آراء القاید

اشارة

آراء القاید / خامنه ای، علی، رهبر جمهوری اسلامی ایران

دارالهادی بیروت - لبنان

مشخصات ظاهری: 204 ص

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

حياة السيد الخامنئي بقلمه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

ولدت عام 1939 م في مشهد، و قبل إنتهاء المرحلة الإبتدائية، بدأت دراسة العلوم الدينية، و بعد إكمال المراحل المتعارفة و الحضور في دروس أساتذة السطح و الخارج في مشهد مثل المرحوم الحاج الشيخ هاشم القزويني و المرحوم آية اللّه الميلاني تشرفت بالذهاب الى النجف الأشرف في سنة 1957 م، و على الرغم من جاذبية الدروس الكبيرة و المعروفة للآيات العظام الحكيم و الخوئي و الشاهرودي و الزنجاني و البجنوردي الذين استفدت منهم مدة إقامتي القصيرة في تلك الحوزة القديمة، إلاّ أنني اضطررت الى الرجوع بسبب ضرورات عائلية و في أوائل سنة 1958 م تركت مشهد عازما على السكن في قم. و كان درس المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي و درس سماحة آية اللّه العظمى الإمام الخميني و آية اللّه الحائري أول الدروس التي حضرتها، و تتلمذت لدى الأساتذة المعروفين في قم في الفقه و الأصول و الفلسفة حتى سنة 1964 م، إذ عدت الى مشهد. و في سنة 1962 م حين بدأت النهضة الإسلامية العظيمة من الحوزة العلمية حملني التيار السريع و الجذاب لها بشكل طبيعي حيث كانت الأفكار الناصعة و الثورية قد استقرت في ذهني و قلبي، و كنت أنظر اليها بعين الهدف و الأمنية العزيزة. و بدأ من هنا فصل جديد في حياتي. و بغض النظر عن الجهود المستمرة و العادية التي

ص:5

كانت تشكل في ذلك الوقت أكثر فعالية العناصر الشابة و الثورية في الحوزة، كانت أول مهمة خاصة لي هي حمل رسالة الإمام الى آية اللّه الميلاني و علماء خراسان حول برنامج المواجهة في محرم 1963 م ثم السفر الى بيرجند لتنفيذ ذلك البرنامج الذي كان يجري في وقت واحد في كل نقاط الوطن، و حصل أول اعتقال لي في هذا السفر.

اعتقلت في بيرجند أيام الحوادث 10 و 13 محرم 1963 م (15 خرداد الدامية) و أخذوني الى مشهد و سجنوني في معتقل (لشكر).

و بعد إطلاق سراحي عدت الى قم، و في أواخر السنة نفسها (بهمن 63) ذهبت الى زاهدان في مهمة مشابهة فتكررت حادثة السفرة السابقة نفسها. و توقف برنامج المحاضرات الحماسية عند منتصف الشهر بسبب اعتقالي.

و بعد إعتقالي نقلت الى طهران و سجنت في (قزل قلعة). و في سنة 1964 خططنا مشروعا لأحداث تجمع جديد في الحوزة و تشكيل منظمة سياسية سريّة مع عدد من المدرسين و الفضلاء المعروفين في قم. و بعد فترة اكتشفت هذه التشكيلات و اعتقل عدة أشخاص من وجوهها المعروفة و منهم السادة المنتظري و الرباني و... و كنت أنا و عدد من الأشخاص قد اختفينا قرابة سنة واحدة. و في سنة 1964 عدت الى مشهد، و ضمن استمرار المشاركة في الدروس العالية في الحوزة قمت بتدريس السطوح العالية و التفسير و كان أهم عمل لي في هذه السنوات (64 حتى 67) هو نشاطات أساسية (ايديولوجية و سياسية) على صعيد الحوزة و الجامعة و بعد ذلك اتسعت رقعتها بالتدريج في المستوى العام للمجتمع في مشهد، لتكون المصدر الأساسي لأكثر الحركات الثورية الحماسيّة في تلك السنوات و السنوات اللاحقة و لم تكن هناك نظائر كثيرة لجلسات تدريسي الكبيرة التي تضج بالمستمعين في التفسير

ص:6

و الحديث و الفكر الإسلامي في بقية المدن و في طهران، و هذه النشاطات بالإضافة الى جهود تأليفية هي التي أدت الى اعتقالات متوالية لي في سنوات 67 و 70. و منذ سنة 69 حيث كانت أرضية الحركة المسلحة محسوسة في ايران، تصاعدت حساسية و شدة عمل أجهزة النظام السابق تجاهي حيث أدركوا من خلال القرائن ان هذه القضية لا يمكن أن تكون غير ذات صلة بأشخاص مثلي. و في سنة 71 سجنت للمرة الخامسة، و قد دلت المعاملة القاسية للسافاك في السجن أن الجهاز خائف جدا من ارتباط التيارات الثورية المسلحة بمراكز الفكر الإسلامي، و لم يستطع أن يقبل أن فعالياتي الفكرية و الإعلامية في مشهد و طهران لا ترتبط بهذه التيارات.

و بعد إطلاق سراحي اتسعت رقعة الدروس العامة في التفسير و الدروس الايديولوجية السرية و في السنوات بين 71 و 74 كانت النشاطات الاسلامية و الكفاح السري و كذلك الكفاح الثوري الأساسي في مشهد يدور حول محور الجهود التي كانت تبذل في ثلاثة مساجد و هي: الكرامة، الامام الحسن و ميرزا جعفر، و كانت دروسي في التفسير و الايديولوجية تعقد في هذه المساجد الثلاثة، و كان آلاف الأشخاص يتعرفون على الفكر الثوري للإسلام في كل أسبوع و تحثهم المحاضرات على التضحية و الثورة، و لهذا السبب عطلت هذه المراكز للمقاومة و الوعي بهجمات السافاك الوحشية، و تعرض كثيرون الى الاعتقال أو الاستجواب بجرم المشاركة في عقد إجتماعاتها، و بعد تعطيل هذه المراكز أصبحت لديّ إمكانية توسيع الجلسات الخاصة نتيجة الاستياء العام للمثقفين و الجيل الثائر في مشهد، و أثير الحماس الثوري في الشباب في محيط أكثر أمنا و حرية و صراحة، و أوسع نشاطاتي لتشمل مدن خراسان الأخرى و سائر نقاط البلد.

ص:7

و في هذه السنوات العديدة كان الطلاب و الفضلاء الشباب الذين ثقفتهم يتحركون في المدن، و شملت النار المقدسة دائرة أوسع. و بالإستفادة من فرصة استثنائية بدأت إحدى الجلسات الكبيرة السابقة مرة أخرى باسم درس في نهج البلاغة أسبوعيا. و هذه الجلسة التي كانت تقام في مسجد الإمام الحسن في مشهد أصبحت مرة أخرى محورا لأكثر الجهود الإسلامية للثوار في مشهد، و أصبح كلام علي (ع) يتداول من يد الى يد مشروحا و موضحا، و طبعت كراسات مستنسخة تسمى (أشعة من نهج البلاغة) و كانت تضيء فضاء مدينة الشهادة و كأنها برق الصواعق.

و سنة 74 م تذكرني بهذه الحركة العلوية الضاربة. و قد استدعاني سافاك مشهد (الذي لم يستطع أن يتحمل ذلك المركز العظيم للإعلام الثوري الإسلامي) مرارا و هددني، و كانوا يصفّون جواسيسهم عند أطراف منزلي و طريقي. و قد اعتقلوا أشخاصا كثيرين من أقربائي و المسؤولين عن نشاطاتي السياسية و الإعلامية. و كانوا قد شعروا بأن هذه الجهود الإعلامية الكبيرة لا يمكن أن تكون منفصلة عن النشاطات السياسية السرية. فسعوا الى كشف علاقاتي، و أخيرا اضطروا في شهر كانون 74/2 الى إقتحام منزلي و إعتقالي و الاستيلاء على كثير من ملاحظاتي و كتاباتي و كانت هذه المرة السادسة لإعتقالي و أصعبها. أرسلت إلى طهران و إلى (سجن اللجنة المشتركة) في الشرطة و مكثت فترة طويلة في زنزانة، متعرضا لأصعب الظروف و الاستجوابات الشديدة، و وضع لا يفهمه إلا الذين عايشوا تلك الظروف.

و كان هذا الاعتقال مشابها لإعتقال سنة 71؛ فقد عاملني السافاك ببالغ العنف و القسوة، و أخذ بنظر الجدّ ارتباطي بالجهود السرية، و دوري في جمع القوى المعادية للنظام و تعبئتها.

ص:8

في خريف سنة 75 أطلق سراحي، وعدت الى مشهد، و قمت مرة أخرى بنفس الجهود و نفس البرنامج و طبعا لم أعط أبدا بعد ذلك إمكانية تشكيل دروس و برامج عامة، كما أنه لم يسمح لي أبدا بالخروج من البلد مدة عشر سنوات من ذلك التاريخ، و من بين الفعاليات التي يرضيني ذكرها العمل المستمر مع عدد من الطلاب و الفضلاء الشباب في سنتي 67 و 68 في الحوزة العلمية في مشهد. إن الدروس الخاصة و السرية في معرفة الإسلام التي شكلتها لعدد من هؤلاء الشباب ذوي القابلية و الحماس، و وسعتها بالتدريج، كانت من بين أهم العوامل التي أدت الى تعميق قضية الثورة الاسلامية و توسيع دائرتها.

في سنة 77 خططنا بالاتفاق مع جمع من الأخوة العلماء و الفضلاء الكبار في طهران و قم مشروع جماعة العلماء المجاهدين في جميع أنحاء البلد و الذي يعد من أول أسس الحزب الجمهوري الإسلامي. و في أواخر سنة 77 بعد اعتقال ليلي و قاس جدا قام به عملاء السفاك، نفيت الى ايرانشهر لمدة ثلاث سنوات و انتهت في أواسط 78 م مع تصاعد الثورة العارمة. و بعد العودة من المنفى ذهبت الى مشهد و أصبحت في الصفوف الأمامية للشعب المجاهد، و في أواخر شهر كانون 78/2 جئت الى طهران بأمر الإمام الذي أبلغ بواسطة المرحوم الشهيد المطهري و آية اللّه المنتظري، و عرفت أنني انتخبت من قبله لعضوية مجلس الثورة.

و في أوائل اسفند 78 م أعلنت بالاشتراك مع 4 أشخاص من الأخوة تشكيل الحزب الجمهوري الاسلامي، و بعد ذلك قمت بإدارة الوظائف التالية بالترتيب في مسؤوليات الشورى المركزية للحزب: معاونية وزارة الدفاع، و ممثل مجلس الثورة في تلك الوزارة، و إدارة قوات الحرس، و إمامة صلاة جمعة طهران. و منذ سنوات 63 و 64 قمت بالتأليف و لديّ عدة نتاجات في التأليف و الترجمة، بعضها طبع مثل

ص:9

صلح الامام الحسن (ع)، المسلمون في نهضة تحرير الهند، مقالة في باب الصبر، المستقبل في إطار الاسلام، رسالة إدانة للحضارة الغربية، من أعماق الصلاة، مشروع عام للفكر الاسلامي في القرآن، الحياة السياسية للامام الصادق، الفهم الصحيح للاسلام و... و عدد لم ينشر حتى الآن.

ص:10

كتاب تأييد رئاسة الجمهورية الاسلامية في ايران

يؤيد مجلس صيانة الدستور أن السيد علي الحسيني الخامنئي بن السيد جواد صاحب الجنسية المرقمة 217 الصادرة في مشهد و المولود سنة 1318 هجرية شمسية قد انتخب رئيسا للجمهورية الاسلامية في ايران في انتخابات الجمهورية التي أقيمت في تاريخ 10 مهر 1360 بأكثرية مطلقة 16/008579 صوت من 16/847717 صوت.

التاريخ 15 مهر 1360 أحمد جنتي - أبو القاسم خزعلي - عبد الرحيم رباني شيرازي - غلام رضا رضواني - لطف اللّه صافي - يوسف صانعي - علي ازاد - گودرز افتخار جهرمي - محمد صالحي - حسين مهربور - مهدوي هادوي - محسن هادوي.

ص:11

ص:12

حكم إمام الأمة في تنفيذ رئاسة الجمهورية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها.

رغم أن المجرمين و المنافقين أخذوا من الشعب الايراني رئيس جمهورية ملتزما و مؤمنا و مجاهدا، و قتلوا أحد الخدام الصادقين، و حرموا الشعب العزيز من خدمته، و حرموه من خدمة الشعب المحروم و ظنوا أن إغتيال الأشخاص يؤدي الى تراجع الشعب الثائر عن تصميمه فيتقاعس عن خدمة الاسلام العظيم، و في النتيجة يفتح الطريق للقوى الناهبة، و لكن مشاركة الشعب التي لم يسبق لها مثيل بدلت أمل الأعداء الى يأس، و قطعت طمع (الطامعين) الى الأبد.

إن أمريكا و الإرهابيين المرتبطين بها يصفون بإعلامهم الشعب الايراني الشريف الوفي للاسلام بالانحراف عن هدفه الإسلامي الكبير، و قامت وسائل الاعلام في الغرب و خاصة أمريكا و الصهيونية ببناء بيوت بيضاء خيالية لناهبي العالم و عملائهم حتى يهجموا على ايران مهد النساء اللبوات و الرجال الأسود، إذ فشلت ايران في الانتخابات، ليقيموا حكومة ملكية أو جمهورية ديمقراطية شعبية بعد القضاء على الاسلام،

ص:13

و يجعلون البلد ساحة نهب للأقوياء و خاصة أمريكا الى الأبد، و لكن المشاركة العامة للشعب الشجاع و الملتزم في الانتخابات، و الانتصارات المتواصلة للقوات المسلحة في الجنوب و الغرب، و الحضور المستمر للشعب في أرجاء البلد، و القضاء على الأشرار البائعين لوطنهم في الداخل و خلف الجبهة، و عزل القوميين المرتبطين بأمريكا قد هدم قصورهم الخيالية.

إن اللّه تعالى منّ علينا حيث هدى الرأي العام لإنتخاب رئيس جمهورية ملتزم و ثوري و في خط الاسلام المستقيم، و عالم بالدين و السياسة، و نأمل أن ترتفع المشاكل واحدة بعد الأخرى بحسن التدبير و مساعدة السلطات الثلاث، و دعم الشعب الكبير، و أن تقام أحكام الاسلام المقدسة بالشكل المطلوب في البلد.

و إنني و اتباعا للشعب العظيم شأنا و بإطلاعي على مقام و مرتبة المفكر و العالم المحترم جناب حجة الاسلام السيد علي الخامنئي أيده اللّه تعالى أنفذ رأي الشعب و أنصبه بمنصب رئاسة الجمهورية الاسلامية في ايران، و إن رأي الشعب المسلم الملتزم و تنفيذه محدود بأن يبقى بنفس الكيفية التي كان عليها حتى الآن خادما للاسلام و الشعب، و مؤيدا للطبقة المستضعفة و كان بحكم القرآن الكريم أشداء على الكفار رحماء بينهم و أن لا ينحرف عن الطريق المستقيم للانسانية و الاسلام، و لن ينحرف إن شاء اللّه. و في هذا الظرف الخطير الذي يريد الأعداء في الداخل و الخارج و أبواق القوى الكبرى خاصة أمريكا المجرمة إتهام الشعب و الحكومة و المجلس و محاكم ايران بأية وسيلة و إيجاد هزّة حسب ظنهم الفاسد في مؤسسة الجمهورية الاسلامية، من اللازم أن يقوم رئيس الجمهورية و بمساعدة جميع المؤسسات و مشاركة مساعي الجميع بتنسيق مجريات الأمور وفق الاسلام، حتى ينزعوا الحجة من

ص:14

أيدي الأعداء و إن كان كثير منهم لا يوافقون على أحكام الاسلام و حدوده و تقريراته. يجب أن يعلم السيد رئيس الجمهورية و سائر المسؤولين و رجال الحكومة في الجمهورية الاسلامية أن الشعب الايراني الشريف له حجة و منّة عليهم جميعا، لأن هذا الشعب المضحي قد حصل على النصر أبّان الثورة بتقديم دماء شبابه و تحمل مشقات كبيرة و أنقذ الجميع من السجون و النفي و الضغط و انتزع الحكم من الظالمين و سلّمه اليهم، كما أن هذا الشعب كان منذ بداية الثورة حتى الآن في الساحة، و دعم الدولة و الجيش و الحرس و سائر القوى المسلحة و الحكومة و المجلس و مجلس القضاء الأعلى و المحاكم، و بمساعدة هذا الشعب قضي على الأعداء في الداخل و الخارج و وضع حزب اللّه بدل فئات الشيطان، كما أنهم صوتوا للسيد رئيس الجمهورية بأكثر من ستة عشر مليون صوت بشوق و شغف و أجلسوه على مقعد رئاسة الجمهورية، و هؤلاء قادرون بإذن اللّه على المحافظة على الدولة و إنقاذها من شر الشياطين، و هؤلاء لهم حق علينا و عليكم جميعا، و يجب علينا جميعا أداء ديننا لهم و خاصة المستضعفين الذي كان ثقل هذه الجمهورية على أكتافهم و الذين يخدمون الإسلام دون طمع في شيء، و ما دمنا جميعا في خدمة الناس فلن تتعرض الجمهورية الاسلامية الى ضرر، و الشعب الكبير و الواعي و المتواجد في الساحة يردّ على جميع المثرثرين و المتجبرين.

أسأل اللّه تعالى النصر للاسلام و المسلمين و السلام على عباد اللّه الصالحين روح اللّه الموسوي الخميني

ص:15

كلمة حجة الاسلام الخامنئي:

بعد أخذ حكم رئاسة الجمهورية في محضر إمام الأمة:

تحية للأرواح الطاهرة لجميع شهداء الاسلام و الثورة الاسلامية في ايران، و السلام على الامام العزيز و الكبير و مع الشكر للشعب الايراني المقاوم الذي لا يكل و الذي فضح بحضوره و مشاركته التي لا سابقة لها في انتخابات العاشر من شهر مهر الشبكات الاعلامية المرتبطة بالصهيونية و الامبريالية العالمية، التي صممت على تدمير الثورة الاسلامية بإعلامها المسموم، و رأى العالم بإعجاب الشعب حاضرا في الساحة صامدا رغم جميع المؤامرات الداخلية و الخارجية، مصمما على عدم الوقوف لحظة حتى تحقيق الانتصار الكامل لثورته. إن مشاركة ما يقارب 17 مليونا من الشعب المضحي و الرباني في الانتخابات الأخيرة، و أهم من ذلك إتفاق رأي أكثر من 16 مليونا منهم على شخص، يظهر مرة أخرى البعد الإلهي لهذه الثورة و هو أنه لو انفقت ما في الأرض جميعا و لكن هذه الوحدة الباعثة للأمل التي أظهرها شعبنا في يوم العاشر من شهر مهر تتطلب جوابا لائقا، و الآن علينا أن نعرف قدر و قيمة هذه الثقة العامة بشكل صحيح، و نكون على اطمئنان بأننا ما دمنا نسير في طريق اللّه و في طريق الإسلام، فإن آراء و ثقة الناس تدعم طريقتنا و عملنا، و إذا كان غير هذا فإن هذه العلاقة تتمزق و تتحول تلك المحبة النابعة من القلب و النفس الى فتور و الى استياء ما حق بالتدريج و هذا ما لن يكون أبدا، نحن نعرف بوضوح أن شعبنا الطاهر القلب لم يعط ثقته في يوم العاشر من شهر مهر لشخص بل لخط و تيار، و المؤشر البارز على ذلك هو الوفاء للإسلام و الثورة و خدمة المحرومين و المستضعفين، و أنا أعلن في هذا المحضر الشريف ردا على محبة و ثقة الناس أنني سأواصل نشاطي في طريق استقرار سيادة الإسلام الذي هو

ص:16

إرادة شعبنا الثوري حتى التضحية بالنفس. مثل الأصحاب الآخرين الذين ضحوا بأنفسهم في ساحة العشق للّه و الشعب و وفوا بعهدهم و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.

و الآن حيث انتخبني الشعب الايراني برأيه القاطع لرئاسة الجمهورية الاسلامية أعلن بوصفي أمين الشعب أولا بروح و نفس خالية من الغضب و الاستياء و بشعور عاطفي خالص و صميمي أن هناك في الجمهورية الاسلامية و في حضن هذا الشعب الكبير و الثوري محلا مناسبا و لائقا للخدمة لجميع خدام الاسلام و المسلمين و جميع المحبين الصادقين للّه و الشعب. و أقول لجميع الذين ابتعدوا عن شعبهم و مجتمعهم على أمل سراب خادع أن التحقوا بهذا الشعب و كونوا قطرة في موجه الهادر. إقطعوا قيود الأنانيات الفردية و الفئوية من أرواحكم و أنفسكم. و لا يقوموا بجفاء الصادقين و الرحماء و المظلومين أكثر من هذا و أن يعملوا برشد و رجولة لصالح الشعب الرشيد و الشهم، و إذا أصبحوا هكذا فإنهم سيكونون أعزّاء لدى الشعب، و إذا كان غير هذا فإنهم مطرودون عند اللّه و الناس و لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة.

ثانيا إن بلدنا منذ سنين طويلة تعرض للنهب الثقافي و السياسي و الاقتصادي للقوى الكبرى و بعد سنوات طويلة من إمتصاص الاستكبار العالمي لثروة شعبنا فإن شعبنا يريد الآن تقديم طرح جديد في العالم بقطع الارتباطات بشكل كامل و تنفيذ شعار لا شرقية و لا غربية، و سوف أقطع هذا الطريق بثبات و جسارة تبعا للقائد الكبير و جنبا الى جنب هذا الشعب و باطمئنان كامل بأن النصر حليف شعبنا؛ لأن ثورتنا هي ثورة المحرومين و المستضعفين و الوعد الإلهي صريح و حق و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض....

ثالثا أتمنى و أطلب من اللّه و أبذل كل جهدي لتكون المرحلة

ص:17

الجديدة التي تبدأ الآن في الجمهورية الاسلامية في ايران مرحلة خدمة المحرومين و المستضعفين و مرحلة التجلي الكامل لإرادة الباري تعالى في قطع جذور الاستكبار و الاستضعاف الاجتماعي و الاقتصادي الداخلي في وطننا الاسلامي و أطلب من اللّه أن يعينني على الوفاء بالالتزامات التي وضعها الدستور على عاتقي، و أطلب المدد من الروح المطهرة لمحمد المصطفى (ص) و الأرواح الطيبة لأئمة الهدى عليهم السلام و الأنفاس القدسية للصالحين في طريق خدمة الناس و نشر الدين و الأخلاق و العدالة و المحافظة على الحرمة و الكرامة الانسانية و التنفيذ الكامل للتعاليم الاسلامية، و أشكر الامام العزيز و الكبير لعطفه المستمر الذي بذله في حق تلميذه و محبه، و أشكر الشعب العطوف ذا الطينة الطاهرة لما أظهره من ثقة لا سابقة لها في حق خادمه و أخيه. و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته

ص:18

روح التوحيد رفض عبوديّة غير اللّه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

يوم نهض نبي الاسلام لحمل رسالة تحرير الانسان، و أعلن شعار «لا إله إلا اللّه» واجه معارضة حادّة و مقاومة عنيفة. و كان في مقدمة هذه الجبهة المضادة رؤساء القبائل و وجهاؤها. و كان بقية المعارضين تابعين و مطيعين لهؤلاء السادة و الكبراء.

هؤلاء واجهوا الرسول. و واجهوا الفئة المؤمنة. في البداية، بأبسط الأسلحة العدوانية، بالهمز و اللمز و الاستهزاء، ثم عمدوا الى أسلحة أشد و أفتك كلما ازدادت الحركة التوحيدية قوة و بلورة، و هكذا كررت هذه الجبهة المضادة خلال الأعوام الثلاثة عشر قبل الهجرة تلك المشاهد المخزية في تاريخ الصراع بين الحق و الباطل.

هذه الحقيقة التاريخية تستحق مزيدا من الدقة و الإمعان، لأنها تشكل مؤشرا هاما للتعمق في فهم الاسلام، و في فهم التوحيد الذي

ص:19

يشكل العمود الفقري للاسلام.

إنه لمؤسف جدا، بل إنها لمأساة لكل دعاة تحرير الانسان أن نشهد انحراف مفهوم التوحيد في عصرنا، فهذا المفهوم يشكل أعمق أسس محتوى الأديان، و لا يناظره مفهوم آخر في عمق إتجاهه نحو تحرير الانسان و إنقاذ البشرية المعذبة على مسرح التاريخ.

الرسالات الإلهية عامة عملت خلال التاريخ، على ما نعلم، على تغيير المجتمع، و دفعه في إتجاه يخدم مصالح الانسان و ينقذ المستضعفين و المسحوقين، و يقضي على كل مظاهر الظلم و التمييز و العدوان، المحتوى الأخلاقي لكل الأديان الكبرى - كما يقول أريش فروم - يتكون من التطلع نحو: العلم، و الحب الأخوي، و التخفيف من الآلام، و الاستقلال، و الشعور بالمسؤولية. (و هناك أيضا تطلعات سامية شريفة أخرى لا تتوقع من باحث مادي أن يدركها).

كل هذه التطلعات و الآمال تتخلص في مبدأ التوحيد، و الأنبياء كانوا يطرحون كل أهدافهم من خلال شعار التوحيد، كما كانوا يحققون تلك الأهداف أو يمهدون لتحقيقها في أعقاب كفاح ينشب تحت راية هذا الشعار.

إنه لمؤسف حقّا لا للموحدين فحسب، بل لكل المتبنين لهذه الآمال و الأهداف، أن يبقى محتوى التوحيد مجهولا أو محرّفا أو سطحيا لا يتجاوز الإطار الذهني، خاصة في عصر تتصاعد فيه ضرورة الاتجاه نحو تلك الأهداف أكثر من أي وقت مضى.

ذكرنا أن المجابهات التي شهدها عصر فجر الاسلام تستطيع أن

ص:20

توضح حقيقة هامة بشأن مفهوم التوحيد.

هذه الحقيقة هي أن شعار «لا إله إلا اللّه» إتجه أولا لمقارعة أولئك الذين حاربوه و عادوه، و هم: أفراد الطبقة المسيطرة المقتدرة في المجتمع.

رد الفعل الذي يبديه خصوم كل حركة في المجتمع يعبّر دوما بوضوح عن الاتجاهات الاجتماعية لتلك الحركة، و مدى عمق تأثير هذه الاتجاهات، كما يمكن فهم الاتجاه الطبقي و الاجتماعي للحركة من خلال دراسة طبيعة أعدائها و انتماءاتهم الطبقية، و يمكن قياس عمق تأثيرها عن طريق فهم مدى تصلّب الأعداء تجاهها.

من هنا، فإن دراسة جبهة أصدقاء الدعوات الإلهية و جبهة أعدائها، واحدة من الطرق الموثوقة في فهم هذه الدعوات بشكل صحيح.

حين نشاهد أن الفئات المقتدرة كانت دوما سبّاقة في محاربة الرسالات الالهية، نفهم بوضوح أن هذه الرسالات تعارض بطبيعتها هذه الفئات، تعارض تجبّرها و ترفها، بل تعارض أساسا هذه الطبقية التي جعلت هذه الفئات متميزة عن غيرها.

قبل أن ندرس التوحيد من هذا المنظار، منظار مقارعته لكل ألوان السيطرة الاجتماعية، لابد من الاشارة أولا إلى أن التوحيد لا ينحصر في إطار نظرية فلسفية ذهنية كما هو شائع، بل هو نظرية أساسية حول الانسان و العالم، و منهج إجتماعي و اقتصادي و سياسي للحياة.

يندر أن نجد في قواميس الألفاظ الدينية و غير الدينية لفظة مثل لفظة التوحيد في استيعابها للمفاهيم الثورية البنّاءة، و لأبعاد الحياة الاجتماعية و التاريخية للانسان، لم يكن من الصدفة أن تبدأ كل

ص:21

الدعوات و الحركات الالهية في التاريخ بإعلان توحيد اللّه و حصر الربوبية و الألوهية به.

أبعاد محتوى التوحيد نلخصها فيما يلي:

أ - التوحيد على صعيد التصور (النظرة العامة للكون و الحياة).

يعني وحدة جميع العالم و إنسجامه و ائتلاف أجزائه و عناصره.

مبدأ الخلق واحد، و جميع المخلوقات من ذلك المبدأ الواحد، و ليس هناك آلهة متعددة في خلق العالم و إدارته، و هذا يستتبع وحدة جميع أجزاء العالم في التكوين و الاتجاه.

ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت.

(الملك، 3) أ و لم يتفكّروا في أنفسهم؟ ما خلق اللّه السموات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق و أجل مسمى.

(الروم، 8) العالم المتحرك - انطلاقا من هذا التصور - قافلة متصلة الأجزاء، كإتصال حلقات السلسلة الواحدة، و كإرتباط أجزاء الجهاز الواحد العاملة في إتجاه واحد. و كل جزء من هذه الأجزاء، يكتسب معناه الواقعي و يتضح واجبه من خلال فهم مكانته في مجموع هذا التركيب. كل الأجزاء، يعاون بعضها الآخر و يكمّل بعضها الآخر في هذا السير التكاملي الحثيث، و كل واحد منها آلة ضرورية في هذه المجموعة. و كل توقف و فساد و ركود و انحراف في أي واحد من هذه الأجزاء يؤدي الى بط ء و فساد و إنحراف في جميع الجهات، و بهذا الشكل ترتبط جميع الذرات مع بعضها برباط معنوي عميق.

و يعني أن للعالم هدفا، و يقوم على حساب و انضباط دقيق، و أن

ص:22

لكل واحد من الأجزاء روحا و معنى.

العالم له خالق حكيم. و بناء على هذا، فإن لأصل الوجود كما لكثير من أجزائه، حكمة و غاية و اتجاها و هدفا.

و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين.

(الأنبياء، 16) العالم بمجموعه - إنطلاقا من هذا التصور - ليس بالحائر العابث، بل هو مثل ماكنة مصنوعة و مرصودة للعمل من أجل هدف معين. يمكن السؤال عن هدفه، و لا يمكن السؤال عن أصل هذا الهدف. إنه قصيدة ذات مضمون ينبغي التأمل و التدبر فيها لفهم مضمونها، و لا يمكن إعتبارها إطلاقا صوتا منطلقا من حركة عشوائية.

و يعني أبعد من ذلك خضوع كل عناصر العالم و كل الأشياء للّه.

فلو يوجد بين هذه المجموعة عنصر شاذ متمرد، كل قوانين الطبيعة و كل ما يخضع لسيطرة هذه القوانين منصاع للّه و عبد له. فوجود القوانين التكوينية و الطبيعية على ساحة الكون لا يعني نفي ربوبية اللّه و مبدئيته.

إن كل من في السموات و الأرض إلاّ آتي الرحمن عبدا.

(مريم، 93) بل له ما في السموات و الأرض كل له قانتون.

(البقرة، 117) و ما قدروا اللّه حق قدره، و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون.

(الزمر، 67) ب - التوحيد على صعيد فهم الانسان.

ص:23

يعني وحدة أبناء البشر و تساويهم في ارتباطهم باللّه.

إنه رب جميع الناس. و ليس لأحد - بسبب طبيعته الانسانية - علاقة خاصة متميزة به. و لا لأحد معه قرابة. ليس إله شعب خاص أو قبيلة معينة، و لم يختر شعبا معينا ليكون ذلك الشعب سيدا و الباقي مسودين. كل الناس أمام اللّه سواسية، و ليس لأحد عند اللّه كرامة خاصة إلا بالعمل الصالح، أي بالسعي و المثابرة على طريق خدمة الناس و العمل بأحكام اللّه المؤدية الى سمو الانسان.

و قالوا إتخذ اللّه ولدا، سبحانه بل له ما في السموات و الأرض كل له قانتون.

(البقرة، 117) فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و إنّا له كاتبون.

(الأنبياء، 94) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى، و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم.

(الحجرات، 13) و يعني وحدة أبناء البشر و تساويهم في الخلقة و التكوين الانساني.

الانسانية عنصر واحد يسري في جميع أفراد النوع البشري، بشكل متساو، ليس هناك آلهة متعددة خلقت فئات بشرية متعددة، و لذلك فلا توجد ثمة اختلافات و فواصل منيعة في الخلقة، كما أن إله الطبقة الاجتماعية العليا ليس بأقوى من إله الطبقة الاجتماعية السفلى. كل الناس مخلوقات الإله الواحد الأحد، و كلهم متشابهون في جوهر خلقتهم.

ص:24

يا أيّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.

(النساء، 1) و يعني تساوي أبناء البشر في الامكانات المتاحة لهم من أجل السموّ و التكامل.

البشر متشابهون في جوهرهم الانساني و طبيعتهم الانسانية، و هذه الطبيعة الانسانية جبلت بيد بارىء حكيم. فليس هناك إذن فرد عاجز ذاتيا عن إرتقاء مدارج الصراط المستقيم نحو السمو و التكامل. من هنا فدعوة اللّه دعوة عامة، و لا تختص بشعب معين أو فئة خاصة. الظروف المختلفة لها آثارها المختلفة على الانسان، لكن هذه الظروف الطارئة لم تستطع أن تصنع من الانسان بشكل دائم شيطانا أو ملكا و تغل يديه و تسلب إختياره و تسد الطريق أمام انتخابه و تغيره.

و ما أرسلناك إلا كافة للناس.

(سبأ، 28) و أرسلناك للناس رسولا.

(النساء، 79) يا أيها الناس قد جائكم برهان من ربكم، و أنزلنا إليكم نورا مبينا. فأما الذين آمنوا باللّه و اعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه و فضل و يهديهم إليه صراطا مستقيما.

(النساء 174-175) و يعني حرية جميع الناس من قيود الأسر، و من قيود العبودية لغير اللّه و هو تعبير آخر عن ضرورة العبودية للّه.

أفراد البشر الراضخون بشكل من الأشكال لسيطرة غير اللّه (سيطرة فكرية و ثقافية، أو اقتصادية، أو سياسية) هم مستعبدون لعباد أمثالهم

ص:25

بالمفهوم الواسع للعبادة. هؤلاء قد اتخذوا للّه أندادا، و التوحيد يرفض هذا الشكل من الحياة. و يعتبر الانسان عبدا للّه فقط، و يحرره من العبودية و الرضوخ لكل نظام، بل لكل عامل مسيطر يضع نفسه مكان اللّه. فالتوحيد يعني التسليم للّه وحده، و يستتبع ذلك رفض كل سلطة غير سلطة اللّه مهما كان شكلها و نوعها.

إن الحكم إلاّ للّه، أمر أن لا تعبدوا إلاّ إياه، ذلك الدين القيّم.

(يوسف، 40) و قضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه.

(الإسراء، 23) و التوحيد بالمعنى المتقدم يعني تكريم الانسان و تثمينه.

فالعنصر الانساني السامي أعظم من أن يخضع و يرضخ لأحد غير اللّه فالوجود المطلق و الجمال المطلق هو وحده الذي يستحق عبادة الانسان و ثناءه و تعشقه. و هذا النزوع المتسامي هو درجة من درجات السمو.

لا شيء - غير ذات اللّه تعالى - يتمتع بمنزلة يستحق فيها عبادة الانسان و دعاءه. كل الأصنام الجامدة و المتحركة التي فرضت نفسها على فكر الانسان و قلبه و جسمه، و اغتصبت حاكمية اللّه في حياة الانسان هي رجس و أوثان تبعد الكائن البشري عن طهره و نقائه الفطري، و تذلّه و تصده عن حركته. و لا بد للانسان - إن أراد استعادة مكانته السامية - أن يجتنب هذه الأوثان و يغسل عن وجوده عار التلوث بعبوديتها.

فاجتنبوا الرجس من الأوثان، و اجتنبوا قول الزور، حنفاء للّه غير مشركين به، و من يشرك باللّه فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح من مكان سحيق.

(الحج، 30-31)

ص:26

و لا تجعل مع اللّه إلها آخر، فتلقى في جهنم ملوما مدحورا.

(الاسراء، 39) لا تجعل مع اللّه إلٰه آخر فتقعد مذموما مخذولا.

(الاسراء، 22) يعني وحدة و إنسجام حياة الانسان و وجوده.

حياة الانسان مركبة من الذهن و الواقع، من الفكر و العمل. و إذا خضع واحد من هذين الجانبين، بأجمعه أو بقسم منه، لأعداء اللّه، أي إذا أصبح الذهن الهيا و الواقع غير إلهي، أو أصبح الواقع إلهيا و الذهن بعيدا عن اللّه، حينئذ تظهر الازدواجية في حياة الانسان، و يبرز الشرك في عبودية اللّه.

الانسان في مثل هذه الحالة كمؤشر مغناطيسي ظهر في مجاله المغناطيسي عنصر غريب. المؤشر عندئذ إمّا أن ينحرف عن إتجاهه الطبيعي انحرافا تامّا، أو يبقى يتأرجح يمنة و يسرة. أي سوف ينحرف الانسان عن الصراط المستقيم المتناسب مع طبيعته الانسانية، ينحرف عن اللّه.

أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا، و يوم القيامة يردون الى أشدّ العذاب.

(البقرة، 58) و يعني إنسجام الانسان مع العالم المحيط به.

الساحة الكونية الفسيحة تزخر بقوانين الخليقة، و لا تغرب أدنى ظاهرة طبيعية عن إطار هذه القوانين. و بإنسجام هذه القوانين و تعاضدها و التقائها ينتظم شكل الكون و يسود في العالم هذا النظام الرائع المشهود. الانسان جزء من هذه المجموعة و تتحكم فيه قوانينها العامة،

ص:27

إضافة الى قوانين خاصة. غير أن هذه القوانين الخاصة متناسبة و منسجمة أيضا مع قوانين الظواهر الأخرى.

أما الانسان، خلافا لسائر الظواهر الأخرى المسخرة للحركة على طريقها الطبيعي الفطري، يتمتع بقوة إرادة و قدرة اختيار. و عليه أن يطوي طريقه الفطري الطبيعي عن إختيار؛ لأنه طريق سموّه و كماله. و هذا يعني أنه قادر على الانحراف عن هذا الطريق الطبيعي.

فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.

(الكهف، 29) التوحيد يدعو الانسان الى السير على طريقه الطبيعي الفطري المنسجم مع كل الكون، و بذلك يربط الكائن البشري - باعتباره عضوا أصليا من أعضاء هذا الكون - في عمله و سعيه بسائر أجزاء الكون، و يخلق بذلك وحدة و إنسجاما تامين.

أفغير دين اللّه يبغون، و له أسلم من في السماوات و الأرض طوعا و كرها و إليه يرجعون.

(آل عمران، 78) ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السماوات و من في الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب و كثير من الناس.

(الحج، 18) ج - التوحيد على صعيد المناهج الاجتماعية (الاقتصادية و السياسية...).

يسلب من كل مصدر غير اللّه صلاحية الانفراد بوضع مناهج مستقلة لشؤون الحياة و الانسان.

فاللّه خالق الانسان و الكون و المصمم لهذا النظام الكوني

ص:28

المنسجم، و العالم بإمكانات الانسان و احتياجاته.

اللّه يعلم بما ينطوي عليه الكائن البشري من ذخائر دفينة و طاقات مكنوزة، و بما ينطوي عليه الكون من كنوز و إمكانات، و يعلم ميزان و أبعاد استثمار هذه الكنوز و الامكانات، و يعلم كيف تلتقي هذه جميعا مع بعضها.

من هنا فهو وحده القادر على وضع منهج لطريقة الحياة، و لعلاقات الانسان، و منهج حركته في إطار نظام التكوين، و هو وحده القادر على وضع قوانين الحياة و تعيين شكل النظام الاجتماعي.

إختصاص هذا الأمر باللّه نتيجة طبيعية و منطقية للخالقية و الألوهية، فكل تدخل من الآخرين - إذن - لتعيين المسيرة العملية للبشرية هو تدخل في حاكمية اللّه و إدعاء للألوهية و باعث على الشرك.

فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما.

(النساء، 65) و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى اللّه و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، و من يعص اللّه و رسوله، فقد ضلّ ضلالا مبينا.

(الأحزاب، 36) يسلب حق الولاية على المجتمع و حياة الانسان من غير اللّه.

ولاية الانسان على الانسان، لو قامت على أساس حق مستقل و بدون مسؤولية، لاستلزمت الظلم و الطغيان و العدوان. الفرد الحاكم و الجهاز الحاكم لا يستطيع أن يتخلص من الانحراف و الطغيان و الافراط إلا إذا سلّم زمام الأمور بيد هذا الفرد أو هذا الجهاز من قبل سلطة عليا ضمن إطار مسؤوليات متناسبة. و هذه السلطة العليا في المدرسة الدينية هي اللّه المحيط بكل شيء علما.

ص:29

لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض.

(سبأ، 3) و لو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين.

(الحاقة، 44) هذه السلطة العليا لا تنطلي عليها خدعة كما قد تنطلي على الجماهير، و لا يمكن إتخاذها وسيلة للسيطرة و التجبر كما تتخذ الأحزاب، و لا يمكن المساومة معها كما يمكن مع علية القوم و زعمائهم.

و بنظرة أعمق: لو استلزم نظم الحياة انتهاء كل أجهزة الحياة الاجتماعية بنقطة واحدة، و تفرد قوة مسيطرة بمسك زمام جميع الأمور، لما كانت تلك القوة المسيطرة سوى خالق الكون و الانسان.

فالحكم حق خاص باللّه، ينفّذه من عيّنهم اللّه، أي أولئك الذين تتجسد فيهم أكثر من غيرهم تلك المعايير و الخصال المحددة في الايديولوجية الإلهية، و هؤلاء منفّذون و حفظة للقوانين الإلهية.

قل أ غير اللّه اتّخذ وليّا؟ فاطر السماوات و الأرض، و هو يطعم و لا يطعم، قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم و لا تكوننّ من المشركين.

(الأنعام، 14) إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون.

(المائدة، 55) قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس.

(الناس، 1-4)

ص:30

و يعني إختصاص الملكية المطلقة الأصلية لكل نعم الكون و ذخائره باللّه.

ليس لأحد أن يملك و يتصرف مباشرة و مستقلا. كل شيء أمانة بيد الانسان لإستثماره و الاستعانة به على طريق السمو و التكامل. ليس للإنسان المنعّم أن يفسد و يتلف نعم هذه العالم التي هي ثمرة سعي آلاف الظواهر و العناصر في هذا العالم، أو أن يهمل هذه النعم أو يستثمرها في طريق غير طريق السمو الانساني. ما في يد الانسان، و إن كان ملكا له. فهو عطاء إلهي. من هنا ينبغي أن يتجه استثمار هذا العطاء على الطريق الذي عينه اللّه، أي في طريقه الطبيعي الأساسي، في الطريق الذي خلق من أجله في الحقيقة. و استثمار هذا العطاء الإلهي في غير هذا الطريق انحراف عن إتجاهه الطبيعي، إنه الفساد.

دور الانسان إزاء هذه النعم الإلهية المتنوعة هو استثمارها بشكل صحيح، و فتح مغاليق كنوزها، و قبل ذلك إحياؤها و البلوغ بها الى درجة الكمال طبعا.

قل لمن الأرض و من فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون للّه، قل أفلا تذكّرون.

(المؤمنون، 86-87) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا.

(البقرة، 29) اعبدوا اللّه، ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها.

(هود، 61) و الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل

ص:31

و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة.

(الرعد، 28) و يعني أن أفراد البشر متساوون في حق استثمار نعم الحياة.

الإمكانات و الفرص متكافئة أمام جميع البشر ليستثمر كل منهم هذه النعم قدر حاجاته و ضمن إطار سعيه و عمله. هذه الساحة الكونية لا توجد فيها منطقة خصوصية محصورة بفئة معينة. الجميع يستطيعون أن يستثمروا نعم الحياة المتنوعة قدر همتهم و إرادتهم، دون تمايز بينهم في العنصر أو الموقع الجغرافي و التاريخي، بل و حتى في الانتماء الايديولوجي.

هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا/و الأنعام خلقها/لكم كم فيها جمال/تحمل أثقالكم/أنزل من السماء ماء لكم/ينبت لكم به الزرع/و ما ذرأ لكم في الأرض/لتركبوها/لتأكلوا منه.

و كل هذه الآيات من مطلع سورة النحل تخاطب جميع البشر دون أن تتجه في خطابها الى فئة خاصة أو طائفة خاصة، و هي جاءت في سياق آيات أخرى تخاطب جميع البشر أيضا مثل:

و لو شاء اللّه لهداكم أجمعين

و الهكم إله واحد

هذا جانب من المحتوى العميق الواسع للتوحيد. و من خلال هذا الاستعراض السريع يتضح بجلاء أنّ التوحيد ليس بالنظرية الذهنية غير العملية المعزولة عن الحياة و عما يرتبط بحركة المجموعات البشرية و بحركة الفرد و نشاطه. التوحيد لا يكتفي باستبدال معتقد بمعتقد آخر. بل إنه:

ص:32

من جهة، نظرة عامة للكون و الحياة تشتمل على مفهوم خاص للعالم و للانسان و لمكانة الانسان بين ظواهر العالم و مكانته في التاريخ، و لإمكاناته و احتياجاته و متطلباته الذاتية، و لاتجاهه و مراحل سموه و كماله.

و من جهة أخرى، منهج اجتماعي شامل متناسب مع طبيعة الانسان و يستطيع الكائن البشري في إطاره أن يسمو على مدارج كماله بسهولة و سرعة، إنه أطروحة خاصة للمجتمع تتضح فيها الخطوط العامة و الأساسية للكيان الاجتماعي.

من هنا حين يرتفع نداء التوحيد في المجتمعات الجاهلية (المجتمعات القائمة على أساس الجهل بحقيقة الإنسان) و المجتمعات الطاغوتية (القائمة على أساس المعاداة للقيم الانسانية الحقة) فإنه يحدث تغييرا شاملا، ينير القلوب المظلمة و يحيي النفوس الهامدة، و يبعث هزة في جسد المجتمع الراكد، و ينظم الشؤون المبعثرة المتناقضة لذلك المجتمع. يحدث التوحيد تغييرا في المحتوى النفسي، و المؤسسات الاقتصادية و الاجتماعية، و في القيم الأخلاقية و الانسانية. و بعبارة قصيرة، يهاجم التوحيد الوضع الجاهلي القائم و السلطة التي تحمي هذا الوضع. و الجو الذي يغذي هذا الوضع و يمدّه بالحياة.

التوحيد - إذن - ليس فقط أطروحة ترتبط بمسألة نظرية محضة أو مسألة ذات إطار عملي محدود، بل إنه أيضا طريق جديد أمام الانسان، يستهدف تقديم أسلوب آخر للعمل و الحياة و إن استند الى تحليل ذهني و نظري.

إنطلاقا من هذا الفهم لمحتوى التوحيد نعتقد أن هذا الأصل يشكل حجر البناء في صرح الدين، و محتواه الأساسي، و القاعدة التي

ص:33

يقوم عليها فهم التوحيد على أنه نظرة لما وراء الطبيعة أو أنه على أحسن الأحوال أطروحة أخلاقية عرفانية، هذا الفهم لا يتناسب إطلاقا مع الايديولوجية الاسلامية الحية التي تنطوي على أطروحة كاملة للحياة الاجتماعية.

كان هناك على مرّ التاريخ طبعا أفراد، مع إيمانهم باللّه و بالتوحيد غفلوا أو تغافلوا عن المحتوى العيني و العملي - و خاصة الاجتماعي - لهذه العقيدة. هؤلاء وطنوا أنفسهم على المعيشة في كل زمان و مع كل الظروف بحيث لا تكاد تميزهم عن الكافر بالتوحيد. أي أن هذه العقيدة لم تبعث فيهم شعور التعارض مع الوضع غير التوحيدي القائم، و لم يثقل كاهلهم عبء الشرك المستفحل في مجتمعهم.

في مطلع الاسلام كان هناك مجموعة من الحنفاء يعيشون في مكة مركز الوثنية و عاصمة أصنام العرب الكبرى. لكن وجودهم لم يكن له أدنى تأثير على الجو الفكري و الاجتماعي؛ لأن مفهوم هؤلاء الحنفاء عن التوحيد لم يتعدّ أذهانهم و قلوبهم و إطار حياتهم الخاصة، و لم يكن له أدنى تواجد في تلك المتاهات الجاهلية، و لا أقل تأثير على الحياة المؤسفة القائمة هناك. هؤلاء الذين يسمون بالموحدين كانوا يعيشون مع غيرهم على ساحة واحدة و يطوون مسيرة تلك الحياة بنفس الطريقة دون أن يزعجهم شيء. هذا الفهم الذهني للتوحيد يتميز بهذه الصفة من الخمول و الانعزال عن الحياة و خاصة الحياة الاجتماعية.

في مثل هذه الأجواء أعلن الاسلام مفهوم التوحيد باعتباره عقيدة ملتزمة و تنظيما للحياة و أطروحة جديدة للمجتمع. و بهذا الشكل أعلن هويته باعتباره دعوة انقلابية لكل مخاطبيه، المؤمنين منهم و الكافرين. فكل من سمع نداء الاسلام علم أنه نظام اجتماعي و اقتصادي و سياسي جديد لا يتلاءم إطلاقا مع الأوضاع التي كانت قائمة في العالم آنذاك،

ص:34

بل إنه يستهدف إزالة الوضع القائم و إبداله بوضع آخر.

بسبب هذه الأطروحة، اندفع المؤمنون صوب الدعوة باشتياق و لهفة و ولع شديد و أسلموا لها، و لهذا السبب أيضا هب المعارضون و الكافرون ليقاوموا نداء التوحيد بوحشيّة و ضراوة، و ليصعدوا عداءهم يوما بعد يوم.

هذه الحقيقة التاريخية، بمقدورها أن تكون معيارا لتقييم صحة أو عدم صحة إدعاء التوحيد في كل زمان و مكان. من الصعب أن تصدق وجود التوحيد في نفوس قوم يشبهون موحدي مكة قبل ظهور الإسلام.

التوحيد المهادن.. التوحيد المداهن مع كل الأنداد و الآلهة المزيفة.. التوحيد الذي لا يعدو أن يكون فرضية ذهنية، ليس إلا نسخة ممسوخة لتوحيد الأنبياء.. و من الطبيعي أن يخلوا مثل هذا التوحيد من ديناميكية دعوة الأنبياء.

من خلال هذه الرؤية نستطيع أن نفهم سبب انتشار نور الاسلام و تقدمه في العصور المتقدمة، و سبب تراجعه و تقهقره و ضعفه في العصور المتأخرة إسلام رسول اللّه (ص)، كان يضع التوحيد أمام الناس باعتباره طريقا و مسلكا. و إسلام العصور التالية، طرح التوحيد باعتباره نظرية يدور حولها البحث و الجدل في المجالس و المحافل. كان الكلام هناك يدور حول تصور جديد للعالم و نظرية جديدة لحركة الحياة، و هنا الكلام يدور حول مسائل كلامية فرعية خالية من كل عطاء حي، كان التوحيد هناك يشكل الهيكل العظمي للنظام القائم، و المحور لكل العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و هنا يتمثل في لوحة فنية جميلة معلقة في صالة، الهدف منها إكمال مظاهر الزينة في الصالة. و أي دور فعال يمكن أن تتوقعه من مثل هذه الظاهرة الكمالية؟!.

ص:35

مما تقدم يتضح أن التوحيد من منظار عملي أطروحة للمجتمع و منهج للحياة و قاعدة للنظام الذي اعتبره الاسلام متناسبا مع طبيعة الانسان و نموه و سموه. و هو من منظار نظري يشكل القاعدة الفكرية الفلسفية لذلك النظام.

بعد هذه التمهيدات، نستطيع أن نعود الى بداية المقال، و ندرس المسألة من الزاوية الخاصة التي استهدفناها فيه.

قلنا إن المجابهات الأولى التي واجهها نداء التوحيد انطلقت من ذوي القدرة و السلطة في المجتمع. و هذا مؤشر يثبت أن الضربة التي وجهها هذا الشعار إتجهت أول ما إتجهت و أكثر ما إتجهت نحو تلك الفئة المقتدرة المسلطة، أو نحو الفئة المستكبرة على حد التعبير القرآني.

و قلنا أن الدعوات التوحيدية في مختلف عصور التاريخ، ما إن انطلقت في المجتمع حتى إتخذت موقفها الواضح من المستكبرين، و على أثر هذا الموقف إنقسم المجتمع الى فئتين متناقضتين: الفئة المعارضة المستكبرة، و الفئة المؤمنة المستضعفة.

و قلنا أخيرا إن رد الفعل الذي تبديه هاتان الفئتان تجاه رسالة التوحيد هي الخاصة التي تميز التوحيد الحقيقي الأصيل. أي إن التوحيد - متى ما أعلن بمفهومه الأصيل و بشكله الصحيح - يواجه هذه المجابهات و ردود الفعل الاجتماعية.

و الآن علينا أن نتفحص أبعاد التوحيد لنرى أيّ بعد من هذه الأبعاد يتعارض مباشرة مع مصالح الطبقة المستكبرة و يصطدم مع وجودها. بعبارة أخرى علينا أن نفهم تلك النظرة التوحيدية التي تستثير المستكبرين و تدفعهم الى إتخاذ موقف المجابهة الحادة.

ص:36

تفهّم شخصية المستكبر في القرآن الكريم تعيننا كثيرا على فهم هذا الموضوع.

القرآن الكريم يعطي في أكثر من أربعين موضعا صورة عن المستكبر و خصائصه النفسية و مكانته الاجتماعية و أهدافه و أطماعه التوسعية الاستئثارية. و بشكل عام نجد القرآن يحدد للمستكبر الخصائص التالية:.

يرفض اللّه بالمفهوم الذي تعبر عنه عبارة: «لا إله إلا اللّه» (أي حصر الحاكمية و المالكية المطلقة به تعالى)، و إن لم يرفض اللّه كحقيقة ذهنية تشريفاتية محدودة الإطار:

إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه يستكبرون.

(الصافات، 35) فاستكبروا في الأرض بغير الحق و قالوا من أشد منا قوة.

(فصلت، 15) و إذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم.

(لقمان، 7) و يتخذ موقف الجاحد و المكذب تجاه دعوة النبي التغييرية التحررية، و يجابهها بحجة أنه أقدر من غيره على فهم الطريق الصحيح، و بحجة أن اللّه ينبغي أن يخاطبه مباشرة:.

و قال الذين كفروا للذين آمنوا: لو كان خيرا ما سبقونا اليه.

(الاحقاف، 11) و إذا جائتهم آية قالوا: لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل اللّه.

(الأنعام، 124)

ص:37

و يتهم المستكبرون صاحب الدعوة بأنه يستهدف الحصول على الجاه و المنزلة، كما يتذرعون بالتقاليد البالية السائدة لنظامهم المسيطر للحد من انتشار الدعوة في المجتمع.

قالوا: أ جئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا و تكون لكما الكبرياء في الأرض؟ و ما نحن لكما بمؤمنين.

(يونس، و يستعيون بالقوة و التزوير و بمختلف سبل الخداع و التضليل لإبقاء الناس تحت سيطرتهم و عبوديتهم، و يدفعونهم الى مجابهة كل دعوة تحررية: و قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا.

(الأحزاب، 67) فيقول الضعفاء للذين استكبروا: إنا كنا لكم تبعا، فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار.

(المؤمن، 47) قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون.

(الأعراف، 108، 109) و أخيرا يعرضون النبي و أتباعه الثائرين على النظام المسيطر و على الاتجاه الفكري السائد لأقسى الحملات و أشد أنواع التعذيب و الأذى و التنكيل.

قتل أصحاب الأخدود. النار ذات الوقود. إذ هم عليها قعود. و هم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود.

(البروج، 3-7)

ص:38

و قال فرعون ذروني أقتل موسى و ليدع ربه، إني أخاف أن يبدّل دينكم، أو أن يظهر في الأرض الفساد.

(غافر، 46) هذه هي باختصار الخصائص التي يذكرها القرآن الكريم للمستكبرين. و هناك مواضع أخرى تجاوز فيها القرآن رسم الصورة الى وضع الإصبع على أفراد مشخصين ينتمون الى إتجاهات معينة:

ثم بعثنا من بعدهم موسى و هارون الى فرعون و ملئه بآياتنا فاستكبروا.

(العنكبوت، 39) فرعون معروف، و هامان مستشار فرعون الخاص، و الشخصية الأولى في جهاز فرعون طبعا. و «ملأ فرعون» هم علية القوم في هذا الجهاز، و السائرون في ركاب فرعون و مشاوروه و مساعدوه. (راجع الآية 126 من سورة الأعراف). و قارون هو صاحب الثروات الطائلة و الكنوز التي «مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة».

و باستعراض عشرات الآيات من كلام اللّه العزيز بشأن الاستكبار، نستطيع أن نفهم المستكبر على النحو التالي: الجناح المسيطر في المجتمع الجاهلي، الماسك - دون استحقاق - بزمام السلطة السياسية و الاقتصادية. و استمرارا لإستثماره و تسلطه الجابر، يمسك أيضا بزمام الأفكار و المعتقدات المسيطرة على الأذهان، و يعمل بأساليب متنوعة على ملء الأذهان بأفكار تدفع الأفراد الى الاستسلام له و الى الانسجام مع الأوضاع القائمة. و هذا المستكبر يهب لمقارعة كل دعوة الى التوعية، فما بالك إذا كانت الدعوة إنقلابية تغييرية!! حفاظا على مصالحه بل على وجوده.

ص:39

و الآن نعود الى موضوعنا الأساسي:

كيف عرض الأنبياء عقيدة التوحيد؟ الجواب على هذا السؤال يوضح مواضع الحساسية التي تستثير المستكبر في هذه العقيدة، و سبب حساسيته من هذه المواضع، و سبب عدم قدرة المستكبر على تحمل عقيدة التوحيد حين تطرح بهذه الكيفية.

و جدير بالذكر أن الجواب على هذا السؤال يوضح لنا من جانب آخر أهمية التوحيد بإعتباره القاعدة الأساسيّة التي تقوم عليها الرسالة.

نعلم أن شعار التوحيد هو أول نداء يرفعه النبي في المجتمع:

النبي الخاتم رفع في مكة شعار:

قولوا لا اله إلا اللّه تفلحوا.

و القرآن الكريم نقل عن أنبياء كرام مثل: نوح و هود و صالح و شعيب و.. خطابهم لأممهم، و كان الخطاب يدور حول محور التوحيد:

يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره.

(الأعراف، 59) هذه الشعارات كما ترى تستند بالدرجة الأولى الى رفض كل عبودية لغير اللّه. النبي بهذه الشعارات يهيب بالجهلة الغافلين المنغمسين في أوحال النظام الجاهلي الطاغوتي أن يكفوا عن عبودية كل قطب و قدرة غير اللّه. و هذا يعني أن النبي يبدأ دعوته بإعلان الحرب على كل الذين يجعلون من أنفسهم آلهة من دون اللّه.

من هم أدعياء الألوهية في المجتمع؟ و ما معنى إعلان الحرب على الألهة المزيفة؟ و ما هو الموضع الذي تريد دعوة الأنبياء أن توجده في المجتمع؟.

ص:40

عبارة «أدعياء الألوهية» توحي الى الأذهان عادة أولئك الذين جعلوا من أنفسهم «إلها» أي أولئك الذين إدعوا لأنفسهم تلك القدرة الخارقة التي كان البشر يؤمن بها على مر التاريخ بشكل من الأشكال.

و هذا فهم سطحي للعبارة.

كان هناك طبعا في التاريخ مجرمون تافهون استغلوا قدرتهم السياسية و الاجتماعية، فأوحوا الى أفراد أتفه منهم أنهم آلهة بالمعنى المتقدم أو أنهم يحملون جانبا من روح الإله. و لكن لو ألقينا نظرة على المعنى الواسع لألفاظ «العبادة» و «الربوبية» و «الألوهية» في القرآن لاستنتجنا أن إطار مفهوم «ادعياء الألوهية» أوسع من ذلك الفهم بكثير.

استعمال مادة «العبادة» في القرآن الكريم يفيد أن العبادة تعني التسليم و الطاعة المطلقة لإنسان أو أي موجود آخر، حين نستسلم استسلاما أعمى لشخص، و نتحرك وفقا لرغباته و أهوائه و أوامره فقد عبدناه، و كل قوة تستطيع أن تخضعنا لها، و تسيطر على أجسامنا و نفوسنا، و تسخر طاقاتنا وفقا لرغباتها، فإنها تصيّرنا عبيدا لها سواء كانت هذه القوة داخل أنفسنا أم في محيطنا الخارجي. و من أمثلة هذه الاستعمالات القرآنية:

موسى يخاطب فرعون في بداية دعوته معاتبا يقول:

و تلك نعمة تمنها علي أن عبّدت بني اسرائيل.

(الشعراء، 22) فرعون و بطانته يخاطب بعضهم بعضا فيقولون:

أنؤمن لبشرين مثلنا و قومهما لنا عابدون.

(المؤمنون، 49) ابراهيم يخاطب أباه قائلا:

ص:41

يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيّا.

(مريم، 44) رب العالمين يخاطب البشرية:

ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين.

(يس، 60) اللّه تعالى يعدّ عباده الصالحين:

و الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها و أنابوا الى اللّه لهم البشرى.

(الزمر، 17) و حول أولئك الذين يعيبون على المؤمنين إيمانهم يقول تعالى:

من لعنه اللّه و غضب عليه و جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت أولئك شر مكانا و أضل عن سواء السبيل.

(المائدة، 65) هذه الآيات عبرت عن الطاعة لفرعون و لبطانته و للطاغوت و للشيطان بكلمة «عباده». و من خلال دراسة جميع آيات القرآن في هذا المجال نخلص الى أن العبادة في المفهوم القرآني: هي الإتباع و التسليم و الطاعة المطلقة أمام قدرة واقعية أو وهميّة طوعا و رغبة أو كرها و الزاما، مع الشعور بالتقديس و الثناء المعنوي أو بدونه.. هذه القدرة هي «المعبود» و هذا المطيع هو «العبد» و «العابد».

من خلال الإطار العام للمفاهيم المتقدمة يتضح معنى لفظة «الألوهية» و لفظة «اللّه» باعتبارهما تعبيرا آخر عن كلمة «المعبود»:

في النظام الجاهلي المنحرف المنقسم الى طبقتين: مستكبرة و مستضعفة، أي المنقسم الى طبقة مسيطرة ماسكة بزمام جميع الأمور و مترفة طبعا، و طبقة مهملة مسخرة و محرومة لزاما، و أبرز مظاهر

ص:42

الألوهية و العبودية هي هذه العلاقة غير المتعادلة بين الطبقتين.

من العبث أن نبحث وراء موجود مقدس بشري أو حيواني أو جامد، في دراسة آلهة المجتمعات الجاهلية على مر التاريخ. فأبرز مظهر للمعبود و الإله في هذه المجتمعات، هو تلك الفئة التي تمارس، اعتمادا على ارتباطها بالطبقة المستكبرة، عملية إخضاع و إرضاخ الجماهير المستضعفة و دفعها على طريق إشباع نهمها و جشعها.

الدين الواقعي في هذه المجتمعات، هو «الشرك» لأن الآلهة فيها متعددة بتعدد مراكز القوة المسيطرة التي تستثمر الناس على طريق أهوائها.

الشرك هو تأليه أفراد الى جانب اللّه أو بدلا من اللّه. و بتعبير آخر هو: إيكال أمور الحياة الى غير اللّه. و هو الاستسلام أمام كل قدرة غير اللّه، و الإتجاه نحو هذه القدرة لدى الحاجة، و السير على طريقها.

التوحيد يقع في النقطة المقابلة للشرك تماما: يرفض كل هذه الألهة، و يرفض التسليم لها، و يقاوم سيطرتها، و يحصن القلوب من الركون اليها، و يدفع الى إزالتها و طردها، و يشد الكائن الانساني بكل وجوده الى اللّه.

أول شعار رفعه رسل اللّه هو ذلك الرفض و هذا التسليم:

و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا اللّه و اجتنبوا الطاغوت.

(النحل، 36) و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي اليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون.

(الأنبياء، 25) الأنبياء إذن أعلنوا زوال النظام الجاهلي الفاسد المنحط بهذا

ص:43

الشعار. و بهذا الشعار أيضا دعوا الى كفاح مرير للطواغيت، أي لحماة هذا النظام و للمستهينين بالقيم الانسانية الاصيلة و لأصحاب تلك القيم التافهة المساندة للظلم و الظالمين.

رفض الشرك هو في الواقع رفض لكل الكيانات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية المقومة للمجتمع الجاهلي، و المتخذة من مذهب الشرك غطاء و تبريرا لوضع المجتمع المهزوز.

رفض الآلهة المزيفة يعني طرد كل الذين دأبوا على استضعاف الجماهير و استغلالها عن طريق القوة و التزوير، من أجل إشباع غرائزهم و أهوائهم الجامحة.

موسى إتجه الى حرب فرعون بهذا الشعار. نعم لقد تردد على ألسن بطانة فرعون مسألة رفض موسى لآلهتهم التقليدية:

و قال الملأ من قوم فرعون أ تذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و الهتك.

(الأعراف، 127) غير أن فرعون و من لف لفه كانوا يعلمون جيدا أن تلك «الآلهة»، أي الأصنام الجامدة، ليست إلا غطاء و تبريرا لألوهية فرعون و أتباعه. الصنم الجامد كان في الحقيقة تبريرا لتأليه الأصنام الحية، لذا كان من المنطقي تماما أن يقف فرعون من دعوة موسى، أي من الدعوة الى اللّه الواحد الأحد بارىء السماوات و الأرض، موقف المهدّد بالسجن و بقتل من آمن به و تعذيبهم:

قال: لئن اتّخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين.

(الشعراء، 29)

ص:44

قال سنقتل أبناءهم و نستحيي نساءهم و إنا فوقهم قاهرون.

(الأعراف، 126) لأقطعن أيديكم و أرجلكم من خلاف ثم لأصلّبنّكم أجمعين.

(الأعراف، 123) كل هذا التعنت و التصلب أمام اسم «اللّه» و دعوة التوحيد، يعود الى أن هذا النداء لا يعني إلاّ:

الايمان بحاكمية اللّه وحدها على الحياة...

و رفض الآلهة المزيفة...

و الإرتباط به وحده و تمزيق كل قيود العبودية الأخرى...

هذه هي روح التوحيد و أبعاده البناءة النابضة بالحياة.

و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته

ص:45

ص:46

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الفهم الصحيح للإسلام

الفهم الصحيح للإسلام(1)

أشكر جميع الأخوة و الأخوات الذين شرفونا في هذه الساعة المتأخرة من الليل و أقاموا هذا المجلس الصميمي و منحوني هذه الفرصة لرؤيتهم و السماع منهم و أن نتحدث بشكل عام في مجال المسائل التي نحتاجها اليوم جميعا، و أعتذر من التأخير لبعض الوقت و عدم إستطاعتي أن أصل قبل الآن بسبب البرامج التي لدينا، و يظهر أنه كان لديكم مجلس و لقاء و محاضرة، و كنت أحب أن أشترك في ذلك المجلس و هذا ما لم يحصل للأسف الشديد.

و لعله يمكن القول بشكل مؤكد: إن ما نراه اليوم ماثلا أمامنا، و الجو الذي نلمسه هو تفسير واقعي و ملموس لأحلامنا التي لم يكن في الحسبان تحققها في الواقع. فلا أنتم و لا نحن و لا أي شخص في هذه الدولة كان يتصور أننا نستطيع أن نرى الإخوة و الأخوات يستطيعون في جوّ حرّ أن يجلسوا مع بعضهم و يشعروا بأنه ليس هناك سيطرة و مراقبة و كبت و ضغط، و لم نكن نستطيع أن نظن أن تقام الجمهورية الإسلامية، و الحكومة التي تسير في خط النظام الإسلامي و في إتجاه إقامة نظام العدل الإلهي، و لكن هذا الحلم قد تحقق اليوم و جعلنا أمام مسائل حساسة و مهمة جدا.

ص:47


1- ألقيت ليلة 6 حزيران عام 1979 في المجمع الثقافي بالأهواز.

كنا حتى الأمس، جميعا ننظر الى المسائل بنظرة الناس الذين لديهم مسؤولية محدودة، و كنا نحدد موقفنا على أساس هذه المسؤولية و التكليف.

كانت المسؤوليات بأجمعها على عاتق النظام الجائر الذي كان حاكما، و كانت لدينا مسؤولية محاربته، و طبعا كنا حتى الآن نعتقد بأن المحاربة يجب أن تتم على أساس خط فكري محدد، و إذا كانت هناك محاربة بدون أن يوجهها خط فكري معين و مشخص فإن هذه المحاربة سوف لا تكون أساسية. كنا نعتقد بأن يجب محاربة ذلك النظام، و كنا نحارب، و كانت هذه هي مسؤوليتنا، أن نتحمل آلام هذه المحاربة و أن نسقط ذلك النظام.

مسؤوليتنا اليوم:

أما مسؤوليتنا اليوم فهي تختلف عن السابق، فلم تصعب المسؤولية فحسب، بل إن نوعها تغيّر عن السابق، فالمسؤولية التي كانت من الناحية الأساسية على عاتق ذلك النظام و ذلك الجهاز هي اليوم على عاتقنا جميعا. و ربما لم يكن أيا منّا قد اشتغل في الأجهزة و المؤسسات الحاكمة في هذه الدولة. و لكن المسألة هي أن مسؤولية إدارة هذه الدولة و توجيه هذه الدولة و مواصلة هذه الحركة تقع على عاتقنا جميعا.

إن الأخوات و الإخوة متساوون في المسؤولية عن هذا الأمر و أداء هذا الواجب.

نحن اليوم لا نستطيع أن نتكلم و نعمل على ضوء الفرد أو الجمع غير المسؤول. هناك إختلاف كثير فإن الإنسان الذي يجتاز الشارع و يرى

ص:48

مخزن بضاعة قد اضطرمت فيه النار فهو و إن كان مكلفا في حدود الوسع و القدرة بالحيلولة دون إحتراق هذا المخزن و هذا المتاع و البضاعة، إلاّ أن واجب الانسان الذي سلّم له مخزن البضاعة و صار بذلك أمينا عليه أشدّ منه بكثير فإن واجبه يتضاعف و نوع مسؤوليته يختلف عن مسؤولية الشخص الأول. و طبعا للرؤية الكونية الاسلامية فإن الإنسان فرد مسؤول أساسا، و هذا من العناصر البناءة للإنسان، فالانسان ليس فقط كائنا مفكرا و مريدا و مختارا و مبدعا؛ إذ أن المسؤولية و التكليف من العناصر البناءة و من خصائص الانسان أيضا، و لكن المسؤوليات ذات أنواع مختلفة، و نحن اليوم نتعرض الى أصعبها، و الآن نبحث هذه المسؤولية.

إن الذي يبدو هو أن هذه المواجهة لا بد أن تستمر و كلنا نعرف إن قطع السلطة الاقتصادية و الثقافية ليس بسهولة قطعنا للسلطة السياسية. كلنا نعرف أن هذه الكلاب السائبة التي كانت تدور حول هذه المائدة و تأكل و تنهب و اضطرت اليوم الى الابتعاد لا يمكن أن تتخلى بهذه السهولة. الكل يعلم أن شعبنا كبّل و سحب بمئات الأغلال، و لعلنا جميعا نعرف: كما أن القضاء على السلطة السياسية أسهل من القضاء على السلطة الاقتصادية فإن قطع السلطة الاقتصادية أسهل من القضاء على السلطة الثقافية حيث أنهم قد انهمكوا خمسين سنة في ثقافتنا و عملوا خمسين سنة في تسميم أفكارنا و إدراكاتنا و مشاعرنا، و نحن اليوم حصيلة خمسين سنة من الجهود الضائعة، يجب أن نصلح أنفسنا. و كل هذا يتطلب زمنا و يتطلب سعيا و جهدا و مواجهة، و كل هذا يدعو الى التكليف. هذا هو واجبنا و لكن المسألة هي على أي معيار و على أي ضابطة و أساس نريد أن نواصل هذه المواجهة. فلسنا جماعة بلا ايديولوجية حتى يكون مرشدنا دافعا أو اتجاها وطنيّا، نحن لسنا كشعب فلسطين أخذت منازلنا، أيديولوجيتنا هي منازلنا، نحن نعتقد و ندعي أن

ص:49

الفكر الاسلامي له عمق و أصالة فينا بحيث يستطيع بشكل صحيح أن يوجه ثورة اجتماعية و حركة ثورية، يدمّر و يبني، و لهذا السبب قلنا: إننا لا نستطيع أن تكون لنا وحدة قوى مع الايديولوجيات التي تخالفنا في أساس الرؤية الكونية هذا ما نكرره الآن أيضا، منذ فترة طويلة كانت عقيدتنا و لا تزال هي هذه، نحن لم نحارب أصحاب الايديولوجيات المادية و الرؤى الكونية الالحادية كما أننا لا نحاربها الآن أيضا. أي أننا لا نبدأ الحرب. و لكننا كنا نعتقد و لا نزال أيضا أننا لا نستطيع أن نوحّد جهودنا معهم. إن هذا التصور الخاطيء قد وجه لنا ضربات كثيرة و هو أن نظن أننا نستطيع أن نوحّد و نتحد معهم، حتى نصل الى الشيء الذي تصورناه هدفا مشتركا.

كان تصورا ساذجا مهادنا قد ساد في أذهاننا فترة طويلة، و إن التجارب أيقظتنا، و قد وعت و أدركت عناصرنا الذكية و الثورية و الفعالة في جميع الطبقات هذا الدرس جيدا. و كان سببه هو أن ثورتنا ليست ثورة قومية جافة و فارغة. طبعا كنا نريد أن نحرر إيران و نبني نظاما حرا بدل النظام الاستعبادي و الاستبدادي و الاستغلالي السابق. كنا نريد أن يصل المستضعفون الى الإمامة، و لكن الإمامة تقترب بالأمة، و الأمة هي تلك المجموعة التي لها جهة واحدة فما هي تلك الجهة؟ و ما هو المعيار الذي تسعى على ضوئه هذه الجماعة نحو تلك الجهة؟ هذه مسائل يجب أن يوضحها الاسلام لنا. الاسلام هو ايديولوجيتنا.

إن طرح مسألة الإسلام اليوم و أمس تشترك في جهة واحدة و هي أنه يجب أن نبذل جهدا في التعرف على الاسلام بصدق. علينا أن نسعى لكي لا نطبق الأفكار الاسلامية على المعايير و الضوابط غير الاسلامية، و هذه قاعدة مهمة جدا، و إذا لم يفهم شخص القاعدة اليوم و لم يدركها بشكل قاطع، فيجب القول إنه بطيء الفهم. لنسعى أن نتعرف على

ص:50

الاسلام بأسلوبه الصحيح.

و لنتوسع في المسألة مقدارا أكثر:

تعرفون أننا تعرضنا الى التحريف سنين، و قد تعرض إدراكنا و فهمنا الى التحريف في أكثر المفاهيم و المصطلحات لقاموس الإسلام إن لم أقل في جميعها، لم نكن نفهم الصبر، لم نكن نفهم العبادة، لم نكن نفهم التوحيد، لم نكن نفهم النبوة، لم نكن نفهم الجهاد، كنا نقرأ جميع هذه المصطلحات في القرآن و النصوص الاسلامية، و لكن المفهوم الذي ينطبع في أذهاننا عن هذه المصطلحات لم يكن مفهوما إسلاميا خالصا بل كان مخلوطا و غير خالص.

ماذا كان السبب؟ السبب أن الثقافة الاسلامية الأصيلة قد تحولت الى شيء آخر طيلة قرون بسبب امتزاجها بالتقاليد و العادات و الأغراض و الجهالات. كان إدراكنا للمفاهيم الاسلامية و المصطلحات الاسلامية يختلف كثيرا عما كان يفهمه المسلمون في صدر الاسلام. ثم لحسن الحظ أدت الثقافة العالمية الجديدة في الشرق برغم ما فيها من نواقص الى هزة في العقول، و يجب أن أقول إنها بدأت منذ مرحلة الحركة الاسلامية العظيمة و الاصلاحية للسيد جمال الدين، و قد عرفتنا بحقيقة الاسلام، و قربتنا الى المفاهيم الحقيقية للاسلام، و ساعدتنا على فهم الاسلام بشكل صحيح، و قد عثر مثقفونا على الطريق. ثم تقدموا بالتدريج، و فجأة رأينا أن الاسلام الذي كنا نفهمه قبل عشرين أو ثلاثين سنة يختلف من السماء الى الأرض عما نفهمه الآن، و قد ساعدتنا عوامل متنوعة في تغيير المسير، و في هذا التحول الذهني و الفكري و مرادي هو هذه المفردة التي أريد أن أخرج منها بنتيجة. لماذا لم يفهم الاسلام بشكل صحيح في الماضي؟ إن السبب الرئيسي و الأساسي و لعله الأهم هو أن الأفكار الاسلامية اختلطت بالثقافات الأخرى الغريبة غالبا

ص:51

عن روح الاسلام، كان المفكر الاسلامي يدخل الاسلام بأرضية ذهنية خاطئة فيفهم الاسلام خطأ، كان المفكر الاسلامي يدخل الاسلام بذهن ممزوج بأفكار المتكلمين مثل الاشعرية أو المعتزلة، يدخل الإسلام بذهن ممزوج بالأفكار الفلسفية اليونانية و يفهم الاسلام بشكل آخر، و وصل الأمر بالتدريج الى أن أصبح الإسلام الثوري، الإسلام الذي بنى أباذر و سلمان، الإسلام الذي أمضى نبيّه و عليّه الشطر الأكبر من عمرهما في ميادين الحرب و لم يساوما الظلم لحظة واحدة، أصبح إسلاما في خدمة الظلم، أصبح إسلاما يؤيد جميع المساويء و الانحرافات، و مبررا لجميع المظالم. أي أن الاسلام غير إتجاهه بنسبة مئة و ثمانين درجة.

و هذه المسألة نفسها تكررت في زماننا أي قبل حوالي خمسة أو ستة و عشرين سنة أو ثلاثين سنة و ما بعدها، و هذه مسألة مهمة جدا و حقيقة مؤلمة جدا يجب أن نلتفت اليها جميعا.

أنتم تعرفون أن الاتجاه الديني الواعي بدأ منذ سنوات العقد الثالث و ازدادت سرعته منذ سنوات العقد الرابع من هذا القرن. و قد ظهر في مشهد و في طهران و بعض المدن الأخرى مفكرون و معلمون كانوا يوجهون الجيل الشاب نحو الاسلام الحقيقي، الاسلام المضيء و قد حصلت سرعة خاصة في هذه الحركة حتى سنوات ما يقارب نهاية العقد الرابع، و في هذه السنوات لم تكن الوجوه الأساسية التي كان لها أدوار مهمة كثيرة جدا و يمكن حصرهم بما يلي: العلامة الطباطبائي، السيد محمد تقي شريعتي (والد المرحوم الدكتور)، السيد الطالقاني، المرحوم الشهيد مطهري، المهندس بازرگان، و يجب اعتبار هؤلاء ضمن طلائع الفكر الاسلامي الجديد و كل واحد من هؤلاء كان معلما في بعد خاص، و الصورة التي كانوا يعرضونها للإسلام هي الشيء الذي يمثل

ص:52

يقظة بعد نوم طويل. و لذا لم يكن أمرا غريبا أن يتعرض أغلبهم أو كلهم في ذروة نشاطاتهم الى نوع من الاتهام و الخدش في معتقداتهم، و لكن الشباب تربوا في أحضانهم تماما مع النهضة و التحول الفكري الذي كان هؤلاء الرجال الكبار قد أوجدوه.

و كانت النشاطات العقائدية الالحادية و المادية مشغولة بالعمل، و في منتهى النمو و الجهد و السرعة و يجب أن أقول أنها كانت أوسع من الجهد الذي كان يقوم به المفكرون و المثقفون المتدينون. و كان عملهم أسهل أيضا. فالمفكر الاسلامي كان عليه أن يجلس و يتدبر ساعات في الآيات القرآنية و يطالع و يستفيد من تجاربه، و من نضاله و مطالعاته حتى يفهم معنى آية واحدة و يكتب سطرا أو صفحة حول تلك الآية أو السورة أو المصطلح القرآني. و لكن الكاتب المادي و الماركسي مثلا لم يكن بحاجة الى كل هذا التفكير، أقرؤا الكتابات الماركسية الفارسية ترونها غالبا ترجمة للنصوص الأجنبية: الانكليزية و الالمانية و غيرها، و لذا كان عملهم أسهل، فالترجمة أسهل دائما من الكتابة و التحقيق، خاصة إذا أراد الكاتب و المحقق تقديم عمل جديد فيه متانة، و لذا كثرت الكتب المعادية للاسلام أو غير الاسلامية بشكل عجيب، رغم وجود الجهود المخلصة للمفكرين الاسلاميين، و أصبح الجيل الشاب بشكل مفاجىء في ذلك الوقت أمام عدد كثير من الكتابات الالحادية المتنوعة. فالشخص مثلا في منتصف العقد الرابع الذي كان يريد أن يدرك الأفكار الاسلامية بأسلوب اسلامي كان يواجه في المكاتب الايرانية و في الجو الذهني لهذا البلد كتبا متعددة في الاقتصاد الماركسي، التاريخ الماركسي، الفلسفة الماركسية، بدون أن يكون تحت تصرفه ما يعادلها من الاسلام. فإذا كانت هناك عشرة كتب مترجمة في الماركسية حول التاريخ أو الاقتصاد فإنه لم يكن قد كتب في مقابلها حتى كراس واحد حول التاريخ و حول الاقتصاد من قبل المفكرين الاسلاميين؛ لأن الحركة

ص:53

المثقفة العميقة و الجديدة (كما قلت) كانت قد ظهرت حديثا و لم تكن لديها نتاجات كثيرة. و في مصر و الهند كانت قد بدأت قبلنا طبعا حركة إسلامية في التأليف و كانت الترجمة الفارسية لكتبهم في متناول اليد الى حدّ ما، و لكن المصريين و الهنود لم يكن لديهم ذلك التعقيد الموجود في الذهن الايراني حتى تستطيع كتاباتهم ملء هذا الفراغ القائم في ايران. و طبعا كان للهنود و المصريون حق السبق، إذ كانوا قد تقدموا علينا من حيث الرؤية الاسلامية المثقفة (و لا ننسى إن هذه الحركة الاسلامية الجديدة في الهند و في مصر مدينة للسيد جمال الدين الايراني، و لا شأن لنا بتلك المسألة، من الأفضل أن نضع الابعاد الوطنية جانبا).

و لكن الكتابات و الأفكار الاسلامية غير الايرانية لم تكن بالشكل الذي يشبع ذهن الباحث، و النتيجة هي أن المثقف المسلم في أوائل تكوّن الفكر الاسلامي كان يواجه جوا فكريا ماركسيا، و لا أقول أن ذهن كثير من هؤلاء المفكرين قد تلوث بالماركسية. إذ أنهم كانوا مسلمين و يعارضون الماركسية و يسعون الى طرد أفكارها و لكنهم بالنتيجة كانوا يتعرضون و يقعون في تلك الذهنية الخاطئة. و هذه مسألة مهمة جدا. أي أن مجتمع المفكرين الاسلاميين تعرض الى نفس البلاء، و وقع في نفس الفخ الذي كان قد وقع فيه الاسلاميون في قرون سابقة، فخ (التلوث الذهني بقواعد غير إسلامية) غير أن القواعد التي تورط فيها المتقدمون كانت هي فلسفة. اليونان و أفكارا كلامية أشعرية و معتزلية، و أما التي تواجهنا حاليا فهي فكر إلحادي للعقيدة الفلانية. و جميع هؤلاء المثقفين كانوا يفكرون اسلاميا، كلهم كانوا يريدون أن يترجموا و يفسروا القرآن، و كلهم كانوا يخافون من كل أنواع الاتجاه الالحادي، و لكن في النهاية كانوا يصابون في كثير من الأسس و هذه حقيقة ينبغي أن نذعن لها.

ص:54

لا أنسى أنه كان هناك لقاء جمعي في طهران في إحدى الليالي التي لا تنسى في آخر أشهر حياة المرحوم الدكتور شريعتي فيدور بيننا حديث و حوار جماعي (و للأسف لم يبق من الذين كانوا يتكلمون في تلك المحاورات على قيد الحياة غيري، و كان المرحوم مطهري و المرحوم الدكتور يطرحان بحوثا مفيدة كانت تسجل من قبل بعض الأخوة و الأخوات، و كانت هذه من بين الأعمال التي يمكن القيام بها في تلك الفترة من الكبت الأسود. و قد قال المرحوم الدكتور وقتئذ جملة تليق به، قال: نحن اليوم في حالة ولادة فكرية، و تلك النطفة الفكرية الاسلامية المنفتحة قد بدأت تأخذ بالانفلاق حاليا، و في هذه المرحلة من اللازم أن نبعد كل أنواع العروق الأجنبية عن هذه النطفة. و كان يقول: إن من الخطأ أن يقول شخص: كم هي النسبة المئوية التي يشترك فيها الاسلام مع الماركسية، و كم هي النسبة المئوية التي ينفصل بها عنها؟ كان يقول: إن طرح هذه القضية خطأ أساسا؛ إذ يجب أن نفترض أنه ليس هناك أي اشتراك و أية وحدة بينهما، لا ننظر أساسا ماذا تقول العقيدة الفلانية، و إنما لننظر أولا ماذا يقول الإسلام، نحن اليوم في فترة التعرف على الاسلام، نحن بدأنا نكتشف الاسلام، و هذه قوة في الطبيعة مرت قرون و لم نكن قد اكتشفناها بشكل صحيح. إسمحوا لي أن أضرب مثالا: إن النفط لم يكتشف حديثا، فهذه المادة الطبيعية قد اكتشفت من قرون و تم الاستفادة منها، و كانت تلك المعادن الطافحة تصل الى سطح الأرض، و كانوا يحدثون حفرا فيجتمع النفط و يستخرجونه و يستفيدون منه، فالنفط اكتشفه الانسان منذ قرون، و لكن اكتشاف النفط من قبل الانسان في تلك القرون يختلف كثيرا عن اكتشاف الانسان للنفط حاليا، فالانسان لم يكن يستطيع أن يستخرج منه وقودا للطائرات و لم يكن يستطيع أن ينتج من النفط في تلك الآونة مواد متنوعة و وسائل و آلات و حتى مواد بروتينية. و هذا اكتشاف جديد،

ص:55

فالنفط هو النفط و لكن الانسان لم يكن يستطيع في تلك البرهة أن يفهم ذلك بشكل صحيح.

و هذا ينطبق علينا حاليا بالنسبة الى الاسلام: فالاسلام نفس الاسلام، النبوة نفس النبوة، التوحيد نفس التوحيد، و لكن الشيء الذي نفهمه اليوم عن التوحيد و عن النبوة يختلف تماما عن الشيء الذي كانوا يفهمونه قبل خمسة قرون، و إذا نظرنا نظرة اعتراض على بعض الذين سبقونا و قلنا: لماذا لم يفهموا الاسلام بعمقه، بشموله باستحكامه. برقيّه؟ فإن هذا الاشكال سوف يرد علينا أيضا، إذا لم نفهم الاسلام اليوم بصفائه و خلوصه و نقائه. فيجب أن نسعى الى أن نفهم الاسلام بشكل صحيح، و لا نوجد أرضية في أذهاننا من الثقافات و العقائد الأجنبية لفهم الاسلام، و لا نخلط الاسلام بالعروق الأجنبية، و الخلاصة أن نفهم (الإسلام) لا شيئا آخر سواه.

لقد أردت أن أتكلم كلاما آخر، و لكن البحث إمتد الى هذه الجهة و هو أفضل. على أي حال إن واجبنا اليوم هو أن نستفيد من الاسلام كعقيدة موجهة و هادية. أن نفهم الاسلام بما فيه من خلوص و طهارة و نوجه نضالنا في اتجاه الاسلام و نواصله، و إذا استفدنا و بحثنا الاسلام بهذه الرؤية و بهذا الفهم و بهذه النيّة فعند ذلك سوف تكون جميع مواقفنا الاجتماعية سواء أمام الحوادث، أو الأشخاص أو الفئات أو العقائد أو الايديولوجيات على أساس الحكم الذي يقدمه لنا الاسلام.

نحن اليوم مظلومون:

نحن اليوم في ظروف أحاطت بنا المؤامرات و الحروب غير المطلوبة و المفروضة. نحن اليوم مصداق حقيقي لهذه الآية:

أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.

(سورة الحج - الآية 38)

ص:56

نحن اليوم مظلومون، جميع القوى السياسية العظمى تريد القضاء علينا، الجميع فرضوا علينا الحرب و ما زالوا، و في المستقبل سوف يعملون أكثر و يجب أن ننتظر. و قد تعبئت ضدنا جميع القوى و السلطات العالمية الكبرى و القوى العميلة و منها القوى الرجعية في المنطقة، و نحن مأذونون شرعا في أن نقف بوجه هذه الحرب التي فرضت علينا بغير حق. و هذا ما سنفعله، يحق لنا أن نقف بوجه جميع القوى التي تحاربنا. نحن اليوم مظلومون، إنهم يعتدون على حريتنا و كرامتنا الانسانية. و لا ذنب لنا سوى أننا أردنا أن نحرر أنفسنا من القيود، و قد ضحى شعبنا و بذل الأرواح و اقتحم المهالك حتى استطاع أن ينقذ نفسه، فعمدت القوى التي تضررت من حريتنا و خلاصنا و فوزنا الى محاربتنا.

إننا اليوم مظلومون كما ظلمنا في السابق، و لكن بوسعنا أن نحارب فإذا كانت قدرة ارادتنا و تصميمنا تعمل بالأمس، فاليوم لدينا قدرة مادية أيضا، لدينا سلاح و يجب أن نحارب في هذه الظروف الصعبة حيث يجب أن تستمر المواجهة، و إذا لم نكافح فسنخسر بالتأكيد و نزول مما يؤدي إلى تعرض الاسلام للسقوط و الفناء و الزوال أيضا في هذه الظروف العقائدية رائدنا هو الاسلام، و لا يستطيع أي شيء آخر إنقاذنا و الأخذ بنا الى الإمام. و إن ما ترونه اليوم من أن الامام و قائدنا العزيز يهيب بنا و يدعونا للمحافظة على الاسلام(1) إنما هو لأنه إذا لم يكن الاسلام فإن هذه الثورة سوف لا تستمر. و سوف تتوقف و إن الاسلام هو الذي يجب أن يأخذ بنا الى الأمام و يرشدنا، و لهذا السبب نعتقد أن التعرف على الاسلام و العثور على الاسلام حاليا هو فريضة علينا، و طبعا لا نوصي بأي وجه أن تتركوا المتاريس و تتجهوا نحو المكتبات أو المدارس. كلا نقترح أن يصبح المتراس مدرسة و مكتبة،

ص:57


1- تراجع كلمة الإمام في اليوم الخامس من حزيران لعام 1979 م.

إذ أن هذا البلد حاليا هو مركز ثقافي، و يمكن أن يكون متراسا أيضا مانع من أن يكون لدينا جهد ثقافي و فكري بجانب جهدنا السياسي و العسكري إذا احتيج لذلك، بل و يعد فريضة أيضا، و بهذه المناسبة و بما أننا نتكلم في هذا الجو و هذا المركز و الإخوة الأعزاء المعنيون حاضرون في المجلس و الإخوة و الأخوات الطلبة الجامعيّون موجودون هنا و الجو بشكل عام فكري و ثقافي و علمي. فإنني أوصي بأن تعملوا على الاسراع في هذه الحركة الفكرية و الثقافية و تقويتها، تابعوا العمل مع جماهير الناس بشكل أكثر جدية، و عمقوا هذه الحركة. هذه الحركة إنصافا ليس لها عمق في مستويات واسعة جدا. إن الحماس الديني و الدافع الديني حرك الجماهير الى الميدان، و لكن من أجل أن يظلوا في الساحة و يقاوموا، من اللازم أن نعمق هذه الحركة في أذهانهم، و هذا العمل يجب أن تعملوه أنتم، هذه وظيفة على عاتقكم جميعا، أوصيكم بأن تعملوا و تبذلوا جهدا في مجال إيجاد مكتبة، و مكتبة صوتية، و وحدات ثقافية إسلامية، و تنمية الوحدات الموجودة، و أوصيكم ثانية بأن تتجنبوا الاختلاف في الأذواق. دعوا اختلاف الأذواق جانبا و فتشوا عن الوجوه المشتركة، و أنا أعجب من المستعدين للعثور على وجه مشترك مع الأشخاص الذين يقفون في النقطة المقابلة لنا لإعتناقهم العقائد المادية و الالحادية، و لكنهم غير مستعدين لذلك مع إخوتهم المسلمين، فتشوا عن الوجه المشترك و المشتركات كثيرة بيننا، و لعله توجد آراء و أذواق الآن بعدد الأشخاص الحاضرين هنا في هذا الجمع، و لكن بالنتيجة هناك دافع واحد و وجه مشترك واحد دفعنا الى الاجتماع هنا فلنعثر على هذا الوجه المشترك و نعززه، و هذه فطنة كبيرة، فطنة لا بد منها و ينبغي على المسلمين حاليا أن يتمتعوا بها، أعتقد بأنه ليس من الصحيح أن استمر أكثر من هذا و سأستمع الى أسئلة الإخوة و الأخوات.

ص:58

أسئلة و أجوبة

اشارة

سؤال: (لم يفهم من الشريط) جواب: قلتم إنه بعد انتصار الثورة فإنّ ظهور هذه التيارات التي تتعلق بالأقليات المضطهدات أمر طبيعي. و أنا لا أؤيد ذلك. فأولا لا توجد في ايران أقلية مضطهدة بل توجد أكثرية مظلومة فما هي الأقلية التي تريدونها؟ إن الأقليات التي تقصدونها كلها جزء من أكثرية مظلومة.

فإن قصدتم أن وضع أهالي قرى خوزستان أسوأ من وضع أهالي قرى خراسان فأنتم مخطئون. و واضح أنكم لم تشاهدوا وضع القرويين في خراسان. فقد ذهبت الى جنوب خراسان و رأيت القرويين عن كثب، و رأيت أهالي القرى في سيستان و بلوجستان أيضا، و رأيت من يسكن الأكواخ أيضا. إن الخوزستانيين وضعهم سيء جدا و لكن ليس بالشكل الذي يمكن القول أن أهالي القرى البعيدة في طبس أو گناباد أفردوس غير مضطهدين بمقارنتهم مع أهالي القرى في خوزستان.

نعم إن الشعب الايراني هو أكثرية مظلومة، و الظلم له أنواع و درجات مختلفة. و من الجرائم الكبيرة للنظام الجائر السابق أنه على أثر

ص:59

خمسين سنة من الضغط الذي هو نتيجة لألفين و أربعمئة و خمسين سنة حسب قولهم سواء أو كان صادقا أم كاذبا! من النظام الملكي قد أخرج شعبنا من حالة الشجاعة فلم تكن تلك الشجاعة اللازمة موجودة و أن ما رأيتموه في الأشهر التي سبقت الانتصار كان هيجانا عارما، و كان دافعه الاسلام حقا، طبعا كان الفقر و الضغط أرضية له و لا ننكر هذا و لكن الدافع كان هو الاسلام، و إن ما وقع في قرى كشكوئية في رفسنجان لم يكن ثورة فلاحية (على غرار تحليل الماركسية)، و إنما كانت ثورة ذات طابع إسلامي إذ قام أحد الأشخاص بإهانة الامام الخميني فأطلق الناس شعارات ضده فهاجم الناس بسلاحه و يناشينه الحكومية. فضربه الناس و كسروا رجله فجاء نظام الشاه و صبغ سهل كشكوئية بالدماء عدة مرات. كان الدافع دافعا إسلاميا و إلا إذا انتزعتم الدافع فسوف لا تكون لديه الشجاعة التي يتحرك على أساسها و ذلك الدافع الذي بواسطة الاسلامي من شعبنا يستعرضون المظالم التي يتعرضون لها - على حد تعبيرهم - و بالإضافة الى هذا فإن هذه الدوافع إذا طرحت بشكل طبيعي فهي قابلة للحل من خلال تبرير بسيط أنتم هنا اختبروا خوزستان اذهبوا الى قرية و اشرحوا لأهلها الوضع و بينوا لهم الاتجاه الاسلامي لهذه الحكومة و ما هي وظيفة الناس تجاهها، سوف ترون أنهم أسهل انقيادا حتى من أهل المدينة.

و لهذا السبب عند ما أرى التحركات القوميّة أشاهد بوضوح اليد الخبيثة للمتآمرين فيها و لهذا أرجو أن تدققوا جيّدا في أشخاص لابسي الدشاديش فسوف ترون أنهم من غير العرب يطلقون الشعارات مع أنهم لا يعرفون اللغة العربية و لا يفرقون بين (النعم) و (اللا)... لماذا لا نرى التآمر؟ لقد رأينا قضية تركمان الصحراء عن قرب، أنا شخصيا لم أذهب الى تركمان الصحراء و لكن أوضاع التركمان واضحة عندي و كأنها قبالتي بسبب التقارير الكثيرة و بسبب المعرفة التي لديّ عن تلك

ص:60

المنطقة. في قضية تركمان الصحراء الدامية كانت هناك يد متآمرة بالتأكيد و قد عرفنا المتآمرين فيها.

و أنا أعرف جيدا بلوجستان و أعرف ايرانشهر بمقدار معرفتي لخراسان و الآن أستطيع أن أذكر لكم أسماء و عناوين الذين يسعون للقيام بالشغب هناك، و أقول أين كان هؤلاء و من أي الدول أخذوا الأوامر و يأخذونها، إن الدور المعادي للمؤمرات الأجنبية ظاهر في جميع الاضطرابات في البلد.

و في معرض الإجابة عن هذا التساؤل الذي يقول: ما هي مسؤولية الحزب في هذا الصدد؟ أقول: إنني أعتقد بأنه ليس فقط الحزب الجمهوري الاسلامي و أنا بصفتي عضوا فيه، بل على جميع أبناء الشعب و جميع الجمعيات و الفئات الاسلامية و الوطنية أن تتخذ موقفا صحيحا من هذه الحقيقة المرة، و هذا الموقف الصحيح يجب أن يكون بالدرجة الأولى حلا منطقيا لا حلا قمعيا، و هذا نفهمه جميعنا من اللازم علينا جميعا أن نسأل أنفسنا: إنه إذا كنّا في مكان الشخص أو الهيئة المسؤولة عن المحافظة على وحدة أراضي و استقلال هذا البلد و تكون مسؤولة أمام التاريخ إذا تعرض الشعب و البلد الى ضرر، فماذا سوف نعمل تجاه هذه الحوادث التآمرية؟ هل يحق لنا أن نترك الميدان خاليا أمام الهجوم السياسي و العسكري أحيانا للمتآمرين و نسمح متذرعين بأعذار فارغة و واهية بأن يفعل العدو بالإسلام و ايران كل ما يريد؟ إذا تعرضنا الى مؤامرة و لم نواجهها بحزم فعلينا ألاّ نلوم إلاّ أنفسنا. و أكرر أن تكليفكم في هذه المنطقة في الوقت الراهن ثقيل جدا. أنتم الآن في هذه المنطقة و في الصف الأمامي، أنتم في خط النار و يجب أن تبادروا بشكل حازم، و يجب أن توجهوا الأذهان، و تفضحوا المؤامرات. المتآمر ليس أجنبيا دائما، و كما قلت اليوم عصرا في

ص:61

المسجد: إن النفاق و الذي معناه الأثنينية و اختلاف الظاهر مع الباطن هو تيار اجتماعي و ليس فقط خصلة ذاتية، و قسم مهم من مشاكل الشعب الايراني اليوم ناجم عن تيار النفاق هذا، إن النفاق هو ذلك التيار السياسي الذي لا يتحمل الوضع الثوري الاسلامي بسبب أنه لا ينسجم مع أنانياته، و محاوره و يحاول ضربه مهما كلف الأمر. و طبعا إن المنافق لا يقول بصراحة: إنني عدو، لا يقول إنني ضد الثورة، بل يقول: أنا ثوري و يخدش ظاهرا بثورية الوضع السائد و لا يقوم في الباطن إلا بما يريد الأعداء في الداخل و الخارج و من الأمور التي تؤسفنا أن بعض الشباب الصادق و المخلص الذين لديهم فكر ماركسي يصبحون أداة بيد العملاء و المعارضين و يوجهون تيار النفاق في مجتمعنا، و هذا في الحقيقة مؤسف لنا، إذ لا يفهم بعض هؤلاء الشباب المخلصين ماذا يفعلون، و نحو طاحونة من يسكبون المياه.

نعم، إن مسألة المواجهات في هذه المناطق يجب النظر اليها من هذه الزاوية برأيي.

سؤال:

أنتم تعتبروننا أشخاصا مسؤولين في هذه المنطقة، و لكنكم تخطّؤون معرفتنا بهذه المسألة أو تلك من مسائل المنطقة الى حد ما. أنا أقول بوصفي شخصا من هذه المنطقة: إن هذه المسائل العامة قد طرحت بشكل أكثر شدة و لكن ماذا أستطيع أن أفعل في هذا الصدد؟ أنا أعرف أن تعامل المسؤولين مع هذه المسألة يضخمها، و في هذا الصدد بوصفي شخصا مسلما أشعر في بعض الحالات حتى الخاصة... (الشريط غير مفهوم) مثلا ذهبنا الى منطقة سكانها مئة بالمئة من العرب و لديهم أشخاص معروفين كانوا يستطيعون أن يتولوا مسؤولية، أشخاص

ص:62

مجاهدين معروفين من حيث الموقع الاسلامي و إقترحنا أن يعينوهم مدراء نواحي و لكنهم عينوا شخصا يمكنكم أن تفرضوا أنه جاء قريبا من أمريكا لا يعرف مكان تلك المدينة! و هذه المسائل تؤدي الى أن... (الشريط غير مفهوم).

نريد الحيلولة دون هذه المسائل

جواب: طبعا أنا لا أخطىء تشخيصكم بهذا الشكل، أنا أقول: تنبهوا الى العامل الآخر - العامل التآمري أيضا. و إن ما تقوله يوجد الى جانبه عامل آخر أيضا.

إن تخطئة و ذم القوميات، هو مثل تجاهل و إهانة الأديان، فهو عمل استفزازي و مثير للاختلاف، و إذا قام شخص من مسؤولي الحكومة بهذا العمل عمدا أو سهوا فإنه سوف يكون له تأثير كبير في إيجاد التفرقة بين صفوف الشعب، و ينتهي الى حوادث من هذا القبيل أيضا. و أنا لم أجعل لنفسي هذا الضمان بأي شكل و هو أن أجلس هنا و أدفع تماما و مئة بالمئة عن أعمال الحكومة المؤقتة.

فأنا لا أنكر تأثير هذا النوع من الأعمال أو الأقوال في ظهور الاضطرابات القومية، إن ما أريد أن أقوله و لباب قولي هو أن لا تتجاهلوا دور العامل الأساسي أي يد المتآمر الأجنبي و المنافق الداخلي في مسائل بث الفرقة القومية و الدينية، و هذا الكلام موجه اليكم و الى المسؤولين في الدولة و هو أن لا يحدثوا حججا أخرى بأيديهم الى جانب ذلك العامل الأساسي. و أما تكليفكم فهو برأيي واضح تماما. يجب أن تقوموا بعملين: الأول و قد تقدم سابقا و هو تنوير الأذهان الجاهلة، توضيح الوضع، و كشف المؤامرات... و العمل الثاني: هو الاتصال بالمسؤولين و توجيههم و نصيحتهم و التذكير بأن إثارة الحجج

ص:63

من قبلهم عاقبتها إثارة الفتنة التي يصل دخانها الى عيونهم أيضا.

سؤال: من المسلّم أن المواجهة العقائدية يجب أن تقوم على عقيدة، و بالنظر الى أن مواجهتنا يجب أن تستمر، و هناك أمر طبيعي في مجرى المواجهة أو مجرى الحياة و هو وجود التضاد القائم بين الأفكار و الآراء و الأحداث، و من ناحية أخرى أن التبعية للعقيدة في المواجهة و مسألة لزوم انطباق أي عمل على العقيدة، كل هذه يجبرنا على أن نحدد معيارا صحيحا و أن نطمئن الى أن مواجهتنا هذه هي أساس عقيدتنا، أي تنطبق بدقة على القرآن و العمل في إطار أحكام اللّه. و هنا يطرح سؤال أساسي و هو أن هناك في الوقت الحاضر فهما مختلفا لأصول الاسلام و تعطي حلول مختلفة فمثلا نرى أن التوبة تفسر (بعذر التقصير الى محضر قيادة الحزب التوحيدي)، و في محل آخر يعتبرون الوحدة مع الفئات و الأحزاب على أساس وحدة الاستراتيجية و الجميع يدّعون الدين. و بالنظر لهذا النوع من التفسيرات و الرؤى المتناقضة، فإننا نريد معيارا نفهم به أن هذه القاعدة تطابق القرآن و الاسلام، و تلك لا تطابقه، و إن هذا العمل يقع في إطار تنفيذ أحكام اللّه أم لا؟ وضحوا لنا المعيار، و أي من هذه الاستنتاجات و هذه الحلول يمكن أن يكون حلا نموذجيا في التعامل مع المسائل و في التعامل مع الأفكار؟ جواب: أشكر كثيرا الأخ الذي طرح سؤالا جيدا جدا. سؤاله بشكل مختصر هو أن فهم الاسلام يختلف، فالكل يقرؤون آيات القرآن و كل منهم يفسرها بشكل من الأشكال، فأيهم صحيح؟ سؤال جميل و هذه مسألة في الحقيقة هي موضع ابتلائنا اليوم.

طبعا إذا أردنا أن نبحث عن معيار و مقياس يستطيع بدون أي نقاش أن يحدد الإدراك الصحيح من غير الصحيح للجميع و يكون مثل المعادلة الرياضية. فيجب أن أقول أن هذا التوفيق لا نحصل عليه، و لو كان

ص:64

العثور على هذا المعيار ممكنا لما حصل أبدا تفكير خاطىء، و لكن نستطيع أن نحدد الشروط اللازمة للفهم الصحيح للقرآن و ننظر نظرة قبول لتلك الاستنتاجات و التفاسير التي تتمتع بهذه الشروط. و أهم هذه الشروط و أكثرها ضرورة إثنان، الأول هو معرفة العربية بشكل كامل و واضح، و أنا أعتبر أن كثيرا من الأخطاء الموجودة في تفسير الآيات ناشيء من عدم معرفة العربية، أي نرى أنهم يفسرون الآيات القرآنية خطأ (فيقاتلون) في القرآن تختلف عن (يقاتلون) بفتحة و كسرة فيقاتلون هم الذين تفرض عليهم الحرب و يقاتلون هم الذين يقومون بالحرب. لاحظوا هذين الاثنين كم يختلفان عن بعضهما:

أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.

(سورة الحج آية 38) أي يؤذن للذين فرضت عليهم الحرب أن يردوا كيد المعتدين لأنهم تعرضوا الى الظلم. لكن نرى أن شخصا يفسرها بهذا الشكل: يؤذن للذين يقاتلون... أي من الممكن لأي شخص أن يحارب بحق أو بغير حق، و بديهي أن هذا مما لا يريده القرآن، إنّ آية (يقاتلون) هي بفتح التاء لا بكسرها. و في البيان الذي أعلنت بواسطته فئتان مسلمتان الوحدة بينهما ذكرت في أول البيان آية فسروها خطأ و قد أردت في ذلك الوقت أن أتصل تلفونيا بأحد الأخوة المسؤولين و أقول له يا أخي ما هذا التفسير لهذه الآية، لقد قرئت الآية و ترجمت خطأ.

نعم إذا أراد شخص أن يفسر نصا عربيا بسيطا فيجب أن يكون فاهما و عارفا بالعربية، فما ظنك بتفسير آية من القرآن و هو أفصح النصوص و أبلغها، و الاستفادة من ذلك في أهم مسائل الحياة، بدون الاطلاع على اللغة؟ فأول شرط هو فهم اللغة حيث أن فقدان ذلك يؤدي الى كثير من التفاسير الخاطئة للقرآن و للنصوص الاسلامية و يبنى على

ص:65

أساس ذلك أسس فكرية يدعى أنها إسلامية، فانتبهوا الى هذه المسألة و لا تعتبروها أمرا غير ذي شأن فهي مهمة جدا و كثير من الأخطاء ناجمة عنها.

و الشرط الثاني: هو معرفة الثقافة القرآنية و معرفة مجموع القرآن. و هذا له تأثير كبير في الفهم الصحيح لآية من القرآن. و قد ذكر أخونا مثالين جميلين، و لم أسمع أن التوبة يفسرها شخص (بعذر التقصير الى قيادة الحزب التوحيدي) فلو كان شخص قد قرأ آيات القرآن في مجال التوبة مثلا توبوا الى اللّه (سورة النور الآية 31) أو إني تبت إليك، يفهم جيدا أن مرجع التوبة هو اللّه و ليس غيره. لأنه في ذلك الزمان الذي نزلت فيه هذه الآيات كان الحزب التوحيدي موجودا و له قائد أيضا و هو النبي. لم تقل الآيات توبوا الى الرسول أو تبت الى الرسول، بل قالت: الى اللّه، و يكفي أن يستعرض الشخص هاتين الآيتين حول التوبة حتى يفهم أن التوبة ليست بمعنى عذر التقصير الى محضر قائد الحزب التوحيدي، و التوبة أساسا ليست بمعنى عذر التقصير فهذا المصطلح له معنى واضح في القاموس الاسلامي: (تاب) أي عاد و التوبة تعني العودة عن الطريق الذي سلكه. فهناك شخص يسير في طريق خاطيء، فعاد، فهذه توبة و ندم و في الروايات و النصوص الاسلامية تأكيد على أن التوبة لا تحصل فقط بقول: استغفر اللّه باللسان، بل هي استغفار باللسان و ندم بالقلب و جبران بالعمل، أي العودة الكاملة و هذا هو معنى التوبة، أي العودة بشكل كامل و شامل عن ذلك الطريق الخطأ.

و مثال آخر قبل أربع سنوات وصلني كراس في تفسير آيات من القرآن و كان هناك آية لا أتذكرها الآن بشكل صحيح و لكن مضمون تلك الآية هو أن الكفار إذا أقدموا على هذا الأمر و استمروا في ظلمهم أو في

ص:66

كفرهم فإن اللّه عزيز ذو انتقام. و قد ترجمها بهذا الشكل: كل من يفعل هذا فسوف يحاكم في المحكمة الثورية للشعب و سوف يعاقب! و كان هذا في ذلك الزمان الذي حاكم فيه المنافقون عدة أشخاص في محكمة الشعب الثورية! و عاقبوهم! فاتضح إن هذا المفسر يفسر آية قرآنية على أساس عمل منظمة المنافقين، و هذا النحو من ترجمة القرآن سببه عدم معرفة قاموس القرآن و عدم الوعي بمجموع القرآن، وهذا العمل سوف يجيّر القرآن للجهة التي ليس لها أي شبه بالقرآن و الاسلام الحقيقي. و سوف تقرء الفاتحة على القرآن! و عند ما تنظرون ترون أن جميع التحريفات التي قام بها الرؤساء و الحكام و أصحاب السلطة كانت من هذا النوع؛ فقد تلاعبوا بكلمة و بدلوا معناها و وصفوا لها مفهوما آخر، و في النتيجة حرفوا قاموس الاسلام، و هذا النوع كثير في التاريخ إذا أردنا تقصيّه.

بناء على هذا فإن شرط الفهم الصحيح للقرآن هو معرفة القرآن بالدرجة الأولى اي الالتفات الى قاموس القرآن بمجموعه.

و هنا أبين لكم أمرا: ورد تأكيد كثير في الروايات و كذلك في سيرة الأئمة و أصحابهم على ختم القرآن، و كان شعبنا و خاصة القدماء يصرون على أن يقرؤا القرآن من أوله الى آخره ثم يبدؤون مرة أخرى من البداية و يختمونه. و في شهر رمضان حيث تشيع قراءة القرآن و حتى الآن، كان يعمل بهذا الأمر، و كان الناس حسب شوقهم و همتهم يتلون القرآن عدة مرات من أوله الى آخره. و ذكر في رواياتنا أن الامام كان يختم القرآن في ثلاثة أيام. فلماذا برأيكم هذا الختم للقرآن، أي قراءة القرآن و إعادة قراءته مرة أخرى؟! لماذا نسينا هذا؟ و لماذا أخطأنا و قلنا أنه بدلا من أن تقرأ القرآن كله إقرأ عشر آيات مئة مرة؟! هذا من الأخطاء الكبيرة جدا و من الكلام الفارغ و أباطيل الدهر إن الأمر بقراءة القرآن بشكل مستمر

ص:67

و كل يوم و بشكل متتابع حتى النهاية ثم قراءته مرة أخرى، هو من أجل أن تعرف مجموع القرآن فلا تخطىء عند ما تريد أن تفسر إحدى الآيات. و نحن مع الأسف نسينا هذه النكات الدقيقة، و قمنا بتطبيق الذوق و تصورنا أننا نعرف القرآن أو أسلوب قراءة القرآن أفضل مثلا من الصحابي الفلاني للامام. أو حتى من الامام الصادق الذي أمر بقراءة عدة أجزاء في كل يوم في شهر رمضان، خذ سورة واحدة، مثلا سورة الكهف و اقرأها من أولها الى آخرها، ثم اقرأها مرة ثانية، ثم اقرأها مرة ثالثة، فماذا عن سورة البقرة؟! و السور الأخرى؟ إن سورة الكهف تشبه سورة البقرة أو بعض السور الأخرى في بعض المفاهيم، و عند ما تضعها الى جانب بعضها تحصل على مفاهيم هذه السورة بشكل كامل، و لا يمكن فهم بعض القرآن مفصولا عن الأجزاء الأخرى، يجب قراءة القرآن مرة بعد مرة و تكرار قراءته كل يوم، و بشكل متتابع من أجل أن يعرف الانسان الثقافة القرآنية، و هذا هو الشرط الثاني. و الشرط الثالث هو مراجعة الروايات و سيرة الأئمة و هو يتطلب بحثا مفصلا.

السؤال الثالث: هل يمكن اعتبار ولاية الفقيه معيارا للتوجيه على أساس خط الامام و ما هي؟ الجواب: ولاية الفقيه تكون في مجال الأمور التنفيذية لا الأمور الذهنية. و الولاية في مفهومها الخاص هي بمعنى ارتباط الناس بمركز القيادة أي الحكومة.

و توضيح ذلك أن الولاية في المفهوم العام تعني: الارتباط الوثيق بين شيئين أو شخصين.

و عند ما يرتبط شيئان أو شخصان الى درجة أننا لا نستطيع أن نفصلهما، نقول: إن لديهما ولاية، أنا و أنتم لدينا ولاية أي أننا ارتبطنا ببعضنا.

ص:68

أما بالمعنى الخاص فإن الولاية هي ارتباطنا بالقائد و بالامام، و هذا الارتباط أكثره في المجالات التنفيذية، و الولاية طبعا حاكمة في المجالات الفكرية و الخط الفكري و لكن على شكل إرشاد. و الامام يؤوّل لنا القرآن، و يبين المعارف الاسلامية بتأويل صحيح. و عند ما يؤول الامام لنا جزءا من القرآن تتضح لنا حقيقة تلك الآية لا أن يحمل على تلك الآية ما لا تتسع له، و أما لماذا يمكن للامام أن يقوم بهذا العمل؟ فلأن الامام يعرف بالثقافة القرآنية أكثر من أي شخص آخر.

فمثلا بالنظر الى مجموع الآيات قد يستنتج للكفر مفهوم، يكون بموجبه كثير من المتظاهرين بالإسلام كافرين، و أنا و أنتم حيث نعتبر غير وثيقي الصلة بتلك الثقافة لا نستطيع أن نقوم بهذا الاستنتاج، و هذا يسمى بالتأويل أي أن الامام يؤول الآيات، و الولاية هي في هذا الصدد.

سؤال: ما هو رأي الامام بشأن الحكومة؟ يرجى أن تقدموا تحليلا لأعمال الحكومة و وضعها و وظيفتنا.

جواب: شكرا جزيلا حيث تواضعتم و طلبتم مني أن أحدد لكم وظيفتكم، و الحال أنكم تعرفون وظيفتكم و الحمد للّه، طبعا إن رأي الامام بشأن الحكومة واضح تماما. هذه الحكومة أي رئيس الحكومة عينه الامام نفسه و يعتبره رجلا صادقا و أمينا.

و الحق أنه كذلك، فنحن قبل أن نعرفه كرئيس للوزراء، نعلم أنه يحمل نفس فكرنا منذ سنين طويلة، نعرفه ثوريا و إنسانا قضى في السجن سنين، و قد تعرض الى غضب و عقوبة النظام البهلوي الجبار بسبب فكره و نضاله، فهو مسلم مفكر، و كما قلت إنه من أبطال الفكر الديني المثقف، و الامام كان يعرف هذا كله من أمانة هذا الرجل و عبادته و تقواه و صدقه و نضاله و جهوده و لذا نصبه في ذلك المنصب، و لكني أعرف و أنتم تعرفون أيضا و الامام يعرف أيضا أن حكومته ليست حكومة

ص:69

ثورية و كما قال هو في أول كلمة له: إن دولته سيارة ظريفة لا تتحرك إلاّ في طريق معبد، و ليست دبابة أو جارفة تسحق كل العقبات في طريقها و تفتح الطرق المغلقة بقوة و تزيل الحواجز الاصطناعية و الطبيعية.

و هو نفسه قال هذا و كان يعرفه. و الامام يعرف هذا على الأقل، لذا خاطب الامام الحكومة في الايام الأولى و قال: أنتم ضعفاء!! و كانت هذه حقيقة، و لكن الامام لم يرد أن يضعف الحكومة أكثر مما هي ضعيفة. إن هذه الحكومة ليست دولة مثالية للامام. ذلك الرجل القوي، الثوري، الجريء، المستقل، الحازم الذي يقطع مثل مقص حديدي و ينزل على رأس العدو كالصاعقة، و على كل من لم يسمع كلمة الامام اليوم(1) أن يعثر عليها و يسمعها، فهذا الرجل بهذا الأسلوب و الطبع لا يستطيع أن يعتبر الحكومة الحالية حكومته المثالية بشكل كامل و هذه حقيقة واضحة و هذا رأي الامام، و رأيي إتضح ضمنا، و أما ما هو تكليفنا تجاه هذه الحكومة؟ فهذه مسألة أساسية و حساسة. إن تكليفنا بالدرجة الأولى هو أن نلتفت الى المشاكل الكثيرة لهذه الحكومة فلنشاهد المؤامرات و العراقيل المتزايدة للأعداء اليساريين و اليمينيين التي تحاصر الحكومة من كل جهة، و نحكم بشكل واقعي و منصف، و نطبق مطالبنا مع إمكانات و قدرات الحكومة. و ثانيا أن نراقب بشكل صادق و مخلص فإذا كانت الحكومة ضعيفة فلا نضعفها أكثر؛ لأنها حكومتنا على أي حال، حكومة الشعب الايراني، لأنها منصّبة من قبل الامام، لأنها أصيلة و وطنية و غير عميلة، بدليل المعارضة لها، و قد قال الأخوة الفلسطينيون كلاما جيدا، قالوا: لو لا كل هذه المعارضة لهذه الحكومة لكنا قد شككنا في استقامة و أصالة ثورتكم، و لكن هذه المعارضات

ص:70


1- المقصود هو يوم 5 حزيران 1979 حيث ألقى الإمام كلمة تاريخية مهمة في الفيضية في قم.

أدت الى ثقتنا بأن ثورتكم أصيلة حقا و غير مرتبطة بأي جهة أو قوة أجنبية؛ لأن الجميع يوجه له الضربات. فسبب أنها أصيلة و مستقلة يجب الحفاظ عليها و مراعاتها و عدم القيام بإشكالات و مصاعب أكثر لها فلديها مشاكل بدرجة كافية و يجب مساعدتها على أمل أن تؤدي وظائفها بأسرع ما يمكن إن شاء اللّه(1) حتى تأتي حكومة مستقرة ثابتة و تكون إن شاء اللّه حكومة ثورية.

سؤال: هل إن الظروف الخاصة في ايران فرضت هذه الظرافة على رئيس الحكومة أم أنها من خصوصياته؟.

جواب: إن الامام الخميني ترعرع في ايران و عاش فيها، إن ظروف ايران لا تخلق ظرافة، و الظروف السابقة لإيران تخلق صلابة و قسوة.

سؤال: إن سبب الفقر الثقافي و ضعف الثورة في منطقة خوزستان هو عدم وجود علماء مجاهدين و واعين، و عند ما يكون قلب الثورة ضعيفا فسوف لا تحصل أعمال ثورية في المنطقة بشكل جيّد، فما هو الاقتراح و الحل الذي يمكن تقديمه في ما يتعلق بهذه المسألة؟.

جواب: يجب أن أقول أنني لا أعرف بشكل واضح و كامل قضايا العلماء هنا و لا أعرف من العلماء غير السيد الكرمي و السيد الموسوي، و قد سمعت سابقا أن السيد الموسوي لديه نشاط في المسائل الثورية و المواجهة و لم التق به حتى اليوم، حيث تعرفنا على بعضنا في المطار و لم أسمع غير ذكره بالخير و الشيخ محمد الكرمي فإني أعرفه منذ حوالي عشرين أو سبعة عشر أو ثمانية عشر عاما على الأقل و كان من الأفاضل المعروفين في قم، و لديه مؤلفات جيدة أيضا، و قد سمعت قبل سنة أو سنتين أنه لا يتعاون في المسائل الثورية. و هذه هي كل معرفتي

ص:71


1- المقصود: الوظائف التي كانت قد عينت للحكومة المؤقتة بأمر الامام و هي الاستفتاء و تدوين و اقرار الدستور و انتخابات مجلس الشورى الوطني و انتخابات رئاسة الجمهورية.

بوضع العلماء في الأهواز. و لكن هذه المسألة تطرح علينا من قبل الشباب في كثير من المدن. و مع أنني أظن أنه يجب العثور على حلول أساسية في هذه المسائل فإن هذا الحل إذا لم يكن أساسيا فليكن نصف أساسي على الأقل و هو أن الشباب الثوريين و العناصر الثورية يستطيعون بشكل جيد جدا كسب العلماء الذين تكون أرضيتهم الذهنية و الروحية مستعدة، الى ساحة الثورة أكثر فأكثر، هذا هو إعتقادي و تجربتي و أنا رأيت أن هؤلاء الشباب لو تصرفوا بوعي و بشكل مناسب و قللوا مطالبهم مقدارا ما، فإنهم يستطيعون كسب عالم لديه من الضعف بنسبة عشرة بالمئة أو عشرين بالمئة أو أكثر، الى الساحة و إنه سيصل حتى الى حد الطليعة و التقدم. و أما إذا فكرنا أن نأتي مثلا بعالم من مكان و نغرسه هنا، فهذا العمل صعب جدا و لعله خلاف المصلحة.

السؤال التالي لهذا الأخ هو: ما هو برنامج الدولة في ما يتعلق بكسب الطلبة الجامعيين و طلاب المدارس الى الأعمال العمرانية في الصيف.

الجواب: البرنامج الجيد الموجود هذه السنة هو جهاد البناء، و هو مشروع طرح من قبل الامام و قد حددت الحكومة له ميزانية لا بأس بها. و هناك برنامج آخر و هو مشروع مخيمات العمران القروي الذي خطط له الحزب الجمهوري الاسلامي و تم الاعلان عنه، و سوف ينفذ في الف قرية فقط في أنحاء البلد بالامكانيات المحدودة الموجودة لدينا. على أي حال توجد هذه البرامج لكسب الطلبة الجامعيين و طلاب المدارس.

سؤال: تحدثتم عن وحدة الأذواق، و قلتم: إن اختلاف الأذواق موجود و ينبغي تركه، و في الحقيقة قلتم هذا في ما يتعلق بالواقع الموجود ثم أشرتم الى أن البعض يرضى بالاتحاد مع أصحاب العقائد الالحادية و لكنهم لا يرتضون الوحدة مع إخوتهم المسلمين، ثم طرح

ص:72

أصدقاؤنا مسألة في ما يتعلق بالحزب التوحيدي و هو تحليل تقوم به منظمة فرقان.

يجب عدم مقارنة هذا بالتحاليل التي و إن اختلفت مع التفكير الصحيح و لكن ليس بدرجة كبيرة، إذ أن سبعين أو ثمانين بالمئة من التراجم و التفسيرات متحدة، و يبدو ان الاختلاف موجود في العمل فقط، و لكن التحليلات و التفسيرات تشابه في كثير من الحالات، و إذا كنتم تظنون ان الاختلاف بدرجة كبيرة، و إن البعض إلتقاطيون الى هذا الحد بنحو لا يمكن الاتحاد معهم أساسا، فلماذا لا ترون هذا الجانب من القضية و تقولون أن البعض غير مستعدين للوحدة مع إخوتهم الاسلاميين، بينما عكس هذه القضية موجود أيضا و هذا الجانب هو الذي لديه ليونة، و إذا كنتم ترون الاختلاف بهذه الدرجة الكبيرة، فلا تتكلموا عن الوحدة، و لكن إذا كنتم تظنون بأن هذه الاختلافات ليست كبيرة بتلك الدرجة و يمكن أن تحقيق هذه الوحدة مع وجود اختلاف الأذواق فاعملوا أنتم بهذه الوحدة.

جواب: المثال الذي طرحه ذلك الأخ سابقا، و يرى هذا الأخ أنه يتعلق بحركة الفرقان. فإني لم أسمع و لم أعرف أية حركة طرحت هذا، و لكنه على أي حال كلام فارغ. و أما ما ذكرت من بعض الحقائق الموجودة فيجب أن أقول: بالنظر للواقع الموجود فإن المسألة هي كما قلت، و طبعا أنا لا أتكلم على مستوى الذهنيات أي أنني عند ما أقارن بين ما أشعر به و أفهمه في المجتمع من خلال الإطار الذهني الذي أقبله و أؤمن به ينتج ما ذكرته، و أما أنك تقول أن ذلك يصدق على الطرف الآخر للقضية. فإذا كان المقصود هو أن ذلك الطرف يتقدم خطوة إلى الإمام فيجب أن تتقدم نحوه خطوة أيضا. فإنني لا أرفض هذا، و هو صحيح. و لكن إلى الدرجة التي لا تتعرض معها الأصول إلى الخدشة

ص:73

و أنا أقول بصراحة: إننا لا نتعامل مع أي شخص على حساب الأصول، فإذا رأينا أن الأصول تتعرض للتشويه يجب أن نعود إلى الأصول، و عند ذلك يجب أن لا تقولوا: لماذا تتكلمون عن الوحدة، إذ يحق لنا أن نتكلم عنها، نحن نقول ليرجع الجميع إلى الأصول و هذا هو معنى الوحدة و أنت سوف تقول من يقول أن الأصول التي تفهمها أنت صحيحة؟ فربما كانت الأصول التي أفهمها أنا هي الصحيحة؟ حسنا جدا، هذا كلام منطقي أيضا. و لكن يوجد حل نطرحه حتى نرى كلام أي من الطرفين هو الذي يطابق الأصول. إذا كان يوجد عندي و عندكم حقيقة هذا الإخلاص و الصفاء الذي يجعلنا نخضع للحقيقة حينما نفهمها و نتعرف عليها فحسن جدا نطرح اختلاف فهمنا في مختلف المسائل حتى نرى أي منها يطابق الأصول فهذا القرآن أمامنا:.

تبيان كل شيء (الآية/ 9 سورة النحل) فيجب أن نتمكن من الفهم، و لكن إذا كانت المسألة في حدود العمل، فيجب هنا أن يتبع كل من كان عمله قليلا للذي عمله أفضل، أي لنتعلم.

و أنا أفتخر إذا تعلمت منكم حيث أنكم مثل أولادي أو أخواني الصغار شيئا و عملت به، و طبعا أنتم لا تقصدون شخصي كما أنني لا أقصد شخصكم، فأنتم تكلمتم بشكل عام و أنا أيضا. و لكن بشكل عام من الفخر أن يتعلم الإنسان شيئا و يعمل به. و قد سألني اليوم أحد الشباب:

كيف تنظرون إلى المنافسة؟ فأجبته أن المنافسة الايجابية جيدة جدا، و أنا أظن أنه يجب على الفئات المسلمة مهما كانت أن تسعى قبل التطرق إلى البحث أو المناقشة لأن تقوم بإعادة نظر في ادراكاتها الذهنية، و تحصل على معرفة للقرآن. و تعود إلى القرآن مقدارا ما. إن بعض التفاسير و الكتابات التي نراها تتنافى مع الأصول الإسلامية، و إذا

ص:74

أراد شخص أن يقول أنها لا تتنافى مع الأصول الإسلامية فليأت لنتناقش، و نسأل اللّه أن تتضح المسألة إما لنا أو له.

سؤال: إن الخط النضالي للمهندس بازرگان معروف منذ سنة 42، فهو في موقف اصلاحي فلماذا عيّنه الإمام رئيسا للحكومة الثورية؟.

جواب: إن هذا السؤال صعب جدا و إذا أردت أن أتكلم بدقة فيجب أن أقول: اذهبوا و اسألوا الإمام نفسه، و لكن إذا أردنا أن نوضح المسألة مقدارا ما فيجب أن أقول: أن الإنسان قد لا يستطيع أن يحدس جميع زوايا و جوانب قضية ما، فهناك مجموعة مسائل، و مجموعة مصالح، لعلها تقتضي هذا، و ما دامت هي حكومة مؤقتة فلا اشكال على أي حال، فهي ليست حكومة دائمية.

سؤال: اطلب العلم و لو بالصين: اشرحوا هذه الآية رجاء، لأن حركة المجاهدين الوطنية تواجه استنادا منهم على هذه الآية في أكثر دروسها العقائدية هذا التساؤل من قبل الإخوة و الأخوات، و هو لماذا تعتبرون الماركسية علما؟.

جواب: أولا أن هذه ليست آية و إنما هي رواية، و لا ترتبط أساسا بتعلم الماركسية، و هذا الكلام الذي طرحته حركة المجاهدين الوطنية أو أي فرد و فئة أخرى ليس كلاما صحيحا.

اطلب العلم و لو بالصين: يعني إذا كان العلم في أماكن بعيدة فاذهبوا و اطلبوا ذلك العلم، أي إن جنابكم إذا أراد تعلم التكنولوجيا و المسائل الفنية و المسائل التجريبية فليس هناك أي مانع من أن تذهبوا إلى انكلترا أو فرنسا أو روسيا أو الصين أو اليابان، لتتعلموا. و إذا لم تذهبوا فإن العلم و الثقافة لا تنتقل، و أما الماركسية فهي تعتقد أن اقتصادها علمي و تاريخها علمي و فلسفتها علمية أيضا. و هذا الكلام لا نرى له أساسا، فتاريخ الماركسية ليس علميا على أي حال، و كذلك

ص:75

الاقتصاد الماركسي، و الفلسفة لا يمكن أن تكون علمية، و من الأكاذيب الكبيرة في التاريخ هي أن الفلسفة تكون علمية. و الشخص الذي يعتقد أن الماركسية علم و يجب تعلمها هو في الحقيقة يؤيد الماركسية، إن الماركسية ليست علما، و هي في كثير من الحالات مخالفة للتجربة، و التحليل التاريخي الماركسي بشأن الحوادث المعاصرة و الماضية يدل على وجود أخطاء كثيرة في هذا التحليل. و التحليل الماركسي في مجال عامل التحولات الاجتماعية و التاريخية هو خطأ محسوس. و نحن نثبت أن عامل التحولات الاجتماعية ليس هو ما تقوله الماركسية، و المسألة الأخرى هي أن العلم في الاصطلاح الشائع حديثا كما تعرفون يعني التجربة، و ليس بمعنى العلم بمفهومه الواسع، إن العلم في المصطلح الإسلامي المتعارف، هو في مقابل الفلسفة: أي أن العلم هو التجربة، و العلمي يعني الشيء الذي يتضح عن طريق التجربة، و يظهر مختبره الخاص عند التجربة و الاختبار. و التاريخ له مختبر و الاقتصاد و العلوم الطبيعية و غيرها كل منها لها مختبر خاص به.

و الآن أطرح سؤالا و أقول: هل أن كل شيء نريد اثباته يجب أن نثبته عن طريق التجربة و الحس؟ و هل إذا ثبت شيء عن طريق غير تجريبي فهو غير معقول؟ الماركسيون يقولون كلا، و نحن نقول لماذا؟ لماذا لا يقبل الشيء الذي يثبت عن غير طريق التجربة؟ جوابهم هو: لأن كل شيء مادي يجب تجربته و كل شيء مادي قابل للتجربة. و لأنه قابل للتجربة فإننا عند ما نجربه نصل إلى اليقين.

و كما تلاحظون أن أساس اعطاء الاعتبار للتجربة هو كون العالم ماديا! فإذا اعتبرتم الكون ماديا فإن هذا الكلام سوف يكون صحيحا أي أن كل شيء يجب أن يثبت عن طريق التجربة، و إذا لم يثبت لا اعتبار له! و لكن جنابك مسلم و لا تعتبر الكون كله مادة، بل أن بعض الكون

ص:76

مادة و بعضه غير مادة و القسم المادي يثبت بالتجربة و القسم غير المادي يثبت بغيرها، بأية تجربة تثبت اللّه؟ هل أن اللّه يثبت بالتجربة؟ و بأية تجربة تثبت روح الإنسان؟ و بأية تجربة تثبت المعاد و العالم بعد الموت؟ إن الفكر الإسلامي و الرؤية الكونية الإسلامية التي تعتبر الكون مادي و غير مادي لا تقبل هذا الكلام، بناء على هذا فإن أصل الكلام خطأ، و ليس له أي ارتباط بطلب العلم و لو بالصين.

سؤال:... (الشريط غير مفهوم).

جواب: حسن جدا يريدون أن يقبلوا ذلك الجزء من الماركسية الذي يعتبرونه تجربة أي غير فلسفته (و طبعا يعتبر الماركسيون فلسفتهم علمية أيضا) بل قولوا نحن لا نؤيد فلسفتها و لا نعتبرها علمية و إنما نرتضي اقتصادهم و تأريخه الذي هو تجريبي و علمي في اطار التوحيد حسن جدا. خذوا الخط التاريخي للماركسية أي هذه المراحل المتعددة و ارجعوا إلى الخلف، إلى بداية التاريخ و الشخص الذي يقبل بخط التاريخ الماركسي القائم على الماديّة التاريخية لا يستطيع أن يرفض الفلسفة الماركسية؛ لأن الفلسفة الإلهية تعتبر النبوة أساسا، و المادية التاريخية التي تعتبر جميع التحولات التاريخية ناجمة عن تغيير وسائل الانتاج و عدم الانسجام بين وسائل الانتاج الجديدة و علاقات التوزيع القديمة لا ترى للنبوة مكانا في تاريخها و تحولاتها إذا كنتم قد قبلتم النبوة بالصورة التي يوضحها القرآن، (أما إذا كنتم ترون للنبوة معنى آخر فذلك بحث آخر) فإنه لا يمكنكم القبول بالمادية التاريخية. إن القبول بالتاريخ الماركسي الذي يدعي السادة أنه تجريبي هو بمعنى القبول بالفلسفة الماركسية أي المادية الديالكتيكية.

و بناء على هذا فإن تجزئة الماركسية غير ممكنة و لو كانت هذه التجزئة ممكنة، لقام بها الماركسيون أنفسهم و لقام بها ماركس نفسه.

ص:77

اسمحوا لي أن أقول لكم: إن ماركس قبل أن يكون مفسرا للتاريخ كان اشتراكيا أي يعتقد بالاقتصاد الاشتراكي. و بعبارة أخرى: أن الترتيب الواقعي للماركسية ليس ذلك الأمر الذي كان يجب أن يكون أي الاقتصاد و التاريخ القائم على الفلسفة. فهنا الفلسفة تابعة للتاريخ و الاقتصاد. أي الماركسية بدأت من الاقتصاد و وصلت إلى التاريخ و بعد ذلك وصلت إلى الفلسفة هذا هو رأيي، أي أن ماركس أعتقد أولا بالاشتراكية، و أراد أن يجعل الاشتراكية علمية، إن الاشتراكية كانت مطروحة منذ قرون و لكن بشكل غير علمي، و أراد ماركس أن يجعلها علمية فوقع في خط المادية التاريخية فأدت به المادية التاريخية إلى المادية الديالكتيكية، إن اقتصاد ماركس في الحقيقة أي اقتصاد الاشتراكية العلمية هو الذي أوصله إلى التاريخ و وصل إلى فلسفة المادية الديالكتيكية.

و بناء على هذا فلا معنى لأن نؤمن بجزء من هذا الهيكل المترابط و نرفض الجزء الآخر، و لو قمتم بهذا العمل فإن الماركسيين أنفسهم سوف يقولون لكم: إنكم تلفيقيّون، كما رأيتم أن المنافقين و قالوا للمجاهدين أنكم تلفيقيّون، المنافقون الذين تحولوا من الإسلام إلى الماركسية اعتبروا في بيان لهم أن تغيير المواقف العقائدية لمنظمة مجاهدي خلق تلفيقي. فالمسلمون يقولون لهم أن إسلامكم غير كامل، و الماركسيون يقولون لهم أن ماركسيتكم غير كاملة. لماذا نريد أن نقوم بتجزئة؟! إن هذا خطأ.

سؤال: أشرتم إلى الحرب المفروضة، و بالنظر لهجوم الحكومة العراقية على القرى الغربية، أليست هذه بداية لهجمات لاحقة أو بداية حرب مفروضة للحصول على المصالح التي فقدها الامبرياليون؟ و هل أن هذه الحرب محتملة إذا أخذنا بنظر الاعتبار المسائل السياسية العالمية؟.

ص:78

أحد الحاضرين: بل قد بدأ الهجوم.

متى؟ اليوم.

أين؟ - أحد الحاضرين - منذ أربعة ليال ذهبت إلى الحدود و الآن جئت منها. إن جميع سكان القرى الحدودية من حدود خرمشهر حتى حدود دهلران وزعت عليهم بنادق كلاشنكوف مع ثلاثين طلقة جديدة في كيس، و لكل بيت عشرة آلاف تومان أيضا إن الجيش العراقي يعطي كل هذه المعدات لهم.

في حسينية أعظم قلت اليوم أن سبعين بالمئة من سكان العراق شيعة و خاصة أطراف البصرة و جنوب العراق. و ربما أمكن القول بأن سكان العراق من جنوبه حتى النجف هم شيعة مئة بالمئة.

- أحد الحاضرين: لا يحصل خلط هنا إذ لا دخل للعراق و إنما الموضوع هنا هو يد الاستعمار و هي أربع دول أو خمس تقوم بهذه المؤامرة، و إلاّ فالعراق ليس لديه صناعة أسلحة كلاشينكوف.

المحاضر: واضح نحن نعرف ما هي مشكلتنا و من أي جهة تنهال علينا الضربات فهذا واضح لنا، و لكن على أي حال من هو المباشر للقضية؟ إنه العراق و العراق سوف يفشل، و هو يريد في هذه المسألة أن ينتقم منا لمسألة الملا مصطفى. على أي حال إن هذه المسألة مهمة و لو كتبتم ما شاهدتموه و أعطيتموه لي فإنني آمل أن يكون له تأثير.

سؤال: في ما يتعلق بالسؤال حول الحكومة، هل يجب أن نبرر

ص:79

أعمال الحكومة أو ننتقدها بالنظر لأصل الانتقاد في الإسلام: تواصوا بالحق؟ مع العلم أن الحكومة عينها الإمام.

جواب: طبعا ليس صحيحا أن نبرر كل خطأ فهذا خطأ، و الانتقاد إذا انتهى إلى ضعف الحكومة فهو غير صحيح أيضا، و برأيي أن هناك طريقا وسطا ذكرناه في بيان السياسة الداخلية للحزب الجمهوري الإسلامي في طهران، في الدروس التي شكلت لهذا الغرض، ذكرنا أن موقفنا تجاه الحكومة هو موقف (الناصح المشفق) فنحن نتعامل مع الدولة مثل صديق يريد أن يصون صديقه من الخطأ. و نطرح عليها و نصر و نقول و نكتب التقارير و الرسائل و نستفيد من الأشخاص المقربين و نحذر أحيانا على لسان الحزب، و إذا رأينا أنهم يعاندون في مسألة ما نطرح انتقادنا بشكل ودي كما لاحظتم في قرار الحزب حيث أردنا من الحكومة أمرا بشدة في حالة أو حالتين و هذا شكل تحذيري، و طبعا لا نعتبر من المصلحة أن يصبح الانتقاد صريحا و عنيفا حاليا؛ لأنه يضعف الحكومة أكثر مما هي عليه حاليا.

سؤال: هل أن أعضاء الحكومة مطلعون بشكل كامل على أوضاع خرمشهر، و إذا كانوا مطلعين فلماذا سمحوا للقرى المناوئة للثورة في هذه المدينة بأن تقوى إلى هذه الدرجة بنحو يؤدي القضاء عليهم الآن إلى مقتل عدد من الأشخاص البريئين؟.

جواب: إشكال وارد، و أنا ليس لدي جواب عن هذا الإشكال و أؤيدكم أيضا.

سؤال: إن اختلاف الآراء و الفهم للأصول الإسلامية هو بسبب أساليب المعرفة المتنوعة التي قدمت، فما هو أفضل أسلوب للمعرفة برأيكم؟.

جواب: إن أسلوب المعرفة برأينا هو نفس أسلوب المعرفة

ص:80

الموجود على أساس قواعد الرؤية الكونية للإسلام، و لدينا عدة كتب في هذا الصدد أفضلها برأيي كتاب (الأسلوب الواقعي) للأستاذ الشهيد مطهري و الأستاذ العلامة الطباطبائي و هو صعب بعض الشيء و لكن يجب مطالعته و فهمه بدقة و أفضل من ذلك كتاب (فلسفتنا) لمن يعرف العربية للسيد محمد باقر الصدر، ليس من باب أنه أعمق، كلا بالعكس إن كتاب فلسفتنا كتاب مأخوذ في الحقيقة من الأسلوب الواقعي، و إذا لم نقل أنه مأخوذ منه فهو قريب جدا منه، مع فارق أن فلسفتنا كتاب ممنهج و الترجمة الفارسية لفلسفتنا ليست ترجمة جيدة مع الأسف، و ذلك الكتاب للذين يعرفون العربية جيد جدا و أظن أن الذين يعرفون العربية و الفارسية من الجيد أن يقوموا بترجمة أخرى لهذا الكتاب.

ص:81

ص:82

المجتمعات عشية ظهور الأنبياء

اشارة

المجتمعات عشية ظهور الأنبياء(1)

1

مقدمة:

من المواضيع التي تكررت عدة مرات في نهج البلاغة مسألة النبوة، و أن الاهتمام بها علاوة على أنه يوضح لنا موضوعا من نهج البلاغة، يبيّن مسألة أساسية من المسائل الإسلامية أيضا. إن مسألة النبوة ليست مسألة يحسن بحثها بوصفها مسألة تستحق التتبع في نهج البلاغة، بل ينبغي دراستها بوصفها من المسائل الأساسية و المهمة جدا في العقيدة الإسلامية و محورا لسائر المسائل و على نطاق واسع. و نعتقد أنه إذا أردنا أن ننظر إلى مسألة التوحيد من البعد الاجتماعي و الثوري بشكل عام فيجب أن نبحثها و نتابعها بوصفها مسألة من مسائل النبوة.

و في هذا البحث نطرح عناوين مختلفة و فصولا متنوعة من بحث النبوة و نذكر في نهاية هذه العناوين كلام علي بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة و نشرحه حتى نترجم و نفسر فصولا مهمة من نهج البلاغة الشريف ضمن بحث المسائل الإسلامية.

و للبدء ببحوث النبوة في نهج البلاغة نذكر مقدمة: نحن لا نتطرق في هذا البحث إلى مسألة الوحي، بل ننظر إلى النبوة على أنها حقيقة

ص:83


1- ألقيت في المؤتمر الألفي لنهج البلاغة عام 1401 ه ق. 1981 م.

تاريخية و حادثة لا تقبل الشك؛ فإن الحادثة التي نسميها بالنبوة و قد وقعت في تاريخ البشرية، و لا يوجد اختلاف بيننا و بين الذين لا يعتقدون بالنبوة، في وجود هذه الظاهرة و إنما الاختلاف في تفسيرها، و الاختلاف هو في مضمون الدعوة الموجودة في هذه الظاهرة و أما في أصلها فلا يوجد اختلاف بيننا و بين أي واحد من المهتمين بالتاريخ في كونها حقيقة تاريخية.

أن موسى (ع) ظاهرة سجلها التاريخ، و كذلك عيسى (ع) و سائر الأنبياء (ع) لهم نبذ تاريخية واضحة أو مبهمة إلى حد ما. و في هذا البحث ننظر إلى النبوة من هذه الزاوية أي نلحظ هذه الحادثة التاريخية، ثم نبحث في جوانبها، فنبحث أولا كيف كانت الأرضية الاجتماعية عند حصول هذه الظاهرة التاريخية؟ و في أي ظرف زماني و تاريخي، و في أي وضع اجتماعي وقعت هذه الحادثة؟ ثم نبحث من أي مكان في المجتمع ظهرت هذه الحادثة؟ من أية طبقة، من أية شريحة؟ من أي نوع من أنواع الناس، من الملوك، من المستضعفين، من العلماء و المفكرين؟ ثم نبحث و نطالع ما هو الهدف الذي كانت ترمي إليه، هل كانت تفكر بمصلحة طبقة خاصة، هل كانت تفكر بمصلحة الماديين؟ هل كانت تفكر بالجوانب العرفانية و المعنوية؟ و ما هو اتجاهها الاجتماعي و الفكري؟ و كذلك نبحث عن أول شعار جاء به هذا الرسول عند ما وقعت هذه الحادثة؟ و لا نقول أنه مرسل من قبل الغيب، حتى لا يقول البعض أننا لا نعتقد بالغيب، فهذا الاختلاف نتركه إلى حينه، على أي حال كانت هناك ظاهرة عرض فيها الرسول رسالة، هل كان هناك في المجتمع معارضين أم مؤيدين لهذه الرسالة؟ و إذا كانوا موجودين فمن هم؟ من أي الشرائح كان المعارضون و المؤيدون؟ و ما هي دوافعهم و ما هي أدوات العون.

ص:84

كما نبحث عن هدف هذه الرسالة، هل هو الرفاه الماديّ و رفع الفوارق الطبقية و رفع المستوى العلمي و الوعي؟ هذه هي أسئلة لازمة لمعرفة تلك الحادثة التي تعد بلا شك حقيقة اجتماعية و إن الجواب عن هذه الأسئلة سوف يوضح لنا هذه الظاهرة. إن هذا النوع من البحوث التي تتضمن حوالي خمسة عشر سؤالا حول مسألة النبوة، عند ما نستخرج أجوبتها من النصوص الإسلامية تتضح لنا منطقة كبيرة من الفكر الإسلامي.

و من بين الأسئلة هذا السؤال: لأي شيء أو لمن كان يدعو هذا الرسول؟ و عند ما تطرح مسألة التوحيد، و هنا يجد التوحيد بعدا اجتماعيا و ثوريا و سياسيا و اقتصاديا و نحو ذلك. و نحن نتابع هذا البحث في نهج البلاغة، و نسعى طبعا لأن لا نكتفي في هذه البحوث بالترجمة، بل يكون لدينا بحث أكثر تفصيلا حول تلك المسألة، و مع أن محور البحث هو نهج البلاغة، فإننا سوف نستفيد من الآيات القرآنية و البحوث العقلية عند الحاجة.

إن أول بحث يطرح على شكل سؤال هو أرضية ظهور النبوة، ففي أي ظرف زماني و ذهني و اجتماعي ظهرت النبوات؟ و هذا يساعدنا على أن نتعرف بشكل أفضل على رسالة النبوة. و قد أجيب عن سؤالنا في عدة مواضع من نهج البلاغة.

1 - تعرض في الخطبة الأولى بهذا الصدد لمناسبتين:

2 - و اصطفى سبحانه من ولده (آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم و على تبليغ الرسالة أمانتهم لما بدل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم فجهلوا حقه، و اتخذوا الأنداد معه، و احتالتهم الشياطين عن معرفته،

ص:85

و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله...)(1).

*أرضية ظهور الأنبياء:

يمكن العثور على موارد أخرى في نهج البلاغة و ما جاء في هذه الفقرة أشار إلى عدة خصائص للمجتمع الجاهلي:

1 - بدل أكثر عباد اللّه في هذا الزمان العهد الذي عهده اللّه إلى الإنسان، فما هو المقصود من العهد الذي عهد اللّه به إلى الإنسان؟ إن العهد هو الميثاق الذي يكتبه الحاكم و الزعيم و الرئيس لمرؤوسيه و عهد مالك الأشتر هو ميثاقه، و قد بدل أكثر الناس في ذلك الوقت الميثاق الإلهي، و قد أشار القرآن إلى هذا الميثاق في عدة مواضع، ففي بعض المواضع استعمل كلمة (عهد) أي نفس هذا اللفظ الذي استعمل في هذه الخطبة، و في أماكن أخرى استعملت ألفاظ و عناوين أخرى.

و من ذلك هذه الآية: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان و في آية أخرى: و قضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه فالعهد الإلهي و أمر اللّه هنا يعني عبودية اللّه فقط.

و في آية ثالثة جاء: و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا و هذا هو العهد الذي أشار إليه أمير المؤمنين في هذه الخطبة، و الأمر الذي عهده إليهم و أوجب عليهم أداءه لكنهم غيّروه، و قد أمر اللّه بعدم إطاعة الشياطين، و الأصنام، و الالهة الوهمية في المجتمع بأي شكل أو أي صفة، و لكن الناس بدّلوا هذا الأمر، فبعضهم عبدوا الأصنام و بعضهم جعلوا من أنفسهم أصناما و فرضوها على الآخرين، فالخاصية البارزة لفترة ظهور الأنبياء هي أن أكثر الناس

ص:86


1- الخطبة الأولى في نهج البلاغة.

يبدلون الأمر الإلهي أي لزوم العبودية للّه فقط، و هذه النتائج تترتب على هذا التبديل، فلم يعرفوا حق اللّه أو (اتخذوا الأنداد معه و احتالتهم الشياطين عن معرفته و اقتطعتهم عن عبادته فبعث فيهم رسله).

و ذكرت هذه الكلمات أيضا في الخطبة الأولى في محل آخر لمناسبة بعث رسول الإسلام (ص) و نحن نعرف أن أرضية ظهور جميع الأنبياء هي واحدة، فالنبي (ص) ظهر في نفس الظروف الاجتماعية من حيث الخطوط العامة التي ظهر فيها موسى و عيسى و إبراهيم و آلاف الأنبياء الآخرين.

و بناء على هذا فإن ما ذكر هنا حول أرضية ظهور الإسلام يطابق أرضية ظهور الأنبياء الآخرين. و تلك الجملة هي: (و أهل الأرض يومئذ ملل متفرقة و أهواء منتشرة و طرائق متشتتة بين مشبّه للّه بخلقه أو ملحد في اسمه أو مشير إلى غيره)(1) و هذه الكلمات مفعمة بالمعاني و نحن هنا نتطرق إلى شرحها بشكل مختصر: (و أهل الأرض يومئذ ملل متفرقة) أي لم يكن هناك فكر شامل سائد في الأذهان، و هذا يدل على عدم وجود ثقافة مقبولة، أو دليل على الاختلافات الكثيرة بين الناس، و هو من علامات الجهالة. و الأهواء المتفرقة يمكن أن تكون بمعنيين:

المعنى الأقرب هو أن الناس في أي شريحة من شرائح المجتمع أو في أي بقعة من بقاع الأرض لديهم رغبات و اتجاهات خاصة بهم. فهناك من يشتاق إلى أمر في هذه المنطقة أو في هذه الطبقة أو في هذه الشريحة، و هناك من يشتاق إلى أمر آخر في شريحة و طبقة أخرى، و لم تكن هناك أهداف مشتركة في المجتمع و هذه علامة على انحطاط المجتمع.

ص:87


1- الخطبة الأولى.

المعنى الثاني: المقصود من الأهواء المتفرقة هو أنكم لو كنتم نظرتم في أنحاء العالم للاحظتم أن هناك عدة أقطاب و عدة قوى، ففي ايران كان الطواغيت الساسانيّون، و في روما كان الأباطرة الروم، و في الحبشة كان سلطان و طاغوت آخر، كان هناك عدة مستبدين ديكتاتوريين يحكمون الناس في عدة مناطق في العالم، و في أي مكان يحكم طاغوت، فإن ما يشاهد في المجتمع و يلاحظ هو أهواء ذلك الطاغوت، و إذا كان هناك ظلم في المجتمع الإيراني في ذلك الوقت، و إذا كانت السيادة المطلقة للبراهمة و العسكريين، و العوائل الكبيرة و النبيلة تفرض على الناس. فهذا يعني في الحقيقة أهواء ذلك الطاغوت الحاكم فهو يريد هذا الشيء، و إذا كان الناس يعانون من وطأة الظلم الطبقي و الاقتصادي و الثقافي و الأخلاقي فهذا في الحقيقة بعض آثار أهواء ذلك الطاغوت الكبير، و بناء على هذا كان يشاهد و يلمس و يشعر بأهواء شخص في جزء كبير من المجتمع البشري و الأسرة البشرية، كانت الدنيا في مثل هذا الوضع.

الانحراف في شكل الوثنية:

كان للناس أساليب متنوعة، فهناك من يشرك باللّه خلقه، فالذين كانوا يشعرون طبقا لفطرتهم و جاذبيتهم القلبية و الروحية بوجود إله و خالق، كانوا يرون هذا الإله في شكل مخلوقاته، في شكل كائنات صغيرة و محدودة و ناقصة، فالبعض كان يعبد البقرة على أنها اللّه، و البعض كان يعبد الخشب و الجمر أو أي نوع من الأصنام الأخرى، و بناء على هذا كانوا يعبدون اللّه طبقا لدعوة الفطرة، و لكنهم لم يكونوا يعرفون اللّه بشكل صحيح، فأي انحراف أكبر و أوضح من هذا و هناك من

ص:88

توقف في اسمه و لم يصل إليه، و هذا الموضوع أدى إلى نوع من الانحراف في أذهان الناس الباحثين عن اللّه و العارفين باللّه، توقفوا في اسم اللّه و لم يستطيعوا أن يتجاوزوا الاسم، و نرى مثال ذلك في الفترات القديمة فمثلا الذين كانوا يدركون وجود اللّه بشكل مبهم قاموا بأخذ اسم (اللّه) و اسم (المنان) و عبدوا الاسم. لأنهم لم يستطيعوا أن يعرفوا اللّه بشكل صحيح. و لو أردت منهم أن يعيّنوا لك مصداق هذا الاسم فإنهم لا يعرفون شيئا عن حقيقته لذا كانوا يتصورون إن هذا الاسم منعكس في هذا الصنم أو ذلك الصنم. و مثال آخر لذلك يمكن أن نراه اليوم في بعض العقائد المستوردة، فهي تعترف باللّه، و لكن إذا سألتها ما هو اللّه؟ ترى أنها تقف واجمة في تفسير معنى و مضمون هذه الكلمة، فهم يفسرون اللّه بمعنى كل الوجود، يفسرون اللّه بمعنى القوانين التي تحكم الطبيعة، يفسرون اللّه بمعنى (العلّي و المعلولي) الموجود في الطبيعة و التاريخ و الإنسان، فهم لا يستطيعون أن يعرفوا اللّه بمعناه الحقيقي بالمفهوم الفلسفي القابل للاستدلال أي الذات المستقلة الواجبة الوجود الخالقة لهذا العالم لا أنها هي العالم نفسه، إنهم يظلون في اسم اللّه و يتوقفون فيه، و عند ما لا يستطيعون معرفة (اللّه)، (ذات اللّه)، فإنه من الطبيعي أن لا تحصل المعرفة، و المحبة و العرفان و الجاذبيات المعنوية و الأخلاقية التي تقوم كلها على أساس التوحيد و العرفان و معرفة اللّه لا تتحقق في مثل هذه الظروف، و من الواضح جدا أن الإنسان عند ما يعتبر اللّه بضعة قوانين تحكم الخليقة ستكون المناجاة عنده بلا معنى، و يعتبر البكاء العرفاني للإمام السجاد (ع) عملا تافها، و يكون الدعاء و التوجه و الذكر بلا معنى، و في الحقيقة أن ما يؤمن به ليس اللّه، ليس مفهوم اللّه، ليس معنى اللّه، ليس اسم اللّه، و لذا يقول أمير المؤمنين هنا (أو ملحد في اسمه)، و الذين توقفوا في اسمه و لم يصلوا إليه هم من ضمن العلامات التي كانت موجودة عند الناس في فترة ظهور النبوة.

ص:89

و هذا دليل على انحطاط الأديان و انحراف المذاهب في ذلك الزمان.

و في الخطبة الثانية يقول أمير المؤمنين بشكل أكثر تفصيلا في هذا المجال:

(و الناس في فتن انجذم فيها حبل الدّين، و تزعزعت سواري اليقين و اختلف النّجر، و تشتّت الأمر، و ضاق المخرج و عمي المصدر، فالهوى خامل، و العمى شامل، عصي الرّحمن، و نصر الشّيطان، و خذل الإيمان فانهارت دعائمه و تنكّرت معالمه و درست سبله و عفت شركه، أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه و وردوا مناهله، بهم سارت أعلامه و قام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها، و وطئتهم بأظلافها، و قامت على سنابكها فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون في خير دار، و شر جيران، نومهم سهود، و كحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم و جاهلها مكرم)(1).

هذه هي أرضية بعثة الأنبياء في كلام أمير المؤمنين، و لو دققتم في هذا الكلام فإنكم ترونه صورة و لوحة و تراثا فنيّا بالمعنى الحقيقي للكلمة لتوضيح الأوضاع و الأحوال الجاهلية. و في هذا الرسم الفني و في هذه اللافتة حيث وقف علي بن أبي طالب على المنبر و تكلم الناس، في هذا الكلام الذي رسم فيه علي لافتة نشاهد أن لمسات أصباغه قد اكدت أكثر على البؤس و المشاكل و الضعف في المجتمع، فهم من الناحية الفكرية لم يصلوا إلى نتيجة، و لم يعرفوا ما هو هدفهم، لا يعرفون لماذا يستيقظون من النوم صباحا، و قد يظنون أنهم يعرفون و لكنهم يخطئون. و أضيف هذه الجملة و هي أننا نستطيع بشكل واضح جدا أن نفهم مضمون هذه الكلمات لعلي بن أبي طالب (ع) لأننا عشنا فترة الضغط، و عند ما كنت أشرح هذه الخطبة في زمان مظلومية الشعب الإيراني و في زمان قتل الشعب الإيراني بأيدي و أقدام جلادي العائلة

ص:90


1- الخطبة الثانية لنهج البلاغة.

البهلوية و النظام الأمريكي، فإن كل كلمة كتبتها كانت تنبعث من ضميري و مشاعري أي أنها كانت أمورا نلمسها في ذلك اليوم، و كان كل ما جاء في هذه الخطبة و أمثال هذه الخطبة في مجال أرضية ظهور الأنبياء ينطبق كلمة كلمة على الوضع الذي كنا نعيشه في ذلك اليوم. فقد كان الناس من الناحية الفكرية في مستوى هابط جدا، و يثير الحيرة من الناحية النفسية، كانوا مخدوعين. لا تنظروا إلى السنوات الثلاث الأخيرة، تذكروا ذلك اليوم أن بعض المخدوعين بالمعنى الحقيقي للكلمة في بعض المدن الإيرانية يصعدون على الشاحنات و يقومون بالضجيج لصالح النظام الطاغوتي، و كان الضمير الواعي لفئة من الناس يتألم بشدة، و لم يكن هذا هو الضمير العام لمجتمعنا. فالذي لم يكن مستعدا للتصفيق كان يصفق عمليا، و الذي كان مشغولا بأمر الحياة في أي زي كان ليس فقط في زي الموظفين و العاملين في الحكومة بل حتى في زي الروحانيين كانوا من خلال سكوتهم و لا أباليتهم مشجعين و مؤيدين للطاغوت بشكل عملي، و كانوا كثيرين، كانوا مخدوعين و متحيرين، و لم يكن أي شخص يعرف عند ما يستيقظ من النوم ماذا سيفعل؟ كانوا يعرفون أنهم يجب أن يقوموا بعملهم اليومي و لكن ذلك ليس عملا لأن الهدف هو الذي يعطي للعمل معناه.

ما هو الهدف؟ لأي عالم خلق الإنسان، و لأي مستقبل؟ و لو سلبت الحياة الهادفة من الإنسان، فلن يظل للإنسان أي عمل إلاّ عمل (الناعور) أي الحركة في مكان واحد و هو نوع من التحرك إلاّ أنه في الواقع سكون. كانت البيوت أفضل البيوت و أرض اللّه فيها كل هذه النعمة، و منطقة الضمير و قابلية الناس و الأرضيات الصالحة - التي كانت موجودة عند الناس في ذلك الوقت و ظهرت اليوم، إن النقاط المشرقة التي ترونها اليوم في الشعب الإيراني ليست وليدة يومها، و عند ما ترون اليوم أن شبابنا و آباءنا يعيشون في عالم من الأحلام الثورية، أحلام

ص:91

يفسرونها في حياتهم اليومية و يلمسونها لحظة بلحظة، فإن هؤلاء لم يصبحوا ثوريين في لحظة واحدة، فالإنسان لا يغير ماهيته فجأة 180 درجة. و إنما كانت هي منطقة الخيرات و البركات الإلهية في الناس و في الطبيعة.

و لكن الجيران كانوا أسوأ جيران، فقد كان لهذه المنطقة جيران و ملاك سيئون، و من ثم تحدث الإيمان و اليقين و بقية الخصائص التي ترونها فهي نفس الأرضيات التي اختبرناها نحن الناس لحسن الحظ في بعض أعمارنا، فبعضنا في سنتين و بعض في خمس سنوات و بعض في عشرين سنة.

هذه هي أرضية بعثة الأنبياء و يقول أمير المؤمنين (ع): أن الأنبياء بعثوا في هذه الظروف و الأوضاع و الأحوال التي بيناها، و هذا بالنسبة لنا بحث فكري مهم جدا.

و للأسف يشاهد أن أرضية بعثة الأنبياء قد فهمت بصورة سيئة في بعض الأفكار غير السليمة و قامت على أساس ذلك استنتاجات و تحليلات خاطئة و مادية.

ص:92

مقابلات و وجهات نظر

* إن ثورتنا اقتربت أكثر، من قيمها الرسالية(1).

- ما هي ذكرياتكم عن تعيين الحكومة المؤقتة بعد انتصار الثورة و كيف توضحون هذا التعيين بشكل عام؟.

* بسم اللّه الرحمن الرحيم. إن ما يمكن بيانه كذكرى في هذا المجال هي الجلسة التي قرىء فيها بيان تنصيب رئيس الوزراء المهندس بازرگان بواسطة الشيخ هاشمي رفسنجاني بحضور الصحفيين الأجانب من أنحاء العالم و قد كنت حاضرا تلك الجلسة و كانت الحالة السائدة فيها حالة لا تنسى؛ لأننا شاهدنا بعد سنين من التمني و الأمل أن حلما بعيدا أخذ يتحقق، و إن حكومة بدأت تتشكل من قبل الإمام و قائد الثورة. و كان الشوق الذي لدينا في ذلك الوقت لا ينسى. و كان تصرف المهندس بازرگان في ذلك اليوم تجاه حكم الإمام تصرفا طبيعيا، و كان جوابه على التعيين قد ذكره في كلمة ألقاها في الجامعة، فشبّه نفسه بسيارة ركاب صغيرة، و كما أذكر فقد فهم من كلامه صراحة و كناية أنه يجب عدم ترقّب أعمال ثورية صعبة أساس ية منه، و في هذه الجلسة التي أشرت إليها كان تصرّفه مؤدّبا و جيدا، كانت جلسة تاريخية لا تنسى.

ص:93


1- أجريت المقابلة فاي شهر شباط عام 1982 م (نقلا عن مجلة سروش).

و أما الشيء الذي ينبغي أن أبيّنه حول هذه المسألة، فيجب أن أقول. إن الإمام طبقا لتزكية بعض الأصدقاء و من خلال معرفته السابقة عيّن المهندس بازرگان رئيس وزراء للحكومة المؤقتة، و التي يجب أن تهيء الأرضية لإقامة الجمهورية الإسلامية، و كان للمهندس بازرگان سوابق و لم يكن فيه شيء يدعو الإمام أو يدعونا لأن نضع عليه علامة استفهام، كان شخصا مؤمنا بالإسلام و يؤيّد قيادة الإمام، و وعد بأن يتحرك في خط الإمام، و لم يلاحظ منه أي عمل سلبي سابقا، و قد كسب حسن ظن الجميع، لذا اختير لرئاسة الوزراء. و لكن بعد تشكيل الحكومة المؤقتة فإن الأمور التي وقعت غيّرت التصورات السابقة بعض الشيء. و أدّت إلى استقالته من الحكومة و سقوط حكومته أو استقالتها.

- في خلال السنوات الأربع المنصرمة استطاعت الثورة الإسلامية تحقيق مكاسب كبيرة في داخل البلاد و في المستوى العالمي، و تخطّت كثيرا من المشاكل. ما هي بنظر جنابكم العقبات و المشاكل التي يمكن أن تواجهها الثورة الإسلامية في المستقبل؟.

ج - نحن نتوقع في المستقبل عدة أنواع من العقبات و المشاكل. إحداها ما يمكن تصوره من مؤامرات و دسائس الأجانب؛ لأننا على يقين من أن الأعداء الأجانب لا يتركون هذه الثورة و شأنها و سوف لا ينصرفون عن فكرة مواجهة هذه الثورة و هذه الجمهورية، و سوف يضغطون علينا سواء عن طريق إيجاد المواجهة العسكرية أو عن طريق الضغوط الاقتصادية، أو عن طريق الإعلام غير الصحيح في العالم، و يجب أن نستعد لمواجهة هذه الضغوط.

و بعضها سينجم عن المسائل الداخلية، و هذه بدورها يمكن تقسيمها إلى عدة أنواع، إحدى المشاكل التي يمكن أن تحصل في

ص:94

المستقبل و لها خصائص في الماضي و الحاضر هي أن يفقد مسؤولو الجمهورية الإسلامية الدافع الثوري، و يتحولوا إلى جهاز يفكر بالحكومة و بضرورات الحكم و ليس بالثورة. و قد تعرّضنا عدة مرّات إلى هذه الحالة منذ أول الثورة. و في كل مرّة أنقذتنا الخصوصية الثورية البارزة التي كانت موجودة في النظام بشكل عام. و لكن هذه الحالة محتملة الوقوع لمسؤولي الحكومة. و هذا المرض بشكل مختصر هو أن يقرر المسؤولون في الحكومة مواقفهم وفق الضرورات و تصبح الضرورات حاكمة في اتخاذ القرارات بالشكل الذي لا يتمكنون معه من الاستفادة من دوافعهم الثورية في توجيه هذه القافلة فتضعف تلك الدوافع بالتدريج و تضمحل، و إذا حصل هذا فإن الثورة سوف لا تسقط و لا تزول و لكن تحصل مشاكل للناس. و من المشاكل التي يمكن تصورها في المستقبل و لها امتداد في الماضي و الحاضر هي التداخلات و التدخّلات. و هذه مشكلة كبيرة لثورتنا. بمعنى أن المؤسسات السياسية و الاجتماعية و الحكومية و الثورية لا تكتفي بحدودها القانونية، و لا تقف عند تلك الحدود، و إنما تتجاوزها، و هذا خطر كبير، و كل من يقوم بهذا العمل يوجه ضربة للثورة أيّا كان. فحتى لو كانت مؤسسة ثورية فإنها إذا تجاوزت حدودها القانونية فإنها ترتكب ذنبا و تسبب مشكلة للثورة، و ينتهي ذلك إلى ضعف الجهاز المدبّر للثورة أي الحكومة. و نحن نشاهد حاليا مثل هذا التداخل، و قد صممنا على رفع هذه التداخلات و التدخّلات إن شاء اللّه. و إذا لم يتحقق هذا الغرض أي تقليل التداخلات، و استمرت أو ازدادت أحيانا، فإنها ستكون من الأخطار الجدية و الرئيسية للثورة.

و هناك خطر يأس الشعب. و هو أهم من كل الأخطار؛ لأن هذه الثورة قامت و حتى الآن على أكتاف الشعب في الحقيقة، و إذا انتزع الشعب من الثورة فعند ذلك لا يظل لدى هذه الثورة شيء تدافع به عن

ص:95

نفسها. إن هذه الحكومة القائمة و هؤلاء المسؤولين الذين يريدون البلد يمكنهم القيام بعملهم هذا بمساعدة و دعم الشعب. و إذا جرّدتموهم من الشعب فمن المؤكّد أنهم سيفقدون هذه الامكانية، و إذا يئس الشعب سواء من وعود الحكومة، أو من وعود الثورة، و لم يحضر في ساحات الثورة فإن ذلك يعدّ خطر جديا على الثورة، و يجب أن ينتبه الذين يمكن أن يكونوا عاملا في فتور الشعب لئلاّ يصدر منهم هذا الخطأ و الذنب الكبير.

و من المشاكل الأخرى التي يمكن أن تحصل، و التي تلاحظ علاماتها هنا و هناك، و التي يجب الوقوف أمامها هي أن تحصل في الحكومة حالة معاكسة للحالة الأولى التي ذكرناها في الأشكال الأوّل، أي تحاول أن تكون ثورية بلا تريّث، و هذه ليست ثورية في الحقيقة؛ لأن كل عمل لا تريّث هو عمل مخالف للثورة، و هذا خطأ، هناك من يظن أن الأعمال الثورية هي أعمال بلا تريّث، بالعكس. نحن نعتقد أن الأعمال الثورية هي أكثر الأعمال تريّثا و صحة؛ لأن الثورة من الأعمال الأصوليّة، و إذا أراد بعضهم أن يظهروا بمظهر الثورية لكسب الوجاهة و للبقاء في المناصب و الأشغال و للتستّر على الأخطاء و المشاكل التي تحصل بسببهم، أو لأي شيء من هذا القبيل فإن هذه هي سيادة الغوغاء التي أشرت إليها مرة في صلاة الجمعة، و هي من أكبر الأخطار في هذا المجتمع، و للأسف لا ينتبه إليها أحد، و لم تهتم الصحافة بها أيضا مع أهميتها. إن سيادة الغوغاء تعني أن لا تكون ادارة الدولة بشكل أصولي و بتدبير، فينشغل البعض بالضجة و الغوغاء و طرح الشعارات و هذا من الأخطار الرئيسية.

و على أي حال إذا أردنا أن نتحرك في مواجهة هذه المشاكل فيجب أن نحافظ على ايماننا و جهادنا و تقوانا و وحدتنا، و تصبح جميع

ص:96

المؤسسات المسؤولة سواء المؤسسات الثورية أو المؤسسات القديمة و الحكومية في إطاعة الإمام و الولي الفقيه. و إذا حصل هذا فإن جميع الأخطار التي قلناها تزول، إنها أخطار كامنة، أخطار يمكن ابطالها بالتدبير و عدم السماح لها بالبروز، و طريق ذلك هو أن نهتم بالمعايير الأساسية أي الإيمان و التقوى و الجهاد و البقاء في خط الإمام.

- إن من المؤكّد أن انتصارات الثورة الإسلامية في داخل و خارج الدولة، ثمرة ايثار أمتنا المسلمة و دماء الشهداء و المعوقين الذين ضحوا بكل تعلقاتهم المادية و المعنوية في هذا الطريق، فما هو الخطاب الذي توجهونه لعوائل الشهداء و معوقي الثورة و شعبنا المنجب للشهداء؟.

* ندائي أوّلا هو ابداء الحب و الإخلاص لهذه العوائل، و التواضع أمام منزلتها الكبيرة، و ثانيا: اظهار حقيقة أنهم لم يخسروا شيئا؛ لأن ما حصلوا عليه من ربح هو أكثر من الذي أعطوه. فإنهم قد قدّموا عزيزا و لكن حصلوا في المقابل على إقامة النظام الإلهي، و هذه الصفقة إذا أعطى الإنسان فيها نبيّا فلا يعدّ خاسرا، لأن النبي (ص) كان مستعدا للتضحية في هذا الطريق. و الحسين بن علي (ع) كان مستعدا للتضحية، و هذا يدلّ على أنّ أهمية و عظمة الشيء الذي يؤخذ في مقابل هذه التضحيات، هي أكثر من الشيء الذي يعطى، حتى لو كان في مستوى الحسين بن علي (ع) و أولياء اللّه و الأنبياء. فلتفرح قلوبهم و ليكونوا آملين بالمستقبل و الكرم و الفضل الإلهي و ليعلموا أنهم لم يتعرضوا إلى ضرر.

- بدأت الثورة القضائية بالأوامر الأخيرة لإمام الأمة. و بدأ البلد بحركة سريعة نحو بناء مجتمع سليم و حر و فعّال، فكيف تقيمون موقع هذه الحركة في هذه البرهة من الزمان؟.

* إن كل حركة ثوريّة تحتاج في فترة ما إلى نفس جديد، و هذا

ص:97

نفس جديد لثورتنا العظيمة في هذه الفترة، و هذا النفس كان من قبل شخص كان و سوف يكون أبا و معلّما لهذه الثورة.

و لو أردنا أن نقيم هذه الحركة بشكل صحيح فيجب أن نقول: أنها كانت توبة كبيرة أيضا، توبة من الأخطاء التي قمنا بها طيلة ما يقارب أربع سنوات.

في بداية صدور هذا الأمر من قبل الإمام رأيت أن هؤلاء الأخوة الأعزاء يتحدثون كثيرا حول هذا البيان، و كان كل هذا الكلام صحيحا طبعا، و قد وجدت أن مسألة واحدة لم تطرح و هي أنه لم يقل أحد أن هذا البيان يعبّر عن وجود أخطاء و انحرافات. إن هذا البيان يلهمنا أن نحول دون الانحرافات، و هذه حقيقة فقد وقعت أخطاء كثيرة في العمل الإداري و خاصة في الجهاز القضائي، و في أكثرها أو كلها تقريبا. لم تكن هناك سوء نيّة، و لكن ليس من اللازم أن يكون الانحراف ناجما عن سوء النيّة حتى يكون سيئا. فأحيانا يحصل خطأ كبير بحسن نية و لكن الخطأ هو خطأ في كل الأحوال، و يجب إزالة آثاره و الحيلولة دونها، و هذا ما قام به الإمام. و أنا أعتبر هذه الحركة نهضة جديدة في المسيرة العامة لثورتنا و نقطة عزم نحو الأهداف الكبيرة التي أخذت تنسى بالتدريج.

- لا شك أن العناصر المنحرفة المنحطة و المتغلغلة و أعداء الثورة لا يستطيعون و يجب أن لا يستطيعوا أن ينفذوا في الأجهزة التنفيذية للدولة، فما هي الأساليب التي يجب أن تستخدمها الأجهزة التنفيذية للحيلولة دون نفوذ العناصر المرتبطة بتيار اليمين و غير الثورية، مع ملاحظة حدود عمل لجان القبول و عدم امكانية التحقيق في بعض الحالات، خاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار أوامر الإمام، ألا تظنّون أن عدم الدقة اللازمة في أمر اختيار الأشخاص يؤدي إلى قيام التيارات

ص:98

اليمينية و الليبرالية التي فقدت سيادتها النسبية في الأمور المهمة بتشكيل قواها مرة أخرى في مستويات أقل داخل النظام الإداري للدولة. فما هي الحلول التي تقترحونها للوقاية من هذه الحالات؟.

* المسألة هي أنه ما هي العناصر التي تهددنا؟ و قد أشرتم إلى العناصر الليبرالية و اليمينية، و لكن الذين يهددوننا ليس هؤلاء فقط، بل أن جميع الذين لا يفكرون بالثورة الإسلامية و يفكرون بهدف غير هذا هم عناصر تهديد، فإذا كانت لديهم مؤسسات فإن خطرهم أكثر، و إذا كانت لديهم ارتباطات سياسية عالمية، فإن خطرهم شديد أيضا، و إذا كان لديهم نفاق فإن خطرهم شديد أيضا، سواء كانوا من اليمين أو اليسار، و نحن نلاحظ بين تيار اليسار عناصر ليست أقل خطرا من عناصر تيار اليمين.

و النكتة الثانية هي هل أن رأي الإمام بالنسبة للاختيار يقوم على عدم الحيلولة دون دخول العناصر غير الخالصة؟ يجب أن أقول أن رأي الإمام لم يكن هذا بأي شكل من الأشكال، فالإمام يعتقد أن العناصر غير الخالصة سواء من فئة اليمين أو من فئة اليسار يجب أن لا تعمل في الأجهزة الإدارية من سياسية و اقتصادية و ثقافية و غيرها، أولا تعيّن في الأعمال الحساسة على الأقل، و إن لا تتمكن من النفوذ في تلك الأجهزة، بالمعنى الخاص لكلمة النفوذ، فالإمام لم يقل بعدم دراستهم و تقييمهم، و أن لا يجري تدقيق لازم في اختيارهم، بل أن الإمام عارض عدم وجود الضوابط و بعض التدقيقات الخالية من الدقة واقعا، و وضع المقررات التي هي في الحقيقة ليست مقررات. و كما سمعتم في خطب الإمام أيضا أنه أشار إلى بعض الأسئلة التي تطرح على الأشخاص في بعض حالات القبول حيث اعتبرها مؤسفة. و طبيعي أن هذه الأسئلة لا تؤدي إلى رفض الأشخاص النفوذيين من اليمين و اليسار فقط، بل تؤدي

ص:99

إلى رفض كثير من المؤمنين و المخلصين أيضا، و الذين وضعوا هذه الأسئلة لا يمكن أن تكون لديهم حسن نية في بعض الحالات. فأي حسن نية يمكن أن تكون لدى الشخص الذي يرى أن شرط القبول هو أن يستطيع الشخص أن يحدد رقم هوية الإمام من بين أربعة أرقام، و الإمام يعرف ذلك و مطمئن من هذه المسألة و أي معيار يفترض أن الشخص إذا أراد أن يعمل موظفا في الدائرة الفلانية، سواء دائرة اقتصادية، أو ثقافية، أو سياسية يجب أن يعرف كل مسائل الشكوك و السهو، فهل أن رؤساء تلك الدوائر يعرفونها، أو هل أن ذلك السائل يعرفها؟ و ما هو سبب هذا العمل أساسا. إن السؤال عن كيفية المسألة الفقهية الفلانية، و ماذا كتب في ذلك القسم من الرسالة هي معايير يعتبر الاعتماد عليها اعتمادا على عدم المعيار، و قد رفض الإمام هذه المصافي التي تطرد المؤمنين، المخلصين، الثوريين و إلاّ متى سمح الإمام بدخول الانتهازيين؟ يجب الدقة للحيلولة دون تغلغل الانتهازيين و لا يفرق سواء كانوا من اليمين أو اليسار.

و هناك نكتة أخرى حول مسألة التجسس حيث أشرتم إلى أنه لا يمكن التحقيق و لا يمكن التعرف عليهم و فهمهم، و لكن يجب أن أقول: إن الأمر ليس كذلك، إن الإمام لم يقل: لا تتعرفوا على الأشخاص و لا تدققوا، فليس هناك أي اشكال في أن تحققوا حول العائلة التي تريدون أن تتزوّجوا امرأة فيها، فلا الإمام منع ذلك و لا أي شخص و لا الشرع أو العرف. و عند ما تحققون من أجل الارتباط العائلي، فإن من اللازم إلى حدّ ما التحقيق من أجل الارتباط الإداري أيضا. إلى حدود أن تفهموا و تعرفوا ما هو الطرف المقابل؟ و لا تخطئوا في تشخيص الأفراد.

س - على أعتاب الذكرى الخامسة للثورة الإسلامية في إيران، ما هو مقدار الأهداف التي حققناها حتى الآن؟.

ص:100

ج - يجب أن أقول إننا وصلنا إلى أهداف كثيرة لهذه الثورة، و لكن لدينا أهداف أكثر. و يمكن أن نعدّد بعض الأهداف التي حققناها، و الأهداف التي ننتظرها في هذه الثورة وصلنا إلى هدف تشكيل نظام شعبي، و ليس من شك في أن هذا النظام نظام شعبي، و وصلنا إلى هدف تشكيل نظام قائم على التعاليم الإسلامية، و إلى هدف تبيين دستور محكم يقوم أيضا على أساس النظام الإسلامي.

و قد تعرفنا حتى الآن على تيارات دعية متنوعة و هذا من الانجازات الكبيرة التي يمكن أن تعتبر هدفا، وصلنا إلى هدف تنشيط الشعب في مجال الابتكار، و حث القابليات الكامنة و اثارتها. إن شعبنا اليوم يشعر بأنه يجب أن يأكل الخبز بعمله، أي أن الشعب يجب أن يقف على اقدامه و زالت حالة الرعب أمام التقدم العلمي و الثقافي و حتى الفلسفي و الصناعي الذي لدى الآخرين، و وصلنا إلى هدف اتحاد كلمة الشعب، و هذا أيضا أحد الأهداف، و وصلنا إلى كثير من الأهداف العملية في مجال العمران و الاهتمام بأمور المستضعفين، و قد شقت طرق كثيرة و وصلت الكهرباء إلى قرى مناطق البلد، و بنيت طرق كثيرة. و قدمت مساعدات كثيرة في المجالات الزراعية، و اتجهت الجامعات نحو الإسلام، و تم تحطيم كثير من مراكز التآمر في البلد. و تشكلت جميع مؤسسات الجمهورية الإسلامية، و تشكلت آخر مؤسسة، و هي في الحقيقة ضامن لإقامة هذه الجمهورية، هي مؤسسة مجلس الخبراء، و ليس لدينا الآن حالة منتظرة، أي أن جميع مؤسساتنا قد شكّلت و تهيأت. و هذه أهداف وصلنا إليها، و هناك أهداف كثيرة أخرى لم أذكر أسماءها. و من أهدافنا المهمة تشكيل مجلس الشورى الإسلامي حيث يجلس عدد من أبناء الشعب و يقررون لموكليهم (أي هذا الشعب) و يصوّتون و لا ينتظرون مكانا آخر.

ص:101

إن الاستقلال السياسي هو أحد هذه الأهداف و قد وصلنا إليه، هذه هي الاهداف التي وصلنا إليها و هي ليست قليلة. و قليل من الثورات تقدم هذه الانجازات في هذا الزمان القليل، أي أربع سنوات. و أنا عند ما أنظر إلى السنوات الأربع الماضية خاصة السنتين الماضيتين أرى أننا قطعنا سنوات مثمرة، و لكن مع هذا فإن الأهداف التي لم نصل إليها حتى الآن هي أكثر من الأهداف التي حققناها، فنحن لم نصل إلى هدف الاستقلال الوطني و الاستقلال الاقتصادي الكامل، حتى اليوم نحتاج إلى الآخرين لاشباع الحاجات العادية و اليومية في الحياة، و مضطرون إلى صرف الأموال للشراء من الخارج، و التعامل و الاقتصاد في الخارج تابع للسياسات التي لديهم و هذا يقتضي أحيانا أن لا يعطونا الشيء الذي نريده، و يقتضي أحيانا أن يأخذوا الفائدة على الشيء الذي فيه فائدتنا، و لم نستطع حتى الآن الوصول إلى الاستقلال الثقافي الكامل، مع أن ثقافتنا ثقافة غنية و لها سابقة و متجذّرة، فإننا في كثير من المسائل الثقافية نحتاج إلى الآخرين، فلو ذهبتم إلى الجامعة التي تشكلت اليوم لرأيتم في الكتب التي نفخر بأنها كتبت في السنتين اللّتين تعطلت فيهما الجامعة، و التي سوف تكون كتبا دراسية لجامعتنا أن حوالي 75 إلى 80 بالمئة منها مترجمة، أي أننا اليوم حيث نعمل و نكتب و ندرس تشكل الترجمة أكثر عملنا، و لن نحصل حتى الآن على اقامة نظام إسلامي عادل كامل. و في باب العلاقات الاجتماعية و خاصة الاقتصادية في داخل المجتمع و في كثير من الخلقيات و الخصال الاجتماعية و الشعبية لا زلنا حتى الآن أسرى الأنظمة القديمة. و إلى الآن فإن الحقوق غير متكافئة و العمل و السعي ليس متساويا، و لا أريد أن أدعي طبعا أنّ الحقوق في النظام الإسلامي متساوية مئة بالمئة، و لكن ادعي أنّ الامكانيات في النظام الإسلامي توضع بشكل متساو تحت تصرف الجميع مئة بالمئة، و لم نصل في نظامنا إلى ذلك حتى الآن.

ص:102

و النكتة التي تستحق الانتباه هي أن ما قطعناه حتى الآن هي خطوات نحو ما يجب أن نقطعه، يجب أن لا نشعر بأننا لم ننجح لأنه لا تزال لدينا أهداف أمامنا، بل يجب أن نشعر أننا سرنا و تقدمنا خطوات نحو تلك الأهداف، فنحن ناجحون، و لكنه نجاح مرحلي يجب أن نسعى لكي لا يأتي وضع آخر غير هذا الوضع، أي لا نقف في مكاننا و لا ننحرف لا سمح اللّه أو نعود إلى الوراء.

س - نحن على أعتاب الذكرى الخامسة لانتصار الثورة و كل ثورة قد تتعرض إلى آفات و انحرافات، فبالإضافة إلى العقبات التي أشرتم إليها نريد من سماحتكم بوصفكم رئيس الجمهورية، أن تحذروا الأمة، و تذكروا الجهة التي يمكن أن توجه ضربة للثورة الإسلامية؟.

ج - أظن أن هذا السؤال قد طرح سابقا و أجبت عنه، و السؤال الذي سألتم فيه عن المشاكل، يمكن ذكره بهذا الشكل: ما هو الطريق الذي يمكن أن تتعرض الثورة من خلاله إلى ضربة؟ و سوف أوضح ذلك بشكل اجمالي.

إن ثورتنا تعرضت لضربة من خلال تحرك الأعداء في الخارج و الداخل، الذين هم آفة الثورة، و إن أعداءنا في الخارج معروفون، أما أعداؤنا في الداخل فهم الطرق و الأساليب و الأخلاق و الخصال غير الصحيحة، و الأمور التي تركناها حتى انتصرت ثورتنا. فنحن تركنا اللاأباليّة حتى انتصرت الثورة، و تركنا عدم الإيمان و نجحنا، و اتجهنا إلى القرآن فانفتح طريقنا. و كان الإيمان و الجهاد سلاحين كبيرين لدينا للإنتصار، و أي واحد منهما يؤخذ منا، فإن ذلك آفة تضعف الثورة، آفة ثورتنا هي العجب و الاختلاف و عدم الإيمان و التهاون في الجهاد في سبيل اللّه، و لا أقصد من الجهاد، الجهاد في جبهات الحرب فقط، فجهاد البناء هو نوع من الجهاد، و جهاد النفس نوع من الجهاد، فإذا

ص:103

تركنا هذا الجهاد، فإن ذلك سوف يكون آفة ثورتنا.

- ما هي المسائل التي تضمن استمرار الثورة الإسلامية، و ما هو الدور الممكن للمؤسسات الثورية خاصة جهاد البناء في هذا الاستمرار؟ * إن استمرار الثورة هو في أن يتم التعرف على أسباب هذا الاستمرار بغية تحصيلها، و هذه الأسباب هي الوحدة و الإيمان و الجهاد الثوري، و حضور الناس في الساحة، و تعاطف الشعب و الحكومة، و العمل بالأحكام الإسلامية و التحرك نحو الأهداف الإسلامية، و العدالة الاجتماعية و الحكومة القرآنية الكاملة، هذه هي الأهداف النهائية، و المواجهة و الجهاد و التضحية هي عوامل استمرار الثورة.

و من عوامل استمرار الثورة تطبيق سياسة لا شرقية و لا غربية، و عدم الميل إلى أحد الأطراف و الارتباط بولاية الفقيه، و هذه و غيرها كثير هي عوامل استمرار هذه الثورة، أما ما هو دور المؤسسات الثورية؟ فأرى أن المؤسسات الثورية يمكنها أن تؤدي أدوارا كبيرة جدا. و ذلك بأداء الوظيفة التي شكلت على أساس تلك الفلسفة و لا تصاب بالتفكير المصلحي و العمل السياسي. إن جهاد البناء و بقية المؤسسات الثورية إذا تركت السعي و العمل و التكليف الذي شكلت من أجله. و اتجهت نحو العمل السياسي و المواقف و التكتلات السياسية، فإنها سوف تصبح سيفا صدئا و موجودا بلا أثر، و يجب أن نحول دون ذلك، يجب أن يعمل جهاد البناء بالوظيفة التي على عاتقه أي الاهتمام بأمور القرى و الاهتمام بحياة الناس القرويين و المساعدة في بناء البلد و مواجهة أعداء الثورة، و العدو المعتدي المسلّح.

و حول قوات الحرس و المحافظة على النظام في المدن بشكل ثوري، و حول اللجان الثورية و المؤسسات الأخرى فإنه يجب عليها أن

ص:104

تسعى للمحافظة على الهدف الذي شكلت من أجله. و في هذه الحالة يمكن أن تساعد في المحافظة على الثورة و استمرارها و إلا فإن الثورة تتعرض إلى صدمة، فإنها إذا تجاوزت هذه الأهداف و اتجهت إلى مجموعة أعمال أخرى، فإن وجودها لن يفيد الثورة.

- كان عام 1981 م الذكرى الثالثة لانتصار الثورة و قد سمي بعام القانون، و نحن الآن في الذكرى الرابعة للثورة الإسلامية، إلى أي درجة نجحنا في تطبيق الدستور و العمل به، و ما هي المشاكل و نقاط الضعف في هذا المجال؟.

* الحقيقة أن تنفيذ القانون بشكل كامل في مجتمع ثوري و في نظام شعبي يرى جميع الشعب أن من حقه التفكير فيه و ابداء الرأي، فيه صعوبات و قد واجهنا هذه الصعوبات منذ أول الثورة، و يجب أن أقول في الجواب عن سؤالكم: إننا كلما مرّ الزّمان نتقدم أكثر نحو سيادة القانون. و في عام 1981 م حيث قال الإمام: إن القانون يجب أن يطبق. نفذ القانون في أصعب مصاديقه، فنحن نعلم أن في تلك السنة عزل رئيس الجمهورية طبقا للقانون، و كان هذا مثالا كبيرا و صعبا لتنفيذ القانون و منذ ذلك التاريخ و ما بعده كلما تقدم بنا الزمن، تقدمنا نحو تنفيذ القانون، و أحد الأمثلة البارزة للخطوات البعيدة نحو تنفيذ القانون هو الأمر الأخير للإمام و تشكيل لجنة متابعة الأمر.

- قامت وسائل الإعلام الشرقية و الغربية بتوجيه اتهامات كثيرة لنا خلال الأربع سنوات الماضية و حالت دون ايصال نداء مظلوميتنا إلى العالم، فما هي برأيكم كيفية العمل للتعريف بالأهداف المقدسة للثورة الإسلامية إلى شعوب العالم مع حلول السنة الخامسة لانتصار الثورة الإسلامية، و ما هي التدابير التي تقترحونها لمواجهة عملاء الاستكبار العالمي - أي وسائل الإعلام في العالم؟.

ص:105

يجب أن نقوم بنوعين من العمل من أجل هذا الغرض، أحدهما عملي و هو بناء الجمهورية الإسلامية و التنظيم الأكثر للنظام الذي شكل كجمهورية إسلامية و نظام إسلامي، و هذا سوف يكون دعاية لا تقبل الخدش.

و لو أننا قمنا ببناء الأجهزة التقنينية و التنفيذية في الدولة كما يليق بالجمهورية الإسلامية، فإن الأقوال التي تقال عنا سوف تبطل بالتدريج، و العمل الثاني هو العمل الإعلامي إذ يجب أن نوصل نداء الثورة إلى الخارج، إلى المجامع العالمية الكبيرة بواسطة سفراء الثورة و بواسطة ايجاد مجامع عالمية كبيرة في الداخل ليبلغوا نداء الثورة إلى اللذين نحتمل فيهم أن لا يعرفونا على حقيقتنا نتيجة للإعلام المسموم للأعداء و في هذا الطريق من المناسب جدا أن تساعدنا الدول الصديقة في نشر أفكار هذه الجمهورية، و تنشر سياساتنا في وسائل أعلامها، و من المناسب جدا أن نشكل وكالة أنباء مشتركة مع الدول الصديقة حتى نستطيع بواسطة شبكة خبرية مشتركة سواء كانت اقليمية أو إسلامية، أن نشكل دائرة أوسع لنشر أفكارنا.

- إلى أي حد استطاعت الثورة الإسلامية في إيران المحافظة على قيمها الرسالية؟ و بعبارة أخرى إلى أي درجة تجسدت الرسالة في جمهوريتنا؟.

* هنا نكتة جديرة بالملاحظة في هذا الباب و هي إننا بخلاف سائر الثورات كلما تقدمنا إلى مبدأ الثورة اقتربنا أكثر إلى القيم الرسالية و ارتبطنا أكثر بالروابط الرسالية، و هذه من أكبر خصائص ثورتنا، و قد ذكرت هذا على شكل تشبيه في إحدى خطب صلاة الجمعة في أوائل سنة 1981 م أو أواخر 1980 م و قلت: إن الثورة الإسلامية في إيران هي مثل الجسد السليم يطرد عنه كل عنصر غريب، لأن البدن السليم إما

ص:106

أن يهضم العنصر الغريب أو أن يطرده، فإذا كان ذلك العنصر غير قابل للجذب و الهضم، فلا يقبله على جميع الأحوال. و هذا الوضع مشهود بشكل كامل في المعدة السالمة، مثلا، و نحن من أول الثورة كلما تقدمنا رأينا أننا امتزجنا أكثر بالأسس الثورية. و نشاهد أن العناصر الرسالية حلّت محل العناصر غير الرسالية، و هذه الحالة قلّ نظيرها في بقية الثورات.

في أوائل الثورة لم تكن هناك جرأة على أن يقول شخص بأن الحدود الإسلامية يجب أن تنفّذ. و اليوم هذا العمل دخل طور التنفيذ بشكل عملي. في مجال القضاء كانت الجرائد تقول أن الأحكام الإسلامية غير قابلة للتنفيذ و غير مفيدة، و اليوم ليس هناك شخص يتكلم هذا الكلام أبدا، بل من الأمور المسلّمة لمجلس التقنين و الحكومة و بقية الناس أن الأحكام يجب أن تكون على أساس القوانين الإسلامية و المقدار الذي لا ينطبق مع المبادىء الإسلامية ينتظر أن يصبح طبقا للأسس و الأحكام الإسلامية. و بناء على هذا نرى أننا تحركنا أكثر نحو القيم الإسلامية، و هذه هي الثورة السليمة، فالثورة يجب أن تتكامل يوما بعد يوم، و كمال الثورة في أن تقترب أكثر إلى قيم الرسالة.

- سمعنا و نسمع كثيرا أن حكومة الثورة لم تسع كثيرا لتحسين الوضع الاقتصادي، و هناك همس في أن الحكومة لم تعمل في اتجاه طرد الرجعيين و الرأسماليين و النفعيين و المحتكرين الذين تحالفوا في السنوات الأخيرة مع الإمبريالية الناهبة للعالم بشكل مباشر و غير مباشر لامتصاص دماء الشعب، و إذا كان هناك كلام فهو في حدود الشعار و النصيحة، فهل تظنون أن هذا الكلام تطرحه الفئات اليسارية و الملحدة أو القوى الانتهازية و المعادية للثورة فقط، أم أنّ اقتصاد البلد يواجه نواقص في هذا الجانب حقيقة؟ هل تستطيع الحكومة أن تقوم بمواجهة

ص:107

جادة و متواصلة بهذا الشأن في السنة الخامسة للثورة؟.

* إن جهود الحكومة لتحسين الاقتصاد لها أبعاد مختلفة، واحد هذه الأبعاد هو مواجهة المحتكرين و الذين نسميهم بالارهابيين الاقتصاديين. و إذا افترضنا أن الحكومة لم تقم بجهود لازمة في أحد الأبعاد فهذا لا يعني أنها لم تبدل جهودا في طريق تحسين وضع الاقتصاد. فمن أوسع و أنجح جهود الحكومة هي الجهود في مجال تحسين الأوضاع الاقتصادية و نحن نستطيع أن نعرف هذا بسهولة بملاحظة الأرقام و الاحصائيات الموجودة في باب التصدير و الاستيراد و العملة الصعبة و التبادل العالمي. كما أن تأثير هذه الحركة مشهود بشكل كامل في تحسّن وضع المعامل و سير الانتاج و أمثال ذلك. و في هذا المجال الذي أشرتم إليه و هو أنّ المحتكرين يمتصون دماء الناس أو يشربونها جرعة جرعة فهذا الأمر يتعلق بالجهاز القضائي و ليس بالحكومة، فكيف تستطيع الحكومة التصرف معهم؟ الجهاز القضائي يجب أن يقف أمام هؤلاء، فالاحتكار أمر يتعلق بالجهاز القضائي، و إن سؤالكم عن أن هذه الشعارات و هذا الكلام و هذه الاشاعات هل هي شعار الفئات اليسارية و الفئات الانتهازية، أم أنها حقيقة؟ هو سؤال يجدر الاهتمام به، و طبعا توجد هناك حقائق بين الأقوال و الاشاعات، حيث تتحرك الحكومة على أي حال نحو ترميم هذه الحقائق المرة. و لكن لا تغفلوا عن شعارات الفئات اليسارية و الانتهازية، فهؤلاء يفخمون الأشياء و يطرحون شعارات، و العمل أصعب جدا من طرح الشعار، و كل عمل تقوم به الحكومة يمكن للفئات اليسارية أن تطرح شعارا في مقابله لضرب الحكومة. لو تذكرتم عند ما تمّ احتلال و كر التجسس، قامت بعض الفئات اليسارية بمعارضة هذا العمل و سبب ذلك هو أن الذي قام بهذا العمل هو غيرهم، و بعد أن استقر الأمر طرحوا شعارات أكثر تشددا من أولئك الأخوة الذين قاموا بهذا العمل بشجاعة،

ص:108

و لم تكن الشعارات في ذلك الوقت شعارات صحيحة أساسا. في أول الثورة كانت بعض الفئات اليسارية قد أعلنت أن وضع الزراعة في البلد يتحسن في فترة قصيرة، إن قول هذا الكلام سهل و لكن تحسين الزراعة الميتة في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة و 30 مليون منهم في القرى كيف ليس أمرا سهلا؟ إن الحكومة تحركت نحو تحقيق هذه الأهداف، و ليس واضحا أنه لو كانت هناك فئات أخرى مكان هذه الحكومة الحالية لاستطاعت أن تعمل بشكل أفضل. و أنا أعتقد بأنه لم يكن بوسعهم أن يصلوا إلى هذا المقدار الذي توصلت إليه هذه الحكومة، و قد نجحت في هذه المجالات لأن العمل في المجال الاقتصادي هو عبادة، فزيادة الانتاج و تشغيل عجلات الانتاج في البلد و توفير فرص العمل و احياء روح الابتكار و النشاط في بلدنا و خاصة الاهتمام بالزراعة و الصناعة الداخلية، هذه هي من أهم المسائل، و مسألة مواجهة أولئك الأشخاص هي إحدى هذه المسائل. و أقول أيضا أن مسألة المحتكرين يجعلها البعض مسألة رئيسية، إن مسألة نقص المواد و ارتفاع أسعارها لا ترتبط كلها بالمحتكرين و أصحاب المخازن الكبيرة. و إنّما هم أحد أسباب ذلك. إن عدم توفر الموانىء، و النقص في الطرق، و عدم الاطلاع على جميع الشؤون التي نحتاجها على المستوى العالمي، و المشاكل في مجال الانتاج الداخلي، كل هذه عوامل أكثر أهمية من وجود عدد من المحتكرين.

إن الفكر الأصيل و الأساسي و هو فكر الإسلام الفقهي يحكم اليوم في هذا البلد(1).

ص:109


1- أجريت المقابلة في شهر نيسان 1982 م (نقلا عن مجلة سروش).

ص:110

أسئلة و أجوبة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

- نشكركم على استقبالكم لنا للحوار و نطرح السؤال الأول:

بعد مرور أكثر من سنة و نصف على بداية الحرب المفروضة تمكن مقاتلو الإسلام من تطهير مناطق واسعة من الوطن الإسلامي من رجس المعتدين البعثيين، فمن خلال ذلك كيف تتوقعون الانتصار القادم في الحرب؟.

* بسم اللّه الرحمن الرحيم - أنا متفائل بمستقبل الحرب، فالقوات الثورية و الإسلامية تتمتع يوما بعد يوم بروحية أفضل و دوافع أقوى، و من حيث التجهيزات العسكرية فإنه رغم قلة استيرادنا و لكن الدوافع الثورية التي ذكرناها تؤدي إلى المدافعة بشكل أفضل و أحيانا لتشغيل الأجهزة العاطلة، و صناعة أجهزة جديدة. و رغم أن العدو يتمتع من حيث المعدات بامكانيات بكثر بكثير، إلاّ أنه في نقص من حيث القوى البشرية، من الناحية الكمية و الكيفية، فليس لديه ذلك المقدار من العسكريين الذي يزجه في ميدان الحرب و لا الذين لديه يتمتعون بالمعنوية اللازمة. لذا نرى مستقبل الحرب مستقبلا ايجابيا. و طبعا لا يمكن تعيين الوقت، فطبيعة الحرب تقتضي أن لا نوقت، و لكن أظن أن النصر لن يتأخر كثيرا إن شاء اللّه.

ص:111

- كيف تحللون مجيء لجان الصلح التي تأتي إلى إيران بين فترة و أخرى، و التي تباحثتم معها مؤخرا و ما هو التأثير الممكن لهذه اللجان في استمرار أو توقف الحرب؟.

* أدركنا بالتجربة أن اللجان لا يمكن أن يكون لها أي تأثير في وضع الحرب و أما ما هو دافعهم لذلك فهناك أكثر من جواب، حيث تسود دوافع مختلفة على وسطاء السلم، فالبعض على أساس النية الصادقة يدخلون ساحة الصلح من أجل تقليل الخسائر في الأشخاص و الأموال من دولتين مسلمتين. و بعض يقوم بهذا العمل بدوافع خاصة لكسب مكانة دولية و أمثال ذلك، و يحتمل أن البعض لا يحب أن يرى الانتصار العسكري لإيران في المستقبل القريب، و يرغبون باقناع إيران بنوع من الانتصار السياسي عن طريق قبول السلم.

و نحن نواجه كل هذه الوساطات مهما كانت الدوافع، بشكل منصف و إسلامي، فنسمع كلامهم و نطرح عليهم كلامنا المحق. و ليس لدينا أية عجلة، و لا نصرّ على استمرار الحرب فإذا حصل سلام عادل مقرون بالاعتراف بحقوق الشعب الإيراني المسلم و حقوق الثورة فإننا لا نصرّ على استمرار الحرب. و نقبل السلام، و إنما الكلام في أن الشروط التي تراعي حقوق الشعب الإيراني و الثورة الإسلامية لا يتم القبول بها غالبا.

- إن شعبنا دأب يهتف (حرب حرب حتى النصر) و إمام الأمة أكّد أيضا هذه المسألة المهمة، فما هو المنطلق الرسالي لهذا الشعار و الصمود الرائع الذي يقوم به الشعب لتحقيق ذلك؟.

* إن هذين الأمرين منفصلان: فإن تأكيد الشعب و صموده في هذه الحرب ينطلق من هذا الأساس الإسلامي، و هو أنه يجب على كل مسلم أن لا يستسلم للظلم و العدوان، لأننا تعرضنا للظلم و تعرضت

ص:112

أرضنا للعدوان. أن الوظيفة الشرعية و الإسلامية لشعبنا هي أن يقف أمام هذا العدوان، و قد أجاب جوابا إيجابيا بشأن هذه الوظيفة و قال: إننا نقف أمام هذا العدوان، و نحارب حتى النصر، أي دفع العدوان. و أن تضحية الشعب و صموده ناشىء عن إيمان هذا الشعب بلزوم التضحية في سبيل اللّه. و كل إنسان يعتقد بأسس التوحيد، يشعر بأن ساحة واسعة للتضحية في سبيل اللّه، موجودة في هذه الحرب المفروضة و العدوانية. و نحن بهذه الحرب نقوم بنشر الإسلام و الثورة الإسلامية، و يجب أن نصرّ و نثبت في هذا الطريق. تشاهد حركتين من الشعب و لكليهما مصدر و منشأ و ارادة منبثقة من الاعتقاد.

- منذ فترة تحاول الصحافة الغربية و وسائل الإعلام الامبريالية - الصهيونية وصف الجمهورية الإسلامية بأنها عامل تهديد لدول المنطقة من خلال عرض بعض انتصارات إيران في الجبهات، فما هو رأيكم في هذا الصدد؟.

* إن الجمهورية الإسلامية ليست عامل تهديد لدول المنطقة. بل يمكن أن تكون عامل ثبات و استقرار للأمن في المنطقة لأنه إذا كان هناك وجود و حضور لدولة مستقلة قوية مثل الجمهورية الإسلامية في إيران في منطقة مثل الخليج الفارسي و الشرق الأوسط مع مالها من الحساسية، فإن من المتيقّن أنها سوف تحول دون دخول القوى الكبرى و السلطويين و الناهبين إلى هذه المنطقة و هذا هو عامل أمن في المنطقة.

و نحن نعرف أن أهم ما يؤدي إلى عدم الأمن في جميع المناطق هم السلطويون، فلولا دخول السلطويين في الشرق الأوسط و تشكيل النظام الإسرائيلي الغاصب، لما كان لكل هذه المشاكل وجود هنا بالتأكيد، و لو أخرجتم القوى الكبرى و السلطويين و الناهبين من أفريقيا و أمريكا اللاتينية، و أقصى آسيا و من جميع المناطق التي يعلو فيها

ص:113

الصحيح حاليا، لشاهدتم انقطاع الضجيج بجميع أنواعه.

إن الشعوب و الدول الصغيرة تستطيع أن تتعايش مع بعضها، و أولئك هم الذين يؤدون إلى فقدان الأمن بسبب مصالحهم و بحثهم عن الأسواق و المصادر الطبيعية، و بناء على هذا فتصور أن الحكومة الإيرانية تؤدي إلى انعدام الأمن هو تصور خاطىء، فالحكومة الإيرانية أرضية لاستتباب الأمن.

- ما هو تحليلكم للسنوات الثلاث الماضية من عمر الثورة الإسلامية؟ و ما هي المكاسب و الاخفاقات التي حصلت للثورة و نظام الجمهورية الإسلامية في هذه الفترة من الناحية السياسية و الثقافية و الاقتصادية؟ و كيف يمكن أن تساعدنا هذه التجارب لمواصلة و نشر الثورة؟.

* كان لدينا في الحقيقة من الحوادث في هذه السنوات الثلاث بمقدار ثلاثين سنة. و لعل بعض هذه الحوادث التي وقعت لنا في هذه الفترة لا تقع إلاّ مرّة أو مرتين في عمر شعب من الشعوب. و مجموع خلاصتي لهذه الحركة هي أن مسيرة الثورة لم تنحرف عن أهدافها الصحيحة و لم تتوقف عنها أيضا. و قد حصلت عقبات في طريق الثورة، و حصلت ثورتنا و شعبنا على الكفاءة اللازمة لمواجهة العقبات اللاحقة بعد رفع تلك العقبات، و لا يمكن تعيين كل هذه الحوادث واحدة واحدة.

و أشير بشكل مختصر إلى أن هناك حاليا فكر يسود هذا الشعب و البلد و رغم إن هذا الفكر قد انضوى تحته أكبر عدد من أبناء هذا الشعب، مع أنه لم تتوفّر له في الماضي بأي وجه فرصة بناء الكادر، بينما الأفكار الأخرى في هذا البلد و رغم أقليتها الصغيرة فإنها قامت ببناء كادر كبير و تهيأت كثيرا، و اليوم يحكم في هذا البلد فكر أصيل

ص:114

و أساسي و هو الإسلام الفقهي. و يقدم شخصيات كثيرة ككوادر قوية و جديرة إلى العالم، و استطاع اثبات نفسه و حضوره على مستوى السياسة العالمية. و هذا نتاج جميع الحركات التي تمت طيلة هذه الفترة.

و قد ذكرتم الانتصارات السياسية و الاجتماعية و الثقافية، و إن شرح هذه المسائل واحدة واحدة يتطلب كتابا، و لكن أكثر ما يطرح بالنسبة لنا هنا مسألة السياسة و كل أمورنا في هذه السنوات الثلاث كان تابعا للمسائل السياسية، و كان اقتصادنا عرضة للمسائل السياسية، و في ميدان الحركة و العمل كان سياسيا، و قد حصلنا على كل هذه التجربة، و اليوم حيث نتحدّث معكم فإن كل شيء لحسن الحفظ في مكانه، و قد اتخذ البلد شكلا منطقيا، و المؤسسات الثورية و الحكومة و الشعب كل منهم يتحرك من موقعه نحو الهدف المشترك.

- كيف تقيمون القيادة الإلهية لإمام الأمة في انتصار و استمرار الثورة الإسلامية و ما هو تحليلكم لمواقفه السياسية في الأمور المختلفة طيلة سنين المواجهة سواء قبل انتصار الثورة أو بعدها؟.

* لا شك أن دور الإمام كان دورا حاسما، دور قائد بالمعنى الحقيقي للكلمة و القائد مفهوم ممزوج من المعلم و الهادي و المرشد و الآمر، و مجموعها يكون القائد، و قد أدّى الإمام الخميني هذا الدور بشكل كامل سواء قبل انتصار الثورة أو بعدها. و أكثر مواقفه السياسية كانت دقيقة و بعيدة النظر، و في بعض الحالات تحير الإنسان، فإنه قد يرى الإمام يتخذ موقفا غير مفهوم و مقبول للسامع حينها، و لكنه بعد مضيّ الزمن، يرى أنه ليس هناك أية رؤية صحيحة غير تلك الرؤية، و حسب قول المرحوم آية اللّه الطالقاني الذي كان يقول بحالة ملؤها الانشداه: يبدو أن هذا الرجل يلهم، و الحقيقة هي هذه، و الإنسان يرى أحيانا أمورا شبيهة بالإلهام الإلهي، و ليس مستبعدا أن يهدي و يرشد اللّه

ص:115

تعالى عبدا صالحا مثل الإمام.

- منذ حوالي خمسة أشهر و حكومة الأخ المهندس الموسوي مشغولة بالعمل، إلى أي حد برأيكم استطاعت هذه الحكومة أن تكون ناجحة في تنفيذ الدستور في الداخل، و في مختلف أبعاد المواقف السياسية أمام أصدقاء الثورة و أعدائها.

* بشكل عام يجب أن أقول: إن نجاحه كان كبيرا جدا، و قد لا يمكن لمس هذا النجاح كثيرا في الحياة العينية للشعب، و لكن عند ما نلاحظ ما كان عليه وضع البلد عند تشكيل حكومة السيد المهندس الموسوي، و ما هو عليه اليوم وضع السياسة خاصة السياسة الخارجية، و وضع الأمن الداخلي و الوضع الاقتصادي و العملة الصعبة و النفط و كثير من الأمور الأخرى، كالتبادل التجاري مع الخارج، عند ذلك نفهم المكاسب التي حققناها في زمان حكومته، و هذا التقدم الكبير ليس بمعنى أننا نقنع أنفسنا أو نشعر أننا راضون عن الوضع المعاش لمجتمعنا، فإن الخراب الذي كان قبل الثورة و الضربات الكثيرة التي تعرضت لها الثورة خلال فترة قصيرة بعدها، هي ضربات غير قابلة للتدارك بهذه السرعة، و يلزمنا جهود مستمرة أكثر، و لكن ما حصل في هذه الفترة القصيرة له حجم و كيفية عالية، و نحن نعتبر نفس هذه الاستطاعة و الانجاز نجاحا كبيرا.

- إن إحدى مسؤولياتكم. بموجب الدستور هي تنظيم علاقات السلطات الثلاثة فكيف تنظم هذه العلاقات الآن، هذا أوّلا؟ و ثانيا: ما هو رأيكم بتقدم أعمال كل من هذه السلطات الثلاث خلال فترة رئاستكم للجمهورية؟ و ثالثا: ما هي اقتراحاتكم لهذه السلطات؟.

* حول كيفية هذا التنظيم يجب أن أقول: إننا بدأنا أولى تجاربنا في هذا الطريق، و لم يكن هذا النظام يجري في زمان أول رئاسة

ص:116

جمهورية في إيران؛ لأن رئيس الجمهورية (بني صدر) كان ينازع جميع المؤسسات في هذا البلد، و يعتبر نفسه منافسا لها جميعا، و كان من الطبيعي أن لا يستطيع أن يتعامل معها من موقع قانوني، و يعمل بوظيفته القانونية و هي تنظيم تلك المؤسسات.

كان يعارض معارضة سياسية و غاضبة السلطة القضائية قبل أن يحاول تقديم اقتراح اصلاحي و تنظيمي، و كان يتعامل مع القوة التشريعية و خاصة مجلس صيانة الدستور ببغض و حقد، و كان يعتبر السلطة التنفيذية التي يترأسها غريبة عنه، و ربما لم يشترك حتى مرة واحدة في اجتماع مجلس الوزراء، فإذن لم يكن هذا الشيء ليتم في ذلك الوقت. و في الدورة الثانية لرئاسة الجمهورية لم تتوفر تلك الفرصة للقيام بهذا العمل، و اليوم بعد مرور أكثر من سنتين على بداية ولادة رئاسة الجمهورية في هذه الدولة، نريد حديثا أن نتعلم كيفية تنظيم هذه العلاقات. و العمل الذي أقوم به هو أننا نجلس مع رؤساء السلطات الثلاث بشكل منظم تقريبا، و نطرح المسائل، و نعرض على المسؤولين نقاط ضعف السلطة القضائية و التشريعية (عند ما نرى نقاط ضعف) و نسعى لرفعها، و بالنسبة للسلطة التنفيذية أنا منتبه بشكل كامل إلى كيفية حركتها. و عن اتجاه نشاط هذه السلطات الثلاث و كيف كان فيجب أن أقول: إن السلطات الثلاث لديها نشاطات تكاملية و لا أريد أن أشرح و أوضح لأنها واضحة إلى حدّ كبير.

و أقترح على هذه السلطات الثلاث أن تعمل كل واحدة منها بشكل دقيق في مواقعها القانونية، و تشعر كل منها بأنها جزء من مجموعة واحدة و لا يكون تعاملها مع بعضها تنافسيا و جداليا. و في هذه الحالة تتم المحافظة على انسجام و وحدة هذه السلطات الثلاث، و لا يحصل تداخل في شؤون بعضها، و يصبح أمر تنظيم السلطات سهلا على رئيس

ص:117

الجمهورية، و سوف تتحرك السلطات الثلاث حركة واحدة نحو الهدف النهائي لهذه الجمهورية.

- منذ فترة أصبحت فرنسا قاعدة للعناصر المعادية للثورة. كما أنّ (ميتران) خلال سفره مؤخرا إلى فلسطين المحتلة أظهر مدى التزامه تجاه الصهيونية، فما هو رأيكم في هذه المسائل، و كيف تتوقعون مستقبل نظام ميتران الذي يقترب كل يوم بشكل أكثر من الامبريالية الأمريكية؟.

* أتصور أن فرنسا ارتكبت خطأ سياسيا كبيرا، فقد سعى الفرنسيون كثيرا في الماضي لجعل علاقاتهم مع الدول العربية علاقات ودية، و لهذا السبب فإن إحدى الأسواق المهمة لطائرات الميراج و الأسلحة الفرنسية الأخرى هي الأسواق العربية، كما أن الشعب العربي. الجماهير العربية البالغة مئة مليون نسمة كانت تؤيد فرنسا، أو على الأقل لا تشعر بعداوة تجاهها، و هذا شيء عجيب بالنظر إلى أن كثيرا من الدول كانت مستعمرة من قبل فرنسا، و يعبر عن سياسة قوية حكيمة لحكامها، و إن الحركات التي قام بها رئيس الجمهورية الفرنسي الحالي و دعمه لإسرائيل قد أساء لسمعته و لسمعة فرنسا على المدى البعيد لدى الشعوب العربية و إن كسب ودّ بعض الحكومات المؤيدة لإسرائيل.

و حول مستقبل ميتران أظن أن هذا الفشل السياسي سوف يظهر واضحا في الأجواء السياسية الفرنسية بعد فترة قصيرة، و قد يؤدي إلى تعرض نجاح الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى الخطر. و أظن أن هذه الدورة لا تليها دورة ثانية.

- ما هي المعادلة التي يجب على الجمهورية الإسلامية اتباعها في سياستها الخارجية من أجل التعامل الصحيح مع بقية الدول و معرفة الأصدقاء و الأعداء؟.

ص:118

* يجب الأخذ بنظر الاعتبار عدة عناصر يجب أن ننظم سياستنا الخارجية على أساسها أو بعبارة أفضل (علاقاتنا الخارجية مع الدول) أحدها أن لا نقيم علاقة بالدول غير الإسلامية التي تعادينا. و لكن نقيم مع الذين لا يعادوننا و لا يعتدون على حقوقنا علاقة سليمة. ثانيا: بالنسبة للدول الإسلامية نجعل الأصل الأولي هو إقامة العلاقات معها و تخليصها من جميع أخطائها، فنحول دون وقوعها في شرك الرزوح تحت قبضة الاستعمار من حيث السياسة الخارجية. و إذا كانت على و شك أن تقوض أحضان القوى الكبرى بسبب مساعدتهم لها، فلنقدم نحن لها العون، و لا نسمح للمستعمرين باغرائها، و إن كان عرضة لإعلام خاطىء نسعى إلى فضح هذا الإعلام و إذا كانت علاقة تلك الدول بشعبها سيئة، نسعى لاقامة مثل هذه العلاقات الحسنة بين تلك الدولة و الشعب. و العامل الآخر عامل الجوار فيجب أن تكون لنا علاقات سلمية مع جيراننا سواء كانوا مسلمين أو كافرين. و هذا لا يعني أن نتحمل جيراننا مهما كان وضعهم، فلو تجاوز جيراننا على الأسس التي نحترمها تكون حينئذ كما لو اعتدت علينا، و لكن في الشكل العام و المثالي لنا فإن المطلوب هو أن تكون لنا علاقات حسنة مع جيراننا.

العنصر الآخر هو عنصر الانسجام الفكري في السياسات المتخذة، فكل دولة في أي مكان في العالم لديها السياسية الأساسية نفسها التي لدولتنا من قبيل معاداة الصهيونية و معاداة الاستكبار العالمي و معاداة الكفر العالمي، فهي صديقة و شقيقة لنا. و هذه العوامل ينتج مجموعها مخططا محددا نستطيع أن ننظم على أساسه ديبلوماسيتنا و الأساس الديبلوماسي أي سياستنا الخارجية.

- تحاول وسائل الأعلام الغربية كثيرا اظهار أن الهدف من تصدير

ص:119

الثورة هو التدخل في الشؤون الداخلية لبقية الدول، فما هو تحليل جنابكم لمسألة تصدير الثورة و دعم حركات التحرر المستقلة؟.

* إنهم لم يدركوا بشكل صحيح معنى تصدير الثورة، أو أنهم يفسرونه بشكل مغرض. فقد قلنا مرارا: إن تصدير الثورة معناه تصدير ثقافة الثورة و هو أمر لا يستطيع شخص أن يحول دونه أو يستطيع أن يغض النظر عنه فعندما تدركون حقيقة من الحقائق أو تتعرفون على شيء جميل فإنكم تسعون إلى عرضه على كل الذين تحبونهم، فعندما يدرك المجتمع الإسلامي حقيقة مجال الإسلام و التوحيد، يرغب أن يفهمه للجميع، و لا يمكن لأي شخص أن يقول: لماذا تريدون أن تعلموا الآخرين الشيء الذي فهمتموه أنتم؟ فحتى لو لم نرد أن نعلمه، فإن هذه الفكرة و هذه الحقيقة سوف تفرض نفسها بالنتيجة لجميع الناس الراغبين بالمعرفة و سوف تستقر في أذهانهم.

و أمّا أننا نتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، و نقوم بتأجيج الثورة أو نقدم على اثارة أوضاع الشعب هناك، فهذا ليس معنى تصدير الثورة.

و قد أشرتم إلى حركات التحرر، إن حركات التحرر هي تلك الفئة التي أدركت قبل الجميع نداء ثورتنا و ثقافتها و بالطبع فإنهم جزء منا و نحن ندعمهم معنويا و سياسيا، و لكن يجب الالتفات إلى أننا لا نريد أن ندفع حركة تحررية أو فئة مسلّحة في بلد من البلدان إلى اسقاط نظام، كلا لا نقوم بهذا العمل و لا نعتبر هذا العمل من شأن الجمهورية الإسلامية.

- ما هو معيار اقامة العلاقات السياسية و الاقتصادية و غيرها مع دول مثل الباكستان و سوريا و تركيا و الكويت؟.

* نفس المعايير التي ذكرتها سابقا لعلاقاتنا الخارجية تأتي هنا

ص:120

أيضا فأوّلا إن بعض الدول التي ذكرتموها هي جاراتنا و يجب أن تكون لنا علاقات حسن الجوار، أما سوريا فهي دولة دعمت دائما مواقفنا الثورية. بالاضافة إلى أنّ المعادلات التجارية تعني حاجة طرفين، فأنت تذهب إلى دكان لحاجة إلى البضاعة الموجودة فيه، و البائع يحتاج إلى نقودك فتتفقون و تتعاملون. و لا يهمك من يكون ذلك الشخص. فأنت تريد منه أمانة و هو يريد منك ربحا جيدا، و لا شأن لأحدكما بالآخر خارج المعاملة. و نحن نفكر هكذا في علاقاتنا و في مبادلاتنا. و طبعا نحن نفضل دائما التعامل مع الطرف الذي يتفق معنا في الفكر و المسلم و الجار على الذي لا يتفق معنا في الفكر و غير المسلم و غير الجار.

و طبعا لا نتعامل مع بعض دول العالم أبدا، فمثلا لا نتعامل مع أمريكا و لا مع اسرائيل و بعض الدول الأخرى التي تشترك مع اسرائيل و أمريكا في الاتجاه، و كل من تكون لدينا حاجة لبضاعة عنده أو نحتاج إلى أموال عنده لبيع بضاعتنا فإننا نتعامل معه، و هو أمر أمرنا به الإسلام و سمح لنا به، و نحن نعمل طبقا لذلك.

- ما هي النجاحات التي حققتها الثورة الإسلامية في البعد الاقتصادي؟ و ما هو الطريق الذي أمامنا لتحقيق الثورة في البعد الاقتصادي؟.

* إن هذا السؤال مهم جدا، و سبب أهميته أن تغيير البنية الاقتصادية في المجتمع أمر صعب جدا و أساسي. لا بمعنى أنه أصعب من تغيير البنية الثقافية، كلا فإن تغيير البنية الثقافية أصعب لكن هناك مسألة و هي أن ثقافتنا تغلي من داخلنا، فنحن لدينا الإسلام، و لهذا ترى أن التغيير الثقافي و الأخلاقي في مجتمعنا قد حصل بشكل واضح، و لكن اقتصادنا قد تعرض طيلة السنين الماضية إلى الشلل و الارتباط بحيث أن امكانية تغييره ليست سهلة. لذا يستحسن أن نرى مقدار

ص:121

النجاح الذي حصلنا عليه حقيقة، و يجب أن أقول: إننا لم نعدم النجاح في هذا المجال، رغم أننا لم نصل إلى أهدافنا حتى الآن، فلم يعد لدينا فارق طبقي كبير في المجتمع أولا، و ليس لدينا اليوم حتى شخص واحد من أولئك الأثرياء الكبار و المستكبرين العظام الذين كانوا في مجتمعنا، و كان هناك أشخاص لو قسمنا رواتبهم ليوم واحد، لأعطينا خبزا لآلاف الأشخاص، و اليوم لم يعد لدينا مثل هؤلاء. و صحيح أنّ ضعفاءنا لا يزالون على ضعفهم و هناك بين متوسطينا أشخاص يتمتعون بمستويات عالية و لكن أولئك الأثرياء الكبار الذين كان بعضهم مشهورا في العالم، و الأشخاص الذين كانوا يعادلون في الحقيقة آلاف الأشخاص من حيث الدخل، غير موجودين، و هذه هي أوّل خطوة.

قمنا بوضع أموالهم و معاملهم و ممتلكاتهم تحت تصرف الشعب، أي أعطينا أموالهم إلى مؤسسة المستضعفين، و اعطينا بيوتهم إلى الحكومة و الحكومة هي للشعب. و هذه الأعمال تساعد على اقتراب الشعب من مستوى بعضهم البعض ثم قمنا بإضعاف ثقافة الاستهلاك عند الشعب. و صحيح أننا لم نصل حتى الآن إلى مستوى قلة الاستهلاك، و لكننا لا نقارن مع 4 أو 5 سنوات سابقة إن شعبنا اليوم يستطيع بسهولة أن يستغني عن خبزه و يدفعه إلى الجبهة أو إلى مستحق مثلا أو يبيعوا بيوتهم و يصرفوها على الجبهة، و كذلك تصرف النساء بحليّهن.

و بناء على هذا فإننا تقدمنا من هذه الناحية أيضا. و لدينا مشاريع لتطوير أعمالنا الاقتصادية فمسألة الأرض مطروحة و مسألة تنمية المعامل الداخلية و الاهتمام بالصناعات الصغيرة و التشغيل و مسألة خلق الابتكار الفني، و هذا تقدّم نلناه في المجالات الاقتصادية، و هناك مكاسب أخرى أيضا يمكن أن يجدها المتتبّع بسهولة من خلال مطالعة أوضاع الدولة.

- ما هو رأي الإسلام بشأن الرأسمالية و الملكية الكبيرة؟ و ما هي

ص:122

البرامج التي يجب أن تنفّذ في الجمهورية الإسلامية لتوازن الثورة؟.

* إذا كان معنى الرأسمالية هو أن يكون شخص مالكا لرأسمال و يعمل به فإن الإسلام لا يعارض هذا الأمر، أما إذا أخذتم الرأسمالية بالمعنى المتداول لدى الأنظمة الغربية و التي يريدون بها رؤوس الأموال الضخمة التي يتم من خلالها استثمار الناس، فطبيعي أن الإسلام لا يؤيد الاستغلال الذي هو نوع من الظلم.

و بعد ذلك قلت: الملكية الكبيرة، فإن الملكية الكبيرة كذلك أيضا، يجب أن نرى ما هو المقصود من الملكية الكبيرة، فمثلا في باب الأرض، من هو الذي يقال إنه مالك كبير، و ما هي الملكية الكبيرة؟ فهل أن الشخص الذي لديه ألف هكتار من الأرض مالك كبير؟ أو ذلك الشخص الذي يمتلك مئة هكتار، هل هو مالك كبير أيضا؟ يجب أن نفصل هذه عن بعضها.

و بما أنه يطرح حاليا في مجتمعنا أنواع من الأفكار هنا و هناك، لذا لا يمكن اصدار حكم من خلال تعابير من قبيل الرأسمالي و المالك الكبير و صاحب الأرض و غيرها، لأننا نقول أحيانا إن امتلاك الأرض أمر قبيح. فتؤخذ أراض مساحتها ثلاثين هكتارا من شخص، مع أنّ ما هو قبيح ليس امتلاك ثلاثين هكتارا و إعمار ثلاثين هكتارا من الأرض، بل أن امتلاك ثلاثة آلاف هكتار أو غصب أراض كثيرة هو جريمة تنشأ منها المحاذير.

و بناء على هذا فإن الملكية الكبيرة إذا كانت بمعنى الشيء الذي ينتج عنه الظلم و التمييز و الاستغلال و النصب و الاحتكار، فإن الإسلام يعارضها، أما إذا كانت بمعنى أن تكون للإنسان حياة مرفهة و متوسطة، فهذا ليس قبيحا من وجهة نظر الإسلام، و الإسلام يرغب في أن يصل جميع أفراد المجتمع إلى هذا المستوى، و يعتقد بأن من الممكن إيصال

ص:123

جميع الناس إلى هذا المستوى بالثروة الموجودة في حوزة المجتمع، و لا داعي لأخذها من أيدي الشخص الذي يمتلكها و اعطائها لشخص آخر حتى نستطيع أن نوازن بينهما، كلا إن المعوزين يمكن تشغيلهم بتوفير العمل و تنمية النشاطات الصناعية و ايصال الجميع إلى مستوى الرفاه المتوسط بمساعدة الحكومة أيضا.

- ما هي الأعمال التي لم تتم حتى الآن و التي يجب القيام بها لتحقيق توازن الثروة في الجمهورية الإسلامية؟.

* إن مسألة الأرض هي مسألة أساسية و مهمة، و لو استطعنا أن نحل مسألة الأرض سواء الأراضي الزراعية بالدرجة الأولى أو أراضي المدن بالدرجة الثانية لخطونا خطوة كبيرة..

لأنه إذا قمنا بموازنة الثروة في المجتمع و إذا استطعنا تشغيل الجمعيات التعاونية و جعلنا بيدها منتجات الدولة، فسوف تكون هذه خطوة مؤثرة للطبقة الضعيفة و المتوسطة.

و هذه المعامل المطروحة الآن في المجلس و في الحكومة و هي معامل مؤممة لو أعطيت إلى الجمعيات التعاونية، فإنها سوف تديرها بحماس، و يرتفع مستوى الانتاج و يستطيع الأشخاص الضعفاء أن يستفيدوا من ذلك أيضا، هذه الأمور يمكنها أن تكون خطوات مؤثرة.

- قامت الثورة الإسلامية بتغييرات كثيرة في القيم فكيف تقيّمون هذه التغييرات في شرائح المجتمع المختلفة، و خاصة في شريحة التكنولوجيين و الاخصّائيّين؟.

* ما عدا الشريحة التي ذكرتم اسمها، فإن التغييرات واضحة، لأن التغييرات في جماهير الشعب و الشريحة التي لديها تحرك ثوري أكثر عادة، واضحة، و نرى حجم القيم التي تغيّرت، فالقيم سابقا كانت بأن

ص:124

يكون للشخص الفلاني ولدان أو ثلاثة أولاد لديهم شغل أو منصب أو درجة في الدائرة أو في الشرطة أو في الجيش و اليوم أصبحت القيم بأن يستشهد للشخص ولدان في ميدان الحرب، فيقول مثلا هل استشهد لكم ثلاثة أولاد؟.

أما أنا فبالاضافة إلى استشهاد ثلاثة أولاد، فإن صهري مثلا قد استشهد أيضا.

و الجميع يعدون هذه من القيم، فلو جاء هذان الشخصان، الشخص الذي استشهد ولداه و الآخر الذي استشهد أولاده الثلاثة و صهره، إلى المجتمع لأعطى أحدهما درجة نجاح قدرها 95 مثلا و أعطى الآخر 100 درجة. أي أن الشعب يعتبر هذه قيمة حقيقة و هي قيمة في المجتمع أيضا، و الشخص الذي يقاتل ابنه في جبهة الحرب و يعمل جنديا يقول مرفوع الرأس: إن ولدي في الجبهة، لم يكن هذا موجودا في السابق و أمّا الآن فهو يقول مفتخرا أن ولدي عسكري.

و يقول الآخر أن ابني في الحرس و كلاهما في الجبهة مثلا و يعتبرون هذا قيمة. و هذا نراه في الطبقات المتوسطة للشعب. أي طبقة الحرفيّين، و طبقة الفلاحين و طبقة الروحانيين و طبقة الجامعيين، و طبقة العمال و بقية الطبقات الموجودة في هذا المستوى.

و قد أثّرت قيم الثورة أيضا في طبقة التكنولوجيين و الاخصائيين، و سبب ذلك هو أنه بالرغم من أن التكنولوجيين أي الذين يدور محورهم الفكري حول الصناعة التقنية و التخصص، و تتعلق قلوبهم بذلك، و هذه هي خصائص التكنولوجيا، و على هذا تراه و لها في تخصصه و بما أنّ اختصاصه قد شغل همه، فلا يمكن بناء على هذا أن يحصل له حب للثورة و لو حصل فإنه حب ثانوي، إلاّ أنه مع ذلك نجد المحيط الثوري أثر بشكل كامل في هذه الطبقة أيضا.

ص:125

و لمعرفة التكنولوجيين في هذا البلد ليس من اللازم أن نشير إلى أعداء الثورة (فالبعض عند ما يريدون أن يقولوا كلمة متخصص أو تكنولوجي يشيرون إلى أعداء الثورة) أمّا نحن فنلحظ التكنولوجيين فقط، نلحظ الاخصائيين فقط فلماذا نحكم مسبقا بأن هؤلاء أعداء للثورة؟ فلنركم الآن من الاخصائيين يعملون في خدمة أمور هذه الحرب المفروضة. فنحن لدينا الآن أشخاص يستعملون من أول بداية الحرب حتى الآن تخصصهم و أفكارهم و ابتكاراتهم لخدمة صناعة و تصليح السلاح و اكمال المشاريع التسليحية و غيرها، و كثير منهم يخدمون في مجالات أخرى غير الحرب، فهناك آلاف المهندسين و الاخصائيين في مختلف الفروع يعملون في جهاد البناء و في العمران، فمن هم هؤلاء؟ إنهم اخصائيون و صناعيون و تكنولوجيون و مع ذلك كسبتهم ثقافة الثورة بشكل كامل.

و لكن هناك في هذه الطبقة أشخاص لم يتنسموا عبير الثورة، و هم يفكرون حتى الآن في أجواء حكومة (علم) و اقبال و (شريف إمامي) و أمثال هؤلاء الأشخاص و لم يتجاوزوهم.

و لكن مع مرور الوقت سوف يقتربون أكثر إلى الثورة و نأمل أن يصلوا في نهاية الأمر بعد سنتين أو ثلاث سنوات إلى حكومة المهندس الموسوي.

- سوف تفتتح الجامعات بالتدريج و بأمر الإمام، فما هو رأيكم بالتغييرات التي يجب أن تجري في الجامعات و مؤسسات التعليم العالي و النظام التعليمي في الدولة بشكل عام؟.

* كان لي كلام تفصيلي بهذا الصدد مع مجلة الجهاد الجامعي و إذا أردت أن أكرر ذلك الكلام هنا فإنها تصبح مقابلة مستقلة.

ص:126

و بشكل اجمالي اعتقد، كما أشار الإمام أيضا أن جامعتنا تولد بهذا الافتتاح و كل شيء يولد فهو ناقص طبعا، و بعد مرور عشرين سنة يصبح شابا متكاملا، و بهذه المقدمة نفهم أن ما يولد لا يعدّ بالنسبة لنا جامعة إسلامية مثالية، و إن كان بالإمكان أن تصبح تلك الجامعة مثالية. إن الجامعة التي كانت تحت تصرف الأعداء و الرجعيين و المنافقين و غيرهم، لا يمكنها أن تصبح ذلك الكائن السليم و إنما حالها كما لو أتيتم بجرو كلب و أردتم أن تربّوه و تتوقعوا أن يتحول إلى شاب يافع بعد عدة أيام، إن ذلك غير ممكن، بل أعدوا طفل إنسان و ربّوه فسوف يصبح شابا يافعا و رياضيا، إن لم يكن اليوم فسيكون غدا و إن ما تحقق هو أنه سوف يصبح تحت تصرفنا اليوم شيء قابل للنمو و أرضية قابلة للتقدم.

- ماذا كان دور الفن و الأدب في عصر النبي (ص) في نشر الإسلام؟ و ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه حاليا في استمرار الثورة الإسلامية، و إلى أية درجة استطاع الفنانون و الأدباء حاليا العمل وفقا لما تمليه رسالتهم الدينية و السياسية؟.

* تعرفون أن الفن لا يعرف الزمان و المكان، و في عصر الرسول (ص) كان للفن أيضا ذلك الدور الذي يمكن أن يؤديه اليوم، و دور الفن في إيران هو نفس دوره في أوروبا و في أفريقيا و في أمريكا و بين الزنوج، و قد ذكرنا مرارا أن الفن هو أدق و أبلغ وسيلة لانعكاس الأفكار و الأهداف الشريفة.

و ليس هناك كلام مثل الفن، كانت البلاغة و الرصانة موجودة في زمان النبي (ص) أيضا، و استفيد منها غاية الاستفادة، إلى الحد الممكن، و اليوم يجب أيضا أن يستفاد منها بتلك الكيفية، و أما كم تقدمنا في هذا المجال، فيجب أن أقول: إن تقدمنا لم يكن ضعيفا. إن الفن قبل الثورة كان فنا سقيما و مريضا، و كان فنا في خدمة الأهداف

ص:127

المصطنعة و مفروضا بالقوة، لا أقول: أنه كان في خدمة الخلاعة فقط، رغم أنه كان في خدمتها أيضا، و لكن أبعد من ذلك كان في خدمة أهداف غير أصيلة و غير طبيعية و ليست نابعة من الفطرة و غير ناضجة، و أمّا حاليا فإن الفن في خدمة هذه الأمور، فيمكن القول أن فننا أيضا بدأ يولد من جديد، و هذه الولادة لحسن الحظ لم تكن صعبة جدا و ليس فيها خسائر كثيرة، فعندنا اليوم من بين الفنانين الشباب أفراد كثيرون، كان لديهم ابتكارات و ابداعات واضحة في مجالات فنية متنوعة، و هناك أيضا من فنانينا السابقين الذين كانوا ملتزمين، عدد غير قليل في خدمة الثورة، حيث تشاهدون أحيانا أعمالهم على شاشة التلفاز و الجرائد.

- إن أمتنا تعتبر الثورة الإسلامية أرضية للثورة العالمية للإمام المهدي (عج) فما هو رأيكم بهذه المسألة؟ و ما هي الخصائص التي تربط الثورة الإسلامية في إيران بالثورة العالمية للإمام المهدي؟.

* إن هذا الفهم صحيح جدا لمسألة المهدوية. و قد كنا نسعى سنينا لافهام الناس أن الإمام المهدي (عج) سوف يظهر في أرضية مساعدة و مناسبة، لا في أرضية غير مساعدة. و كان هناك أشخاص في ذلك الزمان يظنون أن العالم يجب أن يملأ بالظلم و الجور حتى يأتى الإمام المهدي، بينما كنا نقول: كلا إن حكومة الإمام المهدي هي حكومة إسلامية مئة بالمئة، و قبل هذه المئة بالمئة يجب أن تحصل نسبة عشرة بالمئة و عشرين بالمئة و ثلاثين بالمئة و سبعين بالمئة و تسعين بالمئة حتى تصل إلى المئة بالمئة.

حسن جدا، انظروا الآن إلى حكومتنا كم بالمئة هي حكومة إسلامية؟ و مهما كانت فإنها سوف تتقدم بهذا الترتيب حتى تصل حكومة المهدي (عج) و هي حكومة إسلامية مئة بالمئة، ليس فقط في هذه النقطة من العالم بل في كل مكان.

ص:128

تأثير فاجعة 7 تير في مسيرة الثورة الإسلامية في إيران

تأثير فاجعة 7 تير في مسيرة الثورة الإسلامية في إيران(1)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

- كانت الشخصية البارزة للشهيد المظلوم آية اللّه بهشتي قيمة إلى درجة أنّ الإمام قال عنه: إن البهشتي كان أمّة لأمتنا، ما هو رأيكم في فقدان ثورتنا للشهيد البهشتي؟.

* إن الشخصيات البارزة عند ما تستشهد من أجل الهدف، فإنها تعزز التيار بواسطة تضحياتها، و إن حرم التيار أو الثورة أو ذلك المجتمع من هذا الوجود القيم بفقدانها. كما حصل لجميع شهدائنا الكبار طول التاريخ، و مثاله البارز شهادة الحسين (ع).

إن شخصية مثل الحسين بن علي (ع) مع مالها من قيمة و ثمن لا يمكن تصوره، عند ما يفقدها المجتمع البشري فلا شك أن فقدانها خسارة لا تعوّض، و لكن التضحية التي حصلت عن هذا الطريق كبيرة إلى درجة أنّ التيار الذي ارتبط به الحسين بن علي (ع) يسمى حياة خالدة.

ص:129


1- أجريت المقابلة في شهر تموز عام 1982 م (نقلا عن مجلة سروش).

و عند ما توقع الادعاءات بدم الإنسان فإن صحتها تسجل إلى الأبد.

و حول الشهيد المظلوم آية اللّه البهشتي فإن المسألة كذلك أيضا. فعند ما تعرض شخصية في مستوى البهشتي نفسها إلى الشهادة، فإن هذه التضحية و هذا الدم الطاهر يشكل التيار الذي يرتبط به البهشتي. و كان لاستشهاده هذا التصور الكبير في ثورتنا.

- عند ما حدث انفجار المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي كنت جريحا و راقدا في المستشفى بسبب محاولة اغتيال خيانية جبانة، متى و كيف اطلعت على استشهاد هؤلاء الأعزاء؟ و ما هي مشاعركم في ذلك الوقت؟.

* لعل ذلك كان في اليوم الثاني أو الثالث، لا أتذكّر بدقة لأنني لم أكن على ما يرام، قال الجراح الذي كان يعالجني: إن الحزب الجمهوري انفجر و استشهد عدد من الأشخاص، و لكنه لم يذكر اسم المرحوم البهشتي، و لأنني لم أكن في حالة طبيعية فلم أشعر ذلك الشعور و لم أفهم شيئا. ثم نسيت، و في حوالي اليوم الثاني عشر، أو الثالث عشر كنت أصرّ على أن يعطوني جريدة و راديو حتى أطلع على الأخبار، و كان الأخوة الذين معي من الحرس و الأقرباء يمانعون و لا يسمحون، و كنت أزيد اصرارا، و كانوا يقولون: لا يمكن أن نأتي براديو إلى هنا، إن الأجهزة التي كانت موصولة بقلبي و نبضي تتعطل عن العمل، فقلت: حسنا أعطوني جريدة، فالجريدة لا تخرب الأجهزة فلم يأتوا بجريدة. فغضبت جدا لأنني أطلب شيئا و الذين حولي و أصدقائي يبخلون علي حتى بشراء جريدة.

و في يوم من الأيام زارني الشيخ الهاشمي الرفسنجاني و الحاج أحمد طبقا للمتعارف و لم أكن أدري أن طبيبي طلب أن يأتيا و يتكلما

ص:130

معي، نظر الطبيب إلي و قال للشيخ الهاشمي: أنني أصر على طلب الراديو، فهل ترى ذلك صالحا؟ فقال الشيخ الهاشمي: كلا، فقلت: لماذا؟ قال: إن في الراديو أخبارا مرة، فيه قضايا غير مريحة. فكرت، ماذا يعني ذلك؟ في الراديو أخبار مرة، و قال الشيخ الهاشمي إنها مستمرة، و أراد أن يفهمني القضية بشكل ما ثم قال: مثلا أن المكتب المركزي للحزب قد انفجر و جرح عدد من الأشخاص. منهم السيد البهشتي. و تكرار خلال الكلام اسم السيد البهشتي، فتألمت جدا و لعلني بكيت، لا أتذكّر فلم تكن حالتي طبيعية أنذاك، و قد أجريت لي عملية جراحية ثالثة، و عند ما سمعت أن السيد البهشتي قد جرح نسيت الجريدة و الراديو، سألت عن السيد البهشتي، و قلت كيف وضعه، كيف حاله؟ قالوا إن حال السيد البهشتي ليس جيدا.

فتألمت جدا و قلت: يجب أن نعبىء جميع امكانيات البلد حتى ننقذ السيد البهشتي. هل أن وضعه أفضل مني أم أسوأ؟ قالوا: ليس هناك فرق، هكذا هو، إن الأخبار في الخارج مرة، و ذهبوا، و بعد ذهابهم فكرت قليلا، و خطر على ذهني أنه لا بدّ أن يكون هناك شيء، فاستجوبت من حولي من الأخوة و سرقت الحقيقة منهم، كنت قد حدست أنه استشهد. و قال الأخوة: أنه استشهد من البداية، و كان وضعي في ذلك الوقت سيئا جدا، لقد صعب عليّ ذلك جدا لأنني كنت أشعر شعورا أخويا تجاه السيد البهشتي و كنت استأنس معه سنوات طويلة. و في أيام الثورة كنا معا ليلا و نهارا تقريبا مدة سنة و نصف، و كانت أعمالنا و جهودنا مشتركة.

- ما هي برأيكم درجة أهمية حادثة انفجار المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي في اظهار الثورة في الداخل و الخارج؟.

* كان تأثير حادثة المكتب المركزي للحزب كبيرا جدا في

ص:131

الداخل. و ذلك لأن الشعب كان يحب الحزب و المسؤولين الذين استشهدوا، خاصة بعد كشف هوية بني صدر في المجلس، و مبادرة الإمام الحازمة بشأنه، فقد اتّضح تقريبا بطلان تيار الليبراليين، و درجة وحشية التيار المعارض عند ما وقعت هذه الحادثة، و كان التيار المنفّذ لحادثة 7 تير خليطا من الليبراليين و المنافقين، فلم يكن من الليبراللين وحدهم، و قد ظهر مدى جبنهم، و أنهم كانوا على استعداد لقتل شخصيات مثل الشهيد البهشتي و بقية الشهداء ال 73 في حادثة واحدة من أجل مسائل سياسية، و هو أمر يهزّ كل شخص بشكل طبيعي و ينبهه إلى بطلان ذلك التيار الذي نفذ هذه القضية.

و بناء على هذا فإن الحادثة في داخل ايران وحّدت تيار الثورة، فإذا لم يكن الشعب قد فهم حتى ذلك الوقت بطلان التيار المعارض. فقد شعر بعد حادث السابع من شهر تير بأحقية التيار المعارض لليبراليين و المنافقين و هو خط الإمام و كان وقعها في الخارج كبيرا جدا. و قد يكون هناك أشخاص حللوا تلك الحادثة على أنها زوال للجمهورية الإسلامية، فلم أقرأ الجرائد في الأيام الأولى و لم أطلع على الأخبار. و عدا هؤلاء فإن انعكاس هذه الحادثة في العالم كان انعكاسا مفيدا.

- بعد مرور سنة على فاجعة السابع من شهر تموز 1981 م و استشهاد آية اللّه البهشتي و 73 شخصا من أصحابه:

أ - إلى أيّ حد تم تعويض نقص القوى المؤمنة و الملتزمة التي استشهدت في هذه الفاجعة؟.

ب - كيف كان تأثيرها على اتحاد قوى خط الإمام؟.

ح - ما هو تأثيرها في قيادة و مؤسسات الحزب الجمهوري الإسلامي و نجاحه السياسي؟.

ص:132

* حول سؤالكم الأوّل فإن تعويض شخصيات مثل الشهيد البهشتي، و سائر الشخصيات يمكن تصوره في صورتين: احدهما أن يأتي أشخاص و يحلوا محل تلك الشخصيات بشكل كامل، و لا يمكن للإنسان أن يقول متى يحصل و كيف يحصل هذا بشكل دقيق. فقد نقول: إن فراغ وجودهم القيم يعوض بالجهود و السعي و الحماس الموجود في الناس. و نضج بعض القابليات بشكل عام. و نحن نظن أن ملأ ذلك الفراغ قد تم بالصورة الثانية بفضل اللّه. و كل شخص يتخلى يجبر فراغه بشكل فوري بشكل من الأشكال.

و لكن مثل شخصية الشهيد البهشتي و الشهداء الآخرين الذين استشهدوا في هذه الحادثة، ليسوا أشخاصا يمكن للمجتمع أن يربي أمثالهم بهذه السرعة. و كما ذكرت سابقا فإن هذه الحادثة تنضج بعض القابليات و تؤدي إلى مضاعفة جهودها. و بشكل عام يملأ مكانهم الخالي بشكل ما.

و فيها يتعلق بالسؤال الثاني و هو اتحاد قوى خط الإمام، فمن الواضح جدا أن هذه الحادثة استطاعت أن تجعل جميع قوى الشعب الإيراني في صف واحد. إن قوي خط الإمام كانت متحدة، و لكن جميع الشعب الإيراني أصبح في تيار قوى خط الإمام. و قد قلت هذا سابقا بمضمون آخر. إن قوى الشعب كانت في اتجاه خط الإمام. أي يجب أن لا نفترض أن عددا من أبناء الشعب كانوا خارج هذا الخط، و كان مؤيد و بني صدر أو مؤيدو الليبراليين، مؤيدين لخط الإمام في الحقيقة؛ و إنما شكوا في المصداق، و لكن المصداق اتضح للجميع بعد هذا الوضع الذي حصل، و اتضحت أحقية خط الإمام للجميع في مختلف المسائل.

و أما تأثيرها على قيادة الحزب الجمهوري الإسلامي فإنه كان ينتظر

ص:133

أن يحصل تحرك و نشاط أكثر للحزب الجمهوري الإسلامي بعد هذه الحادثة، و لكن وقعت حوادث حالت دون ذلك، و قد استفاد الحزب الجمهوري الإسلامي لاستفادة اللازمة من هذه الحادثة لمسائله الداخلية، و أنتم تعرفون أن الشهيد باهنر استشهد بعد فترة وجيزة و استشهد بعض مسؤولي الحزب مباشرة بعد حادث السابع من تير و كذلك قضيّتي و كثرة مشاغل الأخ الهاشمي الرفسنجاني، و بشكل عام لم تسمح الحوادث التي وقعت في وقت واحد بأن يتحرك الحزب الجمهوري الإسلامي ذلك التحرك الذي ينبغي بعد هذه الحادثة، و لكن بشكل عام أقول: إن الحزب الجمهوري الإسلامي أخذ دروسا كثيرة من هذه الحادثة، و قام بجهود كثيرة على أساس ذلك، و هو الآن في خط واحد و نأمل أن يصبح الحزب قريبا في وضع يليق به.

- إذا أمكن تكلموا لنا على الابعاد الروحية للشهيد المظلوم الدكتور بهشتي.

* كان الشهيد المظلوم المرحوم آية اللّه بهشتي شخصية ممتازة، من الناحية العلمية و من حيث القدرة على التفكير، و من حيث الأخلاقيات و الخصائص. و من الناحية العلمية كان عالما بارزا و جادا و دؤوبا. و قد تخرّج من الحوزة العلمية كأستاذ في خدمة جميع طلاب العلم و المعرفة، و أفاد كثيرا من طلاب العلم. و من الناحية الفكرية كان رجلا مقتدرا و صاحب عقيدة يتمكن من حل كثير من المشاكل بتفكيره، و ما رأيناه منه في مجلس الثورة و في القضايا الصعبة جدا في أواخر سنة 1979 م و أوائل سنة 1981 م كان يعبر عن قدرته و قابليته الكبيرة و من الناحية الأخلاقية كان رجلا صبورا جدا، و واسع الصدر، كثير العمل، منظما و دقيقا و كان يرغب في أن يوظف كل جهوده و طاقته لهذه الثورة، كان إنسانا خالصا بالمعنى الكامل، و غير معقّد، و يحب الخير للآخرين

ص:134

كثيرا. و في المسائل الأخلاقية مع الأشخاص المقربين منه و المرؤوسين أو الزملاء كان شديدا جدا و قليل التسامح و كان بعيدا عن الانحرافات و الأمراض الأخلاقية. كان شخصية بارزة ليس لدينا له مثيل.

- ما هي كلمتكم التي توجهونها لعوائل شهداء السابع من تير، هذه الشريحة من الشرائح التي تتواجد في الساحة دائما؟ * يجب أن أبشّر هذه العوائل العزيزة بأن دماء أعزتها و شهدائها كان لها تأثير كبير في ثورتنا و الثورة الثالثة لهذا الشعب بدأت بدماء هؤلاء و استمرت ببركة دمائهم، و قليل من الشهداء طيلة فترة ثورتنا من استطاعوا إثارة اهتمام الشعب بالحقائق و اشباع و تنظيم ثورتنا مثل ما استطاع شهداء السابع من تير. و هذه بشرى كبيرة لعوائل هؤلاء الشهداء.

- كيف تحللون الحياة الفكرية و الكفاح السياسي و الاجتماعي للشهيد المظلوم آية اللّه البهشتي الذي كان حقا أحد الركائز القوية للثورة، و ما هو دوره في انتصارها و استمرارها باعتباركم أحد أصحابه المقربين؟.

* كان المرحوم الشهيد بهشتي شخصا ثائرا منذ فترة المواجهة الوطنية في زمان الدكتور مصدق، و طبعا لا أتذكر ذلك الزمان، فلم أكن أعرفه و لم أكن في ساحة المواجهة آنذاك، و لكنه كان يذكر أنه عند ما كان طالبا شابا كان يلقي خطبا في التجمعات، و بعد ذلك عند ما بدأت ثورة الشعب و العلماء بقيادة الإمام الخميني في سنة 1962 م، كان السيد البهشتي في الساحة. و أنتم تعرفون أن الهيئات المؤتلفة التي اغتالت منصور في سنة 1964 م كانت مجموعة من الناس لها دور مهم في الثورة. و كانت أوّل مجموعة منظمة قامت بالعمل المسلح، و كان للمرحوم الشهيد البهشتي علاقة قريبة بهذه المجموعة و كانوا يستفيدون

ص:135

منه، و كان يوجههم. و لعل من عجائب تاريخ ثورتنا أن هناك عدة أشخاص من أعضاء الهيئة المؤتلفة بين شهداء السابع من تير، كان الشهيد علي درخشان و الشهيد صادق إسلامي، و آخرون غيرهم من الذين كانوا ضمن أصحاب الشهيد البهشتي في فترة الهيئة المؤتلفة. و منهم الشهيد عرافي الذي كان سابقا من أعضاء الحزب الجمهوري الإسلامي، و على أي حال كان جميع هؤلاء في الهيئة المؤتلفة. و في سنة 1964 م سافر إلى ألمانيا بعد طلب عدد كثير من الأشخاص، و كان تواجده في ألمانيا مؤثرا و مفيدا جدا في المحيط الجامعي و خارجه، و بعد مجيئه إلى إيران أصبح في صلب الأمور السياسية في هذه الثورة و أفادت هذه الثورة منه كثيرا، و رأيتم أنه استشهد في جلسة كانت لبحث أمور الثورة كانت حياته ممزوجة بالسعي و النشاط لهذه الثورة.

- ما هو سبب تعرض الشهيد المظلوم إلى كل هذه الهجمات التي كانت تقوم بها جريدة الثورة الإسلامية و بني صدر و المنافقون؟.

* لأنه كان شخصية ممتازة، و حسب قول الشاعر فإن البلاء يصل أولا إلى العملاق، فالذي تحليقه أبعد و شخصيته أبرز يتعرض أكثر من الآخرين لهجوم الأعداء، فالعدو لا يهمه الشخص الذي ليس له تأثير في مسيرة هذه الثورة، و كان للشهيد البهشتي التأثير الأكبر بعد شخص الإمام، و كان له دور في المواجهة و قيادة المواجهة و ادارة أمورها أكبر و أهم من جميع أبناء الشعب الآخرين. و كان رجلا صريحا و شجاعا في مواقفه بوجه الأعداء - ما هو تحليل جنابكم لعدم اعلان ما يسمى بمنظمة المجاهدين بشكل مباشر عن مسؤوليتها عن بعض الجرائم مثل السابع من شهر تموز 1981 م 30 آب 1981 م؟ و إلى أين وصلت نتيجة آخر التحقيقات حول انفجار مبنى الحزب؟.

ص:136

* إن سبب عدم اعلان منظمة المنافقين مسؤوليتها عن هذه الجرائم الكبيرة هو نفاقها. فهم يرغبون بأن يكون لهم موطىء قدم بين الشعب. و إن كانوا قد تجاوزوا هذا الكلام، أي أن الأمر وصل بهم إلى درجة أنهم يهاجمون سائق سيارة الأجرة و بائع الألبان و عابر الطريق المظلوم، و يلقون القنبلة اليدوية عليه. ليس لديهم دعامة جماهيرية و لكن تلك الحادثة أثارت استياء جميع الشعب الإيراني من مسببي تلك الحادثة و أصبح كل الشعب الإيراني في مواجهتهم. و مع أنهم لم يعترفوا، و لكن اتضح أنهم قاموا بهذا العمل بمساعدة الليبراليين الموالين لبني صدر. و ليس لدي تحقيقات خاصة حول هذه المسألة، و لكن التحقيقات التي أجريت من قبل بعض الأشخاص قد حددت موقف المنافقين بشكل واضح.

- ما هو دافع حادثة 28 حزيران؟.

* هو التضاد الأساسي و الشديد بين خطين، الأول خط الإمام الذي كان التيار الأساسي لهذه الثورة، و الثاني خط النفاق و الليبرالية الذي كان يريد أن يسرق الثورة من يد الشعب و من الإسلام. و هذا التضاد أدّى إلى الكثير من المآسي و الآلام.

- ما هو وجه التشابه بين كربلاء الحسين (ع) في سنة 61 هجرية مع كربلاء سرجشمة في 28 حزيران سنة 1981 م و لماذا يشبه الانفجار في المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي بحادثة عاشوراء؟.

* إن أكبر وجه تشابه بين هاتين الحادثتين هو التأثير الكبير لهما في حركة و عمل و فكر الشعب و عواطفه. فقد أدّت حادثة كربلاء إلى تأثيرات كبيرة في عواطف الشعب خلال سنين طويلة و لعله يمكن القول: إن جميع الثورات التي وقعت بعد حادثة عاشوراء خلال عدة قرون كانت مستندة إلى حادثة عاشوراء. و تستلهم منها و تستند إليها

ص:137

فكان لها ذلك التأثير التاريخي العميق في مسيرة الثورة الإسلامية في ذلك الوقت. و هذه الحادثة كان لها أيضا تأثير أساسي في المسيرة العامة لثورتنا و هذا شبه كبير. و عدد الشهداء طبعا هو شبه آخر. و هنا أقول شيئا و هو أنه لا يمكن مقارنة أية حادثة بحادثة عاشوراء، و كما هو موجود في كلمات الإمام الحسن المجتبى و رسول اللّه و أمير المؤمنين (لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه) و لو أردنا أن نحلل أبعاد حادثة عاشوراء و نستعرضها، تتضح ماهية نوع الفكر. فمع أن كلتا الحادثتين شهادة، إلاّ أنّه لا يمكن مقارنة أية شخصية بالحسين بن علي (ع).

- ما هي الخطوات التي تمت لنشر أفكار الشهيد البهشتي و ما هي برامجكم في نشرها بشكل أكثر؟.

* ما عدا الجهود الكثيرة التي يقوم بها المتصدون للفكر و الكتابة و الكتب و الكرامات و المقالات فإنّ هناك جهتين تقومان بنشر أفكار الشهيد البهشتي، إحداهما في الحزب الجمهوري الإسلامي و الأخرى تعمل إلى جانبها بواسطة أحد أبنائه إذ تجمع مؤلفات الشهيد، و كلتا الجهتين واحدة طبعا؛ لأنهما ترتبطان بالحزب الجمهوري الإسلامي، و لكن إحداهما تعمل في داخل الحزب بشكل مستمر و يومي، و الأخرى عن طريق سادة آخرين أعضاء في الحزب يجمعون مؤلفات الشهيد البهشتي.

- قدموا للقراء صورة لوضع المجتمع و ذهنيته قبل و بعد السابع من تير..

* كان في مجتمعنا قبل السابع من تير تياران و قطبان نتذكرهما جميعا، فهناك بين الشعب من كان لهم ميل إلى تيار خط الإمام و العناصر و الأشخاص المرتبطين به، و يعتبرونهم على الحق و يزنون الآخرين بهم، و هناك تيار آخر كان يرتبط بالفكر الليبرالي و معظمهم

ص:138

أشخاص كانوا يحيطون ببني صدر و يبدون حبهم له. و مع أن التيار الأوّل كان له حجم و عمق أكثر، و لكن على أي حال كان هناك تيار آخر، كنتم تشاهدونه في مجتمعنا. و كانت تلك المجموعة المؤيدة لبني صدر مؤيدة للإمام في الحقيقة، لأنهم كانوا يظنون أن الإمام يؤيد و يدعم بني صدر. و قد أدّى حادث السابع من تير إلى ارتياح جميع الشعب، إذ فهم أن بني صدر عنصر غير أصيل دخل الثورة، و يريد أن يغيّر مسارها. و لهذا انتهت الاختلافات بين الشعب، و اتجهت ذهنية الشعب من الأفكار الليبرالية إلى أفكار خط الإمام الخالصة و اتّحد الشعب و أصبحت الثورة في مرحلتها الحقيقية و الواقعية.

ص:139

ص:140

الإمام المهدي (ع) بنظر الأستاذ الخامنئي

الإمام المهدي (ع) بنظر الأستاذ الخامنئي(1)

إن وليّ العصر صلوات اللّه عليه هو ميراث لجميع الأنبياء، و عند ما يأتي يخطو الخطوة الأخيرة لإيجاد المجتمع الإلهي. و سوف أتكلم مقدارا عن ذلك المجتمع، و لو دققتم في المصادر الإسلامية الأساسية، لوجدتم جميع خصائص ذلك المجتمع. و قد ذكرت خصائص ذلك المجتمع في دعاء الندبة الذي توفقون إن شاء اللّه لقراءته في أيام الجمعة، فقد ورد فيه: أين معزّ الأولياء، و مذلّ الأعداء، فذلك المجتمع، مجتمع يعيش فيه أولياء اللّه بعزّ، و أعداؤه في ذلّ، أي تكون المعايير و القيم في ذلك المجتمع بهذا النحو، و هو مجتمع تجرى فيه حدود اللّه، أي أنّ جميع الحدود التي عيّنها اللّه تراعى في مجتمع إمام الزمان. و عند ما يظهر إمام الزمان، يبني مجتمعا له خصائص محدودة، و عليكم أن تفتحوا أذهانكم جيّدا بهذا الشأن عند قراءة الآيات و الأدعية، و لا تكفي مجرّد قراءة دعاء الندبة، بل لا بدّ من فهمه و الاتعاظ به.

إن إمام الزمان صلوات اللّه عليه يبني مجتمعه على الأسس التالية:

أولا: أساس القضاء على جذور الظلم و الطغيان و اقتلاعها. أي أنه

ص:141


1- تاريخ البحث: شهر حزيران عام 1981 م (نقلا عن مجلة سروش).

يجب أن لا يكون هناك ظلم و جور في المجتمع الذي يقام في زمان ولي العصر سلام اللّه عليه ليس فقط في إيران أو في المجتمعات الإسلامية، بل في جميع العالم، فلا يظل في ذلك المجتمع وجود للظلم الاقتصادي و الظلم السياسي و الظلم الثقافي، و يجب اقتلاع جذور الاستغلال و الاختلاف الطبقي و التمييز العنصري و عدم المساواة و التجبّر و التسلط في العالم.

ثانيا: و من خصائص المجتمع المثالي الذي يبينه إمام الزمان (ع) رفع مستوى فكر الإنسان، علميا و إسلاميا، أي أنكم لا تجدون في زمن ولي العصر أثرا للجهل و الأميّة و الفقر الفكري و الثقافي في العالم و يستطيع الناس يومها أن يعرفوا هذا بشكل صحيح، و كما تعرفون فإن هذا كان أحد الأهداف الكبيرة للأنبياء كما ذكره أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في إحدى خطب نهج البلاغة الشريف: (و يثير لهم دفائن العقول) لقد ورد في رواياتنا أنه عند ما يظهر ولي العصر تجلس المرأة في بيتها و تفتح القرآن و تستخرج من القرآن حقائق الدين و تفهمها. فماذا يعني ذلك؟ يعني أن المستوى الديني و الإسلامي يرتفع إلى درجة يكون جميع الناس حتى النساء إذا افترضنا أنهن لا يشتركن في المجال الاجتماعي و يجلسن في البيت فإنهن يستطعن أن يتفقّهن في الدين، و يستطعن أن يفتحن القرآن و يفهمن حقائق الدين منه، لاحظوا نورانية المجتمع الذي يستطيع جميع الرجال و النساء فيه في مختلف المستويات، فهم الدين و استنباط الأحكام من الكتاب الإلهي، بنحو لا توجد أية نقطة من الظلمة في هذا المجتمع، و لا يظل هناك معنى لاختلاف الرأي و اختلاف السلوك في المجتمع.

و الخاصية الثالثة في مجتمع إمام الزمان - المجتمع المهدوي - هي أن جميع طاقات الطبيعة و جميع الطاقات الإنسانية تستخرج في ذلك

ص:142

اليوم، و لا يظل شيء في بطن الأرض دون أن يستفيد منه الإنسان. فكل هذه الطاقات الطبيعية المعطلة و كل هذه الأراضي التي تستطيع أن تغذي الإنسان، و كل هذه القوى التي تكتشف، مثلها مثل القوى التي كانت فترة قرون في التاريخ كالذرة و الكهرباء، إذ مرّت قرون على عمر العالم، و كانت هذه القوى في باطن الطبيعة، و لم يكن الإنسان يعرفها، ثم استخرجت بالتدريج، كل هذه الطاقات الكثيرة و الموجودة في بطن الطبيعة تستخرج في عصر الحجة.

و هناك خاصية أخرى و هي أن المحور في زمان إمام العصر، هو محور الفضيلة و الأخلاق، فكل من كانت لديه فضيلة أخلاقية أكثر فهو مقدم. و لو راجعتم الآيات و الروايات. و قد راجعها المحققون و المتتبّعون - لوجدتم خصائص أخرى.

و هذه الخصائص الأربع، أي المجتمع الذي ليس فيه أثر من الظلم و العدوان و الجور و الطغيان، المجتمع الذي يكون فيه الفكر الديني و الفكر العلمي عند الناس في مستوى عال، المجتمع الذي تظهر فيه جميع البركات و جميع النعم و جميع المحاسن و جمال العالم و تصبح تحت تصرف الإنسان، و أخيرا المجتمع الذي تكون فيه التقوى و الفضيلة و العفو و الايثار و الأخوة و العطف و المساواة الأساس و المحور مثل ذلك المجتمع هو المجتمع الذي سوف يبنيه إمام زماننا، المهدي موعودنا و محبوبنا الذي يحيا الآن تحت هذه السماء و فوق هذه الأرض و بين الناس كما هو اعتقادنا في إمام الزمان (ع).

إن الشعب الإيراني قد قام بثورة الآن، و ثورتنا هي مقدمة لازمة و خطوة كبيرة في طريق ذلك الهدف الذي يظهر إمام الزمان لتحقيقه، و لو لم نقم بهذه الخطوة الكبيرة، فمن المؤكد أنّ ظهور ولي العصر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف سيتأخر، و أنتم أيها الشعب الإيراني

ص:143

و أمهات الشهداء و الآباء المفجوعون، و الذين تحملوا عناء هذه المواجهة، و أنت يا إمام الأمة الكبير - الذي تعرف أكثر منا جميعا - اعلموا أنكم عملتم على تقدم حركة الإنسان و الإنسانية نحو هدف التاريخ، و عملتم على تعجيل ظهور ولي العصر، عند ما اقتلعتم عقبة الجهاز و النظام الخبيث الظالم في هذه المنطقة من العالم و الذي كان سرطانا خطيرا، فماذا نعمل بعد الآن؟.

إن تكليفنا واضح.

أولا: يجب أن نعرف أن ظهور ولي العصر، كما أنه اقترب خطوة بهذه الثورة، فإنه يمكن أن يقترب عدة خطوات بها أيضا، أي أن هذا الشعب الذي قام بالثورة و اقترب خطوة من إمام زمانه يمكنه أن يقترب منه خطوات أخرى. كيف؟.

أولا: كلما استطعتم أن توسعوا دائرة هذا المقدار من الإسلام الذي لدينا في إيران - و لا نبالغ لأنه أيضا ليس إسلاما كاملا - و لكن هذا الشعب استطاع أن يطبق قسما من الإسلام في إيران، و هذا المقدار من الإسلام كلما استطعتم أن توسعوه إلى آفاق أخرى من العالم، و في مناطق مظلمة أخرى، فإنكم تقتربون بنفس هذا المقدار من ظهور ولي الأمر و حجة العصر.

ثانيا: إن الاقتراب من إمام الزمان ليس اقترابا في المكان أو الزمان، و على من يريد أن يقترب من ظهور إمام الزمان (ع) أن يدرك أن ظهور إمام الزمان ليس له تاريخ معيّن، مثلا بعد 50 سنة، حتى تقول: إننا قطعنا سنة أو عدة سنوات من هذه الفترة و بقيت 47 سنة أخرى مثلا. كلا، كما أن ظهور الإمام ليس محددا من جهة المكان أيضا حتى نقول بالحركة من هذا المكان نحو الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب لنعلم بمكانه و نصل إليه، كلا إن الاقتراب من إمام الزمان هو

ص:144

اقتراب معنوي، إن إمام الزمان (ع) سوف يظهر في أي زمان استطعتم فيه أن ترفعوا مستوى المجتمع الإسلامي كما و كيفا بعد خمس سنوات، أو عشر سنوات أو 100 سنة فإذا استطعتم أن تؤمّنوا في باطنكم و في مجتمعكم - المجتمع الثوري - التقوى و الفضيلة و الأخلاق و التديّن و الزهد و الاقتراب المعنوي في أنفسكم إلى اللّه، كنتم قد عززتم أساس و قاعدة ظهور ولي العصر (عج)، و كلما استطعتم أن ترفعوا من حيث الكمية و الكيفية عدد المسلمين المؤمنين و المخلصين فإنكم تقتربون أكثر من إمام الزمان، و زمان ظهور ولي العصر، فنحن نستطيع أن نقرّب خطوة فخطوة مجتمعنا و زماننا و تاريخنا إلى تاريخ ظهور ولي العصر صلوات اللّه عليه.

النكتة الثانية: إن لدينا حركات و أساليب في ثورتنا اليوم، فإلى أية جهة يجب أن تتحرك هذه الأساليب؟ و هذه النكتة جديرة بالاهتمام، فلو أخذنا طالب مدرسة يريد أن يصبح أستاذا في علم الرياضيات، كيف يجب تأمين مقدمات عمله؟ يجب أن يكون في الوجهة التعليمية التي نعطيها له. اتجاه رياضي، فلا معنى لأن نعلم الشخص الذي يريد أن يصبح عالما في الرياضيات دروسا في الفقه مثلا، أو أنّ الشخص الذي يريد أن يصبح فقيها نزوده بالعلوم الطبيعية، فالمقدمات يجب أن تكون مناسبة للغاية و النتيجة، و غايتنا هي المجتمع المهدوي العقائدي، بالخصائص التي ذكرتها.

فيجب أن تهيء المقدمات بذلك الشكل، يجب أن نرفض الظلم، و يجب أن نقوم بحركة حازمة ضده بكل أنواعه، و من أيّ شخص صدر، يجب أن نجعل اتجاهنا إقامة الحدود الإسلامية و أن لا نعطي مجالا في مجتمعنا لانتشار الجور و التعدّي؛ لأننا نعلم أنه لا يمكن مواجهة الفكر إلاّ عن طريق الفكر، بل نقول أنّ الفكر الإسلامي يجب أن ينشر بالطرق الصحيحة و المنطقية و المعقولة. يجب أن تصبح جميع قوانيننا

ص:145

و المقررات الادارية و المؤسسات التنفيذية إسلامية من حيث الظاهر و من حيث المحتوى، و تقترب يوما بعد يوم من الإسلام، و هذا هو الاتجاه الذي يعطيه لنا و لحركتنا انتظار ولي العصر. في دعاء الندبة تقرأون إن إمام الزمان يحارب الفسوق و العدوان و النفاق، و يقتلع جذور النفاق و الطغيان و العصيان و الشقاق و الانقسام يجب أن نتحرك و نتقدّم في مجتمعنا في ذلك الاتجاه، و هو الأمر الذي يقربنا أكثر من الناحية المعنوية من إمام الزمان صلوات اللّه عليه، و سوف يقرب مجتمعنا أكثر فأكثر من مجتمع ولي العصر صلوات اللّه عليه، ذلك المجتمع المهدوي العلوي التوحيدي.

يا إمام الزمان، أيها المهدي الموعود المحبوب للأمة، يا سلالة الأنبياء الطاهرة و يا وارث جميع الثورات التوحيدية و العالمية، إن شعبنا هذا قد تطبّع منذ البداية باسمك و ذكرك، و قد اختبر لطفك في حياته و في وجوده، يا عبد اللّه الصالح، نحن اليوم بحاجة إلى الدعاء الذي تدعوه بقلبك الإلهي و الرباني الطاهر و بتلك الروح القدسية، من أجل انتصار هذا الشعب و هذه الثورة، و تعيننا بيد القدرة التي جعلها اللّه في ساعدك.

عزيز عليّ أن أرى الخلق و لا ترى، يا إمام الزمان، يصعب علينا أن نرى أعداء اللّه و نلمس آثارهم في هذا العالم و في هذه الطبيعة غير المتناهية و التي هي للصالحين من عباد اللّه، و لا نراك و لا نزورك عن قرب.

الّلهمّ إنّا نقسم عليك بمحمّد و آل محمّد أن ترقّق قلوبنا دائما بذكر إمام الزمان.

اللهمّ نوّر عيوننا بجمال وليّ العصر (ع).

اللهم اجعل هؤلاء الذين هم جنود اللّه، الذين ثاروا في سبيلك، من جنود إمام الزمان (ع).

آمين يا ربّ العالمين

ص:146

رأي حجة الإسلام و المسلمين السيد الخامنئي في الشهيد المظلوم آية اللّه البهشتي

رأي حجة الإسلام و المسلمين السيد الخامنئي في الشهيد المظلوم آية اللّه البهشتي(1)

كان الشهيد البهشتي في الحوزة العلمية في قم قبل أن يذهب إلى إلمانيا، و كان من الأشخاص النادرين الواعين سياسيا و اجتماعيا، و الذين يمتلكون قدرة على التخطيط.

و كان يتميّز بالميّزات التالية:

كان في مستوى عال من حيث الدروس المتعارفة في الحوزة، و من الفضلاء و المدرسين المعروفين فيها، اضافة إلى اطلاعه على الثقافة الحديثة، و كان يتقن لغة أو لغتين من اللغات العالمية المشهورة.

و أعرف أنه كان من ضمن الأشخاص المعدودين الذين تعرضوا للتجسس و التحقيق المؤذي من قبل النظام و في ذلك الوقت، و كان الروحانيون الذين يريد النظام إيذاءهم (بهذه الطريقة) قليلين.

أسس أوّل مدرسة ثانوية إسلامية في قم اسمها مدرسة الدين و العلم، و كان يديرها بنفسه، و كانت وزارة التربية و التعليم يطلق عليها أنذاك اسم (وزارة الثقافة) و عند ما رأوا أنّ وجود هذا الرجل في قم

ص:147


1- ألقيت هذه الكلمة في شهر 1979/10 م بعد صلاة الجماعة في مسجد الجامعة.

وسيلة لاشاعة الفكر الإسلامي الجديد. أخرجوه من قم و نفوه إلى طهران فترة، و بعد أن عاد السيد محققي إلى ايران، و كان قد سافر إلى الخارج ممثلا لآية اللّه البروجردي في سنة 1343 على ما أظنّ، قام الروحانيون و العلماء و الشباب الذين كانوا في الخارج بالبحث عن شخص يستطيع أن يعمر مسجد (هامبورغ) المعروف في المانيا، و يجعله مجمعا للأعلام في أوروبا. فلم يجدوا شخصا أفضل من السيد البهشتي، فهيأوا له الوسائل، و أرسل إلى هناك. و الذين كانوا يعرفون نشاطه في الخارج توقعوا أنه سيعتقل بمجرد أن يأتي إلى ايران؛ لأنه لم يوافق لحظة واحدة في الخارج على أن يستسلم لواحدة من رغبات النظام. و لم يسلّم بوصفه عالما متحررا، فكره إلى النظام لحظة واحدة.

فقاموا بهجمة إعلامية شديدة جدا على هذا الرجل، وسعوا إلى قطع علاقته بالعلماء، و اساءة ظن العلماء به. و حاولوا تشويه سمعته لدى الشباب، و أنا أقول لكم: إن هذه الشخصية قد تعرضت لهذه التهم بسبب ايمانها و اخلاصها و علمها الكثير و فكرها الواضح.

أما نشاطات و نضال الشهيد بهشتي (قبل الثورة) فهي كما يلي على لسانه:

«أنا أستاء من كل أنواع الفخر بالماضي و الحاضر، إن اللّه لا يحب كل مختال فخور و إنما أذكر للبعض الذي يتساءل عن نشاطي(1).

بدأت جهادي الاجتماعي سنة 1950 م و هي سنة بداية جهاد شعبنا في حركة تأميم النفط. و كنت طالبا شابا مليئا بالحماس و أحبّ النشاط الاجتماعي، و كان هذا النوع من الإتجاهات قليلا جدا بين العلماء و المعممين، و كانت مشاركتي في حدود التنديد و المظاهرات و أمثالها.

ص:148


1- أجريت في شهر نيسان عام 1981 م (نقلا عن مجلة رسالة الثورة).

و ارتفع ذلك في سنة 1952 م في قضية حكومة قوام السلطنة التي استمرت أربعة أيام. و اشتركت في اثارة الناس على الإضراب و ألقيت كلمة في محل اعتصامهم.

و بعد مؤامرة 19 آب السوداء قمنا بدراسة سبب عدم انتصار هذه الحركة و في هذه الدراسة توصلنا إلى أنه لدينا نقصان أساسيان: أحدهما البناء العقائدي و السياسي، و الآخر هو الكادر، و في ذلك الوقت خطر لي أن نؤسس وحدة ثقافية نموذجية لبناء الكادر، و نبني الشباب هناك بالشكل الذي نراه، و لهذا الغرض أسست ثانوية (الدين و العلم) في قم، و بهذه الفكرة وضعت حصة في هذه الثانوية زمنها ساعة واحدة للبحث الحر، في سنوات الضغط تلك، و توليت هذه البحوث في الدورة الثانية، و كان للبحوث لون و شكل إسلامي، و محتوى سياسي إسلامي، و كان يجب أن تتم هذه الأمور في حدود الامكانية بالشكل الذي يمكنها من الاستمرار في ذلك الوضع.

في سنة 1960 م أو 1961 م أقدمنا على تأسيس مركز إسلامي لطلاب المدارس و العاملين في الحقل الثقافي في قم، و هو أول مجمع ينسق و يقرب بين عالم الدين و طالب الجامعة، و هو ارتباط مبارك، و لأنه كان مباركا بدأوا بضربه، و أول ارتباط أسسناه في تلك المدينة، فكان العالم، و الطالب الجامعي و طالب المدرسة، و العامل في الحقل الثقافي يتجمعون في المسجد في أيام الجمعة، و كانت لدينا بحوث إسلامية بناءة و بطابع اجتماعي.

أتذكر أن أحد مدرسي الجامعة و هو مسلم من حيث الاعتقاد و لكن لم يكن إسلامه حركيا جاء إلى قم و حضر إحدى الجلسات، و كان أستاذا في الكيمياء، فجلس بجانبي، و رأى أن هناك كلاما في هذه الجلسة ضد السلطة، و طبعا بامكانيات ذلك اليوم، أي أنه فهم ماذا نقول.

ص:149

فقال: كيف تقومون بهذه الأعمال تحت عنوان المركز الإسلامي؟ ألم تقرأوا الحديث الذي مضمونه أن كل من يحارب سلطان الزمان فإن دمه مهدور؟.

فقلت: إن هذا هو إسلامك، و إسلامنا هو (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، و بهذا الجرم أجبروني فيما بعد على الانتقال إلى طهران (طبعا بعد سنتين) و كان لي تواجد في مراكز التخطيط و البرمجة و اتخاذ القرارات الثورية منذ سنة 1962 من عند ما بدأت الثورة فصلا جديدا.

في سنة 1963 أجبرني السافاك على ترك قم و الذهاب إلى طهران، و كانت هنا منظمة دينية خالصة، قامت بنشاطات سرية في مستوى واسع، و كانت هيئة من جماهير الشعب إسمها الهيئات المؤتلفة، و كانوا قد تكلموا مع الإمام حول الارتباط بشخصين أو ثلاثة أشخاص من المجتهدين الذين يثق بهم الإمام، و ذلك من أجل مسائلهم الإسلامية (و هو الاعتقاد بولاية الفقيه في القائد) فعين الإمام بعض الأشخاص و منهم أنا، و في ذلك الوقت كنا نقدم برامج مع هذه الهيئة مدة سنة و عدة شهور، عند ما كنت هنا، و جاءت قضية قتل منصور، و ورد في الحلف أسماء اثنين أو ثلاثة أشخاص منا، و في ذلك الوقت كانت قد وصلت دعوة من المانيا لأن يذهب أحد العلماء إلى هناك لمواصلة النشاطات الإسلامية. و لم يسمح بتزويدي بجواز سفر، فتعهد أحد المراجع بذلك (بالطرق التي يعرفها هو) و حصلت على الجواز و سافرت، كنت هناك فترة 5 سنوات لم أرجع خلالها إلى إيران، لأنني كنت واثقا من أنني إذا رجعت فلن يسمحوا لي بعد ذلك بالسفر، و بعد العودة كان مجتمعنا يجتاز قمة الصعوبة، و دعيت للتدريس في الجامعات، كما دعيت لأن أتولّى مع السادة الدكتور باهنر و الدكتور

ص:150

غفوري قسم التخطيط و اعداد كتب التربية الدينية لمؤسسة التربية و التعليم.

فتولى أحد الأشخاص التخطيط، و تولى الثاني مهمة التأليف و الثالث الإشراف على الكتب حتى لا تخرج عن دائرتنا، و قد فضلت هذا العمل على التدريس في الجامعة. و بوصفه وظيفة، قلت ذات يوم للأصدقاء: سنقوم ببث إسلام الجهاد في المدارس عن طريق الكتب و كراسات القرآن و كتب التربية الدينية، الإسلام دين الحياة، و ليس الإسلام الذي يوضع إلى جانب الحياة، و الإسلام هو طريق الحياة، و عن هذا الطريق نحمله إلى المدارس.

و قد قمنا بهذا العمل، و استخدمنا تكتيكا، فقد كان من المتعارف أن تقدم الكتب في المرحلة النهائية إلى المجلس الأعلى للتربية و التعليم على الأقل، و من أجل أن لا تصل الكتب إلى هناك اخترنا هذا التكتيك، و هو أن نسلم الكتب إلى المطبعة في الوقت الذي لا تكون لدى الآخرين فرصة لإبداء الرأي.

و بناء على هذا فإنه إذا كان من المقرر أن نسلم الكتب في شهر ارديبهشت فإننا سلمناها في شهر تير و كنا نخاف (ليس من الاعتقال و أمثال ذلك) أن لا يتم هذا العمل. و نجحنا بعون اللّه في انهاء اعداد آخر كتاب بهذا الأسلوب المدروس. و بعد أن سلمنا آخر كتاب إلى الطبع عرف نظام الشاه الجهنمي ماذا فعلنا.

و قد وصلت تقارير كثيرة بأن الشباب في مدن الشمال يقرأون للأطفال و للناس في المساجد و في أماكن أخرى أمور مثيرة جدا. و قد جمعت هذه التقارير و شكلت دائرة اسمها (الدائرة الوطنية) و كانت فرعا للسافاك في التربية و التعليم. فلاحظوا مع الخبراء هذه الكتب (عندنا الآن نسخا منها) و وضعوا خطوطا حمراء تحت معظم خطوط كتاب

ص:151

التربية و التعليم للصف الأول المتوسط. بوصفها معادية للوطنية و يجب الغاؤها. و من حسن الحظ أنّ هذا اقترن مع بداية فترة تصاعد ثورتنا، و قد قاومنا بشدة فترة قصيرة، و بعد ذلك لم ير العدو امكانية المقاومة.

هذه الكتب التي يقول السادة أنها أعدّت تحت اشراف السافاك، هل قرأوها أساسا؟.

في كتاب التربية الدينية للصف الثالث المتوسط ذكرنا في آخره عدة قصص حول النساء المسلمات البطلات اللواتي قمن بالجهاد ضد جبابرة عصرهن حتى تتوفر للفتيات المسلمات هناك فرصة تعلّم طريق الإسلام، فهل أن هذه الأمور كانت لصالح السافاك؟ لا يمكن التكلم هكذا، يجب رؤية و تقييم العمل من محتواه. يقولون، إن المواجهة إذا كانت في شكل يترصد الإنسان عدو فهي خطأ و انحراف و ذنب، و إن المواجهة يجب أن تكون علنية في جميع المراحل، و ليس هناك مواجهة سرية، و لكن إذا كان أساس المواجهة السرية مقبولا، فإننا قمنا بهذا العمل في شكل مواجهة سرية بشكلها الخاص. في تلك السنوات كانت لديّ جلسة تفسير في (مدرسة القرآن) و هي محل لتجمع الأصدقاء الذين كانوا ينشدون الإسلام الحي، و لهذا السبب و بسبب علاقتي مع البعض تم اعتقالي في سنة 1974 م و 1975 م و أخذوني إلى لجنة التحقيق، و بقيت هناك عدة أيام، و قد استخدموا كل تهديداتهم حتى يحصلوا على رأس خيط فلم يفلحوا و أطلق سراحي. مرة أخرى استمرت النشاطات بذلك الشكل السري حتى بداية الثورة العلنية الواسعة، و في ذلك الوقت وجدت أن حضوري ضروري في ساحة الثورة العلنية، و حضرت، و مع هذا لا ادّعي أنني من الثوار».

و كان للشهيد البهشتي أثر مهم في التوحيد و التنظيم الثوري للعلماء و الناس في السنتين الأخيرتين، حيث وصلت ثورة العلماء

ص:152

و الشعب الإيراني الشجاع بقيادة الإمام الخميني إلى ذروتها. و كانت أكثر بيانات العلماء المجاهدين تدوّن و تنظم بمساعدته.

و كان له نشاط قوي في اعداد برنامج عودة الإمام المظفرة في 1 شباط إلى إيران و ألقى خطبة مؤثرة و حماسية في (جنة الزهراء) عندما تأخر مجيء الإمام. و بعد ذلك أصبح يعدّ دائما من أقرب مستشاري الإمام الخميني.

و في انتخابات مجلس الخبراء انتخب الشهيد البهشتي عن طهران، و اختير نائبا لرئيس المجلس بأكثرية آراء الخبراء، و قد خوّل آية اللّه منتظري رئيس المجلس ادارة الجلسات إليه، و كانت طريقة إدارته مؤثرة لدرجة أنّ هذا القانون الإلهي الراقي قد نظّم و أقرّ بشكل سريع و ثوري، ثم عينه الإمام الخميني في تاريخ 1979/2/23 م رئيسا للمحكمة العليا في الدولة.

و بعد تعيينه في هذا المنصب، وصلت موجة التهم و الاشاعات ضده إلى ذروتها مرة أخرى، و كان الشهيد المظلوم البهشتي يقول دائما: أنني أواجه الاشاعات ببرودة أعصاب.

و بلا شك أنه لهذا السبب و بسبب هذه الخصال القيمة قال إمام الأمة بشأن هذا الرجل:

«تلاحظون اليوم، أنه يوم التهمة، فالشخص يقول ما يريده عن الشخص الآخر، و لا يعلم أنّ اتهام المؤمن ما جزاؤه عند اللّه، يتهمون الأشخاص المتقين. الآن يهاجمون شخصا مثل الدكتور البهشتي الذي أعرفه عن قرب منذ أكثر من عشرين سنة، فقد درس عندي و عاشرني و كنت أعرف عنه كل شيء، يخافون من السيد البهشتي، لأنه شخص لائق. و هم لا يريدون مثل هؤلاء الأشخاص، لذا يريدون هتكه و اسقاطه».

ص:153

إن شعبنا المسلم شهد تضحيات هذا الشهيد طيلة الثورة و لهذا هتف بعد استشهاده: يا بهشتي، كتبت بدمك: الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية.

إن حزم و ادارة الشهيد البهشتي قد أثارت غضب الأعداء و بعض الجاهلين إلى درجة أنهم كانوا يحاولون اخراجه من الساحة، و بالنتيجة أثبت عملاء أمريكا الأذلاء بتفجير المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي و قتل 73 شخصا من أفضل أصحاب الإمام، أنهم يلفظون أنفساهم الأخيرة، و لا يعرفون أنّ إيران مليئة بأمثال البهشتي. و على حد قول الإمام: أن شعبنا لا يخاف من الإغتيال، و اغتيال الشخصيات قد رفع قدرة المقاومة في الصفوف المتلاحمة للشعب».

ص:154

مقابلة مع حجة الإسلام الخامنئي حول شخصية الشهيد المطهري

مقابلة مع حجة الإسلام الخامنئي حول شخصية الشهيد المطهري(1)

- متى و في أية ظروف تعرفتم على الأستاذ المطهري؟ و كم كانت فترة تعرفكم عليه و إلى أي وقت استمرت؟.

* بسم اللّه الرحمن الرحيم، تعرفت على المرحوم الأستاذ العزيز الشهيد الشيخ المطهري عن بعد منذ فترة طويلة، فقد رأيت و قرأت كتبه التي صدرت في ذلك الوقت. أما المعرفة عن قرب فكانت منذ حوالي سنة 1963 م عند ما كان في طهران، إذ كنت أسافر من قم إلى هناك، و كانت هذه المعرفة في البداية سطحية ثم تعززت بالتدريج حتى أصبح عند ما يأتي إلى مشهد يقيم يوما أو يومين في منزلنا، و كنا نجلس و نتكلم ساعات طويلة. و كنا نذهب أحيانا إلى (فريمان) التي كانت موطنه الأصلي و مسقط رأسه، و عند ما كنت أذهب إلى طهران كنت أذهب مرارا إلى منزله، و لم تكن علاقاتنا مجرد علاقات علمية و صداقة فكرية بل بالتدريج بدأنا نستأنس به و نحبه كثيرا، و كانت ألطافه عليّ كثيرة.

و في مجلس الثورة كنا معا، كل يوم تقريبا في أغلب الأيام و في أوقات ازدحام و تراكم العمل حتى يوم استشهاده حيث فجعنا.

ص:155


1- أجريت في شهر نيسان عام 1981 م (نقلا عن مجلة رسالة الثورة).

- لماذا أصبح الأستاذ المطهري على هذه المنزلة؟ و ما هي الخصائص البارزة التي تميزه عن الآخرين، و ما هي العوامل التي أثرت في تكوين شخصية هذا الشهيد الكبير و ثمرة عمر الإمام؟.

* أولا أن المحيط العائلي للشيخ المطهري كان محيطا ممتازا، كان أبوه من العلماء الممتازين من الناحية المعنوية و الزهد و التقوى. و كان المرحوم المطهري يحب أباه كثيرا و يحافظ على احترامه بشكل قل نظيره. فلم أره يمرح أبدا أمام أبيه، و قد كان لأبيه حضور في كثير من الجلسات التي كانت لنا مع الشيخ المطهري في مشهد، و كان يتصرف بشكل مؤدّب أمام أبيه، مما يدلّ على عمق احترامه له. و كان يقول مرارا: أنني تعلمت حب العبادة و الذكر و الأخلاق الإسلامية من والدي. و كان ذلك من العوامل المؤثرة في شخصيته. و العامل الآخر هو فترة دراسة الشيخ المطهري التي كانت من الفترات الجيدة جدا في الحوزة. فقد كان قد بدأ في قم ذلك الوعي الجديد. جاء إلى قم في سنة 1939 م و في سنة 1941 م كانت قم قد خرجت من ذلك الضغط و الإرهاب الذي فرضته الحكومة البهلوية. و بناء على هذا فإنه عاش سنتين من فترة الإرهاب التي تعرضت لها قم و الحوزة العلمية فيها، و بعد فترة الانتعاش المجدد للحوزة العلمية في قم، بوجود ثلاثة مراجع معروفين: المرحوم آية اللّه حجة و المرحوم آية اللّه الخوانساري و المرحوم آية اللّه الصدر. و كان هؤلاء الأشخاص الثلاثة في قم يديرون متعاونين الحوزة العلمية، ثم جاء المرحوم آية اللّه البروجردي بعد سنتين أو ثلاث سنوات، و ازدهرت قم. بداية الدراسة و فترة (زهد) الطلاب و تهجّد و اهتمام الطلاب بالجوانب المعنوية و الأخلاقية. كانت الفترة التي كان فيها المرحوم المطهري في قم. و كانت هذه مؤثرة. ثم مسألة أساتذته، فقد تعلم درس الأخلاق و الفلسفة على يد الإمام أولا، و كان

ص:156

الإمام الخميني يدرّس الفلسفة في قم في البداية ثم تركها و انصرف لتدريس الفقه و الأصول فقط.

كان المطهري من طلاب الدورة الأولى للإمام في بحث الفقه و الأصول، و من طلاب دورة فلسفية أيضا. و واضح كم هو كبير تأثير أستاذ مثل الإمام الخميني على طالب في بداية نموه العلمي في تلك الدروس الحضورية في ذلك الزمان، عند ما كان درس الحوزة محدودا، و يستطيع الأستاذ أن يؤثّر في طلابه. و كان هذا مؤثرا في تكوين شخصيته.

و من بين العناصر الأخرى التي أثرّت في شخصية المرحوم المطهري، العلاّمة الطباطبائي، و كان يذكره مرارا، بوصفه حبيبه، حتى أنه قال مرّة: أنني أرغب أن أتمّ الأعمال الجامعية هنا و أطمئن عليها ثم أتقاعد و أذهب إلى قم و أجلس مثل العلامة الطباطبائي لأمارس التدريس. أي أنه كان قد تتلمذ عدة سنوات على يد العلامة الطباطبائي و حصل على فوائد وافرة منه.

و كما نعلم أن الشيخ المطهري جاء إلى طهران في سنة 1954 م بعد أن أمضى عدة سنوات في قم، و أدى ضغط الحياة إلى بحثه عن عمل ليستطيع أن يدبّر حياته و عائلته.

إن مجيئه إلى طهران و تعرفه على أصحاب الفكر في مجال مختلف، أكمل عنده البعد الآخر و هو الاطلاع على جميع أقسام الفكر الإسلامي و الفلسفة و الثقافة و الأدب، و لو كان الشيخ المطهري قد ظلّ في قم، فمن المؤكّد أنه سيصبح مرجع تقليد كبير، و لكن تلك الرؤية الواسعة و المعلومات الشاملة يمكن أن تحصل له في طهران فقط، حيث اتصل بمحافل مختلفة و شخصيات فكرية و علمية مختلفة.

و بناء على هذا فإن شخصيته بدأت من (فريمان) عند ما كان مع أبيه

ص:157

المؤمن الرباني الواعي و ختمت في طهران، و كانت جميع هذه العناصر المختلفة: محيط الأب العائلي، و محيط الحوزة العلمية في قم، و أساتذة مثل الإمام الخميني و العلامة الطباطبائي و محيط مثل طهران، مؤثرة في تكوين هذه الشخصية. و لكن الشيء الذي جعل كل هذه الأمور ممكنة للشيخ المطهري هو الاستعداد الكبير الذاتي لهذا الرجل، فقد كانت له قابلية فكرية كبيرة، كان عقلا كبيرا و إلاّ فقد كان هناك أشخاص كثيرون نموا في محيط قروي، و درسوا في الحوزة العلمية، ثم جاءوا إلى طهران، و لكنهم لم يصبحوا أبدا كالأستاذ المطهري، و ما كان موجودا فيه كجوهر أساسي في القضية هو قوة قابليته الفكرية، و كل هذه الأمور بنت شخصية كبيرة كانت عنصرا بارزا في المحيط العلمي، و كذلك في المحيط السياسي و الاجتماعي. و هذا الحضور في طهران و المساهمة في النشاطات السياسية و الاجتماعية طيلة سنين أعطاه بعدا سياسيا. و أظن أنه لو كان حيا الآن، لكان من العناصر الأساسية في رسم خط السير العام لمجتمعنا الإيراني.

- كيف تقيمون دور الأستاذ في الثورة الإسلامية، و حراسة و تطهير الفكر الإسلامي من التغريب و التشريق و العمالة الفكرية؟.

* كان دوره في الفكر الإسلامي دورا بارزا، بل كان نادرا قليل النظير، و قد كتب المرحوم المطهري أفضل الكتب و أكثرها في مجال الفكر الإسلامي السليم و الراسخ، و لم يكن لدى أي من المفكرين في زماننا نتاج كالمطهري، أي قد يكون هناك من هم أفضل من الشيخ المطهري من حيث الكيفية، و لكن من حيث كمية و تنوع عمله كانوا قليلين، و هناك من كانوا أكثر من الشيخ المطهري من حيث كمية و تنوع العمل،

ص:158

و الشخص الوحيد الذي قدم أفضل نتاج للفكر الإسلامي من حيث الكمية و الكيفية هو الشيخ المطهري.

إن ثورتنا بدأت بسبب اتساع و نفوذ الفكر الإسلامي في فكر الشعب، أي لو لم ينشر المفكرون الإسلاميون طيلة 15-16 سنة الفكر الإسلامي لما حصلت هذه الثورة بهذا الشكل بالتأكيد، فقد رأيتم أن الشعب واجه بأيد مجردة قوة كبيرة، فمن أي شيء نجم هذا، لا يمكن أن يكون من المشاعر و لا يمكن أن يكون من الإعلام الفارغ، إنه ناجم عن عقيدة. و العقيدة الإسلامية هي التي أخرجت الشعب إلى ساحة المواجهة، و المفكرون الإسلاميون هم الذين نشروا هذه العقيدة، أي أنه كان لهم دور في نشر الفكر الإسلامي الجديد طيلة 15-16 سنة. و كان هناك أشخاص لعبوا دورا قبل هذه المدة و المرحوم المطهري كان من هذا القبيل، و لكن بشكل أكثر كان من سنة 62-63 و ما بعدها حيث بدأ انتشار و نفوذ الفكر الإسلامي.

و كان المرحوم المطهري من الذين لهم دور مهم في هذا المجال قبل المواجهة.

و بناء على هذا فإننا عند ما نرى أثر الشيخ المطهري بشكل مباشر في بعض الشرائح، و بشكل غير مباشر في شرائح أكثر من أجل نشر العقيدة الإسلامية، و نعلم أن هذه العقيدة الإسلامية هي التي أخرجت الشعب إلى ساحة المواجهة، و إن ثورتنا هي ثورة شعبية، نستنتج من هذه المقدمات الثلاث أن للشيخ المطهري دورا مؤثرا جدا في انتصار هذه الثورة، و في قيامها أيضا. و أما بشأن المحافظة على الحدود العقائدية و المحافظة على اللاشرقية و اللاغربية و خاصة التأثر بالالتقاط، فإن الشيخ المطهري كان شخصا نادرا في الفكر الإسلامي. و أنا لا أعرف أي شخص الآن في مستوى الشيخ المطهري أو حتى أقل منه قد

ص:159

درس الفكر الإسلامي بهذا النحو في أيام الكبت تلك. كان هناك مفكرون كثيرون و كتاب و خطباء و أصحاب فكر و عمق و مطالعة كانوا يأتون إلى الإسلام بموقف مسبق غالبا من أجل أن يستخرجوا الإسلام الراقي الجديد من النصوص الإسلامية، و قد يكون ذلك الموقف المسبق غربيا أو شرقيا، فالحكم المسبق الغربي كان يلاحظ في مؤلفات الكثيرين مثل السيد المهندس بازرگان الذي كان له فضل كبير على الفكر الإسلامي و لكنه يدخل المسائل بأرضية ذهنية متغربة و مثلا تلاحظون أن أحد فنونه الكبيرة هو أنه يطبق الإسلام على العلم الغربي. في الرياح و المطر و في المطهرات و في المجالات الاجتماعية و الذهنية إنه يدخل بالرؤية الغربية. و هناك البعض على العكس يدخلون بأرضية فكرية ماركسية مثل المجاهدين، فقد قاموا بأعمال كثيرة في مجال ادراك المسائل الإسلامية، و لكن أذهانهم كانت تحمل أرضية ماركسية. و أذكر المجاهدين الأولين مثل ضيف نثراد، كانوا أناسا مؤمنين و شرفاء جدا و كانوا يقولون: إننا درسنا الماركسية أولا و دخلنا بأرضية ذهنية ماركسية، و هذا أدى إلى إيجاد خطوط التقاطية شرقية و غربية، و كان الشخص الوحيد الخالص في هذا المجال من كلا الاتجاهين هو المرحوم المطهري، كان أول شخص أصبحت لديه حساسية من خط الانحراف الفكري، أتذكر في أحدى الجلسات التي حضرها المرحوم المطهري و المرحوم شريعتي و أنا و عدد من المستمعين، و كان من المقرر أن نتحدث لهم على شكل حلقة، قال المرحوم شريعتي: لدينا عدو و منافس، عدونا هو الفكر الرأسمالي و الامبريالية، و منافسنا الماركسية، أي أنه لم يعتبر الماركسية عدوا، كان يقول: إنها منافس، و طبعا كان الدكتور نفسه مخالفا للماركسية و مع هذا كان يعتبرها هكذا، فوقف الشيخ المطهري في هذه الجلسة بوجه هذا الكلام، و قال: كلا إن هذا غير صحيح، بماذا تعرّفون العدو؟ إن الماركسية عدو أيضا، بل إن

ص:160

الماركسية هي عدو أوضح و أسرع بسبب جذورها الفلسفية الالحادية المعادية للّه. أي أنه لم يكن ليترك دقائق الأمور، و لذا كان خطا معاديا للالحاد و الالتقاط سواء من الشرق أو من الغرب و برأيي أنه أبرز شخص قام بنشاط في هذا المجال.

ما هي الخطوط و من هم الأشخاص الذين يحاولون نسيان فكر الأستاذ المطهري؟ و ما هي الخطوط المعارضة و ما هي الجذور الحقيقية لمعارضتهم؟.

إن التيار الفكري المرتبط بالغرب أو الشرق، المتغربين أو المتشرقين من الطبيعي أن يعارضوا و لا يتحملوا فكرا مثل فكر المرحوم المطهري الذي كان يقف أمام كل أنواع الارتباط. و قد عارضوه في أيام حياته، حتى أنهم اتهموه بتهم هو بعيد عنها كل البعد، و كان له حضور حتى بعد استشهاده فهو حيّ في كتبه فاستمروا في معارضتهم له، و لو لم تكن للمطهري هذه المؤلفات لما استمرت هذه المعارضة، و لبكوا عليه أيضا، و لكن بالنظر لأن للمطهري حضورا في المحيط الذهني لمجتمعنا و أستطيع القول: إن له حضورا الآن أكثر من زمان حياته لذا استمرت معارضتهم.

و هذا هو أحد التيارات، و هناك تيار آخر معاد للروحانيين، و كل إنسان و كل تيار في مجتمعنا يعارض العلماء فهو يعارض المطهري أيضا، فهم يستندون في معارضتهم لهم على نقاط ضعف في الروحانيين و يتهمونهم بعدم الاختصاص و عدم العلم، و من هذا القبيل. أن المطهري هو نموذج للعالم الذي ترفع عن هذه التهم بشكل تلقائي. عاش حياته فقيرا و جبل على حياة صعبة، و عاش حياة متوسطة في آخر عمره بكد يمينه و عرق جبينه، دون أن يستفيد ذرة من بيت المال، و في

ص:161

المقابل قدم للشعب ثقافة و فكرا إسلاميا كثيرا. و هناك تيار آخر، تيار معاد للجمهورية الإسلامية، و هذا التيار يعارض كل عنصر يكون له دور في استمرار و تعزيز هذه الجمهورية، و المرحوم المطهري من ضمن الذين كان لهم دور في استمرار هذه الجمهورية.

و نحن من أجل أن يتعمق فكر الثورة و الرؤية الثورية عند الشعب نوصي بقراءة كتب المطهري، و لهذا تعرض المرحوم المطهري إلى معارضة و خصام هذه التيارات الثلاثة، و لا يزال حتى الآن يتعرض لذلك مع أنه قد استشهد.

ماذا كان دور الأستاذ في تأسيس حسينية الارشاد و دعوته للدكتور شريعتي لالقاء المحاضرات؟ و لماذا تخلى الأستاذ المطهري عن حسينية الارشاد؟.

بالنسبة إلى مسألة مساهمته في حسينية الارشاد يجب عدم تسميتها مساهمة، بل يجب القول بأنه مؤسس لحسينية الارشاد. فعند ما لم تكن في طهران اجتماعات دينية صحيحة و مدروسة و منظمة فكر بعض الأشخاص بأن يقوموا بعمل من هذا النوع، و كان العنصر الأساسي في ذلك هو الشيخ المطهري، و كان السيد همايون المؤسس المالي لها من ضمن طلائع هذا العمل. فقد اجتمع عدة أشخاص و فكروا في محل يقع أبعد قليلا من المحل الحالي للحسينية حيث كانت هناك قطعة أرض فنصبوا خيمة و بنوا حائطا صغيرا و أصبحت هذه حسينية الإرشاد و دعوا الخطباء و منهم محمد تقي شريعتي، و كان قد سكن في ذلك الوقت في طهران منذ عام 1966 م و كان يلقي المحاضرات. فدعاه الشيخ المطهري و كان يمتدحه. كما أن الشيخ المطهري ألقى محاضرة هناك في سنة 1967 م.

في سنة 1967 م طرح كتاب (محمد خاتم النبيين) و بمناسبة ذلك

ص:162

الكتاب طلب الشيخ المطهري من عدد من الأشخاص أن يكتبوا مقالات و منهم المرحوم الدكتور شريعتي. و كان الدكتور قد عاد قريبا من فرنسا قبل سنتين أو ثلاث سنوات و كان في مشهد في البداية، يشتغل هناك مدرسا مجهولا، فرآه الشيخ المطهري و ارتاح له كثيرا، فقد كان شابا ذكيا جدا و لديه قابلية و عمق، و من الانصاف أن يسر شخص مثل الشيخ المطهري بشخص مثل المرحوم شريعتي، و طلب منه أن يكتب شيئا، فكتب المرحوم الدكتور مقالة مفصلة من هجرة النبي حتى وفاته و بعض مواصفات محمد (ص) و كنت حاضرا في تبادل المقالات، أي أن الدكتور كان في مشهد و الشيخ المطهري في طهران و كنت أذهب إلى مشهد و أعود إلى قم، فأقوم بإيصال الرسائل أحيانا و التي كانت عبارة عن أخذ و تسليم مقالات، و ذلك مرة أو مرتين. و عند ما رأى المرحوم المطهري مقالات الدكتور ارتاح كثيرا خاصة من مقالة ملامح محمد، و قال لي: أنني قرأت هذه المقالة ثلاث مرات، و لارتياحه لقلم المرحوم و أسلوبه الخلاب فقد دعاه إلى أن يأتي و يلقي محاضرة، فكان الدكتور يأتي بين الحين و الآخر إلى الحسينية، و يلقي محاضرات حتى سنة 1970 م و منذ هذه السنة أصبح الدكتور يأتي إلى الحسينية كل شهرين أو ثلاثة أشهر مرة لإلقاء محاضرة. و في سنة 1970 م وقعت مشكلة مع الشيخ المطهري و هي و بالشكل التالي فإن السيد ميناجي و هو الذي اختير مديرا داخليا للحسينية قد عمل على تحديد نشاطات الشيخ المطهري و الآخرين في جميع الأعمال الداخلية للحسينية، و في اختيار المحاضرة و اختيار المجلس و الاجتماعات و الطبع و النشر.

كان الشيخ المطهري يقول: إننا أسسنا مؤسسة، و الناس يعتبرونها عائدة لنا، فلا يمكن أن لا نعرف من يحاضر هنا، أو متى يطبع كتابه، أو ماذا يجري فيها من الأمور، كان الأستاذ المطهري ضمن هيئة الأمناء المؤلفة من ثلاثة أشخاص و لم يكن ميناجي يهتم باعتراضاته، حتى

ص:163

تصاعدت الاختلافات بينهما.

كنا في مشهد، و كان الوقت صيفا، و قد جاء الشيخ المطهري إلى مشهد و كان المرحوم الدكتور في مشهد و كذلك السيد شريعتي والد الدكتور، فاجتمعنا و تقرر متابعة مسألة الحسينية، و عقدنا لذلك جلستين مفصلتين مدة أربع أو خمس ساعات فتقرر تشكيل صفوف دراسية يطرح فيها درس معرفة الإسلام و ذلك كل 15 يوما، و لم يذهب الشيخ المطهري بعد تلك الاختلافات مع السيد ميناجي إلى الحسينية اعتراضا على ذلك. و أتذكر أنه قال: ما دام هو يعمل وحده في الحسينية فإني لا أستطيع أن أكون فيها، و أنا أعلن اعتزالي الحسينية بشكل عملي حتى يعرف الجميع أنني غير موجود. و مع أنه كان هناك برنامج في الحسينية فقد أعلن في السابع أو الثامن من محرم أنه سيترك الحسينية، و خرج منها، و مع ذهاب الشيخ المطهري فرغت الحسينية حقيقة من الروح. و قال الدكتور المرحوم أنه عند ما قال الشيخ المطهري سأترك الحسنية، رأيت أن جميع أمنياتي قد تلاشت، و لم يعد أي شيء له معنى عندي كان الدكتور يحبه حبا عميقا و من أجل أن يكمل هذا الاعتراض و يهتم السيد ميناجي بما يريده المرحوم المطهري، فقد تم الغاء بقية المحاضرات التي نظمت في برنامج الحسينية، و قلت بدوري أنا أيضا سأترك الحسينية و الشيخ هاشمي رفسنجاني قال ما قلته أيضا و حتى أن السيد محمد تقي شريعتي لم يأت أيضا و تعطل جميع البرنامج، و الدكتور أيضا قال: أنني أتخلى أيضا أي أن الجميع أيدوا الشيخ و هذا يدل على حقانية موقفه، فقد كان كلامه منطقيا و حقا و بعد ذلك عند ما حصل كل هذا، تعطلت الحسينية عمليا، و لكن بعض الأصدقاء و من أجل أن لا ينطفي مصباح الحسينية و يتعطل برامجها تماما في شهر محرم و صفر. اقترحوا أن يلقي الشيخ باهنر محاضرة أسبوعية فيها، و هو عمل طفيف استمر مثل خيط ماء رفيع، و لم تعد موجودة تلك المحاضرات

ص:164

المتنوعة، و كما قلت أن السيد ميناجي كان رجلا مديرا و ذكيا، فقام بتهيئة الأرضية للدروس التي ذكرتها و أشرت إليها و أقنع الدكتور بأن هذه الدروس ضرورية اليوم و إذا عطلت تنطبق السماء على الأرض و في مشهد، في تلك الجلسات التي ذكرتها رأى الأخوة أن لا يشرع الدكتور بهذه الدروس حاليا و يبدأ بعد شهرين، حتى تحل مشكلة الحسينية فوافق الدكتور. و لكن ميناجي و الآخرين حاصروا الدكتور و قالوا: تفوت الفرصة و نفقد الدين! لهذا بدأ دروسه، و توقف بشكل عملي المشروع المتعلق بالحسينية و لم يتصالح الشيخ المطهري بعد ذلك مع الحسينية، و اضطر أن يترك نتاجه. و بعد ذلك ازدهرت الحسينية و كان الدكتور يذهب في جلسات تعقد كل خمسة عشر يوما ثم أصبحت أسبوعية و لكن الحسينية أصبحت قائمة بشخص الدكتور شريعتي، فلو أنه أصيب بالزكام يوما و لم يستطع المجيء، تتعطل الحسينية و كان ذلك خللا كبيرا كانوا يسعون إلى اصلاحه، حتى أنهم جاءوا مرة إليّ و أجبروني بشكل ما فجئت من مشهد و ألقيت محاضرة أو محاضرتين. و في 28 صفر من تلك السنة، رأيت أن السادة لم يقولوا لنا واقع الحقائق حيث مرت شهور على الحسينية و هي بهذا الشكل، و بعد ذلك جاء الدكتور إلى مشهد و تكلم معي و قال لنذهب و ندير الحسينية و قد هيّأ مشروعا فوافقت على أن يكون لنا تعاون مع الإخوة، و جلسنا حوالي عشرين ساعة أو أكثر. أنا و الشيخ هاشمي و باهنر و شريعتي في اجتماعات مستمرة في طهران، و تكلمنا و خططنا مشروعا للحسينية.

و قد رسمنا على الورق مشروعا جيدا جدا و كان من اللازم أن نحصل من السيد ميناجي كلمة نعم حيث قال الدكتور إنني سأحصل عليها، فذهب ليأخذ هذه الكلمة و لكنه لم يأت و ذهبت كل جهودنا هدرا، فرجعت إلى مشهد، و انشغل السادة بأعمالهم.

ص:165

إن قضية الشيخ المطهري و اعتزاله الحسينية كانت بهذا النحو، و لكن البعض عملوا على تحريف الحقيقة في هذا المجال بشكل ظالم. فقد رأيت أن السيد علي بابائي قد كتب بعض المسائل في السنة أو السنتين التي كنا فيها منهمكين في العمل و لا يدري أننا نعرف بالقضية بمقدار معرفتهم على الأقل و لا زلنا على قيد الحياة، فليراع هذا و لا يقل ما يخالف الحقيقة كثيرا. و قد رأيت عدة أشخاص كتبوا في هذا المجال و تعاملوا مع المسألة بشكل ظالم كما قلت.

ماذا كانت قضية السيد آريانبور في كلية المعارف الإلهية، و ما هو سبب استقالة الأستاذ المطهري؟.

كان آريانبور ماركسيا، و كان مدرسا في كلية المعارف الإلهية، و هذا من عجائب ذلك الزمان، أن يدرس شخص لا يؤمن بالإسلام مطلقا، في كلية المعارف الإلهية و العلوم الإسلامية. و كان المرحوم المطهرى يقول: إنني تكلمت مرارا مع آريانبور حول المسألة الاسلامية، و كان آريانبور يقول: إنهم لا يفهمون أنني أؤمن بالإسلام. و عند ما قلت ذلك لبعض طلاب آريانبور في ذلك الوقت استغربوا، فإنه كان يظهر العداء للإسلام في الصف الدراسي، و لكنه يتكلم هكذا مع الشيخ المطهري. و في داخل كلية المعارف الإلهية وقعت مشكلة حول الصف الدراسي و المسائل التي كان قد ذكرها آريانبور و اعتراض الطلاب عليه، و أدت إلى اعتراض الشيخ مفتح ذات يوم و ارتفاع صوته في ساحة كلية المعارف الإلهية، و يقول المرحوم المطهري: أنني كنت جالسا في الغرفة فسمعت صوتا مرتفعا، خرجت فوجدت الشيخ مفتح يصيح، فاعترضت أنا أيضا و قلت: يجب اخراج آريانبور من هذه الكلية، و إذا بقي فسوف نخرج نحن، فأشاروا على آريانبور بعدم المجيء فترة قصيرة، حوالي عدة أسابيع لا أتذكر المدة بالضبط، ثم سمحوا له بالتدريس، فاعترض

ص:166

الشيخ المطهري و خرج من الكلية و لم يذهب لاعادته أحد من أولئك المسؤولين في كلية المعارف الإلهية، الذين ذهبوا وراء آريانبور، رغم أن الشيخ المطهري كان شخصية ممتازة في كلية المعارف الإلهية، أي أن أية كلية تفتخر بشخصية مثله، فقد كان أستاذا في العلوم الإسلامية و أستاذا في المعارف الإلهية، و كان أفضل شخص يمكن أن يكون في تلك الكلية.

و على أي حال فإن النظام في ذلك الوقت كان مستعدا لتحمل آريانبور الشيوعي و عدم تحمل الشيخ المطهري و كنّا ندرك بوضوح في ذلك الوقت ما هي الجهة التي كان يعاديها النظام.

ص:167

ص:168

مقابلة مع حجة الإسلام الخامنئي حول الثورة الإسلامية في إيران

مقابلة مع حجة الإسلام الخامنئي حول الثورة الإسلامية في إيران(1)

أشكركم على استقبالكم لنا، في البداية اذكروا العوامل التي فجرت الثورة الإسلامية في إيران، و كيف ترون جذور الثورة طيلة السنين التي سبقتها؟.

بسم اللّه الرحمن الرحيم: إنه سؤال قصير و لكنه مليء بالمواضيع و المطالب، و لو أردنا أن نتكلم و نعطي حق السؤال في الإجابة فيجب أن نقوم ببحث تفصيلي، و لكني أحاول ذكر جواب مختصر لتلك المواضيع.

يجب البحث عن العوامل التي أدت إلى هذه الثورة في عدة أبعاد، أحدها البعد التاريخي، أي ما كان موجودا في تاريخنا الماضي، فمنذ حوالي سنة كانت لدينا مواجهات متنوعة مع المستعمرين، و قد كان لكل نجاح أو إخفاق أثر في ذهنيتنا الوطنية، و في ذكريات شعبنا العامة، و ليس هناك شعب منفصل عن الذهنيات الماضية و تجاربها المتراكمة، و الشعب الذي ليس لديه تجارب لا يمكن بالتأكيد أن يصبح في وضع الشعب الذي لم يعش التجارب، فشخصيتنا و ذهنيتنا و ارادتنا في العمل

ص:169


1- أجريت المقابلة في شهر شباط عام 1982 م (نقلا عن مجلة نداء الثورة).

ترتبط بدرجة لا بأس بها بذلك الماضي ابدءوا من قضية التنباك و ميرزا رضا الشيرازي إلى قضية الغابة و قضية المدرس و آية اللّه الكاشاني و القضايا الأخرى التي حصلت في هذا المضمار.

و من العوامل التي أدت إلى هذه الثروة ما يتعلق بالمسائل الموضوعية في مجتمعنا، و لو أردنا العثور على هذه العوامل فإنه يمكن القول: إن أهمها هو وجود النظام السافاكي و اللاشعبي المعادي للإسلام، فقد قامت الثورة بشكل واضح ضد ذلك النظام. و لو لم يكن في إيران ذلك النظام الذي ضغط على دين الشعب و دنياه لما توفرت بالتأكيد كل مقدمات هذه الثورة، و لعلها لم تحصل بهذا الشكل، و كانت هناك ظروف موضوعية أخرى من هذا القبيل، و يجب الانتباه إلى مسألة الوعي الذي حصل عليه الشعب عن طريق خطب علماء الدين فقد كانت التركيبة الطبيعية لمجتمعنا تقتضي ذلك، و هو أمر معدوم في المجتمعات الأخرى خاصة المجتمعات الغربية، و لكن مثل هذا الأمر موجود في مجتمعنا و الناس يريدون الإرشاد و النصيحة من العلماء و المرشدين الدينيين، و يقبلونها، و كان اطلاع العلماء على المسائل العالمية و المسائل السياسية و ميلهم إلى المسائل الثورية مؤثرا في هذه الثورة إلى درجة كبيرة. و أنا ملتفت إلى مسألة الحقائق الاجتماعية و ظروفها الموجودة، أي العلاقة بين العلماء و الشعب و المستوى العالي لوعي الشعب.

و من أهم المؤثرات العوامل الإنسانية و هنا يجب ملاحظة جميع الشخصيات الكبيرة التي ساهمت في هذه الثورة و على رأسها الشخصية الاستثنائية و التي لا مثيل لها سماحة الإمام الخميني، فلو لم يكن هذا القائد موجودا و لو لم يكن هذا الفكر و الذهن و الروح الكبيرة لما وجدت هذه الثورة مع جميع تلك الظروف. و لما انتصرت تلك المواجهات

ص:170

الثورية. إن وجود الإمام الخميني قد أثبت خطأ فكرة عدم تأثير الشخصيات في التاريخ، و أثبت أن الشخصيات لها أكبر تأثير، و كان إلى جانب شخصية الإمام علماء و قادة عمل كل منهم بشكل من أشكال الفكر الثوري و الإسلامي على توجيه المجتمع نحو هذه الثورة.

و البعد الرابع من العوامل المؤثرة في الثورة كان هو الفكر الإسلامي و الإيمان الديني لشعبنا، و هو عنصر مستقل عن العناصر الذي ذكرتها و يجب أن أقول أن تأثير الإمام الخميني و تأثير العلماء و تأثير جميع الأوضاع و الأحوال في الإثارة العامة للشعب قامت على وجود الإسلام و إيمان الشعب بالدين، و لو لم يكن لدى الشعب إيمان ديني لما حصلت تلك النهضة، و مع الأوضاع التي أوجدها الأمريكيون و بقية القوى العالمية في هذه النقطة من العالم، لم يكن هناك ظن بقيام تلك الثورة و النهضة، و لولا وجود الإسلام عند هذا الشعب، لما وقعت تلك النهضة حقا و إن سبب دهشة العدو و مفاجئته هو أنه لم يكن لديه إلمام كامل بالإسلام، و قد درسوا كل الأمور الأخرى و الاحتمالات إلاّ الإيمان، و لهذا فوجئوا و تعرضوا إلى ضربة لا يمكنهم جبرانها.

و قد أشرتم ضمن السؤال إلى دور الإمام، فحول دور الإمام و كما أشرت سابقا يجب أن أقول إن الإمام كان أبا لهذه الثورة و ينبوعها و بركاتها، و سبب قيامها و بقائها. و ليس هناك أي شيء أفضل من هذا في وصف دورة تجاه هذه الثورة. كان سببا في ولادتنا جميعا في أجواء الثورة، و أعطانا كلنا فكرا ثوريا، و أعطى ولادة جديدة لجميع العناصر التي تشاهدونها من صغيرها و كبيرها جميع هذه العناصر العزيزة الموجودة في هذه الثورة و حتى شخص آية اللّه المنتظري كان قبل بداية نهضة الإمام الخميني عالما و مدرسا فاضلا و من الطلبة الكبار في قم. فاستطاع الإمام الخميني و إعلامه و خطواته بناء هذه الشخصية و بقية

ص:171

الشخصيات العلمية و الفكرية و السياسية في هذه الثورة، و أصبح كل منهم نجما ساطعا في سماء هذا التاريخ. و الآن فإن وجود هذا الرجل العظيم أيضا قد حافظ لنا على الروح الثورية و الاتجاه الثوري. و لو لم يكن موجودا لسقطت روحيتنا الثورية، و يحتمل كثيرا أن يتغير اتجاهنا الثوري فقد أوشكنا أن ننحرف إلى اليسار أو اليمين في أمور كثيرة، و قد حفظنا أمر الإمام الخميني و وصاياه و نظرته الصحيحة و رأيه المناسب و الحكيم في هذه السنوات الأربع من الانحراف.

تفضلوا ببيان انجازات الثورة الإسلامية و آثارها بشكل عام في العالم، و في العالم الإسلامي بشكل خاص و دور الثورة الإسلامية في ما يتعلق بوحدة المسلمين في العالم.

إذا كان المقصود هو انجازات الثورة الإسلامية للشعب الإيراني فقط فإن لذلك جوابا و إذا كان السؤال بشكل عام فإن له جوابا آخر.

كان لهذه الثورة أكبر انجاز للشعب الإيراني و هو الحرية و الاستقلال و الإسلام و الحركة نحو مستقبل ذهبي طموح. و الكرامة لهذا الشعب، إنك تجد قيمة رفيعة و هدفا كبيرا لم تحققه هذه الثورة للشعب الإيراني، بعض الأمور قد تحققت مثل الحرية و الاستقلال و الجمهورية الإسلامية و بعض الأمور على شكل أرضية سوف نصل إليها في المستقبل مثل الرفاه و محو الأميّة، و بناء مؤسسات شعبية و ثورية كثيرة و كلها تبشر بمستقبل واضح و جيّد، و لكن هذه الثورة لم تقدم انجازات للشعب الإيراني فقط، فقد كان لها انجازات لشعوب العالم أيضا، و أحد انجازات هذه الثورة لشعوب العالم هي أنها أثبتت أن الشعوب تستطيع أن تحدد مصيرها من دون الاعتماد على القوى العالمية الكبرى، و هو أمر لم يكن معروفا و مقبولا قبل الثورة الإسلامية في إيران، و قد أثبتت الثورة ذلك للعالم، و اليوم لا تقبل الشعوب التي تئن من الوضع القائم

ص:172

في أفريقيا و في أمريكا اللاتينية و في مناطق من آسيا أن يأمرها شخص بعدم التحرك، و يوحي لها أنّها لا تتمكن أن تعمل شيئا لأن القوى الكبرى تعارض حركتها و توجهاتها، بل سوف ترد عليه بأن القوى الكبرى لم تكن مؤيدة لحركة الشعب الإيراني أيضا و مع ذلك استطاع هذا الشعب القيام بهذه الحركة و مواصلتها حتى اليوم. و رغم كل هذا الإعلام المعادي لنا، و رغم التحرك العسكري و الحصار الاقتصادي، فإننا موجودون حتى الآن، و وجودنا هو بشارة كبيرة للعالم و هذا الانجاز ليس قليلا.

و من الانجازات الأخرى لهذه الثورة إنها أثبتت للعالم أنه يمكن الالتزام بالقيم في عصرنا، فقد عملت الأيادي المعادية للإنسانية و البشرية خلال سنين طويلة و خططت لفصل البشرية عن قيمها و أهدافها و جعلها أسيرة لمسائلها اليومية المادية، و كأن الهدفية و القيم هي من الآمال المستحيلة في العالم المادي المعاصر، و ما تلاحظونه اليوم في وضع حياة الشرق و الغرب يؤيد هذا الكلام، إنهم يجرّون شعوب العالم بيد قوية نحو العبثية أو إذا لم نقل العبثية التي يتداعى منها فكر خاص، نقول يجرّونهم إلى اللاقيلمية و الاتجاه نحو الأمور التافهة.

و في خضم هذا التلاطم، و خلال هذه الموجات المتنوعة تحركنا و قمنا مرة واحدة من أجل قيمة و هدف و رسالة، صحيح أن هذه الرسالة وعدتنا بأشياء مادية أيضا و لكن هدفنا الأساسي هو تحقيق هذه الرسالة و ليس الحصول على مكاسب ماديات خاصة، و قد انتصرنا، و رغم الغوغاء الثملة في العالم، الداعية للمسائل المادية، ارتفع فجأة هتاف الاتجاه المعنوي و الاتجاه الإنساني و الهدفية و نجح أيضا و هذا يمكنه أن يؤمل البشرية التي دفعت سنين طويلة نحو أهداف حقيرة، بأن بالإمكان التحرك نحو أهداف كبيرة.

ص:173

و من الممكن طبعا أن لا يكون لدى عامة شعوب العالم اعتقاد بتلك الأهداف الكبيرة و لا ترى لها قيمة أو لا تعتبرها هدفا أساسيا، و لكن على أي حال هناك أناس لا يقنعون و لا يرضون إلاّ بالأهداف الكبيرة و الرفيعة، و هؤلاء سوف يقوى أملهم بعد انتصار ثورتنا، و سوف يدفعون البشرية نحو تلك الأهداف الكبيرة. و لدينا انجاز خاص بالنسبة للدول الإسلامية و هي أننا استطعنا بعد قرون طويلة أن نطبق الإسلام على شكل نظام.

و قد كتب كاتب إسلامي كبير قبل عشر أو عشرين سنة أنه إذا استطعنا أن نطبق الإسلام في جزيرة بعيدة و صغيرة في المحيطات، على عدد قليل من السكان و نجد نظاما و مجتمعا قائما على أساس الإسلام، فإن هذا سوف يكون أكثر تأثيرا من جميع الجهود و النشاطات التبليغية و الأفلام و المحاضرات و المؤتمرات الدولية و اصدار الكتب و غيرها. لاحظوا أن نموذجا صغيرا للإسلام و نظاما يقع في زاوية من العالم يؤثر أكثر في تبليغ الإسلام من جميع الجهود الإعلامية التي تقام في أنحاء العالم.

و نحن بدلا من أن نقيم هذا النظام في جزيرة بعيدة و صغيرة تقع في وسط المحيطات، أقمنا هذا النظام في دولة كبيرة يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة، في أحد أكثر الطرق الجغرافية العالمية حساسية و لا ندّعي أنه نظام كامل، و لكن هذا المقدار الذي قمنا به أحيا أمل الإسلام في قلوب جميع المسلمين في العالم، و أنتم تلاحظون أن أمنية الإسلام انتعشت في القلوب في أفريقيا و الشرق الأوسط و أمريكا و حتى آسيا و في الخليج الفارسي و في جميع المناطق التي يسكنها المسلمون و يأملون تطبيق النظام الإسلامي، بسبب أننا استطعنا أن نقوم بهذا العمل و بناء على هذا فإن احياء الأمل بتحقيق الإسلام هو إنجاز كبير.

ص:174

و قد أضفتم جملة في نهاية السؤال و قلتم: ما هي علاقة ثورتنا بوحدة المسلمين، و أريد أن أقول: إنه سؤال مهم جدا، و يمكن أن يكون ايجاد الوحدة بين المسلمين أحد انجازات الثورة. و عند ما نقول: الوحدة بين المسلمين لا نقصد الوحدة بين الدول و الأنظمة و الحكام المدعين للإسلام، بل بين الشعوب الإسلامية، و قد جرت محاولات لفصل هذه الشعوب عن بعضها البعض بعشرات عوامل التفرقة و الاختلاف. هناك الاتجاه السني و الاتجاه الشيعي و المذاهب المتنوعة و الألوان و القوميات و اللغات و غير ذلك. و قد أدت هذه الثورة إلى انجذاب جميع المسلمين في العالم إلى مركز واحد، و نبضت قلوبهم في أجواء أمر واحد - و إن كان من الممكن أن يكون مبهما - و أدى ذلك إلى الوحدة، و في داخل دولتنا نشعر بأن المسائل القديمة بين الشيعة و السنة قد ارتفعت، و يشترك في احتفالاتنا الثورية مسلمون سنة من الدول الأخرى، و يذهبون و يبلغون لثورتنا لدى شعوبهم، فلا هم يصبحون شيعة و لا نحن نصبح سنة، و لكن يحصل بيننا و بينهم عامل وحدة و ارتباط.

و بناء على هذا فإنه يمكن أن تكون ثورتنا في المستقبل إحدى أهم عوامل الوحدة بين المسلمين.

كما تعرفون إن الحرب مع العراق قد فرضت علينا منذ حوالي سنتين و نصف، و قد زارت إيران لجان صلح في هذا الصدد. يرجى أن تبينوا آراءكم بهذا الشأن، و كيف كانت مواقف و نشاطات مجلس الأمن الدولي و دول الخليج الفارسي و القوتين الكبيرتين أمريكا و روسيا في هذا الصدد؟.

حول لجان الصلح فقد أعلنا لتلك اللجان أيضا، أننا لا نشاهد حسن النية لدى أعضاء هذه اللجان إلا قليلا، فهناك عدد قليل قاموا

ص:175

بالسفر بسبب دوافع إنسانية للمصالحة بين إيران و العراق، و البقية يتحركون من أجل أهداف سياسية و بشكل رئيسي للقضاء على الثورة الإسلامية، جاءوا إلينا بشروط غير مقبولة للصلح، و تجاهلوا أوضح حقوق إيران، و قالوا لنا: تصالحوا على هذا الأساس، و من الطبيعي أننا لم نقبل، و ذهبوا و افتعلوا ضجة مدعين أن إيران تريد الحرب و غير مستعدة للصلح. و نظموا اتفاقية الصلح طبقا لنظر المعتدي.

قالوا: إن العراق يريد الصلح و إيران تريد الحرب. أي أنهم جعلوا السفر من أجل الصلح وسيلة للإعلام لصالح العراق، أي أن الإعلام هو من أهدافهم و هي أهداف حربية، و نحن نعتقد أنهم لم يساعدوا على الصلح بل أن بعضهم قد ساعد على استمرار الحرب، و قد قلت ذلك للجان أحيانا؛ لأن اللجنة التي تتحرك للصلح، غير مستعدة للضغط على المعتدي، هي في الحقيقة تشجع المعتدي على الاستمرار في العدوان، و ما دام المعتدي يواصل اعتداءه فطبيعي أن تستمر الحرب؛ لأننا لو فرضنا أن المعتدي يواصل العدوان و لم يواجه الشعب المعتدي عليه فإنه معنى هذا هو القبول بالضعف و القبول بالهزيمة و الذل، و الشعب الثوري لا يقوم بهذا العمل، فيمكننا أن نستنتج بشكل عام أن بعض لجان الصلح بادرت إلى طلب الصلح من أجل أن تستمر الحرب، و لو لم تقم بالوساطة لكان من الممكن أن تنتهي الحرب بصورة أسهل. و قد حصل مرارا أن قمنا بايقاف الحرب شهرا أو شهرين احتراما لهذه اللجان، و كانت جبهاتنا متوقفة. و لو لم تأت هذه اللجان لما توقفت جبهاتنا، و لتقدمنا و لكنا قد أنهينا العمل و اضطر العراق للقبول بشروطنا العادلة و ملاحظة حقوقنا.

و بناء على هذا فإن هذه اللجان لم تكن مفيدة للصلح، و حول مجلس الأمن الدولي تعرفون أن خمسة من الأعضاء الأساسيين لمجلس

ص:176

الأمن هم القوى الكبرى في العالم، و نحن لا نأمل خيرا من القوى مطلقا، فانكلترا و فرنسا و أمريكا وضعها واضح، بالنسبة إلى روسيا فهي على الرغم من أنها لا تبدي أية عداوة لنا في الظاهر، بل تبدي التأييد لثورتنا، و لكننا نلاحظ في العمل أنها لا تدعمنا و قد تعرضنا للعدوان، بل تدعم خصمنا، و نشاهد اليوم أسلحة مهمة لدى العراق لم تكن لديه قبل الحرب، و نحن متأكدون أن العراق لم تكن لديه طائرات ميغ 25 قبل الحرب و الآن هو يمتلكها. فلا يمكن أن يحصل على ميغ 25 إلاّ من الدولة التي تصنعها و هي روسيا، و بناء على هذا فنحن نعترض بشدة على الاتحاد السوفيتي؛ لأنه ساعد العراق من حيث التسليح. و الصاروخ الذي سقط أول أمس على دزفول و قتل كل هذا العدد من العزل و المدنيين، و الذي تستنكره كل شعوب العالم، هو من الصواريخ التي أعطاها الروس للعراق، و نحن نشك أن كل هذا العدد من الصواريخ قد حصل عليها العراق قبل الحرب، و يحتمل احتمالا قويا أنها أعطيت للعراق بعد الحرب. و أما بالنسبة لدول الخليج فليست كلها على حدّ سواء، فبعضها لها مواقف قبيحة جدا و معادية لنا، و بعضها اتخذت الحياد، و لعلنا شاهدنا حسن نوايا لدى بعضها، و قد واجهناهم بسياسة واحدة و لم نتستر حيث كنا نعادي بعضها بشدة، و لنا صداقة مع البعض الآخر، قلنا لتلك التي نعاديها: إننا مستعدون لغض النظر إذا لم تستمر نشاطاتها المعادية، و لم نلمس حتى الآن جوابا وديا و معبرا عن فهم و قبول نبل الحكومة الإيرانية، و نحن طبعا لا نخضع للأوضاع التي يوجدونها لنا، و لكن سوف نواجه بالمثل أية واحدة منها طبقا لسياسة الجمهورية الإسلامية في الوقت الذي نراه لازما، إن الاعتداء العسكري في الخليج الفارسي لا يجوز برأينا؛ لأنه سوف ينتهي إلى زوال مصالح الجميع و لكن دولتنا و شعبنا سوف يتعرض إلى أقل الخسائر إذا وقع هذا الاعتداء، بينما سوف يتعرض خصومنا في الخليج الفارسي إلى أكثر

ص:177

الخسائر، و قد أعلنت مرة أن الشخص الجالس في بيت زجاجي لا يبدأ الحرب أبدا مع شخص في يده حجر، و هؤلاء جالسون في بيوت النفط و التأسيسات النفطية الزجاجية و حياتهم مرتبطة بها، أما شعبنا فهو مستعد لتحمل الجوع، و مستعد للصوم، و حياتنا لا ترتبط بهذه الموارد، و هم يعرفون ذلك أيضا، نحن شعب ثوري لا نخاف من اللعب بالنار و لهذا فليس من مصلحتهم أن يواجهونا بأكثر من ذلك.

كيف تقيّمون موقف أمريكا و روسيا و الدول السائرة في فلكها تجاه الثورة الإسلامية حتى الآن؟.

إن أمريكا عادتنا ما أمكنها أن تعادينا، و روسيا تكلمت عن الصداقة، و لكنها كما أشرت سابقا لم تثبت ذلك عمليا، و أما الدول السائرة في فلك أمريكا فهي مختلفة، فبعضها تعاملت معنا بمنتهى القبح و الخبث، و بعضها التي قد لا يمكن القول بأنها سائرة في فلك أمريكا و لكنها صديقة لأمريكا في المنطقة فإن سلوكها كان سلوكا معتدلا و وديا على أساس الظروف الكثيرة التي كانت موجودة. أما الدول السائرة في فلك الاتحاد السوفيتي و أصدقاؤه فلم يكن لهم موقف واحد تجاهنا أيضا، فبعض أصدقاء الاتحاد السوفيتي هم أصدقائنا القريبين، و بعضهم كان تعامله سيئا، فقد ساعدوا العراق و آذونا، و بعضهم كان لا أباليا.

و بناء على هذا فليس هناك اتجاه واحد حتى أقول كيف تعامل معنا أصدقاؤهم أو السائرين في فلكهم.

يرجى بيان رأيكم حول مسألة القدس و اعتداء اسرائيل على جنوب لبنان.

إن مسألة القدس هي مسألتنا القديمة، و قد قلنا مرارا: إنها مسألتنا الاستراتيجية. فنحن لا نتكلم عن القدس في وقت ما من أجل مصلحة، فالقدس بالنسبة لنا مثل مدينة طهران و مشهد: إنها بيتنا، و لا ندعي

ص:178

ملكية القدس. و لا نسمح بأن يؤخذ هذا الكلام مستمسكا على أن إيران تريد القدس و يبدو أنه قيل في مؤتمر (فاس) أن إيران تريد الاستيلاء على القدس و مكة و المدينة، كلا نحن نكذب كل هذا الكلام، و لكن أهل القدس هم إخواننا و هم مسلمون و مدينة القدس لأهل القدس و هي مدينة إسلامية، و كما أننا نعتبر مدن أصفهان و شيراز و طهران و مشهد مدنا إسلامية، و كما أننا نعتبر مدن أصفهان و شيراز و طهران و مشهد مدنا إسلامية و عندما كانت بأيدي العدو كنا نحاول إخراجها من سيطرته، كذلك بالنسبة لمدن فلسطين، القدس و كل المدن الموجودة نشعر بأنها مدن إسلامية تقع تحت سيطرة أعداء الإسلام، تحت سيطرة الصهاينة، و يجب أن تخرج من أيديهم و تعطى لأهلها، و طبعا لأهلها ليسوا كلهم من المسلمين.

و لكن أكثرهم مسلمون. و يمكن أن يتعايش المسلمون و النصارى و اليهود هناك، و نعتقد بأن على الدول الإسلامية أن تقوم بحركة جدّية ضد العدو الصهيوني، و هو عمل لم يتم حتى الآن، و قد قامت أمريكا مؤخرا بهجوم سياسي من أجل حل مسألة القدس و مسألة إسرائيل بشكل نهائي، و استطاعت اقناع العرب، و الأردن و مصر، و بعض دول خط المواجهة و هم من أصدقاء أمريكا القدماء. و هناك دولة أو دولتين عربيتين لم تقاوما بشكل جدي الأهداف الأمريكية، إنهم يريدون أن ينتهي هذا الأمر دفعة واحدة. و قد أعلنا أننا لا نقبل المشروع الأمريكي حول مسألة فلسطين و قلنا أن فلسطين هي للشعب الفلسطيني، و مشروعها يجب أن يقدمه الشعب الفلسطيني. و ما يقوم به عملاء أمريكا و حلفاؤها في المنطقة ليس له قيمة بالنسبة لنا. و حول مسألة لبنان قلنا مرارا: إن اعتداء إسرائيل على لبنان هو اعتداء أمريكي على المناطق العربية، أي أنه حركة و خطوة جديدة من قبل أمريكا لتقوية إسرائيل و اليوم حيث يتبادلون مشاريع التنازل يطرحون هذه المسألة و هي أن تستقر إسرائيل على النهر الليطاني أي حوالي 45 كم شمال الحدود

ص:179

الدولية بين فلسطين و لبنان. و يعتبرون هذا نوعا من الانسحاب، و يشترطون للقيام بهذا العمل انسحاب السوريين و أن تخرج جميع القوات الفلسطينية من لبنان، و هذه خدعة لأن هدف إسرائيل بالأصل كان هو نهر الليطاني المهم و الحيوي لها، و أن تحتل عدة مدن في جنوب لبنان.

و بناء على هذا فإن ما قامت به إسرائيل كان بدعم من أمريكا، و هي تقوم بتوسيع رقعة نفوذها في المنطقة لتكون أمريكا مطمئنة إلى أن إسرائيل أصبحت أكثر استقرارا و ثباتا. و اليوم إذا لم يوافق الإسرائيليون على المشروع الأمريكي لفلسطين فإنهم يرغبون أن تضغط أمريكا لتطبيق مشروع اسرائيل في لبنان، و يؤكدون على عدم الخلط و الوحدة بين مسألة لبنان و مسألة فلسطين و يقولون: إن هاتين المسألتين يجب فصلهما عن بعضهما و يهدفون إلى منع أمريكا من القيام بتحركها الخاص في فلسطين و تشكيل اتحاد كونفدرالي بين فلسطين و الأردن. حتى لا تجبر إسرائيل على اعطاء شيء إلى لبنان و إلى العرب من أجل تنفيذ هذا الأمر، و تضطر إسرائيل إلى الانسحاب أي أن اسرائيل تريد في آن واحد حل مشكلتها مع العرب و قضية فلسطين في الأساس و حل مشكلتها مع لبنان بالشكل الذي ترغبه.

و تلاحظون مدى خبث و عدوانية هذه السياسة، و نحن نرفض هذا الكلام بشكل مطلق، نحن نعتقد بأن اسرائيل لا يحق لها التوقف ليس فقط في حدود الليطاني، بل و في حدودها السابقة أيضا، و لا يحق لها البقاء في تل أبيب و يجب زوال الدولة الصهيونية. إن اسرائيل كيان دخيل في هذه المنطقة، و بقاؤها فيها يعني تحديا للأهداف الإسلامية و الأهداف الإنسانية لأهل المنطقة، يعني القبول بالقوة و الاعتداء في المنطقة، و هو اعتداء أمريكي و تسلط امبريالي و استكباري و يجب إزالة

ص:180

و صمة العار هذه التي تمثّل تسلط سياسات القوى الكبرى على الشعوب المستضعفة. يجب أن تحكم الشعوب أراضيها. و يجب أن يعود الشعب الفلسطيني إلى دياره و لا نقول طبعا أنه لن يكون هناك نصارى و يهود، بل نقول يكون هناك مسلمون و يهود و نصارى، و يشكلون معا حكومة، و لا يكون هناك صهاينة، ليذهبوا إلى أمريكا و انكلترا و إذا كان من اللازم أن يكون للصهاينة دولة في العالم فليعطوهم إحدى الولايات الأمريكية أو قسما من انكلترا لا أن يأخذوا منّا و يغتصبوا ديارنا. إننا لا نقبل بهذا أبدا.

ص:181

ص:182

مقابلة خاصة مع حجة الإسلام و المسلمين الخامنئي

اشارة

مقابلة خاصة مع حجة الإسلام و المسلمين الخامنئي(1)

الآن و قد أوشكت الحرب المفروضة على الانتصار النهائي، ما هو تحليلكم للنتائج و المكتسبات التي حصلت عليها الثورة الإسلامية في المنطقة و العالم من هذه الحرب؟.

طرحت بحوث كثيرة منذ بداية الحرب حتى الآن حول هذه الحرب و النتائج الحاصلة منها، و قد وردت تحليلات جيدة من قبل الإمام و بقية المسؤولين و الخطباء و أئمة الجمعة و الكتاب و غيرهم، و لم يبق شيء جديد ليطرح في هذا الصدد. و لو أردت أن أتكلم بشكل اجمالي فيجب أن أقول:

أولا: إن هذه الحرب نبهتنا إلى خطر هجوم العدو فقد كان هذا العدو موجودا سابقا خلف حدودنا، و كنا منهمكين بعملنا، و لم تكن لدينا قوة تستطيع أن تواجه بشكل مستمر، فأدت هذه الحرب إلى إيقاظنا من حالة الغفلة، و لهذا الانتباه آثار قيمة، فقد انسجم جيشنا و قوي حراسنا و تمت صيانة تجهيزاتنا (التي كنا نجهل كثيرا منها و لا نهتم بكثير منها) و أصبح حب الجهاد حيّا لدى عامة الشعب، و حصل لدى جميع

ص:183


1- أجريت المقابلة في شهر أيار عام 1982 م (نقلا عن مجلة حارس الإسلام).

أفراد الشعب شعور بوجوب الدفاع عن البلاد الإسلامية، و تدرب مئات الآلاف من الناس للحرب، و كلهم مستعدون لتقديم دمائهم من أجل عدم فقدان ما حصلوا عليه، أي أن الجمهورية الإسلامية قد تجهزت بدفاع قوي و صلب.

ثانيا: خرج شعبنا من حالة الخمول التي تمر بها الشعوب عادة بعد الانتصار في الثورات الكبيرة، و ترك الرفاهية و تعوّد على الصعوبات، و هذا ضروري و لازم لاستمرار النهج الثوري لحركة شعبنا.

ثالثا: لمسوا الألطاف الإلهية، واحدة بعد الأخرى، و لم ننس أن التفقه في الدين في القرآن الكريم يعتبر في ظل النفير في ميادين الجهاد.

فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين (سورة التوبة الآية 133).

و قد قال العلماء الكبار: إن هذا التفقه يتجلى في ظل مشاهدة آثار القدرة الإلهية في ظفر المؤمنين و اندحار المعاندين و انتصار الحق على الباطل.

و هناك مئات الآلاف في الجبهات، و ملايين الناس خلف الجبهة لديهم أرضية التفقه، و ذلك الإدراك الفقهي للإسلام، فقد تنبهوا إلى قدرة اللّه. و رأوا كيف أننا تغلبنا على عدونا و نحن في حالة ضعف، و رأوا اليد المقتدرة و الدعم الإلهي.

رابعا: ثبتنا ثورتنا في نظر الشعوب الصديقة و الدول الأخرى و الدول المعادية و الانتهازية. و اتضح أن الثورة لديها قدرة الدفاع عن نفسها، و الوردة التي ليس فيها شوك يحميها تتقطع بيد كل من يريد اقتطافها. و قد ثبت أن وردة ثورتنا الحمراء تستطيع الدفاع عن نفسها.

ص:184

خامسا: زرعت الأمل عند الشعوب الأخرى بمستقبل الثورة الإسلامية في العالم الإسلامي، و هذا الأمل و هذه الآثار و عشرات الآثار الأخرى سوف تزداد كثيرا في اليوم الذي يتحقق النصر العسكري النهائي إن شاء اللّه.

و هناك فوائد كثيرة أخرى مثل معرفة الأصدقاء و الأعداء، و اختبار الإعلام العالمي و كيفية تعامل الدول المنافقة تجاهنا. و نأمل من اللّه تعالى أن لا نغتر بهذه الانتصارات، و بعد هذا الانتصار الذي نأمل أن يكون قريبا جدّا. نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا متوجهين إليه و يحيي في أذهاننا و في قلوبنا دائما مفهوم هذه الجملة «إلهي ما بنا من نعمة فمنك». و لنعلم أن نعمة الانتصار هذه هي من اللّه، و نحن لم نفعل شيئا، و إن يثبتنا أكثر في خط اطاعته و الانقياد لأوامره.

بعد هزيمة العدو في الحرب العسكرية، قام بتكثيف حرب إعلامية، و اتهمنا بالارتباط مع الشرق، و في نفس الوقت اتهمنا بشراء الأسلحة من إسرائيل، و الخلاصة حاول حجب انتصارات الجيش الإسلامي عن الرأي العام العالمي قدر المستطاع، يرجى تقديم توجيهات حول افشال هذه الحرب الإعلامية و مواجهتها.

تتم مواجهة الإعلام بأمرين:

الأول: حسن العمل، إذ لو كان لدينا حسن عمل و حسن سلوك في سياستنا الداخلية و الخارجية، فإن إعلام الأعداء و إن ترك آثارا في المدى القريب، و لكنه سينفضح هو و أصحابه على المدى البعيد.

الثاني: التبليغ بالمعنى اللغوي للحقائق الموجودة في مجتمعنا، أي ايصال الحقائق إلى المنتظرين و المتعطشين للحقيقة. و إذا تحقق

ص:185

هذان الأمران معا، فإن جميع الإعلام سوف يفشل. و حسب قول الشاعر إن مصباح الكذب لا يضيء، و هذا الإعلام الكاذب يفتضح بمرور الزمان و يبطل بعضه بعضا. و التهمتان اللتان أشرتم إليها تبطل إحداهما الأخرى.

ففي الوقت الذي تتهمنا وسائل أعلام الدول الرجعية في المنطقة بالارتباط مع إسرائيل و أمريكا، تتهمنا أيضا بالتأثر بالاتحاد السوفيتي، أي القطبين المتناقضين في العمل، و من الطبيعي أن الناس الواعين حين ينظرون إلى ذلك يدركون عدم صحة و اتقان هذا الإعلام.

و بناء على هذا فإنني لست قلقا كثيرا من الإعلام، بل أعتقد أن هذا الإعلام سوف يصبح وسيلة تفضح أصحابه أمام الرأي العام العالمي، و أكرر أيضا وصيتي بحسن العمل في السياسة الداخلية و الخارجية، ثم إيصال ما يجري في مجتمعنا إلى أسماع العالم. يجب أن نقوّي وسائل الإعلام. و نجعل الإذاعة و التلفزيون تتمتعان بمتانة و سمعة مناسبة للجمهورية الإسلامية، و الإمام لديه اهتمام كامل بهذه النقطة و لذا تلاحظون أنه يوصي دائما بالإعلام في الداخل و الخارج.

الثورة الإسلامية في حرب مع أمريكا و الصهيونية، وضحوا مسيرة الجمهورية الإسلامية تجاه القضاء على الصهيونية الغاصبة و الفاسدة بالنظر لتصاعد الحركات الإسلامية خاصة في الأراضي المحتلة و اهتزاز أنظمة مثل النظام البعثي في العراق و النظام الأردني.

إن محاربتنا للصهيونية و خاصة الحكومة الصهيونية في فلسطين المحتلة هي حرب استراتيجية. و الإسلام يأمرنا بأن ندافع عن كل منطقة من مناطق المسلمين إذا تعرضت لخطر الهجوم أو هاجمها العدو، و المثال البارز و الواضح لهذا الحكم الإسلامي، اليوم هو بلاد فلسطين العزيزة و دولة القبلة الأولى للمسلمين التي احتلها أعداء الإسلام

ص:186

و المسلمين منذ سنين.

أولا: نحن ندعم بقوة كل دولة تحارب الصهيونية، و هذا الدعم لا يشمل الدعم الأخلاقي و السياسي فقط، بل يشمل كل أنواع الدعم الذي نستطيع أن نقوم به، حتى الدعم العسكري و التسليحي.

ثانيا: حاليا و نحن نخوض حربا مع المعتدين البعثين فإننا لا نضيع أية فرصة للمواجهة السياسية مع اسرائيل. و قد لاحظتم أنه عند ما جرى الكلام حول اسرائيل في اللجان العالمية الكبيرة، طرحنا كلامنا المحق على أسماع الجميع.

ثالثا: نقوم بالإعلام في داخل بلدنا و في العالم الإسلامي في ما يتعلق بمسألة اسرائيل بحدود امكانيتنا، و كما تعرفون فإننا قمنا بنقش صورة القدس الشريف على نقودنا و في النقود المسكوكة أيضا، و قد طرحت حتى الآن مئات المحاضرات المبرهنة بشأن القدس من قبل مسؤولي هذه الجمهورية و جميع الخطباء و أئمة الجمعة، و شعاراتنا و مسيراتنا تزين بشعار معاد لإسرائيل الغاصبة و لصالح فلسطين. و هذا هو عملنا الثالث، و هو عمل سياسي نقوم به دائما في الداخل؛ و عملنا النهائي هو المواجهة العسكرية للعدو الغاصب، فعند ما نجد طريقا نحو هذه المواجهة، أي عند ما نتخلص من مشكلة الحرب مع المعتدين، فسوف نرسل قوة عسكرية لأية دولة تحارب في خط المواجهة، و هذا مشروط بأن تقبل تلك الدولة بقواتنا العسكرية هذه، و نحن مستعدون لاستقبال المتطوعين و تزويد القوى المحاربة بالمال و السلاح و التجهيزات الجوّية و البرية بأنواعها و أقسامها.

بعد الخطبة التاريخية للإمام في الذكرى السنوية للثورة، و الأهمية الاستثنائية للحوزات العلمية بالنسبة للثورة الإسلامية على المستوى الإقليمي و العالمي، ما هي المقترحات التي تقدمونها لإصلاح و تصفية

ص:187

و تنمية الحوزات العلمية كميا و كيفيا، بوصفكم إحدى الشخصيات العلمية البارزة؟.

أول عمل يجب أن يتم برأيي هو: أن يجتمع عدد من مفكري الحوزة العلمية و المنظرين الأصيلين فيها الذين يعرفون الحوزة و نواقصها، و يدركون نقاط قوتها، و يخططوا مشروعا للحوزة المثالية. و هذا هو العمل الأول. و أنا أشعر بأن الخطوات التي بدأت في حوزة قم و مشهد من أجل الإصلاح منقطعة عن هذا الجذر الأساسي. أي أنني أستطيع أن أدعي أن أغلب الذين يعملون الآن لإصلاح الحوزة، لا يعرفون ماذا يجب أن تكون عليه الحوزة التي يريدون بناءها، و هذا ضعيف كبير.

أقترح أولا أن يجتمع عدد من الأشخاص و لوقت كثير، و يرسمون الحوزة التي ينبغي بناؤها و يجب أن يلاحظوا في هذا الرسم بعض النكات المهمة. و أهمها أن لا يغضوا الطرف عن النقاط الإيجابية لأسلوب الدراسة في الحوزات العلمية القديمة، و لا ينظموا الصفوف الدراسية على طريقة المدارس الغربية و لا يوجدوا أعمالا اختصاصية من أجل أن ينظموا و يرتبوا الحوزة. فأهمية العالم و الفقيه الإسلامي هي أن تخصصه ليس مقصورا على علم خاص، أي علم الفقه، بل نحن نعتبر التفسير و التاريخ و علم الرجال و الحكمة و الكلام و ربما بعض العلوم الأخرى إلى جانب علم لفقه.

و إذا قمنا بتسطيح القضية عن طريق الاختصاص، أي قلنا: إن البعض يتخصص في الحديث و البعض الآخر في الفقه و الثالث في الرجال، إذا قمنا بهذا العمل فإننا نكون قد تجاهلنا النقاط الأساسية في أهمية و نموّ الحوزات العلمية.

يجب أن نعرف أن علماءنا العظام كانت لهم يد في جميع هذه

ص:188

الفروع، و طبعا لا نقول: يجب أن يكونوا متخصصين و في مستوى عال في جميع هذه الفروع خاصة و إن كثرة المشاكل اليوم لا تسمح بذلك. و لكن نرى أن تكون لهم يد في جميعها كما هو متعارف في الحوزة العلمية. أما إذا قمنا بهذا الاختصاص الجاف فمن المؤكد أننا لن نحصل على وضع مثالي. و إن مسألة الاحترام الأخلاقي بين الأستاذ و الطالب الموجودة في الحوزات العلمية، يجب أن لا تلغى و كل من يلغي هذا العرف سوف يضر بالحوزة.

و لهذا إذا أردنا اصلاح الحوزة فإن هذا الاصلاح يجب أن يعني تأمين النواقص و اصلاحها، و ليس اعادة النظر في النقاط الإيجابية التي عاشت معها الحوزات العلمية قرونا. و نحن نرى أن البعض لا يهتم بذلك. و على أي حال فإن من الواجب ملاحظة نكات من هذا القبيل، و رسم الحوزة المثالية في المستقبل على أساس هذه النكات، و رسم هذا الشكل المنظم على الورق حتى تتحدد ادارة الحوزة و انضاج ذلك بشكل كامل في ذهنية المستمعين و المتكلمين. و إذا حصل هذا الأمر فإن الشروع فيه سهل. و يوجد الآن أشخاص عديدون يريدون اصلاح الحوزة تحت اسم الإصلاح بشكل عام، و قد يعتبر البعض الإصلاح شيئا غير الشيء الذي يعتبره البعض الآخر و قد يكون كلاهما على خطأ. و إن هناك شكلا ثالثا للإصلاح.

و بناء على هذا فأنا أقترح رسم الشكل المثالي أولا. و لا يمكن لأي شخص القيام بهذا العمل إلاّ الذين ترعرعوا في الحوزة و تطبعوا عليها، و إذا جاء أشخاص من خارج الحوزة لبناء الحوزة فإنهم سوف يخربونها. و إذا أراد بعض الطلاب الشباب الذين لا يعرفون الحوزة بنحو عميق، و لا يدركون نقاط قوتها بشكل صحيح، القيام بهذا العمل، فإنهم يخطؤون. يجب مزج تجربة كبار السن و معلومات أهل الخبرة في

ص:189

الحوزة العلمية مع نشاط و جهود و ابتكار الشباب، و إذا استمر هذا العمل 6 أشهر أو سنة فلا اشكال في ذلك. و في هذه الفترة يدرس كل إشكال و كل ما يمكن أن يكون، ثم يحدد الشكل و يبلّغ هذا الشكل بشكل موحد لجميع الحوزات الكبيرة و الصغيرة في إيران، و يقوم البعض بتهيئة مقدماته، و طبعا إن تنفيذ الإصلاحات بعد رسم الخط المطلوب ليس أمرا سهلا، و لكن أصعب أقسام القضية هو القسم الأول، و نحن نلاحظ عدم الاهتمام به.

مع أن الحكومة تتحرك نحو مصالح المستضعفين، إلاّ أن هناك تضخما متصاعدا نتيجة عوامل داخلية و خارجية مفروضة، و هناك زيادة في الضرائب في السنة الجديدة يكون ثقلها في النهاية على أكتاف المستضعفين، فما هي المقترحات و المشاريع المطروحة لرفع حاجات و مشاكل المستضعفين؟.

كما ذكرتم فإن كثيرا من عوامل هذا التضخم ناجمة من حوادث غير اختيارية، و أهمها الحرب، فإذا أنهينا الحرب بسلامة فسوف تزول كثير من الأمور التي تشاهد اليوم في المجتمع، و التي هي من عوامل التضخم.

فأولا: سوف يزداد الانتاج في الداخل.

و ثانيا: تصل المستوردات إلى مراكزها بشكل سليم و باشراف الحكومة.

و ثالثا: تباع معظم صادراتنا بشكل مطلوب، و بالشكل الذي نرغبه، و سوف يكون ابتكار العمل بأيدينا.

و رابعا: عند ما يبدء الإعمار و إصلاح الدمار الذي خلفته الحرب، فسوف تتوفر فرص عمل لكثير من العاطلين.

ص:190

و بشكل عام سوف ترتفع كثير من عوامل التضخم، و ينخفض تلقائيا و لكن يجب القيام في نفس الوقت بأعمال سريعة، و منها ما تقوم به اليوم لجنة التعبئة الاقتصادية و هو ناجح إلى حد ما إذا استطاع المجلس الاقتصادي الإشراف الكامل على لجنة التعبئة الاقتصادية و واصل ذلك، فنحن نأمل أن تتمكن هذه اللجنة من القيام بعمل سريع كامل على المدى القصير للمستضعفين و المحرومين في المجتمع.

ص:191

ص:192

مسؤولية المعلم

مسؤولية المعلم(1)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

أشكر الأخوة و الأخوات الأعزاء الذين تلطفوا و جاءوا إلى هنا بمحبة و صفاء و آمل أن نعمل بالوظائف الملقاة على عاتقنا بالشكل الذي يكون عبرة و أسوة للأجيال القادمة.

إن لفظ معلم و كذلك لفظ الاتحاد الإسلامي من الألفاظ المقدسة، و لحسن الحظ أنكم تتمتعون بكلا العنوانين.

إن للمعلم مقاما خاصا في مجتمعنا إذ أنه الأساس في تعليم و تزكية و تربية الشرائح و الأجيال المختلفة.

الحقيقة هي أن للمعلم دورا مهما في جميع المجتمعات؛ و ذلك لأن ما يضمن بقاء حركة أي مجتمع هو الأجيال النامية و الأجيال التي سوف تتولى في المستقبل ادارة أمور ذلك المجتمع فالاتجاه المستقبلي لكل مجتمع هو اتجاه صغار ذلك المجتمع. و الأطفال هم تحت اشراف المعلمين، و لذا يكون دور المعلم دورا حسّاسا.

إن للمعلم دورا خاصا في مجتمعنا لأن الأساس قائم على تعليم

ص:193


1- كلمة ألقيت أمام ممثلي النقابات الإسلامية للمعلمين بتاريخ 1982/8/19 م.

و تزكية و تربية الأجيال، و عند ما ننظر إلى القرآن و معارفنا الإسلامية نجد بوضوح المقام للمعلم في الثقافة الإسلامية، و نجد أن اللّه تعالى معلم التعاليم الإسلامية.

الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم.

و الأنبياء معلمون للبشر، يعلمونهم الأمور التي لا يعرفونها، و في ثورتنا يعتبر قائد الثورة معلما لا يكل، و إذا كنا نقبل مفهوم (كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته) فإننا جميعا مسؤولون، و هذه المسؤولية مسؤولية الإدارة المعنوية و الفكرية للناس الذين تحت اشرافنا و تحت تصرفنا قبل و أكثر من أي شيء آخر.

فيجب أن يكون جميع الناس في مجتمعنا معلمين، و التعليم و التربية من وظائف الجميع، فالآباء معلمون، و الأمهات معلمات، و الأخوة الكبار معلمون، و الأصدقاء الواعون و الأذكياء معلمون.

إذا نظرنا إلى المجتمع الإسلامي، هذا المجتمع الذي لدينا اليوم شبه له و ليس لدينا شكله الكامل، و صوّرنا هذا المجتمع في أذهاننا، نرى وجود حركة مستمرة فيه، و هي حركة التربية و التعليم العام، فالجميع مكلفون بأن يكونوا معلمين، و الجميع موظفون بنقل ما يعرفونه إلى الآخرين، و في الرواية ما مضمونه أن الناس ثلاثة: إما عالم رباني أو متعلم على سبيل نجاة أو همج رعاع ينعقون مع كل ناعق، فإذا لم يكن الإنسان في المجتمع الإسلامي معلما أو متعلما، فهو إنسان همجي، و الهمجي يميل مع كل ريح و كل حركة انحرافية إلى هذه الجهة و تلك، و إن حال المجتمع الذي يكثر فيه الهمج هو حال مؤسف.

بعد الثورة، كان من الأمور التي كنا نحتاجها كثيرا التربية و التعليم الصحيح؛ لأن النظام السابق تطاول على أهم نقطة و هي ثقافة مجتمعنا.

و صحيح أن المعلمين طيلة الفترة السابقة و في زمان النظام السابق لم

ص:194

يكونوا من الذين اهتمت بهم أجهزة النظام الجبار، و لم يخدموا ذلك النظام بشكل مباشر، كان المعلمون دائما أناسا قانعين و يبذلون جهودا كثيرة، و كانوا يسعون إلى نقل ما كانوا يعلمونه أو ما يجب عليهم نقله إلى الآخرين و إلى الأطفال و الطلاب، كما أنهم يعتبرون من الطبقات المحرومة في المجتمع، لذا لا يمكن أن نظن أن المعلمين في النظام السابق كانوا من الطبقات التي رزحت تحت قبضة النظام الجبار آنذاك أو تحركت برغبته، طبعا يوجد في كل الشرائح مختلف الناس، و لكن لا يمكن أن نصدر مثل هذا الحكم على هذه الشريحة بمجموعها كشريحة، و لكن عند ما يكون النظام الثقافي في مجتمع ما نظاما خاطئا، و عند ما يكون نظام التربية و التعليم في مجتمع ما نظاما غير مستقل و مرتبط. و مرتكز على قيم كاذبة، فإن المعلم مهما كان جيدا و مهما كان مخلصا لا يتمكن من القيام بالعمل الذي يجب أن يقوم به، و لذا لو نظرتم إلى الجيل السابق، و نظرتم إلى الناس الذين تم بناؤهم في الفترة السابقة، فسوف تلاحظون أن الجيل السابق كان بائسا من حيث التعليم و من حيث التربية، بغض النظر عن القيم الكبيرة التي أحيتها الثورة و الشخصيات الكثيرة المستقيمة التي قدمتها لمجتمعنا، و عند ما أقول الجيل السابق، فيعني جميعنا، أنا و جميع هذا الشعب، كنا جيلا يعاني من النواقص، خاصة الأجيال التي تربّت في الفترة الأخيرة، فلم يكن لدينا تعليم صحيح و لا تربية صحيحة، و معجزة الثورة طبعا هي معجزة استثنائية فالثورة مثل الكيمياء، مثل المادة التي إن احتكت بالحديد حولته إلى ذهب خالص، و هذه الثورة صنعت منا نحن الحديد. و الحديد المتهرىء أحيانا حولته إلى كميات كبيرة من الذهب الخالص، و قلت إذا لم ندخل الثورة في الحساب، فإن النتيجة هي أنهم حولونا إلى جيل فارغ، جيل بلا تربية. فمن الذي قام بذلك؟ إنه النظام التعليمي الخاطىء الذي يعتمد على القيم الكاذبة و المعادية للإسلام و الشعب. و لا نريد أن نحلل

ص:195

الماضي، لأن وصمة العار في الحياة السابقة قد طهرت بالماء العذب للثورة، و قد تغير اليوم ذلك الجيل و هو عمل و أكرر القول تقوم به الثورة. و في المجتمعات التي لا تقوم فيها ثورات و لا تتغير الأنظمة بواسطة الثورة، و حينما يأتي العسكريون و العملاء و حتى الشخصيات البارزة، يحصل تغيير للنظام و لكن الشعب لا يكون أحد عوامل ذلك التغيير، و لا يحصل تغيير مثل ما يحصل بواسطة الثورة فلا يتبدل النحاس إلى ذهب خالص أبدا في تلك التغييرات، أما في المجتمع الذي تتأجج فيه الثورة فتحصل ثورة في الناس، يحصل تغيير أساسي، و من حسن الحظ أن هذا قد وقع في مجتمعنا و قد كنا أمة ذابلة لقرون طويلة و كنا أمة مظلومة من الناحية المادية و المعنوية في الفترات السابقة، و هذه الثورة غيّرتنا و صنعت منا أناسا كبارا و جعلت نجوما و شموسا من بين جماهير شعبنا، من الفقراء، و يمكن اليوم التعريف بشبابنا و مقاتلينا. و الناس النشطين في جميع جبهاتنا، الجبهة الثقافية، الجبهة الحربية، جبهة التعبئات المختلفة، بوصفهم نقطة مضيئة و ساطعة في العالم.

لن نبحث كثيرا حول الماضي، و تكفي فقط اشارة إليه، و اليوم أصبحنا و للمعلم وظائف ثقيلة في هذا النظام، و إذا شعر المعلم في هذا النظام بمسؤوليته الحقيقية و جعل هذه المسؤولية وسيلة للوصول إلى غد أفضل، و إذا أصبح نظامنا التعليمي نظاما إسلاميا، فيمكن الإدعاء بجرأة أن هذه الثورة سوف تطبع خلال سنوات معدودة هذا المجتمع، بطابع لا تستطيع الفترات الطويلة و القرون تغييره، و هذا مرهون بنشاط المعلمين. لذا عليكم أيها الأخوة و الأخوات الذين تتولون التعليم و التربية و هو عمل شريف و مقدس، أن تلتفتوا إلى أهمية هذا العمل، و لا تتصوروا أن الشخص الذي يحارب بشجاعة في الجبهة يختلف عند اللّه عن الشخص الذي يدرس جيدا في المدرسة، إياكم و تصور أن قيمة الشخص الذي يسعى ليلا و نهارا في نقل الأفكار الرفيعة و الصحيحة و نقل التربية

ص:196

الصحيحة و التعليم الصحيح إلى الطلاب الصغار، أقل من قيمة الشخص الذي يرابط ليلا و نهارا في الخنادق. انتبهوا إلى أن القيمة الذاتية لأولئك ليست أقل من القيمة الذاتية لهؤلاء، نعم قد يحصل أن يترك المعلم و المتعلم و الروحاني و الطالب الجامعي و الأستاذ أعمالهم و يذهبون إلى الخنادق، و هذا بحث آخر، كما أنه قد يحصل أحيانا أن تجري تعبئة عامة حتى يأتي الجميع إلى خندق التربية و التعليم، إلا أنني لا أعرض الاستثناءات و الحالات الخاصة. إن قيمة التعليم في معيار القيم الإسلامية المأخوذة من القرآن و غير المفتعلة من أنفسنا، لا يمكن تصورها أقل من قيمة الحراسة و الخدمة العسكرية. و أرجو أن يدرك الأخوة و الأخوات هذه المسألة بشكل صحيح، و بأعماق نفوسهم.

و حول الاتحادات الإسلامية أقول: أنتم من حسن الحظ اتحاد إسلامي للمعلمين، أي أنكم تحملون اسمين قيمين.

إن الاتحاد الإسلامي هو مؤسسة انبثقت من الشعب على أساس الشعور بالوظيفة الإسلامية و الثورية العميقة و للاتحاد الإسلامي الذي أنتم أعضاء فيه اليوم، مؤسسين مثل الشهيد بهشتي و الشهيد رجائي و الشهيد باهنر، أي أنه اتحاد إسلامي منبثق من الثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، منبثق من المعرفة الثورية و الادراك الثوري.

أيها الأخوة و الأخوات الأعزاء يجب المحافظة على الاتحاد الإسلامي بسمعته و هويته الثورية و الشعبية، و شأن الاتحاد الإسلامي هو أن يتولى المحافظة على الإسلام في محيط عمله، و الاتحاد الإسلامي في المعمل هو ذلك القسم الذي يتابع المحافظة على الشعائر الإسلامية و المحافظة على القيم الإسلامية و المحافظة على التربية و التعليم الإسلامي هناك، و الاتحاد الإسلامي في الدائرة هو ذلك القسم الذي يسعى للدفاع عن القيم الإسلامية في محيط عمله و المحافظة عليها؛ إن

ص:197

دور الاتحاد الإسلامي هو التغيير الإسلامي و التبليغ الإسلامي و المحاضرات الإسلامية، و ادخال الجو الثوري و الإسلامي للمجتمع إلى داخل محل العمل و إلى الجيش و الشرائح المختلفة في المجتمع، و إن اتحادكم الإسلامي أكثر حساسيّة و أهمية من حساسيّة عملكم و شغلكم. و عند ما أنظر إلى خلفيّة اتحادكم و أدرس الاتحاد الإسلامي للمعلمين من أول الثورة حتى اليوم، أرى لحسن الحظ أنه من الأقسام التي رعت الخط الصحيح و المواقف الاجتماعية و السياسية و الفكرية الدقيقة. و هذا يدعو للتفاؤل التام بالنسبة لنا. فكونوا هكذا في المستقبل أيضا (إن شاء اللّه). يجب أن تعلموا أن مجتمعنا هو مجتمع متطور دائما و هو دائما في حالة تغيير، و خاصة المجتمع الثوري. ففي كل لحظة تقع له مسألة و ذلك بمقتضى الثورة أو بمقتضى التدابير التي يفكر بها أعداء الثورة ضدها، و عند ما نقضي على خط منحرف في المجتمع لا يعني هذا أن نجلس مسرورين لأن الانحراف قد انتهى و الحمد للّه، كلا إن مجتمعنا عرضة بشكل دائم لظهور خطوط منحرفة من قبل الأعداء الذين لا يحبون لهذا المجتمع الخط المستقيم للثورة. و لو نظرتم لرأيتم أننا منذ اليوم الأول للثورة و حتى الآن كنا عرضة بشكل مستمر للحوادث و الوقائع التي فرضت علينا من قبل أعداء الثورة، و طبعا لا نريد القول: إن تقصيرنا نحن أي جميع الشعب و نواقصنا الطبيعية لم تكن مؤثرة، لقد كانت مؤثرة، و لكن رؤوس الخيوط المهمة في المجتمع المواجهة للخط الثوري و الإسلامي و الأصيل و الصحيح هي في يد العدو، و ليس هناك أي شك في ذلك، و منذ اليوم الأول لارتفاع هذه الأصوات، و السياسات التي اتخذت، و الشخصيات الكاذبة التي طرحوها، و جر مشاعر الناس إلى هذه الجهة أو تلك، كانت هناك يد العدو، و هذا العدو قد يتدخل بشكل مباشر أو يستخدم شخصا أو يشجع شخصا خائفا من تلقاء نفسه و يصفق له، هذا هو عمل العدو، و لهذا كان مجتمعنا عرضة لتغيير في

ص:198

الحوادث منذ أول الثورة حتى اليوم، و أقول لكم أن هذه التغييرات، و الانجذاب إلى هذا الاتجاه و ذلك، و ايجاد الدسائس و الزوايا المنحرفة و الشكوك عند الناس سوف تستمر.

أنتم لم تستسلموا للخط الليبرالي، و لم تستسلموا للخطوط التي حاولت زرع الأفكار المنحرفة في التربية و التعليم، و أنتم أيها الأخوة و الأخوات و أنا لا أخصكم بالقول، بل أخاطب شريحة المعلمين الإسلامية، قد جعلتم نهجكم نهج الإمام، و قد سرتم على مناهج واضحة و معالم محددة و الحمد للّه، فانتبهوا؛ إذ من الممكن أن تكون هناك خطوط منحرفة موجودة في هذا المجتمع، أو قد تحصل، فيجب الدقة، و أستطيع أن أذكر لكم معيارا للتربية الدقيقة، و هو مراعاة النهج الذي يقدمه الإمام إلى المجتمع، و على الإنسان عند ما يريد أن يتحرك على نهج الإمام أن لا يغفل عن آراء و كلمات الإمام، يجب تحليل رأي الإمام و الفكرة التي يبنيها الإمام كطريق للمجتمع. و الإمام يؤكد اليوم وجوب الخضوع للقانون، و يؤيد النظام الحكومي الحالي، لأن النظام الحكومي لم يتغير منذ أول الثورة حتى الآن، فقد ذهب بعض الأشخاص و لكن النظام هو النظام نفسه، و قد يطرد يوما بعض الأشخاص في هذا النظام، و علينا أن نفرق بين النظام و بين الأشخاص في هذا النظام، فالنظام و النظم و القانون محترمة دائما. و في هذه الجمهورية قد يطرد الإمام الكبير شخصا سياسيا رفيع المستوى من المجتمع بحيث لا يبقى له أثر، و يقوم بكشف هوية الإنسان الخبيث للناس بالشكل الذي لا يمكن لأي قناع أن يستر باطنه الخبيث، و الإمام منذ ذلك الوقت يؤكد المحافظة على النظام الحكومي و النظام الاداري و القانوني في هذه الدولة و هذه الثورة، و عليكم بالالتفات إلى هذه النكتة. فبعض الأشخاص و بعض الجماعات و الحركات لا تقبل بالنظم السائدة في المجتمع و قد كررت مرارا أن الثورة إذا لم تتجل في اطار

ص:199

نظام قانوني، فلا يمكنها الاستمرار. ما هي الثورة و ما هو الإسلام و ما هو القرآن؟ أنتم تعرفون أنه في زمان أمير المؤمنين (ع) كان هناك أشخاص حاربوا علي بن أبي طالب (ع) الذي هو مظهر القرآن، بالاستناد إلى القرآن. و هؤلاء فسروا القرآن بشكل سيّ ء. إن القرآن و الثورة و الإسلام، هذه المفاهيم يمكن العمل بها و ادراكها و يكون لها بقاء في المجتمع إذا تبلورت على شكل نظام قانوني فيفهم الجميع أن تجاوز هذا الحدّ و تجاوز ذلك الجانب منها هو خلاف القانون، فهو إذن خلاف الإسلام، و خلاف الثورة و خلاف القرآن و خلاف أهل البيت. و هكذا إذا لم يكن هناك هذا القانون، لم تكن هناك الثورة و لا الإسلام، فأنا أفسّر بشكل، و أنت تفسر بشكل، و الثالث يفسر بشكل آخر، و ترى أن كل شخص يقوم بأخذ قسم و يخلطه بشيء غريب، و ينتج شيء آخر، و لذا فإن التأكيد على القانون و على النظام القانوني هو أمر مهم جدا و عليكم أن تلتفتوا إلى أن النظام الإداري و القانوني هو غير الأفراد الذين يعملون في هذا النظام، فمن الممكن أن يوجد فرد سيء و أفراد سيئين في تشكيلات إدارية معينة، و لكن النظام الإداري متين وجيد، أن النظام الإداري السليم هو أمر حسن جدا. انتبهوا أنني أشاهد اليوم هذا الخطر و أشاهد أشخاصا يحاولون من خلال التمسك بأسماء مقدسة، اسم الإمام و الثورة و الإسلام و غيرها، و لا أريد أن أفصّل كثيرا، يحاولون بأسماء عامة خدش هيكل و جسم هذه الثورة، و الذي لا يمكن لروح الثورة أن تنمو إلاّ به، و هو أمر غير مقبول و لا يمكن تحمله. إن كل هذا النظام اليوم و كل هذه المؤسسات تنسب إلى الأمام. و عليكم أن تعرفوا هذا، و أنتم تعرفون طبعا. و قد قلت هذا مرارا في صلاة الجمعة في زمان المرحوم رجائي، عند ما كانوا يحاولون الطعن في شرعية الحكومة، قلت أن رئيس الوزراء يتصل بالإمام عن طريقين إن التشكيلات الحكومية تتصل بالإمام عن طريقين لأن الإمام ينفذ و يعين

ص:200

التشكيلات الحكومية، مرة تتصل بالإمام عن طريق الشعب، و مرة تتصل بالإمام عن طريق المجلس، مرة ينفذ الإمام انتخاب رئيس الجمهورية و تنبثق الحكومة عن هذا الطريق من ارادة الإمام و برأي الإمام، و مرة يوافق على مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة خاصة، و نفس مجلس الشورى الإسلامي متصل بالشعب و متصل بالإمام أيضا، و قد حاول البعض في تلك الأيام إظهار أن هذه الحكومة غير منبثقة من الشعب و من القانون، و لكنكم جميعا كنتم في مجرى الأحداث، و لم يمض وقت كثير، و كنت أؤكد على هذه المسألة مرارا و أقول الآن أيضا: إن التشكيلات الحكومية و النظام الحكومي، و ما يسمى اليوم بالحكومة لها شرعية شعبية و إسلامية و منبثقة من الإمام، و يجب عدم الطعن فيها، و عدم اسقاطها من تلك القدسية، و قلنا: من الممكن أن يوجد شخص أو شخصان من غير المناسبين و الذين ليسوا بدرجة الكفاءة اللازمة لهذه الثورة، و نحن نقول هذا لأن قابلياتنا الشخصيّة لا يمكن أن تكون بالدرجة التي تتطلبها هذه الثورة، لا يمكن في الوقت الراهن، و الجيل اللاحق يستطيع ذلك، الجيل اللاحق الذي تربّونه، يمكن أن يكون رئيس جمهورية و رئيس وزرائه و وزراؤه الأشخاص المسؤولين و مدراء الدوائر، كلهم عناصر كاملة، عناصر ناجحة تربّت في ظل الثورة، أما نحن اليوم فإن نصفنا تربّى في ظل ذلك النظام، أ ليس كذلك، كلنا من المستويات العالية إلى الواطئة و الشخصيات الحكومية و المسؤولين و أنتم، كلنا لدينا تركة من ذلك النظام، أما الشاب الذي يتربّى الآن في هذا النظام الخالص فسوف يكون شخصية خالصة في المستقبل.

و بناء على هذا فإن هناك نواقص حاليا و لا شك في ذلك، و لكن مجموع هذا النظام مع هؤلاء الأشخاص رغم هذه النواقص هو تشكيلة مقدسة و قانونية و شرعية، و أنا أركز بشكل خاص على التربية و التعليم، يجب عدم التهاون في التربية و التعليم. إن وزارة التربية و التعليم إذا

ص:201

وقع فيها أي عمل يضر بالنظام القانوني، فإنه تلاعب بمصير مئات الآلاف من الناس العاملين هنا، و ملايين الناس الذين يجب أن يتعلموا في هذا الجهاز، أي رجال المستقبل الذين يبنون هذه الدولة. إن التعرض للأسلوب القانوني في هذه الوزارة و إن كان بمقدار ذرّة، قد يؤدي إلى العجز، فانتبهوا إلى ذلك، نحن اليوم نحتاج إلى مؤسسة للتربية و التعليم تعمل باخلاص و محبة و تصميم على مراعاة المقررات القانونية مع المحافظة على الدرجات و المراحل القانونية التي يقدمها لنا القانون الحالي، لكي تستطيع السير في طريقها و تواصل عملها مع المشاكل الحالية الكثيرة. عليكم بالانتباه إلى ذلك. ندعوا اللّه أن لا ينجح بعض الأشخاص و التيارات بايجاد الفوضى داخل هذه المؤسسة التي تحتاج إلى نظام محكم، من خلال أشخاص قد يكون بعضهم مخلصين و صادقين، و قد ذكرت أن انحراف التيارات لا يكون دائما انحرافا متعمدا، فقد يقوم شخص بحركة غير صحيحة، فيصفق له العدو الملتفت لهذه الحركة مشجعا، و يركزها في الأذهان، فتصبح هذه الحركة مرتبطة بالأجنبي. عليكم المحافظة على النظام القانوني في التربية و التعليم اليوم و المحافظة على سلسلة المراتب و المحافظة على التعاون بين المسؤولين خاصة المسؤولين الكبار، فهو من الواجبات، و أنتم باعتباركم الاتحاد الإسلامي للمعلمين، أي الهيكل الأصيل في التربية و التعليم، عليكم بالتأكيد على هذا الموقف القانوني و اعطائه أهمية.

و من حسن الحظ فإن وزير التربية و التعليم اليوم هو أخ مؤمن و ثوري عريق، و عند ما جرى الكلام في المجلس عن توليه للوزارة و الكلام عن تأييد كتاب اعتباره، حاولت الفئات التي تعرفونها و التي فشل تيارها في هذا البلد بكل ما تستطيع توجيه ضربة لهذا الشخص الثوري، أقول ذلك و عندي معرفة به عن قرب، سواء في مجلس الدفاع

ص:202

حيث كان ممثل مجلس الشورى الإسلامي في مجلس الدفاع، أو في نفس المجلس، حاول أولئك المعارضون دائما و ذلك التيار الذي فضح و الحمد للّه بفضل إرادة إمام الأمة توجيه ضربة إليه، إنه شخص مؤمن و ثوري، و لم يكن وزيرا سابقا، مثلي أنا الذي لم أكن سابقا رئيس جمهورية، و مثل رئيس وزرائنا الذي لم يكن سابقا رئيس وزراء، هذا الإنسان، هذا العنصر هو على رأس هذا الجهاز، و أنا أثق و أحب أغلب هؤلاء المسؤولين في التربية و التعليم، هؤلاء الأعزاء أعرف بعضهم عن قرب و أعرف أن فيهم أشخاصا مخلصين و صادقين و هم كثيرون، و لكن ما يريده العدو في التربية و التعليم و في كل المؤسسات الأخرى، هو التشكيك بالشخصيات و الوجوه البارزة فيها، و ذلك بالتمسك بمستمسكات غير صحيحة، و العمل على إزالة الصميمية الموجودة في العمل، و أنا أوصي جميع الأخوة في التربية و التعليم أن يبدؤا عملهم إن شاء اللّه بمراعاة سلسلة المراتب القانونية، و احترام المسؤول الحكومي الكبير الذي يجب أن يدعم حتى يستطيع العمل، و لزوم اطفاء جميع التيارات التي يفرح بها العدو، و أريد أن أقول لكم أنتم الاتحاد الإسلامي للمعلمين، حيث أعرف هذا الاتحاد منذ أول الثورة، و قد سمعت مدحكم من الأخوة الأعزاء، الذين بعضهم زملاء لنا الآن و بعضهم كان من زملائنا مثل الشهيد بهشتي و الشهيد رجائي و الشهيد باهنر: إن إحدى المسؤوليات المهمة للاتحاد الإسلامي للمعلمين هي أن يؤكد باستمرار هذا النهج الذي أشرت إليه في التربية و التعليم. إن العدو قد انهزم أمامنا في الميادين العلنية، انهزم أمام القوى الثورية لهذا الشعب في ميدان السياسة و ميدان الاقتصاد و ميدان الحرب، و لو ادعينا في السنة الماضية أننا منتصرون و قد كنا منتصرين في الحقيقة إلا أن هذا النصر لم يكن ليدركه الجميع، و اليوم يرى العالم هذا النصر بعيون غير مصدقة، قلت أنهم أصروا أن يكون اجتماع دول عدم الانحياز في

ص:203

بغداد، و قد بذلوا جهودا سياسية كثيرة حول هذه المسألة حتى اطمأن المسؤولون على أن الجهود السياسية لإيران لا فائدة فيها، و لكن رأيتم و رأى كل العالم أن الجهد السياسي للشعب الثوري لا يذهب هباء أبدا و أخيرا ثبت لشعوب العالم أن بغداد ليست محلا لعقد مؤتمر قمة عدم الانحياز، و تؤكد بغداد اليوم على أن يكون مؤتمر وزراء الدول غير المنحازة هناك و نحن نقول الآن أن هذا المؤتمر لا يمكن أن يعقد هناك و يجب أن لا يعقد، لنفس السبب الذي لم يمكن معه عقد مؤتمر القمة في بغداد، كذلك لا يمكن عقد مؤتمر وزراء الخارجية هناك، و يجب البحث عن طريق آخر. إن الدولة التي يحكمها نظام لا يؤمن بأبسط القواعد الإنسانية، و يتجرأ في الإعلام و في مواجهة جماهير الشعب، و يرائي في المواجهة مع المعارضين له في العالم، و لا يراعي ذرة من أدب الحكم في ما يتعلق بالجيران، و لا يلحظ حقوق الدول المجاورة و حقوق الإنسان، لا تليق أبدا تستضيف الدول غير المنحازة، و لا حتى أن يكون عضوا في منظمة عدم الانحياز، و هذا نصر سياسي للجمهورية الإسلامية، و قد شاهدتم الانتصارات العسكرية أيضا، و النصر الاقتصادي أمام الحصار الاقتصادي للأعداء و القوى الكبرى و غيرها هو نصر أكبر من كل الانتصارات و الحمد للّه، نأمل أن ننتصر انتصارا أخلاقيا و معنويا حيث يئس العدو في تلك الميادين، و لكن قد يستطيع لا قدّر اللّه أن يؤذي في هذا الميدان، و علينا أن نكون يقظين و لا نسمح للعدو بأن ينجح في هذا الميدان. نأمل إن شاء اللّه أن توفقوا أيها الإخوة و الأخوات المعلمون خاصة أعضاء الاتحاد الإسلامي للمعلمين، و أن تتمكنوا من القيام بوظائفكم المهمة، و أن تتمكنوا من تعليم جميع المعلمين و جميع المسؤولين في التربية و التعليم. الدور الرفيع للمعلم بشكل صحيح، و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

ص:204

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.