فقه الخمس : بحوث استدلالیه فی الخمس

اشارة

سرشناسه:صافی گلپایگانی، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور:فقه الخمس : بحوث استدلالیه فی الخمس/ لطف الله صافی گلپایگانی.

وضعيت ويراست:ویراست 2

مشخصات نشر:قم: دفتر تنظیم و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی، 1394.

مشخصات ظاهری:324ص.

شابک:150000 ریال:978-600-7854-03-7

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه.

یادداشت:نمایه

موضوع:خمس

شناسه افزوده:دفتر آیت الله العظمی شیخ لطف الله صافی گلپایگانی

رده بندی کنگره:BP188/6/ص24ف7 1394

رده بندی دیویی:297/356

شماره کتابشناسی ملی:4001064

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

كتاب الخمس : بحوث استدلالية في الخمس

تالیف

لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى

الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني

مدّ ظلّه الوار

ص: 4

کلمة الناشر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد، هذه بحوث علمية عالية ودروس استدلالية راقية في فقه الخمس للمرجع الديني الكبير الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني دام ظلّه، وهي محاضرات كان قد ألقاها على ثُ-لّة من طلاب الحوزة العلمية وفضلائها، وقد أعددناها وبوّبناها رغبةً لترويج علوم أهل البيت(علیهم السلام)، والتماساً من أهل العلم في نشرها؛ ليستفيد منها الأساتذة والباحثين وطلاب العلوم الدينيّة؛ كي يعمّ الانتفاع بها، والله تعالى نسأل أن يجعلها محلاً للقبول عند وليّه الأعظم الحجّة بن الحسن العسكري(عجل الله تعالی فرجه الشریفه).

مكتب تنظیم و نشر آثار

آية الله العظمى الصافي الگلپايگاني (مدّ ظلّه الشریف)

ص: 5

ص: 6

المقدّمة

اشارة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّد الأوّلين والآخرين ورحمة للعالمين أبي القاسم محمّد وآله الطيبين الطاهرين سيّما إمام العصر بقية الله في الأرضين، واللعن على أعدائهم أجمعين.

تعريف الخمس وحكمه إجمالاً

الخمس: حقّ مالي يستحقه بنو هاشم في مال مخصوص عوضاً عن الزكاة وله شروط، كما اصطلح عليه الفقهاء((1)) في تعاريفهم لهذه العريضته. ولا حاجة لتفسيره بعد وضوح المراد منه عند المسلمين كافة.

قال الله تعالى: ﴿وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وابْنِ السَّبيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ ومَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ﴾.((2))

ص: 7


1- راجع كنز العرفان، ج1، ص248؛ مسالك الأفهام، ج1، ص457؛ مدارك الأحکام، ج5، ص359؛ جواهر الكلام، ج16، ص2؛ جامع المدارك، ج2، ص102.
2- الأنفال، 41.

ووجوبه في الجملة ثابت بالكتاب((1)) والسنّة((2)) والإجماع،((3)) بل هو من ضروريات الدين،((4)) ومنكر أصل وجوبه من الكافرين.((5))

والكلام فيه يقع في فصول.

ص: 8


1- مضافاً إلى الآية المذكورة استدل بآيات اُخرى أيضاً، منها: الأنفال،1؛ النحل،90؛ الإسراء،26؛ الحشر،7؛
2- انظر أخبار الخمس من كتب العامّة في مسند أحمد، ج2، ص180، 186 وغيرهما ومن كتب الخاصة في وسائل الشيعة، كتاب الخمس.
3- صرح به في المهذّب البارع، ج1، ص558؛ وانظر أيضاً كنز العرفان، ج1، ص249؛ مدارك الأحكام، ج5، ص359؛ حيث قال: «وأما الإجماع فمن المسلمين كافة»؛ وجواهر الكلام، ج16، ص5.
4- راجع شرح تبصرة المتعلمين للمحقق العراقي، ج3، ص57؛ جواهر الكلام، ج16، ص5؛ مصباح الفقيه ج14، ص6؛ جامع المدارك، ج2، ص102.
5- وقد صرح به صاحب العروة الوثقی(قدس سره) في بداية البحث، ج4، ص230.

المقام الأوّل: فيما يجب فيه الخمس وفيه سبعة فصول

اشارة

ص: 9

ص: 10

الفصل الأوّل ممّا يجب فيه الخمس الغنائم

اشارة

ص: 11

ص: 12

إنّ ما يتعلّق به الخمس كما في «الجواهر» و«الحدائق»((1)) بحسب استقراء الأدلّة الشرعية منحصر في سبعة.

وعن الشهيد في «البيان»((2)): أنّ هذه السبعة كلّها مندرجة في الغنيمة، وهي عبارة عن غنائم دار الحرب والمعادن والكنوز والغوص والمكاسب، وأرض الذّمّي الّذي اشتراها من مسلم، والحرام المختلط بالحلال.

فالأوّل منها: غنائم دار الحرب الّتي يحوزها المسلمون من الكفّار عند غلبتهم عليهم في الحرب. والمراد من الكفّار: هم الّذين تُستحلّ بكفرهم أموالهم وتُسبى به نساؤهم وأطفالهم، ولا ريب ولا خلاف في وجوبه فيها إذا كان بإذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

تعميم الغنائم الحربية لغير المنقول

ويأتي الكلام فيه إذا كان بغير إذنه، أو اُخذ منهم غيلةً أو سرقةً أو نحوهما.

ص: 13


1- الحدائق الناظرة، ج12، ص320؛ جواهر الكلام، ج16، ص5.
2- البيان، ص213؛ وكذلك العلّامة(قدس سره) عدّها سبعة بقوله: «غنائم دار الحرب، والمعادن، والكنز، وما يخرج من البحر، وأرباح التجارات والصناعات والزراعات، وأرض الذّمّي إذا اشتراها من مسلم، والحلال الممتزج بالحرام». قواعد الاحكام، كتاب الزكاة، الباب الثالث في الخمس، ج1، ص361 - 362؛ وكذلك في بداية بحث الخمس في تحرير الأحکام، ج1، ص433 - 434.

الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في ذلك وإن كان ما حواه العسكر من غير المنقول كالأراضي والأشجار، بل عن المدارك((1)) إجماع المسلمين عليه. غير أنّ في الحدائق بعد نسبة التعميم إلى ظاهر كلام الأصحاب((2)) قال: «لا أعرف لهذا التعميم دليلا سوى ظاهر الآية فإنّ الظاهر منالروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة، ومنها: صحيحة ربعي بن عبد الله المتقدمة((3)) الدالة على أنّه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان له، ثم يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه... إلى أن قال:

وقد تتبّعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي والوسائل - المشتمل علیه

ص: 14


1- مدارك الأحكام، ج5، ص360.
2- منهم الشيخ(قدس سره) في النهاية، باب قسمة الغنائم والأخماس، ص198؛ وفي المبسوط، كتاب الزكاة، فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس، ج1، ص336؛ والمحقق في جهاد شرائع الإسلام، ج1، ص244؛ والمعتبر، ج2، ص19؛ والعلّامة في قواعد الأحکام، ج1، ص492؛ تذكرة الفقهاء، ج1، ص128؛ ومنتهى المطلب، ج1، ص544؛ وابن ادريس في السرائر، في حكم المفتوحة عنوة، في كتاب الزكاة، باب أحكام الأرضين، ج1، ص477؛ وكذلك في الوسيلة، ص202؛ والبيان، ص213؛ والدروس، ج1، ص258؛ والروضة البهیة، ج2، ص65، 403. وخالفهم الشيخ المفيد في المقنعة، كتاب الزكاة، ص19؛ والحلبي في الكافي في الفقه، كتاب الزكاة، فصل في الخمس، ص170؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج1، ص182.
3- عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا علیه الحديث بطوله. تهذیب الأحکام، باب قسمة الغنائم، ج4، ص128؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب1، ح3، ج6، ص356.

أخبار الكتب الأربعة وغيرها - فلم أقف فيها على ما يدلّ على دخول الأرض ونحوها ممّا قدمناه في الغنيمة الّتي يتعلّق بها الخمس، ولم أقف في شيء منها على وجوب إخراج الخمس منها عيناً أو قيمةً، حتى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها فإنّها بين صريح أو ظاهر في تخصيصها بما ينقل ويحول، وحينئذ فيمكن تخصيص الآية بما دلّت عليه هذه الأخبار، مع أنّ الأخبار الواردة في الأراضي ونحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوةً إنّما دلّت عليها أنّها فيء للمسلمين من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة، وأنّ أمرها إلى الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقبلها أو يعمرها ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين... إلى آخره».((1))

وقال في المستمسك:((2)) وفيه: أنّه يكفي - في عموم الحكم - الآية الش-ريفة ونحوها ممّا دلّ على ثبوت الخمس في مطلق الغنيمة، كخبر أبي بصير المتقدّم((3)) ونحوه.

وغاية الإشكال على النصوص المذكورة: أنّها قاصرة عن إفادة التعميم، لا أنّها صالحة لتقييد ما تقتضيه الآية والرواية، فأصالة العموم فيه محكمة.

نعم، قد يعارض ذلك العموم إطلاق ما دلّ على أنّ أرض الخراج فيء

ص: 15


1- الحدائق الناضرة، ج12، ص324 - 325.
2- مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص444.
3- عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فإنّ لنا خمسه، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا». الكافي، ج1، ص545، باب الفيء والأنفال؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب2، ح5، ج6، ص339.

المسلمين وهي أخصّ من العموم المذكور، وإطلاق الخاصّ مقدّم. وحملها على أنّها في مقام نفي قسمتها بين المقاتلة فيكون موضوعها ما زاد على الخمس، لا قرينة عليه، لا سيّما وأنّ ظاهر النصوص الإشارة إلى الأرض الخارجية الخراجية، فالموضوع نفس الأرض، والحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوّز لا قرينة عليه.

ويمكن أن يقال: إنّ النسبة بين الطائفتين العموم من وجه،((1)) فإنّ الآية والرواية بعمومهما تدلّان على الخمس في الغنيمة، سواء كانت ممّا يحويه المقاتلون أو ممّا لا يحوونه، كالأراضي والأشجار، وما يدلّ على أنّ أرض الخراج فيء للمسلمين يعمّ جميع الأرض من دون استثناء الخمسمنه، فإطلاقه كما يشمل أربعة أخماسها يشمل خمسها الآخر، فيقع التعارض بينهما في خمس الأراضي، والترجيح للكتاب والروايات الموافقة له.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ التعارض واقع بين إطلاق الكتاب وإطلاق السنّة القطعية فتتساقط حجّية إطلاق كلٍّ منهما فيرجع حينئذ إلى الأصل العملي في المقام وهو أصالة البراءة عن وجوب خمس الأراضي.

وربما يقال((2)) بنفي الإطلاق للآية الكريمة بالنسبة إلى غير المنقول، بدعوى أنّ الغنيمة هي الفائدة العائدة للغانم بما هو غانم، وإن شئت قلت: هي الفائدة

ص: 16


1- كما في جامع المدارك، ج2، ص103.
2- قاله السيّد الخوئي(قدس سره) في المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص8.

العائدة للمقاتل بما أنّه مقاتل، فتختصّ بما يقسّم بين المقاتلين، وهي الغنائم المنقولة دون الأراضي الّتي لا نصيب لهم منها، فلا

تعدّ غنيمة لهم، وعلى هذا فالإطلاق ساقط من الأصل.

وفيه: أنّه لا مجال للترديد في صدق عنوان الغنيمة على الأراضي الّتي تقع تحت يد المقاتلين، ولا منافاة بين كونها غنيمة وكونها لجميع المسلمين، فإنّ الحرب إنّما قامت بين الإسلام والكفر والمسلمين والكافرين، وظاهر الآية الكريمة أيضاً لا تستفاد منها الغنيمة الشخصية، ولا يشترط في صدق الغنيمة على ما يقع من الكفّار تحت يد المسلمين كونها ملكاً للشخص لا لجميع المسلمين، وبعد ذلك يمكن الذهاب إلى رجحان قول المشهور بتعميم خمس الغنائم للمنقول وغيره. والله هو العالم.

إخراج المؤونة قبل تخميس الغنيمة

ثم إنّه إنّما يجب تخميس الغنيمة بعد إخراج المُؤَن الّتي أنفقها بعد تحصيلها لحفظها وحملها ورعيها ونحو ذلك، فإنّ هذا هو الّذي يستظهر من الحكم بدفع مثلها.

فلا

یصغى دعوى إطلاق الآية((1)) في ذلك، لانصرافه عن ذلك.

وأمّا الاستدلال على استثناء المؤن بما دلّ على أنّ الخمس بعد

ص: 17


1- راجع جهاد شرائع الإسلام، الثالث: في قسمة الغنيمة؛ والمحقق(قدس سره) قائل بالإخراج قبل التخميس، ج1، ص247.

المؤن((1)) فهو إنّما يدلّ على المؤن المصروفة لتحصيل موضوع الخمس،مثل ما يصرفه لتحصيل العوائد، أو لإخراج المعدن دون المؤن الّتي تص-رف له بعد التحصيل. هذا ولكنّ الظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين المؤن السابقة واللاحقة الّتي لابدّ منها.

ويمكن أن يقال: إنّ خمس الغنيمة لأهلها، ونفقة حملها إليهم تصرف منها، لا أنّه يتعلّق بها بعد حملها وإخراج نفقة الحمل منها حتى يورد بدعوى إطلاق الآية.

***

وهكذا يخرج من الغنيمة ما يجعله الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على فعل مصلحة من مصالح المسلمين فهو لفاعله ولیس لأهل الخمس، ولا لمن حواه من المقاتلين، وذلك للولاية الثابتة للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على أموال الأشخاص وأنفسهم.

ولصحيح زرارة قال: «الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يجرى وينفل ويعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، وقد قاتل رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيباً، وإن شاء قسّم

ص: 18


1- نحو صحيح البزنطي، قال: كتبت إلى أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة». الکافي، ج1، ص545؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب12، ح1، ج6، ص354. وما رواه إبراهيم بن محمد الهمداني من توقيعات الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب12، ح2، ج6، ص354؛ وما روى عن أبي عبد اللّه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب12، ح3؛ ج6، ص348؛ ومرسلة الأشعري عن أبي جعفر الثاني(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب8، ح1، ج6، ص348.

ذلك بينهم».((1))

وفي الجواهر((2)) عن الشيخ: إخراج السلب أيضاً، إذ هو من قبيل الجعائل بناءً على عدم استحقاق القاتل إيّاه بدون شرط الإمام.

***

وممّا استُثني من تعلّق وجوب الخمس به: صفايا الغنيمة، وقطائع الملوك، والظاهر أنّه لا خلاف فيهما بينهم،((3)) وهو مدلول الروايات المعتبرة.((4))

***

وأيضاً يُستثنى من تعلّق الخمس بالغنيمة إذا كانت غصباً من مسلم أو معاهد أو ممن هو محترم المال.

***

ص: 19


1- الکافي، ج1، ص544؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح2، ج6، ص365.
2- جواهر الكلام، ج16، ص10.
3- كما في المبسوط، ج2، ص65، كتاب قسمة الفيء والغنائم؛ ومنتهى المطلب، ج1، ص553.
4- نحوصحيح الربعي عن أبي عبد اللّه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «كان رسول اللّه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له». الحديث. تهذیب الأحکام، ج4، ص128، باب قسمة الغنائم؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب1، ح3، ج6، ص356؛ وصحيح داود بن فرقد عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شيء». تهذیب الأحکام، باب الأنفال، ج4، ص134؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح6، ج6، ص366 - 367؛ راجع أيضاً وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح4، 8، 15، 20، 21، 31، ج6، ص365 - 367، 369، 371 - 372؛ ب2، ح2، ج6، ص373.

ولا فرق في الغنيمة بين ما كان من أموال المحاربين وأموال غيرهم من أهل الحرب وإن لم يكونوا في الحرب معهم في تلك السريّة؛ لإطلاق الأدلّة. والله هو العالم.

اعتبار الإذن فى أخذ الغنائم

مسألة 1: إذا كان الغزو بغير إذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فالغنيمة للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على المشهور،((1)) بل لعلّ الإجماع((2)) قائم عليه، وللرواية المرسلة المنجبرة بعمل الأصحاب.وهي ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمد بن الحسين الصفّار،((3)) عن الحسن بن أحمد بن يسار (بشار)،((4)) عن يعقوب،((5)) عن العبّاس الورّاق،((6)) عن رجل سمّاه، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس».((7))

ص: 20


1- ادّعى الشهرة في مسالك الأفهام، ج1، ص474؛ والروضة البهيّة، ج2، ص85؛ ورياض المسائل، ج1، ص298؛ ومستند الشيعة، ج10، ص160.
2- ادّعى الإجماع في الخلاف، ج4، ص190، كتاب الفيء، المسألة 16؛ ج5، ص518، كتاب السير، المسألة 3؛ غنائم الأيام، ج4، ص283.
3- الملّقب (مهوله)، قمّي له كتب، موثوق من الطبقة الثامنة.
4- وهو مجهول، وكأنّه من السابعة.
5- إنّه مشترك، وكأنّه من السادسة.
6- إبن موسى أبو الفضل، ثقة له، كتاب من الخامسة.
7- تهذیب الأحکام، ج4، ص135؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح16، ج6، ص369.

ودلالتها على أنّ القوم إذا غزوا بغير أمر الإمام كانت الغنيمة كلها للإمام ظاهرة.

وصحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم، أُخرج منها الخمس لله ولرسوله وقسم بينهم ثلاثة (أربعة) أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ».((1))

حيث إنّ مفهوم الشرطية الأوّلی الدالة علی أنهّم إن قاتلوا مع أمیر أمّره الإمام یخرج من الغنیمة الخمس، أنّهم إن قاتلوا المشرکین بغیر أمیر من الإمام لا یخرج منها الخمس، وهذا هو المراد من الشرطیة الثانیة، والتقدیر هکذا: وإن لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین مع أمیر من الإمام - أي قاتلوا بغیر أمر منه - کان ما غنموا للإمام.

وليس المراد من الثانية أنّهم إن لم يكونوا قاتلوا أصلا وأصابوا الغنيمة فهي للإمام، فإنّه خارج عن مورد السؤال والجواب، وهو إصابة الغنيمة بالقتال مع الأمير أو بدونه، لا بالقتال وبدونه.

ثم إنّه ربّما يقال بتعارض صحيح الحلبي، صحيح معاوية بن وهب وخبر الورّاق، وهو ما رواه الشيخ بإسناده عنه، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم (لوائهم، ديوانهم) فيكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال:

ص: 21


1- الکافي، ج5، ص43 - 44؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح3، ج6، ص365.

«يؤدّي خمسنا (خمسها) ويطيب له».((1))

ولكن يمكن أن يقال أوّلاً: إنّ الاستدلال به موقوف على كون لفظ الحديث (خمسنا)، وأمّا إذا كان (خمسها) فيدلّ على إذن الإمام بتص-رفه فيما زاد على الخمس، وقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ويطيب له» لا يخلو من الإشعار بذلك.

وثانياً: على كون لفظه الآخر (في لوائهم)، وأمّا إذا كان - كما في بعض النسخ - (أوانهم أو ديوانهم) فيمكن أن يكون المراد من الغنيمة سائر الغنائم الّتي فيها الخمس.

وثالثاً: بناءً على كون لفظ الحديث (خمسنا) و(في لوائهم) فلعلّ ذلك لأنهم: أذنوا لشيعتهم الغزو في لوائهم مع الكفّار جهاداً ودفاعاً.((2)) ولعلّ بعض ذلك كان السبب لعدم أخذ الأصحاب بهذه الصحيحة.

وكيف كان فالظاهر أنّه على فرض التعارض بينه وبين خبر الورّاق وصحيح معاوية بن وهب الترجيح مع خبر الورّاق الّذي قال ابن البرّاج فيه: عليه عمل الأصحاب.((3))

ثم إنّه قد فصّل في العروة في حكم الغزو بغير إذن الإمام بين زمان الحضور

ص: 22


1- تفسیر العیاشي، ج2، ص64؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص124؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب2، ج6، ص340، ح8؛ مستدرﻙ الوسائل، ج7، ص281.
2- وهناك وجوه اُخر للحمل، انظرها في مستند الشيعة للنراقي، ج10، ص16، 162؛ وجواهر الکلام، ج16، ص127.
3- المهذّب البارع، ج1، ص568؛ وقال به أيضاً القمي في غنائم الأيام، ج4، ص285؛ والنراقي في مستند الشيعة، ج10، ص160.

وإمكان الاستئذان منه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وزمن الغيبة، فقال في الأوّل تكونالغنيمة للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وفي الثاني قال: الأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة، خصوصاً إذا كان الدعاء للإسلام.((1))

ووجه التفصيل: إطلاق الغنيمة في الآية الكريمة والأخبار، وعدم إثبات تقييده إلّا بما إذا كان الغزو في عصر الحضور وأمكن الاستئذان((2)) وأمّا إذا كان في عصر الغيبة وعدم إمكان الاستئذان فإطلاق الآية الكريمة والأخبار يشمل الغنيمة بمعناها العامّ. وعليه فالصحيح وجوب الخمس لا الاحتياط، ولعلّه لاحتمال كونها غنيمة بمعناها الأخصّ، خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام.

وعليه يختصّ خبر الورّاق بكونها للإمام إذا لم يكن الغزو بإذنه بزمان الحضور، وهذا ما أفاده المحقّق القمّي، فقد قال في الغنائم: ويمكن أن تخصّ رواية المشهور بزمان إمكان حصول الإذن، كما هو المتبادر من اللفظ، وعلى سبيل الجهاد والدعوة إلى الإسلام، فأمّا في حال الغيبة أو الغزو لمجرّد النهب وجمع المال فيكون من باب سائر الفوائد والأرباح، لا من باب غنائم دار الحرب، ولا من باب الأنفال.((3))

ونضيف على ما أفاده: أنّ الظاهر من تعليق الحكم بإذن الإمام وبغير إذنه إمكان الاستئذان منه. وبعبارة اُخرى: معنى قوله: إذا غزا قوم بغير إذن الإمام

ص: 23


1- العروة الوثقى، ج4 ، ص231 - 232.
2- مثل ما تقدم في مرسلة الورّاق وصحيحة معاوية بن وهب.
3- غنائم الأیام، ج4، ص285.

الّذي يمكن تحصيله بالاستئذان منه وكان عليهم الاستئذان منه، فيتّجه ما أفاده المحقق القمي(قدس سره)، فالغنيمة المكتسبة بالغزو في عصر الغيبة حكمها حكم سائر الفوائد، ويدخل تحت عموم مثل: في كل فائدة الخمس.

فإن قلت: لماذا لا تدخل تحت الغنيمة المشار إليها في الآية؟

قلت: الغنيمة في الآية تعمّ مطلق الفائدة، وبه تشمل ما يغتنمه الشخص في عصر الغيبة من أموال الكفار، كما تشمل غنائم دار الحرب إذا كانت الحرب مع الكفار بإذنه، وأمّا إذا لم يكن بإذنه فإنّه للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وإطلاق الغنيمة بالنسبة إليه مقيّد بمثل خبر الورّاق.

وبالجملة: فالآية وإن تشمل بالإطلاق ما يغتنمه المقاتل مع الكفار في عصر الغيبة إلّا أنّه لا يجري عليه حكم الغنيمة المأخوذة منهم في عصر الحضور، ومثل رواية الورّاق مختصّة لبيان حكمها في عصر الحضور، وعلى هذا لو لم يكن هنا إجماع أو شهرة على كون حكم الغنيمة في عصر الغيبة مثل حكم عصر الحضور فالأظهر كون حكمها حكم سائرالفوائد، وإن كان الأحوط إخراج خمسها بعنوان الغنيمة بمعناها الأخصّ، كما اختاره صاحب العروة،((1)) والله هو العالم.

المأخوذ بالإغارة والسرقة و...

مسألة 2: مقتضى ما ذكرنا أخيراً أنّ الغنيمة بالإغارة على الكفار في عصر الغيبة يجب إخراج خمسها من باب الفوائد، وإن كان الأحوط

ص: 24


1- العروة الوثقی، ج4، ص231.

إخراجه بعنوان الغنيمة، وكذا ما اُخذ منهم بالسرقة والغيلة، وكذا ما اُخذ منهم بالدعوى الباطلة ونحوها، والله هو العالم.

أخذ مال النصّاب

مسألة 3: هل يجوز أخذ مال النصّاب؟ وعلى فرض جوازه هل يجب تخميسه من باب الغنيمة بمعناها الأخصّ، أو من باب مطلق الفائدة؟ نسب الجواز إلى المشهور، بل في الحدائق((1)) نسبته إلى الطائفة المحقّة سلفاً وخلفاً. ويدلّ عليه: صحيح حفص البختري، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال:

«خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس».((2)) ومثله خبر المعلى((3)) وخبر إسحاق بن عمار، عنه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وفيه: «مال الناصب وكلّ شيء يملكه حلال إلّا امرأته...» الحديث.((4)) فعلى ذلك يجوز أخذ ماله ويجب فيه الخمس على ما يجب في الغنيمة بالمعنى الأخصّ بمقتضي إطلاق أدلّة الخمس.

ولا يقال: إنّ ذلك مقيّد بما دلّ على أنّ الخمس بعد المؤونة. لأنَّ الظاهر

ص: 25


1- الحدائق الناضرة، ج12، ص324، 368.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص122؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب2، ح6، ج6، ص339.
3- تهذیب الأحکام، ج4، ص123؛ ج6، ص387؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب2، ح7، ج6، ص339.
4- تهذیب الأحکام، ج6، ص387؛ وسائل الشیعة، أبواب جهاد العدو، ب 26، ح2، ج11، ص58 - 59.

اختصاص هذا بالصنائع والصناعات وأرباح المكاسب. نعم الجزم بهذا الاستظهار محلّ تأمّل، فالأحوط أداء خمسه بعنوان الغنيمة.

ويمكن أن يقال: إنّ كون خمسه ملكاً للإمام ثابت بلا إشكال، وقد ثبتبالدليل جواز التصرّف في طائفة من الأموال الّتي تعلّق بها الخمس إلى حيلولة السنة، فإذا شك في شمول هذا الدليل علی هذا المال المأخوذ من الناصب، كان المرجع أصالة عدم الجواز في ملكه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فيؤدى الخمس ابتداءً من غير إخراج مؤونة سنته. والله هو العالم.

اعتبار النصاب في الغنائم

مسألة 4: مقتض-ى إطلاق قوله تعالى: «من شيء» عدم اعتبار النصاب فيما يغتنم من دار الحرب قليلا كان أو كثيراً، فما عن ظاهر غريّة المفيد((1)) من اشتراط بلوغه عشرين ديناراً شاذّ محجوج بإطلاق الآية والروايات،((2)) والله هو العالم.

ص: 26


1- جواهر الکلام، ج16، ص13.
2- مثل ما رواه الأشعري، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أخبرني عن الخمس: أ على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الض-روب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤونة». الاستبصار، ج2، ص55؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص123؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح1، ج6، ص348؛ وانظر أيضاً: ب12، ح1و2، ج6، ص354.

الفصل الثاني ممّا يجب فيه الخمس المعادن

اشارة

ص: 27

ص: 28

وهي وإن تطلق في الاستعمالات العرفيّة على الأراضي الّتي يستخرج منها مثل الذهب والفضّة والفيروزج والعقيق والحديد وغير ذلك((1))

إلّا أنّ في عرف أهل الش-رع والمحاورات الخاصّة المراد منها نفس هذه الأشياء لا محلّها ومكانها.((2))

ص: 29


1- قال الفيروز آبادي: «المعدِن كمجلِس: منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائماً أو لإنبات الله عزّ وجلّ إيّاه فيه، ومكان كلّ شيء فيه أصله». القاموس المحيط، ج4، ص247 (مادّة: عدن)؛ ومثله تهذيب اللغة، ج2، ص129. وفي النهاية: «المعادن: المواضع الّتي تستخرج منها جواهر الأرض كالذهب والفضّة والنحاس وغير ذلك، والمعدن مركز كل شيء». النهاية في غریب الحدیث، ج3، ص192 (مادّة: عدن). وفي مجمع اللغة: «المعدن: مركز كلّ شيء، والعَدْن: الإقامة». ج3، ص652 (مادّة: عدن). وصاحب المصباح أيضاً يصرّح بأنّه اسم مكان: «عدن بالمكان...أقام، واسم المكان: معدن، لأنّه أهله يقيمون الصيف والشتاء، أو لأنّ جوهر الّذي خلق الله فيه عدن به». مصباح المنير، ج2، ص53 (مادّة: عدن). راجع أيضاً مفردات الراغب، ص326 (مادة: عدن)؛ مجمع البحرين، ج3، ص135 (مادّة: عدن)؛ جمهرة اللغة، ج2، ص665؛ معجم مقاييس اللغة، ج4، ص248 (مادّة: عدن)؛ لسان العرب، ج13، ص279.
2- قال العلّامة(قدس سره): «المعادن، وهي: كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة». تذكرة الفقهاء، ج5، ص409؛ ونحوه في منتهی المطلب، ج1، ص544. راجع أيضاً شرائع الإسلام، ج1، ص133؛ الدروس، ج1، ص260؛ البيان، ص213؛ مسالك الأفهام، ج1، ص458؛ وغيرها.

ولا ريب ولا خلاف بين فقهائنا في وجوب الخمس فيها، ووجوب صرفه في مصارف الخمس خلافاً للعامة.

قال في الخلاف: المعادن كلّها يجب فيها الخمس من الذهب والفضّة والحديد والصفر والنحاس والرصاص، ونحوها ممّا ينطبع وممّا لا ينطبع كالياقوت والزبرجد والفيروزج ونحوها، وكذلك القير والموميا والملح والزجاج وغيره. وقال الشافعي: لا یجب في المعادن شيء إلّا الذهب والفضّة، فإنّ فيهما الزكاة، وما عداهما ليس فيه شيء انطبع أو لم ينطبع. وقال أبو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد والرصاص والذهب والفضّة ففيه الخمس، وما لا ينطبع فليس فيه شيء مثل الياقوت والزمرّد والفيروزج فلا زكاة فيه؛ لأنّه حجارة. وقال أبو حنيفة ومحمد: في الزيبق الخمس. وقال أبو يوسف: لا شيء فيه، ورواه عن أبي حنيفة...إلى آخره.((1))

المعدن في الروايات

من الروايات الدالّة على وجوب الخمس في المعادن: ما رواه الصدوق، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس».((2))

ص: 30


1- الخلاف، كتاب الزكاة، ج2، ص116 - 117، مسألة، 138؛ راجع أيضاً تذکرة الفقهاء، ج5، ص411.
2- الخصال، ص291؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 3، ح7، ج6، ص344.

أيضاً في الصحيح بإسناده، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعاً».((1))

وما رواه الشيخ بسنده، عن الحلبي في حديث قال: سألت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الكنز كم فيه؟ قال: «الخمس»، وعن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس»، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة».((2))

ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كل ما كان ركازاً ففيه الخمس وقال: ما عالجته بما لك ففيه - ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى - الخمس».((3))

ومنها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الملاحة؟ فقال: وما الملاحة؟ فقال (فقلت): أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً، فقال: هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟

ص: 31


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص121؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 3، ح1، ج6، ص342.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص121؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح2، ج6، ص342.
3- تهذیب الأحکام، ج4، ص122؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح3، ج6، ص343.

قال: فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس».((1))

وغيرها من الروايات الّتي تدلّ على وجوب الخمس في المعادن. وهذا لا إشكال فيه من جهة الحكم. فلا كلام في وجوب الخمس على المعادن. وأمّا الموضوع فما هو مذكور بعينه في الروايات أو ملحق به عرفاً أو يصدق عليه عنوان المعدن فهو واقع تحت حكمه الخاصّ. وما شكّ في أنّه منه كالجصّ وطين الرأس والطين الأحمر، فقد يقال بعدم وجوب خمسه بالفعل ما لم يمضِ عليه السنة، ولم يص-رف فيها في المؤونة أخذاً بعموم ما دلّ على أنّ كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس بعد المؤونة أي مؤونة السنة، خرج منه بالدليل الخاصّ الدال على الوجوب الفعليّ ما خرج، وفي الباقي حجّية أصالة العموم على حالها، فإنّ العامّ المخصَّص بالمخصِّص المنفصل حجّة في الباقي حتى وإن كان الدليل المخصّصمجملاً((2)) ولا حاجة حینئذ إلى إجراء أصالة عدم وجوب التخميس فيه.((3))

ولكن يمكن أن يقال: إنّ العامّ - وهو الآية والرواية - قد دلّ على وجوب أداء الخمس فعلاً، وخرج منه بعض الغنائم مثل أرباح المكاسب، ووقع الشكّ في غيرها ممّا ذكر، ومقتضى أصالة العموم وجوب تخميسه فعلاً، وهذا ينتج عكس

ص: 32


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص122؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 3، ح4، ج6، ص343.
2- استدلّ بهذا الوجه كثير من الفقهاء، منهم الطباطبائي (رحمه الله) في ریاض المسائل، ج5، ص239؛ والنراقي في مستند الشيعة، ج10، ص19.
3- أو أصالة البراءة عن تعلّق الخمس قبل حيلولة السنة، لأنّهما من الاُصول العملية، وهي لا حاجة إليها فيما تجري الاُصول اللفظية الّتي منها أصالة العموم المذكور توضيحه في المتن.

ما أنتج الدليل السابق. والله هو العالم.

***

ثم إنّه لا فرق في تعلّق الخمس بالمعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة، لإطلاق الأدلة.((1)) كما أنّه لا فرق بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمّياً، بل ولو حربياً((2)) فيما إذا كان المعدن في ملكه، فيؤدّي هو خمسه. وأمّا إن كان المعدن في الأراضي المفتوحة عنوةً فهي للمسلمين لا يملكها غيرهم.

وكذا إن كان في الأراضي الميتة ونحوها فجميعها للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

إلّا أن يقال: إنّ قوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «من اُحيى أرضاً ميتةً فهي له» يدل بالإطلاق على إذنه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أنّ المحيي للمعدن يملكه سواء كان مؤمناً أو كافراً ذمّياً. وأمّا الكافر الحربي فعلیه إخراج الخمس إلّا أنّه يؤدّيه مَن سلّطه عليه من المسلمين.

وكذا لا فرق بين أن يكون المخرج بالغاً أو صبيّاً،((3)) وعاق-لاً أو مجنوناً، فلا

ص: 33


1- انظر هذه المسألة في المعتبر، كتاب الخمس، فروع: الفرع الثاني، ج2، ص621؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص545؛ وتذكرة الفقهاء، ج5، ص412؛ ومدارك الأحکام، ج5، ص368؛ وغنائم الأيّام، ج4، ص296.
2- والشيخ(قدس سره) منع عن ذلك بقوله: «الذّمّي إذا عمل في المعدن يمنع منه، فإن خالف وأخرج شيئاً منه ملكه، ويؤخد منه الخمس». الخلاف، ج2، ص120 - 121، مسألة 144. ورده صاحب المدارك بعدم الدليل على منع الذّمّي. مدارك الأحكام، ج5، ص368. وفصّل صاحب الجواهر بتفاصيل في جواهر الکلام، ج16، ص23.
3- كما في شرائع الإسلام، كتاب الزكاة، فروع: الأوّل، ج1، ص135؛ وإرشاد الأذهان، ج1، ص293؛ وقواعد الأحکام، ج1، ص361؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص467؛ ومنتهی[ المطلب، ج1، ص546 - 547؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص412؛ وتحریر الأحکام، ج1، ص435؛ والدروس، ج1، ص260؛ ومدارك الأحکام، ج5، ص389.

كلام في تعلّق الخمس بما يخرج بواسطتهم. كما أنّه لا كلامفي وجوبه على المخرج إذا كان مسلماً بالغاً عاقلا وأنّه المالك للزائد على خمسه، وكذا على وليّ الصبيّ المميِّز إن أراد الوليّ التصرّف فيه، وإلّا فيجب عليه الأداء إذا بلغ.

ولو خرج المعدن بنفسه أو بحادث وسبب سماوي ونحوه فالظاهر أنّه يجب على آخذه الخمس؛ لإطلاق مثل قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن...»، والله هو العالم.

نصاب المعدن

مسألة 5: اختلفت الكلمات فى اشتراط بلوغ النصاب في المعدن على أقوال: القول الأوّل: عدم اعتبار النصاب.

قال به الشيخ في الخلاف والاقتصاد،((1)) وابن ادريس في الس-رائر.((2)) ونسبه الشهيد في الدروس إلى الأكثر.((3)) وهو ظاهر إطلاق جماعة حكاه العلامة عنهم كابن الجنيد وابن عقيل والمفيد والسي-د

ص: 34


1- الاقتصاد، فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس، ص283؛ والخلاف، ج2، ص119، مسألة142، مدعياً فيه إجماع الفرقة؛ والجمل والعقود، فصل في ما يجب فيه الخمس، ص105. وقال به ابن البراج في المهذب، باب في ذكر ما يجب الخمس فيه، ج1، ص178 - 179؛ والطبرسي فى المؤتلف من المختلف، ج1، ص305، مسألة 113.
2- السرائر، ج1، ص89. وادعى فيه الإجماع.
3- قال: «والأكثر لم يعتبروا نصاباً». الدروس، ج1، ص260؛ ج6، ص343، ح5.

المرتض-ى وابن زهرة وسلّار،((1)) والظاهر أنّ دليلهم على ذلك الإطلاقات الدالّة على وجوب الخمس في المعدن.((2))

والقول الثاني: اعتبار بلوغه ديناراً واحداً.

اختاره الحلبي،((3)) (ورواه) الصدوق في الفقيه والمقنع((4)) مرسلاً. ويستدلّ لهذا القول بما رواه الشيخ في التهذيب، بإسناده، عن سعد،((5)) عن محمد بن الحسين بن أبيالخطاب،((6)) عن أحمد بن محمد بن أبي نص-ر،((7)) عن محمد بن عليّ بن أبي عبد الله،((8)) عن أبي الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال:

«سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة (هل فيها زكاة) (هل عليه زكاتها) ؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس».((9))

ص: 35


1- مختلف الشیعة، كتاب الخمس، ج3، ص318 - 319.
2- نحو قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في الجواب عن المعادن كم فيها؟ قال(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس». وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح2، ج6، ص342؛ ب2، ح4و11، ج6، ص339، 341.
3- الكافي في الفقه، كتاب الزكاة، فصل في الخمس، ص170.
4- روى عنهما في مختلف الشیعة، كتاب الخمس، ج3، ص319؛ المقنع، أبواب الزکاة، باب الخمس، ص172؛ وقال به الصدوق أيضاً في الهداية، أبواب الزكاة، باب الخمس، ص177.
5- هو من الثامنة.
6- جليل عظيم القدر، كثير الرواية، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته، له تصانيف من السابعة.
7- عظيم المنزلة عند الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)...، من السادسة، من أصحاب الإجماع.
8- يروي عنه مثل البزنطي، وهو من أصحاب الإجماع من السادسة.
9- تهذیب الأحکام، ج4، ص124، 139؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح5، ج6، ص343.

ولفظ الحديث في الكافي:((1)) «ما فيه؟ قال: إذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس».

والظاهر أنّه أضبط، فيعتمد عليه. مضافاً إلى أنّ ما هو الحجّة كلام الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وهو في الكتابين واحد.

والقول الثالث: اعتبار بلوغه عشرين ديناراً.

قال به الشيخ في نهايته ومبسوطه،((2)) وابن حمزة في الوسيلة،((3)) ووافقهما جماعة من المتأخرين، بل في الجواهر عن المدارك نسبته إلى عامّتهم((4)) واستدلّ بصحيح البزنطي، «قال: سألت أبا الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟

قال: ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً».((5))

وبعد ذلك نقول: أمّا القول الأوّل فالإطلاق الّذي يتمسّك به مقيَّد بروايتي

ص: 36


1- الكافي، ج1، ص 547، ح 21.
2- النهاية، كتاب الزكاة، باب لخمس والغنائم، ص197؛ والمبسوط، كتاب الزكاة، فصل في ذكر ما يجب فيه الخمس، ج1، ص237.
3- الوسيلة، كتاب الخمس، ص138.
4- جواهر الکلام، ج16، ص18؛ قال: «وإليه ذهب عامّة المتأخّرين، وهو المعتمد». مدارك الأحكام، ج5، ص365؛ ومثله الحدائق الناضرة، ج12، ص330. وذهب إليه الصهرشتي في إصباح الشيعة، كتاب الزكاة، فصل في الخمس، ص127؛ والمحقق في المعتبر، ج2، ص365؛ والعلّامة في مختلف الشیعة، ج3، ص319؛ والشهيد في الدروس، ج1، ص260؛ والشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج1، ص459.
5- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب4، ح1، ج6، ص344.

البزنطي، إحداهما عن أبي الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بواسطة محمد بن عليّ بنأبي عبد الله،((1)) والاُخرى عن أبي الحسن الثاني بلا واسطة أحد.((2))

لا يقال: إنّهما ساقطتان بالتعارض، ولعلّ لذلك كان القول الأوّل - على ما قاله المحقق - أكثر قائلا.((3))

فإنه يقال: الترجيح في مقام التعارض مع رواية العش-رين، لا لضعف سند رواية دينار واحد بمحمد بن عليّ بن أبي عبد الله لجهالته فإنّه مندفع برواية مثل البزنطي عنه الّذي لا يروي إلّا عن ثقة، كما ذكره الشيخ،((4)) بل لشذوذ العمل بها واتفاق العمل بالثانية عند المتأخرين.

ولكن يمكن أن يقال: لا يكفي في الترجيح عمل المتأخرين. مضافاً إلى أنّ ترك العمل به من أكثر المتقدمين موجب لوهن الاحتجاج به، ولعلّهم حملوه على التقية.

وبالجملة: رفع اليد عن الإطلاقات وفتوى الأكثر برواية العشرين مشكل.

وحمل رواية دينار واحد على الاستحباب أيضاً خلاف الظاهر. كما أنّ احتمال كون المراد من بلوغ العشرين بالنسبة إلى غير معادن الذهب والفضّة بقرينة رواية

ص: 37


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح5، ج6، ص343.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب4، ح1، ج6، ص344.
3- شرائع الإسلام، الفصل الأوّل من كتاب الخمس، ج1، ص133؛ وكذلك الشهيد في الدروس، ج1، ص260؛ حيث قال: «والأكثر لم يعتبروا نصاباً».
4- عدّة الاُصول، ج1، ص154، حجّية خبر الواحد.

دينار واحد فيكون النصاب فيهما ديناراً واحداً وفي غيرهما العش-رین تفصيل لم يقل به أحد. ويبعّده أيضاً أنّ السؤال عنهما بالخصوص واقع على سبيل المثال.

ثم إنّه ربّما يورد على رواية العشرين بعدم ذكر الخمس فيها،((1)) فيقال بإجمالها. لكنه مردود بأنّ المراد من «شيء» في الرواية منهما منحصر بين الخمس والزكاة، ولا ثالث لهما هنا. وقوله: «حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة» ينفي كون السؤال والجواب راجعين إلى حكم الزكاة وإلّا لكان قوله «في مثله» زائداً فلا يبقى هنا شيء إلّا الخمس.

وربّما يتوهمّ أنّ اعتبار النصاب بالدينار سواء كان بدينار واحد أو بعش-رين يختصّ بالذهب دون غيره.

وفيه: أنّ المراد من الدينار هنا مالية ما يستخرج من المعدن، سواءكان ذهباً أو غيره.

وبعد ذلك كلّه نقول: إنّ القول الأوّل الّذي قال به أكثر القدماء موافق للاحتياط. والقول الثاني أيضاً بالنسبة إلى الثالث هو الأحوط. والجزم باختيار واحد منها في غاية الإشكال. ومقتضى الإطلاقات الأوّلية هو إخراج الخمس منه وإن لم يبلغ ديناراً واحداً. وعلى ذلك تسقط الفروع المذكورة في كتبهم في تفاصيل اعتبار النصاب، ونحن نذكر بعضها اقتفاءً بهم في طيّ ما يأتي من

ص: 38


1- انظر الإشكال في غنائم الأيّام، ج4، ص290؛ ومصباح الفقيه، ج14، ص26 وأجاب عنه؛ وكتاب الخمس للشيخ الحائري، ص47.

الفروع إن شاء الله تعالى، والله هوالهادي إلى الصواب.

الفرع الأوّل: الظاهر أنّه لا كلام((1)) في أنّه إنّما يجب الخمس بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية، فلو بلغ ثلاثين ديناراً وصرف لأجله عش-رة يؤدّي خمس الباقي أى العشرين لا الثلاثين. وهذا ثابت على القول بعدم اعتبار النصاب. ولو ثبت ذلك لكان الواجب عليه فيما إذا صرف لإخراجه مث-لاً خمسة وعش-رين ديناراً ولم يحصل له أزيد من ذلك بل خرج له ألأقل منه أن يؤدّي خمسه، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد. وكيف كان فالمسألة واضحة الحكم، والله هو العالم.

الفرع الثاني: على القول باعتبار النصاب، و هل المعتبر بلوغ النصاب قبل استثناء مؤونة الإخراج، فإذا بلغ النصاب قبل استثنائها وإخراجها، يؤخذ ما صرف في مؤونة الإخراج من الجميع، ثم يؤدّي خمس ما بقي، أو المعتبر بلوغه النصاب بعد كسر المؤونة، أو يفصّل بين ما يؤدّي للمؤنة من عين المعدن فالمعتبر فيه النصاب بعد استثنائه وما يؤدّي من خارجه فالمعتبر بلوغه النصاب قبل إخراج المؤونة؟

ص: 39


1- وادّعی عليه الإجماع في الخلاف، كتاب الزكاة، ج2، ص122؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص549؛ ومثله في المدارك الأحکام، ج5، ص392؛ ومفاتيح الش-رائع، ج1، ص227؛ وجواهر الکلام، ج16، ص82. وعليه النصوص الدالّة على أنَّ الخمس بعد كسر المؤونة. وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ج6، ص348 - 352؛ ب12، ج6، ص354.

ذهب المشهور((1)) إلى الثاني وخالفهم صاحب المدارك.((2)) استدلّ صاحب الجواهر للمشهور بالأصل، وظاهر المنساق إلى الذهن منمجموع الأدلّة وفاقاً للمنتهى والتذكرة والبيان والدروس، بل ظاهر الأوّلين كونه مجمعاً عليه بيننا، حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي وأحمد، بل في المسالك نسبته الى تصريح الأصحاب أيضاً، بل قال: إنّهم لم يتعرضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مؤونة زكاة الغلات.((3)) إنتهى.

ومراده من الأصل: البراءة عن وجوب الخمس إذا لم يبلغ النصاب بعد إخراج المؤونة.

ولكن قد قلنا: إنّ مقتضى الأصل اللفظي أعني الإطلاقات وجوب الخمس قبل استثناء المؤونة.

وإن كان المراد من الأصل استصحاب عدم تعلّق الخمس به قبل بلوغ النصاب واستثناء المؤونة فيستصحب عدم تعلّقه به بعد بلوغ النصاب قبل استثناء المؤونة.

ولكن يردّ بتعدّد الموضوع، فإنّ الّذي لم يبلغ النصاب غير ما بلغه.

ص: 40


1- المعتبر، ج2، ص626؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص427؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص549؛ وتحریر الأحکام، ج1، ص434؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص469؛ وفي ریاض المسائل، ج5، ص252؛ نفى وجدان الخلاف وظهور الإجماع؛ ومجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص297.
2- مدارك الأحکام، ج5، ص392.
3- جواهر الكلام، ج16، ص83.

اللّهمّ إلّا أن يقال بالتسامح العرفي في الحكم بوحدة الموضوع. لكنه ممنوع هنا. مضافاً إلى أنّ استصحاب عدم تعلّق الخمس به مقطوع بعلمنا بتعلّق الخمس حسب الأصل اللفظي.

والّذي يؤدّي النظر إليه أنّ المسألة لم تنقَّح حقّ التنقيح ولذا نعيد الكلام ونقول:

إن كان المراد من اعتبار النصاب في المعدن - على القول به - العفو عمّا لم يبلغ النصاب، فظاهر الإطلاقات وإن كان وجوب الخمس فيه مطلقاً، إلّا أنّ ظاهر ما يدلّ على النصاب العفو عمّا لم يبلغ النصاب، ومقتض-ى ذلك عدم وجوب الخمس فيه مطلقاً، لا بعنوان المعدن، ولا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح الكسب. وعلى هذا إذا شككنا في أنّ النصاب المعتبر كالعشرين أو دينار واحد هل يعتبر بلوغ المعدن إليه قبل استثناء مؤونة الإخراج والتصفية أو بعده؟ يرجع شكّنا إلى أنّ ما وقع العفو عنه هل هو فيما قبل المؤونة أو بعدها، فيكون الشكّ بين الأقلّ والأكثر، والأكثر ما لم يبلغ العشرين بعد المؤونة والأقلّ ما لم يبلغ قبل المؤونة، فاذا كان الدليل المقيِّد أي ما يدلّ على العفو - مجملاً القدر المتيقّن من المطلق وهو الأقلّ يقيّد وأمّا الزائد عليه أعني: ما لم يبلغ النصاب بعد إخراج المؤونة فيكون باقياً تحت المطلق الدالّ على وجوب الخمس وهو الحجّة في غيره ممّا يشمله المطلق والنتيجة اعتبار النصاب قبل إخراج المؤونة.

وأمّا إن قلنا بأن المراد من اعتبار النصاب هو: تأسيس الحكم، بأنّ الخمس

ص: 41

يجب في المعدن إذا بلغ النصاب، وأنّ ذلك ينافي وجوبه فيه ولو بعنوان آخر إذا كان خمساً. وإن قيل بعدم المنافاة فتكون فائدة جعل هذا النصاب الفرق بين جواز التأخير في المقدار الّذي لم يبلغ النصاب وعدم جوازه إذا بلغ النصاب.

وكيف كان، فإن قلنا بأنّ معنى اعتبار النصاب التأسيس وأنّ المفهوم منه عدم وجوب الخمس فيما دون النصاب فعند الشكّ في أنّ المعتبر هل هو بلوغ المعدن إلى النصاب قبل إخراج المؤونة أو بعده؟ فمقتضى الأصل عدم وجوب الخمس فيما دون النصاب مطلقاً أي قبل إخراج المؤونة أو بعده.

وإن قلنا بالتأسيس وأنّه لا ينافي تعلّق الخمس بالأقلّ الواقع تحت النصاب فلا معنی له حينئذ إلّا جواز التأخير في الأقلّ وعدم جوازه في الأكثر الّذي بلغ حدّ النصاب ويرجع إلى التأسيس في جواز التأخير في الأقلّ، كأرباح المكاسب. لا في الأكثر البالغ حدّ النصاب؛ لأنّه واقع تحت الإطلاقات الدالّة على الفور. اللّهمّ إلّا أن يقال بعدم دلالتها. وبناءً على دلالة الإطلاقات على عدم جواز التأخير، واستثناء ما دون النصاب منه يكون مقتضي الدليل اللفظي أيضاً جواز التأخير فيما دون النصاب قبل إخراج المؤونة.

وعلى القول بعدم دلالة المطلقات على الفور ودلالة ما يدلّ على النصاب على الفور إذا بلغ النصاب، فعند الشكّ في النصاب مقتضى الأصل عدم الفورية ما لم يبلغ حدّ النصاب بعد إخراج المؤونة.

وبالجملة: فالمسألة كأنّه غير منقّحة في كلماتهم.

والأقوى في النظر هو الوجه الأوّل، وعليه لا خمس في المعدن إذا كان أقلّ من

ص: 42

النصاب. وفي الشكّ فيما ذكر مقتضى الأصل اللفظي أي الإطلاقات وجوب الخمس، والله هو العالم.

الفرع الثالث:((1)) هل المعتبر في النصاب بناءً عليه، إخراج المعدندفعة واحدة فلا يشمله الحكم إذا أخرجه بالدفعات ولم تصل كل دفعة النصاب، أو يكفي وصول الجميع حدّ النصاب وإن تحقّقت الإعراض بين الدفعات؟

ربّما يقال بالتمسّك بإطلاق الدليل لصدق بلوغ ما أخرجه من المعدن حدّ النصاب.

ويمكن أن يقال: إنّ الّذي وقع تحت حكم ما وصل إلى حدّ النصاب أفراد الإخراج على حدّ العامّ الاستغراقي، لا على نحو العامّ المجموعي، فكلّ فرد ودفعة من دفعات الإخراج محكوم بوجوب الخمس، أو وجوب فورية الأداء إن بلغ حدّ النصاب، وبعدمه إن لم يبلغ حدّه.

نعم، لا تتحقّق الدفعة إلّا بتحقق الإعراض من الإخراج عرفاً، فالّذي مستمرّ على إخراج المعدن ويخرج منه في كلّ اُسبوع مثلاً مقداراً لا يمكن

ص: 43


1- انظر الفرع في منتهی المطلب، ج1، ص549؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص428؛ وتحریر الأحکام، ج1، ص434؛ واعتبر العلّامة في هذه الكتب عدم نية الإعراض؛ ووافقه القمي في غنائم الأيّام، ج4، ص293. وخالفه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج1، ص459، ونفى اشتراط زمان الإخراج واتّصال النيّة مطلقاً. والعاملي في مدارك الأحکام، ج5، ص367؛ والسبزواري في كفاية الأحكام، ج1، ص208 - 209؛ والبحراني في الحدائق الناضرة، ج12، ص331؛ وجواهر الکلام، ج16، ص20.

إخراجه إلّا في هذه المدّة ينضمّ ما يخرجه في الاُسبوع اللاحق بالاُسبوع الماضي، بل والشهر اللاحق بالشهر السابق، والله هو العالم.

الفرع الرابع: إذا اشترك إثنان أو أكثر في الإخراج فهل الملاك في موضوعية ما يخرج وصول سهم كل واحد من الشريكين أو الشركاء حدّ النصاب، أو يكفي بلوغ المجموع حدّه؟ ((1))

قد يقال بالثاني، لأنّ ظاهر مثل قوله في صحيح البزنطي المتقدم: «ما أخرج المعدن من قليل أو كثير...» كون الُمخرَج بالغاً حدّ النصاب، سواء كان المخرِج واحداً أو أكثر ولكن بالنظر إلى أنّ الحكم متوجّه إلى الأفراد يكون الظاهر بلوغ سهم كلّ واحد منهم حدّ النصاب، والله هو العالم.

الفرع الخامس: هل المعتبر في وجوب الخمس وحدة جنس الُمخرَج، أو يكفي بلوغه حدّ النصاب وإن كان من جنسين؟((2))

الظاهر عدم اعتبار الاتحاد، فيكفي بلوغ النصاب مطلقاً وإن كان المخرج من

ص: 44


1- ذهب جماعة إلى عدم كفاية بلوغ المجموع حدّ النصاب واعتبار بلوغ نصيب كل واحد إلى النصاب، منهم: الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج1، ص459؛ وجواهر الکلام، ج16، ص20. وذهب إلى كفاية بلوغ المجموع جماعة اُخرى، منهم: النراقي في مستند الشيعة، ج10، ص61؛ والشيخ الأنصاري في كتاب الخمس، ص129؛ والهمداني في مصباح الفقيه، ج14، ص35.
2- انظر الفرع في منتهى المطلب، ج1، ص549؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص428؛ وتحریر الأحکام، ج1، ص435؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص459؛ والدروس، ج1، ص261؛ ومدارك الأحکام، ج5، ص367؛ وجواهر الکلام، ج16، ص20؛ وغنائم الأيّام ج4، ص294؛ وكشف الغطاء، ج4، ص200.

أجناس متعدّدة إذا كان ذلك من مكان واحد. وأمّا إذا كان من أماكن متعدّدةٍ متباعدةٍ، ففيه وجهان.

ولكن يمكن تقوية القول بكفاية بلوغ الجميع بأن يقال: إنّه لا اعتبار بوحدة المكان، ألا ترى أنّه لو أخرج جنساً واحداً من أماكن متعدّدة يكفي بلوغ الجميع، فكذلك إذا كان مجموع ما أخرجه من أماكن متعدّدة من أجناس مختلفة. ومع ذلك الجزم بالفتوى مشكل، ومقتضى الأصل البراءة، والاحتياط لا ينبغي تركه.

الفرع السادس: لا إشكال في تعلّق الخمس بالمعدن مطلقاً،((1)) سواء حصل تحت اليد بالإخراج، أو بسبب آخر سماويّ أو أرضي، أو كون الُمخرج غاصباً، أو خرج بفعل حيوان، وسواء كان خارجاً من الأراضي المفتوحة عنوةً، أو من الأنفال، فكلّ من حاز المعدن قبل حيازته غيره حيازةً شرعيةً وقبل أداء خمسه يجب عليه أداء خمسه.

وهل يشمل الجميع ما دلّ على اعتبار النصاب، أو يكون ما دلّ عليه مختصّاً بما أخرجه الشخص بالمباشرة أو بالاستنابة وتوكيل الغير؟ فعلى الثاني يختلف الحكم إذا كان إخراجه بالمباشرة فيشمله العفو، أو جواز التأخير إذا لم يبلغ النصاب. وفي غيره لا يشمله العفو. وعلى القول بعدم العفو يجوز له التأخير مطلقاً، فتدبّر فإنّه يحتاج إلى التأمّل والتدقيق.

ص: 45


1- وعليه المشهور. وخالفهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص308؛ وحکی عنه الشيخ الأنصاري في کتاب الخمس، ص130؛ وخالفهم أيضاً كاشف الغطاء في كشف الغطاء، ج4، ص201؛ وحكى عنه جواهر الکلام، ج16، ص22.

التخميس من تراب المعدن

مسألة 6: قال في الجواهر: لا يجزي في الخمس إخراج خمس تراب المعدن مثلاً؛ لجواز اختلافه في الجوهر. أمّا لو علم التساوي أو الزيادة ففي المسالك والمدارك((1))إجزاؤه.

لكن قد يشكل بظهور ذيل صحيح زرارة((2)) السابق في أول البحث في تعلّق الخمس بعد التصفية وظهور الجوهر، بل قد يدّعى ظهور غيره في ذلك أيضاً، بل لعلّه المتعارفالمعهود، ولذا صرّح الاُستاذ في كشفه بعدم الإجزاء، فتأمّل.((3))

أقول: أمّا دعوى ظهور غيره، فهي مجرّد دعوى.

وأمّا المتعارف، فلعلّه كذلك في مقام التسليم والأداء.

وأمّا الصحيح فعن زرارة، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالِك ففيه - ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّی - الخمس».((4))

ص: 46


1- مدارك الأحكام، ج5، ص368.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص122؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح2، ج6، ص343.
3- جواهر الکلام، ج16، ص21. وذهب الشهيد (في البيان، الفرع الرابع من فروع المعدن) أيضاً إلى عدم الإجزاء مطلقاً. البیان، ص214.
4- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح3، ج6، ص343. راجع في المراد من قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ركاز»، ملاذ الأخيار، ج 6، ص340 - 341.

والإشكال على الإجزاء يأتي بناءً على كون المراد من الركاز المعادن الّتي لا يُحتاج في حصولها إلى التصفية وصرف المؤونة، فهي يتعلّق بها الخمس بمجرد إخراجها. والمراد من قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ما عالجته...» ما لا يحصل إلّا بالتصفية وصرف المال فيها.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ المراد منه أنّ الركاز يؤدّى الخمس منه بجميعه من دون استثناء شيء منه، وغيره الّذي عالجه بمالِه يؤدّى خمسه مصفّىً وبعد استثناء المال الّذي عالجه به.

وبعبارة اُخرى: لا يستفاد من الصحيح وجوب التصفية، كما لا يستفاد منه جواز التصرّف في جميعه قبل التصفية، بل هو مخيّر بين أداء ترابه بمقدار يعلم أنّه يحوي خمس ما فيه من المعدن، أو أداء خمس ما بقي منه بعد تصفيته.

والظاهر أنّ هذا هو المراد من الصحيح. قال العلّامة المجلسي(قدس سره): «والحاصل أنّه إذا كان في إخراجه مؤونة فالخمس بعد إخراج المؤونة، والله هو العالم».

استخراج المعدن من الأرض المملوكة

مسألة 7: لو كان المعدن في أرض مملوكة واستخرجه مالكه: فإن كان من المعادن الواقعة في سطح الأرض وظاهرها أو تحتها بحيث يعدّ في الملكية فهي تابعة لظاهرها لقدرة من يملكها على استخراجها بالمباشرة أو التسبيب. وبالجملة: يعتبره العرف ملكاً له ويبذل بإزائه المال فلاريب في أنّه لمالكه لا يملكه غيره إن استخرجه بغير إذنه ولو بالنقب من أرضه إلى أرضه.

ص: 47

وأمّا إذا كان في أعماق الأرض الّتي ربّما تبلغ الفرسخ أو الفرسخين، فهل تُلحق الطبقات السافلة جداً بالطبقة العالية فلا يجوز استخراجه لغير مالك الطبقة العالية ولو من غير تصرف في الطبقة العالية، أو لا يعتبر هذا ملكاً لمالك الطبقة العالية، فيجوز للغير استخراج المعدن منها، كما يجوز له استطراقه من تحت الأرض، كما يجوز استطراق فضائها إذا كان في الطبقات العليا بالطائرة ونحوها، فليس لمالك الأرض المنع من استطراق فضائها، اللّهمّ إلّا أن يكون موجباً لضرر مالك الأرض؟

الظاهر الثاني، فيملكه إمّا بالإحياء أو بالحيازة، ويؤدّي خمسه.

وإن أخرجه من نفس الأرض المملوكة قهراً على مالكها فهل يملكه، أو يكون لمالك الأرض؟ فيه وجهان.

ويمكن أن يقال: إنّ مبنى ملكية الأرض للأشخاص هو الإحياء، وما يتملّك به عرفاً هو الأرض وطبقاتها القريبة إلى سطحها دون الطبقات السافلة.

وممّا ذُكر يظهر حكم استخراج المعدن من الأرض الموات، فيملكه مستخرجه مطلقاً.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ما دلّ على الإذن للإحياء لا يشمل المعادن الكبيرة العميقة إذا أراد المستخرج استخراج مقدارٍ معتدٍّ به على نحو يوجب الضيق على العامّة، فلا بدّ من إذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، فيه.

وخلاصة الكلام: إنّ المعدن إذا كان في الملك الشخص-ي فإن أخرجه مالكه وكان في الطبقات القريبة إلى سطح الأرض حكمه حكم الطبقة الأولى وما يتبع

ص: 48

ملكيته. وإن كان في الطبقات البعيده كآبار النفط العميقة جدّاً فهو وإن لم يعدَّ تابعاً للطبقات العالية ولا يعدّ في العرف ملكاً لمالك الأرض، إلّا أنّه إذا استخرجه فإنّه يملكه بالحيازة.

وإن أخرجه غير مالكه قهراً عليه، فإن أخرج المعدن الواقع في الطبقات القريبة فلا يملكه، وهو ملك مالكه يؤدّي خمسه من غير احتساب مؤونة الإخراج، سواء كان استخراج الغير له بالتصرّف في سطح أرضه أو بالتنقيب من تحت الأرض. وإن كان في الطبقاتالعميقة، فإن أخرجه بالنقب من ملكه الشخصي إلى ملك الغير فهو يملكه بالحيازة، بل وإن أخرجه بالتصرّف في أرض مملوكة للغير، فهو وإن كان آثماً بفعله ويكون ضامناً لمالك الأرض بإضراره عليه بتخريب ملكه مثلاً، إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّه أيضاً يملك المعدن الّذي أخرجه.

وإذا كان في الأرض الموات والأراضي المفتوحة عنوةً فيملكه إمّا بالإحياء أو بالحيازة. وكيف كان فيجب أداء خمسه في جميع الصور.

تنبيه: يمكن أن يقال: إنّ أمر استخراج المعادن الكبيرة الكامنة في الآبار العميقة كالنفط وغيره ممّا يكون محلّا ًلحاجة العامّة، ويدور مداره قوام اُمورهم يكون بيد الحاكم الشرعي إذا كان الُمخرَج منها زائداً على المتعارف الشخصي.

وبالجملة: إذا كان المعدن مثل ما ذكر، الناظر عليه الحاكم الش-رعي حتى لا يقع باستخراجه ما يضرّ بالمصالح العامّة والسياسات الاقتصادية وغيرها. وبعد ذلك كلّه فهذه المسائل تحتاج إلى مزيد من التأمّل والبحث، والله هو العالم.

ص: 49

خمس المعدن بعد زيادة قيمته بالعمل عليه

مسألة 8: قال في العروة: إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته، كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حليّاً، أو كان مثل الياقوت والعقيق فحكّه فصّاً مثلاً اعتبر في الإخراج خمس مادّته، فيقوَّم حينئذ سبيكةً أو غير محكوك مثلاً ويخرج خمسه. انتهى.

وفي الجواهر:((1)) اعتبر في الأصل الّذي هو المادّة الخمس، وفي الزائد حكم المكاسب، فيقوَّم حينئذ سبيكةً ويخرج خمسه، كما هو واضح. وبه صرّح في المسالك((2)) والمدارك((3)) ولكن أشكل على ذلك بعض الأعلام من المعاصرين: بأنّ الهيئة من حيث هي لا مالية لها، وإنّما تزيد في قيمة المادّة، فالمادّة هي الّتي تختلف قيمتها سبيكة ومتلبّسة بهيئة كذائية، كما تختلف قيمتها متل-بّسة بالهيئة حسب اختلاف الهيئات، فلايجوز شركة شخصين في مال بأن يكون لأحدهما الهيئة وللآخر المادّة، كما لا يجوز بيع المادّة دون الهيئة، وبالعكس. ولو أمكن التفكيك بينهما في الملكية استحقّ الغاصب قيمة ما أحدثه في العين من الهيئة.

ص: 50


1- جواهر الکلام، ج16، ص21.
2- مسالك الأفهام، ج1، ص459.
3- مدارك الأحکام، ج5، ص368؛ وكذالك الشهيد في البيان، الفرع الرابع من فروع المعدن، ص214؛ والبحراني في الحدائق الناضرة، ج12، ص331؛ والقمي في غنائم الأيّام، ج4، ص296؛ والعراقي في شرح تبصرة المتعلمین، ج3، ص65.

وعلى ذلك لا يتّجه الحكم بأنّ الصفة الموحّدة فيه بتمامها لموجدها دون مادّتها، فإنّ منها له أربعة أخماسها، والخمس الواحد لأرباب الخمس.

نعم، هذا على القول بتعلّق الخمس بالعين، وبحيث تكون العين الخارجية بخصوصياته الشخصية مشتركة بين المالك ومستحقّ الخمس على سبيل الإشاعة.

وأمّا بناءً على تعلّق الخمس بمالية العين وأنّ شخصيتها للمالك من غير أن يشارك فيها أحد فلا جرم تقوَّم مالية العين في زمان تعلّق الخمس وحدوثه، ويملك المستحقّ الخمس من هذه المالية. ومن البيِّن أنّ ه-ذه المالي-ة - أي مالية العين في زمان التعلّق - الّتي هي متعلّق الخمس لم تزدد ولم تغيّر بإحداث الهيئة. نعم إن زادت قيمتها السوقية قبل الأداء تجب ملاحظتها. وبالجملة: على ذلك يوجّه ما بنى عليه الجواهر والمسالك والمدارك، وتبعهم العروة.

ثم قال في العروة: وكذا لو اتّجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناوياً الإخراج من مال آخر ثم أدّاه من مال آخر. وأمّا إذا اتّجر به من غير نية الإخراج من غيره فالظاهر أنّ الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس.((1))

وفي الجواهر: «وقد يشكل بأنّ المتّجه وجوب الخمس في الثمن أيضاً بناءً على تعلّق الخمس بالعين، وعلى تعلّق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه، كما صرّح به في التذكرة والمنتهى، ((2))مستشهداً له في الأخير بما رواه الجمهور - بل والشيعة

ص: 51


1- العروة الوثقی، ج4، ص244 - 245.
2- انظر المسألة في منتهى المطلب، ج1، ص546؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص413؛ والدروس، ج1، ص261؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص459.

وإن كان بتفاوت يسير بينهما لكنّه غير قادح - عن أبي الحرث المزني: أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة مُتْبع، فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البايع: رُدّ عليّ البيع، فقال: لا أفعل، فقال: لآتينّ عل-يّاً(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فلاسعينّ بك، فأتى عليّ بن أبي طالب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، فقال: إنّ أبا الحرث أصاب معدناً، فأتاه عليّ(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). فقال: «أين الركاز الّذي أصبت»؟قال: ما أصبت ركازاً، إنّما أصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع، فقال عليّ(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ما أرى الخمس إلّا عليك».((1))

وكأنّه؛ فهم البايع من الضمير، وهو كذلك لما في المرويّ في الكافي والتهذيب من نقل هذه أنّه قال أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) لصاحب الركاز: «إنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الّذي وجدت الركاز، وليس على الآخر شيء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه».((2))

ويدفع بأنّه وإن كان متعلّقاً بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه، لكنّ له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر، فيتّجه حينئذ تعلّق الوجوب بالأصل خاصّة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة أيضاً، معلّلاً له بأنّ الخمس تعلّق بالعين، لا بالثمن.((3)) نعم يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه، هذا.((4))

ص: 52


1- الکافي، ج5، ص315 - 316؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب6، ح 1، ج6، ص346 - 347.
2- رواه ابوعبيدة في الأموال، ص 335 - 336.
3- قال في تذکرة الفقهاء: «ويجب خمس المعدن لا خمس الثمن، لأنّ الخمس تعلّق بعين المعدن لا بقيته». تذکرة الفقهاء، ج5،ص413؛ ومثله في منتهی المطلب، ج1،ص546.
4- جواهر الكلام، ج16، ص21 - 22.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ الحكم يختلف حسب المباني: فعلى القول بتعلّقه بالعين على نحو الإشاعة والاشتراك بين المالك وأرباب الخمس فالبيع بالنسبة إلى خمس الجميع أو خمس مقدار منه قبل إخراج خمسه من غيره يكون فضولياً بالنسبة إلى خمسه، فإن أمضاه وليّ الخمس يقع له ويكون ثمنه له، ويحتمل وقوعه للمخرِج ووجوب ردّ قيمته أو ردّ ثمنه إلى وليّ الخمس؛ لأنه جاز له بيعه وله ضمانه فلا يكون فضولياً، والأوجه الثاني.

وأمّا على القول بتعلّق الخمس بالعين على نحو الكلّي في المعيَّن فيصحّ من المخرِج البيع منه ما بقي منه الخمس، وإن باع الجميع فحكم بيع خمسه حكم بيع الخمس في الصورة الأوّلى.

وأمّا اعتبار ن-يّة الإخراج من غيره في جواز البيع فوجهه: أنّ للمخرج إخراج الخمس من غيره، فيجوز له بيعه أخرجه قبل البيع أو بعده إذا كان ناوياً لإخراجه، دون ما إذا لم ينوِهِ، والقدر المتيقّن ما إذا أخرجه قبل البيع وهو مقتضى الأصل.

وأمّا إذا كان المبنى تعلّق الخمس بمالية العين لا بشخصهوخصوصياته، فالظاهر أنّه يجوز له بيع الجميع وأداء خمس العين. نعم، إذا لم يكن ناوياً لأدائها يتوقف تمامية البيع على الأداء أو نيّته. هذا كلّه على مقتضى القاعدة.

أمّا على ما يستفاد من الخبر المذكور، فالظاهر صحّة البيع مطلقاً. وأمّا وجوب أداء خمس الثمن أو خمس المثمن فلا يستفاد من الرواية، هذا مضافاً إلى ضعف سنده. والله هو العالم.

ص: 53

فإن قلت: ما ذكر كلّه إنّما يتمّ إذا كان للبايع الولاية على بيع سهم أرباب الخمس.

قلت: هذا لازم القول بجواز أداء الخمس من غيره.

اللّهمّ إلّا أن يمنع هذا اللزوم ويقال: إنّ جواز التصرّف في الخمس يكون بعد أداء عوضه من مال آخر، أو خصوص الأثمان، وعلى هذا يتوقّف نفوذ بيعه قبل أداء عوضه على إمضاء وليّ الخمس، أو أداء عوضه على القول بتعلّقه بالمالية وعلى تفصيل مرّ بيانه. والله هو العالم.

استيجار الغير لإخراج المعدن

مسألة 9: قال في العروة: يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن، فيملكه المستأجر، وإن قصد الأجير تملّكه لم يملكه.((1))

أقول: أمّا استيجار الغير لإخراج المعدن من الأرض المملوكة، فلا ريب في جوازه، فهو ملك مالك المعدن، سواء قصد الأجير كونه ملكاً لمالك المعدن، أو لم يقصده، بل وإن قصد الخلاف.((2))

وأمّا الاستيجار لإخراج المعدن من الأرض الموات حتى يصير تحت يد المستأجر يستولي هو عليه، فالظاهر أنّه يجوز.

ص: 54


1- العروة الوثقی، ج4، ص243.
2- هكذا قال به الشهيد في البيان، الفرع الأوّل من مبحث الخمس، ص214؛ وذهب إليه القمي في غنائم الأيّام ج4، ص296.

وإذا كانت الإجارة للإخراج الشخصي فهل لو استولى المخرِج بنفسه عليه يملكه ويكون ضامناً للمستأجر اُجرة مثله وإن كان آثماً بفعله، أو لا يملكه؟ الظاهر هو الأوّل، فإنّ ما أخرجه لا يخرج بمجرّد الإخراج عن المباحات، فيملكه هو بالحيازة كغيره، بل ولا إثم عليه، كما أنّ شخصاً ثالثاً غيرهما يملكه بالحيازة إن حازه قبلهما. وعلى هذا لا يصحّ ما أفاده في العروة بقوله: وإن قصد الأجير...

هذا إذا لم نقل: إنّ المخرِج بمجرد الإخراج يملك المخرَج، وإلّا فلا فائدة في الإجارة للإخراج. إلّا أن يقال: لا يعتبر في الإجارة دخول فائدة على المستأجر، بل يكفي مجرد حصول غرض خاصٍّ له، كأن يكون لتخلية المعدن عمّا فيه فائدة تعود إلى الناس أو إلى المستأجر.

وأمّا إذا كان متعلّق الإجارة حيازة المعدن ليكون ما يحوزه الأجير ملكاً للمستأجر فقد يورد عليه: بأنّ الحيازة سبب قهري لملكية الحائز المباشر، سواء قصد التملّك أو لم يقصد، أو قصد تملّكه للغير.

ويُستفاد من حاشية سيدنا الأستاذ الأعظم(قدس سره) على العروة: أنّ عدم جواز الاستيجار على الحيازة مقتضى الأصل.

وقال ردّاً على ما أفاده صاحب العروة في مسألة تأثير نية الأجير كونه لنفسه وعدمه: إنّ المسألة مبنيّة على أنّ الحيازة من الأسباب القهرية لتملّك الحائز ولو قصد الغير، ولازمه عدم صحّة الاستيجار لها، أو يعتبر فيها نية التملّك ودائرة

ص: 55

مدارها ولازمه صحّة الإجارة وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجيراً للغير، وكونه لغيره إذا قصده له.

فقال: بل مبنيّة على أنّ الحيازة هل هي إخراج المباح عن تساوي الناس فيه بإدخاله تحت استيلاء نفسه ولو بفعل غيره، أو يتحقق أيضاً باستيلاء غيره عليه بتسبيب منه ؟ فعلى الأوّل لا تصحّ الإجارة عليها وإن صحّت على مقدّماتها كما مرّ. وعلى الثاني تصحّ.

وعلى تقدير الصحّة فهل استحقاق المستأجر عمل الأجير أو منفعته يجعل استيلاءه استيلاء المستأجر مطلقاً، أو فيما إذا لم ينوِ الأجير خلافه، أو لا ينص-رف إليه إلّا بنية كونه له (أو عنه)، أو أداء ما استؤجر عليه؟ وجوه، أظهرها الأخير.

وأمّا اعتبار نيّة الملك في حصول الملك بالحيازة وعدمه فأجنبيّ عن ذلك. هذا ما أفاده في كتاب الإجارة.

وقال(قدس سره) في حواشيه على كتاب الخمس ذيل قوله: «وإن قصد الأجير تملّكه لم يملكه»: «إن كان المستأجر مالكاً للأرض أو له حقّ اختصاص بها، أو كان الأجير قصد بالعمل تسليم ما استحقّه منه إليه، وإلّا كان الحكم بعدم ملكه محلّ نظر».

أقول: يمكن أن يقال: إنّ الحيازة ليست إلّا استيلاء الشخص على المالالمباح، فإن كان ذلك سبباً لملكية من استولى عليه قهراً وبلا حاجة إلى قصد التملّك فلاتصحّ فيها الإجارة على أن تكون لغيره وسبباً لملكيته. وإن كان تملّكه لا تتحصّل إلّا بنيّة المستولي عليه، أو من كان مالكاً لاستيلائه عليه بالاستيجار،

ص: 56

فالأجير الّذي صار عمله - أي استيلاؤه على الم-ال - ملكاً للغير لا يملكه إن قصده لنفسه؛ لأنّ الاستيلاء عليه - بمعنى المصدري وبمعنى اسم المصدر - تبعاً للأوّل ملك للمستأجر.

نعم، هذا إذا كانت الإجارة واقعةً على الاستيلاء الشخصي، وإلّا إن كان على الاستيلاء الكلّي فالأجير مديون للمستأجر ويؤدّي دينه بفردٍ ما منه.

ص: 57

ص: 58

الفصل الثالث ممّا يجب فيه الخمس الكنز

اشارة

ص: 59

ص: 60

لا خلاف((1)) بين الفريقين في وجوب ضريبة فيه، كما أفاد سيدنا الأستاذ الاعظم(قدس سره)، وإن كان وقع الاختلاف بينهما في وجه وجوبه، فعند العامّة وجوبه على وجه الزكاة، وعند الخاصّة على وجه الخمس.

ولا يخفى أنّ الروايات الواردة تكون في مقام بيان الخمس على واجده بعد مفروغية كونه ملكاً لواجده، بحيث لو لم يكن حكم الشارع بوجوب الخمس فيه لكان تمامه ملكاً لواجده، فعلى هذا نقول: إنّ الكنز يكون ملكاً لواجده ويجب عليه أداء خمسه.

نعم، إذا علم أنّه لمالك معلوم أو مجهول لا يملكه الواجد. والآن نذكر بعض الروايات تيمّناً:

فمنها: صحيح الحلبي، أنّه سأل أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الكنز كم فيه؟ فقال: «الخمس».((2))

ص: 61


1- كما في الخلاف، كتاب الزكاة، المسألة 6، ج2، ص121؛ والمعتبر، أوائل كتاب الخمس، ج2، ص620؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص413؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص546؛ومدارك الأحکام، ج5، ص369؛ والحدائق الناضرة، ج12، ص332.
2- الکافي، ج1، ص546؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص40؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص121؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب5، ح1، ج6، ص345.

وصحيح ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز...». الحديث.((1))

وما رواه عمّار بن مروان قال: «سمعت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقول: فيما يخرج من المعادن و... والكنوز، الخمس».((2))

والظاهر أنّه من قسم الصحيح، واحتمال كون عمّار بن مروان اليشكري والكلبي واحداً قريب، فلا يكون مشتركاً بين اليشكري الثقة والكلبي المجهول. ورواية الحسن بن محبوب عنه - وهو من السادسة - كما يمكن أن يكون بواسطة أبي أيّوب كذلك يمكن أن يكون بلا واسطة، فإنّ أبا أيّوب من الخامسة، والظاهر أنّ عمّار كان من كبار الخامسة؛لرواية جمعٍ من السادسة عنه.

وكيف كان فلا ريب في الحكم من حيث دلالة هذه الروايات عليه، مضافاً إلى الروايات الّتي تدلّ عليه بالعموم. هذا كلّه بحسب الحكم.

وأمّا الكلام في المراد من الكنز، فالظاهر أنّه: المال المحفوظ على وضع يكون بعيداً عن تناول الأيدي بحسب المتعارف، سواء كان مدفوناً في الأرض، أو مجعولاً في الجدار، ((3))أو في الجبال بل والأشجار. وظاهره اعتبار القصد في

ص: 62


1- الخصال، ص291؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح7، ج6، ص344.
2- الخصال، ص290؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح 6، ج6، ص343.
3- قال العلّامة أيضاً بشمول لفظ الكنز للمستور في الجدران ونحوها في تذکرة الفقهاء، ج5، ص414؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص546؛ وكذلك العراقي في شرح تبص-رة المتعلمین، ج3، ص81؛ والسيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص467 - 468.

ذلك.((1)) ولكن لا يبعد إلحاق ما يوجد في الأماكن الخربة بالزلازل إن لم تكن من دار الإسلام.

صدق الكنز على أعمّ من النقدين

ثم إنّ الظاهر من كلمات الفقهاء((2)) وأرباب اللغة((3)) صدق الكنز على أعمّ من النقدَين وجنسيهما ومن غيرهما، مثل الجواهر والأحجار الثمينة.

نعم، الظاهر عدم صدقه على ما يوجد في الأراضي الّتي كانت معمورة ثم خربت لجلاء أهلها عنها أو لأسباب اُخرى، من الظروف والآلات فله حكمه الخاصّ..

ص: 63


1- كما ذهب إليه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج1، ص459 - 460؛ والروضة البهیة، ج2، ص68؛ والقمي في غنائم الأيّام، ج4، ص297. ويؤيده بعض كتب اللغة نحو مجمع البحرين، ج4، ص32 (مادّة: كنز) بقوله: «أصل الكنز المال المدفون لعاقبة ما، ثم اتّسع فيه، فيقال لكل قَنيْة يتخذها الإنسان كنز»؛ حيث كلمة «لعاقبة ما» يدل على ذلك.
2- راجع الاقتصاد، ص283؛ والوسيلة، كتاب الخمس، ص136؛ وشرائع الإسلام، كتاب الخمس، الفصل الأوّل، ج1، ص133؛ والمهذب، ج1، ص177 - 178؛ وتحریر الأحکام، ج1، ص347؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص547؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص413 - 414؛ والبيان، ص215؛ والدروس، ج1، ص260. وقد تضاربت الآراء في المسألة، فقالوا في غير المصادر المذكورة بالاختصاص، نحو: النهاية، ص198؛ والمبسوط، ج1، ص236؛ قال فيه باختصاصه بالذهب والفضّة أعمّ من النقدين؛ والجمل والعقود، ص104؛ والرسائل العش-ر، ص207؛ والس-رائر، ج1، ص486؛ والجامع للشرائع، ص148؛ وكشف الغطاء، ج4، ص201؛ ومستند الشيعة، ج10، ص28.
3- عرفوه بالمال المدفون ونحو ذلك بما هو أعمّ من النقدين والذهب والفضّة. راجع: مقاييس اللغة، ج5، ص141؛ ولسان العرب، ج5، ص402؛ والنهاية، ج4، ص203؛ والقاموس المحيط، ج2، ص189؛ ومجمع البحرين، ج4، ص32 (مادة: كنز).

وربّما يقال بدلالة صحيح البزنطي على تخصيص الحكم بوجوب الخمس في الكنز بالنقدين، وهو: عن مولانا الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».((1))

وحكى في الجواهر عن اُستاذه في كشف الغطاء: أنّ الظاهر تخصيص الحكم بهما، وغيره يتبع حكم اللقطة. قال: بل لعلّه ظاهر السرائر.((2)) انتهى.

ووجه دلالة الصحيحة على التخصيص المذكور: ظهور السؤال الواقعفيها عن الجنس والماهية،((3)) لا المقدار والكمّيّة. وكذا ظهور قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في الجواب: «ما يجب الزكاة في مثله» فإنّ المثلية ظاهرة في الجنس، وإلّا لقال: في مقداره.

ولكن فيه أوّلاً: أنّه قد حكي اتّفاقهم على إرادة المقدار منه، كما عن الرياض.((4)) ويؤيّد ذلك: ما رواه المفيد في المقنعة، قال: «سئل الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن مقدار الكنز الّذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، وما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه».((5))

فإنّ الظاهر أنّه هو صحيح البزنطي، رواه بمضمونه.

وثانياً: قد أفاد سيّدنا الاُستاذ الأعظم(قدس سره): أنّ البزنطي - وهو من أجلّاء الطبقة

ص: 64


1- من لا یحضره الفقیه، ج2، ص40؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب5، ح2 و6، ج6، ص345 - 346.
2- جواهر الكلام، ج16 ، ص25 - 26؛ السرائر، ج1، ص486.
3- صرّح به في جواهر الکلام، ج16، ص26.
4- رياض المسائل، كتاب الخمس، ج5، ص249.
5- المقنعه، ص283؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب5، ح6، ج6، ص346.

السادسة، ومن أرباب الجوامع الأوّلية، وليس من الرواة فقط، بل من علمائهم، ومن أصحاب الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يروي عنه بلا واسطة، وعن الباقرين (عَلَيْهَما السَّلاَمُ) أيضاً بواسطة مشايخه - قد روى رواية اُخرى، قال:

«سألت أبا الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً».((1))

والظاهر أنّ المسؤول أيضاً هو الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).((2)) بل ربّما يظنّ أنّ السؤال عن المسألتين وقع في مجلس واحد، ولا ريب في أنّ السؤال عن المعدن متعلّق بالمقدار، فيقرب به إلى الذهن بل يطمئنّ منه أنّ السؤال عن الكنز أيضاً كان عن المقدار.

أقول: ما ذكره(رحمه الله) كأنّه لا يكفي لرفع اليد عن ظاهر الصحيح الأوّل على القول بظهوره في النوع والجنس. ولو قلنا بكونه وما رواه المفيد واحداً وأنّ المفيد حمل الرواية على الكمّية، فهو معارض بما حكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل، وعن السرائر والجامع.((3))

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ التعبير بالمثل يدلّ على إرادة الكمّية، إذ لو كان المراد الجنس لكان يحذف قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «في مثله» ولقال: ما يجب الزكاة فيه(أي النقدين) فيه الخمس. .

ص: 65


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب4، ح1، ج6، ص344.
2- بل الظاهر أنّه لا ريب في ذلك؛ لتصريح الفقيه بلقبه (عَلَيْهَ السَّلاَمُ).
3- النهاية ، ص184؛ المبسوط، ج1، ص236؛ الجمل والعقود، ص104؛ الس-رائر، ج1 ، ص486؛ الجامع للشرائع ، ص148.

ويؤيّد ذلك: التعبير بالمثل في الصحيح الثاني لبيان المقدار، حيث قال فيه: «حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً».

وأمّا استبعاد((1)) كون مثل البزنطي غير عارف بثبوت الخمس في الكنز فهو أيضاً ممّا لا نقبل منه.

فإنّه أوّلاً: لم يكن جاهلا بأصل ثبوت الخمس في الكنز، بل سأل عن نوع ما يجب فيه.

وثانیاً: أنّ هذا الاستبعاد لو جاء فإنّه يجيء في الصحيح الآخر أيضاً.

وأمّا ما في الجواهر((2)) في بيان الوجه لكون المراد الجنس من صحّة سلب الكنز عن غير النقدين، فهو محلّ المنع، بل مقتضى العرف واللغة صحّة حمله.

وأمّا تمسّكه بالأصل،((3)) فهو على القول بكون المراد من الصحيح الكمّ يكون مقطوعاً بالإطلاقات الدالّة على وجوب الخمس في الكنز.

ثم إنّ هنا احتمالاً ثالثاً أفاده السيّد الاُستاذ - أعلى الله درجته - وهو: أنّ السؤال يكون عن الجنس والمالية معاً، فإنّ عبارة السؤال مطلق يشمل نوع ما یجب فيه الخمس ومقداره، ولا وجه لاختصاصه بالنوع أو المقدار. وكذلك الجواب «ما يجب الزكاة في مثله - نوعاً ومقداراً - ففيه الخمس.

ص: 66


1- ذكره الشيخ الحائري في کتاب الخمس، ص102.
2- جواهر الکلام، ج16، ص26.
3- جواهر الکلام، ج16، ص26؛ وكذا في مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص468. وهو أصالة البراءة عن تعلّق الخمس بغيرهما.

وأفاد(قدس سره): بأنّا لو أغمضنا النظر عن أنّ المراد منه المالية والمقدار وجب حمل الصحيح على هذا الاحتمال. وأمّا احتمال كون المراد الجنس، فساقط جدّاً. انتهى.

نصاب الكنز

مسألة 10: الظاهر أنّه لا خلاف بين فقهائنا في اعتبار النصاب في الكنز.

قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه وإن أطلق بعض القدماء. بل في الخلاف والغنية((1)) والسرائر وظاهر التذكرةوالمنتهى والمدارك الإجماع عليه، بل في معقد الأربعة المتأخرة: أنّه عشرون ديناراً، كما أنّ في معقد الأوّل بلوغ نصاب يجب في مثله الزكاة».((2))

أقول: مقتضى إطلاق الآية والروايات - إلّا صحيح البزنطي ومرسل المقنعة بناءً على كونه غير الصحيح - عدم اعتبار النصاب فيه. وكأنّ العلماء بنوا في اعتبار النصاب على صحيح البزنطي، إمّا بناءً على دلالته بالإطلاق على النصاب كما يدلّ على الجنس، أو بناءً على أنّ المراد منه هو خصوص اعتبار النصاب بقرينة مثل مرسل المقنعة وروايات باب المعدن. فعلى هذا إن قلنا بكفاية ذلك في الجزم بالحكم فهو، وإلّا لو بنينا على أنّ المراد من الصحيح بيان جنس ما یجب فيه الخمس من الكنز فنبقى نحن ومرسل المفيد، والاحتجاج به ساقط، أوّلاً :

ص: 67


1- غنية النزوع، ص129.
2- جواهر الکلام، ج16، ص26.

لإرساله، وثانياً: لأنّ الظاهر أنّه هو الصحيح نقل بالمضمون بحمله على إرادة الكمّية منه. وإذن لابدّ من القول بعدم اعتبار النصاب، كما هو موافق للاحتياط.

ثم إنّه بناءً على الأخذ بالصحيح بأنّ المراد منه بيان الكمّية والمالية فظاهر قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ما یجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» أنّه إذا بلغ من حيث المالية كمّية يجب فيها الزكاة - وهي عشرون ديناراً أو مئتا درهم - يجب فيه الخمس، وعلى ذلك يكون المعيار ما بلغ به أوّلاً، أي أقلّهما مالية، فإن كان العشرون هو الأقل فيجب فيه الخمس ببلوغه إليه وإن كان الأقلّ مئتي درهم فهو المعيار.

نعم، قد يشكل على ذلك فيما إذا كان من أحد النقدين وبلغ ما يجب فيه الخمس من الآخر، بأن يكون مثلاً من حيث الكمّية عش-رة دنانير ومن حيث المالية مساوياً لمئتي درهم أو أزيد. فيمكن أن يقال: إنّ ذلك قرينة على أنّ المراد من الصحيح تعيين نصاب الخمس في النقدين، وإنّه لا یجب الخمس في غيرها، ولعلّ لذلك نرى في معقد إجماع السرائر والتذكرة والمنتهى والمدارك الاقتصار على كونه عشرين ديناراً. ولعلّه الأصل في اعتبار نصاب الفضّة، وعليه يلزم وجوب الخمس فيما بلغ الكنز من الفضّة عشرين ديناراً، ولو لم يبلغ نصابها في الزكاة.

وبالجملة: يستقيم مدلول قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ما یجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» بناءً على كون وجوب الخمس في الكنز مختصّاً بالنقدين. إلّا أنّاستظهار أحد هذه الوجوه من الصحيح صعب جدّاً. والقدر المتيقّن وجوب الخمس في النقدين إذا بلغ كلّ منهما قدر ما یجب فيه الزكاة - في الدينار العشرين وفي الدرهم مأتي درهم

ص: 68

- وكانا متساويَين في المالية، وإلّا فمقتضى الأصل في سائر الصور عدم الوجوب فع-لاً، وجواز صرفه في المؤونة قبل مضيِّ السنة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الأصل اللفظي وجوب الخمس في الكنز وإن لم يبلغ ما يجب فيه الزكاة، والتحديد بالنصاب يدلّ على العفو عن الأقلّ منه، فإذن القدر المتيقن ممّا عفي عن أصل وجوب أدائه أو فوريته هو ما لا يبلغ أحد النصابين، وفي غيره فمقضى الأصل وجوبه، سواء كان من النقدين أو غيرهما، وعلى ذلك فلا يترك الاحتياط في مقام الأخذ بالصحيح، واعتبار النصاب في الجملة والعمل بالأصل، فتدّبر.

أقسام الكنز

مسألة 11: قد عرفت أنّ الخمس إنّما يجب في كنز لولا تعلّق الخمس به يكون كلّه ملكاً لواجده، إلّا أنّه قد ذكروا هنا استطراداً تفاصيل ما يكون منه ملكاً للشخص، وما ليس كذلك باعتبار كونه في دار الحرب أو في دار الإسلام، ووجود أثر الإسلام عليه وعدمه. فنذكر مقتفين بسيّدنا الاُستاذ(قدس سره) كلام شيخنا الأجّل الأعظم الطوسي(قدس سره) في المبسوط، قال في فصل ذكر ما يجب فيه الخمس:

«و يجب أيضاً في الكنوز الّتي توجد في دار الحرب من الذهب والفضّة والدراهم والدنانير، سواء كان عليه أثر الإسلام، أو لم يكن عليها أثر الإسلام. فأمّا الكنوز الّتي توجد في بلاد الإسلام فإن وجدت في ملك الإنسان وجب أن يعرِّف أهله، فإن عرفه كان له، وإن لم يعرفه، أو وجدت في أرض لا مالك لها،

ص: 69

فهي على ضربين: فإن كان عليها أثر الإسلام مثل أن يكون عليها سكّة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء، وسنذكر حكمها في كتاب اللقطة. وإن لم يكن عليها أثر الإسلام، أو كانت عليها أثر الجاهليّة من الصور المجسّمة وغير ذلك فإنّه يخرج منها الخمس، وكان الباقي لمن وجدها».((1))والمستفاد من كلامه فروع:

الأوّل: اختصاص وجوب الخمس في الكنز بكنوز الذهب والفضّة والدراهم والدنانير، وقد عرفت الكلام فيه.

الثاني: أنّ ما يوجد في دار الحرب فهو لواجده وفيه الخمس، سواء كان عليه أثر الإسلام((2)) أو لم يكن عليه أثر الإسلام. وإطلاقه يشمله وإن كان ملكاً لشخص خاصٍّ غير محترم المال. وهذا أيضاً ثابت بإطلاق الروايات، وعليه الإجماع.((3))

الثالث: أنّ ما يوجد في بلاد الإسلام: إن وجد في ملك شخص وجب عليه أن يعرِّف أهله، فإن عرفه - أي عرف أهله ما وجد - فهو له، وإن لم يعرفه أو

ص: 70


1- المبسوط، كتاب الزكاة، فصل في ذكر ما یجب فيه الخمس، ج1، ص236. انظرأيضاً الخلاف، ج2، ص122، مسألة، 148و149؛ والمهذّب، باب الخمس وأحكامه، باب في ذكر ما یجب الخمس فيه، ج1، ص177 - 178.
2- والمراد من أثر الإسلام أن تكون عليه آية من قرآن أو اسم النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أو أحد ولاة الإسلام أو غير ذلك من علامة الإسلام.
3- غنیة النزوع، ج1، ص129 - 130؛ وغنائم الأيّام، ج4، ص299؛ ومجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص303.

وجد في أرض لا مالك لها: فإن كان عليه أثر الإسلام مثل أن يكون عليه سكّة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة((1)) وإن لم يكن عليه أثر الإسلام، أو كان عليه أثر الجاهلية من الصور المجسّمة وغير ذلك فيجب فيه إخراج خمسه والباقي لواجده. وتفصيل ذلك: أنّه يتفرّع على ما إذا وجد الكنز في دار الإسلام فروع:

الأوّل: أنّه إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، أو كان عليه أثر الجاهلية ولم يكن في ملك شخص، كما إذا كان في أراضي الموات ففيه يجب إخراج خمسه، والباقي لواجده.((2))

ص: 71


1- ذهبوا إليه في الكتب التاليه: المهذّب، باب الخمس وأحكامه، ج1، ص178؛ والمبسوط، ج1، ص236؛ والشافعي كما في المجموع، ج6، ص98؛ وفتح العزيز، ج6، ص105؛ وشرائع الإسلام، بداية كتاب الخمس؛ والجامع للشرائع، كتاب الزكاة، باب الخمس، ص149؛ ومختلف الشیعة، ج3، ص321؛ وقواعد الأحکام، ج1، ص362؛ والبيان، الشرط الثاني في الكنوز، ص215؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص463؛ومدارك الأحکام، ج5، ص374، نسب فيه إلى أكثر المتأخرين؛ والحدائق الناضرة، ج12، ص334؛ والتنقيح الرائع، ج1، ص337 - 338. وقالوا في غيرها: إنّه ملك لواجده وعليه الخمس، كما في الخلاف، ج2، ص122؛ والس-رائر، كتاب الزكاة، ج1، ص487؛ والمؤتلف من المختلف، ج1، ص306، مسألة 120؛ وجواهر الکلام، ج16، ص28 - 29. واستدلّ في الخلاف، ج2، ص122، مسألة 149؛ بعموم ظاهر القرآن والأخبار الواردة في هذا المعنى، وأنّ تخصيصها يحتاج إلى دليل. والظاهر أنّ المحقّق في كتاب اللقطة يوافق قول الشيخ في الخلاف، فراجع شرائع الإسلام، كتاب اللقطة، ج3، ص293.
2- ادّعى عليه الإجماع في غنية النزوع، ص129 - 130؛ وغنائم الأيّام، ج4، ص299؛ وعدم الخلاف في الحدائق الناضرة، ج12، ص233 - 334؛ وقال به في المهذب، ج1، ص178، باب الخمس واحکامه؛ والمؤتلف من المختلف، ج1، ص306، مسألة 119؛ والبيان، الش-رط الثاني في الكنوز، ص215.

الثاني: إذا وجد ما ليس عليه أثر الإسلام في ملك شخص، ولا يحتمل كونه له أو لمسلم قبله، فهذا والأوّل في الحكم سواء.

الثالث: إن وجد ما ليس عليه أثر الإسلام في ملك شخصٍ معلومٍ واحتمل كونه له وهو ادّعى كونه منه فهو له، لأنّه كان تحت يده، ولأنّ أدلّة الكنز منصرفة عن مثل هذه الصورة.

الرابع: إذا علم أنّ الكنز ملك لمالكٍ مجهولٍ، فهو محكوم بحكم مجهول المالك.

الخامس: إذا علم أنّه كان ملكاً لشخص في السابق، ولكن شكّ في وجود المالك له فعلاً لاحتمال انقراض ورثته، فالظاهر أنّه تشمله أدلّة الكنز، فيؤدّي خمسه ويتملّك الباقي.

السادس: ما وجد في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام فإذا علم بشهادة الحال انقراض أهله، فالظاهر أنّه أيضاً من الكنز الّذي هو لواجده وفيه الخمس. وكذا إذا كان الحال مشكوكاً فيه لا يعلم له مالك بالفعل فلا يجري عليه حكم اللقطة ولا مجهول المالك. وأمّا إن وجد في ملك شخص واحتمل كونه له يعرفه فإن عرفه فهو له.

ويمكن أن يقال: تملّك الكنوز والمعادن كان ممّا جرت عليه سيرة العرف والناس خلفاً عن سلف، وكان من وجوه كسب المنافع والمعائش ولم يردع عنه الشارع، بل أمضاه بجعل الخمس عليه فيحكم بملكيّته لواجده.

ص: 72

نعم، إذا كان الكنز في ملك شخص يحتمل كونه له، لا يجوز لواجده تملّكه قبل أن يعرفه. وكذا إن كان له مالك معلوم أو مجهول، ففي ذلك أيضاً لم تستقرّ سيرة العرف على تملّكه. والله هو العالم.

ثمّ إنّ هنا رواياتٍ ذكروها في طيّ البحث نذكرها لننظر ما يُستفاد منها.

فمنها: موثّق محمد بن قيس،((1)) عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «قض-ى عليّ(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها وإلّا تم-تّعبها».((2))

وهل المراد منه اللقطة أو الكنز؟ ظاهر البعض((3)) الأوّل، والآخر الثاني، وربما يقال بدلالته على حكم كلٍّ منهما.

وجه القول: بأنّه وارد في اللقطة، وهو مختار السيد الاُستاذ(قدس سره):

إنّ الظاهر منه أنّ الورق الّتي وجدت في الخربة كانت على وجه الأرض، لا أنّها كانت مدفونة تحت الأرض حتى تندرج تحت عنوان الكنز المحتاج العثور عليه إلى حفر الأرض والفحص غالباً.

ووجه القول الثاني: أنّ الورق الموجودة في الخربة إن كانت على ظهر الأرض غير مدفونة فيها، فلا يمكن تعريفها إذ لا علامة لها، فهي من نقد البلد الرائج

ص: 73


1- من الرابعة، وهو صاحب كتاب قضايا أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، روى عن الباقرين (عَلَيْهَما السَّلاَمُ)، والظاهر أنّه صحيح المذهب وإن كان مختصّاً بعمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك وكان أحدهما أنفذه إلى بلاد الروم في فداء المسلمين، وعلى أيّ حالٍ فهو ثقة.
2- تهذیب الأحکام، ج6، ص398؛ وسائل الشیعة، کتاب اللقطه، ب5، ح 5، ج17، ص355.
3- انظر الاستدال به في غنائم الأيّام، ج4، ص229؛ومدارك الأحکام، ج5، ص371؛ والحدائق الناضرة، ج12، ص336؛ ومصباح الفقيه، ج 14، ص58.

بين الناس من درهم أو دينار، ومثله لا يكون تعريفه، فبقرينة الجواب يعلم أنّ المراد منها الكنز.

ووجه القول الثالث: إطلاق الخبر وشموله لحكم الكنز واللقطة.

فعلى القول الثاني والثالث لا يجوز استملاك ما في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام من غير تعريف. والقول الثاني مرجّح على القول الأوّل لما قلنا من عدم إمكان تعريفها إن كانت على وجه الأرض ومن مصاديق اللقطة.

ولكن يمكن أن يقال: يمكن تعريفها بوجوه اُخرى، مثلاً بجنسها، أو بمقدارها، أو غير ذلك، فالأظهر أنّه وارد في اللقطة. إذن فلا حاجة إلى التمّسك بصحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربةً قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال فهو أحقّ به».((1))

لتقييد موثّق ابن قيس بصورة عدم جلاء أهلها؛ لتوجيه حمله على الكنز، وأنّ وجوب التعريف فيه مختصّ بصورة عدم جلائهم، ولازم ذلك التقييد حمل الصحيح أيضاً على الكنز. وهكذا صحيحه الآخر، عن أحدهما في حديث قال: «وسألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: إن كانت الدار معمورةً فهي لأهلها، وإن كانت خربةً فأنت أحقّ بما وجدت».((2))

ص: 74


1- الکافي، ج5، ص138؛ تهذیب الأحکام، ج6، ص390؛ وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب5، ح1، ج17، ص354.
2- تهذیب الأحکام، ج6، ص390؛ وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب 5، ح2، ج17، ص354 - 355.

هذا مضافاً إلى أنّ تقييد الموثّق بالصحيح - على القول بوروده في الكنز - أيضاً يتوقّف على ورود الصحيح فيه، وإلّا فلا وجه لتقييده بالصحيح كما لا يخفى، ودعوى ورود الصحيح أيضاً في الكنز أوّل الكلام بل خلاف الظاهر، فالأظهر ما بنى عليه السيد الاُستاذ - أعلى الله درجته - فتدّبر جيدا. والله هو العالم.

حكم الكنز في أرض مبتاعة

مسألة 12: قال في الجواهر: «لو كانت (أي الأرض) مملوكة بابتياع أو هبة أو نحوهما ممّا لا يحصل بسببه ملك للكنز وكان عليه أثر الإسلام، ففي المنتهى((1)) والتذكرة والمسالك وغيرها عرّفه البائع، فإن عرفه وإلّا فالمالك الّذي قبله، وهكذا. بل لا أجد فيه خلافاً بيننا لوجوب الحكم به له، مع دعواه إيّاه إجماعاً في المنتهى قضاء لظاهر يده السابقة، بل قد يدّعى أنّه محكوم بملكيته ما لم ينفِه عن نفسه لذلك من غير حاجة إلى دعواه إيّاه، كما عساه يؤمي إليه صحيحتا ابن مسلم السابقتان، فيجب تعريفه حينئذ قطعاً».((2))

أقول: صحيحتا ابن مسلم إحداهما ما رواها الكليني والشيخ، عنه، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال فهو

ص: 75


1- منتهى المطلب، ج1، ص546.
2- جواهر الكلام، ج16 ، ص31.

أحقّ به». ونحوه صحيحته الاُخرى.((1))

والمستفاد منهما: أنّ ما يوجد في المعمورة إذا احتمل أنّه لأهلها فلهم، ودليله أنّ المعمورة تحت يدهم الفعليّة؛ وأمّا في مسألتنا هذه فالحكم بكون الكنز للبايع إنّما يكون باعتبار اليد السابقة على اليد الفعليّة، فلا بدّ للقول باعتبار اليد السابقة بإلغاء اعتبار الفعليّة، وأنّ أمارية اليد السابقة كاليد اللاحقة على المال سواء.

لا يقال: ما الفرق بين اليد السابقة في الأمارية وبين اليد السابقة عليها وهكذا؟ فتتساقط الأيادي بالمعارضة، فلا وجه لتقديم اليد السابقة الأولى على غيرها إن وقع المال مورداً لتنازع أرباب الأيادي فيه.

فإنّه يقال: إنّ اليد السابقة على اليد الفعليّة إنّما سقطت عن الاعتبار لليدالفعليّة، فإذا سقطت الفعليّة تبقى أمارية السابقة على حالها، وأمّا الأيادي السابقة فقد سقطت أمارية كلّها بلاحقتها. وأظنّ أنّ هذا هو الوجه لذهاب المشهور إلى أنّ الكنز في مسألتنا يكون ملكاً للبايع، والعرف هو الحاكم بذلك.

وعلى هذا لو ادّعى المال كلّ واحد من أرباب الأيادي السابقة فلا تدخل المسألة تحت باب التداعي إذا ادّعى صاحب اليد السابقة على اليد فعلية مالكية ما وجد في الأرض، فعلى من ادّعاه عليه إقامة البيّنة، وإن لم تكن له البيّنة فله حلف المدّعى عليه.

نعم، إذا نفاه صاحب اليد السابقة على الفعليّة وادّعاه السابق عليه يكون هو

ص: 76


1- وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب5، ح1و2، ج17، ص354 - 355.

المنكر، ومن يدّعيه ممّن هو سابقاً عليه المدّعي. والله هو العالم.

ثم إنّه على فرض دخول المسألة في باب التداعي إن ادّعاه بايعان أو أكثر، فإن كان لواحد منهم البيّنة دون الباقي فهو له، وإن أقام كلّ واحد منهم البيّنة فتتساقطان بالتعارض، لكن تفصل خصومتهم بالتحالف، فإن حلف أحدهم دون الباقي فالكنز له دون الناكل أو الناكلين، وإن نكل الجميع اليمين أو حلفوا فهل المرجع قاعدة العدل والإنصاف فيقسّم بينهم بالسوية، أو القرعة لأنّه لكلّ أمر مشكل؟ فهنا روايتان:

إحداهما: موثّق غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) «إنّ أمیر المؤمنین(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) اختصم إليه رجلان في دابّة، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للّذي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين».((1))

وعلى هذا الحديث في مسألتنا حيث إنّ الكنز لم يكن في يد واحد منهم بعد إقامة البينة من كل واحد منهم يجعل الكنز بين البايعين بالسويّة.

إلّا أنّ إطلاقه الشامل لصورتي الحلف والنكول يقيّد بموثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «إنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في دابّة في أيديهما، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده، فأحلفهما عليّ(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف.

ص: 77


1- الکافي، ج7، ص419؛ تهذیب الأحکام، ج6، ص234؛ وسائل الشیعة، أبواب كيفية الحكم، ب12، ح3، ج18، ص182.

فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ فقال: اُحلِّفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين.قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البينة؟ قال: أقض-ي بها للحالف الّذي هي في يده».((1))

وعلى هذا لا محلّ للقرعة؛ لانتفاء موضوعها أوّلاً ، ولمكان النصّ ثانياً. والله هو العالم.

حكم الكنز في أرض مستأجرة

مسألة 13: لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة فإن لم يحتمل كونه لهما أو للمالك فهو لواجده. وإن احتمل كونه لأحدهما من المالك والمستأجر أو هو والمستعير يجب عليه تعريفهما.

فإن نفياه كلاهما((2)) ولم يحتمل كونه لغيرهما فهو له وعليه الخمس. وإن ادّعاه أحدهما دون الآخر يعطيه بلا بينة لكونه ذا اليد عليه. وإن ادّعاه كلّ منهما، فعن المبسوط والمعتبر والإرشاد((3)) وغيرهم - ب-ل قيل: إنّ-ه المشه-ور - تق-ديم ق-ول المالك؛ لأنّه ذو اليد؛ ولأنّ المستأجر وإن كان ذا اليد إلّا أنّ يده فرعية، ويد المالك أصليّة.

ص: 78


1- الکافي، ج7، ص419؛ تهذیب الأحکام، ج6، ص233؛ وسائل الشیعة، أبواب كيفية الحكم، ب12، ح2، ج18، ص182.
2- أي المالك والمستأجر، أو هو والمستعير.
3- المبسوط، ج1، ص237؛ المعتبر، ج2، ص621؛ إرشاد الأذهان، ج1، ص293.

وضعّف الأوّل بأنّه خلاف ما هو في الخارج؛ لأنّ الأرض تكون تحت يد المستأجر.

والثاني: بأنّ الأصليّة والفرعيّة إنّما تكونان بالنسبة إلى العين المستأجرة دون ما فيها من الآلات والأدوات والأسباب والأواني، والكنز من هذا القبيل، فكما إذا وقع الخلاف بين المستأجر والمؤجر فيما يكون في العين المستأجرة من الآلات والأدوات يقدَّم قول المستأجر بقاعدة اليد، كذلك يقال في الكنز.

ويمكن أن يقال: إنّ الكنز إذا كان في يد المستأجر فجاءه المؤجر وادّعى أنّه له وكان في أرضه فأنكر المستأجر فالظاهر تقديم قول المستأجر. وأمّا إذا كان الكنز في يد الواجد فادّعاه كلّ منهما ولم تكن هنا أمارة على تقديم إحداهما على الاُخرى، فالظاهر أنّ القضية تدخل في باب التداعي، وحيث لا بيّنة لواحد منهما تفصل الخصومة بينهما بالتحالف، فإن حلف أحدهما ولم يحلف الآخر فهو للحالف، وإن نكلاالحلف أو حلفا جميعاً يقسّم المال بينهما بالسويّة.

ويمكن أن يقال بأنّه إن نكلا الحلف، فالمرجع تعيين المالك بالقرعة.

ما وجد في جوف الدابَّة

مسألة 14: لو اشترى دابّةً ووجد في جوفها شيئ-اً له قيمة. قال في الجواهر: يجب تعريف البائع، فإن عرفه وإلّا فهو للمشتري وعليه الخمس؛((1)) لصحيح عبد الله بن جعفر قال: «كتبت إلى الرجل(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)

ص: 79


1- كما في النهاية، ص321، باب اللقطة؛ والمراسم العلویة، ص209؛ والمهدّب، ج2، [ ص568؛ شرائع الإسلام، كتاب الخمس، ج1، ص134؛ والجامع للش-رائع، ص356، كتاب اللقیط؛ و جواهر الکلام، ج16، ص35 - 39.

أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع: عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالش-يء لك رزقك الله إيّاه».((1))

أقول: يمكن أن يقال: إنّ ما وجد في جوف الدابّة مال محترم لمالكه الموجود ضاع عنه، فيلحق باللقطة ويجب تعريفه والفحص عن مالكه من بائعه أو غيره، فإذا لم يعرفه مالكه يعامل معه ما يعمل باللقطة.

نعم، إن اشتراه في دار الحرب ولم يعلم أنّه لمحقون المال يجوز له تملّكه وعليه الخمس وإن كان فيه أثر الإسلام؛ لإمكان وقوعه في يد الكافر. هذا، ولكن قد جاء في المثال: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فقد دلّ الصحيح بظاهره على كفاية تعريف البائع، وأنّه إن لم يعرفها فهي له، ولم يذكر فيه وجوب الخمس.

والمراد من الرجل في الصحيح: إمّا مولانا الإمام الهادى أبو الحسن الثالث(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، أو مولانا أبو المهدي أبو محمد - عليه وعلى ولده الحجّة محمد صلوات الله - والراوي عنه عبد الله بن جعفر الحميري القمّي شيخ القمّيين ووجههم، له كتب كثيرة منها: قرب الإسناد، روى عنه الأجلّاء، وله مكاتبات

ص: 80


1- الکافي، ج5، ص139؛ تهذیب الأحکام، ج5، ص139؛ وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب9، ح1، ج17، ص358 - 359.

إليهما(عَلَيْهَما السَّلاَمُ)، منها: هذه المكاتبة. وتعبيره عن الإمام بالرجل لعلّه كان لتقيّة؛ ولأنّه الرجل بحقّ الرجولية، وللإشارة إلى أنّه من الرجالالمقصودين في قوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله﴾.((1))

ص: 81


1- النور، 37.

ص: 82

الفصل الرابع ممّا يجب فيه الخمس ما يخرج من البحر بالغوص

اشارة

ص: 83

ص: 84

ممّا يعتاد إخراجه منه به، كاللؤلؤ والياقوت والزبرجد والدرّ. وفي الجواهر بلا خلاف أجده فيه.

ويدلّ عليه بالإطلاق: الآية الكريمة، وبالتصريح عليه الروايات:

منها: صحيح الحلبي، قال: «سألت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس...». الحديث.((1))

وهذا مختصّ باللؤلؤ، إلّا أن يقال: إنّ اللؤلؤ على سبيل المثال. وأمّا العنبر فسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.((2))

ومنها: ما رواه البزنطي، عن محمد بن عليّ بن أبي عبد الله((3))، عن أبي الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة ما فيه؟ قال: إذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس».((4))

ص: 85


1- الکافي، ج1، ص548؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص141؛ وسائل الشیعة، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 7، ح1، ج6، ص347.
2- استدل بهذه الصحيحة على اختصاص الغوص باللؤلؤ والعنبر، كما فعله مدارك الأحکام، ج5، ص375.
3- لم نعثر على مدح له، إلّا أنّه يكفي في الاعتماد عليه رواية البزنطي عنه، وهو من أصحاب الإجماع، وهومن السادسة، ورواية أبي الخطّاب بالواسطة عنه.
4- الكافي، ج1، ص547، ح21.

وفي التهذيب بدل «ما فيه» «هل فيها زكاة».((1))

ومنها: مرسل حمّاد بن عيسى،((2)) عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن....».((3))

وإرساله لا يضرّ بصحّة الاحتجاج به، بعد ما كان المُرسِل مثل حمّاد الّذي هو من أصحاب الإجماع، سيّما تعبيره عمّن روى عنه ب-«عن بعض أصحابنا».ومنها: مرسل ابن أبي عمير، وهو أيضاً كالصحيح، عن غير واحد، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة». ونسي ابن أبي عمير الخامس.((4))

ومنها: صحيح عمار بن مروان، قال: «سمعت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقول: في ما يخرج من المعادن والبحر و... الخمس».((5))

وعلى ما سمعت من النصوص المعتبرة الاقتصار على ذكر صحيحة الحلبي - حتى يناقش في دلالتها ويقال بقصورها عن التعميم - ليس في محلّه، إلّا بناءً على التعويل على خصوص الأخبار الموصوفة بالصحّة؛ ولكن في بعض الأخبار الّتي

ص: 86


1- تهذیب الأحکام، كتاب الزكاة، باب الخمس والغنائم، ب35، ح356، ج4، ص124؛ ونقلاً عنه وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب7، ح2، ج6، ص343.
2- غريق الجحفة، من الخامسة، وطال عمره فعاصر السادسة.
3- الکافي، ج1، ص539؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب2، ح4، ج6، ص339.
4- الخصال، ص291؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح7، ج6، ص344.
5- الخصال، ص290؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ح6، ج6، ص344.

ليست موصوفة بتلك الخصوصية ما لا يقلّ الاعتماد بصدوره عنها، بل ربّما يكون الاطمينان بصدوره أكثر منها.

وبالجملة: لا يصحّ عند الخبير بالفنّ طرح هذه الأخبار المعتبرة الّتي اعتمد عليها الأصحاب.

ثم إنّه قد جاء في كلام الفقيه الهمداني(قدس سره)((1)) الاستشكال فيما يستفاد من هذه الروايات؛ لأنّ في بعضها جعل المعيار لوجوب الخمس «ما يخرج من البحر من اللؤلؤ و...» الصادق على ما يخرج منه بالآلة من غير غوص، مثل رواية محمد بن عليّ بن أبي عبد الله، وكذا حديث عمّار بن مروان الشامل لمثل صيد السمك، وإن كان الظاهر انصرافه عنه. وفي بعضها الاعتبار على الغوص الّذي يشمل ما يخرج من الشطوط بالغوص. وبين العنوانين بحسب الظاهر العموم من وجه، فالقدر المتيقّن منهما ثبوت الحكم في ما يخرج من البحر بالغوص دون ما يخرج بالغوص من غير البحر، ودون ما يخرج من الشطوط بالغوص.

إذن فهل العبرة بصدق عنوان الإخراج من البحر، أو عنوان الغوص ولو في الشطوط، أو العبرة بصدق كلٍّ من العناوين، أو بصدق كليهما، كما هو ظاهر كلام من قال: كلّ ما يخرج من البحر بالغوص، أو العبرة بالعنوان المشترك بينهما كالإخراج من الماء مطلقاً، سواء كان بالغوص أم بآلة ونحوها، وسواء كان من البحر أم الشطّ ونحوه؟ وجوه:

ص: 87


1- مصباح الفقيه، ج14، ص85.

ألف - وجه كون العبرة بالبحر: أنّ التعبير بالغوص قد جرى مجرى الغالب؛ لأنّ إخراج الجواهر من البحر يكون غالباً بالغوص.

ب - وجه كون العبرة بالغوص: أنّ ذكر البحر وما يخرج منه في الأخبار؛ جار مجرى الغالب من الغوص في البحر.

ج - وجه كون العبرة بصدق كلٍّ من العناوين: أنّ كلّا ًمنهما عنوان مستقلّ، لا تنافي بين كون كلٍّ منهما محكوماً بحكم مستقلّ، سواء تصادقا في مورد واحد أم لا ، فلا وجه لإرجاع كلٍّ واحد منهما إلى الآخر.

د - وجه كون العبرة على صدق كلا العنوانين معاً،((1))فلا يكفي الغوص في غير البحر، ولا الإخراج بغير الغوص بالآلة من البحر: أنّ ذلك هو القدر المتيقّن من الأخبار، بعد فرض عدم استظهار وجه خاصٍّمنها.

ه - وجه كون العبرة على ما هو القدر المشترك بينهما: استظهار أنّ الموضوع للحكم هو إخراج شيء ثمين من الماء، سواء كان بالغوص أم بالآلة، وسواء كان من البحر أم من الشطوط.

والمتّجه بعد ذلك كلّه هو الوجه الثالث، فاللازم الأخذ بكلٍّ من العناوين. إلّا أنّ الفقيه الهمداني(قدس سره) أفاد بأنّ مقتضى ظواهر كلمات الأصحاب بل صريحها وكذلك النصوص خصوصاً الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة: عدم كون كلٍّ من العنوانين قبال سائر العناوين عنواناً مستقلّا ًحتى يكون الغوص كما هو غير

ص: 88


1- ذهب إليه المحقّق الهمداني في مصباح الفقیه، ج14، ص85، تبعاً للمحقّق في شرائع الإسلام، ج1، ص134.

الكنز، والمعدن غير البحر، والبحر غيرهما وغير الغوص.

فعلى هذا لابدّ إمّا من حمل الغوص على البحر والقول بأنّ البحر تمام الموضوع، أو البحر على الغوص. أو تقييد إطلاق كلٍّ منهما بما هو المتيقّن من الآخر، والالتزام بأنّ الحكم مختصّ بما يخرج من البحر بالغوص، فإطلاق ما يدلّ على الحكم في البحر سواء كان بالغوص أو الآلة يقيّد بنصّ ما يدلّ على الحكم بالغوص. كما أنّ إطلاق ما يدلّ على الحكم في الغوص سواء كان في البحر أو الشطوط يقيّد بنصّ ما يدلّ على الحكم في البحر. والنتيجة: ثبوت الحكم بما يخرج من البحر بالغوص.

وأفاد بأنّ هذا أشبه بالقواعد، لا لأنّ التقييد من أهون التصرّفات كي يتوجّه عليه أنّه ليس بأهون من إهمال القيد الوارد مورد الغالب (يعني أنّ تقييد ما يدلّ على الحكم في البحر بما يدلّ على الحكم بالغوص بقيد غالبي، وهو إخراج الجواهر بالغوص، ورفع اليد عن هذا القيد أولى من تقييد إطلاق ما يدلّ على البحر، وهكذا على العكس ) بل لأنّ مقتضى القاعدة - إذا كان الإطلاق وارداً مورد الغالب والقيد أيضاً جارياً مجراه - إهمال الإطلاق والأخذ بالقيد؛ لأنّه أظهر وأنصّ في معناه من الإطلاق وأخصّ منه.

وأورد على ما ذكر: بأنّ ما بظاهره من الأخبار يدلّ على حص-ر الخمس في خمسة غير مراد قطعاً؛ لوجوب الخمس في أرباح المكاسب. ولا تنافي بين ما أفاد وجوب الخمس في كلّ ما اُخرج بالغوص، سواء كان من البحر أو الشطوط،

ص: 89

وما أفاد وجوب الخمس في كلّ ما اُخرج من البحر، سواء كان بالغوص أو بغيره؛ لأنّ الدليلين مثبتان ولا تنافي بينهما. وأنّ النسبة بينهما عموم من وجه، ولا تعارض بينهما في مورد اجتماعهما.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ صاحب مصباح الفقيه لا ينكر عدم دلالة ما يدلّ على حصر الخمس في خمسة بالحصر التامّ، ولكنّه أراد أنّ الموارد عند الفقهاء، وحسب ما يستفاد من الأدلة محصورة، وليس هناك عنوانان كلّ واحد منهما مستقلّ بنفسه حيال سائر العناوين، أي ما يخرج بالغوص وما يخرج من البحر حتى يحكم على كلٍّ منهما بحكم مخصوص به، فإذا كان المورد معنوناً بعنوان واحد وتردّد العنوان بين الاثنين وأمكن إرجاعهما بتقييد إطلاق كلٍّ منهما بالقيد المذكور في الآخر نأخذ بالقيد، ونقيّد به إطلاق الدليلين؛ لأنّ القيد أظهر وأنصّ.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة كون ما يدلّ عليه تحت عنوان واحد، مثل الشيء الخارج من الماء فهو الواقع تحت الحكم، وفي قبال سائر العناوين، لا كلّ من البحر والغوص حتى يكون الواقع قبال سائر العناوين متعدّداً.

ولكنّ هذا وإن كان لا مانع منه في مقام الثبوت، إلّا أنّه خلاف ظاهر الدليل ومقام الإثبات. وبعد ذلك كلّه فالقدر المتيقّن ممّا دلّت عليه الأدلّة هو ما يخرج بالغوص من البحر. وإن شئت قل: «ما يخرج من البحر بالغوص».

هذا، وأمّا مقتضى الأصل - بعد فرض تكافؤ الاحتمالات، وعدم إمكان

ص: 90

تقديم بعضها على غيره في موارد الافتراق، إن قلنا بأنّ مفاد الحكم في مورد تصادقهما عدم وجوب الخمس فيما هو الأقلّ من النصاب الدينار الواحد - وجوبه في غير مورد التصادق تمسّكاً بإطلاق الآية.

وإن قلنا بأنّ مفاده وجوب أدائه فوراً وقبل مضيّ السنة عليه ففي غير مورد التصادق يجوز التأخير إلى السنة، فإن لم يصرفه في المؤونة يؤدّي خمسه؛ وذلك لأصالة البراءة عن وجوب أدائه قبل مض-يّ السنة. ومقتض-ى الاحتياط عدم احتساب جميع ما يشمله إطلاق أدلة العنوانين إذا بلغ النصاب من أرباح المكاسب ومطلق الفوائد، فيؤدّي خمسه بمجرد الحصول واحتساب ما لم يبلغ النصاب من الفوائد. والله هو العالم.

نصاب الغوص

مسألة 15: لا ريب في اعتبار النصاب في ما يخرج من البحر، وأنّه دينار واحد. ويدلّ عليه: معتبر ابن أبي عبد الله الّ-ذي سبق نقله، كان فيه: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس». وفي الجواهر: هو المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرةًكادت تكون إجماعاً... إلى آخر كلامه.((1))

ولا اعتناء بالتشكيك في اعتبار الرواية بأن يقال: إنّ محمد بن عليّ بن أبي عبدالله راوي الحديث مجهول لم يرد فيه توثيق ولا مدح، وإن روى عنه البزنطي

ص: 91


1- جواهر الکلام، ج16، ص40.

وعليّ بن أسباط، ولم يكن مشهوراً بين الرواة، وليس في البين ما يوهم وثاقته عدا رواية البزنطي عنه، بناءً على ما قيل من أنّه لا يروي إلّا عن الثقة، كما نقل ذلك عن عدّة الشيخ.((1))

لكنّ المبنى سقيم كما مرّ كثيراً، فلا اعتماد على الرواية لهذه العلّة، وحينئذ فإن تمَّ الإجماع المدّعى على اعتبار النصاب المزبور فهو، وإلّا فالمتّبع إطلاق ما دلّ على وجوب الخمس في الغوص وفيما اُخرج من البحر، الشامل لما إذا كانت القيمة أقلّ من الدينار.((2))

أقول: قد مرّ منّا أيضاً فساد مبنى المستشكل على المبنى المشهور وأساطين الأصحاب وحملة الآثار، فلا يجوز طرح مثل هذا الحديث المعتبر الّذي احتجّ به أعاظم الفقهاء الماهرين في علم الحديث ومعرفة الصحيح من السقيم، وأرسلوه إرسال المسلَّمات.

وهذا شيخنا الصدوق عروة الإسلام في المقنع والهداية، والشيخ أبو الصلاح في الكافي، وشيخنا الطوسي في النهاية والاقتصاد والجمل والعقود والمبسوط، والقاضي ابن البراج في المهذّب، وابن زهرة في الغنية، وابن حمزة في الوسيلة، والصهرشتي في الإصباح، والحلّي في السرائر، والحلبي في إشارة السبق، والمحقّق في الشرائع والمختصر النافع والمعتبر، والهُذلي في الجامع للش-رائع، والعلامة في كتبه مثل القواعد والتبصرة والإرشاد والتلخيص والفخرية والتذكرة، وفيه قال:

ص: 92


1- عدّة الاُصول، ج1، ص154.
2- انظر التشكيك في الرواية في المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص113.

«عند علمائنا خلافاً للجمهور كافّة».((1)) وقد سقط من النسخة المطبوعة القديمة من الحديث صدر السؤال عن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وهو قوله: «عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد و...».

فهؤلاء الأجلّة كلّهم قد أفتوا صريحاً بالرواية ولم يحتمل أحد منهم غيره. إذن فكيف يجترئ الباحث طرحه، ونسبة مبناهم إلّا السقم والبناء على المبنى المستحدث من قبله، ومخالفة فتاوى الفقهاء من أول الفقه إلى آخره فيما بنوا على العمل بمثل هذا الحديث المعتبر؛ لكون مثل البزنطيلا يروي إلّا عن الثقة، ويكفي في ذلك شهادة مثل الشيخ. هذا مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ مثل البزنطي لا يروي إلّا حديثاً يصحّ الاحتجاج به حتى ممّن كان مذموماً.

فنقول: إنّ رواية مثله عن غير العدل تدلّ على كون الحديث موثوق الصدور، فلا نعمل بسائر رواياته الّتي يرويها عنه غير البزنطي.

هذا، مضافاً إلى أنّه يظهر من التأمّل في أسناد الروايات المروية عن محمد بن عليّ بن أبي عبد الله ومحمد بن عليّ بن جعفر: أنّ محمد بن عليّ بن أبي عبد الله هذا هو حفيد الإمام الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ووالده عليّ هو على بن جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، كما صرح به سيدنا الاُستاذ الأعظم(قدس سره)، جزاه الله عن الإسلام وعن العلوم الإسلامية أحسن الجزاء. والمسألة بغض النظر عن المبنى المستحدث الّذي ظهر لك عدم الاعتماد عليه واضح الحكم، إلّا أنّا أطلنا الكلام فيه لئلّا يتسرّع الباحث في الفتوى على خلاف الأساطين. والله هو العالم.

ص: 93


1- تذكرة الفقهاء، ج5، ص419، 428.

نصاب المختلف في النوع

مسألة 16: إذا اختلف ما يخرج من البحر بالغوص في النوع، مثل الزبرجد واللؤلؤ والمرجان وغيرها، ولم يبلغ واحد منها بوحدته النصاب لكن بلغ الجميع النصاب، فالظاهر وجوب الخمس فيه؛ لدلالة ظاهر الأخبار عليه، مثل قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الغوص والبحر»، فإطلاق مثل ذلك يشمل ما إذا كان واحداً بالنوع أو متعدّداً. بل لا فرق إذا كان ذلك بالشركة أو بالانفراد، وإن كان فيه تأمّل. نعم، فيما يبلغ النصاب بالدفعات دون الدفعة الواحدة إذا لم يكن في زمان واحد ولم يكن ناوياً للعود، الظاهر عدم الوجوب، وأمّا إذا كان ناوياً للعود فالأظهر الوجوب إذا بلغ النصاب. والله هو العالم.

مسألة 17: الظاهر أنّه لا فرق في وجوب الخمس بين ما يخرج من الجواهر بالغوص عيناً، أو كان في بطن حيوان في البحر فصاده وأخرجه من بطنه. نعم، إذا لم يكن غوصه لإخراج الجواهر بل للصيد فوجد الجواهر في بطنه يمكن أن يقال بعدم الوجوب وكونه من أرباح المكاسب، إلّا أنّ الاحتياط فيه لا يترك.

وربّما يفرّق في الصورة الأولى بين ما إذا كان وجود الجواهر في بطن الحيوان معتاداً وهو يغوص لاصطياد الحيوانلتصاحب ما في بطنه فيجب فيه الخمس، وإذا لم يكن ذلك معتاداً ووقع ذلك اتّفاقاً فلا يجب فيه الخمس من باب الغوص؛ لانص-راف الأدلّة عن ذلك، ولكنّ الاحتياط أداؤه؛ لصدق عنوان الُمخرَج من البحر عليه. والله هو العالم.

ص: 94

استخراج المعدن بالغوص

مسألة 18: إذا كان المعدن كمعدن الذهب تحت الماء واستخرج شيئاً منه بالغوص فالظاهر أنّه كاستخراج اللؤلؤ والدرّ. واحتمال دخل خصوصية تكوّنه في الماء في الحكم ضعيف.

نعم، إذا كان استخراجه يحتاج إلى عمليات كالمعادن الواقعة في البرِّ، الظاهر أنّه محكوم بحكم المعادن، وقد يقال: إنّ الظاهر من قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في صحيحة ابن أبي عمير: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص....» أنّ المعادن الواقعة قبال الغوص هو ما لا يتوقف إخراجه على الغوص، فيختصّ المعدن بما يتكوَّن منه في البرّ، وأمّا ما يتكوّن منه تحت البحر ويستخرج بالغوص فحكمه حكم الجواهر المتكوّنة في الماء.

ويمكن أن يقال: إنّ لفظ المعادن تشمل ما كان منها تحت البحر، والغوص أيضاً يشمل ما يخرج من المعادن بالغوص، ولازم ذلك وجوب الخمس في المعادن البحرية إذا بلغ ما يخرج منه بالغوص ديناراً. ولكن يشكل ذلك بوقوع التعارض بين النصاب المعيّن في المعدن وبين نصاب الغوص. واُجيب عن ذلك: بأنّ النصاب المعيّن في المعدن وهو عشرون إنّما يقتض-ي الخمس إذا بلغ المعدن عشرين، وبالنسبة إلى الأقلّ منه لا يقتض-ي العدم، ودليل الغوص يقتض-ي الوجوب، ولا يزاحم ما ليس فيه الاقتضاء ما فيه الاقتضاء.

وبعبارة اُخرى: دليل المعدن يثبت الخمس إذا بلغ عشرين ديناراً، وينفيه عن الأقلّ من حيث المعدنية، ولا ينافي ذلك تعلّق الخمس بالأقلّ من العشرين بجهة

ص: 95

اُخرى. وعلى ذلك إلحاق المعادن البحرية في الحكم بالغوص إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط. والله هو العالم.

إخراج المال الغريق

المسألة 19: إذا انكسرت السفينة في البحر فغرقت وما فيها، فاُخرج بعضه أو بعض ما فيها بالغوص، أو أخرج البحرُبعضه أو بعض ما فيها، فمقتضى القاعدة كون الجميع لمالكه، ومجرّد الغرق واليأس عن الظفر به ليس بمنزلة الإعراض، فعلى هذا إن عَرف مالكه فهو له، وإلّا فيعمل معه ما يعمل بمجهول المالك.

إلّا أنّ هنا روايتين ينتهي سند كلٍّ منهما إلى السكوني، إحداهما: ما رواه عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في حديث عن أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحقّ به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم».((1))

وثانيتهما: ما رواه الشعيري قال: «سئل أبو عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن سفينة انكسرت في البحر، فاُخرج بعضها بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال: أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله أخرجه، وأمّا ما اُخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به».((2))

ص: 96


1- الکافي، ج5، ص242؛ تهذیب الأحکام، ج7، ص219؛ وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب 11، ح1، ج17، ص361 - 362؛ والشعيري من ألقاب السكوني، واسمه اسماعيل بن أبي زياد.
2- تهذیب الأحکام، ج6، ص295؛ وسائل الشیعة، کتاب اللقطة، ب11، ح2، ج17، ص362.

ويمكن أن يقال - على ما ربّما يستفاد من كلام بعض الأعاظم من المعاصرين حيث يعتمد على الرواية الأولى دون الثانية؛ لعدم وثاقة اُمية بن عمر والواقع في سندها - إنّ الحكم بكونه للغائص مشروط بترك صاحبه له، أي إعراضه عنه. وأفاد بأنّه لا فرق في الإعراض بين أن يكون كراهةً له، أو قهراً عليه؛ لعدم تمكّنه من الوصول إليه.((1))

أقول: يمكن أن يقال: الإعراض إنّما يتحقّق بالترك الاختياري، فمن ضلَّ شيئاً في أرض وفحص عنه ولم يجده وذهب: إن وجده أحد لا يجوز له تملّكه بإعراض مالكه عنه، بل اللازم أن يكون هناك قرينة على أنّه تركه من قبل نفسه حتى يأتي من يأخذه.

وأفاد السيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره): بأنّ الظاهر بقاء المال في ملك مالكه، وعلى تقدير الشكّ في بقائه يستصحب حاله السابق على الغرق.

وبالجملة: أفاد بأنّ الحديث من جهة دلالته على أنّ ما أخرجه البحر يكون ملكاً لمالكه موافق للقواعد، ومن جهة إخراجه بالغوص مخالفلها، ولا يمكن القول به على خلاف القواعد تع-بّداً؛ لضعف سنده بالسكوني،((2)) وعدم إثبات العمل به من الأصحاب حتى يقال بجبر ضعفه بالعمل، بل إنّهم - قدّس الله أسرارهم - قد أفت-وا - فيما إذا ألقى الغاصب المال في البحر أو غرق المال

ص: 97


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص118.
2- وضعف الراوي عنه هنا وإن كان يمكن جبر ضعف السكوني إذا كان الراوي عنه مثل فضالة بن أيّوب وعبد الله بن المغيرة وهما من الأجلّاء وأصحاب الإجماع.

المغصوب الّذي تحت يده في البحر- بوجوب ردّ بدل الحيلولة إلى مالكه إلى أن يرتفع المانع، أو يحصل اليقين بتلفه، ولازم هذا القول عدم قولهم بتلف المال الغريق، وأنّه لو اُخرج من البحر يردّ إلى صاحبه وبدل الحيلولة إلى غاصبه.

والحاصل: أنّه من حكمهم في بدل الحيلولة يعلم أنّ الغريق من المال لا يخرج من ملك مالكه، ولذا قلنا: إنّ الحكم بكونه لمالكه إذا أخرجه البحر موافق للقاعدة، وعلى هذا فالأقوى ردّ المال إذا خرج بالغوص إلى مالكه.

ثم إنّه على القول برواية السكوني فالظاهر أنّ ما اُخرج بالغوص لا يلحق في الحكم بما يخرج ممّا يتكوّن في البحر بالغوص؛ لانص-راف الأخبار عن مثله، وانصرافها إلى خصوص ما يتكوّن في البحر، وإن كان مقتضى الاحتياط إلحاقه بالغوص إن بلغ النصاب، وبأرباح المكاسب إن كان الأقلّ من النصاب. والله هو العالم بالأحكام.

خمس العنبر

مسألة 20: يجب الخمس في العنبر؛((1)) لصحيح الحلبي المتقدّم، قال: «سألت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ قال: عليه الخمس».((2))

ص: 98


1- اختلفت المعاجم في حقيقته، فقال بعض: إنّه رجيع دَوابّ بحرية، كما في حياة الحيوان. وقال بعض آخر: إنّه يخرج من عين في البحر، كما في منهاج البيان. وقال ثالث: إنّه نبات ينبت في قعر البحر. راجع أقرب الموارد (مادّة عنبر).
2- الکافي، ج1، ص548؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص141؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب7، ح1، ج6، ص347.

وفي الجواهر:((1)) بلا خلاف أجده فيه. بل في المدارك والحدائق الإجماع عليه. إلّا أنّه قد وقع الخلاف بينهم في اعتبار النصاب فيه، وفي قدر النصاب بناءً على اعتباره: فمنهم من لم يعتبر فيه النصاب، فقال بوجوب الخمس فيه وإن كان أقلّ من الدينار؛ لإطلاق صحيح الحلبي.

ومنهم من قال: إنّ له حكم المعادن؛ لأنّه منها أو ملحق بها، والأصلالبراءة من الناقص عن العشرين. وفيه ما فيه.

ومنهم من قال: إنّ له حكم الغوص مطلقاً؛ لظاهر الجمع بينه وبين الغوص في صحيح الحلبي. وفيه: أنّ المستفاد من الصحيح أنّه عنوان خاصّ حيال الغوص، وما دلّ على اعتبار النصاب في الغوص مختصّ به. إلّا أن يقال: إنّه ممّا يخرج من البحر، وذكر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد في السؤال يكون على سبيل المثال.

والقول الرابع: أنّه إن اُخذ من البحر بالغوص فنصابه نصاب الغوص، وإن جُني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعدن. وفيه: أنّ إلحاق ما جُني كما ذكر من إلحاق الشيء بغيره بغير وجه.

والقول الخامس: التفصيل بين ما يخرج بالغوص فهو محكوم بحكم الغوص، وما جُني من وجه الماء أو الساحل فهو واقع تحت الإطلاقات فيه الخمس مطلقاً.

ص: 99


1- جواهر الکلام، ج16، ص44.

ولعلّ الأقرب من هذه الأقوال: القول الثالث. إلّا أنّه لا يترك الاحتياط بالأخذ بالقولظ الأوّل، وهو محكيّ عن ظاهر النهاية والوسيلة والس-رائر، وحكي الميل إليه عن المدارك والحدائق، واستقربه في الكفاية. هذا، وقد اختار السيّد الاُستاذ القول الخامس. والله هو العالم.

ص: 100

الفصل الخامس ممّا يجب فيه الخمس الحلال المختلط بالحرام

اشارة

ص: 101

ص: 102

بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر لا بالشخص ولا بالمقدار، ولا يعرف صاحبه أصلاً ولو في عدد محصور، على المشهور بل في المنتهى((1)) نسبته إلى الأكثر، بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه. وعن البيان دعوى اندراجه في الغنیمة.

وقد يستدلّ له بما في صحيح عليّ بن مهزيار، قال فيه: «والغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر، والميراث الّذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوٍّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى موالي من أموال الخرّمية الفسقة...» الى آخره.((2))

ولا يخفى ما فيها. أمّا كون المال المختلط بالحرام من الغنيمة فظاهر أنّه ليس منها، كما أنّه ليس من العناوين المذكورة في الصحيح.

والعمدة في مقام الاستدلال: روايات اُخرى:

منها: خبر الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «إنّ رج-لاً أتى أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ الله عزّ وجلّ قد رضي من ذلك المال

ص: 103


1- منتهى المطلب، ج1، ص548.
2- الاستبصار، ج2، ص60 - 61؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص141؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب 8، ح 5، ج6، ص349.

بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم».((1))

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فقال: يا أمیر المؤمنین، اُصبت مالاً أغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال: ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه فقال: هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه».((2))

ومنها: عن السكوني، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «أتى رجل أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ؟ فقال أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): تصدّق بخمس مالك فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس،وسائر المال لك حلال».((3))

والظاهر أنّ مرسل الصدوق ليس غير ما رواه السكوني وما رواه الحسن بن زياد، بل احتمال كون الثلاثة واحداً قويّ جدّاً، ولا أقلّ من أنّه لا يثبت بالثلاثة تعدّد المرويّ، وإنّما وقع الاختلاف في الألفاظ لتعدّد الرواة والأسناد وعدم ضبط كلام الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بلفظه الشريف ونقله بالمضمون، فالظاهر وحدة الحكاية الّتي أخبر عنها الإمام أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، كما أنّ الظاهر وحدة حكايته(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عنها.

ص: 104


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص124، 138؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب10، ح1، ج6، ص352 - 353.
2- من لا یحضره الفقیه، ج2، ص43؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب10، ح3، ج6، ص353.
3- المحاسن، ج2، ص320؛ الکافي، ج5، ص125؛ تهذیب الأحکام، ج6، ص368؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 10، ح4، ج6، ص353.

إذن فالّذي يقوى في النظر: أنّ هنا قضيةً واحدةً وقع السؤال عنها عن أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وأخبر عنها.الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في مجلس واحد، ورواها عنه السكوني والحسن بن زياد.

وكيف كان فالمراد من الثلاثة: بيان حكم المال الّذي اختلط حلاله بحرامه من جهة عدم مبالاة من وقع تحت يده.

والظاهر عدم الفرق في الحكم بين ما إذا وقع ابتداءً تحت يده، أو صار المال الّذي اختلط حرامه بحلاله تحت يده بأحد أسباب انتقال المال.

إذن فلا فرق بين أن يكون قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «واجتنب ما كان صاحبه يعلم»، كما هو في الوسائل الموجود عندنا، أو كان «يعمل» كما هو في التهذيب((1)) الموجود أيضاً عندنا، فقد روي الحديث تحت رقم 358 و390 بلفظ «وصاحبه يعمل»، وفي ملاذ الأخيار((2)) جاء الأوّل بلفظ «يعمل» والثاني بلفظ «يعلم»، وقال في الأوّل: ظاهره أنّ السائل كان ورث مالاً من رجل كان لا يبالي بكسب الحرام وجمعه، فبيَّن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) له طريق المخرج من ذلك، ونهاه عمّا كان يعمل صاحب المال السابق من عدم المبالاة واكتساب الحرام.

وقال صاحب الوافي: هكذا في النسخ الّتي رأيناها، والأظهر «يعلم» بدل «يعمل»، كما يوجد في حواشي بعضها. ولو صحّ «يعمل» فلعلّ المراد به الأمر

ص: 105


1- تهذيب الأحكام، ج4 ، ص124، ح358، ص138، ح390.
2- ملاذ الأخيار، ج6، ص349، ح15.

باجتناب إصابة المال الّذي لا يعرف حلاله من حرامه، أو اجتناب عمل صاحبه وهو عدم المبالاة في تحصیله، أو اجتناب ما كان صاحبه عام-لاً يعني من قبل الجائر. انتهى.((1))

وقد قوّى السيّد الاُستاذ(قدس سره) وقوع التحريف في الرواية فصار بدل كلمة «يعلم» «يعمل».

وأقول: الظاهر أنّه كما يستفاد من ملاذ الأخيار أنّ الرواية في التهذيب جاءت بلفظين، ففيما وقع تحت رقم 358 كان «يعمل»، وفيما وقع تحت رقم 390 كان «يعلم»، ولذا أعاد ذكرها في باب الزيادات. وكيف كان فالمراد على ما ذكر معلوم.

هل المراد الخمس المصطلح أو غيره

هذه الروايات تدلّ بظاهرها على مذهب المشهور. غير أنّه ربّمايستشكل في كون المراد من الخمس فيها الخمس المصطلح؛ وذلك لقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في رواية السكوني: «تصدّق بخمس مالك».

وفيه: أنّه قد ظهر ممّا ذكر - من اتحاد الروايات الحاكية عن السؤال عن أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ووحدة القضيّة المسؤول عنها عنه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) - عدم نقل كلام أمیر المؤمنین(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بعين لفظه، فلا يثبت بها صدور هذا اللفظ عنه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

ولكن يظهر من السيد الاُستاذ: أنّ المراد من الخمس في روايات الحلال

ص: 106


1- الوافي، ج10، ص315، ح15 (بيان).

المختلط بالحرام ليس هو الخمس المصطلح، بل المراد منه: التصدّق بخمسه من جانب مالكه.

أقول: فإنّه أوّلاً: أفاد في وجه القول بأنّه الخمس المصطلح؛ أنّ الخمس في الروايات واستعمالات الشارع والمتشرّعة ظاهر في الخمس المعهود، فقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في رواية: «أخرج الخمس» وفي اُخرى: «تصدّق بخمس مالك» يتبادر منه المذكور في الآية: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ﴾.((1))

ولاسيّما ممّا رواه الصدوق بسنده الصحيح إلى الحسن بن المحبوب، عن عمّار بن مروان قال: «سمعت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس».((2))

فإنّ مقتضى وحدة السياق وكون المتكلّم في مقام البيان أنّ المراد من الخمس: الخمس المعهود، وحينئذ لا مجال للأخذ بظاهر قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «تصدّق بخمس مالك» في رواية السكوني((3)) بدعوى ظهورها في التصدّق.

ثم مع قوّة هذا البيان أفاد السيد الاُستاذ(قدس سره) بأنّ التدبر في المقام يؤدّي القول بأنّ المراد من الخمس هنا غير ما هو المراد في سائر ما يجب فيه الخمس، وهو أداؤه بعنوان الصدقة. والوجه في ذلك: أنّه يجب على الشخص إن وقع مال الغير تحت يده غصباً أو اتّفاقاً أن يؤدّيه إلى مالكه إن عرفه وعرف المال بعينه أو مقداره، وإن

ص: 107


1- الأنفال، 41.
2- الخصال، ص290؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب 3، ح6، ج6، ص344.
3- السكوني الكوفي ثقة، وله كتاب، من الرابعة وكبار الخامسة.

لم يعرفه ولم يعرف المال عيناً أو مقداراً يجب أن يتعامل معه لأجل إيصال منفعته إلى مالكه، وهو التصدّق به عنه ليصل ثوابه إليه. وإن لم يعرف مقدار المال فحسبالقاعدة يجب التصدّق بما يعلم باشتغال ذمّته به، إلّا أنّه بذلك لا يحصل له العلم بحلّية جميع الباقي، ولا يوجب حلّية تصرّفه فيه، فيجب عليه الأداء منه بمقدار يحصل به فراغ ذمّته، إلّا أنّه في إفراز الحلال من الحرام يحتاج إلى ولاية من له الولاية في مثل ذلك، ولذا جعل الشارع الخمس عليه للمالك كمال المصالحة بينه وبين مالك الحرام الواقع في يده، فكأنّ الّذي بيده المال ومالكه تصالحا على الخمس، فإن كان الحرام أكثر منه فمالكه رضي بكون الأكثر للّذي بيده، وإن كان أقلّ منه فالزائد لمالك الحرام من صاحب الحلال بمصالحته له. وعلى هذا كان السائل عن المال المختلط بالحرام يعلم أنّ على الّذي بيده يجب أداؤه والتصدّق به عن مالكه، ولكن لمّا كان يجهل مقدار ما يجب أداؤه فعيّنه الشارع في الخمس وأمر بالتصدّق به عنه.

وبمثل هذا يمكن استظهار كون الخمس في المقام الصدقة، لا الخمس المعهود، فلا ارتباط بين أداء خمس المال الحلال المختلط بالحرام بعنوان الخمس المعهود ومالك المال الحرام المجهول مالكه، بخلاف ما إذا كان صدقةً عنه يصل ثوابها إليه وتكون بمنزلة أدائه إليه.

وبالجملة: فالمال المجهول مالكه يجب التصرّف فيه بنحو تصل منفعته إليه، ولا يمكن هذا إلّا بالتصدّق عنه، وإذا كان مختلطاً بالحلال يكفي بحكم الشارع التصدّق بخمسه عنه.

ص: 108

والحاصل: أنّ هذه قرينة على إرادة التصدّق من الخمس في المال الحلال المختلط بالحرام.

ولا يخفى: أنّ ما ذكرناه ليس ما أفاده السيد الاُستاذ - أعلى الله درجته - بعينه، بل يكون كالخلاصة من الوجهين((1)) اللذين أفادهما، أو كبيان ثالث لهما.

والّذي يقوى في النظر أنّ ما ذكر(قدس سره) وإن كان يمكن أن يكون وجهاً لاستظهار كون المراد من الخمس غير الخمس المعهود. إلّا أنّه لا يقاوم ظهور صحيح عمّار بن مروان في كون المراد منه الخمس المعهود، والوجه الّذي ذكرناه لا يمكن أن يكون وجهاً لكون المراد من الخمس فيه غير الخمس المصطلح في لسان الكتاب والسنّة. فصحيح ابن مروان كالنصّ، وخبر السكوني كالظاهر، مضافاً إلى التشكيك في كونه مرويّاً بعين لفظ الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

فإن قلت: فما المناسبة بين حلّية الحلال المختلط بالحرام المتعلّق به حقّ الغير، وأداء خمسه إلى السادة والإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) دون صاحب الحقّ، مع أنّ المال المجهول المالك لو كان معلوم القدر أو معلوم العين يجب التصدّق به عن مالكه؟

قلت: المسألة بعد ذلك محلّ الإشكال جدّاً.

وممّا يؤيّد القول بأنّ الخمس في المال المختلط غير الخمس المعهود بخلافه في المعدن والغنيمة: أنّ في مثل المعدن والكنز جعل الخمس لأربابه تأسيس من الشارع، لا لحقٍّ ماليٍّ تعلّق بالكنز أو المعدن، وفي المال المختلط مبنيّ على تعلّق

ص: 109


1- أي وجه لمذهب المشهور والخمس المعهود؛ ووجه للخمس بمعنى الصدقة.

حقّ مالك الحرام بالمال الحلال، فجعل الأوّل لأرباب الخمس كأصل جعله الشارع ابتداءً. وأمّا في المال المختلط جعل الخمس لغير مالكه أعني السادة يحتاج إلى صرف النظر عمّن هو له وإعطائه غيره، وهذا وإن كان جائزاً بالتعبّد وتشريع مالك الأموال الأصلي إلّا أنّه لا يصار إليه بعد استظهار العرف كون الحكم مبنيّاً على رعاية مصلحة مالك المال الحرام.

وبالجملة: فالشارع إنّما أعمل ولايته في المقام في تعيين مقدار ما یجب إيصاله إلى مالك الحرام على حسب أصل حكمه في المال المجهول.

وبعد ذلك كلّه لا يصحّ الجزم في الفتوى بأنّ مصرف هذا الخمس للسادة، فلو لم نقل بكونه صدقة لابدّ من الاحتياط بأدائه إلى أرباب الخمس بقصد ما في ذمّته من الخمس المعهود أو الصدقة من جانب مالكه المجهول. ونحن وإن قلنا في هداية العباد بأنّ الأحوط للهاشمي عدم أخذ غير الزكاتين من الصدقات الواجبة،((1)) إلّا أنّ الأقوى جوازه. والله هو العالم.

الاختلاط بالإشاعة وغيرها

مسألة 21: لا فرق في شمول ما يدلّ على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام بين أن يكون الحلال والحرام في المال على سبيل الإشاعة، فلا يدري أنّ الحرام منه مثلا نصفه أو ثلثه أو... وبين كون الاختلاط واقعاً بين الأعيان المتعدّدة، لا يدري أنّ الحرام مثلا

ص: 110


1- هدایة العباد، ج2، ص209.

واحدٌ أو اثنان أو ثلاثةأو... إلّا أنّه في الصورة الثانية إذا كانت الأعيان المختلطة على السواء في المالية والقيمة يكفي أداءٌ واحدٌ من كلّ خمسة، وإذا اختلفت في القيمة أو على فرض التساوي كانت أقلّ من الخمسة فلا بدّ من تخميسها بالمالية.

المختلط بمعلوم القدر والمالك

مسألة 22: لا ريب ولا خلاف في أنّ الحلال المختلط بالحرام لو كان معلوم القدر والصاحب لا يحلّل بالتخميس، ووجب دفع ما للغير فيه إليه كغيره من الشركاء، وإن كان ظاهر ترك الاستفصال في بعض الأخبار السابقة يقتض-ي خلافه، لكنّ بطلانه معلوم بالضرورة.

المعلوم مالكه في عدد محصور

قال في الجواهر: بل لعلّ الظاهر أيضاً سقوطه (أي الخمس) لو علمه في عدد محصور».((1))

وحينئذ فهل يجب التخلّص من الجميع لأنّ العلم بفراغ ذمّته لا يتحقّق إلّا به، أو يجري عليه حكم مجهول المالك؛ لأنّه داخل تحت هذا العنوان، أو يستخرج المالك بالقرعة؛ لأنّه لكلّ أمر مشكل، أو يوزّع ذلك المقدار بينهم بالسوية لقاعدة العدل والإنصاف؟ وجوه.

ص: 111


1- جواهر الكلام، ج16، ص73.

أمّا القول بوجوب التخلّص من الجميع فيوجّه بأنّه مقتض-ى الضمان، تردّد المضمون عنه بين عدد محصور، ومقتضى العلم الإجمالي الخروج عن عهدة ما بيده بإرضاء المالك المعلوم في البين بأن يرضي الجميع بالاحتياط.

وفيه: أنّ ذلك يستلزم الضرر المنفي على من بيده المال. ولا يعارضه نفي الضرر عن المالك؛ لأنّه لا يتوجّه الض-رر إليه مطلقاً، فإنّه إن عملنا بالقرعة فتوجّه الضرر إليه محتمل، وإن عملنا معه معاملة مجهول المالك فتصل منفعة التصدّق به إلى المالك، ويتدارك ضرره الدنيوي بالنفع الاُخروي.

نعم، العمل بالتوزيع لا يدفع التعارض بين الضررين.

واُجيب عن أصل تحقّق التعارض بين الضررين: بأنّ الضرر الوارد على من بيده المال ليس من قبل حكم الشارع.وبعبارة اُخرى: حكم الشارع بردّ المال إلى صاحبه ليس ضررياً، والضرر إنّما نشأ لتوقف إحراز امتثال أمره على الاحتياط الّذي يجب عليه بحكم العقل، لا جعل الشارع وتشريعه، فكما أنّه يجب الاجتناب عن الدهن المتنجّس المشتبه بين أوانٍ محصورة بالاحتياط والاجتناب عن الجميع الموجب للض-رر، ولا یوجب ذلك نفي الحكم بوجوب الاجتناب عن المتنجّس الواقعي، لأنّه ليس ضرورياً، كذلك في المقام حيث لا يوجب الضرر الحاصل من حكم العقل بالاحتياط نفي وجوب أداء المال الّذي بيده إلى صاحبه الواجب بحكم الشرع.

وبالجملة: وجوب أداء المال إلى صاحبه حكم شرعي وليس هو ضررياً، والحكم بالتخلّص من الجميع لإحراز امتثال حكم الشرع حكم عقلي.

ص: 112

ويمكن أن يقال: إنّ التخلّص من المال المعيّن المعلوم الواقع تحت اليد إذا كان مالكه محصوراً بين أكثر من واحد لا يمكن إيصال جميعه إلى كلّ واحد ممّن يحتمل كونه مالكاً، فلا بدّ من القرعة، أو التوزيع، ومقتضى «على اليد» أيضاً ليس أزيد من ذلك. والفرق بينه وبين مثال السمن المتنجّس ظاهر.

نعم إذا كان يعلم باشتغال ذمّته بواحد في عدد محصور لا يعرفه بشخصه يمكن أن يقال: إنّه يجب عليه بحكم العقل تحصيلاً لفراغ ذمّته إرضاء الجميع.

وأمّا القول بإجراء حكم مجهول المالك عليه، فهو خلاف الوجدان. وإعطاؤه لغير الّذين نعلم بوجود المالك فيهم لا يجوِّزه العقل ولا الشرع، فلا بد حينئذ: إمّا من القول بالقرعة، أو التوزيع بينهم؛ لقاعدة العدل والإنصاف.

المعلوم مقداره دون مالكه

مسألة 23: إذا عرف المقدار ولم يعرف المالك وكان مأيوساً من الظفر به يتصدّق به على الفقراء((1)) على المشهور، بل عن الشيخ الأنصاري((2)) أنّه مورد اتّفاق الأصحاب من غير خلاف.

ولكن حكي عن صاحب الحدائق(قدس سره)((3)) نسبة القول إلى البعض بوجوب

ص: 113


1- كما في خمس الدروس، ج1، ص259؛ومدارك الأحکام، ج5، ص389؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص467 وغيرها.
2- المكاسب، ج2 ، ص194.
3- الحدائق الناضرة، كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المقام السابع، ج12، ص364 - 365؛ المستند في شرح العروة الوثقی للسيّد الخوئي، ج25 ، ص134.

الخمس والتصدّق بالزائد إن كان المعلوم أكثر، واختار هو الخمس فقط، سواء كان الحرام المعلوم أقلّ من الخمس أو أكثر.

وردّ الاستدلال - للقول المشهور بإطلاق روايات التصدّق - بإنكاره الإطلاق؛ لأنّ مورد هذه الروايات المال المتميَّز في حدّ ذاته،((1)) لا المشترك الموقوف صحّة التصرّف فيه على رضا الشريكين. والقول الّذي نسبه بعضهم بعين هذا الإشكال بالنسبة إلى الصدقة بالزائد على الخمس.

وفيه: أنّ غاية ما يستفاد من الروايات وجوب الخمس فيما إذا لم يعرف قدر ما في المال من الحرام من خمسه وطرفيه الأقلّ منه أو الأكثر، وإلّا يلزم من القول بإطلاقه ثبوت الحكم بمجرّد الاختلاط وعدم تميّز الحلال من الحرام، كما لو اختلط درهمان من الحرام بعشرة آلافٍ من الحلال وجب تخميس العشرة لتطهير المال، فلا يكفي التصدّق بهما. وإن كان بالعكس فاختلط درهمان من الحلال بعشرة آلاف من الحرام فيكون التخميس محُلّلاً للحرام. وحمل الروايات على مثل ذلك لا يوافق مصلحة التشريع ، فإذا كان الحرام المعلوم أقلّ من الخمس يجزيه التصدّق به بإذن الحاكم، وكذلك إذا كان أكثر يجب التصدق به أيضاً بإذن

ص: 114


1- قال بما نصّه: «ولقائل أن يقول: إنّ مورد تلك الأخبار الدالّة على التصدّق إنّما هو المال المتميّز في حدّ ذاته لمالك مفقود الخبر، وإلحاق المال المشترك به مع كونه ممّا لا دليل عليه قياس مع الفارق، لأنّه لا يخفى أنّ الاشتراك في هذا المال سار في كل درهم درهم وجزء جزء منه فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول...لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتى يتصدق به عنه...». الحدائق الناضرة، ج12، ص365.

الحاكم؛ دفعاً لإشكال لزوم كون تقسيم المال المشترك برضا الشريكين. والله هو العالم.

المعلوم مالكه دون مقداره

مسألة 24: إذا عرف المالك وجهل المقدار فالقول بإجراء حكم التخميس فيه، كما نُسب إلى العلّامة،((1)) لا وجه للذهاب إليه؛ لأنّ مورد أخبار التخميس هو الحلال المختلط بالحرام المجهول مالكه ومقداره. وعلى ذلك هل يجوز الاكتفاءبالتصدّق بالقدر المتيقّن، أو لا يكفي إلّا أداء الأكثر؟

فنقول: للمسألة صور نذكر بعضها:

الأولى: أن يكون المال تحت استيلائه ويده، كما إذا كان تحت يده عش-رة من أعيان المال الخاصّ كالثوب مثلاً وعلم أنّ عدداً منها الدائر بين الأقلّ والأكثر لشخص معيّن، فلا ريب في أنّه لا يجوز التمسّك بقاعدة اليد في كلّ واحد منها؛ لمعارضته للقاعدة الّتي تجري في غيره المعلوم بالإجمال بطلان أحدهما.

ولكن ربّما يقال بإجراء قاعدة اليد في الفرد المشكوك فيه، أي الأكثر من غير تمييز، فمثلاً إذا علمنا بأن إثنين من هذه الأثواب المختلطة حرام وشككنا في الباقي فلا ريب في عدم إجراء قاعدة اليد في كلّ واحد منها؛ للمعارضة المذكورة، ولكن لِمَ لا تجري القاعدة في الأكثر عن الإثنين؟ مثلاً للغير وشككنا في

ص: 115


1- تذکرة الفقهاء، ج5، ص422؛ وحكاه جواهر الکلام، ج16، ص75.

الباقي لا تجري قاعدة اليد في كلّ واحد منها بالخصوص، ولكن تجري في الثمانية الّتي هي في البين، ولازم ذلك كون الثمانية لمن كانت الأثواب تحت يده والاثنان منها للغير، ويكون المال مشتركاً بين المالكين، فإن تصالحا على تقسيمه فهو، وإلّا يقسَّم بينهما ويفرز نصيب كلٍّ منهما بالقرعة. هذا كلّه إذا كان المقدار المجهول دائراً بين الأقلّ والأكثر.

الثانية: أن يكون دائراً بين المتباينين كالجَمَل والناقة المعلوم أنّ أحدهما له والآخر لزيد فالمرجع فيه ليس إلّا القرعة، كما قيل.

ويمكن أن يقال: إنّ كلّ واحدٍ منهما يكون بينهما بالشركة القهرية بالمناصفة، ولا فرق في المتباينين بين أن يكون المالان تحت اليد، وبين إن لم يكن كذلك تحت اليد، وفي الأقلّ والأكثر إذا لم يكن تحت اليد يؤخذ بالقدر المتيقّن الّذي يكون له ولغيره، وفي الزائد يُعمل بالقرعة. والله تعالى هو العالم، تعالى جدّه وعزّ شأنه.

تردّد الحرام بين الأقلّ والأكثر

مسألة 25: إذا علم في المال الحلال المختلط بالحرام المجهول مالكه كون ما فيه من الحرام أقلَّ من الخمس أو أكثر منه، ولكن كان جاهلا بالمقدار الأقلّ أو الأكثر، فهل يجب في الصورة الأولى تخميسه، وفي الثانية يجزيه التخميس، فيحلّل به الزائد المعلوم وجوده فيه أم لا ؟ فيجب عليه في الصورتين إجراء حكم مجهول المالك في القدرالمتيقّن، وفي الأكثر يبني على كونه ماله؛ لقاعدة اليد. فالنتيجة: كون المال مشتركاً بينه وبين الفقراء فالقدر المتيقّن ممّا

ص: 116

يكون تحت الخمس في الصورة الأوّلى، ومن خمس المال والزائد عليه في الصورة الثانية للفقراء، يظهر من العروة((1)) أنّه يجب عليه تعّبداً في الصورة الأولى أداء خمسه المعلوم أنه زائد على ما فيه من الحرام، ويكفيه في الصورة الثانية تعّبداً الخمس المعلوم كونه الأقلّ ممّا فيه من الحرام.

ولكن قد علم ممّا ذكرناه انصراف أخبار التخميس عن مثل الصورتين، بل في الجواهر:((2)) أنّ تحليل مال الغير المعلوم كونه منه بغير رضاه مخالف للضرورة.

هذا في الصورة الثانية. وفي الصورة الأولى يلزم منه أنّه إن كان جميع المال مثلاً عشرة آلاف وتردّد ما فيه من الحرام بين الواحد والاثنين وجب تخميسه بألفين.

والحاصل: أنّه لا يجري حكم التخميس في المختلط المردّد حرامه بين خمسه والأقلّ منه، وبينه والأكثر منه، بل مورده في الحرام المردّد بين خمسه والأقلّ والأكثر منه بأن لا نعلم هل هو أقلّ منه أو أكثر. والله هو العالم.

اشتغال الذّمة بالحرام

مسألة 26: إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله، فلا إشكال في أنّه لا محلّ للخمس فيه؛ إن ثبت الحرام في ذمّته ابتداءً قبل أن يختلط بالحلال، فحينئذ إن علم جنسه ومقداره ولم يعرف صاحبه، أو يعرفه في عدد غير محصور تصدّق به عنه بإذن الحاكم الّذي هو وليّ

ص: 117


1- العروة الوثقى، ج4، ص258، المسألة 29.
2- جواهر الکلام، ج16، ص74 - 75.

الغائب، أو يدفعه إليه. وإن كان في عدد محصور فيجب عليه الاسترضاء من الجميع. وإن تردّد بين الأقلّ والأكثر يجزيه الأقل إن علم جنسه، وكذا إن لم يعلم جنسه وكان قيمياً. وإن كان مثلياً ولم يعلم جنسه، كتردّده بين مَنٍّ من الشعير ومَنّ من الحنطة فالقول بأنّه يكفي تسليم نصف من كلٍّ منهما يكون عملاً بقاعدة العدل والإنصاف.وأمّا إن وقع في ذمّته بعد اختلاط حلاله بالحرام فللمسألة صور:

الأولى: أن يكون مجهول القدر والمالك فتلف في يده فهل حكمه التصدّق، أو تخميس قيمته إن كان قيمياً، ومثله إن كان مثلياً، ويخلّص ذمّته عنه به، كما لو كان هذا حكمه قبل تلفه؟ وجهان مبنيّان على أنّ وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام وتعلّقه به هل يكون كتعلّقه بالكنز والمعدن والغنيمة، فعليه إذا تلف المال ليس عليه إلّا الخمس إذا كان تلفه بتقصير منه، وإلّا فهو بريء الذمّة من الخمس؟ أو أنّ مناط هذا الحكم تفريغ ذمّة من بيده المال إن أدّى خمسه، وإلّا فهو باق على حاله الواقعي يكون لمن بيده المال ولمالك الحرام ما يكون لكلّ واحد منهما واقعاً، فإذا تلف المال ينتقل في القيميات قيمة الحرام الواقعي الّذي كان في المال منه إلى ذمّة من كان بيده؟ فيجب عليه الخروج عمّا في ذمّته، وطبعاً يكون مردّداً بين الأقلّ والأكثر فيجوز له الاكتفاء بالأقلّ.

وإن كان بين المتباينين، فإن كانا قيميّين أيضاً يكون ما عليه من قيمتهما مردّداً بين الأقلّ والأكثر وإن لم يكونا متساويين في القيمة. وإن كانا مثليين وجب عليه

ص: 118

التصدّق بنصف كلٍّ منهما من جانب المالك بقاعدة العدل والإنصاف، أو بواحد منهما بالقرعة.

ظاهر صحيح عمّار بن مروان((1)) - الّذي أتى بالمختلط بالحرام في سياق غيره ممّا فيه الخمس - الأوّل، فإذا تلف المال بغير تقصير منه لا شيء عليه، وإلّا فيجب عليه أداء قيمة خمسه إن كان قيمياً، ومثله إن كان مثلياً.

الصورة الثانية: أن يكون معلوم القدر ومجهول المالك، فحكمه يعلم ممّا سبق، يتصدّق بقيمته إن كان قيمياً، وبمثله إن كان مثلياً بإذن الفقيه.

الصورة الثالثة: أن يكون مجهول القدر ومعلوم المالك، فيجب عليه أداء الأقلّ القدر المتيقّن إلى مالكه إن كان حقّه مردّداً بين الأقلّ والأكثر، وإن كان بين المتباينين فقد علم حكمه.

إذن الحاكم في إخراج الخمس

مسألة 27: اختار في العروة((2)) أنّ الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك فيجوز له الاخراج والتعيين، كما في سائر أقسامالخمس، فلا حاجة إلى إذن الحاكم، كما يجوز دفعه من مال آخر وإن كان الحقّ في العين. ولكن يتمّ ذلك في مجرّد الإخراج والتعيين، أمّا في الإيصال إلى أهله ففي النصف الّذي هو للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فهو له ويؤدّى إلى الفقيه في عص-ر الغيبة، وفي النصف الّذي للسادة فالأحوط الاستيذان من الفقيه.

ص: 119


1- الخصال، ص290؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب3، ح6، ج6، ص344.
2- العروة الوثقى، ج4، ص263 - 264، المسألة 32.

تبيّن المالك بعد إخراج الخمس

مسألة 28: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «لو ظهر المالك بعد إخراج الخمس فهل يضمن الدافع كما صرّح به الشهيدان في الروضة والبيان،((1)) أم لا كما عن الرياض والمدارك والذخيرة؟((2)) قولان:

من قاعدة اليد، وكون الإذن في التخميس في مقام بيان سبب إباحة التصرّف في الباقي فلا يفيد رفع الضمان. نعم، غايته رفع الإثم، مضافاً إلى النصّ بالضمان في أمثاله من التصدّق بمجهول المالك واللقطة.

ومن أنّ ظاهر التعليل في قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «إنّ الله رضي من الأموال بالخمس»((3)) أنّ ولاية الخليط المجهول مالكه انتقل مع جهل المالك إلى الله سبحانه، وقد رضي عن الخليط بالخمس، فإخراجه مطهِّر للمال ومبرئ للذمة بحكم المراضاة الحاصلة بين مالك الحلال وبين الشارع تقدّس ذكره. وهذا بخلاف مسألة التصدّق بمجهول المالك واللقطة، فإنّ الظاهر أنّ التصدّق بهما إنّما هو عن صاحبه

ص: 120


1- الروضة البهية، كتاب الخمس، الخامس: الحلال المختلط، ج2، ص68؛ البيان، كتاب الخمس، الفصل الأوّل، وسادسها، ص218؛ ومسالك الأفهام، كتاب الخمس، ج1، ص467؛ واختاره جواهر الکلام، ج16، ص75.
2- رياض المسائل، كتاب الخمس، ج1، ص295؛ مدارك الأحكام، كتاب الخمس، ج5، ص389، وقال فيه: «يحتمل قوياً عدمه...»؛ ذخيرة المعاد، كتاب الزكاة، النظر الثالث في الخمس ، ص484، ذكر لكلٍّ من القولين وجهاً من دون جريح بينهما.
3- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب10، ح1، ج6، ص353.

بإذن الشارع في إيقاع هذا العمل للمالك شبه الفضولي، وأين هو من إيصال المال إلى وليّ مالكه، كما يستفاد من تعليل أخبار الباب! مع أنّ التصدّق بمجهول المالك جائز؛ لجواز إبقائه أمانةً أو تسليمه إلى الحاكم، فلا ينافي الضمان، بخلاف دفع هذا الخمس فإنّه واجب ويبعد معه الضمان.

وبهذا التقرير يظهر أنّه لو قلنا بكون هذا الخمس صدقة لا مص-روفاًفي الخمس فلا يجوز صرفه في بني هاشم إن قلنا بحرمة ما عدا الزكاة من الصدقات المفروضة عليهم وإن قلنا بجواز صرف مجهول المالك واللقطة عليهم على هذا القول لكونهما صدقة مندوبة عن المالك بخلاف ما نحن فيه فإنّه مال الله جعله صدقة واجبة فيدخل في الصدقات الواجبة.((1)) انتهى».

أقول: فالظاهر كما يستفاد ممّا أفاده من الوجه للقول بعدم الضمان هو القول الثاني، مضافاً إلى أنّه على القول بالضمان يلزم كونه ضامناً حتى قبل العلم بصاحبه، وهو خلاف الظاهر لا يقبله العرف. والله هو العالم.

تبيّن الزيادة أو النقيصة بعد التخميس

مسألة 29: لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ، قال في العروة:((2)) لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في

ص: 121


1- کتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص260 - 262.
2- العروة الوثقى، ج4، ص265، المسألة 34.

الصورة الثانية وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الأوّلى، أو لا؟

وجهان: أحوطهما الأوّل، وأقواهما الثاني.

أقول: إنّ الظاهر من التعليل «إنّ الله رضي من الأموال بالخمس»((1)) كون الخمس بدلاً من الحرام الّذي هو في المال، سواء كان البدل أكثر منه أو أقلّ أو مساوياً معه، فلا وجه لاسترداد الزائد على المقدار الحرام، ولا للتصدّق بالزائد على الخمس.

وأفاد هنا بعض الأعلام:((2)) أنّ الزائد على الخمس موضوع جديد، فإن كان مقداره معلوماً يتصدّق به. وإن كان مجهولا يتعلّق به الخمس؛ لأنّا لا نعلم مقدار الحرام في الزائد عن الخمس فيجب تخميسه.

هذا، واختار السيد الاُستاذ الأعظم(قدس سره) في المسألة: أن عدم استرداد الزائد في الصورة الثانية على الاحتياط الاستحبابي، والتصدّق بالزائد على الاحتياط الوجوبي. والله هو العالم.

خلط الحرام بالحلال عمداً

مسألة 30: قال في الجواهر: «ولو خلط الحرام بالحلالعمداً خوفاً من كثرة الحرام ولتجتمع شرائط الخمس فيجتزئ بإخراجه، عصی بالفعل وأجزأه الإخراج ويحتمل قوياً تكليف مثله بإخراج ما يقطع

ص: 122


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب10، ح1، ج6، ص353.
2- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص166.

معه بالبراءة إلزاماً له بأشقّ الأحوال، ولظهور الأدلّة في غيره».((1))

أقول: وجه الاجتزاء بالخمس إطلاق الأدلة وشمولها للفرض، وحصول الاختلاط بفعله وعصيانه لا یوجب الانصراف، بعد ما جاء في رواية السكوني في سؤال السائل، فقال: «إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً وقد أردت التوبة...».((2)) الظاهر منه أنّ الاختلاط وقع عمداً وإغماضاً في الحلال والحرام فلا يوجب وقوع الاختلاط منه عمداً انصراف إطلاق الدليل. ولا قوّة لما احتمله(قدس سره)، ولا وجه لإلزامه بأشقّ الأحوال.

وأمّا الاستدلال لبقائه على المجهول المالك بأنّ مالكه قبل التخليط كان الفقراء، ففيه: أنّ الفقير إنّما يملك المال المجهول مالكه بعد دفعه إليه، وقبل ذلك فهو ملك لمالكه الواقعي. فالأقوى كفاية الاجتزاء بالخمس. والله هو العالم.

تعلّق خمس آخر بالحلال المختلط

مسألة 31: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «لو كان الحلال ممّا فيه الخمس لم يسقط بإخراج هذا الخمس...، فإذا اُحلّ لمالكه وطهر عن الحرام أخرج خمسه، ولو عكس صحّ، لكن تظهر الفائدة فيما لو جعلنا مصرف هذا الخمس في غير الهاشمي، فحينئذ فليس له إلّا العكس».((3))

ص: 123


1- جواهر الكلام، ج16، ص76.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب10، ح4، ج6، ص353.
3- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص263، مسألة 17؛ راجع: أيضاً جواهر الکلام، ج6، ص76، وقال فيه بتقديم خمس الاختلاط.

أقول: أمّا أصل الحكم بتعدّد الخمس في هنا فالظاهر أنّه واضح.

والقول بوحدته لإطلاق قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «وسائر المال لك حلال»((1)) ضعيف جداً؛ لأنّ المراد منه أنّه حلال من حيث اختلاط الحرام، لا من كلّ جهة.

وأمّا الكلام في وجوب تقديم أحدهما على الآخر وعدمه، فقد أفاد في وجه تقديم خمس الاختلاط: أنّه مبنيّ على كون مصرف هذا الخمس في غير الهاشمي. وظاهر العروة((2)) تقديم هذا الخمس، وهو على ما ذكرمطابق للاحتياط.

ولإيضاح المرام نقول: إنّ في المسألة أقوالاً واحتمالات:

الأوّل: ما اختاره الشيخ والسيّد وغيرهما((3))، وهو أداءً خمس التحليل، ثم أداء خمس الباقي؛ لأنّ الباقي إمّا أن يكون تمامه له من أوّل الأمر، أو تملّك بعضه بأداء خمس التحليل.

الثاني: أداء خمس القدر المتيقّن من الحلال الّذي فيه، ثم أداء خمس الباقي للتحليل. والفرق بينهما أنّه على القول الأوّل إذا فرضنا أنّ مجموع المال خمسة وسبعون ديناراً يبقى بعد التخميسين لصاحب المال ثمانية وأربعون ديناراً. وعلى القول الثاني على فرض كون الحلال المتيقّن خمسين يبقى بعد التخميسين اثنان وخمسون ديناراً.

وأفاد بعض الأعلام لإثبات هذا التقديم: أنّ الخمس بعنوان الاختلاط

ص: 124


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب10، ح4، ج6، ص353.
2- العروة الوثقى، ج4، ص266، مسأله 36.
3- كصاحب جواهر الکلام كما تقدّم، ج16، ص76.

حسب ما يستفاد من الأدلة خاصّ بالمال المختلط فيه الحلال بالحرام، فموضوعه المال المؤلَّف من هذين الصنفين، فبعضه له وبعضه حرام لا يعرف صاحبه. وأمّا المشتمل على صنف ثالث بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الّذي لا يعرف صاحبه فهو غير مشمول لتلك الأدلّة.

ومقامنا من هذا القبيل؛ إذ بعد كون حصّته من هذا المجموع متعلّقاً للخمس كما هو المفروض، فهو يعلم أنّ مقداراً من هذا المال المختلط - أعني: الخمس من حصّته - لا له ولا من المال الحرام، بل هو ملك للسادة والإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). وعليه، فلابدّ من إخراجه واستثنائه أوّلاً ليتمحّض المال في كونه حلالاً مختلطاً بالحرام، ثم يخمّس بعدئذ للتحليل وبعنوان الاحتياط.

فالنتيجه: أنّ التخميس بعنوان الأرباح مثلاً مقدَّم على التخميس من ناحية الاختلاط، عكس ما ذكره في المتن.((1))

أقول: أوّلاً : إن كان موضوع مسألتنا غير ما هو الموضوع للأدلّة الخاصّة بالمال المختلط بالحرام فلا يدخل في الموضوع بالعلاج الّذي ذكره، فإنّ موضوعه هو ما كان من أوّل الأمر كذلك، لا المال المختلط حلاله بالحرام وبهذا المال المجهول مقداره من الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) والسادة وإن فرض تعيين مقداره بالعلاج المذكور والأخذ بالقدر المتيقّن منه.

وثانياً: كيف نصنع باحتمال كون حقّ السادة فيه أزيد من خمسالخمسين؟

ص: 125


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص169 - 170.

وثالثاً: بعد قبول كون الموضوع غير الموضوع، فلماذا نسلك المسلك المذكور بعلاج المشكل؟ بل بإمكاننا أن نأخذ بما هو القدر المتيقّن من الحرام ونتصدّق به، وفيما زاد على القدر المتيقّن نعمل بقاعدة اليد، ثم نؤدّي خمس الباقي بعنوان خمس المال.

القول الثالث والرابع والخامس تستفاد من حاشية سيدنا الاُستاذ(قدس سره)، وإليك ما أفاده(قدس سره) بلفظه الشريف:

قال: «وهل الواجب هو إخراج خمس الأربعة أخماس الباقية، أو كلّ ما يحتمل حلّيته، أو ما يعلم حلّيته، أو ينصَّف التفاوت بين الأخيرتين بينه وبين أرباب الخمس؟ وجوه أحوطها الثاني، وإن كان الأخير لا يخلو من وجه».

والوجه لما أفاده أعلى الله مقامه الشريف:

أمّا احتمال تخميس الأربعة أخماس الباقية فوجهه أنّها الفائدة له: إمّا من جهة كون جميعها من الأرباح، أو بعضها منها وبعضها ممّا حصل له بخمس التحليل، وإمّا من جهة تخميس ما يعلم حلّيته فإنّه هو القدر المتيقّن.

وأمّا احتمال تخميس ما يحتمل حلّيته فإنّ به يحصل العلم بفراغ ذمته.

وأمّا احتمال تخميس القدر المتيقّن وتنصيف التفاوت بينه وبين ما هو المحتمل فإنّه يكون بين أرباب الخمس وبينه، ومقتض-ى العمل في أشباهه التنصيف. والظاهر أنّ ما أفاده هو الوجه في المسألة. نعم، الأحوط هو الأوّل، وهو مختار الشيخ وغيره.

ص: 126

كون الحرام من الخمس أو الزكاة أو الوقف

مسألة 32: إذا كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ فهو كمعلوم المالك، لا يجزي فيه حكم التخميس؛ لاختصاصه بمجهول المالك.

لا يقال: إنّه کمجهول المالك إذ ليس له مالك معيّن.

فإنّه يقال: نعم ليس له مالك شخصيّ معين، ولكن له المالك الكلّي الّذي ينطبق على أفراده. وحكمه حكم معلوم المالك، فيجب عليه الرجوع إلى الحاكم أو وليّ الوقف والتصالح معه.

ويمكن أن يقال: إنّه يكفيه أن يأخذ بالقدر المتيقّن فيردّه إلى المالك الكلّي، وفي الزائد عليه يأخذ بقاعدة اليد، كما أشرنا إليها في نظيره.

إتلاف المختلط قبل التخميس

مسألة 33: إذا تص-رّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط، فيجب عليه أداء خمس مثله إن كان مثليّاً، وقيمته إن كان قيميّاً.

لا يقال: إنّما يتمّ هذا بناءً على أنّ تعلّق الخمس بالحلال المختلط بالحرام يكون كتعلّقه بسائر ما یجب فيه الخمس. وأمّا بناءً على أنّه ليس أزيد من توقّف جواز التصرّف في المختلط على أداء هذا الخمس، فإذا لم يؤدِّهِ وأتلفه يجري عليه حكم ردّ المظالم، أي التصدّق به.

ص: 127

فإنّه يقال: وإن احتمل ذلك في مثل خبر السكوني،((1)) ولكن صحيح عمّار بن مروان((2)) فهو ظاهر في كونه كسائر ما یجب فيه الخمس؛ لأنّه ذكره في سياق غيره.

نعم، بناءً على مثل خبر السكوني حيث لم يعرف قدر الحرام المختلط، فالأحوط وجوب دفع ما تيقّن به البراءة، والأقوى كفاية الاقتصار على الأقلّ الّذي يعلم اشتغال ذمّته به.

وقال السيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره): «لا يبعد تنصيف المقدار المشكوك، كما مرّ. ووجهه أنّ المقدار المشكوك مردّد بين كونه الحلال أو الحرام. وبعبارة اُخرى: بين كونه منه، أو من غيره، فبقاعدة النصف يوزّع بينهما». والله هو العالم.

مسألة 34: إذا كان الحلال المجهول المقدار المختلط بالحرام المجهول مقداره ومالكه مشتركاً بينه وبين غيره بالسوية أو بالاختلاف، فالظاهر أنّه من مصاديق الحلال المختلط بالحرام، فيكفي لحلّيته على جميع الشركاء أداء خمسه.

التصرّف في المال المختلط

مسألة 35: إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج خمسه، كما إذا باعه مثلاً، فالمعاملة تقع فضولياً، إمّا من جانب السادة، أو من مالكه الأصلي المجهول، فإن أمضاها الحاكم الوليّ على الخمس

ص: 128


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب10، ح4، ج6، ص353.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب10، ح2، ج6، ص353.

وعلى المال المجهول مالكه يأخذ خمس عوضه، فيؤدّيه: إمّا إلى السادة بناءً على صيرورة خمسمال المختلط بالاختلاط ملكاً للسادة. وعلى المبنى الآخر يجب التصدّق من ثمنه بمقدار يحصل له اليقين بفراغ الذمّة، أو ينتفي به اليقين باشتغال الذمّة. وإلّا فكلّ من الناقل والمنقول إليه ضامن: إمّا للخمس، أو للحرام الّذی هو في المال.

وبعد ذلك تتفرّع على المسألة فروع اُخر تظهر للمتأمّل. والله هو العالم.

تذنيب: فيما قلنا بتحليل المال الحلال المختلط بالحرام بتخميسه وإن أمكن فرض القدر المتيقّن من الحلال الّذي فيه بل دائماً يمكن، فإذا كان مقدار جميع المال مائةً وعلمنا بأنّ الخمسين منه حلال فالخمسون الآخر منه إمّا تمامها حرام، أو بعضها حلال وبعضها حرام، لا الحلال المختلط بالحرام، فيمكن أن يقال بالعمل بالقرعة، فيستخرج بها أنّ الخمسين الباقية كلّها حرام وللغير، أو لهما بالاشتراك.

فإن خرجت القرعة بالاشتراك ينصّف المال بينهما. ولكن الظاهر أنّ الروايات تشمل المائة من أول الأمر والعلم بتخليط حلالها بالحرام وإن أمكن إخراج القدر المتيقّن منه. وعلى هذا إذا كان الحلال المختلط ممّا تعلّق به الخمس يجب تخميسه للاختلاط أوّلاً ثم تخميس الباقى، لأنّه إمّا من الحلال الّذي تعلّق به الخمس ابتداءً، أو من الحرام الّذي صار حلالاً بالتحليل. وأمّا بناءً على تخميس الحلال اولاً بتخميس القدر المتيقّن منه ثم تخميس الباقي للاختلاط،

ص: 129

فيخرج به الباقي عن تحت أدلّة وجوب تخميس الحلال المختلط؛ لعدم العلم بالحلال المختلط، فإنّ الباقي: إمّا أن يكون تمامه حراماً، أو بعضه حراماً وبعضه حلالا ، وأين ذلك من الحلال المختلط بالحرام الّذي هو الموضوع للأدلّة، فإذا كان المال خمساً وسبعين واستثنينا منه مثلاً الخمسين المتيقّن كونه الحلال المتعلّق به الخمس وأدّينا خمسه يبقى خمس وعشرون ديناراً، فإن وجب أداء الخمس يجب أداء خمسه، لا خمس خمس وستين، كما هو الظاهر من بعض الأجلّة.

وبالجملة: ففي المسألة مجال للتأمّل، والأقوى إمّا قول المشهور، أو القول بعدم شمول الروايات لما إذا كان الحلال متعلّقاً للخمس. والله هو العالم.

ص: 130

الفصل السادس ممّا يجب فيه الخمس

اشارة

الأرض الّتي اشتراها الذّمّي من المسلم

ص: 131

ص: 132

قال في الجواهر: «عند ابنَي حمزة وزهرة وأكثر المتأخّرين من أصحابنا».((1)) وقال الشيخ الأنصاري(قدس سره) وفاقاً للمحكيّ عن الشيخين((2)) والمتأخّرين. وعن المنتهى((3)) وكنز العرفان:((4)) نسبته إلى أصحابنا.((5)) انتهى.

والدليل عليه: صحيح أبي عبيدة الحذّاء، قال: «سمعت أبا جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقول: أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس».((6)) المؤيّد بمرسل المفيد عن الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «الذّمّي إذا اشترى من المسلم أرضاً فعليه فيها الخمس».((7))

ص: 133


1- جواهر الكلام، ج16، ص56؛ وفيه عن غنية النزوع الإجماع عليه، ص129؛ و في منتهى المطلب، ج1، ص549؛ وتذكرة الفقهاء، ج5، ص422، نسبته إلى علمائنا؛ وفي الروضة البهیة نسبته إلى الشيخ والمتأخرين أجمع، ج2، ص73؛ وعن الشهيد الثاني في فوائد القواعد الميل إلى عدم الخمس مستضعفاً لما دلّ على وجوب الخمس، ص281. وذهب المحقّق إلى وجوبه في شرائع الإسلام، ج1، ص135.
2- الشيخ المفيد في المقنعة، ص283؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص197؛ والمبسوط، ج1، ص237.
3- منتهى المطلب، ج1، ص549؛ راجع أيضاً تذكرة الفقهاء، ج5، ص422.
4- كنز العرفان، ج1، ص249.
5- كتاب الخمس للأنصاري، ص229، مسألة، 13.
6- من لا یحض-ره الفقیه، ج2، ص42 - 43؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص123 - 124؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب9، ح1، ج6، ص352.
7- المقنعه، ص283؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب9، ح2، ج6، ص352.

ومقتضى الأصل ومفهوم حصر الخمس في بعض الروايات وإن كان عدم الوجوب، إلّا أنّه ينقطع الأصل بالصحيح المذكور، كما يقيّد إطلاق مفهوم الروايات به.

هذا، وقد حكي عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد ضعف سنده. وهو ضعيف جدّاً، لعدم اشتماله على من يضعّف به السند، بل عن المدارك أنّه في أعلى مراتب الصحّة.((1))

وقد حمل على التقيّة؛ لأجل أنّ مذهب مالك:((2)) أنّ الذّمّي إذا اشترى أرضاً من الأراضي العشرية ضُوعف عليه العش-ر، فيؤخذ منه الخمس،فلعلّ هذه الروايات وردت موافقةً أو تقيّةً منه أو من مثله.

واُجيب عنه: بأنّ ذلك تأويل للرواية من غير قرينة ليصير موافقاً لمذهب العامّة، فإنّها ظاهرة في أنّ الخمس في عين الأرض لا حاصلها، ومذهب مالك كون العشر، والعشر الّذي ضُوعف عليه من حاصل الأرض. إذا زرع فيها إحدى الغلّات الزكوية فخرج ما يبلغ النصاب بشرائطه. مضافاً إلى أنّ مذهب مالك لم يكن معروفاً منه في ذلك الزمان، ولو فرضنا تمذهبه به فإنّه كما قيل: كان عمره عند رحلة الإمام الباقر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إلى عالم اللقاء عشرين سنة.

هذا، مضافاً إلى أنّ حمل الحديث إذا لم يعارضه حديث آخر على التقية بمجرّد

ص: 134


1- مدارك الأحكام، كتاب الخمس، ج5 ، ص386؛ راجع أيضاً منتقى الجمان، ج2، ص443.
2- المغني، ج2، ص593.

موافقته للعامّة لا وجه له، وعلى كلّ ذلك فالاستدلال بالصحيح تام.

فإن قلت: يكفي في الحمل على التقية ورفع اليد عن أصالة الجدّ معارضة الخاصّ أو المقيد الموافق للعامّة مع العامّ والمطلق، فلا يشترط كونهما متباينين.

قلت: ظهور الخاصّ والمقيّد والتخصيص والتقييد أظهر من قرينية ما ذكر على التقيّة، وإلّا يلزم منه رفع اليد عن كثير من المخصّصات والمقيدات.

وبالجملة: على فرض كون مضمون الرواية موافقاً لفتوى العامّة لا وجه لحملها على التقيّة، بل - كما قال في المنتقى((1)) - يحتمل إرادته من الحديث إمّا موافقة عليه أو تقيّة، وحيث إنّ الظاهر أنّه صدر لبيان مدلوله جدّاً لا لغرض آخر فلا موجب لحملها على التقية. قد ظهر ممّا ذكر: أنّ ظاهر الحديث هو الخمس في العين لا في الحاصل، وهو لا يطابق مذهب العامّة لا موافقةً ولا تقيّة.

هذا، ومع ذلك ينبغي الإحاطة بجوانب المسألة وتنقيحها. وحيث إنّ الظاهر أنّ الشيخ(قدس سره) هو أوّل من فصّل وجوب الخمس المذكور في كتابَيه النهاية والمبسوط وغيرهما، فلننظر في كلامه.

ولنبتدأ بكلامه في الخلاف الّذي يظهر منه حمل الصحيح على الزكاة، وأنّ الذمّي إذا اشترى الأرض من المسلم يجب عليه خمس حاصلها زكاةً، كما يكون على المسلم عشره. ولعلّ الناظر في الحديث لا يرى ترجيحاً لحمل الخبر على أحد الاحتمالين خمس الزكاة والخمس المصطلح.

ص: 135


1- منتقى الجمان، ج2، ص443.

وإليك كلام الشيخ في الخلاف: «إذا اشترى الذّمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس. وبه قال أبو يوسف، فإنّه قال: عليه فيها عشران وقال محمد: عليه عشر واحد. وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية. وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج. دليلنا: إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة لهم منصوص عليها، روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء قال:...».((1))

ويظهر من كلامه هذا أنّ ما اختاره كان المعروف بين الأصحاب في عص-ره، وكان المستند لهم الصحيحة.وقال في النهاية: والذّمّي إذا اشترى من مسلم أرضاً وجب عليه فيها الخمس.((2))

وقال في المبسوط: وإذا اشترى ذمّي من مسلم أرضاً كان عليه الخمس.((3))

وقال في الاقتصاد: يجب الخمس في الغنائم... وفي أرض الذّمّي إذا اشتراها من مسلم.((4))

وقال في الجمل والعقود:... وفي أرض الذّمّي إذا اشتراها من مسلم.((5))

ثم إنّ الظاهر أنّ مستند الشيخ(قدس سره) في فتواه أيضاً ليس إلّا صحيح الحذّاء.

ص: 136


1- الخلاف، ج2، ص73 - 74، كتاب الزكاة، المسألة 85.
2- النهاية، ص197، باب الخمس والغنائم.
3- المبسوط، ج1، ص237، فصل ذكر ما یجب فيه الخمس.
4- الاقتصاد، ص283.
5- الجمل والعقود، ص105.

ولكنّه في الخلاف استظهر من الصحيح تعلّق الخمس بمنافع الأرض، وفي كتبه الأربعة المذكورة استظهر منه الخمس المصطلح وتعلّقه بالرقبة.

وبالجملة: فهو في النهاية استظهر تعلّقه بالرقبة. ثم في الخلاف عدل عنه وقال بتعلّقه بحاصل الأرض بدليل إجماع الفرقة وصحيح الحذّاء. ثم ذكر في المبسوط - تأليفه الّذي ألّفه بعد الخلاف - : ما اختاره في النهاية وغيرها.

وبعد ذلك فهل المتبادر من الصحيح (أيّما ذمّيٍّ اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس) خمس حاصلها قبال العشر الّذي على الأراضي العش-رية، والمراد من الأرض فيه الأراضي العشرية، أو الخمس المصطلح في باب الخمس المتعلّق بالعين دون الحاصل والمنافع؟

يمكن أن يقال: إنّ الاحتمال الأوّل سيّما لمن كان في عصر صدور الرواية كأبي عبيدة لو لم يكن متبادراً منه يكون عِدلاً للآخر، فترجيح الآخر عليه بلا مرجّح ولا يجوز. كما أنّ العمل بالاحتياط وأخذ خمس الرقبة من باب الخمس المصطلح وأخذ خمس الحاصل ضعف ما يؤخذ من المسلم - أي العشر - ظلم على الذّمّي. والقول بالبراءة رأسا أيضاً بأن لا يجب عليه هذا ولا ذلك باطل قطعاً. اللّهمّ إلّا أن يقال بمصالحة وليّ الأمر مع الذّمّي.

وقد قوّى السيّد الاُستاذ(قدس سره) ترجيح احتمال الخمس المصطلح لذهاب جميع المتأخرين والشيخ في أكثر كتبه غير الخلاف إليه، سيّما بعد ما نعلم من كون تأليفه المبسوط بعد الخلاف، وعدوله عن فتواه في الخلاف، واستقرار فتواه على ما في

ص: 137

المبسوط. ويؤيّد ما اختاره: أنّ المفيد(قدس سره)((1)) أخرج ما رواه عن الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في سياق روايات الخمس المصطلح بعد مثل الكنز والغوص والمعدن وقبل العنبر ولكن الإنصاف أنّ مثل هذه المقرّبات لا توجب الجزم بترجيح هذا الاحتمال، فإذن لابدّ من المصالحته. والله هو العالم.

شمول الأرض للزراعية وغيرها

مسألة 36: على القول بكون الخمس ضعف ما يؤخذ من الأراضي الزراعية المزروعة فيها الغلّات إذا بلغت حدّ النصاب، فالمراد من الأراضي معلوم. وأمّا إذا كان المراد من الخمس ما يتعلّق بالعين فيأتي الكلام في أنّ المراد من الأرض هل مطلق الأرض وإن لم تكن مختصّةً بالزروع كأرض المسكن والدكّان والخان والبستان فتشمل الجميع، أو المراد منها: هي الأرض الزراعية الخالية غير المشغولة بالبناء والأشجار؟((2)) وجهان:

من أنّ إطلاقها يشمل الجميع، فلا وجه لاختصاصها بالأرض الزراعية.

ومن أنّ شراء الأرض لا يصدق على شراء الدار والبستان وإن كانت الدار مشتملة عليها وعلى البناء، والبستان أيضاً مشتمل عليها وعلى الأشجار، فلا يصدق شراء الأرض على شراء الدار، وهذا موافق للأصل. والله هو العالم.

ص: 138


1- المقنعة، ص283، كتاب الزكاة، باب الخمس، باب الزيادات.
2- كما في المعتبر، ج2، ص624؛ وجامع المقاصد، ج3، ص52.

عدم اختصاص الحكم بالشراء

مسألة 37: الأقوى أنّ الحكم - سواء كان المراد من الخمس الخمس المصطلح أو الموضوع على الغلّات المزروعة في الأراضي من العشر أو الخمس - يشمل سائر المعاوضات وأسباب النقل من الصلح والهبة، بل وحتى الصداق، فلايختصّ الحكم بوجوب الخمس بما إذا كان الانتقال بالبيع، فكأنّ العرف يفهم من ذكر المورد المثال، كما يفهم من الحكم بعدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر عموم الحكم لجميع صور وقوعه تحت سلطة الكافر. وقد يكون من حِكم هذا الحكم تقليل رغبة الكفّار لش-راء أراضي المسلمين وتسلّطهم عليها. وبالجملة: فلا فرق في الحكم بين أسباب الانتقال.

التخيير بين أخذ عين الخمس وغيرها

مسألة 38: على القول بشمول الحكم للأرض المشغولة بالبناء، فمن المعلوم أنّ الخمس يتعلّق برقبة الأرض دون البناء والأشجار. وللذمّي دفع الخمس من عينها أو قيمتها. ومع عدم دفعه قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذ خمس الأرض أو إجارته من الذّمّي إن رضي بها.((1))

ص: 139


1- قال صاحب الحدائق الناضرة بعدم التخيير وتعيّن أخذ الاُجرة فيما تكون الأرض مشغولة. الحدائق الناضرة، كتاب الخمس، الفصل الأوّل، المقام السادس، فروع: الثاني، ج12، ص362.

مصرف هذا الخمس

مسألة 39: الظاهر - بناءً على أنّ ظهور صحيحة الحذّاء في تعلّق الخمس بالرقبة - أنّ مصرفه مصرف غيره من أقسام الخمس الّتي تتعلّق بالعين. والتردّد في كون مصرفه مصرف الخمس أو الزكاة،((1)) كأنّه ليس في محلّه، فما ورد في الروايات بنحو مطلق (الخمس) كأنّه تفسير لآية الخمس الكريمة، ويتبادر منه الخمس المذكور فيها. والله هو العالم.

شراء الأرض المفتوحة عنوة

مسألة 40: لو كانت الأرض من المفتوحة عنوةً وبيعت تبعاً للآثار، فهل على الذّمّي الّذي اشتراها كذلك الخمس مطلقاً وإن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع وأنّ المبيع هي الآثار ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري، أو يفصّل فيجب على الأوّل دون الثاني؟ الظاهر التفصيل؛ لعدم استظهار الثاني من الصحيح، وللأصل.

ومن الأوّل إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها، فإنّهممالكون لرقبتها ويجوز لهم بيعها.

لا يسقط الخمس بانتقال الأرض

مسألة 41: لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى

ص: 140


1- تردد فيه صاحب مدارك الأحکام، ج5، ص286.

على ملكيّة الذّمّي بعد شرائه، أو انتقلت منه بعد الش-راء إلى مسلم آخر إن كان المسلم غير إماميّ وإن كان إماميّاً فالمسألة تدخل في مسألة يأتي البحث عنها، وهي جواز أخذ الإمامي الخمس من الذّمّي والتصرّف فيه؛ لما يدلّ على تحليلهم: ذلك على شيعتهم.

لا يسقط الخمس باشتراط عدم أدائه

مسألة 42: لا ريب في أنه لا يسقط الخمس إذا اشترى الذّمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس، لعدم صحّة الش-رط، لكونه على من ليس مالكا له، ولكونه خلاف الكتاب والسنة، وكذا لا يصحّ لو شرط كونه على البائع. نعم، لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه.

خمس شراء الأرض ثانياً

مسألة 43: اذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه أو من مسلم آخر ثم اشتراها ثانياً، فإن كان المسلم الّذي باعها منه غير إمامي يجب عليه خمس تمام الارض للشراء الأوّل وبالنسبة إلى الثاني فيجب عليه خمس أربعة أخماسها، والخمس الباقي يكون لأرباب الخمس وبيعه يكون فضولياً موقوفاً على إجازتهم. وإن كان المسلم إمامياً فبناءً على التحليل يكون عليه خمسان من تمام الأرض (الخمس الأوّل من قيمتها، والثاني من عينها أو قيمتها).

ص: 141

لا يسقط الخمس بإسلام الذّمّي

مسألة 44: إذا اشترى الأرض من المسلم ثم أسلم بعد الش-راء، فهل يبقى عليه وجوب الخمس، أو يسقط عنه بقاعدة الجَبّ، سواء قلنا بأنّ دليلها حديث «الإسلام يجبّ ماقبله»((1)) الذی يرسلونه إرسال المسلّمات، أو أنّ ضعفه منجبر بعمل الأصحاب، أو أنّ دليلها السيرة القطعية على عدم مطالبة الذّمّي بعد ما أسلم بالحقوق المالية، كالأخماس والزكوات وغيرها من قضاء الصلوات، أو يقال بالفرق بين ما نحن فيه وبين ما عليه من الحقوق بأنّ دليل الجَبّ إنّما يشمل الحقوق الّتي هي عليه بوصف كونه مكلّفاً دون ما كان عليه بوصف كونه كافراً أو ذميا، فلا يسقط عنه خمس الأرض الّتي اشتراها في حال الذمّة. فإذا كان دليل الجَبّ السيرة فالقدر المتيقّن منها هو الصورة الأولى؟ وجوه في المسألة، أظهرها وأقواها الثاني. والله هو العالم.

مسألة 45: إذا كانت المعاملة ممّا يتوقّف الملك فيه على القبض، فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه، لعدم تمامية ملكه في حال الكفر.

ص: 142


1- وهو النبويّ المشهور المرويّ عند العامّة، كنز العمال، ج1، ص66، رقم الحديث 243؛ ومتنه في مجمع البحرين: «الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب». ج2، ص21 (مادة: جبب). لكنه غير مروي من طرق الخاصّة.

وربما يقال: بأنّ هذا يكون على القول بكون القبض شرطاً ناقلا. أمّا على القول بالكشف فيمكن القول بثبوت الخمس لو تحقّق القبض بعد الإسلام لكشفه عن تحقّق الشراء قبله.

وأجاب عنه بعض الأعلام:((1)) أنّ ما وقع هنا ليس إلّا إنشاء العقد، نظير ما لو اشتري له من المسلم فضولياً فأسلم ثم أجاز المسلم الشراء، فلم يصدر منه حال كفره إلّا العقد الإنشائي الّذي لا أثر له، لا الشراء فإنّه يتحقّق بالإجازة، سواء قلنا بالنقل أو الكشف.

غاية الأمر أنّ متعلّقه فعليّ على القول بالنقل، ومحقّق في السابق على الكشف، فعلى كلّ حال الشراء لم يتحقّق إلّا بعد إسلامه، وما وقع منه قبل إسلامه هو مجرّد إنشاء العقد. والله هو العالم.

مسألة 46: لو تملّك الذّمّي من مثله أو كافر آخر بعقد مش-روط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض، الظاهر ثبوت حكم الخمس عليه. والله هو العالم.

مسألة 47: إذا شرط البائع على الذّمّي أن يبيعها بعد الش-راءمن مسلم لا يسقط به عنه الخمس. نعم، في أصل صحّة هذا الش-رط كلام مذكور في محلّه.((2))

ص: 143


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص191.
2- راجع: تذکرة الفقهاء، ج1، ص490.

مسألة 48: إذا اشتري المسلم من الذّمّي أرضاً ثم فسخ بالخيار أو بالإقالة، فالظاهر أنّه لا يصدق عليه المعاوضة، بل هو حلّ المعاوضة السابقة وجعلها كأن لم تكن. مضافاً إلى أنّ بهذا ينتفي موضوع الخمس. والله هو العالم.

مسألة 49: من بحكم المسلم كالصغير والمجنون الّذي أمرُهُ إلى وليّه، الشراء منه كالشراء من مسلم. والله هو العالم.

ص: 144

الفصل السابع ممّا يجب فيه الخمس

اشارة

ما يفضل عن مَؤونة سنته وعياله من أرباح التجارات ونحوها

ص: 145

ص: 146

ممّا يجب فيه الخمس مضافاً إلى ما مرّ: ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات ونحوها.

قال السيّد المرتضى: «وممّا انفردت به الإمامية: القول بأنّ الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب، وممّا استخرج من المعادن والغوص والكنوز، وممّا فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على اقتصاد».((1))

وقال الشيخ في الخلاف:((2)) يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلّات والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومُؤَنها، وإخراج مؤونة الرجل لنفسه ومؤونة عياله سنة، ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم... إلى آخره.

وفي الجواهر بعد حكاية دعوى تواتر الأخبار عن الرياض والشهيد الثاني، قال: «وهو الّذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة الّتي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة(علیهم السلام)، فما عن ظاهر القديمين من عدمه أو العفو عنه في هذا القسم للأصل المعلوم انقطاعه بغير واحد من الأدلّة القطعية. وحصر الخمس في غير هذا القسم في خبر عبد الله بن

ص: 147


1- الانتصار، ص225، مسألة 114.
2- الخلاف، ج2 ، ص118، كتاب الزكاة، المسألة 139.

سنان،((1)) عن الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» الواجب تقييده بما عرفت أيضاً إن لم نقل بشمول لفظ «الغنائم» له، كما دلّت عليه الأخبار المعتبرة المتقدّمة سابقاً باطل قطعاً. انتهى».((2))

أقول: حكي عن ابن الجنيد في «المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي» أنّه قال: فأمّا ما اُستفيد من ميراث أو كدّ يدٍ (بدن) أو صلة أخٍ أو ربح تجارةٍ أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه؛ لاختلاف الرواية في ذلك، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة الّتي لا خلاف فيها. انتهى.((3))وهذه العبارة غير صريحة في الخلاف مع سائر الأصحاب في أصل وجوب الخمس في الأرباح، ولعلّ نظره كان إلى روايات التحليل.

وحكي عن الشهيد في البيان((4)) نسبة القول بالعفو إلى ابن أبي عقيل أيضاً، والعبارة المحكيّة عنه هكذا: وقد قيل: الخمس في الأموال كلّها حتى الخيّاط

ص: 148


1- من لا یحضره الفقیه، ج2، ص40؛ الاستبصار، ج2، ص56؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص124؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب2، ح1، ج6، ص338؛ والتعبير عنه «بالخبر» كأنّه ليس في محلّه، بل هو الصحيح.
2- جواهر الكلام، ج16 ، ص46 - 45.
3- حكاه صاحب مدارك الأحکام، كتاب الخمس، ج5، ص378؛ وحكاه أيضاً العلّامة في خمس مختلف الشیعة، ج3، ص313، المسألة 1.
4- البيان، ص218، كتاب الخمس، الفصل الأوّل؛ راجع أيضاً: مصباح الفقيه، ج14، ص94؛ وحكى صاحب الحدائق الناضرة أيضاً المخالفة إلى ابن جنيد وابن أبي عقيل. الحدائق الناضرة، ج12، ص347. وانظر عبارته أيضاً في المعتبر، كتاب الخمس، الرابع ممّا يجب فيه الخمس، ج2، ص623.

والنجّار وغلّة الدار والبستان والصانع في كسب يده؛ لأنّ ذلك إفادة من الله تعالى وغنيمة.((1)) وكيف كان فالإجماع قد تحقق قبلهما وبعدهما.

إثبات خمس الأرباح

وكيف كان فالعمدة للاستدلال على الوجوب أوّلاً: الآية الش-ريفة المستفاد منها العموم. وكون نزولها في سياق الآيات المذكورة فيها القتال لا یوجب اختصاصها به؛ ولذا حكي عن القرطبي((2)) من العامّة شمولها لجميع الفوائد وتخصيصها بخصوص غنائم دار الحرب بالإجماع. فالخصوصيّة المذكورة لا توجب خصوصيّة المراد من الكلام الظاهر في العموم.

وثانياً: الروايات الكثيرة البالغة حدّ التواتر الإجمالي مثل ما دلّ على أنّ الغنيمة هي الإفادة يوماً فيوماً((3)) من غير فرق بين ما يدلّ على أصل الوجوب وما يدلّ على التحليل ممّا يأتي الكلام فيه، فإنّ التحليل متفرّع على أصل التشريع. إذن فلا ريب في أصل الحكم ووجوب الخمس فيما ذكر.((4))

ص: 149


1- المعتبر، ج2، ص623.
2- تفسير القرطبي، في تفسير الآية، 41 من سورة الأنفال، ج8، ص1.
3- وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب4، ح8، ج6، ص380 - 381، وهي من روايات التحليل. وأمّا الدالة على أصل تشريع الخمس فيما نحن فيه مثل ما في وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ج6، ص348 - 351، وغيرها.
4- وعليه الإجماع أيضاً كما في الخلاف، كتاب الزكاة، ج2، ص118، مسألة 139؛ والتبيان في تفسیر القرآن، ذيل الآية 41 من سورة الأنفال، ج5، ص123؛ وغنية النزوع، ص129؛ وتذکرة الفقهاء، الخمس، الفصل الأوّل، الصنف الخامس، ج5، ص420 - 421؛ ومنتهی Z [ المطلب، البحث الأوّل، الصنف الخامس، ج1، ص548؛ ومدارك الأحكام، كتاب الخمس، ج5، ص378؛ ومستند الشيعة، كتاب الخمس، المقصد الأوّل، المسألة الثانية، القسم الخامس، ج10، ص31.

إزالة وهم

ربّما يوهم الإشكال المتداول على ألسُن بعض الناس من عدم معهودية أخذه في عصر النبوّة، ولا في ع-صر سيّدنا أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، ولم ينقل التاريخ عن النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ولا عن أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أنّهما بعثا لجمع هذا الخمس أحداً كما كانا يبعثان لأخذ الزكاة. ويؤيّد هذا الوهم: ما نرى أنّ في آية الزكاة جعل سهماً خاصّاً للعاملين عليها، ولم يذكر ذلك في آية الخمس.

ويدفع هذا الوهم: قلّة هذه المنافع والفوائد في تلك الأزمنة، وعدمكونها ممّا ابتُلي به الناس. مضافاً إلى أنّه لم يحفظ التاريخ جميع هذه الاُمور. وفي عصر النبوّة كان إجراء الأحكام على سبيل التدريج لأجل كمال النفوس للقبول. هذا وقد ضعف التزام الناس بالأحكام بواسطة تغيير المسير ووقوع الأمر في يدِ غير أهله، حتى آل الأمر إلى أنّهم لم يبقوا على ما كان في عهد رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، ولم يحفظوا حتى الصلاة فغيّروها، وذلك مذكور ثابت في كتب القوم. وأمّا أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فهو الّذي قال: «لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيّرت أشياء».((1)) يريد(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أنّه لو استكنّت الفتن الّتي أثارها الناكثون والقاسطون والمارقون لجعلتُ الناس في الصراط السويّ.

ص: 150


1- نهج البلاغة، ، حکمة 272 (ج4، ص66)؛ وبحار الأنوار، ج34 ، ص180، ح979.

هذا، وقد قيل في الجواب عن هذه الشبهة:

أنّه فرق بين التشريع والتبليغ، فالتشريع الّذي هو مختصّ بالنبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يحصل بإبلاغه إلى الوصيّ وكتابه عنه. وأمّا إجراؤه وتبليغه فيمكن أن يكون محوّلاً إلى الوصيّ، وأن يبلغه في زمان خاصّ، فتأخّر تبليغ بعض الأحكام إلى عصرالصادقين(عَلَيْهَما السَّلاَمُ)، كما ربّما يقال بتأخّر تبليغ بعضها الآخر إلى عص-ر خاتم الأولياء - عجل الله تعالى فرجه - فهو الّذي يحيي ما أماتوه من السنّة، ويميت ويبطل ما أحدثوه من البدعة. قال أمیر المؤمنین(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي».((1))

مسألة 50: مَؤونة تحصيل الربح والفائدة مستثناة، وإلّا ربّما يلزم من عدم استثنائها أن يكون ما لصاحب الخمس من حاصل التجارة أو الصناعة أكثر ممّا يكون للتاجر والزارع. وبعبارة اُخرى: المتبادر من وجوب الخمس في المقام تعلّقه بما يحصل للشخص بعد مؤونة تحصيله.

ويدلّ عليه: ما رواه الشيخ من كتاب سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر (هو أحمد بن محمد بن عيسى)، عن عليّ بن مهزيار، عن محمد بن الحسن الأشعري قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): أخبرني عن الخمس أ على

ص: 151


1- نهج البلاغة ، خطبة 138 (ج2، ص21)؛ وبحار الأنوار، ج31 ، ص549، ح51؛ ج51 ، ص130، ح25.

جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الض-روب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعدالمؤونة».((1))

بناءً على أنّ المراد من السؤال: أنّ الخمس هل يكون على جميع ما يحصل للرجل من تجارته مثلا أو زراعته فيبدأ بالخمس قبل إخراج مؤونته أو بعده؟ أو أنّ السائل سأل الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن متعلّق الخمس: هل هو كلّ ما يستفيده، أو بعض أنواعه؟ فجاء الجواب بأنّ الخمس بعد المؤونة أي على الجميع، إلّا أنّه بعد المؤونة.

واحتمال أن يكون السؤال عن المقدار بعيد. وكيف كان فهو يدلّ على استثناء المؤونة.

وأمّا الخدشة في سنده بأنّ الأشعري المعروف ب-«شنبولة» لم يوثّق، فلا يعتنى به بعد ما اعتمد عليه بعض الأكابر، كأبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى، وعلى بن سيف، وحسين بن سعيد وغيرهم، فالحديث حجّة يعتمد عليه، ولا يردّ مثله بمجرّد الاصطلاح الّذي لم يقررّه العرف والشرع.

ويدلّ عليه بالمنطوق أو الفحوى: صحيح ابن أبي نصر البزنطي، قال: «كتبت إلى أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) الخمس اُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب: بعد المؤونة».((2))

ص: 152


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص123؛ الاستبصار، ج2، ص55؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب 8، ح 1، ج6، ص348.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب12، ح1، ج6، ص354.

فإن كان المراد من المؤونة فيه مؤونة الاكتساب فيدلّ بالمنطوق، وإن كان المراد مؤونة السنة فيدلّ على استثناء مؤونة الاكتساب بالفحوى.

وكيف كان فالمسألة ظاهرة، فالأوّلى صرف عنان الكلام إلى تحقيق ما هو الموضوع هنا للخمس ومتعلّقه.

متعلّق خمس الأرباح

هل الخمس يتعلّق بمطلق ما يقع في يد الأشخاص من الأموال وإن كان كالعطايا والهبات الّتي لا تكسب بكدّ وكسب، بل وكالميراث الّذي يدخل في ملك الوارث بموت المورّث؟ أو يقال بالتفصيل فلا يتعلّق إلّا بالأموال الّتي اكتسبها بأحد فنون الاكتساب؟ أو بها وبمطلق الفائدة كالهدايا والهبات ممّا لا يحتاج تملّكه بتحمّل تعب الاكتساب، ولا يتوقف دخوله في الملك إلّا على القبول القولي أو الفعليّ؟ أو هو أعمّ ممّا ذكر وممّا يدخل في الملك قهراً وبدون إذن من يملكه كالميراث؟ وجوه، بل أقوال.

فنقول: أمّا وجوبه في الأموال والفوائد المكتسبة الّتي تحصل بأنواع التجارات والزراعات والصناعات والإجارة حتى إجارة الشخص نفسه، فالظاهر أنّه مختار المشهور، بل الكلّ. وتدلّ عليه روايات كثيرة ممّا وردت في تفسير الآية وغيرها، وهذا هو القدر المتيقّن من الروايات.

أمّا ثبوت الحكم في مطلق الفائدة كالهبة والهدية، ففيه قولان:

واستدلّ للقول بالثبوت أوّلاً بالآية الكريمة، بناءً على ما عرفت من عموم معنى الغنيمة، وعدم اختصاصها بغنائم دار الحرب، فتشمل كلّ فائدة يستفيدها

ص: 153

وإن استفادها بغير تعب.

وثانياً: بالروايات، مثل موثقة سماعة، قال: «سألت أبا الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الخمس؟ فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير».((1))

وظاهرها العموم؛ لأنّ ما أفاد الناس أعمّ ممّا يحصل لهم بالتجارة أو الصناعة أو الهبة.

وصحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة فإنّ فيها قال(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «والغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان (للإنسان) الّتي لها خطر، والميراث الّذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن...».((2))

وهذه تدلّ على وجوب الخمس في الجائزة بالخصوص.

ومثل رواية عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الله بن سنان قال: «قال أبو عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): على كلّ أمرئٍ غنم أو اكتسب الخمس».((3))

فإن كان قوله: «أو اكتسب» بعد قوله: «غنم» من ذكر الخاصّ بعد العامّ

ص: 154


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 8، ح 6، ج6، ص350.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح5، ج6، ص349 - 350.
3- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح8، ج6، ص351. وفي توثيق عبد الله بن القاسم الحضرمي وقدحه خلاف. ذهب النجاشي والعلّامة في خلاصة الأقوال، وصاحب مدارك الأحکام إلى ضعفه. راجع: الفهرست للنجاشي، باب العين، الرقم 594، ص226؛ وخلاصة الأقوال، ص241؛ ومدارك الأحكام، كتاب الخمس، ج5، ص382. وذهب إلى توثيقه العلّامة في خمس منتهى المطلب، البحث الأوّل، الصنف الخامس، ج1، ص548. وهو من رجال كامل الزيارات، ورد في سند الحديث1 من الباب الثامن عشر، ص133. وحاول البهبهاني في تعليقاته على منهج المقال تطهيره من وصمة الغلو.

يمكن أن يقال بشموله للهبة، وإلّا فلا .

ومثل الرواية الّتي مرّ ذكرها عن الأشعري((1)) المعروف بشنبولة، فإنّ قول السائل فيه: «ما يستفيد الرجل» يشمل كلّ فائدة يستفيدها، هبةًكانت أو غيرها.

ومثل رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد، قال: «كتبت: جعلت لك الفداء، تُعلمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك أبقاك الله أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة».((2))

وأفاد السيّد الاُستاذ(قدس سره): أنّها وإن لم يكن فيها تصريح بالخمس لكنّ الظاهر منها أنّ السائل سأل عن الفائدة الّتي تعلّق بها الخمس وحدّها. وأفاد أيضاً بأنّ الظاهر منها أنّ كلمة «ممّا» فيها محرّفة وقعت بدل «ما».((3))

ورواية عليّ بن الحسين بن عبد ربّه، قال: «سرّح الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليَّ خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس».((4))

ص: 155


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح1، ج6، ص348.
2- الکافي، ج1، ص545؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح7، ج6، ص350.
3- وفيها أيضاً جهات اُخرى من الاضطراب لابدّ من علاجها، نحو اشتمال النقل على نسخة (أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد) بدل (عن يزيد) وهوغير مذكور في كتب الرجال. و«يزيد» مشترك بين الضعيف وغيره.
4- الکافي، ج1، ص547؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب11، ح2، ج6، ص354.

وأفاد السيّد الاُستاذ - أعلى الله درجته - في وجه دلالتها على ثبوت الخمس في الصلة والهدية أنّ هنا جهتين:

إحداهما: أنّها صلة وجائزة.

وثانيتهما: أنّها مسرّحة إليه من صاحب الخمس، والإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) علّل عدم وجوب الخمس فيها بأنّها مسرّحة منه، فلو لم يكن في الصلة والجائزة الخمس لكان الأولى تعليل عدم وجوب الخمس فيها بأنّها صلة.

أقول: ويمكن الاستدلال بمفهوم قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «لا خمس عليّك...» أيضاً.

وما رواه في السرائر نقلا من كتاب محمد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): الخمس في ذلك...».((1))

وأفاد السيّد الخوئي(قدس سره) فيها، فقال: أمّا الدلالة فظاهرة، كما أنّ السندصحيح، فإنّ ابن إدريس وإن ذكر في آخر الس-رائر فيما سمّاه بالنوادر طرقه إلى أرباب الكتب ولم تثبت لدينا صحّة شيء منها فلا يعتمد عليها لاسيّما وأنّ في بعضها كطريقه إلى أبان بن عثمان شيء لا يمكن تصديقه، ولكن خصوص طريقه إلى محمد بن عليّ بن محبوب صحيح؛ لأنّه إنّما يرويه عمّا رآه من خطّ الشيخ، وطريق الشيخ إلى ابن محبوب صحيح، وقد روى هذه الرواية من طريق ابن محبوب.

ص: 156


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ، ح10، ج6، ص351.

وأمّا أحمد بن هلال فهو وإن كان فاسقاً ينسب إلى الغلوّ مرّةً وإلى النصب اُخرى، بل عن شيخنا الأنصاري(قدس سره): أنّ مثله لم يكن يتديّن بدين، لما بين النسبتين من بعد المشرقين.((1)) ولكنّ الظاهر أنّه ثقة في نقله وإن كان فاسداً في عقيدته، حيث توقّف على أبي جعفر ولم يقبل نيابته عن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)؛ لأنّه كان يرى نفسه أحقّ بالنيابة، إذ لا ينافي ذلك ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية،((2)) كما لا يخفى.((3))

وفي معجم رجال الحديث((4)) حكي عن الشيخ سديد الدين محمود الحمصي(قدس سره) أنّه قال: هو مخلط لا يعتمد على تصنيفه. وقال: هو (يعني ما قاله سديد الدين) صحيح من جهة وباطل من جهة. وذكر في وجه بطلانه: أنّه يظهر ذلك بوضوح من الروايات الّتي ذكرها فيما استطرفه من كتاب أبان بن تغلب قد ذكر فيها عدّة روايات ممّن لم يدرك الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). وكيف يمكن أن يروي أبان المتوفّى في حياة الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عمّن هو متأخّر عنه بطبقة أو طبقتين.

ومن جملة تخليطه: أنّه ذكر روايات استطرفها من كتاب السيّاري، وقال: واسمه أبو عبد الله صاحب موسى والرضا عليهما من الله آلاف التحية والثناء. وهذا فيه خلط واضح، فإنّ السيّاري هو أحمد بن محمد السيّار أبو عبد الله، وهو

ص: 157


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص86، 193.
2- رجال النجاشي، ص83، 199.
3- الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، ج25، ص213 - 214.
4- معجم رجال الحديث، ج16 ، ص66 - 68، رقم 10214.

من أصحاب الهادي والعسكري(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ولا يمكن روايته عن الكاظم والرضا(عَلَيْهَما السَّلاَمُ)».((1))

أقول: لقد رمى مثل ابن إدريس - وهو من أكابر العلماء ومحقّقيهم، يظهر جلالة قدره في الفقه وغيره من الفنون العربية والإسلامية من كتابه الس-رائر - بمجرد وقوع الاشتباهين المذكورين في كتابه. ولعلّهصدر من بعض النسّاخ وكان أبان، فتوهّم أنّه ابن تغلب. وكذا في اسم السيّاري. والحكم بعدم الاعتماد على تصنيفه لم يقع في محلّه. فلا يشكّ الحاذق في أنّ الكتاب المنسوب إلى أبان بن تغلب يكون من غيره من أعاظم المحدّثين ومن يحذو حذو الّذين استطرف الروايات من كتبهم. وقد وقع مثل هذا الاشتباه في كلام مولّف المعجم فعبّر عن أبان بن تغلب بابن عثمان، فلا يؤخذ مثله ومثل ابن إدريس به، ولا يردّ هذه الأحاديث الكثيرة الّتي الظاهر أنّها كانت كتب رواتها ومخرّجها عنده، فكيف يحكم بعدم إثبات صحّة شيء منها إلّا ما رواه عن محمد بن عليّ بن محبوب؟

ثم إنّ من المظنون أنّ الكتاب يكون لسنديّ بن محمد، واسمه أبان ويكنّى أبا بشر وهو ابن اُخت صفوان بن يحيى، كان ثقةً وجهاً في أصحابنا الكوفيين،((2)) وهو كأنّه من الطبقة السابعة، كما ذكره سيّدنا الاُستاذ(قدس سره) في طبقات رجال التهذيب. والشيوخ المذكورون في هذا الكتاب أكثرهم من السادسة، كقاسم بن

ص: 158


1- معجم رجال الحدیث، ج16 ، ص67 - 68.
2- معجم رجال الحديث، ج1، ص155، رقم 43.

عروة، وعليّ بن أسباط، وإسماعيل بن مهران، ومحمد بن عبد الله بن زرارة، وعبد الرحمن بن أبي نجران، والحسن بن عليّ الوشّاء ابن بنت إلياس، وعليّ بن الحكم بن الزبير، ومحمد بن الوليد، وصفوان بن يحيى، وهارون بن مسلم، ومعمّر بن خلّاد، فجميع هؤلاء من السادسة.

نعم، القاسم بن إسماعيل ومحمد بن عليّ الهمداني من السابعة، ورواية السندي عنهما، وهما من طبقته جائز واقع بين الرواة، وثعلبة بن ميمون من الخامسة فكأنّه سقط مَن كان بينه وبين السندي، وإن كان يمكن رواية مَن في الطبقة السابعة عنه إذا كان هو من الخامسة وبقي حيّاً إلى عصر السادسة.

وعلى كلّ حالٍ فما ذكر يكون قرينةً على كون الكتاب المنسوب إلى أبان بن تغلب هو لأبان بن محمد (السندي). ويضاف إلى ذلك رواية السندي عن صفوان وعليّ بن الحكم ومحمد بن الوليد في نسخة من التهذيب كما في جامع الرواة.((1))

والحاصل: أنّ الاطمئنان حاصل بأنّ الكتاب كان من واحد من الثقات يعوَّل عليه، وأنّ نسبته إلى أبان بن تغلب سهو لا يستبعد صدوره عن الإنسان، فلا يجوز نسبة مثل ابن إدريس بالتخليط والحكم بعدم الاعتمادبتصانيفه، والله هو العالم والهادي.

فهذه الأخبار تدلّ على وجوب الخمس في الهبة إمّا بالعموم أو بالخصوص.

ص: 159


1- جامع الرواة، في ترجمة أبان بن محمد، ج1، ص15.

ويستفاد ممّا أفاده السيد الاُستاذ الإيراد بالاستدلال بها. أمّا بالنسبة إلى روايات العامّة فقد قال بانصرافها عن مثل الهبة والميراث.

وربما يقال بأنّه كيف تكون الروايات منصرفة عن الهبة مع كون تعلّق الخمس بها أولى ممّا يصل إلى الشخص بكدّ اليمين والمشقّة؟ هذا بالأوّلويّة. أو بأنّ المستفاد من الروايات أنّ الملاك لوجوب الخمس وصول فائدة إلى الشخص من غير فرق بين أن تكون بالمشقّة أو بلا عوض.

فيجاب عن ذلك: بأنّ ما قلناه هو مقتضى الاستظهار من الروايات من تعلّقه بها هو متعارف الوصول إلى جميع الناس.

أقول: لا تطمئنّ النفس بدعوى انصراف هذه الروايات، فالأحوط لو لم يكن الأقوى تعلّق وجوب الخمس فيها.

وأمّا بالنسبة إلى روايات الخاصّة، فالسيّد الاُستاذ(قدس سره) ضعّف الاستدلال بها:

أوّلاً: بضعف سند بعضها، وعدم انجباره بالعمل، مثل رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد، فإنّ أحمد بن محمد لم يروِ عن يزيد إلّا هذه الرواية، مع أنّ يزيد في هذه الرواية لم يعرف شخصه.

أقول: أ فلا يكفي في الاعتماد عليه اعتماد مثل أحمد بن محمد بن عيسى عليه وعلى نقله مكاتبته؟

وثانياً: أنّه(قدس سره) ردّ رواية أبي بصير بأنّها تدلّ على حص-ر الخمس في الهدية، ولم يعمل بها أحد.

ص: 160

وأقول: قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس في ذلك...» في الجواب عن خصوص الهديّة الظاهر من السائل أنّه كان عارفاً بوجوب الخمس في غير هذا المورد لا يدلّ على الحصر، فلا يكون إثباته في الهدية نفي ثبوته فيما سواها.

وأمّا رواية عليّ بن الحسين بن عبد ربّه فردّ دلالتها على وجوب الخمس في الهدية بأنّ مورد السؤال يكون معنوناً بعنوانين: كون الجائزة من صاحب الخمس، وكونها هديّة، ويجوز أن يكون كل واحد منهما علّة لعدم وجوب الخمس، والاكتفاء بذكر أحدهما لا يدلّ على نفي عليةالآخر.

وفيه: ما ذكره(قدس سره) من أنّه لو لم يتعلّق بالهدية الخمس من الأصل وبنفسها لكان الأولى التعليل به، بل التعليل بكونها من صاحب الخمس كأنّه تعليل بغير ما هو العلّة، فإنّ التعليل به إنّما يستقيم إذا كان الحكم تعلّق الخمس بالهدية والجائزة.

وردّ مكاتبة عليّ بن مهزيار أبا جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) الّتي قال الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فيها: «... والجائزة من الإنسان (للإنسان) الّتي لها خطر، والميراث الّذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن...» بأنّ موردها خصوص الجائزة الخطيرة والميراث الّذي لا يحتسب، وكأنّه أراد بأنّها أخصّ ممّا يفتي به القائل بوجوب الخمس في الهدايا، لإطلاق فتواهم في الحقير والخطير، ولعلّهم لا يفتون بوجوبه في الميراث الّذي لا يحتسب إذا كان من الأخ أو الاُخت أو العمّ أو الخال وأمثالهم.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ذكر غير الأب والابن يكون على سبيل المثال. وعلى كل حال يمكن الجواب عمّا أفاد(قدس سره): بأنّ الإتيان بالقيد واردٌ مورد الغالب. وغاية

ص: 161

الأمر الالتزام بعدم وجوب الخمس في الهدايا الحقيرة الّتي تصرّف في المؤونة قبل حلول العام عليها.

فظهر من كلّ ما ذكر أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى وجوب الخمس في الهبة والهدية.

ثم إنّه مع ما ذكر، فقد قال الفقيه الهمداني(قدس سره) بعد ذكره الروايات والاعتراف بدلالة بعضها في خصوص الهبة: يتوجّه على الاستدلال بجميع ما ذكر بعد تسليم تمامية الاستدلال بالجميع لإثبات عموم متعلّق الخمس بحيث يعمّ مثل الميراث والهبة ونحوها: أنّه لا ينبغي الارتياب في عدم تعارفه بين المسلمين في زمان النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، ولا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمّة(علیهم السلام)، وإلّا امتنع عادةً اختفاء مثل هذا الحكم، أعني وجوب صرف خمس المواريث، بل وكذلك العطايا مع عموم الابتلاء به على النساء والصبيان من المسلمين فضلاً عن صيرورته خلافياً بين العلماء، أو صيرورة خلافه مشهوراً لو لم يكن مجمعاً عليه. فوقوع الخلاف في مثل المقام أمارة قطعيّة على عدم معروفيّته في عصر الأئمّة(علیهم السلام)، بل ولا في زمان الغيبة الصغرى، وإلّا لقضت العادة بصيرورته من ضروريات الدين.((1))

واستشهد بما قاله الحلّي ردّاً على أبي الصلاح الحلبي، فإنّه قال: وقال بعض أصحابنا: إنّ الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في

ص: 162


1- مصباح الفقیه، ج14، ص121.

كتاب «الكافي» الّذي صنّفه، ولم يذكره أحد من أصحابنا إلّا المشار إليه، ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً... ».((1))

أقول: هذا قريب ممّا قيل في أصل تعلّق الخمس بالأرباح، والجواب هو الجواب. فكلّ ما ذكره لا يتجاوز عن الاستبعاد. ودعواهما القطع مجازفة.

نعم، في مطلق الميراث في محلّها. وما ذكراه بالنسبة إلى الهبة وميراث من لا يحتسب يكون كالاجتهاد في مقابل النصّ. ونمنع أن تكون الجائزة والهدية ممّا يصرف على المتعارف قبل مض-يّ السنة مورداً لكثرة الابتلاء، سيّما في تلك الأزمنة. فلا ترفع اليد عن النصوص بهذه الاستبعادات. والله هو العالم، ولا حول ولا قوة إلّا به.

تذنيب: إنّا وإن بنينا في صحّة الاعتماد - على ما رواه الحلّي(قدس سره) من كتاب محمد بن عليّ بن محبوب، عن احمد بن هلال، عن ابن أبي عمير - على ما بنى عليه السيّد الخوئي(قدس سره)، فإنّه اعتمد على ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية، ولكن يزاد على ذلك ما أفاده الشيخ الأنصاري(قدس سره)، فإنّه قال: «واشتمالهما على أحمد بن هلال لا يقدح بعد إيراد ابن محبوب إيّاه في كتابه، وهو أعلم منّا بحال ابن هلال، مع أنّ روايات ابن أبي عمير في ذلك الزمان ما كان يحتاج إلى تلك الواسطة

ص: 163


1- مصباح الفقيه، ج14، ص111؛ وكلام ابن إدریس الحلّي في الس-رائر، ج1، ص490؛ وكلام الحلبي في الكافي في الفقه، ص170. ثم عكس ما ادّعى الحلّي، يظهر من جماعة نسبة القول بالوجوب إلى الأصحاب، فهذا المحقّق(قدس سره) يسند الخلاف إلى بعض الأصحاب، ويريد به الحلّي(قدس سره). المعتبر، ج2، ص623؛ كما أنّ الشهيد(قدس سره) أيضاً أسند الخلاف إليه خاصّة. الدروس، ج1، ص258.

الواحدة؛ لاشتمال الكتب عليها، فذكر أحمد من جهة اتّصال السند». انتهى، فتدبّر.

تعلّق الخمس بالمال الموصى به

مسألة 51: الظاهر أنّ المال المُوصى به أيضاً إذا كانت الوصيّة به عهدية ملحق بالهبة، فإنّ دخوله في ملك الموصى له محتاج إلى قبوله وتسلّمه من الوصيّ. وأمّا إن كانت تمليكية: فإن قلنا باعتبار القبول في دخوله في ملك الموصىله فالكلام فيه أيضاً الكلام في الهبة، وإن قلنا بأنّه إنشاء صرف يصير فعليا بمجرّد موت الموصي ولا يحتاج القبول من جانب الموصى له، ولذا لو مات الموصى له قبل وصول خبر موت الموصي والوصية إليه ينتقل المال إلى ورثته، فعلى هذا لا يستلزم القول بثبوت الخمس في الهبة القول به في هذا المال.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بدخوله تحت عنوان الفائدة.

أو يقال: إنّه كالميراث الّذي يملكه من حيث لا يحتسب، الّذي يكون صحيح عليّ بن مهزيار المتقدّم صريحاً في ثبوت الخمس فيه.

نعم، لا ريب في عدم ثبوته في مطلق الميراث؛ لعدم وروده في الأخبار مع كثرة الابتلاء به. وفي الوقف الخاصّ أيضاً يأتي الكلام فيه، كما يجري في المال الموصى به بالوصيّة التمليكية على القول بعدم احتياجه إلى القبول، فلا يترك الاحتياط في جميع ما ذكر بأداء الخمس، وكذا في النذور.

وأمّا في عوض الخلع والمهر يكون عدم الثبوت بانص-راف الآية والروايات

ص: 164

عن مثلهما، وإن كان رعاية الاستحباب فيهما حسن، والله هو العالم.

تعلّق الخمس بمال الإجارة و اُجرة الحجّ

مسألة 52: الظاهر أنّه لا إشكال في تعلّق الخمس بمال الإجارة، سواء كان متعلّقها الأعيان أو نفس الموجر؛ وذلك لأنّه استفادة واكتساب. فاستثناء ما يأخذه الأجير من اُجرة الحجّ لا يجوز إلّا بالدليل المخصّص للعمومات والإطلاقات. وهنا رواية رواها الكليني(قدس سره)((1)) عن محمد بن الحسين((2)) وعليّ بن محمد((3)) عن سهل بن زياد((4)) عن عليّ بن مهزيار((5)) قال: «كتبت إليه: يا سيدي، رجل دُفع إليه مال يحجّ به، هل عليه في ذلك المال - حين يصير إليه - الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): ليس عليهالخمس».((6)) وحملها صاحب الوسائل على ما يأخذ الأجير من اُجرة الحجّ.

والمراد منها احتمالان:

ص: 165


1- من الطبقة التاسعة.
2- من الثامنة، ويظهر من أسانيد الكافي أنّه محمد بن الحسن الطائي الرازي.
3- الكليني من التاسعة.
4- من السابعة.
5- من كبار السابعة.
6- الکافي، ج1، ص547؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب11، ح1، ج6، ص354.

أحدهما: أنّه دفع إليه بعنوان البذل وصرفه في الحجّ، والظاهر أنّه ليس فيه الخمس، لأنّه لا يملكه كسائر الأموال، بل يجب عليه صرفه في الحجّ، وإن زاد منه شيء على مصارفه يجب عليه ردّ ما زاد الباذل، إلّا أن يكون هنا قرينة على هبته له فحكمه حكم الهبة، فتكون الرواية دليلاً على عدم الخمس في خصوصها، فيخصّص به ما دلّ على ثبوت الحكم في مطلق الهبات.

ثانيهما: أن يكون دفع المال إليه للإيجار وأداء اُجرة عمل الأجير، وعليه أيضاً فالسؤال واقع عن أنّ الخمس يثبت في المال المدفوع إليه قبل أداء الحجّ، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ، وعليه تدلّ الرواية على استثناء ما يستفيده بإيجاره الحجّ.

وبعبارة اُخرى: مدلولها أنّه لا خمس في اُجرة الحجّ، سواء زاد على مصارفه أم لا. وكيف كان فالرواية تدلّ على الاستثناء: إمّا من الهدية، أو من الاُجرة.

ودعوى بعض المعاصرين أنّه ناظر إلى جهة الوجوب الفعليّ، وأنّه ليس عليه فعلا الخمس،((1)) خلاف الظاهر، ويوهم أنّه يجب عليه خمس الجميع بعد ذلك.

فالصحيح في الرّد على الاستدلال بهذه الرواية على استثناء فضل ما دفع إليه بعد الحجّ: أنّ مدلوله مردّد بين اُجرة الحجّ وبين البذل للحجّ، فلا يثبت به ما يخصّص العموم؛ لإجمال المخصّص المنفصل، فالمرجع هو عموم العامّ في الهدية بالنسبة إلى البذل وفي الإجارة، فيجب التخميس فيهما.

ثم إنّه يمكن أن يقال - كما أشار إليه بعض شركاء البحث - إنّ دفع المال إلى

ص: 166


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص221.

الشخص لأن يحجّ به أعمّ من كونه من باب البذل أو الإجارة، ولم يعيّن السائل أنّه من أيّ الوجهين، وكأنّه كان للمسؤول عنه السؤال عن ذلك إن كان كلّ منهما مختصّاً بحكم دون الآخر، وحيث لم يسأل عنذلك وترك الاستفصال وأجاب يُفهم منه وحدة حكمهما. فعلى هذا نقول: إنّ الحديث يدلّ على عدم الخمس في المال المدفوع للحجّ، سواء كان بالبذل أو الإجارة، والله هو العالم.

تخميس مال الإجارة لأكثر من سنة

مسألة 53: هل يختصّ الحكم بثبوت الخمس فيما يحصل بالإجارة بما إذا كانت لسنة واحدة، أو يشمل ما إذا كانت لأكثر من سنة، فيجب عليه إن زادت الاُجرة على مؤونة سنته الأولى تخميس ما بقي وإن كان بإزاء السنين الآتية، فهل يُعدّ ما يقابل منافع السنة التالية منفعة السنة الأوّلى، أو يختصّ بسنتها فيؤدّي خمسها بعد مضيّ سنتها المتعلّقة بها؟

قد يقال بأنّ الإجارة: إمّا تكون متعلّقة بالأعمال أو بالأعيان، فإن كان متعلّقة بالأعمال لا يجب دفع خمس الزائد على السنة الواحدة، لعدم صدق الفائدة على أكثر من ذلك وإن كان مالكاً لاُجرة السنة الآتية؛ لأنّه تسلّمها على الفرض، إلّا أنّه مدين فعلا بنفس العمل الّذي هو قبال الاُجرة في السنة الآتية، فلا يصدق عليه أنّه استفاد بلا عوض ليتعلّق به الخمس، وهذا كما لو استدان مبلغاً وبقي منه في آخر السنة مقدار وهو مدين بمقداره للغير. نعم، بعد ما أدّى دينه وكان ذلك باقياً يجب تخميسه، ولا فرق في ذلك بين الأموال والأعمال.

ص: 167

وأمّا إذا كانت الإجارة متعلّقة بالأعيان كالدار والأرض والسّيارة وغيرها فقد قيل((1)) بالاحتساب وأداء خمس ما بقي من إجارة السنوات الآتية في السنة الأوّلى، لأنّها منفعة خالصة ومصداق للفائدة.

ولكنّه غير ظاهر (وإليك ما أفاده المستشكل في وجه عدم الظهور) لاستيجاب هذا النوع من الإيجار نقصاً في مالية العين بطبيعة الحال، ضرورة أنّ الدار المسلوبة المنفعة عشر سنين أو أقلّ تسوى بأقلّ منها لو لم تكن مسلوبة، فكانت تقوّم بألف والآن بثمانمئة مثلاً، ولا شكّ أنّ هذا النقص لابدّ من احتسابه ومراعاته عند ملاحظة الفائدة، فلا يستثنى من الاُجرة الّتي تسلّمها خصوص مؤونة هذه السنة، بل يراعي النقص المزبور أيضاً.

فلو فرضنا أنّ الدار تسوى ألف دينار وقد آجرها عشر سنين بأربعمئةدينار وتسلّم الاُجرة بتمامها وصرف منها في مؤونته مئة دينار، فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمئة دينار، لم يجب الخمس في تمامه، بل ينبغي تخريج مقدار يجبر به النقص الوارد على الدار الناشئ من كونها مسلوبة المنفعة تسع سنين، فلو فرضنا أنّ قيمتها في هذه الحالة ثمانمئة دينار فنقصت عن قيمتها السابقة مئتان، يستثنى ذلك عن الثلاثمئة ولم يجب الخمس إلّا في مئة دينار فقط؛ إذ لم يستفد

ص: 168


1- والقائل هو السيّد الحكيم(قدس سره) في منهاج الصالحین، كتاب الخمس، ج1، ص468 - 469، مسألة 45.

أكثر من ذلك، ولا خمس إلّا في الغنيمة والفائدة دون غيرها.((1)) انتهى.

أقول: أمّا بالنسبة إلى الأعمال فعلى ما أفاده ينبغي أن نقول: إذا صار أجيراً لإحدى عشرة سنةً بمئة دينار في كلّ سنة فلا یجب عليه تخميس اُجرة السنة الآتية؛ لأنّ ما يقابلها من العمل على ذمّته، وإذا كان اُجرة عملها في الواقع أقلّ من المئة يجب عليه خمس الزائد على قيمته الواقعية إن لم يص-رفه في السنة الأوّلى؛ لأنّه فائدة ومنفعة اكتسبها بالفعل.

وأمّا بالنسبة إلى الأعيان، فإذا كان الاعتبار في حصول الفائدة ما أفاده فلابدّ أن نقول: في كلّ عين مستأجرة ولو سنة واحدة بصيرورتها مسلوبة المنفعة سنة تنقص من قيمتها مبلغاً لا يعدّ المنفعة والفائدة إلّا إذا كانت الاُجرة المعيّنة أكثر من هذا النقص فيجب الخمس في الزائد.

وبالجملة: لم نتحصّل ذلك كما ينبغي. والّذي نقول في الوجه لعدم وجوب خمس ما يتعلّق بالسنوات الآتية، سواء كان اُجرة العمل أو العين: إنّ الاُجرة وإن دخلت في ملك الموجر والأجير إلّا أنّه ضامن لها إن لم يستوف المنفعة المستأجرة لجهة كخراب البناء، أو فوت الأجير، وإنّما يجب الخمس في المال الّذي استقرّت ملكيّته للمالك دون مثل ذلك، والله هو العالم.

خمس الميراث غير المخمّس

مسألة 54: يجب على الوارث إن علم أنّ مورّثه لم يؤدِّ خمس ما تركه

ص: 169


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص223.

أداؤه؛ لأنّه مال الغير بقي في تركته، كسائر ما كان عنده من مال غيره.

نعم، إذا كان الوارث غير ملتزم بالخمس أو لم يكن معتقداً به فيأتي الكلام فيه عند التكلّم في أخبار التحليل إن شاء الله تعالى.

ولا فرق في ما ذكر بين ما إذا كان عين ما تعلّق به الخمس باقيةً، أوكان الموجود عوضها، كما إذا حصل له الربح في التجارة أثناء السنة ثم اتّجر به وحصل له عوضه فمات أثناء سنته يجب على الوارث تخميس العوض.

نعم، إذا تصرّف فيه بعد السنة بعوض فمعاملته بالنسبة إلى الخمس تكون فضولية، إن أمضاها وليّ الخمس يكون له، وإلّا إن بقيت عينه تستردّ ممّن في يده، وإن لم يمكن استرداده فالوارث يؤدّي مثله أو قيمته من تركة الم-يّت. هذا إذا كان الخمس عيناً في تركته.

وأمّا إن كان ديناً فيجب على الوارث أداؤه من تركة المورّث كسائر ديونه؛ لقوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾.((1)) صدق الله العليّ العظيم.

تعلّق الخمس بالخمس أو الزكاة أو الصدقة

مسألة 55: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «في وجوبه (أي الخمس) في مثل الزكاة والخمس إذا فضل شيء منهما عن مؤونة السنة إشكال؛ نظراً إلى أنّه للسادة والفقراء، فكأنّه يدفع إليهم ما يطلبونه، فيشكل

ص: 170


1- النساء، 11.

صدق الفائدة. مع أنّ هذا الفرض إنّما يصحّ في الخمس بناءً على عدم وجوب الاقتصار في الدفع على مؤونة السنة».((1))

أقول: كأنّه أراد من الإشكال أنّ الخمس ملك للكلّي، أي بعبارة اُخرى: له شخصية حقوقية، أو هو جهة خاصّة يصرف منها ما يطلبه السادة ويحتاجون إليه، فلا يصدق عليه الفائدة، ولكن يصحّ هذا على القول بعدم جواز دفع ما يزيد على مؤونة السنة إليه، وأمّا على القول بجوازه فالظاهر صدق الفائدة عليه.

وربّما يورد على القول بوجوبه في الخمس بالإشكال المعروف المذكور في باب حجية خبر الواحد، وهو: أنّ دليل الحجّية لا يشمل خبر الواسطة كخبر المفيد الّذي أخبر عنه الشيخ؛ لأنّ شمول دليل الحجّية - مثل صدّق العادل - لا يصحّ لخبر الشيخ إلّا إذا كان لِما أخبر عنه الشيخ أثر شرعي، وهو هنا وجوب تصديق خبر المفيد بدليل حجّية خبر العادل، فيلزم من ذلك أخذ الحكم في موضوعه، وتقدُّم الحكم على موضوعهوتوقّفه على نفسه.

وفي المقام أيضاً الدليل على وجوب الخمس إن شمل ما مَلِكَه بالخمس يلزم أن يكون الحكم محقّقاً لموضوعه. وبعبارة اُخرى: موضوع وجوب الخمس ما ملكه بغير الخمس، ولا يمكن أن يكون ما يملكه به موضوعاً له.

ويمكن أن يقال: أمّا بالنسبة إلى الإشكال المذكور في البحث عن حجّية الخبر: أنّ الحكم بحجية الخبر من القضايا الّتي تنحلّ إلى قضايا كثيرة جزئية وأحكام

ص: 171


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص195.

متعدّدة لكلّ حكم موضوعه المختصّ به، فالحكم بوجوب تصديق خبر المفيد الثابت بإخبار الشيخ عنه ليس عين الحكم بوجوب تصديق خبر الشيخ، بل هو مثله وغيره.

وبالنسبة إلى الخمس أيضاً «قضيّة في كلّ فائدة الخمس» تنحلّ إلى قضايا كثيرة منها تعلّق الخمس بهذه الفائدة الحاصلة من التجارة، ومنها تعلّقه بهذه الفائدة العائدة إليه من الخمس.

ولكنّ الإنصاف أنّ ذلك لا يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾.((1))

وبعبارة اُخرى: الآية وإن كانت متضمّنة للحكم الكلّي الانحلالي، إلّا أنّها منصرفة عمّا يملكه السادة الّذين جعل الله لهم الخمس بالخمس، فمقتضى الأصل عدم وجوب الخمس فيه عليهم.

نعم، الظاهر أنّه يجب الخمس فيما اُرسل إلى السادة من الخمس الّذي وصل إليهم هديّة. كما أنّ الظاهر أنّه لا خمس في ما يعطيه الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) جائزة وهديّة من الخمس. ويدلّ عليه: ما رواه الكليني(قدس سره)، عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه بسند فيه سهل بن زياد، قال: «سرّح الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس».((2))

ص: 172


1- الأنفال، 41.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 11، ج6، ص354، ح 2.

فهل يلحق به ما يعطيه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) من غير الخمس؟ الأحوط عدم الإلحاق. وفيما يعطيه الفقيه من سهم الإمام المبارك(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) - روحي لتراب مقدم خدّامه الفداء - إشكال، وإن كان الأحوط الأداء.

وبالنسبة إلى الزكاة فإن قلنا بجواز إعطائها الفقير ما زاد على مؤونةسنته يجب الخمس، وإلّا فلا يبقى له محلّ له.

وبالنسبة إلى الصدقة الواجبة بل المتسحبّة أيضاً لا يترك الاحتياط بالأداء.

وربّما يقال بعدم تعلّق الخمس بجميع هذه الأقسام لانصراف الغنيمة عنها، ولا يبعد القول به وإن كان مراعاة الاحتياط - كما ذكر - لا ينبغي تركها، والله هو العالم.

شراء شيء لم يؤدّ البائع خمسه

مسألة 56: قال في العروة: «إذا اشترى شيئاً ثم علم أنّ البائع لم يؤدِّ خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً، فإن أمضاه الحاكم یرجع عليه بالثمن، ويرجع هو على البائع إذا أدّاه، وإن لم يمضِ فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات، وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله».((1))

أقول: يتضمّن البحث في هذه المسألة فروعاً:

ص: 173


1- العروة الوثقی، ج4، ص277 - 278.

أحدها: إن اشترى شيئاً من الخمس قبل حلول السنة عليه في الزمان الّذي كان لبائعه تبديله، فالظاهر صحّة الش-راء الواقع عليه واستقرار الخمس في عوضه.

ثانيها: إن اشترى الخمس بعد حلول السنة عليه واستقرار تملّك أهله عليه، فالبيع يكون فضولياً، وحكمه كما ذكره.

نعم، إن أدّى البائع مثله أو قيمته - حيث إنّه جائز له ولا يجب عليه دفع العين - يكون من نحو مصاديق من باع شيئاً ثم ملكه.

ثالثها: إذا لم يمضِه الحاكم في الصورة الثانية فحكمه كما عرفت، إلّا أنّه للمشتري إن لم يكن عالماً بالحال خيار تبعّض الصفقة، والله هو العالم.

الزيادة العينية والسوقية

مسألة 57: إذا كانت عنده من الأعيان الّتي لم يتعلّق بها الخمس، أو تعلّق بها لكنّه أدّاه، أو اشتراه بالمال الّذي أدّى خمسه أو لم يتعلّق به الخمس: فإن لم تَزِد زيادة لا متّصلةولا منفصلة ولم ترتفع قيمتها السوقية فلا شيء عليه وإن بقيت مدّة طويلة.

وأمّا إذا زادت فللمسألة صور:

إحداها: أن تكون الزيادة منفصلة، كثمر البستان، ونتاج الحيوان، فالظاهر وجوب خمس تلك الزيادة؛ لصدق الفائدة عليها وإن لم تحصل بالتكسّب فمن ورث عدداً من الأنعام الثلاثة فأولدت وزادت لم يحصل له ما حصل بالتكسّب، لكنّه تصدق عليه الفائدة. وكذا لو ورث جنّةً من نخيل وأعناب فأثمرت فلا

ص: 174

خلاف ظاهراً بينهم في تعلّق الخمس بها.

ثانيتها: إذا زادت ونمت زيادة متّصلة، كما إذا نما الشجر وسمن الحيوان، ففي القول بصدق الفائدة عليه مطلقاً إشكال.

ولعلّ التفصيل كان أقرب، فمن كان له أنعام للانتفاع الشخصي منها ولا يريد الانتفاع منها ببيعها لا تصدق على سمنها الفائدة، ولا يجب عليه تخميسها، وكذا البستان إذا كان كذلك، وهذا بخلاف ما إذا كانت الأنعام أو البستان عنده للانتفاع بسمنها أو نموّها فيجب عليه خمس السمن والنموّ يؤدّيه في كل سنة، أو عند بيعه إذا لم تنقص قيمته بتأخير الأداء وكان المتعارف استحصال النفع في أوان خاصّ.

ثالثتها: إذا كانت الأعيان المذكورة باقيةً على حالها لكن زادت قيمتها السوقية، ففي مثلها الأقوى التفصيل بين ما اُريد من إبقائها الاسترباح والتجارة فيجب فيه الخمس، وبين ما اُريد منه الانتفاع الشخصي، كالبيت للسكنى ومحلّ الكسب والمعمل وغير ذلك. نعم إن باعها فزيادة قيمتها السوقية من فوائد سنته، والله هو العالم.

الزيادة السوقية ثم نقصانها

مسألة 58: إذا اشترى عيناً للتكسّب بها فزادت قيمتها السوقيّة، إلّا أنّه لم يبعها حتى تنزّلت ورجعت إلى قيمتها السابقة، فالمسألة تطرح ضمن فرعين:

ص: 175

أحدهما: أن تكون هذه في أثناء السنة فلم يبعها لطلب الزيادة أو غفلة حتى رجعت إلى قيمتها السابقة مثلاً أو الأقلّ منها، فيمكن أن نقول: بناءً على القول تعلّق الخمس بالعين يملك السادة من العين بنسبة خمس الزيادة السوقيّة، فإذا كانت قيمة العين مثلاً ثمانين والزيادة عشرين يملك السادة من العين أربعة في المئة، فهذه النسبة تلاحظ في ملكية العين للسادة. وإن نقصت عن قيمتها الأصلية إلى العشرين أو الأقلّ: فإن صرفها فيالمؤونة بين السنة فلا شيء عليه، وإلّا فيجب خمس العين بالنسبة المذكورة، وهكذا إن لم يبعها عمداً. ولا فرق فيما ذكر بين ما إذا كان تعلّق الخمس بالعين بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن في نفس العين.

نعم، إذا كان الخمس متعلّقاً بالمالية على النحو الكلّي في المعيّن فيمكن أن يقال: إنّه لا أثر لتنزّل القيمة، فيجب أداء ماليته من العين وإن تنزّلت إلى أن لا يقوم بأكثر من الخمس الّذي تعلّق بها، مثل ما إذا كان الميّت مديناً بمئة دينار وكانت تركته ألف دينار، ولا يؤدّيه حتى تنزلت قيمة تركته إلى المئة فلا ينقص بذلك ما عليه من الدين ويجب أداؤه ولو بأداء تمام التركة. وفيما نحن فيه أيضاً إن صرف المالك ما عنده من الخمس في المؤونة فليس عليه شيء وإلّا فيجب عليه أداء المالية المذكورة.

ثانيهما: إن ترك إيصاله إلى أرباب الخمس بعد مضيّ السنة واستقرار الخمس غفلةً أو عمداً، فتارة تزيد قيمته عنده، واُخرى: تنقص، فعلى القول بتعلّق

ص: 176

الخمس بالعين على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن في العين لا يكون لصاحب الخمس إلّا العين الخارجية، ولا ضمان لمن عليه الخمس وعلى القول بتعلّقه بالمالية يؤدّي المالية كما ذكر من العين، زادت قيمته أو نقصت، والله هو العالم.

خمس من له أنواع من الاكتساب

مسألة 59: قال في العروة: إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة، كأن يكون له رأس مال يتّجر به وخان يؤجّره وأرض يزرعها وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك، يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته.((1))

أقول: لازم ذلك جبر ضرر بعضها بمنفعة بعضها الآخر، فلو خس-ر في بعضها وربح في غيره وكان ربح هذا مساوياً لخس-ران الآخر لا شيء عليه. وأيضاً لو لم يربح من هذا وربح من الآخر في آخر أيّام السنة يجب عليه أداء خمس هذا الربح، مع أنّه لم يمضِ عليه السنة بل ولم يمضِ عليه إلّا يوم واحد.

وفي قبال هذا القول: القول بأنّ كلّ ربح يلاحظ بشخصه وله سنةتخصّه، وعليه فمن ربح عشرة في المحرّم وصرفه في مؤونته إلى رجب، ثم ربح عش-رين وصرفه في مؤونته إلى ذي الحجّة، فربح في اليوم التاسع والعشرين ثلاثين لا یجب عليه تخميس الثلاثين في أول المحرّم.

ص: 177


1- العروة الوثقی، ج4، ص282.

وبالجملة: بعد اتّفاقهم على أنّ في تعلّق الخمس بالأرباح يستثنى منه الأرباح الّتي تصرّف في مؤونة السنة، فهل المراد من ذلك ملاحظة جميع الأرباح الّتي تحصل له في السنة كربح واحد، فإذا صرف جميع أرباحه إلى أواخر السنة في مؤونته وحصل له ربح في آخر يوم منها يجب عليه أداء خمسه، أو أنّه يلاحظ كما ذكر كلّ ربح - ولو كان من تجارة واحدة - ربحاً مستقلّا ً، فإن صرف في المؤونة فلا شيء عليه، وإلّا فيؤدّي خمس ما بقي منه بعد سنته المختصّة به؟ اختار جماعة - والظاهر أنّهم الأكثر- منهم الشيخ الأنصاري(قدس سره) و صاحب العروة وغيرهما الأوّل، وحكي عن الشهيد الثاني وغيره الثاني.((1))

ويظهر الفرق بين القولين مضافاً على ما ذكر: أنّه إذا ربح في المحرّم خمسين وفي شعبان خمسين وفي اليوم الآخر من ذي الحجّة خمسين وصرف في مؤونته خمسين يستثنى على القول الأوّل - الّذي لعلّه هو المشهور - من جميع مئة وخمسين خمسون، ويؤدّى خمس ما بقي منها - وهو المئة - عشرون، وهذا بخلاف القول الثاني فإنّه تخرج مؤونة سنة الربح الأوّل وهو الخمسون منه فلا يكون عليه شيء. وبالجملة: يلاحظ الربح الثاني والثالث أيضاً كل منهما بحسب سنته.

هذا، وأفاد بعض الأعلام من المعاصرين: أنّ الأظهر هو ما اختاره الشهيد الثاني، فإنّ المستفاد من الآية الكريمة والروايات الدالّة على أنّ «الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»: أنّ الحكم انحلالي، فكلّ فرد من أفراد الغنيمة

ص: 178


1- مسالك الأفهام، ج1، ص467 - 468؛ اللمعة الدمشقية، ج2، ص78؛ وذهب إليه السيّد الخوئي أيضاً في المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص243.

والفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخميس، كما كان هو الحال في الكنوز والمعادن. فلو لم يكن دليل على استثناء المؤونة لقلنا بوجوب أداء الخمس فوراً وبمجرّد حصول الربح، ولكن دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل، فلا يجب البدار إلى الإخراج، بل له التأخير إلى آخر السنة، فهذا التقييد ثابت بالدليل. أمّا ارتكاب تقييد آخر، أي ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض بحيث يستثنى حتى المؤن الحاصلة قبل حصول الربحالمتجدّد فلم يقم عليه دليل.

والحاصل أوّلاً: أنّه لا دليل على احتساب المؤونة السابقة على حصول الربح واستثنائها منه.

وثانياً: لا يجب تخميس الربح الحاصل في اليوم الآخر من سنة حصول الربح السابق.

ثم إنّه رد ما قيل (من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كلّ ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج) بأن لا نعقل له معنى محصّلاً حتى في التدريجيات، مثل العامل أو الصانع الّذي يربح في كلّ يوم ديناراً مثلاً فإنّه إن لم يبقَ كما هو الغالب حيث يصرف ربح كلّ يوم في مؤونة اليوم الثاني فلا كلام، وإن بقي يخمس الفاضل على المؤونة.((1))

أقول: إنّ ما في أكثر الروايات استثناء المؤونة، وليس فيها قيد السنة والعام إلّا

ص: 179


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص243 - 245.

في صحيح ابن مهزيار، وهو قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «وأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام»، وقوله: «فأمّا الّذي أوجب من الضياع والغلّات في كلّ عام...».((1))

وأجاب بعض الأعلام عن الاستدلال بالجملة الأولى بأنّها ليست ناظرة إلى الضمّ ولا إلى عدمه، وإنّما هي بصدد التفرقة بين الغنائم وغيرها، حيث إنَّ الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أسقط الخمس في سنته تلك (سنة عش-رين ومأتين) عن جملة من الموارد. وأمّا في الغنائم والفوائد فلم يسقط خمسها بل أوجبه بكامله في كلّ عام. وأمّا كيفيّة الوجوب من ملاحظة الأرباح منضمّة أو مستقلّة فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية.((2))

وفيه: أنّ مراده(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) من قوله الشريف: «فهي واجبة عليهم في كلّ عام...» أنّ الغنائم والفوائد على حكمها الأصلي واجبة عليهم في كلّ عام لم نسقطها عنهم، فهي ظاهرة في أنّها تحسب وتلاحظ جملة ومنضمّة في كلّ عام. وقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «فأمّا الّذي أوجب من الضياع والغلّات في كل عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك» أيضاً مؤيّد لما قلناه وأنّ المعتبر في الجميع (الضياع والغنائم والفوائد) العام والسنة، والضياع والغلّات، بحسب الطبع تحصل للزارع في كلّ سنة مرّة، فالمؤونة المستثناة منها تكون بالنسبة إليها، وحكم غيرها أيضاً كحكمها.وقد صرّح السيّد الاُستاذ(قدس سره) بأنّ الصحيحة من حيث الدلالة على

ص: 180


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح 5، ج6، ص349 - 350.
2- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص243.

ذلك كافية، مضافاً إلى أنّ القول به مشهور بين أصحابنا، قال: قد جرى عليه العمل، فتراهم أنّهم ينظرون إلى فوائدهم وما صرف منها في معاشهم السنوي في كلّ سنة مرّة. وبالجملة فهذا القول أقوى وأحوط، والله هو الهادي إلى الصواب.

اشتراط استقرار المنفعة في وجوب الخمس

مسألة 60: لا ريب في أنّه لا يجب أداء خمس المنفعة الحاصلة بالعقد الخياري قبل لزومه، وإنّما الكلام فيما بعد اللزوم هل تكون المنفعة الحاصلة من منافع سنة وقوع العقد، أو سنة تحقّق لزوم المعاملة إن تحقّق في السنة اللاحقة؟

ربّما يقال: إنّه لا يصدق الفائدة عرفاً إلّا من سنة تحقّق اللزوم.

وقد يقال: بأنّ سقوط الخيار أو مضيّ زمانه الّذي كان لذي الخيار كافٍ للاستقرار الواقعي، على نحو الشرط المتأخّر، فإذا تحقّق كشف عن استقراره من حين العقد، فيكون الربح الحاصل من المعاملة من أرباح السنة السابقة.

وذكر بعض المعاصرين من الأعلام((1)): أنّ الّذي ينبغي أن يقال: هو التفصيل في المقام، فلا يستقيم الإطلاق لا على قول صاحب العروة ولا على قول هذا القائل؛ وذلك لأنّ من المعلوم أنّ المال المشترى بالبيع الخياري تكون قيمته أقلّ ممّا إذا اشتري بالبيع اللازم، فحينئذ إن اشترى ما قيمته بالبيع اللازم عش-رة وبالبيع الخياري ثمانية بالثمانية فلا ربح له به، فإذا لزم البيع في السنة الآتية فسنة

ص: 181


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص246 - 247.

الربح تكون هذه السنة؛ لأنّ فيها يتحقّق موضوعه.

نعم، في المعاملة الخيارية يتحقّق الربح عند العقد إن اشترى المال الّذي قيمته بالمعاملة الخيارية ثمانية بخمسة آلاف، فإنّ له بيعه من شخص آخر بثمانية. فعلى هذا ليس الميزان في صدق الربح سنة العقد ولا سنة اللزوم مطلقاً، بل هو مقيّد بمبلغ الشراء إن كان بأقلّ ممّا هو قيمته بالبيع الخياري يعدّ الربح من السنة الماضية، وإن كان أقلّ ممّا هو قيمته بالبيع اللازم فيعدّ من السنة الآتية، والله هو العالم.

عدم سقوط الخمس بإقالة البيع

مسألة 61: قال في العروة: لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً فاستقاله البائع فأقاله لم يسقط الخمس، إلّا إذا كان من شأنه أن يقيله كما في غالب موارد البيع بش-رط الخيار إذا ردّ مثل الثمن.((1))

أقول: الظاهر أنّه لا وجه لاختصاص البحث عن استقالة البائع بما إذا كان البيع خيارياً فصار لازماً، بل يجيء البحث فيما إذا اشترى ما فيه الربح واستقاله البائع فأقاله. ولعلّ اختصاصه بالذكر لأنّ الاستقالة أكثر وقوعاً في البيع بشرط الخيار إذا تخلّف البائع ولزم البيع.

وعلى كل حال قالوا: إنّه يدور مدار كون الإقالة من شؤون البائع وكيفيّة

ص: 182


1- العروة الوثقی، ج4، ص283 - 284.

تجارته فيسقط الخمس بها، وإلّا فلا يسقط وعليه أداء الخمس مثلاً أو قيمته. هذا وقد احتمل السقوط مطلقاً، وهو خلاف القواعد، والله هو العالم.

خمس رأس المال

مسألة 62: هل يجب إخراج خمس رأس المال مطلقاً وإن احتاج إليه بحيث إذا لم يكن له رأس المال أو أخرج خمسه منه يضطرّ إلى الاكتساب من عمل لا يناسب شأنه عرفاً ويقع به في المهانة، أو لا يجب مطلقاً وإن أمكن له الاكتساب بما يليق به ولا يحتاج إلى رأس المال، أو يقال بالتفصيل؟

وجه الوجوب مطلقاً: أنّه لا یجب إخراج خمسه إذا صرفه في مؤونة سنته بحيث لا يبقى في يده عوضه في الخارج فض-لاً عن عينه، كما يص-رفه في مأكله ومشربه وملبسه وأسفاره وغيرها حتى مثل الأثاث الّتي يحتاج إلى الانتفاع منها في الاُمور المذكورة. وأمّا رأس المال فهو باقٍ على حاله بعينه أو بعوضه، وهو كالسيّارة الّتي اشتراها من عوائده للاكتساب بها باكترائها، أو دار أُهديت إليه لا يحتاج إلى اتّخاذها محلّ سكناه، بل يؤجّرها.

ووجه عدم الوجوب مطلقاً: أنّ المؤونة أعمّ ممّا ذكر، سيّما إذا كان محتاجاً إلى رأس المال في سنواته اللاحقة ولا يتحصّل له سائر المؤن المعاشية إلّا بذلك.ووجه التفصيل: أنّه إذا كان محتاجاً إليه - بحيث كانت إعاشته من غير طريق الإتّجار برأس المال موجباً للحزازة والمنقصة - يعدّ جعله رأس المال من حاجاته العرفيّة كسائر مؤونته الشخصية.

ص: 183

والجواب عن وجه الوجوب: أنّ الاحتياج إليه في السنة اللاحقة لا يجعله من مؤونة السنة الحالية.

وبالجملة: ما بيده من الفائدة يحتاج إليه لسنته الحالية فإن صرفها في حاجاته لا خمس عليه، وإن بقي كلّه أو بعضه عنده ولم يصرفه إلّا في التجارة يجب عليه أداء خمسه.

وبهذا يجاب أيضاً عن القول بالتفصيل، فإنّه إنّما يحتاج إلى رأس المال لدفع المهانة والحزازة عن نفسه في السنين الآتية دون السنة الفعليّة، فإنّ له أن يصرف ما عنده في مؤونته ولا يدّخره للإتّجار به.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إذا آل حال الشخص إلى هذا الاحتياج فأدلّة الخمس منصرفة عنه. وعلى ذلك كلّه فالأحوط إن جعل الفائدة - الّتي تفي بمؤونته - رأس المال إخراج خمسه عند تمام الحول، والله هو العالم.

المراد من مبدأ السنة

مسألة 63: قد وقع الخلاف بينهم في مبدأ السنة الّتي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها، فاختار البعض أنّ مبدأها حين ظهور الربح،((1)) وبعض آخر اختار حال الش-روع في الاكتساب، وهذا

ص: 184


1- كما في مسالك الأفهام، كتاب الخمس، ج1، ص468؛ والروضة البهية، كتاب الخمس، ج1، ص77؛ ومدارك الأحکام، ج5، ص391؛ وكشف الغطاء، كتاب الزكاة، الباب الخامس في الخمس، البحث الأوّل، المقام السابع، ج4، ص207؛ وجواهر الکلام، ج16، ص80.

القول مختار الشهيد في الدروس،((1)) وصاحب الحدائق،((2)) وجماعة من الأساطين.

والظاهر أنّ الكلام في ذلك إنّما يجيء على القول بانضمام الأرباح بعضها مع بعض واعتبار أرباح الكلّ ربحاً واحداً لكلّ سنة، وأمّا على القول بملاحظة كلّ ربح بالاستقلال واعتبار السنة بالنسبة إلى شخصه فمبدأ سنة كلّ ربح يكون حين ظهوره.وفصّل صاحب العروة،((3)) وقال باختصاص ملاحظة حال الش-روع في الاكتساب بمن كان شغله التكسّب، وأمّا مَن لم يكن مكتسباً وحصلت له الفائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة.((4))

ويمكن أن يقال: إنّ الذهاب إلى أحد القولين مبنيّ على ما يستظهر من قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): في الصحيحة «في كلّ عام» هل هو عام حصول الربح، أو عام التجارة والتكسّب؟ فعلى الأوّل يكون مبدأ السنة ظهور الربح، وعلى الثاني يكون أوّل التجارة والكسب، إلّا أنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فليلاحظ نصوص المؤونة، مثل قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس بعد المؤونة»، وقوله: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»، وقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله».

ص: 185


1- الدروس الشرعية، ج1، ص259، كتاب الخمس، الثاني ممّا يجب فيه الخمس.
2- الحدائق الناضرة، ج12، ص354، كتاب الخمس الفصل الأوّل، المقام الخامس، المسألة الثانية.
3- وكذلك الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس، ص215، مسألة 11.
4- العروة الوثقی، ج4، ص285.

فهل الظاهر منها مؤونته طول أيّام التجارة والكسب إلى تمام السنة فيستثنى ما يصرفه في مؤونته قبل حصول الربح من أوّل شروعه في الاكتساب، أو ما يصرفه بعد ظهور الربح إلى تمام السنة؟

وأفاد بعض المعاصرين من الأعلام: أنّ قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس بعد المؤونة» ظاهر في المؤونة الفعليّة، واستعمالها فيما انقضى والمؤونة السابقة على زمان حصول الربح لا يصحّ إلّا بنحو من العناية والتجوّز، إذاً فالمستثنى من الخمس المؤن الفعليّة.

وأفاد بأنّه لو فرضنا الشكّ في ذلك يكفينا مجرّد الشكّ في الحكم بالاقتصار على المؤونة الفعليّة؛ لأنّ في المخصّص المنفصل «الخمس بعد المؤونة» الدائر بين الأقلّ والاكثر يجب البناء على المقدار المتيقّن، وهو المؤن المص-روفة بعد ظهور الربح، وأمّا إخراج المؤن السابقة على حصول الربح فهو مشكوك، فنرجع إلى إطلاقات الأدلّة.((1))

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي إخراج مؤونة زمان الإكتساب والإشتغال بما يترتب عليه حصول الربح دون المؤن اللاحقة الّتي لا ترتبط بحصول الربح، فلو قلنا بظهور المشتقّ وما في معناه من الجواهر في الفعليّة والتلبّس بالمبدأ في الحال فليكن ما ذكر قرينة على إرادة الأعمّ.

وأمّا التمسّك بالإطلاقات في صورة الشكّ، ففيه: أنّه على كلٍّ من القولين

ص: 186


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج24، ص250 - 251.

يستثنى مؤونة السنة، وإنّما الكلام في مبدأ السنة، وعلى هذا فالأقرب هو القول المشهور، والله هو العالم.

المراد من المؤونة

مسألة 64: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «المراد بالمؤونة: كلّ ما ينفقه على نفسه وعلى عياله وعلى غيرهم للأكل والش-رب واللباس والمسكن والتزويج والخادم وأثاث البيت والكتب وغير ذلك ممّا يُعدّ مؤونة عرفاً،((1)) ثم ذكر فروعاً:

الأوّل: حكى عن الغنائم: أنّ الظاهر أنّ تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المؤونة، كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ.

أقول: قد مضى الكلام في رأس المال، ونزيد عليه هنا: أنّه يمكن تصوير كون رأس المال من مؤونة سنته الفعلية بأن يكون ما عنده أقلّ من تمام مؤونة سنته، ويحتاج إلى جعله رأس المال ليتّجر به لتمام مؤونة سنته، وأمّا اشتراء الضيعة فليس من ذلك.

الثاني: الظاهر أنّه لا يشترط التمكّن من تحصيل الربح من رأس المال بالفعل، فيجوز صرف شيء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين، وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام لذلك.

أقول: اعتبار ذلك من مؤونة السنة محلّ تأمّل، بل المنع أولى. اللّهمّ إلّا أن

ص: 187


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص200، المتبادر مؤونة السنة.

يقال بأنّه إذا لم يرد من غرس الأشجار واقتناء إناث أولاد الأنعام شراءها والانتفاع بثمنها لا يعدّ مثله من الغنيمة، أو أنّها منصرفة عن مثل ذلك، ولكنّ الظاهر صدق الفائدة عليه وعدم انصراف الدليل عنه.

الثالث: قد عدّ جماعة((1)) مثل الهبة والصلة والضيافة اللائقة بحاله من المؤونة.

وحكي عن صاحب المناهل التفصيل بين ما يكون لازماً عليه شرعاً أو عرفاً، وبين ما يكون مخيّراً فيه، وأنّه استقرب عدم وضع ما كان من قبيل الثاني.

ثم ردّ ذلك ونفى البعد عن الوضع في الثاني أيضاً إذا كان لغرض عقلائي يستحسن وقوعه منه.وقال: إنّ إطلاق المؤونة منص-رف إلى المتعارف، فيختصّ بما يحتاج إليه الشخص في إقامة نظام معاشه ومعاده. وقيّد ذلك بأن لا يكون خارجاً عن المتعارف بالنسبة إليه، فيستثنى لأداني الأغنياء من حيث الغنى والشرف الصدقات المندوبة المتعارفة، لا مثل بناء المساجد، فضلاً عن الهدايا والتحف للسلاطين لغير غرض ملزم وإن كان حسناً.((2))

هذا، وأفاد السيّد الاُستاذ(قدس سره) في المراد من المؤونة: أنّه يتصوّر بحسب مقام الثبوت على أربعة وجوه:

ص: 188


1- منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج1، ص464؛ والسيد في مدارك الأحکام، ج5، ص385؛ والسبزواري في ذخيرة المعاد، ص483؛ والمحقّق النجفي في جواهر الکلام، ج16، ص59.
2- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص201.

أحدها: خصوص المأكل والمشرب، أي القوت الّذي يكون تقوّم الحياة به على ما فسّره صاحب القاموس.((1))

الثاني: مطلق ما يعيش الإنسان به ممّا يعمّ ما ذكر، مثل المركب المحتاج إليه، ومثل صداق الزوجة، ومثل ما يصرفه في المعالجات والإعاشة المناسبة.

الثالث: ما يعمّ ما ذكر وما يحتاج إليه ممّا يجب عليه تحصيل ما يص-رف فيه، كالكفّارات والنفقات الواجبة والضمانات.

الرابع: كلّما يقوم به من المصالح الفردية والاجتماعية والأغراض الدينية والدنيوية والمعاشية والمعادية من غير استثناء شيء منها، إلّا ما يراد به الكسب والاكتساب وزيادة المال، فيشمل ذلك بالتفصيل - وإن لم يأتِ في كلامه الشريف - الضيافات والولائم والخيرات وما يصرفه في المشاريع الخيرية وبناء المدارس والمساجد وطبع الكتب ونشر معالم الدين والأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعلاء كلمة الإسلام وإحياء أمر أهل البيت(علیهم السلام).

وبالجملة: الظاهر من كلامه أنّ المراد من المؤونة - كما ذهب إليه كاشف الغطاء في كشفه على ما في الجواهر((2)) -: «ما يفضل عن مؤونة السنة لنفسه ونفقة عياله الواجبيّ النفقة وممّاليكه وخدّامه وأضيافه وغيرهم، وعطاياه وزياراته وحجّاته فرضاً أو ندباً ونذوره وصدقاته ومركوبه ومسكنه وكتبه وجميع حوائجه ممّا يناسب حاله».

ص: 189


1- القاموس المحيط، ج4، ص269 (مادّة: المأنة والتموّن).
2- جواهر الكلام، ج16، ص60.

ثم قال بعد ذلك: «ويدخل في المؤونة دار تناسبه وزوجة كذلك، وما يحتاج من ظروف وأسباب وغلمان وجوارٍ وخيل وفراش وغطاء ولباس ومراكب ونحوها ممّا يليق بحاله».وفي البيان على ما في الجواهر أيضاً: «مؤونة سنة له ولعياله، ومنها قضاء ديونه وحجّه وغزوه وما ينوبه من ظلم أو مصادرة».((1))

وقال في الجواهر: «بل قد يندرج فيه حلّي نسائه وبناته وثياب تجمّلهم ممّا يليق بحاله...» إلى آخر ما قال.

وبعد ذلك كلّه ينبغي الإشارة إلى اُمور:

الأوّل: في كلّ مورد شكّ في كونه من المؤونة مقتضى الأصل - أي عموم ما دلّ على وجوب الخمس في الغنائم والفوائد - وجوب أداء خمسه؛ لإجمال دليل المخصّص وانفصاله.

الثاني: الظاهر أنّ المعيار على العفو ممّا يصرف في المؤونة كونه على الإقتصاد والمتعارف. ويمكن أن يقال: إنّ إطلاق المؤونة يشمل ما كان مص-روفاً فيها مطلقاً إذا لم يصل إلى حدّ الإسراف والتبذير، ولا يترك الإحتياط.

الثالث: إذا بنينا على عدم كون ما يصرفه في المؤونة خارجاً عن المتعارف، فهل يشمل ذلك أيضاً ما يصرفه في الاُمور الدينية ولأجل الثواب الاُخروي، كبناء المساجد والمدارس، وكالحجّ والعمرة وزيارة المشاهد المشرفة؟ ظاهر جماعة منهم

ص: 190


1- البیان، ص218.

الشمول، فيجب عليه إذا بنى مسجداً كبيراً جدّاً مث-لاً أداء خمس ما يص-رف فيه من الفوائد أوّلاً وصرف الباقي فيه. وقد يقال: إنّ مثل هذه الاُمور المهمّة الدينية شأن كلّ مسلم أن يتصدّاه ويتقرّب به إلى الله تعالى ويبتغي مرضاته، لا يختصّ بأحد دون آخر، كما أنّ المؤمن المليّ يحتاج إلى رحمة الله ويتقرّب إليه بالخيرات كذلك غيره أيضاً يحتاج إلى ثوابه ورضوانه.

أقول: فهل ترى أنّ من يؤثر غيره على نفسه وصرف الربح الحاصل له من كسبه في مؤونته ليس له ذلك، ويكون تصرّفه في الربح غير مأذون فيه، وأنّه ليس هذا من شأنه؟ وقد مدح الله تعالى في كتابه أمير المؤمنين وسيّدة نساء العالمين وسيّدي شباب أهل الجنّة: في سورة «هل أتى» بإيثارهم المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم المباركة، والله هو الهادي إلى الصواب، وهو العالم باحكامه.

عدم الفرق بين أقسام المؤونة

مسألة 65: كما يكون ما يص-رفه فيما تتلف عينه مثلالمأكول والمشروب وما يعطيه من الربح للأشخاص للأغراض العرفية من المؤونة كذلك يكون منها ما يحتاج إليه في سنة الربح ممّا تبقى عينه، كالفرش والأثاث والمركب ما دام الحاجة إليها باقية في السنة الآتية، فلا فرق في إطلاق المؤونة عليهما، فلا وجه لأن يقال: إنّه يستثنى من الربح ما يستهلك منه في سنته. وكذلك يكون منها ما يستغني عنه بعد رفع حاج-ته كالمرأة الّتي تستغني عن الحلّي بعد عص-ر شبابها، وكل ذلك لإطلاق المؤونة.

ص: 191

لا يقال: إذا استغنى عنه يكون واقعاً تحت عموم أدلّة الخمس.

فإنّه يقال: هذا إذا كان الدليل الدالّ على استثناء المؤونة أزمانياً دالّا ًعلى استثنائها في زمان خاصّ مثل زمان الحاجة إليه، ولكنّ الدليل يكون أفرادياً يدلّ على خروج الفرد الخاصّ المحتاج إليه للمؤونة عن تحت العامّ في جميع الأزمنة، فلا يجوز التمسّك بعموم العامّ بالنسبة إليه في بعض الأزمنة دون الآخر، وهذا يكون مثل خروج زيد عن عموم أكرم العلماء، فإنّه لا يجوز التمسّك به لإثبات وجوب إكرام زيد في بعض أحواله، فمقتض-ى إطلاق دليل المخصّص كونه محكوماً بالاستثناء في جميع حالاته. فلا حاجة إلى التمسّك بالأصل - كما أفاده بعض الأعلام((1)) - لنفي وجوب الخمس عن بعض حالات الفرد لرفع الشكّ، ولا تنتهي النوبة إليه.

وأمّا ما أفاده من أنّ موضوع الخمس - وهو الفائدة والغنيمة بالمعنى الأعمّ - ظاهر في الحدوث، بل لا بقاء لها وإنّما الباقي المال. وأمّا الإفادة فهي أمر حادث تقع في كلّ ربح مرّة واحدة من غير تكرّر، فإذا بقيت العين بعد السنة وخرجت عن الحاجة والمؤونيّة كالحليّ للنسوان أو بعض الكتب لأهل العلم فليست هناك إفادة جديدة ولم تحدث فائدة ثانية ليتعلّق بها الخمس، فحينما حدثت الإفادة لم يجب الخمس على الفرض؛ لأنّها كانت آنذاك من المؤونة ولا خمس إلّا بعد المؤونة، وبعد زوال الحاجة والخروج عن المؤونيّة لم تتحقّق فائدة ثانية ليتعلّق

ص: 192


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص262 - 263.

بها الخمس».((1))

وفيه: أنّ ما أفاده مبنيّ على أنّ تشريع الخمس يكون بعد استثناء المؤونة، كتشريع الإرث فإنّه يكون بعد الوصيّة والدين، فبعد حدوثالغنيمة قد تعلّق الخمس بما زاد على المؤونة الّتي منها ما كان محتاجا إليه بالفعل، وبعد استغنائه لا تحدث غنيمة جديدة حتى يتعلّق بها الخمس. ولكنّ الكلام في المبنى فإنّ الخمس يتعلّق بعين الربح، غير أنّ المالك مأذون في التصرّف فيه لمؤونته، فما لم تبقَ عينه بالتصرّف فيه لا خمس فيه، وما بقيت عينه واستغنى عنه يجب أداء خمسه.

ويمكن أن يقال بالتفصيل: بأنّ ما صرف في المؤونة إن بقيت عينه حين خروجه عن المؤونية يجب تخميسه، وإن لم يبقَ ولو بتبديله بعين آخر لا يجب تخميس بدله، فمثل حليّ النساء بعد استغنائهنّ عنه لا یجب تخميسه، وهذا ليس ببعيد، وهو الأحوط.

هذا كلّه، ونعيد الكلام ونقول بعد كلّ ما ذكر: إنّه بناءً على إطلاق قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس بعد المؤونة» بحيث يشمل استثناء ما صرف في المؤونة الّتي تزول الحاجة إليها بعد حين وإن بقيت عينه على حالها، فلا كلام في استثناء ما صرف فيها، وصحّة التمسّك بإطلاق دليل المخصّص بعد الاستثناء عنه.

وبعبارة اُخرى: بناءً على إطلاق المؤونة وشمولها للمؤونة الّتي تخرج عن الاحتياج إليه بعد حين لابدّ للقول باستثنائها كسائر المؤن. وأمّا على القول بعدم

ص: 193


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ص255 - 256.

شمول إطلاقه لمثل هذه المؤونة أو الشكّ فيه فمقتضى الأصل - أي عموم العامّ - وجوب تخميسها، إلّا أنّه يبقى الكلام في جواز التصرّف فيها بعد حلول العام عليها وبقاء الحاجة اليها، فليكن ذلك شاهداً على استثناء هذه المؤونة مطلقاً؛ لأنّه لا ريب في جواز التصرّف فيها بعد مضيّ السنة عليها، ولا دليل على ذلك إلّا كونها واقعة تحت قوله: «الخمس بعد المؤونة»، وخروجها عن تحت عموم العامّ. وينبغي مراعاة الاحتياط وأداء خمس فائدة جعلت عينها المؤونة وخرجت عن الحاجة إليها، بل أداء خمسها وإن لم تخرج عن الحاجة ولكن مض-ى عليها الحول، بل يمكن أن يقال بهذا الإحتياط إن اشترى بالفائدة ما يحتاج إليه لمؤونته الّتي بقيت كذلك.

إخراج المؤونة من الربح وعنده مال لا خمس فيه

مسألة 66: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): لو كان للشخص مال لا يتعلّق به الخمس، ففي وجوب إخراج المؤونة منه أو من الربح أو منهما أوجه، بل قيل: أقوال، خيرها أوسطها». ثمذكر موافقة جمع من المتأخّرين،((1)) بل قال: إنّه مقتضى ظاهر كلّ من عبّر عن عنوان هذا القسم في فتواه أو معقد إجماعه بما يفضل من الأرباح عن مؤونة السنة. واستدلّ له بالأصل، بل ظاهر قولهم(علیهم السلام): «الخمس بعد

ص: 194


1- وهم الشهيد الثاني في الروضة البهیة، ج2، ص77؛ والمحقّق الثاني في جامع المقاصد، ج3، ص53؛ وصاحب مدارك الأحکام، ج5، ص385؛ وصاحب ذخيرة المعاد، ص484.

المؤونة» إلى آخر ما استدلّ به لذلك القول.

ثم أفاد: إن كان المال الآخر ممّا يحتاج إليه في الاكتساب والتجارة فلا إشكال في عدم كون المؤونة منه، وكذا لو كان ممّا لا يحتاج، ولكن جرت العادة بعدم الإنفاق منه كدار لا يحتاج إليها. وإن كان ممّا جرت العادة بصرفه في المؤونة كمقدار من الحنطة أو الإدام ومثلهما، فالظاهر عدم استثناء ما يقابله من الربح، من المؤونة عرفاً ما يحتاج إليه ممّا عدا ذلك، ولذا يكتفى بالدار الموروثة ونحوها. وأمّا إذا لم تجرِ العادة في صرفها ففي جواز إخراج المؤونة معه من الربح إشكال؛ لاحتمال ورود جميع ما يدلّ على استثناء المؤونة من الربح وارداً مورد الغالب من الاحتياج إلى أخذ المؤونة من الربح، فالتمسّك بهذه الإطلاقات في الخروج عن إطلاقات الخمس مشكل.

وبعبارة اُخرى: المحتمل أنّ خروج المؤونة من الربح يكون لدفع الضرر ومشقّة التكليف. وقال: والمسألة محلّ إشكال، إلّا أنّ الأصل والظاهر - يعني ظاهر النصوص والفتاوى - يقتض-ي القول الأوسط.

ثم ذكر خلاف المحقّق الأردبيلي(قدس سره)((1)) والفاضل القمّي((2)) باختيار المؤونة من غير الربح.

ص: 195


1- مجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص318.
2- غنائم الأيام، ج4، ص356.

وبالنسبة إلى القول الثالث قال: لم أقف على قائل به، ولعلّ وجهه أنّ تخصيص المؤونة بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح فيؤخذ منهما بالنسبة.((1))

هذا، والمسألة تدور مدار الأخذ بإطلاق مثل قولهم:: «الخمس بعد المؤونة»؛ لعدم ما يوجب الإنصراف ورفع اليد عنه، ومجرّد الاحتمالالمذكور لا یوجب رفع اليد عن الظاهر. ويؤيّد ذلك: عدم ذكر السؤال عن هذا القيد في الأخبار مع كثرة الابتلاء به. وعدم جريان العادة بعدم صرفها في المؤونة أيضاً ممّا يؤيّد الإطلاق. وبالجملة: فالأقسام اربعة:

الأوّل: إن كان المال محتاجاً إليه لازم الإقتناء كالمال المحتاج إليه في التجارة، فلا

ريب في جواز إخراج المؤن من الربح معه.

الثاني: أن يكون المال ممّا يقتنى ولم تجرِ العادة على صرفها في المؤونة، كدار لا يحتاج إليها للسكنى، أو أرض أو بستان لا يريد أن يبيعهما، والظاهر أنّ في هذا أيضاً لا یجب إخراج مؤونته منه.

الثالث: أن يكون ما عنده من المال بحسب الحال ممّا يصرف عادةً في المؤونة، ففي مثله لا يستثنى ما يقابله من الربح، ويدخل في ذلك دار السكنى والجواري والغلمان والمراكب الّتي ينتفع منها.

الرابع: أن يكون ما عنده ممّا لم تجرِ العادة على صرفه، وهذا هو الّذي مرّ

ص: 196


1- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص203 - 206.

الإشكال فيه وقوّينا أنّه لا یجب إخراج المؤونة منه، ويجوز صرف الربح عملاً بالإطلاق، ومع ذلك رعاية الاحتياط هي الأوّلى، والله هو العالم بالصواب.

إندار معادل المؤونة من الربح

مسألة 67: البحث في المسألة السابقة كان في من له مال غير الربح هل يجوز له صرف الربح في المؤونة دون أن يؤدّي خمسه؟ وفي مسألتنا هذه يقع البحث في أنّه بناءً على الجواز في المسألة السابقة أنّ صرف غير الربح في المؤونة هل يجوز له إنداره((1)) من الربح، أم لا؟ فهل المدار في الاستثناء صرف خصوص الربح في المؤونة أو لا؟ قولان:

قال الشيخ الأنصاري: «لو اختار المؤونة كلّا ًأو بعضاً من المال الآخر الغير المخمّس فليس له الإندار من الربح، وما تقدّم من اختيار إخراج المؤونة من الربح فمعناه جواز الإخراج من الربح، لا استثناء مقابل المؤونة من الربح وإن أخرجها من غيره أو أسقطها مسقط تبرّعاً أو تركها الشخص تقتيراً، وقولهم: «إنّ الخمس فيما يفضل» معناه ما يفضل عمّا ينفقه فعلاً لا ما عدا مقابل المؤونة».((2))

ويمكن أن يقال: إنّ استثناء الخمس ممّا يصرف في المؤونة فرع تعلّقالخمس به دون ما لم يتعلّق الخمس به.

ص: 197


1- أندره: أي أسقطه من الحساب. الصحاح، ج2، ص825. (مادّة: ندر).
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص207.

وفيه: أنّه لو ورد: «ليس الخمس في المؤونة» فيستفاد منه الاستثناء من الربح الّذي يصرف في المؤونة، ولكن ما جاء في الروايات مثل قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس بعد المؤونة» وهو ظاهر في إخراج المؤونة من الربح مطلقاً، سواء صرف فيه المال الّذي تعلّق به الخمس أو غيره، فما يفيد الاستثناء كصحيحة عليّ بن مهزيار عن عليّ بن محمد بن شجاع: قال أبو الحسن الثالث(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس ممّا يفضل من مؤونته».((1)) يحمل كما أفاده السيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره) على أعمّ من مؤونة الشخص وعياله ومؤونة الضيعة وما يصرفه من نفس الفوائد وغيرها، بل يمكن حمله على المورد المفروض أداء مؤونته ممّا في يده من الضيعة، والله هو العالم.

مسألة 68: إذا اتّفق تحمّل غيره مؤونته ومؤونة عياله كلّا ً أو بعضاً كأن صاروا ضيفاً له، فهل يجوز له إندار ما يعادل مؤونته من الربح، أم لا؟ فإن قلنا في المسألة السابقة بعدم جواز الإندار فالقول به هنا أولى، وإن قلنا بالجواز فاحتمال التفصيل بين المسألتين لا يخلو من وجه، وموافق للاحتياط.

أداء القرض من الربح المتأخّر

مسألة 69: الاستقراض من ابتداء سنته لمؤونته ووضع مقداره من الربح، وهكذا صرف بعض رأس المال فيها إنّما يكون على المختار من كون مبدأ السنة حين الشروع في الكسب، وأمّا على القول بأنّ

ص: 198


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح2، ج6، ص348.

مبدأها ظهور الربح فلا

وجه لوضع المؤونة المص-روفة في السنة الماضية من الربح. نعم، بالنسبة إلى الاستقراض لمؤونة سنته الماضية إن أدّى القرض من ربح سنته يُعدّ من مؤونة سنته، وبالنسبة إلى رأس المال أيضاً إن صرفه في تحصيل الربح يوضع منه مقدار ما صرفه منه؛ لأنّ الربح الحقيقي ما يبقى بعد وضع ما صرف في تحصيله، والله هو العالم.

موت المكتسب في أثناء الحول

مسألة 70: إذا مات المكتسب في أثناء الحول، فللمسألة صورتان:إحداهما: على القول بأنّ مبدأ السنة حين ظهور الربح، فإذا مات المكتسب في أثناء السنة يسقط اعتبار المؤونة فيما بقي من الربح، فلا يوضع من الباقي مقدارها على فرض الحياة. وأمّا إن مات قبل ظهور الربح فلا يوضع منه ما صرفه في مؤونته قبله.

ثانيتهما: على القول بأنّ مبدأ السنة حين الشروع في الكسب ومات في أثنائها يوضع من الربح، وإن ظهر بعد موته مؤونة أيّام حياته دون ما بعدها.

مؤونة الحجّ

مسألة 71: قال الشيخ(قدس سره): «لا إشكال في أنّ مؤونة الحجّ من المستثنى إذا وجب عام الاكتساب...((1))» إلى آخره.

ص: 199


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص214، مسألة 11.

أقول: هنا فروع:

الأوّل: إذا استطاع أثناء حول الربح وتمكّن من المسير وتلبّس بالسير فلا إشكال في احتساب مخارجه في المؤونة. ومن ذلك ما لو حصلت الاستطاعة من فضلات سنين متعدّدة بعد إخراج خمسها في كلّ سنة وكملت بربح سنته الفعليّة، بل وإن لم يؤدِّ خمسها وصرف في المؤونة ما يقابل الربح ممّا عنده من مال لم يتعلّق به الخمس أو أدّى خمسه.

الثاني: ما إذا استطاع بالربح مالياً ولكن لم يتيسّر له المسير في سنته، فلا ريب في أنّه يجب عليه خمس الربح؛ لأنّه لم يصرف في المؤونة.

الثالث: إن تيسّر له المسير ولكن ترك الحجّ عمداً وعصياناً فهل هو بمنزلة التقتير يجب عليه تخميسه، أم أنّه حيث اختصّ بحكم الشرع للص-رف في الحجّ (وبعبارة اُخرى جعل شرعاً مؤونة للحجّ) فلا یجب خمسه؟ الأقوى الأوّل؛ لأنّ المراد من المؤونة وما يصرف في الأكل والشرب واللباس والمسكن والحجّ هو ما صرف فع-لاً، لا ما هو من شأنه أن يصرف.

الرابع: أنّ الظاهر من عنوانهم المسألة ب-«ما يحصل به الاستطاعة للحجّ» هو عدم احتساب مصارف الحجّ المندوب أو العمرة المستحبّة من المؤونة، مع أنّ الظاهر من تصريحات جماعة كون الحجّ المندوب وما يص-رفه في الزيارات من المؤونة، فلعلّ الوجه في اختصاص ذلك بالذكر احتمال كون الربح من المؤونة. وإن لم يصرف في الحجّ عصياناً، واللههو العالم.

ص: 200

الخامس: إذا كان ربح سنته وافياً لمصارف الحجّ من الخروج من وطنه والسفر إلى الحجّ، إلّا أنّه تنقضي سنته عند وصوله إلى مكّة مثلاً بعد ما أدّى عمرة التمتّع، والحال أنّه إن أدّى خمس ما بقي من الربح لا يقدر على إتمام الحجّ ويسقط من الاستطاعة، أو أنّه وإن لم يسقط من الاستطاعة هل يجوز له احتساب بقيّة المصارف من مؤونة السنة الماضية، أو أنّه لا يحتسب منه إلّا ما صرف في تلك السنة؟

الظاهر أنّ مؤونة السنة ليست إلّا ما صرفه في سنته، وأمّا بالنسبة إلى الباقي فالظاهر أنّه لا يستطيع إذا كان الحال كما ذكر. ويترتّب على هذه المسألة فروع والمناسب للبحث عنها كتاب الحجّ، والله هو العالم.

أداء الدين من المؤونة

مسألة 72: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «وأمّا الدَين فالمقارن منه لعام الاكتساب إن استدين للصرف فيما يستثنى، فلا إشكال في استثناء ما يوفّي مراعىً بالإيفاء...((1))» إلى آخره.

صور الدَين من حيث دخوله في الاستثناء:

الأولى: الدين الّذي يستدينه لصرفه في مؤؤنة سنة الربح، وبعبارة اُخرى: الدين المقارن لعام الاكتساب لصرفه في مؤؤنة عام الاكتساب، فلا إشكال في استثناء ما يوفّى به بشرط الإيفاء به في عدم ذلك، فلو أبرء المدين المديون يتعلّق

ص: 201


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص93.

الخمس بمقابله. وفي صورة عدم الإيفاء به لمانع أو لأجل كونه مؤجّلاً أو مطلقاً، فالظاهر أنّه يجب خمس ما يقابله من الربح ويكون أداؤه من مؤونة سنة أدائه.

واستشكل بعض الأعلام في ذلك، وقال بجواز أداء ذلك الدين من الربح الّذي مضت عليه السنة؛ وذلك لعدم صدق الربح على ما كان واقعاً قبال الدين عند العقلاء.((1))

وفيه منع ذلك لصدق الربح عليه، فالدين يكون عليه ومن مؤونته في كلّ سنة أداه فيستثنى من ربحها، والله هو العالم.

الثانية: الدين الّذي استدانه لغير المؤونة، فإن كان ما يقابله موجوداً عنده فلا ريب في أنّه لا يستثنى من الربح فيؤدّيه إمّا من عين ما يقابلهأو من مال أدّى خمسه أو لم يتعلّق به الخمس. وإن لم يكن ما يقابله موجوداً فالظاهر أنّ أداءه من مؤونته كما إذا استقرض لمؤونة سنته الماضية ولم يحصل له الربح فيها حتى يؤدّيه فإنّه يؤدّيه في السنة الآتية من ربحها، فالاعتبار على اللزوم الش-رعي أو العرفي، وأداء الدين لازم بأيّ جهة صار ملزماً به.

الثالثة: ما صار مديناً به بالنذر والعهد واليمين وبالضمانات والجنايات، فالظاهر احتساب أداء كلّ ذلك من المؤونة؛ لصدق المؤونة عليها عرفاً. غير أنّ الشيخ(قدس سره) قال في الغرامات بأنّها إن لم تحصل بتعمّد منه فالظاهر دخولها في المؤونة، وإن تعمّدها ففي إلحاقها بغير العمد وعدمه إشكال.((2))

ص: 202


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص267.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص94.

أقول: الظاهر عدم الفرق في صدق المؤونة عليها بين الصورتين، والله هو العالم.

عدم اعتبار الحول في الخمس

مسألة 73: قال المحقق(قدس سره) في الشرائع: «لا يعتبر الحول في شيء من الخمس، ولكن يؤخّر ما يجب في أرباح التجارات».((1))

أقول: أمّا عدم اعتبار الحول فهو مقتضى ما يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنِّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾.((2))

فإنّه كالصريح في أنّ الغنيمة بمجرّد حصولها يكون خمسها لله تعالى و...، لا بعد مضيّ مدّة مّا. وأمّا جواز التأخير إلى مض-يّ الحول في خصوص أرباح المكاسب، بل عدم تعلّق الخمس به قبله كما حكي عن الحلّي،((3)) فهل يستفاد من قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «الخمس بعد المؤونة»((4))؟ الظاهر أنّه لا يستفاد منه ذلك، فإنّ المراد من البعدية هنا ليس البعدية الزمانية، بل المراد البعدية بالرتبة، كالدَين والوصيّة بالنسبة إلى تركة الميّت، يعني يقدّم أداء الدين والعمل بالوصيّة من تركة الميّت، فإن بقي شيء فهو للورثة، فعلى هذا في الفاضل على المؤونة الّذي هو مال الغير يجبأداؤه إلى أهله، ولا يجوز التصرّف فيه بعد حصوله وإن لم يحل عليه الحول.

ص: 203


1- شرائع الإسلام، ج1، ص135.
2- الأنفال، 41.
3- السرائر، ج1، ص489 - 490.
4- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح4، ج6، ص349.

ولكن في الجواهر: أنّ الظاهر الإجماع على جواز التأخير فيما يجب من أرباح التجارات، وقال: بل قد يشعر به صحيح ابن مهزيار.((1))

ومراده منه قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» فإنّ ظاهره إخراج الخمس في كلّ عام مرّة».

وربّما يستدلّ لجواز التأخير بما حاصله: أنّ تعلّق الخمس بالربح وضعاً كان أو تكليفاً مشروط بنحو الشرط المتأخر بعدم صرفه في المؤونة، وهو لا يتحقّق في الخارج إلّا بعد مضيّ السنة فلا يكفي العلم بعدم تحقّقه، ولا يخرج الواجب المشروط بالعلم بتحقّق شرطه عن كونه مش-روطاً، بل لا ينقلب الواجب المشروط بحصول شرطه إلى المطلق.((2))

وفيه: أنّ هذا يتمّ إذا كان الربح مساوياً للمؤونة، أو أقلّ منها، دون ما إذا كان أكثر منها بأضعاف مضاعفة. هذا، ولم يحصل لنا معنى عدم انقلاب الواجب المشروط إلى المطلق بعد حصول شرطه، والله هو العالم.

تلف المال لا يجبر بالربح

مسألة 74: قال في العروة: «لو تلف بعض أمواله ممّا ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح وإن كان في عامه؛ إذ

ص: 204


1- وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ج6، ص349 - 350، ب8، ح5؛ جواهر الكلام، ج16، ص53.
2- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص277.

ليس محسوباً من المؤونة».((1))

وقال الشيخ(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «وأمّا التالف من المال فلا يجبر بالربح قطعاً؛ لأنّ التلف لا يمنع صدق الإستفادة على الربح، وجبر التالف ليس من المؤونة».((2))

والظاهر أنّ مراده أنّ الجبران إن كان لعدم صدق الاستفادة على الربح فالتلف لا يمنع صدق الاستفادة عليه، وإن كان لأجل كون جبران التالف من المؤونة فليس هو من المؤونة. وبعبارة اُخرى: إن اُريد من الجبران عدم صدق الربح حتى يكون عدم وجوب الخمس من السالبةبانتفاء الموضوع فتلف المال المذكور لا يمنع من صدق الربح، وإن كان من جهة أنّ جبر التالف المذكور من المؤونة فليس من المؤونة قطعاً. ومنه يظهر أنّ الجبر يدور بين الأمرين: الربح، وصرفه في المؤونة، فإذا لم يكن ربح فعدم الجبر من باب السالبة بانتفاء الموضوع. وممّا ذكرنا لعلّه يظهر لك ما في المستمسك،((3)) والله هو العالم.

جبران الخسارة بربح تجارة اُخرى

مسألة 75: إذا كان شغله البيع والش-راء للاسترباح والاكتساب فخس-ر في مورد بتلف رأس ماله أو بعضه، وربح في مورد آخر، فهل ينجبر الخسران بالنفع فلا يكون الخمس فيما يقابل الخس-ران من النفع، أو لا؟

ص: 205


1- العروة الوثقی، ج4، ص294.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص213، مسألة 10.
3- مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص552.

للمسألة صور:

إحداها: أن يكون ذلك في أفراد من نوع واحد، كما إذا خسر الحنّاط مثلاً في مورد وربح في مورد آخر، أو بائع الأدوية خس-ر في اشترائه أو بيعه دواءً من عمرو وربح في اشترائه أو بيعه دواءً من زيد، أو خس-ر في معاملته في الصيف وربح في الشتاء، فلا إشكال في أنّه يجبر الخسران بالربح إذا كانا في سنة واحدة، من غير فرق بين تقدّم الخس-ران على الربح أو العكس؛ وذلك لعدم صدق الغنيمة على مثل ذلك الربح، بل عدم صدق الربح؛ لأنّه في هذا المثال يكون الاعتبار على مجموع الخس-ران والربح، فلا يكون مثله مخاطباً لقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْء فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾.((1))

ثانيتها: الصورة المذكورة إذا تحقّقت في عامين فخسر في العام الأوّل وربح في الثاني، ففي هذه الصورة لا یجبر الخسران الأوّل بالربح الثاني.

ثالثتها: أن فرّق رأس ماله في أنواع من التجارات، فتارةً جعله في تجارة الحنطة واُخرى في الأثمار وثالثةً في الأقمشة ورابعةً جعل بعضه في هذا النوع وبعضه في النوع الآخر وهكذا، الظاهر أنّ في هذا أيضاً يجبر بعضها بربح بعض. ولا فرق بينها وبين الصورة الأولى إذا كان الخسران والربح في سنة واحدة، ولا فرق بينها وبين الصورة الثانية إذا كانا في عامين.

رابعتها: أن يكون لكلّ نوع من أنواع اكتسابه رأس مال مستقلّ ونظام

ص: 206


1- الأنفال، 41.

وحساب مستقلّ، فهل لا یجبر صاحب الجميع النقص الوارد في رأس مال هذا النوع بنفع النوع الآخر؟ فهو حنّاط وحدّاد وبزّاز، وفي مثل ذلك هل يجوز التمسّك بإطلاق الآية الكريمة ويقال بشمولها لهذه الصورة أو أنّه لا يخلو من إشكال، لأنّه لم يبقَ بعد جبر الخسائر بالمنافع فائدة، أو أنّه بعد جبر بعض الخسائر يبقی البعض الآخر بلا جابر فهل يعدّ صاحبه رابحاً؟ ولو شككنا في صدق الغنيمة والفائدة على مثل هذا الربح، فمقتض-ي الأصل البراءة عن وجوب تخميسه، إلّا أنّ الاحتياط حسن في كلّ حال، والله هو العالم.

مسألة 76: فيها فروع:

الأوّل: ظاهر الأدلّة من الكتاب والسنّة: أنّ الخمس متعلّق بالعين، مثل قوله تعالى: ﴿فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ﴾ فهو ظاهر في أنّ له تعالى خمس العين، وصرفه عن ظاهره محتاج إلى القرينة. وهذا ظاهر أكثر النصوص الدالّة على وجوب الخمس. هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر منهم أيضاً إجماعهم على ذلك.

الثاني: الظاهر تسالمهم على أنّ المالك مخيّر بين دفع خمس العين أو دفع قيمته، ولم أجد رواية تدلّ بالخصوص أو الإطلاق والعموم على التخيير وكفاية دفع القيمة. نعم، استدلّ بعض الأعلام بصحيحة البرقي قال:

«كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «هل يجوز أن اُخرج عمّا يجب في الحرث من

ص: 207

الحنطة والشعير وما یجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): أيّما تيسّر يخرج».((1))

فإنّ صدر السؤال وإن كان ظاهراً في الزكاة إلّا أنّ السؤال الثاني مطلق يشمل الخمس أيضاً.

ولكنّ الظاهر أنّ الّذيل بقرينة الصدر راجع إلى الزكاة، لا إلی الأعمّ منها ومن الخمس.اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظاهرهم إلحاق الخمس بالزكاة في هذه المسألة بإلغاء خصوصيّة الزكاة في ذلك. ولكن لا يخلو من الضعف. فالعمدة في ذلك تسالمهم واستقرار السيرة عليه. ولكنّ القدر المتيقّن من ذلك دفع القيمة بالنقود دون الأجناس والعروض.

الثالث: لا يجوز التصرّف في مجموع العين قبل أداء الخمس، سواء كان بالفعل الخارجي كركوب السيّارة أو لبس اللباس أو بالمعاملة كبيعها. نعم، التصرّف-ات الخارجية حرام تكليفاً وتوجب الضمان وضعاً، وأمّا مجرّد البيع فلا يجوز وضعاً، أي لا يتحقّق البيع ويكون بالنسبة إلى الخمس فضولياً، فإن أجازه الفقيه يقع لأرباب الخمس، وإلّا فيبقى الخمس على حاله في ملك أربابه، فإن كان في يد المشتري

ص: 208


1- الکافي، ج3، ص559؛ من لا یحض-ره الفقیه، ج2، ص32؛ وسائل الشیعة، أبواب زكاة الغلات، ب9، ح1، ج6، ص131 - 132؛ ورد أيضاً في أبواب زكاة الذهب والفضّة، ب14، ح1، ج6، ص114.

يستردّ منه وليّ الخمس، وإن تلف في يده فلوليّ الخمس الرجوع إليه أو إلى البائع على التفاصيل والفروع المذكورة في باب تعاقب الأيادي.

الرابع: ما ذكر من عدم جواز التصرّف في المجموع إنّما هو الحكم بعد مضيّ الحول واستقرار الخمس، أمّا قبله فيجوز له التص-رّف في المجموع بالتجارة معه وتبديله بعين آخر، بل تفويت عينه بصرفه في مؤونته، والله هو العالم.

التصرّف في الربح

مسألة 77: التفصيل في التصرّف في بعض الربح ومجموعه بالجواز في الأوّل إذا كان مقدار الخمس باقياً فيه وعدمه في الثاني مبنيّ على القول بأنّ تعلّقه بالعين على وجه الكلّي في المعيَّن؛ وأمّا على القول بتعلّقه بالعين على نحو الإشاعة فحكم البعض والمجموع سواء.

مسألة 78: قد مرّ أنّ التصرّف في الربح الحاصل أثناء السنة يجوز مجموعاً وبعضاً وإن تعلّق به الخمس من أوّل وجوده، ومن هذه التصرّفات المجوّزة: التجارة بالربح، بحيث حصل من الربح ربح آخر والربح الثالث والرابع، فهل ليس عليه إلّا خمس المجموع، أو يكون ما يقابل من الربح لأهل الخمس ثم خمس الأربعة أخماس الباقية أيضاً لهم؟

فالمحكيّ من نجاة العباد لصاحب الجواهر: أنّ هذا أحوط إن لم

ص: 209

يكن أقوى؛ لتبعية النماء للأصل ولا ينافيه جواز التأخير.قال(قدس سره): «فلو ربح أوّلاً مثلاً ستمائة وكانت مؤونته منها مائة وقد أخذها فاتّجر بالباقي مثلا من غير فصل معتدٍّ به فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتين وثمانين، مائة من الربح الأوّل، ويتبعها نماؤها من الربح الثاني وهو مائة أيضاً، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة وخمسها ثمانون، فيكون المجموع مائتين وثمانين».((1))

ولكنّ الظاهر منهم أنّ ذلك خلاف السيرة العملية، وعليه الشيخ(قدس سره)((2)) وصاحب العروة وغيرهما من الأساطين. ويمكن أن يستدلّ لهم بقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»((3)) فإنّه ظاهر في أنّه يجب عليهم خمس ما بقي لهم بعد مؤونة سنتهم من جميع أرباحهم. وبغيره من الأدلّة. نعم، الحكم على ما ذكره في الجواهر إن تصرّف في الربح بعد استقرار الخمس بعد مضيّ الحول، والله هو العالم.

التصرّف في المال قبل أداء خمسه

مسألة 79: قد ظهر ممّا سبق أنّه لا يجوز للمالك التص-رّف في المال الّذي تعلّق به الخمس بعد مضيّ الحول قبل أدائه عيناً أو قيمةً، وإن بنى على كونه في ذمّته ليؤدّية. نعم، كما في العروة يجوز ذلك بالمصالحة مع الحاكم، وحينئذ يجوز له التصرّف فيه، ولا حصّة له

ص: 210


1- جواهر الكلام، ج16، ص55.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص217 - 219.
3- الاستبصار، ج2، ص55؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص123؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب8، ح3، ج6، ص348 - 349.

من الربح إذا اتّجر به.

والظاهر أنّ موضوع كلامه هو الخمس المستقرّ الّذي مضى عليه الحول، إلّا أنّه قال بعد ذلك: «ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح»، ولذا اُشكل عليه: بأنّ فرض المسألة إن كان الربح الّذي حال عليه الحول فقوله: «لو فرض غير...» مرتبط به، ولا يكون إلّا إن وقع المصالحة على الربح في أثناء السنة، وفي مثله يجوز له التصرّف ولا يحتاج إلى المصالحة. أشار إلى ذلك جمع من المحشّين، فالظاهر وقوع سهو هنا، والله هو العالم.

إخراج الخمس في أثناء السنة

مسألة 80: يجوز له التعجيل في إخراج الخمس إذا كان الربحزائداً على مؤونة سنته، فلا يشترط في إجزاء إخراجه حلول الحول عليه، فإنّ التأخير من باب الإرفاق، فلو أخرجه عمّا يظنّه زائداً على مؤونة سنته ثم بان خلافه وأنّ الربح لم يكن كافياً لمؤونة سنته فهل يكشف ذلك عن عدم صحّة ما أدّاه خمساً فيجوز له الرجوع إلى ما أدّاه إن كانت عينه باقية في يد آخذه دون ما إذا تلفت في يده إذا لم يكن هو عالماً بالحال، أو أنّه ليس له الرجوع مطلقاً حتى مع بقاء العين؟ لأنّ صاحب الخمس يملكه بمجرد حصوله في يد المالك، والتأخير إرفاق في حق المالك، فما دام لم يؤدِّه إلى صاحب الخمس له ذلك، أمّا بعد تسليمه إليه فهو ملكه وحقّه لا يجوز استرداده منه، وبالجملة:

ص: 211

جواز إخراج المال من يد صاحبه محتاج إلى الدليل. قولان في المسألة:

الأوّل: مختار السيّد في العروة وجمع من المحشِّين.

والثاني: هو مختار صاحب الجواهر((1)) والشيخ.((2)) وقد يقوّى الأوّل بما أسلفناه عن بعض الأعلام،((3)) من أنّ تعلّق الوجوب إلى الربح يكون مش-روطاً بعدم الصرف في المؤونة. وبعبارة اُخرى: عدم الحاجة إلى صرفه في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر، فتجدّد الحاجة إليه يكشف عن عدم حصول الشرط وعدم تعلّق الخمس به ونحن وإن لم نقبل منه فيما مضى إلّا أنّه هنا قريب لا يرد عليه ما أوردناه هناك، ومع ذلك لا نرفع اليد عن الاحتياط، والله هو الهادي إلى الصواب.

حكم الشراء قبل أداء الخمس

مسألة 81: قال في العروة: إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جاريةً لا يجوز له وطؤها، كما أنّه لو اشترى به ثوباً لا تجوز الصلاة فيه، ولو اشترى به ماءً للغسل أو الوضوء لم يصحَّ، وهكذا.((4))

أقول: استدرك على ذلك بأنّه يكون إذا وقع الشراء بعين ما فيه الخمس، وأمّا الشراء بما في الذمة وبالثمن الكلّي والأداء بمال لم يخمَّس فلا يضرّ بصحّة المعاملة،

ص: 212


1- جواهر الكلام، ج16 ، ص80.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص224؛ وكتاب الزكاة ، ص384.
3- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص277.
4- العروة الوثقی، ج4، ص302.

ولا يوجب وقوعها فضولياً. نعم، لا تفرغ ذمّةالمشتري به، كما أنّه لا يخرج الخمس من ملكية السادة، كما إذا أدّى الثمن الكلّي من مال غصبي آخر. نعم إذا وقع بالعين الّذي لم يخمّس لا يملك ممّا اشتراه ما هو مقابل الخمس، فهو يكون بينه وبين أرباب الخمس بالشركة.

ومن هذا يمكن أن يقال في بعض المسائل السابقة: إنّ المعاملات الواقعة إن وقعت على الثمن الكلّي لا يترتّب عليها بعض ما ذكر، وحتى على ما قوّاه العَلَمان صاحب الجواهر(رحمه الله)((1)) والشيخ الأنصاري(قدس سره) يقال: إنّه مختصّ بما إذا وقعت المعاملة بعين الخمس.((2)) اللّهمّ إلّا أن يقال بالفرق بين بيع الربح بالثمن الكلّي وبين شراء شيء كالماء بالثمن الكلّي، ففي الأوّل لا يملك البائع ما يقابل من الثمن الربح، دون الثاني فإنّه يملك المشتري المبيع كلّه.

ثم اعلم أنّ ما استثناه صاحب العروة في ذيل المسألة مبنيّ على كون تعلّق الخمس بالربح على نحو الكلّي في المعيّن.

مصارف الحجّ

مسألة 82: قد ظهر من بعض ما ذكرناه حكم مصارف الحجّ إلّا أنّه نذكره هنا بالتفصيل، فنقول:

مصارف أداء الحجّ من أوّل إنشاء السفر إلى آخر زمان يؤدّى الحجّ -

ص: 213


1- جواهر الكلام، ج16، ص57.
2- کتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص380.

على مختار العروة - كلّها تص-رف من أرباح سنة إنشاء السفر. ويمكن أن يقال: منها ما لابدّ من صرفه في سنة الربح وإن كان بحيث يستفاد منه بعد هذه السنة، فهذا لا ريب في أنّه يكون من مؤونة سنة الربح. ومنها ما يصرف تدريجاً ويوماً فيوماً، ففي مثله مؤونة كلّ يوم بحسبه إن كان من سنة إنشاء السفر فمنها، وإن كان من السنة الآتية فمنها إن حصل له ربح فيها، وإلّا فيصرف فيها من غيره من المال المخمَّس، أو المال الّذي لم يتعلّق به الخمس، والله هو العالم.

جعل الغوص أو المعدن مكسباً

مسألة83:((1)) إذا جعل الغوص واستخراج المعدن شغلاًكالتاجر وغيره، فهل عليه خمسان إن زاد ما حصل له بالغوص أو المعدن من مؤونة سنته؟ ومثله الغنيمة الحاصلة بالغزو؟ فالظاهر أنّه لا يجب عليه إلّا خمس واحد وجب عليه بالغوص وغيره، فلا يصدق على الفاضل من مؤونة سنته من الغوص مثلاً الغنيمة، ولا يشمله قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ...﴾ ثانياً. نعم، إذا لم يصل ما يخرج بالغوص أو باستخراج المعدن إلى حدّ النصاب وزاد على مؤونة سنته الظاهر وجوب تخميسه، والله هو العالم.

ص: 214


1- انظر المسألة في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص226 - 228.

كسب المرأة في بيت زوجها

مسألة 84: قد ظهر ممّا ذكر: أنّ المعيار على استثناء المؤونة، المؤونة الفعليّة - الّتي يصرف فيها بالفعل الربح - دون الشأنية، فمثل المرأة الّتي تكتسب في بيت زوجها ولا تصرف ما حصل لها في بعض ما هو معدود من المؤونة كالزيارات والصدقات وغيرها يجب عليه خمس ما كان باقياً عندها من الربح، ولا يستثنى منه النفقة الّتي يتحمّل عنها زوجها. نعم، إن امتنع هو أو كان فقيراً فص-رفته في مؤونته فهو كغيرها، والله هو العالم.

اشتراط الكمال في تعلّق الخمس

مسألة 85: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «الظاهر أنّه لا خلاف في عدم اشتراط البلوغ والعقل في تعلّق الخمس بالمعادن والكنوز والغوص، وقد ادّعى ظهور الاتفاق في الأخيرين في المناهل. وعن ظاهر المنتهى((1)) في الأوّل، وتبعه في الغنائم،((2)) ويدلّ عليه إطلاق الأخبار».((3))

وأمّا الغنيمة فالظاهر أنّها كذلك؛ لما ذكروا في الجهاد من إخراج الخمس من الغنيمة أوّلاً ثم تقسيمه بين مَن حضر القتال حتى الطفل. ودلّ على الإطلاق في

ص: 215


1- منتهى المطلب، ج1، ص547 ويفهم من عبارته عدم اشتراط البلوغ فقط.
2- غنائم الأیام، ج4، ص294.
3- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص273، المسألة 23.

الأربعة المذكورة وفي الحلال المختلط: إطلاق رواية عمّار بن مروان المتقدمّة «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمةوالحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس».((1))

وأمّا الأرض المشتراة من الذّمّي، ففيه إشكال من تضمّن الرواية لفظة «على» الظاهرة في التكليف، ومن إمكان منع هذا الظهور لكثرة استعمال لفظة «على» في مجرّد الإستقرار، كما في قوله: «عليه دَين»، و«على اليد ما أخذت» ونحو ذلك.

وأمّا المكاسب، فظاهر إطلاق الفتاوى عدم اشتراط البلوغ فيها. فعن المنتهى في فروع مسألة الكنز:

الثالث: «الصبىّ والمجنون يملكان أربعة اخماس الركاز، والخمس الباقي لمستحقّيه يخرج الوليّ عنهما، عملاً بالعموم، وكذا المرأة... لنا: ما تقدّم من أنّه اكتساب وهما من أهله».((2))

إنّ هذا الدليل ظاهر في أنّ عليهما خمس كلّ ما يحصل بالاكتساب.

والحاصل: أنّه يفهم - من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز والمعدن والغوص بأنّها اكتسابات، فتدخل تحت الآية، ثم تعميمهم الوجوب فيها للصبّي والمجنون، ثم دعواهم الإجماع على وجوب الخمس في مطلق الإكتساب - عدم الفرق في أرباح المكاسب بين البالغ وغيره، فتفطّن. ويدلّ عليه: إطلاق بعض الأخبار، مثل موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الخمس؟ فقال: «في

ص: 216


1- وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب3، ح6، ج6، ص344.
2- منتهى المطلب، ج1، ص547.

كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير».((1))

أقول: الأقوى ما أفاده(قدس سره)؛ لوجوه:

الأوّل: في خصوص المعدن والكنز والغوص بالإجماع.

الثاني: بإطلاق كلماتهم، فلم يقيّدوا الحكم بالمكلّفين.

الثالث: استدلالهم لوجوب الخمس في الكنز والغوص والمعدن بأنّها اكتسابات، وهي علّة تعمّ غيرها من المنافع والأرباح والمكاسب.

الرابع: النصوص وهي العمدة في المقام، إذ يمكن الخدشة في الوجوه المذكورة، فمن النصوص بل الأوّل منها: قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾، وهو وإن كان خطاباً إلى المكلّفين إلّا أنّ الظاهر منه أنّ الحكم لمطلق الغنائم، ولذا ففي باب الجهاد يخرج من الغنيمة الخمس أوّلا، ثم يقسّم بين مَن حضر القتال حتى الطفل.وبالجملة: توجّه الخطاب إلى الكبار لا يوجب ظهور الحكم المستفاد منه مختصّاً بهم، كما لا يوجب كونه بصيغة الجمع المذكّر اختصاصه بالرجال دون النساء. وغاية ما يمكن أن يقال: إنّه لا يستفاد منه التعميم، لا أنّه يستفاد منه التخصيص.

ومنها: الروايات، وهي على طوائف:

منها: ما يدلّ على أنّ الخمس من خمسة أشياء((2))... فيمكن الإستدلال بإطلاق

ص: 217


1- الکافي، ج1، ص545؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب 8، ح6، ج6، ص350.
2- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب2، ح4، ج6، ص339 - 341.

أنّه من خمسة أشياء، سواء كان من الكبير أو الصغير، أو العبد أو الحرّ.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه ليس في مقام بيان من یؤخذ الخمس من ماله، بل يكون بياناً للمال الّذي فيه الخمس.

ومنها: ما يكون بلفظة «على»، كقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «عليها الخمس جميعاً».((1))

وربّما يقال: بأنّ هذا ظاهر في الوجوب والتكليف لا الوضع، فلا يشمل الصغير والمجنون.

وفيه: ما أفاده الشيخ من كثرة استعمال لفظة «على» في مجرّد الاستقرار.((2))

ومنها: ما فيه التعبير بلفظة «في» مثل موثّقة عمّار بن مروان، قال: «سمعت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس».((3))

ولا يضرّ شموله لأرباح المكاسب عدم ذكرها فيه، فإنّ الكلام في نحو تعلّق الحكم بالخمس، والظاهر عدم الفرق في ذلك بين الموارد.

وموثّقة سماعة قال: «سألت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الخمس؟ فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير».((4))

وهذه الطائفة من الأخبار تدلّ على ثبوت الخمس في مواردها بالوضع، فلا

ص: 218


1- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 3، ح1، ج6، ص342.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص274، مسألة 23.
3- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 3، ح6، ج6، ص344.
4- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 8، ح6، ج6، ص350.

دليل على اختصاصه بالمعدن والكنز والغوص دون غيرها، فلا يجوز التفريق في عدم اشتراط الكمال بين الثلاثة وغيرها.

هذا، وقد استشكل بعض المعاصرين - بعد الاعتراف بأنّ الظاهر أنّ المشهور هو ثبوت الخمس مطلقاً: إمّا في هذه الثلاثة فقط أو في الجميع -بأنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم عن الصبيّ والمجنون استثناؤهما من دفتر التش-ريع وعدم وضع القلم عليهما بتاتاً كالبهائم، فلا ذكر لهما في القانون، ولم يجرِ عليهما شيء. ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع، فترفع عنهما الأحكام برمّتها بمناط واحد، وهو الحكومة على الأدلة الأوّلية. اللّهمّ إلّا إذا كان هذا الرفع منافياً للامتنان بالإضافة إلى الآخرين، كما في موارد الضمانات((1))...إلى آخره.

والجواب: أنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم هو رفع التكليف عن الصبىّ والمجنون، أمّا رفع ما جعله الشارع مثلاً في جميع الأموال لحفظ مصالح العامّة أو دفع بعض المفاسد فلا

وجه لرفعه، فلا وجه لاستثناء مال الصبىّ والمجنون، نعم لا يجب عليهما أداؤه ويتولّى الوليّ إيصاله إلى أهله.

ثم إنّ الظاهر أنّ الحكم - أي عدم اشتراط الكمال في تعلّق الخمس بالأشياء المذكورة - في المال المختلط بالحرام أظهر، للعلم بكون مقدار منه ملكاً لغير الصبىّ، وتوقّف جواز التصرّف فيه بحكم الشارع على تخميسه،

ص: 219


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص308.

فيجب على الوليّ تخميسه مراعاةً لمصلحة الصغير أو المجنون وعدم تعطيل المال، والله هو العالم.

أخبار التحليل

مسألة 86: ممّا وقع البحث فيه بينهم في المراد من الأخبار الدالّة على التحليل: هل هي في كل من المناكح والمساكن والمتاجر؟ وبعبارة اُخرى: هل التحليل المستفاد منها مطلق يشمل خمس الغنيمة والمعدن والكنز وأرباح المكاسب، سواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر، أو أنّه مختصّ بأرباح المكاسب وفي مورد المناكح، أو غير ذلك؟ وهل التحليل حكم شرعيّ يكون الدليل الدالّ عليه كالمقيِّد لإطلاق ما يدلّ على وجوب الخمس مطلقاً، أو مطلق يشمل جميع الأزمنة، أو غير ذلك من الشقوق المتصوّرة؟ فاللازم ملاحظة الأخبار والنظر في مقدار دلالتها.

فنقول: اعلم أنّه لا ريب في دلالة الكتاب وطائفة من السنّة على وجوب الخمس من غير عفو ولا تحليل وإن كانت بالإطلاق أو العموم. وأمّا ما ادّعي دلالته على التحليل:

فمنها: مصحّحة الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلّات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقاً؟ قال: فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهم (فهو) في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب».((1))

ص: 220


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص143؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح9، ج6، ص381.

وقال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «ونحوها رواية اُخرى للحارث اُطلق فيها تحليل الخمس».((1))

أقول: وهي ما رواه أيضاً في التهذيب عنه، قال: «دخلت على أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فجلست عنده، فإذا نجية((2)) قد استأذن عليه فأذن له، فدخل فجثا على ركبتيه، ثم قال: جعلت فداك، إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقّ له، فاستوى جالساً، فقال: يا نجيّة، سلني، فلا تسألني اليوم عن شيء إلّا أخبرتك به، قال: جعلت فداك، ما تقول في فلان وفلان؟ فقال: يا نجيّة، إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما والله أوّل من ظلما حقّنا في كتاب الله... - إلى أن قال: - اللّهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا، قال: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: يا نجية، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا».((3))

وتمام الحديث كما في التهذيب بعد قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «في كتاب الله»: «وأوّل من حمل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة والله بظلمنا أهل البيت، وإنّ الناس ليتقلَّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، فقال نجيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون (ثلاث مرّات)، هلكنا وربّ الكعبة، قال: فرفع فخذه عن

ص: 221


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص173، مسألة 8.
2- نجبة بن الحرث بالنون والجيم المفتوحين والباء المفردة شيخ صادق كوفي صديق عليّ بن يقطين قال الأردبيلي: «الّذي ظهر لنا... إنّ ناجية بن أبي عمارة ونجية بالمثناة ونجبة بن الحرث بالمفردة واحد». جامع الرواة، ج2، ص289 انتهى. وهو من الخامسة.
3- تهذیب الأحکام، ج4، ص145، كتاب الزكاة باب الزيادات، ح405 / 27.

الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئاً، إلّا أنّا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول: «اللهمّ...» الحديث، إلّا أنّه قال: «إلينا» بدل «علينا» و«علیه السلام» بعد إبراهيم».((1))

أقول: أمّا سند الأوّل فقد عبَّر عنه الشيخ الأنصاري«بالمصحّحة»((2))، والسيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره) على ما في تقريرات بحثه في الخمس «بالصحيحة». وقال السيّد الخوئي: «هي ضعيفة السند بأبي عمارة، فإنّه مجهول وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة».((3))

أقول: السند هكذا: سعد بن عبد الله،((4)) عن أحمد بن محمد،((5)) عن أحمد بن محمد بن أبي نص-ر،((6)) عن أبي عمارة،((7)) عن الحارث بن المغيرة النصري.((8))

والظاهر أنّ مثل هذا السند واعتماد مثل هذه الأجلّاء عليه سيّما الشيخ

ص: 222


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص145، كتاب الزكاة، باب الزيادات، ح 405/ 27.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص173، مسألة 8.
3- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص348؛ الحدائق الناضرة، ج12، ص429.
4- من كبار الثامنة، جليل القدر، صاحب التصانيف، شيخ هذه الطائفة.
5- من السابعة أو الثامنة، ابن عيسى شيخ القمّيّين ووجههم وفقههم غير مدافع....
6- البزنطي من السادسة، عظيم المنزلة، جليل القدر، أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنه و....
7- من السادسة.
8- من الرابعة أو الخامسة، ثقة ثقة.

البزنطي يكفي في الاعتماد عليه، وتعبير العلمين الكبيرين عنه بالمصحّحة أو الصحيحة في محلّه.

وأمّا السند الثاني في التهذيب: عليّ بن الحسن بن فضّال،((1)) عن جعفر بن محمد بن حكيم،((2)) عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي،((3)) عن الحارث بن المغيرة النصري.((4)) وقد عبّر عنه صاحب الحدائق((5)): بالموثّق، وأخذ عليه السيّد الخوئي بجهالة جعفر بن محمد بن حكيم، ولكن قال: هو مذكور في أسناد كامل الزيارات.((6)) فهو موثّق على مسلكه، لا مسلك الحدائق. ولكن يكفي في رفع الجهالة عنه رواية مثل ابن فضّال وابن بزيع وموسى القاسم الممدوح بأنّه ثقة ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة.

وكيف كان، فالّذي نقول في مضمونهما: إنّ الأوّل ليس ظاهراً فيالتحليل المطلق، وإنّ السؤال راجع إلى ما يتعلّق بأموالهم بالاكتساب ونحوه، بل الظاهر أنّ السؤال راجع إلى ما يقع في أيديهم من أموال أهل الخلاف لمخالطتهم معهم، وعدم إمكان الاجتناب عنها في المعاملات والتجارات والمساكن والمأكل

ص: 223


1- جليل القدر وعظيم المنزلة...
2- عن الكشّي، عن رجل نسي اسمه أنه ليس بشيء. أقول: ولكن هو من شيوخ مثل ابن بزيع وابن فضّال.
3- مذموم بأنّه واقفي خبيث، وعن النجاشي: كان ثقة ثقة عيناً.
4- تقدم ذكره.
5- الحدائق الناضرة، ج12، ص429.
6- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص348.

والملبس. وبالجملة: فلا يدلّ على التحليل المطلق.

وأمّا الثاني فظاهره وإن كان الإطلاق إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ كلّ مثل ذلك راجع إلى تحليل ما كان بيد العامّة على الشيعة ممّا كان جميعه أو خمسه لهم(علیهم السلام)، وما يقتضيه التحليل هو هذا، وهو ما كان مورداً لابتلاء الجميع، لا ما يستفيده الشيعة بالاكتساب.

ومنها: صحيحة الفضلاء (أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم)، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك، وآباءهم في حلّ».((1))

ورواه الصدوق في العلل؛ إلّا أنّه قال: «وأبناءهم»((2))، هذا هو الصحيح، كما لا يخفى.

والظاهر أنّ المراد من هذا الحديث الشريف أيضاً: تحليل ما يقع في أيدي الناس من الأموال الّتي تلي أمرها الحكومات الغاصبة، لأنّه لولا ذلك فإنّ الشيعة تقع في العسر والحرج والضرر. أمّا ما يحصل بأيديهم من الاكتسابات فلا وجه لتحليله وتفويت مصلحة تشريعه.

ص: 224


1- الاستبصار، ج2، ص58 - 59؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص137؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح1، ج6، ص379.
2- علل الشرائع، ج2، ص377، ح2.

ومثل ذلك الحديث: ما ورد في الصحيح في العلل، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «إنّ أمیر المؤمنین(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) حلّلهم من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب مولدهم».((1))

ومنها: رواية أبي خديجة سالم بن مكرّم، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «قال له رجل وأنا حاضر: حلِّل لي الفروج؟ ففزع أبوعبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنمّا يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً أعطیه (أعطاه)، فقال: «هذالشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب...الحديث».((2))

وهذا أيضاً محتمل فيه ما احتملنا فيما ذكرناه قبله، مضافاً إلى عدم ذكر الخمس فيه، فلعلّ كان عمّا يقع في أيديهم من الأموال الّتي كانت في يد الحكومة من الخراج والجزية.

ومنها: رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيْهَما السَّلاَمُ) قال: «إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خُم-سي، وقد طيّ-بنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكو أولادهم».((3))

ص: 225


1- وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح15، ج6، ص383؛ عن علل الشرائع، ج2، ص377، ح1.
2- الاستبصار، ج2، ص58؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص137؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح4، ج6، ص379.
3- الاستبصار، ج2، ص57؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص136؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح5، ج6، ص380.

وهذا أيضاً غاية ما يستفاد منه تحليل ما يصل إلى أيدي الشيعة من الأخماس، بقرينة الروايات الدالة على التأكيد في أمر الخمس ووجوب أدائه.

ومنها: رواية حكيم مؤذّن بني عيس، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «قلت له: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾((1)) قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلٍّ ليزكوا».((2))

وفيه مضافاً إلى ضعف سنده: أنّ التحليل صدر من الإمام الباقر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، والمحتمل اختصاصه بزمانه لا يشمل جميع الأزمنة، وشاهد ذلك: أنّ الحديث في هامش الكافي المخطوط «شيعته» وكيف كان فالاستدال به ساقط.

ومنها: رواية أبي حمزة، عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وفيها: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾.((3)) فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.((4))

وفيه: مضافاً إلى ضعف سنده بعليّ بن العباس، أنّه لا يشمل سهم الثلاثة، ولذا اختار صاحب الحدائق به جمعاً بين الأخبار: أنّ التحليل مختصّ بحصّة

ص: 226


1- الأنفال، 41.
2- الاستبصار، ج2، ص54 - 55؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص121؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 4، ح 8، ج6، ص381.
3- الأنفال، 41.
4- الکافي، ج8، ص285 - 286؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح19، ج6، ص385.

الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا يكفي لذلك، وتردّه الأخبار الص-ريحة في الإطلاق.

ومنها: ما في كتاب «كمال الدين»، عن محمّد بن محمد بن عصام الكليني، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النيران. وأمّا الخمس فقد اُبيح لشيعتنا وجُعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا؛ لتطيب ولادتهم ولا تخبث».((1))

وفيه: أنّ المحتمل قويّاً أنّ الألف واللام للعهد، وهو ما بأيدي الناس، وإلّا فهو الإشارة إلى ما سئل عنه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، فلا

يستفاد منه الإطلاق، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ المباح للشيعة مباح للجميع، لا للفرد بحيث لم يكن لغيره ذلك، وهذا مختصّ بما في أيدي المستحلّين للخمس والغاصبين. ويمكن أن يقال ذلك في كثير من الروايات السابقة. فتدبّر.

ومنها: رواية عبد الله بن سنان، قال: «قال أبو عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): على كل امرئٍ غنم، أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها (ورثتها) الحجّج على الناس، فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا وحرم عليهم الصدقة، حتى الخيّاط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق،

ص: 227


1- كمال الدين وتمام النعمة، ب45، ص 485، ح4؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح16، ج6، ص383 - 384.

إلّا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة، إنّه ليس شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ، سل هؤلاء بما اُبيحوا (نكحوا)».((1))

وفيه: أنّه لا إطلاق فيها بالنسبة إلى التحليل، كما أفاد السيّد الاُستاذ(قدس سره). مع كونها في مقام تشديد تعلّق الخمس بمطلق ما يكتسب به الأشخاص حتى الدوانيق، مضافاً إلى ضعف سندها لرمي راويها بالغلوّ.

هذه طائفة من الروايات الّتي ذكرها الشيخ الأنصاري(قدس سره) وهناك روايات اُخرى ذكرها السيّد الاُستاذ(قدس سره):منها: خبر يونس بن يعقوب قال: «كنت عند أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فدخل عليه رجل من القمّاطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات، نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وأنّا عن ذلك مقصّ-رون؟ فقال أبو عبدالله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم».((2))

وأفاد عدم وضوح دلالته على تحليل الخمس، فلعلّه اُريد فيه السؤال عن أموال تقع في أيديهم من أموالهم من غير الخمس.

وفيه: أنّه يكفي في الإطلاق ترك الاستفصال في مقام الجواب.

ص: 228


1- الاستبصار، ج2، ص55؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص122؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فيه الخمس، ب8، ح 8، ج6، ص351.
2- من لا یحضره الفقیه، ج2، ص44؛ الاستبصار، ج2، ص59؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص138؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 4، ح 6، ج6، ص380.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الظاهر منه السؤال عن الأموال المتعلّقة لحقّ الأئمّة(علیهم السلام) من السبايا والأموال المغصوبة، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ مورده صورة العجز عن الأداء والوقوع في العسر والحرج والخطر من جانب الحكومة.

ومنها: خبر داود بن كثير الرقّي، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «قال: سمعته يقول: الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك».((1))

وهذا قد ورد في الأموال الّتي كانت لهم وغصبها الظالمون ثم انتقل إلى الشيعة ببيع أو هدية أو غير ذلك ممّا يعيش الناس كلّهم من الشيعة وغيرهم فيه، فهي منتشرة بين الناس كلهم، بل يمكن أن يقال بمرور الأيّام تصير كلّ أموال هؤلاء للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

ومنها: رواية الفضيل، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم، قال: قلت: جعلت فداك، ما أوّل النعم؟ قال: طيب الولادة، ثم قال أبو عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): قال أمیر المؤمنین(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) لفاطمة(عَلَيْهَا السَّلاَمُ): أحلِّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا. ثم قال أبو عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): إنّا أحللنا اُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا».((2))

ومن هذه الرواية لا يستفاد غیر ما يقع بأيدي الشيعة من الإماء، فأحلّوا ما فيها ممّا يتعلّق لهم(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) للشيعة حتى تطيب ولادتهم.

ص: 229


1- من لا یحض-ره الفقیه، ج2، ص45؛ علل الش-رائع، ب106، ج2، ص377، ح3؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح7، ج6، ص380.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص143؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 4، ح10، ج6، ص381.

ومنها غير ذلك.

ثم إنّ المحقّق الأنصاري بعد ما ذكر أخبار التحليل ذكر: أنّها محتملةلمحامل كثيرة تعرّض لبعضها، ونتبرّك بما ذكر بعين لفظه الشريف، فقال: «مثل أن يراد من بعضها: ما يقع بأيدي الشيعة من جهة المعاملة مع من لا يخمّس. ومن بعضها: ما يقع من الأنفال المختصّة بالإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). ومن بعضها: خصوص التحليل للشيعة في زمان خاصّ، إمّا للتقيّة وعدم التمكّن من إقامة الوكلاء بجباية الأخماس لهم من المناكح ونحوها، كما يومئ إليه التعليل بطيب الولادة في أكثرها، وصرّح به في رواية ابن محبوب عن ضريس الكناسي، قال: «قال أبو عبدالله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشیعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم ولميلادهم».((1)) ورواية الفضيل، قال: «قال أبو عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «إنّا أحللنا اُمّهات شيعتنا لآبائهم».((2)) إلى غير ذلك ممّا سيجيء في حلّ المناكح والمتاجر والمساكن. وإمّا لضيق الأمر على الشيعة من جهة نصب المخالفين لهم العداوة والظلم بأخذ الخمس منهم، ممّا كان مذهبهم وجوب الخمس فيه، كما يظهر ممّا يأتي من الأخبار، كما يومئ إليه إطلاق بعض الأخبار، القول بسقوط الخمس من غير تفصيل بين أقسامه. ويؤيّده: ما ورد من كراهة الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) انتشار إيصال زكوات الفطر إليه، مع أنّه لمساكين غير

ص: 230


1- الاستبصار، ج2، ص57؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص136؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح3، ج6، ص379.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص143؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح10، ج6، ص381.

السادة، فكيف الخمس المختصّ به وبقبيله.

وبالجملة: فإنّ الناظر فيها بعين التأمّل - بعد ملاحظة ما دلّ على تشديدهم: في أمر الخمس وعدم التجاوز عنه - يفهم ورودها على أحد المحامل المذكورة...

فمن تلك الأخبار - مضافاً إلى عمومات ثبوتها الظاهرة في عدم سقوطها بالتحليل إلّا لعذرٍ من الأعذار المذكورة بعضها - رواية يزيد: قال: «كتبت - جعلت لك الفداء - تعلّمني ما الفائدة؟ وما حدّها؟ رأيك - أبقاك الله - أن تمنّ عليّ بذلك لكيلا أكون مقيماً على أمر حرام لا صلاة لي ولا صوم؟ فكتب: الفائدة ما يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام أو جائزة».((1))

وظهور الرواية في عدم العفو لا ينكر.ومنها: مصحّحة الريّان بن الصلت، قال: «كتبت إلى أبي محمد(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): ما الّذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبرديّ وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى».((2))

ثم ذكر عن جمال الدين (الخوانساري) في حاشية الروضة حملها على الخمس ممّا أقطعه السلطان من قطع أراضي الخراج، وأجاب عنه بما لا نطوّل الكلام به؛ لظهور الرواية في المقصود.

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يزيد الطبري، قال: «كتب رجل

ص: 231


1- الکافي، ج1، ص545؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب8، ح7، ج6، ص350.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص139؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب 8، ح9، ج6، ص351.

من تجّار فارس إلى بعض موالي أبي الحسن الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يسأله الإذن في الخمس؟ فكتب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إلیه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، إنّ الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الخلاف العقاب، لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه الله تعالى، إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا، ولا تَحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم لیوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عاهد عليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام».((1))

وبهذا الإسناد قال: «قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، فسألوه أن يجعلهم في حلّ الخمس؟ فقال: ما أمحل هذا تمحّضونا المودّة بألسنتكم، وتزوون عنّا حقّاً جعله الله لنا، وجعلنا له وهو الخمس، لا نجعل أحداً منكم في حلّ».((2))

وفي مكاتبة قرأها عليّ بن مهزيار بخطّ أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ».((3))

دلّت الروايتان على أنّ تجاوزهم عن حقوقهم من جهة الضيق.

ص: 232


1- تهذیب الأحکام، ج 4، ص139 - 140، كتاب الزكاة، ب39، ح395؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب3، ح2، ج6، ص375.
2- تهذيب الأحكام، ج4، ص140، كتاب الزكاة، ب39، ح396؛ وسائل الشیعة، أبواب الانفال، ب3، ح3، ج6، ص376.
3- من لا یحضره الفقیه، ج2، ص44؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص143؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب4، ح 2، ج6، ص379.

ومنها غيرها ممّا ذكره الشيخ في كتاب الخمس ممّا يطول بنا الكلاملذكره، ومع ذلك قال: إلى غير ذلك...، وقال: «والعجب ممّن يلاحظ هذه الأخبار منضمّة إلى تلك الفتاوى ودعاوي الإجماع المعتضدة بظاهر الكتاب وبالأصل كيف يجترئ بالحكم بالعفو عن خمس هذا القسم».((1))

ثم إنّه يمكن أن يقال: إنّ القدر المتيقَّن ممّا ورد في تحليل ما لابدّ منه في طيب ولادتهم اُمّ الولد المؤمن، فإنه لا يتحصّل إلّا بالتحليل دون ما يشتريه المؤمن من المخالفين، فإنّه يمكن له حلّية وطء ما يشتريه من الإماء بشرائها من الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

اللّهمّ إلّا أن نتمسّك بسائر الروايات ممّا يدلّ على تسهيل الأمر على الشيعة ورفع الضيق عنهم، أمر هو حاصل في زمان الغيبة كالحضور.

ثم إنّه قد حكي عن السرائر والروضة عدم الفرق في تحليل ما يستفاد منه التحليل من الروايات بين كون ما ينتقل إليه ممّن لا يعتقد وجوبه، أو يعتقد به ولا يؤدّيه عصياناً، اختار السيّد الخوئي(قدس سره): العموم؛ لإطلاق صحيحة يونس بن يعقوب وسالم بن مكرّم قال: «فإنّ المذكور فيهما وقوع الأموال في الأيدي أو الشراء، أو إصابة الإرث ونحوه، ويجمعها انتقال ما فيه الخمس من الغير، سواء أ كان ذلك الغير الممتنع عن دفع الخمس معتقداً فاسقاً، أم مخالفاً منكراً».((2))

وفيه منع ذلك الإطلاق كما لا يخفی.

ص: 233


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص176 - 183، توجيه أخبار التحليل.
2- المستند في شرح العروة الوثقی، ج25، ص354.

ص: 234

المقام الثاني: قسمة الخمس ومستحقّه

اشارة

ص: 235

ص: 236

مسألة87: لا ريب في أنّ الخمس حسب أصل التش-ريع والاعتبار مقسوم على ستّة أقسام؛ للآية الكريمة وللروايات المستفيضة وإن كان أكثرها ورد في بيان من له سهم الله تعالى وسهم الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، كما سيمرّ عليك إن شاء الله تعالى.

المراد من الملكيّة لله وللرسول وللإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)

ثم إنّ الظاهر أنّ ملكيّته لله وللرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وللإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) هنا ملكيّة اعتبارية تقبل الانتقال من مالكه إلى غيره. وينبغي التنبيه هنا بأنّ الملكية على معنيين:

أحدهما: الملكيّة الحقيقيّة، وهي الّتي تكون قائمة بمالكها لا تنفكّ عنه، ولا تقبل الانتقال إلى الغير، ولا يجوز اغتصابها من مالكها، بل لا تعزب عن علم مالكها، وهذه ملكيّة السماوات والأرض وجميع ما سوى الله تعالى لله تعالى، وهي الّتي أخبر عنها في موارد كثيرة من كتابه الكريم، مثل قوله تعالى: ﴿لِلهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾،((1)) ونحوها في العموميّة والاختصاصيّة بصاحبها ملكيّة حجّة الله وخليفته الرسول والإمام(عَلَيْهَما السَّلاَمُ)، فهما بوصف كونهما الحجّة والخليفة يملكان كلّ الأرض بما فيها من الجبال والبحار والأراضي بل والناس ملكيّة عامّة لا تقبل الانتقال عنهم، فهم العلّة الغائيّة للخلق، بل لهم

ص: 237


1- المائدة ، 120؛ الشورى، 49.

ملكية الجنّة والنار وإن كانت بالنسبة إلى ملكيّة الله تعالى الّذي هو مالكهم ومالك الجميع لذاته وبذاته ضعيفة ومتقوّمة به تعالى وبمالك-يّته، نحو مالكيّة كلّ شخص لنفسه وسلطنته عليها الّتي هي متقوّمة بسلطنة الله تعالى على الجميع، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وأحسن التعابير عن ملكيّتهم: كلام مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في كتاب كتبه إلى معاوية، قال: «فإنّا صنائع ربّنا، والناس بعدُ صنائع لنا».((1))

والمناسب للمقام نقل رواية أخرجها في الكافي (في باب: أنّ الأرض كلّها للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)) عن عليّ بن إبراهيم، عن السريّ بن الربيع، قال: «لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئاً، وكان لا يغب إتيانه، ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك: أنّ أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام ووقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة((2)) في شيء من الإمامة، قال ابن أبي عمير: الدنيا كلّها للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على جهة الملك، وأنّه أولى بها من الّذين هي في أيديهم، وقال أبو مالك: ليس كذلك، أملاك (أموال) لناس لهم إلّا ما حكم الله به للإمام من

ص: 238


1- نهج البلاغة، كتاب 28. ويظهر من شرح ابن أبي الحديد كون الكلام الش-ريف: «والناس بعد صنائع لنا» قال: الصنائع جمع صنيعة، وصنیعة الملك من یصطنعه الملك، ويرفع قدره: يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالی هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى. وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنّهم عبيد الله وأنّ الناس عبيدهم. انتهى. شرح نهج البلاغة، ج15، ص194. ورد هذا التعبير من مولانا - عجل الله تعالى فرجه - أيضاً، راجع الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص535.
2- لاحاه ملاحاة ولحاء: نازعه.

الفيء والخمس والمغنم فذلك له، وذلك أيضاً قد بيّن الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به، فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه، فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير، فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاماً بعد ذلك».((1))

وبالجملة: فالملكية الحقيقية من الاُمور التكوينية الحقيقية الموجودة في الخارج بنفسها وحقيقتها، مختصّة بالله تعالى لا شريك له فيها، ودونها ملكية كل فرد لنفسه، وملكية الإمام العامّة بإذن الله تعالى لما سواه.

ثانيهما: الملكيّة الاعتباريّة البنائيّة

وهي البناء على كون الشيء للشخص وملكاً له وكونه مالكاً له ليترتّب عليه جواز تصرّفاته وبيعه وهبته، وينتقل من هذا إلى ذلك.

والاعتبار والبناء تكون الصدقات للفقراء، والخمس للستّة المذكورة في الآية الكريمة،((2)) وهذا الاعتبار يكون في داخل الملكية الحقيقية، وفي عالم القانون والتتشريع دون الملكيّة الحقيقية، فإنّها تكون في عالم الواقع ونفس الأمر، فلا ينافي جعلها للمالك الحقيقي وكونه مالكاً في عرض غيره.

فيمكن أن يقال: إنّ ما كان مورداً لإثبات هشام بن الحكم هو هذه الملكية الاعتبارية القانونية والتشريعية، ولعلّه لم يرد منه نفي الملكية الحقيقية والولائية الواقعية، وأنّ ما كان مورداً لإثبات ابن أبي عمير لهم(علیهم السلام) ونفيه عن غيرهم هو

ص: 239


1- الكافي، ج1، ص 409 - 410، ح 9؛ مستدرك الوسائل، ج7، ص304 - 305.
2- الأنفال، 41.

هذه الملكية العامّة المختصة بهم، ولم يُرد هو أيضاً مالكية الناس التشريعية، فكأنّه لم يُرد نفيهما وإثباتهما في مورد واحد، إذن فلا خلاف في البين، وبه يرتفع وجه الهجر.

هذا، وقد أفاد نحو ما ذكرناه السيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره)، وقال: لو كنّا في عصرهما لصالحنا بينهما بالقول بصحّة قول ابن أبي عمير من حيث الملكيّة الحقيقية، وصحّة قول هشام من حيث الملكيّة التشريعيّة الاعتباريّة، ولا تمانع بين الصحّتين، فتأمّل.

ثمّ إنّ هنا روايةً لعلّه يُستظهر منها إسقاط ما للرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ، وهو المحكيّ عن شاذٍّ من أصحابنا، وإن حكي عن المسالك((1)) أنّ القائل به غير معروف، جعلها حجّة لما حكي عن ابن الجنيد من حذف سهم الله تعالىخلاف ظاهرها بل صريحها، مضافاً إلى أنّ المحكيّ عنه في المختلف((2)) كما حكى عنه الشيخ الأنصاري((3)) موافقته للمشايخ الثلاثة وباقي علمائنا. والرواية صحيحة اُسندت إلى ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه، ثم قسّم الخمس الّذي أخذه خمسة أخماس، يأخذ خمس الله عزّ وجلّ لنفسه، ثم يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي

ص: 240


1- مسالك الأفهام، ج1، ص470.
2- مختلف الشیعة، ج3، ص326.
3- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص288.

القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، يُعطي كل واحد منهم حقاً، وكذلك الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يأخذ كما أخذ الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)».((1))

وأجاب عنه في المختلف((2)) على ما حكى عنه الشيخ((3)) وعن جماعة ممّن تبعه:((4)) أنّه حكاية فعل، فلعلّه أخذ دون حقّه توفيراً للباقي على باقي المستحقّين.

ثم حكى استبعاده من جماعة، منهم صاحب المدارك((5)) بمنافاة ذلك لقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في ذيل الرواية: «والإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يأخذه كما یأخذ الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)».

وأجاب الشيخ الأنصاري عن ذلك: بأنّه كذلك إن حملنا الجملة على الوجوب والتعيين، وأمّا إذا حملناها على حكاية فعل الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أيضاً أو على أنّ المراد التسلّط على أخذ صفو المغنم واستحقاق ذلك، فلا منافاة.((6))

أقول: ظاهر الجملة الوجوب والتعيين، وتأسّي الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بالنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ، وتأسّيه به في جميع ما صنعه.

وكيف كان، استظهار خلاف ما عليه المشهور بل المتّفق عليه من الرواية

ص: 241


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص128؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب1، ح3، ج6، ص356.
2- مختلف الشیعة، ج3 ، ص326 - 327.
3- کتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص289.
4- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص327؛ والمحقق النجفي في جواهر الکلام، ج16، ص89.
5- مدارك الأحکام، ج5، ص397؛ ومنهم ابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج1، ص561؛ والبحراني في الحدائق الناضرة، ج12، ص373.
6- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص289.

مشكل، ولم يأخذ منه أحد حتى ابن الجنيد. وعلى فرض ظهوره في خلاف المشهور فهو محمول على التقيّة، لأنّ القول بإسقاط سهمالنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ينسب إلى العامّة، وإن كان فيه: أنّ ما همّ عليه العامّة إسقاط سهم الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بعد ارتحاله إلى الرفيق الأعلى، لا في حياته، وعليه تطرح الرواية قبال سائر الروايات بموافقة غيرها للكتاب ومخالفتها له، والله هو العالم بالصواب.

المراد بذي القربى

مسألة 88: المراد بذي القربى في الآية الكريمة: الإمام الحجّة من أهل البيت(علیهم السلام) الذی لا يخلو الزمان منه، وهو المراد من أهل البيت في أحاديث السفينة وأحاديث الأمان وأحاديث الثقلين المتواترة. قال الشيخ الأنصاري: وهو المحكيّ عن المشايخ الثلاثة وابن زهرة وابن إدريس وسلّار والفاضلين والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم. وعن الانتصار: دعوى الإجماع عليه. وعن مجمع البيان وكنز العرفان: أنّه قول أصحابنا.

ويدلّ عليه: موثّق عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما(عَلَيْهَما السَّلاَمُ)، في قول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْء فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ قال: «خمس الله للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وخمس الرسول للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول والإمام، واليتامى يتامى

ص: 242

آل الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم».((1))

ومرفوعة أحمد بن محمد قال: حدّثنا بعض أصحابنا، رفع الحديث، وفيه: «والّذي للرسول هو لذي القربى والحجّة في زمانه».((2))

ومرسلة حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وفيه: «فسهم الله وسهم رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لاُولي الأمر من بعد رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، وله نصف الخمس كملاً.((3))ورواية سليم بن قيس الهلالي في تفسير الآية، وفيها: «نحن والله عنى بذي القربى».((4))

وغيرها من الأخبار الّتي قال الشيخ الأنصاري: لا يقدح ضعف سندها بعد الانجبار بما عرفت من الشهرة المحقّقة، حيث لم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد.((5))

ص: 243


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص125؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 1، ح 2، ج6، ص356.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص126 - 127؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 1، ح 9، ج6، ص359.
3- الکافي، ج1، ص539 - 540؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص128؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 1، ح8، ج6، ص358.
4- الکافي، ج8، ص63؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص126؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 1، ح7، ج6، ص357.
5- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص292.

ثم إنّ التعبير بالجمع في بعض الأخبار لوضوح أنّ المراد منه ليس العموم، بل المراد منه من يخصّ به وهو الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ).

وقال الشيخ: إنّه (أي التعبير بالجمع) إمّا باعتبار إرادة جميع الأئمّة(علیهم السلام)، أو بإرادة أصحاب الكساء.((1))

وأقول: هذا مضافاً إلى أنّ اللفظ جاء في الكتاب بالمفرد،((2)) ومضافاً إلى الروايات الصحيحة من طرق الفريقين في تفسير (القربى ) في آية المودّة، فلا ريب في ذلك، والله هو العالم.

مستحقّ الخمس هو الهاشميّ بالاُبوّة

مسألة 89: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «المشهور بين الأصحاب: أنّ المنتسب بالاُمّ إلى هاشم يحرم عليه الخمس وتحلّ له الزكاة».((3))

وقال في العروة: «مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالاُبوّة فإن انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس وتحلّ له الزكاة، ولا فرق بين أن يكون علويّاً أو عقيليّاً أو عباسياً».((4)) وزاد عليه السيّد الاُستاذ: أو جعفرياً أو نوفلياً أو لهيبياً.

ولا يخفى عليك أنّ الآية مطلقة في ذلك، لا يستفاد منها التقييد بصنف

ص: 244


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص293.
2- ذكره المحقّق(قدس سره) في المعتبر، ج2، ص 629؛ وشرائع الإسلام، ج1، ص135.
3- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص300.
4- العروة الوثقى، فصل في قسمة الخمس ومستحقّه، ج4، ص306 - 307، مسألة 3.

خاصّ، إلّا أنّ الروايات الكثيرة قد دلّت على عدم شمولها لغير المنتسب إلى هاشم، ولا خلاف في ذلك. كما أنّه لا ريب في شمول الآية لمن انتسب بالأب إلى هاشم، ويدلّ عليه: إطلاق الآية، ولا حاجة معه إلىالإجماع والدليل اللفظي، بل يمكن دعوى شمول إطلاق الآية لمن انتسب إليه بالاُمّ. والكلام إنّما يقع في الأخير الّذي مقتضى الأصل فيه حلّية الخمس لهم، فلا بدّ من الرجوع إلى الروايات لنرى هل فيها ما يدلّ على حرمته عليهم، أم لا؟

فمنها: ما يدلّ على أنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلّب أو لبني هاشم.((1))

فإنّها منصرفة إلى المنتسبين بالأب، فإذا كانت حرمة الصدقة مختصّة بهم تكون حلّية الخمس أيضاً مختصّة بهم. وبعبارة اُخرى: لا تحلّ الصدقة والخمس لواحد، كما لا تحرمان على واحد. وبالجملة: يستفاد من هذه الأخبار الملازمة بين حرمة الصدقة وحلّية الخمس.

ومنها: ما في موثّقة زرارة بابن فضّال، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشميّ ولا مطّلبي إلى صدقة، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم...» الحديث.((2))

ودلالتها على اختصاص ما جعل الله في كتابه بالهاشميين ظاهرة، وهو عنوان صادق على من كان منتسباً بهاشم بالأب دون المنتسب إليه بالاُمّ، كما هو الحال

ص: 245


1- وسائل الشیعة، أبواب المستحقّين للزكاة، ب 29، ح 1و2و3و...ج6، ص185 - 187.
2- الاستبصار، ج2، ص36؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص59؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقّين للزكاة، ب33، ح1، ج6، ص191.

في مثله من العناوين، كالّتيميّ والعدويّ والاُمويّ والعباسيّ.

ولا يخفى عليك أنّ الكلام في هذه المسألة لا يدور مدار صدق الولد والابن والبنت على المنتسب إلى الشخص بالاُمّ وعدمه، ولعلّ ذلك صار سبباً لذهاب مثل صاحب الحدائق إلى حلّية الخمس لمن انتسب إلى هاشم بالاُمّ،((1)) ونسب إلى السيّد المرتضى((2))، وكأنّ لذلك توهّم صاحب الحدائق((3)) ذهاب غير السيّد(قدس سره) إليه ممن أفتى في المواريث أنّ ابن البنت وابن الابن يرثان من جدّهما على السواء، وأنّ لبنت الابن وابن البنت للذكر مثل حظّ الاُنثيين؛ لقوله تعالى: ﴿يوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُحَظِّ الْأُنثَيَينِ﴾.((4)) ومثل هذا يقال في الوقف إذا كان على الأوّلاد. بل المسألة - كما عرفت - تدور مدار صدق الهاشميّ أو بني هاشم على المنتسب بالاُمّ وعدمه، وقد عرفت عدم صدقه، إذن فلا منافاة بين كون ولد البنت وبنت البنت وإن نزل ولد الشخص وابنه وكان له أحكامه الخاصّة، وعدم حلّية الخمس على المنتسب بالاُمّ إلى هاشم وعدم حرمة الصدقة عليه؛ لأنّه يدور مدار صدق الهاشميّ عليه وكونه من بني هاشم بحسب العرف والاصطلاح.

ثم لا يخفى عليك أنّه لا مجال لتوهّم اختصاص الخمس بخصوص أولاد

ص: 246


1- الحدائق الناضرة، ج12، ص382.
2- راجع رسائل الشريف المرتضى، ج4، ص327 - 328؛ ونسبه إليه العلّامة في مختلف الشیعة، ج3، ص332؛ راجع أيضاً مسالك الأفهام، ج1، ص470.
3- الحدائق الناضرة، ج12، ص391 - 392.
4- النساء، 11.

سيّدتنا سيّدة نساء العالمين(عَلَيْهَا السَّلاَمُ) دون غيرهم من بني هاشم، لما في بعض الروايات من أنّ النصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد(علیهم السلام)؛ لأنّه من باب التعبير والإشارة إلى طائفة كبيرة بعنوان أشرف أفرادهم وشخصيّاتهم.

ثم إنّه قد جاء في صحيح حمّاد - الّذي لا يض-رّ إرساله بصحّته؛ لإجماع الصحابة على تصحيح ما يصحّ عنه، وإلّا فهو مرسل - عن العبد الصالح(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ومن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له، وليس له من الخمس شيء؛ لأنّ الله تعالى يقول: ﴿اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾((1))».((2))

وهذا صريح لمذهب المشهور. وقد استدلّ عليه جمع من الأساطين، إلّا أنّهم لم يتعرّضوا لما فيه من الاستدلال بقوله تعالى: ﴿اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾؛ لأنّ الآية إنّما نزلت في نفي التبنّي، وأنّ الابن ليس إلّا من هو منتسب بالأب بالتكوين وحاقّ الأمر و: ﴿اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ أي لمن ينتسبون إليه بالنسب الحقيقي.

هذا، مضافاً إلى أنّه لا ريب في صحّة خطاب مثل الإمامين الهاشمين الحسنين(عَلَيْهَما السَّلاَمُ) بل وسائر الأئمّة(علیهم السلام) بل وسائر السادات والشرفاء الفاطميين بابن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). ونحن بعد ذلك تفحّصنا فيما بأيدينا من الكتب الفقهية فلم نجد من تعرّض لذلك إلّا شيخنا العلّامة المجلسي(قدس سره)، فكأنّه حمل ذلك على التقيّة،

ص: 247


1- الكافي، باب الفيء والأنفال وتفسیر الخمس، ج1، ص540، ح4؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص129؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقّین للزکاة، ب30، ح1، ج6، ص188.
2- الأحزاب، 5.

ولا يبعد أن يكون ذلك من بعض الرواة، والله هو العالم.

بسط الخمس على الأصناف والأفراد

مسألة 90: هل يجب دفع النصف الّذي لليتامى والمساكين وابن السبيل على التثليث بين الأصناف الثلاثة؟ وعلى فرض الوجوب هل يجوز دفع سهمِ كلّ صنف من الأصناف الثلاثة إلى واحد منهم، أو يجب التوزيع بين الأفراد؟

يمكن أن يقال: أمّا بالنسبة إلى التثليث، فظاهر قوله تعالى: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾((1)) ذلك؛ لكون اللام حقيقة في الملكية.

وفيه: أنّ المحكيّ عن محقّقي أهل العربية كونها حقيقة في الاختصاص، فالمراد هنا اختصاص أرباب الخمس به في مقابل غيرهم، بمعنى أنّه لا يخرج منهم إلى غيرهم، كما نصّ عليه الإمام الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في تفسير الآية في موثّقة ابن بكير، فقال: «خمس الله للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، واليتامى يتامى آل محمد(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم».((2))

ويمكن أن يقال: إنّ الموثّقة إنّما تدلّ على أنّه لا يخرج منهم سهم مساكينهم

ص: 248


1- الأنفال، 41.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص125؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب1، ح2، ج6، ص356.

وسهم أيتامهم وسهم أبناء سبيلهم إلى المساكين والأيتام وأبناء السبيل من غيرهم، والاختصاص المطلق ظاهر في الملك.

وبالجملة: مثل هذا التعبير كقولنا: «المال لزيد وعمرو وبكر» مفيد للتش-ريك وكون المال لهم على السواء.

واُورد على ذلك: بأنّه يستلزم قسمة الخمس على أفراد كلّ صنف.

ويردّ: بأنّ اختصاص الخمس بكل واحد من الأصناف لا يقتضي اختصاص سهم كلّ صنف بجميع أفراده؛ لأنّه مبنيّ على إرادة الاستغراق من اليتامى والمساكين وابن السبيل، وهو خلاف الظاهر، فالوقف على الفقراء يدلّ على اختصاص الوقف بهم دون غيرهم، ولا يدلّ على كون جميع أفراد الفقراء مالكاً له بالاشتراك.ويمكن أن يقال: إنّ المستفاد من الأدلّة في خصوص الأصناف الثلاثة إرادة بيان المصرف منها كما في الزكاة.

ويدلّ عليه: صحيح البزنطي، عن مولانا الرضا(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «سئل عن قول الله عزّ وجلّ... - إلى أن قال: - فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ، ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، أ رأيت رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كيف يصنع؟ أ ليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام».((1))

وإنّه قد يتّفق كثيراً عدم قابليّة الخمس للقسمة أثلاثاً.

ص: 249


1- الکافي، ج1، ص544؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب2، ح1، ج6، ص362.

وبالجملة: استظهار وجوب التثليث من الأدلّة في غاية الإشكال، بل الأظهر جواز الاختصاص بطائفة دون اُخرى وشخص دون الآخرين.

ويدلّ على ما ذكر: أنّه لو وجب التوزيع كما عُزي إلى بعضهم وكان المعتبر في اليتامى الفقر كما هو كذلك ليسوا هم صنفاً خاصّاً قبال المساكين، فكأنّه يكون ذكر المساكين من باب ذكر العامّ بعد الخاصّ.

وبالجملة: الظاهر أنّ وزان الآية وزان آية الزكاة. ومع ذلك كلّه مهما أمكن التوزيع بين الأصناف والأشخاص یوزّع بینهم كما إذا كانوا حاضرين عنده ولم يكن بعضهم أولى من بعض في الحاجة. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، والله هو العالم بأحكامه، وهو المستعان.

تصديق مدّعي النسب

مسألة 91: حكى في الجواهر عن اُستاذه في كشفه((1)) أنّه قال: «يصدّق مدّعي النسب إن لم يكن متّ-هماً، كمدّعي الفقر».((2))

وفيه: أنّ الموضوع الّذي يتوقّف الامتثال على إحرازه لا يحرز بمجرّد الادّعاء وأصالة صحّة دعوى المسلم فيما لا يعارضها فيها أحد لا تكفي في فراغ ذمّة الدافع، بل أقصاه عدم جواز تكذيبه، وعدم الحكم بفسقه فيما يترتّب بنفسه على دعواه.

ص: 250


1- كشف الغطاء، ج2، ص363.
2- جواهر الكلام، ج16 ، ص105.

وأصالة صحّة فعله تقتضي الحكم بكون ما أخذه له وترتيب آثار الملكيّة عليه.وهذا لا يجري في جواز دفعه إليه، مضافاً إلى أنّ أصالة الصحّة في فعل المسلم إنّما تجري إذا لم نكن عالمين بالحال وشككنا في وجه العمل، أمّا إذا كنّا عالمين بالحال فلا مجال للتمسّك بأصالة الصحّة؛ لعدم تحقّق موضوعها.

وأمّا القياس على الفقر فهو مع الفارق؛ وذلك لاستصحاب الفقر وعدم الغنى الّذي هو أمر حادث مسبوق بالعدم، بخلاف الانتساب إلى هاشم فإنّه محكوم بالعدم باستصحاب عدمه الأزلي.

ولا يقال: إنّه معارض باستصحاب عدم الانتساب إلى غير هاشم.

فإنّه يقال: لا أثر لهذا الاستصحاب، ولا يثبت به الانتساب إلى هاشم إلّا على القول بالأصل المثبت. وعلى هذا فلا بدّ من البيّنة، أو الشياع الموجب للاطمينان، ويكفي الشياع في بلده.

وأمّا الاحتيال بأدائه إلى مجهول الحال الّذي تعرف عدالته بأن يوكّله في إيصاله إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الوكيل أيضاً، فيمكن أن يقال بالاكتفاء به.

ولا يقال: إنّ حمل فعل الوكيل على الصحّة إنّما يصحّ إذا لم يكن الموكّل عالماً بالحال.

فإنّه يقال: إنّه لا يصحّ إذا كان عالماً بالخلاف، وإلّا فلا ريب في أنّه إن أدّاه إلى غير نفسه ممّن لا يعرفه الموكّل فيكفي علم الوكيل بحاله.

ويمكن أن يقال: إنّ أصالة الصحّة في عمل الوكيل إنّما تجري فيما إذا أدّاه إلى

ص: 251

شخص يحتمل أن يكون مستحقّاً عند الموكّل أيضاً؛ وأمّا إذا يعلم الموكّل أنّه أدّاه إلى من هو مجهول الحال عنده فلا تجري أصالة الصحّة.

و لكن هذا خلاف الظاهر، لأنّ الموكّل إنّما يوكّل حينما الأشخاص عنده مجهولِي الحال.

إذن فالقول بجواز هذا الاحتيال لا يخلو من وجه، والله هو العالم.

دفع الخمس إلى من تجب عليه نفقته

مسألة 92: الظاهر عدم جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته، بمعنى الإنفاق عليهم وأداء نفقتهم الواجبة من الخمس؛ لانصراف الأدلّة عن مثل ذلك، فكأنّه أدّى بما عنده من الخمس ما وجب عليه أداؤه من ماله. ويدلّ عليه بالتعليّل المذكور فيه: ما رواه في الزكاة عبد الرحمان بن الحجّاج،عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «خمسة لا يُعطَون من الزكاة شيئاً: الأب والاُمّ والولد والمملوك والمرأة؛ وذلك لأنّهم عياله لازمون له».((1))

فإنّ التعليل المذكور فيه جارٍ في الخمس، ولا وجه لاختصاصه بالزكاة، كما لا يخفى.

ويؤيّد ذلك، بل هو دليل مستقلّ، ما دلّ على بدليّة الخمس عن الزكاة، فإنّه يدلّ على اشتراكهما في الأحكام، إلّا في الموارد الخاصّة

ص: 252


1- الکافي، ج3، ص552؛ الاستبصار، ج2، ص33 - 34؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص56؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقين للزكاة، ب 13، ح1، ج6، ص165.

المنصوصة، كاختصاص الخمس بالهاشميّ والزكاة بغيره. هذا، ولكن يجوز دفع الخمس والزكاة إليهم لغير النفقة الواجبة على الدافع، كدفعه إلى ولده لنفقة زوجته.

هذا ((1)) في العروة: أنّ في جواز الدفع إلى من یجب عليه نفقته إشكال، خصوصاً في الزوجة، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم.((2))

وقال السيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره) في حاشيته الش-ريفة على العروة على قوله: «إشكال»، «الأقوى جواز دفعه إلى غير الزوجة منهم على نحو التمليك دون الإطعام والإكساء ولو كان للإنفاقات الّتي تجب عليه لولا دفعه إليهم».

ولم أجد من يوافقه. نعم، اختار كاشف الغطاء في كشفه في باب الزكاة: أنّ عدّ كون المستحقّ ممّن لا تجب نفقته على المالك إذا كان غير الزوجة، والمملوك يكون بطريق الندب. فلا يبعد أن يكون هذا رأيه في الخمس أيضاً؛ لما ذكرنا من اشتراكهما في الأحكام، إلّا أنّ الأقوى بالنظر هو عدم الجواز في الزكاة أيضاً، فراجع الجواهر إن شئت، ولكنّ الظاهر من السيّد الاُستاذ(قدس سره) أنّه لم يختر ما اختاره كاشف الغطاء في الزكاة.

فيمكن أن يقال: إنّ الوجه لما اختاره: أنّ كون الولد أو الأب ممّن تجب نفقته على المالك لا يخرجه من الفقر وصدق عنوان الفقر عليه، فهو كما إذا كان ضيفاً

ص: 253


1- وسائل الشیعة، أبواب المستحقّین للزکاة، ب13، ح4، ج6، ص166، ح4.
2- العروة الوثقى، قسمة الخمس ومستحقّه، ج4، ص307، مسألة 5.

لأحد طول السنة، وإلّا لو قلنا بعدم الجواز يجب القول به إذا كان دافع الخمس إلى المستحقّ غير من تجب نفقته عليه، مع أنّ المحكيّ عن العلّامة في المنتهى والتذكرة والنهاية ويحيى بن سعيد في الجامع والكركي في فوائده والشهيد في الدروس في باب الزكاة: جوازتناول ما عدا الزوجة والمملوك الزكاة من غير المنفق، وإن كان موسراً باذلا لها؛ بتقريب عدم الفرق بين زكاة المالك وغيره، ضرورة اشتراكهما في اشتراط الفقر. ولكن الإنصاف أنّ كلّ ذلك لا يقاوم ما يستفاد من الأدلّة في باب الزكاة.

لا يقال: إنّ ما يجب على الوالد مثلاً من الإنفاق على الولد هو الإطعام والإكساء، فلا يجوز احتسابهما من الخمس، أمّا جواز دفع الخمس إليه بعنوان الفقر فهو مقتضى إطلاق الآية.

فإنّه يقال: هذا أوّل الكلام، فإنّ لنا منع صدق الفقير عليه فلا يجوز دفع الخمس إليه، سواء كان الدافع ممّن تجب نفقته عليه، أو غيره، والله هو العالم.

دفع الخمس إلى الفقير أزيد من مؤونة السنة

مسألة 93: قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «ظاهر المرسلتين عدم جواز إعطاء الفقير هنا أزيد من مؤونة السنة».((1))

ومقصوده من المرسلتين: مرسلة حمّاد الطويلة الّتي فيها: «للإمام نصف الخمس كملاً، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم

ص: 254


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص343.

لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ما يستغنون به في سنّتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ له ما فضل عنهم».((1))

ومرسلة أحمد بن محمد المضمرة، عن بعض أصحابنا رفع الحديث... إلى أن قال: «فالنصف له - يعني نصف الخمس للإمام - خاصّة، والنصف لليتامى والمساكين وابن السبيل من آل محمد الّذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل شيء فهو له، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان».((2))

وما ذكره الشيخ الأنصاري محكيّ عن الشهيدين في الدروسوالمسالك،((3)) وعن بعض مشايخه المعاصرين: لا أجد فيه خلافاً.

ولكن ردّ الاستدلال بهما: بأنّ ذلك إن دلّ على الحكم فإنّه حكم ما يحصل عند الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في عصر بسط يده، وحصول جميع الأخماس والزكوات عنده،

ص: 255


1- الکافي، ج1، ص539 - 540؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص128 - 129؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 3، ح1، ج6، ص363 - 364.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص127؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 3، ح 2، ج6، ص364.
3- الدروس، ج1، ص262؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص471.

مضافاً إلى أنّ المرسلتين لا تزيدان على حكاية فعل الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أو مداومته أو التزامه بذلك، كما أفاده الشيخ، إلى أن قال: فلا دليل على تعدّي هذا الحكم إلى غير الإمام من الملّاك الّذين فوّض أمر نصف الخمس كالزكاة إليهم ليعطون من يهوون من المستحقّين، ويمنعون من يكرهون إعطاءه. فكما أنّه لا حجر عليهم في تخصيص الأشخاص في الإعطاء والمنع فلا حجر عليهم في المقدار المعطى، وإن لزم منه حرمان جماعة اُخرى ما لم يصل إلى حدّ الإجحاف بالنسبة إلى البعض، فيمنع حتى في الزكاة (يعني إذا وصل إلى حدّ الإجحاف يمنع حتى في الزكاة)، كما لو جمع أهل البلد جميع زكواتهم وأعطوه رجلا واحداً يكفيه عش-ر معشارها لمؤونة عمره مع موت باقي الفقراء من الجوع.

ثم قال: وبالجملة: فإجراء ما في المرسلة سيّما بملاحظة اتّحاد حكم الخمس فيها مع حكم الزكاة بالنسبة إلى آحاد الملّاك المعطين مشكل جدّاً، ولذا صرّح سيد مشايخنا في المناهل بتقوية جواز الإعطاء فوق الكفاية، إلّا أنّ الأحوط ما ذكروه.((1))

وبعد كل ذلك يمكن أن يقال: إنّ ما يمنع من جواز الإعطاء زائداً على كفاية السنة: عدم ثبوت إطلاق يقتضي ذلك.

وفيه: أنّه وإن كان منع الإطلاق - الدالّ على إعطائهم ما يزيد على استغنائهم طول عمرهم - في محلّه؛ لعدم مناسبته مع تشريع مثل هذا الحكم، إلّا أنّ منع

ص: 256


1- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص 343 - 344.

شمول إطلاق الآية جواز إعطائهم ما يستغنون به طول عمرهم لا وجه له، اللّهمّ إلّا أن يصير المانع على الاحتجاج بالمرسلتين المنجبرتين بعمل الأصحاب، وسيّما مرسلة حمّاد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه، فلا يجوز إعطاؤهم ما يزيد على كفاية سنتهم، ولا ريب أنّه الأحوط.

حكم سهم الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في زمان الغيبة

مسألة 94: في حكم حصّة الخمس الّتي هي للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ، ففي الجواهر: «قيل على ما حكاه غير واحد من أجلّاءالأصحاب: بأنّه (يجب) عزله و(حفظه ثم يوصى به) إلى ثقة (عند ظهور أمارة الموت)، وهكذا حتى يصل إلى صاحب الأمر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) روحي لروحه الفداء، إلّا أنّي لم أعرف قائله بالخصوص وإن نسبه بعضهم إلى المفيد في المقنعة».((1))

أقول: بطلان هذا القول كائناً من كان قائله واضح غنيّ عن البيان.

وفي الجواهر بعد كلام طويل فيه قال: على كلّ حالٍ، فهذا القول في غاية السقوط، وأولى منه بذلك ما حكاه الشيخان والحلّي وغيرهم،((2)) بل أشار إليه المصنف بقوله: قيل: إنّه يجب أن يدفن تمام الخمس؛((3)) إذ هو مع أنّه مجهول القائل منافٍ للاحتياط والاعتبار والكتاب والسنّة وفتاوى الأصحاب

ص: 257


1- جواهر الكلام، ج16، ص165؛ المقنعة ، ص286.
2- انظر النهاية ، ص201؛ والمقنعة، ص286، والكافي في الفقه، ص173؛ والمهذب، ج1، ص181؛ والسرائر، ج1، ص498 - 499؛ ومختلف الشیعة، ج3، ص347.
3- شرائع الإسلام، ج1، ص138.

والاُصول العقلية والشرعية، لم نقف على دليلٍ سوى ما اُرسل((1)) من ظهور الكنوز عند قيام القائم(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ، وهو مع أنّه ليس بحجة في نفسه فضلا عن أن يعارض تلك الحجّج، بل أقصاه ظهور الكنوز الّتي تصادف قيامه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وإلّا فقد تتلف أو تُلتقط قبل ذلك، ولا دلالة فيه على الإذن بذلك فضلاً عن الأمر به...إلى آخره.((2))

أقول: إن كان مراده من قوله: «سوى ما اُرسل» أنّ الأخبار في ذلك من المرسلات ففيه منع ذلك، لأنّ فيها الأخبار السنيدة بحيث إنّ الناظر في هذا الأخبار يقطع بصدق مضمونها.

وفي نهج البلاغة قال(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في وصف مولانا المهديّ(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي»... إلى أن قال: «وتُخرج له الأرض من أفاليذ كبدها، وتُلقي إليه سلماً مقاليدها».((3))

ص: 258


1- بحار الأنوار، ج13، ص177، باب خروجه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وما يدل عليّه.
2- جواهر الكلام، ج16، ص167 - 168.
3- نهج البلاغة، خطبه 138(ج2، ص21 - 22)؛ صرّح محمد عبده وابن أبي الحديد بأنّ المراد منه القائم الموعود(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)...، وقال ابن أبي الحديد: والأفاليذ: جمع أفلا ذ، وأفلا ذ: جمع فلذ، وهي القطعة من الكبد، وهذا كناية عن الكنوز الّتي تظهر للقائم بالأمر، وقد جاء ذكر ذلك في خبر مرفوع في لفظة: وقاءت له الأرض أفلا ذ كبدها، وقد فسّ-ر قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالهَا﴾ (الزلزلة،2) بذلك في بعض التفاسير». شرح نهج البلاغه، ج9، ص46؛ راجع فصل 37 من باب 3 من كتابنا «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)».

فمثل هذه الأخبار حجّة في نفسها لا ريب في مضمونها، غير أنّالاستناد إليه لقول هذا القائل المجهول ساقط وفي غير محلّه.

والقول الآخر في المسألة: ما قيل من أنّه يصرف النصف إلى مستحقّيه، ويحفظ ما يختصّ به(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بالوصاية أو الدفن.

قال في الجواهر: «هو جيّد جدّاً بالنسبة للشقّ الأوّل منه، موافق للمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً وتحصيلاً إن لم يكن المجمع عليه، ول-لاُصول والكتاب والسنّة... إلى أن قال: - وأمّا الشقّ الثاني منه فهو وإن كان مال إليه في المقنعة واختاره في النهاية؛ لما سمعته في وجهَي القولين السابقين لكن في الدفن الّذي هو أحد فردَي التخيير منه ما عرفت، ومن هذا اقتصر في السرائر بعد اختياره له على الفرد الأوّل منه، مصرّحاً بعدم جواز الثاني، كالمحكيّ من عبارة ابن البرّاج وأبي الصلاح، بل في السرائر: أنّ هذا القول هو الّذي يقتضيه الدين واُصول المذهب وأدلة العقول وأدلّة الفقه وأدلّة الاحتياط، وإليه يذهب وعليه يُعوِّل جميع محقِّقي أصحابنا المصنّفين المحصّلين الباحثين عن مآخذ الش-ريعة وجهابذة الأدلّة ونُقّاد الآثار بغير خلاف بينهم».((1))

وناقش في كلّ ذلك صاحب الجواهر((2)) بما لا نطوِّل الكلام بذكره، ونقول: كأنّهم لم تصل إليهم ما ورد عن ساداتنا الأئمّة(علیهم السلام) وعن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في طول زمان

ص: 259


1- جواهر الکلام، ج16، ص168 - 170؛ السرائر، ج1، ص499.
2- جواهر الکلام، ج16، ص168 - 170.

الغيبة، أو يرون طول هذا الزمان على مقياس يمكن به إيصال الأموال إليه بوصيّة الآباء إلى الأبناء، وإلّا فهذا أمر سماويّ وسرّ كبير من أسرار الله تعالى، كما يحتمل وقوعه في زمان قريب - ونحن ندعو الله ليلا ونهاراً بأن يجعله الأقرب فالأقرب ويعجل فرجه - يمكن (والعياذ بالله منه) أن يؤخِّر إلى اُلوف واُلوف والعشرات والمئات من الاُلوف من السنين، فقد قال أمیر المؤمنین(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء».((1))

والمقطوع به الّذي نؤمن به ولا يشكّ فيه المؤمن بالله ورسوله: أنّ أمر الظهور يقع يقيناً، كما أنّ الساعة تقع كذلك لا ريب فيهما، إذن فلا ريب في بطلان هذا الوجه، وأنّه لا يمكن عادةً إيصال السهم المبارك(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بحفظه بالوصاية.

قال في الجواهر: «ومن هنا قيل: لا يوصى به ولا يدفن، بل يجب أنتُص-رف حصّته(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إلى الأصناف الموجودين أيضاً؛ لأنّ عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده (حضوره) فهو واجب عليه عند غيبته؛ لأنّ الحقّ الواجب لا يسقط بغيبة من يثبت عليه مؤبّداً. بل اختاره المصنّف، فقال: وهو الأشبه، وفاقاً للتحرير وظاهر المحكيّ من عبارة غرية المفيد وزاد المعاد للمجلسي وكشف الاُستاذ والمنقول في الرياض عن الديلمي وجمع من متأخّري المتأخّرين، وإن كنّا لم نتحقّقه خصوصاً الأوّل؛ إذ المحكيّ عنه في المختلف الإباحة لسائر الخمس، ومع التسليم فلم يبلغوا حدّ الشهرة الجابرة للمرسَلَين

ص: 260


1- نهج البلاغة، خطبة 187 (ج2، ص126).

بالنسبة إلى ذلك كي يصحّ العمل بهما فيه».((1))

ثم إنّه قد أطال النقاش والكلام في ردّ هذا الاحتمال، وفي طيّ كلامه قال: «وبالجملة: فدعوى وجوب دفع حقّ الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) للأصناف الآن من حيث وجوب الإتمام عليه حتى في هذا الزمان للمرسَلَين السابقين ممّا لا تستأهل أن يسوّد بهما قرطاس أو يستعمل فيهما يراع».((2))

كما أشار في طيّ ما أفاد بأقوال أو احتمالات اُخرى في المسألة لا فائدة في نقلها فلنُتِمّ ذلك بما أفاد في آخر ذلك، فقال: «قد عرفت - بحمد الله تعالى - وضوح السبيل في مصرف حقّ غير الإمام وإن اضطرب فيه من عرفت، وأمّا حقّه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فالّذي يجول في الذهن أنّ حسن الظنّ برأفة مولانا صاحب الزمان(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) - روحي لروحه الفداء - يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهمّ من مصارف الأصناف الثلاثة الّذين هم عياله في الحقيقة، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم ممّا يرجّح على بعضها وإن كان هم أولى وأولى عند التساوي أو عدم وضوح الرجحان، بل لا يبعد في النظر تعيّن صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه؛ إذ غيره من الوصيّة به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة قطعاً، بل هو إتلاف له.

وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذّر الوصول

ص: 261


1- جواهر الكلام، ج16، ص170.
2- جواهر الكلام، ج16، ص173.

إليه - روحي له الفداء -، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعلّ حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذّر الوصول إليه للجهل به، فيتصدّق به حينئذ نائب الغيبة عنه، ويكون ذلك وصولاً إليه على حسب غيره من الأموال الّتي يمتنع إيصالها إلىأصحابها، والله أعلم بحقائق أحكامه».

أقول: إلحاق ماله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بمجهول المالك في كون التصدّق به وصولاً إليه محلّ نظر؛ لأنّ ذلك إنّما يكون إذا لم يكن في البين ما نعلم أنه الأولى عند صاحب المال من غيره، أمّا إذا كان هنا بعض الجهات الّذي نقطع برضاه في صرفه فيه وطيب نفسه به فالمتعيَّن صرفه فيه، ولا يكون الصرف في غيره إيصالاً إليه، ولا ريب في أنّ أهمّ الاُمور عند الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) حفظ كيان الدين وشوكة المسلمين، وعزّ شيعتهم الفائزين ودفع الملحدين وإبطال المبطلين وحفظ الآثار من الإندراس.

وبالجملة: فلا تطيب نفسه الشريفة - روح مَن في عالمنا فداه - بدفن ماله أو الإيصاء بحفظه أو دفعه إلى أقربائه، إذا صارت تلك الاُمور المهمّة معطّلة والمذهب في معرض الاضمحلال والانطماس، فالمهمّ عنده إحياء معالم الدين، وإدارة الحوزات العلمية، وإعانة طلبة العلوم الدينية، وفي المجموع صرفه فيما به قوام الدين ونصرة الإسلام والمسلمين حسب الموارد والمناسبات والمقتضيات، وحسب الإمكانات ورعاية جميع الجوانب والمصالح العامّة المهمّة، سيّما في مثل عصرنا الّذي وقع الإسلام والمذهب وأهله قبال هجوم الكفّار والمستعمرين والثقافات المنحرفة والعلمانيين، والله هو العاصم والهادي إلى الصواب.

ص: 262

المتصدّي لصرف سهم الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في زمان الغيبة

مسألة 95: هل يكفي في صرف سهم الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في الموارد المذكورة الّتي نعلم برضاه فيها أن يتصدّاه الذی عليه بنفسه، أو لابدّ له من دفعه إلى الفقيه، أو الاستئذان منه؟

قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): مقتضى ما ذكرناه جواز صرف المالك لها بنفسه بعد علمه برضا الإمام من الأمارات الّتي ذكرناها، فإنّ حصول العلم منها بالرضا لا يختصّ بالمجتهد، أو بعد إعلام المجتهد له ذلك إن جوّزنا تقليد الغير في ما نحن فيه.

نعم، له أن يدفعه من أوّل الأمر إلى المجتهد، وعلى المجتهد أن يقبله، كما في مال كلّ غائب، فيصنع به ما يرى من الدفع أو الضبط، إلّا أن يعلم المقلِّد بعدم رضا الإمام بالضبط، فليس له الدفع؛ لعدم حصول البراءة من الخمس قبل صرفه عن المالك إذا كان الصرف واجباً والعزل غير كافٍ.

وربّما أمكن القول بوجوب الدفع إلى المجتهد؛ نظراً إلى عموم نيابته،وكونه حجّة الإمام على الرعية، وأميناً عنه وخليفةً له، كما اُستفيد ذلك كلّه من الأخبار.((1))

لكنّ الإنصاف أنّ ظاهر تلك الأدلّة ولاية الفقيه عن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على الاُمور العامّة، لا مثل خصوص أمواله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وأولاده.

ص: 263


1- وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضي، ب11، ج18، ص98 - 111.

نعم، يمكن الحكم بالوجوب؛ نظراً إلى احتمال مدخليّة خصوص الدافع في رضا الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، حيث إنّ الفقيه أبصر بمواقعها بالنوع، وإن فرضنا في شخص الواقعة تساوي بصيرتهما أو أبصريّة المقلّد.((1)) إلى آخر ما أفاد، فراجع إن شئت تمام كلامه.

أقول: أمّا جواز صرف المالك لها بنفسه إذا حصل له اليقين برضاه، فإن لم يحتمل دخل إذن المجتهد وكون الصرف تحت نظره في رضا الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، فله أن يعمل على طبق يقينه.

وهل يجوز دفعه إلى المجتهد من باب أنّه وليّ الغائب؟

يمكن أن يقال: إنّ علمه برضا الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إن كان بالنوع وكان علم المجتهد بذلك أيضاً كعلمه به، فيجوز دفعه إليه. وإن كان مخالفاً معه في النوع فيشكل دفعه إلى ذلك المجتهد.

وأمّا إن لم يكن عارفاً بالموارد، أو يحتمل لزوم كونها تحت يد المجتهد وأنّ رضا الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) منوط بإذنه، فلا بدّ له من الرجوع إليه، وإلّا لا يحصل له العلم بفراغ ذمّته ممّا كان عليه.

وقال الفقيه الهمداني(قدس سره): الّذي يظهر بالتدبّر في التوقيع المرويّ عن إمام العصر(عجل الله تعالی فرجه الشریفه) الّذي هو عمدة دليل النصب إنّما هو إقامة الفقيه المتمسّك برواياتهم مقامه بإرجاع عوامّ الشيعة إليه في كلّ ما يكون الإمام مرجعاً فيه؛ كي لا يبقى

ص: 264


1- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص337 - 338.

شيعته متحيّرین في أزمنة الغيبة، وهو ما رواه في الوسائل، عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة،((1)) عن محمد بن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: «سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): أمّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبتك.... إلى أن قال... : - وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجّتي عليّكم وأنا حجّة الله، وأمّا محمد بنعثمان العمري - فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنّه ثقتي وكتابه كتابي.

ورواه في الوسائل عن الشيخ أيضاً من كتاب الغيبة:((2)) عن جماعة، عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الرازي وغيرهما، كلّهم عن محمد بن يعقوب. وعن الطبرسي في الاحتجاج نحوه.

ومَن تدبّر في هذا التوقيع الشريف يرى أنّه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قد أراد بهذا التوقيع إتمام الحجّة على شيعته في زمان غيبته بجعل الرواة حجّةً عليهم على وجه لا يسع لأحد أن يتخطّى عمّا فرضه الله معتذراً بغيبة الإمام، لا مجرّد حجّية قولهم في نقل الرواية والفتوى.

إلى أن قال: والحاصل: أنّه يفهم تفريع إرجاع العوامّ إلى الرواة على جعلهم حجّة عليهم أنّه اُريد بجعلهم حجّة إقامتهم مقامه فيما يرجع فيه إليه، لا مجرّد

ص: 265


1- کمال الدین وتمام النعمة، ص483 - 485.
2- الغيبة للشيخ الطوسي، ص290 - 293؛ وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضی، ب11، ح9، ج18، ص101.

حجّية قولهم في نقل الرواية والفتوى، فيتمّ المطلوب.

ثم استشكل: بأنّ هذا التوقيع غاية ما يدلّ عليه ثبوت الولاية للفقيه والرئاسة على الاُمور، ووجوب إطاعته في اُمور يرجع إلى الرئيس، وأمّا ولايتهم على مال الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فلا

يدلّ عليه.

وأجاب عنه: بأنّه يدلّ على ذلك بالفحوى. وبالجملة ينوب الفقيه الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في جميع ما تحتاج إليه الرعيّة في الرجوع إلى الإمام، فلا يجوز تعطيل الاُمور وترك أمر الناس فوضی.

ثم إنّه قال في طيّ كلامه: وكيف كان، فلا ينبغي الإشكال في نيابة الفقيه الجامع لشرائط الفتوى عن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في حال الغيبة في مثل هذه الاُمور، كما يؤيّده التتبع في كلمات الأصحاب، حيث يظهر منهم كونها لديهم من الاُمور المسلّمة في كلّ باب، حتى أنّه جعل غير واحد عمدة المستند لعموم نيابة الفقيه لمثل هذه الأشياء هو الإجماع.

ثم قال: هذا، مع أنّه يكفي في المقام الشكّ، فإنّ جواز التصدّق به للعامّي موقوف على إحراز كون سهم الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) بالنسبة إلى العامي من قبيل المال الّذي يتعذّر إيصاله إلى صاحبه أو نائبه، وإلّا فمقتضى الأصل حرمة التصرّف الّذي لم يعلم برضا صاحبه به، فعليه الاحتياط إمّا بدفعه إلى الحاكم واستنابته في الصرف إلى الفقراء، أو الرخصة منه بتوكيلهفي المباشرة... إلى آخره.((1))

ص: 266


1- مصباح الفقيه، الهمداني، ج3 ، ص160 - 161.

هذا، والّذي بنى عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم(قدس سره) وقال: إنّه الحقّ، ومقتض-ى القواعد: أنّ المال إذا لم يمكن إيصاله إلى مالكه سواء كان مجهولاً أو معلوماً كالسهم المبارك المعلوم مالكه باسمه ونسبه وحسبه بوجه من الوجوه يجب أن يصرف فيما هو الأهمّ بنظر مالكه، ولا ريب أنّ ما هو الأهمّ بنظر الإمام مولانا - أرواحنا لتراب مقدمه الفداء - هو حفظ أساس الإسلام وأركان التوحيد، وإعلاء كلمة الله، ونش-ر آثار أجداده الطاهرين، والذبّ عن الدِين، حتى أنّهم(علیهم السلام)، بذلوا مهجهم المقدّسة في سبيله، ولا يتحقّق ذلك إلّا بإيصاله إلى الفقيه الحامل لأحاديثهم، والعارف بمعارفهم، المنصوب من قبله بالعنوان العامّ حجّة على الناس، والّذي هو الوليّ على المال المجهول مالكه، أو المتعذّر إيصاله إلى مالكه، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

فإن قيل: إنّ مجرّد رضا المالك القبلي بالتصرّف في ماله وصرفه في محلٍّ خاصٍّ لا يُخرج التصرّف والمعاملة الّتي وقعت على ماله عن كونه فضولياً، إذن فيحتاج نفوذه إلى إذن من المالك أو من الشارع.

يقال: إنّ الإذن من الشارع يستفاد ممّا ورد في المال المجهول مالكه، وفيه خصوصيّتان:

إحداهما: كون مالكه مجهولا. والاُخرى: عدم إمكان إيصاله إليه.

وبعبارة اُخرى نقول: إنّ ما هو المناط لحكمه عدم إمكان إيصاله إلى مالكه، وهو موجود في المال معلوم مالكه المتعذّر إيصاله إليه.

ص: 267

مضافاً إلى أنّه يمكن الاستناد بشاهد الحال بالنسبة إليهم، فحال مَن نعلم مِن حاله أنّه يضحّي بنفسه وبأولاده لحفظ الشريعة يشهد بأنّه طيّب النفس بص-رف ماله لذلك، هذا مضافاً إلى أنّا نعلم من الشارع من الأبواب المختلفة في الفقه أنّه لا يرضى بتعطيل الأموال، وفي مثل المال المعلوم مالكه المتعذّر إيصاله إليه القدر المتيقّن أن يصرف فيما نعلم برضاه.

بقي الكلام في احتمال كون الخمس ملكاً للإمام بما أنّه صاحب منصب الإمامة والمتولّي لإدارة الشؤون الإسلاميّة، فهو له(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ويدفع إليه في عص-ر الحضور، وفي عصر الغيبة يكون لمن يقوم مقامه في إدارة الاُمور، فهو ميزانية الدولة والحكومة. وبعبارة اُخرى: إنّ منصب الإمامة لوحظت فيه الحيثية التقييدية بكون الخمس للإمام، لا الحيثيةالتعليّلية، فالخمس يكون لهذا الشأن ومن يقلّده، وقد بنى البعض على ذلك.

وفيه: أنّ الظاهر أنّ هذا الرأي مستحدث لم يقل به أحد من القدماء، وأقوالهم وإن كانت كثيرةً إلّا أنّه ليس فيها هذا القول حتى أنّ البعض من أكابرهم وأساطينهم قالوا بالحفظ والإيصاء أو الدفن، ولم يحتملوا أنّ الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إنّما هو وليّ الخمس بالعنوان، لا مالكه بشخصه.

وبعبارة اُخرى: ليست ملكيّته له ملكيّة شخصيّة، بل ملكيّة حقوقيّة، فالخمس ليس مِلكاً شخصياً، بل، ملك حقوقي.

وبعبارة ثالثة: هو ملك للجهة والعنوان، لا للشخص، والجهة هي مصالح

ص: 268

الاُمّة، وعنوان الاُمّة والدولة يتولّاها في كلّ زمان مَن هو الحافظ الشرعي لكيان الاُمّة ومصالحها، وهو في زمان الحضور الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وفي زمان الغيبة نائبه العامّ وهو الفقيه، فلا يأتي في البين لزوم العلم برضا الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). وهذا ما عليه جلّ الفقهاء لولا كلّهم.

وبالجملة: هذا الاحتمال من بين الاحتمالات في غاية الشذوذ، ولعلّه يكون منافياً لظاهر قوله تعالى: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ فإنّه وإن كان المراد منه الإمام إلّا أنّه يستفاد منه أنّ الإمامة للحكم بأنّه لذي القربى لها حيثية تعليّلية، لا تقييدية. والحاصل: أنّ هذا الاحتمال خلاف ظواهر الأدلّة وما استظهر منه الفقهاء، والله هو العالم.

نقل الخمس إلى بلد آخر

مسألة 96: لا ريب في أنّه يجوز نقل الخمس إلى بلد آخر إذا لم يوجد المستحقّ بالفعل في بلده، ولا يمكن إيصاله إلى الفقيه ومَن يقوم مقامه، ولا حفظه للمستحقّ بدون تحمّل المالك مؤونة حفظه، بل يجب النقل إذا كان تركه معرضاً لتلفه، وحينئذ فإن نقله وتلف لا ضمان عليه. وامّا النقل مع وجود المستحقّ لإيصاله إلى مستحقّ آخر، فيجب إن كان بأمر الفقيه، ولا ضمان على الناقل إن تلف، وبدون ذلك فعلى ما اختاره في الجواهر باتّحاد حكم الخمس مع الزكاة فالحكم الحكم.

ص: 269

قال: «حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل وعدمه مع وجود المستحقّ وعدمه وإلى الضمان وعدمه حكم الزكاة؛ لاتّحاد الطريق والتنقيح، فمن منع نقل الزكاة إلى غير البلد - للإجماع المحكيّ ومنافاة الفورية والتغريروغير ذلك - قال هنا أيضاً: لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحقّ. ومن قال بالجواز هناك - للأصل والمعتبرة ومنع الفورية المنافية، أو أنّ النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافياً، كالقسمة مع التمكّن من إيصاله إلى شخص واحد، واندفاع التغرير بالضمان المحكيّ عليه الإجماع عن المنتهى، مضافاً إلى ما ورد به في المعتبرة - قال به هنا أيضاً، ومنه يعلم حینئذ أنّه لو حمل الخمس والحال هذه، أي أنّ المستحقّ موجود ضَمِن كالزكاة، بل وممّا تقدّم في باب الزكاة يعلم عدم الإشكال حينئذ في أنّه يجوز حمل الخمس مع عدمه، ولا إثم ولا ضمان؛ لما عرفت من اتّحادهما بالنسبة إلى ذلك، فراجع وتأمّل».((1))

أقول: أمّا بالنسبة إلى عدم وجود المستحقّ فقد عرفت الكلام فيه. ومراده من المعتبرة الأولى صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «في الرجل يعطي الزكاة يقسّمها، أ له أن يُخرج الشيء منها من البلدة الّتي هو بها (فيها) إلى غيرها؟ فقال: «لا بأس».((2))

وصحيح أحمد بن حمزة قال: «سألت أبا الحسن الثالث(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الرجل يُخرج

ص: 270


1- جواهر الكلام، ج16، ص114.
2- الکافي، ج3، ص554؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص31؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقّین للزكاة، ب 37، ح1، ج6، ص195.

زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم».((1))

ومن الثانية: حسن أو صحيح محمد بن مسلم، قال: «قلت لأبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها مَن يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده...» الحديث.((2))

وصحيح أو حسن زرارة، قال: «سألت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمّها، فضاعت؟ فقال: ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان. قلت: فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيّرت أ يضمنها؟ قال: لا، ولكن إن عرف لها أهلا فعطُبت أو فسدت فهو لها ضامن حتىيخرجها».((3))

ولا ريب في أنّ مقتضى الجمع بين هذه الأخبار وحمل الطائفة الأولى المطلقة على الثانية المقيّدة الجواز مع الضمان إن وَجَدَ المستحقّ في بلده، وعدم الضمان إن لم يجد المستحقّ فيه. ومقتضى من ذكره باتّحاد حكم الخمس مع الزكاة الجواز في الخمس أيضاً على التفصيل المستفاد من الروايات.

ص: 271


1- تهذیب الأحکام، ج4، ص46؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقّین للزکاة، ب37، ح4، ج6، ص196.
2- الکافي، ج3، ص553؛ من لا یحضره الفقیه، ج2، ص30 - 31؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص47؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقين للزكاة، ب39، ح1، ج6، ص198.
3- الکافي، ج3، ص553 - 554؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص48؛ وسائل الشیعة، أبواب المستحقين للزكاة، ب39، ح2، ج6، ص198.

هذا بناءً على اتّحاد حكمهما. وأمّا بقطع النظر عن ذلك، فلا ريب في عدم الضمان إن لم يجد المستحقّ ولم يمكن إيصاله إلى الفقيه؛ وفى الضمان إن وجد المستحقّ.

وهل يجوز له ذلك مع وجود المستحقّ تكليفاً، أم لا؟ يمكن أن يوجّه عدم الجواز - وإن لم نقل بالإجماع ومنافاة النقل للفورية - بأنّه على القول بتعلّق الخمس بالعين وملكيّة الخمس لأهله لا يجوز التصرّف فيه زائداً على ما يتوقّف إيصاله إلى أهله، فلا ولاية للمالك في النقل مع حضور المستحقّ، ومع ذلك لا وجه للتمسّك بالأصل العقليّ على جواز النقل، كما أفاد صاحب الجواهر. فمقتضى الأصل اللفظيّ عدم الجواز، ولكنّ الظاهر من الروايات في باب الزكاة الجواز تكليفاً والضمان وضعاً، والله هو العالم.

مسألة 97: قد ظهر لك ممّا ذكر: أنّه لو نقله بإذن الفقيه وتلف ليس عليه ضمان، والوجه في ذلك الشكّ في شمول ما دلّ على الضمان لمثل ذلك، ومقتضى الأصل عدمه. ولكن يمكن الإشكال في ذلك بأنّ الفقيه إن جعله وكيلاً منه في قبض الخمس وجعله مأذوناً في نقله فقبضه من قبله ونقله فلا ضمان على الوكيل المأذون، وأمّا إن أذن في النقل بدون التوكيل مع وجود المستحقّ فلا وجه لعدم الضمان.

نعم، لو كان النقل بأمر الفقيه فلا زمه عدم الضمان.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الإذن لا يفيد عدم الضمان إذا قلنا بحرمة النقل تكليفاً، وأمّا على القول بجواز النقل مع الضمان فلا زم إذن الفقيه عدم الضمان، كما إذا

ص: 272

أذن المالك في ماله الشخصيّ الّذي هو عند الغير بالنقل، وحيث اخترنا جواز النقل مع الضمان، فإن كان ذلك بإذن الفقيه فلا زمهعدم الضمان، والله هو العالم.

مسألة 98: فيها فروع:

الأوّل: أنّ مؤونة نقل الخمس إن وجب نقله تؤدّى من الخمس، وإلّا فعلى ناقله.

الثاني: إذا كان له مال في بلد آخر فهل يجوز دفعه إلى المستحقّ هناك عوضاً عمّا عليه؟

الظاهر أنّه يجوز؛ لأنّ الواجب دفعه إلى المستحقّ، وما كان مانعاً من نقله إلى بلد آخر منافاته للفورية في أدائه مع حضور المستحقّ، وهو مفقود هنا. وكذا لو كان له دَين على شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً إذا كان من جنس الخمس الّذي عليه، أو من الأثمان.

وأمّا إذا كان ما عليه من الخمس متاعاً من الأمتعة وما له في ذمّة المستحقّ متاعاً غيره، فهل يجوز له احتساب المتاع بدل المتاع؟

يمكن أن يقال: بأنّ جواز ذلك منوط برضا المستحقّ، وإلّا فليس للمالك هذه الولاية، والقدر المتيقّن أنّ له أداء قيمته بالأثمان.

هذا كلّه على أنّ وجه القول بعدم جواز النقل منافاته للفوريّة.

وأمّا إذا قيل بأنّ وجه تحريم النقل أولوية مستحقّي البلد، كما ورد في الزكاة من أنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كان يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم وصدقة أهل الحضر فيهم.

ص: 273

فالجواب عنه: أنّ المختار في المسألة هناك الجواز وعدم التحريم، مضافاً إلى أن عنوان النقل المذكور في كلماتهم لا يصدق على مثل دفع ما كان له في بلد آخر إلى المستحقّ عوضاً عن الخمس.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ وجه التحريم إيصال الخمس إلى مستحقّي البلد، ولا فرق في دفعه إليهم بين وصورة أخرى، والصورة الاُخرى، مضافاً إلى أصالة الاشتغال. وكيف كان، فالأحوط مهما أمكن إيصاله إلى مستحقّي البلد، والله هو العالم.

الثالث: إذا كان المال الّذي فيه الخمس في غير بلده فحكم نقله إلى غيره وإن كان بلد المالك حكم ما إذا كان المال في بلده، والله هو العالم.

الرابع: قال في العروة: قد مرّ أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً. ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية، فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لمتبرأ ذمّته وإن قَبِل المستحقّ ورضي به.((1))

أقول: هذه المسألة مبنيّة على تخيير المالك بين دفع خمس العين، أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً، وإن أشكلنا في جواز دفعه من جنس آخر.

وعلى البناء المذكور لا ريب في عدم براءة ذمّته إذا حسبت العروض بأزيد من

ص: 274


1- العروة الوثقی، ج4، ص311 - 312.

قيمتها، ولا أثر لرضا المستحق به.

وقد يذكر هنا احتيال، وهو بيع العروض من المستحقّ بأزيد من قيمتها الواقعية، ثم احتساب ثمنها الّذي في ذمّته خمساً.

ولكن يمكن الإشكال بأنّ ذلك يصحّ لو كان المستحقّ محتاجاً واقعاً إلى ما يشتريه ممّن عليه الخمس، ويكون ملجأً إلى شرائه بأزيد من قيمته الواقعية بحيث لو دفع الخمس إليه يشتريه منه بتلك القيمة، وإلّا فالمعاملة صورية موجبة لتضييع الخمس، ليس لدافع الخمس هذه الولاية ولا للمستحقّ، والله هو العالم.

اعتبار الفقر في ابن السبيل

مسألة 99: الظاهر أنه لا يعتبر في ابن السبيل الفقر في بلده.

وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى الإجماع عليه.((1))

والدليل عليه: إطلاق الكتاب والسنّة ومقابلته للمساكين في الكتاب. فعلى هذا يكفي في استحقاقه الخمس الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنّياً في بلده.

والقول بعدم اعتبار الحاجة في بلد التسليم ضعيف جدّاً، يردّه المتبادر إلى الذهن من الحكم على مثل هذا الموضوع، مضافاً إلى ما في بعض النصوص من أنّه شرّع لسدّ الخلّة.

وهل يجري الحكم في زماننا هذا على المسافر الّذي يتمكّن من الحصول على مؤونة سفره ورفع حاجته من ماله باستحصاله بالوسائل الرسميّة والتجاريّة؟

ص: 275


1- جواهر الكلام، ج 16، ص112.

الظاهر العدم، فلا يعدّ مثله ابن السبيل والمنقطع من بلده وماله.

ثم إنّه يشترط أن يكون سفره مباحاً، فلو كان معصيةً لم يُعطَ. قال فيالجواهر: «بلا خلاف، كما اعترف به بعضهم».((1))

وأمّا اشتراط كون السفر طاعةً فهو خلاف الإطلاق. والرواية الدالّة على اعتبار كون السفر طاعةً ضعيفة السند، ودلالتها قابلة للحمل على أنّ المراد منها عدم كونه معصيةً، كما هو الظاهر بمناسبة الحكم والموضوع، والله هو العالم.

اعتبار الفقر في اليتيم

مسألة 100: الظاهر اعتبار الفقر في اليتيم.

قال في الجواهر: للشغل، وبدليّة الخمس عن الزكاة المعتبر فيها ذلك، وكونه المنساق إلى الذهن من الأدلّة والمرسَلَين السابقين.((2))

ومراده منهما: مرسلة حمّاد بن عيسى،((3)) عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في حديث طويل ذكر فيه تقسيم نصف الخمس بين أهل البيت(علیهم السلام): «سهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن

ص: 276


1- جواهر الکلام، ج16، ص112.
2- جواهر الکلام، ج16، ص113.
3- حمّاد بن عيسى المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه المقتضي لعدم قدح من علم فسقه ممّن تأخر عنه في وجه فضلا عن غير المعلوم.

عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يموِّنهم لأنّ له ما فضل عنهم».((1))

ومرسلة أحمد بن محمد المضمرة.((2)) فما عن الشيخ في المبسوط والحلّي في السرائر - من عدم اعتبار الفقر في اليتيم لأجل مقابلته بالمساكين في الآية - شاذّ لا يقاوم ما عليه المشهور.

والمقابلة المذكورة يمكن أن تكون للتأكيد والاهتمام، كالصلاة الوسطى بالنسبة إلى مطلق الصلاة في قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾.((3)) أو لدفع احتمال اختصاص الحكم بالمساكين البالغين، أو لبيان أولويّة دفعه إلى اليتيم، والله هو العالم.

اعتبار الإيمان في المستحقّ

مسألة 101: قد صرّح جماعة - كما في الجواهر - باعتبار الإيمان في المستحقّ قال: «بل لا أجد فيه خلافاً محقّقاً، كما اعترف به بعضهم، بل في الغنية الإجماع عليه،((4)) واستدلّ لذلك بوجوه:

الأوّل: الشغل المقتضي للاقتصار على المتيقّن.

ص: 277


1- الکافي، ج1، ص539 - 540؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب 3، ح1، ج6، ص363 - 364.
2- وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب3، ح2، ج6، ص364.
3- البقرة، 238.
4- غنیة النزوع، ص130.

والثاني: أنّ الخمس كرامة ومودّة لا يستحقّهما غير المؤمن المحادد لله.

والثالث: لأنّه عوض الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعا في المدارك وغيرها.((1))

لا يقال: إنّ هذه الوجوه تتقطّع بإطلاق الكتاب والسنّة؛ ولذلك تردّد المحقّق في الشرائع والنافع في اعتباره.

فإنّه يقال: إنّ الإطلاق قاصر عن شمول مثل ذلك، وليس في مقام بيان جميع الشرائط، والمنساق منه إلى الذهن - خصوصاً السنّة - المؤمن، فكما لا يشمل إطلاق اليتامى الأغنياء، كذلك لا يشمل مثل هذا الإطلاق غير المؤمن.

نعم، في اعتبار الإيمان في أيتام غير المؤمنين يمكن التشكيك، ومع ذلك مقتضى قاعدة الشغل الاعتبار.

هذا، ولكن يمكن التمسّك بالإطلاق في عدم اعتبار العدالة، مضافاً إلى ما قيل من عدم الخلاف في عدم اعتبارها، وقيام السيرة على عدم ذلك، خصوصاً في غير معلوم الفسق، وخصوصاً في أيتام الفسّاق. والأحوط عدم دفعه إلى المتجاهر بالفسق وإلى من يكون عوناً له على المعصية، والله هو العالم.

احتساب الدَين خمساً

مسألة 102: قد أشرنا فيما ذكرناه إلى احتساب الدَين خمساً لو كان

ص: 278


1- جواهر الكلام، ج16 ، ص115.

له دَين في ذمّة شخص في بلد آخر، وأنّه ليس من نقل الخمس من بلد إلى بلد آخر، لكن جواز ذلك وإن كان المديون في البلد محلّ الإشكال.

وقال السيّد(قدس سره) في العروة: «إذا كان في ذمّة المستحقّ دَين جاز لهاحتسابه خمساً، وكذا في حصّة الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إذا أذن المجتهد».((1)) ولكن وقع ذلك مورد استشكال بعض الأعاظم من المحشّين، فقال سيّدنا الاُستاذ(قدس سره) لكنّ الأحوط الإقباض والقبض.

والوجه في ذلك عن مثل السيد الحكيم(قدس سره) أنّ الظاهر من الاحتساب أنّه إيقاع لا تمليك، ولذا لا يحتاج إلى القبول. وكأنّه يستفاد منه أنّه على ذلك ليس من تمليك ما في الذمّة على القول بجوازه، فعلى هذا يبتنی القول به على أحد اُمور:

الأوّل: أن تكون اللام في الآية للمصرف لا للملك، فيكفي في الصرف إبراء ذمّة المستحقّ وإسقاط ما فيها.

وفيه: أنّه خلاف الظاهر جدّاً، مضافاً إلى أنّه محتاج إلى الولاية على التبديل، والقدر المتيقن منه غير ذلك.

الثاني: أن تكون اللام للملك ، لكن المالك هو الطبيعة، فمالك المال أو الفقيه من جهة ولايته على المال المذكور الّذي ليس له مالك معيّن يص-رفه في مصلحة الطبيعة، ومنها إبراء الذمّة لبعض أفرادها.

ص: 279


1- العروة الوثقی، ج4، ص312.

وفيه: أنّ ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه، مضافاً إلى أنّ مقتض-ى الصرف في مصالح الطبيعة أن يكون بحيث يشمل جميع أفرادها، والولاية الثابتة للمالك أو الفقيه هو تطبيق الطبيعة على الفرد، وبعد التطبيق المذكور يدفع إليه ملكه، أو تطبيق الطبيعة على الفرد المعيّن بدفعه إليه، نظير تطبيق الكلّي المملوك على الفرد المعيّن في بيع الصاع من صبرة، أو الدَين الّذي في الذمّة على المال الخارجيّ المعيّن، غير أنّ الفرق بينهما: أنّ الولاية في الموردين المذكورين في تطبيق المملوك الكلّي على الفرد، وهنا في تطبيق المالك على الشخص المعيّن.

وبالجملة: لا ولاية للمالك على صرف الخمس في مصالح الطبيعة على النحو المذكور، بل مطلقاً. ومن ذلك: ما إذا صرف الخمس في مصلحة جميع السادة بأن يصرفه في جهة تبقى لهم - كالوقف - لتكون منافعها لهم في طول الأعوام والسنين، والظاهر أنّ هذه الولاية ليست للمالك، فهل تكون للفقيه؟ القول بها مشكل.

الثالث: البناء على صحّة عزل الخمس في المال الّذي في الذمّة، وبعد تطبيق المستحقّ على صاحب الذمّة يسقط المال قهراً.

لكن قد مرّ الكلام في جواز عزل الخمس في المال الخارجيّ فضلاًعمّا هو في الذمّة.

فعلى هذا كلّه يشكل الاكتفاء في أداء الخمس باحتسابه بما في ذمّة المديون فالأحوط لو لم يكن الأقوى الإقباض. نعم، لا بأس بذلك في مال الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فيُبرئ الدائن بإذن الفقيه ذمّة المديون على أن يسقط منه بمقداره ممّا في ذمّته من

ص: 280

مال الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)،((1)) والله هو العالم.

ثم إنّه بعد ذلك يمكن أن نقول: إنّ وجه كون احتساب ما في ذمّة المديون إيقاعاً لا تمليكاً، ولو قلنا بجواز تمليك ما في الذمّة بشخص المديون، وقلنا بجواز تمليك مالنا في ذمة زيد بمال أو متاع هو له، ولكنّه لا يتصور ذلك في المقام؛ لأنّه لا يملك الخمس إلّا بعد دفعه، وقبل الدفع لا يملك شيئاً من الخمس حتى يجعله عوضاً عمّا في ذمّته، وما في ذمّة المالك من الخمس ليس له إذن فلا يحصل التمليك والتملّك إلّا بعد القبض والإقباض، فعلى هذا لا يكون الاحتساب المذكور قبل دفع الخمس إلى المستحق إلّا بالإيقاع، واحتساب من عليه الخمس خمساً، مع أنّه لا ولاية له على ذلك.

اللّهمّ إلّا أن يقال: كما أنّه للمالك أن يحتسب خمساً إذا كان له مال شخصيّ عند المستحقّ فيجعله خمساً بلا حاجة إلى الاقباض والقبض الجديد، كذلك يحتسب ما يملكه في ذمّة المستحقّ خمساً، ونتيجته براءة ذمّة المستحقّ بهذا الإيقاع. ولا فرق عند العرف بين الصورتين. نعم، يشترط أن يكون الخمس وما في ذمّة المستحقّ متّحدا في الجنس أو كان ما في ذمّته نقداً من النقود وعلى هذا يتّجه ما أفاده السيّد في العروة.

ومن هذا يظهر ما في تقريرات السيّد الخوئى(قدس سره) في المقام حيث قال: «مقتض-ی ما تقدم من ظهور أدلّة الباب في تعلّق الخمس بعين المال: عدم الاجتزاء بالأداء

ص: 281


1- مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص589 - 590 مع إضافات وتوضيحات.

من مال آخر وعدم الولاية للمالك عليه إلّا ما أثبته الدليل، وقد ثبت به ولايته على التبديل بمال آخر عيناً، نقداً كان أم عروضاً، أو بالنقد خاصّة من درهم أو دينار أو ما يقوم مقامهما من النقود»((1)) فإنّ التبديل بمال آخر إن كان جائزاً لا فرق عند العرف بين ما كان عيناً خارجياً أو في ذمّة المستحقّ، ومع ذلك كلّه الأحوط القبض والإقباض.

تلف الخمس

مسألة 103: لا يشخّص الخمس بعزله وإفرازه عن جميع المال الّذي فيه، فهو باقٍ على إشاعة ملكيّته بين المالك ومستحقّه فإن تلف ما عزله يكون من المالك والخمس إذا لم يكن المالك مقصراً، وإلّا فهو ضامن. اذن لا تبرّء ذمّة المالك إلّا بقبض المستحقّ أو الحاكم وذلك لعدم ولاية المالك على جعله ملكاً للمستحقّ بدون قبضه ولعدم صيرورته مل-كاً له بدون القبض وهذا مقتضى الاستصحاب وأصالة الاشتغال. ولا يخفى أنّ ما ذكر لا ينافي ولاية المالك على التقسيم بما أنّ سهمه من المال أكثر وبمقتضى السيرة القطعيّة المستمرّة.

حيلة أخذ الخمس وردّه على المالك

مسألة 104: لا يجوز للمستحق اخذ الخمس من المالك ثم رده عليه، بل ولا ردّه إلى غيره ممّن هو منه كولده وزوجته، وكما إذا

ص: 282


1- المستند في شرح العروة الوثقی، ج 25، ص343 - 344.

كان هنا شريكان فلا يجوز له أن يأخذ ما على أحدهما وردّه إلى الش-ريك الآخر وأخذ ما عليه وردّه إلى الأوّل.

وبالجملة لا تجوز الاحتيالات المضيّعة للخمس وتفويت الحكمة الّتي في تشريعه. واستثنى من ذلك إذا لم يوجب التضييع المذكور كما إذا كان من عليه الخمس فقيراً تائب-اً متديّن-اً وذمّته مشغولة بالخمس وهو عاجز عن أدائه. ولا يخفى عليك أنّ الحكم بعدم الجواز تكليفيّ فلو فعل ذلك المستحقّ لا يبعد القول ببراءة ذمّة المالك، والله هو العالم.

نقل الخمس إلى بلد المجتهد

مسألة 105: قال في العروة: «إن كان المجتهد الجامع للش-رائط في غير بلده جاز نقل حصّة الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) إليه، بل الأقوى جواز ذلك ولو كان المجتهد الجام-ع للش-رائط موجوداً في بلده أيضاً، بل الأولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل أو كان هناك مرجّح آخر.((1))

أقول: هنا فروع ثلاثة:

الأوّل: جواز النقل إذا كان الفقيه في بلد آخر، فالظاهر فيه الجواز بلالوجوب إذا لم يمكن إيصاله إلى الفقيه بدون النقل إلّا في مثل زماننا الّذي يمكن كسب التكليف منه وهو في بلد آخر بالسهولة.

الثاني: إذا كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً فلا يجوز النقل إذا كان منافياً

ص: 283


1- العروة الوثقى، ج4، ص311، مسألة 13.

للتسريع الممكن في إيصاله إليه وإلّا فيجوز مع الضمان.

الثالث: إذا كان من في غير بلده أفضل أو كان هناك مرجّح آخر، وهذا أيضاً لا يجوز إلّا إذا لم تكن رعاية ذلك موجباً لتأخير أداء الحقّ إلى ذي الحقّ.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ كلّ ما ذكر موكول إلى الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، ولكن فيه أنّه قد ظهر ممّا ذكرناه أنّ أمر حصّة الامام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) راجع إلى الفقيه وليس لمن عليه الخمس الاستقلال في صرفها فالفقهاء هم الأوّلياء على الناس في الامور، والله هو العالم.

وهذا آخر ما ساعدنا التوفيق لتحريره في مبحث الخمس وإملائه على جمع من إخواننا الفضلاء كثّرهم الله تعالى، وجعلهم تحت رعاية مولانا وصاحب عصرنا بقيّة الله في الأرضين أرواح العالمين له الفداء، ومن أنصاره وأعوانه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والمدركين أيّامه، والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين، ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً في الدنيا والآخرة إنّك أنت الرحيم الغفور.

ص: 284

خاتمة ف--ي الأنف-ال

اشارة

ص: 285

ص: 286

الأنفال: جمع نفل ساكناً ومحرّكاً بمعني الزيادة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾((1))

قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): المراد هنا ما يختصّ به النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) زيادة على غيره تفضّلاً من الله وهو بعده للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ».((2))

وفي الجواهر: «هي هنا ما يستحقّه الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). وسمّيت بذلك لأنّها هبة من الله تعالى له زيادة على ما جعله له من الشركة في الخمس إكراماً له وتفضيلاً له بذلك على غيره. انتهى».((3))

وهي موارد:

الأرض الّتي تملك من غير قتال

الأرض الّتي تملك من الكفّار من غير قتال ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، سواء انجلوا عنها أو مكّنوا المسلمين منها طوعاً وهم فيها، كالبحرين.

ويدلّ عليه صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ

ص: 287


1- الأنبياء، 72.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص345.
3- جواهر الكلام، ج16، ص116.

أرض خربة، وبطون الاودية، فهو لرسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء».((1))

وصحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أنّه سمعه يقول: «إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهذا كلّه من الفيء والأنفال لله وللرسول، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحبّ».((2))

وما في مرسل حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «وله بعد الخمس الأنفال والأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً...، وكلّ أرض ميتةلا ربّ لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، وهو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له». الحديث.((3))

وقال في الجواهر: «إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً، بل ظاهر بعضها كالصحيح المتقدّم أن كل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الأنفال لا خصوص الأرض منه كما هو ظاهر المصنّف وغيره من الأصحاب».((4))

ص: 288


1- الکافي، ج1، ص539؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 1، ح 1، ج6، ص364.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص133، 149؛ وسائل الشیعة، ب1، ح10، ج6، ص367.
3- الکافي، ج1، ص541 - 542؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص130؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح4، ج6، ص365.
4- جواهر الكلام، ج 16، ص117.

وفي المستمسك نفى ذلك الإطلاق وقال: « وإطلاق بعضها - كالمصحّح - وإن كان يشمل الأرض وغيرها لكنّه مقيّد بما هو مقيّد بها الوارد في مقام الحص-ر والتحديد، فإنّ وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم له وهو النفي عن غير الأرض فيحمل المطلق في الإثبات عليه».((1))

ولكن الشيخ قال: «وظاهر موثّقة سماعة وحسنة ابن أبي عمير دخول كلّ ما لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب في الأنفال وإن لم يكن أرضاً وهو صريح صحيحة ابن وهب الآتية في الغنيمة بدون إذن الإمام ونسبه بعض المعاصرين إلى الأصحاب».((2))

ومراده من الموثّقة ما رواه في التهذيب بإسناده عن سماعة قال: «سألته عن الأنفال؟ فقال: كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام وليس للناس فيها سهم، قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب».((3))

إلّا أنّ استفادة الإطلاق منها محل التأمّل بل المنع. نعم، حسنة ابن أبي عمير وهو صحيح حفص ابن البختري مطلق كما أفاده في الجواهر.

ومراده من صحيحة ابن وهب ما رواه معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي

ص: 289


1- مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص597.
2- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص349.
3- تهذیب الأحکام، ج4، ص133؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح 8، ج6، ص367.

عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ».((1))

ومراده من بعض المعاصرين صاحب الجواهر(قدس سره).

وعلى هذا يقع التعارض بين ما يظهر منه اختصاص الأنفال بالأرض لأجل ظهوره في التحديد وصحيح ابن وهب الّذي هو صريح في إطلاق الحكم، ويمكن الجمع بينهما بأنّ ما دلّ على التحديد يكون بالنسبة إلى الأراضي، والله هو العالم.

ثم إنّه مقتضى موثقة سماعة أنّ البحرين ممّا لم يوجف عليه بخيل ولاركاب وربما يؤيّده ما رواه ابن أبي عمير عن الحكم بن علباءالأسدي،((2)) إلّا أنّ الشيخ ذكر أنّ المذكور في كتاب الإحياء((3)) أنّ البحرين أسلم أهلها طوعاً، فهي كالمدينة المشرّفة أرضها لأهلها، وقد صرّح في الروضة بالأوّل في الخمس((4)) وبالثاني في إحياء الموات،((5)) فلعلّه غفلة.

ص: 290


1- الكافي، ج5، ص43، ح1؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح3، ج6، ص365.
2- الاستبصار، ج2، ص58؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص137؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح 13، ج6، ص368.
3- كما في تذکرة الفقهاء، ج2، ص402؛ ومفاتيح الشرائع، ج3، ص22، وغيرهما.
4- الروضة البهية، ج2، ص84.
5- الروضة البهية، ج7، ص139.

أقول: قال في التذكرة في إحياء الموات:

قسّم علماؤنا الأراضي أقساماً أربعة (إلى أن قال): الثالث: أرض من أسلم أهلها عليها طوعاً كأرض مدينة الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والبحرين وهذه الأرض لأربابها يملكونها على الخصوص وليس عليهم فيها شيء سوى الزكاة إذا حصلت شرائط الوجوب. ولو تمّ ذلك يكون قرينة على أنّ ما في ذيل موثقة سماعة ليس من كلام الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) والله هو العالم.

موات الأراضي

ومنها: الأرضون الموات، والكلام فيها يقع في طيّ أُمور:

الأوّل: في تعريفها، والظاهر أنّها ما كان عند العرف مواتاً، قال في الجواهر: «ولعلّها الّتي لا ينتفع بها لعطلتها بانقطاع الماء عنها، أو استيجامها، أو استيلاء الماء عليها أو التراب أو الرمل، أو ظهور السبخ فيها، أو غير ذلك من موانع الانتفاع».((1))

الثاني: الظاهر أنّ إطلاق الروايات((2)) أنّه لا فرق في كون الأرض من الموات والأنفال بين الأرض الّتي ملكت ثم باد أهلها، أو لم يجر عليها ملك كالمفاوز.

الثالث: إذا كان للموات مالك معروف وصارت مواتاً ليست من الأنفال. نعم، لو أحيى أرضاً ميته فملكها بالإحياء فماتت، فلهم فيه قولان: أحدهما: أنّه

ص: 291


1- جواهر الكلام، ج 16، ص117.
2- راجع وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ج6، ص364 - 373.

يزول ملكه ويرجع إلى ملك الإمام كما كان قبل الإحياء وثانيهما: بقاؤها في ملك مالكها. ويدلّ على الأوّل صحيح الكابلي الّذي فيه بعد أن ذكر أنّ الأرض كلّها لهم:

«فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الّذي تركها، يؤدّي خراجها إلى الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) من أهل بيتي وله ما أكل منها».((1)) الحديث.

قال في الجواهر: «ومنه يستفاد حينئذ أنّ من ملك موات الأرض المفتوحة عنوة بالإحياء المأذون فيه منه - صلوات الله عليه - يزول ملكه عنها برجوعها مواتاً كما هو أحد القولين في المسألة. نعم، لا دلالة فيه على زوال الملك إذا كان بغير الإحياء بل بالإرث أو الشراء أو الفتح أو نحوها برجوعها مواتاً، فالمتّجه حينئذ بقاؤها على الملك إلّا إذا باد أهلها، فترجع للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وتكون من الأنفال، لأنّه وارث من لا وارث له، ولعلّه على هذا يحمل التقييد في المرسل السابق وغيره ببواد الأهل لا على ما يشمل المتقدّم».((2)) أي لم يصر مواتاً ولم يبد أهلها.

ويمكن أن يقال: إنّ الأرض إمّا موات غير محياة فلا ربّ لها، فهو من الأنفال

ص: 292


1- الکافي، ج1، ص407؛ الاستبصار، ج3، ص108؛ تهذیب الأحکام، ج7، ص152؛ وسائل الشیعة، كتاب إحياء الموات، ب3، ح2، ج17، ص329.
2- جواهر الكلام، ج 16، ص117 - 118.

يشملها مثل قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) «الموات كلّها للإمام»((1)) وقوله «كلّ أرض لا ربّ لها»((2)) و «كلّ أرض ميتة لا ربّ لها»((3)) وغيرها. وإمّا صارت مواتاً بعد الإحياء فإن كان مالكها ملكها بالإحياء فأحياها غيره من المسلمين فهو يملكها كما يدلّ عليه صحيح الكابلي، فهي بعد صيرورتها مواتاً ترجع إلى ملك الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ويملكها من أحياها. وإمّا تصير مواتاً بعد ما ملكها غير المحيي بشراء أو بإرث أو غيرهما، فالظاهر أنّه لا تخرج عن ملك مالكها إلّا إذا باد أهلها فهي ميراث من لا وارث له فهي للإمام أو من المجهول المالك يجري عليها حكمه. وعن التذكرة: الاجماع على عدم خروجها عن ملك مالكها.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ إطلاق مثل «من أحيى أرضاً ميتة فهي له» يشملها، إلّا أن يقال: إنّها مقيدة بقوله: «كلّ أرض ميتة لا ربّ لها». وممّا ذكر يعلم أنّ عمار الأرض المفتوحة عنوة المحياة لو ماتت بعد الفتح لم يجر عليها حكم الأنفال، فإنّ لها مالكا معلوماً وهو المسلمون.

سيف البحار

الرابع: ظاهر الشرائع((4)) أنّ سيف((5)) البحار من الأنفال، فعلى هذا لا فرق في

ص: 293


1- وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 1، ح17 و20 و4 و8، ج6، ص365، 367، 369 - 371.
2- وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح4، 20، 28، ج6، ص365، 371 - 372.
3- وسائل الشیعة، أبواب الانفال، ب1، ح4، ج6، ص365.
4- شرائع الإسلام، ج1، ص137.
5- بكسر السين، أي ساحلها.

كونه بأيّ كيفية من الموتان والحياة فهو للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). وقال الشيخ: «لم أقف على دليل يدلّ عليه بالخصوص، فالواجب فيه الرجوع إلى العمومات: فإن كان الساحل مملوكاً لشخص أو أشخاص - ولو قاطبة المسلمين - فحكمه حكم غيره من المملوكات. وإن كان مواتاً فهو للإمام وإن كانت حيّة بمعنی قابليّتها للانتفاع بها لقربه من البحر فيسقي زرعه من جهة قرب عروقه أو بمدّ البحر، ففي كونه من المباحات يجوز لكلّ أحد التصرّف فيها، أو من الأنفال، لأنّه قد عدّ منها في غير واحد من الأخبار «كلّ أرض لا ربّ لها» مضافاً إلى عموم ما دلّ على «أنّ الأرض كلّها لنا» وجهان».((1)) الظاهر الثاني.

صفايا الملوك

ومنها صفايا الملوك وقطائعهم. فعن المعتبر: معنى ذلك إذا فتحت الأرض من أهل الحرب فما كان يختصّ به ملكهم ممّا ليس بغصب من مسلم يكون للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) كما كان للنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). وزاد في الش-رائع: أو معاهد. ومثله منقول عن المنتهى. وقال في الغنائم: «وقد تف-سّر القطائع بالأرض والصفايا بما ينقل ويحول».

أقول: الحكم مسلّم ممّا لا كلام فيه. وممّا يدلّ عليه من الأخبار صحيح داود بن فرقد((2)) قال: «قال أبوعبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): قطائع الملوك كلّها للإمام وليس للناس

ص: 294


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص358.
2- ثقة ثقة له كتاب من الخامسة.

فيها شيء».((1)) وموثّقة سماعة، قال: «سألته عن الأنفال؟ فقال: كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام». الحديث.((2)) وغيرهما.

نعم كونها من الأنفال مشروط بعدم كونها مغصوبة من مسلم أو معاهد، للأصل ولقوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في المرسل السابق:((3)) «وله صوافي الملوك ماكان في أيديهم من غير وجه الغصب». ثم إنّهم قد ذكروا أنّه للنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ولمن يلي بعده ما وليه أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس جواد أو ثوب مرتفع أو جارية حسناء أو سيف فاخر ماضٍ أو غير ذلك. وفي الجواهر: فيكون من الأنفال عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، لقول الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في صحيح ربعي((4)) عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) قال: «كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له (إلى أن قال) وكذلك الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يأخذ كما أخذ رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)» وغيره من الروايات. وهل هذا ملكه حتى يكون التعبير بأنّه له تامّاً أو أنّه له أخذه وبعد ما أخذه يصير من الأنفال وتختصّ به؟ لا نطيل الكلام في ذلك، وإن شئت فراجع الجواهر».

رؤوس الجبال و...

ومنها: رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام. قال في الجواهر: «بالكسر والفتح مع المدّ جمع أجمة بالتحريك وهو الشجر الكثير الملتف كما

ص: 295


1- وسائل الشیعة، أبواب الانفال، ب 1، ح 6، ج6، ص366 - 367.
2- وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح8، ج6، ص367.
3- أي مرسل حمّاد بن عيسى في وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح4، ج6، ص365.
4- ابن عبد الله ثقة من الخامسة.

عن القاموس الخ».((1))

أقول: يدل على ما ذكر مرسل حمّاد بن عيسى المتقدّم عن العبد الصالح(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فيه: «له رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام».((2))

وما رواه العياشي عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في حديث قال: «قلت: وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكلّ أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك»((3)) وغيرهما.

والظاهر أنّه يجري على هذا القسم ما يجري على أرض الموات، بل ربّما يعدّ منها. والتخصيص بالذكر للتوضيح واحتمال صرف الموات إلى غيرها.

ما يغنم بغير إذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)

ومنها: ما يغنمه المقاتلون في سرّية أو جيش بغير إذنه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). قال في الجواهر: «فهو من الأنفال له(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً».((4))

وقال الشيخ: «المعروف بين المشايخ الثلاثة وأتباعهم - قدّس الله أسرارهم - أنّ ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فهو للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) خاصّة. وعن الحلّي((5))

ص: 296


1- جواهر الكلام، ج16، ص120.
2- وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح 4، ج6، ص365.
3- وسائل الشیعة، أبواب الانفال، ب1، ح 32، ج6، ص372.
4- جواهر الكلام، ج16، ص126.
5- السرائر، ج1، ص497 - 498، ص4، وليس فيه دعوى الإجماع؛ وحكاه السبزواري في ذخيرة المعاد، ص498.

دعوى الإجماع عليه.

والأصل فيه مرسلة العبّاس الورّاق((1)) إذا غزا قوم بغير إذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وإذا غزوا بأمر الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) فغنموا كان للإمام الخمس.((2))

وسندها سند منجبر بعدم معروفية الخلاف، بل عن المنتهى((3)) والمسالك((4)) أنّه مذهب الأصحاب».((5))

وأمّا الاستشهاد لذلك بصحيح معاوية بن وهب المتقدّمة:

قال: «قلت لأبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): السرّية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المش-ركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب».((6))

ص: 297


1- ثقة من أصحاب يونس من السادسة.
2- تهذیب الأحکام، ج4، ص135؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 1، ح 16، ج6، ص369.
3- منتهى المطلب، ج1، ص554.
4- مسالك الأفهام، ج1، ص474.
5- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص361 - 362، ومراده من المشايخ الثلاثة الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيّد المرتضى رحمهم الله وانظر كلام الشيخ في المبسوط، ج1، ص263؛ ونسب القول إليهم أيضاً في المعتبر، ج2، ص635؛ وتابعهم المهذب، ج1، ص186؛ والوسيلة ، ص202.
6- الكافي، ج5، ص43، ح1؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح3، ج6، ص365.

فقد أفاد الشيخ بأنّه لا دلالة له على المطلوب إلّا باعتبار مفهوم القيد في قوله: «أمّره الإمام» مع تأمّل فيه أيضاً، لأنّ المفروض أنّ ضمير «قاتلوا» راجع إلى السريّة الّتي يبعثها الإمام، فالقيد لا يكون للتخصيص قطعا».((1))

ويمكن أن يقال: إنّه لو لم يكن قوله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): «مع أمير أمّره الإمام» للمفهوم كان يكفي الجواب أن يقول: إن قاتلوا أخرج الأمير منها الخمس.

ولكنّ الظاهر أنّ من التصريح بذلك منه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يستفاد أنّ الغنيمة إذا حصلت مع الأمير الّذي أمّره الإمام إن حصلت بالقتال فالأمير يقسمه كماذكر، وإن حصلت بغير القتال فهي للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). إذن فما حصل بالقتال لا مع أمير أمّره الإمام يكون للإمام فإنّه إن قسّم بالتخميس المذكور أو كان كلّه للمقاتلين يلزم لغويّة القيد، أو كون حال المقاتل الّذي قاتل تحت أمر غير الإمام أحسن حالاً من غيره. وأمّا الغنيمة الّتي تحصل بغير القتال تحت راية غير الإمام فهي بالأوّلويّة تكون له.

ومع ذلك حكي عن صاحب المدارك((2)) أنّه استجود ما حكي عن المنتهى((3)) من تقوية مساواة هذه الغنيمة غيرها من الغنائم في أنّها ليس فيها إلّا الخمس، وذلك لإطلاق الآية وضعف الرواية. وما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله((4))

ص: 298


1- كتاب الخمس للشیخ الأنصاري، ص362.
2- مدارك الأحکام، ج5، ص418.
3- منتهى المطلب، ج1، ص554.
4- من كبار الثامنة جليل القدر صاحب التصانيف.

عن عليّ بن إسماعيل((1)) ... عن الحلبي عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة؟ فقال: «يؤدّي خمسها ويطيب له».((2))

وقد عبّر الشيخ الأنصاري عن هذا الصحيح بالحسنة.

وقال بعدم مقاومتها للمرسلة من حيث العمل، قابلة للحمل على تحليل الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) ما عدا الخمس له، كما أنّه حلّل الكلّ في زمان الغيبة على قول يأتي، مع احتمال حملها على التقيّة.

ثم إنّه بعد ما ذكر كلام العلّامة في المنتهى((3)) الظاهر في تقويته قول الشافعي بمساواة ما يغنم بغير الإذن بما يغنم بالإذن. قال: إنّ المحكيّ عنه (أي العلّامة) في موضعين من كتاب الجهاد موافقة المشهور، وقال: إنّ كلّ من غزا بغير إذن الإمام فغنم كانت غنيمته للإمام عندنا.((4))

وقال ثمّ إنّ ظاهر المرسلة وظاهر أكثر الفتاوى بل صريح بعض: عدم وجوب الخمس في هذه الغنيمة وكون الجميع للإمام. وصرّح في الروضة((5))

ص: 299


1- من الرابعة أو الخامسة وجه اصحابنا وفقيههم.
2- تهذیب الأحکام، ج 4، ص124، کتاب الزكاة، ب 35، ح 14، ص357؛ وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب2، ح8، ج6، ص340.
3- منتهى المطلب، ج1، ص554.
4- منتهى المطلب، ج2، ص947، 954.
5- الروضة البهية، ج2، ص65.

بوجوب الخمس فيه، ولا يبعد أن يكون مراده وجوب الخمس على المغتنم بدون إذن الإمام إذا حلّل الإمام ذلك له، كما نقول به فيزمان الغيبة، لا أنّ الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) لا يملك إلّا أربعة أخماس تلك الغنيمة، والخمس الآخر مشترك بينه وبين قبيله وإن كان ظاهر الآية الخ.((1))

وعلى ذلك كلّه فالأقوى في أصل المسألة هو القول المشهور وفي تعلّق الخمس به فالأحوط في عصر الغيبة للفقيه أداء سهم السادة من خمس هذه الغنيمة، والله هو الهادي إلى الصواب ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

ميراث من لا وارث له

ومنها (من الأنفال): ميراث من لا وارث له فقد حكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا أجمع.

وتدّل عليه الروايات كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ):«من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه وقد ضمن جريرته فماله من الأنفال».((2))

وما رواه الشيخ عن أبان بن تغلب قال: «قال أبوعبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ): من مات ولا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآية: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلهِ

ص: 300


1- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، ص363 - 364.
2- الکافي، ج7، ص169؛ من لا یحضره الفقیه، ج4، ص333؛ وسائل الشیعة، كتاب الإرث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ب3، ح1و8، ج17، ص547 - 549.

والرَّسُولِ﴾».((1)) وغيرهما.

المعادن

ومنها المعادن، على المحكيّ عن الشيخين في المقنعة والنهاية والديلمي والقاضي والكليني والقمي. وفي الجواهر: «واختاره في الكفاية كما عنه في الذخيرة، بل هو ظاهر الاُستاذ في كشفه أيضاً من غير فرق بين ما كان منها في أرضه أو غيرها، وبين الظاهرة والباطنة.((2))

ويدلّ عليه ما رواه القمي في تفسيره عن أبيه عن فضالة بن أيّوب((3)) عن أبان بن عثمان((4)) عن إسحاق بن عمّار((5)) قال: سألت أبا عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) عن الأنفال؟ فقال: هي القرى الّتي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للهوللرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وما كان للملوك فهو للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، وما كان من الأرض الخربة (أرض الجزية) لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها والمعادن منها، ومن مات ليس له مولى فماله من الأنفال.((6))

وما عن العيّاشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وفيه قال: «منها

ص: 301


1- الأنفال، 1.
2- جواهر الكلام، ج 16، ص129.
3- ثقة ممّن أجمع اصحابنا... ومن السادسة.
4- من الخامسة راجع فيه جامع الرواة وغيره.
5- ثقة شيخ أصحابنا من الخامسة، راجع فيه أيضاً جامع الرواة.
6- تفسیر القمي، ج1، ص254؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب 1، ح20، ج6، ص371.

المعادن».((1)) وعن داود بن فرقد عن أبي عبد الله(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وفيه في عدّ ما هو من الأنفال قال: «والمعادن».((2))

واستشكل في دلالة موثّق إسحاق بن عمّار باحتمال كون «منها» فيه قيداً للمعادن الواقعة في كلّ أرض لا ربّ له فيختصّ الحكم بها، مضافاً إلى أنّ المحكيّ عن بعض النسخ كما قاله الشيخ (فيها) بدل (منها) وإن قال: ولا يخفى ضعف الاحتمالين.

أقول: لم يظهر لي ضعفهما سيّما الأوّل.

والقول الآخر في المسألة: كون الناس في المعادن شرعاً سواء، حكاه في الجواهر عن النافع والبيان قال: بل حكاه في الروضة عن جماعة للأصل والسيرة وإشعار إطلاق أخبار الخمس((3)) في المعادن، ضرورة أنّه لا معنى لوجوبه على الغير وهي ملك للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، ولأنّ ذلك يدل على أنّ الباقي للمالك يختصّ به بأصل الش-رع لا بتحليل الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، إلّا إنّ يقال: إنّ ذلك يجري في المعادن الواقعة في أرض الأنفال دون غيرها وكيف كان فهذا القول مبنيّ على ورود الإشكال على دلالة موثق إسحاق بن عمّار.

والقول الثالث: التفصيل بين أرضه أي الإمام وغيرها. وهو المحكيّ عن

ص: 302


1- تفسیر العیّاشی، ج2، ص48؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح28، ج6، ص372.
2- وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح32، ج6، ص372.
3- وسائل الشیعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، ب3، ج6، ص342 - 344.

الحلّي والعلّامة في المنتهى والتحرير والشهيد في الروضة وغيرهم((1)) وعلى هذا اختصاص المعادن بالإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)

يكون تبعاً لماله من الأرض، فما دلّ من الروايات عدا الموثّق محمول على ذلك. مضافاً إلى ضعف السند. وأمّا الموثق فدلالته على أزيد من كون المعادن الواقعة في أرضه مختصّة به محلّ الإشكال، أمّا إذا كان لفظه (فيها) فظاهر، وإذاكان «منها» فالظاهر أنّ الضمير عائد إلى الأرض سيّما مع قربها إليه. وعن الرياض بأنّه لو رجع إلى الأنفال دون الأرض يستلزم أن تكون الواو للاستيناف مع أنّ الأصل فيها العطف، خصوصاً وهو مغنٍ عن قوله «منها» إلّا أن يقال بأنّها للعطف أيضاً، لكن عطف الجمل دون المفرد، بل يمكن أن يقال: إنّ قوله «منها» خبر عن المعادن وما قبلها من الأرض الخربة والّتي لا ربّ لها، بل لعلّه الظاهر من متن الخبر بقرينة ما قبله وما بعده.

أقول: الإنصاف أنّ القول برجوع الضمير إلى الأنفال دون الأرض الّتي لا ربّ لها مشكل، فالقدر المتيقن ممّا يستفاد من لفظ الحديث هو المعادن من أرضه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، والمؤيّد لذلك أنّ الأخبار الكثيرة المرويّة في الاُصول المعتمدة الواردة في الخمس في المعادن خالية عن الإشارة إلى ذلك لو لم نقل بأنّها ظاهرة في كون الناس فيها شرعاً سواء.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّها ظاهرة في ذلك حتى بالنسبة إلى أرضه، ولعلّ الأقوى بالنظر: أن تكون أخبار خمس المعادن

ص: 303


1- كما في جواهر الکلام، ج16، ص129 - 130.

بياناً لحكم ما يحصله الشخص من المعدن سواء كان المعدن ملكاً لشخص خاصّ تبعاً لملكيّته لأرضه أو للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) كذلك. والحاصل على ذلك كلّه: أنّ المعدن إذا كان واقعاً في الأرض الّتي هي ملك للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) كأرض الموات أو الّتي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو كان في الأرض الّتي هي ملك لشخص خاصّ، فهو لمالكها الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أو الشخص الخاصّ. وكذا إذا كان في الأرض الموقوفة، إلّا أن يقال بعدم كونه تابعاً للوقف. وبعد ذلك كلّه قال في الجواهر: المسألة غير سالمة الإشكال، والاحتياط الّذي جعله الله ساحل بحر الهلكة فيها مطلوب.

تمّ الكلام إلى هنا في موضوع الأنفال

وأمّا الكلام في حكمها، فنقول: إنّ الظاهر من الأدلّة والسيرة أنّ ما كان منها من أراضي الموات فالتصرّف فيها وتملّكها بالإحياء حلال يملكها المحيي، كما أنّ حيازة ما فيها من المعادن والأشجار والأحجار أيضاً جائز.

وأمّا الأراضي الّتي لا يوجف عليها بخيل أو ركاب فيمكن الأخذ لجواز التصرّف فيها بأخبار التحليل في عصر الغيبة، بل وعصر الحضور السابق على هذا العصر حيث لم يكن الأئمّة(علیهم السلام) فيه مبسوطة الأيدي وفي مثل الصفايا إذا وقعت تحت يد الشيعة بالشراء من المخالفينأيضاً يمكن القول بالتحليل، لأنّه شامل لمطلق المتاجر، وكذا الغنائم المبتاعة منهم إذا لم يكن الغزو بإذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، ومثل ميراث من لا وارث له يجب دفعه إلى الفقيه الجامع للشرائط وهو يص-رفه فيما يراه أنّه أقرب إلى رضا مالكه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) وتحقّق مقاصده، وفي الروايات المخرّجة في

ص: 304

أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة،((1)) ما يدلّ على أنّ عليّاً(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) يقول: في الرجل يموت ويترك مالاً وليس له أحد أعط المال همشاريجه أو همشهريجه((2)) ويجمع بينها وبين الروایات الدالّة على أنّه للإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) على معنى يوافق الطائفتين وهو كون الطائفة الاُولى الحكاية عن فعل الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) أو إذنه الخاصّ، والله هو العالم. والحمد لله أوّلاً وآخراً وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين سيّما مولانا بقيّة الله في الأرضين عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه.

ص: 305


1- الکافي، ج7، ص169؛ وسائل الشیعة، ب4، ح1و2، ج17، ص551 - 552.
2- معرب (همشهرى) الفارسية.

ص: 306

فهرس المصادر

القرآن الکریم.

نهج البلاغه، الإمام عليّ بن أبي طالب(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، الش-ریف الرضي، التحقیق والشرح محمد عبده، بیروت، دار المعرفة، 1412ق.

1. الإحتجاج، الطبرسي، أحمد بن علي (م. 548ق.)، النجف الأشرف، دار النعمان، 1386ق.

2. إرشاد الأذهان إلی أحکام الإیمان، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1410ق.

3. الاستبصار، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1390ق.

4. إصباح الشیعة بمصابیح الش-ریعة، الکیدري، محمد بن حسین (م.قرن6.)، قم، مؤسّسة الإمام الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، 1416ق.

5. الاقتصاد الهادي إلی طریق الرشاد، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.) طهران، مکتبة جامع چهلستون، 1400ق.

6. الأموال، أبو عبیدة الهروي، قاسم بن سلام (م. 224 ق).

ص: 307

7. الإنتصار، السیّد المرتضی، علي بن الحسین ( م.436ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1415ق.

8. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار(علیهم السلام)، المجلسي، محمد باقر (م.1111ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1403ق.

9. البیان، الشهید الأوّل، محمد بن مکّي العاملي (م.786ق.)، قم، مجمع الذخائر الاسلامیة.

10. التبیان في تفسیر القرآن، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي.

11. تحریر الأحکام الشرعیة، العلامة الحلي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، 1421ق.

12. تذکرة الفقهاء، العلامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لاحیاء التراث، 1414ق.

13. تفسیر العیاشي، العیاشي، محمد بن مسعود (م.320ق.)، طهران، مکتبة العلمیة الاسلامیة.

14. التنقیح الرائع لمختص-ر الش-رائع، الفاضل المقداد، مقداد بن عبد الله السیوري (م.826ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1404ق.

15. تهذیب الأحکام، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1364ش.

ص: 308

16. تهذیب اللغة، الأزهري، محمد بن أحمد (م. 370 ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 2001م.

17. جامع الرواة، الأردبیلي، محمد بن عليّ (م.1101ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1403ق.

18. جامع المدارك في شرح المختص-ر النافع، الخوانساري، السیّد أحمد (م.1405ق.)، طهران، مکتبة الصدوق، 1355ق.

19. جامع المقاصد في شرح القواعد، الکرکي، عليّ بن الحسین (م.940ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لاحیاء التراث، 1408ق.

20. الجامع لأحکام القرآن (تفسیر القرطبي)، القرطبي، محمد بن أحمد (م.671ق.)، طهران، منشورات ناصر خسرو، 1364ش.

21. الجامع للشرائع، الحلي، یحیی بن سعید (م.689ق.)، قم، مؤسّسة سیّد الشهداء، 1405ق.

22. الجمل والعقود في العبادات، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.).

23. جمهرة اللغة، ابن درید، محمد بن الحسن (م. 321 ق.).

24. جواهر الکلام في شرح شرائع الاسلام، النجفي، محمد حسن (م.1266ق.)، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1366ش.

25. الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة، البحراني، یوسف بن احمد (م.1186ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي.

ص: 309

26. الخصال، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة الن-شر الاسلامي، 1403ق.

27. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م. 726ق.)، قم، مؤسّسة النشر الفقاهة، 1417ق.

28. الخلاف، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، قم، مؤسّسة النش-ر الاسلامي، 1414ق.

29. الدروس الشرعیة في فقه الإمامیة، الشهید الأوّل، محمد بن مکّي العاملي (م.786ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1412ق.

30. ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، السبزواري، محمد باقر بن محمد (م.1090ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.

31. الرسائل العشر، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، قم،1. مؤسّسة النشر الاسلامي.

32. الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة، الشهید الثاني، زین الدین بن علي العاملي (م.965ق.)، قم، منشورات الداوري، 1410ق.

33. ریاض المسائل، الطباطبائي، السیّد عليّ (م.1231ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1420ق.

34. السرائر، ابن إدریس الحلّي، محمد بن منصور (م.598ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1410ق.

ص: 310

35. شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي، جعفر بن الحسن (م.676ق.)، طهران، منشورات استقلال، 1409ق.

36. شرح تبص-رة المتعلمین، العراقي، ضیاء الدین (م.1361ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1414ق.

37. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، عزّ الدین (م. 656ق.)، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378 ق.

38. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربیة، الجوهري، اسماعیل بن حمّاد (م.393ق.)، بیروت، دار العلم للملایین، 1407ق.

39. العدة في اُصول الفقه، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، قم، مطبعة ستاره، 1417ق.

40. العروة الوثقی، الطباطبائي الیزدی، السیّد محمد کاظم (م.1337ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1423ق.

41. علل الشرائع، الصدوق، محمد بن علي (م. 381ق.)، النجف الأشرف، المکتبة الحیدریّة، 1385ق.

42. غنائم الأیام في مسائل الحلال والحرام، القمي، المیرزا أبو القاسم (م.1231ق.)، مشهد، مکتب الاعلام الاسلامي، 1417ق.

43. غنیة النزوع إلی علمي الاُصول والفروع، ابن زهرة الحلبي، حمزة بن عليّ (م.585ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، 1417ق.

ص: 311

44. الغیبة، الطوسي، محمد بن الحسن (م. 460ق.)، قم، مؤسّسة المعارف الاسلامیة، 1411ق.

45. فتح العزیز شرح الوجیز، الرافعي، عبد الکریم بن محمد (م.623ق.)، دار الفکر.

46. فهرست مؤلّفي کتب الشیعة (رجال النجاشي)، النجاشي، أحمد بن عليّ (م.450ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1416ق.

47. فوائد القواعد، الشیهد الثاني، زین الدین بن علي العاملي (م. 965 ق.)، قم، مکتب الأعلام الإسلامي، 1419ق.

48. القاموس المحیط، الفيروزآبادي، محمد بن یعقوب (م.817ق.).

49. قواعد الأحکام في معرفة الحلال والحرام، العلامة الحلي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1413ق.

50. الکافي في الفقه، أبو الصلاح الحلبي، تقي الدین بن نجم الدین (م.447ق.)، الإصفهان، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علي(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) العامّة، 1403ق.

51. الکافي، الکلیني، محمد بن یعقوب (م.329ق.)، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1363ش.

52. کامل الزیارات، ابن قولویه القمي، جعفر بن محمد (م.368ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1417ق.

53. کتاب الخمس، الأنصاري، مرتضی (م.1281ق.)، قم، المؤتمر العالمي

ص: 312

بمناسبة الذکری المئویة الثانیة لمیلاد الشیخ الأنصاري، 1415ق.

54. کتاب الخمس، الحائري، مرتضی (م. 1406 ق.)، قم، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، 1418ق.

55. کشف الغطاء عن مبهمات الش-ریعة الغراء، کاشف الغطاء، جعفر (م.1280ق.)، قم، مکتب الاعلام الاسلامي، 1422ق.

56. کفایة الأحکام (کفایة الفقه)، السبزواري، محمد باقر بن محمد (م.1090ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1423ق.

57. کمال الدین و تمام النعمة، الصدوق، محمد بن علي (م. 381ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1405 ق.

58. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، المتقي الهندي، عليّ (م.975ق.)، بیروت، مؤسسة الرسالة، 1409ق.

59. لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مکرم (م.711ق.)، قم، نش-ر أدب الحوزة، 1405ق.

60. اللمعة الدمشقیة، الشهید الأوّل، محمد بن مکّي العاملي (م.786ق.)، قم، دار الفکر، 1411ق.

61. المبسوط في فقه الإمامیة، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، المکتبة المرتضویة، 1388ق.

ص: 313

62. مجمع البحرین، الطریحي، فخر الدین (م.1085ق.)، طهران، المکتبة المرتضویة، 1375ش.

63. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، الأردبیلي، أحمد بن محمد (م.993ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1402ق.

64. المجموع شرح المهذب، النووي، محیي الدین بن شرف (م.676ق.)، دار الفکر.

65. المحاسن، البرقي، احمد بن محمد (م.274ق.)، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1370ش.

66. مختلف الشیعة في أحکام الش-ریعة، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1418ق.

67. مدارك الاحکام في شرح شرائع الاسلام، العاملي، السیّد محمد بن عليّ (م.1009ق.)، قم، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء التراث، 1410ق.

68. المراسم العلوية في الأحکام النبویّة، سلّار الدیلمي، حمزة بن عبد العزیز (م.448ق.)، قم، المعاونة الثقافية للمجمع العالمي لأهل البیت(علیهم السلام)، 1414ق.

69. مسالك الأفهام إلی تنقیح شرائع الاسلام، الشهید الثاني، زین الدین بن عليّ العاملي (م.965ق.)، قم، مؤسّسة المعارف الاسلامیة، 1413ق.

70. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، المحدث النوري، میرزا حسین (م.1320ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1408ق.

ص: 314

71. مستمسك العروة الوثقی، الحکیم، السیّد محسن (م.1390ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1404ق.

72. مستند الشیعة في أحکام الش-ریعة، النراقي، أحمد بن محمد مهدي (م.1245ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1419ق.

73. المستند في شرح العروة الوثقی، الخوئي، السیّد أبو القاسم (م.1413ق.)، قم، مؤسّسة إحیاء آثار الإمام الخوئي، 1426ق.

74. مسند احمد بن حنبل، الشیباني (م.241ق.)، بيروت، دار صادر.

75. مصباح الفقیه، الهمداني، الحاج آقا رضا (م.1322ق.)، طهران، مکتبة الصدر.

76.المصباح المنیر، الفيومي، أحمد بن محمد (م.770ق.)، قم، دار1. الهجرة، 1405ق.

77. المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلّي، جعفر بن حسن (م.676ق.)، قم، مؤسّسة سیّد الشهداء(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، 1364ش.

78. معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرواة، الخوئي، السیّد أبو القاسم (م.413ق.)، 1413ق.

79. معجم مقاییس اللغة، ابن فارس، أحمد بن فارس (م.395ق.)، قم، مکتب الاعلام الاسلامي، 1404ق.

ص: 315

80. المغني، ابن قدامة، عبد الله بن احمد (م.620ق.)، بیروت، دار الکتاب العربي.

81. مفاتیح الشرائع، الفيض الکاشاني، محسن بن مرتضی (م.1091ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي.

82. مفردات الفاظ القرآن، الراغب الإصفهاني، حسین بن محمد (م.502ق.)، نشر الکتاب، 1404ق.

83. المقنع، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الهادي(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، 1415ق.

84. المقنعة، مفيد، محمد بن محمد (م.413ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1410ق.

85. المکاسب، الأنصاري، مرتضی (م.1281ق.)، قم، مجمع الفکر الاسلامي، 1415ق.

86. ملاذ الأخیار في فهم تهذیب الأخبار، المجلس-ي، محمد باقر (م.1111ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1406ق.

87. من لا یحضره الفقیه، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسسة النشر الاسلامي، 1404ق.

88. منتخب الأثر فی الإمام الثاني عشر(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، الصافي الگلپایگاني، لطف الله.

ص: 316

89. منتقی الجمان في الأحادیث الصحاح و الحسان، العاملي، حسن بن زین الدین (م.1011ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1362ش.

90. منتهی المطلب في تحقیق المذهب، العلامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، طبعة حجریة.

91. منهاج الصالحین، الحکیم، السیّد محسن (م. 1390 ق.)، بیروت، دار التعارف، 1410ق.

92. المهذب البارع في شرح المختصر النافع، ابن فهد الحلي، احمد بن محمد (م.841ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1411ق.

93. المهذب، ابن البراج الطرابلسي، عبد العزیز (م.481ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1406ق.

94. المؤتلف من المختلف بین أئمّة السلف، الطبرسي، فضل بن الحسن (م.548ق.)، مشهد، مجمع البحوث الاسلامیة، 1410ق.

95. النهایة في غریب الحدیث والأثر، ابن الأثیر، مبارک بن محمد (م.606ق.)، قم، منشورات اسماعیلیان، 1364ش.

96. النهایة في مجرد الفقه والفتاوی، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، قم، منشورات قدس محمدي.

97. هدایة العباد، الصافي الگلپایگاني، لطف الله، قم، دار القرآن الکریم، 1416ق.

ص: 317

98. الهدایة، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الصادق(عَلَيْهَ السَّلاَمُ)، 1418ق.

99. الوافي، الفیض الکاشاني، محسن بن مرتضی (م. 1091ق.)، إصفهان، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علیه(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) العالمة، 1406ق.

100. وسائل الشیعة، الحرّ العاملي، محمد بن الحسن (م.1104ق.)، بیروت، دار احیاء التراث العربي، 1403ق.

101. الوسیلة إلی نیل الفضیلة، ابن حمزة الطوسي، محمد بن علی (م.560ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1408ق.

ص: 318

فهرس الکتاب

کلمة الناشر 5

المقدّمة 7

تعريف الخمس وحكمه إجمالاً. 7

المقام الأوّل: فيما يجب فيه الخمس وفيه سبعة فصول 9

الفصل الأوّل: ممّا يجب فيه الخمس، الغنائم 11

تعميم الغنائم الحربية لغير المنقول. 13

إخراج المؤونة قبل تخميس الغنيمة. 17

اعتبار الإذن فى أخذ الغنائم 20

المأخوذ بالإغارة والسرقة و... 24

أخذ مال النصّاب.. 25

اعتبار النصاب في الغنائم 26

الفصل الثاني: ممّا يجب فيه الخمس، المعادن 27

المعدن في الروايات.. 30

نصاب المعدن. 34

التخميس من تراب المعدن. 46

استخراج المعدن من الأرض المملوكة. 47

خمس المعدن بعد زيادة قيمته بالعمل عليه. 50

استيجار الغير لإخراج المعدن. 54

الفصل الثالث: ممّا يجب فيه الخمس، الكنز. 59

صدق الكنز على أعمّ من النقدين. 63

ص: 319

نصاب الكنز. 67

أقسام الكنز. 69

حكم الكنز في أرض مبتاعة. 75

حكم الكنز في أرض مستأجرة 78

ما وجد في جوف الدابَّة. 79

الفصل الرابع: ممّا يجب فيه الخمس، ما يخرج من البحر بالغوص.. 83

نصاب الغوص... 91

نصاب المختلف في النوع. 94

استخراج المعدن بالغوص... 95

إخراج المال الغريق. 96

خمس العنبر. 98

الفصل الخامس: ممّا يجب فيه الخمس، الحلال المختلط بالحرام 101

هل المراد الخمس المصطلح أو غيره 106

الاختلاط بالإشاعة وغيرها 110

المختلط بمعلوم القدر والمالك. 111

المعلوم مالكه في عدد محصور. 111

المعلوم مقداره دون مالكه. 113

المعلوم مالكه دون مقداره 115

تردّد الحرام بين الأقلّ والأكثر. 116

اشتغال الذّمة بالحرام 117

إذن الحاكم في إخراج الخمس.. 119

تبيّن المالك بعد إخراج الخمس.. 120

تبيّن الزيادة أو النقيصة بعد التخميس.. 121

خلط الحرام بالحلال عمداً 122

تعلّق خمس آخر بالحلال المختلط. 123

ص: 320

كون الحرام من الخمس أو الزكاة أو الوقف.. 127

إتلاف المختلط قبل التخميس.. 127

التصرّف في المال المختلط. 128

الفصل السادس: ممّا يجب فيه الخمس، الأرض الّتي اشتراها الذّمّي من المسلم 131

شمول الأرض للزراعية وغيرها 138

عدم اختصاص الحكم بالشراء. 139

التخيير بين أخذ عين الخمس وغيرها 139

مصرف هذا الخمس.. 140

شراء الأرض المفتوحة عنوة 140

لا يسقط الخمس بانتقال الأرض... 140

لا يسقط الخمس باشتراط عدم أدائه. 141

خمس شراء الأرض ثانياً 141

لا يسقط الخمس بإسلام الذّمّي. 142

الفصل السابع :ممّا يجب فيه الخمس، ما يفضل عن مَؤونة سنته وعياله من أرباح التجارات ونحوها 145

إثبات خمس الأرباح. 149

إزالة وهم 150

متعلّق خمس الأرباح. 153

تعلّق الخمس بالمال الموصى به. 164

تعلّق الخمس بمال الإجارة و اُجرة الحجّ. 165

تخميس مال الإجارة لأكثر من سنة. 167

خمس الميراث غير المخمّس.. 169

تعلّق الخمس بالخمس أو الزكاة أو الصدقة. 170

شراء شيء لم يؤدّ البائع خمسه. 173

الزيادة العينية والسوقية. 174

الزيادة السوقية ثم نقصانها 175

ص: 321

خمس من له أنواع من الاكتساب.. 177

اشتراط استقرار المنفعة في وجوب الخمس.. 181

عدم سقوط الخمس بإقالة البيع. 182

خمس رأس المال. 183

المراد من مبدأ السنة. 184

المراد من المؤونة. 187

عدم الفرق بين أقسام المؤونة. 191

إخراج المؤونة من الربح وعنده مال لا خمس فيه. 194

إندار معادل المؤونة من الربح. 197

أداء القرض من الربح المتأخّر. 198

موت المكتسب في أثناء الحول. 199

مؤونة الحجّ. 199

أداء الدين من المؤونة. 201

عدم اعتبار الحول في الخمس.. 203

تلف المال لا يجبر بالربح. 204

جبران الخسارة بربح تجارة اُخرى.. 205

التصرّف في الربح. 209

التصرّف في المال قبل أداء خمسه. 210

إخراج الخمس في أثناء السنة. 211

حكم الشراء قبل أداء الخمس.. 212

مصارف الحجّ. 213

جعل الغوص أو المعدن مكسباً 214

كسب المرأة في بيت زوجها 215

اشتراط الكمال في تعلّق الخمس.. 215

أخبار التحليل. 220

ص: 322

المقام الثاني: قسمة الخمس ومستحقّه 235

المراد من الملكيّة لله وللرسول وللإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). 237

ثانيهما: الملكيّة الاعتباريّة البنائيّة. 239

المراد بذي القربى. 242

مستحقّ الخمس هو الهاشميّ بالاُبوّة 244

بسط الخمس على الأصناف والأفراد 248

تصديق مدّعي النسب.. 250

دفع الخمس إلى من تجب عليه نفقته. 252

دفع الخمس إلى الفقير أزيد من مؤونة السنة. 254

حكم سهم الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في زمان الغيبة. 257

المتصدّي لصرف سهم الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ) في زمان الغيبة. 263

نقل الخمس إلى بلد آخر. 269

اعتبار الفقر في ابن السبيل. 275

اعتبار الفقر في اليتيم 276

اعتبار الإيمان في المستحقّ. 277

احتساب الدَين خمساً 278

تلف الخمس.. 282

حيلة أخذ الخمس وردّه على المالك. 282

نقل الخمس إلى بلد المجتهد 283

خاتمة

ف--ي الأنف-ال. 285

الأرض الّتي تملك من غير قتال. 287

موات الأراضي. 291

سيف البحار. 293

صفايا الملوك. 294

رؤوس الجبال و... 295

ص: 323

ما يغنم بغير إذن الإمام(عَلَيْهَ السَّلاَمُ). 296

ميراث من لا وارث له. 300

المعادن. 301

تمّ الكلام إلى هنا في موضوع الأنفال. 304

فهرس المصادر. 307

فهرس الکتاب. 319

آثار سماحة آية الله العظمى الصافي الگلپایگاني (مدظله الوارف) 325

ص: 324

آثار سماحة آية الله العظمى الصافي الگلپایگاني (مدظله الوارف)

الصورة

ص: 325

الصورة

ص: 326

الصورة

ص: 327

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.