فی تفسیر آیه التطهیر و تفسیر آیه الانذار و احادیث یوم الدار، او بدء الدعوه

اشارة

سرشناسه:صافی گلپایگانی، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور:فی تفسیر آیه التطهیر و تفسیر آیه الانذار و احادیث یوم الدار، او بدء الدعوه/ الصافی الگلپایگانی.

مشخصات نشر:قم: مکتب تنظیم و نشر آثار آیت الله صافی گلپایگانی دام ظله، 1438 ق.= 1396.

مشخصات ظاهری:87 ص.؛ 5/14×5/21 س م.

شابک:35000 ریال 978-600-7854-48-8 :

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

يادداشت:چاپ قبلی: مکتب تنظیم و نشر آثار آیت الله صافی گلپایگانی دام ظله، 1434 ق. = 1392 (76 ص.).

یادداشت:کتابنامه: ص. 71 - 78؛ همچنین به صورت زیرنویس.

یادداشت:نمایه.

موضوع:تفاسیر (سوره احزاب. آیه تطهیر)

موضوع:تفاسیر (سوره شعرا. آیه انذار)

موضوع:احادیث خاص ( یوم الدار)

موضوع:*Hadiths, Special (Yomaldar)

شناسه افزوده:دفتر تنظیم و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی

رده بندی کنگره:BP102/654/ص25ف9 1396

رده بندی دیویی:297/18

شماره کتابشناسی ملی:4644254

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

في تفسیرآیة التطهیر وتفسیر آیة الإنذار وأحادیث یوم الدار، أو بدء الدعوة

الفقیه ­الکبیر المرجع الدیني الأعلی سماحة آیة­ الله العظمی ­ الشیخ لطف ­الله الصافي الگلپایگاني (مدّ

ظلّه ­الشریف)

ص: 4

في تفسيرآية التطهير

اشارة

ص: 5

ص: 6

المقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

لا يخفى أنّ من أشهر الآيات الّتي تثبت بها طهارة أهل البيت من رجس المعصية والخطأ آية التطهير الّتي دلّت الروايات المتواترة المخرّجة في كتب الحديث والتفسير على أنّ المراد منهم هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء سيّدة نساء أهل الجنّة والإمامان السبطان الحسن والحسين(علیهما السلام)، ثمّ من بعدهم من قام مقامهم إلى خاتم الأئمّة الإثني عشر مولانا المهديّ المنتظر ابن الحسن العسكري بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(علیهم السلام).((1))

وقد حاول بعض المعاندين للعترة الطاهرة لمّا رأى عدم إمكان إنكار نزولها فيه لمكان هذه الروايات المتواترة عند الفريقين، نفی دلالتها على

ص: 7


1- ابن بابویه القمّي، الإمامة والتبصرة، ص47؛ الکلیني، الکافي، ج1، ص287 288، 423؛ النعماني، الغیبة، ص77؛ الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص65 66.

عصمتهم الّتي دلّت عليها غيرها من الأدلّة العقلية والشرعية أيضاً، فأنكر دلالة الآية على عصمتهم الاختياريّة إذا كانت الإرادة فيه التكوينيّة، وأمّا التشريعية فزعم أنّها تعمّ جميع المكلّفين ولا تدلّ على عصمتهم هذا.((1)) وقد ألّف المحقّقون من العلماء حول مفاد الآية وأنّ الإرادة فيها هي التكوينية، وسائرِ الأدلّة الّتي اُقيمت على عصمتهم كتباً مفردةً وأثبتوا دلالة الآية على فضيلتهم وعصمتهم، وعدم منافاة كون عصمتهم بالإرادة التكوينية وكونها من أعظم فضائلهم بما لا مزيد عليه.

ومع ذلك فهذه رسالة تثبت فيها دلالة الآية على عصمتهم وإن تنزّلنا عن كون الإرادة تكوينيةً وقلنا بأنّ المراد منها الإرادة التشريعية لم يسبق فيما نعلم مؤلّفها بهذا البيان غيرُه فطالعه واغتنمه.

ص: 8


1- الآلوسي، روح المعاني، ج11، ص197 199.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّد رسله أبي القاسم محمد وآله المطهّرين المعصومين.

من الآيات الّتي استدلّ بها على عصمة سيّدة نساء العالمين وسادتنا الأئمّة الهداة الميامين عليهم أفضل صلاة المصلِّين وطهارتهم عن كلّ رجس، آية التطهير.

قال الله تعالی:

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.((1))

وجه الاستدلال بها مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الّتي أخرجها أعلام المحدِّثين وأكابر المفسّرين من العامّة والخاصّة في كتب الحديث والجوامع والمسانيد،((2)) وكتب

ص: 9


1- الأحزاب، 33.
2- ابن بابویه القمّي، الإمامة والتبصرة، ص47؛ الکلیني، الکافي، ج1، ص287 288، 423؛ النعماني، الغیبة، ص77؛ الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص65 66؛ الحاکمالنیسابوري، المستدرك، ج2، ص 416؛ ج3، ص 146؛ البیهقي، السنن الکبری، ج2، ص 150.

التفسير،((1)) عن النبيّ(صلی الله علیه و آله) وأهل بيته وأصحابه أنّ لفظة «إنّما» محقّقة لِما ثبت بعدها، نافية لِما لم يثبت.

والإرادة الّتي جاءت في الآية الكريمة هي الإرادة الحتمية والحقيقية الّتي يتبعها التطهير، دون ما يسمّونه بالإرادة التشريعية الّتي يتبعها الأمر أو النهي. وذلك لأنّه تعالى أراد التطهير عن الأرجاس عن جميع المكلّفين بالإرادة التشريعية، أيإنشاء البعث أو الزجر، وأمرهم بكلّ ما ينبغي أن يفعلوه، ونهاهم عن كلّ ما ينبغي أن يتركوه، والآية الكريمة تدلّ على اختصاص الإرادة المذكورة فيها بأهل البيت(علیهم السلام) دون غيرهم، وهي الإرادة الحتمية الحقيقية الّتي يتبعها التطهير لا محالة.

وأيضاً لا ريب في أنّ هذا التعبير الصريح في اختصاصهم بهذه الإرادة، صريحٌ في المدح والتعظيم لأهل البيت(علیهم السلام)، وإذا كانت الإرادة غير حتمية فلا مدح لهم بها، ويختلّ نظام الكلام المنزّه عنه كلام العقلاء فضلا عن الله تعالى.

وعليه فلا مناص من القول بأنّ المراد منها هي الإرادة المستتبعة للتطهير وإذهاب الرجس؛ وبذلك تختصّ الآية بأهل البيت(علیهم السلام)؛ لأنّه لم

ص: 10


1- فرات الکوفي، تفسیر، ص331 341؛ القمّي، تفسیر، ج2، ص193؛ الطبري، جامع البیان، ج22، ص 9 12؛ الحاکم الحسکاني، شواهد التنزیل، ج2، ص26 140؛ السیوطي، الدرّ المنثور، ج5، ص198 199.

يدّعِ ولم يقل أحدٌ بعصمة غيرهم، فيندفع توهّم شمول الآية لغير أهل البيت(علیهم السلام) ممّن ثبت عدم عصمتهم كأزواج النبيّ(صلی الله علیه و آله).

وممّا يدلّ على أنّ الإرادة هي الإرادة الحقيقية، أنّ متعلّق الإرادة في الآية إذهاب الرجس عنهم الّذي هو فعل الله تعالى، والإرادة الّتي تتعلّق بفعله تعالى حتمية لا تتخلّف عن المراد، ففرق بين ما يكون المراد فعله تعالى وبين ما يكون فعل غيره المختار.

فإذا كان متعلّق الإرادة فعلَ الغير المختار، يصحّ أن تكون هي التشريعية، كما يجوز أن تكون التكوينية، وإن شئت قلت: الحقيقية، وإن كان الظاهر من موارد الاستعمالات بلا قرينة صارفة هو الاُولى، وإطلاق الإرادة التشريعية على إنشاء ما يصلح لأن يكون باعثاً أو زاجراً مجرّد الاصطلاح.

وإذا كان متعلّق الإرادة فعلَ الله تعالى أو صدور الفعل عن غيره المختار بدون اختياره، كانت الإرادة حتميةً لا تتخلّف عن المراد، وإلّا لزم إسناد العجز إلى البارئ سبحانه وتعالى شأنه، المنزّه عن كلّ عجز ونقص، والمتعالي عن ذلك علوّاً كبيراً.

ولا يخفى عليك أنّ في الآية ضروباً من التأكيد في المدح والتعظيم لأهل البيت(علیهم السلام)، كما يدلّ قوله: ﴿تَطْهِيراً ﴾ أيضاً على عِظَم شأن هذا

ص: 11

التطهير.

إن قلت: على هذا إذا كان إذهاب الرجس عنهم بفعل الله تعالى وإرادته الحقيقية لا التشريعية، كيف يوجّه مدحهم وتفضيلهم على غيرهم لأمر لم يكن من فعلهم، ولا باختيارهم؟

قلت: إنّ عنايات الله الخاصّة بل والعامّة لا تشمل إلّا مَن له قابلية قبولها، وهو عزّ وجلّ أعلم بمحالِّها ومواردها.

قال الله تعالى:

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾؛((1))

وقال جلّ شأنه:

﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾؛((2))

وقال سبحانه وتعالى:

﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ﴾؛((3))

وهذا كالتوفيق والخذلان فلا يفوز بالتوفيق من الله الّذي هو وليّ

ص: 12


1- الحجر، 21.
2- الأنعام، 124.
3- الزخرف، 32.

التوفيق إلّا مَن كانت له أهلية ذلك وكسبها بالاختيار، كما لا يصيب الخذلان إلّا مَن جعل نفسه في معرضه بالاختيار.

قال الله تعالى:

﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُونَ﴾.((1))فهذه اُمور مرتبطة بالشؤون الربوبية، واستصلاح حال العباد وما تقتضيه الحكمة الإلهية، وهو العالم بها وبمواردها، وهو الحكيم العليم الفيّاض الوهّاب الجواد الّذي لا يبخل، ولا تنفد خزائنه، ولا يمنع فيضه ممّن له أهلية ذلك.

ألا ترى اختلاف الناس في الاستعدادات والقوى النفسانية والجسمانية؟ فالله تعالى أعطى من أعطاه من قوّة الدرك والشعور بحكمته؛ ولأنّه أهل لقبول عطيّته وأخذ موهبته، ولم يَحرم مَن لم يُعطِهِ ذلك ولم يبخس حقّه، بل أعطاه بقدر استعداده وقدرته، وهو العالِم بذلك كلّه وهو الحكيم العليم، ونعم ما قاله الشاعر (بالفارسية):

آنکه هفت اِقليم عالم را نهاد***هركسى را آنچه لايق بود داد

گربه مسكين اگر پر داشتى***تخم گنجشك از زمين برداشتى

ص: 13


1- الروم، 10.

گر بريزى آب را در كوزهاى***چند گنجد؟ قسمت يكروزهاى

آب كم جو، تشنگى آور به دست***تا بجوشد آبت از بالا و پست

ثم إنّ بعض أهل الأهواء من المغترّين بالثقافة الغربية، ومن حذا حذوهم ممّن نعتوا أنفسهم بالثقافة والتنوّر الفكري وما هم بذلك زعم أنّ الإرادة لو كانت تشريعية، ليكون أهل العصمة وغيرهم سواءً لكان اجتنابهم عن المعاصي والقبائح باختيارهم لكانت أدلَّ على فضيلتهم وكمال نفوسهم من اجتنابهم عن المعصية بصفة أنّهم معصومون، وأنّ الله أراد عصمتهم عن المعاصي.

وبهذا البيان التافه أراد نفي العصمة، ونفي دلالة آية التطهير على عصمتهم، وإنكارها من الأصل.

والجواب عن هذا الزعم الفاسد: أنّه لا ملازمة بين العصمة وعدم الاختيار، ولا منافاة بينها وبين الاختيار، فإنّ الإرادة الحتمية والتكوينية تارةً تتعلّق بفعله، وما يصدر عنه بلا واسطة أمر بينه وبين المراد، وبعبارة اُخرى: تتعلّق بوقوع أمر بدون واسطة أمر آخر، سواء كان في خارج عالم الاختيار والأسبابوالمسبّبات أو في عالم الاختيار والأسباب، فلا تتخلّف الإرادة عن المراد، حتى إذا كانت متعلّقة بأمر اختياري لولا هذه الإرادة، وبما له أسباب كثيرة؛ لأنّه بعد ما أراد وقوعه

ص: 14

مطلقاً بدون واسطة الأسباب واختيار فاعل مختار يقع لا محالة كما أراد.

وتارةً اُخرى تتعلّق بما يصدر عن العبد بالاختيار، أو بوقوع ما يكون له أسباب متعدّدة كذلك، أعني باختياره وبواسطة الأسباب، ففي مثله فإنّ حصول المراد وتحقّقه وعدم تخلّف الإرادة عن المراد إنّما يكون بصدوره عن العبد بالاختيار، وبكونه مسبّباً لهذه الأسباب، ففي هذه الصورة لا تنافي بين إرادته المتعلّقة بما يقع في عالم الاختيار والأسباب والمسبّبات، وتوسّط الوسائط والأسباب، بل لو وقع بغير اختيار العبد أو بتأثير الأسباب لكان من تخلّف المراد عن إرادته.

وبناءً على هذا نقول: إنّ قضيّة إذهاب الرجس عنهم، وتعلّق إرادته تعالى به الّتي لا تتخلّف عن مراده هي عصمتهم، وعدم صدور القبائح منهم، وطهارتهم عن الأرجاس حال كونهم مختارين في الفعل والترك، غير مقهورين، محفوفين بشواغل عالم الطبيعة، ممّا يدعو النفوس إلى الانصراف عن الملأ الأعلى، والاشتغال بذكر الله تعالى.

تحقيق دقيق

ولنا تحقيق دقيق في سدّ ثغور دلالة هذه الآية على عصمة الأئمّة، ألهمنا الله تعالى ببركة ما حقّقه الرجل الإلهيّ الفريد في عصره، الإمام في العلوم الإسلامية، سيّدنا الاُستاذ البروجردي أعلى الله في الفردوس

ص: 15

مقامه في مباحثه في اُصول الفقه، في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، ورفع التنافي المتوهّم بينهما؛ تذكرةً ومماشاةً لمن يصرّ على كون الإرادة في الآية تشريعية.

فنقول مستمدّين العون من الله تعالى:

اعلم أنّ الإرادة التشريعية هي عبارة عن العلم بالشيء بأنّهينبغي أن يُفعل، أو لا يفعل، وإنشاء الأمر والنهي، والطلب والزجر لكونهما صالحين أن يكونا داعيين للعبد إذا فعل ما اُمر به أوْ زاجراً له إن فعل ما نهي عنه.

وبعبارة اُخرى: هي إنشاء ما يصلح لأن يكون داعياً له إلى الفعل المأمور به، وزاجراً عن الفعل المنهيّ عنه؛ كي ينبعث نحو الفعل من ينبعث بأمره، وينتهي عن المنهيّ عنه من ينتهي عن نهيه، ويُتمّ الحجّة على غيره ممّن يستخفّ بأمره، ولا يعتني به.

وهذا قد يجتمع مع الطلب الحقيقي وإرادة الفعل من العبد جدّاً، وهي روح الحكم كما يمكن أن يفارقه، فإذا علم المولى من حال عبده أنّه ينبعث بأمره، وينزجر بنهيه، وأنّ أمره يدعوه إلى إطاعته وامتثاله، يريد منه بالإرادة الجدّية والطلب الحقيقي فعل ما أمره به، وترك ما نهاه عنه، فأمره ونهيه بالنسبة إلى هذا العبد يكون حقيقياً جدّياً.

ص: 16

وإذا علم من حاله أنّه لا يؤثّر فيه أمر المولى، ولا يحرّكه بشيء، ولا يصير داعياً له نحو الإطاعة والامتثال فلا يعقل أن يكون أمره ونهيه بالنسبة إلى هذا العبد حقيقياً، ولا يقترن مثل هذا الأمر والنهي بالإرادة الجدّية من الآمر والناهي.

فإنشاء الأمر والطلب في الصورة الاُولى كما يكون بالإرادة الحقيقية يكون حقيقياً مجامعاً مع الإرادة الجدّية، وفي الصورة الثانية يكون صورياً، ولإتمام الحجّة وقطع العذر.

وبالجملة: فلا يعقل إرادة الانبعاث الجديّة والطلب الحقيقي ممّن يعلم أنّه لاينبعث بأمر المولى، فلا يعقل أن يقول: «قم» أو «لا تزْنِ» أو «لا تشرب الخمر» وطلب القيام وترك الزنی وترك الخمر بالإرادة الجدّية ممّن يعلم أنّه لا ينبعث بهذا الأمر ولا يأتمر به، ولا ينزجر عن الزنی وشرب الخمر، ولا ينتهي بنهيه عنهما حتى لو كان المولى من الموالي العرفيّين، ولم يعلم ذلك من العبد، واحتمل في حقّه تأثير أمره فيه وانبعاثه به، وتحريكه نحو الفعل، لا تتأتّى منه الإرادة الجدّية بمجرّد ذلك الاحتمال، بل إنّما يأمر وينهى برجاء انبعاث عبده أو انتهائه.

والحاصل: أنّه لا يعقل تعلّق الإرادة الجدّية والطلب الحقيقي بصدور فعل عمّن يعلم المريد أنّه لا يفعله، والأمر أو النهي في هذه

ص: 17

الصورة لا يكون إلّا صوريّاً. أي إنشاء الأمر لا لغاية الانبعاث، بل لإتمام الحجّة.

وما ذكرناه يستفاد من كثير من الآيات القرآنية الكريمة، كقوله تعالى:

﴿لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾؛((1))

وقوله تعالى:

﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾؛((2))

وقوله تعالى جدّه:

﴿رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾؛((3))

وقوله سبحانه:

﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾؛((4))

فإرادة قبول الإنذار من المنذر، والإنذار بقصد أن يُنذَر المنذَر لا

ص: 18


1- يس، 70.
2- يس، 11.
3- النساء، 165.
4- الأنفال، 42.

يكون حقيقياً إلّا إذا كان المنذَر ممّن اتّبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب، ويؤثّر فيه الإنذار.

أمّا من لم يؤثّر فيه ذلك، ولا يُنذَر بالإنذار فإنذاره ليس إلّاصوريّاً ولرفع عذره؛ ولئلّا يكون له على الله حجّة.

هذا، وإن شئت قلت: إنّ الإرادة التشريعية على ضربين:

ضرب منها ما يعلم المريد من حال المراد منه أنّه ينبعث نحو المأمور به بأمره، ويحرّكه ويصير داعياً له، فيطلب منه ذلك بالطلب الحقيقيّ والإرادة الجديّة.

وضرب منها ما يعلم المريد من حال المراد منه أنّه لا يتأثّر بأمره، فيحكم بأمره أو نهيه بما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل وينشئ ما يصلح أن يكون داعياً له، ولكن لا طلب له حقيقياً في هذه الصورة، ولا يريد انبعاث المأمور بهذا الأمر بالإرادة الجدّية، بل لا يصحّ إطلاق الطلب والإرادة على ذلك بنحو الحقيقة إلّا مجازاً وبالتمحّل، بخلاف الأوّل فإنّ إطلاق الطلب والإرادة وأنّه مريد وطالب يكون على نحو الحقيقة.

وعلى هذا نقول: إنّ الإرادة المذكورة في الآية وإن كانت تشريعية إلّا أنّها جدّية حقيقية من النوع الأوّل الّذي أراد الآمر والناهي بالإرادة الجدّية والطلب الحقيقي انبعاث المأمور، وأمره ونهيه يصدر عنه بداعي

ص: 19

انبعاثه، وصراحة الآية في ذلك أنّ الإرادة المذكورة في الآية وفي كلّ مورد لم تكن قرينة على المجاز صريحة في الإرادة الجدّية الحقيقية.

وإن أبى المعاند عن كلّ ذلك أيضاً وقال: إنّ الإرادة التشريعية عامّة تشمل جميع المكلّفين المطيعين والعاصين على السواء.

قلنا: لا تنازع في الألفاظ والأسماء والاصطلاحات، وقد قيل من قديم: لا مَشاحَّة في الاصطلاح، فعرِّفِ الإرادة التشريعية بما شئت، وقل: إنّ الإرادة التشريعية هي جعل ما يصلح لأن يكون داعياً للعبد أو زاجراً له، وإنشاء ما له قابلية الداعوية وبعث العبد نحو الفعل أو الترك.

إلّا أنّك تعلم أنّ هذا مجرّد اصطلاح، ولا يحصر مفهوم الإرادة في ذلك، ولا يخرج عن مفهومها الحقيقي ولا ينفي ما هو واقع الأمر، وهو أنّ المولى إذا علم من حال عبده أنّه ينبعث بأمرهويتحرّك بتشريعاته يطلب منه ما أمره به بالطلب الحقيقي وبالإرادة الجدّية، وإذا علم من حاله أنّه لا ينبعث بذلك ولا يؤثّر أمره ونهيه في تحريكه أو امتناعه لا يطلب منه بتشريعاته ما شرّعه بالطلب الحقيقي والإرادة الحقيقية، ولا يدعوه نحو فعل ما أمره به بداعي أن يفعله، بل يدعوه بداعي أن يُتمَّ عليه الحجّة، وهذا ما نسمّيه بالأمر الصوري، ومن راجع وجدانه يعرف منه ذلك.

ص: 20

فيصحّ أن نقول: إنّ إطلاق الإرادة على التشريعية إطلاق مجازي، بخلاف إطلاقه على الإرادة الجدّية فإنّه إطلاق حقيقي.

وبالجملة: فهل يمكنك إنكار الإرادة الجدّية بالمعنى الّذي تلوناه عليك؟

وهل يمكنك أن تقول: إنّها تتعلّق بما لا تؤثّر الإرادة التشريعية في الانبعاث نحوه؟

وهل يمكنك إنكار تعلّقها حقيقةً بالانبعاث، وبوقوع الفعل عن العبد إذا كان الأمر والطلب والإرادة التشريعية مؤثّراً في بعث العبد أو زجره؟

وهل يمكنك أن تقول بعد ذلك بظهور الإرادة المذكورة في الآية في الإرادة التشريعية دون الإرادة الجدّية، مع عدم وجود قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، ووجود الشواهد في الكلام على أنّ المراد بالإرادة هي الجدّية؟

وإن شئت فقل: إنّ الإرادة على قسمين: جدّية، وتشريعية.

فالتشريعية عبارة عن طلب التكاليف من جميع المكلّفين على السواء بإنشاء ما يصلح أن يكون داعياً لهم، والحكم بما ينبغي أو يجب أن يفعل، أو لا يفعل.

ص: 21

والجدّية على ضربين: تكوينية، وغير تكوينية.

فالتكوينية ما يتعلّق بكون شيء بدون واسطة فعل فاعل مختار.

وغير التكوينية ما يتعلّق بفعل فاعل مختار إذا علم من حاله تحريكه وانبعاثه بالطلب منه.وبعد كلّ ذلك نقول: إنّ الله تعالى وإن قطع بالإرادة التشريعية عذر عباده، وأنشأ بأوامره ونواهيه ما يصلح أن يكون داعياً للجميع نحو الفعل المأمور به، أو زاجراً لهم عن الفعل المنهيّ عنه، وجعل الكلّ في ذلك سواء، إلّا أنّ إرادته الحقيقية وطلبه الحقيقي تتعلّق بفعل مَن ينبعث عن أمره وينزجر عن نهيه، وأنّ المستفاد من الآية الشريفة أنّه لعلمه بحال هذه الذوات المقدّسة، وأنّهم ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعمَلُونَ﴾،((1)) «وَمَا يَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ»،((2)) أراد بالإرادة الجديّة (لا التكوينية) انبعاثهم نحو جميع الطاعات، وانزجارهم عن جميع المنهيّات، فأمرهم بما أمرهم، ونهاهم عمّا نهاهم، لا لأن يكون هذا الأمر والنهي لقطع العذر وإتمام الحجّة عليهم، بل لانبعاثهم نحو ما اُمروا به، وانزجارهم عمّا نُهُوا عنه؛ وليكون باعثاً وداعياً لهم للامتثال، وتطهيراً لهم عن جميع

ص: 22


1- الأنبیاء، 26 27.
2- الإشارة إلی الآیة 29 من سورة التکویر: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله﴾.

الأرجاس، وقد أخبرَنا بذلك في هذه الآية الكريمة إعلاماً بجلالة قدرهم، وعلوّ شأنهم، وسموّ مقامهم، وكمال نفوسهم.

وعلى هذا دلّت الآية الشريفة على أنّ فيهم ملكة قبول كلّ ما أمر الله تعالى به ونهى عنه، والاهتداء بهدايته، ومن كان حاله هذا، يريد الله تعالى إذهاب الرجس عنه، ويوفّر له أسباب التوفيق، ويخصّه بعناياته الخاصّة، ويجعله تحت رعايته الكاملة، يلهمه كلّ خير، ويميّز له كلّ شرّ، لا يَدعُه في حال من الحالات، ولا في شأن من الشؤون، يختاره ويصطفيه من بين عباده، وهو القادر على ما يريد، وبكلّ شيء عليم، ﴿لَا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾.((1))

لا يقال: إنّ ما ذكرتَ هو حاصل لغير هؤلاء الذوات الكريمة أيضاًمن الّذين يخشون الرحمن بالغيب، ويتّبعون الذكر، ويقبلون المواعظ بحسب مراتبهم ودرجاتهم.

فإنّه يقال: نعم، ونحن نعرف كثيراً من الناس على بعض مراتب تلك الصفة السامية والملكة العالية القدسية، مطيعين لله خائفين منه، أهل الخضوع والخشوع وقيام الليل، معروفين بالعدالة والزهد، ولكن لا نعرف على صفة العصمة المطلقة التامّة غير من شهد الله تعالى له بذلك؛

ص: 23


1- 1. الأنبياء، 23.

لأنّ صاحب ملكة العصمة المطلقة لا يُعرَف إلّا من طريق الوحي، والارتباط بعالم القدس والملكوت الأعلى.

وقد عرّفَنا الله تعالى في هذه الآية أهل البيت(علیهم السلام)، وأخبرنا بطهارتهم عن الأرجاس كلِّها، وعصمتهم صلوات الله عليهم أجمعين ورزقنا الله اتّباعهم والاقتداء بهم، وأماتنا بحبّهم وولايتهم، ولا يفرّق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً في الدنيا والآخرة، إنّه الكريم المتفضّل الوهّاب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

حرّره تراب أقدام محبّي أهل البيت(علیهم السلام)

لطف الله الصافي الگلپايگاني

16 صفر الخير 1403ه

ص: 24

مصادر التحقیق

1. القرآن الکریم.

2. الإمامة والتبصرة من الحیرة، ابن بابویه القمي، عليّ بن الحسین (م. 329ق.)، قم، مدرسة الإمام المهدي(علیه السلام)، 1404ق.

3. تفسیر فرات الکوفي، فرات الکوفي، فرات بن إبراهیم (م. 307ق.)، طهران، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1410ق.

4. تفسیر القمّی، القمّي، عليّ بن إبراهیم (م. 307ق.)، قم، دار الکتاب، 1404ق.

5. جامع البیان عن تأویل آي القرآن، الطبري، محمد بن جریر (م. 310ق.)، بیروت، دار الفکر، 1415ق.

6. الدرّ المنثور في التفسیر بالمأثور، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1404ق.

7. روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم، الآلوسي، السیّد محمود (م. 1270ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1415ق.

8. السنن الکبری، البیهقي، أحمد بن الحسین (م. 458ق.)، بیروت،

ص: 25

دار الفکر، 1416ق.

9. شواهد التنزیل، الحاکم الحسکاني، عبید الله بن عبد الله (م. 506ق.)، طهران، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1411ق.

10. الغیبة، النعماني، محمد بن إبراهیم (م. 360ق.)، قم، منشورات أنوار الهدی، 1422ق.

11.الکافي، الکلیني، محمد بن یعقوب (م. 329ق.)،1. طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1363ش.

12. کفایة الأثر في النصّ علی الأئمّة الإثني عشر(علیهم السلام)، الخزّاز القمّي، عليّ بن محمد (م. 400ق.)، قم، منشورات بیدار، 1401ق.

13. المستدرك علی الصحیحین، الحاکم النیسابوري، محمد بن عبد الله (م. 405ق.)، بیروت، دار المعرفة.

ص: 26

تفسیر آیة الإنذار وأحادیث یوم الدار، أو بدء الدعوة

اشارة

ص: 27

ص: 28

المقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الآيات النازلة في أهل البيت سيّما في فضائل أمير المؤمنين الإمام أبي الحسن عليّ(علیه السلام) كثيرةٌ جدّاً، ذكرها الفريقان في كتبهم في أسباب النزول والتفسير، وأفرد بعض الأعلام والحفّاظ من أهل السنّة كالحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل كتباً في ذلك. ورغم جدّ أعدائهم في المنع عن رواية الأحاديث حول تفسير هذه الآيات أو تأويلها لم تخلص كتب الجوامع والمسانيد الّتي صُنّفت تحت إشراف هذه السياسات ورقابتها عنها.

ومن هذه الآيات، آية الإنذار الّتي تقرأ بعض ما يتعلّق بها في هذه الرسالة المسمّاة حديث يوم الدار وتعرف أنّ إنكار ما ورد في شأن نزولها، ممّا يدلّ على خلافة عليّ(علیه السلام) شنشنة أخزميّة وخصلة اُمويّة حرّكها بغض الإمام(علیه السلام) الّذي هو من أظهر آيات النفاق، قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ».((1))

ص: 29


1- الترمذي، سنن، ج5، ص306؛ الطبراني، المعجم الأوسط، ج2، ص337؛ ج5، ص88؛ المغربي، شرح الأخبار، ج1، ص152، 436؛ ج2، ص 351؛ الصدوق، [ علل الشرائع، ج1، ص 145؛ المفید، الإرشاد، ج1، ص40.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين.

قال الله تعالى:﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. ((1))

لا يزال يأتينا من الناصبة، وبقيّة الفئة الباغية، والمرتزقة الّذين يعيشون في أحضان الاستعمار وهمّهم الوحيد التفرقة بين المسلمين، وإشغالهم بخلافات مستحدثة؛ كيلا يلبّوا دعوة المصلحين وعباقرة الاُمّة إلى توحيد الكلمة ما يجرح العواطف، ويُثير الفتنة والتباغض والتخالف، ممّا لا ربح فيه إلّا للأعداء، ولا يزيدنا إلّا الضعف والفشل.

وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أنّهم جعلوا أصابعهم في آذانهم؛ حتى لا يسمعوا صرخات المصلحين؛ لأنّهم لا يحبّون استيقاظ اُمّتنا الكبيرة، الّتي لو استيقظت من نومتها، وعرفت صلاحياتها

ص: 30


1- الشعراء، 214.

وطاقاتها وإمكانيّاتها لقامت بوجه كلّ استكبار واستضعاف وقضت عليه، ورفعت راية التوحيد، وأسَّست المدنية على النظام الإلهيِّ الخالي من الظلم والانظلام، وسلب الحريّات الّتي منحها الله تعالى الإنسان في شرائع الأنبياء، سيّما الشريعة الإسلامية الخاتمة.

نعم، لو التفت الجيل الحاضر المسلم إلى مستقبله و إلى حاضره، وما يجري في العالم، وما أحاط البشريةَ من المشاكل الّتي فرضتها عليها الصهاينة وأذناب الاستعمار، والتبشير والإلحاد وعبدة لنين وماركس، أدرك ما يجب عليه من القيام بإبلاغ رسالة الإسلام لإنقاذ البشرية، والسعي للقضاء على كلّ سلطة وسيطرة إلّا سلطة أحكام الله تعالى، ويدكّ بذلك عروش الجبابرة والمستكبرين ويهدّد كيانهم.

ولَعَمْرِ الحقّ، ما على البسيطة شيء أشدّ خطراً على الاستكبار العالمي من تيقّظ المسلمين من رقدتهم، واعتصامهم بحبل الله تعالى.

إذن فلا عجب من وقوفهم بوجه المصلحين وسعيهم في تفرقة كلمة المسلمين وتجزئة بلادهم؛ ليكون كلّ إقليم ومنطقة تحت أمرحاكم عميل ونظام في خدمة الشرق أو الغرب.

فانظر إلى بلاد المسلمين بعين البصيرة والعبرة؛ لتدرك محنتها من هؤلاء الحكّام والمهتمّين بتفرقة المسلمين، ثمّ انظر هل تجد لهذه

ص: 31

الحكومات المتخالفة في السياسة والنظام والإدارة مفهوماً؟ غير أنّ الاستعمار لم يقم ولن يدوم في بلادنا إلّا بها.

واُوجّه السؤال إلى المسلمين المضطهدين تحت سيطرة هذه الحكومات الجائرة عن الحاكم الإسلامي الّذي قرن الله طاعته بطاعة رسوله(صلی الله علیه و آله)

من بينها:

فمن هو إذاً حاكم الاُردن، أو تركيا، أو الجزيرة العربية المسمّاة بإسم السعودية، أو حاكم الكويت، أو البحرين، أو قطر، أو أبوظبي، أو سلطنة عمان، أو المغرب، أو تونس، أو الجزائر، أو باكستان، أو ماليزيا، أو أندونزيا، أو الصوُمال، أو لبنان، أو نيجيريا، أو اليمن الشمالية، أو اليمن الجنوبية الماركسية، أو ليبيا الاشتراكية، أو السودان، أو مصر، أو العراق، أو تانزانيا، أو سوريا، أو أفغانستان، أو اُوزبكستان، أو تاجيكستان، أو ألبانيا، أو بنگلادش، وأو... وأو...؟!

مَن الّذي يحكم من حكّام هذه البلاد بحكم الإسلام؟ وأيُّ هذه الحكومات حكومة شرعية إسلامية تمثّل وحدة الاُمّة وحكومتها العالمية الّتي تسود العالم كلَّه؟

وهل تعرف منها من لا يتحكّم في مصيره الشرق الملحد أو الغرب المستعمر؟ ومن هي شبكات هؤلاء المستعمرين الّذين لا يرقبون في

ص: 32

مؤمن إلًّا ولا ذمّةً، يُنفقون الأموال الطائلة الّتي يحصلون عليها بامتصاص دماء الشعوب، من أجل اختلاق الخلافات وإنكار الحقائق الإسلامية، وإيجاد الشكّ في التاريخ المليء بأمجادنا وبطولات أبطالنا؟ كما يحاولون أن تبقى اختلافات الفرق بحالها، فحينما يرون أنّ الشعور بالولاء لأهل البيت والتمسّك بهم (علیهم السلام)سيشمل جميع الاُمّة ويوحّدها، ويُذهب بالأحقاد الّتي أوجدتها السياسة، ويقضي على تفرقة الاُمّة بالفريقين الشيعة والسنّة، ويلفّ الجميع حول الكتاب والعترة(الثقلين) ويوحّد المذاهب أجمع، يتوسّلون بأهل التعصّب والعناد والنصاب يخيفونهم من ظهور الحقّ ويقظة الشباب المثقّفين، وفهمهم ما وراء الوقائع الدامية والخلافات الطائفية من مؤامرات المنافقين ومبغضي أهل البيت، فيستأجرون لذلك أقلام عبدة الدنيا، ومحبّي الجاه، والضعفاء الّذين لا يفهمون ما وراء هذه الاُمور، ولا يفكّرون فيما يريده الاستعمار من الاحتفاظ بتفرّق المسلمين.

إي والله، لقد أدرك الاستعمار أنّ جيلنا المسلم قد استيقظ عن نومته، وانتبه إلى ما حوله، وأدرك أنّ الخلافات المذهبية والسياسات العاملة لمنع الناس عن التمسّك بالثقلين وأخذ العلم عن أهل البيت(علیهم السلام) الّذين هم وحدهم حملته وسَدَنته، تذوب بالإمعان الخالص من التعصّب في

ص: 33

الكتاب والسنّة والتاريخ، كما أدرك الكثير من أبناء أهل السنّة، فلبَّوا دعوة المصلحين الأفذاذ؛ لترك العصبيات الطائفية، وفهموا أنّ شيعة أهل البيت لا ذنب لهم إلّا ولاء أهل البيت(علیهم السلام)، وأخذ العلم عنهم في ظروف لم تكن موافقةً لسياسة أرباب السلطة المتغلّبين على المسلمين، فتحكّموا في رقاب محبّيهم ورواة فضائلهم ومناقبهم وحملة العلم عنهم ونكّلوا بهم أشدّ التنكيل وساموهم سوء العذاب، حتى أصبح الرجوع إلى أهل البيت(علیهم السلام) ونقل الحديث عنهم، وحتى إعانة الذرّيّة الطاهرة النبوية من أعظم الجرائم السياسية.

وقد بقيت شرذمة ضئيلة من أبناء هؤلاء الّذين يقولون بشرعية حكومات الطواغيت، الّذين عَلَوا وطغوا واستكبروا في الأرض، أمثال معاوية ويزيد والوليد وهارون والمتوكّل وغيرهم، وكان استكبارهم أكثر من استكبار طواغيت الجاهلية في روما وإيران.

وهؤلآء لا يزالون يصدّون المسلمين عن التجاوب والتفاهم، ويلبّون دعوة الاستعمار لإثارة الضغائن وإنكار الحقائق، ينظرون دائماً إلى الخلف، ولا ينظرون إلى الأمام. لا يقبلون من التاريخ والحديث إلّا ما يؤيّد آراءهم، ويجرحون كأسلافهم كلّ من يروي ما لا يوافق أهواءهم، ويطعنون في كلّ حديث يخالف مذهبهم وإن بلغ في الصحّة

ص: 34

ما بلغ، أو يأوّلونه. قد أعمت العصبية أبصارهم وبصائرهم. السنّة عندهم بدعة، والبدعة عندهم سنّة. يقتفون آثار السفيانيّين، ويدافعون عن سيرة الجبابرة، ويعملون على كتمان فضائل بطل الإسلام، ونفس الرسول وابن عمّه وأخيه، وباب مدينة علمه، ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعده، ومن لا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(علیه السلام). ينكرون مناقبه ومناقب أهل بيته، ويرمون من روى فضائله بالكذب ووضع الحديث، ويعدّون ولاء أهل بيت النبيّ(صلی الله علیه و آله)

جريمةً لا تُغتفر، ولكن لو كانت هذه المناقب مرويّةً في شأن أعداء آل النبيّ(صلی الله علیه و آله) لا يقابلونها بالإنكار، وسيّما إذا كان رجالها مطعونين بالنصب وقتل المسلمين وأقبح الظلم وأشنع الفسق. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

قرأنا في بعض المجلّات((1)) نقداً من الكاتب محمد حسنين هيكل، على كتاب للجنرال ا. أكرم، ترجمة الركن صبحي الجابي، فيه موارد هامّة من الاشتباه، وقلب الحقائق، من أعظمها: الاستناد إلى المنقولات الضعيفة والحكايات الواهية في شأن بدء الوحي وكيفية نزوله، ممّا لا يناسب شأن الرسالة المحمدية، فيتّهم الرسول(صلی الله علیه و آله) بخشيته على نفسه عندما نزل عليه

ص: 35


1- حضارة الإسلام، العدد 5 من السنة 18، رجب 1397 ه.

الوحي، وجاءه الملك الأمين جبرئيل(علیه السلام) يرى كأنّه والعياذ بالله لم يحصل له اليقين بما جعل الله على عاتقه وشرّفه به من النبوّة والرسالة، فانطلقت به السيّدة خديجة‘ أتت به ورقة بن نوفل.

وهذه وإن كانت رواية البخاري ومسلم في بدء الوحي وكيفية نزوله((1)) إلّا أنّها مردودة عليهما وعلى شيوخهما؛ لأنّ شأن الرسول(صلی الله علیه و آله)

في المعرفة والإدراك كان أنبل وأجلّ من الشكّ فيما أوحى الله تعالى به، وأمر الرسالة أيضاً أعلى وأنزه من ذلك.وكيف لا يعرف الرسول(صلی الله علیه و آله)

ما تعرفه وتؤمن به السيّدة خديجة‘ وقد كان تحت رعاية الله تعالى قبل البعثة، وخلق الله نوره قبل أن يخلق العالم، مضافاً إلى أنّه يجب أن يكون إلقاء الوحي والتعيين لهذا المنصب العظيم سيّما الرسالة المحمدية العظمى على نحو يحصل للمبعوث بها بنفسها اليقين والإيمان على أنّه بعث إلهيٌّ ووحي سماويٌّ. وبالجملة شأن الرسالة وشأن الرسول بريء من خشيته(صلی الله علیه و آله) على نفسه.

اللّهمّ إلّا أن يكون المراد خشيته من الله تعالى لعظم ما أمره به وجعله على عاتقه، ولا ريب أنّه(صلی الله علیه و آله) كان أخشى الناس وأخوفهم من الله تعالى،

ص: 36


1- أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص312؛ ج6، ص223؛ البخاري، صحیح، ج1، ص3 4؛ مسلم النیسابوري، صحیح، ج1، ص 97 98.

وكان أعبدهم وأزهدهم، وأعرفهم بالله. ولا ريب أنّ من كان أعرف الناس بالله يكون أخوفهم منه وأرجى به منهم، أمّا الشكّ والخشية على نفسه فلم يعرضه حتى لحظةً واحدةً، وهذا أمر يعرفه من سبر تاريخ حياته وأخلاقه الكريمة، وقد قال الله تعالى:

﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا

اُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾. ((1))

فهو مِن أوّل ما نزل به الوحي آمن بما اُنزل إليه وخرج من غار حراء وقلبه مليء بالإيمان بما نزل به.

نقده الآخر

ثمّ إنّه أنكر على المؤلّف ما ذكر من أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله) قد بقي مدّة ثلاث سنوات يتلقّى تعليمات ربّه، دون أن يتكلّم شيئاً عن رسالته، ويوهم القارئ بأنّ عليّاً وخديجة وأبا بكر أسلموا في زمن واحد، ولم يكن بين إسلام خديجة والإمام واسلام أبي بكر فترة حتى يسيرة، مع أنّه يظهر لمن يُمعن النظر في الأحاديث الصحيحة والتاريخ أنّ أبا بكر لم يُسلم إلّا بعد فترة طويلة لا يستبعد تقديرها بثلاث سنين. ولا يأبى العقل أن يكون النبيّ(صلی الله علیه و آله) مدّة ثلاث سنوات أوأكثر يتلقّى تعليمات ربّه، ولم يكن

ص: 37


1- البقرة، 285.

مأموراً بإظهارها وتبليغها بغير خديجة وعليّ من أهل بيته. فكانوا يعبدون الله بما تعبّده الله به سرّاً، حتّى إذا أمر الله النبيّ(صلی الله علیه و آله) بإظهار الدعوة بلغ عدد المؤمنين في ثلاث سنوات إلى الأربعين أو أكثر على اختلاف الروايات في ذلك.

ويؤيّد بل ينصّ على ما قلناه الروايات الكثيرة الّتي دلّت على أنّ عليّاً(علیه السلام) عبد الله تعالى مع رسوله(صلی الله علیه و آله) سبع أو تسع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة، وأنّ الملائكة صلّت على رسول الله(صلی الله علیه و آله) وعلى عليّ(علیه السلام) سبع سنين؛ لأنّه لم يصلِّ معه أحد غيره.((1))

آية الإنذار وحديث الدار

وممّا أخذ هذا الناقد على هذا المؤلّف وناقشه أنّه ذكر حديث الدار ويوم الإنذار، وتجاوز عن الحدّ في نقده، وحكم باختلاف الرواية بالأصل؛ لوجود راوٍ مشهور بالكذب وصنع الأحاديث بزعمه وهو

ص: 38


1- يراجع في ذلك: ابن عساكر، تاریخ مدینة دمشق، ج42، ص30 32؛ ح 71،80، 81، 91، 99، 112، 113، 114؛ ابن الأثیر الجزري، اُسد الغابة، ج4، ص 17 18؛ الطبري، الرياض النضرة، 43 46؛ الطبري، ذخائر العقبى، ص60؛ الحموئي، فرائد السمطين، ج1، ص242 243، 246 248، ح187 188، 191 - 192؛ ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج7 ص295 296؛ المتقي الهندي، كنز العمّال، ج13، ص 122، ح36389 36391 و....

أبو مريم الأنصاري عبد الغفّار بن القاسم، الّذي أثنى عليه الحافظ ابن عقدة وأطراه، كما في لسان الميزان.((1))

والرواية مشهورة مستفيضة أخرجها جمع من الحفّاظ وأكابر المحدِّثين، واختصرها بعضهم، كما أبدل الطبريّ في تفسيره قوله(صلی الله علیه و آله): «فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيّي وَخَليفَتيِ فِيكُمْ؟»، بلفظ «فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُني عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيّي وَكَذَا وَكَذَا».

وقوله(صلی الله علیه و آله): «إِنَّ هَذَا أَخِي وَوَصِيّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُوَأَطِيعُوا»، بلفظ «إِنَّ هَذَا أَخِي وَكَذَا وَكَذَا».((2))

والطبري وهو الّذي روى الرواية كاملة وتامّة في تاريخه((3)) يرويها بهذه الصورة المحرّفة المشوّهة المجملة حتى لا يفهم القارئ مغزاه، ولا يعرف خليفة رسول الله(صلی الله علیه و آله) المنصوص عليه في هذه الروايات وفي غيرها من الأحاديث، أو لا يرمونه أهل العناد والنصب بالرفض والتشيّع، ولا يفعلون به ما فعله أهل دمشق بالنسائي صاحب السنن والخصائص العلوية.

ص: 39


1- ابن حجر العسقلاني، لسان المیزان، ج4، ص 42 43.
2- الطبري، جامع البیان، ج19، ص 149.
3- الطبري، تاریخ، ج2، ص 62 63.

وقد تبع الطبريّ في تفسيره، ابن كثير في تاريخه،((1)) وهذا إن لم يدلّ على شيء فقد دلّ على أنّ السياسة هي القوّة الّتي تعيّن منهج سير العلم والحديث والتفكّر. فمثل هذه الكلمة القاطعة: «إِنَّ

هَذَا أَخِي وَوَصِيّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» لا يجوز سياسيّاً نقلها والتحدّث بها، لأنّها إعلان إبطال الحكومات المستبدّة الّتي قلبت نظام الإدارة والحكم، وأحيت سنن الأكاسرة والقياصرة.

فالنظام الّذي يقطع عرقوبَ مثلِ بشير بن مروان، ويضرب عطيّة العوفي أربعمائة سوط، وينتف لحيته؛ لإبائهما عن سبّ الإمام(علیه السلام)،((2)) لا يسمح مهما أمكنه التحدّث بمثل هذه الأحاديث والإجهار بها، ويبالغ في المنع عن ذلك تخويفاً وتطميعاً.

وهذا يحيى بن يعمر يُبعَثُ به من خراسان إلى الكوفة بأمر الحجّاج لقوله: «إنّ الحسن والحسين ذرّية رسول الله(صلی الله علیه و آله)».((3))

ص: 40


1- ابن کثیر، البداية والنهاية، ج3، ص 52 53.
2- ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج7، ص201؛ ج10، ص143.
3- قال في وفيات الأعيان: حكى عاصم بن أبي النجود المقري المقدّم ذكره: أنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي بلغه أنّ يحيى بن يعمر يقول: إنّ الحسن والحسين رضي الله عنهما من ذرّية رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وكان يحيى يومئذ بخراسان، فكتب الحجّاج إلى قتيبة بن مسلم والي خراسان وقد تقدّم ذكره أيضاً أن ابعث إليّ بيحيى بن يعمر. فبعث به إليه، فقام بين يديه، فقال: أنت الّذي تزعم أنّ الحسن والحسين من ذرّية رسول الله(صلی الله علیه و آله)؟ والله لألقيّن الأكثر منك شعراً، [ أو لتخرجّن من ذلك! قال: فهو أماني إن خرجت؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله جلّ ثناؤه يقول: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾. (الأنعام، 84 85). قال: وما بين عيسى وإبراهيم أكثر ممّا بين الحسن والحسين ومحمد صلوات الله عليه وسلامه، فقال الحجّاج: وما أراك إلّا قد خرجت، والله لقد قرأتها وما علمت بها قطّ. ابن خلکان، وفیات الأعیان، ج6، ص174.

إذن فلا عجب بمؤاخذة هؤلاء المتعصّبين للباطل لهيكل بإخراجه رواية يوم الدار في تاريخه، حتى اضطرّ إلى حذفها منه في طبعته الثانية.

ولا عجب منهم إن لم يؤاخذوا عليه تركه في تاريخه كثيراً من فضائل الإمام التاريخية، وما وقع فيه من الأغلاط والاشتباهات فيما يرجع إلى سيرة النبيّ(صلی الله علیه و آله) ومواقف وصيّه وأخيه الرشيدة.

ولا تعجّب من الكاتب محمد حسنين هيکل، الّذي يكتب في مجلّة حضارة الإسلام مؤاخذته على الجنرال ا. أكرم ومترجم كتابه بنقل حديث يوم الدار بالمضمون.

فتلك شنشنة اُخزومية، وسيرة اُموية، وبدعة مروانية قد اُلزموا بها في ردّ الأحاديث الصحيحة، وجرح رواة فضائل أهل البيت(علیهم السلام)، في حين أنَّهُم يحتجّون بروايات أمثال المغيرة بن شعبة، وبُسر بن أرطاة، وأزهر الحرازي الحمصي، وحريز بن عثمان الرحبي، وخالد بن عبد الله

ص: 41

القسري، وشبابة بن سوار، وعمر بن سعيد بن العاص الاُموي، وعمران بن حطّان وغيرهم.((1))

فانظر كتبهم في الرجال وفي الجرح والتعديل، مثل: لسان الميزان والجرح

والتعديل للرازي، وتدبّر في كلماتهم في شأن أبي مريم الأنصاري، الّذي روى هذا الحديث في عصر كان روايةمثله من أكبر الجرائم السياسية، وانظر هل تجد في ذلك الرجل موضع غمز وتنقيص إلّا الموالاة ومودّة ذوي القربى، ورواية مثل هذه الرواية؟!

فلا تجد غير ذلك سبباً لتركهم حديثه وحديث أمثاله، فرموه لذلك تارةً بالكذب، وتارةً اُخرى بعدم الوثاقة، وعلّته الأصلية هو التشيّع وروايته أحاديث الفضائل. فهذا أحمد بن حنبل يقول فيه، كما نقله الرازي عنه في الجرح

والتعديل: «إنّه ليس بثقة، كان يحدّث ببلايا في عثمان» ويقول: «هو متروك الحديث، كان من رؤساء الشيعة».((2))وفي لسان الميزان قال: «يقال: كان من رؤوس الشيعة». ثمّ أخرج عنه حديث: «عَلِيٌّ مَوْلَى مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ».((3))

ص: 42


1- راجع في ذلك كتابنا أمان الاُمّه من الضلال والاختلاف.
2- ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعدیل، ج6، ص 53 54.
3- ابن حجر العسقلاني، لسان المیزان، ج4، ص42.

فهذا ذنب الرجل أنّه أوّلاً كان يحدّث ببلايا في عثمان، وثانياً: أنّه كان من رؤساء الشيعة. وإذا كان الحديث ببلايا عثمان موجباً للقدح في أحدٍ فما يقولون في عائشة وطلحة والزبير وعمّار وغيرهم من الصحابة، الّذين كانوا من المتجاهرين في القوم ببلايا عثمان وذمّه المشيرين عليه حتى قتل؟

وإذا كان عثمان أحدث في الإسلام ما أحدث، وصنع ما أغضب الصحابة مثل الصحابيّ الزاهد الكبير الّذي قال رسول الله(صلی الله علیه و آله)

في حقّه: «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»،((1)) فأنكر عليه صنائعه غير المرضيّة، فنفاه عثمان إلى الربذة، فمات في منفاه وحيداً مظلوماً، فما ذنب أبي مريم الأنصاري إن حدّث ببلاياه؟ وإن كان هذا سبباً للطعن فيه فمن كان هذه بلاياه أحقّ وأولى بالطعن منه؟!

أتريدون أن لا يقول أحد من التاريخ وممّا جرى على هذه الاُمّة شيئاً، ولا يعرف أحد ما وقع في عصر الصحابة، ولا يفهموا تلكم الحقائق الّتي

ص: 43


1- أحمد بن حنبل، مسند، ج2، ص175، 223؛ ج6، ص422؛ الترمذي، سنن، ج5، ص334؛ المغربي، شرح الأخبار، ج2، ص461؛ الحاکم النیسابوري، المستدرك، ج3، ص342؛ ج4، ص480؛ الطبرسي، الإحتجاج، ج1، ص387؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج22، ص329، 398.

ترتبط معرفتها بمعرفة رسالة الإسلام، ومناهجها العالية في السياسة والحكومة والمال وغيرها؟

لا والله، لا يمكن ذلك، وإن أمكن إخفاء تلك الحقائق التاريخية في العصور الماضية لا يمكن ذلك في عصرنا الحاضر، عصر الطباعة والنشر، والثقافة والفكر، الّذي تيقّظ فيه المسلمون من رقدتهم، وأدركوا سيّما الشبّان المثقّفون أنّ بلاءنا كلّه يرجع إلى صنائع بعض الأوّلين من أهل السياسة، ممّا شوّه وجه الإسلام في الحكم والإدارة.

وإذا كان قدحاً كون الرجل من رؤساء الشيعة، فما يقول هؤلاء في رؤسائهم، مثل: سلمان، وأبي ذرّ، والمقداد، وعمّار بن ياسر،((1))وغيرهم من الصحابة المعروفين بالوفاء والولاء لأهل البيت(علیهم السلام)، ومن التابعين لهم بإحسان؟

ص: 44


1- قال الكاتب الشهير محمد كرد علي وهو من أبناء السنّة في كتابه خطط الشام: عُرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة عليّ في عصر رسول الله(صلی الله علیه و آله)، مثل سلمان الفارسي القائل: «بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين، والائتمام بعليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، والموالاة له». ومثل أبي سعيد الخدري الّذي يقول: «اُمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة»، ولمّا سُئل عن الأربع؟ قال: «الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحجّ». قيل: فما الواحدة الّتي تركوها؟ قال: «ولاية عليّ بن أبي طالب». قيل له: وإنّها لمفروضة معهنّ؟ قال: «نعم هي مفروضة معهنّ». ومثل أبي ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة، وكثير أمثالهم. کرد علي، خطط الشام، ج6، ص245.

وما يقولون في أئمّة الشيعة المعصومين، الّذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً؟

وما يقولون في شأن رسول الله(صلی الله علیه و آله) الّذي هو أوّل من سنّ التشيّع، وهو الّذي لقّب المؤتمّين بأمير المؤمنين عليٍّ(علیه السلام) بالشيعة،((1))وبشّرهم بأنّهم خير البرية؟((2))

هذا، ويُسئل عن حال من جرح أبا مريم الأنصاري: هل هو مرضيّ عند علماء الجرح والتعديل من أهل نحلته؟

فابن معين يتّهم مثل أحمد بن حنبل بالكذب. وقال المقبلي: «تجد أحدهم ينتقل من مذهب إلى آخر بسبب شيخ أو دولة أو غير ذلك من الأسباب الدنيويّة والعصبية الطبيعية».((3))

وقال ابن معين: «إنّ مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي».((4))

ص: 45


1- الصفّار، بصائر الدرجات، ص106؛ الصدوق، الأمالي، ص66 67، 655 658.
2- الهلالي العامري، کتاب سلیم بن قیس، ص359؛ الحاکم الحسکاني، شواهد التنزیل، ج2، ص459؛ الفتّال النیسابوري، روضة الواعظین، ص105؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج16، ص183.
3- أبو ریّه، أضواء على السنّة المحمّديّة، ص345.
4- أبو ریّه، أضواء على السنّة المحمّديّة، ص299.

وقال الليث بن سعد: «أحصيتُ على مالك سبعين مسألة، وكلّها مخالفة لسنّة الرسول(صلی الله علیه و آله)».((1))

وقالوا في غيرهم من أئمّتهم ما قالوا.((2)) وعلى هذا لا يبقى اعتماد على أقوالهم في الجرح والتعديل المبتنية على ما سمعت في تعرّف أحوال رجال الشيعة والمتشيّعين ورواة فضائل أهل البيت(علیهم السلام)، ولا يجوز الركون عليها.

وبعد ذلك كلّه نقول: بأنّ الرواية رويت بإسناد آخر ليس فيه عبد الغفّار بن القاسم. فرواه البيهقي في دلائل النبوة عن ابن إسحاق، عن شيخ أبْهَمَ اسمه، عن عبد الله بن الحارث، إلى قوله: «إنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».((3))ولا أدري لماذا أبهم ابن إسحاق شيخه الراوي عن عبد الله بن الحارث، كما لا أدري أنّ عدم الانتهاء إلى آخر الحديث هل كان من البيهقي، أو من ابن إسحاق، أو غيرهما؟ وكان ذلك خوفاً عن النواصب،

ص: 46


1- أبو ریّه، أضواء على السنّة المحمّديّة، ص299.
2- يراجع في ذلك أبوریّه، أضواء على السنّة المحمّدية، ص289؛ ابن عقیل العلوي، العتب الجميل و....
3- البیهقي، دلائل النبوّة، ج2، ص179 180؛ ابن کثیر، البداية والنهاية، ج3، ص52 53.

أو إخفاءً للحقّ عناداً ونصباً، ولا يبعد أن يكون الشيخ الّذي أبهم اسمه ابن إسحاق، هو عبد الغفّار بن القاسم.((1))

وعلى هذا الاحتمال يكون السند في ذلك موافقاً لسند الطبري، لا يثبت به وجود سند آخر للحديث غيره، إلّا أنّه جاء بإسناد آخر ليس فيه هذا الرجل، كما تفطّن به ابن كثير، فقال بعد ما قال في عبد الغفّار:

«ولكن روى ابن أبي حاتم في تفسيره، عن أبيه، عن (الحسن) الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي، عن عبد الله بن عبد القدّوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، قال: قال عليّ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾((2)) قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله): اصْنَعْ لِي رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَإِنَاءً لَبَناً، وَادْعُ لِي بَنِي هَاشِم، فَدَعَوْتُهُمْ، وَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ لَأَرْبَعُونَ غَيْرَ رَجُلٍ، أَوْ أَرْبَعُونَ وَرَجُلٌ». فذكر القصّة نحو ما تقدّم إلى أن قال: «وَبَدَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) الْكَلَامَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْضِي

ص: 47


1- بل هو هو، كما قال البيهقي، قال أبو عمر أحمد بن عبد الجبّار: بلغني أنّ ابن إسحاق إنّما سمعه من عبد الغفّار بن القاسم بن مريم عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، قال ابن اسحاق: وكان ما أخفى النبيّ(صلی الله علیه و آله) أمره واستسر به إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه. قلت: وقد روى شريك القاضي عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبدالله الأسدي، عن عليّ في إطعامه إيّاهم بقريب من هذا المعنى (مختصراً). البیهقي، دلائل النبوة، ج2، ص180.
2- الشعراء، 214.

عَنِّي دَيْنِي وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟ قَالَ: فَسَكَتُوا، وَسَكَتَ الْعَبَّاسُ خَشْيَةَ أَنْ يُحِيطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، قَالَ: وَسَكَتُّ أَنَا لِسِنِّ الْعَبَّاسِ.ثُمَّ قَالَهاَ مَرَّةً اُخْرَى، فَسَکَتَ الْعَبَّاسُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: أَنْتَ؟...»، الحديث.((1))وقال ابن كثير: «وهذه الطريق فيها شاهد لِما تقدّم، إلّا أنّه لم يذكر ابن عبّاس فيها، فالله أعلم. وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبّاد بن عبد الله الأسدي وربيعة بن ناجذ عن عليّ نحو ما تقدّم، أو كالشاهد له».((2))

فابن كثير كما يظهر من كلامه يقوّي ضعف السند من طريق الطبري بغيره ممّا لا ضعف فيه، إلّا أنّه أيضاً غلط في أصل تضعيف السند كغيره، كما أنّه غلط غلطاً كبيراً في الحكم على عبد الغفّار بن القاسم بأنّه كذّاب شيعي ولم يأتِ بدليل على ذلك، غير أنّ ابن المديني وغيره اتّهمه بوضع الحديث، وضعّفه الباقون.((3))

ولا يخفى أنّ من يتّقي الله، ويعتقد حرمة عرض المسلم كحرمة ما له

ص: 48


1- ابن کثیر، البداية والنهاية، ج3، ص53.
2- ابن کثیر، البدایة والنهایة، ج3، ص53 54.
3- ابن کثیر، البدایة والنهایة، ج3، ص53؛ ایضاً راجع في ذلك: ابن عدي الجرجاني، الکامل في ضعفاء الرجال، ج5، ص327؛ الذهبي، میزان الإعتدال، ج2، ص 640.

ودمه، لا يخوض في عرض المسلم بمجرّد التهمة، ولا يُسيء الظنّ به، ولا يجوز له أن يقول أزيد ممّا قيل فيه. إذا وجب ذلك، فمن أين قلت يا ابن كثير! إنّه كذّاب؟ وما كذبه؟ ومن أين علمت ذلك؟ وما جوابك حين يخاصمك عبد الغفّار عند الله تعالى؟ !((1))

ص: 49


1- لا يخفى عليك أنّ أرباب الرجال والتراجم والفهارس من الشيعة المشهورين بكمال التورّع والاحتياط، سيّما في الجرح والتعديل صرّحوا بوثاقة هذا الشيخ الجليل (أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم بن القيس الأنصاري )، والرجل من أصحاب الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين وابنه الإمام محمد بن عليّ الباقر وابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق(علیهم السلام)، ويكفيه ذلك فخراً وشرفاً وفضلاً. توجد ترجمته في فهرست الشيخ ورجاله، و رجال النجاشي، وخلاصة الأقوال للعلّامة، ورجال ابن داود، ورجال الكشّي، والوجيزة، والبُلغة، وجامع الرواة وغيرها. وممّا يؤيّد حُسنَ حال الرجال، ويزيد في تعرّف حالهم، معرفة شيوخهم وتلاميذهم ومن أخذ عنهم العلم. وللرجل في هذا شأن سامٍ ومكان عالٍ، فإنّ شيوخه الّذين أخذ العقيدة والمذهب منهم، واتّخذهم أئمّة وتمسّك بهم، واعتصم بحبل ولايتهم الّذي هو حبل الله، هم مَن عرفتهم: الإمام زين العابدين، والإمام باقر علوم النبيّين، والإمام جعفر الصادق(علیهم السلام)، فقد تخرّج هذا الرجل من مدرستهم الكبيرة، وتلمّذ عندهم، وأخذ العلم من نَميرهم الصافي. يراجع: النجاشي، رجال، ص246؛ العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص209؛ الطوسي، رجال، ص118، 140؛ الأردبیلي، جامع الرواة، ج1، ص461؛ وغيرها. وقد روى الحديث عن عطاء، وعَدِيّ بن ثابت، والمنهال بن عمرو، ونافع. وسمع منه يحيى بن سعد الأنصاري، وشعبة، وكان حسن الرأي فيه. ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل، ج6، ص53 54. وروى عنه جماعة من الأجلّاء والرواة، كالحسن بن محبوب، ومحمد بن موسى خوراء، وصالح بن عقبة، وموسى بن بكر، وعليّ بن الحسن بن رباط، [وأبو ولّاد، وأبان بن عثمان، وهشام بن سالم، وعليّ بن النعمان، وعثمان بن عيسی، وعبد الله بن المغيرة، وثعلبة بن ميمون، ويونس بن يعقوب، والقاسم بن سليمان، وعبد الرحمن بن حمّاد، ومحمد بن أبي حمزة، ومحمد بن عيسى، والعبّاس بن معروف، وسيف، وفضالة، وإبراهيم بن سنان، وظريف بن ناصح، وأحمد بن عمر، وجميل بن صالح والحسن بن سري. الأردبیلي، جامع الرواة، ج1، ص461 462. وممّا يظهر منه: جلالة قدره، وحسن عقيدته، وإيمانه بالأئمّة الإثني عشر، الّذين بشّر النبيّ(صلی الله علیه و آله) الاُمّة بهم، كما جاء في الروايات المتواترة، ما روى الشيخ الجليل أبو القاسم عليّ بن محمد بن عليّ الخزّاز القمّي في كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الإثني عشر، بسنده عنه، قال أبو مريم الأنصاري: دخلت على مولاي الباقر(علیه السلام) وعنده اُناس من أصحابه، (فجرى) ذكر الإسلام، قلت: يا سيدي فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: «مَن سَلِمَ المسلمون (المؤمنون) من لسانه ويده»، قلت: فأيّ الأخلاق أفضل؟ قال: «الصبر والسماحة»، قلت: فأيّ المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: «أحسنهم (خلقاً) أخلاقاً»، قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عُقِر جواده واُهريق دمه»، قلت: فأيّ الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت»، قلت: فأيّ الصدقة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما حرّم الله عزّ وجلّ عليك»، قلت: يا سيدي فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال: «لا أرى ذلك»، قلت: إنّي ربّما سافرت إلى الشام فأدخل على إبراهيم بن الوليد، قال: «يا عبد الغفّار إنّ دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء: محبّة الدنيا، ونسيان الموت، وقلّة الرضا بما قسم الله لك»، قلت: يا ابن رسول الله فإنّي ذو عيلة وأتّجر إلى ذلك المكان لجرّ المنفعة، فما ترى في ذلك؟ قال: «يا عبد الله، إنّي لست آمرك بترك الدنيا، بل آمرك بترك الذنوب، فترك الدنيا فضيلة، وترك الذنوب فريضة، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة»، قال: فقبّلت يده ورجله، وقلت: بأبي أنت واُمّي يا ابن رسول الله فما نجد العلم الصحيح إلّا عندكم، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي، ولا أرى فيكم ما اُسَرُّ به، أراكم مُقتَّلين مشرّدين خائفين، وإنّي أقمت على قائمكم منذ حين، أقول: أَخَرَجَ اليوم أو غداً، قال: «يا عبد الغفّار إنّ قائمنا(علیه السلام) هو السابع من وُلدي، وليس هو أوان ظهوره، [ ولقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): إنّ الأئمّة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم يخرج في آخر الزمان، فيملأها قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً»، قلت: فإنّ هذا كائن يا ابن رسول الله فإلى من بعدك؟ قال: «إلى جعفر، وهو سيّد أولادي وأبو الأئمّة، صادق في قوله وفعله، ولقد سألت عظيماً يا عبد الغفّار وإنّك لأهل الإجابة»، ثمّ قال: «ألا إنّ مفتاح العلم السؤال»، وأنشأ يقول: شفاء العمى طول السؤال وإنّما تمام العمى طول السكوت على الجهل الخزّاز القميّ، كفاية الأثر، ص250 253؛ راجع: منتخب الأثر للمؤلف، ص94 95.

ص: 50

هذا، وقد ظهر لك أنّ للحديث طرقاً كثيرة، بعضها فيها عبد الغفّار، وبعضها ليس فيه هذا الرجل.

ونحن نذكر طائفة من هذه الطرق؛ ليظهر لك قوّة أسنادها واشتهارها، وأنّ العلماء الحفّاظ والمحدّثين تلقّوها بالقبول، فنقول:

الطريق الأوّل: ما أخرجه ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية)، عن ابن أبي حاتم في تفسيره، وهذا هو الطريق الّذي مرّ نقله عنه، وليس فيه عبد الغفّار.((1))

الطريق الثاني: ما أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، عن ابن إسحاق، عن شيخ أبهم اسمه، أخرجه ابن كثير أيضاً عن البيهقي، وقد مرّ نقله أيضاً.((2))

الطريق الثالث: ما أخرجه الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله بن

ص: 51


1- ابن کثیر، البدایة والنهایة، ج3، ص53.
2- البیهقي، دلائل النبوة، ج2، ص179 180.

أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني بطريق ليس فيه عبد الغفّار، قال: حدّثني ابن فنجويه، حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن شبيب المعمّري، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدثنا عليّ بن هاشم، عن صباح بن يحيى المزني، عن زكريّا بن ميسرة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لمّا نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾،((1)) جمع رسول الله بني عبد المطّلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العسّ، فأمر عليّاً برِجْل شاة فأَدمها، ثمّ قال: «أُدْنُوا بِسْمِ الله» فدنا القوم عشرةً عشرة، فأكلوا حتى صدروا، ثمّ دعا بقعب من لبن، فجرع منه جرعةً، ثمّ قال لهم: «اِشْرِبُوا بِبِسْمِ اللهِ»، فشرب القوم حتى رووا، فبدرهم أبو لهب، فقال: هذا ما أسحركم به الرجل! فسكت النبيّ(صلی الله علیه و آله) يومئذ فلم يتكلّم، ثم دعاهم هذا، وقد ظهر لك أنّ للحديث طرقاً كثيرة، بعضها فيها عبد الغفّار، وبعضها ليس فيه هذا الرجل.

ونحن نذكر طائفة من هذه الطرق؛ ليظهر لك قوّة أسنادها واشتهارها، وأنّ العلماء الحفّاظ والمحدّثين تلقّوها بالقبول، فنقول:

الطريق الأوّل: ما أخرجه ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية)، عن ابن أبي حاتم في تفسيره، وهذا هو الطريق الّذي مرّ نقله عنه، وليس فيه عبد الغفّار.((2))

الطريق الثاني: ما أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، عن ابن إسحاق، عن شيخ أبهم اسمه، أخرجه ابن كثير أيضاً عن البيهقي، وقد مرّ نقله أيضاً.((3))

الطريق الثالث: ما أخرجه الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني بطريق ليس فيه عبد الغفّار، قال: حدّثني ابن فنجويه، حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن شبيب المعمّري، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدثنا عليّ بن هاشم، عن صباح بن يحيى المزني، عن زكريّا بن ميسرة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لمّا نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾،((4)) جمع رسول الله بني عبد المطّلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العسّ، فأمر عليّاً برِجْل شاة فأَدمها، ثمّ قال: «أُدْنُوا بِسْمِ الله» فدنا القوم عشرةً عشرة، فأكلوا حتى صدروا، ثمّ دعا بقعب من لبن، فجرع منه جرعةً، ثمّ قال لهم: «اِشْرِبُوا بِبِسْمِ اللهِ»، فشرب القوم حتى رووا، فبدرهم أبو لهب، فقال: هذا ما أسحركم به الرجل! فسكت النبيّ(صلی الله علیه و آله) يومئذ فلم يتكلّم، ثم دعاهممن الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب، ثمّ أنذرهم رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فقال: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ إِلَيْكُمْ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبَشِيرُ بِمَا لَمْ يَجِي ءُ بِهِ أَحَدٌ (أَحَدُکُمْ)، جِئْتُكُمْ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَأَسْلِمُوا وَأَطِيعُونِي تَهْتَدُوا، وَمَنْ يُؤَاخِينِي وَيُوَازِرُنِي وَيَكُونُ وَلِيِّي وَوَصِيِّي بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي وَيَقْضِي دَيْنِي؟». فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثاً، كلّ ذلك يسكت

ص: 52


1- الشعراء، 214.
2- ابن کثیر، البدایة والنهایة، ج3، ص53.
3- البیهقي، دلائل النبوة، ج2، ص179 180.
4- الشعراء، 214.

القوم ويقول عليّ: «أَنَا»، فقال: «أَنْتَ»، فَقَامَ الْقَوْمُ وَهُمْ يَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: أَطِعْ ابْنَكَ فَقَدْ أَمَّرَهُ عَلَيْكَ.((1))

وأخرجه ابن البطريق بسنده عن الثعلبي في تفسيره. ((2))

الطريق الرابع: ما أخرجه الحافظ الشهير أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله الشافعي، المعروف بابن عساكر، قال: أخبرنا أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي العلوي بالكوفة، أنبأنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد، أنبأنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن القاسم بن زكريّا المحاربي، أنبأنا عبّاد بن يعقوب، أنبأنا عبد الله بن عبد القدّوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبد الله، عن عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، قال: «لمَاّ نَزَلَتْ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾((3)) قَالَ

رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله): يَا عَلِيُّ! اصْنَعْ لِي رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ قَعْباً مِنْ لَبَنٍ وَكَانَ الْقَعْبُ قَدَرَ رَيِّ رَجُلٍ قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله): يَا عَلِيُّ اجْمَعْ بَنِي هَاشِم، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلاً أَوْ أَرْبَعُونَ غَيْرَ رَجُلٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) بِالطَّعَامِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَهُمُ، فَأَكَلُوا

ص: 53


1- الحاکم الحسکاني، شواهد التنزيل، ج1، ص542 543، ح 580.
2- ابن البطريق، عمدة عیون صحاح الأخبار، الفصل الثاني عشر، ص 76 77، ح 93؛ الفصل الثالث عشر، ص 88 89، ح 106.
3- الشعراء، 124.

حَتَّى شَبِعُوا، وَإِنَّ مِنْهُمْ لَمَنْ يَأْكُلُ الْجَذْعَةَ بِإِدَامِهَا، ثُمَّ تَنَاوَلُوا الْقَدَحَ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَبَقِيَ فِيهِ عَامَّتُهُ،فَقَالَ

بَعْضُهُمْ: مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ فِي السِّحْرِ، يَرَوْنَ أَنَّهُ أَبُو لَهَبٍ.

ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ، اصْنَعْ رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ بِقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَجَمَعَهُمْ، فَأَكَلُوا مِثْلَ مَا أَكَلُوا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَشَرِبُوا مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَفَضْل مِنْهُ مَا فَضُلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ فِي السَّحَرِ.

فَقَالَ

الثَّالِثَةَ: اصْنَعْ رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ بِقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ، فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: اجْمَعْ بَنِي هَاشِمٍ، فَجَمَعْتُهُمْ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، فَبَدَرَهُمْ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) بِالْكَلَامِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْضِي دَيْنِي وَيَكُونُ خَلِيفَتِي وَوَصِيّي مِنْ بَعْدِي؟ قَالَ: وَسَكَتِ الْعَبَّاسُ مَخَافَةً أَنْ يُحِيطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، فَأَعَادَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) الْكَلَامَ، فَسَكَتِ الْقَوْمُ، وَسَكَتِ الْعَبَّاسُ مَخَافَةً أَنْ يُحيطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، فَأَعَادَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) الْكَلَامَ الثَّالِثَةَ. قَالَ: وَإِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَسْوَأُهُمْ هَيْئَةً، إِنِّي يَوْمَئِذٍ أَحْمَشُ الْسَاقَيْنِ، أَعْمَشُ الْعَيْنَيْنِ، ضَخِمُ الْبَطْنِ، فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولُ الله! قَالَ: أَنْتَ يَا عَلِيُّ، أَنْتَ يَا عَلِيُّ».((1))

الطريق الخامس: ما أخرجه ابن البطريق بإسناده، عن عبد الله بن

ص: 54


1- ابن عساکر، تاریخ مدینة دمشق، ج42، ص 47 – 48.

أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدّثنا أسود بن عامر، قال: حدّثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبّاد بن عبد الله الأسدي، عن عليّ (علیه السلام) قال: «لَمَّا

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾((1)) جَمَعَ

النَّبِيُّ (صلی الله علیه و آله) مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَاجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلاً، فَأَكَلُوا وَاشْرَبُوا (ثَلَاثاً)، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ يُضْمِنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ خَلِيفَتي؟ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ يَا رَسُولَ الله أَنْتَ كُنْتَ تَجِدُ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ: فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ(علیه السلام): أَنَا».((2))الطريق السادس: ما رواه أيضاً شمس الدين مفتي الفريقين يحيى بن الحسن بن البطريق الأسدي بإسناده، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحمّاني، قال: حدّثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبد الله الأسدی، عن عليّ(علیه السلام)، قال:

«لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ دَعَا رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) بِأَرْبَعِينَ

ص: 55


1- الشعراء، 124.
2- ابن البطریق، عمدة عیون صحاح الأخبار، الفصل الثالث عشر، ص86 87، ح 103.

رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ جَذْعَةً وَأَنْ كَانَ شَارِباً فُرْقاً فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ رَجُلاً فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا فَقَالَ لَهُمْ مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟ فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا، قَالَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) عَلِيٌّ يَقْضِي دَيْنِي وَيُنْجِزُ مَوَاعِيدِي». ولفظ الحديث للحمّاني، وبعضه لحديث أبي خثيمة.((1))

الطريق السابع: ما في المسند «حدّثنا عبد الله: حدّثنا أبي: حدّثنا عفّان: حدّثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن عليّ قال: «جَمَعَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) أَوْ دَعَا رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فِيهِمْ رَهْطٌ، كُلُّهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَ يَشْرَبُ الْفُرْقَ قَالَ: فَصَنَعَ لَهُمْ مُدّاً مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا قَالَ وَبَقِيَ الطَّعَامُ (كَمَا هُوَ) كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ ثُمَّ دَعَا بِغَمْرٍ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَبَقِيَ الشَّرَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ (أَوْ) لَمْ يُشْرَبْ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ بِعَامَّةٍ وَقَدْ رَأَيْتُمْ، مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَأَيْتُمْ فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَصَاحِبِي؟ قَالَ: فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، قَالَ: فَقَالَ: اجْلِسْ قَالَ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ أَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لِي اجْلِسْ حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدَيَّ».((2))

ص: 56


1- ابن البطریق، عمدة عیون صحاح الأخبار، الفصل الثالث عشر، ص87، ح 104.
2- أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص159.

وأخرجه ابن حجر، وقال: «رواه أحمد، ورجاله ثقات».((1))

وأخرجه ابن عساكر بسنده عن ربيعة،((2))وروى ابن حجر نحوه، وفيه: فبدرهم رسول الله(صلی الله علیه و آله)

فقال: «أَيُّكُمْ يَقْضِي عَنِّي دَيْنِي؟ قَالَ: فَسَكَتَ وَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) الْمَنْطِقَ، فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: أَنْتَ يَا عَليُّ، أَنْتَ يَا عَلِيُّ!».

قال ابن حجر: رواه البزّار، واللفظ له، وأحمد باختصار، والطبراني في الأوسط باختصار أيضاً. ورجال أحمد وأحد إسنادَي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة.((3))

الطريق الثامن: ما في المسند: حدّثنا عبد الله: حدّثنا أبي: حدّثنا أسود بن عامر: حدّثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبّاد بن عبد الله الأسدي، عن عليّ(علیه السلام) قال: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾((4)) قَالَ: جَمَعَ النَّبيُّ(صلی الله علیه و آله) مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَاجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، فَقَالَ لَهُمْ مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟»، فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ يُسَمِّهُ شَرِيكٌ : يَا رَسُولَ اللهِ!

ص: 57


1- الهیثمي، مجمع الزوائد، ج8، ص302.
2- ابن عساکر، تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص46 47.
3- الهیثمي، مجمع الزوائد، ج8، ص302 303.
4- الشعراء، 124.

أَنْتَ كُنْتَ بَحْراً، مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ»، قَالَ: فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ عليٌّ(علیه السلام): «أَنَا».((1))

الطريق التاسع: ما أخرجه علّامة المعتزلة، عن شيخه أبي جعفر الإسكافي، قال: «وقد روي في الخبر الصحيح: أنَّهُ كَلَّفَهُ فِي مَبْدَأِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ ظُهُورِ كَلِمَةِ الْإِسْلامِ وَانْتِشارِهَا بِمَكَّةَ أَنْ يَصْنَعَ لَهُ طَعَاماً، وَأَنْ يَدْعُو لَهُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَصَنَعَ لَهُ الطَّعَامَ، وَدَعَاهُمْ لَهُ، فَخَرَجُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَمْ يُنْذِرُهُمْ(صلی الله علیه و آله) لِكَلِمَةٍ قَالَهَاعَمَّهُ أبَو لَهَبٍ.

فَكَلَّفَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنْ يَصْنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعَامِ، وَأَنْ يَدْعُوهُمْ ثَانِيةً، فَصَنَعَهُ وَدَعَاهُمْ، فَأَكَلُوا. ثُمَّ كَلَّمَهُمْ(صلی الله علیه و آله)، فَدَعَاهُمْ إِلَى الدِّينِ، وَدَعَاهُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ ضَمِنَ لِمَنْ يُؤَازِرُهُ مِنْهُمْ وَيَنْصُرُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ أَخَاهُ فِي الدِّينِ وَوَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَمْسِكُوا كُلُّهُمْ وَأَجَابَهُ هُوَ وَحْدَهُ، وَقَالَ: «أَنَا أَنْصُرُكَ عَلَى مَا جِئْتَ بِهِ، وَاُؤَازِرُكَ وَاُبَايِعُكَ»، فَقَالَ لَهُمْ لَمَّا رَأَى مِنْهُمُ الْخِذْلَانَ وَمِنْهُ النَّصْرَ، وَشَاهَدَ مِنْهُمُ الْمَعْصِيَةَ وَمِنْهُ الطَّاعَةَ، وَعَايَنَ مِنْهُمُ الْإِبَاءَ وَمِنْهُ الْإِجَابَةِ : «هَذَا أَخِي وَوَصِيّي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي»، فَقَامُوا يَسْخَرُونَ وَيَضْحَكُونَ

ص: 58


1- أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص111.

وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: أَطِعْ اِبْنَكَ، فَقَدْ أَمَّرَهُ عَلَيْكَ».((1))

الطريق العاشر: ما أخرجه المتّقي الهندي، عن عليٍّ(علیه السلام) قال:

«قَالَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله): يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَنِيَ اللهُ أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ؟ قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعاً، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَكُونُ وَزيرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ بِرَقَبَتِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا». (ابن جرير، وفيه عبد الغفّار بن القاسم، قال في المغني: تركوه).((2))

أقول: لم يتركوه إلّا لولائه لأهل البيت، ولروايته فضائل ابن عمّ النبيّ وأخيه ووصيّه وخليفته.

الطريق الحادي عشر: ما أخرجه أيضاً المتّقي الهندي عن عليّ(علیه السلام) قال:

«لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾((3)) جَمَعَ

النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله) مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَاجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلاً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟

ص: 59


1- ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج13، ص244.
2- المتقي الهندي، كنز العمّال، ج13، ص114، ح 36371.
3- الشعراء، 214.

وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله أَنْتَ كُنْتَ بَحْراً مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ: فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَاحِداً وَاحِداً، فَقَالَ عَلِيٌّ(علیه السلام): أَنَا».(حم وابن جرير، وصحّحه الطحاوي ض)».((1))

الطريق الثاني عشر: ما أخرجه أيضاً المتّقي الهندي، عن عليّ(علیه السلام) قال:

«لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبينَ﴾((2)) دَعَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَصَنَعَ لَهُمْ طَعَاماً لَيْسَ بِالكَثِيرِ، فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللهِ مِنْ جَوَانِبِهَا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ ذُرْوَتِهَا، وَوَضَعَ يَدَهُ أَوَّلُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ أَوَّلُهُمْ، ثُمَّ سَقَاهُمْ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَقِدْماً سَحَرَكُمْ؟ وَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي جِئْتُكُمْ بِمَا لَمْ يَجِئْ بِهِ أَحَدٌ قَطُّ، أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِلَى اللهِ، وَإِلَى كِتَابِهِ. فَنَفِّرُوا وَتَفَرَّقُوا. ثُمَّ دَعَاهُمْ الثَّانِيَةَ عَلَى مِثْلِهَا، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ كَمَا قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْاُولَى، فَدَعَاهُمْ، فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ وَمَدَّ يَدَهُ: مَنْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَصَاحِبِي وَوَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي؟ فَمَدَدْتُ وَقُلْتُ: أَنَا اُبَايِعُكَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، عَظِيمُ الْبَطْنِ، فَبَايَعَنِي عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَذَلِكَ الطَّعَامُ أَنَا صَنَعْتُهُ» (ابن مردويه).((3))

ص: 60


1- المتقي الهندي، كنز العمّال، ج 13، ص128 129، ح 36408.
2- الشعراء، 214.
3- المتقي الهندي، كنز العمّال، ج13، ص149، ح 36465.

أقول: وهذه الطرق والمتون كلّها تقوّي ما أسنده الطبري في تاريخه بسند فيه عبد الغفّار بن القاسم إن فرضنا ضعفه به، فيرقى السند بهذا السند بهذه الطرق وبشواهد كثيرة صحيحة ومتواترة إلى درجة كمال الصحّة والاعتبار.

وأمّا ما أخرجه الطبري فهو هذا:

حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفّار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عنعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، عن عبد الله بن عبّاس، عن عليّ بن أبي طالب، قال:

«لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾((1)) دَعَانِي

رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) فَقَالَ لِي: يَا عَلِيُّ إِنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ اُنْذِرَ عَشِيرَتِيَ الْأَقْرَبِينَ فَضِقْتُ بِذَلِكَ ذَرْعاً وَعَرَفْتُ أَنِّي مَتَى اُبَادِيهِمْ بِهَذَا الْأَمْرِ أَرَى مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ فَصَمَتُّ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَنِي جَبْرَئِيلَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ يُعَذِّبُكَ رَبُّكَ فَاصْنَعْ لَنَا صَاعاً مِنْ طَعَامٍ وَاجْعَلْ عَلَيْهِ رِجْلَ شَاةٍ وَامْلَأْ لَنَا عُسّاً مِنْ لَبَنٍ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أُکَلِّمَهُمْ وَأُبَلِّغَهُمْ مَا اُمِرْتُ بِهِ.

فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ ثُمَّ دَعَوْتُهُمْ لَهُ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلاً يَزِيدُونَ

ص: 61


1- الشعراء، 214.

رَجُلاً أَوْ يَنْقُصُونَهُ فِيهِمْ أَعْمَامُهُ: أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ دَعَانِي بِالطَّعَامِ الَّذِي صَنَعْتُ لَهُمْ فَجِئْتُ بِهِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) حَذِيَّةً مِنَ اللَّحْمِ فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا بِسْمِ الله فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى مَا لَهُمْ بِشَيْ ءٍ حَاجَةٌ وَماَ أَرَى إِلَّا مَوْضِعَ أَيْدِيهِمْ وَأَيْمُ الله الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مَا قَدَّمْتُ لِجَمِيعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: اِسْقِ الْقَوْمَ فَجِئْتُهُمْ بِذَلِكَ الْعُسِّ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى رَوَوْا جَمِيعاً وَأَيْمُ الله إِنْ كَانَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ.

فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بَدَرَهُ أَبُو لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ فَقَالَ: لَقِدْماً سَحَرَكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَلِّمُهُمْ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله)، فَقَالَ الْغَدُ: يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى مَا سَمِعْتُ مِنَ القَوْلِ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَهُمْ فَعُدَّ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ بِمِثْلَ مَا صَنَعْتَ ثُمَّ اجْمَعَهُمْ إِلَيَّ.

قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ، ثُمَّ دَعَانِي بِالطَّعَامِ فَقَرَّبْتُهُ لَهُمْ، فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ، وَأَكَلُوا حَتَّى مَا لَهُمْ بِشَيءٍ حَاجَةٌ، ثُمَّ قَالَ: اسْقِهِمْ، فَجِئْتُهُمْ بِذَلِكَ الْعُسِّ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا مِنْهُ جَمِيعاً، ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي وَالله مَا أَعْلَمُ شَابّاً فِي الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَنِيَ اللهُ تَعَالَی أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، عَلَی أَنْ يَکُونَ أَخِي

ص: 62

وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيکُمْ؟ قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، عَنْهَا جَمِيعاً. وَقُلْتُ وَإِنِّي لَاُحَدِّثُهُمْ سِنّاً، وَأَرْمَصُهُمْ عَيْناً، وَأَعْظَمُهُمْ بَطْناً، وَأَحْمَشُهُمْ سَاقاً: أَنَا يَا نَبِيَّ الله أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيهِ، فَأَخَذَ بِرَقَبَتِي، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ، وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لِابْنِكَ وَتُطِيعَ».((1))

ثم اعلم أنّ للحديث طرقاً ومتوناً اُخرى، وفيما أتينا بها من الطرق غنىً وكفاية، ولعلّ الفاحص المتتبّع يجد أكثر ممّا اطّلعنا عليه. وفي ختام الكلام نُنبِّه على اُمور:

الأوّل: أنّ الاختصار الواقع في الأحاديث إنّما هو لبعض الأسباب والأغراض: فتارةً اختُصِر الحديث لأنّ مجلس إملاء الحديث كان مناسباً للاختصار، واُخرى لأنّ الراوي قصد من رواية الحديث التنبيه على نكتة خاصّة وموضوع خاصّ، وثالثةً لأنّه سئل عن موضوع خاصّ مربوط ببعض ما في الحديث، ورابعةً لعلّة خوف الراوي من المُسْتَمْلين والمستمعين، وخامسةً لمنافاة نقل تمام ألفاظ الحديث مع أغراضه السياسية والدنيوية، وغير ذلك.

وكلّ ذلك وإن كان ممكناً في الاختصار الّذي عرض على هذا

ص: 63


1- الطبري، تاریخ، ج2، ص6263؛ أیضاً راجع: ابن الأثیر الجزري، الکامل في التاریخ، ج2، ص6263؛ المتّقي الهندي، کنز العمّال، ج13، ص131133، ح36419.

الحديث إلّا أنّ في مثله من أخبار فضائل العترة الطاهرة لمّا كان الحذف والتحريف والإبدال والاختصار، وعدم التصريح بالأسامي، والتأويل، وحتى الإعراض عن سماع الحديث، وترك الإملاء قد وقع في موارد كثيرة لا تحصى، الأظهر أنّ ما وقع في هذا الحديث الشريف أيضاً من الاختصار والإبدال إنّما وقع لإخفاء فضائلهم وكتمان مناقبهم.فمثل إبدال قوله(صلی الله علیه و آله): «إنَّ هَذَا أَخِي وَوَصيّي وَخَلِيفَتِي فِيكُم، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» بجملة «إِنَّ هَذَا أَخِي وَوَصِيّي وَكَذَا وَكَذَا» ليس إلّا عناداً ونصباً، كما أنّ تركهم تخريج المئات بل الاُلوف من تلك الأحاديث أو إعراضهم عن أخذ العلم والفقه عنهم ليس إلّا لذلك.

ونِعمَ ما قال خليل بن أحمد اللغوي الشهير لمّا سئل عن فضائل أمير المؤمنين عليّ(علیه السلام): «ما أقول في مدح امرئ کتمت فضائله اولياءه خوفاً، وکتمت مناقبه أعداؤه حسداً، ثمّ ظهر بين الكتمين ما ملأ الخافقين».((1))

وهو الّذي قال في شأن الإمام علی(علیه السلام): «احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ».((2))

الثاني: أنّه قد ظهر لك أنّ حديث يوم الدار في التنصيص على خلافة

ص: 64


1- الحسیني الأسترآبادي، الرواشح السماوية، ص288 289.
2- راجع: الخوئي، معجم رجال الحديث، ج8، ص81.

عليّ(علیه السلام) مستفيض، بل متواتر، وعدم التصريح في متون بعض طرقها بالخلافة لبعض الأسباب الّتي ذكرناها في الأمر الأوّل لا يضرّ بعدم وجودها في غيرها، وبعد ما علمنا أنّ أصل عدم الزيادة يُقدَّم عند العقلاء على أصل عدم النقيصة، سيّما في مورد يمكن تعدّد صدور الكلام وتعدّد وقوع الواقعة، وسيّما إذا كانت الروايات المتضمّنة للزيادة أقرب بحسب الاعتبار بالقبول، وخصوصاً إذا كانت للزيادة في الأخبار الكثيرة شواهد لا تحصى.

الثالث: أنّه لا ريب أنّ الوراثة المذكورة في بعض متون هذا الحديث ليست الوراثة المالية؛ فإنّها مضافاً إلى عدم موافقتها لِما عليه إجماع أئمّة أهل البيت(علیهم السلام) وشيعتهم من أنّ البنت ترث جميع تركة الأب بالفرض والردّ، ولا يرث معها غيرها من العمومة والخؤولة وأبنائهم، وأن ابن العمّ الأبويني يرث العمّ دونالعمّ الأبيّ من غير أن يكون هذا الحكم مختصّاً بأمير المؤمنين(علیه السلام)، لا توافق على مذهب العامّة أيضاً الخبر المكذوب على رسول الله(صلی الله علیه و آله)

المخالف للقرآن المجيد، وهو: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرِّثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ».((1))

ص: 65


1- الآمدي، الاحکام، ج2، ص66، 202؛ أیضاً راجع: مسلم النیسابوري، صحیح، [ج5، ص152؛ الترمذي، سنن، ج3، ص82؛ ابن کثیر، البدایة و النهایة، ج2، ص22.

والظاهر بدلالة هذه القرينة أنّ الوراثة المذكورة في هذا الحديث إنّما اُريد بها وراثة العلم والولاية.

الرابع: أجاب بعضهم عن هذا الحديث الصريح على خلافة الإمام بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) بلا فصل أحد: أنّ كلمة «بعدي» لا تقتضي أن يكون هو الخليفة بعده بلا فصل، بل الحديث صادق، وإن سبق عليه الثلاثة الّذين تقمّصوا بها قبل الإمام(علیه السلام).

وجوابه واضح غنيّ عن البيان، فإنّ قوله: «أَنْتَ خَلِيفَتِي بَعْدِي» صريح في عدم الفصل، ولو قال بعد ذلك «أنت خليفتي بعد أبي بكر وعمر وعثمان» لكان نوعاً من التهافت أو الاُحجيّة الّتي ينبغي تنزيه كلام الحكيم في مثل هذه المقامات عنهما، وهذا أصرح من أن يقول: «أنت الخليفة بعدي»، وإن كان هذا أيضاً صريح في ذلك.

ونظير هذا التصريح في شأن عليّ(علیه السلام) كثير في الأحاديث، مثل:

«عَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي».((1))

وقوله(صلی الله علیه و آله): «عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَهُوَ وَليُّكُمْ

ص: 66


1- ابن أبي شیبة الکوفي، المصنف، ج7، ص504؛ المتقي الهندي، كنز العمّال، ج11، ص608، ح32941؛ ج13، ص142، ح 36444.

بَعْدِي».((1))

وقوله(صلی الله علیه و آله): «أَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي».((2))وقوله(صلی الله علیه و آله): «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَليُّكُمْ بَعْدِي».((3))

وقوله(صلی الله علیه و آله): «إِنَّ عَلِيّاً وَلِيُّكُمْ بَعْدِي».((4))

وقوله(صلی الله علیه و آله): «هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي، وَهُوَ فَارُوقُ هَذِهِ الْاُمَّةِ، وَيَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّلَمَةِ، وَهُوَ الصِدِّيقُ الْأَكْبَرْ، وَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي».((5))

الخامس: أنّك قد عرفت كثرة مُخرِّجِي هذا الحديث من أكابر أهل السنّة، مثل:

ص: 67


1- الطوسي، الأمالي، ص247؛ ابن عساکر، تاريخ مدینة دمشق، ج42، ص189؛ الطبري، بشارة المصطفی، ص193.
2- الطبراني، المعجم الکبیر، ج12، ص78؛ الحاکم النیسابوري، المستدرك، ج3 ص134؛ ابن عبد البر، الاستیعاب، ج 3، ص1091؛ الهیثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص120.
3- أحمد بن حنبل، مسند، ج5، ص256؛ ابن عساکر، تاريخ مدینة دمشق، ج42، ص 189 190؛ الطبري، ذخائر العقبی، ص68.
4- الکوفي، مناقب الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام)، ج1، ص424؛ الطوسي، الأمالي، ص250؛ ابن عساکر، تاریخ مدینة دمشق، ج42، ص191؛ الصالحي الشامي، سبل الهدی والرشاد، ج11، ص295.
5- الذهبي، ميزان الاعتدال، ج 2، ص 417.

1. أحمد في مسنده.

2. ابن أحمد.

3. ابن مردويه.

4. الحسكاني.

5. ابن إسحاق.

6. البيهقي في سننه ودلائله.

7. الثعلبي في تفسيره.

8. الطبري في تاريخه وتفسيره.

9. ابن كثير في تاريخه.

10. الإسكافي.

11. ابن أبي الحديد.

12. النسائي في الخصائص.

13. الحاكم في المستدرك.

14. ابن أبي حاتم.15. ابن عساكر.

16. الطحاوي.

17. الضياء المقدّسي.

ص: 68

18. سعيد بن منصور.

19. ابن الأثير الجزري.

20. المتّقي الهندي.

21. الحلبي.

22. الذهبي.

23. يحيى بن سعيد في إيضاح الإشكال.

24. البزّار.

25. الطبراني.

26. جعفر بن محمد الخلدي.

27. الگنجي الشافعي.

28. الحموئي.

29. ابن قتيبة.

30. ابن عبد ربّه.

وغيرهم من الحفّاظ وأرباب التاريخ، كابن حجر، وأبي نعيم وهَيْكَل.

ولشهرة هذا الحديث ذكره كما في المراجعات((1)) عدّة من الكتاب الغربيّين في كتبهم الفرنسية والإنجليزية والألمانية، واختصره توماس

ص: 69


1- شرف الدین الموسوي، المراجعات، ص299 300.

كارليل في كتابه الأبطال المترجم بالعربية والفارسية.

وليكن هذا آخر ما كتبناه حول آية الإنذار وحديث يوم الدار، حامداً لله تعالى، ومصلّياً على النبيّ وأهل بيته(علیهم السلام)، سيّما ابن عمّه سيف الله المسلول، ونفس الرسول، وزوج البتول الإمام عليّ بن أبي طالب(علیهم السلام).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

حرّره لطف الله الصافي الگلپايگاني

ص: 70

مصادر التحقیق

1. القرآن الکریم.

2. الإحتجاج، الطبرسي، أحمد بن عليّ (م. 560ق.)، النجف الأشرف، دار النعمان، 1386ق.

3. الاحکام في ُاصول الأحکام، الآمدي، عليّ بن محمد (م.631ق.)، بیروت، المکتب الإسلامي، 1402ق.

4. الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد، المفید، محمد بن محمد (م. 413ق.)، بیروت، دار المفید، 1414ق.

5. الإستیعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، یوسف بن عبد الله القرطبي (م.463ق.)، بیروت، دار الجیل، 1412ق.

6. اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثیر الجزري، عليّ بن محمد (م. 630ق.)، طهران، منشورات إسماعیلیان.

7. أضواء علی السنّة المحمدیة أو دفاع عن الحدیث، أبو ریّه، محمود (م. 1385ق.)، نشر البطحاء.

8. الأمالي، الصدوق، محمد بن عليّ (م. 381ق.)، قم، مؤسّسة

ص: 71

البعثة، 1417ق.

9. الأمالي، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، دار الثقافة، 1414ق.

10. أمان الاُمّة من الضلال والاختلاف، الصافي الگلپایگاني، لطف الله، قم، المطبعة العلمیة، 1397 ق.

11. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار(علیهم السلام) ، المجلسي، محمد باقر (م. 1111ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1403ق.1.

12.البدایة والنهایة، ابن کثیر، إسماعیل بن عمر (م. 774ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1408ق.

13. بشارة المصطفی(صلی الله علیه و آله) لشیعة المرتضی(علیه السلام)، الطبري، محمد بن أبي القاسم (م.525ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1420ق.

14. بصائر الدرجات فی فضائل آل محمد(صلی الله علیه و آله)، الصفّار، محمد بن الحسن (م. 290ق.)، طهران، مؤسّسة الأعلمي، 1404ق.

15. تاریخ الاُمم والملوك، الطبري، محمد بن جریر (م. 310ق.)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1403ق.

16. تاریخ مدینة دمشق، ابن عساکر، عليّ بن الحسن (م. 571ق.)، بیروت، دار الفکر، 1415ق.

ص: 72

17. تهذیب التهذیب، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن عليّ (م. 852ق.)، بیروت، دار الفکر، 1404ق.

18. جامع البیان عن تأویل آي القرآن، الطبري، محمد بن جریر (م. 310ق.)، بیروت، دار الفکر، 1415ق.

19. جامع الرواة، الأردبیلي، محمد بن عليّ (م. 1101ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1403ق.

20. الجرح والتعدیل، ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد (م. 327ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1371ق.

21. خطط الشام، کرد علي، محمد، دمشق، مکتبة النوري، 1403ق.

22. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م. 726ق.)، قم، مؤسّسة النشر الفقاهة، 1417ق.

23. دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشریعة، البیهقي، أحمد بن الحسین (م. 458ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1405ق.

24.ذخائر العقبی في مناقب ذوی القربی، الطبري، أحمد بن1. عبد الله (م. 694ق.)، القاهرة، مکتبة القدسي، 1356ق.

25. رجال الطوسي، الطوسي، محمد بن الحسن (م. 460ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415ق.

ص: 73

26. رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنّفي الشیعة)، النجاشي، أحمد بن عليّ (م. 450ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416ق.

27. الرواشح السماویة، الحسیني الأسترآبادي (میرداماد)، محمد باقر (م.1041ق.)، قم، دار الحدیث، 1422ق.

28. روضة الواعظین وبصیرة المتعظین، الفتّال النیسابوري، محمد بن الحسن (م. 508ق.)، قم، منشورات الشریف الرضي.

29. الریاض النضرة فی فضائل العشرة (مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام))، الطبري، أحمد بن عبد الله (م.694ق.)، قم، مکتب الإعلام الإسلامي، 1425ق.

30. سبل الهدی والرشاد في سیرة خیر العباد، الصالحي الشامي، محمد بن یوسف (م. 942ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1414ق.

31. سنن الترمذي، الترمذي، محمد بن عیسی (م. 279ق.)، بیروت، دار الفکر، 1403ق.

32. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ، المغربي، القاضي نعمان بن محمد التمیمي (م. 363ق.)، قم، موسّسة النشر الإسلامي، 1414ق.

33. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، عزّ الدین (م.656ق.)، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378ق.

ص: 74

34. شواهد التنزیل، الحاکم الحسکاني، عبید الله بن عبد الله (م. 506ق.)، طهران، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1411ق.

35. صحیح البخاري، البخاري، محمد بن إسماعیل (م. 256ق.)، بیروت، دار الفکر، 1401ق.

36. صحیح مسلم، مسلم النیسابوري، مسلم بن الحجّاج (م. 261ق.)، بیروت، دار الفکر.

37. العتب الجمیل على أهل الجرح والتعدیل، ابن عقیل العلوي، محمد بن عقیل (م.1350ق.)، نشر الهدف.

38. علل الشرائع، الصدوق، محمد بن عليّ (م. 381ق.)، النجف الأشرف، المکتبة الحیدریة، 1385ق.

39. عمدة عیون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن البطریق، یحیی بن الحسن (م. 600ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407ق.

40. فرائد السمطین في فضائل المرتضی والبتول والسبطین والأئمّة من ذرّیّتهم(علیهم السلام)، الحموئي، إبراهیم بن محمد (م. 730ق.)، بیروت، مؤسّسة المحمودي، 1398ق.

ص: 75

41. الکامل في التاریخ، ابن الأثیر الجزري، عليّ بن محمد (م.630ق.)، بیروت، دار صادر، 1386ق.

42. الکامل في ضعفاء الرجال، ابنعدي الجرجاني، عبد الله (م. 365ق.)، بیروت، دار الفکر، 1409ق.

43. کتاب سلیم بن قیس، الهلالي العامري، سلیم بن قیس (م. 85ق.)، قم، نشر الهادي، 1420ق.

44. کفایة الأثر في النصّ علی الأئمة الإثني عشر(علیهم السلام)، الخزّاز القمّي، عليّ بن محمد (م. 400ق.)، قم، منشورات بیدار، 1401ق.

45. کنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، المتّقي الهندي، علاء الدین عليّ (م. 975ق.)، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409ق.

46. لسان المیزان، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (م. 852ق.)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1390ق.

47. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهیثمي، عليّ بن أبي بکر (م.807ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1408ق. 48.المراجعات، شرف الدین الموسوي، السیّد عبد الحسین (م. 1377ق.)، بیروت، الجمعیة الإسلامیة، 1402ق.

ص: 76

49. المستدرك علی الصحیحین، الحاکم النیسابوري، محمد بن عبد الله (م. 405ق.)، بیروت، دار المعرفة.

50. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل (م. 241ق.)، بیروت، دار صادر.

51. المصنّف في الأحادیث والآثار، ابن أبي شیبة الکوفي، عبد الله بن محمد (م. 235ق.)، بیروت، دار الفکر، 1409ق.

52. المعجم الأوسط، الطبراني، سلیمان بن أحمد (م. 360ق.)، دار الحرمین، 1415ق.

53. المعجم الکبیر، الطبراني، سلیمان بن أحمد (م.260ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1404ق.

54. معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرواة، الخوئي، السیّد أبو القاسم الموسوي (م.1413ق.)، 1413ق.

55. مناقب الإمام أمیر المؤمنین عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، الکوفي، محمد بن سلیمان (م. قرن 3)، قم، مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة، 1412ق.

56. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر(علیه السلام)، الصافي الگلپایگاني، لطف الله، طهران، مکتبة الصدر.

ص: 77

57. میزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، محمد بن أحمد (م. 748ق.)، بیروت، دار المعرفة.

58. وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، الحرّ العاملي، محمد بن الحسن (م. 1104ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1414ق.

59.وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلّکان، أحمد بن1. محمد (م. 681ق.)، بیروت، دار الثقافة.

ص: 78

الفهرس

في تفسير آية التطهير. 5

المقدّمة. 7

تحقيق دقيق. 15

مصادر التحقیق. 25

تفسیر آیة الإنذار وأحادیث یوم الدار، أو بدء الدعوة .27

المقدّمة. 29

نقده الآخر. 37

آية الإنذار وحديث الدار. 38

مصادر التحقیق. 71

الفهرس... 79

ص: 79

ص: 80

آثار سماحة آية الله العظمى الصافي الگلپايگاني مدّ ظلّه الوارف

الصورة

ص: 81

الصورة

ص: 82

الصورة

ص: 83

الصورة

ص: 84

الصورة

ص: 85

الصورة

ص: 86

الصورة

ص: 87

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.