اصول الاعراب البیانی للاسلوب القرآنی و معه اسرار البیان من کلام الرحمن فی سورة الانسان

اشارة

سرشناسه:دیداری حسین آبادی، سجاد، 1365-

عنوان و نام پديدآور:اصول الاعراب البیانی للاسلوب القرآنی و معه اسرارالبیان من کلام الرحمن فی سورة الانسان/ سجاد الدیداری؛ [برای] حوزه علمیه منصوریه شیراز.

مشخصات نشر:قم: موسسه انتشاراتی امام عصر(عج)، 1442 ق.= 1400.

مشخصات ظاهری:248 ص.

شابک:350000 ریال 978-600-385-128-3 :

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: انتشارات شاه چراغ (ع)، 1399.

یادداشت:کتابنامه: ص. 238 - 241؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:تفاسیر (سوره دهر)

موضوع:قرآن -- اعراب

موضوع:Qur'an -- *Diacritics

شناسه افزوده:حوزه علمیه منصوریه شیراز

رده بندی کنگره:BP102/933

رده بندی دیویی:297/18

شماره کتابشناسی ملی:7610682

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا

ص: 1

مقدمه

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ

الحمد لله ربّ العالمین و الصّلاة و السّلام علی سیّدنا و نبیّنا محمّد خاتم النبیین و إمام المرسلین و خیر خلق الله اجمعین و رحمة للعالمین و علی آله علیهم السلام اجمعین و من تبعهم بإحسان إلی یوم الدین.

و أمّا بعد، فقد أتی علی العرب حین من الدهر لم یکن أفصح و أبلغ منهم في اللغة حتّی نزّل القرآن الکریم معجزةً قاهرة أعیت الفصحاء و أبهتت البلغاء و أخرست أرباب البیان و قد بهتوا جمیعاً

عن معارضته فعجزوا علی أنْ یأتوا بمثل أقصر سورة منه.

ثمَّ أقصی ما یهمّ للتلامیذ أنْ یقدروا من بعد دراسة الکتب الأدبیّة من النحویّة و البلاغیّة علی التمییز ببعض ما في القرآن الکریم من معانیه اللطیفه و أسراره البلاغیّه لکن إذا تفحّصنا کتب القواعد التي بین أیدي التلامیذ وجدناها من جانب أنّها تقتصر في الغالب علی المنهج النظري و تفتقر إلی التطبیق العلمیّ ، فالتلامیذ یستظهرون القواعد دون تفهّم و تطبیق لللغة القرآنیة التي هي الغایة المقصودة منهم في إقدامهم علی دراسة هذه القواعد.

و من جانب آخر أنّ ما یذکر فیها من القواعد نفسها عاجزة إمّا لأنّها إجتهادات من مؤلِّفها أو مصنِّفها علی غیر طریقة اللغة القرآنیة و إمّا لأنّها لاتنطبق علیها بوجهها و نتعرّض في خلال هذا الکتاب لبعض الأقوال و التطبیقات الإستحسانیّة غیر الصحیحة إن شاء الله تعالی.

ص: 1

و قد رأینا بدافع المسئوولیّة و الحرص أنْ نضع في هذا الکتاب أصولاً و مناسباتٍ جلیلة غیر موجودة فیما بین أیدي التلامیذ لیکون عوناً و مرشداً للتلامیذ الأعزّاء و لیحبّب الیهم اللغة القرآنیّة.

و منهجنا أنْ نکثر في بیان الأصول من الشواهد القرآنیّة و الأمثلة التطبیقیّة لترسّخ الأصول في أذهان التلامیذ الأعزّاء و لیطمئنَّ أنّ ما یراه و یسمعه لیس قولاً بدیعاً غیر منطبق لایمکن الوثوق علیه و ذلک لإعتقادنا أنّ القرآن الکریم وعاء اللغة و أنّ دراسة القواعد لاتؤتی ثمارها إلّا بکثرة التطبیق علیها لکن یلزم الوقوف علی أنّ القرآن الحکیم له أصول و أسالیب لایمکن أنْ نجدها وعاء الکتب النحویّة و الصرفیّة و البلاغیّة منفردةً.

و نسأل الله تبارک و تعالی أنْ یعطینا التوفیق في تذوّق حلاوة القرآن الکریم و یُلهمنا الرشد و یُجنّبنا الذل إنّه سمیعٌ مجیبٌ.

و آخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمین

ص: 2

الفصل الأوّل:أصول الإعراب البیانيّ للاُسلوب القرآنيّ

اشارة

ص: 3

«الفصل الأول في بیان الأصول»

الأصل الأوّل : معرفة معاني المفردات

اشارة

من الأصول لمعرفة الحکمة و البلاغة في الآیات خصوصاً المتشابهة منها معرفة معاني المفردات المختلفة التي وردت فیها.

و المفردات نوعان :

النوع الأوّل : ما یتعلق بالفروق اللغویّة
اشارة

من الألفاظ متقاربة المعنی التي یظنّ أوّل وهلة أنّها مترادفات تامة کاملة و لیست بذلک.

الأوّل : ما یتعلّق بالألفاظ متقاربة المعنی :

یلزم علی القاصد لمعرفة اللغات القرآنیّة أن لا یتغفّل عنه لأنّ اللغة القرآنیة مع سعتها في بیان المقاصد بالحقیقة و المجاز بأنواعها و أقسامها و الأمثلة و غیرها قد تستعمل ألفاظاً ظاهرةَ الترادف لیست مترادفات کاملة و إن کان العلماء أدبائهم و أصولیهم اختلفوا في إثباته أو نفیه في لغة العرب لکنّ الذي یَهمّنا أنّ القرآن الکریم حسَم قضیّة الترادف لأنّ التّتبع الدقیق لألفاظه یُرینا أنّه لا ترادف بین الألفاظ.

و إلیک دراسة نماذج :

الفرق بین «التکلیف» و «الإبتلاء»

ص: 4

إنّ التکلیف إلزام ما یشّق إرادة الإنسانیة علیه، و أصله في العربیة اللزوم.

و المتکلّف للشئ الملزم به علی مشقّة و منه قوله تعالی :« قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفين(1)».

و الإبتلاء : هو إستخراج ما عند المبتلی و تعرّف حاله في الطاعة و المعصیة بتحمیله المشقة ، و لیس هو من التکلیف في شیء. فإنْ یسمّی التکلیف ابتلاءً في بعض المواضع فقد یجري علی الشیء اسم ما یقاربه في المعنی و إستعمال الإبتلاء في صفات الله تعالی مجازٌ ، معناه أنّه یعامل العبد معاملة المبتلی المستخرج لِما عنده و یقال للنعمة بلاء لأنّه یستخرج بها الشکر(2).

الفرق بین «الزوج» و« المرأة»

إنّ لفظ الزوج یشعر بالمجانسة و المشارکة بین کلّ من الزوجین کما هو مفهوم من لفظه کما یفیده القرآن الکریم في قوله تعالی:«وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُم (3)» حیث لایکون التوارث إلّا مع المشاکلة و التوافق و لذا لا توارث بین مؤمن و کافر لِبُعد المشاکلة و التوافق.

فجاء في التعبیر القرآني الإخبار عن جماعة المؤمنین بلفظ الزوج قال الله تعالی:« ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُون»(4) و «إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ في شُغُلٍ

ص: 5


1- ص : 86
2- الفروق اللغویه 216
3- النساء : 12
4- الزخرف : 70

فاكِهُون هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ في ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُن(1)» لِما بین الطرفین من المشارکة و المشابهة.

و حین أخبر القرآن الکریم عن أهل الشرک جاء التعبیر القرآني بلفظ المرأة الدالة علی الاُنوثة المجرّدة التي لا تشعر بأيّ تناسب أو تشاکل بین الطرفین و لذا قال الله تعالی :« ضَرَبَ الله مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ(2)» و « وَ ضَرَبَ الله مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ(3)» إذ لا تناسب بین فرعون و إمرأته المؤمنة کما لا تناسب بین نوح علیه السلام و لوط علیه السلام و الإمرأتیهما المشرکتین. فکما افترقا في الملّة و الدّین وجب أنْ یفترقا في التعبیر.

و أمّا قول زکریاء علیه السلام :«وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائي وَ كانَتِ امْرَأَتي عاقِراً (4)» و قوله تعالی عن إبراهیم علیه السلام :«فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقيم»(5) فلأنّ الألیق في هذه المواضع هي المرأة لا الزوج لأنّه في سیاق ذکر الحمل و الولادة ، فذکر المرأة أولی به لأنّ المقتضیة للحمل و الولادة هي الاُنوثیّة لا کونها زوجاً.

ص: 6


1- يس : 55 56
2- التحريم : 10
3- التحريم : 11
4- مريم : 5
5- الذاريات : 29

الفرق بین «المرضع» و« المرضعة»

المرضعة : التي ترضع بالفعل، و المرضع : هي التي بالقوة و التهیّؤ(1). و لذلک یکشف السرّ عن التعبیر بالمرضعة في قوله تعالی:«يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظيم يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها»(2) حیث إنّ إدخالها یؤذن بأنّ المرضع حین الإرضاع تذهل عمّا ترضعه لشدّة هول زلزلة السّاعة و کذا التعبیر بِ« ذات حمل» فإنّ الحامل تطلق علی المهیّأة للحمل أیضاً فإذا قیل بِ« ذات حمل» لم یکن إلّا لِمَن قد ظهر حملها و صلحت للوضع کاملاً أو سقطاً.

الفرق بین «العام» و« السنة»

قال الراغب: کثیراًمّا تستعمل السنة في الحول الذي یکون فیه الشدّة أو الجدب(3). و ممّا یدلّ علیه قوله تعالی:«وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون»(4).

فالسنة تستعمل في الأحوال الشدیدة التي قد یصاحبها کثیرٌ من المصائب قال الله تعالی عن یوم القیامة:«تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسينَ

ص: 7


1- تفسیر القرآن الکریم لابن القیّم 279
2- الحج : 12
3- المفردات فی غریب القرآن 466
4- الأعراف : 130

أَلْفَ سَنَة»(1) و قال الله تعالی عن یوسف:«فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنين(2)» لِما یلزم علیه من المشقّة.

أمّا العام فیعبّر عنه في الحول الذي فیه الرخاء و الخِصب . قال الله تعالی عن قصّة نوح علیه السلام :«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُون»(3).

فقد عبّر باللبث ألف سنة لِما علیه من الآلام و المشقّة في دعوته علیه السلام لهم لیلاً و نهاراً و عدم إجابتهم له و فرارهم و جعل أصابعهم في آذانهم لئلّا یسمعوا کلامَه و دعائَه و عبّر بالعام في المستثنی إشارة إلی زمن حیاته علیه السلام بعد إغراقهم و کونه في سعة و راحة بإیمان المؤمنین و بما في الأرض من الخِصب.

الفرق بین «الریح»و« الریاح»

حیث ذکرت الریح في سیاق الرحمة جاءت مجموعةً کقوله تعالی :« وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِيُذيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِه»(4) و« اللهُ الَّذي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ»(5) و«وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِح»(6) وحیث

ص: 8


1- المعارج : 4
2- يوسف : 42
3- العنكبوت : 14
4- الروم : 46
5- الروم : 48
6- الحجر : 22

ذکرت في سیاق العذاب أتت مفردةً کقوله تعالی:«فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ»(1) و«إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِر»(2) و«يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ الله بِما تَعْمَلُونَ بَصيرا»(3) و«وَ أَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِريحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَة»(4).

و سرّ ذلک : أنّ ریاح الرحمة مختلفة الصفات و المهاب و المنافع ، و إذا هاجت منها ریح أنشأَ لها ما یقابلها ، و ما یکسر سورتها و یصدم حدّتها ، فینشأ من بینهما ریح لطیفة تنفع الحیوان و النبات، فکلّ ریح منها في مقابلها ما یعدِلُها و یرد سَورتها ، فکانت في الرحمة ریحاً. و أمّا في العذاب فإنّها تأتي من وجه واحد لا یقوم لها شیء و لا یعارضها غیرها حتّی تنتهي إلی حیث امرت و لهذا وصف سبحانه الریح الّتي أرسلها علی عادٍ بأنّها عقیم. فقال تعالی :«وَ في عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقيم»(5) و هي التي لا تلقح و لاخیر فیها و التي تعقم ما مرّت علیه.

ص: 9


1- فصّلت : 16
2- القمر : 19
3- الأحزاب : 9
4- الحاقّة : 6
5- الذاريات : 41

ثمَّ تأمّل کیف اطّرد هذا إلّا في قوله تعالی في سورة یونس:«هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِريحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها ريحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحيطَ بِهِمْ دَعَوُا الله مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرين»(1) فذکر ریح الرحمة الطیّبة بلفظ الإفراد ، لأنّ تمام الرحمة هناک إنّما تحصل بوحدة الریح لا بإختلافها ، فإنّ السفینة لاتسیر إلّا بریح واحدة من وجه واحد تسیرها فإذا اختلفت علیها الریاح و تصادمت و تقابلت ، فهو سبب الهلاک و فالمطلوب هناک « في البحر » ریح واحدة لا ریاح و أکّد هذا المعنی بوصفها بالطیّب دفعاً لِتوّهم أنْ تکون ریحاً عاصفة.(2)

الفرق بین «الإیتاء» و« الإعطاء»

بملاحظة الإستعمال القرآني نجد فروقاً دقیقةً و إنْ کان کثیر من المعاجم یغفلون عنه و هي :

1 أنّ الإیتاء لم یستعمل إلّا للشئ الکثیر و العظیم الشأن کالملک و الحکمة و الرحمة و الخیر و القرآن العظیم نحو قوله تعالی :«فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ الله الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَ لَوْ لا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ

ص: 10


1- يونس : 22
2- بدائع الفوائد 207

لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ الله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمين»(1) و «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْباب»(2) و «فَآتاهُمُ الله ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنين (3)» و « قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتاني رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُون»(4)

و «وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني وَ الْقُرْآنَ الْعَظيم»(5).

و أمّا الإعطاء فقد یکون للشئ القلیل نحو قوله تعالي:«وَ أَعْطى قَليلاً وَ أَكْدى(6)» و لم یرد العطاء دالّاً علی الشئ الکثیر إلّا مقیّداً بما یدلّ علی الکثرة کما في قوله تعالی :«كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً»(7) فإضافة العطاء إلی الله تعالی و نفي الحظر عنه یفید کثرة هذا العطاء و کذا قوله تعالی:«وَ لَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى»(8) حیث أسند فعل الإعطاء إلی الله تعالی کما وُصِف

ص: 11


1- البقرة : 251
2- البقرة : 269
3- آل عمران : 148
4- هود : 28
5- الحجر : 87
6- النجم : 34
7- الإسراء : 20
8- الضحى : 5

المُعطی بالرضا لهذا العطاء و نحو ذلک قوله تعالی : «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَر»(1) حیث صرّح بالشیء المُعطی و هو أکثر من الکثیر کما أنّ الفعل أُسند إلی الله تعالی و المخاطب به النّبی صلّی الله علیه و آله و سلّم و کلّ هذا یفید أنّه عطاء کثیر وافر.

2 الإیتاء فیه قوة لیست للإعطاء ، لأنّ الإعطاء یتوقف علی القبول بینما الإیتاء لا یتوقف و لذلک أُمر المسلمون بإیتاء الزکاة في کثیر من الآیات نحو قوله تعالی :«وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعين»(2).

بینما عبّر عن الجزیة بالإعطاء في قوله تعالی : قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ الله وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدينُونَ دينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُون»(3) و ذلک لأنّ الجزیة موقوفة علی قبول منّا.

3 الإیتاء یکون علی طیب قلبٍ، بینما قد یکون الإعطاء عن کُره و لذلک عبّر عن إخراج الزکاة بالإتیاء لأنّ المؤمن یُعطي الزکاة عن طیب قلب و أمّا عن الجزیة فعبّر بالإعطاء لأنّ الذمّي لایُعطي الجزیة راضیاً بل مُکرَهاً.

ص: 12


1- الكوثر : 1
2- البقرة : 43 البقرة : 83 النساء : 77 النور : 56 المزمل : 20
3- التوبة : 29

4 في الإعطاء معنی الصلة و الإحسان دون الإیتاء و لهذا خصّت العطیّة و العطاء بالصلة نحو قوله تعالی :«هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِساب»(1).

الفرق بین «التثریب» و«اللوم»

التثریب في اللغة: الإستقصاء في اللوم و التعنیف و هو مناسب لأصله لأنّه من الثَرب وهو شحمُ الجوف لأنّ البلوغ إلیه هو البلوغ إلی الموضع الأقصی من البدن(2). و اللوم في اللغة : العذل و العَتب(3).و هذا المعنی هو المراد به في التنزیل، و لایصل إلی حدّ التوبیخ و التعنیف نحو قوله تعالی :«قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذي لُمْتُنَّني فيه»(4) و«فَلا تَلُومُوني وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ»(5) و«فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُون»(6).

و أمّا التثریب في قوله تعالی :«فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ الله يَجْزِي الْمُتَصَدِّقين قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُون قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخي قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ

ص: 13


1- ص : 39
2- معجم الفروق اللغویه 117
3- مقاییس اللغة 5/222
4- يوسف : 32
5- إبراهيم : 22
6- القلم : 30

فَإِنَّ الله لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنين قالُوا تَالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئين قالَ لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمين(1)» فلیس بمعنی اللوم لأنّه علیه السلام لا ینفي اللوم بل ینفي ما هو أشدّ منه و هو التثریب . و لوکان بمعناه للزم الکذب. و إنْ قلت : من أین جاء اللوم ؟!

قلنا : جاء اللوم من طلبهم له علیه السلام التصدّق علیهم و عدم اجابته علیه السلام ایّاهم و مخاطبته لهم بأنّهم کانوا جاهلین و هل هذا غیر اللوم ؟! و لمّا اقرّوا بأنّهم مخطئون عفی عنهم و قال لاتثریب علیکم. و إکتفی علیه السلام بهذا المقدار مع أنّهم بما فعلوا به و اخیه یستحقّون فوق ذلک لکنّ یوسف علیه السلام کان من ارقّ خلق الله و اشفقهم علی الأجانب فکیف یفعل مع إخوته غیر ذلک ؟!

الفرق بین «المطر» و« الغیث»

قال أبو هلال: الغیث : المطر الذي یغیث من الجدب و لذلک خُصّ بالنافع منه فلایقال غیث لکل مطر(2). و هو کذلک في الإستعمال القرآنيّ لأنّه یستخدم المطر دائماً في سیاق العقاب نحو قوله تعالی : « وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمين(3)» و قوله : «وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرين»(4)

ص: 14


1- یوسف 88 92
2- روح المعاني 13/39 معجم الفروق اللغویة 391
3- الأعراف : 84
4- النمل : 58

و«وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرين»(1) و«فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُود»(2) بینما یستعمل الغیث في النافع المنزّل في وقته منقذاً للناس أو النبات من الظمأ و الیُبس نحو قوله تعالی :«إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْري نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْري نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَليمٌ خَبير»(3) و«وَ هُوَ الَّذي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَميد»(4).

الفرق بین «الضلال» و «الضلالة»

کلاهما في اللغة مصدران لِ«ضلّ یَضِلّ». قال الراغب بعد قوله : الضلال: العدول عن الطریق المستقیم عمداً کان أو سهواً ، قلیلاً کان أو کثیراً. قال صحّ أنْ یستعمل لفظ الضلال ممّن یکون منه خطأ مّا و لذلک نُسب الضلال إلی الأنبیاء و إلی الکفّار و إنْ کان بین الضلالین بَونٌ بعید.(5)

لکن یکون في الإستعمال القرآني بینهما فرق لطیف یکشف عنه قوله تعالی :« قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّالَنَراكَ في ضَلالٍ مُبين قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بي ضَلالَةٌ وَ لكِنِّي رَسولٌ

ص: 15


1- الشعراء : 173
2- هود : 82
3- لقمان : 34
4- الشورى : 28
5- المفردات 392

منْ رَبِّ الْعالَمين(1)» حیث قال علیه السلام :« لَیسَ بي ضَلالَة» و لم یقل:« ضلال» و ذلک لأنّ الضلالة ادنی من الضلال و اقلّ لانّها لاتطلق الّا علی الفعلة الواحدة منه. و أمّا الضلال فیطلق علی القلیل و الکثیر من جنسه و نفي الأدنی أبلغ من نفي الأعلی(2).

الفرق بین «الحیاة» و« الحیوان»

قال الفیّومي : قیل : الحَیَوان الحیاة التي لا یُعقبُها الموت و قیل : هي مبالغةٌ في الحیاة کما قیل للموت الکثیر مَوَتان. و قد جمعا في قوله تعالی :« وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُون(3)» قال الزمخشري في تفسیره : و في بناء الحیوان زیادة معنی لیس في بناء الحیاة و هي ما في بناء فَعَلان من معنی الحرکة و الإضطراب ، کالنَزَوان و النغصان و اللهَبَان و ما أشبه ذلک و الحیاة حرکة کما أنَّ الموت سکون فمجیئه علی بناء دالّ علی معنی الحرکة مبالغة في معنی الحیاة و لذلک اختیرت علی الحیاة في هذا الموضع المقتضي للمبالغة.(4)

الثاني : ما یتعلَّق بالحروف و معانیها و مواقعها من حروف الجر و حروف العطف و لکثرة دورهما و أسرارهما و لطائفهما الکثیرة نبحث فیهما بعض قلیل لیتبیّن اجمالاً

ص: 16


1- الأعراف : 60 61
2- الکشّاف 2/113
3- العنكبوت : 64
4- الکشّاف ج3/463

أنّ ما في أیدي التلامیذ من الکتب التي تفرّدت بالبحث في دراسة حروف المعاني مع عدم کشف أسرار هذه المعاني في مواقعها من سیاقها ، جعلت التلامیذ في حیرة و بُهت من مواقعها فضلاً عن بیان أسرارها اللطیفة ، فنبحث من بعض حروف الجر و معانیها و ثانیاً من حروف العطف کذلک.

النوع الثاني : ما یتعلّق بالحروف و معانیها
اشارة

من حروف الجرّ و حروف العطف و غیرهما ممّا له حظّ عظیم لمعرفة المراد.

الاول: حروف الجرّ

و أعلم أنّه اختلف المذاهب فیها بین القول بنیابة الحروف و تضمین الفعل و بقائها علی معناها الأصلي.

و البحث عن تحدید کلّ من المذاهب و تفصیلها یبقی لمجال آخر لکنّ الذي یَهُمّنا أنْ نذکر أمثلةً تبییناً للبحث و تنویراً للأذهان.

منها قوله تعالی :« وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ(1)» فَقیل « عن » بمعنی الإستعلاء(2) و قیل « بخل » ضمّن معنی « الإمساک(3)».

و في الآیة یُدعی قوم إلی الإنفاق في طاعة الله : فمنهم مَن یبخل بما فُرِض علیه من الزکاة فقال الله تعالی :« وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ » لا علی نفسه إشارةً إلی أنّ مُعطي المال أحوج إلیه من الفقیر الآخذ فبخله بخل عن نفسه لأنّه لیس للإنسان من ماله إلّا ما تَصَدَّق فأبقی فإنَّ« ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللهباقٍ(4)» و

ص: 17


1- محمّد : 38
2- مغنی اللبیب 1/147 همع الهوامع 2/287
3- الکشّاف 3/539 البحر المحیط 8/86
4- النحل: 96

هم بذلک یمنعون الخیر عن أنفسهم قبل أنْ یمنعونَهُ عن غیرهم و لیس لذلک إلّا حرف المجاوزه بما یشیر إلیه من مجاوزة الخیر لهم و فواته عنهم.

ومنها قوله تعالی :« إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصيرا(1)» قیل(2) : « في » بمعنی« إلی » و قیل « هاجر(3)» یَتَضمَّنُ معنی « ضَرَبَ » أو « ساحَ » المتعدیین بِ«في»، لکنّ الذي یظهر خلاف القولین لأنّهم لیسوا خارج ارض الله حتّی یطالبون بالهجرة إلیها فلا تکون « في» بمعنی « إلی» کما لا یحتاج إلی تضمین الفعل لأنّه لیس مرادُ الآیة مجرد الإنتقال من مکان و الوصول إلی آخر بل المراد والله أعلم » أنّ أرض الله واسعة « وَ مَنْ يُهاجِرْ في سَبيلِ الله يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَ سَعَةً(4)» فعلیهم أنْ یهاجروا إلی مکان لم یکونوا عُرضةً للوقوع في ید عدوّهم المتعقّب لهم و یأمنون فیه علی إظهار دینهم و یمارسون فیه شعائرهم و لیس لذلک إلّا حرف الظرفیة بما فیه من الإستقرار و التمکّن المقصود في الآیة.

ص: 18


1- النساء : 97
2- التبیان في تفسیر القرآن 3/303 التحریر و التنویر4/233
3- التضمین النحوي 646
4- النساء : 100

و منها قوله تعالی :« وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتي جَعَلَ الله لَكُمْ قِياماً وَ ارْزُقُوهُمْ فيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفا(1)» فَقیل(2) :« في » بمعنی « من » و قیل(3) :ضُمّن « رزق » معنی « اتّجر».

قال الفخر الرازي : إنّما قال :« فیها » و لم یقل : «منها» لئلّا یکون ذلک أمراً بأنْ یجعلوا بعض أموالهم رزقاً لهم، بل أمرهم أنْ یجعلوا أموالهم مکاناً لرزقهم بأنْ یتّجروا فیها و یثمروها فیجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال(4). فلا یعطي ذلک کلمة « من » لدلالتها علی التبعیض المنافي للمراد و لا یکون الفعل متضمّناً معنی « اتّجر» لانّ کسب الرزق لاینحصر في التجارة کما لایخفی. ولذلک قال الله تبارک وتعالی في نفس السورة :« وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَ الْمَساكينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفا(5)» و قال :« منه » و لم یقل :« فیه » لما فیها من التبعیض المقصود في الآیة .

و منها قوله تعالی :« وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ الله مَنْ آمَنَ بِهِ وَ تَبْغُونَها عِوَجاً(6)» قال الشیخ رحمه الله : یجوز فیه تعاقب حروف

ص: 19


1- النساء : 5
2- روح المعاني 2/420
3- التضمین النحوي 357
4- مفاتیح الغیب 9/496
5- النساء : 8
6- الأعراف : 86

الإضافة بأنْ یقول : «علی کلّ صراط» و «في کلّ صراطٍ » لأنّ الباء للإلصاق و هو قد لاصق المکان و « علی » للإستعلاء و هو قد علی المکان و « في » للمحلّ و هو قد حلّ المکان(1).

و قیل : « قعد » متضمّن معنی « تربّص » أو نحوه ممّا یتعدّی بالباء(2).

لکنّ الظاهر أنّ الباء علی معناها بما فیها من الملاصقة و الملازمة للصراط و لما فیها من المبالغة في حرصهم علی منع الهدی عن الناس بإلتصاقهم و عدم مفارقتهم له، و لایفي بذلک حرف الإستعلاء علی أنّ المُستعلي قد یعلی و لایلتصق و لایفعل بالمباشرة الّتي تعطی الباء و لا حرف الظرفیة لأنّها بما فیها من الحیلولة و الإستقرار في أعماق الشئ لایناسب بالمقام. والقول بالتضمین فیه لیس بشئ لأنَّ معنی التربّص ما یعطیه لنا السیاق لا تعدیته بالباء ألا تری إنْ قیل:« قعد بالصراط- » لا یفهم منه إلّا التصاقه به من دون تربّص أو ترصّد؟!

و منها قوله تعالی :« إِذْ قالَ لِأَبيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثيلُ الَّتي أَنْتُمْ لَها عاكِفُون(3)»

قیل(4) : یجوز أنْ تکون « اللام» بمعنی « علی » و قیل(5) : ضمّن « عاکفون » معنی« فاعلون » أو « واقعون».

ص: 20


1- التبیان 4/463
2- التضمین النحوي547
3- الأنبياء : 52
4- روح المعاني 9/57
5- الکشّاف3/121

ولکنّ الموافق للسیاق « اللام » لا غیر لأنّ الظاهر أنّ أبیه و قومه علیه السلام لم یکتفوا بعبادتها و انّما یُخلصون و یختصّون العبادة لها و یصدّون و یمنعون بعبادة غیرها و لیس لذلک إلّا « اللام » بما فیها من معنی الإختصاص و الإمتناع عن الغیر المؤکّد بالتقدیم و یشعر به مجیُ اللام بعدها « قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدين (1)».

و عُدِّیَ « العکوف » بِ« علی » في قوله تعالی :« وَ جاوَزْنا بِبَني إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون(2)»

لأنّ الغرض مجرّد مواظبتهم و إنکبابهم علی عبادتها و ملازمتهم ایّاها من دون التّرصد لمن یسیئُ إلیها و یعبد معها غیرها کما یشعر إلیه بقولهم « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ » لأنّهم من قوم موسی علیه السلام و هم مع عبادتهم إله موسی علیه السلام یطلبون منه علیه السلام أنْ یجعل لهم الهاً کما لهم آلهةً لِیقرّبوهم إلیه زلفی.

الثانی: حروف العطف

وأعلم أنّها من الأدوات التي یرمز بها في القرآن الحکیم إلی أسرار و لطائف لو علمنا بمواقعها کفی بنا أنْ نخضع لها و نعترف بکونه إعجازاً کبیراً و لو لم یکن فیه غیرها.

فلنذکر انموذج لِتبیّن ما نحن بصدده:

تقدیم : .

ص: 21


1- الأنبياء : 53
2- الأعراف : 138

و لایخفی علیک انّ « الفاء » و « ثُمّ » من حروف العطف و لهما جهة إشتراک و هو الترتیب بین المعطوف و المعطوف علیه و جهة افتراق و هو انّ الثانیة تقتضي المهلة والتراخي بخلاف الأُولی الّتي تقتضي التعقیب ، لکن نجد في القرآن الحکیم آیات خالفت الترتیب مرّة و التعقیب أو التراخي مرّة اُخری و هذه المخالفة تجعل بعض الناس في حیرة في وجهها و تُلزمهم بالقول بنیابة أحدهما للآخر. فنذکر بعضها لِیتبیّن الوجه فیها بعون الله تبارک و تعالی.

منها قوله تعالی :« أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْبا(1)» فإن قلت : قوله « فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها » مسبّب عن خوف الغصب علیها فکان حقّه أنْ یتأخّر عن السبب فلِمَ قدّم علیه ؟

اجیب عنه : و لعلّ تفریع إرادة تعییب السفینة علی مسکنة أصحابها قبل بیان خوف الغصب مع أنّ مدارها کلا الأمرین ، للإعتناء بشأنها إذ هي محتاجة إلی التأویل لأنّ کون السفینة لمساکین ممّا یزید السامع تعجّباً في الإقدام علی خرقها و للإیذان بأنّ الأقوی في المداریّة هو الأمر الأوّل ، لذلک لا یبالي بتخلیص سفن سائر الناس مع تحقق خوف الغصب في حقّهم أیضاً.(2)

ص: 22


1- الكهف : 79
2- تفسیر أبی السعود 5/228

و منها قوله تعالی:« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم(1)» القیام بعد غسل الوجه فالمعنی إذا أردتم القیام کقوله تعالی :« فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيم (2)» عبّر عن إرادة الفعل المسبّب عنها للإیجاز و للتنبیه علی أنّ مَن أراد العبادة ینبغي أنْ یبادر إلیها بحیث لا ینفکّ الفعل عن الإرادة و لیس منه قوله تعالی :« وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُون(3)» و إنْ کان مجیُ البأس سابقاً علی الإهلاک لکن لایجوز أنْ یُؤوّل الفعل بالإرادة و إنْ یُؤوّله بعض النحاة(4) و وجه المنع هنا أنّ إرادة الفعل من الله تنجیز له ، فإذا تَعَلَّقت إرادته تعالی بالشیء علی سبیل الإیجاد وقع مساوقاً للإرادة من دون تأخیر.

و أحسن ما قیل في توجیهه قولان :

الاوّل : ما ذهب إلیه الرضي حیث قال : هذا من باب عطف تفصیل علی المجمل ، لأنّ تبییت البأس تفصیلٌ للإهلاک المجمل(5).

ص: 23


1- المائدة : 6
2- النحل : 98
3- الأعراف : 4
4- أوضح المسالک 3/321
5- شرح الرضي علی الکافیه 4/385

و الثاني : ما ذهب إلیه الشهاب قال : فالصواب أنْ یقال معناه خلقنا في أهلها الفسق و المخالفة.(1) و یؤیّده قوله تعالی :« وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفيها فَفَسَقُوا فيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْميرا(2)».

و أمّا التعقیب و التراخي قد یکون بإعتبار الزمن نفسه و قد یکون بإعتبار المتزمّن و حاله و حینئذ یکون معیار الزمن في التعقیب ، بالإحساس و تقدّر لحظاته بنبضات القلب و خفقات الشعور لا بحرکات العقارب و إمتداد الظلّ و إنحساره . ألا تری إلی قوله تعالی :« أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم (3)» حیث عبّر الله تعالی عن حقیقة الزمن بحرف التراخي لطول ما بین الإماتة و البعث و عبّر العزیر عن إحساسه بالزمن و کان صادقاً حین قال « قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم » و قوله تعالی حکایة عن أصحاب الکهف :« قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ (4)» و قد لبثوا في کهفهم ثلاثمأة و تسع سنین.

فهناک فرق بین حقیقة الزمن و الإحساس به فقد یکون الزمن طویلاً في نظر شخص و قصیراً في عین آخر و هو في حقیقته زمن واحدٌ لم یتغیّر.

ص: 24


1- حاشیة الشهاب علی تفسیر البیضاوي4/149
2- الإسراء : 16
3- البقرة : 259
4- الكهف : 19

إذا علمت ذلک تبیّن لک سرّ إتیان « الفاء » في قوله تعالی :« وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمين فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حين(1)» حیث عطف الإزلال و الإخراج علی نهي الله آدم و زوجه عن قرب الشجرة بالفاء بینما بینهم زمن طویل، أدّی إلی نسیان آدم ما أوصاه الله به علی ما جاء في قوله تعالی :« وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما(2)» و السرُّ فیه مع انّ الفاء یصوّر آدم في صورة مَن أسرع إلی الإستجابة لإغواء الشیطان و لم یطل به زمن التردّد و الصدود عمّا دعاه إلیه إیذاناً بکثرة لومه في مقام العقاب هو أنّ الزمن الطویل بالنسبة إلی ما کان یَتَمنّاه آدم علیه السلام من طول الإقامة في الجنّة و إلی إحساسه بالسعادة و النعیم فیها زمن قصیر.

فما یمرّ علی الإنسان في ساعات الأنس و السعادة یَعدُّ قصیراً و إنْ طال بحسب العقارب و ما یمرّ علیه في ساعات الهموم و آلام الوحشة و الإغتراب یَعدّ طویلاً و إنْ قصر بحسب العقارب . تامّل في قوله تعالی :« مِمَّا خَطيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ الله أَنْصارا(3)» حیث عبّر بالفاء مع أنّ ما بین الغرق

ص: 25


1- البقرة : 35 36
2- طه : 115
3- نوح : 25

وإدخالهم النار زمن طویل و لیس هذا إلّا لأنّه بالنسبة إلی ما سیلاقونه في عذاب جهنّم لایدخل في عداد الزمن حتّی أنّهم لَیَتَمَنّون ألّا تقوم قیامتهم و لذا قال الآلوسي : فکأنّه شبّه تخلّل ما لایعتدّ به بعدم تخلّل شیء أصلاً.(1)

و أمّا التراخي فقد یکون بحسب الزمن کقوله تعالی :« فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَه(2)».

و أمّا قوله تعالی :«وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَميعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُون ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَ الله رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكين (3)» فإن قلت : إنّ الجواب من شأنه أنْ یعقب السؤال لا أنْ یتأخر عنه خصوصاً إذا کان السائل هو الله العظیم فناسب أنْ یقترن الجواب بالفاء لا بِ« ثمّ » فما السرّ؟

یقال في سرّه :إنّهم لمّا عاینوا هول ذلک الیوم و تجلّی الملک الجبّار جلّ جلاله علیهم بصفة الجلال کما تنبئ عنه الجملة السابقة حاروا و دهشوا فلم یستطیعوا الجواب إلّا بعد زمان.(4)

و کذلک قوله تعالی : « وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيم»

ص: 26


1- روح المعاني 15/89
2- بقرة /259
3- الأنعام : 22
4- روح المعاني 4/117

(1) ، لانّ الزمن الذي مرّ علیهم بشدة آلامهم الروحیّة و دوام الغمّ فیه ، ضاق علیهم الأرض بما رحبت و ضاقت علیهم أنفسهم فیه ، فناسب الإتیان بِ« ثمّ » و إن کان قلیلاً بحسب العقارب .

و قد یکون بحسب الرتبة نحو قوله تعالی :« هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليم(2)» فإنّ خلق السماء متقدّم علی خلق ما في الأرض المتأخر عن دَحوها لقوله تعالی :« أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها(3)». والسرّ فیه ما قال الزمخشري: ثمّ، ههنا لما بین الخلقین من التفاوت و فضل خلق السموات علی خلق الأرض لا للتراخي في الوقت(4).

و قال أیضاً في قوله تعالی :« فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَة وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَة فَكُّ رَقَبَةأَوْ إِطْعامٌ في يَوْمٍ ذي مَسْغَبَة يَتيماً ذا مَقْرَبَة أَوْ مِسْكيناً ذا مَتْرَبَة ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذينَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَة(5)» جاء بِ« ثمّ » لتراخي الإیمان و

ص: 27


1- التوبة : 118
2- البقرة : 29
3- النازعات : 27 30
4- الکشّاف 1/123
5- البلد : 11 17

تباعده في الرتبة و الفضیلة عن العتق و الصدقة لا في الوقت لأنّ الإیمان هو السابق المقدّم علی غیره و لا یثبت عمل صالح إلّا به.(1)

و نحو قوله تعالی :« إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون(2)» جاء بِ« ثمّ » للتّراخي بین الرتبتین و ذلک لأنّ تکونیه بأمر« کُن» أرفع رتبةً من خلقه من تراب و هو في تصّور العقل أسبق في الوجود لأنّ الخلق مترتّب علی أمر التکوین و إنْ کانا في الحقیقة یقعان في آنٍ فإذا کان خلق آدم من تراب عظیماً ، فإنّ أعظم منه أنْ یوجد هذا الخلق العظیم بالکمة لا بالمعالجة و الصناعة ، و غیر ذلک من الآیات.

وقد تأتي « ثمّ » للإستبعاد علی ما قال الزمخشري في قوله تعالی :« وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمينَ مُنْتَقِمُون(3)» : « ثمّ » للإستعباد و المعنی : إنّ الإعراض عن مثل آیات الله في وضوحها و إنارتها و إرشادها إلی سواء السبیل و الفوز بالسعادة العظمی بعد التذکیر بها ، مستبعد في العقل و العدل.(4)

ص: 28


1- الکشّاف 4/757
2- آل عمران : 59
3- السجدة : 22
4- الکشّاف 3/515

فعلیه حُمِلَ قوله تعالی :« قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ الله يَأْتيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُون(1)» و قوله تعالی :« أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبين ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُون(2)».

ثمّ الإستعباد غیر التراخي و التباعد الرتبي السابق ذکره آنفاً لأنّ الأوّل إذا کان بین معطوفیها تنافٍ و کان مابعدها مستبعد الوقوع بالنسبة إلی ما قبلها ، بینما الثاني إذا کانا من جنس واحد ولکن ما بعدها أعلی مرتبةً في هذا الجنس و أبلغ ممّا قبلها فلیس بینهما تنافٍ کما في الإستبعاد . و الأمثلة مرّت.

ص: 29


1- الأنعام : 46
2- الدخان : 13

الأصل الثاني : معرفة المتکلّم و المتکلّم عنه و المخاطب :

تلک من الأمور التي لها أعظم درجة في الکشف عن الأسرار و اللطائف في الذکر الحکیم خصوصاً المتشابهة منها :

و من مواردها قوله تعالی :« وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ في ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظيم(1)» وقوله تعالی :« وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ في ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظيم (2)» حیث جاء في سورة البقرة « یذبحّون » بدون « الواو » و فی إبراهیم علیه السلام« و یذبحّون » مع « الواو » .

و ذلک لانّ المتکلّمین فیهما مختلفان فاختلف التعبیر و منشأ ذلک انّ موسی علیه السلام في سورة إبراهیم علیه السلام مأمور من الله أنْ ذکّر قومه بِأیّام الله « وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله(3) » و جاء الأمر بالتفعیل الذي یقتضي التکثیر المناسب لذکر« الواو» لأنّ(4) المعنی حینئذ أنّهم یعذّبونهم بغیر التذبیح و بالتذبیح أیضاً فقوله « وَ يُذَبِّحُونَ » نوع آخر من العذاب لا أنّه تفسیر لما قبله .

ص: 30


1- البقرة : 49
2- إبراهيم : 6
3- إبراهيم : 5
4- مفاتیح الغیب 19/66

و منها قوله تعالی :« وَ راوَدَتْهُ الَّتي هُوَ في بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ(1) » و قوله تعالی :« امْرَأَتُ الْعَزيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ(2) » و ذلک لأنّ الأُولی قوله تعالی في یوسف علیه السلام بینما الثانیة من قول نسوة المدینة و في ذلک ما لیس في قولهنّ من بیان العصمة في یوسف لأنّه علیه السلام کان في بیت إمرأة العزیز مبرّزةً له محاسنها و هي الّتي لا کلمة لأحد أمام کلمتها حتّی العزیز کما یدلّ علیه إضافة البیت إلی ضمیرها لا الی ضمیره و هو علیه السلام مع ذلک کلّه عصاها و قال : معاذ الله .

و أمّا قول النسوة فَلِبیان تحقیر إمرأت العزیز و لومها بأنّها مع مکانتها العظیمة لکونها إمرأت عزیز مصر تراود فتیً مملوک لها عن نفسه فانّها فعلت شیئاً نُکرا . فکلّ متکلّم بیّن ما اراده بترکیب لا یسدّ مسدّه الآخر.

و منها قوله تعالی في قصّة نوح و هود و شعیب علیهم السلام :« أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي(3) » و في قصّة صالح علیه السلام :« فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي(4)» و ذلک لأنّ قصّة نوح و هود و شعیب علیهم السلام تَضَمّنَت أنواعاً من التبلیغات و إنْ لم یذکر هنا مع طول مدة نوح فجمع لذلک، و قصّة صالح لیس کذلک فأُفرد. و یحمتل وقوعه في إبتداء رسالته علیه السلام بخلافهم ، فلمّا اختلف المتکلّم إختلف اللفظ.

ص: 31


1- يوسف : 23
2- يوسف : 30
3- الأعراف : 62 – 68 93
4- الأعراف : 79

و منها قوله تعالی :« وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا(1)» و قوله تعالی :« وَ بَرًّا بِوالِدَتي وَلَمْ يَجْعَلْني جَبَّاراً شَقِيًّا(2)» و الأوّل من الله تعالی و الثاني من عیسی علیه السلام . قال ابن جماعة : و الثّاني إخبار عیسی علیه السلام عن نفسه فناسب عدم التزکیه لنفسه بنفي المعصیة أدباً مع الله تعالی ، قال « شقیاً » أی بعقوق أمّي أو بعیداً من الخیر(3).

منها قوله تعالی :« وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذِهِ أَبَدا وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَبا(4) » و قوله تعالی :« لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوط وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى(5)» فقال في الأول «رددت » و في الثاني «رجعت ».

و الفرق بینهما : انّه یجوز أنْ ترجعه من غیر کراهة له قال الله تعالی :« فَإِنْ رَجَعَكَ الله إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ(6)» و لایجوز أنْ تردّه إلّا إذا کرهت حاله(7). و مِن ثمّ قال

ص: 32


1- مريم : 14
2- مريم : 32
3- کشف المعاني 1/247
4- الكهف : 35 36
5- فصلت : 49 – 50
6- التوبة : 83
7- معجم الفروق اللغویّة 241

ابن جماعة في وجه الإختلاف : فلمّا کان صاحب آیة الکهف وَصَفَ جنتَه بغایة المراد بالجنان ، کانت مفارفتُهُ لها أشدّ علی النفس من مفارقة صاحب آیة فصّلت لما کانت فیه لانّه لم یبالغ في وصف ما کان فیه کما بالغ صاحب آیة الکهف فناسب ذلک لفظ الرد هنا ، و لفظ الرجوع ثمّة.(1)

فلمّا إختلف المتکلّم بما له من حاله إختلف التعبیر.

و منها قوله تعالی :« وَ سيقَ الَّذينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرينَ(2)» و قوله تعالی بعده :« وَ سيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدين(3)» حیث جاء فعل فتح الأبواب مجرداً من الواو في الآیة الأُولی مقترناً بها في الثانیة ، و ذلک بأنّ الآیة الأُولی في وصف أهل جهنّم و لم تجیء الواو مع جواب الشرط بینما الثانیة في وصف أهل الجنّة و المتّقین و جاءت الواو إشعاراًعلی انّ الجواب محذوف

ص: 33


1- کشف المعاني 1/239
2- الزمر : 71
3- الزمر : 73

للإیذان بإنّ ما أعدّ لهولاء المتّقین من الوان النعیم هو ممّا لایحیط به الوصف و لا یحدق به التعبیر کما أشار إلیه الزمخشري(1).

فلمّا اختلف المتکلّم عنه اختلف التعبیر فأین هذا من قول بعض النّحاة(2) : هي واو دخولها کخروجها و هي الزائدة ؟!

و منها قوله تعالی :« مِنَ الَّذينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ(3)» و في موضع آخر« يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ (4)» و قوله « يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ (5)» قال في المغني : الخامس مرادفة «بعد» نحو :« يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ » بدلیل انّ في مکان آخر « مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ(6)».و لیس بشیء لأنّه لمّا جاءت الآیة الأولی في طائفة من الیهود زمن حیاته صلّی الله علیه و آله و سلّم الذین یحرّفون بعض الکلم کراعنا عن مواضعه لیّاً بألسنتهم و طعناً في الدّین ناسب ذلک حرف المجاوزة الدالّة علی تجاوزهم الکلم بتحریفه لئلّا یستقر في موضعه من المعنی و لم یکن المراد به تبدیل الأحکام کما کان في الآیة الثالثة لأنّها في طائفة یحرّفون أحکام الله و یبدّلون ما ثبت في التوراة کآیة الرجم علی ما قیل و

ص: 34


1- الکشّاف4/147
2- مغنی اللبیب 2/ 362
3- النساء : 46
4- المائدة : 13
5- المائدة : 41
6- مغنی اللبیب 1/148

نحوها و لذلک جاء الظرف « بعد » لتدلّ علی أنّ التبدیل کان بعد وضعه في موقعه کما تدلّ «من »الإبتدائیّة علی إسرائهم في تغییر ما إستقرّ علیه من نصوص التوراة بمجرّد أنْ علموا ببعثة نبیّنا محمّد صلّی الله علیه و آله و سلّم .

و أمّا الثانیة في طائفة من الیهود زَمن حیاة نبیّهم موسی علیه السلام الذین یفعلون بمثل ما فعل الطائفة الّتي في الآیة الأولی من التجاوز نحو تحریفهم کلمة « حطّة » إلی « حنطة » علی ما قیل.

هذا و قد یکون إختلاف اللفظ من جهة اختلاف حال المتکلّم عنه لا بإختلافه ، کما في قوله تعالی :« وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفينَ ما كانُوا يَعْمَلُون(1)» حیث جاءت لفظ « الضّر » في صدر الآیة معرّفة بلام التعریف ثمّ بالإضافة ثمّ عدل عنه إلی تنکیرها بحذف اللام و ذلک بأنّ المتکلّم عنه و إن کان واحداً و هو الإنسان لکنّ الآیة مسوقة لإبراز المفارقة بین حال الإنسان وقت الشدّة وحاله بعد زوالها،فإذا مسّه الضّر أقبل علی التضرّع و الدعاء في جمیع أحواله متذّکرا إلی الضّر منیباً إلی الله طالباً منه إزالة تلک المحنة و تبدیلها بالمنحة ، فإذا کشف تعالی عنه ذلک بالعافیة أعرض عن الشکر ولم یتذکّر ذلک الضرّ ولم یعرف قدر الأنعام و صار بمنزلة مَن لم یدع تعالی لکشف ضرّه فبملاحظة حالة تذکیره للضرّ جاءت معرفة و بملاحظة حالة عدم تذکّره و إعراضه جاءت نکرة .

ص: 35


1- يونس : 12

و منها قوله تعالی :« هُوَ الَّذي أَخْرَجَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ(1)» حیث تسلّط فعل الظنّ اوّلاّ ب«أن» الناصبة و ثانیاً بِ«أنّ» المشدّدة و ذلک لأنّ الأوّل ظنّ المؤمنین و الثاني ظنّ الیهود ، قال ابوحیّان : و لمّا کان ظنّ المؤمنین منفیّاً هنا اجري مُجری نفی الرجاء و الطمع فتسلّط علی« أن » الناصبة للفعل کما یتسلّط الرجاء و الطمع(2). و لمّا کان ظنّ الیهود قویّاً جدّاً یکاد أن یلحق بالعلم تسلّط علی « أنّ» المشدّدة و هي التي یصحبها غالباً فعل التحقیق(3).

و منها قوله تعالی :« يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ(4)» و قوله تعالی :« يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ(5)» حیث جاءت بِ« مِن » بینما جاء قوله تعالی :« قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ الله غَفُورٌ رَحيم (6)» و قوله :« تُؤْمِنُونَ بِالله وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ في سَبيلِ الله بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (7)» مجرّدین منها . فقد ذهب إلی زیادة

ص: 36


1- الحشر : 2
2- کما في قوله تعالی : « وَ الَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي » الشعراء : 82
3- البحر المحیط 10 / 138
4- إبراهيم : 10
5- الأحقاف : 31 نوح : 4
6- آل عمران : 31
7- الصف : 11 12

«مِن» جمع من النّحاة منهم إبن مالک ، قال: لصحّة السماع بذلک کقوله تعالی :« يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ»(1). لکنّ الوجه ما قال الزمخشري فإنّه قال : فإنْ قلت : ما معنی التبعیض في قوله : من ذنوبکم ؟ قلت ما علمتُه جاء هکذا إلّا في خطاب الکافرین بقوله :« أَنِ اعْبُدُوا الله وَ اتَّقُوهُ وَ أَطيعُون يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ الله إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون(2)» و قال في خطاب المؤمنین:« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَليم (3)» إلی أنْ قال « يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » و غیر ذلک ممّا یقفک علیه الإستقراء(4). فلمّا کان المخاطب أهل الکفر جاء الذنوب مقترناً بِ« مِن» بینما جاء مجرداً منها حیث کان المخاطب أهل الإیمان ، للتفرقة بین الخطابین بالتصریح بمغفرة الکلّ في حقّ المؤمنین و إبقاء البعض في حقّ الکفرة مسکوتاً عنه لئلّا یتّکلوا علی مجرّد الإیمان .

و منها قوله تعالی :« وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ(5)» و قوله تعالی :« وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ(6)» حیث قدّم

ص: 37


1- شرح التسهیل 3/9
2- نوح 3 4
3- الصف : 10
4- الکشّاف 2/543
5- الأنعام : 151
6- الإسراء : 31

ضمیر المخاطبین في آیة الأنعام علی عکس ما وقع في آیة الإسراء و ذلک بأنّ المخاطب في آیة الأنعام من ابتلي بالفقر کما دلّت علیه کلمة « مِن » الإبتدائیة بما فیها من الدلالة علی انّ الفقر الواقع بهم کان منشأ إقدامهم علی قتل أولادهم و لو کان قلیلاً خوف أنْ یکون التضییق علیهم شدیداً فکان رزقهم عندهم أهمّ من رزق اولادهم فتقدیم الوعد برزقهم علی الوعد برزق اولادهم أحقّ إیذاناً بضمانه وقدرته تعالی علی أنْ یرفع و یبدّل الفقر الواقع بهم حتّی یزول عنهم خوف الشّدة . و أمّا آیة الإسراء فالمخاطب فیها مَن لافقر له ولکنّه یخشی الفقر فالمناسب تقدیم ضمیر الغائبین للإیذان بأنّ رزق الأولاد قبل رزقهم و أنّ الله یدفع بهم عسرهم من الفقر و یبسط أبواب الرزق أمامهم حتّی تزول عنهم خشیّة إملاق .

و منها قوله تعالی :« وَ إِذْ أَخَذْنا ميثاقَ بَني إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى(1)»وقوله تعالی :«وَ اعْبُدُوا الله وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى(2)».

قال ابوحیّان : و اعادة الباء تدلّ علی التوکید و المبالغة ، فبولغ في هذه الآیة و لم یبالغ في حقّ تلک، لأنّها في حقّ بني اسرائیل و الإعتناء بهذه الأُمّة أکثر من الإعتناء بغیرها إذ هي خیر امّة اخرجت للنّاس(3).

ص: 38


1- البقرة : 83
2- النساء : 36
3- البحر المحیط 3/631

الأصل الثالث : المناسبة بین سیاق الآیة و ما یتّخذ فیها من الألفاظ .

لقد کان القرآن دقیقاً في إختیار الفاظه و انتقاء کلماته فإذا اختار لفظاً مفرداً في موضع أو مجموعاً في موضع آخر أو معرفة أو نکرة أو مذکراً أو مؤنّثاً کذلک أو التعبیر في موضع بلفظٍ و في موضع آخر بلفظ آخر متقارباً له في المعنی فکلّ ذلک لمناسبة یطلبها سیاق الآیة و ربّما یتخطّی في التعبیر قواعد صناعیّة صرفة لغرض اسمی و هو الحسن المعنوي و المناسبة المعنویّة للسیاق و هکذا دائماً : لکل مقام مقال في التعبیر القرآني :

من موارده إستخدام لفظتي«البحر» و« الیمّ » في أُسلوبِ و سیاقهما الخاصّ حیث وردت الأولی في ثلاثة و ثلاثین موطناً من القرآن الحکیم نجدها في أغلب إستعمالاتها تواردت مع ألفاظ من مواد « الإنجاء الصید التکریم المتاع الإهتدا النعمة » التي تدور حول تذکیر الإنسان ممّا أعطاه الله و حلّله و یسّره من النعم و من ذلک قوله تعالی :« وَ هُوَ الَّذي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا(1)» و « رَبُّكُمُ الَّذي يُزْجي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحيما(2)» و « وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ(3)» و « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله(4)» و أمّا لفظة الیمّ فقد وردت ثماني مرّات في

ص: 39


1- النحل : 14
2- الإسراء : 66
3- الإسراء : 70
4- لقمان : 31

الذکر الحکیم کلّها في سیاق قصّة موسی علیه السلام و کان الیمّ في خمس منها أداة نقمة و وسیلة هلاک نحو قوله تعالی :« فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ (1)» و « فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلين (2)».

و أمّا الثلاثة الأخری فقد وردت في خطاب أمّ موسی علیهما السلام في آیتین هما قوله تعالی :« أَنِ اقْذِفيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ(3)» و قوله تعالی :« وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافي وَ لا تَحْزَني إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلين(4)»حیث ورد في سیاق النجاة اللفظ المستعمل عادةً في الإهلاک. والسرُّ فیه والله أعلم أنَّ الله یرمز بهذا إلی معجزة إختصّ بها موسی علیه السلام و هي أنْ تتعلّق إرادته سبحانه علی أنْ یصیر الیمّ المُهلک في العادة له علیه السلام بحراً منعماً و وسیلة النجاة کما تتعلّق إرادتُه سبحانه علی أنْ تکون النّار التي من شأنها الإحراق لإبراهیم علیه السلام برداً و سلاماً .

و یدلّ علی ذلک أیضاً ما في قوله تعالی : « وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلاتَخْشى فَأَتْبَعَهُمْفِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُم » حیث أطلقت الیمّ في العذاب دون الرحمة.

ص: 40


1- القصص : 40
2- الأعراف : 136
3- طه : 39
4- القصص : 7

و منها قوله تعالی :« وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا(1)» فوحّد الخبر مع کون المسند الیه جمعاً فما السرّ ؟ قال الزمخشري : لإتفاق کلمتهم و انّهم کشئ واحد لفرط تضامهم و توافقها(2).

فأنت تری انّ الأُسلوبیّة اللفظیّة للقرآن بحیث کانت الألفاظ في خدمة المعنی الذي یقصده و لانری فیه جموداً بالقواعد الصناعیّة الصرفة التي اخترعها بعض النحاة من عند أنفسهم . و لذا تری إبن جنّی یقول في قوله تعالی :« ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً (3)» : و حسن لفظ الواحد هنا لأنّ هنا موضع تصغیر لشأن الإنسان و تحقیر لأمره فلاق به ذکر الواحد لذلک لقلّته عن الجماعة و لأنّ معناه ایضاً یخرج کلّ واحد منکم طفلاً ، ثمّ یقول : و هذا ممّا اذا سئل الناس یعني بعض النحاة عنه قالوا : وضع الواحد موضع الجماعة اتّساعاً في اللّغة و انسوا حفظ المعنی و مقابلة اللفظ به.(4)

و منها قوله تعالی :« وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنين (5)» فانّه ثنّى اوّلاً ، إذ كانموسى و هارون هما الرسولان المطاعان ، و يجب على بني إسرائيل طاعة كل منهما سواء ، و اذا تبوّءا البيوت لقومهما فهم تبع لهما ، ثمّ جمع الضمير فقال : « وَ

ص: 41


1- مريم : 81
2- الکشّاف 2/41
3- الحج : 5
4- المحتسب 2/267
5- يونس : 87

أَقيمُوا الصَّلاةَ »لأنّ إقامتها فرض على الجميع، ثمّ وحّده في قوله « وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنين » لانّ موسى هو الأصل في الرسالة و اخوه وزيراً، فكما كان الأصلَ في الرسالة فهو الأصل في البشارة.(1)

و من ذلک قوله تعالی :« يَحْلِفُونَ بِالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ الله وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنين(2)» حیث أفرد الضمیر و قد ذکر شیئان فعن سیبویه : أنّ التقدیر والله أحقّ أنْ یرضوه ثمّ حذف(3).ولیس هذا بالمرضي و هو و إنْ کان شافه العرب لکن شتّان ما بین مَن شافه العرب و ألَّفَ الکتاب و بینَ مَن ألِفَ الکتاب و عرف محاسنه، و مِن ثمّ قال الرضي : أی : یرضوا أحدهما لأنّ إرضاء أحدهما إرضاء للآخر(4) .و هذا الذي قاله الرضي هو محمل الباب في قوله تعالی : « وَ إِذا دُعُوا إِلَى الله وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَريقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُون(5)» و قوله تعالی :« إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنينَ إِذا دُعُوا إِلَى الله وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْناوَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون(6)» و کذا قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّ كَثيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ الله وَ

ص: 42


1- بدائع الفوائد 1316
2- التوبة : 62
3- اعراب القرآن للنحاس 2/125
4- شرح الرضي علی الکافیة 2/351
5- النور : 48
6- النور : 51

الَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها في سَبيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَليم (1)» حیث أفرد الضمیر لعدم الفرق بین هذه أو تاک في الحکم و أمّا التأنیث فلأنّ المذکورین أحدهما مذکّر و الآخر مؤنّث و المؤنّث دون المذکّر فانث الضمیر للإشعار بأنّهما کلیهما في نظره تعالی أدنی و أبخس فینبغي أنْ یکونا في نظرهم أیضاً کذلک و ینفقونها في سبیل الله حتّی لایحمون علیها الیوم في نار جهنّم فتکوى بها جِباهُهُمْ و جُنُوبُهُمْ و ظَهورُهم . و عُدل في قوله من بعد « هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُون(2)» من المؤنّث إلی المذکّر إشارة إلی ألاعلی منهما في نظرهم تحقیراً و إستهزاء لهم .

ومن ذلک قوله تعالی :« إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراط(3)» حیث خالفت کلمة خصمان ماقبلها من ضمائرالجمع في« دَخَلُوا مِنْهُمْ قالُوا » ویکشف عن السرّ في هذه المخالفة ، المناسبة المعنویّة بین السیاق و المختار من الألفاظ و السرّ و الله أعلم انّ المراد مِن فزعه علیه السلام لیس لأنّهمیسَوّروا المحراب و هذا یرمز إلیه بتعدیة الفزع بِ« مِن» لأنّ معنی فزعتُه : انّه هو نفسه خوفيٌّ بخلاف فزعتُ منه لأنّ معناه : انّه هو إبتداء فزعيٌّ بل لخوفه علیه السلام أنْ یضیعوا

ص: 43


1- التوبة : 34
2- التوبة : 35
3- ص : 22

علیه یومَ خلوته بالعبادة بالحکم بینهم لأنّه علیه السلام جزّأ زمانه یوماً للعبادة و یوماً للقضاء و یوماً للوعظ و یوماً للإشتغال بخاصّته و لمّا أدرک ذلک الخصمُ قالوا « خصمان » لِتطمینه علیه السلام من مواظبتهم علی عدم ضیاع یومه و أنّ الجماعة الحاضرین لیست کلّهم خُصوماً بل جاؤوا من أجل خصومة واحدة .

و منها قوله تعالی :« وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبيلِ الله وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظيم (1)» وحّدت«قدم» و نکّرت مخالفة بما قبلها و ما بعدها فما السرّ ؟ قال الزمخشري : لاستعظام ان تزلّ قدم واحدة عن طریق الحق بعد أن ثبتت علیه ، فکیف بأقدام کثیرة؟(2)

و منها قوله تعالی :« وَ ما كانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فيهِمْ وَ ما كانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُون (3)» فجاء اوّلاً بلام الجحود و المضارع حیث کان نفیاً لامر متوقّع و سبب مخوف في المستقبل ثمّ جاء بإسم الفاعل الذي لا یختصّ بزمان حیث أراد نفي وقوع العذاب بالمستغفرین علی العموم في الأحوال و مثله قوله تعالی :« وَ ماكانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ في أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ ما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَ أَهْلُها ظالِمُون (4)».

ص: 44


1- النحل : 94
2- الکشّاف 2/633
3- الأنفال : 33
4- القصص : 59

و منها قوله تعالی :« إِنَّ رَحْمَتَ الله قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنين(1) » حیث أخبر بالمذکّر عن المؤنّث و في توجیهه ذُکِر أقوال کثیرة لکن أرجهها و أحسنها و أقربها بما نحن فیه من المناسبة المعنویّة للألفاظ المختارة في الآیة ما قال ابن القیّم في تفسیره ، حیث قال : فَفِی حذف « التاء » هاهنا تنبیه علی أنّ الله تعالی قریب من المحسنین و ذلک یستلزم القربین قربه و قرب رحمته و لو قال انّ رحمة الله قریبةٌ من المحسنین لم یدلّ علی قربه تعالی منهم لأنّ قربه تعالی أخصّ من قرب رحمته و الأعمّ لایستلزم الأخصّ بخلاف قربه فإنّه لمّا کان أخصّ إستلزم الأعم و هو قرب رحمته.(2)

فهاهنا شیئان : الأوّل : «انّ الله قریبٌ من المحسنین » و الثّاني : «انّ رحمة الله قریبة من المحسنین» ، أشیر إلیهما بحذف التاء من الخبر.

و منها قوله تعالی :« وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحين(3)» و قوله :« وَ جاءَ مِنْأَقْصَا الْمَدينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلين (4)»

فقدّم في آیة القصص ما أخّر في الأخري. قال العلّامة رحمه الله : لعلّ النکتة في ذلک انّ الإهتمام في الآیة الأولی بمجئ الرجل و إخباره موسی بإئتمار الملاء لقتله فقدّم الرجل ثمّ أشیر إلی إهتمام الرجل

ص: 45


1- الأعراف : 56
2- تفسیر ابن القیّم 282
3- القصص : 20
4- يس : 20

نفسه بإیصال الخبر و إبلاغه فجیء بقوله « یسعی » حالاً مؤخّراً بخلاف الآیة الثانیّة فالإهتمام بمجیئه من أقصی المدینة لیعلم أنْ لاتواطئو بینه و بین الرجل في أمر الدعوة فقدّم « من أقصی المدینة » و أخّر الرجل و سعیه(1).

ص: 46


1- المیزان 17/75

الأصل الرابع : مناسبة الآیة لما قبلها

و أعلم أنّ الفاظ القرآن من حیث المعنی أو التقدیم و التأخیر أو غیرها من المناسبات المعنویّة و اللفظیّة قد تتناسق مع ألفاظِ ما سبقها من الآیة أو الآیات بحیث لایتجلّی لنا معناها أو سرّ إختلافها مع نظیرها إلّا مع الوقوف و العنایة لما قبلها ، و إلیک دراسة البعض :

منها قوله تعالی :« قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ الله وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذيرٌ وَ بَشيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون (1)» حیث قدّم النفع علی الضرّ بینما جاء العکس في قوله تعالی : « قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسي ضَرًّا وَ لانَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ الله(2) »والسرّ فیه والله أعلم انّ الآیة الأولی جاءت بعد قوله تعالی :« يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً(3)» و بعده :« يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ الله وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون (4) » لأنّهم سألوا عن الساعة مرّتین ظنّاً منهم انّ عنده علم و العلم بالشیء بلاشک نفع لصاحبه فتقدّم النفع علی الضرّ بیاناً علی أنّه علیه السلام لا یملک تعجیل ثواب و لا عقاب و إبطالاً لزعمهم الذي بنوا علیه سوالهممن کونه علیه السّلام ممّن

ص: 47


1- الأعراف : 188
2- يونس : 49
3- الأعراف : 187
4- الأعراف : 187

یعلمها و لذا أعاد علیه السلام ذلک بقوله :« وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذيرٌ وَ بَشيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون(1)» لإثبات عجزه کالسائلین بطریق البرهاني.

و أمّا الثانیّة فجاءت بعد قوله تعالی :« وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين (2)» حیث طلبوا الوعد الذي یُوعدون المشیر إلیه قبله بقوله تعالی :« وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ الله شَهيدٌ عَلى ما يَفْعَلُون(3)» فناسب تقدیم الضرّ لما تقدّم من طلبهم ایّاه. و المعنی : إنّی لاأملک شیئاً من شؤوني مع انّ ذلک أقرب حصولاً فیکف أملک شؤونکم حتّی اتسبّب فی إتیان عذابکم الموعود.

و مثله قوله تعالی :«وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مالايَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ(4)» و قوله تعالی :« وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَنْفَعُهُمْ وَ لا يَضُرُّهُمْ وَ كانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهيرا(5)» فقدّم في سورة یونس ما أخّر فی سورة الفرقان حیث انّ آیة یونس مکتنفة بآیة من قبلها و هو قوله تعالی :« إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّيعَذابَ يَوْمٍ عَظيم (6) »

ص: 48


1- الأعراف : 188
2- يونس : 48
3- يونس : 46
4- يونس : 18
5- الفرقان : 55
6- يونس : 15

و ما ذکر من بعده و هو قوله تعالی :« وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ الله(1) » أی یزعمون هؤلاء ینفعونهم فناسب تقدیم نفي الضرّ علی نفي النفع و امّا آیة الفرقان ذکر قبلها من المُعتبرات ما هي أعظم و أجلّ نفعاً للمعتبر فناسب تقدیم نفي النفع .

و منها قوله تعالی :« يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ(2)» حیث قدّم المغفرة علی التعذیب بینما قدّم التعذیب علیها في قوله تعالی :« أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ الله عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدير(3)» و ذلک بأنّ الأُولی جاءت ترغیباً في المسارعة إلی طلب المغفرة و إشارة إلی سعة مغفرته و رحمته و أنّ رحمته أمام غضبه کما ذکر إبن جماعة(4). و أمّا تقدیم التعذیب لمراعاة ما بین سببیهما من تقدیم السرقة علی التوبة في قوله تعالی : « وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ الله وَ الله عَزيزٌحَكيم(5)» و « فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحيم(6)» کما أشار إلیه الزمخشري(7) .

ص: 49


1- يونس : 18
2- المائدة : 18 الفتح : 14
3- المائدة : 40
4- کشف المعاني 123
5- المائدة : 38
6- المائدة : 39
7- الکشّاف 1/622

و منها قوله تعالی :« أَ فَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى (1)» و ضیزی مِن ضاز یضیز ضَیزاً إذا اعوجَّ و جار و القسمة الضیزی هی الجائرة. و إن قلت لِمَ قال: «ضیزی» و لم یقل :«جائرة» مع أنّ الأوّل غریب و الثّانی قریبٌ؟! قیل : جیئ بها مراعاة للفواصل و لو جاءت الأخری اختلفت الفواصل . و هو و إن کان مقبولاً ولکن لیس وحده کافیاً في إنتقائها و السرّ فیه و الله أعلم انّ الکلام قبلها عن قسمة المشرکین الأولاد حیث جعلوا الملائکة بنات و جعلوا البنات لله سبحانه و تعالی بینما اختصّوا أنفسهم بالذکور فأنکر الله علیهم هذا القسمة الجائرة الغربیة و اختار لفظاً ملائماً لغرابة تلک القسمة .

فانت تری کیف کلمة واحدة مع وفائه باللفظ،استوفی المعنی بتمامه و بأحسن وجهه . و قوله تعالی : « تلک » إشارة إلی النسبة الغریبة التی نسبوها إلی الله سبحانه و تعالی.و منها قوله تعالی :« وَ ما يُدْريكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَريب(2)» حیث انّها متضمّنة جملتین إحداهما و هی «لعلّ الساعة آتیة» ، مناسبةٌ للذین قبلها و ثانیتها و هي «لعلّ إتیان الساعة قریب» ، مناسبة للذین من بعده ، فجمع الجملتین في جملة واحدة بهذه الاُسلوبة البدیعة . فافهم.

ص: 50


1- النجم : 19 22
2- الشورى : 17

و منها قوله تعالی :« وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ في شِيَعِ الْأَوَّلين وَ ما يَأْتيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن(1)» و قوله تعالی :« وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلين وَ ما يَأْتيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن(2)» حیث جاءت في الأولی « من رسول » و في الثانیّة « من نبّی » فقال في ملاک التأویل : کانّه لما تقدّم في آیة زخرف لفظ الخبریّة و هي للتکثیر ناسب ذلک ذکر مَن یوحی إلیه من نبیّ مرسل أو نبیّ غیر مرسل فورد هنا ما یعمّ الصنفین علیهم السلام أمّا آیة الحجر فلم یرد فیها و لاقبلها ما یطلب بالتکثیر مع ما تضمّنت من قصد تأنسیه صلّی الله علیه و آله و سلّم و تسلیته ، فخصّت بالتعبیر بإسم الرسالة تسلیة له من قولهم « وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُون(3)» بما جری للرسل قبله علیهم السلام من مثلذلک و من البیّن انّ موقع الرسل هنا أمکن في تسلیته صلّی الله علیه و آله و سلّم فجاء کل علی ما یجب من المناسبة و الله أعلم.(4)

و منها قوله تعالی :« قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجيم وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّين (5)» و في قوله تعالی :« وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتي إِلى يَوْمِ الدِّين(6)» حیث جاءت

ص: 51


1- الحجر : 10 11
2- [3] الزخرف : 6 7
3- الحجر : 6
4- ملاک التأویل 281
5- الحجر : 34 35
6- ص : 78

اللعنة في الأوّل بالألف و اللام و في الثانیة بالإضافة. فقال إبن جماعة في وجهه : لمّا أضاف خلق آدم إلیه تشریفاً له بقوله « خَلَقْتُ بِيَدَيَّ(1) » أضاف طرد عدوّه إلیه أیضاً زیادةً في کرامته(2).

و منها قوله تعالی :« فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرينَ (3)» حیث أکّده باللام ، و قوله تعالی :« فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرين(4)» و قوله تعالی :« فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرين(5)»حیث جاءتا مجرّدتین عن اللام. قال إبن الزبیر: إنّ آیة النحل تقدّمها ثماني آیاتٍ أو نحوها في ذکر هؤلاء المقول لهم :« وَإِذا قيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطيرُ الْأَوَّلين(6)» إلی قوله : « فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرين (7)» و تلک إطالة في ذکرهم وإلإستیفاء یناسبه التأکید باللام المشیرة إلی معنی القسم ، و أمّا الإتیان في سورة الزمر و سورة غافر فإنّ المتقدّم في الأولی منها قوله :« وَ سيقَ الَّذينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً(8)» إلی قوله

ص: 52


1- ص : 75
2- کشف المعاني 223
3- النحل : 29
4- الزمر : 72
5- غافر : 76
6- النحل : 24
7- النحل : 29
8- الزمر : 71

:« قيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرين (1)» و ذلک کلام موجز لم یذکر فیه مِن کفرهم مثل ما ذکر في المذکورین قبل آیة النحل مِن ردّهم المنزّل بقولهم :« قالُوا أَساطيرُ الْأَوَّلين(2)» و تلک مقالة شنعاء من کفرهم ، فناسب الإیجاز الواقع قبل آیة الزمر مع ما أجمل فیها من کفرهم بسقوط اللام مِن قوله : « فَبِئْسَ » و أمّا آیة سورة المؤمن فلم یقع أیضاً قبلها إستیفاء التعریف ما وقع في سورة النحل و لا نص من شنیع مرتکبهم علی غیر التکذیب فناسب ذلک سقوط اللام کما في سورة الزمر و ورد کلُّ علی ما یجب و یناسب(3).و منها أیضاً ما في فواصل و ختام الآیات حیث یناسب غالباً مع ما قبله نحو قوله تعالی :« أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُون(4)» و قوله تعالی :« وَ إِذا قيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُون(5)» حیث خَتَمَت الأولی بِ« لایشعرون » و ما بعدها بِ« لایعلمون » و ذلک لوجهین:

ص: 53


1- الزمر : 72
2- النحل : 24
3- ملاک التأویل 297
4- البقرة : 12
5- البقرة : 13

الأوّل : انّ الوقوف علی أنّ المؤمنین علی الحقّ و هم علی الباطل أمر عقلیّ نظریّ وأمّا انّ النفاق و ما فیه من البغي یفضي إلی الفساد في الأرض فضروريّ جارٍ مجری المحسوس .

الثاني : انّه ذکر السفه و هو جهل فکان ذکر العلم أحسن طباقاً له و الله أعلم(1) .

و منها قوله تعالی :« صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون(2)» و ورد فیما بعد « وَ مَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون(3)» ففی الأولی « لایرجعون » و في الثانیة « لایعقلون » مع إتّحاد الأوصاف الواردة مورد التسبیب .فما السرّفیما نسب الیهم .والسرّ و الله أعلم، أنّه لمّا مثّل حال المنافقین بحال مستوقد النار لطلب الإضائة و انّه لمّا أضاءت ما حولهإذهبها الله وطفیت فلم یکن له مایستضئ به ویرجع إلیه فنفی عنهم وجود ما یرجعون إلیه من ضیاء یدفع حیرتهم و هذا بیّن.

و أمّا الآیة الثانیّة فانّه مثّل حال الکافرین فیها بحال الغنم في کونها یصاح بها و تنادی فلا تفهم عن راعیها و لا تسمع إلّا صوتاً لا تعقل معناه و لا تفهم ما یراد به ، کذلک الکفّار في خطاب الرسل إیّاهم فلا یجیبونهم و لایعقلون ما یراد بهم و هذا مناسب و کلٌّ علی ما یجب.(4)

ص: 54


1- الکشّاف 1/65 مفاتیح الغیب2/308
2- البقرة : 18
3- البقرة : 171
4- ملاک التأویل 26

و منها قوله تعالی :« قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ في أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَليمُ الرَّشيد(1)» فتقدّم في الآیة ذکر العبادة ثمّ التصرّف في الأموال فجاءت الفاصلة علی ذلک الترتیب لأنّ الحلیم مناسب للعبادة و الرشید مناسب للتصرّف في الأموال .

و منها قوله تعالی :« وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون(2)» و قوله تعالی :« وَ ما أَرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُون(3)» و الامم اکثر من القریة فجاء الأطول للاکثر و الأقصر للاقلّ.

ص: 55


1- هود : 87
2- الأنعام : 42
3- الأعراف : 94

الأصل الخامس: المناسبة بین صفات الصوت و معنی الکلمة :

انّ القرآن الکریم یتخیّر حروف الکلمة و ینتقي أصواتها صافیة الذوق في مخارجها ، لذیذة السماع ، طیّبة المجری علي اللسان ، معتدلة في تألیفها ، خفیفة في الفم ، نازلة علی أحسن هیئة في الإیقاع و في دلالتها علی ما تَضَمَّنَه من المعاني المرادة شدیدةٌ و علی الأهداف المقصودة من الآیة قویّةٌ . و لذلک نری في تراکیب حروف القرآن تناسقاً عجیباً بین الرخو منها و الشّدید ، و المهجور و المهموس ، و الممدود و المقطوع و نجد في إجتماع بعضها مع بعض نغماً صوتیّاً هنیئاً مع وفائها بالمعنی المراد ، علی أنّ هذه العلاقة الموجودة بین الصفات الصوتیّة و المعاني الدالّة علیها خفیّة إحیاناً علی أرباب الاعراب کما لایخفی علی المتأمّل.

وممّن بذل جهده للبحث عن ذلک السّر، إبن جنّی حیث قال في باب أمساس الألفاظ أشباه المعاني : فأمّا مقابلة الألفاظ بما یشکل أصوات الحروف علی سمت الأحداث المعبّر بها عنها فیعدلونها و یتحذونها علیها ، و ذلک أکثر ممّا نقدّره و أضعاف ما نستشعره(1). ثمّ لتوضیح ذلک و سرّ إختلاف الدلالة بین أصوات الحروف جاء بأمثلة و قال : و من ذلک قولهم : النضح للماء و نحوه و النضخ أقوی من النضح ، قال الله

ص: 56


1- الخصائص 1/509

سبحانه :« فيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتان(1)» فجعلوا الحاء لِرقّتها للماء الضعیف و الخاء لغلظتها لما هو أقوی منه(2).

و في موضع آخر نقل عن سیبویه انّ المصادر الّتي جاءت علی الفَعَلان تأتي للإضطراب و الحرکة نحو: النَقزان و الغَلَیان

و الغَثَیان ، فقابلوا بتوالي حرکات المثال توالي حرکات الأفعال و أضاف إلیه المصادر الرباعیة المضعَّفة و قال بأنّها تأتي للتکریر نحو : الزعزعة و القلقلة و الصلصلة و القعقعة و القرقرة ، فجعلوا المثال المکرّر للمعنی المکرّر أعنی باب القلقلة و المثال الذي توالت حرکاتُه للأفعال التي توالت الحرکاتُ فیها(3).

و قال ابن القیّم و هو أیضاً من الذین له عنایة و علاقة خاصة بهذا الأصل : و تأمّل السُور الّتي إشتملت علی الحروف المفردة ، کیف تجد السورة مبنیّة علی کلمة ذلک الحرف فمن ذلک « ق » و السورة مبنیّة علی الکلمات القافیة من ذکر القرآن و ذکر الخلق(4) و تکریر القول(5) و مراجعته مراراً و القرب من إبن آدم(6) و تلّقی الملکین قول

ص: 57


1- الرحمن : 66
2- الخصائص 1/509
3- الخصائص 1/5505
4- « ق، وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيد» ق : 1 و «أَ فَعَيينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّل وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسان » ق : 15 16
5- « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقيبٌ عَتيد » ق : 18 و« وَ قالَ قَرينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتيدٌ » ق : 23 و « قالَ قَرينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعيد » ق : 27 و« قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعيد » ق : 28
6- «نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريد»ق: 16 و«وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِالْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَريب»ق:41

العبد(1) و ذکر الرقیب(2) و ذکر السائق(3) و القرین(4) و الإلقاء في جهنّم و إلقاء الرواسي فیه و سوق النخل (5)و التقدّم بالوعید(6) و ذکر المتّقین و ذکر القلب(7) والقرون والتنقیب في البلاد(8) و تشقّق الأرض(9) و الرزق(10) و لو لم یکن إلّا تکرار القول و المحاورة. و سرٌّ آخر و هو انّ کل معاني هذه الصورة مناسبة لما في حرف القاف من الشّدة و الجهر و العلوّ والإنفتاح . إذا أردتَ زیادة إیضاح هذا فتأمّل ما اشتملت علیه سورة « ص » من

ص: 58


1- « إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعيد » ق : 17
2- « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقيبٌ عَتيد » ق : 18
3- « وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهيد » ق : 21
4- « وَ قالَ قَرينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتيدٌ » ق :23 و« قالَ قَرينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعيد» ق : 27
5- «وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسي» ق :17 و « النَّخْلَ باسِقات » ق :10
6- «أَلْقِيافِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيد»ق:24« قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعيد»ق: 28
7- «وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِي» ق : 31 و « إِنَّ في ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْب » ق : 37
8- « وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحيص » ق : 36
9- « يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسير » ق : 44
10- « وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوج » ق/1011

الخصومات المتعددّة ، فأوّلها خصومة الکفّار مع النّبي صلّی الله علیه و آله و سلّم و قولهم : « أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عُجاب(1) » إلی آخر کلامهم ثمّ إختصام الخصمین عند داوود ، ثمّ تخاصم أهل النّار ، ثمّ إختصام الملإ الأعلی في العلم و هو الدرجات و الکفارات ، ثمّ مخاصمة إبلیس و إعتراضه علی ربّه في أمره في السجود لآدم ، ثمّ خصامه ثانیاً في شأن بنیه و حلفه لیُغوینّهم أجمعین إلّا أهل الإخلاص منهم . فلیتأمّل اللبیبُ الفَطِن : هل یلیق بهذه السورة غیر « ص » و سورة « ق » غیر حرفها(2).

و بعد ما ذکرناه و فصلّناه نورد أمثلة لیتبیّن البحث جلیّاً :

منها کلمة « يَصْطَرِخُونَ » في قوله تعالی : « وَ الَّذينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزي كُلَّ كَفُور وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذي كُنَّا نَعْمَلُ(3)» حیث تصوّر حال المعذّبین بالموجدین الصراخ فیها بغایة ما یقدرون علیه من الجهد في الصیاح بالبکاء و النواح بجرسه الغلیظ الخشن الّذي یکاد یخترق صِماخ الأُذن و اختار لذلک المعنی لفظلایناسبه غیره ممّا هو بمعناه ،کَ« یدعون » أو « یصیحون » و نحوها بما لذلک اللفظ من الشدّة و الجهر و الغلظة و بین هذه الصورة الغلیظة.

ص: 59


1- ص : 5
2- بدائع الفوائد 1121
3- فاطر : 36 37

و منها قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبيلِ الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليل (1)» حیث انّ هذه الکلمة أقوی من بدیلها و هي « تثاقلتم » في تصویر المراد و هو الدلالة علی التباطؤ و الإهمال الشدید و صعوبة الحرکة ناشئاً من عدم مطاوعة النفس و ضعف الإرادة . فانظر کیف یُوجَد التوازن بین الصفات الصوتیة لهذه الکلمة و بین سیاقها من المعنی ،ألا تری إلی حرف الثاء قد جاء مکرّراً بالتشدید بحیث لایزال یتردّد في مخرج الثاء لیصوّر لک انّ هذا المتماثل کأنّه ینازع نفسه متردداً فلایستطیع علی النفرة في سبیل الله تعالی ثمّ یأتي بالمدّ لیوحي انّ أقصی جهدهم ذلک حیث لایمتدّون الّا مکانهم و زاد هنا حرف « إلی » ایذاناً بأنّ غایة القاعدین هي الأرض بخلاف المجاهدین.

و منها قوله تعالی :« قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتاني رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُون(2)» حیث انّ الغرض من الآیة بیان شدّة کراهتهم و صعوبة تحمّلهم الإیمان بالله و آیاته کما دلّ علیه « أَنْتُمْ لَها كارِهُون » بتأکیداتها الثلاثة و هي تقدیم اللام و إتیان کارهون بدل یکرهون و إسمیة الجملة ، و المتناسق لهذا الغرض لیس إلّا هذه الکلمة بما فیها من الطول و إدماج ضمائرها مشعراًبالکراهة لهم فلو استبدلنا هذه الکلمة بقولنا «أ نلزمکم ایاها » أو« أ نلزمکم بها » لما

ص: 60


1- التوبة : 38
2- هود : 28

أوحت بما توحي به هذه الکلمة. و کذا قوله تعالی: « أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه»فما(1) قال النحاة من جواز الفصل في الضمیر الثاني مطلقاً ففي غیر محلّه.

و منها قوله تعالی :« قالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فيها جَميعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لكِنْ لا تَعْلَمُون (2)» و هذه الکلمة أقوی من بدیلها و هي « تدارکوا » لأنّ إشتمالها علی التشدید یوحی إلینا بتداعیهم في النار متزاحمین بغیر نظام بحیث جعل هذا التزاحم بعضهم یعوق بعضاً قبل أنْ یوقعوا فیها بما في هذه الکلمة من سکون فحرکة .

و منها قوله تعالی : « وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ

وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون(3)» و قوله تعالی :« وَ ما أَرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُون(4) » فلمّا استعمل في الاولی حرف الإنتهاء الذي لایدلّ علی المکث و في الثانیة حرف الظرفیّة الدالّ علیه ذکر في کلّ ما یناسبهلأنّ ما في الثانیة أکثر مکثاً فینبغي أن یکونوا أکثر تضرّعاً فجاء لفظ دلالته علیه أکثر بما فیه من التغلیظ.

ص: 61


1- أوضح المسالک 1/89
2- الأعراف : 38
3- الأنعام : 42
4- الأعراف : 94

و منها کلمة « ضیزی » في قوله تعالی :« تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى(1)» لأنّها تدلّ علی أنّ الجور في هذه القسمة لا مزید علیه کما مرّ ، بما في الضاد من التفخیم.

ومنها قوله تعالی:«وَ بُرِّزَتِ الْجَحيمُ لِلْغاوين وَقيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُون مِنْ دُونِ الله هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُون فَكُبْكِبُوا فيها هُمْ وَالْغاوُون(2)»قال الزمخشري : و الکبکبة : تکریر الکب ، جعل التکریر في اللفظ دلیلاً علی التکریر في المعنی ، کأنّه إذا ألقي في جهنّم ینکب مرّة بعد مرّة حتّی یستقرّ في قعرها(3).

و منها قوله تعالی :« مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاس الَّذي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاس(4)»

قال ابن القیّم : فالوسواس فَعلَان مِن وسوس و أصل الوسوسة : الحرکة أو الصوت الخفيّ الّذي لایحسّ فیحترزَ منه. فالوسواس : الإلقاء الخفيّ في النفس إمّا بصوت خفيّ لا یسمعه إلّا مَن ألقي إلیه و إمّا بغیر صوت کما یوسوس الشیطان إلی العبد و لمّا کانت الوسوسة کلاماً یکرّره الموسوس و یؤکّده عند مَن یلقیه إلیه کرّروا لفظها بإزاء تکریر معناها فراعوا تکریر اللفظ لیفهم منه تکریر مسمّاه(5).

ص: 62


1- النجم : 22
2- الشعراء : 91 94
3- الکشّاف 3/321
4- الناس : 4 5
5- تفسیر ابن القیّم 663

هذا کلّه في أصوات الحروف ولکن هذه المکانة الجلیلة إستقرّت للحرکات أیضاً و تکون تلک عنصراً رئیسیّاً من عناصر النظام الصوتي و لیست أهمیّتها أقلّ من سابقها سواء کانت في آخر الکلمة أو في البنیّة .

قال أبوالفتح في کلمة « الذُلّ» من قوله تعالی :« وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيرا(1)» الذَّل بالفتح في الدابّة : ضدّ الصعوبة و الذُّل للإنسان وهو ضدّ العزّ و کأنّهم اختاروا للفصل بینهما الضمة لقوتها للإنسان و الکسرة لضعفها للدابة و لا تستنکر مثل هذا و لا تَتُب عنه ، فإنّه مَن عرف أنسَ و مَن جَهِلَ استوحش(2).

علی هذه فتکون قوّة اللفظ لقوّة المعنی فالضمّ أقوی من الکسر و الکسر أقوی من الفتح فیمکن الحمل علی هذا الأصل النفیس قوله تعالی :« كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُم (3)» و قوله تعالی :« فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً(4)» و الأوّل أقوی من الثاني لأنّ الشئ الذي في نفسه مکروه أقوی من نفس کراهة الکاره. فجاء الضم و الرفع لما هو أقوی .

ص: 63


1- الإسراء : 24
2- المحتسب 2/18
3- البقرة : 216
4- فصّلت : 11

و کذلک قوله تعالی :« وَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمانِهِم(1)» و قوله تعالی :« وَ الَّذينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُم(2) » و عن الفرّاء «الجُهدُ» بالضمّ : الطاقة و «الجَهدُ» بالفتح : من قولک : «اجهد جَهدک في هذا الأمر» أي:« أبلغ غایتک»(3). فالجُهدُ أقوی لأنّ بلوغ أقصی ما في طاقة النفس من صدقات المؤمنین أقوی من بلوغ أقصی ما في غایة النفس من توکید الیمین باللسان.

و کذا قوله تعالی :« وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظيم (4)» قال الراغب : «الذَبح » شقّ حلق الحیوانات ، و« الذِّبح»: المذبوح(5). و المفعول هنا أقوی لأنّ المذبوح جسد یذبح فهو أصعب من نفس الفعل .

ومنها قوله تعالی:« فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْري وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُون(6)» حیث جاءت کلمة السخریّة بکسرالسین وقوله تعالی:«أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون (7)»حیث جاءت بالضم و اللغویون

ص: 64


1- الأنعام : 109 النحل :38 النور: 53 فاطر : 42
2- التوبة : 79
3- لسان العرب3/134
4- الصافات : 107
5- المفردات 326
6- المؤمنون : 110
7- الزخرف : 32

و المفسّرون و إن لم یفرّقوا بینهما لکنّ الوجه ما حکی الثعلبي عن الکسائي : انّ الکسر بمعنی الإستهزاء و السخریة بالقول ، و الضمّ بمعنی التسخیر و الإستبعاد بالفعل(1). لأنّ المراد من السخریّة في الأولی الإستهزاء و السخریّة بالقول کما دلّ علیه قوله : « أَنْسَوْكُمْ ذِكْري » لأنّ المراد بالذکر ؛ الذکر اللساني الناشئی من الذکر والإلتفات القلبي فإنّهم یشتغلون بإستهزاء المؤمنین و یضحکون بما قالوا بخلافها في الآیة الثانیّة لأنّه أعمّ حیث جاءت مع تقسیم الرحمة بأنواعها و تقسیم المعیشة و رفع الدرجة.

هذا ، و دلالة الحرکات الأواخر علی المعاني لا تخفی علی أحد بل هي من أصول العربیّة فما کان من المعربات عمدةً في الکلام لابدّ له من الرفع کالمبتدأ و الخبر و الفاعل و المفعول القائم مقامه ، و ما کان فضلةً کان له النصب کالمفاعیل و الحال و التمییز ، و لذلک قال السهیلي : و قوّة الضمّة و ثقلها معلوم بالحس و موجود بالضرورة ، فاختیرت للمخبر عنه لیتشاکل اللفظ المقول و المعنی المنقول(2).

وقال ابن یعیش في الفرق بین النصب و البدل في نحو قولک :«ما جائني أحدٌ الّا زید»: و الفرق بینهما إنّک اذا نصبت، جعلت معتمد الکلام النفيَ، و صار المستثنی فضلة، فتنصبه کما تنصب المفعول به، و إذا أبدلته منه کان معتمد الکلام ایجابَ القیام لزید، و کان ذکر البدل کالتوطئة .(3)

ص: 65


1- الجامع لأحکام القرآن 13/155
2- نتائج الفکر312
3- شرح المفصّل لابن یعیش 2/69

وحُمِلَ علیه قوله تعالی: « ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ(1)» ویدلّ علیه قوله بعده :« وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً»(2)لانّه جاء للتحریض نحو الفعل و تهییجهم إلی الایجاب کما لایخفی .

ص: 66


1- النساء :66
2- النساء : 6667

الفصل الثاني:«أسرار البیان من کلام الرحمن في سورة «الإنسان»»

اشارة

ص: 67

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم

هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئًا مَذْکُورًا ﴿1﴾ إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِیهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِیعًا بَصِیرًا ﴿2﴾ إِنَّا هَدَیْنَاهُ السَّبِیلَ إِمَّا شَاکِرًا وَإِمَّا کَفُورًا ﴿3﴾ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْکَافِرِینَ سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِیرًا ﴿4﴾ إِنَّ الأبْرَارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُورًا ﴿5﴾ عَیْنًا یَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ یُفَجِّرُونَهَا تَفْجِیرًا ﴿6﴾ یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَیَخَافُونَ یَوْمًا کَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیرًا ﴿7﴾ وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا ﴿8﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزَاءً وَلا شُکُورًا ﴿9﴾ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا یَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِیرًا ﴿10﴾ فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِکَ الْیَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴿11﴾ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِیراً ﴿12﴾ مُتَّکِئِینَ فِیهَا عَلَى الأرَائِکِ لا یَرَوْنَ فِیهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِیرًا ﴿13﴾ وَدَانِیَةً عَلَیْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِیلا ﴿14﴾ وَیُطَافُ عَلَیْهِمْ بِآنِیَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَکْوَابٍ کَانَتْ قَوَارِیرَا ﴿15﴾ قَوَارِیر مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِیرًا ﴿16﴾ وَیُسْقَوْنَ فِیهَا کَأْسًا کَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِیلا ﴿17﴾ عَیْنًا فِیهَا تُسَمَّى سَلْسَبِیلا ﴿18﴾ وَیَطُوفُ عَلَیْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴿19﴾ وَإِذَا رَأَیْتَ ثَمَّ رَأَیْتَ نَعِیمًا وَمُلْکًا کَبِیرًا ﴿20﴾ عَالِیَهُمْ ثِیَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴿21﴾ إِنَّ هَذَا کَانَ لَکُمْ جَزَاءً وَکَانَ سَعْیُکُمْ مَشْکُورًا ﴿22﴾ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ تَنْزِیلا ﴿23﴾ فَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ کَفُورًا ﴿24﴾ وَاذْکُرِ اسْمَ رَبِّکَ بُکْرَةً وَأَصِیلا ﴿25﴾ وَمِنَ اللَّیْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَیْلا طَوِیلا ﴿26﴾ إِنَّ هَؤُلاءِ یُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ یَوْمًا ثَقِیلا ﴿27﴾ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِیلا ﴿28﴾ إِنَّ هَذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِیلا ﴿29﴾ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ یَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ کَانَ عَلِیمًا حَکِیمًا ﴿30﴾ یُدْخِلُ مَنْ یَشَاءُ فِی رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِینَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِیمًا ﴿31﴾

ص: 68

بسملة :

اشارة

« بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيم »

معنی« الباء »

حرف جر معناها الإلصاق إنْ لم یتغیّر معنی فعلها نحو :« وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُون(1)» و إنْ تغیّر بأنْ صیّرَت فاعله مفعولاًفللتعدیة(2) أيضاً کالهمزة إلّا أنّ الفرق بینهما(3) هو انّه إنْ قلت أمسکت زیداً یمکن أنْ تکون باشرته نفسه و یمکن أنْ تکون منعته من التصرّف من غیر مباشرة له ، فإذا قلت : أمسکت بزیدٍ فقد أعلمتَ أنّک باشرته. و نحو قوله تعالی : « ذَهَبَ الله بِنُورِهِم (4) » و السرّ في إسناد الفعل إلی الله تعالی و تعدیة الفعل بالباء هو الإشارة إلی الیأس عن العود لأنّ الذاهب به هو الله تعالی فلا رادّ لما أخذ الله و انقطع .

ثمّ اعلم انّ مقاصد کلام العرب علی اختلاف صنوفه مبنيٌ غالباً علی معاني حروفه إذ قد یتغیّر الحرف معنی ما تعلّق به حتّی یتحقّق للفظ الواحد أکثر من معنی حسبَ الحرف الواصل به.

ص: 69


1- المطففين : 30
2- و هذا هو التعدیة بالمعنى الأخص و أمّا التعدية بالمعنى الاعمّ و هو توصيل العامل الى المفعول فيعمّ جميع الحروف .
3- سرّ صناعة الإعراب 2/123
4- [4] البقرة : 17

منها ما قال أبوالهلال في الفرق بين قولك : « قضى اليه» و « قضى به» : انّ قولك قضى اليه أي: اعلمه و قوله تعالى : « وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْر(1) » أي اعلمناه ثمّ فسّر الأمر الذي ذكره فقال :« أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحين(2)»

فكانّه قال و قضينا اليه انّ دابر هولاء مقطوع ، و معنى قولنا : قضى به ، انّه فصل الأمر به على التمام(3).

و منها ما قال الزمخشري في قوله تعالى :« وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَ هُوَ مُحْسِنٌ(4)» : فإن قلت : ما له عدّي بالى ، و قد عدّي باللام في قوله تعالى :« بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِله»(5) ؟ قلت : معناه مع اللام : انّه جعل وجهه و هو ذاته و نفسه سالماً لله ، أي خالصا له. و معناه مع « إلى » : انّه سلّم اليه نفسه كما يسلّم المتاع الى الرجل اذا دفع اليه . و المراد : التوكّل عليه و التفويض اليه(6) .

و من ذلك ما قال الزمخشري في قوله تعالی : « فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبين(7)» فإن قلت : ما الفرق بین « مِن » و « عَن » في هذا ؟

ص: 70


1- الحجر : 66
2- الحجر : 66
3- معجم الفروق اللغوية432
4- لقمان : 22
5- البقرة : 112
6- الکشّاف 3/500
7- الزمر : 22

قلت؟ إذا قلت : «قسا قلبه من ذکر الله تعالی »، فالمعنی: ما ذکر و إذا قلتَ :« عن ذکر الله تعالی» ، فالمعنی : غلظ عن قبول الذکر و جفا عنه(1).

و منها ما قال الزمخشري أيضاً : يقال : قبلت منه الشئ و قبلت عنه، فمعنى قبلته منه ؛ أخذته منه و جعلته مبدأ قولي و منشأه و معنى قبلته عنه ؛ عزلته عنه و ابنته عنه(2).

و من مواردها : « رغب » قال الراغب : و الرغبة و الرغبُ و الرغبَی، السعة في الإرادة وقال تعالی: «وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَبا(3)»فإذا قیل رَغِبَ فیه وإلیه یَقتضي الحرصَ علیه ، قال تعالی: «إِنَّا إِلَى الله راغِبُون»(4) و إذا قیل: «رَغِبَ عنه» إقتضی صرفَ الرغبة عنه و الزهد فیه نحوُ قوله تعالی :« وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهيمَ(5)» ، « قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتي(6)»(7) فأنت تری کیف یقلب الحرف دلالة الفعل إلی النقیض ؟!

و منها : قول الراغب في تفسیر قوله تعالی :« فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لي وَ لا تَكْفُرُون(8)»إن قیل:ما الفرق بین« شکرت لزید» و« شکرت زیداً» ؟ قیل: شکرتله هو أن یعتبر إحسانه الصادر عنه فیثنی علیه بذلک و شکرته إذا لم تلتفت إلی فعله ،

ص: 71


1- الکشّاف4/123
2- الكشاف 4/222
3- الأنبياء : 90
4- التوبة : 59
5- البقرة : 130
6- مريم : 46
7- المفردات 267
8- البقرة : 152

بل تجاوزت إلی ذکر ذاته دون اعتبار أفعاله ، فهو أبلغ من شکرت له ، إذ قد یکون للإنسان فعل في الظاهر محمود ، ثمَّ لا یکون ذلک الإنسان علی الإطلاق محموداً و إنّما قال :« وَ اشْكُرُوا لي » و لم یقل :« و اشکرونی » علماً بقصورهم عن إدراکه(1).

و منها ما قال المرادي : الفرق بین تعدیة «وفی» بِ«في» و «عن» . و الفرق بینهما انّک اذا قلت: «وفی عن ذکر الله» ، فمعنی المجاوزة ، انّه لم یذکره و اذا قلت : «وفی في ذکر الله »، فقد إلتبس بالذکر و لحقه فیه فتور و إناة .(2)

و منها ما قال الآلوسي في تعدیة المسارعة بِ« فِي » في قوله تعالی : « وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْر(3) » للإشعار بإستقرارهم في الکفر و دوام ملابستهم له في مبدأ المسارعة و منتهاها کما في قوله سبحانه : « وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْرات (4)» في حقّ المؤمنین ، و أمّا إیثار کلمة « إلی » في قوله تعالی : « وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ(5)» فلأنّ المغفرة و الجنّة منتهی المسارعة و غایتها(6) .

فالفعل له مع کلّ حرف معنی لایلیق بهذا المعنی إذا استعمل مع حرف آخر.

ص: 72


1- تفسیر الراغب 1/249
2- الجنی الدّاني 284
3- آل عمران : 176
4- آل عمران : 114 و المؤمنون : 61
5- آل عمران : 133
6- روح المعاني 2 /344

علی هذا فالقول بنیابة الحروف لایلیق بالإستماع لانّه لامحلّ له في اللغة العربیّة خصوصاً في الأسلوب القرآني الذي لا تردافَ فیه علی ما قلناه في اوّل الکتاب و فصّلناه .

و إذا عرفتَ هذا فلا بأسَ الآنَ بذکر موارد قال بعض النحاة بنیابة الباء فیها عن حرف آخر مع ما فیه و بیان السرّ في ذلک .

منها قوله تعالی :« فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبيلِ اللهِ كَثيرا (1)» قال النّحاة انّ الباء بمعنی اللام(2) .

لکنّ السرّ في إتیان الباء في موضع التعلیل ، قصد التخویف و شدّة الزجر لِمنعهم من الظلم لما في معنی الباء من التعجیل للعقاب و إلتصاقه بهم من دون تأخیرٍ.

و کذلک قوله تعالی :« وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُون(3)» فأتی بالباء هنا لتصویر الصورة المعجزة المعجبة الواقعة بأحسن وجهٍ حیث إنّ الباء بما فیها من الالتصاق دلّت علی انّ البحر فرّق آناً فآناً ملابساً و ملاصقاً بهم بمعنی أنّهم کلّما یخطوون خطوةً فإنّ البحر فرّق ملاصقاً بخطوتهم. فأین هذا من معنی اللام؟! و جاء الفعل مخفّفاً بیاناً لقدرته البالغة فکأنّ ذلک الفرق الشدید خفیفاً .

و منها: الظرفیة :

و اعلم انّ کلاً مِن « الباء » و « في » لهما دلالتهما الخاصّة فکما لایفارق من الباء معنی الملابسة و الملاصقة لا تفارق « في » من الدلالة علی التمکّن و الإستقرار . ألا تری إلی

ص: 73


1- النساء : 160
2- شرح التسهیل 1/20
3- البقرة : 50

قوله تعالی :« وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُوَ السَّميعُ الْعَليم(1)» حیث کان المقصود انّ الله تعالی یعلم ما هو الساکن في أعماق اللیل فضلاً عن کونه متحرّکاً أو في ضوء النّهار، بیاناً لقدرته تعالی في عدم خفاء شیء علیه ممّا یشتمل علیه الملوان.

فناسب إتیان « في » لما فیها من الدّلالة علی التمکّن و الإستقرار المقصود في الآیة و هذا بخلاف موطن جاء فیه الباء نحو قوله تعالی :« الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُون(2)» لأنّه لیس معناه انّهم یوقعون الإنفاق في وسطة اللیل و أعماقه بل المراد أنّ إنفاقهم یلتبس باللیل و یقع بأیّ جزء من أجزائه . و کذلک قوله تعالی :« وَ هُوَ الَّذي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْل(3)» حیث قصد منه الدلالة علی تَوَفّیهم بأيّ جزء من أجزاء اللیل و لیس المراد خصوص أعماقه و وسطه کما هو مقتضی حرف الظرفیة . فجاء کلٌّ علی ما یجب و لایجوز إیثار أحدهما موضع الآخر. و کذلک قوله تعالی :« وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون(4)» قصد منها بیان انتصار الله تعالی ایّاهم بعظیم قدرته تعالی مع قلّتهم و ضعفهم في العدّة و العدد و مع قوّة أعدائهم بالعدّة و العدد و جاء بالباء للإیذان بأنّ نصرتهم علی أعدائهم بفضله و منّه تعالی علیهم خاصّةً حیث کانت بدر ارضاً واسعة مکشوفة و هم یلتصقون بها و لاشیء فیها من بناء أو حصن أو غیرذلک

ص: 74


1- الأنعام : 13
2- البقرة : 274
3- الأنعام : 60
4- آل عمران : 123

ممّا یظفرون علی أعدائهم عادةً بالإستقرار فیه فالنصر لیس راجعاً إلیهم بمعونة الموانع الطبیعیّة و إنمّا هو بفضله و رحمته کما دلّ إسناد النصر إلی الله تعالی و وصفُ حالهم بالأذلّة .

و قد یکون إختلاف الحرف مع الفعل بحسب الإختلاف في المتکلّم عنه نحو قوله تعالی « أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النَّاسِ(1)» و قوله تعالی :« يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فيهِ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا(2)» و ذلک بأنّ المتکلّم عنهم في الأُولی الّذین آمنوا بالله و اتّقوا الله و آمنوا برسوله فأنزل الله سکینتهُ علیهم و أیّدهم و جعل لهم نوراً لم یجعل لغیرهم من الناس یمشون به و هو معهم ملتصقٌ بهم لایفارق منهم . بینما المتکلّم عنهم في الثانیّة المنافقون الذین شّبّه حالهم بِمُشوَّش متردّد متحیّر مترقّب لأدنی فرصة و لأدنی رُؤیة للطریق و جاءت « في » للدلالة علی أنّهم یتحرّکون کلّما أضاءلهم لکن مسافة حرکتهم بمقدار الضیاء الذي أضاءلهم ببرق فکأنّه یحدّد لهم المکان لئلّا یستطیعوا التعدّي من مواطن أقدامهم للتخبّط.

و منها :المجاوزة :

نحو قوله تعالی :« فَسْئَلْ بِهِ خَبيرا(3)» و قوله تعالى :« سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِع(4) » ثمّ بعضهم قیّده بالسؤال و بعضم لم یقیّده و جعل منه قوله

ص: 75


1- الأنعام : 122
2- البقرة : 20
3- الفرقان : 59
4- المعارج : 1

تعالی :« يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ(1)» . و لا اذکر ما فیها من الأقول دفعاً لإطالة الکلام و ملالته و إن کان لایلیق بالذکر أصلاً ولکنّ الذي ینبغي بالذکر و ینتفع بالمقام هو أنّ مادة السؤال تدخل في اللغة القرآنیّة بالمسئول عنه الذي في کثیر من أحواله بعید عن السائل نحو قوله تعالی :« يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها(2)» لإستبعادهم وقوعها و قوله تعالی :« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إِثْمٌ كَبيرٌ(3)» و« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى(4)» و « وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ(5)» لجهلهم فیما سئلوا عنه و الجاهل مادام جاهلاً بعید عمّا سَئَلَ و المناسب لهذا البعد هو حرف المجاوزة بما فیها من الدّلالة علی الإبتعاد.

و أمّا دخول الباء في نحو قوله تعالی : « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِع(6) » فلبیان انّ المسؤول عنه ملتصق للسائل ملتبس به فإذا سأل وقع علیه مبالغة في تحقیق العذاب بالکافرین، و أمّا قوله تعالی « فَسْئَلْ بِهِ خَبيرا(7)» فأصله «فسئله» لا« فسئل عنه» فدخلت الباء علی المسئول لبیان إلتصاقه بالسائل و انّه معه أجاب له بکلّ ما سأل و

ص: 76


1- الحديد : 12
2- الأعراف : 187 النازعات : 42
3- البقرة : 219
4- البقرة : 220
5- الإسراء : 85
6- المعارج : 1
7- الفرقان : 59

عمّا سأل من دون اختصاص بشیء معیّن لأنّه خبیر لافرق عنده بین هذا أو ذاک فلیس هنا محلّ ذکر المسئول عنه.

و أمّا قوله تعالی :« يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ (1)» فقد أسند السعي إلی النور و لیس هو فاعله الحقیقي، علی طریقة المجاز العقلي و العلاقة اللزومیّة لأنّ النور ملازم لهؤلاء بقرینة استحالة أن یسعی النور منفرداً فالمناسب لهذه الملازمة لیس إلّا الباء بما فیها من معنی الإلتصاق و المصاحبة فجاء کلّ حرف علی ما یلیق به.

و منها: الإستعلاء :

نحو :« مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطار(2)» بدلیل « هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ(3)»(4) قال السامرایي : و الحقّ انّ المعنی مختلف ، فقولک « امنته به » یختلف عن قولک « امنته علیه » فقولک « لا آمنه علیک » معناه لا آمنهُ أن یخیف علیک أو یهجم علیک أو یتعدّی علیک و ما إلی ذلک ففیه معنی الإستعلاء و التسلّط و العدوان .

و أمّا قولک « لا آمنه بدرهم» فمعناه لا آمنه من أن یتصرف به أو یعبث به ، لأنّ «علی» تفید الإستعلاء و «الباء» تفید الإلصاق و المعنی أنّه لا یلتصق امنه بدرهم بل ستفارقه أمانته و یتصرّف به.

ص: 77


1- الحديد : 12
2- آل عمران : 75
3- يوسف : 64
4- مغنی اللبیب 1/104

فامنه علیه تستعمل للهجوم و الإعتداء و آمنه به تستعمل للتصرّف .

و لذلک والله أعلم استعمل القرآن « امنه علیه » مع الأشخاص و « امنه به » مع الأموال(1).

و کذلک قوله تعالی :« لِتُصْنَعَ عَلى عَيْني(2)» و قوله تعالی :« تَجْري بِأَعْيُنِنا(3)» و « وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا(4)» حیث جاء الفعل في الأولی بِ« علی » علی عکس ما في الآیتین الأخیرتین فما الفرق ؟ قال ابن القیّم نقلاً عن السهیلي : فالفرق : انّ الآیة الأولی وردت في إظهار أمر کان خفیّاً و إبداء ما کان مکتوماً ، فانّ الأطفال اذ ذاک کانوا یُغذَون و يصنعون سرّاً ، فلمّا أراد ان یُصنع موسی و یُغذَی و یُربّی علی حال امنٍ و ظهور أمر لا تحت خوفٍ و إستسرار ، دخلت« علی» في اللفظ تنبیهاً علی المعنی، لأنّها تعطي معنی الإستعلاء ، و الإستعلاء ظهور و إبداء ، فکأنّه یقول سبحانه « و لتصنع علی امن لا تحتَ خوف » و أمّا قوله تعالی :« تَجْري بِأَعْيُنِنا(5) » فإنّه انّما یرید ، برعایة منّا و حفظٍ و لا یرید إبداء شیء و لا إظهاره بعد کتم ، فلم یحتج في الکلام إلی معنی « علی » بخلاف ما تقدّم(6) .

ص: 78


1- معاني النحو 3/ 25
2- طه : 39
3- القمر : 14
4- هود : 37
5- القمر : 14
6- بدائع الفوائد 398399

و کذا قوله تعالی :«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيد»(1)

لیست الباء فیها بمعنی الاستعلاء بل مراده علیه السلام بقوله: « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً » ،كونه قادراً على الدفع و كونه متمكّناً إما بنفسه على قهرهم و تأديبهم، و المراد بقوله: «أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» هو أن لا يكون له قدرة على الدفع لكنّه يقدر على التحصّن بحصن و ینتهي الیه ليأمن من شرّهم بواسطته.

فکلّ سیاق یناسب مع ما فیه من الألفاظ فلایصحّ و لایعقل أن نَتَّکِلَ علی طریقة إبن هشام ومتابعيه في تفسیرهم معنی الحروف بحملها علی نظیرها بالقول المطلق من دون أیّة دقّة أو تدبّر فیها للکشف عن اختلافها و أسراره.

و منها: التبعیض

مثّل بعض له بقوله تعالی :« وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ(2)» و قوله تعالی : « عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ(3)» و قد أنکر بعض ورود الباء للتبعیض منهم إبن جنّي(4) و هذا هو الصّواب و الباء في قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْديكُمْ مِنْهُ مايُريدُ

ص: 79


1- هود : 80
2- المائدة : 6
3- الإنسان : 6
4- سرّ صناعة الإعراب 1/123

الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون (1)» للإلصاق و السرّ في إتیانها أمران :

الأوّل : بیان الفرق بین المَسح و الغَسل حیث انّ الغَسل لایعتبر فیه أزید مِن صَبّ الماء علی اعضائه بخلاف المسح الذي یعتبر فیه إلصاق الید بالممسوح و مباشرته و لذلک عدّي الفعل إلی أعضائه بالباء لِتفید ذلک بما فیها من الإلتصاق و الملابسة .

و الثاني : بیان الفرق بین موضع المسح و الغَسل من حیث الإستیعاب أو عدمه فأسند الفعل إلی أعضاء الغسل في قوله تعالی :« فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » بدون الباء للدلالة علی إستیعابه کل العضو و أمّا حین تعدیة الفعل إلی أعضاء المسح فقیّد الفعل بالباء « وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ » لبیان عدم قصد الإستیعاب کما إذا عدّي الفعل بالباء إلی الوجه في أعضاء التیمیّم في قوله تعالی :« فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْديكُمْ » فقوله علیه السلام : لمکان الباء(2) معناه ذلک لا أنّ الباء للتبعیض .

و امّا قوله تعالی :« عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله(3)» فسیأتي بیانه في موضعه إن شاء الله .

ص: 80


1- المائدة : 6
2- عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام ألا تخبرني من أين علمت و قلت انّ المسح لبعض الرأس و بعض الرجلين فضحك ثم قال : يا زرارة قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم و نزل الكتاب من الله لانّ الله عزّ و جلّ يقول فاغسلوا وجوهكم – فعرفنا انّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ثمّ قال : و ايديكم الى المرافق ثمّ فصّل بين الكلامين فقال : وامسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال – برؤسكم – انّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : و ارجلكم الى الكعبين – فعرفنا حين وصلها بالرأس انّ المسح على بعضها ...الحديث . الكافي 3/30
3- الإنسان : 6

و منها : الزیادة :

کثیراًمّا جری علی ألسنة النحاة القول بزیادة بعض الحروف في التنزیل و أظنّ لعلّ أوّل مَن فتح باباً لهذا ، سیبویه ، حیث قال عند حدیثه عن « ما » : تکون توکیداً لغواً و ذلک قولک : متی ما تاتک آتک و قولک : غضبت من غیر ما جرم قال الله عزّوجلّ :« فَبِما نَقْضِهِمْ ميثاقَهُم(1)» و قال أیضاً عن « لا » و أمّا « لا » فتکون کَ«ما » في التوکید و اللغو قال الله تعالی : « لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتاب(2) »(3) و تبعه علی ذلک بعده جمع من النّحاة .

و لست الآن بصدد التفصیل في هذا المقام بنقل الآراء قدیماً و حدیثاً و تعقیبها بما فیها ، لکنّ الذي تلزم الإشارة إلیه انّ القول بالزیادة لا معنی لها في الذکر الحکیم بعد ما عرفت انّ القرآن الحکیم لا یستعمل حرفاً في غیر موضعه اللائق به ، فکلّ حرف في الأسلوب القرآني له دلالة خاصّة یعرف بالتدقّق و التأمّل و لمّا لم یکن لبعضهم هذا التدقّق و التأمّل حکم بزیادتها و لأجل أن فرّقوا بین الزیادة المحضة التي لیس لها فائدة و غیرها قالوا الزیادة للتوکید و إن سألتهم عن معنی التوکید و وجهه قالوا : انّ زیادةالحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانیاً کما نقله إبن هشام عن إبن جنّی(4) ولکن نحن نبحث في

ص: 81


1- النساء : 155
2- الحديد : 29
3- شرح کتاب سیبویه 5/97
4- مغنی اللبیب 1/179

بعض ما حکموا بزیادة الباء فیها مبیّناً وجه إتیانها کی تبیّنَ لک وضوحاً ضعف القول بالزیادة و لِتعلم انّ في الحروف أسراراً لا تعرف بالحکم بالزیادة .

و من مواردها قوله تعالی :« وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ(1)» و السیاق تهییج للمطلّقات علی التصاقهنّ بالتربّص و مباشرتهن به و أنّهنّ أکثر حظّاً من غیرهنّ بهذا الحکم لما فیهنّ من أنّهنّ طوامح(2) للرجال ، إحترازاً من إختلاة المیاه و فساد النسل بتمکین الرجال من أنفسهنّ فالإلصاق أنسب و أوفی دلالة بحال هؤلاء المؤمنات المطلقات فلاوجه لزیادتها .

و منها قوله تعالی :« وَ أَنْفِقُوا في سَبيلِ الله وَ لا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنين (3)» قال الراغب : و یقال لقیتُهُ بکذا إذا إستقبله به(4). فعلی هذا نهی الله تعالی عن مباشرتهم و إلتصاقهم و إستقبالهم و مبادرتهم أنفسهم إلی التهلکة. و حُذف المفعول منه و من فعل الإنفاق لأنّه لا ینحصر في المال کما انّ الإلقاء یعمّ أنفسهم و غیر أنفسهم فلا وجه للزیادة هنا کما لا وجه بتقدير المفعول .

و منها قوله تعالی :« وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا(5)» و لمّا کانت علیها السلام تعاني حیرة الولادة الأولی و آلامها الجسدیّة و النّفسیّة و لیس لها قوّة

ص: 82


1- البقرة : 228
2- الطامح من النساء : الّتي تبغض زوجها و تنظر إلی غیره .
3- البقرة : 195
4- المفردات 597
5- مريم : 25

أن تحرّک الجذع یمیناً و یساراً حتّی تساقط علیها رطباً فارشدها الله تعالی إلی أیسر الطرق لِتساقط الرطب و أتی بالباء لإلصاق فعل الهزّ بالجذع و إرشاداً منه تعالی انّ مجرد إلصاقه کافٍ في تساقط الرطب من دون إحتیاج منها إلی جهدٍ و عناءٍ کبیر و أتی بِ« إلی » بیاناً منه تعالی بأن تجعلَ إنتهاء الهزّ إلیها کي تساقط التمرة إلیها قریباً منها علی وفق تهزّیها . و ذکر «الهزّ»(1) دون «التحریک» لبیان أنّ النخلة تحرّکت شدیداً بمجرّد إلصاقها و تهزّیها إلی نفسها.

و هل یفید لک هذا المعنی إن کرّرت الکلام ألف مرّة؟ فما قیل: من أنّ الباء زائدة للتوکید و هو بمنزلة إعادة الجملة ثانیاً ، ممّا لا أصل له و لا طائل تحته . و لعلّهم كلّ موطن لم يفهموا سرّ اتيانها فيه حملوا على الزيادة . وما قال في الجنی الدّاني : و المختار انّ ما أمکن التخریج علی غیر الزیادة لا یحکم علیها بالزیادة(2)، في غایة المتنانة. و لا أدري کیف یمکن عند من قال بزیادة الباء أن تحرّکت هي علیها السلام جذع النخلة تحرّکاً شدیداً مع ما علیها من الآلام الجسدیة؟

و منها الباء في فاعل « کفی » نحو قوله تعالی :« وَ الله أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَ كَفى بِالله وَلِيًّا وَ كَفى بِالله نَصيرا(3) » و « وَ يَقُولُ الَّذينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِالله شَهيداً بَيْني وَ بَيْنَكُم(4)» قال الفخر : انّ الباء في الأصل للإلصاق و ذلک إنّما یحسن في المؤثّر الذي

ص: 83


1- الهزّ : التحریک الشدید
2- الجنی الدّاني 52
3- النساء : 45
4- الرعد : 43

لا واسطة بینه و بین التأثیر و لو قیل : کفی الله ، دلّ ذلک علی کونه تعالی فاعلاً لهذه الکفایة و لکن لا یدلّ ذلک علی أنّه تعالی یفعل بواسطة أو غیر واسطة ، فإذا ذکرت حرف الباء دلّ علی انّه یفعل بغیر واسطةٍ بل هو تعالی یتکفّل بتحصیل هذا المطلوب إبتداءً من غیر واسطة أحد کما قال :« وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريد(1)».(2)

و أمّا الباء في خبر « لیس » فلیست زائدة ألبتّة لأنّه بملاحظة موارد إستعمالها نجد انّ النفي معها لیس أصیلاً غالباً بل جاء للتقریر و تثبیت المقرّر به نحو قوله تعالی :« أَ لَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَه(3) » و« أَ لَيْسَ الله بِعَزيزٍ ذِي انْتِقام (4)» و« أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى(5)» حیث جاءت الباء لشدّة الملاصقة بین المقرّر به و فاعله.

و قد لایکون للتقریر ولکنّ الباء الداخلة علی الخبر ایضاً للملاصقة و الملابسة التي نفیت بلیس نحو قوله تعالی :« وَ أَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيد(6)» و مثلها أیضاً الباء الداخلة علی خبر« ما» حیث إنّها للملاصقة و المباشرة التي نفیت بِ« ما » نحو قوله تعالی :« وَ مَا الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون(7)» و قوله تعالى :« ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور(8)» و «

ص: 84


1- ق : 16
2- مفاتیح الغیب10/ 92
3- الزمر : 36
4- الزمر : 37
5- الأحقاف : 34
6- الأنفال : 51
7- البقرة : 144
8- فاطر : 22

وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ(1)» فنفت الباء كلّ صلة تربط بين الله و الغفلة في الآية الأولى و بين الوصفين والنبيّ في الأخيرتين ، فلا لصوق و لا صحبة بينهما و لا تلاق.

فتبیّن بذلک کلّه انّ القرآن الحکیم اختار في کلّ سیاق ما یلیق به مِن الألفاظ کما مرّ في الأصل الثالث فتفطّن بذلک حتّی لایغرنّک قیل النحاة.

و أمّا الباء في : « بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيم » فعلی أصلها للإلصاق لأنّ الفاعل و هو العبد ألصق نفسه و فعله بِإسم الله تعالی و لیس له أمر ذي بال قصده إلّا یری الله سبحانه تعالی أمام عیينه و یدیه . و حذفت الألف من الإسم لِبیان شدّة هذه الملاصقة بینهما فلا فاصل و لا واسطة کما دلّ علیه قوله تعالی :« وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريب(2)» و کذا کلّ موضع ذکرت الباء مع الإسم و بعدها لفظ الجلالة نحو قوله تعالی:« بِسْمِ الله مَجْراها وَ مُرْساها(3)» إیذاناً بشدّة الإرتباط و الإلتصاق بحیث لا ینبغي تخلّل الهمزة بینهما في عالم الکتابة واللفظ کما لاینبغي تخلّل الغیر بینهما في عالم الحقیقة والواقع.

و إن قلتَ بماذا تعلّقت الباء ؟

قال السهیلي : و أمّا ما تعلّق به الباء من « بسم » فمحذوف لا لتخفیف اللفظ کما زعموا ، إذ لو کان کذلک لجاز إظهارُهُ و إضمارُهُ ، کما یجوز في کلّ ما یحذف تخفیفاً ، ولکن في حذفه فوائد و معان :

ص: 85


1- الروم : 53
2- البقرة : 186
3- هود : 41

منها : انّه موطن ینبغي أن لا یقدّم فیه سوی ذکر الله تعالی ، فلو ذکر الفعل لاسیّما و هو لا یستغني عن فاعله کان ذلک مناقضاً للمقصود فکان في حذفه مشاکلة اللفظ للمعنی ، کما تقول في الصّلاة : « الله اکبر » و معناه : من کلّ شیءٍ ، ولکن لا تقوله لیکون اللفظ في اللسان مطابقاً لمقصود الجنان و هو أن لایکون في قلب ذکرٌ إلّا لله وحده.

و فائدة أخری في حذف الفعل و هو أنّ إضمار الفعل و حذفه أکثر ما یکون في الأمر نحو :« ایّاک و الطریق» و نحو ذلک و المتکلّم بِ« بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيم » هو الله سبحانه و هو أمر عبادَهُ بالإبتداء بها في کلّ سورة من القرآن .

و فائدة ثالثة : و هو أنّه إذا حذف الفعل صالح الإبتداء به في کلّ عمل أو شغلٍ فلیس فعل أولی بها عن فعل ، فکان الحذف أعمّ من الذکرو أبلغ مع الإستغناء عنه بالمشاهدة.(1)ویعني بهاانّ المتکلّم بهذه الکلمة كانّه یدّعي الإستغناء بالمشاهدة عن النطقبالفعل،فکأنّه لاحاجة إلی النطق به،لأنّ المشاهدة والحال دالّة علی أنّ هذه الفعل وکلّ فعل فإنّما هوبإسمه تعالی،والحوالة علی شاهد الحال أبلغ من الحوالة علی شاهدالنطق. هل الإسم هو المسمّی أم لا ؟

قال السهیلی: وأمّا مثار الغلط من ظواهر القرآن ، فأقواها عندهم قوله عزّ و جلّ:« تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرام(2)» و« وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّك»(3) و « سَبِّحِ اسْمَ »

ص: 86


1- نتائج الفکر43
2- الرحمن : 78
3- المزمل : 8

رَبِّكَ الْأَعْلَى(1)» و لایجوز التسبیح لغیر الله تعالی و لا أُمِرَ صلّی الله علیه و آله و سلّم أن یذکر غیر الله و هذه الحجّة لِمَن تأمّلها علیهم لا لهم ، لأنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم کان من أشدّ الناس إمتثالاً لِأوامر ربّه ، فلو فهم منها الذي قالوه لقال في تسبیحه : « سبحان إسم ربّی » و لم یقل ذلک قطّ ، و لا روي عنه ، علی کثرة تسبيحه لمولاه.

و من أقرب ما یعارضون ، إجماع الأمّة علی أن لا یقول احد : إسم الله أکبر یرید : « الله اکبر » و لا یقول أحدٌ : سجدت لإسم ربّي ، و لا خفت إسم ربّي ، و لا : یا إسم الله ارحمني ، فدلّ ذلک کلّه علی انّ الإسترحام و الإستعطاف و السجود و الخوف لا تعلّق له بالإسم الذي هو عبارة عن المسمّی جلّ جلاله و انّ المسّمی هو المقصود بذلک کلّه ، و لو کان الإسم هو المسمّی لما امتنع شیء من ذلک.

فإن قیل : کیف جاز « وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّك(2)» و « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(3)» و المقصود بالذکر و التسبیح هو الرّب تبارک و تعالی ، لا اللفظ الدالّ علیه؟

قلنا : الذکر علی الحقیقة محلّه القلب لأنّه ضدّ النسیان ، و التسبیح نوع من الذکر فلو أطلق الذکر و التسبیح لما فهم منه إلّا ذلک ، دون اللفظ باللسان ، والله عزّوَجلّ انّما تعبّدنا بالأمرین جمیعاً ، و لم یتقبّل من الإیمان إلّا ما کان قولاً باللسان ، و إعتقاداً بالجنان فصار معنی الآیتین في هذا : اذکر ربّک و سبّح ربّک بقلبک و لسانک ، و

ص: 87


1- الأعلى : 1
2- المزمل : 8
3- الأعلى : 1

کذلک اقحم الإسم تنبیهاً علی هذا المعنی حتّی لا یخلو الذکر و التسبیح من اللفظ باللسان ، لأنّ الذکر بالقلب متعلّقُهُ بالمسمّی المدلول علیه بالإسم دون ما سواه و الذکر باللسان متعلّقُهُ اللفظ مع ما یدلّ علیه ، لأنّ اللفظ لا یراد لنفسه فلا یتوهّم احدٌ انّ اللفظ هو التسبیح دون ما یدلّ علیه من المعنی(1).

« الرَّحْمنِ الرَّحيم» :

و الکلام فیهما من جهتين : الصیغة و معناها و الإعراب.

امّا الأولی فقال أبوهلال : هما مشتقان من الرحمة و هي لغةً : رقّة القلب و عطفه . و المراد هنا التفضّل و الإحسان . فإن أسماءه سبحانه تُؤخذ بإعتبار الغایات دون المبادیء. ثمّ قال : و روي عن أبی عبدالله علیه السلام انّه قال :« الرحمة إسم خاصّ بصفة عامّة » و الرحیم بالعکس و ذلک انّ لفظ الرحمن لایطلق علی غیره تعالی .

و أمّا صفة عمومه فلأنّ رحمتَه في الدنیا واسعة شاملة للمؤمن و الکافر و أمّا الرحیم فیطلق علی غیره تعالی و أمّا صفة خصوصه فلأنّ رحمتَهُ في الآخرة لا تشمل إلّا المؤمن .

فإن قلتَ : قد ورد في بعض الأدعیة : یا رحمن الدنیا و رحیم الآخرة ، و في بعضها : یا رحمن الدنیا و الآخرة و رحیم الدنیا ، و ورد في الصحیفة الشریفة : یا رحمن الدنیا و الآخرة و رحیمهما ، فما وجه الإختلاف ؟

قلتُ : قد أجبتُ عنه بأنّ إختلاف العبارات بإختلاف الإعتبارات فعند إعتبار انّ الرحمن أبلغ من الرّحیم ، لدلالة زیادة المباني علی زیادة المعاني ، و إعتبار الأغلبیّة فیه

ص: 88


1- نتائج الفکر 34

بإعتبار الکمیّة نظراً إلی کثرة أفراد المرحومین عبّر برحمن الدنیا و رحیم الآخرة لِشمول رحمته في الدنیا للمؤمن و الکافر و إختصاص رحمة الآخرة بالمؤمن.

و عند إعتبار الأغلبیّة بإعتبار الکیفیّة و هي جلالة الرحمة و دقّتها بالنسبة إلی مجموع کلّ من الرحمتین عبّر برحمن الدنیا و الآخرة و رحیم الدنیا لجلالة رحمة الآخرة بأَسرها بخلاف رحمة الدنیا ، و بإعتبار نسبة بعض أفراد کلّ من رحمة الدنیا و الآخرة إلی بعض عبّر برحمن الدنیا و الآخرة و رحیمهما، لأنّ بعضاً من کلّ منهما أجلّ من البعض ، و بعضاً من کلٍّ منهما أدقّ(1).

و « الرَّحْمنِ » کما أشار إلیه أبوهلال أبلغ من «الرَّحيم» مختص بالله تعالی لا لأنّه من الصفات الغالبة ، لأنّه یقتضی جواز إستعماله في غیره تعالی وَضعَاً و لیس کذلک ، بللأنّه علمُ لله تعالی و یدلّک علی هذا ورودُهُ في التنزیل غیر تابع لإسم قبله کما ورد غیره من الأسماء التي تجري مجری الأعلام .

ثمّ إعلم انّ الصیغة مبالغتُهُ إمّا بالکمیّة نحو « الرحمن » لکثرة أفراد الرحمة و أفراد المرحوم و إمّا بالکیفیّة و هي إمّا مستندة إلی آثار الفعل الصادر من الفاعل من حیث تأثیره نفعاً أو ضرّاً علی المفعولین و ذلک کنسبة الکافرین للمرسلین سلام الله علیهم أجمعین بأنهّم کذّابون في بادئ بدء دعوتهم إلی التوحید و أن لیس اله غیر الله نحو قوله تعالی :« وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّاب أَ جَعَلَ

ص: 89


1- معجم الفروق 252

الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عُجاب(1)» و لیس هذا إلّا أن تکذیبه صلّی الله علیه و آله و سلّم آلهتهم یوقعهم في ضرار بإنفضاض القوم و إعراضهم من حولها و حولهم و إن کان صلّی الله علیه و آله و سلّم أمیناً عندهم صدّیقاً فی غیر ما قال في آلهتهم.

و إمّا مستندة إلی عظمة الفاعل و أنّ القلیل منه أکثر من الکثیر من غیره کَرضوانه و رحمته تعالی خصوصاً في الآخرة لأنّ الله تعالی مالک یوم الدین یوم عبوس قمطریرٍ کان شرّه مستطیراً و قلیل منه تعالی فیه أکثر و أکبر و علیه حمل قوله تعالی :« ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيد(2) » لأنّ الظلم لو وقع منه سبحانه و تعالی لأختلَّ النظام و لفسدت السماوات و الأرض و لو کان أقلّ من القلیل.

و أمّا الإعراب فالأولی أن یکون « الرَّحْمنِ » و کذلک « الرَّحيم » نعتاً لله تعالی علی سبیل المدح و الثّناء و ذلک انّ الله تعالی إذا وصف فلیس الغرض في ذلک تعریفُهُبما یتبعه من صفته لأنّ هذا الإسم لایعترض شکّ فیه فیحتاجَ إلی وصفه لتخليصه لأنّه الإسم الذي لایشارک فیه أحد علی وجهٍ فلم تجیء صفتُهُ لتخليصه بل للثناء علی الله تعالی.

و لایرد علیه ما ذکرنا سابقاً من کون الرحمن علماً لله تعالی حیث انّ العلم ینعت و لا ینعتُ به ، لأنّ أسماء الربّ تعالی هي أسماء و نعوتٌ دالّة علی صفات کماله فلا تنافي فیها بین العلمیّة و الوصفیّة فَ« الرَّحْمنِ » إسمه تعالی و وصفُه لا تنافي إسمیّتهُ وصفیَّتَهُ فلامانع من کونه نعتاً مع کونه علماً.

ص: 90


1- ص : 4 5
2- ق : 29

فائدة : ما یعتبر في إجراء القطع

قال سیبویه في باب ما ینتصب في التعظیم و المدح : و إن شئت جعلته صفةً فجری علی الأوّل و إن شئتَ قَطعتَهُ فابتدَأتَهُ و ذلک قولک : الحمد لله الحمیدُ. ثمّ قال و سمعنا بعض العرب یقول الحمدُ لله ربَّ العالمین فسألت عنها یونس فزعم أنّها عربیّة.(1)

فهل یجوز علی ما قال سیبویه الرفع أو النصب في الرحمن الرحیم علی القطع ؟ قلنا : لایجوز لأنّه لیس للمدح و التعظیم معنی الّا أن یکونَ للتابع المقطوع معنی لم یکن له من قبل لئلّا تلزم اللغوية ، فإنّا إذا قلنا مررتُ بزیدٍ العالمُ و قطعنا و رفعنا علی انّه خبر للمبتدأ فلیکن معنی هو العالم ، انّ غیر زید لیس بعالمٍ أو انّه لیس کزیدٍ فهذا هو معنی المدح في القطع ولکن لا یجوز هذا في صفاته تعالی لأنّ الأوصاف المتبعة لله تعالی لایشرکه تعالی فیها أحدٌ و یکون معنی القطع في « الرَّحْمنِ الرَّحيم» ما هو قبل القطع فلم یکن له فائدة .

الآیة الاُولی

اشارة

« هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورا»

« هل » :

قال إبن مالک « هل » حرف إستفهام ، تجیءُ مع الماضي بمعنی« قد » کقوله تعالی :

« هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ» قال المفسّرون المعنی « قد أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدَّهْرِ »(2) فقیّده بکونها مع الماضي و لم اجد هذا في کلمات غیره .

ص: 91


1- الکتاب1/289
2- شرح التسهیل 3/424

و انتَ تعرف جلیّاً بناء علی ما مرّ فی الأصول أنّ قول بعض النحاة بنیابة کلمة عن أخری في الأسلوب القرآني شئ یقولون بأفواههم یصدر عنهم لِبعدهم عن التدبّر في الأسلوب القرآني .

قال إبن جنّی : قد یمکن عندي أن تکون مبقّاة في هذا الموضع علی بابها من الإستفهام فکأنّه قال والله أعلم هل أتی علی الإنسان هذا ؟ فلابدّ في جوابه من « نعم » ملفوظاً بها أو مقدّرة أي فکما انّ ذلک کذلک فینبغي للإنسان أن یحتقر نفسه و لایبأي بما فتح له و یؤکّدُ هذا عندک قوله تعالی :« إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليهِفَجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيرا إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُورا(1)» أ فلاتراهُ عزّ إسمه کیف عدّد أیادیه و ألطافه له(2).

فعلی قوله یظهر الفرق بین « قد » و الإستفهام التقریري بِ« هَل »، حیث إنّ الأوّل مجرّد إخبار لا یشرک المخاطب في مضمون الکلام بخلاف « هل » فانّها بمقتضي تقریرها تشرک المخاطب في مضمونه و طلب منه الإقرار و الإعتراف بقدرته تعالی من حیث إتیان الدهر علی الإنسان حیناً منه قبل خلقه و علی ولده و أولاده من بني آدم حیناً آخر من الدهر فأقرّ الإنسان فعدّد الله علیه أیادیه و ألطافه له فکلّفه علی تکالیف و أحکام بعد أن خلقه و هداه لِیکون إمّا شاکراً و إمّا کفوراً . فهذا في ترغیب الإنسان أشدّ و أوقع من جعلها بمعنی « قد » و هل یفهم هذا مِن معنی « قد » ؟!

ص: 92


1- الإنسان : 2
2- الخصائص 2/223

معنی« علی »

و هي للإستعلاء : إمّا حقیقةً نحو : زیدٌ علی السطح ، أو مجازاً نحو : علیه دَین کما یقال : رکبه دَین ، کأنّه یحمل ثقل الدَّین علی عنقه أو علی ظهره و منه : عليّ قضاء الصّلاة ، و علیه القصاص ، لأنّ الحقوق کأنّها راکبةٌ لِمَن تلزمُهُ . قاله الرضي(1).

و معنی الإستعلاء لا یفارقها. قال البطلیوسي : یظنُّ الضعیف في هذه الصناعة أنّها قد فارقت معناها.فمن ذلک : قول القائل : «زُرتُهُ علی مَرضی» و« أعطَیتُهُ علی أن شتمني» و إنّما جاز إستعمال «علی» هاهنا ،لأنّ المرض من شأنه أن یمنع من الزیادة وکذلک الشتم بمعنی المشتوم من أن یعطي شاتمه شیئاً ، و المنع قهر للممنوع و إستیلاء علیه ، فهي إذن لم تخرج عن أصلها بأکثر من انّ الشئ المعقول شبّه بالشئ المحسوس، فخفي ذلک علی من لا دُربة له في المجازات و الإستعارات(2).

ولکن ذکر بعض أنّها جاءت بمعنی آخر غیر الإستعلاء نحو قوله تعالی :« الْحَمْدُ لِله الَّذي وَهَبَ لي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَميعُ الدُّعاء(3)» قیل انّها بمعنی المصاحبة.(4) و لیس کذلک لأنّها بمعناها وجاءت للدلالة علی عظیم قدرته تعالی و منّه و إحسانه علیه علیه السلام في إستیلائه علی کبره بعدما إنقطع عنه الأسباب العادیّة المؤدیّة إلی

ص: 93


1- شرح الرضي 4/321
2- الاقتضاب 2/283
3- إبراهيم : 39
4- شرح التسهیل 3/32

ظهور النسل . فهو علیه السلام استعلی علی الکبر لا الکبر علیه فلا معنی لِما قال البعض(1) : لو کانت للإستعلاء لکان الأنسب جعل الکبر مستعلیّاً علیه کما في قولهم : علیّ دَین .و کذلک قوله تعالی :« وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ(2)» لأنّه إخبار عن نفسه تعالی بالرحمة بخلقه و التفضّل علیهم بأنّه یغفر للناس و یغلب مغفرته علی غضبه و أنّ رحمتَه أمام غضبه و لا یفهم هذا المعنی من کلمة المصاحبة کما لا یخفی.

و منها : التعلیل کاللام(3)

نحو قوله تعالی:« يُريدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا الله عَلى ما هَداكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون(4)»ولکنّ السرّ في إتیانها هاهنا الدلالة علی أنّه ینبغي أن یکون التکبیر و التعظیم منکم یبلغ حدّاً من الشکر و الحمد و التعظیم یستعلي علی ما هداکم من نعمته و تفضّله تعالی علیکم من عدم إرادته تعالی بکم العسر و رفع المشقّة و الحرج بعدم تکلیفه نفساً إلّا وسعها و بتیسیر التکالیف.

فلیس في اللام ما في حرف الإستعلاء من الاشعار بحَثّ المؤمنین علی المبالغة في تعظیمه تعالی و الإکثار من شکره و مداومة الثّناء علیه.

ص: 94


1- روح المعاني 7/228
2- الرعد : 6
3- شرح التسهیل 3/33 مغنی اللبیب 1/144
4- البقرة : 185

و منها : الظرفیّة(1)

نحو قوله تعالی :« وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطينَ كَفَرُوا(2)» قال ابوحیّان : « تلا » تتعدّی بِ« علی » إذا کان متعلقهایتلی علیه(3) لِقوله : یتلی علی زید القرآن ، و لیس الملک هنا بهذا المعنی ، لأنّه لیس شخصاً یتلی علیه. فلذلک زعم بعض النحویین انّ«علی»تکون بمعنی« في»أي تتلو في ملک سلیمان علیه السلام و قال أصحابنا : لا تکون « علی » في معنی « في » بل هذا من التضمین في الفعل ضمّنَ « تقوّل » فعدّیا بِ« علی » لأنّ «تقوّل» تعدّی بها قال تعالی :« وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا(4) » انتهی(5). و لا یخفی أنّ القول بالتضمین یمکن أن یکون نافعاً في توجیه تعدیة الفعل بهذا الحرف ولکن لاینتفع في سرّ إختصاص هذا الموضع بِ« علی » دون غیرها.

و السرّ في إتیانها هنا والله أعلم أنّ تلاوتهم کانت علی شئ لا یصلح کونه مقروءاً علیه فلا یمکن الإجابة منه و ردّه علی ما قالوا علیه فالشیاطین کانوا لهم إستیلاءً علی ملکه بأيّ شیء یقولون و ینسبون إلیه لِإضرارهم علیه بنسبة الکفر إلیه علیه السلام بالسحر

ص: 95


1- شرح التسهیل 3/34
2- البقرة : 102
3- نحو قوله تعالی : « نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون » القصص : 3 « ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكيم » آل عمران : 58 « تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلين » البقرة : 252
4- الحاقّة : 44
5- البحرالمحیط 1/523

فلا یصلح هنا حرفٌ غیر الإستعلاء بما فیها من الدّلالة علی الإستعلاء و الضرر المقصود في الآیة.و کذلک قوله تعالی :« وَ دَخَلَ الْمَدينَةَ عَلى حينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها(1)» فلیست « علی » بمعنی « في » و لو جاء بِ« في » فإن کانت تدلّ علی شدّة غفلتهم ولکن لاتدلّ علی ما هو المقصود و هو اطلاعه و إحاطته علیه السلام بذلک .

و منها : موافقة « مِن»(2)

نحو قوله تعالی:« وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفين الَّذينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُون (3) » قال الزمخشري : لمّا

کان إکتیالهم من النّاس إکتیالاً یضرّهم و یتحامل فیه علیهم أبدل « علی » مکان « مِن » للدلالة علی ذلک(4). و یؤیّده بل یدلّ علیه تعدیّة الفعل بنفسه في قوله من بعدُ « وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ » و لم یقل: کالوا لهم أو وزنوا لهم ، لأنّهم لم يختصّوا بهم ما كان حقّهم و مستحقّاً لهم .

و کذلک قوله تعالی :« وَ الَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ(5)» فلیست بمعنی « مِن » کما قیل(6) لأنّ « علی » علی بابها من الدلالة علی إستعلاء الرجل و قوامه

ص: 96


1- القصص : 15
2- شرح التسهیل 3/34
3- المطففين : 1 – 2 3
4- الکشّاف 4/719
5- المؤمنون : 5
6- شرح التسهیل 3/34

علی المرأة کما قال الزمخشري في تفسیرها : علی أزواجهم فی موضع الحال، أی : الّا والین علی أزواجهم أو قوّامین علیهنّ.(1)و منها : موافقة الباء(2)

نحو قوله تعالی :« حَقيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الْحَق(3)» ولکن جاءت « علی » هنا لتأکید صدقه علیه السلام في رسالته أي: لو لم أقل أنا علی الله الّا الحق فمَن یقوله ؟ و لذا قال الزمخشري : الأوجه و الألیق في نكت القرآن أن یغرق موسی علیه السلام في وصف نفسه بالصدق في ذلک المقام(4) .

فأنت تری کیف یُراعی دائماً في الأسلوب القرآني المناسبة بین السیاق و ما یلیق به من الألفاظ.

هذا ، و قد یکون إختلاف الحرف حسبَ إختلاف المتکلّم و ما یقصده من المعنی نحو قوله تعالی :« وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ في آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطيرُ الْأَوَّلين (5)» و « وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُورا وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ في

ص: 97


1- الکشّاف 3 /17
2- شرح التسهیل 3/34
3- الأعراف : 105
4- الکشّاف2/137
5- الأنعام : 25

آذانِهِمْ وَقْراً(1)» و « وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَ نَسِيَ ماقَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ في آذانِهِمْ وَقْراً إِذاً أَبَدا(2)» حیث قال : علی قلوبهم أکنة في الثلاثة.

بینما قال في قوله تعالی :« وَ قالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ في آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ(3)» و لم یقل : علی قلوبنا أکنّة. قال أبوحیّان في سرّه : انّ« في» أبلغ في هذا الموضع مِن« علی»لأنّ المشرکین قصدوا إفراط عدم القبول ،لحصول قلوبهم في أکنّة إحتوت علیها إحتواء الظرف علی المظروف ، فلایمکن أن یصل إلیها شئ کما تقول : المال في الکیس ، بخلاف قولک : علی المال کیس فإنّه لا یدلّ علی الحصر و عدم الحصول دلالة الوعاء و أمّا في قوله تعالی « جَعَلْنا » في المواضع الثلاثة فهو إخبار الله تعالی ،لایحتاج إلی مبالغة بخلاف قولهم إنتهی(4). و بذلک یکشف السرّ أیضاً في إتیان « مِن » في قولهم « وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ » بخلاف قوله تعالی « جَعَلْنا بَيْنَكَ » و السرّ أنّهم بصدد المبالغة في الحجاب الحائل بینهم و بین ما یدعوهم الرسول إلیه و المعنی أنّ الحجاب إبتدأ منّا و إبتدأ منک ، فالمسافة المتوسطة لجهتنا و جهتک مستوعبة کلّها بالحجاب لا فراغ فیها و لا ثُغرَة حتّی تنفذ دعوتک منها إلی قلوبنا و لمّا لم تکن هذه المبالغة مقصودةً في قوله تعالی لم یأتِ بِ« من ».

ص: 98


1- الإسراء : 45 46
2- الكهف : 57
3- فصّلت : 5
4- البحر المحیط 9/285

و أمّا « علی » في قوله تعالی :« هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ(1)» فالإستعلاء فیها واضح لأنّ إتیان الدهر علی الإنسان بالقهر و الغلبة و هي تستلزم الإستیلاء.

«الإنسان»

و المراد به هو آدم علیه السلام لا النوع و لنا في ذلک أمور :

اوّلاً : لئلّا یلزم التکرار بما بعده .

و ثانیاً : لو کان کذلک اکتفي بضمیره في الآیة بعده ، و لیس من إقامة الظاهر مقام المضمر لأنّ السیاق لیس في عظمته بل في عظمة الخالق و أنّه محدث بیده تعالی فینبغي أن یکون شاکراً لنعمه أعظمها خلقه لا الکفر بها و به تعالی .

و ثالثاً : المناسب بالسیاق أن ذکر الله تعالی کلا النوعین من خلقه عُجاب خلقاً من طین و خلقاً من نطفةٍ أمشاجٍ بیاناً لقدرته تعالی و عظمته و ترغیباً للإنسان بشکره تعالی في ما إبتلاه به .

« عَلَى الْإِنْسانِ »

تقدّم علی الفاعل لأنّ الإعتناء بشأنه لا بشأن الفاعل.

« حينٌ مِنَ الدَّهْرِ »

الحین فاعل و ما بعده متعلّق للعموم وصف له و المعنی کما قال الزمخشري : طائفة من الزمان الطویل الممتدّ(2) و قال أبوحیّان : و الحین الذي مرّ علیه هي المدّة التي بقي فیها إلی أن نُفِخَ فیه الروح(3) .

ص: 99


1- الإنسان : 1
2- الکشّاف 4/665
3- البحر المحیط 10/358

معنی« مِنَ »

و هي للإبتدا و قد بذل بعض جهدهم لبیان انّ الأصل فیها الإبتداء و أنّ سائر المعاني المذکورة عند النحاة ترجع إلی هذا کالمبرّد حیث قال في موضع من المقتضب : و أصلها إبتداء الغایة و کونها في البعض راجع إلی هذا(1).

و ما قال المبرّد في البعض قال الزمخشري فی سائر المعاني حیث قال: معناها إبتداء الغایة و کونها مبعّضةً و مبیّنةً و مزیدةً راجعٌ إلی هذا،(2) ولکن کلاهما لایفیان بما قالا لأنَّ المبرّد قال في موضع آخر من المقتضب : أمّا « مِن » فمعناها ابتداء الغایة و تکون للتبعيض نحو قولک : « أخذت مال زید » فیقع هذا الکلام علی الجمع فإن قلتَ : « أخذت مِن ماله » و « أکلتُ من طعامه » أو « لبستُ مِن ثیابه » دلّت « مِن » علی البعض(3) . کما قال به الزمخشري في کثیر من مواضع في تفسیره کما لا یخفی علی أحد.

فإتیان« مِن»للتبعیض في کلمات المفسّرین والنحاة کثیرٌ جدّاً وأمّا انّ اَیّهما هو الأصل فالظاهر هو الإبتداء لأنّه هو الغالب علیها و لأنّ حملها علی التبعیض في بعض مواردها

ص: 100


1- المقتضب 1/86
2- شرح المفصّل لإبن یعیش 4/462
3- المقتضب 4/412

مُحال کما في قوله تعالی :« وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي (1)» لأنّ کونها للتبعیض یوهم انّ الروح من أجزاء الله سبحانه و تعالی و هذا غایة الفساد.

فالإبتداء و التبعیض کلاهما من معناها و یعرف کلٌّ بمعونة القرائن و السیاق و لاینافي هذا ما نحن علیه و قلنا کراراً من عدم نیابة حرف عن آخر لأنّ هذا لیس من النیابة في شئ ، ألا تری انّ کلّاً منهما لا یجئُ في أيّ حرف آخر إلّا ما قال بعض مِن انّ الباء جاءت للتبعیض و قد مرّ منّا و یمرّ علیک ما فیه ،علی انّه نُسب إلی سیبویه(2) : انّها ذکر في سبعة عشر موضعاً من کتابه أنّها لاتأتي له.

و ذکر النّحاة لها معانٍ اُخر:

منها : التبیین(3)

نحو قوله تعالی :« ما نَنْسَخْ مِنْ آيَة(4) » لکنّ الصحیح ما قال أبوحیّان في تفسیرها :« مِن » هنا للتبعیض و کذلک ما جاء من هذا النحو في القرآن ، و في کلام العرب تخریجُهُ هکذا ، نحو قوله تعالی :« ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ(5) » و « وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَة(6)» و قولهم:«مَن یضرب من رجل أضربه» و یتضح بهذا المجرور ما کان معمولاً لفعل الشرط،لأنّه مخصّص له ، إذ في إسم الشرط عموم ، إذ لو لم یأتِ بالمجرورلحمل علی

ص: 101


1- ص : 72
2- شرح فروع الکافی1/303
3- مغنی اللبیب 1/319
4- البقرة : 106
5- فاطر : 2
6- النحل : 53

العموم، لو قلتَ مَن یضرب أضرب کان عامّاً في مدلول « مَن » فإذا قلتَ : من رجلٍ ، إختصّ جنس الرجال بذلک و لم یدخل فیه النساء و إن کان مدلول « مَن » عامّاً للنوعین(1) .

فالتبیین و التخصیص لا یباین و لایفارق التبعیض و کما کانت « مِن » في قوله تعالی : « ما نَنْسَخْ مِنْ آيَة(2)» لِتخصیص ما قبلها کانت « مِن» في قوله تعالی :« مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله(3)» و أشباه هذه أیضاً لِتخصیص ما بعدها. فأيّ فرق بینهما ؟و ما الوجه في تسمیّة إحداهما بالتبعیض و الأخری بالتبیین ؟! لکن مع ذلک لایبعد ان یکون هذا معنی ثالثاً لها. و لا ینافي مسلکنا ایضاً لانّ التبیین یکون معنی مختصّاً بها و لا یاتي في ايّ حرف آخر من حروف الجر الّا ما قیل(4) بأنَّ «إلی» في نحو قوله تعالی :«قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه(5) » للتبیین . ولیس بشئ لانّ التبیین وظیفتها الصناعیّة

لا معناها و لکن معناها علی أصلها للإنتهاء کما دلّ علیه مقابلتها ب«مِن» .

منها : التعلیل(6)

نحو قوله تعالی :« مِمَّا خَطيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ الله أَنْصارا(7)»والصحیح أنّها للتبعیض و السرّ في إتیانها هو انّ قوم نوح علیه السلام إستکبروا في

ص: 102


1- البحر المحیط 1/549
2- البقرة : 106
3- البقرة : 253
4- مغنی اللبیب 1/75
5- یوسف 33
6- مغنی اللبیب 1/320
7- نوح : 25

المعاصي بتمادیهم في الکفر و العصیان و المکر لِنبیّهم علیه السلام و عدم قبول دعوتهم و إستکبارهم مع طول دعوته علیه السلام إیّاهم فأتی بِ« مِن » لِبیان انّ بعض هذه الذنوب کافٍ في عذابهم و إغراقهم و إدخالهم في النّار و أتی بالفاء مع ما بین الإغراق و الإدخال في النّار من التراخي لِبیان انّ ما علیهم من العذاب بالنسبة إلی ما سیلاقونه في عذاب جهنّم لایدخل في عداد الزمن لِأنّ هذا کان لِبعض المعاصي و ما سیلاقونه لکثیرها.

و کذلک « مِنْ خَشْيَةِ الله» من قوله تعالی :« ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله وَ مَا الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون(1)» لأنّها بیان لکون قلوبهم أقسی من الحجارة فانّ الحجارة تهبط من عالي مکانه إلی سافل الجبل بالتأثّر مِن إبتداء حصول الخشیة فکیف یکون حالها إذا بلغت خشیتُها غایتَها بنفوذ الجلال فیها ، مع انّ قلوبهم لطیفة نافذة و الحجارة صعبةٌ قسوة .

و منها : البدل :

نحو قوله تعالی :« أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليل(2) » ولکنّ الصواب انّها فیها للتبعیض و المعنی : انّ المتاع الدنیا الذي رضیتم به بعض المتاع الآخرة و نعیمها و هذا البعض إذا ما قارن و واجه بنعیم الآخرةالعظیمة

ص: 103


1- البقرة : 74
2- التوبة : 38

یتلاشی فیها و صار ضالّةً غیرمنکشفة حتّی کأنّه لم یکن یوجد قطّ کقطرة في بحرٍ أو أقلّ ، فهل یلیق بالعاقل ترک الثواب العظیم الباقي في ا لآخرة لأجل المنفعة الیسیرة العاجلة الحاصلة في الدنیا ؟! فلیست « مِن » بمعنی البدل البتّةَ ، کما لیست « في » بمعنی المقایسة لأنّها معنی حاصل لإستعمال حرف الظرفیّة و لیس معنی موضوعاً لها.

و کذلک قوله تعالی :« إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شَيْئاً(1)» لأنّ المعنی انّه لمّا لم یکن للأموال و الأولاد و هما أقرب ما یعول علیهما الإنسان و یرجوهما في الشدائد غناء عنهم في حصول إبتداء عذاب الله فکیف بإنتهائه و شدائد العقاب، فغیرهما اسوأ حالاً منهما و هم لا یجدون لأنفسهم الیوم نصیراً.

و منها : المجاوزة :

نحو قوله تعالی :« إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْف فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْت الَّذي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْف(2)» و السیاق في مقام تعدید نعمة الله و لطفه علی أهل مکّةَ حیث أنّهم بوادٍ غیر ذي زرع عُرضةً للخوف و الجدب لولا لطف الله تعالی علیهم ،و کمال اللطف أن أطعمهم الرّب من الجوع بإبتدائه و قبل أن أحاطهم و من خوفٍ کذلک لا إبتعادهما عنهم بعد أن أحاطهم . فلیست « مِن » بمعنی « عن »، قال إبن یعیش : تقول :« اطعمه من جوع ، و عن جوع » فإذا جئت بِ« مِن » کانت لإبتداء الغایة ، لأنّ الجوع إبتداء الإطعام ، و إذا جئت بِ« عن » فالمعنی أنّ

ص: 104


1- آل عمران : 10
2- قريش : 2 – 3 4

الإطعام صرف الجوع ، لأنّ « عن » لما عدا الشئ(1). و قال ناظر الجیش : « أطعمه عن جوع » معناه : أطعمه بعد الجوع ، فقد عدا وقتُهُ وقت الجوع و تجاوزه(2). فلا یناسب المقام إستعمال « عن » کما عرفتَ .

فتدبّر في السیاق و ما یلیق به من الألفاظ و لاتغفل فإنّ له شأناً عظیماً کما مرّ في الأصول.

و أمّا قوله تعالی :« فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله(3)» فقد مرّ بیانه .

و منها : مرادفة الباء:

نحو قوله تعالی : « وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ(4)» و لیس کذلک لأنّ المراد أنّهم لما عرض علیهم الهمّ و الهول و الذلّ لا یستطیعون النظر بجمیع العین و إنّما ینظرون من بعضها کما دلّ علیه توصیف الطرف بالخفاء الدالّ علی ضعف النظر بضعفهم ،قال الزمخشري:أی یبتدئ نظرهم من تحریک لأجفانهم ضعیف خفي بمسارقة ، کما تری المصبور(5)ینظر إلی السیف و هکذا نظر الناظر إلی المکاره لا یقدر أن یفتح أجفانه علیها و یملأ عینیه منها کما یفعل في نظره إلی المحاب(6).

ص: 105


1- شرح المفصّل 4/502
2- شرح التسهیل المسمّی بتمهید القواعد 6/2971
3- الزمر : 22
4- الشورى : 45
5- أی المحبوس للقتل
6- الکشّاف 4/231

ثمّ لا یخفی علیک انّه قد یختلف الحرف حسب إختلاف أحوال المتکلّم عنه و جاء کلّ بما یلیق به من المناسبة نحو قوله تعالی :« وَ الَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فيما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ الله بِما تَعْمَلُونَ خَبير(1)».

و قوله تعالی :« وَ الَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ في ما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ الله عَزيزٌ حَكيم (2)» لأنّ الأولی متعلّق بالنساء من جهة أمر التزوّج بعد إنقضاء العدّة ، بینما الثانیة في عموم أحواله و أفعالِه ،التزوّجُ من جملتها . و لذا قال الإسکافي : للسائل أن یسأل فیقول : ما الفائدة الّتي أوجبت إختصاص المکان الاوّل بالتعریف و الباء فقال « بالمعروف » و المکان الثاني بالتنکیر و لفظة « مِن »؟ فالجواب عن ذلک : أن یقال : انّ معنی الأوّل : لاجناح علیکم في أن یفعلن في أنفسهنّ بأمر الله المشهور و هو ما أباحه لهنّ من التزوّج بعد إنقضاء العدّة، فالمعروف هاهنا أمرُ الله المشهور و هو فعله و شرعه الذي بعث علیه عباده .

و الموضع الثاني : انّ المراد به : فلاجناح علیکم فیما فعلن في أنفسهنّ من جملة الأفعال التي لهنّ أن یَفعلنَ من تزوّج و قعود . فالمعروف هاهنا فعلٌ من أفعالهنّ یعرف في الدّین جوازه و هو بعض ما لهنّ أن یفعلنه و لهذا المعنی خصّ بلفظة « مِن » و جاء نکرةً.

ص: 106


1- البقرة : 234
2- البقرة : 240

فجاء« المعروف » في الأوّل معرَّف اللفظ لما أشرت إلیه و هو أن یفعلن في أنفسهنّ بالوجه المعروف المشهور الذي أباح الشرع لهنّ ذلک و هو الوجه الذي دلّ علیه و أبانه ، فعرف إذ کان معرفة مقصوداً نحوه ، و کذلک خصّ الباء و هو للإلصاق ، و الثاني کان وجهاً من الوجوه التي لهنّ أن یاتینه ، فاخرج مخرج النکرة لذلک(1).

و منها مرادفة « في »، نحو قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون(2) » لکن السرّ في إتیانها دون « في» هو أنّها جاءت ترغیباً لهم بفعل الصلاة و ذلک بأنّ« مِن» تدلّ علی أنّ الله تعالی لایکلّفهم أن یترکوا البیع و ما یشغلهم عنها إلّا بعضاً قلیلاً من الیوم مع جعله تعالی ما في ذلک القلیل من الوقت خیراً لهم من غیره . فلا یلیق بالترک و عدم الإعتناء بأمرها و الإشتغال بغیرها، وحرف الظرفیّة و إن کانت مناسبة لبیان وقت الصّلاة و هي الظهر لما فیها من الدّلالة علی الإستقرار في أعماق الشئ

لکنّ هذه الجهة غیر مرادةٍ في الآیة بل المراد کما قلنا في مقدار الوقت لا الوقت نفسه و الإستقرار في اعماقه لأنّ ذلک هو مدار البحث و الحثّ في الآیة .

و کذلک قوله تعالی :« قُلْ أَ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله أَرُوني ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ(3)» قال الزمخشري : المعنی : اخبروني عن هولاء الشرکاء و عمّا استحقّوا به الالهیّة و الشرکة .أروني أيّ جزء من أجزاء الأرض

ص: 107


1- درّة التنزیل 348
2- الجمعة : 9
3- فاطر : 40

استبدوا بخلقه دون الله(1). فالتبعیض هنا واضحٌ و لو قال « في الارض » کان التحدّي بهم في ما علی الأرض مع أنّ خلق السّموات و الأرض أکبر من خلق ما فیها فالإتیان بِ« مِن » أنسب بعجزهم و أجدر بقدرته تعالی .

و منها : الإستعلاء :

نحو قوله تعالی :«وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعين(2)».

قال الآلوسی : قال بعضهم : انّ النصر یتعدّدی بِ« علی» و« مِن» ، ففي الأساس: نصره الله تعالی علی عدوّه و نصره مِن عدوّه ، و فرّق بینهما بأنّ المتعدّي بِ« علی» یدلّ علی مجرد الإعانة و المتعدّي بِ« مِن» یدلّ علی استتباع ذلک للإنتقام من العدوّ و الإنتصار.(3) و یدلّ علیه ختام الآیة حیث قال « فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعين(4)».

و منها الزائدة :

نحو ؛« ما جائنی من رجل » کذا قالوا ، لکنّ الصحیح أنّها في أمثال ذلک لإبتداء الغایة و ذلک لأنّه إذا قلت : « ما جائنی من رجل » فانّک دخلت الرجل إبتداء نفي المجئ إلی آخر الرجال فحینئذٍ لم یجئ عندک أيّ رجلٍ لأنّه نکرة و لا فرق بینه و بین رجل آخر و مِن هنا دخل الکلام معنی الإستغراق لأنّک نفیت إبتداء أيّ رجلٍ

ص: 108


1- الکشّاف 3/617
2- الأنبياء : 77
3- روح المعاني 9/70
4- الأنبياء : 77

عندک فضلاً عن إنتهائه و إجتماع الرجال ، و إن تری أنّها دخلت علی النکرة المنفیّة فسرّه ذلک.

فعلی هذا « مِن » في قوله تعالی :« ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُور(1)» لیست زائدةً دخولها کخروجها کما قیل. بل انّها جعلت التفاوت إبتداء نفي الرؤیة إلی آخر التفاوت وانّک اذا لم تر إبتداء تفاوت فکیف بإنتهائه؟ و هذا في نفي التفاوت أبلغ مِن قولک : «ما تری تفاوتاً »، لأنّه ربّما یوهم أنّک نفیت التفاوت بأعظمه و منتهاهُ.

فَ« مِن» لیست دخولها کخروجها فلیست في قوله تعالی :« إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ الله بِما تَعْمَلُونَ خَبير(2)» زائدة کما قیل.(3) بل هي هنا للتبعیض لأنّ من الذنوب ما لا یکفّر بإبداء الصدقات أو إخفائها و إیتائها للفقراء و هي مظالم العباد و أمّا قوله تعالی :« إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَريما(4)» فسقوطها لأنّ المتکلّم عنهم في هذه الآیة الذین یجتنبون الکبائر فوعد الله عزّ وَ جلّ تکفیر جمیع السیّئات فلمّا إختلف المتکلّم عنهم و ما لهم من العمل إختلف التعبیر.

ص: 109


1- الملك : 3
2- البقرة : 271
3- شرح التسهیل 3/9
4- النساء : 31

و کذلک قوله تعالی :« وَعَدَ الله الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيم(1)» و في عدّة آیات اُخر ذکرت فیها کلمة« مِن» إلّا قوله تعالی :« وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيم(2)» قال الإسکافي : کلّ موضع ذکر فیه « مِن تحتها» إنّما هو عامّ لقوم فیهم الأنبیاء و الموضع الّذي لم یذکر فیه « مِن » إنّما هو لقوم مخصوصين ، لیس فیهم الأنبیاء علیهم السلام(3).

و حیث دخلت « مِن» دلّت علی أنّ النعیم أعظم من الفارغ منها و ذلک لأنّ « مِن» ابتدائیّة فمعنی قوله : جنّات تجري من تحتها الأنهار ، انّ إبتداء جریان الأنهار من تحت أشجار تلک الجنّة و تتفجر من تحتها و تنبع من تحتها ثمّ تسیرُ في مجاریها إلی أماکن اُخرى.

و لا شکّ أنّ منظر تفجّر الأنهار و نبعها أجمل و أنّ نعيم ذلک المکان الذي إبتداء منبعها وجریانها أکمل و أفضل و الذي دلّ علی هذا التخصیص هو کلمة « مِن » الإبتدائیّة.

و أمّا الآیات الاُخری فانّ نعیمها أقلّ لأنّ الأنهار تمرّ بها مروراً و تجري فیها جریاناً و تتجاوزها إلی جنّات اُخری و لهذا حُذِفت « مِن ».

ص: 110


1- التوبة : 72
2- التوبة : 100
3- درّة التنزیل 473

ثمّ إعلم انّه کما لا یجوز الحکم بزیادتها حیث ذکرت لا یجوز ذکرها حیث حُذِفت نحو قوله تعالی :« وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ رَجُلاً لِميقاتِنا(1)» لأنّ في حذفها بیاناً بأنّ قومه علیه السلام لیسوا کلّهم أو کثیرهم خیاراً و انّه علیه السلام أختار منهم سبعین رجلاً بل یدلّ علی أنّ الخیار من قومه قلیل جدّاً و هم هؤلاء دون غیرهم و لا یناسب لهذا الغرض ذکر« مِن» و ما قیل في تفسیره : أي مِن قومه(2) فلیس في محلّه.

« لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورا »

الضمیر راجع إلی الإنسان و الجملة حال منه.

و أعلم انّ لتطوّر الإنسان ثلاثة مراحل :

الأوّل : کونه في علمه تعالی قبل أن یصنعه و الدالّ علیه قوله تعالی :« أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئا(3)»

الثانی : خلقه و صنعه بمادّته إمّا بتراب کما في آدم علیه السلام و إمّا بنطفة کما في بنيه و یدلّ عليهما قوله تعالی :« لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورا(4)» و قوله : «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ»(5) فانّه حینئذٍ یکون شیئاً لکن لیس قابلا للذکر.

ص: 111


1- [1] الأعراف : 155
2- إعراب القرآن للزجاج1/114
3- مریم : 67
4- الإنسان : 1
5- الإنسان : 2

الثالث : خلقه و تشدید أسره لأن یکون صالحاً لتوجّه الخطاب و تحمّل التکلیف کما یدلّ علیه قوله تعالی : « نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ(1)».

الآیة الثانیة

اشارة

« انّا خلقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيرا(2) »

« إِنَّا خَلَقْنَا »

تنبیهان :

الأوّل : لا اظنّ احداً شک في وجوب التفرقة بین قولک : «ضرب زیدٌ عمرواً» و بین قولک:« زیدٌ ضرب عمرواً »و هي قصر الضرب علی« زید» في الثاني بخلاف الأوّل .

فتقدیم المسند إلیه أحدٌ من ضروب القصر کما لا یخفی علی المتأمّل في الأسلوب القرآني و حسبك أن تنظر مِن بین مئات الجمل التي أسند الفعل إلی الله تعالی ، إلی إثني عشر موطناً خولف فیها هذا النسق سبعة منها في سورة النحل و هي :« وَ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً(3)» ، « وَ الله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُم (4)» ،« وَ الله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍفِي الرِّزْقِ(5)» ، « وَ الله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجا(6)» ، « وَ الله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ

ص: 112


1- الإنسان : 28
2- الإنسان : 2
3- النحل : 65
4- النحل : 70
5- النحل : 71
6- النحل : 72

أُمَّهاتِكُم(1) ،« وَ اللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنا(2)» ، « وَ الله جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا(3)».

و قد جاءت هذه الآیات مفصّلة نعم الله علی النّاس ، و دفعاً لما قد یتوهّم من أنّ لله شریکاً فیها ، أو أنّ للانسان یداً في الحصول علیها ، فإقتضی المقام أن یقصر امر تدبیرها علی الله سبحانه و تعالی .

اذا عرفتَ ذلک فالجملة قصریّة و « انّ » لتأکیده.

الثاني : کلّ موطن کان الغرض فیه بیان عظمة الخالق جاء فعل الخلق مبنيّاً للفاعل نحو قوله تعالی : « هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ طين (4)» ، «وَ الله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُم(5)» ، « وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُراب (6)» ، « الله الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُم (7)» و إذا کان الغرض توجّه نظر الإنسان إلی التدبّر و التأمّل في خلقه لیری حقیقة کونه و بدایة خلقهو تکوینه من ضعف و هلع و منيّ مهین مستقذر جاء الفعل مبنیّاً للمفعول کما في قوله

ص: 113


1- النحل : 78
2- النحل : 80
3- النحل : 81
4- الأنعام : 2
5- النحل : 70
6- الروم : 20
7- الروم : 40

تعالی :« وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعيفا(1)» ، « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَل(2)» ، « إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعا(3)» ، « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِق(4)» ، « خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِق(5)».

« الْإِنْسانَ »

و المراد به ذریّة آدم علیه السلام.

« أَمْشاجٍ »

و في المقاییس : المشج هو الخلط. و یقال : انّ الواحد ، مَشج و مَشَج ، و مَشیج(6).

و وصف النطفة بها مناسب لما في السیاق من بیان عظمة الخالق و قدرته تعالی و ذلک بأنّ کلمة أمشاج لها ثلاثة مفردات و مع ذلک لم توصف النطفة بواحد منها مع کون الموصوفة مفردةً. و السرّ والله أعلم بیان أنّ هذا الماء القلیل کان کثیراً في الواقع و لیس بقلیلٍ و لذلک وَصَفَهُ بالجمع و هو هنا بإعتبار الأجزاء المختلطة فیها رقّة و غلظاً و صفرة و بیاضاً و طبیعةً و قوّةً و ضعفاً إختلاطاً لیس فیه إلتباس حتّی إختصّ بعضها ببعض الأعضاء علی ما إراده الله بحکمته و علمه و قدرته تعالی إلی إنشائه إنساناً.

ص: 114


1- النساء : 28
2- الأنبياء : 37
3- المعارج : 19
4- الطارق : 5
5- الطارق : 6
6- معجم مقاییس اللغة 326/5

« نَبْتَليهِ »

وخلقناه بالايجاد و الكون مريدين ابتلائه و استخراج ماعنده من الشكر فجعلناه سميعاً ليتمكّن من استماع الادلّة السمعية بصيراً لينظر الآيات الآفاقية و الانفسية . و جاء هنا لبيان انّ الخلق من جهته لا عبثاً و جاء بصيغة المضارع دلالة على الاستمرار فيه فهذا سبب لما بعده ففرّع عليه بالفاء(1).

تحقیق حول التقدیم أنواعه و أغراضه و أسبابه :

الأوّل : تقدیم المفعول علی عامله : و تقدیمه علی فعله یفید الإختصاص کما في قوله تعالی :« يا بَني إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُون(2)»

قال إبن عاشور : فتقدیم المعمول هنا متعیّن للإختصاص لیحصل من الجملة إثبات و نفي و اختیر من طرق القصر طریق التقدیم دون «ما » و « إلّا» ليكون الحاصل بالمنطوق هو الأمر برهبة الله تعالی و یکون النهي عن رهبة غیره حاصلاً بالمفهوم فإنّهم إذا رهبوا الله تعالی حرصوا علی الإیفاء بالعهد و لمّا کانت رهبتهم أحبارهم تمنعهم من الإیفاء بالعهد ادمج النهی عن رهبة غیر الله مع الأمر برهبة الله تعالی في صیغة واحدة.(3)

هذا و التقدیم إذا اقترن بالفاء کان فیه مبالغة ، لأنّ الفاء کما في هذه الآیة مُؤذنة بشرط مقدّر و لمّا کان هذا الشرط لا دلیل علیه إلّا الفاء تعین تقدیره عامّاً نحو« إن یکن شئ

ص: 115


1- و الفاء اذا دخلت علی المسبّب قد یقال لها فاء التفریع .
2- البقرة : 40
3- التحریر و التنویر 1/439

أو مهما یکن شئ » کما أشار إلیه الزمخشري في قوله تعالی :« وَ رَبَّكَ فَكَبِّر(1)» حیث قال : و دخلت الفاء لمعنی الشرط کأنّه قیل مهما کان فلا تدع تکبیره.

وقال الزمخشري في الآیة: و هو من قولک : « زیداً رهبتُه» و هو أوکد في إفادة الإختصاص مِن «إِيَّاكَ نَعْبُد(2)»(3). یعنی به انّ تقدیم المفعول مع إشتغال فعله بضمیره آکد في إفادة الحصر من تقديم المفعول علی الفعل غیر المشتغل بضمیره، فَ« ايّاي فارهبون » آکد مِن« إیّای فارهبوا ».

فتبیّن انّ التقدیم في نحو قوله تعالی :« إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعين(4)» ممّا يتعلق بالتوحيد یفید الإختصاص.

وأمّا قوله تعالی :«وَ اعْبُدُوا الله وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا(5)» فلأنّ الحصر حاصل من جملتي النفي و الإثبات و کذا قوله تعالی :« إِنَّني أَنَا الله لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْني(6)» و أمّا قوله تعالی :« فَاعْبُدِ الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّين(7)» فلأنّ الإختصاص قد استفید منالحال في قوله « مُخْلِصاً لَهُ الدِّين » و أمّا قوله تعالی :« اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم(8)» فقد قيّدها

ص: 116


1- المدثر : 3
2- الفاتحة : 5
3- الکشّاف 1/131
4- الفاتحة : 5
5- النساء : 36
6- طه : 14
7- الزمر : 2
8- البقرة : 21

بالخلق الرافع للشرکة لأنّ الناس کلّهم لا یعتقدون بخالق غیر الله کما في قوله تعالی :« وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله (1)» و أمّا قوله تعالی :« فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْت(2)» فلأنّه لامظنّة شریک لربّ هذا البیت و کذا قوله تعالی :« وَ اعْبُدْ رَبَّك(3)» لأنّه لا مظنّة شرکٍ للمخاطب.

هذا و قلنا التقدیم یفید الإختصاص لا انّه یوجبُهُ لأنّه قد یقدّم المفعول للإهتمام نحو قوله تعالی :« قُلْ أَ فَغَيْرَ الله تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُون(4)».

والحقّ انّ التقدیم هنا لیس الّا للإهتمام بشأن المقدّم لیلي أداة الإستفهام فیعلم أنّ محلّ الإنکار هو إتّخاذ غیر الله ولیّاً و أمّا ما زاد علی ذلک فلا إلتفات إلیه مِن المتکلّم ألا تری لو قلتَ :« أزیداً تتّخذ صدیقاً»لم یکن مفیداً الّا إنکار إتّخاذ زید صدیقاً مِن غیر إلتفات إلی إتّخاذ غیره و إنّما ذلک لأنّک تراه لیس أهلاً للصداقة فالفرق بینه وبین قولک :«أ تتّخذ زیداً صدیقاً» أنّک أردتَ توجّه الإنکار للإتّخاذ لا للمتّخذ إهتماماً به.قال الزمخشري في قوله تعالی :« أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُريدُون(5)» إنّما قدّم المفعول علی الفعل للعنایة و قدّم المفعول له علی المفعول به لِأنّه کان الأهمّ عنده أن یکافحهم بأنّهم علی إفک و باطل في شركهم(6).

ص: 117


1- العنكبوت : 61
2- قريش : 3
3- الحجر : 99
4- الزمر :64
5- الصافات : 86
6- الكشّاف 4/49

و قد اجتمعا في آية واحدة و هي قوله تعالى :« أَ غَيْرَ الله تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُون(1)».

الثاني : تقدیم الظرف

و إن کان فضلةً فتقدیمه یفید الحصر غالباً نحو قوله تعالی:« وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(2)» و« عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ(3)» و « أَلَا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ(4)» و إن کان عمدةً فإن ورد في الإثبات فکذلک نحو قوله تعالی:« وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ(5)» و« إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(6)» و « لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ(7)» . و إن ورد في النفي فیفید الحصر دائماً إذا کان مقدماً قال الزمخشري في قوله تعالی : « ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَفِيه(8)» : فإن قلت : فهلّا قدّم الظرف علی الریب کما قدّم علی الغول في قوله تعالی :« لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ(9) »؟ قلت : لأنّ القصد في ايلاء الریب حرفَ النفي، نفيُ الریب عنه، و إثبات أنّه حقّ و صدق لا باطل و کذب ، کما کان المشرکون یدّعونه ، و

ص: 118


1- الأنعام : 40
2- الزخرف : 85
3- یوسف :67
4- الشوری : 53
5- الزخرف : 85
6- الغاشیة : 25_26
7- التغابن:1
8- بقرة : 2
9- الصافات : 47

لو أولی الظرف لقصد إلی ما یبعد عن المراد ، و هو أنّ کتاباً آخر فیه الریب لا فیه ، کما قصد في قوله تعالی : « لَا فِيهَا غَوْلٌ » تفضیل خمر الجنّة علی خمور الدنیا بأنّها لا تغتال العقول کما تغتالها هي، کأنّه قیل : لیس فیها ما في غیرها من هذا العیب و النقیصة(1).

الثالث : تقدیم الخبر المفرد علی المبتدأ:

و ذلک نحو قولک :«قائم زیدٌ»في« زیدٌ قائمٌ » فإنّک إذا أخّرت الخبر فلیس فیه الّا الإخبار بأنّ زیداً قائمٌ لا غیر من غیر تعرّض لمعنی من المعاني البلیغة ، بخلاف ما إذا قدّمتَه وقلتَ : «قائمٌ زیدٌ» فإنّه یفید إمّاإختصاصه بهذاالصفة من بین سائرصفاته من الأکل و الضحک و غیرهما و إمّا إختصاصه بالقیام دون غیره من سائر أمثاله أو الإهتمام و العنایة بالوصف بالنسبة إلی الذات المتصف به. و لذلک قال الزمخشري في قوله تعالی:« وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ الله(2)» فإن قلتَ: أیّ فرق بین قولک : و ظنّوا انّ حصونهم تمنعهم أو مانعتهم ، و بین النظم الّذي جاء علیه ؟ قلتُ : في تقدیمالخبر علی المبتدأ دلیل علی فرط وثوقهم بحصانتها و منعها إیّاهم و في تصيير ضمیرهم إسماً ل«أنّ» و إسناد الجملة إلیه ، دلیلٌ علی اعتقادهم في أنفسهم أنّهم في عزّة و منعة لا یبالي معها بأحد یتعرّض لهم أو یطمع في معازتهم(3).

و کذا قال في قوله تعالی :« قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتي يا إِبْراهيمُ(4)».

ص: 119


1- الکشّاف 1/34
2- حشر: 2
3- الکشّاف 4/496
4- مريم : 46

و قدّم الخبر علی المبتدأ لأنّه کان أهمّ عنده و هو عنده أعنی ، و فیه ضرب من التعجّب و الإنکار لرغبته عن آلهته، وإنّ آلهته ما ینبغي أن یرغب عنها أحدٌ(1) . و لو قال : أ انت راغبٌ عنها؟ ما أفادت زیادة الإنکار علی إبراهیم علیه السلام. فلو اُخّر الخبر أو جعلتَ المقدّم مبتدئاً لم یعرف شيٌ من هذا .

فبذلک تعرف أنتَ انّ کلّاً من «زیدٌ قائمٌ »و «قائمٌ زیدٌ» و« أ أنتَ قائمٌ »و «أ قائم أنتَ »، مبتدأٌ و خبرٌ إمّا علی الأصل و إمّا علی التقدیم و التاخیر لغرض بيانيّ فإنقسام المبتدأ من النحاة إلی الإسمي و الوصفي ممّا فات الغرض البيانيّ لهذا الترکیب و الأسلوب. و ما جاء على خلافه في نظم فانّه إمّا غلط من قائله أو مؤوّل ، على أنّ الذي يهمّ لنا أن نعرف الأُسلوب الذي بنى عليه الحكيم الاحد الواحد كلامه لا أنّ اعرابيّاً بما له من حاله قال في موضع كذا و قال آخر في آخر اُخرى . فافهم و تَفَطّن بذلک ايُّها الأعزّ حتّی لا یغرّنّک قیل النحاة .و کذلک قوله تعالی : « وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذينَ كَفَرُوا(2)»

فقدّم الخبر لیدلّ علی أنّ الأبصار مختصّة بالشخوص من بین سائر صفاتها من کونها حائرةً أو مطموساً أو مُزوَرَّةً إلی غیر ذلک من صفات المعذّبین حین العذاب فلو اُخّر الخبر فات هذا المعنی .

ص: 120


1- الکشّاف 3/21
2- الأنبياء : 97

هذا ، و لایخفی علیک انّ الحصر لاینحصر في ما ذکرنا لکن نَخُصُّها بالذکر لأنّها أکثر إستعمالاً أو أهمّ ، و کلّ موطن قدّم فیه ما حقّه التأخیر فالأصل فیه أن یفید الحصر سواء کان في مفعول أو حال أو ظرف أو غیر ذلک.

ثمّ إعلم انّه إذا إجتمع شیئان أو أکثر بعطف أو غیره مفرداً کان أم لا ، فکلّ منها لایقدّم في الأسلوب البياني للقرآن إلّا بسبٍ و له أنواعٌ.

منها : التقّدم بالزمان :

نحو قوله تعالی : « وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِم(1)» و هکذا قوله تعالی : « وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّور(2)» فإنّ الظلمات سابقة علی النور لأنّها عدم النور فیما من شأنه أن یتنوّربخلاف النور فإنّه أمر وجودي ولاشکّ انّ عدم الشئ سابق علی وجوده. و کذلک الظلمة المعنويّة، قال تعالی :« وَ اللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لاتَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ(3)» فانتفاء العلم ظلمة و هي متقدمة بالزمان علی نور الادراکات. و نحو قوله تعالی :« صُحُفِ إِبْراهيمَ وَ مُوسى (4)» و إمّا قوله تعالی :« أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما في صُحُفِ مُوسى وَ إِبْراهيمَ الَّذي وَفَّى (5)» لأنّه في سیاق الإحتجاج

ص: 121


1- العنكبوت : 38
2- الأنعام : 1
3- النحل : 78
4- الأعلى : 19
5- النجم : 36 37

علیهم بالتولّي و کانت صحف موسی علیه السلام منتشرة أکثر انتشاراً من صحف إبراهیم علیه السلام(1).

و منها : التقدّم بالذات :

و هذا في مراتب الأعداد نحو قوله تعالی :« مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباع(2)» و مّا قوله تعالی :« قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلهِ مَثْنى وَ فُرادى(3)» فقدّم «مثنی» لأنّ(4) طلب الحقائق من متعاضدین في النظر أجدى من فکرة واحدة ، إذا إنقدح الحقّ بین الإثنین فکر کلّ واحد منهما بعد ذلک فیزید بصیرة .

و منها : التقدّم بالسببیّة :نحو قوله تعالی :« إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعين (5)» قدّمت العبادة لأنّها سبب حصول الإعانة و قوله تعالی :« إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرين(6)» فإنّ التوبة سبب الطهارة .

و منها : التقدّم بالرتبة :

نحو قوله تعالی :« غَفُورٌ رَحيم (7)» فإنّ المغفرة سلامة و الرحمة غنيمة و السلامة مطلوبة قبل الغنيمة و إنّما تأخّرت في قوله تعالی :« ما يَلِجُ فِي الْأَرْض وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما

ص: 122


1- البرهان في علوم القرآن 3/231
2- النساء : 3
3- سبأ : 46
4- البحر المحيط 8/561
5- الفاتحة : 5
6- البقرة : 222
7- البقرة : 182

يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فيها وَ هُوَ الرَّحيمُ الْغَفُور(1)» لأنّها(2)منتظمةٌ في سِلك تعداد أصناف الخلق من المکلّفین وغیرهم فالرحمة شملتهم جمیعاً و المغفرة تختصّ بعضاً و العموم قبل الخصوص بالرتبة.

و قوله تعالی :«هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَميم (3)»فإنّ الهمّاز هو المغتاب وهو لایفتقر إلی مشي بخلاف النمیمة فإنّها تفتقر إلی ذلک و ما کان مجرّداً فهو سابق في الرتبة علی ما کان له تعلّقات بغیره.

و منها : التقدّم بالشرف :

و ذلک كتقديم الذکور علی الإناث في نحو قوله تعالی :« إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَ الْمُسْلِمات (4)» و « أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى(5)» و امّا قوله تعالی :« يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُور(6) » فهو تعریض للمشرکین في إعتقادهم بعض النعمة نغمة فقدّم الإناث علی الذکور في ابتداء تَعداد النعم الموهوبة علی عکس إعتقادهم لِبیان انّ الخلق کلّه بمشیئته تعالی لا علی وفق غرض العباد و قال الآلوسي(7) في وجه تعريف

ص: 123


1- سبأ : 2
2- البرهان في علوم القرآن 3 / 249
3- القلم : 11
4- الأحزاب : 35
5- النجم : 21
6- الشورى : 49
7- روح المعاني 13/53

الذکور و تنکیر الإناث : للتنبیه علی أنّه المعروف الحاضر في قلوبهم أوّل کلّ خاطر و أنّه الذي عقدوا علیه مُناهم.

و کقوله تعالی :« وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميق(1) » لأنّ الأجر في المشي مضاعف فأنّه أفضل.

و قوله تعالی :« يا مَرْيَمُ اقْنُتي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدي وَ ارْكَعي مَعَ الرَّاكِعين(2)» قال أبوحیّان : انّ السجود لمّا کانت الهیئةَ التي هي أقرب ما یکون العبد فیها إلی الله قدّم و إن کان متاخّراً في الفعل علی الرکوع(3) .و کتقدیم الأنفس علی الأموال في قوله تعالی :« إِنَّ الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُم(4) » و أمّا قوله تعالی :« وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ الله (5)» فمن تقدیم السبب لأنّ الجهاد یستدعي إنفاق الأموال اوّلاً.

و منها : التقدّم بالغلبة و الکثرة :

نحو قوله تعالی :« ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ الله ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبير(6)».

ص: 124


1- الحج : 27
2- آل عمران : 43
3- بحر المحیط 3 / 148
4- التوبة : 111
5- الأنفال : 72
6- فاطر : 32

قال الزمخشري : فإن قلتَ : لمَ قدّم الظالم ثمّ المقتصد ثمّ السابق؟ قلتُ : للإیذان بکثرة الفاسقین و غلبتهم و انّ المقتصدین قلیل بالإضافة إلیهم و السابقون أقلّ من القليل(1). و قال ایضاً في قوله تعالی :« هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ(2)» : قدّم الکفر لأنّه الأغلب علیهم(3)و الأکثر فیهم(4) و کقوله تعالی :« وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما(5)» و قوله تعالی :« الزَّانِيَةُ وَ الزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ(6)».و منها : التقدّم بالقلّة :

نحو قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون(7)» و کقوله تعالی :« وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهيمَ وَ إِسْماعيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفينَ وَ الْعاكِفينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُود(8)» قدّم الطائفون و هم الصق المذکورین بالبیت لأنّهم يطوفون حوله ثمّ العاکفون المقیمون بحضرته ثمّ المصلّون و هم جمیع المؤمنین الذین یصلّون عند الکعبة .

ص: 125


1- الکشّاف 3/613
2- التغابن : 2
3- المائدة : 38
4- الکشّاف 4 /546
5- المائدة : 38
6- النور : 2
7- الحج : 77
8- البقرة : 125

و منها : التقدّم بالسیاق :

و ذلک إذا کان لکلّ من المجتمعين سبب للتقدیم غیر ملحوظ غالباً في مواردها المستعملة کتقدیم الإنس علی الجنّ و عکسه في مواطن عدیدة و الإنس أشرف من الجنّ کما انّ الجنّ أقدم منه زماناً ولکن کلتا الجهتين غیر ملحوظتین في غالب استعمالاتهما في موضع إجتمعا فیه و کلّ موضع قدّم أحدهما علی الآخر لمناسبة یقتضیها السیاق .

و من ذلك قوله تعالی : « يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ(1)» قدّم الجنّ لأنّ السیاق في توبیخ الجنّ و الإنس بعدم إیمانهم مع إتیان الرسل منهم إلیهم يقصّون علیهم آیات الله و ینذرونهم لقاءيومهم ، و الجنّ بذلک أحقّ لأنّهم مع عدم إیمانهم أنفسهم إستکثروا في إغواء الإنس کما في قوله تعالی :« يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ(2)» و جعلهم أتباعاً لهم بالوسوسة و الإرهاب و نحو ذلک فناسب التقدیم هنا.

و قوله تعالی :« يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطان (3)» لأنّ السیاق في بیان تعجیز الثقلین من التسلّط و النفوذ من أقطار السماوات و الأرض، و الجنّ بذلک ألیق في مقام التعجیز لأنّهم مشهورون بالقدرة علی الأفاعیل الشاقّة ، و أمّا قوله تعالی :« قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ

ص: 126


1- الأنعام : 130
2- الأنعام : 128
3- الرحمن : 33

الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيرا(1)» فلأنّ السیاق في التعجیز من الإتيان بمثل القرآن و هو بالإنس ألیق لأنّ فیهم العرباء و أرباب البیان فهم في الفصاحة و البلاغة أقدر و لزیادة المبالغة في التعجیز قدّم الأقدر منهما.

و کقوله تعالی :« وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ(2)» لأنّ السیاق في الکثرة ، و الجنّ أکثر من الإنس إمّا أنفسهم و إمّا لشموله للشیاطین أیضاً.

تنبیهات :

الاوّل : قد یکون التقدّم بحسب ما یذکر من قبلُ کما ذکرنا في الأصل الرابع فلا نعيده.الثانی : قد یجتمع في موضع أکثر من سبب کما في قوله تعالی :« وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما(3)» لأنّ السارق أکثر من السارقة و لأنّ الترتیب کذلک مناسب للآیة التی قبلها کما ذکرنا في الأصل الرابع.

الثالث : قد يكون التقدّم بحسب الواقع فلا تلاحظ فيه أسباب التقدّم و إن كانت موجودة نحو قوله تعالى :« وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيرا(4)».

ص: 127


1- الإسراء : 88
2- الأعراف : 179
3- المائدة : 38
4- الإنسان : 8

« فَجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيرا(1)»

هذا کالمسبّب للإبتلاء ففرّع علیه بالفاء.

و جاء الوصفان بصیغة المبالغة لأنّ المقام مقام قدرته تعالی على خلقه و قدّم السمع لأنّ حاسّة السمع تسبق حاسّة الأبصار عند المولود بعد المیلاد و لأنّ(2) السمع أفضل من البصر لأنّه شرط النبوّة بخلاف البصر و لذلک ما بعث رسولاً أصمّ و قد کان فیهم مَن کان مبتلی بالعمی و لأنّ السمع تصل به نتائج عقول البعض إلی بعض فالسمع كانّه سبب لإستکمال العقل بالمعارف والبصر لایوقفک إلّا علی المحسوسات و لأنّ السمعمتصرّف في الجهات الست بخلاف البصر و لأنّ السمع متی بطل بطل الخلق و البصر إذا بطل لم یبطل الخلق.

و خصّهما بالذکر لأنّهما أشرف الحواس ، تدرک بهما أعظم المدرکات.

الآیة الثالثة

اشاره

« إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُورا »

تنبیهان :

اشارة

الاوّل : الفرق بین «الصراط» و «السبیل »و« الطریق» :

الفرق بین «الصراط» و «السبیل» :

ص: 128


1- الإنسان : 2
2- مفاتیح الغیب 2/295

الاوّل: انّ الصراط یوصف تارةً بالمستقیم نحو قوله تعالی:«اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيم(1)» و تارة بالسوی نحو قوله تعالی:«فَاتَّبِعْني أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا(2)»بخلاف السبیل .

الثانی : انّه لایرد في القرآن الّا مفرداً و أمّا قوله تعالی :« وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ(3)» فالعموم بلحاظ شُئونه و مقاطعه و منازله ، بخلاف السبیل نحو قوله تعالی :« وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا(4)».الثالث : انّه لایکون منهیّاً عنه بل ورد الأمر باتّباعه بخلاف السبیل نحو قوله تعالی :« وَ أَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون(5)».

فالفرق بینهما انّ الصراط یتضمّن معنی الحقّ الواضح الذي لایضلّ سالکه و لا یتحیّر.

و أمّا الطریق فلایقتضی السهولة بخلافهما و لایکاد یراد به الخیر الّا مقترناً بوصفٍ أو إضافة تخلصه لذلک کقوله تعالی :« يَهْدي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَريقٍ مُسْتَقيم(6)»

الثاني :

انّ الهدایة إذا تعدّت إلی کلمة الصراط بنفسه فهي بمعنى الإیصال إلی المطلوب نحو قوله تعالی :« اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيم(7)» و قوله تعالی :« وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقيما(8)» و

ص: 129


1- الفاتحة : 6
2- مريم : 43
3- الأعراف : 86
4- إبراهيم : 12
5- الأنعام : 153
6- الأحقاف : 30
7- الفاتحة : 6
8- النساء : 68

قوله تعالی :« وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنينَ وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقيما(1)» و إذا تعدّت إلیه بِ«إلی» فبمعنی إرائة الطریق أوصل أم لا، نحو قوله تعالی :« وَ إِنَّكَ لَتَهْدي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم(2)» وكذا قوله تعالی :« وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم(3)» و« شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم (4)» حیث انّه لیس المراد مجرّد الإهتداء بل مع إرشاد الخلق إلی ذلک و الدعوة إلیه بمعونة قرینة الإجتباء.

ثمّ السرّ في تعدیة الهدایة إلی السبیل من دون حرف الجرّ هو أنّ المراد بها الدلالة و الإرشاد و الإرائه إلی سبیله تعالی و لاینافي ما ذکرنا آنفاً لأنّها لاتتعدّی إلی « الصراط » بل إلی «السبیل» و هو بمادته یدلّ علی الامتداد(5). فالسبیل ما یسلک و يمتدّ إلی أن وصل الغایة فلایناسب ذکر کلمة « إلی » معه لأنّه لیس غایة للهدایة بل إبتداها.

« إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُورا»(6)

« إِمَّا »

و هي للتفصیل باعتبار تعدّد الأحوال مع إتّحاد الذات .

ص: 130


1- الفتح : 20
2- الشورى : 52
3- الأنعام : 87
4- النحل : 121
5- معجم مقاییس اللغة 3/130
6- الإنسان : 3

قال المبرّد : و « إِمَّا » بمنزلة« أو» و بینهما فصل :

و ذلک انّک إذا قلتَ :« جاءنی زیدٌ أو عمروٌ » وقع الخبر في « زیدٌ » یقیناً حتّی ذکرتَ « أو » فصار فیه و في « عمرو » شک و « إِمَّا » تبتدئ بها شاکّاً و ذلک قولک « جاءنی امّا زیدٌ و امّا عمروٌ » اَی : أحدهما و کذلک وقوعها للتخییر ، تقول : « اضرب امّا عبدالله و امّا خالداً » فالامر لم یشکّ و لکنّه خیّر المأمور کما کان ذلکفي « أو» و نظیره قول الله عزّ و جلّ « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُورا(1)»(2).

فلمّا کانت فیها شائبة التخییر لم تجئ مع النواهي کما في قوله تعالی : « وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُورا(3) »

« شاكِراً وَ إِمَّا كَفُورا(4) »

الشکر بالإهتداء و الأخذ فیه و الکفر بالإعراض عنه و هما حالان من ضمیر الغیبة و الحال مقدّرة لأنّ توصیف الإنسان بالشکر و الکفر لیس مقارناً للهدایة.

و انّما قال کفوراً و لم یقل کافراً کما قال شاکراً ، مطابقاً لواقع حاله کما في قوله تعالی :« وَ قَليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُور(5)» و إشعاراً بأنّ المواخذة به التوغّل فیه ومحافظة علی الفواصل.

ص: 131


1- الإنسان : 3
2- المقتضب 1/58
3- الإنسان : 24
4- الإنسان : 3
5- سبأ : 13

الآیة الرابعة

« إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرينَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالاً وَ سَعيرا»

و اعلم أنّه تعالی لمّا ذکر الفریقین أتبعهما بالوعید و الوعد و قدّم الوعید للکافرین علی الوعد للمؤمنین مع تأخّر ذکرهم في التقسیم بقوله « إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُورا(1)» لأنّالإنذار أنسب بالمقام و حقیق بالإهتمام و لیکون أوّل الکلام و هو شاکراً ، و آخره من أوصاف المؤمنین و أیضاً هو لفّ و نشر مشوّش و هو أرجح لما فیه من إتّصال أحد القسمین.

« أَعْتَدْنا »

قال الفخر الرازي: الإعتداد هو إعداد الشئ حتّی یکون عتیداً حاضراً متی احتیج إلیه کقوله تعالی : « هذا ما لَدَيَّ عَتيد(2)».(3)

فالحضور شرط في الإعتداد دون الإعداد و یدلّ علیه قوله تعالی:« وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذاحَضَر أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَليما(4) »لأنّ الکلام فیمن حضرهم الموت والعذاب قد قرب منهم و أحضر فناسب المقام الإتیان بالإعتداد دون الإعداد .

ص: 132


1- الإنسان : 3
2- ق : 23
3- مفاتیح الغیب3 / 743
4- النساء : 18

و قوله تعالی :« وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَ أَعْتَدْنا لِلظَّالِمينَ عَذاباً أَليما(1) » لأنّ عذابهم حاضرٌ بغرقهم و ذلک بخلاف قوله تعال :« وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة(2) » لأنّ المراد به التهیّؤ لا الحضور.و امّا المتشابه فیهما کقوله تعال :« وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهينا(3)» و قوله تعالی :« أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهينا(4)» فلأنّ المراد بالکفر في الأُولی ، الکفر في العمل دون العقیدة فناسب الإعتداد بالثانیة لما فیه مِن الدلالة علی الحضور المناسبة لشدّة الهول و الوعيد و مِن زیادة المبنی .

و أمّا قوله تعالی :« إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرينَ » فجاء بالإعتداد دون الإعداد لأنّ ذلک ألیق في الوعید بدلالته علی الحضور و لأنّ ما ذکر في الوعد في السورة من الأفعال کلّها بصیغة الماضِي الدالّة علی التحقّق و الوقوع و أنّ ما وعدهم الله تعالی معدّ حاضرٌ فناسب أن ذکر في الوعید لفظ کذلک.

و أمّا قوله تعالی : « وَ الظَّالِمينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَليما(5)» في آخر السورة جاء بصیغة الإعداد مناسباً لما قبله من المضارع الدالّ علی الاستقبال و أکدّ في هذه الآیة الوعید بأسلوب آخر و هو تقديم الظالمین و عود الضمیر الیهم ثانياً کما لا یخفی.

ص: 133


1- الفرقان : 37
2- الأنفال : 60
3- النساء : 102
4- النساء : 151
5- الإنسان : 31

« لِلْكافِرينَ »

و لم یقل« لهم» لئلّا یتوهّم عود الضمیر إلی الکفور فیظنّ أنّ هذا العذاب مختص بالمبالغ فیه لا الکافر.

« سَلاسِلا »و اعلم انّ للحرکات و الحروف شأن جلیل في أداء المعاني المقصودة کما ذکرنا في الأصل السادس و کلّ حرف أو حرکة في الأسلوب القرآني مقترن بحکمة.

ثم اعلم انّ الفتحة عبارة عن فتح الشفتین عند النطق بالحرف و حدوث الصوت الخفي الذي یسمّی فتحةً أو نصبةً و إن إمتدّت کانت الفاً و لذا والله أعلم جاءت « سلاسلا»، بالألف من دون تنوین لأنّ المتناسب لمعناه ذلک و ذلک لأنّ السلاسل هي قيود(1) في جهنّم طویل طول کلّ سلسلة سبعون ذراعاً، فلمّا کانت السلاسل طویلة ممتدّة جاءت بالألف بما فیها من المدّ و إمتداد الصوت و لمّا یکن هذا الغرض مقصوداً جاءت علی الأصل كلمتا« یغوث و یعوق »غیر منصرفين في قوله تعالی : « وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْرا (2)» . و القراءة بالتنوین و إدعاء(3) أنّ التنوین دخلت علی غیر المنصرف للتناسب خالٍ عن حکمة بعید غیر مسموع.

ص: 134


1- الجامع لأحكام القرأن 20/123
2- نوح : 23
3- اوضح المسالک 4/124

« أَغْلالاً »

قال في المقاییس : الغین و اللام أصل صحيح یدلّ علی تخلّل شیء و ثبات شئ(1).فالغلّ مختصّ بما يقيّد فَیَجعَلُ الأعضاء وسطه(2) کأنّ الکافر أو عنقه یُعذَرُ في سواء الأغلال بحيث لا يمكن إلتفاتهم الى أيّ جهة و فیه بیان حالهم في الدنیا لأنّهم اصرّوا علی الکفر و عدم الالتفات إلی الإیمان فجعل في أعناقهم الأغلال بحیث لایمکنهم الإلتفات.

الآیة الخامسة

« إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُورا »

« الْأَبْرارَ »

و هي جمع برّ بفتح الباء صفة مشبهة من البرّ و هو الإحسان و یتحصّل معناه في أن یحسن الإنسان في عمله من غیر أن یرید به نفعاً یرجع إلیه مِن جزاء أو شکور فهو یرید الخیر لأنّه خیر لا لأنّ فیه نفعاً یرجع إلی نفسه و إن کرهت نفسه ذلک(3).

و إن قلتَ: لِمَ وُصِفَ متّقو الملائکة بالبررة في قوله تعالی :« بِأَيْدي سَفَرَة كِرامٍ بَرَرَة(4)» بینما وُصِفَ المتّقون مِن الآدمیّین بالأبرار کما في الآیة ؟ قال الآلوسي : متّقوا الملائکة أکثر

ص: 135


1- معجم مقاییس اللغة 4 / 375
2- مفردات الراغب 477
3- المیزان فی تفسیر القرآن 20/125
4- عبس : 16 15

من متّقی الآدمیّین فناسب إستعمال صیغة القلّة و إن لم تُرد حقیقتها في الآدمیّین دونهم(1).فتبیّن مِن قوله انّ کلّاً من صیغتی القلّة و الکثرة قد یستعملان بالنسبة ، أي القلّة النسبية و الکثرة کذلک، و منه قوله تعالی :« إِنَّ الْأَبْرارَ لَفي نَعيم وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفي جَحيم (2)» حیث إنّ الأبرار من بني آدم أقلّ من الفجّار منهم و إن کانوا في الواقع لیس بقلیل فاستعملت الصیغة للقلّة النسبية.

« يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ »

مِن ،للإبتداء أي ، إبتداء شربهم من کأس مملوء من الشراب الذي کان مزاجها کافورا. قال الراغب : الکأس : الإناء بما فیه من الشراب و سمّي کلّ واحد منها بإنفراده کأساً(3).

و الفرق بین الکأس و القدح ، انّ الکأس لاتکون الّا مملوءةً و القدح تکون مملوءة و غیرمملوءة(4).

و یراد مِن «کأس» اوّلاً الإناء بما فیه من الشراب و مِن ضمیرها في قوله تعالی :« مِزاجُها » الشراب علی طریقة الإستخدام.(5)

ص: 136


1- روح المعاني 15/ 245
2- الانفطار : 13 14
3- المفردات 729
4- الفروق فی اللّغة 310
5- و هو أن یؤتی بلفظ له معنیان فیراد به اوّلاً احدهما و یعاد الضمیر إلیه ثانیاً مراداً به المعنی الآخر

« كان»

و اعلم انّ اختيار الماضي من الأفعال في جزاء الأبرار في السورة إشارة إلى شيئين :الأوّل : الإشعار بمسلك تجسّم الأعمال و انّ ما لهم في جنة الخلد من النعيم هي حقيقة أعمالهم في الدنيا وان كانت في الدنيا في صورة الأعمال لكن تكشف حقيقتها يوم الجزاء.

الثاني : الدلالة على التكوين. قال الزمخشري في قوله تعالى :« بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَواريرَا(1)» فإن قلت : ما معنى «كانت»؟ قلت : هو من«يكون » في قوله :« كُنْ فَيَكُون(2)» أي : تكوّنت قوارير بتكوين الله تفخيماً لتلك الخلقة العجيبة الشأن الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين . و منه كان في قوله :« كانَ مِزاجُها كافُورا(3)»(4).

الآیة السادسة

اشارة

« عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله يُفَجِّرُونَها تَفْجيرا»

« عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله »

قیل : انتصب «عَيْناً»على البدل من «كافُوراً» أي ذلك الكافور تجري به عين في الجنّة من ماء محلول فيه أو من زيته مثل قوله :«وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى»(5).(6)

ص: 137


1- الإنسان : 15
2- البقرة : 117
3- الإنسان : 5
4- الكشّاف 4/ 671
5- محمّد/15
6- التحریر و التنویر29/354

و إن قلتَ : لم وصل فعل الشرب بحرف الإبتداء أوّلاً و بحرف الإلصاق ثانیاً ؟قلنا : انّ «یشربون بها » تدلّ علی علوّ رتبة المقرّبین علی الأبرار و ذلک :

اوّلاً : بانّ الباء لما فیها من الدلالة علی الإلصاق تدلّ علی أنّهم یلتصقون شربهم بها بخلاف « یشربون منها » لأنّها لاتدلّ علی أنّ الشاربین یشربون من منبعها و مأخذها.

و ثانیاً : بانّ الباء تدلّ علی أنّهم یلتصقون و ینزلون بمکان ینبع منه الخمر فهم مع لذّتهم بشرب الخمر من منبعها یتلذّذون من موقفها فانّ لذلک من التلذّذ ما لایخفی.

و ثالثاً : بانّ الباء تدلّ علی أنّهم بملاصقتهم بالعين یشربون بها بما لاتقدّر لهم بخلاف «یشربون مِن کأس» حیث إنّهم يقدّر لهم ما یشربهم علی أنّ المراد بالکأس ، الإناء الذي فیه الشراب.

و لایفهم شئ منها لو قلنا إنّ الباء للتبعیض.

« يُفَجِّرُونَها تَفْجيرا »

و اعلم انّ المصدر المؤکّد قد یجري علی مصدر فعله و هو الأصل کما في قوله تعالی :« كَلَّمَ الله مُوسى تَكْليما(1)» و « يُفَجِّرُونَها تَفْجيرا(2)» و فائدتُهُ مع تأكيد الفعل ، الدلالة على صدور الفعل من الفاعل بسهولة. قال الزمخشري في قوله تعالی :« يُفَجِّرُونَها تَفْجيرا » : یجرونها حیث شاؤوا في منازلهم سهلاً لایمتنع علیهم.

ص: 138


1- النساء : 164
2- الإنسان : 6

و في هذه الآیة فائدة ثالثة و هي صدور الفعل بکثرة مِن فاعلها لما في« التفعیل» مِن الکثرة. و لک أن تقول : أنّ السهولة تُفهم من هذه.و قد یجري علی غیر المصدر و لایأتي کذلک الّا أنّ له سرّاً لطیفاً و بیاناً جلیلاً و إن کان النحاة بقلّة تدبّرههم في الذکر الحکیم و أسلوبه یقولون : أجری المصدر علی فعل مقدّر دلّ علیه المذکور و لا يزيدون علیه.

و مِن ذلک قوله تعالی : « فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَن(1)» و لم یقل :« فیقبلها» أو« قَبَلها»، مِن باب المجرّد لأنّ(2) ما کان مِن باب التفعّل یدلّ علی شدّة إعتناء ذلک الفاعل باظهار ذلک الفعل کالتصبّر و التجلّد و نحوهما فإنّهما یفیدان الجدّ في إظهار الصبر و الجلادة، فکذا هاهنا التقبّل یفید المبالغة في إظهار القبول.

فإن قیل : فلِمَ لَم یقل : «فتقبّلها ربُّها بتقبّل حسن» حتّی صارت المبالغة أکمل؟

و الجواب(3) انّ لفظ التقبّل و إن أفاد ما ذکرنا الّا أنّه یفید نوع تکلّف علی خلاف الطبع ، امّا القبول فإنّه یفید معنی القبول علی وفق الطبع ، فذکر التقبّل لیفید الجدّ و المبالغة ، ثمّ ذکر القبول لیفید انّ ذلک لیس علی خلاف الطبع ، بل علی وفق الطبع.

و منه قوله تعالی :« وَ الله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتا(4)» و سرّ العدول عن المصدر إلی الإسم، التنبیه(5) على نفوذ القدرة في المقدور و سرعة إمضاء حکمها حتّی کأنَّ إنبات الله

ص: 139


1- آل عمران : 37
2- مفاتیح الغیب 8/204
3- مفاتیح الغیب 8/205
4- نوح : 17
5- روح المعاني 6 /74

تعالی لهم نفس نباتهم أي إذا وجد الإنبات وجد النبات حتماً کأنَّ أحدهما عین الآخر فقرن به.

و منه قوله تعالی :« وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتيلا(1)» و جاء علی التفعیل مصدر التفعّل و ذلک بأنّ في التفعّل معنی التکلّف و التدرّج و في التفعیل معنی التکثیر و المبالغة و في سلوک العبادة کلاهما مقصودان واقعان علی الترتیب لایحصل التبتیل و هو الإنقطاع عمّن عدا الله تعالی الّا بعد التبتّل.

فائدة : ضابطة «التفعيل» للدلالة علی التکثیر.

قال ابن الأثیر : ذلک لایستقیم الّا في نقل صیغة إلی صیغة أکثر منها ، کنقل الثلاثي إلی الرباعي، ألا تری انّه إذا قیل في الثلاثي « قَتَلَ» ثمّ نقل إلی الرباعي فقیل :« قَتَّلَ » بالتشدید فإنّ الفائدة من هذا النقل هی التکثیر ، أي: انّ القتل وجد منه کثیراً ، و هذه الصیغة الرباعیّة بعینها لو وردت من غیر نقل لم تکن دالّةً علی التکثیر کقوله تعالی :« وَ كَلَّمَ الله مُوسى تَكْليما(2)» فإنّ «کلّم »علی وزن «قَتَّلَ» و لم یُرَد به التکثیر ، بل اُرید به اَنّه خاطبه ، سواءً کان خطا بُهُ ایّاه طویلاً أو قصیراً ، قلیلاً أو کثیراً ، و هذه اللفظة رباعیّة ، و لیس لها ثلاثي نقلت عنه إلی الرباعيّ ، لکن قد وردت بعینها، و لها ثلاثي و رباعي ، فکان الرباعي أکثر و أقوی فیما دلّ علیه من المعنی، و ذلک أن تکون«

ص: 140


1- المزمل : 8
2- النساء : 164

کلّم» من الجرح، أي : جرّح ، و لها ثلايی و هو «کَلَم» مخفّفاً ، أي جرح ، فإذا وردت مخفّفة دلّت علی الجراحة مرةً واحدةً ، و إذا وردت مثقّلة دلّت علی التکثیر.و کذلک ورد قوله تعالی : « وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيلا(1)» فإنّ لفظ «رتّل» علی وزن لفظة « قتّل» و مع هذا لیست دالّة علی کثرة القراءة، و انّما المراد بها أن تکون القراءة علی هیئة التأنّی و التدبّر، و سبب ذلک انّ هذه اللفظة لا ثلاثي لها حتّی تنقل عنه إلی الرباعي و إنّما هي رباعیّة موضوعة لهذه الهیئة المخصوصة من القراءة.

و علی هذا فلایستقیم معنی الکثرة و القوّة في اللفظ و المعنی الّا بالنقل من وزن إلی وزن أعلی منه. فاعرف ذلک(2).

ولا يخفى عليك انّ ما قاله ابن الأثير ضابطة «التفعيل» للدلالة على التكثير لكن ليس معناه انّ كل فعل كذلك يدلّ على ذلك لانّ في التفعيل دلالة أخرى و هي التأكيد، و زيادة المبنى فيه ليس للتكثيردائماً بل قد يجئ للتاكيد غير المقترن بالتكثير كما سيجئ إن شاء الله مزيد إيضاح في ذلك.

الآیة السابعة

« يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيرا»

و لمّا ذکر الله تعالی إسم الأبرار و ما لهم من النّعیم أفصح عن هذا الإجمال و عن سرّ نيلهم بتلک المرتبة العالیّة.

ص: 141


1- المزمل : 4
2- المثل السائر 2/246

« يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»عُدّي الوفاء بالباء الدالّة علی انّهم يلتصقون بنذرهم لایفارقون منه حتّی یوفوا به تماماً، مبالغة في وصفهم بالتوفّر علی أداء الواجبات، لأنّ مَن وفی بما أوجبه هو علی نفسه لوجه الله کان بما أوجبه الله علیه أوفی و أحرى .

و جئ بصیغة المضارع للدلالة علی تجدّد وفائهم بما عقدوا علیه ضمائرهم من الإیمان و العمل الصالح ، و ذلک یدلّ بأنّهم یکثرون نذر الطاعات و فعل القربات و لولا ذلک لما کان الوفاء بالنذر موجباً الثناء علیهم.

« يَخافُونَ »

و عطف « يَخافُونَ » علی « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » لأنّهم لمّا وصفوا بالعمل بما ینذرونه أتبع ذلک بذکر حسن نیّتهم و تحقّق إخلاصهم في أعمالهم لأنّ الأعمال بالنیّات فجمع لهم بهذا صحّة الإعتقاد و حسن الأعمال.

« يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيرا »

إنتصب « يَوْماً » علی المفعول به لأنّ المراد بالخوف خوفهم في الدنیا لا في الآخرة فانّهم في ذلک الیوم آمنون کما قال تعالی :« لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ(1)» و « لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُون(2)» .

و وصفُ« یوماً» بأنّ له شرّاً مستطیراً مشعرٌ بعلّة خوفهم إیّاه علی انّ إسناد الخوف إلیه من باب المجاز العقلي لأنّ خوفهم في الحقیقة من أهوال ذلک الیوم و عقابه.

ص: 142


1- الأنبياء : 103
2- الزخرف : 68

« مُسْتَطيرا »

هو إسم فاعل من إستطار ، و السین و التاء في الإستطار للمبالغة و أصله طار مثل استکبر و الطیران مجاز مستعار لإنتشار الشئ و امتداده ،تشبیهاً له بإنتشار الطیر في الجوّ و منه قولهم : الفجر المستطیر و هو الفجر الصادق الذی ینتشر ضوءه في الأفق و یقال : استطار الحريق ، اذا انتشر و تلاحق(1).

و لعلّ السرّ في إختیار مادّة الطیر مکان الإنتشار و اقترانها بِ«كان» الإشارة إلى انّ شرّالآخرة هو إستمرار لشرّالدنيا يطير أسرع من الطیران طبقاً عن طبق و ينتشر حول صاحبه في القیامة، فليقطع الإنسان بحسن العمل وصحّة الإعتقادأجنحة الشرّ و أصولها لكي لا يستطير إلى الآخرة . و هذا یؤیّد ما قلنا سابقاً من دلالة الأفعال الماضیّة علی تجسّم الأعمال.

الآیة الثامنة

« وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيرا »

« وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ »

اعلم انّ الطعام لفظه دلیلٌ علی انّ المفعول المطعَم قد ناله إطعام المُطعِم فجاز ذکر المفعولین و حذفهما و الإقتصار علی أحدهما بحسب الغرض المطلوب من الفعل.

ص: 143


1- التحریر و التنویر 29/356

و من حذف المفعولین قوله تعالی :« وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ(1)» . و لم یذکر ما أطعم و لا مَن أطعم لأنّ المقصود لم یتعلّق بذکرهما فإنّ المقصود انّ المطعِم حقیقة هو الله فاطرالسماوات و الأرض لا غیره و هو المتفرّد به لایشرک فیه أحدٌ فذکر المفعولین هنا یخلّ بتمام المعنی و بلاغته کما لا یخفی.

و قد یقتصر علی ذکر مفعول واحد نحو قوله تعالی :« وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكين(2)» لأنّ المقصود الإخبار ببخلهم عن الإطعام للمستحق و منعهم حقَّهُ منه فکان ذکره هو المقصود دون ذکر المطعوم و کذا قوله تعالی :« إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله(3)».

و إذا کان المقصود ذکرهما ذُكرا معاً نحو قوله تعالی :« وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيرا» حیث کان المقصود بیان إحسانهم بإطعام الطعام علی مستحقّه و ذکر المفعولین بیاناً لحسن سریرتهم و عدم إبتلائهم بالبخل و الشحّ و المنع المنافي للاحسان و إدلالاً علی حسن سیرتهم في إحسانهم حیث یوقعونه في موضعه اللائق به. و کالإطعام ، الإعطاء و الهبة و نحوها ممّا یعلم المفعولین من لفظه.

و تدبّر هذا الأسلوب اللطیف في القرآن حیث ذکر الأهمّ المقصود و ترک غیرَهُ ، یطلّعک علی باب من من أبواب إعجازه و کمال فصاحته.

ص: 144


1- الأنعام : 14
2- المدثر : 44
3- الإنسان : 9

« عَلى حُبِّهِ »و جاءت «علی» هنا إدلالاً لغلبتهم حبَّه تعالی علی حبّ الطعام مع أنّهم في أمسّ الحاجة الیه و إیذاناً بأنّهم لایرون أنفسهم و مایحتاج الیه الجسم و البدن بل یرون ما یری الله و هو الإطعام و إیثاره علی أنفسهم لوجهه و إبتغاء مرضاته تعالی.

فلایعود الضمیر إلی الله لأنّ الغرض غلبتهم حبّ الله علی حبّ الطعام دون العکس کما لاتکون « علی » بمعنی المصاحبة لأنّها أخصّ و غیرالمقصود فیها. و یدلّ علیه أیضاً ما ورد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام في نفس الآیة : قَالَ: قُلْتُ حُبُّ الله أَوْ حُبُّ الطَّعَامِ ؟ قَالَ: حُبُ الطَّعَام .(1)

« مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيرا »

المسکین هو العاجز عن إکتساب قوته بنفسه و الیتیم مات أبواه و بقي عاجزاً عن الکسب لصغره و الأسیر لایملک لنفسه ضرّاً و لانفعاً و لا حیلةً.

و التقدّم هنا بحسب الواقع فلا یلاحظ فیه أسباب التقدّم و إن کان بعضها موجوداً فیها کالتقدّم بالغلبة و الکثرة و ذلک لانّ الیتیم أقلّ من المسکین لأنّ الواقع غالباً کذلک و لأنّ اليُتم قد زال بالبلوغ بخلاف المسکین، والأسیر أقلّ من الیتیم لأنّه یقتصر وجوده في أزمنة القتال دون غیرها.

ص: 145


1- المحاسن 2/397

الآیة التاسعة

اشارة

« إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُورا»

« انّما »

قال القزویني نقلاً عن السکاکي : انّه لمّا کانت کلمة «إنّ »لتأکید إثبات المسند للمسند إلیه ثمّ اتّصلت بها ماالمؤکّدة لا النافیّة ناسب أن یضمّن معنی القصرلأنّ القصر لیس إلّا تأکیداً علی تاکیدٍ(1).

و هي لقصر الحکم علی شئ کقولک ،انّما ینطق زید أو لقصر الشئ علی حكم کقولک «انمّا زیدٌ کاتب ». فَ« انّما » لقصر الإطعام لوجه الله لا لغیره.

و لايخفى أنّ كلامه وجيه في دلالة « انّما » ولكن قوله :انّ القصر ليس الّا تأكيدا على تأكيد،فإن كان مراده انّ القصر لايحصل الّا بتاكيد على تأكيد فصحيح و ان كان مراده منه انّه كلّما حصل في كلام تأكيد على تاكيد فهو يفيد القصر فليس كذلك لانّه قد تكون تقوية التوكيد لغرض غير القصر كما في قوله تعالى :« ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيم(2)» فتاكيد هذه الصفة بأربعة تأكيدات لترغيب القوم في التوبة و لانّ حالهم في عظيم جرمهم حال من يشكّ في قبول التوبة عليه فناسب الإتيان بهذه التاكيدات لرفع الشك و الترغيب الى التوبة . فليست للقصر لانّه عليه السلام ليس في مقام إثبات شئ انكروه أو نفي شئ اعتقدوه كما لا يخفى .

ص: 146


1- الإیضاح فی علوم البلاغة 124
2- البقرة : 54

فإن قلت : فكيف نتميّز موضع القصر بغيره ؟ قلنا: هذا ما يعطينا السياق و ليس التاكيدان أو أكثر للقصر الّا إذا إقتضی السياق نفي و إثبات أو ردّ عقيدة أو نحو ذلك بحسب السياق و مقتضى الحال فانّ لكلّ مقام مقال .

و قد یقصد منها مع القصر، التعریض . قال عبدالقاهر : لیس الغرض من قوله تعالی :« إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْباب(1)» أن یعلم السامعون ظاهر معناه ، ولکنّ أن یذمّ الکفّار و أن یقال أنّهم مِن فرط العناد و مِن غلبة الهوی علیهم في حکم مَن لیس بذي عقل ، و انّکم إن طَمِعتُم منهم أن ینظروا و یتذکّروا کنتم کَمَن طمع في ذلک من غیر أولی الألباب. و کذلک قوله تعالی :« إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها(2)».

و قوله عزّ إسمه :« إِنَّما تُنْذِرُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ(3)» ، المعنی علی أنّ مَن لم تکن له هذه الخشیّة فهو کأنّه لیس له أذنٌ تسمع و قلب یعقل ، فالإنذار معه کلا إنذار(4).

هذا ،و قد یکون القصر معها إدّعائيّ نحو ما في قوله تعالی : « وَ إِذا قيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُون (5)» جاؤوا بِ« انّما » لِبیان انّ صلاحهم لایشوبه فسادٌ و انّ صفة المصلحین خلصت لهم و تمحّضت مِن غیر شائبة قادح فیها ، ففیه تعریضٌ بالمؤمنین أیضاً.

ص: 147


1- الرعد : 19
2- النازعات : 45
3- فاطر : 18
4- دلائل الإعجاز 230
5- البقرة : 11

« لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُورا »

و الجملة حالیّة عدلت عن المفرد لِبیان أنّ تلک سیرتهم المستمرّة .

« جَزاءً وَ لا شُكُورا »

جزاءً أي : بالأفعال و لا شکوراً أي : ثناءً بالأقوال .

دلاله« لا »

قال المبرّد : و « لا » المؤکّدة تدخل في النفي لمعنی : تقول : « ما جاءنی زیدٌ و لا عمروٌ » إذا اردتَ انّه لم یأتِک واحدة منهما علی انفراده و لا مع صاحبه ، لأنّک لو قلتَ : « و لم یأتنی زیدٌ و عمروٌ » و قد أتاک أحدهما لم تکن کاذباً.(1)

فجئ هنا بِ«لا» دفعاً لِتوهّم أن یراد مِن قولهم « لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُورا »، نفی الإجتماع و إن کان کلّ منهما منفرداً مراداً لهم.

و کذلک قوله تعالی :« وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَن(2)» حیث ینفي الإستواء بینهما منفرداً و مجتمعاً ، علی انّ المعنی انّ الحسنة إذا اجتمعت مع السیّئة کانت أحسن منها فلاتستویان إذا اجتمعتا ، و کلّ حسنةٍ أیضاً بإنفرادها کانت أحسن من اختها فخذ بالحسنة الّتي هي أحسن مِن اختها إذا اعترضتك حسنتان و کذلک السیّئة .

ص: 148


1- المقتضب 2/426
2- فصّلت : 34

« شُكُورا »

قال السهیلي : مصدر الفعل المتعدّي لایجیء علی الفُعُول و قال انّ الشکور في قوله تعالی : « لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُورا » جمعٌ لامصدر(1).

قال إبن القیّم : الصحیح انّه مصدر جاء علی الفُعُول ، لِأنّ مقابله و هو الکُفر و الجحد و النفار تجیء مصادرها علی الفُعُول نحو کُفُور و جُحُود و نُفُور، حتّی لو کان الشکور سائغاً إستعماله جمعاً ، و احتمل الجمع و المصدر لکان الألیق بمعنی الآیة المصدر لا الجمع ، لأنّ الله تعالی وصفهم بالإخلاص ، و انّهم انّما قصدوا بإطعام الطعام وجهه و لم یریدوا مِن المطعمین جزاءً و لاشکوراً ، و لا یلیق بهذا الموضع أن یقولوا : لانرید منکم أنواعاً مِن الشکر و اصنافا منه ، بل الألیق بهم و باخلاصهم أن یقولوا : لانرید منکم شُکراً أصلاً ، فینفوا إرادة نفس هذه الماهیّة منهم فلایلیق بالآیة إلّا المصدر(2).

الآیة العاشرة

« إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَريرا»

هذه الجملة علّةٌ للجملتین في الآیة قبلها و المعنی : انّما فعلنا ذلک و لانرید منکم المکافأة لِأنّا نخاف مِن وعید ربّنا کلّه خصوصاً شدّة ذلک الیوم.

و تقوية التأكيد هنا لترغيب السامعين بأن يفعلوا فعلهم كذلك.

ص: 149


1- نتائج الفکر 371
2- بدائع الفوائد 552

« مِنْ رَبِّنا »

« مِن » إبتدائیّة و هي هنا مقصودة لبیان أنّ إبتداء الخوف قبل کلّ عذاب مِن منزّله و هو ربّنا و ربّ السموات و الأرض.

و إن قلتَ : انّه تعالی حکی عنهم الإیفاء بالنذر و علّل ذلک بخوف القیامة فقط و لمّا حکی عنهم الإطعام علّل ذلک بأمرین : بطلب رضی الله و بالخوف عن القیامة فما السرّ؟

قلنا : لامعنی للإیفاء بالنذر إلّا و أن یکون لوجهه و مرضاته تعالی . و أمّا الإطعام فیمکن أن یُفعَلَ لغیر وجه الله تعالی فعلّل الثاني مع الخوف بأنّه یصدر عنهم لوجه الله تعالی و مرضاته لِبیان انّ ذلک ما یوجب الثناء علیهم.

« يَوْماً عَبُوساً »

العبوس هو عابس الوجه غضبان(1). و وصف الیوم بالعبوس امّابصفة اهله من الأشقیاء و إمّا بصفة أهله من ملائکة العذاب و إمّا بتشبیهه في شدّته و ضرره بالاسد العبوس.

« قَمْطَريرا »

أي : مقبّض ما بین العینیین لشدّته(2). و «الفعول» بوزنه یدلّ علی کثرة العبوس و «القمطریر» یدلّ علی شدّته بمعناه و بصوته لما في حروفه من الإستعلاء و التغلیظ فاختیر لفظ لایناسب للمقام غیره.

ص: 150


1- العین 1/343
2- لسان العرب 5/116

الآیة الحادیة عشرة

« فَوَقاهُمُ الله شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُورا»

و لمّا ذکر قبلها حسن عملهم و صحّة اعتقادهم فرّع علیه بالفاء ما هو المسبّب عن ذلک ، فبسبب خوفهم وقاهم الله أي دفع عنهم شرّ ذلک الیوم .

و جاءت الوقایة مخفّفة و التلقیة مضعّفة لأنّ التکثیر مراداً في هذه دون تلک کما لایخفی.

« وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُورا »

أي:أعطاهم بدل عبوس الفجّار وحزنهم نضرةً في الوجوه و سروراً في القلوب و هذا یدلّ علی انّ هذا الیوم موصوف بعبوس أهله.

« نَضْرَةً »

و هي النعمة و العیش و الغنی و قیل : الحُسن و الرونق(1).

« سُرُورا »

و لم یقل فَرَحاً، لأنّ(2) السرور لایکون إلّا بما هو نفع أو لذّة علی الحقیقة ، و قد یکون الفرح بما لیس بنفع و لا لذّة کفرح الصّبي بالرقص و العدد و السباحة و غیر ذلک ممّا یتعبه و یؤذیه.

ص: 151


1- لسان العرب 5/212
2- معجم الفروق اللغویّة 277

الآیة الثانیة عشرة

« وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَريرا»

جاء کلّ من الوقایة و التلقیة و الجزاء بصیغة الماضي دلالةً علی تحقّق وقوعه و عُدّي الجزاء بالباء لبیان انّ الجزاء ملتصق بعملهم لایفارق منهم و هذا في مقام الوعد أبلغ فلیست الباء بمعنی اللام لأنّها لاتعطي لنا ذلک.

و هذا مؤیّد آخر لبیان مسلک التجسّم لأنّه لا معنی لإلتصاق الجزاء بالعمل إلّا انّ ما یعمل الأبرار في الدنیا بصورة العمل ملتصق به ذلک النعیم ولکن یکشف عن حقیقتها في جنّة الخُلد.

« بِما صَبَرُوا »

تنبیهان :

الأوّل : في دخول حرف المصدریّة علی الفعل دون الإکتفاء بالمصدر فائدتان :

أحدها : الإخبار عن الحدث مع الدلالة علی الزمان.

الثانیّة : الدلالة علی مجرّد معنی الحدث دون إحتمال معنی زائد علیه و ذلک انّک إذا قلتَ : « اعجبنی قدومک » إحتمل الکلام أن یکون نفس القدوم هو المعجب لک دون صفة مِن صفاته و هیآته و إحتمل انّک ترید انّه اعجبک سرعته أو بطؤه أو حالة مِن حالاته ، فإذا قلتَ :« اعجبنی أن قدمته » کان نصّاً في المعنی الأوّل(1).

ص: 152


1- بدائع الفوائد 161

الثاني : أنّ الفرق بین « أن» و« ما» المصدرییتین انّ« ما» لمّا کانت إسماً مبهماً لم یصحّ وقوعها إلّا علی جنس تختلف أنواعه ، فإن کان المصدر مختلف الأنواع جاز أن تقع علیه و یعبّر بها عنه ، کقولک :« یعجبنی ما صنعت، و ما علمت، و ما فعلت . کذلک تقول :« ما حکمت» ، لأنّ الحکم مختلف أنواعه، و کذلک الصنع و الفعل و العمل.

فإن قلتَ :« یعجبنی ما جلست ، ما انطلق زیدٌ »، کان غثّاً من الکلام ، لخروج« ما» عن الإبهام و وقوعها علی ما لایتنوّع من المعاني لأنّه یکون التقدیر حینئذٍ ؛ اعجبنی الجلوس الّذي جلست ، و القعود الّذي قعدت ، فیکون آخر الکلام مفسّراً لأوّله ، رافعاً للإبهام ، فلا معنی حینئذٍ : لِ« ما »(1).

إذا علمتَ ذلک فاعرف انّه یجوز أن تکون « ما » في قوله تعالی : « وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا » مصدریّة لأنّ الصبر یختلف انواعه فالجزاء حینئذٍ بنفس صبر هؤلاء الأبرار کما یجوز أن تکون موصولةً فالجزاء حینئذٍ بنوع صبرهم و متعلّقه و هو الصبر علی کلّ ما تکرهه النفس و ما یخالفه الهوی. فالمعنی : جزاهم بالذي صبروا علیه.

و إن قلتَ : لایجوز علی هذا التقدیر أن تکون« ما» مصدریّة لعدم تماثل المتعلّقین و الجارّین، و التماثل لازم علی ما قیل(2). قلنا : انّه یکفي في حذف العائد المجرور أن یتعیّن للعامل فیه استعماله بحرف لو حذف لم یلتبس المحذوف بغیره فحسبُ کما في قوله تعالی :

ص: 153


1- نتائج الفکر 144
2- البهجة المرضیّة 1/148

« أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا(1)» أی تأمرنا به و قوله تعالی :« فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَر(2)» أی تؤمر به و فلیس التماثل في المتعلّق و الجار بلازم کما علیه الرضي(3).

ثمّ لا یخفی انّ التعبیر بِ« ما» مِن دون قرینة علی تعیین نوعیها المصدریّة و الموصولیّة مع إختلافهم من حیث المعنی لیس إلّا للتوسّع في المعنی و بیان انّ کلا الأمرین أي صبرُ هؤلاء و نوع صبرهم محمودان موجبان الثّناء علیهم . فجزاهم بصبرهم و ما صبروا علیه.

« جَنَّةً وَ حَريرا »

قال الزمخشري : ، فإن قلتَ : ما معنی ذکر الحریر مع الجنّة ؟ قلتُ : المعنی و جزاهم بصبرهم علی الإیثار و ما یؤدّي إلیه من الجوع و العری بستانا فیه مأکل هنیئ و حریراً فیه ملبس بهيئ(4).

و إن قلتَ : ذکر في وصف الأبرار، الإطعام دون الکسوة مع انّ جزائهم یکون بطعامهم في الجنّة مع کسوتهم بلباسٍ مِن حریرٍ ، فما السرّ ؟

قلنا : هذا مِن فضله و منّه تعالی لهم فانّه تعالی قال :« مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها(5)»و« مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها(6)» و أمّا ما قیل(7) : هذا یدلّ علی أنّ

ص: 154


1- الفرقان : 60
2- الحجر : 94
3- شرح الرضي علی الکافیة 3/25
4- الکشّاف 4/670
5- النمل : 89
6- الانعام : 160
7- مفاتیح الغیب 30/750

المراد مِن قوله تعالی :« إِنَّما نُطْعِمُكُم (1)» لیس هو الإطعام فقط بل جمیع انواع المواساة من الطعام و الکسوة ، فلیس بلازمٍ.

الآیة الثالثة عشرة

«مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيرا»

و لمّا ذکر تعالی طعامهم و لباسهم وصف مساکنهم .

« مُتَّكِئِينَ »

هو مَن مال في قعوده ، معتمداً علی أحد شقّیه و التاء فیه بدلٌ من الواو و أصله مِن الوکاء و هو ما یشدّ به الکیس و غیره ، کأنّه اوکأ مقعدته و شدّها بالقعود علی الوطاء الّذي تحتَهُ(2). و هي هیئة الّتي یکون علیها الآکل حین أکله و هو نصبٌ علی الحال مِن المجزیِّین.

« الْأَرائِكِ »

الأریکة : السریر في الحجلة و لاتکون اریکة الّا اذا اجتمعت(3).

« لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً وَ لا زَمْهَريرا »

و الجملة حالیّة أیضاً.

«فيها »

کرّرت لئلّا یتوهّم انّ عدم الرؤیة في حالة الإتّکاء فقط.

ص: 155


1- الإنسان : 9
2- لسان العرب 1/300
3- مفاتیح الغیب 30/750

« زَمْهَريرا »

البرد الشدید، و المعنی : انّ هواءها معتدل لا حرّ شمس یُحمی و لا شدّة بردٍ تؤذی . و قیل : الزمهریر القمر و المعنی : أنّ الجنّة ضیاء فلایحتاج فیها إلی شمس و قمر(1).

و یحتمل أن یکون المعنی : یرون فیها ضوءاً لیس بشمسٍ و لا قمرٍ. فذکر عدم الرؤیة و المعنی رؤیة العدم علی حدّ قوله تعالی : « قُلْنَ حاشَ لِله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ(2)».حیث ذکر عدم العلم و المعنی العلم بالعدم و ذلک لأنّه لیس لِعدم علمهنّ مجالٌ بعد أن رأینه و وصفنه علیه السلام بملک کریم «ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَريم(3)» و بعد ان اقرّت و اعترفت امرأت العزیز بحضرتهنّ بعصمته علیه السلام حین قال :« وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ (4)».

و یؤیّد ما قلنا بل یدلّ علیه امورٌ:

الاوّل : لو کان المراد ظاهرها و هو عدم رؤیة الشمس و القمر لما احتاج إلی ذکرها لأنّ مِن المعلوم أن لیس فیها شمساً و لا قمراً بل في سماء الدنیا علی أهلها حتّی یخرج من ظلمات اللیل ، علی انّ هذه لم تختصّ بالأبرار بل یعمّ اهل الجنّة جمیعاً فلا وجه لذکرها في خلال نعیم الأبرار.

ص: 156


1- الکشّاف 4/670
2- يوسف : 51
3- يوسف : 31
4- يوسف : 32

الثاني : لو کان کذلک فلا وجه لعدولها من المفرد إلی الجملة الفعلیّة المضارعیّة الدالّة علی التجدّد لأنّ عدم رؤیتها لأهل الجنّة مستمر مستقرّ ثابت.

الثالث : ما نقل الآلوسي في تفسیره عن إبن عبّاس : بینا أهل الجنّة إذ رأوا ضوءً کضوء الشمس و قد اشرقت الجنان به فیقول اهل الجنّة ؛ یا رضوان ما هذا ، و قد قال ربّنا :«لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً وَ لا زَمْهَريرا» فیقول لهم رضوان ؛ لیس هذا بشمس و لا قمر ولکن عليّ و فاطمة علیهما آلاف التحیّة والثناء ضحکا فاشرقت الجنان من نور ثغریهما(1).

فالابرار قد یرون ضوءاً یضئ لهم و اشرقت الجنان به و لیس کضوء شمس و لا قمر و هو ضوء علیّ و فاطمة علیهما آلاف التحیّة و الثناء و ذلک لأنّهم یفعلون ما فعلوا في الدنیا من الاطعام و غیره متمسّکین بما فعلا علیهما السلام فرضیا منهم کما رضی الله عنهم فیضیئون بضوئهما کما یتنوّرون بنور ربّهم.

الآیة الرابعة عشرة

« وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْليلا»

«وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها »

هي حال معطوف علی « مُتَّكِئينَ » و دخلت الواو للدلالة(2) علی انّ الأمرین مجتمعان لهم ، کأنّه قیل : جزاهم جنّة جامعین فیها بین البعد عن الحرّ و القرّ و دنوّ الظلال علیهم.

ص: 157


1- روح المعاني 15/175
2- الکشّاف 4/671

« وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْليلا »

أي : سخرت ثمارها لتناولها و سهل أخذها و التذلیل مِن الذّلّ و هو ضدّ الصعوبة. فإن کان الإنسان قائماً تناول الثمر من دون کلفة، و إن کان قاعداً أو مضطجعاً فکذلک فهذا تذلیلها لایرد إلیه عنها بعدٌ و لا شوکٌ.

و الجملة حال من ضمیر« دانِيَةً » أي : تدنو ظلالها علیهم مذللة لهم قطوفها و جاء التذلیل جملة و الدنوّ إسماً لأنّ إستدامة الظلّ مطلوبة هنالک و التجدّد في تذلیل القطوف علی حسب الحاجة.

الآیة الخامسة عشرة

« وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَواريرَا »

و لمّا وصف تعالی طعامهم و لباسهم و مسکنهم وصف بعد ذلک شرابهم و قدّم علیه وصف تلک الاواني الّتي فیها یشربون.

« وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ »

اعلم انّه دلّت هذه الآیة علی أنّ إناء شربهم یکون مِن الفضّة فکیف ذکر في قوله تعالی :« يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ(1)» أنّه مِن الذهب؟!

و الجواب من وجوه :

ص: 158


1- الزخرف : 71

الاوّل : یمکن أن تکون« مِن» في الآیتین للتبعیض لا للإبتداء فلایبعد حینئذٍ أن یطوف الطائفون علیهم بآنیة مِن ذهبٍ حیناً و بآنیةٍ مِن فضّة حیناً آخر أو یطوف بآنیة بعضها مِن ذهب و بعضهم مِن فضّة، فلا منافاة.

و الثاني : سلّمنا ولکن لا منافاة بینهما أیضاً لأنّ المتکلّم عنهم في هذه السورة الأبرار بینما المتکلّم عنهم في سورة الزخرف هم المتّقون لأنّه قال قبل هذا « الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقين(1)» و المتّقون أعلی رتبة مِن الأبرار کما لا یخفی و لمّا مرّ سابقاً عند قوله تعالی :« عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله(2)»

و الثالث : انّه قال تعالی :« وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُون(3)» و قال :« وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقين(4)» فحقیق أن جعل ما للمتّقین في الآخرة أعلی.

و الرابع : أنّ ما في سورة الزخرف مناسب لما قبله في قول فرعون حین إستکبر لنفسه و إستخفّ موسی علیه السلام و قال: « أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذي هُوَ مَهينٌ وَ لا يَكادُيُبين فَلَوْ

ص: 159


1- الزخرف : 67
2- الإنسان : 6
3- الزخرف : 33
4- الزخرف : 35

لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنين (1)» و لیس ما قبل آیة الإنسان مثل هذا.

« اَكْوابٍ »

جمع کُوب ؛ و هو کوز لا عروة له(2).

« قَواريرَا »

و القارور : ما قرّ فیه الشراب و غیره و قیل : لایکون الّا من الزجاج خاصّة(3).

فإن قلتَ : کیف تکون هذه الاکواب مِن فضّة و مِن قواریر؟

أجیب عنه من وجوه :

منها : قال ابن عبّاس : لیس في الدنیا شئ ممّا في الجنّة الّا الأسماء و إذا کان کذلک فکمال الفضّة في بقائها و نقائها و شرفها الّا انّه کثیف الجوهر و کمال القارورة في شفّافیّتها و صفائها إلّا أنّه سریع الإنکسار ، فآنیة الجنّة آنیة یحصل فیها مِن الفضّة بقاءها و نقائها و شرف جوهرها و من القارورة ، صفائها و شفّافیّتها.

و منها : انّها تکون فضّة ولکن لها صفاء القارورة و لا یبعد مِن قدرة الله تعالی الجمع بین هذین الوصفین(4) .

ص: 160


1- الزخرف : 52
2- العین 5/417
3- لسان العرب 5/88
4- مفاتیح الغیب 30/751

ثمّ اعلم انّه لمّا کانت صفاء القارورة و شفّافیّتها و جهرها مقصودة جاءت « قَواريرَا » مع الالف مِن دون تنوین لأنّ ما فیها من الدلالة علی الجهر المقصود اکثر من التنوین . و ما قیل انّ الالف جاءت لتناسب الفواصل لیس صواباً لأنّه لو کان کذلک لم تجئ »قواریرا» الثانیّة کذلک.

الآیة السادسة عشرة

« قَواريرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْديرا»

« قَواريرَا مِنْ فِضَّةٍ »

بدل مِن سابقها بدل الکلّ من الکلّ ، و الظرف صفة لها ، و المعنی : انّها مخلوقة مِن فضّة .

فائدة :

البدل و المبدل إمّا أن یتّحدا في المفهوم أو لا ، فإن اتّحد فهو المسمّی بدل الکلّ من الکلّ ؛ و أحسن مِن هذه التسمیّة أن یقال : بدل العین مِن العین و بعضهم یقول : بدل الموافق من الموافق ، لأنّ هذا البدل یجري فیما لا یقبل التبعیض و الکلّ ، کقوله تعالی :« إِلى صِراطِ الْعَزيزِ الْحَميد(1)» و قوله تعالی :« وَ إِنَّكَ لَتَهْدي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم صِراطِ الله(2)» و نحوه .

و إن لم یتّحدا في المفهوم ، فإمّا أن یکون الثاني جُزءاً من الاوّل أو لا ، فإن کان جزءاً منه فهو بدل البعض من الکلّ و إن لم یکن جزءه ، فإمّا أن یصحّ الإستغناء بالاوّل عن

ص: 161


1- إبراهيم : 1
2- الشورى : 52 53

الثاني أو لا ، فإن صحّ فهو بدل الإشتمال بملابس، امّا وصف کقولک : «اعجبنی زیدٌ حسنُه» أو فعل کقولک : «اعجبنی زیدٌ صلاتُه»، أو ظرف نحو : «اعجبنی زیدٌ داره» ، أو مجاور نحو :« اعجبنی زیدٌ ثیابه» ، أو مقصود مِن العین نحو : «دُعِی زیدٌ للطعام اکله »أو یکون مظروفاً للاوّل نحو :« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فيهِ(1)».

و هل الاوّل مشتمل علی الثّاني أو الثّاني علی الأوّل ، أو العامل مشتمل علیها؟ ثلاثة أقوال لاطائلَ تحتها ، و کلّها صحیحة ، لأنّ الملابسة حاصلةٌ بین الاوّل و الثاني ، و هي المرادة مِن الإشتمال و أمّا إشتمال العامل علیها و إن عمّ سائر أقسام البدل فسمّی هذا النوع به ، لأنّ کلّ واحد من الأنواع إختصّ باسمه ، فاعطی الاسم العام لهذا النوع مِن البدل .

و إن لم یصحّ الاستغناء بالأوّل ، فإمّا أن یکون المتکلّم قد قصده ثمّ اراد إطراحَه ، أو لم یقصده ، فإن کان قصده فهو بدل البداء و إن لم یقصده فهو بدل الغلط(2).

« قَدَّرُوها تَقْديرا »

صفة لِ« قَواريرَا » و معنی تقدیرهم لها انّهم قدّروها في انفسهم و ارادوا أن تکون علی مقادیر و اشکال معیّنة موافقة لشهواتهم فجاءت حسبما قدّروها أو قدّروها بأعمالهم الصالحة فجاءت علی حسبها و قیل : الضمیر للطائفتین بها المدلول علیهم لقوله تعالی : « وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ »، فالمعنی قدّروا شرابها علی قدر اشتهائهم (3).

ص: 162


1- البقرة : 217
2- بدائع الأفکار 1650
3- تفسیر ابی السعود 9/74

الآیة السابعة عشرة

« وَ يُسْقَوْنَ فيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبيلا»

و لمّا وصف الله تعالی أواني مشروبهم ذکر بعد ذلک وصف مشروبهم.

« يُسْقَوْنَ »

هو مِن « السقي » قال ابوهلال : الفرق بین السقي و الاسقاء : السقي لما لا کلفة فیه ، و لهذا ذکر في شراب اهل الجنّة، قال سبحانه :« وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُورا(1)» و امّا قوله تعالی في وصف اهل النّار :« وَ سُقُوا ماءً حَميما(2)» فمجازٌ أو للتهکّم .

و الإستسقاء : لما فیه کلفة و لهذا ذکر في ماء الدنیا نحو :« لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا(3)»(4) و امّا قوله تعالی :« اوَ الَّذي هُوَ يُطْعِمُني وَ يَسْقين(5)» فلأنّ الفاعل الساقي هو الربّ فلا یلیق به تعالی الّا السقي.

و إن قلتَ : لِمَ عبّر هنا بالسقي و عبّر في الآیة الخامسة بالشرب ؟ قلنا : لأنّه الأنسب بما تقدّمه مِن قوله تعالی :« وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ » و لمّا لم یذکر قبل الخامسة مثل ذلک عبّر بالشرب لأنّهم یشربون بانفسهم.

ص: 163


1- الإنسان : 21
2- محمّد : 15
3- الجن : 16
4- معجم الفروق اللغویّة279
5- الشعراء : 79

« كَأْساً »

فإن قلتَ:هل هذه الکأس هی الکأس التي في قوله تعالی:«َ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ(1)»؟

قلنا : الظاهر انّها غیرها مِن وجوه :

الاوّل : الظاهر انّه لیس هناک لهم مِن غیر أنفسهم من الساقي عین و لا أثر و امّا هنا فلهم مَن یسقون الخمر بیدهم و هم ولدان مخلّدون فلمّا اختلف الساقي اختلف الخمر.

الثاني : انّ الکأس هناک مقترنة بحرف الإبتداء بخلافها هنا فما لا دلالة لها علی الإنتهاء أولی و أفضل ممّا لها النهایة.

الثالث : یمکن أن یکون الساقي هنا ربّهم بقرینة قوله تعالی :« وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُورا(2)» فما کان ساقیها ربّهم أفضل و أعلی و أشرف ممّا یشربون منها بأنفسهم.

و لذا قال الآلوسي : و یمکن أن یکون فیه رمز إلی انّ هذه الکأس أعلی شأناً مِن الکأس الأولی(3).

« كانَ مِزاجُها زَنْجَبيلا»

هي صفة للکأس و قد مرّ معناها.

ص: 164


1- الإنسان : 5
2- الإنسان : 21
3- روح المعاني 15/177

الآیة الثامنة عشرة

« عَيْناً فيها تُسَمَّى سَلْسَبيلا»

« عَيْناً »

بدلٌ مِن «کأساً» و قد مرّ نظیرها.

« سَلْسَبيلا »

قال الزمخشري : و سلسبیلا لسلالة انحدارها في الحلق و سهولة مساغها و قد زیدت الباء في الترکیب حتّی صارت الکلمة خماسيّة و دلّت علی غایة السلالة . قال الزجّاج : السلسبیل في اللغة ، صفة لما کان في غایة السلالة(1).

ثمّ السرّ في عدم اتیانها علی حدّ قوله « سلاسلا » و قوله « قواریرا » مِن دون تنوین هو و الله اعلم انّ السلسبیل لیس اسم لها تعییناً فلیس غیر منصرف لعدم العلمیّة کأنّ المعنی : و یسقون فیها کأساً کان مزاجها زنجبیلاً عیناً فیها تسمّی لسلالتها و سهولة مساغها سلسبیلاً بعد سقیها و یَتَعیّن اسماً لها بعد ذلک کما دلّ علیه الصیغة المضارعیّة « تسمّی ».

الآیة التاسعة عشرة

« وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُورا »

و هذه بیان لأوصاف الطائفین.

ص: 165


1- الکشّاف 4/672

« وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ »

جاء مبنیّاً للفاعل بخلاف ما في قوله تعالی :« وَ يُطافُ عَلَيْهِم(1)»

لأنّ هناک جهة النظر الی المطاف به من الأواني و الأکواب و ما فیها و أمّا هنا فجهة النظر الی الطائفین.

« وِلْدانٌ »

و الولدان جمع الولید و هو في الأصل« فعیل» بمعنی المفعول و هو المولود لکن غلب علی الصغار مع قطع النظر عن کونهم مولودین.

و یمکن أن یکون من الإستعارة بمعنی انّهم لحسن خدمتهم و کمال حبّهم إلیهم کأنّهم ولدان لهم.

« مُخَلَّدُونَ »

أي: لا موت لهم و لا فناء و لایتغیّرون عن حالهم و لایتحوّلون عن شکل الوصافة .

« إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُورا »

قال الرضي : قد تکون « إذا » مع جملتها لإستمرار الزمان نحو قوله تعالی : « وَ إِذا قيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُون(2)» أي هذه عادتهم المستمرّة و مثله کثیر نحو قوله تعالی : « وَ إِذا لَقُوا الَّذينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ(3)»

ص: 166


1- الإنسان : 15
2- البقرة : 11
3- البقرة : 14

و الأصل في إستعمال« إذا» أن تکون لزمان من أزمنة المستقبل مختصّ بینها بوقوع حدث فیه مقطوع به و الدلیل علیه : استعمالها في الأغلب الأکثر في هذا المعنی نحو : إذا طلعت الشمس و قوله تعالی :« إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت(1)» و لهذا کثر في الکتاب العزیز استعماله لقطع علّام الغیوب سبحانه بالأمور المتوقّعة(2) .

علیه فجاء بِ« إذا» للدلالة علی انّ هذه الرؤية مقطوعة بها و انّ ما لهم مِن هذه الهیئة الموصوفة لهم لیس مختصّاً بزمان رؤیته صلّی الله علیه و آله و سلّم بل تلک هیئتهم المستمرّة.

«لُؤْلُؤاً مَنْثُورا »

شبّهوا في حسنهم و صفاء ألوانهم و انباثهم في مجالسهم و منازلهم باللؤلؤ المنثورلانّ اللؤلؤ اذا انثر على بساط كان احسن منه منظوماً .

الآیة العشرون

« وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعيماً وَ مُلْكاً كَبيرا »

« رَأَيْتَ »

قال الزمخشري: لیس له مفعول ظاهر و لا مقدّر لیتّسع و یعمّ کأنّه قیل : و إذا اوجدت الرؤیة ثمّ و معناه: انّ بصر الرائي أينما وقع لم یتعلّق ادراکه الّا بنعیم کثیر و ملک کبیر(3).

ص: 167


1- التكوير : 1
2- شرح الرضي علی الکافیة 3/185
3- الکشّاف 4/673

و قال « رَأَيْتَ » و لم یقل « نظرتَ »، للدلالة علی تحقّق الرؤیة. و الفرق بین النظر بالعین و بین الرؤیة انّ(1) الرؤیة هي إدراک المرئي ، و النظر انّما هو الإقبال بالبصر نحو المرئي و لذلک قد ننظر و لانراه ، کما یقولون : نظرت إلی الهلال فلم أره . و لذلک یجوز أن یقال في الله انّه رائيّ و لایجوز أن یقال ناظر.

« ثَمَّ »

في موضع النصب علی الظرف أي : في الجنّة.

« نَعيماً »

النعیم ، الفعیل للمبالغة و القرآن الکریم استخدمها فیما انعم الله به علی عباده في الآخرة دون غیرها نحو قوله تعالی :« إِنَّ الْمُتَّقينَ في جَنَّاتٍ وَ نَعيم (2)» :« فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعيم (3)» و اطّرد هذا الّا في قوله تعالی : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيم (4)» فجاء هنا مع انّ المراد نعیم الدنیا لأنّ المقصود به امّا خصوص نعمة الرسالة و الولایة و امّا عموم ما انعم الله تعالی علی عباده ولکن السؤال عن النعیم مرجعه السؤال عن العمل بالدین في کلّ حرکة و سکون و من المعلوم انّ السؤال عن النعیم الذي هو الدین سؤال عن النّبي صلّی الله علیه و آله و سلّم و الإئمّة من بعده الذین افترض الله طاعتهم و أوجب

ص: 168


1- التبیان في تفسیر القرآن 3/223
2- الطور : 17
3- الواقعة : 89
4- التكاثر : 8

إتّباعهم في السلوک إلی الله الذی طریقُهُ إستعمال النعم کما بيّنه الرسول و الائمّة فيؤول أمره أیضاً الی نعمة الرسالة و الولایة.

و لعلّ السرّ في إطلاق هذه الصیغة علیهم في الدنیا الإشارة إلی أنّهم صلوات الله علیهم أجمعین نعیم في الدنیا کما أنّهم من أعظم نعیم الآخرة.

فالنعیم نعمة عظیمة لا مثل لها في الدنیا لّا اولیاء الله المعصومین علیهم السلام .

« وَ مُلْكاً كَبيرا »

قال « كَبيرا » و لم یقل « کثیراً » لأنّ المراد جلالة شأنها و عظیم خطرها .

الفرق بینهما انّ الکبیر بحسب الشأن و الخطر کالجلیل و العظیم و الکثیر بحسب الکمیّة و العدد(1).

الآیة الحادیة و العشرون

«عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُورا »

« عالِيَهُمْ »

حال مِن مجرور في قوله« وَ يُطافُ عَلَيْهِم»(2)

« ثِيابُ »

هل بینه و بین «الباس» فرق ؟

ص: 169


1- معجم الفروق اللغویة 448
2- الانسان : 15

بملاحظة موارد إستعمالهما في القرآن نجد أنّه استخدم اللباس لستر جزء من البدن و هو العورة کما دلّ علیه توصیفه بمواراة السوأة في قوله تعالی :« يا بَني آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ(1)» و التعلیل بها لنزع اللباس في قوله :« كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما(2)».

و کذلک قوله تعالی :« أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (3)» فإنّ کلّ منهما کان لصاحبه لباساً یتّقي صاحبه عن الرفث إلی غیره و یستر عورته عن غیره .

و كذلك لباس التقوی في قوله تعالی :« قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ وَ ريشاً وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ(4)» لأنّ مواراة السوآت الباطنیّة و هي رذائل المعاصي من الشرک و غیره من التقوی و هذا اللباس أفضل من اللباس الظاهر الذي یواري السوأة الظاهریّة.

فاللباس یستعمل في القرآن الکریم لکلّ ما يغطّي من الإنسان عن القبیح و هو العورة أو ما نزّل منزّلتها .

ص: 170


1- الأعراف : 26
2- الأعراف : 27
3- البقرة : 187
4- الأعراف : 26

و امّا الثوب فیراد به الشمول و التغطية للبدن کلّه و انّه ما یضع الإنسان في وقت و یرجع الیه في وقت آخر قال في المقاییس(1) : اصله العود و الرجوع.

و هذا المعنی ظاهر في قوله تعالی :« أَلا حينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ(2)» و قوله تعالی : « جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ (3)» لأنّ ما یمکن أن یستغشوا علیه هو ما یغطّي البدن کلّه و هو الثوب لا اللباس.

و کذا قوله تعالی :« وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزينَةٍ(4)» لأنّ المراد ما یغطّي البدن کلّه لا العورة فقط فإنّ وضع ما یستر العورة محرّم علیهنّ متبرجات بزینة او لا.

ثمّ إن قلتَ: لِمَ قال تعالی في سورة الحج : « وَ لِباسُهُمْ فيها حَرير(5)» و قال هنا :« عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُس(6)» ؟

قلنا : انّ ما في آیة الحجّ یراد به ما یستر عوراتهم و ما في آیة الإنسان یراد به ما يعلوهم و يزيّنهم . فإن قلتَ : لِمَ لم یأتیا بالعکس؟ قلنا : انّ کلّاً منهما جاء في موضعه اللائق به لأنّ ما في آیة الحج مناسبٌ لما قبله و هو قوله تعالی :« فَالَّذينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ

ص: 171


1- معجم المقاییس اللغة 1/393
2- هود : 5
3- نوح : 7
4- النور : 60
5- الحج : 23
6- الإنسان : 21

مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَميم (1)» و قال بعد ذلک في وصف المؤمنین : « وَ لِباسُهُمْ فيها حَرير(2)» مبالغة في صفة لباسهم، و المعنی انّ ما یستر المؤمنون به عوراتهم من حریر فکیف بثیابهم و ما یزیّنون به؟ کما قال تعالی في قوله :« مُتَّكِئينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ(3)» أي : إذا کانت البطائن من الاستبرق فما ظنّك بالظهائر؟

« سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ »

السندس الرقيق من الدیباج و الاستبرق : الغليظ منه(4).

« حُلُّوا »

عطف علی « وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ».

و إختلافهما بالمضي و المضارعة لأنّ الحالیة مقدّمة علی الطواف المتعدّد(5).

« أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ »

تنکیر « أَساوِرَ» لإبهام أمرها في الحسن.

قال الزمخشري : فإن قلتَ : ذكر هاهنا انّ أساورهم من فضّة و في قوله تعالی : « جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ(6)»؟

ص: 172


1- الحج : 19
2- الحج : 23
3- الرحمن : 54
4- المفردات 404
5- روح المعاني 15/181
6- فاطر : 33

قلت : هب انّه قیل و حلّوا أساور من ذهب و من فضّة و هذا صحیح لا اشکال به، علی انّهم يسوّرون بالجنسين : امّا علی المعاقبة و امّا علی الجمع کما تزاوج نساء الدنیا بین انواع الحلي و تجمع بینها و ما احسن بالمِعصَم أن یکون فیه سواران : سوار من ذهب و سوار من فضّة.(1)

علی أنّ المتكلّم عنهم في الموضعین مختلف فاختلف التعبیر علی حسب کلّ منهم و قال ابن الاثیر : قوله تعالی :« وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّة(2)» صفة الأبرار و امّا المقرّبون فکما قال تعالی :« يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فيها حَريرٌ(3)»

و أضف إلی ذلک کلّه أنّه لمّا ذکر تعالی في سورة فاطر من الأعمال و المواعید ما هي أکثر ممّا في سورة الإنسان فناسب أن یذکر فیها «مِن ذهب» دون «مِن فضّة» و أمّا ما ذکر من الأعمال فهو الإستمرار في تلاوة کتابه(4) وإقامة الصلاة(5) و الإنفاق سرّاً و علانیة(6) و الرجاء(7) و الإقتصاد(8) و السبق بالخیرات(9).

ص: 173


1- الکشّاف 4/674
2- الإنسان : 21
3- الحج : 23 فاطر /33
4- الّذین یتلون کتاب الله
5- و اقاموا الصلاة
6- انفقوا ممّا رزقناهم سرّاً و علانیةً
7- یرجون تجارة لن تبور
8- منهم مقتصد
9- منهم سابق الخیرات

و امّا المواعید فهو توفّیهم أجورهم(1) و الزیادة في الأجر(2) و الوعد بالغفران و الشکور(3).

« وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُورا »

و لمّا ذکر تعالی زینة الظاهر بالحریر و الحلي ذکر بعد ذلک زینة الباطن.

الظاهر انّ هذا نوع آخر یفوق النوعین السابقین و هما ما مزج بالکافور و ما مزج بالزنجبیل کما یرشد الیه اسناد سقیه إلی ربّ العالمین(4).

« طَهُورا »

أی طاهر مطهّر و أمّا کونه طاهراً فبمعنی انّه ليس کخمر الدنیا و امّا کونه مطهّراً فلأنّه لمّا اسقط الله تعالی الوسائط کلّها و نسب سقیهم الی نفسه أزالهم عن کلّ شئ سوی الله تعالی و یطهّرهم تطهیراً و في المجمع رووا عن جعفر بن محمّد علیهما السّلام : یطهّرهم عن کلّ شئ سوی الله اذ لا طاهر مِن تدنّس بشئ من الاکوان الّا الله .(5)

الآیة الثانیة و العشرون

« إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورا»

« هذا »

أي : هذا الذي ذکر من انواع العطایا.

ص: 174


1- لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُم
2- و یزیدهم من فضله
3- غفور شکور
4- روح المعاني 1/181
5- مجمع البیان 10/623

و اعلم انّ في الإتیان بإسم الاشارة للقریب و العدول من الغیبة في قوله :« سقاهم» إلی الخطاب في قوله « لکم » دلالة علی قربهم إلیه تعالی و مکانتهم الرفیعة عنده تعالی.

« كانَ »

اقحام « کان» للدلالة علی تحقیق کونه جزاء لا منّاً علیهم بما لم یستحقّوا، فإن من تمام الأکرام عند الکرام أن یتبعوا کرامتهم بقول ینشط له المکرم و یزیل عنه ما یعرض من خجل ونحوه،أي:هو جزاءحقّاً لا مبالغة في ذلک وکذا قوله:«وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورا».

وإن قلت لِمَ لم یذکر تعالی فیما ذکر من النّعیم في هذه الآیات الحورُ العین کما ذکر في سائر کلامه فی مواضع عند وصف نعیم الجنّة ؟

و الجواب الطیف ما قال الآلوسي : و مِن اللطائف علی القول بنزولها في عليّ و فاطمة علیهما السلام ، انّه سبحانه لم یذکر فیها حور العین و انّما صرّح عزّوجلّ بولدان مخلّدین رعایة لحرمة البتول و قرّة عین الرسول(1).

الآیة الثالثة و العشرون

« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزيلا»

« نَحْنُ »تکریر الضمیر بعد اتیانه اسماً ل« أنّ»یفید الحصرلانّ الحصر لیس الّا تأکید علی تأکید کما قلنا سابقاً. و المعنی : ما نزّل علیک القرآن الّا أنا لم یداخله نفس شیطاني و لا هو من تلقاء نفسک کما یزعم المشرکون ردّاً علیهم.

ص: 175


1- روح المعاني 15/174

و اعلم انّ « نحن » هذه ما یسمّی عند النحاة بالضمیر الفصل و هو یستعمل في القرآن کثیراً و بالتأمّل في مواضع استعماله نجد انّ القرآن الحکیم استخدمه في الأفعال الّتي هي مظنّة الإشتراک ردّاً لمعتقده کما في قوله تعالی :« وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (1)».

فقداستخدمه في الأفعال التي هي مظنّة للشرکة کما

في جملة الإضحاک و الإبکاء و الإماتة و الإحیاء و الإغناء و الإقناء و امّا حیث لامظنّة لها فلا حاجة الی هذا الضمیر کما في جمل خلق الزوجین ، و النشأة الأخری و إهلاک عاد الأُولی.

و منه قوله تعالی :« الَّذي خَلَقَني فَهُوَ يَهْدين وَ الَّذي هُوَ يُطْعِمُني وَ يَسْقين وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفين وَ الَّذي يُميتُني ثُمَّ يُحْيين(2)» فجئ بهذا الضمیر حیث یتوّهم في الفعل شرکة کما في الهدایة و الإطعام و الشفاء و أمّا حیث لاتتوّهم تلک الشرکة فلا یأتي کما في الخلق و الإماتة و الإحیاء.و من ذلک قوله تعالی :« ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَني بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهيداً ما دُمْتُ فيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهيد(3)» فبعد وفاة عیسی علیه السلام لم یکن الرقیب علیهم سوی الله تعالی وحده.

ص: 176


1- النجم : 43 50
2- الشعراء : 78 81
3- المائدة : 117

فلمّا کان لهذا الضمیر هذه القوّة من الردّ و نفي الشرکة یدلّ علی الحصر في غالب مواضعه إن لم نقل بکلّها.

علی هذا فالأنسب أن یُسمّی هذا الضمیر بالضمیر القطع

لأنّه یستعمل و یقطع الشرکة في موضع کان مظنّة لها کما عرفت فالتسمیّة بالضمیر الفصل و تعلیله بأنّه فَصَلَ بین الخبر و الصفة(1) أو التابع(2) لیس بجیّد لأنّ هذا الإسم لایناسب المسمّی و کیفیّة استعماله ، علی انّه منتقضٌ بنحو قوله تعالی :« كُنْتَ أَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيْهِمْ(3)» و قوله تعالی :« نَبِّئْ عِبادي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحيم (4)» اذ لا لبس بدونه ایضاً .

ثمّ العجب کلّ العجب من النحاة جلّهم بل کلّهم حیث ذکروا اقوالأً في اعرابه و شروطاً في موضعه لکن غفلوا عن معناه و کیفیّة إستعماله في القرآن الحکیم و إن کان بأدنی تأمّل یزول اعجابک لأنّ هذا دَیدنهم في سائر المواضع.« نَزَّلْنا »

قال في المیزان : و الفرق بین «الإنزال» و «التنزیل» ؛ انّ« الإنزال» دفعيّ و« التنزیل» تدریجيّ.(5)

و یدلّک علی هذا امورٌ :

ص: 177


1- حاشیة الصبّان 1/420
2- مغنی اللبیب 2/496
3- المائدة : 117
4- الحجر : 49
5- المیزان 2/15

الاوّل : کلّما اقترن القرآن بغیره من الکتب السماویّة جاء القرآنُ مع التنزیل و غیرُه مع الإنزال و ذلک لأنّ القرآن نزّل نجماً نجماً علی عشرین سنة بخلاف غیره من الکتب نحو قوله تعالی :« نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجيل (1)» و قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ(2)».

والثاني : کلّما استعملت مادّة « ن ز ل» مع الکتب السماویّة غیر القرآن عُدّیت الصیغة بالإفعال نحو قوله تعالی :« يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ في إِبْراهيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ(3)» و قوله تعالی :« إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فيها هُدىً وَ نُورٌ(4)» و قوله تعالی :« وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجيلِ بِما أَنْزَلَ الله فيه(5)» الی غیر ذلک و اطّرد هذا الّا في قوله تعالی :«كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَني إِسْرائيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائيلُعَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقين(6)» فسیأتی وجهه.

والثالث : التعدیّة بالتضعیف مع الناس و بالإفعال مع الرسول اذا اجتمعا في موضع کما في قوله تعالی : « وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم (7)».

ص: 178


1- آل عمران : 3
2- النساء : 136
3- آل عمران : 65
4- المائدة : 44
5- المائدة : 47
6- آل عمران : 93
7- النحل : 44

و ذلک لأنّ النزول إلی الناس تدریجيّ و المبیّن و هو الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم مبیّن للمنزَّل کلّه فناسب الاتیان بالانزال لدلالته علی الکلّ .

فتبیّن انّ کلّاً منهما اذا قابل بالآخر فكلّ علی معناه و هو التدریج مع «التنزیل» و الدفعة مع «الإنزال» فبهذا ثبت المطلوب و لایحتاج في إثباته إلی شئ آخر .

نعم في استعمالهما متشابهاتٌ تُلزم من لا خبرة له في ادراک وجهها علی القول بأنّ کلّاً منهما یجئ في موضع الآخر.

منها قوله تعالی :« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(1)» و ذلک لانّ المراد ایمان المؤمن بکلّ ما انزله تعالی بلسان رسله من غیر تفرقة بین وحي و وحي و لا بین رسول و رسول . فلمّا کان الإیمان بکلّ المنزّل مراداً ناسب الإتیان بالإفعال فیهما .منها قوله تعالی :« وَ يَقُولُ الَّذينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُم (2)» فأتی اوّلاً بالتنزیل و ثانیاً بالإنزال.

قال الراغب : فإنّما ذکر في الأوّل« نزّل» و في الثاني «أنزل» تنبیهاً انّ المنافقین یَقتَرحُون أن ینزّل شئ فشئ من الحثّ علی القتال لیتولَّوه، و إذا اُمروا بذلک مرّة واحدة تحاشوا منه فلم یفعلوه فهم یقترحون الکثیر و لا یفُون منه بالقلیل.(3)

ص: 179


1- البقرة 4
2- محمّد : 20
3- المفردات 639

و منها قوله تعالی :« وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصيد(1)» و قوله تعالی :« وَ هُوَ الَّذي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْ ء(2)» فذکر في الأوّل « نزّل » و في الثاني « انزل » ، و ذلک لأنّ کلّاً منهما جاء لتناسبه بما قبلهما ألا تری إلی قوله تعالی « وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ » حیث جاء قبله ذکر المکذّبین في قوله :« بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ(3)» فناسب الاتیان بالتضعیف لما فیه من الدلالة علی المبالغة کما مرّ في الأُصول حیث قلنا انّ قوّة اللفظ لقوة المعنی، فإنّ التفعیل و کذا التفعّل لزیادة المعنی في التفعّل و التشدید الدالّة علی التغلیظ بصفة صوته فیهما في باب التوکید أدخل . فکلّما اقتضی المقام التوکید استعمل بابالتضعیف کما في مواطن قارنت هاتین الصیغتین بمفردات من لفظ : الشیاطین السحر الجنون و نحوها ممّا یقتضي المقام فیه تدحیض تکذیب أو تفویض إفتراء أو نحو ذلک نحو قوله تعالی :« وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْديهِمْ لَقالَ الَّذينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبين(4)». و کذا قوله تعالی :« وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين وَ ما يَنْبَغي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطيعُون (5)».

ص: 180


1- ق : 9
2- الأنعام : 99
3- ق : 5
4- الأنعام : 7
5- الشعراء : 210

و أمّا في آیة الأنعام فلیس فیها أو ما قبلها شئ من ذلک بل جاء قبلها :« لِقَوْمٍ يَعْلَمُون(1)» و« لِقَوْمٍ يَفْقَهُون(2)» فلا احتیاج الی تأکید أو تغلیظ فجاء بالإفعال .

اذا عرفت ذلک فیکشف السرّ في قوله تعالی :« مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراة(3)» لأنّ المراد به من قبل ثبوت أحکامها و تقعیدها ، فلمّا قصد معنی إستمرارها و تقعید حکمها ورد اللفظ مضعّفاً لیشیر الی حکم ثبوتها و استمرارها.

و أمّا في قوله تعالی :« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزيلا(4)» فالآیة لبیان انّ هذا القرآن ما نزّله الّا الله سبحانه و تبارک و تعالی فلیس سحراً ولا كهانة و لا شعراً و لا من عنده أو تلقاء نفسه ردّاً علی المشرکین في ادعائهم، فالمناسب لهذا الردّ تاکید الجملة بتأکیدات منها تضعیف العین في مادّة النزول مع احتمال کون التضعیف هنا لبیان انّهذا القرآن نزّل الی رسوله منجّماً و انّ کلّ نجم رهین بنزول حاجة ملمّة أو حدوث سبب عامّ أو خاصّ بحکمة و صواب .

« عَلَيْكَ »

و جاءت هنا لبیان انّ هذا نزّل علیک لا علی غیرک.

و إن قلتَ : لِمَ لم یقل « إلیکَ »؟ قلنا : لعلّه لمّا کان هنا وجه النظر إلی مبدأ النزول جاء بِ« علی »، لأنّ النزول مِن مبدأه ثقیل مستثقلٌ لأنّه مِن عند حکیم مقتدر. قال

ص: 181


1- الأنعام : 97
2- الأنعام : 98
3- آل عمران : 93
4- الإنسان : 23

تعالی :« إِنَّا سَنُلْقي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقيلا(1)» و« علی» قد تستعمل في الأفعال الشاقّة المستثقلة کما قال ابن جنّی(2).

الآیة الرابعة و العشرون

اشارة

« فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُورا»

« فَاصْبِرْ »

تفریع علی ما قبلها و المعنی : إذا کان تنزیله منّا فما فیه من الحكم حکم ربّک فیجب علیک أن تصبر له فاصبر لحکم ربّک.

« لِحُكْمِ رَبِّكَ »

و في المقاییس : الحکم اصله هو المنع(3) و هذا الاصل ملحوظٌ في موارد استعماله کما في تسمیّة الحکم المولويّ حکماً لأنّه یمنع به المأمور عن الإطلاق في الإرادة و العمل و کذاالحکم بمعنی القضاء یمنع مورد النزاع مِن أن یتزلزل بالمنازعة و المشاجرة أو یفسد بالتعدّي و الجور.

و مِن المعلوم انّ الحکم إذا کان صادراً من الربّ و اسند الیه کان مقترناً بحکمة و صواب فیُمکن أن یراد بالحکم هنا حکمه و حکمتُهُ تعالی و لذا قال الزمخشري فیها : فاصبرلحکم ربّک الصادر عن الحکمة و تعلیقه الامور بالمصالح و تأخیره نصرتک علی اعدائک بالمکافة و المصابرة و لاتطع احداً قلّة صبر منک .

ص: 182


1- المزمل : 5
2- الخصائص2/60
3- معجم مقاییس اللغة2/92

« مِنْهُمْ »

« مِن » مبعّضة حال مِن المفعولین لأنّه إذا تقدّم ما یجوز أن یکون نعتاً للنکرة فإنّه ینصب علی الحال.

« آثِماً أَوْ كَفُورا »

الآثم : المتلبّس بالمعصیة ، و الکفور : المبالغ في الکفر، فتشتمل الآیة الکفّار و الفسّاق جمیعاً.

« أَوْ »

قال الرضي : لفظة « أَوْ» في جمیع المواضع موجبة کانت أو لا، مفیدة لأحد الشیئین أو الأشیاء ثمّ معنی الوحدة في غیر الموجب یفید العموم، فلم تخرج « أَوْ» مع القطع بالجمعفي الإنتهاء في نحو :« وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُورا(1)» عن معنی الوحدة الّتي هي موضوعة له و الله اعلم(2).

فإن قلتَ : فإذا کان الجمع في الآیة مراداً فهلّا جیء بالواو لیکون نهیاً عن طاعتهما جمیعاً؟ قال الزمخشري(3) : لو قیل : و لا تطعهما جاز أن یطیع احدهما و اذا قیل لاتطع احدهما ، عُلِم انّ الناهي عن طاعة احدهما عن طاعتهما جمیعاً انهى . کما اذا نهی أن یقول لابویه :« افّ »، عُلِم انّه منهيّ عن ضربهما علی طریق الأولی.

ص: 183


1- الإنسان : 24
2- شرح الرضي علی الکافیه4/401
3- الکشّاف4/675

و إن قلتَ : لِمَ لم یقل : و لا تطع منهم أثیماً ؟ قلنا : لأنّه یکون المعنی حینئذٍ : لاتطع الاثیم ولکن یمکن ان یطیع الآثم .

و إن قلتَ : لِمِ لم یقل کافراً بل قال کفوراً : قلنا: لمّا جیء هنا بِ« أو» الدالّة علی النهي عن کلّ منهما و عن الجمع بینهما فتدرّج في اللغة قال : کفوراً ، لأنّ هذا هو الأنسب في المعنی فکان المعنی : لا تطع منهم آثماً و لا مَن هو اشدّ منه ذنباً أي لا تطع اصحاب درجات الذنوب الّذین یبدأون بالآثم و ینتهون بالکفور.

ثمّ اعلم انّ تعلیق الحکم بالوصف المشعر بالعلّیّة انّما یفید علّیّة الآثم و الکفور للنهي عن الطاعة مطلقاً لا علّیّتهما للمعنی إذا دعا الآثم الی خصوص إثمه و الکافر إلی خصوص کفره(1) .

الآیة الخامسة و العشرون

« وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصيلا»

« وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ »

تقدّم بیان الفرق بین « و اذکر اسم ربّک » و « اذکر ربّک » في تفسیر البسملة فراجع.

و إن قلتَ : أیّ فرق بین قوله تعالی :« سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(2)» و قوله تعالی :« فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظيم(3)» و قوله تعالی :« وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ(4)» ؟

ص: 184


1- المیزان 20/141
2- الأعلى : 1
3- الواقعة : 74
4- الإنسان : 25

قلنا : و الله اعلم بمراده انّ التسبیح إذا أرید به مجرّد التنزیة و الذکر المجرّد دون معنی آخر جاء مجرّداً عن الباء و إذا أرید به مع ذلک عمل عدّي بالباء نحو قوله تعالی :« فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظيم(1)» لأنّ المراد به والله اعلم الذکر و التنزیة مع عمل و هي الصلاة أو باللام نحو قوله تعالی :« سَبَّحَ لِله ما فِي السَّما واتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيم (2)» و المراد التسبیح الذي هو السجود و الخضوع و الطاعة .و امّا قوله تعالی :« وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلاً طَويلا(3)» فإن کان المراد من الآیة الصلاة ایضاً لکنّ الصلاة عُلمت بذکر السجود فصار التسبیح ذکره و تنزیههُ ایّاه تعالی.

و أمّا ذکر الله فيتناول کلّ ما کان من ذکر طیّب ، تسبیح و تهلیل و تکبیر و تمحید و توحید و صلاة و تلاوة قرآن و دراسة علم و غیر ذلک ممّا کان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم يستغرق ساعاة ليله و نهاره فليس المراد بالذكر بکرة و أصیلاً خصوص صلاة الفجر و العصر.

و الظرفان غیرمقیّد بحرف الظرفیّة أو الباء لیدلّان علی الإستغراق فالمراد إستغراق حضور المعنی و هو ذکر أسمائه تعالی في النفس لجمیع الأزمنة.

ص: 185


1- الواقعة : 74
2- الحديد : 1
3- الإنسان : 26

« بُكْرَةً وَ أَصيلا »

« بکرة »؛ قال الراغب : أصل الکلمة هي البکرة التي هي أوّل النهار فاشتق من لفظه لفظ الفعل فقیل : بکّر فلانٌ بُکُوراً : إذا خرج بُکرة و تصوّر منها معنی التعجیل لتقدّمها علی سائر أوقات النهار ، فقیل : لکلّ متعجّل في امر : بِکرٌ(1).

« أَصيلا»

و هو ما بین العصر إلی المغرب(2).فذکر اوّل الیوم و آخره کنایة عن کلّ الیوم و امّا اللیل فذکر تعالی حکمه في الآیة الآتیة.

الآیة السادسة و العشرون

« وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلاً طَويلا »

« وَ مِنَ اللَّيْلِ »

قال الشهاب : « مِن » مبعّضة و تقدیم الظرف للإعتناء و الإهتمام بظرفها و تشریفه الدالّ علی أنّها کذلک بالطریق الأولی. ثمّ قال : و الفاء علی معنی الشرطیّة فالتقدیر : ما یکن من شئ فصلّ من اللیل و هو یفید أیضاً بتأکیده الإعتناء التامّ(3).

ص: 186


1- المفردات140
2- مجمع البحرین5/306
3- حاشیة الشهاب علی تفسیر البیضاوي8/292

« لَيْلاً طَويلا »

وصف اللیل بالطول تقييد للامر بالتسبیح ، أي : سبّحه أكثر اللیل فهو في معنی قوله تعالی : « قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَليلا(1)».

الآیة السابعة و العشرون

« إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقيلا »

« الْعاجِلَةَ »أصله : الإسراع(2) و العجلة : طلب الشئ و تحرّيه قبل أوانه(3). و یقال للدنیا : العاجلة و للآخرة ، الآجلة.

« يَذَرُونَ »

قال :« يَذَرُونَ» و لم یقل : «یدعون» ، لأنّ الأوّل یدلّ علی ترک مع إعراض عن المتروک بخلاف « یدعون» فإنّه یقتضي ترکاً موقّتاً و لذا قال الراغب : يقال : فلانٌ یَذَرُ الشئَ أی یَقذفُهُ لقلّة اعتداده(4).

فانّهم یذرون الآخرة و یعرضون عنها.

« وَراءَهُمْ »

قال ابن القیّم : و ذهب بعض المفسّرین و اللغویّین إلی نّها قد تأتي بمعنی« أمام» فتکون مشترکةٌ بینهما و احتجّ بأمرین.

ص: 187


1- المزمل : 2
2- معجم مقاییس اللغة 4/238
3- المفردات 548
4- المفردات692

الأوّل : قوله تعالی :« مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَديد(1)».

و جهنّم إنّما هي أمام الکافر و کذلک قوله تعالی :« وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَليظ(2)» و إنّما العذاب الغلیظ أمامه و فیما یستقبله.الثاني : قوله تعالی :« أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ(3)» أی : أمامهم ، بدلیل قراءة عبدالله بن عبّاس :« و کان أمامهم ملک».

و هذا المذهب ضعیفٌ و« وراء» لایکون« أماماً » کما لایکون « أمام » « وراء » إلّا بالنسبة إلی شیئین ، فیکون أمام الشئ وراءً لغیره و وراء الشئ أماماً لغیره ، فهذا الّذي یعقل فیها و امّا أن یکون وراء زید بمعنی أمامه فکلّا.

و أمّا ما استدلّوا به فلا حجّة فیه ، فأمّا قوله تعالی :« مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ(4)» فالمعنی انّه ملاقٍ جهنّمَ بعد موته ، فهي من بعده أي : بعد مفارقته الدنیا، فهي لمّا کانت بعد حیاته کانت وراءَه ، لأنّ « وراء» کَ« بعد» فکما لا یکون « بعدُ قبلُ » فلایکون « وراء أمامَ » و انتَ لو قلتَ : جهنّم بعد موت الکافر، لم یکن فیها معنی « قبلُ » بوجه، فَ«وراء» هنا زمانٌ لا مکان فتأمّله.

ص: 188


1- إبراهيم : 16
2- إبراهيم : 17
3- الكهف : 79
4- إبراهيم : 16

فهي خلف زمان حیاته و بعده و هي أمامَهُ و مستقبلتَهُ ، فكونها خلفاً و أماماً بإعتبارین و انّما وقع الإشتباه ، لأنّ بعدیّة الزمان امّا یکون فيما یستقبل أمامک ، کقولک :« بعد غدٍ » و ورائیّة المکان فیما تخلف وراء ظهرک فَ« مِن ورائه جهنّم » ورائیّة زمان لا مکان.

و هي انّما تکون في المستقبل الذي هو أمامک، فلمّا کان معنی « أمام» لازم لها ظنّ مَن ظنّ انّها مشترکةٌ و لا اشتراک فیها، و کذلک قوله تعالی :« وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌغَليظ(1)» و کذلک :« مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ(2)» و امّا قوله : و کان وراءهم ملك فإن صحّت قراءة :« و کان أمامهم ملک » فلها معنی لا یتناقض القراءة العامّة، و هو انّ الملک کان خلف ظهورهم و کان مرجعهم علیه ، فهو وراءهم في ذهابهم و أمامهم في مرجعهم ، فالقراءتان بالإعتباریین ، و الله اعلم(3).

و الظرف حال من الیوم.

« يَوْماً ثَقيلا »

الثقیل من الجرم ما يتعب حامله و استعیر هنا للیوم لشدّته.

ص: 189


1- إبراهيم : 17
2- إبراهيم : 16
3- بدائع الفوائد 1647

الآیة الثامنة و العشرون

« نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْديلا »

« نَحْنُ خَلَقْناهُمْ »

تقدیم المبتدأ المخبر عنه بالخبر الفعلي لإفادة الحصر أي : نحن خلقناهم لا غیرنا و لم یؤکّد هنا الخلق بِ« أنّ » بخلافه في اوّل السورة لأنّ الخلق في بدء السورة مقیّدٌ بالإبتلاء الّذي هو موضع النزاع بل الإنکار أو الغفلة عند أکثر الناس و أمّا الخلق هنا فالمراد بهمجرّد الخلق في النشأة الأُولی و هي الدنیا و هذا لیس موضع انکار منهم کما في قوله تعالی :« وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله(1)».

« وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ »

أي : احکمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب.

« وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْديلا»

و اعلم انّ هذه الآیة وزانها وزان ما في سورة الواقعة و هو قوله تعالی :« نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقين عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُون وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُون(2)» فکما ذکر فیها النشأة الأُولی بقوله :« وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى » ذکر في آیة الإنسان بقوله :« نَحْنُ خَلَقْناهُمْ » و المراد بقوله :« عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ » النشأة الأُخری بقرینة قوله :« في ما لا تَعْلَمُون » و یعادلها

ص: 190


1- لقمان : 25
2- الواقعة : 60 62

في آیة الإنسان قوله :« بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ » و قوله تعالی :« إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَة(1) » تعادل ما في آیة الواقعة بقوله :« فَلَوْ لا تَذَكَّرُون » .

فالمراد بتبدیل الأمثال هنا تبدیل کلّ منهم بمثله في النشأة الأُخری تبدیلاً بنفسه في صورة و حالة اُخری لا تبدیلاً بتبدیل غیره فهذه الآیة دلّت بصدرها علی النشأة الأُولی و بذیلها علی النشأة الأُخری و هي المعاد.إذا عرفت ذلک فتبیّن انّ قول الزمخشري في « و إذا شئنا » : و حقّه أن یجئ بِ« إن» لا بِ« إذا» کقوله :« إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرينَ(2)»(3)

لیس بصحیح ، لأنّ المراد بالاستبدال في الآیة التي ذکرها، استبداله ایّاهم بآخرین مطیعین في الدنیا لا النشأة الاُخری فجئ بِ« إن» و أمّا في آیة الإنسان فجئ بِ« إذا » لکون الامر محقّقاً.

و ذکر المشیئة لإبهام وقته.

فإن قلتَ : فإن کان المراد بذیل قوله :« نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْديلا(4)» هي النشأة الأُخری فکیف لم یؤکّدها لأنّهم بالنسبة الیه منکرون أو بمنزّلته؟

ص: 191


1- الإنسان : 29
2- النساء : 133
3- الکشّاف4/675
4- الإنسان : 28

قلنا : إنّما لم یوکّد ما دلّ علی المعاد لإفادة أنّ المعاد و إنشاءهم في النشأة الأُخری لیس علی الله أصعب من خلقهم في النشأة الأُولی و هم به معترفون فحقیق بهم أن لا یشکّوا أو لا ینکروا نشأتهم الأُخری.

فإن قلتَ : إذا کانوا یعترفون بأنّه تعالی هو الخالق فَلِمَ یؤکّد الکلام؟ قلنا : التأکید بناء علی تنزیل أولئك المخلوقین منزّله مَن یشکّ في أنّ الله خلقهم، لإفادة أنّه لو کان شئ حقیق أن یشکّوا فیه هو خلقهم في النشأة الأُولی فإذا کانوا یعترفون بخلقهم و خالقهم في الدنیا فلا ینبغي أن يشكّوا أو ینکروا نشأتهم الأُخری لأنّ ما هو الأصعب في نظرهم خلقالإنسان حال کونه لم یکن شیئاً مذکوراً و امّا إنشائُهُ و تبدیله بعد خلقه الأوّل فلا. فأکدّ الأوّل و هو الخلق دون الثاني و هو التبدیل و الله أعلم.

الآیة التاسعة و العشرون

اشارة

« إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلا »

« هذِهِ »

إشارة إلی السورة أو إلی الآیات القریبة.

« فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلا»

أی : من شاء أن یتّخذ سبیلاً اتّخذه إلی ربّه . قال الزمخشري : و السبیل إلی الله عبارة عن التقرّب إلیه و التوسّل بالطاعة(1).

ص: 192


1- الکشّاف4/676

« إِلى رَبِّهِ »

حال من « سبیلاً ».

« إِلى »

قال إبن جنّی : هي لإنتهاء الغایة کقولک:« سرتُ من البصرةإلی الکوفة » أي : إنتهي سیري إلی الکوفة و الکوفة غایةٌ له و هذه الغایات من جهة اللغة ، بمنزلة المجمل لایُعرف من ظاهرها دخولها فیما قبلها حتّی تجئ قرینة توجب ذلک(1).و لا تخرج «إلی» عن معنی الإنتهاء کما قال ابن جنّی حیث قال : و قالوا: إنّ « إلی » تجئ بمعنی « مع »، قال الله تعالی :« وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُم (2) » و کذا قوله تعالی :« مَنْ أَنْصاري إِلَى الله(3) » و هذا في الحقیقة غیر ما یدّعون فیه(4).

و قال الزمخشري أیضاً بعد أن ذکر لها معنی واحداً و هو الإنتهاء کابن جنّی : و کونها بمعنی المصاحبة في نحو قوله تعالی :« وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُم (5)» راجعٌ إلی معنی الإنتهاء(6).

ص: 193


1- شرح اللمع229
2- النساء : 2
3- الصف : 14
4- شرح اللمع229
5- النساء : 2
6- شرح المفصّل لإبن یعیش4/463

و لقد أجاد الزجّاج علی ما نقل عنه الآلوسي حیث قال : قال الزجّاج : لایجوز أن یقال : انّ بعض الحروف من حروف المعاني بمعنی الآخر لکن الحرفین قد یتقاربان في الفائدة فیظنّ الضعیف العلم باللغة أنّ معناهما واحد و لیس بذلک(1).

فَ«إلی» لا تخرج عن معناها و لکن مع ذلک نذکر مواضع یظنّ من ضعّفهم الزجّاج أنّها تخرج فیها عن معناها و جاءت بمعان اُخری :

منها : المعیّة(2):نحو قوله تعالی : « فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصاري إِلَى الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ الله آمَنَّا بِالله(3)».

قال في الجنی الدّاني : و « إلی» في هذا ابلغ مِن « مع » لأنّک لو قلتَ : مَن ینصرنی مع فلان ، لم یدلّ علی انّ فلاناً وحده ینصرک،لابدّ، بخلاف «إلی» فإنّ نصرة ما دخلت علیه محقّقة مجزوم بها(4).

فلو قال علیه السلام في موضعها « مع » لم یقل الحواریّون في الجواب :« نحن انصار الله » بل قالوا «نحن انصارک » و لذا قال الزمخشري(5) و لا یصحّ أن یکون معناه : مَن ینصرنی مع الله لأنّه لایطابق الجواب.

ص: 194


1- روح المعاني2/168
2- شرح التسهیل3/12مغنی اللبیب1/75
3- آل عمران : 52
4- الجنی الدّاني386
5- الکشّاف4/528

و کذلک قوله تعالی :« وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُم (1)» فلیست « إلی » فیها بمعنی « مع ». و لتبیّن لک جلیّاً بأنّها فیها بمعناها من الإنتهاء نذکر لک فائدة بدیعة تفیدک في هذا و نحوه إن شاء الله.

فائدة : الاسلوب البياني للقرآن في النهي عن المنهيّ عنه :

و اعلم انّه إذا کان للمنهي عنه درجات فطریق البلاغة النهي عن أدناها تنبیهاً علی الأعلی کما في قوله تعالی : « فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ(2) » و لایعدل عن هذا إلّا لسرّ لطیفو فائدة جلیلة لاتؤخذ من النهي عن الأدنی و ذلک أنّ المنهيّ عنه کلّما کان أقبح کانت النفس عنه أنفر و الداعية إلیه أبعد کما في قوله تعالی :« وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُم (3)»

فإنّ اکل مال الیتیم حرام مطلقاً فإنّما لم یکتف بقوله :« وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ » فزاد الظرف « إِلى أَمْوالِكُم » لما قلناه و هو بیان أقبح صورة هذا الأکل و التصرّف و ذلک بإتیان کلمة « أَمْوالِكُم » الدالّة علی أنّ للآكل مالاً و أنّه غنيّ لیس له إحتیاج إلی مال الیتیم و مع ذلک يتصرّف في مال الیتیم و أكَلَه و بإتیان کلمة « إلی » الدالّة بأنّه یبتدأ الأکل من مال الیتیم و ينتهي أکله إلی مال نفسه.

فهذا القید بیان لأقبح صور الأکل و خصّصَ ذلک بالنهي لزیادة التشنیع علی مَن یقع فيه. فلیست « إلی» بمعنی« مع» و لایکون الفعل متضمّناً معنی « لا تضمّوا » لأنّ الکلام لیس فیهما کما لایخفی.

ص: 195


1- النساء : 2
2- الإسراء : 23
3- النساء : 2

و یمکن أن یکون من هذا قوله تعالی :« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً(1)».

نعم قد یذکر المنهي عنه بکلا طرفیه الأدنی منه و الأعلی نحو قوله تعالی : « وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُورا(2)» و قد مرّ بیانه .و امّا قوله تعالی :« فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ(3)» فلیست بمعنی « مع » ایضاً کما قیل(4) بل هي علی معناها و ذلک بأنّه لمّا ذکر تعالی الوجه و هو لم یکن مشترکاً بین اعضاء لم یقیّده بقیدٍ.

و امّا « اليد » فهو اسم للجارحة من رأس الأنامل إلی اُصول الإبط أو المنكب فهي تطلق على رأس الأنامل إلی الکفّ و إلی الزند و إلی المرفق و إلی العضو المعروف کلّه فیحتاج إلی قرینة معیّنة إذا أرید بها أحد هذه المعاني و لذلک قیّدها بقوله « إلی المرافق» لیتبیّن انّ المراد من الید، الّتي تنتهي إلی المرفق . فالظرف حال مِن « أیدیکم » و لیس قیداً للغسل حتّی یحکم بأنّ الغسل إبتدأ من أصول الأصابع و ینتهي إلی المرفق أو یحکم بأنّ « إلی » تکون بمعنی « مع » و المرفق داخل في حکم الغسل ، فالآیة من جهة کیفیّة الغسل و أنّه هل ینتهي إلی المرفق أو إلی اصول الأصابع أو هل یدخل المرفق في الغسل أم لا ؟ مجملة فلنرجع لبیانها إلی السنّة.

ص: 196


1- آل عمران : 130
2- الإنسان : 24
3- المائدة : 6
4- اسرار العربیّة194

و منها : موافقة « في » :

نحو قوله تعالی :«الله لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فيه(1)»(2) و لیس کذلک لأنّ الآیة لیست في صدد بیان مکان إجتماعهم أو زمانه و إستقرارهم فیه بل جاءت لبیان أنّ الکافرین بعد أن یدرکهم الموت لایکون الموت مآل أمرهم و عاقبةحیاتهم بل أنّ الله تعالی یحشرهم بعد ذلک و یجمعهم و ینتهي أمرهم إلی یوم القیامة لیقوموا الحساب.

و الجمع إذا أرید به الدلالة علی زمان الجمع أو مکانه عُدّي بِ« في» کما في قوله تعالی :« الله جامِعُ الْمُنافِقينَ وَ الْكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعا(3)» و إذا ارید به الدلالة علی الغرض منه عُدّي بِ« اللام» کما في قوله تعالی :« رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فيه(4)» لأنّ جمعهم له جمعهم للحساب و الجزاء و یتعدّی بِ« إلی» للدلالة علی انتهائهم إلی ما ینتظرهم من الحساب و الجزاء کما قلنا.

هذا ، و قد یکون اختلاف الحرف حسب اختلاف المخاطب کما في قوله تعالی :« بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِله و هُوَ مُحْسِن (5)» و قوله تعالی :« وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَ هُوَ

ص: 197


1- النساء : 87
2- شرح التسهیل3/14
3- النساء : 140
4- آل عمران : 9
5- البقرة : 112

مُحْسِن(1) » فقد عُدّي الإسلام في الآیة الأُولی بِ« اللام » و في الثانیة بِ« إلی(2)» و ذلک بأنّ المخاطب بهذا القول و إن کان لیس لسانه لسان خطاب الّذین ظنّوا انّ السعادة تدور مدار الإسم و العنوان بقرینة قوله قبلها :« وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين (3)» فجئبِ« اللام » لبیان انّ السعادة تدور مدار الإسلام و الانقیاد لأمر الله تعالی لا للاسم و العنوان .

و امّا آیة لقمان فلأنّ المخاطب فیها بهذا القول الذین سخّر الله لهم ما في السموات و ما في الأرض و اسبغ علیهم نِعَمَهُ ظاهرة و باطنة بقرینة قوله قبلها :« أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَة(4)» فجئ بِ« إلی » للدلالة علی انّه اذا کان کذلک فینبغي بل یجب أن یُفوّض المنعم علیه امره الی المنعم و یتوکّل علیه في تدبیر شوؤنه و في إحسانه و مَن فوّض امره إلیه و توکّل علیه فقد استمسک بالعروة الوثقی لا إنقطاع لها فهو في الحقیقة فوّض عواقب أموره إلی مَن یرجع إلیه عاقبة الأمور کلّها ،« وَ إِلَى الله عاقِبَةُ الْأُمُور(5)».

ص: 198


1- لقمان : 22
2- مرّ علیک سابقاً بیان الفرق بین قولک اسلم لله و قولک اسلم الی الله في کلام الزمخشري.
3- البقرة : 111
4- لقمان : 20
5- لقمان : 22

فتبیّن إلی هنا أنّ حروف الجرّ لاینوب بعضها عن بعض وأنت تری أنّ بعض النحاة کیف جفی بحقّها و یتلاشی معناها بإسم النیابة و التناوب و لذا قال الطبري : إنّ لکلّ حرف من حروف المعاني وجهاً هو أولی من غیره فلایصحّ تحویل ذلک عنه إلی غیره الّا بحجّة یجب التسلیم لها و لِ« إلی » في کلّ موضع دخلت من الکلام حکم، و غیر جائز سَلبُها معانیها في اماكنها.(1)

و انت عرفتَ أنّ النحاة إذا حکموا بتحویل حرف عن معناه إلی غیره لایحکمون بحجّة مسلّمة بل کلّ موطن لایعرف وجه إتیانها حکموا بما لاینبغي أن یحکموا.ال

آیة الثلاثون :

« وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ الله إِنَّ الله كانَ عَليماً حَكيما»

« وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ الله»

و اعلم انّه إستخدم القرآن من طرق القصر طریق النفي و الإستثناء في الأُمور التي هي مجال الوهم و الشکّ و الإنکار ألا تری إلی قوله تعالی :« نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورا(2)» فإنّ الظالمین یخاطبون بذلک قوماً آمنوا و ینکرون دعوی سحر الرسول . و قوله تعالی :« وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبيرا(3)» فالتخویف یوجد في النفس الشکّ في أنّهم

ص: 199


1- تفسیر الطبري 1/199
2- الإسراء : 47
3- الإسراء : 60

ینصرفون عن کفرهم فجئ بهذا الإُسلوب لتأکید زیادة طغیانهم و کذلک قوله تعالی :« وَ لَقَدْ صَرَّفْنا في هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَ ما يَزيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورا»(1).

و قوله تعالی :« وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُم»(2) و المشهور أنّ الآیة قد نزلت بعد غزوة اُحد التي إنهزم فیها المسلمون و یجادلوا حین أشیع بینهم أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم قد قُتل و شقّ علیهم أن یتصوّر إمکان موته أو قتله لتوهّمهم أنّ له قدرة خارقة لا تکون لبشر فأراد سبحانه أن یخلع هذا الوهم من أذهانهم و أن يردّهم إلی الصواب فنفی عنه صفاتالملک أو ما دار بخلدهم من أنّ کلّ شئ في هذا الدین ینتهي بغیاب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم.

إذا عرفتَ ذلک فتبیّن أنّ الآیة مسوقة لدفع توهّم أنّهم مستقلّون في مشیّتهم منقطعون مِن مشیئة ربّهم فالآیة لنفي استقلالهم في المشیئة لا لنفي المشیئة فلا يستشمّ منها رائحة الجبر.

فالکلام انّما یفید تعلّق مشیئة تعالی بمشیئة العبد لا بفعل العبد حتّی یستلزم بطلان تأثیر إرادة العبد و کون الفعل جبریّاً، فلیس لفعل المشیّة هنا مفعولاً لا ظاهراً و لا مقدّراً إذ لا یتعلّق الغرض بفعل العبد بل بمشیئته و إرادته .

فالتقدیر :« ما تشاوؤن وقتاً الّا وقت مشیّة الله » و لایجوز أن یقدّر لفعل المشیئة مفعولاً من نحو: فعلاً أو شیئاً أو طاعة أو نحو ذلک ممّا یکون بمعنی الفعل لوجهین:

ص: 200


1- الإسراء : 41
2- آل عمران : 144

الأوّل : لأنّه لو قدّر کذلک یلزم منها الجبر اذ التقدیر حینئذٍ « ما تشاوؤن شیئاً أو فعلاً الّا أن یشاء الله » فکلّ فعل أو شئ یشاوؤنه یشاء الله فهل هذا الّا الجبر؟

والثاني : لأنّه لو قدّر کذلک لم یحصل للكلام معنی محصّل إذ الضابطة في الإستثناء المفرّغ أن یجوز تجريد الکلام من النفي و الإستثناء و یسند الفعل إلی المستثنی و یتمّ المعنی و لاینقص منه الّا معنی النفي و الحصر فلایجوز أن نقول :« تشاوؤن شئ مشیّة الله أو فعل مشیّة الله » ولکن یجوز أن نقول :« تشاؤون وقت مشیّة الله » فافهم.

« إِنَّ الله كانَ عَليماً حَكيما »

أي : علیماً بما يستأهل کلّ احد، حکیماً لایشاء الّا ما تقتضیه حکمته .

و الفاصلة مع تناسبه بما قبلها تکون توطئة لما بعدها.

الآیة الحادیة و الثلاثون :

« يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ في رَحْمَتِهِ وَ الظَّالِمينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَليما»

إن قلتَ : إنّ ما ذکر في أوصاف الظالمین في هذه السورة أکثر من أوصاف الکافرین فیها فَلِماذا ذکر تعالی ما يعذّب به الکافرین و فصّل و لو قلیلاً و أمّا الظالمون فذکر فيهم وعید العذاب و أهمل ما یعذّبهم به ؟ فما السرّ؟

قلنا : إنّ الأُسلوب الذي اختار تعالی في وعید الظالمین ما يسمّى بأسلوب الإشتغال و هو یغلب إستعماله في الذکر الحکیم في موطن یکون مدخلاً لما یتبیّن بعده تفصیلاً بحیث یکون الکلام بعده یدور حول المنصوب المتقدّم بذکر أحکامه أو أوصافه أو نحو ذلک، ألا تری إلی قوله تعالی :« وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فيها

ص: 201

رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُون وَ جَعَلْنا لَكُمْ فيها مَعايِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقين (1)» و قوله تعالی :« وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُوم وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدين فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون إِلاَّ إِبْليسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدين قالَ يا إِبْليسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدين قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجيم وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّين قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْني إِلى يَوْمِيُبْعَثُون(2)» و قوله تعالی :« وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُون وَ لَكُمْ فيها جَمالٌ حينَ تُريحُونَ وَ حينَ تَسْرَحُون وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحيم وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَميرَ لِتَرْكَبُوها وَ زينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُون(3)».

فهذا الأُسلوب في بیان وعید العذاب أشدّ و في قصد التفخیم و تهویل أمره أدلّ و في تصویر العذاب للمعذّبین أشمل لأنّ نفوسهم حینئذٍ تذهب في تصویره کلّ مذهب ممکن.

ص: 202


1- الحجر : 19 20
2- الحجر : 26 36
3- النحل : 5 8

فهرس الآیات

سورة الفاتحة

« إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعين» الفاتحة : 5 صص 116 122

« اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيم»الفاتحة :6 صص 129 130

سورة البقرة

« ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيه» البقرة : 2 ص 118

« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ َ»البقرة : 4 ص 179

« وَ إِذا قيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُون» البقرة : 11 ص 147

« أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُون» البقرة : 12 ص 53

« قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ » البقرة : 13 ص 53

« وَ إِذا لَقُوا الَّذينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا » البقرة : 14 ص 166

« ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِم » البقرة : 17 ص 69

« صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون» البقرة : 18 ص 54

« يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فيهِ » البقرة : 20 ص 75

« اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم» البقرة : 21 ص 116

« هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ » البقرة : 29 ص 2 27

«فَأَزَلَّهُمَاالشَّيْطانُ عَنْهافَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيهِ »البقرة : 3536 ص 25 27

ص: 203

«وَ أَقيمُواالصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعين» البقرة : 43 ص 12

« وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ » البقرة :49 ص 30

« وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ»البقرة : 50 ص 73

« فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيم» البقرة : 54 ص 146

«وَإِنَّ مِنْهالَمايَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله وَمَا الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون»البقرة :74 ص103

« وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى» البقرة : 83 ص 38

« وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ » البقرة : 102 ص 95

« ما نَنْسَخْ مِنْ آيَة» البقرة : 106 صص 101 102

« بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِله وَ هُوَ مُحْسِن» البقرة : 112 صص 70 197

« كُنْ فَيَكُون» البقرة : 117 ص 137

« طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفينَ وَ الْعاكِفينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُود» البقرة : 125ص 125

« وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهيمَ» البقرة : 130 ص 71

« وَ مَا الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون» البقرة : 144 ص 84

« فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لي وَ لا تَكْفُرُون» البقرة : 152 ص 71 « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون» البقرة : 171 ص54

« وَ لِتُكَبِّرُوا الله عَلى ما هَداكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون» البقرة : 185 ص 94

« وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريب» البقرة : 186 ص 85

ص: 204

« أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ » البقرة : 187 ص 170

« لا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » البقرة : 195 ص 82

« كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُم» البقرة : 216 ص 63

« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فيهِ» البقرة : 217 ص 162

« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إِثْمٌ كَبيرٌ» البقرة : 219 ص 76

« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى» البقرة : 220 ص 76

« إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرين» البقرة : 222 ص 122

« وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ» البقرة : 228 ص 82

« فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فيما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ الله بِما تَعْمَلُونَ خَبير» البقرة : 234 ص 106

«فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ في ما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ»البقرة :240 ص 106

« آتاهُ الله الْمُلْك وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ » البقرة : 251 ص 11

« مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله» البقرة : 253 ص 102

« فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم» البقرة : 259 ص 26 « وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً» البقرة : 269 ص 11

« وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبير» البقرة : 271 ص 109

« الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً»البقرة : 274 ص74

ص: 205

سورة آل عمران

« نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجيل» آل عمران : 3 ص 178

« رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فيه» آل عمران : 9 ص 197

« لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شَيْئاً» آل عمران : 10 ص 104

«اقْنُتي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدي وَ ارْكَعي مَعَ الرَّاكِعين» آل عمران : 43 ص 124

« قالَ مَنْ أَنْصاري إِلَى الله » آل عمران : 52 ص 194

« خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون» آل عمران : 59 ص 28

« وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ» آل عمران : 65 ص 178

« مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطار» آل عمران : 75 ص 77

« كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَني إِسْرائيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ » آل عمران : 93 ص 178 181

« وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْرات » آل عمران : 114 ص 72

« وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ » آل عمران : 123 ص 72 « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً» آل عمران : 130 ص 186

« وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ» آل عمران : 133 ص 72

« وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ » آل عمران : 144 ص 200

« فَآتاهُمُ الله ثَوابَ الدُّنْيا » آل عمران : 148 ص 11

ص: 206

« وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْر » آل عمران : 176 ص 72

سورة النساء

« وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُم » النساء : 2 ص 193

« مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباع» النساء : 3 ص 122

« وَ ارْزُقُوهُمْ فيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفا» النساء : 5 ص 19

« فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفا» النساء : 8 ص 19

« وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُم» النساء : 12 ص 5

« أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَليما» النساء : 18 ص 132

« وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعيفا» النساء : 28 ص 114

« نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَريما» النساء : 31 ص 109

«لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى»النساء : 36 ص 38

« وَ كَفى بِالله وَلِيًّا وَ كَفى بِالله نَصيرا» النساء : 45 ص 83

« مِنَ الَّذينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» النساء : 46 ص 34 « ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ» النساء : 66 ص 66

« وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقيما» النساء : 68 ص 130

«وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعين» النساء : 77 ص 12

« لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فيه» النساء : 87 ص 197

« قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها » النساء : 97 ص 18

ص: 207

« وَ مَنْ يُهاجِرْ في سَبيلِ الله يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَ سَعَةً» النساء : 100 ص 18

« وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهينا» النساء : 102 ص 133

« إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرينَ» النساء : 133 ص 191

« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ » النساء : 136 ص 178

« اللهَ جامِعُ الْمُنافِقينَ وَ الْكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعا» النساء : 140 ص 197

«أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّاوَأَعْتَدْنا لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهينا»النساء: 15 ص 133

« فَبِما نَقْضِهِمْ ميثاقَهُم» النساء : 155 ص 81

« فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذينَ هادُوا » النساء : 160 ص 73

« كَلَّمَ الله مُوسى تَكْليما» النساء : 164 ص 138

سورة المائدة :

« إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم»المائدة : 6 ص 23 79 «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ »المائدة : 13 ص 34

« يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ» المائدة : 18 ص 49

« وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » المائدة : 38 ص 49

«فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ»المائدة :39 ص 49

« يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ » المائدة : 40 ص 49

« يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ » المائدة : 41 ص34

« إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فيها هُدىً وَ نُورٌ» المائدة : 44 ص 178

ص: 208

« وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فيه» المائدة : 47 ص 178

«كُنْتَ أَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهيد»المائدة :117 ص 176

سورة الأنعام

« وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّور» الأنعام : 1 ص 121

« هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ طين» الأنعام : 2 ص 113

« وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْديهِمْ » الأنعام : 7 ص 180

«وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُوَ السَّميعُ الْعَليم» الأنعام : 13 ص 74

« وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ» الأنعام :14 ص 144 «ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّأَنْ قالُواوَالله رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكين»الأنعام:22 ص 26

«وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ في آذانِهِمْ وَقْراً الأنعام : 25 ص 97

« أَ غَيْرَ الله تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُون» الأنعام : 40 ص 118

« فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون» الأنعام : 42 ص 55

« خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُون» الأنعام : 46 ص 29

« وَ هُوَ الَّذي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْل» الأنعام : 60 ص 74

« وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم» الانعام : 87 ص 130

« لِقَوْمٍ يَفْقَهُون» الأنعام : 98 ص 181

«وَهُوَالَّذي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً »الأنعام : 99 ص 180

« وَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِم» الأنعام : 109 ص 64

ص: 209

« وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النَّاسِ»الأنعام: 122 ص 75

« يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ» الأنعام : 128 ص 126

« يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ » الأنعام : 130 ص 126

« وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ» الأنعام : 151 ص 37 «وَأَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ»الانعام:153 ص 129

سورة الأعراف

« أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُون» الأعراف : 4 ص 23

« قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ وَ ريشاً وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ» الأعراف : 26 ص 170

« يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما» الأعراف : 27 ص 170

«كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَاادَّارَكُوافيهاجَميعاً»الأعراف:38ص 61

« إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنين » الأعراف : 56 ص 45

« قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بي ضَلالَةٌ » الأعراف : 60 ص 16

« فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي» الأعراف : 79 ص 31

«وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً »الأعراف:84 ص 14

« وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ » الأعراف : 86 ص 19

« أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُون» الأعراف : 94 ص 61

حَقيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَق» الأعراف : 105 ص 97

ص: 210

«وَ لَقَدْ أَخَذْناآلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنينَ ونَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ»الأعراف: 130 ص 7 « فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا » الأعراف : 136 ص 40

« فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون» الأعراف : 138 ص 21

« وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ رَجُلاً لِميقاتِنا» الأعراف : 155 ص 111

« وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ» الأعراف : 179 ص 127

« قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي » الأعراف : 187 صص 47 76

«قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ الله»الأعراف: 188 ص 47

سورة الأنفال

« وَ ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فيهِمْ وَ ما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُون» الأنفال : 33 ص 44

« وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة» الأنفال : 60 ص 133

« وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ الله» الأنفال : 72 ص 124

« وَ أَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيد» الأنفال : 51 ص 84

سورة التوبة

« حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُون» التوبة : 29 ص 12

ص: 211

« يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها في سَبيلِ الله» التوبة : 34 ص 43

« هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُون» التوبة : 35 ص 42

« إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ » التوبة : 38 ص 60

« إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُون» التوبة : 59 ص 71

« يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ الله وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ »التوبة : 62 ص 42

« جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » التوبة : 72 ص 110

« وَ الَّذينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُم » التوبة : 79 ص 64

« فَإِنْ رَجَعَكَ الله إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ» التوبة : 83 ص 32

« وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها أَبَداً »التوبة : 100 صص 110

« إِنَّ الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُم» التوبة : 111 ص 124

« وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيم» التوبة : 118 ص 27

سورة یونس

« وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ » يونس : 12 ص 35

« إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيم» يونس : 15 ص 48

ص: 212

« وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ» يونس : 18 ص 48

« وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ الله » يونس : 18 ص 49

« هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِريحٍ طَيِّبَةٍ » يونس : 22 ص 10

« وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذي نَعِدُهُمْ » يونس : 46 ص 48

« وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين» يونس : 48 ص 48

« قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسي ضَرًّا وَ لانَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ الله » يونس : 49 ص 47

« وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً » يونس : 87 ص 41

سورة هود

« أَلا حينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ» هود : 5 ص 171

« فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُون» هود : 28 ص 11

« وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا» هود : 37 ص 78

« بِسْمِ الله مَجْراها وَ مُرْساها» هود : 41 ص 85

«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيد» هود : 80 ص 79

« فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُود» هود : 82 ص 15

ص: 213

« أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ في أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَليمُ الرَّشيد» هود : 87 ص 55 55

سورة یوسف

« وَ راوَدَتْهُ الَّتي هُوَ في بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ » يوسف : 23 ص 31

« امْرَأَتُ الْعَزيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ » يوسف : 30 ص 31

« قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذي لُمْتُنَّني فيه» يوسف : 32 ص 13

« وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ » يوسف : 32 ص 156

«قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه» یوسف :33 ص 102

« فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنين» يوسف : 42 ص 8

« قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ» يوسف : 51 ص 156

« هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ» يوسف : 64 ص

« عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» یوسف :67 ص 77

« قالَ لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمين» یوسف 88 تا 92 ص 14

سورة الرعد

« وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ» الرعد : 6ص 94

« إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْباب» الرعد : 19 ص 147

ص: 214

« وَ يَقُولُ الَّذينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهيداً بَيْني وَ بَيْنَكُم» الرعد : 43 ص 83

سورة إبراهیم

« إِلى صِراطِ الْعَزيزِ الْحَميد» إبراهيم : 1 ص 161

« وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ» إبراهيم : 5 ص 30

« اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ » إبراهيم : 6 ص 30

« يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ» إبراهيم : 10 ص 36

« وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا» إبراهيم : 12 ص 129

« مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَديد» إبراهيم : 16 ص 188

« وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَليظ» إبراهيم : 17 ص 188

« الْحَمْدُ لِله الَّذي وَهَبَ لي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَميعُ الدُّعاء» إبراهيم : 39 ص 93

« فَلا تَلُومُوني وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ » إبراهيم : 22 ص 13

سورة الحجر

« وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُون» الحجر : 6 ص 51

ص: 215

« وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ في شِيَعِ الْأَوَّلين وَ ما يَأْتيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن» الحجر : 1011 ص 51

« وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُون » الحجر : 19 20 ص 202

« وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِح» الحجر : 22 ص 8

« وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُوم » الحجر : 27 ص 202

« قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجيم وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّين» الحجر : 34 – 35 ص 51

« نَبِّئْ عِبادي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحيم» الحجر : 49 ص 177

« أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحين» الحجر : 66 ص 79

« وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني وَ الْقُرْآنَ الْعَظيم» الحجر : 87 ص 11

« فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَر» الحجر : 94 ص 154

« وَ اعْبُدْ رَبَّك» الحجر : 99 ص 117

سورة النحل

« وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ » النحل : 5 ص 202

« وَ هُوَ الَّذي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا» النحل : 14 ص 39

«وَإِذا قيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطيرُ الْأَوَّلين»النحل: 24 صص 52 53

ص: 216

«فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرينَ»النحل : 29 ص 52

« وَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمانِهِم» النحل : 38 ص 64

« وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم» النحل : 44 ص 178

« وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَة» النحل : 53 ص 101

« وَ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً» النحل : 65 ص 112

« وَ الله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُم» النحل : 70 ص 112

« وَ الله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ» النحل : 71 ص 112

« وَ الله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجا» النحل : 72 ص 112

« وَ اللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً » النحل : 78 ص 112

« وَ الله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنا» لنحل : 80 ص 112

« وَ الله جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا» لنحل : 81 ص 112

« وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها » النحل : 94 ص 44

« ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ الله باقٍ» النحل: 96 ص 17

« فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيم» النحل : 98 ص 23

« شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم» النحل : 121 ص 130

ص: 217

سورة الإسراء

« وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفيها فَفَسَقُوا فيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْميرا» الإسراء : 16 ص 23

« وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورا» الإسراء : 20 ص 11

« فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» الإسراء : 23 ص 195

« وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » الإسراء : 24 ص 63

« وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ» الإسراء : 31 ص 37

«وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَ ما يَزيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورا»الإسراء : 41 ص 200

«وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ في آذانِهِمْ وَقْراً»الإسراء : 4546 ص 98

« إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورا» الإسراء : 47 ص 199

« وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبيرا» الإسراء : 60 ص 199

« رَبُّكُمُ الَّذي يُزْجي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» الإسراء : 66 ص 39

« وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» الإسراء : 70 ص 39

« وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ» الإسراء : 85 ص 76

ص: 218

« قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ » الإسراء : 88 ص 127

سورة الکهف

« قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ » الكهف : 19 ص 23

« وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ » الكهف : 35 – 36 ص 32

« إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ » الكهف : 57 ص 98

« أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ » الكهف : 79 ص 22

سورة مریم

« وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائي وَ كانَتِ امْرَأَتي عاقِراً » مريم : 5 ص 6

« وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا» مريم : 14 ص 32

« وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا» مريم : 25 ص 82

« وَ بَرًّا بِوالِدَتي وَلَمْ يَجْعَلْني جَبَّاراً شَقِيًّا» مريم : 32 ص 32

« فَاتَّبِعْني أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا» مريم : 43 ص 129

« قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتي» مريم : 46 صص 71 119

« أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئا» مريم : 67 ص 111

ص: 219

« وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» مريم : 81 ص 41

سورة طه

« إِنَّني أَنَا الله لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْني» طه : 14 ص 116

«أَنِ اقْذِفيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ»طه: 39 ص 40

« لِتُصْنَعَ عَلى عَيْني» طه : 39 ص 78

« وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما» طه : 115 ص 25

سورة الأنبیاء

« خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَل» الأنبياء : 37 ص 114

«إِذْ قالَ لِأَبيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثيلُ الَّتي أَنْتُمْ لَها عاكِفُون» الأنبياء : 52 ص 20

« قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدين» الأنبياء : 53 ص 21

« وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعين» الأنبياء : 77 ص 108

« وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَبا» الأنبياء : 90 ص 71

وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذينَ كَفَرُوا» الأنبياء : 97 ص 120

« لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» الأنبياء : 103 ص142

ص: 220

سورة الحجّ

« يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظيم يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت» الحجّ : 12 ص 7

« ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً » الحجّ : 5 ص 41

« فَالَّذينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَميم» الحجّ : 19 ص 172

« يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فيها حَريرٌ» الحجّ : 23 ص 172

« وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميق » الحجّ : 27 ص 124

« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ » الحجّ : 77 ص 125

سورة المؤمنون

« وَ الَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ» المؤمنون : 5 ص 96

« وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْرات » المؤمنون : 61 ص 71

« فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْري » المؤمنون : 110 ص 64

سورة النور « الزَّانِيَةُ وَ الزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» النور : 2 ص 125

« وَ إِذا دُعُوا إِلَى الله وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ » النور : 48 ص 42

ص: 221

«إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنينَ إِذا دُعُوا إِلَى الله وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ»النور: 51 ص 42

« وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعين» النور : 56 ص 12

« فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزينَة» النور : 60 ص 171

سورة الفرقان

وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَ أَعْتَدْنا لِلظَّالِمينَ عَذاباً أَليما» الفرقان : 37 ص 133

« وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَ لا يَضُرُّهُمْ » الفرقان : 55 ص 48

« فَسْئَلْ بِهِ خَبيرا» الفرقان : 59 صص2 75 76

« أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا» الفرقان : 60 ص 15

سورة الشعراء

« اوَ الَّذي هُوَ يُطْعِمُني وَ يَسْقين» الشعراء : 79 صص 63 64 « الَّذي خَلَقَني فَهُوَ يَهْدين وَ الَّذي هُوَ يُطْعِمُني وَ يَسْقين وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفين وَ الَّذي يُميتُني » الشعراء : 78 – 81 ص 176

« فَكُبْكِبُوا فيها هُمْ وَالْغاوُون» الشعراء : 9194 ص 62

« وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرين» الشعراء : 173 ص 15

« وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين وَ ما يَنْبَغي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطيعُون» الشعراء : 210 ص 180

ص: 222

سورة النمل

« وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرين» النمل : 58 ص 14

« مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها» النمل : 89 ص 154

سورة القصص

« فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ » القصص : 7 ص 39

« فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافي وَ لا تَحْزَني » القصص : 7 ص 40

« وَ دَخَلَ الْمَدينَةَ عَلى حينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها» القصص : 15 ص 96

« وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدينَةِ يَسْعى » القصص : 20 ص 45

« وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى » القصص : 59 ص 44

سورة العنکبوت

«فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ »العنكبوت : 14 ص 8 « وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِم» العنكبوت : 38 ص 121

« وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله» العنكبوت : 61 ص117

« وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُون» العنكبوت : 64 ص 16

ص: 223

سورة الروم

« وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُراب» الروم : 20 ص 113

« الله الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُم» الروم : 40 ص 113

« وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِيُذيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِه» الروم : 46 ص 8

« الله الَّذي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ »الروم: 48 ص 8

وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ» الروم : 53 ص 85

سورة لقمان

« وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَ هُوَ مُحْسِن» لقمان : 22 ص 198

« وَ إِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُور» لقمان : 22 ص 70

« أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله» لقمان : 31 ص 39

«إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ» لقمان: 34 ص 15سورة السجدة

« وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمينَ مُنْتَقِمُون» السجدة : 22 ص 28

سورة الأحزاب

« إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً » الأحزاب : 9 ص 9

ص: 224

« إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَ الْمُسْلِمات» الأحزاب : 35 ص 123

سورة سبأ

« ما يَلِجُ فِي وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فيها وَ هُوَ الرَّحيمُ الْغَفُور» سبأ : 2 ص 123

« وَ قَليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُور» سبأ : 13 ص 131

« قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِله مَثْنى وَ فُرادى» سبأ : 46 ص 122

سورة فاطر

« ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ» فاطر 2 ص 101

« إِنَّما تُنْذِرُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ» فاطر 18 ص 147

« ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور» فاطر 22 ص 84

« فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ » فاطر 32 ص 124 « جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» فاطر 33 ص 173

« يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فيها حَريرٌ» فاطر 33 ص 172

« كَذلِكَ نَجْزي كُلَّ كَفُور وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذي كُنَّا نَعْمَلُ» فاطر 3637 ص 59

ص: 225

« أَرُوني ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ » فاطر 40 ص 107

سورة یس

« وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدينَةِ رَجُلٌ يَسْعى » يس: 20 ص 46

« إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ في شُغُلٍ فاكِهُون هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ في ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُن» يس : 5556 ص 56

سورة الصافّات

« لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ » الصافات : 47 ص 118

« أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُريدُون» الصافات : 86 ص 117

« وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظيم» الصافات : 107 ص 64

سورة ص

« وَ قالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّاب أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عُجاب» ص : 45 « إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ » ص : 22 ص 42

« هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِساب» ص : 39 ص 13

« وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي» ص : 72 ص 101

« خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» ص : 75 ص 52

« وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتي إِلى يَوْمِ الدِّين» ص : 78 ص 51

ص: 226

« قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفين» ص : 86 ص 5

سورة الزمر

« فَاعْبُدِ الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّين» الزمر : 2 ص 116

« فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبين» الزمر : 22 ص105

« أَ لَيْسَ الله بِكافٍ عَبْدَه» الزمر : 36 ص 84

« أَ لَيْسَ الله بِعَزيزٍ ذِي انْتِقام» الزمر : 37 ص 84

« قُلْ أَ فَغَيْرَ الله تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُون» الزمر : 64 ص117

« حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها » الزمر : 71 ص 33

« قيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرين» الزمر : 72 صص 52 53

حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها » الزمر : 73 ص 33

سورة غافر

« فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرين» غافر : 76 ص 52سورة فصّلت

« وَ قالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ في آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ» فصّلت : 5 ص 98

« فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً» فصّلت : 11 ص 63

« فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَحِساتٍ » فصّلت : 16 ص 9

ص: 227

« وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَن» فصّلت : 34 ص 148

« لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوط » فصّلت : 49 ص 32

« وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى» فصّلت : 50 ص 32

سورة الشوری

« وَ ما يُدْريكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَريب» الشورى : 17 ص 50

« وَ هُوَ الَّذي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا » الشورى : 28 ص 15

« يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» الشورى : 45 ص 105

« يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُور » الشورى : 49 ص 123

« وَ إِنَّكَ لَتَهْدي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم» الشورى : 52 ص 161

« أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» الشورى : 53 ص 161

سورة الزخرف « وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلين وَ ما يَأْتيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن» الزخرف : 67 ص 51

« وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا»الزخرف : 32 ص 64

« لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُون» الزخرف : 33 ص 159

ص: 228

« وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقين» الزخرف : 35 ص 159

« فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ » الزخرف : 52 ص 160

« الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقين» الزخرف : 67 ص 159

« لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُون» الزخرف : 68 ص 142

« ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُون» الزخرف : 70 ص 5

« يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ» الزخرف : 71 ص 158

« وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» الزخرف : 85 ص 118

« وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» الزخرف : 85 ص118

سورة الدخان

« وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبين ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ » الدخان : 13 ص 29

سورة الأحقاف « يَهْدي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَريقٍ مُسْتَقيم» الأحقاف : 30 ص 129

« أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى» الأحقاف : 34 ص 84

سورة محمّد

« وَ سُقُوا ماءً حَميما» محمّد : 15 ص 163

«وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ » محمّد : 15 ص 137

ص: 229

« يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُم» محمّد : 20 ص 179

« وَ يَقُولُ الَّذينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ » محّمد : 20 ص179

« وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ» محمّد : 38 ص 17

سورة الفتح

« يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ» الفتح : 14 ص 49

« وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنينَ وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقيما» الفتح : 20 ص 130

سورة الحجرات

« أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه » الحجرات : 12 ص 61

سورة ق

« بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ» ق : 5 ص 180 « وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصيد» ق : 9 ص 180

« وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريد» ق : 16 ص 84

« هذا ما لَدَيَّ عَتيد» ق : 23 ص 132

« ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيد» ق : 29 ص 90

ص: 230

سورة الذاریات

« فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقيم» الذاريات : 29 ص6

« وَ في عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقيم» الذاريات : 41 ص 9

سورة الطور

« إِنَّ الْمُتَّقينَ في جَنَّاتٍ وَ نَعيم» الطور : 17 ص 168

سورة النجم

« أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى» النجم : 1922 صص 50 123

« وَ أَعْطى قَليلاً وَ أَكْدى» النجم : 34 ص 11

« أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما في صُحُفِ مُوسى وَ إِبْراهيمَ الَّذي وَفَّى» النجم : 36 – 37 ص 121 « وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى» النجم : 43 – 50 ص 176

سورة القمر

« تَجْري بِأَعْيُنِنا» القمر : 14 ص 78

« إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِر» القمر : 19 ص 9

ص: 231

سورة الرحمن

« يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ » الرحمن : 33 ص 126

« مُتَّكِئينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ» الرحمن : 54 ص 172

« فيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتان» الرحمن : 66 ص 57

« تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرام» الرحمن : 77 ص

سورة الواقعة

« وَ نُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُون وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى» الواقعة : 6062 ص 190

« فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظيم» الواقعة : 74 ص 185

« فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعيم» الواقعة : 89 ص 168

سورة الحدید « سَبَّحَ لِله ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيم» الحديد : 1 ص 185

« يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ» الحديد : 12 ص 76

« لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتاب» الحديد : 29 ص 81

سورة الحشر

« ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ» حشر: 2 ص 36 199

ص: 232

سورة الصف

« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَليم» الصف : 10 ص 37

« ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » الصف : 1112 ص 37

« مَنْ أَنْصاري إِلَى اللَّه » الصف : 14 ص 193

سورة الجمعة

« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ » الجمعة : 9 ص 107

سورة التغابن

« لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ» التغابن:1 ص 118 « هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» التغابن:2 ص 125

سورة التحریم

« ضَرَبَ الله مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ » التحريم : 10 ص 6

« وَ ضَرَبَ الله مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ» التحريم : 11 ص 6

سورة

ملک

« ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُور» الملك : 3 ص 109

ص: 233

سورة القلم

هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَميم» القلم : 11 ص 123

« فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُون» القلم : 30 ص 13

سورة الحاقّة

« وَ أَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِريحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَة» الحاقّة : 6 ص 9

سورة المعارج

« سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِع » المعارج : 1 ص 75 76

« تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَة» المعارج : 4 ص 8 « إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعا» المعارج : 19 ص 114

سورة نوح

« أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطيعُون يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ » نوح 3 4 ص 37

« جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ » نوح : 7 ص 171

« وَ الله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتا» نوح : 17 ص 139

« وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْرا» نوح : 23 ص 134

ص: 234

« مِمَّا خَطيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ الله أَنْصارا» نوح : ص 2525

سورة الجن

« لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا» الجن : 16 ص 163

سورة المزمّل

« قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَليلا» المزمل : 2 ص 187

« إِنَّا سَنُلْقي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقيلا» المزمل : 5 صص 182

« وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ َ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتيلا» المزمل : 8 ص 140

« وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعين» المزمل : 20 ص 12

سورة المدثر

« وَ رَبَّكَ فَكَبِّر» المدثر : 3 ص 116 « وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكين» المدثر : 44 ص 144

سورة النازعات

« أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» النازعات : 27 30 ص 27

« يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها » النازعات : 42 ص 76

« إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها» النازعات : 45 ص 47

سورة عبس

« بِأَيْدي سَفَرَة كِرامٍ بَرَرَة» عبس : 15 ص 135

ص: 235

سورة التکویر

« إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت» التكوير : 1 ص 167

سورة الأنفطار

« إِنَّ الْأَبْرارَ لَفي نَعيم وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفي جَحيم» الانفطار : 13 – 14 ص 136

سورة المطففین

« الَّذينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ

يُخْسِرُون » المطففين : 1 – 2 – 3 ص 96

« وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُون» المطففين : 30 ص 69

سورة الطارق

« فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِق» الطارق : 5 ص 114

« خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِق» الطارق : 6 ص 114

سورة الأعلی « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» الأعلى : 1 ص 87 184

« صُحُفِ إِبْراهيمَ وَ مُوسى» الأعلى : 19 ص 121

سورة الغاشیه

« إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ» الغاشیة : 25_26 ص 118

سورة البلد

« فَكُّ رَقَبَةأَوْ إِطْعامٌ في يَوْمٍ ذي مَسْغَبَة يَتيماً ذا مَقْرَبَة أَوْ مِسْكيناً ذا مَتْرَبَة ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذينَ آمَنُوا » البلد : 11 – 17 ص 27

سورة الضحی

« وَ لَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» الضحى : 5

ص: 236

سورة قریش

« فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْت الَّذي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْف» قريش : 2 – 3 – 4 ص 104

سورة التکاثر

« ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيم» التكاثر : 8 ص 168

سورة الکوثر

« إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَر » الكوثر : 1 ص 12

سورة الناس

« مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاس الَّذي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاس» الناس : 4 – 5 ص 62

ص: 237

المآخذ

1 القرآن الحكيم

2اعراب القرآن ، ابراهیم بن سری بن سهل الزجّاج ، دار الكتب المصري و دار الكتب اللبناني ، بيروت ، لبنان 1420

3اعراب القرآن ، أبو جعفر أحمد بن محّمد بن إسماعيل النحّاس ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، لبنان 1421ق .

4اسرار التكرار في القرآن ، محمود بن حمزة الكرماني ، بتحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دارالفضيلة .

5اسرار العربية ، عبد الرحمن محّمد بن الأنباري ، دار القلم ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان .

6أوضح المسالك ، محمد بن عبد الله جمال الدين بن هشام ، بتحقيق محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة المصرية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان .

7الإيضاح في علوم البلاغة ، محمد بن عبد الرحمن القزويني ، مكتبة الهلال ، بيروت ، لبنان 1429ه 2006م .

8 البحر المحیط في التفسير ، محمد بن يوسف ابوحيّان الأندلسي ، مكتبة دار الفكر ، بيروت ، لبنان ، 1420ق .

9البرهان في علوم القرآن ، بدر الدين الزركشي ،مكتبة دارالتراث ، القاهرة ، مصر ، 1957م .

10بدائع الفوائد ، محمد بن أبي بكر بن ايّوب بن قيّم الجوزيّة ، بتحقيق عبد الله أبو زيد ، دار علم الفوائد للنشر و التوزيع .

11البهجة المرضية في شرح الألفية ، جلال الدين أبو بكر السيوطي ، مؤسسة دار الهجرة ، الطبعة الثالثة ، قم ، إيران ، 1425ه 1382ه . ش .

12التبيان في تفسير القرآن ، محمد بن الحسن الطوسي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان .

13التحرير والتنوير ، محمّد بن الطاهر ابن عاشور .

14تفسير القرآن العظيم ، إسماعيل بن عمرو بن كثير ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان 1419ق .

ص: 238

15تفسير الطبري ، ابو جعفر بن جرير الطبري ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان 1978م.

16تفسير البيضاوي ،مؤسسة شعبان للنشر و التوزيع ، بيروت ، لبنان .

17تفسير القرآن الكريم ، محمّد بن أبي بكر بن ايّوب بن بن قيّم الجوزي ، بيروت ، لبنان 1410ق .

18التضمين النحوي في القرآن الكريم ، محمّد نديم فاضل ، مكتبة دار الزمان للنشر و التوزيع ، 1426ه .

19الجنى الدّاني في حروف المعاني ، ابن قاسم المرادي ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ،

1413ه 1992م .

20حاشية الصبّان على شرح الاشموني ، محّمد بن علي الصبّان ، انتشارات زاهدي ، الطبعة الثالثة ، قم ، إيران ، 1384ه . ق .

21الخصائص ، أبو الفتح عثمان بن جنّي ، بتحقيق عبد الحميد هنداوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان .

22دلائل الاعجاز في علم المعاني ، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1422ه 2001م .

23 درّة التنزيل و غرّة التأويل ، محمّد بن عبد الله الخطيب الاسكافي ، جامعة امّ القرى ، 1422ه 2001م .

24روح المعاني في تفسير القرآن العظيم ، شهاب الدين محمود الآلوسي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان 1415ق .

25سرّ صناعة الإعراب ، ابوالفتح عثمان بن جنّي ، بتحقيق حسن هنداوي .

26شرح كتاب سيبويه ، أبو سعيد السيرافي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1429ه 2008م .

27شرح اللُمَع في النحو ، عثمان بن جنّي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1428ه 1992م .

28شرح جمل الزجّاجي ، علي بن عصفور الاشبيلي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1419ه 1998م .

29شرح المفصّل للزمخشري ، علي بن يعيش الموصلي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1422ه 2001م .

ص: 239

30شرح الرضي على الكافية ، محمّد بن الحسن الرضي ، مؤسسة الصادق ، الطبعة الثانية ، تهران ، إيران ، 1384ه .ق .

31شرح التسهيل ، عبدالله بن عبد الله بن مالك ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1423ه 2001م .

32شرح فروع الكافي ، محمّد صالح المازندراني ، دار الحديث للطباعة و النشر 1431ه.ق .

33العين ، أبوعبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، نشر الهجرة ، قم ، إيران ، 1409ق .

34الفروق في اللغة،ابو هلال العسكري ،دارالآفاق الجديدة، بيروت، لبنان ، 1400ق .

35كتاب سيبويه ، أبو بشر عمرو الملقّب بسيبويه ، مؤسسة الاعلمي ، الطبعة الثالثة ، بيروت ، لبنان ، 1427ه 2006م .

36الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل ، جارالله الزمخشري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان 1407ق .

37کشف المعاني في المتشابه من المثاني ، بدر الدین محمد بن إبراهیم بن جماعة ، دار الوفاء ، الطبعة الأولی ، 1410 ه . ق .

38 لسان العرب ، ابن منظور الافريقي المصري ، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1414ق .

39المحاسن ،أحمدبن محمد بن خالد البرقي ،دارالکتب الإسلامیّة ،قم ،ایران،1371 ق .

40المقتضب،ابو العباس بن محمد بن يزيد المبرِّد،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان

41المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات و الإيضاح عنها ، عثمان بن جنّي.

42معجم الفروق اللغوية ، ابو الهلال العسكري ، الطبعة الثالثة ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، قم ، إيران ، 1426ه . ق .

43معاني القرآن،أبو زكريّا يحيى بن زياد الفرّاء،دار المصرية للتاليف و الترجمة ،القاهرة ،مصر .

44المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر ، ضياء الدين بن الأثير ، دار نهضة مصر للطبع و النشر ، القاهرة ، مصر .

45ملاك التأويل ، ابو جعفر أحمد بن إبراهيم ابن الزبير الثقفي القرطانى ، دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان 1971ه .

ص: 240

46المفردات في غريب القرآن ، الحسن بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني ، مؤسسة الاعلمي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1430ه 2009م .

47الميزان في تفسير القرآن ، السيد محّمد حسين الطباطبايي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بفم المشرفة ، قم إيران ، 1417 ق .

48معجم مقایيس اللغة ، ابوالحسن أحمد بن فارس بن زكريا ، بتحقيق عبد السلام محمد هارون ، مكتبة الإعلام الإسلامي ، قم ، إيران ،1404ق .

49المصباح المنير ،احمد بن محّمد الفيومي، مؤسسة دار الهجرة ، قم ، إيران ، 1414ق.

50مفاتيح الغيب ، فخر الدين الرازي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان 1420ق .

51مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب جمال الدين بن هشام الأنصاري ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، الطبعة الرابعة ، قم ، إيران .

52مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي ، مؤسسة التاريخ العربي للطباعة و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1428ه – 2007 م .

53معاني النحو،فاضل صالح السامرايي،دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع.

54نتائج الفكر ، ابو القاسم عبد الرحمن بن عبدالله السهيلي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 1412ه 1992م .

55 همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثانية ، بيروت ، لبنان ، 1427 – 2006ه.

ص: 241

المحتویات

مقدّمة1

الفصل الأوّل:في بیان الأصول3

الأصل الأول : معاني المفردات4

النوع الأول : ما یتعلّق بالفروق اللغویّة4

النوع الثاني : ما یتعلّق بالحروف و معانیها4

الأول : حروف الجرّ 17

الثاني : حروف العطف21

الأصل الثاني : معرفة المتکلّم و المتکلّم عنه و المخاطب30

الأصل الثالث : المناسبة بین سیاق الآیة و ما یتّخذ فیها من الالفاظ39

الأصل الرابع : مناسبة الآیة لماقبلها47

الأصل الخامس : المناسبة بین صفات الصوت و معنی الکلمة 56

الفصل الثاني: في بیان الأسرار البیانيّ في سورة «الإنسان»69

« بسملة »69

معنی الباء69

ما تعلّق به الباء85

الإسم لیس هو المسمّی 86

کیفیّة الدلالة في الصیغة المبالغة89

فائدة : ما یعتبر في إجراء القطع91

الآیة الاُولی91

معنی « علی »93

معنی « مِن »100

الآیة الثانیة112

ص: 242

تحقیق حول التقدیم أنواعه و أغراضه و أسبابه115

تنبیهات127

الآیة الثالثة128

تنبیهان

الفرق بین «الصراط و السبیل و الطریق»128

الفرق بین« هداه إلی الصراط »و« هداه الصراط »129

معنی « إمّا »130

الآیة الرابعة 132

الفرق بین «الإعتداد» و «الإعداد»132

الآیة الخامسة135

دلالة « کان » 137

الآیة السادسة137

أنواع جریان المصدر التوکیدي و لطائفه 138

فائدة :ضابطة « التفعیل » للدلالة علی التکثیر140

الآیة السابعة 141 الآیة الثامنة 143

الآیة التاسعة146

دلالة « إنّما » 147

دلالة « لا » 148

الآیة العاشرة 149

الآیة الحادیة عشرة 151

الفرق بین« الفرح» و« السرور» 151

الآیة الثانیة عشرة 151

ص: 243

تنبیهان :

الفرق بین المصدر الصریح و المصدر الموؤّل 152

الفرق بین « أن » و « ما » المصدرییتین 153

الآیة الثالثة عشرة 155

الآیة الرابعة عشرة 157

الآیة الخامسة عشرة 158

الآیة السادسة عشرة 161 الآیة السابعة عشرة 163

فائدة في ضابطة أقسام البدل 161

الفرق بین «السقي» و« الإسقاء» 163

الآیة الثامنة عشرة 165

الآیة التاسعة عشرة 165

دلالة « إذا » 166

الفرق بین «النظر» و «الرؤیة» 168

الآیة العشرون167

الآیة الحادیة و العشرون169

الفرق بین «الثیاب» و« اللباس» 169

الآیة الثانیة و العشرون174

الآیة الثالثة و العشرون175

الأنسب في تسمیة الضمیر المسمّی بالفصل176

الفرق بین «الإنزال» و« التنزیل»177 الآیة الرابعة و العشرون182

معنی « أو » 183

ص: 244

الآیة الخامسة و العشرون 184

الآیة السادسة و العشرون 186

الآیة السابعة و العشرون 187

الفرق بین «یذر» و «یدع » 187

الآیة الثامنة و العشرون190

الآیة التاسعة و العشرون 192

معنی « إلی » 193

فائدة : الأسلوب البیاني للقرآن في النهي عن المنهيّ عنه 195

الآیة الثلاثون :199

الآیة الحادیة و الثلاثون :201

فهرس الآیات203 المآخذ238

المحتویات242

ص: 245

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.