3.
3- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
4- . الوسائل: 19، الباب 26 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
5- . شرائع الإسلام: 270/4.

المسألة 5. لو كانت المرأة مكرهة من غير زوجها فلها مهر المثل مع الدية، ولو كانت مطاوعة فلها الدية دون المهر، ولو كانت المكرهة بكراً هل يجب لها أرش البكارة زائداً على المهر والدية؟ فيه تردّد، والأحوط ذلك. *

أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فافتضها فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتّى تموت فلا شيء عليه».(1)

2. ما رواه بُريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اقتض جارية (يعني امرأته) فأفضاها؟ قال: «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين» - وقال: - «وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه، وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه».(2)

وما ذكرناه هو دليل التفصيل الوارد في المتن، لكن ما في ذيل الرواية من وجوب الدية لو طلّقها، دونما إذا أمسكها ممّا لم يعمل به، والتفصيل موكول إلى كتاب النكاح.

* في المسألة فروع:

1. لو كانت المرأة مكرهة من غير زوجها، وكانت ثيباً.

2. لو كانت مطاوعة. سواء كانت ثيباً أم لا.

3. لو كانت المكرهة بكراً. وإليك دراستها:1.

ص: 373


1- . الوسائل: 14، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، الحديث 9.
2- . الوسائل: 19، الباب 44 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
الفرع الأوّل: في المرأة المكرهة من غير زوجها

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا وطأ امرأة مكرهة فأفضاها، وجب عليه الحدّ لأنّه زان، ووجب عليه مهرها لوطئها ووجبت عليه الدية؛ لأنّه أفضاها.

وبه قال الشافعي.(1)

وقال المحقّق: ولو لم يكن زوجاً، وكان مكرهاً، فيها المهر والدية.(2)

وقال العلّامة: ولو كان الواطئ أجنبياً فإن أكرهها فعليه مهر المثل والدية.(3)

وجهه عدم التداخل فإنّ مهر المثل للوطء والدية للإفضاء. وقد قيدنا الفرع بكون المرأة ثيباً؛ لأنّ حكم البكر أُشير إليه في الفرع الثالث.

الفرع الثاني: في المرأة المطاوعة

ولو كانت مطاوعة فلا مهر لها، لأنّها بغي لكن لها دية الإفضاء؛ لأنّها طاوعته في أصل الجماع لا الإفضاء، فلا وجه لسقوط الدية، ولذلك قال المحقّق: وإن كانت مطاوعة، فلا مهر، ولها الدية.(4)

الفرع الثالث: في المرأة المكرهة لو كانت بكراً

إذا كانت المكرهة بكراً، فلا شكّ في وجوب المهر، للوطء والدية للإفضاء، إنّما الكلام في وجوب أرش البكارة. قال المحقّق: ولو كانت

ص: 374


1- . الخلاف: 5/257، المسألة 67.
2- . شرائع الإسلام: 127/4.
3- . قواعد الأحكام: 683/3.
4- . شرائع الإسلام: 270/4

المكرهة بكراً، هل يجب لها أرش البكارة زائداً على المهر؟ فيه تردد، والأشبه وجوبه.(1)

وقال العلّامة: ولو كانت المكرهة بكراً ففي وجوب أرش البكارة مع المهر نظر، أقربه ذلك.(2)

ونسبه الشيخ في «المبسوط» إلى مذهبنا وقال: لأنّه لا دليل على دخوله في أرش الإفضاء.(3)

وقال في «الجواهر» بأنّه مذهبنا لأصالة تعدّد المسببات بتعدّد الأسباب فتفرض حينئذٍ أمة، وتقوّم بكراً تارة وثيباً أُخرى، فيؤخذ التفاوت مع مهر المثل ودية الإفضاء.(4)

ومع ذلك فإنّ صاحب الجواهر استقوى دخوله في المهر الذي اعتبر البكارة فيه، للأصل بعد خلو النصوص الواردة في مقام البيان عنه.(5)

ويؤيد عدم وجوب أرش البكارة، ما يلي:

1. ما رواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى (الخزار)، عن طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عن علي عليهما السلام قال: «إذا اغتصب الرجل أمةً فاقتضها فعليه عشر قيمتها، وإن كانت حرّة فعليه الصداق».(6)د.

ص: 375


1- . شرائع الإسلام: 270/4.
2- . قواعد الأحكام: 683/3.
3- . المبسوط: 150/7.
4- . جواهر الكلام: 276/43.
5- . جواهر الكلام: 43/276.
6- . الوسائل: 15، الباب 45 من أبواب المهور، الحديث 2. وطلحة بن زيد عامّيّ لكن كتابه معتمد.

المسألة 6. المهر والأرش على القول به في ماله، وكذا الدية. *

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ قال: «يضرب ضرباً وجيعاً، ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها» إلى أن قال: فقال: «يابن سنان إن شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملاً».(1)

قال السيدالخوئي رحمه الله: فإنّ ورودهما (الروايتين) في مقام البيان وسكوتهما عن الأرش زائداً على المهر دليل على عدم وجوبه.(2)

يلاحظ عليه: بأنّه ليس في مقام البيان، وذلك لا يتصوّر في ناحية المشبه (الشعر) أمران بخلاف عذرة المرأة. فالسكوت عن الأرش في مورد العذرة لا يكون دليلاً على عدمه في ناحية المشبه به، ومع ذلك فالظاهر عدم وجوب الأرش؛ لأنّ المراد من المهر هو مهر المثل، أي مهر مثل البكر ففيه يندرج أرش البكارة، فقد مرّ.

* دية الإفضاء مطلقاً في مال المفضي؛ لأنّه عمد محض، أو شبه العمد، فلا صلة له بالعاقلة.2.

ص: 376


1- . الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . مباني تكملة المنهاج: 374/2.
الثامن عشر: الأليان
اشارة

المسألة 1. في الأليين الدية كاملة، وفي كلّ واحدة منهما نصفها، وكذا في المرأة ديتها، وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها. وفي بعض كلّ منهما بحساب المساحة. *

في دية الأليين

في المسألة فرعان:

1. مقتضى القاعدة هو الدية الكاملة في الأليين.(1) وفي كلّ واحدة نصفها، قال الشيخ في «المبسوط»: وفي الأليين الدية لأنّهما من تمام الخلقة وفيهما الجمال والمنفعة، وفي إحداهما نصف الدية، وأمّا المرأة ففيهما ديتها لما مضى.(2)

والدليل عليه ما مضى من أنّه كلّما كان في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية، وإحداهما نصفها، ضرورة كونهما عضوين متميّزين فيهما الجمال والمنفعة.

2. في ذهاب بعضها كالنصف مثلاً طولاً وعرضاً وعمقاً بقدره من الدية، أي الحساب حسب المساحة، كما هو الحال في غيرهما.

ص: 377


1- . الأليان مثنى الألية، تحذف التاء عند التثنية، كما تسقط عند تثنية الخصية، فيقال: الخصيان. لاحظ: مجمع البحرين، مادة «خصى».
2- . المبسوط: 146/7.

المسألة 2. الظاهر أنّ الألية عبارة عن اللحم المرتفع بين الفخذ والظهر حتّى انتهى إلى العظم، فلو لم يبلغ العظم فالظاهر الحساب بالمساحة، وإن كان الأحوط الدية في القطع بنحو ينتهي إلى مساواة الظهر والفخذ وإن لم يصل إلى العظم. *

* في المسألة أمران:

الأوّل: ما هو المراد من الألية؟

قال العلّامة: الألية هي اللحم الناتئ بين الظهر والفخذين.(1)

وبعبارة أُخرى: الألية واقعة بين نهاية الفخذ ونهاية الظهر، فالمشرف بينهما هي الألية؛ لأنّ الظهر مستوٍ من المنكبين إلى الأليين، وكذا الفخذين مستويين إليها، وما أشرف بينهما هو الألية.

الأمر الثاني: في قطع لحم الإلية أو بعضه

الظاهر من الألية هو مجموع اللحم المرتفع إلى أن يبلغ العظم، فلو قطع بعضاً منها عرضاً وطولاً وعمقاً منتهياً إلى العظم فقد مرّ حكمه في المسألة السابقة، ولو افترضنا أنّه قطع شيئاً من اللحم المرتفع ولم يبلغ العظم، فذهب العلّامة إلى وجوب الدية قال: فلو قطع ما أشرف منهما على البدن فالدية وإن لم يقرع العظم.(2) ولعلّ وجهه: أنّه المتبادر عرفاً، ولكن الظاهر من «كشف اللثام» أنّه اسم لمجموع هذا اللحم إلى العظم.(1)

ص: 378


1- . كشف اللثام: 404/11.
التاسع عشر: الرجلان
اشارة

المسألة 1. في الرجلين الدية كاملة، وفي كلّ منهما نصفها، وحدّهما مفصل الساق. *

واستظهر المصنّف كون الدية في هذه الصورة بالمساحة، والأَولى أن يعبّر بالحجم فلو كان حجم المقطوع نصف حجم الكل فالدية بالنصف.

في دية الرجلين
اشارة

في المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: دية الرِّجلين معاً

في قطع الرجلين الدية كاملة، وفي كلِّ واحدة منهما نصف الدية أخذاً بالضابطة.

قال المحقّق: (الرجلان) وفيهما الدية، وفي كلّ واحدة نصف الدية.(1)

وقال الشيخ في «المبسوط»: والحكم في الرجلين على ما مضى في اليدين ففيهما الدية بلا خلاف، وفي واحدة منهما نصف الدية.(2)

وقال العلّامة: وكذا في الرجلين الدية كاملة، وفي كلّ واحدة النصف، وتتساوى اليمنى واليسرى فيهما.(2)

الفرع الثاني: ما هو حدّ الرِّجل؟

قال الشيخ: مفصل الساق والقدم، وهو الذي يقطع من السارق عندهم، فإن قطعها من نصف الساق ففيهما دية رجل وحكومة.(4)

ص: 379


1- . شرائع الإسلام: 270/4. (2و4) . المبسوط: 143/7.
2- . قواعد الأحكام: 678/3.

المسألة 2. البحث هاهنا كالبحث في اليدين في القطع من مفصل الركبة أو من أصل الفخذين، وفي كلّ واحدة منهما، وفي قطع بعض الساق مع مفصله، وكذا في قطع شخص من مفصل الساق وآخر بعض الساق، فالكلام فيهما واحد. *

المسألة 3. في أصابع الرجلين منفردة دية كاملة، وفي كلّ واحدة منها عشرها، ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية إلّاالإبهام فإنّها مقسومة فيها على اثنين. **

وحاصله: أنّ ما يقطع من السارق عندهم هو حدّ الرجل.

في دية قطع الرِّجل من المفصل ولواحقه

الموضوع للدية هو قطع الرجل من المفصل، فلو جنى بأكثر من ذلك، كالصور التالية:

1. القطع من مفصل الركبة.

2. القطع من أصل الفخذين.

3. قطع كلّ واحدة منهما.

4. قطع بعض الساق مع مفصله.

5. قطع شخص من مفصل الساق، وآخر بعضاً من الساق.

فالحكم في الجميع نظير ما مرّ في اليدين، فلاحظ ما مرّ.

في أصابع الرِّجلين

قد مرّ أنّه لو قُطِعتْ الكفُ أو القدمُ مع أصابع اليد أو الرجل في

ص: 380

المسألة 4. الكلام في الرجل الزائدة كالكلام في اليد الزائدة، وكذا في الأصابع. *

قطع واحد فدية رجل كاملة، وهي نصف دية النفس إنّما الكلام في موضعين:

1. لو قطعت الأصابع منفردة، فالمشهور الدية الكاملة.

قال الشيخ في «المبسوط»: الخلاف في أصابع الرجلين كالخلاف في أصابع اليدين، في كلّ واحدة عشر من الإبل.(1)

وقال في «الخلاف»: الخلاف في أصابع الرجلين مثل الخلاف في أصابع اليدين في تفضيل الإبهام عندنا، وعند الفقهاء هي متساوية.(2)

وقال في الشرائع: وفي أصابع اليدين (منفردة) الدية (كاملة). وكذا في أصابع الرجلين.(3)

2. في كلّ أصبع عُشر الدية، والخلاف هنا في الإبهام كما في اليدين، ودية كلّ اصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية وفي الإبهام على اثنين.

وليس هنا نصٌّ واضح سوى كون اليدين والرجلين من باب واحد.

ولعلّ في رواية ظريف ما يصلح أن يكون دليلاً فلاحظ.(4)

في الرِّجل الزائدة

قد مرّ الكلام فيه، فيأتي ما ذكرناه هنا أيضاً بعينه.

ص: 381


1- . المبسوط: 144/7.
2- . الخلاف: 250/5، المسألة 54.
3- . شرائع الإسلام: 4/267.
4- . الوسائل: 19، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
العشرون: الأضلاع
اشارة

المسألة 1. عن كتاب ظريف بن ناصح: «وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون ديناراً - إلى أن قال -: وفي الأضلاع ممّا يلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر» وبمضمونه أفتى الأصحاب، ولا بأس بذلك، لكن لم يظهر المراد منه، فهل التفصيل بين الجانب الذي يلي القلب والجانب الذي يلي العضد، أو التفصيل بين الضلع الذي يحيط بالقلب وغيره، أو التفصيل بين الأضلاع في جانب الصدر والقدّام وغيرها ممّا يلي العضدين إلى الخلف؟ ويحتمل التصحيف، وكان الأصل «فيما حاط القلب» من حاطه يحوطه: أي حفظه وحرسه، أو كان الأصل «فيما أحاط بالقلب» فالأقوى في الأضلاع التي تحيط بالقلب من الجانب الأيسر في كلّ منها خمسة وعشرون، وأمّا في غيرها فالاحتياط بالصلح لا يترك سيّما بالنسبة إلى ما يجاور المحيط بالقلب في جانب الأيمن، وإن كان القول بعدم وجوب الزائد على عشرة دنانير في غير الضلع المحيط لا يخلو من قرب. *

إلّاأنّ للشيخ في «المبسوط» تفصيلاً، فمن أراد فليرجع إليه.(1) ونقله العلّامة أيضاً في «التحرير».(2)

في دية الأضلاع

تعريف الضلع: عظمٌ مستطيل من عظام الجنب منحن، يجمع على

ص: 382


1- . المبسوط: 145/7.
2- . تحرير الأحكام: 594/5.

أضلُع، وأضلاع وضلوع.

ثمّ إنّ عَظْم القَصّ هو العظم في مقدّم الصدر، وجمعه القِصاص.

قال المحقّق: في الأضلاع ممّا خالط القلب لكلّ ضلع إذا كسرت خمسة وعشرون ديناراً. وفيها ممّا يلي العضدين، لكلّ ضلع إذا كُسرت عشرة دنانير.(1)

وقال العلاّمة في «التحرير»: وفي كلّ ضلع خالط القلب إذا كُسر خمسة وعشرون ديناراً، وفي كلّ ضلع يلي العضدين إذا كُسر عشرة دنانير.(2)

وفي «الجواهر»: كما صرّح به ابنا حمزة وإدريس والفاضل والشهيدان وغيرهم، بل لا أجد فيه خلافاً.(3)

ولا مستند له إلّاكتاب ظريف، روى الكليني بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون ديناراً وقال: وفي الأضلاع ممّا يلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر».(4)

إنّما الكلام فيما هو المراد بقوله: «ممّا خالط القلب» و «ما يلي العضدين»؟ فقد احتمل المصنّف احتمالات ثلاثة:

1. التفصيل بين الجانب الذي يلي القلب والجانب الذي يلي العضد.

2. التفصيل بين الضلع الذي يحيط بالقلب وغيره.1.

ص: 383


1- . شرائع الإسلام: 270/4.
2- . تحرير الأحكام: 606/5.
3- . جواهر الكلام: 180/43.
4- . الوسائل: 19، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

3. التفصيل بين الأضلاع في جانب الصدر والقدّام، وغيرها ممّا يلي العضدين إلى الخلف.

ثمّ احتمل وجود التصحيف وأنّ الأصل فيما حاط القلب أو أحاط بالقلب فخرج بالنتيجة التالية: الأقوى في الأضلاع التي تحيط بالقلب من الجانب الأيسر في كلّ منها خمسة وعشرون، وأمّا في غيرها فالاحتياط بالصلح لا يترك.

وهناك احتمال رابع ذكره الشهيد الثاني وقال: والمراد بمخالطة القلب وعدمها، كونه في الجانب الذي فيه القلب، كما أنّ عدم المخالطة خلاف ذلك، فالضلع الواحد إن كسر من جهة القلب ففيه أعلى الديتين، وإن كسر من الجهة الأُخرى ففيه أدناهما، فيستوي في ذلك جميع الأضلاع.(1)

واحتمال خامس: أنّ الأضلاع على قسمين: فمنها ما يتصل بعظم القصّ، وهي التي تحيط بالقلب، ومنها ما لا يتصل بالقصّ، وإنّما يتّصل بعضها ببعض وهي الأضلاع السائبة (المهملة) الكاذبة، وهي ليست محيطة بالقلب، وهي التي تلي العضدين.

واحتمال سادس: وهو الظاهر من كتاب ظريف وهو التفريق بين ما يلي العضدين ففيه العشر، وغيره ففيه خمس وعشرون ديناراً. واحتمال سابع: كسر العظم والوقوع في القلب: يقال خالط الذئب الغنم إذا وقع فيها.5.

ص: 384


1- . كشف اللثام: 440/15.
الواحد والعشرون: الترقوة
اشارة

المسألة 1. في الترقوتين الدية، وفي كلّ واحدة منهما إذا كسرت فجبرت من غير عيب أربعون ديناراً. *

في دية الترقوتين

الترقوة - بفتح التاء وسكون الراء وضمّ القاف -: هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، أي العظم الممتد من ثغرة النحر إلى المنكب، ولكلّ إنسان ترقوتان.(1) وظاهر العبارة أنّ فيهما دية النفس، وفي كلّ واحدة نصف الدية عملاً بالضابطة، وهي أنّ كلّ ما يكون في الإنسان منه اثنان ففيهما دية كاملة.

قال الشيخ في «الخلاف»: في الترقوتين وفي كلّ واحدة منهما، وفي الأضلاع وكلّ واحد منها شيء مقدّر عند أصحابنا.(2) إذا عرفت ذلك فقد ذكر المصنّف تلويحاً وتصريحاً فروعاً ثلاثة:

1. إذ قلعت الترقوتان.

2. إذا كسرتا ولم تبرءا، ففي كلا الفرعين الدية كاملة، وأمّا حكم الترقوة الواحدة فسيأتي في المسألة الآتية.

3. إذا كُسرت الترقوة فجبرت من غير عيب، ففي كلّ واحدة أربعون ديناراً، قال الشيخ: فإذا كُسرت الترقوة والضلع فعندنا فيه مقدّر ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره.(3)

ص: 385


1- . مفتاح الكرامة: 299/21.
2- . الخلاف: 261/5، المسألة 73.
3- . المبسوط: 7/155.

المسألة 2. لو كسرت واحدة منهما ولم تبرأ فالظاهر أنّ فيها نصف الدية، ولو برأت معيوباً فكذلك على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وقيل فيهما بالحكومة. *

ولعلّه إشارة إلى ما ورد في كتاب ظريف، وفيه: وفي الترقوة إذا انكسرت وجبرت على غير عثم ولا عيب أربعون ديناراً.(1)

وقد تكرر منّا أنّ طريق الكليني إلى كتاب ظريف متعدّد، فيه الصحيح وغيره.

لو كُسرت ترقوة ولم تبرأ أو برأت معيوبة

في المسألة فرعان:

1. إذا كسرت واحدة منهما ولم تبرأ.

2. إذا كسرت واحدة منهما وبرأت معيوبة.

وإليك دراسة الفرعين معاً. ذهب صاحب الجواهر إلى أنّ المرجع فيهما الحكومة، قائلاً بأنّه ليس المورد نصّ، وكلّما لم يرد فيه تقدير فالمرجع فيه الحكومة.(2)

والظاهر التفريق بين الفرعين: فلو كسرت واحدة منهما ولم تبرأ فالظاهر كما عليه المصنّف في المتن، نصف الدية لا الحكومة للملازمة بين جعل الدية الكاملة لهما، وجعل نصفها لواحدة منهما - كما في سائر

ص: 386


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . جواهر الكلام: 288/43.
خاتمة
اشارة

وفيها فروع:

الأوّل: لو كسرت بعصوص شخص فلم يملك غائطه ففيه الدية كاملة، وهو إمّا عظم الورك أو العصعص: أي عَجَب الذنَب أو عظم دقيق حول الدبر، وإذا ملك غائطه ولم يملك ريحه فالظاهر الحكومة. *

الأعضاء - وهذا ممّا يفهمه العرف.

وأمّا لو كسرت إحداهما وبرأت معيوبة، فالحق أنّ فيه الحكومة تبعاً لصاحب الجواهر لعدم النصّ، فإنّه ورد فيما إذا برأت من غير عيب. فما ذكره المصنّف من «أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى أنّ فيه الدية» لا يخلو عن تفصيل، لأنَّ ما ذكره من كونه الأحوط صحيح، لكن كونه أقوى غير تام.

فتعميم الحكومة لكلتا الصورتين كما عليه صاحب الجواهر بعيد، بل التفصيل هو الأقوى. واللّه العالم.

في دية كسر البعصوص

البُعْصُوص: عظم الورك، وقيل أنّه عَجَب الذنَب الذي عليه يُجلس، ويقال: إنّه أوّل ما يخلق وآخر ما يبلى، وقيل: إنّه مصحّف ولذا لم يذكره أهل اللغة، وفي «كشف اللثام» ذكره الصاحب ابن عبّاد في المحيط بالمعنيين، وحكى الشهيد عن القطب أنّه عظم رقيق حول الدبر، إذا علم الموضوع فاعلم أنّ في المسألة فرعين:

1. إذا كسر بعصوص الإنسان فلم يملك غائطه.

2. نفس الصورة إلّاأنّه ملك غائطه دون ريحه. وإليك دراسة

ص: 387

الفرعين:

الفرع الأوّل: قال الشيخ: وإذا كُسر بعصوص الإنسان أو عجانه فلم يملك بوله أو غائطه، ففيه الدية كاملة.(1)

وقال المحقّق: لو كُسر بعصوصه فلم يملك غائطه، كان فيه الدية.(2)

ولا يخفى أنّ الشيخ عمّم الموضوع إلى عدم امتلاك الغائط والبول، ولكن المصنّف - تبعاً للمحقّق - خصّه بعدم امتلاك الغائط فقط. والظاهر أنّه لا صلة لكسر البعصوص بالبول. إلّاأن يحمل كلام الشيخ على اللف والنشر غير المرتّب فالغائط يرجع إلى البعصوص، والبول إلى العجان.

وعلى كلّ تقدير ففيه الدية الكاملة، ويدلّ عليه مضافاً إلى الضابطة الكلية في بدن الإنسان، صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كُسر بعصوصه فلم يملك إسته، ما فيه من الدية؟ فقال: «الدية كاملة».(3)الفرع الثاني: وهو فيما لو لم يملك ريحه، فبما أنّه ليس فيه مقدّر ففيه الحكومة، لأنّ من فسّر البعصوص إمّا أنّه خصّصه بعدم امتلاك الغائط أو منضماً إلى عدم امتلاك البول، ولم يذكر عدم امتلاك الريح، ولذلك قلنا فيه الحكومة. ومع ذلك يمكن القول فيه بالدية أيضاً؛ لأنّ لفظة «الاست» في الصحيحة بمعنى حلقة الدبر فتعم قوله: «فلم يملك استه»، إذا لم يملك الريح.1.

ص: 388


1- . النهاية: 769. وسيوافيك حكم العجانة في الفرع الثاني في كلام المصنّف.
2- . شرائع الإسلام: 270/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

الثاني: لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية كاملة، والعجان ما بين الخصيتين وحلقة الدبر، ولو ملك أحدهما ولم يملك الآخر فلا يبعد فيه الدية أيضاً، ويحتمل الحكومة، والأحوط التصالح، ولو ضرب غير عجانه فلم يملكهما فالظاهر الدية، ولو لم يملك أحدهما فيحتمل الحكومة والدية، والأحوط التصالح. *

في دية ضرب العجان
اشارة

العجان: بكسر العين، مابين الخصية والفقحة أي حلقة الدبر. وفي بعض المعاجم هو الجلد بين المقعد والجهاز التناسلي.

وفي المسألة فروع:

1. لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه.

2. لو ضرب وملك أحدهما دون الآخر.

3. لو ضرب غير عجانه فلم يملكهما.

4. لو ضرب غير عجانه فلم يملك أحدهما. وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه، ففيه الدية كاملة.

ويدلّ عليه - مضافاً إلى صحيحة سليمان بن خالد الدالّة على أنّ عدم امتلاك الغائط سبب للدية كاملة، والمفروض وجوده في المقام مضافاً إلى البول - موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله

ص: 389

أنّ في ذلك الدية كاملة».(1)

الفرع الثاني: لو ضرب عجانه وملك أحدهما ولم يملك الآخر، ففيه الدية.

أمّا إذا لم يملك الغائط فأخذاً بالملاك المذكور في صحيحة سليمان بن خالد من أنّ عدم امتلاك الغائط يسبب الدية، ولا عبرة بالسبب سواء أكان كسر البعصوص أو الضرب على العجان.

وأمّا إذا لم يملك البول وحده فيكفي فيه ما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام،: «أنّ عليّاً عليه السلام قضى في رجل ضرب حتى سلس ببوله (بوله) بالدية كاملة».(2)

وإطلاق قوله: «ضرب» يعمّ ضرب العجان وغيره.

الفرع الثالث: لو ضرب غير عجانه فلم يملكهما، فالظاهر الدية أخذاً بالملاك المستفاد من صحيحة سليمان بن خالد وموثّقة إسحاق بن عمار. الفرع الرابع: لو ضرب غير عجانه فلم يملك أحدهما، أمّا الغائط فيؤخذ بالملاك الوارد في صحيحة سليمان بن خالد، وأمّا البول فيؤخذ بالملاك المذكور في رواية غياث بن إبراهيم، مضافاً إلى ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «أنّ رجلاً ضرب رجلاً على رأسه فسلس بوله فرفع إلى عليٍّ عليه السلام فقضى فيه بالدية في ماله».(3)5.

ص: 390


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.
2- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.

الثالث: في كسر كلّ عظم من عضوٍ له مقدّر خمس دية ذلك العضو، (إذا لم يجبر أو جبر مع العيب) فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضّه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ، فإن برأ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه، وفي فكّه من العضو بحيث يتعطّل ثلثا دية ذلك العضو، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه، كلّ ذلك على قول مشهور، والأحوط فيها التصالح. *

* الموضوع في هذه المسألة هو الجناية على عظم من عضو له مقدّر من الدية. وفي المسألة فروع أربعة.

1. إذا كُسر عظم من عضو له دية مقدّرة.

2. إذا أوضح العظم من دون كسر.

3. إذا رضّ العظم من دون كسر ولا إيضاح.

4. إذا فكّ العظم من العضو بحيث يتعطّل.

ولكلّ فرع صورتان إلّاالثالث فله صورة واحدة، وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو كُسر عظم من عضو له دية مقدّرة

إذا كُسر عظم من عضو له دية مقدّرة، فله صورتان:

الأُولى: فإن لم ينجبر أو انجبر مع العيب ففيه خمس دية ذلك العضو.

الثانية: إن انجبر على غير عيب ففيه أربعة أخماس دية كسره.

قال الشيخ المفيد: وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو

ص: 391

(لم ينجبر أو انجبر مع العيب) ثم قال: وإذا كُسر العظم فجبر على غير عثم ولا عيب، كان ديته أربعة أخماس كسره.(1)

وقال الشيخ في «النهاية»: وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو ثم قال: وإذا كسر عظم فجُبر على غير عثم ولا عيب كانت ديته أربعة أخماس كسره.(2)

وقال المحقّق: في كسر عظم من عضو، خُمس دية ذلك العضو، فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره.(3)

وقال العلّامة في «القواعد»: في كسر عظم من عضو، خمس دية ذلك العضو إلى أن قال: فإن برأ على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره.(4) مثلاً إذا كسر عظماً من عظام اليد فبما أنّ دية اليد خمسمائة دينار، فإن لم ينجبر أو جبر على عيب فخمس دية اليد - أعني: مائة دينار - وأمّا إذا انجبر فأربعة أخماس دية كسره - أي ثمانون ديناراً - لأنّ دية الكسر إذا كانت مائة فخمسها عشرون والأخماس الأربعة ثمانون.

وفي «الجواهر»: نصّ عليه الشيخان والديلمي والحلّي وأبو المكارم والكيدري والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه.(5)3.

ص: 392


1- . المقنعة: 766.
2- . النهاية: 776.
3- . شرائع الإسلام: 271/4.
4- . قواعد الأحكام: 681/3.
5- . جواهر الكلام: 282/43.

ومعنى ذلك: أنّه لم يجد دليلاً صالحاً في مورد الكسر.

ونلفت نظر القارئ إلى أمرين:

الأوّل: قد عرفت أنّ المشهور ذهب في الشطر الأوّل إلى أنّ دية كسر العضو، هو خُمس ديته وفي الشطر الثاني إلى أنّ ديته أربعة أخماس دية الكسر.

ومع ذلك ففي كتاب ظريف بن ناصح في الشطر الثاني، هو خمس دية العضو.

قال: إنّ في كسر كلّ من المنكب والعضد والمرفق والكف إذا جبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد.(1)

ولذلك عكف العلّامة المجلسي على هذا الموضوع من شرحه على الكافي: أنّه مخالف لما هو المشهور فإنّهم جعلوا فيها إذا جبر على غير عثم أربعة أخماس الكسر.(2)

الثاني: أنّ الشيخ الطوسي مع أنّه أفتى في «النهاية» بما هو المشهور كما مرّ، خالف في «الخلاف» في كلا الشطرين فقال: بخمس دية العضو إذا انجبر، وثلاثة أخماس دية الكسر إذا لم ينجبر أو انجبر مع العيب.

ثم قال: إذا كسرت يده فجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد.

وإن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره.(3)

وأظنّ تطرّق التصحيف إلى نسخة الخلاف فالصحيح في الأوّل أربعة أخماس دية الكسر، وفي الثاني خمس دية الكسر.5.

ص: 393


1- . الكافي: 7/335.
2- . ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار: 16/650.
3- . الخلاف: 5/250، المسألة 55.
الفرع الثاني: لو أوضح العظم من دون كسر

إذا أوضح العظم من دون كسر، فديته ربع دية كسره، قال المفيد: وفي موضحته - يعني: (عظم من عضو) - ربع دية كسره.(1)

وقال الشيخ في «النهاية»: وفي موضحته ربع دية كسره.(2)

وقال العاملي: هذا هو المشهور والأكثر لم يتوقّف في حكمه، ثم حكاه عن جمع من الكتب مضافاً إلى المقنعة والنهاية، ويدلّ عليه ما عرضه يونس وابن فضّال على أبي الحسن عليه السلام من قوله: ودية موضحته ربع دية كسره.(3)

وقال العاملي: ولما في كتاب ظريف من جعله في موضحة المنكب والعضد والمرفق والساعد والكف ربع دية كسرها،(4) والأخذ بالمشهور هو المتعيّن، ومع ذلك فالتصالح أولى كما ذكره المصنّف في المتن.

الفرع الثالث: إذا رُضّ العظم من دون كسر ولا إيضاح

قال الشيخ المفيد: وفي رضّه ثلث دية العضو، فإن صلح على غير عيب فديته أربعة أخماس رضّه.(5)

ص: 394


1- . المقنعة: 766.
2- . النهاية: 776.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 3.
4- . يقول: في العضد ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون ديناراً وقال: في المنكب فإنّ اوضح فديته ربع دية كسره خمسة وعشرون ديناراً. ولاحظ أيضاً المرفق والساعد فقد صرّح فيهما بأنّ الدية ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً. لاحظ الكافي: 334. السطر 16، وص 335. السطر 4.
5- . المقنعة: 767. الرض فوق الكسر ويعبر عنه ب «خورد كردن وله كردن»، ولأجله صارت ديته أكثر من الكسر؛ لأنّ ديته خمس دية العضو كما مرّ.

وقال الشيخ في «النهاية»: والعظم إذا رُضّ كان فيه ثلث دية العضو الذي هو فيه، فإن صلح على غير عيب فديته أربعة أخماس دية رضّه.(1)

وقال المحقّق: وفي رضّه ثلث دية العضو، فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه.(2)

وقال في «نكت النهاية»: إنّ هاتين المسألتين (أي الكسر والرضّ) ذكرهما الشيخان وتبعهما المتأخّرون ولم يشيروا إلى المستند.(3)

والظاهر أنّ مستند المشهور كتاب ظريف، وفيه: في رضّ كلّ من المنكب والمرفق والورك والركبة إذا انجبر على عثم ثلث دية النفس،(4) أي الدية الكاملة، ومن المعلوم أنّ الدية الكاملة للمنكبين والمرفقين وهكذا، لا لمنكب واحد أو مرفق كذلك و، ولذا حمله في «الجواهر» على رضّ المنكبين والمرفقين. وإن كان ظاهر قوله: «في رضّ كلّ من المنكب» أن الدية لكلّ واحد منهما»، ولكن لا محيص عن الحمل على خلاف الظاهر.

الفرع الرابع: لو فكّ العظم من العضو بحيث يتعطّل

إذا فكّ العظم من العضو بحيث يتعطّل، ففيه ثلثا دية ذلك العضو.

قال الشيخ المفيد: فإن فكّ عظم عضو فتعطّل به العضو، فديته ثلثا دية العضو، فإن جبر فصلح والتَأَم فديته أربعة أخماس دية فكه.(5)

ص: 395


1- . النهاية: 777.
2- . شرائع الإسلام: 271/4.
3- . نكت النهاية: 3/455.
4- . الفقيه: 83/4.
5- . المقنعة: 767.

وقال الشيخ في «النهاية»: فإن فكّ عظم من عضو وتعطّل به العضو فديته ثلثا دية العضو، فإن جبر فصلح والتَأَم فديته أربعة أخماس دية فكّه.(1)

ويمكن الاستدلال على الشق الأوّل بوجهين:

1. باندراجه في الشلل، وقد مرّ أنّ كلّ جناية أدّت إلى شلل العضو ففيها ثلثا ديته.

2. ما في كتاب ظريف على ما رواه الشيخ في «التهذيب» في خصوص الورك: ودية فكّها ثلثا ديتها.(2)

نعم روي في الكافي هكذا: فديته ثلاثون ديناراً(3).

ومع التعارض يؤخذ بالتصالح فهو أفضل. وعلى هذا فليس في المورد دليل إلّافي الشق الأوّل دون الثاني: أعني إذا صلح والتَأَم فقد مرّ أنّه فيه أربعة أخماس دية العضو.ت.

ص: 396


1- . النهاية: 777.
2- . التهذيب: 10/305 برقم 1148.
3- . الكافي: 7/335: السطر 1 و 12؛ فالضمير في السطر 1 يرجع إلى المنكب، وفي السطر 12 إلى المرفق. غير أنّه ذكر في فكّ الكف أنّ ديتها ثلث دية اليد: مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار لاحظ: ص 336، السطر 7. والتفريق بين أقسام الفكّ بهذا المقدار الخاص بعيد جدّاً. وقال المجلسي في «مرآة العقول»: على ما في هامش الكافي: هذا أيضاً - يعني كالسابق مخالف للمشهور ثم حمل الثاني على ما إذا لم تضر بالفكّ وإلّا ففيها ثلثا دية العضو. وبالجملة لا يعتدّ على ما في الكافي وإنّما الاعتبار بما رواه الشيخ في التهذيب على ما عرفت.

الرابع: من داس بطن إنسان حتى أحدث، ديس بطنه حتى يحدث أو يغرّم ثلث الدية، والظاهر أنّ الحدث بول أو غائط، فلو أحدث بالريح ففيه الحكومة. *

مَن داس بطن إنسان حتى أحدث
اشارة

من داس بطن إنسان حتى أحدث بالبول أو الغائط يترتّب عليه أحد أمرين:

1. ديس بطنه مثل ما داس.

2. يفتدي من ذلك بثلث الدية.

قال الشيخ المفيد: ومَن داس بطن إنسان حتى أحدث من الشدّة كان له أن يدوس بطنه حتى يحدث، أو يفتدي نفسه من ذلك بثلث الدية.(1)

قال الشيخ في «النهاية»: ومَن داس بطن إنسان حتى أحدث، كان عليه أن يداس بطنه حتى يحدث، أو يفتديه بثلث الدية.(2)

ويدلّ عليه ما رواه النوفلي، عن السكوني، عن الصادق عليه السلام قال: «رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل داس بطن رجل حتّى أحدث في ثيابه فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث في ثيابه كما أحدث، أو يغرّم ثلث الدية».(3)

وقال المحقّق: والدليل عليه رواية السكوني، وفيه ضعف.(4)

ص: 397


1- . المقنعة: 761.
2- . النهاية: 770.
3- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.
4- . شرائع الإسلام: 271/4.

الخامس: مَن افتضّ بكراً بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها، ففيه ديتها ومهر مثل نسائها. *

والضمير المجهول يرجع إلى مضمون الحديث لا إلى الراوي، وذلك لأنّ من شرائط القصاص عدم التغرير بالنفس، وليس هذا الشرط موجوداً في المقام، ولذلك قال ابن إدريس: الذي يقتضيه أُصول مذهبنا خلاف هذه الرواية؛ لأنّ هذا فيه التغرير بالنفس، فلا قصاص في ذلك بحال.(1)

ولذلك ذهب جماعة ممّن تأخّر إلى أنّ فيه الحكومة، ولعلّه أيضاً خيرة الشرائع لتضعيفه الرواية، وعلى كلّ تقدير فلو عملنا بالرواية فهي مختصّة بالبول والغائط، بشهادة قوله: «أحدث في ثيابه» ولا تعمّ الريح، ففيه الحكومة كما في المتن.

* لو افتضّ بكراً - بغير الوطء - كالإصبع مثلاً فخرق مثانتها، فلم تملك بولها فعليه أمران:

1. مهر المثل لإزالته البكارة.

2. الدية، لخرقه المثانة.

واقتصر الشيخ على مهر المثل ولم يذكر شيئاً من الدية قال: ومن افتضّ جارية بإصبعه غَرم عُشر ثمنها وجلد من ثلاثين سوطاً إلى تسعة وتسعين سوطاً عقوبة لما جناه، وإن كانت الجارية حرّة غرم عقرها وهو مهر مثل نسائها بلا نقصان.(2) لكن المحقّق ذكر كلا الأمرين فقال: فعليه ثلث ديتها، وفي رواية9.

ص: 398


1- . السرائر: 3/395.
2- . النهاية: 699.

ديتها - وهي أولى - ومثل مهر نسائها.(1)

أمّا وجوب الدية ففيه صنفان من الروايات:

الأوّل: ما يدلّ على وجوب ثلث ديتها

وهو روايتان:

1. عن أبي عمرو المتطبّب عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل افتضّ جارية بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فجعل لها ثلث الدية مائة وستة وستين ديناراً وثلثي دينار، وقضى عليه السلام لها عليه بصداق مثل نساء قومها».(2)

والمراد من الدية في الرواية الدية الكاملة للمرأة وهي عبارة عن خمسمائة دينار، وثلثه عبارة عن مائة وستة وستين ديناراً وثلث دينار.

2. ما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث: «في كلّ فتق ثلث الدية».(3)

وبما أنّ مورد الرواية الأُولى هو إيجاد الخرق في مثانة الجارية فالرواية كانت مختصّة بها، وأمّا هذه الرواية فهي مطلقة تعمّ الرجل والمرأة، ففي مورد الرجل تكون دية الفتق ثلث الدية الكاملة - أعني: 333 وثلث الدينار - وفي مورد المرأة تطلق الدية ويراد به ديتها ويكون ثلث ديتها 166 ديناراً وثلثي دينار. وبذلك تبيّن عدم وجود الاختلاف بين الروايتين لأنّ مورد الأُولى

ص: 399


1- . شرائع الإسلام: 271/4.
2- . الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
3- . الوسائل: 19، الباب 32 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

هو الجارية وأُريد من الدية، الدية الكاملة للمرأة وهي خمسمائة دينار، وأمّا مورد الثانية فهو مطلق، غير أنّ ثلث دية الرجل ينسب إلى الألف وثلث دية المرأة ينسب إلى الخمسمائة.

الثاني: ما يدلّ على أنّ عليه الدية كاملة

1. ما نقله الشيخ في «التهذيب» وقال: وفي رواية هشام بن إبراهيم عن أبي الحسن عليه السلام: «الدية».(1)

وقال الصدوق: وأكثر روايات أصحابنا في ذلك الدية كاملة.(2)

قال في «الجواهر»: وإن كنّا لم نعثر على غير الرواية المزبورة، إلّاأن يريد ما تسمعه في سلس البول.(3)

وقد مرّ ذلك في مَن كسر بعصوص الرجل أو عجانه، فعلى هذا فالترجيح مع الطائفة الثانية مضافاً إلى عدم العمل بالطائفة الأُولى، ولذلك أفتى بالدية.

هذا كلّه حول الدية، وأمّا الأمر الثاني - أعني: وجوب مهر نسائها - فيدلّ عليه:

1. ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام إلى أن

ص: 400


1- . التهذيب: 308/1، ذيل الحديث 1148. ولاحظ: الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
2- . الفقيه: 4/92.
3- . جواهر الكلام: 43/289.

قال عليه السلام: «يا ابن سنان إنّ شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملاً».(1)

2. ما رواه أبو عمرو الطبيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اقتضّ جارية بأصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها، فجعل لها ثلث الدية مائة وستة وستين ديناراً وثلثي دينار، وقضى لها عليه بصداق مثل نساء قومها.(2)

والشاهد هو ما ورد في ذيل الحديث، وإن كان الصدر مخالفاً لما اخترناه.

3. ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام رفع إليه جاريتان دخلتا الحمّام فاقتضت إحداهما الأُخرى بإصبعها، فقضى على التي فعلت عقلها»،(3) فيحمل على أنّه يراد بالعقل أرش بكارتها، كما تُشعر به روايته الأُخرى عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: «أنّ رجلاً أفضى امرأة فقوّمها قيمة الأمة الصحيحة، وقيمتها مفضاة، ثم نظر ما بين ذلك فجعل من ديتها وأجبر الزوج على إمساكها».(4)

قال العاملي (بعد أن ذكر هذه الرواية): وفيه تأمّل وقد قدّر أرش البكارة في الأخبار بعشر القيمة إن كانت أمة فتفرض الحرّة أمة وتقوّم كما تقدم ذلك كلّه.(5) وفيها تأمّل آخر إذ لا يعرف مهر مثل النساء بهذا الطريق.1.

ص: 401


1- . الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
3- . الوسائل: 19، الباب 45 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
4- . الوسائل: 19، الباب 44 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.
5- . مفتاح الكرامة: 325/21.

المقصد الثاني: في الجناية على المنافع

اشارة

وهي في موارد:

الأوّل: العقل، وفيه الدية كاملة، وفي نقصانه الأرش، ولا قصاص في ذهابه ولا نقصانه. *

* أُريد من المنافع ما تتوقّف عليه حياة الإنسان؛ كالعقل، والسمع، والبصر، والذوق، والشمّ، وقد ذكرها المصنّف تباعاً:

الأوّل: العقل وفيه فروع:
الفرع الأوّل: لو جنى شخص جناية ذهبت بعقل المجنيّ عليه

لو جنى شخص جناية ذهبت بعقل المجنيّ عليه، ففيه الدية كاملة.

قال الشيخ في «المبسوط»: في العقل الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام في كتاب عمرو بن حزم: «و في العقل الدية».(1)

أقول: مضافاً إلى القاعدة المقرّرة - من أنّ كلّ ما كان في الإنسان منه واحد ففيه الدية الكاملة - ما رواه إبراهيم بن عمر اليماني عن الصادق عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حيّ بست ديات».(2)

ص: 402


1- . المبسوط: 126/7.
2- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

والظاهر أنّ المسألة اتفاقية.

الفرع الثاني: في نقصانه الأرش لا التوزيع

إذا لم يذهب العقل بكماله بل حدث فيه النقصان، ففيه - كما في المتن وفاقاً للمحقّق - الأرش.

قال المحقّق: وفي بعضه الأرش، في نظر الحاكم، إذ لا طريق إلى تقدير النقصان.(1)

فعندئذٍ لا يمكن أن توزّع الدّية عليه، فيكون المرجع الحكومة؛ خلافاً للشيخ حيث ذهب فيه إلى الأرش، وقال: فإن ذهب بعضه فإن كان مقدّراً وإنّما يُعرف هذا بأن يُجنّ يوماً ويفيق يوماً، فيعلم أنّ نصفه قد ذهب، أو يُجن يوماً ويفيق يومين، أو يُجن يومين ويفيق يوماً، فإذا كان معروفاً بالزمان أوجبنا من الدية بحسابه.(2)

ووصفه المحقّق بأنّه تخمين. وأورد عليه أيضاً في «الجواهر» بعدم تمشّي كلام الشيخ فيما إذا لم يزل العقل ولا نقص نقصاناً مقدّراً ولكن اختلّ فصار مدهوشاً يستوحش مع الانفراد، ويفزع من غير شيء، يُفزع في العادة.(3)

يلاحظ عليه: بأنّ الشيخ نفسه استثناه في كلامه ولذا قال في صدر كلامه:

«فإن كان مقدّراً»، وقال بعد سطرين: «وإن كان الذاهب من عقله غير مقدّر،

ص: 403


1- . شرائع الإسلام: 271/4.
2- . المبسوط: 126/7.
3- . جواهر الكلام: 292/43.

مثل أن صار يخاف من غير خوف، ويفزع من الصياح، ويستوحش في غير موضعه، فهذا مدهوش لا يعلم قدر ما زال من عقله، فالواجب فيه أرش الجناية على ما يراه الحاكم».(1)

إلّا أن يقال: الأجهزة الحديثة تستطيع تعيين مقدار ما زال من عقله، وعليه تقسم الدية على الموجود والزائل فتختص بالثاني.

الفرع الثالث: لا قصاص في ذهابه ولا نقصانه

قال العلّامة: ولا يضمن العقل بالقصاص وإن تعمّد الجاني، لعدم العلم بمحلّه.(2) ولما فيه من التغرير بالنفس.

إلّا أن يقال بإمكان تعيين المحل بالأجهزة الحديثة بشرط ألّا يترتب على القصاص شيء يزداد على الجناية.

ص: 404


1- . المبسوط: 127/7.
2- . قواعد الأحكام: 684/3.

المسألة 1. لا فرق في ذهابه أو نقصانه بين كون السبب فيهما الضرب على رأسه أو غيره، وبين غير ذلك من الأسباب، فلو أفزعه حتى ذهب عقله فعليه الدية كاملة، وكذا لو سحره. *

المسألة 2. لو جنى عليه جناية - كما لو شجّ رأسه أو قطع يده - فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين؛ وفي رواية صحيحة إن كان بضربة واحدة تداخلتا، لكن أعرض أصحابنا عنها، ومع ذلك فالاحتياط بالتصالح حسن. **

الميزان هو ذهاب العقل لا وسيلة ذهابه

الميزان هو ذهاب العقل وليس للسبب مدخلية سواء أذهب بالضرب أو فزّعه تفزيعاً شديداً فزال عقله.

قال العلّامة: الدية كاملة إن ذهب بالضرب أو بغيره ممّا ليس بجرح، كما لو ضربه على رأسه حتى ذهب، أو فزعه تفزيعاً شديداً فزال عقله.(1)

وجهه ما ذكرنا من إطلاق الدليل.

عدم تداخل الجناية على الطرف والمنفعة

المشهور بين الأصحاب أنّ الجناية على الطرف والمنفعة لا تتداخلان، كما لو قطع يده أو شجّه، فذهب عقله، سواء كان ذلك بضربة واحدة أم أزيد، لأنّ كلّ واحد من الطرف والمنفعة سبب في إيجاب الدية وله عوض مقدّر

ص: 405


1- . قواعد الأحكام: 684/3.

فلا يتداخل لأنّه على خلاف الأصل.

ويدلّ عليه ما سبق من أنّ الإمام عليه السلام في رواية إبراهيم بن عمر اليماني حكم على الجاني بست ديات.(1)

وتعارضه روايتان.

1. صحيحة أبي عبيدة الحذّاء وقد سأل أبا جعفر عليه السلام: أنّه إن كان قد جنى عليه بضربة واحدة، تداخلت الديتان.

وقد جاء في الرواية هكذا: قلت: فما ترى عليه في الشجّة شيئاً؟ قال عليه السلام:

«لا، لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين، وهي الدية».(2)

وقد عمل بها الشيخ في «النهاية».(3)

إنّ المحقّق بعد ما أشار إلى رواية أبي عبيدة الحذّاء التي تفصّل بين الضربة والضربتين، قال: وفي رواية «لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة فإن مات فيها قيد به، وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية»، وهي حسنة.(4)

واحتمل في «الجواهر» أنّ المحقّق أراد صحيح الحذّاء ثم قال: ويمكن أن يريد الرواية التالية:

2. رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: جعلت4.

ص: 406


1- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
3- . النهاية: 771.
4- . شرائع الإسلام: 272/4.

المسألة 3. لو ذهب العقل بالجناية ودفع الدية ثم عاد العقل ففي ارتجاع الدية تأمّل، وإن كان الارتجاع والرجوع إلى الحكومة أشبه. *

فداك ما تقول في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمّه حتّى ذهب عقله؟ قال: «عليه الدية»، قلت: فإنّه عاش عشرة أيّام أو أقلّ أو أكثر فرجع إليه عقله، أله أن يأخذ الدية؟ قال: «لا، قد مضت الدية بما فيها».(1)

وظاهر قوله: «عليه الدية» أي دية واحدة، لا ديتان مكان الشجّة وذهاب العقل.

فالروايتان متعاضدتان، فلو ثبت الإعراض فهو، وإلّا فالعمل بالروايتين هو الأرجح.

لو ذهب العقل بالجناية ثم برئ بعد دفع الدية

قال المحقّق: لو جنى فأذهب العقل ودفع الدية، ثم عاد، لم يرتجع الدية، لأنّه هبة مجدّدة من اللّه.(2)

ولعلّه استند في ذلك إلى رواية أبي حمزة الثمالي، المذكورة في المسألة الماضية.

ويحتمل الرجوع لأنّه مقابل ذهاب العقل إلى نهاية الحياة فإذا عاد خرج العوض عن ملك المجنيّ عليه، ويرجع إلى الحكومة لأجل أنّه شجّ رأسه، أو ضربه.

ص: 407


1- . الوسائل: 19، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.
2- . شرائع الإسلام: 272/4.

المسألة 4. لو اختلف الجاني ووليّ المجنيّ عليه في ذهاب العقل أو نقصانه، فالمرجع أهل الخبرة من الأطباء، ويعتبر التعدّد والعدالة على الأحوط، ويمكن اختباره في حال خلواته وغفلته، فإن ثبت اختلاله فهو، وإن لم يتّضح - لا من أهل الخبرة لاختلافهم مثلاً، ولا من الاختبار - فالقول قول الجاني مع اليمين. *

لو اختلف الجاني ووليّ المجني عليه في ذهاب العقل أو نقصانه

قال العلّامة: ولو أنكر الجاني زوال العقل وادّعاه المجنيّ عليه، اختبر بأن يضع الحاكم عليه قوماً يراعونه في خلوته وأحوال غفلته، فإن ظهر اختلال حاله والاختلاف في أقواله وأفعاله، ثبت جنونه بغير يمين.(1) والظاهر وجود النقص في عبارة العلّامة إذ لا عبرة بعبارة المجنون الذي يدّعي ذهاب عقله، كما لا عبرة بيمينه، ولذلك عبّر المصنّف في المتن بوجود الاختلاف بين الجاني وولي المجنيّ عليه.

ثمّ إنّ لكشف الحال طريقين: 1. الرجوع إلى الأطباء المتخصّصين المجهّزين بالأجهزة التي يعلم بها زوال العقل وعدمه، كما في المتن.

2. مراقبة أحوال المجنيّ عليه وأفعاله من قبل شخصين حتى يُعلم إتزانه في الحياة وعدمه، وبما أنّ العبرة بقول الأطباء أو المراقبين من باب الشهادة والبيّنة، يعتبر فيهم التعدّد والعدالة.

ص: 408


1- . قواعد الأحكام: 684/3.

الثاني: السمع، وفي ذهابه من الأُذنين جميعاً الدية، وفي سمع كلّ أُذن نصف الدية. *

ثمّ إذا لم يتّضح الأمر، فالمرجع يمين الجاني، أخذاً بالقاعدة المعروفة:

«البيّنة للمدّعي واليمين على من أنكر».

الثاني: السمع
اشارة

وفيه فرعان:

الأوّل: ذهاب السمع من الأُذنين، ففيه الدية كاملة، ويدلّ عليه أُمور ثلاثة:

1. القاعدة المعروفة من أنّه كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية.(1)

2. خبر إبراهيم بن عمر اليماني المتقدّم.(2)

3. صحيح يونس حيث عرض كتاب الديات على الإمام الرضا عليه السلام وفيه: في ذهاب السمع كلّه ألف دينار.(3)

الفرع الثاني: في ذهاب سمع أُذن واحدة نصف الدية، ويدلّ عليه القاعدة المعروفة في صحيحي ابن سنان(4) وهشام بن سالم.(5)

ص: 409


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
2- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
5- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

المسألة 1. لا فرق في ثبوت النصف بين كون إحدى الأُذنين أحدّ من الأُخرى أم لا، ولو ذهب سمع إحداهما - بسبب من اللّه تعالى أو بجناية أو مرض أو غيرها - ففي الأُخرى النصف. *

المسألة 2. لو علم عدم عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك استقرّت الدية، وإن أمّل أهل الخبرة العود بعد مدّة متعارفة يتوقّع انقضاؤها، فإن لم يعد استقرّت، ولو عاد قبل أخذ الدية فالأرش، وإن عاد بعده فالأقوى أنّه لا يرتجع، ولو مات قبل أخذها فالأقرب الدية. **

لو كانت إحدى الأُذنين أحدّ من الأُخرى

في المسألة فرعان:

1. إذا كانت إحدى الأُذنين أحدّ من الأُخرى، وفرض ذهاب الأحدّ، فمقتضى إطلاق الدليل ثبوت النصف وإن كانت الباقية غير حادّة السمع.

2. إذا ذهب سمع إحداهما بسبب من اللّه تعالى أو بجناية أو مرض أو غير ذلك، فجنى الجاني على الصحيحة فأصبح أصمّ، فهل فيه الدية الكاملة لأنّه صيّره فاقداً للسمع أو نصف الدية؟

مقتضى القاعدة هو نصف الدية؛ لأنّ الجاني قام بإذهاب نصف السمع لا كلّه، وكون ذهاب النصف في هذا المقام قائماً مقام ذهاب الكلّ لا يوجب الدية الكاملة، نعم خرج عن الضابطة فيما لو جنى على العين الصحيحة من الأعور، فقد مرّ فيه الدية الكاملة تبعاً للنصوص، وقياس المقام عليه لا نقول به.

** في المسألة فروع:

ص: 410

1. لو جنى فذهب بسمعه، فعلم عدم عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك.

2. لو توقعت عودة السمع ولو بعد مدّة متعارفة.

3. لو عاد قبل أخذ الدية.

4. لو عاد بعد أخذ الدية.

5. لو مات المجنيّ عليه ولم يعلم حاله من إمكان العود وعدمه. وإليك دراستها.

الفرع الأوّل: لو علم عدم عود السمع

لو آيس من عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك، استقرّت الدية، لفعلية الحكم بعد فعلية الموضوع. نعم يشترط في أهل الخبرة التعدّد والعدالة.

الفرع الثاني: لو توقعت عودة السمع بعد مدة متعارفة

لو توقعت عودة السمع بعد مدة متعارفة يتوقع انقضاؤها، يجب الانتظار إلى انقضاء المدّة حتى يتعيّن ما هو الواجب، فلو لم يعد فالواجب هو الدية، وإن عاد فالواجب هو الأرش.

ففي «الجواهر»: ومثله إذا قال أهل الخبرة يرجى عوده لا إلى مدّة معلومة، ضرورة اقتضاء اعتبار ذلك (رجاء عوده إلى مدّة غير معلومة) سقوط الدية.(1)

وفي صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في رجل ضرب رجلاً في أُذنه بعظم فادّعى أنّه لا يسمع، قال: «يترصّد ويستغفل

ص: 411


1- . جواهر الكلام: 297/43.

وينتظر به سنة، فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنّه يسمع، وإلّا حلّفه وأعطاه الدية».(1)

وقال في «الجواهر» بعد نقل الحديث: لا يخلو من إجمال.(2)

ولعلّ المراد هو الإجمال في قوله «حلّفه»، فالظاهر أنّ المراد هو القسامة، وهي هنا إمّا ست أيمان أو خمسون على اختلاف في باب القسامة.

الفرع الثالث: لو عاد قبل أخذ الدية

لو عاد قبل أخذ الدية فعلى الجاني الأرش، لانكشاف عدم الموضوع وهو ذهاب السمع. والأولى أن يقول قبل مضيّ المدّة.

الفرع الرابع: لو عاد بعد أخذ الدية

لو عاد بعد أخذ الدية فالأقوى عدم إرجاع الدية، لأنّه موهبة من اللّه سبحانه، وفي رواية سليمان بن خالد: قيل: يا أمير المؤمنين فإن عثر عليه بعد ذلك أنّه يسمع؟ قال: «إن كان اللّه ردّ عليه سمعه لم أر عليه شيئاً».(3) ولولا النص لاحتمل أخذ الأرش؛ لأنّ العود يكشف عدم ذهاب سمعه وإنّما تعطّل مدّة معيّنة.

الفرع الخامس: لو مات قبل أخذها

وقد عبّر المصنّف بقوله هذا، والأولى أن يقول: لو مات قبل انقضاء المدّة، فالواجب الدية، قال في القواعد: ولو مات فالأقرب الدية.(4)

واحتمال أنّه لو لم يمت ربّما يعود إليه سمعه، لا يعتدّ به بعد ما جنى عليه الجاني وذهب بسمعه، بعد كون الاستصحاب على خلافه.

ص: 412


1- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
2- . جواهر الكلام: 297/43.
3- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
4- . قواعد الأحكام: 685/3.

المسألة 3. لو قطع الأُذنين وذهب السمع به فعليه الديتان، ولو جنى عليه بجناية أُخرى فذهب سمعه فعليه دية الجناية والسمع، ولو قطع إحدى الأُذنين فذهب السمع كلّه من الأُذنين فدية ونصف. *

لو قطع الأُذنين أو جنى عليه فذهب سمعه

في المسألة فروع:

1. لو قطع الأُذنين وذهب السمع به.

2. لوجنى عليه بجناية أُخرى فذهب لأجلها السمع أيضاً.

3. لو قطع إحدى الأذنين لكن ذهب السمع كلّه من الأُذنين.

والحكم في هذه الفروع مبنيّ على عدم التداخل في أسباب الجناية فلكلّ سبب حكمه، ولو توحّد السبب وتعدّد المسبّب فالملاك هو المسبب، وبما ذكرنا يتّضح حكم فروع المسألة.

أمّا الأوّل - أعني: لو قطع الأُذنين معاً وذهب السمع به -: فهنا ديتان: دية كاملة لقطع العضوين، ودية أُخرى لذهاب المنافع. بخلاف ما إذا قلع العينين فذهب به الإبصار فيه دية كاملة، والفرق بينهما وبين الأُذنين واضح. وسيأتي وجهه في فصل البصر المسألة الثانية، فانتظر.

وأمّا الفرع الثاني - أعني: إذا جنى جناية أُخرى، كما لو شجّ رأسه، وذهب بسمعه -: فعليه دية الجناية (الشجّة) ودية السمع، لعدم التداخل.

وأمّا الفرع الثالث: لو قطع إحدى الأُذنين لكن صار ذلك سبباً لذهاب السمع كلّه من الأُذنين، فتجب دية كاملة على ذهاب السمع، ونصف الدية

ص: 413

المسألة 4. لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوّة السامعة لكن وقع في الطريق نقص حجبها عن السماع، فالظاهر ثبوت الدية لا الحكومة، وإن ذهب بسمع الصبيّ فتعطّل نطقه، فالظاهر بالنسبة إلى تعطّل النطق الحكومة مضافاً إلى الدية. *

على قطع العضو.

كلّ ذلك على قاعدة عدم التداخل في الأسباب في الفرعين الأوّلين وعدم التداخل في المسببات وإن اتّحد السبب كما في الفرع الثالث.

لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوة السامعة

في المسألة فرعان:

1. لو شهد أهل الخبرة ببقاء القوّة السامعة، لكن قد وقع في الطريق ما يحجب عن السماع.

2. لو ذهب بسمع الصبيّ فصارت النتيجة تعطّل نطقه. وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: فقد قال العلّامة: ولو حكم أهل المعرفة ببقاء السمع إلّاأنّه وقع في الطريق إرتتاقٌ،(1) احتمل الدية لمساواة تعطّل المنفعة بزوالها.(2)

وقال المحقّق الأردبيلي: ولا فرق في دية السمع بين ذهاب أثره فقط وبين رتق في ثقبة الأُذن بحيث يمنع السماع لأنّه يصدق عليه بطلان

ص: 414


1- . ارتتاق: انسداد.
2- . قواعد الأحكام: 686/3.

السمع.(1)

واحتمل العلّامة في «التحرير» الحكومة، وقال: ولو قيل (أي أهل الخبرة): السمع باق وقد وقع في الطريق ارتتاق، فتعطَلَ المنفعة، فهو كزوالها ويحتمل الحكومة.(2) لكن الظاهر أنّه لو كان الرتق قابلاً للعلاج فالحكومة، وإلّا فالدية.

الفرع الثاني: لو ذهب بسمع الصبيّ فتعطّل نطقه، فتجب عليه الدية لذهاب السمع، إنّما الكلام في أنّه بجنايته جعل الصبيّ أصمّ و تعطل نطقه؛ لأنّه إنّما يتعلّم النطق عن طريق السمع فكلّ أخرس أصمّ، والصمم يصير سبباً في كون الإنسان أخرساً، فالمصنّف استظهر الحكومة، ولكن الظاهر الدية (للنطق) لأنّه بعمله هذا جعله أصمّ وأخرس.

ولعلّ نظر المصنّف في إيجاب الحكومة إلى صورة أُخرى وهي أنّ الطفل تعلّم شيئاً من الحروف والكلمات فصارت الجناية سبباً لتعطيل تعلّم النطق واستمراره بأن لا يتكلم إلّابما تعلمه قبل الجناية، ومن المعلوم أنّ اللازم فيها هو الحكومة.9.

ص: 415


1- . مجمع الفائدة والبرهان: 430/14.
2- . تحرير الأحكام: 5/608، المسألة 7259.

المسألة 5. لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجنيّ عليه، أو قال: «لا أعلم صدقه» اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القويّ، وصيح به بعد استغفاله، فإن تحقّق ما ادّعاه أُعطي الدية، ويمكن الرجوع إلى الحذّاق والمتخصّصين في السمع مع الثقة بهم، والأحوط التعدّد والعدالة، وإن لم يظهر الحال أُحلف القسامة للّوث وحكم له. *

لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجني عليه

قال المحقّق: لو أكذب الجاني (المجنيّ عليه) عند دعوى ذهابه، أو قال:

لا أعلم، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القويّ، وصيح به بعد استغفاله، فإن تحقّق ما ادّعاه أُعطي الدية، وإلّا أُحلف القسامة وحكم له.(1)

وقال العلّامة: ومع الشكّ يُصاح بصوت منكر عظيم عند الغفلة، فإن تحقّق دعواه وإلّا أُحلف القسامة وحكم له.(2)

هذا هو الطريق الذي ذكره المحقّق والعلّامة وغيرهما، وهناك طريق آخر وهو الرجوع إلى أهل الخبرة، مع التعدّد والعدالة، ولعلّ الأجهزة الحديثة التي تستخدم لتحديد وجود السمع وقوّته تحلّ هذه المشكلة.

هذا كلّه إذا تبيّن الحال إمّا بالطريق الأوّل أي باختباره بالصوت القوي، أو بالأجهزة العلمية، فإن لم تظهر الحال أُحلف القسامة وحكم له، ففي رواية سليمان بن خالد: «وإلّا حلّفه وأعطاه الدية».(3)

ص: 416


1- . شرائع الإسلام: 4/272، ووجهه اللّوث.
2- . إرشاد الأذهان: 2/242؛ مجمع الفائدة والبرهان: 430/14.
3- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

إنّما الكلام في عدد القسامة والظاهر أنّ المراد به خمسون قسامة لأنّه مدّع مع اللوث في الجملة، ولم يمكن إثباته بالبيّنة فلابدّ له من طريق لإثباته، لئلا تضيع حقوق الناس، وليس إلّااليمين، ولمّا كان موجباً لكمال الدية التي هي عوض النفس فيكون خمسون يميناً متعيّناً فيها كالنفس، ونصفها في الواحدة.

هذا كلام المحقّق الأردبيلي وأضاف: ويحتمل الاكتفاء بواحدة كما في غيره للأصل وعدم نصّ على الزيادة، ولزوم خمسين يميناً في النفس للنصّ، ثم قال: ويحتمل ست أيمان في كلّ واحدة، ويحلف العدد معه من أقاربه من يعلم ذلك كما في دعوى النفس، وإن لم يكن فيكرر عليه،(1) وقد مضى تحقيق الكلام في باب القسامة في كتاب القصاص.4.

ص: 417


1- . مجمع الفائدة والبرهان: 431/14.

المسألة 6. لو ادّعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الأُخرى، وتلزم الدية بحساب التفاوت. وطريق المقايسة أن تسدّ الناقصة سدّاً شديداً وتطلق الصحيحة ويضرب له بالجرس مثلاً حيال وجهه ويقال له:

«اسمع» فإذا خفي الصوت عليه علّم مكانه، ثم يضرب به من خلفه حتى يخفى عليه فيعلّم مكانه، فإن تساوى المسافتان فهو صادق وإلّا كاذب، والأحوط الأولى تكرار العمل في اليمين واليسار أيضاً، ثم تسدّ الصحيحة سدّاً جيداً وتطلق الناقصة فيضرب بالجرس من قدّامه ثم يعلّم حيث يخفى الصوت؛ يصنع بها كما صنع بأُذنه الصحيحة أوّلاً، ثم يقاس بين الصحيحة والمعتلّة فيعطى الأرش بحسابه، ولابدّ في ذلك من توخّي سكون الهواء، ولا يقاس مع هبوب الرياح، وكذا يقاس في المواضع المعتدلة. *

لو ادّعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الأُخرى

لو ادّعى نقص سمع إحداهما واحتملنا كذبه، فيختبر حتى يعلم صدقه، فإن ثبت صدقه تلزم الدية بحسب التفاوت، مثلاً لو نقص سمع إحدى الأُذنين عن الأُخرى بالنصف يجب على الجاني نصف نصف الدية؛ لأنّ في كلّ أُذن نصف الدية، فلو كان نقصها بالنصف يجب على الجاني دفع ربع الدية.

إنّما الكلام في طريق المقايسة، وما ذكره قدس سره في المتن مأخوذ من رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل وُجئ في أُذنه فادّعى أنّ إحدى أُذنيه نقص من سمعها شيء.

ص: 418

قال: «تسدّ التي ضربت سدّاً شديداً وتفتح الصحيحة، فيضرب له بالجرس ويقال له: اسمع، فإذا خفي عليه الصوت عُلِّم مكانه، ثم يضرب به من خلفه ويقال له: اسمع، فإذا خفي عليه الصوت علّم مكانه، ثم يقاس ما بينهما، فإن كان سواء علم أنّه قد صدق.

ثم يؤخذ به عن يمينه فيضرب به حتّى يخفى عليه الصوت، ثم يعلّم مكانه، ثم يؤخذ به عن يساره فيضرب به حتى يخفى عليه الصوت، ثم يعلّم مكانه.

ثم يقاس [ما بينهما] فإن كان سواء علم أنّه قد صدق.

قال: ثم تفتح أُذنه المعتلّة وتسدّ الأُخرى سدّاً جيداً ثمّ يضرب بالجرس من قدّامه ثمّ يعلّم حيث يخفى عليه الصوت يصنع به كما صنع أوّل مرّة بأُذنه الصحيحة، ثمّ يقاس فضل ما بين الصحيحة والمعتلّة، [فيعطى الأرش] بحساب ذلك».(1)

الظاهر أنّ ما جاء في الرواية من باب الاحتياط، وإلّا فلو كان العمل الأوّل وهو اختبار الرجل من القدّام والخلف كافياً في الاستظهار لا يحتاج إلى اختباره من اليمين واليسار.

ولذلك نرى أنّ المحقّق اكتفى بالأقل وقال: ولو نقص سمع إحداهما، قيس إلى الأُخرى، بأن تسدّ الناقصة وتطلق الصحيحة، ويصاح به حتى يقول:

لا أسمع، ثم يُعاد عليه ذلك مرّة ثانية، فإن تساوت المسافتان صُدِّقَ، ثمّ تطلق الناقصة وتُسدّ الصحيحة ويعتبر بالصوت حتى يقول: لا أسمع، ثم يكرر2.

ص: 419


1- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

الثالث: البصر، وفي ذهاب الإبصار من العينين الدية كاملة، ومن إحداهما نصفها. *

عليه الاعتبار فإن تساوت المقادير في سماعه فقد صدق، وتمسح مسافة الصحيحة والناقصة ويلزم من الدية بحساب التفاوت.

نعم نسب المحقّق سائر الجوانب أي اليمين واليسار إلى رواية وقال:

وفي رواية يعتبر في الصوت من جوانبه الأربعة ويصدّق مع التساوي ويكذب مع الاختلاف.(1)

ونظيره العلّامة في «القواعد».(2)

ولعلّ الأجهزة الطبية - اليوم - تغنينا عن الاختبار بهذا الشكل. وعلى كلّ تقدير فالغرض هو استظهار صدق قول المجنيّ عليه وعدمه.

فلو علم الصدق فالأرش بحسب المسافة، فلو كان سماع المعتلّة نصف سماع الصحيحة فيعطى نصف نصف الدية أي ربعها.

الثالث: البصر
اشارة

ويدلّ عليه الضابطة المعروفة أنّ كلّ ما كان في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية.(3)

ص: 420


1- . شرائع الإسلام: 272/4.
2- . قواعد الأحكام: 685/3.
3- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

المسألة 1. لا فرق بين أفراد العين المختلفة؛ حديدها وغيره حتى الحولاء والعشواء، والذي في عينه بياض لا يمنعه عن الإبصار، والعمشاء بعد كونها باصرة. *

فقد الإبصار في العين الصحيحة والعوراء والحولاء والعمشاء

قال العلّامة: وفي فقده (الإبصار) الدية وإن كان من الأعشى والذي على عينه بياض يتمكّن معه من النظر على إشكال.(1)

وقد أشار إلى إشكاله صاحب الجواهر بقوله: وإن استشكل به الفاضل للنقص الموجب لنقصان العوض. وأجاب عنه بقوله: بأنّ الفرض عدم النقص به، وإلّا فلا إشكال بمراعاته بمقداره من الدية إن عُلم، وإلّا فالحكومة.(2)

وحاصل كلامه: أنّ العيب في العين لا في الإبصار، والدية في مقابل الثاني لا الأوّل.

وعلى ذلك فكلّ عين باصرة وإن اختلفت هيئتها فلا تأثير في الحكم، نعم يتوجّه الإشكال في الأعشى، لأنّه لا يبصر في الليل ويبصر في النهار، فلا يكون معادلاً للعين الصحيحة التي عيّنت الدية لها.

ص: 421


1- . قواعد الأحكام: 686/3.
2- . جواهر الكلام: 301/43.

المسألة 2. لو قلع الحدقة فليس عليه إلّادية واحدة ويكون الإبصار تبعاً لها، ولو جنى عليه بغير ذلك - كما لو شجّ رأسه فذهب إبصاره - عليه دية الجناية مع دية الإبصار. *

المسألة 3. لو قامت العين بحالها وادّعى المجنيّ عليه ذهاب البصر وأنكر الجاني، فالمرجع أهل الخبرة؛ فإن شهد شاهدان عدلان من أهلها أو رجل وامرأتان ثبت الدية، فإن قالا: «لا يرجى عوده» استقرّت، ولو قالا: «يرجى العود» من غير تعيين زمان تؤخذ الدية، وإن قالا: «بعد مدّة معيّنة متعارفة» فانقضت ولم يعد استقرّت. **

لو قلع الحدقة

لو قلع الحدقة فليس عليه إلّادية واحدة، وإن استلزم ذلك إزالة البصر لأنّ المنفعة تابعة للعين، ويدلّ عليه ظاهر قولهم: «في العينين الدية».(1) نعم في قطع الأُذنين وإذهاب السمع ديتان، لأنّ السمع ليس من منافع الأُذنين.

نعم لو جنى عليها بغير قلع الحدقة كما لو شجّ رأسه فذهب الإبصار، عليه ديتان: دية الجناية مع دية الإبصار، لما مرّ من أنّ الأصل عدم تداخل الأسباب.

لو اختلف الجاني والمجني عليه حول ذهاب البصر وعدمه

لو اختلف الجاني والمجنيّ عليه، فقال الأوّل بعدم ذهاب

ص: 422


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

الإبصار بشهادة أنّ عينه قائمة، وقال المجنيّ عليه بذهابه.

فالمرجع عندئذٍ أهل الخبرة من رجلين عادلين أو رجل وامرأتان بشرط العدالة، فلو شهدوا على ذهاب الإبصار ثبتت الدية ولكن لا تستقر إلّافي بعض الصور، وهي:

1. إذا شهدا على ذهابه وعلى عدم رجاء عوده، فتستقر الدية.

2. إذا شهدا على ذهابه وقالا برجاء عوده من غير تعيين مدّة معيّنة، وفيه أيضاً تستقر الدية لما مرّ من أنّ لازم عدم استقرارها سقوط الدية؛ لأنّ المفروض لزوم الانتظار إلى مدّة غير معيّنة.

3. إذا شهدا على ذهابه وقالا بعوده بعد مدّة معيّنة فعندئذٍ ينتظر، فإن لم يعد فتستقر الدية.

نعم في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن العين يدّعي صاحبها أنّه لا يبصر شيئاً؟ قال: «يؤجل سنة ثمّ يستحلف بعد السنة أنّه

لا يبصر ثمّ يعطى الدية».

قال: قلت: فإن هو أبصر بعده؟ قال: «هو شيء أعطاه اللّه إياه».(1)

والرواية محمولة على ما إذا لم تثبت صحة دعوى المجنيّ عليه فلذلك ينتظر ثم يحلّف، وأمّا لو ثبتت فلا ينتظر.5.

ص: 423


1- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.

المسألة 4. لو مات قبل مضيّ المدّة التي أُجّلت استقرّت الدية، وكذا لو قلع آخر عينه، نعم لو ثبت عوده فقلعت فالظاهر الأرش، كما أنّه لو عاد قبل استيفاء الدية عليه الأرش، وأمّا بعده فالظاهر عدم الارتجاع. *

لو مات قبل مضي المدّة المؤجّلة

في المسألة فروع:

1. لو مات قبل مضيّ المدّة التي يُرجى فيها عود الإبصار.

2. لو قلع شخص آخر عينه قبل مضيّ المدّة.

3. لو ثبت عوده فقلعت.

4. لو عاد قبل مضي المدّة.

5. لو عاد بعد مضي المدّة وأخذ الدية.

أقول: قد تقدّم نظير هذه الفروع، في السمع، وإليك دراستها:

الفرع الأوّل: لو مات قبل مضيّ المدّة التي أُجّلت، لاستقرت الدية استصحاباً لعدم العود، ولا يعتد باحتمال عوده قبل مضيّ المدّة لو كان حيّاً، لأنّ الاحتمالين متساويان لو لم يكن عدم العود أولى.

يلاحظ عليه: بأنّ الاستصحاب عبارة عن جرّ الحالة السابقة إلى الحالة الحاضرة، وأمّا جرّها إلى الزمان المستقبل فهو خارج عن مساق الروايات وخارج عمّا هو المتداول بين العقلاء. نعم عمل به السيد الخوئي في بعض الموارد كاستصحاب قذف الدم إلى وقت كذا. والأولى الاستدلال بقاعدة الاشتغال للشكّ في براءة الذمة بدفع الأرش، ولا يحصل اليقين إلّابدفع

ص: 424

المسألة 5. لو اختلفا في عوده فالقول قول المجنيّ عليه. *

الدية.

لا يقال: إنّ المورد من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليّين حيث يدور الواجب بين كونه أقل أو أكثر.

لأنّا نقول: متعلّق العلم عبارة عن كون الواجب إمّا الأرش أو الدية، وهما عنوانان متباينان فيجب الاحتياط، وإن كانا مصداقاً من قبيل الأقل أو الأكثر فلاحظ.

فإن قلت: لازم ذلك لزوم دفع الأرش والدية.

قلت: بما أنّ الدية شيء زائد على الأرش فيكفي دفعها.

الفرع الثاني: لو قلع آخر عينه، قبل مضيّ المدّة، فتستقرّ الدية بنفس الدليل المذكور في الفرع الأوّل.

الفرع الثالث: لو ثبت عوده فقلعت فيتعيّن الأرش لا الدية، لفرض أنّه عاد الإبصار وإن منعت عن الانتفاع جناية شخص آخر.

الفرع الرابع: لو عاد قبل انقضاء المدّة فهو كمثل الفرع الثالث يتعيّن الأرش، لكشف العود عن عدم ذهاب الإبصار.

الفرع الخامس: لو عاد بعد مضي المدّة وأخذ الدية، فلا ترتجع الدية، لأنّها حسب قضاء العرف موهبة جديدة من اللّه تعالى.

لو اختلف الجاني والمجني عليه في عود الإبصار

لو اختلفا - الجاني والمجنيّ عليه - في عود الإبصار، فالأصل مع

ص: 425

المسألة 6. لو ادعى ذهاب بصره وعينه قائمة ولم يكن بيّنة من أهل الخبرة، أحلفه الحاكم القسامة وقضى له. *

المجنيّ عليه، فيحلف ويُقضى له.

نعم لو شهد عدلان أورجل وامرأتان من أهل الخبرة بالعود وعدمه، قُبل، والمفروض فيما لو لم يكن هناك أهل الخبرة.

وليس المقام من مقولة القسامة لأنّ الطرفين اتّفقا على ذهاب الإبصار، وإنّما اختلفا في عوده، فيكون المقام من مقولة «البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر» بخلاف المسألة التالية فإنّها من مقولة القسامة، كما سيوافيك.

وبذلك يتميز مورد القسامة عن غيره فلو كان النقصان مورد اتّفاق واختلفا في أمر آخر فهو من صغريات «البيّنة على مَن ادّعى واليمين على مَن أنكر»، وأمّا إذا كان الأصل مورد اختلاف فهو من موارد اللوث، ويفيدك ما ذكر في المسائل التالية:

* قال العلّامة: ولو ادّعى ذهاب بصره (مطلقاً دون النقصان كما هو الحال في المسألة السابقة) عقيب الضرب الذي يحصل معه ذلك غالباً، وعيناه قائمتان، أُحلف القسامة وقضي له.(1)

ومفروض المسألة فيما إذا لم يكن هناك أهل الخبرة، فإنّه بمنزلة البيّنة وتقدّم على القسامة.

ووجه كونه من باب القسامة وجود اللوث أي الظن بالجناية عقيب الضرب الذي يحصل الذهاب غالباً بعده.

والأصل في ذلك ما نصّ عليه في كتاب ظريف وفيه: والقسامة مع3.

ص: 426


1- . قواعد الأحكام: 686/3.

المسألة 7. لو ادّعى نقصان إحداهما قيست إلى الأُخرى، وأُخذت الدية بالنسبة بعد القسامة استظهاراً. ولو ادّعى نقصانهما قيستا إلى مَن هو من أبناء سنّه، وألزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان إلّامع العلم بالصحة، فيسقط الاستظهار. *

ذلك من الستة الأجزاء على قدر ما أُصيب من عينه، فإن كان سدس بصره حلف هو وحده وأُعطي، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة نفر، وإن كان بصره كلّه حلف هو وحلف معه خمسة نفر.(1)

لو ادّعى نقصانهما أو أحدهما

بين هذه المسألة والمسألتين التاليتين صلة وثيقة، فالبحث هنا كبروي أي ما هو الحكم الشرعي، وفي المسألة الثامنة صغروي، أي طريق التشخيص، وأمّا في التاسعة فيرجع إلى بيان شرائط الصغرى وكيفية المقايسة.

فنقول: هنا فرعان:

1. لو ادّعى نقصان إحداهما.

2. لو ادّعى نقصانهما. وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: لو ادّعى نقصان إحداهما قيست إلى الأُخرى وأُخذت الدية بالنسبة بعد القسامة استظهاراً، فلو كان النقص بالنصف فيأخذ ربع

ص: 427


1- . الوسائل: 19، الباب 12 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

المسألة 8. طريق المقايسة هاهنا كما في السمع، فتشدّ عينه الصحيحة ويأخذ رجل بيضة مثلاً ويبعد حتى يقول المجنيّ عليه: «ما أُبصرها» فيعلّم عنده، ثم يعتبر في جهة أُخرى أو الجهات الأربع، فإن تساوت صدّق، وإلّا كذّب، وفي فرض الصدق تشدّ المصابة وتطلق الصحيحة فتعتبر بالجهتين أو الجهات ويؤخذ من الدية بنسبة النقصان، وهذه المقايسة جارية في إصابة العينين ودعوى نقصانهما، لكن تعتبر مع العين الصحيحة من أبناء سنّه. *

الدية، وهكذا.

الفرع الثاني: لو ادّعى نقصانهما، فيقاس إلى مَن هو من أبناء سنّه، فإن كان التفاوت بالربع أُلزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان، وما ذلك إلّالأنّه من مصاديق اللوث.

نعم لو علمت صحّة الدعوى لا يحتاج إلى استظهار.

هذا كلّه هو الحكم الشرعي وحاصله: أنّه لو ثبت النقصان في إحداهما أو كليهما أُلزم الجاني بالتفاوت بعد الأيمان.

إنّما الكلام في طريق المقايسة والاستظهار، وهذا هو الذي طرحه المصنّف في المسألة الثامنة.

طريق المقايسة للعينين وللعين الواحدة

طريق المقايسة تارة في استظهار حال العين الواحدة وأُخرى في العينين. أمّا الأوّل، فيقول العلّامة فيه: ولو ادّعى النقص في ضوء

ص: 428

إحداهما قيست إلى الأُخرى بأن يسدّ على الصحيحة وتطلق الناقصة، وينظر من بعدٍ حتّى يدّعي أنّه لا ينظر من أزيد منه، ثمّ يُدار إلى جهةٍ أُخرى، فإن تساوت المسافتان صُدِّق، وإلّا كُذِّب ثمّ (في صورة الصدق) تطلق الصحيحة وتسدّ الناقصة، وينظر ويؤخذ التفاوت بالنسبة إلى تفاوت المسافتين ولا تُقاس عين في يوم غيم، ولا في أرضٍ مختلفة الجهات.(1)

وحاصل ما ذكره المصنّف: أنّه تشدّ عينه الصحيحة وتطلق المصابة، ويأخذ رجل بيضةً مثلاً ويبعد حتى يقول المجنيّ عليه أنّه لا يبصرها على مسافة مثلاً ستة أمتار.

ثمّ يعتبر في جهة أُخرى فإن تساوت المسافتان أي قال لا يبصرها عند الستة أمتار مثلاً، فهو صادق، وإلّا فهو كاذب لا يعتد بدعواه.

وفي فرض صدق قوله عند شدّ الصحيحة تشدّ المصابة وتطلق الصحيحة فيعتبر مثل ما اعتبر في الحالة السابقة.

فإن قال يبصرها في حدٍّ أزيد من ستة أمتار مثلاً تسعة أمتار، وكُرّر هذا النوع من الاختبار في الجهات الأُخرى عُلم صدق مدّعاه فإذا كان التفاوت بالثلث مثلاً يدفع إليه ثلث نصف دية الإبصار. وقد جاء ذلك الاختبار في قضاء علي عليه السلام.(2)

هذا كلّه إذا كان دعوى النقصان في العين الواحدة، وأمّا الثاني: أي لو ادّعى أنّ النقصان في العينين فهناك تعتبر مع العين الصحيحة من أبناء سنّه، فلو كان التفاوت بين رؤية المجنيّ عليه ورؤية أبناء سنّه بالنصف أو الثلث أو غير1.

ص: 429


1- . قواعد الأحكام: 687/3.
2- . انظر الوسائل: 19، الباب 12 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

المسألة 9. لابدّ في المقايسة من ملاحظة الجهات، من حيث كثرة النور وقلته، والأراضي من حيث الارتفاع والانخفاض، فلا تقاس مع ما يمنع عن المعرفة، ولا تقاس في يوم غيم. *

الرابع: الشمّ، وفي إذهابه عن المنخرين الدية كاملة، وعن المنخر الواحد نصفها على إشكال في الثاني، فلا يترك الاحتياط بالتصالح. **

ذلك يحكم له بدفع الدية بهذه النسبة.

لا تقاس العين في يوم غيم ولا في أرض مختلفة الجهات

قال المحقّق: ولا تقاس عين في يوم غيم ولا في أرض مختلفة الجهات.(1)

لأنّ كلّ ذلك أي كون الجوّ غائماً أو الأراضي متعرّجة، يمنع من ظهور القياس وصحّته.

الرابع: الشمّ
اشارة

قال الشيخ في «الخلاف»: وفي ذهاب الشمّ بالأنف الدية بلا خلاف.(2)

ويدلّ عليه القاعدة المقرّرة المتقدّمة غير مرّة.

هذا كلّه إذا ذهب عن المنخرين، وأمّا إذا ادّعى المنخر الواحد، ففيه نصف الدية وفق القاعدة المقرّرة، ولكن أضاف المصنّف على قوله: على إشكال. وجهه أنّه لا يمكن إقامة البيّنة عليه ولا الامتحان بالروائح لأنّ

ص: 430


1- . شرائع الإسلام: 273/4.
2- . الخلاف: 238/5، المسألة 28.

المسألة 1. لو ادّعى ذهابه وأنكر الجاني، امتحن بالروائح الحادّة والمحرقة في حال غفلته، فإن تحقّق الصدق تؤخذ الدية، وإلّا فليستظهر عليه بالقسامة ويقضى له، وإن أمكن الاستكشاف في زماننا بالوسائل الحديثة يرجع إلى أهل الخبرة مع اعتبار التعدّد والعدالة احتياطاً، فمع قيام البيّنة يعمل بها. *

الظاهر وجود منفذ من أحدهما إلى الآخر، فلأجل ذلك لا يترك الاحتياط بالتصالح.

لو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الشم

لو ادّعى المجنيّ عليه ذهاب الشمّ أساساً لا شيئاً منه - كما هو الحال في المسألة الآتية - وأنكر الجاني، فهنا طرق للاستظهار:

الأوّل: الامتحان بالروائح الحادّة والمحرقة في حال غفلته.

قال الشيخ: إنّه يقرّب منه الحرّاق، فإن نحّى أنفه عُلم أنّه كاذب، وإن لم يُنحّ عُلم أنّه صادق.(1)

وقال المحقّق: وفي رواية «يحرق له حرّاق ويقرّب منه فإن دمعت عيناه ونحّى أنفه فهو كاذب».(2)

يشير إلى رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين، وفيها سئل عليه السلام عن رجل ضرب رجلاً على هامته فادّعى المضروب أنّه لا يبصر شيئاً ولا

ص: 431


1- . الخلاف: 238/5، المسألة 28.
2- . شرائع الإسلام: 274/4.

يشمّ الرائحة وأنّه قد ذهب لسانه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن صدق فله ثلاث ديات، فقيل يا أمير المؤمنين: وكيف يعلم أنّه صادق؟ فقال: «أمّا ما ادّعاه أنّه لا يشمّ رائحة فإنّه يُدنى منه الحرّاق فإن كان كما يقول [أي بقي على حالته السابقة فهو صادق] وإلّا نحّى رأسه ودمعت عينه».(1)

وبذلك ظهر أنّ هذا الاختبار لو حقّق الصدق فتؤخذ الدية، وإن أثبت الكذب فيترك، ثمّ إنّ الظاهر من القواعد أنّه إذا تبيّن كذب المجنيّ عليه يحلف الجاني.(2) والظاهر عدم صحّته إذ لا حاجة معه إلى يمين الجاني بعد تبيّن كذبه.

إنّما الكلام إذا لم يتحقّق الحال، لأجل عدم الاختبار وعدم التمكّن منه، وهذا هو الذي ندرسه في الطريق الثاني.

الثاني: إذا لم تتبيّن الحال بواسطة الاختبار أو عدم التمكّن منه، فتصل النوبة إلى القَسامة لأنّه من مقولة اللوث، لأنّ الجاني والمجنيّ عليه متّفقان على ورود الضربة على رأسه، المفيد للظن باختلال الشمّ، فيحلف المجنيّ عليه حلف قسامة.

الثالث: الاختبار بالأجهزة الحديثة، مع اعتبار التعدّد والعدالة، فيعمل بنتيجة الاختبار، إن صدق فتؤخذ الدية، وإن كان كذباً فتترك الدعوى.3.

ص: 432


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1. والمراد من الحرّاق: الخرقة ونحوها.
2- . قواعد الأحكام: 688/3.

المسألة 2. لو ادّعى نقص الشمّ، فإن أمكن إثباته بالآلات الحديثة وشهادة العدلين من أهل الخبرة فهو، وإلّا فلا يبعد الاستظهار بالأيمان، ويقضي بما يراه الحاكم من الحكومة أو الأرش. *

في كيفية إثبات النقص في حاسّة الشم

لو ادّعى نقص الشمّ فهناك طريقان للحكم:

الأوّل: استخدام الأجهزة الحديثة إذا قام بإعمالها عدلان، فيؤخذ بالنتيجة.

الثاني: الاستظهار بالأيمان، أي القسامة لأنّه من مقولة اللوث وأيده الفاضل في كشفه بأنّه لا طريق إلى العلم بالحال فيتعيّن تقديم قول المجنيّ عليه(1)، ويظهر من «المبسوط»، الاكتفاء بيمين المجنيّ عليه مرّة واحدة، قال:

فإن ادّعى نقص شمّه فالقول قوله؛ لأنّه لا يتوصل إليه إلّامن جهته، فالجناية قد حصلت فالقول قوله.(2) فقوله: فالقول قوله، يتضمّن حلفه.

ثم لو حلف المجنيّ عليه الأيمان فالواجب على الجاني ما يؤدي إليه اجتهاد الحاكم من الحكومة أو الأرش.

ثم إنّ الظاهر من الشرائع التردّد في تقديم قول المجنيّ عليه ولذلك نسبه إلى القيل وقال: «قيل يحلف إذ لا طريق إلى البيّنة» وأيّده في «الجواهر» بأنّ الأصل براءه الذمّة، وحلف المدعي مخالف للأصل المقتصر فيه على

ص: 433


1- . جواهر الكلام: 43/310، نقلاً عن كشف اللثام.
2- . المبسوط: 132/7.

المسألة 3. لو أمكن إثبات مقدار النقص بالامتحان والمقايسة بشامّة أبناء سنّه - كما في البصر والسمع - لا يبعد القول به. *

المتيقن، وهو غير الفرض.(1)

يلاحظ عليه: أنّه لو تمّ لزم الاكتفاء بمورد الظن بالقتل وهو كما ترى، لأنّ كفاية الأيمان في إثبات الأمر الأهم يلازم كفايتها في الأمر المهم، كما في مورد المنافع.

في كيفية بيان مقدار النقص في حاسّة الشم
اشارة

كان البحث في المسألة الماضية في كيفية إثبات أصل النقص، والكلام في هذه المسألة في كيفية بيان مقدار نقصه، بعد قبول إثبات أصله. وقد أشار المصنّف إلى طريقة واحدة وهي الامتحان والمقايسة بشامّة أبناء سنّه كما في البصر والسمع.

وهناك طريق آخر وهو التوسّل بالأجهزة الحديثة فإنّها كما تثبت أصل النقص، هكذا تثبت مقداره أيضاً.

وأمّا الاختبار بشامّة أبناء سنّه فهو يتحقّق بقرب المشموم وبعده، فلو كانا مشتركين في المشموم القريب ومفترقين في المشموم البعيد تلاحظ النسبة بينهما فإن كانت النسبة النصف، فيؤخذ من الجاني نصف الدية لأنّ الشمّ له دية واحدة.

ص: 434


1- . جواهر الكلام: 43/310.

المسألة 4. لو عاد الشمّ قبل أداء الدية فالحكومة، ولو عاد بعده ففيه إشكال لابدّ من التخلّص بالتصالح، ولو مات قبل انقضاء المدّة ولم يعد فالدية ثابتة. *

* في المسألة فرعان:

1. لو عاد الشمّ قبل أداء الدية أو عاد بعده.

2. لو مات قبل انقضاء المدّة. وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: لو عاد الشم قبل أداء الدية أو بعده

قد تكرر هذا الفرع في السمع والبصر، والظاهر من المصنّف أنّ الميزان العود قبل الدفع وبعده، فيردّ الدية في الأوّل دون الثاني، ولكن الظاهر: أنّ الموضوع ليس العود قبل أداء الدية أو بعده، بل الموضوع العود قبل انقضاء المدّة التي عيّنت لإمكان العود أو بعد انقضائها، وإلّا فلو دفع الجاني الدية بعد ضرب المدّة وعاد الشمّ قبل انقضائها فهذا يكشف عن أنّ الواجب ليس هو الدية، فيكون المورد من قبيل الحكومة، أي ما هو الواجب في الضرب على الرأس، نعم لو عاد بعد انقضاء المدّة فلا تُرد، لما قلنا من احتمال أنّه موهبة من اللّه سبحانه، فلا يدلّ العود على أنّه نفس ما أُزيل.

الفرع الثاني: لو مات قبل انقضاء المدة ولم يعد الشم

لو مات قبل انقضاء المدّة، ولم يعد مادام في المدّة، فالدية ثابتة لاستصحاب عدم العود، ولا يعتدّ باحتمال العود لكونه مخالفاً للاستصحاب.

وقد عرفت ما فيه وأنّ الأولى الاستدلال بقاعدة الاشتغال.

ص: 435

المسألة 5. لو قطع الأنف فذهب الشمّ فديتان، وكذا لو جنى عليه جناية ذهب بها الشمّ فعليه مع دية ذهابه دية الجناية، ولو لم يكن لها دية مقدّرة فالحكومة. *

الخامس: الذوق، قيل: فيه الدية، وهو وإن لم يكن ببعيد لكن الأقرب فيه الحكومة. **

لو قطع الأنف أو جنى عليه جناية ذهب بها الشم

في المسألة فرعان:

الأوّل: لو قطع أنفه فذهب شمّه ففيه ديتان، نظير ما لو قطع إذنه فذهب سمعه، لما قلنا من أنّ مقتضى تعدّد السبب تعدّد المسبب.

الثاني: لو جنى عليه جناية غير قطع الأنف، وذهب بها الشمّ، فحكمه حكم الفرع السابق، فلو كان للجناية دية مقدّرة فيحكم عليه بالديتين، وإن لم يكن كان له دية وحكومة، لأنّ المفروض أنّ الجناية الأُولى ليس لها مقدّر في الشرع.

الخامس: الذوق
اشارة

لا شكّ أنّ في الذوق شيئاً على الجاني، فهل الواجب عليه الدية أو الحكومة؟ ذهب المحقّق إلى الأوّل، فقال: يمكن أن يقال فيه الدية، لقولهم عليهم السلام:

«كلّ ما كان في الإنسان منه واحدٌ ففيه الدية».(1)

ويمكن أن يستدل عليه - زيادة على ما ذُكر - أنّه منفعة اللسان، وقد

ص: 436


1- . شرائع الإسلام: 274/4.

المسألة 1. لو أمكن التشخيص بالوسائل الحديثة يرجع إلى شاهدين عدلين من أهل الخبرة، وإلّا فإن اختلفا ولا أمارة توجب اللوث فالقول قول الجاني، ومع حصوله يستظهر بالأيمان. *

أبطله، وقد تقرر أنّ في اللسان الدية، والذوق إحدى المنافع كالسمع والشمّ ففيه الدية مثلهما بل هو أعظم من الشمّ.(1)

وتأمّل فيه المحقّق وقال في «الجواهر»: بأنّه قد يشكل بما أسلفناه سابقاً من تبادر العضو الواحد منه لا المنفعة، والأصل البراءة فيتجه فيه الحكومة.(2)

ولو صحّ ما ذُكر لزم عدم صحّة الاستدلال على الدية بالسمع والبصر والشمّ بالدليل العام ووجب الاقتصار على الأدلة الخاصّة بها، وقد مرّ عن الإمام علي عليه السلام الديات الست لأجل ذهاب المنافع(3) وغيرها فلاحظ، فالأقرب الدية لا الحكومة والأحوط التصالح.

لو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق

لو ادّعى ذهاب الذوق بعد جناية الجاني وأنكر الجاني، فهناك طريقان للتوصّل إلى الواقع:

الأوّل: الرجوع إلى الخبراء عن طريق الوسائل الحديثة بشرط التعدّد والعدالة.

فعندئذٍ فلو صدّقت قول المجنيّ عليه فيؤخذ من الجاني ما هو

ص: 437


1- . مفتاح الكرامة: 354/21.
2- . جواهر الكلام: 311/43.
3- . الوسائل: 19، الباب 6 من ديات المنافع، الحديث 1.

المسألة 2. لو تحقّق النقصان يرجع إلى الحاكم ليحسم مادة النزاع بالتصالح أو بالحكم، والأحوط لهما التصالح. *

الواجب من الدية على المختار أو الحكومة على قول المصنّف، فإن كذّبت فتترك الدعوى.

الطريق الثاني: إذا لم يتمكّن من إعمال الوسائل الحديثة واختلف الجاني والمجنيّ عليه، فقد ذكر المصنّف هنا صورتين:

1. عدم أمارة توجب اللوث فالقول قول الجاني مع يمينه.

2. مع وجود اللوث فيستظهر بالأيمان.

لكن الصورة الأُولى غير مفروضة في المقام لاتّفاق الجاني والمجنيّ عليه على وقوع الجناية التي ربّما تؤثر على الذوق أيضاً، وتورث اللوث أي الظن بصدق قول المدّعي.

لو اختلف الجاني والمجنيّ عليه في مقدار النقص

كان الموضوع في المسألة السابقة أصل ذهاب الذوق وفي هذه المسألة أنّ الطرفين يتّفقان على النقصان، ولكن يختلفان في مقداره، قال المحقّق: ومع النقصان يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريباً.(1)

وقال العلّامة: فإن ادّعى نقصه قضي بالحكومة.(2)

ولا يخفى وجود الإجمال في عبارة المحقّق والعلّامة ومثلهما الماتن، والظاهر أنّ محلّ الكلام وجود الاتّفاق بين الطرفين على أصل النقصان،

ص: 438


1- . شرائع الإسلام: 4/274.
2- . قواعد الأحكام: 688/3.

المسألة 3. لو قطع لسانه فليس إلّاالدية للّسان، والذوق تبع، ولو جنى عليه جناية أُخرى ذهب بذوقه، ففي الذوق ما عرفت وفي الجناية ديتها، ولو لم يكن دية مقدّرة فالحكومة. *

غير أنّ المجنيّ عليه يحدّه بالنصف مثلاً والثاني بالربع، ففي هذه الصورة يكون المقام من مصاديق «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» فلو تمكّن من الإثبات فهو، وإلّا فبما أنّ المنكر لا يتمكّن من الحلف في المقام فيرجع اليمين إلى المدّعي، فلو حلف يؤخذ بما ادّعاه، نعم جعله السيد العاملي من مصاديق اللوث وقال: يحلف ثلاثة أيمان ويدفع إليه نصف الدية، وفيه تأمّل لما عرفت ما هو الميزان في تفسير كون المقام من مصاديق اللوث أو القاعدة في باب التضاد.(1)

ولعلّ وجه ترك المصنّف هذه الصورة لأجل ترجيحه الحكومة مطلقاً في مورد ذهاب الذوق ولم يلزم بالدية أساساً، ولذلك رجع في المقام إلى الحكومة والتصالح وذكر أنّ الأحوط التصالح.

لو قطع لسانه أو جنى عليه جناية ذهبت بذوقه

لو قطع لسانه فليس عليه إلّادية واحدة وهي دية اللسان، لأنّ المنافع تابعة له وقد مرّ الكلام فيه سابقاً، ويدلّ على التبعية بعض الروايات أيضاً حيث ورد أنّ في العينين الدية، مع أنّ في الجناية على العين ذهاب البصر أيضاً. نعم لو جنى عليه جناية أُخرى كشج الرأس فهناك ديتان، دية الذوق ودية الشجّة.

نعم لو لم يكن للجناية الأُخرى دية مقدّرة ففيه الحكومة.

ص: 439


1- . مفتاح الكرامة: 355/21.

المسألة 4. لوجنى على مغرس لحيته فلم يستطع المضغ فالحكومة، وقيل بالدية. *

المسألة 5. لو عاد الذوق تستعاد الدية، والأحوط التصالح. **

لو جنى على مغرس لحيته

لو جنى على مغرس لحيته فلم يستطع المضغ، فيحتمل فيه الدية، قال العلّامة: الرابع (من المنافع) المضغ، فإذا صَلب مغرس لحيته فعليه الدية على إشكال.(1)

وقال في «التحرير»: في المضغ الدية إذا صَلُب مغرس لحييه (لحيته).(2)

وجهه: أنّ المضغ منفعة واحدة فيدخل في عموم القاعدة إن تناوله. وقد مرّ الإشكال عن البعض في عموم القاعدة لكلّ منفعة، ولذلك قال على إشكال، ورجّح المصنّف الحكومة لعدم ورود نصّ فيه.

لو عاد الذوق هل تستعاد الدية؟

لو عاد الذوق تستعاد الدية، والأولى أن يقول: لو عاد الذوق قبل انقضاء المدّة التي تضرب لاحتمال العود، كما مرّ مراراً.

وجهه: أنّ العود دليل على عدم الموجب لزوال الذوق بالمرّة، لكن بما أنّ أصل الدية غير مسلّم عند المصنّف، قال: الأحوط التصالح.

ص: 440


1- . قواعد الأحكام: 689/4.
2- . تحرير الأحكام: 612/5.

السادس: قيل: لو أُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال ففيه الدية، وكذا لو تعذّر عليه الإحبال، وكذا لو تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع؛ وفي الجميع إشكال، والأقرب الحكومة، نعم لا يترك الاحتياط في انقطاع الجماع أي تكون الجناية سبباً لانقطاع أصل الجماع وعدم نشر الآلة. *

في دية ذهاب الجماع

في المسألة فروع:

1. لو أُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال.

2. تلك الصورة لكن تعذّر عليه الإحبال.

3. تلك الصورة لكن تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع.

4. تلك الصورة لكن انقطع الجماع وصارت سبباً لعدم نشر الآلة.

أقوال الأصحاب في المسألة
اشارة

قال المحقّق: لو أُصيب فتعذّر عليه الإنزال في حال الجماع كان فيه الدية.(1)

وقال العلّامة: الخامس: قوة الإمناء والإحبال، فيهما الدية فإذا أُصيب فتعذّر عليه الإنزال حالة الجماع وجب عليه الدية، إلى أن قال: ولو أبطل الالتذاذ بالجماع فالدية.(2)

وإليك دراسة الفروع:

ص: 441


1- . شرائع الإسلام: 274/4.
2- . قواعد الأحكام: 689/3.
الفرع الأوّل: لو أُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال

استدلّ على ثبوت الدية بوجوه ثلاثة:

1. القاعدة المعروفة التي قد مرّ الإشكال عن بعضهم في شمولها للمنافع باحتمال أنّها ناظرة إلى الأعضاء.

2. موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي الظهر إذا انكسر حتى لا ينزل صاحبه الماء، الدية كاملة».(1)

يلاحظ على هذا الاستدلال: بأنّ الدية على كسر الظهر، وعدم إنزال الماء حدٌّ لكسر الظهر الذي فيه الدية، ولا يكون دليلاً على وجوب الدية إذا جُرّد عن الكسر.

3. صحيحة إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه، وبصره، ولسانه، وعقله، وفرجه، وانقطع جماعه وهو حيٌّ، بستّ ديات».(2)

إنّما الكلام في دلالة الحديث، وقد تقدّم قبله قوله: «وفرجه» وظاهر الحديث تعدّدهما. ويمكن أن يقال: إنّ المراد من «ذهاب الفرج» أنّه لا يمسك بوله ولا غائطه، كما أنّ المراد من انقطاع الجماع عدم الإنزال، فيكون شاهداً للفرع.

ص: 442


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7. وفي السند: «زرعة» وهو واقفي كسماعة.
2- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1. وفي السند: «إبراهيم بن عمر» وثّقه النجاشي.

واحتمال أنّ المراد عدم انتشار العضو، بعيد إذ عندئذٍ يدخل الموضوع في الشلل، والدية فيه الثلثان، لا الدية الكاملة. ولعلّ من قال بالدية لأجل هذه الرواية.

الفرع الثاني: لو تعذّر عليه الإحبال وإن كان ينزل

وقد مرّ كلام العلّامة أنّ فيه الدية، والمراد من تعذّر الإحبال فقد ماء النطفة التي يتكوّن الجنين منها فيصير الرجل عقيماً.

واستدلّ عليه بوجهين:

1. الضابطة الكلية التي مرّ الكلام فيها مراراً، وفي شمولها للمقام أيضاً تأمّل.

2. رواية سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟ فقال: «الدية كاملة».(1)

وأورد عليه العلّامة في «الإرشاد» بأنّ فيه نظراً ظاهراً؛ لأنّ محلّ الشاهد في كلام السائل إنّما هو في الحبل لا الإحبال.

وذكر في «الجواهر» أنّ مورد الرواية غير المفروض، والظاهر أنّ نظره إلى كلام العلّامة في الإرشاد.(2)

أقول: ولعل نظر العلمين أنّ دور الرجل هو الإحبال، ودور المرأة هو الاحتبال، ومورد الرواية هو الثاني، لا الأوّل الذي هو محل البحث في المقام.

وما ذكرناه لا ينافي ما أثبته العلم أنّ الولد نتيجة لقاح الجزأين

ص: 443


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
2- . جواهر الكلام: 43/312.

من الرجل (الحيمن) ومن المرأة (البويضة) فلو أصاب المرأة الشابّة على نحو لا تلد فلا يصدق عليه تعذّر الإحبال، وإنّما يتعذر عليها الاحتبال.

نعم يمكن أن يقال إنّه إذا تمّ الكلام في المرأة يتمّ الكلام في الرجل أيضاً، لعدم القول بالفصل.

أضف إلى ذلك أنّه: لو قلنا بظهور الرواية في الحبل فيمكن ادّعاء الأولوية في مورد الإحبال، فإذا وجبت الدية في تعذر الحبل ففي تعذر الإحبال بطريق أولى.. بل يمكن أن يقال: إنّ مورد الرواية هو الإفضاء، والدية إنّما هي لأجله والإفضاء لا يلازم عدم الحبل. وأمّا قوله: «وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد» لأجل حرمة الجماع مع المفضاة، لا لأجل عدم إمكان حبلها، فالرواية أجنبية عن المقام.

نعم هناك حديث معارض وهو معتبر أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ماترى في رجل ضرب امرأة شابّة على بطنها فعقر رحمها فأفسد طمثها، وذكرت أنّه قد ارتفع طمثها عنها لذلك وقد كان طمثها مستقيماً، قال:

«ينتظر بها سنة فإن رجع طمثها إلى ما كان، وإلّا استحلفت وغرم ضاربها ثلث ديتها لفساد رحمها وانقطاع طمثها».(1)

ولا يخفى وجود الاضطراب في الحديث، فإنّ المتبادر من قوله: «كان طمثها مستقيماً»، هو اضطراب طمثها بالقلّة والكثرة دون انقطاعه، والمتبادر من ذيله هو الانقطاع. وهذا دليل على عدم نقل الحديث بصورة صحيحة، والأرجح هو العمل بالرواية الأُولى.

إلى هنا تبيّن وجه لزوم الدية في الفرعين.1.

ص: 444


1- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

إنّما الكلام في الفرع التالي.

الفرع الثالث: لو تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع

قال العلّامة: وفي إبطال الالتذاذ بالجماع أو الطعام إن أمكن، كمال الدية.(1)

وقد مرّ عليك كلامه في «القواعد».

ولكن المتّجه الحكومة، لأنّ الفرض إذهاب الالتذاذ خاصّة، ولا دليل على لزوم الدية.

الفرع الرابع: لو انقطع بالجناية أصل الجماع وانتشار الآلة

ففي المتن لا يترك الاحتياط، ولم يُعلم وجهه في خصوص هذا المورد مع أنّ الجميع من باب واحد وهو عدم ورود النصّ والتقدير، بل يمكن أن يقال: إنّ هذا النوع من قبيل طروء الشلل على العضو ففيه حسب القاعدة الثلثان لا الدية.

ص: 445


1- . تحرير الأحكام: 613/5.

السابع: في سلس البول الدية كاملة إن كان دائماً على الأقوى، والأحوط ذلك إن دام تمام اليوم، كما أنّ الأحوط فيما كان إلى نصف النهار ثلثا الدية وإلى ارتفاعه ثلثها، وفي سائر أجزاء الزمان الحكومة.

والمراد من الدوام أو تمام اليوم أو بعضه هو كونه كذلك في جميع الأيام، وإن صار كذلك في بعض الأيام وبرئ ففيه الحكومة. *

في دية سلس البول

في سلس البول قولان:

الأوّل: المشهور بين الأصحاب ثبوت الدية في سلس البول وهو نزوله ترشّحاً لضعف القوّة الماسكة.

قال الشيخ: وأمّا الإفضاء فينظر فإن كان البول مستمسكاً ففيه ثلث الدية، وإن كان مسترسلاً فعليه الدية ولا حكومة.(1)

وقال العلّامة في «التحرير»: في سلس البول الدية.(2)

وقال في «القواعد»: في سلس البول الدية.(3)

والمستند أمران:

1. رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام قضى في رجل ضرب حتى سلس بوله بالدية كاملة».(4)

ص: 446


1- . المبسوط: 150/7.
2- . تحرير الأحكام: 613/5.
3- . قواعد الأحكام: 689/3.
4- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.

2. رواية أبي البختري عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ رجلاً ضرب رجلاً على رأسه فسلس بوله فرفع إلى علي عليه السلام فقضى فيه بالدية، في ماله».(1)

وقال المحقّق: في رواية غياث بن إبراهيم ضعف(2)، بل في رواية أبي البختري أيضاً ضعف. وجه الضعف أنّ الأوّل زيدي بتري لكن النجاشي وثّقه وله 181 رواية عن أبي عبداللّه عليه السلام، وأمّا الثاني فهو وهب بن وهب وهو ضعيف وغير معتمد كما صرّح به النجاشي. وقال صاحب الجواهر: بأنّ الضعف منجبر بما تقدّم من النصوص المشتملة على الدية في كسر البعصوص فلا يملك إسته، وضرب العجان فلا يستمسك بوله ولا غائطه.(3)

الثاني: ما نسبه المحقّق إلى القيل، قال: قيل: إن دام إلى الليل ففيه الدية، وإن كان إلى الزوال فثلثا الدية، وإلى ارتفاع النهار، فثلث الدية.(4)

قال الشيخ في «النهاية»: وإن أصابه سلس البول ودام إلى الليل فمازاد عليه كان فيه الدية كاملة، وإن كان إلى الظهر [كان فيه] ثلثي الدية، وإن كان إلى ضحوة ثلث الدية، ثم على هذا الحساب.(5)

وقد حكي عن السرائر أنّه عمل بالرواية.(6) والمستند في ذلك ما رواه الكليني والشيخ والصدوق في «المقنع» عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل - و أنا عنده - عن رجل ضرب رجلاً فقطع بوله؟ فقال له:

«إن كان البول يمرّ إلى الليل فعليه الدية لأنّه قد منعه المعيشة، وإن كان إلى1.

ص: 447


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.
2- . شرائع الإسلام: 274/4.
3- . جواهر الكلام: 314/43. البُعصوص: عظم الورك فوق الفخذ، والعجان: الإست، أو الجلد الواقع بين المقعد والآلة.
4- . شرائع الإسلام: 274/4.
5- . النهاية: 769.
6- . مفتاح الكرامة: 362/21.

آخر النهار فعليه الدية، وإن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية، وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية».(1)

والسند لا غبار عليه إلّافي موردين:

1. صالح بن عقبة فإنّه متهم بأنّه غال كذّاب لا يلتفت إلى روايته.(2) نقلاً عن ابن الغضائري.

يلاحظ عليه: بأنّه لا عبرة بذم الغضائري وقدحه، قال النجاشي: له كتاب يرويه جماعة، وقال الطوسي: له كتاب. وأمّا وصفه بالغلو فإنّما هو للأخبار التي تدلّ على جلالة قدر الأئمة عليهم السلام، فإنّها في نظر الغضائري من الغلو، وعليه كان مشايخ القمّيين.

2. إسحاق بن عمّار، فإنّ الساباطي فطحي ثقة، لكن إسحاق بن عمّار بن حيّان شيخ من أصحابنا ثقة، فعلى القول بتعددهما وأنّ الراوي عن الصادق هو ابن حيّان، تكون الرواية صحيحة.

وعلى كلّ تقدير فالروايات متعارضة والذي تقتضيه أُصول المذهب المصير إلى القول الثاني في خصوص الشقّ الأوّل. وأمّا الشقّ الثاني والثالث فيعمل فيهما بالقول الثاني جمعاً بين النقلين، غير أنّ في النفس من العمل بالقول الثاني في الثلث والثلثين شيئاً، وهو ما أشار إليه العاملي حيث قال: إنّ الأحكام الشرعية لا تناط بما لا ينضبط،2.

ص: 448


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3. محمد بن إسماعيل في السند هو ابن بزيع ثقة ثقة عين. وصالح بن عقبة، ضعفه ابن الغضائري.
2- . مجمع الرجال للقهبائي: 36/2.

الثامن: في ذهاب الصوت كلّه الدية كاملة، وإذا ورد نقص على الصوت كمالو غَنّ أو بَحّ فالظاهر الحكومة، والمراد بذهاب الصوت أن لا يقدر صاحبه على الجهر، ولا ينافي قدرته على الإخفات. *

فالضحوة غير مضبوطة، وكذا الليل، مع الاختلاف فيه بالخبر،(1) فالمسألة مورد توقّف، والتصالح أولى.

في دية ذهاب الصوت

قال المحقّق: وفي الصوت، الدية كاملة.(2) وقال العلّامة في «القواعد»:

وفي الصوت الدية كاملة.(3)

ويدلّ عليه ما عرضه يونس على الرضا عليه السلام وممّا في كتاب ظريف: في ذهاب السمع كلّه ألف دينار، والصوت كلّه من الغنن والبحح ألف دينار.(4)

فقوله: من الغنن والبحح بيان لمصداق آخر لذهاب الصوت. فتكون النتيجة أنّ في كلّ من الثلاثة ألف دينار.

ويدلّ على ما ذكرنا من أنّ في كلّ، ألف دينار، ما رواه الصدوق عن كتاب ظريف: والبحح ألف دينار.(5)

والغنن لغة هو خروج الصوت من الخيشوم، والبحح هو الخشونة والغلظة في الصوت.

ص: 449


1- . مفتاح الكرامة: 363/21-364.
2- . شرائع الإسلام: 274/4.
3- . قواعد الأحكام: 689/3؛ ولاحظ: تحرير الأحكام: 612/5.
4- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
5- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

المسألة 1. لو جنى عليه فذهب صوته كلّه ونطقه كلّه فعليه الديتان. *

وموضوع الحكم هو ذهاب الصوت كلّه، فلو خفض الصوت ففيه الحكومة، نعم لو استطاع الإخفات فهو أيضاً موضوع للحكم.

وأمّا قوله: ولا ينافي قدرته على الإخفات فلأنّه أيضاً من مصاديق ذهاب الصوت.

لو جنى عليه فذهب صوته ونطقه

لو أدّت الجناية إلى ذهاب الصوت والنطق فهل هناك ديتان أو دية واحدة؟ فيه إشكال ينشأ من أنّهما منفعتان، ومن أنّ منفعة الصوت النطق.(1)

وفي «الجواهر»: أنّهما منفعتان متباينتان ذاتاً ومحلاً، فإنّ الصوت ينشأ من الهواء الخارج من الجوف ولا مدخل فيه للّسان، ولكلّ منهما نصٌ على حكمه.(2)

ويحتمل اندراج المورد في الشلل حيث إنّ في الصوت الدية وفي إبطال حركة اللسان ثلثا ديته، وعليه العلّامة في «التحرير».(3)

ولكن الظاهر عدم اندراجه في الشلل وإن كان من مصاديقه، بل هو مندرج في ذهاب النطق.

ص: 450


1- . قواعد الأحكام: 689/3.
2- . جواهر الكلام: 316/43.
3- . تحرير الأحكام: 612/5، المسألة 7263.

المسألة 2. لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف وبقي بالنسبة إلى بعض، يحتمل فيه الحكومة، ويحتمل التوزيع كما مرّ في أصل التكلّم، والأحوط التصالح. *

المسألة 3. في ذهاب المنافع - التي لم يقدّر لها دية - الحكومة، كالنوم واللمس وحصول الخوف والرعشة والعطش والجوع والغشوة وحصول الأمراض على أصنافها. **

لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف

قد مضى في ديات الأعضاء في المورد السادس - أعني: اللّسان - أنّ الاعتبار في صحيح اللّسان بما يذهب الحروف لا بمساحة اللّسان، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية، ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف فنصف الدية، وعليه فحكم المنافع هو حكم الأعضاء فيكون الاحتمال الثاني في كلام المصنّف هو المتعيّن، وأمّا الحكومة التي هي الاحتمال الأوّل فبعيد، نعم التصالح أفضل.

** لا يخفى أنّ المجنيّ عليه تارة يتضرّر بذهاب المنافع كالنوم واللمس، وأُخرى بعروض الأمراض كالخوف والرعشة والعطش والجوع والغشوة، فجعل الجميع من أقسام ذهاب المنافع كما في المتن ليس بتامّ، وبالجملة فكلّ ما يضر بالسلامة العامة للإنسان، يجب فيه الحكومة لعدم وجود المقدّر.

ص: 451

المسألة 4. الأرش والحكومة التي بمعناه إنّما يكون في موارد لو قيس المعيب بالصحيح يكون نقص في القيمة، فمقدار التفاوت هو الأرش والحكومة التي بمعناه، وأمّا لو فرض في مورد لا توجب الجناية نقصاً بهذا المعنى ولا تقدير له في الشرع كما لو قطع إصبعه الزائدة، أو جنى عليه ونقص شمّه، ولم يكن في التقويم بين مورد الجناية وغيره فرق، فلابدّ من الحكومة بمعنى آخر، وهي حكومة القاضي بما يحسم مادّة النزاع إمّا بالأمر بالتصالح، أو تقديره على حسب المصالح، أو تعزيره. *

في الأرش والحكومة

الأرش والحكومة يستخدمان في موارد لو قيس المعيب بالصحيح يتبيّن نقص القيمة في الأوّل، فهذا هو المراد من الأرش أو الحكومة في مصطلح الفقهاء، ولكن ربّما لا توجب الجناية نقص القيمة كما في الموردين التاليين:

1. إذا قطع إصبعه الزائدة فزاد جمالاً وكمالاً.

2. إذا جنى عليه ونقص شمّه ولكن كان النقص يسيراً لا يعادل بشيء من القيمة. فللحكومة هنا معنى آخر، غير تعيين النقص وهو بمعنى حذف مادة النزاع بين الطرفين على نحو يراه الحاكم صلحاً، إمّا يأمر بالتصالح بشيء معيّن، أو يكتفي بتعزير الجاني أو غير ذلك ممّا يناسب بيئة القاضي ومنزلة الطرفين.

ص: 452

المقصد الثالث: في الشجاج والجراح

اشارة

الشجاج - بكسر الشين - جمع الشجّة بفتحها، وهي الجراح المختصّة بالرأس، وقيل: تطلق على جراح الوجه أيضاً، ولا ثمرة بعد وحدة حكم الرأس والوجه، وللشجاج أقسام. *

* قد مرّ أنّ الكلام في الجناية على الأطراف يشتمل على مقاصد:

المقصد الأوّل: في ديات الأعضاء.

المقصد الثاني: في ديات المنافع.

المقصد الثالث: في الشجاج والجراح.

قد تقدّم الكلام في المقصدين الأوّلين وحان وقت الكلام في الثالث.

تعريف الشجّة
اشارة

هي الجرح المختصّ بالرأس، أو أعم منه والوجه، ولا ثمرة في تحديد معناها، بعد وحدة حكم الرأس والوجه.

نعم يسمّى في غير الوجه والرأس، جرحاً في قول مطلق. وللشجاج أقسام ثمانية، كما عليه المصنّف، تبعاً للمحقّق في «الشرائع»(1) وقد جعلها بالترتيب التالي: (الحارصة، ثم الدامية، ثم المتلاحمة، ثم السمحاق، ثم الموضحة، ثم الهاشمة، ثم المنقلة، ثم المأمومة).

وقد عدّها في «الكافي» بالنحو التالي: (الحارصة، ثم الدامية، ثم

ص: 453


1- . شرائع الإسلام: 274/4.

الأوّل: الحارصة - بالمهملات - المعبّر عنها في النصّ بالحرصة، وهي التي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء، وفيها بعير، والأقوى أنّها غير الدامية موضوعاً وحكماً، والرجل والمرأة سواء فيها وفي أخواتها، وكذا الصغير والكبير. *

الباضعة، ثم المتلاحمة، ثم السمحاق، ثم الموضحة، ثم الهاشمة، ثم المنقلة، ثم الآمّة والمأمومة، ثم الجائفة).(1)

وحكي عن بعض أهل اللغة أقوال أُخرى.(2) وربّما تصل إلى ثلاث عشر قولاً.

ثمّ إنّ المحكيّ عن المقنعة والناصريات والمراسم: إبدال المتلاحمة بالباضعة.

والظاهر - كما في «الجواهر» - أنّه لا طائل في الاختلاف، ضرورة أنّ المعتبر الدليل على اختلاف أحكامها.(3)

واللازم دراسة كلّ عنوان حسب ما ورد فيه الدليل.

الأوّل: الحارصة

الحارصة - بالمهملات - المعبّر عنها في النصّ بالحرصة،(4) يقول السيد العاملي: قد رواها جماعة في كتب الاستدلال بلفظ «الخارصة» والموجود

ص: 454


1- . الكافي: 329/7.
2- . مفتاح الكرامة: 366/21.
3- . جواهر الكلام: 319/43.
4- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 14. وفيه: «الخرصة» بدل «الحرصة».

في كتب الحديث المصحّحة الخرصة، ورواها المقدّس الأردبيلي الجرحة(1).

أقول: الصحيح الحارصة أو الحرصة بالحاء المهملة لا المعجمة؛ لأنّها في اللغة بمعنى الشق، وأمّا المعجمة بكلتا الصورتين فهي بمعنى الظن والتخمين كما قال سبحانه: «قُتِلَ الْخَرّاصُونَ» (2). وعلى كلّ تقدير فالمراد منها هي التي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء. يقال: حَرَص الجلد: قَشَرَه، والحارصة: هي الشجّة التي تشق الجلد قليلاً.

ودية الحارصة بعير؛ ويدلّ عليه خبر منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الحرصة شبه الخدش بعير.(3)

وقد عبّر عنه صاحب الجواهر بالخبر، لكن الحديث صحيح حيث إنّ الشيخ رواه بسنده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن ظريف عن منصور بن حازم، وطريقه إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح. والمقصود ب: أحمد بن محمد هو ابن عيسى، كما أنّ المراد من الحسن بن علي هو الوشّاء، والمراد من ظريف هو ابن ناصح، نعم لو احتمل أنّ المراد من الحسن بن علي هو الحسن بن علي بن فضّال، يصير الخبر موثّقاً لكونه فطحياً.

وفسّرها (الحارصة) الشيخ بالدامية.(4)7.

ص: 455


1- . مفتاح الكرامة: 367/21.
2- . الذاريات: 10.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 14.
4- . المبسوط: 122/7؛ النهاية: 775؛ الخلاف: 191/5، المسألة 57.

ويدلّ عليه:

1. ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم في المأمومة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي الموضحة خمساً من الإبل، وفي الدامية بعيراًإلخ».(1) وفي السند: عبداللّه بن عبدالرحمن الأصم المسمعي، قال النجاشي: بصري ضعيف.

2. ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قضى في الدامية بعيراً».(2)

والظاهر أنّ الدامية غير الحارصة، وقد عرفت أنّ الحرص هو تقشير الجلد، والدامية مشتقة من الدم أي ما يدمي، وقد مرّ في صحيحة منصور بن حازم أنّ في الحارصة بعيراً، وهي أصحّ سنداً من هذين الخبرين، ويشهد على ذلك - أنّ الدامية غير الحارصة - الترتيب الوارد في «الكافي» حيث قال: أوّلها تُسمّى الحارصة وهي التي تخدش ولا تجري الدم، ثمّ الدامية وهي التي يسيل منها الدم(3). ولذلك نرى أنّ المحقّق يقول: وهل هي (الحارصة) الدامية؟ قال الشيخ:

نعم، والرواية ضعيفة، والأكثرون على أنّ الدامية غيرها.(4)

وأراد من الرواية الضعيفة ما أشرنا إليه من الخبرين. ولكن عدم4.

ص: 456


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 6.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 8.
3- . الكافي: 329/7.
4- . شرائع الإسلام: 275/4.

الثاني: الدامية، وهي التي تدخل في اللحم يسيراً ويخرج معه الدم، قليلاً كان أم كثيراً بعد كون الدخول في اللحم يسيراً، وفيها بعيران. *

العمل بهما في ذاك المورد لا ينافي الأخذ بهما في مورد آخر - أعني:

المتلاحمة - إذ فيها ثلاثة أبعرة، ولا دليل سواهما كما سيوافيك.

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق في ذلك بين الذكر والأُنثى.

ولو سلّم مفارقة الأُنثى للذكر في الجراح فهي فيما لو لم تبلغ الثلث والبعير الواحد هو واحد بالمائة من الدية، لا ثلثها.

الثاني: الدامية

وهي التي يخرج معها الدم وتنفذ في اللحم شيئاً يسيراً، وفي «القواعد»:

تسمّى الدامعة، أيضاً، لأنّه يخرج معها نقطة من الدم كما يخرج الدمع.(1)

الظاهر أنّ الدامعة أضعف مرتبة من الدامية، فالدامعة عبارة عمّا يخرج منها ماء أحمر رقيق يشبه الدمع، والدامية ما يسيل الدم (منها) كما عبّر به الكليني، وعلى كلّ تقدير، فبعد الحارصة، قبل أن تصل إلى المتلاحمة دامية، سواء خرج الدم كالدمع أو سال، ففي الجميع بعيران حتى تصل الشجّة إلى الدرجة الثالثة.

ثمّ إنّ الدليل على أنّ في الدامية بعيرين صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي الدامية بعيران».(2)

وقد عمل به الأصحاب كما عرفت عن المحقّق في «الشرائع».

ص: 457


1- . قواعد الأحكام: 690/3.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 14.

الثالث: المتلاحمة، وهي التي تدخل في اللحم كثيراً لكن لم تبلغ المرتبة المتأخّرة، وهي السمحاق، وفيها ثلاثة أبعرة، والباضعة هي المتلاحمة. *

الثالث: المتلاحمة

وهي التي تأخذ في اللحم وتنفذ كثيراً إلّاأنّها تقصر عن السمحاق، وعن الأزهري: أنّ الوجه أن يقال اللاحمة أي القاطعة للحم لا المتلاحمة، وإنّما سمّيت بذلك على ما تؤول إليه أو على التفاؤل لأنّها تتلاحم أي تلتئم سريعاً.(1)

قال الشيخ في «المبسوط»: وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة.(2)

ويدلّ عليه:

1. خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «وقضى (رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم) في المتلاحمة ثلاثة أبعرة».(3)

2. ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قضى في الدامية بعيراً، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة».(4)

فإن قلت: يظهر من بعض الأخبار أنّ الباضعة هي المتلاحمة، ومن بعض آخر أنّها هي الدامية، والباضعة مشتق من بضع وهو الشقّ بالمبضع.

ص: 458


1- . مفتاح الكرامة: 370/21.
2- . المبسوط: 122/7.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 6.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 8.

أمّا ما يدلّ على الأوّل فهو روايات أربع:

1. صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «في الباضعة ثلاث من الإبل».(1)

2. صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «والباضعة ثلاث من الإبل».(2)

3. خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في والباضعة ثلاث من الإبل».(3)

4. صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وفي الباضعة وهي مادون السمحاق ثلاث من الإبل».(4)

كلّ ذلك يدلّ على أنّ الباضعة نفس المتلاحمة موضوعاً وحكماً.

وأمّا ما يدلّ على الثاني أي أنّ الباضعة هي الدامية فأمران:

1. خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «[قضى] رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم وفي الباضعة بعيرين، وقضى في المتلاحمة ثلاث أبعرة».(5)

2. خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قضى 6.

ص: 459


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 11.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 14.
5- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 6.

في الدامية بعيراً، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة».(1)

كلّ ذلك يدلّ على أنّ الباضعة تقابل المتلاحمة.

قلت: ويمكن الجمع بأن يقال بأنّ الباضعة لها مرتبتان:

الأُولى: ضعيفة وهي التي تدخل في اللحم قليلاً.

الثانية: الشديدة التي تدخل في اللحم كثيراً.

فشق اللحم أي الباضعة تارة يحكم بحكم الدامية إذا كان ضعيفاً، وأُخرى بحكم المتلاحمة إذا كان قويّاً.

ولذا يحكم عليها بالبعيرين وأُخرى بثلاثة أبعرة.

وفي «الجواهر»: الظاهر اتحاد حكم الباضعة مع الدامية في البعيرين إذا كان الدخول في اللحم قليلاً جدّاً، وفوق ذلك إلى أن تكون دون السمحاق تتّحد مع المتلاحمة في الثلاثة، وبذلك تجمع النصوص.(2)

وبذلك يُعلم ما في كلام المصنّف حيث قال: «الباضعة هي المتلاحمة»، فإنّ قسماً منها هي المتلاحمة، وقسماً منها هي الدامية.3.

ص: 460


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 8.
2- . جواهر الكلام: 335/43.

الرابع: السمحاق، وهي التي تقطع اللحم وتبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم، وفيها أربعة أبعرة. *

الرابع: السمحاق

السمحاقة: جلدة مغشية للعظم. وما في «الكافي» من أنّها التي تبلغ العظم(1) لا يخلو عن مسامحة والتعبير الصحيح ما ذكر بعده، وقال: السمحاقة جلدة رقيقة على العظم، والمراد أنّ الجرح يشق اللحم ولكن لا يبلغ الجلدة المغشية للعظم فيسمّى بالموضحة كما سيأتي.

وفيها أربعة أبعر، قال الشيخ في «المبسوط»: وفي السمحاق أربعة أبعر.(2)

ويدلّ عليه لفيف من الروايات، أفضلها صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «وفي السمحاق وهي دون الموضحة أربع من الإبل».(3)

وبذلك لا يعتدّ بالمرسل عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «في السمحاق وهي التي دون الموضحة خمسمائة درهم».(4)

وقد أفتى به الصدوق في «المقنع».(5)

ولعلّ ذلك كان قيمة أربعة أبعر.

ص: 461


1- . الكافي: 329/7.
2- . المبسوط: 122/7.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 14؛ ولاحظ الأحاديث 4، 6، 8، 10، 11، 16، 18.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 9.
5- . لاحظ: المقنع: 181.

الخامس: الموضحة، وهي التي تكشف عن وضح العظم: أي بياضه، وفيها خمسة أبعرة. *

الخامس: الموضحة

هي التي تكشف عن وضح العظم وتقشر الجلدة، والمراد بوضح العظم بياضه وضوؤه، وبالجلد هي السمحاقة التي عليه.

وفيها خمسة أبعرة، وإليها يرجع ما في الغنية والإصباح والكافي والجامع وأنّ فيها نصف عشر الدية، فإنّ الدية مائة بعير، وعشرها عشرة أبعرة، ونصفها يكون خمسة أبعرة.

قال الشيخ في «الخلاف»: وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة أبعرة، وفي الموضحة خمسة أبعرة وفي جميعها يثبت القصاص، وقال جميع الفقهاء: ليس فيها شيء مقدّر، بل فيها الحكومة ولا قصاص في شيء منها إلّاالموضحة.(1)

ويدلّ على ما ذكر روايات كثيرة أفضلها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وفي الموضحة خمس من الإبل».(2)

ص: 462


1- . الخلاف: 191/5، المسألة 57.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 14؛ ولاحظ الأحاديث 5، 6، 10، 11، 12، 13، 16، 18.

السادس: الهاشمة، وهي التي تهشم العظم وتكسره، والحكم مخصوص بالكسر وإن لم يكن جرح، وفيها عشرة أبعرة، والأحوط في اعتبار الأسنان هاهنا أرباعاً في الخطأ وأثلاثاً في شبيه العمد؛ وقد مرّ اختلاف الروايات في دية الخطأ وشبيه العمد، واحتملنا التخيير، وقلنا بالاحتياط، فلو قلنا في دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقّة، فالأحوط هاهنا بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حقق، ولابدّ من الأخذ بهذا الفرض دون الفروض الأُخر، والأحوط في شبيه العمد أربع خلفة ثنية وثلاث حقق وثلاث بنات لبون. *

السادس: الهاشمة

وهي التي تهشم العظم وتكسره، ومنه قيل للنبات المنهشم: كسير، وفيها عشرة أبعرة.

قال في «الخلاف»: الموضحة فيها نصف العشر خمس من الإبل بلا خلاف وفيها القصاص بلا خلاف، ومابعدها من الهاشمة فيها عشرة.(1)

وفي «المبسوط»: الهاشمة هي التي تزيد على الإيضاح حتى تهشم العظم، وفيها عشر من الإبل عندنا وعند جماعة.(2)

وبما أنّها تتعيّن فيها الدية ولا قصاص فيها بخلاف الأقسام

ص: 463


1- . الخلاف: 192/5، المسألة 58.
2- . المبسوط: 121/7.

الخمسة، فإنّها تخضع للقصاص والدية، يقع هنا كلام في كيفية توزيع عشرة أبعرة في الخطأ وشبه العمد، فقالوا: توزّع الإبل العشرة أرباعاً إن كان خطأً، وأثلاثاً إن كان شبيه العمد.

وما ذكرناه مطابق للنص(1) فيكفي عشر أبعرة من أي صنف لكنّ المحقّق في «الشرائع» والعلّامة في «القواعد» ذكرا بأن توزيع العشرة على حسب ما توزّع عليه الدية الكاملة.

قال المحقّق: وديتها عشر من الإبل أرباعاً إن كان خطأ، وأثلاثاً إن كان شبيه العمد.(2)

وقال العلّامة في «القواعد»: وفي الهاشمة عشر أبعرة أرباعاً إن كان خطأ، وأثلاثاً إن كان شبيه الخطأ، ويتعلّق الحكم بالكسر وإن لم يكن جرحاً.(3)

ولا يخفى أنّ العبارة مجملة جدّاً، توضيحها: أنّه قد مرّ أنّ في دية الخطأ ثلاثين حقّة وثلاثين بنت لبون وعشرين بنت مخاض وعشرين ابن لبون.

فعلى هذا فيجب توزيع عشرة أبعرة على هذه الأنواع الأربعة، أي يؤخذ من كلّ عشرة واحد، فعلى هذا فيؤخذ من ثلاثين حقة: ثلاث حقق، ومن ثلاثين بنت لبون: ثلاث بنات لبون، ومن عشرين بنت مخاض: اثنان، ومن عشرين ابن لبون: اثنان، فيكون الجميع عشرة.

وهذا معنى قولهم: أرباعاً إن كان خطأ.3.

ص: 464


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 15.
2- . شرائع الإسلام: 276/4.
3- . قواعد الأحكام: 690/3.

وأمّا توضيح قوله: أثلاثاً إن كان شبيه العمد، فبما أنّ الواجب في العمد وشبهه مائة من الإبل منها أربعون خلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها، وثلاثون حقّة، وثلاثون بنت لبون، فيقسم ثلاثاً، من كلّ أربعين خلفة أربعة ومن ثلاثين حقّة ثلاثة، ومن ثلاثين بنت لبون ثلاثة، فيكون الجميع عشرة أبعرة.

وصورة المسألتين كما يلي:

الأرباع

دية الخطأ // دية الهاشمة

30 حقة... 3 حقات

30 بنت لبون... 3 بنات لبون

20 بنت مخاض... 2 بنت مخاض

20 ابن لبون... 2 ابن لبون

10................100

الأثلاث

دية العمد // دية الهاشمة

40 خلفة... 4 خلفات

30 بنت لبون... 3 بنات لبون

30 حقة... 3 حقق

10............100

ص: 465

السابع: المنقّلة، وهي - على تفسير جماعة - التي تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره، وفيها خمسة عشر بعيراً. *

السابع: المنقّلة

المنقِّلة - بكسر القاف المشدّدة - ويقال لها المنقولة، وفسّره في «الكافي» بقوله: وهي التي تنقل العظام من الموضع الذي خلقه اللّه.(1)

وفسّره في «الشرائع» بقوله: هي التي تحوج إلى نقل العظم.(2)

وتبعه العلّامة في «القواعد» فقال: وهي التي تحوج إلى نقل العظم.(3)

وفي «المقنعة»: الناقلة: وهي التي تكسر العظم كسراً يفسده فيحتاج معه الإنسان إلى نقله من مكانه.(4) وفسّره في «المسالك» بقوله: ويقال: وهي التي تكسر العظام حتى يخرج منها فراش العظام، والفراشة كلّ عظم رقيق، وفراش الرأس عظام رقاق تلي القِحف(5)، والقِحف: العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة.

وعلى هذا فالعظام الرقاق تحت القِحف، تنتقل من مكان إلى مكان آخر.

وعلى كلّ تقدير ففيها خمسة عشر بعيراً، قال الشيخ في «الخلاف»:

والمنقِّلة فيها خمسة عشر بعيراً.(6)

ونظيره في «المبسوط»، قال: ففيها خمسة عشر من الإبل بلا خلاف، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «وفي المنقّلة خمس عشرة»، ولا قصاص فيها بلا

ص: 466


1- . الكافي: 329/7.
2- . شرائع الإسلام: 276/4.
3- . قواعد الأحكام: 690/3.
4- . المقنعة: 766.
5- . مسالك الأفهام: 459/15.
6- . الخلاف: 192/5، المسألة 58.

خلاف.(1)

ويدلّ عليه:

1. ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «والمنقِّلة خمس عشرة من الإبل».(2)

2. ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وفي المنقِّلة خمس عشرة من الإبل».(3)

3. ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «والمنقِّلة خمس عشرة من الإبل».(4)

4. ما رواه أبو مريم عن أبي عبد اللّه عليه السلام عمّا كتبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم لابن حزم وفيه: «وفي المنقِّلة خمس عشرة».(5)

5. ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

«والمنقِّلة خمسة عشر».(6)

6. ما رواه ظريف عن أبي حمزة: «وفي المنقِّلة خمس عشرة من الإبل، عشرٌ ونصف عشر».(7)8.

ص: 467


1- . المبسوط: 122/7.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 10.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 11.
5- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 13.
6- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 16.
7- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 18.

الثامن: المأمومة، وهي التي تبلغ أُمّ الرأس أي الخريطة التي تجمع الدماغ، وفيها ثلث الدية حتى في الإبل على الأحوط، وإن كان الأقوى الاكتفاء في الإبل بثلاثة وثلاثين بعيراً. *

الثامن: المأمومة

الآمّة والمأمومة بمعنى واحد، وهي التي لا يبقى بينها وبين الدماغ إلّا جلدة رقيقة.(1)

وربّما يعبر عن الجلدة بالخريطة الجامعة للدماغ، وعلى هذا فمن ضرب حتى وصلت الشجّة إلى الجلدة والخريطة ولم تشقها يقال له: الأميم والمأموم، والآمّة والمأمومة، والتذكير والتأنيث باعتبار الموصوف.

وعلى كلّ تقدير فديتها ثلث الدية، قال الشيخ: والمأمومة ثلث دية النفس بلا خلاف أيضاً.(2)

وقال في «المبسوط»: والواجب فيهما (يعني الدامغة والمأمومة) سواء ثلث الدية بلا خلاف، لقوله عليه السلام: «في المأمومة ثلث الدية».(3)

أقول: إنّ الروايات الواردة هنا على قسمين:

الأوّل: ما يدلّ على أنّ الواجب ثلث الدية، نظير:

1. ما رواه زيد الشحّام، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشجّة

ص: 468


1- . لسان العرب: 12/33.
2- . الخلاف: 192/5، المسألة 58.
3- . المبسوط: 122/7.

المأمومة، فقال: «فيها ثلث الدية».(1)

2. ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم في المأمومة ثلث الدية».(2)

3. ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «وفي المأمومة ثلث الدية».(3)

4. ما رواه أبو بصير أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وفي المأمومة ثلث الدية».(4)

5. ما رواه معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشجّة المأمومة؟ فقال: «ثلث الدية».(5)

6. ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «والمأمومة ثلث الدية».(6)

فعلى هذا فيجب عليه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، فلو كانت الدية من الإبل يجب عليه ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير كما في الفقيه.(7)4.

ص: 469


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 5.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 6.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 9.
4- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 10.
5- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 12.
6- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 16.
7- . الفقيه: 124/4.

ويؤيد ذلك ما في «المبسوط» من أنّ الواجب ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير.(1)

القسم الثاني: ما يدلّ على أنّ الواجب ثلاث وثلاثون بعيراً، نظير:

1. صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «والمأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل».(2)

2. ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وفي المأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل».(3)

وقد أفتى بهذا المضمون المفيد في «المقنعة»، فقال: وفي المأمومة ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيراً، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء، لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث، ولا يتحدّد في الإبل والبقر والغنم على السلامة في العدد.(4) وتبعه ابن إدريس في «السرائر»، وقال: ولم يلزم أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمّل به ثلث المائة بعير، التي هي دية النفس، لأنّ رواياتهم هكذا مطلقة، وكذلك مصنّفاتهم وقول مشايخهم وفتاواهم وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق.(5) ولأجل الجمع بين الروايات، فالأمر دائر بين أحد الوجهين:

إمّا الأخذ بالعدد أي الطائفة الثانية أي (33) ويحمل الثلث على3.

ص: 470


1- . المبسوط: 122/7، ذكره ضمن مسألة أُخرى.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 4.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 11.
4- . المقنعة: 766.
5- . السرائر: 407/3.

هنا مسائل:

المسألة 1. الدامغة: وهي التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ وتصل إلى الدماغ، فالسلامة معها بعيدة، وعلى تقديرها تزيد على المأمومة بالحكومة. *

الثلث التقريبي الذي هو يجتمع مع العدد المذكور، أو نأخذ بظهور الثلث الحقيقي ويحمل العدد على المجاز، بمعنى أنّه أطلق (33) وأُريد به (33 وثلث) مجازاً.

ولعلّ الأوّل أفضل، كما عليه المصنّف، ولكن الاحتياط لا يترك.

ومع ذلك قال المحقّق: ونحن نقتصر على ثلاث وثلاثين تبعاً للنقل.(1)

في الدامغة

الدامغة هي الشجّة التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ وتصل إليه.

وبما أنّ السلامة معها بعيدة لم يذكرها المصنّف في عِداد الجنايات التي ليس فيها القصاص، بل فيها القصاص.

وعلى كلّ تقدير فلو فرضت السلامة فديتها تزيد على المأمومة بالحكومة، إذ لم يرد فيها تقدير، فيجب عندئذٍ ثلث الدية بالمعنى المذكور في المأمومة، مع الزيادة لخرق الخريطة بالحكومة.

ص: 471


1- . شرائع الإسلام: 277/4.

المسألة 2. الجائفة، وهي التي تصل إلى الجوف من أي جهة؛ سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً، فيها الثلث على الأحوط، وقيل:

تختصّ الجائفة بالرأس، فهي من الشجاج، والأظهر خلافه؛ ولو أجافه واحد وأدخل آخر سكّينه مثلاً في الجرح ولم يزد شيئاً، فعلى الثاني التعزير حسب، وإن وسّعها باطناً أو ظاهراً ففيه الحكومة، وإن وسّعها فيهما بحيث يحدث جائفة فعليه الثلث: دية الجائفة؛ ولو طعنه من جانب وأخرج من جانب آخر كما طعن في صدره فخرج من ظهره فالأحوط التعدّد. ولا فرق في الجائفة بين الآلات حتى نحو الإبرة الطويلة فضلاً عن البندقة. *

في الجائفة وأحكامها
اشارة

في المسألة فروع ستة:

الفرع الأوّل: تعريف الجائفة

الجائفة هي التي تصل إلى الجوف.(1) والأولى أن يقول: هي التي تخرق الجوف والظاهر أنّها ترجع إلى غير الرأس، ولو فرضت فيه تكون دامغة خلافاً للكليني حيث قال: ثم الجائفة وهي التي تصير في جوف الدماغ.(2)

ويؤيده بعض الروايات: نحو ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «وفي الجائفة ثلث الدية، وهي التي قد بلغت جوف

ص: 472


1- . تحرير الأحكام: 615/5.
2- . الكافي: 329/7.

الدماغ».(1) وحمله صاحب الجواهر على إرادة ما لو كانت في الرأس.(2)

ويشهد على هذا الحمل قولُ الصدوق: وهي التي تبلغ في الجسد الجوف، وفي الرأس الدماغ.(3)

والجميع موضع تأمل ولذلك خصّها العلّامة بغير الرأس وقال في «القواعد»: وأمّا الجائفة فهي التي تصل إلى الجوف من أيّ الجهات كان، سواء كان من بطنه أو صدره أو ظهره أو جنبه، ولو من ثغرة النحر.(4)

وعلى كلّ تقدير فقد اتّفقوا على أنّ الجائفة فيها ثلث الدية.

قال الشيخ في «المبسوط»: وأمّا الجائفة ففيها ثلث الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام: «في الجائفة ثلث الدية».(5)

وقال المحقّق: ففيها ثلث الدية، وذيّله صاحب الجواهر، بقوله: بلا خلاف.(6)

وهل المراد بالثلث هو الثلث الحقيقي ففي الإبل يكون ثلاث وثلاثون بعيراً وثلث بعير، أو المراد ثلاث وثلاثون من دون إضافة ثلث بعير.

أقول: الروايات هنا على صنفين:

الصنف الأوّل: ما يدلّ على أنّ الواجب هو ثلاث وثلاثون.(7)1.

ص: 473


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 9.
2- . جواهر الكلام: 43/339.
3- . الفقيه: 123/4.
4- . قواعد الأحكام: 690/3.
5- . المبسوط: 124/7.
6- . شرائع الإسلام: 4/278؛ جواهر الكلام: 339/43.
7- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الأحاديث 4، 10، 11.

الصنف الثاني: ما يدلّ على أنّ الواجب هو ثلث الدية.(1)

ويأتي في المقام الاحتمالان الماضيان في المأمومة، ولكن الظاهر من الفقهاء أنّهم أطلقوا الحكم بالثلث الذي مقتضاه زيادة ثلث بعير على العدد من غير خلاف ظاهر.(2)

وفي «الجواهر»: وأمّا احتمال التقريب في الثلث نحو ما سمعته في المأمومة، فكلام الأصحاب يأباه، بل لم أجد من احتمله هنا، بل صرّح بعدمه بعضهم.(3)

ولكن التفريق بين البابين غير واضح.

ويظهر من الأردبيلي التفريق بين الرأس ففيه الثلث وغيره ففيه العدد (ثلاث وثلاثون) ودليله غير واضح.

الفرع الثاني: لو أجافه واحد، وأدخل آخر سكّينه في الجرح، ولم يزد شيئاً، فعلى الأوّل الدية، وعلى الثاني التعزير لأنّه لم يزد شيئاً في الجناية، وإنّما ارتكب أمراً حراماً، يُعزّر عليه.

الفرع الثالث: تلك الصورة ولكن الآخر وسّعها باطناً أو ظاهراً، ومع ذلك لم يحدث جائفة ثانية، فبما أنّه لم يرد فيه التقدير، ففيه الحكومة.

الفرع الرابع: تلك الصورة ولكن الآخر وسّعها باطناً وظاهراً بحيث أحدث جائفة أُخرى، فعليه الثلث، أخذاً بتعدّد المسبّب بتعدّد السبب.3.

ص: 474


1- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الأحاديث 5، 9، 12، 13، 16.
2- . مفتاح الكرامة: 382/21.
3- . جواهر الكلام: 339/43.

الفرع الخامس: لو طعنه من جانب فخرج من جانب آخر كما لو طعنه في صدره فخرج من ظهره.

قال الشيخ في «المبسوط»: فأمّا إن جرحه فأجافه وأطلعها من ظهره، قال قوم: هما جائفتان، ومنهم من قال: جائفة واحدة، وهو الأقوى، لأنّ الجائفة، ما نفذت إلى الجوف من ظاهر.(1)

ولكنّه عكس في «الخلاف» فقال: في الجائفة ثلث الدية بلا خلاف، فإن جرحه فأجافه وخرج من ظهره فهما جائفتان ثم قال: دليلنا: أنّه إذا ظهر من ظهره يسمّى كلّ واحدة منهما بأنّها جائفة ما في بطنه، وما في ظهره، فيجب أن تكونا جائفتين.(2)

وقال المحقّق بعد نقل القولين عن المبسوط والخلاف: أنّ التعدد أشبه.(3) وجعله المصنّف هو الأحوط، ولكن الظاهر قوّة ما في «المبسوط» لأنّ العرف يعدّه جناية واحدة. ومع ذلك لو تعدّدت الجائفة - مع وحدة الجناية - تعدّدت الدية.

الفرع السادس: لا فرق في الجائفة بين الآلات حتى نحو الإبرة الطويلة، فضلاً عن إطلاقة الأسلحة النارية (الرصاصة) ونحوها.4.

ص: 475


1- . المبسوط: 125/7.
2- . الخلاف: 232/5، المسألة 15.
3- . شرائع الإسلام: 278/4.

المسألة 3. لو نفذت نافذة في شيء من أطراف الرَجُلِ - كرجله أو يده - ففيها مائة دينار، ويختصّ الحكم ظاهراً بما كانت ديته أكثر من مائة دينار، وأمّا المرأة فالظاهر أنّ في النافذة في أطرافها الحكومة. *

لو نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل أو المرأة
اشارة

قال المحقّق: قيل: إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل ففيها مائة دينار.(1)

والفرق بين الجائفة والنافذة، أنّ الأُولى كما مرّ هي التي تخرق الجوف من بطن أو ظهر أو ثغرة نحر من جنب أو من غيره(2) والنافذة فهي تنفذ في الجوف من دون خرق.

وقال في «المسالك»: هذا القول للشيخ وأتباعه.(3)

وقال في «مفتاح الكرامة»: لم نجد ذلك للشيخ ولا لغيره.(4)

والمستند ما عرضه يونس على الإمام الرضا عليه السلام، ففيه: وأفتى في النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شيء من البدن في أطرافه فديتها عشر دية الرجل مائة دينار.(5)

وقد استشكل على الضابطة بأُمور ثلاثة:

ص: 476


1- . شرائع الإسلام: 4/278.
2- . المبسوط: 7/124.
3- . مسالك الأفهام: 464/15.
4- . مفتاح الكرامة: 383/21.
5- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 3.

1. ما لو كانت دية الطرف تقصر عن المائة كالأنملة إذ تلزم زيادة دية النافذة فيها على دية قطعها، بل على دية أنملتين حيث يشتمل الإصبع على ثلاث أنامل.(1) وذلك لأنّ في كلّ إصبع مائة دينار وفي كلّ أنملة ثلث المائة، فيلزم إذا نفذت نافذة في الأنملة أن تكون دية النافذة أكثر من دية قطعها، وقد مرّ حكمها ودليله في محله.

2. قد تقدّم أنّه لو نفذت في الأنف نافذة على وجه لا تنسد كرمح أو سهم فخرقت المنخرين والحاجز فثلث الدية.(2)

3. في كتاب ظريف: وفي الخد إذا كانت فيه نافذة يُرى منها جوف الفم فديتها مائتا دينار.(3)

وأُجيب عن الإشكالات بوجهين:

الأوّل: اختصاص القاعدة بما كانت ديته زائدة على المائة. فخرج الأنامل عن تحت القاعدة، لأنّ فيها أقل من مائة دينار. والظاهر أنّ كلام المصنّف في المتن ناظر إلى هذا الجواب. حيث قال: «ويختصّ الحكم ظاهراً بما كانت ديته أكثر من مائة دينار».

الثاني: الأخذ بعموم القاعدة فتخصّص بما كانت ديتها أكثر من مائة دينار كما في المثالين الأخيرين فإنّ ما دلّ على الأكثر أخصّ من الضابطة1.

ص: 477


1- . مسالك الأفهام: 465/15.
2- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الاعضاء، الحديث 1. لاحظ المسألة الخامسة فيما يرجع إلى الأنف.
3- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

فتخصّص بها. وهذا هو الظاهر من «مفتاح الكرامة».

وبعبارة أُخرى: أنّ التنافي بين هذه وبين ما نحن فيه ليس تنافي تضاد، وإنّما هو عموم وخصوص فيجري فيه التخصيص، فيكون مانحن فيه مخصوصاً بغير هذه النوافذ المذكورة.

وأورد عليه بأنّ هذا الجمع إنّما يصحّ إذا كان هناك قائل بالتخصيص،(1)ولا مناص من أن يقال: إنّ القاعدة حجّة إلّاإذا دلّ الدليل على كون الدية أكثر من مائة، كما في نافذة الأنف على ما نقلناه، من كتاب ظريف.

ثمّ إنّ الرواية واردة في الرجل فيكون المرجع في نافذة المرأة الحكومة عملاً بالأصل.

ويحتمل أن تكون الدية على النصف من الرجل، في غير ما ثبت مساواتهما.

فعلى هذا فهما متساويان ما لم تتجاوز الثلث، فإذا تجاوزته ترجع إلى النصف، ولكن الظاهر هو الحكومة.).

ص: 478


1- . مفتاح الكرامة: 384/21 (بتصرّف).

المسألة 4. في الجناية بلطم ونحوه إذا اسودّ الوجه بها من غير جرح ولا كسر أرشها ستة دنانير، وإن اخضرّ ولم يسودّ: ثلاثة دنانير، وإن احمرّ: دينار ونصف؛ وفي البدن النصف، ففي اسوداده ثلاثة دنانير، وفي اخضراره دينار ونصف، وفي احمراره ثلاثة أرباع الدينار. ولا فرق في ذلك بين الرجل والأُنثى والصغير والكبير، ولا بين أجزاء البدن، كانت لها دية مقرّرة أو لا، ولا في استيعاب اللون تمام الوجه وعدمه، ولا في بقاء الأثر مدّة وعدمه. نعم إذا كان اللطم في الرأس فالظاهر الحكومة، وإن أحدث الجناية تورّماً من غير تغيير لون فالحكومة، ولو أحدثهما فالظاهر التقدير والحكومة. *

* لو اشتملت الجناية على غير جرح ولا كسر، كالضرب بالرجل وبالكف مفتوحة أو مضمومة، أو بالسوط أو بالعصا ونحو ذلك، فتارة يكون محل الجناية هو الوجه، وأُخرى غيره، ففي المسألة فروع:

الفرع الأوّل: اللطم على الوجه

إذا لطم وجهه ففيه صور:

1. إذا احمرّ الوجه بالجناية، ففيه دينار ونصف.

2. وفي اخضرار الوجه ثلاثة دنانير.

3. وفي الاسوداد ستة دنانير.

ويدلّ على الجميع ما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسودُّ أثرها في الوجه أنّ أرشها ستة

ص: 479

دنانير، فإن لم تسودّ واخضرّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمارت (احمرّت) ولم تخضار (تخضرّ) فإنّ أرشها دينار ونصف».(1)

الفرع الثاني: اللطم على البدن

إذا لطمه على بدنه، فدية هذه اللطمة في الاحمرار ثلاثة أرباع الدينار، وفي الاخضرار دينار ونصف، وفي الاسوداد ثلاثة.(2)

وقال في «الجواهر»: لا أجد فيه خلافاً بينهم.(3)

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا لطم غيره في وجهه فاسودّ الموضع كان فيها ستة دنانير، وإن اخضرّ كان فيها ثلاثة دنانير، وإن احمرّ كان فيها دينار ونصف؛ وكذلك حكم الرأس، وإن كان على جسده فعلى النصف من ذلك.

وقال الشافعي: فيه حكومة.(4)

ويدلّ عليه ما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللّطمة يسودّ أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير، فإنّ لم تسودّ واخضرّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمرّت ولم تخضرّ فإنّ أرشها دينار ونصف». وذكر الصدوق نحوه وزاد: وفي البدن نصف ذلك.(5)

وروى الصدوق عن إسحاق بن عمّار قال: سألته عن رجل لطم

ص: 480


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1. رواه الكليني والشيخ والصدوق رحمهم الله.
2- . شرائع الإسلام: 278/4. مع تصرّف في العبارة.
3- . جواهر الكلام: 347/43.
4- . الخلاف: 262/5، المسألة 74.
5- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1.

رجلاً على وجهه فاسودّت اللطمة فقال: «إذا اسودّت اللطمة ففيها ستة دنانير، وإذا اخضرّت ففيها ثلاثة دنانير، وإذا احمرّت ففيها دينار ونصف، وفي البدن نصف ذلك».(1)

والزيادة الأخيرة موجودة في «الفقيه» دون «الكافي» و «التهذيب».(2)

ومن المعلوم أنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقص فاحتمال النقص أولى بالأخذ، وهناك فرق آخر بين رواية «الفقيه» ورواية المصدرين الآخرين، فالموجود في «الفقيه» عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل لطم رجلاً في وجهه إلخ.

وأمّا في الآخرين فهو: عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قضى أمير المؤمنين في اللطمة إلخ.

فمن المحتمل أن لا يكون حكم البدن موجوداً في قضاء علي عليه السلام ولكن الإمام عليه السلام في جواب سؤال إسحاق بن عمّار أضاف بيان حكم البدن، فلا منافاة بين النقلين، وعلى هذا فهنا روايتان نقلهما إسحاق بن عمّار تارة عن قضاء علي عليه السلام، وأُخرى عن جواب الإمام الصادق عن سؤاله له عليه السلام، واللّه العالم.

الفرع الثالث: لا فرق بين الرجل والأُنثى والصغير والكبير

ثمّ إنّه لا فرق في ذلك بين الرجل والأُنثى والصغير والكبير، ولا بين أجزاء البدن سواء كانت لها دية مقدّرة أو لا، ولا في استيعاب اللون تمام

ص: 481


1- . الفقيه: 118/4، الباب 54، الحديث 1.
2- . لاحظ: الكافي: 333/7، الحديث 4؛ التهذيب: 277/10، الحديث 1084.

الوجه وعدمه، ولا في بقاء الأثر مدّة وعدمه، أخذاً بإطلاق النصّ والفتوى.

قلنا: لا فرق بين ما كانت لها دية مقدّرة أو لا، خلافاً لما نقله السيد العاملي في التفصيل الآتي عن بعضهم.

قال: احتمل أن يختصّ الحكم بما لا دية له مقدّرة من أجزاء البدن، وأمّا الذي له دية مقدّرة فإنّه يجب فيه بنسبة ديته من دية الرأس (أي يؤخذ من الديات الثلاث المقررة في الاسوداد وأخويه بتلك النسبة)، فإن كان فيه الدية كان على النصف من دية الرأس، وما فيه نصف الدية فعلى الربع، وعلى هذا الحساب، ففي اسوداد الإصبع - مثلاً - ثلاثة أعشار دينار. لأنّ الأصبع فيها عشر دية النفس، فإذا اسودّت كان فيها ثلاثة أعشار دينار لأنّ الاسوداد في الوجه فيه ستة دنانير وعشر الستة دنانير ستة أعشار، لأنّا نجزؤها أعشاراً و نصف الستة أعشار، ثلاثة أعشار دينار، وفي اخضرارها عشر ونصف عشر، وفي احمراره نصف عشر وربع عشر.(1) وسيأتي نظير ذلك في شبه الشجاج في غير الرأس فانتظر.

الفرع الرابع: اللطم في الرأس

إنّ مورد النصّ والفتوى هو الوجه فهل الرأس كالوجه في مورد اللطم، كما عليه الخلاف حيث قال: وكذلك حكم الرأس.(2) ويشهد لذلك مساواة الرأس والوجه في الشجاج، أو ليس كذلك كما عليه صاحب الجواهر حيث قال: ما ذكر قياس لا نقول به، فالمتّجه حينئذٍ الحكومة فيه لا إلحاقه بالبدن

ص: 482


1- . مفتاح الكرامة: 387/21.
2- . الخلاف: 262/5، المسألة 74.

الذي لا يشمله.(1)

ويمكن أن يقال: إنّ اشتمال رواية الصدوق على البدن دون الرأس مع كونه في مقام البيان ظاهر في لحوقه بالوجه مضافاً إلى أنّه يحتمل، أنّ الوجه كناية عمّا فوق الرقبة، وعلى هذا فالأولى القول باللحوق وإلّا التصالح.

الفرع الخامس: لو أحدثت الجناية تورّماً

لو أحدثت الجناية تورّماً من غير تغيير لون، فبما أنّه لم يرد فيه تقدير ففيه الحكومة، نعم لو اجتمع التورّم مع تغيير اللون فلكلّ حكمه، ففي التغيير الدية، وفي التورّم الحكومة، لأنّ تعدّد السبب يقتضي تعدّد المسبّب.

ص: 483


1- . جواهر الكلام: 348/43.

المسألة 5. كلّ عضو ديته مقدّرة ففي شلله ثلثا ديته، كاليدين والرجلين، وفي قطعه بعد الشلل ثلث ديته. *

في شلل العضو المقدّر الدية
اشارة

قال المحقّق: كلّ عضو ديته مقدّرة، ففي شلله ثلثا ديته، كاليدين والرجلين والأصابع، وفي قطعه بعد الشلل ثلث ديته.(1)

أقول: تبع المصنّف في عنوان المسألة صاحب الشرائع، وإلّا فقد سبق الكلام فيها في البحث عن الجناية على الأطراف في ديات الأصابع، فقد مرّ قول المصنّف: في شلل كلّ واحدة من الأصابع ثلثا ديتها وفي قطعها بعد الشلل ثلثها، لكن الداعي إلى التكرار أنّ الموضوع هناك الجناية على خصوص الأصبع فشلّت، لكن الموضوع في المقام أوسع من الجناية على الإصبع يعمّ الرجلين واليدين، كلّ ذلك من باب عدم القول بالفصل. مضافاً إلى رواية الحكم بن عتيبة.(2)

نعم لو لم يكن له مقدّر فالحكومة بلا خلاف ولا إشكال.

ص: 484


1- . شرائع الإسلام: 279/4.
2- . الوسائل: 19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1، وورد ما يخالفه لكنّه معرض عنه.

المسألة 6. دية الشجاج في الرأس والوجه سواء كما مرّ، والمشهور أنّ دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه الجراحة من دية الرأس أي النفس إن كان للعضو دية مقدّرة، ففي حارصة اليد نصف بعير أو خمسة دنانير، وفي حارصة إحدى أنملتي الإبهام نصف عشر بعير أو نصف دينار وهكذا، وإن لم يكن له دية مقدّرة فالحكومة. *

* في المسألة فروع:

1. وحدة دية الشجاج في الرأس والوجه.

2. حكم شبه الشجاج من الجراح في البدن، إذا كان للعضو دية مقدّرة.

3. حكم شبه الشجاج في البدن إذا لم يكن له دية مقدّرة.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: وحدة دية الشجاج في الرأس والوجه

تتساوى دية الشجاج في الرأس والوجه.

قال المفيد في «المقنعة»: وحكم الشجاج، في الوجه كحكمها في الرأس سواء.(1)

وقال الشيخ في «الخلاف»: الموضحة هي التي توضح عظم الرأس حتى يظهر العظم إلى أن قال: وفيها خمس من الإبل، سواء كانت في الرأس أو

ص: 485


1- . المقنعة: 766.

على الوجه أو على الأنف. وبه قال الشافعي.(1)

وقال أيضاً: قد ذكرنا أنّ الجراح عشرة وكلّ واحد منها له مقدّر إذا كانت في الرأس والوجه.(2)

وقال الشيخ في «النهاية»: وهذه الجراح في الرأس والوجه سواء، وأمّا إذا كانت في البدن فلها حكم مفرد نذكره إن شاء اللّه.(3)

وما ذكره حول البدن هو الفرع الثاني في كلام المصنّف كما سيوافيك.

وقال العلّامة: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء.(4)

وفي «مفتاح الكرامة»: ودليل ما عليه الأصحاب اللغة والعرف، فإنّ أقسام الشجاج يقال على الوجه والرأس كما في «مجمع البرهان»، فتكون الإطلاقات دالّة على ذلك.(5)

ويدلّ على وحدة الحكم مضافاً إلى الإطلاقات:

1. خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ الموضحة في الوجه والرأس سواء».(6) 2. خبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته2.

ص: 486


1- . الخلاف: 228/5، المسألة 11.
2- . الخلاف: 263/5، المسألة 76.
3- . النهاية: 776.
4- . تحرير الأحكام: 621/5.
5- . مفتاح الكرامة: 388/21.
6- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 2.

عن الموضحة في الرأس كما هي في الوجه؟ فقال: «الموضحة والشجاج في الوجه والرأس سواء في الدية لأنّ الوجه من الرأس، وليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس».(1)

وخبر السكوني وإن كان خاصّاً بالموضحة لكن ذيل خبر الحسن بن صالح الثوري أعمّ منه، ولا وجه للتقييد لأنّهما مثبتان.

وأمّا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: «في السمحاق، وهي التي دون الموضحة خمسمائة درهم، وفيها إذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين»(2)، فهو شاذّ مطروح.

الفرع الثاني: حكم شبه الشجاج في البدن، إذا كان له دية مقدّرة

إذا جنى بمثل الشجاج في عضو من أعضاء البدن وكانت له دية مقدّرة، ففي «الخلاف»: فأمّا إن كانت في الجسد ففيها بحساب ذلك من الرأس، منسوباً إلى العضو التي هي فيه، إلّاالجائفة فإنّ فيها مقدّراً في الجوف وهو ثلث الدية، مثال ذلك في الموضحة إذا كانت في الرأس أو في الوجه، فيها نصف عشر الدية، وإن كانت الموضحة في اليد ففيها نصف عشر دية اليد، وإن كانت في الإصبع ففيها نصف عشر دية الإصبع، وهكذا باقي الجراح.(3)

وقال المحقّق: ومثلها في البدن بنسبة العضو الذي يتّفق فيه من

ص: 487


1- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 9.
3- . الخلاف: 263/5، المسألة 76.

دية الرأس.(1)

وقال العلّامة: وفي البدن مثلها بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه من دية الرأس، وفي حارصة اليد خمسة دنانير، وهكذا.(2)

وقال في «القواعد»: فإن كانت الجراحة في عضو له دية مقدّرة ففيها بنسبة دية العضو الذي يتّفق فيه من دية الرأس، ففي حارصة إحدى أنملتي الإبهام نصف عشر بعير أو نصف دينار.(3)

ولا يخفى أنّ المراد من دية الرأس هو دية النفس، ثمّ إنّ هذه التعابير رهن توضيح المراد بالمثال.

وحاصل كلامهم: أنّه تنسب دية الأعضاء التي وردت فيها الشجاج إلى دية النفس. فبحسب هذه النسبة يؤخذ من دية الشجاج على أقسامه، على ما مرّ من قولهم: في الحارصة بعير، وفي الدامية بعيران، وهكذا.

فلنوضح القاعدة بالمثالين المذكورين في المتن، وقد ركّزنا على خصوص الحارصة ويعلم حكم باقي الأقسام منه: 1. ففي حارصة اليد نصف بعير أو خمسة دنانير.

2. وفي حارصة إحدى أنملتي الإبهام نصف عشر بعير، أو نصف دينار.

أمّا المثال الأوّل: إذا وقع مثل الشجاج على اليد فنسبة دية اليد - أعني:

الخمسين بعيراً أو خمسمائة دينار - إلى دية النفس - أعني: مائة بعير أو ألف دينار - هي النصف.3.

ص: 488


1- . شرائع الإسلام: 279/4.
2- . تحرير الأحكام: 621/5.
3- . قواعد الأحكام: 691/3.

وبهذه النسبة - أعني: النصف - يؤخذ من دية الحارصة التي هي بعير واحد أو عشرة دنانير، نصفُ بعير أو خمسة دنانير.

أمّا المثال الثاني: فدية إحدى الأنملتين في الإبهام هي خمسة أبعرة أو خمسون ديناراً، ونسبة دية الأنملة الواحدة إلى دية النفس (أعني: مائة بعير أو ألف دينار) هي نصف العشر. فيؤخذ من دية الحارصة بهذه النسبة، فمن البعير يؤخذ نصف العشر ومن العشرة دنانير نصف عشرها، وحيث إنّ عشر الأخير دينار واحد، فنصفه، نصف دينار.

وعلى كلّ تقدير فيدلّ على الضابطة ما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الجروح في الأصابع إذا أوضح العظم نصف عُشْر دية الإصبع إذا لم يُرد المجروح أن يقتص».(1)

توضيح الرواية: أنّ دية الإصبع الواحدة هي عشرة أبعرة، ونسبتها إلى دية النفس هي العشر، كما أنّ دية الإصبع حسب الدينار مائة دينار وهي بالنسبة إلى الألف أيضاً العشر، هذا من جانب، ومن جانب آخر أنّ دية الموضحة هي خمسة أبعرة، فيؤخذ من دية الموضحة بتلك النسبة أي عشر الموضحة، أي يكون نصف بعير، فينطبق على قوله عليه السلام: «نصف عشر دية الإصبع»، فإنّ دية الإصبع هي عشرة أبعرة وعشرها بعير واحد، ونصفه نصف بعير.

ولأجل توضيح المسألة قمنا بترتيب الجدول التالي.8.

ص: 489


1- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 1؛ ولاحظ التهذيب: 290/10 برقم 1128.

ص: 490

ص: 491

المسألة 7. المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات حتى تبلغ ثلث دية الرجل ثم تصير على النصف، سواء كان الجاني رجلاً أو امرأة على الأقوى، ففي قطع الإصبع منها مائة دينار، وفي الإثنتين مائتان، وفي الثلاث ثلاثمائة، وفي الأربع مائتان، ويقتصّ من الرجل للمرأة وبالعكس في الأعضاء والجراح من غير ردٍّ حتى تبلغ الثلث، ثم يقتصّ مع الردّ لو جنت هي عليه لا هو عليها. *

وبهذا يعلم أنّ الصحيح هو ما ورد في «التهذيب»، وأمّا ما جاء في «الكافي» (وتبعه في الوسائل) لا ينطبق على القاعدة، حيث جاء فيه: «عشر دية الإصبع» مكان «نصف عشر دية الإصبع»، فلاحظ.

الفرع الثالث: حكم شبه الشجاج في البدن إذا لم يكن له دية مقدّرة

حكم شبه الشجاج في البدن إذا لم يكن له دية مقدّرة فالظاهر الحكومة، فقد أضاف العلّامة لقوله المذكور آنفاً في «القواعد»: ولو لم يكن العضو مشتملاً على عظم - كالذكر - فالحكومة.(1)

المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات إلى الثلث

أقول: قد مرّت هذه المسألة في كتاب القصاص عند القول في الشرائط المعتبرة في القصاص، المسألة الثانية حيث قال المصنّف: يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف، وكذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ

ص: 492


1- . قواعد الأحكام: 691/3.

وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم تبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحرّ فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما، فحينئذٍ لا يقتصّ من الرجل لها إلّامع ردّ التفاوت.(1) ولم يعلم وجه التكرار

بقي الكلام في قوله قدس سره: «ثم يقتص مع الردّ لو جنت هي عليه، لا هو عليها»، ولكن الظاهر أنّ الصحيح أن يقول: «لو جنى هو عليها، لا هي عليه»، وذلك: لأنّه لو جنى الرجل على المرأة فأرادت المرأة القصاص يجب عليها - فيما زاد على الثلث - الردّ على الرجل حتى تقتصّ.

وأمّا لو جنت المرأة على الرجل فهو يقتصّ منها بلا ردّ، فيقطع أربع أصابع منها في مقابل قطع أربع منه بلا ردّ.

وبهذا تبيّن أنّ الصحيح أن يقول:

1. تقتصّ مع الردّ لو جنى هو عليها، وهذا يتعلّق بالفقرة الأُولى.

2. لا لو جنت هي عليه، وهذا يرجع إلى الفقرة الثانية.2.

ص: 493


1- . تحرير الوسيلة: 468/2.

المسألة 8. كلّ ما فيه دية من أعضاء الرجل - كاليدين والرجلين والمنافع والجراح - ففيه من المرأة ديتها، وكذا من الذمّي ديته، ومن الذمّية ديتها. *

في حكم الرجل والمرأة والذمّي والذمّية
اشارة

يريد المصنّف - في هذه المسألة - بيان تساوي الرجل والمرأة في الأحكام المذكورة في اليدين والرجلين والمنافع والجراح والشجاج، وإن ورد لفظ الرجل في قسم من الروايات، لكنّه بمنزلة قول القائل: رجل شكّ بين الثلاث والأربع، والمراد شكّ المكلّف سواء أكان رجلاً أم امرأة، غاية الأمر يتساوى الصنفان ما لم تبلغ الثلث، فإذا بلغته تتنزل إلى النصف، وكانت هذه القاعدة حاكمة على الإطلاقات، ومنه يُعلم - أيضاً - حكم الذمّي والذمّية، فالذمّي ديته ثمانمائة درهم والذمّية نصفها (400 درهم)، إلّاأنّ المرأة تساوي الرجل فيما نقص عن الثلث. ولعلّ مصبَّ القاعدة هو الأصابع في اليدين والرجلين، وأمّا ما وراءهما، فالظاهر أنّ دية المرأة لا تتجاوز الثلث، مثلاً في مورد الشجاج فالدية العليا، هي ثلث الدية في المأمومة. وعلى هذا لا فرق في دية الشجاج بين الرجل والمرأة، ففي الجناية الّتي لها درجة واحدة كقطع اليد والرجل، فدية المرأة نصف دية الرجل وفي الجناية الّتي لها درجات كقطع الأصابع فالمرأة تعادل الرجل إلى الثلث، ثم تنزل ديتها إلى النصف، وما سوى ذلك فديتهما سواء.

ص: 494

المسألة 9. كلّ موضع يقال فيه بالأرش أو الحكومة فهما واحد، والمراد أنّه يقوّم المجروح صحيحاً إن كان مملوكاً تارة ويقوّم مع الجناية أُخرى، وينسب إلى القيمة الأُولى، ويعرف التفاوت بينهما، ويؤخذ من دية النفس بحسابه، وقد قلنا: إنّه لو لم يكن تفاوت بحسب القيمة أو كان مع الجناية أزيد، كما لو قطع إصبعه الزائدة التي هي نقص وبقطعها تزيد القيمة، فلابدّ من الحكومة بمعنى آخر، وهو حكم القاضي بالتصالح، ومع عدمه بما يراه من التعزير وغيره حسماً للنزاع. *

* ذكر المصنّف هنا أمرين:

الأوّل: ما هو المراد من الحكومة

قال المحقّق: يقوّم صحيحاً لو كان مملوكاً ويقوّم مع الجناية، وينسب إلى القيمة ويؤخذ من الدية بحسابه.(1)

وحاصله: إذا فرضنا عبداً صحيحاً قيمته عشرة، ثم معيباً قيمته تسعة، وجب في الجناية عُشر دية النفس.

الثاني: في حكم القاضي بالتصالح أو التعزير

ربّما لا توجب الجناية نقصاً في القيمة كما لو قطع إصبعه الزائدة التي هي نقص وبقطعها تزيد القيمة، فلابدّ من الحكومة بمعنى آخر، وهو حكم القاضي بالتصالح أو بالتعزير.

أقول: قد مرّ الأمر الثاني في المسألة الرابعة تحت المورد الثامن

ص: 495


1- . شرائع الإسلام: 279/4.

المسألة 10. من لا ولي له فالحاكم وليّه في هذا الزمان، فلو قتل خطأ أو شبيه عمد فله استيفاؤه، فهل له العفو؟ وجهان، الأحوط عدمه. *

(ذهاب الصوت) من المقصد الثاني في الجناية على المنافع ما يفيدك هنا.(1)

الحاكم ولي مَن لا ولي له

قال المحقّق: من لا وليّ له، فالإمام عليه السلام وليّ دمه يقتصّ إن قتل عمداً، وهل له العفو؟ الأصح: لا، وكذا لو قتل خطأ فله استيفاء الدية، وليس له العفو.(2)

وقال العلّامة: ومن لا وارث له فالإمام عليه السلام وليّ دمه يقتصّ في العمد أو يأخذ الدية، وكذا يأخذ الدية في الخطأ، وهل له العفو فيهما؟ الأقرب: المنع.(3)

أقول: المسألة تشتمل على أمرين:

الأوّل: أنّ الإمام عليه السلام يقوم مقام الوارث في الاقتصاص وأخذ الدية لأنّه الوارث وولي من لا ولي له وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وصحيح أبي ولّاد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّاأولياء من أهل الذمّة من قرابته، فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، فإن لم

ص: 496


1- . راجع ص 452. ولاحظ تحرير الوسيلة: 534/2.
2- . شرائع الإسلام: 280/4.
3- . قواعد الأحكام: 652/3.

يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»، قلت: فإن عفا عنه الإمام، قال: فقال: «إنّما هو حقّ جميع المسلمين، وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو».(1)

وأمّا قوله: لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، المراد هو الجناية الصادرة عن خطأ فإنّها على العاقلة والإمام عاقلة المقتول، فإذا كان الغرم على الإمام فالغُنم له عليه السلام.

الثاني: ممّا ذكرنا في الفرع الأوّل يُعلم حكم الفرع الثاني في كلام المصنّف حيث قال: فهل له العفو؟ وجهان، الأحوط عدمه.

وكان عليه أن يقول: الأظهر عدمه، لما عرفت ممّا ورد في الصحيحة، والحديث الآخر الذي أشرنا إليه في الهامش.2.

ص: 497


1- . الوسائل: 19، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، ولاحظ أيضاً الحديث 2.

القول في اللواحق

اشارة

وهي أُمور:

الأوّل: في الجنين
اشارة

الجنين إذا ولج فيه الروح ففيه الدية كاملة ألف دينار إذا كان بحكم المسلم الحرّ وكان ذكراً، وفي الأنثى نصفها؛ وإذا اكتسى اللحم وتمّت خلقته ففيه مائة دينار، ذكراً كان الجنين أو أُنثى؛ ولو لم يكتس اللحم وهو عظم ففيه ثمانون ديناراً، وفي المضغة ستون، وفي العلقة أربعون، وفي النطفة إذا استقرّت في الرحم عشرون؛ من غير فرق في جميع ذلك بين الذكر والأُنثى. *

في دية الجنين

ذكر المصنّف لدية الجنين ستة أقسام:

1. عشرون ديناراً، في النطفة إذا استقرّت في الرحم.

2. أربعون ديناراً، في العلقة.

3. ستون ديناراً، في المضغة.

4. ثمانون ديناراً، فيما إذا لم يكتس اللحم.

5. مائة دينار، إذا اكتسى اللحم وتمّت خلقته.

كلّ ذلك قبل أن يلج فيه الروح، وإلّا:

ص: 498

6. الدية كاملة، ألف دينار في الذكر، وفي الأُنثى نصفها.

قال الشيخ في الخلاف: إذا ألقت نطفة، وجب على ضاربها عشرون ديناراً؛ وإذا ألقت علقة، وجب أربعون ديناراً، وإذا ألقت مضغة، وجب ستون ديناراً، وإذا ألقت عظاماً وفيه عُقد قبل أن يشقّ فيه السمع والبصر، وجب فيه ثمانون ديناراً؛ فإذا تمّ خلقه - بأن شقّ سمعه وبصره وتكاملت صورته قبل أن تلجه الروح فهو جنين - يجب فيه مائة دينار.

ثم قال في مسألة أُخرى: دية الجنين مائة دينار، سواء كان ذكراً أو أُنثى.(1)

وقال في «المبسوط»: إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً كاملاً وهو الحرّ المسلم، فديته عندنا مائة دينار.(2)

وما ذكره المصنّف هو المشهور، والعمدة في الحكم هو الروايات.

ويدلّ على ما ذكره المصنّف من الترتيب ما يلي:

1. ما رواه الكليني بأسانيده إلى كتاب ظريف وجاء فيه: أنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الإنسان من سلالة - وهي النطفة - فهذا جزء، ثمّ علقة فهو جزآن، ثمّ مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثمّ عظماً فهو أربعة أجزاء، ثمّ يكسى لحماً، فحينئذٍ تمَّ جنيناً فكملت لخمسة أجزاء مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء، فجعل للنطفة خُمْس المائة عشرين ديناراً، وللعلقة خمسي المائة أربعين ديناراً، وللمضغة ثلاثة أخماس المائة، ستّين ديناراً، وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانين ديناراً، فإذا كسا اللحم كانت له مائة كاملة، فإذا نشأ فيه خلق آخر7.

ص: 499


1- . الخلاف: 292/5-293، المسألة 122 و 124.
2- . المبسوط: 193/7.

وهو الروح فهو حينئذٍ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكراً، وإن كان أُنثى فخمسمائة دينار.(1)

2. ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى(2)، عن محمد بن الحسين(3)، عن محمد بن إسماعيل(4)، عن صالح بن عقبة(5)، عن سليمان بن صالح(6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في النطفة عشرون ديناراً، وفي العلقة أربعون ديناراً، وفي المضغة ستون ديناراً، وفي العظم ثمانون ديناراً، فإذا كسي اللحم فمائة دينار، ثمّ هي ديته حتى يستهلّ، فإذا استهلَّ فالدية كاملة».(7)

3. ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس أو غيره، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية الجنين خمسة أجزاء:

خُمسٌ للنطفة عشرون ديناراً، وللعلقة خمسان، أربعون ديناراً، وللمضغة ثلاثة أخماس، ستون ديناراً، وللعظم أربعة أخماس، ثمانون ديناراً، وإذا تمّ الجنين كانت له مائة دينار، فإذا أُنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكراً، وإن كان أُنثى فخمسمائة دينار».(8)

ثمّ إنّ قوله: «وللعظم أربعة أخماس» بمعنى عدم اكتسائه باللحم،1.

ص: 500


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . العطّار الثقة.
3- . أبي الخطّاب الثقة المتوفّى عام 262 ه.
4- . الظاهر أنّه ابن بزيع.
5- . قد أثبتنا وثاقته.
6- . سليمان بن صالح الجصاص الثقة، فالرواية صحيحة، وعلى هذا فلا وجه لوصف الرواية بالخبر.
7- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
8- . الوسائل: 19، الباب 21 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

فيكون قوله عليه السلام: «إذا تمّ الجنين»، بمعنى: إذا اكتسى العظم باللحم، بحكم المقابلة.

4. ما رواه الشيخ بسنده عن أبي جرير القمي، قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما فيها من الدية؟ وما في العلقة؟ (وما في المضغة؟ وما في المخلّقة)؟ وما يقرُّ في الأرحام؟ فقال: «إنّه يخلق في بطن أُمّه خلقاً من بعد خلق، يكون نطفة أربعين يوماً، ثمّ يكون علقة أربعين يوماً، ثمّ مضغة أربعين يوماً، ففي النطفة أربعون ديناراً، وفي العلقة ستون ديناراً، وفي المضغة ثمانون ديناراً، فإذا اكتسى العظام لحماً ففيه مائة دينار، قال اللّه عزّ وجلّ: «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»1 ، فإن كان ذكراً ففيه الدية، وإن كانت أُنثى ففيها ديتها».(1)

أقول: وقد حاول صاحب الوسائل رفع الخلاف بين هذه الرواية وبين ما سبقها فقال: هذا محمول على زيادة خلقة النطفة إلى أن تبلغ علقة، وزيادة العلقة إلى أن تبلغ المضغة، وزيادة المضغة إلى أن تبلغ العظم.

ثمّ إنّ المراد من قراءة الآية بيان ولوج الروح فيه.

إلى هنا تبيّن ما هو المستند لقول المشهور.

وهناك قولان آخران: أحدهما للعماني، والثاني للإسكافي.

أمّا الأوّل فالظاهر أنّه أفتى بوجوب الدية الكاملة إذا صار الجنين ذا عظم، وهذا نصّه: فإن كان قد نبت له العظم وشق له السمع والبصر ففيه الدية9.

ص: 501


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.

كاملة.(1)

واستدلّ له بالروايتين التاليتين:

1. ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له:

الرجل يضرب المرأة فتطرح نطفة، قال: «عليه عشرون ديناراً، فإن كان علقة فعليه أربعون ديناراً، (فإن كان) مضغة فعليه ستون ديناراً، فإن كان عظماً فعليه الدية».(2)

والرواية مرسلة كما هو واضح، وأمّا وجه الاستدلال فلأنّ الذيل ناظر إلى المرحلة الرابعة وهي تكوّن العظم بلا لحم، وقد مرّ أنّ الدية فيها ثمانون ديناراً، وظاهر الرواية تمام الدية، أعني: دية النفس.

ويمكن حمل الدية على مائة دينار مقيّداً باكتساء العظم للّحم بقرينة ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبداللّه عليه السلام في امرأة شربت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال: «إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشقّ له السمع والبصر فإنّ عليها دية تسلّمها إلى أبيه».(3) فإنّ تنكير «دية» يدلّ على أنّ الواجب دية خاصّة، لا الدية الكاملة، وإلّا لكان اللازم أن يقول: «عليه الدية».

2. ما رواه الكليني بسنده عن محمّد بن مسلم، وقد جاء في آخره قوله:

قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظماً؟ فقال: «إذا كان عظماً شقَّ له السمع والبصر ورتّبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإنّ فيه الدية كاملة» والسند صحيح ووجه1.

ص: 502


1- . مختلف الشيعة: 411/9.
2- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
3- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

الاستدلال كما مرّ في الرواية الأُولى.(1) ويمكن حمل الرواية على ما إذا اكتِسيَ العظمُ باللحِم وولج فيه الروح.

إلى هنا تبيّن أنّه ليس لقول العماني دليل قاطع.

وأمّا الثاني أعني قول الاسكافي حيث قال: إذا أُلقي الجنين ميّتاً من غير أن تبين حياته بعد الجناية على الأُم، كان فيه غُرّة عبد أو أمة، إذا كانت الأُم حرّة مسلمة، وقدر قيمة الغرّة قدر نصف عُشر الدية.(2)

وأمّا الغُرّة بالضم: عبدٌ أو أمة ومنه: قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم في الجنين بغرّة، قال أبوسعيد الضرير: الغرّة عند العرب أنفس كلّ شيء يملك، وقال الفقهاء: الغرّة من العبد الذي ثمنه عُشر الدية.(3)

وعلى أي حال فله دعويان:

1. كون الدية غرّة عبد.

2. ثمنه عُشر الدية.

أمّا ما يدلّ على أنّ فيه غرّة عبد أو أمة فيدلّ عليه:

1. ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم في جنين الهلالية حيث رُميتْ بالحجر فألقت ما في بطنها ميّتاً فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة».(4) والرواية موثّقة لوقوع النوفلي والسكوني في سند الرواية، وليست صحيحة كما عبّر عنها في «الجواهر».(5)3.

ص: 503


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
2- . مختلف الشيعة: 411/9، وفيه تصحيف في العبارة.
3- . مجمع البحرين، مادة «غرر».
4- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
5- . جواهر الكلام: 358/43.

2. خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن ضرب الرجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتاً، فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة يدفعه إليها».(1)

والرواية ضعيفة لوقوع علي بن أبي حمزة في طريقها.

3. ما رواه الشيخ بسنده عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«جاءت إمرأة فاستعدت على أعرابيّ قد أفزعها فألقت جنيناً، فقال الأعرابي: لم يهلَّ ولم يصح ومثله يطل(2)، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اسكت سجاعة، عليك غرَّة وصيف عبد أو أمة».(3)

وأُريد من الوصيف الخادم دون المراهق والوصيفة الجارية كذلك.(4)

إلى غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.(5)

وأمّا الأمر الثاني أي ما هو ثمن الغرّة؟ فقد اختلفت الروايات في تقديرها:

1. أربعون ديناراً كما في صحيح أبي عبيدة والحلبي (معاً)، وخبر أبي عبيدة أيضاً منفرداً.(6)

2. خمسون ديناراً، كما في رواية عبيدة بن زرارة.(7)7.

ص: 504


1- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
2- . يكون دمه هدراً.
3- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2. ومثله الحديث 4.
4- . مجمع البحرين، مادة «وصف».
5- . لاحظ الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديثان: 4. وفيه «فقضى فيه رقبة»، و 6 وفيه «وصيف أو وصيفة»، ولاحظ الباب 33 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5 وفيه «وغرّة وصيف أو وصيفة».
6- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6 و 1، ولاحظ: الحديث 8.
7- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

3. خمسمائة درهم، كما في رواية السكوني.(1)

يلاحظ على هذه الروايات:

أوّلاً: بأنّه لا منافاة بينها وبين بعض ما ذكرنا لأنّها محمولة على امرأة تطرح جنينها إذ من المحتمل أن يكون المطروح علقة فتكون ديته غرّة عبد أو أمة والتي قيمتها أربعون ديناراً.

ثانياً: يحتمل فيها التقية، روى أبو هريرة أنّ امرأتين من هُذيل رمت إحداهما الأُخرى بحجر فطرحت جنينها، فقضى فيه النبي صلى الله عليه و آله و سلم بغرّة عبد أو أمة.(2)

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا ضرب بطنها فألقت جنيناً، فإن ألقته قبل وفاتها ثم ماتت ففيها ديتها (دية الأُمّ)، ثم قال: وفي الجنين إن كان قبل أن تلجه الروح مائة دينار على ما مضى (إذا اكتسى العظام)، فإن كان بعد أن ولجته الروح فالدية كاملة. ثمّ نقل عن الشافعي أنّه قال: وفي الجنين الغرّة سواء ألقته ميتاً أو حيّاً ثم مات.(3)

ثالثاً: ما أشار إليه العلّامة في «المختلف» حيث رجّح الطائفة الأُولى التي عمل بها المشهور على هذه الطائفة وقال: ما ذكرناه من الأحاديث أصحّ طريقاً وأقوى متمسّكاً لأنّ الحوالة فيها على أمر مقدّر معلوم، بخلاف هذه الأحاديث فإنّ فيها حوالة على أمر مختلف لا يجوز أن تناط به الأحكام.(4)9.

ص: 505


1- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.
2- . السنن الكبرى للبيهقي: 8/113، باب دية الجنين.
3- . الخلاف: 294/15، المسألة 125.
4- . مختلف الشيعة: 412/9.

المسألة 1. لو كان الجنين ذمّيّاً فهل ديته عشر دية أبيه أو عشر دية أُمّه؟ فيه تردّد، وإن كان الأوّل أقرب. *

لو كان الجنين ذمّيّاً
اشارة

قال المحقّق: ولو كان الجنين ذمّيّاً فعُشر دية أبيه، وفي رواية السكوني عن أبي جعفر عليه السلام عن علي عليه السلام: «عُشر دية أُمّه»، والعمل على الأوّل.(1)

أقول: المراد من الجنين المرحلة التامّة قبل أن تلج الروح، كما أنّ المراد من كونه ذمّيّاً كونه بحكم الذمّي لأجل التابعية، وقد مرّ أنّ جنين المسلم إذا اكتسى العظم ولم تلج فيه الروح هو عشر دية أبيه أعني: مائة دينار، وعلى هذا فتكون دية الجنين الذمّي عُشر دية أبيه، فبما أنّ دية أبيه ثمانمائة درهم، فتكون ديته ثمانين درهماً.

لكنّ المستفاد من الروايتين التاليتين أنّ ديته هي عشر دية أُمّه:

1. روى الشيخ باسناده عن مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عُشر دية أُمّه».(2)

2. وروى أيضاً عن السكوني: «مثله».(3)

وقد عمل المحقّق بالقول الأوّل تضعيفاً للروايتين وإعراض الأصحاب عنهما، ولكن الظاهر قوّة القول الثاني عملاً برواية السكوني.

ص: 506


1- . شرائع الإسلام: 280/4.
2- . الوسائل: 19، الباب 22 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
3- . لاحظ ذيل الحديث السابق.

المسألة 2. لا كفّارة على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح، ولا تجب الدية كاملة ولا الكفّارة إلّابعد العلم بالحياة ولو بشهادة عادلين من أهل الخبرة، ولا اعتبار بالحركة إلّاإذا علم أنّها اختيارية، ومع العلم بالحياة تجب مع مباشرة الجناية. *

ورواية مسمع وإن كانت ضعيفة لكن روايات السكوني معتبرة عند الأصحاب، إلّاإذا ثبت إعراض الأصحاب.

* في المسألة فروع:

1. عدم وجوب الكفّارة على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح.

2. لا تجب الدية كاملة ولا الكفّارة إلّابعد العلم بالحياة.

3. وجوب الكفّارة مع مباشرة الجناية وعدمها. وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: هل على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح كفّارة؟

سيوافيك في المستقبل وجوب كفّارة الجمع في قتل المؤمن عمداً وظلماً، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً، كما تجب الكفّارة المرتبة في قتل الخطأ المحض، وقتل الخطأ شبه العمد، وهي العتق، فإن عجز، فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز فإطعام ستين مسكيناً.

وحينئذٍ يقع الكلام: هل يختص هذا فيما لو ولجت فيه الروح، أم يعمّ ما قبل ذلك؟ والظاهر هو الأوّل لعدم صدق القتل بعد فرض عدم ولوج الروح.

قال الشيخ في «الخلاف»: كلّ موضع أوجبنا دية الجنين، فإنّه لا يجب فيه كفّارة القتل. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: كلّ موضع يجب فيه الغرّة

ص: 507

يجب فيه الكفّارة.(1)

الفرع الثاني: عدم وجوب الدية والكفّارة إلّابعد العلم بالحياة

لا تجب الدية الكاملة ولا الكفّارة إلّابعد العلم بالحياة، لأنّ الموضوع هو الجنين الحيّ، فإن ثبت عن طريق العلم أو بطريق علميّ كالعدلين فيترتّب عليه الحكم، وإلّا فلا.

قال المحقّق: لا اعتبار بالسكون بعد الحركة، لاحتمال كونها عن ريح.(2)

وقال العلّامة: ولو احتمل كون الحركة عن ريح وشبهه لم يحكم بالحياة كحركة الاختلاج، فإنّ اللحم إذا عُصر شديداً ثم تُرك اختلج، والمذبوح بعد مفارقة الروح قد يختلج.(3)

نعم يظهر من خبر أبي شبل الاكتفاء بمضيّ خمسة أشهر، ففي رواية مفصّلة جاء فيها: قلتُ: فإذا وكزها فسقط الصبيّ ولا يُدرى أحيّاً كان أم لا؟ قال:

هيهات يا أبا شبل إذا مضت خمسة أشهر، فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية.(4) وفي «الجواهر»: لم أجد عاملاً به إلّاما يحكى عن الصدوق، ويمكن حمله على الحركة الممتازة عن حركة الاختلاج،(5) غير أنّ المسألة في

ص: 508


1- . الخلاف: 295/15، المسألة 127.
2- . شرائع الإسلام: 280/4.
3- . قواعد الأحكام: 694/3.
4- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.
5- . جواهر الكلام: 366/43.

المسألة 3. الأقوى أنّه ليس بين كلّ مرتبة ممّا تقدّم ذكره والمرتبة التي بعدها شيء، فما قيل: بينهما شيء بحساب ذلك، غير مرضيّ. *

الوقت الحاضر أصبحت سهلة؛ لأنّ الوسائل الطبية والمختبرية تستطيع تحديد زمن ولوج الحياة حسب الأشهر والأيام، بشرط حصول الوثوق من المختبرات وأصحاب الأجهزة.

الفرع الثالث: في وجوب الكفّارة مع مباشرة الجناية وعدمها

تجب الكفّارة مع مباشرة الجناية، لتحقّق موجبها معها دونما إذا سقط بلا مباشرة لضعف في الرحم أو غيره.

في دية كلّ مرحلة من مراحل تكوّن الجنين وما يليها

قال المحقّق: وقال بعض الأصحاب: وفيما بين كلّ مرتبة بحساب ذلك، وفسّره واحد: بأنّ النطفة تمكث عشرين يوماً ثم تصير علقة، وكذا ما بين العلقة والمضغة، فيكون لكلّ يوم دينار.(1)

والظاهر أنّه يشير إلى كلام الشيخ في «النهاية» كما يظهر ممّا تقدّم في كلامه، قال الشيخ في «النهاية»: الجنين أولُ ما يكون نطفة، وفيه عشرون ديناراً؛ ثم يصير علقة وفيه أربعون ديناراً، وفيما بينهما بحساب ذلك؛ ثم يصير مضغة وفيها ستون ديناراً، وفيما بين ذلك بحسابه؛ ثم يصير عظماً وفيه ثمانون ديناراً، وفيما بين ذلك بحسابه؛ ثمّ يصير مكسوّاً عليه اللحم خلقاً سوياً شُقّ له العينُ والأُذنان والأنف قبل أن تلجه الروح، وفيه مائةُ دينار، وفيما بين

ص: 509


1- . شرائع الإسلام: 4/281.

ذلك بحسابه؛ ثمّ تلجه الروح، وفيه دية كاملة.(1)

وقد فسّر ابن إدريس كلام الشيخ وقال في «السرائر»: أوّل ما يكون نطفة، وفيها بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوماً، عشرون ديناراً؛ ثم بعد العشرين يوماً، لكلّ يوم دينار إلى أربعين يوماً، أربعون ديناراً، وهي دية العلقة، فهذا معنى قولهم وفيما بينهما بحساب ذلك؛ ثم يصير مضغة، وفيها ستون ديناراً، وفيما بين ذلك بحسابه.(2)

ولا يخفى أنّه يمكن أن يكون مراد الشيخ ما ذكره ابن إدريس في أنّ بين كلّ مرتبة إلى مرتبة أُخرى بصورة كاملة أربعين يوماً، لكن دية العشرين يوماً الأُولى ثابتة، قلّت الأيام أو كثرت، وهذا بخلاف العشرين الثانية فالزيادة بحسب الأيام، فلو جنى عليها والنطفة في اليوم الثاني والعشرين فعليه دية 22 ديناراً. ولو جنى عليها والنطفة في اليوم الأربعين - الذي هو تكامل العلقة - فعليه دية 40 ديناراً.

ثمّ إنّ دية العلقة في العشرين الأُولى هي أربعون ديناراً لكن من العشرين الثانية إلى ظهور المضغة يزيد كلّ يوم بحسبه، فلو جنى عليها والجنين في اليوم الخمسين، يجب عليه دفع خمسين ديناراً، الأربعون للأصل والعشرة للأيام العشرة الزائدة.

هذا هو مقصود الشيخ حسب تقرير صاحب السرائر. والذي يرد عليه عدم وجود دليل على اختلاف الدية حسب زيادة الأيام، فإنّ ظاهر الأدلّة ثبات الدية على مقدارها إلى حين تكوّن المرحلة التالية، فليس بين كلّ مرحلتين3.

ص: 510


1- . النهاية: 778.
2- . السرائر: 416/3، كتاب الديات، ولاحظ قواعد الأحكام: 695/3.

دية بشهادة أنّ الروايات السابقة ساكتة عن ذلك.

وأورد عليه المحقّق بوجوه أربعة:

1. المطالبة بصحّة ما ادّعاه الشيخ.

2. ما الدليل على صحّة تفسير ابن إدريس لمراده.

3. إنّ المرويّ في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوماً، وكذا بين العلقة والمضغة؛ روى ذلك سعيد بن المسيّب عن علي بن الحسين عليهما السلام، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، وأبو جرير القمّي عن موسى الكاظم عليه السلام؛ وأمّا العشرون بين المرحلتين فلم نقف له على رواية.

4. ولو سلّمنا المكث الذي ذكره، من أين لنا أنّ التفاوت في الدية مقسوم على الأيام مع أنّه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق عليه السلام: «أنّ لكلّ قطرة تظهر في النطفة دينارين، وكذا كلّ ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد دينارين».

ثمّ قال المحقّق: وهذه الأخبار قد يتوقّف فيها، لاضطراب النقل أو ضعف الناقل، وكذا يتوقّف عن التفسير الذي مرّ بخيال ذلك القائل.(1)

أقول: لا يخفى صحّة الإشكال الأوّل لما عرفت من أنّ الروايات ساكتة عن حكم العشرين الثانية، وظاهرها أنّ هنا دية واحدة إلى أربعين يوماً.

وأمّا الإشكال الثاني فلا يبعد أن يكون مراد الشيخ ما فسّره ابن إدريس.

وأمّا الإشكال الثالث فهو كالثاني، إذ هو أيضاً يعترف بأنّ الفاصل4.

ص: 511


1- . شرائع الإسلام: 282/4.

الزماني بين النطفة والعلقة أربعون يوماً وكذا بين العلقة والمضغة - أي أربعون يوماً - فكلامه موافق للروايات الثلاث، أعني: رواية سعيد بن المسيّب ومحمد بن مسلم وأبي جرير القمي.

نعم لا بأس بالإشكال الرابع حيث يحتمل أن يكون محور التقسيم وجود كلّ قطرة تظهر في النطفة أو ظهور كلّ عرق في العلقة.

فخرجنا بالنتيجة التالية: أنّ الإشكال الأوّل والأخير لا بأس بهما، بخلاف الثاني والثالث.

ثمّ إنّ المحقّق أشار إلى الروايات الثلاث التي تذكر أنّ المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوماً، فلا بأس بالإشارة إلى مواضعها:

1. رواية سعيد بن المسيّب، قال: سألت علي بن الحسين عليهما السلام عن رجل ضرب امرأة حاملاً برجله فطرحت ما في بطنها ميتاً؟ فقال: «إن كان نطفة فإنّ عليه عشرين ديناراً»، قلت: فما حدُّ النطفة؟ فقال: «هي التي (إذا) وقعت في الرحم فاستقرّت فيه أربعين يوماً، وإن طرحته وهو علقة فإنّ عليه أربعين ديناراً».(1)

2. رواية محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام إلى أن قال عليه السلام:

«النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوماً، ثمّ تصير إلى علقة».(2)

3. رواية أبي جرير القمي، قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما4.

ص: 512


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.
2- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

فيها من الدية؟ وما في العلقة؟ فقال: «إنّه يخلق في بطن أُمّه خلقاً من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوماً، ثم يكون علقة أربعين يوماً، ثم مضغة أربعين يوماً، ففي النطفة أربعون ديناراً، وفي العلقة ستون ديناراً».(1)

هذا وأمّا ما رواه يونس الشيباني - الذي احتمل المحقّق أنّه مراد الشيخ - قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فإن خرج في النطفة قطرة من دم؟ فقال: «القطرة عشر النطفة، فيها اثنان وعشرون ديناراً»، قلت: فإن قطرت قطرتين؟ قال:

«أربعة وعشرون ديناراًإلخ».(2)

فإن قلت: المعروف أنّ ولوج الروح يتمّ بعد مضي أربعة أشهر مع أنّ لازم روايتي سليمان بن صالح وأبي جرير القمي(3) أنّه يتمّ بعد مضي مائتي يوم، حيث تحسب لكلّ من النطفة والعلقة، والمضغة والعظم قبل الاكتساء وله بعد الاكتساء مدة أربعين يوماً، فتكون النتيجة هي 200 يوم، وذلك لأجل 40 * 5\200.

قلت: إنّ العناوين وإن كانت خمسة، لكن الأربعين يوماً لا تتجاوز عن أربعة؛ وذلك لأنّ الأربعين الأُولى لا تحسب للنطفة، لأنّها تتحقّق في أوّل يومها وإنّما تحسب للعلقة، فيكون المجموع 160 يوماً، لأجل 40 * 4\160.

وهو يقارب ما ورد في رواية.

مضافاً إلى انّ الروايتين إنّما ذكرتا الفاصل الزماني بين الأُمور الثلاثة لا الأمر الرابع فلا وجه لعطف الرابع على الثلاثة.9.

ص: 513


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.
2- . الوسائل: 19، الباب 19، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
3- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3 و 9.

المسألة 4. لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها، فدية المرأة كاملة ودية أُخرى لموت ولدها، فإن علم أنّه ذكر فديته، أو الأُنثى فديتها، ولو اشتبه فنصف الديتين. *

لو قُتلت المرأة ومات ما في بطنها

في المسألة فرعان:

1. لو قتلت المرأة فمات جنينها الذي علم أنّه ذكر أو أُنثى.

2. تلك الصورة لكن اشتبه حال الجنين من حيث الذكورية والأُنوثية.

وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: فهناك ديتان دية للمرأة ودية للجنين حسب حاله أخذاً بتعدّد المسبّبات حسب تعدّد الأسباب، أوّلاً، والأخذ بالإطلاقات ثانياً، حيث إنّ إطلاق ما دلّ على الدية إذا جنى على ما في جوف المرأة تشمل ما إذا قتل منفرداً أو قتل مع الأُم.

الفرع الثاني: فيجب نصف الديتين. ويدلّ عليه روايتان:

1. ما رواه الكليني بأسانيده إلى كتاب ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام وفيه: وإن قتلت امرأة وهي حبلى متمّ فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أو أُنثى ولم يعلم أبعدها مات أم قبلها، فديته نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأُنثى، ودية المرأة كاملة بعد ذلك.(1)

2. ما رواه الكليني بأسانيده عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،

ص: 514


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 5. لو ألقت المرأة حملها فعليها دية ما ألقته، ولا نصيب لها من هذه الدية. *

وفيه قوله: «وإن قتلت المرأة وهي حبلى فلم يدر أذكراً كان ولدها أم أُنثى فدية الولد (نصفان) نصف دية الذكر ونصف دية الأُنثى، وديتها كاملة».(1)

وهاتان الروايتان تصلحان لأن يكونا سنداً للفرع الأوّل أيضاً.

لو ألقت المرأة حملها

قال المحقّق: لو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبيباً فعليها دية ما ألقته، ولا نصيب لها من هذه الدية.(2)

فعلى هذا لو كان الجنين ذكراً فدية ذكر، ولو كان أُنثى فدية أُنثى، ولو كان قبل ولوج الروح فبالتفصيل المتقدّم.

ويدلّ عليه العمومات أوّلاً، وثانياً: صحيح أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة شربت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال: «إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشقَّ له السمع والبصر فإنّ عليها دية تسلمها إلى أبيه، قال: وإن كان جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً، أو غرَّة تسلمها إلى أبيه»، قلت: فهي لا ترث من ولدها من ديته؟ قال: «لا، لأنّها قتلته».(3)

ثمّ إنّ قول المحقّق: «تسبيباً» يعمّ ما إذا قام الطبيب بإسقاط الجنين بطلب من الأُم ورضاً منها خصوصاً مع إعطاء الأُجرة على ذلك، فالدية على الأُمّ،

ص: 515


1- . الوسائل: 19، الباب 21 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . شرائع الإسلام: 282/4.
3- . الوسائل: 19، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

المسألة 6. لو تعدّد الولد تعدّدت الدية، فلو كان ذكراً وأُنثى فدية ذكر وأُنثى وهكذا، وفي المراتب المتقدّمة كلّ مورد أُحرز التعدّد، دية المرتبة متعدّدة. *

المسألة 7. دية أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديته، أي من حساب المائة، ففي يده خمسون ديناراً، وفي يديه مائة، وفي الجراحات والشجاج على النسبة؛ هذا فيما لم تلجه الروح، وإلّا فكغيره من الأحياء. **

دون الطبيب، ومع ذلك ففيه تأمّل، مبني على أقوائية السبب من المباشر، كما عليه ظاهر المحقّق، أو بالعكس.

في تعدّد الولد وتعدّد الدية

وتدلّ عليه الضابطة المعروفة من عدم التداخل في الأسباب، فإنّ القول بالتداخل يحتاج إلى دليل، ولا دليل في المقام، مضافاً إلى العمومات إذ لا شكّ في صدق تعدّد القتل حسب تعدّد الولد.

هذا إذا كان الجنين ذكراً أو أُنثى، وفي كلّ مورد احرز التعدد فتتعدّد الدية حسب تعدّدها كما أشار إليه المصنّف بقوله: «وفي المراتب المتقدّمة».

في دية أعضاء الجنين وجراحاته

في المسألة فرعان:

1. إذا جنى على أعضاء الجنين قبل ولوج الروح.

ص: 516

2. إذا جنى على أعضاء الجنين بعد ولوج الروح. وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: قال المحقّق: ودية أعضائه وجراحاته بنسبة ديته.(1)

وقال العلّامة في «القواعد»: ودية أعضائه وجراحاته بالنسبة إلى ديته، ففي يده بعد الكمال قبل أن تلجه الروح خمسون ديناراً.(2)

والمراد من ديته هو «مائة دينار» التي هي الدية الكاملة للجنين قبل ولوج روحه؛ ويدلّ عليه معتبرة ظريف: «وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر والأُنثى والرجل والمرأة كاملة».(3)

قال السيد الخوئي - بعد ذكر الرواية -: إنّ جعل الدية فيها من حساب المائة لا يكون إلّابعد ما يكون الجنين تام الخلقة وله أعضاء متمايزة قبل ولوج الروح فإنّ ديته عندئذٍ مائة دينار، وعليه فدية قطع أعضائه على نسبة مائة دينار، وقد تقدّم أنّه لا فرق في ذلك بين كون الجنين ذكراً أو أُنثى.(4)

الفرع الثاني: إذا قام بذلك بعد ولوج الروح، فديته دية الإنسان الكامل ففي الذكر ألف دينار، وفي الأُنثى خمسمائة دينار، لأنّ الجناية عندئذٍ تؤدّي إلى قتل النفس المحترمة.2.

ص: 517


1- . شرائع الإسلام: 282/4.
2- . قواعد الأحكام: 696/3.
3- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
4- . مباني تكملة المنهاج: 411/2-412.

المسألة 8. من أفزع مجامعاً فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير ضياع النطفة. *

المسألة 9. لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء إنسان، فإن حصل بسقوطه نقص ففيه الحكومة، ولو وردت على أُمّها جناية فديتها. **

مَن أفزع مجامعاً فعزل

قال الشيخ في «الخلاف»: مَن أفزع غيره وهو يجامع حتّى عزل عن زوجته الحرّة، كان عليه عُشر دية الجنين عشرة دنانير.

وخالف جميع الفقهاء في ذلك.(1)

ويدلّ عليه قوله في معتبرة ظريف: «وأفتى عليه السلام في منيِّ الرجل يفرغ عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك، نصف خمس المائة عشرة دنانير».(2)

لو خفي على القوابل كون الساقط مبدأ نشوء إنسان
اشارة

قال العلّامة في «القواعد»: لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء إنسان، فالأقرب الحكومة بسبب الألم بالضرب، ولا يجب بالإلقاء شيء وإنّما يجب مع حكم أهل الخبرة، بكونه مبدأ نشوء إنسان.(3)

وموضوع المسألة فيما إذا كان الساقط في أوائل أيام الحمل، فشكّ

ص: 518


1- . الخلاف: 293/5، المسألة 123.
2- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . قواعد الأحكام: 696/3.

المسألة 10. دية الجنين إن كان عمداً أو شبهه في مال الجاني، وإن كان خطأ فعلى العاقلة إذا ولج فيه الروح، وفي غيره تأمّل وإن كان الأقرب أنّها على العاقلة. *

في كونه مبدأ إنسان أو لا، وإلّا ففي الأزمنة اللاحقة يتبيّن كونه مبدأ أولا.

وعلى كلّ تقدير فلو حصل بسقوطه نقص في الأُم ففيه الحكومة، ولو وردت على الأُم جناية فديتها.

وبعبارة أُخرى: إن كان النقص الوارد عليها ممّا لا تقدير له ففيه الحكومة، وما فيه التقدير ففيه الدية.

وبذلك يظهر النظر في كلام صاحب القواعد حيث قال: (فالأقرب الحكومة بسبب الألم بالضرب) مع أنّه من الواضح أنّه لا حكومة مالية مع الضرب إلّامع وجود النقص، نعم عنده الحكومة بمعنى آخر وهو تعزيره.

* في المسألة فرعان:

1. دية الجنين بعد ولوج الروح بأقسام الجناية الثلاثة: العمد وشبهه والخطأ.

2. دية الجنين قبل ولوج الروح بأقسام الجناية الثلاثة.

وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: دية الجنين بعد ولوج الروح في العمد وشبهه والخطأ

قال المحقّق: دية الجنين إن كان عمداً أو شبيه العمد ففي مال الجاني،

ص: 519

وإن كان خطأ فعلى العاقلة وتُستأدى في ثلاث سنين.(1)

ويظهر من الشيخ كون الحكم أمراً مسلّماً حيث قال: فإن اصطدمت امرأتان حاملتان فماتتا، فألقت كلّ واحدة منهما جنيناً ميّتاً، فعلى عاقلة كلّ واحدة منهما نصف دية صاحبتها، لأنّ كلّ واحدة منهما ماتت بجنايتها على نفسها وجناية صاحبتها عليها، فما قابل جنايتها هدر، وما قابل جناية صاحبتها مضمون، ثم ّ قال: وأمّا دية الجنين فعلى عاقلة كلّ واحدة منهما دية جنين كامل نصف دية جنينها ونصف دية جنين صاحبتها ولا يهدر منها شيء، ويفارق هذا ديتها، لأنّ ذلك حقّ لهما فهُدر بفعلهما، وهذه جناية على الغير فلم يهدر منه شيء؛ لأنّهما اشتركا في قتل كلّ واحد من الجنينين(2).

وأمّا وجه وجوب دفع الدية الكاملة لكلّ من العاقلتين، فهو أنّ كلّاً من المرأتين، ارتكبتا، جنايتين خاطئتين، فإنّ نصف جنينها قتل بفعلها، خطأ، والنصف الآخر بفعل الأُخرى، وهكذا نصف جنينها، قتل بفعلها والنصف الآخر بفعل الأُخرى، فلذلك وجب لكلّ من العاقلتين الدية الكاملة. إلخ.

وقال العلّامة في «التحرير»: العاقلة تضمن دية الجنين عن الجاني إن كان قتله خطأ مباشرة في ثلاث سنين.(3)

ويدلّ عليه ما عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تضمن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً».(4)1.

ص: 520


1- . شرائع الإسلام: 282/4.
2- . المبسوط: 196/7.
3- . تحرير الأحكام: 630/5، المسألة 7305.
4- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
الفرع الثاني: دية الجنين قبل ولوج الروح في العمد وشبهه والخطأ
اشارة

إذا جنى على الجنين قبل ولوج الروح فإن كان عمداً أو شبهه فعلى الجاني؛ وأمّا إذا كان خطأ، فهل هو على العاقلة أو على الجاني؟ وجهان:

الأوّل: أنّه على العاقلة: لدعوى عدم الفرق في ذلك بين دية الجنين قبل ولوج الروح لجميع مراتبه وبين ولوج الروح فيه، وكأنّهم جعلوا الجناية على الجنين مطلقاً بحكم القتل بالنسبة إلى الأحكام المذكورة، وظاهرهم الاتّفاق.(1)

الثاني: أنّه على الجاني، لانصراف الأدلّة عن الجناية على غير الإنسان وإن كان جنيناً.

وبعبارة أُخرى: أنّ المتبادر من الأدلّة هو تحمّل العاقلة جناية الجاني عن خطأ على الإنسان، والجنين قبل الولوج ليس بإنسان عرفاً، ولولا الإجماع لأمكن أن يقال عدم تحمّل العاقلة دية الجنين حتى بعد ولوج الروح، ولذلك قال في «الجواهر»: ولولا الإجماع لأمكن الإشكال في صورة تحقّق القتل.(2)

ولو قصرت اليد عن الدليل الاجتهادي فأصل البراءة بالنسبة إلى تحمّل العاقلة هو المحكّم، وأمّا الجاني فالأصل هو الاشتغال، إنّما الكلام في انتقالها إلى العاقلة وتحمّلها عنه، وقد عرفت أنّ الأصل عدمه.

ص: 521


1- . جواهر الكلام: 383/43.
2- . جواهر الكلام: 383/43.

المسألة 11. في قطع رأس الميّت المسلم الحرّ مائة دينار، وفي قطع جوارحه بحساب ديته، وبهذه النسبة في سائر الجنايات عليه، ففي قطع يده خمسون ديناراً، وفي قطع يديه مائة، وفي قطع إصبعه عشرة دنانير، وكذا الحال في جراحه وشجاجه، وهذه الدية ليست لورثته بل للميّت، تصرف في وجوه الخير، ويتساوى في الحكم الرجل والمرأة والصغير والكبير، وهل يؤدى منها دين الميت؟ الظاهر نعم. *

* في المسألة فروع:

1. في قطع رأس الميّت المسلم الحرّ مائة دينار.

2. في قطع جوارحه وسائر الجنايات بحسب ديته.

3. هذه الدية لا ترثها الورثة بل هي للميّت.

4. يتساوى في الحكم الرجل والمرأة والصغير والكبير.

5. يؤدّى من الدية دين الميّت.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: في قطع رأس الميّت الحرّ

قد تضافرت الروايات على أنّ في قطع رأس الميّت دية مائة دينار.

منها: صحيحة الحسين بن خالد، وقد رواها المشايخ الثلاثة مضافاً إلى البرقي في محاسنه وسند المحاسن صحيح، رواه عن أبيه محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسين بن خالد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل قطع رأس ميّت؟ فقال: «إنّ اللّه حرّم منه ميّتاً كما حرّم منه حيّاً، فمن فعل

ص: 522

بميّتٍ فِعلاً يكون في مثله اجتياح نفس الحيّ فعليه الدية».

فسألت عن ذلك أبا الحسن عليه السلام؟

فقال: «صدق أبو عبد اللّه عليه السلام هكذا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم».

قلت: فمن قطع رأس ميّتٍ، أو شقّ بطنه، أو فَعَلَ به ما يكون فيه اجتياح نفس الحيّ، فعليه دية النفس كاملة؟

فقال: «لا ولكن ديتُه دية الجنين في بطن أُمِّه قبل أن تلج فيه الروح، وذلك مائة دينار وهي لورثته، ودية هذا (هي) له لا للورثة».

قلت: فما الفرق بينهما؟

قال: «إنّ الجنين أمرٌ مستقبل، مرجو نفعه، وهذا (أمر) قد مضى، وذهبت منفعته، فلمّا مُثّل به بعد موته، صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره، يُحجّ بها عنه، ويُفعل بها أبوابُ الخير والبرِّ، من صدقةٍ أو غيره».

قلت: فإن أراد رجلٌ أن يحفر له ليغسِّله في الحفرة فسدر الرجل ممّا يحفر، فدير به فمالت مسحاتُهُ في يده فأصاب بطنه فشقّه فما عليه؟

فقال: «إذا كان هكذا، فهو خطأ وكفّارته عتقُ رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو صدقة على ستين مسكيناً، مدٌ لكلّ مسكين بمدّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم».(1)

وأمّا الكليني فقد رواها بالسند التالي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن حفص، عن الحسين بن خالد، وهذا السند لا غبار عليه.(2)4.

ص: 523


1- . المحاسن: 16/2 برقم 1087، ولاحظ: الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2؛ اجتاح: أهلك.
2- . الكافي: 349/7، برقم 4.

إذ لا شكّ في وثاقة علي بن إبراهيم وأبيه، وأمّا محمد بن حفص فهو مشترك بين أشخاص ثلاثة لكنّ الظاهر أنّه عبارة عمّن كان من وكلاء الناحية، وهو ثقة؛ إلّاأنّ الذي يضعّف الرواية أنّه لا يمكن أن يروي محمد بن حفص (وهو وكيل الناحية المقدّسة) عن الحسين بن خالد الذي هو من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام، ففي السند سقط.

وأمّا الشيخ فقد رواها تارة بنفس السند المذكور في الكافي، وأُخرى بالسند التالي: محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أشيم، عن الحسين بن خالد.(1)

وهذا السند لا غبار عليه إلّافي محمد بن أشيم، فقد وصفه النجاشي بأنّه غال فاسد الحديث.

وأمّا الصدوق فقد نقله مرسلاً عن الحسين بن خالد، ولم يذكر في مشيخة الفقيه سنده إليه.(2)

نعم نقله في العلل بالسند التالي:

قال: عن أبي رحمه اللّه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن موسى عليه السلام.(3)

وفيه إرسال، وعلى كلّ حال فالأسانيد المختلفة يدعم بعضها.

ص: 524


1- . التهذيب: 275/10، برقم 1077.
2- . الفقيه: 117/4، برقم 404.
3- . علل الشرائع: 543/2. ومحمد بن أحمد في السند هو ابن يحيى بن عمران الأشعري صاحب نوادر الحكمة المتوفّى حدود سنة 293 ه.

بعضاً، فالرواية صحيحة.

والشاهد في قوله: «ولكن ديته دية الجنين في بطن أُمّه قبل أن تلج فيه الروح، وذلك مائة دينار».

نعم هناك روايات ظاهرة في أنّ فيه دية إنسان كامل، وليست صريحة، غير قابلة للحمل على دية الجنين قبل ولوج الروح، وهي ما يلي:

1. ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل قطع رأس الميّت؟ قال: «عليه الدية؛ لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ».(1)

2. ما رواه محمد بن سنان، عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل قطع رأس رجل ميّت؟ قال: «عليه الدية، فإنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ».(2)

3. ما رواه محمد بن سنان عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل قطع رأس الميّت؟ قال: «عليه الدية؛ لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ».(3)

ولعلّ الرواية الأخيرة متّحدة مع الثانية، وأنّ المراد من قوله: «عمّن أخبره» هو عبد اللّه بن مسكان.

ومع ذلك فقد حملها الشيخ على أنّ المراد بالدية هو دية الجنين للتصريح بها في رواية الحسين بن خالد.6.

ص: 525


1- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
3- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

نعم التعليل الموجود من أنّ حرمته ميّتاً كحرمته حيّاً، يعطي أنّ ديته دية الحيّ، ولكن لا يمنع عن الحمل على دية الجنين، لتصريح الرواية الأُولى على ذلك. وعلى كلّ تقدير فالعمل إنّما هو بالصحيحة.

الفرع الثاني: في قطع جوارح الميّت وسائر الجنايات عليه

في قطع جوارحه وسائر الجنايات على الميّت فبحسب ديتها.

ويدلّ على أنّ في قطع جوارحه وسائر الجنايات عليه الدية ما مرّ في صحيحتي عبد اللّه بن سنان وعبد اللّه بن مسكان، حيث علّل ثبوت الدية في قطع رأس الميّت بأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ، فكما أنّ في قطع يد الحيّ أو رجله أو نحو ذلك من أعضائه دية، كذلك في قطع يد الميّت أو رجله أو نحوهما من أعضائه دية.

وعلى هذا فلو قطع يده الواحدة فبما أنّ ديته نصف دية النفس، فيجب على القاطع نصف المائة.

وحصيلة الكلام: أنّه ينسب دية العضو المقطوع أو المجنيّ عليه إلى دية الإنسان الحيّ فيؤخذ من دية الميّت النسبة، أي نسبة المقطوع إلى دية الحيّ، وفي قطع يديه تمام الدية (مائة دينار)، وفي قطع إحدى اليدين نصف الدية أي خمسون ديناراً، وفي قطع الإصبع عُشر المائة وهي عشرة دنانير؛ وكذا الحال في جراحه وشجاجه.

الفرع الثالث: إنّ هذه الدية لا يرثها وارثه

قال المحقّق: ولا يرث وارثه منها شيئاً، بل تصرف في وجوه القُرب

ص: 526

عنه، عملاً بالرواية. وقال علم الهدى رحمه الله: يكون لبيت المال.(1)

ويدلّ عليه مرسل محمد بن الصباح، وفيها: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ليس لورثته فيها شيء إنّما هذا شيء أتى إليه في بدنه بعد موته، يحجّ بها عنه، أو يتصدّق بها عنه، أو تصير في سبيل من سبل الخير».(2)

وفي صحيحة الحسين بن خالد: «فلمّا مُثّل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة، له لا لغيره يحجّ بها عنه ويفعل بها أبواب الخير والبرّ من صدقة أو غيره».(3)

وقال المرتضى: فعليه مائة دينار لبيت المال.(4) مستدلّاً بما في رواية إسحاق بن عمّار، قال للصادق عليه السلام: فمن يأخذ ديته؟ قال: «الإمام، هذا للّه وإن قطعت يمينه أو شيء من جوارحه فعليه الإرش للإمام».(5)

وحمله في «الجواهر» على أنّ الإمام، أو من نصبه يقبضها ويتصدّق بها عنه فإنّه الولي لمثل ذلك.(6)

وإلى هذا أشار المفيد بقوله: يقبضها إمام المسلمين أو من نصبه للحكم في الرعية ويتصدّق عن الميّت بها.(7)9.

ص: 527


1- . شرائع الإسلام: 284/4.
2- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- . الانتصار: 272.
5- . الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
6- . جواهر الكلام: 388/43.
7- . المقنعة: 759.
الفرع الرابع: تساوي الرجل والمرأة والصغير والكبير في الحكم

يتساوى في الحكم الرجل والمرأة والصغير والكبير أخذاً بالإطلاقات، فإنّ الموضوع هو الميّت. وفي «الجواهر»: «إلّا أن يتساوى المرأة والرجل والصغير والكبير في ذلك؛ للعموم المؤيّد بالتعليل بأنّه كالجنين التامّ الذي لم تلجه الروح(1)، وعلى هذا فدية الرأس واليد والرجل معاً - في المرأة والصغير - أو على حدة، كالرجل.

الفرع الخامس: يؤدّى من الدية دين الميّت

قال المحقّق في «نكت النهاية»: ولو قيل يقضي دينه إذا كان عليه دين كان حسناً، لأنّ الأخبار دلّت على أنّ ذلك له، وأنّ ذلك شيء صار إليه بعد وفاته، فإذا حكم أنّه له، ولم يخلّف ما يُقضى به دينه، كان صرفه في قضاء الدين حسناً، ولأنّ قضاء الدين يحصل معه براءة الذمّة، والصدقة يحصل بها اكتساب الأجر، وإبراء الذمّة أولى.(2)

ويدلّ على ذلك أنّه من مواضع الخير الذي دلّت على صرفها فيه الروايات المذكورة، خصوصاً أنّ الحكم التكليفي ارتفع بالموت، ولكنّ الحكم الوضعي باقٍ على حاله.

ص: 528


1- . جواهر الكلام: 43/389.
2- . نكت النهاية: 464/3.
الثاني من اللواحِق: في العاقلة
اشارة

والكلام فيها في أمرين:

الأوّل: تعيين المحلّ، وهو العصبة، ثم المعتِقِ، ثم ضامن الجريرة، ثم الإمام عليه السلام، وضابط العصبة من تقرّب بالأبوين أو الأب، كالإخوة وأولادهم وإن نزلوا والعمومة وأولادهم كذلك. *

* إكمال البحث في العاقلة يتوقّف على دراسة أمرين:

1. تعيين المحلّ.

2. كيفية التقسيط بين العاقلة.

وإليك دراسة الأمر الأوّل وسوف ندرس الأمر الثاني في محلّه.

الأمر الأوّل: تعيين المحلّ

لا يتجاوز المحل عن أربعة:

1. العصبة.

2. المُعتِق إذا لم تكن عصبة.

3. ضامن الجريرة إذا لم يكن هناك مُعتِق.

4. الإمام عليه السلام وهو وارث من لا وارث له.

أمّا المُعتِق وضامن الجريرة والإمام عليه السلام فقد ذكر المصنّف في المقصد الثاني في الميراث بسبب الزوجية (من كتاب المواريث) أنّ الإرث

ص: 529

بسبب الولاء غير مبتلى به إلّابسبب الإمامة، فمن مات وليس له وارث من الطبقات المتقدّمة ولا بولاء العتق ولا ضمان الجريرة ولم يكن له زوج، يرثه الإمام عليه السلام وأمره في عصر غيبة ولي الأمر عجّل اللّه تعالى فرجه كسائر ما للإمام عليه السلام بيد الفقيه الجامع للشرائط.(1) فبما أنّ هؤلاء يرثون إذا لم يكن هناك وارث نسبي ولا سببي، فلأجل ذلك يتحمّلون دية الجناية عن الخطأ، من باب أنّه من له الغُنم فعليه الغرم.

وبما أنّ الابتلاء فيهم قليل في باب الإرث والمقام، نطوي الكلام عنه هنا، ونركّز الكلام في العصبة.

نقول: العصبة مأخوذ من العصب، وهو الطيّ الشديد، والعصابة هي الحبل المفتول، يقال: عصب الشيء: شدّه، وعصب القطن غزله، وعصب القوم به: اجتمعوا وأحاطوا به.(2)

واختلفت كلمات اللغويين في تحديد العصبة، فلنقتصر بذكر قولين:

القول الأوّل: العصبة عبارة عن الأب والولد والأخ والعمّ الذين يحيطون بالرجل، قال الأزهري: عصبة الرجل أولياؤه الذين يرثونه، سمّوا عصبته لأنّهم عصبوا بنسبه، فالأب طرف والابن طرف والأخ جانب والعم جانب، ولمّا أحاطوا به سمّوا عصبة، وكلّ شيء استدار على شيء فقد عصّب به.(3)

وقال في «الصحاح»: عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه، وإنّما سمّوا عصبة لأنّهم عصّبوا أي أحاطوا به، فالأب طرف والابن طرف والعم جانب».

ص: 530


1- . تحرير الوسيلة: 358/2.
2- . المنجد: مادة «عصب».
3- . لسان العرب، مادة «عصب».

والأخ جانب.(1)

وفي «مجمع البحرين»: عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه(2)، ولم يذكر الأب.

القول الثاني: العصبة عبارة عن الإخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم، وهذا هو الظاهر من الخليل حيث أخرج الولد والوالد، قال: العصبة ورثة الرجل عن كلالة من غير ولد ولا والد.(3)

وفي النهاية الأثيرية: العاقلة هي العصبة والأقارب من جهة الأب الذي يعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة.(4)

وهناك تعريفات يمكن إلحاقها بالقول الأوّل.

قال الزمخشري في «أساس البلاغة»: عصب القوم بفلان أي أحاطوا به، ومنه العصبة.(5)

وقال في «أقرب الموارد»: العصبة قوم الرجل الذين يتعصّبون له.(6) وقد مرّ أنّ الذين يتعصّبون للرجل هم الذين يحيطون به من جوانب أربع؛ الابن والاب والأخ والعم.

هذه هي أقوال أئمة اللغة، وقد عرفت أنّ أكثرهم على القول الأوّل، أي شمولها للأب والابن.

وأمّا أقوال الفقهاء، فسنذكرها في المسألة التالية.».

ص: 531


1- . الصحاح، مادة «عصب».
2- . مجمع البحرين، مادة «عصب».
3- . كتاب العين، مادة «عصب».
4- . النهاية لابن الأثير، مادة «عقل».
5- . أساس البلاغة، مادة «عصب».
6- . أقرب الموارد: مادة «عصب».

المسألة 1. في دخول الآباء وإن علوا والأبناء وإن نزلوا في العصبة خلاف، والأقوى دخولهما فيها. *

عدم دخول الآباء والأبناء في العصبة

وأمّا كلمات الأصحاب فمنهم من يؤيّد القول الثاني - أي عدم دخول الآباء والأبناء -، قال الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف»: العاقلة كلّ عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين، وهم: الإخوة وأبناؤهم إن كانوا من جهة أب وأُمّ، أو من جهة أب، والأعمام وأبناؤهم، وأعمام الأب وأبناؤهم والموالي.(1) وهذا هو الذي أشار إليه المحقّق بقوله: فضابط العصبة مَن يتقرّب بالأب كالإخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم، ولا يشترط كونهم من أهل الإرث في المال.(2)

ومراده من قوله: «ولا يشترطإلخ» أي لا يشترط كونهم وارثين بالفعل، فلا يرث الإخوة ولا الأعمام مع وجود الأب أو الإبن.

دخول الآباء والأبناء في العصبة
اشارة

ولكن الظاهر من الشيخ المفيد في «المقنعة» وأبو الصلاح في «الكافي» وابن إدريس في «السرائر» هو المعنى الأوّل.(3)

وهذا هو الذي قوّاه المحقّق، وقال: وهل يدخل الآباء والأولاد

ص: 532


1- . المبسوط: 173/7؛ الخلاف: 227/5، المسألة 98.
2- . شرائع الإسلام: 288/4.
3- . للحصول على كلماتهم راجع: مختلف الشيعة: 289/9-290.

في العقل؟ قال في «المبسوط» و «الخلاف»: لا، والأقرب دخولهما لأنّهما أدنى قومه. وقال صاحب «الجواهر» في تفسير الجملة: المفسّر فيه العصبة.(1)

فلو كانت العصبة هي أدنى القوم وأقربهم فلا شكّ في أنّ الولد والأب أقرب من الإخوة والأعمام.

ثمّ لا شكّ حسب الاعتبار (العرفي) من دخولهما، فإذا كان الأخ والعم مسؤولين في المقام فالأب والابن أولى بذلك.

ويدلّ على ذلك خبر سلمة بن كُهيل، قال: أُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلاً خطأ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ عشيرتك وقرابتك؟» فقال:

ما لي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة، قال: فقال: «فمن أيّ البلدان أنت؟» قال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة وأهل بيت، قال: فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله في الموصل: «أمّا بعد فإنّ فلانَ بن فلان وحِلْيته(2) كذا وكذا، قتل رجلاً من المسلمين خطأً، فذكر أنّه رجل من أهل الموصل، وأنّ له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان وحليته كذا وكذا، فإذا ورد عليك إن شاء اللّه وقرأت كتابي فافحص عن أمره وسل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك، ثمّ انظر، فإن كان رجل منهم يرثه، له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها نجوماً في ثلاث سنين».(3) فالموضوع للعقل1.

ص: 533


1- . شرائع الإسلام: 288/4، جواهر الكلام: 421/43.
2- . حلية الإنسان: ما يُرى من لونه وظاهره وهيبته.
3- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

المسألة 2. لا تعقل المرأة بلا إشكال، ولا الصبيّ ولا المجنون على الظاهر وإن ورثوا من الدية، ولا أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة، ولا أهل البلد إن لم يكونوا عصبة، ولا يشارك القاتل العصبة في الضمان ويعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى إذا كانوا عصبة. *

كونه ممّن يرثه والأب والولد من أظهر مصاديقه، ويدلّ على أنّ الوارث الأقرب يمنع عن الأبعد، وسيوافيك الكلام فيه عند البحث عن كيفية التقسيط في المسألة الأُولى، فانتظر.

وعلى كلّ تقدير فعصبة الشخص هم المحيطون به، فبطبيعة الحال تشمل الأب والابن.

نعم بقيت هنا صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام على امرأة اعتقت رجلاً واشترطت ولاءه ولها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها».(1)

فغاية ما تدلّ عليه أنّ ولاء الأُم لا ينتقل إلى الولد، ولا يدلّ على استثناء الولدمن العاقلة، فالاستثناء عن الولاء لا عن العاقلة.

* في المسألة فروع:

1. لا تعقل المرأة، ولا الصبيّ ولا المجنون.

2. لا يعقل أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة.

3. لا يعقل أهل البلد إن لم يكونوا عصبة.1.

ص: 534


1- . الوسائل: 16، الباب 39 من أبواب العتق، الحديث 1.

4. لا يشارك القاتل العصبة في الضمان.

5. يعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى إذا كانوا عصبة.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: ليس على المرأة عقل ولا على الصبيّ والمجنون

لا تعقل الطوائف الثلاثة، أمّا الصبيّ والمجنون، فلرفع القلم عنهما.

وأمّا المرأة فلأنّها خارجة عن مفهوم العصبة؛ مضافاً إلى صحيحة الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ المرأة ليس عليها معقلة وذلك على الرجال».(1)

ونظيرها رواية إسحاق بن محمد النخعي قال: سأل النهيكي أبا محمد عليه السلام ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبو محمد عليه السلام: «إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة».(2)

الفرع الثاني: ليس على أهل الديوان عقل إن لم يكونوا عصبة

أهل الديوان هم الذين رتّبهم الإمام عليه السلام للجهاد، وأدرّ لهم أرزاقاً، ودوّنت أسماءهم فليس عليهم العاقلة إذا لم يكونوا عصبة. كذا فسّره في «المسالك» وأضاف: أنّ عند أبي حنيفة أنّه يتحمّل بعضهم عن بعض وإن لم يكن

ص: 535


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 2، ولاحظ: الوسائل 17، الباب 2 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
2- . الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 3.

بينهم قرابة، ويتقدّمون على الأقارب، اتّباعاً لما ورد من قضاء عمر.

وأورد عليه في «المسالك» بقوله: إنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قضى بالدية على العاقلة، ولم يكن في عهده ديوان ولا في عهد أبي بكر، وإنّما وضعه عمر حين كثر الناس واحتاج إلى ضبط الأسماء والأرزاق، فلا يترك ما استقرّ في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم بما أُحدث بعده، وحُمل قضاء عمر بذلك على أنّه كان في الأقارب من أهل الديوان.(1)

الفرع الثالث: لا يعقل أهل البلد إن لم يكونوا عصبة

لا يشارك أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة، وإن ورد ذلك في رواية سلمة بن كهيل، ولكنّه زيدي بتري لا يؤخذ بروايته إذا تفرّدت بشيءٍ. وورد فيها:

«وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا قرابة من قبل أُمّه، ففضّ الدية على أهل الموصل ممّن ولد ونشأ بها».

الفرع الرابع: القاتل لا يشارك العصبة في الضمان

لا يشارك القاتل العصبة في الضمان، لوضوح أنّه ليس من العصبة؛ لأنّه محاط، لا محيط.

الفرع الخامس: في عقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى

مشاركة الطوائف الأربع (الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى) إذا كانوا عصبة، لإطلاق لفظ العصبة وشمولها لهم.

ص: 536


1- . المسالك: 511/15.

المسألة 3. هل يتحمّل الفقير حال المطالبة - وهو حول الحول - شيئاً أم لا؟ فيه تأمّل وإن كان الأقرب بالاعتبار عدم تحمّله. *

في تحمّل الفقير للعاقلة

قال المحقّق: ولا يتحمّل الفقير شيئاً، ويعتبر فقره عند المطالبة وهو حول الحول.(1)

وعلى هذا فمن استغنى عندها عقل وإن كان فقيراً قبلها وبالعكس. قال العلّامة في «القواعد»: ولا (يعقل) فقير وإن كان مكتسباً، ويعتبر فقره عند المطالبة وهو بعد الحول.(2) خلافاً لفقهاء أهل السنّة فاكتفوا بالانتساب.(3)

فإن قلت: لماذا جُعل الميزان في تفسير الضمان، الغنى عند المطالبة، وفي عدمه الفقر عند عدمها مع إمكان أن يقال: إنّ الميزان هو الغنى والفقر عند الجناية، فلو كان غنياً عندها يضمن، وإن صار فقيراً عند المطالبة فعندئذٍ يجب عليه الاكتساب؟

قلت: لعلّ وجه ذلك أنّ خطاب العاقلة قبل الحول خطاب تكليفي لا وضعي، وإنّما يصير وضعياً إذا حال الحول وهو وقت المطالبة.

هذا واحتمل في «الجواهر» أنّ مقتضى الإطلاق تحمّله فيكون كسائر ديونه.(4)

ص: 537


1- . شرائع الإسلام: 288/4.
2- . قواعد الأحكام: 708/3.
3- . كشف اللثام: 11/503.
4- . جواهر الكلام: 422/43.

المسألة 4. تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد، والأقوى عدم تحمّلها ما نقص عنها. *

وقال المحقّق الخوئي: هل يعتبر الغنى في العاقلة؟ المشهور اعتباره وفيه إشكال، والأقرب عدم اعتباره، وأنّه لا فرق بين الغني والفقير.(1) لكن مقتضى الاعتبار العرفي انصراف الأدلّة عن الفقير، بل يُعدّ هذا نوع فرض بلا وجه، إذ هو لا يجد قوت سنته فكيف يتحمّل دية القاتل على ذمّته.

العاقلة تحمل دية الموضحة وما زاد

قد تقدّم أنّ للشجاج أقساماً: 1. الحارصة، 2. الدامية، 3. المتلاحمة، 4.

السمحاق، 5. الموضحة.

والأخير عبارة عن التي تكشف عن وضح العظم أي بياضه، وفيها خمسة أبعرة، فحينئذٍ يقع الكلام هل تتحمّل العاقلة عند الجناية على الأطراف عامّة الأقسام من الحارصة إلى الموضحة إلى آخرها، أو لا تتحمّل إلّامن الموضحة فصاعداً؟

قال الشيخ في «المبسوط»: روى أصحابنا أنّه لا يحمل على العاقلة إلّا أرش الموضحة فصاعداً، فأمّا ما دونه ففي مال الجاني، وفي الناس من قال يحمل عليهم قليله وكثيره.(2)

وقال في «الخلاف»: القدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني، هو

ص: 538


1- . مباني تكملة المنهاج: 440/2.
2- . المبسوط: 178/7.

قدر جنايته، قليلاً كان أو كثيراً. وبه قال الشافعي ونقله المزني، حتى قال: لو كان أرش الجناية درهماً لحملته، وبه قال البتّي.

وروي في بعض أخبارنا: أنّها لا تحمل إلّانصف العشر(1) أرش الموضحة فما فوقها، وما نقص عنه ففي مال الجاني. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

ثمّ استدلّ الشيخ على مختاره بعموم الأخبار التي وردت في أنّ الدية على العاقلة ولم يفصّلوا.(2)

والعجب إنّ الشيخ استدلّ على مختاره بالعمومات مع وجود المخصص؛ وهو ما رواه الكليني عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يحمل على العاقلة إلّاالموضحة فصاعداً، وقال: ما دون السمحاق أجر الطبيب سواء الدية».(3)

نعم ذكر المحقّق أنّ في الرواية ضعفاً، وأراد به ابن فضّال الوارد في السند وهو الحسن بن علي بن فضال وقد وقع في ثمانمائة وأربع وخمسين مورداً وهو ثقة بلا إشكال، بل أولاده أيضاً - أعني: علياً وأحمد ومحمد - كلّهم ثقات.(4)

على أنّ هناك وجهاً اعتبارياً أشار إليه في «الجواهر» وقال: إنّ الغالب حصول الجنايات الكثيرة خطأً من الناس، فلو وجب كلّ جرح قلّ أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقّة لهم، بل ربّما أدّى ذلك إلى تساهل الناس3.

ص: 539


1- . أي خمسة أبعرة التي هي نصف العشر أعني عشرة أبعرة.
2- . الخلاف: 283/5، المسألة 106.
3- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
4- . لاحظ معجم الرجال: 15/23.

في الجنايات، لانتفاء الضمان عليهم، بل لعلّ سيرة المسلمين في كلّ عصر ومصر على خلافه، بل ربّما شكّ في تناول الإطلاقات للجراحات جميعها، وأنّها في دية النفس خاصّة، وضمان الموضحة فصاعداً للإجماع والموثّق المزبور، فيبقى غيره على أصالة عدم الضمان.(1)

نعم يبقى الكلام في رواية أبي مريم في أمرين:

1. الظاهر أنّها روايتان والجمع من جانب الراوي، ولذلك وردت في رواية أُخرى الفقرة الثانية فقط - كما سيوافيك - والشاهد على الجمع توسّط لفظة «قال» بين الفقرتين، وعندئذٍ يطرح هذا السؤال وهو: إنّ مقتضى السياق أن يقول: «إنّ ما دون الموضحة أجرُ الطبيب» مع أنّه قال: «ما دون السمحاق» فصار السمحاق مجهول الحكم.

قلت: بما أنّ الرواية الثانية رواية مستقلة والجمع من جانب الراوي فلا مانع من التفريق بين ضمان العاقلة. وضمان أجر الطبيب، فالعاقلة لا تضمن سوى الموضحة وما فوقها، وأمّا ما دونها كالسمحاق وما دونه فلا تضمن.

وأمّا أجر الطبيب فالجاني يضمنه فيما دون السمحاق، ولعلّ عدم ضمان أُجرة السمحاق وما فوقه لأجل عدم إمكان المداواة - يومذاك - لمثل هذه الجروح.

2. أن ظاهر الرواية أنّه يجب على الجاني أجر الطبيب زائداً على الدية في ما دون السمحاق، ولكن لم يقل به أحد. فإن تمّ 3.

ص: 540


1- . جواهر الكلام: 426/43.

المسألة 5. تضمن العاقلة دية الخطأ، وقد مرّ أنّها تستأدى في ثلاث سنين كلّ سنة عند انسلاخها ثلثاً من غير فرق بين دية الرجل والمرأة، والأقرب أنّ حكم التوزيع إلى ثلاث سنين جارٍ في مطلق دية الخطأ من النفوس وجنايات أُخر. *

إجماع فهو، وإلّا فلا وجه لترك العمل بالرواية، بل يمكن أن يقال أنّه لو كان أجر الطبيب أزيد من الدية يجب على الجاني دفعه كما عليه المحاكم اليوم.

العاقلة تضمن دية الخطأ

قال الشيخ المفيد: وتستأدى دية قتل الخطأ في ثلاث سنين.(1)

قال الشيخ في «المبسوط»: وإن كان المستحق واحداً لم يجب له على العاقلة في كلّ سنة، أكثر من ثلث الدية، لأنّ العاقلة لا تعقل لواحد أكثر من هذا في كلّ حول.(2)

قال الشيخ في «الخلاف»: دية الخطأ مؤجّلة ثلاث سنين، كلّ سنة ثلثها.(3)

وقال أيضاً: الدية الناقصة - كدية المرأة واليهودي والمجوسي والنصراني والجنين - تلزم أيضاً في ثلاث سنين كلّ سنة ثلثها.(4)

وقال المحقّق: وتضمن العاقلة دية الخطأ في ثلاث سنين، كلّ سنة عند انسلاخها ثلثاً، تامّة كانت الدية أو ناقصة، كدية المرأة ودية الذمّي.(5)

ص: 541


1- . المقنعة: 735.
2- . المبسوط: 176/7.
3- . الخلاف: 276/5، المسألة 92.
4- . الخلاف: 281/5، المسألة 104.
5- . شرائع الإسلام: 289/4.

المسألة 6. لا رجوع للعاقلة بما تؤدّيه على الجاني كما مرّ، والقول بالرجوع ضعيف. *

وقال العلّامة: يقسّط الإمام دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، يأخذ عند انسلاخ كلّ سنة ثلث الدية، سواء كانت تامة أو ناقصة، كدية المرأة والذمّي.(1)

ويدلّ عليه صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتُستأدى دية العمد في سنة».(2)

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ باسناده عن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول إلى أن قال: «والأعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين، في كلّ سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين».(3)

وعلى هذا فالتوزيع جار في مطلق دية الخطأ من النفوس والجنايات الأُخرى لإطلاق قوله عليه السلام: «تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين». وبه يظهر وجه قوله: «والأقرب أنّ حكم التوزيع إلى ثلاث سنين جارٍ في مطلق دية الخطأ».

لا رجوع للعاقلة بما تؤدّيه على الجاني
اشارة

وجهه واضح لخلو الروايات عن رجوع العاقلة على الجاني.

نعم ذكر الشيخ المفيد: وترجع العاقلة على القاتل فإن كان له مال

ص: 542


1- . قواعد الأحكام: 711/3.
2- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

المسألة 7. لا تعقل العاقلة ما يثبت بالإقرار بل لابد من ثبوته بالبيّنة، فلو ثبت أصل القتل بالبيّنة وادّعى القاتل الخطأ وأنكرت العاقلة فالقول قولها بيمين، فمع عدم ثبوت الخطأ بالبيّنة ففي مال الجاني. *

أخذت منه ما أدّته عنه، وإن لم يكن له مال فلا شيء لها عليه.(1) ولم يُعلم وجهه.

* في المسألة فرعان:

1. لا تعقل العاقلة ما يثبت بالإقرار.

2. لو ثبت أصل القتل بالبيّنة، واختلف القاتل مع العاقلة. وإليك دراستهما.

الفرع الأوّل: العاقلة لا تعقل ما يثبت بالإقرار

لو أقرّ القاتل بالقتل أو الجناية خطأ فالدية في ماله لا على العاقلة، والمسألة مورد اتّفاق. ويدلّ عليه:

1. معتبرة زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام قال: «لا تعقل العاقلة إلّاما قامت عليه البيّنة» قال: وأتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً.(2)

2. ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «العاقلة لا تضمن عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً».(3) وسيوافيك ما يدلّ عليه أيضاً في

ص: 543


1- . المقنعة: 737.
2- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

المسألة 8. لا تعقل العاقلة العمد وشبهه كما مرّ، ولا ما صولح به في العمد وشبهه، ولا سائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد أو شبهه. *

المسألة 8.

الفرع الثاني: لو ثبت أصل القتل بالبيّنة واختلف القاتل مع العاقلة

إذا ثبت أصل القتل بالبيّنة وادّعى القاتل الخطأ، وأنكرت العاقلة، فالبيّنة على المدّعي أي القاتل، والمفروض عدمها فتصل النوبة إلى يمين العاقلة.

فعندئذٍ تتعلّق الدية بمال الجاني، لئلّا يلزم بطلان دم المسلم.

العاقلة لا تعقل العمد وشبهه ولا ما صولح به

ركّز المصنّف رحمه الله في المسألة السابقة على الإقرار، وأنّ ضمان العاقلة لا يثبت بإقرار القاتل، وأمّا في هذه المسألة يركّز على عدم تحمّل العاقلة الأُمور الأربعة:

1. العمد. 2. شبه العمد. 3. ما صولح به في العمد، 4. سائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد أو شبهه.

قال المحقّق: ولا تعقل العاقلة إقراراً ولا صلحاً ولا جناية عمد، مع وجود القاتل، ولو كانت موجبة للدية.(1)

قال الشهيد الثاني: ولا فرق في العمد بين كونه محضاً وشبيه عمد عند الأصحاب. ومستند الجميع رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا

ص: 544


1- . شرائع الإسلام: 289/4.

المسألة 9. لو جنى شخص على نفسه خطأ - قتلاً أو ما دونه - كان هدراً ولا تضمنه العاقلة. *

تضمن العاقلة عمداً، ولا إقراراً ولا صلحاً».(1)

وروى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: «لا تحمل العاقلة عمداً ولا اعترافاً».(2)(,3)

ثمّ إنّ المراد من قوله: «ولا صلحاً» أي ما لو صولح به في العمد وشبهه، لا في الخطأ، إذ ليس فيه مصلحة للقاتل.

وبذلك يظهر أنّ قول المصنّف: (وسائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد أو شبهه) توضيح للقاعدة، وإلّا فإطلاق الكلام - أعني: لا تعقل العاقلة العمد وشبهه - يشمل كلّ ذلك.

العاقلة لا تضمن مَن جنى على نفسه خطأ
اشارة

قال المحقّق: ولو جنى على نفسه خطأ - قتلاً أو جرحاً - طلّ، ولم تضمنه العاقلة.(3) لانصراف الأدلّة عن ذلك.

قال الشهيد الثاني: نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث أوجب ديته على النفس على عاقلته لورثته وفي الطرف له.

ثم ردّه بقوله: وضمان العاقلة على خلاف الأصل فيقتصر به على مورد النصّ والإجماع ومحلّه الجناية على الغير.(4)

وإن شئت قلت: إنّ الدية عوض الجناية على المجنيّ عليه لا جنايته

ص: 545


1- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
2- . سنن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: 104/8.
3- . شرائع الإسلام: 289/4.
4- . مسالك الأفهام: 516/15.

المسألة 10. ليس بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة، وإنّما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين إذا أدّوا إليه الجزية. *

على نفسه.(1)

* في المسألة فرعان:

1. دية أهل الذمّة على القاتل خطأ.

2. إذا لم يكن للقاتل (الذمّي) مال فعلى إمام المسلمين. وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: دية أهل الذمّة على القاتل خطأ

قال الشيخ في «الخلاف»: روى أصحابنا أنّ الذمّي إذا قتلَ خطأ، أُلزم الدية في ماله خاصة، فإن لم يكن له مال كان عاقلته الإمام، لأنّهم إليه يؤدّون جزيتهم، كما يؤدّي العبد الضريبة إلى مولاه.(2)

وقال المحقّق: وجناية الذمّي في ماله، وإن كانت خطأ دون عاقلته؛ ومع عجزه عن الدية، فعاقلته الإمام، لأنّه يؤدي إليه ضريبته.(3)

ويدلّ عليه صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس فيما بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين لأنّهم يؤدّون إليه الجزية

ص: 546


1- . جواهر الكلام: 430/43.
2- . الخلاف: 287/5، المسألة 114.
3- . شرائع الإسلام: 289/4.

كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده».(1)

وهناك سؤال وهو أنّ من المسلّم أنّ مولى المملوك لا يعقل جنايته، قِنّاً كان أو مدبّراً، مكاتباً أو مستولدة.(2)

ومع ذلك كيف يعلّل الإمام عليه السلام أنّ دية الذمّي القاتل على الإمام بأنّهم مماليك له. هذا ما ذكره صاحب الجواهر، ثم أجاب بقوله: عدم إرادة الإشارة في الصحيح إلى تشبيهه بالعبد من هذه الجهة، بل المراد بيان الواقع والتقريب بأنّ من كان له الجزية فعليه العقل.(3)

الفرع الثاني: لو لم يكن للقاتل الذمّي مال
اشارة

إذا لم يكن للقاتل مال فديته على إمام المسلمين، وقد اتّضح وجهه بصحيح أبي ولّاد.

ثمّ إنّ ظاهر عبارة المصنّف: «ليس بين أهل الذمّة معاقلة» فيما إذا كان القاتل والمقتول من أهل الذمّة.

وأمّا لو كان القاتل ذميّاً والمقتول مسلماً، فلا يبعد ثبوته على ذمّة العاقلة.

إمّا ابتداءً، أو إذا لم يكن له مال. واللّه أعلم.

ص: 547


1- . الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
2- . شرائع الإسلام: 289/4.
3- . جواهر الكلام: 43/430.

المسألة 11. لا يعقل إلّامن علم كيفية انتسابه إلى القاتل، وثبت كونه من العصبة، فلا يكفي كونه من قبيلة فلان حتى يعلم أنّه عصبته، ولو ثبت كونه عصبة بالبيّنة الشرعية لا يسمع إنكار الطرف. *

المسألة 12. لو قتل الأب ولده عمداً أو شبه عمد فالدية عليه، ولا نصيب له منها، ولو لم يكن له وارث غيره فالدية للإمام عليه السلام. ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة يرثها الوارث، وفي توريث الأب هنا قولان أقربهما عدمه، فلو لم يكن له وارث غيره يرث الإمام عليه السلام. **

* قال المحقّق: لا يعقل إلّامن عُرفت كيفية انتسابه إلى القاتل، ولا يكفي كونه من القبيلة، لأنّ العلم بانتسابه إلى الأب، لا يستلزم العلم بكيفية الانتساب.(1)

إنّ العاقلة كسائر الموضوعات لا يحكم بضمانها إلّاإذا ثبت أنّه عصبة بالبيّنة الشرعية، وقد عرفت أنّ العصبة هي الجوانب الأربعة، فكون الشخص من قبيلة القاتل لا يكفي إلّاإذا انطبق عليه كونه عصبة.

ولو قامت البيّنة على رجل أنّه عصبة وأنكر الطرف فالبيّنة حاكمة على إنكاره.

نعم مع الشك لا تجب لأصالة براءة ذمّة المشكوك عن الدية.

** في المسألة فرعان:

1. إذا قتل الأب ولده عمداً. فالدية عليه ولا يرث منها.2.

ص: 548


1- . شرائع الإسلام: 291/4-292.

2. إذا قتل الأب ولده خطأ. فالدية على العاقلة ولا يرث على الأقوى.

وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: لو قتل الأب ولده عمداً

فقد مضى في كتاب القصاص أنّ الوالد لا يقتص بالولد، إذا قتله عمداً، بل يجب عليه الدية نصّاً وفتوى، والمسألة محرّرة في كتاب القصاص، ومع وجوبها عليه لا معنى لوجوبها على العاقلة، وقد مرّ أنّ العاقلة لا تتحمّل ما يجب في القتل العمدي ولو صلحاً.

نعم هو لا يرث من الدية. قال الشهيد في «المسالك»: لا شبهة في عدم استحقاق الأب القاتل عمداً في الدية ولا غيرها ممّا تركه الولد لأنّ القاتل عمداً لا يرث مطلقاً.(1)

الفرع الثاني: لو قتل الأب ولده خطأً فالدية على العاقلة

وأمّا لو قتله خطأ، فهل يرث الأب من دية الولد التي تؤدّيها العاقلة؟ ففيه أقوال نقلها في المسالك:

1. يشارك الورثة في التركة مطلقاً.

2. يشاركها في الدية.

3. يمنع مطلقاً من الدية والتركة.

قال المحقّق: لو قتل الأب ولده عمداً، دُفِعَتِ الديةُ منه إلى الوارث ولا نصيب للأب، ولو لم يكن وارث، فهي للإمام عليه السلام. ولو قتله خطأ، فالدية

ص: 549


1- . مسالك الأفهام: 528/15.

المسألة 13. عمد الصبي والمجنون في حكم الخطأ، فالدية فيه على العاقلة. *

على العاقلة ويرثها الوارث. وفي توريث الأب هنا قولان. ولو لم يكن وارث سوى العاقلة، فإن قلنا: الأب لا يرث، فلا دية، وإن قلنا: يرث، ففي أخذه من العاقلة تردّد، وكذا البحث لو قتل الولد أباه خطأ.(1) والتفصيل في محلّه.

ثمّ إنّ الظاهر من صاحب المسالك وجود القول بالثاني أي المشاركة في الدية دون سائر التركة، واستظهر صاحب الجواهر عدم القائل به.(2)

عمد الصبيّ والمجنون في حكم الخطأ

قال الشيخ في «الخلاف»: الصبي إذا كان عاقلاً مميزاً فالحكم فيه وفي المجنون إذا قتلا سواء، فإذا كان القتل خطأ محضاً فالدية مؤجّلة على العاقلة، وإن كان عمداً محضاً فحكمه حكم الخطاء، والدية في الموضعين على العاقلة، ووافقنا الشافعي في الخطأ المحض وقال في العمد المحض فيه قولان:

أحدهما: عمده في حكم الخطأ وبه قال أبو حنيفة، والثاني: عمده في حكم العمد. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم على أنّ عمد الصبي والمجنون خطأ، وذلك عام في حكم القتل والدية وكلّ حكم إلّاما خرج بدليل، وروي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه».(3)

ص: 550


1- . شرائع الإسلام: 292/4.
2- . جواهر الكلام: 450/43.
3- . الخلاف: 270/5، المسألة 87.

وهذا يدلّ على رفع القلم تكليفاً، وأمّا الوضع فلا يدلّ على رفعه لأنّه حديث امتنان فلا وجه لعدم ضمانه، ولولا الدليل الحاكم لضمنه الصبيّ ويسعى بعد البلوغ، لكن الدليل الحاكم وضعه على عاتق العاقلة.

وقال العلّامة: وجناية الصبيّ والمجنون على العاقلة إن كانت على نفس آدمي سواء قصدا أو لا.(1)

ويدلّ عليه من طرقنا:

1. ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته، خطأ كان أو عمداً».(2)

2. ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «عمد الصبيّ وخطأه واحد».(3)

3. ما رواه إسحاق بن عمّار عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «إنّ علياً عليه السلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة».(4)

4. ما رواه أبو البختري عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، عن علي عليه السلام أنّه كان يقول: «في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبيّ الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم».(5)

وحاصل الروايات بعد الجمع بين ما دلّ على رفع التكليف فقط، وما2.

ص: 551


1- . قواعد الأحكام: 710/3.
2- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2.
4- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3.
5- . الوسائل: 19، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

المسألة 14. لا يضمن العاقلة جناية بهيمة لو جنت بتفريط من المالك أو بغيره، ولا تضمن إتلاف مال، فلو أتلف مال الغير خطأ أو أتلفه صغير أو مجنون فلا تضمنه العاقلة، فضمانها مخصوص بالجناية من الآدمي على الآدمي على نحو ما تقدّم، ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في سائر المحال: أي المُعتِق وضامن الجريرة والإمام عليه السلام. *

دلّ على ضمان العاقلة، هو تعيّن ضمانها.

وقد بسطنا الكلام في مضمون هذه الروايات في كتابنا «أحكام البيع»، فلاحظ.(1)

عدم ضمان العاقلة لما تجنيه البهيمة وإتلاف المال

في المسألة فروع:

1. لا تضمن عاقلة الإنسان ما تجنيه بهيمته جناية مضمونة.

2. لا تضمن عاقلة الإنسان إتلاف مال.

3. لا تضمن العاقلة ما أتلفه من الأموال مجنون أو صغير، من غير فرق في الأخيرين العمد والخطأ.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لا تضمن العاقلة جناية البهيمة لو جنت بتفريط من المالك أو بدونه، بل يتعلّق الضمان بمالكها في الأوّل ولا ضمان في الثاني.

الفرع الثاني: إنّ العاقلة لا تضمن إتلاف مال، بل ضمانه متعلّق

ص: 552


1- . أحكام البيع في الشريعة الإسلامية الغرّاء: 378/1-383.

الثاني: في كيفية التقسيط، وفيها أقوال: منها: على الغني عشرة قراريط: أي نصف الدينار، وعلى الفقير خمسة قراريط، ومنها: يقسّطها الإمام عليه السلام أو نائبه على ما يراه بحسب أحوال العاقلة بحيث لا يجحف على أحد منهم، ومنها: أنّ الفقير والغني سواء في ذلك، فهي عليهما، والأخير أشبه بالقواعد بناءً على تحمّل الفقير. *

بالمتلف نصّاً وفتوى؛ لأنّ ضمان العاقلة على خلاف القاعدة فيقتصر على المتيقّن وهو الجناية على الآدمي.

الفرع الثالث: لو أتلف الصغير أو المجنون فليس على العاقلة لما عرفت من أنّ النصوص الواردة في العاقلة تختصّ بالجناية على الآدمي من غير فرق بين القتل والجرح، وأمّا إتلاف المال فليس إلّاعلى المتلف، غاية الأمر إنّ المجنون والصغير رفع عنهما الحكم التكليفي، دون الحكم الوضعي فإنّ الأحكام الوضعية لا تختص بالبالغ والمكلّف، فلو أفاق المجنون يدفع من ماله وإلّا فلو كان للمجنون مال يجب على الولي دفع عوض المتلف من ماله، وأمّا الصبيّ فيؤخذ منه بعد البلوغ.

ثمّ إنّ المصنّف أشار إلى أنّه لا ثمرة في البحث على المحال الثلاثة:

المُعتِق وضامن الجريرة والإمام، لعدم الابتلاء بها في مجتمعاتنا.

الأمر الثاني: كيفية التقسيط بين العاقلة
اشارة

** الأمر الثاني: كيفية التقسيط بين العاقلة(1)

ذكر المصنّف رحمه الله في كيفية التقسيط أقوالاً ثلاثة:

ص: 553


1- . هذا هو الأمر الثاني الذي أشرنا إليه في ص 529 وذكر المصنّف بقوله: الثاني من اللواحق في العاقلة والكلام فيها في أمرين.

1. تقسيطها على الغني والفقير بعشرة قراريط (أي نصف دينار) على الأوّل وخمسة قراريط (أي ربع دينار) على الفقير.

2. تقسيط الإمام حسب ما يراه من المصلحة بحسب أحوال العاقلة بحيث لا يجحف على أحد منهم.

3. تساوي الفقير والغني في ذلك. وقال: و (القول) الأخير أشبه بالقواعد.

وبه قال المحقّق أيضاً.(1)

ثم إنّ الشيخ اختار في الخلاف القول الثاني وقال: ويؤخذ منهم على قدر أحوالهم وما لا يجحف ببعضهم(2)، كما هو خيرة العلّامة في التحرير، قال:

والأقرب أنّه يقسطها بحسب ما يراه الإمام.(3)

أقول: أمّا الوجه الأوّل فلا دليل عليه، فليس هناك نصّ، وإنّما نقل الشيخ في المبسوط(4) ولم يعلم المراد منه، إذ كيف يكفي هذا المقدار لدية النفس الناهزة إلى ألف دينار حتى ولو قلنا بوجوبهما في كلّ سنة كما احتمله في الجواهر(5) ولا محيص من تنزيل عبارة «المبسوط» على ما إذا كانت الدية 34 من الدية فعلى الموسر 23 منها وعلى المعسر 13 كذلك، فلاحظ.

وأمّا الوجه الثاني وهو تدخّل الإمام في تقسيم الدية فهو فرع وجود النزاع بين العاقلة، فيكون الحل والفصل بيد الإمام، فيحكم فيه بالعنوان الثانوي، والكلام في الحكم الأوّلي. والظاهر هو الثالث، أي شمول الدية لعامّة العاقلة على نهج سواء.3.

ص: 554


1- . شرائع الإسلام: 290/4.
2- . الخلاف: 5/379، المسألة 100.
3- . تحرير الأحكام: 643/5، المسألة 7340.
4- . المبسوط: 178/7.
5- . جواهر الكلام: 436/43.

المسألة 1. هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث فيؤخذ من الأقرب فالأقرب على حسب طبقات الإرث، فيؤخذ من الآباء والأولاد ثم الأجداد والإخوة من الأب وأولادهم وإن نزلوا، ثم الأعمام وأولادهم وإن نزلوا، وهكذا بالنسبة إلى سائر الطبقات، أو يجمع بين القريب والبعيد في العقل فيوزّع على الأب والابن والجد والإخوة وأولادهم وهكذا من الموجودين حال الجناية؟ وجهان لا يبعد أن يكون الأوّل أوجه. *

هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث؟

اختلفت كلمات الأصحاب في تقديم الأقرب على الأبعد إلى قولين:

الأوّل: تقسيط الدية حسب ترتيب الإرث، فما دامت الطبقة الأُولى موجودة كالآباء والأولاد فلا تصل النوبة إلى الطبقة الثانية أعني: الأجداد والإخوة من الأب وأولادهم، ومع وجود الطبقة الثانية لا تصل النوبة إلى الطبقة الثالثة أعني: الأعمام وأولادهم.

القول الثاني: تقسيط الدية على الجميع ويجمع بين القريب والبعيد، فيوزّع على الأب والابن والجد والإخوة وأولادهم، والأعمام وأولادهم.

اختار الشيخ في «المبسوط» القول الأوّل قال: فإذا تقرّر أنّ العاقلة من خرج عن الوالدين والمولودين فإنّه يبدأ بالأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث فلا يلزم ولد أب(1) وهناك من هو أقرب فالأقرب، [أعني:]

ص: 555


1- . أي الأخ مع وجود الأب والابن.

الإخوة ثم أبناؤهم، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم.(1)

واختار في الخلاف القول الثاني، قال: ويستوي القريب والبعيد في ذلك، ثم استدلّ بأنّ الأخبار عامّة في أنّ الدية على العاقلة فمن قدّم بعضها على بعض فعليه الدلالة.(2) وبذلك اختلف نظر الشيخ قدس سره، وكان سيّد الطائفة البروجردي يقول بأنّ الشيخ ألف الخلاف في أواخر عمره، أي بعد هجرته من بغداد إلى النجف الأشرف عام 448 ه.

ثمّ إنّ المحقّق بعد ما نقل القولين اختار الوجه الأوّل حيث قال: أشبههما الترتيب في التوزيع.(3)

وقال العلّامة: ويؤخذ من القريب فإن اتسعت تخطّى إلى البعيد، فإن اتسعت فإلى الأبعد.(4)

وقد استدلّ على القول بالترتيب بمرسلة يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: «في الرجل إذا قتل رجلاً خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أنّ الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال».(5)

وجه الدلالة: أنّ المراد بقوله: «إنّ الدية على ورثته» هو عاقلته كالأب والأولاد فإنّهما من الورثة وفي الوقت نفسه من العاقلة، ولذلك يقول: «فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي» فالتعبير عن العاقلة بالورثة إشارة إلى لزوم1.

ص: 556


1- . المبسوط: 174/7.
2- . الخلاف: 279/5، المسألة 100.
3- . شرائع الإسلام: 290/4.
4- . قواعد الأحكام: 711/3.
5- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

الترتيب ورثة وعاقلة.

يلاحظ عليه بوجهين:

أوّلاً: أنّ التعبير بالورثة لا يدلّ على كونهم ورثة بالفعل، بل يعمّ الوارث بالفعل أو بالقوة فلا يكون ظاهراً في الترتيب.

ثانياً: الظاهر أنّ المراد من «قتل رجلاً خطأ» هو شبه العمد بشهادة قوله:

«فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية» فإنّه صريح على أنّ الدية على القاتل، وهو لا ينسجم إلّامع شبه العمد وإلّا ففي الخطأ المحض الدية على العاقلة ابتداءً، مضافاً إلى أنّ الرواية مرسلة.

وقد نقل الفاضل في «كشف اللثام» عن بعضهم الاستدلال بخبري البزنطي وأبي بصير(1) والاستدلال ضعيف لورودهما في العامد، لا الخاطئ، وإلغاء الخصوصية يحتاج إلى دليل.

واحتمل في «الجواهر» أنّ دليل الترتيب هو قوله سبحانه: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ»2.

ثم قال في بعض المدّعى متمّماً بعدم القول بالفصل.(2)

ولا يخفى إجمال كلامه، ولعلّ مراده أنّ أولوية الأب والولد بالآية وأولوية الطبقة الثانية على الثالثة بعدم القول بالفصل.

وعلى كلّ تقدير الآية ناظرة إلى الأولوية في الإرث لا الأولوية3.

ص: 557


1- . كشف اللثام: 11/499، لاحظ: الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1 و 3.
2- . جواهر الكلام: 437/43.

المسألة 2. هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفية الإرث، فلو كان الوارث في الطبقة الأُولى - مثلاً - منحصراً بأب وابن، يؤخذ من الأب سدس الدية، ومن الابن خمسة أسداس، أو يؤخذ منهما على السواء؟ وجهان، ولو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث فهل يؤخذ منه العقل أم لا؟ وجهان. *

في تحمّل الدية، ولعلّ التقسيط على الجميع أفضل وأعدل من تخصيصه بالطبقة الأُولى.

* في المسألة فرعان:

1. هل التوزيع تابع لكيفية الإرث؟

2. لو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث. وإليك دراستهما:

الفرع الأوّل: هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفية الإرث

فلو قلنا في كيفية التقسيط بأنّ على الغني عشرة قراريط وعلى الفقير خمسة، أو قلنا بأنّ الإمام يقسّطها حسب أحوال العاقلة، فلا موضوع لهذه المسألة، أي كون التوزيع في الطبقات تابعاً لكيفية الإرث.

نعم لو قلنا بالقول الثالث وهو أنّ الفقير والغني سواء في ذلك، أي يؤخذ منهما إجمالاً، يقع الكلام في مقدار الأخذ، فلو كان الوارث في الطبقة الأُولى منحصراً بأب وابن فهل يؤخذ من الأب سدس الدية لأنّ إرثه من المقتول هو السدس ومن الابن خمسة أسداس لأنّها إرثه من أبيه أولا؟

الظاهر أنّه يؤخذ منهما على السواء، إذ لا دليل على تبعية مقدار

ص: 558

المسألة 3. لو لم يكن في طبقات الإرث أحد، ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة، فالعقل على الإمام عليه السلام من بيت المال، ولو كان ولم يكن له مال فكذلك، ولو كان له مال ولا يمكن الأخذ منه فهل هو كذلك؟ فيه تردد. *

التحمّل في المقام على كيفية الإرث.

الفرع الثاني: لو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث
اشارة

فلو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث كما إذا قتل الوالد الولَد، وقتل الولد شخصاً خطأ قبل زمان، فهل يؤخذ منه العقل، أو لا؟

وجهان:

1. لا يؤخذ منه؛ لأنّ التحمّل في المقام نوع غُرم في مقابل الغُنم، والمفروض أنّه محروم من الغُنم.

2. يؤخذ منه؛ لأنّ الغرم في المقام فرع الغُنم استحقاقاً، والمفروض أنّه يستحقّه ولكن منع عنه مانع من جانبه، كالقتل والارتداد فلا يُعدّ ذلك الحرمان مانعاً من التحمّل.

* في المسألة فروع:

1. لو لم يكن في طبقات الإرث أحد، ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة.

2. لو كان في طبقات الإرث أو بعدها من الولاء أحد لكن لم يكن له مال.

3. لو كان في طبقات الإرث أو بعدها أحد وكان له مال ولكن لا

ص: 559

يمكن الأخذ منه.

وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: لو لم يكن في طبقات الإرث أو بعدها من الولاء أحد

لو لم يكن في طبقات الإرث أحد ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة، فالعقل على الإمام من بيت المال.

ويدلّ عليه:

1. مرسل يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال:

«فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال».(1)

2. وفي خبر سلمة بن كهيل يحكي عن أمير المؤمنين عليه السلام في قصة الرجل من الموصل، قال عليه السلام: «فإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل فردّه إليّ مع رسولي فلان بن فلان إن شاء اللّه، فأنا وليّه والمؤدِّي عنه، ولا يبطل دم امرئ مسلم».(2)

3. صحيح أبي ولّاد (الحنّاط) قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في الرجل يُقتل وليس له وليّ إلّاالإمام: «إنّه ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل، أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين».(3) والشاهد في قوله: «لأنّ جناية المقتول» إلخ.

ص: 560


1- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2، ولاحظ الحديث 1.
الفرع الثاني: لو كان الشخص الموجود من طبقات الإرث فقيراً

لو كان في طبقات الإرث أو بعدها من الولاء أحد ولم يكن له مال، فالعقل على الإمام من بيت المال. والفرق بين الفرعين واضح إذ الأوّل يدور على عدم وجود إحدى طبقات الإرث أو بعدها من الولاء، والثاني على وجوده له مع كونه فقيراً.

الفرع الثالث: لو كان الموجود غنياً ولا يمكن الأخذ من ماله

لو كان في طبقات الإرث متمكّناً من المال لكن لا يمكن الأخذ منه، فهل العقل على الإمام من بيت المال؟ فيه تردّد.

ويمكن الاستدلال للفرعين بالخبرين الماضيين بالأخذ بالمناط، وهو أنّ الصور الثلاث: عدم العاقلة غير الإمام، أو وجود العاقلة الفقيرة، أو مع عدم التمكّن من ماله، يجمعها هدر دم المسلم لولا قيام الإمام فيتعلّق العقل به، ويؤيّد ذلك ما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: قال: «ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة عليّ عليه السلام بالكوفة فقتلوا رجلاً، فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين».(1)

كلّ ذلك يدلّ على أنّ من وظائف بيت المال المحافظة على دم المسلم وأن لا يذهب دم مسلم هدراً، لا فرق بين مَن قُتل في الزحام، أو قتل ولم يكن للعاقلة مال، أو كان لهم مال ولا يتمكّن منه.

وليس هذا من باب قياس المقام على مَن قُتل في الزحام، بل من

ص: 561


1- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به، الحديث 2، ولاحظ سائر روايات الباب.

المسألة 4. لو كان في إحدى الطبقات وارث وإن كان واحداً، لا يؤخذ من الإمام عليه السلام العقل، بل يؤخذ من الوارث. *

المسألة 5. ابتداء زمان التأجيل في دية القتل خطأ من حين الموت وفي الجناية على الأطراف من حين وقوع الجناية، وفي السراية من حين انتهاء السراية على الأشبه، ويحتمل أن يكون من حين الاندمال، ولا يقف ضرب الأجل إلى حكم الحاكم. **

باب الأخذ بالتعليل أعني قوله: «ولا يبطل دم امرئ مسلم، لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام».(1)

لو كان في إحدى الطبقات شخصاً واحداً

لو كان في إحدى الطبقات وارث نسبي أو غيره من المُعتِق وضامن الجريرة، لا يؤخذ من الإمام العقل، لما عرفت من أنّ الإمام هو العاقلة في آخر الطبقات كما مرّ التصريح به في المسألة السابقة.

في ابتداء زمان التأجيل في دية القتل الخطأ
اشارة

قد مرّ في المسألة الخامسة من مسائل الأمر الأوّل من اللواحق في العاقلة: أنّه تضمن العاقلة دية الخطأ، وقد مرّ أنّها تُستأدى في ثلاث سنين كلّ سنة عند انسلاخها ثلثاً.(2)

وعندئذٍ يقع الكلام في بدء زمان التأجيل، في الموارد التالية:

ص: 562


1- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به، الحديث 1.
2- . تحرير الوسيلة: 540/2، المسألة 5.

1. في دية القتل خطأ، فلا شكّ أنّ زمان التأجيل (تعيين بدء السنة الأُولى) هو الموت لا قبل الموت لعدم تعلّق الدية، ولا بعده في زمان متأخّر عن الموت إذ لا وجه له. بل حين الموت بحكم ترتّب الأثر على المؤثر من حين وجوده.

2. في الجناية على الأطراف إذا لم تكن سارية، فالتأجيل من حين وقوع الجناية، بنفس الدليل المذكور في المورد السابق.

قال المحقّق: وابتداء زمان التأجيل من حين الموت، وفي الطرف من حين الجناية.(1)

3. في الجناية على الأطراف لكن صارت سارية، فيقع الكلام في زمان التأجيل، فقد ذكر المصنّف وجهين:

أ. الصبر إلى حين انتهاء السراية.

ب. الصبر إلى حين الاندمال.

وقال المحقّق: وفي السراية من وقت الاندمال لأنّ موجبها لا يستقر بدونه.(2)

فعلى هذا فالمختار عند المحقّق هو اعتبار الاندمال، وأورد عليه في «الجواهر» بعدم الدليل على اعتباره، بل يمكن أن يقال: إنّه إن عُلم انتهاء السراية أو عدمها يكون هو ابتداء المدّة حينئذٍ، فعلى هذا تكون الاحتمالات ثلاثة:4.

ص: 563


1- . شرائع الإسلام: 291/4.
2- . شرائع الإسلام: 291/4.

1. كون الميزان انتهاء السراية.

2. كون الميزان اعتبار الاندمال.

3. كون الميزان العلم بانتهاء السراية عن طريق الوسائل العلمية وإن كانت السراية مستمرة.

والظاهر أنّه لا مدخلية للاندمال إلّالأجل توقّف موجب السراية على استقرارها ولا يستقر بدون الاندمال، وفيه منع لأنّه إذا عُلم انتهاء السراية يتبيّن موجبها وإن لم يندمل. فالميزان العلم بزمان انتهاء السراية إن أمكن، وإلّا فزمان انتهائها.

ثمّ إنّ المصنّف قال في آخر المسألة: (ولا يقف ضرب الأجل إلى حكم الحاكم).

قال المحقّق: ولا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم.(1)

وقال العلّامة في «القواعد»: ولا يفتقر ضرب الأجل إلى حكم الحاكم.(2)

لأنّ الدية مسبب عن الجناية والمفروض إحرازها هذا من جانب، ومن جانب آخر أنّ دية الجناية عن خطأ تُؤدّى في ثلاث سنين، ومع هذا فلا حاجة إلى ضرب الحاكم الأجل بعد ما علم زمان التأجيل.3.

ص: 564


1- . شرائع الإسلام: 291/4.
2- . قواعد الأحكام: 712/3.

المسألة 6. بعد حلول الحول يطالب الدية ممَن تعلّقت به، ولو مات بعد حلوله لم يسقط ما لزمه، وثبت في تركته، ولو مات في أثناء الحول ففي تعلقه بتركته، كمن مات بعد حلوله، أو سقوطه عنه وتعلّقه بغيره، إشكال وتردّد. *

* في المسألة فروع:

1. مطالبة الدية بعد حلول الحول.

2. لو ماتت العاقلة بعد حلول الحول.

3. لو ماتت العاقلة في أثناء الحول. وإليك دراسة الفروع:

الفرع الأوّل: مطالبة الدية بعد حلول الحول

إذا حال الحول وهو حيّ يطالب بأدائه؛ لأنّه كحلول كلّ دين عند انتهاء أجله، فإنّ الغاية من ضرب الأجل، حلوله عند انتهاء الأجل فعدم جواز المطالبة بحاجة إلى دليل.

قال المحقّق: إذا حال الحول على موسر توجّهت مطالبته.(1)

الفرع الثاني: لو ماتت العاقلة بعد حلول الحول

إذا مات بعد حلول الحول، يستقرّ الدين عليه، كسائر الديون إذا مات المديون، فلا يسقط بالموت.

قال المحقّق: ولو مات لم يسقط ما لزمه ويثبت في تركته،(2)

ص: 565


1- . شرائع الإسلام: 291/4.
2- . شرائع الإسلام: 291/4.

المسألة 7. لو لم تكن له عاقلة غير الإمام عليه السلام أو عجزت عن الدية، تؤخذ من الإمام عليه السلام دون القاتل، وقيل: تؤخذ من القاتل، ولو لم يكن له مال تؤخذ من الإمام عليه السلام؛ والأوّل أظهر. *

لظهور النص والفتوى في استقرار الوجوب عليه بحلول الحول على وجه يكون ذلك كالدين.

وفي «الجواهر» بعد قول المحقّق ذلك: خلافاً لبعض العامّة حيث حكم بسقوطه عنه لو مات قبل الأداء مطلقاً، ولا ريب في ضعفه.(1)

الفرع الثالث: لو ماتت العاقلة في أثناء الحول

لو مات بعض العاقلة أثناء الحول، فهل يسقط ما قُسّط عليه ويؤخذ من غيره أو لا؟ ظاهر كلام العلّامة في «القواعد» هو السقوط، قال: ولو مات بعض العاقلة في أثناء الحول سقط ما قُسّط عليه، وأُخذ من غيره.(2)

وليس له دليل ظاهر سوى القول بعدم استقرار الدية قبل انقضاء الحول، ولكن الظاهر خلافه وأنّ الدية مستقرّة على العاقلة من أوّل يوم الجناية غير أنّ الشارع لأجل تسهيل الأمر على العاقلة قسّطها على ثلاث سنين كسائر الديون الّتي تتعلّق بتركته.

لو لم يكن للقاتل عاقلة أو كانت فقيرة

الموضوع في هذه المسألة هو: إذا لم يكن للقاتل عاقلة، أو كانت ولكن كانت فقيرة، فيقع الكلام في من يتحمّل الدية؟

ص: 566


1- . جواهر الكلام: 442/43.
2- . قواعد الأحكام: 712/3.

وما ذكرنا من عنوان المسألة هو الظاهر من «الشرائع» حيث قال: ولو لم يكن عاقلة أو عجزت عن الدية.(1)

لكن اللازم تقييد قوله: «لم تكن عاقلة» بغير الإمام عليه السلام لا عدمها مطلقاً حتّى الإمام، ولأجل ذلك أدخل المصنّف في عنوان المسألة قوله: «غير الإمام عليه السلام».

ثمّ إنّ حكم الشق الأوّل - أي عدم العاقلة إلّاالإمام - فقد تقدّم في المسألة 3 حيث قال: «لو لم يكن في طبقات الإرث أحد ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة، فالعقل على الإمام عليه السلام من بيت المال».

وعلى هذا فنركّز على الشق الثاني، أي إذا كان وراء الإمام عاقلة ولكنّها عاجزة عن الدية، فهنا قولان:

الأوّل: أخذت من الجاني إذا كان له مال، ولو لم يكن له مال أُخذت من الإمام.

الثاني: أنّها تؤخذ من الإمام دون القاتل مطلقاً.

أمّا القول الأوّل: الرجوع إلى الجاني بعد عدم التمكّن من العاقلة، فهو خيرة الشيخ في النهاية، والمحقّق في الشرائع، والعلّامة في القواعد.

قال الأوّل: ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة، ولا مَن يضمن جريرته من مولى نعمة أو مولى تضمّن جريرة، ولا له مال، وجبت الدية على بيت مال المسلمين.(2) والضمير في قوله: (ولا له مال) يرجع إلى الجاني.7.

ص: 567


1- . شرائع الإسلام: 291/4.
2- . النهاية: 737.

وقال المحقّق: ولو لم يكن عاقلة، أو عجزت عن الدية، أخذت من الجاني، ولو لم يكن له مال أُخذت من الإمام.(1)

وقال العلّامة: ولو فقدت العاقلة أو كانوا فقراء أو عجزوا عن الدية، أخذت من مال الجاني، فإن لم يكن له مال فعلى الإمام.(2)

إنّ هذا القول يؤكّد على أنّ المرجع أوّلاً وبالذات هو العاقلة، وعلى فرض عدم التمكّن منها أو فرض الفقر، أن يرجع إلى نفس الجاني، هذا هو المدّعى، ويستظهر هذا القول من الأخبار التالية؛ ولكن الروايات الأربع التي سنتلوها عليك على فرض ورودها في الخطأ المحض تؤكد على أنّ الدية أوّلاً وبالذات على الجاني أو تركته وإلّا فعلى الإمام، وعلى هذا فلا تنطبق على المدّعى، وإليك دراستها.

1. مرسل يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال:

«في الرجل إذا قتل رجلاً خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية، أنّ الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال».(3)

والشاهد قوله: «إنّ الدية على ورثته» أي من ماله.

يلاحظ عليه بوجهين:

1. الظاهر أنّ المورد من قبيل شبه العمد، بشهادة قوله: قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول، فإنّه صادق في شبه العمد لا الخطأ، فإنّ الدية فيه على العاقلة.

2. أنّ مضمون الرواية لا ينطبق على هذا القول وإلّا كان اللازم أن1.

ص: 568


1- . شرائع الإسلام: 291/4.
2- . قواعد الأحكام: 712/2.
3- . الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

يقول: الدية على عاقلته، فإن لم يكن له عاقلة فعليه من ماله، وإلّا فعلى الوالي.

2. صحيح الحلبي، قال: سألت أباعبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟ قال:

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «هذان متعدّيان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»(1).

أمّا رجوع الأعمى بدية عينيه على الورثة لأنّها كانت جناية عمدية بخلاف جناية الأعمى فإنّها كانت خطأ.

يلاحظ عليه: بأنّ جناية الأعمى، جناية شبه العمد، لأنّه قصد الضرب بآلة قتّالة.

3. موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال: «إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام، ولا يبطل حق امرئ مسلم».(2)

يلاحظ عليه: بمثل ما مرّ في الروايتين السابقتين من أنّه من قتل1.

ص: 569


1- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1، ولاحظ الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، والباب 11، الحديث 9.
2- . الوسائل: 19، الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

شبه العمد أوّلاً، وعدم انطباقها على هذا القول ثانياً.

4. خبر أبي العباس (البقباق) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفّارة أهو أن يتعمّد ضرب رجل ولا يتعمّد قتله؟ فقال:

«نعم»، قلت: رمى شاةً فأصاب إنساناً؟ قال: «ذاك الخطأ الذي لا شكّ فيه، عليه الدية والكفّارة».(1)

يلاحظ عليه: بمثل ما تقدّم حيث إنّ ظاهر هذا الحديث وجوب الدية على القاتل لا على العاقلة، مع أنّ المدّعى هو وجوبها على القاتل إذا لم يكن للعاقلة مال.

فظهر من ذلك أنّ الروايات الأربع لا تدلّ على المقصود، فلو كانت سالمة عن المعارض لا يمكن الأخذ بها، فكيف أنّ لها معارضاً كما سيوافيك.

وأمّا القول الثاني: أنّه لا يؤخذ من القاتل شيء، بل مع فقد العاقلة أو فقرها تؤخذ الدية من الإمام، سواء أكان للقاتل مال أو لا، وهذا القول هو الذي جعله المصنّف أظهر..

وإلى هذا القول يشير المحقّق بقوله: «وقيل: مع فقر العاقلة أو عدمها تؤخذ من الإمام دون القاتل، والأوّل مروي.(2)

قال الشهيد في «المسالك» معترضاً على المحقّق: والمصنّف رحمه الله جعل الأوّل منهما مروياً وليس في الروايات ما يدلّ عليه صريحاً. وإنّما دلّت على الثاني كرواية سلمة بن كهيل السابقة ورواية يونس بن عبد الرحمن4.

ص: 570


1- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 9.
2- . شرائع الإسلام: 291/4.

المرسلة.(1)

أقول: ما يدلّ على القول الثاني لا يتجاوز روايتين:

1. رواية سلمة بن كهيل، والتي جاء فيها: «فإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل، ولم يكن من أهلها، وكان مبطلاً في دعواه، فردّه إليّ مع رسولي فلان بن فلان، إن شاء اللّه، فأنا وليّه والمؤدّي عنه».(2)

2. ما رواه أبو ولّاد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقتل وليس له ولي إلّا الإمام: «إنّه ليس للإمام أن يعفو له أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين».(3)

والشاهد في قوله عليه السلام: «لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام».

وعلى هذا فلا يدلّ على القول الثاني إلّاما ذكرنا من الروايتين.

وأمّا ما أشار إليه في «المسالك»(4) من رواية يونس بن عبد الرحمن المرسلة، فقد استدلّ بها على القول الأوّل لا على القول الثاني، وقد عرفت ما في الاستدلال من الإشكال.

وقد عرفت ما استدلّ على القولين من الروايات وقد مرّ قصور ما استدلّ به على القول الأوّل وعلى فرض الدلالة فالترجيح مع الطائفة الثانية وهو5.

ص: 571


1- . مسالك الأفهام: 15/524.
2- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.
4- . مسالك الأفهام: 525/15.

أنّ الظاهر من الروايات أنّ دية الخطأ تتعلّق ابتداءً بالعاقلة دون الجاني والمفروض أنّ الإمام منها، فإذا فرضنا وجود الإمام وتمكّنه من الأداء فلا وجه لتعلّق الدية بالجاني بحجّة «أنّ غير الإمام من سائر الطبقات عاجز عن دفعها»، مع أنّ الطبقة الأخيرة - أعني: الإمام - متمكّنة من دفعها.

وما دلّ على القول الثاني من الروايات أظهر ممّا استدلّ به على القول الأوّل، ولذا جعله في المتن أظهر.

وربّما يطرح هنا سؤال وهو أنّه: إذا كانت العاقلة غير متمكّنة من دفع الدية، وكان الجاني متمكّناً منها، فإيجاب الدية على بيت المال ربّما لا يوافق الذوق الفقهي.

ولكن الإجابة عليه واضحة وهي أن الجاني لمّا كان خاطئاً محضاً فإبراء ذمّته من الدية أمر معقول، لأنّه لم يرتكب جرماً ولا خلافاً، وأمّا إيجابها على بيت المال فليس لغاية الإحسان إلى الجاني، بل لغاية عدم ذهاب دم مسلم هدراً، فلأجل تلك الغاية لزم على الإمام دفع الدية إلى المجني عليه أو ورثته من بيت المال، والإشكال حصل من تصوّر أنّ جعل الدية على بيت المال لأجل الإحسان إلى الجاني الغني القادر على دفع الدية، مع أنّه لأجل صيانة دم المسلم عن الهدر.

ص: 572

المسألة 8. قد مرّ أنّ دية العمد وشبه العمد في مال الجاني، لكن لو هرب فلم يُقدر عليه أُخذت من ماله إن كان له مال، وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، فإن لم تكن له قرابة أدّاها الإمام عليه السلام، ولا يبطل دم امرئ مسلم. *

* لو هرب القاتل عن عمد أو شبه العمد ولم يُقدر عليه، فإن كان له مال أُخذت الدية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم تكن له قرابة أدّاها الإمام عليه السلام.

قال الشيخ في «النهاية»: فأمّا دية قتل الخطأ شبيه العمد، فإنّها تلزم القاتل نفسه في ماله خاصّة إلى أن قال: فإن مات أو هرب أُخذ أولى الناس إليه بها، ممّن يرث ديته، فإن لم يكن له أحد أُخذت من بيت المال.(1)

وعليه يحيى بن سعيد في «الجامع للشرائع».(2)

والمخالف هو ابن إدريس، فذهب إلى أنّ الخطأ شبيه العمد تجب الدية على القاتل نفسه لا تتحمّله العاقلة إذا هرب، ثم وصف ما استند إليه الشيخ بأنّها أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً.(3)

أقول: ربّما يستدلّ على مختار الشيخ بما يلي:

1. صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلاً متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم يُقدر عليه؟ قال: «إن كان له مال أُخذت الدية من ماله، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم».(4)1.

ص: 573


1- . النهاية: 738.
2- . الجامع للشرائع: 574.
3- . السرائر: 335/3.
4- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
الثالث من اللواحق: في الجناية على الحيوان
اشارة

وهي باعتبار المجنيّ عليه ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما يؤكل في العادة كالأنعام الثلاثة وغيرها، فمن أتلف منها شيئاً بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيّاً وذكيّاً، ولو لم يكن بينهما تفاوت فلا شيء عليه وإن كان آثماً، ولو أتلفه من غير تذكية لزمه قيمة يوم إتلافه، والأحوط أعلى قيمتي يوم التلف والأداء، ولو بقي فيه ما ينتفع به كالصوف والوبر وغيرهما ممّا ينتفع به من الميتة فهو للمالك، ويوضع من قيمة التالف التي يغرمها. *

2. صحيحة البزنطي عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قتل رجلاً عمداً ثمّ فرّ فلم يُقدر عليه حتى مات، قال: «إن كان له مال أُخذ منه، وإلّا أُخذ من الأقرب فالأقرب».(1) ولا يخفى أنّ مورد الروايات هو القتل عن عمد ومورد البحث هو أعمّ منه ومن شبه العمد، والاستدلال رهن إلغاء الخصوصية.

* الجناية على الحيوان باعتبار المجنيّ عليه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1. الجناية على ما يؤكل.

2. الجناية على ما لا يؤكل لحمه وتصحّ ذكاته.

3. الجناية على ما لا تصحّ ذكاته.

ص: 574


1- . الوسائل: 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

فقد ذكر المصنّف أحكام الأقسام الثلاثة ضمن مسائل، فبدأ بذكر القسم الأوّل، وفيه أُمور:

1. لو أتلف ممّا يؤكل في العادة شيئاً بالذكاة.

2. لو أتلفه من غير تذكية فصار محرّم الأكل.

3. إذا وجب دفع القيمة فهل الملاك فيها قيمة يوم التلف أو غيره؟

أمّا الأمر الأوّل: فمن أتلف شيئاً ممّا يؤكل عادة كالغنم والبقر والإبل بالذكاة على وجه لا يخرج عن المالية، فهو على صور:

1. تنقص قيمته ذكياً عنها حيّاً، فعندئذٍ يجب عليه أداء ما به التفاوت بين كونه حيّاً وذكيّاً كما هو الحال في كلّ من جنى على ملك الغير على نحو لم يخرجه عن المالية فالعين للمالك والأرش على الجاني. وفي المقام قول آخر وهو تخيير المالك بين أخذ الأرش والقيمة، وسيوافيك توضيحه في المسألة الأُولى وأنّه هو الأقوى.

2. ما لا يورث العمل تفاوتاً في القيمة بين الحالتين، فلا شيء على الفاعل غير أنّه آثم بالتصرّف في مال الغير.

3. إذا أخرجه عن الانتفاع حتى مع التذكية فهو ما يأتي في المسألة الثانية.

وأمّا الأمر الثاني: فلو أتلف الحيوان مأكول اللحم من غير تذكية، بحيث خرج عن المالية عرفاً، فأصبح كالتالف، لزمت على الجاني القيمة.

وأمّا الأمر الثالث: فهو كالمتمّم للأمر الثاني، وهو أنّه إذا وجبت عليه القيمة كالتالف بلا تذكية فما هو الملاك في حدّها، فالمحقّق والمصنّف قالا بأنّها قيمة يوم الإتلاف، واحتاط المصنّف بأنّ الواجب أعلى قيمتي يوم

ص: 575

المسألة 1. ليس للمالك دفع المذبوح - لو ذبح مذكّاة - ومطالبة المثل أو القيمة، بل له ما به التفاوت. *

التلف والأداء، ولكن الحق عندنا قيمة يوم الأداء، - على ما حقّقناه في بحوثنا في البيع -(1) لأنّ المتلِف مسؤول عن العين إلى يوم الأداء دون القيمة، فإذا قام بأداء العوض تنقلب المسؤولية عن العين إلى القيمة وتتعيّن قيمة يوم الانقلاب، وهذا هو الظاهر من النبويّ المعروف: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فهي المسؤولة عن العين إلى يوم الأداء، وإنّما تنقلب المسؤولية من العين إلى القيمة في يوم الأداء.

نعم لو بقي من العين ما ينتفع به كالصوف والشعر والوبر والريش ممّا ينتفع به من الميتة فهو باق على ملك المالك، غاية الأمر ينبغي أن يوضع من قيمته.

* كلامه قدس سره ناظر إلى الصورة الأُولى من الأمر الأوّل - أعني: إذا تلف ما يؤكل عادة بالذبح الشرعي على وجه نقصت قيمته - فقد مرّ منه أنّ اللازم الأرش، ولكن المرويّ عن الشيخين تخيير المالك بين الأمرين.

قال المفيد: فإن أتلف ما يحصل مع تلف نفسه لصاحبه الانتفاع به على وجه من الوجوه، كان صاحبه مخيّراً بين أن يأخذ منه قيمته حيّاً يوم أتلفه، أو يأخذ منه أرش إتلافه وهو ما بين قيمته حيّاً ومتلفاً.(2)

وقال الشيخ: فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به، كان صاحبه مخيّراً بين أن يُلزمه قيمته يوم أتلفه، ويسلّم إليه ذلك الشيء، أو يطالبه بقيمة ما9.

ص: 576


1- . أحكام البيع في الشريعة الإسلامية الغرّاء: 327/1-328.
2- . المقنعة: 769.

المسألة 2. لو فرض أنّه بالذبح خرج عن القيمة فهو مضمون كالتالف بلا تذكية. *

بين كونه متلفاً وكونه حيّاً.(1)

وربّما يوجه كلامهما بأنّ الجاني أتلف أهم منافعه فهو حينئذٍ بحكم التالف.

يلاحظ عليه: بأنّ التالف بعض المنافع لا كلّها، فالأنسب للقواعد بقاء الحيوان على ملك المالك ووجوب أداء الأرش على المالك.

ومع ذلك كلّه يمكن القول بأنّ للمالك إلزام المتلف بالقيمة نظراً لما ذكره المحقّق الخوئي وقال: لأنّ الحيوان الحيّ بنظر العرف مباين للحيوان الميّت، فلو أتلفه بالتذكية كان ذلك من التلف عندهم فيضمن، وعليه فللمالك حق إلزام المتلف بإعطاء القيمة وليس له حق الامتناع عن ذلك، وعليه بناء العقلاء.(2) وسيأتي من المصنّف نفس هذا الحكم في خصوص ما لا يؤكل لحمه عادة - كالحمير - في المسألة الرابعة، فانتظر.

* قد مرّ أنّ الجناية على الحيوان بالذكاة على صور ثلاث قد مرّت الصورتان الأُولى والثانية، وأمّا الصورة الثالثة فقد أشار إليها المصنّف في المقام، وهي إذا خرج بالذكاة عن القيمة، فهو يكون كالتالف بلا تذكية، وكان الأنسب أن يذكرها المصنّف في ضمن صور التذكية كما فعلناه كذلك، وسيوافيك نظير هذا الكلام في المسألة الرابعة.2.

ص: 577


1- . النهاية: 780.
2- . مباني تكملة المنهاج: 425/2.

المسألة 3. لو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئاً من عظامه مع استقرار حياته، فللمالك الأرش، ومع عدم الاستقرار فضمان الإتلاف، لكن الأحوط فيما إذا فُقئت عين ذات القوائم الأربع، أكثر الأمرين، من الأرش وربع ثمنها يوم فقئت؛ كما أنّ الأحوط في إلقاء جنين البهيمة أكثر الأمرين، من الأرش وعشر ثمن البهيمة يوم ألقت. *

* لو قطع بعض أعضائه (كالأذن) أو كسر شيئاً من عظامه فللمالك الأرش، لأنّ العين باقية في ملكه غاية الأمر له التفاوت ما بين قيمتيه.

نعم لو كانت الجناية سبباً لعدم استقرار الحياة فيكون حكمه حكم التالف يضمن قيمته يوم الأداء، على ما قلناه.

هذه هي الضابطة الكلّية في الجناية على الحيوان القابل للذكاة غير أنّه ورد في بعض الروايات تحديد الأرش عند الجناية على بعض الأعضاء، كالجناية على العين أو جنين البهيمة.

أمّا الأُولى فقد عقد صاحب الوسائل باباً باسم: باب أنّ في عين الدابة ربع قيمتها يوم الجناية، ونقل فيه روايات أربع:

1. عن أبي العباس (البقباق) قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «مَن فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها».(1)

2. ما رواه عمر بن أُذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي عليه السلام في عين ذات الأربع قوائم إذا فقئت1.

ص: 578


1- . الوسائل: 19، الباب 47 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

ربع ثمنها؟ فقال: «صدق الحسن، قد قال علي عليه السلام ذلك».(1)

ولمّا كان مقتضى القاعدة هو وجوب الأرش (سواء أكان أزيد من ربع ثمن الدابة أو أقل منه أو ساواه) احتاط المصنّف بالجمع بين الضابطة والروايات فقال بوجوب دفع أكثر الأمرين من الأرش وربع الثمن يوم فقئت حتى يعمل بكلا الأمرين.

ونظيره الجناية على جنين البهيمة، فقد روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم في جنين البهيمة إذا ضربت فازلقت عُشر قيمتها».(2) فاحتاط المصنّف أيضاً وقال: أكثر الأمرين من الأرش وعشر البهيمة يوم ألقت.

فإن قلت: لا وجه لإيجاب أكثر الأمرين بعد كون المقام من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليّين، وقد اتّفقت كلمتهم على البراءة.

قلت: إنّ طرفي العلم الإجمالي عبارة عن العنوانين المتبائنين: الأرش، أو الربع، ولازم ذلك هو الاحتياط خروجاً عن الاشتغال القطعيّ، نعم لو كان الميزان هو ما انطبق عليه العنوانان، يكون المقام من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليّين، وقد مرّ نظير ذلك في البحوث السابقة فلاحظ.

ومع ذلك يمكن أن يقال بأنّ التحديد بالربع والعشر لم يكن أمراً تعبدياً، بل كان مقدار التفاوت في تلك الأيام.2.

ص: 579


1- . الوسائل: 19، الباب 47 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، ولاحظ الحديث 3 و 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 18 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

الثاني: ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية كالسباع، فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش، وكذا لو قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار حياته. وإن أتلفه بغير ذكاة ضمن قيمته حيّاً يوم إتلافه، والأحوط أكثر الأمرين من القيمة يوم إتلافه ويوم أدائها، ويستثنى من القيمة ما ينتفع به من الميتة كعظم الفيل. *

* القسم الثاني: ما لا يؤكل لحمه مع وقوع التذكية عليه

قد مرّ أنّ الجناية على الحيوان على أقسام ثلاثة وقد درسنا القسم الأوّل، وها نحن نشرع بدراسة القسم الثاني، وهو ما تقع عليه التذكية ولكن يحرم أكله (كالسباع) ويأتي فيه ما سبق من الصور:

1. فإن أتلفه بالذكاة على وجه لا ينتفع به عرفاً فهو كالتالف يضمن القيمة.

2. لو أتلف بالذكاة بعض منافعه ومع ذلك بقي قابلاً للانتفاع، ففيه الأرش عند المشهور والمصنّف، ويحتمل إلزام المتلف بتمام القيمة على ما مرّ من السيد الخوئي.

3. لو قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار حياته، ففيه الأرش.

4. لو أتلفه بغير ذكاة، فهو تلف حقيقة ضمن قيمته حيّاً يوم إتلافه عند المصنّف، ويوم الأداء عندنا. وقد احتاط المصنّف كما في القسم الأوّل بوجوب دفع أعلى القيمتين في يوم الإتلاف ويوم الأداء.

ثمّ لو بقي بعد الجناية بغير الذكاة ما ينتفع بصوفه ووبره أو عظمه كعظم الفيل، يستثنى من القيمة.

ص: 580

المسألة 4. إن كان المتلف ما يحل أكله لكن لا يؤكل عادة - كالخيل والبغال والحمير الأهلية - كان حكمه كغير المأكول، لكنّ الأحوط في فقء عينها ما ذكرنا في المسألة الثالثة. *

المسألة 5. فيما لا يؤكل عادة لو أتلفه بالتذكية لا يعتبر لحمه ممّا ينتفع به فلا يستثنى من الغرامة. نعم لو فرض أنّ له قيمة كسنة المجاعة تستثنى منها. **

* قد تقدّم من المصنّف في المسألة الثانية من مسائل الجناية على ما يؤكل لحمه عادة - كالغنم - أنّه لو خرج بالذبح عن القيمة فهو مضمون كالتالف، كما إذا كانت الظروف الصحّية لا تساعد على أكل اللحم فليس للمالك إلّادفن اللحم. وعلى ضوء هذا أفاد مثله في المقام - أعني: ما يحلّ أكله شرعاً لكن لا يؤكل عادة - كما إذا ذبح الحمير حيث إنّه بالذبح يخرج عن القيمة فهو كالتالف نظير المذبوح بلا ذكاة، فيتعيّن فيه القيمة. ومع ذلك فحكم فقء عينه أو إلقاء جنينه حكم المأكول عادة الذي مرّ في المسألة الثانية.

** قد مرّ في مقدّمة البحث أنّه لو بقي في التالف ما ينتفع به كالصوف والوبر وغيرهما ممّا ينتفع به من الميتة فهو للمالك ويوضع من قيمة التالف الذي يغرمها، لكن لحم ما لا يؤكل عادة لا يعتبر ممّا ينتفع به، إذ ليس كالصوف والوبر، فعلى هذا فلا يستثنى من الغرامة، اللّهم إلّاإذا اكتسب قيمة لأجل تغيّر الظروف كسنة المجاعة فالناس يكبّون على لحم الحمير والبغال كانكبابهم على لحم الغنم والبقر، فعندئذٍ يكتسب لحمه قيمة فيستثنى من الغرامة.

إلى هنا تمّ الكلام في الجناية على الحيوان بالقسمين: ما يؤكل وما لا

ص: 581

الثالث: ما لا تقع عليه الذكاة، ففي كلب الصيد أربعون درهماً، والظاهر عدم الفرق بين السلوقي وغيره، ولا بين كونه معلّماً وغيره. وفي كلب الغنم عشرون درهماً، وفي رواية كبش، والأحوط الأخذ بأكثرهما.

والأحوط في كلب الحائط عشرون درهماً، وفي كلب الزرع قفيز من برّ عند المشهور على ما حُكي، وفي رواية: جريب من بر، وهو أحوط. ولا يملك المسلم من الكلاب غير ذلك، فلا ضمان بإتلافه. *

يؤكل ولكن يقبل التذكية، ويبقى الكلام في القسم الثالث وهو ما لا تقع عليه الذكاة.

* القسم الثالث من أقسام الجناية على الحيوان هو الجناية على مالا تقع عليه الذكاة، والمثال الواضح له «الكلب»، وله أقسام يختلف بعضها عن بعض، هي:

1. كلب الصيد. 2. كلب الغنم. 3. كلب الحائط. 4. كلب الزرع. وإليك دراستها:

الأوّل: كلب الصيد
اشارة

فيقع الكلام فيه في موضعين:

1. ما هو الموضوع للدية؟

2. ما هو مقدار الدية؟

فلندرس كلا الموضعين تالياً:

أمّا الموضع الأوّل: فقد ذكر في بعض الروايات «كلب الصيد»

ص: 582

وفي أُخرى «الكلب السلوقي» وفي ثالثة «كلب الصيد السلوقي»، فعندئذٍ يقع الكلام فيما هو الموضوع، وإليك هذه الروايات:

1. مرسل ابن فضّال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية كلب الصيد أربعون درهماً، ودية كلب الماشية عشرون درهماً».(1)

2. خبر عبد الأعلى بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في كتاب عليٍّ عليه السلام:

دية كلب الصيد أربعون درهماً».(2)

والموضوع في هاتين الروايتين «كلب الصيد».

3. خبر الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية الكلب السلوقي أربعون درهماً».(3) والموضوع فيه «الكلب السلوقي».

ورواه الشيخ أيضاً عن الوليد بن صبيح بصورة أُخرى قال: «دية كلب الصيد السلوقي أربعون درهماً» والموضوع فيه «كلب الصيد السلوقي».(4)

فيقع الكلام في أنّ الحكم عام لمطلق كلب الصيد أو الكلب السلوقي أو كلب الصيد السلوقي.

فلو كان الموضوع الكلب السلوقي فيعمّ الحكم لمطلق الكلب السلوقي وإن لم يكن كلب صيد، ولكن هذا الاحتمال بعيد لأنّ أكثر كلاب هذه القرية معلّمة، وعندئذٍ يحتمل أن تكون كلمة السلوقي كناية عن الكلب المعلّم، فيخرج غير كلب الصيد وإن كان سلوقياً.6.

ص: 583


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 5.
3- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
4- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 6.

إذا علمت هذا فأعلم أنّ الأمر يدور بين كون الموضوع مطلق كلب الصيد، أو كلب السلوقي الصائد، وبعبارة أُخرى: هل الموضوع عام لمطلق كلب الصيد، أو خاص بكلب الصيد السلوقي؟

الظاهر هو الأوّل، إذ لا وجه لحمل المطلق على المقيّد، لأن أساس الحمل احتمال وجود المفهوم للقيد، وقد بيّن في الأُصول أنّه ليس للوصف مفهوم لاحتمال أن يكون ذكر القيد من باب الغلبة، أو لكونه مورد الحاجة للسائل، أو غير ذلك من الوجوه الّتي تُسبب ذكر القيد، فخرجنا بالنتيجة التالية:

أنّ الموضوع كلب الصيد بما هو هو. هذا كلّه حول الموضع الأوّل.

وأمّا الموضع الثاني - أعني: مقدار الدية - فقد عرفت تضافر الروايات الثلاث على أنّ الدية أربعون درهماً، كما مرّ، ولكن يخالفه أمران:

1. ما رواه العياشي في تفسيره عن الحسن، عن رجل، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله [تعالى]: «وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ»1 قال: كانت عشرين درهماً(1).

وفي رواية أُخرى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام مثله، وزاد فيه: البخس:

النقص، وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل كانت ديته عشرين درهماً»(2).

يلاحظ عليه: أنّ الروايتين بصدد بيان قيمة كلب الصيد يوم ذاك أي اليوم الذي باعوا يوسف بدراهم معدودة، بشهادة قوله: «كانت ديته عشرين درهماً» وأمّا ما هو حكمه في الشريعة الإسلامية فالروايتان ساكتتان عنه.8.

ص: 584


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.
2- . الوسائل: 19، الباب 19، من أبواب ديات النفس، الحديث 8.

وبالجملة فالروايتان بصدد التنديد بعمل أُخوة يوسف حين ساووا بينه وبين كلب الصيد في القيمة، وهو يناسب كون العشرين قيمته يوم حصول البيع لا قيمته في زمان الإمام الرضا عليه السلام.

2. ما رواه الشيخ بسنده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل كلب الصيد؟ قال: «يقوّمه، وكذلك البازي وكذلك كلب الغنم وكذلك كلب الحائط».(1)

والرواية معتبرة لعمل الأصحاب بروايات السكوني.

ويمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الأُولى على بيان المصاديق في تلك الأيام حيث كانت قيمة كلب الصيد أربعين درهماً، فالميزان هو التقويم، والأربعون درهماً من باب بيان المصداق إبان صدور هذه الروايات، ويؤيّد ذلك أنّ تعيين الدية بالنسبة إلى الحيوان الذي تختلف قيمته عبر الأزمان بعيد جدّاً، فلو كانت قيمة كلب الصيد في أحد الأزمنة تبلغ مائة درهم في الأسواق الحرّة، فإلزام قاتل الكلب بأربعين درهماً يُعدّ إجحافاً، ومع ذلك فالمشهور رفضوا الجمع وأخذوا بالترجيح وقدّموا الطائفة الأُولى على الثانية للشهرة العملية بالنسبة إليها، حتّى قال في «الجواهر»: لم أجد من أفتى به سوى ما يحكى عن أبي علي.(2) وعلى هذا فلا مناص من القول بأنّ ديته أربعون درهماً، إذا لم يقلّ عن قيمته الواقعية وإلّا فقيمته، واللّه العالم.

الثاني: كلب الغنم، أو الماشية، ففيه قولان:

1. فيه عشرون درهماً، ونسب إلى المشهور. ويدلّ عليه مرسل ابن5.

ص: 585


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.
2- . جواهر الكلام: 43/395.

فضّال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ودية كلب الماشية عشرون درهماً».(1)

2. فيه كبش، ويدلّ عليه خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «ودية كلب الغنم كبش».(2)

وقد رجّح المحقّق القول الثاني على الأوّل وقال: وفي كلب الغنم كبش، وقيل: عشرون درهماً وهي رواية ابن فضّال عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام مع شهرتها، لكنّ الأُولى (يعني الكبش) أصحّ طريقاً.(3)

والظاهر أنّ الروايتين على مستوى واحد فرواية ابن فضّال مرسلة، وأمّا رواية أبي بصير فقد وقع في سندها علي بن أبي حمزة البطائني، والراوي عنه:

محمد بن حفص وهو مشترك بين أفراد لا توثيق لهم إلّاوكيل الناحية، ويبعد جدّاً أن يكون هو الراوي عن البطائني الذي توفّي قبل الرضا عليه السلام وتوفّي الإمام عام 203 ه، ولأجل ذلك جعل المصنّف الأحوط هو الأخذ بأكثرهما.

وهنا وجه ثالث وهو وجوب دفع القيمة الواقعية لتعارض الروايتين أو لعدم حجّيتهما، والعمل بما ورد في رواية السكوني حيث ورد التقويم أيضاً في كلب الماشية.

الثالث: كلب الحائط، وفيه عشرون درهماً. ذكر المحقّق بأنّه لا يعرف مستند هذا الحكم، وقد ذكر هذا الحكم الشيخان: قال المفيد: وفي قيمة كلب الحائط والماشية عشرون درهماً.(4)9.

ص: 586


1- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.
2- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
3- . شرائع الإسلام: 286/4.
4- . المقنعة: 779.

وقال الشيخ في «النهاية»: وديةُ كلب الحائط والماشية عشرون درهماً.(1)

وبما أنَّ مبنى الكتابين هو تجريد النصوص عن الأسانيد، فذكر هذا الحكم فيهما دليل على وجودها بهذا المعنى، فإن كان هذا المقدار كافياً في الإفتاء به وإلّا فالمرجع القيمة الواقعية. ويؤيد الأخير وروده في معتبرة السكوني أيضاً.

الرابع: كلب الزرع، قال الشيخ: وفي كلب الزرع قفيز من طعام.(2)

وقال المحقّق: وفي كلب الزرع قفيز من بُرّ.(3)

ولكن الوارد في خبر أبي بصير: «ودية كلب الزرع جريب من بُرّ».(4)

والجريب مكيال وهو أربعة أقفزة(5)، وقد عمل المصنّف برواية أبي بصير، فلو صحّت وإلّا فالمرجع هو الضابطة وهي التقويم.

ثمّ إنّه لا يسري الحكم على غير ما ذكر من الكلاب، فلا يضمن بإتلافه، ولذلك ورد في رواية ابن فضّال قوله: «ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب على القاتل أن يعطي وعلى صاحبه أن يقبل».(6) ولعلّه كناية عن عدم تحمّل شيء.4.

ص: 587


1- . النهاية: 780.
2- . النهاية: 780.
3- . شرائع الإسلام: 286/4.
4- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
5- . بما أن كلّ قفيز يساوي 12 صاعاً، وكل صاع هو 3 كيلوغرامات، فتكون أربعة أقفزة مساوية ل 144 كيلوغراماً.
6- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

المسألة 6. كلّ ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير لا ضمان فيه لو أتلفه، وما لم يدلّ دليل على عدم قابليته للملك يتملّك لو كان له منفعة عقلائية، وفي إتلافه ضمان الإتلاف كما في سائر الأموال. *

إكمال

كانت الكلاب إبّان صدور الروايات منحصرة فيما مرّ من الأقسام، غير أنّ التقدّم الحضاري أوجد قسماً أو أقساماً أُخرى للكلاب لها قيمتها الخاصّة؛ منها: الكلاب التي تكشف عن وجود جثت الموتى تحت الأنقاض، ولهذا النوع من الكلاب قيمة خاصّة ولها منافع محلّلة يستعان بها في المساعدة على كشف الجثت عند حدوث الزلازل التي تجعل الأعالي أسافل.

ومنها: الكلاب البوليسية التي تكشف المخدّرات والمتفجّرات، فمن قتل أحد هذه الكلاب يكون الميزان هو دفع القيمة، فلا بأس بشرائها وبيعها لما يترتّب عليها من المنافع المحلّلة.

كل ما لا يملكه المسلم لا ضمان فيه

في المسألة أمران:

1. كلّ ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير لا ضمان فيه لو أتلفه؛ لأنّ الضمان فرع الملكية، والمفروض أنّ المسلم لا يملك الخمر والخنزير، وقد دلّ الدليل على أنّ المسلم لا يملكهما.

2. ما له منفعة عقلائية ولم يدلّ دليل على عدم قابليته للملك فهو يتملّك أوّلاً ويضمن ثانياً لأنّ له منفعة عقلائية، والضمان فرع المالية؛ نظير ذلك:

ص: 588

المسألة 7. ما يملكه الذمّي - كالخنزير - مضمون بقيمته عند مستحلّيه، وفي الجناية على أطرافه الأرش. *

الدم فقد كان في الأزمنة السابقة منحصراً في الأكل والشرب وهما منفعتان محرمتان، ولكن اليوم ينتفع به في التزريق للمرضى والجرحى، في قاعات العمليات، وهي منفعة محلّلة، فلو أتلفه شخص، يضمن، وكذا الخنزير فربّما ينتفع به في المختبرات وغيرها.

ما يملكه الذمّي مضمون بقيمته عند مستحلّيه

ما تقدّم من الكلام هو ما يملكه المسلم وما لا يملكه، وأمّا هذه المسألة فهي تختصّ بما يملكه خصوص الذمّي (كالخنزير) فقد قال المصنّف تبعاً للمحقّق بأنّه يُضمن بقيمته عند مستحلّيه.(1)

ولم يقيّد المصنّف ولا المحقّق كون الضمان مشروطاً بالاستتار؛ وذلك لأنّ حياته مبنيّة على عدم الاستتار، ولذلك لم يُعدّ من شرائط الذّمة بخلاف الخمر وآلات اللهو حيث سيوافيك أنّ شرط الضمان الاستتار الذي هو من شرائط الذمّة.

ومن فروع هذا الحكم هو الجناية على أطراف الخنزير ففيه الأرش، وهو التفاوت بين قيمة الصحيح والمعيب عند مستحلّيه.

ص: 589


1- . شرائع الإسلام: 286/4.
فروع:

الأوّل: لو أتلف على الذمّي خمراً أو آلة من اللهو ونحوه - ممّا يملكه الذمّي في مذهبه - ضمنها المتلف ولو كان مسلماً، ولكن يشترط في الضمان قيام الذمّي بشرائط الذمّة، ومنها الاستتار في نحوها، فلو أظهرها ونقض شرائط الذمّة فلا احترام لها، ولو كان شيء من ذلك لمسلم لا يضمنه الجاني متجاهراً كان أو مستتراً. *

لو أتلف على الذمّي خمراً أو آلة لهو

دلّت الرواية وظاهر كلام الأصحاب على أنّ الكافر إذا قام بشرائط الذمّة كان ماله محقوناً كدمه، وعليه فكلّ جناية على نفسه وماله توجب الضمان.

ومن شرائط الذمّة الاستتار على المحرّمات المحلّلة في دينهم، وعلى هذا فلو أتلف متلف لذميٍّ خمراً أو آلة لهو يضمن قيمتهما من غير فرق بين كون المتلف ذمّياً أو مسلماً. ومن شرائط الضمان الاستتار المحقّق للعمل بالذمة.

وتدلّ عليه صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قبل الجزية من أهل الذمّة على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الأُخت، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه تعالى وذمّة رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، قال: وليست لهم اليوم ذمّة».(1)

فالرواية صريحة في أنّ من لم يعمل بشرائط الذمّة فدمه هدر، ومن المعلوم أنّ المراد من ترك ما ذكر في الرواية، هو تركه علناً وجهراً، وعليه

ص: 590


1- . الوسائل: 11، الباب 48 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

المسألة 1. الخمر التي تتّخذ للخلّ محترمة لا يجوز إهراقها، ويضمن لو أتلفها، وكذا موادّ آلات اللهو والقمار محترمة. وإنّما هيئتها غير محترمة ولا مضمونة، إلّاأن يكون إبطال الهيئة ملازماً لإتلاف المادّة، فلا ضمان حينئذٍ. *

فمَن فعل ذلك مستتراً به لم يخرج عن الذمّة.

وبذلك يُعلم مفاد الروايتين التاليتين، فإنّ الإمام عليه السلام ضمّن قتل الخنزير ولم يضمّن كسر البربط، وما هذا إلّالأنّ البناء في الأوّل على عدم التستر، وفي الثاني على التستر، وإليك الروايتين:

1. ما رواه مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل قتل خنزيراً فضمّنه، ورفع إليه رجل كسر بربطاً فأبطله».(1)

2. ما رواه غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام - في حديث -: «أنّ عليّاً عليه السلام ضمّن رجلاً أصاب خنزيراً لنصراني».(2)

نعم لو كان الخمر أو آلة اللهو تحت تصرّف المسلم فهو لا يملكه فلا يكون في إتلافهما أي ضمان.

في الخمر المتّخذ للخل وموادّ آلات اللهو

تنقسم الخمر إلى محترمة وغير محترمة، فالتي اقتنيت للتخليل فهي من القسم الأوّل، يملكها المسلم لأنّ لها منفعة محلّلة وهي صناعة الخلّ الذي

ص: 591


1- . الوسائل: 19، الباب 26 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 26 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

المسألة 2. قارورة الخمر وكذا سائر ما فيه الخمر محترمة، ففي كسرها وإتلافها الضمان، وكذا محالّ آلات اللهو ومحفظتها. *

ربّما تدور عليه حياة الإنسان الطبيعية.

ومنه يظهر حكم آلات اللهو فإنّ الهيئة غير محترمة والمادّة محترمة، فلو كسرها المسلم لا ضمان عليه، وأمّا لو أحرقها (المادة الخشبية) ضمن قيمة الخشب، اللهم إلّاإذا توقّف كسر الهيئة على إبطال المادّة وقد مرّ أنّ عليّاً عليه السلام قد رفع إليه رجل كسر بربطاً فأبطله، فلعلّ الإبطال بالنسبة إلى الهيئة لا المادّة.

فتأمّل.

في قارورة الخمر ومحالّ آلات اللهو ومحفظتها

قد ظهر وجه ما في هذه المسألة ممّا ذكرناه في المسألة المتقدّمة، فإنّ المظروف غير محترم لا ضمان في إتلافه دون الظرف، وهكذا محل آلات اللهو ومحفظتها، وقد اشتهر في الألسن: «لا يؤخذ الجار بحكم الجار».

ص: 592

الثاني: إذا جنت الماشية على الزرع في الليل ضمن صاحبها، ولو كان نهاراً لم يضمن، هذا إذا جنت الماشية بطبعها، وأمّا لو أرسلها صاحبها نهاراً إلى الزرع فهو ضامن، كما أنّ الضمان بالليل ثابت في غير مورد جري الأمر على خلاف العادة مثل أن تخرب حيطان الربض بزلزلة وخرجت الماشية أو أخرجها السارق فجنت، فالظاهر في الأمثال والنظائر لا ضمان على صاحبها. *

في جناية الماشية على الزرع

التفصيل بين الجناية ليلاً فيضمن، والجناية نهاراً فلا يضمن. وهو الذي عليه الشيخان ومن تبعهما.

قال المفيد: إن كان ترك حفاظها ليلاً حتى دخلت زرع غيره فأكلته أو أفسدته، فهو ضامن لذلك - إلى أن قال -: وإن كان إفسادها له نهاراً من غير سبب بأحد ما ذكرناه فليس عليه ضمان، وذلك أنّ على صاحب الزرع مراعاته وحفظه نهاراً، وعلى صاحب الغنم حفظ غنمه ليلاً.(1)

وقريب من ذلك ما في «النهاية»، حتّى التعليل الوارد في «المقنعة» حيث قال: إنّ على صاحب الزرع مراعاته وحفظه نهاراً، وعلى صاحب الغنم حفظها ليلاً.(2)

وقريب منهما ما في «المهذب»(3)، و «الوسيلة»(4).

غير أنّ المصنّف استثنى من القاعدة موردين:

ص: 593


1- . المقنعة: 770.
2- . النهاية: 781.
3- . المهذب: 512/2.
4- . الوسيلة: 428.

1. ما لو أرسلها صاحبها نهاراً إلى الزرع، فلا شكّ أنّه ضامن لأنّه السبب في الإفساد.

2. لو تخرّبت حيطان المربض بزلزلة وخرجت الماشية أو أخرجها السارق ليلاً فجنت، فالظاهر عدم الضمان على صاحب البهيمة، لأنّه قام بأداء وظيفته من التحفّظ على الغنم غير أنّ القدر أو السارق سبّبا خروج الماشية عن المربض.

والظاهر أنّ القاعدة مأخوذة من رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «كان علي عليه السلام لا يضمّن ما أفسدت البهائم نهاراً، ويقول على صاحب الزرع حفظ زرعه، وكان يضمّن ما أفسدت البهائم ليلاً».(1)

ثمّ إنّ إبن إدريس والمحقّق ومن تأخّر عنه لم يعملوا بالقاعدة المستفادة من الرواية وجعلوا الميزان اعتبار التفريط وعدمه، سواء كان الإفساد ليلاً أم نهاراً، ولذلك قال المحقّق بعد ذكره القول المعروف -: والأقرب اشتراط التفريط في الضمان ليلاً كان أو نهاراً وذلك لضعف مستند التفصيل.(2)

أقول: إن أراد ضعف ما رواه السكوني فقد عرفت غير مرّة أنّ الأصحاب عملوا برواياته خصوصاً أنّ الراوي عنه في المقام عبد اللّه بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع.

ويدلّ عليه ثانياً ما رواه الكليني عن يزيد بن إسحاق شعر عن هارون بن حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البقر والغنم والإبل تكون في الرعي (المرعى) فتفسد شيئاً، هل عليها ضمان؟ فقال: إن أفسدت نهاراً فليس4.

ص: 594


1- . الوسائل: 19، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
2- . شرائع الإسلام: 286/4.

عليها ضمان، من أجل أنّ أصحابه يحفظونه، وإن أفسدت ليلاً فإنّه عليها ضمان».(1)

والسند لا بأس به، أمّا يزيد بن إسحاق فقد ذكر النجاشي والشيخ أنّ له كتاباً، وقال الوحيد في التعليقة: يعدّ الأصحاب حديثه حسناً، وقال المجلسي:

فيه مدح عظيم، وحكم العلّامة بصحّة حديثه، والشهيد الثاني بتوثيقه.

وأمّا هارون بن حمزة فقد وثّقه النجاشي.

كما يدلّ عليه ثالثاً ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ» (2) فقال: «لا يكون النفش إلّابالليل، إنّ على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار إنّما رعيها بالنهار وأرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، وعلى أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش، وأنّ داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم وحكم سليمان عليه السلام الرسل والثلة وهو اللبن والصوف في ذلك العام».(3)

إلى غير ذلك ممّا يدلّ على الضابط، ومع ذلك أنّ صاحب الجواهر يرى عدم صلاحية النصوص المزبورة للخروج عن القواعد المحكمة المعتضدة بالعقل والنقل، وحملها على كون ذلك مثالاً للتفريط وعدمه، ثم قال: نعم ربّما يقال: إنّ الأصل في إفسادها ليلاً الضمان حتى يُعلم عدم التفريط،5.

ص: 595


1- . الوسائل: 19، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.
2- . الأنبياء: 78.
3- . الوسائل: 19، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4، ولاحظ الحديث 5.

الثالث: دية الكلاب بما عرفت دية مقدّرة شرعيّة، لا أنّها قيم في زمان التقدير، فحينئذٍ لا يتجاوز عن الدية ولو كانت قيمتها أكثر أو أقلّ. *

وبالنهار بالعكس حتى يُعلم التفريط.(1) كما مثل في المتن من خروج الماشية ليلاً لأجل الزلزال أو إرسال الماشية نهاراً إلى الزرع - ومع هذا يمكن أن تُحمل الروايات على السنة المألوفة الرائجة في ذلك الزمان، فلا تكون دليلاً على الضمان إذا كانت السنّة على الخلاف كما هو الحال في بعض البلاد، فلاحظ.

في دية الكلاب

والذي يدلّ على ما ذكره أنّ الإمام عبّر عن القيمة بالدية، وقال: «دية كلب الصيد أربعون درهماً، ودية كلب الماشية عشرون درهماً، ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب».(2)

فالتعبير بالدية في هذه الموارد دليل على أنّها دية مقدّرة شرعية لا مقدار قيمتها وقت صدور الرواية.

وعلى ذلك فلو كانت قيمة الكلب أكثر من الدية أو أقل فالواجب هو الدية.

نعم من لم يعمل بالروايات لضعفها وجعل الضابطة هي المرجع في المقام، فليس له من محيص إلّاجعل القيمة هي المدار في كلّ زمن، وإن كانت أقل من المنصوص، وقد مرّ أنّ الأقوى هو الأخذ بالمنصوص إلّاإذا كانت القيمة أزيد فيؤخذ بها.

ص: 596


1- . جواهر الكلام: 405/43.
2- . الوسائل: 19، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

المسألة 3. لو غصبها غاصب فإن أتلفها بعد الغصب فليس عليه إلّا الدية المقدّرة، واحتمال أنّ عليه أكثر الأمرين منها ومن قيمتها السوقيّة غير وجيه، وأمّا لو تلفت تحت يده وبضمانه فالظاهر ضمان القيمة السوقية لا الدية المقدّرة على إشكال، كما أنّه لو ورد عليها نقص وعيب فالأرش على الغاصب. *

لو غصب الكلاب غاصب ثم أتلفها

كان البحث في المسائل السابقة حول الجناية على كلب الغير نفساً أو طرفاً، من دون غصبه، والموضوع في هذه المسألة غصب كلب الغير مع إتلافه وتلفه، فقد فصّل المصنّف بين الإتلاف بعد الغصب فليس عليه إلّاالدية المقدّرة، وبين التلف بنفسه فيضمن القيمة السوقية، وهذا هو الذي عليه المحقّق في الشرائع، قال: دية الكلاب الثلاثة مقدّرة على القاتل، أمّا لو غصب أحدها وتلف في يد الغاصب ضمن قيمته السوقية ولو زادت على المقدّر.(1)

وجه التفصيل بين الإتلاف والتلف هو تنزيل الروايات التي جاء فيها دية مقدّرة على صورة الإتلاف، وأمّا صورة التلف فالمرجع فيها هي القاعدة، أعني: القيمة السوقية.

أمّا الأُولى - أعني: كون المرجع في الإتلاف هي الدية - فليس فيه كلام لشمول النصوص لها، لكن في الجواهر: ولعلّ الأقوى وجوب أكثر الأمرين لو قتله الغاصب لاجتماع جهتي الضمان: الغصب والإتلاف، والأُولى

ص: 597


1- . شرائع الإسلام: 287/4.

تقتضي الضمان بالقيمة والإتلاف بالمقدّر، فللمالك المطالبة بأكثرها اقتضاءً (1).

ثم إنّ المصنّف وصف هذا القول بعدم الوجاهة لإطلاق الروايات الشاملة لصورتي الغصب وعدمه، فالموضوع هو الإتلاف. هذا كلّه حول الصورة الأُولى وأمّا إذا غصبه ولكن تلف بنفسه فالمرجع هو القاعدة، أعني:

القيمة السوقية، إمّا يوم التلف أو يوم الأداء.

وحصيلة الكلام: أنّ المرجع في الإتلاف الروايات من غير فرق بين حالتي الغصب وعدمه، وفي التلف قوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» وتكون النتيجة دفع القيمة السوقيّة.

ثم ذكر المصنّف أنّه لو ورد عليها نقص أو عيب فالأرش على الغاصب؛ لأنّ النقص ورد عند استيلائه على العين.9.

ص: 598


1- . جواهر الكلام: 43/399.

المسألة 4. لو جنى على كلب له دية مقدّرة فالظاهر الضمان، لكن تلاحظ نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقية، فيؤخذ بالنسبة من الدية، فلو فرض أنّ قيمته سليماً مائة دينار ومعيباً عشرة دنانير، يؤخذ عشر ما هو المقدّر. *

لو جنى على كلب له دية مقدّرة

لو جنى على كلب له دية مقدّرة، لا شكّ أنّ الأرش على الجاني إنّما الكلام في كيفية تعيين الأرش، فطريقه هو تقييم الكلب سليماً وتقييمه معيباً وملاحظة النسبة بينهما، والأخذ من الدية بتلك النسبة.

مثلاً: لو كانت قيمته سليماً مائة، ومعيباً عشرة. فقد نقصت من قيمة الكلب تسعة أعشار القيمة - أعني: التسعين - فيؤخذ بهذه النسبة (تسعة أعشار) من دية كلب الصيد، فيستحق المالك تسعة أعشار الأربعين - أعني: ستاً وثلاثين - لأنّ عشر الأربعين هو أربعة، وتسعة أعشارها عبارة عن الست والثلاثين، فعلى هذا فيراد من عبارة المصنّف «يؤخذ عُشر ما هو المقدّر» أي ينقص من الأربعين عشرها، ويدفع الباقي إلى المالك. والأولى أن يقول: يُعطى تسع أعشار الدية.

ص: 599

الرابع من اللواحق:
في كفّارة القتل

المسألة 1. تجب كفّارة الجمع في قتل المؤمن عمداً وظلماً، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً. *

المسألة 2. تجب الكفّارة المرتّبة في قتل الخطأ المحض وقتل الخطأ شبه العمد، وهي العتق، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً. **

في كفّارة الجمع

لا خلاف بين الأصحاب على وجوب كفّارة الجمع بقتل العمد. ويدلّ عليه صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سُئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً هل له توبة؟ فقال: «إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإنّ توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرَّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، وأعتق نسمة، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستّين مسكيناً توبة إلى اللّه عزّ وجل».(1)

في الكفّارة المرتبة

تجب الكفّارة بقتل الخطأ وشبه العمد الذي هو مندرج تحت

ص: 600


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1؛ ولاحظ الحديث 2.

الخطأ كفّارات مترتّبة، قال سبحانه: «وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ» ثم قال: «إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً».1 ولم يذكر في الآية الإطعام لكنّه مذكور في الروايات:

ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير، عن أبي المغراء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقتل العبد خطأ، قال: «عليه عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وصدقة على ستّين مسكيناً، قال: فإن لم يقدر على الرقبة كان عليه الصيام، فإن لم يستطع الصيام فعليه الصدقة».(1)

وورودها في العبد لا يضرّ بعموم الحكم، لأنّ الموضوع في موثّقة سماعة هو المؤمن.(2) نعم لم يُذكر فيها الإطعام لكن المجموع من حيث المجموع - خصوصاً بملاحظة فتوى الأصحاب - عدم الفرق بين العبد والحرّ، ووجوب الإطعام وغيره.5.

ص: 601


1- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.
2- . لاحظ: الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

المسألة 3. إنّما تجب الكفّارة إذا كان القتل بالمباشرة بحيث ينسب إليه بلا تأوّل، لا بالتسبيب، كما لو طرح حجراً أو حفر بئراً أو أوتد وتداً في طريق المسلمين فعثر عاثر فهلك، فإنّ فيه الضمان كما مرّ، وليست فيه الكفّارة. *

المسألة 4. تجب الكفّارة بقتل المسلم؛ ذكراً كان أو أُنثى، صبيّاً أو مجنوناً محكومين بالإسلام، بل بقتل الجنين إذا ولجته الروح. **

وجوب الكفّارة لو كان القتل بالمباشرة

تبع المصنّف رحمه الله في هذه المسألة المحقّق حيث قال: مع المباشرة لا مع التسبيب، فلو طرح حجراً أو حفر بئراً أو نصب سكيناً في غير ملكه فعثر عاثر فهلك بها، ضمن الدية دون الكفّارة.(1)

ولعلّ وجهه من عدم صدق نسبة القتل إلى مَن قام بهذه الأعمال، وإنّما يثبت الضمان فيه للنصوص والإجماع.

نعم نقل الشهيد الثاني عن بعض أهل السنّة وجوب الكفّارة بالمباشرة والتسبيب وعن بعضهم بالمباشرة كما يستويان في وجوب الضمان.(2)

وجوب الكفّارة بقتل المسلم

تجب الكفّارة بقتل المسلم صغيراً أم كبيراً، ذكراً كان أم أُنثى، عملاً بالعموم.

ص: 602


1- . شرائع الإسلام: 287/4.
2- . مسالك الأفهام: 504/15.

قال الشيخ: تجب كفّارة القتل في حقّ الصبيّ والمجنون، والكافر، وقال قوم: لا يجب في حقّ هؤلاء؛ والأوّل أقوى لعموم الآية.(1)

قال المحقّق: تجب كفّارة الجمع بقتل العمد وتجب بقتل المسلم، ذكراً كان أو أُنثى، كان القتيل ذكراً أو أُنثى حرّاً أو عبداً وكذا تجب بقتل الصبيّ والمجنون.(2) ومثله العلّامة في «القواعد».(3)

والدليل هو العموم فإنّ الموضوع في بعض الروايات: «قتل رجلاً متعمّداً»(4)، وفي البعض الآخر: «قتل مؤمناً متعمّداً».(5)

ومن المعلوم أنّه لا مدخلية للذكورية فيعمّ الذكر والأُنثى.

إنّما الكلام في شمول الرواية للصبيّ والمجنون والجنين الذي ولجته الروح.

وبما أنّ الأوّلين محكومان بالإسلام، والثالث أيضاً تابع لأشرف الوالدين فتعمّهم الروايات، ولذلك يقول المحقّق: وكذا تجب في قتل الصبيّ والمجنون.(6) والجنين الذي ولجته الروح بمنزلة الإنسان الكامل في مقدار الدية فيلحق به.

نعم عطف عليه في «التحرير»: والجنين الذي لم تلجه الروح.(7) ولكنّه موضع منع.ط.

ص: 603


1- . المبسوط: 246/7.
2- . شرائع الإسلام: 287/4.
3- . قواعد الأحكام: 713/3.
4- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1 و 3.
5- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.
6- . شرائع الإسلام: 287/4.
7- . تحرير الأحكام: 635/5، وما ذكره أحوط.

المسألة 5. لا تجب الكفّارة بقتل الكافر، حربيّاً كان أو ذمّياً أو معاهداً، عن عمد كان أو لا. *

عدم وجوب الكفّارة بقتل الكافر

قال المحقّق: لا تجب (الكفّارة) بقتل الكافر ذمّياً كان أو معاهداً استناداً إلى البراءة الأصلية.(1)

وقال العلّامة: لا تجب الكفّارة بقتل الذمّي وغيره من أصناف الكفّار، معاهداً كان أو غير معاهد، حلّ قتله أو حرم.(2) خلافاً للشيخ حيث قال: وتجب كفّارة القتل في حقّ الصبيّ والمجنون والكافر لعموم الآية.(3)

والآية التي زعم الشيخ أنّ عمومها يشمل قتل الكافر مؤلّفة من فقرات ثلاث نأتي بها مفصولة عن بعض، قال تعالى:

1. «وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا».

2. «فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ».

3. «وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»4 .

أمّا الفقرة الأُولى فهي صريحة في أنّ المقتول مؤمن.

ص: 604


1- . شرائع الإسلام: 287/4.
2- . تحرير الأحكام: 635/5.
3- . المبسوط: 246/7.

وأمّا الفقرة الثانية فهي أيضاً مثل الأُولى صريحة في أنّ المقتول مؤمن.

وإنّما فرض فيه الكفّارة دون الدية؛ وذلك لأنّ ورثة المقتول كلّهم كفّار لا يرثون دية المؤمن.

ولعلّ نظر الشيخ إلى الفقرة الثالثة لأنّها بظاهرها مطلقة حيث قال: «وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ» ، لكن النظر الدقيق يدفع هذا الإطلاق؛ لأنّ السياق يقتضي أن يكون المقتول فيها أيضاً مؤمناً، حيث قال:

«وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ» أي كان نفس المقتول في الفقرة الثانية: «مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ» فالضمير في «إِنْ كانَ» يرجع إلى المفروض في الفقرة الثانية.

وأمّا إيجاب الأمرين الكفّارة والدية فواضح، فالكفّارة لأنّه قتل مؤمناً خطأ، وأمّا الدية فالمفروض أنّ ورثة المؤمن من قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق وعهد، وهذا هو الذي صحّح إيجاب الدية هنا دون الفقرة الثانية.

وبعبارة مختصرة: إنّ المقتول في الفقرات الثلاث هو المؤمن، غاية الأمر أنّ المقتول في الفقرة الأُولى كان يعيش بين المؤمنين، وأمّا المقتول في الفقرتين الثانية والثالثة كان يعيش بين الكفّار، وهذا صار سبباً لقتله خطأ بزعم أنّه أيضاً كافر.

ويدلّ على ذلك أنّ المأخوذ في الروايات هو المؤمن. نعم ورد في بعض الروايات الرجل، كما عرفت.

ولكن لمّا كان وجوب الكفّارة على خلاف القاعدة، فيقتصر على المورد المتيقّن وهو المؤمن.

ص: 605

المسألة 6. لو اشترك جماعة في قتل واحد - عمداً أو خطأً - فعلى كلّ واحد منهم كفّارة. *

لو اشترك جماعة في قتل واحد
اشارة

قال الشيخ: إذا اشترك جماعة في قتل رجل، كان على كلّ واحد منهم الكفّارة، وبه قال جميع الفقهاء إلّاعثمان البتّي فإنّه قال: عليهم كلّهم كفّارة واحدة. وحُكي ذلك عن الشافعي، قال أصحابه ليس بشيء.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقوله تعالى: «وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»1 ، وكلّ واحد منهم قاتل.(1)

وحاصله: صدق القتل بالنسبة إلى كلّ واحد منهم، فتجب الكفّارة على كلّ واحد.

ص: 606


1- . الخلاف: 324/5، المسألة 10.

المسألة 7. لو أمر شخص بقتله فقتله فعلى القاتل الكفّارة، ولو أدّى العامد الدية أو صالح بأقل أو أكثر أو عفي عنها، لم تسقط الكفّارة. *

* في المسألة فرعان:

1. لو أُمر شخص بقتله فقتله، هل تجب الكفّارة على الآمر؟! أو تجب على القاتل فقط؟

2. لو أدّى العامد الدية أو صالح بالأقل أو الأكثر، هل تسقط الكفّارة عنه؟

وإليك دراسة الفرعين:

الفرع الأوّل: لو أمر شخص بقتله فقتله

لو أمر شخص بقتله فقتله فعلى القاتل الكفّارة، ووجهه أنّ المباشر أقوى من السبب (أي الآمر) والكفّارة على القاتل لأنّه هو المباشر. وقد مرّ الكلام فيه في المسألة الثالثة.

الفرع الثاني: لو أدّى العامد الدية أو صالح

لو أدى العامد الدية أو صالح بأقلّ من الدية أو بالأكثر منها أو عفا ولي الدم عنها، لم تسقط الكفّارة لعدم كون ذلك مسقطاً لها بعد وجوبها.

ص: 607

المسألة 8. لو سلّم نفسه فقتل قوداً فهل تجب في ماله الكفّارة؟ وجهان، أوجههما العدم.

وقد ذكرنا في كتاب الكفّارات ما يتعلّق بالمقام. *

لو قتل القاتل قوداً

يقع الكلام في وجوب كفّارته في ماله، فهناك قولان:

الأوّل: عدم الوجوب عليه وهو قول الشيخ في «المبسوط»: وأمّا إذا قتل قوداً فلا كفّارة عليه، وهو الذي يقتضيه مذهبنا.(1)

وحكاه في «الجواهر» عن السرائر والمقنعة والمهذّب والوسيلة.(2)

الثاني: وجوب الكفارة لأنّ الجناية سببت أمرين: القصاص، والكفّارة، ولا دليل على سقوط الثانية بالأوّل، ولو شُكّ فالاستصحاب هو المحكّم، خصوصاً أنّ الحقوق المالية للّه لا تسقط.

نعم استدلّ للقول الأوّل بوجوه غير ناجحة، وهي:

1. الكفّارة شُرّعت لتكفير المذنب ممّا ارتكبه، فإذا سلم نفسه واقتصّ منه فقد أعطى الحقّ فيكتفى به كفّارة.

2. ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: «القتل كفّارة» فعلى هذا فإنّما يجب إخراج الكفّارة إذا لم يُقتصّ منه، بأن مات أو عُفي عنه أو أُخذت منه الدية.(3)

ص: 608


1- . المبسوط: 246/7.
2- . جواهر الكلام: 411/43.
3- . مسالك الأفهام: 507/15.

يلاحظ على الأوّل: باحتمال أنّ الكفّارة جزء متمّم لتكفير المذنب.

ويلاحظ على الثاني: بأنّ الحديث قد ورد في صحيح البخاري باللفظ التالي:

«من أتى منكم حدّاً فأُقيم عليه فهو كفّارته».(1)

ومن المحتمل أنّ مورده الحدود الشرعية غير المنتهية إلى القتل.

***9.

ص: 609


1- . صحيح البخاري: 198/9.
خاتمة المطاف
اشارة

وفيها أمران

الأمر الأوّل: ما هو السبب لتحمّل العاقلة؟

وردنا سؤالان عن وجه وجوب الدية على العاقلة فيما إذا كان الجاني غير عامدٍ، وقد أجبنا عنهما في سالف الزمان، ونشر الجوابان في المجلّة الفصلية التي يصدرها معهد الشهيد المطهّري للدراسات العليا باسم مجلّة «رهنمون»، ولمّا كان السؤالان والجوابان باللغة الفارسية أحببت أن أنقلهما إلى اللغة العربية ليعم نفعهما، وإليك السؤالين والجوابين واحداً بعد الآخر.

السؤال الأوّل: ضمان العاقلة يناسب الحياة القبلية

كانت حياة سكان الجزيرة العربية حياة قبليّة، والتقاليد السائدة في هذا النمط من الحياة هي مشاركة أعضاء القبيلة في الخير والشر كليهما، وعلى هذا فتحمّل العاقلة دية الخاطئ أمر موافق للتقاليد الرائجة، وأمّا اليوم فقد تغيّر وجه الحياة بشكل لا يُرى في كثير من البلاد الإسلامية أثر من هذا النمط من الحياة، فكيف يكون الحكم سائداً في جميع المجتمعات؟

الجواب: أنّ إيجاب الدية على العاقلة في الشريعة الإسلامية يختلف عمّا هو السائد في الجزيرة العربيّة؛ وذلك لأنّ الرأي السائد فيها آنذاك هو الدفاع عن الجاني - عامداً كان أو خاطئاً، جانياً على النفس أو على الأعضاء، معتدياً

ص: 610

على عرض الغير أو متلفاً للمال - في جميع الصور، وبكلمة واحدة الدفاع عن المعتدي بأي نحو كان، بالقوّة والسلاح أو بدفع المال، وأين هذا من وجوب الدية على العاقلة في مورد خاصّ؟

ويؤيّد ما قلناه ما ذكره الشهيد الثاني في الروضة يقول: العاقلة إمّا من العقل وهو الشدّ، ومنه سمّي الحبل عقالاً لأنّها تعقل الإبل بفناء وليّ المقتول المستحق للدية إلى أن قال: أو من العقل وهو المنع، لأنّ العشيرة كانت تمنع القاتل بالسيف في الجاهلية ثم منعت عنه في الإسلام بالمال.(1)

ويقول في «المسالك»: إنّ القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة من جنى منهم، ويمنعون أولياء القتيل من أن يدركوا بثأرهم ويأخذوا من الجاني حقّهم، فجعل الشرع بدل تلك النصرة، بذل المال حيث لا يكون الجاني متعمّداً آثماً، وربما شُبّه إعانة الأقارب بتحمّل الدية، بإعانة الأجانب الذين غرموا لإصلاح ذات البين بصرف سهم من الزكاة إليهم، وأجّلت على العاقلة نظراً لهم ليتحمّلوا ما تحمّلوا في مدّة الأجل، فلا يشقّ عليهم أداؤه.(2)

وممّا يوضح مغايرة الحكم الإسلامي في مورد العاقلة عمّا كان عليه العرب في الجاهلية، ما رواه الكليني بسند صحيح عن مالك بن عطيّة، عن سلمة بن كهيل - والحديث مفصّل نأخذ منه موضع الحاجة - قال: أُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلاً خطأ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «مَن عشيرتك وقرابتك؟» فقال: مالي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة، قال: فقال: «فمن أي البلدان أنت؟» قال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت8.

ص: 611


1- . الروضة البهية: 10/307 و 308.
2- . مسالك الأفهام: 15/508.

بها ولي بها قرابة وأهل بيت، قال: فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله على الموصل: «أمّا بعد فإنّ فلان بن فلان وحِلْيته كذا وكذا، قتل رجلاً من المسلمين خطأ، فذكر أنّه رجل من أهل الموصل، وأنّ له بها قرابة وأهل بيت، وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان وحليته كذا وكذا، فإذا ورد عليك إن شاء اللّه وقرأت كتابي فافحص عن أمره وسل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك، ثم انظر فإن كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فالزمه الدية، وخذه بها نجوماً في ثلاث سنين».(1)

ترى أنّ الإمام وضع الدية على العاقلة التي ترث الجاني في الكتاب والسنّة، لا على أعضاء القبيلة كلّها، وخصّ الضمان بالجناية الخطئيّة، نعم في ذيل الحديث، مالا يوافق فتاوى الأصحاب، ولذلك أعرضنا عن ذكره.

وعلى هذا فضمان العاقلة في مقابل ما ترثه على فرض موت الجاني الخاطئ، من قبيل القول المعروف: «من له الغُنم فعليه الغُرم».

وحصيلة الكلام: أنّ بين التقاليد المعروفة في الجاهلية وبين وجوب الدية على العاقلة بوناً شاسعاً، ولما عرفت من أنّ أعضاء القبيلة كانوا ملتزمين بالدفاع عن الجاني في عامّة الصور وبكافة الوسائل، ولكن الإسلام حدّده بشروط خاصّة:

أوّلاً: خصّ ضمان العاقلة بصورة لا يكون الجاني عامداً.

ثانياً: ثبوت الجناية بالبيّنة لا بالإقرار.1.

ص: 612


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

ثالثاً: لو صالح أولياء الدم بشيء في مقابل الدية فهو على الجاني لا على العاقلة.

رابعاً: اختصاص العاقلة بالعصبة وهو مَن يتقرّب إلى الجاني عن طريق الأب، كالأُخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم. ثم إنّه يختصّ بالذكور من العصبة، إلى غير ذلك من الشروط.

خامساً: ولا تعقل المرأة ولا الصبيّ ولا المجنون وإن ورثوا من الدية.

سادساً: لا يتحمّل الفقير شيئاً ولا يدخل في العقل أهل الديوان ولا أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة.

نمط الحياة في سائر البلدان

ثم إنّ الحياة في الجزيرة العربية وإن كانت قبليّة ولكن نمط الحياة في غيرها كان على خلاف ذلك النمط، فالحضارة الإيرانية أو الرومية كانت حضارة راقية وكانت تتبنّى أسنى سُبل الحياة في ذلك الزمن، ولم يكن هناك من القبليّة أي عين ولا أثر.

إنّ الإسلام دين عالمي وشريعته عالمية، يقول سبحانه: «وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ»1 ، وكأنّ السؤال نابع عن فكرة خاطئة وهو كون الشريعة مختصّة بالأُمّة العربية، ولذلك صارت شريعته متناسبة مع ما فيها من الطقوس.

وإن شئت قلت: إنّ تحمّل العاقلة دية الجاني خطأ، نوع إعانة للخاطئ حيث إنّ القيام بوجوب جميع ما على الجاني أمر باهظ موجب للعسر

ص: 613

والحرج، يقول سبحانه: «وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ»1 .

فالواجب على العاقلة هو الدية، وأمّا تحرير الرقبة فهو على الجاني، فجعل الدية على عاتق العصبة المتعدّدة يحلّ المشكلة، يقول ابن قدامة: إن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة، فإيجابه على الجاني في ماله يجحف به، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل، والإعانة له تخفيفاً عنه إذا كان معذوراً في فعله وينفرد هو (الجاني) بالكفّارة(1).

وليس ضمان العاقلة أمراً بديعاً وله نظير في الفقه الإسلامي، وهو عقد ضمان الجريرة بين الطرفين. كأن يقول أحدهما: عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وترثني، فيقول الآخر: قبلت، وهو من العقود اللازمة.(2)

فإنّ ضمان الجريرة عند ذاك مبني على نوع تعاون بين العاقدين، فهذا يتحمّل جريرته مقابل أن يرثه.

وقد قام عقد التأمين في المجتمع الحاضر مقام ضمان الجريرة أو ضمان العاقلة، لكن بصورة أُخرى كما هو محرّر في محلّه، وليس لنا أن نفسّر هذا التشريع السماوي بالتقاليد القبليّة في المجتمع القبليّ.

***ي.

ص: 614


1- . المغني لابن قدامة: 9/497.
2- . الروضة البهية: 8/189، ط. دار العالم الإسلامي.

السؤال الثاني: تحمّل العاقلة هل هو حكم تكليفي أو وضعي؟

هل تحمّل العاقلة دية الخاطئ حكم تكليفي بحيث لو خالف لما عُدّ مديوناً، نظير وجوب نفقة الأبوين على الولد، فلو خالف ولم يُنفق صار عاصيّاً ولا يعدّ مديوناً، أي فيما لو مات فلا تخرج نفقة الوالدين المتخلّفة من ماله.

أو أنّها حكم وضعي بحيث لو تخلّف عدّ مديناً نظير نفقة الزوجة فلولم ينفق لكان عاصياً ومديناً، فعلى الحاكم أن يأخذ ما تخلّف عن الزوج بالقوّة والقدرة، ولو مات لكان ما تخلّف ديناً عليه؟

وعندئذٍ يقع الكلام في ماهيّة هذا النوع من الوجوب.

الجواب: إنّ الحكم الشرعي مبني على كيفية تعلّق الدية، فهل تتعلّق ابتداءً بذمّة الجاني وتنوب عنه العاقلة، أو تتعلّق بذمّة العاقلة ابتداءً دون الجاني فعلى الأوّل يكون الوجوب تكليفياً، بخلافه على الثاني إذ يصبح عندئذٍ وضعياً؟ ففي المسألة قولان، وظاهر غير واحد من الفقهاء هو الثاني.

قال الشيخ: «وأمّا دية قتل الخطأ، فإنّها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل إن مات أو قتل، ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئاً على حال»(1). ولو لم يكن هذا التعبير ظاهراً في القول الثاني فتعبيره في «الخلاف» ظاهر فيه.

قال في «الخلاف»: دية قتل الخطأ على العاقلة. وبه قال جميع الفقهاء.(2)

قال المحقّق: «الدية تجب ابتداء على العاقلة، ولا يرجع بها على الجاني على الأصحّ»(3).0.

ص: 615


1- . النهاية: 737.
2- . الخلاف: 5/275، المسألة 96.
3- . شرائع الإسلام: 4/290.

يقول الشهيد الثاني: اختلف في أنّ الدية هل تجب ابتداء على الجاني ويتحمّلها عنه العاقلة أو تجب عليهم ابتداءً، فالأظهر في المذهب والمدلول عليه في النصوص، الثاني، وجه الأوّل أنّ الأصل في الضمان كونه على المتلف فيكون العدول عنه تحمّلاً، وعليه يتفرّع ما إذا لم تف العاقلة بالدية فإنّه يرجع بها أو بباقيها على القاتل على الأوّل، وهو اختيار الشيخ في النهاية وجماعة، والأصح أنّه لا يدخل في الضمان مطلقاً(1).

وما نسبه إلى الشيخ في «النهاية» موضع تأمّل؛ لأنّ عبارته ظاهرة في تعلّقه بالعاقلة، أو غير ظاهرة في أحد القولين.

وعلى هذا فالمسألة مبنية على كيفية تعلّق الضمان، فلو تعلّق ابتداء بالعاقلة يكون وجوب الدفع وجوباً وضعياً، ويضمن لو تخلّف، وهذا بخلاف ما إذا تعلّق بالجاني ابتداء وتحمل عنه العاقلة ثانياً، فلو تخلّف فإنّما تخلّف عن حكم تكليفي وليس عليه ضمان.

وتبيين الحق رهن دراسة لسان الروايات.

وجوبها على الجاني ابتداءً

يستفاد من بعض الروايات أنّ الدية تتعلّق بالجاني ابتداءً، لكن العاقلة تتحمّلها عنه بحكم الشارع، نظير: قولهم عليهم السلام:

1. في موثّقة أبي مريم: «أن لا يُحَمل على العاقلة إلّاالموضحة»(2).

2. موثقة إسحاق بن عمّار: «عمد الصبيان خطأ، يحمل على العاقلة».(3)

ص: 616


1- . مسالك الأفهام: 15/517-518.
2- . الوسائل: 19، الباب 5 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

3. ما في خبر كهيل: «أنا وليه والمؤدّي عنه».(1)

ولسان هذه الروايات، يحكي عن أنّ تحمّل العاقلة، حكم ثانوي، وأنّ الدية حسب الطبع تتعلّق بالجاني، غير أنّ الشرع إرفاقاً بحاله، أمر العاقلة بالتحمّل.

ولعلّه هو المتبادر من قوله سبحانه: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ»2 ، إذ لا شكّ أنّ الكفّارة على الجاني، ولازم وحدة السياق أنّ الدية عليه أيضاً.

وجوبها على العاقلة ابتداءً

وفي عدد من الروايات، ما يمكن بها استظهار القول بأنّ الوجوب وضعي لا تكليفي، نظير:

1. ما عن أبي بصير: عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تضمن العاقلة عمداً، ولا إقراراً ولا صلحاً»(2).

2. ما عن السكوني عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: العاقلة لا تضمن عمداً، ولا إقراراً ولا صلحاً».(3)

وجه الدلالة: أنّ الحديثين وإن كانا قاصرين عن الدلالة على تعلّق الدية بالعاقلة ابتداءً، لكنّهما يدلّان بوضوح على ضمان العاقلة، وأنّ وجوب الدفع في موردها، وجوب وضعي، لا تكليفي محض، فيستكشف عن كيفية التعلّق.

ص: 617


1- . الوسائل: 19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

3. صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه عليه السلام: قال: «مَن لجأ إلى قوم فأقرّوا بولايته، كان لهم ميراثه وعليهم معقلته».(1)

فإنّ مورد الحديث وإن كان في ضمان الجريرة، لكنّ التفريق بينه وبين ضمان العاقلة بعيد، وظاهر لفظة «عليهم» كون الإيجاب وضعياً لا تكليفياً.

4. ما دل على أنّ ضمان البدوي على عاقلته البدويّين، ففي رواية الحكم بن عُتيبة عن أبي جعفر عليه السلام: «فدية ما جنى البدويّ من الخطأ على أوليائه البدويّين».(2)

فإنّ لفظة «على» تدلّ على الضمان الوضعي، نظير قوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

5. ما ورد في صحيح الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام: «والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته، يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين».(3)

وجه الدلالة: أنّ المتبادر من الرواية أنّ تعلّق الدية بعاقلة الأعمى إذا كان له عاقلة، كتعلّقها بمال الأعمى إذا لم يكن له عاقلة. وبما أنّ تعلّقها بماله تعلّق وضعي فهكذا تعلّقها بالعاقلة.

6. كتب محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين عليه السلام، يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً، فجعل الدية على قومه وجعل خطأه وعمده سواء(4).5.

ص: 618


1- . الوسائل: 19، الباب 7 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
2- . الوسائل: 19، الباب 8 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- . الوسائل: 19، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
4- . الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 5.

وجه الدلالة: هو أنّ ظاهر قوله: «فجعل الدية على قومه» كون التعلّق وضعي لو لم يدلّ على كون التعلّق به ابتدائياً لا ثانوياً.

7. ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لا تعقل العاقلة إلّاما قامت عليه البيّنة. قال وأتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً.(1)

وجه الدلالة: أنّ مقتضى وحدة السياق هو أن التعلّق في موردين على وجه واحد، فإن تعلّقها بمال الجاني عند الإقرار لمّا كان وضعياً كان تعلّقها بالعاقلة مثله.

والتدبّر في هذه الروايات، يثبت أنّ التعلّق، حكم وضعي، لا تكليفي محض، أضف إلى ذلك: أنّه لو كان تكليفياً محضاً، ربّما يترتّب عليه ذهاب دم المسلم هدراً، لأنّه كثيراً ما يتخلّف الجاني عن التكليف، وغاية ما يترتّب عليه تعزيره لا إلزامه بالأداء من ماله.

بقي الكلام في تفسير ما دلّ على القول الأوّل، وأظهر ما استدلّ به، هو وجود لفظ «التحمّل» الظاهر في تعلّقه بالجاني أوّلاً، وقيام العاقلة مقامه ثانياً، ويمكن أن يقال: إنّ المسوّغ لاستعمال لفظ التحمّل - مع كونه واجباً على العاقلة تكليفاً ووضعاً - هو طبع العمل، فإنّ مقتضاه كون الجاني هو المسؤول، إذ كل إنسان مسؤول عن عمله لا غيره فتحميل المسؤولية على عاتق غيره على خلاف ذلك، فناسب أن يقال: تحمله العاقلة.1.

ص: 619


1- . الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
الأمر الثاني: كتاب «الديات» لأمير المؤمنين عليه السلام المعروف ب «كتاب ظريف»

اشتهرت بين أصحابنا (قدس اللّه أسرارهم الشريفة) رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام عرفت بكتاب «ظريف»، ولكثرة رجوعنا إليه في كتابنا هذا نأتي به كاملاً هنا إتماماً للفائدة، وقد أعاننا على تحقيقها ومقابلة نسخها الأُستاذ محمد عبدالكريم بيت الشيخ فجزاه اللّه خير الجزاء.

و قبل نقل متن الرواية نذكر ترجمة لراويها «ظريف بن ناصح» ثم نتحدّث عن سندها كما ورد في:

1. كتاب «من لايحضره الفقيه» للشيخ الصدوق.

2. كتاب «الكافي» للكليني.

3. كتاب «الجامع للشرائع» للقاضي ابن سعيد.

ص: 620

ترجمة: ظريف بن ناصح

ترجمة: ظريف بن ناصح(1)

(- كان حيّاً قبل 183 ه)

هو الفقيه المحدّث الثقة، أبو الحسن(2) الكوفي، ثم البغدادي، صاحب كتاب «الديات».

أصله من الكوفة، ونشأ ببغداد.

روى عن: أبي حمزة الثمالي، وثعلبة بن ميمون، وخالد القلانسي، وعلي بن أبي حمزة، وأبان بن عثمان الأحمر، وأبي مريم، وعبد اللّه بن أيّوب، وإبراهيم بن أبي يحيى، وآخرين.

روى عنه: الحسن بن علي بن فضّال، والحسين بن سعيد، وعمّار بن المبارك، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، وإسماعيل بن جعفر الكندي، وعثمان بن عيسى، وابنه الحسن بن ظريف، وآخرون.

وكان ثقة في حديثه، صدوقاً، أخذ العلم عن الإمام أبي عبد اللّه

ص: 621


1- . رجال النجاشي: 209 برقم 553، رجال الطوسي: 138 برقم 1465، فهرست الطوسي: 150 برقم 373، معالم العلماء 61، رجال ابن داود 192 برقم 784، رجال العلّامة الحلّيّ 91، لسان الميزان 216/3 برقم 974، نقد الرجال 175، مجمع الرجال 233/3، جامع الرواة 423/1، وسائل الشيعة 220/20 برقم 602، بهجة الآمال 83/5، تنقيح المقال 111/2 برقم 5984، معجم رجال الحديث 173/9 برقم 6027، 6029، 6030، قاموس الرجال 176/5، موسوعة طبقات الفقهاء: 2/282-283 برقم 473.
2- . لم يكنهِ أرباب معاجم الرجال، وإنّما ذكروا أنّ له ابناً يروي عنه يُسمّى (الحسن)، وقد كُنّي ب (أبي الحسن) في كتاب «التهذيب» و «الاستبصار».

الصادق عليه السلام(1)، وروى عنه، ووقع في إسناد عدّة من الروايات، تبلغ تسعة وثلاثين مورداً(2)، وله كتب منها: كتاب «الحدود»، وكتاب «النوادر»، وكتاب جامع في سائر أبواب الحلال والحرام، وكتاب «الديات» وهو رواية طويلة عن أمير المؤمنين عليه السلام تتضمّن أحكام دية جوارح الإنسان ومفاصله ودية النطفة والعلقة والمضغة والعظام والنفس، وكان عليه السلام يأمر عمّاله بذلك، وقد ذكر الصدوق قدس سره هذه الرواية بطولها، وذكرها ثقة الإسلام الكليني متفرّقة في أبواب متعدّدة(3)، ورواها أيضاً - باسناده إلى ظريف - الفقيه يحيى بن سعيد الحلي (601-690 ه) في كتابه «الجامع للشرائع».ت.

ص: 622


1- . عدّ الشيخ الطوسي رحمه الله المترجم له من أصحاب الباقر عليه السلام، وهذا يشكل لا ُمور: أ - إنّ جلّ مشايخه الذين تتبّعتهم هم من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام منهم: أبان بن عثمان، وثعلبة بن ميمون، ومنصور بن حازم، وخالد القلانسي، أمّا مشايخه من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام، فإنّهم عاشوا بعده عليه السلام زمناً طويلاً كأبي حمزة الثمالي (المتوفّى 150 ه). ب - قول النجاشي «أصله كوفي، نشأ ببغداد»، فلا يمكن أن يقال: إنّه نشأ ببغداد مع عدّه من أصحاب الباقر عليه السلام (المتوفّى 114 ه)، فقد شرع في بناء بغداد سنة (145 ه)، وهذا يعني أنّ المترجم له كان على أعتاب الشيخوخة على أقل تقدير يوم تمّ بناؤها. ج - ويمكن أن يعضد ما سبق، عدم روايته عن الإمام الباقر عليه السلام. ومن العجب عدم ذكر الشيخ إيّاه من أصحاب الصادق عليه السلام مع روايته عنه، كما ورد في كتب الحديث.
2- . وقع بعنوان (ظريف بن ناصح) في إسناد إحدى وثلاثين رواية، وبعنوان (ظريف) في إسنادخمس روايات، وبعنوان (ظريف أبي الحسن) و (ظريف الأكفاني) و (ظريف بياع الأكفان) في إسناد رواية واحدة لكلّ عنوان. انظر: معجم رجال الحديث: 9/173.
3- . الكافي «الفروع»: 7/311، 324 و 327 و 330-343، كتاب الديات.
سند الرواية:
1. في كتاب «من لا يحضره الفقيه»:

قال الشيخ الصدوق رحمه الله(1) تحت عنوان: «باب دية جوارح الإنسان و مفاصله و دية النطفة والعلقة والمضغة والعظام والنفس»: روى الحسن بن علي بن فضّال، عن ظريف بن ناصح، عن عبداللّه بن أيّوب، قال: حدّثني حسين الرواسي، عن ابن أبي عمر الطبيب قال: عرضت هذه الرواية على أبي عبداللّه عليه السلام فقال: نعم هي حق، و قد كان أميرالمؤمنين عليه السلام يأمر عمّاله بذلك، قال: أفتى عليه السلام في كل عظم.(2).

ص: 623


1- . من لايحضره الفقيه: 54/4-66، برقم 194.
2- . وفي شرحه على «الفقيه» قال العلّامة محمد تقيّ المجلسي (الأوّل) (1003-1070 ه) «وروى الحسن عن أبي عمير المطبب) أو الطبيب في الموثّق كالصحيح، قال: عرضت هذه الرواية على أبي عبداللّه عليه السلام فقال نعم هي حق. وروى الكليني في القوى كالصحيح ما كان من هذه النسخة، وروى نسخة أُخرى في الصحيح وفي الحسن كالصحيح، عن يونس وابن فضّال والحسن بن الجهم قالوا: عرضنا هذه الرواية على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال: هي حق. والروايتان متّفقتان إلّافي مواضع سنشير إليها، ورواه الشيخ بطرق متعدّدة في الموثق كالصحيح عن ظريف بن ناصح كالمتن، ورواه في الصحيح عن يونس وفي الحسن كالصحيح، عن ابن فضّال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، وما يقع في كلام الأصحاب من أنّه ضعيف باعتبار رواية محمد بن عيسى، عن يونس ورواية إبراهيم بن هاشم، عن ابن فضّال وفي الطريق الأوّل باعتبار ابن فضّال لكنّهم يعملون عليه فيما لم يكن له معارض، وفيما كان له معارض ينسبونه إلى الضعف بالإضافة إلى المعارض. ومع هذه الطرق المعتبرة حكم الكليني والمصنّف بصحّته، لكنّه مع قطع النظر عن السند يوجد في متنه اختلافات صارت سبباً للحكم بالضعف أيضاً وسنذكرها، ولمّا ذكر المصنّف الأخبار الآخر برأسها لم نذكرها في ضمن هذا الخبر، بل نقتصر على تصحيحه وتفسيره. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه لمحمد تقي المجلسي: 10/240.
2. في كتاب «الكافي»

روى ثقة الإسلام الكليني رحمه الله هذا الكتاب بسندين، وذكر مقاطع منه في مواقع سبعة سنذكرها مع أسنادها، وهي:

1. علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس. وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن يونس: أنّه عرض على أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاب الديات، وكان فيه: في ذهاب السمع كلّه ألف دينارإلى آخر الرواية.

وفي ذيل الرواية قال: عليُّ، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن الرضا عليه السلام، مثله.(1)

2. علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس؛ وعن أبيه، عن ابن فضّال جميعاً، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال يونس: عرضت عليه الكتاب فقال: هو صحيح؛ وقال ابن فضّال: قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام إذا أُصيب الرجل في إحدى عينيه الخ.

وذكر الكليني في ذيل الحديث: عدةٌ من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف بن ناصح، عن رجل يقال له: عبداللّه بن أيّوب قال: حدّثني أبو عمرو المتطبّب قال: عرضت هذا الكتاب على أبي عبداللّه عليه السلام؛ وعليّ بن فضّال، عن الحسن بن الجهم، قال: عرضته على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال لي: ارووه فإنّه صحيح، ثمّ ذكر مثله.(2)

3. عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن عليه السلام، وعنه عن أبيه، عن ابن فضّال، قال: عرضت الكتاب على أبي

ص: 624


1- . الكافي: 7/311.
2- . الكافي: 7/324.

الحسن عليه السلام فقال: «هو صحيح قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية جراحات الأعضاء كلّها في الرأس والوجه وسائر الجسد(1).

4. علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال؛ ومحمّد بن عيسى، عن يونس جميعاً، قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه السلام على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال: هو صحيح.(2)

5. وعدَّةٌ من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف بن ناصحّ قال: حدّثني رجل يقال له: عبداللّه بن أيّوب قال: حدّثني أبو عمرو المتطبّب قال: عرضته على أبي عبداللّه عليه السلام قال: أفتى أمير المؤمنين عليه السلام فكتب الناس فتياه، وكتب به أمير المؤمنين إلى أمرائه ورؤوس أجناده، فممّا كان فيه: إن أُصيب شفر العين الأعلى فشترالخ.(3)

6. وذكر الكليني بقية الكتاب قائلاً: وبالإسناد الأوّل قال: وإذا قطعت الشفة العليا الخ.(4)

7. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال؛ ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعاً، عن الرضا عليه السلام؛ وعدّةٌ من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف بن ناصح، عن عبداللّه بن أيّوب، عن أبي عمرو المتطبّب قال: عرضت على أبي عبداللّه عليه السلام ما أفتى به أمير المؤمنين عليه السلام في الديات، فممّا أفتى به أفتى في الجسد وجعله ستّة فرائض إلى آخر الرواية.(5)3.

ص: 625


1- . الكافي: 7/327.
2- . الكافي: 7/330.
3- . الكافي: 7/330-331.
4- . الكافي: 331/7-342.
5- 5. الكافي: 7/362-363.
3. في كتاب «الجامع للشرائع»

قال القاضي أبوسعيد:(1)

فصل: في نقل رواية ظريف في الديات

ولمّا انتهيت إلى هنا، وهو المقصود بالكتاب، سأل من أوجب حقّه إثبات كتاب الدّيات لظريف بن ناصح رحمه الله بإسناده، فأجبته إلى ذلك، وها أنا ذاكره على وجهه إن شاء اللّه:

1. أخبرني السيد الفقيه العالم الصالح محيي الدين أبوحامد محمد بن عبداللّه بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي رضى الله عنه قال: أخبرني الشيخ الفقيه محمد بن علي بن شهرآشوب، عن أبي الفضل الداعي، وأبي الرضا فضل اللّه بن علي(2) الحسيني، وأبي الفتوح أحمد بن علي الرازي، وأبي علي محمد بن الفضل الطبرسي، ومحمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد النيشابوري، ومحمد بن الحسن الشوهاني(3)، وجماعة، وكلّهم: عن أبي علي، وعبد الجبار المقري عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.

2. وأخبرني الشيخ محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني - في شهر رجب سنة ست وثلاثين وستمائة - عن الشيخ أبي عبداللّه الحسين بن هبة اللّه بن رطبة السوراوي(4)، عن أبي علي، عن والده الشيخ أبي جعفر الطوسي.

ص: 626


1- . الجامع للشرائع: 605-624، نشر مؤسسة سيد الشهداء؛ تحت عنوان: فصل: في نقل.
2- . في بعض النسخ «علي بن الحسين».
3- . في بعض النسخ: «السوهاني بالمهملة».
4- . في نسخة: «السواري».

3. وأخبرني السيد المذكور، عن الفقيه عز الدين أبي الحرث محمد بن الحسن بن علي(1) الحسيني البغدادي، عن الفقيه قطب الدين أبي الحسن(2)الراوندي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن(3) الحلبي، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.

1. قال: أخبرني الشيخ أبو عبداللّه محمدبن محمد بن النعمان الحارثي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي:

أ. عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن ظريف بن ناصح.

ب. وعن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسّان الرازي، عن إسماعيل بن جعفر الكندي، عن ظريف بن ناصح قال:

حدّثني رجل يقال له عبداللّه بن أيّوب، قال: حدثني أبوعمرو المتطبب(4)، قال: عرضت هذه الرواية على أبي عبداللّه عليه السلام.

2. وعن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن الشيخ أبي عبداللّه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم بن هاشم.

3. وعنه عن الشيخ أبي عبداللّه، والحسين بن عبداللّه(5)، وأحمد بن عبدون: عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري، عن علي بن إبراهيم ابن هاشم.ح.

ص: 627


1- . في بعض النسخ: «علي بن الحسين».
2- . في بعض النسخ: «أبي الحسين».
3- . في بعض النسخ: «علي بن المحسن».
4- . في بعض النسخ: «أبوعمر».
5- . في بعض النسخ: «الحسين بن عبيداللّه» وهذا هو الأصح.

4. وعنه عن الحسين بن عبداللّه(1)، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري، وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي القاسم بن قولويه، وأبي عبداللّه أحمد بن أبي رافع الصيمري(2)، وأبي المفضّل(3) الشيباني، وغيرهم كلّهم عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم.

5. وعنه عن أحمد بن عبدون، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبداللّه بن نصر البزاز بتنيس(4) وبغداد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ظريف بن ناصح، وسهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف.

وعن ابن فضّال، ومحمد بن عيسى، عن يونس قال(5): عرضنا عليه هذا الكتاب فقال: نعم هو حق، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر عماله بذلك.

متن الرواية

متن الرواية(6)

قال: أفتى عليه السلام في كلّ عظم له مخ(7) فريضة مسمّاة، إذا كسر فجبر على غير عثم(8) ولا عيب، جعل فريضة الدية ستة أجزاء.

ص: 628


1- . في بعض النسخ «الحسين بن عبداللّه» وهذا هو الأصح.
2- . في بعض النسخ: «العمري».
3- . في بعض النسخ: «أبي الفضل» والصحيح ما في المتن.
4- . قال الشيخ في فهرسته في ذكر أبي الحسين عبد الكريم بن عبداللّه بن نصر البزاز «بتفليس وبغداد». [فهرست الطوسي: 211، برقم 602 (ترجمة الكليني)].
5- . في بعض النسخ: «جميعاً قالا».
6- . اعتمدنا في نقل متن الرواية طبقاً لما ورد في كتاب «الجامع للشرائع» وذكرنا ما تختلف فيه رواية «الفقيه» عنها، في الهامش، وكذا اختلافات النسخ الأخرى.
7- . المخ: ما يكون في العظم المجوّف من القصبات.
8- . عثم العظم المكسور أو يخص باليد: انجبر على غير استواء.

وجعل في الجروح والجنين، والأشفار، والشلل، والأعضاء، والإبهام، لكّل جزء ستة فرائض.(1)

جعل دية الجنين مائة دينار(2)، وجعل(3) مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار:

فجعل(4) للنطفة عشرين ديناراً وهو الرجل يفزع(5) عن عرسه، فيلقي نطفته، وهو(6) لايريد ذلك، فجعل فيها أمير المؤمنين عليه السلام عشرين ديناراً الخمس(7)، والعلقة(8) خمسي ذلك، أربعين ديناراً. وذلك للمرأة أيضاً تطرق أو تضرب فتلقيه.

ثمّ للمضغة ستين ديناراً إذا طرحته أيضاً في مثل ذلك.

ثمّ للعظم ثمانين ديناراً إذا طرحته المرأة.

ثمّ الجنين(9) أيضاً مائة دينار إذا طرقهم عدو فأسقطت النساء في مثل هذا. أوجب على النساء ذلك من جهة المعقلة(10) مثل ذلك.).

ص: 629


1- . قال المجلسي الأوّل رحمه الله بعد هذه الفقرة: من الديات باعتبار أحوالها الستة أو ستة أجزاء كما في بعض النسخ، لكن التهذيب موافق للأوّل وليس المجموع في الكافي إلى هنا وكأنّه أسقطها لاضطرابها معنى ولفظاً. روضة المتقين: 1/241-242.
2- . إذا تمّت الخلقة ولم تلجه الروح.
3- . في «الفقيه» بزيادة: «دية».
4- . في «الفقيه»: وجعل.
5- . في «الفقيه» ونسخ أُخرى: «يفرغ».
6- . في «الفقيه» ونسخ أُخرى: «وهي لاتريد» بدل «وهو لايريد» والصحيح ما في المتن، فإنّ العزل مع كراهة الزوجة، سيجيء حكمه قريباً.
7- . أي خمس دية الجنين.
8- . في «الفقيه»: و للعلقة.
9- . في «الفقيه»: للجنين.
10- . المعقلة - بضم القاف - الدية وفي بعض النسخ (العلقة).

فإذا ولد المولود واستهل - وهو البكاء - فبيّتوهم(1) فقتلوا الصبيان، ففيهم ألف دينار للذكر، والأنثى على مثل هذا الحساب على خمسمائة دينار.

وأمّا المرأة إذا قتلت وهي حامل متمّ (2) ولم يسقط ولدها، ولم يعلم ذكر هو أو أنثى(3)، ولم يعلم بعدها مات أو قبلها، فديته نصفان(4): نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى، ودية المرأة كاملة بعد ذلك.

وأفتى في مني الرجل يفترغ(5) عن عرسه، فيعزل عنها الماء ولم ترد ذلك، نصف خمس المائة من دية الجنين - عشرة دنانير -. وإن أفرغ فيها:

عشرون(6) ديناراً. وجعل في قصاص جراحته ومعقلته(7) على قدر ديته، وهي مائة دينار.

وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الرجل والمرأة كاملة.

وأفتى عليه السلام في الجسد، وجعله ستة فرائض: النفس، والبصر، والسمع، والكلام، ونقص الصوت من الغنن(8) والبحح(9)، والشلل من اليدين والرجلين، فجعل(10) هذا بقياس ذلك الحكم.ل.

ص: 630


1- . بيّتوهم: أي حملوا (أي العدو) عليهم ليلاً.
2- . متمّ: تمّ خلقة الحمل، وفي بعض النسخ: «فتمّ».
3- . في «الفقيه»: ولم يعلم هو ذكر أم أنثى.
4- . في «الفقيه»: نصفين.
5- . في «الفقيه»: يفرغ، أو يفزّع.
6- . في «الفقيه»: عشرين.
7- . في بعض النسخ: «معلقته».
8- . الغنن: خروج الصوت من الخيشوم.
9- . البحح: الغلظة في الصوت.
10- . في «الفقيه»: وجعل.

ثم جعل مع كلّ شيء من هذه قسامة على نحو ما بلغت الدية.

والقسامة: في النفس جعل(1) على العمد خمسين رجلاً، وعلى الخطأ خمسة وعشرين، و(2) على ما بلغت ديته ألف دينار من الجروح بقسامة ستة نفر، فما كان دون ذلك فحسابه على ستة نفر، والقسامة في النفس والسمع والبصر والعقل والصوت - من الغنن والبحح - ونقص اليدين والرجلين، فهذه ستة أجزاء الرجل.

فالدية: (3) في النفس ألف دينار، والأنف ألف دينار، والصوت كلّه من الغنن، والبحح ألف دينار، وشلل اليدين ألف دينار، وذهاب السمع كلّه ألف دينار، وذهاب البصر كلّه ألف دينار، والرجلين جميعاً ألف دينار، والشفتين إذا استؤصلتا(4) ألف دينار، والظهر إذا أحدب(5) ألف دينار، والذكر(6) فيه ألف دينار، واللسان إذا استؤصل ألف دينار، والأُنثيين ألف دينار.

وجعل عليه السلام دية الجراحة في الأعضاء كلّها في الرأس والوجه، وسائر الجسد من السمع، والبصر، والصوت، والعقل، واليدين، والرجلين: في القطع، والكسر، والصد(7)، والبطط(8) والموضحة(9)، والدامية(10)، ونقل العظام(11)،ر.

ص: 631


1- . في بعض النسخ: «جعل في النفس» وهذا مطابق لما في الفقيه، وفي بعضها: «جعلت».
2- . في «الفقيه»: بحذف الواو.
3- . في «الفقيه»: والدية.
4- . استؤصلت: أي قطعت جميعها من أصلها.
5- . الحدب: خروج الظهر ودخول الصدر والبطن.
6- . في بعض النسخ زيادة «إذا استؤصل».
7- . في «الفقيه»: (والصدع)، وهو شقّ العظم.
8- . البطط: شقّ الجرح والدمل.
9- . الموضحة: ما ظهر به العظم.
10- . الدامية: ما يخرج به الدم.
11- . نقل العظام في الرأس ما ينقل قشور العظام التي تكون على أطرافها وتكون سبب ارتباط العظام كالمنشار.

والناقبة(1) تكون في شيء من ذلك، فما كان من عظم كسر فجبر على غير عثم ولا عيب و(2) لم تنقل منه العظام، فإنّ ديته معلومة، فإذا أوضح(3) ولم ينقل منه العظام فدية كسره ودية موضحته.(4)

ولكلّ عظم كسر معلوم، فديته.(5)

ونقل عظامه، نصف دية كسره.

ودية موضحته، ربع دية كسره ممّا(6) وارت الثياب من ذلك غير قصبتي الساعد والأصابع.

وفي قرحة(7) لا تبرأ، ثلث دية ذلك العظم الذي هي فيه.

فإذا أصيب الرجل في إحدى عينيه: فإنّما تقاس ببيضة: تربط على عينه المصابة وينظر ما منتهى بصر عينه الصحيحة، ثمّ تغطى عينه الصحيحة وينظر ما منتهى بصر عينه المصابة، فيعطى ديته من حساب ذلك. والقسامة مع ذلك من الستة الأجزاء القسامة على ستة نفر على قدر ما أُصيب من عينه: فإن كان سدس بصره حلف الرجل وحده وأُعطي، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل آخر، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان، وإن(8) كان ثلثي بصره حلف هو و(9) معه ثلاثة رجال، وإن كان أربعة أخماس».

ص: 632


1- . الناقبة: بأن يدخل السهم مثلاً في عظم الرأس و يحصل به نقب.
2- . في «الفقيه» بحذف الواو.
3- . أي مع الكسر.
4- . أولاهما للكسر والثانية للإيضاح.
5- . (فإنّ دية كلّ عظم كسر، معلومة ديته) كذا في «الكافي»، وفي الوافي: «ولكلّ عظم كسر معلوم، فدية نقل عظامه نصف دية كسره».
6- . في بعض النسخ: «فما».
7- . في بعض النسخ: «جرحة».
8- . في «الفقيه»: فإن
9- . في بعض النسخ: زيادة «حلف».

بصره حلف هو وحلف معه أربعة رجال، وإن كان بصره كلّه حلف هو وحلف معه خمسة رجال. ذلك في القسامة في العين.

قال: وأفتى عليه السلام في من لم يكن له من يحلف معه، ولم يوثق به على ما ذهب من بصره أنّه تضاعف عليه اليمين إن كان سدس بصره، حلف واحدة، وإن كان الثلث حلف مرّتين، وإن كان النصف حلف ثلاث مرّات، وإن كان الثلثين حلف أربع مرّات، وإن كان خمسة أسداس حلف خمس مرّات، وإن كان بصره كلّه حلف ست مرّات ثم يعطى، وإن أبى أن يحلف لم يعط إلّاما حلف عليه ووثق منه بصدق.(1) والوالي يستعين في ذلك بالسؤال، والنظر والتثبّت في القصاص والحدود والقود.

وإن أصاب سمعه شيء: فعلى نحو ذلك: يضرب له بشيء لكي يعلم منتهى سمعه ثمّ يقاس ذلك، والقسامة على نحو ما ينقص من سمعه، فإن كان سمعه كلّه فعلى نحو ذلك. وإن خيف منه فجور(2)، ترك(3) حتى يغفل(4) ثمّ يصاح به، فإن سمع عاوده(5) الخصوم إلى الحاكم، والحاكم يعمل فيه برأيه ويحطّ(6) عنه بعض ما أخذه.

وإن كان النقص في الفخذ أو في العضد فإنّه يقاس بخيط: يقاس رجله الصحيحة أو يده الصحيحة ثمّ يقاس به المصابة، فيعلم ما نقص من يده أو رجله.».

ص: 633


1- . في بعض النسخ: «فصدق» بدل «بصدق».
2- . فجر الحالف: كذب.
3- . في «الفقيه»: يترك.
4- . في بعض النسخ زيادة: «إذا» وفي بعضها: «يتغفل».
5- . في بعض النسخ: «عادوا الخصوم»، وما في المتن مطابق للوافي، وفي «الفقيه»: عاودوه الخصومة.
6- . في بعض النسخ: «يحبط».

وإن أصيب الساق أو الساعد فمن الفخذ أو العضد يقاس، وينظر الحاكم قدر فخذه.

وقضى عليه السلام في صدغ(1) الرجل: إذا أصيب فلم يستطع أن يلتفت إلّاما انحرف(2): نصف الدية خمسمائة دينار، وما كان دون ذلك فبحسابه.

وقضى عليه السلام في شفر العين الأعلى: إن أُصيب فشتر(3)، فديته ثلث دية العين: مائة وستة وستون ديناراً وثلثا دينار؛ وإن أُصيب شفر العين الأسفل(4)، فديته نصف دية العين: مائتا دينار وخمسون ديناراً.

وإن أُصيب الحاجب: فذهب شعره كلّه فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً؛ فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك.

فإن (5) قطعت روثة(6) الأنف: فديتها خمسمائة دينار نصف الدية؛ وإن أنفذت فيه نافذة لاتنسد، بسهم أو برمح، فديته ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث؛ وإن كانت نافذة فبرئت والتأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مائة دينار؛ فما أُصيب فعلى حساب ذلك.(7)1.

ص: 634


1- . الصدغ - بالضم -: ما بين العين والأذن.
2- . في «الفقيه» بزيادة: «الرجل».
3- . شتره: قطعه، وشتر العين: انقلب جفنها.
4- . في بعض النسخ: زيادة «فشتر».
5- . في «الفقيه»: وإن.
6- . قال الصدوق رحمه الله في «الفقيه»: الروثة من الأنف مجتمع مارنه.
7- . قال المجلسي الأوّل: ويظهر منه أنّ في جميع الأنف الدية كاملة، وفي الروثة نصف الدية لأنّه بمنزلة نصف الأنف وإن كان أقل لبطلان زينة الوجه بقطعها ويكون النافذة فيها بالنسبة، ويحتمل العبارة معنى آخر كما يظهر من كلام المصنّف في تفسير الروثة بأن يكون المراد بها ما لان من الأنف ويكون الأنف. المجموع من القصبة وما لان منه لكنّه خلاف كثير من الروايات وإجماع المسلمين مع أنّه لا يمكن قطع العظم ولا يقال له القطع، بل يقال في القصبة أنّها كسرت لا قطعت. روضة المتقين: 10/251.

وإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم - وهو الحاجز بين المنخرين - فديتها عشر دية روثة الأنف، لأنّه النصف والحاجز بين المنخرين خمسون ديناراً، وإن كانت الرمية نفذت في إحدى المنخرين والخيشوم إلى المنخر الآخر، فديتها ستة وستون ديناراً وثلثا دينار.

وإذا قُطعت الشفة العليا: فاستؤصلت، فديتها نصف الدية خمسمائة دينار، فما قطع منها فبحساب ذلك؛ فإن انشقّت فبدا(1) منها الأسنان ثم دويت(2) فبرأت والتأمت، فدية جرحها والحكومة فيه خمس دية الشفة - مائة دينار - وما قطع منها فبحساب ذلك؛ وإن شُترت(3) وشينت شيناً قبيحاً، فديتها مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار.

ودية الشفة السفلى: إذا قُطعت واستؤصلت، ثلثا الدية كملا ستمائة وستة وستون ديناراً وثلثا دينار، فما قُطع منها فبحساب ذلك؛ فإن انشقّت حتى تبدو منها الأسنان ثمّ برئت والتأمت، فمائة دينار وثلاثون ديناراً وثلث دينار؛ وإن أصيبت فشينت شيناً فاحشاً(4) فديتها ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، قال: وسألت أباجعفر عليه السلام عن ذلك، فقال: بلغنا أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام فضّلها لأنّها تمسك الماء والطعام مع الأسنان، فلذلك فضّلها في حكومته.(5)3.

ص: 635


1- . في بعض النسخ: «حتى تبدو منها الأسنان».
2- . من الدواء، وفي بعض النسخ: «دوويت».
3- . شُترت: انشقت.
4- . في بعض النسخ: «قبيحاً».
5- . قال المجلسي الأوّل رحمه الله في شرحه لهذه الفقرة: كما في التهذيب (في الكافي) وفي رواية ظريف قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام. ويؤيده أنّ ظريفاً لم يلق أبا جعفر عليه السلام، ويمكن أن يكون المستتر راجعاً إلى ابن فضّال وأضرا به ممّن روى عن الرضا عليه السلام، ويكون أبو جعفر هو الجواد عليه السلام وإن لم يذكر المصنّف الطرق إلى الرضا عليه السلام لأنّه كثيراً ما يفعل مثل هذا، والظاهر أنّه من النساخ. روضة المتقين: 10/253.

وفي الخد: إذا كانت فيه نافذة ويُرى منها جوف الفم، فديتها مائتا دينار؛ فإن دُوي(1) فبرأ والتأم وبه أثر بيّن وشين(2) فاحش، فديته خمسون ديناراً.

فإن كانت نافذة في الخدين كليهما، فديتهما مائة دينار، وذلك نصف دية التي يُرى منها الفم.

فإن(3) كانت رمية بنصل نشب(4) في العظم حتى تنفذ إلى الحنك فديتها مائة وخمسون ديناراً، جعل منها خمسين ديناراً لموضحتها؛ وإن كانت ناقبة ولم تنفذ فيها، فديتها مائة دينار.

فإن كانت موضحة في شيء من الوجه: فديتها خمسون ديناراً، فإن كان لها شين، فدية شينها ربع دية موضحتها؛ وإن كان جرحاً ولم يوضح ثمّ برأ وكان في الخدين أثر، فديته عشرة دنانير، فإن كان في الوجه صدع(5)، فديته ثمانون ديناراً.

فإن سقطت منه جذوة(6) لحم ولم توضح وكان قدر الدرهم فما فوق ذلك، فديتها ثلاثون ديناراً.

ودية الشجّة: إن(7) كانت توضح أربعون ديناراً، إذا كانت في الجسد، وفي موضع(8) الرأس خمسون ديناراً، فإن نقل منها العظام، فديتها مائة دينار وخمسون ديناراً.ح.

ص: 636


1- . في بعض النسخ: «دووي».
2- . في بعض النسخ: «شتر» بدل «شين».
3- . في «الفقيه»: وإن.
4- . أي علق ولم ينفذ وفي بعض النسخ: «يثبت». وفي «الفقيه»: نشبت.
5- . الصدع: الشق في شيء صلب، وفي الروضة: (صدغ: بأن ينشق عظم منه).
6- . في بعض النسخ: «جذمة» ومعناهما قطعة من اللحم.
7- . في «الفقيه»: إذا.
8- . في نسخة: «موضحة» بدل «موضع» وفي «الفقيه»: مواضح.

فإن(1) كانت ناقبة(2) في الرأس فتلك تسمّى المأمومة، وفيها ثلث الدية ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار.

وجعل في الأسنان: في كلّ سن خمسين ديناراً، وجعل الأسنان سواء، وكان قبل ذلك يجعل في الثنيّة خمسين ديناراً، وفيما سوى ذلك من الأسنان في الرباعية أربعين ديناراً، وفي الناب ثلاثين ديناراً، وفي الضرس خمسة وعشرين ديناراً.

فإذا اسودّت السن إلى الحول فلم تسقط، فديتها دية الساقطة، خمسون ديناراً؛ وإن انصدعت ولم يسقط(3)، فديتها خمسة وعشرون ديناراً؛ فما انكسر منها فبحسابه من الخمسين ديناراً.(4)

وإن سقطت بعد(5) وانصدعت(6) وهي سوداء، فديتها اثنا عشر ديناراً ونصف، فما انكسر منها(7) فبحسابه من الخمسة وعشرين(8) ديناراً.

وفي الترقوة: إذا انكسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب، أربعون ديناراً؛ فإن انصدعت، فديتها أربعة أخماس كسرها اثنان وثلاثون ديناراً؛ فإن أُوضحت، فديتها خمسة وعشرون ديناراً، وذلك خمسة أجزاء من ديتها إذا انكسرت؛ فإن نقل منها العظام، فديتها نصف دية كسرها: عشرون ديناراً؛ وإن نقبت، فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير.ر.

ص: 637


1- . في «الفقيه»: فإذا.
2- . كذا في نسخة وفي أكثرها «نافذة».
3- . في «الفقيه»: فلم تسقط.
4- . في «الفقيه»: الدينار.
5- . في «الفقيه»: وهي سوداء فديتها خمسة وعشرون ديناراً. فإن.
6- . كذا في أكثر النسخ: وفي بعضها بدون «وانصدعت».
7- . في «الفقيه» زيادة: من شيء.
8- . في الفقيه: العشرين الدينار.

ودية المنكب: إذا كُسر خمس دية اليد: مائة دينار؛ فإن كان في المنكب صدع، فديته أربعة أخماس دية كسره: ثمانون ديناراً، فما أُوضح، فديته ربع دية كسره: خمسة وعشرون ديناراً، فإن نقلت منه العظام، فديته مائة دينار وخمسة وسبعون ديناراً، منها مائة دينار دية كسره، وخمسون ديناراً لنقل العظام، وخمسة وعشرون ديناراً للموضحة؛ وإن كانت ناقبة، فديتها ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً فإن رض فعثم، فديته ثلث دية النفس:

ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار؛ وإن كان فك فديته ثلاثون ديناراً.

وفي العضد: إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب، فديتها خمس دية اليد: مائة دينار؛ ودية موضحتها، ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً؛ ودية نقل عظامها، نصف دية كسرها: خمسون ديناراً؛ ودية نقبها، ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً.

وفي المرفق: إذا كُسر فجبر على غير عثم ولا عيب، فديته مائة دينار، وذلك خمس دية اليد؛ فإن انصدع، فديته أربعة أخماس دية كسرها: ثمانون ديناراً، فإن أوضح فديته ربع دية كسره: خمسة وعشرون ديناراً؛ فإن نقلت منه العظام، فديته مائة دينار وخمسة وسبعون ديناراً، للكسر مائة دينار، ولنقل العظام خمسون ديناراً، وللموضحة خمسة وعشرون ديناراً، فإن كانت فيه ناقبة، فديتها ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً؛ فإن رض المرفق فعثم فديتها ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً، وثلث دينار؛ فإن كان فك، فديته ثلاثون ديناراً؛ وفي المرفق الآخر مثل ذلك سواء.

وفي الساعد: إذا كسر فجبر على غير عثم ولا فساد(1) ثلث دية النفسب.

ص: 638


1- . في «الفقيه»: عيب.

ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً، وثلث دينار؛ فإن كان كسر إحدى القصبتين من الساعدين(1) فديته خمس دية اليد: مائة دينار: وفي أحدهما(2)أيضاً.

وفي الكسر لأحد الزندين: خمسون ديناراً، وفي كليهما مائة دينار، فإن انصدع إحدى القصبتين، ففيها أربعة أخماس دية إحدى قصبتي الساعد أربعون(3) ديناراً؛(4) ودية موضحتها، ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً؛ ودية نقل عظامها، مائة دينار، وذلك خمس دية اليد؛ وإن كانت ناقبة، فديتها ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً؛ ودية نقبها(5) نصف دية موضحتها، اثنا عشر ديناراً ونصف دينار، ودية نافذتها خمسون ديناراً، فإن صارت فيه قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية الساعد، ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وذلك ثلث دية الذي هو فيه.

ودية الرسغ: إذا رضّ فجبر على غير عثم ولا عيب، ثلث دية اليد: مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار، قال الخليل:(6) الرسغ: مفصل ما بين».

ص: 639


1- . في «الفقيه»: من الساعد.
2- . في «الفقيه»: إحداهما.
3- . في «الفقيه»: ثمانون.
4- . قال المجلسي الأوّل رحمه الله: في شرحه لهذه الفقرة: وهذه العبارة مؤيدّة لمّا في الكافي وأنّ ثلث دية النفس غلط من النساخ وكان بدله العشر أو مثله، وفي الكافي (أربعون ديناراً) بدل الثمانين، وهو أظهر لأنّه في بيان إحدى قصبتي الساعد فإنّ لكلّ ساعد قصبتان فإذا كسرتا فالدية مائة، خمس دية اليد وإذا كسرت واحدة منهما فالدية خمسون، وإذا انصدع إحدى القصبتين فالدية أربعون أربعة أخماس دية إحديهما، وعلى الثمانين يحمل على انصداعهما، ويظهر أنّ في إحديهما أربعين وإن أمكن تصحيحه بأن يكون المراد بإحدى القصبتين رأسهما، وهو الزند لو لم يقع الغلط في الزند، والظاهر أنّ بقاء هذه الأغلاط لعدم اعتناء بعض الأصحاب بهذا الخبر ولو قيل بضعفه من جهة المتن لكان أولى من نسبة الضعف إليه من جهة السند. روضة المتقين: 10/256-257.
5- . في نسخة: ثقبها.
6- . في «الفقيه»: بزيادة «ابن احمد».

الساعد والكف.(1)

وفي الكف: إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب، خمس دية اليد:

مائة دينار؛ فإن فُك(2) الكف فديتها ثلث دية اليد: مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار؛ وفي موضحتها: ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً، ودية نقل عظامها مائة دينار وثمانية وسبعون ديناراً(3) ونصف دية كسرها.

وفي(4) نافذتها إن لم تنسد خمس دية اليد: مائة دينار؛ فإن كانت نافذة، فديتها ربع دية كسرها: خمسة وعشرون ديناراً.

ودية الأصابع والقصب الذي في الكف(5) والإبهام، إذا قطع ثلث دية اليد(6): مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار؛ ودية قصبة الإبهام التي في الكف تجبر على غير عثم، خمس دية الإبهام ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار إذا استوى جبرها وثبت، ودية صدعها: ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار، ودية موضحتها: ثمانية دنانير وثلث دينار، ودية نقل عظامها: ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، ودية نقبها: ثمانية دنانير، وثلث دينار، نصف دية نقل عظامها، ودية9.

ص: 640


1- . أضاف المجلسي الأوّل العبارة التالية: «وفي خلق الإنسان للتيراني: الرسغ: گردن دست، والأرساغ جماعة»، وقد ذكرها في متن «الفقيه» وشرحها في «روضة المتقين» وقال: «وفي خلق الإنسان» اسم كتاب في اللغة «للتيراني» اسمه: محمد بن عبد اللّه وهو لغوي مشهور. لاحظ: روضة المتقين: 1/258.
2- . في «الفقيه»: فكّت.
3- . في «الفقيه»: بزيادة: وثلث دينار، وفي موضحتها نصف.
4- . في «الفقيه»: بزيادة: دية.
5- . في بعض النسخ: «في» بدل «و» وفي بعضها «ففي» بدلهما.
6- . قال المجلسي الأوّل رحمه الله في شرحه لهذه الفقرة: هذا من متفرّدات هذا الكتاب وسيجيء الإخباربخلافه، فيمكن حمله على التخيير، وإذا قلنا بالتخيير فالعمل على الأخبار الأُخر أولى لكونها أصح وأكثر إلّاأن يقال أنّ أسانيد هذا الخبر لا تقصر عن أسانيد معارضه وسيذكران. روضة المتقين: 10/259.

موضحتها نصف دية ناقلتها: ثمانية دنانير وثلث دينار، ودية فكها: عشرة دنانير.

ودية المفصل الثاني(1): من أعلى الإبهام إن كسر فجبر على غير عثم ولا عيب: ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، ودية الموضحة إذا كان فيها: أربعة دنانير وسدس دينار، ودية نقبه: أربعة دنانير وسدس دينار، ودية صدعه: ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار، ودية نقل عظامها: خمسة دنانير، وما قطع(2) فبحسابه على منزلته.

وفي الأصابع في كلّ إصبع سدس دية اليد: ثلاثة وثمانون ديناراً، وثلث دينار.

ودية أصابع الكف الأربعة سوى الإبهام: دية كلّ قصبة: عشرون ديناراً، وثلثا دينار.(3)

ودية كلّ موضحة في كلّ قصبة من القصب الأربع الأصابع: أربعة دنانير وسدس،(4) ودية نقل كلّ قصبة منهن: ثمانية دنانير وثلث دينار، ودية كسر كلّ 1.

ص: 641


1- . الثاني ليس في «الفقيه».
2- . في الفقيه: بزيادة «منها».
3- . قال المجلسي الأوّل رحمه الله في شرحه لهذه الفقرة: هذا مخالف للقاعدة فإنّه إن أُريد به القطع فديته ما تقدّم وهي أزيد منها وسيذكره أيضاً، وإن أُريد الكسر فالقاعدة هي الخمس ويكون خمس السدس ستة عشر ديناراً وثلثا دينار إن أُريد كسر القصبات الثلاث من كلّ إصبع، ولو أُريد كلّ قصبة منها يكون ديتها خمسة دنانير وثلث دينار وتسعا دينار وسيذكر في كلّ قصبة خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار فإنّه مع أنّه مخالف للقاعدة ويزيد عليها، مخالف لما تقدمه أيضاً، ويمكن أن يكون المراد من القصبات هنا القصبات التي تكون في الراحة لا ما ظهر في الأصابع. روضة المتقين: 10/261.
4- . قال المجلسي الأوّل في شرحه لهذه الفقرة: وهذا موافق لمّا ذكرناه من أنّ خمس السدس ستة عشر ديناراً وثلثا دينار لأنّ في الموضحة، الربع فيمكن أن يكون الغلط من الكاتب أو لا يكون الأوّل موافقاً للقاعدة وهو أظهر لأنّ الكتب الثلاثة متّفقة في العشرين ديناراً وثلثي دينار، ومن المحال العادي اتفاق نساخ الكتب الثلاثة في غلط واحد (ودية نقل كلّ قصبة) وهذا أيضاً كالسابق. روضة المتقين: 10/261.

مفصل من الأصابع الأربع التي تلي الكف: ستة عشر ديناراً وثلثا دينار،(1) وفي صدع كلّ قصبة منهن: ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار.

وإن كان في الكف قرحة لا تبرأ؛ فديتها ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وفي نقل عظامها: ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي موضحتها أربعة دنانير وسدس دينار، وفي نقبها أربعة دنانير وسدس، وفي فكّها: خمسة دنانير.

ودية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع: فديته: خمسة وخمسون ديناراً وثلث دينار، وفي كسره أحد عشر ديناراً وثلث دينار، وفي صدعه: ثمانية دنانير ونصف دينار، وفي موضحته: دينار(2) وثلثا دينار، وفي نقل عظامه: خمسة دنانير وثلث دينار، وفي نقبه: ديناران وثلثا دينار، وفي فكّه:

ثلاثة دنانير وثلثا دينار.

وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع: سبعة وعشرون ديناراً ونصف دينار وربع عشر دينار، وفي كسره: خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار، وفي نقبه: دينار وثلث، وفي فكّه: دينار وأربعة أخماس دينار.

وفي ظفر كلّ إصبع منها: خمسة دنانير.ي.

ص: 642


1- . قال المجلسي الأوّل رحمه الله بعد شرحه هذه الفقرة: وهذا أيضاً مخالف لها إن أُريد به مفصل واحد إلّاأن يقال: إنّ كسر المفصل الذي يلي الكف يصير سبباً لبطلان منفعة الباقيتين فكأنّه كسر الجميع أو يكون المراد كسر القصبات الثلاث ويأول قوله: (التي يلي الكف) بما ظهر لا ما بطن في الراحة، والأوّل أظهر ومخالفة القاعدة أسهل. روضة المتقين: 10/261.
2- . وفي نسخة «ديناران»، وهذا مطابق للكافي والوافي.

وفي الكف إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب فديتها أربعون ديناراً، ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها: اثنان وثلاثون ديناراً، ودية موضحتها: خمسة وعشرون ديناراً، ودية نقل عظامها: عشرون ديناراً، ونصف دينار، ودية نقبها ربع دية كسرها: عشرة دنانير، ودية قرحة فيها لاتبرأ: ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار.

وفي الصدر: إذا رض فتثنى شقّاه(1) كلاهما فديته: خمسمائة دينار، ودية إحدى شقّيه إذا انثنى(2) مائتا دينار(3)، وخمسون ديناراً، فإن انثنى الصدر والكتفان، فديته مع الكتفين ألف دينار، وإن انثنى أحد(4) الكتفين مع شقّ الصدر فديته خمسمائة دينار، ودية الموضحة في الصدر: خمسة وعشرون ديناراً، ودية موضحة الكتفين والظهر خمسة وعشرون ديناراً، فإن اعترى الرجل من ذلك صعر(5) ولا يقدر على(6) أن يلتفت، فديته خمسمائة دينار، وإن كسر الصلب فجبر على غير عثم ولا عيب، فديته مائة دينار، وإن أعثم فديته ألف دينار.

وفي الأضلاع: ممّا خالط(7) القلب من الأضلاع، إذا كسر منها ضلع فديته(8) خمسة وعشرون ديناراً، ودية صدعها اثنا عشر ديناراً ونصف، وديةا.

ص: 643


1- . الشق من الإنسان بالكسر: الجانب الواحد.
2- . الانثناء: الانحناء.
3- . في ما سوى الفقيه: مائتان.
4- . في ما سوى الفقيه: إحدى.
5- . الصعر محرّكة: ميل في الوجه.
6- . في ما سوى الفقيه: لا يستطيع.
7- . في ما سوى الفقيه: فيما خالف.
8- . في ما سوى الفقيه: فديتها.

نقل عظامها سبعة دنانير ونصف، وموضحته(1) على ربع دية كسرها، ودية نقبها مثل ذلك.

وفي الأضلاع: ممّا يلي العضدين، دية كلّ ضلع: عشرة دنانير إذا كسرت، ودية صدعها سبعة دنانير، ودية نقل عظامها خمسة دنانير.

وموضحة كلّ ضلع ربع دية كسرها: ديناران ونصف دينار، وإن نقب ضلع منها فديتها ديناران ونصف دينار، وفي الجائفة ثلث دية النفس، ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وإن نقب من الجانبين كليهما برمية أو طعنة وقعت في الشقاق فديتها أربعمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار.

وفي الأذن: إذا قطعت فديتها خمسمائة دينار، وما قطع منها فبحساب ذلك.

وفي الورك:(2) إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب، خمس دية الرجلين؛ مائتا دينار، فإن صدع الورك، فديته: مائة دينار وستون ديناراً، أربعة أخماس دية كسره، وإن أوضحت فديته ربع دية كسره: خمسون ديناراً، ودية نقل عظامه مائة وخمسة وسبعون ديناراً، منها لكسرها مائة دينار، ولنقل عظامها خمسون ديناراً، ولموضحتها خمسة وعشرون ديناراً، ودية فكّها ثلاثون ديناراً، فإن رضّت فعثمت فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار.

وفي الفخذ: إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب، خمس ديةن.

ص: 644


1- . في ما سوى الفقيه: وفي موضحتها.
2- . قال المجلسي رحمه الله في روضته: الظاهر أنّ المراد به الوركين.

الرجلين(1): مائتا دينار، فإن عثمت الفخذ فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، ثلث دية النفس؛ ودية موضحة(2) الفخذ أربعة أخماس دية كسرها؛ مائة دينار وستون ديناراً، فإن كانت قرحة لاتبرأ فديتها ثلث دية كسرها: ستة وستون ديناراً وثلثا دينار؛ ودية موضحتها ربع دية كسرها:

خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها نصف دية كسرها، مائة دينار، ودية نقبها ربع دية كسرها: خمسون ديناراً.

وفي الركبة: إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين(3) مائتا دينار، فإن تصدعت(4) فديتها أربعة أخماس دية كسرها: مائة وستون ديناراً، ودية موضحتها ربع دية كسرها: خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها: مائة دينار وخمسة وسبعون ديناراً، منها في دية كسرها مائة دينار، وفي نقل عظامها خمسون ديناراً، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً(5)؛ ودية نقبها ربع دية كسرها: خمسون ديناراً، فإذا رضّت فعثمت ففيها ثلث دية النفس: ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، فإن فكّت ففيها ثلاثة أجزاء من دية الكسر: ثلاثون ديناراً.

وفي الساق: إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين: مائتا دينار، ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها: مائة وستون».

ص: 645


1- . في بعض النسخ: «دية الرجل».
2- . كذا في النسخ وفي هامش نسخة جعل «صدع» بدل «موضحة». والظاهر هو الصحيح، لأنّ الموضحة يأتي حكمها في السطر الآتي وأيضاً هو الموافق للفقيه والوافي.
3- . في بعض النسخ «الرجل» بدل «الرجلين».
4- . في «الفقيه»: إنصدعت.
5- . في هامش نسخة زيادة: «وفي قرحة فيها لاتبرأ ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وفي نفوذها ربع دية كسرها خمسون ديناراً».

ديناراً، وفي موضحتها ربع دية كسرها: خمسون ديناراً، وفي نقل عظامها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، وفي نقبها نصف دية موضحتها: خمسة وعشرون ديناراً،(1) وفي نفوذها(2) ربع دية كسرها: خمسون ديناراً، وفي قرحة(3) فيها لاتبرأ: ثلاثة وثلاثون ديناراً (وثلث دينار)(4)، فإن عثمت الساق فديتها ثلث دية النفس، ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار.

وفي الكعب: إذا رضّ فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية الرجلين، ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار.

وفي القدم: إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب، خمس دية الرجلين، مائة(5) دينار(6)، وفي ناقبة فيها ربع دية كسرها: خمسون ديناراً.

ودية الأصابع والقصب التي في القدم: الإبهام(7) ثلث دية الرجلين:

ثلاثمائة وثلاث وثلاثون ديناراً وثلث دينار، ودية كسر الإبهام(8) القصبة التي تلي القدم خمس دية الإبهام(9): ستة وستون ديناراً وثلثا دينار، وفي صدعها:

ستة وعشرون ديناراً وثلثا(10) دينار، وفي موضحتها: ثمانية دنانير وثلث دينار،ث.

ص: 646


1- . وفي النسخة التي شرح عليها المجلسي الأوّل رحمه الله أضاف الفقرة التالية: وفي تعوّرها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، وقال في شرح هذه الفقرة: أي عيبها، وفيهما (وفي نفوذها) وهو الأظهر، بل الصواب، وإن أمكن حمله عليه لكن الظاهر أنّه تصحيف النسّاخ. روضة المتقين: 10/266.
2- . في الفقيه: تعوّرها.
3- . في نسخة: «جرحة».
4- . ليس في الفقيه.
5- . في الفقيه: مائتا.
6- . في هامش نسخة زيادة: «ودية موضحتها ربع دية كسرها: خمسون ديناراً، وفي نقل عظامها: مائة دينار نصف دية كسرها؛ وفي نافذة فيها لاتنسد خمس دية الرجل: مائتا دينار».
7- . في الفقيه: للإبهام.
8- . في بعض النسخ زيادة: «و».
9- . في الكافي 340/7: ودية كسر قصبة الإبهام التي تلي القدم خمس دية الإبهام.
10- . في الفقيه: ثلث.

وفي نقل عظامها: ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار، وفي نقبها: ثمانية دنانير، وثلث دينار، وفي فكّها: عشرة دنانير.

ودية المفصل الأعلى من الإبهام، وهو الثاني الذي فيه الظفر ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، وفي موضحته أربعة دنانير وسدس دينار، وفي نقل عظامه:

ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي ناقبته أربعة دنانير وسدس، وفي صدعه: ثلاثة عشر ديناراً وثلث، وفي فكّه: خمسة دنانير.(1)

ودية كلّ إصبع منها سدس دية الرجل: ثلاثة وثمانون ديناراً وثلث دينار.

ودية قصبة الأصابع الأربع سوى الإبهام، دية كسر كلّ قصبة منها: ستة عشر ديناراً وثلثا(2) دينار.

ودية موضحة كلّ قصبة منها(3): أربعة دنانير وسدس، ودية نقل كلّ عظم(4) قصبة منهن: ثمانية دنانير وثلث، ودية صدعها: ثلاثة عشر ديناراً وثلث، ودية نقب كلّ قصبة منهن: أربعة دنانير وسدس، ودية قرحة لاتبرأ في القدم: ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث.

ودية كسر المفصل الذي يلي القدم من الأصابع: ستة عشر ديناراً وثلث، ودية صدعها: ثلاثة عشر ديناراً وثلث، ودية نقل عظم كلّ قصبة منهن: ثمانية دنانير وثلث دينار.

ودية موضحة كلّ قصبة: أربعة دنانير وسدس دينار، ودية نقبها: أربعة دنانير وسدس دينار، ودية فكّها: خمسة دنانير..

ص: 647


1- . وفي هامش نسخة زيادة: «وفي ظفره ثلاثون ديناراً، وذلك لأنّه ثلث دية الرجل».
2- . في الفقيه: وثلث.
3- . في الفقيه: منهن.
4- . في الكافي: عظم كلّ.

وفي المفصل الأوسط من الأصابع الأربع، إذا قطع فديته: خمسة وخمسون ديناراً، وثلثا دينار، ودية كسره: أحد عشر ديناراً وثلثا دينار(1)، ودية صدعه: ثمانية دنانير وأربعة أخماس دينار، ودية موضحته: ديناران، ودية نقل عظامه(2): خمسة دنانير وثلثا دينار، ودية فكّه: ثلاثة دنانير وثلثا دينار، ودية نقبه: ديناران وثلثا دينار.

وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع، التي فيها الظفر، إذا قطع فديته:

سبعة وعشرون ديناراً وأربعة أخماس دينار، ودية كسره: خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار، ودية صدعه: أربعة دنانير، وخمس دينار، ودية موضحته: دينار وثلث دينار، ودية نقل عظامه: ديناران وخمس دينار، ودية نقبه: دينار وثلث دينار، ودية فكّه: دينار وأربعة أخماس دينار، ودية كلّ ظفر: عشرة دنانير.(3)

وأفتى عليه السلام في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية: مائة دينار وخمسة وعشرون ديناراً.

وفي خصية الرجل: خمسمائة دينار، قال: فإن أصيب رجل فأدر(4)خصيتيه كلتيهما فديته أربعمائة دينار، وإن فحج(5) فلم يقدر على المشي - إلّا مشياً لاينفعه - فديته أربعة أخماس دية النفس: ثمانمائة دينار، فإن أحدب منها الظهر، فحينئذٍ تمّت ديته: ألف دينار.

والقسامة في كلّ شيء من ذلك ستة نفر على ما بلغت ديته.ن.

ص: 648


1- . في نسخة: «وثلث دينار».
2- . في بعض النسخ: «نقل عظمه».
3- . وكانت في اليد خمسة دنانير.
4- . الأدرة: وزان غرفة، وهي انتفاخ الخصية.
5- . الفحج: تداني صدور قدميه وتباعد عقباه، وفي بعض النسخ: «الفجج» بالجيمين وهو تباعد ما بين الفخذين.

وأفتى عليه السلام في الوجئة(1) إذا كانت(2) في العانة فخرق السفاق(3) فصارت أدرة في إحدى الخصيتين(4) فديتها(5) مائتا دينار، خمس الدية.

وفي النافذة إذا نفذت، من رمح أو خنجر، في شيء من الرجل من أطرافه فديتها عشر دية الرجل، مائة دينار.

وقضى عليه السلام أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعتب(6) عليه فيه(7)، فأصابه عيب من قطع وغيره، ويكون له الدية ولايقاد.

ولا قود لامرأة أصابها زوجها فعيبت، وغرم العيب على زوجها، ولا قصاص عليه.

وقضى عليه السلام في امرأة ركلها(8) زوجها فأعفلها: أنّ لها نصف ديتها: مائتان وخمسون ديناراً.

وقضى عليه السلام في رجل اقتض(9) جارية بإصبعه، فخرق مثانتها فلاتملك بولها، فجعل لها ثلث نصف الدية(10): مائة وستة وستين ديناراً وثلثي دينار.

وقضى عليه السلام لها عليه صداقها، مثل نساء قومها.ل.

ص: 649


1- . الوجئة - بكسر الواو -: «الضربة»، والوجاء: رض عروق البيضتين حتى تنفضح فيكون شبيهاًبالخصاء.
2- . في حاشية نسخة زيادة: «فوق العانة عشر دية النفس مائة دينار، فإن كانت».
3- . السفاق بالسين وكذا بالصاد: الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر.
4- . في بعض النسخ: «أحد القصبين».
5- . في بعض النسخ: «فديتهما».
6- . في بعض النسخ: «يعيب».
7- . في «الفقيه»: فيه عليه.
8- . ركلها: أي ضربها بالرجل، والعفل بالتحريك: شيء يخرج من فرج المرأة يشبه أدرة الرجل أي فتقه، وقيل: هو ورم يكون بين مسلكي المرأة فيضيق فرجها.
9- . في بعض النسخ: «افتض» بالفاء الموحدة.
10- . أي دية الرجل.

وفي رواية(1) هشام بن إبراهيم، عن أبي الحسن عليه السلام: الدية كاملة.

(قال أبوجعفر ابن بابويه(2): وأكثر رواية أصحابنا في ذلك الدية كاملة).(3)

وصل الكلام إلى هنا صبيحة يوم الأحد

التاسع والعشرين من شهر

محرّم الحرام من شهور عام 1434 ه

وتمّ بيد مصنّفه الراجي عفو ربّه جعفر السبحانيه.

ص: 650


1- . الوسائل، ج 29، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
2- . لاحظ: الفقيه: 92/4.
3- . ما بين القوسين لم يرد في الفقيه.

فهرس المحتويات

الموضوع الصفحة

مقدّمة المؤلّف 5

كتاب الديات 7

القول في أقسام القتل 8

القتل العمدي 9

القتل شبه العمد 12

القتل الخطئيّ المحض 14

ملحق يتعلّق بحوادث الطرق 16

القول في مقادير الديات 17

الاختلاف بين الروايات 26

1. في عدد الغنم 26

2. في عدد الدراهم 27

3. في الحلل 28

أُصول الديات في فقه أهل السنّة 30

ما هي الشروط المعتبرة في الإبل؟ 32

ص: 651

الموضوع الصفحة

ما هو المراد بالحُلّة؟ 35

ما هو المراد بالدينار والدرهم؟ 36

الجاني مخيّر في بذل ما يشاء وليس للولي الاعتراض 38

الجاني مخيّر في بذل ما شاء من الأُصول الستة 39

الشروط المعتبرة في الأُصول الستة 42

دية العمد تُستأدى في سنة واحدة 43

الجاني مخيّر في البذل مع مراعاة الشرائط 45

لو بذل الجاني القيمة السوقية مع وجود الأُصول 46

عدم إجزاء التلفيق بين الأُصول 46

في جواز التراضي على القيمة أو على التلفيق 47

دية قتل العمد على الجاني لا على العاقلة 47

الدية في العمد وشبهه والخطأ واحدة 48

اختلاف الأخبار والآراء في دية شبه العمد 49

دية شبه العمد على الجاني 55

لو ثبت إعسار الجاني 55

لو لم يقدر على الدية 56

في مدة استيفاء دية شبه العمد 56

ما هو مقتضى الأصل عند الشكّ؟ 58

القول بلزوم إعطاء الحوامل والاختلاف فيها 59

في دية الخطأ 61

دية الخطأ مخفّفة في السن والصفة والاستيفاء 63

في مدة استيفاء دية الخطأ 64

في مدة استيفاء دية الأطراف 66

دية قتل الخطأ على العاقلة 68

لو ارتكب القتل في الأشهر الحرم 69

ص: 652

الموضوع الصفحة

تغليظ الدية في أشهر الحرم 70

تغليظ الدية في حرم مكّة 72

تغليظ الدية في الحرم النبوي وسائر المشاهد 75

تغليظ الدية في الأطراف 75

تغليظ الدية في قتل الاقارب 75

لو رمى في الحل إلى الحرم وبالعكس 76

في حكم الاقتصاص لو قتل خارج الحرم ثم لجأ إليه 77

في حكم الاقتصاص لو جنى في الحرم 79

حكم مَن جنى ثم لجأ إلى المشاهد المشرّفة 80

في دية المرأة الحرة المسلمة 81

في تساوي المرأة والرجل في الجراح حتى تبلغ الثلث 82

في تساوي جميع فرق المسلمين في الدية إلّاالمحكوم بالكفر 83

في دية ولد الزنا 84

في دية الذمّي 91

في مقدار دية الذمّيّ الحر وفيها طوائف من الروايات 91

الأُولى: ما يؤكّد على أنّ الدية ثمانمائة درهم 92

الثانية: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة 96

الثالثة: ما يدلّ على أنّ ديتهم جميعاً أربعة آلاف درهم 96

الرابعة: ما يدلّ على أنّ ديتهم جميعاً هي دية المسلم 96

دية المرأة الذمّيّة 98

في دية أعضاء الذمّي وجراحاته 99

تساوي دية الذمّي والذمّية في الأعضاء حتى تبلغ الثلث 99

التغليظ على أهل الذمّة 99

لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار 100

ص: 653

الموضوع الصفحة

لا دية لمن خرج عن الذمّة 101

لو خرج ذمّي من دينه إلى دين ذمّي آخر 102

القول في موجبات الضمان، وفيه مباحث 103

المبحث الأوّل: في المباشر 103

ما هو المراد بالمباشر؟ 103

لو رمى غرضاً فأصاب إنساناً 104

لو ضرب تأديباً فاتّفق القتل فهو ضامن 105

في ضمان الطبيب 107

الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ 111

براءة الطبيب بالإبراء قبل العلاج 115

اعتبار إبراء المريض لو كان بالغاً عاقلاً 116

إذا أتلف النائم نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته 117

لو انقلبت الظئر فقتلت الطفل 119

لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً وضمّاً 122

لو أعنف الأجنبي بالأجنبية مع عدم قصد القتل 123

مَن حمل شيئاً فأصاب به إنساناً 123

مَن صاح ببالغ غير غافل 127

مَن صاح ببالغ غير غافل ومات 128

لو قصد الفعل دون القتل 128

مَن صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل 129

لو أخافه فهرب 130

لو وقع من علوّ على غيره 131

لو دفعه دافع فمات أو وقع على غيره 134

لو صدمه صادم فمات أحدهما 136

لو اصطدم حرّان بالغان عاقلان 138

ص: 654

الموضوع الصفحة

لو اصطدم حرّان بالغان عاقلان قاصدان 139

لو اصطدم حران غير قاصدين للقتل 139

لو لم يتعمّدا الاصطدام 141

لو اصطدم حرّان فمات أحدهما 143

لو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا 144

لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً ثم فُقِد 145

المبحث الثاني: في الأسباب 149

لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئراً 150

الضمان على مَن وضع حجراً في طريق المسلمين أو في ملك غيره 151

لا ضمان على مَن وضع حجراً في ملك غيره فرضي به المالك 152

لا ضمان على مَن عمل عملاً حسناً في طريق المسلمين 152

لو حفر بئراً ودخل عليه مَن لم يطّلع 153

لو جاء السيل بحجر 154

في ضمان مَن حفر بئراً في ملك غيره عدواناً 155

في ضمان مَن أضرّ بطريق المسلمين 156

في حكم إخراج الميازيب لو أدى إلى قتل إنسان أو تلف متاع 158

إخراج الرواشن والأجنحة في الطريق المسلوكة 159

لو اصطدمت سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال 163

لا ضمان على مَن بنى حائطاً في ملكه فسقط بسبب خارجي 168

لا ضمان على مَن بنى حائطاً مائلاً إلى ملكه 169

لو بنى حائطاً مائلاً إلى ملك غيره فهو ضامن 169

لو بنى حائطاً في غير ملكه بلا إذن فهو ضامن 169

لو بنى حائطاً مستوياً في ملكه فمال إلى غير ملكه 170

لو بنى حائطاً وأماله غيره فالضمان عليه 171

لو أجّج ناراً في ملكه 172

ص: 655

الموضوع الصفحة

لو أجّج ناراً في ملك غيره فهو ضامن 176

لو ألقى مالاً أو شخصاً في نار أجّجها غيره 177

لو وقعت الجناية بفعله التوليدي 177

لو ألقى قُمامة منزله المزلقة في الشارع 179

لو وضع على حائطه إناء فسقط 180

في أحكام الدابة الصائلة والطيور الضارية 181

لو هجمت دابة على أُخرى 186

مَن دخل دار قوم فعقره كلبهم 186

في أحكام ضمان الدابة الجانية 188

الأوّل: إذا جنت الدابة المركوبة 190

الثاني: لو ركب وكان وجهه إلى خلف الدابة 192

الثالث: لو ركب ورجليه إلى جهة واحدة 192

الرابع: لو سلبت الدابة اختيار راكبها 193

الخامس: لو جنت الدابة وهو قائد 193

السادس: في ضمان الواقف بدابته 194

السابع: لو كان الطريق ضيقاً أو واسعاً 194

الثامن: لو جنت الدابة وهو سائق 195

التاسع: لو جنت الدابة بسبب الضرب 195

العاشر: لو كان ضارب الدابة يدافع عن نفسه 196

لو كان للدابة راكب وسائق وقائد 196

لو ركب الدابة اثنان تساويا في الضمان 197

المبحث الثالث: في تزاحم الموجبات 198

لو اجتمع السببان فعلى مَن الضمان؟ 201

لو حفر بئراً وعمّقه غيره فعلى مَن الضمان؟ 204

لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر فعلى مَن الضمان 205

ص: 656

الموضوع الصفحة

لو سقط اثنان في البئر فماتا فعلى من الضمان؟ 205

القول في الجناية على الأطراف، وفيها مقاصد 207

المقصد الأوّل:

في ديات الأعضاء 207

في طرق محاسبة التفاوت 208

الطريق الأوّل: محاسبة التفاوت بفرض المجروح حرّاً وعبداً 208

الأوّل: ما هو الدليل عليه؟ 208

الثاني: عدم التمكّن من إعمال هذا القياس 210

الثالث: إذا عُلم التفاوت فما هو المنسوب إليه؟ 210

الطريق الثاني: تقدير الحاكم 211

الطريق الثالث: تقدير أهل الخبرة 212

الأوّل: الشعر 214

لو جنى على شعر رأس الذكر 215

إذا جنى على لحية رجل ولم تنبت 217

لو جنى على اللحية والشعر فنبتا 218

لو جنى على شعر المرأة 219

لو جنى على شعر رأس المرأة ثم نبت 220

لو نبت بعض الشعر دون البعض فهل فيه الأرش؟ 221

تشخيص عدم نبات الشعر موكول إلى أهل الخبرة 222

لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنّة 223

لو جنى على الحاجبين 224

لو جنى على الأهداب 227

لو جنى على الشعر النابت على الساعدين أو الساقين 229

الجناية على لحية الخنثى المشكل 230

الجناية على لحية المرأة 231

ص: 657

الموضوع الصفحة

إزالة الشعر في العبد والأمة 231

لو فرض التعيّب بإزالة الشعر 231

الثاني: العينان 232

في دية العينين 232

لو جنى على العين الصحيحة للأعور 234

لو جنى على العين العوراء 236

الثالث: الأنف 242

في دية الأنف 242

لو قطع الأنف من أصله 243

لو قطع المارن 243

لو قطع المارن وبعض القصبة 244

لو قطع المارن ثم قطع بعض القصبة 244

لو قطع المارن ثم قطع جميع القصبة 245

لو قطع بعض المارن 245

لو فسد الأنف وذهب بكسر أو إحراق 246

لو انجبر الأنف بدون عيب 247

إذا جنى على أنفه فصار أشلّ 247

لو قطع الأنف الأشل 248

لو جنى على روثة الأنف 249

إذا خرقت المنخرين والحاجز 254

إذا ثقبت النافذة الأنف مكان الخرق 255

إذا جنى بالخرق والثقب لكن جبر والتئم 255

الرابع: الأُذن 256

في دية الأُذن 256

لو قطع شحمة الأُذن 258

ص: 658

الموضوع الصفحة

لو قطع بعض الشحمة 258

لو خرم شحمة الأُذن 259

لو ضرب الأُذن فيبست 261

لو قطع الأُذن بعد الشلل 262

في أُذن الأصم 262

لو قطع الأُذن فأبطل السمع 262

لو قطع الأُذن بنحو أوضح العظم 263

الخامس: الشفتان 263

في دية الشفتين 263

لو قطع الشفتين 264

لو قطع واحدة من الشفتين 264

في حدّ الشفة العليا والسفلى 267

لو جنى على الشفتين حتى تقلّصت أو استرختا 269

لو قطع الشفة المشلولة 270

لو شقّ الشفتين أو إحداهما 270

السادس: اللسان 272

في دية اللسان 272

لو قطع اللسان الصحيح جسماً ونطقاً 272

لو قطع لسان الأخرس 272

لو قطع بعض لسان الأخرس 274

لو قطع بعض لسان الصحيح 274

تقسيم الدية وفقاً لما يفصحه وما لا يفصحه 275

توزيع دية اللسان على حروف المعجم في العربية 282

لو ذهبت منفعة اللسان بسبب القطع 283

لو صار لسانه ثقيلاً أو سريع النطق 287

ص: 659

الموضوع الصفحة

لو قطع لسانه جانٍ ثم قطع آخر بعضه 288

لو أعدم شخص كلامه ثم قطعه آخر 289

لو قطع لسان طفل قبل بلوغه 290

لو ذهب كلامه بغير قطع ثم عاد 290

السابع: الأسنان 292

في دية الأسنان 292

الروايات المؤيدة 293

الروايات المخالفة 295

لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين 297

حكم الأسنان الزائدة على الثمانية والعشرين 297

لو قلع سناً زائداً ولم يحصل نقص 299

لا فرق بين الأسنان البيضاء والسوداء خلقةً 300

لو جنى السن حتى اسودّت 300

دراسة الروايات النافية 301

لو قلع السنّ السوداء بالجناية 302

لو جنى فانصدع السن ولم يسقط 305

لو كسر ما برز عن اللثة 307

لو كسر ما برز عن اللثة وقلع آخر السنخ 308

لو قلع سن الصغير غير المثغر 308

لو قلعت سن فأُثبتت في محلّها 310

لو قلعت سن وجعل مكانها سن آخر 311

الثامن: العنق 312

في دية العنق 312

لو كسر عنق شخص فصار أصغر 312

لو جنى على شخص فصار أصور 313

ص: 660

الموضوع الصفحة

لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد 314

لو زال العيب فلا دية وعليه الأرش 315

التاسع: اللحيان 316

في دية اللحيين 316

لو قلع أحد اللحيين أو بعضهما 317

اللحيان لو قلعا مع الأسنان 317

لو جنى على اللحيين ونقص المضغ 318

العاشر: اليدان 318

في دية اليدين 318

في دية اليدين ودية اليد الواحدة 319

من كانت له يد واحدة 319

ما هو حدّ اليد؟ 320

إذا قطع إحدى اليدين من المعصم 321

إذا قطعت الأصابع منفردة 321

في قطع الكف مع فقد الأصابع 322

لو قطعت الكف مع زيادة من الزند 323

لو قطع مع مقدار من الذراع 324

قطع اليد من المرفق 325

لو قطع اليد من المنكب 325

لو قطع شيئاً من فوق المرفق ومن فوق المنكب 326

لو كان له يد زائدة 327

الحادي عشر: الأصابع 329

في دية الأصابع 329

في دية أصابع اليدين والرجلين 329

في دية كلّ إصبع 330

ص: 661

الموضوع الصفحة

في دية الأنامل 334

في دية الأصبع الزائدة 335

في دية الأنملة الزائدة 336

لو كان عدد الأصابع والأنامل زائداً على المتعارف 336

لو جنى على إصبع أو مفصل منه فشلّت 337

لو قطع الإصبع بعد شللها 338

في دية الظفر 339

الثاني عشر: الظهر 341

في دية الظهر 341

لو عولج الظهر وبقي من أثر الجناية 342

لو عولج الظهر فصلح ولم يبق من أثر الجناية شيء 343

ما هو المراد من الظهر والصلب؟ 345

لو كسر الظهر فشلّت الرجلان 346

الثالث عشر: النخاع 347

في دية قطع النخاع 347

لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر 347

الرابع عشر: الثديان 348

في دية الثديين 348

لو قطع مع الثديين شيئاً من الجلد 348

لو أُصيب الثدي وانقطع اللبن 349

هل في حلمتي المرأة دية أو حكومة؟ 350

في حلمة ثدي الرجل 351

الخامس عشر: الذكر 352

في دية الذكر 352

في دية حشفة الذكر 352

ص: 662

الموضوع الصفحة

في ذكر الشاب والشيخ والصبي والخصي خلقة 354

لو قطع بعض الحشفة 354

لو انخرم مجرى البول 355

لو قطع الحشفة ثم ما بقي من الذكر 356

لو قطع بعض الحشفة والآخر ما بقي منها 357

لو قطع بعض الحشفة وقطع الآخر ما بقي مع الذكر 357

في ذكَر العنّين 358

في قطع الأشلّ 359

قطع بعض الأشلّ 360

لو قطع نصف الذكر طولاً 361

في ذكر الخنثى المشكل 362

السادس عشر: الخصيتان 363

في دية الخصيتين 363

لو قلعت الخصيتان دفعة واحدة 363

لو قلعت الخصيتان على دفعتين 364

في أُدرة الخصيتين 366

السابع عشر: الفرج 368

في دية الفرج 368

ما هو المراد من الرَّكب؟ 370

في دية إفضاء المرأة 371

في المرأة المكرهة من غير زوجها 374

في المرأة المطاوعة 374

في المرأة المكرهة لو كانت بكراً 374

الثامن عشر: الأليان 377

في دية الأليين 377

ص: 663

الموضوع الصفحة

ما هو المراد من الألية؟ 378

في قطع لحم الإلية أو بعضه 378

التاسع عشر: الرجلان 379

في دية الرجلين 379

دية الرِّجلين معاً 379

ما هو حدّ الرِّجل؟ 379

في دية قطع الرِّجل من المفصل ولواحقه 380

في أصابع الرِّجلين 380

في الرِّجل الزائدة 381

العشرون: الأضلاع 382

في دية الأضلاع 382

الواحد والعشرون: الترقوة 385

في دية الترقوتين 385

لو كُسرت ترقوة ولم تبرأ أو برأت معيوبة 386

خاتمة وفيها فروع: 387

الأوّل: في دية كسر البعصوص 387

الثاني: في دية ضرب العجان 389

الثالث: لو كُسر عظم من عضو له دية مقدّرة 391

لو أوضح العظم من دون كسر 394

إذا رُضّ العظم من دون كسر ولا إيضاح 394

لو فكّ العظم من العضو بحيث يتعطّل 395

الرابع: مَن داس بطن إنسان حتى أحدث 397

الخامس: مَن افتضّ بكراً بإصبعه 398

ما يدلّ على وجوب ثلث ديتها 399

ما يدلّ على أنّ عليه الدية كاملة 400

ص: 664

الموضوع الصفحة

المقصد الثاني:

في الجناية على المنافع 402

الأوّل: العقل 402

لو جنى شخص جناية ذهبت بعقل المجنيّ عليه 402

في نقصانه الأرش لا التوزيع 403

لا قصاص في ذهابه ولا نقصانه 404

الميزان هو ذهاب العقل لا وسيلة ذهابه 405

عدم تداخل الجناية على الطرف والمنفعة 405

لو ذهب العقل بالجناية ثم برئ بعد دفع الدية 407

لو اختلف الجاني ووليّ المجني عليه في ذهاب العقل أو نقصانه 408

الثاني: السمع 409

لو كانت إحدى الأُذنين أحدّ من الأُخرى 410

لو علم عدم عود السمع 411

لو توقعت عودة السمع بعد مدة متعارفة 411

لو عاد قبل أخذ الدية 412

لو عاد بعد أخذ الدية 412

لو مات قبل أخذها 412

لو قطع الأُذنين أو جنى عليه فذهب سمعه 413

لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوة السامعة 414

لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجني عليه 416

لو ادّعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الأُخرى 418

الثالث: البصر 420

فقد الإبصار في العين الصحيحة والعوراء والحولاء والعمشاء 421

لو قلع الحدقة 422

لو اختلف الجاني والمجني عليه حول ذهاب البصر وعدمه 422

ص: 665

الموضوع الصفحة

لو مات قبل مضي المدّة المؤجّلة 424

لو اختلف الجاني والمجني عليه في عود الإبصار 425

لو ادّعى نقصانهما أو أحدهما 427

طريق المقايسة للعينين وللعين الواحدة 428

لا تقاس العين في يوم غيم ولا في أرض مختلفة الجهات 430

الرابع: الشمّ 430

لو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الشم 431

في كيفية إثبات النقص في حاسّة الشم 433

في كيفية بيان مقدار النقص في حاسّة الشم 434

لو عاد الشم قبل أداء الدية أو بعده 435

لو مات قبل انقضاء المدة ولم يعد الشم 435

لو قطع الأنف أو جنى عليه جناية ذهب بها الشم 436

الخامس: الذوق 436

لو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق 437

لو اختلف الجاني والمجنيّ عليه في مقدار النقص 438

لو قطع لسانه أو جنى عليه جناية ذهبت بذوقه 439

لو جنى على مغرس لحيته 440

لو عاد الذوق هل تستعاد الدية؟ 440

السادس: في دية ذهاب الجماع 441

أقوال الأصحاب في المسألة 441

لو أُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال 442

لو تعذّر عليه الإحبال وإن كان ينزل 443

لو تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع 445

لو انقطع بالجناية أصل الجماع وانتشار الآلة 445

السابع: في دية سلس البول 446

ص: 666

الموضوع الصفحة

ثبوت الدية في سلسل البول 446

سلسل البول لو دام إلى الليل 447

الثامن: في دية ذهاب الصوت 449

لو جنى عليه فذهب صوته ونطقه 450

لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف 451

في الأرش والحكومة 452

المقصد الثالث:

في الشجاج والجراح 453

تعريف الشجّة 453

في أقسام الشجاج 454

الأوّل: الحارصة 454

الثاني: الدامية 457

الثالث: المتلاحمة 458

الرابع: السمحاق 461

الخامس: الموضحة 462

السادس: الهاشمة 463

السابع: المنقّلة 466

الثامن: المأمومة 468

في الدامغة 471

في الجائفة وأحكامها 472

تعريف الجائفة 472

لو نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل أو المرأة 476

اللطم على الوجه 479

اللطم على البدن 480

لا فرق بين الرجل والأُنثى والصغير والكبير 481

ص: 667

الموضوع الصفحة

اللطم في الرأس 482

لو أحدثت الجناية تورّماً 483

في شلل العضو المقدّر الدية 484

وحدة دية الشجاج في الرأس والوجه 485

حكم شبه الشجاج في البدن، إذا كان له دية مقدّرة 487

حكم شبه الشجاج في البدن إذا لم يكن له دية مقدّرة 492

المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات إلى الثلث 492

في حكم الرجل والمرأة والذمّي والذمّية 494

ما هو المراد من الحكومة 495

في حكم القاضي بالتصالح أو التعزير 495

الحاكم ولي مَن لا ولي له 496

القول في اللواحق 498

الأوّل: في الجنين 498

في دية الجنين 498

لو كان الجنين ذمّيّاً 506

هل على الجاني على الجنين قبل ولوج الروح كفّارة؟ 507

عدم وجوب الدية والكفّارة إلّابعد العلم بالحياة 508

في وجوب الكفّارة مع مباشرة الجناية وعدمها 509

في دية كلّ مرحلة من مراحل تكوّن الجنين وما يليها 509

لو قُتلت المرأة ومات ما في بطنها 514

لو ألقت المرأة حملها 515

في تعدّد الولد وتعدّد الدية 516

في دية أعضاء الجنين وجراحاته 516

مَن أفزع مجامعاً فعزل 518

لو خفي على القوابل كون الساقط مبدأ نشوء إنسان 518

ص: 668

الموضوع الصفحة

دية الجنين بعد ولوج الروح في العمد وشبهه والخطأ 519

دية الجنين قبل ولوج الروح في العمد وشبهه والخطأ 521

في قطع رأس الميّت الحرّ 522

في قطع جوارح الميّت وسائر الجنايات عليه 526

إنّ هذه الدية لا يرثها وارثه 526

تساوي الرجل والمرأة والصغير والكبير في الحكم 528

يؤدّى من الدية دين الميّت 528

الثاني من اللواحِق: في العاقلة، وفيها أمران 529

الأمر الأوّل: تعيين المحلّ 529

عدم دخول الآباء والأبناء في العصبة 532

دخول الآباء والأبناء في العصبة 532

ليس على المرأة عقل ولا على الصبيّ والمجنون 535

ليس على أهل الديوان عقل إن لم يكونوا عصبة 535

لا يعقل أهل البلد إن لم يكونوا عصبة 536

القاتل لا يشارك العصبة في الضمان 536

في عقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى 536

في تحمّل الفقير للعاقلة 537

العاقلة تحمل دية الموضحة وما زاد 538

العاقلة تضمن دية الخطأ 541

لا رجوع للعاقلة بما تؤدّيه على الجاني 542

العاقلة لا تعقل ما يثبت بالإقرار 543

لو ثبت أصل القتل بالبيّنة واختلف القاتل مع العاقلة 544

العاقلة لا تعقل العمد وشبهه ولا ما صولح به 544

العاقلة لا تضمن مَن جنى على نفسه خطأ 545

دية أهل الذمّة على القاتل خطأ 546

ص: 669

الموضوع الصفحة

لو لم يكن للقاتل الذمّي مال 547

لو قتل الأب ولده عمداً 549

لو قتل الأب ولده خطأً فالدية على العاقلة 549

عمد الصبيّ والمجنون في حكم الخطأ 550

عدم ضمان العاقلة لما تجنيه البهيمة وإتلاف المال 552

الأمر الثاني: كيفية التقسيط بين العاقلة 553

هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث؟ 555

هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفية الإرث 558

لو كان أحد الورّاث ممنوعاً من الإرث 559

لو لم يكن في طبقات الإرث أو بعدها من الولاء أحد 560

لو كان الشخص الموجود من طبقات الإرث فقيراً 561

لو كان الموجود غنياً ولا يمكن الأخذ من ماله 561

لو كان في إحدى الطبقات شخصاً واحداً 562

في ابتداء زمان التأجيل في دية القتل الخطأ 562

مطالبة الدية بعد حلول الحول 565

لو ماتت العاقلة بعد حلول الحول 565

لو ماتت العاقلة في أثناء الحول 566

لو لم يكن للقاتل عاقلة أو كانت فقيرة 566

الثالث من اللواحق: في الجناية على الحيوان، وفيه أقسام 574

الأوّل: الجناية على ما يؤكل 574

الثاني: ما لا يؤكل لحمه مع وقوع التذكية عليه 580

الثالث: الجناية على ما لا تصحّ ذكاته 582

في كلب الصيد 582

في كلب الغنم والماشية 585

في كلب الحائط 586

ص: 670

الموضوع الصفحة

في كلب الزرع 587

كل ما لا يملكه المسلم لا ضمان فيه 588

ما يملكه الذمّيّ مضمون بقيمته عند مستحلّيه 589

فروع 590

الأوّل: لو أتلف على الذمّيّ خمراً أو آلة لهو 590

في الخمر المتّخذ للخل وموادّ آلات اللهو 591

في قارورة الخمر ومحالّ آلات اللهو ومحفظتها 592

الثاني: في جناية الماشية على الزرع 593

الثالث: في دية الكلاب 596

لو غصب الكلاب غاصب ثم أتلفها 597

لو جنى على كلب له دية مقدّرة 599

الرابع من اللواحق: في كفّارة القتل 600

في كفّارة الجمع 600

في الكفّارة المرتّبة 600

وجوب الكفّارة لو كان القتل بالمباشرة 602

وجوب الكفّارة بقتل المسلم 602

عدم وجوب الكفّارة بقتل الكافر 604

لو اشترك جماعة في قتل واحد 606

لو أمر شخص بقتله فقتله 607

لو أدّى العامد الدية أو صالح 607

لو قتل القاتل قوداً 608

خاتمة المطاف، وفيها أمران 610

الأمر الأوّل: ما هو السبب لتحمّل العاقلة؟ 610

ص: 671

الموضوع الصفحة

سؤالان عن وجه وجوب الدية على العاقلة 610

السؤال الأوّل: ضمان العاقلة يناسب الحياة القبلية 610

نمط الحياة في سائر البلدان 613

السؤال الثاني: تحمّل العاقلة هل هو حكم تكليفي أو وضعي؟ 614

وجوبها على الجاني ابتداءً 616

وجوبها على العاقلة ابتداءً 617

الأمر الثاني: كتاب «الديات» لأميرالمؤمنين عليه السلام المعروف ب: كتاب ظريف 620

ترجمة: ظريف بن ناصح 621

سند الرواية: 623

1. في كتاب «من لا يحضره الفقيه»: 623

2. في كتاب «الكافي» 624

3. في كتاب «الجامع للشرائع» 626

فصل: في نقل رواية ظريف في الديات 626

متن الرواية 628

فهرس المحتويات 651

ص: 672

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.