آثار و بركات الصّلوات أحاديث و قصص في آثار و بركات الصّلاة على النّبىّ و آله الطّاهرين

اشارة

آثار و بركات الصّلوات أحاديث و قصص في آثار و بركات الصّلاة على النّبىّ و آله الطّاهرين

الشّيخ علي الإبراهيمي

مؤسّسة البلاغ - بیروت - لبنان

ص :1

اشارة

ص :2

آثار و بركات الصّلوات أحاديث و قصص في آثار و بركات الصّلاة على النّبىّ و آله الطّاهرين

الشّيخ علي الإبراهيمي

مؤسّسة البلاغ

ص:3

ص:4

الإهداء..

إلى رسول اللّه محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خير خلق اللّه..

و إلى أهل بيته الأطهار المعصومين الأبرار الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا..

أهدي كتابي هذا راجيا من اللّه سبحانه و تعالى القبول و النفع ل يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء: 88).

كما و أسأل اللّه جل و علا أن يعود بالثواب و المغفرة لوالديّ و لجميع المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات إنك مجيب الدعوات و غافر الخطيئات، إنك على كل شيء قدير.

اللهم كن لوليّك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين. و صلى اللّه على سيدنا و نبينا محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين..

المؤلف

ص:5

ص:6

الصلوات الشعبانية

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد شجرة النبوّة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و معدن العلم و أهل بيت الوحي.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد الفلك الجارية في اللّجج الغامرة يأمن من ركبها و يغرق من تركها المتقدّم لهم مارق و المتأخّر عنهم زاهق و اللاّزم لهم لاحق.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد الكهف الحصين و غياث المضطرّ المستكين و ملجأ الهاربين و عصمة المعتصمين.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد صلاة كثيرة تكون لهم رضا و لحقّ محمّد و آل محمّد أداء و قضاء بحول منك و قوّة يا ربّ العالمين.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد الطيّبين الأبرار الأخيار الذين أوجبت حقوقهم و فرضت طاعتهم و ولايتهم.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اعمر قلبي بطاعتك و لا تخزني بمعصيتك و ارزقني مواساة من قتّرت عليه من رزقك بما وسّعت عليّ من فضلك و نشرت عليّ من عدلك و أحييتني تحت ظلّك(1).

ص:7


1- الصلوات الشعبانية: مفاتيح الجنان.

ص:8

المقدمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على جميع الأنبياء و المرسلين و عباد اللّه الصالحين، و صلّى اللّه على سيّد الخلق أجمعين الصادق الأمين محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين لا سيّما بقية اللّه في الأرضين الحجّة بن الحسن العسكري عليهم السّلام.

الصلاة على محمد و آل محمد من أفضل الأذكار التي وضعت بين يدي الخلق لأجل الوصول إلى الكمال و الأهداف السامية، فإنه الدواء الناجع لكلّ داء، هذا ما سيتضح للقارئ العزيز من خلال قراءته لهذا الكتاب. جمعت فيه أكثر الروايات و الأحاديث الواردة في فضل و منزلة النبي و أهل بيته الطاهرين عليهم السّلام و ثواب الصلاة عليهم.

و ما يقارب أكثر من خمسين قصّة واقعية لأشخاص لمسوا آثار و بركات هذا الذكر العظيم، أسأل اللّه عز و جل أن يكون نافعا و هاديا إلى التمسّك بالحقّ و الصواب و إلى الإيمان باللّه و رسوله و أهل بيته الأطهار عليهم السّلام، لأجل الوصول إلى الحوائج و إزالة العقبات و المصائب، و صلى اللّه على سيدنا و نبينا محمد

ص:9

و على أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.

قال تعالى:

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1).

علي الإبراهيمي 2006/9/9 م 15 شعبان 1427 ه دمشق. بجوار السيدة زينب الكبرى (عليها و على آبائها أفضل الصلاة و السلام)

ص:10


1- سورة المائدة: 55/5.

في معنى الصلاة و التسليم

اشارة

قال كثير من أهل اللغة: الصلاة هي الدعاء و التبريك و التمجيد، يقال صليت عليه أي دعوت له و زكيت، قال عليه السّلام: «إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب، و إن كان صائما فليصلّ» أي فليدع لأهل الطعام.

و حقيقة الصلاة أو الدعاء ما كان مقرونا بالعمل، فلا يصح للذي يطلب رفع شأن و منزلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أعماله تخالف ما جاء به من عند اللّه عز و جل من أوامر و نواه، فالمصلّي الحقيقي هو الذي يقتدي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بأهل بيته المعصومين بقدر ما يتمكن.

قال اللّه تعالى: فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَ أَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1).

و قال عز و جل: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً (2).

فيجب أن يوافق اللسان جميع أعضاء البدن لينطبق عليه الحديث الشريف «المصلّي يناجي ربه»، و إذا كان العمل لا يوافق اللسان فسوف يكون ممقوتا عند اللّه سبحانه و تعالى.

ص:11


1- سورة التغابن: 16/64.
2- سورة الأحزاب: 21/33.

قال عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (1).

و معنى الصلاة عليه من اللّه عز و جل هو الانعطاف عليه بالرحمة المطلقة، و صلاة الملائكة انعطاف عليه بالتزكية و الاستغفار، و الصلاة من المؤمنين الدعاء له بالرحمة(2).

و قيل: إنّ معنى صلاة اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو دوام تسديده بعصمة فائقة، و إتمام لنوره، و هي تكفيه لما فيها من مقامات الخير السامية و اللامتناهية، فلا يحتاج بعد هذا إلى صلاة الملائكة و إلى صلواتنا، فالملائكة تصلّي لترفع من مقامها، و نحن نصلّي غفرانا لذنوبنا و استجابة لدعوتنا بشفاعة النبي المختار(3).

سأل أبو المغيرة أبا الحسن عليه السّلام: ما معنى صلاة اللّه و ملائكته و صلاة المؤمنين؟ قال عليه السّلام: «صلاة اللّه رحمة من اللّه، و صلاة ملائكته تزكية منهم له، و صلاة المؤمنين دعاء منهم له»(4) أي للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و صلاة المؤمنين يشتق منها معنى آخر.. و هو الثناء؛ و تجديد العهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لقول الإمام الصادق عليه السّلام في بيانه للآية الشريفة: صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (5) أثنوا عليه و سلّموا له1، و لقوله عليه السّلام أيضا: «من

ص:12


1- سورة الصف: 3/61.
2- تفسير الفرقان: سورة الأحزاب 56/33.
3- المصدر السابق.
4- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: الشيخ الصدوق 156.
5- سورة الأحزاب: 56/33.

صلّى على النبيّ فمعناه: إنّي على الميثاق و الوفاء الذي قبلت حين قوله:

أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (1).(2)

و في بيانه للآية الشريفة: صَلُّوا عَلَيْهِ قال الشيخ عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره: صلوات اللّه عليه تزكية له و ثناء عليه، و صلاة الملائكة مدحهم له، و صلاة الناس دعاؤهم له و التصديق و الإقرار بفضله(3).

عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام من خطبة له قال:

«.. بالشهادتين تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيّكم و آله إن اللّه و ملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما» (4)(اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد).

و قال النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ أنجاكم يوم القيامة من أهوالها و مواطنها أكثركم عليّ في دار الدنيا صلاة، إنه قد كان في اللّه و ملائكته كفاية و لكن خصّ المؤمنين بذلك ليثيبهم عليه».

و الواجب من الصلاة عليه هو في تشهّد الصلاة، و يليه على أشراف الواجب كلّما ذكر و سائر الصلاة عليه سنّة مؤكدة.

و أما معنى التسليم في قوله عزّ و جل: وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الآية المباركة لم تقل سلّموا عليه و لا سلّموا له، كلاهما مهمّان و الثاني أهمّ، السلام عليه واجب و التسليم لأمره قولا و عملا أوجب، الآية الشريفة تشمل كلا المعنيين،

ص:13


1- سورة الأعراف: 172/7.
2- معاني الأخبار: الصدوق.
3- تفسير القمي: 196/2.
4- نور الثقلين: 320/47، ح 224.

و لم تقتصر على معنى دون الآخر، فلو كان كذلك لقالت الآية (صلّوا و سلّموا عليه تسليما) أو لقالت: (صلّوا و سلّموا له تسليما) و لكنّها أطلقت فشملت المعنيين(1).

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لهذه الآية ظاهر و باطن، فالظاهر قوله: صَلُّوا عَلَيْهِ ، و الباطن قوله: وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً أي: سلّموا لمن وصّاه و استخلفه، و فضّله عليكم، و ما عهد به إليه تسليما. قال: و هذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلاّ من لطف حسّه، و صفا ذهنه، و صحّ تمييزه.

و عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: و أما قوله عز و جل: وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه. و هذا ما أكّده الشيخ القمّي في تفسيره، حيث قال: و قوله وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً يعني: سلّموا له بالولاية و بما جاء به.

هناك روايات كثيرة و مستفيضة وردت بهذه المضامين تؤكّد و تحثّ بما لا يمكن أن تسعه طامحات العقول في بيان هذا السرّ المجهول الذي أكّدت عليه الروايات المتضافرة و بيّنت الأخبار أمره هنا و هناك، فمن أجل أن نتعرف على حقيقة سرّ الصلاة، و من أجل أن نصل إلى عمق المراد، فلابدّ من كشف النّقاب عن هذه الحقيقة بما يسع من بيانات، و إن لم يتعرض كما إخال و أعتقد من ذي قبل إلى هذا السرّ الملكوتي بشكله الوسيع الذي لا بدّ أن يكشف حتّى يتعرف الناس على هذه الحقيقة(2).

فطالما نباشر الصلوات في صباحنا و مسائنا و في أدعيتنا و زياراتنا، حتّى أنه

ص:14


1- تفسير الفرقان: سورة الأحزاب، 56/33.
2- أخذ هذا الموضوع من كتاب (دروس من أسرار الصلاة على النبي و آله الطاهرين) للشيخ عبد الكريم العقيلي.

اتفق جميع المسلمين على وجوب الصلاة في التّشهد في الصلوات المفترضات، و كذلك أوجبوها في مقامات أخرى، كلّ ذلك إنّما يشير إلى أمر هامّ نباشره في سائر الليالي و الأيام، فما من دعاء أو زيارة إلاّ و يسبق بذكر النبي و آله بالصلاة المخصوصة.

فما المراد هنا من الصلاة على النبيّ؟

و ما المراد من الصلاة على آل النبيّ؟

هل المراد بها الدعاء؟

و هل المراد بها التزكية؟

أو المراد بها الرحمة؟

كل ذلك معان مطروحة في الأخبار، و لكننا إذا تأملنا لا يمكن حمل هذه المعاني الظاهرة على المراد إطلاقا.

إنّ هناك أبحاثا هامة في أنّ للصلاة كيفية عرضها المفسرون، و قد أفردت رسائل في هذا المضمار، و هناك رسالة صدرت في مكّة حول الصلاة، و قد أفرد هذا الباحث فيما يتعلق بالصلوات بحثا مستقلا في كتب المسانيد و الصحاح و التي يتعرّض لها في صحيح مسلم(1) و صحيح البخاري(2) و ابن ماجة(3) و غيرهم ممّن صرح بكيفية الصلاة في هذه الآية، فقد رووا أنّه لمّا أمر اللّه سبحانه المؤمنين بأن يصلوا على النبيّ قالوا: عرفنا التسليم عليك، أمّا الصلاة، كيف نصلّي عليك يا رسول اللّه؟

ص:15


1- صحيح مسلم: 125/4 /بشرح النووي.
2- صحيح البخاري: 120/6.
3- سنن ابن ماجة: 292/1-903/293-906.

يقول الرازي و جملة من المفسرين: لمّا عرضوا هذا التساؤل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأجابهم أن يقولوا: «اللهمّ صلّ على محمد و على آل محمد، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد، كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد»(1).

إذا كلّ الروايات متفقة على هذه الكيفية، و إن كان هناك تخلّف في مجال التطبيق حتى إنك تجد العنوان في صحيح البخاري في الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بدون الصلاة على الآل، ثمّ ينقل روايات وجوب الصلاة على النبي و آله و هكذا في بقية المسانيد؟!

و في ذلك من الردّ على اللّه تعالى و العناد لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما لا يخفى على ذي لبّ.

معنى الصلاة على النبيّ و آله و أسرارها

اشارة

هنا بحث في معنى الصلاة و في سرّ هذه الجوهرة الربانية.

ما معنى أن نصلي على النبيّ و آله؟

الروايات تؤكد بأنّ الصلاة من اللّه عبارة عن الرحمة.

و أنّ الصلاة من الملائكة هي التزكية.

و أنّ الصلاة من المؤمنين هي الدعاء.

أولا: الصلاة من قبل اللّه تعالى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

إذا كانت الصلاة من قبل اللّه على النبيّ و آله بمعنى الرحمة، فما معنى ذلك؟

ص:16


1- تفسير الرازي: 196/25.

يعني يا ربّ ترحّم على النبيّ و آله، هذا المعنى هل يمكن قبوله وفق القواعد القرآنية و القواعد الروائية و ما يتعلق بمقامات النبيّ العالية؟

الجواب: لا يمكن قبوله؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو معدن الرحمة و أصلها و مبدؤها و شروعها و منتهاها، كما نصّ القرآن الكريم في هذه الآية المحكمة الواضحة وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (1).

يعني كل العوالم سواء أكانت عوالم إنس، أو عوالم جنّ، أم من في السماوات، أم من في الأرض، أم ما فوق ذلك أم ما دونه، كلّ هذه العوالم إنما هي فرع وجودك، و هي تأخذ الرحمة منك لأنّك الرحمة المطلقة، أنت منشأ الرحمة للعالم، و العالم هو الذي يفتقر إلى رحمتك لا أنّك تفتقر إلى رحمة العالمين.

و لكن الرحمة يقصد بها معنى آخر كما يقول الإمام الكاظم عليه السّلام «صلاة اللّه رحمة من اللّه»(2) ، لا هذا المعنى الذي يسبق إليه الذهن، و إنّما إشارة إلى أهمّ الأسرار التي طرحها بعض الأكابر و الأبرار، و لم يكن يعرف هذا المعنى من قبل.

يقول: الرحمة من اللّه بهذا المعنى أنّ الصلاة الإلهية على الحضرة النبوية إشارة إلى طلب إبراز الوجود الكلّي المطلق و رتبه و مراتبه و حقيقته و تنزّلاته من عوالم الفوق إلى عوالم الدون.

يعني يا ربّ أبرز لنا تلك الحقائق التي تحلّى بها محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في العوالم كلّها.

ص:17


1- الأنبياء: 107/21.
2- ثواب الأعمال: 187، عنه بحار الأنوار: 38/58/94.

إذا هنا الرحمة يراد بها إبراز اللّه لتلك المراتب التي وصل إليها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كشفه عزّ و جل - عنها، كما عبّر القرآن عنه: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (1).

و يؤيّد ذلك أيضا ما ورد عن سيّد الساجدين عليّ بن الحسين عليهما السّلام في الصحيفة السجادية: «اللهم و ابسط لسانه في الشفاعة لأمّته، و أر أهل الموقف من النبيّين و أتباعهم تمكّن منزلته، و أوهل(2) أبصار أهل المعروف العلى بشعاع نور درجته، وقفه في المقام المحمود الذي وعدته... اللهمّ أحضره ذكرنا عند طلبته إليك في أمّته، و أخطرنا بباله لندخل في عدّة من ترحمه بشفاعته، و أره من أشرف صلواتنا و سبحات نورها المتلألئة بين يديه، ما تعرّفه به أسماءنا عند كل درجة ترقى به إليها و يكون وسيلة لديه، و خاصة به، و قربة منه، و يشكرنا على حسب ما مننت به علينا من الصلاة عليه»(3).

إذا المراد من الرحمة المنصبة في معنى الصلاة على النبيّ هو كشف المراتب و المنازل و المقامات، فكأنّ المصلّي يطلب من اللّه هذا المعنى؛ يعني يا ربّ اكشف لنا و بيّن لنا تلكم المراتب التي تجاوزها و عبرها النبيّ و آله حتّى بلغ مقام قاب قوسين أو أدنى، و هذه هي الحقيقة التي طالب بها الحق و قال: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ

ص:18


1- النجم: 8/53-18.
2- أوهل: أفزع و حيّر.
3- الصحيفة السجادية الجامعة: 37.

يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ .

إذا المراد من الصلاة في هذه الآية التي تخص الحق هو كشف المراتب و بيان الحقائق التي تجوهر بها ذات النبيّ باعتباره أول صادر و أول نور و أول عقل و أول موجود، كما في الروايات الكثيرة المتواترة التي تصب لنا هذا المعنى.

ثانيا: صلاة الملائكة على النبيّ:

يراد بها في الروايات التزكية(1).

فإذا أخذنا المعنى الظاهري تنقلب كلّ الحقائق، فهل الملائكة تزكّي النبيّ و آله؟

هذا المعنى لا يمكن قبوله بهذه العجالة بهذا المعنى الظاهريّ القشريّ، و إنما يراد بالتزكية التنزيه.

فعندما نقول زكّى فلان نفسه، أي خلّصها من الشوائب و هذّبها من الزوائد.

هنا التزكية بمعنى: التنزيه و التقديس للمراتب الحقّة لمحمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

إذا التزكية بالنسبة لصلاة الملائكة عبارة عن تنزيه هذه الحقائق التي تجوهرت بالنبيّ و آل النبيّ عن أن يمسّها أحد من الخلائق.

يعني كأنّ الملائكة تقول تنزّهتم يا آل رسول اللّه و وصلتم إلى مقامات ندعو اللّه تعالى أن يكشف لنا تلك الحقائق لتكون السجدة لآدم، سجدة لسيد خلق اللّه النبيّ الخاتم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

من هنا يشار إلى هذه الحقيقة في تزكية الملائكة، أي يا أهل بيت النبوة إنكم

ص:19


1- راجع ثواب الأعمال: 187.

فوق الحدّ و فوق ما نتصور، تنزّهتم عن مجانسة مخلوق من المخلوقات فيما فيهم من الصفات، و إنّكم وصلتم إلى درجة أعلى حدّ من المخلوقين لا يرقى إليكم راق، و لا يفوقكم فائق، و لا يسبقكم سابق، و لا يطمع في إدراككم طامع، و لا يبلغ مبلغكم بالغ، فأنتم فوق كل هذه المقامات المدوّنة «آتاكم اللّه ما لم يؤت أحدا من العالمين»(1).

فقد آتاهم اللّه تعالى مراتب فوق تلك المراتب التي هي مسجّلة للخلق أجمعين؛ لأنّه بإجماع المسلمين و بإجماع العقلاء أن النبيّ أفضل الخلق بمن فيهم أولي العزم على الإطلاق، فليس أحد ممن عرف الشهادتين و توجه إلى القبلة، و أدى ما عليه من الفرائض إلاّ و يشهد بأفضلية المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع الخلق و الورى، و هذا إجماع لا يشك فيه أحد، فإذا تمّ هذا المقام و هو تام بالنسبة إلى النبيّ صلوات اللّه تعالى عليه و آله، فهو بتمامه منطبق بالنسبة إلى الوليّ (عليّ بن أبي طالب عليه السّلام)، لأنّه نفسه بنص القرآن الكريم وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (2).

إذا ثبت المراد بالتزكية فيما يخصّ الملائكة عبارة عن تنزيه هذه الحقائق عن أن تمسّ و عن أن يبلغ أحد مبلغها، أو يتصف بصفاتها، أو يتجوهر بجواهرها، أو يتلون بصبغتها، فهي حينئذ الحقيقة المطلقة المقصودة من صلاة اللّه تعالى و صلاة ملائكته.

ثالثا: الصلاة المخصوصة بالمؤمنين:

عندما تقول: اللهمّ صلّ على محمد و على آل محمد، فما المقصود بهذا الذكر؟

ص:20


1- من لا يحضره الفقيه: 374/2، فرائد السمطين: 184/2.
2- آل عمران: 61/3.

هل تريد رفع مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

إنّ هذا أدنى تصوّر و أدنى مرتبة من الفهم، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما الذي ينقصه حتى تزيده صلواتي و صلواتك مرتبة عليا، أليس هو صاحب الشفاعة الكبرى؟

أليس هو صاحب المرتبة العظمى؟

أليس هو الذي وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى؟

فهل أوصلته صلواتنا إلى تلك المرتبة العليا؟

الإجابة: طبعا لا.

إذا ما المقصود عندما أصلّي في صباحي و مسائي في ليلي و نهاري؟

المراد من هذا: إننا نطلب من الحقّ تبارك و تعالى أن يخلي نفوسنا من كلّ ما يتعلق بها من شوائب و زوائد و ملوثات حتّى نلتحق بالحقيقة المحمّدية و نلتصق بالسرّ المحمّدي و نندك فيه و نصبح متلونين بصبغة محمد و آل محمد.

و قد أشار الكبار من الأولياء و العرفاء إلى أنّ حقيقة صلواتنا هي عبارة عن تخليتنا عن عوالمنا و الالتصاق بعوالمهم، بمعنى: يا ربّي أريد منك أن أصلي على النبيّ و آله لأكون معه، و لألتصق بتلكم الصفات حتى أخرج من دار الظلمات، فإنّ الخروج من الظلمات إنما يكون ببركة ذكر الصلوات على محمد و على آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).

ص:21


1- و لمزيد الفائدة في بيان هذا الذكر الملكوتي و السرّ الربوبيّ و لئلا أكون ضنينا بكشفه لأهل الولاية من المحبّين و الغارقين في بحر العشق و الهيمان، أنقل هذه الكلمة لأحد الأكابر رضوان اللّه عليه قال: الصلاة إمّا من الوصل أي بلّغهم مقام نحن هو و هو نحن كما في الحديث عن الصادق عليه السّلام، قال: «لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو إلاّ أنّه هو هو و نحن نحن»، و قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يقارب هذا المضمون أيضا. -

قال أبو الحسن العسكري عليه السّلام: «إنما اتخذ اللّه إبراهيم خليلا لكثرة صلاته على محمد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم»(1).

فهذا الذكر هو الذي كان الواسطة في الخلّة و اتخاذ النبيّ إبراهيم عليه السّلام خليلا؛ لأنّه كان يكثر من ذكر النبيّ و آله، و كذلك لما انكشفت له هذه الحقائق و رأى ملكوت السماوات و كان من الموقنين، إنما كان ببركة المصطفى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

يقول المحدث النوري: حدّثني مشافهة الشيخ أحمد الشيخ زين الدين، قال:

رأيت في المنام الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السّلام فشكوت إليه عدم الاعتداد من حمل الزاد ليوم المعاد، و عدم التوفيق للتوبة الخالصة و الأعمال الصالحة، فأجابني الإمام سيّد الساجدين عليه السّلام بأن الذي عليك أن تكثر من الصلاة على محمد و آله، و نحن نعمل بذلك، و نجعله لك عوض صلواتك على محمد و آله صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين إلى يوم الدين(2).

إذا هذا هو السرّ و الكنز المكنون فيما يتعلق في هذه الصلوات.

إنّ الإنسان يصبح و يقرأ الأدعية، سابقا كل لفظ بالصلوات و ذكر النبيّ و آله، و هكذا في الزيارات، و هكذا في مجموعة طويلة، و ما نجده في أيّ دعاء سواء في كتب العامة أو كتب الخاصة، إلاّ و تجد هذا السرّ مذكورا في أول الدعاء و مختوما

ص:22


1- علل الشرائع: 1/34، عنه بحار الأنوار: 23/54/94.
2- دار السلام: 12/2.

به الدعاء، و حينما نطالع ذلك لا بدّ أن نتعرف على هذه الحقيقة، و هذه الجوهرة الفريدة، و هي أنّنا إذا صلّينا على النبيّ و آله ليس بمعنى أننا نطلب الرحمة من اللّه للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّه هو الرحمة النازلة على الخلق، و ليس معناه أننا نطلب من اللّه أن يرفع مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا ينقصه شيء حتى تزيده صلواتنا شيئا، و إنّما هي طلبة من الحق في رفع مقامنا لأن نرقى إلى مقامهم و نتعرف على أسرارهم.

إنّ حقيقة الصلوات كلمة واحدة و هي عبارة عن طلب التلّون و التّصبغ بصبغة المصطفى، و الاصطفاء بما اصطفاه اللّه عز و جل من صفات و من مقامات حتى نخرج من دائرة الظلمات إلى دائرة النور المحمّدي المطلق. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (1).

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ بمعنى يكشف لكم المقامات لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، و هذا معنى إرادة السرّ في الصلوات، هو معرفة النبيّ في المقامات العليا، في مقامات قاب قوسين أو أدنى، إنّ هناك آيات فيها أسرار.

و كما نتدبّر و نحن المأمورون بالتدبّر في القرآن الكريم، و كما نتدبّر هذه الآية أو تلك علينا أن نتدبّر هذه الآية من سورة النجم فكما نتدبّر في آيات الأحكام، و في آيات الأخلاق، و في آيات الفروع، و في المعاشرة، و في الحكمة، نحن مأمورون بالتأمل و التدبّر في آيات هذه السورة التي فيها بيان مقامات المصطفى الذي أراه الآية الكبرى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (2) و لقد أراه من الآيات

ص:23


1- الأحزاب: 43/33.
2- النجم: 18/53.

الكبرى الجامعة لصور عوالم الملك و الملكوت.

ما المراد بهذه الآية الكبرى؟

هل هي الملائكة أو المخلوقات؟

و هل للّه تعالى آية أكبر من عليّ و آل عليّ؟

كلّ هذه مظاهر، و حقيقة هذه المظاهر تلكم المخابر التي هي الآيات العظمى و الكبرى، محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين.

إذن المقصود من الآية الكبرى إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ أنّ كلّ ما في الوجود من بارئ و مبروء و خالق و مخلوق، كلّه يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اللّه بعظمته يأمر الخلق أجمعين بالصلاة على النبيّ و آله ابتداء من الحقّ، صاحب الأزل اللّه جل و علا، و انتهاء بأضعف المخلوقات، و الخطاب إنما هو لكل المخلوقات و كل ما في الوجود، بأن يصلّي كل حسب مقامه، كل حسب مرتبته و فهمه، هذا هو ما نستفيده من حقيقة الصلوات.

إذا عندما نصلّي على النبيّ و آله، فلسنا في مقام طلب الرحمة و الشفاعة للنبيّ و آله، فهم أصحاب الشفاعة الكبرى، و هم أصحاب الرحمة المطلقة، هم معدن الرحمة، هم مبدؤها، فكيف نطلب لهم الرحمة إذا كانوا هم أربابها، و إنّما نكون كناقل التمر إلى هجر، و كمن يطلب الحلم للّه و هو الحليم، تماما كما يتعامل مع اللّه تعالى في صفاته يتعامل مع الأولياء في صفاتهم.

استشفع رجل «بالإمام الجواد عليه السّلام» فقال: يا بن رسول اللّه، إنّ أبي مات و كان له مال، ففاجأه الموت، و لست أقف على ماله، ولي عيال كثير، و أنا من مواليكم، فأغثني.

ص:24

فقال له أبو جعفر عليه السّلام: «إذا صلّيت العشاء الآخرة، فصلّ على محمد و آل محمد، فإنّ أباك يأتيك في النوم، و يخبرك بأمر المال»

ففعل الرجل ذلك، فرأى أباه في النوم فقال: يا بني مالي في موضع كذا، فخذه و اذهب به إلى ابن رسول اللّه فأخبره أني دللتك على المال.

فذهب الرجل، فأخذ المال و أخبر الإمام بخبر المال، و قال: «الحمد للّه الذي أكرمك و اصطفاك»(1).

هذه الصلوات التي نذكرها في مجالسنا يتباهى بها الملائكة، و هذا من أهمّ أسرارها.

ص:25


1- الخرائج و الجرائح: 5/665/2، عنه بحار الأنوار: 8/42/50.

ص:26

أهمية الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

يمكن أن تتبيّن لنا أهمية الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من خلال الآية الكريمة التي تقول: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1).

فهذه الآية التي هي في مقام إصدار الأمر، ابتدأت - على غير العادة - ببيان: أنّ اللّه تبارك و تعالى يقوم بهذا العمل و ملائكته كذلك ثم طلبت من المؤمنين القيام به، حيث قالت: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ .

و عادة القرآن الكريم في مقام التشريع يوجه الأمر مباشرة إلى المؤمنين، و من دون هكذا مقدمات، و من النادر رؤية مثل هذه المقدمة لديه، ففي مقام تشريع الصيام - مثلا - نراه يبدأ مباشرة قائلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ (2) ، و في مقام الحض على الصلاة و الاستفادة منها يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ (3) ، و حين يريد أن يأمر

ص:27


1- الأحزاب: 56.
2- البقرة: 183.
3- البقرة: 153.

بالتقوى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ.. (1) ، و هكذا.

أمّا أن يذكر اللّه سبحانه - قبل توجيه الأمر و طلب عمل معين أنّه يقوم به هو - بنفسه و بذاته المقدسة - فإنّ هذا شيء غير مألوف.

نعم حينما نتصفح سورة آل عمران و بالتحديد الآية الثامنة عشرة: نجد مثل هذا الأسلوب، حيث أنّه سبحانه في مقام الحديث عن وحدانيته يقول: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ.. (2).

فإنّه تبارك و تعالى في هذه الآية الكريمة شهد لنفسه أولا بالوحدانية، ثم شهدت له ملائكته، ثم أولو العلم، و كذلك في الآية التي نحن بصددها، اللّه سبحانه يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم الملائكة، ثم يطلب من المؤمنين أن يفعلوا ذلك.

و من جانب آخر يمكن لنا أن نستدل على أهمية هذه القضية من خلال قوله تعالى في الآية نفسها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ، فما هو المقصود من قوله: سَلِّمُوا تَسْلِيماً ؟.

قد يتبادر إلى الأذهان أنّ المقصود من التسليم إلقاء السلام بمعنى قول:

السلام عليك يا رسول اللّه، و هو قول موجود لدى المفسرين، و يتبناه بعضهم، إلاّ أنّنا حينما نرجع و نطالع روايات أهل البيت عليهم السّلام في هذا المجال نلاحظ أنهم يطرحون معنى آخر مخالفا تماما للمعنى المشار إليه.

فقد روي أنّ الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن هذه الآية فقال:

ص:28


1- البقرة: 278.
2- آل عمران: 18.

«الصلاة عليه، و التسليم في كل شيء جاء به»(1) ، و في رواية أخرى: «.. و أمّا قوله عز و جل: يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، فإنّه يعني التسليم له فيما ورد عنه»(2).

فالتسليم إذن معناه الانقياد، قال تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (3) ، و قال عز من قائل: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (4).

إذن يجب على المسلم أن ينقاد لأوامر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أن يسلم له بكل ما جاء به من عند اللّه سبحانه، و من جملة تلك الأمور الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ذلك أنّ البعض ما كان يروق له أن يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد ذكروا أنّ عبد اللّه بن الزبير خطب أربعين خطبة لا يصلي فيها على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، معتذرا عن ذلك بقوله: «لا يمنعني أن أصلي عليه إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها»(5).

بل البعض كان يتضجر من مجرد سماع اسمه الشريف يذكر يوميا خمس مرات في الأذان مقرونا باسم اللّه تعالى حتى قال:

«.. و إنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أنّ محمدا

ص:29


1- البرهان: مج 6 ص 305.
2- البرهان: مج 6 ص 306.
3- الحشر: 7.
4- النساء: 65.
5- كتاب بركات و آثار الصلاة: ص 149 (بتصرف)، عن مروج الذهب، و عبد اللّه بن الزبير هذا من المعروفين بالعداء لأهل البيت عليهم السّلام، و هو القائل لعبد اللّه بن عباس خلال حديث دار بينهما: «إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة» مروج الذهب للمسعودي: ج 3 ص 89.

رسول اللّه... لا و اللّه إلاّ دفنا دفنا»(1).

فإذن المطلوب من المسلم أن يسلم لرسول اللّه بكل ما جاء به، و مما جاء به الأمر بالصلاة عليه، و مما جاء به أيضا قضية الولاية، إذ هي المصداق الأبرز الذي يحتاج إلى التسليم و القبول، و من هنا فقد ورد عن الصادق عليه السّلام في تأويل هذه الآية: «و سلموا الولاية لعلي تسليما»(2) ، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «لهذه الآية ظاهر و باطن، فالظاهر قوله: صلّوا عليه، و الباطن قوله: و سلموا تسليما، أي:

سلموا لمن وصاه، و استخلفه، و فضّله عليكم، و ما عهد به إليه تسليما..»(3).

و من هنا تظهر لنا أهمية هذه القضية (و هي الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فإنّ اللّه سبحانه لعلمه بالأحقاد التي تكتنف الصدور، و أنّ هذه القضية لا تنسجم مع أمزجة البعض، أكّد عليها و أظهر أهميتها بشكل منقطع النظير، أولا: من خلال بيان أنّ هذا الفعل - و هو الصلاة - يقوم به تبارك و تعالى بنفسه و ذاته المقدسة، و ثانيا: من خلال طلب التسليم، و عدم المناقشة أو الصلاة عليهم، و إنّما غاية ما أريد قوله:

إنّ منزلة النبي في القرآن هي منزلة الصلاة، و منزلة الأنبياء هي منزلة السلام.

و العجيب من علماء الطرف الآخر أنّهم في الوقت الذي أضافوا فيه السلام - غير المأمور به في هذه الآية - إلى الصلاة، فإنّهم حذفوا الآل، فكأنّ إضافتهم للسلام كان تمويها منهم على حذف الآل.

ص:30


1- شرح نهج البلاغة: ج 5 ص 130، و هذا المشار إليه نفسه صنع كما صنع ابن الزبير حيث أنّه لما استقر ملكه في الشام مكث أربعين جمعة يصلي بالناس، و يخطب فيهم دون أن يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فسأله بعض أصحابه عن ذلك، فقال: «لا يمنعني عن ذكره إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها». كتاب (بركات الصلاة): ص 149، عن النصائح الكافية.
2- بحار الأنوار: ج 36 ص 143.
3- البرهان: ج 6 ص 309.

إلاّ أنّه قد يقال لنا أيضا، إنّكم أنتم أيضا أضفتم ما لم يذكر في الآية و ما لم يؤمر به فيها، حيث أنّ الآية لم تأمر بالصلاة على الآل، فماذا تقولون؟

و للإجابة على هذا السؤال نعقد البحث القادم إذ الإجابة عليه هي جوهر القضية و الاعتراض.

و هنا ملاحظة لا بأس بالإشارة إليها، و هي أنّنا نلاحظ أنّ الكثير من علماء مدرسة أهل البيت عليهم السّلام - في الغالب - حينما يذكرون النبي يكتفون بالقول: (صلى اللّه عليه و آله)، دون إضافة: (و سلم)، و كأنّ هذا إشارة منهم إلى ما قلناه، من أنّ المقصود من الأمر بالتسليم في الآية الكريمة ليس الأمر بالسلام، و إنّما الأمر بالانقياد و الخضوع.

في حين أنّ علماء الطرف الآخر يضيفون كلمة: (و سلم) بعد قولهم: (صلى اللّه عليه)، و مع أنّ السلام على رسول اللّه مستحب من دون شك، إلاّ أنّ هذا الاستحباب لا يؤخذ من هذه الآية التي أمرت بالصلاة عليه فقط، و يجدر بنا أن نلاحظ أيضا أنّ القرآن الكريم صلى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يسلم عليه، في الوقت الذي سلّم على الأنبياء و لم يصل عليهم حيث قال: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (1) ، سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ.. (2) ، سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ (3) ، و هذا لا يعني عدم جواز السلام عليه.

إنّ اللّه تعالى خالق الوجود و الموجود، و بيده جلّ و علا عوالم التكوين و عوالم التشريع، فإذا به ينادي إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ كلهم من

ص:31


1- الصافات: 79.
2- الصافات: 109.
3- الصافات: 120.

فوق العرش و دونه، يتوجّهون بالصلاة على محمد و على آله الميامين.

ذكر الشيخ الصدوق أعلى اللّه مقامه في كتابين من كتبه، في (عيون الأخبار) و في (علل الشرائع)، هذا النص الذي فيه سرّ عظيم، و ستجد من خلاله علاجا، ببركة الصلاة على النبيّ و آله، لكل ما يختلجنا في حياتنا، في مجتمعنا، في صنوف تقلّبات أنفسنا، و في علاج أوضاعنا الخاصة من خلال هذا السرّ الصلواتي.

سأل الخضر الإمام الحسن بن علي عليهما السّلام، فقال: أخبرني عن الرجل كيف يذكر و ينسى؟ قال: «إنّ قلب الرجل في حقّ، و على الحقّ طبق».

المقصود بالحقّ: البيت أو الوعاء الخشبي، و الطبق: الغطاء إذا كلّ واحد منّا قلبه في وعاء يسمى حقّا، و على هذا الوعاء طبق «فإذا صلّى الرجل على محمد و آل محمد صلاة تامة، انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ، فأضاء القلب - يعني صار في حال و هجان و لمعان للأنوار - فإذا انكشف ذلك الغطاء عن ذلك الحقّ أضاء القلب، و ذكر الرجل ما كان ينسى، فإذا نسيت اذكر محمدا و آل محمد. و إن هو لم يصلّ على محمد و آل محمد، أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ، فأظلم القلب و نسي الرجل ما كان ذكره»(1).(2)

إذا هناك طبق على أوعية فيها قلوبنا، فإن ذكرنا النبيّ و آله انفتح ذلك الغطاء،

ص:32


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام: 35/66/1، علل الشرائع: 6/96، غيبة النعماني: 27، عنهم بحار الأنوار: 15/51/94.
2- قال المجلسيّ في بحاره: 38/61 في بيان سرّ هذا الحديث ما لفظه: و لا يبعد أن يكون الكلام مبنيّا على الاستعارة و التمثيل، فإنّ الصلاة على محمد و آل محمد لمّا كانت سببا للقرب من المبدأ و استعداد النفس لإفاضة العلوم عليها، فكأنّ الشواغل النفسانية الموجبة للبعد عن الحق تعالى طبق عليها فتصير الصلاة سببا لكشفه و تنوّر القلب و استعداده لفيض الحق إمّا بإفاضة الصورة ثانيا أو باستردادها من الخزانة.

و انكشف السرّ الأعظم، أضاء القلب و ارتبط بالمصدر الأول وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (1) فمن لم يذكر النبيّ و آله، انطبق ذلك الغطاء على ذلك الوعاء، فأصبح قلبه مظلما، و نسي ما كان ذكر، و يصبح كالحيران استهوته الشياطين يمينا و شمالا، تتلاعب به الأهواء و تتطاير به الشياطين من متاهة إلى متاهة، لأنّه نسي سرّ اللّه الأعظم محمدا و آل محمد صلوات اللّه عليهم.

ما هو الدليل على أنّ ذكر النبيّ يكشف الغمّة، و يحوّل القلب إلى ضياء؟

و بذكرهم يصل الإنسان إلى هذه المرتبة، و بعدم ذكرهم يعمى القلب و ينسى؟

للإجابة على هذا التساؤل نعرض لك واقعة يونس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذ ذكر النبيّ و آله يفتق بطن الحوت، قال تعالى: وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (2).

الفلك يعني السفينة، و كانت في بداية حركتها، فاستنجد بهم النبيّ يونس بن متّى عليه السّلام قال: اركبوني، و كان فارّا من قومه غاضبا عليهم، و هذا معنى وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ (3) فركب السفينة، و وصل الأمر إلى أن يعترضه جنديّ من جنود اللّه المقرّبين، ذلك الجندّي المسمّى بنون و هو يونس، أين يونس؟ فقالوا: إنّ هنا رجلا اسمه يونس، فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ، فعملت القرعة و أعيدت ثلاث مرات، و في كلّ مرة كان يخرج اسم يونس بن متّى،

ص:33


1- النور: 40/24.
2- الصافات: 139/37-144.
3- الأنبياء: 87/21.

فألقوه في البحر، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ * وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (1).

إذا كان النبيّ يونس عليه السّلام و هو من المرسلين و هو من المقرّبين و آتاه اللّه من العلوم، و إذا به يكون في الظلمات ليكتشف السرّ العميق، فلما وقع في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، و ظلمة البحر، و ظلمة بطن الحوت، فلم يكن في بطن الحوت شيء عنده إلاّ شيء أنقده، فلولا أنّه كان من المسبحين بذكر لا إله إلاّ اللّه، و الصلاة على محمد و آل محمد؛ كما جاء في الروايات، لما أنجي من بطن الحوت، فإذا أطبق الحوت فاه على من كان فيه، فلم يفتح هذا الطبق عمن فيه، إلاّ بالتسبيح و الذكر.

و من أهمّ الأذكار عند اللّه تعالى إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ بمعنى أنّ كلّ الأسرار و كلّ ما في هذا الوجود منطو في قلب النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكان عروج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أعظم مقامات الجبروت، و كان عروج يونس عليه السّلام إلى بطن الحوت، فما الفرق حينئذ؟ أين عوالم الجبروت، و أين عوالم الحوت؟ و بهذا تعرف سرّ محمد و آل محمد و سرّ ذكرهم صلى اللّه عليهم عدد ما في علمه آمين.

ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى إذا كان البعض يناقض في معاجز و كرامات أهل البيت عليهم السّلام، فعليه أن يلاحظ القرآن الكريم، و نحن المأمورون بأن نتدبّر القرآن العظيم، و ينادي الحقّ ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى

ص:34


1- الصافات: 142/37-146.

* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (1).

الآية الكبرى هي عليّ و آله، فاذكروا محمدا بالمقام الأعظم، و عليّا بالمقام الأكرم.

هذا معنى أنّ ارتباط كل الوجود حتى الوجود البدني، و حتّى الذكر، و حتّى التعقل كله متعلق بالنور المحمدي، و لا يمكن أن يرقى ابن آدم، و أن يبلغ لتلك المقامات ما لم يتنوّر بهم، يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ (2) ، أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها (3).

أين تكون عوالم الأنوار؟ و أين تكون عوالم الظلمات؟ و لا يمكن الخروج منها إلاّ ببركة الصلوات الزاكيات.

هناك دعاء عجيب المضامين و عالي المحتوى عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام أنّه قال: «اللهم إنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما وصفته في كتابك حيث تقول: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (4).

فأشهد أنّه كذلك، و أنك لم تأمر بالصلاة عليه إلاّ بعد أن صليت عليه أنت،

ص:35


1- النجم: 8/35-18.
2- النور: 35/24.
3- الأنعام: 122/6.
4- التوبة 128/9.

و ملائكتك، و أنزلت في محكم قرآنك إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1) لا لحاجة إلى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلواتك عليه»، إذن نحن المحتاجون إلى الصلوات لا النبيّ و آله.

و لذلك فإنّ الصلوات عبارة عن الرقيّ إلى المقامات للمصلّي لا للمصلّى عليه، و إلاّ فإنّ النبيّ فوق هذه المقامات، و فوق هذه المراتب، و فوق هذه المنازل، و لا حاجة به إلى صلاة أحد من الخلق عليه بعد صلاتك عليه.

إذا كان المصلّي على النبيّ و آله هو اللّه تعالى، فحينئذ ما قيمة صلاتنا نحن الكائنات المخلوقون من ماء مهين، من أنا حتى أكون في مقام الصلاة على النبيّ و آله، و إنما ذلكم مقام اللّه تعالى.

ثمّ يقول: «و لا إلى تزكيتهم إيّاه بعد تزكيتك، بل الخلق جميعا هم المحتاجون إلى ذلك؛ لأنك جعلته بابك الذي لا تقبل إلاّ ممّن أتاك منه».

ثمّ يقول: «بابك، و جعلت الصلاة عليه قربة منك و وسيلة إليك و زلفة عندك، و دللت المؤمنين عليه، و أمرتهم بالصلاة عليه، ليزدادوا إثرة لديك و كرامة عليك و وكّلت بالمصلّين عليه ملائكتك يصلّون عليه و يبلّغونه صلاتهم و تسليمهم، اللهمّ ربّ محمد فإني أسألك بما عظّمت به من أمر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أوجبت من حقّه أن تطلق لساني بالصلاة عليه بما تحبّ و ترضى و بما لم تطلق به لسان أحد من خلقك، و لم تعطه إياه، ثم تؤتيني على ذلك مرافقته حيث أحللته على قدسك و جنات فردوسك ثمّ لا تفرق بيني و بينه»(2) ، و هذا من أسرار أهل البيت صلوات اللّه عليهم، هذه أسفار الميامين و زبور آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ص:36


1- الأحزاب: 56/33.
2- بحار الأنوار: 3/82/90.

إذا في هذه الآية أسرار فيما يتعلق بالجانب الفكري و النفسي و البدني و الروحي، و كل ما في وجود الإنسان من أسرار.

روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قيل له: يا رسول اللّه، أرأيت قول اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ كيف هو؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «هذا من العلم المكنون، و لو لا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، إنّ اللّه تعالى وكّل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي عليّ إلاّ قال له ذانك الملكان: غفر اللّه لك، و قال اللّه و ملائكته:

آمين، و لا أذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلاّ قال له الملكان: لا غفر اللّه لك و قال اللّه، و ملائكة: آمين»(1).

يعني: إنّما هذا سرّ لا يرقى إليه راق، و لا يبلغ إليه بالغ، مهما كان أو يكون، و لذلك كان يردع الفجرة و الفسقة الذين ظلموا شعوبهم و شعوب المنطقة، فما كان يخيفهم إلاّ الصلوات على محمد و آل محمد، و كلما كانت السياط تضرب على أبدان المؤمنين في سجون بغداد، كان البعض و هو تحت السياط يقول: السلام عليك يا رسول اللّه، صلى اللّه عليك و على آل بيتك، حيث كانت كلمة آلك تصب على الظالمين العذاب، لقد حارب المتجبرون و بنو أمية و بنو العباس آل الرسول، و هكذا كان مبدأ حكمهم، محاربة آل النبيّ؛ لأنّهم يعرفون ما يحملون من أسرار.

العجيب أنّ عمر بن سعد و أمثاله عندما كانوا يصلّون كانوا يقولون حال التشهد: اللهمّ صلّ على محمد و آله، و هم قتلة الإمام الحسين، من آل محمد؟

كان شمر يصلّي و عمر بن سعد يؤمّ أصحابه بالصلاة، يصبح إماما لهؤلاء، فلمّا كان في التشهد الوسطى الذي أجمع المسلمون على أنّ التشهد الوسطى لا بدّ

ص:37


1- عوالي اللآلي: 97/38/2، عنه بحار الأنوار: 57/68/49.

أن نقول فيه: و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد كما صليت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم، كان يقوله و هو قبل قليل سفك دماء آل محمد عليهم السّلام، ثمّ يصلّي عليهم في صلاته!

من الأبحاث الاعتقادية التي شغلت مساحة واسعة في مجال الأخبار و الآثار و الشواهد و الوقائع بحث علم الغيب، ألفت النظر أولا إلى مشروعية هذه الأبحاث و أهميتها في وقتنا الحالي من جهات عديدة، يتساءل البعض: ما هي الضرورة التي تستدعي طرح هذه الأبحاث؟

ربما يقال بأنّ هذه الموضوعات قد تكون ثقيلة على قلوب كافّة الناس و لا تطاق، كما يبرر أصحاب المنهج المعاصر في مثل هذا الوقت، بأنّ هذه الأبحاث قد تجرنا إلى مآزق، و لربما توجب لنا نوعا من التحيّر و التردد، هذه المقالة سوف نثبت بطلانها، و العكس هو الصحيح، و لن يصح إلا الحقّ.

فمن أهمّ الجهات التي تستدعي هذا البحث ترسيخ الاعتقاد، أي عندما يكون عندك إطلاع أنّ لنبيّك مقاما عاليا ساميا لا يرقى إليه لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل، فهذا يشكّل في جوانحك و في متن قلبك أثرا مهما بليغا، فإذا زرته في مقامه سوف تنعكس عندك حالة من الروحانية و النورانية في زيارتك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي انطوت تحت كفّيه الأفلاك و الأملاك، يعني تزوره و أنت تعتقد بهذا المعنى حينئذ يختلف التعامل، و مرة تزوره و أنت تراه ليس إلاّ بشرا فقط، و نحن نعتقد بهذا المعنى، البشرية مسلّمة، و لكن أيّ بشر هو، و أي نوع من البشر هو؟ و هذا الذي لا يرى له مقاما سوى مقام التبليغ، مثلا يقول بأننا نفهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً (1) ، يتشدّق بهذا النص القرآني و يترك

ص:38


1- الإسراء: 93/17.

النصوص الأخرى تحريفا للمعنى لأنّ الذي يتمسك بآية، و لم يتعمق في مجموع القرآن، سوف يقع في غائلة، و بالتالي ربما ينحرف فكريا.

إذا لا بد من جولة كاملة و اطلاع تام بكل الآيات ذات الصلة بالموضوع حتى يكون الإنسان موضوعيا و ليس متعسّفا في إصدار أحكامه.

إذا من هنا ينبغي أن نتعرف على أنّ بحث هذه الموضوعات يساعد على ترسيخ الاعتقاد، لأنّك كما أشرت إذا زرت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تراه إلاّ بشرا رسولا أدّى ما عليه و مات و انتهى، فهذه نكبة في تاريخ المسلمين.

إنّ التعامل بهذا الشكل مع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، جناية على التاريخ الإسلامي، و تراجع يسجّله المسلمون، و سوف يؤاخذ الكل إن لم يقوموا بوظيفتهم فيزيلوا هذا التعسف و الطوق الذي حوصر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في قبره، و هو بلا إشكال أعلى قمة في مجال هذا الوجود، و إن كان يتراءى لنا أنّه في الثرى، و لكن أيّ ثرى ضمّ جسد المصطفى، الآن كيف يتعامل مع المصطفى صلوات اللّه عليه و على آله؟

حصار و تضييق و محاسبة و مراقبة لكل من يقول: يا رسول اللّه، فيتحمل حينئذ التهم، و الشتائم و الإيلام، بسبب جحد ما له من مراتب و قصور الفهم و الاعتقاد، و لهذا فإنّ ترسيخ الاعتقاد مهمّ.

المهمّ أن نعرف النبيّ، و مقامات و مراتب النبيّ قبل أن نعرف أي صفة أخرى، فالنبيّ سيّد فوق السادة في الأخلاق، فهو نبي الأخلاق، لكن تبقى الصفة الأخلاقية شأن من شؤون النبيّ، و ينبغي أن نتعرف على أركان شخصية النبيّ.

الأساس الأول أن نعرف من هو محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما لم تستحكم معرفة النبيّ في جوانحك و جوارحك لا يستحكم شيء آخر في نفسك، فكل

ص:39

المعارف فروع، و لهذا بيّن القرآن شخصية النبيّ في أكثر من موضع و في أكثر من آية.

المهمّ في بحثنا هو أن نتعرف على مفهوم عالم الغيب فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (1) إذا علم الغيب انفتح بنص القرآن الكريم، فلا نتمسك بالآية التي تثبت أنّ النبي لا يعلم الغيب إلاّ اللّه فنقول حينئذ: إنّ النبي لا يعلم شيئا، هذا غير صحيح.

نجد في القرآن أنّ الإماتة مرة تنسب إليه اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ (2) و في مقام آخر تنسب إلى الملك يقول تعالى: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ (3) و ذلك يعني، بأنّ هناك مجالا لأن يعطي هذا المقام - مقام التوفّي و الإحياء و الإماتة - إلى أشرف المخلوقات، و لا يوجد هناك تناقض عقلي، و لا تنطبق السماء على الأرض، و لا يلزم اجتماع نقيضين وجود و عدم في آن واحد، هذه المحاذير العقلية ليس لها مكان هنا، المهم لا يكون هنا تناقض.

إذا كان اللّه تعالى يقول: أنا عالم الغيب، و أعطيه لمن ارتضيه من رسول، إذا انفتح لنا هذا الباب، و لو أنّ هذه الآية تقول علم الغيب على الإطلاق للّه وحده، فلا يشرك علمه بالغيب أحدا، لكن لما قال: إِلاّ مَنِ ارْتَضى له مِنْ رَسُولٍ يكون له مكشوفا.

إذا انفتحت لنا هذه الصفة، و جعلنا على وثوق من أنّ علم الغيب بالنسبة

ص:40


1- الجن: 26/72 و 27.
2- الزمر: 42/39.
3- السجدة: 11/32.

للنبيّ لا ينافي ربوبية اللّه و لا ينافي ألوهيته، و لا يتناقض مع توحيده، بل عين التوحيد أن آتاهم اللّه ما لم يؤت أحدا من العالمين.

صفة علم الغيب إنما كانت متجذرة و متجوهرة بجوهر محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فهي ليست قضية عرضية، و ليست عطاء آنيا يعطى و يسلب، و إنما متجذرة معه و حاضرة في كل آن للجواب، و هذا ما نعبر عنه بالإحاطة العلمية لجميع علوم التكوين و التشريع بنحو الحضور، كما يحضر بين يديك الدرهم لكلّ ما يحمله من تفاصيل نقشه و كتابته، فهذا الوجود إن لم يكن حاضرا لوليّ اللّه الأعظم و نبي اللّه الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كهذا الحضور، لا يستطيع أن يقاوم شرق و غرب الدنيا حيث كانت تتوافد عليه الوفود من المشرق و المغرب، و من الصين، و من بلاد الروم، يوجّهون إليه أسئلة مختلفة، فلو كان يجهل الإحاطة بالأمور، سيصبح مورد نقد الناس، و بالتالي زعزعة الثقة فيه كرسول من قبل اللّه يمثل رسالة اللّه في أرضه، فلابدّ أن يكون محيطا إحاطة فعلية حضورية شاملة جامعة لجميع علوم ما في السماوات و علوم ما في الأرضين.

كنز العمال ينقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني، فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أخبرت عنه»(1).

هذه الإحاطة بالكون، فلو لم تكن عنده إحاطة ما سألهم و يقول لهم:

سلوني، لماذا يقول: دون العرش؟

يعني أنّ كل شيء عندنا به إحاطة، هذا الكلام يرويه المتقي علاء الدين الهندي، و هو من أعاظم علماء العامة.

لقد آتاهم اللّه علم ما كان و ما يكون، و هذا لا يتنافى مع عظمته، بل العكس

ص:41


1- كنز العمال: 36502/165/13.

فاللّه غنيّ عن كل شيء لا ينقصه إذا أعطى، لا ينقص ذلك شيئا من خزائن رحمته؟ و لا ينقص شيئا من كمال قدرته؟ اللّه تبارك و تعالى لا تزيده كثرة العطاء إلا جودا و كرما.

إذا إطلاع النبيّ على الغيب، فتح بابا هامّا في العقائد، لأن هذه الأبحاث هي الإكسير الذي به ترتفع الأمة، و تصعد و تعرج بروحها، لا بدّ من معرفة مقامات الرسول صلوات اللّه عليه و على آله في بداية نشأته، و في انتهاء حياته الظاهرية، ماذا توجد من أسرار، ينبغي أن نتأمل و أن تتفتح الأذهان على هذه الحقائق، إذا علم الغيب لا يتنافى لا عقلا و لا نقلا مع قدرة اللّه عز و جل.

لم يدّع أحد بأن النبيّ و آله أوتوا ذلك من ذواتهم، و إنما هو عطاء غير ممنون، عطاء غير مجذوذ، عطاء غير محدود من قبل اللّه تعالى، فعندما يفتح باب الغيب و يقول: أنا أفتح علم الغيب لمن ارتضيت، فما المحذور من ذلك؟ و قد ارتضى اللّه تعالى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عترته الهداة الميامين من بين خلقه «و ارتضاكم لغيبه»(1) كما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة المجهولة القدر.

فعندما ينفتح الإنسان على هذا الميراث الذي يعدّ أضخم كنوز آل البيت صلوات اللّه عليهم يدرك حقائق كثيرة، فكيف يحكم على تراث ضخم قام به أعمدة الدين و أركان المؤمنين، أتوا به و شيدوه، بالبطلان و الغلوّ!!

إذا أهم جهة لمعرفة هذه الأبحاث هي ترسيخ العقيدة، فهناك من يزور الرسول و يقف بين يديه، و ينظر إليه بأنه هو الذي انطوت في مكنون ذاته و حقيقته و جوهره عوالم الغيوب و عوالم الشهود حتى أصبح كل شيء من الذرة إلى المجرة خاضعا شخص صاحب هذا القبر محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذه هي الحقيقة.

ص:42


1- من لا يحضره الفقيه: 371/2، فرائد السمطين: 180/2.

هناك نص في الكافي عن محمد بن يحيى، أخرجه العلامة المجلسي يقول:

سمعت الإمام أبا جعفر الباقر عليه السّلام و عنده أناس من أصحابه يقول:

«عجبت من قوم يتولّوننا و يجعلوننا أئمة و يصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم يكسرون حجتهم و يخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصوننا حقنا، و يعيبون ذلك على من أعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا و التسليم لأمرنا.

أترون أنّ اللّه تبارك و تعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات و الأرض؟» ثم يقول الإمام: و يقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم»(1).

و لهذا إن لم تستحكم المعرفة في الأصول لا تستحكم في الفروع، و هذا المطلب يعدّ من أهم المطالب حتى ترسخ العقيدة في جوانحك، فإذا وقفت بين يدي وليّ اللّه تقول له: سلمت أمري إليك.

يقول هلال بن نافع: عندما أراد الإمام الحسين أن يستخبر نيات أصحابه، قال له هلال: سر بنا راشدا معافى إن شئت مشرقا أو مغربا، فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، و لا كرهنا لقاء ربنا، و إنا على نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك هذه هي نتيجة العقيدة المحكمة.

و في معركة بدر الكبرى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أشيروا عليّ أيها الناس.

فقام أبو بكر و قال: «يا رسول اللّه، إنها قريش و خيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، و لا ذلّت منذ عزّت، و لم نخرج على أهبة الحرب»، و هذا يعني أنه رأى من

ص:43


1- الكافي: 4/261/1، بحار الأنوار: 35/149/26، عن الخرائج و الجرائح.

الصالح أن ينسحبوا إلى المدينة و لا يواجهوا قريشا. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«اجلس».

ثمّ قام عمر بن الخطاب، و كرر نفس مقالة أبي بكر، فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالجلوس أيضا.

ثمّ قام المقداد بن الأسود و قال: «يا رسول اللّه، امض لما أراك اللّه فنحن معك، و اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت و ربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون. و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا، و إنا معكم مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد - موضع بناحية اليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، و لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا - أي النار المتقدة - و شوك الهراس - و هو شجر كبير الشوك - لخضناه معك». فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «خيرا، و دعا له به»(1).

هذا تسليم مطلق نتيجة للعقيدة المستحكمة، فإذا علمنا أنّ العالم كلّه انطوى في شخص وليّ اللّه، في شخص نبيّ اللّه، فالنتيجة تكون التسليم المطلق.

ص:44


1- تاريخ الطبري: 140/2، سيرة سيد المرسلين: 60/2.

فلسفة الصلاة على محمد و آله

قبل الدخول في الموضوع لا بدّ من المقدمة أولا لتكون المسألة أكثر وضوحا.

اللّه سبحانه و تعالى حينما خلق الكون خلق بعضه مباشرة، و من دون وسائط، و البعض الآخر خلقه من خلال وسائط و أسباب، فمثلا: خلق اللّه تعالى - من ناحية التكوين الطبيعي - آدم (على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام) مباشرة، قال له:

كن، فكان، و كذلك حوّاء، في حين خلق بقية البشر، أو جاء بهم إلى هذا العالم بوساطة - و عن طريق - آدم و حواء عليهما السّلام، و من خلال التزاوج و التوالد.

و كان بمقدوره - سبحانه - أن يوجدهم مباشرة، و من دون وسائط، أي:

ينشئهم إنشاء كما صنع بالنسبة للملائكة حيث أنّه تبارك و تعالى خلقها بشكل مباشر من دون تزاوج و توالد، بطريقة الإنشاء، كما جاء في كلام لأمير المؤمنين عليه السّلام عن الملائكة - و هو يخاطب الباري تعالى -: «.. لم يسكنوا الأصلاب، و لم تتضمنهم الأرحام، و لم تخلقهم من ماء مهين، أنشأتهم إنشاء»(1).

فكان بإمكانه تعالى أنّ يخلق البشر بهذه الطريقة، و من دون واسطة إلاّ أنّ حكمته شاءت أن يوجدهم عبر الوسائط و الأسباب، و أبى اللّه أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها(2).

و هذا ما يعبّر عنه بقانون (الأسباب و المسبّبات) أو (السببية و المسبّبية)، أي لا بدّ لكل مسبّب من سبب، هكذا شاء اللّه سبحانه..

ص:45


1- تفسير القمي: ج 2 ص 207.
2- أخذ هذا الموضوع من كتاب (الصلاة على النبي لطف خفي) للشيخ حسين النصراوي.

و هذا القانون يجري على مختلف الأصعدة و في كل المجالات ففي مجال الهداية مثلا، اللّه عزّ و جل يهدي الناس، و لكن هذه الهداية تتم عبر وسائل و وسائط معينة.. من خلال الأنبياء، حيث يبعثهم إليهم كمرشدين و أدلاء للوصول إلى الهداية، و بلوغ طريق الحق، فالأنبياء إذن سبب للهداية.

و في مجال الرزق كذلك هناك أسباب مادية، و أخرى غيبية، فالأسباب المادية معروفة و واضحة للجميع، و هي عبارة عن السعي و العمل و بذل الجهد للحصول على الرزق، و أمّا الأسباب الغيبية فهي كثيرة، منها:

التقوى: قال تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (1).

و منها: الاستغفار: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (2).

و منها: الصدقة: لأنّ الصدقة كما تدفع البلاء، فهي تدر الرزق، فقد جاء في الرواية: «.. إنّ لكل شيء مفتاحا، و مفتاح الرزق الصدقة..»(3).

و منها: الحج: فقد ورد في الرواية: «الحج ينفي الفقر»(4).

و ورد: «من حجّ ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا»1. و ورد: «سافروا تصحوا،

ص:46


1- الطلاق: 2-3.
2- نوح: 10-12.
3- وسائل الشيعة: ج 9 ص 369.
4- بحار الأنوار: ج 96 ص 15.

و جاهدوا تغنموا، و حجّوا تستغنوا»(1).

و منها: الزواج: قال تعالى: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (2).

و منها: الولد: قال عز من قائل: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيّاهُمْ (3) ، و في آية أخرى: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (4).

فإذن قانون السببية واضح في الكون، و لا حاجة لكثير الاستدلال عليه.

و هنا يأتي السؤال الذي من خلاله ندخل بحثنا: ما هو السبب الذي أوجده اللّه أولا، و من خلاله، و عن طريقه، و بوساطته أوصل كلّ خير و كلّ رحمة، و أوجد كلّ موجود؟

حينما نرجع إلى الروايات، و نتصفّحها نلاحظ أنّها تقول بأنّ أوّل شيء خلقه اللّه تعالى هو نور نبينا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و هنا نسجّل ملاحظة بين قوسين، و هي: إنّ هناك من الروايات ما يصرّح بأنّ أوّل ما خلق اللّه هو العقل(5) ، و منها ما يذكر أنّ أوّل ما خلق اللّه الماء(6) ، و عن ابن

ص:47


1- بحار الأنوار: ج 96 ص 11.
2- النور: 32.
3- الأنعام: 151.
4- الإسراء: 31.
5- انظر بحار الأنوار: ج 74 ص 59.
6- انظر الكافي: ج 8 ص 94.

عباس: «إنّ أوّل شيء خلقه اللّه القلم..»(1) ، بالإضافة إلى ما دلّ على أنّ أوّل شيء خلقه اللّه تعالى هو نور النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فما هو السبب إلى الجمع بين هذه الروايات، و حلّ هذه التناقضات المتصوّر؟

الجواب: إنّ المسألة نسبية، فحينما تقول الرواية: إنّ أول خلق خلقه اللّه عز و جل العقل، فإنّها تقصد أنّه أول بالنسبة و بالقياس إلى مجموعة من الأشياء، و حينما تذكر أنّ أول شيء خلقه اللّه الماء، فكذلك بالنسبة، و بالإضافة إلى مجموعة من الأشياء، فكأنّه هناك مجموعة في مقام الخلق رأسها العقل فبهذا الاعتبار اللّه تعالى خلق العقل أولا، و هناك مجموعة رأسها الماء، فاللّه تعالى بهذا الاعتبار خلق الماء أولا، و هكذا، و لكنّ الشيء الذي خلقه اللّه تعالى أولا و من دون إضافة و نسبة، و لكن مطلقا - أول شيء أوجده اللّه بالقياس إلى كلّ ما أوجد - هو نور النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم -.

الرواية عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري يسأل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أوّل شيء خلق اللّه تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه اللّه ثم خلق منه كل خير»، و علينا أن نركّز على عبارة: «ثم خلق منه كلّ خير».

بعد ذلك تتحدث الرواية بأنّ اللّه سبحانه أقام هذا النور في مقام القرب ما شاء اللّه، ثم جعله أقساما فخلق العرش من قسم، و الكرسي من قسم، و حملة العرش من قسم، و خزنة الكرسي من قسم، و في المرحلة التالية خلق القلم و اللوح و الجنّة من القسم الباقي، ثم الملائكة و الشمس و القمر و الكواكب في مرحلة أخرى، ثم العقل و العلم و الحلم و العصمة و التوفيق في المرحلة اللاحقة، و في المرحلة الأخيرة نظر تبارك و تعالى إلى ذلك النور بعين الهيبة، فرشح ذلك النور فقطرت منه

ص:48


1- بحار الأنوار: ج 57 ص 93.

مائة و أربع و عشرون ألف قطرة، فخلق من كل قطرة روح نبي و رسول، ثم تنفّست أرواح الأنبياء فخلق اللّه من أنفاسها أرواح الأولياء و الشهداء و الصالحين(1).

فإذن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الواسطة التي من خلالها خلق اللّه كل خير و كل رحمة و كل مخلوق، فهو السبب الأول الذي سبّب اللّه تعالى كلّ ما سواه عنه، فنحن لا نقول بأنّ اللّه خلق النبي، و النبي خلق الأشياء، و إنما نقول: إنّ اللّه سبحانه و تعالى خلق النبي مباشرة، و من دون وساطة، و خلق بقية الأشياء بوساطة نوره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فبوساطة نوره أفاض اللّه على الوجود الوجود، و بوساطة نوره أفاض اللّه على الموجودين كلّ خير و كلّ رحمة و كلّ بركة.

و يشترك مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - في كونه أوّل المخلوقات و السبب الأول و واسطة الفيض الإلهي - أهل بيته عليهم السّلام.

فقد روي بإسناد مرفوع إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام، قال:

«يا جابر: كان اللّه و لا شيء غيره، و لا معلوم و لا مجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خلقنا - أهل البيت - من نور عظمته، فأوقفنا أظلة بين يديه حيث لا سماء و لا أرض و لا مكان و لا ليل و لا نهار و لا شمس و لا قمر...

ثم بدا للّه تعالى عز و جل أن يخلق المكان فخلقه، و كتب على المكان: لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه، علي أمير المؤمنين و وصيه، به أيدّته و نصرته».

ثم يذكر الإمام أنّه تعالى خلق العرش، و كتب على سرادقاته مثل ذلك، ثم خلق السماوات فكتب على أطرافها مثل ذلك، ثم خلق الجنة فكتب عليها مثل ذلك، إلى أن يقول عليه السّلام: «فبذلك يا جابر قامت السماوات بغير عمد، و ثبتت الأرض... فنحن أوّل خلق اللّه، و أوّل خلق عبد اللّه، و سبّحه، و نحن سبب خلق

ص:49


1- بحار الأنوار: ج 25 ص 21-22 (بتصرف).

الخلق، و سبب تسبيحهم و عبادتهم من الملائكة و الآدميين، فبنا عرف اللّه و بنا وحّد اللّه، و بنا أكرم اللّه من أكرم من جميع خلقه، و بنا أثاب من أثاب، و بنا عاقب من عاقب...»(1).

فإنّ قوله عليه السّلام: «و نحن سبب خلق الخلق» يشير إلى ما ذكرنا من كونهم الواسطة التي من خلالها و عن طريقها أوجد اللّه كلّ موجود، و قوله عليه السّلام:

«و بنا أكرم اللّه من أكرم من جميع خلقه..»، يشير إلى ما ذكرنا أيضا من أنهم واسطة كل خير و كل رحمة تنزل إلى أي مخلوق.

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «نحن السبب بينكم و بين اللّه عز و جل»(2).

و جاء في دعاء الندبة - في إشارة إلى الإمام صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه): «أين السبب المتصل بين الأرض و السماء»(3) ، و هو يؤكد المعنى المشار إليه من أنهم واسطة فيض اللّه تعالى.

و روي عن الباقر عليه السّلام: «بنا عبد اللّه، و بنا عرف اللّه، و بنا وحّد اللّه، و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجاب اللّه»(4).

علّق العلامة المجلسي قدّس سرّه على الفقرة الأخيرة من الرواية قائلا:

«كما أنّ الحجاب متوسط بين المحجوب و المحجوب عنه كذلك هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واسطة بين اللّه و بين خلقه»(5) ، و يؤيده ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام

ص:50


1- بحار الأنوار: ج 25 ص 17-20 (بتصرف).
2- أمالي الطوسي: ص 157، بشارة المصطفى: ص 90.
3- بحار الأنوار: ج 99 ص 107.
4- بصائر الدرجات: ص 64، و الكافي: ج 1 ص 145 باختلاف يسير.
5- بحار الأنوار: ج 23 ص 102.

له: «.. و بنا احتجب عن خلقه..»(1) ، بمعنى أنّهم الواسطة التي من خلالها يفيض رحمته و بركاته.

و في الزيارة الجامعة: «بكم فتح اللّه، و بكم يختم، و بكم ينزل الغيث، و بكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، و بكم ينفّس الهم، و بكم يكشف الضرّ..»(2).

فلسفة الصلاة على النبي و آله:

و من هنا نأتي إلى قضية الصلاة عليهم، فالصلاة معناها أنّي أجعل محمدا و آل محمد واسطة بيني و بين اللّه تعالى، أقدم محمدا و آله بين يدي حاجتي، بمعنى أنّي أريد من اللّه تعالى أن يقضي حاجتي و يرحمني من خلالهم، لأنّنا ذكرنا سابقا أنّ معنى الصلاة على النبي طلب إنزال الرحمة عليه، فحين أقول: اللهم صلّ على محمد و آل محمد، أي: اللهم ارحم محمدا، و آل محمد، و حين أطلب الرحمة للنبي و آله عليه السّلام، و ينزل اللّه سبحانه الرحمة عليهم، فإنّني أرجو أن يصيبني و لو جزء بسيط من تلك الرحمة التي تنزل عليهم، فتصل إليّ الرحمة من خلالهم و عن طريقهم و بوساطتهم، فهذا هو معنى الصلاة، و من هنا نفهم ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام حين قال: «.. و بالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم و آله..»(3).

و بتعبير آخر حينما أتوسل إلى اللّه سبحانه أن يرحم محمدا و آل محمد و أقدمهم بين يدي حاجتي فإنّ اللّه سبحانه بهذا الطريق يستجيب الدعاء و يقضي

ص:51


1- بحار الأنوار: ج 15 ص 10.
2- بحار الأنوار: ج 99 ص 131-132.
3- الأمالي للصدوق: ص 320 و عنه: مستدرك الوسائل: ج 5 ص 341.

حاجتي، و لذلك - لمّا أسلفنا من أنّ محمدا و آله هم واسطة كل خير و كل رحمة، أي أنّ كلّ رحمة تنزل إلى الوجود تنزل عبرهم - فلابدّ أن أسأل اللّه بهم.

و لذلك ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «كل دعاء يدعى اللّه عز و جل به محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد و آل محمد»(1) ، لأنّه عبرهم ينزل اللّه رحمته و بركاته، و ليس عبر غيرهم، و هذا ما يشير إليه الإمام الباقر عليه السّلام حينما يقول في الرواية التي مرت: «.. و بنا أكرم اللّه من أكرم من جميع خلقه»، و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما من دعاء إلاّ و بينه و بين السماء حجاب حتى يصلي على النبي محمد و على آل محمد»(2).

و جاء ما يشبه هذه الرواية من طرق العامة أيضا، رواها الطبراني في (المعجم الأوسط): عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام أنّه قال: «كل دعاء محجوب حتى يصلّى على محمد و آل محمد»(3) ، و ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد)، ثم علّق عليه بقوله: «رواه الطبراني في الأوسط، و رجاله ثقات»(4) ، كما نقله البيهقي في (شعب الإيمان) بلفظ: «كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد و آل محمد»(5).

و قد يستصعب البعض مثل هذا الحديث، و يستكثره، و يعتبره مغالاة، و لهذا لا بدّ أن نقرب القضية أكثر.

ص:52


1- الكافي: ج 2 ص 493.
2- بحار الأنوار: ج 27 ص 258.
3- المعجم الأوسط: ج 1 ص 220.
4- مجمع الزوائد: ج 10 ص 160.
5- شعب الإيمان: ج 2 ص 216، و ذكره الشوكاني في فيض القدير: ج 5 ص 19، و الترغيب و الترهيب: ج 2 ص 330.

فمثلا: نحن نطرح سؤالا: الملك أليس عنده خازن لبيت المال؟! حينما يريد أن يعطي مالا لفرد من أفراد الشعب، هل يحمل المال بيده، و يقدمه إلى ذلك الشخص؟ أم يأمر خازن بيت المال أن يسلّمه إياه؟!، فكل ما يصل إلى الشعب من الملك لا بدّ أن يمر عبر الخازن.

مثال أقرب و يمكن الاستئناس به أكثر، نحن نسأل: كيف يقبض اللّه تعالى أرواح الموتى؟ الجواب: يقبضها من خلال الملك الموكل بقبض الأرواح، و هو عزرائيل عليه السّلام، فليس هناك روح تقبض من اللّه تعالى مباشرة، و لكنّ لا بدّ أن تمرّ عبر ملك الموت، لماذا؟!.. ألا يستطيع اللّه سبحانه أن يقبض الأرواح مباشرة؟!..

بالطبع يستطيع، إلاّ أن حكمته شاءت و اقتضت أن يصنع ذلك.

مثال آخر أوضح: اللّه تعالى كيف يرزق البشر؟ الجواب: هناك ملك موكّل بالرزق اسمه (ميكائيل)، فكل رزق ينزل إلى البشر لا بدّ أن يمرّ عبر ميكائيل، و لا يمكن أن ينزل مباشرة، فهل إنّ اللّه تعالى لا يستطيع أن ينزل رزقه إلاّ عبر ميكائيل؟ بالطبع يستطيع، إلاّ أنّ حكمته شاءت و اقتضت أنّه لا رزق يصل إلى البشر أو إلى غيرهم إلاّ عبر ميكائيل عليه السّلام.

و كذلك حكمته شاءت أنّ ميكائيل و عزرائيل و جبرائيل و إسرافيل و حملة العرش و كلّ ملك مقرب و كلّ نبي مرسل و كلّ عبد صالح لا يصل إليه خير و لا رحمة و لا بركة إلاّ عبر محمد و آل محمد.

و لهذا فإنّنا لا نستغرب حينما نقول: إنّ إبراهيم عليه السّلام حين يريد شيئا من اللّه تعالى كيف يطلبه و بوساطة من؟؟

و آدم عليه السّلام إذا كانت لديه خطيئة يريد من اللّه سبحانه أن يغفرها له، فمن خلال أي طريق عليه أن يتوجه حتى تنزل عليه المغفرة و الرحمة؟

ص:53

يجيبنا القرآن الكريم بقوله: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ.. (1) ، و هنا لا نحتاج إلى الروايات حتى تقول لنا بأنّه: سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين(2) ، لأنّ القضية أصبحت واضحة لدينا.

و هذه الكلمات هي نفسها التي نال إبراهيم بها و بوساطتها مرتبة الإمامة، حينما أتمّها كما يقول القرآن الكريم: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً.. (3).

فإذن لا خير و لا رحمة و لا كرامة تنزل على أي مخلوق إلاّ عبر محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و من هنا نرد الشبهة الموجودة في بعض الأذهان حيث أنّ البعض يتصوّر أنّ النبي رحمة لأمّته فقط، و بتعبير آخر واسطة فيض لأمّته دون غيرها!!

فهذا الكلام مرفوض تماما، إذ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس واسطة فيض لأمّته فقط!! بل و لا لجميع البشر فقط! و إنّما لكلّ مخلوق خلقه اللّه سبحانه و تعالى، قال عز و جل: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (4). و من هنا فإنّ الملائكة و الأنبياء إذا أرادوا شيئا لا يحصلون عليه إلاّ عبر محمد و آله الطاهرين.

فقد جاء في احتجاج يهودي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه سأله: «أنت أفضل أم موسى بن عمران..؟ فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه، و لكني أقول: إنّ آدم عليه السّلام لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته: - إلى أن قال: - (اللهم إنّي أسألك بحق محمد و آل محمد لما غفرت لي)، فغفرها اللّه له.

ص:54


1- البقرة: 37.
2- البرهان: مج 1 ص 193 و 195 و 200.
3- البقرة: 124.
4- الأنبياء: 107.

و إنّ نوحا لما ركب السفينة و خاف الغرق قال: (اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني من الغرق)، فنجاه اللّه منها.

و إنّ إبراهيم عليه السّلام لما ألقي في النار قال: (اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني منها)، فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.

و إنّ موسى لما ألقى عصاه فأوجس في نفسه خيفة قال: (اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما آمنتني منها)، فقال اللّه جل جلاله: (لا تخف، إنك أنت الأعلى)..»(1).

و بالنتيجة، فمعنى كل هذا أنّ محمدا و آله هم علة الوجود (الغائية) - كما يعبّرون -، أي إنّ اللّه خلقهم، و خلق كلّ شيء لأجلهم، فكلّ موجود و كلّ الوجود لا يستحق أن يوجد إلاّ لأجلّ عيون محمد و آله و كرامة لهم، لأنهم واسطة و سبب كلّ خير و كلّ رحمة، و إنما تبوؤوا هذه المكانة لأنهم وصلوا إلى قمة الكمال البشري، و باعتبار أنّهم وصلوا إلى هذه المرتبة و المكانة - و لم يصل غيرهم - جعلهم اللّه تعالى واسطة الفيض و سرّ الوجود، و معنى هذا أنّهم لو لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الكمال لما استحقّ موجود أن يوجد.

و لهذا فمن الطبيعي أنّ الوجود يستمر لأجلهم، و يبقى لبقائهم، و هذا معنى ما ورد في حديث الكساء على لسان اللّه عز و جل:

«إنّي ما خلقت سماء مبنيّة، و لا أرضا مدحيّة، و لا قمرا منيرا، و لا شمسا مضيئة، و لا فلكا يدور، و لا بحرا يجري، و لا فلكا يسري، إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء»، و حينما يسأل جبرائيل: «يا رب، و من تحت الكساء؟»، يأتيه الجواب: «هم أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، هم فاطمة

ص:55


1- جامع الأخبار: ص 8-9.

و أبوها، و بعلها و بنوها»(1).

و ما دام اللّه تعالى خلق كل شيء لأجلهم، فمعنى ذلك أنّه خلق الأنبياء أيضا لأجلهم، بمعنى أنّ اللّه أوجد محمدا و آل محمد بالذات، و أوجد كلّ من سواهم بالتبع، حتى الأنبياء...

لأجل عيونهم و كرامة لهم أوجد إبراهيم، و أوجد نوح، و أوجد موسى، و كل الأنبياء، و لذلك ورد في الرواية ما معناه أنّه: لما خلق اللّه تعالى آدم و نفخ فيه من روحه عطس، فألهمه اللّه أن قال: «الحمد للّه رب العالمين، فقال اللّه: يرحمك ربك.. إلى أن تقول الرواية: فقال - أي: آدم -: يا رب، خلقت خلقا هو أحب إليك مني... قال سبحانه و تعالى: نعم، و لولاهم ما خلقتك، فقال: يا رب، فأرينيهم، فأوحى اللّه إلى ملائكة الحجب: ارفعوا الحجب، فلما رفعت فإذا بخمسة أشباح قدّام العرش، و هي أشباح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين»(2).

فهذا هو إذن معنى الصلاة على محمد و آل محمد، معناه الاتصال بمنبع الفيض الإلهي، و بقطب دائرة الإمكان، و هذا الاتصال هو السبيل الوحيد لنيل رحمة اللّه و فضله، ابتداء من الملائكة و الأنبياء فمن دونهم، و لذا ورد في حديث خلق العرش عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما معناه:

«إنّ اللّه تعالى حين خلق العرش و ملائكته، طلب إليهم أن يحملوا العرش، فتعاطوه فلم يطيقوا حمله و لا تحريكه، فضاعف عددهم فلم يقدروا عليه، ثم خلق مع كل واحد منهم عشرة فلم يستطيعوا تحريكه، فخلق مع كل واحد منهم

ص:56


1- مفاتيح الجنان: 389-390.
2- تأويل الآيات: ص 52 (بتصرف).

مثل جماعتهم - أي أصبح عددهم هائلا جدا يمكن تقديره بمليارات المليارات المليارات - و مع ذلك لم يقدروا على تحريكه، فقال اللّه عز و جل: خلوه عليّ أمسكه بقدرتي، فخلوه فأمسكه بقدرته، ثم طلب من ثمانية منهم أن يحملوه، فقالوا: يا ربنا لم نطقه نحن و هذا الخلق الكثير و الجم الغفير، فكيف نطيقه دونهم؟!، فقال اللّه عز و جل:

لأني أنا اللّه المقرّب للبعيد، و المذلل للعبيد، و المخفّف للشديد، و المسهّل للعسير، أفعل ما أشاء، و أحكم ما أريد، أعلمكم كلمات تقولونها يخفّ بها عليكم، قالوا: و ما هي؟

قال: تقولون: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم، و صلى اللّه على محمد و آله الطيبين»، فقالوها، فخف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قوي»(1).

و ها هو إبراهيم الخليل عليه السّلام ينال ما نال من شرف و مكانة و قرب منزلة عند اللّه تعالى بكثرة صلاته على محمد و آله، فقد روى الصدوق بإسناده إلى الإمام الهادي عليه السّلام أنّه قال:

«إنما اتخذ اللّه عز و جل إبراهيم خليلا لكثرة صلاته على محمد و أهل بيته (صلوات اللّه عليهم)»(2).

و ها هو يوسف عليه السّلام يدعو في بعض أوقات بلواه فيقول:

«.. يا غافر الذنوب، يا علام الغيوب، يا ساتر العيوب، أسألك أن تصلي على

ص:57


1- بحار الأنوار: ج 55 ص 33 (بتصرف)، و انظره في تأويل الآيات: ص 453 و تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: ص 124-125 مع اختلاف طفيف.
2- علل الشرائع: ص 34، و ذكر في وسائل الشيعة: ج 7 ص 194.

محمد و آل محمد، و تجاوز عنا فيما تعلم، إنّك أنت الأعز الأكرم»(1).

و ها هو موسى أوحى اللّه إليه أن: «اضرب بعصاك الحجر، و قل: (اللهم بجاه محمد و آله الطيبين، لما فلقته)، ففعل، فانفلق و ظهرت الأرض إلى آخر الخليج»(2).

و ها هو يوشع بن نون يكتب: «سبحان اللّه كما ينبغي للّه، و الحمد للّه كما ينبغي للّه، و لا إله إلاّ اللّه كما ينبغي للّه، و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه، و صلى اللّه على محمد و على أهل بيت النبي الأمي، و على جميع المرسلين و النبيين حتى يرضى اللّه»(3).

و لذلك من المستحبات الواردة أن يصلى على محمد و آل محمد في كل يوم جمعة ألف مرة، و في سائر الأيام مائة مرة، و أنّه: «إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر، في أيديهم أقلام الذهب، و قراطيس الفضة، لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد و آل محمد (صلوات اللّه عليه و عليهم)..»(4).

و ورد عن الصادق عليه السّلام: «من صلى على محمد و آل محمد عشرا صلى اللّه عليه و ملائكته مائة مرة، و من صلى على محمد و آل محمد مائة مرة صلى اللّه عليه و ملائكته ألفا».

ص:58


1- مهج الدعوات: ص 369.
2- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: ص 199.
3- مهج الدعوات: ص 371.
4- البرهان: ج 6 ص 308.

فوائد الصلاة في الحياة الدنيا

1 - التخلّق بأخلاق الله عزّ و جل و الملائكة و سائر المخلوقات:

ذكر اللّه تبارك و تعالى في كتابه المجيد بأنه يصلي على نبيه الكريم و هكذا الملائكة و سائر المخلوقات عندما تصل إلى ذروة كمالها و عزّها، لهذا فإن الصلاة على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نوع من الاتصاف بصفات اللّه عز و جل العليا و كما جاء في الحديث الشريف «تخلقوا بأخلاق اللّه» و هذا الأمر يؤدي بالإنسان إلى الرقي و الوصول إلى منازل الخلد.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلاة واحدة، صلى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة، و لم يبق شيء مما خلق اللّه إلا صلى على ذلك العبد لصلاة اللّه عليه، و صلاة ملائكته، و لا يرغب عن هذا إلا جاهل مغرور قد برئ اللّه منه و رسوله»(1).

الأسرار و كلّ الأسرار إنما هي منضمّة و مندكّة في الصلوات على محمد و آله الأبرار، و لهذا نطلعكم في هذا البحث بذكر النبيّ و آله على سرّين هامّين من أسرار هذه الصلوات الملكوتية، بل الجبروتية، بل فوق الجبروت في عوالم اللاهوت و عوالم ما لا ندرك و لا نفقه، و بهذه الصلوات تكتشف خبايا و زوايا المعارف الحقّة

ص:59


1- ثواب الأعمال: 139.

في الملأ الأعلى و ما فوقه، و في الملأ الأدنى و ما تحته و ما بينهما، كلها منطوية في «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد».

روي أنّ رجلا طاف و أتمّ الطواف فجاء إلى الإمام و قال: لم يأتني ذكر سوى الصلوات، فقال الإمام:

و أي شيء أعظم من هذا و قد ساوى المعصوم عليه السّلام بين الصلوات و التسبيحات و التهليلات و التحميدات و التمجيدات على حدّ سواء، فهي ذكر بل أعظم الذكر كما في النص الشريف.

وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (1) التسبيح تارة: اللّه أكبر، و تارة: سبحان اللّه، و تارة أخرى: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا نوح، يا إبراهيم، يا عيسى، يا مائة و أربعة و عشرين ألف نبيّ، يا مائة و أربعة و عشرين ألف وصيّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً محور كلّ شيء ذكر النبيّ و آله.

السرّ الأول:

لقد سدّت الآفاق و أنطقت الإبل في ذكر النبيّ و آله، ففي حديث زيد بن ثابت، قال: خرجنا جماعة من الصحابة في غزاة من الغزوات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى وقفنا في مجمع طرق، فطلع أعرابي بخطام بعير حتى وقف على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و عليك السلام. قال: كيف أصبحت، بأبي أنت و أمّي، يا رسول اللّه. قال له: أحمد اللّه إليك كيف أصبحت.

ص:60


1- الأحزاب: 42/33.

قال: و كان وراء البعير الذي يقوده الأعرابي رجل فقال: يا رسول اللّه، إنّ هذا الأعرابي سرق البعير، فرغا البعير ساعة، فأنصت له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسمع رغاءه.

قال: ثمّ أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الرجل فقال: انصرف عنه، فإنّ البعير يشهد عليك أنّك كاذب.

قال: فانصرف الرجل، و أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الأعرابي فقال: أيّ شيء قلت حين جئتني؟ قال: قلت: اللهمّ صلّ على محمد حتى لا تبقى صلاة، اللهمّ بارك على محمد حتى لا تبقى بركة، اللهمّ سلّم على محمد حتى لا يبقى سلام، اللهمّ ارحم محمدا حتى لا تبقى رحمة.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

إنّي أقول: ما لي أرى البعير ينطق بعذره، و أرى الملائكة قد سدّوا الأفق(1).

إنّ البعير قد نطق بعذره، يريد أن يقول: إنّ فعل هذه الصلوات و تأثيرها في عوالم الإمكان، أن جعلت الآفاق مغلقة و مطبقة، و قد أنطقت الحيوان بالحقّ و بالعذر و بالحجّة، هذه هي الصلوات، و هي الإكسير الأعظم.

إنّ الدعاء يكون محجوبا بسبعين حجابا ما لم يتصدّر بذكر الصلاة على محمد و آل محمد.

السرّ الثاني:

لماذا جعل مهر النساء خمسمائة درهم، قيل لأبي الحسن عليه السّلام: كيف صار مهر النساء خمسمائة درهم: اثنتي عشرة أوقية؟ قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أوجب على نفسه أن لا يكبّره مؤمن مائة تكبيرة و يسبّحه مائة تسبيحة، و يحمّده مائة

ص:61


1- أمالي الطوسي: 200/127، بحار الأنوار: 19/53/94.

تحميدة و يهلّله مائة مرة، و يصلّي على محمد و آله مائة مرة، ثم يقول: اللهم زوّجني من الحور العين إلاّ زوّجه اللّه عزّ و جل، فمن ثمّ جعل مهر النساء خمسمائة درهم، و أيما مؤمن خطب إلى أخيه حرمة، و بذل له خمسمائة درهم، فلم يزوّجه، فقد عقّه و استحقّ من اللّه عزّ و جلّ أن لا يزوّجه حوراء»(1).

يعني كلّ شيء لا بدّ أن يرتبط تمام الارتباط بهذه الأذكار، هناك ارتباط و هذا الارتباط شديد و مهمّ، فيما نجده في الأخبار عن الأئمة عليهم السّلام، و أنّه ببركة الصلوات كان عقد أبينا آدم على حواء، لمّا أراد أن يصلها قالت الملائكة: قف يا آدم، قال: و لم، أليست هي مخلوقة لي، أليست هذه حواء خلقت لي؟

قالت الملائكة: حتى يأذن اللّه، قال آدم: و كيف يأذن لي؟

قالت: بالمهر، لا بدّ أن تسمّي المهر حتى تكون زوجة لك، قال: و ما مهرها؟

قالت: - الدعاء الربانيّ من العليّ الأعلى -، و هو: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد(2).

يعني هذه البشرية كلها إنما كانت آتية ببركة عقد شرعي لأوّل مخلوق و مخلوقة و كان مسمّى المهر الشرعي هو الذكر المحمديّ، هذا أصل الوجود في ما يتعلق بتكاثر النسل، و لهذا فإنّ البيت الذي تكثر فيه الصلوات بيت محفوظ من الشرك و الشيطان و الأبالسة.

هناك امرأة توفيت و عليها بعض الذنوب، و كانت معذّبة بذنوبها في قبرها، فلمّا دخل بعض المصلّين و بعض الأولياء تلك المقبرة، و وصل إلى قبرها، إذا به يقول: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، - يراها فيما يرى النائم - أقرب الناس

ص:62


1- علل الشرائع: 1/499، عنه بحار الأنوار: 18/52/94.
2- انظر القطرة ج 1 /باب فضل الصلاة على النبيّ و آله.

إليها و هي تبشّره أنّ العذاب مهما كان شديدا و قويا و مؤكدا، فلمّا ذكر النبيّ و آله و إذا بالنداء كفّوا عن عذابها، ألم يذكر محمد و آل محمد(1) ، و كيف يجتمع النور مع الظلمة؟ إنّ هذا لأمر عظيم حقيقة.

إنّ هذا الكون كلّه بما فيه من عوالم، اللّه تعالى قادر أن يخلق مثله، و بما فيه من عجائب و دقائق ما يرى و ما لا يرى يمكنه أن يخلق مثلها بلايين بلايين المرات، فإذا كان اللّه قادرا على أن يصنع هذا الملك و الملكوت و تلكم العوالم، و هو الغنيّ المطلق عن كلّ شيء، و هو غنيّ عن العالمين، يملّكها محمدا و آله، فهل ينقص ذلك من خزائنه شيئا؟

ما قيمة هذا الوجود بالنسبة للمحمود محمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

إذا كان اللّه تعالى قد خلق الكون لأعزّ مخلوق «ما خلقت سماء مبنيّة و لا أرضا مدحيّة و لا قمرا منيرا و لا شمسا مضيئة و لا فلكا يدور و لا بحرا يجري و لا فلكا يسري، إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة»(2) لا تزيده كثرة العطاء إلاّ جودا و كرما، و قد أخذ على نفسه أن يملّك الكون لمحمد و آله، و لذا ينبغي للإنسان أن يعرج بروحه و يصعد بعقله إلى معارف آل محمد حتى يبلغ الذروة العليا، و لا يظلّ دائما شأنه شأن البهائم إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (3) من هم هؤلاء الذين يمثّلهم القرآن تارة بالحمير و تارة بالأنعام و أخرى بالبهائم، على ألسن الأئمة عليهم السّلام، إنّما إشارة إلى الذين يقفون حائلا دون معارف آل محمد صلوات اللّه عليهم، هذه هي كل الحقيقة، و لو تقرأ الروايات المتعلقة بهذه الأمثلة، لوجدتها

ص:63


1- انظر القطرة ج 1 /باب فضل الصلاة على النبيّ و آله.
2- عوالم فاطمة عليها السّلام: 641.
3- الفرقان: 44/25.

تشير إلى هذا الصنف الذي يحول دون معرفة الناس الحقّة لآل البيت، هناك نص صحيح و صريح و من حيث السند فهو في غاية الكمال، عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام: «الحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق»(1). ما المقصود بالخلق؟

آدم من الخلق، نوح من الخلق، و إبراهيم و هكذا جميع الأنبياء و جميع الكائنات و المكنونات مخلوقة، و لكن ما المقصود بالحجّة قبل الخلق؟ تجد الجواب مسطورا بأحرف النور في الزيارة الجامعة الكبيرة الشريفة «خلقكم اللّه أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين»(2). و الحجّة مع الخلق أي لا تخلو الأرض من الحجّة. و الحجة بعد الخلق، يعني إذا فني كلّ شيء سوى الحقّ، يكون بعد فناء كلّ شيء الحجّة «و بوجهك الباقي بعد فناء كل شيء» (3)كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ (4) الوجه هو الحجة عليه السّلام قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق، إذا كان الإنسان لا يفهم هذه المعاني يصبح كالريش في مهبّ الريح.

نحن مطالبون بمعرفة الأئمة الميامين، فكلّ شيء متفرّع على معرفة الحقّ و الحقّ آل محمد عليهم الصلاة و السلام.

حلاوة العسل

أحد الأيام، كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالسا مع الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام في وسط بستان كثير الزرع و الأشجار، أقبلت نحوهما نحلة و أخذت تدور فوق رأسهما كثيرا، التفت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام و قال:

ص:64


1- الكافي: 4/177/1.
2- من لا يحضره الفقيه: 372/2، فرائد السمطين: 182/2.
3- مصباح المتهجد: 844.
4- القصص: 88/28.

أتدري يا علي ما ذا تقول هذه النحلة؟ قال الإمام عليه السّلام: لا يا رسول اللّه.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ هذه النحلة قد استضافتنا اليوم، قالت لي: وضعت لكم مقدارا من العسل في محلّ كذا، فأرسل أخاك أمير المؤمنين عليا عليه السّلام إلى ذلك المحل ليأتي به، فقام الإمام عليه السّلام و جلب العسل. النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاطب النحلة قائلا: أيتها النحلة إن طعامك من أزهار الورود و هو مرّ، فكيف يتحول إلى عسلّ حلو؟ قالت النحلة: يا رسول اللّه إن حلاوة العسل جاء من بركة ذكر اسمك المبارك و اسم أهل بيته الطاهرين عليهم السّلام، عندما نمتص رحيق الأزهار يلهم إلينا أن نصلّي عليك و على أهل بيتك المعصومين ثلاث مرّات، فلما نكمل ذكر الصلوات يصبح عسلنا حلوا(1).

2 - إطاعة اللّه عز و جل و الامتثال لأمره:

أمر اللّه سبحانه و تعالى في كتابه الشريف المؤمنين بالصلاة على نبيّه و التسليم الكامل له بعد أن ذكر أنه يصلّي على نبيه و هكذا سائر الملائكة، قال سبحانه و تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (2).

لذا فإن الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إطاعة لأمر اللّه و الخضوع له، و بيّن في كتابه الشريف بأن جزاء الطاعة هو الفوز العظيم في الدنيا و الآخرة قال عز و جل: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (3). و عصيانه يوجب

ص:65


1- خزينة الجواهر و لمعات الأنوار: ص 586.
2- سورة الأحزاب: 56/33.
3- سورة الأحزاب: 71/33.

العقاب و النار في الدنيا و الآخرة.

قال عزّ و جل: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (1) تحيطهم في الدنيا و الآخرة.

في هذه الصلوات مضامين سامية لا يرقى إليها إلاّ من حباه اللّه بمعرفة آل اللّه، محمد و آل محمد، و قد عبّر عن هذا السرّ الصلواتي المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لمّا سئل:

أرأيت قول اللّه عز و جل: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً .

قال: «هذا من العلم المكنون، و لو لا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، إنّ اللّه تعالى وكّل بي ملكين، فلا أذكر عند مسلم فيصلّي عليّ إلاّ قال له ذلك الملكان:

غفر اللّه لك، و قال اللّه و ملائكته: آمين».

اللّه تبارك و تعالى يؤمّن على دعاء الملكين اللذين سمعا صلاة المصلي على النبيّ و آله: «و لا أذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلاّ قال له الملكان: لا غفر اللّه لك، و قال اللّه تعالى و ملائكته: آمين».

هذا سرّ عجيب، هذا العلم المكنون الذي لم يطلع عليه أحد، إلاّ من أشرب حبّ آل محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين، فينكشف له السرّ في معرفة العلم المكنون المخزون المصون الذي استأثر به اللّه عن سائر الخلق إلاّ لأتباع عليّ و آل عليّ صلوات اللّه عليهم أجمعين.

روى الشيخ المجلسي في (البحار) بالإسناد إلى الإمام الكاظم عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّه قال في جواب اليهودي الذي سأله عن فضل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

ص:66


1- سورة التوبة: 49/9.

على سائر الأنبياء عليهم السّلام، فذكر اليهودي أنّ اللّه أسجد ملائكته لآدم عليه السّلام فقال عليه السّلام: «و قد أعطى اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من ذلك، و هو أنّ اللّه صلّى عليه و أمر ملائكته أن يصلّوا عليه، و تعبّد جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة، فقال جلّ ثناؤه: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً فلا يصلّي عليه أحد في حياته و لا بعد وفاته إلاّ صلّى اللّه عليه بذلك عشرا، و أعطاه من الحسنات عشرا بكل صلاة يصلّيها عليه، و لا يصلّي عليه أحد بعد وفاته إلاّ و هو يعلم بذلك، و يردّ على المصلي السلام مثل ذلك؛ لأنّ اللّه جلّ و عزّ جعل دعاء أمته فيما يسألون ربهم جل ثناؤه موقوفا عن الإجابة حتى يصلوا عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فهذا أكبر و أعظم مما أعطى اللّه آدم عليه السّلام»(1).

إنّ السجدة كم كانت مدتها؟ و كم طالت؟ ما المدة الزمنية لها؟ كانت السجدة لآدم لمدة محدودة، أمّا حقيقة الصلاة الإلهية التي تستفاد من فعل المضارعة إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ أي ما دامت الدنيا و ما دام الوجود لا تنقطع صلاة اللّه و صلاة ملائكته على النبي و آله على الطلاق، فتلك سجدة زمنية محدودة بحدّ، و هذه الصلاة ربوبيّة لا إقطاع لأمرها و لا منتهى لعددها، صلاة عددها في علم اللّه، صلاة تشحن الهواء و تملأ الأرض و السماء، يتنفّس بها الأولياء و الأزكياء، آدم فمن دونه، لأنهم هم المخاطبون في المقطع القرآني يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا من المؤمنين آدم، و من المؤمنين نوح، و إبراهيم، و هكذا موسى و عيسى و كلّ أولي العزم و كلّ الأنبياء ممن يصدق عليهم اَلَّذِينَ آمَنُوا ، فهم مشمولون كلهم أجمعون بهذا الخطاب: صلّوا عليه و سلّموا تسليما.

ص:67


1- إرشاد القلوب: 302/2، عنه بحار الأنوار: 95/96/94.

و هناك بيان عميق، و هو أنّ تلك الحالة حالة آنية، و هذه حالة زمنية تمتد بامتداد الوجود لا انقطاع لها، و قد صلّى اللّه من فوق عرشه على النبيّ و آله، و من هنا تجد أنّ المراد بالتسبيح و الذكر ليس فقط لا إله إلاّ اللّه.

الذكر يصدق على لا إله إلا اللّه، و يصدق على اللّه أكبر، و يصدق على التحميد، و يصدق على التمجيد، و يصدق على الصلوات على النبيّ و آله، و من هنا ورد وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (1) ما نوع هذا التسبيح؟ لا إشكال عند أولي البصيرة و الأبصار، بأنّ حقيقة التسبيح لا تكون تسبيحا إلاّ إذا كانت مسبوقة بذكر محمد و آل محمد صلى اللّه عليهم أجمعين.

قال رسول اللّه: «من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطى به طريق الجنة» (2).

فكل دعاء كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام محجوب بأكثر من سبعين حجابا، حتّى يسبق دعاءه بذكر محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لذا ينبغي أن نعرف ما سرّ الصلوات عندما نقول: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، في الصباح و المساء، و الدعاء، و الزيارات، و في الأذكار.

بعض أجاب فقال: بأنّ الصلاة تعني أن نطلب الرحمة للنبيّ، أي يا ربّ ارحم النبيّ، القرآن الصريح وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ، يعني أنّ كل العوالم العلوية و السفلية، إنّما برحمة محمد صارت علويّة، و صارت في هذا الموقع، فالكل من العوالم محتاج للمدد المحمدي و لا عكس، ذلك لأنّه إذا انعكس الأمر، لم يصبح رحمة للعالمين، و إنما صار العالم رحمة له.

ص:68


1- الإسراء: 44/17.

إذا كل ما في هذا الوجود إنما يفتقر إلى خير الموجود، صلّى اللّه عليه و على آله.

إذا كيف نقول بأنّ الصلاة هي الرحمة؟ أطلقها المعصوم و أراد منّا التأمل في معنى الرحمة كما قال ذلك الذي سقاه الإمام الرضا عليه السّلام، شربة من ماء، فارتوى و شرح الزيارة الجامعة الشريفة، و شرح الصلوات(1) ، فقال: المراد بالرحمة كشف و إبراز تلك المقامات التي وصل إليها المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مقام قاب قوسين أو أدنى، حتى نتعرف على حقيقته و ننضمّ في هويته، و نصبح من أتباع ملّته و على طريقته، الرحمة بمعنى يا ربّ اكشف لنا حقائق هذا النبيّ العلوي الملكوتي النوراني يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (2).

لن يهدأ للعارف بال، و لن يستكين له حال، حتى يرقى إلى معرفة تلكم الأسرار، ببركة محمد و آله خير الوسيلة إلى تلك المعارف.

اللهمّ عرّفنا قدر هذه الصلوات، اللهمّ اكشف لنا هذه المقامات و الشؤونات، و أخرجنا من قعر الظلمات، و سجن الطبيعة و الجمود على الألفاظ المشؤومات، شؤم بقاء الإنسان متقيّدا و متغلّفا لا فرق بينه و بين أبي حنيفة و أتباعه، يجب أن يخرج الإنسان من هذه الظلمة ليخرق حجب كلّ شيء.

يقول المتقي الهندي في (كنز العمال) و هو رجل من المخالفين ينقل بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «سلوني قبل أن تفقدوني، فإني لا أسأل عن شيء دون

ص:69


1- هو المولى الهمدانيّ الدرودآبادي صاحب الشرح المنيف الموسوم ب «الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة».
2- الطلاق: 10/65 و 11.

العرش إلاّ أخبرت عنه»(1).

إنّ الذي يريد أن يصل إلى المعرفة الحقّة، عليه أن يحكّم أصوله، ثم يذهب للأمور الفرعية الأخرى، ففي الخبر الصحيح في الكافي الشريف: «ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالى، الطاعة للإمام بعد معرفته»(2). هذه هي الذروة، يريد عليه السّلام أن يقول: إنّ من يريد الوصول إلى المعرفة الحقّة، عليه أن يحكّم أصوله، ثمّ يذهب للأمور الفرعية الأخرى، اعرف الحقّ و أهله أولا. إذا معرفة النبيّ و أسراره و معرفة آل النبيّ و أسرارهم، إذا لم تتحقق فلا فائدة بدونها و نبقى في تخلّف و ظلمات.

القرآن الكريم يقول: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ (3) ، إذا الأمر سهل يتمّ بالعلم و المعرفة، و محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هم أهل العلم و المعرفة.

المرتاضون إذا أرادوا أن يرتاضوا يشرعون في ذكر الصلاة على النبيّ و آله، فكم من معارف و أسرار تنكشف لهم، سلوا أهل الذكر «و اسأل به خبيرا» علماؤنا كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه؟

في نهاية البحث أودّ أن أشير إلى شخصية عملاقة في الزهد و العبادة و العلم و هو شيخ الفقهاء مرتضى الأنصاري (قدس سره) صاحب كتابي (الرسائل في الأصول و المكاسب في الفقه)، بأنّ كلّ ما عنده من أسرار في العلوم و الفنون المختلفة منشؤه أمران: الأول: مواظبته على زيارة المولى قطب دائرة الصلوات

ص:70


1- كنز العمال: 36502/165/13.
2- الكافي: 1/185/1.
3- الرحمن: 33/55.

و التحيات أمير المؤمنين علي عليه السّلام و إكثاره ذكر الصلوات على النبيّ و آله.

الثاني: ملازمته زيارة عاشوراء في كلّ يوم، لما فيها من اللعن و البراءة من أعداء آل محمد عليهم السّلام و أسرار أخرى يعرفها أهلها(1).

3 - تجدد العهد و الميثاق مع الله تبارك و تعالى:

عن الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال: «من صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمعناه أنا على الميثاق و العهد الذي قبلت به حين قوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى.. »(2).

من أهمّ عقد المواثيق في تاريخ الخلق و في تاريخ العهود و المواثيق الميثاق الأول الذي أخذه اللّه على بني آدم و أشهدهم على أنفسهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (3) هذا العهد الأول و الميثاق الأول على بني البشر، و ممن ظهر من بني آدم إلى الخاتم صلوات اللّه عليهم و قد ورد في الحديث «من صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فمعناه إنّي أنا على الميثاق و الوفاء الذي قبلت حين قوله: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى »(4).

و هناك مواثيق أخرى في تاريخ الإنسان، منها ميثاق بيعة الغدير، حيث أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ميثاقا على من كان معه ممّن حج بيت اللّه، بعد إتمام آخر حجّة، و التي تسمى بحجّة الوداع، و أقرّهم على أنّ المولى الذي هو أولى بالنفس هو أمير

ص:71


1- انظر زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة تأليف عليّ الموحّد الأبطحي.
2- البحار: ج 94 ص 54 ح 25.
3- الأعراف: 172/7.
4- معاني الأخبار: 1/115، عنه بحار الأنوار: 25/54/94.

المؤمنين علي عليه السّلام، و جعل هذا اليوم ملاكا لرسالات السماء، و ملاكا للأديان، ملاكا للسماوات، ملاكا للعرش، مناطا للّوح و القلم و الكرسي، كل ما في هذا الوجود إنّما هو معلّق على هذا اليوم، فلا رسالة و لا رسول و لا نبوة و لا أنبياء و لا ديانة و لا دين و لا مؤمن و لا إيمان، بل و لا توحيد للرحمن و لا معاد و ما إلى ذلك من شؤونات إلاّ بتحقيق إبلاغ الولاية لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.

تعليق كل الرسالات، السماوية و الأديان الإلهية و تقرير مصيرها كان يوم الغدير، تقرير حركتها بمائة و أربع و عشرين ألف نبيّ، و مائة و أربع و عشرين ألف وصيّ، و هكذا فيما يتعلق في الأجواء العليا، الملكوت و الجبروت و ما أشبه، و أيضا فيما يتعلق بالملأ الأسفل الدنيا و من فيها، كلّ شيء معلّق على الميثاق و إعلان الولاية بهذه الآية وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (1).

يعني كل ما عندك من جهود مضنية و رسالات عالية و مجاهدات لا يبلغها الأنبياء و لو اجتمعوا؛ لا يصلون إلى سجدة من سجدات المصطفى، و لا ركعة من ركعات النبيّ الأعظم، و لا تكبيرة من تكبيرات الرسول، لو كبّر الخلق بمن فيهم الأنبياء من أولي العزم نوح و إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السّلام لما ساووا في تكبيراتهم مجتمعين مع الخلق، السماوات و ما فيها و الأرضين و ما تحتوي، تكبيرة من تكبيرات الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السّلام منفردين، و هكذا الحال بالنسبة للأئمة عليهم السّلام.

سفير الروم

من هنا كان الميثاق غليظا، و نزلت النقمة على من خالف و ادّعى ما ليس له بحق، و عليه ما عليه الذي جعل الأمة تصل إلى درجة أن تحمل رأس ابن بنت نبيّها في الدواوين و الصواوين، وصلت إلى هذا المستوى من التعامل، و في محضر

ص:72


1- المائدة: 67/5.

يزيد، كان قد جاء وفد من الروم أرسله الملك، فلمّا دخل الوفد و كان دخوله مع دخول السبايا، هذا المشهد كان مشهدا غريبا غير مألوف عندهم، فسأل رئيس الوفد، و قال له: ما قضية هذا الرأس؟

قال يزيد: لا عليك، إنّما هذه شؤون داخلية لا تتدخل فيها.

قال: إذا رجعت و سألني ملك الروم، و قال لي: ماذا رأيت أخبرني بما شاهدته، و أنا قد رأيت هذا المشهد، فماذا أقول له؟

قال: هذا رأس ابن بنت رسول اللّه رسول الإسلام؟!

قال: و تضع رأسه في طشت، و تنكث ثناياه بهذه الكيفية، ويلك لعنك اللّه، إنّ لنا في جزيرة بين الهند و الصين حافر حمار عيسى بن مريم، نذهب إليه كل عام و نقصده بالنذورات و نتبرك به هناك أياما طوالا، و أنتم تجعلون أبناء الأنبياء و رؤوسهم بهذه الكيفية؟! خذلك اللّه يا يزيد.

قال يزيد: اقتلوه إنّه سوف يفضحنا، فقتل بأمر من يزيد. و قيل: إنّه قتل بعد أن نطق بالشهادتين: أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه.

فكل الرزايا إنما هي من يوم الاثنين. و عند ما خرجت جنازة الإمام العسكري عليه السّلام فإذا بجارية من آل البيت تنادي بأعلى صوتها: هذا من يوم الاثنين.

و كذلك لما وقع زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين عليه السّلام، زيد الثائر العابد، العارف، الصادق، المؤمن، العالم، هذا الذي ثار من أجل حرمة فاطمة الزهراء عليها السّلام، عندما ضرب بسهم نبت في جبينه فوقع، سئل ممّ هذا السهم؟ لم يجبهم، فلما استخرجه قال: هذا من يوم الاثنين، هذا من يوم السقيفة.

جنازة الحسن عليه السّلام رشقت بسبعين سهما، و هذا لم يحصل في التاريخ، لم

ص:73

يشاهد إلاّ في بني أميّة عليهم لعنة اللّه.

هذا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي قال فيه: «حسين مني و أنا من حسين»(1).

الحسين الذي شهد له الحق من أعلى العرش، شهد له في مواطن في القرآن الكريم، كما في آية المباهلة تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (2).

الشيعي في اللغة بمعنى التابع، و أشرف لفظ و أقدس تعبير في القرآن الكريم هو الشيعة، إنّه أفضل و سام لأفضل نبيّ هو شيخ الأنبياء إبراهيم وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (3) فلو كان فيه تشنيع أو خدش أو كلمة غير مستقيمة ما وسم به شيخ الأنبياء إبراهيم، إذا شيخ الأنبياء شيعيّ.

جاء الرسول يوم المباهلة محتضنا الحسين عليه السّلام آخذا بيد الحسن عليه السّلام مع أنه كان بإمكانهما المشي، فلماذا احتضن الرسول الحسين؟ إنّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يريد أن يلفت الأنظار، و يريد أن يقول إنّ هذا قلب الإسلام على قلب خير الأنام، ثم التفت إلى فاطمة عليها السّلام و كانت خلفه، و كان أمير المؤمنين عليه السّلام خلف فاطمة، قال الرسول: إذا دعوت فأمّنوا، ماذا يريد أن يقول الرسول؟

يريد أن يبين بأنّ شرط الإجابة في الدعاء ولاية هؤلاء آل العباء، و لا يتحقّق دعاء في عوالم التكوين إلاّ بآمين آل محمد، إذا دعوت فأمّنوا، يعني يا حسن بني و يا حسين بني، إذا دعوت على هؤلاء - وفد نصارى نجران - فقولوا آمين، فإنّ

ص:74


1- مسند أحمد: 172/4، سنن ابن ماجة: 64/1، سنن الترمذي: 195/13، عنهم إحقاق الحق: 266/11.
2- آل عمران: 61/3.
3- الصافات: 83/37.

السماوات و الأرضين تنخسف عن بكرة أبيها.

هذا الذي يباهل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يحمل رأسه على رمح طويل، إنما هو أثر من آثار الخيانة الكبرى في يوم السقيفة المشؤومة، و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

من أسرار الصلوات

يفسّر المعصوم هذه الصلوات بهذه العبارات حيث يقول:

«من صلّى على النبيّ و آله، فمعناه أنّي على الميثاق و على الوفاء حين قبلت نداء الربّ: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (1)».

معنى هذه العبارة أنا المتعهد و المواظب و الممارس لهذا السرّ الملكوتي النازل، بل هذا السرّ فوق اللاهوت الذي نزل من عند اللّه إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ و هو بحسب الواقع تجييش كامل لدائرتي الواجب و الحقّ إذا صحّ التعبير، و الممكن و الخلق و ما بينهما من الإمكان الراجح، كلّه مجيّش من اللّه تعالى إلى أصغر ذرّة، كلهم مجيّشون ذاكرون محمدا و آل محمد، و كان ابتداء الخليقة بهذا السرّ.

لمّا خلق اللّه تعالى هذا الوجود و الموجود على هيئة الذرّ، كما نصّ القرآن لمّا عرض عليهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ أليس محمد نبيكم؟ أليس عليّ إمامكم و وليّكم؟ قالوا: اللهمّ بلى، فمن صلّى في هذه الدنيا و كان من المواظبين عليها، يكشف هذا الفعل عن أنه قال: بلى لمحمد و آل محمد، و من أبى و امتنع و تكبّر عن هذا السرّ، أو من كان مصليا و لكن كانت صلاة صلعاء بتراء، كان ممّن خوطب «ألست

ص:75


1- الأعراف: 172/7.

بربكم؟ قالوا: بلى، أليس محمد رسولكم و نبيكم؟ فسكت، أليس عليّ وليكم؟ فسكت» فهذا الذي في الدنيا لم يطيّب فاه بالصلاة الكاملة، أو كان يصلّي و صلاته بتراء، فهو ممن أحجم بلا.

إذا السرّ الأول الذي نستلهمه بأنّ المقرّ بالصلاة الكاملة هنا فهو مقرّ بها هناك، و أن من لم يقرّ بها أو أنقصها فهو لم يقرّ بها هناك حينما كان الخطاب أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و من هنا تجد التأكيد عند الأئمة عليهم السّلام حتى عند ذكر الأنبياء.

قال معاوية بن عمار: ذكرت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بعض الأنبياء فصلّيت عليه، فقال: «إذا ذكر أحد الأنبياء، فابدأ بالصلاة على محمد ثمّ عليه، صلّى اللّه على محمد و آله و على جميع الأنبياء»(1).

قدّم المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع الخلق حتى في الصلوات، لا يمكن أن تذكر نبيّا تعقبه بالذكر الخاص دون ذكر المصطفى و آله، و كذلك في مجالسنا طالما يتكرر الحديث عن موسى و تقول عليه السّلام، و عن عيسى تقول عليه السّلام، هذا قول ناقص، و هذه صلاة بتراء، و هذا تسليم أبتر، و التسليم الأتمّ و الصلاة التامة أن تقول: على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام.

في معرض خبر مفصّل يذكره الشيخ المجلسي في كيفية الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كعب بن عجرة، قال:

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خرج علينا فقلنا: يا رسول اللّه، قد علّمتنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟

قال: «قولوا اللهمّ صلّ على محمد كما صلّيت على إبراهيم، إنك حميد

ص:76


1- أمالي الصدوق: 619/462، أمالي الصدوق: 951/424، عنهما بحار الأنوار: 5/48/94.

مجيد، و بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد»(1).

و آخر يقول في محضر الإمام الصادق عليه السّلام: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم، فقال عليه السّلام: «لا، و لكن كأفضل ما صلّيت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد»(2).

و لذلك ورد في الصحيفة السجادية من معاني الصلاة: «اللهمّ صلّ على محمد و رسولك و آل محمد صلاة عالية على الصلوات مشرفة فوق التحيات صلاة لا ينتهي مددها و لا ينقطع عددها كأتمّ ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك»(3).

و قال فديته نفسي في موضع آخر: «اللهمّ صلّ على محمد و آله إذا ذكر الأبرار، و صلّ على محمد و آله ما اختلف الليل و النهار، صلاة لا ينقطع مددها و لا يحصى عددها صلاة تشحن الهواء و تملأ الأرض و السماء، صلّى اللّه عليه حتى يرضى صلّى اللّه عليه و آله بعد الرضا صلاة لا حدّ لها و لا منتهى يا أرحم الراحمين»(4).

يريد أن يقول أنه يا ربّ صلّ عليه صلاة لا تقف عند غاية الرضا المحمديّ بل و بعد الرضا، صلاة حتى الرضا و بعد الرضا، يريد أن يقول الإمام: لا حدّ و لا عدّ و لا إحصاء.

و ها هنا معان عظيمة و دقيقة، فلو تأمّل الإنسان في مضامين تلكم العبارات

ص:77


1- أمالي الطوسي: 958/429، عنه بحار الأنوار: 6/48/94.
2- بحار الأنوار: 10/49/94.
3- الصحيفة السجادية الجامعة: 137.
4- المصدر نفسه: 173.

من خصائص المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تغلّب أنواره على أنوار الشموس و الأقمار، يغلب نوره على كل شيء، و الرسول لا فيء له، عليه إشراقة نورانيّة و الظلّ لا يظهر إلاّ إذا كان هناك ظلمانيّة، و هذا دليل على ظلمانيّة الخلق دون المصطفى.

هناك تحليل لأحد العرفاء، صحيح أنّ نور المصطفى بلا أشكال يغطي كلّ نور، و لكنّ هذا الظلّ إنما كان بالشمس العلوية التي لا تفارق النفس المحمدية وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (1) إذ هو نفسه.

هناك نصّ يكشف الأسرار، رجل اسمه حريز يدخل على الإمام الصادق عليه السّلام يقول: جعلت فداك، كيف الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

فقال: قل: «اللهمّ صلّ على محمد و أهل بيته، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

قال: فقلت في نفسي: «اللهمّ صلّ على محمد و أهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس و طهّرتهم تطهيرا».

قال: فقلت كما قال، فقال لي:

«قل: اللهمّ صلّ على محمد و أهل بيته الذين ألهمتهم علمك، و استحفظتهم كتابك، و استرعيتهم عبادك، اللهمّ صلّ على محمد و أهل بيته الذين أمرت بطاعتهم، و أوجبت حبّهم و مودّتهم، اللهمّ صلّ على محمد و أهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلّى اللّه عليه و على أهل بيته»(2).

لم يقل الإمام عليه السّلام بعض علمك، أو من علمك، و إنما قال: علمك، و علم اللّه تعالى لا حدّ له.

ص:78


1- آل عمران: 61/3.
2- جمال الأسبوع: 240، عنه بحار الأنوار: 55/67/94.

أشهد أنّك خازن كلّ علم، ما من علم إلاّ و هو خازن له صلّى اللّه على محمد و آل محمد، و هذه مضامين عالية ينبغي أن نتأمل فيها.

لو تأمّلنا الزيارة المخصوصة للمولى الحجّة عجّل اللّه فرجه:

«السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى و سدرة المنتهى»(1) بمعنى إذا نظر المولى و رفع بصره، إنما يكون الحدّ الذي ينتهي إليه بصره هو شجرة طوبى و سدرة المنتهى.

أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (2).

لماذا تحاجّونه على ما هو عليه من مرتبة، إنّ هذا النمط موجود في كلّ عصر و في كلّ جيل و كل زمان، دائما أهل البيت عليهم السّلام موقع السؤال و الشبهة و التشكيك و ما إلى ذلك، نفس الأمر الذي كان عليه أولئك في الصدر الأول.

ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى تحيّر الكمّل و عيت الفصحاء و عجزت البلغاء عن أن تصف شأنا من شؤونات أو مقاما من مقامات آل محمد صلوات اللّه عليهم.

هناك من يتمسّك بالآية: هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً (3) و يكتب كتابا متمسّكا بهذا النص دون إمعان النظر «أم على قلوب أقفالها» لا ينظر إلى بقية الآيات التي تشير إلى مقامات النبيّ و آله، دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (4) هذه الحقائق يجب أن تعرف حتى ينطلق الإنسان إلى المعارف

ص:79


1- مفاتيح الجنان: 526، من زيارة صاحب الأمر عليه السّلام.
2- النجم: 12/53-16.
3- الإسراء: 93/17.
4- النجم: 8/53-9.

و المضامين السامية.

فلو راح الإنسان يتأمل في دعاء السمات، سيجد فيه مضامين عالية و الزيارة الجامعة الكبيرة التي فيها نصوص عجيبة منها «ذلّ كلّ شيء لكم»(1) الشيء يصدق على جبرئيل، و يصدق على إسرافيل و ميكائيل و على العرش و الكرسي، و اللوح و القلم، كل شيء خاضع بوجوده و جواهره و أعراضه و صفاته و أطواره و أكواره و أدواره و ما يتصف به من صفات ملازمة ذاتية أو غير ذاتية مفارقة، كلّ شيء في الكون من الذرة إلى أكبر مجرّة، ما يرى و ما لا يرى ممّا نعلمه و ما لا نعلمه، خاضع بالكلية لولي اللّه الأعظم من آل محمد صلوات اللّه عليهم.

اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد الذين ألهمتهم علمك و استحفظتهم كتابك و استرعيتهم خلقك، إذ جعلت كل شؤونات هذه الخلائق مربوطة بهم، إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم و تصدر من بيوتكم، و لهذا لا تجد شيئا في هذا الكون إلاّ و هو متحقّق بالفيض الأعظم الأقدس، و بالتالي تنزّل إلى مراتب الوجود ببركة محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم.

إذا الصلوات أسرار، و لا بدّ من فهم هذا السرّ الذي كان يباشره أنبياء اللّه، و أولو العزم من الرسل، إذا نزلت بهم ملمّة أو واقعة استنجدوا بمحمد و آل محمد، سواء الذي وقع في بطن الحوت، أو الذي صعد في عروجه إلى أعلى الجبروت، كلهم في حالة الصلوات دون انقطاع، إذا كان التراب الذي تحت حافر رمكة جبرئيل له هذا الدور، بأن يحوّل سبعين ألف من بني إسرائيل إلى عبدة عجل، لأنّه استطاع أن يأخذ التراب من حافر الرمكة، و يقلب الناس و يتكلم بالعجائب، فكيف باسم محمد و آل محمد؟

ص:80


1- من لا يحضره الفقيه: 374/2، فرائد السمطين: 184/2.

لهذا ينبغي أن تكون التسمية للولد باسم إمام أو باسم مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام التي هي محور الكون و الوجود على الإطلاق، هناك سرّ في التسمية باسمها عليها السّلام، الإمام الكاظم عليه السّلام يقول: «بيت فيه اسم فاطمة لا يدخله الفقر»(1) ، لأنّه اسم مبارك، و له أثر تكويني و تصرف تكويني في المخلوقات بحيث لا يجتمع في بيت واحد اسم فاطمة و الفقر صلوات اللّه عليكم يا آل اللّه.

4 - الحصول على الصلوات الإلهية المضاعفة:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ صلّى اللّه عليه و ملائكته، و من شاء فليقلّ، و من شاء فليكثر»(2)

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوما للإمام علي عليه السّلام: «ألا أبشّرك؟ فقال: بلى بأبي أنت و أمي، فإنك لم تزل مبشّرا بكل خير. فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب! فقال علي عليه السّلام: و ما الذي أخبرك يا رسول اللّه؟ قال: أخبرني أن الرجل من أمتي إذا صلّى عليّ و أتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء، و صلّت عليه الملائكة سبعين صلاة، و إن كان مذنبا خطّاء، ثم تتحاتّ عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق عن الشجر. و يقول اللّه تبارك و تعالى: لبّيك يا عبدي و سعديك، و يقول اللّه لملائكته: يا ملائكتي، أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة، و أنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة»(3).

و عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم أره أشدّ استبشارا منه يومئذ و لا أطيب نفسا.. قلت: يا رسول اللّه، ما رأيتك قطّ

ص:81


1- عدّة الداعي: 59، عنه بحار الأنوار: 25/131/101.
2- أصول الكافي: 492/2 ح 7 - باب الصلاة على النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته عليهم السّلام.
3- أمالي الشيخ الصدوق: 345.

أطيب نفسا و لا أشدّ استبشارا منك اليوم! فقال: ما يمنعني، و قد خرج آنفا جبرئيل من عندي، قال: قال اللّه تعالى: من صلّى عليك صلاة صلّيت بها عليه عشر صلوات، و محوت عنه عشر سيئات، و كتبت له عشر حسنات(1).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال لإسحاق بن فرّوخ: «من صلّى على محمد و آل محمد عشرا صلّى اللّه عليه و ملائكته مائة مرّة، و من صلّى على محمد و آل محمد مائة مرة صلّى اللّه عليه و ملائكته ألفا، أما تسمع قول اللّه عز و جل: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (2)»(3).

و قال عليه السّلام: «إذا ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأكثروا الصلاة عليه، فإنه من صلّى على النبي صلاة واحدة صلّى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة، و لم يبق شيء مما خلق اللّه إلا صلى على ذلك العبد؛ لصلاة اللّه عليه و صلاة ملائكته، و لا يرغب عن هذا إلا جاهل مغرور، قد برئ اللّه منه و رسوله»(4).

و عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قال: «إذا قعد المصلّي للتشهّد الأول و التشهّد الثاني قال اللّه تعالى: يا ملائكتي، قد قضى خدمتي و عبادتي، و قعد يثني عليّ و يصلّي على محمد نبيّي، لأثنينّ عليه في ملكوت السماوات و الأرض، و لأصلّينّ على روحه في الأرواح. فإذا صلّى على أمير المؤمنين

ص:82


1- مجمع البيان: 370/4. و أخرجه النسائي و غيره عن أنس بن مالك بسند صحيح عندهم.
2- سورة الأحزاب: 43/33.
3- أصول الكافي: ج 2 - باب الصلاة على محمد و أهل بيته عليهم السّلام ح 14.
4- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: الشيخ الصدوق 185 - باب ثواب من صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة واحدة.

عليه السّلام في صلاته، قال: لأصلينّ عليك كما صلّيت عليه، و لأجعلنّه شفيعك كما استشفعت به»(1).

في الكافي عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنه قال: «إذا ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة واحدة، صلى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة و لم يبق شيء مما خلقه اللّه إلا صلّى على العبد لصلاة اللّه و صلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللّه منه و رسوله و أهل بيته».

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «من صلّى على محمد و آل محمد عشرا صلّى اللّه عليه و ملائكته ألفا أما تسمع قول اللّه عز و جل هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (2)».

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ مرة صلّى اللّه عليه عشرا، و من صلّى عليّ عشرا صلّى اللّه عليه مائة مرّة، و من صلّى عليّ مائة مرة صلّى اللّه عليه ألف مرة، و من صلّى علي ألف مرة لا يعذّبه اللّه في النار أبدا»(3).

5 - التشبّه بعمل الملائكة:

تبيّن آية الصلوات حالة الملائكة أينما كانوا بأنهم مشغولون دائما بالصلاة على الرسول و أهل بيته الأطهار عليهم السّلام قال عز و جل: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.. (4) ، فعندما يصلّي المؤمن على النبي و آله الميامين فإنه بعمله هذا

ص:83


1- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 217، بحار الأنوار: 286/85 ح 13.
2- سورة الأحزاب: 43/33.
3- بحار الأنوار: 63/94 ح 52.
4- سورة الأحزاب: 56/33.

يوافق و يواكب عمل الملائكة، و كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من تشبّه بقوم فهو منهم»(1) ، فمما لا شك فيه بأن الرحمة سوف تصيبه كما تصيب الملائكة، قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام من خطبة له: «بالشهادتين تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم، إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (2)».

التسبيح و الصلاة

في هذه الآية أسرار، و لكشف بعض هذه الأسرار، ورد عن أهل بيت الطهارة، أنّه دخل رجل على الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام فقال له: يا بن رسول اللّه، القرآن الكريم يقول: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (3) و في آية أخرى يقول: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إذا كيف يمكن الجمع بين تسبيح الملائكة ليل و نهار، و هم لا يفترون و لا يملّون و لا يسكنون، و بين قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ كيف يمكن الجمع بين الذكر الدائم الذي لا يفتر فيه الملك من ذكر اللّه سبحانه و تعالى، و بين الصلاة على النبيّ و آله؟

فيجيبه الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى لمّا خلق محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر الملائكة فقال: انقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمد، فقول الرجل: صلّى اللّه على محمد، في الصلاة مثل قوله: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه،

ص:84


1- مستدرك سفينة البحار: 323/5.
2- سورة الأحزاب: 56/33.
3- الأنبياء: 20/21.

و اللّه أكبر»(1).

إذا ينقص اللّه عزّ و جلّ من ذكره، لذكر المصطفى و آله، و هذا يعني أنّ الحق يؤكّد من فوق عرشه على أهمية هذا الذكر، و أنّه هو السرّ في الوصول إلى حقيقة الكلمات الأربعة، و لا يمكن أن يفقه المرء الكلمات الأربع - و هي سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر - ما لم يعرف محمدا و آل محمد عليهم صلوات الذاكرين و الذاكرات.

إذا فالتسبيح و الصلوات واحد في حساب العمل، إن شئت سبّحت، و إن شئت صليت، بل هناك من قال بأفضلية الصلوات، فإنّه الذكر الذي تنكشف به الحقائق، و هناك روايات تشير إلى أنّ هذا الذكر الصلواتي يخرق الحجب السبعة، و لا يدع بينك و بين اللّه حجابا.

6 - في بكاء الطفل:

هناك نصّ غريب و عظيم في مضامينه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:

«لا تضربوا أطفالكم على بكائهم، فإنّ بكاءهم أربعة أشهر، شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أربعة أشهر الصلاة على النبي و آله، و أربعة أشهر الدعاء لوالديه»(2).

أولا: بكاء الطفل في الأربعة الأشهر الأولى و ارتباطه بالتوحيد:

إنّ بكاءهم في الأربعة الأشهر الأولى، هو شهادة لا إله إلاّ اللّه، و يكون فيها موحّدا بذكر لا إله إلاّ اللّه. و بكاءهم في الأشهر الأربعة الثانية: اللهمّ صلّ على محمد و آله. و بكاءهم في الأشهر الأربعة الثالثة، الدعاء للوالدين، اللهمّ اغفر

ص:85


1- جمال الأسبوع: 236، عنه بحار الأنوار: 66/72/94.
2- التوحيد: 331:10، عنه بحار الأنوار: 28/55/94.

لوالديّ.

هنا تحليل عميق لهذا النص، ما هو السرّ في صراخ الطفل في الأربعة الأشهر الأولى و بين الشهادة في التوحيد. و بين صراخه في الأشهر الأربعة الثانية و بين الصلوات الزاكيات، و بين صراخه في الأشهر الأربعة الثالثة و بين الدعاء للوالدين.

عندما يولد الطفل لا يعرف في هذا الوجود أمّا و لا أبا، و إنما يعرف الذي خلقه معرفة بالفطرة، و لذا عندما يصرخ إنما يلتجئ إلى من خلقه و إلى من هداه، و أخرجه من ذلك القبر الرحمي، فلهذا يلتجئ بالفطرة الأولى و يهتدي بها إلى التوحيد الربوبيّ، و هذه معان عميقة، لذا يعبّر عنها بأنها أسرار.

إذا هذا النص يصرّح بعدم ضرب الطفل، لأنّه في حال ذكر و في حال توحيد حيث لا يهتدي إلاّ إلى بارئه، إنّ هناك أسرارا في الكون، و الدليل من القرآن وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (1).

فالذي ألهمه التسبيح هو اللّه تعالى عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (2) ألهمه بصراخه التوحيد و الشهادة بالربوبية.

و بما أنّ الشهادة بالربوبية و التوحيد و الوحدانية، لا يمكن أن نكتفي بها، إلاّ إذا ضمّ إلى ذلك الشهادة للنبيّ بالرسالة و الصلاة عليه و على آله، حتى في الصراخ يشترك الأمر المولوي و حقيقة الولاية، الولاية هي اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد في صراخ هؤلاء الأطفال و عمرهم أربعة أشهر، إنّما يشير أنّ كل شيء مداره و قطبه و مركزه و محوره عليّ و آل عليّ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (3)

ص:86


1- الإسراء: 44/17.
2- العلق: 5/96.
3- المائدة: 67/5.

يعني الرسالة السماوية المحمدية التي هي خاتمة الرسالات، و جامعة النبوات، و فيها تبيان كل شيء، و فيها أحصى اللّه أمر كل شيء ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (1) تبيان لكل شيء، كل ذلك متوقف على إبلاغ الولاية، فلا رسالة محمدية بلا ولاية علوية، لذلك فإنّ هذا الارتباط بين التوحيد و الرسالة و الولاية ارتباط وثيق إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (2).

الشيخ الفريد يقول: اللّه غنيّ عن العالمين، اللّه غنيّ بالذات عن كلّ شيء، اللّه غنيّ لا يريد من الخلق شيئا، و كل شيء مفتقر إليه، و إذا احتاج للغير أصبح مفتقرا، و لم يصبح ربّا، و حاشا للّه، فهو تعالى غير محتاج لعبادة أحد، و لا لذكر أحد، و لا لصلاة أحد، و إنما أراد للغير، و الغير هم صلوات اللّه عليهم لا غير، و هذا هو سرّ الصلوات، يريد اللّه تعالى أن يقول: عندما أصلّي من فوق العرش، الغرض في الإرادة هم لا غيرهم، فالعبادة للّه بلا إشكال، و لكنّ اللّه تعالى لا يريد منّا هذه العبادة لحاجة فيها، و لفقره لها و لعوزه، و إنّما شرّع هذه العبادة لتكون الحقيقة في الأجر و الثواب، إنما هي منصبّة على أوليائه، و هذا المعنى عميق و دقيق.

إذا مما سبق يتضح معنى ارتباط الصراخ بالتوحيد في الأشهر الأربعة الأولى من حياة الطفل.

ثانيا: بكاء الأطفال في الأربعة الأشهر الثانية و ارتباطه بالولاية:

يبدأ الطفل في الأربعة الأشهر الثانية، بالتقام ثدي أمّه ليتناول اللبن، و لكنّه لا يعرف أمّه على نحو التعيين، و إنما يلتجئ إلى هذه الواسطة، يشعر هذا الطفل

ص:87


1- الأنعام: 38/6.
2- المائدة: 55/5.

بالفطرة بأنّ هذا اللبن الذي يغذيه و هذه الواسطة التي تنميه، إنما هي حقيقة محمد و آل محمد، لأنهم الواسطة في الإفاضة في كل شيء بما فيه اللبن، فبهم صلوات اللّه عليهم يكشف اللّه الضرّ، و بهم يطعم الخلق، و بهم ينزل الغيث، فإذا كان المطر و هو الواسطة في إنماء الأرض، و إفاضة الحياة على التراب، أفلا يكون من به نسقى الماء هو الواسطة في إفاضة الحياة و غيرها على الخلق، لذا فإنّ الطفل لا يعرف غير التقام الثدي الذي يشكل الواسطة في إنماءه، و لذا يحس بالفطرة بأنّ إنماءه هو ببركة المفيض على من في الوجود و هم محمد و آله، و لذا يكون صراخه: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، لينبت اللحم و يشتدّ العظم.

ثالثا: بكاء الطفل في الأربعة الأشهر الأخرى و ارتباطه بالدعاء للوالدين:

إنّ صراخ الطفل يكون عبارة عن دعاء للوالدين، لأنّه يصل إلى حد المعرفة، فإذا وحّد و صلّى عرف ما عليه من تكليف بالفطرة الأولى، لذا يتوجه إلى أمه، فبمجرد أن يراها يعرف أنّها أمّه فيقول بصراخه: اللهمّ اغفر لهذه الأمّ، فيطلب المغفرة لوالديه، فصراخ الطفل يمثل مبرّة لوالديه، و هذا تفسير عميق لهذا الصراخ للطفل في أوائل أيامه.

هناك نص يشير إلى أهمية هذا السرّ، يقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رأيت في ما يرى النائم عمي حمزة بن عبد المطلب و أخي جعفر بن أبي طالب، و بين يديهما طبق فيه نبق، فأكلا ساعة، فتحول النبق عنبا فأكلا ساعة، فتحول العنب لهما رطبا فأكلا ساعة، فدنوت منهما، و قلت: بأبي أنتما أيّ الأعمال وجدتما أفضل قالا:

فديناك بالآباء و الأمهات، وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك، و سقي الماء، و حب عليّ ابن أبي طالب»(1).

ص:88


1- دعوات الراوندي: 227/90، عنه بحار الأنوار: 63/70/94.

هذه أسرار صلواتية منشؤها كتاب اللّه، و مستفادة من الأخبار النبوية العلوية.

7 - الحصول على صلوات الملائكة و استغفارهم:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب»(1).

في الحدائق عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم لأمير المؤمنين عليه السّلام ألا أبشرك؟

قال: بلى بأبي أنت و أمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير، فقال: أخبرني جبرئيل بالعجب، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: و ما الذي أخبرك به يا رسول اللّه؟

قال: الرجل من أمتي إذا صلّى عليّ و أتبع الصلاة على أهل بيتي فتحت أبواب السماء و صلت عليه الملائكة سبعين صلاة ثم تحات عنه الذنوب كما يحات الورق من الشجر و يقول اللّه تعالى لبيك و سعديك. يا عبادي و ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة و أنا أصلي عليه سبعمائة صلاة، فإذا صلّى عليّ و لم يتبع الصلاة على أهل بيتي، كان بينهما و بين السماء سبعون حجابا، فيقول اللّه جل جلاله:

لا لبيك و لا سعديك. يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بالنبي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بها أهل بيتي».

عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«من قال: جزى اللّه عنا محمدا ما هو أهله، أتعب سبعين كاتبا ألف صباح».

ص:89


1- الترغيب: 111/2.

8 - التقرّب إلى اللّه عزّ و جل:

روى الصدوق قدّس سرّه في علل الشرائع بإسناده عن الإمام علي بن محمد الهادي عليه السّلام أنه قال: إنما اتخذ اللّه سبحانه و تعالى إبراهيم خليلا لكثرة صلاته على محمد و أهل بيته الطاهرين عليهم السّلام(1).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا اللّه عز و جل و لم يذكرونا إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة، ثم قال:

قال أبو جعفر عليه السّلام: إن ذكرنا من ذكر اللّه و ذكر عدوّنا من ذكر الشيطان»(2).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النبي و آله في صلاته سلك بصلاته غير سبيل الجنة».

و في رواية عن معاوية بن عمر قال: ذكرت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بعض الأنبياء فصلّيت عليه، فقال عليه السّلام: «إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمد ثم عليه، صلّى اللّه على محمد و آله و على جميع الأنبياء»(3).

النية الصادقة

ذكر المرحوم الحاج ملا عباس علي الحسيني (رضوان اللّه عليه) في كتابه (فوائد الصلوات) قال: في أحد الأيام أخذت أفكّر في نفسي هل الكتاب الذي كتبته حول فوائد الصلوات كان لوجه اللّه عزّ و جل أم للدنيا؟ هل أصبح مورد قبول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم لا؟ و أنا في هذا العالم من التفكير الكثير أخذني النوم.

ص:90


1- بحار الأنوار: 54/94 ح 23.
2- أصول الكافي: 254/4 ح 2.
3- بحار الأنوار: 47/94 ح 5.

في عالم المنام رأيت نفسي في حرم الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقرأ الزيارة الخاصة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في تلك الأثناء أقبل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نحوي، فتح ذراعيه المباركتين و ضمني إلى صدره، فقبّلت صدره المبارك، ثم أخذ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعلمني العبارات الصحيحة للزيارة.

فقلت: يا رسول اللّه هل الزيارة التي قرأتها كان فيها خطأ؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

اقرأ كما علمتك فسوف تقبل زيارتك. انتبهت من النوم و قلبي مملوء بالسرور و البهجة فحمدت اللّه عز و جل و فهمت من هذه الرؤيا أن كتابي الذي كتبته، قد قبله الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بفضله و كرمه(1).

9 - الحصول على رضى اللّه عزّ و جل:

في رواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عن آبائه الطاهرين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «صلاتكم عليّ مجوزة لدعائكم و مرضاة لربكم و زكاة لأعمالكم».

عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

«إن اللّه أعطى ملكا من الملائكة أسماء الخلائق كلّهم، و أسماء آبائهم، فهو قائم على قبري إذا متّ إلى يوم القيامة، فليس أحد يصلّي عليّ صلاة إلاّ قال: يا محمد صلّى عليك فلان بن فلان بكذا و كذا، و إن ربي كفل لي أن يصلّي على ذلك العبد بكلّ واحدة عشرا».

ص:91


1- فوائد الصلوات: ملا عباس الحسيني.

فضل الكندي

أحد المؤمنين رأى الكاتب فضل الكندي بعد وفاته في عالم الرؤيا، فسأله كيف حالك و كيف صار أمرك؟

فقال الكندي: إن اللّه تبارك و تعالى قد عفا عني و أكرمني كثيرا، لأجل العمل الذي كان يصدر من هذين الإصبعين (و يقصد بهما السبابة و الإبهام)، قال له: و ما هو العمل الذي كان يصدر منهما بحيث سبّبا لك هذه الكرامة و المنزلة العالية؟

قال: هو كثرة كتابة الصلوات أمام الاسم المقدّس للنبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).

10 - التقرّب من النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حيثما كنتم صلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني»(2).

في رواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وكّل اللّه بقبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملكا يقال له ظهليل، إذا صلّى عليه أحدكم و سلّم عليه، قال له: يا رسول اللّه فلان سلّم عليك و صلّى عليك، قال: فيردّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم السلام».

قال النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ صلاة صلّى اللّه تعالى بها عليه عشر صلوات، و محا عنه عشر سيئات، و أثبت له بها عشر حسنات، و استبق ملكاه الموكلان بها أيهما يبلّغ روحي منه السلام»(3).

ص:92


1- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.
2- ميزان الحكمة: 431/5.
3- جامع الأخبار: 70.

كتابة الصلوات

كتب أحد المؤلفين كتابا حول النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ينقل هذا الرجل الذي كان من الزهاد و العبّاد، كلما كنت أكتب حديثا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أصل إلى اسمه الشريف، لا أهتم بكتابة الصلوات أمام اسمه الطاهر، لهذا السبب في أحدى الليالي، رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عالم الرؤيا غضبانا مني، قال لي: لماذا لا تصلّي عليّ عندما تكتب اسمي على الورق؟ قمت من نومي و أنا متألم، قلت في نفسي: سوف لا أسيء الأدب مرة أخرى، منذ ذلك الوقت و إلى الآن كلّما أردت كتابة اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أبعث الصلوات أولا ثم أكتب ذلك بشكل كامل و جميل، بعد مدّة من الزمن رأيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثانية في الرؤيا و لكن بوجه باسم، قال لي: إن الصلوات التي بعثتها و كتبتها قد وصلتني. فحمدت اللّه عز و جل على هذه النعمة الكبرى(1).

المبالغة في الصلوات

قال صاحب كتاب (شرح فضائل الصلوات): كتب أحد أصدقائي كتابا حول أحاديث الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أرسل لي نسخة منه، فعندما تصفحت الكتاب، رأيته كلما وصل إلى اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يضع أمام اسمه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم كثيرا كثيرا كثيرا)، تعجبت من الأمر و قلت في نفسي لماذا هذه المبالغة؟

و في أحد الأيام رأيت صديقي فسألته عن سبب المبالغة في الصلوات في كتابه، قال: في البداية كلما كنت أكتب حديثا و أصل إلى اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كنت أتكاسل و لا أبالي في كتابة الصلاة أمام اسمه الشريف، و في إحدى

ص:93


1- قصص من الصلوات: علي مير خلف زاده.

الليالي تشرفت برؤية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عالم المنام، فتقدمت نحوه و سلّمت عليه، و لكنه أدار بوجهه الشريف عني، إلى ثلاث مرات أسلم عليه و يعرض عني. في المرة الرابعة قلت: يا رسول اللّه لماذا تعرض بوجهك الكريم عني؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لأنك كلما تصل إلى اسمي لا تصلّي عليّ، و لا تكتب الصلوات، انتبهت من نومي متألما و متأثرا من حالتي هذه، منذ تلك الليلة و إلى الآن كلما أصل إلى اسم النبي أصلّي عليه أولا ثم أكتب (صلّى اللّه عليه و آله و سلم كثيرا كثيرا كثيرا)(1).

11 - الحصول على الشفاعة:

قال النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ عند قبري سمعته، و من صلّى علي نائيا كفي أمر دنياه و آخرته و كنت له شهيدا و شفيعا يوم القيامة».

الملاحظ في سجلّ الأنبياء و أوصياء الأنبياء، أنهم إذا داهمهم الخطب و نزل بهم الكرب، كانوا يتوجهون إلى اللّه تعالى، بأزكى الخلق و أشرفهم و أعلاهم مرتبة، لما علّمهم اللّه من الأسماء، و لما آتاهم من معارف هذه الأسماء، كانوا يتوجّهون إلى اللّه تعالى و هم في بطون الظلمات، أو إلى جانب النار، و ما إلى ذلك من شدائد ذكرها القرآن الكريم، كانوا يتوسّلون بسيد المرسلين و أشرف الخلق محمد و آله صلوات اللّه عليهم ما طلعت كواكب الأسحار و اختلف الليل و النهار.

و لمعرفة هذا السرّ الصلواتي نبدأ بأول خليقة على وجه الأرض و هو آدم عليه السّلام و اقترانه بحواء. كيف حصل الاقتران بين آدم و حواء؟

لا بدّ من صيغة مخصوصة يحصل بها الاقتران، و لابدّ من مسمّى لهذا الصيغة

ص:94


1- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.

و هذا العقد، و يلزم أن يكون هناك شيء ثابت وفق شريعة السماء، و لا يكون بينهما إلاّ من حيث يريد اللّه، و حتى يتحقّق النكاح شرعيا فلابدّ أن يكون هناك مهر، فما هو مهر آدم لحواء؟

كان مهر آدم لحواء الذكر الملكوتي: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد.

إذا ابتداء الخليقة و إنما النسل البشري، كان على أساس هذا المسمّى و هذه التسمية.

و من هنا نشرع في البحث عن أسرار الصلوات في الشعوب التي سبقت الإسلام، بذكر بني إسرائيل، لنرى هل كانت الصلوات مرسومة و مكتوبة و مفروضة على أصحاب الشرائع السابقة و على أتباعها، كما أصبح في هذه الشريعة من الواجبات المفروضة على أتباعها أم لا؟

يقول اللّه تعالى: وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (1) يسومونكم، أي يعذّبونكم فما هي وسيلة النجاة لبني إسرائيل؟

أولا نذكر أقسام المعذّبين من بني إسرائيل على أيدي الفراعنة:

القسم الأول من الرجال و الشباب: كانوا يعقدون على أرجلهم سلاسل و يربطونها حتى لا يفرّ أحد منهم، فكانوا يحملون الطين و الرمال إلى أعالي الجبال، و كان البعض منهم يتعرّض للسقوط، و يكون مصره الهلاك، أو يفتك به المرض، أو يتحول إلى معلول أو مشلول، فكان هذا الطاغوت الفرعونيّ يتعامل مع رجال بني إسرائيل بهذه الكيفية، و كانت هذه شدّة عظيمة عليهم.

ص:95


1- الأعراف: 141/7.

القسم الثاني من النساء: مرّت النساء من بني إسرائيل بأفظع الفجائع في التاريخ، و قد مرّت بحالتين من الامتهان.

الحالة الأولى: كانت تطارد كل امرأة حامل، و كان يشق بطنها فتموت على أثر ذلك، و يموت جنينها، فاتفقت النساء مع القابلات على أن يعطين للقابلات أموالا، لكي لا تخبر القابلة السلطة الفرعونية عن الحمل، فكانوا يأخذون المولود و يرمونه على الجبال، فمهما صرخ و استغاث لا يسمعه أحد، فكانت المرأة تأخذ طفلا أو طفلين و تذهب به إلى خارج المدينة، و هكذا كان كل بني إسرائيل في كل طبقاتهم يعذّبون بهذه الكيفية، فاتجهوا لنبيّ اللّه موسى عليه السّلام ليخلّصهم من العذاب و من هذه الشدة، اشتكى موسى عليه السّلام لربّه تعالى، و إذا بالنداء يقول: يا موسى، قل لرجال بني إسرائيل أن يتعلموا هذا الذكر من هذا اليوم.

قال موسى: و ما هو هذا الذكر؟

قال تعالى: ألم تسمع بأفضل الخلق محمد و آل محمد؟ قال: علّمهم التوسّل إلى اللّه تعالى بجاه محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين.

فذهب موسى عليه السّلام إلى قومه و قال لهم: قولوا: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، فكان يرفع عنهم العذاب، و قال لهم موسى: عليكم بهذا السرّ الصلواتي، فكانت هذه الطبقة تتشفع و تتوسّل بالنبيّ و آله صلوات اللّه عليهم أجمعين، فكان من أمرها أن رفع عنها العذاب وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ فحصلت النجاة لهم بالوسيلة العظمى صلوات اللّه عليهم، بهم رفع عن هذه الطبقة من بني إسرائيل الذلّ و الامتهان.

أمّا الحالة الثانية التي مرّت بها النساء: فكن يفترشن لجلاوزة بني إسرائيل، أي اتخذوهنّ إماء، فكانت تنتهك أعراضهن، فقال موسى عليه السّلام: أين النساء عن

ص:96

ذكر محمد و آل محمد، فكانت المرأة من بني إسرائيل تتوجّه إلى اللّه تعالى متوسّلة بهذا الاسم الأعظم، و هذا السرّ الأقوم، محمد و آله صلوات اللّه عليهم، فكن يعفين من العذاب و من الافتراش و الانتهاك.

أمّا الأطفال: فكانت كلّ امرأة منهم عند ما تذهب إلى الجبل تقرأ عشر مرات:

اللهمّ بجاه محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين إلاّ ما نجيّت ولدي، فكان اللّه تعالى ينزل الملائكة على هؤلاء الأطفال لرعايتهم، فكان الملك يضع إصبعا في فم الطفل فيتحول إلى لبن و آخره إلى غذاء، فكانوا يرتضعون بأمر اللّه تعالى عبر الملائكة التي كانت تحرسهم و ترعاهم، لأنّهم قد طلسموا بمحمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال اللّه عز و جل: وَ فِي ذلِكُمْ أي في ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منهم ربكم بَلاءٌ نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ كبير. يا بني إسرائيل، اذكروا إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم و يخفّ بالصلاة على محمد و آله الطيبين، أفما تعلمون أنّكم إذا شاهدتموه و آمنتم به، كانت النعمة عليكم أعظم و أفضل و فضل اللّه عليكم أكثر و أجزل(1) ؟

و البحرين مدينة تعرض سكانها لداء يصيب العيون، فكانت العين تكبر ثم تنطبق ثم تصاب بالعمى، فطلسم السيد هاشم البحراني ذلك البلد بذكر محمد و آل محمد، فرفع عنهم البلاء(2).

ما الدليل على هذه المعاني من القرآن الكريم؟

ص:97


1- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام: 120/242، و بحار الأنوار: 48/61/94.
2- نقلا عن أحد مشايخ البحرين.

ما من نبيّ يأتي إلاّ و يبشّر بمن بعده، و يقصّ أخباره، لعلمه بما سوف يكون، و لهذا يقصّ القرآن فيما يقصّ قصة عيسى عليه السّلام بقوله تعالى: وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (1).

مبشّرا أي أزفّ إلى الخلق الذي سوف يظهر بشارة بالذي لم يكن في اسمه فارق إلاّ «ميم» عالم الإمكان، لم يكن في اسمه فارق بينه و بين «أحد» إلاّ «الميم» أحمد، الميم التي بواسطتها خلق عالم الإمكان، فهو الواسطة في كلّ هذا السرّ الوجودي، فكيف لا يكون إذا محمد و آل محمد نجاة للشعوب و الأمم وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ فلابدّ من وسيلة لنجاة الشعوب، الوسيلة هي أشرف الخلق و أزكى الناس محمد و آل محمد، عليهم الصلوات التامات.

و من هنا كانت تعقد حلقات و جلسات بين الأنبياء و الأولياء، و أهمّ ذكر كانوا يرتضون عليه، و أشرف ورد كانوا يمارسونه، هو ورد: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد في الصباح و المساء في الليل و النهار، و لهذا كان ينجي كلّ واحد منهم سواء كان في بطن الحوت، أو أريد أن يلقى به في النار، أو ينشر بالمناشير و ما إلى ذلك، ما كانت وسيلتهم إلاّ: نجّنا بمحمد و آل محمد و وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (2) بالأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و هناك أسرار أخرى في تاريخ بني إسرائيل، فلمّا ضرب موسى عليه السّلام البحر بالعصا، كان كل فرق كالطود العظيم، فإذا به ييبس و يصبح ممرّا لبني إسرائيل،

ص:98


1- الصف: 6/61.
2- الأنبياء: 88/21.

و هناك روايات صريحة بأنّ الضربة كانت باسم محمد و آل محمد، فكيف لا و القرآن يقول: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى (1) ؟ فكيف لا يتوجّه إليه موسى عليه السّلام؟ و كيف لا يتوجّه إليه عيسى عليه السّلام؟

كلمة عجيبة لأحد العرفاء، يقول: لو اجتمع الأنبياء و المرسلون و كبّروا تكبيرة واحدة، فما كانت تكبيراتهم مجتمعة في آن واحد تعادل تكبيرة واحدة من تكبيرات عليّ و آل عليّ.

و لهذا كانت زينب صلوات اللّه عليها عندما تنزل بها نازلة تتوجّه إلى رأس أخيها الحسين عليه السّلام و ترسل الصلوات الزاكيات و التحيات التامّات على النبيّ و آله أفضل الموجودات.

سرور النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

قال أحد المؤمنين: كنت في السابق لا أهتم بذكر الصلاة على النبي محمد و آله الطاهرين عليهم السّلام، و في إحدى الليالي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عالم المنام معرضا عني، كلما كنت آتي و أقف أمامه، يدير بوجهه الشريف عني، فقلت في نفسي لعله غير راض عني، قلت يا رسول اللّه لماذا تعرض عني و لا تنظر إليّ أنا أحد أبناء أمتك، و إني سمعت من أحد العلماء يقول: الأنبياء يعرفون أبناء أمتهم أكثر و أفضل مما يعرفون آباءهم و أبناءهم؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: معرفتي لأمتي على قدر صلاتهم عليّ، و أنت من القاطعين لي لا تذكرني بالصلوات، فكيف تريد أن أعرفك و أكون مسرورا منك؟

يقول الرجل: فزعت من نومي حزينا و متألّما، منذ تلك الساعة تعاهدت

ص:99


1- النجم: 8/53.

مع نفسي أن آتي بذكر الصلوات يوميا مئة مرة و هذا ما حصل حيث وفقني اللّه عز و جل و ساعدني على هذا الأمر العظيم، بعد مدة قصيرة رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثانية في عالم الرؤيا، و لكن بوجه طيب، استقبلني بصدر رحب و تكلم معي بكلمات مملوءة بالرحمة و المحبة و قال لي: أنا الآن مسرور منك و أعرفك حق المعرفة، و سأكون شفيعا لك يوم القيامة. فقمت من النوم و أنا مسرور من هذه الرؤية الكريمة، فحمدت اللّه عز و جل كثيرا(1).

كرامة لأبي الفضل عليه السّلام

ذكر الشيخ محمود مراد، و هو أحد العلماء الثقات في منطقة السيدة زينب في سورية، أن رجلا من أهل السنّة، كان يسكن أطراف مدينة الرمادي العراقية اتهم زوجته بالخيانة، و أخبر إخوانه و أقرباءه بذلك، فاتفقت كلمتهم على قتلها، هربت الزوجة من بيتها لما أحست بالخطر، و لاذت بشيخ العشيرة، طالبة منه الحماية، بعد أن أقسمت له بأنها بريئة من التهمة، و أنها لم تخن زوجها طرفة عين، جاء الزوج و معه بعض أقربائه إلى شيخ العشيرة طالبين منه تسليم الزوجة، و لكن شيخ العشيرة رفض طلبهم، و قال لهم: إنها محمية عندي حتى تثبت التهمة بصورة كاملة، بعد أن تطاول الحديث بين الطرفين، قالت الزوجة: أنا سوف أقسم بشخص معروف لدى الشيعة، يقولون إنه يشفع للمؤمنين، و يطلب من اللّه تعالى قضاء حوائجهم، اسمه العباس بن الإمام علي عليهما السّلام، فأنا أتوجه إلى مرقده في مدينة كربلاء و أقسم باللّه تعالى بأنني بريئة من هذه التهمة، و أطلب من أبي الفضل العباس أن يتشفع لي في إظهار الحق من الباطل، ثم فليتوجه زوجي إلى جهة كربلاء و ليقل ما قلته.

ص:100


1- قصص من الصلوات.

التفت شيخ العشيرة إلى الزوج، و قال له: ما رأيك بما قالته زوجتك؟

قال: لا بأس سوف أقسم و أقول ما قالته. فتوجهت الزوجة إلى جهة كربلاء و أقسمت باللّه تعالى أنها برئية، و طلبت من العباس عليه السّلام الشفاعة و إظهار الحق في بطلان التهمة التي وجهت لها، ثم توجه الزوج إلى جهة كربلاء و رفع يده ليقسم باللّه تعالى، ثم ليقول الذي قالته زوجته، فبعد أن رفع الزوج يده قليلا للقسم أراد أن ينزلها فما استطاع، و إذ بها تجمد و تشل عن الحركة، حاول إخوانه تحريك يده فما تمكنوا، بعدها انعقد لسانه عن النطق كاملا.

دهش الحاضرون من هذا المنظر، و أخذت الدموع تنحدر على الخدود، إذ رأوا بأن اللّه تعالى أظهر طهارة و براءة الزوجة من التهمة الباطلة، و أن أبا الفضل العباس عليه السّلام قد تشفع لها في قضاء حاجتها، و ذلك لمكانته السامية عند اللّه تعالى، حيث ورد عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «يؤذن للملائكة و النبيين و الشهداء أن يشفعوا»(1).

و كيف إذا كان الشهيد هو ابن الإمام علي عليه السّلام الذي نصر أخاه الإمام الحسين عليه السّلام حتى استشهد، أولا يكون وجيها و مقربا عند اللّه تبارك و تعالى.

عندها اقترح شيخ العشيرة على الحاضرين الذهاب جميعا إلى مدينة كربلاء لزيارة مرقد أبي الفضل العباس عليه السّلام و تقديم النذر للّه تعالى لطلب الشفاء لأخيهم الذي انعقد لسانه و انشلت يده فلمّا وصلوا إلى الصحن الشريف، ألقى الزوج بنفسه على الأرض و أخذ يتمتم بكلمات، و دموعه تجري على خديه، و بعد لحظات من حالته هذه رجعت يده إلى حالتها

ص:101


1- مسند أحمد: ج 5 ص 43.

الطبيعية، و انحلّت عقدة لسانه، فتوجه إلى زوجته، و اعتذر منها، ثم زاروا الضريح المقدس لأبي الفضل العباس عليه السّلام، ثم أعطوا نذرهم للفقراء و رجعوا إلى مدينة الرمادي، التي يسكنها إخواننا أهل السنّة.

من هذه الكرامة نستدلّ بأن الذي يلوذ بالنبي و بأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام قولا و عملا، فإنه سوف يكون مكرما عندهم و عند اللّه تبارك و تعالى، و سوف يحصل على شفاعتهم في الدنيا و الآخرة.

قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ (1).

و قال عز و جل: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (2).

12 - الحصول على رضى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

«أعطي السمع أربعة: النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الجنة، و النار، و حور العين، فإذا فرغ العبد من صلاته فليصلّ على النبي و آله، و يسأل اللّه الجنة و يستجير باللّه من النار، و يسأله أن يزوّجه من الحور العين، فإنه من صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رفعت دعوته، و من سأل اللّه الجنة قالت الجنة يا ربّ أعط عبدك ما سأل، و من استجار من النار قالت النار: يا ربّ أجر عبدك مما استجارك، و من سأل الحور العين قلن الحور: يا ربّ أعط عبدك ما سأل»(3).

ص:102


1- سورة النساء: 80.
2- المائدة: 55.
3- الخصال: 166/2.

القصة العجيبة

قال صاحب كتاب (خزينة الجواهر): رأيت رجلا في موسم الحج، يطوف حول الكعبة الشريفة، و يكرّر ذكر الصلاة على محمد و آله الطاهرين عليهم السّلام بدل ذكر الطواف الذي يأتي به سائر الناس.

قلت له: لماذا لا تأتي بذكر الطواف كالآخرين؟

قال: لأني تعاهدت مع نفسي بأي صورة و حالة كنت فيها أن لا أقول شيئا سوى الصلاة على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذلك لقصة عجيبة حصلت أمام عيني، قلت له: و ما هي؟

قال: عندما توفي المرحوم والدي، صار وجهه كوجه الحمار! أصبت بدهشة كبيرة و تألّمت، لماذا يموت أبي بهذه الصورة؟ ماذا كانت أعماله ليتحول وجهه إلى وجه الحمار؟ بقيت متألّما و متأثرا جدا إلى أن صار الليل و نمت، في عالم المنام رأيت الرسول الأكرم محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، تعلّقت به و طلبت منه الشفاعة لوالدي و أن يقول لي سبب تغيّر وجه أبي.

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن أباك كان يأكل الربا، لهذا تحوّل وجهه إلى شكل وجه الحمار، و لكن لأبيك عمل صالح، و هو أنه كان يصلّي عليّ ليليا مئة مرة ثم ينام، و لأجل عمله العظيم هذا، سوف أتشفّع له بإرجاع صورته بإذن اللّه إلى حالته الأولى.

قمت من نومي و نظرت إلى وجه أبي، و إذا به كوجه القمر يتلألأ، فلما أخذته إلى المقبرة للدفن، كأني بهاتف يهتف في أذني يقول: إن المغفرة و الرحمة الإلهية جاءت لأبيك بسبب حبّه للرسول و لأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام و لكثرة صلواته عليهم.

ص:103

بعدما رأيت هذه الحالة بعيني، قرّرت ملازمة ذكر الصلاة على محمد و آل محمد في أيّ حال و مكان كنت فيه(1).

13 - رؤية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عالم المنام:

قبلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

قال المرحوم الشيخ علي أكبر النهاوندي في كتابه الشريف (خزينة الجواهر): نقل لي أحد المؤمنين الثقات قال:

تعاهدت مع نفسي أن آتي بذكر الصلاة على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كل ليلة بمقدار معيّن قبل النوم، إحدى الليالي جاءني مجموعة من الضيوف، حتى امتلأت حجرتي بهم، أخذوا يتحدثون معي طويلا دون انقطاع، فأصابني التعب من جراء ذلك، و لكن مع هذا لم أنس ذكر الصلوات، أخذت أردّد مع نفسي ذلك العدد المعين من الذكر، ثم نمت، و نام الضيوف، تلك الليلة رأيت في عالم المنام النبي الأكرم محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد حلّ ضيفا عندي فلما دخل غرفتي، امتلأت الغرفة بالنور ثم توجه نحوي و قال: أين الفم الذي يذكرني ليليا بالصلوات، أريد أن أقبّله؟

استحييت أن أقول أنا يا رسول اللّه، و كنت أرى في نفسي، لا أستحق قبلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لكنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقبل نحوي و قبلني في وجهي، انتبهت من نومي و قلبي مملوء بالفرح و السعادة، و من شدّة فرحي قام الضيوف من نومهم أيضا، و كانت الغرفة تفوح من طيب رائحته كأنها ملئت من عطور الجنة، و بقيت تلك الرائحة على وجهي إلى ثمانية أيام يشمها كل من رآني.

ص:104


1- خزينة الجواهر: 587.

الرجل الوقور

كان أحد الزهّاد لا يختلط بأي شخص في حياته اليومية، و لا يذهب إلى مجالس الذكر، فكان منعزلا بشكل كامل إلا عن مجلس وعظ واحد فقط، أثار هذا الأمر تعجّب الناس الذين يعرفونه و يرونه، كيف هو منعزل عن جميع الناس و من جانب آخر يواظب على الحضور في هذا المجلس و يستمع إلى هذا الخطيب دون غيره من الخطباء و الوعّاظ؟ أحد الأيام سأله أحد المؤمنين عن سبب ذهابه إلى هذا المجلس دون غيره من المجالس.

فقال العبد الزاهد: إحدى الليالي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المنام، و قال لي: اذهب إلى مجلس الخطيب فلان بن فلان، قلت له: لماذا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: لأن هذا الخطيب يكثر من الصلاة عليّ و على أهل بيتي الطاهرين و أنا مسرور و راض منه(1).

عن الإمام الرضا عليه السّلام قال: «الصلاة على محمد و آله تعدل عند اللّه عز و جل التسبيح و التهليل و التكبير»(2).

14 - الحصول على أجر و ثواب ذكر الله سبحانه و تعالى:

قطرات المطر

ذكر الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «أسري بي ليلة المعراج إلى السماء فرأيت ملكا له ألف يد و في كل يد ألف إصبع و هو يحسب و يعدّ بتلك الأصابع فقلت لجبريل عليه السّلام: من هذا الملك و ما الذي يحسبه؟ قال: هذا ملك موكّل على قطر المطر يحفظها كم قطرة تنزل من

ص:105


1- شرح و فضائل الصلوات.
2- أمالي الصدوق: 45.

السماء إلى الأرض. فقلت للملك: أنت تعلم منذ خلق اللّه الدنيا كم قطرة نزلت من السماء إلى الأرض؟ فقال: يا رسول اللّه فو الذي بعثك بالحق إلى خلقه، إني أعلم كم قطرة نزلت من السماء إلى الأرض و أعلم تفصيلا كم قطرة نزلت في البحر و كم قطرة نزلت في البر و كم قطرة نزلت في العمران و كم قطرة نزلت في اليابس و كم قطرة نزلت في السبخة و كم قطرة نزلت في القبور.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فتعجّبت من حفظه و تذكّره لحسابه، فقال: يا رسول اللّه حساب لا أقدر عليه بما عندي من الحفظ و التذكّر و الأيدي و الأصابع، فقلت: أي حساب هو؟ فقال: قوم من أمتك يحضرون مجلسا فيذكر اسمك عندهم، فيصلّون عليك فأنا لا أقدر على حصر ثوابهم(1). (اللهم صلّ على محمد و آل محمد).

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ذكر اللّه عز و جل عبادة، و ذكري عبادة، و ذكر علي عبادة، و ذكر الأئمة من ولده عبادة».

في الكافي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام قال لرجل: «ما معنى قوله تعالى: وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (2) ؟ قال الرجل: كلما ذكر اسم ربه قام فصلّى، فقال الإمام عليه السّلام: لقد كلّف اللّه هذا شططا (أي شاقا) قال: فكيف هو؟ فقال عليه السّلام: كلما ذكر اسم ربه صلّى على محمد و آله»(3).

جاء في كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى عليه السّلام) عن أبي حمزة

ص:106


1- شرح و فضائل الصلوات: الأردكاني.
2- سورة الأعلى: 15/87.
3- أصول الكافي: الكليني.

عن أبيه قال: قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام: «من قال في ركوعه و سجوده و قيامه اللهم صلّ على محمد و آل محمد كتب له بمثل الركوع و السجود و القيام».

صلاة الملائكة

عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال له رجل: جعلت فداك أخبرني عن قول اللّه تبارك و تعالى و ما وصف من الملائكة يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (1) ، ثم قال عز و جل: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (2) كيف لا يفترون، و هم يصلّون على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إن اللّه تبارك و تعالى لما خلق محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر الملائكة فقال: انقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمد و آله، فقول الرجل صلى اللّه على محمد و آل محمد في الصلاة، مثل قوله سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر»(3).

15 - أفضل أنواع الذكر:

طبق النبق

عن ابن عباس قال: قال النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رأيت فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبد المطلب و أخي جعفر بن أبي طالب و بين أيديهما طبق من نبق فأكلا ساعة فتحول عنبا ثم تحول العنب لهما رطبا فأكلا ساعة، فدنوت منهما و قلت: بأبي أنتما أي الأعمال وجدتما أفضل قالا فديناك بالآباء و الأمهات وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك و سقي الماء و حب علي بن أبي طالب عليه السّلام».

ص:107


1- سورة الأنبياء: 20/21.
2- سورة الأحزاب: 56/33.
3- جمال الأسبوع: 235-236.

في الوسائل عن الكافي عن عبد السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام: دخلت الطواف فلم يفتح لي شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد و آل محمد، و سعيت فكان ذلك. فقال عليه السّلام: ما أعطي أحد ممن سأل أفضل مما أعطيت.

يستفاد من الرواية المباركة أن الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل الأعمال.

عن عبد السلام بن نعيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني دخلت البيت و لم يحضرني شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد و آل محمد فقال: أما إنه لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت به(1).

أقلام الذهب

عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: «إذا كان عشية الخميس و ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء، معها أقلام الذهب، و صحف الفضّة، لا يكتبون عشية الخميس و ليلة الجمعة و يوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي و آله»(2). و قال الإمام الصادق عليه السّلام: «ما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد و آله»(3).

16 - غفران الذنوب:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن اللّه وكّل بي ملكين، لا أذكر عند عبد مسلم فيصلّي عليّ، إلا قال ذانك الملكان غفر اللّه لك، و قال اللّه و ملائكته جوابا لذينك الملكين آمين، و لا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلّي عليّ إلا قال ذلك

ص:108


1- بحار الأنوار: 57/94 ح 34.
2- بحار الأنوار: 50/94 ح 11.
3- بحار الأنوار: 50/94 ح 12.

الملكان لا غفر اللّه لك و قال اللّه و ملائكته لذينك الملكين آمين».

روى الصدوق قدّس سرّه عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام: «من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه ليكثر من الصلاة على محمد و آله فإنها تهدّم الذنوب هدما».

تصفية الذنوب

قال النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ كلّ يوم ثلاث مرات حبا و شوقا كان حقا على اللّه عز و جل أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة و ذلك اليوم».

و عن النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب».

عن ابن مسعود عن النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «من صلّى عليّ مرة لم يبق من ذنوبه ذرّة».

في رواية عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: «من قال يا ربّ صلّ على محمد و على أهل بيته غفر اللّه له البتة»(1).

عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:

«الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمحق للخطايا من الماء للنار و السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من عتق رقاب، و حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من مهج الأنفس»(2).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من قال: اللهم صلّ على محمد و آل محمد، أعطاه اللّه أجر اثنين و سبعين شهيدا، و خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»(3).

ص:109


1- جمال الأسبوع: 241.
2- ثواب الأعمال: 139.
3- بحار الأنوار: 64/94.

الشاب الجميل

قال سفيان الثوري: أحد السنين، في أول أيام الحج خرجت من مدينتي، أريد بيت اللّه الحرام، فلما وصلت المدينة المنورة، ذهبت إلى مرقد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأجل الزيارة.

عند الضريح الشريف رأيت شابا جميلا عليه آثار الصلاح و التقوى يدور حول الضريح و لا يقول شيئا سوى الصلوات على محمد و آل محمد، أردت الذهاب إليه لأقول له توجد الكثير من الأدعية و الزيارات الواردة عن المعصومين عليهم السّلام من الأولى لك قراءتها و أنت عند مرقد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لكن شدّة الازدحام حال بيني و بينه، فبقي الكلام في قلبي.

جئت إلى مكّة المكرمة، رأيت الشاب يطوف حول الكعبة الشريفة و لا يقول سوى: (اللهم صلّ على محمد و آل محمد) بدل التلبية و الأذكار الأخرى حاولت التقرّب إليه لأتحدث معه، ما استطعت الازدحام حال بيننا أيضا، و بقيت حسرة التكلّم معه في صدري.

يوم عرفة ذهبت إلى عرفات، رأيت الناس مشغولين بأذكار و زيارات شتى، و رأيت الشاب أيضا و ليس على شفتيه سوى الصلوات في جميع حالاته.

ذهبت إليه، سلّمت عليه أولا ثم قلت له: رأيتك في المدينة عند قبر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رأيتك تطوف حول الكعبة الشريفة، و هنا و ليس على لسانك سوى الصلوات على محمد و آل محمد، أنا متعجّب منك، أراك على ذكر واحد دائما في جميع الأمكنة و الأزمنة، بينما الأذكار و الزيارات تختلف من مكان لآخر، و الناس يدعون لقضاء حوائجهم و آخرون يبكون و يطلبون المغفرة و بعض يكثر من الصلوات و السجود و بعض يزور الإمام الحسين عليه السّلام و هو من

ص:110

المستحبات الأكيدة يوم عرفة، و حضرتك كأنك لا تعرف شيئا سوى الصلاة على محمد و آل محمد، فهل رأيت شيئا من هذا الذكر؟

فقال الشاب: يا هذا إني رأيت الكثير الكثير من هذه الصلوات، و لهذا صار ذكري الوحيد، أحد الأمور التي رأيتها هذه الحادثة التي جرت معي في السنة الماضية و قبل موسم الحج بقليل.

خرجت مع المرحوم والدي نريد حجّ بيت اللّه الحرام، منتصف الطريق مرض والدي كثيرا، فاضطررنا إلى البقاء في إحدى المدن القريبة، حتى يشفى و تعود إليه الصحة.

استأجرت بيتا، أخذت والدي إلى ذلك البيت، فلما دخلنا استلقى أبي على فراش قد هيئ له، ثم أشعلت السراج و جلست عند رأسه أنظر إليه، بعد مدّة قصيرة نظرت إلى أبي و كأن أجله قد اقترب، و أنه في الساعة الأخيرة من حياته، و بينما أنظر إليه، رأيت وجهه أخذ يتغيّر لونه، حتى اسودّ كاملا، فتألّمت كثيرا لهذا الأمر، لا أدري ماذا أفعل، مصيبتان نزلت عليّ في وقت واحد، مصيبة فقد والدي و مصيبة اسوداد وجهه و أنا في بلد غريب، فقلت (إنا للّه و إنا إليه راجعون).

بعد قليل سوف يصبح الصباح و يأتي الناس إلى أبي بعد ما يسمعون بوفاته و سيرون وجهه الأسود فلا شك سيحكمون عليه بالباطل و يقولون إنه بعيد عن الإيمان و صاحب ذنوب كبيرة.

غطّيت وجه أبي و جلست أبكي بكاء شديدا لعظم ما نزل بي، بعد البكاء الكثير أخذني النعاس و نمت، في عالم المنام رأيت رجلا نورانيا جميلا، على رأسه عمامة بيضاء، تفوح منه رائحة عطرة، أقبل نحو أبي حتى جلس عند رأسه.

ص:111

رفع الغطاء الذي وضعته على وجهه، ثم مسح بيده الشريفة على وجهه فتغيّر لونه حتى صار أبيض و جميلا، من شدّة فرحي و تعجّبي وقعت على قدميه، قلت له: سيدي من أنت؟ لقد أنقذتني من همّ كبير. قال: أنا صاحب القرآن، أنا محمد بن عبد اللّه. فقلت له: ماذا كانت جناية أبي يموت مسودّ الوجه؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن أباك كان يظلم نفسه بارتكاب الذنوب و المعاصي، و لكنه كان يذكرني كثيرا بالصلوات، لهذا السبب جئت إليه في هذه الساعة الشديدة لأكون له معينا و شفيعا، و هذا حقّ كل من يذكرني بالصلوات، قمت من نومي، نظرت إلى وجه أبي و إذا به كوجه القمر يتلألأ، غطّيته و حمدت اللّه سبحانه و تعالى، منذ ذلك الوقت لازمت ذكر الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فضلته على سائر الأذكار و الأدعية، لهذا السبب رأيتني دائم الصلوات في مواقف الحج و عند ضريح الرسول الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المدينة المنورة(1). (اللهم صلّ على محمد و آل محمد).

17 - الاستجابة لأمر اللّه عز و جل بالدعاء:

أمر اللّه سبحانه و تعالى عباده بالدعاء، فقال في كتابه الحكيم:

وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (2).

فعندما نطلب منه عز و جل رفع شأن حبيبه في الدنيا بإعلاء كلمته و إظهار دعوته و إعظام أمره و في الآخرة علوّ مرتبته و تقبّل شفاعته إنما نستجيب لأمر اللّه عز و جل بالدعاء الذي هو مخّ العبادة كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي

ص:112


1- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.
2- سورة غافر: 60/40.

بن أبي طالب عليه السّلام.

18 - كفاية الأمور:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أتاني آت من ربي فقال: لا يصلّي عليك عبد إلاّ صلّى اللّه عليه عشرا، فقال رجل: يا رسول اللّه، ألا أجعل نصف دعائي لك؟ قال: إن شئت، قال: ألا أجعل كلّ دعائي لك؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذن يكفيك اللّه همّ الدنيا و الآخرة».

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن رجلا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه إني جعلت ثلث صلواتي لك؟ فقال له: ذاك أفضل، فقال: إني جعلت كل صلواتي لك فقال: إذا يكفيك اللّه عز و جل ما أهمك من أمر دنياك و آخرتك فقال له رجل: أصلحك اللّه كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

لا يسأل اللّه عز و جل شيئا حتى يبدأ بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيصلّي عليه ثم يسأل اللّه حوائجه.

19 - استجابة الدعاء:

عن النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «كلّ دعاء محجوب حتى يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»(1).

عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: «ما من دعاء إلا بينه و بين السماء حجاب إلا أن يدعو لمحمد و آل محمد».

في الخصال عن الإمام علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة قال: «صلوا على محمد و آل محمد فإن اللّه تعالى يقبل دعاءكم عند ذكر محمد، و دعاءكم

ص:113


1- الكنز: خ 2154.

و حفظكم إياه إذا قرأتم إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.. (1) ، فصلّوا عليه في الصلاة كنتم أو في غيرها»(2). (اللهم صلّ على محمد و آل محمد).

عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من دعا و لم يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رفع الدعاء»(3).

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإن الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مقبولة، و لم يكن اللّه ليقبل بعضا و يردّ بعضا»(4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم و زكاة لأعمالكم».

عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: «كل دعاء يدعى اللّه عزّ و جل به محجوب عن السماء حتى يصلّي على محمد و آل محمد».

و عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من كانت له إلى اللّه عز و جل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد و آله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد و آل محمد، فإن اللّه عز و جل أكرم من أن يقبل الطرفين و يدع الوسط، إذ كانت الصلاة على محمد و آل محمد لا تحجب عنه».

في رواية عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

«إذا دعا أحدكم فليبدأ بالصلاة على محمد و يقول افعل بي كذا و كذا فإن العبد إذا قال اللهم صلّ على محمد و آل محمد استجاب له فإذا قال افعل بي

ص:114


1- سورة الأحزاب: 56/33.
2- تفسير الميزان: 365/16.
3- أصول الكافي: 248/4 ح 2.
4- بحار الأنوار: 54/94 ح 21.

كذا و كذا كان أجود من أن يردّ بعضا و يستجيب بعضا»(1).

بنت العم

حادثة تاريخية وقعت في بني إسرائيل، و هي أنّ امرأة حسناء ذات جمال و خلق كامل، و فضل بارع، و نسب شريف و ستر عظيم كثر خطابها، و كان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علما، و أرادت التزويج به، فاشتدّ حسد ابني عمّه الآخرين له غيظا، فعمدا إلى ابن عمّهما المرضي، فأخذاه إلى دعوتهما، ثم قتلاه و حملاه إلى محلّة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلا.

فلمّا أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمّه القاتلان له، فمزّقا ثيابهما على أنفسهما، و حثيا التراب على رؤوسهما، و استعديا عليهم، فأحضرهم موسى عليه السّلام و سألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله.

فقال: فحكم اللّه عزّ و جلّ على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه، فالتزموه.

فقالوا: يا موسى أيّ نفع لنا في أيماننا إذا لم تدرأ عنّا الغرامة الثقيلة؟ أم أيّ نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنّا الأيمان؟

فقال موسى عليه السّلام: كلّ النفع في طاعة اللّه و الائتمار بأمره، و الانتهاء عمّا نهى عنه.

فقالوا: يا نبيّ اللّه غرم ثقيل و لا جناية لنا، و أيمان غليظة و لا حقّ في رقابنا لو أنّ اللّه عرّفنا قاتله بعينه، و كفانا مؤنته، فادع لنا ربّك يبيّن لنا هذا القاتل لننزل به ما يستحق من عقاب، و ينكشف أمره لذوي الألباب. فقال موسى عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ

ص:115


1- جمال الأسبوع: 242.

و جلّ قد بيّن ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم، و لا أعترض عليه فيما أمر.

ألا ترون أنّه لمّا حرّم العمل في يوم السبت، و حرّم لحم الجمل، لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغيّر ما حكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلّم له حكمه و نلتزم ما ألزمنا.

و همّ بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثهم فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا موسى، أجبهم إلى ما اقترحوا، و سلني أن أبيّن لهم القاتل ليقتل، و يسلم غيره من التهمة و الغرامة، فإنّي إنّما أريد بإجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار أمّتك، دينه الصلاة على محمد و آله الطيبين، و التفضيل لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ بعده على سائر البرايا، أغنيه في الدنيا في هذه القضية، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد و آله.

فقال موسى: يا ربّ بيّن لنا قاتله.

فأوحى اللّه تعالى إليه:

قل لبني إسرائيل: إنّ اللّه يبيّن لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيا فتسلّموا لربّ العالمين ذلك، و إلاّ فكفّوا عن المسألة، و التزموا ظاهر حكمي.

فذلك ما حكى اللّه عزّ و جلّ:

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أي سيأمركم أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (1) إن أردتم الوقوف على القاتل، و تضربوا المقتول ببعضها ليحيا و يخبر بالقاتل

ص:116


1- البقرة: 67/2.

قالُوا يا موسى أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً و سخرية؟ تزعم أنّ اللّه يأمرنا أن نذبح بقرة، و نأخذ قطعة من ميّت، و نضرب بها ميّتا، فيحيا أحد الميّتين بملاقاة بعض الميّت الآخر له، فكيف يكون هذا؟

قالَ موسى أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فأنسب إلى اللّه تعالى ما لم يقل لي، و أن أكون من الجاهلين، فأعارض أمر اللّه بقياسي على ما شاهدت، دافعا لقول اللّه عزّ و جلّ و أمره.

ثم قال موسى عليه السّلام: أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة، و ماء المرأة كذلك، ميّتان يلتقيان فيحدث اللّه تعالى من التقاء الميّتين بشرا حيّا سويّا؟ أو ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسخ و تتعفّن و هي ميتة، ثم يخرج اللّه منها هذه السنابل الحسنة البهيجة و هذه الأشجار الباسقة المونقة؟

فلمّا بهرهم موسى عليه السّلام قالوا له: يا موسى قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ؟ أي ما صفتها لنقف عليها.

فسأل موسى ربه عز و جل، فقال: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ كبيرة وَ لا بِكْرٌ صغيرة عَوانٌ وسطبين الفارض و البكر فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ إذا أمرتم به.

قالُوا يا موسى اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها.

قال موسى - عن اللّه بعد السؤال و الجواب - إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ حسنة الصفرة ليس بناقص، يضرب لونها إلى البياض، و لا بمشبع يضرب إلى السواد لَوْنُها هكذا فاقع تَسُرُّ البقرة اَلنّاظِرِينَ إليها لبهجتها و حسنها و بريقها.

ص:117

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ (1) ما صفتها؟ يزيد في صفتها.

قالَ عن اللّه تعالى إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ لم تذلّل لإثارة الأرض و لم ترض بها وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ و لا هي ممّا تجرّ الدلاء، و لا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع مُسَلَّمَةٌ من العيوب كلها، لا عيب فيها لا شِيَةَ فِيها (2) لا لون فيها من غيرها.

فلمّا سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسى، أفقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال: بلى.

و لم يقل موسى في الابتداء: إنّ اللّه قد أمركم لأنّه لو قال: إنّ اللّه أمركم لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي و ما لونها؟ كان لا يحتاج أن يسأله - ذلك - عزّ و جلّ، و لكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة، فأي شيء وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها.

قال: فلمّا استقر الأمر عليهم، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلاّ عند شاب من بني إسرائيل أراه عزّ و جلّ في منامه محمدا و عليّا و طيّبي ذريتهما، فقالوا له:

إنّك كنت لنا وليّا محبّا و مفضّلا، و نحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلاّ بأمر أمّك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ، يلقّنها ما يغنيك به و عقبك،

ففرح الغلام، و جاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه؟

قال: بدينارين، و الخيار لأمّي. قالوا: قد رضينا بدينار. فسألها، فقالت:

ص:118


1- البقرة: 67-70.
2- البقرة: 71/2.

بأربعة. فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين. فأخبر أمّه، فقالت: بثمانية.

فما زالوا يطلبون على النصف ممّا تقول أمّه، و يرجع إلى أمّه، فتضعّف الثمن حتى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع.

ثمّ ذبحوها، و أخذوا قطعة و هي عجز الذنب الذي منه خلق ابن آدم، و عليه يركّب إذا أعيد خلقا جديدا، فضربوه بها، و قالوا: اللهمّ بجاه محمد و آله الطيبين لما أحييت هذا الميّت، و أنطقته ليخبرنا عن قاتله.

فقام سالما سويّا و قال: يا نبيّ اللّه قتلني هذان ابنا عمّي، حسداني على بنت عمّي فقتلاني، و ألقياني في محلّة هؤلاء ليأخذا ديتي منهم.

فأخذ موسى عليه السّلام الرجلين فقتلهما، و كان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا: يا نبي اللّه أين ما وعدتنا عن اللّه عزّ و جل؟

فقال موسى: قد صدقت، و ذلك إلى اللّه عزّ و جلّ.

فأوحى اللّه تعالى إليه: يا موسى، إنّي لا أخلف وعدي، و لكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته ملء مسكها دنانير ثم أحيي هذا.

فجمعوا أموالهم، فوسّع اللّه جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار.

فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السّلام - و ذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -: لا ندري أيّهما أعجب: إحياء اللّه هذا و إنطاقه بما نطق، أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم!

فأوحى اللّه إليه: يا موسى، قل لبني إسرائيل: من أحبّ منك أن أطيّب في الدنيا عيشه، و أعظّم في جنّاتي محلّه، و أجعل لمحمد و آله الطيبين فيها منادمته،

ص:119

فليفعل كما فعل هذا الفتى، إنّه كان قد سمع من موسى بن عمران عليه السّلام ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و آلهما الطيبين، فكان عليهم مصلّيا، و لهم على جميع الخلائق من الجنّ و الإنس و الملائكة مفضّلا، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعّم بالطيّبات و يتكرّم بالهبات و الصلات، و يتحبّب بمعروفه إلى ذوي المودات، و يكبت بنفقاته ذوي العداوات.

قال الفتى: يا نبيّ اللّه، كيف أحفظ هذه الأموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، و حسد من يحسدني لأجلها؟ قال: قل عليها من الصلاة على محمد و آله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فإنّ الذي رزقها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا بهذا القول مع صحة الاعتقاد.

فقالها الفتى، فما رامها حاسد له ليفسدها، أو لصّ ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلاّ دفعه اللّه عز و جل عنها لطف من ألطافه حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفّه عنه، فيكفّ اضطرارا.

قال عليه السّلام: فلمّا قال موسى عليه السّلام للفتى ذلك و صار اللّه عز و جل له - لمقاتلته - حافظا، قال هذا المنشور: اللهمّ إني أسالك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد و آله الطيبين و التوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتّعا بابنة عمّي و تجزي عنّي أعدائي و حسّادي، و ترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا.

فأوحى اللّه إليه: يا موسى، إنّه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، و قد وهبت له بمسألته و توسّله بمحمد و آله الطيبين سبعين سنة تمام مائة و ثلاثين سنة صحيحة حواسّه، ثابت فيها جنانه، قويّة فيها شهواته، يتمتع بحلال هذه الدنيا و يعيش و لا يفارقها و لا تفارقه، فإذا حان حينه حان حينها، و ماتا جميعا معا فصارا إلى جناني، و كانا زوجين فيها ناعمين.

ص:120

و لو سألني - يا موسى - هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحّة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، و لأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال أوجده.

و لو سألني بعد ما افتضح، و تاب إليّ، و توسّل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسي الناس فعله - بعد ما ألطف لأوليائه فيعفونه عن القصاص - لفعلت، فكان لا يعيّره بفعله أحد، و لا يذكره فيهم ذاكر، و لكن، ذلك فضل أوتيه من أشاء، و أنا ذو الفضل العظيم، و أعدل بالمنع على من أشاء، و أنا العزيز الحكيم.

فلمّا ذبحوها قال اللّه تعالى: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ (1) فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، و لكن اللجاج حملهم على ذلك و اتهامهم لموسى عليه السّلام حداهم عليه.

و هناك سرّ آخر، و هو أنّ اليهود ضجّوا إلى موسى عليه السّلام و قالوا: افتقرت القبيلة و دفعت إلى التكفّف، و انسلخنا بلجاجنا عن قليلنا و كثيرنا، فادع اللّه لنا بسعة الرزق.

فقال موسى: ويحكم ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة و ما أورثه اللّه تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء الفتى المقتول المنشور، و ما أثمر له من العمر الطويل و السعادة و التنعم و التمتع بحواسه و سائر بدنه و عقله؟ لم لا تدعون اللّه تعالى بمثل دعائهما، و تتوسّلون إلى اللّه بمثل توسلهما ليسد فاقتكم، و يجبر كسركم، و يسدّ خلّتكم؟

فقالوا: اللهمّ إليك التجأنا، و على فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا و سدّ خلّتنا

ص:121


1- البقرة: 71/2.

بجاه محمد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم.

فأوحى اللّه إليه: يا موسى قل لهم: ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، و يكشفوا في موضع كذا - لموضع عيّنه - وجه أرضها قليلا، ثم يستخرجوا ما هناك، فإنّه عشرة آلاف ألف دينار، ليردّوا على كلّ من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود أحوالهم إلى ما كانت عليه، ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل و هو خمسة آلاف دينار على قدر ما دفع كلّ واحد منهم في هذه المحنة لتتضاعف أموالهم جزاء على توسّلهم بمحمد و آله الطيبين، و اعتقادهم لتفضيلهم(1) إذا كان لعصا موسى عليه السّلام أن تفلق الصخر و تخرج العيون و تنقلب الحبال إلى أفاعي و ما إلى ذلك من معجزات، و انفلقت الصخرة للنبي صالح عليه السّلام و تمخّضت منها ناقة، فإذا كان للعصا هذا الأثر، و كان للصخرة هذا الأثر، و كان لذنب البقرة هذا الفعل، فكيف لذكر اسم محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

إنّ اسم محمد و آل محمد يتركّب من أسرار، كلّ هذه الأسرار في عوالم الملكوت و في عوالم اللاهوت، و في عوالم الناسوت، كلّها ملّكت من الغنيّ المطلق إلى آل محمد صلوات اللّه عليهم.

و هذا لا ينقص من خزائن اللّه شيئا، فهو غنيّ بالذات غنيّ عن العالمين، و هل هذا كثير على اللّه أن يؤتي خزائنه إلى أفضل و أشرف الخلق محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم، فهذا الكون و ما فيه لا شيء بالنسبة لغنى اللّه أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (2) ، لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ (3).

ص:122


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام: 281.
2- النساء: 82/4.
3- آل عمران: 181/3.

20 - دفع النفاق:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عن آبائه عن النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«إرفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنها تذهب النفاق».

21 - الشفاء و العافية:

في كتاب (جامع الأخبار) عن النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «من صلّى عليّ مرّة فتح اللّه عليه بابا من العافية»(1).

وجع العين

نقل أحد المؤمنين الثقات قال: ابتليت برمد شديد حتى خيف على بصري كلّه فرأيت في المنام قائلا يأمرني بمداومة الصلوات كثيرا، داومت عليها مدة قليلة فشافاني اللّه ببركتها و هي هذه (اللهم صلّ على محمد و آل محمد بعدد كلّ داء و دواء).

دواء السرطان

أصيب طفل عمره سنتان بمرض السرطان، أخذه والده إلى أفضل الأطباء داخل البلد و لكن دون فائدة، أخيرا قرّر الأبوان الذهاب به إلى الخارج لعلاجه لعلّهم يجدون دواء لطفلهم الوحيد، قبل سفرهم التقى الأب بأحد السادة المؤمنين، و أخبره بحالة ولده و أنه يريد أخذه إلى الخارج للعلاج.

فقال السيد: أنتم لا تحتاجون إلى أخذ ولدكم إلى طبيب و لا بالسفر إلى الخارج. بتوسّل واحد يمكنكم الحصول على الشفاء لولدكم، وجد الأب السكينة و الاطمئنان في قلبه من كلام هذا السيد المحترم، لهذا قال له: و ما هو

ص:123


1- بحار الأنوار: 63/94.

التوسّل؟

قال السيد: عليكم أن تصلّوا على محمد و آل محمد مائة و اثنين و أربعين ألف مرة، ثم أهدوا ثواب الصلوات إلى روح الطفل الرضيع للإمام الحسين عليه السّلام و هو الشهيد الأخير الذي قدّمه الإمام عليه السّلام في كربلاء، و له مقام عظيم عند اللّه عز و جل.

استقبل الوالدان هذه الفكرة و التوسل بكل رحابة صدر، شرعا بالصلاة على محمد و آل محمد من تلك الساعة، مرت عدة ساعات على صلواتهم، في الليل رأت الأم في المنام، طفلا صغيرا يحمل قدحا فيه ماء.

قدّم الطفل القدح إلى الأم و قال لها إن الإمام الحجة المهدي عليه السّلام و الخمسة المعصومين أصحاب الكساء عليه السّلام قرؤوا دعاء على هذا الماء، أعطيه لولدك فإنه سيشفى بإذن اللّه عز و جل.

أخذت الأم القدح و قدمته إلى ولدها و شرب منه، ثمّ و إذا بها تراه في أتمّ الصحة و العافية، كأنه لم يمرض من قبل.

إنه من بركة الصلاة على محمد و آل محمد عليهم السّلام(1).

طلب الشفاء

نقل أحد السادة الثقات: أن شخصا أصيب بمرض الأعصاب، على أثر انفجار شديد وقع بالقرب منه، فمن شدة مرضه كان يركب الدراجة النارية و يسير في الشوارع و هو عريان، فتمسكه الشرطة و ترجعه إلى بيته، احتار أبواه به، بعد أن عجز الأطباء من علاجه، إلى أن قرّروا يوما إهداء 72 ألف صلاة إلى روح

ص:124


1- قصص من الصلوات.

علي الأكبر بن الإمام الحسين عليه السّلام.

فبعد أن ذكروا الصلوات، و عند غروب شمس أحد الأيام، سمعوا طارقا يطرق الباب، ففتحوا الباب، فرأوا بنتا صغيرة، عمرها يقارب الثماني سنوات، مرتدية الملابس العربية، و بيدها كيس فيه مقدار من اللحم، أعطت اللحم و قالت:

إن أمي أرسلت لكم هذا اللحم، و قالت اطبخوه و أعطوا منه لمريضكم لكي يشفى بإذن اللّه عز و جل، أخذوا اللحم و طبخوه و أعطوه منه، فشفي من ذلك المرض كاملا، ببركة الصلاة على محمد و آل محمد عليهم السّلام(1).

معجزة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

جاءت امرأة إلى النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالت: يا رسول اللّه رزقت ولدا و لكنه أعمى و أصم، و إني جئت إليك طالبة السلامة الكاملة لولدي، فقال لها النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

اذهبي و أكثري من الصلاة عليّ و على أهل بيتي فسوف تحصلين مرادك و أمنيتك بإذن اللّه و بأسرع وقت.

بدأت المرأة من تلك اللحظة بذكر الصلوات، رجعت إلى بيتها و مع كل خطوة، تصلّي على محمد و آله الطاهرين عليهم السّلام إلى أن وصلت إلى بيتها، و لما فتحت الباب و دخلت بيتها نظرت إلى ولدها، فرأته في أتمّ الصحة و السلامة، و من شدّة فرحها حملت الطفل و جاءت به مسرعة إلى النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تبشّره بالسلامة الكاملة.

ص:125


1- المصدر السابق.

فاستبشر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بشّر الحاضرين أيضا. عندها نزل جبرائيل عليه السّلام و قال: يا رسول اللّه، العلي الأعلى يبلّغك السلام و يقول:

كما أني أرجعت السلامة إلى الطفل الصغير ببركة الصلاة عليك و على أهل بيتك، فإني سوف أغفر خطايا أمتك غدا بشفاعتك(1).

22 - تسهيل الأمور:

نجاة بني إسرائيل

في تفسير الإمام الرضا عليه السّلام لقوله تعالى:

وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ (2)

قال عليه السّلام: كانوا يحملون عليهم.. و كان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون يكلفهم عمل البناء و الطين، و يخاف أن يهربوا من العمل، فأمر بتقييدهم، فكانوا ينقلون الطين على السلالم إلى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن (تكسّرت عظامه) و لا يحفلون به، إلى أن أوحى اللّه عز و جل إلى موسى عليه السّلام:

قل لهم ألا يبتدؤوا عملا إلا بالصلاة على محمد و آله الطيبين ليخفّف عليهم فكانوا يفعلون ذلك فيخفّف عليهم و أمر كل من سقط و زمن ممن نسي الصلاة على محمد و آله الطيبين أن يقولها على نفسه إن أمكنه و يقال عليه إن لم يمكنه فإنه يقوم و لا يضره ذلك ففعلوها فسلموا(3).

ص:126


1- شرح فضائل الصلوات.
2- سورة الأعراف: 141/7.
3- بحار الأنوار: 61/94 ح 48.

23 - نزول الرحمة الإلهية:

قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام في خطبة له:

«بالشهادتين تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم و آله إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1)».

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ دخل النار و أبعده اللّه».

قال الإمام الرضا عليه السّلام عند قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ قال: فكانت الواحدة منهنّ تصانع القوابل عن نفسها لئلا ينم عليها و يتم حملها ثم تلقي ولدها في الصحراء أو غار جبل أو مكان غامض و تقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد و آله، فيقيّض له ملكا يربيه و يدر من إصبع له لبنا يمصّه و من إصبع طعاما لينا يتغذاه، إلى أن نشأ بنو إسرائيل، و كان ممن سلم منهم و نشأ أكثر ممن قتل.

الشعوب السابقة كانت لها استغاثات كما هو شأن الشعوب اللاحقة بعد الإسلام، و هكذا حال كل الشعوب، و الأمم، فإذا داهمتها الخطوب و نزلت بها الشدائد استغاثت.

إذا الاستغاثة أمر متقبّل في جميع الشرائع السابقة و الأمم الغابرة، و لكن كيف كانت هذه الاستغاثة، و ما هي صيغتها؟

القرآن الكريم يشير إلى شيء يلفت النظر وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى

ص:127


1- سورة الأحزاب: 56/33.

اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (1) إذا هذا الاستفتاح على الذين كفروا بأيّ شيء كان؟

كان اليهود قبل الإسلام يمرون بشدائد و امتحانات، القرآن يبيّن أمر اليهود عندما كان ينزل بهم أمر و خطب جسيم.

الهمة العالية

عن الإمام العسكري عليه السّلام يقول: إنّ طائفة من اليهود في أيام موسى عليه السّلام و بعده، كانت تتعرض لحالات قصوى من الهجوم، مثلا منهم الذين كانوا يعيشون في الجزيرة العربية، كانوا يتعرضون لهجوم عنيف من قبل عشيرتي أسد و غطفان، إذ قرروا إبادة اليهود و نزلوا إليهم بثلاثة آلاف فارس، و كان عدد هؤلاء اليهود ثلاثمائة، فلمّا هجمت هاتان القبيلتان بأسلحتهم و إمكاناتهم، و حاصروا اليهود، فأوشكت الإبادة أن تقضي عليهم قضاء حتميا، فبدؤوا يتداولون أمرهم فيما بينهم، أصحاب الرأي السديد من اليهود رأوا عزم العشيرتين على إبادتهم إبادة كليّة، فقالوا لليهود:

لنتأمل الكتب، و نقرأ ماذا كان الناس يفعلون أيام كليم اللّه موسى إذا نزلت بهم ملمة أو شدة، و إذا بهم يجدون أنّ آباءهم عندما كانوا يستغيثون، كانت استغاثتهم أن يستفتحوا دعاءهم بهذا السرّ: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين الطاهرين صلّ عليهم أجمعين، نسألك كشف الغمة عنّا، فيكشفها اللّه تعالى عنهم.

فتوجه الكلّ من بني إسرائيل لمواجهة هاتين العشيرتين بالاستغاثة المحمدية، فتوجهوا إلى اللّه بهذا الذكر «اللهمّ بجاه محمد و آله الميامين إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة»، فبمجرد أن استغاثوا، أصبح لكل واحد منهم قوّة و همّة مائة رجل، عددهم ثلاثمائة فأصبح العدد مضاعفا إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا

ص:128


1- البقرة: 89/2.

مِائَتَيْنِ (1) ، بالصبر و الاستقامة و بذكر النبيّ و آله، قاموا كلهم بمواجهة الثلاثة آلاف، و بعد قتال عنيف انتهى بهزيمة هذا العدد الهائل من العشيرتين الكافرتين آنذاك.

فلمّا رجعوا فكّر أبناء العشيرتين بنتيجة القتال القاسية، ثلاثمائة يغلبوا ثلاثة آلاف رجل، فقرروا القيام بعمل عقد مشترك بينهم و بين العشائر كلها، فوصل عددهم إلى ثلاثين ألف مقاتل، و قرروا أن يحملوا على اليهود حملة رجل واحد، فحاصروا اليهود مرة أخرى، فلمّا رأى اليهود ذلك العدد، فكّروا ماذا يصنعون؟

فقال البعض من أوليائهم و أماثلهم: إنّ الذي نجّاكم و كنتم عدد ثلاثمائة على ثلاثة آلاف مقاتل، لهو قادر على أن ينجيكم بهذه العدة و العدد مرة أخرى، إنّ الذي نجاكم هناك ينجيكم هنا، فتوجهوا بالاستغاثة بمحمد و آل محمد، فإنه لا مفرّ غير ذلك، و هذا استفتاحكم بهم فكلّ شيء معطّل، لأنّ الوجود بدأ بهم و يختم بهم وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ (2).

قيل: ما المراد هنا بمفاتح الغيب؟ قال: هم، فتوجهوا بالاستغاثة، فنزل المطر في حمّارة القيظ، فأقعدهم عن آخرهم، أمّا اليهود الذين استغاثوا كانوا في أتمّ الحال، هذه هي الصفة الرحمانية على الوجود، رحمانية آل محمد على الوجود و الموجود.

كان المطر بالنسبة لليهود رحمة لأنّه لم يكن عندهم ماء، لأنّ المهاجمين سدّوا عن اليهود المحاصرين كل شيء، و أغلقوا عنهم الأنهار، فالمطر صار قسمين، قسم نقمة على المهاجمين، و قسم رحمة على اليهود المدافعين، و هذا

ص:129


1- الأنفال: 65/8.
2- الأنعام: 59/6.

ببركة الرحمة المطلقة لمحمد و آل محمد عليهم السّلام.

ثمّ لمّا تخلّص اليهود من مشكلة العطش، قالوا: كيف نحصل على الطعام، فقالوا: لا سبيل لنا، فقال أماثلهم: استغيثوا بمحمد و آله، إنّ اللّه نصركم على الثلاثمائة، ثمّ على الثلاثة آلاف، فتوسّلوا بمحمد و آله إلاّ ما أطعمتنا كما سقيتنا، و إذا بالقوم ينزل عليهم نعاس فناموا، و مرّت مجموعة كبيرة من البغال و الجمال و الحمير تحمل الحنطة و الشعير، مرّت على القوم و هم لا يشعرون، فمرّت عليهم إلى أن وصلت الأمتعة و أنزلوها عند هؤلاء المستغيثين بمحمد و آله، و إذا بالصباح يصبح، قال المهاجمون: سوف نهاجم اليوم اليهود و هم محاصرون جياع، و بأقل حركة سوف يموتون، و عندما أرادوا أن يتحركوا فإذا بهم يرون الأمتعة و اليهود واقفون ينتظرون القتال، فوقع القتال فطحطحوهم و تمّ الأمر لليهود المدافعين، هذه ثلاثمائة حملوا على الثلاثين ألف، و كلّ واحد منهم يقول يا محمد يا عليّ، هجموا على القوم، فأبادوهم عن بكرة أبيهم، هذا هو نصر اللّه تعالى.

قال رسول اللّه في نصرة اللّه لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد و آله:

ألا فاذكروا يا أمة محمد محمدا و آله عند نوائبكم و شدائدكم لننصر به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم، فإنّ كل واحد معه ملك عند يمينه يكتب حسناته، و ملك عند يساره يكتب سيئاته، و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه، فإذا وسوسا في قلبه، فذكر اللّه، و قال: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم، و صلّى اللّه على محمد و آله خنس الشيطانان و ماتا. فقد كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا بمحمد و آل محمد عليهم السّلام، هذا السرّ الأعظم فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ يعني ما عرفوا ذكر محمد و آله الذين تعرفوا عليه، فلمّا جاء النبيّ و آله كفروا به في الشدائد، علما بأنّ آباءهم و أسلافهم كانوا

ص:130

يستغيثون بمحمد و آله.

فالعبرة في هذه القصة أنكم بماذا كنتم تستفتحون؟ إنّهم كانوا يستفتحون بذكرنا، بذكر محمد و آله، و هذا الذكر الآن أمامكم، فلمّا جاءهم ما عرفوا، أي الذي عرفوا من الاستفتاح، كفروا به بعد رسالة المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلعنة اللّه على الظالمين الذين ينكرون الحق بعد معرفته(1).

إذا هذه عبرة عظيمة نستفيد منها، و هي أنّ كل شعب مهما بلغ من الجحد و الكفر، فإذا استغاث بمحمد و آل محمد، كشف اللّه عنه الغمّة، كل ذاك من أسرار الصلوات الزاكيات.

أمواج البحر

قال الشيخ موسى الضرير و هو أحد علماء أهل السنّة: أحد الأيام ركبت السفينة مع عدد من أصحابي و أهل بيتي، فلما توسطنا البحر، فجأة تغيرت حالة البحر، بدأت الأمواج تظهر و تعلو شيئا فشيئا، حتى أخذت السفينة تتمايل يمينا و شمالا و نحن نتمايل معها، إلى أن صرنا في حالة يئسنا فيها من الحياة، لهذا أخذ بعضنا يودع البعض الآخر و يطلب منه براءة الذمة، ثم توجهنا إلى اللّه سبحانه و تعالى بكلّ خشوع و تضرع و دعاء و بكاء طالبين منه النجاة من الغرق و الموت، حيث صرنا مصداق الآية المبارك: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (2).

بعد شدّة الاضطراب و الخوف أغمي عليّ، في عالم المنام رأيت الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالتجأت إليه طالبا منه الشفاعة في نجاتنا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قل

ص:131


1- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام: 394-269/401-271.
2- سورة العنكبوت: 65/29.

لأهل السفينة أن يقرؤوا هذه الصلوات ألف مرة لكي ينجوا من الغرق «اللهم صلّ على سيدنا محمد و آله صلاة تنجينا بها من جميع الأحوال و الأوقات و تطهّرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها عندك في أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات و بعد الممات» يقول الشيخ: قمت من نومي و جئت إلى أصحابي، قلت لهم ما قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لي، فأخذنا نقرأ الصلوات بصوت واحد، بعد مدّة قليلة، و إذا بالبحر يهدأ و يعود إلى حالته الأولى، و نحن لم نقرأ الصلوات أكثر من ثلاثمائة مرة.

المرأة المؤمنة

نقل السيد هاشم الأردبيلي و هو أحد العلماء الثقات في دولة الكويت، بأن امرأة كانت ملازمة لذكر الصلوات في بيتها بصورة دائمة، بحيث ما كانت تترك الذكر حتى في تعاملاتها اليومية مع زوجها و أطفالها، فإذا أراد زوجها قدح ماء، تأتي بالماء و تقدمه له مع ذكر الصلاة على محمد و آل محمد، و إذا أرادت إعطاء شيء لولدها تعطيه مع ذكر الصلوات و هكذا بالنسبة لبقية الأمور، و لكن من سوء حظ الزوج، كان منزعجا من عملها هذا، حتى بدأ يفكر بطريقة للتخلص منها. أحد الأيام أرادت هذه المرأة الصالحة الذهاب إلى الحمام لغسل بدنها، فقالت لزوجها إذا انتهيت من الاستحمام، أرجو أن تعطيني المنشفة، و قالت (اللهم صلّ على محمد و آل محمد)، فلما دخلت الزوجة الحمام، انتهز الزوج الفرصة، فجاء بحية سامية قد هيّأها من قبل، ثم وضعها في وسط المنشفة، فلما انتهت الزوجة من الغسل، أعطى الرجل المنشفة لزوجته، و الحية في وسطها.

أخذت الزوجة المنشفة و صلّت على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تشكّرت

ص:132

منه، و بعد دقائق خرجت من الحمام، و على صدرها قلادة ذهبية جميلة جدا، بينما كان الزوج ينتظر سماع صراخها و موتها، فلما رآها بهذا المنظر قال لها:

من أين لك هذه القلادة الجميلة؟ قالت: أولم تضعها في وسط المنشفة و تهديها لي، فنكس الرجل رأسه خجلا و مندهشا من الكرامة الإلهية التي جاءت لها، و أخيرا ذكر لها حقيقة الأمر و ما كان ينويه فاعتذر منها كثيرا و أخذ يحترمها و يخدمها بعدما كانت هي تخدمه، نعم إنه من بركة الصلاة على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين..

24 - التوفيق للأمور المعنوية:

نقل المحدث النوري قدّس سرّه عن فريد عصره الشيخ أحمد بن زين الدين، قال رأيت في المنام الإمام السجاد عليه السّلام، فشكوت إليه عدم الاعتداد من حمل الزاد ليوم المعاد و عدم التوفيق للتوبة الخالصة و الأعمال الصالحة، فأجابني بأن الذي عليك أن تكثر من الصلاة على محمد و آله، و نحن نعمل بذلك»(1).

25 - طيب المجلس:

الفم المعطر

ينقل عن المرحوم العالم الزاهد الشيخ علي الهمداني قدّس سرّه:

في أحد الأيام جاءني رجل كبير السن، لأداء الحقوق الشرعية التي عليه، و أنا أتكلم معه أحسست منه رائحة عطرة لم أشمّ مثلها في حياتي، فتعجّبت من عظمة طيب هذه الرائحة، فقلت له ما اسم هذا العطر و من أين أتيت به؟ فقال الرجل: يا مولانا الجليل إن لهذه الرائحة العطرة قصة لم أذكرها لأحد

ص:133


1- كتاب القطرة من بحار مناقب النبي و العترة: ص 59 العلامة السيد أحمد المستنبط.

قط، و لكن لكونك ثقتنا و مرجعنا سأخبرك.

في إحدى الليالي و في عالم المنام تشرّفت برؤية رسول اللّه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا و حوله عشرون نفرا تقريبا و أنا واحد منهم، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنا:

من منكم يكثر من الصلوات عليّ؟

فأردت أن أقول: أنا يا رسول اللّه أكثر من الصلوات، و لكني سكتّ مرة ثانية سألنا و لم يجب أحد، مرّة ثالثة قال: من منكم يكثر من الصلوات عليّ؟

فأردت أن أقول أنا و لكنّي فكرت في نفسي، لعلّ الآخرين يذكرون الصلوات أكثر منّي، فلما لم يجب أحد على سؤال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قام من مكانه و توجّه إليّ، و قال:

أنت الذي تذكرني بالصلوات كثيرا ثم قبّلني على فمي فالعطر الذي عليّ هو من أثر تلك القبلة و ليس من عطور الدنيا(1).

عطر المسجد

قال أحد العلماء:

قرّرت في أحد الأيام البقاء مقدارا من الليل في مسجد المدرسة العلمية في أصفهان لأجل العبادة و الانقطاع إلى اللّه عز و جل، فذهبت إلى المكان الذي يلتجئ إليه الفقراء، جلست طويلا أسبّح اللّه و أحمده، إلى أن غلبني النعاس و نمت، منتصف الليل قمت من نومي على أثر رائحة عطرة وصلت إلى مشامي، لم أشم مثلها من قبل، قمت من مكاني أبحث عن سبب و مصدر ذلك العطر الطيب، ذهبت إلى جميع نواحي المسجد لم أجد أحدا، دخلت في

ص:134


1- فضائل و آثار الصلوات: 93.

إحدى الزوايا فأحسست بازدياد رائحة العطر، و عند آخر الزاوية شاهدت رجلا فقيرا يحرّك شفتيه، أصغيت إليه، فسمعته يقول: (اللهم صلّ على محمد و آل محمد و عجّل فرجهم) عندها عرفت أن هذا الرجل الفقير هو مصدر الرائحة العطرة التي ملأت المسجد و أيقظتني من النوم(1).

26 - اجتناب الغيبة:

إلياس و الخضر عليهما السّلام

أحد الأولياء اشتكى يوما إلى نبي اللّه إلياس و نبي اللّه الخضر عليهما السّلام من كثرة الغيبة التي يتراودها الناس في مجالسهم، قال لهما: أعيش بين أناس يكثرون الغيبة أينما كانوا في البيت أو في السوق، و كلّما أدعوهم إلى الابتعاد عن هذا العمل الحرام، لا يسمعون كلامي.

فقال نبي اللّه إلياس عليه السّلام: علاج هذا الأمر هو أنك إذا أردت الدخول في مجلس و رأيت الناس يتداولون الغيبة قل (بسم اللّه الرحمن الرحيم و صلّى اللّه على محمد و آل محمد) عندها يرسل ربّ العزة ملكا إلى أهل ذلك المجلس، فإذا أراد أحدهم تناول الآخرين بالسوء يحول الملك بينه و بين ذلك.

ثم قال نبي اللّه الخضر عليه السّلام:

و إذا أردت الخروج من مجلس فقل (بسم اللّه الرحمن الرحيم و صلّى اللّه على محمد و آل محمد) فإن اللّه عز و جل يرسل ملكا إلى أهل ذلك المجلس يمنعهم من اغتياب الشخص الخارج(2).

ص:135


1- شرح فضائل الصلوات.
2- شرح فضائل الصلوات.

27 - سعة الرزق و الغنى:

مهر الزواج

ذكر أبو الفتوح الرازي في تفسيره في حديث خلقه آدم: «أنه لما استيقظ من نومه و رأى حواء، أراد أن يمدّ يده إليها فنهته الملائكة، فقال: أما خلقها اللّه تعالى لي؟ قالوا: بلى حتى تؤدّي مهرها، قال: و ما مهرها؟ فقالوا: أن تصلّي على محمد و آل محمد ثلاث مرات».

الرجل الفقير

جاء في كتاب (قصص الصالحين) أن فقيرا خرج من بيته يوما لطلب الرزق لعياله، لكنه لا يدري أن يذهب، أخذ يسير في الطريق، مرّ بمسجد سمع الخطيب يتحدث للناس عن فضل الصلوات و يرغّبهم بذلك.

جلس عند باب المسجد ليسمع ما يقوله الخطيب، سمع من ضمن الكلام، أن الصلوات تنفع الإنسان المؤمن في الدنيا و الآخرة، فلو أن غنيا ذكر الصلاة على النبي و أهل بيته الطاهرين عليهم السّلام بشكل دائم سوف يجعل اللّه البركة في أمواله، و إذا ذكر الفقير الصلوات و استمر على ذلك، فسوف ينزل اللّه له الرزق من السماء.

انصرف الفقير بعد سماعه لكلام الخطيب، أخذ يسير في الطريق و شفتاه تتحرّكان بذكر الصلاة على محمد و آله الطيبين الطاهرين، استمر على هذا الأمر بشكل متواصل.

أحد الأيام و هو يسير في خربة تعلّقت رجله بصخرة، رفع الصخرة، وجد تحتها كيسا مملوءا بالليرات الذهبية و الجواهر، قال في نفسه: أنا موعود بالرزق من السماء، و أنه سيأتيني لا محالة كما قال الخطيب، أنا لا أريد رزق

ص:136

الأرض، وضع الحجر على الكيس، و رجع إلى بيته خالي اليدين، فلما استقرّ في بيته قصّ ما رآه على زوجته بالتفصيل.

كان لهذا الرجل جار يهودي، في تلك الأثناء كان على السطح و سمع من الرجل الذي قاله لزوجته، نزل من السطح، و توجه مسرعا نحو الخربة، رفع الصخرة و أخذ الصرّة و رجع إلى بيته، فتح الصرة أمام زوجته، وجدها مملوءة بالعقارب و الأفاعي.

قال لزوجته: إن جارنا المسلم عدو لدود لنا، لما عرف بوجودي على سطح داره، تكلّم بهذا الكلام أمامي لكي أسمع منه ذلك ثم أذهب إلى الكيس و آتي به إلى البيت لكي تهجم علينا العقارب و الأفاعي و تقتلنا، لهذا سوف ألقي الذي في الكيس على رأسه من فوق السطح ليموت كما أراد لنا ذلك، فجاء إلى سطح الدار، فوجده جالسا مع زوجته يتجادلان بصوت مرتفع، و سمع المرأة تقول لزوجها:

يا هذا هل من الصحيح أن تعثر على صرّة مملوءة بالذهب و الجواهر فتتركها في مكانها، و نحن لا نملك طعاما نأكله؟ قال الزوج: إني لأرجو من اللّه عز و جل أن ينزل عليّ الرزق من السماء، فتح اليهودي الصرّة و ألقى ما فيها على رأس الرجل و زوجته، سمع الرجل صوتا فوق رأسه، رفع رأسه و إذا به يرى قطعا ذهبية و مجوهرات تتساقط عليه، قال لزوجته:

انظري إلى رزق اللّه عز و جل ألم أقل لك إني موعود بالرزق من السماء، و أخذ يكرّر الصلاة على محمد و آل محمد عليهم السّلام، و حين رأى اليهودي بأن الذي يتساقط هو ذهب و مجوهرات و ليس عقارب، فأمسك عن الإلقاء، و نظر في الكيس فرأى ما فيه عقارب أيضا، و أخيرا ألقى بقية الكيس في بيت الرجل

ص:137

المؤمن فإذا هو ذهب و جواهر.

عرف اليهودي أنه سرّ من الأسرار الإلهية، ثم تذكر القصة التي جرت في زمن موسى عليه السّلام حيث أصبح ماء النيل دما عبيطا للأقباط، بينما كان ماء عذبا لبني إسرائيل، بعدها نادى جاره المسلم ليصعد إليه إلى سطح الدار، فصعد الرجل إلى سطح داره، عندها أسلم اليهودي على يده بعد أن رأى صدقه و صفاءه.

الرجل المؤمن بدوره لم يقصّر معه، حيث أعطاه مقدارا كافيا من الليرات الذهبية و المجوهرات ليستعين بها على أموره الدنيوية و لكي يرى أن المسلمين ليسوا مجرّد كلام و شعارات، بل هناك من يتبع القول بالعمل(1).

السبيل إلى الرزق الكثير

في رواية عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شكى إليه الفقر. فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا دخلت بيتك سلّم إن كان في البيت أحد أو لم يكن ثم صلّ عليّ و على أهل بيتي. بعدها اقرأ سورة التوحيد، ففعل الرجل ذلك، فأتاه الرزق من كلّ مكان حتى أخذ يوزّع على جيرانه(2).

مطهرون نقيات ثيابهم تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في قديم الدهر مفتخر

و اللّه لمّا برى خلقا فأتقنه صفاكم و اصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور(3)

ص:138


1- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.
2- جلاء الأفهام في الصلاة و السلام على خير الأنام: ص 255 الموطن التاسع و العشرون.
3- انظر كتاب كرامات الأبرار: 100، نقلناه عن عيون أخبار الرضا عليه السّلام: 143/2.

هذه أبيات رائعة لأبي نؤاس. يقول: عندما خرج الإمام الرضا عليه السّلام من عند المأمون: توجهت إليه فقلت له: السلام عليك يا بن رسول اللّه، قال: و عليك السلام، قلت له: عندي أبيات أحبّ أن أنشدكها، فقال عليه السّلام: هاتها، يقول:

قرأتها له عليه السّلام.

و قد ترتّب عليها أثر عظيم و فيها سرّ صلواتي.

عندما أتمّ إنشاد هذه الأبيات التفت الإمام عليه السّلام إلى غلامه، فقال له هل معك شيء من الدنانير و الدراهم؟ أراد الإمام إكرامه بهذه الأبيات التي فيها معان عالية مشتقّة من كتاب اللّه العزيز، و مستنبطة من القرآن، و من روايات المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال الغلام ليس معنا إلاّ ثلاثمائة دينار.

قال الإمام عليه السّلام لغلامه أكرمه بها، فأحضرها و أعطاه إياها، أخذها الرجل و انصرف قال الإمام عليه السّلام لعله استقلها، فسق إليه هذه البغلة فإنه جاء بأبيات ما سبق أحد إليها، و فيها ما يتعلق بالأسرار. (مطهرون نقيات ثيابهم) إشارة إلى أنه حتى الثوب الذي هو على أبدانهم متّصف بالنقاوة و الطهارة.

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا سواء أكانوا في الملأ الأعلى في العرش و ما حوى و ما تحت الثرى و ما إلى ذلك من خلق ما يرى و ما لا يرى، الصلاة على محمد و آل محمد كلّ بلغته و كلّ بلسانه. إذا ذكر النبيّ محمد و آل محمد، كم عالم موجود الآن في هذا الوجود؟ و كم آدم و كم لغة؟

في الروايات الواردة عنهم صلوات اللّه عليهم: «هناك ألف ألف عالم، و ألف ألف آدم»(1) ، هذه الأرقام عالية من الخلق مما يختلف لونا و لسانا و لغة، كلّ هذه

ص:139


1- روى الشيخ الصدوق: بسنده عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ سورة ق: 15/50، فقال: يا

العوالم و كل هذه الأوادم و كلّ هذه اللغات كلها تجري الصلوات كلّ بحسبه في السماوات و الأرضين، هذه الأسرار الهامة نستلهمها ببركة الصلوات على محمد و آل محمد.

هناك بحث هامّ ينبغي الالتفات إليه، طرحه أحد العلماء الكبار، و هذا البحث لصاحب كتاب القطرة و هو كتاب فريد ألفّ في بحار مناقب العترة، المؤلف من العلماء الكبار(1) يتعرض إلى هذا البحث الهامّ و يعقد فصلا كاملا في فضل الصلاة على النبيّ و آله، يختار غرر الأخبار ثمّ ينتهي إلى آخر المطاف في هذا البحث و يطرح هذه الكلمة التي أبدى فيها نظره و إنّني أناقش هذا السيّد العلم فيما أبدى من وجهة نظر فيها نظر، الكلمة هكذا يقول في الكتاب ما نصّه: أنّ الصلاة عليه و على آله هل تزيد في مراتبهم أم لا؟

يجيب قائلا: ذهبت طائفة إلى الثاني يعني لا تزيد في مراتبهم شيئا يعني نحن لما نصلّي على محمد و آله لا يزدادون فيما يتعلق بالمراتب شيئا، هذه طائفة من طائفتين، يعني نظرا من نظرين زعما منهم أنّ اللّه تعالى أعطى نبيّه و أهل بيته أكمل المنازل اللائقة بنوع الإنسان فلا زيادة حينئذ، أصحاب هذا الاتجاه يقولون: لا يزدادون مرتبة لأنّهم في كمال المرتبة فحينئذ لا يكون هناك عود و نفع في الصلاة عليهم لهم، نعم يقول إذا لا توجد هناك فائدة لهم، فما هي النتيجة؟

يقول الفائدة تعود للمصلين عليهم فيزداد المصلّي أجرا و ثوابا و رقيا و مرتبة،

ص:140


1- إنه المرحوم آية اللّه السيد أحمد المستنبط.

فالمرتبة ليست لهم (عليهم السلام) و إنما المرتبة للمصلّين عليهم، يقول هذه طائفة ذهبت إلى هذا الرأي، ثمّ يقول و الدليل على هذا الرأي قول الإمام في الزيارة الجامعة الكبيرة، «و جعل صلواتنا عليكم و ما خصّنا به من ولايتكم، طيبا لخلقنا و طهارة لأنفسنا و تزكية لنا و كفارة لذنوبنا»(1) ، يعني كلّ شيء يعود لنا، ثمّ يقول - هنا تبدأ المناقشة - و لكن الأقوى عندي هو الأول أي أنّهم يزدادون مراتب على من يصلّي عليهم ببركة الصلاة عليهم، لماذا؟

يقول لأنّه كان يلتمس من صلحاء أمّته الدعاء له، و يقول إنّ ربّي وعدني مرتبة الشفاعة و الوسيلة و لا تنال إلاّ بالدعاء، ثمّ يقول و مراتب الحق و مراتب الفيض لا حدّ لها فيكون حينئذ الفائدة هي عبارة عن ازدياد مراتبهم و علوّ منازلهم، هذه النظرية يطرحها و يقول الأقوى عندي أنّهم يزدادون انتهى كلامه(2).

و السؤال الذي يطرح هنا ما هو الحقّ من بين هاتين النظرتين؟

المتيقن الذي لا ريب فيه و لا وهم و لا ذرة من التوهم بأنّ الصلاة كلّ الصلاة إنما هي ازدياد مراتب المصلّين و لا يكون لهم صلوات اللّه عليهم بذلك أيّ شيء لغناهم عن كلّ شيء، أنقل لكم كلمة للرد على هذا السيّد الجليل (قدس سره)، أردّ عليه بكلمات متعددة:

أولا كلمة الخليل الفراهيدي يقول: بأنّ علامة كونه إماما، أولا استغناؤه عن الكلّ(3) ، و هذا مسلّم به و لا نقاش فيه، فهل هناك إمام احتاج إلى أحد، حيث أنّه لا يوجد دليل و لا نص حتى و لو كان ضعيفا أنهم احتاجوا - احتياج الناس إلى الناس -

ص:141


1- من لا يحضره الفقيه: 372/2، و فرائد السمطين: 182/2.
2- القطرة: ج 1 /باب فضل الصلاة على النبيّ و آله.
3- القول السديد في شرح التجريد: 351.

و إذا كانت هناك حوادث تشير إلى رجوع المعصومين إلى الناس فإن هذا كان لقضايا و اعتبارات ثانوية، و هذا الرجل متوجّه تماما و ملتفت بدليل ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (1) ، يعني محال أن يكون الرسول الذي هو المناط و هو الملاك الذي يرجع إليه في كلّ شيء، يرجع للآخرين هذا يصبح بالعكس، ما آتاه الناس إلى الرسول فخذوه. ما آتاهم لا يمكن أن يكون ما آتاكم؟

إذا كان كل شيء عند النبيّ و لذلك ترجعون للأخذ منه، فإذا نقص (ما) يكون بعض ما آتاكم و يصير كما في قضية الأنبياء عندما يعرّف عنهم يقول إنّه شيء من الألواح، بعض من الألواح، أو علم من الكتاب، كلّه تبعيض، و لكن عند ما يأتي للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوجد هنا إطلاق «ما» أي كل شيء آتاكم معنى ذلك أنّه كلّ شيء عنده، لأنه لو لم يكن عنده كل شيء لا معنى حينئذ لقوله «ما آتاكم فخذوه».

فاستغناؤه عن الكلّ - هذا من طرفه - و افتقار الكلّ إليه، كلّ شيء محتاج إليهم حتى الأرض في حركتها و دورانها بل الشموس و الأقمار، لأنّه لو لم يكونوا، لما دارت و لما استقرت، فهم المحور في كل حركة و دوران.

فإذا كان كلّ شيء بذاته مفتقرا إليهم و هذا المعنى برهانيّ، و ذلك لأنهم استغنوا باللّه فأصبحوا مظاهر صفاته و ألسنة وحيه و تراجمة كلماته و بعبارة بيّنة هم المظهر للكمال، هم المظهر للجلال، و هم المظهر للجمال.

و كذلك إذا كانوا مظهرا للجمال و الكمال و الجلال فهل يحتاجون لشيء، فهم بكمال اللّه المطلق تكاملوا و بغناه المطلق استغنوا، و لذا يكون كلّ شيء مفتقرا إليهم، يقول الفراهيدي، هذا دليل على أنّه إمام الكلّ، الافتقار من الغير حتى في

ص:142


1- الحشر: 7/59.

الصلوات و الاستغناء حتى في الدرجات المترتبة على تلك الصلوات.

إذن لا نقص في كمالهم حتى يتكاملوا، و لا نقص في مراتبهم حتى تزداد مراتبهم إنّ هذا ما يعبّر عنهم القرآن الكريم ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (1) هذا الأمر حيّر الكمّل من الخلائق من أولي العزم، و الأولياء احتاروا في أن يفقهوا بعض تلك الدرجات، ما استطاعوا، فصعق من صعق، و وقع في بطن الحوت من وقع، و أدلي من أدلي في النار، و نشّر بالمناشير من نشر، و هكذا كلهم كانوا يسألون اللّه تعالى المعرفة الحقّة للكمال و الجمال و الجلال المظهر له محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فهل مثل هؤلاء يفتقرون لصلواتي؟

فهل إذا أنا صلّيت عليهم يرتفعون درجات؟

هم الواسطة في الفيض، لا أنّهم محتاجون للفيض.

و بكلمة مقتضبة: مرة نحن ننظر للنبيّ على أنّه عنصر يتكامل بالأخبار، يعني النبيّ لا شيء عنده كما طرح أخيرا، فإذا أخبر علم، و إذا لم يخبر فلا علم غيبيّ حاضر عنده.

نحن و للّه الحمد عقائدنا مستمدّة من القرآن و الأخبار و على ضوء ما ورد نحن نكون موضوعيين، نحن أتباع القرآن و أتباع آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما ورد عنهم نتعبّد به فقط و ما لم يرد عنهم فلا.

اللّه سبحانه و تعالى أعطانا قدرة عقلية يعني علينا أن نمحّص الكلمات قبل أن نحكم و قبل أن ننفي، نحتاج إلى دراسة لأنّ العقائد تخصّص فيراد حينئذ فيها

ص:143


1- النجم: 8/53 و 9.

سياحة فكرية واقعيّة.

المطروح بأنّ النبيّ إذا أخبر عرف و إذا أعلم علم، و إلا فلا.

معنى ذلك أنّ النبيّ إنما هو بالنتيجة ما عنده إلاّ ما يخبر به، الدليل ما هو؟

يستدّل بعض المعاصرين بالآية لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (1).

هناك آيات تبيّن قضايا بسيطة في المجتمع يعني مثلا قضية زواج، أو طلاق حوادث كل حادثة لها خصائصها و لها ظروفها، و لها مناخها، يعني نحن لا يمكن أن نعمّم الحكم من قضية معينة دون الرجوع إلى القرآن الكريم، يعني من هذه الآية أحكم بعدم علم غيب النبيّ، هذا علميّا تجاوز على العلم، لماذا؟

لأنّ العلم يقول أنّ الآية يجب أن تضمّ لها كلّ الشواهد و القرائن الموجودة في كتاب اللّه العزيز.

أولا: لماذا نزلت الآية؟

ثانيا: ما سبب النزول هل هو هذا، أم سبب آخر؟

ثالثا: إنّ هذه الآية في مقام النفي المطلق، أو في مقام المداراة، لأنّ هناك مجموعة معينة لا تستحمل مثلا هذه المقامات الغيبية.

رابعا: القرآن الكريم هل يتوقّف على هذه الآية فحسب، أمّ أنّ هناك آيات أخرى؟ ماذا تبيّن الآيات الأخرى؟

إذن لا بدّ من دراسة كاملة مستفيضة لآيات القرآن، فلا نكتفي بآية واحدة، فلا نطرح مثلا ما يذكر في مجمع البيان أو ما يذكره الرازيّ في سبب النزول لا بدّ أن

ص:144


1- الأعراف: 188/7.

نتأمل، هل هذا يتنافي مع عقائدنا أم لا يتنافي؟ فهو - أي الفاضل المعاصر - يجعل النبيّ لا علم له بناقته أين ذهبت، و يقول: إنّ سبب نزول هذه الآية أنّ للنبيّ ناقة و لم يعلم أين ذهبت، فصار النبيّ ينادي أين صارت ناقتي؟

و يقول هو قبل قليل أخبرهم أنّ هناك مشركا قد مات بالمدينة، و كان معه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جملة من المنافقين فقالوا عجبا قبل قليل أخبرتنا عن موت مشرك بالمدينة، و نحن في غزوة و نحن بعيدون عن المدينة بكذا فرسخ، و الآن تبحث عن الناقة فتعجّبوا من هذا الأمر فنزلت الآية وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ .

كيف تعتمد على طرف من النقل، النقل كلّه مبنيّ على أمرين:

الأمر الأول: الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخبر بالغيب و قبل نزول الآية أخبر عنه كما في النص المذكور قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مات فلان، هذا إخبار و الآية لم تكن قد نزلت.

الأمر الثاني: عندما كان يبحث عن ناقته قال أين صارت ناقتي، نزلت هذه الآية لمّا تعجب هؤلاء المنافقون و كانوا يقولون قبل قليل هو يخبر عن موت فلان و الآن كيف لا يعلم أين صارت ناقته؟ أنت أعرف بأنّ سبب النزول يوحي بنوع من إخبار بالغيب و نفي الغيب.

إذا لا بدّ من دراسة حيثيتين وجهتين تدرس بشكل عميق و تربط بالروايات، ماذا نستفيد من الروايات؟

افتح كتاب الحجّة في الكافي الشريف، و تأمّل مقامات أهل البيت عليهم السّلام، أود أن أنقل لهذا العالم المعاصر، أنقل له هذا النّص الصريح و من حيث السند صحيح و النّص هكذا، يروي الكليني، عن أحمد الأشعري، عن أحمد البرقي، عن حمّاد بن خلف، عن أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السّلام: «الحجة قبل الخلق و مع الخلق

ص:145

و بعد الخلق»(1).

يعني هذا الذي له مقام التقدم على الخلق، و له مقام البقاء بعد فناء كلّ شيء، و مع الخلائق لا يفارقها لأنّها تهلك إن لم يكن، مع هذا النص هل يمكن تقييم هذا المقام العليّ؟

«قبل الخلق» إذا كان النظر إلى الجسمانية و البشرية، الجسم لا يرى ما وراء الجدار و لكن عندما تصل إلى مقامات الأنوار و مقامات المعارف، فإنّ ما وراء هذا الجدار، يكون مخصوصا بهم عليهم السّلام حتى يتميّزوا عن الناس و بالتالي ماذا نفهم من هذا النص الشريف؟ لتوضيح المراد نضرب أمثلة هامة:

المثال الأول: إذا أحضرنا الملح، الملحية صفة ذاتية إلى الملح، فإذا رفعت عنه هذه الصفة الذاتية لا يبقى ملحا و إنما يتحول إلى مادة أخرى.

المثال الثاني: السكر صفته الذاتية الحلاوة، فإذا رفعت عنه هذه الصفة الذاتية لا يبقى سكرا و إنما يتحول إلى مادّة أخرى.

المثال الثالث: المشمش يقول الشيخ الرئيس ابن سينا، جعل اللّه المشمش مشمشا، يريد أن يقول إنّ ذاتي المشمش عبارة عن هذه المادة العسلية و هذه المادة الحلوة، بحيث إذا ارتفعت هذه المادّة لا يبقى المشمش مشمشا.

إذا كان الشيء ذاتيا له فإذا رفع ذلك الشيء الذاتي أصبح شيئا آخر، نفس الأمر بالنسبة إلى المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذاتيه العلم بالغيب لا شيء عرض عليه، شيء ذاتي، كيف نعرّف هذه الذات المحمدية؟

نعرّفها بعلم الغيب، نعرّفها بالقدرة، نعرّفها بأنها خازنة لكل شيء، فإذا

ص:146


1- الكافي 4/177:1.

رفعت منه هذه الخصائص لم يصبح محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل يصبح مثله مثل أي إنسان عادي.

إذن ما يميّز ذات النبيّ عن غيره هو عبارة عمّا يميز الملح بملوحته عن غيره، و السكر بحلاوته عن غيره فكذا المصطفى بعلمه الذاتي و إخباره بصفاته الذاتية و بقدرته الذاتية التي لو انفكت عنه هذه الصفات لم يعد محمدا بل أصبح كأيّ إنسان عادي.

إذن هذه صفات ذاتية لازمة له لا تنفك عنه أبدا غاية الأمر: أنّه بإعطاء اللّه تعالى له، لا أنّه مستقلّ عنه جلّ و علا و من هنا ندرك سرّ الصلوات عليهم في آناء الليل و أطراف النهار باعتبارهم ذوات كاملة لا تحتاج إلى رفع درجة و علوّ مقام كيف لا؟ و القرآن الكريم يبيّن هذه الحقيقة بقوله تعالى ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (1) ، هذه من أسرار ذكر آل محمد صلى اللّه عليهم جميعا و معرفة بعض شؤونهم و مراتبهم، ثبّتنا اللّه و إيّاكم على القول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة.

28 - تذهب بالنفاق

روى الكليني: قال علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الصلاة عليّ و على أهل بيتي تذهب بالنفاق»(2).

أقول: و سند هذا الحديث صحيح، و دلالته واضحة في المقصود و هو أنّ

ص:147


1- النجم: 8/53 و 9.
2- الكافي 492:2.

الصلاة تذهب بالنفاق، و لكن قد يقال: إننا نرى كثيرا من المصلين على النبي و آله لا يسلمون من داء النفاق فكيف يتلاءم هذا مع نص الحديث؟

فإذا ما قيل هكذا قلنا: إنّ النصوص السماوية التي هي من هذا القبيل ناظرة إلى الحدين الأدنى و الأعلى من الثواب و الآثار، و ما بين هذين الحدين لا يتعرض له المعصوم غالبا، لأنّ المراتب فيما بين هذين الحدين لا نهاية لها على عدد البشر، و ليس من المعقول أن تصدر آلاف النصوص تبين مقدار ثواب كل مصلّ على محمد و آل محمد على حدة.

نظرية الثواب الأعلى و الأدنى:

هذه الرؤية في قراءة نصوص الترغيب و الثواب بل حتى الترهيب و العقاب لم أجد لها أثرا حتى على نحو الإشارة في كلمات السابقين و هم يتحدثون في هذا الموضوع.

و في الحقيقة! فمن جهة، قادني إليها محذور تكذيب النصوص الصحيحة الواردة عن المعصوم في بيان ثواب أو عقاب عمل من الأعمال.

و من جهة أخرى قادني إليها محذور تكذيب الوجدان الذي يجزم بوجود النفاق في بعض المصلين على محمد و آل محمد مثلا، و المحذور في الأول حرمة تكذيب النص الصحيح الحجة، و في الثاني فلعدم منطقية تكذيب الوجدان.

الذي فعله العلماء خلاصا من ذلك بلوره العلامة المجلسي قدّس سرّه في مرآة العقول بقوله: إذهاب النفاق مشروط بالإقرار بفضل آل البيت عليهم السّلام و الاعتراف بإمامتهم، فتخلف ذلك في المخالفين لعدم تحقق شرط ذلك(1).

ص:148


1- مرآة العقول 98:12.

هذا غاية ما يمكن أن يقال على ضوء المناهج الكلاسيكية، و أنت ترى ما فيه، إذ ليس هو بمقنع كثيرا حتى لو كان صحيحا في نفسه، و آية ذلك أنّ الإشكالية باقية على حالها غير مدفوعة بما بلوره العلامة المجلسي، لليقين بأنّ كثيرا ممّن يعتقد بإمامتهم و هم كثيرون يصلّون على محمد و آل محمد، و لكنهم مع ذلك لم يسلموا جميعا من جميع مراتب النفاق بلا أدنى شك.

و في الحقيقة ففائدة هذه النظرية تنحصر في معالجة هذه الإشكالية الواردة في مئات النصوص الذاكرة لمقادير الثواب المادي و المعنوي..، و خلاصة القول فيها أنّ الخطابات السماوية في الترغيب و الترهيب بل في غيرهما ناظرة إلى الحدين الأعلى و الأدنى غالبا و غير ناظرة إلى ما بينهما، و إن وقع فهو نادر لحكمة دعت إلى ذلك.

و فيما نحن فيه فإنّ أعلى ثواب أو أعلى أثر لمجرد الصلاة على محمد و آل محمد هو إذهابها بالنفاق الكامل في الوقت الذي لا ينفي ذلك أنّ أدنى أثر أو ثواب لها هو إذهابها و لو بمرتبة واحدة من مراتب النفاق، و الذي هو النفاق في أصل الدين.

و آية ذلك أنّ كثيرا من المعتقدين بإمامة الأئمة عليهم السّلام و إن لم يسلموا من بعض مراتب النفاق كما يشهد عليه الوجدان إلاّ أنّنا نقطع أنّهم لا ينافقون في دينهم و في انتمائهم لمدرسة الوحي المتجسدة بأولئك الأئمة عليهم السلام، و إذا شككنا في كل شيء فنحن لا نشك أنّ الشيعة تغمرهم فرحة عظيمة و هم يمارسون الصلاة على محمد و آل محمد في مجالسهم التي يذكر فيها اسم اللّه و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آل البيت عليهم السّلام.

و لكي تتوضّح معالم هذه النظرية أكثر نستعرض ما ينبغي استعراضه بعجالة

ص:149

كيما تكون في متناول الأذهان.

فمثلا في الوقت الذي يقول الإمام الصادق عليه السّلام في الحديث الصحيح:

«لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلّي على محمد و آل محمد» يقول عليه السّلام في حديث صحيح آخر: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أخبرني جبرائيل أنّ الرجل من أمّتي إذا صلّى عليّ و أتبع بالصلاة عليّ أهل بيتي فتحت له أبواب السماء و صلّت عليه الملائكة سبعين صلاة و أنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة..»(1).

و الحديث الصحيح الأول لا يريد سوى أن يبين أنّ الدعاء من دون الصلاة محجوب و هو أدنى أثر أو ثواب للصلاة من هذه الجهة، و لكن في الحديث الصحيح الثاني يبيّن غاية ما يمكن أن يفيض عن ساحة القدس الإلهية من ثواب.

و في الوقت الذي يصلّي اللّه عشرا على من يصلّي على محمد و آل محمد كما أخبرتنا الروايات المعتبرة المذكورة سابقا تخبرنا هذه الصحيحة أنّ اللّه سبحانه و تعالى يصلّي سبعمائة صلاة.

و إذا وسعنا نطاق هذه النظرية إلى غير نطاق الثواب و العقاب و إلى عموم ما يحدد بحدّين نقول مثلا:

في الوقت الذي أجمع العلماء على إجزاء الصيغة: «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد» في تشهد الصلاة و في غيره أجمع العلماء في طول ذلك على أنّ من أكمل الصيغ أن يقول المصلّي: «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم، و بارك على محمد و آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم».

ص:150


1- أمالي الصدوق: 18/464، وسائل الشيعة 205:7 ب 42 من أبواب الذكر ح 10.

ففي الوقت الذي نصت الرواية أو الروايات الصحيحة على إجزاء الصيغة الأولى، نصّت الروايات الصحيحة على أنّ الصيغة الثانية من أكمل الصيغ المجزئة.

و الأمثلة على ذلك في الفقه لا تحصى، ففي الوقت الذي حددت بعض الروايات إنّ الكرّ ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار، طولا و عرضا و ارتفاعا كما في صحيحة إسماعيل بن جابر(1) نجد أنّ مرسلة بن أبي عمير الصحيحة تقول: إنّه 100 رطل(2) ، مع أنّ وزن أحدهما أكثر من وزن الآخر بشكل ملحوظ، الأمر الذي حدا بابن طاووس مثلا إلى أن يبني على أنّ الزائد محمول على الأفضلية(3).

و لا يسعنا مع ما نحن فيه من عجالة أن نستعرض الأدّلة الكثيرة بل التي لا تحصى على هذه الرؤية عموما، في خصوص الثواب و العقاب، و في عموم ما يحدد بحدّين كالكر مثلا.

و بكلمة واحدة كل الخطابات السماوية الناظرة إلى ذلك، تحدد الثواب أو مواضيع الأحكام الشرعية التي لها القابلية على أن يكون لها حدّان بحدين أعلى و أدنى، أمّا ما بين هذين الحدين فغالبا لا يعبأ به الخطاب؛ إذ لا ضرورة لذلك هذا بشكل عام.

و في الثواب بشكل خاص؛ فلعدم معقولية صدور خطابات على عدد المراتب فيما بين ذينك الحدين، إذ لكل إنسان مصلّ و حسب استعداده مرتبة خاصة به و ثواب خاص يوازي استعداداته الملكوتية و صدق نواياه.

ص:151


1- الكافي 7/3:3، التهذيب 115/42:1، الاستبصار 13/10:1.
2- وسائل الشيعة 167:1.
3- حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 8.

عزيزي القارئ: هذه النظرية تحتاج إلى بلورة أكثر لا تسمح بها عجالتنا هذه، بيد أنّي أحسب أنّ معالمها قد اتضحت و لو بإجمال.

فإذا فهمت ذلك فاعلم أنّ قول الصادق عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«الصلاة عليّ و على أهل بيتي تذهب بالنفاق» فيه حدّان:

1 - الحدّ الأعلى: و هو الإذهاب بكل النفاق، كما هو نص الرواية؛ و هذا إذا كان هناك استعداد كامل من المصلي لذلك.

2 - الحدّ الأدنى: و هو الإذهاب بالقدر المتيقن من النفاق، و ليس هو إلاّ النفاق في أصل الدين لا في كل شيء.

و دليل الأول هو نص الرواية و إطلاقها، و دليل الثاني الوجدان و التاريخ.

و كما أخبرتك فإنّ الوجدان و مثله التاريخ قد أخبرانا أنّنا مهما شككنا في شيء فلا نشك في أنّ المصلين على محمد و آل محمد من شيعتهم صادقون في صلاتهم هذه، صادقون في حبهم لمحمد و لآل محمد حتى لو كانوا غير ملتزمين كثيرا في بقية العناوين.

ثم إنّ هذا الأمر يحدو بفضل اللّه تعالى إلى أن يجدد تلك القوة الملكوتية في نفوس المصلين على محمد و آل محمد عند كل صلاة بشكل طردي بأنّ يتقوى فيهم الانقياد لآل البيت و لحبهم و عدم النفاق في موالاتهم مع كل صلاة، و كلما أكثر المصلي من صلاته كلما أكثر اللّه من إفاضاته، و هنا تنطوي حكمة قوله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (1).

ص:152


1- الحديد: 21.

و قوله تعالى: سابِقُوا يقتضي وجود مرحلة عليا في هذا السباق السماوي إلى اللّه و مرحلة دنيا و يقتضي فضلا عن ذلك مراحل لا تحصى على عدد البشر أنفسهم، يتوضح ذلك أكثر إذا ضممنا إلى هذه الآية النصوص النبوية و نصوص المعصوم الناطقة بأنّ في الجنّة منازل لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه و تعالى و درجات كذلك، و من منّا ينكر أنّ الرصيد الذي ندخل بواسطته الجنّة في مرتبتين دنيا و عليا؟ أو ليست العليا للرسول و لآل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

ثم أليست الدنيا لمن علت حسناته الموجبة لدخول الجنة على سيئاته الموجبة لدخول النار و لو بواحدة مع أنّ الجميع من أهل الجنة؟ و إذن لا تفسير لهذه المراتب اللامتناهية إلاّ ما نطقت به نظرية الثواب الأعلى و الأدنى.

و ممّا يخطر على البال أنّ عيسى المسيح عليه السّلام كان يمشي على الماء لمجرد أنّه كان يدعو اللّه ب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم» مثلا، و لكن هذا لا يعني أنّ كل من قال: «بسم اللّه الرحمن الرحيم» يكون له ما لعيسى عليه السّلام، إذ الأثر الذي يحصل عليه عيسى هو الأعلى أو ما هو قريب منه، لا شك في ذلك.

و ممّا يخطر على البال أيضا أنّ اللّه سبحانه و تعالى اتخذ إبراهيم خليلا لكثرة صلاته على محمد و آل محمد، و لكنّ هذا لا يستلزم أنّ كل من صلّى على محمد و آل محمد يتخذه اللّه خليلا، و تخريج ذلك هو الثواب الأعلى و الأدنى و درجات بينهما على عدد البشر.

إذا فهمت ذلك فاعلم أنّ الكليني أخرج بسند صحيح عن الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنها تذهب بالنفاق»(1) و هو يدل على استحباب رفع الصوت.

ص:153


1- الكافي 493:2.

و فيما يبدو لي فإنّ ما يهدف إليه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هذا النص هو و إن كان ذو وحدة مع الهدف من النص السابق، إلاّ أنّ الأخير يرمي إلى شيء آخر و ليس هو - فيما أحسب - غير الشعارية..

إنّ النص الذي يقول: «الصلاة عليّ و على أهل بيتي تذهب بالنفاق» يهدف بنحو و بآخر إلى إذهاب النفاق في المرحلة الأولى ليس غير، حتى لو كان ينطوي على أهداف جمة في مراحل أخرى؛ فعلينا إذن أن نلحظ أهداف المرحلة الأولى من نصوص المعصوم قبل أن نتحدث عن أهداف المراحل التي تعقبها، و لا يلائم رفع الصوت بالصلاة على محمد و على أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا ما تحدثنا عن أهداف المرحلة الأولى إلاّ بالشعارية.

و على ذلك فإنّ الصلاة بقيد رفع الصوت خرجت عن كونها عبارة ساذجة مهمتها شخصية تنحصر بإذهاب نفاق من يتعبد بها، إلى عبادة نوعية تساهم في إحياء تراث الوحي في إطار مدرسة و آية ذلك أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «ارفعوا...» و لم يقل: من رفع صوته و صلّى..

و بناء على ذلك فالثواب فيما اعتقد مع رفع الصوت هو ثواب نوعي و الحسنة المستنزلة به نوعية؛ لأنّ لرفع الصوت دلالة واضحة على الانتماء الوحيوي الصحيح لدين الإسلام، و هذا بحد ذاته شرط ذاتي و موضوعي لإبقاء الحقيقة السماوية حية في خضم الصراع.

النفاق بين الصلاة و التاريخ:

هذا و من الضروري بمكان أن نزاوج بين دراستنا هذه بين بعدي التاريخ و الأخلاق لنقف على حقيقة خطيرة أشرنا إليها سابقا، فعلماء الأخلاق يعرّفون النفاق بأنّه إظهار الصلاح و إسرار الفساد، و لكن هذا معنى النفاق العام و إلاّ فمعناه

ص:154

الخاص عند علماء الكلام هو إعلان الإيمان و إسرار الكفر، و على العكس منه التقية التي هي إعلان ما يوافق أهل الأهواء و إسرار الإيمان، حفظا للنفوس و الفروج و حفظا لبيضة الدين.

مهما يكن من أمر نحن لا نشك في وجود ملازمة تاريخية بين النفاق في الدين الإسلامي و بين عدم الصلاة على محمد و آل محمد؛ فمثلا نحن لا نشك في أنّ الحجاج لم يقل: «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد».

و نحن بغض النظر عن عدم وجود نص صحيح أو ضعيف، يمكن اعتباره، ينص على أنّ عدوّ الكعبة هذا قد تعبد للّه بتلك الصيغة، لا يسعنا إلاّ أن نكون محكومين بقرارات التاريخ حتى لو كانت قاسية..

فقل لي بربك: إذا كان الحجاج يقتل من يقتل لمجرد أنّ اسمه علي أو حسن أو حسين، فهل تصدق أنّه يصلّي على آل محمد تبعا لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

و إذا كان يزيد قد فعل بآل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كربلاء ما يخجل منه حتى الكفار، فهل تعجب بعد ذلك إذا عرفت أنّه لم يصل على محمد و آل محمد حتى مات موتته البشعة المعروفة؟

و إذا كان معاوية و عمرو بن العاص يدفعان الجزية لكفار الروم كيما يتفرغا لقتال آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في صفين و في غيرها فهل تنتابك الحيرة إذا علمت أنهما و كل أهل الشام من أتباعهما لم يصلّوا على محمد و آل محمد إلى أن هلكوا؟

أو ليس معاوية قتل صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمجرد أنّهم رفضوا سياسة الأمويين في سبّ عليّ و آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

أو ليس قد دفن بعضهم أحياء؟

ص:155

أو ليس قد منع الأنصار حقوقهم لمجرد نزعتهم العلوية اللاأموية؟

و إذا كان الأمويون قد شرّعوا سب آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعين أو ثمانين سنة على المنابر، فهل لنا أن نحتمل و لو لواحد بالمليون أنّهم صلّوا على آل محمد تبعا لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طيلة حياتهم؟

و إذا كانت مواقف قريش المتمسلمة مع آل بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مخجلة لجبين الضمير و سلبية للغاية، بحيث كانت تأنف من انتساب بني هاشم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إلى الحدّ الذي صورتهم في بعض النصوص أنّهم الكبا (- الزبالة) فهل يعقل أنّ قريشا تصلي على آل محمد تبعا لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

أو ليس الزبير منع من الصلاة على خصوص محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحت شعار رغما لأنوف بني هاشم أو ما في معناه؟

و حينما نتحدث عن خلافة أو خلفاء بني العباس لا نتحدث عن شيء جديد..

أو ليس يزعم أنّ بني العباس من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّهم من بني هاشم؟

ثمّ أليس يقال: إنّهم حرّموا الصدقة: لأنّهم من آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

و بالتالي أليس إفشاء صيغة: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد» في صالح العباسيين بناء على ذلك؟

إذن لماذا لم يخبرنا التاريخ أنّ بني العباس قد صلّوا على محمد و آل محمد بحيث تكون شعارا لهم، لأنّهم من الآل؟

عزيزي القارئ: التساؤلات التي تخص بني العباس هذه لدليل لا يقبل الريب على أنّ مقولة الآل لا تنهض قواميس اللغة العربية بتحديد معناها، و لا أنّ بني العباس داخلون فيها، و قد بيّنا لك سابقا أنّها مقولة وحيوية لم ينهض بأعباء تحديد

ص:156

معناها غير قاموس الوحي، و من ثم فهو دليل لا يقبل الريب على أنّ بني العباس يعلمون بيقين أنّهم ليسوا آلا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ضوء مقررات الوحي، حتى إذا كانوا كذلك على ضوء قواميس اللغة العربية..

و لو كان بنو العباس يحتملون و لو لواحد بالمليون أنّهم آل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسبما قرره الوحي لتبجحوا بها تبجحا، و لصارت لهم شعارا في كل المناسبات ذات الطابع الإعلامي..، و نرجع و نقول: آية ذلك أنّهم لم يصلّوا على محمد و آل محمد حتى انقرضت الدولة العباسية، و آية ذلك أيضا أنّ الدين الرسمي لهذه الدولة و لفترة طويلة شكلا أو مضمونا هو دين مالك بن أنس إمام المذهب المالكي الذي يعتقد أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام سفاك للدماء، و أنّه لا يستأهل أن يدرج في قائمة الخلفاء الراشدين.

و إذا نسينا فلا ننسى مواقف الأيوبيين مع الفاطميين في مصر و مع الشيعة في غير مصر، إذ انتهكوا من محبي محمد و آل محمد كل حرمة، و إذ كان الأمر كذلك فلا تعجب عزيزي القارئ من مواقف الأيوبيين المستقاة من مواقف الذين قبلهم من القرشيين و الأمويين و العباسيين، إذ الجميع لم يصل على محمد و آل محمد.

و الأمر هو الأمر حين الحديث عن السلاجقة، إذ أنهم موقفهم من التشيع عموما موقف غير محمود، و كانوا لا يرون بأسا بسفك دم الموالي لمحمد و آل محمد، و من ذلك أنّ الدولة في بغداد لمّا آلت إليهم منعوا من كل شعارات الشيعة المستقاة من النصوص النبوية الصحيحة و التي رواها أهل السنة نفسهم، و من ذلك «حيّ على خير العمل» مثلا(1).

و لكن إذا كان الأمر كذلك فليس غريبا أيضا أن لا نجد و لا نصا واحدا يخبرنا

ص:157


1- انظر السيرة الحلبية 305/2 مثلا.

أنّ السلاجقة قد صلّوا على محمد و آل محمد في أي مناسبة من المناسبات الدينية.

هذه هي مسيرة الصلاة على محمد و آل محمد عبر التاريخ الإسلامي لتصل في آخر المطاف إلى الدولة العثمانية، و هذه الدولة لما دخلت الصراع السني الشيعي مع الصفويين في إيران أخذت على عاتقها محو معالم التشيع عبر مشاريع فكرية عقائدية لا مجال لعرضها الآن، و لكن فيما يخص موضوعنا يكفي أن تعلم أنّهم كمن سبقهم حذوا القذة بالقذة و لم يصلّوا على محمد و آل محمد حتى انتهت دولتهم.

هذا فيما مضى، أمّا اليوم عزيزي القارئ فلا حاجة لأنّ أتحدث عمّا تعلمه و أعلمه مثلك، فهؤلاء إخواننا من أهل السنة هداهم اللّه لما فيه الخير تركوا عن عمد و عن غير عمد الصلاة على محمد و آل محمد طاعة لسلفهم، و لا يسعني إلاّ أن أنبه قائلا: فليحذر الجميع أن يكونوا كمن قال اللّه فيهم: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ .

بلى، نجد بعض إخواننا من أهل السنة نادرا يصلّون صلاة ليست ببتراء، و هم في حسابات الصراع من أجل الكلمة ليسوا بشيء، فهذه كتبهم الحديثية ابتداء من صحيح البخاري و انتهاء بكل مصنّفاتهم حتى اليوم ليس فيها سوى: (اللهم صلّ على محمد و سلّم) من دون ذكر الآل..

و هؤلاء مشايخهم و أساتذتهم في الجامعات الإسلامية و في غيرها حينما يتعرضون لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالشرح و التعليق لا يقولون سوى: قال النبي صلى اللّه عليه و سلّم ليس غير.

و إذا كلّف بعضهم نفسه في بعض الأحيان و ذكر الآل، خلط الحابل بالنابل، ذاكرا إيّاهم في قالب الصيغ البدعية التي ما أنزل اللّه بها من سلطان، فتراه يقول:

ص:158

(اللهم صل على محمد و آله و صحبه أجمعين و زوجاته أمّهات المؤمنين...).

و لا ندري من سوّغ لهم أن يحدثوا في دين اللّه هذه البدعة التي لم يدل دليل عليها من القرآن أو من السنّة، فقد اتضح لك في الفصول السابقة أنّ كل صيغ الصلاة الواردة في روايات بيان كيفية الصلاة ليس فيها للصحابة من ذكر، فضلا عن الصلاة عليهم أجمعين، و كذلك أزواجه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اللهمّ إلاّ رواية واحدة ذكرت الأزواج فقط يمكن أن يقف عندها المحقّق، و لكن يكفي في ردّها أنّ راويها مالك الذي لا يحب عليا و لا آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّه واقع غريزة التراث اللاعلوي كما عرّفناك.

آلية الصلاة في فضح النفاق:

فكما أنّ النصوص الصحيحة أعلنت أنّ الصلاة تذهب بالنفاق من هذه الجهة، فقد أعلن التاريخ من الجهة الأخرى أنّ الذي لا يصلي على محمد و آل محمد عنادا مع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الموصي بالصلاة عليهم كما أخبرتنا الروايات المتواترة التي رواها أهل السنة و الشيعة سواء بسواء، لا يسلم من النفاق..

و لا أقصد من هذا النفاق معناه الخاص، و هو إسرار الكفر و إظهار الإيمان، بل أقصد معناه العام الذي تناول كل شيء، فالنفاق الاجتماعي و الإنساني و الثقافي و التشريعي الذي هو تحت مظلة الإسلام في خصوص مجتمعنا الإسلامي لا يعني الكر، و من أمثلة ذلك ما عرضناه في تمهيد هذا الكتاب، و هو أنّ فقهاء الرأيويين يخالفون السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن عمد لمجرد أنّ الشيعة يتعبدون بها، فبعد أن ثبت أنّ سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هي التختم باليمين مثلا خالفوه هم إلى التختم بالشمال لا لشيء إلاّ لأنّ سنة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في التختم باليمين صار شعارا للشيعة و كما يقولون: رغما لأنوف الشيعة أو الرافضة.

ص:159

و كيفما قلبنا صنيعهم هذا فهو صفحة سوداء من صفحات النفاق في الدين الإسلامي بنحو عام..، و بنحو خاص فلا شك أو ترديد في أنّ هناك ملازمة وثيقة غير منفكة بين حملة شعار رغما لأنوف الشيعة الذي يعلنون أنّهم ألصق الناس بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الذين ضربوا بها عرض الجدار في ضوء ذلك الشعار و بين الصلاة البتراء..

و كما بيّنا ففي طول التاريخ الإسلامي لم يصلّ أهل السنة على محمد و آل محمد كما أمر بها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ذلك تطبيقا حرفيا لشعار رغما لأنوف الرافضة، و لكننا لا نقول إنّ جميعهم تعمد ذلك، و لكن مهما كان الحال فجميعهم لا يصلّون على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إن صلّوا فهي البتراء أو البدعيّة دون سواها..

و إذا كان الأمر كذلك فالصلاة على محمد و آل محمد أو رفع الصوت بها أو كثرة اهتمام الوحي بالإيصاء بها ليست هي عبادة ساذجة و حسب، بل هي فيما عدا ذلك مشروع نبوي قبال مشروع: رغما لأنوف الشيعة، أو قل: هي مشروع له القابلية على فضح عوار كل من انتسب إلى الإسلام ممّن يريد المنع من سنة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصحيحة لمجرد أنّها تهدد مصالحه اللاإسلامية المطوية في ذلك الشعار..

هذا يورثنا قناعة بأنّ صيغة: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد» دليل تاريخي قادر و بكل جدارة على إثبات نفاق الآخرين في الدين، صغر حجم هذا النفاق أم كبر، جرّ للكفر الكامل المطلق باللّه أو جرّ لجحود بعض الثوابت الإسلامية.

و ليفهم أنني: لا أريد أن أكفر من لا يصلي على محمد و آل محمد، كل ما

ص:160

أريد قوله من ذلك هو: إنّ الذين يجحدون ما ثبت عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الملازمة غير المنفكة بينه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بين آله عليهم السلام في عملية الصلاة و في غير الصلاة، عصاة مذنبون؛ على أنّ عصيانهم هذا مركب من العصيان الذي يتكفل بتحديد مفهومه ما أسميناه بالسيئة الشخصية أولا، و من العصيان الذي تكفلت بتحديد مفهومه السيئة النوعية، أمّا الأول فواضح، لأنه عصيان للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الآمر بالصلاة على الآل، و أما الثاني فلأنه مشروع يحاول قتل الدين و لو من خلال الصلاة، بداهة أنّ الصلاة في هذا الفرض ليست مفردة من مفردات الفقه و حسب، بل هي شعار له الصلاحية الكاملة للحكم على صحة تمثيل من يزعم تمثيله للإسلام و عدم صحة ذلك..

و هذا يعني أنّ الصلاة آلت لتكون معيارا و محكا تاريخيا و عقائديا و شرعيا لنقاوة النظم السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الأخلاقية عبر تاريخ طوله ألف و أربعمائة سنة حتى يومك هذا..

و لا نريد أن نهوّل من الأمر كثيرا، و لكن كيف نفسر انقسام المسلمين عبر هذا التاريخ الطويل إلى مدرستين فيما يتعلق بالصلاة؟ و لماذا تصر الأولى على الصلاة البتراء مع أن ذلك حرام؟

و لماذا أخرجت عن كونها مفردة من مفردات الفقه إلى حلبة الصراع بين المدارس الإسلامية؟

فإما أن يكون كل هذا لغو، و إما أن نلتزم بكل ما ذكرنا و هو أن هذه المفردة لها القابلية لأن تساهم مساهمة فعالة وحيوية في فضح نفاق الحجاج و يزيد و الأمويين و العباسيين و كل أعداء آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

إذ ليس غلوا أن نحكم من خلال الصلاة و بملاحظة عامل التاريخ بنفاق أمثال

ص:161

الحجاج الكامل في الدين، فهو في الوقت الذي ضرب الكعبة بالمنجنيق و قتل صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سفك الدماء بغير حق لا يصلي على محمد و آل محمد، فهل سيقنعنا الحجاج بعد ذلك حينما يردد: أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه أنه ممن لا يسرّ شرا للدين؟

هذا محال، و هذا هو حال يزيد بن معاوية، فالذي يقتل سيد شباب أهل الجنة بتلك الوحشية الحقيرة، و الذي لا يصلي على محمد و آل محمد لا نصدق بشهادتيه كثيرا و لا نصدق بأنه برئ من النفاق.

و بكلمة واحدة ألخص كل ما أريد قوله بهذا التساؤل:

لماذا نجد أن أبرز رجالات المدرسة التي لا تصلي على محمد و آل محمد هم سفاكون للدماء و طغاة و جبابرة من أمثال معاوية، و عمرو بن العاص، و يزيد، و مروان، و الحجاج، و السفاح...؟!!

و لا نتناس أن آلية الصلاة في ما ذكرنا بملاحظة نفس الصلاة ليس غير، و إلاّ فآيات إبقاء الدين و الصراع من أجله بالعشرات بل بالمئات و كل تلك الآيات تعمل صفا بصف لتحقيق غاية السماء في بقاء الدين حيا، و إن نسيناها كلها فلا تنس آلية زيارة الحسين في ذلك و أنها من أهم مفردات الوحي في هذا المضمار.

لقد سفكت دماء شيعة الكرخ في بغداد في مقاطع كثيرة من مقاطع التاريخ لمجرد أنهم كانوا يؤذنون ب: «حي على خير العمل» الثابتة عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إذا تركنا هذا و ذاك فهذا الإمام النسائي قتله أصحاب مشروع قتل الدين لمجرد أن قال: (و اللّه لا أعلم له فضيلة إلا لا اشبع اللّه بطنه) يقصد معاوية.

و بكلمة واحدة فإنّ صيغة: «اللهم صل على محمد و آل محمد» ليست هي ذكرا ساذجا بل هي في واقع أمرها ككلمة النسائي الآنفة في المضمون و لكنها

ص:162

صبت في قالب ثان، و هي ككلمة: «حي على خير العمل» و كزيارة الحسين و كالجهر ب «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و...، كل تلك الأشياء حقيقة واحدة بأشكال مختلفة، هذا إذا نظرنا إليها على أنها آليات مشروع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

29 - اهتمام الملائكة بها و خصوصا الجمعة

أجمع أهل القبلة على أنّ الصلاة على محمد و آل محمد مستحبة دائما و في كل حال، و إن خالف أبو حنيفة في ذبح الذبيحة و...، حيث ذهب إلى كراهة الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ذبح الذبيحة..

و لكن مهما كان الأمر فإنّ الروايات المتواترة صرّحت بمحبوبية الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كل حال، و لا كلام في ذلك سوى ما استثناه أبو حنيفة في موردين أو ثلاثة كالذبح و غيره، هذا أولا...

و ثانيا فقد أجمع الأصحاب بل غيرهم بلا خلاف أجده أنّ الاستحباب يتأكد كثيرا في ليلة الجمعة و يوم الجمعة و إلى درجة أنّ الملائكة في هذين الوقتين لا يكتبون إلاّ ثواب قائلها..

أخرج الصدوق في الخصال قال: حدثنا أبي رضي اللّه عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد اللّه عن أيوب بن نوح عن محمد بن عمير عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من قال في آخر سجدة من النافلة بعد المغرب ليلة الجمعة - و إن قاله كل ليلة فهو أفضل -: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم و اسمك العظيم أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تغفر لي ذنبي العظيم سبع مرات انصرف و قد غفر له..

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كانت عشية الخميس و ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب و صحف الفضة لا يكتبون عشية الخميس

ص:163

و ليلة الجمعة و يوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلاّ الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»(1).

أقول: و سند هذا الحديث صحيح بلا كلام، إذ قد أطبق الأصحاب و بخاصة الرجاليون منهم على وثاقة رواته، على أنّ الصدوق قدّس سرّه قد رواها في من لا يحضره الفقيه أيضا(2).

أضف إلى ذلك أن الرواية واضحة الدلالة غنية عن التعليق و الشرح و لكن..

لماذا يتأكد الاستحباب يوم الجمعة؟

هذا ما لم تعبأ به المناهج الكلاسيكية كثيرا، و غاية ما عندها في ذلك ما صاغه الشهيد الثاني بقوله: إنّ الجمعة أفضل الأيام مطلقا كما ورد في صحاح الأخبار(3)(4) من دون أن يبين سبب ذلك بشكل موضوعي، فقد اكتفى قدّس سرّه بسرد الروايات ليس غير، و أكثر من ذلك و هو أنه سرد ما سرد تاركا الروايات الصحيحة و المعتبرة الجامعة بين ثناياها علة كون الجمعة سيد الأيام مكتفيا بتلك التي لا إشارة فيها إلى العلة، و هو لم ينفرد في ذلك، بل هذا هو ديدن الأصحاب (قدس اللّه أسرارهم) قديما و حديثا.

أخرج الصدوق قال: حدثني أبي رضي اللّه عنه قال: حدثنا سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «السبت لنا و الأحد لشيعتنا و الاثنين لأعدائنا و الثلاثاء لبني أمية و الأربعاء يوم شرب الدواء و الخميس تقضي فيه الحوائج، و الجمعة للتنظف

ص:164


1- الخصال الصدوق: 393، وسائل الشيعة 386:7 أبواب صلاة الجمعة ب 43 ح 2، 1.
2- من لا يحضره الفقيه 273:1.
3- رسائل الشهيد الثاني: 95.
4- عقد الحر (قدس سره) في وسائل الشيعة 375/7 بابا كاملا في ذلك و هو الباب: 40 من أبواب صلاة الجمعة.

و التطيب، و هو عيد المسلمين، و هو أفضل من الفطر و الأضحى، و يوم الغدير أفضل الأعياد و هو: ثامن عشر من ذي الحجة و كان يوم الجمعة، و يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة و تقوم القيامة يوم الجمعة، و ما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد و آل محمد»(1).

أقول: و هذه الرواية صحيحة السند بلا كلام، و لا يضرها الإرسال أو جهالة الواسطة بين ابن أبي عمير و الصادق عليه السّلام للاتفاق على حجية مرسلات ابن أبي عمير دون سواه، و ذلك لأنه لا يروي إلا عن ثقة كما هو مقرر في محله في كتب الرجال.

ثم إن أقل ما يقال في هذه الرواية أنها توحي و تلوح بوجود الصراع بين مدرسة آل البيت عليهم السّلام و المدارس الأخرى، و الذي لا نشك فيه على ضوء هذه الرواية هو أن يوم الجمعة ظرف الزمان الذي ضم بين ثناياه كل مواضيع الصراع الأم بين مدرسة آل البيت (مدرسة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و بين المدارس الأخرى، تلك المواضيع التي جسدها الخلاف و الصراع في الإمامة و نيابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و التي لا صراع في الإسلام بين المسلمين، صغر أم كبر حجمه إلاّ و هو مترشح عن ذلك، و إذن فعلى هذا الأساس آل يوم الجمعة ليكون سيد الأيام.

و قد أضاف الصادق عليه السّلام إلى كل ذلك قوله: «و ما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد و آل محمد» خاتما بها الكلام، و فلسفة ذلك أنّ التعبد بهذه الصيغة عموما هو شعار المدرسة الوحيوية كما برهنا عليه سابقا، و لكن لهذا الشعار فعالية أكبر يوم الجمعة، لأنّ هذا اليوم هو ظرف الزمان بين صراع الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و بين الرأي القائم على حقيقة

ص:165


1- الخصال: 394، وسائل الشيعة 380/7، أبواب صلاة الجمعة ب 40 ح 18.

الازورار عن الآل عليهم السّلام..

كل هذه الأمور تؤكد على حقيقة واحدة لا سبيل إلى التشكيك فيها، و هي أن المعصوم يهدف من كل ذلك إلى تفعيل آليات الإبقاء على الدين بتنمية الحس الديني لأفراد المدرسة الوحيوية ضمانا لبقائهم إحياء في عملية الصراع التي تهدف إلى توطيد أركان الدين، و على أقل التقادير من خلال الصلاة..

و يزيد الأمر وضوحا أن لنا أن نتساءل:

هل من الصدفة في شيء أن ترد روايات متواترة تؤكد على ضرورة زيارة الحسين عليه السّلام ليلة الجمعة في الوقت الذي نصت صحيحة عبد اللّه بن سنان السابقة بأن الملائكة ليلة الجمعة و عشية الخميس و يوم الجمعة بيدها أقلام من ذهب و صحف من فضة لا تكتب شيئا إلا الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

و هل من الصدفة أيضا أن تكون كل من الصلاة على محمد و آل محمد و زيارة الحسين شعارا لمدرسة الوحي؟

و هل من الصدفة ثالثا أن يكون ثواب كل منها عظيما كما ورد في الروايات الصحيحة؟

و هل من الصدفة رابعا أن تحارب المدرسة الوحيوية من خلال هذين الشعارين حربا منكرة وحشية لا إنسانية حتى يومنا هذا؟

و هل من الصدفة خامسا أن ضريبة الارتباط باللّه من خلال هذين الشعارين هي القتل و التشريد و التطريد و..؟

إن جواب هذه التساؤلات مطوية في نفس هذه التساؤلات، و هي كما قلنا تشير و توحي بل تنص على وجود صراع دائم و جذري بين اتجاهين..

ص:166

و مما يؤيد كل ذلك من النصوص ما رواه الكليني في الكافي عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو جعفر عليه السّلام لرجل سأله: كيف سميت الجمعة؟

فقال عليه السّلام: «إن اللّه عز و جل جمع فيها خلقه لولاية محمد و وصيه في الميثاق، فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه»(1).

و عن جابر عن الباقر عليه السّلام أنه سئل عن يوم الجمعة فقال:

«ليلتها غراء و يومها يوم زاهر، و ليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه الشمس أكثر معافى من النار..، من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل هذا البيت كتب له براءة من النار و براءة من النفاق، و من مات ليلة الجمعة اعتق من النار»(2).

و روى الصدوق بإسناده عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«إن اللّه عز و جل اختار من الأيام الجمعة، و من الشهور شهر رمضان و من الليالي ليلة القدر و اختارني على جميع الأنبياء، و اختار مني عليا و فضله على جميع الأوصياء...»(3) ، و الحديث طويل و فيه نص على الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام.

و يبلور كل ذلك ما أخرجه الصدوق بسنده عن الصادق عليه السّلام قال:

«من صلى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمعناه: إني على الميثاق و الوفاء الذي قبلت حين قوله تعالى: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (4).

ثم إن كل ذلك ليدل بوضوح على أنّ الصلاة و في خصوص يوم الجمعة

ص:167


1- الكافي 415:3، التهذيب 3:2.
2- الكافي 415:3، التهذيب 4:3.
3- إكمال الدين للصدوق: 281.
4- معاني الأخبار: 115.

مساهمة فعالة في الصراع من أجل الدين، و لا غرو فالصلاة معجم لأصول الدين (التوحيد النبوة الإمامة)، تلكم الأصول التي إنما شرف يوم الجمعة على باقي الأيام بسببها، لأنه صار ظرفا للحفاظ عليه.

و مما يناسب المقام أن نذكر أن الصلاة على محمد و على آل محمد جزء من أجزاء صلاة الجمعة، و مما ورد في ذلك ما أخرجه الكليني بسند صحيح عن الباقر عليه السّلام قال: (في حديث طويل يبين فيه كيفية صلاة الجمعة):

«و لقد اتخذ اللّه الحجة، فلا يهلك من هلك إلا عن بينة، و لا يحيى من حيي إلا عن بينة، و قد بلّغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الذي أرسل به، فالزموا وصيته و ما ترك فيكم من بعده من الثقلين: كتاب اللّه و أهل بيته الذين لا يضل من تمسك بهما و لا يهتدي من تركهما..، اللهم صل على محمد عبدك و رسولك سيد المرسلين و إمام المتقين و رسول رب العالمين ثم تقول:

اللهم صل على أمير المومنين و وصي رسول رب العالمين، ثم تسمي الأمة حتى تنتهي إلى صاحبك، ثم تقول:

افتح له فتحا يسيرا و انصره نصرا عزيزا، اللهم أظهر به دينك و سنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق..، اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام و أهله، و تذل بها النفاق و أهله، و تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، و القادة إلى سبيلك و ترزقنا بها كرامة الدنيا و الآخرة، إذ لا ريب في أنّ الرحمة الإلهية تنال بالصلاة على محمد و آل محمد، لليقين بأن جوهر الصلاة على محمد و آل محمد هو الرحمة، كما و لا ريب في استحباب الإكثار من الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما دلت على مجموع ذلك النصوص الكثيرة المعتبرة السابقة.

ص:168

30 - الصلاة على محمد و آله وسيلة للأنبياء

قال علي بن إبراهيم رضوان اللّه تعالى عليه: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن عمارة عن ابن سيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجبّ دخل عليه جبرئيل و هو في الجبّ فقال: يا غلام! من طرحك في هذا الجبّ؟.

فقال له يوسف:

إخوتي، لمنزلتي من أبي حسدوني، لذلك في الجب طرحوني.

قال: فتحب أن تخرج منها؟

فقال له يوسف: ذلك إلى إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب.

قال: فإن إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، يقول لك قل: اللهم إني أسألك، فإن لك الحمد كله، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات و الأرض ذو الجلال و الإكرام، صلّ على محمد و آل محمد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا و ارزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب.

فدعا ربه فجعل اللّه له من الجب فرجا، و من كيد المرأة مخرجا، و آتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب»(1).

أقول: و سند الرواية أقل ما يقال فيه أنّه حسن، فكل رواته وثقوا سوى إبراهيم بن هاشم و الحسن بن عمارة.

أما إبراهيم فقد عرفت موقفنا العلمي من حاله مما سبق، و هو أننا لا نشك بوثاقته بل بما هو أعلى من ذلك قيد شعرة، أما الحسن بن عمارة ففيما أعتقد هو

ص:169


1- تفسير القمي 355:1.

من الممدوحين مدحا معتدا به، هذا أولا، و ثانيا فإنا نذهب إلى وثاقة كل من روى له علي بن إبراهيم في تفسيره ممن هو غير مصرح بتوثيقه أو مدحه في باقي كتب الرجال، و لكن حسب شروط لا يتسنى لنا عرضها الآن، و لكن يكفيك أن تعلم أن الشروط كلها متوفرة في الحسن بن عمارة و في خصوص هذه الرواية بالذات، لذلك فهذه الرواية فيما أعتقد به و أدين حسنة على أقل التقادير، هذا فيما لو لم أقل بصحتها كما هو ليس ببعيد، فتأمل!! و ثالثا: فلأنها ليست بمنكرة أو شاذة أو مهجورة عند الأصحاب.

و الذي ينبغي أن يكون نصب أعيننا هو أن الصلاة إذا كانت وسيلة ضرورية لمثل يوسف الصديق عليه السّلام كيما يكفى بواسطتها همه الدنيوي و الأخروي، فهل ترانا نحن المذنبون المخطئون المتلوثون بالخطايا و الآثام في غنى عنها؟؟

أرجو أن يكون القراء الأعزاء - و أنا معهم - و اعين لمثل هذه المسائل العقائدية الخطيرة!!

على أن الأمر لا يقف عند النبي يوسف عليه السّلام، فهذا إبراهيم عليه السّلام قد اتخذه اللّه تعالى خليلا لمجرد أنه كان يصلي على محمد و آل محمد..

قال الصدوق: حدثنا أحمد بن محمد الشيباني رضي اللّه عنه قال: حدثنا محمد بن أحمد الأسدي الكوفي، عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال سمعت علي بن محمد العسكري عليه السّلام يقول: «إنما اتخذ اللّه عز و جل إبراهيم خليلا، لكثرة صلاته على محمد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم»(1)

و روى الكليني قال: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن

ص:170


1- علل الشرائع 34:1.

علي بن عيسى رفعه قال: إنّ موسى عليه السّلام ناجاه اللّه تبارك و تعالى فقال له في مناجاته: «يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك و قاسي القلب مني بعيد» إلى أن قال اللّه تعالى في مدح الرسول محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنا من حزبه و هو من حزبي و حزبهم الغالبون، فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها و لأعبدنّ بكل مكان و لأنزلنّ عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصدور من نفث الشيطان، فصل عليه يابن عمران فإني أصلي عليه و ملائكتي»(1).

فأطل عزيزي القارئ التأمل في هذا الأمر الخطير، فإنّ موسى عليه السّلام فيما يظهر من الرواية أعلاه كان مأمورا بالصلاة على محمد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فصلى اللّه على محمد و آل محمد.

و مما روي في ذلك أن الإمام أبا محمد العسكري عليه السّلام في قوله تعالى:

وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ (2) قال: «و كان من عذابهم الشديد، أنّه كان فرعون يكلفهم عمل البناء على الطين، و يخاف أن يهربوا عن العمل، فأمر بتقييدهم، و كانوا ينقلون ذلك الطين، على السلاليم إلى السطوح، فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن(3) ، لا يحفلون بهم، إلى أن أوحى اللّه إلى موسى عليه السّلام قل لهم: لا يبتدئون عملا إلا بالصلاة على محمد و آله الطيبين، ليخف عليهم، فكانوا يفعلون ذلك فيخف عليهم، و أمر كل من سقط فزمن ممّن نسي الصلاة على محمد و آله الطيبين، أن يقولها على نفسه إن أمكنه - أي الصلاة على محمد و آله - أو يقال عليه إن لم يمكنه، فإنّه يقوم و لا

ص:171


1- الكافي 8:44.
2- البقرة: 49.
3- زمن: أي مرض زمنا طويلا.

يضره ذلك ففعلوها فسلموا».

و قال عليه السّلام: «و في قوله يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ (1) و ذلك لما قيل لفرعون، إنه يولد في بني إسرائيل مولود، يكون على يده هلاكك فأمر بذبح أبنائهم، فكانت الواحدة منهم تصانع القوابل عن نفسها، كي لا تنم عليها، و يتم حملها، ثم تلقي ولدها في صحراء، أو غار جبل، أو مكان غامض، و تقول عليه عشر مرات:

الصلاة على محمد و آله، فيقيّض اللّه له ملكا يربيه، و يدرّ من إصبع له لبنا يمصه، و من إصبع طعاما ليّنا يتغذاه، إلى أن نشأ بنو إسرائيل، و كان ممّن سلم منهم و نشأ أكثر ممن قتل».

و قال الإمام عليه السّلام في قوله: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ (2): (يبغونهن(3) و يتخذونهن إماء، فضجوا إلى موسى عليه السّلام و قالوا: يفترعون(4) بناتنا و أخواتنا، فأمر اللّه تلك البنات، كلما رابهنّ من ذلك ريب، صلين على محمد و آله الطيبين، فكان اللّه يرد عنهن أولئك الرجال، إما بشغل، أو مرض، أو زمانة، أو لطف من ألطافه، فلم يفترشن منهن امرأة، بل دفع اللّه عز و جل ذلك عنهن، بصلاتهن على محمد و آله الطيبين، ثم قال عز و جل: وَ فِي ذلِكُمْ (5) في ذلك الإنجاء، الذي أنجاكم منهم ربكم بَلاءٌ نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ كبير، قال اللّه عز و جل: يا بني إسرائيل اذكروا إذا كان البلاء يصرف عن أسلافكم، و يخف بالصلاة على

ص:172


1- البقرة: 49.
2- إبراهيم: 6.
3- أي: يفجرون بهنّ.
4- أي: يفتضون بكارة الباكر.
5- الأعراف: 141.

محمد و آله الطيبين، أفما تعلمون أنكم إذا شاهدتموه و آمنتم به كانت النعمة عليكم أفضل، و فضل اللّه عليكم أجزل؟!»(1).

أقول: و هذه الرواية مروية في كتاب التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السّلام، و لكن كثر القيل و القال حول ما ورد في هذا التفسير من مضامين تارة، و حول إمكان نسبته إلى الإمام العسكري عليه السّلام أخرى، و الأصحاب في ذلك على ثلاثة أقوال أو أربعة:

القبول مطلقا كما هو مذهب ابن الغضائري و السيد الخوئي قدس سرّهما، و التفضيل بأن يعامل التفسير كما يعامل أي كتاب روائي، فيحتج بما ورد بسند معتبر دون ما لا سند معتبر فيه كما هو رأي الباقين.

و لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الطريق إلى هذا التفسير في مرحلتين، ففي الأولى فالطريق إلى الصدوق صحيح من دون شك، و لكن تكلموا في الطريق من الصدوق إلى الإمام العسكري عليه السّلام.

و قد علق المجلسي على المرحلة الثانية بقوله:

اعتمد الصدوق على تفسير الإمام العسكري عليه السّلام و أخذ منه، و إن طعن فيه بعض المحدثين، و لكن الصدوق رحمه اللّه أعرف و أقرب عهدا ممن طعن فيه، و قد روى عنه أكثر العلماء من غير غمز فيه(2).

هذا غاية ما عند الأصحاب في هذا الموضوع، و الذي ينبغي أن يقال في هذه العجالة: هو عدم طرح الروايات ذات المضامين السلمية من الشذوذ و الإعلال كما في الرواية أعلاه، فانتبه.

ص:173


1- تفسير العسكري عليه السّلام: 249، البحار 92:94، مستدرك الوسائل 340:5.
2- بحار الأنوار 28:1.

31 - استحباب إكثار الصلاة في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

قال الكليني: علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير و صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فائت المنبر و امسحه بيدك و خذ برمانتيه و هما السفلاوان و امسح عينك و وجهك به فإنّه يقال: إنه شفاء للعين، و قم عنده فاحمد اللّه و أثن عليه و سل حاجتك فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما بين منبري و بيتي روضة من رياض الجنة، و منبري على ترعة من ترع الجنة، و الترعة هي باب صغير، ثم تأتي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتصلي فيه ما بدا لك فإذا دخلت المسجد فصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إذا خرجت فاصنع مثل ذلك و أكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»(1).

أقول: و هذه الرواية صحيحة، بل هي مستفيضة عن معاوية بن عمار، و من ثم فهي نص في محبوبية الإكثار من الصلاة في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا يكاد يرتاب مسلم صحيح العقيدة في أنّ الإكثار من الصلاة في المسجد النبوي الشريف هو من أفضل الأعمال هناك، فرزقنا اللّه زيارته و الصلاة عليه بحق محمد و آل محمد، و صلى اللّه على محمد و آل محمد بعدد ما لا يعد.

و إذا كان الأمر كذلك فليس من شك في أنّ الصلاة على أهل البيت استقلالا أو تبعا للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مستحبة أكيدا حين زيارتهم، و آية ذلك أنّ كل نصوص الزيارات جامعة للصلوات عليهم إمّا تبعا و إمّا استقلالا، على نحو المجموع أو فردا فردا.

ص:174


1- الكافي 554:4.

فرق الثواب بين الصلاة على الآل و الأهل(1):

ورد في بعض النصوص أن المعصوم منع من الاقتصاد في الصلاة على لفظ أهل البيت أو أهل بيت محمد، فقد ورد بسند قوي أنّ رجلا بمحضر من الإمام الصادق عليه السّلام قال: (اللهم صل على محمد و أهل بيت محمد).

فقال الصادق عليه السّلام: «يا هذا لقد ضيقت أما علمت أنّ أهل البيت خمسة أصحاب الكساء؟».

فقال الرجل: كيف أقول؟!

فقال عليه السّلام: «قل: اللهم صل على محمد و آل محمد، فسنكون نحن و شيعتنا قد دخلنا فيه»(2).

و هذا نص على أن مطلوب المعصوم عليه السّلام هو الصلاة على آل محمد لا على أهل بيت محمد.

هذا، و قد أخرج الصدوق قائلا: حدثني أبي عن سعد عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن ابن أبي عمير عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: وجدت في بعض الكتب: «من صلى على محمد و آل محمد كتب اللّه له مائة حسنة، و من قال:

صلى اللّه على محمد و أهل بيته، كتب اللّه له ألف حسنة»(3)

أقول: و سند الرواية صحيح، و كما عرفت فإنّ إرسالها لا يضر إذا كان ابن أبي عمير هو المرسل، للاتفاق على أنّ مرسلاته حجة..

ص:175


1- أخذ هذا الموضوع من كتاب (الصلاة على النبي المصطفى و آله) تأليف باسم الحلي.
2- ثواب الأعمال: 2/189، وسائل الشيعة 205:7 ب 42 من أبواب الذكر ح 11.
3- ثواب الأعمال: 186، وسائل الشيعة 195:7 ب 34 من أبواب الذكر ح 12.

ثم أقول: إنّ كلا من الصيغتين ورد في النصوص المعتبرة الصريحة، و لا بأس بالتعبد بأي منهما في موارد العبادة المتعددة، إذا لم تتغير العناوين و الدلالات..

و مقصودي من ذلك أن الفهم الإسلامي الصحيح لا يفرق بين مقولتي أهل البيت و آل البيت، و هذا هو الذي خلصنا إليه حينما تحدثنا عما يقرره قاموس الوحي في تحديد معنى المقولات الإسلامية السماوية، و لا شكّ في أن مقولة «آل البيت» هي عينها مقولة «أهل البيت» و هي كما قرره قاموس الوحي تعني الأربعة عشر المعصومين دون سواهم من بني الإنسان.

و إذا كان الأمر كذلك، فلا محذور من التعبد بأي منهما في عملية الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، خاصة مع ملاحظة ورود كل من الصيغتين في النصوص المعتبرة كما قلنا.

و لكن إذا لم يواز الفهم الإسلامي عند بعض المسلمين في الدلالة بين المقولتين، ففي هذا محذور واضح، و هو إخراج تسعة من المعصومين في عملية الصلاة، لوضوح أنّ قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً حين النزول مختص بالخمسة أصحاب الكساء: الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ليس غير، أمّا باقي الأئمة التسعة المعصومين فهم عليهم السّلام حين نزول الآية في صلب الحسين عليه السّلام، و من شأن هذا ولادة رؤية خاطئة بأن أهل البيت هم أولئك الخمسة ليس غير.

إن الصادق عليه السّلام في الرواية الأولى نفى الرؤية التي تفترض أن أهل البيت عليهم السّلام هم أولئك الخمسة لا غير؛ لما يستتبع ذلك من إلغاء وجود التسعة المعصومين المطويين في مقولة أهل البيت، و التي تستتبع أيضا أن الصلاة عليهم

ص:176

ليست بواجبة كما هي واجبة على الخمسة..، هذه هي كل ملابسات الرواية لا أكثر و لا أقل، و هي ناشئة من عدم إحاطة المصلي بالحدود الدلالية للمقولات الإسلامية المقدسة.

و لكن إذا لم تكن هناك شبهة، فليس من محذور في التعبد بأي من المقولتين؛ سواء أكانت آل البيت أم أهل البيت.

على أن هناك شيئا آخر أو قل محذورا آخر، و هو أننا لو افترضنا أن الفهم الإسلامي يدرج المعصومين الأربعة عشر تحت مقولة أهل البيت أو آل البيت على السواء؛ بمعنى أن قيمة اندراج الخمسة كقيمة اندراج باقي التسعة عليهم السلام، فإن هذا و إن كان صحيحا لكنه لا يستقيم كثيرا من كل الجهات؛ لأن الخمسة لا ريب في كونهم أفضل من التسعة صلى اللّه عليهم أجمعين، و ما ورد في صحيحة ابن أبي عمير يهدف إلى بيان خصوصية الخمسة على التسعة و إن كان الجميع معصوما..

و زبدة القول: أننا نخلص من ذلك إلى عدة نتائج:

الأولى: قيمة الصلاة بصيغة «آل محمد» هي كقيمة الصلاة بصيغة «أهل بيت محمد» و لكن هذا بشرطين: الأول: مع وجود الاعتقاد بأن كلا من المقولتين يندرج فيهما المعصومون الأربعة عشر، و الثاني: مع عدم تناسي خصوصية الخمسة على التسعة عليهم السلام.

الثانية: و مع وجود الاعتقاد بأن الصلاة مختصة بالخمسة دون التسعة أو قل و مع الخوف من ولادة هذا الاعتقاد الذي سيقود إلى تناسي باقي التسعة عبر الزمن فالأفضل أن تكون الصيغة «آل محمد».

الثالثة: على عكس الثانية؛ و هو وجود الاعتقاد بأن الخمسة أهل الكساء لا

ص:177

خصوصية لهم على التسعة عليهم السّلام أجمعين، و لكن إذا كان الأمر كذلك فالأفضل أن يتعبد بصيغة «أهل بيت محمد» و سبب ذلك هو التنبيه على خصوصية الخمسة على باقي الأئمة عليهم السّلام.

و إذن فلدينا في خصوص هذه المسألة عناوين ثلاثة، فكلما جاء عنوان (موضوع الحكم) تبدل الحكم تبعا له بلا فاصلة، و هذا في الواقع كبرى اتفق عليها علماء الإسلام مفادها: أنّ الأحكام تابعة لموضوعاتها تبعية المعلول لعلته التامة..

و لا ضير أن نورد لك مثالا واحدا أو أمثلة توضح المقصود..، و من ذلك انقلاب الواجب إلى حرام..

فمثلا لك أن تتصور أنّ غدا هو آخر يوم من شهر رمضان على نحو اليقين، أي يجب صومه في هذه الصورة، و لو أفطرت فعليك الكفارة الثقيلة المعروفة، و لكن ما ذا لو أعلن السلطان الجائر فتواه بأنّ غدا هو يوم عيد الفطر مع أنّه في حقيقة الأمر ليس كذلك لأنّه آخر يوم من شهر رمضان، فهنا أفتى الفقهاء جميعا بحرمة الصوم، حفظا للدم، لأنّ حفظ الدم أهمّ عند اللّه من صوم يوم يمكن قضاؤه فيما بعد، بل قال بعض الفقهاء: إنّ الذي لا يفطر عاص للّه.

و من ذلك سبّ أمير المؤمنين علي عليه السّلام، فمع أنّ حرمته أغلظ أو من أغلظ ما ورد في الدين، إلاّ أنّ العلماء أفتوا بجوازه إذا تعلق الأمر بالدماء و الفروج و غير ذلك..

و قل مثل ذلك فيما لو أكرهك الجائر على أن تصلي صلاة بدعية و حجا بدعيّا و هلمّ جرّا..

الذي أريد قوله: إنّ الأحكام و ما يتبع امتثالها من ثواب و عقاب يدور مدار العناوين و الموضوعات، و هذا الأمر عزيزي القارئ، لا نتصوره في كل مفردات

ص:178

نظرية الحلال و الحرام..، و لكنّنا نتصوره في تلك المفردات ذات النزعة الشعارية فضلا عن العبادية.

و ليس من ريب في أنّ الصلاة على محمد و آل محمد من أهم الشعارات الإسلامية في خضم الصراع، و من البديهي أن تكون لها عناوين عديدة تتراوح بين الوجوب في حال و الحرمة في حال و الاستحباب في حال، و بالتالي ثواب كل واحد من هذه الأقسام يدور مدار موضوعه حيثما دار..

و إذا كان الأمر كذلك فالثواب و العقاب ملازم لامتثال تلك الأحكام و لكن على ضوء تلك العناوين و الموضوعات المختلفة، فافهم ذلك.

هل تجب الصلاة على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع مطلق ذكره؟

ورد في الصحيح قال الباقر عليه السّلام: «و صلّ على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره».

و سواء أقيل بالوجوب أم قيل بالاستحباب، فهل هي كذلك حينما يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلفظ «محمد» أم بمطلق ذكره الشريف، كالرسول و سيد الأنبياء و المرسلين و أبي القاسم و أبي فاطمة سيدة النساء..

الظاهر من النص أعلاه شمول كل ذلك و هذا هو الذي أطبق عليه الفقهاء فيما يبدو..

قال السيد اليزدي في العروة: لا فرق أن يكون ذكره باسمه العلميّ كمحمد و أحمد أو بالكنية و اللقب كأبي القاسم و المصطفى(1).

و قال النراقي في المستند: و الحق التعدي (من اللفظ الصريح إلى غيره) إلى

ص:179


1- العروة الوثقى 705/1.

الكل، لصدق ذكره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).

في هذه المسألة تفصيلات فقيهة ليس مهما التعرّض لها كثيرا، و ما ذكرناه هو الأوفق بقواعد الاستنباط، على أني لم أقف على مخالف في أصل المسألة و إن خالف البعض في بعض المصاديق كخير البرية، لعدم وضوح دلالتها الكاملة على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

القاعدة الصحيحة في ذلك:

غير أنّ البحث في المصاديق ليس موضوعيّا، إذ لا بدّ من تقعيد قاعدة في المسألة يرتفع معها القيل و القال، لأنّ معركة العلماء و الفقهاء حول المصاديق أمر لم ينته حتى يومك هذا و هو فيما يظهر لن ينتهي، و إذن فلابدّ من تقعيد قاعدة في المسألة..

و لا بدع في تقعيد هذه القاعدة إذا ما كانت مستوحاة من قوله عليه السّلام:

«كلما ذكرته» الذي يدل بنحو من أنحاء الدلالة على أنّ كل لفظ له القابلية لأن يكون مدلوله الرسول محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فهو حينئذ يكون موضوعا للوجوب بناء على الوجوب أو موضوعا للاستحباب بناء على الاستحباب، و مدار كل ذلك هو نفس تذكر النبي و بأي لفظ كان، و ليس المدار هو خصوص اللفظ كما تصوّره معركة العلماء حول المصاديق، و آية ذلك أنّك لو كنت ساهيا و ذكر النبي أمامك بلفظ محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم تنتبه فلا وجوب و لا استحباب، لعدم الدخول تحت عموم «كلما ذكرته» الذي هو موضوع الحكم.

و قل مثل ذلك لو ذكر أمامك لفظ خير البرية، فإنّك لو فهمت من هذا اللفظ

ص:180


1- مستند الشيعة 339/5.

أنّ المعني به هو الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا محالة تجب أو تستحب الصلاة على الرسول على اختلاف الأقوال، و علّة ذلك هو دخول مثل هذا المورد تحت عموم: «كلّما ذكره ذاكر» أو ما في معناه..

و لو انعكس الفرض بأن ذكر لفظ خير البرية و لم يفهم منه أنّ المقصود هو الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا وجوب هنا و لا استحباب، لوضوح أنّ هذا الفرض ليس بداخل تحت عموم: «كلّما ذكره ذاكر».

و على هذا الأساس ينبغي التعامل مع كل اسم من أسماء الرسول و مع كل وصف من أوصافه و الأمر هو الأمر مع ألقابه و كناه، في إطار الدخول تحت عموم: «كلّما ذكره ذاكر» فإن دخلت تحقق موضوع الحكم بالوجوب أو بالاستحباب و إلاّ فلا!!

وجوب الصلاة على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آله في كل المواطن:

أخرج الصدوق قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي و أحمد بن الحسن القطان، و محمد بن أحمد السناني و الحسين بن إبراهيم بن أحمد ابن هشام المكتب و عبد اللّه بن محمد الصائغ، و علي بن عبد اللّه الوراق رضي اللّه عنهم قالوا:

حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال - في حديث طويل -: «... و الصلاة على النبي واجبة في كل المواطن و عند العطاس و الرياح و غير ذلك»(1).

ص:181


1- وسائل الشيعة 205/7 باب 42 وجوب الصلاة على النبيّ من أبواب الذكر ح 12.

و رواه الصدوق أيضا - أي في مضمونه - قائلا: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي اللّه عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنين و خمسين و ثلاثمائة قال: قال علي بن محمد بن قتبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان يسأل المأمون علي بن موسى الرضا عليه السّلام أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز..

فكتب عليه السّلام: «و قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام: و الصلوات على النبيّ واجبة في كل موطن و عند العطاس و الذبائح و غير ذلك..»

أقول: و طريق الأولى في حدود تتبعي ضعيف، أما طريق الثانية فصحيح، على ما بنينا من وثاقة من يترضى عنه الصدوق، و خاصة إذا أكثر من الترضي عنه كما فيما نحن فيه، و إذن فالسند صحيح لا محالة.

و أمّا دلالتها على القول بالوجوب فيمكن تقريب القول به (هذا طبعا مع تناسي الإجماع و غيره) بأنّ نص الرواية طويل، و قد كان أمير المؤمنين علي عليه السّلام بصدد توضيح الواجبات الإلزامية في دين الإسلام من خلال محتوى هذا القول، و حينما وصلت النوبة إلى الصلاة قال عليه السّلام: «واجبة في كل موطن» و هذا يعني أنّ سياق النص يدل على الوجوب، مضافا إلى أنّ نفس قوله عليه السّلام: «واجبة في كل موطن» نصّ في الوجوب.

و لكن وجوبها في كل موطن لم يقل به أحد مطلقا، و لا بدّ من حملة على ما إذا ذكره ذاكر أو ذكر عنده كما هو نص صحيحة زرارة، إذ بمعونة الصحيحة و الإجماع نفهم أنّ المقصود هو خصوص ما إذا ذكره ذاكر.

أمّا وجوبها عن العطاس و غيره، فهو ظاهر بل نص الرواية أيضا، و لكن لما لم يقل به أحد من أهل القبلة فيما نعلم(1) نردّ هذه الفقرة من الرواية إلى عالمها من آل

ص:182


1- اللهم إلاّ ما يظهر من صاحب الوسائل: 201/7 و 205 فقد عنون بابا قال فيه باب وجوب -

محمد عليهم السّلام.

و لكن يمكن أن يقال إنّه قد ورد بسند صحيح ما فيه بعض الإشارات لما نحن فيه، فقد قال الكليني:

محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى قال:

كنت عند الرضا عليه السّلام فعطس، فقلت له: صلى اللّه عليك، ثم عطس فقلت:

صلى اللّه عليك ثم عطس فقلت له: صلى اللّه عليك و قلت له: جعلت فداك: إذا عطس مثلك نقول له كما يقول بعضنا لبعض: يرحمك اللّه؟ أو كما نقول؟

قال عليه السّلام: «نعم، أليس تقول: صلى اللّه على محمد و آل محمد؟»

قلت: بلى.

قال عليه السّلام: «أرحم محمدا و آل محمد؟».

قلت: بلى.

قال عليه السّلام: «و قد صلى اللّه عليه و رحمه، و إنما صلواتنا عليه رحمة لنا و قربة»(1).

أقول: و لا كلام في صحة سند الرواية، و مقصود الإمام عليه السّلام، هو أن قول القائل المسمّت للمعصوم بقوله: صلى اللّه عليك فائدة يعود نفعها على القائل لا لنفس المعصوم، إذ القاعدة كما هو نص المعصوم عليه السّلام هي أنّ الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فائدة و رحمة و قربة لكلّ مصلّ، و الأمر هو الأمر في الصلاة على المعصوم من أولاد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّهم نفس الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا شك في ذلك هذا أولا.

ص:183


1- الكافي 654/2.

و ثانيا: فهذه الصحيحة نص على جواز الصلاة على آحاد المعصومين على نحو الاستقلال كما هو واضح.

و ثالثا: فصريح الرواية أنّ المرتكز عند السائل و هو صفوان (رحمه اللّه) أنّ المعصوم إذا عطس يقال له: صلى اللّه عليك، أمّا غير المعصوم من ولد آدم، فكما نصّت الرواية يقال له: «يرحمك اللّه»..

و قد أمضى الرضا عليه السّلام هذا لصفوان، في حين أنّه عليه السّلام أشار إلى أنّ الصلاة على الإمام إذا عطس أفضل من صيغة «يرحمك اللّه» و هذا هو المستفاد من تعليل الرضا عليه السّلام الذي يقول فيه: «صلواتنا عليه رحمة لنا و قربة».

و حاصل معنى الحديث أنّكم إذا صليتم عليّ فهو رحمة لكم و قربة، و أمّا قولكم لي أو لمثلي من بقية المعصومين عليهم السّلام: «يرحمك اللّه» فهو تحصيل للحاصل أو أنّي أعلى شأنا من أن يرحمني اللّه بسبب دعائكم، لأنّ العكس هو الذي نطقت به الروايات المتواترة الناصّة على أنّهم عليهم السّلام أمان لأهل الأرض و رحمة من اللّه عليهم.

و على هذا فمن اللغو القول بأنّ اللّه سبحانه و تعالى بسبب دعاء البشر المتلوثين بالآثام و الذنوب يرحم أهل العصمة، مع أنّ الثابت هو العكس!!

بناء على ذلك فليس من البعيد بل من الوجيه جدّا أن يقال بوجوب تسميت المعصوم عليه السّلام بالصلاة على محمد و آل محمد فيما لو كان العاطس هو المعصوم عليه السّلام، فعند عطاس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجب على كل مسلم يسمع عطاسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يصلي عليه.

و كذلك فيما لو كان العاطس هو المعصوم من أولاده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتجب الصلاة على محمد و آل محمد تسميتا للمعصوم العاطس، و اللّه العالم بحقائق الأمور!!

ص:184

هذا غاية ما يمكن أن يقال في رواية الرضا عليه السّلام التي فيها: «و الصلاة على النبي واجبة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كل موطن و عند العطاس..».

و الذي ينبغي أن نلفت النظر إليه هو أنّ فقهاء الأصحاب رضي اللّه عنهم بل غيرهم من فقهاء الإسلام لم يتعرّضوا لهذه المسألة فيما نعلم.

و لعلّ سبب ذلك خروج مثل هذه المسألة موضوعا و حكما عن محلّ الابتلاء في أزماننا هذه، و ذلك لغياب مهدي آل محمد صلوات اللّه عليه عن أعين الخلق، و في حقيقة الأمر نحن في سعة من ذلك حتى يظهر..، اللهم فعجل ظهوره بحق محمد و آله الطاهرين.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على سيدنا و نبينا محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.

32 - تذكر المنسي:

قال النبي الأعظم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من نسي شيئا فليصلّ عليّ لكي يتذكر ذلك الشيء»(1).

أحد الأيام سأل نبي اللّه الخضر عليه السّلام الإمام الحسن عليه السّلام لماذا ينسى الإنسان أحيانا بعض الأمور في حين كان على ذهنه قبل لحظات؟

فقال الإمام عليه السّلام:

إن قلب الإنسان في وعاء، و هناك غطاء يظهر على الوعاء كلما نسي الإنسان ربه أو يدخل في معصية، لذلك ينسى ما كان يتذكره من قبل قليل.

و لكن عند ما يصلّي على محمد و آل محمد، يرتفع الغطاء و تعود حالة

ص:185


1- ختوم و أذكار: 63.

الصفاء و النورانية إلى القلب، فيتذكر ما نساه من قبل.

و إذا تعمّد الإنسان أو تكاسل في ذكر الصلاة على محمد و آل محمد أو جاء بها ناقصة، فإن الغطاء سوف يبقى على الوعاء بل يستحكم أيضا، فيعيش القلب في حيرة و ظلمات دامسة(1).

33 - حسن العاقبة و علو المنزلة:

ذكر الشيخ القمي رحمه اللّه في زيارة أئمة البقيع عليهم السّلام:

و جعل صلاتنا عليكم رحمة لنا، و كفارة لذنوبنا، إذ اختاركم اللّه لنا، و طيّب خلقنا بما منّ علينا من ولايتكم(2).

و في الزيارة الجامعة الكبيرة المرويّة عن الإمام علي الهادي عليه السّلام نقرأ:

و جعل صلواتنا عليكم، و ما خصّنا به من ولايتكم: طيبا لخلقنا(3) ، و طهارة لأنفسنا، و تزكية لنا(4) ، و كفّارة لذنوبنا(5).

قال العلامة المجلسيّ: طيبا لخلقنا: إشارة إلى أن ولايتهم و حبّهم علامة طيب الولادة، أو بالضمّ (لخلقنا) أي: جعل صلاتنا عليكم، و ولايتنا لكم، سببا لتزكية أخلاقنا، و اتصافنا بالأخلاق الحسنة(6).

ص:186


1- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.
2- مفاتيح الجنان: الفصل الثالث من الباب الثالث، في الزيارات.
3- و في رواية (نسخة): طيبا لخلقنا.
4- و في رواية (نسخة): و بركة لنا.
5- عيون أخبار الرضا: 272/2-273. و يراجع بحار الأنوار: 126/102-209، باب الزيارات الجامعة.
6- بحار الأنوار: 141/102، كتاب المزار.

و قال السيد عبد اللّه شبّر: «و طهارة لأنفسنا» من الرذائل، و سببا لتحليتها بالفضائل، و «تزكية لنا» من الاعتقادات الفاسدة، و المذاهب الباطلة الكاسدة.

و «كفّارة لذنوبنا»: الكبائر و الصغائر(1).

لقد جمع الخير كلّه في الصلوات، و دفع الشرّ كله بالصلوات(2) ، حتى كانت سببا إلى النجاة و الفوز معا.

جاء في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام في بيان بعض احتجاجات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع اليهود:.. فقام ناس فقالوا: يا رسول اللّه، نحن ضعفاء الأبدان قليلو الأعمار و الأموال، لا نفي بمجاهد الأعداء، و لا تفضل أموالنا عن نفقات العيالات، فماذا نصنع؟

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألا فليكن صدقاتكم من قلوبكم و ألسنتكم، قالوا:

كيف يكون ذلك يا رسول اللّه؟!

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أما القلوب فتقطعونها(3) على حبّ اللّه، و حبّ محمد رسول اللّه، و حبّ عليّ وليّ اللّه و وصيّ رسول اللّه، و حبّ المنتجبين للقيام بدين اللّه، و حبّ شيعتهم و محبّيهم، و حبّ إخوانكم المؤمنين، و الكفّ عن اعتقادات

ص:187


1- الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: 154.
2- لا بأس بالرجوع إلى كتاب (اللئالئ المضيّة في الصلاة على خير البريّة)، و هو أرجوزة في مائة و خمسين بيتا في فوائد الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مواضعها و كيفيتها، من نظم القاضي عبد اللّه بن محيي الدين العراسيّ 1187 ه، أوّلها الحمد للّه على الإنعام بواسع الجود و بالإسلام و كذا لا بأس بمراجعة (رسالة في فضل الصلاة على النبي و آله عليهم السّلام) للسيد أحمد بن محمد الحسيني الأردكاني، و (رسالة في أربعين حديثا في فضل الصلوات على النبي و آله عليهم السّلام) للميرزا نجم الدين جعفر بن محمد الطهراني.
3- و في نسخة: فتعقدونها.

العداوات و الشحناء و البغضاء.

و أما الألسنة فتطلقونها بذكر اللّه تعالى بما هو أهله، و الصلاة على نبيّه محمد و آله الطيبين، فإن اللّه تعالى بذلك يبلّغكم أفضل الدرجات، و ينيلكم به المراتب العاليات(1).

قال الإمام السجاد عليه السّلام في دعائه: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد صلاة دائمة نامية لا انقطاع لأبدها و لا منتهى لأمدها و اجعل ذلك عونا لي و سببا لنجاح طلبتي إنك واسع عليم»(2).

الشعرات الثلاث

مات تاجر في مدينة بلخ، و خلّف وراءه ولدين مع ثروة مالية كبيرة، و من جملة الأمور التي تركها، ثلاث شعرات للنبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلما أراد الأخوان تقسيم الإرث، أخذ كل منهما شعرة واحدة و بقيت شعرة، الأخ الأكبر قال لأخيه الصغير: فلنقسم الشعرة الثالثة إلى قسمين متساويين، كل يأخذ نصفا، قال الأخ الصغير: هذا خلاف الأدب، أنا لا أرضى بهذا العمل.

قال الأخ الكبير: إذا كنت لا ترضى بتقسيم الشعرة، خذها أنت و أعطني مقدارا من أموالك عوضا عن ذلك.

قال الأخ الصغير: أنا آخذ الشعرات الثلاث جميعها، و الإرث الباقي كلّه لك، إن شعرة واحدة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تعادل عندي الدنيا و ما فيها.

رضي الأخ الكبير بهذه القسمة، أعطى الشعرات لأخيه و أخذ جميع الأموال و باقي الإرث حتى أصبح غنيا جدا، بينما الأخ الصغير أخذ الشعرات

ص:188


1- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 182، عنه بحار الأنوار: 325/9.
2- الصحيفة السجادية.

المباركات، وضعها في قطعة قماش و علّقها في رقبته، يستخرجها بين الآونة و الأخرى، يقبلها ثم يصلّي على النبي و أهل بيته الطاهرين عليهم السّلام.

مضت الأيام و السنون و تبدّلت الأحوال و الأمور كما قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:

«الدهر يومان يوم لك و يوم عليك فإن كان لك فلا تغتر و إن كان عليك فاصبر»، الأخ الكبير انقلبت الأمور عليه، ذهبت جميع أمواله حتى صار صفر اليدين.

أما الأخ الصغير فقد جزي بالإحسان على إحسانه و صلاحه قال اللّه سبحانه و تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (1).

و قال عز و جل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (2).

إذ رأى الخير الكثير في حياته حتى أصبح من كبار الشخصيات المرموقة في بلخ، فلمّا توفي، رأى أحد أولياء اللّه عز و جل النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عالم المنام قال له:

قل للناس من كان يطلب حاجة من اللّه تعالى فليذهب إلى قبر فلان (الأخ الصغير) و ليدع حتى تستجاب دعوته.

فقال العبد الصالح: يا نبي الرحمة بأي عمل نال الرجل هذا المقام السامي؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنه بالغ في احترام و تقديس الشعرات الثلاث العائدة لي

ص:189


1- سورة الرحمن: 60/55.
2- سورة الأنعام: 160/6.

و أكثر من هذا كان يكثر من الصلاة عليّ و على أهل بيتي الأطهار عليهم السّلام(1).

34 - النجاة من الأعداء:

في مجموعة الشهيد الأول قدّس سرّه عن النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:

«إن الشيطان اثنان، شيطان الجنّ و يبعّد بلا حول و لا قوّة إلا باللّه العلي العظيم، و شيطان الإنس و يبعّد بالصلاة على النبي و آله».

من الأسرار التي تنطوي في هذه الصلوات، فيما يتعلق بما مرّ من الحوادث و الوقائع لدى الشعوب التي سبقت الإسلام، و من هنا يقع البحث في دراسة مستوعبة لما كان يمارسه أبناء الشعوب آنذاك، ماذا كان عندهم من ممارسات و عبادات و تكاليف، لأنّه ما من أمّة إلاّ و خلا فيها نذير، لا بدّ أن يكون هناك نذير وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (2) و لا بدّ أن يكون الهادي، فبأيّ شيء تقع الإنذارات، و بأيّ شيء تتحقق البشارات، هذا ما سيتم بحثه بشكل قرآني و واقعي حتى نكون على بيّنة من أنّ الشعوب السابقة و الأمم الماضية و الأديان الغابرة، كلها كانت تمثّل ما يمثّل هذه الأمة من دين و رسالة، و كان هناك سرّ مشترك في جميع الأحوال و الظروف، و سوف نصل إلى هذا السرّ.

ما هو هذا الارتباط بين الشرايع و السماوات و الأديان، و عوالم الملكوت، و عوالم الروح، و عوالم المجردات و عوالم الدنيا و ما إلى ذلك من شئونات و وجودات؟ ما الذي يربط بينها من سرّ جامع مشترك؟ هذا السرّ سوف نكتشفه من خلال القرآن الكريم.

ص:190


1- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.
2- الرعد: 7/13.

هناك واقعة مهمة أعرضها بشكل تفصيلي، حتّى نصل إلى أسرار هذه الواقعة من خلال القرآن الكريم قال تعالى: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (1).

هنا سرّ، كيف نجا هؤلاء، و كيف عبروا البحر، و البحر لا يمكن أن يجوزه أحد، و المشي عليه دون الوسائط و الوسائل الخاصة.

هناك سرّ آخر وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (2).

إذا هناك أسرار أبيّنها بمقدمة ثم أدخل في مجرى البحث.

القرآن عندما يعرض هذه الحوادث، و يخاطب نبيّ الإسلام فما ذا يقصد بها؟ لما ذا يعرضها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ ما الحكمة في عرض هذه القصة مع أنّ القوم قد مضى عليهم الألوف من السنوات.

يريد القرآن أن يربط بين ما عليه الأسلاف و ما عليه الأحفاد، بأنّ القوم الذين عايشوا النبيّ صلوات اللّه عليه و آله، لهم ارتباط و امتداد بأسلافهم الماضين، فأراد أن يذكّرهم بأنّ اللّه تعالى قد منّ عليهم مننا عظيمة، و أهمّ تلك النعم و تلك المنن، نعمة لا بدّ أن يتوجّهوا إليها، و هي تحقّق النجاة للأسلاف بتلك النعمة، فبنفس هذه النعمة ينجو الأحفاد، و هذا هو الغرض الأقصى و المدى الأبعد - على مستوى فهمنا - لمرام هذه الآيات.

يعني يا ملّة بني إسرائيل، يا ملّة الإسلام، و يا ملّة النصارى، لكم أجداد قد

ص:191


1- البقرة: 50/2.
2- البقرة: 51/2-52.

منّ اللّه تعالى عليهم بنعمة هامّة، و سرّ هام، ذلك السرّ الذي تحقق به النجاة لأولئك الأجداد هو نفس السرّ الذي يتحقّق به النجاة لهؤلاء الأحفاد، هذا هو الوجه في الربط بين القصص الماضية و بين الوقائع الجارية حتى يكون هناك فهم دقيق للحقائق.

من أهمّ العبر أنّ هناك سرّا جامعا مكنونا مخزونا محفوظا، كان يتوجه إليه الأسلاف من بني إسرائيل فينجون، فكيف كانت نجاتهم من فرعون؟

عندما اشتدّت الأزمة ببني إسرائيل قالوا لموسى عليه السّلام: نحن بين مقتول و مذبوح و أسير و سجين، خلّصنا من هذه المشكلة، فأمرهم اللّه تعالى أن يتوجهوا إلى البحر، فلما وصلوا أراد منهم أن يقتحموا البحر، قالوا: كيف نعبر البحر؟

فقام أحدهم اسمه كالب بن يوحنا، فقال لموسى عليه السّلام: من أمرك بأن نقتحم هذا البحر؟ قال موسى عليه السّلام: ربي اللّه أمرني، و قال كالب بن يوحنا:

و كيف أقتحمه؟

قال موسى عليه السّلام: بأن تشهد للّه بالوحدانية، و أن تقرّ لمن سيأتي من بعدنا، و سيكون هو السرّ في هذا الوجود. قال: و ما هو هذا السرّ؟

قال موسى عليه السّلام: أن تقول: اللهمّ بجاه محمد و آله الطيبين لمّا أعنتني بجواز البحر.

قال: نحن تعلّمنا هذا الذكر من نبيّ إلى نبيّ، و من أولي عزم إلى أولي عزم، إنّنا إذا أردنا أن نقتحم الشدائد ذكرنا النبيّ و آله أفضل الخلق، فإنّه بهذا الطلسم الملكوتي يتحول الماء إلى تراب، و التراب إلى ماء.

قال هذا الرجل: اللهمّ بجاه محمد و آله الطيبين الطاهرين، ثمّ اقتحم البحر

ص:192

و إذا به و كأنّه يمشي على الأرض، ركض للطرف الآخر من الخليج، ثم عاد راكضا، فلمّا رأوا ذلك اطمأنت قلوبهم، ثم قال لهم: الآن توجهوا و اعبروا البحر، اذكروا نبيّ الإسلام و أشرف الخلق الكرام محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اعبروا.

قالوا: إذا لم تجفف الماء، لا يمكن أن نعبر، و سأل موسى ربه و قال: ربي ما ذا أفعل؟ قال اللّه تعالى: ادعوا بالسرّ الأعظم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بمجرد أن ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إذا به يجفّ، ما هذا الارتباط بين هذا السرّ و بين هذا البحر؟

ثمّ قالوا: نحن اثنتا عشرة قبيلة، اجعل لكل قبيلة طريقا، فإذا كان الطريق واحدا فسوف تحصل مشاكل؛ لأنّ كل قبيلة تريد أن تتقدم، و بالتالي تخرج من الدين، فدعا اللّه بهم صلوات اللّه عليهم، و إذا بهم يحصل اثنا عشر طريقا.

قال لهم: اعبروا، قالوا: اجعل لنا طيقانا، الطيقان: هي ما يمكن أن يرى من خلاله مثل الجدران المعطوفة كالأقواس، لأنّنا نريد أن يشرف بعضنا على بعض حال العبور، و لأنّنا نخشى أن يحدث لأحد منا مكروه، فقال: اللهمّ بجاههم اجعل لهم طيقانا، فجعل لهم طيقانا فعبروا.

فلمّا عبروا و وصلوا إلى الطرف الآخر من البحر، وصل فرعون و جنوده، فلمّا همّ أولهم أن يخرج و آخرهم قد دخل، أمر اللّه تعالى بأن يطبق البحر عليهم، فانطبق و أغرقوا و القوم ينظرون إليهم، و لمّا وقف قوم موسى هناك، أشار إليهم بأنّ نجاتكم، إنما كانت ببركة التوسّل المحمدي العلويّ.

و لمّا وصلوا و عبروا، صار القرار بأن يتوجهوا إلى اللّه، فقال موسى عليه السّلام بأنّه سوف يذهب ليحضر كتاب اللّه و فرقانه، فطلب منهم أن ينتظروا و غاب عنهم شهرا امتدّ إلى أربعين ليلة، و إذا بالقوم قد توجهوا إلى عبادة العجل، فلمّا رجع

ص:193

موسى و شاهد هذه القضية، أراد أن يكتشف السرّ في وصول هؤلاء إلى عبادة العجل مع أنّهم رأوا آيات اللّه، و رأوا البحر قد أصبح معبّدا و غرق قوم فرعون أمامهم.

يقول الإمام العسكري عليه السّلام: ما كان من أمر بني إسرائيل في عبادتهم العجل إلاّ لتهاونهم بالصلاة على محمد و آله.

يا موسى بن عمران، ما خذل هؤلاء في عبادتي و اتخاذي إلها إلاّ لتهاونهم بالصلاة على محمد و آل محمد.

و العبرة هنا كما يقول الإمام العسكري عليه السّلام: إذا كان اللّه تعالى قد خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد و آله، أفلا تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم محمدا و آله، و قد شاهدتم الدلائل و الآيات(1).

إذا كلّ السرّ في نجاح هذه الأمة، أو في خذلان تلك الأمة، إنما هو بالارتباط بسّر الصلوات، هذا الارتباط عندما يحكم يتحول المجتمع إلى مجتمع بحاره طرق، و أنهاره سبل، و سماؤه تغدق على الخلق.

فكل ما في الغابر و الماضي و في الحاضر و الآتي، إنما يرتبط في سرّ الصلوات على محمد و آل محمد، و هذا المعنى نستوحيه من القرآن، و لهذا ورد في شواهد عجيبة أنّ حياة الشعوب بذكر المصطفى و آله، بل نجاة تلك الشعوب إنما هو بهذا السرّ، أي بذكر المصطفى و آله.

و لهذا ورد أنّ إبراهيم عليه السّلام ما كان خليلا للّه، إلاّ لكثرة صلواته على محمد و آل محمد(2). و هنا إشارة إلى أنّ هناك سرّا عظيما، و هذا السرّ هو أنّ أنبياء اللّه ما

ص:194


1- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام: 121/245.
2- تقدم ص 14.

وصلوا إلى ما وصلوا إليه من درجات إلاّ ببركة الصلوات.

هذا اللفظ المركب من هذه الحروف ليس مجرد كلمات عادية، و إنما فيها أسرار، لذا ينبغي علينا مراعاة حرمة المصطفى و آله حتى في الكتابة.

ينقل الشيخ القمي قصة لطيفة فيقول: كان أحد العلماء من العامة، إذا كتب اسم النبيّ كان يكتب (صلعم) بدل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصارت هذه الكلمة مورد استهزاء، فقال له أحد العلماء: إنّ هذا غير مناسب لمقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ كتابة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تأخذ من السطر إلاّ قليلا، فكتابة هذا خير من أن تكتب كلمة مشوشة، فلم يرتدع هذا العالم، فكتب (صلعم) فكان من أثرها أن شلّت يده، و بقيت مشلولة عمره كلّه، حتى إن يده اليسرى لم يستطع الكتابة بها.

هنا يجب علينا ملاحظة التأكيد على هذا السرّ و أدائه بشكله التامّ الوارد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يقول الحديث «إذا صلّى عليّ و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينهما و بين السماء سبعون حجابا»(1) ، إذا نجاة تلكم الأمم و عزها و انتصارها على فرعون و قومه ما كان إلاّ بالصلوات الزاكيات.

اللهمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء، البحر شيء، و النهر شيء، و القارات و المحيطات شيء كلها غارقة بالرحمة، و الرحمة التي وسعت كلّ شيء هي تلك الرحمة التي ورد ذكرها في الزيارة الجامعة الكبيرة «و أنتم معدن الرحمة»(2).

فيا أمّة الثقلين، يا من يتلى عليكم القرآن، يا أمّة النبيّ، إنما نجاتكم تكون بهذا الذي شاهدتموه عيانا، أولئك كانوا يذكرونه غيبا و يتوسّلون به، و لم يكن

ص:195


1- ثواب الأعمال: 189، عنه بحار الأنوار: 30/56/94.
2- من لا يحضره الفقيه: 370/2، فرائد السمطين: 179/2.

حاضرا كحضوره أمامكم بدنا و خلقا.

فيريد القرآن أن يربط بين ما مضى من القصص و بين الحكمة من النجاة، و بين ما هم عليه من حالات، حتّى ينجو منهم من ينجو ببركة محمد و آله صلوات اللّه عليهم ما غرّدت الأطيار و أورقت الأشجار و أينعت الثمار.

قطاع الطرق

قال الشيخ حسين الكاشفي: اضطررت في إحدى السنين إلى الهجرة من مدينتي إلى مدينة أخرى، فاصطحبت معي أهلي و أطفالي و خرجنا، و منتصف الطريق واجهنا مجموعة من اللصوص و قطاع الطرق.

و لكن بعد مشقة و معاناة شديدة استطعنا التخلّص منهم فلمّا وصلنا تلك المدينة، استقبلنا بعض الناس و هم متعجّبون من نجاتنا من أيدي اللصوص، ثم حذرونا من استخدام الطريق مرة أخرى و قالوا لنا بأنهم سوف لا يرحمونكم ثانية.

بعد مدّة من الزمن قرّرنا الرجوع إلى مدينتنا، و لكننا بقينا متحيرين من أين نرجع؟

الطريق الذي جئنا منه سهل و قريب و لكن فيه مخاطر، و الطرق الأخرى بعيدة و شاقّة، و بينما أنا في تفكير و حيرة غلبني النعاس و نمت.

في عالم المنام جاءني أحد المؤمنين و قال لي: اقرأ هذه الصلوات لكي تنجو «اللهم صلّ على محمد النبي و آله كما أمرتنا أن نصلّي عليهم، و صلّ على محمد النبي و آله كما ينبغي أن نصلّي عليهم و صلّ على محمد النبي و آله بعدد من لم يصلّ عليهم و صلّ على محمد النبي و آله كما تحبّ أن نصلّي عليهم».

ص:196

قمت من النوم و الصلوات في ذهني و على لساني، دون أن أسمع مثلها من قبل و لم أقرأها في الكتب الموجودة، خرجنا من تلك المدينة، فأخذت أقرأ الصلوات و أهلي يقرؤون معي و مشينا في الطريق الخطر، مررنا بمجموعتين من اللصوص و قطاع الطرق، كنا نراهم و نسمع كلامهم و لكنهم لا يروننا و لم يعلموا بنا أبدا، حتى وصلنا إلى مدينتنا بكل سلام و أمان ببركة الصلاة على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).

35 - العثور على المفقود:

قال رسول اللّه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى على محمد مائة مرّة قضى اللّه له مائة حاجة».

الخاتم اليماني

ذكر السيد حسن الصحفي، قبل أيام سافرت إلى طهران، و عند رجوعي إلى مدينتي، نظرت إلى يدي اليمنى و إذا بي لا أجد خاتمي، يظهر أني فقدته دون أن أشعر بذلك، و كانت علاقتي به كثيرة لأنه كان يمانيا أصفر جميلا مكتوبا عليه «ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه أستغفر اللّه».

مضت سبعة عشر يوما و أنا أبحث عنه دون أن أصل إلى نتيجة، إلى أن سافرت مرّة أخرى إلى طهران.

لمّا ركبت السيارة بدأت بذكر الصلاة على محمد و آله الطاهرين بالإضافة إلى جملة (و عجّل فرجهم) إلى أن وصلت و قد صلّيت ألفا و خمس مائة مرة.

في تلك الليلة جاءني شخص في المنام و قال لي: إن خاتمك اليماني في

ص:197


1- قصص من الصلوات: علي مير خلف زاده.

محل كذا.

قمت من النوم و كان أول وقت صلاة الصبح.

أهل ذلك المنزل أيضا قاموا لصلاة الصبح، بعد الصلاة قلت لأهل المنزل: جاءني شخص في المنام و قال لي: إن خاتمك في محل كذا من البيت، فذهب الرجل إلى ذلك المكان و جلب الخاتم.

إنه من بركة الصلاة على محمد و أهل بيته المعصومين عليهم السّلام(1).

36 - الابتعاد عن البخل:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كفى به شحّا أن يذكرني قوم فلا يصلّون عليّ» و قال الإمام أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ».

عن الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السّلام أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«إن البخيل كلّ البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصلّ عليّ»(2).

و قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: «البخيل جامع لمساوي العيوب»(3).

37 - أداء الدين:

قال أحد المؤمنين: كان عليّ دين كثير لم أستطع أداءه، أحد الأيام ذهبت لزيارة أحد أصدقائي، في الطريق تعاهدت مع نفسي أن أصلّي ألف مرّة على

ص:198


1- داستانهاى جالب (القصص الجميلة): 226.
2- البحار 61/94 ح 47.
3- نهج البلاغة: الكلمات القصار.

محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنيّة أداء الدين، و رفع سائر مشاكلي الأخرى.

فأخذت أصلي بهذه الصورة:

«اللهم صلّ على محمد و آل محمد و عجّل فرجهم و احشرنا معهم و العن أعداءهم» حتى وصلت إلى بيت أقربائي و كان بعيدا شيئا ما، لهذا أكملت ذكر الصلوات.

في الليل رأيت في المنام، أحد كبار المراجع و هو السيد البروجردي رحمه اللّه عرضت عليه حالي.

قال لي: بأن وضعك المعيشي سوف يتحسن بإذن اللّه عز و جل، لما صار الصباح جاءني أحد أقربائي و قال لي: أحد المؤمنين قد دفع القرض الذي في ذمتك إلى صاحبه فكن مرتاح البال.

إنه من بركة الصلاة على محمد و آله الطيبين الطاهرين عليهم السّلام(1).

38 - قضاء الحوائج:

في ثواب الأعمال عن أبي العزا قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من قال في دبر صلاة الصبح و صلاة المغرب قبل أن يثني رجليه أو يكلّم أحدا «إن اللّه و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلموا تسليما اللهم صلّ على محمد و ذريّته» قضى اللّه له مائة حاجة، سبعين في الدنيا و ثلاثين في الآخرة.

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ يوم الجمعة و ليلة الجمعة مائة مرّة قضى اللّه له مائة حاجة.. إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ثم يوكّل اللّه بذلك ملكا يدخله في قبري،

ص:199


1- داستانهاى جالب (القصص الجميلة): 234.

كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرني بمن صلّى عليّ باسمه و نسبه إلى عشرة فأثبته عندي في صحيفة بيضاء».

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى على محمد مائة مرة قضى اللّه له مائة حاجة».

39 - الحفظ من الأذى:

عن الإمام الرضا عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ يوم الجمعة مائة مرة قضى اللّه له ستين حاجة منها للدنيا ثلاثون حاجة و ثلاثون للآخرة»(1).

الرجل و السمكة

اشترى أحد المؤمنين سمكة من السوق و ذهب بها إلى بيته، أعطى السمكة لزوجته و طلب منها شواءها، أشعلت المرأة مقدارا من الحطب، و وضعت السمكة على النار.

بعد لحظات أصيبت بدهشة كبيرة، رأت النار لا تؤثر بالسمكة و ليس هناك أمل من شوائها، و تعجّب الرجل أيضا، قالا نذهب إلى النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نعرض له الأمر.

فلمّا مثلا بين يديه، ذكر الزوج خبر السمكة، نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى السمكة و خاطبها قائلا: لماذا لم تؤثّر فيك النار؟

فنطقت السمكة بإذن اللّه عز و جل قالت: يا رسول اللّه إن هذا من بركة ذكر وجودك المقدس، قبل أيام كنت في البحر، مرّت علينا سفينة كبيرة، و أنا إلى جانبها، سمعت أحد ركابها يصلّي عليك و على أهل بيتك الطيبين

ص:200


1- ثواب الأعمال: 141.

الطاهرين فدخلني السرور و الابتهاج و أخذت أذكر الصلوات في نفسي كثيرا، تلك الأثناء سمعت نداء يقول لي:

أيتها السمكة لقد حرّم اللّه بدنك على النار، لهذا السبب فإن النار لا تؤثر بي مهما كثرت.

اللهم صلّ على محمد و آل محمد عليهم السّلام.

40 - ذكر سريع الاستجابة:

كتب المرحوم آية اللّه الشيخ محمد تقي الأصفهاني قدّس سرّه كتابا حول حالاته الخاصة عندما كان في النجف الأشرف، قال:

في إحدى السنين قرّرت القيام ببعض الرياضات الروحية و المجاهدات النفسية، فانكشفت لي على أثر ذلك العديد من الأسرار، منها في أحد ليالي الأربعاء، كنت جالسا في مسجد السهلة، و الوقت قريب أذان الصبح، التقيت بأحد رجال الغيب فسألته أسئلة مختلفة و كثيرة، و كان يجيبني عليها عن لسان الإمام الحجة المهدي المنتظر عليه السّلام، و أنا أكتب الأجوبة لكي لا أنساها.

فمن الأسئلة قلت له: علّمني ذكرا أو دعاء سريع الإجابة، أقرؤه إذا وقعت في مشكلة أو ظهرت لي حاجة، فقال:

لا يوجد ذكر عند اللّه سبحانه و تعالى أفضل من الصلاة على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إن الصلاة على محمد و آل محمد أسرع و أفضل و أقرب للإجابة من غيره من الأذكار و الأدعية عند اللّه و عند أهل البيت عليهم السّلام(1).

ص:201


1- فوائد الصلوات: 49.

41 - حفظ الأهل و الأموال:

قال الإمام الرضا عليه السّلام في قوله تعالى: وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (1).

المجتمع المصري

لما قيل لفرعون: إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك، و زوال ملكك أمر بذبح أبنائهم فكانت الواحدة منهنّ تصانع القوابل عن نفسها لئلا تنمّ عليها و تنمّ حملها ثم تلقي ولدها في الصحراء أو غار جبل أو مكان غامض و تقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد و آله، فيقيّض له ملكا يربيه و يدر من إصبع له لبنا يمصّه و من إصبع طعاما لينا يتغذاه، إلى أن نشأ بنو إسرائيل، و كان ممن سلم منهم و نشأ أكثر ممن قتل.

و قال عليه السّلام في قوله عز و جل:

وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يبقونهنّ و يتخذونهنّ إماء، فضجّوا إلى موسى عليه السّلام و قالوا: يفترشون بناتنا و أخواتنا.

فأمر اللّه عز و جل تلك البنات كلّما رابهنّ من ذلك ريب، أن يصلّين على محمد و آله الطيبين، فكان اللّه يردّ عنهنّ أولئك الرجال، إما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه، فلم يفترش منهنّ امرأة، بل دفع اللّه عز و جل ذلك عنهنّ بصلاتهن على محمد و آله الطيبين الطاهرين عليهم السّلام(2).

ص:202


1- سورة البقرة: 49/2.
2- بحار الأنوار: 62/94 ح 48.

الرجل الشامي

ذكر صاحب كتاب (مدينة المعاجز) عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قال:

إن شخصا شاميا من محبّي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام كتب للإمام رسالة ذكر فيها: عندي مال كثير و أهل و أولاد، أخاف مفارقتهم و إني مشتاق كثيرا للمجيء إليك و زيارتك.

أجابه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قائلا:

إجمع أموالك في مكان واحد ثم صلّ على محمد و آله الأطهار و قل:

إلهي هذه الأموال و العيال أمانة عندك، كما أمرني بذلك عبدك علي بن أبي طالب.

ففعل الرجل ما أمره الإمام عليه السّلام و توجه إلى الكوفة لرؤية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، لما وصل الخبر إلى معاوية، أمر رجاله بالذهاب إلى بيته و مصادرة جميع أمواله و سبي عائلته.

فلما دخل الشرطة البيت، لم يروا أحدا سوى عائلة معاوية و يزيد، فقالوا للشرطة: إرجعوا لقد أخذنا أمواله و أرسلنا زوجته و أطفاله إلى السوق فرجع رجال الشرطة، بهذه الطريقة حفظ اللّه سبحانه و تعالى عائلة الرجل و أمواله، بعد أيام انتشر خبر في الشام بأن الرجل غير موجود، لكن أمواله محفوظة و ليس عليها محافظ و لم ينقص منها شيء، فجاءت الشرطة ثانية إلى البيت لسلب ما فيه، و لكن رأوا جميع الأموال بصورة عقارب و أفاع، فهلك البعض منهم، و بعضهم تمرّضوا بسبب لدغ العقارب و الأفاعي، بينما الرجل الموالي وصل إلى الكوفة سالما و التقى بالإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام، و بينما هو

ص:203

جالس عند الإمام عليه السّلام قال له عليه السّلام: هل تريد أن ترى عائلتك و أموالك أمامك؟ قال الرجل: بلى يا أمير المؤمنين، عندها حضرت جميع عائلته و أمواله بمعجزة الإمام عليه السّلام.

فلما حضروا قصّوا للإمام و للرجل جميع الوقائع التي حدثت و كيف أنهم حفظوا من يد الجلاوزة و الشرطة، فقال الإمام عليه السّلام: «إن اللّه ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته»(1).

42 - دفع الخطر:

قال النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ مرّة فتح اللّه عليه بابا من العافية»(2).

الرؤيا الصادقة

قال أحد المؤمنين الثقات: قبل سنتين رأيت مناما فيه نوع من الغموض، و بعد ثلاثة أيام من الرؤيا جئت إلى أحد العلماء الأجلاء، و طلبت منه تعبير الرؤيا.

قال لي هذا العالم الزاهد: كان من المقرّر أن يموت أحد أقربائكم في اليوم الذي رأيت فيه الرؤيا و لكن لكونهم يكثرون من الصلاة على محمد و آل محمد، لهذا دفع عنهم الخطر.

يقول الرجل: اتصلت بأخي و يسكن في مدينة أخرى، سألته عن أحواله، قال لي: قبل ثلاثة أيام ضربت سيارة ابني الصغير ضربة شديدة و إلى الآن هو

ص:204


1- كتاب مدينة المعاجز.
2- جامع الأخبار للسبزواري.

في المستشفى مغمى عليه، و من المؤمل أن يتحسّن حاله و تعود سلامته كما قال الأطباء، ثم ودعته.

من هذه الحادثة اتضح لي صدق تعبير المنام، و أن خطر الموت انزاح عن الطفل ببركة المداومة على الصلاة على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين(1).

43 - تعادل الصدقة:

قال أحد العلماء: إن الصلاة على محمد و آله الطيبين الطاهرين عليهم السّلام إنما تعادل الصدقة في سبيل اللّه عز و جل، خصوصا للطبقة الفقيرة، التي لا تملك ما تتصدّق به، فإذا أتى الفقير بالصلوات فكأنما تصدّق بمال في سبيل اللّه تعالى، لعلّ هذا العالم الجليل أخذ هذا المعنى من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«صلاتكم عليّ جواز دعائكم، و مرضاة لربكم و زكاة لأعمالكم»(2).

44 - الحصول على أمنية القلب:

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم و زكاة لأعمالكم»(3).

الأم الطاهرة

قال أحد العلماء: كان عمري 18 سنة. قرّرت الذهاب إلى مدينة قم المقدسة لأجل دراسة العلوم الدينية، و كانت قريتنا تبعد ما يقارب خمسين كيلو مترا عن قم. كان السفر آنذاك من الأمور الشاقة على الناس لأن البغال

ص:205


1- قصص من الصلوات: علي مير خلف زاده.
2- شرح فضائل الصلوات: الأردكاني.
3- بحار الأنوار: 54/94 ح 22.

و الحمير هي الوسائط النقلية المتداولة بينهم.

في أحد الأيام و أنا في قاعة الدرس، دخل قلبي شيء فضاق على أثر ذلك صدري، و ما تحملت البقاء، قرّرت الرجوع إلى قريتي و أهلي بشكل نهائي لأكون قريبا من أمي الطيبة الصالحة، جئت إلى مدخل المدينة، و استأجرت حمارا، و توجهت نحو قريتنا، فلما وصلت البيت رأيت أمي المؤمنة تكنس صحن الدار، فلما نظرت إليّ، قالت: بني! لقد جئت؟

قلت: نعم، يا أمي، قالت: الآن أكملت صلاة التي نذرتها لكي تأتي إليّ سالما، يظهر أن الأم حصلت على أمنيتها من اللّه سبحانه و تعالى عن طريق الصلاة على محمد و آله الطاهرين عليهم السّلام.

و من المحتمل أنها ذكرت ألفا و أربعمائة صلوات للمعصومين الأربعة عشر، و من لطف اللّه سبحانه و تعالى أن هذه الصلوات كملت مع مجيء ولدها، و أن الشيء الذي دخل في قلب الولد في قاعة الدرس هو ما وضعه اللّه عز و جل في قلبه لكي يتوجه من ساعته إلى أمه التي كانت مشتاقة إلى رؤية ولدها العزيز، و اللّه عز و جل حقّق أمنيتها ببركة الصلاة على محمد و آله الطيبين عليهم السّلام.

اخضرّت الشجرة ببركة الصلوات

ذكر الحاج رضا النائيني صاحب انتشارات دار الأنصار عن صديق له في دولة الإمارات العربية المتحدة، بأن هذا الصديق من المؤمنين الملتزمين و المروّجين لذكر الصلاة على محمد و آل محمد عليهم السّلام بشكل كبير جدا، حتى أنه يأتي بذكر الصلوات يوميا عشرة آلاف مرة، و لا ينقطع الذكر عن فمه في جميع أحواله حتى أثناء تكلّمه مع الآخرين و كذلك أثناء أكله و شربه.

قال الحاج رضا: ذهب صديقي يوما إلى بيت أحد أقاربه فلما دخل بيته

ص:206

توجّه إلى حديقة المنزل فوقع نظره على شجيرات نخيل صغار الحجم و لكنها تحمل رطبا كثيرا، و حبة الرطب كبيرة و ذات مظهر جميل، لا يسعك و أنت تراها إلا و أن تسبّح اللّه و تصلّي على نبيه و آله (عليهم السلام أجمعين)، فطلب من صاحب البيت أن يهب له شجيرة من تلك الشجيرات و ذلك على محبّة النبي الأكرم و أهل بيته المعصومين.

يقول الحاج رضا على لسان حال صديقه: فحفرت حول جذع النخلة و اقتلعت شجيرة و أخذتها و زرعتها في بيتي، و عندما زرعتها تعاهدتها بالرعاية و السقاية، و بعد مدّة من الزمن، رأيت الشجرة بدأت تذبل و تيبس شيئا فشيئا حتى يبست بشكل كامل فتألّمت و قلت في نفسي يا ربّ إن الشجرة أخذتها و زرعتها في بيتي على محبّة النبي و أهل بيته عليهم السّلام فكيف تيبس و يصبح حالها هكذا؟! و لكن بفضل اللّه و بإلهام منه، نويت الإكثار من ذكر الصلاة على محمد و آله الطاهرين، لعلّه يصلح من شأن الشجيرة المباركة.

و بعد أيام قلائل وجدت غصنا أخضر قد ظهر في الشجيرة و أصبح ينمو و يكبر، حتى عادت الحياة إلى النخلة و اخضرّت و حملت ثمرا كثيرا كما كانت من قبل. إنه بفضل و بركة الصلاة على محمد و آله الطيبين الطاهرين عليهم السلام أجمعين.

45 - رفع الأذى:

بكاء الطفل

قال أحد المؤمنين: ذهبت يوما إلى بيت صديقي لأجل تقديم التعازي لوفاة أخيه، فطلب أهله مني البقاء تلك الليلة عندهم، و في منتصف الليل و بينما كان الجميع نائمين، قام طفل من نومه على أثر مرض يشكو منه، فأخذ

ص:207

بالبكاء و استمر على هذا الأمر فترة طويلة، لم يستيقظ أبواه من النوم لكثرة تعبهما، و لكن بكاء الطفل آلمني كثيرا بحيث لم أستطع النوم، و بينما كنت في حالة اضطراب و تفكير، فجأة خطر في ذهني أن أقرأ الآيات الأربع الأخيرة من سورة الحشر مع سبع صلوات على محمد و آله الطاهرين، فلما قرأت الآيات و ذكرت الصلوات، سكت الطفل و نام، عندها اتضح لي بصورة عملية أن القرآن و الصلاة على محمد و آل محمد عليهم السّلام دواء لكلّ داء.

46 - مسايرة النبي و الأئمة عليهم السّلام بالذكر:

الرعاية النبوية

قال المرحوم الحاج الشيخ أحمد النجفي (رضوان اللّه عليه) صاحب كتاب (زينة الأعياد):

أحد الأمور التي لامستها و أنا أكتب كتاب (فضائل الصلوات) هو تفاعلي الكثير معه، و كنت أحيانا اقرأ بعض الفضائل على أصدقائي الخلّص، فأجد منهم السرور و البهجة، و في أحد الأيام، و كان يوم الجمعة، ذهبت لزيارة أحد أصدقائي، فوجدته في أتم السرور، قلت له: أراك مسرورا ما الخبر؟

قال: يا شيخنا العزيز! من عادتي أن أذكر كلّ يوم الصلاة على محمد و آل محمد كثيرا، و في ليالي الجمع أذكرها بشكل أكثر، و في الليلة الماضية و بينما كنت أصلّي على محمد و آل محمد كثيرا، غلبني النوم، فرأيت في عالم المنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و فاطمة الزهراء عليها السّلام و بقية الأئمة الطاهرين عليهم السّلام، فكأنما نزلوا من السماء و أحاطوني من جميع الجهات، عندها أخذ النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتحدث معي و يلاطفني، و أخيرا هنأني و أكرمني كثيرا. لهذا امتلأ قلبي بالفرح و البهجة، و ما بين الأئمة

ص:208

المعصومين عليهم السّلام رأيت شخصا نورانيا و جميلا جدا، فكرت في نفسي كأني أعرفه، قمت من نومي و أخذت أفكر من هو ذلك الرجل النوراني؟ و لكن لم أصل إلى نتيجة، فرجعت ثانية إلى النوم، فعرفت أن ذلك الرجل هو أعمالي الصالحة. بعدها سمعت مناديا يقول لي: ارفع رأسك، فلما رفعت رأسي رأيت النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سائر الأئمة المعصومين عليهم السّلام مرة أخرى و هم في حالة الذكر، فقال لي المنادي: يا هذا أتدري ما هو ذكر هؤلاء الأطهار عليهم السّلام؟ قلت: لا أدري؟

قال: إن هؤلاء المعصومين الأطهار يقولون: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد» و هو كذكرك أنت(1).

47 - النجاة من التهمة:

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن الشيطان اثنان: شيطان الجن، و يبعّد ب (لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم)، و شيطان الإنس، و يبعّد بالصلاة على النبي و آله»(2).

المتهم البريء

جاء في كتاب (الأزهار) لأحد علماء العامة:

إن جماعة من سكان البادية، جاؤوا برجل معه بعير إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مدعين عليه أنه سرق بعيرنا، و معهم شهود يشهدون على ذلك، عندما سمع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منهم ذلك و شهد الشهود، أمر بقطع يده، فلما أخذوه ليقطعوا يده، أخذ يقول كلمات مع نفسه، عندها صاح البعير المتنازع عليه، و أخذ يقول بلسان

ص:209


1- دار السلام: 132/2.
2- بحار الأنوار: 136/95.

فصيح:

يا رسول اللّه إن هذا الرجل بريء من السرقة، هذه تهمة باطلة، الشهود كذّابون، الذي سرقني هو فلان بن فلان. أمر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإرجاع الرجل، و إحضار السارق الحقيقي، فاعترف الأخير بسرقته و أجري الحكم عليه.

بعدها التفت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الرجل البريء و قال له: لمّا أخذوك إلى القصاص كنت تقول كلمات، رأيت على أثر ذلك نزول الملائكة بشكل أفواج كبيرة، حتى ملأت المدينة، و كنت حائلا بيني و بينهم فما هي تلك الكلمات؟

قال الرجل: يا رسول اللّه كنت أصلّي عليك بهذه الصورة: (اللهم صلّ على محمد و آله حتى لا يبقى من صلواتك شيء و بارك على النبي محمد و آله حتى لا يبقى من رحمتك شيء)، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سوف تمرّ على الصراط يوم القيامة و وجهك يتلألأ كالقمر في ليلة تمامه(1).

48 - قبول الصلاة اليومية:

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «إن أضلّ الناس من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ»(2). اللهم صلّ على محمد و آل محمد.

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا: «أجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ»(3).

اللهم صلّ على محمد و آل محمد.

و كيف لا يكون الأجفى و هو العاق الآبق الضالّ؟! قال الإمام علي

ص:210


1- من كتاب ختم الصلوات: 73.
2- الكشاف، الزمخشري: 558/3.
3- لآلئ الأخبار: 438/3.

عليه السّلام: إني كنت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في صلاة صلاّها، فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّا شديدا ثم قال:

يا عليّ، فقلت: لبيك يا رسول اللّه، قال: أنا و أنت أبوا هذه الأمة، فلعن اللّه من عقّنا، قل آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا و أنت موليا هذه الأمة، فلعن اللّه من أبق عنّا، قل آمين. قلت:

آمين.

ثم قال: أنا و أنت راعيا هذه الأمة، فلعن اللّه من ضلّ عنا، قل آمين.

قلت: آمين.

ثم قال الإمام علي عليه السّلام: و سمعت قائلين يقولان معي: آمين، فقلت:

يا رسول اللّه، من القائلان معي آمين؟

قال: جبرئيل و ميكائيل عليهما السّلام(1).

أجل.. و الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول: «إن كان الأبوان إنما عظم حقّهما على أولادهما لإحسانهما إليهم، فإحسان محمد و علي عليهما السّلام إلى هذه الأمة أجلّ و أعظم»(2).

و من هنا نفهم قول الإمام موسى الكاظم عليه السّلام: «يعظم ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلّي على أبويه الأفضلين: محمد و علي عليهما السّلام»(3).

و إلى العقوق، يجمع المتجافي عن الصلاة ضلالا و خسرانا، إذ يكفيه أن

ص:211


1- معاني الأخبار: 118.
2- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 133.
3- المصدر نفسه.

يعلم أن من يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة واحدة يصلّي عليه اللّه تبارك و تعالى ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة.. هذا ما جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام ثم قال: و لم يبق شيء مما خلق اللّه إلا صلّى على ذلك العبد لصلاة اللّه عليه و صلاة ملائكته، و لا يرغب عن هذا إلا جاهل مغرور، قد برئ اللّه منه و رسوله(1).

و جاء عنه عليه السّلام كذلك قوله: «فساد المعرفة في ترك الصلاة على خير الأنام»(2). اللهم صلّ على محمد و آل محمد.

و هذا الثعالبيّ يقول: و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ حين من الواجبات و من وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها، و لا يغفلها إلاّ من لا خير فيه(3).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسلك بصلاته غير سبيل الجنة»(4).

ص:212


1- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 139.
2- مستدرك الوسائل: 337/5 ح 31 ب 31 من أبواب الذكر.
3- الجواهر الحسان في تفسير القرآن: 236/3. إذن لا غرابة في هذه الرواية: قال الإمام الرضا عليه السّلام لرجل دخل عليه: ما معنى قوله تعالى: وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى؟ قال: كلما ذكر اسم ربه قام فصلّى، فقال عليه السّلام: لقد كلّف اللّه هذا شططا، قال الرجل: فكيف هو؟ فقال عليه السّلام: كلما ذكر اسم ربه صلّى على محمد و آله (وسائل الشيعة: ج 4 الباب 41 من أبواب الذكر ح 1)، و ذلك هو المفلح حقا، لأن اللّه تعالى قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى * وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى(سورة الأعلى: 14/87-15). أي الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصلاة المعبّر عنها ب (ذكر اللّه)، و قد ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تمام الصلاة.. و من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ترك ذلك متعمدا فلا صلاة له» (الاستبصار: الشيخ الطوسي 343/1).
4- بحار الأنوار: 55/94.

49 - تنوّر القلب و المكان:

ذكر أحد العلماء: إن المحققين يؤكدون بأن الصلاة على النبي و آله المعصومين عليهم السّلام لها تأثير كبير في تنوير ظاهر و باطن الإنسان، و ثبت لهم ذلك من خلال التجارب العملية إلى جانب القرآن الكريم و روايات المعصومين عليهم السّلام، القرآن الكريم يصف الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنور، قال عز و جل:

قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (1) ، لهذا فإن من يرتبط بهذا النور قولا و عملا لا شكّ سوف يأخذ منه و يتنوّر به أكثر فأكثر، و إن القلب المظلم بالذنوب و المعاصي لا يوفق بالارتباط و الذكر لذلك النور.

البيت المنير

نقل أحد العلماء: كنت أتذاكر مع أبي في الأحاديث الواردة عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كلما كنا نمر على اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كنّا نصلّي عليه و على أهل بيته المعصومين عليهم السّلام، بعد يوم جاءنا بعض الجيران و قالوا: لنا لقد رأينا بالأمس نورا يخرج من بيتكم حتى وصل إلى السماء و أضاء أرجاء المدينة (اللهم صلّ على محمد و آل محمد و عجّل فرجهم).

***

ص:213


1- سورة المائدة: 15/5-16.

ص:214

أوقات استحباب الصلوات

يستحب أن يصلّى المرء عليهم في أوقات، كيوم الخميس و يوم الجمعة و ليلتها حيث تضاعف الأعمال، و ليالي شهر رمضان و أيامه حيث يثقّل بها الميزان.. بل و في كل وقت ليلا كان أو نهارا.

خصوصا يوم السابع و العشرين من رجب يوم المبعث النبوي الشريف، و يوم العيد الأكبر عيد الغدير في الثامن عشر من ذي الحجة.

و في أماكن كدخول المسجد الحرام، أو البيت الحرام، و عند السعي بين الصفا و المروة، و عند باب الكعبة المعظّمة.

و في حالات كالنسيان، و النفاق، و كثرة الذنوب، و عند الشدائد، و لقضاء الحاجات و الديون، و دفع الشرور و النكبات، و بعد شمّ الرياحين و الورود و الأولاد، و في الوضوء، و عند دخول المسجد و الخروج منه، و عند التوجّه إلى القبلة، و بعد الإقامة و بعد افتتاح الصلاة، و بعد صلاة الوحشة للميّت، و بعد صلاة الحاجة، و بعد الفراغ من صلاة الليل، و بعد النوافل.

و في التعقيبات، و قبل الدعاء و خلاله و بعده، و عند ذكر الأنبياء على نبيّنا و آله و عليهم الصلاة و السلام، حيث جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام:

«إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمد و آله، ثم عليه، صلّى

ص:215

اللّه على محمد و آله و على جميع الأنبياء»(1).

بل دعينا إلى ذكرهم صلوات اللّه عليهم في كل وقت و مكان، ففيه الخير و الرحمة و البركة، لأنه من ذكر اللّه جل و علا، و من هنا دعينا إلى الإكثار من ذكرهم و الصلاة عليهم صلوات اللّه و سلامه عليهم.

يا آل بيت رسول اللّه حبكم فرض من اللّه في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له(2)

أبيات للشافعي نقلها صاحب الصواعق المحرقة، و هناك مجموعة من أكابر علماء أهل السنة يروونها عن الشافعي صاحب المذهب المعروف بالشافعي، أنشد هذين البيتين و هما شهادة صريحة فيما يتعلق بأمر الصلوات على محمد و آل محمد.

من أسرار ليلة الجمعة و يوم الجمعة، لعشّاق الصلوات.

من وردهم و ذكرهم و عبادتهم و وترهم و قيامهم و نوافلهم و نوادبهم أو مندوباتهم حيث يقولون: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد.

عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

«إذا كانت عشية الخميس و ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب و صحف الفضة، لا يكتبون عشية الخميس و ليلة الجمعة و يوم الجمعة إلى أنّ تغيب الشمس إلاّ الصلاة على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»(3) يريد أن يبين أنّ الصلوات

ص:216


1- وسائل الشيعة: 208/7 ح 1، الباب 43 من أبواب الذكر.
2- ديوان الشافعي: 115.
3- الخصال: 95/393، عنه بحار الأنوار: 11/5/94.

جواهر تكتب بأقلام من ذهب على صحف من فضة.

إذا هذا سرّ صلواتي في ليلة الجمعة، إنّ الإنسان يكون مكتوبا بقلم من ذهب، إنّها أقلام ملكوتية، فهنيئا لمن يكتب بهذا القلم المذهّب على الصحف المفضّضة.

سرّ آخر في مواجهة الأعداء، فمعروف أنّ الإنسانية تستخدم وسائل مختلفة و تقنيات لغرض الدفاع ضد العدوّ، و هناك وسائل غيبية و هي الملائكة المسومون وظيفتها الدفاع، تهبط حسب الطلب و شدّة المعركة، هذا النوع من المواجهة كيف يدفع هذا العدوّ المعتدي الظالم؟ يقول القرآن:

وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ (1) في معنى البأساء يعني محاربة الأعداء كما في النصّ عن المعصوم، أي الشيطان و مردته التي تمثل القوى العظمى إنما تدفع بذكر محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

أمّا بالنسبة للصبر فكيف يحصل؟

من أهمّ علامات الصابر و هي أنه يكثر من ذكر الصلوات على محمد و آل محمد أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ ثم يقول وَ حِينَ الْبَأْسِ يعني أعلى شدة، و شدة البأس تدفع بذكر الصلوات على محمد و آل محمد.

جاء رجل موصليّ، و كان من السادات، فدخل على العلامة الحلّي، و اعترض عليه قائلا: ما الدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الأنبياء، فقرأ العلامة في جوابه بلا انقطاع الكلام اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

ص:217


1- البقرة: 177/2.

* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (1).

فقال الموصليّ على طريق المكابرة: ما المصيبة التي أصابت آله حتى أنّهم يستوجبون لها الصلاة؟

فقال العلامة رحمه اللّه:

من أشنع المصائب و أشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي يرجّح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة و النكال على آل رسول الملك المتعال.

فاستضحك الحاضرون، و تعجّبوا من بداهة جواب آية اللّه في العالمين و قد أنشد بعض الشعراء:

إذا العلويّ تابع ناصبيّا بمذهبه فما هو من أبيه

و كان الكلب خيرا منه حقّا لأنّ الكلب طبع أبيه فيه(2)

اسم محمد هو اسم مبارك تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ (3) فكيف بمن انتجب الاسم لذات النبيّ، و هنا يكون العارف بهذا السرّ في أعلى درجات المعرفة، يجب أن نكون عارفين بأهمية هذا السرّ الصلواتي، إنّ الإنسان يواجه الملمات و الأسقام و الأمراض نتيجة الغفلة عن ذكرهم.

عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك و الأسقام و وسواس الريب و حبّنا رضى الربّ تبارك و تعالى»(4).

ص:218


1- البقرة: 156/2-157.
2- روضات الجنان: 78/2.
3- الرحمن: 78/55.
4- بحار الأنوار: 10/145/2.

هذا الاسم الملكوتي نزل من الملكوت الأعلى إلى الأرضين و من السماوات و من العرش الأعلى، ليكون علما على ذات هذا النبيّ، فسمّاه اللّه تعالى في سمائه بأحمد، و في الأرضين بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذا المواجهة تدفع بالصلوات.

سرّ آخر: إنّ هذه الصلاة يستعان بها على طول العمر و خرق الحجب، فمن قرأ بعد صلاة الفجر من يوم الجمعة مائة مرة الذكر الصلواتي فإنّها تدفع لفح جهنم.

و هذا سرّ آخر: الذكر الصلواتي يخرق الحجب و يرفع الظلمة عن النفس.

ص:219

ص:220

الفوائد الأخروية للصلوات

1 - الشفاعة:

قال النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الوصية:

«يا علي من صلّى عليّ كل يوم أو كل ليلة وجبت له شفاعتي، و لو كان من أهل الكبائر»(1).

الشيخ شبلي

توجه الشيخ شبلي مع مجموعة من رفاقه إلى بيت اللّه الحرام، منتصف الطريق تمرّض أحد أصحابه مرضا شديدا، فارق على أثره الحياة الدنيا، بقي الشيخ متحيرا ينظر إلى جسد رفيقه تارة و يفكر في غسله و كفنه و دفنه تارة أخرى، و هو بهذه الحالة، فجأة رأى جسد رفيقه أخذ يتغيّر لونه حتى صار أسود، جلسوا جميعا حول الجسد مندهشين و متعجّبين من تغيّر لونه، و بعد مدة قليلة رأى الشيخ حصول تبدّل في لون جسم صاحبهم الميت، حيث أخذ يرجع إلى حالته الأولى، حتى صار أجمل من الأول بكثير، فاستبشروا جميعا.

بعد مدّة من الزمن رأى الشيخ صاحبه في عالم الرؤيا مرتديا ثياب أهل الجنة، و على رأسه تاج مرصّع بالجواهر، و في يده اليمنى خاتم نوراني مكتوب عليه (هذا جزاء من صلّى على محمد و آل محمد) فسأله الشبلي: ما سبب اسوداد

ص:221


1- بحار الأنوار: 63/94.

جسدك في بداية الوفاة؟

قال: ذلك السواد هو سواد الذنوب و المعاصي التي ارتكبتها في حياتي، فإن بدني اسودّ في حين لم تخرج روحي منه بالشكل الكامل، عندها جاءني نبي الرحمة محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بيده قدح فيه ماء، فأخذ يسكب من ماء القدح على بدني ثم يمسح بيده المباركة حتى أزال ذلك السواد، ثم أهدى لي هذا التاج و الخاتم، فقلت:

يا رسول اللّه، بأي عمل استحقيت هذا التكريم العظيم؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنك في الحياة الدنيا كنت تذكرني كثيرا بالصلوات و في كل يوم، فكيف أنساك هذا اليوم الذي تحتاجني فيه هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (1).

قام الشيخ شبلي من منامه و قال: الآن عرفت أن ظلمة المعاصي لا يمكن لها الوقوف أمام من يكثر من الصلاة على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين(2).

2 - سبب رفع عذاب القبر:

عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: «من قال في يوم مائة مرة:

رب صلّ على محمد و آل بيته، قضى اللّه له مائة حاجة، ثلاثون منها للدنيا و سبعون للآخرة»(3).

ص:222


1- سورة الرحمن: 60/55.
2- قصص من الصلوات: خلف زاده.
3- بحار الأنوار: 59/94 ح 40.

البنت المعذّبة

أم مؤمنة فقدت بنتها و هي في أول شبابها، رأتها بعد أيام من وفاتها في عالم المنام و هي معذّبة بأنواع العذاب، انتبهت الأم باكية حزينة عليها، ثم رأتها بعد يوم و ليلة مسرورة تتنزّه في روضة من رياض الجنة فسألتها عن ذلك، فقالت البنت: كنت معذّبة بالأمس و ذلك للذنوب و المعاصي التي ارتكبتها، و اليوم مرّ شخص مؤمن على المقبرة و صلى على النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عدّة مرات ثم أهدى ثوابها إلى ساكنيها، ربّ العزّة تبارك و تعالى ببركة هذه الصلوات، أمر برفع العذاب عن أهل المقبرة، لهذا تبدّل العذاب الذي كنت فيه إلى نعيم دائم حيث لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

فكلّ من يمرّ على المقابر و يصلّي على النبي و آله الطيبين الطاهرين ثم يهدي ثوابها للأموات فإنها سوف تصلهم و يرفع عنهم العذاب(1).

3 - ثقل الميزان:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال: «ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد و آل محمد، و إن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فيميل به، فيخرج الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجّح به»(2).

عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنا عند الميزان يوم القيامة، فمن ثقلت سيّئاته على حسناته، جئت بالصلاة عليّ حتى أثقل بها حسناته».

ص:223


1- شرح و فضائل الصلوات: للمرحوم الأردكاني 119.
2- أصول الكافي: 252/4 ح 15.

عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد و آل محمد»(1).

وزن الصلوات

توفي أحد الكتاب، فرأوه في عالم المنام بعد وفاته، بأحسن حال و مكان.

قالوا له: كيف وصلت إلى هذا المقام السامي؟ فأجاب: لقد وزنوا ذنوبي مع الصلوات التي كتبتها على النبي محمد و أهل بيته الأطهار عليهم السّلام عندها رجحت الصلوات و عفوا عني (2)(اللهم صلّ على محمد و آل محمد).

4 - الخلاص من جهنّم:

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللّه عز و جل»(3).

عن الصباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ألا أعلّمك شيئا يقي اللّه به وجهك من حرّ جهنم؟

قال: قلت: بلى، قال: قل بعد الفجر: اللهم صلّ على محمد و آل محمد مائة مرّة يقي اللّه به وجهك من حرّ جهنّم(4).

قال النبي الأعظم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لن يلج النار من صلّى عليّ».

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الصلاة عليّ نور في الصراط، و من كان له على الصراط من

ص:224


1- بحار الأنوار: 374/71.
2- شرح فضائل الصلوات: 62.
3- أمالي الصدوق: 346.
4- ثواب الأعمال: 140.

النور لم يكن من أهل النار».

5 - معرفة طريق الجنة:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«من نسي الصلاة عليّ أخطأ طريق الجنة» أي الذي يتناسى و يتساهل في الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

6 - سهولة النزع:

السعادة الدائمة

أحد الصالحين ذهب إلى عيادة مريض في آخر أيام حياته، فلما حضر عنده وجده في حالة الاحتضار، قال له: كيف تجد مرارة نزع الروح؟

قال المريض: إني لا أجد أي مرارة، بل أحسّ بطعم حلو في فمي.

تعجّب الرجل الصالح من كلام هذا المؤمن لأنه من المتعارف عند الجميع أن نزع الروح من الأمور الشاقة و المرّة التي يواجهها كل إنسان ساعة خروجه من هذه الدنيا.

فلما رأى المريض حالة التعجّب و الحيرة في وجه الرجل، قال له:

يا هذا لا تتعجّب، إني سمعت حديثا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«من أكثر الصلاة عليّ سوف لا يجد السوء و الأذى ساعة الاحتضار، و إني منذ مدّة طويلة أكثر من الصلاة على محمد و آل محمد لهذا أجد من جرّاء ذلك دوام السعادة و الخير، و خصوصا في هذه الساعة»(1).

ص:225


1- شرح الصلوات: الأردكاني 114.

7 - الأمان من الحسرة في الآخرة:

سئل سفيان الثوري عن قوله عز و جل: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (1) أي يوم هو؟ قال سفيان:

إنه يوم القيامة، حيث تتحسّر جميع الخلائق سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، المؤمنون يتحسرون لماذا لم يزدادوا من الصالحات لكي يحصلوا على مرتبة أعلى، و الطالحون الكفّار يتحسرون من مسيرتهم الخاطئة في الدنيا فيتأسفون على انحرافهم عن طريق الهداية و الإيمان.

فقال السائل: هل هناك من لا يتحسّر ذلك اليوم؟

قال سفيان الثوري:

الإنسان الذي لا يتحسّر يوم القيامة هو من كان يكثر من الصلاة على محمد و آله الطاهرين المعصومين عليهم السّلام بالإضافة إلى صلاحه و إيمانه في الحياة الدنيا، و إنه سوف يجازى يوم القيامة بثواب و درجة كبيرة، بحيث لا يتصور هناك مقام أكبر مما أعطي له، لهذا فكيف يمكن لمثل هذا الإنسان أن يتحسر يوم القيامة.

8 - القرب من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن أقربكم مني يوم القيامة في كلّ موطن أكثركم عليّ صلاة في الدنيا».

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة»(2).

ص:226


1- سورة مريم: 39/19.
2- بحار الأنوار: 63/94.

التلقين في القبر

قال الشيخ شبلي: كان لي جار انتقل إلى رحمة اللّه عز و جل، بعد أيام من وفاته رأيته في المنام، سألته: كيف أصبح أمرك؟ فقال: أيها الشيخ: لقد رأيت المصائب و الأهوال العظيمة، خصوصا عندما جاءني الملكان منكر و نكير و أخذا يسألاني الكثير من الأسئلة، لكنّي ما أجبتهم لأني فقدت القدرة على الكلام بعد أن انعقد لساني فقلت في نفسي: واويلاه لماذا هذه العقوبة الكبرى؟

أو لم أكن مؤمنا في حياتي أولم أمت مسلما، و الملكان يشدّدان عليّ و يطلبان الأجوبة، في تلك الساعة العصيبة، فجأة جاءني شاب جميل المنظر، زكي الرائحة، و صار حائلا بيني و بين الملكين، و أخذ يلقنني و يعلمني كيف أجيب على الأسئلة، سألت ذلك الشاب الجميل قلت له: رحمك اللّه من أنت؟

لقد أنقذتني من محنة كبيرة. قال الشاب: أنا إنسان خلقت من صلواتك التي كنت تبعثها للنبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا مأمور أن أكون معك دائما و أساعدك كلما احتجت إلى ذلك(1).

9 - التكريم الكبير:

قال أحد علماء العامة: عندما توفي الشيخ حسن غنية، رأيته في احدى الليالي في عالم المنام، و قد كتب على إبهامه و سبابته عدد من الكلمات بماء الذهب. فقلت له: ما هذه الكلمات الجميلات التي أراها على إصبعيك؟

قال المرحوم: هذا جزاء عملي الذي عملته في الدنيا، حيث كلّما كنت

ص:227


1- شرح فضائل الصلوات: 119.

أكتب حديثا عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أمر على اسمه المقدس، سرعان ما أكتب هذه الجملة (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)..

قال النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ مرّة، خلق اللّه تعالى يوم القيامة على رأسه نورا، و على شماله نورا، و على يمينه نورا، و من تحته نورا، و في جميع أعضائه نورا».

10 - نور في القبر:

قال النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أكثروا الصلاة عليّ فإن الصلاة عليّ نور في القبر، و نور في الصراط، و نور في الجنة»(1).

ص:228


1- بحار الأنوار: 55/94.

الصلاة البتراء

تواردت الروايات في أن الصحابة بعد نزول آية الصلوات تساءلوا عن كيفيتها، فبيّنها لهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لعلّ ذلك قد تكرّر في أكثر من موقف و مقام، فجاءت الأخبار تنقل ذلك بأسانيد عديدة و طرق كثيرة متعدّدة و بنصوص متقاربة، لكن الملاحظ فيها أمران:

الأول: أنها حملت صيغا للصلوات بمضامين كثيرة، لا على سبيل الإلزام، و إنما يكفي منها القول: اللهم صلّ على محمد و آل محمد، أو: اللهم صلّ على محمد و آله، أو اللهم صلّ على النبي و آله. هذا هو القدر المجزئ، فإذا كان في الصلوات مزيد من التمجيد و التقديس ففي ذلك مزيد من الأجر و الخير و البركات.

و الثاني: أنها حملت جميعها الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على آله الكرام الميامين صلوات اللّه عليهم أجمعين؛ لا خلاف في ذلك، بل هو ما اتفق عليه المفسّرون و المحدّثون من قبل، و لكن الذي شاع فيما بعد هو الصلاة البتراء التي نهى عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في روايات ثبتتها و وثّقتها كتب المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

و الآن.. إلى أدلّتهم و براهينهم على أن الصلاة على النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عهدة تامة غير مبتورة، من جهة، و من جهة أخرى ورد النهي عن بترها.

ص:229

فيما يتعلق بأسرار الصلوات، ذكر علماء أهل السنّة في جلّ صحاحهم و تفاسيرهم و مروياتهم: أنّ الصلاة لا تكون صلاة مرضية عند اللّه تعالى حتى تكون صلاة كاملة، و المراد بالصلاة الكاملة أي غير البتراء، و صيغة هذه الصلاة الكاملة أن تقولوا: «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

هذه الصلوات موجودة في أغلب الصحاح و المسانيد، و هذه هي اللفظة الصحيحة، و عندما نراجع تفسير الرازي في (مفاتيح الغيب)(1) و غيره من التفاسير، نجد أنّهم قد رووا في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ أنّه قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عرفنا كيف نسلّم عليك فنقول السلام عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قولوا: «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

و للأسف نلاحظ المحاضر و المفسر و الخطيب في البلاد العربية و غيرها في المساجد و عبر الإذاعات يبتر الصلاة على آل النبي، و هذه مخالفة صريحة للنصوص في التفاسير و الصحاح و المسانيد، فمن قال ذاكرا النبي و قال صلّى اللّه عليه فهي صلاة مردودة و محجوبة و غير مقبولة و غير مرضية للّه عز و جل، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر أن تقرن بآل محمد عليهم السّلام و إلاّ فليست بصلاة.

في التشهّد الوسطي تقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ على محمد و آل محمد كما صلّيت و باركت

ص:230


1- تفسير الرازي: 196/25.

على إبراهيم و آل إبراهيم.

قضية الآل مذكورة في التشهدات الوسطية في الصلوات المفروضة و في الصلاة المندوبة، ماذا نعني بالآل؟ و لماذا يقرنون مع النبيّ حتى في الصلوات؟

لا شك أنّ المراد بالآل هم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة المعصومون من ذرية الحسين عليهم السّلام و هذا من المطالب القطعية، و أنّهم هم صنو النبي، و لا ينقطعون عنه، و أيضا هم ورّاثه بالحق من قبل اللّه لا وراثة ملوكية، و إنما نصّ قرآني إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً (1).

الجعل ليس جعل أندية و سقائف و شورى و ما أشبه، و إنما الجعل فرض من اللّه.

يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ (2) الجعل فرض من اللّه لا يمكن أن يدع هذه الأمة الكاملة المتكاملة بدون أن يجعل لها وصيّا، و الحال أنّه بإجماع المسلمين ما من نبيّ إلاّ و له وصيّ، و هذا كتاب اللّه ينطق علينا بالحق، فإنّ موسى أوصى إلى أخيه عليهما السّلام هارون، و هكذا كل الأنبياء ما استخلفهم أحد، من غير صنف الأنبياء أو الأوصياء، لا يوجد في التاريخ النبوي أنّ أنبياء اللّه قد استخلفوا في مقامهم أحدا من الناس، أو أحدا من الأقرباء أو الأوصياء أو ما شابه، و إنما هو نص من اللّه إلى ذلك النبي، هذا هو الحق و ما بعد الحقّ إلاّ الضلال.

و في شأن أسرار الصلوات، قال أحد علماء أهل السنة و اسمه محمد بن سعيد: عاهدت نفسي أن أصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل النوم بعدد معين، فنمت ليلة

ص:231


1- البقرة: 124/2.
2- سورة ص: 26/38.

مع أهلي في بعض الغرف، فرأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد دخل فيها، و أشرق بنور جماله جدرانها، فالتفت إلي و قال: أين الفم الذي كان يصلّي عليّ حتى أقبله؟ فاستحييت من تقديم فمي فقدمت وجهي فقبله، فانتبهت من كثرة الفرح و أنبهت أهلي، فكانت الغرفة تفوح من طيب رائحته، كأنّها ملئت من المسك الأذفر، و كانت تلك الرائحة تفوح من وجنتي إلى ثمانية أيام تشمّها كل الأنام(1).

خصائص النبي صلوات اللّه عليه و على آله:

1 - أنّه لا فيء له، فإذا كان يمشي لم يكن له ظلّ، لأنّه كان كما يقول الشيخ المجلسي(2): كان إذا مشى في ضوء الشمس غلب نوره الشمس و القمر و المصباح، النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس له ظل حتى في أول النهار و آخره، لأنّ نوره غلب نور كل شيء، فما سبب ذلك؟

لم يكن للنبي ظلّ، أو تعلم سرّ ذلك؟ لأنّ في ظلّ النبيّ شمس المولى عليّ، هذا البيت مترجم عن الفارسية(3).

ما الدليل من القرآن؟ قال تعالى في آية المباهلة: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (4) ، أنفسنا هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فإذا كان عليّ عليه السّلام نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو نوره الذي كان مندمجا معه فهما نور واحد.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خلقت أنا و عليّ بن أبي طالب من نور واحد، نسبّح اللّه يمنة

ص:232


1- دار السلام: 188/2.
2- القطرة ج 1 /باب فضل الصلاة على النبي و آله.
3- انظر القطرة: 1 /باب فضل الصلاة على النبيّ و آله.
4- آل عمران: 61/3.

العرش قبل أن خلق آدم بألفي عام(1).

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - ما مرّ على مكان إلاّ و كان طيبه و عرف طيبه منتشرا في ذلك المكان لمدة ثلاثة أيام أو أكثر(2).

3 - ما مرّ على حجر و مدر إلاّ و سجد للمصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3) و قد رأى يوسف عليه السّلام - و رؤياه صادقة - أنّ الشمس و القمر و الكواكب قد سجدت له إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) و أمر اللّه تعالى الملائكة أن تسجد لآدم، فمن هو أفضل آدم أم الخاتم؟

خاتم الأنبياء محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو أشرف الخلق على الإطلاق.

و من أسرار الصلوات روي أنّه دخل رجل على الصادق عليه السّلام: فقال: إنّي دخلت البيت، فلم يحضرني شيء من الدعاء إلاّ الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال عليه السّلام: «و لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت»(5).

كان أحد المجتهدين الأعاظم رحمه اللّه عندما يمرّ على هذه الرواية في البحث الفقهي يقول: و من هنا نفتي بأنّ أفضل الأعمال و أفضل الأذكار و أفضل المندوبات ذكر محمد و آله بالصلوات، هذا الذكر هو الإكسير الأعظم.

و كان نبي اللّه عيسى يقول دائما: أبشركم بنبيّ الإسلام الأعظم وَ مُبَشِّراً

ص:233


1- بحار الأنوار: 12/11/15.
2- القطرة - باب فضل الصلاة على النبيّ و آله.
3- المصدر السابق.
4- يوسف: 4/12.
5- ثواب الأعمال: 2/186، عنه بحار الأنوار: 34/57/94.

بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (1) كان عيسى عليه السّلام و هو من أولي العزم يخاطب الحواريين: إنّ هناك بشارة لكم، إنّها أعظم بشارة، سيأتي الموعود و أفضل الأنبياء و المرسلين من قبل المعبود الحق تبارك و تعالى، سيأتيكم محمود أحمد محمد صلوات اللّه عليه و على آله، الأنبياء يبشرون، الأولياء يبشرون، و كلهم مدارهم عليه.

أدلّة أهل السنة:

و يمكن أن تكون في ثلاثة نقاط:

النقطة الأولى: هي أن الأحاديث الواردة عن طريق العامة في كتبهم المتعمدة، و في تفسير الآية المباركة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (2) لم تأت خالية من ذكر الآل صلوات اللّه عليهم. و قد مرّ علينا عدد وافر منها، في: صحيح البخاري و صحيح مسلم، و سنن الترمذي، و في غيرها و عن غيرهم(3). و هنا نذكر شيئا يسيرا منها:

في تفسير (الدرّ المنثور) روى السيوطيّ عن طلحة بن عبيد اللّه قال:

قلت: يا رسول اللّه، كيف الصلاة عليك؟ قال: قل: اللهم صلّ على محمد و آل محمد، كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ص:234


1- الصف: 6/61.
2- سورة الأحزاب: 56/33.
3- كالمستدرك على الصحيحين للحاكم، و تفسير جامع البيان للطبري، و مسند الشافعي، و سنن البيهقي، و فرائد السمطين للجويني الحموي، و كنز العمال، و مسند ابن حنبل، و سنن الدارقطني.. و عشرات المصادر الأخرى.

و روي عن أبي هريرة قريبا منه، و كذا عن ابن مسعود(1) ، و في جميعها وردت الصلاة على آل محمد صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين.

و في سنن البيهقي(2) بسنده عن ابن مسعود، قال: لو صلّيت صلاة لا أصلي فيها على آل محمد لرأيت أن صلاتي لا تتم.

ما معنى أنها لا تتم؟ أليس أنها لا تقبل؟! فقد روى أبو مسعود الأنصاري أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ و لا على أهل بيتي لم تقبل منه(3). و ربّما كان هذا الحديث و غيره سببا في ذهاب الشافعي إلى وجوب الصلاة على النبي و على آله (صلوات اللّه عليه و عليهم) في الصلاة، و إلى بطلان الصلاة مع الصلاة البتراء، لورود النهي عنها.

و في شأن الدعاء، قال الشوكاني(4): روى الطبراني في (الأوسط) عن علي عليه السّلام: «كلّ دعاء محجوب حتى يصلّي على محمد و آل محمد». قال الهيثمي: رجاله ثقات.

و روى المتقي الهندي، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «يا عليّ، إذا أحزنك أمر فقل:

اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بكنفك الذي لا يرام.. (إلى أن قال:) أسألك أن تصلّي على محمد و على آل محمد، و بك أدرأ في نحور الأعداء و الجبارين»(5).

ص:235


1- الدر المنثور: 216/5-217.
2- ج 3 ص 379.
3- سنن الدار قطني: 355.
4- فيض القدير: 19/5، و ذكره الهندي في كنز العمال: 214/1، و الطبراني في المعجم الكبير، و البيهقي في شعب الإيمان.
5- كنز العمال: 181/1، و قد أخرجه الديلمي في مسند الفردوس بمأثور الخطاب: 321/5

و في قصة يوسف عليه السّلام قال الثعلبي: فلمّا كان اليوم الرابع أتاه جبريل عليه السّلام و قال: يا غلام، من طرحك ها هنا في هذا الجبّ؟ قال: إخوتي لأبي، قال: و لم؟ قال: حسدوني على منزلتي من أبي، قال: أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ؟ قال: نعم، قال: قل: «يا صانع كل مصنوع، و يا جابر كل مكسور، و يا حاضر كل ملأ، و يا شاهد كل نجوى، و يا قريبا غير بعيد، و يا مؤنس كل وحيد، و يا غالبا غير مغلوب، و يا علاّم الغيوب، و يا حيّا لا يموت، و يا مؤنس كلّ وحيد، و يا غالبا غير مغلوب، و يا علاّم الغيوب، و يا حيّا لا يموت، و يا محيي الموتى، لا إله إلا أنت سبحانك. أسألك يا من له الحمد، يا بديع السماوات و الأرض، يا مالك الملك، و يا ذا الجلال و الإكرام، أسألك أن تصلّي على محمد و على آل محمد، و أن تجعل لي من أمري و من ضيقي فرجا و مخرجا، و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب».

فقالها يوسف عليه السّلام فجعل اللّه له من الجب مخرجا، و من كيد إخوته فرجا، و آتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب(1).

و تجمع مصادر العامة على ذكر (الآل) سلام اللّه عليهم في كلّ صلاة جاءت، في: صلاة فريضة أو نافلة، في دعاء أو مناجاة، أو في الصلاة على النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(2).

ص:236


1- قصص الأنبياء، المسمى ب (العرائس): 157.
2- على سبيل المثال يراجع: 1 - صحيح البخاري: 120/6، 2 - التاريخ الكبير: البخاري 351/2، 3 - المستدرك: الحاكم 148/3، 4 - معرفة علوم الحديث: الحاكم 32، 5 - أسباب النزول: الواحدي 271، 6 - تاريخ بغداد: الخطيب البغداديّ 216/6، 7 - حلية الأولياء: أبو نعيم. 8 - الفردوس: ابن شيرويه الديلمي، 9 - معالم التنزيل: البغوي، 10 - مناقب الصحابة: السمعاني،

و فيما احتجّ به الإمام الرضا عليه السّلام على المخالفين في مجلس المأمون من آيات، قال:

«و أما الآية السابعة فقول اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1) ، و قد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول اللّه، قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: تقولون: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

فهل بينكم - معاشر الناس - في هذا خلاف؟ قالوا: لا. فقال المأمون:

هذا ما لا خلاف فيه أصلا، و عليه إجماع الأمة»(2). فلم يكن هنالك أي اعتراض، مع أن الموقف كان موقف مناظرة و احتجاج.

النقطة الثانية: من أدلّة أهل السنة في عدم جواز البتر، حيث رووا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء. قالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال:

تقولون: اللهم صلّ على محمد، و تمسكون، بل قولوا: اللهم صلّ على محمد و على آل محمد»(3).

ص:237


1- سورة الأحزاب: 56/33.
2- عيون أخبار الرضا: 236/1.
3- الصواعق المحرقة: 87.

و الغريب أن نقلة هذه الرواية و أمثالها يعنونون لها بابا يذكرون فيها الصلاة بتراء من غير ذكر الآل، بل يقولون في ذات الرواية التي تنهى عن الصلاة البتراء: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم بلا (و آله) ثم يوردون نهيه عن عدم ذكر آله (صلوات اللّه عليهم) في الصلاة عليه.

النقطة الثالثة: في أدلّة أهل السنّة على وجوب ذكر (الآل) في الصلوات فهي ما ورد من الاعتراف بأنّ الصلاة عليهم صلوات اللّه عليهم أمر مراد في آية الصلوات، ففي ظلّها أورد ابن حجر جملة من الأخبار الواردة فيها أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه حين سئل عن كيفية الصلاة عليه. ثم قال ابن حجر بعد ذلك: و هذا دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته و بقيّة آله مراد في هذه الآية، و إلا لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته و آله عقب نزولها، و لم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دلّ على أن الصلاة على آله (صلوات اللّه عليهم) من جملة المأمور به، و أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه، و منه (أي من تعظيمه) تعظيمهم (أي الآل). و من ثمّ، لمّا دخل من مرّ في الكساء قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اللهم إنّهم مني و أنا منهم، فاجعل صلواتك و رحمتك و مغفرتك و رضوانك عليّ و عليهم».

ثم قال ابن حجر: و قضيّة استجابة هذا الدعاء: أن اللّه صلّى عليهم معه، فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه.

بعد هذا نقل ابن حجر هذين البيتين للشافعي، و هما:

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

ص:238

و علّق عليهما بالقول: فيحتمل، لا صلاة له صحيحة، فيكون موافقا لقوله (أي الشافعي) بوجوب الصلاة على الآل، و يحتمل لا صلاة كاملة، فيوافق أظهر قوليه(1).

أما الفخر الرازي فقد قال - على ما ذكره ابن حجر -(2):

جعل اللّه أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مساويا له في خمسة أشياء:

الأول: في المحبة.

قال اللّه تعالى: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (3) ، و قال لأهل بيته: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (4).

الثاني: في تحريم الصدقة.

قال عليه السّلام: «حرمت الصدقة عليّ و على أهل بيتي».

الثالث: في الطهارة.

قال اللّه تعالى: طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلاّ تَذْكِرَةً (5).

الرابع: في السلام.

(يقال للنبيّ: السلام عليك أيها النبي). و قال في أهل بيته: سَلامٌ عَلى

ص:239


1- الصواعق المحرقة: 87.
2- المصدر السابق نفسه.
3- سورة آل عمران: 31/3.
4- سورة الشورى: 23/42.
5- سورة طه: 1/20-3.

إِلْياسِينَ (1).

الخامس: في الصلاة على الرسول و على الآل.

كما في آخر التشهّد(2).

و نتساءل نحن: أليس من الاتّباع الذي هو مصداق المودّة - إن كنا نحبّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقا - أن نأتي بذكر (آله) لدى الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما علّمنا و أمرنا، و لا نأتي بالصلاة البتراء لأنه عنها نهانا؟!

شبهة فاترة

أما شبهة عدم جواز الصلاة إلاّ على الأنبياء عليهم السّلام فتلك دعوى مردودة، يقول الشهيد الثاني رحمه اللّه: و قد جرت العادة باختصاص الصلاة و السلام بالأنبياء، و ينبغي أن يجعل (أي الكاتب أو المتكلم) للأئمة عليهم السّلام السلام و إن جاز خلاف ذلك كله، بل يجوز الصلاة على كلّ مؤمن، كما دلّ القرآن و الحديث(3) ، كيف؟

قال تعالى: اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (4).

و قال تعالى:.. وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (5).

ص:240


1- هكذا (آل ياسين) لا إل ياسين، كما عند الفخر الرازي و غيره كثير على قراءة و رواية ورش و غيره. و الآية في سورة الصافات: 130/37.
2- أورد هذا القول أيضا الجويني في (فرائد السمطين): 35/1.
3- منية المريد: 347.
4- سورة البقرة: 156/2-157.
5- سورة التوبة: 103/9.

و من الحديث: ما روي في (جامع الفوائد) المطبوع في أوّل (إيضاح الفوائد: 6/1) و (تفسير ابن كثير: 400/2)، و (صحيح مسلم: 757/2)، و (غوالي اللآلي: 39/2، 232)، من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى».

و في (سنن ابن ماجه: 572/1 ح 1796): كان رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) إذا أتاه الرجل بصدقة ماله صلّى عليه. و في (فيض القدير: 88/5 ح 6527): إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صلّ على آل أبي فلان». و في (سنن أبي داود: 88/2 ح 1533): إن امرأة قالت للنبي صلى اللّه عليه (و آله) و سلم: صلّ عليّ و على زوجي، فقال: صلّى اللّه عليك و على زوجك(1).

قال المحدّث الجزائريّ في (الجواهر الغوالي في شرح العوالي): لم يجوّز العامّة الصلاة على آل محمد وحده، مع جواز آحاد المؤمنين و على آل أبي أوفى، و العذر ما قاله الزمخشري: إنه صار شعارا للرافضة، فلا ينبغي التشبّه بهم(2). و قال الشيخ محمد حسن النجفي: حتى جاء عن بعضهم قوله: إن الصلاة على الآل - و إن ثبتت بالنص متضمّنة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - إلا أن الرافضة لما اتخذتها شعارا فنحن نتركه، و الترك أولى(3).

أدلّة الشيعة:

أما أدلّة وجوب إتمام الصلوات عند الشيعة، فهي وافرة، نأخذها من ثلاثة

ص:241


1- كذلك أخرجه أبو داود في الخبر: 1533 من سننه، و رواه الجهضميّ القاضي المالكيّ (199 - 282 ه (في كتابه (فضل الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) 69 ح 77.
2- هامش (غوالي اللآلي: 40/2).
3- جواهر الكلام: 262/10.

أوجه:

الأول: أن الروايات الواردة عن النبي و آله صلوات اللّه عليه و عليهم، سواء في الأحاديث المبيّنة لكيفية الصلوات، أو الكاشفة عن فضائلها، أو نصوص الدعية و الزيارات، إنما جاءت بصورة الصلاة التامة، لا البتراء، حتى إن رجلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام: كيف أقول؟ فقال له: قل: اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد(1).

و الوجه الثاني: ورود النهي عن الصلاة المبتورة، نهيا يستفاد منه الحرمة في حالات عديدة، فقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله: «لا تصلّوا عليّ صلاة مبتورة، بل صلوا على أهل بيتي و لا تقطعوهم، فإن كلّ نسب و سبب يوم القيامة منقطع إلاّ نسبي»(2). و سمع الإمام الباقر عليه السّلام رجلا متعلّقا بالبيت (أي بالكعبة) يقول: اللهم صلّ على محمد، فقال له: لا تبترها، لا تظلمنا حقّنا، قل: اللهم صلّ على محمد و أهل بيته(3).

فالبتر ظلم، و الظلم ينافي المودّة التي أمرنا بها: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (4) ، كما ينافي الاتّباع و التولّي.

الوجه الثالث: النصوص المستفيضة عن المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، في ترتّب العقوبات الدنيوية و الأخروية على باتر الصلاة على النبي

ص:242


1- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 143.
2- رسالة (المحكم و المتشابه) للشريف المرتضى، نقلا عن تفسير النعماني بإسناده إلى الإمام علي عليه السّلام، و كذا وسائل الشيعة: 1222/4.
3- وسائل الشيعة: 302/7 ح 2، الباب 42 من أبواب الذكر.
4- سورة الشورى: 23/42.

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و في المقابل ترتّب الفضائل و الحسنات الدنيوية و الأخروية على المتمّ لصلاته على المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لنتأمّل في شيء من الأحاديث الشريفة:

عن رسول اللّه الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلّى عليّ و على أهل بيتي»(1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «أخبرني (أي جبرئيل عليه السّلام) أن الرجل من أمتي إذا صلّى عليّ و أتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء، و صلّت عليه الملائكة في سبعين صلاة و إن كان مذنبا خطّاء، ثم تتحاتّ عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لبّيك عبدي و سعديك، و يقول اللّه لملائكته: يا ملائكتي، أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة و أنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة. و إذا صلّى عليّ و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السماء سبعون حجابا، و يقول اللّه جلّ جلاله: لا لبّيك و لا سعديك. يا ملائكتي، لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيّي عترته. فلا يزال الدعاء محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي»(2).

و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حديث طويل، قال: من ذكرت عنده فصلّى عليّ فلم يغفر له، فأبعده اللّه. قيل: يا رسول اللّه، كيف يصلّي عليك و لا يغفر له؟! قال: إن العبد إذا صلّى عليّ و لم يصلّ على آلي تلك الصلاة، فضرب بها

ص:243


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: الرازي 293، بإسناده عن أبي ذر رحمه اللّه، و روى العامة قريبا منه: أخرج الديلميّ في مسند (الفردوس) عن أنس، و الطبرانيّ في (الأوسط)، و البيهقيّ في (شعب الإيمان) عن علي عليه السّلام مرفوعا (و رفعه بعض الرواة): «كلّ دعاء محجوب حتى يصلّي على محمد و آل محمد» يراجع كتيب (صلّوا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: مبشر الطرازي الحسيني 53 ح 6 ط. القاهرة).
2- أمالي الصدوق: 464 ح 18.

وجهه، و إذا صلّى عليّ و على آلي غفر له»(1).

كذا جاء عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله: «من قال: صلّى اللّه على محمد، و لم يصلّ على آله، لم يجد ريح الجنّة، و ريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام»(2).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذلك: «من أراد التوسّل إليّ، و أن تكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصلّ على أهل بيتي، و يدخل السرور عليهم»(3). اللهم صلّ على محمد و أهل بيته الأبرار.

و في تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام: إن أشرف أعمال المؤمنين في مراتبهم التي رتّبوا فيها من الثرى إلى العرش: الصلاة على محمد و آله الطيبين صلى اللّه عليهم، و استدعاء رحمة اللّه و رضوانه لشيعتهم المتقين، و اللعن للمتابعين لأعدائهم المجاهرين المنافقين(4).

تناقض و تعارض

كم روى العامة صلوات تامة مشفوعة بالفضائل، ثم خالفوها لفظا و عملا!

من ذلك: في (الأدب المفرد للبخاري: 93) بسنده عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من قال: اللهم صلّ على محمد و على آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم. و بارك على محمد و على آل محمد، كما باركت على إبراهيم

ص:244


1- فضائل الأشهر الثلاثة: الشيخ الصدوق 53 ح 31.
2- أمالي الصدوق: 310 ح 7.
3- وسائل الشيعة: 203/7 ح 5 الباب 42 من أبواب الذكر، عن مجالس الطوسيّ. و مرآة العقول: الشيخ المجلسيّ 96/12.
4- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 271.

و على آل إبراهيم. و ترحّم على محمد و آل محمد، كما ترحمت على إبراهيم و على آل إبراهيم.. شهدت له يوم القيامة بالشهادة، و شفعت له».

و يقرب منه في (فتح الباري في شرح البخاري: ابن حجر 11/13)، و مع كل ذلك نراهم يبترون الصلاة و كأنهم لا يرغبون في شفاعة المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم!

و مع أنهم يرون من معاني التسليم في الأمر الإلهي: وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً هو التسليم لأمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد أمر بالصلاة على آله و أهل بيته صلوات اللّه عليهم في عشرات من أحاديثه.. نراهم يأتون بها بتراء و هم يقرؤون قوله تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (1).

و قد أمر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصلاة تامة، و أتانا بها تامة غير منقوصة و لا مبتورة، بل نهى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الصلاة البتراء، حتى جاء عن ابن حجر أنه روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم النهي عن الصلاة البتراء، أي المتروك فيها ذكر الآل(2) ، و حتى رووا هم أنفسهم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«إذا أردتم الصلاة عليّ فقولوا: اللهم صلّ على محمد و على آل محمد»(3).

أفلا يكون التعصّب و العناد مؤدّيين إلى إيذاء الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد قال تعالى بعد آية الصلوات مباشرة: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي

ص:245


1- سورة الحشر: 7/59.
2- يراجع: الصواعق المحرقة 87.
3- رواية اشتهرت عندهم: يراجع: فضائل الخمسة من الصحاح الستة: السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي 269/1.

اَلدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (1) ؟!

ألا يخشى أصحاب البتر أن يكونوا ممن آذوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقطع الصلاة عن آله، صلوات اللّه عليه و على آله، و هو القائل لوصيّه و ابن عمّه عن علي عليه السّلام و قد أخذ بشعره:

«من آذى شعرة منك فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه، و من آذى اللّه فعليه لعنة اللّه»؟!

و قد قال تعالى بعد لعنه لمن آذى اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و توعّده بأن أعدّ لهم عذابا أليما: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (2).

بينما الصلاة على الآل الكرام صلوات اللّه تعالى عليهم شرف يكسبه المسلم. و هي دعاء مبارك لمن أحبّوا اللّه و رسوله، و أحبّهم اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

يقول الفخر الرازي: إن الدعاء للآل منصب عظيم، و لذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة.

و قوله: اللهم صلّ على محمد و على آل محمد، و ارحم محمدا و آله..

هذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدلّ على أن حبّ آل محمد واجب(3).

ص:246


1- سورة الأحزاب: 57/33.
2- سورة الأحزاب: 58/33.
3- التفسير الكبير: 391/7.

أسباب ترك الصلوات و نتائج ذلك

اشارة

بعد أن عرفنا شيئا من فضائل الصلوات، و ما ورد فيها من التأكيدات في الكتاب العزيز و السنّة المطهّرة.. ربما يتساءل أحدنا: لماذا إذن يتركها أناس أو لا يعبؤون بها؟ و قد يجاب: ربّما لا يعدو هؤلاء أن يكونوا أحد ثلاثة:

1 - إما غافل عن فضائل الصلوات و شرفها، جاهل بعوائدها، ثم هو لم يكلّف نفسه التعرّف عليها و على جلالها عند اللّه تبارك و تعالى. و مثل هذا ملام معاتب مدعوّ إلى استدراك أمره، و الامتثال للأدب الإلهي الذي دعا اللّه إليه المؤمنين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1).. سأل معاوية بن أبي سفيان يوما أمد بن لبد المعمّر: فهل رأيت محمدا؟ قال: من محمد؟! قال معاوية: رسول اللّه. قال أمد: ويحك! أفلا فخّمته كما فخّمه اللّه فقلت:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(2).

و ربما لم يكن معاوية غافلا، و إنما كان متغافلا، و مع هذا فمن ادّعى الإسلام وبّخ على ترك تعظيم النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

2 - و إما أن يكون ممن قد جرت العادة عندهم في أحاديثهم و مجالسهم بترك الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فألف - مرشدا كان أو معلّما أو خطيبا - أن

ص:247


1- سورة الأحزاب: 56/33.
2- كنز الفوائد: الكراجكي 260.

يذكر الأسماء الشريفة بلا تفخيم و لا تقديس. و هذا الأمر يتطلّب محاسبة النفس و تنبيه الآخرين و الدعوة إلى التربية الصحيحة في أدب الحديث لمن آمن بالنبوّة و الإمامة، و كان من أهل الولاية و مودّة ذوي القربى صلوات اللّه عليهم.

فإن ترك الصلاة ينمّ عن ضعف المحبّة و قلة الاهتمام بالنبي و آله سلام اللّه تعالى عليهم.

3 - و إما أن يكون التارك للصلاة مبغضا مستعليا - و العياذ باللّه - ناكرا للنبوة و الإمامة، مكذّبا بهما، أو مشكّكا منحرفا عن الدين، فذاك يكون معه حديث آخر، و ربما ناله الإسلام بعقابه كما كان حال عبد اللّه بن الزبير، فقد خطب أربعين يوما لا يصلّي فيها على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال:

لا يمنعني أن أصلّي عليه إلا أن تشمخ رجال بآنافها!(1) و كأن هذا مثل أثر عن معاوية، فحين استقرّ ملكه في الشام مكث أربعين جمعة يصلّي بالناس و يخطب فيهم دون أن يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال: لا يمنعني عن ذكره إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها(2).

و إنما دعي إلى الصلاة المؤمنون، فلم يقل عزّ من قائل: يا أيها الذين كفروا، و لا يا أيها الناس، بل قال جل و علا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (3).

و الآن.. ما حال التارك للصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

ص:248


1- مروج الذهب: المسعودي 79/3.
2- النصائح الكافية: السيد محمد بن عقيل العلوي 97.
3- سورة الأحزاب: 56/33.

أولا: مرّ علينا ما للصلاة من فضائل و نعم و بركات، و خيرات و رحمات، و دفع للشرور و النكبات، و من شرف يناله المصلّي يغبط عليه، فيكفي ما رواه العامة من أن النبي المكرّم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«أتاني جبرئيل ببشارة من ربي فقال: إن اللّه عز و جل بعثني إليك أبشّرك أنه ليس أحد من أمتك تصلّي عليك صلاة إلاّ صلّى اللّه و ملائكته عليه بها عشرا»(1).

فالمحروم منها محروم من شرف الدنيا و الآخرة، و سعادتهما و عزّتهما و عافيتهما، و إنما يحرم المرء نفسه فيكون ظالما لها.

ثانيا: التارك للصلاة على الحبيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنادا، مطبوع عليه بصفات المنقصة و الرذيلة و الضعة. تعالوا نستنطق لسان الروايات لتخبرنا عمّن صدّ عن أحبّ الخلق إلى اللّه و أعزّهم عليه، محمد و آله صلوات ربنا عليه و عليهم: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ»(2).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «البخيل كلّ البخيل الذي إذا ذكرت بين يديه لم يصلّ عليّ»(3).

و من نتائج ذلك:

ص:249


1- كنز العمال: 500/1 ح 2209، و قريب منه ذكره الجهضمي القاضي المالكي في (فضل الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: 22 ح 2).
2- معاني الأخبار: 246، و أورد قريبا منه الجهضمي المالكي في (فضل الصلاة.. 39 ح 31، 32، 37).
3- لآلئ الأخبار: التويسركانيّ 438/3.

1 - عدم معرفة طريق الجنة:

عن جعفر بن محمد عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من نسي الصلاة عليه أخطأ طريق الجنة»(1). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطّئ به طريق الجنة»(2). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من صلّى عليّ و لم يصلّ على آلي لم يجد ريح الجنة و إن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام»(3).

2 - دخول جهنم:

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللّه عز و جل»(4).

3 - الحرمان من الرحمة الإلهية:

عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «من ذكرني فلم يصلّ عليّ فقد شقي، و من أدرك رمضان لم تصبه الرحمة فقد شقي، و من أدرك أبواه أو أحدهما فلم يبر فقد شقي»(5).

4 - الحسرة يوم القيامة:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما اجتمع قوم ثم تفرّقوا عن غير ذكر اللّه و صلاة على النبي إلا كان عليهم حسرة و وبال»(6).

ص:250


1- بحار الأنوار: 53/94 ح 20.
2- ثواب الأعمال: 187.
3- أمالي الصدوق: 120.
4- أمالي الصدوق: 346.
5- جامع الأخبار: 69.
6- عدة الداعي: 259.

5 - حياة نتنة:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر اللّه و صلاة على النبي إلاّ قاموا عن أنتن جيفة».

6 - العقوبة في الدنيا:

كان أحد الرواة، ينقل و يكتب الأحاديث الواردة عن النبي الأكرم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام، فكان عندما يمرّ على اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يصلي عليه، و يكتب اسمه بصورة عادية، دون أن يكتب الصلوات أمام اسمه المقدس، و هو نوع من الجفاء و عدم الاحترام الواضع لساحته المقدسة، لم يستمر الأمر كثيرا مع الرجل، سرعان ما أصيب بمرض في إصبعه الذي كان يكتب به، ثم انتقل المرض إلى سائر أصابع يده، فاضطرّ الأطباء قطع جميع أصابع يده لكي لا ينتقل المرض إلى سائر بدنه(1). إنه جزاء قلّة الأدب.

نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا إلى ذكر الصلوات و آدابها و أن يرزقنا خير الدنيا و الآخرة بجاه محمد و عترة الطاهرين إنه سميع مجيب.

و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطاهرين المعصومين. و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.

ص:251


1- شرح فضائل الصلوات: 61.

ص:252

المصادر

1 - القرآن الكريم

2 - إرشاد القلوب: الديلمي.

3 - أصول الكافي: الكليني.

4 - إكمال الدين و إتمام النعمة للصدوق.

5 - الأمالي للصدوق.

6 - الأمالي للطوسي.

7 - الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان: ابن طاووس.

8 - الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: السيد عبد اللّه شبّر.

9 - بحار الأنوار: العلامة المجلسي.

10 - بركات و آثار الصلاة.

11 - بصائر الدرجات: ابن فروخ الصفار.

12 - تاريخ الطبري.

13 - تأويل الآيات الطاهرة.

ص:253

14 - الترغيب.

15 - تفسير البرهان: السيد هاشم البحراني.

16 - تفسير الفرقان: الدكتور محمد الصادقي.

17 - تفسير القمي.

18 - التفسير الكبير: الفخر الرازي.

19 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام.

20 - تفسير الميزان: العلامة الطباطبائي رحمه اللّه.

21 - تفسير نور الثقلين: الحويزي.

22 - التوحيد للصدوق

23 - ثواب الأعمال: الصدوق.

24 - جامع الأخبار للشعيري

25 - جلاء الأفهام في الصلاة و السلام على خير الأنام.

26 - جمال الأسبوع: ابن طاووس الحلي.

27 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن.

28 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: محمد حسن النجفي.

29 - ختم الصلوات: أمير حسين خادمي آملي.

30 - ختوم و أذكار محمد تقي المقدّم.

31 - الخرائج و الجرائح للراوندي.

ص:254

32 - خزينة الجواهر و لمعات الأنوار: آية اللّه الشيخ علي أكبر النهاوندي.

33 - الخصال: الشيخ الصدوق.

34 - دار السلام للميرزا حسين النوري.

35 - داستانهاى جالب (القصص الجميلة): محمدي اشتهاردي.

36 - الدر المنثور للسيوطي.

37 - دروس من أسرار الصلاة: للشيخ عبد الكريم العقيلي.

38 - الدعوات للراوندي.

39 - ديوان الشافعي.

40 - رسائل الشهيد الثاني.

41 - رسالة المحكم و المتشابه: للشريف المرتضى.

42 - رسالة في فضل الصلاة على النبي و آله عليهم السّلام: السيد أحمد بن محمد الحسيني الأردكاني.

43 - رسالة في فضل الصلوات على النبي و آله عليهم السّلام: الميرزا نجم الدين جعفر بن محمد الطهراني.

44 - روضات الجنان.

45 - روضة المتقين: محمد تقي المجلسي.

46 - زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة: السيّد عليّ الموحّد الأبطحي.

47 - سنن ابن ماجة.

ص:255

48 - سنن الدارقطني.

49 - السيرة الحلبية.

50 - شرح و فضائل الصلوات: أحمد بن محمد الحسيني الأردكاني.

51 - شرف الذاكرين: جعفر البياتي.

52 - شعب الإيمان.

53 - صحيح البخاري.

54 - صحيح مسلم.

55 - الصحيفة السجادية.

56 - الصلاة على الرسول المصطفى و آله: باسم الحلي.

57 - الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لطف خفي: الشيخ حسين النصراوي.

58 - صلّوا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: مبشر الطرازي الحسيني.

59 - الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي.

60 - عدّة الداعي: ابن فهد الحلّي.

61 - العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي.

62 - علل الشرائع للشيخ الصدوق.

63 - عوالم العلوم، كتاب فاطمة عليها السّلام للبحراني.

64 - عوالي اللآلي العزيزية للشيخ الإحسائي.

65 - عيون أخبار الرضا عليه السّلام: الشيخ الصدوق.

ص:256

66 - فرائد السمطين للحمويني.

67 - الفرائد الطريفة.

68 - فضائل الأشهر الثلاثة: الشيخ الصدوق.

69 - فضائل و آثار الصلوات.

70 - فضيلة الصلوات.

71 - فوائد الصلوات: ملا عباس الحسيني.

72 - فيض القدير.

73 - فيض القدير: المناوي.

74 - قصص الأنبياء: الراوندي.

75 - قصص من الصلوات: الشيخ علي مير خلف زاده.

76 - القطرة من بحار مناقب النبي و العترة عليهم السّلام: السيد أحمد المستنبط.

77 - القول السديد في شرح التجريد.

78 - الكافي للكليني.

79 - كرامات الأبرار.

80 - الكشاف: الزمخشري.

81 - كنز العمال للمتقي الهندي.

82 - كنز الفوائد: الكراجكي.

83 - اللئالئ المضيّة في الصلاة على خير البريّة: القاضي عبد اللّه بن محيي

ص:257

الدين العراسي.

84 - لآلئ الأخبار محمد نبي التويسركاني.

85 - مجمع البيان للطبرسي.

86 - مجمع الزوائد: الهيثمي.

87 - المدخل: ابن الحاج.

88 - مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني.

89 - مرآة العقول للمجلسي.

90 - مروج الذهب: المسعودي.

91 - مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري.

92 - مستدرك سفينة البحار للشيخ علي نمازي.

93 - المستدرك على الصحيحين: الحاكم.

94 - مستند الشيعة للبروجردي.

95 - مسند أحمد بن حنبل.

96 - مصباح المتهجد للطوسي.

97 - معاني الأخبار للصدوق.

98 - معاني الأخبار: الصدوق.

99 - المعجم الوسيط.

100 - مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي.

ص:258

101 - المفردات للراغب الأصفهاني.

102 - مكارم الأخلاق: رضي الدين الطبرسي.

103 - من لا يحضره الفقيه: للشيخ الصدوق.

104 - منية المريد للشهيد الثاني.

105 - مهج الدعوات: ابن طاووس.

106 - ميزان الحكمة للريشهري.

107 - النصائح الكافية: السيد محمد بن عقيل العلوي.

108 - نهج البلاغة: جمع الشريف الرضي.

109 - وسائل الشيعة للحر العاملي.

ص:259

ص:260

الفهرس

الإهداء 5

الصلوات الشعبانية 7

المقدمة 9

في معنى الصلاة و التسليم 11

معنى الصلاة على النبيّ و آله و أسرارها 16

أولا: الصلاة من قبل اللّه تعالى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: 16

ثانيا: صلاة الملائكة على النبيّ: 19

ثالثا: الصلاة المخصوصة بالمؤمنين: 20

أهمية الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 27

فلسفة الصلاة على محمد و آله 45

فوائد الصلاة في الحياة الدنيا 59

1 - التخلّق بأخلاق اللّه عزّ و جل و الملائكة و سائر المخلوقات: 59

السرّ الأول: 60

السرّ الثاني: 61

ص:261

حلاوة العسل 64

2 - إطاعة اللّه عز و جل و الامتثال لأمره: 65

3 - تجدد العهد و الميثاق مع اللّه تبارك و تعالى: 71

سفير الروم 72

من أسرار الصلوات 75

4 - الحصول على الصلوات الإلهية المضاعفة: 81

5 - التشبّه بعمل الملائكة: 83

التسبيح و الصلاة 84

6 - في بكاء الطفل: 85

7 - الحصول على صلوات الملائكة و استغفارهم: 89

8 - التقرّب إلى اللّه عزّ و جل: 90

النية الصادقة 90

9 - الحصول على رضى اللّه عزّ و جل: 91

فضل الكندي 92

10 - التقرّب من النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: 92

كتابة الصلوات 93

المبالغة في الصلوات 93

11 - الحصول على الشفاعة: 94

سرور النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 99

كرامة لأبي الفضل عليه السّلام 100

12 - الحصول على رضى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: 102

القصة العجيبة 103

13 - رؤية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عالم المنام: 104

ص:262

قبلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 104

الرجل الوقور 105

14 - الحصول على أجر و ثواب ذكر اللّه سبحانه و تعالى: 105

قطرات المطر 105

صلاة الملائكة 107

15 - أفضل أنواع الذكر: 107

طبق النبق 107

أقلام الذهب 108

16 - غفران الذنوب: 108

تصفية الذنوب 109

الشاب الجميل 110

17 - الاستجابة لأمر اللّه عز و جل بالدعاء: 112

18 - كفاية الأمور: 113

19 - استجابة الدعاء: 113

بنت العم 115

20 - دفع النفاق: 123

21 - الشفاء و العافية: 123

وجع العين 123

دواء السرطان 123

طلب الشفاء 124

معجزة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 125

22 - تسهيل الأمور: 126

نجاة بني إسرائيل 126

ص:263

23 - نزول الرحمة الإلهية: 127

الهمة العالية 128

أمواج البحر 131

المرأة المؤمنة 132

24 - التوفيق للأمور المعنوية: 133

25 - طيب المجلس: 133

الفم المعطر 133

عطر المسجد 134

26 - اجتناب الغيبة: 135

إلياس و الخضر عليهما السّلام 135

27 - سعة الرزق و الغنى: 136

مهر الزواج 136

الرجل الفقير 136

السبيل إلى الرزق الكثير 138

28 - تذهب بالنفاق 147

نظرية الثواب الأعلى و الأدنى: 148

النفاق بين الصلاة و التاريخ: 154

آلية الصلاة في فضح النفاق: 159

29 - اهتمام الملائكة بها و خصوصا الجمعة 163

30 - الصلاة على محمد و آله وسيلة للأنبياء 169

31 - استحباب إكثار الصلاة في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: 174

فرق الثواب بين الصلاة على الآل و الأهل: 175

32 - تذكر المنسي: 185

ص:264

33 - حسن العاقبة و علو المنزلة: 186

الشعرات الثلاث 188

34 - النجاة من الأعداء: 190

قطّاع الطرق 196

35 - العثور على المفقود: 197

الخاتم اليماني 197

36 - الابتعاد عن البخل: 198

37 - أداء الدين: 198

38 - قضاء الحوائج: 199

39 - الحفظ من الأذى: 200

الرجل و السمكة 200

40 - ذكر سريع الاستجابة: 201

41 - حفظ الأهل و الأموال: 202

المجتمع المصري 202

الرجل الشامي 203

42 - دفع الخطر: 204

الرؤيا الصادقة 204

43 - تعادل الصدقة: 205

44 - الحصول على أمنية القلب: 205

الأم الطاهرة 205

اخضرّت الشجرة ببركة الصلوات 206

45 - رفع الأذى: 207

بكاء الطفل 207

ص:265

46 - مسايرة النبي و الأئمة عليهم السّلام بالذكر: 208

الرعاية النبوية 208

47 - النجاة من التهمة: 209

المتهم البريء 209

48 - قبول الصلاة اليومية: 210

49 - تنوّر القلب و المكان: 213

البيت المنير 213

أوقات استحباب الصلوات 215

الفوائد الأخروية للصلوات 221

1 - الشفاعة: 221

الشيخ شبلي 221

2 - سبب رفع عذاب القبر: 222

البنت المعذّبة 223

3 - ثقل الميزان: 223

وزن الصلوات 224

4 - الخلاص من جهنّم: 224

5 - معرفة طريق الجنة: 225

6 - سهولة النزع: 225

السعادة الدائمة 225

7 - الأمان من الحسرة في الآخرة: 226

8 - القرب من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: 226

التلقين في القبر 227

9 - التكريم الكبير: 227

ص:266

10 - نور في القبر: 228

الصلاة البتراء 229

أدلّة أهل السنة: 234

شبهة فاترة 240

أدلّة الشيعة: 241

تناقض و تعارض 244

أسباب ترك الصلوات و نتائج ذلك 247

1 - عدم معرفة طريق الجنة: 250

2 - دخول جهنم: 250

3 - الحرمان من الرحمة الإلهية: 250

4 - الحسرة يوم القيامة: 250

5 - حياة نتنة: 251

6 - العقوبة في الدنيا: 251

المصادر 253

الفهرس 261

ص:267

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.