سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه .خطبه همام .شرح
عنوان و نام پديدآور:کلام الامام امیرالمومنین فی اوصاف المتقین: شرح خطبة الهمام/ السیدمحمدکاظم الموسوی آل طیب.
مشخصات نشر:قم: دارالتفسیر، 1442 ق.= 1400.
مشخصات ظاهری:226 ص.
شابک:978-964-535-717-5
وضعیت فهرست نویسی:فاپا
يادداشت:عربی.
یادداشت:کتابنامه: ص. [208] - 219؛ همچنین به صورت زیرنویس.
عنوان دیگر:شرح خطبةالهمام.
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. خطبه همام -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah. Khutbah Homam -- Criticism and interpretation
موضوع:تقوا
موضوع:Piety
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. خطبه همام. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah. Khutbah Homam. Commentarie
رده بندی کنگره:BP38/023
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:7564000
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
إلى عمود الدين ومولى الموحّدين وسيّد الوصيّين وإمام المتّقين وصالح المؤمنين وحياة العارفين ومحيي الليل البهيم بالتهجّد والاكتياب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه أفضل صلوات المصلّين
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحیم
* و من خطبة له عليه السلام يصف فيها المتقين:
رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلاً عَابِداً فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتَثَاقَلَ عليه السلام عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ قَالَ عليه السلام:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَ مَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاءِ
ص: 7
كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ وَ لَوْ لا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نَصْبُ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ يَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ وَ لا
ص: 8
يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَ حَزْماً فِي لِينٍ وَ إِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَ حِرْصاً فِي عِلْمٍ وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ وَ قَصْداً فِي غِنىً وَ خُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَ تَجَمُّلاً فِي فَاقَةٍ وَ صَبْراً فِي شِدَّةٍ وَ طَلَباً فِي حَلالٍ وَ نَشَاطاً فِي هُدىً وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ وَ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّكْرُ يَبِيتُ حَذِراً وَ يُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ ، قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لا يَزُولُ وَ زَهَادَتُهُ فِيمَا لا يَبْقَى يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلاً زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ سَهْلاً أَمْرُهُ حَرِيزاً دِينُهُ مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُوماً غَيْظُهُ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَ إِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ يُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِيداً فُحْشُهُ لَيِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ مُقْبِلاً خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ
ص: 9
فِي الزَّلازِلِ وَقُورٌ وَ فِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ وَ لا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَ لا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَ لا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَ لا يُضَارُّ بِالْجَارِ وَ لا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَ لا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَ لا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ وَ إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَ رَحْمَةٌ لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ وَ لا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَ خَدِيعَةٍ
قَالَ: فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام:
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عليه السلام: وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لا يَعْدُوهُ وَ سَبَباً لا يَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلاً لا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ(1).
ص: 10
عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يَعْنِي يَحْيَى ابْن أُمِّ الطَّوِيلِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ: عُرِضَتْ لِي إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام حَاجَةٌ فَاسْتَبْعَثْتُ إِلَيْهِ جُنْدَبَ بْنَ زُهَيْرٍ وَالرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ وَابْنَ أخْيهِ هَمَّامَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ خُثَيْمٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرَانِسِ فَأَقْبَلْنَا مُعْتَمِدِينَ لِقَاءَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَلْفَيْنَاهُ حِينَ خَرَجَ يَؤُمُّ الْمَسْجِدَ فَأَفْضَى وَ نَحْنُ مَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مُتَدَّينِينَ قَدْ أَفَاضُوا فِي الْأُحْدُوثَاتِ تَفَكُّهاً وَبَعْضُهُمْ يُلْهِي بَعْضاً فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُمْ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَسْرَعُوا إِلَيْهِ قِيَاماً فَسَلَّمُوا وَرَدَّ التَّحِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: أُنَاسٌ مِنْ شِيعَتِكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُمْ: حباً، ثُمَّ قَالَ: يَا هَؤُلاءِ مَا لِي لا أَرَى فِيكُمْ شِيمَةَ شِيعَتِنَا وَحِلْيَةَ أَحِبَّتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ حَيَاءً.
قَالَ نَوْفٌ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ جُنْدَبٌ وَالرَّبِيعُ فَقَالا مَا سِمَةُ شِيعَتِكُمْ وَصِفَتُهُمْ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ؟ فَتَثَاقَلَ عَنْ جَوَابِهِمَا فَقَالَ: اتَّقِيَا اللَّهَ أَيُّهَا الرَّجُلانِ وَأَحْسِنَا «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ».
فَقَالَ هَمَّامُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ عَابِداً مُجْتَهِداً: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَكْرَمَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَخَصَّكُمْ وَحَبَاكُمْ وَفَضَّلَكُمْ تَفْضِيلاً إِلّا أَنْبَأْتَنَا بِصِفَةِ شِيعَتِكُمْ، فَقَالَ: لا تُقْسِمْ فَسَأُنَبِّئُكُمْ جَمِيعاً.
وَ أَخَذَ بِيَدِ هَمَّامٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَسَبَّحَ رَكْعَتَيْنِ وأَوْجَزَهُمَا وَأَكْمَلَهُمَا ثُمَّ
ص: 11
جَلَسَ وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَحَفَّ الْقَوْمُ بِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ شَأنُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ خَلَقَ خَلْقَهُ فَأَلْزَمَهُمْ عِبَادَتَهُ وَكَلَّفَهُمْ طَاعَتَهُ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَوَضَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ وَضَعَهُمْ وَوَصَفَهُمْ فِي الدِّين بِحَيْث وَصَفَهُمْ وَهُوَ فِي ذَلِكَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ وَلا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ مِنْهُمْ لَكِنَّهُ عَلِمَ تَعَالَى قُصُورَهُمْ عَمَّا يَصْلُحُ عَلَيْهِ شُئُونُهُمْ وَيَسْتَقِيمُ به أَوْدَهُمْ وهم فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ فَأَدَّبَهُمْ بِإِذْنِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَأَمَرَهُمْ تَخْيِيراً وَكَلَّفَهُمْ يَسِيراً وَ أَمَازَ سُبْحَانَهُ بِعَدْلِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بَيْنَ الْمُوجِفِ مِنْ أَنَامِهِ إِلَى مَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَبَيْنَ الْمُبْطِئِ عَنْهَا وَالْمُسْتَظْهِرِ عَلَى نِعْمَتِهِ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ»(1).
ثُمَّ وَضَعَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ هَمَّامِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ:
أَلا مَنْ سَأَلَ مَنْ شِيعَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ فِي كِتَابِهِ مَعَ نَبِيِّهِ تَطْهِيراً فَهُمُ الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ الْعَامِلُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ أَهْلُ الْفَضَائِلِ وَ الْفَوَاضِلِ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقْتِصَادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، وَبَخَعُوا للَّهِ ِ بِطَاعَتِهِ، وَخَضَعُوا لَهُ بِعِبَادَتِهِ، فَمَضَوْا غَاضِّينَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَاقِفِينَ أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ بِدِينِهِمْ، نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاءِ، كَالَّذِين نَزَلَتْ مِنْهُمْ فِي الرَّخَاءِ، رَضِيَ عَنِ اللَّهِ بِالْقَضَاءِ فَلَوْ لا الآْجَالُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ
ص: 12
لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَالثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ رَآهَا فَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهَا مُتَّكِئُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ دَخَلَهَا فَهُمْ فِيهَا يُعَذَّبُونَ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، وَمَعْرِفَتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ عَظِيمَةٌ، صَبَرُوا أَيَّاماً قَلِيلَةً فَأَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةٌ طَوِيلَةٌ وَتِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبٌّ كَرِيمٌ، أُنَاسٌ أَكْيَاسٌ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَطَلِبَتْهُمْ فَأَعْجَزُوهَا.
أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالُونَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلاً يَعِظُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَمْثَالِهِ وَيَسْتَشْفُونَ لِدَائِهِمْ بِدَوَائِهِ تَارَةً وَتَارَةً يَفْتَرِشُونَ جِبَاهَهُمْ وَأَكُفَّهُمْ وَرُكَبَهُمْ وَأَطْرَافَ أَقْدَامِهِمْ تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ يُمَجِّدُونَ جَبَّاراً عَظِيماً وَيَجْأَرُونَ إِلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ هَذَا لَيْلُهُمْ.
فَأَمَّا نَّهَارَهم فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ بَرَاهُمْ خَوْفُ بَارِئِهِمْ فَهُمْ أَمْثَالُ الْقِدَاحِ يَحْسَبُهُمُ النَّاظِرُ إِلَيْهِمْ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ قَدْ خُولِطُوا وَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ مِنْ عَظَمَةِ رَبِّهِمْ وَشِدَّةِ سُلْطَانِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ طَاشَتْ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَذَهَلَتْ مِنْهُ عُقُولُهُمْ فَإِذَا اسْتَقَامُوا مِنْ ذَلِكَ بَادَرُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ لا يَرْضَوْنَ لَهُ بِالْقَلِيلِ وَلا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْجَزِيلَ فَهُمْ مِنْهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِنْ ذُكِّرَ أَحَدُهُمْ خَافَ مِمَّا يَقُولُونَ وَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ فَإِنَّكَ عَلّامُ الْغُيُوبِ وَسَاتِرُ الْعُيُوبِ هَذَا وَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنْ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَحَزْماً فِي لِينٍ وَإِيمَاناً فِي
ص: 13
يَقِينٍ وَحِرْصاً عَلَى عِلْمٍ وَفَهْماً فِي فِقْهٍ وَعِلْماً فِي حِلْمٍ وَكَيْساً فِي رِفْقٍ وَقَصْداً فِي غِنىً وَتَحَمُّلاً فِي فَاقَةٍ وَصَبْراً فِي شِدَّةٍ وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَرَحْمَةً لِلْمَجْهُودِ وَإِعْطَاءً فِي حَقٍّ وَرِفْقاً فِي كَسْبٍ وَطَلَباً فِي حَلالٍ وَتَعَفُّفاً فِي طَمَعٍ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ طَبَعٍ أَيْ دَنَسٍ وَنَشَاطاً فِي هُدىً وَاعْتِصَاماً فِي شَهْوَةٍ وَبِرّاً فِي اسْتِقَامَةٍ.
لا يَغُرُّهُ مَا جَهِلَهُ وَلا يَدَعُ إِحْصَاءَ مَا عَمِلَهُ يَسْتَبْطِئُ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ عَلَى وَجَلٍ يُصْبِحُ وَشُغُلُهُ الذِّكْرُ وَيُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ يَبِيتُ حَذَراً مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَيُصْبِحُ فَرَحاً لِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا إِلَيْهِ تَشْرَهُ رَغْبَةً فِيمَا يَبْقَى وَزَهَادَةً فِيمَا يَفْنَى.
قَدْ قَرَنَ الْعَمَلَ بِالْعِلْمِ وَالْعِلْمَ بِالْحِلْمِ يَظَلُّ دَائِماً نَشَاطُهُ بَعِيداً، كَسَلُهُ قَرِيباً، أَمَلُهُ قَلِيلاً، زَلَلُهُ مُتَوَقِّعاً أَجَلَهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ ذَاكِراً رَبَّهُ، قَانِعَةً نَفْسُهُ، عَازِباً جَهْلَهُ، مُحْرِزاً دِينَهُ، مَيِّتاً دَاؤُهُ، كَاظِماً غَيْظَهُ، صَافِياً خُلُقُهُ، آمِناً مِنْهُ جَارُهُ، سَهْلاً أَمْرُهُ، مَعْدُوماً كِبْرُهُ، ثَبْتاً صَبْرُهُ، كَثِيراً ذِكْرُهُ، لا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ رِيَاءً وَمَا يَتْرُكُهُ حَيَاءً.
الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ، إِنْ كَانَ بَيْنَ الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ، قَرِيبٌ مَعْرُوفُهُ، صَادِقٌ قَوْلُهُ، حَسَنٌ فِعْلُهُ، مُقْبِلٌ خَيْرُهُ، مُدْبِرٌ شَرُّهُ، غَائِبٌ مَكْرُهُ، فِي الزَّلازِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ، لا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ، وَلا يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَلا يَجْحَدُ مَا
ص: 14
عَلَيْهِ، يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ، لا يُضِيعُ مَا اسْتَحْفَظَهُ، وَلا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ، لا يَبْغِي عَلَى أَحَدٍ، وَلا يَغْلِبُهُ الْحَسَدُ، وَلا يُضَارُّ بِالْجَارِ، وَلا يَشْمَتُ بِالْمُصَابِ، مُؤَدٍّ لِلْأَمَانَاتِ، عَامِلٌ بِالطَّاعَاتِ، سَرِيعٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ، بَطِي ءٌ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ، يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَجْتَنِبُهُ، لا يَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ بِجَهْلٍ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ بِعَجْزٍ، إِنْ صَمَتَ لَمْ يُعْيِهِ الصَّمْتُ، وَإِنْ نَطَقَ لَمْ يُعْيِهِ اللَّفْظُ، وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ بِهِ صَوْتُهُ، قَانِعٌ بِالَّذِي قُدِّرَ لَهُ، لا يَجْمَحُ بِهِ الْغَيْظُ، وَلا يَغْلِبُهُ الْهَوَى، وَلا يَقْهَرُهُ الشُّحُّ، يُخَالِطُ النَّاسَ بِعِلْمٍ، وَيُفَارِقُهُمْ بِسِلْمٍ، يَتَكَلَّمُ لِيَغْنَمَ، وَيَسْأَلُ لِيَفْهَمَ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَتْعَبَهَا لِاخوَتِهِ، إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ لِيَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْتَصِرَ، يَقْتَدِي بِمَنْ سَلَفَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ قَبْلَهُ، فَهُوَ قُدْوَةٌ لِمَنْ خَلَفَ، مِنْ طَالِبِ الْبِرِّ بَعْدَهُ أُولَئِكَ عُمَّالُ للَّهِ وَمَطَايَا أَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ وَسُرُجُ أَرْضِهِ وَبَرِيَّتِهِ أُولَئِكَ شِيعَتُنَا وَأَحِبَّتُنَا وَمِنَّا وَمَعَنَا آهَا شَوْقاً إِلَيْهِمْ.
فَصَاحَ هَمَّامُ بْنُ عُبَادَةَ صَيْحَةً وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَحَرَّكُوهُ فَإِذن هُوَ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَاسْتَعْبَرَ الرَّبِيعُ بَاكِياً وَقَالَ لأَسْرَعَ مَا أَوْدَتْ مَوْعِظَتُكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ بِابْنِ أَخِي وَلَوَدِدْتُ لَوْ أَنِّي بِمَكَانِهِ.
فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ أَنْتَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجَلاً لَا يَعْدُوَهُ وَسَبَباً لَنْ يُجَاوِزَهُ فَلا تَعُدْ بِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَهَا عَلَى لِسَانِكَ الشَّيْطَانُ.
ص: 15
قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَمِيرُالْمُؤْمِنِين عَشِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَشَهِدَ جَنَازَتَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ.
قَالَ الرَّاوِي عَنْ نَوْفٍ: فَصِرْتُ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا حَدَّثَنِي نَوْفٌ فَبَكَى الرَّبِيعُ حَتَّى كَادَتْ نَفْسُهُ أَنْ تَفِيضَ وَقَالَ صَدَقَ أَخِي أَنَّ مَوْعِظَةَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَكَلامَهُ ذَلِكَ مِنِّي بِمَرْأىً وَمَسْمَعٍ مَا ذَكَرْت مَا كَانَ مِنْ هَمَّامِ بْنِ عُبَادَةَ يَوْمَئِذٍ وَأَتَانِي هنيئةٍ إِلّا كَدَّرَهَا وَلا شِدَّةٍ إِلّا فَرَّجَهَا(1).
ص: 16
قول المصنّف:
الصاحب هنا بمعنى المصاحب الخاص، وقد وصفوا في كتب الرجال (محمّد بن مسلم) بكونه صاحب الباقرعليه السلام و(أبان بن تغلب) بكونه صاحب الصادق عليه السلام و(زكريا بن إدريس) بكونه صاحب الكاظم عليه السلام و(زكريا بن آدم) و(ابن أبي نصر البزنطي) بكونهما صاحبي الرضا وكلّهم من الأجلّة؛ كما انّهم وصفوا في الكتب الصحابيّة كلثوم بن هرم، الأنصاري الذي نزل النبي صلى الله عليه وآله في هجرته عليه بقبا أربعة أيّام ثمّ خرج إلى أبي أيّوب، بصاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد يجي ء بمعنى الطرف كما في قوله تعالى: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ»(1) وكما في قوله تعالى: «وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ» إلى قوله تعالى: «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا»(2).(3)
ص: 17
في رواية الكراجكي وكذا رواية ابن طلحة الشافعي كون همّام هذا (همّام بن عبادة بن خيثم) ابن أخي (ربيع بن خيثم) المعروف فيكون من ثور بن عبد مناة بن ادبن طابخة بن الياس بن مضر.
ومؤمناً حقيقيّاً كما كان حارثة بن مالك الأنصاري كذلك، عن أبي عبداللَّه عليه السلام استقبل النبي صلى الله عليه وآله حارثة بن مالك الأنصاري فقال له: كيف أنت؟ قال: مؤمن حقا عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأنّي انظر إلى عرش ربّي وقد وضع للحساب، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنّة، وكأنّي أسمع عواء أهل النار في النار، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله هذا عبد نوّر اللَّه قلبه، فقال للنبيّ صلى الله عليه وآله: ادع اللَّه لي أن يرزقني الشهادة، فبعثه مع جعفر بن أبي طالب فقتل تسعة أو ثمانية ثمّ قتل وكان الشهيد العاشر(1).
كان همّام عالماً بأنّه عليه السلام يقتدر على وصف الشي ء بما يجعله مشاهداً ولعمري لاتى عليه السلام فوق ما انتظر(2).
ص: 18
قال ابن أبي الحديد: إن قلت: كيف جاز له عليه السلام أن يتثاقل عن جواب المسترشد؟
قلت: يجوز أن يكون تثاقل عن جوابه لأنّه علم أنّ المصلحة في تأخير الجواب ولعلّه كان حضر المجلس من لا يحب أن يجيب وهو حاضر فلمّا انصرف أجاب ولعلّه رأى أن تثاقله عن الجواب يشد تشوق همام إلى سماعه فيكون أنجع في موعظته ولعلّه كان من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة لا من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة(1).
قال البحراني: تثاقله عليه السلام عن جوابه لما رأى من استعداد نفسه لأثر الموعظة، وخوفه عليه أن يخرج به خوف اللَّه إلى انزعاج نفسه وصعوقها فأمره بتقوى اللَّه(2).
عن ابن عبّاس: ان آخر آية نزلت في كتاب اللَّه: «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ»(3).(4)
سئل الصادق عليه السلام عن تفسير التقوى فقال: أن لا يفقدك اللَّه حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك(5).
ص: 19
قال تعالى: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ»(1).
اقتباس من آخر سورة النحل: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ»(2).
أي: اتّق اللَّه وأحسن فإنّ اللَّه مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون.
قال الجوهري: عزمت عليك، أي: أقسمت عليك.
يفهم منه أنّه ينبغي أن يؤتي قبل كلّ كلام طويل بحمد وتصلية.
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله ذَاتَ يَوْمَ لِعَلِيٍ عليه السلام: يَا عَلِيُّ أَلا أُبَشِّرُكَ؟ فَقَالَ: بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَإِنَّكَ لَمْ تَزَلْ مُبَشِّراً بِكُلِّ خَيْرٍ.
فَقَالَ: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ آنِفاً بِالْعَجَبِ.
ص: 20
قُلْتُ: مَا الَّذِي أَخْبَرَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَّى عَلَيَّ وَأَتْبَعَ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ أَهْلَ بَيْتِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ سَبْعِينَ صَلاةً وَإِنَّهُ لَمُذْنِبٌ خَطَّاءٌ، ثُمَّ تَحَاتُّ عَنْهُ الذُّنُوبُ كَمَا تَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَبَّيْكَ يَا عَبْدِي وَسَعْدَيْكَ يَا مَلائِكَتِي أَنْتُمْ تُصَلُّونَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلاةً وَأَنَا أُصَلِّي عَلَيْهِ سَبْعَمِائَةِ صَلاةٍ فَإِذَا صَلَّى عَلَيَّ وَلَمْ يُتْبِعِ الصَّلاةَ عَلَيَّ أَهْلَ بَيْتِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَبْعُونَ حِجَاباً وَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لا لَبَّيْكَ يَا عَبْدِي وَلا سَعْدَيْكَ يَا مَلائِكَتِي لا تُصْعِدُوا دُعَاءَهُ إِلّا أَنْ يُلْحِقَ بِنَبِيِّي عِتْرَتَهُ فَلا يَزَالُ مَحْجُوباً حَتَّى يُلْحِقَ بِي أَهْلَ بَيْتِي(1).
قال تعالى: «وَللَّهِ ِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(2).
وقال تعالى: «وَللَّهِ ِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(3).
وقال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ»(4).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»(5).
ص: 21
قال تعالى: «وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً»(1).
وقال تعالى: «فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا»(2).
قال تعالى: «إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(3).
قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا»(4).
عن أبي ذررضى الله عنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل عليه السلام قال تعالى:
يا عبدي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على قلب أتقى رجل
ص: 22
منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على قلب أفجر رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً.(1)
قال تعالى: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا».(2)
وقال تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ»(3).
وقال تعالى: «وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ»(4).
وقال تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا»(5).
«ووضعهم من الدنيا مواضعهم» ملكاً وسوقة غنيّاً وفقيراً...
قال تعالى: «وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً»(1)
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(2).
وقال تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(3).
وقال تعالى: «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً»(4).
وقال تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»(5).
وقال تعالى: «وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ»(6).
ص: 24
وفي رسالة أبي جعفرعليه السلام إلى سعد الخير: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ فِيهَا السَّلامَةَ مِنَ التَّلَفِ وَالْغَنِيمَةَ فِي الْمُنْقَلَبِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقِي بِالتَّقْوَى عَنِ الْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ(1) وَيُجْلِي بِالتَّقْوَى عَنْهُ عَمَاهُ وَجَهْلَهُ وَبِالتَّقْوَى نَجَا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ وَصَالِحٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّاعِقَةِ وَبِالتَّقْوَى فَازَ الصَّابِرُونَ وَنَجَتْ تِلْكَ الْعُصَبُ(2) مِنَ الْمَهَالِكِ وَلَهُمْ إِخْوَانٌ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ يَلْتَمِسُونَ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ نَبَذُوا طُغْيَانَهُمْ مِنَ الْإِيرَادِ بِالشَّهَوَاتِ لِمَا بَلَغَهُمْ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْمَثُلاتِ حَمِدُوا رَبَّهُمْ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ وَذَمُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا وَهُمْ أَهْلُ الذَّم(3).
ومن لم يكن أهل التقوى فأيّ فضل له، ولو كان كفرعون في السلطنة فكان يقول: «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي»(4).
فكان مئاله أن أخذ هو وجنوده فنبذوا في اليم واغرقوا؛ أو كقارون في الثروة فكان أوتي «مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ»(5) فكان عاقبته ان خسف به وبداره الأرض.
وأمّا المتّقي فلو ابتلي بالدنيا بكلّ بلاء من الحبس والقتل والنهب والأسر، كأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله فله في الدنيا العزّة الإلهيّة في القلوب والنفوس وفي العقبى الدرجات الرفيعة عند اللَّه عزّ وجلّ.
ص: 25
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: عَجِبْتُ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لا يَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ قَضَاءً إِلّا كَانَ خَيْراً لَه إن قرض بالمقاريض كان خيراً له وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له(1).
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: إِنَّ الْحُرَّ حُرٌّ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ إِنْ نَابَتْهُ نَائِبَةٌ صَبَرَ لَهَا وَ إِنْ تَدَاكَّتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ لَمْ تَكْسِرْهُ وَإِنْ أُسِرَ وَقُهِرَ وَاسْتُبْدِلَ بِالْيُسْرِ عُسْراً كَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ الْأَمِينُ عليه السلام لَمْ يَضْرُرْ حُرِّيَّتَهُ أَنِ اسْتُعْبِدَ وَقُهِرَ وَأُسِرَ وَلَمْ تَضْرُرْهُ ظُلْمَةُ الْجُبِّ وَوَحْشَتُهُ وَمَا نَالَهُ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الْجَبَّارَ الْعَاتِيَ لَهُ عَبْداً بَعْدَ إِذْ كَانَ لَهُ مَالِكا(2).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً»(3).
وقال تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً»(4).
وقال تعالى: «فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً»(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْراً فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ سُوءٍ فَسَلِمَ(6).
عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام عن أبي ذرّ أنّه كان يقول: اجعل الكلام كلمتين
ص: 26
كلمة خير تقولها وكلمة شر تسكت عنها والثالثة لا تضر ولا تنفع لا تردها(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَمْسِكْ لِسَانَكَ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ ثُمَّ قَالَ وَلا يَعْرِفُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَخْزُنَ مِنْ لِسَانِهِ(2).
وقال الباقرعليه السلام: إِنَّ هَذَا اللِّسَانَ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَخْتِمُ عَلَى ذَهَبِهِ وَفِضَّتِه(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: قُولُوا الْخَيْرَ تُعْرَفُوا بِهِ وَ اعْمَلُوا الْخَيْرَ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِه(4).
سئل عليّ بن الحسين عليه السلام عن الكلام والسكوت أيّهما أفضل؟ فقال عليه السلام: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آفَاتٌ فَإِذَا سَلِمَا مِنَ الآْفَاتِ فَالْكَلامُ أَفْضَلُ مِنَ السُّكُوتِ قِيلَ وَ كَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَا بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَوْصِيَاءَ بِالسُّكُوتِ إِنَّمَا بَعَثَهُمْ بِالْكَلَامِ وَ لا اسْتُحِقَّتِ الْجَنَّةُ بِالسُّكُوتِ وَلا اسْتُوجِبَتْ وَلايَةُ اللَّهِ بِالسُّكُوتِ وَلا وُقِيَتِ النَّارُ بِالسُّكُوتِ وَلا تُجُنِّبَ سَخَطُ اللَّهِ بِالسُّكُوتِ إِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْكَلامِ مَا كُنْتُ لأَعْدِلَ الْقَمَرَ بِالشَّمْسِ إِنَّكَ لَتَصِفُ فَضْلَ السُّكُوتِ بِالْكَلامِ وَلَسْتَ تَصِفُ فَضْلَ الْكَلامِ بِالسُّكُوتِ(5).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الْكَلامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ
ص: 27
وَثَاقَهُ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نَقِمَةً(1).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: ما شي ء أحق بطول الحبس من اللسان(2).
في الخبر ان المتوكّل كان كثير التحامل على عليّ بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين عليهم السلام وكان ابن السكيت من المغالين في محبّتهم والتوالي لهم فلمّا قال له المتوكّل: يا يعقوب! أيّما أحبّ إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ قال ابن السكيت: واللَّه إن قنبر خادم عليّ عليه السلام خير منك ومن ابنيك.
فقال المتوكّل: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا ذلك به فمات وذلك في ليلة الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين وقيل سنة ست وأربعين وقيل سنة ثلاث وأربعين واللَّه أعلم بالصواب(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ومن كف لسانه ستر اللَّه عز وجل عورته(4).
لا يتكلّمون إلّا في موضعه وعن برهان.
قال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»(5).
وقال تعالى: «إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»(6).
ص: 28
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: الاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وعدّ معه الهدى الصالح والسمت الصالح(1).
عن الصادق أبي عبداللَّه جعفر بن محمّدعليه السلام قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَدْ بَلِيَ ثَوْبُهُ فَحملَ إِلَيْهِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً فَقَالَ: يَا عَلِيُّ خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَاشْتَرِ لِي بها ثَوْباً أَلْبَسُهُ.
قَالَ عَلِيٌ عليه السلام: فَجِئْتُ إِلَى السُّوقِ فَاشْتَرَيْتُ لَهُ قَمِيصاً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً وَجِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ غَيْرُ هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَتَرَى صَاحِبَهُ يُقِيلُنَا؟(2)
فَقُلْتُ: لا أَدْرِي.
فَقَالَ انْظُرْ فَجِئْتُ إِلَى صَاحِبِهِ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَدْ كَرِهَ هَذَا يُرِيدُ ثَوْباً دُونَهُ فَأَقِلْنَا فِيهِ.
فَرَدَّ عَلَيَّ الدَّرَاهِمَ وَجِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَمَشَى مَعِي إِلَى السُّوقِ لِيَبْتَاعَ قَمِيصاً فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي أَعْطَوْنِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ لأَشْتَرِيَ لَهُمْ بِهَا حَاجَةً فَضَاعَتْ فَلا أَجْسُرُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى السُّوقِ فَاشْتَرَى قَمِيصاً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَلَبِسَهُ وَحَمِدَ اللَّهَ عزّوجلّ.
ص: 29
وَخَرَجَ فَرَأَى رَجُلاً عُرْيَاناً يَقُولُ: مَنْ كَسَانِي كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ فَخَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَمِيصَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَكَسَاهُ السَّائِلَ.
ثُمَّ رَجَعَ صلى الله عليه وآله إِلَى السُّوقِ فَاشْتَرَى بِالْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ قَمِيصاً آخَرَ فَلَبِسَهُ وَحَمِدَ اللَّهَ وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَإِذَا الْجَارِيَةُ قَاعِدَةٌ عَلَى الطَّرِيقِ تبكى فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: مَا لَكِ لا تَأْتِينَ أَهْلَكِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَبْطَأْتُ عَلَيْهِمْ وَأَخَافُ أَنْ يَضْرِبُونِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مُرِّي بَيْنَ يَدَيَّ وَدُلِّينِي عَلَى أَهْلِكِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ دَارِهِمْ ثُمَّ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدَّارِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَأَعَادَ السَّلامَ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَأَعَادَ السَّلامَ فَقَالُوا: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ صلى الله عليه وآله لَهُمْ: مَا لَكُمْ تَرَكْتُمْ إِجَابَتِي فِي أَوَّلِ السَّلامِ وَالثَّانِي؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْنَا سَلامَكَ فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ أَبْطَأَتْ عَلَيْكُمْ فَلا تُؤَاخِذُوهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ حُرَّةٌ لِمَمْشَاكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الْحَمْدُ للَّهِ ِ مَا رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ هَذِهِ كَسَا اللَّهُ بِهَا عُرْيَانَيْنِ وَأَعْتَقَ بِهَا نَسَمَةً(1).
مَرَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَى أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ كَثِيرَةُ الْقِيمَةِ حِسَانٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لآَتِيَنَّهُ وَلَأُوَبِّخَنَّهُ.
فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِثْلَ هَذَا اللِّبَاسِ وَلا عَلِيٌ عليه السلام وَلا أَحَدٌ مِنْ آبَائِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي زَمَانِ قَتْرٍ
ص: 30
مُقْتِرٍ(1) وَكَانَ يَأْخُذُ لِقَتْرِهِ وَاقْتِدَارِهِ وَإِنَّ الدُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ أَرْخَتْ عَزَالِيَهَا(2) فَأَحَقُّ أَهْلِهَا بِهَا أَبْرَارُهَا ثُمَّ تَلا: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»(3) وَنَحْنُ أَحَقُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنِّي يَا ثَوْرِيُّ مَا تَرَى عَلَيَّ مِنْ ثَوْبٍ إِنَّمَا أَلْبَسُهُ لِلنَّاسِ ثُمَّ اجْتَذَبَ يَدَ سُفْيَانَ فَجَرَّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ الثَّوْبَ الْأَعْلَى وَأَخْرَجَ ثَوْباً تَحْتَ ذَلِكَ عَلَى جِلْدِهِ غَلِيظاً فَقَالَ: هَذَا أَلْبَسُهُ لِنَفْسِي وَمَا رَأَيْتَهُ لِلنَّاسِ ثُمَّ جَذَبَ ثَوْباً عَلَى سُفْيَانَ أَعْلاهُ غَلِيظٌ خَشِنٌ وَدَاخِلُ ذَلِكَ ثَوْبٌ لَيِّنٌ فَقَالَ لَبِسْتَ هَذَا الْأَعْلَى لِلنَّاسِ وَلَبِسْتَ هَذَا لِنَفْسِكَ تَسُرُّهَا(4).
عن مسعدة بن صدقة قال: دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَرَأَى عَلَيْهِ ثِيَابَ بِيضٍ كَأَنَّهَا غِرْقِئُ الْبَيْضِ(5).
فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا اللِّبَاسَ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِكَ فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ مِنِّي وَعِ مَا أَقُولُ لَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ عَاجِلاً وَآجِلاً إِنْ أَنْتَ مِتَّ(6) عَلَى السُّنَّةِ وَالْحَقِّ وَلَمْ تَمُتْ عَلَى بِدْعَةٍ أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَانَ فِي زَمَانٍ مُقْفِرٍ جَدْبٍ(7) فَأَمَّا إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا فَأَحَقُّ أَهْلِهَا بِهَا أَبْرَارُهَا لا فُجَّارُهَا(8). الخبر.
ص: 31
عن حماد بن عثمان قال: حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ ذَكَرْتَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام كَانَ يَلْبَسُ الْخَشِنَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَنَرَى عَلَيْكَ اللِّبَاسَ الْجَدِيدَ؟ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام كَانَ يَلْبَسُ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ لا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَبِسَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ شُهِرَ بِهِ فَخَيْرُ لِبَاسِ كُلِّ زَمَانٍ لِبَاسُ أَهْلِهِ غَيْرَ أَنَّ قَائِمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ عليهم السلام إِذَا قَامَ لَبِسَ ثِيَابَ عَلِيٍ عليه السلام وَسَارَ بِسِيرَةِ عَلِيٍ عليه السلام(1).
قال تعالى: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ»(2).
وقال تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً»(3).
والمشي متكبّراً مبغوض عند اللَّه تعالى.
قال تعالى: «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً»(4).
وقال تعالى: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ»(5).
ص: 32
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى دَاوُدَعليه السلام: يَا دَاوُدُ كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَوَاضِعُونَ كَذَلِكَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَكَبِّرُونَ(1).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَمْشِي مِشْيَةً كَأَنَّ عَلَى رَأْسِهِ الطَّيْرَ لا يَسْبِقُ يَمِينُهُ شِمَالَهُ(2).
عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: إِنَّ فِي السَّمَاءِ مَلَكَيْنِ مُوَكَّلَيْنِ بِالْعِبَادِ فَمَنْ تَوَاضَعَ للَّهِ ِ رَفَعَاهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَاهُ(3).
عن أبي بصير قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: أُصُولُ الْكُفْرِ ثَلاثَةٌ الْحِرْصُ وَالاسْتِكْبَارُ وَالْحَسَدُ(4).
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: ارخاء الازار من الخيلاء من أخلاق قوم لوط(5).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله مَنْ مَشَى عَلَى الْأَرْضِ اخْتِيَالاً لَعَنَتْهُ الْأَرْضُ وَمَنْ تَحْتَهَا وَمَنْ فَوْقَهَا(6).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: مَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَاخْتَالَ فِيهِ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَكَانَ قَرِينَ قَارُونَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اخْتَالَ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض(7).
ص: 33
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: وَلا يَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ عَاقٌّ وَلا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلا مُرْخِي الْإِزَارِ خُيَلاءَ(1).(2)
قال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: إِنَّ أَبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ مَذْهَبُهُ وَأَسْمَعَ الْأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وَانْتَفَعَ بِه(3).
قال الصادق عليه السلام: مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ غَمَّضَ بَصَرَهُ لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ(4).
وفي خبر آخر: لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ حَتَّى يُعْقِبَهُ اللَّهُ إِيمَاناً يَجِدُ طَعْمَهُ(5).
قال الصادق عليه السلام: أَوَّلُ النَّظْرَةِ لَكَ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْكَ وَلا لَكَ وَالثَّالِثَةُ فِيهَا الْهَلاكُ(6).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام النَّظَرُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُوم.
واستشهد له بقوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ»(7) وبقول الصادق عليه السلام: كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلّا ثَلاثَةً عَيْنٌ غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَعَيْنٌ سَهِرَتْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَكَتْ فِي
ص: 34
جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ(1).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَدَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَاعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وَثَوْبِهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لآَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَلَأُخْبِرَنَّهُ قَالَ: فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهَذِهِ الآْيَةِ: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ»(2).(3)
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ أَوْرَثَتْ حَسْرَةً طَوِيلَةً(4).
ذكر الشيخ البهائي رحمه الله في الكشكول:
احتضر بعض المترفين وكان كلّما قيل له قل: لا إله إلّا اللَّه، يقول هذا البيت:
يا ربّ قائلة يوماً وقد تعبت * أين الطريق إلى حمام منجاب
وسبب ذلك أنّ امرأة عفيفة حسناء خرجت إلى حمام معروف بحمام منجاب، فلم تعرف طريقه وتعبت من المشي، فرأت رجلاً على باب دار، فسألته عن الحمام.
فقال: هو هذا، وأشار إلى باب داره.
فلما دخلت، أغلق الباب عليها، فلمّا علمت بمكره أظهرت كمال الرغبة
ص: 35
والسرور، وقالت: اشتر لنا شيئاً من الطيب وشيئاً من الطعام وعجّل بالعود إلينا.
فلمّا خرج واثقاً بها وبرغبتها، خرجت وتخلّصت منه(1).
قال تعالى: «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(2).
وقال تعالى: «وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ»(3).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»(4).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(6).
عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله الْمَسْجِدَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: عَلّامَةٌ فَقَالَ: وَمَا الْعَلّامَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَشْعَارِ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: ذَاكَ عِلْمٌ لا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ وَلا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلاثَةٌ آيَةٌ
ص: 36
مُحْكَمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ وَمَا خَلاهُنَّ فَهُوَ فَضْل(1).(2)
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ بِهِ أَلا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ وَضَمِنَهُ وَسَيَفِي لَكُمْ وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَاطْلُبُوهُ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَلا وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام: لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُءُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَلا دِينَاراً وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْ ءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظّاً وَافِراً فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هَذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ فَإِنَّ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي كُلِّ
ص: 37
خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ(1).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْ تَعَلَّمَ بَاباً مِنَ الْعِلْمِ لِيَعلَمه الناس ابتغاءَ وَجهِ اللَّه أعطاهُ اللَّه أجرَ سَبْعينَ نّبيّاً(3).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: مَنْ عَلَّمَ بَابَ هُدىً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ وَلا يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً وَمَنْ عَلَّمَ بَابَ ضَلالٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهِ وَلا يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْر(5).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لَطَلَبُوهُ وَ لَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ وَخَوْضِ اللُّجَجِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَانِيَالَ أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّارِكُ لِلاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ اللّازِمُ لِلْعُلَمَاءِ التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاءِ(6).
ص: 38
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَ للَّهِ ِ دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيماً فَقِيلَ تَعَلَّمَ للَّهِ ِ وَعَمِلَ للَّهِ ِ وَعَلَّمَ للَّهِ ِ(1).
عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه السلام: مُحَادَثَةُ الْعَالِمِ عَلَى الْمَزَابِلِ خَيْرٌ مِنْ مُحَادَثَةِ الْجَاهِلِ عَلَى الزَّرَابِيِّ(2).
عن يونس رفعه قال: قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلَى عَيْنِكَ فَإِنْ رَأَيْتَ قَوْماً يَذْكُرُونَ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ فَإِنْ تَكُنْ عَالِماً نَفَعَكَ عِلْمُكَ وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً عَلَّمُوكَ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِرَحْمَتِهِ فَيَعُمَّكَ مَعَهُمْ وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْماً لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فَلا تَجْلِسْ مَعَهُمْ فَإِنْ تَكُنْ عَالِماً لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ وَإِنْ كُنْتَ جَاهِلاً يَزِيدُوكَ جَهْلاً وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِعُقُوبَةٍ فَيَعُمَّكَ مَعَهُمْ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رُسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: أُفٍّ لِرَجُلٍ لا يُفَرِّغُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لأَمْرِ دِينِهِ فَيَتَعَاهَدُهُ وَيَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ(4).
ان الشراح أوّلوا (كالّذي) بكونه مثل قوله تعالى: «وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا»(5) وقوله تعالى: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ
ص: 39
اللَّهُ»(1) وقوله تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ»(2) وقوله تعالى: «وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(3) وبيت الحماسة:
عسى الأيّام يرجعن * يوماً كالذي كانوا
وقول الشاعر:
وان الذي حانت بفلج دمائهم * هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد
قال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً»(4).
وقال تعالى: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً»(5) وقال تعالى: «فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ»(6).
روى صفات الشيعة عن الرضاعليه السلام قال: لا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلاثُ خِصَالٍ سُنَّةٌ مِنْ رَبِّهِ وَسُنَّةٌ مِنْ نَبِيِّهِ وَسُنَّةٌ مِنْ وَلِيِّهِ - إلى أن قال: - وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ وَلِيِّهِ فَالصَّبْرُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ: «وَالصَّابِرِينَ فِي
ص: 40
الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ»(1).(2)
عن ابن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له بأيّ شي ء يعلم المؤمن بأنّه مؤمن؟ قال: بالتسليم للَّه والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: رَأْسُ طَاعَةِ اللَّهِ الصَّبْرُ وَالرِّضَا عَنِ اللَّهِ فِيمَا أَحَبَّ الْعَبْدُ أَوْ كَرِهَ وَلا يَرْضَى عَبْدٌ عَنِ اللَّهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلّا كَانَ خَيْراً لَهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ(4).
عن ابن بزيع، عن محمّد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه السلام قال: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ إِذْ لَقِيَهُ رَكْبٌ فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكُمْ؟ قَالُوا: الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضُ إِلَى اللَّهِ وَالتَّسْلِيمُ لأَمْرِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْبِيَاءَ فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَلا تَبْنُوا مَا لا تَسْكُنُونَ وَلا تَجْمَعُوا مَا لا تَأْكُلُونَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(5).
وفي الحديث: أنّ موسى قال: ربّ أرني أحبّ خلقك إليك وأكثرهم لك عبادة. فأمره اللَّه تعالى أن ينتهي إلى قرية على ساحل البحر وأخبره أنّه ليجده في مكان فوقع على رجل مجذوم مقعد أبرص يسبّح اللَّه تعالى. فقال موسى:
ص: 41
يا جبرائيل! أين الرجل الذي سألت ربّي أن يريني إيّاه؟ فقال جبرئيل: هو يا كليم اللَّه هذا. فقال: يا جبرئيل إني كنت أحبّ أن أراه صواما قواما! فقال جبرئيل: هذا أحبّ إلى اللَّه تعالى وأعبد له من الصوام والقوام، وقد أمرت بالذهاب كريمته، فاسمع ما يقول، فأشار جبرئيل إلى عينيه فسالتا على خديه، فقال: متعتنى بهما حيث شئت. وسلبتني إيّاهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك طول الأمل يا بار يا وصول.
فقال له موسى: يا عبد اللَّه إنّي رجل مجاب الدعوة فان أحببت أن أدعو لك تعالى يردّ عليك ما ذهب من جوارحك ويبريك من العلّة، فعلت؟
فقال: لا أريد شيئاً من ذلك، اختياره لي أحبّ إليّ من اختياري لنفسي، وهذا هو الرضا المحض كما ترى.
فقال له موسى سمعتك تقول: يا بارّ يا وصول، ما هذا البرّ والصلة الواصلان إليك من ربّك؟ فقال: ما أحد في هذا البلد يعرفه غيري أو قال: يعبده - فراح متعجّباً وقال: هذا أعبد أهل الدنيا(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ أَرْضَاهُمْ بِقَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام أنْ يَا مُوسَى مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ وَإِنِّي إِنَّمَا أَبْتَلِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ (وَأُعَافِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ) وَأَعْطِيه لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَزْوِي عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ عَبْدِي فَلْيَصْبِرْ عَلَى بَلائِي وَلْيَرْضَ بِقَضَائِي وَلْيَشْكُرْ
ص: 42
نَعْمَائِي أَكْتُبْهُ فِي الصِّدِّيقِينَ عِنْدِي إِذَا عَمِلَ بِرِضَائِي وَأَطَاعَ أَمْرِي(1).
وروي: أَنَّ عِيسَى عليه السلام مَرَّ بِرَجُلٍ أَعْمَى أَبْرَصَ مُقْعَدٍ مَضْرُوبِ الْجَنْبَيْنِ بِالْفَالِجِ وَقَدْ تَنَاثَرَ لَحْمُهُ مِنَ الْجُذَامِ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَى بِهِ كَثِيراً مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى عليه السلام: يَا هَذَا وَأَيُّ شَيْ ءٍ مِنَ الْبَلاءِ أَرَاهُ مَصْرُوفاً عَنْكَ؟ فَقَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ أَنَا خَيْرٌ مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مَا جَعَلَ فِي قَلْبِي مِنْ مَعْرِفَتِهِ. فَقَالَ لَهُ صَدَقْتَ هَاتِ يَدَكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهاً وَأَفْضَلُهُمْ هَيْئَةً قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كَانَ بِهِ فَصَحِبَ عِيسَى عليه السلام وَتَعَبَّدَ مَعَهُ(2).
قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلًا»(3)
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَظَّمَهُ مَنَعَ فَاهُ مِنَ الْكَلامِ وَبَطْنَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَعَفَا نَفْسَهُ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. قَالُوا: بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاءِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَكَتُوا فَكَانَ سُكُوتُهُمْ ذِكْراً وَنَظَرُوا فَكَانَ نَظَرُهُمْ عِبْرَةً وَنَطَقُوا فَكَانَ نُطْقُهُمْ حِكْمَةً وَمَشَوْا فَكَانَ مَشْيُهُمْ بَيْنَ النَّاسِ بَرَكَةً لَوْ لا الآْجَالُ الَّتِي قَدْ كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ (لم تستقر) أَرْوَاحُهُمْ
ص: 43
فِي أَجْسَادِهِمْ خَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ وَشَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ(1).
عن أبي حمزة قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ خَافَ اللَّهَ وَمَنْ خَافَ اللَّهَ سَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنْيَا(2).
قال الأصمعي: كُنْتُ أَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَيْلَةً فَإِذَا شَابٌّ ظَرِيفُ الشَّمَائِلِ وَعَلَيْهِ ذُؤَابَتَانِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: نَامَتِ الْعُيُونُ وَعَلَتِ النُّجُومُ وَأَنْتَ الْمَلِكُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ غَلَّقَتِ الْمُلُوكُ أَبْوَابَهَا وَأَقَامَتْ عَلَيْهَا حُرَّاسَهَا وَبَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلسَّائِلِينَ جِئْتُكَ لِتَنْظُرَ إِلَيَّ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَا الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ * يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ
قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ الْبَيْتِ قَاطِبَةً * وَأَنْتَ وَحْدَكَ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنَمْ
أَدْعُوكَ رَبِّ دُعَاءً قَدْ أَمَرْتَ بِهِ * فَارْحَمْ بُكَائِي بِحَقِّ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ
إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لا يَرْجُوهُ ذُو سَرَفٍ * فَمَنْ يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالنِّعَمِ
قَالَ فاقفيته فإذا هو زين العابدين عليه السلام(3).
عن غلام لعبدالرحمن الأنصاري قال: كنت مع مولاي في الطفّ فلمّا أقبل الناس إلى الحسين عليه السلام أمر بفسطاط فضرب ثمّ أمر بمسك فميت في جفنة عظيمة ثمّ دخل فتطلى بالنورة ومولاي وبرير على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما أيّهما يطلّ على أثره فجعل برير يهازل مولاي فقال له: مولاي: دعنا فواللَّه ما هذه بساعة باطل فقال له برير: واللَّه لقد علم قومي انّي لا أحببت الباطل
ص: 44
شابّاً ولا كهلا ولكن واللَّه انّي لمستبشر بما نحن لاقون واللَّه انّ بيننا وبين حول الجنّة إلّا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنّهم مالوا علينا بأسيافهم - إلخ -(1).
وكان عليه السلام يقول: انا آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه، وقد يموت الإنسان شوقاً إلى زخارف الدنيا وخوفاً من مخاوفه فكيف لا يموت لو كان من أهل الحقيقة شوقاً إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا على قلب خطر... «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»(2).
وخوفاً من عقاب لا تقوم به السماوات والأرض وقد مات همّام لمّا حضره أجله بسبب شوقه إلى الثواب وخوفه من العقاب بسبب تذكّره عليه السلام هذا(3).
قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ خَفِ اللَّهَ خَوْفاً لَوْ أَتَيْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ خِفْتَ أَنْ يُعَذِّبَكَ وَارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَوْ وَافَيْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِثْمِ الثَّقَلَيْنِ رَجَوْتَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكَ(4).
وعن درّ المنثور الشيخ علي سبط الشهيد الثاني كان لي إبن في سن اثنتين وعشرين توفي - وكان في غاية التقوى والعبادة والذكاوة - فرأه بعد مدّة ابن عمّه في المنام وانّه جاء إلى بيتهم ودقّ الباب فخرجت إليه فرأيته راكباً فرساً حسناء فقلت له: ادخل فقال: الآن بيوتكم لا تعجبني وأنا في بيوت من اللؤلؤ والجوهر،
ص: 45
ولكن جئت أخبركم ان عندي كتاباً عارية لرجل اسمه ملّا أفضل فانّي لم أوص به ففتح صندوقه فكان كما قال(1).
ثمّ ان الثواب المشار إليه في كلامه عليه السلام هو الذي وعد اللَّه المتّقين في كتابه كقوله تعالى: «لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ»(2).
وقوله تعالى: «مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً»(3).
وقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»(4).
ص: 46
وقوله تعالى: «أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ»(1).
واما الآيات النازلة في الوعيد والخوف من العقاب فهي ايضاً كثيرة:
وقال تعالى: «إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).
وقال تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(3).
وقال تعالى: «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(4).
وقال تعالى: «وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ»(5).
وقال تعالى: «رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً»(6).
قال تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(7).
وقال تعالى: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(8).
غلب أمره تعالى على أمر فرعون في ذبح أبناء بني إسرائيل لئلّا يوجد موسى فربّاه بنفسه؛ وعلى اخوة يوسف في يوسف فألقوه في غيابة الجبّ حتّى قالوا له: ...
«قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ»(9) بعد صيرورته ملك مصر، وفي نمرود وإبراهيم: «قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(10).
عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لَيْسَ شَيْ ءٌ إِلّا وَلَهُ حَدٌّ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ
ص: 47
فِدَاكَ فَمَا حَدُّ التَّوَكُّلِ قَالَ الْيَقِينُ قُلْتُ فَمَا حَدُّ الْيَقِينِ قَالَ أَلّا تَخَافَ مَعَ اللَّهِ شَيْئاً(1).
عن مفضل، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى دَاوُدَعليه السلام مَا اعْتَصَمَ بِي عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي دُونَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي عَرَفْتُ ذَلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ ثُمَّ تَكِيدُهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ إِلّا جَعَلْتُ لَهُ الْمَخْرَجَ مِنْ بَيْنِهِنَّ وَمَا اعْتَصَمَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي عَرَفْتُ ذَلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ إِلّا قَطَعْتُ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ يَدَيْهِ وَأَسَخْتُ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ وَلَمْ أُبَالِ بِأَيِّ وَادٍ هَلَكَ(2).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»(3).
وقال تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»(4).
وقال تعالى: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»(5).
ومر ملك على عارف فما قام له العارف فقال له الملك: لِمَ ما قمت لي وأنت رعيّتي وعبدي؟ فقال له العارف: بل أنت عبد عبدي قال: وكيف؟ قال: لأنّك عبد هواك وأنا جعلت الهوى عبدي(6).
ص: 48
كان عليه السلام - وهو سيّد المتّقين - يعبد اللَّه كما كان احدى صفحتي وجهه إلى الجنة واخرى الى النار، وقول حارثة بن مالك للنبيّ صلى الله عليه وآله كاني انظر إلى أهل الجنّة حين يتزاورون فيها وإلى أهل النار حين يتعاوون فيها؛ ورواه (ذيل الطبري) عن الحارث بن مالك(1).
عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَنَظَرَ إِلَى شَابٍّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَخْفِقُ وَيَهْوِي بِرَأْسِهِ مُصْفَرّاً لَوْنُهُ قَدْ نَحِفَ جِسْمُهُ وَغَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلانُ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُوقِناً، فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي أَحْزَنَنِي وَأَسْهَرَ لَيْلِي وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ وَحُشِرَ الْخَلائِقُ لِذَلِكَ وَأَنَا فِيهِمْ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ وَيَتَعَارَفُونَ وَعَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ وَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ مُصْطَرِخُونَ وَكَأَنِّي الآْنَ أَسْمَعُ زَفِيرَ النَّارِ يَدُورُ فِي مَسَامِعِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لأَصْحَابِهِ: هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: الْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّابُّ: ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُرْزَقَ الشَّهَادَةَ مَعَكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ(2).
ص: 49
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: إِنَّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِسْلامِ وَإِنَّ الْيَقِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِيمَانِ وَمَا مِنْ شَيْ ءٍ أَعَزَّ مِنَ الْيَقِينِ(1).
ولمّا رأى الحر تصميم ابن سعد على قتال الحسين عليه السلام أخذ يدنو منه عليه السلام قليلاً قليلاً فقال له رجل من قومه: أتريد أن تحمل، فسكت وأخذه مثل العرواء، فقال له: لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟ قال: انّي واللَّه أخيّر نفسي بين الجنّة والنار واللَّه لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطعت وحرّقت، ثمّ ضرب فرسه ولحق به عليه السلام(2).
قال تعالى: «اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ»(3).
وقال تعالى: «تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ»(4).
وقال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(5).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ»(6).
ص: 50
عن أبي جعفرعليه السلام قال: صَلَّى أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالنَّاسِ الصُّبْحَ بِالْعِرَاقِ فَلَمَّا انْصَرَفَ وَعَظَهُمْ فَبَكَى وَأَبْكَاهُمْ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَهِدْتُ أَقْوَاماً عَلَى عَهْدِ خَلِيلِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَإِنَّهُمْ لَيُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ شُعْثاً غُبْراً خُمُصاً بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَرُكَبِ الْمِعْزَى يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أَقْدَامِهِمْ وَجِبَاهِهِمْ يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ وَيَسْأَلُونَهُ فَكَاكَ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ مَعَ هَذَا وَهُمْ خَائِفُونَ مُشْفِقُونَ(1).
عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: صَلَّى أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الْفَجْرَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى صَارَتِ الشَّمْسُ عَلَى قِيدِ رُمْحٍ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَاماً يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً يُخَالِفُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَرُكَبِهِمْ كَأنَّ زَفِير النَّارِ فِي آذَانِهِمْ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَهُمْ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ كَأَنَّمَا الْقَوْمُ بَاتُوا غَافِلِينَ قَالَ: ثُمَّ قَامَ: فَمَا رُئِيَ ضَاحِكاً حَتَّى قُبِض عليه السلام(2).
قال الصادق عليه السلام: الْحُزْنُ مِنْ شِعَارِ الْعَارِفِينَ لِكَثْرَةِ وَارِدَاتِ الْغَيْبِ عَلَى سَرَائِرِهِمْ وَطُولِ مُبَاهَاتِهِمْ تَحْتَ سترِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْمَحْزُونُ ظَاهِرُهُ قَبْضٌ وَبَاطِنُهُ بَسْطٌ يَعِيشُ مَعَ الْخَلْقِ عَيْشَ الْمَرْضَى وَمَعَ اللَّهِ عَيْشَ الْقُرْبَى - إلى أن قال عليه السلام: يَمِينُ الْحُزْنِ الإنكسار وَشِمَالُهُ الصَّمْتُ وَالْحُزْنُ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَارِفُونَ للَّهِ ِ وَالتَّفَكُّرُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَلَوْ حُجِبَ الْحُزْنُ عَنْ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ سَاعَةً لاسْتَغَاثُوا(3).
ص: 51
عن الحارث الغنوي قال: آلى الربيع أن لا يفتر اسنانه ضاحكاً حتّى يعلم أين مصيره فما ضحك إلّا بعد موته وآلى أخوه ربعي بعده ألّا يضحك حتّى يعلم أفي الجنّة هو أو في النار. قال الحارث فلقد أخبرني غاسله أنّه لم يزل متبسّماً على سريره، ونحن نغسله حتّى فرغنا منه(1).
وأيضاً: قلوبهم محزونة لمّا يرون من غلبة الباطل ومغلوبيّة الحق من أهل الدنيا وظلم الظلمة وفجور الفسقة وعدم عبادة الناس لربهم.
قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله: «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»(2).
روي: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام دَعَا مَمْلُوكَهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَمَّا أَجَابَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ أَ مَا سَمِعْتَ صَوْتِي؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَمَا بالُكَ لَمْ تُجِبْنِي؟ قَالَ: أَمِنْتُكَ قَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي جَعَلَ مَمْلُوكِي يَأْمَنُنِي(3).
عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَنْ أَعَانَ عَلَى مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ(5).
ص: 52
عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه السلام قال: سَبَابُ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ وَأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّه(1).
عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ الصُّدُودُ لأَوْلِيَائِي فَيَقُومُ قَوْمٌ لَيْسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ لَحْمٌ فَيُقَالُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ آذَوُا الْمُؤْمِنِينَ وَنَصَبُوا لَهُمْ وَعَانَدُوهُمْ وَعَنَّفُوهُمْ فِي دِينِهِمْ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْ آذَى مُؤْمِناً فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَهُوَ مَلْعُونٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ وَفِي خَبَرٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(3).
وقال صلى الله عليه وآله: مَنْ نَظَرَ إِلَى مُؤْمِنٍ نَظْرَةً يُخِيفُهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ لا ظِلَّ إِلّا ظِلُّهُ وَحَشَرَهُ فِي صُورَةِ الذَّرِّ بِلَحْمِهِ وَجِسْمِهِ وَجَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَرُوحِهِ حَتَّى يُورِدَهُ مَوْرِدَهُ(4).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: مَنْ أَحْزَنَ مُؤْمِناً ثُمَّ أَعْطَاهُ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَفَّارَتَهُ وَلَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ(5).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّ شرّ الناس مَنزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَومَ القيامَة مَن يَخافُ الناس مِن شرّه(6).
ص: 53
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَميرالمُؤمِنين عليه السلام لَمَّا نَظَرَتْ إِلَى مَا يَفْعَلُ ابْنُ أَخِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بِنَفْسِهِ مِنَ الدَّأْبِ فِي الْعِبَادَةِ أَتَتْ جَابِرَ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَتْ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حُقُوقاً مِنْ حَقِّنَا عَلَيْكُمْ أَنْ إِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدَنَا يُهْلِكُ نَفْسَهُ اجْتِهَاداً أَنْ تُذَكِّرُوهُ اللَّهَ وَتَدْعُوهُ إِلَى الْبُقْيَا عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بَقِيَّةُ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام قَدِ انْخَرَمَ أَنْفُهُ وَثَفِنَتْ جَبْهَتُهُ وَرُكْبَتَاهُ وَرَاحَتَاهُ إِدْءَاباً مِنْهُ لِنَفْسِهِ فِي الْعِبَادَةِ.
فَأَتَى جَابِرُ فَوَجَدَهُ فِي مِحْرَابِهِ قَدْ أَنْضَتْهُ الْعِبَادَةُ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَ الْجَنَّةَ لَكُمْ وَلِمَنْ أَحَبَّكُمْ وَخَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَادَاكُمْ وَأَبْغَضَكُمْ فَمَا هَذَا الْجَهْدُ الَّذِي كَلَّفْتَهُ نَفْسَكَ؟ فَقَالَ عليه السلام له يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَا عَلِمْتَ انَّ جَدِّي النَّبيّ صلى الله عليه وآله قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَلَمْ يَدَعِ الاجْتِهَادَ وَتَعَبَّدَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي حَتَّى انْتَفَخَ السَّاقُ وَوَرِمَ الْقَدَمُ وَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً فَلَمَّا نَظَرَ جَابِرٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَلَيْسَ يُغْنِي فِيهِ قَوْلُ مَنْ يَسْتَمِيلُهُ مِنَ الْجَهْدِ وَالتَّعَبِ إِلَى الْقَصْدِ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ الْبُقْيَا عَلَى نَفْسِكَ فَإِنَّكَ مِنْ أُسْرَةٍ بِهِمْ يُسْتَدْفَعُ الْبَلاءُ وَيُسْتَكْشَفُ اللّأْوَاءُ وَبِهِمْ تُسْتَمْطَرُ السَّمَاءُ فَقَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ لا أَزَالُ عَلَى مِنْهَاجِ أَبَوَيَّ مُؤْتَسِياً بِهِمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا حَتَّى أَلْقَاهُمَا(1).
ص: 54
دخل الصادق صلوات اللَّه عليه الحمام فقال له صاحب الحمام نخلية لك؟ قال: لا، ان المؤمن خفيف المؤونة(1).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام لصعصعة بن صوحان: انك خفيف المؤونة كثير المعونة(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: المؤمن حسن المعونة خفيف المؤونة جيد التدبير(3).
عن الحسن البصري قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها(4).
كان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن ويبيعه ويأكل منه ويقول: لا أحبّ أن آكل إلّا من عمل يدي وكان تَعَلّم سف الخوص من المدينة وأوّل مشاهده الخندق وقد روي أنّه شهد بدراً وأُحداً ولم يفته بعد ذلك مشهد(5).
عنِ أصبغ بن نباتة قال: سَأَلْتُ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: مَا تَقُولُ فِيهِ فَقَالَ: مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خُلِقَ مِنْ طِينَتِنَا وَرُوحُهُ مَقْرُونَةٌ بِرُوحِنَا خَصَّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ الْعُلُومِ بِأَوَّلِهَا وَآخِرِهَا وَظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَسِرِّهَا وَعَلانِيَتِهَا وَلَقَدْ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلْمَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ
ص: 55
فَدَخَلَ أَعْرَابِيٌّ فَنَحَّاهُ عَنْ مَكَانِهِ وَجَلَسَ فِيهِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى دَرَّ الْعَرَقُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاحْمَرَّتَا عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ يَا أَعْرَابِيُّ أَ تُنَحِّي رَجُلاً يُحِبُّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي السَّمَاءِ وَيُحِبُّهُ رَسُولُهُ فِي الْأَرْضِ يَا أَعْرَابِيُّ أَ تُنَحِّي رَجُلاً مَا حَضَرَنِي جَبْرَئِيلُ إِلّا أَمَرَنِي عَنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أُقْرِأَهُ السَّلامَ يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّ سَلْمَانَ مِنِّي مَنْ جَفَاهُ فَقَدْ جَفَانِي وَمَنْ آذَاهُ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ بَاعَدَهُ فَقَدْ بَاعَدَنِي وَمَنْ قَرَّبَهُ فَقَدْ قَرَّبَنِي يَا أَعْرَابِيُّ لا تَغْلَظَنَّ فِي سَلْمَانَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُطْلِعَهُ عَلَى عِلْمِ الْمَنَايَا وَالْبَلايَا وَالْأَنْسَابِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ.(1)
قيل: دخل رجل على سلمان فلم يجد في بيته إلّاسيفاً ومصحفاً فقال له: ما في بيتك الّا ما أرى، قال: إن امامنا عقبة كئوداً فانا قد قدمنا متاعنا إلى المنزل اولاً فأولا، وقال وقع حريق بالمدائن فأخذ سلمان سيفه ومصحفه وخرج من البلد وقال هكذا ينجو المخفون(2).
روي أنّ سعد بن أبي وقّاص دخل على سلمان الفارسي يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبداللَّه، توفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو عنك راض وترد الحوض عليه. فقال سلمان: أما أنا أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عهد إلينا فقال لتكن بلغة أحدكم كزاد الراكب وحولي هذه الأوساد، وإنّما حوله إجانة وجفنة ومطهرة(3).
ص: 56
قال تعالى: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ»(1).
وقال تعالى: «قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ»(2).
وقال تعالى: «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(3).
وقال تعالى: «وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(4).
وقال تعالى: «مَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»(5).
وقال تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً»(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْعَفَافُ.(7)
ص: 57
عن أبي بصير قال: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي جَعْفَرٍعليه السلام: إِنِّي ضَعِيفُ الْعَمَلِ قَلِيلُ الصِّيَامِ وَلَكِنِّي أَرْجُو أَنْ لا آكُلَ إِلّا حَلالاً قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَيُّ الاجْتِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ وَفَرْجٍ(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: انّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْمُتَعَفِّفَ وَيُبْغِضُ الْبَذِيَّ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ(2).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه السلام في قوله: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً فَأَمَّا اللِّبَاسُ فَالثِّيَابُ الَّتِي يَلْبَسُونَ وَأَمَّا الرِّيَاشُ فَالْمَتَاعُ وَالْمَالُ وَأَمَّا لِبَاسُ التَّقْوَى فَالْعَفَافُ إِنَّ الْعَفِيفَ لا تَبْدُو لَهُ عَوْرَةٌ وَإِنْ كَانَ عَارِياً مِنَ الثِّيَابِ وَالْفَاجِرُ بَادِي الْعَوْرَةِ وَإِنْ كَانَ كَاسِياً مِنَ الثِّيَابِ يَقُولُ اللَّهُ وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ يَقُولُ الْعَفَافُ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ شَهِيدٌ وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَرَجُلٌ عَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِبَادَةٍ(4).
عن منصور بن حازم عن أبي جعفرعليه السلام قال: مَا مِنْ عِبَادَةٍ أَفْضَلَ مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ وَفَرْجٍ(5).
عن ميمون القداح قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: مَا مِنْ عِبَادَةٍ أَفْضَلَ مِنْ عِفَّةِ
ص: 58
بَطْنٍ وَفَرْجٍ(1).
وعدم العفّة في البطن والفرح يوجب النار.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَكْثَرُ مَا يَرِدُ بِهِ أُمَّتِي النَّارَ الْبَطْنُ وَالْفَرْج(2).
عن أنس قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على أصحابه فقال: مَنْ ضَمنَ لي اثنين ضَمِنتُ لَهُ الجنّة فقال أبو هريرة: فداك أبي وأُمّي يا رسول اللَّه أنا أضمنهما لك، ما هما؟ قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْ ضَمِنَ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ضَمِنْتُ لَهُ الْجَنَّةَ(3).
وقال صلى الله عليه وآله: ثَلاثٌ أَخَافُهُنَّ بَعْدِي عَلَى أُمَّتِي: الضَّلالَةُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَمَضَلّاتُ الْفِتَنِ وَشَهْوَةُ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ(4).
قال المجلسي رحمه الله: قد وقعت الأمّة في كلّ ما خاف صلى الله عليه وآله عليهم إلّا من عصمه اللَّه وهم قليل من الأُمّة(5).
كانواعليهم السلام يقولون لشيعتهم الخلّص ما بين أحدكم والجنّة إلّا أن يبلغ النفس هاهنا أي الحلق.
ص: 59
قال تعالى: «وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ»(1).
وقال تعالى: «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2).
وقال تعالى: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ»(3).
«وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(4).
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا»(5)
«فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ»(6).
عن حمزة بن حمران عن أبي جعفرعليه السلام قال: الْجَنَّةُ مَحْفُوفَةٌ(7) بِالْمَكَارِهِ وَالصَّبْرِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَجَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذاتِ وَالشَّهَوَاتِ فَمَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ لَذَّتَهَا وَشَهْوَتَهَا دَخَلَ النَّارَ(8).
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِبَلاءٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ أَلْفِ شَهِيدٍ(9).
عن العرزمي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُنَالُ الْمُلْكُ فِيهِ إِلّا بِالْقَتْلِ وَالتَّجَبُّرِ وَلا الْغِنَى إِلّا بِالْغَصْبِ وَالْبُخْلِ وَلا
ص: 60
الْمَحَبَّةُ إِلّا بِاسْتِخْرَاجِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَصَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى وَصَبَرَ عَلَى الْبِغْضَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَصَبَرَ عَلَى الذُّلِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِزِّ آتَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقاً مِمَّنْ صَدَّقَ بِي(1).
عن عليّ عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الصَّبْرُ ثَلاثَةٌ صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَصَبْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ وَمَنْ صَبَرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ(2).
قال تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِذَا نُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ وَنُصِبَتِ الْمَوَازِينُ لَمْ يُنْصَبْ لأَهْلِ الْبَلاءِ مِيزَانٌ وَلَمْ يُنْشَرْ لَهُمْ دِيوَانٌ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآْيَةَ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِساب(4)
ص: 61
قال تعالى: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»(1).
وقال تعالى: «إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ»(2).
وقال تعالى: «أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً»(3).
وقال تعالى: «وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»(4).
قال تعالى: «وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً»(5).
ص: 62
قال تعالى: «ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ»(1).
وقال تعالى: «جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»(2).
وقال تعالى: «لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولًا»(3).
وقال تعالى: «خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً»(4).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: الدُّنيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَة(5).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ»(6).
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
ص: 63
سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ»(1).
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(2).
وعن محمّد بن عليّ الباقرعليه السلام: إِنَّ للَّهِ ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلائِكَةً مُوَكَّلِينَ بِالصَّائِمِينَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى آخِرِهِ وَيُنَادُونَ الصَّائِمِينَ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ إِفْطَارِهِمْ أَبْشِرُوا عِبَادَ اللَّهِ فَقَدْ جُعْتُمْ قَلِيلاً وَسَتَشْبَعُونَ كَثِيرا(3).
قال تعالى: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ»(4).
قال تعالى: «الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»(5).
ص: 64
بعدم حصول علقة لهم بها «لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»(1).
من مكاشفات أميرالمؤمنين عليه السلام ما رواه الصادق عن آبائه عليهم السلام أنّه قال: إِنِّي كُنْتُ بِفَدَكَ فِي بَعْضِ حِيطَانِهَا وَقَدْ صَارَتْ لِفَاطِمَةَعليها السلام إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ هَجَمَتْ عَلَيَّ وَفِي يَدِي مِسْحَاةٌ وَأَنَا أَعْمَلُ بِهَا فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهَا طَارَ قَلْبِي مِمَّا تَدَاخَلَنِي مِنْ جَمَالِهَا فَشَبَّهْتُهَا بِبُثَيْنَةَ(2) بِنْتِ عَامِرٍ الْجُمَحِيِّ وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ لِي يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ هَلْ لَكَ أَنْ تَزَوَّجَنِي وَأُغْنِيَكَ عَنْ هَذِهِ الْمِسْحَاةِ وَأَدُلَّكَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَيَكُونَ لَكَ الْمُلْكُ مَا بَقِيتَ فَقُلْتُ لَهَا مَنْ أَنْتِ حَتَّى أَخْطُبَكِ مِنْ أَهْلِكِ فَقَالَتْ أَنَا الدُّنْيَا فَقُلْتُ لَهَا ارْجِعِي فَاطْلُبِي زَوْجاً غَيْرِي فَلَسْتِ مِنْ شَأْنِي وَأَقْبَلْتُ عَلَى مِسْحَاتِي(3) وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ
لَقَدْ خَابَ مَنْ غَرَّتْهُ دُنْيَا دَنِيَّةٌ * وَمَا هِيَ إِنْ غَرَّتْ قُرُوناً بِطَائِلٍ
أَتَتْنَا عَلَى زِيِّ الْعَزِيزِ بُثَيْنَةَ * وَزِينَتُهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الشَّمَائِلِ
فَقُلْتُ لَهَا غُرِّي سِوَايَ فَإِنَّنِي * عَزُوفٌ عَنِ الدُّنْيَا وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ
وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا فَإِنَّ مُحَمَّداً * رَهِينٌ بِقَفْرٍ بَيْنَ تِلْكَ الْجَنَادِلِ
وَهَبْهَا أَتَتْنَا بِالْكُنُوزِ وَدُرِّهَا * وَأَمْوَالِ قَارُونَ وَمُلْكِ الْقَبَائِلِ
أَ لَيْسَ جَمِيعاً لِلْفَنَاءِ مَصِيرُهَا * وَيُطْلَبُ مِنْ خُزَّانِهَا بِالطَّوَائِلِ
ص: 65
فَغُرِّي سِوَايَ إِنَّنِي غَيْرُ رَاغِبٍ * لِمَا فِيكِ مِنْ عِزٍّ وَمُلْكٍ وَنَائِلٍ
وَقَدْ قَنِعَتْ نَفْسِي بِمَا قَدْ رُزِقْتُهُ * فَشَأْنَكِ يَا دُنْيَا وَأَهْلَ الْغَوَائِلِ
فَإِنِّي أَخَافُ اللَّهَ يَوْمَ لِقَائِهِ * وَأَخْشَى عِتَاباً دَائِماً غَيْرَ زَائِلٍ(1)
وكان عليه السلام يخاطب الدنيا: أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لا حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي، لا حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثاً لا رَجْعَةَ فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِير(2).
قيل لأبي ذرّ عند الموت: يا أبا ذرّ ما مالك؟ قال: عملي. قالوا: إنّا نسألك عن الذهب والفضّة، قال: ما أصبح فلا أمسي وما أمسي فلا أصبح لنا كندوج ندع فيه حر(3) متاعنا، سمعت حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: كندوج المرء قبره(4).
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: أَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ مَوْلَيَيْنِ لَهُ وَمَعَهُمَا مِائَتَا دِينَارٍ فَقَالَ لَهُمَا انْطَلِقَا إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقُولا لَهُ إِنَّ عُثْمَانَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ هَذِهِ مِائَتَا دِينَارٍ فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى مَا نَابَكَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ هَلْ أَعْطَى أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ مَا أَعْطَانِي قَالا لا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسَعُنِي مَا يَسَعُ الْمُسْلِمِينَ قَالا لَهُ إِنَّهُ يَقُولُ هَذَا مِنْ صُلْبِ مَالِي وَبِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ مَا خَالَطَهَا حَرَامٌ وَلا بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ إِلّا مِنْ حَلالٍ فَقَالَ لا حَاجَةَ لِي فِيهَا وَقَدْ أَصْبَحْتُ يَوْمِي هَذَا وَأَنَا مِنْ أَغْنَى النَّاسِ فَقَالا لَهُ عَافَاكَ اللَّهُ وَأَصْلَحَكَ
ص: 66
مَا نَرَى فِي بَيْتِكَ قَلِيلاً وَلا كَثِيراً مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ فَقَالَ بَلَى تَحْتَ هَذَا الْإِكَافِ(1) الَّذِي تَرَوْنَ رَغِيفَا شَعِيرٍ قَدْ أَتَى عَلَيْهِمَا أَيَّامٌ فَمَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ الدَّنَانِير(2).
وقوله عليه السلام: «اسرتهم ففدوا أنفسهم منها» مع ان العارفين لا يقعون في حبالتها حتّى يطلقوا أنفسهم منها نظير قوله عليه السلام: «قد طلّقتك ثلاثا» مع أنّه عليه السلام لم يتزوّجها حتّى يطلّقها وإنّما قال عليه السلام ذلك لأنّ البشر لمّا كان بطبعه وقواه في مظنّة الأسر والوقوع في حبالتها «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ»(3) ودفعوا تلك المقتضيات الناسوتيّة بالموانع اللاهوتيّة فكأنّهم فدوا أنفسهم منها وطلقوها.
سأل الصادق عليه السلام عبداللَّه بن سنان عن قول اللَّه عزّ وجلّ «سِيمَاهُمْ فِي
ص: 67
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»(1)؛ قال عليه السلام: هو السهر في الصلاة(2).
قال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً»(3).
وقال تعالى: «وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى»(4).
وقال تعالى: «يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ»(5).
وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ»(6).
وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا»(7).
وقال تعالى: «أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ»(8).
وقال تعالى: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا»(9).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثَةً التَّهَجُّدَ بِاللَّيْلِ وَإِفْطَارَ الصَّائِمِ وَلِقَاءَ الْإِخْوَانِ(10).
ص: 68
وقال أبو الحسن الأوّل عليه السلام في قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ»(1) قال: صَلاةُ اللَّيْلِ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: عَلَيْكُمْ بِصَلاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ وَأَدَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَمَطْرَدَةُ الدَّاءِ عَنْ أَجْسَادِكُمْ(3).
روى هشام بن سالم عنه أنّه قال: في قول اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا»قال: قِيَامَ الرَّجُلِ عَنْ فِرَاشِهِ يُرِيدُ بِهِ اللَّهَ لا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَهُ(4).
وروى فضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إِنَّ الْبُيُوتَ الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا بِاللَّيْلِ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ تُضِي ءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِي ءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لأَهْلِ الْأَرْضِ(5).
عن إبراهيم بن عمر عمّن حدّثه عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ»(6) قال: صَلاةَ الْمُؤْمِنِ بِاللَّيْلِ يَذْهَبُ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَنْبٍ بِالنَّهَارِ(7).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْ كَثُرَ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ(8).
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَشَكَا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَأَفْرَطَ فِي الشِّكَايَةِ حَتَّى
ص: 69
كَادَ أَنْ يَشْكُوَ الْجُوعَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَا هَذَا أَ تُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَقَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ فَالْتَفَتَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَجُوعُ بِالنَّهَارِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَمَّنَ صَلاةَ اللَّيْلِ قُوتَ النَّهَارِ(1).
عن الصادق عليه السلام: كَانَ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ بِهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام أَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ عِمْرَانَ كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي أَ لَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ هَا أَنَا يَا ابْنَ عِمْرَانَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ حَوَّلْتُ أَبْصَارَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ وَمَثَّلْتُ عُقُوبَتِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ يُخَاطِبُونِّي عَنِ الْمُشَاهَدَةِ وَيُكَلِّمُونِّي عَنِ الْحُضُورِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ وَادْعُنِي فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ فَإِنَّكَ تَجِدُنِي قَرِيباً مُجِيباً(2).
وقال تعالى: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3).
روى جابر بن إسماعيل عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ عُشْرَ لَيْلَةٍ للَّهِ ِ مُخْلِصاً ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلائِكَتِهِ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي هَذَا مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدَ مَا أَنْبَتَ فِي اللَّيْلِ مِنْ حَبَّةٍ وَوَرَقَةٍ وَشَجَرَةٍ وَعَدَدَ كُلِّ
ص: 70
قَصَبَةٍ وَخُوصٍ وَمَرْعًى وَمَنْ صَلَّى تُسُعَ لَيْلَةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَشْرَ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ وَأَعْطَاهُ اللَّهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَمَنْ صَلَّى ثُمُنَ لَيْلَةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ صَابِرٍ صَادِقِ النِّيَّةِ وَشُفِّعَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَنْ صَلَّى سُبُعَ لَيْلَةٍ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ يُبْعَثُ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ حَتَّى يَمُرَّ عَلَى الصِّرَاطِ مَعَ الآْمِنِينَ وَمَنْ صَلَّى سُدُسَ لَيْلَةٍ كُتِبَ فِي الْأَوَّابِينَ(1) وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَلَّى خُمُسَ لَيْلَةٍ زَاحَمَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ فِي قُبَّتِهِ(2) وَمَنْ صَلَّى رُبُعَ لَيْلَةٍ كَانَ فِي أَوَّلِ الْفَائِزِينَ(3) حَتَّى يَمُرَّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالرِّيحِ الْعَاصِفِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَنْ صَلَّى ثُلُثَ لَيْلَةٍ لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ إِلّا غَبَطَهُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِيلَ لَهُ ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شِئْتَ وَمَنْ صَلَّى نِصْفَ لَيْلَةٍ فَلَوْ أُعْطِيَ مِلْ ءَ الْأَرْضِ ذَهَباً سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَمْ يَعْدِلْ جَزَاءَهُ وَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ صَلَّى ثُلُثَيْ لَيْلَةٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ قَدْرُ رَمْلِ عَالِجٍ(4) أَدْنَاهَا حَسَنَةٌ أَثْقَلُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَمَنْ صَلَّى لَيْلَةً تَامَّةً تَالِياً لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَاكِعاً وَسَاجِداً وَذَاكِراً أُعْطِيَ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَدْنَاهُ يَخْرُجُ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَيُكْتَبُ لَهُ
ص: 71
عَدَدُ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَمِثْلهَا دَرَجَاتٌ وَيَثْبُتُ النُّورُ فِي قَبْرِهِ وَيُنْزَعُ الْإِثْمُ وَالْحَسَدُ مِنْ قَلْبِهِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيُعْطَى بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَيُبْعَثُ مِنَ الآْمِنِينَ وَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلائِكَتِهِ يَا مَلائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي أَحْيَا لَيْلَةً ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أَسْكِنُوهُ الْفِرْدَوْسَ وَلَهُ فِيهَا مِائَةُ أَلْفِ مَدِينَةٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ جَمِيعُ مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالٍ سِوَى مَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْمَزِيدِ وَالْقُرْبَةِ(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الْقُرْآنُ هُدًى مِنَ الضَّلالِ وَتِبْيَانٌ مِنَ الْعَمَى وَاسْتِقَالَةٌ مِنَ الْعَثْرَةِ وَنُورٌ مِنَ الظُّلْمَةِ وَضِيَاءٌ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَعِصْمَةٌ مِنَ الْهَلَكَةِ وَرُشْدٌ مِنَ الْغَوَايَةِ وَبَيَانٌ مِنَ الْفِتَنِ وَبَلاغٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الآْخِرَةِ وَفِيهِ كَمَالُ دِينِكُمْ وَمَا عَدَلَ أَحَدٌ عَنِ الْقُرْآنِ إِلّا إِلَى النَّارِ(2).
قال أبو جعفرعليه السلام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَنَا أَوَّلُ وَافِدٍ عَلَى الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكِتَابُهُ وَأَهْلُ بَيْتِي ثُمَّ أُمَّتِي ثُمَّ أَسْأَلُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِأَهْلِ بَيْتِي(3).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصاياه لابنه محمّد بن الحنفيّةرضى الله عنه: وَعَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَلُزُومِ فَرَائِضِهِ وَشَرَائِعِهِ وَحَلالِهِ وَحَرَامِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
ص: 72
وَالتَّهَجُّدِ بِهِ وَتِلاوَتِهِ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ فَإِنَّهُ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى خَلْقِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ كُلَّ يَوْمٍ فِي عَهْدِهِ وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً وَاعْلَمْ أَنَّ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ عَلَى عَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ فَلا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهُ(1).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: يَجِي ءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنِ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ صُورَةً فَيَمُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُونَ هَذَا الرَّجُلُ مِنَّا فَيُجَاوِزُهُمْ إِلَى النَّبِيِّينَ فَيَقُولُونَ هُوَ مِنَّا فَيُجَاوِزُهُمْ إِلَى الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فَيَقُولُونَ هُوَ مِنَّا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ يَا رَبِّ فُلانُ بْنُ فُلانٍ أَظْمَأْتُ هَوَاجِرَهُ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفُلانُ بْنُ فُلانٍ لَمْ أُظْمِئْ هَوَاجِرَهُ وَلَمْ أُسْهِرْ لَيْلَهُ فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَقُومُ فَيَتَّبِعُونَهُ فَيَقُولُ لِلْمُؤْمِنِ اقْرَأْ وَارْقَهْ قَالَ فَيَقْرَأُ وَيَرْقَى حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتَهُ الَّتِي هِيَ لَهُ فَيَنْزِلُهَا(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِأَلْحَانِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْفِسْقِ وَأَهْلِ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهُ سَيَجِي ءُ مِنْ بَعْدِي أَقْوَامٌ يُرَجِّعُونَ الْقُرْآنَ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ لا يَجُوزُ تَرَاقِيَهُمْ قُلُوبُهُمْ مَقْلُوبَةٌ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُ شَأْنُهُمْ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ أميرُالمؤمنين: أَلا لا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّر(4).
ص: 73
عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الذَّاكِرِينَ وَمَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ وَمَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْخَاشِعِينَ وَمَنْ قَرَأَ ثَلاثَ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ وَمَنْ قَرَأَ خَمْسَمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ وَالْقِنْطَارُ خَمْسونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطاً أَصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْض(1).
عن المفضّل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام أنّه قال: عَلَيْكُمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلاقِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّهَا وَإِيَّاكُمْ وَمَذَامَّ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُهَا وَعَلَيْكُمْ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ عَلَى عَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةً رَقِيَ دَرَجَة(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا حَسَدَ إِلّا فِي اثْنَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ(3).
وفي بعض ما أوصى به النبيّ صلى الله عليه وآله أبا ذرّ: عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ كَثِيراً فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ وَنُورٌ لَكَ فِي الْأَرْض(4).
ومن طريق العامّة:أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ مَوْقُوذٌ أَوْ قَالَ مَحْمُومٌ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ وَعَكَكَ أَوْ حُمَّاكَ فَقَالَ لَهُ مَا مَنَعَنِي ذَلِكَ أَنْ قَرَأْتُ
ص: 74
اللَّيْلَةَ ثَلاثِينَ سُورَةً فِيهِنَّ السَّبْعُ الطُّوَلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَأَنْتَ تَجْتَهِدُ هَذَا الاجْتِهَادَ فَقَالَ أَ فَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً(1).
عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ يُصَلِّي بِهَا فِي لَيْلَةٍ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا قُنُوتَ لَيْلَةٍ وَمَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ فِي ليلة من غير صلاة الليل كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قِنْطَاراً مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ وَالْأُوقِيَّةُ أَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ(2).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَائِماً فِي صَلاتِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةَ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَرَأَهُ فِي صَلاتِهِ جَالِساً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسِينَ حَسَنَةً وَمَنْ قَرَأَهُ فِي غَيْرِ صَلاتِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ أميرُالمؤمنين: الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُذْكَرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ وَتَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ وَيُضِي ءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِي ءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ (كما تضئ الكواكب) لأَهْلِ الْأَرْضِ وَالْبَيْتُ الَّذِي لا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَلا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ وَتَهْجُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِين(4).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ الْبَيْتَ إِذَا كَانَ فِيهِ الْمُسْلِمُ يَتْلُو الْقُرْآنَ يَتَرَائَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ كَمَا يَتَرَاءَى أَهْلُ الدُّنْيَا الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي السَّمَاءِ(5).
ص: 75
قال الطبرسي في قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً» روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام في معناه انه قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: بَيِّنْهُ تِبْيَاناً وَلا تَهُذَّهُ هَذَّ الشِّعْرِ وَلا تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلَكِنْ اقرع به القلوب (أَفْزِعُوا قُلُوبَكُمُ) الْقَاسِيَةَ وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ(1).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً»(2): انّه حِفْظُ الْوُقُوفِ وَأَدَاءُ الْحُرُوفِ(3).
وفسر الوقوف بالوقف التام، وهو الوقوف على كلام لا تعلق له بما بعده لفظاً ولا معنى وبالحسن وهو الذي له تعلّق. وفسّر الثاني بالإتيان بالصفات المعتبرة عند القراء من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق ونحوها(4).
قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً» قال: هُوَ أَنْ تَتَمَكَّثَ فِيهِ وَتُحَسِّنَ بِهِ صَوْتَكَ(5).
عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْناً وَقَرَأَعليه السلام: «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ»(6).(7)
عن معاوية بن عمّار قال: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: الرَّجُلُ لا يَرَى أَنَّهُ صَنَعَ شَيْئاً
ص: 76
فِي الدُّعَاءِ وَفِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: لا بَأْسَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى يُسْمِعَهُ أَهْلَ الدَّارِ وَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍعليه السلام كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَقَرَأَ رَفَعَ صَوْتَهُ فَيَمُرُّ بِهِ مَارُّ الطَّرِيقِ مِنَ السَّاقِينَ وَغَيْرِهِمْ فَيَقُومُونَ فَيَسْتَمِعُونَ إِلَى قِرَاءَتِهِ(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِذَا مَرَرْتَ بِ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الجنة فأسأل اللَّه الجنة واذا مررت بآية فيها ذكر النَّارِ فَقِفْ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ(2).
قال القمي في قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً»: بَيِّنْهُ تِبْيَاناً وَلا تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلا تَهُذَّهُ هَذَّ الشِّعْرِ وَلَكِنْ افزع (أَقْرِعْ) بِهِ الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِالْحُزْنِ فَاقْرَءُوهُ بِالْحُزْنِ(4).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَحْسَنُ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ قَالَ مَنْ إِذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ(5).
قال حفص: فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍعليه السلام
ص: 77
وَلا أَرْجَى النَّاسِ مِنْهُ وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ حُزْناً فَإِذَا قَرَأَ فَكَأَنَّهُ يُخَاطِبُ إِنْسَاناً(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ وَكَانَ السَّقَّاءُونَ يَمُرُّونَ فَيَقِفُونَ بِبَابِهِ يَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ(2).
عن عليّ بن محمّد النوفلي عن أبي الحسن عليه السلام قال: ذَكَرْتُ الصَّوْتَ عِنْدَهُ فَقَالَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِ الْمَارُّ فَصَعِقَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ وَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً لَمَا احْتَمَلَهُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِهِ قُلْتُ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَانَ يُحَمِّلُ النَّاسَ مِنْ خَلْفِهِ مَا يُطِيقُونَ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحى إلى مُوسَى بنِ عمران عليه السلام: إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيَّ فَقِفْ مَوْقِفَ الذَّلِيلِ الْفَقِيرِ وَإِذَا قَرَأْتَ التَّوْرَاةَ فَأَسْمِعْنِيهَا بِصَوْتٍ حَزِينٍ(4).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(5).
ص: 78
وقال تعالى: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(1).
وقال تعالى: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ»(2).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: مَنْ لَمْ يَسْتَشْفِ بِالْقُرْآنِ فَلا شَفَاهُ اللَّهُ(3).
وقال الصادق عليه السلام: مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ مِنْ أَيِّ آيِ الْقُرْآنِ شَاءَ ثُمَّ قَالَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَا اللَّهُ فَلَوْ دَعَا عَلَى الصُّخُورِ فَلَقَهَا(4).
عن أبي إبراهيم عليه السلام أنّه قال: مَنِ اسْتَكْفَى بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ كَفَى إِذَا كَانَ بِيَقِينٍ(5).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: الْقُرْآنُ هُوَ الدَّوَاءُ(6).
وقال العالم عليه السلام: فِي الْقُرْآنِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاء(7).
عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: شَكَا رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَجَعاً فِي صَدْرِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وآله اسْتَشْفِ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ»(8).(9)
عن جابر الأنصاري قال: خرجنا مع النبيّ صلى الله عليه وآله في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل من المسلمين امرأة من المشركين، فلمّا انصرف النبيّ صلى الله عليه وآله قافلا أتى زوجها
ص: 79
وكان غائباً فحلف ألّا ينتهي حتّى يهرق في أصحاب محمّد دماً فخرج يتّبع أثر النبيّ صلى الله عليه وآله فنزل النبيّ صلى الله عليه وآله منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن، قال فكونا بفم الشعب، وكان صلى الله عليه وآله وأصحابه قدنزلوا الشعب من بطن الوادي، فلمّا خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري أي الليل تحب أن أكفيكه أوّله أو آخره؟ قال: أوّله فاضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلّي، وأتى زوج المرأة فلمّا رأى شخص الرجل عرف انّه ربيئة القوم فرمى بسهم فوضعه فيه فنزعه الأنصاري وثبت قائماً يصلّي ثمّ رماه بآخر فوضعه فيه فنزعه أيضاً وثبت قائماً يصلّي ثمّ عاد له بثالث فوضعه فيه فنزعه ثمّ ركع وسجد ثمّ أهب صاحبه، فقال: اجلس فقد أتيت فوثب المهاجري فلمّا رآهما الرجل عرف انّهم قد نذروا به. ولمّا رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان اللَّه أفلا أهببتني أوّل ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرأها فلم أحبّ أن أقطعها حتّى أنفدها، فلمّا تتابع عليّ الرمي ركعت فاذنتك وأيم اللَّه لو لا ان اضيع ثغرا أمرني النبيّ صلى الله عليه وآله بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها(1).
كقوله تعالى: «أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ
ص: 80
لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ»(1).
وكقوله تعالى: «وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ»(2).
وكقوله تعالى: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ»(3).
وكقوله تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ»(4).
وكقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا»(5).
ص: 81
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قالَ أميرُالمؤمنين عليه السلام: أَلا لا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ أَلا لا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ أَلا لا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ(1).
عن الزهري قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: آيَاتُ الْقُرْآنِ خَزَائِنُ فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خِزَانَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا فِيهَا(2).
كقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(3).
وقال تعالى: «وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ»(4).
وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ»(5).
وقال تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً»(6).
وقال تعالى: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ»(7).
وقال تعالى: «وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ»(8).
ص: 82
وقال تعالى: «ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ»(1).
وقال تعالى: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا»(2).
وقال تعالى: «فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ»(3).
وقال تعالى: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ»(4).
وقال تعالى: «مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ»(5).
وقال تعالى: «جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ»(6).
ومن آداب التلاوة السؤال عند آيات الوعد والاستعاذة عند آيات الوعيد.
وروى محمّد بن علي عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: إذا سألتُم اللَّه فَسَلُوه بِباطِنِ الكفّين، وإذا استعذتموه فاستعيذوه بظاهرهما(7).
قال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ»(8).
ص: 83
وقال تعالى: «لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ»(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ إِذَا صَلَّى أَنْ يُرَتِّلَ فِي قِرَاءَتِهِ فَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَذِكْرُ النَّارِ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ وَإِذَا مَرَّبِ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» وَ«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» يَقُولُ لَبَّيْكَ رَبَّنَا(2).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ إِذَا مَرَّ بِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهَا مَسْأَلَةٌ أَوْ تَخْوِيفٌ أَنْ يَسْأَلَ عِنْدَ ذَلِكَ خَيْرَ مَا يَرْجُو وَيَسْأَلَ الْعَافِيَةَ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعَذَابِ(3).
عن الزهري قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إِذَا قَرَأَ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يُكَرِّرُهَا حَتَّى يَكَادَ أَنْ يَمُوتَ(4).
عن الحارث بن المغيرة أو أبيه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ قَالَ: كَانَ فِيهَا الْأَعَاجِيبُ وَكَانَ أَعْجَبَ مَا كَانَ فِيهَا أَنْ قَالَ لابْنِهِ خَفِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَهُ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ وَارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَوْ جِئْتَهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: كَانَ أَبِي يَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلّا [وَ] فِي قَلْبِهِ نُورَانِ نُورُ خِيفَةٍ وَنُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا(5).
ص: 84
الكلام كناية عن الركوع فيجب فيه الانحناء بحد تصل به الكفّان إلى الركبتين، ومن آدابه أن يكون بحيث لو صبّ الدهن على ظهره يبقى عليه.
عن أبان بن تغلب قال: دخلت على أبي عبداللَّه عليه السلام وهو يصلّي فعددت له في الركوع والسجود ستّين تسبيحة(1).
الكلام كناية عن السجود فيجب فيه وضع الأعضاء السبعة: الجبهة والكفّين والركبتين وإبهامي الرجلين على الأرض.
روي أنّ المعتصم سأل أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام عن قوله تعالى: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ ِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»(2) فقال: هِيَ الْأَعْضَاءُ السَّبْعَةُ الَّتِي يُسْجَدُ عَلَيْهَا(3).
عن زرارة قال: قال أبو جعفرعليه السلام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ وَتُرْغِمُ بِأَنْفِكَ إِرْغَاماً فَأَمَّا الْفَرْضُ فَهَذِهِ السَّبْعَةُ وَأَمَّا الْإِرْغَامُ بِالْأَنْفِ فَسُنَّةٌ مِنَ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله(4).
قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
ص: 85
تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»(1).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: عَلِّمْنِي عَمَلاً يُحِبُّنِي اللَّهُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّنِي الْمَخْلُوقُون... فقال صلى الله عليه وآله: وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَحْشُرَكَ اللَّهُ مَعِي فَأَطِلِ السُّجُودَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار(2).
قال تعالى: «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً»(3).
ووصف به أنبيائه وأوليائه ومدحهم في اتّصافهم به في كتابه فقال في حقّ الخليل: «فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ ِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»(1) وقال: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ»(2).
وقال تعالى: «إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»(3) وغيرها من الآيات.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اللهّمّ أغنني بالعلم وزيّنّي بالحلم(4).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِم(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ثَلاثٌ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَلا يُعْتَدَّنَّ بِشَيْ ءٍ مِنْ عَمَلِهِ تَقْوَى يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ حِلْمٌ يَكُفُّ بِهِ السَّفِيهَ أَوْ خُلُقٌ يَعِيشُ بِهِ فِي النَّاسِ(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: مَا أَعَزَّ اللَّهُ بِجَهْلٍ قَطُّ وَلا أَذَلَّ بِحِلْمٍ قَطُّ(7).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: كان عليّ بن الحُسين عليه السلام يقول: إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي الرَّجُلُ أَنْ يُدْرِكَهُ حِلْمُهُ عِنْدَ غَضَبِهِ(8).
ص: 87
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: كَفَى بِالْحِلْمِ نَاصِراً وَقَالَ إِذَا لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ(1).
عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْحَلِيمَ الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ بَطَّالٌ يُضْحِكُ النَّاسَ مِنْهُ فَقَالَ قَدْ أَعْيَانِي هَذَا الرَّجُلُ أَنْ أُضْحِكَهُ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ قَالَ فَمَرَّ عَلِيٌ عليه السلام وَخَلْفَهُ مَوْلَيَانِ لَهُ قَالَ فَجَاءَ الرَّجُلُ حَتَّى انْتَزَعَ رِدَاءَهُ مِنْ رَقَبَتِهِ ثُمَّ مَضَى فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ عَلِيٌ عليه السلام فَاتَّبَعُوهُ وَأَخَذُوا الرِّدَاءَ مِنْهُ فَجَاءُوا بِهِ فَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا له: هَذَا رَجُلٌ بَطَّالٌ يُضْحِكُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ قُولُوا لَهُ إِنَّ للَّهِ ِ يَوْماً يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ(3).
عن حفص بن أبي عائشة قال: بَعَثَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام غُلاماً لَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَبْطَأَ فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام عَلَى أَثَرِهِ لَمَّا أَبْطَأَ فَوَجَدَهُ نَائِماً فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ يُرَوِّحُهُ حَتَّى انْتَبَهَ فَلَمَّا تَنَبَّهَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: يَا فُلانُ وَاللَّهِ مَا ذَلِكَ لَكَ تَنَامُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَكَ اللَّيْلُ وَلَنَا مِنْكَ النَّهَارُ(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِذَا وَقَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مُنَازَعَةٌ نَزَلَ مَلَكَانِ فَيَقُولانِ لِلسَّفِيهِ مِنْهُمَا قُلْتَ وَقُلْتَ وَأَنْتَ أَهْلٌ لِمَا قُلْتَ سَتُجْزَى بِمَا قُلْتَ وَيَقُولانِ لِلْحَلِيمِ مِنْهُمَا صَبَرْتَ وَحَلُمْتَ سَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنْ أَتْمَمْتَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ رَدَّ الْحَلِيمُ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْمَلَكَانِ(5).
ص: 88
ان العلم إذا لم يكن مقروناً بالبرّ والتقوى لا نفع فيه بل يضرّ بصاحبه:
قال تعالى: «فَلَا تَجْعَلُوا للَّهِ ِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).
وقال تعالى: «وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(2).
وقال تعالى: «لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(3).
وقال تعالى: «لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(4).
وقال تعالى: «ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(5).
وقال تعالى: «وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ»(6).
وقال تعالى: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(7).
اعلم انّ الآيات وردت مورد الذمّ لهم من جهة عدم كون علمهم مقروناً بالتقوى لا بما هو هو ضرورة ان العلم في حدّ ذاته جوهر شريف ودرّ ثمين وان العلم الحقيقي أثره الخشية كما قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(8).
ص: 89
قال الصادق عليه السلام: الخَشْيَةُ مِيرَاثُ الْعِلْمِ وميزانه وَالْعِلْمُ شُعَاعُ الْمَعْرِفَةِ وَقَلْبُ الْإِيمَانِ وَمَنْ حُرِمَ الْخَشْيَةَ لا يَكُونُ عَالِماً وَإِنْ شَقَّ الشَّعْرَ بمُتَشَابِهَاتِ الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وَآفَةُ الْعُلَمَاءِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ الطَّمَعُ وَالْبُخْلُ وَالرِّيَاءُ وَالْعَصَبِيَّةُ وَحُبُّ الْمَدْحِ وَالْخَوْضُ فِيمَا لَمْ يَصِلُوا إِلَى حَقِيقَتِهِ وَالتَّكَلُّفُ فِي تَزْيِينِ الْكَلامِ بِزَوَائِدِ الْأَلْفَاظِ وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ وَالافْتِخَارُ وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِمَا عَلِمُوا(1).
قال عيسى بن مريم عليه السلام أَشْقَى النَّاسِ مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ مَجْهُولٌ بِعَمَلِهِ(2).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: لا تَجْلِسُوا عِنْدَ كُلِّ دَاعٍ مُدَّعٍ يَدْعُوكُمْ مِنَ الْيَقِينِ إِلَى الشَّكِّ وَمِنَ الْإِخْلاصِ إِلَى الرِّيَاءِ وَمِنَ التَّوَاضُعِ إِلَى الْكِبْرِ وَمِنَ النَّصِيحَةِ إِلَى الْعَدَاوَةِ وَمِنَ الزُّهْدِ إِلَى الرَّغْبَةِ وَتَقَرَّبُوا إِلَى عَالِمٍ يَدْعُوكُمْ مِنَ الْكِبْرِ إِلَى التَّوَاضُعِ وَمِنَ الرِّيَاءِ إِلَى الْإِخْلاصِ وَمِنَ الشَّكِّ إِلَى الْيَقِينِ وَمِنَ الرَّغْبَةِ إِلَى الزُّهْدِ وَمِنَ الْعَدَاوَةِ إِلَى النَّصِيحَةِ وَلا يَصْلُحُ لِمَوْعِظَةِ الْخَلْقِ إِلّا مَنْ خَافَ هَذِهِ الآْفَاتِ بِصِدْقِهِ وَأَشْرَفَ عَلَى عُيُوبِ الْكَلامِ وَعَرَفَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ وَعِلَلَ الْخَوَاطِرِ وَفِتَنَ النَّفْسِ وَالْهَوَى(3).
وقال صلى الله عليه وآله أيضاً: عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلانِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً فَطَلَبَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ وَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعاً وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَذَلِكَ
ص: 90
يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي الْبُحُورِ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَيَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ سَيِّداً شَرِيفاً وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً فَبَخِلَ بِهِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعاً وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَذَلِكَ يُلْجَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ وَيُنَادِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ هَذَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً فِي دَارِ الدُّنْيَا فَبَخِلَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحِسَابِ(1).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: إِنَّ أَوْضَعَ الْعِلْمِ مَا وَقَفَ عَلَى اللِّسَانِ وَأَرْفَعَهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ(2).
وقال عليه السلام: إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ وَأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ وَارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُه(3).
سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمّدعليه السلام: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ زُبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَقَدْ سَأَلَهُ وَقَدْ أَمَرَ لَهُ بِشَيْ ءٍ فَسَخِطَ الزُّبَيْرِيُّ وَاسْتَقَلَّهُ فَأَغْضَبَ الْمَنْصُورَ ذَلِكَ مِنَ الزُّبَيْرِيِّ حَتَّى بَانَ فِيهِ الْغَضَبُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَقَالَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ بُورِكَ لِلْمُعْطِي وَالْمُعْطَى فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَيْتُ وَأَنَا غَيْرُ
ص: 91
طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا وَلَقَدْ طَابَتْ بِحَدِيثِكَ هَذَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الزُّبَيْرِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنِ اسْتَقَلَّ قَلِيلَ الرِّزْقِ حَرَمَهُ اللَّهُ كَثِيرَهُ فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ قَلِيلاً وَلَقَدْ كَثُرَ عِنْدِي بِحَدِيثِكَ هَذَا قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ الزُّبَيْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ؟ فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَبَلَغَتْ فِي يَدِي خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ مَثَلُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ مَثَلُ الْغَيْثِ حَيْثُ وَقَعَ نَفَعَ(1).
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌ عليه السلام كُلَّ بُكْرَةٍ يَطُوفُ فِي أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ سُوقاً سُوقاً وَمَعَهُ الدِّرَّةُ عَلَى عَاتِقِهِ وَكَانَ لَهَا طَرَفَانِ وَكَانَتْ تُسَمَّى السَّبِيبَةَ فَيَقِفُ عَلَى سُوقٍ سُوقٍ فَيُنَادِي يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ قَدِّمُوا الاسْتِخَارَةَ وَتَبَرَّكُوا بِالسُّهُولَةِ وَاقْتَرِبُوا مِنَ الْمُبْتَاعِينَ وَتَزَيَّنُوا بِالْحِلْمِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْكَذِبِ وَالْيَمِينِ وَتَجَافَوْا عَنِ الظُّلْمِ وَأَنْصِفُوا الْمَظْلُومِينَ وَلا تَقْرَبُوا الرِّبَا وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ يَطُوفُ فِي جَمِيعِ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ فَيَقُولُ هَذَا ثُمَّ يَقُولُ:
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا * مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْإِثْمُ وَالْعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سَوْءٍ فِي مَغَبَّتِهَا * لا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّار(2)
اعلم انّ في اقتران العلم بالحلم في المقام اشعاراً بأن وجود أحدهما بدون الآخر لا ثمرة فيه فان زينة العلم بالحلم وبالعكس:
عن الحسن بن صالح يقول: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام يقول: مَا شِيبَ
ص: 92
شَيْ ءٌ أَحْسَنُ مِنْ حِلْمٍ بِعِلْمٍ(1).
قال أبو الحسن الرضاعليه السلام: مِنْ عَلامَاتِ الْفِقْهِ الْحِلْمُ وَالْعِلْمُ وَالصَّمْتُ الحديث(2).
عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن أبيه عن عليّ عليهم السلام قال: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: مَا جُمِعَ شَيْ ءٌ إِلَى شَيْ ءٍ أَفْضَلُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ(3).
عن جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن الحسين بن علي عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا جُمِعَ شَيْ ءٌ إِلَى شَيْ ءٍ أَفْضَلُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ(4).
قال تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
ص: 93
لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً»(1).
قال في مجمع البيان: «إنّ الأبرار» وهو جمع البر المطيع للَّه المحسن في أفعاله.
وقال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الشر وقيل هم الذين يقضون الحقوق اللازمة والنافلة وقد أجمع أهل البيت عليهم السلام وموافقوهم وكثير من مخالفيهم إن المراد بذلك علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والآية مع ما بعدها متعيّنة فيهم وأيضاً فقد انعقد الإجماع على أنّهم كانوا أبراراً وفي غيرهم خلاف(2).
عن ابن عبّاس وأبي هريرة وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه واللفظ له عن أبي هريرة: أَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله فَشَكَا إِلَيْهِ الْجُوعَ فَبَعَثَ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ فَقُلْنَ مَا عِنْدَنَا إِلّا الْمَاءُ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: مَنْ لِهَذَا الرَّجُلِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَأَتَى فَاطِمَةَ فَقَالَ لَهَا: مَا عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا إِلّا قُوتُ الصِّبْيَةِ لَكِنَّا نُؤْثِرُ ضَيْفَنَا فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام: يا بنت محمدصلى الله عليه وآله نَوِّمِي الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِي الْمِصْبَاحَ وجعلا يمضغان بالسنتهما ولما فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج فوجدت الجفته مملوءة من فضل اللَّه فلمّا اصبح صلّى مع النبي صلى الله عليه وآله فلما سلم النبيّ صلى الله عليه وآله من صلاته نظر إلى أميرالمؤمنين وبكى بكاء شديدا وقال يا أميرالمؤمنين لقد عجب الرب من فعلكم البارحة اقرأ أي مَجَاعَةٌ «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» يَعْنِي: عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهم السلام
ص: 94
«فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1).
عن الباقرعليه السلام: كَانَ عَلِيٌ عليه السلام إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ لَمْ يَزَلْ مُعَقِّباً إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فيعطيهم ويعلم باقى النَّاسِ، الْفِقْهَ وَالْقُرْآن(2).
وقالوا دخل عقيل بعده على معاوية فقال له: أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقد وردت عليهما؟ قال: أخبرك مررت واللَّه بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ونهار كنهار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ليس في القوم، ما رأيت إلا مصلّيا ولا سمعت إلّا قارئا ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول اللَّه ليلة العقبة(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَعْلَى النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ أَخْوَفُهُمْ مِنْهُ(4).
وقال صلى الله عليه وآله: أتمّكم عقلاً أشدّكم للَّه خوفاً وأحسنكم فيما أمر به ونهى عنه نظرا(5).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: مَن خافَ اللَّه خافَه كلّ شي ء(6).
ص: 95
قال صلى الله عليه وآله: مَا مِنْ قَطْرَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَةِ دَمْعٍ خَرَجَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمِنْ قَطْرَةِ دَمٍ سُفِكَتْ فِي سَبِيلِ اللَّه(1).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ وَكَانَتِ الرِّيحُ تُمِيلُهُ مِثْلَ السُّنْبُلَةِ(2).
كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِذَا تَوَضَّأَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ فَيَقُولُ لَهُ أَهْلُهُ مَا هذا الَّذِي يَغْشَاكَ فَيَقُولُ أَ تَدْرُونَ لِمَنْ أَتَأَهَّبُ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ(3).
وفي الحديث: مَا أَشْبَهَهُ (أي أميرالمؤمنين عليه السلام مِنْ وُلْدِهِ وَلا أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ أَقْرَبُ شَبَهاً بِهِ فِي لِبَاسِهِ وَفِقْهِهِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام(4).
وَلَقَدْ دَخَلَ أَبُو جَعْفَرٍعليه السلام ابْنُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ فَرَآهُ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُهُ مِنَ السَّهَرِ وَرَمَصَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَدَبِرَتْ جَبْهَتُهُ وَانْخَزَمَ أَنْفُهُ مِنَ السُّجُودِ وَوَرِمَتْ سَاقَاهُ وَقَدَمَاهُ مِنَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه السلام: فَلَمْ أَمْلِكْ حِينَ رَأَيْتُهُ بِتِلْكَ الْحَالِ الْبُكَاءَ فَبَكَيْتُ رَحْمَةً لَه(5).
عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: قال لي أبو جعفرعليه السلام: يَا أَبَا الْمِقْدَامِ إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍ عليه السلام الشَّاحِبُونَ النَّاحِلُونَ الذَّابِلُونَ ذَابِلَةٌ شِفَاهُهُمْ خَمِيصَةٌ بُطُونُهُمْ مُتَغَيِّرَةٌ أَلْوَانُهُمْ مُصْفَرَّةٌ وُجُوهُهُمْ إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ فِرَاشاً وَاسْتَقْبَلُوا الْأَرْضَ بِجِبَاهِهِمْ كَثِيرٌ سُجُودُهُمْ كَثِيرَةٌ دُمُوعُهُمْ كَثِيرٌ دُعَاؤُهُمْ كَثِيرٌ
ص: 96
بُكَاؤُهُمْ يَفْرَحُ النَّاسُ وَهُمْ يَحْزَنُونَ(1).
رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ لَيْلَةً قَمْرَاءَ فَأَمَّ الْجَبَّانَةَ وَلَحِقَهُ جَمَاعَةٌ يَقْفُونَ أَثَرَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: شِيعَتُكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ فَتَفَرَّسَ فِي وُجُوهِهِمْ ثُمَّ قَالَ: فَمَا لِي لا أَرَى عَلَيْكُمْ سِيمَاءَ الشِّيعَةِ قَالُوا: وَمَا سِيمَاءُ الشِّيعَةِ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: صُفْرُ الْوُجُوهِ مِنَ السَّهَرِ عُمْشُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ حُدْبُ الظُّهُورِ مِنَ الْقِيَامِ خُمُصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ(2).
عن أحدهماعليهما السلام قال: مَرَّ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِمَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ بِيضٍ ثِيَابُهُمْ صَافِيَةٍ أَلْوَانُهُمْ كَثِيرٍ ضِحْكُهُمْ يُشِيرُونَ بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ ثُمَّ مَرَّ بِمَجْلِسٍ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَإِذَا قَوْمٌ بُلِيَتْ مِنْهُمُ الْأَبْدَانُ وَدَقَّتْ مِنْهُمُ الرِّقَابُ وَاصْفَرَّتْ مِنْهُمُ الْأَلْوَانُ وَقَدْ تَوَاضَعُوا بِالْكَلامِ فَتَعَجَّبَ عَلِيٌ عليه السلام مِنْ ذَلِكَ وَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنِّي مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ لآِلِ فُلانٍ ثُمَّ وَصَفَهُمْ وَمَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَوَصَفَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَجَمِيعٌ مُؤْمِنُونَ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِصِفَةِ الْمُؤْمِنِ فَنَكَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: عِشْرُونَ خَصْلَةً فِي الْمُؤْمِنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُهُ إِنَّ مِنْ أَخْلاقِ الْمُؤْمِنِينَ يَا عَلِيُّ الْحَاضِرُونَ الصَّلاةَ وَالْمُسَارِعُونَ إِلَى الزَّكَاةِ وَالْمُطْعِمُونَ الْمِسْكِينَ الْمَاسِحُونَ رَأْسَ الْيَتِيمِ الْمُطَهِّرُونَ أَطْمَارَهُمْ الْمُتَّزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمُ الَّذِينَ إِنْ حَدَّثُوا لَمْ يَكْذِبُوا وَإِذَا وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا وَإِذَا ائْتُمِنُوا
ص: 97
لَمْ يَخُونُوا وَإِذَا تَكَلَّمُوا صَدَقُوا رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ أُسُدٌ بِالنَّهَارِ صَائِمُونَ النَّهَارَ قَائِمُونَ اللَّيْلَ لا يُؤْذُونَ جَاراً وَلا يَتَأَذَّى بِهِمْ جَارٌ الَّذِينَ مَشْيُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنٌ وَخُطَاهُمْ إِلَى بُيُوتِ الْأَرَامِلِ وَعَلَى أَثَرِ الْجَنَائِزِ(1).
قال أبو جعفرعليه السلام: إنّما شيعة عليّ عليه السلام الشاحبُونَ الناحِلُونَ الذابِلون(2).(3)
ذكر النار والجنّة وخوف اللَّه تعالى:
قال تعالى: «أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ»(4).
في الحديث عن سليم بن عامر عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتّى تكون الشمس بمقدار ميل أو ميلين.
قال سليم: فلا أدري أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين؟
ص: 98
ثمّ قال: صهرتهم الشمس فيكونون في العرق بمقدار أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبة ومنه من يلجمه الجاما.
قال: فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يشير بيده إلى فيه قال: يلجمه الجاماً أورده مسلم في الصحيح(1).
قال عمران بن الحصين وأبو سعيد الخدري: نزلت الآيتان من أوّل السورة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(2) ليلاً في غزاة بني المصطلق وهم حي من خزاعة والناس يسيرون فنادى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: فجثوا المطي حتّى كانوا حول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة فلمّا أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام والناس بين باك وجالس حزين متفكّر(3).
عن ليث بن أبي سليم قال: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ يَقُولُ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مُسْتَظِلٌّ بِظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَنَزَعَ ثِيَابَهُ ثُمَّ جَعَلَ يَتَمَرَّغُ فِي الرَّمْضَاءِ يَكْوِي ظَهْرَهُ مَرَّةً وَبَطْنَهُ مَرَّةً وَجَبْهَتَهُ مَرَّةً وَيَقُولُ: يَا نَفْسُ ذُوقِي فَمَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ مِمَّا صَنَعْتُ بِكِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَنْظُرُ إِلَى مَا يَصْنَعُ ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ لَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله بِيَدِهِ وَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ شَيْئاً مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنَ النَّاسِ صَنَعَهُ فَمَا حَمَلَكَ
ص: 99
عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ الرَّجُلُ: حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ مَخَافَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْتُ لِنَفْسِي يَا نَفْسُ ذُوقِي فَمَا عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِمَّا صَنَعْتُ بِكِ فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: لَقَدْ خِفْتَ رَبَّكَ حَقَّ مَخَافَتِهِ فَإِنَّ رَبَّكَ لَيُبَاهِي بِكَ أَهْلَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: يَا مَعَاشِرَ مَنْ حَضَرَ ادْنُوا مِنْ صَاحِبِكُمْ حَتَّى يَدْعُوَ لَكُمْ فَدَنَوْا مِنْهُ فَدَعَا لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ اللَّهُمَّ اجْمَعْ أَمْرَنَا عَلَى الْهُدَى وَاجْعَلِ التَّقْوَى زَادَنَا وَالْجَنَّةَ مَآبَنَا(1).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: كان الناس يعودون داود ويظنّون أنّه به مرضاً وما به إلّا شدّة الخوف من اللَّه تعالى والحياء(2).
وإنّ أبا ذرّ بكى من خشية اللَّه حتّى اشتكى عيناه فخافوا عليهما، فقيل له: يا أبا ذرّ لو دعوت اللَّه في عينيك فقال: إنّي عنهما لمشغول وما عناني أكثر فقيل له: وما شغلك عنهما؟ قال: العظيمتان: الجنّة والنار(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَرَّ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْحَدَّادِينَ بِالْكُوفَةِ فَرَأَى شَابّاً قَدْ صَعِقَ وَالنَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا حَوْلَهُ فَقَالُوا لَهُ: يَا أبَا عَبْدِاللَّهِ هَذَا الشَّابُّ قَدْ صَرَعَ فَلَوْ قَرَأْتَ فِي أُذُنِهِ قَالَ: فَدَنَا مِنْهُ سَلْمَانُ فَلَمَّا رَآهُ الشَّابُّ أَفَاقَ وَقَالَ: يَا أبَا عَبْدِاللَّهِ لَيْسَ بِي مَا يَقُولُ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ وَلَكِنِّي مَرَرْتُ بِهَؤُلاءِ الْحَدَّادِينَ وَهُمْ يَضْرِبُونَ بِالْمِرَازتِ(4) فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى: «وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ»(5) فَذَهَبَ عَقْلِي خَوْفاً مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاتَّخَذَهُ سَلْمَانُ أَخاً وَدَخَلَ قَلْبَهُ حَلاوَةُ
ص: 100
مَحَبَّتِهِ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى مَرِضَ الشَّابُّ فَجَاءَهُ سَلْمَانُ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِأَخِي قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِاللَّهِ إِنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَفِيقٌ(1).
وفي دعاء عرفة لأبي عبداللَّه الحسين عليه السلام: حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي، وَ إِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي، أَسْأَ لُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي.
لقد قام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه يقوم الليل أجمع حتّى عوتب في ذلك فقال اللَّه عزّ وجلّ: «طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى»(2) بل لتسعد به(3).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عِنْدَ عَائِشَةَ لَيْلَتَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تُتْعِبُ نَفْسَكَ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُورا(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي لَيْلَتِهَا فَفَقَدَتْهُ مِنَ الْفِرَاشِ فَدَخَلَهَا فِي ذَلِكَ مَا يَدْخُلُ النِّسَاءَ فَقَامَتْ تَطْلُبُهُ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ قَائِمٌ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَبْكِي وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تَنْزِعْ مِنِّي صَالِحَ مَا أَعْطَيْتَنِي أَبَداً اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة
ص: 101
عين أبداً اللَّهُمَّ لا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَلا حَاسِداً أَبَداً اللَّهُمَّ وَلا تَرُدَّنِي فِي سُوءٍ اسْتَنْقَذْتَنِي مِنْهُ أَبَدا(1).
عن بعض أصحاب عليّ عليه السلام أنّه قيل له: كم تصدّق؟! ألا تمسك؟ قال: إِي وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَبِلَ مِنِّي فَرْضاً وَاحِداً لأَمْسَكْتُ وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَ قَبِلَ اللَّهُ مِنِّي شَيْئاً أَمْ لا(2).
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليه السلام قال: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام(3).
قال الإمام السجّادعليه السلام: مَا قَدْرُ أَعْمَالِنَا فِي جَنْبِ نِعَمِكَ وَكَيْفَ نَسْتَكْثِرُ أَعْمَالاً نقابل بها كرمك(4).
عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت مولاة لعليّ بن الحسين عليه السلام بعد موته فقلت صفي لي أُمور عليّ بن الحسين عليه السلام، فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقلت: بل اختصري، قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قطّ ولا فرشت له فراشاً بليل قط(5).
قال الزهري: دَخَلْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: فَاسْتَعْظَمَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا رَأَى مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ بَيْنَ عَيْنَيْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ بُيِّنَ عَلَيْكَ الاجْتِهَادُ وَلَقَدْ سَبَقَ لَكَ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى وَأَنْتَ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَرِيبُ النَّسَبِ وَكِيدُ السَّبَبِ وَإِنَّكَ لَذُو
ص: 102
فَضْلٍ عَظِيمٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ وَذَوِي عَصْرِكَ وَلَقَدْ أُوتِيتَ مِنَ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ مَا لَمْ يُؤْتَهُ أَحَدٌ مِثْلُكَ وَلا قَبْلَكَ إِلّا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِكَ وَأَقْبَلَ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيُطْرِيهِ قَالَ: فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: كُلُّ مَا ذَكَرْتَهُ وَوَصَفْتَهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ فَأَيْنَ شُكْرُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقِفُ فِي الصَّلاةِ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ وَيَظْمَأُ فِي الصِّيَامِ حَتَّى يُعْصَبَ فُوهُ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ يَغْفِرْ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ؟ فَيَقُولُ صلى الله عليه وآله: «أَفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً» الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى مَا أَوْلَى وَأَبْلَى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآْخِرَةِ وَالْأُولَى وَاللَّهِ لَوْ تَقَطَّعَتْ أَعْضَائِي وَسَالَتْ مُقْلَتَايَ عَلَى صَدْرِي لَنْ أَقُومَ للَّهِ ِ جَلَّ جَلالُهُ بِشُكْرِ عُشْرِ الْعَشِيرِ مِنْ نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمِيعِ نِعَمِهِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا الْعَادُّونَ وَلا يَبْلُغُ حَدَّ نِعْمَةٍ مِنْهَا عَلَيَّ جَمِيعُ حَمْدِ الْحَامِدِينَ لا وَاللَّهِ أَوْ يَرَانِيَ اللَّهُ لا يَشْغَلُنِي شَيْ ءٌ عَنْ شُكْرِهِ وَذِكْرِهِ فِي لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ وَلا سِرٍّ وَلا عَلانِيَةٍ وَلَوْ لا أَنَّ لأَهْلِي عَلَيَّ حَقّاً وَلِسَائِرِ النَّاسِ مِنْ خَاصِّهِمْ وَعَامِّهِمْ عَلَيَّ حُقُوقاً لا يَسَعُنِي إِلّا الْقِيَامُ بِهَا حَسَبَ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ حَتَّى أُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِمْ لَرَمَيْتُ بِطَرْفِي إِلَى السَّمَاءِ وَبِقَلْبِي إِلَى اللَّهِ ثُمَّ لَمْ أَرْدُدْهُمَا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى نَفْسِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ وَبَكَى عليه السلام وَبَكَى عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: شَتَّانَ بَيْنَ عَبْدٍ طَلَبَ الآْخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَبَيْنَ مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا لم يبال مِنْ أَيْنَ جَاءَتْهُ ما لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاق(1).
عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال: جِئْتُ إِلَى بَابِ الدَّارِ الَّتِي حُبِسَ فِيهَا الرِّضَاعليه السلام بِسَرَخْسَ وَقَدْ قُيِّدَ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ السَّجَّانَ فَقَالَ: لا سَبِيلَ لَك إِلَيْهِ
ص: 103
فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ رُبَّمَا صَلَّى فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَلْفَ رَكْعَةٍ وَإِنَّمَا يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاتِهِ سَاعَةً فِي صَدْرِ النَّهَارِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ وَعِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قَاعِدٌ فِي مُصَلّاهُ يُنَاجِي رَبَّه(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأُ قَلْبَكَ غِنًى وَلا أَكِلْكَ إِلَى طَلَبِكَ وَعَلَيَّ أَنْ أَسُدَّ فَاقَتَكَ وَأَمْلَأَ قَلْبَكَ خَوْفاً مِنِّي وَإِنْ لا تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأُ قَلْبَكَ شُغُلاً بِالدُّنْيَا ثُمَّ لا أَسُدَّ فَاقَتَكَ وَأَكِلْكَ إِلَى طَلَبِك(2).
عن أبي جميلة قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا عِبَادِيَ الصِّدِّيقِينَ تَنَعَّمُوا بِعِبَادَتِي فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكُمْ تَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِي الآْخِرَة(3).
عن سعد الإسكاف عن أبي جعفرعليه السلام قال: ثَلاثٌ قَاصِمَاتُ الظَّهْرِ رَجُلٌ اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ وَأُعْجِبَ بِرَأْيِه(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ لِجُنُودِهِ: إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنِ ابْنِ آدَمَ فِي ثَلاثٍ لَمْ أُبَالِ مَا عَمِلَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ إِذَا اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَنَسِيَ ذَنْبَهُ وَدَخَلَهُ الْعُجْب(5).
عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثمّ يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به فقال: هُوَ فِي حَالِهِ
ص: 104
الْأُولَى وَهُوَ خَائِفٌ أَحْسَنُ حَالاً مِنْهُ فِي حَالِ عُجْبِه(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِه(2).
عن سماعة قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا تَسْتَكْثِرُوا كَثِيرَ الْخَيْرِ وَلا تَسْتَقِلُّوا قَلِيلَ الذُّنُوب(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله في حَديثٍ: قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام لإِبْلِيسَ: أَخْبِرْنِي بِالذَّنْبِ الَّذِي إِذَا أَذْنَبَهُ ابْنُ آدَمَ اسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ قَالَ: إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَاسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَصَغُرَ فِي عَيْنِهِ ذَنْبُهُ وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ: يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ قَالَ: كَيْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِينَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّيقِينَ؟ قَالَ: يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ أَنِّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَنْ لا يُعْجبُوا بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلّا هَلَك(4).
قال مثل يوسف الصديق: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ»(5).
ص: 105
عن أبي الحسن موسى عليه السلام قَالَ لِبَعْضِ وُلْدِهِ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِالْجِدِّ لا تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ مِنَ حَدِّ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ(1).
وقال صلى الله عليه وآله: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ(2).
قوله: (فانّ اللَّه لا يعبد حقّ عبادته) أي لا يعبد حقّ عبادته كمّاً وكيفاً، كيف وقد اعترف خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء بالتقصير، وفيه تنبيه على حقارة عبادة الخلق في جنب عظمته واحسانه واستحقاقه لما هو أهله ليدوم شكرهم وجدهم في عباداتهم ولا يستكبروا شيئاً من طاعاتهم(3).
عن الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السلام قال: قال: أَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِنَ الْمُعَارِينَ وَلا تُخْرِجْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا الْمُعَارُونَ فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّجُلَ يُعَارُ الدِّينَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَمَا مَعْنَى لا تُخْرِجْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ؟ فَقَالَ: كُلُّ عَمَلٍ تُرِيدُ بِهِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَكُنْ فِيهِ مُقَصِّراً عِنْدَ نَفْسِكَ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ مُقَصِّرُونَ إِلّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ(4).
عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي وَالنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي وَرَفِيعِ
ص: 106
الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي وَلَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وَفَضْلِي فَلْيَرْجُوا وَإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا(1).
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»(2).
عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ «والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة» قال: هِيَ شَفَاعَتُهُمْ وَرَجَاؤُهُمْ يَخَافُونَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ إِنْ لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ وَيَرْجُونَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ(3).
وفي مجمع البيان قال أبو عبداللَّه عليه السلام: معناه خائفة أن لا يقبل منهم(4).
عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثمّ يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به فقال: هُوَ فِي حَالِهِ الْأُولَى وَهُوَ خَائِفٌ أَحْسَنُ حَالاً مِنْهُ فِي حَالِ عُجْبِهِ(5).
ص: 107
إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي
أثنى رجل على عارف، فقال: إن عبدك هذا تقرّب إليّ بمقتك، وأنا أشهدك على مقته(1).
وكان المقداد عند عثمان فجعل رجل يثني على عثمان وجعل المقداد يحثو في وجه الرجل التراب، فقال عثمان للمقداد: ما تفعل؟ فقال المقداد: سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: احثوا في وجوه المدّاحين التراب(2).
قالوا: وَقَفَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَأَسْمَعَهُ وَشَتَمَهُ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَبْلُغُوا مَعِي إِلَيْهِ حَتَّى تَسْمَعُوا مِنِّي رَدِّي عَلَيْهِ قَالَ: فَقَالُوا: لَهُ نَفْعَلُ وَلَقَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ تَقُولَ لَهُ وَنَقُولَ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ وَمَشَى وَهُوَ يَقُولُ: «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(3) فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لا يَقُولُ لَهُ شَيْئاً قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَ الرَّجُلِ فَصَرَخَ بِهِ فَقَالَ: قُولُوا لَهُ هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْنَا مُتَوَثِّباً لِلشَّرِّ وَهُوَ لا يَشُكُّ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ مُكَافِئاً لَهُ عَلَى بَعْضِ مَا
ص: 108
كَانَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: يَا أَخِي إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ وَقَفْتَ عَلَيَّ آنِفاً فَقُلْتَ وَقُلْتَ فَإِنْ كُنْتَ قُلْتَ مَا فِيَّ فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ وَإِنْ كُنْتَ قُلْتَ مَا لَيْسَ فِيَّ فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ قَالَ فَقَبَّلَ الرَّجُلُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: بَلْ قُلْتُ فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ وَأَنَا أَحَقُّ بِهِ قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ وَالرَّجُلُ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ(1).
أرادت قريش منع النبيّ صلى الله عليه وآله عن دعوته بتزويجه أجمل بناتهم واعطاء أكثر أموالهم وجعله ملكهم فقال: لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي مَا أدع دَعوَتي(2).
وقال الحسين عليه السلام: لَوْ لَمْ يَبق لي مَلجأ في الدنيا لا أُبايع يزيد بن معاوية(3).
وأراد عثمان أن يكفّ أبا ذر عن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بإرسال مال له فلم يتيسّر له ذلك(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام: إِنَّ الْعِلْمَ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ وَالْحِلْمَ وَزِيرُهُ وَالْصَبْرَ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَالرِّفْقَ أَخُوهُ وَالْلّين وَالِدُهُ(1).
عن جابر قال: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: يَا أَخَا جُعْفٍ إِنَّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِسْلامِ وَإِنَّ الْيَقِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِيمَانِ وَمَا مِنْ شَيْ ءٍ أَعَزَّ مِنَ الْيَقِين(2).
عن يونس قال: سألت أبا الحسن الرضاعليه السلام عن الإيمان والإسلام؟ فقال: قال أبو جعفرعليه السلام: إِنَّمَا هُوَ الْإِسْلامُ وَالْإِيمَانُ فَوْقَهُ بِدَرَجَةٍ وَالتَّقْوَى فَوْقَ الْإِيمَانِ بِدَرَجَةٍ وَالْيَقِينُ فَوْقَ التَّقْوَى بِدَرَجَةٍ وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْ ءٌ أَقَلُّ مِنَ الْيَقِينِ قَالَ قُلْتُ فَأَيُّ شَيْ ءٍ الْيَقِينُ قَالَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّسْلِيمُ للَّهِ ِ وَالرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضُ إِلَى اللَّهِ قُلْتُ فَمَا تَفْسِيرُ ذَلِكَ قَالَ هَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه السلام(3).
عن عبدالعزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ إِنَّ الْإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ فَلا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الاثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَاحِدِ لَسْتَ عَلَى شَيْ ءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَاشِرِ فَلا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ وَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرِفْقٍ وَلا تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لا يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ(4).
ص: 110
لمّا أراد المسلمون الخروج إلى بدر قال لسعد أبوه خيثمة: لابدّ لأحدنا أن يقم، فآثرني بالخروج، وأقم أنت مع نسائنا، فأبى سعد، وقال: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، اني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى بدر، فقتل(1).
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَنَظَرَ إِلَى شَابٍّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَخْفِقُ وَيَهْوِي بِرَأْسِهِ مُصْفَرّاً لَوْنُهُ قَدْ نَحِفَ جِسْمُهُ وَغَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلانُ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُوقِناً فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي أَحْزَنَنِي وَأَسْهَرَ لَيْلِي وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ وَحُشِرَ الْخَلائِقُ لِذَلِكَ وَأَنَا فِيهِمْ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ وَيَتَعَارَفُونَ وَعَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ وَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ مُصْطَرِخُونَ وَكَأَنِّي الآْنَ أَسْمَعُ زَفِيرَ النَّارِ يَدُورُ فِي مَسَامِعِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لأَصْحَابِهِ: هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَان(2).
قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»(3) وكما لا يشبع طالب الدنيا منها
ص: 111
كذلك لا يشبع طالب العلم منه.
وقال تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»(1).
وقال تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»(2).
وقال تعالى: «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(3).
وقال تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»(4).
وقال تعالى: «الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»(5).
وقال تعالى: «الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»(6).
وقال تعالى: «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»(7).
وقال تعالى: «وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ»(8).
وقال تعالى: «آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً»(9).
وغيرها من الآيات.
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ
ص: 112
وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ(1).
عن ابن نباتة قال: قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَهُوَ أَنِيسٌ فِي الْوَحْشَةِ وَصَاحِبٌ فِي الْوَحْدَةِ وَسِلاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَزَيْنُ الْأَخِلّاءِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً يَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَتُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ تَرْغَبُ الْمَلائِكَةُ فِي خَلَّتِهِمْ يَمْسَحُونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ فِي صَلاتِهِمْ لأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَنُورُ الْأَبْصَارِ مِنَ الْعَمَى وَقُوَّةُ الْأَبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ وَيُنْزِلُ اللَّهُ حَامِلَهُ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ وَيَمْنَحُهُ مُجَالَسَةَ الْأَخْيَارِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، بِالْعِلْمِ يُطَاعُ اللَّهُ وَيُعْبَدُ وَبِالْعِلْمِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ وَبِالْعِلْمِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ وَبِهِ يُعْرَفُ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ وَالْعِلْمُ إِمَامُ الْعَقْلِ وَالْعَقْلُ تَابِعُهُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ السُّعَدَاءَ وَيَحْرِمُهُ الْأَشْقِيَاء(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَرْبَعٌ يَلْزَمْنَ كُلَّ ذِي حِجًى وَعَقْلٍ مِنْ أُمَّتِي قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُنَّ؟ قَالَ اسْتِمَاعُ الْعِلْمِ وَحِفْظُهُ وَنَشْرُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ(3).
عن الرضا عن آبائه عن عليّ عليهم السلام أنّه قال: الْعِلْمُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ(4).
ص: 113
عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمّدعليه السلام قال: كَانَ فِيمَا وَعَظَ لُقْمَانُ ابْنَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ فِي أَيَّامِكَ وَلَيَالِيكَ وَسَاعَاتِكَ نَصِيباً لَكَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ لَهُ تَضْيِيعاً مِثْلَ تَرْكِه(1).
قال الصادق عليه السلام لعنوان البصري: فِي الْحِلْمِ فَمَنْ قَالَ لَكَ إِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً سَمِعْتَ عَشْراً فَقُلْ إِنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَة فَاسْأَلِ الْعُلَمَاءَ مَا جَهِلْتَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ تَعَنُّتاً وَتَجْرِبَةً وَإِيَّاكَ أَنْ تَعْمَلَ بِرَأْيِكَ شَيْئا (2).
قال أبو جعفر محمّد بن علي عليه السلام: مَا شِيبَ شَيْ ءٌ بِشَيْ ءٍ أَحْسَنَ مِنْ حِلْمٍ بِعِلْمٍ(3).
قال لأبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام نصراني: أَنْتَ بَقَرٌ قَالَ: لا أَنَا بَاقِرٌ قَالَ: أَنْتَ ابْنُ الطَّبَّاخَةِ قَالَ عليه السلام: ذَاكَ حِرْفَتُهَا قَالَ: أَنْتَ ابْنُ السَّوْدَاءِ الزِّنْجِيَّةِ الْبَذِيَّةِ قَالَ عليه السلام: إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ قَالَ: فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ(4).
عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: ثَلاثٌ
ص: 114
مُنْجِيَاتٌ فَذَكَرَ الثَّالِثُ الْقَصْدُ فِي الْغِنَى(1).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الْقَصْدُ مَثْرَاةٌ(2) وَالسَّرَفُ مَتْوَاةٌ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَنْفَقَ مَا فِي يَدَيْهِ فِي سَبِيلٍ مِنْ سَبلِ اللَّهِ مَا كَانَ أَحْسَنَ وَلا وُفِّقَ أَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(4) يَعْنِي الْمُقْتَصِدِين(5).
سأل رجل أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»(6). فقال: كَانَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ وَكَانَ لَهُ حَرْثٌ وَكَانَ إِذَا أَخَذَ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَيَبْقَى هُوَ وَعِيَالُهُ بِغَيْرِ شَيْ ءٍ فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ سَرَفاً(7).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَانَ لا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلّا أَعْطَاهُ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ ابْناً لَهَا فَقَالَتِ: انْطَلِقْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ قَالَ لَكَ: لَيْسَ عِنْدَنَا شَيْ ءٌ فَقُلْ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ فأتاه الغلام فسأله فقال النبي صلى الله عليه وآله ليس عندنا شي ء، فقال: فأعطني قميصك، قَالَ: فَأَخَذَ قَمِيصَهُ فَرَمَى بِهِ إِلَيْهِ وَفِي نُسْخَةٍ
ص: 115
أُخْرَى فَأَعْطَاهُ فَأَدَّبَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْقَصْدِ فَقَالَ: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً»(1).(2)
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام: أَرْبَعَةٌ لا يُسْتَجَابُ لَهُمْ دعوة أَحَدُهُمْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ ارْزُقْنِي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَ لَمْ آمُرْكَ بِالاقْتِصَادِ(3).
قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»(4).
قال الطبرسي رحمه الله: أي خاضعون متواضعون متذلّلون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً(5).
قال تعالى: «وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ»(6).
وقال تعالى: «وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً»(7).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى يَرْفَضَّ عَرَقا(8).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ كَأَنَّهُ
ص: 116
سَاقُ شَجَرَةٍ لا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْ ءٌ إِلّا مَا حَرَّكَهُ الرِّيحُ مِنْه(1).
قال أبو جعفرعليه السلام: إِذَا قُمْتَ فِي الصَّلاةِ فَعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى صَلاتِكَ فَإِنَّمَا يُحْسَبُ لَكَ مِنْهَا مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْه(2).
روي أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله رأى رجلاً يعبث في صلاته بلحيته فقال: لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ عَشِقَ الْعِبَادَةَ فَعَانَقَهَا وَأَحَبَّهَا بِقَلْبِهِ وَبَاشَرَهَا بِجَسَدِهِ وَتَفَرَّغَ لَهَا فَهُوَ لا يُبَالِي عَلَى مَا أَصْبَحَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى عُسْرٍ أَمْ عَلَى يُسْر(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَالتَّجَمُّلَ وَيُبْغِضُ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُس(5).
قال في مجمع البحرين: كان المراد إظهار الفقر والحاجة للناس(6).
طوى مالك بن سنان ثلاثاً ولم يسأل أحداً شيئاً فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: من أراد أن ينظر إلى العفيف المسألة فلينظر إلى مالك بن سنان(7).
ص: 117
قال تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ»(1).
قال أبو جعفرعليه السلام: نزلت في أصحاب الصفّة(2).
وكذلك رواه الكلبي عن ابن عبّاس، وهم نحو من أربع مائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يأوون إليهم فجعلوا أنفسهم في المسجد، وقالوا: نخرج في كلّ سريّة يبعثها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فحثّ اللَّه الناس عليهم، فكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى(3).
قال الطبرسي رحمه الله: وفي الحديث أنّ اللَّه يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ويكره البؤس والتباؤس ويحبّ الحليم المتعفّف من عباده ويبغض الفاحش البذي ء السائل الملحف(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أَرْوَحُ الرَّوْحِ الْيَأْسُ مِنَ النَّاس(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: طَلَبُ الْحَوَائِجِ إِلَى النَّاسِ اسْتِلابٌ لِلْعِزِّ وَمَذْهَبَةٌ لِلْحَيَاءِ وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ عِزٌّ لِلْمُؤْمِنِ فِي دِينِهِ وَالطَّمَعُ هُوَ الْفَقْرُ الْحَاضِر(6).
ص: 118
عن الصادق عليه السلام قال: اتَّقُوا اللَّه وَقوا أَنْفُسَكُمْ بِالاسْتِغْنَاءِ عَنْ طَلَبِ الْحَوَائِج الحديث(1).
عن الباقرعليه السلام قال: أظهر اليأس ممّا في أيدي الناس فانّ ذلك هو الغنى وإيّاك والطمع فانّه الفقر الحاضر(2).
قال تعالى: «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(3).
عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: يَا حَفْصُ إِنَّ مَنْ صَبَرَ صَبَرَ قَلِيلاً وَإِنَّ مَنْ جَزِعَ جَزِعَ قَلِيلاً. ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ وَالرِّفْقِ فَقَالَ: «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ»(4) وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ - السَّيِّئَةَ - فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَما يُلَقَّاها إِلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»(5) فَصَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى نَالُوهُ بِالْعَظَائِمِ وَرَمَوْهُ بِهَا(6) فَضَاقَ صَدْرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ:
ص: 119
«وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ»(1) ثُمَّ كَذَّبُوهُ وَرَمَوْهُ فَحَزِنَ لِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا»(2) فَأَلْزَمَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله نَفْسَهُ الصَّبْرَ فَتَعَدَّوْا فَذَكَرَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَذَّبُوهُ فَقَالَ قَدْ صَبَرْتُ فِي نَفْسِي وَأَهْلِي وَعِرْضِي وَلا صَبْرَ لِي عَلَى ذِكْرِ إِلَهِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ»(3) فَصَبَرَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ثُمَّ بُشِّرَ فِي عِتْرَتِهِ بِالْأَئِمَّةِ وَوُصِفُوا بِالصَّبْرِ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ»(4) فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وآله: الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَشَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ لَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ»(5) فَقَالَ صلى الله عليه وآله: إِنَّهُ بُشْرَى وَانْتِقَامٌ فَأَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ»(6) «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ص: 120
ثَقِفْتُمُوهُمْ»(1) فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَأَحِبَّائِهِ وَجَعَلَ لَهُ ثَوَابَ صَبْرِهِ مَعَ مَا ادَّخَرَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ فَمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُقِرَّ اللَّهُ لَهُ عَيْنَهُ فِي أَعْدَائِهِ مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآْخِرَةِ(2).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: ما من عبد مؤمن تنزل به بلية فيصبر ثلاثا لا يشكو إلى أحد إلا كشف اللَّه عنه(3).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: مَا مِنْ عَبْدٍ أُعْطِيَ قَلْباً شَاكِراً وَلِسَاناً ذَاكِراً وَجَسَداً عَلَى الْبَلاءِ صَابِراً وَزَوْجَةً صَالِحَةً إِلّا وَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ(4).
عن عمّار بن مروان عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سمعته يقول: لَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حَتَّى تكونوا مؤتمنين وحتى تَعُدُّوا الْبَلاءَ نِعْمَةً وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلاءِ أَفْضَلُ مِنَ العافية (الْغَفْلَةِ) عِنْدَ الرَّخَاءِ(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَان(6).
وقال صلى الله عليه وآله: الْإِيمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ فِي الصَّبْرِ وَنِصْفٌ فِي الشُّكْر(7).
عن ابن عبّاس قال: أسرت الروم عبداللَّه بن حذافة السهمي، صاحب النبيّ صلى الله عليه وآله، فقال له الطاغية: تنصّر وإلاّ ألقيتك في البقرة، لبقرة من نحاس، قال: ما أفعل. فدعا بالبقرة النحاس فملئت زيتاً وأغليت، ودعا برجل من أسرى المسلمين فعرض
ص: 121
عليه النصرانيّة فأبى، فألقاه في البقرة، فاذا عظامه تلوح، وقال لعبداللَّه: تنصّر وإلاّ ألقيتك. قال: ما أفعل فأمر به أن يلقى في البقرة فبكى، فقالوا: قد جزع، قد بكى، قال: ردّوه. قال: لا ترى أني بكيت جزعاً ممّا تريد أن تصنع بي، ولكنّي بكيت حيث ليس لي إلاّ نفس واحدة يفعل بها هذا في اللَّه، كنت أحبّ أن يكون لي من الأنفس عدد كلّ شعرة في، ثمّ تسلّط عليّ فتفعل بي هذا. قال: فأعجب منه وأحبّ أن يطلقه، فقال: قبّل رأسي وأطلقك. قال: ما أفعل. قال: تنصّر وأزوّجك بنتي وأقاسمك ملكي. قال: ما أفعل. قال: قبّل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين من المسلمين.
قال: أمّا هذه فنعم. فقبّل رأسه، وأطلقه، وأطلق معه ثمانين من المسلمين. فلمّا قدموا كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يمازحون عبداللَّه فيقولون: قبلت رأس علج، فيقول لهم: أطلق اللَّه بتلك القبلة ثمانين من المسلمين(1).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(2).
وقال تعالى: «وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(3).
ص: 122
وقال تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1).
وقال تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»(2).
عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلا إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ شَيْ ءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِشَيْ ءٍ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَسَمَ الْأَرْزَاقَ بَيْنَ خَلْقِهِ حَلالاً وَلَمْ يَقْسِمْهَا حَرَاماً فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَبَرَ أَتَاهُ اللَّهُ بِرِزْقِهِ مِنْ حِلِّهِ وَمَنْ هَتَكَ حِجَابَ السِّتْرِ وَعَجَّلَ فَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ قُصَّ بِهِ مِنْ رِزْقِهِ الْحَلالِ وَحُوسِبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَة(3).
وقال الصادق عليه السلام: الرِّزْقُ مَقْسُومٌ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا وَاصِلٌ إِلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَالآْخَرُ مُعَلَّقٌ بِطَلَبِهِ فَالَّذِي قُسِمَ لِلْعَبْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ آتِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْعَ لَهُ وَالَّذِي قُسِمَ لَهُ بِالسَّعْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَهُ مِنْ وُجُوهِهِ وَهُوَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ طَلَبَهُ مِنْ جِهَةِ الْحَرَامِ فَوَجَدَهُ حُسِبَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ وَحُوسِبَ بِهِ(4).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: طَلَبُ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ(5).
ص: 123
عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ بَاتَ كَالّاً مِنْ طَلَبِ الْحَلالِ بَاتَ مَغْفُوراً لَهُ(1).
عن عمرو بن جميع قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: لا خَيْرَ فِي مَنْ لا يُحِبُّ جَمْعَ الْمَالِ مِنْ حَلالٍ يَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَيَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أَنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى دَاوُدَعليه السلام أَنَّكَ نِعْمَ الْعَبْدُ لَوْ لا أَنَّكَ تَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلا تَعْمَلُ بِيَدِكَ شَيْئاً قَالَ: فَبَكَى دَاوُدُعليه السلام أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْحَدِيدِ أَنْ لِنْ لِعَبْدِي دَاوُدَ فَأَلانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْحَدِيدَ فَكَانَ يَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْعاً فَيَبِيعُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَمِلَ ثَلاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ دِرْعاً فَبَاعَهَا بِثَلاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفاً وَاسْتَغْنَى عَنْ بَيْتِ الْمَالِ(3).
وعن اسباط بن سالم قال: سألني أبو عبداللَّه عليه السلام عن عمر بن مسلم فقلت: صالح ولكنّه ترك التجارة.
فقال عليه السلام: عَمَلُ الشَّيْطَانِ - ثَلاثاً - أَمَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله اشْتَرَى عِيراً أَتَتْ مِنَ الشَّامِ فَاسْتَفْضَلَ فِيهَا مَا قَضَى دَيْنَهُ وَقَسَمَ فِي قَرَابَتِهِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ»(4) يَقُولُ الْقُصَّاصُ إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُونُوا
ص: 124
يَتَّجِرُونَ كَذَبُوا وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدَعُونَ الصَّلاةَ فِي مِيقَاتِهَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ حَضَرَ الصَّلاةَ وَلَمْ يَتَّجِرْ(1).
عن محمّد بن عذافر عن أبيه قال: أَعْطَى أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام أَبِي أَلْفاً وَسَبْعَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ: اتَّجِرْ بِهَا ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لِي رَغْبَةٌ فِي رِبْحِهَا وَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ مَرْغُوباً فِيهِ وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِيَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مُتَعَرِّضاً لِفَوَائِدِهِ قَالَ: فَرَبِحْتُ لَهُ فِيهَا مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ لَقِيتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ رَبِحْتُ لَكَ فِيهَا مِائَةَ دِينَارٍ قَالَ: فَفَرِحَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام بِذَلِكَ فَرَحاً شَدِيداً فَقَالَ لِي: أَثْبِتْهَا فِي رَأْسِ مَالِي(2).
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: إِنِّي لأَعْمَلُ فِي بَعْضِ ضِيَاعِي حَتَّى أَعْرَقَ وَإِنَّ لِي مَنْ يَكْفِينِي لِيَعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنِّي أَطْلُبُ الرِّزْقَ الْحَلالَ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أَنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَعْتَقَ أَلْفَ مَمْلُوكٍ مِنْ كَدِّ يَدِه(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَدَعُ خَلَفاً أَفْضَلَ مِنْهُ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍ عليه السلام فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِظَهُ فَوَعَظَنِي فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: بِأَيِّ شَيْ ءٍ وَعَظَكَ؟ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ فَلَقِيَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ رَجُلاً بَادِناً ثَقِيلاً وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى غُلامَيْنِ أَسْوَدَيْنِ أَوْ مَوْلَيَيْنِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي سُبْحَانَ اللَّهِ شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فِي
ص: 125
طَلَبِ الدُّنْيَا أَمَا لأَعِظَنَّهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ بِنَهْرٍ(1) وَهُوَ يَتَصَابُّ عَرَقاً فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا أَ رَأَيْتَ لَوْ جَاءَ أَجَلُكَ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: لَوْ جَاءَنِي الْمَوْتُ وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ جَاءَنِي وَأَنَا فِي [طَاعَةٍ مِنْ] طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَكُفُّ بِهَا نَفْسِي وَعِيَالِي عَنْكَ وَعَنِ النَّاسِ وَإِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ أَنْ لَوْ جَاءَنِي الْمَوْتُ وَأَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَقُلْتُ صَدَقْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَرَدْتُ أَنْ أَعِظَكَ فَوَعَظْتَنِي(2).
علي بن أبي حمزة قال: رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ قَدِ اسْتَنْقَعَتْ قَدَمَاهُ فِي الْعَرَقِ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيْنَ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قَدْ عَمِلَ بِالْيَدِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي فِي أَرْضِهِ وَمِنْ أَبِي فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَأَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ وَآبَائِي عليهم السلام كُلُّهُمْ كَانُوا قَدْ عَمِلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالصَّالِحِين(3).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: مَنْ طَلَبَ الرزق في الدُّنْيَا اسْتِعْفَافاً عَنِ النَّاسِ وَسَعْياً عَلَى أَهْلِهِ وَتَعَطُّفاً عَلَى جَارِهِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر(4).
ص: 126
عن صفوان بن خالد بن نجيح قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: أَقْرِءُوا مَنْ لَقِيتُمْ مِنْ أَصْحَابِكُمُ السَّلامَ وَقُولُوا لَهُمْ إِنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ يُقْرِئُكُمُ السَّلامَ وَقُولُوا لَهُمْ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يُنَالُ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمُرُكُمْ إِلّا بِمَا نَأْمُرُ بِهِ أَنْفُسَنَا فَعَلَيْكُمْ بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ وَإِذَا صَلَّيْتُمُ الصُّبْحَ وَانْصَرَفْتُمْ فَبَكِّرُوا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَاطْلُبُوا الْحَلالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيَرْزُقُكُمْ وَيُعِينُكُمْ عَلَيْه(1).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الْعِبَادَةُ سَبْعُونَ جُزْءاً أَفْضَلُهَا طَلَبُ الْحَلال(2).
وقال صلى الله عليه وآله: الْعِبَادَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ فِي طَلَبِ الْحَلالِ(3).
وقال صلى الله عليه وآله: مَنْ أَكَلَ مِنْ كَدِّ يَدِهِ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِف(4).
وقال صلى الله عليه وآله: مَنْ أَكَلَ مِنْ كَدِّ يَدِهِ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ ثُمَّ لا يُعَذِّبُهُ أَبَداً(5).
وقال صلى الله عليه وآله: مَنْ أَكَلَ مِنْ كَدِّ يَدِهِ حَلالاً فُتِحَ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاء(6).
وقال صلى الله عليه وآله: من سعى على عياله في طلب الحلال فهو في سبيل اللَّه(7).
وقال صلى الله عليه وآله: من سعى على عياله من حلّه، فهو كالمجاهد في سبيل اللَّه.
وقال صلى الله عليه وآله: من طلب الدنيا حلالاً في عفاف، كان في درجة الشهداء.
ص: 127
وقال صلى الله عليه وآله: من أكل الحلال أربعين يوماً نوّر اللَّه قلبه، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه(1).
عن أيّوب أخي أديم بيّاع الهروي قال: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام إِذْ أَقْبَلَ الْعَلاءُ بْنُ كَامِلٍ فَجَلَسَ قُدَّامَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي فِي دَعَةٍ فَقَالَ: لا أَدْعُو لَكَ اطْلُبْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَل(2).
عن كليب الصيداوي قال: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي فِي الرِّزْقِ فَقَدِ الْتَاثَتْ عَلَيَّ أُمُورِي فَأَجَابَنِي مُسْرِعاً: لا، اخْرُجْ فَاطْلُبْ(3).
عن عمر بن يزيد قال: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: رَجُلٌ قَالَ لأَقْعُدَنَّ فِي بَيْتِي وَلأُصَلِّيَنَّ وَلأَصُومَنَّ وَلأَعْبُدَنَّ رَبِّي فَأَمَّا رِزْقِي فَسَيَأْتِينِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: هَذَا أَحَدُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ لا يُسْتَجَابُ لَهُم(4).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلا إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ شَيْ ءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِشَيْ ءٍ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ الْأَرْزَاقَ بَيْنَ خَلْقِهِ حَلالاً وَلَمْ يَقْسِمْهَا حَرَاماً فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَبَرَ أَتَاهُ اللَّهُ بِرِزْقِهِ مِنْ حِلِّهِ وَمَنْ هَتَكَ حِجَابَ السِّتْرِ وَعَجِلَ فَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ قُصَّ بِهِ مِنْ رِزْقِهِ الْحَلالِ وَحُوسِبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَة(5).
ص: 128
دخل علي عليه السلام المسجد وقال لرجل: أمسك على بغلتي فخلع لجامها وذهب به فخرج علي عليه السلام بعد ما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له فوجد البغلة عطلا فدفع إلى أحد غلمانه الدرهمين ليشتري بهما لجاما فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين فأخذه بالدرهمين وعاد إلى مولاه فقال علي عليه السلام: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزاد على ما قدر له(1).
ذكر الفضل بن الربيع قال: دخل شريك القاضي على المهديّ يوماً، فقال له: لابدّ أن تجيبني إلى خصلة من ثلاث خصال، قال: وما هنّ يا أميرالمؤمنين؟ قال: إمّا أن تلي القضاء، أو تحدِّث وَلدي وتعلمهم، أو تأكل عندي أكلة، ففكّر ثمّ قال: الأكلة أخفهنّ على نفسي، فاحتبسه وقدم إلى الطبّاخ أن يصلح له ألواناً من المخ المعقود بالسكّر الطبرزد والعسل، فلمّا فرغ من غدائه قال له القيم على المطبخ:
يا أميرالمؤمنين ليس يفلح الشيخ بعد هذه الأكلة أبداً، قال الفضل بن الربيع:
فحدّثهم واللَّه شريكٌ بعد ذلك، وعَلّم أولادهم، وولّى القضاء لهم، ولقد كتب بأرزاقه إلى الجهبذ فضايقه في النقص، فقال له الجهبذ: إنّك لم تبع بزاً، قال له شريك: بلى واللَّه لقد بعت أكبر من البز، لقد بعت ديني(2).
عن يونس بن يعقوب قال: كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ
ص: 129
حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَمُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَالطَّيَّارُ وَجَمَاعَةٌ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ شَابٌّ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: يَا هِشَامُ أَلا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَكَيْفَ سَأَلْتَهُ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي أُجِلُّكَ وَأَسْتَحْيِيكَ وَلا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ فَافْعَلُوا قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَجُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَدَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِراً بِهَا مِنْ صُوفٍ وَشَمْلَةٌ مُرْتَدِياً بِهَا وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ فَأَفْرَجُوا لِي ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلَى رُكْبَتَيَّ ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْعَالِمُ إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأْذَنُ لِي فِي مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ فَقُلْتُ لَهُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَيُّ شَيْ ءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ وَشَيْ ءٌ تَرَاهُ كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا مَسْأَلَتِي فَقَالَ: يَا بُنَيَّ سَلْ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا قَالَ لِي: سَلْ قُلْتُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَرَى بِهَا الْأَلْوَانَ وَالْأَشْخَاصَ قُلْتُ: فَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ قُلْتُ: أَلَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَذُوقُ بِهِ الطَّعْمَ قُلْتُ: فَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ قُلْتُ: أَلَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّ مَا وَرَدَ عَلَى هَذِهِ الْجَوَارِحِ وَالْحَوَاسِّ قُلْتُ: أَوَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ: لا قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ فَيَسْتَيْقِنُ الْيَقِينَ وَيُبْطِلُ
ص: 130
الشَّكَّ قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: لابُدَّ مِنَ الْقَلْبِ وَإِلّا لَمْ تَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ وَيَتَيَقَّنُ بِهِ مَا شُكَّ فِيهِ وَيَتْرُكُ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَشَكِّهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ لا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَحَيْرَتَهُمْ وَيُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْهِ حَيْرَتَكَ وَشَكَّكَ قَالَ: فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ فَقُلْتُ: لا قَالَ: أَمِنْ جُلَسَائِهِ؟ قُلْتُ: لا قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً هُوَ ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ وَأَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ وَزَالَ عَنْ مَجْلِسِهِ وَمَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ قَالَ: فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَقَالَ: يَا هِشَامُ مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: شَيْ ءٌ أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَأَلَّفْتُهُ فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(1).
لا كالمنافقين الذين قال تعالى فيهم: «وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى»(2).
عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: ثَلاثُ عَلامَاتٍ لِلْمُرَائِي يَنْشَطُ إِذَا رَأَى النَّاسَ وَيَكْسَلُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ(3).
ص: 131
عن سعدان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قُلْتُ لَهُ: مَا الَّذِي يُثْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْعَبْدِ؟ قَالَ: الْوَرَعُ وَالَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْهُ؟ قَالَ: الطَّمَعُ(1).
قال أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام: استغن عمن شئت فأنت نظيره واحتج إلى من شئت فأنت أسيره وأحسن إلى من شئت فأنت أميره(2).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ لَهُ طَمَعٌ يَقُودُهُ وَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّه(3).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا أَقْبَحَ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّه(4).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس(5).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: رَأَيْتُ الْخَيْرَ كُلَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي قَطْعِ الطَّمَعِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يَرْجُ النَّاسَ فِي شَيْ ءٍ وَرَدَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي كُلِّ شَيْ ء(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ(7).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَجُلٌ فَقَالَ: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ
ص: 132
فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالْيَأْسِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّهُ الْغِنَى الْحَاضِرُ قَالَ: زِدْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِيَّاكَ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِر(1).
وفي المثل أطمع من أشعب رأي سلالا يصنع سلة فقال له أوسعها قال ما لك وذاك قال لعلّ صاحبها يهدي لي فيها شيئاً.
ومرّ بمكتب وغلام يقرأ على الأستاذ إن أبي يدعوك فقال قم بين يدي حفظك اللَّه وحفظ أباك فقال إنّما كنت أقرأ وردي فقال أنكرت أن تفلح أو يفلح أبوك.
وقيل لم يكن أطمع من أشعب إلّا كلبه رأى صورة القمر في البئر فظنّه رغيفاً فألقى نفسه في البئر يطلبه فمات(2).
الأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ»(3).
روي عن زين العابدين عليه السلام أنّه كان في التلبية وهو على راحلته وخرّ مغشيّا عليه فلمّا أفاق قيل له في ذلك فقال: خَشْيَةَ أَنْ يَقُولَ لِي لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْك(4).
ص: 133
كان نوح إذا أكل قال الحمد للَّه الذي أطعمني ولو شاء أجاعني، وإذا احتذا قال: الحمد للَّه الذي حذاني ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد للَّه الذي أخرج عنّي أذاه في عافية، ولو شاء حبسه قال تعالى فيه: «ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً»(1).(2)
قال تعالى: «وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ»(3).
وقال تعالى: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»(4).
وقال تعالى: «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ»(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْمُحْتَسِبِ وَالْمُعَافَى الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمُبْتَلَى الصَّابِرِ وَالْمُعْطَى الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمَحْرُومِ الْقَانِعِ(6).
عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما فتح اللَّه لعبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة(7).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْبَعُ مِنَ الطَّعَامِ
ص: 134
وَالشَّرَابِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ فَيُعْطِيهِ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا لا يُعْطِي الصَّائِمَ إِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ يُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَنْ سَجَدَ سَجْدَةً لِيَشْكُرَ نِعْمَةً وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ عِظَامٍ(2).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: ثَلاثٌ لا يَضُرُّ مَعَهُنَّ شَيْ ءٌ: الدُّعَاءُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالاسْتِغْفَارُ عِنْدَ الذَّنْبِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ(3).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: شكر النعمة أمان من حلول النقمة(4).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً»(5).
وقال تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ»(6).
وقال تعالى: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»(7).
وقال تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ»(8).
ص: 135
وقال تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ»(1).
وقال تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ»(2).
وقال تعالى: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً»(3).
وقال تعالى: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ»(5).
وقال تعالى في ذم المنافقين: «وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا»(6).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يَا عَلِيُّ سَيِّدُ الْأَعْمَالِ ثَلاثُ خِصَالٍ إِنْصَافُكَ مِنْ نَفْسِكَ وَمُوَاسَاةُ الْأَخِ فِي اللَّهِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ حَال(7).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثَلاثَةٌ مَعْصُومُونَ مِنْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ: الذَّاكِرُونَ للَّهِ ِ وَالْبَاكُونَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالْمُسْتَغْفِرُونَ بِالْأَسْحَارِ(8).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: أَ لا أُحَدِّثُكُمْ بِأَشَدِّ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ فَذَكَرَ لَهُ ثَلاثَةَ أَشْيَاءَ الثَّالِثُ مِنْهَا ذِكْرُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ إِذَا هَجَمَ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ(9).
ص: 136
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: قال اللَّه عزّ وجلّ: يابنَ آدَم اذْكُرْنِي بَعْدَ الْغَدَاةِ سَاعَةً وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِيكَ مَا أَهَمَّكَ(1).
جاء النبيّ صلى الله عليه وآله أعرابيان... وقال الآخر: يَا رَسُول اللَّه أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَأَنْتَ تَمُوتُ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّه(2).
عمير بن مأمون العطاردي قال: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍ عليه السلام يَقْعُدُ فِي مَجْلِسِهِ حِينَ يُصَلِّي الْفَجْرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ سَتَرَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ثلاثاً(3).
قال النبي صلى الله عليه وآله لعثمان بن مظعون: مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ جَلَسَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَانَ لَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ سَبْعُونَ دَرَجَةً بُعْدُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَحُضْرِ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ سَبْعِينَ سَنَة(4).
عن ابن عمر عن الحسن بن علي عليه السلام قال: سمعت أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ جَلَسَ فِي مُصَلّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَجْرَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَحَاجِّ بَيْتِ اللَّه وَغُفِرَ لَهُ(5).
ص: 137
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: ذاكر اللَّه في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم(1).
وقال صلى الله عليه وآله: من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر اللَّه(2).
وقال صلى الله عليه وآله حكاية عن اللَّه تعالى: إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي و إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه وإذا تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا وإذا مشى إلي هرولت إليه(3).
وفي روضة الواعظين للمفيدرحمه الله وقال صلى الله عليه وآله: مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ قُومُوا فَقَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ وَغُفِرَتْ لَكُمْ جَمِيعا(4).
قال تعالى: «وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً»(5).
قال الصادق عليه السلام: الْجُلُوسُ بَعْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ فِي التَّعْقِيبِ وَالدُّعَاءِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ(6).
عن حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: لَجُلُوسُ الرَّجُلِ فِي دُبُرِ صَلاةِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنْفَذُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقُلْتُ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْحَاجَةُ يَخَافُ فَوْتَهَا فَقَالَ يُدْلِجُ فِيهَا وَلْيَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ
ص: 138
فِي تَعْقِيبٍ مَا دَامَ عَلَى وُضُوء(1).
قال موسى: فَمَا جَزَاءُ مَنْ ذَكَرَكَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ قَالَ يَا مُوسَى أُظِلُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِظِلِّ عَرْشِي وَأَجْعَلُهُ فِي كَنَفِي(2).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يُصْبِحُ إِلّا خَائِفاً وَإِنْ كَانَ مُحْسِناً وَلا يُمْسِي إِلّا خَائِفاً وَإِنْ كَانَ مُحْسِناً لأَنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَيْنَ وَقْتٍ قَدْ مَضَى لا يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِ وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ لا يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْهَلَكَات(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام: مَنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُ كَمَا يَسْقُطُ وَرَقُ الشَّجَرِ(4).
عن أبي جعفرعليه السلام: اذا قمت من فراشك فانظر في افق السماء وقل الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ رُوحِي لأَحْمَدَهُ وَأَعْبُدَه(5).
ص: 139
اشارة إلى قوله تعالى: «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»(1).
قال تعالى: «يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»(2).
استدلّ بقوله تعالى: «قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(3).
عن أبي العبّاس قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِن(4).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: سُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله عَنْ خِيَارِ الْعِبَادِ؟ فَقَالَ: الَّذِينَ إِذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا وَإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا وَإِذَا أُعْطُوا شَكَرُوا وَإِذَا ابْتُلُوا صَبَرُوا وَإِذَا غَضِبُوا غَفَرُوا(5).
ص: 140
قال تعالى حكاية عن يوسف النبيّ عليه السلام: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي»(1).
وقال تعالى: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ»(2).
وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(3).
في تاج الجاحظ: كان اردشير قد وكل غلامين ذكيين لا يفارقان مجلسه بحفظ الفاظه عند الشرب والمنادمة، أحدهما يملي والآخر يكتب حرفا حرفا وهذا إنّما يفعلانه إذا غلب على الملك السكر فإذا أصبح ورفع عن وجهه الحجاب قرأ عليه الكاتب كلّ ما لفظ به في مجلسه إلى أن نام فإذا قرئ عليه ما أمر به الزامر ومخالفة الزامر أمره دعا بالزامر فخلع عليه وجزاه الخير وقال اصبت في ما فعلت واخطأ الملك في ما أمرك به فهذا ثواب صوابك وكذلك العقوبة لمن أخطأ وعقوبتي ان لا نزمزم اليوم إلّا على خبز الشعير والجبن فلم يطعم في يومه ذلك غيرهما(4).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ(5).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام لرجل: إِنَّكَ قَدْ جُعِلْتَ طَبِيبَ نَفْسِكَ وَبُيِّنَ لَكَ الدَّاءُ وَعُرِّفْتَ آيَةَ الصِّحَّةِ وَدُلِلْتَ عَلَى الدَّوَاءِ فَانْظُرْ كَيْفَ قِيَامُكَ عَلَى نَفْسِكَ(6).
ص: 141
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: احْمِلْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَمْ يَحْمِلْكَ غَيْرُكَ(1).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: اقْصُرْ نَفْسَكَ عَمَّا يَضُرُّهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُفَارِقَكَ وَاسْعَ فِي فَكَاكِهَا كَمَا تَسْعَى فِي طَلَبِ مَعِيشَتِكَ فَإِنَّ نَفْسَكَ رَهِينَةٌ بِعَمَلِكَ(2).
عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: إياك أن تتبع النفس هواها فإن في هواها رداها وترك هواها دواؤها(3).
عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بَعَثَ سَرِيَّةً فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ: مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا الْجِهَادَ الْأَصْغَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؟ فَقَالَ: جِهَادُ النَّفْسِ وَقَالَ صلى الله عليه وآله: إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْه(4).
قال الصادق عليه السلام: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ إِذَا رَغِبَ وَإِذَا رَهِبَ وَإِذَا اشْتَهَى وَإِذَا غَضِبَ وَإِذَا رَضِيَ وإذا سخط حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ(5).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام لرجل: اجْعَلْ قَلْبَكَ قَرِيناً بَرّاً أَوْ وَلَداً وَاصِلاً(6) وَاجْعَلْ عَمَلَكَ وَالِداً تَتَّبِعُهُ وَاجْعَلْ نَفْسَكَ عَدُوّاً تُجَاهِدُهَا(7).
ومن ألفاظ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ(8).
ص: 142
عن مفضّل بن عمر قال: قال الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ قَلْبِهِ وَزَاجِرٌ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِينٌ مُرْشِدٌ اسْتَمْكَنَ عَدُوُّهُ مِنْ عُنُقِهِ(1).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: أَنْفَعُ الْأَشْيَاءِ لِلْمَرْءِ سَبْقُهُ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ نَفْسِه(2).
عن مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قُلْتُ بِمَا يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَدْخُلُ فِيمَا يَتَعَذَّرُ مِنْه(3).
عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ كُلَّ شَيْ ءٍ إِلّا إِذْلالَ نَفْسِه(4).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْ مَقَتَ نَفْسَهُ دُونَ مَقْتِ النَّاسِ آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَة(5).
وقال سبحانه: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ»(1).
وقال تعالى: «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلًا»(2).
كان النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاة(3).
قال تعالى: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»(4).
وقال تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»(5).
وقال تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(6).
وقال تعالى: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(7).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ أميرُالمؤمنين عليه السلام: إِنَّ عَلامَةَ الرَّاغِبِ فِي ثَوَابِ الآْخِرَةِ زُهْدُهُ فِي عَاجِلِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا أَمَا إِنَّ زُهْدَ الزَّاهِدِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لا يَنْقُصُهُ
ص: 144
مِمَّا قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِيهَا وَإِنْ زَهِدَ وَإِنَّ حِرْصَ الْحَرِيصِ عَلَى عَاجِلِ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لا يَزِيدُهُ فِيهَا وَإِنْ حَرَصَ فَالْمَغْبُونُ مَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الآْخِرَة(1).
عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ الْعِلْمَ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ وَلا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُم(2).
عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللَّه عليه السلام: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ لِلْعَالِمِ ثَلاثَ عَلامَاتٍ الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالصَّمْتَ وَلِلْمُتَكَلِّفِ ثَلاثَ عَلامَاتٍ يُنَازِعُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ وَيَظْلِمُ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ وَيُظَاهِرُ الظَّلَمَة(3).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لا يَكُونُ السَّفَهُ وَالْغِرَّةُ فِي قَلْبِ الْعَالِمِ(4).
عن محمّد بن عبيداللَّه قال: سمعت الرضاعليه السلام يقول: لا يَكُونُ الرَّجُلُ عَابِداً حَتَّى يَكُونَ حَلِيما(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِذَا وَقَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مُنَازَعَةٌ نَزَلَ مَلَكَانِ فَيَقُولانِ لِلسَّفِيهِ مِنْهُمَا قُلْتَ وَقُلْتَ وَأَنْتَ أَهْلٌ لِمَا قُلْتَ سَتُجْزَى بِمَا قُلْتَ وَيَقُولانِ لِلْحَلِيمِ مِنْهُمَا صَبَرْتَ وَحَلُمْتَ سَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنْ أَتْمَمْتَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ رَدَّ
ص: 145
الْحَلِيمُ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْمَلَكَانِ(1).
عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَا جُمِعَ شَيْ ءٌ إِلَى شَيْ ءٍ أَفْضَلُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ(2).
ومن الأدعيةِ الجامعة: اللهمّ أغنني بالعلم وزيّني بالحلم(3).
حُكِيَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ الْأَشْتَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُجْتَازاً بِسُوقٍ وَعَلَيْهِ قَمِيصُ خَامٍ وَعِمَامَةٌ مِنْهُ فَرَآهُ بَعْضُ السُّوقَةِ فَأَزْرَى بِزِيِّهِ فَرَمَاهُ بِبَابِهِ تَهَاوُناً بِهِ فَمَضَى وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَقِيلَ لَهُ وَيْلَكَ تَعْرِفُ لِمَنْ رَمَيْتَ فَقَالَ لا فَقِيلَ لَهُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَارْتَعَدَ الرَّجُلُ وَمَضَى لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ وَقَدْ دَخَلَ مَسْجِداً وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا انْفَتَلَ انْكَبَّ الرَّجُلُ عَلَى قَدَمَيْهِ يُقَبِّلُهُمَا فَقَالَ مَا هَذَا الْأَمْرُ فَقَالَ أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعْتُ فَقَالَ لا بَأْسَ عَلَيْكَ فَوَ اللَّهِ مَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ إِلّا لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ(4).
قالوا لئلّا يدخل في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ
ص: 146
الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا(1).
وما ورد عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه السلام في قوله تعالى: «فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ»(2) قال: فَقالَ: يا أبا بَصير هُمْ قَوْمٌ وَصَفُوا عَدْلاً بِأَلْسِنَتِهِمْ ثُمَّ خَالَفُوهُ إِلَى غَيْرِه(3).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قَصْرُ الْأَمَل(4).
قال اللَّه تعالى في ذمّ طول الأمل في كتابه: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(5).
روى أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ اشْتَرَى وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: أَ لا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلَى شَهْرٍ إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلّا ظَنَنْتُ أَنَّ شُفْرَيَّ لا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللَّهُ رُوحِي وَمَا رَفَعْتُ طَرْفِي وَظَنَنْتُ أَنِّي خَافِضُة حَتَّى أُقْبَضَ وَلا تَلَقَّمْتُ لُقْمَةً إِلّا ظَنَنْتُ أَنْ لا أُسِيغَهَا أَنْحَصِرُ بِهَا مِنَ الْمَوْتِ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي آدَمَ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ «إِنَّمَا تُوعَدُونَ
ص: 147
لآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ»(1).(2)
و قال بعضهم اطلع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ذات عشية إلى الناس فقال: أيها الناس أما تستحيون من اللَّه قالوا وما ذاك يا رسول اللَّه قال تجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون وتبنون ما لا تسكنون(3).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أكلكم يحب أن يدخل الجنة؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه قال: قصروا من الأمل وثبتوا آجالكم بين أبصاركم واستحيوا من اللَّه حق الحياء(4).
وقال عيسى عليه السلام: لا تهتموا برزق غد فإن يكن من آجالكم فسيأتي فيه أرزاقكم مع آجالكم وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتموا لآجال غيركم(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه الحب للدنيا(6) وفي حديث: فينسى الآخرة(7).
وقد ورد في مدح قرب الأمل ما ورد. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ
ص: 148
صِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَدا(1).
قال تعالى: «وَللَّهِ ِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ»(2).
قال المجلسي رحمه الله: قد عرفت أن زلل العارفين يكون من باب ترك الأولى لأن صدور الخيرات عنهم صار ملكة والجواذب فيهم إلى الزلل والخطيئات نادرة تكون لضرورة منهم أو سهو ولا شكّ في قلته(3).
قال تعالى: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»(4).
عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه عليه السلام: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى
ص: 149
النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِه(1).
وروي عن العالم عليه السلام أنّه قال: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ارْضَ بِمَا آتَيْتُكَ تَكُنْ مِنْ أَغْنَى النَّاس(2).
وقال عليّ بن الحسين عليه السلام: مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ (قسم اللَّه له) فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ(3).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: أَغْنَى الْغِنَى الْقَنَاعَة(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ لِرَجُلٍ اقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِكَ وَلا تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ نَائِلَهُ فَإِنَّهُ مَنْ قَنِعَ شَبِعَ وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ وَخُذْ حَظَّكَ مِنْ آخِرَتِك(5).
وكان عليّ عليه السلام يقول: من تمنى غنى نفسه و (من) لم يشف غيظه مات بحسرة(6).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: مَنْ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُجْزِيهِ كَانَ أَيْسَرُ مَا فِيهَا يَكْفِيهِ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُجْزِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْ ءٌ يَكْفِيهِ(7).
عن حمزة بن حمران قال: شَكَا رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ يَطْلُبُ فَيُصِيبُ وَلا يَقْنَعُ وَتُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ عَلِّمْنِي شَيْئاً أَنْتَفِعْ بِهِ فَقَالَ أَبُو
ص: 150
عَبْدِاللَّهِ عليه السلام إِنْ كَانَ مَا يَكْفِيكَ يُغْنِيكَ فَأَدْنَى مَا فِيهَا يُغْنِيكَ وَإِنْ كَانَ مَا يَكْفِيكَ لا يُغْنِيكَ فَكُلُّ مَا فِيهَا لا يُغْنِيكَ(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: عَلَيْكُمْ بِالقناعَةِ فإنّ القناعَة مالٌ لا يَنفَد(2).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لا يَفْنَى(3).
عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ ابْنَ آدَمَ كُنْ كَيْفَ شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ مَنْ رَضِيَ مِنَ اللَّهِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ وَمَنْ رَضِيَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَلالِ خَفَّتْ مَئُونَتُهُ وَزَكَتْ مَكْسَبَتُهُ وَخَرَجَ مِنْ حَدِّ الْفُجُورِ(4).
عن محمّد بن عرفة عن أبي الحسن الرضاعليه السلام قال: مَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ مِنَ الرِّزْقِ إِلّا الْكَثِيرُ لَمْ يَكْفِهِ مِنَ الْعَمَلِ إِلّا الْكَثِيرُ وَمَنْ كَفَاهُ مِنَ الرِّزْقِ الْقَلِيلُ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مِنَ الْعَمَلِ الْقَلِيلُ(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمَانِي خِصَالٍ وَقُوراً عِنْدَ الْهَزَاهِزِ صَبُوراً عِنْدَ الْبَلاءِ شَكُوراً عِنْدَ الرَّخَاءِ قَانِعاً بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ لا يَظْلِمُ الْأَعْدَاءَ وَلا يَتَحَامَلُ لِلْأَصْدِقَاءِ(6) بَدَنُهُ مِنْهُ فِي تَعَبٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة(7).
ص: 151
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وَآخِذٌ سَهْمَكَ وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ أَكْرَمُ وَأَعْظَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْه(1).
اصابت داود الطائي ضيقة شديدة فجاءه حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركة أبيه فقال: هي من مال رجل ما أقدم عليه أحداً في زهده وورعه وطيب كسبه ولو كنت قابلاً من أحد شيئاً لقبلتها إعظاماً للميّت وإيجاباً للحيّ ولكن أحبّ أن أعيش في عزّ القناعة(2).
وجّه إلى خليل بن أحمد سليمان بن علي من الأهواز وكان واليها يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده فأخرج الخليل إلى رسوله خبزاً يابساً وقال: ما عندي غيره ومادمت أجده فلا حاجة في سليمان فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك فأنشأ يقول:
ابلغ سليمان اني عنك في سعة * وفي غنى غير أني لست ذا مال
حتّى بنفسي اني لا أرى أحداً * يموت هزلا ولا يبقى على حال
وفي معجم الأدباء:
والفقر في النفس لا في المال تعرفه * ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه * ولا يزيدك فيه حول محتال
توفّي (خليل بن أحمد) سنة 160 وقيل 170 وله 74 سنة(3).
ص: 152
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: نُورُ الْحِكْمَةِ الْجُوعُ وَالتَّبَاعُدُ مِنَ اللَّهِ الشِّبَعُ وَالْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ حُبُّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوُّ مِنْهُم(1).
وقال صلى الله عليه وآله: لا تَشْبَعُوا فَيُطْفَأَ نُورُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ قُلُوبِكُمْ وَمَنْ بَاتَ يُصَلِّي فِي خِفَّةٍ مِنَ الطَّعَامِ بَاتَ وَحُورُ الْعِيْنِ حَوْلَه(2).
وسئل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما أكثر ما يدخل النار؟ قال صلى الله عليه وآله: الْأَجْوَفَانِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ(3).
قال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة(4).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام نَزَلَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ السَّلامُ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ صَيَّرْتَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ ذَهَباً وَفِضَّةً وَخُذْ هَذِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ حَظِّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْمَوْتُ فَقَالَ: إِذاً لا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنْيَا دَعْنِي أَجُوعُ يَوْماً وَأَشْبَعُ يَوْماً فَالْيَوْمَ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ أَتَضَرَّعُ إِلَى رَبِّي وَأَسْأَلُهُ وَالْيَوْمَ الَّذِي أَشْبَعُ فِيهِ أَشْكُرُ رَبِّي وَأَحْمَدُهُ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: وُفِّقْتَ لِكُلِّ خَيْرٍ يَا مُحَمَّد(5).
ص: 153
قيل ليوسف عليه السلام: لِمَ تجوع وفي يدك خزائن الأرض؟ قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَاءٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُنَافِقُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ(2).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَطْوَلُكُمْ جُشَاءً فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُكُمْ جُوعاً فِي الآْخِرَةِ أَوْ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعاً فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعاً فِي الآْخِرَة(4).
انّ أبا جحيفة أكل ثريدة بلحم وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو يتجشأ فقال: اكفف عليك جشأك أبا جحيفة فان أكثرهم شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة قال: فما أكل أبو جحيفة مل ء بطنه حتّى فارق الدنيا كان إذا تعشى لا يتغدى وإذا تغدى لا يتعشى(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الْأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ يُورِثُ الْبَرَصَ(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كُلُّ دَاءٍ مِنَ التُّخَمَةِ مَا خَلا الْحُمَّى فَإِنَّهَا تَرِدُ وُرُوداً(7).
ص: 154
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: لَيْسَ لابْنِ آدَمَ بُدٌّ مِنْ أَكْلَةٍ يُقِيمُ بِهَا صُلْبَهُ فَإِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً فَلْيَجْعَلْ ثُلُثَ بَطْنِهِ لِلطَّعَامِ وَثُلُثَ بَطْنِهِ لِلشَّرَابِ وَثُلُثَ بَطْنِهِ لِلنَّفَسِ وَلا تَسَمَّنُوا تَسَمُّنَ الْخَنَازِيرِ لِلذَّبْحِ(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِذَا خَفَّ بَطْنُهُ وَأَبْغَضُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا امْتَلأَ بَطْنُهُ(2).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: عَلامَاتُ الْمُؤْمِنِ أَرْبَعَةٌ نَوْمُهُ كَنَوْمِ الْغَرْقَى وَأَكْلُهُ كَأَكْلِ الْمَرْضَى وَبُكَاؤُهُ كَبُكَاءِ الثَّكْلَى وَقُعُودُهُ كَقُعُودِ الْوَاثِبِ(3).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: من اقتصد في أكله كثرت صحّته وصلحت فكرته(4).
روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيهِ بِالْجُوعِ وَالعَطَشِ(5).
إِنَّ حَارِثاً الْأَعْوَرَ أَتَى أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَقَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ أُحِبُّ أَنْ تُكْرِمَنِي بِأَنْ تَأْكُلَ عِنْدِي فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: عَلَى أَنْ لا تَتَكَلَّفَ لِي شَيْئاً وَدَخَلَ فَأَتَاهُ الْحَارِثُ بِكِسْرَةٍ فَجَعَلَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَأْكُلُ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ إِنَّ
ص: 155
مَعِي دَرَاهِمَ وَأَظْهَرَهَا فَإِذَا هِيَ فِي كُمِّهِ فَإِنْ أَذِنْتَ لِي اشْتَرَيْتُ لَكَ شَيْئاً غَيْرَهَا فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: هَذِهِ مِمَّا فِي بَيْتِكَ(1).
عن عليّ عليه السلام قال: قَالَ لِيَ الْحَارِثُ: أَتَدْخُلُ مَنْزِلِي يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عليه السلام: عَلَى شَرْطِ أَنْ لا تَدَّخِرَنِي شَيْئاً مِمَّا فِي بَيْتِكَ وَلا تَكَلَّفَ لِي شَيْئاً مِمَّا وَرَاءَ بَابِكَ قَالَ: نَعَمْ فَدَخَلَ يَتَحَرَّقُ(2) وَيُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ حَتَّى قَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَا حَارِثُ قَالَ: هَذِهِ دَرَاهِمُ مَعِي وَلَسْتُ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ مَا أُرِيدُ قَالَ: أَوَلَيْسَ قُلْتُ لَكَ لا تَتَكَلَّفْ مَا وَرَاءَ بَابِكَ فهذه (فَهَاتِ) مِمَّا فِي بَيْتِكَ(3).
قال عليه السلام: المؤمن في دينه أشد من الجبال الراسية وذلك لأن الجبل قد ينحت منه والمؤمن لا يقدر أحد أن ينحت من دينه شيئا وذلك لضنه بدينه وشحه عليه(4).
قال: صفوان بن مهران الجمّال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام فقال لي: يَا صَفْوَانُ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ مَا خَلا شَيْئاً وَاحِداً قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيُّ شَيْ ءٍ؟ قَالَ: إِكْرَاؤُكَ جِمَالَكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي هَارُونَ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَكْرَيْتُهُ أَشَراً وَلا بَطَراً وَلا لِلصَّيْدِ وَلا لِلَّهْوِ وَلَكِنِّي أَكْرَيْتُهُ لِهَذَا الطَّرِيقِ يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ
ص: 156
وَلا أَتَوَلّاهُ بِنَفْسِي وَلَكِنِّي أَبْعَثُ مَعَهُ غِلْمَانِي فَقَالَ لِي: يَا صَفْوَانُ أَيَقَعُ كِرَاؤُكَ عَلَيْهِمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ: فَقَالَ لِي: أَتُحِبُّ بَقَاءَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ كِرَاؤُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ قَالَ صَفْوَانُ: فَذَهَبْتُ فَبِعْتُ جِمَالِي عَنْ آخِرِهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى هَارُونَ فَدَعَانِي فَقَالَ لِي: يَا صَفْوَانُ بَلَغَنِي أَنَّكَ بِعْتَ جِمَالَكَ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ وَإِنَّ الْغِلْمَانَ لا يَفُونَ بِالْأَعْمَالِ فَقَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ إِنِّي لأَعْلَمُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا، أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قُلْتُ: مَا لِي وَلِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ؟ فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ فَوَ اللَّهِ لَوْلا حُسْنُ صُحْبَتِكَ لَقَتَلْتُكَ(1).
عن بكر بن محمّد عن الجعفري(2) قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: مَا لِي رَأَيْتُكَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ خَالِي فَقَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ فِي اللَّهِ قَوْلاً عَظِيماً يَصِفُ اللَّهَ وَلا يُوصَفُ فَإِمَّا جَلَسْتَ مَعَهُ وَتَرَكْتَنَا وَإِمَّا جَلَسْتَ مَعَنَا وَتَرَكْتَهُ فَقُلْتُ: هُوَ يَقُولُ: مَا شَاءَ، أَيُّ شَيْ ءٍ عَلَيَّ مِنْهُ إِذَا لَمْ أَقُلْ مَا يَقُولُ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: أَمَا تَخَافُ أَنْ تَنْزِلَ بِهِ نَقِمَةٌ فَتُصِيبَكُمْ جَمِيعاً أَمَا عَلِمْتَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى عليه السلام وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ فَلَمَّا لَحِقَتْ خَيْلُ فِرْعَوْنَ مُوسَى تَخَلَّفَ عَنْهُ لِيَعِظَ أَبَاهُ فَيُلْحِقَهُ بِمُوسَى فَمَضَى أَبُوهُ وَهُوَ
ص: 157
يُرَاغِمُهُ(1) حَتَّى بَلَغَا طَرَفاً مِنَ الْبَحْرِ فَغَرِقَا جَمِيعاً فَأَتَى مُوسَى عليه السلام الْخَبَرُ فَقَالَ: هُوَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَكِنَّ النَّقِمَةَ إِذَا نَزَلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَمَّنْ قَارَبَ الْمُذْنِبَ دِفَاعٌ(2).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: كان في وصيّة أميرالمؤمنين عليه السلام لأصحابه: فَإِذَا حَضَرَتْ بَلِيَّةٌ فَاجْعَلُوا أَمْوَالَكُمْ دُونَ أَنْفُسِكُمْ وَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ فَاجْعَلُوا أَنْفُسَكُمْ دُونَ دِينِكُم(3).
قال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»(4).
عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: ثَلاثٌ أَخَافُهُنَّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي الضَّلالَةُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَمَضَلّاتُ الْفِتَنِ وَشَهْوَةُ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ(5).
عن ميمون القداح قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: مَا مِنْ عِبَادَةٍ أَفْضَلَ مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ وَفَرْجٍ(6).
عن عبداللَّه بن ميمون القداح عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كانَ أميرالمؤمنين عليه السلام
ص: 158
يقول: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْعَفَافُ(1).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة قال: وَمَنْ لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ شَهْوَتَهَا أَصَابَ رُشْدَهُ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَكْثَرُ مَا تَلِجُ بِهِ أُمَّتِي النَّارَ الْأَجْوَفَانِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ(3).
قال تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(4).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَا مِنْ عَبْدٍ كَظَمَ غَيْظاً إِلّا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِزّاً فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَأَثَابَهُ اللَّهُ مَكَانَ غَيْظِهِ ذَلِك(5).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: مَا مِنْ جُرْعَةٍ يَتَجَرَّعُهَا الْعَبْدُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَتَجَرَّعُهَا عِنْدَ تَرَدُّدِهَا فِي قَلْبِهِ إِمَّا بِصَبْرٍ وَإِمَّا بِحِلْم(6).
ص: 159
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه اللَّه عز وجل(1).
عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ أَمْلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضَاهُ(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاء(3).
عن عليّ بن الحسين قال: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِذُلِّ نَفْسِي حُمْرَ النَّعَمِ وَمَا تَجَرَّعْتُ جُرْعَةً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ لا أُكَافِي بِهَا صَاحِبَهَا(4).
عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مِنْ أَحَبِّ السَّبِيلِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جُرْعَتَانِ جُرْعَةُ غَيْظٍ تَرُدُّهَا بِحِلْمٍ وَجُرْعَةُ مُصِيبَةٍ تَرُدُّهَا بِصَبْرٍ(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن لجهنم بابا لا يدخلها إلا من شفى غيظه بمعصية اللَّه تعالى(6).
ص: 160
قال تعالى: «يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ إِنْ صَاحَبْتَهُ نَفَعَكَ وَإِنْ شَاوَرْتَهُ نَفَعَكَ وَإِنْ جَالَسْتَهُ نَفَعَكَ وَكُلُّ شَأْنِهِ مَنَافِعُ وَكَذَلِكَ النَّحْلَةُ كُلُّ شَأْنِهَا مَنَافِعُ(2).
كَانَ عليّ بن الحسين إِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ وَهَدَأَتِ الْعُيُونُ قَامَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ مَا يَبْقَى فِيهِ عَنْ قُوتِ أَهْلِهِ وَجَعَلَهُ فِي جِرَابٍ وَرَمَى بِهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَخَرَجَ إِلَى دُورِ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ وَيُفَرِّقُ عَلَيْهِمْ وَكَثِيراً مَا كَانُوا قِيَاماً عَلَى أَبْوَابِهِمْ يَنْتَظِرُونَهُ فَإِذَا رَأَوْهُ تَبَاشَرُوا بِهِ وَقَالُوا جَاءَ صَاحِبُ الْجِرَاب(3).
وعن أبي عبداللَّه الدامغاني: أنّه كان عليّ بن الحسين يتصدّق بالسكر واللوز فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالى: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»(4) وكان عليه السلام يحبّه.
عن عيسى بن عبداللَّه قال: احْتُضِرَ عَبْدُاللَّهِ بن عباس فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَطَالَبُوهُ بِدَيْنٍ لَهُمْ فَقَالَ لا مَالَ عِنْدِي فَأُعْطِيَكُمْ وَلَكِنِ ارْضَوْا بِمَا شِئْتُمْ مِنِ ابْنَيْ عَمِّي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مَلِيٌّ مَطُولٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام [رَجُلٌ] لا مَالَ لَهُ صَدُوقٌ وَهُوَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْنَا
ص: 161
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ أَضْمَنُ لَكُمُ الْمَالَ إِلَى غَلَّةٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ تَجَمُّلاً فَقَالَ الْقَوْمُ قَدْ رَضِينَا وَضَمِنَهُ فَلَمَّا أَتَتِ الْغَلَّةُ أَتَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْمَالَ فَأَدَّاه(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَلا أُنَبِّئُكُمْ لِمَ سُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً لائتماننِ النَّاس إياه عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَلا أُنَبِّئُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ؟ المُسلم مَنْ سَلِمَ النَّاس مِنْ يَدِهِ وَلِسَانِه أَلا أُنَبِّئُكُمْ بالمهاجر؟ من هجر السيّئات وما حرّم اللَّه عزّ وجلّ(2).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمْ يُعْبَدِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْ ءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ وَلا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ عَاقِلاً حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهِ عَشْرُ خِصَالٍ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْخَيْرِ مِنْ نَفْسِهِ وَلا يَسْأَمُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ طُولَ عُمُرِهِ وَلا يَتَبَرَّمُ بِطِلابِ الْحَوَائِجِ قِبَلَهُ الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعِزِّ وَالْفَقْرُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْغِنَى نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الْقُوتُ وَالْعَاشِرَةُ ما العاشرة لا يَرَى أَحَداً إِلّا قَالَ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَتْقَى إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلانِ فَرَجُلٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَتْقَى وَآخَرُ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى فَإِذَا رَأَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَتْقَى تَوَاضَعَ لَهُ لِيَلْحَقَ بِهِ وَإِذَا لَقِيَ الَّذِي هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى قَالَ عَسَى خَيْرُ هَذَا بَاطِنٌ وَشَرُّهُ ظَاهِرٌ وَعَسَى أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِخَيْرٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَلا مَجْدُهُ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ(3).
ص: 162
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: الذَّاكِرُ للَّهِ ِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ فِي الْمُحَارِبِينَ(1).
عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: ذَاكِرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ عَنِ الْفَارِّينَ وَالْمُقَاتِلُ عَنِ الْفَارِّينَ لَهُ الْجَنَّةُ(2).
عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: يَا أَبَا ذَرٍّ الذَّاكِرُ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ فِي الْفَارِّينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ(3).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي السُّوقِ مُخْلِصاً عِنْدَ غَفْلَةِ النَّاسِ وَشُغُلِهِمْ بِمَا فِيهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ حَسَنَةٍ وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْفِرَةً لَمْ تَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَر(4).
قال المجلسي رحمه الله: إن رآه الناس في أعداد الغافلين عن ذكر اللَّه لتركه الذكر باللسان كتب عند اللَّه من الذاكرين لاشتغال قلبه بالذكر وإن تركه بلسانه وإن كان من الذاكرين بلسانه بينهم فظاهر أنه لا يكتب من الغافلين(5).
ص: 163
قال تعالى: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1).
وقال تعالى: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ»(2).
وقال تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(3).
قال سيّد الساجدين في مقام المناجاة: أَنْتَ الَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِه(4) وقال عليه السلام: أنت الذي سميت نفسك بالعفو فاعف عني(5).
ولنعم ما قيل فيه:
فهبني مسيئاً كالذي قلت ظالماً * فعفواً جميلاً كي يكون لك الفضل
فان لم أكن للعفو منك لسوء ما * أتيت به أهلاً فأنت له أهل(6)
وقد قال اللَّه في مدح العافين عن الناس: «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»(7).
و«إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً»(8).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ثلاث أقسم عليهنّ: ما نقص مال قط من صدقة فتصدّقوا ولا عفا رجل عن مظلمة ظلمها إلّا زاده اللَّه تعالى بها عزّاً فاعفوا
ص: 164
يزدكم اللَّه عزّاً ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلّا فتح اللَّه عليه باب فقر(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى خَيْرِ أَخْلاقِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَك(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: عَلَيْكُمْ بِالْعَفْوِ فَإِنَّ الْعَفْوَ لا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلّا عِزّاً فَتَعَافَوْا يُعِزَّكُمُ اللَّه(3).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: ثَلاثٌ مِنْ مَكَارِمِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتَحْلُمُ إِذَا جُهِلَ عَلَيْكَ(4).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أُتِيَ بِالْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتِ الشَّاةَ لِلنَّبِيِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ لَهَا: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ فَقَالَتْ قُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِيّاً لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ كَانَ مَلِكاً أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْهُ قَالَ: فَعَفَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَنْهَا(5).
عن معتب قال: كَانَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام فِي حَائِطٍ لَهُ يَصْرِمُ فَنَظَرْتُ إِلَى غُلامٍ لَهُ قَدْ أَخَذَ كَارَةً مِنْ تَمْرٍ فَرَمَى بِهَا وَرَاءَ الْحَائِطِ فَأَتَيْتُهُ وَأَخَذْتُهُ وَذَهَبْتُ بِهِ إِلَيْهِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي وَجَدْتُ هَذَا وَهَذِهِ الْكَارَةَ فَقَالَ لِلْغُلامِ يَا فُلانُ قَالَ لَبَّيْكَ قَالَ أَ تَجُوعُ؟ قَالَ لا يَا سَيِّدِي، قَالَ فَتَعْرَى؟ قَالَ لا يَا سَيِّدِي، قَالَ فَلأَيِّ شَيْ ءٍ أَخَذْتَ هَذِهِ؟ قَالَ اشْتَهَيْتُ ذَلِكَ قَالَ اذْهَبْ فَهِيَ لَكَ وَقَالَ خَلُّوا عَنْهُ(6).
ص: 165
عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: فِي خُطْبَتِهِ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ خَلائِقِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَالْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ(1).
عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: ثَلاثٌ لا يَزِيدُ اللَّهُ بِهِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ إِلّا عِزّاً الصَّفْحُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَهُ وَالصِّلَةُ لِمَنْ قَطَعَه(2).
قال صلى الله عليه وآله: قال موسى عليه السلام: يا رب أي عبادك أعز عليك قال الذي إذا قدر عفا(3).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: النَّدَامَةُ عَلَى الْعَفْوِ أَفْضَلُ وَأَيْسَرُ مِنَ النَّدَامَةِ عَلَى الْعُقُوبَةِ(4).
عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال سمعته يقول: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْأَوَّلِينَ وَالآْخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ أَهْلُ الْفَضْلِ قَالَ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فَيَقُولُونَ وَمَا كَانَ فَضْلُكُمْ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَصِلُ مَنْ قَطَعَنَا وَنُعْطِي مَنْ حَرَمَنَا وَنَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَنَا قَالَ فَيُقَالُ لَهُمْ صَدَقْتُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّة(5).
قال الشيخ نصر اللَّه بن مجلى وكان من الثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت له: يا أميرالمؤمنين تفتحون مكّة فتقولون من دخل دار أبي
ص: 166
سفيان فهو آمن ثمّ يتمّ على ولدك الحسين يوم الطف ما تم؟ فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت لا: فقال اسمعها منه؛ ثمّ استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إلي فذكرت له الرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف باللَّه إن كانت خرجت من فمي أو خطي إلى أحد وإن كنت نظمتها إلّا في ليلتي هذه ثمّ أنشدني:
ملكنا فكان العفو منّا سجيّة * فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما * غدونا على الأسرى نعف ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكلّ إناء بالذي فيه ينضح
وإنّما قيل له حيص بيص لأنّه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فبقي عليه هذا اللقب ومعنى هاتين الكلمتين الشدّة والاختلاط تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص أي في شدّة واختلاط.
وكانت وفاته ليلة الأربعاء سادس شعبان سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببغداد ودفن من الغد بالجانب الغربي في مقابر قريش(1).
قال اللَّه تعالى: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ»(2).
عن سالمة مولاة أبي عبداللَّه عليه السلام قالت: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام حين حضرته
ص: 167
الوفاة فأغمي عليه فلمّا أفاق قال: أَعْطُوا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ الْأَفْطَسُ سَبْعِينَ دِينَاراً وَأَعْطُوا فُلاناً كَذَا وَكَذَا وَفُلاناً كَذَا وَكَذَا فَقُلْتُ: أَتُعْطِي رَجُلاً حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ؟ فَقَالَ: وَيْحَكِ أَمَا تَقْرَءِينَ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: أَمَا سَمِعْتِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» قَالَ ابْنُ مَحْبُوبٍ فِي حَدِيثِهِ حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ عَلَى أَنْ لا أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِساب»(1).
عن داود بن كثير الرقي قال: كنت جالساً عند أبي عبداللَّه عليه السلام إذ قال مبتدئاً من قبل نفسه: يَا دَاوُدُ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَرَأَيْتُ فِيمَا عُرِضَ عَلَيَّ مِنْ عَمَلِكَ صِلَتَكَ لابْنِ عَمِّكَ فُلانٍ فَسَرَّنِي ذَلِكَ إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ صِلَتَكَ لَهُ أَسْرَعُ لِفَنَاءِ عُمُرِهِ وَقَطْعِ أَجَلِه.
قَالَ دَاوُدُ وَكَانَ لِيَ ابْنُ عَمٍّ مُعَانِداً نَاصِبِيّاً خَبِيثاً بَلَغَنِي عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ سُوءُ حَالٍ فَصَكَكْتُ لَهُ نَفَقَةً قَبْلَ خُرُوجِي إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا صِرْتُ فِي الْمَدِينَةِ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام بِذَلِكَ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لا تَقْطَعْ رَحِمَكَ وَإِنْ قَطَعَتْك(3).
عن عبداللَّه بن طلحة قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَ صلى الله عليه وآله:
ص: 168
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي أَهْلاً قَدْ كُنْتُ أَصِلُهُمْ وَهُمْ يُؤْذُونَنِي وَقَدْ أَرَدْتُ رَفْضَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِذَنْ يَرْفُضُكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً قَالَ وَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ عَلَيْهِمْ ظَهِيرا(1).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبته: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تُعَجِّلُ الْفَنَاءَ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْكَوَّاءِ الْيَشْكُرِيُّ(2) فَقَالَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ أَ وَتَكُونُ ذُنُوبٌ تُعَجِّلُ الْفَنَاءَ فَقَالَ نَعَمْ وَيْلَكَ قَطِيعَةُ الرَّحِم(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم(4).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: ان أعمال بني آدم تعرض على اللَّه عشية كلّ خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم(5).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: إِنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَتَى النَّبِيَ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: أَوْصِنِي فَكَانَ فِيمَا أَوْصَاهُ أَنْ قَالَ لا تَسُبُّوا النَّاسَ فَتَكْتَسِبُوا الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمْ(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: سِبَابُ الْمُؤْمِنِ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَكَة(2).
عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ مِنْ عَلامَاتِ شِرْكِ الشَّيْطَانِ الَّذِي لا يُشَكُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فَحَّاشاً لا يُبَالِي مَا قَالَ وَلا مَا قِيلَ فِيهِ(3).
عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ لا يُبَالِي مَا قَالَ وَلا مَا قِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ لِغَيَّةٍ أَوْ شِرْكِ شَيْطَانٍ(4).
وقال صلى الله عليه وآله: إنّ الفحش والتفحّش ليسا من الإسلام في شي ء(5).
وقال صلى الله عليه وآله: الجنة حرام على كلّ فاحش أن يدخلها(6).
عن سليم بن قيس عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ فَحَّاشٍ بَذِيٍّ قَلِيلِ الْحَيَاءِ لا يُبَالِي مَا قَالَ وَلا مَا قِيلَ لَهُ(7) فَإِنَّكَ إِنْ
ص: 170
فَتَّشْتَهُ لَمْ تَجِدْهُ إِلّا لِغَيَّةٍ أَوْ شِرْكِ شَيْطَانٍ(1) فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي النَّاسِ شِرْكُ شَيْطَانٍ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلاد». قَالَ: وَسَأَلَ رَجُلٌ فَقِيهاً(2) هَلْ فِي النَّاسِ مَنْ لا يُبَالِي مَا قِيلَ لَهُ قَالَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلنَّاسِ يَشْتِمُهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لا يَتْرُكُونَهُ فَذَلِكَ الَّذِي لا يُبَالِي مَا قَالَ وَلا مَا قِيلَ فِيهِ(3).
وقال صلى الله عليه وآله: أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى... وعدّ منهم: رجلاً يسيل فوه قيحاً وهو من كان في الدنيا فاحشاً(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِنَّ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ تُكْرَهُ مُجَالَسَتُهُ لِفُحْشِه(5).
عن أبي عبيدة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّار(6).
كان ابن المقفّع يعبث بسفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أمير البصرة وينال من أمه ولا يسميه إلّا بابن المغتلمة وكثر ذلك منه فقدم سليمان وعيسى ابنا علي البصرة وهما عمّا المنصور ليكتبا أماناً لأخيهما المنصور وطلب
ص: 171
الخلافة لنفسه فأرسل إليه المنصور جيشاً مقدمه أبو مسلم ا لخراساني فانتصر أبو مسلم عليه وهرب عبداللَّه بن على إلى أخويه سليمان وعيسى واستتر عندهما خوفاً على نفسه من المنصور فتوسطا له عند المنصور ليرضى عنه ولا يؤاخذه بما جرى منه فقبل شفاعتهما واتفقوا على أن يكتب له أمان من المنصور وهذه الواقعة مشهورة في كتب التواريخ فلمّا أتيا البصرة قالا لعبداللَّه بن المقفّع اكتبه أنت وبالغ في التأكيد كي لا يقتله المنصور وقد ذكرت أن ابن المقفّع كان كاتباً لعيسى بن علي فكتب ابن المقفع الأمان وشدّد فيه حتّى قال في جملة فصوله ومتى غدر أميرالمؤمنين بعمّه عبداللَّه بن علي فنساؤه طوالق ودوابه حبس وعبيده أحرار والمسلمون في حلّ من بيعته.
وكان ابن المقفّع يتنوق في الشروط فلمّا وقف عليه المنصور عظم ذلك عليه وقال من كتب هذا؟ فقالوا له: رجل يقال له عبداللَّه بن المقفّع يكتب لأعمامك فكتب إلى سفيان متولي البصرة المقدم ذكره يأمره بقتله وكان سفيان شديد الخنق عليه للسبب الذي تقدّم ذكره فاستأذن ابن المقفّع يوماً على سفيان فأخّر إذنه حتّى خرج من كان عنده ثمّ أذن له فدخل فعدل به إلى حجرة فقتل فيها.
وقال المدائني: لمّادخل ابن المقفّع على سفيان قال له اتذكر ما كنت تقول في أُمّي؟ فقال: أنشدك اللَّه أيّهاالأمير في نفسي فقال أمّي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد وأمر بتنور فسجر ثمّ أمر بابن المقفّع فقطعت أطرافه عضواً عضواً وهو يلقيها في التنور وهو ينظر حتّى أتى على جميع جسده ثمّ اطبق عليه التنور وقال ليس عليّ في المثلة بك حرج لأنّك زنديق وقد أفسدت الناس.
وسأل سليمان وعيسى عنه فقيل إنّه دخل دار سفيان سليما ولم يخرج منها
ص: 172
فخاصماه إلى المنصور وأحضراه إليه مقيّداً وحضر الشهود الذين شاهدوه وقددخل داره ولم يخرج فأقاموا الشهادة عند المنصور فقال لهم المنصور أنا أنظر في هذا الأمر ثمّ قال لهم: أرأيتم إن قتلت سفيان به ثمّ خرج ابن المقفّع من هذا البيت وأشار إلى باب خلفه وخاطبكم ما تروني صانعاً بكم أأقتلكم بسفيان فرجعوا كلّهم عن الشهادة وأضرب عيسى وسليمان عن ذكره وعلموا أن قتله كان برضا المنصور ويقال إنّه عاش ستّاً وثلاثين سنة(1).
قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»(2).
وقال تعالى: «اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: لِيَجْتَمِعْ فِي قَلْبِكَ الافْتِقَارُ إِلَى النَّاسِ وَالاسْتِغْنَاءُ عَنْهُمْ فَيَكُونَ افْتِقَارُكَ إِلَيْهِمْ فِي لِينِ كَلامِكَ وَحُسْنِ بِشْرِكَ وَيَكُونَ اسْتِغْنَاؤُكَ عَنْهُمْ فِي نَزَاهَةِ عِرْضِكَ وَبَقَاءِ عِزِّك(4).
عن بعض الأصحاب عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قُلْتُ لَهُ مَا حَدُّ حُسْنِ الْخُلُقِ قَالَ
ص: 173
تُلِينُ جَنَاحَكَ وَتُطِيبُ كَلامَكَ وَتَلْقَى أَخَاكَ بِبِشْرٍ حَسَنٍ(1).
قال تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(2).
قال تعالى: «وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ»(3).
وقال تعالى: «أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»(4).
قال تعالى: «إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(5) * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(6).
ص: 174
وقال تعالى: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»(1).
وقال تعالى: «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً»(2).
قال البحراني: ويحتمل بإقبال خيره أخذه في الازدياد من الطاعة وتشميره فيها وبقدر ذلك يكون إدباره عن الشر لأن من استقبل أمرا وسعى فيه بعد عما يضاده وأدبر عنه(3).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: الْمُؤْمِنُ أَصْلَبُ مِنَ الْجَبَل(4).
يقال: إن علي بن الحسين عليه السلام كان يصلي فوقعت عليه حية فلم يتحرك لها ثم انسابت بين قدميه فما حرك إحداهما عن مكانه ولا تغير لونه(5).
قال تعالى: «وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً»(6).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: الْإِيمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ فِي الصَّبْرِ وَنِصْفٌ فِي الشُّكْر(7).
ص: 175
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ فَعَرَفَهَا بِقَلْبِهِ وَحَمِدَ اللَّهَ ظَاهِراً بِلِسَانِهِ فَتَمَّ كَلامُهُ حَتَّى يُؤْمَرَ لَهُ بِالْمَزِيدِ(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى كُلِّ حَالٍ(2).
لا تُحْمَدُ يَا سَيِّدِي إِلّا بِتَوْفِيقٍ مِنْكَ يَقْتَضِي حَمْداً وَلا تُشْكَرُ عَلَى أَصْغَرِ مِنَّةٍ إِلّا اسْتَوْجَبْتَ بِهَا شُكْراً فَمَتَى تُحْصَى نَعْمَاؤُكَ يَا إِلَهِي وَتُجَازَى آلاؤُكَ يَا مَوْلايَ وَتُكَافَى صَنَائِعُكَ يَا سَيِّدِي وَمِنْ نِعَمِكَ يَحْمَدُ الْحَامِدُونَ وَمِنْ شُكْرِكَ يَشْكُرُ الشَّاكِرُون(3).
قال تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»(4).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للَّهِ ِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا
ص: 176
الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً»(1).
وقال تعالى: «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى»(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَتْقَى النَّاسِ مَنْ قَالَ الْحَقَّ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْه(3).
أي: لا يضيع ما أودع عنده من الأموال بالتفريط والخيانة، ومن الأسرار بالافشاء والاذاعة ويحتمل شموله لمّا استحفظه اللَّه من دينه وكتابه(4).
وقيل في أمر الصلاة قال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»(5)
وقال تعالى: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى»(6).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»(7).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ»(8).
ص: 177
فليسوا ممّن قال تعالى فيهم: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ»(1).
وقال تعالى: «نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ»(2).
بل ممّن قال تعالى: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(3).
وقال تعالى: «إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا»(4).
وقال تعالى: «وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ»(5).
وقال تعالى:
«وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ»(6).
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ»(7).
عن زر بن حبيش قال: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مِنَ الْقَصْرِ فَاسْتَقْبَلَهُ رُكْبَانٌ مُتَقَلِّدُونَ بِالسُّيُوفِ عَلَيْهِمُ الْعَمَائِمُ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلانَا فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام: مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَامَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو أَيُّوبَ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ فَشَهِدُوا
ص: 178
جَمِيعاً أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تَقُومَا فَتَشْهَدَا فَقَدْ سَمِعْتُمَا كَمَا سَمِعَ الْقَوْمُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَا كَتَمَاهَا مُعَانَدَةً فَابْتَلِهِمَا فَعَمِيَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَبَرِصَ قَدَمَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَمَّا أَنَسٌ فَحَلَفَ أَنْ لا يَكْتُمَ مَنْقَبَةً لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَلا فَضْلاً أَبَداً وَأَمَّا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَكَانَ يُسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِهِ فَيُقَالُ هُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ كَيْفَ يَرْشُدُ مَنْ أَصَابَتْهُ الدَّعْوَةُ(1).
وقيل: لمّا استشهد عليّ عليه السلام قول النبيّ صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعليّ مولاه اعتذر بالنسيان.
فقال: اللهمّ إن كان كاذباً فاضربه ببياض لا تواريه العمامة.
فبرص وجهه، فسدل بعد ذلك برقعاً على وجهه(2).
الأصل فيه قوله تعالى: «وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(3).
عن محمّد بن يحيى بن أبي عباد عن عمّه قال: سَمِعْتُ الرِّضَاعليه السلام يَوْماً يُنْشِدُ شِعْراً فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ؟ فَقَالَ لِعِرَاقِيٍّ لَكُمْ قُلْتُ أَنْشَدَنِيهِ أَبُو
ص: 179
الْعَتَاهِيَةِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ هَاتِ اسْمَهُ وَدَعْ عَنْكَ هَذَا إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وَلَعَلَّ الرَّجُلَ يَكْرَهُ هَذَا(1).
وروى في تفسير قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ»(2) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَانَتْ زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ كَانَتَا تُؤْذِيَانِهَا وَتَشْتِمَانِهَا وَتَقُولانِ لَهَا يَا بِنْتَ الْيَهُودِيَّةِ فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ لَهَا: أَ لا تُجِيبِنَّهُمَا فَقَالَتْ بِمَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولِي إِنَّ أَبِي هَارُونُ نَبِيُّ اللَّهِ وَعَمِّي مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَمَا تُنْكِرَانِ مِنِّي فَقَالَتْ لَهُمَا فَقَالَتَا هَذَا عَلَّمَكِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله(3).
عن المعلى بن خنيس قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: قالَ اللَّه عزّ وجلّ: لِيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنِّي مَنْ آذَى عَبْدِيَ الْمُؤْمِن(4).
عن ابن جبيرة بن الضحّاك رضي اللَّه عنه قال: فينا نزلت في بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله المدينة وليس فينا رجل إلّا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعى أحدهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول اللَّه انّه يكره هذا الاسم فأنزل اللَّه ولا تنابزوا بالألقاب(5).
ص: 180
قال النبيّ صلى الله عليه وآله بالنسبة إلى جميع الناس: لا ضرر ولا ضرار(1) فكيف بالنسبة إلى الجار الذي وصّى اللَّه تعالى به في قوله: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ»(2).
واستشهد له بما روى: أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وآله كَتَبَ كِتَاباً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ أَنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرَ مُضَارٍّ وَلا آثِمٍ وَحُرْمَةَ الْجَارِ كَحُرْمَةِ أُمِّه(3).
وانّ النبيّ صلى الله عليه وآله أتاه رجل من الأنصار فقال: اني اشتريت داراً في بني فلان وإن أقرب جيراني منّي جوارا من لا أرجو خيره ولا آمن شرّه قال: فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عليّاًعليه السلام وسلمان وأباذر والمقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم: لا ايمان لمن لا يأمن جاره بوائقه - فنادوا بها ثلاثاً - ثمّ أومأ النبيّ صلى الله عليه وآله إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله(4).
وان النبيّ صلى الله عليه وآله قال: من آذى جاره حرّم اللَّه عليه ريح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصير ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت انّه سيورّثه(5).
ص: 181
وقال عليه السلام: هَلْ تَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ مَا تَدْرُونَ مِنْ حَقِّ الْجَارِ إِلّا قَلِيلاً، أَلا لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، فَإِذَا اسْتَقْرَضَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ شَرٌّ عَزَّاهُ، ولا يَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ فِي الْبِنَاءِ يَحْجُبُ عَنْهُ الرِّيحَ إِلّا بِإِذْنِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى فَاكِهَةً فَلْيُهْدِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُهْدِ لَهُ فَلْيُدْخِلْهَا سِرّاً وَلا يُعْطِي صِبْيَانَهُ مِنْهَا شَيْئاً يُغَايِظُونَ صِبْيَانَهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الْجِيرَانُ ثَلاثَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ حَقُّ الْإِسْلامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ حَقُّ الْإِسْلامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ الْكَافِرُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ(1).
قال الإمام زين العابدين عليه السلام: أَمَّا حَقُّ الْجَارِ فَحِفْظُهُ غَائِباً وَكَرَامَتُهُ شَاهِداً وَنُصْرَتُهُ وَمَعُونَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعاً لا تَتَبّعْ لَهُ عَوْرَةً وَلا تَبْحَثْ لَهُ عَنْ سَوْأَةٍ لِتَعْرِفَهَا فَإِنْ عَرَفْتَهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ مِنْكَ وَلا تَكَلُّفٍ كُنْتَ لِمَا عَلِمْتَ حِصْناً حَصِيناً وَسِتْراً سَتِيراً لَوْ بَحَثَتِ الْأَسِنَّةُ عَنْهُ ضَمِيراً لَمْ تَتَّصِلْ إِلَيْهِ لانْطِوَائِهِ عَلَيْهِ لا تَسْتَمِعْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ لا تُسْلِمْهُ عِنْدَ شَدِيدَةٍ وَلا تَحْسُدْهُ عِنْدَ نِعْمَةٍ تُقِيلُهُ عَثْرَتَهُ وَتَغْفِرُ زَلَّتَهُ وَلا تَذْخَرْ حِلْمَكَ عَنْهُ إِذَا جَهِلَ عَلَيْكَ وَلا تَخْرُجْ أَنْ تَكُونَ سِلْماً لَهُ تَرُدُّ عَنْهُ لِسَانَ الشَّتِيمَةِ وَتُبْطِلُ فِيهِ كَيْدَ حَامِلِ النَّصِيحَةِ وَتُعَاشِرُهُ مُعَاشَرَةً كَرِيمَة(2).
وقال صلى الله عليه وآله: مَنْ آذَى جَارَهُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَمَنْ ضَيَّعَ حَقَّ جَارِهِ فَلَيْسَ مِنَّا(3).
ص: 182
وقال صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك: لا يَصْحَبُنَا رَجُلٌ آذَى جَارَه(1).
وقالوا لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله: فُلانَةٌ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتَتَصَدَّقُ وَتُؤْذِي جَارَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ لا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّار(2).
عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما السلام قال: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله ليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه(3).
عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: الْمُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ جَارَهُ بَوَائِقَهُ قُلْتُ وَمَا بَوَائِقُهُ قَالَ ظُلْمُهُ وَغَشْمُهُ(4).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَا زَالَ جبرئيل يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه(5).
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبداللَّه الصادق عليه السلام يقول: مَنْ كَفَّ أَذَاهُ عَنْ جَارِهِ أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ كَانَ فِي الْجَنَّةِ مَلِكاً مَحْبُوراً وَمَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّة(6).
عن أبي مسعود قال: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: حُسْنُ الْجِوَارِ زِيَادَةٌ فِي الْأَعْمَارِ وَعِمَارَةُ الدِّيَار(7).
ص: 183
عن الحسن بن عبداللَّه عن عبد صالح عليه السلام قال: لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفَّ الْأَذَى وَلَكِنَّ حُسْنَ الْجِوَارِ صَبْرُكَ عَلَى الْأَذَى(1).
قال اللَّه حكاية عن هارون: «وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لا تُبْدِي الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيُصَيِّرَهَا بِكَ وَقَالَ مَنْ شَمِتَ بِمُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِأَخِيهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُفْتَتَنَ (بها)(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ(4).
عن حفص بن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الْبَلاءِ فَاحْمَدُوا اللَّهَ وَلا تُسْمِعُوهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْزُنُهُمْ(5).
أي في مجالس الفسق واللهو والفساد أو المراد عدم ارتكاب الباطل(6).
ص: 184
قال تعالى في ذمّ الداخلين في الباطل: «أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ»(1).
و«ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ»(2).
و«وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(3).
أي من مجالسه أو عدم ترك الحقّ(4).
عن محمّد بن إسحاق قال: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَمِنْ أَنْصَارِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَكَانَ ابْنَ خَالِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ رَجُلاً مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلِيٌ عليه السلام أَخَذَهُ مُعَاوِيَةُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ دَهْراً ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ ذَاتَ يَوْمٍ: أَلا نُرْسِلُ إِلَى هَذَا السَّفِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَنُبَكِّتَهُ وَنُخْبِرَهُ بِضَلالِهِ وَنَأْمُرَهُ أَنْ يَقُومَ فَيَسُبَّ عَلِيّاً قَالُوا: نَعَمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تُبْصِرَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلالَةِ بِنُصْرَتِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْكَذَّابَ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً وَأَنَّ عَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ خَرَجُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِهِ وَأَنَّ عَلِيّاً هُوَ الَّذِي دَسَّ فِي قَتْلِهِ وَنَحْنُ الْيَوْمَ نَطْلُبُ بِدَمِهِ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أَمَسُّ
ص: 185
الْقَوْمِ بِكَ رَحِماً وَأَعْرَفُهُمْ بِكَ قَالَ: أَجَلْ قَالَ: فَوَ اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أَعْلَمُ أَحَداً شَرِكَ فِي دَمِ عُثْمَانَ وَأَلَّبَ النَّاسَ عَلَيْهِ غَيْرَكَ لَمَّا اسْتَعْمَلَكَ وَمَنْ كَانَ مِثْلَكَ فَسَأَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ أَنْ يَعْزِلَكَ فَأَبَى فَفَعَلُوا بِهِ مَا بَلَغَكَ وَوَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ بَدْئاً وَأَخِيراً إِلّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ فَهُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْعَظِيمَةِ وَأَلَّبُوا عَلَيْهِ النَّاسَ وَشَرِكَهُمْ فِي ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ وَالْأَنْصَارُ جَمِيعاً قَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ قال وَاللَّهِ إِنِّي لأَشْهَدُ أَنَّكَ مُنْذُ عَرَفْتُكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلامِ لَعَلَى خُلُقٍ وَاحِدٍ مَا زَادَ الْإِسْلامُ فِيكَ قَلِيلاً وَلا كَثِيراً وَإِنَّ عَلامَةَ ذَلِكَ فِيكَ لَبَيِّنَةٌ تَلُومُنِي عَلَى حُبِّي عَلِيّاً خَرَجَ مَعَ عَلِيٍّ كُلُّ صَوَّامٍ قَوَّامٍ مُهَاجِرِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ كَمَا خَرَجَ مَعَكَ أَبْنَاءُ الْمُنَافِقِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَالْعُتَقَاءِ خَدَعْتَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَخَدَعُوكَ عَنْ دُنْيَاكَ وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ مَا خَفِيَ عَلَيْكَ مَا صَنَعْتَ وَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَا صَنَعُوا إِذْ أَحَلُّوا أَنْفُسَهُمْ بسَخَطَ اللَّهِ فِي طَاعَتِكَ وَاللَّهِ لا أَزَالُ أُحِبُّ عَلِيّاً للَّهِ ِ وَلِرَسُولِهِ وَأُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَإِنِّي أَرَاكَ عَلَى ضَلالِكَ بَعْدُ رُدُّوهُ إِلَى السِّجْنِ فَرَدُّوهُ وَهُوَ يُقرأ في السجن: «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»(1) فَمَاتَ فِي السِّجْن(2).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفضل من ماله(3).
ص: 186
وقال صلى الله عليه وآله: ما أحسن الصمت من غير عي والمهذار له سقطات(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْراً فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ سُوءٍ فَسَلِم(2).
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي فَقَالَ: احْفَظْ لِسَانَكَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: احْفَظْ لِسَانَكَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: احْفَظْ لِسَانَكَ وَيْحَكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم(3).
عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: إِنَّمَا شِيعَتُنَا الْخُرْسُ(4).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يَا أَبا ذَرّ مَنْ صَمَتَ نَجَا(5).
وقال صلى الله عليه وآله: الصمت حكم وقليل فاعله(6).
وقال الصادق عليه السلام: من علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا من خير(7).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: من حفظ لسانه ستر اللَّه عورته(8).
ص: 187
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن كان في شي ء شؤم ففي اللسان(1).(2)
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ يَا بُنَيَّ إِنْ كُنْتَ زَعَمْتَ أَنَّ الْكَلامَ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبٍ(3).
وقيل: أليق شي ء ما يكون في السجن هو اللسان، وقيل: اللسان، صغير الجرم عظيم الجرم(4).
قال أبوبكر بن عيّاش: اجتمع أربعة ملوك: ملك الهند وملك الصين وكسرى وقيصر فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل، وقال الثاني: إني إذا تكلّمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلّم بها ملكتها ولم تملكني، وقال الثالث: عجبت للمتكلّم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه، وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر منّي على رد ما قلت(5).
عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال: قال أبو الحسن الرضاعليه السلام: مِنْ عَلامَاتِ الْفِقْهِ الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ وَالصَّمْتُ إِنَّ الصَّمْتَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْحِكْمَةِ إِنَّ الصَّمْتَ يَكْسِبُ الْمَحَبَّةَ إِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ(6).
عن يونس، عن الحلبي رفعه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَمْسِكْ لِسَانَكَ فَإِنَّهَا
ص: 188
صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلا يَعْرِفُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَخْزُنَ مِنْ لِسَانِهِ(1).
عن الحلبي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: نَجَاةُ الْمُؤْمِنِ فِي حِفْظِ لِسَانِهِ(2).
عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: كَانَ أَبُوذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ يَا مُبْتَغِيَ الْعِلْمِ إِنَّ هَذَا اللِّسَانَ مِفْتَاحُ خَيْرٍ وَمِفْتَاحُ شَرٍّ فَاخْتِمْ عَلَى لِسَانِكَ كَمَا تَخْتِمُ عَلَى ذَهَبِكَ وَوَرِقِكَ(3).
عن عمرو بن جميع عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كانَ المسيح عليه السلام يَقُول: لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الْكَلامَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَاسِيَةٌ قُلُوبُهُمْ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ(4).
عن الوشاء قال: سمعت الرضاعليه السلام يقول: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَرَادَ الْعِبَادَةَ صَمَتَ قَبْلَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ(5).
عن منصور بن يونس عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: في حكمة آل داود على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظا للسانه(6).
مرّ أميرالمؤمنين عليه السلام برجل يتكلّم بفضول الكلام فوقف عليه ثمّ قال: يَا هَذَا إِنَّكَ تُمْلِي عَلَى حَافِظَيْكَ كِتَاباً إِلَى رَبِّكَ فَتَكَلَّمْ بِمَا يَعْنِيكَ وَدَعْ مَا لا يَعْنِيكَ(7).
ص: 189
عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: إِنَّ لِسَانَ ابْنِ آدَمَ يُشْرِفُ عَلَى جَمِيعِ جَوَارِحِهِ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ فَيَقُولُونَ بِخَيْرٍ إِنْ تَرَكْتَنَا وَيَقُولُونَ اللَّهَ اللَّهَ فِينَا وَيُنَاشِدُونَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا نُثَابُ وَنُعَاقَبُ بِكَ(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: النَّوْمُ رَاحَةُ الْجَسَدِ وَالنُّطْقُ رَاحَةٌ لِلرُّوحِ وَالسُّكُوتُ رَاحَةٌ لِلْعَقْلِ(2).
رفع الصوت من غير ضرورة مذموم قال اللَّه تعالى في ذمّه حكاية عن لقمان: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»(3).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى»(5).
ومن كلامه عليه السلام: لا تُبْدِيَنَّ عَنْ وَاضِحَةٍ وَقَدْ عَمِلْتَ الْأَعْمَالَ الْفَاضِحَةَ وَلا يَأْمَنِ الْبَيَاتَ مَنْ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ(6).
واستشهد له بما عنه عليه السلام ان ضحك النبيّ صلى الله عليه وآله كان تبسماً وانّه اجتاز ذات يوم
ص: 190
بفتية من الأنصار وإذا هم يتحدّثون ويضحكون مل ء أفواههم فقال صلى الله عليه وآله: مه يا هؤلاء من غره منكم أمله وقصّر به في الخير عمله فليطلع القبور وليعثر بالنشور واذكروا الموت فانّه هادم اللذات(1).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: خير الضحك التبسم(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ضحك المؤمن تبسم(3).
عن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: القهقهة من الشيطان(4).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: إذا قهقهت فقل حين تفرغ اللهمّ لا تمقتني(5).
كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يمزح ولا يقول إلاّ حقّا(6).
أتته صلى الله عليه وآله عجوز أنصاريّة فقال: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يدخلني الجنّة فقال لها: يا أمّ فلان انّ الجنّة لا يدخلها عجوز فولت المرأة تبكي فتبسّم صلى الله عليه وآله وقال لها: أما قرأت قوله تعالى: «إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً»(7).(8)
عن ربيعة بن عثمان قال: جاء أعرابي إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه فقال بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله لنعيمان بن عمرو الأنصاري وكان يقال له
ص: 191
النعيمان: لو نحرتها فأكلناها، فانّا قد قرمنا إلى اللحم، ويغرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثمنها قال:
فنحرها النعيمان، ثمّ خرج الأعرابي، فرأى راحلته، فصاح واعقراه يا محمّد! فخرج النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: من فعل هذا؟ قالوا: النعيمان، فاتّبعه يسأل عنه، فوجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد والسعف، فأشار إليه رجل، ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول اللَّه، وأشار باصبعه حيث هو، فأخرجه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد تغيّر وجهه بالسعف الذي سقط عليه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟
قال: الذين دلّوك عليّ يا رسول اللَّه هم ا لذين أمروني قال: فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يمسح عن وجهه ويضحك قال: ثمّ غرمها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(1).
عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ بَطَّالٌ يُضْحِكُ النَّاسَ فَقَالَ قَدْ أَعْيَانِي هَذَا الرَّجُلُ أَنْ أُضْحِكَهُ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: قُولُوا لَهُ إِنَّ للَّهِ ِ يَوْماً يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ(2).
عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفرعليهما السلام قال: قالَ الصادق عليه السلام: كم ممن كثر ضحكه لاعبا يكثر يوم القيامة بكاؤه وكَمْ مِمَّنْ كَثُرَ بُكَاؤُهُ عَلَى ذَنْبِهِ خَائِفاً يَكْثُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ سُرُورُهُ وَضَحِكُهُ(3).
ص: 192
قال تعالى: «فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ»(1).
وقال تعالى: «إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ»(2).
وقال تعالى: «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ»(3).
وقال تعالى: «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ»(4).
عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضاعليه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِمَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكَ لَمَّا وَلِيَ أمر النَّاسَ فَقَالَ لأَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ إذا ولانا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لا يَأْخُذُ لَنَا حُقُوقَنَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا إِلّا هُوَ، وَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ وَنَأْخُذُ حُقُوقَهُمْ مِمَّنْ يَظْلِمُهُمْ، وَلا نَأْخُذُ لأَنْفُسِنَا(5).
واستشهد له أيضاً بقوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ»(6).
عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم قتل حمزة ومثّل به: لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم فأنزل اللَّه: وإن عاقبتم الآية فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: بل نصبر يا رب فصبر ونهى عن المثلة(7).
ص: 193
روي أن العضباء ناقة النبيّ صلى الله عليه وآله لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشقّ ذلك على الصحابة فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: حق على اللَّه أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلّا وضعه(1).
عن الباقرعليه السلام: كَانَ أميرالمؤمنين عليه السلام لَيُطْعِمُ النَّاسَ خُبْزَ الْبُرِّ وَاللَّحْمَ وَيَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالزَّيْتَ وَالْخَلَّ وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ كِلاهُمَا للَّهِ ِ رِضًا إِلّا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا(2).
وقال معاوية لضرار بن ضمرة صف لي عليّاً قال: كان واللَّه صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل يحبّ من اللباس أخشنه ومن الطعام أجشبه وكان يجلس فينا ويبتدئ إذا سكتنا ويجيب إذا سألنا يقسم بالسوية ويعدل في الرعية لا يخاف الضعيف من جوره ولا يطمع القوي في ميله واللَّه لقد رأيته مسيلاً للدموع على خدّه قابضاً على لحيته يخاطب دنياه فيقول: يا دنيا أبي تشوّقت ولي تعرّضت لا حان حينك فقد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك. الخبر(3).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: النَّفْسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى سُوءِ الْأَدَبِ وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِمُلازَمَةِ حُسْنِ الْأَدَبِ وَالنَّفْسُ تَجْرِي بِطَبْعِهَا فِي مَيْدَانِ الْمُخَالَفَةِ وَالْعَبْدُ يَجْهَدُ بِرَدِّهَا عَنْ سُوءِ الْمُطَالَبَةِ فَمَتَى أَطْلَقَ عِنَانَهَا فَهُوَ شَرِيكٌ فِي فَسَادِهَا وَمَنْ أَعَانَ
ص: 194
نَفْسَهُ فِي هَوَى نَفْسِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ نَفْسَهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ(1).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: حقّ نفسك عليك أن تستعملها بطاعة اللَّه.
وكان عليه السلام يقول: يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا دام لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ وَمَا كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ وَمَا كَانَ الْخَوْفُ لَكَ شِعَاراً وَالْحُزْنُ لَكَ دِثَاراً يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَمَبْعُوثٌ وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَأَعِدَّ جَوَاباً(2).
عن الحسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إِنَّ رَجُلاً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدَ اللَّهَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ قَرَّبَ قُرْبَاناً فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَقَالَ لِنَفْسِهِ مَا أُتِيتُ إِلّا مِنْكِ وَمَا الذَّنْبُ إِلّا لَكِ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ ذَمُّكَ لِنَفْسِكَ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَتِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً(3).
قال الخوئي: وهذه الجملة في الحقيقة تعليلى وتوضيح للجملة السابقة؛ لأنّه لما قال هناك: نفسه منه في عناء، علّله هنا بأنّ إتعابه لنفسه إنّما هو لأجل آخرته(4).
وقال البحراني: كون نفسه منه في عناء أي نفسه الأمارة بالسوء لمقاومته لها وقهرها ومراقبته إيّاها، والناس من أذاه في راحة لذلك(5).
ص: 195
وقال ابن أبي الحديد: نفسه منه في عناء لأنّه يتعبها بالعبادة والناس لا يلقون منه عنتا ولا أذى فحالهم بالنسبة إليه خلاف حال نفسه بالنسبة إليه(1).
عن شعيب العقرقوفي عن الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام قال: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ إِذَا رَغِبَ وَإِذَا رَهِبَ وَإِذَا اشْتَهَى وَإِذَا غَضِبَ وَإِذَا رَضِيَ حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ(2).
قال تعالى: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»(3).
وفي (ذيل الطبري) لمّا قدم أبو موسى الأشعري لقى أبا ذر فجعل يلزمه ويقول له أبو ذر: إليك عنّي ويقول أبو موسى: مرحباً بأخي، ويقول له أبو ذر: لست بأخيك إنّما كنت أخاك قبل أن تستعمل، ثمّ لقي أبا هريرة فالتزمه وقال: مرحباً بأخي فقال له أبا ذر: الي عنّي(4). إلخ.
قال الخوئي: يعني بعده عن أهل الدنيا وعن مجالسهم من باب الزهد والتباعد عن مكروههم وأباطيلهم(5).
ص: 196
استشهد له بقوله: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»(1).
قال المجلسي: كون بعده عمّن تباعد عنه لزهده فيما في أيدي الناس ونزاهته عنه لا عن كبر وتعظم عليهم وكذلك دنوه ممّن دنا منه عن لين ورحمة منه لهم لا لمكر بهم وخديعة لهم عن بعض المطالب كما هو عادة الخبيث المكار(2).
وقال الخوئي: (ودنوه ممّن دنا منه لين ورحمة) أي قربه من المؤمنين من باب التعاطف والتواصل كما قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»(3).
قال في مجمع البيان ذيل الآية الشريفة: قال الحسن: بلغ تشدّدهم على الكفّار ان كانوا يتحزّرون من ثياب المشركين حتّى لا يلتزق بثيابهم، وعن أبدانهم حتّى لاتمسّ أبدانهم، وبلغ تراحمهم فيما بينهم أن كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلّا صافحه وعانقه(4).
عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول لأصحابه: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا إِخْوَةً بَرَرَةً مُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ مُتَوَاصِلِينَ مُتَرَاحِمِينَ تَزَاوَرُوا وَتَلاقَوْا وَتَذَاكَرُوا أَمْرَنَا وَأَحْيُوهُ(5).
ص: 197
عن كليب الصيداوي عن أبي عبداللَّه قال: تَوَاصَلُوا وَتَبَارُّوا وَتَرَاحَمُوا وَكُونُوا إِخْوَةً بَرَرَةً كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَل(1).
عن أبي المغراء عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَخُونُهُ وَيَحِقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الاجْتِهَادُ فِي التَّوَاصُلِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى التَّعَاطُفِ وَالْمُوَاسَاةُ لأَهْلِ الْحَاجَةِ وَتَعَاطُفُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَكُونُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُحَمَاءَ بَيْنَكُمْ مُتَرَاحِمِينَ مُغْتَمِّينَ لِمَا غَابَ عَنْكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ مَعْشَرُ الْأَنْصَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله(2).
قال الصادق عليه السلام: حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَزِيدِ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ عَبْدِهِ وَمَنْ كَانَ خَاضِعاً فِي السِّرِّ كَانَ حَسَنَ الْمُعَاشَرَةِ فِي الْعَلانِيَةِ فَعَاشِرِ الْخَلْقَ للَّهِ ِ وَلا تُعَاشِرْهُمْ لِنَصِيبِكَ مِنَ الدُّنْيَا وَلِطَلَبِ الْجَاهِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَلا تستقطن [تَسْقُطَنَ] بِسَبَبِهَا عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَابِ الْمُمَاثَلَةِ وَالشُّهْرَةِ فَإِنَّهُمْ لا يُغْنُونَ عَنْكَ شَيْئاً وَتَفُوتُكَ الآْخِرَةُ بِلا فَائِدَةٍ وَاجْعَلْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَالْأَصْغَرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَالْمِثْلَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ وَلا تَدَعْ مَا تَعْمَلُهُ يَقِيناً مِنْ نَفْسِكَ بِمَا تَشُكُّ فِيهِ مِنْ غَيْرِكَ وَكُنْ رَفِيقاً فِي أَمْرِكَ بِالْمَعْرُوفِ شَفِيقاً فِي نَهْيِكَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلا تَدَعِ النَّصِيحَةَ فِي كُلِّ حَالٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»(3) وَاقْطَعْ عَمَّنْ تُنْسِيكَ وُصْلَتُهُ ذِكْرَ اللَّهِ وَتَشْغَلُكَ أُلْفَتُهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ وَأَعْوَانِهِ وَلا يَحْمِلَنَّكَ
ص: 198
رُؤْيَتُهُمْ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ عَلَى الْحَقِّ فَإِنَّ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الْعَظِيمُ وَيَفُوتُكَ الآْخِرَةُ بِلا فَائِدَةٍ(1).
مَرَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍ عليه السلام عَلَى فُقَرَاءَ وَقَدْ وَضَعُوا كُسَيْرَاتٍ عَلَى الْأَرْضِ وَهُمْ قُعُودٌ يَلْتَقِطُونَهَا وَيَأْكُلُونَهَا فَقَالُوا لَهُ هَلُمَّ يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْغَدَاءِ قَالَ فَنَزَلَ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَجَعَلَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ حَتَّى اكْتَفَوْا وَالزَّادُ عَلَى حَالِهِ بِبَرَكَتِهِ عليه السلام ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى ضِيَافَتِهِ وَأَطْعَمَهُمْ وَكَسَاهُم(2).
عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما السلام قال: لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَمَا إِنَّكَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ(4).
أتى وائل بن حجر إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فأقطعه أرضا، وقال لمعاوية: أعرض عن هذه الأرض عليه واكتبها له، فخرج مع معاوية في هاجرة شديدة، ومشى خلف ناقته فأحرقه حرّ الشمس، فقال له: أردفني خلفك على ناقتك، قال: لست من أرداف الملوك، قال: فأعطني نعليك. قال: ما بخل يمنعني يابن أبي سفيان، ولكن أكره أن
ص: 199
يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي، ولكن أمش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفا(1).
كان المغيرة بن شعبة صحب قوماً في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء فأسلم فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: أمّا الإسلام فقد قبلنا، وأمّا المال فإنّه مال غدر لا حاجة لنا فيه(2).
وكان مصقلة بن هبيرة الشيباني قد لاحى المغيرة في شي ء كان بينهما منازعة فضرع له المغيرة وتواضع في كلامه حتّى طمع فيه مصقلة فاستعلى عليه وشتمه وقال إنّي لأعرف شبهي في عروة ابنك فأشهد المغيرة على قوله هذا شهودا ثمّ قدمه إلى شريح القاضي فأقام عليه البيّنة فضربه شريح الحد وإلى مصقلة ألا يقيم ببلدة فيها المغيرة(3).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لَوْ لا أَنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ لَكُنْتُ أَمْكَرَ النَّاسِ(4).
روي أنّ لقمان لمّا قال لابنه هذه الكلمة أي «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
ص: 200
خَبِيرٌ»(1) انفطرت مرارته من هيبتها ومات(2).
وكما مات بموعظته عليه السلام رجل، مات بمعجزته عليه السلام أيضاً رجل.
رَوَى زَيْدٌ وَصَعْصَعَةُ ابْنَا صُوحَانَ وَالْبَرَاءُ بْنُ سَبْرَةَ وَالْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ وَجَابِرُ بْنُ شَرْحبِيلٍ وَمَحْمُودُ بْنُ الْكَوَّاءِ أَنَّهُ ذَكَرَ بِدَيْرِ الدَّيْلَمِ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ لأُسْقُفٍّ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ أَنَّ رَجُلاً قَدْ فَسَّرَ النَّاقُوسَ يَعْنُونَ عَلِيّاًعليه السلام فَقَالَ: سِيرُوا بِي إِلَيْهِ فَإِنِّي أَجِدُهُ أَنْزَعاً بَطِيناً فَلَمَّا وَافَى أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ قَدْ عَرَفْتُ صِفَتَهُ فِي الْإِنْجِيلِ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ وَصِيُّ ابْنِ عَمِّهِ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: جِئْتَ لِتُؤْمِنَ؟ أَزِيدُكَ رَغْبَةً فِي إِيمَانِكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ عليه السلام: انْزِعْ مِدْرَعَتَكَ فَأُرِيَ أَصْحَابَكَ الشَّامَةَ الَّتِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَشَهِقَ شَهْقَةً فَمَاتَ فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: عَاشَ فِي الْإِسْلامِ قَلِيلاً وَنَعِمَ فِي جِوَارِ اللَّهِ كَثِيراً(3).
قال تعالى: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(4).
عن يحيى بن معاذ الرازي: العيش في حبه أعجب من الموت في حبه(5).]
ص: 201
وعن الشبلي: الموت على ثلاثة أضرب موت في حبّ الدنيا وموت في حبّ العقبى وموت في حبّ المولى فمن مات في حبّ الدنيا مات منافقا، ومن مات في حبّ العقبى مات زاهدا ومن مات في حبّ المولى مات عارفا(1).
قال ابن أبي الحديد: وذلك أنه لا يلزم من موت العامي عند وعظ العارف أن يموت العارف عند وعظ نفسه لأن انفعال العامي ذي الاستعداد التام للموت عند سماع المواعظ البالغة أتم من استعداد العارف عند سماع كلام نفسه أو الفكر في كلام نفسه لأن نفس العارف قوية جدا والآلة التي يحفر بها الطين قد لا يحفر بها الحجر.
فإن قلت فإن جواب أميرالمؤمنين عليه السلام للسائل غير هذا الجواب.
قلت صدقت إنما أجابه من حيث يعلم هو والسامعون وتصل أفهامهم إليه فخرج معه إلى حديث الآجال وأنها أوقات مقدرة لا تتعداها وما كان يمكنه عليه السلام أن يذكر الفرق بين نفسه ونفوسهم ولا كانت الحال تقتضيه فأجابه بجواب مسكت(2).
قال الشارح الخوئي: ومحصل الجواب أن كلّ انسان له أجل حتمي مقدر ووقت معين لموته لا يتقدّم ولا يتأخّر وعلّة معيّنة لأجله لا تتبدّل ولا تتغيّر كما
ص: 202
قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلًا»(1) وعلى ذلك فانّما مات همام باستماع الموعظة البالغة لأنّه قد تمّ عمره وبلغت مدّة حياته التي قدرت في حقّه غايتها مع حصول السبب المعين المكتوب في أمّ الكتاب لموته وهو الانفعال بالموعظة وأما أنا فلم يكمل أيامي بعد ولم يبلغ أجلي غايته والسبب المقدر في حقي غير هذا السبب وهو ما أنتظره من ضربة ابن ملجم المرادي عليه اللعنة والعذاب.
والحاصل أن مشية اللَّه واذنه عزّ وجلّ قد تعلّق بموت همام عن سببه الذي حصل ولم يتعلّق بعد بموتي ولم يحصل سببه(2).
وقال الشارح البحراني: فأمّا جوابه عليه السلام لمن سأله بقوله: ويحك إنّ لكلّ أجل وقتا لا يعدوه: أي ينتهي إليه ويكون غاية له لا يتجاوزها ولا يتأخّر عنها والضمير في يعدوه للأجل وسببا لا يتجاوزه: أي ولذلك الأجل سبب: أي علّة فاعلة لا يتعدّاها إلى غيرها من الأسباب فمنها ما يكون موعظة بالغة كهذه فهو جواب مقنع للسامع مع أنّه حقّ وصدق، وهو اشارة إلى السبب الأبعد لبقائه عليه السلام عند سماع المواعظ البالغة وهو الأجل المحكوم به للقضاء الإلهيّة، وأمّا السبب القريب للفرق بينه وبين همّام ونحوه فقوّة نفسه القدسيّة على قبول الواردات الالهيّة وتعوّده بها وبلوغ رياضته حدّ السكينة عند ورود أكثرها وضعف نفس همّام عمّا ورد عليه من خوف اللَّه ورجائه ولم يجب عليه السلام بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضيل
ص: 203
نفسه، أو لقصور فهم السائل(1).
هذا. ونظير خطبته عليه السلام هذه في وصف المتّقين، كلامه عليه السلام في وصف أصحابه الخواص:
روى الصدوق عن محمّد بن الحنفيّة قال: لَمَّا قَدِمَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ الْبَصْرَةَ بَعْدَ قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ دَعَاهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَاتَّخَذَ لَهُ طَعَاماً فَبَعَثَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْنَفُ ادْعُ لِي أَصْحَابِي فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مُتَخَشِّعُونَ كَأَنَّهُمْ شِنَانٌ بَوَالِي فَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ أَمِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ أَوْ مِنْ هَوْلِ الْحَرْبِ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لا يَا أَحْنَفُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَبَّ أَقْوَاماً تَنَسَّكُوا لَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا تَنَسُّكَ مَنْ هَجَمَ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ قُرْبِهِمْ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُشَاهِدُوهَا فَحَمَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَجْهُودِهَا وَكَانُوا إِذَا ذَكَرُوا صَبَاحَ يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَوَهَّمُوا خُرُوجَ عُنُقٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ يُحْشَرُ الْخَلائِقُ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكِتَابٍ يَبْدُو فِيهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فَضَائِحُ ذُنُوبِهِمْ فَكَادَتْ أَنْفُسُهُمْ تَسِيلُ سَيْلانا أَوْ تَطِيرُ قُلُوبُهُمْ بِأَجْنِحَةِ الْخَوْفِ طَيَرَاناً وَتُفَارِقُهُمْ عُقُولُهُمْ إِذَا غَلَتْ بِهِمْ مِنْ أَجْلِ الْتّجرد إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَلَيَاناً فَكَانُوا يَحِنُّونَ حَنِينَ الْوَالِهِ فِي دُجَى الظُّلَمِ وَكَانُوا يَفْجَعُونَ مِنْ خَوْفِ مَا أَوْقَفُوا عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ فَمَضَوْا ذُبُلَ الْأَجْسَامِ حَزِينَةٌ قُلُوبُهُمْ كَالِحَةٌ وُجُوهُهُمْ ذَابِلَةٌ شِفَاهُهُمْ خَامِصَةٌ بُطُونُهُمْ تراهم سكارى سمار وحشة الليل مُتَخَشِّعُونَ كَأَنَّهُمْ شِنَانٌ بَوَالِي قَدْ أَخْلَصُوا للَّهِ ِ أَعْمَالَهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَمْ تَأْمَنْ مِنْ فَزَعِهِ قُلُوبُهُمْ بَلْ كَانُوا كَمَنْ جَرَسُوا قِبَابَ خَرَاجِهِمْ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ
ص: 204
فِي لَيْلَتِهِمْ وَقَدْ نَامَتِ الْعُيُونُ وَهَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَسَكَنَتِ الْحَرَكَاتُ من الطير فى الركود وَقَدْ نَبَّهَهُمْ هَوْلُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْوَعِيدُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ «أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ»(1) فَاسْتَيْقَظُوا إليهَا (لها) فَزِعِينَ وَقَامُوا إِلَى صَلاتِهِمْ مُعَوِّلِينَ بَاكِينَ تَارَةً وَأُخْرَى مُسَبِّحِينَ يَبْكُونَ فِي مَحَارِيبِهِمْ وَيَرِنُّونَ يَصْطَفُّونَ لَيْلَةً مُظْلِمَةً بَهْمَاءَ يَبْكُونَ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ يَا أَحْنَفُ فِي لَيْلَتِهِمْ قِيَاماً عَلَى أَطْرَافِهِمْ مُنْحَنِيَةً ظُهُورُهُمْ يَتْلُونَ أَجْزَاءَ الْقُرْآنِ لِصَلاتِهِمْ قَدِ اشْتَدَّتْ أَعْوَالُهُمْ وَنَحِيبُهُمْ وَزَفِيرُهُمْ إِذَا زَفَرُوا خِلْتَ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْهُمْ إِلَى حَلاقِيمِهِمْ وَإِذَا أَعْوَلُوا حَسِبْتَ السَّلاسِلَ قَدْ صُفِّدَتْ فِي أَعْنَاقِهِمْ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ فِي نَهَارِهِمْ إِذاً لَرَأَيْتَ قَوْماً «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً»(2) وَيَقُولُونَ «لِلنَّاسِ حُسْناً»(3) «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً»(4) وَ«إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»(5) قَدْ قَيَّدُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ التُّهَمَاتِ وَأَبْكَمُوا أَلْسِنَتَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ وَسَجَّمُوا أَسْمَاعَهُمْ أَنْ يَلِجَهَا خَوْضُ خَائِضٍ وَكَحَلُوا أَبْصَارَهُمْ بِغَضِّ الْبَصَرِ مِنَ الْمَعَاصِي وَانْتَحَوْا دَارَ السَّلامِ الَّتِي مَنْ دَخَلَهَا كَانَ آمِناً مِنَ الرَّيْبِ وَالْأَحْزَانِ فَلَعَلَّكَ يَا أَحْنَفُ شَغَلَكَ نَظَرُكَ(6) إِلَى الدُّنْيَا عَنِ الدَّارِ الَّتِي
ص: 205
خَلَقَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ فَشَقَّقَ فِيهَا أَنْهَارَهَا وَكَبَسَهَا بِالْعَواتِقِ مِنْ حُورِهَا ثُمَّ سَكَنَهَا أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ يَا أَحْنَفُ وَقَدْ قَدِمُوا عَلَى زِيَادَاتِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ صَوَّتَتْ رَوَاحِلُهُمْ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَأَظَلَّتْهُمْ غَمَامَةٌ فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمُ الْمِسْكَ وَالزَّعْفَرَانَ وَصَهَلَتْ خُيُولُهَا بَيْنَ أَغْرَاسِ تِلْكَ الْجِنَانِ وَتَخَلَّلَتْ بِهِمْ نُوقُهُمْ بَيْنَ كُثُبِ الزَّعْفَرَانِ وَيَتَطَأْمَنُ تَحْتَ أَقْدَامِهِمُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ وَاسْتَقْبَلَتْهُمْ قَهَارِمَتُهَا بِمَنَابِرِ الرَّيْحَانِ وَهَاجَتْ لَهُمْ رِيحٌ مِنْ قِبَلِ الْعَرْشِ فَنَثَرَتْ عَلَيْهِمُ الْيَاسَمِينَ وَالْأُقْحُوَانَ ذَهَبُوا إِلَى بَابِهَا فَيَفْتَحُ لَهُمُ الْبَابَ رِضْوَانُ ثُمَّ يَسْجُدُونَ للَّهِ ِ فِي فِنَاءِ الْجِنَانِ فَقَالَ لَهُمُ الْجَبَّارُ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَإِنِّي قَدْ رَفَعْتُ عَنْكُمْ مَئُونَةَ الْعِبَادَةِ وَأَسْكَنْتُكُمْ جَنَّةَ الرِّضْوَانِ فَإِنْ فَاتَكَ يَا أَحْنَفُ مَا ذَكَرْتُ لَكَ فِي صَدْرِ كَلامِي لَتَتْرُكَنَّ فِي سَرَابِيلِ الْقَطِرَانِ وَلَتَطُوفَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ وَلَتَسْقِيَنَّ شَرَاباً حَارَّ الْغَلَيَانِ فَكَمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّارِ مِنْ صُلْبٍ مَحْطُومٍ وَوَجْهٍ مَهْشُومٍ وَمُشَوَّهٍ مَضْرُوبٍ عَلَى الْخُرْطُومِ قَدْ أَكَلَتِ الْجَامِعَةُ كَفَّهُ وَالْتَحَمَ الطَّوْقُ بِعُنُقِهِ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ يَا أَحْنَفُ يَنْحَدِرُونَ فِي أَوْدِيَتِهَا وَيَصْعَدُونَ جِبَالَهَا وَقَدْ أُلْبِسُوا الْمُقَطَّعَاتِ مِنَ الْقَطِرَانِ وَأُقْرِنُوا مَعَ أَفْجَارِهَا وَشَيَاطِينِهَا فَإِذَا اسْتَغَاثُوا بأَسْوَء أخْذ مِنْ حَرِيقٍ شَدَّتْ عَلَيْهِمْ عَقَارِبُهَا وَحَيَّاتُهَا وَلَوْ رَأَيْتَ مُنَادِياً يُنَادِي وَهُوَ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَيَا أَهْلَ حُلِيِّهَا وَحُلَلِهَا خَلِّدُوا فَلا مَوْتَ فَعِنْدَهَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُمْ وَتُغْلَقُ الْأَبْوَابُ وَتَنْقَطِعُ بِهِمُ الْأَسْبَابُ فَكَمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ شَيْخٍ يُنَادِي وَا شَيْبَتَاهْ وَكَمْ مِنْ شَابٍّ يُنَادِي وَا شَبَابَاهْ وَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ تُنَادِي وَا فَضِيحَتَاهْ هَتَكَتْ عَنْهُمُ السُّتُورُ فَكَمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ مَغْمُوسٍ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا مَحْبُوسٌ يَا لَكَ غَمْسَةً أَلْبَسَتْكَ بَعْدَ لِبَاسِ الْكَتَّانِ وَالْمَاءِ الْمُبَرَّدِ
ص: 206
عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَكْلِ الطَّعَامِ أَلْوَاناً بَعْدَ أَلْوَانٍ لِبَاساً لَمْ يَدَعْ لَكَ شَعْراً نَاعِماً إِلّا بَيَّضَهُ وَلا عَيْناً كُنْتَ تُبْصِرُ بِهَا إِلَى حَبِيبٍ إِلّا فَقَأَهَا هَذَا مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُجْرِمِينَ وَذَلِكَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُتَّقِين(1).
ص: 207
1 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.
2 - الاحتجاج على أهل اللجاج: احمد بن على، طبرسى، (المتوفى 588ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر خرسان، نشر مرتضى، مشهد، الأولى 1403ق.
3 - الاختصاص: محمد بن محمد المفيد، (المتوفى 413ق)، مصحح: على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
4 - الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفّى 413ق)، المصحّح: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
5 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.
6 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.
ص: 208
7 - الاستبصار: طوسى، محمد بن الحسن، (المتوفى 460ق)، 4 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الأولى 1390ق.
8 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.
9 - اعلام الدين في صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمي، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
10 - الأمالي (للصدوق): محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، الأعلمى بيروت، الخامسة 1400ق - 1362ش.
11 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسى، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار الثقافه، قم، الأولى 1414ق.
12 - الأمالي (للمفيد): محمد بن محمد، مفيد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، مصحح: حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
13 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.
14 - البرهان فى تفسير القرآن: سيد هاشم بن سليمان بحراني، (المتوفى 1107ق)، 5 مجلد، مصحح: قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة، مؤسسة البعثة، قم، الأولى 1374 ش.
15 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمدعليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.
ص: 209
16 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.
17 - البيان والتبيين: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد، مصر، الأولى 1345ق 1926م.
18 - التاج في اخلاق الملوك: الجاحظ، (المتوفى 255 ق) المطبعة الأميرية، القاهرة ، الأولى 332 ق/1914م.
19 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.
20 - تاريخ الطبرى: محمد بن جرير الطبري، 6 مجلد، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
21 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: علي الاسترآبادي، (المتوفى 940ق)، مصحح: حسين استاد ولي، مؤسسة النشر الاسلامى، قم، الأولى 1409ق.
22 - التبيان في تفسير القرآن: طوسى، محمد بن حسن، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، دار احياء التراث العربي، بيروت، الأولى.
23 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.
24 - تفسير الرازي: فخر الدين الرازي، (المتوفى 606)، 32 مجلد.
25 - تفسير السمعاني: السمعاني، (المتوفى 489ق)، 6 مجلد، دار الوطن، الرياض، الأولى 1418ق - 1997م.
ص: 210
26- تفسير الصافي: محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني، (المتوفى 1091ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.
27 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلّاتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.
28 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.
29 - تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب: قمى مشهدى، محمد بن محمد رضا، (المتوفى 1125ق)، 14 مجلد، وزارة الثقافة الإسلامي، طهران 1368.
30 - تفسير الميزان: السيّد الطباطبائي، (المتوفى 1402)، 20 مجلد، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
31- تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي، (المتوفى 1112ق)، 5 مجلدات، اسماعيليان، قم، الرابعة 1415ق.
32 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.
33 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407ق.
34- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.
35 - جامع الأخبار (للشعيرى): محمد بن محمد شعيرى، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.
ص: 211
36 - جامع السعادات: ملا محمد مهدى نراقى، (المتوفى 1209ق)، 3 مجلد، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.
37 - جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع: ابن طاووس، عليّ بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، دار الرضي، قم 1330ق.
38 - الجواهر السنية فى الأحاديث القدسيّة: محمّد بن حسن شيخ حرّ العاملي، (المتوفى 1104ق)، 1 مجلد، انتشارات دهقان، طهران، الثالثة 1380ش.
39 - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: قطب الدين محمد بن حسين بيهقى كندري، (قرن 6)، 2مجلد، بنياد نهج البلاغة، قم، الأولى 1375.
40 - حلية الأبرار: السيّد هاشم البحراني (المتوفى 1107ق)، 2 مجلد، مؤسسة المعار الاسلاميّة، قم، ايران، الألى 1414ق.
41 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.
42 - الدر المنثور: جلال الدين السيوطي، (المتوفى 911)، 6 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
43- الدعوات للراوندي، سلوة الحزين: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، 1 مجلد، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1407ق.
44 - ديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام: حسين بن معين الدين ميبدى، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الاسلام للنشر، قم، الأولى 1411ق.
45 - ذيل المذيل: الطبري.
ص: 212
46 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.
47 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: محمّد بن عمر الكشي، (المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق)، 1 مجلد، مصحح: محمّد حسن الطوسي، حسن المصطفوي، مؤسسه النشر لجامعة مشهد، الأولى 1409ق.
48- روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن: ابو الفتوح رازي، حسين بن على، (المتوفى قرن 6)، 20 مجلد، الاستانة المقدّسة الرضويّة، الأولى.
49 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه (ط القديمة): محمّد تقي بن مقصود علي المجلسي (المتوفى 1070)، 14 مجلد، مؤسسة الثقافة الاسلامي كوشانپور، قم، الثانية 1406ق.
50 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.
51 - الزهد: حسين بن سعيد، كوفى اهوازى، (المتوفى القرن الثالث)، مصحّح: غلامرضا عرفانيان يزدى، 1 مجلد، المطبعة العلميّة، قم، الثانية 1402ق.
52 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى (والمستطرفات): ابن ادريس، محمد بن احمد، (المتوفى 598ق)، 3 مجلد، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الثانية 1410ق.
53 - شرح أصول الكافي (صدرا): محمّد بن ابراهيم، صدرالدين الشيرازي، 4 مجلد (المتوفى 1050ق)، مصحح: محمد الخواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى طهران، الأولى 1383ش.
ص: 213
54 - شرح الكافي - الأصول والروضة: مازندراني، محمّد صالح بن أحمد، (المتوفى 1081ق)، 12 مجلد، المكتبة الإسلاميّة، طهران، الأولى 1382ق.
55 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.
56 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللَّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.
57 - صحيفة الإمام الرضاعليه السلام: علي بن موسى الإمام الثامن عليه السلام (المتوفى 203ق)، المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه السلام، مشهد، الأولى 1406ق.
58 - الصحيفة السجادية: على بن الحسين عليه السلام، الإمام الرابع، (المتوفى 94 يا 95ق)، 1 مجلد، دفتر نشر الهادى، قم، الأولى 1376ش.
59 - صفات الشيعة: محمد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، اعلمى، تهران، الأولى 1362ش.
60 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.
61 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.
62 - عوالم العلوم والمعارف والأحوال - الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: بحرانى اصفهانى، عبداللَّه بن نور اللَّه، (المتوفى قرن 12)، 2 مجلد، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، ايران، قم، الثانية 1382ش.
ص: 214
63 - عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال (مستدرك سيّدة النساء إلى الإمام الجواد): بحرانى اصفهانى، عبداللَّه بن نور اللَّه (المتوفى قرن 12)، 10 مجلد، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، ايران، قم، 1413ق.
64 - عيون أخبار الرضاعليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.
65 - الغارات: ابراهيم ثقفى، (المتوفى 283ق)، تحقيق: جلال الدين حسينى ارموى، طهران، انجمن آثار ملى، 1353ش.
66- الغارات (ط - القديمة): ابراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال ثقفى، (المتوفى 283ق)، 2 مجلد، دار الكتاب الاسلامى، قم، الأولى 1410ق.
67 - غرر الحكم ودرر الكلم: عبدالواحد بن محمد تميمي آمدي، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الثانية 1410ق.
68 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب: علي بن موسى، ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، مصحح: حامد خفاف، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1409ق.
69 - الفقه المنسوب إلى الإمام الرضاعليه السلام: منسوب به علي بن موسى الإمام الثامن عليه السلام، (الشهادة 203ق)، 1 مجلد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، مشهد، الأولى 1406ق.
70 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح : على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.
ص: 215
71 - الكافي (ط - دار الحديث): كلينى، محمد بن يعقوب بن اسحاق، (المتوفى 329ق)، 15 مجلد، دار الحديث، قم، الاولى 1429ق.
72 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.
73 - الكشكول: الشيخ البهائى، (المتوفى 1030ق)، 3مجلد، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.
74 - كنز العمال: المتقي الهندي، (المتوفى 975)، 16 مجلد، مؤسّسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1409ق - 1989م.
75 - لوامع صاحبقرانى مشهور به شرح فقيه: محمد تقي بن مقصود علي المجلسي، (المتوفى 1070)، 8 مجلد، مؤسسة إسماعيليان، قم، الثانية 1414ق.
76 - مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.
77 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.
78 - مجموعة ورام (ترجمة تنبيه الخواطر): مسعود بن عيسى، ورام بن أبي فراس، (المتوفى 605ق)، 1 مجلد، بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوى، مشهد، الأولى 1369ش.
79 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.
ص: 216
80 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي، (المتوفى 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.
81 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.
82 - مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي، (المتوفى 1405ق)، 10 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، 1418ق.
83 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: حسين بن محمد تقي، النوري، (المتوفى 1320ق)، 28 مجلد، مصحح ومؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
84 - المستطرف في كلّ فن مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
85 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد: زين الدين على شهيد الثاني (المتوفى 966ق)، 1 مجلد، قم، بصيرتى، بى تا، الأولى.
86- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: على بن حسن طبرسى، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق - 1344ش.
87 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق عليه السلام (م 148ق)، الأعلمى، بيروت، الأولى 1400ق.
88 - مصباح المتهجّد: محمّد بن الحسن الطوسي، (المتوفى 460ق)، 2 مجلد، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، الأولى 1411ق.
ص: 217
89 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.
90 - المقنعة: محمد بن محمد، مفيد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، المؤتمر العالمي للشيخ المفيدرحمه الله، قم، الأولى 1413ق.
91 - مكارم الأخلاق: حسن بن فضل طبرسى، (المتوفى قرن 6)، 1 مجلد، شريف رضى، قم، الرابعة 1412ق - 1370ش.
92 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلّامة، قم، الأولى 1379ش.
93 - المنتخب من ذيل المذيل من تاريخ الطبري.
94 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغف،ارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.
95 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.
96 - منية المريد: الشهيد الثانى، (ش 965ق)، تحقيق: رضا المختارى، مكتب الأعلام الاسلامى، الأولى 1409ق 1368ش.
97 - المؤمن: حسين بن سعيد كوفي اهوازي، (المتوفى قرن 3)، 1 مجلد، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، قم 1404ق.
98 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: حلواني، حسين بن محمد، (المتوفى قرن 5)، 1 مجلد، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1408ق.
ص: 218
99 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367 ش.
100 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مكرر، چاپخانه احمدى.
101 - نهج الفصاحة: كلمات القصار للنبى الأكرم صلى الله عليه وآله، دنياى دانش، طهران، الرابعة 1382ش.
102 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلكان، (المتوفى 681)، 7 مجلد، تحقيق احسان عباس، لبنان، دار الثقافة.
103 - هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة: الحرّ العاملى (المتوفى 1104ق)، 8 مجلد، مجمع البحوث الاسلاميّة، مشهد، ايران، الأولى 1414ق.
104- الوافي: محمد محسن بن شاه مرتضى، الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 26 مجلد، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام، اصفهان، الأولى 1406ق.
105 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409ق.
ص: 219
و من خطبة له عليه السلام يصف فيها المتقين: 17
رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام 17
يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ 18
كَانَ رَجُلاً عَابِداً 18
فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ 18
فَتَثَاقَلَ عليه السلام عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ 19
وَأَحْسِنْ 20
فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ 20
فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ 20
حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ 20
فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِ 9 20
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ 21
آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ 22
لِأَنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ 22
وَ لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ 22
ص: 220
فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ 23
وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ 23
فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ 24
مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ 26
وَمَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ 29
وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ 32
غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ 34
وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ 36
نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاءِ كَالَّتِي 39
نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ 40
وَ لَوْ لا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ 43
لَمْ تَسْتَقِرَّأَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ 43
عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ 47
فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ 49
قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ 50
وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ 52
وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ 54
وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ 55
وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ 57
ص: 221
صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً 59
أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً 62
طَوِيلَةً 63
تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ 63
أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا 65
أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ 67
تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ 72
يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً 76
يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ 77
وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ 78
فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ 80
وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ 82
وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ 83
فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ 85
مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ 85
يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ 86
وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ 86
عُلَمَاءُ 89
أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ 93
ص: 222
قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ 95
يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ 98
وَ يَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ 98
لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ وَ لا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ 101
فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ 105
وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ 107
إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي 108
أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي 108
اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِي مَا لا 108
يَعْلَمُونَ 108
فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ 109
وَ حَزْماً فِي لِينٍ 109
وَ إِيمَاناً فِي يَقِينٍ 110
وَ حِرْصاً فِي عِلْمٍ 111
وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ 114
وَ قَصْداً فِي غِنىً 114
وَ خُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ 116
وَ تَجَمُّلاً فِي فَاقَةٍ 117
وَ صَبْراً فِي شِدَّةٍ 119
وَ طَلَباً فِي حَلالٍ 122
ص: 223
وَ نَشَاطاً فِي هُدىً 129
وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ 132
يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ 133
يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ 134
وَ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّكْرُ 135
يَبِيتُ حَذِراً 139
وَ يُصْبِحُ فَرِحاً 139
حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ 140
وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَةِ 140
إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ 141
قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لا يَزُولُ 143
وَ زَهَادَتُهُ فِيمَا لا يَبْقَى 144
يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ 145
وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ 146
تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ 147
قَلِيلاً زَلَلُهُ 149
خَاشِعاً قَلْبُهُ 149
قَانِعَةً نَفْسُهُ 149
مَنْزُوراً أَكْلُهُ 153
سَهْلاً أَمْرُهُ 155
ص: 224
حَرِيزاً دِينُهُ 156
مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ 158
مَكْظُوماً غَيْظُهُ 159
الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ 161
وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ 162
إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ 163
وَ إِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ 163
يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ يُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ 164
وَ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ 167
بَعِيداً فُحْشُهُ 169
لَيِّناً قَوْلُهُ 173
غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ 174
مُقْبِلاً خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ 174
فِي الزَّلازِلِ وَقُورٌ 175
وَ فِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ 175
وَ فِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ 176
لا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ 176
وَ لا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ 176
يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ 177
لا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ 177
وَ لا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ 178
ص: 225
وَ لا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ 179
وَ لا يُضَارُّ بِالْجَارِ 181
وَ لا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ 184
وَ لا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ 184
وَ لا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ 185
إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ 186
وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ 190
وَ إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ 193
نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ 194
أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِ آخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ 195
بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ 196
وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَ رَحْمَةٌ 197
لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ 199
وَ لا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَ خَدِيعَةٍ 200
قَالَ: فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا 200
فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا 201
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عليه السلام: وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لا يَعْدُوهُ وَ سَبَباً لا يَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلاً لا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ 202
مصادر الكتاب 208
المحتويات 220
ص: 226