الدِّين النَصِيحة إلى طلبة العلم

اشارة

الكتاب: الدِّين النَصِيحة إلى طلبة العلم.

المؤلف: من كلمات وتوجيهات سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي

الطبعة: الثانية، منقحة/ صيف 2013م -- 1434ه-

العدد: 10000 نسخة

المطبعة: دار الضياء للطباعة والتصميم

الناشر: مؤسسة الأنوار النجفية (للثقافة والتنمية)

رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق ببغداد (362) لعام2012م

ص: 1

اشارة

سلسلة الأنوار الثقافية (3)

الدِّين النَصِيحة إلى طلبة

طبعة منقحة

ص: 2

(الدِّين النَصِيّحة)

إلى

طلبة العلم

کلمات و ارشادت

سماجة ایه العظمی المرجع الدینی الکبیر

الشیخ بشیر حسین النجفی

دام ظله الوارف

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

قال رسول الله(صلی الله علیه واله):

(الدِّين النَصِيحة)

ص: 7

ص: 8

«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء»

فاطر/28

«فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»

التوبة/122

«وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً»

طه/114

«ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ »

النحل/125

ص: 9

ص: 10

عن رسول الله (صلی الله علیه و اله):

(الدِّين النَصِيحة)((1))

_ عن أبي جعفر الثاني (الإمام الجواد(علیه السلام)) قال: (المؤمن يحتاج إلى خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه)((2)).

_ عن أبي عبد الله(علیه السلام): (من أستشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله(عزوجل) رأيه)((3)).

ص: 11


1- ) جامع أحاديث الشيعة18/122.
2- ) تحف العقول/480.
3- ) المحاسن2/603، للعلامة أحمد البرقي.

_ عن أبي عبد الله الصادق(علیه السلام) يقول: (عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه)((1))._ عن أبي عبد الله الصادق(علیه السلام)، قال: (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب)((2)).

_ عن أبي جعفر(علیه السلام) قال، قال رسول الله(صلی الله علیه واله): (لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه)((3)).

_ عن ابن عباس قال رسول الله(صلی الله علیه واله): (تناصحوا في العلم، فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله، وإن الله سائلكم يوم القيامة)((4)).

ص: 12


1- ) الكافي2/209.
2- ) الكافي2/ 207.
3- ) الكافي2/208.
4- ) امالي الشيخ الطوسي/126.

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

بِسْمِ اللَّهِ نحمده ونشكره، وبِاسْمِه ننعم ونَتعَزز، وبه ننال خير الدنيا والآخرة، نحمده حمد الحامدين ونشكره شكر الشاكرين على أن هدانا بشريعة سيد الخلق أجمعين نُصلي عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة الميامين.

قال عزّ من قائل: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]((1))، معلوم أنه ما من كرامة وما مِن عزّة في الدنيا أفضل

ص: 13


1- ) الإسراء/70.

وأحسن وأكمل من العلم والعقل، وما مِن طريق أزكى وأكمل وأطهر من هذاالطريق، ومعلوم أيضاً أن العلوم: علمان علم الأديان وعلم الأبدان، وأشرف علم هو علم الأديان (دين محمّد(صلی الله علیه واله)) فهو الشرف الأسمى والأعلى والأكمل والأتم على علوم الخلق أجمعين، ولحامل لواء هذا العلم شرفٌ بمقدار تشرفه وعلمه وعمله بهذا العلم.

ومعلوم أيضاً أن السائر في خطى هذا الطريق معرض لمكائد الشيطان، ومصائد ومزالق هوى النفس، وكبواتها وهفواتها، فكان أن أنعم الله علينا بنحو العموم وعلى طلبة العلوم الدينية بنحو الخصوص بمن أوصى بهم إمامنا ومقتدانا صاحب العصر: (فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حُجتي عليكم وأنا حجةُ الله عليهم)((1)

من هنا سعى قسم التحقيق والتأليف في مؤسسة الأنوار النجفية، أن يعد هذا الكتاب، بعد أن جمع جملة من وصايا ونصائح سماحة مرجعنا المفدى آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفيدام ظله لأبنائه الطلبة، مقدماً بكرمه الأبوي جملة من إرشاداته ونصائحه وتجاربه لطلبة العلوم الدينية وما يلزمهم في خطى مسارهم المقدس، وكتابنا هذا قد وقع في جملة مباحث تهتم بتقديم باقة من نصائحه وكلماته إلى طلبة

ص: 14


1- ) أكمال الدين/484، كتاب الغيبة/177، الاحتجاج/470.

العلوم الدينية بنحو خاص وإلى الحوزات العلمية بنحو عام، ومصححين في هذا الصدد علاقة(العموم والخصوص من وجه) بين الحوزة والجامعة في مسارهما العلمي، وليعلم الأعزاء أن الرعاية الأبوية التي تقدمها الحوزة العلمية نابعة من قادة الحوزة العلمية ألا وهم مراجعنا العظام.

وقد قدم هذا الكتاب جملة من المواضيع المهمة لطالب العلم كنظام التدريس وخصائص الحوزة العلمية وما سيمر به طالب العلم من مكائد هوى النفس والشيطان، ومسك ختامه - هذا الكتاب - آيات من الذكر الحكيم وروايات عن الرسول الأعظم(صلی الله علیه واله) وأقوال سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام) ولم نغفل عن ذكر مؤسس المدرسة الإسلامية الكبرى الإمام الصادق(علیه السلام)، راجين قبول الباري(عزوجل)، إنه سميع مجيب.

مؤسسة الأنوار النجفية

قسم التحقيق والتأليف

ص: 15

ص: 16

من كلمات سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي إلى أبنائه طلبة العلوم الدينية والحوزات العلمية

ص: 17

ص: 18

نصيحة لأبنائه طلبة العلوم الدينية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الميامين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين اللهم وفقنا وجميع المشتغلين.

قال الله سبحانه: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ]((1)).

صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

وصدق وبلغ نبيه الرسول الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين والشاكرين والحمد لله رب العالمين.

ص: 19


1- ) الجمعة/2.

إعلم يا بني لا يكون طالب العلم طالباً حقيقياً موفقاً مستحقا لهذا اللقب الشريف إلّا إذا التزم بالأسس التي سنشير إلى أهمها.

منها: عنوان «الطالب»، في محل الكلام يختلف عن المعنى اللغوي لهذه الكلمة إذ المقصود بها في المقام أن يحصر الإنسان حياته وجميع صلاحياته ومواهبه الفكرية والجسدية المتنوعة، بل يحصر كل جزء من أجزاء كيانه في كسب العلم، فلا يكون لعينه عمل غير كسب العلم ولا لسانه وسمعه شغل شاغل غير كسب العلم وصحته وسلامته، وطاقته يجب أن تنصب في الإفادة من العلم. وبالجملة لا يكون شيء أهم عنده بعد العقيدة السليمة المتحصلة بالالتزام بأصول العقائد الخمسة والفروع العشر من كسب العلم.

وفي هذا الصدد ينبغي أن ننتبه إلى انه كثيرا ما يقع الإنسان فريسة الاشتباه لقصور الاطلاع أو للعوامل الخارجية المحيطة أو الأفكار التي تحملها نفوس المحيطين به من عشيرته وأصدقائه القريبين منه فيتصور طالب العلم أن عليه أن يراعي شعور أقاربه من باب صلة الرحم والمشاركة في أفراح المحيطين وأتراحهم فيخيل إلى الطالب لقصور باعه أو لقوة الشيطان الذي يسعى بكل جهده في تضييع لحظة من حياة طالب العلم ليصرفها في غير طلب العلم أو لما

ص: 20

سمع المحيطون به من حرمة قطيعة الرحم فيعاتبون ولا يعذرون إذا تأخر أوامتنع طالب العلم عن القيام بالمتطلبات الاجتماعية، ويغفل هو عن أن أمامه واجبين، كسب العلم والتفرغ له ووجوب صرف جميع أوقاته عدا الأوقات التي يفتقر إليها للنوم بالمقدار الواجب والأكل والصلاة والعلاج في كسب العلم، والواجب الآخر هو مراعاة شعور الأقارب والأصدقاء وكسب رضاهم وتحسين الصورة لديهم بعنوان المواصلة مع الأصدقاء والأرحام، ومعلوم أن الواجب الأول أهم من الثاني ولاسيما في عصرنا نحن حيث لا يكفي عدد الطلبة فضلا عن العلماء لسد حاجة الناس إلى العلم والعلماء، مضافا إلى أن العلم هو أفضل شيء بعد العقيدة السليمة من كل شيء، كما لا ينبغي أن يغفل طالب العلم إن صلة الرحم والسعي في خير ذوي الأرحام قولاً وفعلاً وعطفاً ومحبة، إن هذا كما يجب على طالب العلم تجاه أقاربه وأصدقاءه كذلك يجب عليهم اتجاهه فكما هم يطالبونه بالقيام بما أشرنا إليه فإنهم أيضاً مطالبون بالقيام به اتجاهه فمن باب السعي بالخير لِمَ لا يتركون طالب العلم وشأنه بأن لا تتلف حياته بالمجاملات العائلية ويبقى صفر اليدين من العلم الذي حصر حياته في كسبه، ألا يحبونه؟ ألا يريدون له الخير؟ ألا يعطفون

ص: 21

عليه؟ ألا يحبون أن لا يبقى جاهلا ذليلا؟ ألا يخافون عليه أن يصبح جاهلاً مركباً؟ونعرف أُسراً إذا وطَّدَ أحد أفرادها نفسه على طلب العلم ليس إنهم لا يطالبونه بشيء من الأمور الاجتماعية بل يقومون بجميع متطلباته ورعاية عائلته وأطفاله -- من حيث الشؤون المادية ونحوها-- ولعله لبعض ما ذكرنا اشتهر (العلم بالغربة) لأنّ الطالب إذا كان غريباً كان بعيداً عن أهله وأقاربه، ويكون موفقاً قهراً للتفرغ للعلم ومعذوراً لدى البسطاء في عدم إتلاف وقته في المجاملات العائلية.

ومنها: ينبغي أن يعلم طالب العلم أن المطلوب منه السعي في كسب قوّة فكرية شبيهة بالقوة التي كان يمتلكها أجلاء تلامذة الإمام الصادق(علیه السلام): أمثال أبان بن تغلب، محمد بن مسلم الثقفي، أبو بصير، زرارة بن أعين، بريد ألعجلي.. ليتمكن من إدراك عمق معاني كلمات الله سبحانه وكلمات المعصومين ولا يتهيأ له ذلك إلّا أنّ يكسب قوة لفهم تلك اللغة التي صيغت في قالبها تلكم المعاني ومعلوم أنّ أساليب التكلم في أية لغة تتغير بالتدريج فتصبح الكلمات الواضحة مجملة بعد مرور الزمن كما أصبحت خطب أمير المؤمنين(علیه السلام)

ص: 22

والنبي(صلی الله علیه واله) التي كان يفهمها المستمعون مع هيمنة الأمية في عصرهم على الناس ونحن كثيراً ما نعجز عن فهمها، رغم استعانتنا بالقواميس والشروح وليس ذلك إلّا للتغير في الأساليب والصياغات في الجمل.فينبغي لطالب العلم أنّ يسعى في التمرن على فهم تلك اللغة ولا يتيسر ذلك إلّا من خلال دراسة الكتب المعقدة التي كتبت باللغة القريبة من لغة الروايات والآيات وعليه أن يتمرن على التوقف في التأمل في كلِّ كلمه حتى يرتقي بعد مرور الزمن وبالممارسة إلى مستوى أولئك الأجلاء الذين أشرنا إليهم.

فابتعد يا بني عن الكتب السهلة والتجئ إلى الكتب المعقدة في كل فنّ من الفنّون التي يتوقف الاجتهاد عليها، بما في ذلك علوم اللغة من النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع والمنطق والكلام والفلسفة والدراية وعلم الأصول وعلم الفقه وعلم الرجال وسائر الفنون التي يفتقر إليها الفقيه في استنباط فرع واحد..

وإياك أن تنخدع بالكلمات المعسولة التي تزين لك دراسة الكتب البسيطة والسهلة التي تسمعها من هنا وهناك.

ومنها: السعي الحثيث في تزكية النفس وطهارتها لا بالاجتناب عن المعاصي فحسب بل بترك التفكير فيها وما يبتلى به الطالب عادةً من

ص: 23

المعاصي هو الغيبة والنيل من العلماء وعموم المؤمنين ومن الطلبة بالخصوص.وينبغي أنّ يعلم أنها تقصم ظهر طالب العلم وتسلبه التوفيق وتَدخُل كسموم متعددة المصائب في جسمه ونفسه وقد حرم الكثير من الذين أتعبوا أنفسهم وجدُّوْا وجاهدُوْا في سبيل العلم من الوصول إلى المراتب العليا وقد يصل الإنسان إلى بعض المراتب ولكنه يُحرم من الإفادة منها في دينه ودنياه وينحرف عقبها عن جادة الصواب. العياذ بالله.

ومنها: الابتعاد عن التفكير في الزواج فإنه يحطم ظهر طالب العلم ويقف سداً منيعاً أمامه مانعاً من الوصول إلى العلم، وهو مجرب، ومما نصح به علماؤنا الأبرار كالشهيد الثاني في منية المريد((1)

ولا يغتر ولا

ص: 24


1- ) يجدر بنا ذكر ما أشار إليه الشهيد الثاني(قدس سره) في كتابه منية المريد/227--229، في موضوع ترك باب حتى قضاء وطره من العلم: فأن يترك التزوج حتى يقضي وطره من العلم، فإنه أكبر شاغل وأعظم مانع، بل هو المانع جملة، حتى قال بعضهم: (ذبح العلم في فروج النساء) ه-: المحدث الفاصل/220، والفقيه والمتفقه2/ 93، جامع بيان العلم وفضله2/117، وتدريب الراوي2/141 --142، وتذكرة السامع/71 --72 ، وفتح الباقي2/224، وشرح المهذب1/59، وعن إبراهيم بن أدهم: من (تعود أفخاذ النساء لم يفلح) ه- : الفقيه والمتفقه2/94، وتذكرة السامع/72 ، وفيض القدير6/175، وشرح المهذب1/59، وحلية الأولياء 9/119 . . يعني اشتغل بهن عن الكمال. وهذا أمر وجداني مجرب واضح، لا يحتاج إلى الشواهد، كيف مع ما يترتب عليه على تقدير السلامة فيه من تشويش الفكر بهم الأولاد والأسباب، ومن المثل السائر: (لو كلفت بصلة ما فهمت مسألة) ه- : الفقيه والمتفقه2/92 ، وتذكرة السامع/72 ، وشرح المهذب1/59. ولا يغتر الطالب بما ورد في النكاح من الترغيب -- نقله الخطيب البغدادي عن بعضهم في الجامع لأخلاق الراوي وآداب الواعي ]أو السامع[ كما في تذكرة السامع/71. -- فهو واجب أولى منه ، ولا شئ أولى ولا أفضل ولا واجب أضيق من العلم . سيما في زماننا هذا ، فإنه وإن وجب على الأعيان وعلى الكفاية على تفصيل، فقد وجب في زماننا هذا على الأعيان مطلقاً، لأن فرض الكفاية إذا لم يقم به من فيه كفاية، يصير كالواجب العيني في مخاطبة الكل به، وتأثيمهم بتركه، كما هو محقق في الأصول/ بتصرف (منية المريد).

يغره احد بما ورد في الشرع من المرغبات فيه فإن هذه مرغبات إنما ينظر فيها إذا لم تعارض الواجب الشرعي الأهم وليس هناك أهم وأشرف من طلب علم الدين وربما يعينه على كبح جماح النفس ومنعها عن التفكير فيه الابتعاد عن كل ما يذكره بالمرأة ويعينه أيضا الانتباه الدائم إلى عظمة العلم وشرفه وانه السلم للوصول إلى المراتب العليا من التقرب الإلهي فإذا انجلت الظلمة عن عظمة العلم في نفسه وفكره فتحت أمامه أبواب معرفة الله، وإذا عظمت المعرفة وعظم الخالق في نفسه صغر كل ما في الكون في عينه وسهل عليه تحمل كل الشدائد وسهلت عليه كل الصعاب.

ص: 25

ولا ينبغي أن نغفل من أن الزواج ضرورة فليكن التفكير فيه بعد إكمال السطوح درساً وتدريساً.

ومنها: تحمل العوز المادي بكل شجاعة وبعفة النفس وعزتها وطهارتها ويكون البقاء جائعاً أشرف وأحب إليه من التفكير في كسبالمال بالطرق غير اللائقة بطالب العلم ولا ينظر إلى بعض زملائه الذين مَنّ الله عليهم بطريق أو بآخر بالسعة في الرزق ولعل الله سبحانه اختبره فأتعظ واستعذ بالله من الاختبار.

ثم إياك وإياك وإياك أنّ تنتقد مرجعاً إن فهمت أنه فضل غيرك عليك بالعطاء، فإنه هو المسؤول عما فعل ولا يجوز لك أن تطمع فيما لم يمنحك، بل اشكر الله سبحانه على أنَّكَ مسؤول يوم القيامة عن القليل من مخصصات الحوزة وغيرك مسؤول عن أكثر من ذلك، لتكون خفيف الحساب وقصيره، ويكون غيرك طويل الحساب وثقيله، وقد قال سيد الأوصياء أمير المؤمنين(علیه السلام): (تخففوا تلحقوا..)((1)

ولا تتخذ ما نبهناك عليه وسيلة في تحسين صورتك في

ص: 26


1- ) نهج البلاغة1/2. بحار الأنوار69/ 54، للعلامة المجلسي، ط2 المصححة (1403 -- 1983م) مؤسسة الوفاء/ بيروت/ لبنان. روضة الواعظين/490، للفتال النيسابوي. مناقب آل أبي طالب1/326، لأبن شهر آشوب.

أعين الناس فتهلك ويذهب تعبك هدراً، ولا تترك لنفسك فراغاً للتفكير في الآخرين.

وينبغي لك أن يكون عملك في الدرس على أربع مراحل في كل كتاب: تُطالع ما تريد أن تدرسه من درس ساعياً جاهداً أن تفهم قبل الحضور عند الأستاذ مهما كلفك ذلك من الجهد، ثم الحضور عندالأستاذ متلهفاً لتستوعب باهتمام وتوجه شديدين ما يقوله، وحاول أنّ لا تقاطعه أثناء الدرس وأسأله فيما بعد عما لم يتضح لديك، ثم تجلس مع زميلك بإعادة الدرس فيعيد أحدكما بأسلوب الأستاذ ويستمع الثاني ثم يعيد الثاني ويستمع الأول ولو في اليوم الثاني للدرس القادم، ثم إذا أنهيت بضع صفحات من الكتاب فابدأ بالإعادة من أوّل الكتاب يومياً بمقدار ضعف الدرس وبطبيعة الحال تصل إلى مقام الدرس قبل انتهاء الكتاب، وابدأ بالإعادة مرة أخرى وهكذا دواليك إلى أن تفرغ من الكتاب ثم ينبغي أن يكون اختيار الأستاذ من جهة دقته في التدريس وتدينه فإذا أحرزتهما فاعتبره أشرف آبائك الثلاثة، وأعلم من (جدَّ وَجَدَ)، وأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً وأنّه تعالى أكرم وأرأف من أنّ يأمرك بالجهد والمجاهدة ثم لا يوفقك.

ص: 27

وليكن مقصدك أعلى، وهمتك عالية وعزمك على التقدم على الجميع من باب الغبطة لا الحسد. واعلم أنَّكَ إن التزمت بما قلنا تكون قريباً من الله عزيزاً في أعين الملائكة جليلاً في صدور العلماء، ولا يهمك حينئذ إن احترمك أحد من العامة أو لم يحترمك، وعليك الفوز بالاجتهاد لتكون فقيهاً من فقهاء مذهب الإمام الصادق(علیه السلام) كي تتوج بتاج من نور وينصب لك منبر في المحشر وتشفع للناس، وإياك والتفكير في الرئاسة والفوز بالمرجعية فإنها أثقل من الجبال الرواسي،وقد قال قائلهم: إن المرجع كالشمعة تحترق ويستفيد منها من حولها، ولا يفكر فيها العاقل إلّا إذا اضطر لأجل حفظ الدين وحماية الحوزة، قال عزّ من قائل: [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ]((1))، وقال(عزوجل): [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ]((2)). والسلام.

ص: 28


1- ) محمّد/8.
2- ) النحل/128.

إلى المدارس الدينية

إلى المدارس الدينية((1))

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله على هدايته لدينه ونشكره على رعايته وحمايته وإرشاده إلى سبيله ونستعينه على تحمل ما أوجب علينا، ونستمده العون على القيام بما أولانا، ونصلي على النبي الأكرم والمبلغ الأعظم هادي الأمم سيد العرب والعجم محمد وعلى آله الأئمة الهداة حماة الدين، واللعنة الدائمة على شانئيهم من الأولين والآخرين إلى يوم الدين.

وبعد: فإني أبعث رسالتي هذه من النجف الأشرف وأجدني مشاركاً روحاً وقلباً مع هذه الأفئدة التي تجمعها هذه المدارس المتفرعة من حوزة النجف الأشرف المحمية برعاية أمير المؤمنين(علیه السلام) حامل راية

ص: 29


1- ) صدرت هذه الكلمة المباركة لسماحة المرجع(دام ظله) في ال- 17 من شهر ربيع الأول عام1420ه-.

سيدالمرسلين وإمام العلماء وقدوة المتعلمين صانها الله من ريب الدهور وصان طلبتها الذين تنوعت مشاربهم واجتمعت نفوسهم فيها على العزم والإلتزام بسعي في الأرتواء من منهل علم أهل البيت(علیهم السلام).

واعلموا أيها الأخوة الفضلاء وأولادي الأتقياء الأعزاء:

إن رابط الدين أقوى من كل الروابط فإن هذا الرابط دفع أولئك الذين سبقونا بالإيمان نحو نبذ كل العلاقات النسبية والسببية والعشائرية، وإلغاء كل الاعتبارات التي تقتضي تصنيف البشرية فكان الرابط الديني أقوى وأسمى وأكثر تأثيراً وأعظم مفعولاً في نفوسهم فوتروا الأقربين والأبعدين في ذات الله، فرابط الدين لابدَّ وأن يكون فوق كل الاعتبارات.

وهنا رابط آخر نشترك كلنا فيه وهو رابط العلم فقد جمعتنا هاتان الرابطتان، فكلنا روّاد هذا المنهل الروي مشروع علم الدين، فعلينا جميعاً الاهتمام بالأمور التالية:

الأمر الأول: نجد أنّه قد أصاب الحوزات العلمية الوهن من حيث الكيف فنجد طلابنا الأعزاء ميالين إلى الكتب السهلة وإلى الدراسة السطحية مما يجعلنا نتوقف اتجاهه ملياً، لأنه إذا استمر -- لا سامح الله -- فهو لا يبشر بخير.

ص: 30

أخوتي الأجلاء: قد بلغني وأنا في النجف الأشرف شدّة الاهتمام بالحوزات العلمية التي تترأسها سائر الفرق الإسلامية، ولا سيما الوهابية بحيث يُنذر ذلك بالخطر الداهم على البلاد الإسلامية، وعلينا التيقظ والالتفات إلى ما نحن فيه، والسعي إلى إرجاع طلابنا الأعزاء إلى سابق العهد الذي عهدْنا السلف الصالح من علمائنا الأبرار عليه.

فلتكن الدقة والتعمق والتوجه إلى الكتب الصعبة في كل الفنون مقصدنا جميعاً وعلى المدرسين الأفاضل الاهتمام بهذا الموضوع.

الأمر الثاني: إنّه بلغني أن كثيراً من الطلبة يخلط بين المنهج الدراسي المتبع في الحوزات العلمية وبين المناهج الدراسية السائدة في الكليات والجامعات التي ترعاها الحكومات في شتى أرجاء العالم، بحيث يرون أنّ الكتب المطروحة أمام الطلبة في تلكم الكليات والجامعات يقصد في أثناء تأليفها التبسيط والتسهيل في التعبير وبينما الكتب المطروحة سابقاً في الحوزات العلمية معقدة في تعبيراتها ومستعصية على فهم الطالب العادي فيتصور بعضهم أنّه ينبغي أن تكون الكتب الرائجة في الحوزات العلمية شبيهة بالسائدة

ص: 31

في الكليات والجامعات، ولكنه بأدنى التفاتة يتضح أنه لا ينبغي الخلط بين المنهجين والسبب في ذلك:إنّ الغاية من الدرس والتدريس في الكليات والجامعات إعداد الطالب فيها للفهم والإدراك والإحاطة بما وصل إليه العلماء في العلوم الجديدة والفنون الحديثة، ومن ثم مواصلة السير في ترفيع تلك العلوم والفنون في المستقبل، ولا علاقة للطلاب بالتعبيرات التي استخدمت وبالألفاظ أو اللغات التي استعان بها العلماء السابقون في تلك العلوم الحديثة، وبما أن طريقة التعبير وسليقة التكلم بكل لغة تتغير وتتبدل بمرور الزمن فربما يكون تعبيراً واضحاً وسلساً في زمان وبعد مدّة تصبح للأجيال القادمة معقدة يفتقر الناظر فيها إلى القواميس والاستعانة بقواعد اللغة على الوصول إلى مغزى الكلمات المستخدمة للكشف عما في ضمير المتكلم، مثلاً الخُطب التي ألقيت قبل قرون على عامة الناس نجدها اليوم معقدة وبعيدة عن سليقة التكلم وطريقة التعبير التي نعيشها، ومن هنا نجد الحكومات المهتمة بالمدارس والكليات تضطر إلى تغيير الكتب الدراسية بين فترة وأخرى.

ص: 32

بينما طالب علم الدين تنحصر وظيفته وينصب اهتمامه في فهم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والروايات المروية عن أئمة أهل البيت(علیهم السلام) وهي صدرت من متكلميها قبل قرون وكانت واضحة سهلة الفهم في حينها ولذلك تم التحدي بتلك الآيات الشريفة لكل من بلغه القرآن في حينه مع سيطرة الأمية على الناس، وكذلك الأحاديث النبويةوخطب أمير المؤمنين(علیه السلام) وأدعية الصحيفة السجادية وغيرها مثل دعاء سيد الشهداء(علیه السلام) يوم عرفة.. فإنّها كلها ألقيت وقرأت على عامة من يعرف اللغة العربية وكانوا يفهمونها ويستوعبون أدق معانيها لوحدة السليقة والتعبير بين المتكلم والمخاطب.

والآن لأجل البعد الزمني الهائل والتبدل الواضح بين سليقة التعبير في ذلك الوقت وسلوك التعبير اليوم فلا نتمكن من فهم تلك النصوص لحد تمكننا من التحدث والفهم للغة العربية السائدة في أيامنا، فلا بد من ترويض ذهن الطالب وتمرينه بنحو يتمكن من فهم واستيعاب المعاني العميقة التي اشتملت عليها تلك التعبيرات.

ولو تعود الطالب على التعبيرات السهلة والطرق التعبيرية التي استأنست أذهاننا بها وتعودت نفوسنا عليها لبقي الطالب بعيداً عن عموم تلك المعاني.

ص: 33

فيجب الاهتمام بالكتب المعقدة والتعبيرات التي سعى علمائنا الأبرار إلى تبيينها في مقام إيصال المعاني العالية والمطالب السامية وإيصالها للأجيال اللاحقة.

وينبغي أن نعرف أنّه لم يكن أسلافنا قبل الشيخ الأعظم الأنصاري والمحقق الخراساني (صاحب الكفاية) والألمعي الأوحد الكمبانيعاجزين عن التعبير عن مطالبهم بعبارات سهلة وتعبيرات سلسة وهكذا علماء سائر الفنون المروجة في الحوزات العلمية لم يكونوا قاصرين عن تأليف كتبهم بتعبيرات مبسطة، بل كانوا واعين للمعنى الذي أشرنا إليه، فعلى القائمين بتربية الطلاب تعويدهم على الاهتمام بالكتب المعقدة التي منحتنا أيدي أولئك الفطاحل الذين أسسوا لنا هذه الحوزات العلمية شكر الله مساعيهم جميعاً.

الأمر الثالث: الاهتمام بمظهر طالب العلم وأن لا يخرج عن زي رجل الدين، فالتزيي بالزي الأوربي والتمادي في تبنَّي المظاهر المجلوبة من الأغيار في شعر الرأس والملابس والأحذية وطرق الأكل والشرب بنحو ما أخذ يسود في البلاد الإسلامية مما لا ينبغي أن يحدث في الحوزات العلمية.

ص: 34

إن الاهتمام بالمظهر أمرٌ ضروري والتخلي عن الزي التقليدي لرجل الدين واتباع الأوربي يومئ إلى الإحساس بالنقص لدى الطالب، فإنّا لا نجد أحداً من أعداء الإسلام يفكر في التخلي عن سلوكه في المأكل والملبس، بينما نجد شبابنا وأفلاذنا مندفعين إلى التخلي عن سلوكنا في الحياة وتبني سلوك الأوربيين.

الأمر الرابع: الاهتمام بالجانب الروحي، وينبغي أن لا يذهب علينا فإن مجرد حفظ القواعد اللغوية العربية وغيرها والإحاطة بالمسائلالفلسفية والكلامية والأصولية ونحوها -- وحدها-- لا يقرب الطالب إلى الله سبحانه بل لا يجعله في صف طلبة علم الدين بالمعنى الواقعي، فإن تعلم المسائل بل التبحر فيها مقدمة لصياغة النفس في قالب الدين.

فيجب على المهتمين بتربية طلابنا الأعزاء مراقبة سلوك الطالب وحثه على الالتزام بتقوى الله والخشية منه في السر والعلانية، ويجب أن يرافق الارتقاء الروحي التقدم العلمي وأنّ يواكب السمو النفسي الارتفاع في مدارج العلوم التي يتغذى بها في الحوزات حتى يتجسد الدين في حركاته وسكناته فيكون مثالاً يحتذي به الناس.

ص: 35

الأمر الخامس: يجب توجيه القسط الكبير من الاهتمام إلى تهذيب النفس وحسن السلوك فإن تحسين التعامل مع الآخرين على أساس المساواة انطلاقاً من مبدأ: (أحب لأخيك ما تحب لنفسك) من سمات عامة المؤمنين وأما الذي أوقف نفسه في صفوف طلاب علم الدين طمعاً في أن يوفقه الله للانخراط في سلك علماء الدين ليحظى بالمقام في حظيرة القدس في زمرة القديسين الصديقين وفي جوار صاحب المقام المحمود النبي الأعظم(صلی الله علیه واله) عند مليك مقتدر، والذي يرجو ذلك من العلي القدير يجب أن يكون من المؤثرين للآخرين على نفسه رغم الخصاصة، كما أن التواضع للعلم والعلماء وجعل النفس دائماًفي قفص الاتهام والحكم عليها بالقصور، بل بالتقصير تجاه الآخرين تعتبر الخطوة الأولى في سبيل إصلاحها، فإن تهذيب النفس الذي دعا إليه وسعى فيه الحكماء والمصلحون من أهم الواجبات، فإن صلاح خُلُق الفرد أساس إصلاح المجتمع.

أيها الطالب العزيز: فليكن قيامك وقعودك وتعاملك مع الآخرين على أساس الإيثار.

ص: 36

أرجو الله سبحانه أن يمكننا جميعا من إصلاح نفوسنا وأداء ما علينا وأن يُحلّينا بالعلم والعمل ويجعلنا من شيعة ولي الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء إنه رحيم ودود.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 37

بين الحوزة العلمية

والجامعة الأكاديمية

ص: 38

ص: 39

الحوزة والجامعة في مسار الإصلاح والتقدم

الحوزة والجامعة في مسار الإصلاح والتقدم((1))

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله على هدايته لدينه وله الشكر على ما دعا إليه من سبيله وله المنة على ما أولانا من النعم والكرامة بالتمسك بأولياء النعم الرسول الأعظم(صلی الله علیه واله) وأهل بيته الأئمة الأطهار وجعلنا من نسيج حماة الدين ورعاة شريعة سيد المرسلين وأمدّنا بالتوفيق للانتماء إلى الحوزة العلميّة في النجف الأشرف في العالم.

والصلاة والسّلام على من ابتعثته هدىً ورحمةً للعالمين..

ص: 40


1- ) من كلمة سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي(دام ظله) للمؤتمر العلمي الأول لآفاق التعاون بين الحوزة والجامعة، العدد: 348، التاريخ:225 1429ه-، المصادف: 29/5/2008.

بتكميل شريعته واتمام نعمته، وعلى آله الغر الميامين حفظه الشريعة وحماتها ورعاتها واللعنة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى يوم الدين.

قال الله سبحانه: )الرَّحْمَنُ _ عَلَّمَ الْقُرْآنَ _ خَلَقَ الإِنسَانَ _ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(((1)).

صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

لقد من الله على المؤمنين إذ قال: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(((2)).

صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

وبلّغ رسوله النبي الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين والشاكرين. والحمد لله رب العالمين.

قد اجتمعنا في اشرف بقعة في العراق ولعلها في العالم كله (مدينة النجف الأشرف) التي شُرفت بقبر سيد الأوصياء باب مدينة العلم والحوزة الشريفة أم الحوزات في العالم، لنحظى بسعادة التأمّل فيما

ص: 41


1- ) الرحمن/ 1--3.
2- ) الجمعة/2.

علينا جميعاًً أداءً لخدمة العلم بصنفيه علم الأديان وعلم الأبدان، فعن الرسول الأعظم(صلی الله علیه واله): (العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان) والتعبير الأول يعم كافة العلوم والمبادئ التي نفتقر إليها في فهم النصوص القرآنية والأحاديث النبويّة والروايات المروية عن الأئمة(علیهم السلام) والإحاطة بها مع العمق الفكري ليحيط الطالب بمغزى العلوم المعينة على فهم النصوص المحتوية على أحكام الشريعة الغراء على كثرتها وإحاطتها بجوانب الحياة كلها.

والتعبير الثاني - علم الأبدان - يعني كل علم له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما فيه صلاح البدن ولا يعني علم الطب فقط على تشعباته فإن كل ما تفتقر إليه الحياة ويكون الوصول إليه من خلال العلوم الحديثة والقديمة، النظرية والتجريبية، البرهانية والاستقرائية كل ذلك أشار إليه أبلغ وأفصح من نطق بالضاد سيد رسل الله وأعطف الكل (بعد الله سبحانه) على البشريّة وأشدهم سعياً واهتماماً بإسعاد الناس، وهذا القسم من كلامه المقدس((1))

يخص الكليات

ص: 42


1- ) إشارة إلى قول الرسول الأعظم(صلی الله علیه واله): (العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان) بحار الأنوار1/220، للعلامة المجلسي، ط2 المصححة (1403 -- 1983م) مؤسسة الوفاء/ بيروت/ لبنان. عن كنز الفوائد/239، لأبو الفتح الكراجكي.

والجامعات المنتشرة في العالم. فهنيئاً للذين يسعون في خدمة العلم بقسميهاللذين أشار إليهما وحث على السعي في طلبهما منقذ البشرية الرسول الأعظم(صلی الله علیه واله).

ويجب أن نعلم جميعاً ونجلب الانتباه إلى ما عندنا وبأيدينا وما نفقده وما قصرنا عنه في سبيل تحصيل الشرفين اللذين دعانا الرسول الأعظم(صلی الله علیه واله) إليهما، ومعلوم أنه قد مرت على العراق ظروف كالحة صعبة ومستصعبة وكان الضحية الكبرى العلم بقسميه، ولا نعني ما لقينا من النظام البائد فقط وإنما نعني كل المصائب التي عاناها العلماء وطلاب العلوم من الظلم والاضطهاد منذ اضطرار الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام) إلى المهادنة مع ابن آكلة الأكباد معاوية بن هند إلى يومنا هذا.

فالعراق من يد ظالم إلى ظالم أو أظلم، واليوم نلمس بعض الضوء في طرف النفق المظلم ويجب علينا جميعاً انتهاز الفرصة والسعي بجد في إنعاش وتطوير المراكز العلمية ضمن حدودها وضمن المحافظة على الغايات التي أسست لأجل تحقيقها، وقدمنا الضحايا

والقرابين (بتلك الدماء الزكية التي لا يعلم قيمتها إلّا الله سبحانه) في سبيلها، وينبغي أن نعلم أن المهم هو خلق روح التنافس الشريف في

ص: 43

نفوس روّاد العلم وطلابه والسعي في أن يتعود الطالب على الاستشعار بعزّة العلم وكرامته وشرافة أهله ليسعى في التخلص من التبعية للأغيار، ولا سيما طلاب الكليات والجامعات، يجب علينا أن نشعرهم بأن عليهمالسّعي ليكونوا هم ساسة العلم في البلاد ليأتي ذلك اليوم حيث يتشرف من يسكن في الغرب بالحصول على الشهادة الموقعة بأنامل العراقيين.

وينبغي أنّ نعلم أن العلم من دون تزكية النفس وطهارتها يكون ضرَرُهُ أكبر من نفعه، ولذلك قرنَ الله سبحانه التعليم بتزكية النفس بل قدمها على كسب العلم في قوله سبحانه: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(((1)).

نحن نرى اليوم وجوهاً طيبة تلوح من أساريرها كل المعاني الشريفة والحكم السامية مما يبعثنا على التفاؤل.

أرجو الله أن لا يكون ذلك اليوم بعيداً، اليوم الذي يحتل فيه العراق أشرف مقام في مجال العلمين معاً علم الأديان وعلم الأبدان،

ص: 44


1- ) الجمعة/2.

وذلك لما منح الله سبحانه للطبيعة العراقية من الخصائص الفطرية والبيئية والجغرافية والموقع المتميز إقليمياً، وموارد اقتصادية فجعلها أمير المؤمنين(علیه السلام) عاصمة لدولته وتكون عاصمة لحفيده الإمام المنتظر(عجل الله تعالی فرجه الشریف) لتكون قمة في العالم كله: )إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً _ وَنَرَاهُ قَرِيباً(((1)).والسلام..

ص: 45


1- ) المعارج/6--7.

الحوزة والجامعة وعوامل الإصلاح السياسي

الحوزة والجامعة وعوامل الإصلاح السياسي((1))

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً والصلاة والسلام على مرشد البرية وهادي الأمم ومعلم الحكمة محمد بن عبد الله وعلى آله الهداة الغر الميامين واللعنة على شانئيهم أجمعين.

أما بعد فقد قال الله سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) ((2)).

ص: 46


1- ) من كلمة سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي(دام ظله) إلى المؤتمر العلمي العالمي الثاني بين الحوزة والجامعة العدد: 207/ 7 /ربيع الأول/ 1431ه-، المصادف22/2/2010م.
2- ) الطلاق/12.

صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.وصدق وبلغ نبيه الرسول الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين والشاكرين والحمد لله رب العالمين.

أيها الأخوة الأعزاء رواد العلم والفضيلة أخوتي في الحوزة العلمية وأعزائي في السلك الجامعي لا ينبغي الريب في أن العمل الذي تمارسونه والخدمة التي تقدمونها للشعب العراقي بالخصوص ولعموم العالم الإسلامي بنحو الشمول هو أعظم الأعمال وأشرفها على الاطلاق فإن العلم به يعرف الله وتعرف أحكام دينه ويتفقه به الإنسان ويتزين بأبهى الزينة ولا شك ولا ريب أن خير العلوم التفقه في الدين، فعن رسول الله(صلی الله علیه واله) في حديث متفق عليه: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرَاً يُفَقِّهْهُ في الدِّيْن)((1))

وقال: (من طلب علماً فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر ومن طلب علماً فلم يدركه كتب الله له كفلاً من الأجر)((2)).

وهناك معاني الآيات والأحاديث والروايات تعم العلمين معاً علم الدين والعلوم التي يحصل عليها أعزائنا في الجامعة قال الله سبحانه:

ص: 47


1- ) نهج السعادة7/ 350. دعائم الإسلام1/81، للقاضي النعماني المغربي.
2- ) الترغيب والترهيب1/96، جامع بيان العلم وفضله1/53، مجمع الزوائد1/123.

(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)((1))، وقال:(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)((2)).

وعن النبي الأعظم(صلی الله علیه واله): (طلب العلم فريضة على كل مسلم)((3)) وقال(صلی الله علیه واله): (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع)((4)) والآيات والروايات في هذا الشأن كثيرة((5)).

ويكفينا في معرفة فضل العلم ما نشاهده من تفوق الشعوب العالمة على الشعوب المنغمسة في ظلمات الجهل وما يستلزمه من الويلات والتخلف والحاجة إلى الأجنبي وربما إلى العدو وهو يستغل علمه مع جهلنا أبشع الاستغلال فيتحكم في سياسة البلد واقتصاده وثقافته واستقلاله ويستذلنا بما لا ذلة وراءه. ومن لوازم الجهل النزاعات الطائفية ونشأة المنظمات الإرهابية التي تعيث الفساد في طول البلد وعرضه.

ص: 48


1- ) المجادلة/12.
2- ) العنكبوت/43.
3- ) بصائر الدرجات للصفار/23، منية المريد/99. المحاسن1/225 للبرقي.. وغيرها من المصادر.
4- ) منية المريد/101، ط1 تح رضا المختاري، للشهيد الثاني.
5- ) أنظر: منية المريد/93-- 126 ط1 تح رضا المختاري، للشهيد الثاني.

كما أن الجهل يجرئ عبدة النفوس والأهواء على السعي في التوثب على الكرسي فإذا وصل إليه -- لا سمح الله -- يستغله لنيل مآربه الشخصية ولا يردعه عنه رادع لفقدان العلم والمعرفة ولا يمنعه عن ذلكشيء لا وازع من الضمير ولا خوف من الباري جلت عظمته ولا الانتماء إلى الوطن الجريح المظلوم فيذكرنا هذا الموقف من هؤلاء قول سيد الشهداء(علیه السلام) للطغمة الظالمة الفاسدة التي تسللت إلى سدة الحكم يزيد وأتباعه وعبيد الله بن زياد وجلاوزته: (إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم فارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون)((1)).

فليعلم الإرهابيون ومن خلفهم من الذين يحركونهم ويجهزونهم وكذلك المستبدون بأمور المسلمين والمستغلون لقدراتهم وسيطرتهم على شيء من أزمة الأمور أن سيف الله لهم بالمرصاد وأن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم والمرجعية الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف أم الحوزات في العالم عازمة بحزم على التعاطف مع المظلومين، والدفاع عنهم.

ص: 49


1- ) اللهوف في قتلى الطفوف/71، للسيد ابن طاووس.

فعلى المدرستين في طول العراق وعرضه الحوزة العلمية بقادتها ورعاتها ودعاتها وروادها والجامعة بأروقتها المليئة بالعلم ورواده والمنتسبين إليها بجد وحزم مع قادتها المخلصين، العمل والتصدي للجهل بجميع أقسامه والسعي في إزالة المفاسد المتولدة من التخلفوالتسيب وذلك من خلال توعية الناس وترغيبهم في الانتماء إلى المدرستين والاستضاءة بنورهما وكل من يقصر في هذا الشأن يكون مسؤولاً أمام الله وأمام التأريخ عما يترتب على ذلك.

وينبغي أن نلتفت بالنظر إلى أننا ونحن على أبواب الانتخابات لممثلي الشعب في البرلمان وقد رأينا في السنوات الأربع الماضية من السلطتين التشريعية والتنفيذية ما لم يكن كافياً وكان دون المستوى المطلوب بكثير.

واشتملت السلطة التشريعية على كثير ممن تعرفونهم من القاصرين والمقصرين كما اشتملت السلطة التنفيذية على بعض من خان الوطن والشعب والمال وأثار الطائفية في البلد مثل وزير التربية الذي لم يزل يصر على فرض حكم طائفة على طائفة أخرى، ولم يصغ إلى النصائح التي قدمت إليه بحب وحنان من قبل المراجع في النجف الأشرف.

ص: 50

وهناك الفساد الإداري كما هناك القصور والتقصير في معظم مجالات خدمة الشعب (الكهرباء والماء والزراعة والنفط..) فإلى الله المشتكى.

فنحث الشعب على انتخاب من يحمل الدين والحنان على الوطن فلا يبيع ذرة من ترابه بأي ثمن ويكون ذا وعي وكفاءة لنتمكن من خلالهانتخاب ممثلي الشعب الجيدين، ومن جلب الحكومة الجيدة المخلصة الواعية الدينية الراعية لحقوق الشعب ومصالحه والمتفانية في خدمة الشعب، فعلى الناخب أن ينظر في الشخص الذي يرشحه توفر ما ذكرناه .

أرجو الله سبحانه أن يمكن المدرستين الحوزة والجامعة اللتين تمثلان العمود الفقري لسلامة الوطن وعزته وكرامته والضمان لرقيه في المستقبل من إسداء الخدمة إلى الوطن الإسلامي المظلوم. والسلام.

ص: 51

الدمج بين الحوزة والجامعة

الدمج بين الحوزة والجامعة((1))

بسمه سبحانه:

وصلى الله على محمد وآله الميامين..

أخوتي المهتمون بمشروع المؤتمر، وأولادي الشباب المتحمسون لهذا المشروع، وفقكم الله تعالى جميعاً لخدمة العلم ويمكنكم من تنشيط الأفكار والنفوس في سبيل الرقي العلمي وتهذيب النفس.

ص: 52


1- ) ينبغي أن نُعرِّف القارئ الكريم بعد قراءته لملف الحوزة والجامعة، -- باعتبارهما جهازان حضاريان يمدان المجتمع بشتى صنوف العلم والمعرفة --، أن لكلٍ موقعه وخصوصيته، ومن هنا نبه سماحة المرجع(دام ظله) إلى أهمية هذا الموضوع، حيث طُرح سؤال في هذا الصدد استفتاء من قبل إذاعة المعارف، والمعدين للمؤتمر العلمي العالمي الأول بين الحوزة والجامعة، متسائلين عن مستويات ومديات هذا المشروع، فكان لسماحته(دام ظله) هذه الإجابة، وهذا التوجيه، ولهذا نسترعي أنتباه القارئ الكريم.

المؤتمر خطوة شيقة حماسية نرجو الله سبحانه أن تكون القرارات الصادرة عنه مرضية لدى المفكرين، وتنصب في خدمة العلم.

وينبغي أن تبقى هوية الحوزة مصونة ضمن حدودها، والآفاق التي حددها لها علمائنا الأبرار وقدموا تضحيات جسام في سبيلها كما ينبغي المحافظة على هوية الجامعة ومسيرتها ضمن آفاقٍ محددة لها، من قبل الخبراء والمهتمين بشؤونها، والدمج بين الاتجاهين، الاتجاه الحوزوي والاتجاه الجامعي يكون تضييعاً للاتجاهين معاً.

نعم يبقى التقيد بنتاج الحوزة العلمية، ومعرفة الفتاوى وتطبيقها على الحياة البشرية جمعاء أمراً ضرورياً، وهذا لا يعني الدمج بين الجامعة والحوزة كما أن نتاج الجامعة في العلوم كالمهارة في الطب يجب أن تستفيد منه البشرية كلها، ولا يعني ذلك الدمج أيضاً.

والحاصل أن طريق الدرس والتدريس والمناهج لكل من الحوزة والجامعة مختلف. يجب أن يظلا متميزين.

والله الموفق.

ص: 53

الحوزة وطالب العلوم الدينية

فضل العلم

مناهج

مفاهيم

مقام طالب العلم (مُسرد روائي)

ص: 54

ص: 55

فضل العلم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الميامين قال الله سبحانه: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ(((1)).

عن رسول الله(صلی الله علیه واله): (من طلب علماً فأدركه كَتَبَ الله له كفلين((2)) من الأجر ومن طلب علماً فلم يدركه كَتَبَ الله له كفلاً من الأجر)((3))، وعنه(صلی الله علیه واله) (من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين فو الذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى الله له بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض وهي تستغفر له ويمسي ويصبح مغفوراً له وشهدت الملائكة أنهم عتقاء الله من النار)((4)

ص: 56


1- ) الجمعة/2.
2- ) الكفل: الحض والنصيب، أوبمعنى الضِّعف.
3- ) بحار الأنوار1/ 183 -- 184، عن منية المريد/99. والترهيب والترغيب1/96، وجامع بيان العلم وفضله1/53، ومجمع الزوائد1/123.
4- ) بحار الأنوار1/ 184، عن منية المريد/100.

وعنه(صلی الله علیه واله): (طلب العلم فريضة على كل مسلم فاطلبوا العلم في مظانهواقتبسوه من أهله، فإن تعلمه لله حسنة وطلبه عباده والمذاكرة به تسبيح والعمل به جهاد وتعليمه من لا يعلم صدقة وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة والمؤنس في الوحشة والصاحب في الغربة والوحدة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاّء يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم ويقتدى بفعالهم ويُنتهى إلى آرائهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم وفي صلواتها تبارك عليهم يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وإنعامه، إن العلم حياة القلوب من الجهل وضياء الأبصار من الظلمة وقوة الأبدان من الضعف يبلغ بالعبد منازل الأخيار ومجالس الأبرار والدرجات العلى في الآخرة والأولى، الذكر فيه يعدل بالصيام ومدارسته بالقيام، به يطاع الرب ويعبد وبه توصل الأرحام ويعرف الحلال والحرام، والعلم إمام والعمل تابعه

ص: 57

يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء فطوبى لمن لم يحرمه الله من حظه)((1)).

وعن علي بن أبي طالب(علیه السلام): العلم أفضل من المال بسبعة:الأول: انه ميراث الأنبياء والمال ميراث الفراعنة.

الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص بها.

الثالث: يحتاج المال إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه

الرابع: العلم يدخل في الكفن ويبقى المال.

الخامس: المال يحصل للمؤمن والكافر والعلم -- يعني(علیه السلام) به العلم الذي ينتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة -- أما الأول فبخدمة البشرية من دون الإضرار. وأما الثاني كسب الآخرة وهاتان الفائدتان يشترك فيهما طالب علم الدين وطالب العلوم الأكاديمية، وما وصل إليه علماء غير المسلمين فإنها وإن نفعت البشرية ولكن لخلوهم عن الإنسانية التي لا تحصل إلّا بالإسلام استخدموا العلوم والاختراعات لإفساد البشرية خلقياً وصنع الأسلحة الفتاكة بحيث لو تستخدم ربع الأسلحة المخزونة بأنواعها لأفنت البشرية كلها، ولا نستغرب فقدان

ص: 58


1- ) جامع أحاديث الشيعة1/89. منية المريد/110.

الإنسانية لدى كثير ممن ينتحل الإسلام فإن ذلك من سوء سريرته وخبث طينته وقبح مسيرته كما لا نغتر ببعض الأفعال التي تصدر ممن لا ينتمي إلى الدين الإسلامي من السلوك الحسن ومراعاة الفقراء ورعاية المرضى فإنها لخلوها عن روح العمل وهو العقيدة السليمة لا تكسبهم الجنة ويحصلون على جزاء أعمالهم في الدنيا كالسمعةالحسنة ونحوها، فقد روي عن الإمام الصادق(علیه السلام)، إنه قال: (إن الله تعالى أعار أعداءه أخلاقاً من أخلاق أولياءه ليعيش أولياءه مع أعداءه في دولاتهم)، وفي رواية (لولا ذلك لما تركوا ولياً لله إلّا قتلوه))((1)).

السادس: جميع الناس يحتاجون إلى العالم في أمر دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال.

السابع: العلم يقوي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه.

وعن الإمام زين العابدين علي بن الحسين(علیه السلام): (لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج، إن الله تعالى أوحى إلى دانيال إن أمْقَت عبادي إليَّ الجاهل المستخف بحق

ص: 59


1- ) الكافي2/101.

أهل العلم التارك للاقتداء بهم، وإن أَحَب عبيدي إليّ التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء)((1)).

اعلم يا بُنَيَّ أَنَّ الطالب للعلمِ يجبُ أَنْ يتحلّى بصفات معينة ومن دونها يصبح اسماً بلا مسمى وقد تصدى الأعلام من علمائناالأبرار لبيان وظائف الطالب وصفاته ووظائف الأستاذ وفرائضه وأُلِف في ذلك الكثير ومن أبرز ما ألف في هذا الشأن هو: (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد) للقديس الجليل والشهيد السعيد الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني؛ فأنصح أولادي الطلبة بمطالعة هذا الكتاب الجليل ليستفيدوا منه، ولا أبخل عليكم في هذا الشأن فأقدم لكم بعض ما ينبغي أن أقوله أداءً لبعض مالكم من الحق عليّ كحق الولد على والده وأشكر الله سبحانه على هذه الفرصة وهي نعمة مَنّ الله سبحانه بها عليّ لأقدم من خلالها خدمة ما إلى أولادي:

ص: 60


1- ) الكافي1/ 35، باب فضل العلم.

فإن الخطوة الأولى التي يجب أن يخطوها الطالب ليكون طالب علم حقيقةً هي أن يخلص النية ويكون إقدامه على سلوك هذا الطريق من أجل تحصيل العلم لأنه أفضل شيء وأعظمه, إذ به شُرِف الإنسان على غيره وشرف أبونا آدم(علیه السلام) على الملائكة ولا يكون غرضك من النزول في هذا الميدان كسب المال أو الشهادة فقط لتحظى بالتوفيق لاعتناق الوظيفة، فإن فعلت ذلك كان عملك لا يليق بعاقل لأنك جعلت أشرف شيء مقدمةً ووسيلة لأخس شيء، فإن العلم أشرف شيء والدنيا أخس الأشياء، والآيات الشريفة الدالة على شرف العلم متكاثرة مثل قوله سبحانه: )يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَدَرَجَاتٍ(((1))، وقال تعالى: )هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(((2))، والأحاديث الشريفة كثيرة في هذا الشأن فقد روي عن النبي الأعظم(صلی الله علیه واله) أنه قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)((3))، وهذا العمل الشريف لا

ص: 61


1- ) المجادلة/12.
2- ) الزمر/9.
3- ) بصائر الدرجات/3، ذكره العلامة المجلسي في البحار1/174، دعائم الإسلام1/83، للقاضي النعمان المغربي. ومنية المريد/99. وغيرها من المصادر.

يستهان به فيتخذ وسيلة أو ذريعة إلى الدنيا بل يكون العلم من أجل المعرفة. ولأجله ينبغي لطالب العلم أن يكون العلم لديه والسعي في تحصيله أهم من كل شيء في الدنيا فلا يكون في نظره شيء أهم منه، لابد من أن يكون طالب العلم مستعداً للتضحية بكل شيء في الدنيا في سبيل تحصيله ومن لا يفعل ذلك -- كائناً من كان -- فلا يستحق هذا الوصف الشريف (طالب العلم) ومعلوم عند أهل المعرفة أن الحكماء ينصحون بأن الطالب ليس مطالباً بشيء من المجاملات الاجتماعية التي تعرقل مواصلة التحصيل، ولا يغرّنه أن الوقت وسيع وأنه مازال في ريعان شبابه وأنه يتمكن من تدارك ما يفوته من العلم فإنها خدع شيطانية، يغر بها --إبليس اللعين -- ليصرف الطالب عن بغيته، ويجب أن يعلم طالب العلم أن الدقيقة التي تمر من وقته وعمره ولا يكتسب فيها شيئاً من المعرفة سوف لن تعود إلى يوم القيامة.

كما ينبغي لطالب العلم إذا وصل المرحلة التي تؤهله من تمييز ما تتوق إليه نفسه ويتمكن من الدخول فيه من أصناف العلوم أن يختار أفضلها مع قدرته للمجابهة والتغلب على العقبات التي سوف تعترض طريقه الى الكمال في ذلك الصنف، وفي هذا الشأن ينبغي أن يأخذ

ص: 62

في حسبانه قوته الفكرية والجسدية والفرصة المتاحة له والبعد الذي يقصد الوصول إلى أغواره من الصنف الذي اختاره من أصناف العلوم.

كما ينبغي أن تكون لديه همة عالية ولا يستسلم لليأس ولا يتخاذل أمام صعوبة العلم ولا يرى لنفسه المرتبة الدنيا، ولست أدري أن طالب الدنيا لا يرضى بالقليل منها وهي على ما هي عليها من الخسة والحقارة في نظر الأنبياء والرسل والأئمة(علیهم السلام) والحكماء وكيف يرضى طالب العلم -- والعلم ما نعرفه -- بمرتبة أدنى منه، وينبغي أن يعلم أن التجارب أثبتت أن من يرضى من طلاب العلوم لنفسه بالمرتبة الدنيا من العلم لا يوفق للوصول إلى المرتبة التي رضي بها بل يبقى دونها بمراحل -- يا لها من خسارة-- وعلى هذا الأساس ينبغي له أن يرمي بالبعيد ويقصد إحراز مراتب عليا، وينفع الطالب في هذا الشأن كثيراًالخوض في المنافسة الشريفة بين الزملاء ولهذا ترى أن بعض الحكماء يبعثون بأولادهم إلى المدارس والكليات والجامعات والحوزات العلمية وإن كان الأب متمكناً من تدريس أولاده في بيته وتحت رعايته المباشرة.

ص: 63

أمراض وعلاجات

إن الحوزة العلمية عبارة عن مستشفى لمعالجة الأمراض التي يصاب بها الإنسان كالجهل وفساد الأخلاق وعدم الإتزان في السلوك، مع صدور بعض ما يمكن أن يعتبر معصية فأن فرض أن يكون كل من ينتمي إلى الحوزة العلمية خالياً من هذه الأمراض -- فإذا كان كذلك -- فما ضرورة الانتماء إليها؟

فللحوزة العلمية مراحل يقصد فيها السير نحو الرقي الإنساني ومراحل طهارة النفس وزكاتها، وبطبيعة الحال أن نجد فيها من هو في المراحل الأولى من الطهارة وآخر من هو في المراحل الوسطى أو العليا، وطبيعي أيضاً أن أصحاب المراحل العليا أقل عدداً من المرحلتين السابقتين، مما يعني أن الذين في المراحل الدنيا عددهم اكثر من الذين يستقبلون المسيرة في المراحل العليا، فعدد الناقصينوالمرضى المحتاجين إلى العلاج أكثر من الذين شفوا من تلك الأمراض.

ثم إنّ الأخلاق لا تتحسن عادة بالدراسة الفنية لعلم الأخلاق، فإنّه عبارة عن وضع القواعد العلمية ليتمكن المربي والمتربي اتباعها في مجالات تهذيب النفس، وإنما تتحسن الأخلاق بالتطبيق العملي،

ص: 64

وإن كان طالب العلم لا يستغني عن معرفة تلك القواعد فإن شاء ورغب طالب العلم في تحصين نفسه أمام دواعي الفساد وعزم على تهذيبها انتخب من أساتذته ممن أحرز درجة فائقة في هذا الميدان، واتخذ منهم نبراساً واستعان بهم وعرض كل سلوكياته عليهم ليعالجوها حسب ما يعرفونه.

ثم لا يخفى أن الشيطان وأعوانه إنما يهتمون في مجال إفساد أولاد آدم بالمنتمين إلى الحوزات العلمية، إذ لا يخاف اللعين إبليس إلّا منها، فأقل ما يبتلى به من ينتمي إليها من الطلبة والعلماء سوء الظن المبني على الأوهام، وهو محرم فلا يدري طالب العلم أنه في حين بحثه عن مدرس مهذب في أخلاقه قد وقع في أبشع المعاصي الاجتماعية وقد أساء الظن بالعلماء، وقد أُمرنا بتحسين الظن بكل مؤمن، وهكذا الإصابة بالتكبر والعجب وهما من المهلكات، فقد يكونطالب العلم في المراحل الأولى في مدارج العلم فيعتقد في حق العلماء أنه بمعزل عن الشريعة الغراء، وقد نهينا عن مثل هذا الاعتقاد.

ثم إنني أمنع طلاب الحوزة العلمية من التدخل في السياسة لأنّ ذلك يؤدي إلى مشاكل أبرزها تضييع وقت طالب العلم الذي ينبغي

ص: 65

أن يصرف وقته كله عدا ما يصرفه في الواجبات كالصلاة ونحوها، في الدرس والتدريس والمطالعة والتحضير، نعم ان كلف احد منهم من يجب عليه طاعته بعمل اجتماعي أو سياسي وجب عليه العنوان الثانوي، وحينئذ يعجز عادة وغالباً، من الجمع بين الدراسة في الحوزة بالنحو المطلوب وبين العمل الاجتماعي أو السياسي.

نظم التدريس في رأي سماحة المرجع(دام ظله)

ما زلنا على ما ورثنا من نظام دراسي حر فذّ من علمائنا الابرار فيطرح في الحوزة العلمية العلوم التي تعين على فهم الحديث والقرآن كافة، كما نسعى جاهدين في تدريب الطلاب على الاستيعاب والتفهم للغة القرآن ولغة الحديث المختلفة عن اللغة الحديثة فإن البعد الزمني قد خلق شرخاً واسعاً بين اللغتين، ومن هنا يحصل الجواب على من يسأل عن سبب تقيد الحوزة العلمية بالكتب المعقدة حسب اللغة الحديثة ويستمر الدرس لمراحل فينتقل الطالب من مرحلة إلى اخرى حتىيصل إلى مرحلة دراسة علم الاصول، وننصح الطالب دائماً بدراسة الكتب التي ألفِّت من قبل عباقرة الفنّ، ليتمكن من استيعاب النظريات ونقدها وفهمها، وهكذا نكلف

ص: 66

الطالب بالكتب الفقهية الاستدلالية إلى أنّ تحصل له ملكة في فهم المعلوم ثم يحضر محاضرات علم الأصول والفقه على المحاضرين الأساتذة الأعلام المجتهدين الأكارم والفقهاء الأعاظم ويعبر عن هذه المحاضرة في المصطلحات الحوزوية بالبحث الخارج، لأن الاستاذ لا يتقيد بكتاب انما غايته تحقيق العلم.

الحوزة مستقلة وستبقى مستقلة

من المعلوم أنّه إن خضعت الحوزة العلمية لأية حكومة أو نظام سياسي فسوف تفقد حريتها واستقلاليتها وستحاول السلطات التأثير في قراراتها الشرعية كما يحدث في الحوزات التي تخضع لسيطرة الحكومة في أية منطقة كانت من العالم الإسلامي، ولذلك إمّا أن يلجأ الفقيه إلى الجرأة على السلطة فتحدث المواجهة وإما الخضوع فتذهب الحوزة في خدمة الدولة وهو أضر من إنعدام الحوزة.

ص: 67

المنهج العام للدراسة في الحوزة العلمية

ينبغي للطالب الذي يرغب في الحصول على المرتبة العلمية اللائقة بمقام المنتمي للحوزة العلمية طي المراحل المدرجة أدناه باختلاف مستوياتها.

والمطلوب منه أن لا ينتقل إلى المرحلة التالية إلا بعد الفراغ مما يليق بالمرحلة السابقة وهذا يجري في مستويات كل مرحلة، فلا ينتقل إلى المستوى الأعلى إلا بعد إتقان ما هو أدنى منه درجة. والمقصود من توضيح هذه المراحل تعبيد الطريق إلى البغية السامية وهي الوصول إلى مرحلة الاستنباط وتقريب مقصده إليه بأقصر الطرق مع الاحتفاظ بالاستعداد اللازم لرجل الدين الراغب في الحصول على الزلفى عند الله سبحانه والرضى من ولي الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء.

وإلى الطالب الكريم تفاصيل هذه المراحل حسب المنهاج الذي يستحسنه سماحة المرجع(دام ظله):

المرحلة الأولى (المقدمات):

المستوى الأول: الاجرومية / تبصرة المتعلمين / عقائد الأمامية.

ص: 68

المستوى الثاني: قطر الندى أو هداية النحو / شرائع الإسلام ج1/ كتاب في الصرف (مراح الأرواح أو شرح النظام) / ميزان المنطق.المستوى الثالث: شرح الألفية لابن الناظم أو الكافية لابن الحاجب / حاشية ملا عبد الله على التهذيب / شرح الشمسية / شرائع الإسلام ج2.

(مطالعة منطق المظفر خصوصاً - القسم الثالث -).

المستوى الرابع: مختصر المعاني / الباب الحادي عشر / شرائع الإسلام 3 ج4.

المرحلة الثانية: (السطوح):

المستوى الأول: معالم الدين ويعقبه أصول المظفر أو ما يعادله مثل القوانين / مطول / شرح التجريد / سلم العلوم.

المستوى الثاني: شرح اللمعة الدمشقية / كفاية الأصول ج1 / رسائل الشيخ الانصاري (قده) / منظومة في المعقول(لملا هادي السبزواري) يعقبه الكفاية ج2 / مكاسب الشيخ الأنصاري.

المرحلة الثالثة: (البحث الخارج):

ص: 69

يحق للطالب بعد الفراغ من الكفاية ج2 حضور البحث الخارج في الأصول، ثم بعد الفراغ من المكاسب يحق له حضور البحث الخارج في الفقه.

ص: 70

العلم وطالبه في القرآن والسنة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ _ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ _ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ _ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]((1))

وقال تبارك وعلا: [اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً]((2)).

وقال عزّ من قائل: [قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً]((3)).

ص: 71


1- ) العلق/1--5.
2- ) الطلاق/12.
3- ) الكهف/66.

وقال العليم الجليل: [قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ]((1)).

وأوصى تبارك وتعالى: [فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ]((2)).

وقال جلّ وعلا: [يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ]((3)).

وقال تعالى: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ]((4)).

وقال تعالى: [وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ]((5)).

وقال تعالى: [وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ]((6)).

ص: 72


1- ) النمل/40.
2- ) النحل/43.
3- ) المجادلة/11.
4- ) الزمر/9.
5- ) القصص/80.
6- ) العنكبوت/43.

وقال تعالى: [بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ]((1)).

وقال رسول الله(صلی الله علیه واله): (طلب العلم فريضة)((2)).

وقال(صلی الله علیه واله): (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع)((3)).

وقال(صلی الله علیه واله): (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)((4)).

ص: 73


1- ) العنكبوت/49.
2- ) الكافي1/36.
3- ) منية المريد/101، ط1 تح رضا المختاري، للشهيد الثاني.
4- ) الكافي1/34.

وعنه(صلی الله علیه واله): (إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله)((1)).

وقال (صلی الله علیه واله): (طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات)((2)).

وعنه(صلی الله علیه واله): (طالب العلم طالب الرحمة، طالب العلم ركن الإسلام ويعطى أجره مع النبيين)((3)).

وعنه(صلی الله علیه واله): (من خرج من بيته ليلتمس بابا من العلم كتب الله(عزوجل) له بكل قدم ثواب نبي من الأنبياء، وأعطاه الله بكل حرف يسمع أو يكتب مدينة في الجنة)((4)).

وقال(صلی الله علیه واله): (من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله ولم يكن بينه وبين النبيين إلّا درجة النبوة)((5)).

وقال(صلی الله علیه واله): (من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين، فوالذي نفسي بيده، ما مِن متعلم يختلف إلى باب

ص: 74


1- ) الكافي1/70.
2- ) أمالي الطوسي/577 ح1191، أسد الغابة2/11ح 1157، الفردوس2/ 439 ح3911. ميزان الحكمة3/270، للري شهري.
3- ) ميزان الحكمة3/2072.
4- ) جامع الأخبار110/195.
5- ) المعجم الأوسط9/174 ح9454. عن ابن عباس.

العالم المعلم إلّا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة، وبنى الله له بكل قدم مدينة في الجنة، ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً له، وشهدت الملائكة أنهم عتقاء الله من النار)((1)).

وقال(صلی الله علیه واله): (إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات وهو شهيد)((2)).

وقال مولى الموحدين أمير المؤمنين(علیه السلام): (من جاءته منيته وهو يطلب العلم فبينه وبين الأنبياء درجة)((3)).

وعنه(علیه السلام): (الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله، إن طلب العلم فريضة على كل مسلم، وكم من مؤمن يخرج من منزله في طلب العلم فلا يرجع إلا مغفوراً)((4)).

وعنه(علیه السلام): (العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه منهم)((5)).

ص: 75


1- ) المحجة البيضاء1/18، إرشاد القلوب/164، تنبيه الغافلين/427 ح667، مع تفاوت بسيط بين صياغات الرواية في المصادر الآنفة الذكر.
2- ) تاريخ بغداد9/ 247، جامع بيان العلم1/44 ، منية المريد/122.
3- ) مجمع البيان9/380.
4- ) روضة الواعظين/15.
5- ) الكافي1/53.

وعنه(علیه السلام) في وصيته لولده محمد بن الحنفية: (تفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة الأنبياء)((1)). وقال الإمام الصادق(علیه السلام): (الأنبياء حصون والعلماء سادة)((2)).

وعنه (علیه السلام): (لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج)((3)).

وعنه(علیه السلام): (اكتب، وبث كتبك في إخوانك، فإنه يأتي على الناس زمان، لا يأنسون إلّا بالكتب)((4)).

بحمد الله

ص: 76


1- ) بحار الأنوار1/216.
2- ) الكافي1/39، مع تفاوت يسير في اللفظ.
3- ) بحار الأنوار1/177، مع تفاوت يسير في اللفظ، عوالي اللئالي4/61، لأبي جمهور.
4- ) الكافي1/67.ح11

ص: 77

المحتويات

نصيحة لأبنائه طلبة العلوم الدينية 19

إلى المدارس الدينية 29

الحوزة والجامعة في مسار الإصلاح والتقدم 40

الحوزة والجامعة وعوامل الإصلاح السياسي 46

الدمج بين الحوزة والجامعة 52

فضل العلم. 56

أمراض وعلاجات.. 64

نظم التدريس في رأي سماحة المرجع 66

الحوزة مستقلة وستبقى مستقلة 67

المنهج العام للدراسة في الحوزة العلمية 68

العلم وطالبه في القرآن والسنة 71

المحتويات.. 78

ص: 78

رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق ببغداد (362) لعام 2012م

تحت رعاية مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي

جمهورية العراق - النجف الأشرف

http://www.anwar-n.com

info@anwar-n.com

http://www.alnajfay.com

info@alnajfay.com

هاتف: 33348 - 371/ نقال: 07801004758/ 07801297218

ص.ب:732 مكتب بريد النجف

ص: 79

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.