المصلح العالمي في الاديان السماوية

اشارة

المصلح العالمي في الأديان السماويّة

المؤلّف: الشيخ الدكتور صفاء الخرزجي

المراجعة العلميّة: المجلس العلميّ في مؤسّسة الدليل

التقويم اللغويّ: علي گیم

تصميم الغلاف: محمد حسن آزادگان

الإخراج الفنّيّ: فاضل السوداني

الناشر: مؤسّسة الدليل للدراسات والبحوث العقديّة

حقوق الطبع والنشر محفوظةٌ لدى مؤسّسة الدليل

مؤسسة الدليل

ص:1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

هويّة الكراس

اسم الكراسة: المصلح العالمي في الأديان

المؤلّف: الشيخ الدكتور صفاء الخرزجي

المراجعة العلميّة: المجلس العلميّ في مؤسّسة الدليل

التقويم اللغويّ: علي گیم

تصميم الغلاف: محمد حسن آزادگان

الإخراج الفنّيّ: فاضل السوداني

الناشر: مؤسّسة الدليل للدراسات والبحوث العقديّة

حقوق الطبع والنشر محفوظةٌ لدى مؤسّسة الدليل

مؤسسة الدليل

للدراسات والبحوث العقدية

Al-Daleel Foundation

for Doctrinal Studies

http://aldaleel-inst.com www.facebook.com/aldaleel.inst

ص: 4

كلمة المؤسّسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين أبي

القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وبعد.

تعد المنظومة الفكريِّة العقديّة من أهمّ دعائم شخصيّة الإنسان وتميّزه البشري؛

فهي التي تحدّد نظرته العامة للكون وعلاقته به، ولها تأثيرٌ مباشرٌ على مساره السلوكيّ وطبيعة تعاطيه مع محيطه ونمط الحياة الّتي يعيشها، لهذا على صعيد الفرد، وأمّا على صعيد المجتمع فإنّ المنظومة الفكريّة العقديّة تنعكس على مجمل العلاقات بين أفراد المجتمع، كما أنّها تحدّد نوع النظم السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي تحكم تلك العلاقات.

وعلى هذا فالمنظومة الفكريّة والعقديّة تتحكم بمصير الإنسان،

ص: 5

فإمّا أن تصنع له سعادةً واستقرارًا وحياةً كريمةً، وإمّا أن تغرقه في شقاءٍ وفوضى وإذلالٍ.

فينبغي للإنسان أن يعتني بعقيدته، ويأخذها من المصادر المعتمدة فيها، وأن يطمئنّ لسلامتها من الانحراف والتشويه، وأن يبادر لمعالجة ما قد يشوبها بسبب الشبهات.

فاليوم وفي ظلّ الظروف الراهنة الّتي يعيشها العالم الإسلاميّ بشكلٍ عامًّ، وبلدنا العراق بشكلٍ خاصًّ، ندرك أنّ هناك تهديدًا كبيرًا للفكر والعقيدة الإسلامية الحقة ومن دوائر مختلفةٍ، ونستشعر حاجة مجتمعنا الماسة والملحّة لبيان معالم العقيدة الصحيحة، ورفع الشبهات التي ألبست على بعض الناس عقائدهم.

من هنا جاء مشروع مؤسّسة الدليل للبحوث والدراسات العقديّة التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة؛ تلبية لهذه الحاجة، وليحمل على عاتقه مسؤوليّة التصدّي لدفع الشبهات والتأكيد على العقائد الحقة بالوسائل والإمكانيّات المتاحة؛ وذلك للمساهمة في سدّ الفراغ الفكري العقد الّذي يعاني منه المجتمع.

ومن أبرز تلك الوسائل المعتمدة في مشروعنا أسلوب البحث وفق

ص: 6

رؤيةٍ علميّةٍ موضوعيّةٍ، وبخطابٍ سلسٍ شيّقٍ يتناغم مع أغلب شرائح المجتمع، فکان قرار المجلس العلمي الموقّر في المؤسّسة إطلاق مشروع سلسلة الكراريس العقديّة، وهي مؤلّفاتٌ موجزةٌ في شكلها وحجمها، كبيرةٌ في مضمونها وأهدافها؛ لمعالجة موضوعاتٍ محددةٍ وحسب الحاجة الفعليّة.

وبما أننا نعيش في أيّام الغيبة الكبرى لولي الله الأعظم وخاتم أوصياء نبيّه، وما نلاحظه من وقوع عقيدة المنجي العالمي بين الإفراط والتفريط، بين الإنكار والادّعاء؛ رجح القائمون على المؤسّسة إصدار كرّاسةٍ تبرز نظرة الديانات السماويّة لها؛ لبيان أهميتها وثباتها؛ ما يبعث الإنسان على الاحتياط والجد في التعامل معها، وأن لا يستعجل في اتخاذ الموقف منها؛ فلا يكونمن المنکرین ولا يسعى وراء المدعين، بل يتّخذ طريقاً يبساً في البحر لا يخاف درکاً ولا يخشى، وقد تجشم عناء إعداد هذه الكراسة عضو المجلس العلمي في المؤسّسة الأستاذ الدكتور علي شيخ، وكان تحت عنوان:

(المصلح العالميّ في الأديان السماويّة).

ولا يفوت المؤسّسة أن تتوجّه بالشكر الجزيل للأستاذ الباحث؛

ص: 7

لما بذله من جهدٍ قيّمٍ في كتابة هذا البحث، ونرجو له التوفيق والسداد.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمدٍ وآله الطيّبين

الطاهرين.

ص: 8

تمهيدٌ

أولاً: المصلح العالمي في الإسلام

اشارة

عقيدة المنجي العالميّ أو المنتظر ليست عقيدةً دينيّةً وحسب، بل هي أملٌ منشودٌ لكلّ البشريّة، بغضّ النظر عن الانتماء الدينيّ أو المذهبيّ. ويمكن القول إنّ هذه العقيدة فطريّةٌ تتطلّع إليها نفوس كلّ الصالحين في البشريّة بغضّ النظر عن الانتماء الدينيّ أو المذهبيّ، يقول الشهيد محمد باقر الصدر بهذا الخصوص: «ليس المهديّ تجسيداً لعقيدةٍ إسلاميّةٍ ذات طابع دينيًّ فحسب، بل هو عنوانٌ الطموحٍ اتجهت إليه البشريّة بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغةٌ الإلهام ٍفطريًّ، أدرك الناس من خلاله - على الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب - أنّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناءٍ طويلٍ، بل لم يقتصر

الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينیّاً بالغيب، بل امتدّ إلى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشدّ الإيديولوجيّات والاتّجاهات

ص: 9

العقائديّة رفضاً للغيب والغيبيات»(1).

وأيضاً تعدّ عقيدة انتظار المنجي والمصلح العالميّ في آخر الزمان، من العقائد المهمة المشتركة بين الأديان السماوية (اليهوديّة - المسيحيّة - الإسلام)؛ فالمشتركات بين هذه الأديان التوحيديّة كثيرةً كالإيمان بالله والمعاد والنبوّة وعقيدة ظهور المنجي العالميّ الذي سيقوم عند ظهوره ومجيئه بنشر التوحيد والمحبّة والعدل والرحمة في أرجاء المعمورة، ويطهّرها من براثن الشرك والكفر والظلم والطغيان.

لذا يتّضح جلياً أنّ عقيدة مجيء هذا المصلح العالمي، وقضيّة وقوع هذا التغيير من الظلم إلى العدل والقسط، ومن الفساد إلى الإصلاح الّذي يشمل كلّ المعمورة، ليس معتقداً مختصاً بالشيعة الإماميّة الاثني عشريّة كما يروّج له بعض المغرضين الجاهلين بتعاليم الإسلام الأصيلة، بل ولا يختصّ بالدين الإسلامي فقط، بل هو اعتقادٌ عميقٌ وراسخٌ لدى كلّ الأديان بصورةٍ عامةٍ والتوحيديّة

ص: 10


1- محمد باقر الصدر، بحث حول المهدي، المقدمة، ص 6.

منها بصورةٍ خاصّةٍ.

لكن مع أنّ هذه العقيدة يتّفق عليها أصحاب الديانات التوحيديّة الثلاث، غير أنّ هناك اختلافاً في تفاصيل هذه العقيدة وجزئيّاتها من دينٍ لآخر، فكل دينٍ من هذه الأديان - وإن كانت شخصيّة المنجي موضع اختلافٍ بينهم - يذكر علاماتٍ وأماراتٍ لمنجيء هذا المنجي، وما سيفعله أثناء مجيئه، ويذكر كيفيّة محاربته للظالمين وتحقيقه رجاء وأتباع ذلك الدين أملهم.

من هنا ارتأت مؤسسة الدليل التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة

تقديم نظرة سريعةٍ عن هذا العقيدة المهمّة والحيويّة والأساسية في هذه الأديان السماويّة، وتوضيح حقيقة كونها عقيدةً سماويّةً نطق بها الأنبياء عليهم السلام على مر التاريخ، وهنا في هذا البحث المختصر سنشير الى أهم ما يرتبط بهذه العقيدة من وجهة هذه الأديان، والله من وراء القصد. يعتقد المسلمون جميعاً بالمصلح العالمي الّذي سيظهر في آخر الزمان، وهو الإمام المهدي عند المسلمين كافّةً، سيّما الشيعة

ص: 11

الأماميّة الاثني عشريّة، ولنا على هذا الاعتقاد عدّة أدلّةٍ من القرآن الكريم والسنّة الشريفة:

القرآن الكريم

هناك آياتٌ كثيرةٌ من القرآن الكريم تشير إلى هذه العقيدة

الإسلامية الأصيلة النابعة من تعاليمه السمحاء، ومنها:

قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(1).

هذه الآية من جملة الآيات القرآنيّة المفسّرة بزمان ظهور الإمام الحجة علیه السلام، فقد وعد الله - سبحانه وتعالى - فيها المؤمنين الصالحين من هذه الأمّة بأن يجعلهم المستخلفين لمن كان قبلهم، أي يجعلهم بدل الذين كانوا من قبل في هذه الأرض، والله - تعالى - يورث المؤمنين الأرض، ليحكموا فيها بدين الله، بعد إعطائهم القدرة والسلطة وتوفير الإمكانيّات، ويجعل الله خوفهم أمنّا، فلا

ص: 12


1- سورة النور: 55.

يخافون أحداً إلاّ الله، ويعبدون الله دون تقيّةٍ أو مجاراةٍ لأحد، ويتجاهرون بالحقّ الّذي سوف يسيطر على أرجاء المعمورة، وهذا ما سيكون عليه الأمر في زمن ظهور المصلح العالمي، يقول صاحب تفسير (الأمثل): «يبدو من مجمل هذه الآية أنّ الله يبشر مجموعةً من المسلمين الذين يتصفون بالإيمان والعمل الصالح بثلاث بشائر:

1- استخلافهم وحكومتهم في الأرض.

2- نشر تعالیم الحق في كل مكانٍ.

3- انعدام كل عوامل الخوف والإضطراب.

إن الآية فيها إشارةٌ إلى حكومة المهديّ الّذي يخضع له الشرق والغرب في العالم، ويجري حكم الحق في عهده في كلّ أرجاء العالم، ويزول الاضطراب والخوف والحرب والظلم وتتحقّق للبشرية عبادة الله النقيّة من كل أنواع الشرك. إنّ حكومة المهديّ مصداقٌ لها؛ إذ يتفق المسلمون كافةً من شيعةٍ وسنّةٍ على أنّ المهدي علیه السّلام يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُلئت جوراً

ص: 13

وظلماً»(1).

وقد ذكر هذا المعنى العلّامة الطباطبائي في تفسيره حيث يقول:

«فالحقّ أنّ الآية إن أعطيت حقّ معناها لم تنطبق إلاّ على المجتمع

الموعود الّذي سينعقد بظهور المهديّ علیه السلام»(2).

وفي التفسير الروائيّ عن الإمام عليًّ السجّاد في تفسير هذه الآية يقول: «هم شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يد رجلٍ منّا وهو مهديّ هذه الأمّة، وهو الّذي قال رسول الله: «لولم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ لطول الله ذلك اليوم حتّى يلي رجلٌ من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(3).

قال تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ

ص: 14


1- ناصر مکارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 11، ص 148.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 15، ص 70.
3- الطبرسي،الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 7، ص 152.

وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(1)، فالآية فيها بشارة انتصار الحقّ على الباطل والإيمان على الكفر، وهي بشارةٌ لكلّ الأحرار الذين يريدون العدالة وحكومة العدل، وانطواء بساط الظلم والجور.

وزوال حكومة الفراعنة ما هي إلا نموذجٌ لتحقق هذه المشيئة

الإلهيّة، والمثل الأكمل هو حكومة نبي الإسلام وبعض أصحابه بعد ظهور الأسلام، كحكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والمثل الأكبر والأوسع هو ظهور حكومة الحق والعدالة على الأرض على يد المصلح العالمي في آخر الزمان(2).

ونقرأ عن أهل البيت في تفسير هذه الآية أنّها إشارةٌ إلى هذا الظهور المبارك، فقد ورد عن أمير المؤمنين قوله: «لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها»، وتلا عقيب

ص: 15


1- سورة القصص: 5.
2- ناصر مکارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 12، ص175.

ذلك: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ»(1).

ويمكن القول إنّ حكومة المهدي العالميّة في آخر الأمر لا تمنع من وجود حكوماتٍ دينيّةٍ في معايير محدودةٍ قبلها قادتها هم المستضعفون. ومتى ما تمّت الظروف والشروط لمثل هذه الحكومات الإسلامية، فإنّ وعد الله المحتوم والمشيئة الإلهيّة سيتحقّقان في شأنها، ولا بّد أن يكون النصر حليفها بإذن الله، ولكن حكومة الإمام في آخر الزمان ستكون هي الأكمل على مرّ التاريخ وفق المعطيات والنصوص الإسلامية.

وهناك آياتٌ أخرى استدل بها أئمّتنا على ظهور المهدي المصلح العالمي في آخر الزمان، يقول الشهيد مطهري بعد ذكره لهذه الآيات وغيرها ما نصه: «هذه الآيات تشير الى أنّ ظهور المهدي حلقةٌ من حلقات النضال بين أهل الحق وأهل الباطل،

ص: 16


1- السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، الحكمة 206؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 24، ص 170.

وأنّ هذا النضال سيسفر عن انتصار قوی الحقّ»(1).

السنّة الشريفة

هناك أحاديث كثيرةٌ عن طرق الفريقين عن النبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله

أشارت بشكلٍ صريحٍ إلى هذه العقيدة الإسلامية، ومنها:

الأحاديث في التراث الإمامي

المرويّات عن النبيّ الأكرم وأهل بيته الطاهرين في التراث الشيعي کثيرةٌ، منها:

قال النبي الأكرم: «إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي، الاثنا عشر: أوّلهم: أخي، وآخرهم ولدي. قيل: یا رسول الله ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالبٍ. قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

والّذي بعثني بالحق بشيراً، لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحدٌ لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عیسی ابن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ

ص: 17


1- الشهيد مطهري، نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ، ص 50.

سلطانه المشرق والمغرب»(1).

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ: «التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، المظهر للدين، والباسط للعدل.

قال الحسين علیه السلام: فقلت له: يا أمير المؤمنين، وإنّ ذلك لكائنٌ؟ فقال: إي والّذي بعث محمّداً عود بالنبوّة، واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غيبةٍ وحيرةٍ، فلا يثبت فيها إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الّذين أخذ الله - عزّ وجلّ - ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيّدهم بروحٍ منه»(2).

وورد عن الإمام الحسن المجتبى أنّه قال: «أما علمتم أنّه ما منّا أحدٌ إلا ويقع في عُنُقه بيعةٌ لطاغية زمانه؟ إلا القائم الّذي يصلّي روح الله عیسی ابن مريم خلفه، فإنّ الله - عزّ وجلّ - يخفي ولادته ويغيّب شخصه؛ لئلا يكون لأحدٍ في عنقه بيعةٌ إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره

ص: 18


1- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين، ج 1، ص 280.
2- الطبرسي، إعلام الوری، ج 2، ص 229؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 110.

في غيبته، ثمّ يُظهره بقدرته في صورة شابًّ دون الأربعين سنةً، وذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ»(1).

وقد ورد عن الإمام الحسين الشهيد أنّه قال: «منّا اثنا عشر مهدیّاً، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائمّ بالحقّ، يحي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دین الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبةٌ يرتدّ فيها أقوامٌ ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: «مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»؟ أما أنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله»(2).

وجاء عن الإمام عليًّ السجاد قوله: «ومنّا رسول الله، ووصيّه وسیّد الشهداء، وجعفرٌ الطيّار في الجنّة، وسبطا هذه الأمّة والمهدي الّذي يقتل الدجّال»(3).

وقال الإمام محمّدٌ الباقر: «يأتي على الناس زمان يغيب

ص: 19


1- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين، ج 1، ص 315.
2- المصدر السابق، ج 1، ص 317.
3- لطف الله الصافي، منتخب الأثر، ص 226.

عنهم إمامهم، فيا طوبي للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول:

عبادي وإمائي، آمنتم بسرّي وصدقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منكم أتقبّل»(1).

وجاء في الحديث عن الإمام جعفرٍ الصادق علیه السلام: «إذا ظهر صاحبنا - يعني الإمام المهديّ - وهو من صلب هذا - وأومأ بيده إلى موسی بن جعفرٍ - فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وتصفر له الدنيا»(2).

وورد عن الإمام موسى الكاظم قوله: «القائم الّذي يطهّر الأرض من أعداء الله عزّ وجلّ، ويملؤها عدلاً كما مُلِئت جوراً وظلماً؛ هو الخامس من ولدي، له غيبةٌ يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوامٌ ويثبت فيها آخرون»(3).

وقال الإمام عليٌّ الرضا: «الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء،

ص: 20


1- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين، ج1، ص330.
2- الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، ص 42.
3- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين، ج 2، ص 367.

يطهّر الله به الأرض من كلّ جوړٍ ويقدّسها من كلّ ظالمٍ، وهو الّذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربّها، ووضع الميزان بالعدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً. وهو الّذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظلٌّ»(1).

وجاء عن الامام الجواد عليه السلام قوله:" «إنّ القائم منّا هو المهدي الّذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، هو الثالث من ولدي. والّذي بعث محمّداً بالنبوّة وخصّنا بالإمامة، إنّه لو لم يبق في الدنيا إلا يومٌ واحدٌ لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً»(2).

وورد عن الإمام الهادي قوله: «الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(3).

وقال: «الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف بکم بالخلف بعد الخلف؟! قيل: ولم جعلنا فداك؟ قال: لأنّكم لا

ص: 21


1- المصدر السابق، ج 2، ص 371.
2- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين، ج 2، ص 377.
3- لطف الله الصافي، منتخب الأثر، ص 225.

ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكر اسمه. فقيل له: كيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل محمدٍ»(1).

وأخيراً جاء في الحديث الشريف عن الإمام الحسن العسكريّ السلام أنّه قال: «ابني محمّدٌ هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات میتةً جاهليّةً. أما إنّ له غيبةً يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيه المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثمّ يخرج فكأنّي أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة»(2).

وقال: «إنّي والله سيكون لي ولدٌ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً»(3).

الأحاديث في التراث السنّيّ

إنّ الإيمان بظهور الإمام المهديّ بوصفه المصلح العالميّ في آخر الزمان إيمانٌ أصيلٌ في الإسلام، حتّى أنّ بعض علماء الفرق الإسلاميّة من غير الشيعة يعدّونه ضرورةً من ضروریّات دین

ص: 22


1- الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، ص 22.
2- الصدوق، محمد بنعلي بن الحسين، كمال الدين، ج 2، ص 409.
3- الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، ص 123.

الإسلام المبين، وإنّ منکره خارجٌ عن هذا الدين.

هذا مضافاً إلى تصريح العلماء بأنّ الأحاديث المتعلّقة بالإمام المهديّ مشهورةٌ أو متواترةٌ، وهنا أذكر باختصارٍ بعض من قال بالتواتر، وكما يلي:

نقل القرطبيّ عن محمّد بن الحسين الآبريّ الشافعيّ (ت 363 ه-) أنّه قال في كتابه

(مناقب الشافعيّ): «قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بمجيء المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض عدلاً، وأنّه يخرج مع عیسی کلام فيساعده على قتل الدجال»(1)، وأيّده بتصحيح ما أورده من أحاديث المهدي فقال: «والأحاديث عن النبيّ في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة، ثابتةٌ»(2).

أمّا ابن حجرٍ العسقلاني (ت 852 ھ) فقد نقل القول بالتواتر عن غيره، وأيّده بقوله: «وفي صلاة عيسى خلف رجلٍ من هذه

ص: 23


1- نقله عنه: القرطبي، التذكرة، ص 701.
2- المصدر السابق.

الأمّة - مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة - دلالةٌ للصحیح

من الأقوال: إنّ الأرض لا تخلو من قائمٍ لله بحجةٍ»(1).

لهذا صرّح بعضهم في معرض إجابته عن أحاديث المهديّ وحكم إنکار خروجه عند السنّة بالقول: «إنّ منكري أحاديث المهديّ طوائف مختلفةٌ، وأسباب إنكارهم لها مختلفةٌ، وهم مخطئون في ذلك ولا شكّ، ولا شكّ أنّ من فرق المسلمين من ادّعوا عدم الاحتجاج بأخبار الآحاد مطلقاً، ومن هؤلاء المعتزلة قديماً، وبعض أدعياء العقلانيّة أو القرآنية حديثاً، وهؤلاء كلّهم سيردّون أحاديث المهدي لهذا البناء الفاسد الّذي لديهم، على أنّ من العلماء مَن وصف أحاديث المهديّ بالتواتر، لكنّ المهمّ أنّ أحاديث المهدي منها ما هو ثابتٌ، واعتقاد ظهوره ممّا أجمع عليه عامّة أهل السنّة والجماعة، والله أعلم»(2).

ص: 24


1- ابن حجرٍ العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 6، ص 385.
2- انظر: الموقع الرسمي لملتقى أهل الحديث، السؤال هو: حكم إنکار خروج المهدي لضعف أحاديثه؟ المجيب الدكتور شريف بن حاتم بن عارف العونيّ عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى: وقد ذكر محمد علي دخيل في كتابه (الإمام المهدي عليم) اسم 205 کتابٍ لكبار علماء السنّة، 30 نفراً منهم أفردوا کتباً مستقلةً حول الإمام المهدي و 31 نفراً منهم وضعوا في كتبهم فصولاً حول الإمام المهدي، و 144 نفراً الباقين أوردوا في كتبهم رواياتٍ حول الإمام المهدي علم بنسبٍ متفاوتةٍ.

كما عقد أبو داود في سننه كتاباً أفرد فيه روايات المهدي، وأورد فيه ثلاثة عشر حديثاً، صدّرها بحديث جابر بن سمرة قال: «سمعت رسول الله يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتّى يكون عليكم اثنا عشر خلیفة»(1).

وقال ابن تيمية في التعليق على الحديث الّذي رواه ابن عمر عن النبيّ:«يخرج في آخر الزمان رجلٌ من ولدي اسمه كاسمي، وكنيته کنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وذلك هو المهديّ»، فقال ابن تيمية: «إنّ الأحاديث الّتي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحةٌ، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعودٍ وغيره»(2).

ص: 25


1- أبو داود، سنن أبي داود، ج 4، ص 106.
2- ابن تيمية، منهاج السنّة النبويّة، ج 4، ص 211.

وقال الشيخ صدّيق القنوجي البخاريّ ما لفظه: «منها - أي من الأمور الّتي تعقبها الساعة -المهديّ الموعود المنتظر الفاطميّ، وهو أوّلها والأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرةٌ جدّاً، تبلغ حد التواتر»(1).

وأضاف أيضاً في معرض اعتراضه على ما قاله ابن خلدون في التشكيك في ذلك: «فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطميّ الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلّة، بل إنكار ذلك جرأةٌ عظيمةٌ في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حدّ التواتر»(2).

أمّا المرويّات عن طريق أهل السنّة والجماعة فهي كثيرةٌ، نقتصر۔

على حديثين منها:

الأوّل ما رواه البخاريّ في باب نزول عيسى - ابن مريم عن أبي هريرة، قال: «قال رسول الله: كيف أنتم إذا نزل ابن مریم فیکم وإمامکم منکم؟»(3).

ص: 26


1- القنوجيّ البخاري، الإذاعة، ص 112.
2- المصدر السابق، ص 146.
3- لبخاريّ، صحيح البخاريّ، ج 4، ص 205.

والثاني أيضاً ما جاء على لسان رسول الله حيث قال: «أبشروا بالمهدي! رجلٌ من قريشٍ من عترتي، يخرج في اختلافٍ من الناس وزلزالٍ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويقسّم المال صحاحاً بالسويّة، ويملأ قلوب أمّة محمدٍ غنًى، ويسعهم عدله، حتى إنّه يأمر منادياً فينادي: من له حاجةٌ إليّ؟ فما يأتيه أحدٌ إلاّ رجلٌ واحدٌ يأتيه فيسأله، فيقول: إئت السادن حتّى يعطيك، فيأتيه فيقول: أنا رسول المهديّ إليك لتعطيني مالاً، فيقول: احث، فيحثي ولا يستطيع أن يحمله، فيلقي حتّى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج به فيندم فيقول: أنا كنت أجشع أمّة محمّدٍ نفساً، كلّهم دعي إلى هذا المال فتركه غيري، فيردّ عليه فيقول: إنا لا نقبل شيئاً أعطيناه، فيلبث في ذلك ستاً أو سبعاً أو ثمانياً أو تسع سنين ولا خير في الحياة بعده»(1).

لهذا فلا يبقى أدنى شكٌّ من أنّ عقيدة المصلح العالميّ وخروج الإمام المهديّ علیه السلام في آخر الزمان هي عقيدةٌ إسلاميّةٌ خالصةٌ، وهي

ص: 27


1- المتّقي الهنديّ، کنز العمال، ج 14، ص 261 و262.

مطابقةٌ لما يعتقد به أتباع مذهب الحقّ مذهب أهل بيت العصمة والطهارة.

ثانياً: الموعود في اليهودية

أتباع الديانة اليهوديّة هم أيضاً يعتقدون بأنّ مجيء المصلح العالميّ في آخر الزمان عقیدةٌ توراتيّةٌ صحيحةٌ، والمصلح الموعود يسمونه «المسيّا» أو المسيح، أو "ماشيح"، ومعناها الأساسي باللغة العبريّة يشير إلى من تمّ مسحه بالزيت دلالةً على جعله کاهناً أو ملکاً، وقد شاع استخدام هذا الاصطلاح في كتاب العهد القديم (التوراة)، للتعبير عن مسح الكهنة، فكلمة "مسیح" في العهد القديم تعني الممسوح "بالدهن المقدّس" بالإضافة إلى مسح الأنبياء والملوك والأمراء(1).

والمسيح المنتظر في آخر الزمان ينتظرونه لتحقيق حلمهم في إعادة

مجد مملكتهم، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، ويتمسّكون ببعض نبوءات العهد القديم، والمسيح الّذي ينتظره اليهود سيكون قائداً سیاسيّاً عظيماً من نسل داود، وسيكون عليماً بالشريعة اليهوديّة

ص: 28


1- انظر: مجموعة من المؤلفين، قاموس الكتاب المقدّس، تحت لفظة المسيح.

وممارساً لها؛ لذا اقترن انتظار المسيح عند اليهود بترقّب عموم الخير، حيث سينقلب حالهم إلى أحسن حالٍ عند قدومه. وسيحقّق لهم المسيح كلّ أمانيهم، وسيعيد بناء الهيكل ويقضي بالشريعة اليهوديّة، وممّا لا شكّ فيه أنّ فكرة "المسيح المخلّص" جعلت الحركة الصهيونيّة تدعو لإقامة وطنٍ قوميًّ لليهود في فلسطين؛ من أجل تمهيد الطريق أمام قدوم المسيح، ومن هنا تحوّل مفهوم الخلاص من مفهومٍ دينيًّ إلى مفهومٍ سياسيًّ(1).

ومن أهم النبوءات عن مجيء المنجي اليهودي (المسيح) النبوءة المذكورة في سفر إشعيا النبيّ، فهناك نصوصٌ في هذا الكتاب تصور مشاهد الخلاص بألفاظٍ و مضامین قريبةٍ لما هو مذكور في السنّة الشريفة، فهو يتحدّث عن مقدّمات الظهور، وعلاماته، وعن حياة العالم فيما بعد الظهور حيث يقول:

«وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى(2)، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ*

ص: 29


1- المصدر السابق.
2- يَسی هو والد داود النبي حسب ما هو مذكورٌ في التوراة، والقضيب سيكون من نسل ابن داود، وهو المنجي والمنقذ المرتقب الّذي سيأتي بالخلاص لشعب إسرائيل في آخر الأيام حسب تفسيرهم. [ظ: قاموس الكتاب المقدّس، مادة (يسي)]

وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ * وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ * بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ * وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ * وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا * وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا * وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ (1)* لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ»(2).

فهذا النصّ واضحٌ في ظهور المنجي، وتطلبه الأمم لبسط العدل

ص: 30


1- الأفعوان: ذكر الأفعي، وهو الحية الخبيثة السامة.
2- الكتاب المقدّس، العهد القديم، سفر إشعيا النبيّ، 11: 9.

فيها.

وجاء ذكر المصلح العالمي في المزامير المنسوبة للنبيّ داود في أسفار العهد القديم، حيث يقول فيها: «اللهُمَّ، أعطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ، وَبِرَّكَ لابْنِ الْمَلِكِ (1)* يَدِينُ شَعْبَكَ بِالْعَدْلِ، وَمَسَاكِينَكَ بِالْحَقِّ * تَحْمِلُ الْجِبَالُ سَلاَمًا لِلشَّعْبِ، وَالآكَامُ بِالْبِرِّ * يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ، وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ... يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ الصِّدِّيقُ، وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ... وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ * لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ * يُشْفِقُ عَلَى الْمِسْكِينِ وَالْبَائِسِ، وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ * مِنَ الظُّلْمِ وَالْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ، وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ * وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا. وَيُصَلِّي لأَجْلِهِ دَائِمًا. الْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ * كُونُ حُفْنَةُ بُرّ فِي الأَرْضِ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ. تَتَمَايَلُ مِثْلَ

ص: 31


1- المزمور والدعاء هو للنبي سليمان، وسليمان هو الملك وهو ابن الملك. وقوله: «أَعطِ أَحكَامَکَ» يعني أعطه حكمةً ليقود شعبك ويحكم بالعدل، ولكن يتم تأويله على المنجي في آخر الزمان. [ظ: شرح الكتاب المقدس، العهد القديم، القس أنطونيوس فكري]

لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا، وَيُزْهِرُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ الأَرْضِ * يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ، وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ»(1).

وقوله في النصّ: «وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ * لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ » يدل على أنّه سیملك الأرض كلها، والشعوب جميعها ستتّبع شریعته.

ويشير سفر المزامير المنسوب للنبي داود أيضاً إلى أنّ الأرض سيرثها العباد الصالحون، حيث يقول: «لأَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الْحَقَّ، وَلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ. إِلَى الأَبَدِ يُحْفَظُونَ. أَمَّا نَسْلُ الأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ * الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ»(2).، وهذا الدعاء لداود

النبيّ، وقوله: «الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ» إشارةٌ إلى أنّ داود النبيّ أراد أن يُجيب على السؤال المحيّر في كلّ العصور، وهو لماذا ينجح الأشرار ويتألم الأبرار؟ هذا السؤال يُحيّر الكثيرين، وفيه

ص: 32


1- الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر المزامير، 72: 17.
2- الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر المزامير، 28:37.

بشارةٌ للأمجاد الأبديّة المعدّة للمتألّمين ظلماً في آخر الزمان(1).

ومن خلال هذه النصوص وغيرها ترسّخت عقيدة المنتظر والمنجي عند علماء اليهود، وأقرّ بهذا واحدٌ من أكبر علمائهم وهو موسی بن میمونٍ (1135 - 1204 م) الّذي وضع ما يُعرَف بالأصول الثلاثة عشر لليهوديّة، وهي أهمّ محاولةٍ لتحديد عقائد الدين اليهوديّ، فيقول في الأصل (12) من هذه الأصول ما نصّه: «أنا أؤمن إيماناً كاملاً بمجيء الماشيح (المسيح)، ومهما تأخّر على اليهوديّ انتظاره كلّ يومٍ»(2).

ثالثاً: الموعود في النصرانيّة

الرجاء المبارك أو عقيدة المجيء الثاني في المسيحيّة قريبةٌ من عقيدة انتظار المصلح العالميّ في آخر الزمان في الإسلام واليهوديّة، وتعني ترقّب ظهور مصلحٍ عالميّ في آخر الزمان يقود الشعوب والأمم

ص: 33


1- القمص تادرس يعقوب، تفسير الكتاب المقدس، العهد القديم، تفسير سفر المزامير، المزمور 37.
2- ابن میمونٍ، مقدّمة ابن میمونٍ لكتاب السنهدرین، کتاب السراج.

نحو الإيمان والصلاح والعدل، ويطهّرها من براثن الشرك والظلم والعبثيّة والفساد، وينشر المحبّة والسلام في أرجاء المعمورة، فيصرّحون كما جاء في قاموس الكتاب المقدس بأنّ: «تاريخ العالم سينتهي بمجيئه الثاني - أي المسيح - في مجدٍ وجلالٍ ليعلن قوّته وسلطانه فوق كل قوّات الظلمة»(1).

والمسيحيّون ينتظرون بشوقٍ كبيرٍ المجيء الثاني للمسیح، الّذي تناقلت أخبارَه أسفارُ العهد الجديد، وسيكون بعد مجيئه الحساب والقيامة، ويستدلّ النصاری بنصوصٍ كثيرةٍ من أسفار العهد الجديد، ولهم آراءٌ ونظرياتٌ وفقاً للتفاسير المختلفة بين علماء الكتاب المقدّس حول تلك النصوص، ولكنّهم متّفقون على حتميّة مجيئه، ومن تلك النصوص:

1- تحدّث سفر أعمال الرسل عن كيفيّة صعود المسيح إلى السماء، وذكر البشارة بمجيئه ثانيةً في آخر الزمان، يقول كاتب السفر: «وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ

ص: 34


1- مجموعةٌ من المؤلّفين، قاموس الكتاب المقدّس، ص 869.

أَعْيُنِهِمْ * وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ * وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ»(1). ويعتقد بعض المفسّرين للكتاب المقدّس أنّ المسيح سيأتي بجسده الذي صعد به(2).

2- ويتحدّث المسيح عن مجيئه أيضاً مع تلاميذه وحواريّيه في إنجيل متّى حيث يقول: «وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ * فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ

ص: 35


1- الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر أعمال الرسل، 9:1 -11.
2- القس أنطونيوس فكري، شرح الكتاب المقدس ، العهد الجديد، سفر اعمال الرسل.

كَثِيرِينَ»(1).، «وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ»(2)، فالظاهر من هذا النصّ أنّ تلاميذ المسيح وحواريّيه كانوا يعلمون أن المسيح سيُرفَع إلى السماء، وسيأتي ثانيةً قبل يوم القيامة، وأمّا كيفيّة مجيئه فيقول بعض المفسرين: «سيرى البشر المسيح بأعينهم الجسديّة قادماً في شكلٍ جسديًّ في سحاب السماء، أي قادماً من السماء... هكذا يأتي مرّةً أخرى... جالساً لا على سحابةٍ بل على سحابٍ كثيرٍ كأنّه مركبةٌ له»(3).

3- يذكر مرقس في إنجيله حول المجيء الثاني للمسيح في حواره مع تلاميذه، وهو قريبٌ ممّا نقله متّى في إنجيله، فيقول نقلاً عن

ص: 36


1- الكتاب المقدّس، العهد الجديد، إنجيل متّى،3:24 - 6.
2- الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل متى، 24: 30.
3- القمص تادرس يعقوب ملطي، شرح الكتاب المقدّس، العهد الجديد، تفسير إنجيل متّى.

عیسی علیه السلام: «وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ * وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ * وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ»(1).

وقد جاء في تفسير إنجيل مرقس ما نصه: «في أعظم الضيق، عندما يزداد الشرّ ويصل إلى ذروته، يقترب المسيح من العالم، وتراه كل عينٍ، وكما ارتفع سابقاً من الأرض سيرجع مکشوفاً لكلّ أعين البشر، فهو سيرجع بذات الطريقة الشخصيّة الّتي فارقهم بها، أي أكثر من مجرّد رجوعٍ روحيًّ»(2).

وهذا النصّ قريبٌ ممّا ورد في الروايات الإسلاميّة أيضاً حقيقة مجيء المسيح بعد ظهور الإمام المهدي، ومنها ماورد عن النبي حيث قال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم

ص: 37


1- الكتاب المقدّس، العهد الجديد، إنجيل مرقس، 13 :24 - 26.
2- القمص تادرس يعقوب ملطي، شرح الكتاب المقدس، العهد الجديد، تفسير إنجيل مرقس.

منکم»(1)، وأيضاً يصف النبيّ نزول عیسی بقوله: «فبينما هو كذلك، إذ هبط عیسی ابن مريم بشرقيّ دمشق، عند المنارة البيضاء، بين مهرودتين (أي غيمتين ملوّنتين) واضِعاً کَفَّیهِ؛ على أَجنِحَةِ ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمالٌ كاللؤلؤ، فيطلب الدجال فيدركه بباب لِدّ فيقتله»(2).

ومن الأمور الّتي أكّد عليها المسيح مراراً أنّ هذا الظهور والمجيء الثاني سيكون مفاجئاً وزمانه غير معلومٍ، فعندما سأله التلاميذ (الحواريّون) عن تأريخ مجيئه، قال المسيح: «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ * اُنْظُرُوا، اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ * كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ * اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ

ص: 38


1- البخاري، صحيح البخاري، ج 4، ص 205.
2- مسلم النيسابوري، صحیح مسلم، الحديث 2937.

صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا * لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا * وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا»(1).

فالمسيح لم يعط لتلاميذه تاريخاً محدّداً لمجيئه، بل أمرهم أن يكونوا على استعدادٍ دائمٍ لهذا المجيء.

ولكن تبقى من أهمّ العلامات الّتي يعتقد بها النصارى، والّتي تسبق المجيء الثاني للمسيح علیه السلام ؛ معركةٌ مهمةٌ ومصيريةٌ يطلق عليها في الكتاب المقدس معركة (هرمجدون)، وقد أشار سفر رؤيا يوحنّا إلى هذه المعركة، بقوله: «وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ الْهَيْكَلِ قَائِلًا لِلسَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ: «امْضُوا وَاسْكُبُوا جَامَاتِ غَضَبِ اللهِ عَلَى الأَرْضِ»(2)، «ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ جَامَهُ عَلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ الْفُرَاتِ، فَنَشِفَ مَاؤُهُ لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ * وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ * فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ

ص: 39


1- الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل مرقس، 13: 32 – 37.
2- الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنّا اللاهوتي، 16: 1.

ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»(1)، «فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ (هَرْمَجَدُّونَ)»(2).

ويعتقد النصارى أنّ هذه المعركة المصيريّة تجري بين معسكر الخير ومعسكر الشرّ، وهذه المعركة تدور رحاها على أرض فلسطين وبالتحديد في هرمجدون.

وهرمجدّون كلمةٌ عبريةٌ مكونةٌ من مقطعين أو لفظين (هَر) ومعناه تل أو جبل، و(مجدّو) وهو اسم وادٍ أو سهلٍ صغيرٍ يقع شمال فلسطين(3)، وقال بعضهم: «هرمجدّون تلٌّ في فلسطين يشرف على وادي يزرعيل المشهور في التاريخ بموقعه الاستراتيجي الحربي، وقيل إنّ هرمجدّون تبعد 20 ميلاً جنوب شرق حيفا»(4).

وقد تمّ تأليف كتبٍ كثيرةٍ حول هذه المعركة العظيمة وأحداثها،

ص: 40


1- الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحتا اللاهوتي، 16: 12 - 14.
2- الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، 16: 16.
3- عبد الوهاب عبد السلام طويلة، المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص 265.
4- سعید أيوب، عقيدة المسيح الدجال في الأديان: ص 218.

واتّفقت المصادر المسيحيّة على عنف هذه المعركة، وأنّها لا مثيل لها في التاريخ، ويطلق عليها سفر الرؤيا: «وليمة الله الكبرى»! تقول الكاتبة الأمريكيّة هاليسل في كتابها (النبوءة والسياسة): «إنّنا نحن المسيحيون نؤمن أنّ تاريخ الإنسانيّة سوف ينتهي بمعركةٍ تدعى هرمجدّون، وأنّ هذه المعركة سوف تتوّج بعودة المسيح... واقتناعاً منّا بأنّ هرمجدّون نوويّةٌ لا مفرّ منها، بموجب خطةٍ إلهيةٍ، فإنّ العديد من الإنجيليين المؤمنين بالتدبيريّة، ألزموا أنفسهم سلوك طريقٍ مع إسرائيل، يؤدي بصورةٍ مباشرةٍ إلى محرقةٍ أشدّ وحشيةً وأوسع انتشاراً من أيّة مجزرةٍ يمكن أن يتصورها عقل هتلر»(1).

وينقل مسلمٌ في صحيحه عن النبيّ ميد حول معركةٍ تقع قبل الظهور قوله: «لم يُر مثلها»(2)، وأيضاً يُنقل عن النبي، قوله:

«فيقتلون شهراً لا يكل لهم سلاحٌ ولا لكم، ويقذف الطير عليكم وعليهم، فإذا كان رأس الشهر، قال ربكم: اليوم أسل سيفي فأنتقم

ص: 41


1- أمين محمد جمال، عمر إمة الإسلام، ص 30.
2- مسلمٌ النيسابوري، صحيح مسلم، ج 25، ص 18.

من أعدائي، وأنصر أوليائي، فيقتتلون مقتلةً ما رئي مثلها قط، متى ما تسير الخيل إلا على الخيل، وما يسير الرجل إلّا على الرجل»(1).

ص: 42


1- المتّقي الهنديّ، کنز العمال، الحديث 39652.

الخاتمة

إنّ كلّ من يطالع هذه العقيدة بتفاصيلها في اليهوديّة والمسيحيّة، سيجد أنّها تتّفق في خطوطها العريضة مع الاعتقاد الإسلاميّ حول عقيدة المصلح والمنقذ العالميّ، من قبيل:

1: حتمية ظهور المنجي العالمي في آخر الزمان.

2: نزول المسيح.

3: ملء الأرض عدلاً وسلاماً بعد الظهور.

4: القضاء على الشرّ والظلم.

5: وقوع معركةٍ عظيمةٍ قبل الظهور.

وغيرها من الأمور التي تدل على أنّ عقيدة المنجي هي عقيدةٌ إنسانيةٌ فطريةٌ وإلهيةٌ سماويةٌ حتمية الوقوع، أكدت عليها كل الأديان السماويّة وإن اختلفت في جزئياتها، وهي من الأمور المشتركة بين الأديان السماويّة، حالها حال التوحيد والمعاد والنبوة مع الاختلاف في التفاصيل والعمق، فالأديان السماويّة قبل الإسلام مع ما وقع فيها من تحريفٍ وابتعادٍ عن تعاليم الأنبياء الصحيحة،

ص: 43

فإنّه ما زال بين طيّاتها الكثير من التعاليم والعقائد السماويّة الصحيحة التّي من خلال البحث فيها نری أوجه التشابه، بل والتطابق في أصولها وحقيقتها، وهذا ما يؤكّد على أنّ العقيدة المهدويّة الّتي يقول بها المسلمون - سیّما الفرقة الشيعيّة الإمامية الحقة - هي متطابقةٌ في أصولها مع كل تعاليم الأديان السماوية التي سبقتها بهذا الخصوص، مع الاختلاف كما أشرنا في تفاصيلها.

ص: 44

المصادر

القرآن الكريم

الكتاب المقدّس

1. ابن میمونٍ، مقدّمة ابن میمونٍ لكتاب السنهدرین، کتاب السراج، سوريا، مكتبة الثقافة الدينيّة، 1973م.

2. السجستاني، أبو داود سليمان، سنن أبي داود، بیروت، دار الرسالة العالميّة، 1430 ه-.

3. أمين محمد جمال، عمر أمّة الإسلام، المكتبة التوفيقيّة للنشر والتوزيع 1996م.

4. البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، صحيح البخاري، بیروت،دار الفكر، 1401 ه-.

5. سعيد أيوب، عقيدة المسيح الدجال في الأديان، قم، دار البيان، 1413 ه-.

6. الرضي، محمد بن الحسن، نهج البلاغة، بیروت، دار الجيل، ط1،

ص: 45

2001 م.

7. الصافي، لطف الله، منتخب الأثر، بیروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1983م.

8. الصدر، محمدباقر، بحث حول المهدي، بیروت، دارالتعارف للمطبوعات، 1977م.

9. الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين، قم، نشر - مؤسسة البعثة، ط1، 1417 ه-.

10. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسيرالقرآن، قم، مؤسّسة إسماعلیان، ط 2، 1391 ه-.

11. الطبرسي، الفضل بن الحسن، إعلام الوری، مؤسسة الأعلمي، بیروت، 1408 ه

12. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، قم، دار الثقافة، ط1، 1414 ه-.

13. الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1998 م.

14. عبد الوهاب عبد السلام طويلة، المسيح المنتظر ونهاية العالم، دار السلام للطباعة والنشر، 2013 م.

15. العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري،

ص: 46

بیروت، نشر دار الفكر، ط1، 1414 ه-.

16. القرطبي، محمد بن أحمد، التذكرة، الرياض، دار الكتاب، 1423 ه-.

17. القس أنطونيوس فكري، تفسير الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر أعمال الرسل.

http://st-takla.org/pub_Bible- .18

Interpretations/Tafseer-Al-Keta-Al-Mokadas

index-1-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty.html

19. القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير الكتاب المقدس، العهد الجديد، تفسير إنجيل متّى.

http://st-takla.org/pub_Bible- .20

Interpretations/Tafseer-Al-Keta-Al-Mokadas

index-1-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty.html

21. القنوجي البخاري، صديق بن الحسن، الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، بیروت، دار ابن كثيرٍ، 1420 ه-.

22. المتّقي الهنديّ، علاء، کنز العمال، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط5، 1405 ه-.

23. المجلسي، محمدباقر، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1424 ه-.

24. مطهري، مرتضی، نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ، بیروت،

ص: 47

دار التيّار الجديد، 2006 م.

25. مکارم (الشيرازي)، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، بیروت، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1413 ه-.

26. نخبةٌ من المؤلّفين، قاموس الكتاب المقدّس، بیروت، دار الكتاب المقدّس، 1996 م.

27. النيسابوري، مسلم بن الحجّاج، صحیح مسلمٍ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1419 ه-.

ص: 48

المحتویات

كلمة المؤسسة تمهیدٌ

أولاً: المصلح العالمي في الإسلام

القرآن الكريم

السنة الشريفة

الأحاديث في التراث الإمامي

الأحاديث في التراث السنّيّ

ثانياً: الموعود في اليهوديّة

ثالاً: الموعود في النصرانيّة

الخاتمة

المصادر

ص: 49

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.