بحوث حول العقاید والاخلاق والتفسیر

اشارة

سرشناسه:صافی گلپایگانی، لطف الله، 1298 -

Safi Gulpaygan, Lutfullah

عنوان و نام پديدآور:بحوث حول العقاید والاخلاق والتفسیر/ لطف الله الصافی الگلپایگانی.

مشخصات نشر:قم: دفتر تنظیم و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی، 1440ق.= 1398.

مشخصات ظاهری:287ص.

شابک:25000 ریال:978-600-7854-70-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه.

یادداشت:نمایه.

موضوع:قرآن -- علوم قرآنی-- پرسش ها و پاسخ ها

موضوع:Qur'an -- Qur'anic sciences-- Questions and answers

موضوع:شیعه -- عقاید -- پرسش ها و پاسخ ها

موضوع:Shi'ah -- Doctrines -- Questions and answers

موضوع:شیعه -- اصول دین-- پرسش ها و پاسخ ها

موضوع:Shi'ah -- *Pillars of Islam-- Questions and answers

موضوع:اخلاق اسلامی -- پرسش ها و پاسخ ها

موضوع:Islamic ethics -- Questions and answers

رده بندی کنگره:BP211/5

رده بندی دیویی:297/4172

شماره کتابشناسی ملی:5841764

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

بحوث حول العقائد والأخلاق والتفسیر

الفقیه الکبیر

سماحة المرجع الدیني آية الله العظمى

الحاج الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني مدّ ظلّه العالي

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفى وآله الطيّبين الطاهرين المنتجبين.

أمّا بعد؛ فكتابنا هذا قد قسّمناه إلى ثلاثة أقسام، هي:

1. العقائد؛

2. الأخلاق والمواعظ؛

3. علوم القرآن والتفسير.

أمّا القسم الأوّل: وهو القسم الأصلي من الكتاب فيحتوي على مجموعة من الأسئلة العقائدية المختلفة رتّبناها على غرار اُصول الدين: التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد، كما توجد أسئلة متفرّقة عن بعض عقائد الشيعة في الرجعة والولاية التكوينية والفروق بيننا وبين المذاهب الاُخرى جعلناه في باب خاصّ تحت عنوان: عقائد متفرّقة.

وقد كثرت الأسئلة حول موضوع الإمامة باعتبار أنّ الشيعة ينظرون إلى الإمامة بأنّها استمرار لوظائف الرسالة سوی النبوّة، ومن المعلوم أنّ ممارسة هذا المقام يتوقّف على توفّر صلاحيات عالية، لا ينالها الفرد إلّا إذا وقع تحت عناية إلهية خاصّة، فيخلف النبيّ في علمه وفي عدالته وعصمته وقيادته وغير ذلك.

ص: 5

أمّا القسم الثاني: فهو يحتوي على مجموعة من الأسئلة في الأخلاق ويحتوي على مواعظ وإرشادات تعالج مشاكل الفرد والمجتمع الإسلامي.

أمّا القسم الثالث والأخير: فهو يحتوي على مجموعة من الأسئلة في علوم القرآن والتفسير على ضوء ما وصل إلينا من أئمّة الهدى ، آملين أن نكون قد وفّقنا لتوضيح الحقّ وإماطة اللثام عن وجه الحقيقة، والحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصالحات.

ص: 6

القسم الأوّل: العقائد

اشارة

ص: 7

ص: 8

التوحید

اشارة

قال الله تعالی: «قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ».(1)

«لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ».(2)

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ».(3)

«أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْ ءٍ».(4)

«قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ اُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ».(5)

قال الله تعالی: «قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ».(6)

«لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ».(7)

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ».(8)

«أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْ ءٍ».(9)

«قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ اُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ».(10)

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَی كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله».(11)

ص: 9


1- . الأنبياء، 108.
2- . الأنبياء، 22.
3- . الزخرف، 9.
4- . الأعراف، 185.
5- . الأنعام، 162-163.
6- . الأنبياء، 108.
7- . الأنبياء، 22.
8- . الزخرف، 9.
9- . الأعراف، 185.
10- . الأنعام، 162-163.
11- . آل عمران، 64.

وجوب معرفة الله تعالی

السؤال: هل يجب على كلّ مكلّف معرفة تفصيلات العقائد الصحيحة بنفسه؟ وهل یجوز أن يكتفي بإخبار الآخرين بها إیّاه، فيتعلّمها تقليداً ومحاكاة أو لا؟

الجواب: ما يجب على المكلّف هو الاعتقاد باُصول الدين وإن حصلت عن طريق التقليد وإخبار الغير، غير أنّ إخبار الغير لا يوجب اليقين والاعتقاد، وغاية ما يحصل به هو الظنّ، وهو لا يُغني عن الحقّ شيئاً، مضافاً إلى أنّه لو حصل اليقين والاقتناع بإخبار الغير فإنّه يكون عادةً متزلزلاً، ويكون صاحبه في معرض الشكّ فيه، إذاً فالعقل يلزمنا بتحصيل عقائدنا بالدليل، فما يجب علينا الاعتقاد به بالإجمال يجب أن يكون بالدليل، وما يجب علينا الاعتقاد به بالتفصيل يجب أن يكون أيضاً بالدليل، مثلاً: في مسألة معرفة الله تعالى، لا يجوز الاقتصار على الاعتقاد بالمبدأ من دون المعرفة بصفاته الجلالية، فيجب معرفته بهذه الصفات وبأسمائه الحسنى، إلّا أنّه لا يجب معرفته بالكنه والحقيقة، فإنّ ذلك خارج عن إدراك كلّ المخلوقين، حتّی الملائكة المقرّبين، والأنبياء والمرسلين.

وفي مبحث النبوّة لا نكتفي بالاعتقاد بأنّ اللازم على الله تعالى إرسال الرسل وإنزال الكتب، بل يجب علينا معرفة رسول الله محمّد بن عبد الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأنّه خاتم النبيّين، بالدليل.

وهكذا الأمر في مسألة الإمامة، فلا يجوز الاقتصار فيها على الإجمال، بل يجب الاعتقاد بالتفصيل بإمامة الأئمّة الاثني عشر( علیهم السلام).

نعم في مسألة المعاد والإيمان بالدار الآخرة وبالحساب والميزان والجنّة والنار، لا يجب الاعتقاد بأكثر من أنّ الله تعالى يحيي الموتى ويحشرهم يوم القيامة

ص: 10

ويحاسبهم، وأنّ كلّ هذه الاُمور حقّ. أمّا تفاصيل كيفيّة البعث والحساب والجنّة وأنواع ما فيها من النعيم، والنار وأنواع ما فيها من العذاب، فلا يجب البحث عنها والاعتقاد بها.

ولا يخفى أنّ بعض الاُمور هو ممّا لا يستدلّ عليه إلّا بالدليل العقلي، والبعض الآخر منها لا يثبت إلّا بالدليل النقلي، والبعض الآخر يمكن إثباته بالعقل والنقل.

ولا يخفى أنّه لو ثبت بالدليل العقلي الموجب للقطع بعض هذه التفاصيل الّتي لا يجب الاعتقاد بها، لا يجوز بعد ذلك إنكاره.

واعلم أنّ كثيراً من الاُمور الّتي تعدّ عند الناس من الاعتقادات ليس الاعتقاد بها واجباً، فالّذي لا يعرفها ولا يلتفت إليها لا يُسأل عنها.

مثلاً: إذا علم واعتقد أنّه ليس للباري تعالى شريك، ولكن لم يلتفت إلى امتناع ذلك بالذات، أو اعتقد برسالة رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، ولم يعرف تفاصيل بعثته، ويوم ميلاده وارتحاله إلى الرفيق الأعلى، وأسماء أصحابه، وغزواته وسراياه، وغير ذلك، فلا يُسأل عنه يوم القيامة.

وأمّا أخبار الآحاد إن كانت تامّة من حيث السند والدلالة، فلا يجب علينا الاعتقاد بها فلا نرفضها ونحكم بعدم صحّتها، ولا نحكم بها بدون حصول اليقين.

وبعد ذلك فاعلم أنّه إذا لم يکن في القلب مرض يقنع ويحصل له اليقين بالهدايات القرآنية کقوله تعالی: «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ»؛(1) وقوله تعالی: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ»؛(2)

ص: 11


1- . الطور، 35.
2- . الذاريات، 20-21.

وقوله عزّ وجلّ: «لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ»؛(1) وغيرها من الآيات الکثيرة والروايات الصحيحة في التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد والإمامة، والحمد لله ربّ العالمين.

***

سؤال: هل النظر في ملکوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء، ينتهي إلی حدّ ومقدار ومخلوقات وتنوّعات وعجائب ممّا نراه وما لا نراه؟

الجواب: حاشا وکلّا. لو عاش إنسان ألف سنة، وکان دائم التفکّر فلا ينتهي إلّا إلی القليل، المشحون کلّ ناحية منه بعجائب من النظامات الّتي تتحيّر منها العقول.

قال الله تعالی: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً».(2)

فهل الکون بما فيه من الآيات، تکوّن بهذا النظم البديع الباهر والروابط القويمة، من غير شيء أو هو بنفسه خالق نفسه ومکوّن کينونيّته؟ قال الله تعالی: «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ»؛(3) أم له الخالق الحکيم القادر العليم؟

وبعبارة اُخری: هل کلّ ما نری؛ الکون وما هو متضمّنٌ له من النظامات الّتي لا تحصی عجائبها، من صنع ذرّات المادّة، بإرادتها وقصدها وتدبيرها ورتقها وفتقها أو تکوّن بطريق المصادفة؟ أو أنّ کلّ ذلك تکوّن بصنع الله القادر الحکيم؟

فالفرض الأوّل، لا يقول به أحد من العقلاء. فلم ينسب أحد، هذه العوالم

ص: 12


1- . لقمان، 25.
2- . الکهف، 109.
3- . الطور، 35.

صغيرها وکبيرها، ومنظوماتها وشموسها وأقمارها ونجومها، وما في هذا الفضاء الواسع من الکائنات المسيطرة عليها نظاماتها الّتي عجزت عن الإحاطة بها وإدراکها العقول إلی الکائنات المادّية؛ صغيرها وکبيرها، کالشمس والقمر والحجر والنبات والإنسان وما هو أکبر وأکبر منها، المتشکّلة من المادّة أو إلی الذرّات المادّية الّتي تکوّنت منها الکائنات العظيمة؛ فکلّها فاقد القصد، عادم الشعور والإرادة لا ينسب إليها ما بوجوده وشراشر أعضائه والجراثيم والمخلوقات الذرّيّة الّتي فيها يشهد بوجود القصد والشعور والإرادة.

والفرض الثاني، وهو تکوّن الکون العظيم الباهر بالمصادفة، فلعلّه يحتمله من لا يقول بقانون العلّية إذا کان بنسبة الواحد من الاثنين کوقوع لبنة فوق اُخری باحتمال وقوعها کذلك من دون علّة، أو علّة قاصدة شاعرة، أو وقوعها بالقصد والإرادة علی السواء إلّا أنّ الاعتبار والاعتناء بالاحتمال، ينقص وينقص إذا صار الأشياء المتزاحمة تزيد وتزيد حتّی تصل إلی حدّ يکون احتمال المصادفة دليلاً علی نقصان العقل. فإذا کان هنا، مطبعة کبيرة فيها اُلوف من الحروف؛ الألف والباء و... إلی آخر الحروف، ومن کلّ حرف عشرات وأکثر في موضعه الخاصّ به. فدخل يوماً من الأیّام أمينُ المکتبة علی عادته في سائر الأيّام، فصار مواجهاً لقلب هذه المواضع وخلط هذه الحروف؛ فأخبرك بأنّه وجد فيها تشکّل کلمة لها معناها الخاصّ، کالماء والهواء والإنسان، فأنت لا تکذّبه وتحمل ذلك علی المصادفة والاتّفاق، ولکن ما ظنّك به لو أخبر أنّه وجد عشر کلمات هکذا؟ وما ظنّك لو أخبرك بأنّ هذه الکلمات مترابطة المعاني تفيد معنی الجملة التصوّريّة کما تفيد الکلمة معناها التصوّري؟ فلا تصدّقه وتظنّ أنّه يريد بذلك

ص: 13

امتحان مقدار عقلك. وتقول: لعلّك تحسبني من السفهاء. ولكنّه إن أخبرك بتشكّل کتاب علمي، کلّه في موضوع واحد أو کتب کثيرة مما لا يمکن جمعها إلّا في مکتبة کبيرة مساحتها کذا وکذا، فما تقول؟ أتقول: إنّ ذلك کلّه بالمصادفة أو إنّ ذلك مقتضی طبيعة الحروف لا قصد لها ولا شعور؟ حتماً لا تقول لا بالأوّل ولا بالثاني.

فالکون الّذي حروفه وعجائبه وما فيه من الآيات، أکثر من حروف تلك المکتبة، أتکوّن بالمصادفة أو هو المکوّن لنفسه؟ ولا نفسيّة له غير هذه الذرّات الکثيرة المنضمّة بعضها ببعض علی حساب ونظام باهر لا يمکن للبشر توصيفه؛ الشمس والقمر والنجوم والبحار والأشجار والحيوان والإنسان المتکوّنة من الذرّات والجراثيم وما يری وما لا يری وما عرفه الإنسان وما لم يعرفه الإنسان؛ الإنسان الّذي صار کلّ عضو من جسده بما فيه من الکمال التامّ والنظام وحسن التقدير والتدبیر موضوعاً لعلم خاصّ، يبحثون فيه ويفحصون عنه علماء العلوم والفنون. ذلك کلّه، هل تکوّن بالمصادفة أو تکون بنفسه من غير قصد ولا شعور؟ لا يحتمل ذلك ذو مسکة أبداً. فإذا نحن نری بالوجدان أنّ ما في هذا العالم من صنع البشر لا يتّفق بالمصادفة من غير صانع ذي القصد والشعور. فکيف يکون هذا في کلّ العالم والعالم کلّه؟ کلّ ذلك لا يکون إلّا بتقدير العزيز العليم.

قال مولانا أمير المؤمنين: «لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وجَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَی الطَّرِيقِ وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَلَكِنَّ الْقُلُوبَ عَلِيلَةٌ وَالْبَصَائِرَ مَدْخُولَةٌ».(1) انتهی.

ص: 14


1- . نهج البلاغة، الخطبة 185 (ص270).

إي والله. فمن لا يؤمن بذلك فقل له: أنت إن کنت شاکّاً في کلّ شيء، فهل تشكّ في وجودك؟ فإذا لم تشكّ، فأنت إذاً موجود وجدت بعد ما لم تکن موجوداً وکائن بعد ما لم تکن شیئاً، فمن کوّنك؟ إذا أنت کوّنت نفسك حين لم تکن؟ أو تکوّنت بالمصادفة؟ أو کوّنك من هو مثلك، أو کوّنك من ليس کمثله شيء العزيز العليم الحکيم. «هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ

الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْعَزِيزُ الْحَکِیمُ»؛(1) «وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ»؛(2) و «جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً»؛(3) «فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ»؛(4) «فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً»؛(5) «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا»؛(6) «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ».(7)

«فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ

ص: 15


1- . الحشر، 22-23.
2- . الفرقان، 48.
3- . الفرقان، 61.
4- . الأنعام، 95.
5- . الأنعام، 96.
6- . لقمان، 10.
7- . النحل، 3.

تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».(1)

«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِاُولِي الْأَلْبَابِ * اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».(2)

***

سؤال: قد طرح شخص في أحد المنتدیات هذا الکلام فأرجو الردّ: «باسم الطبيعة الخالقة... إخواني وأخواتي... مَن قال لكم: إنّ الله الّذي تعبدونه هو مَن خلق الكون والأرض والمخلوقات؟ في الحقيقة فكّرت كثيراً فلم أتوصّل إلّا بأنّ هذا الكون موجود بالأصل... وأمّا هذه المخلوقات تكوّنت في عدّة مراحل كونية ونشأة تطويرية ليس إلّا... فإمّا كانت على طريقة ديالكتيكية أو ديناميكية أو ميكانيكية صنعت لنا هذا الشيء الخلاب الّذي اسمه وجود وأشكر الطبيعة على هدايتي».

الجواب: قل له: الأرض تقول والسماء تقول والشجر يقول وأوراقه تقول

ص: 16


1- . الروم، 17-24.
2- . آل عمران، 190-191.

والحجر والجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم والحيوان والإنسان والطير في السماء والنمل والنحل والإبل والحوت والسحاب وقطرات المياه والأمطار والدوابّ وذرّات الکائنات وعجائب ما فيها من النظام وما فيها من الخواصّ لکلّ ما في الوجود، ناطقة بوجوده تعالی وتسبيحه ومجده.

أنت تقول وأعضاؤك تقول وعينك وبدنك وقلبك وسمعك وظاهرك وباطنك تقول... وإذا أنت لا تسمع ولا تری ما وراء هذه العوالم ولا تری الباني وراء البناء والصانع وراء المصنوع والکاتب وراء الکتاب، فالنقص منك.

لحظات عينك وقرعات قلبك، کلّها شواهد علی وجود خالقها وخالق جميع المخلوقات والکون والأرض والسماء؛ فإن لم تسمع أنت، فنحن سامعون مؤمنون.

الهدف من الخلقة

سؤال: ما هو الهدف من خلق المخلوقات؟

الجواب: إذا كان الخلق كلّه من الأرضين والسماوات والكواكب والنجوم والمنظومة الشمسية وما فيها من المخلوقات والدوابّ والهوامّ ما يرى منها وما لا يرى؛ غيبها وظهورها شخصاً واحداً لا يستبعد منه السؤال عن هدف الخلق، وأمّا من هو واحد من هذه الخلائق وهو كما قاله إمامنا الصادق: «يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَكَلَ قَلْبَكَ طَائِرٌ لَمْ يُشْبِعْهُ وَبَصَرُكَ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَرْقُ إِبْرَةٍ لَغَطَّاهُ تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ بِهِمَا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».(1)

ص: 17


1- . الکلیني، الكافي، ج1، ص93.

فشأنه الاعتراف بالعجز، وتسبيح الله تعالى؛ فسبحان من له العزّة والجلال، وسبحان من له القدرة والكمال، وسبحان من خلق الخلائق كلّها لم يخلقهم عبثاً، وسبحان من هكذا وليس هكذا غيره، وسبحان من هو هو وليس من هو هو إلّا هو، سبحان ربّي العظيم وربّي الأعلى وبحمده.

ولعلّ ما هو الغرض من الخلق، هو ممّا لا يعرفه إلّا الله تعالی أو یکون من الاُمور الّتي تعرف فائدته في المستقبل، کما أنّا نعرف فائدة طوائف کثيرة من الخلق وما أعطاها الله تعالی من القوی والأعضاء ممّا لا ينتهي التفکّر فيه طول الأعوام والأعصار.

قال الله تعالی: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ».(1) وقال عزّ اسمه: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ».(2)

وقال عزّ وجلّ: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً».(3)

وقال: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ».(4)

***

سؤال: ورد في الحديث القدسي ما مضمونه: «كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرَف فخلقت الخلق». هل أنّ الله سبحانه وتعالى محتاج لأن يُعرف؟ وما نوع هذه المعرفة حيث إنّ الله سبحانه وتعالى لا يمكن معرفته والإحاطة به جلّ شأنه؟

ص: 18


1- . الذاريات، 20-21.
2- . المؤمنون، 115.
3- . طه، 114.
4- . يوسف، 76.

الجواب: لم يثبت كون هذه الجملة من الأحاديث القدسية، وعلی فرض ثبوته أنّ المعرفة الّتي يمكن لغيره تعالى الوصول إليها، معرفته بالآثار بخلقه وعجائب مخلوقاته عما لو اُعطي أحد عقول تمام أفراد البشر؛ ماضيهم وحاضرهم ومن يأتي منهم، وعمر الدنيا، فإن فكّر فيها هو بهذا العقل وهذا العمر لا يصل إلى نهايته ويرى ما وصل إليه في جنب ما لم يصل إليه أقلّ من القليل في جنب الكثير الكثير، وأمّا المعرفة الّتي لا يمكن لأحد حتّی الأنبياء العظام الوصول إليها، هو معرفته بالكنه وذاته المقدّسة، ولذا جاء في الأحاديث الشريفة: «تَكَلَّمُوا فِي خَلْقِ اللهِ وَلَا تَكَلَّمُوا فِي اللهِ».(1)

***

السؤال: في أيّ كتاب ورد هذا الحديث القدسي: «مَن طلبني وجدني، ومن وجدني عشقني، ومن عشقني عشقته، ومن عشقته قتلته، ومن قتلته فعليّ ديته»؟

الجواب: قد توجد هذه العبارة في كتب بعض الصوفية ومن يحذو حذوهم، هداهم الله تعالى إلى هداية الكتاب ومعارف أهل البيت(علیهم السلام) الصحيحة المأثورة، وما في كتبهم هكذا: «من طلبني وجدني، ومن وجدني عرفني، ومن عرفني أحبّني، ومن أحبّني عشقني ومن عشقني عشقته ومن عشقته قتلته ومن قتلته فعليّ ديته»؛ وليس له أثر في كتب الحديث المعتبرة المعتمدة، فلا يعتدّ به ولا ينبغي نقله والاستشهاد به.

معرفة النبيّ والإمام الله تعالی

سؤال: يروى حديث عن الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مضمونه: «يا عليّ! لا يعرف الله إلّا أنا

ص: 19


1- . الکلیني، الکافي، ج1، ص92؛ الصدوق، التوحید، ص454؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج16، ص196.

وأنت، ولا يعرفني إلّا الله وأنت، ولا يعرفك إلّا الله وأنا». نحن نعرف بأن الله مطلق غير محدود وأنّ ما سواه من المخلوقات محدود ولا يمكن إحاطة المحدود باللامحدود. فكيف يحيط النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) معرفة بالله تبارك وتعالى؟

الجواب: ليس المراد من معرفة النبيّ والإمام الله تبارك وتعالى، معرفته سبحانه بالكنه والإحاطة بحقيقة ذاته المقدّسة، قال تعالى: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً»،(1) ومن المعرفة به تعالى، معرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله بقدر ما يمكن للبشر ولغيره المعرفة بها؛ ومنها المعرفة بأنّه تعالى لا يقع بذاته تحت إدراكنا: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»،(2) «سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَمَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَةٍ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ»،(3) «لَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ»؛(4) «كُلَّمَا مَيَّزتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ فِي أَدَقِّ مَعَانِيهِ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مِثْلُكُمْ مَرْدُودٌ إِلَيْكُمْ».(5) وبعد ذلك، هذا المقدار من المعرفة لا تَحصُل إلّا للنبيّ والوصيّ، ومن يحذو حذوهم ويتّبع هَدْیَهُمْ وفوق كلّ ذي علم عليم، كما أنّ معرفة النبيّ والوصيّ حقّ المعرفة لا تحصل لأحد، وإنّما هي مختصّة بالله تعالى والنبيّ والوصيّ. والكلام في ذلك طويل لطيف.

ص: 20


1- . طه، 110.
2- . الأنعام، 103.
3- . نهج البلاغة، الخطبة 109 (ص158).
4- . نهج البلاغة، الخطبة 91 (ص125).
5- . المجلسي، بحار الأنوار، ج66، ص293.

دور المعرفة في الحسن الفاعلي

السؤال: ما هو دور المعرفة في الحسن الفاعلي؟

الجواب: دور المعرفة في الحسن الفاعلي، أهمّ من الحسن الفعليّ كائناً ما كان العمل. وإنّما يثُاب الناس على أعمالهم بقدر معرفتهم: المعرفة بالله تعالى الّتي هي أوّل الدين، والمعرفة بالنبوّة وبالنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، والمعرفة بالولاية، ولاية أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وأولاده الأئمّة(علیهم السلام).

وقد ورد من طرق الفريقين عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ مَا قَامَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ حَتَّى حَجَّ أَلْفَ عَامٍ (حِجَّةٍ) عَلَى قَدَمَيْهِ ثُمَّ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَظْلُوماً ثُمَّ لَمْ يُوَالِكَ يَا عَلِيُّ لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا».(1)

ومن طرق الشيعة: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَحَجَّ جَمیعَ دَهْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ وِلَايةَ وَليِّ الله فَیُوَالِیَهُ وَيَكُونُ جَمِیعُ أَعْمَالِهِ بِدَلَالَتِهِ إِلَیْهِ، مَا كَانَ لَهُ عَلَى الله حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ».(2)

الدلیل علی وجود الله تعالی

سؤال: ما هو الدليل على وجود الله سبحانه وتعالى؟ أجيبوني قصيراً ومقنعاً.

ص: 21


1- . الخوارزمي، المناقب، ص67؛ الخوارزمي، مقتل الحسین (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، ج1، ص69؛ ابن مردویه الأصفهاني، مناقب عليّ بن أبي طالب، ص73؛ الطبري، بشارة المصطفی، ص153؛ الإربلي، کشف الغمّة، ج1، ص102؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج27، ص194.
2- . الکلیني، الکافي، ج2، ص19.

الجواب: الأدلّة الدالّة على وجود الله تبارك وتعالى وتوحيده وصفاته الثبوتية والسلبية کثيرة کثيرة جدّاً. فلاحظ القرآن الکريم والأحاديث الشريفة والکتب الّتي صنّفها العلماء والمحدّثون في التوحيد وکثير من الأدعية متضمّن لها ويکفيك نهج البلاغة والصحيفة السجّادية وغيرهما.

وفي كلّ شيء له آية * تدلّ على أنّه واحدٌ

ولله في كلّ تحريكة * وفي كلّ تسكينة شاهد

قال مولانا الرضا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في جواب سؤال السائل عنه: ما الدليل علی حدوث العالم؟ «أَنْتَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كُنْتَ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُكَوِّنْ نَفْسَكَ وَلَا كَوَّنَكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ».(1)

البحث العقلي في ذاته تعالی وصفاته

سؤال: هل يجوز البحث العقلي عن الحقّ عزّ وجلّ بالأنحاء التالية: ألف. البحث عن كنه وحقيقة ذاته ومحاولة تصوّرها أو كنه صفاته ومحاولة تصوّرها؟

الجواب: لا يجوز ذلك عقلاً لاستحالة درك كنه ذاته تعالى وكنه صفاته الذاتية، بل وكيفية صدور الأفعال منه تعالى فلا ينتهي الإنسان العاجز عن معرفة كنه نفسه وحقائق الأشياء في ذلك إلى ما يوجب ركون النفس، فكلّ ما يتصوّره العالم الراسخ وأقصى ما يصل إليه فكره العميق، وغاية مبلغه من التدقيق، فهو بعيد عن حرم الكبرياء بفراسخ.

وفي كلّ تسكينة شاهد

قال الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «كُلَّمَا مَيَّزتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ فِي أَدَقِّ مَعَانِيهِ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مِثْلُكُمْ مَرْدُودٌ إِلَيْكُمْ وَلَعَلَّ النَّمْلَ الصِّغَارَ تَتَوَهَّمُ أَنَّ لِله تَعَالَى زَبَانِيَتَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَمَالُهَا وَيَتَوَهَّمُ أَنَّ عَدَمَهَا نُقْصَانٌ لِمَن لَا يَتَّصِفُ بِهِمَا وَهَذَا حَالُ الْعُقَلَاءِ فِيمَا يَصِفُونَ اللهَ تَعَالَى بِهِ».(2)

قال الله تعالى: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ومَا خَلْفَهُمْ ولَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً».(3)

وقد ورد النهي عن ذلك شرعاً فلا يجوز، ففي الحديث: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقْدِرُوا قَدْرَهُ».(4)

وورد أيضاً: «لَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللهِ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ».(5)

***

ب. إذا كان ذلك حراماً، فهل يجوز للمؤمن البحث مع التفاته إلى أنّ كلّ ما يصل إليه ذهنه القاصر فإنّما هو مشير إلى الحقيقة فقط وليس تحديداً لها؟

الجواب: إذا كان البحث عن ذلك للاطّلاع على ما وقع فيه الباحثون من الخطأ والضلال، لغرض الجواب عن شبهات حصلت لهم في حقيقة الذات والصفات، فلا بأس به لمن كان واثقاً من نفسه قويّاً في عقائده، وإلّا فإنْ وقع في الضلال والخطأ ككثير من الفلاسفة والّذين ينسبون أنفسهم إلى العرفان، فليس معذوراً ويعاقب عليه. والاعتذار عن ذلك بالالتفات إلى أنّ كلّ ما يصل إليه

ص: 22


1- . الصدوق، عيون أخبار الرضا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، ج1، ص134؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج3، ص36.
2- . المجلسي، بحار الأنوار، ج66، ص293.
3- . طه، 110.
4- . المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص322.
5- . الصدوق، التوحید، ص56؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج54، ص107؛ ج89، ص110.

ذهنه القاصر فإنّما هو مشير إلى الحقيقة فقط وليس تحديداً، اعتذار حسن والتفات جميل إلّا أنّ الأدب يقتضي أن يكون ما نشير به إلى الحقيقة إشارة إليها، لكن لعلّه كان إشارة إلى غيرها!!

ولذا قال المحقّق نصير الدين الطوسي قدس سره ما مضمونه: إنّه لولا إرشاد الوحي وهداية الكتاب والسنّة إلى ما يطلق على الله تعالى من أسمائه الحسنى، ما كان ينبغي لنا أن نطلق عليه عزّ وجلّ هذه الأسماء، فلعلّ ما نطلقه عليه قاصر عن الدلالة والإشارة إليه:

وإنّ قميصاً خِيط من نسج تسعة * وعشرين حرفاً عن معانيه قاصرُ

***

ج. البحث عن أحكام الواجب العقلية مثل كونه صرفاً، وكونه لا يتغيّر، وكونه مطلقاً من كلّ جهة، وكونه لا ماهيّة له؟

الجواب: الأولى والأحوط أن يكون البحث فيما لا يرجع إلى البحث في كنه الذات من كونه متّصفاً بصفات الكمال الجلالية والجمالية منزّهاً عن العيب والنقص بالاصطلاحات الشارحة المتّخذة من الكتاب والسنّة، وعدم الخروج عن ذلك في المعارف الإلهية.

***

د. البحث عن شمولية بعض الصفات وحدودها كالبحث عن قدرته تعالى على المحال وعلى القبيح، والبحث عن علمه بالأشياء قبل الإيجاد، وأمثال ذلك؟

الجواب: البحث عن إثبات الصفات الكمالية له تعالى من العلم والقدرة وعمومها وشمولها جاء في الكتاب والسنّة، واُقيمت الأدلّة الكافية عليها. ولكنّ

ص: 23

البحث عن كيفيّة تعلّق علمه تعالى بالمعلومات، وكيفية خلقة الخلق لا ينتهي إلى ما تركن إليه النفس، وربما يدخل في البحث عن حقيقة الصفات الذاتية الّتي ترجع إلى البحث عن الذات. مضافاً إلى كفاية المعرفة الإجمالية في هذه المباحث الّتي لا تحصل المعرفة التفصيلية فيها لأكثر الناس، ولم يكلّف الله الناس بها، فالدين أوسع من ذلك وأسهل ممّا كتبوه ببعض الاصطلاحات، وليس معرفته خارجة عن تناول أذهان عامّة الناس، والطريقة السهلة السمحة والجادّة الواضحة الّتي يعرفها كلّ من لم تمت فطرته. وهذا هو الّذي آمن به المؤمنون الأوّلون مثل أبي ذرّ والمقداد، وغيرهما إيماناً جازماً يدعو الناس إلى التفكّر في آثار قدرة الله في آيات كثيرة، والنظر في الآفاق والأنفس.

***

ه. البحث عن كلامه النفسي، وأنّ القرآن هل هو حادث أو قديم؟

الجواب: هذا البحث من المباحث المستحدثة لا نجده فيما كتب في عصر الرسالة، فكأنّهم فهموا من قوله تعالى: «وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً»(1) أنّه لابدّ في الكلام أن يوجده المتكلّم، لكن لو لزم ذلك، فلا يجب أن يكون بهذه الآلات الخاصّة، بل يمكن إيجاده بغيرها، ثمّ إنّ الله تعالى الموصوف بأنّه «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»،(2) لا يكون خلقه الأصوات والألفاظ إلّا بنحو لا ينافي قدسيّة ذاتهِ وتنزّهه عن مشابهة مخلوقاته. فاعتقاد أنّه متكلّم لابدّ أن يكون من صفات الفعل، لأنّ المتكلّم في زمان متلبّس بصفة الكلام، وفي زمان آخر غير

ص: 24


1- . النساء، 164.
2- . الشوری، 11.

متلبّس بها. وهذا من خصوصيات صفات الفعل، ولو كان من صفات الذات لما خلت منها الذات. وأمّا حقيقة مبدئيّة الذات بالنسبة إلى الكلام فلا يجب بل لا يمكن معرفتها.

والقول بالكلام النفسي مضافاً إلى أنّه لا دليل علیه من الشرع إن كان المراد منه حصول معنى الكلام في الذات بنحو الحدوث أو الدوام واللزوم، فهو يرجع إلى القول بالتركيب أو انفعال الذات وتأثّرها من الخارج والقول بوجود المؤثّر الخارجي والشريك، وكلّ ذلك منفيّ عنه منزّهة ذاته عنه، تعالى عن مثل ذلك علوّاً كبيراً. ثمّ إنّ نفي ذلك عنه ليس تكلّماً في الذات، بل التكلّم فيها هو بيان معنى حقيقة مبدئيّة الذات بالنسبة إلى الكلام، فتأمّل في ذلك كلّه فإنّه من مزالّ الأقدام. عصمنا الله تعالى وإيّاكم منها.

***

و. البحث عن إرادته التكوينية والتشريعية؟

الجواب: البحث عن الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية ليس من البحث عن صفات الذات أو الفعل، وإذا كان البحث عن حقيقة ما تصدر منه الإرادة إذا قلنا بأنّها فعل من الأفعال کما في الروایات بحثاً أو أنّها من صفات الذات لأنّها العلم بالأصلح على ما قيل بحثاً عن الذات فلا يجوز، ولا يمكن إدراك حقيقته حتّی بأنّه العلم بالأصلح. مضافاً إلى أنّه من إيكال معرفة ما لا يمكن معرفة حقيقته إلى ما هو كذلك، بل البحث يرجع إلى أن متعلّق الإرادة في التكوينيات هو الاُمور التكوينيّة الّتي لا دخل لاختيار العبد فيها، والإرادة التشريعية أيضاً نوع من الاُولى لأنّها عبارة عن جعل ما به ينبعث العبد نحو

ص: 25

الفعل فيفعله، أو ما به ينزجر عن الفعل فيتركه، وداعي المولى إلى ذلك إتمام الحجّة، و«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ»(1).

***

ز. البحث عن أنّه هل يمكن أن يصدر منه أکثر من واحد، وهل أنّه لابدّ من أن لا يصدر منه إلّا حسن أو أنّه قد يتركه إلی الحسن؟

الجواب: أمّا بحث الصدور عن ذاته تعالی فليس من الشرع بشيء، ولم يوصف البارئ جلّ شأنه في آية أو رواية بذلك بل المصرّح به في الكتاب والسنّة أنّه خالق كلّ شيء وخالق السماوات والأرض وما بينهما، وهو المبدع والواحد الأحد وجميع ما سواه بدائعه وتعالى الله أن يحصر قدرته الواسعة في ذلك، فجميع ما سواه صادر منه بوسائل لا تعدّ ولا تحصى، كلّ يوم يخلق ويفعل، وكلّ يوم هو في شأن، ولا ينتهي ما يقرّره القائل بهذه المزاعم إلّا إلى جعل البارئ ذاتاً غير مختار وغير موصوف بما وصف به نفسه فلا اعتبار بما قالوه في هذه المسائل، بل كلّه أوهن من بيت العنكبوت ویستلزم المفاسد الکثیرة في الدین.

وأما القول بأنّه لابدّ من أن لا يصدر منه، فهذا التعبير بالنسبة إلى الله تعالی غیر صحیح ومن إساءة الأدب حيث لا طريق للّابدّية في أفعاله تعالى، نعم هو «الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ»؛(2) وهو «أَحْسَنُ الْخَالِقيِنَ»،(3) ولكن بإرادته لا باللّابدّية، فهو مختار قادر على ترك الأحسن إلى الحسن لكن لا يفعل، كما أنّه لك

ص: 26


1- . الأنفال، 42.
2- . السجدة، 7.
3- . المؤمنون، 14؛ الصافّات، 135.

أن تختار الأدنى والأدوَن، ولكن تختار الأرقى والأكمل، فالعالم كامل تامّ لا يوجد فيه نقص.

***

ح. البحث عن كونه (أرحم الراحمين) ومعنى ذلك، والتفسير العقلي لعدم استجابته الدعاء في بعض الأحيان؟

الجواب: البحث عن مثل كونه أرحم الراحمين معناه أنّ صفته الرحمانية تشمل الجميع، وأنّها كاملة تامّة على حسب استعداد المرحومين، وما يقتضيه علمه وحكمته تعالى، وليس صفة الرحم له تعالى مثلها عند المخلوقين، فهي عندهم صفة حادثة تحدث بانفعال نفوسهم من الاُمور الخارجية وهي غير ذاتهم فليس كمثله شيء، وليس له في حقيقة صفاته الحقيقية شريك ولا نظير. وكذا لا نقول في إطلاق الوجود والموجود عليه تعالی وعلى غيره من باب الاشتراك في الحقیقة والمصداق الّذي یقول به القائل بأصالة الوجود، بل إطلاق الوجود والموجود لاشتراکهما في الثبوت والتحقّق وإلّا فيكون جميع المخلوقات شركاء له في حقيقته، كما يلزم منه تعريف كنه ذاته وأنّه هو ما في غيره إلّا أنّه متميّز عن غيره بالرتبة، وبأنّه علّة وغيره معلول له بلا واسطة أو بالواسطة، إلّا أنّ حقيقته الوجود كما أنّ حقيقة غيره أيضاً ليس إلّا الوجود، وهو الوجود الأوّل الّذي ليس مثله وجود موجود آخر. إلّا أنّ ذلك لو لم يعتبر الوجود مفهوماً انتزاعياً حقيقياً ينتزع عن تحقّق الأشياء وكونها في عالم الحقّ والخارج، ولم نقل بالاشتراك اللفظي بينه تعالى وبين مخلوقاته ليس معناه إلّا تعريف الحقّ بالكنه، وإلّا اشتركت مخلوقاته معه في كنه ذاته بل صفاته. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ص: 27

وأمّا مسألة التفسير العقلي لعدم استجابة الدعاء في بعض الأحيان: فهي لا تدخل تحت هذه المباحث.

وأمّا ما في بعض الروايات بأنّه لا أين له ولا كيف له، فكلّ ذلك تنزيه له تعالى من صفات المخلوقين، لأنّ هذه الأوصاف أوصاف المخلوق، وباصطلاح القوم أوصاف الممكن، فالممكن هو الّذي ينقسم إلى الجوهر والعرض، والواجب ليس بممكن فليس له جوهر ولا عرض ولا كيف ولا أين ولا... وأين ذلك من التكلّم في حقيقة ذاته وصفاته تعالى؟

ثم إنّه لا حدّ للتفكّر في الخلق وعظمة مخلوقاته تعالى، وما فيها من الأسرار العجيبة والعجائب الكثيرة الّتي لا تحصى، والّتي لم ينكشف للبشر على سعة معلوماتهم منها إلّا كقطرة من البحار، أو كذرّة من الكرات العظيمة. قال الله تعالى: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً».(1)

وقال: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ».(2)

فانظر في ملكوت السماوات والأرض، كما حثّ عليه الله تعالى بقوله: «أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»،(3) وانظر في نفسك وما أنت، فأنت الإنسان الّذي تكلّموا فيك في طول الأعصار والقرون، وفي ظاهرك وباطنك،

ص: 28


1- . الکهف، 109.
2- . لقمان، 27.
3- . الأعراف، 185.

وجسمك وروحك وأعضائك، والنواميس والأنظمة الحاكمة عليك، ولكن بقيت مع ذلك مجهولاً يعترف العلماء بأنّهم لم يعرفوك حقّ المعرفة. إذن فما تقول في معرفة خالقك وبارئك، خالق هذا الكون وما فيه. فاشهد أنّ السماوات والأرض وسهلها وجبلها كلّها آيات تدلّ على وجوده ووحدانيّته وأنّ أوراق الأشجار كلّها دفاتر سطرت عليها أدلّة وجوده. وجميع ما في الكون ناطق بحمده ومجده.

قال الله تعالی: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ».(1)

وقال مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَی الطَّرِيقِ وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَلَكِنَّ الْقُلُوبَ عَلِيلَةٌ وَالْبصَائِرَ مَدْخُولَةٌ».(2)

وقال (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ، وَمَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَةٍ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ، وَمَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ مَلَكُوتِكَ وَمَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فِيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ، وَمَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا وَمَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الْآخِرَةِ».(3)

وقال رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في دعائه في سجدته: «لَا أَبْلُغُ مَدْحَكَ وَالثَّنَاءَ عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».(4)

معرفة صفاته تعالی

سؤال: إنّني مريضة بالسرطان (أبعدكم الله عنه) قريبة الموت وأنا خائفة أن أكون مشركة (والعياذ بالله) بسبب هذا السؤال.

ص: 29


1- . الإسراء، 44.
2- . نهج البلاغة، الخطبة 185 (ص270).
3- . نهج البلاغة، الخطبة 109 (ص158 159).
4- . الکلیني، الكافي، ج 3، ص324؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج22، ص245.

وسؤالي هو: نحن نعلم كمسلمين بأنّ الله ليس كمثله شيء (أي لا يوجد شبيه لله من مخلوقاته في أفعاله وصفاته وأسمائه واُلوهيته؛ أي أنّ الله ليس له مثل أو نظير من مخلوقاته من بشر أو شجر أو سماء أو أرض أو نجوم أو كواكب إلخ، ولكن ما معنى أنّ الله فرد أزليّ واحد أبديّ؟ هل معنى كلمة «الفرد» أنّ الله يعيش وحیداً من غير زوجة أو والد أو ولد منذ الأزل وإلى الأبد؟ أم معناها أن ليس لله شبيه أو مثيل في جنسه أو نوعه؛ أي أنّ الله فريد من نوعه أزلاً أبداً؟ أم كلا المعنیين صحيحان؛ أي أنّ الله واحد لا والد له أو ولد أو زوجة ولا مثيل له في صفاته واُلوهيته أزلاً أبداً؛ أي حتّی قبل أن يخلق الله مخلوقاته منذ الأزل؟ وما معنى أنّ الله أحد من غير ازدواج وأنّ الله وتر؟ وهل هذه الصفات أزلية؛ أي حتّی قبل أن يخلق الله مخلوقاته؟ لأنّنا دائماً نقول: إنّ الله واحد، معناها لا يوجد شبيه لله من مخلوقاته ولكن ما معنى أنّ الله واحد فرد وتر منذ الأزل وإلى الأبد؟

لأنّ هذا السؤال يقودني إلى سؤال آخر مهمّ وهو هل يوجد لله شبيه من نوعه؟ أي في صفاته (ليس من مخلوقاته طبعاً... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ولكن هذا الشبيه هو إله آخر لكن هذا الآخر لا يشارك الله في خلق السماوات والأرض ولا في ملكهما ولا في الأمر، وأنا متأكّدة من ذلك وليس عندي أدنى شكّ والحمد لله، لأنّ وحدة هذا الكون (السبع سماوات والسبع أرضين والعرش والكرسيّ) من الذرّة إلى المجرّة دليل على وحدانيّة الخالق ولو كان معه إله آخر لاضطرب الكون وفسد «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا»؛(1) «وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا

ص: 30


1- . الأنبياء، 22.

خَلَقَ»؛(1) ولكن هذا الإله الآخر لديه كونه الخاصّ به المنعزل عن الكون الّذي خلقه الله، وهو (السبع سماوات والسبع أرضون والكرسيّ والعرش)؛ أي هو خالق لكون آخر ليس بالكون الّذي خلقه الله، ولديه مخلوقات خاصّة به، وحدود مُلك هذا الإله الآخر تبدأ بنهاية حدود ملك الله (في المسافة أو المساحة وليس في الزمن؛ لأنّ الإله الآخر أيضاً أزليّ أبديّ مثل الله تعالی؛ أي يتزامنان في الزمن)؛ أي لو فرضنا أنّ حدود ملك الله هي السبع سماوات والسبع أرضون والعرش والكرسيّ فبعد حدود ملك الله (ليس في الزمن) تبدأ حدود ملك الإله الآخر وهكذا. وأن لا إله إلّا الله هو اسم من أسمائه «هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ».(2) فهل هذا الاسم هو أزليّ أبديّ أو نسبيّ؟

الجواب: وصلت إلينا رسالتك الكريمة الحاكية عن بصيرتك في دينك وخوفك من ربّك، أسأل الله تعالى أن يشفيك شفاءً عاجلاً، ويُلبسك لباس العافية، ويرزقك خير الدنيا والآخرة.

اُختي الكريمة: كتابك وشعورك الديني وضميرك الطاهر وحسن عقيدتك بالله تعالى شواهد صدق على حسن عاقبتك، فثقي بالله ولا تقنطي من رحمة الله وأحسني الظنّ بالله، فقد جاء في الحديث: «أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْراً فَخَيْراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً»،(3) وبعد فقد قال الله تعالى: «هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ

ص: 31


1- . المؤمنون، 91.
2- . الحشر، 22.
3- . الکلیني، الکافي، ج2، ص72.

الرَّحِيمُ».(1) هذه الآية والآيات الكثيرة في الكتاب تدلّ على نفي إله غير الله تعالى في عالم التحقّق، سواء كان منحصراً بما نسمّيه بعالم الكون المشتمل على جميع ما فيه من الكائنات أو فرضنا عالماً آخر غيره مثله أو على نظام آخر ومثله، فاعلم أنّه لا إله إلّا الله وهو الأزليّ الأبديّ ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله وجميع شؤونه الذاتية وصفاته الكمالية الجلالية والجمالية، فرد فريد لا قرين له، ولا مثل ولا شبه له ولا نظير، كان هو كذلك قبل خلقه الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وأدلّة التوحيد قائمة على وحدانيّته المطلقة، فهو إله ما سواه وخالق ما سواه كائناً ما كان، لا خالق إلّا هو. ويلزم من وجود خالق قادر آخر لكونٍ آخر، المحالُ ولوازم باطلة، لأنّهما إن كان كلّ منهما عين الآخر فلا يتميّز بالذات وبالصفات، فالقول بتعدّدهما محال، لأنّ التعدّد لا يتحقّق إلّا بتشخّص كلّ منهما وتميّز كلّ واحد منهما عن الآخر، وإن كان ذلك بتخصّص كلّ منهما بخصوصيّة وتميّزه بتميّزٍ لا يكون في الآخر فكلّ واحد منهما أو واحد منهما لابدّ وأن يكون مركّباً ممّا به الامتياز وممّا به الاشتراك، وهو معنى يرجع إلى التركيب في الذات والفقر والاحتياج والحدوث من الصفات الّتي تنزّه ذات الباري المقدّسة عنها، فالخالق والقادر ومن له الأسماء الحسنى بقول مطلق ليس إلّا واحداً فرداً أزليّاً أبديّاً لا إله إلّا هو، لا مخلوق إلّا وهو خالقه، ولا مرزوق إلّا وهو رازقه، هو هكذا قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق.

ومن جانب آخر نقول: الكون والعالم غير هذا الكون والعالم لا يمكن أن يكون عين هذا الكون ومن جميع الجهات حتّی الزمان والفراغ اللّذين هما فيه،

ص: 32


1- . الحشر، 22.

فلابدّ أن يكون بينهما افتراق وتمايز ما، إنْ لم يكن بتمام الوجود، فحينئذ يُسأل عن أمر هو السبب لاختيار كلّ منهما هذا بهذه الخصوصيّة وهذا بالخصوصيّة الاُخرى، نحو ما هو السبب لترجيح أحدهما هذا بهذا الامتياز وهذا بامتياز خاصّ آخر، فما هو المرجّح؟ إذ لا يجوز الترجّح بلا مرجّح ولا الترجيح بلا مرجّح، فلابدّ وأن يكون ذلك راجعاً إلى ذات كلّ واحد منهما، ويلزم من ذلك القول بالتركيب والمفاسد الباطلة الاُخرى. هذا مختصر من الكلام في الجواب عن سؤالكم، وتمام الكلام يطلب من الكتب الكلامية ومن كتابنا (إلهيات در نهج البلاغة) والأحرى بنا النظر في هذا الكون وما فيه من المخلوقات.

قال الله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِاُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».(1)

وقال: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً».(2)

وقال مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي انْحَسَرَتِ الْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ».(3)

فتفكّري يا اُختي الكريمة في الله وفي نعمائه وآياته وفي خلق الصغير والكبير؛ فلو كان لأحد مثل الدنيا لا يصل إلى نقطة يراها قريبة إلى نهاية ما في هذا الكون

ص: 33


1- . آل عمران، 190-191.
2- . الکهف، 109.
3- . نهج البلاغة، الخطبة 155 (ص216-217).

من الأسرار والآيات، ويدرك في كلّ يومه أكثر ممّا أدركه في أمسه، وتزيد معرفته بقدرة الله تعالى وحكمته، وما اُودع في هذا الكون، قال الله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ».(1)

أسأل الله أن يوفّقك ويزيد في بصيرتك ومعرفتك ويرزقك الصبر والتسليم لأمر الله والرضا بقضائه، وغفر لنا تقصيرنا في معرفته ومعرفة أنبيائه وأوليائه إنّه الكريم الغفّار، فما نحن وما شأننا وخطرنا في هذا الميدان إذا كان مثل أعلم الناس بالله ورسوله المجتبى المصطفى (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يقول: «لَا اُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».

وَقَالَ: «مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، ومَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ».(2)

فما حال مساكين مثلي. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

وحدة الأسماء والصفات

سؤال: جاء في أدعية الأیّام المنقولة في کتاب ضياء الصالحين (أسألك باسمك الّذي تقوم به السماوات وتقوم به الأرضون وبه أحصيت کيل البحار وزنة الجبال وبه تميت الأحياء و...). ما معنى (وبه أحصيت وبه تميت...)؟ الظاهر من اللفظ أنّ الله سبحانه يستعين باسمه ليفعل ما يريد. أرجو التوضيح.

الجواب: الأسماء الحسنی کلُّها لله. هو المحيي وهو المميت وهو الّذي تقوم به السماوات والأرض وهو المحصي کيل البحار وقطرات الأمطار وهو هو وليس

ص: 34


1- . يوسف، 105.
2- . المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص23.

إلّا هو. المحيي هو المميت والمميت هو المحيي؛ الخالق هو الرازق والرازق هو الخالق؛ السميع هو البصير والبصير هو السميع؛ والعالم هو القادر والقادر هو العالم، وهو الواحد الأحد الّذي ليس کمثله شيء ولم يکن له کفواً أحد وهو الحيّ وهو القيّوم ليس هو هذا ولا هذا هو.

هذه الأسماء، أسماء لصفاته الکمالية الجلالية والجمالية المسمّی بها واحد أحد فرد متفرّد فالسميع هو البصير والخالق هو الرازق والتعدّد، تعدّد المسموعات والمبصرات والمخلوقات والمرزوقين. «هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»؛(1) وهو الّذي قال مخاطباً إيّاه أعظم مخلوقاته وأکرم آياته(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».(2)

وقال: «مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَمَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ».(3)

نظریة وحدة الوجود

سؤال: هل من يقول بمقولة «وحدة الوجود» کافر ونجس؟ علماً بأنّ هناك من المجتهدين الّذين اهتمّوا بالفلسفة ومسألة وحدة الوجود. فماذا رأيکم الجليل؟

الجواب: العقيدة بوحدة الوجود وهي بهذه التعاريف في کتب الفلاسفة مسلّم البطلان، والمتمسّکون بالمعارف المأثورة عن أهل البيت(علیهم السلام) لا یقولون

ص: 35


1- . الحشر، 22.
2- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج1، ص59؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج4، ص114.
3- . المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص23.

بها، والّذي يستفاد من القرآن الکريم من بسملة فاتحة الکتاب أنّ مَن يبتدي باسم الله تعالی غيرُ الله، والرحيم والرحمن غير المرحوم، والحامد غير المحمود، والربّ غير المربوب، وإلی آخر القرآن المجيد الخالق غير المخلوق، والغافر والغفّار غير المغفور له، والصانع غير المصنوع، والسماوات والأرض والعرش والکرسيّ وجبرئيل وسائر الملائکة غير الله؛ فإذا کان من يقول بوحدة الوجود لا يقول بالاثنينيّة والغیریّة والبينونة بين الله وبين الأشياء، فقد وقع في الضلال. نعم لا يرمی الشخص بذلك الاعتقاد بالکفر بمجرّد ظاهر بعض الکلمات الّتي يقبل التأويل وتدلّ القرائن الحالية علی إرادة المتکلّم غير ظاهرها، ولاحول ولا قوّة إلّا بالله. عصمنا الله تعالی من الوقوع في الزلّات.(1)

تأویل صفاته تعالی

السؤال: فيما يخصُّ صفات الله عزّ وجلّ لماذا نؤوّلها وما هو الدليل على التأويل؟ وإذا كان التأويل هو المذهب الحقّ، فلماذا اختلف المؤوّلون في تأويلاتهم؟ وهل ورد عن الأئمّة بأسانيد صحيحة هذا المذهب وعن الرسول الأعظم؟

الجواب: إن كان التأويل اعتماداً على أحاديث أهل البيت(علیهم السلام) فلا بأس به وممکن. ربما يظنّ الجاهل الغافل، اللفظَ الصادر علی سبيل المجاز

صادراً علی الحقيقة مِثل قوله تعالی: «يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»؛(2) فمثل هذا ظاهر في أنّ قدرته تعالی فوق قدرتهم لا أنّ جارحته الّتي هو منزّه عن أن تکون له جارحة فوق أيديهم

ص: 36


1- . راجعوا في ذلك کتابنا: نگرشی بر فلسفه و عرفان.
2- . الفتح، 10.

وجوارحهم العينية، ولکنّ ما جاء في معارف أهل البيت(علیهم السلام) لولا الکلّ من هذا القبیل، فحمله علی مذهب المجسّمة من الأشاعرة حمل علی خلاف الظاهر.

البناء علی القبور

السؤال: هل يجوز البناء على القبور مطلقاً، وهل يصحّ بناء المراقد الكبيرة لرسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟ وهل هنا ما يدلّ علی کراهة ذلك حتّی علی قبر النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟ وما هو موقفكم من الحركة الوهّابية بهدم القبور، والمنع من تجديدها، فهم يتّهمون سائر المسلمين بذلك بالشرك؟

الجواب: أمّا الکراهة فالجواب عنه حسب الدليل الفنّي والعلمي استثناء هذه القبور من إطلاق الروايات الدالّة على الكراهية، فيكون دليل الكراهة مقيّداً كما صرّح به المحقّق الهمداني؛ لأنّ ضرورة النقل والمذهب تقضي برجحان تعمير المشاهد المشرّفة ووجوب حفظها عن الاندراس، وتجديد عمارتها وكونها من أعظم الشعائر الّتي يجب تعظيمها، فضلاً عن شهادة الأخبار بذلك، وعلى هذا ما دلّ على الكراهة فإطلاقه مقيّد بهذه الضرورة المذهبية والأخبار الّتي تدلّ بالمطابقة والالتزام على تقييده.

ومن جانب آخر نمنع شمول الإطلاق المذكور هذه القبور المباركة، وذلك لأنّ المستفاد من روايات الكراهة أنّ البناء على القبور يُعدّ نوعاً من التبذير وصرف المال في غير وجهه، لعدم ترتّب فائدة على ذلك، ولأنّه يكون معرضاً لإظهار الاستعلاء والمفاخرة والتسابق والتزايد، كما نرى في بعض الأبنية المبنيّة على قبور الظلمة المستكبرين، وذوي السلطة والثروة مثل «تاج محل» وغيره من

ص: 37

الّذين ينبغي أن ينساهم الناس وتمحى آثارهم ومواضعهم الظالمة، ولأنّه موجب لتوهين أموات سائر الناس من المؤمنين، ولغير ذلك من المصالح والحيثيات الكامنة في هذه الكراهة، الّتي لا توجد بالنسبة إلى قبور الأنبياء والأئمّة وعلماء الدين (کالکلینی والصدوق والمفید والمجلسی رحمهم الله تعالی)، فلا تشمل مثل هذه الكراهة قبور اُولئك الّذين يفتخر الدهر وتاريخ الإنسانية بهم، ويجب الاهتمام بحفظ آثارهم وتخليد أسمائهم وأماكنهم ليكونوا اُسوة للناس على مرور الأعصار والأدوار. والعقل يحكم بأنّه لا ينبغي نسيان الشخصيات الّذين خدموا المجتمع خدمات جليلة، ويجب أن تُخلّد أمجادهم، وأن يذكرهم الناس بخير ويقدّروا جهودهم في سبيل إعلاء كلمة الإسلام. فهل ترى شمول هذه الكراهية علی البناء على قبر مثل جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، حتّی لا ينسى الدهر والتاريخ أشخاصهم ولا ينسى واقعة مؤتة؟!

وهل لبقاء قبورهم ومشاهدهم إلى زماننا هذا، معنى غير إعلان شرف للاُمّة وإثبات لخلوص النية، وشهادة لما دوّنه المؤرّخون في صفحات التاريخ.

وهل تجد رمزاً أصحّ لواقعة مؤتة وتضحية هؤلاء الأعزّة بنفوسهم في سبيل الله تعالى، من مشاهدهم وقبورهم هناك؟ فواجب الاُمّة دينياً وعقلياً هو الاحتفاظ بتلك القبور، وتعظيم تلك المشاهد، فإنّها من الدلائل العينية لصحّة التاريخ، الّتي هي أقوى من المنقولات التاريخية.

فلو اكتفي بالتواريخ القرطاسية يصير التاريخ بمرور الأیّام وطول الأزمنة معرضاً للشكّ والإنكار، وكما ترى الآن أنّ بعض الباحثين يبدون الشكّ في

ص: 38

وجود بعض الأنبياء العظام، لأنّه لا يوجد له مرقد ومشهد وأثر في العالم الخارجي.

وأمّا توهّم الشرك بذلك فلم يتوهّمه أحد من المسلمين؛ علمائهم وأجلّائهم في تلك القرون الّتي مضت علی القبّة الخضراء فیها النبيّ الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). وقد كان من أكبر الجرائم على تاريخ الإسلام، هدم مشاهد أهل بيت النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وغيرهم من أعلام تاريخ عصر النبوّة من شهداء الغزوات والسرايا والصحابة، في الحرمين الشريفين، فقد كان الحرمان الشريفان بما فيها من هذه المشاهد والآثار العينية التاريخية تجسيداً لتاريخ الإسلام أمام الناظرين من الأجيال والباحثين في التاريخ.

فرسول الله محمّد بن عبد الله المبعوث رحمة إلى كلّ العالمين، هذا هو قبره الشريف المبارك، وأبوه عبد الله واُمّه آمنة، هناك قبرهما، واُمّه الرضاعية حليمة السعدية، هذا هو قبرها، وعمّه وحاميه والدافع عنه والّذي كان يؤثره على أولاده، هذا قبره، وزوجته المؤمنة البارّة به وناصرته والمؤيّدة له السيّدة خديجة اُمّ المؤمنين، صاحبة المواقف الكريمة في مبدأ بزوغ شمس الإسلام، هذا قبرها، وعبد المطلّب جدّه الّذي كان شريف القوم وعظيم مكة، هذا قبره، وفاطمة بنت أسد كفيلة النبيّ(علیهم السلام)، هذا قبرها في المدينة، وحمزة سيّد الشهداء عمّه، هذا مشهده في اُحد. وهذا مكان ميلاد النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الّذي خرّبوه وبنوا مكانه مكتبة باسم مكتبة مكّة المكرّمة ثم أرادوا تخريبه نهائياً ليمحو أثر ميلاده(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).

هذه المشاهد الّتي سمّيناها، وسائر المشاهد المحمّدية الّتي كانت تاريخنا، فقضوا عليها ونفوها عن صفحة الوجود بما لم يقض أجهل آحاد اُمّة على تاريخها.

ص: 39

ولذا فإنّ كلّ باحث في تاريخ الإسلام يعتبر أنّ هدم هذه الآثار من أكبر الجرائم على تاريخ الإسلام، الّذي كان مقروناً بتلك الشواهد العينية والمزارات المباركة الّتي بقيت طوال أربعة عشر قرناً وكانت لا تزال إلى قبل هذه الهجمة الخشنة الوحشيّة تحكي للعالم مواقف الرسول الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بيته وأصحابه. قد تعاهدها المسلمون من عصر الصحابة والتابعين بتشييدها والمحافظة عليها وزيارتها. والآن لا تجد من كلّ تلك المشاهد إلّا قبّة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وروضته المقدّسة المباركة المتروكة ليلاً بلا مصباح، والممنوع على المسلمين أن ينظروا إلى داخلها، والحال أنّ قلوب أكثر من ميليار مسلم (ما عدا هذه الفئة المستحدثة الظهور ارتكبت هذه الجريمة المنكرة) تتشوّق إلى زيارتها واستلامها وتقبيلها، حبّاً لصاحبها الّذي يعتقدون أنّه عبد الله ورسوله، ولسان حالهم هذان البيتان:

أمرّ على جدار ديار ليلى * اُقبّل ذا الديار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي * ولكن حبّ من سكن الديارا

ص: 40

كلّ هذه الخسارات نزلت بالإسلام والمسلمين باسم التوحيد والنهي عن الشرك والبدعة والتهمة الموجّهة إلى الموحّدين المخلصين، الّذين هم بِراء من الشرك وأبعد منه من المشرق إلی المغرب.

واللازم مطالبة المسؤولين القائمين على إدارة اُمور الحرمين الشريفين أن يعيدوا هذه المشاهد والمواقف المهدومة ويحتفظوا بها، فلا يليق بمن درس في الجامعات وعرف خطر وقوع هذه الآثار في معرض الضياع والنسيان متابعة عدّة قليلة من الجهلة الجامدين، الّذين لا يعرفون من الشريعة السمحاء السهلة

ص: 41

غير ما بنوا عليه تعصّبهم ومنعهم الناس عن التقدّم الصناعي، حتّی كانوا يرون الكهرباء والتلغراف وسائر مظاهر التمدّن بدعة.

ومن جانب آخر نقول: إنّ هذه المشاهد الشريفة من البيوت الّتي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وأن يعبد الله فيها، وفي بيت عليّ وفاطمة لحسن والحسين(علیهم السلام) قد أخرج المحدّث الشهير ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قال: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»؛(1) فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيُّ بُيُوتٍ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ». فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الْبَيْتُ مِنْهَا؟ لِبَيْتِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ. قَالَ: «نَعَمْ مِنْ أَفَاضِلِهَا».(2)

وأمّا مسألة التزيينات فلا أرى فيها بأساً، وإلّا فإنّ فتح باب المنع من ذلك تجاوز عنها إلى غيرها كتشييد مباني المسجدين وبنائهما بهذه الصورة الفخيمة الّتي تزيد على التزيينات المذكورة بأضعاف مضاعفة.

نعم، زخرفة المساجد بتذهيبها منهيٌّ عنها، وهي مختصّة بخصوص التذهيب لا بتزيينها بمثل القاشي وغيره، ولا يتعدّى النهي من التذهيب إلى غيره.

التوسّل والشفاعة

السؤال: اُريد أن أعرف هل من التوحيد أن نتوسّل بغير الله ليقضي حاجاتنا؟ أقصد عندما نتوسّل بالأئمّة(علیهم السلام) والدعاء عند ضرائحهم المشرّفة، أليس ذلك إنحرافاً عن التوحيد المطلق المختصّ بالله سبحانه وتعالى؟

ص: 42


1- . النور، 36.
2- . ابن مردویه الأصفهاني، مناقب عليّ بن أبي طالب، ص284.

إذن ما تفسير هذا المقطع من الدعاء الّذي هو من أدعية شهر رمضان: «اللّهمّ إنّي بك أتوسّل ومنك أطلب حاجتي ومن طلب حاجة إلى الناس فإنّي لا أطلب حاجتي إلّا منك وحدك لا شريك لك».(1)

الجواب: إنّ التوسّل والاستشفاع بالأنبياء والأولياء والملائكة(علیهم السلام) لا ينافي التوحيد الخالص، فهو أيضاً نوع من العبودية والتذلّل لله تعالى، فكأنّ العبد لا يرى نفسه أهلاً لأن يخاطب عزّ وجلّ ويطلب منه حاجته، أو لا يعرف كيف يناجي ربّه ويدعوه ويطلب منه حوائجه، وكيف يخاطبه وبأيّ لفظ أو اسم

من أسمائه يناديه. لذلك يستنيب عنه من يكون عارفاً بذلك أو أعرف منه به، ويطلب بواسطته حاجته من ربّه عزّ وجلّ. فهذا نوع من الدعاء من صميم التوحيد والإيمان الخالص بالله تعالى.

وقد أمرنا الله تعالى بالتوسّل إليه بغيرنا بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».(2)والآية، صريحة بابتغاء الوسيلة والبحث عنها ومعرفتها للتوسّل بها إلى الله تعالى، فهي تدلّ على مشروعيّة أصل التوسّل إليه تعالى بالغير بل وجوبه للأمر به.

وكلمة «الوسيلة» في الآية، مطلقة تشمل التوسّل بالأعمال الصالحة والأولياء الصالحين، وأفضلهم على الإطلاق محمّد وآله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). وكما أنّ دعاء الإنسان بنفسه لنفسه ولغيره دليل إيمانه بالله تعالى وبقدرته، فكذلك دعاء بعض الملائكة للعباد واستغفارهم لهم.

ص: 43


1- . الکلیني، الکافي، ج4، ص74.
2- . المائدة، 35.

ومع أنّ الله تعالى سميع لدعاء عبده، إلّا أنّ لبعض الملائكة خصوصيّة، فهم يستغفرون للّذين آمنوا بأمر الله سبحانه.

ولبعض المشاهد خصوصيّة بانتسابها لله تعالى، مثل الكعبة العظيمة والمطاف وحِجر إسماعيل والمقام ومشاهد النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والأئمّة الطاهرين(علیهم السلام)، ولذلك كان دعاء الله تعالى عندها والابتهال إليه وطلب الحاجة منه، له خصوصيّة.

أمّا قولنا: «اللّهمّ إنّي بك ومنك أطلب حاجتي... ولا أطلب حاجتي إلّا منك»،(1) فلا ينافيه التوسّل، لأنّا لا نطلب منهم بل منه تعالى، ولا نتوسّل بهم لهوانا، بل لأمره تعالى بذلك، فقد أمرنا أن نتوسّل إليه في طلباتنا بمن هم أقرب إليه وسيلة.

فهو وحده عزّ وجلّ قاضي الحاجات، وهو جعلهم وسيلة إليه لحكمة هو أعرف بها، فنحن نطيعه. والّذين يتركون التوسّل ويخالفون أمره تعالى هم المخطئون لا نحن!

ألا ترى أنّ أولاد يعقوب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) طلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم، وأنّ الله تعالى أمرنا أن نطلب من نبيّنا(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أن يستغفر لنا، فقال: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ».(2)

فالوسائط بين الله تعالی في قوس النزول، کالملائکة العاملين بأمر الله تعالی في عالم التکوين الّذين ينفذون إرادته وفي قوس الصعود، کالدعاء والتوسّل

ص: 44


1- . الکلیني، الکافي، ج4، ص74.
2- . النساء، 64.

والصدقة ممّا يوجب التقرّب إليه ويؤثّر في حصول المطالب، ثابتة بالقرآن والسنّة؛ لا شرك فيها ولا تنافي التوحيد.

إنّ التوسّل باب واضح في الدعاء والتوبة، ووسائط الإفاضات الربّانية لا ينكرها إلّا من لم يتدبّر القرآن والسنّة، وحجبه الظاهر عن الباطن، والقشر عن اللبّ، ولم يعرف من التوحيد إلّا رمي الموحّدين المخلصين العارفين بالشرك.

لقد ضلّ هؤلاء السطحيّون وأضلّوا وأوقعوا بتوهّماتهم الفاسدة خسائر عظيمة بتاريخ الإسلام والحرمين الشريفين، وعاثوا بآثار الإسلام والنبوّة، وفتحوا الباب لأعداء الإسلام للتشكيك والإنكار. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، والله تعالى للظالم بالمرصاد.

ص: 45

ص: 46

العدل

اشارة

قال الله تعالی: «أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ».(1)

«وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».(2)

«تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ».(3)

«إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً».(4)

«وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ».(5)

«إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».(6)

«وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا

ص: 47


1- . آل عمران، 182.
2- . العنکبوت، 40.
3- . آل عمران، 108.
4- . النساء، 40.
5- . البقرة، 281.
6- . يونس، 44.

وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».(1)

المقدّمة

اعلم أنّ العدل بالخصوص باعتبار کونه من صفات الذات ليس صفة لها مفهوم مستقلّ قبال الصفات الذاتية، مثل العلم والقدرة، بل معنی اتّصافه تعالی به، علمه بمصالح الاُمور وما ينطبق عليه عنوان العدل في الخارج من أفعاله في الخلق والرزق وکلّ ما يصدر منه تعالی. فالعادل، اسم من أسماء الله تعالی الذاتية؛ لأنّه العالم کما أنّ البصير والخبير والحکيم وما يشابهها من أسماء الله تعالی العالم وکما أنّ الرحيم والرحمن والرازق والرزّاق والخالق والفاطر وما يشابهها من أسماء الله تعالی الذاتية، لأنّه القادر.

وأمّا فعل العدل کفعل الخلق والرزق، فإطلاق العادل والرازق عليه باعتبار أفعاله تعالی، فالاسم الحاکي عن هذه الأفعال من أسماء الصفات، والظاهر أنّ عَدّ العادل بالخصوص باعتبار حکايته عن فعله تعالی، کما أنّ سلب اسم الظالم عنه أيضاً باعتبار أنّه لا يظلم غيره، فسلباً وإثباتاً من صفات الفعل؛ وذلك قبال الأشاعرة القائلين بالجبر وصدور الأفعال عن العبد بالجبر ومؤاخذة الله العبد وعقابه الّذي هو الظلم الفاحش قبال أتباع مکتب أهل البيت(علیهم السلام) وطائفة من أهل السنّة المعروفة بالمعتزلة. وقد يطلق عليهم وعلی أتباع أهل البيت(علیهم السلام) العدلية.

ص: 48


1- . الکهف، 49.

فإطلاق العادل علی الله تعالی وعدّ العدل بالخصوص من صفاته تعالی دون الرازق والرزّاق والبصير والخبير يرجع إلی البحث عن الجبر والاختيار أو الجبر والتفويض الّذي في مکتب أهل البيت(علیهم السلام) «لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ وَلَکِنْ أَمْرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ»؛(1) و «مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ».(2)

فالعدلية القائلون بالاختيار يُنزّهون الله تعالی عن الظلم وکلّ فعل قبيح، ويرون جبر العبد بالمعصية وعقابه عليه، ظلماً وقبيحاً کما هو صريح الآيات القرآنية ولأنّه يبطل به القول بالشرائع والأحکام. والأشاعرة يجوّزون صدور القبيح عن الله تعالی وإن اعتذروا بأنّا لا نری صدور ما تسمّونه الظلم ظلماً وقبيحاً لا نقول بالحسن والقبح العقليّين في أفعال الله تعالی، وفساد مذهبهم ظاهر بيّن.

فالبحث واقع في العدل والظلم من جهة اتّصاف الفعل بهما وإليك الأسئلة والأجوبة حول العدالة الإلهيّة في أفعاله ونتبرّك قبل ذلك بکلام تامّ في تعريف التوحيد والعدل. ففي نهج البلاغة أنّه(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) سئل عن التوحيد والعدل: فقال(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «التَّوْحِيدُ أَنْ لَا تَتَوَهَّمَهُ وَالْعَدْلُ أَنْ لَا تَتَّهِمَهُ».(3)

فالله تعالی کما أنّه أجلّ من أن يتوهّمه أحد أو يتصوّر حقيقته وکنهه، أجلّ من أن يتّهم في أفعاله بخلاف العدل والحکمة.

ص: 49


1- . الکلیني، الکافي، ج1، ص160؛ الصدوق، عیون أخبار الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ج1، ص124؛ الصدوق، الاعتقادات، ص29.
2- . ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص460؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ص70.
3- . نهج البلاغة، الحکمة 470 (ص558)؛ الشریف الرضي، خصائص الأئمّة، ص124.

***

السؤال: هل العدل والتوحيد من اُصول الدين أو من اُصول المذهب؟

الجواب: هذا الاصطلاح (اصطلاح اُصول الدين واُصول المذهب) إشارة إلى ما يشترك فيه الشيعة وسائر فرق المسلمين، وهو: التوحيد والنبوّة والمعاد، ويحكمون على من يعتقد بهذه الاُصول الثلاثة بالإسلام، وأنّه حرام دمه وماله وعرضه. كما أنّه يكفي هذا الاعتقاد ليكون عند أهل السنّة من الفرقة الناجية.

أمّا الشيعة فيحكمون على مَن يعتقد بهذه الاُصول بالإسلام، ويُجرون عليه أحكام المسلم، إلّا أنّهم يعتقدون بوجود أصلَين آخرَين من اُصول الدين، ويرون أنّ الدخول في الفرقة الناجية من النار يدور مدار الاعتقاد بمجموع الاُصول الخمسة.

فإطلاق اُصول المذهب على الاُصول الخمسة أو على الأصلين الأخيرَين، إنّما هو بلحاظ أنّ الاعتقاد بهذه الاُصول سبب للنجاة، في قبال من يرى أنّه يكفي في النجاة الاعتقاد بالثلاثة.

وعليه، فالمعتقد بالخمسة هو من أهل النجاة بالاتّفاق، أمّا عند الشيعة، فلأنّه مؤمن بالاُصول الخمسة، وأمّا عند غيرهم، فلأنّه مؤمن بالثلاثة. وأمّا من كان مؤمناً بالثلاثة فقط، فهو من أهل النجاة على رأي أحد الفريقَين دون الآخر.

ومن هذا يعلم انحصار الفرقة الناجية بالشيعة، لأنّهم مشتركون مع سائر الفرق فيما هو سبب للنجاة، ويتميّزون عن غيرهم بالاعتقاد بالأصلَين الآخرَين، فإن كانت النجاة محصورةً بإحدى الفرق دون غيرها كما دلّت عليه أحاديث افتراق الاُمّة بعد نبيّها(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فلا تكون هذه الفرقة إلّا الشيعة لتمسّكهم

ص: 50

بما هو عند غيرهم سبب للنجاة، وترك غيرهم ما هو عندهم سبب للنجاة. وتفصيل ذلك فيما كتبناه حولَ حديث الافتراق. (1)

تعریف العدل

السؤال: ما هو تعريف العدل بالاختصار؟

الجواب: عرّف أمير المؤمنين مولانا عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لمّا سئل عن التوحيد والعدل، فقال: «التَّوْحِيدُ أَنْ لَا تَتَوَهَّمَهُ وَالْعَدْلُ أَنْ لَا تَتَّهِمَهُ».(2) وهذا الکلام بليغ في غاية البلاغة والحکمة، فتوهّمه تعالی وتصوّره عين الشرك، واتّهامه تعالی بالظلم وجعله تعالی في غير موضعه خلاف العدل.

***

السؤال: كيف يفسّر الشيعة الإمامية مفهوم العدل الإلهي في ضوء الابتلاءات وصور المعاناة الّتي يعاني منها أصحاب الإعاقات الجسدية (من عمى وعرج وغيرهما من العاهات الّتي ترافقهم منذ الولادة)؟ وكيف تفسّرون ذلك في ضوء عدالة الله المطلقة؟ وكيف تعامل الفقه الشيعي مع هذه المسألة وذكر أهمّ الرخص الّتي منحها لهذه الفئة سواء في العبادات والمعاملات؟

الجواب: كثير من هذه العاهات يرجع إلى جهالة غير ذي العاهة من الآباء والاُمّهات وحتّی جهالة الشخص وإلى عوامل اُخرى يطول الكلام فيها، وعالمنا عالم الطبيعة لا يخلو من الفوارق والمصائب والفقر والمرض والصحّة

ص: 51


1- . راجعوا کتابنا: أحادیث افتراق المسلمین علی ثلاث وسبعین فرقة.
2- . نهج البلاغة، الحکمة 470 (ص558)؛ الشریف الرضي، خصائص الأئمّة، ص124.

والسقم والزيادة والنقصان، ولو لم يكن ذلك فيه وكان مصوناً عن كلّ ذلك لبطل نظامه، فعمل فيها عوامل كثيرة ظاهرة ومعلومة وباطنة وخفيّة ومجهولة، كلُّ ذلك لاستصلاح أمر العباد بتقدير العزيز العليم. وفّقكم الله تعالى وزاد في معرفتكم وبصيرتكم.

الهدایة والضلال

السؤال: أودّ أن أستفسر من سماحتكم عن تفسير الآية الكريمة في قوله تعالى: «يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ».(1) هل معنى ذلك أنّ الله يظلم عباده حاشاه أن يفعل ذلك لأنّه يختار الصالحين ويهديهم ويضلّ من يشاء؟ أم ماذا هو تفسيرها؟ ونحن نعلم أنّ الله لا يظلم أحداً. فكيف يضلّ من يشاء؛ أي أنّهم بإمكانهم أن يحاجّوا الله بأنّه أضلّهم، لذلك لا يؤاخذهم؟

الجواب: الآية الكريمة الّتي قبل هذه الآية قسّمت الناس إلى فرقتين حيث يقول عزّ من قائل: «اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ».(2) والآية الثامنة هکذا: «أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ».(3)

وبديهيّ أنّ انتخاب الإيمان أو الكفر إنّما هو باختيارهم، ولذا أسنده إليهم

ص: 52


1- . فاطر، 8.
2- . فاطر، 7.
3- . فاطر، 8.

بقوله: «كَفَرُوا»، و «آمَنُوا» لكنّه تعالى جعل لكلّ من الكفر والإيمان أثراً خاصّاً. وأثر الكفر إنّما هو انعكاس فهمه

بحيث يحسب أنّه يحسن صنعاً بأعماله الدنيئة الرديئة الخبيثة «زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» ولذلك يدأب على ارتكاب الأعمال السيّئة ويهوي إلى مهاوي الضلالة. وأثر الإيمان والعمل الصالح هو أنّ المؤمن بفهمه الصحيح وبصيرته يرى الأعمال، كما هي في الواقع ويميّز الخبيث من الطيّب وينتخب العمل الصالح ويأتي بالحسنات ويترك السيّئات ويسلك سبيل الهدى والرشاد، وبما أنّه عزّ من قائل جعل لكلّ من الكفر والإيمان أثره الخاصّ فعبّر عنه ب «يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» لا كما يتوهّم أنّه جلّ شأنه يُضلّ من يشاء ظلماً ويهدي من يشاء جبراً وهو العليم الخبير.

هذا، وليعلم أنّ طائفة من الآيات الّتي فيها ذکر من مشيئته وسعتها کقوله تعالی: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»؛(1) وکقوله تعالی: «إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ»،(2) وکقوله تعالی: «إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ».(3)

هذه الآيات تبيان لعظمة قدرته وجبروته وسعة سلطانه وهو المتفرّد بهذه الشؤون لا دلالة لها علی نفي الاختيار عن البشر وأنّه لا اختيار له في ضلالته

ص: 53


1- . آل عمران، 26-27.
2- . الحجّ، 18.
3- . الحجّ، 14.

وهدايته وسعادته وشقاوته وأن ليس للعبد اختيار في سعادته وشقاوته وأن کان الأمر کلّه بيد الله. فقد قال تعالی: «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ»؛(1) وقال: «كُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ»،(2) فهو يعطي من يشاء بقدر ما يشاء وعلی ما يشاء بحکمته.

الخلق کلّهم في قبضته لا يتحرّك أصغر جرثومة من الجراثيم الصغيرة إلّا بإذنه وتقديره. له الأسماء الحسنی والأمثال العليا، يضلّ من يشاء ويرزق من يشاء بحکمته. منزّه عن کلّ نقص. له القدرة علی إضلال من يشاء ولا أنّ من ضلّ، ضلّ بالإجبار دون الإرادة والاختيار وإن کانت الإرادة

والاختيار منه تعالی؛ فهو الله الخالق الّذي خلق الإنسان مختاراً وهو خالق کلّ شيء لا يستوي عنده المطيع والعاصي والکافر والمسلم. قال الله تعالی: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ».(3) فافهم وتأمّل حتّی لا تشتبه عليك المقامات ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

الامتحان والابتلاء

السؤال: إنّ الله سبحانه وتعالى يبتلي الناس (إمّا بحرمانهم من النعمة أو بإعطائهم النعمة)؛ أي أن يعطيهم المال فيرى ماذا يصنعون به أو يحرمهم من المال ويرى

ص: 54


1- . الحجر، 21.
2- . الرعد، 8.
3- . الجاثية، 21.

صبرهم. والابتلاء بالحرمان من النعمة أصعب من الابتلاء بتوافر النعمة. فلماذا لا يكون امتحان وابتلاء جميع الناس واحداً؟ فالفقير قد يشعر بأنّ الغنيّ أفضل منه وأنّ الله ابتلاه بما هو أشدّ ممّا ابتلى به الغنيّ، وكذلك قد يشعر المريض أو المحروم من نعمة الأولاد. فهل نعاقب على مثل هذا التفكير لأنّنا نشعر بأنّ الله ابتلى وامتحن اُناساً أخفّ من امتحان الآخرين. وكيف السبيل لأن نثبّت أقدامنا ونصبر على الابتلاء؟

الجواب: إنّ هذا الأمر ونظائره تابع للمصالح الواقعية المعلومة عند الله تعالى، المجهولة عندنا، وليس الامتحان بالحرمان مطلقاً أصعب بل قد يکون الامتحان بوفور النعمة أشدّ والخروج منه أصعب. والله تبارك وتعالى امتحن الناس بما رآه صالحاً لكلّ أحد ويمكن أن يكون شيء سبباً لامتحان شخص ولا يكون سبباً لامتحان شخص آخر.

وقد قال جلّ وعلا في محكم كتابه الكريم: «وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ».(1)

وفي الحديث: وسئل(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: «اَلنَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمَاثِلُ فَالْأَمَاثِلُ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَحُسْنِ عَمَلِهِ»،(2)الحديث.

فما علينا أن نحفظ نفوسنا فيما نقع من الامتحانات تارةً بوفور النعمة والغنی، وتارةً بالحرمان والفقر، وتارةً بالمرض، وتارةً بالصحّة، وقال الله تبارك وتعالی: «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً».(3)

وفي هذا المقام، مطالب عالية ظريفة لا مجال لشرحها والله وليّ التوفيق.

ص: 55


1- . لقمان، 17.
2- . ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص39؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص142.
3- . الکهف، 7.

ص: 56

النبوّة

اشارة

قال الله تعالی: «وَلِكُلِّ اُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ».(1)

«قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَی إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ».(2)

«كَانَ النَّاسُ اُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ».(3)

«وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً».(4)

«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ».(5)

ص: 57


1- . يونس، 47.
2- . البقرة، 136.
3- . البقرة، 213.
4- . الأحزاب، 7.
5- . البقرة، 253.

«رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً».(1)

وجوب إرسال الأنبیاء

السؤال: ما معنی الوجوب علیه تعالی في إرسال الرسل؟ وهل إرسال الأنبياء واجب على الله جلّ وعلا أم غير واجب، وما السبب؟

الجواب: مقتضى قاعدة اللطف الّتي قرّرها علماء الكلام، وجوب إرسال الأنبياء على الله عزّ وجلّ، لا بمعنى أنّه سبحانه ملزمٌ بذلك من قبل أحد وطرف للمسؤولية أمامه بحيث يحاسبه إن لم يفعله، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»،(2) بل بمعنى أنّ كماله المطلق وحكمته يستلزمان لطفه على العباد بذلك، فهو لازم عليه عزّ وجلّ بمقتضى حكمته لا بإلزام ملزم وحساب محاسب.

عصمة النبيّ من السهو والخطأ

السؤال: في نقاشاتنا مع بعض المشکّکين والوهّابية وصلنا إلی هذه النقطة أردنا منکم توضيحها لنا: هل هذه الاُمور تنافي عقائدنا بالنسبة للنبيّ الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «أن لا يکون النبيّ أعلم الاُمّة في کلّ شيء، وأن تحتوي شخصيّته على نقاط ضعف، وأنّه لا إشکال أن يخطئ النبيّ العياذ بالله في تبليغ آية أو أيّ

ص: 58


1- . النساء، 165.
2- . الأنبياء، 23.

أمر آخر ثمّ يصحّحه»؟ هل هذه الاُمور يمکن القبول بها أم أنّها مخالفة لعقائد مذهب أهل البيت(علیهم السلام)؟

الجواب: نعم، کون النبيّ محتاجاً في علمه وأمره إلی بعض أفراد اُمّته، نقص فيه، ولم يکن هو المرجع؛ بل هو نفسه يرجع إلی الغير، وهذا نقص في مقامه، وکذلك خطاؤه في بعض التبليغ يتنافی مع ثقة الناس به. فإنّه إذا فرضنا تحقّق الخطأ منه، فلا يؤمن أن يقع الخطأ منه مرّةً اُخری حتّی في

مورد تصحيح الخطأ الأوّل. وعلی أيّ حال، الخطأُ من النبيّ وعدم کونه أعلم الاُمّة، يتنافی مع العقائد الحقّة.

***

السؤال: أنا طالب في الجامعة، وهناك بعض الأساتذة يقولون: إنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كان يجتهد في المسائل الدينية وغيرها، فيصيب في بعضها ويخطئ في بعض، والدليل علی ذلك آيات العتاب في القرآن. فما مدى صحّة هذا القول وما هو ردّكم الشريف؟

الجواب: الدليل على عصمة النبيّ والأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هو العقل المؤيّد بالشرع، ولولا العصمة لاختلّ نظام الدين والشريعة واحتمال خطأ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يوجب عدم الاطمئنان بالأحكام الصادرة منه، لأنّ كلّ ما صدر منه من الأحكام لو كان محتمل الخطأ لما استقام أركان الدين المبين. والله العالم.

قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه الكريم: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى».(1)

ص: 59


1- . النجم، 3-4.

هذا مضافاً إلی أنّه ليس في القرآن الکريم آية تدلّ علی اجتهاد النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في الأحکام. نعم، يجوز أن يحکم علی الخاصّ بحکم العامّ، إلّا أنّ ذلك ليس منه اجتهاداً بالمعنی المصطلح الّذي يجري المجتهد به حکم العامّ علی الخاصّ بدلالة ظاهره علی العموم لا باليقين والقطع.

***

السؤال: قال الله تعالى في قرآنه المجيد في حقّ رسوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى».(1) ما هو المقصود بالنطق؟ هل هو ما يتنزّل من السماء والأحاديث النبويّة أو كلّ ما ينطق به حتّی مع زوجاته وأصحابه من مزاح وغير ذلك؟

الجواب: الظاهر أنّ المراد نطقه في الاُمور الدينية الّتي تُوحى إليه، وإنْ كان(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في جميع اُموره لم ينطق ولم يتّبع الهوى.

الأنبیاء مصونون من السحر

السؤال: هل انقلبت حقيقة الحبال إلى حقيقة اُخرى بفعل السحر؟ وهل يشتدّ على الأنبياء والأئمّة(علیهم السلام) ما يرون من السحر والشعوذة؟ وما تفسير قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ»؟(2) وهل سُحر النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كما يقال ذلك؟

الجواب: أمّا الحبال فلم تنقلب حقيقتها إلى حقيقة اُخرى كالثعابين. والأنبياء والأئمّة(علیهم السلام) لا يشتدّ عليهم ما أتى به الساحر والمشعوذ، وهم بإذن الله تعالى

ص: 60


1- . النجم، 3-4.
2- . الفلق، 4.

وعنايته مصونون محروسون من تصرّف الساحر فيهم وإراءته لهم ما ليس بحقّ، فهم أقوى وأكبر من الوقوع في هذه التمويهات والخداعات وأبعد.

وأمّا «النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ»، فقيل: إنّها النساء الساحرات اللاتي يسحرن بالعقد على المسحور وينفثن بالعقد،(1) وربما كان اختصاص النساء بالذكر لكونهنّ أكثر من الرجال في الاشتغال بهذه الاُمور، وأقبل لتأثيرها في نفوسهنّ منهم.(2)

وقال بعضٌ: لو علمنا أنّ ما ورد في القرآن الكريم من العقد يعني الرابطة القوية، فعقدة النكاح وردت في أكثر من آية بمعنى رابطة الزواج، أفلا يكون «شَرُّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ»، هو شرّ النمّامات في رابطة الزواج وفي الصداقة والاُخوّة وفي كلّ عقدة تجمع اثنين، فكم أفسد شرّ النمّامات زوجات وكم هدم أُسراً... وصداقات؟!

وقيل: إنّ «النفّاثات»: النساء اللّاتي يتصرّفن في آراء بعولتهنّ ويحملنهم على ما يرينّه.

وقال في التبيان: قيل في شرّ النفّاثات قولان: أحدهما: إيهامهم أنّهم يمرضون، ويعافون ويجوز ذلك ممّا يخيّل رأي الإنسان من غير حقيقة لما يدعون من الحيلة بالأطعمة الضارّة، والاُمور المفسدة. الثاني: أنّه بضرب من خدمة الجنّ يمتحن الله تعالى بتخليتهم بعض الناس دون بعض. ولا يجوز أن يكون النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) سُحِر، على ما رواه القُصّاص الجهّال، لأنّ من يوصف بأنّه مسحور فقد خبل عقله. وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله: «وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً

ص: 61


1- . الطبرسي، مجمع البیان، ج10، ص866.
2- . ابن عاشور، التحریر والتنویر، ج30، ص550.

مَسْحُوراً»،(1) ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه فاطّلع الله نبيّه على ما فعله حتّی استخرج ما فعلوه من التمويه، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له.(2)

وعلى كلٍّ، فالاعتماد في تفسیر مثل هذه الآية الّتي اختلفت فيها كلمات المسلمين وعلماء التفسير، يجب أن يكون تفسيراً مأثوراً عن أهل البيت(علیهم السلام)، فإنْ لم نقف عليه فالاحتمالات على وزان واحد لا نرجّح على سبيل الجزم بعضها على بعض، ولعلّه كان عندهم تفسير خارج من هذه الاحتمالات والله هو الهادي إلى الصواب.

والّذي يمكننا أن نقوله هنا: أنّ السورة أمر بإعلام النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الناس بأنّه متوكّل على الله، معتمد عليه، متعوّذ به من شرّ كلّ شرير، ومن شرّ كلّ حاسد، ومن شرّ ما خلق، وأنّ كلّ من يسعَوْن لإطفاء نوره مهما فعلوا واجتهدوا فلا يمكن لهم إطفاء نور الله، وأنّهم بكلّ خُدَعهم وتمويهاتهم حتّی بالنفث في العقد لا يستطيعون إيقاع الضرر بمسيرة الإسلام وإيقاف هذه الحركة الإسلامية الّتي بعث الله بها عبده ورسوله منقذاً بها الإنسانية من دركات الجهالة والضلالة والحقارة، وجعل منها السبيل إلى السعادة والنجاة من استعباد بعضهم بعضاً، فهذه رسالة يشرق نورها ويزيد ويعلو ويذهب بكلّ الظلمات. قال الله تعالى: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً».(3)

ص: 62


1- . الفرقان، 8.
2- . الطوسي، التبيان، ج10، ص434.
3- . الطلاق، 3.

رفع إدریس وعیسی (علیهما السلام) إلی السماء

السؤال: هل رُفع نبيّ الله إدريس (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كما حدث للنبيّ عيسى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ؟ وهل سيرجع مثل النبيّ عيسى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ؟

الجواب: بعض النصوص الواردة في تفسير «وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً»(1) قد دلّ على رفعه إلى السماء كرفع عيسى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،(2) وأمّا رجوعه فلم نظفر على دليل له.

ص: 63


1- . مريم، 57.
2- . الطبري، جامع البیان، ج16، ص72-73؛ الطوسي، التبیان، 7، ص134؛ الطبرسي، مجمع البیان، ج6، ص802.

ص: 64

الإمامة

اشارة

قال الله تعالی: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».(1)

«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».(2)

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ».(3)

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».(4)

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ».(5)

ص: 65


1- . البقرة، 124.
2- . المائدة، 67.
3- . النساء، 59.
4- . الأحزاب، 33.
5- . المائدة، 55.

مراتب العصمة

السؤال: من هم المعصومون؟ وهل باستطاعة الإنسان أن يكون معصوماً إذا كان من غير الأنبياء والأئمّة؟

الجواب: العصمة بالمعنى الّذي يجب أن يكون النبيّ والإمام واجداً لها لم تثبت إلّا للأنبياء(علیهم السلام)، لاسيّما خاتمهم وأفضلهم نبيّنا الأعظم محمّد بن عبد الله والأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته، وبنته وحبيبته وبضعته سيّدة نساء العالمين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم فإنّهم واجدون أكمل مراتبها، ولكن حيث إنّها معنى ذو مراتب ومقول بالتشكيك حصولها في مثل السيّدة الحوراء زينب، وسيّدنا عليّ بن الحسين الأكبر الشهيد، وسيّدنا أبي الفضل العبّاس بن عليّ، علی ما يستفاد من الأحاديث والزيارات قريب جدّاً، كما أنّها ثابتة بدلالة القرآن للسيّدة مريم العذراء، ولا يبعد حصولُها في مثل سلمان وأبي ذرّ، والمقداد، وميثم، ورُشَيد، وغيرهم من خواصّ أصحاب الأئمّة(علیهم السلام). والعصمة لهؤلاء ليست من أوّل العمر، بل بمعنى وصولهم إلى هذا المقام بمرتبة من مراتبه، وبقائهم عليه إلى آخر هذه الحياة، ولكن إثبات ذلك لشخص معيّن منهم حيث إنّها من الاُمور المخفية لا يمكن، لأنّ ذلك محتاج إلى علم الغيب وإخبار من أظهره الله عليه من النبيّ والأئمّة(علیهم السلام)، فالدليل القاطع على حصولها بمرتبتها الكاملة خاصّ للرسول الأعظم والأئمّة المعصومين(علیهم السلام) من أوّل عمرهم إلى آخره.

اعتقاد الشیعة حول الأنبیاء والأئمّة(علیهم السلام)

السؤال: هل يعتقد الشيعة بأنّ أئمّتهم أفضل من الأنبياء(علیهم السلام)؟

ص: 66

الجواب: نعتقد بأنّ أفضل الخلق وسيّد الأنبياء هو نبيّنا محمّد بن عبد الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لا يفضل عليه أحد من المخلوقين:

وهو الّذي تمّ معناه وصورته * وجوهر الحسن فيه غير مقتسَمِ

وقد ورد في الأحاديث من طرق الفريقين أنّ أهل بيته الطاهرين معه في الجنّة، بل قد ورد عنه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): أنّ من أحَبَّ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين يكون معه في درجته يوم القيامة. كما قد دلّ حديث الثقلين المتواتر على أنّهم عدل الكتاب، وعلى عصمتهم من الخطأ وأنّ التمسّك بهم أمان من الضلال.

وأمّا اعتقادنا بأفضليّتهم على الأنبياء(علیهم السلام) غير الرسول الأعظم الخاتم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فهو بسبب التمسّك بالدلائل الواضحة. فلا یجوز علی من لا یری ذلك الاعتقاد، الحکم علی مَن هذا رأیُه، بالكفر أو بالفسق والعياذ بالله بل، لا يجوز الاستنكار عليه والتباعد عنه وترك صلته، لأنّ الاعتقاد به وبمثله أو إنكاره ليس من أركان الإسلام باتّفاق المسلمين ولا ممّا يتوقّف الحكم بالإسلام على الاعتقاد به.

***

السؤال: 1. هل صحيح أنّ الأئمّة الاثني عشر أفضل من جميع الأنبياء عدا محمّد(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عند الشيعة أم هي مسألة اجتهادية فيها أخذ وردّ؟ 2. هل صحيح أنّ الإمام عليّ أفضل من الحسن، والحسن أفضل من الحسين، وهکذا، أم کلّهم علی درجة واحدة؟

الجواب: 1. المعروف بين علماء الشيعة هو ذلك ویؤيّده الکثير من الروايات. 2. المعروف بين علماء الشيعة ویؤيده بعض الروايات أن الإمام عليّاً (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أفضل من سائر الأئمّة(علیهم السلام)، وهکذا الحسن (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) والحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أفضل من سائر

ص: 67

الأئمّة(علیهم السلام). أمّا البقيّة فکلّهم في الفضل سواء، وما ينبغي أن يقال: إنّ هذا الأمر من الاُمور الّتي لا يطالب بمعرفته المکلّف وعلمه عند الله تعالی وعندهم.

الولایة التکوینیّة

السؤال: ما هو مفهوم الولاية التكوينيّة للأئمّة(علیهم السلام) وما حکم من لم يؤمن بها؟

الجواب: الولاية التكوينيّة للإمام من المسلّمات العقائدية وهي القدرة على التصرّف في الممكنات بالإرادة، وقد ورد في القرآن الكريم: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»(1) في قصّة سليمان (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) إذ جاء بعرش ملكة اليمن في أقلّ من طرفة عين، ولا إشكال ولا ريب في أنّ الأئمّة(علیهم السلام) أفضل منه، وقد جاء في التاريخ بعض الموارد الّتي استفاد الأئمّة(علیهم السلام) من الولاية المذكورة إلّا أنّها نادرة جدّاً، وليس بعجب ممّن أطاع الله حقّ طاعته أن تكون له هذه الولاية.

***

السؤال: هل مصطلح الولاية التکوينيّة للأئمّة(علیهم السلام) سبق المعجزة أم المعجزة سبقته؟ المعجزة جاء ذکرها بالسنّة، والولاية التکوينيّة لم نجد ذکرها بهذا الاسم بالسنّة النبويّة؟ فمن أين ومن مکتشف ذلك؟

الجواب: الولاية التکوينيّة عبارة من القدرة علی التصرّف في الکون وما فيه، وهي أساساً لله تعالی وحده، وهو المتصرّف في الکون باختياره واستقلاله

ص: 68


1- . النمل، 40.

لا غيره، إلّا أنّها بالمعنی الأعمّ تکون لجميع أبناء البشر، فما من أحد إلّا وقد تصرّف في الکون بجسمه أو بروحه لکنّه بإذن الله تعالی وقدرته. وهي بالمعنی الأخصّ تختصّ بالله وأنبيائه وأوليائه.

وما سبب الاستبعاد من ذلك وقد نراها فيمن مقامه أقلّ من النبيّ وعترته(علیهم السلام)؟ أفما قرأ المنکر القرآن الکريم حيث قال عفريت من الجنّ لسليمان (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ»؛(1) وقال آصف بن برخيا الّذي عنده علم من الکتاب: «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»؛(2) فإذا کان ذلك لمن عنده علم من الکتاب فلماذا لا يکون لمن عنده علم الکتاب کلّه؟

فالولاية التکوينيّة لأولياء الله تعالی ثابتة في القرآن الکريم وإن لم تکن هي بهذا اللفظ والاصطلاح، کما أنّ المعجزة أيضاً بالمعنی المصطلح ليست في القرآن، ولکنّهما واقعتان لا ريب فيهما، والله الهادي إلی الصواب.

***

السؤال: ما هو المراد من فقرة الدعاء: «أسألك بما نطق فيهم من مشیّتك»؟(3) وهل تدلّ على أنّ لأهل البيت مشيّةً واُموراً تكوينية؟

الجواب: يحتمل أن يكون معناه، والله أعلم: أسألك بما نطق فيهم (بالبناء على المجهول)؛ أي بكلّ فضيلة ومنقبة ومقام ومرتبة كائنة فيهم منطوق بها، ممّا تعلّقت به مشيئتك في أمرهم وإظهار مكانتهم ومقاماتهم. أو بالبناء على المعلوم

ص: 69


1- . النمل، 39.
2- . النمل، 40.
3- . الطوسي، مصباح المتهجّد، ج2، ص803؛ الکفعمي، البلد الأمین، ص179.

فيكون المراد: أسألك بالوحي الّذي نطق فيهم ونزل بشأنهم من مشيّتك، أو أسألك بمن يكلّم فيهم ممّا تعلّق به مشيّتك. فتكون الاحتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المراد من «ما» الموصولة هو المنطوق به؛ أي نفس الفضائل وكرائم صفاتهم وعالي درجاتهم.

والثاني: أن يكون المراد بها الناطق عنهم ويراد به خصوص الوحي النازل على النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الناطق فيهم بمشيئة الله تعالى.

والثالث: أن يكون معناها العامّ وهو كلّ ناطق بفضيلتهم، ويمكن أن لا يكون المراد من النطق النطق اللساني، بل كان المراد أفعال الله تعالى وألطافه إليهم، الصادرة بمشيّته فيهم.

«فجعلتهم معادن لكلماتك»؛ أي خزائن لمعاني كلّ ما تدلّ عليه الكلمات اللفظية والتكوينيّة الّتي قال فيها تعالى: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً».(1)

«وأركاناً لما يدلّ على توحيدك» وآياتك ومقاماتك الأفعالية، ومشاهد ظهور عملك وقدرتك، فهم الأركان لذلك، لأنّهم أوّل الدلائل، وأعظم الآيات، وأتمّ الكلمات، وأشرف أفعاله؛ أي أكرم وأشرف شيء تعلّقت مشيّته عزّ وجلّ بإيجاده وتعلّقت به قدرته وإرادته الفعلية، فلا تعطيل لشيء من هذه الشؤون الربوبية الّتي لا تنقص ولا تنعدم ولا تفنى ولا تزول ولا تبيد، وكلّ يوم هو في شأن.

«ولا فرق بينك وبينهم»، معناه: أنّ هؤلاء الولاة قد بلغوا مبلغاً من الكمال يظهر منهم هذه الآيات والكلمات الّتي يعرف الله بها من عرفه، ويستدلّ بها عليه من

ص: 70


1- . الکهف، 109.

اهتدى إليه وليسوا شركاء له في صفاته وأفعاله، ولا هو حلّ فيهم واتّحد معهم والعياذ بالله بل هم عباده، وأنّه الخالق وهم مخلوقوه، وأنّه الغنيّ والمالك والرزّاق و... و... و... وهم الفقراء إليه ومملوكوه ومرزوقوه... و... و... والفرق الواضح بينهم وبين سائر العباد، أنّهم أعرف من الجميع بمرتبة معبوديّة الله تعالى وخالقيّته، ورازقيّته، ومالكيّته، وغناه، وتوحّده، وتفرّده بهذه الصفات، وهم برتبة مخلوقيّتهم ومملوكيّتهم ومرزوقيّتهم وفقرهم وحاجتهم إليه، معترفون بالعجز عن إدراك ذاته وأداء شكر نعمائه، وإحصاء ثنائه وآلائه، فلسان حالهم ومقالهم في

حضرة الاُلوهية: إنّا لا نحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيت على نفسك، أدركوا بكمال المعرفة أنّ كلّ حيثيّتهم هي الفقر والعجز، وكلّ حيثيّة خالقهم وإلههم هي الغنى والقدرة والعلم، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، العليّ القدير.

علم الإمام

السؤال: ذكر الكليني رحمه الله في كتاب الكافي حدیثاً یقول: «إنّ الإمام يعلم بما كان وما يكون وإنّه لا يخفى عليه شيء».(1)

وذكر الكليني رحمه الله في اُصول الكافي حديثاً يقول: «لم يكن إمام إلّا مات مقتولاً أو مسموماً».(2)

يورد بعض أهل السنّة شبهة وهي: إذا كان الإمام يعلم الغيب كما ذكر الشیخ الكليني والشیخ الحرّ العاملي رحمه الله، فليعلم أوّلاً: ما يُقدّم له من طعام

ص: 71


1- . الکلیني، الکافي، ج1، ص260.
2- . لم یذکر هذا الحدیث في الکافي ولکن ورد حدیث بهذا المضمون في کفایة الأثر. راجع: الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص 160 162؛ أیضاً: المجلسي، بحار الأنوار، ج 27، ص 216 217.

وشراب، فلو كان مسموماً لعلم ما فيه من سمّ وتجنّبه، ولو لم يتجنّبه لمات منتحراً، لأنّه يعلم أنّ هذا السمّ سيقتله، فيكون قاتلاً لنفسه، فما هو الردّ على مثل هذه الشبهة للردّ على كلامهم؟

الجواب: اعلم أنّه وإن لا ريب في أنّ الأنبياء سيّما نبيّنا الخاتم الأعظم والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم کانوا عالمين بالغيب ومخبرين عن المغيّبات علی حدّ يؤمن به ويعرفه کلّ من له أدنی علم واطّلاع علی سيرتهم وتاريخ حياتهم، وکما لا طريق إلی إنکار وجودهم لا طريق إلی إنکار علمهم بالغيب، فهو من أظهر معاليهم وشؤونهم العاليه القدسيّة القدّوسيّة الثابتة بالکتاب والسنّة المتواترة، إلّا أنّ ما استقرّ عليه سيرتهم في الاُمور العاديّة والمعاملات والمعاشرات مع الأهل والأولاد وسائر الناس حتّی الحکم بين العباد والقضاء في المخاصمات العمل بالعلوم العاديّة وما هو الحجّة الشرعية علی الناس؛ فهم کغيرهم في هذه الاُمور؛ لأنّ الله تعالی جعلهم الاُسوة حتّی يهتدي الناس بهداهم، ويقتفون آثارهم، ويقتدون بهم وبأفعالهم، وما أخبروا عنه ليس إلّا القليل من الکثير والقطرة من البحر والحرف والکلمة من الکتاب الّذي عندهم علمه. فما هو عندهم من علم الغيب المذخور عندهم لا يخبرون عنه إلّا بإذن الله تعالی. فهم وإن لا يأکلون مثلاً الحرام الواقعي المعلوم عليهم بعلم الغيب الّذي أعطاهم الله تعالی إلّا أنّهم لا ينکرون علی من أکل ما هو الحلال علی ظاهر الشرع، کان حراماً واقعاً.

فالإمام يعلم بعلم الغيب أنّ ابن ملجم قاتله أو العنب الّذي طلب منه المأمون أکله، مسموم؛ لا يأخذ علی ابن ملجم ولا يسجنه، ولا يمتنع من أکل العنب المسموم.

ص: 72

فإنّه مأمور بالعمل بالظاهر ولم يکن مأذوناً بالعمل بعلمه بالغيب والإخبار بواقع نظام القضاء والقدر في الموارد إلّا بإذن الله تعالی؛ فهو بعلمه المذخور عنده وما هو المقضيّ والمقدّر يعلم عاقبة الأمر؛ إلّا أنّ الواجب عليه التسليم، والحاصل أنّهم يعلمون بعلم الغيب ويخبرون به عن الغيب علی حدّ يعلمون موارده، فيخبر عمّاراً بأنّه يقتله الفئة الباغية ولا يخبر غيره عن عاقبة أمره.

کلّ ذلك من أسرار الله الّتي لم يطّلع عليه إلّا عبادُ الله المخلصون الاُمناء السالکون الواصلون إلی الفوز العظيم ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

اللّهمّ لا تؤاخذنا بهفواتنا وورودنا في الکلام عن الاُمور الّتي لا يدرك کنهه وحقائقه إلّا أولياؤك المکرّمون المنتجبون وألحقنا بحقّهم بعبادك الصالحين العارفين، صلواتك علی سيّدنا محمّد وآله الطّيبين الطاهرين سيّما عالم زماننا ووليّ عصرنا مولانا المهديّ أرواح العالمين له الفداء والحمد لله أوّلاً وآخراً.

معنی الغلوّ وموقف أهل البیت(علیهم السلام) في الغلاة

السؤال: ما معنى الغلوّ؟ وما هو موقف أهل البيت من الغلاة؟

الجواب: الغلوّ في اللغة هو: تجاوز الحدّ والخروج عن القصد. قال الراغب: الغلوّ تجاوز الحدّ، يقال ذلك إذا كان في السعر غلاء، وإذا كان في القدر والمنزلة غلوّ.(1) والظاهر أنّه قد يكون في الأفعال، وقد يكون في الاعتقادات. وما اصطلح عليه في الآيات والأحاديث والكتب الكلامية وفهارس الفِرَق هو

ص: 73


1- . الراغب الأصفهاني، مفردات، ص612.

الاعتقاد باُلوهية الأنبياء والأئمّة والملائكة وربوبيّتهم ووصفهم بأنّ الله تعالى قد فوّض إليهم الاُمور، لا بمعنى أنّهم مأمورون بأمره ومبلّغون رسالاته وعمّالاً بإرادته، كالملائكة المدبّرات، وترك لهم شؤون أفعاله الّتي تصدر منه، مع أنّه تعالى له الأمر والحكم، لم يزل ولا يزال هو الحيّ القيّوم، البارئ الخالق المصوّر. أو الاعتقاد بالحلول والاتّحاد وتناسخ

أرواح الأنبياء والأئمّة بعضهم إلى بعض، أو كونهم شركاء لله في المعبودية، أو إنكار كونهم بشراً يأكلون الطعام ويولدون ويلدون.

فسواء كان أمثال هذه العقائد بالنسبة إلى جميعهم أو إلى واحد منهم، فكلّ ذلك خروج من الدين، وهو الغلوّ المنهيّ عنه الموجب للكفر والشرك.

وقد تبرّأ الأئمّة(علیهم السلام) من أوّلهم إلى آخرهم من أصحاب هذه العقائد وحكموا بكفرهم، وأمروا بقتلهم، وأقرّوا لله بالعبوديّة، وبالغوا في ذلك، فلم يكن لله أحد أعبد منهم، ولم ير أحد نفسه في جنب الله تعالى أصغر ممّا كانوا يرون أنفسهم، وكلّ عظمتهم وصفاتهم ومقاماتهم ومراتبهم الكاملة الشريفة العجيبة، ومنازلهم الرفيعة، وما أعطاهم الله تعالى من العلم بالغيب، ومن القدرة على التصرّف في الكونيّات بإذنه، يرجع إلى ذلك، وإلى أنّهم أدركوا عظمة الله تعالى وفقرهم وحاجتهم إليه، وأنّهم «لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَياةً وَلَا نُشُوراً»،(1) إدراكاً لم يحصل لأحد غيرهم مثله. فهم إنّما ارتقوا إلى أرقى المقامات الّتي يمكن للمخلوقين الارتقاء إليها بإذنه وعنايته تبارك

ص: 74


1- . الفرقان، 3.

وتعالى، وذلك لأنّهم أعرف عباد الله من الجنّ والإنس والملائكة بحاجتهم وفقرهم إلى الله تعالى، وأنّ الاُمور كلّها بيده، وليس لهم من الأمر شيء، فما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلّا بهذه البصيرة التامّة والمعرفة الكاملة الّتي اختصّهم الله بها، فهم عباده المكرمون «لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ».(1) علومهم من علمه، ومعجزاتهم وما ظهر منهم من الشؤون كلّها إعطاء منه تعالى، فلا أحد أكرم عند الله منهم. والزيارة الجامعة وغيرها من الزيارات المأثورة المعتبرة، والأحاديث المسندة المعتمدة، كلّها شرح لهذه المعاني، وشرحها أيضاً يجب أن يكون على ضوء هذه المباني، حتّى لا تتداخل المقامات والشؤون بعضها في بعض، فللّه تعالى شأن، وللنبيّ شأن، وللإمام شأن، فلا يجوز أن نرتقي بشأن الإمام إلى شأن النبيّ، ولا بشأن النبيّ إلى شأن الله تعالى جلّ جلاله، الّذي كلّ من دونه مخلوق ومحتاج إليه، فافهم ذلك، واعرف الله بالاُلوهية والإلهية، وصفاته الكمالية الجلالية والجمالية، واعرف النبيّ بالنبوّة والعبوديّة لله تعالى، والإمام بالإمامة والعبوديّة لله تعالى، وأنّ ما اختصّه الله به من المقامات والصلاحيات والوظائف، إنّما هو بسبب العبودية، هداك الله وإيّانا إلى الصراط المستقيم، وثبّتنا على معرفته ومعرفة أوليائه المكرّمين المعصومين الّذين هم أكبر آياته وأعظم مخلوقاته، الّذين هم كلماته التامّة وأسماؤه الحسنى التكوينيّة. فاحذر يا أخي أن تقع في شباك أهل الغلوّ، والصوفيّة والمسمّين بأهل العرفان ممّن أخذوا عن غيرهم.

ص: 75


1- . الأنبیاء، 27.

واحذر أيضاً أن تقع في شباك المقصّرين في حقّهم، المنكرين مقاماتهم، الجاحدين ما اختصّهم الله به وآتاهم من فضله. فالغلوّ والتقصير بأنواعهما انحراف، وكلّها شباك إبليس. قال مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ: مُحِبٌّ غَالٍ، وَمُبغِضٌ قَالٍ».(1)

فلا تُقدّم على أهل بيت النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أحداً من هذه الاُمّة، ولا تتقدّم عليهم، ولا تتأخّر عنهم إن شئت الأمان من الضلالة والخذلان، فإنّهم والقرآن لا يفترقان حتّی يردا على النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الحوضَ.

هذا، وأمّا الاعتقاد بأنّ الأئمّة(علیهم السلام)، بل غيرهم من الناس مكلّفون ببعض الأعمال والاُمور كبعض الملائكة، مثل قبض الأرواح أو إنزال المطر من السماء، أو غيرها، فذلك في حدّ نفسه ليس من الشرك وليس تأليهاً لغير الله تعالى، ولا إخراجاً للاُمور من تحت ولايته تعالى وجعلها خارجة عن إرادته ومشيئته. فإنّ كلّ الاُمور على هذا تكون مسندة إليه تعالى، ولا تخرج عن سلطانه، ويبقى هو الفاعل والجاعل، ولا فرق في ذلك بين أن يكون بواسطة غيره ممّن هو تحت أمره وسلطته، أو بلا واسطة، كما قال تعالى: «اَللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»؛(2) وقال عزّ اسمه: «اَلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ»؛(3) ويقول تعالى: «فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا»؛(4) مع أنّ المباشر لهذه الاُمور هم الملائكة. ومثل ذلك

ص: 76


1- . نهج البلاغة، الحکمة 113 (ص489).
2- . الزمر، 42.
3- . النحل، 28.
4- . العنکبوت، 40.

قوله تعالى: «أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ»؛(1) «أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ».(2)

أمّا مقالة اليهود وأمثالهم من الّذين يسلبون بعض القدرة عن الله تعالى فهي غير ذلك، فإنّهم يقولون: «يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ»(3) وما ذكرناه يقول: يد الله مبسوطة. والفرق بينهما ظاهر.

ولكنّ الاعتقاد بإحالة الله تعالى بعض الاُمور إلى بعض المخلوقين من الملائكة وغيرهم ليقوموا بها بإرادة الله تعالى، يحتاج إلى إثبات، فليس كلّ ما هو ممكن يجب أن يكون واقعاً. ولذا، فما دلّ عليه الدليل من تفويض هذه الشؤون أو بعضها من جانب الله إلى الملائكة عموماً أو خصوصاً، أو إلى الأنبياء والأئمّة(علیهم السلام)، نقول به، وما لم يدلّ عليه الدليل فنذره في بقعة الإمكان ولا نقول به، لأنّه قول بغير علم. والأحاديث المعتبرة في شؤون الأئمّة(علیهم السلام)، وإعطاء الله إيّاهم القدرة على التصرّفات في عالم التكوين، وصدور المعجزات عنهم، كثيرة متواترة، إلّا أنّها مع ذلك لا تدلّ على أنّهم هم المباشرون لجميع اُمور عالم التكوين، وأنّ إدارة نظام التكوين تكون بمباشرتهم، فضلاً عن أن يكون أمره مفوَّضاً إليهم. ولا ينافي ذلك أن يكون لهم التصرّف في عالم التكوين بإذن الله تعالى، وأن يكونوا أماناً للناس من العذاب، وينزّل بهم الغيث، ويمسك بهم السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه.

ص: 77


1- . الواقعة، 58-59.
2- . الواقعة، 63-64.
3- . المائدة، 64.

والحاصل: أنّه لا مانع من أنّ القول به يجب أن يكون قائماً على الدليل والأحاديث الصحيحة، كما ورد في صحاح الأحاديث أنّ أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) هو قسيم الجنّة والنار.

وليس كون بعض الملائكة مختصّاً بتدبير بعض الاُمور دون الأنبياء والأئمّة(علیهم السلام) ودون غيرهم، دليلاً على أفضليّة الملائكة عليهم، كما أنّ كون جبرئيل أميناً على وحي الله تعالى ليس دليلاً على أفضليّته على رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). فكلّ هذه اُمور تجري بقضاء الله وقدره، ولا يمكن لنا الإحاطة والعلم بها. وإن شئت المزيد من ذلك فعليك بمراجعة موسوعة بحار الأنوار، وملاحظة كتاب العقائد للعلّامة المجلسي، وراجع كتابنا الولاية التكوينيّة والولایة التشريعيّة.

واعلم أنّ كثيراً من فضائل أمير المؤمنين والأئمّة من ولده(علیهم السلام) لم يخبر الناس بها حذراً من وقوعهم في الغلوّ فيهم، وأن يرفعوهم فوق حدّهم، ويقولوا فيهم مثل ما قالت اليهود والنصارى في عُزَير والمسيح. وقد روي أنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قال مخاطباً أمير المؤمنين: «لَوْلَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ اُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلاً لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ».(1) فهذا أمر خطير فهلكوا إمّا بالغلوّ وإمّا بالتقصير.

والّذي ينبغي أن يقال: إنّ مقتضى الاحتياط في تلك المسائل الرجوع إلى العلماء المتبحّرين في الحديث والكلام، وعدم الاجتزاء بإعمال الرأي إلّا بالبصيرة التامّة، فلا يقال فيهم إلّا ما يثبت لهم بالدلائل العقليّة والنقليّة، فالإقرار بعدم

ص: 78


1- . الکلیني، الکافي، ج8، ص57.

المعرفة بحقّهم كما ينبغي أولى من الوقوع في رفعهم من مقام العبوديّة إلى منزلة الربوبيّة الرفيعة السامية، والعياذ بالله.

وهذا مولانا الإمام الرضا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يقول: «اَللَّهُمَّ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ؛ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنَ الَّذِينَ ادَّعَوْا لَنَا مَا لَيْسَ لَنَا بِحَقٍّ؛ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا فِينَا مَا لَمْ نَقُلْهُ فِي أَنْفُسِنَا؛ اَللَّهُمَّ لَكَ الْخَلْقُ وَمِنْكَ الرِّزْقُ «وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».(1) اَللَّهُمَّ أَنْتَ خَالِقُنَا وَخَالِقُ آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ وَآبَائِنَا الْآخِرِينَ؛ اَللَّهُمَّ لَا تَلِيقُ الرُّبُوبِيَّةُ إِلَّا بِكَ، وَلَا تَصْلُحُ الْإِلَهِيَّةُ إِلَّا لَكَ، فَالْعَنِ النَّصَارَى الَّذِينَ صَغَّرُوا عَظَمَتَكَ، وَالْعَنِ الْمُضَاهِئِينَ لِقَوْلِهِمْ مِنْ بَرِيَّتِكَ؛ اَللَّهُمَّ إِنَّا عَبِيدُكَ وَأَبْنَاءُ عَبِيدِكَ لَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا نَفْعاً وَلَا ضَرّاً وَلَا مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً؛ اَللَّهُمَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّا أَرْبَابٌ فَنَحْنُ مِنْهُ بِرَاءٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلَيْنَا الْخَلْقَ وَعَلَيْنَا الرِّزْقَ فَنَحْنُ بِرَاءٌ مِنْهُ كَبَرَاءَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) مِنَ النَّصَارَى؛ اَللَّهُمَّ إِنَّا لَمْ نَدْعُهُمْ إِلَى مَا يَزْعُمُونَ فَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا يَقُولُونَ وَاغْفِرْ لَنَا مَا يَدَّعُونَ وَلَا تَدَعْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُمْ دَيَّاراً، «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً»(2)».(3)

ترى في مثل هذه الكلمات أنّ الأئمّة الأطهار(علیهم السلام) كانوا مهتمّين بأن لا يرفعهم أحد من دائرة العبوديّة (الّتي حازوها بكمالها الأتمّ الأكمل، فحازوا بها أسنى المقامات في جميع العوالم والمشاهد) إلى دائرة المعبوديّة والاُلوهيّة.

ص: 79


1- . الفاتحة، 5.
2- . نوح، 27.
3- . المجلسي، بحار الأنوار، ج25، ص343.

هدانا الله تعالى وإيّاكم إلى معرفة الله، ومعرفة أوليائه. ويعجبني أن أختم هذا الجواب بأبيات لابن دريد:

إِنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّداً وَوَصِيَّهُ * وَابْنَيْهِ وَابْنَتَهُ الْبَتُولَ الطَّاهِرَةَ

أَهْلُ الْعَبَاءِ فَإِنَّنِي بِوَلَائِهِمْ * أَرْجُو السَّلَامَةَ وَالنَّجَا فِي الْآخِرَةِ

وَأَرَى مَحَبَّةَ مَنْ يَقُولُ بِفَضْلِهِمْ * سَبَباً يُجِيرُ مِنَ السَّبِيلِ الْجَائِرَةِ

أَرْجُو بِذَاكَ رِضَا الْمُهَيْمِنِ وَحْدَهُ * يَوْمَ الْوُقُوفِ عَلَى ظُهُورِ السَّاهِرَةِ(1)

وقال آخر:

هم القوم من أصفاهُمُ الودَّ مخلصاً * تمسّك في اُخراه بالسبب الأقوى

همُ القوم فاقوا العالمين مناقباً * فضائلهم تُرْوَى وآياتُهم تُتلى

***

السؤال: لو كان أحد من العلماء أو من العوامّ يعتقد بجميع الاعتقادات المندرجة أدناه:

1. يعتقد بأنّ الله تعالى إذا أراد أن يخلق محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين(علیهم السلام) فجعل نفس إرادته وجوداً خارجياً؟

2. يعتقد بأنّ الخمسة الأطهار أصل لتوحيد الله، وتوحيده عزّ وجلّ فرعهم.

3. يعتقد بأنّ الخمسة الأطهار لا يحيطهم مكان ولا يغيّرهم زمان ولا يشغلهم فعل عن فعل آخر.

ص: 80


1- . المجلسي، بحار الأنوار، ج25، ص239.

4. يعتقد بأنّ الخمسة الأطهار يتّصفون بصفات خالق، رازق، حاضر، ناظر، قادر، وهي من صفاتهم ليست من صفات الله، وهي مقصودة النفي من الآية الشريفة: «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ»؛(1) يعني الله تعالى سبحانه عن هذه الصفات.

5. يعتقد بأنّ الروح قديم.

فما حكمه في الإسلام من نسبة إسلامه وطهارته وشركه ونجاسته؟ وما حكم الاستماع إلى تبليغه بتلك الاعتقادات؟

الجواب: العقائد المذكورة فاسدة، والمعتقد بها مشرك، وأحكام المشرك واضحة وإشاعة هذه الاعتقادات واستماعها حرام. أعاذنا الله من الغلوّ، ونسبة ما لا ينبغي إلى الأئمّة الأطهار(علیهم السلام).

نسبة الاُلوهیة إلی أمیر المؤمنین عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)

السؤال: لديّ بعض الاُمور الّتي اُحبّ أن يجاب عنها من قبلکم لأنّه لا أستطيع الإجابة عنها وهي: أنّ بعضاً من غلاة الشيعة يدّعي الاُلوهيّة للإمام عليّ وأفرد لي شخص منهم بعض الاُمور الّتي تقوّي حجّته: 1. ولادة الإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في الکعبة. 2. الصلاة على النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عند وفاته وکما قال الله عزّ وجلّ: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ».(2) 3. إحراق الإمام عبد الله بن سبأ عند ادّعائه الاُلوهية، فقال: هو هو

ص: 81


1- . الصافّات، 180.
2- . الأحزاب، 56.

والعياذ بالله وقال: إنّ الحرق خاصّ بالله عزّ وجلّ. 4. عند ما ذکر الإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) سورة براءة دون قول بسم الله، وقال: إنّ بسم الله هي تعني أنّ القائل هو الله عزّ وجلّ. 5. وإنّ هناك خطبة للإمام عليّ وهي خطبة «البيان» ومذکورة في بعض کتب الشيعة وهو يقول: «أنا الظاهر والباطن وأنا صاحب يونس في بطن الحوت وأنا الخضر أتقلّب کيف أشاء في مختلف العصور». فأرجو الإجابة؟

الجواب: من يعتقد أنّ الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) إله، فهو کافر نجس والإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عبد من عبيد الله أعطاه الله القدرة والعلم عند ما رآه أهلاً لهما وهو عطاء الله وإکرامه له لرؤيته منه الطاعة والعبوديّة التامّة له. وخطبة البيان لم يُعلم صحّة نسبتها للإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) . والاُمور المذکورة في السؤال لا تثبت الاُلوهية، وابن سبأ أصل وجوده مشکوك فيه عند الباحثين والمحقّقين، بل مخترع الأعداء.

***

السؤال: ابتُلينا في بلدنا ببعض الّذين انحرفوا عن الطريق القويم وادّعى أحدهم أنّ لفظة «ربّ» ومشتقّاتها الواردة في القرآن الكريم إنّما تعني أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أو تشير إليه، بل غالى بعضهم أكثر فقال: إنّه (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) خالقنا!!. فأرجو الردّ عليهم؟

الجواب: الغلوّ فيهم(علیهم السلام) في مرتبة الربوبية أمر بغيض لهم، وقد نَهَوا عنه وتبرّأوا من القائل به، وأوجبوا تنزيههم عن الربوبية، فيجب الابتعاد عن مروّجي هذه الأفكار الإلحاديّة وعن أعداء أهل البيت(علیهم السلام) والمشكّكين في علوّ درجاتهم ورفعة مقامهم وسموّ مراتبهم، واللازم اتّخاذ الحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط. فهم عباد الله تعالی مخلوقون مرزوقون وهم عباده المکرمون، جعلهم الله الأئمّة واُمناءه في خلقه ومفسّري کتابه. بهم هدانا الله، وبهم رزقنا الله، وليعلم أنّ إطلاق الربّ علی

ص: 82

غير الله تعالی کربّ البيت أو ربّ المدرسة أو ربّ البستان أو غير ذلك فلا إشکال فيه، وللربّ معان متعدّدة کالعين مشترك لفظيّ بين معانيه، وما لا يجوز إطلاقه علی غير الله تعالی هو الربّ بقول مطلق أو بإضافته إلی ما سواه

کربّ العالمين أو إرادة الخالق فيه والربّ الحقيقي لکلّ کائن من الکائنات فهو المعنی الّذي سأل فرعون موسی(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، «قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»؛(1) فبهذا الاعتبار يقال لمالك الأشجار والّذي يتولّی حفظه، ربّ الشجر ولا يقال لغيره ربّ الشجر؛ أي خالق الشجر وفي نهج البلاغة: «فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا».(2) عصمنا الله وإيّاكم من الزلل.

***

السؤال الأوّل: هل يصحّ هذا المعنى في اعتقادنا الشيعي: أنّ الصحابة اختلفوا في معنى الولاية لأمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وأنّ النصّ النبويّ لم يکن واضحاً فاختلفوا في المراد منه. ألا يدلّ هذا القول على عدّة اُمور منها: 1. يستلزم ذلك التقصير (والعياذ بالله) من جانب النبيّ في تبليغ أمر الولاية؟ 2. تبرئة الصحابة وکونهم بسطاء وأنّ نواياهم حسنة! وأنّهم لم يفهموا قول النبيّ الأعظم في الغدير وفي غيره! وبطبيعة الحال اختلفوا؟ 3. التغطية والدفاع عن الغاصبين وکيدهم ومؤامراتهم الّتي قاموا بها! وعدم کونهم نواصب وأعداء ومبغضين لأمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ؟ 4. أنّ النبيّ لم يکن يرى للولاية أهميّة کبرى، فجعلها بحيث يمکن

ص: 83


1- . طه، 49-50.
2- . نهج البلاغة، کتاب 28 (ص386).

المسلمين أن يختاروا بأنفسهم أو أن يستشاروا ويتحدّثوا ويعيّنوا فيما بينهم؟ فهل ما فهمناه من هذا القول صحيح؟! أم أنّه قول خالٍ من الإشکال؟

السؤال الثاني: ما معنى الحديث الشريف الوارد في اُصول الکافي الشريف: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ... وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْ ءٍ كَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ».(1) وهل أنّ الولاية أعظم من تلك الواجبات المذکورة في الحديث؟ وهل أنّ شرط قبول تلك الأعمال هو الولاية لمحمّد وآل محمّد؟

الجواب: 1. النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بلّغ الرسالة بوضوح تامّ وخاصّة في موضوع ولاية الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بما لا يدع مجالاً للشكّ والشبهة فيه. فمنذ حديث الدار إلی قضيّة الغدير فقد بلّغ رسالة الله في عليٍّ بعد ما أثبت الولاية لنفسه علی المؤمنين وأقرّ له المؤمنون بذلك، فقد جعل نفس هذه الولاية الّتي أثبتها الله له وأقرّ بها المؤمنون لعليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) . فلا شكّ ولا شبهة في وضوح التبليغ وقد أخذ البيعة من الناس لعليٍّ بالولاية حتّی قال قائلهم له: «بخ بخ لك يا عليّ لقد أصبحتَ مولاي ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة»،(2) ولا معنی لتفسیر الولایة بل لا یصحّ بغير معناها الّذي أراده الرسول منه، وهي الإمامة والخلافة والحاکميّة بعده وکيف يقول الله تعالی بعد أمر رسوله بالتبليغ «وَاللهُ يَعصِمُك مِنَ النَّاسِ»،(3) وأيّ أمر مهمّ يحتاج إلی عصمة الله الرسول من الناس،

ص: 84


1- . الکلیني، الکافي، ج2، ص18.
2- . المفید، الإرشاد، ج1، ص 177؛ الطبرسي، إعلام الوری، ج 1، ص 262، 330؛ القندوزي، ینابیع المودّة، ج2، ص 249.
3- . المائدة، 67.

فلو کان المراد من الولاية المحبّة والنصرة لما کان معنی لعصمة الرسول من الناس، فهذا لا يحتاج إلی عصمة من الناس، لما کان هو أمراً مقبولاً ومعروفاً عند عموم المسلمين آنذاك، فلابدّ أن يکون الأمر مهمّاً جدّاً وليس إلّا التبليغ بالخلافة وهو الّذي يحتاج إلی عصمة الرسول من الناس إلّا أنّ الأصحاب انقلبوا في هذه الوصيّة علی أعقابهم وهو مؤدّی قوله تعالی: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ».(1)

وقد اعتذروا لهذه المخالفة العظيمة الّتي أثرها إلی اليوم وسبب الاختلاف الکبير بين المسلمين بأعذار باطلة وغير مقبولة، أرادوا بذلك تبرير مخالفتهم ولا يبرّر هذه المخالفة کلّ الاعتذارات. فهذا اجتهاد مقابل النصّ الصريح ومخالفة صريحة لأمر رسول الله بأعذار مختلفه؛ فتارةً صغر سنّ عليّ بن أبي طالب واُخری أنّ قريشاً کرهت أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم. کلّ هذه الأعذار واهية ضعيفة، بل لا تجوز بعد أمر الله وأمر رسوله الأولی بالناس والأعلم بالمصالح، فلا معنی للقول بعدم وضوح النصّ النبويّ. فهذا يعني التقصير في التبليغ، وحاشا لرسول الله أن يکون مقصّراً في أمر الله أو في بيانه وإيضاحه، وکيف يقال: إنّ النبيّ لم يکن يری أنّ الولاية ليست ذات أهميّة کبيرة عنده، بل عظيمة عنده وعند الله. فالله يربط تبليغ کلّ الدين بتبليغ الولاية فهو القائل «إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»؛(2) وأيّ أمر أعظم من أمر يکون تبليغه تبليغاً لتمام الرسالة، ولذلك نحن جعلنا الإمامة من اُصول الدين لهذا الدليل ولغيره من الأدلّة.

ص: 85


1- . آل عمران، 144.
2- . المائدة، 67.

2. المراد بالقول «وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ کَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ»، أنّ قبول الأعمال مشروط بالولاية، فهي أصل من اُصول الدين؛ لأنّ الله تعالی قال لرسوله: «إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ».(1)

***

السؤال: هناك عدّة روايات وردت عن أهل بيت العصمة والطهارة(علیهم السلام) من قبيل: «إنّ أوّل ما خلق الله نور النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)» و «خلق منه كلّ خير»؛ و «أنّهم كانوا أنواراً حول العرش محدقين»، ومن قبيل: «أنّه لولا وجود الحجّة لساخت الأرض بأهلها»؛ وأمثال ذلك. هل هذه الروايات ومثيلاتها لها سند معتبر من وجهة نظر سماحتكم أم أنّها من وضع الغلاة؟ هل تتعارض هذه الروايات مع القرآن الكريم؟ وهل لها معاريض من كلام المعصومين أنفسهم؟ هل المقامات العالية كوساطة الفيض والوسيلة لقبول أعمال العباد ثابتة لهم(علیهم السلام)؟

الجواب: الروايات المذكورة تنقسم إلى عدّة طوائف: طائفة منها قويّة السند، وطائفة اُخری إمّا ضعيفة السند بالإرسال أو بضعف الراوي. وقسم من الطائفة الاُولى القويّة السند ربّما يكون داخلاً في قولهم(علیهم السلام): «إِنَّ حَدِيثَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا ثَلَاثٌ»،(2) الحديث.

نعم لا ینافي مضمونها مع شيء من العقائد الحقّة مع أنّ لها توضیحاً وتبییناً صحیحاً یوافق المحکمات من الأخبار والآثار. ففي المتشابهات من الأخبار، لابدّ من ردّ علمها إليهم(علیهم السلام) والاعتماد في المعارف الدينية على الكتاب والسنّة

ص: 86


1- . المائدة، 67.
2- . الصفّار، بصائر الدرجات، ج1، ص25؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص190.

الواضحة الدلالة، وإذا كان الحديث معارضاً للقرآن بالتباين الصريح فلابدّ من تركه وعدم الاعتماد عليه.

هذا، ولا ريب أنّ أعمال غير الموالين لهم(علیهم السلام) غير مقبولة.

النصوص الواردة في أسماء الأئمّة الاثني عشر(علیهم السلام)

السؤال: إذا کان الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)َ قد نصّ علی أسماء أئمّة الشيعة بتعابير مختلفة منها «مايزال الدين عزيزاً» أو «ما زالت اُمّتي بخير ما ولّاها اثنا عشر خليفةً کلّهم من قريش». فلماذا أوّلاً: ظهرت العشرات من المذاهب أصلها رافضي لا يعملون بالنصّ؟ ثانياً: أين العزّة للإسلام ولاُمّة محمّد(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والإمام الثاني عشر موجودٌ حيٌّ منذ الآلاف السنين؟

الجواب: النصوص الواردة في عدد الأئمّة(علیهم السلام) کثيرة جدّاً وأهمّها حديث الغدير المرويّ عن الخاصّة والعامّة بطرق مختلفة بالغة فوق حدّ التواتر، إلّا أنّ اختلاف الاُمم عن أنبيائها کثير، والقرآن الکريم ضرب لنا مثلاً من کلّ الاُمم وما جری لنبيّ الله موسی علی نبيّنا وآله وعليه السلام بعد غيبته أربعين ليلةً وضلال اُمّته وأتّباعهم السامريّ أکبر ممّا جری علی هذه الاُمّة من غيبة الإمام المهديّ عجّل الله فرجه کما أنّ اختلاف بعض الشيعة عن إمامة بعض الأئمّة منشأه الضلال واتّباع الهوی والزيغ عن الحقّ والرغبة في حطام الدنيا، وليس منشأه ضياع الحقّ واشتباهه علی الناس. فهؤلاء رؤساء الواقفة، وقفوا علی إمامة الإمام موسی الکاظم(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لما کان في أيديهم من المال ولم يسلّموه إلی الإمام الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من بعده، فأنکروا وفاته وتبعاً لذلك أنکروا إمامة الإمام من بعده.

ص: 87

وأمّا کون العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين فهي آتية لا محالة وذلك بظهور الإمام المهديّ عجّل الله تعالی فرجه لا بوجوده غائباً عن أعين الناس فإذا ظهر وحکم بالإسلام الواقعيّ وهيمن علی کلّ الأرض والأديان، فهناك تظهر العزّة لله، أمّا أنّه متی يحصل هذا، فهو أمر خافٍ علينا ونرجو ظهوره کما کان يرجو ظهوره من کان قبلنا، راجين من الله تعالی أن يجعلنا وإيّاکم من الثابتين علی ولايته والمنتظرين لدولته والناصرين له، والسلام علی من اتّبع الهدی.

الإیمان بولایة الأئمّة الاثني عشر(علیهم السلام) من شرائط الإیمان

السؤال: الحديث المعروف: «من شهد أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة، ثم قال: بشرطها وشروطها، ثم قال: وأنا من شرطها وشروطها»، ما مدى صحّة الحديث؟ وهل فيه برهان قويّ على اشتراط الإيمان بالأئمّة(علیهم السلام) لصحّة الإسلام مطلقاً؟ وهل المسلم الّذي ينطق بالشهادتين هو مسلم في الدنيا وناجٍ في الآخرة، أو أنّه مسلم في الدنيا فقط، ولا يكون مسلماً في الآخرة إلّا بالإيمان بإمامتهم(علیهم السلام)؟

الجواب: الحديث المذكور صحيح وهو عن الإمام الرضا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عند مروره بمدينة نيشابور،(1) والإيمان بالأئمّة الاثني عشر من شرائط الإيمان الّذي هو مناط الجزاء والثواب. ویدلّ علی ذلك أیضاً الأخبار الکثیرة الدالّة علی أنّ الولایة من اُصول الدین، ومنها: الحدیث المتّفق بین الفریقین: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»،(2) وغیرها.

ص: 88


1- . ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج4، ص94.
2- . الصدوق، کمال الدین، ج2، ص409؛ الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص296.

حدیث اللوح

السؤال: روی الکلیني رحمه الله في الكافي بإسناده عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: «دخلتُ على فاطمة (علیهما السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، ثلاثة منهم محمّد وثلاثة منهم عليّ» اثنا عشر إماماً (من ولدها) من ولد فاطمة (والإمام عليّ) فالحديث يشير إلى أنّهم إثنا عشر من ولد فاطمة هو وجود ثلاثة منهم عليّ!! هي الأحاديث الّتي تشير إلى عدد الأئمّة ويكون حاصل العدد 13 ويستخدمها خصوم الشيعة لإثارة الشبهات فما هو الردّ؟

الجواب: اعلم أنّ الأخبار المتواترة الدالّة علی أنّ الأئمّة اثنا عشر مأثورة عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بیته(علیهم السلام) من طرق الفریقین. وهذه الأخبار علی طائفتین: فطائفة منها لیس فیها إلّا التصریح بأنّ الخلفاء والأئمّة اثنا عشر. والطائفة الاُخری تتضمّن أسماء الاثني عشر بعضهم أو جمیعهم. ثمّ إنّ هذه الأخبار حسب استقصائنا الناقص بلغت قریباً من الثلاثمائة حدیثٍ. والأخبار الدالّة علی أنّ أمیر المؤمنین علیّاً (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أوّل الأئمّة(علیهم السلام) تزید علی ذلك بکثیر.... فلو وجد حدیث لا یتوافق مع ظاهر هذه الأحادیث المتواترة وجب تأویله إن أمکن وإلّا فیطرح ولا ریب في ذلك. ولو سلّم التعارض بینهما فنقول أوّلاً: إنّ أسناد هذه الأحادیث بنفسها غیر معتبرة، فلا یجوز الاعتماد علیها ولا تنهض حجّةً في قبال الأحادیث المتواترة وأسانیدها. وثانیاً: إنّ متونها مصحّفة محرّفة یشهد بتصحیفها وتحریفها غیرها من الروایات المتواترة، فینبغي تصحیح متونها بها. وثالثاً: إنّ

ص: 89

لبعضها متوناً اُخری بألفاظ صحیحة وسلیمة من الإشکال، فینبغي أن یکون الاعتماد علیها لا علی غیرها. ورابعاً: علی فرض صدور هذه المتون فاللازم إنّما هو الجمع بینها وبین سائر الروایات بحملها علی التجوّز والتغلیب وغیرهما ممّا لا یأبی العرف وأهل اللسان صحّته. لنا رسالة مفصّلة حول الموضوع «جلاء البصر لمن یتولّی الأئمّة الاثني عشر» وتعرّضنا فيها إلى ما ورد في السؤال والجواب عنه جواباً شافياً كافياً راجعها تجد فيها فوائد كثيرة نافعة للمؤمنين.

شمول آیة التطهیر وآیة الولایة علی الأئمّة الاثني عشر(علیهم السلام)

السؤال: قال الله تعالى في محکم کتابه: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً»؛(1) وقال الله تعالی: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ».(2) يظهر من الآيتَين الکريمتَين الحصر بلفظ «إنّما» فکيف يتمّ التعميم لتشمل الآية جميع الأئمّة الاثني عشر، الآية الاُولى کما نعلم نزلت في الخمسة أصحاب الکساء، والآية الثانية نزلت في أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ؟

الجواب: الآية الاُولی نزلت في الخمسة أهل الکساء وهي تثبت العصمة لهم بل قد یظهر من بعض الأخبار شمولها جمیع الأئمّة(علیهم السلام). نعم إثبات العصمة للأئمّة(علیهم السلام) تمّ بأدلّة اُخری أیضاً عقليّةً ونقليّةً وهي مفصّلة في الکتب

ص: 90


1- . الأحزاب، 33.
2- . المائدة، 55.

الّتي تتعرّض لعصمة أهل البيت(علیهم السلام).(1)

وهکذا الآية الثانية، فهي نازلة بحقّ أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بل قد یظهر من بعض الأخبار شمولها جمیع الأئمّة(علیهم السلام). نعم إمامة باقي الأئمّة(علیهم السلام) ثبتت بالنصّ من الإمام السابق علی الإمام اللاحق وبسائر النصوص أیضاً؛(2) علماً بأنّ وجوب الوليّ في کلّ زمان وإتمام النعمة بالولاية من الله لا يمکن اختصاصها بزمان دون زمان فهي نعمة عامّة شاملة لکلّ الأزمنة ولازمها وجود الوليّ في کلّ زمان، وليس الوليُّ غيرَ أهلِ البيت(علیهم السلام).

المراد من التطهیر

السؤال: هل يستفاد من آية التطهير الواردة في حقّ المعصومين(علیهم السلام) الطهارة الظاهرية، مثل طهارة دمائهم؟ وهل يستفاد من أحاديثهم(علیهم السلام) ذلك؟ وما تقولون في من يعتقد ذلك ويرى أنّ ذلك من مكمّلات العقيدة؟

الجواب: الظاهر أنّ الآية بصدد بیان تطهيرهم من الذنوب والمعاصي والنواقص المعنوية الباطنية والظاهرية الجسمانية، وليست في مقام بيان مورد آخر. وعلى كلّ حال، هذه مسألة لا موجب لإثارتها، ولا فائدة من ذلك؛ لأنّها ليست مسألة ابتلائية، فإيكال حكمها إلى أهلها أولى، والثابت أنّهم(علیهم السلام) کانوا عاملين کسائر الناس بأحکام، والله هو العالم.

ص: 91


1- . راجع کتابنا: مع الخطیب في خطوطه العریضة.
2- . المفید، الإرشاد.

***

السؤال: يستشكل علينا البعض من أبناء السنّة في آية التطهير بأنّ أهل البيت کانوا غير معصومين قبل نزول الآية، فما هو السبيل للردّ عليهم؟

الجواب: لا وجه للإشكال المذكور، إذ الآية القرآنية لا تجعل العصمة لهم من حين نزول الآية، وإنّما هي لإقرار ثبوت العصمة لهم. ونظير هذا الأمر كثير في القرآن الكريم وإرادة الله تنسلخ عن الزمان الماضي والحال والمستقبل، فهو المريد لذلك قبل خلق أهل البيت(علیهم السلام) وبعده، مثل قوله تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولَكِنْ رَسُولَ اللهِ»؛(1) فرسالته لم تثبت حين النزول، وإنّما للإقرار برسالته من حين اختياره رسولاً.

السؤال: نعلم أنّ أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب قد تصدّق بالخاتم في رکوعه في الصلاة ولکنّنا نعلم أيضاً أنّ الأمیر عليه صلوات الله کان ينقطع في صلاته إلی الله مطلقاً. فکيف أجاب السائل حينها بالتصدّق؟ وهل حصول ذلك أثناء الرکوع له خصوصيّة أم أنّه مصادفة؟

الجواب: بما أنّ ما قام به صلوات الله عليه عبادة مقرّبة إليه تعالی، فالاشتغال بذلك لا يتنافی مع ما هو فيه من عبادة، بل تتأکّد بذلك عبادته، وربّما کان ذکر الرکوع للإشارة إلی هذه النقطة، کما يمکن أن يکون للتأکيد علی تحديد من قام بذلك حيث ورد أنّه الوحيد الّذي قام بذلك في تلك الحال. ولا يخفی أنّ المعبود هو الّذي عرّفه للولاية في هذه الآية، وهذا أکبر دليل علی أنّ عمله ذلك (أثناء صلاة النافلة) لا ينافي عبادته.

ص: 92


1- . الأحزاب، 40.

نزول سورة هل أتی في شأن أهل البیت(علیهم السلام)

السؤال: كيف نوجّه نزول آية أو سورة كاملة في الزّهراء وبعلها وبنيها، لأنّهم تصدّقوا بخبز من الشعير؟

الجواب: وجه نزول السورة الشريفة هو بيان جلالة قدر أهل البيت(علیهم السلام)، أمير المؤمنين وسيّدة نساء العالمين (علیهما السلام) وتعظيم إخلاصهم لله تعالى، وقد اُشير إلى ذلك في نفس السورة الكريمة، قال الله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ»(1) أو على كمال حاجتهم إليه، وقال عزّ من قائل: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً».(2)

ولا ريب أنّ الأعمال توزن بنيّات العاملين، فكم من عمل قليل في العين والظاهر، كثير في الواقع والباطن، وكم من عمل كثير في الظاهر قليل في الواقع لا يقام له وزن عند الله تعالى. رُبّ صائم ليس له من الصوم إلّا الجوع، وربّ قائم بالليل ليس له إلّا السهر، وفي الحديث: «نَوْمٌ عَلَى يَقِينٍ

خَيْرٌ مِنْ صَلَاةٍ فِي شَكٍّ».(3) والمواقف الصعبة تؤثّر في وزن الأعمال، «ضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ»(4) أو «مِنْ أَعْمَالِ أُمَّتي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».(5)

ومَن أعرف من الله تعالی بمقامات أهل البيت(علیهم السلام) العالية ودرجاتهم الرفيعة

ص: 93


1- . الإنسان، 8.
2- . الإنسان، 9.
3- . الشریف الرضي، خصائص الأئمّة(علیهم السلام)، ص95؛ اللیثي الواسطي، عیون الحکم والمواعظ، ص497؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج3، ص357.
4- . الحرّ العاملي، إثبات الهداة، ج3، ص456؛ المرعشيّ النجفي، شرح إحقاق الحقّ، ج 6، ص 4 5.
5- . القندوزي، ینابیع المودّة، ج1، ص412؛ المرعشيّ النجفي، شرح إحقاق الحقّ، ج6، ص 5.

عند الله تعالى وصدق نيّاتهم؟ وليس ما نزل فيهم من القرآن الكريم منحصراً بهذه السورة الكريمة، فالآيات النازلة فيهم وشؤونهم كثيرة جدّاً، قد أفردها بالجمع والتأليف جماعة من أعلام الاُمّة.

فدك نحلة فاطمة (علیها السلام)

السؤال: لماذا طالبت السيّدة فاطمة الزهراء بفدك، مع علمها أن لا إرث لها؟ مع ذكر الحديث عن ذلك إن أمكن؛ ولماذا حرمها أبو بكر من حقّها؟

الجواب: الحديث عن قصّة فدك مفصّل لا يسعنا بيانه، ولكن نوجزه بما يلي:

إنّ فدك نِحلة، وهبها لها أبوها رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) حال حياته، وكانت (سلام الله عليها) تتصرّف فيها تصرّف المالكين، إلّا أنّ الأمر اختلف بعد وفاة النبيّ، حيث ادّعى أبو بكر أنّ الأنبياء لا يورّثون، وأنّ تَركَتَهم صَدَقة، فانتزع فدك من الزهراء(علیها السلام)، وقد احتجّت عليه، وطالبته بها بعدّة دعاوي: الاُولى: أنّها نحلة، فاُنكر ذلك، الثانية: أنّها ميراث لها وحدها، فاُنكر ذلك أيضاً، وهي(علیها السلام) لم تكن بحاجة إلى دعوى الإرث بعد كون فدك مُلكَها حال حياة أبيها. وإنكار أبي بكر دعوى الوراثة، ألجأها إلى أن تقف من الصحابة عامّة، ومنه خاصّة ذلك الموقف الّذي كان حجّة على الخلق إلى يوم القيامة، وقد خطبت خُطبتها المعروفة في المسجد النبويّ الشريف، بجنب قبر والدها، واحتجّت بحجج غير قابلة للدفع(1)، إلّا أنّ الظلم الّذي جرى عليها، جرى على شيعتها، وسيجري إلى قيام القائم. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

ص: 94


1- . ابن طیفور، بلاغات النساء، ص 12 20؛ الطبري الإمامي، دلائل الإمامة، ص 111 112؛ ابن طاووس، الطرائف، ص 263؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 211.

فدك في عصر خلافة أمیر المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)

السؤال: لِمَ لم يردّ الإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أرض فدك لأولاده عند تولّيه الخلافة؟

الجواب: ما فعله الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، هو ما كان ينبغي أن يُفعل في تلك الظروف والأحوال وقد قال (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «لَوِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِهِ الْمَدَاحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْيَاءَ» (1) مع أنّه شاهد آخر علی أنّ شهادته لم تکن لجرّ النفع کما ادّعوا علیه سلام الله علیه.

روایات حول شهادة فاطمة(علیها السلام)

السؤال: أيّ من هذه الروايات معتبرة لديکم وتمثّل عقيدة الشيعة سنداً ومتناً: 1. فضربها قنفذ بالسوط. 2. فألجأها قنفذ لعنة الله علیه إلی عضادة باب بيتها. 3. أنّ قنفذاً مولى الرجل لکزها بنعل السيف بأمره. 4. ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها. 5. أخذ عمر عن خالد بن الوليد سيفاً فجعل يضرب بغمده على کتفها حتّی صارت مجروحة. 6. فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها. 7. فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها. 8. وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّی أسقطت محسناً. 9. قد خاطب الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) المغيرة بن شعبة في مجلس معاوية بقوله: «وأنتَ ضربتَ فاطمة بنت رسول الله حتّی أدميتها، وألقت ما في بطنها». 10. فلقيها عمر فقال: يا

ص: 95


1- . نهج البلاغة، الحکمة 271 (ص 523).

بنت محمّد! ما هذا الکتاب الّذي معك؟ فقالت: کتاب کتب لي أبو بکر بردّ فدك، فقال: هلمّيه إليّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله. 11. قال الطريحي: «حين عصرها خالد بن الوليد، فأسقطت محسناً».(1)

الجواب: المطالب المذکورة في الأسئلة کلّها واردة عندنا في الروايات المتعرّضة لقضيّة الزهراء(علیها السلام) وهي من الاُمور المعروفة المنقولة المشهورة، لا يجوز ردّها بمجرّد بعض الاستبعادات کسائر القضايا التاريخية، ويمکن دعوی التواتر الإجمالي فيها ودعوی القطع بمضمون بعضها، والکلام في ذلك طويل.

کسر ضلع الزهراء(علیها السلام) في المصادر التاریخیّة

السؤال: هل كسر ضلع الزهراء(علیها السلام) ثابت في المصادر التاريخية؟

الجواب: هذا الأمر معروف مشهور، أخذه الخلف عن السلف، وجاء في بعض الكتب، ولا يُستبعد وقوعه، لأنّ الوضع السياسي والمؤامرات السرّيّة الّتي بدأ ظهورها عندما أراد النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كتابة الوصيّة للاُمّة حتّى لا يضلّوا أبداً، فخالفه بعضهم ومنعوا رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) من كتابة وصيّته!! بل زادوا على ذلك وحاولوا إبطال حجّيتها إذا تمّت، بقول صاحبهم: «غَلبَ عليه الوجعُ»(2)بل بقوله كلاماً أسوأ منه وأشنع!!(3) إذ لا يمكن أن ينتهي الأمر إلى غلبة أبي بكر على الحكم

ص: 96


1- . الطريحي، المنتخب، ص132.
2- . أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص336؛ البخاري، صحیح، ج7، ص9؛ مسلم النیسابوري، صحیح، ج5، ص76.
3- . مسلم النیسابوري، صحیح، ج5، ص76.

مع مخالفة بني هاشم وجماعة من غيرهم لاسيّما سيّدة نساء العالمين (علیها السلام) إلّا بإعمال العنف والضرب والكسر. بل الباحث في التاريخ يرى أنّ الأمر لو لم يتمّ لهذا الحزب (الّذي منع الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) من الوصيّة وألغى اعتبارها) إلّا بقتل الزهراء (علیها السلام) وسائر بني هاشم لأقدموا عليه غير مبالين!! وقد كان عمر جادّاً عندما هدّدهم بإحراق بيتهم وإن كان فيه الزهراء وعليّ والحَسَنان(علیهم السلام)!! وهو يعلم أنّه هو البيت الّذي «قال فيه رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لمّا نزل قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»(1) وسأله أبو بكر: هل أنّ بيت عليّ وفاطمة منها؟ فقال(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «نَعَمْ، وَمِنْ أَفَاضِلِهَا»(2)، كما روى ذلك السيوطي في الدرّ المنثور.(3) ولذا قال الشاعر،(4) وهو يمدح بزعمه عمر بن الخطّاب بهذا التهديد المهيب الكاشف عن سريرته:

وقولة لعليّ قالها عمر * أكرمْ بسامعها، أعظمْ بمُلقيها

حرّقتُ داركَ لا اُبقي عليك بها * إن لم تبايعْ وبنتُ المصطفى فيها

ما کان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها(5)

وعليه، فلا يستبعد كسر ضلعها (علیها السلام)، إلّا أنّ المسلم العارف بمقام الرسالة يستعظم وقوع هذه الجريمة العظمى والفاجعة الكبرى في تاريخ اُمّتنا، لما فيها

ص: 97


1- . النور، 36.
2- . ابن مردویه الأصفهاني، مناقب عليّ بن أبي طالب، ص284.
3- . السیوطي، الدرّ المنثور، ج5، ص50.
4- . هو شاعر النيل محمد حافظ إبراهيم.
5- . الأمیني، الغدیر، ج7، ص86.

من إساءة الأدب إلى مقام الرسالة ومقام كريمة الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وحبيبته، إلّا أنّه ليس أمراً أكبر من إحراق البيت على آل الرسول، الّذي كان عمر جادّاً فيه! فمن يطلب ما طلب الرجلان لا يأبى من ارتكاب أفظع وأخشن من ذلك!! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

لطم فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وعصرها بین الباب والجدار

السؤال: هل صحيح أنّ فاطمة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) ضربت على وجهها عصرت بين الحائط والجدار بعد وفاة أبيها؟

الجواب: لقد لقيت سيّدتنا فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) من الظلم والأذى ما يشجي القلوب ويجري الدموع، ولم تراع لها حرمة ولم تحفظ قرابتها من رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، حتّی مضت شهيدة مظلومة، وقد سجّل التاريخ نماذج متعدّدة من مظلوميّتها، وذكرته الكتب بين تفصيل وإجمال بما لا يدع شكّاً في الأمر، وحديث ضرب وجهها وعصرها بين الباب والجدار غير مرتاب فيه. فسلام الله عليها، وحشرنا تحت لوائها.

صبر أمیر المؤمنین عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) علی المصائب والحوادث

السؤال: لماذا لم ينتقم أمير المؤمنين عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من قاتلي الزهراء(عَلَيْهَا السَّلاَمُ)؟

الجواب: الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أعلم بواجباته ووظائفه وليس لنا أن نعيّن وظيفةً له، والإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قد ذكر وجهاً لذلك في قوله: «فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لِي

ص: 98

مُعِینٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ»(1) وكان صبره على مصائبه حفظاً للدين من أعدائه ومخالفيه وإرجاعه للجاهلية. والله العالم.

***

السؤال: نودّ أن نطرح لسماحتکم هذه المسألة بشأن قضيّة دفاع مولانا أمير المؤمنين عن مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليهما حين اعتدى عليها الثاني، وما نلاحظه وجود مشکلة کبيرة عند غالبية خطبائنا. تبيّنت لنا بعد مراجعة المصادر؛ ومنها کتاب سليم بن قيس وسائر المصادر الّتي نقلت خبر هجوم الدار والمشکلة تتلخّص فيما يلي: 1. إنّ أغلبية الخطباء يصرّحون بجلوس الإمام دون مقاومة من اعتدى على السيّدة الزهراء امتثالاً لوصيّة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). 2. إنّ ما يرويه سليم بن قيس يؤکّد أنّ الإمام دافع عن الزهراء وضرب المعتدي (الثاني) ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله...إلخ. 3. إنّ وصيّة مولانا النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) للإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لا تتعلّق بالدفاع عن فاطمة صلوات الله عليها وإنّما أمّره بالصبر عن محاربة القوم إذا لم يجد أعواناً ... 4. إنّ الخطباء اعتمدوا في نقل الخطأ على تصوير بعض قدامى الشعراء (سامحهم الله). 5. إنّ شياع وانتشار المفهوم الخاطئ للوصيّة ساعد المغرضين والمنکرين من النواصب وجهلة الشيعة على تقوية رأيهم بنفي أصل الخبر، وتمسّکهم بحجّة استبعاد عدم غيرة الإمام على زوجته الطاهرة. وحين قمنا بجملة توضيحية فوجئنا بأنّ عدداً من کبار الخطباء يعلمون بالحقيقة ولا ينقصهم الاطّلاع على کتاب سليم بن قيس غير أنّهم أجابونا بقولهم (إذا

ص: 99


1- . نهج البلاغة، الخطبة 26 (ص 68)؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص 271.

ذکرنا مقاومة الإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) تبرد المصيبة في قلوب الناس). والسؤال الّذي يراودنا: أ. هل يجوز رواية ما هو خلاف الواقع في سيرة المعصوم؟ ب. وهل المبرّر الّذي ذکره الخطباء مرجّح على الضرر المؤکّد من زرع هذه الإشکالة في أذهان الأجيال القادمة؟ ج. ما هو موقف علماء الدين الکرام من هذه المشکلة؟

الجواب: الوصيّة من النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لأمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بالصبر عن التعرّض للقوم ما لم يجد أنصاراً شاملةٌ لقضية الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) أيضاً، فقد ورد عن النبيّ في حديثه مع الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) حول ما يجري عليه وعلى ابنته من بعده قضية الهجوم علی بيتها وأمره بالصبر وقد اُغشي على أمير المؤمنين عند ما بلّغه النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بما يجري على فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) ، وتوقّف قليلاً قبل أن يسلّم للنبيّ بالصبر لعظمة المصاب والخَطب، والزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) تعلم أنّ هذا سيجري عليها لقول أبيها في حديثه عنها: قريباً سيدخل الذلّ بيتها، وهي (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) لم تستنجد بالإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) مع وجوده بالبيت، بل صرخت: يا فضّة! حتّی لا توقع أمير المؤمنين بالحرج في لزوم النصرة، وهذا المقام من أعظم مقامات الصبر الّتي اتّصف بها أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) دفاعاً عن الإسلام وحفظاً له من الضياع الّذي أراده القوم والعود إلى الجاهلية ولم يثبت تعرّض الإمام للقوم بالردّ عليهم وإن وجد في بعض النصوص الضعيفة، بل من المسلّم في مثل هذه القضية أنّ الإمام لم يردّ عليهم ولم يخرج إليهم فقد دخلوا الدار وسحبوه ملبّباً بحمائل سيفه وهو يسوّي عمامته.

وأمّا أنّ النواصب أخذوا على الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وعلينا الخدشة في شجاعته. فهذا الإشکال لا يرِدُ لا على الإمام ولا علينا، لأنّ الشجاعة والجبن يقاس في موضعه

ص: 100

الخاصّ به، فإن کان المورد مورد الشجاعة فالجبن نقص وعيب وأمّا إذا لم يکن کذلك، فلا معنى لإظهار الشجاعة، بل يکون تهوّراً، والموطن ومحلّ البحث، موطن الصبر لا موطن الشجاعة، ولذلك صبر (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وکان من أعظم مواقع الصبر هذه الموقع بل يفوق عظمةً على شجاعته.

وأمّا دعوى الخطباء أنّه إذا لم نذکر هذا الأمر فإنّ المصيبة تبرد، فليس هذا الکلام صحيحاً؛ لا عرفاً ولا شرعاً. فلا يجوز الکذب؛ لا في مقام التعرّض لمصائب أهل البيت ولا في غيرها من الموارد. وليس قول بعض الخطباء هذا القول يلزمنا نحن ولا يلزم علماءنا الأبرار، ولا يجوز لأيّ أحد نقل ما هو خلاف الواقع عالماً به.

فما ينقله الخطباء في صبره (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وعدم مقاومته للمهاجمين هو الحقّ وهو الواقع تاريخياً والثابت عندنا شيعة أهل البيت(علیهم السلام) عملاً بوصيّة رسول الله له بالصبر على کلّ ما يجري عليه وعلى أهل بيته، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

***

السؤال: سؤالنا عن شخصيّة أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وهو کيف إنّ شخصيّته العظيمة تعدّ شخصيّة محبّة وسلام وسکينة وقد خاض (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) معارك عديدة وقتل العديد من الکفّار مع إيماننا المطلق بکلّ معارکه وسيرته العظمى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، لکنّه تساؤل عن إجتماع سلامه مع قتاله فنرجو الإيضاح؟

الجواب: الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لم يبدأ أحداً بالقتال، بل يقاتل بعد قتاله، حتّی في معرکة الجمل نهی أصحابه عن البدء بالقتال. فقتاله کان بعد قتال أصحاب الجمل وکذا في الاُخری ولا منافاة بين کونه شخصیّة محبّة وسلام

ص: 101

وسکینة وقتال من يقاتله، بل کان سلام الله عليه قبل بدء القتال يعظ الطرف الآخر کثيراً، فلمّا ثبت عنده إصرارهم علی القتال، قام بالقتال وردّ عليهم بالسيف. ومن عجائب شخصيّته جمع الأضداد، فهو سخيّ موثر غيره علی نفسه وعياله في حال فقره، بطل الأبطال في الحرب وزاهد أزهد الزهّاد.

فضائل أمیر المؤمنین عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)

السؤال: يزعم بعض الكُتّاب أنّه لا فضيلة للإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في جهاده وبطولاته، لأنّه كان عالماً بإخبار النبيّ له بأنّه لا يستشهد في ساحات المعارك. فما هو ردّ فضيلتكم على ذلك؟

الجواب: هذا من عجيب ما أبداه بعض النواصب نصْباً لعترة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وإنكاراً لفضائل أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فأبدى أنّه لا فضيلة له في واقعة ليلة المبيت الّتي ورد فيها على ما في نصّ الأحاديث أنّ الله تعالى باهى فيها بعليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) جبرئيل وميكائيل(1) ولا في سائر مواقفه ومشاهده وبطولاته، لأنّه كان عالماً بأنّه لا تكون شهادته في هذه الوقائع والغزوات.

وكأنّ هذا الناصبي حيث لم يرقب الله في قوله وحركته قد نَسِيَ مواقف بعض الصحابة في هذه الغزوات الكثيرة حتّى أنّهم فرّوا في غزوة اُحُد وتركوا الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بين الكفّار، وبعضهم فرّ إلى ناحية العريض ورجع بعد ثلاثة أيّام، حتّی قال النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) له: لقد ذهبت فیها عريضة،(2) ورأى أنّ التاريخ قد حفظ

ص: 102


1- . المجلسي، بحار الأنوار، ج 19، ص 95 96.
2- . المفید، الإرشاد، ج1، ص84.

تضحيات غيرهم من الصحابة واستبسالهم للشهادة مثل حمزة سيد الشهداء وحنظلة وأبي دجانة وأمير المؤمنين وجعفر الطيّار وزيد بن حارثة. ورأى أنّ جهاد أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وبطولاته وتضحياته الّتي قام بها عمود عن الإسلام كما قال عمر: «لَوْلَا سَيْفُهُ لَمَا قَامَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ»،(1) رأى أنّ ذلك أمرٌ لا يمكن لأحد إنكاره، وأنّه أوضح من الشمس وأبين من الأمس، فدلّه شيطانه على طريقة عوجاء، وضرب على طنبوره نغمة اُخری أوهن من بيت العنكبوت، فأنكر بما نسجه أن يكون أمیر المؤمنین الإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بهذه المجاهدات والبطولات الّتي كانت ولا تزال من أعظم مفاخر الإسلام والمسلمين ومن أشرف ما في تاريخ البطولات الخالدة وكانت معرفته بها عند الكلّ حتّی موالي هذا الناصب فضلاً له (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) على غيره، سيّما القاعدين الّذين لم يكتب لهم التاريخ جهاداً في الغزوات.

أيّها القارئ العزيز! هل ترى إذا كان شخص مؤمناً بأنّ ما ينفقه في سبيل الله تعالى هو يخلفه، فينفق كلّ ما عنده ويوثر الناس على نفسه، وكان غيره غير مؤمن بذلك فلا ينفق بل يمسك ويبخل بماله، هل ترى أنّه ليس للأوّل فضل على الثاني وأنّ الثاني معذور بتركه الإنفاق وإعانة المساكين المضطرّين؟

وهل تقول: إنّ من دفع عنك ضرر السَّبُع لأنّ عنده سلاحاً يدفع به السبع وهو كغيره عالم بأنّ السبع لا يضرّه، لا فضل له ولا منّة له عليك فيكون هو والعاجز عندك سواء؟! أترى أنّه لا فضيلة بهذه البطولات والمجاهدات لأمير المؤمنين على سائر الصحابة ممّن لم يكن له مثل ذلك، فلا منّة له على الإسلام

ص: 103


1- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج12، ص82.

والمسلمين ولا معنى لقوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «ضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ أَعْمَالِ اُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»،(1) ولا معنى لقوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «بَرَزَ الْإِيمَانُ كُلُّهُ إِلَى الْكُفْرِ كُلِّهِ»(2) وإلّا فيقال: لا فضل لمثل حمزة سيّد الشهداء المؤمن بأنّ له بجهاده إحدى الحسنيين، على القاعدين عن الجهاد والّذين ليس لهم هذه البصيرة والمعرفة.

هذا مضافاً إلى أنّنا نقول: إنّه وإن كان بعلمه بالمنايا والبلايا وبما أخبره النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عالماً بأنّ منيّته لا تقع في هذه الحروب والمعارك إلّا أنّ إقدامه على هذه المجاهدات لم يكن إلّا بقصد الثواب وإطاعة أمر الله تعالى وإعلاء كلمة الإسلام، لأنّه لم يكن بعلمه هذا مجبوراً على الجهاد والاهتمام بدفع الأعداء وتحمّل متاعب النضال والجلاد. وبعد كلّ ذلك نقول: إنّه كان بإخبار النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عالماً بكونه مصوناً عن خطر القتل، ولكن ما تقول بالنسبة إلى خطر وقوع الجراحات الشديدة المؤلمة عليه حتّی رووا أنّه جُرح ثمانین جراحةً في غزوة اُحد،(3) وفي غزوة الخندق أيضاً أورد عليه عمرو بن عبد ودّ جراحةً منكرةً. فإمّا أن تقول: إنّه لم يكن عالماً بهذه الأحوال فقد أقدم على الجهاد كسائر المجاهدين مستقبلاً لهذه الأخطار، وإمّا أن تقول: إنّه كان عالماً بها لعلمه بالمنايا والبلايا، ففضيلته أعظم وأكبر.

هذا، ولا ريب أنّ للإيمان بالله وبالرسول مراتب کثيرة أظهرها هذه البطولات واستقبال هذه المهالك والمقاتل بقوّة الإيمان بما أخبره الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فهو الّذي لا يبالي باستقبال أشدّ المخاوف والمعارك بهذا الإيمان الکامل.

ص: 104


1- . المرعشيّ النجفي، شرح إحقاق الحقّ، ج6، ص 5.
2- . ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج4، ص88؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج39، ص1.
3- . المفید، الاختصاص، ص 158؛ ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب، ص 63، المجلسي، بحار الأنوار، ج 36، ص 26.

فعلى جميع هذه الوجوه له المنّة على الإسلام وعلى سائر المسلمين، لا يدانيه أحد في فضيلة الجهاد ونصرة الإسلام والذبّ عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وغيرها من الفضائل، جعلنا الله من المتمسّكين بولايته، ومن شيعته ومحبّيه ومحبّي محبّيه.

قصّة ردّ الشمس

السؤال: ما حقيقة قصّة ردّ الشمس للإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ؟

الجواب: ردّ الشمس للإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من المسلّمات التاريخيّة عند الفريقين، فالسيوطي ألّف رسالةً فيها روايات عن العامّة في هذه الحادثة.

وتوجيهها هو أنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كان رأسه في حجر الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) حين نزول الوحي عليه وحلّ وقت صلاة الظهر فلم يحرّك الإمام رأس رسول الله في تلك الحالة وسبّب تأخير صلاة الظهر، وبعد انقطاع الوحي أمر رسول الله الشمس بالرجوع لأوّل وقتها وصلّى الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، والّذي فات أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أوّل الأمر هو وقت الفضيلة لا نفس الصلاة والعياذ بالله.

تواتر حدیث الغدیر

السؤال: علمنا أنّ حديث الغدير متواتر من طرق أهل السنّة، فهل هو متواتر من طرق الشيعة؟ وإذا أمكن ذكر الطرق الصحيحة له من طرق الشيعة، هل هناك مؤلّفات للأحاديث المتواترة عند الشيعة؟

الجواب: راجعوا كتاب الغدير للمرحوم العلّامة الأميني أعلى الله مقامه فقد جمع رواة حديث الغدير سنّیّة وشيعیّة وذكر تواتره عندنا وعندهم بل فوق

ص: 105

حدّ التواتر، ولذا لم يشكّك أحد من العامّة في سنده. نعم حاولوا تأويله وتوجيهه بخلاف النصّ الواضح الصريح، والحديث عند أهل السنّة أشهر وأعلى وأجلّ من حيث صدوره عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والشكّ فيه عندهم كالشكّ في وجود الشمس في رائعة النهار، وعلماؤهم ومحدّثوهم كانوا في جميع الأعصار مرطّبي اللسان به متبرّكين بروايته. وأيضاً راجعوا في النصوص مجلّدي الموسوعة الکبيرة عبقات الأنوار والعمدة لابن بطريق وغيرهما.

بیعة أمیر المؤمنین عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) للخلفاء الثلاثة

السؤال: هل بايع أمير المؤمنين عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوه أم لم يبايع؟ وفي حالة كونه بايع، هل كانت بيعته بالإكراه أم للحفاظ على بيضة الإسلام؟

الجواب: لا إشكال في أنّ بيعة الإمام أمير المؤمنين لمن سبقه كانت بالإكراه، إذ هدّدوه بالقتل، وقال لهم: «إِذاً تَقْتُلُونَ عَبْدَ اللهِ وَأَخَا رَسُولِ اللهِ». فقالوا: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخا رسوله فلا.(1) وكيف وقد أخذوه ملبّساً بحمائل سيفه وقد خرج للبيعة وهو يسوّي عمامته؟! وهذه بيعة لا قيمة لها أصلاً.

***

السؤال: أ : من الشبه الّتي يذكرها الوهّابيّة للتلبيس على أتباع مذهب أهل البيت(علیهم السلام). هل يجوز لعليّ رضي الله عنه أن يجتهد في البقاء تحت إمرة الخلفاء الثلاثة مع وجود النصّ على خلافته؟

ب: ومن الشبه أيضاً أنّهم يقولون: بما أنّكم أيّها الشيعة تقولون بأنّ عليّ بن أبي

ص: 106


1- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج2، ص60.

طالب أفضل من ابنه الحسين، فلماذا لا تبكون عليه في ذكرى وفاته؟ ثم إذا كان النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أفضل منهم جميعاً فلماذا لا تبكون عليه يوم وفاته؟

الجواب: أ: في الحديث الثابت: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ يَدُورُ حَيْثُمَا دَارَ».(1) وفي الحديث أيضاً: «مَثَلُ الْإِمَامِ مَثَلُ الْكَعْبَةِ إِذْ تُؤْتَى وَلَا تَأْتِي»،(2) لم يجتهد الإمام في البقاء تحت تأمّرهم، لكنّهم كما تعلمون غصبوا حقّه.

ب: أوّلاً: مَن الّذي يقول: إنّ الشيعة لا يبكون عليهما صلوات الله وسلامه عليهما ؟ فإنّ التفجّع والبكاء على رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وعلى عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وحليلته سيّدة النساء وأولاده المعصومين(علیهم السلام) مطلوب ومرغوب فيه عند الشيعة والشريعة، والشيعة يبكون عليهم في ذكريات وفياتهم.

ثانياً: إنّ مصائب الإمام أبي عبد الله الحسين بن عليّ (علیهما السلام) أقرحت الجفون وأدمت العيون، ولم يصب غيره من الأنبياء والأئمّة(علیهم السلام) بمثل ما اُصيب به (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) .

إیمان أبي طالب

السؤال: اُريد دليلاً من القرآن والسنّة على إيمان أبي طالب؟

الجواب: إيمان أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من مسلّمات المذهب والتشكيك فيه حرام، ولعلمائنا الأبرار وبعض المتخصّصين كتب كاملة دالّة على إيمانه، ومُراجعها يتعرّف على جلالته وشخصيّته ودفاعه عن الدين إذ يقول:

ص: 107


1- . المفید، الفصول المختارة، ص97، 2111؛ الزمخشري، ربیع الأبرار، ج5، ص358؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج2، ص297.
2- . الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص199، 248؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج36، ص358.

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ * مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِيناً(1)

وقوله مخاطباً رسول الله:

وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ * حَتَّى اُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِيناً(2)

وله في مدح الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) البليغة بقول ابن کثير لن يقدر علی انشائه غير أبي طالب، وقد سمّى رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عام وفاته عام الأحزان، وقد أبقى رسول الله زوجة أبي طالب المسلمة على عمّه وقد نهى الله رسوله عن إبقاء مسلمة على كافر وكانت على عصمته حتّی مات، والحديث عن إسلامه طويل لا يسعه هذا المختصر ونقول: يحرم التشكيك في إيمانه كما يريد المخالفون لنا الطاعنون عليه.

زیارة وارث

السؤال: ما هو نوع الوراثة الّتي ذكرت في زيارة وارث للإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وهل تشتمل على بقيّة الأئمّة المعصومين(علیهم السلام)؟ وما هو الدليل؟

الجواب: الوراثة المذكورة في الزيارات وراثة المقام والولاية والعلوم، وهي مساوية في جميع الأئمّة(علیهم السلام) فكلّهم كجدّهم الرسول الأعظم ورثة الأنبياء.

المراد من الشیعة في خطبة الإمام الحسین (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)

السؤال: ورد في خطبة الإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ أَمَّا بَعْدُ:

ص: 108


1- . الأمیني، الغدیر، ج7، ص334.
2- . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص58؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج14، ص55.

فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانَا خَبَرٌ فَظِيعٌ: قَتْلُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، وَهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يَقْطُرَ، وَقَدْ خَذَلَنَا شِيعَتُنَا، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمُ الْاِنْصِرَافَ فَلْيَنْصَرِفْ غَيْرَ حَرَجٍ لَيْسَ عَلَيْهِ ذِمَامٌ».(1) أجيبونا مشكورين مَن المقصود بالشيعة الّذين خذلوا الإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؟

الجواب: المراد من الشيعة في الخطبة المذكورة هم المحبّون لا الشيعة المخلصون أمثال ميثم التمّار ورشيد الهجري وغيرهما ممّن ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله وإمامهم لحفظ هذا الدين. والله العالم.

فضیلة أصحاب الأئمّة(علیهم السلام)

السؤال: من هم أفضل بحسب القرائن الشرعية: أصحاب الإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أو أصحاب المهديّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؟

الجواب: لأصحاب كلّ إمام معصوم شؤون لا نعرف كنهها ولا يصحّ ترجيح بعضهم على بعض، إلّا أن يُبيَّن لنا من ناحيتهم، كما روي عن سيّد الشهداء سلام الله عليه ليس أصحاب أكرم من أصحابه.(2) ولا ثمرة لتحقيق هذه المسألة.

ص: 109


1- . الطبري، تاریخ، ج4، ص300؛ المفید، الإرشاد، ج2، ص75؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص374.
2- . المفید، الإرشاد، ج2، ص 91؛ الطبرسي، إعلام الوری، ج1، ص 455؛ ابن نما الحلّي، مثیر الأحزان، ص52؛ ابن الأثیر الجزري، الکامل في التاریخ، ج4، ص 57؛ القندوزي، ینابیع المودّة، ج3، ص 65.

***

السؤال: أنا لا أعتقد بمذهبکم وعندي بعض الأسئلة: 1. هل عندکم في قرآنکم «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(1)؟ 2. هل يعقل أن يختار الله لصحبة نبيّه رجالاً يعرف أنّهم سيرتدّون فيما بعد؟ أم أنّ الله لا يعلم الغيب؟ سبحان الله عمّا يصفون. 3. هل الحسين خير من الرسل والأنبياء أم أنّه الوحيد الّذي مات حتّی تفعلوا کلّ هذا من أجله؟ 4. ما رأيك فيما فعل عليّ رضي الله عنه قبل خلافة أبي بکر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وزوّج ابنته لعمر. أمّا الحسن والحسين سيّدا شباب الجنّة رضوان الله عليهم فقد سمّوا أبناءهم بأبي بکر وعمر (وهذا مثبت حتّی عندکم). فهل ما فعله عليّ ومن بعده بنوه هو من باب التقيّة ربّ عذر أقبح من ذنب أئمّتکم المعصومون يسکتون ويستعملون التقيّة؟ 5. الحسن (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) تنازل عن الخلافة والحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) طلبها؛ أيّ المعصومين أخطأ؟ 6. نحن أحقّ منکم بأهل البيت والله يشهد نحبّ جميع الصحابة ونترحّم عليهم عليّ وبنيه(علیهم السلام) في قلوبنا نحبّهم ونتولّاهم، لکن لا نقول: إنّهم معصومون، «لا عصمة إلّا لنبيّ»؛ ولا نقول: إنّهم يعلمون الغيب، «لا يعلم الغيب إلّا الله».

الجواب: 1. نعم ونؤمن بذلك، والقرآن عند المسلمين واحد وغير متعدّد ونستدلّ بها علی عدم التحريف.

2. أوّلاً: لماذا تقيس الصحبة بالنبوّة والإمامة، فتعتبرها اختياراً إلهيّاً؟ إنّ الصحبة لا تتعدّی أن تکون شرفاً لصاحبها إن هو راعی حقّ المصحوب وامتثل ما يجب عليه وليست منصباً إلهيّاً يکون صاحبه متّصفاً بالعصمة.

ص: 110


1- . الحجر، 9.

ثانياً: حال الصحبة بالنسبة لصحابة الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) کحال صحبة من صاحب من سبقه من أنبياء. فلماذا الغلوّ المفرط فيهم وإعطاؤهم سمة العصمة دون من سواهم؟

ثالثاً: لم يقل أحد: إنّهم ارتدّوا کلّهم، وحديث ارتداد الکثير منهم موجود حتّی في الصحاح الستّة.(1) بل تکفينا الآية الکريمة: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ...».(2)

وهذا ما يؤکّد علمه تعالی بالغيب حيث أخبر عن الارتداد قبل حصوله، وليس في ذلك أيُّ محذور.

3. ما نفعله من أجل الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) إنّما هو لأجل أنّ مصابه وموته کان من أجل الدين وبصورة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً ولم يمت بمثلها الأنبياء الکرام؛ ولأجل التعبير عن المودّة الّتي أمر الله بها في قوله تعالی: «قُلْ لَا أَسْئَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَی»؛(3) ولأجل أنّها لا تعبّر عن مجرّد موتٍ محزن فقط، کما هو الحال في موت الأنبياء، بل تعبّر عن ثورة ضدّ الکفر والظلم ممّا يوجب الاحتفاء بها وإحياءها کما ينبغي. هذا مضافاً إلی أنّ ذلك وظيفة أرادها النبيّ وأهل بيته(علیهم السلام) ورکّزوا في ما روي عنهم عليها وعلی إحيائها.

4. ما فعله (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) إنّما صدر عن إکراه واضطرار ومراعاة للمصلحة العامّة، ويدلّك علی ذلك ما ورد في کتب أهل السنّة والشيعة في کيفية البيعة، ولماذا لم يبايع إلّا بعد ستّة أشهر کما ذکروا؟ وکذلك خطبه وکلماته في الموضوع.

ص: 111


1- . البخاري، صحیح، ج 7، ص 206 208.
2- . آل عمران، 144.
3- . الشوری، 23.

أمّا تزويج ابنته من عمر فلم يثبت تاريخيّاً وقد کتب کثير من علماء الشيعة في ردّ ذلك، ومنهم المفيد قدس سره والصدوق رحمه الله وغيرهما. وعلی فرض ثبوته، فلم یثبت أنّه کان برضاه وحبّه، بل هو غصب عليه، کما تدلّ بعض الروايات علی ذلك، وأيّ مانع من التقيّة أو رعاية ما هو أهمّ؟ وقد ثبتت مشروعيّتها عقلاً وعقلائياً وشرعاً، وقامت الأدلّة علی ذلك. فراجع الکتب المثبتة لذلك من مصادر الشيعة والسنّة، وحکّم عقلك تری الحقّ واضحاً لا غبار عليه.

5. کلّ منهما عمل بما هو وظيفته وبما تفرضه الظروف عليه. کما يعمله الشخص الواحد في مسيرته من صلح أحياناً وحرب أحياناً اُخری، وقد فعل مثل ذلك الرسول، والحسن (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لم يتنازل عن الإمامة وإنّما تنازل عن منصب الإدارة لا أکثر، وبشروط معيّنة لم يقم بأدائها معاوية وقد أجاب رسول الله عن مثل هذا التوهم الفاسد بقوله: «اَلْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا».(1)

6. إنّ أحقّ الناس بهم أتباعهم ومن راعَوْا حقّهم وتولّوهم وتبرّأوا ممّن ظلمهم، وليس مجرّد القول بالمحبّة ودعوی المودّة ثمّ في مقام العمل يسند عدوّهم ويقدّم ظالمهم ويروي عن مبغضيهم ولا تجد عنهم روايةً في الصحاح إلّا ما شذّ أو اختلق عليهم. هل من المعقول أن تحبّ من حارب عليّاً وقاتله ثمّ تقول: نحن نحبّ عليّاً ونحن أحقّ به ممّن أحبّه وتبرّأ من أعدائه؟ إنّ الأحقّية تتقوّم بالاتّباع الصادق، کما قال تعالی عن الأحقّ بإبراهيم: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ

ص: 112


1- . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص394؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج4، ص93.

بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ»،(1) وما الذنب في القول بعصمتهم إذا کان عن دليل وما المانع من القول بأنّهم يعلمون الغيب بإذن الله وبما علّمهم؟ وأنتم ترون ذلك في من هو أقلّ منهم شأناً، ولا یقاس بهم أبداً أمثال الکرخي والرفاعي والجيلاني وغيرهم. وهل تستحيل العصمة وعلم الغيب وقد نال ذلك أنبياء الله کما صرّح به القرآن الکريم؟ إنّ المدار في إثبات ذلك لمجموعة أو لشخص علی الدليل القطعي، وهو کما ثبت في الأنبياء ثابت في الأئمّة(علیهم السلام) «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».(2)

هذا ما أجبنا عمّا ذکرت بنحو الإشارة والإجمال، والعاقل تکفيه الإشارة، فاغتنم.

***

السؤال: 1. من أين أتی النصّ علی تعيين الأئمّة جميعاً(علیهم السلام) بأسمائهم وألقابهم وبهذا الترتيب؟ 2. صحب رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أبا بکر الصدّيق معه في الهجرة وعرّض عليّ بن أبي طالب للقتل في مبيته علی فراشه ليلة الهجرة، مع أنّه وصيّ النبيّ والخليفة من بعده فلماذا لم يأخذ الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) معه وصيّه عليّ بن أبي طالب ويترك أبا بکر علی فراشه؟ فلو أنّه قتل لم يکن هناك الخطر الکبير علی الاُمّة، أمّا بموت الإمام من بعده، ففي هذا من الخطر العظيم علی الاُمّة. فما هو الردّ؟

الجواب: 1. النصوص علی إمامة الأئمّة الاثني عشر جملةً وتفصيلاً کثيرة متواترة جدّاً، قد أخرجنا منها من کتب الفريقين الخاصّة والعامّة ممّا يکثر علی

ص: 113


1- . آل عمران، 68.
2- . النحل، 43؛ الأنبیاء، 7.

ثلاثمائة حديث.(1)

2. لم يکن أبو بکر الرجل الّذي يعرض نفسه لما عرض له الإمام نفسه عليه، وأبو بکر مع أنّه کان مع النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في الغار خائفاً وجلاً قلقاً مضطرباً شديداً قد نهاه النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وقال کما في الآية الکريمة: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا»؛(2) فمثله لا يصلح مثل هذه المواقف الّتي لا تصلح إلّا للرجال الأبطال الّذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون أحداً إلّا الله، وأين هؤلاء الّذين لم يکن لهم موقف واحد في غرفات النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وقد کان أصحاب عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لهذا الموقف الرهيب، فالله تبارك وتعالی العالم بأنّ الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لا يصيبه أذیً من الأعداء وبذلك ظهر شأن الإمام وتفانيه في سبيل الله.

الصحابة عند الشیعة

السؤال: أحد أتباع المذهب الوهّابي قال لي: أنتم أيّها الشيعة تكفّرون وتلعنون أبا بكر وعمر بن الخطّاب. فقلت: نحن لا نكفّرهما ولكن نرى أنّهما خالفا الحقّ المتّبع من رسول الله بالخلافة للإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، فأعطاني شريطاً لأحد دعاة الشيعة يسبّ ويكفّر فيه أبا بكر وعمر وينقل عن الإمام الكاظم والإمام السجّاد روايات بلعنهما وكفرهما. هل هذا صحيح أم لا؟

الجواب: العجب من اُناس يؤاخذون البعض على سباب بعض الصحابة ولا يؤاخذون مثل معاوية الّذي سنّ سبَّ نفس الرسول وزوج البتول الّذي نصّ بحقّه

ص: 114


1- . منتخب الأثر للمؤلّف، ج1، ص 12 302.
2- . التوبة، 40.

النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بقوله: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»،(1) ولا يؤاخذون من خرج لحربه بعد قوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «حَرْبُكَ حَرْبِي»(2) وهؤلاء يصحّحون ما وقع بين الصحابة من المخاصمات والمقاتلات من عائشه وطلحة والزبير وحتّی من معاوية الّذي سنّ سبّ الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) علی المنابر وجماعات من القضاة وأئمّة الجماعات بکون ذلك منهم بالاجتهاد، ولا يکفّرون واحداً منهم، ويأخذون علی الّذي سبّ معاوية أو غيره بالاجتهاد، فإذا کان الاجتهاد عذراً لطائفة فهو لا يکون عذراً لطائفة اُخری؟! أعاذنا الله وإيّاكم من هذه الفتن.

***

السؤال: 1. من الشبهات الّتي توردها الوهّابية الملعونة هي: قال الشيخ الكليني في روضة الكافي: «إنّ جعفر الصادق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر، فَقَالَ لَهَا: تَوَلَّيْهِمَا. فَقَالَتْ: فَأَقُولُ لِرَبِّي إِذَا لَقِيتُهُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِوَلَايَتِهِمَا. قَالَ: نَعَمْ».(3)

2. ذكر الإربلي في كشف الغمّة: «تعجّب رجل من أصحاب الإمام الباقر حين وصف الباقر أبا بكر بالصدّيق!! فقال الرجل: أتصفه بذلك؟! فقال الباقر (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : «نَعَمْ الصِّدِّيقُ، فَمَنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الصِّدِّيقُ فَلَا صَدَّقَ اللهُ لَهُ قَوْلاً فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ».(4) فما هو الردّ على هذه الشبهة؟ وهل تصحّ تلك الروايات عن الأئمّة؟

3. يقول الوهّابية: إنّ الشيعة يلعنون معاوية وإنّ عليّاً (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لم يلعن معاوية في

ص: 115


1- . الطبري، بشارة المصطفی، ص44.
2- . الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص151؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج2، ص297؛ ج20، ص221.
3- . الکلیني، الكافي، ج8، ص 101.
4- . الإربلي، کشف الغمّة، ج2، ص147.

أيّ رسالة من رسائله الواردة في نهج البلاغة؟ وأنّ تنازل الحسن بن عليّ عن الخلافة لمعاوية، هل كانت لشخص كافر؟ فكيف يتنازل له عن الخلافة، أو كانت لمؤمن فاسق؟

الجواب: 1. أمّا الحديث (71) من الروضة فضعيف للإرسال، ولا يحتجّ به، على أنّه لو فرض صدوره عن الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، فلا شكّ أنّه تقيّة، والشاهد على ذلك ما في بعد ذلك من الرواية قالت: فَإِنَّ هَذَا الَّذِي مَعَكَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ يَأْمُرُنِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا وَكَثِيرُ النَّوَّاءِ يَأْمُرُنِي بِوَلَايَتِهِمَا، فَأَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «هَذَا وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرِ النَّوَّاءِ وَأَصْحَابِهِ».(1)

2. خبر كشف الغمّة أيضاً ضعيف أوّلاً بالإرسال، وثانياً بجهالة عروة بن عبد الله الّذي لم يمدح ولم يوثّق في كتب الرجال. وعلى فرض الإغماض عن ذلك، فهو أيضاً محمول على التقيّة، يعرف ذلك المطّلع على الأحاديث الكثيرة المرويّة عنهم، فإنّ الردّ على أبي بكر وعمر وعثمان ثابت عن أئمّة أهل البيت(علیهم السلام) بالتواتر الّذي لا ريب فيه.

3. يقال لهم أوّلاً: إنْ لم يلعن الإمام (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) معاوية فقد سنّ معاوية سبّه على منابر المسلمين، لم يرد بذلك سبّه فقط، بل أراد سبّ الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). ثانياً: قد ثبت بصحاح الأخبار أنّه (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) سبّ معاوية وعمرو بن العاص فإذا سبّه النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وسبّ أباه وأخاه وقال: «لَعَنَ اللهُ الرَّاكِبَ وَالْقَائِدَ وَالسَّائِقَ»(2) فما ظنّك به؟! وعليك بكتاب النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية وكتاب تقوية الإيمان في ردّ تطهير الجنان.

ص: 116


1- . الکلیني، الکافي، ج8، ص101.
2- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج15، ص175؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج33، ص208.

وأمّا ما عامل الإمام السبط الأكبر (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) به معاوية فلم يكن منه تنازلاً عن الخلافة له وكونه حاكماً شرعيّاً، بل ترك دفعه عن السلطة على المسلمين لمّا رأى عدم توفّر الشرائط لدفعه، ومع ذلك شرط عليه الشرائط وأخذ منه العهود الملزمة وإنْ لم يعمل بها، وقد سار في الاُمّة بسوء السريرة وأظهر خبث باطنه من عدائه للإسلام والنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ). والكلام في ذلك طويل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ولعنة الله على الظالمين والكافرين.

موقف علماء الشیعة في الاستناد بأقوال الصحابة

السؤال: أنا شابّ سنّيّ، عندي سؤال وهو: لماذا نجد أنّ أغلب أو کلّ علماء الشيعة لا يستندون بأقوال الصحابة کأبي بکر وعمر وعثمان؟ أنا لا اُنکر أنّکم تفضّلون عليّاً کرّم الله وجهه ولکن ما يمنع ذکر ولو رواية واحدة عن صحابة رسول الله الّذين زکّاهم الله، وطهّرهم أفضل الخلق محمّد رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وکذلك عليّ کرّم الله وجهه زکّاهم وطهّرهم؟

الجواب: الشيعة إنّما تستند إلی أهل البيت(علیهم السلام)؛ لأنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أمر الاُمّة بالتمسّك بهم وبالکتاب العزيز دون غيرهم وجعل التمسّك بالثقلين فقط (الکتاب والعترة) أماناً من الضلال في أحاديث کثيرة متواترة، کأحاديث الثقلين، وأحاديث السفينة، والأمان، وغيرها. والصحابة کلّهم کانوا مأمورين بالتمسّك والاقتداء بهم ولذا لو کانت للصحابة کلّهم غير الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في مسألة عمليّة رأي مخالف للإمام أمیر المؤمنین عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وللإمام عليّ رأي، لوجب الأخذ بقول الإمام وترك ما اتّفقوا عليه.

ص: 117

مع أنّه ليس هنا ما یدلّ علی تزکية جميع الصحابة، بل هنا آيات تدلّ علی نفاق طائفة منهم، کما أنّه ليس هنا رواية صحيحة تدلّ علی ما ذکرتَ. فمن فارق عليّاً (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في أمر، فقد فارق الحقّ کائناً من کان، وقد ثبت عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «أنّه مع الحقّ والحقّ معه»(1) و «أنّه مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان».(2) والله هو الهادي إلی الصواب.

کیفیّة تحمّل الحدیث و نقله

السؤال: نحن نقرأ هذه الرواية: «عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قال: سمعته يقول: أما والله إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم إليّ الّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا، ويروى عنّا فلم يعقله ولم یقبله قلبه، اشمأزّ منه وجحده، وكفّر بمن دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج، وإلينا اُسند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا»،(3) والرجاء التفضّل بالإجابة على الأسئلة التالية:

1. هل سند هذه الرواية صحيح؟ وإذا كان غير ذلك فأين موطن الضعف؟

2. كيف يمكن التوفيق بين هذا المقطع (وأكتمهم لحديثنا) وبين الأمر بإحياء مذهب أهل البيت وإذاعة أخبارهم وفضائلهم؟

3. كيف يمكن التوفيق بين هذا المقطع: «أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم إليّ

ص: 118


1- . الصدوق، الأمالي، ص 89؛ الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص 20.
2- . الإربلي، کشف الغمّة، ج1، ص 148؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج38، ص 35.
3- . الإسکافي، التمحیص، ص67؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص186؛ ج65، ص176-177.

الّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا، ويُروَى عنّا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، اشمأزّ منه وجحده، وكفّر بمن دان به»، وبين ما يقوم به المراجع والمجتهدين رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين من عدم الأخذ بكلّ ما جاء عن أهل البيت، بل ردّ بعض الروايات ذات السند الصحيح لتعارضها مع القرآن أو العقل؟

4. متى نستطيع تطبيق هذا المقطع على أحد من الناس «أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم إليّ الّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا، ويروى عنّا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، اشمأزّ منه وجحده، وكفّر بمن دان به»؟ فهل يكفي توفّر صفة واحدة مثل اشمئزازه من كلام أهل البيت، أم لابدّ من توفّر كلّ هذه الخصال الأربع جميعاً، وهي: عدم فهمها وقبولها والاشمئزاز منها وجحدها وتكفير من دان بها؛ يعني لو أنّ أحداً ردّ رواية لأهل البيت ولكن لم يُكفّر من يعمل بها هل يكون من أسوأ أصحاب الإمام؟

الجواب: روي هذا الحديث مرفوعاً عن الحذّاء(1) ولا يحكم بصحّته من حيث السند، بل هو ضعيف اصطلاحاً إلّا أنّه قويّ متناً، والمراد من «أكتمهم لحديثنا» بعض الأحاديث الّتي كان إظهارها خلاف التقية وسياسة الحكومات الظالمة وما يكون فهمه صعباً مستصعباً للبعض، ففي الحديث: «حدّثوا الناس بما يفهمون أو يعرفون، ولا تحدّثوهم بما لا يفهمون أو لا يعرفون، أتريدون أن يكذّب الله ورسوله؟!»،(2) ولا منافاة بين هذه الأحاديث وما يدلّ على إذاعة علومهم وإحياء أمرهم، والمراد من «أسوأهم عندي حالاً» من يحكم على

ص: 119


1- . المجلسي، بحار الأنوار، ج65، ص 176.
2- . النعماني، الغیبة، ص 34؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص 77.

الحديث بالبطلان وعدم الصحّة بمجرّد عدم دركه المراد منه مع وجود احتمال صحيح لا يدركه بعقله.

وعلى الجملة، الحكم بعدم صحّة الحديث يحتاج إلى مقدّمات إن لم تتوفّر جميعها لا يجوز ردّه. نعم لا يجب بل لا يجوز الحكم به ما لم يكن واجداً لشرائط الصحّة والحجّية المذكورة في كتب الدراية والحديث، فلا ينبغي لأيّ لبيب الاغترار بعقله وما عنده من العلوم، فإن كان عنده علم جميع العلماء كانت مجهولاته أكثر من معلوماته، فلا يجترئ العاقل بردّ ما صدر عنهم(علیهم السلام) بمجرّد صعوبة فهمه عليه ويقتفي التسليم لهم والاقتداء بهدیهم والعمل بمحكمات كلماتهم وردّ متشابهاتها إلیهم والحديث بها وحفظها، فربّ حامل علم إلى من هو أعلم منه، وربّ حديث يظهر معناه للعلماء في العصور الآتية، والكلام في ذلك طويل، والله هو الموفّقِ للصواب.

علّة التعارض والتناقض في أحادیث الأئمّة(علیهم السلام)

السؤال: إنّ أحاديث أئمّتنا الأطهار بينها الكثير من التعارض والتناقض، ويذكرون هذه النقولات عن علمائنا: مثل ما قاله أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في مقدّمة كتابه «تهذيب الأحكام».

«اَلْحَمْدُ لِلهِ وَلِيِّ الْحَمْدِ وَمُسْتَحِقِّهِ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً. ذَاكَرَنِي بَعْضُ الْأَصْدِقَاءِ أَيَّدَهُ اللهُ مِمَّنْ اُوجِبَ حَقُّهُ عَلَيْنَا بِأَحَادِيثِ أَصْحَابِنَا أَيَّدَهُمُ اللهُ وَرَحِمَ السَّلَفَ مِنْهُمْ وَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْاِخْتِلَافِ وَالتَّبَايُنِ وَالْمُنَافَاةِ وَالتَّضَادِّ حَتَّى لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ خَبَرٌ إِلَّا وَبِإِزَائِهِ مَا يُضَادُّهُ وَلَا يَسْلَمُ حَدِيثٌ

ص: 120

إِلَّا وَفِي مُقَابَلَتِهِ مَا يُنَافِيهِ، حَتَّى جَعَلَ مُخَالِفُونَا ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الطُّعُونِ عَلَى مَذْهَبِنَا»،(1) وما قاله السيّد دلدار عليّ اللكنهوي في أساس الاُصول: «إنّ الأحاديث المأثورة عن الأئمّة مختلفة جدّاً لا يكاد يوجد حديث إلّا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتّفق خبر إلّا وبإزائه ما يضادّه حتّی صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقضين عن اعتقاد الحقّ».(2) فما هو مراد علمائنا من هذا الكلام؟

الجواب: ما ذكره هؤلاء الأجلّة إنّما هو على ما يتراءى من الأحاديث الشريفة في بدو النظر وقبل التدقيق والتحقيق، وأكثر ما يتراءى من الاختلاف، هو التنافي بالعموم والخصوص والمطلق والمقيّد، وقلّ ما يوجد بل لعلّ الأندر من النادر، الاختلاف بالتضادّ بحيث يمتنع الجمع بينهما بوجه عرفيّ، كحمل الظاهر على الأظهر، أو حمل أحدهما على التقيّة. وفي الجملة لا يوجد فيها ممّا يكون التعارض بينها بالتضادّ والتباين المقطوع به، وعلى هذا فمثل هذا الاختلاف يقع في المحاورات ويُعالج أيضاً وفق القواعد المقرّرة العرفية الجارية بين أهل العرف في محاوراتهم ومكالماتهم وإفاداتهم، وما كتب هؤلاء الأجلّة حول رفع الخلاف هو لبيان ذلك. ولا يخفى أنّ ما اُورد من قبل المخالفين وارد عليهم أيضاً، والكلام في ذلك طويل هدانا الله وإيّاهم إلى سواء السبيل.

حدیث لولاك سنداً ودلالةً

السؤال: هل ثبت لديكم صحّة الحديث القدسي: «يا أحمد لولاك لما خلقت

ص: 121


1- . الطوسي، تهذیب الأحکام، ج1، ص2.
2- . اللکنهوي، أساس الاُصول، ص51.

الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»؟ وكيف يتمّ توجيهه؟

الجواب: يوجد من ألفاظ الحديث «لولاك لما خلقت الأفلاك» في الموسوعة الكبيرة بحار الأنوار في موضعين،(1) عن كتاب الأنوار للشيخ أبي الحسن البكري بسند ليس من طرق أهل البيت(علیهم السلام) ضعيف بالإرسال، وبأنّ فيما ذكر له من الأسانيد كعب الأحبار ووهب بن منبّه، أمّا بتمام ألفاظه فغير مذكورفيها، ولكن نقله بعض السادة الأجلّة في مؤلّفه الّذي أسماه الجنّة العاصمة(2)عن كتاب مخطوط (يوجَد في مكتبة الفاضل السماوي مؤلّف كتاب إبصار العين في أنصار الحسين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) موسوم ب «كشف اللآلي» لصالح بن عبد الوهّاب بن العرندس بسند متّصل إلى الصدوق إلى جابر الجعفي عن جابر الأنصاري عن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: يا أحمد... وسنده لا يخلو من الضعف على حسب الاصطلاح، ولكن لا يجوز الحكم عليه بالوضع لذلك، ولا لغرابة متنه، مضافاً إلى أنّه قد بيّنّا في مباحثنا أنّ مثل ذلك الضعف لا يُعتدّ به ولا يسقط به السند عن الاعتبار، مضافاً إلى أنّه يمكن تقويته بغيره من الروايات، لأنّ الأسانيد يقوّي بعضها بعضاً، والأخبار يقوّي بعضها بعضاً.

وأمّا الكلام في دلالته ومضمونه: فيمكن أن يقال بصعوبة فهم مدلوله إن كان عليٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) هو العلّة الغائية لخلق الله تعالى نبيّه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، لأنّ هذا لا يستقيم بتاتاً، فإنّه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) هو العلّة الغائية لخلق الله تعالى للخلق، بما في ذلك خلق عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وغيره

ص: 122


1- . المجلسي، بحار الأنوار، ج15، ص 28، ح 48؛ ج 54، ص 199، ح 145.
2- . میرجهاني الطباطبائي، الجنّة العاصمة، ص284.

حتّی الأنبياء، كما أنّه لا يستقيم كون سيّدتنا وسيّدة نساء العالمين الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) علّة غائيّة لخلقهما. فهذا بظاهره لا يخلو من التهافت، وتقديم المفروض كونه متقدّماً متأخّراً والمفروض كونه متأخّراً متقدّماً. وبعبارة اُخری: يلزم كون المتقدّم متأخّراً والمتأخّر متقدّماً، ولكن ينبغي أن يجعل قرينةً عقليّةً يعرف المستمع العاقل منها أنّ المراد من هذا الكلام أمر آخر، ويمكن أن يكون المراد منه وإن كنّا نجلّ شرحه ونراه أرفع وأنبل من أن يقول فيه على الجزم واليقين مثل هذا الضعيف : أنّه بيان وحدة نورهم وحقيقتهم النورانية في العوالم السابقة، فكأنّهم نور واحد في أجسام وأبدان متعدّدة، ووجود كلّ منهم في هذا العالم لازم لوجود الآخرين.

أو بيان لحقيقة أنّ خلق الخلق بالنظام الأتمّ والغرض الغائي الأسمى من خلق النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لا يتمّ إلّا بخلق عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) والغرض من خلقهما لا يتمّ إلّا بخلق فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)، فكما أنّ ما سوى الله بدون وجودهم ناقص، لا يكمل ولا يتمّ إلّا بهم فإنّ الغرض من خلقهم لا يتحقّق أيضاً بدون خلق أيّ واحد منهم، وبذلك يصحّ أن يقول: «لولا عليّ لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما»، وليس معناه لولا أنت خلقتُ عليّاً ولولا أنتما خلقتُ فاطمة، حاشا وكلّا. ولا يقال فما وجه اختصاص عليّ وفاطمة بذكر هذه الخصيصة الثابتة للنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الّتي هو أولى بها لولاه لما خلق عليّاً ولولاه ولولا هو وعليّ لما خلق الله فاطمة، فإنّه يُجاب عن ذلك بأنّ الأمر من جانب النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بالنسبة إلى عليّ وفاطمة (علیهما السلام) ظاهر. فلولا النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لما خلق الله عليّاً ولولا النبيّ والوصيّ لما خلق الله فاطمة وهذا معنی يدلّ علی کمال اتّصال أنوارهم بهم.

ص: 123

الصحیفة السجادیة متواترة

السؤال: اُريد أن أسأل سماحتكم عن إسناد الصحيفة السجّادية المتّصل للإمام زين العابدين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ). فقد بحثت عن سند لها فلم أجد ولا أدري ما سبب ذلك، فأنا أجد تعييراً من أبناء العامّة بسبب هذا الأمر، ولا أستطيع الردّ عليهم؟

الجواب: انظر ما أفاده السيّد الأجلّ خرّيت فنّ الرجال والدراية في شرحه على الصحيفة أنّه قال: الصحيفة الكريمة السجّادية المسمّاة (إنجيل أهل البيت) و(زبور آل الرسول) متواترة كما أنّ سائر الكتب في نسبتها إلى مصنّفيها، وذكر الأسناد لبيان طريق حمل الرواية وإجازة تحمّل النقل وذلك من سنن المشايخ في الإجازة. فنقول: أسانيد طرق المشيخة رضوان الله تعالى عليهم في رواياتهم للصحيفة الكاملة المكرّمة متواترة، وتحمّلهم لنقلها مختلف.

أقول: ثمّ شرع في شرح الأسانيد وسردها بالتفصيل في خمس صفحات، فليراجع شرح الصحيفة المباركة، وشرح السيّد علي خان الموسوم برياض السالكين، وغيره من الشروح.

وعلى الجملة شأنها شأن سائر الكتب المشهورة الّتي لم يَرتب في نسبتها إلى مؤلّفيها مَن له أدنى بصيرة في الفنّ، إلّا إذا كان في قلبه مرض أو وسوسة. والله الهادي إلى الصواب.

حبّ أهل البیت

السؤال: لقد رأينا من الناس من يتّهمون بعض الشيعة باستغنائهم عن

ص: 124

العبادة بذكر فضائل آل محمّد(علیهم السلام). فهل يُغني ذكر فضائلهم عن عبادة الله تعالى وطاعته في حال من الأحوال؟

الجواب: أمّا معرفة مقاماتهم العالية، ومعجزاتهم ومناقبهم وفضائلهم الكاملة فهي من أفضل ما يحصل به كمال النفوس، ويوجب إنارة القلوب، فيحبب إلى صاحبها الإيمان والأعمال الصالحة، ويزداد في حبّ الله تعالى، وحبّ رسوله وأوليائه، ويزيّن للعارف بمقاماتهم التأسّي والاقتداء بهم، وتطبيق تعالیمهم وإرشاداتهم، فالاهتمام به ينتج الاهتمام بمراقبة حال النفس ومحاسبتها، ومراعاة الورع والتقوى، وسلوك مسلكهم والسير في جادّتهم وصراطهم المستقيم. ولا أظنّ أحداً له أدنى حظّ من البصيرة يظنّ أنّ الاهتمام بمعرفتهم يؤثّر سلباً على العمل بأوامرهم ونواهيهم.

هذا مضافاً إلى أنّ ذكرهم وذكر فضائلهم ومواقفهم المشهودة ومقاماتهم المحمودة من أفضل العبادات، ينزّل الله تعالى به الرحمة على عباده.

نعم من يقول بأنّي مشتغل بمعرفتهم وحبّهم وذكر فضائلهم ولا يهتمّ بالأعمال الصالحة، ويتوانى في فعل الواجبات وترك المحرّمات فهو كذّاب في دعواه، بعيد عنهم، فلا ينال أحد ما ينال بولايتهم ومعرفتهم إلّا بالعمل الصالح، قال الله تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ»،(1) وقال جلّ شأنه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً».(2) ونُسب إلى مولانا الإمام أبي عبد الله الصادق أنّه أنشأ أو أنشد:

ص: 125


1- . آل عمران، 31.
2- . الأحزاب، 21.

تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُحُبَّهُ * هَذَا لَعَمْرُكَ فِي الْفِعَالِ بَدِيعٌ

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَهُ * إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ أَحَبَّ مُطِيعٌ (1)

***

السؤال: ما الّذي نفهمه من معنى الحديث الشريف الّذي يرويه جرير بن عبد الله البجلي عن الرسول الأكرم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له»؟ وهل ينفع حبّهم يوم الحشر الأكبر؟

الجواب: يقيناً يفيد ذلك، فلا يظنّ أحد أنّ مَن يحبّهم ومَن لا يحبّهم ومَن يعرفهم ومَن لا يعرفهم سواء، وأنّه لا يُرجى له النجاة كما لا يُرجى لأعدائهم ومبغضيهم؟! هذا ممّا لا يوافق الأحاديث الصريحة وإرشاد العقل، والّذي اعتقده أنّ من مات على حبّ آل محمّد صلوات الله عليهم يرزق النجاة،

ويشمله العفو والغفران، لكن لا نقول: إنّ من ليس له من محبّيهم والمؤمنين بولايتهم العمل الصالح الصحيح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا الجهاد ولا الزكاة ولا الاجتناب عن المعاصي يكون كغيره من محبّيهم ممّن له الأعمال الحسنة والعبادات الصحيحة المقبولة والأمر بالمعروف والجهاد في سبيل الله.

وكيف يكون ذلك وقد قال الله تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ».(2) فلا يغترّنّ أحد بحبّهم ويكتفي به، ولينظر كيف كان سلوك

ص: 126


1- . ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص294؛ الفتّال النیسابوري، روضة الواعظین، ج2، ص418؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4،ص275.
2- . الجاثية، 21.

الأئمّة(علیهم السلام) ومع أنّهم مختارون من جانب الله صاحب الولاية العظمى، ولا يدخل الجنّة إلّا مَن عرفهم وعرفوه، كانوا أشدّ الناس خوفاً وخشية من الله تعالى، يخافون من المناقشة في العذاب ومن العرض الأكبر، فينبغي لمن يغترّ بولايتهم ويترك صالح الأعمال أن يقرأ سيرتهم يرى بكاءهم من خوف الله وأدعيتهم وكمال تواضعهم على بساط العبوديّة له.

وهناك روايات كثيرة تحثّ شيعتهم على العمل والإطاعة وتحذّرهم من الاكتفاء بالإيمان اللفظي. فهذا مولانا أبو جعفر الباقر(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يقول على ما رواه جَابِرُ: «يَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَوَ اللهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللهَ وَأَطَاعَهُ وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ، وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْغَارِمِينَ وَالْأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وَكَانُوا اُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ».

قال جابر (راوي الحديث): فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة؟ فقال: «يَا جَابِرُ لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً، فَلَوْ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ الله فَرَسُولُ اللهِ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً، فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ، يَا جَابِرُ وَاللهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَی إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِن النَّارِ وَلَا عَلَى الله لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ، مَنْ كَانَ لِلهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا

ص: 127

عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ».(1)

فعلى هذا يمكن أن يقال بأنّ اهتمام الشخص بالطاعات يكون بقدر ولايته ومعرفته، فمن كانت ولايته أقوى يكون اهتمامه بطاعة الله أكثر.

هذا مضافاً إلى أنّ الدوام على الأعمال السيّئة واستمرارها يوجب الخذلان والبعد عن الله تعالى وزوال حبّه من القلب، وربما آلَ الأمر والعياذ بالله إلى حال من يقول الله تعالى فيهم: «ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوآى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ».(2) فوليّهم علیهم السلام ينبغي أن يكون بين حال الخوف والرجاء كما كانوا، وقد ورد عنهم(علیهم السلام): «لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ نُورَانِ: نُورُ خِيفَةٍ وَنُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا».(3)

ومن جانب آخر نعتقد أنّ مَن يأتي بجميع الأعمال الصالحة والعبادات وكان في قلبه مثقال حبّة من خردل بل أقلّ وأقلّ من ذلك من بغضهم، فسبيله إلى النار والعذاب، ولا يقبل من أحد عمل ولا يرتقي إلّا بولايتهم، ونعم ما قيل:

لو أنّ عبداً أتى بالصالحات غداً * وودَّ كلَّ نبيٍّ مُرسَل ووليّ

وعاش ما عاش آلافاً مؤلَّفةً * خِلواً من الذنب معصوماً من الزللِ

ما كان في الحشر عند الله منتفعاً * إلّا بحبّ أمير المؤمنين عليّ

ص: 128


1- . الکلیني، الكافي، ج2، ص74-75، باب الطاعة والتقوى، ح3.
2- . الروم، 10.
3- . الکلیني، الکافي، ج2، ص67، باب الخوف والرجاء.

وظیفة المؤمن في بلاد الغرب تجاه مکتب أهل البیت(علیهم السلام)

السؤال: ما هو تكليف المؤمن في بلاد الغرب تجاه المجتمع الغربي؟ وكيف استطاع أئمّة آل البيت(علیهم السلام) وبعض أبنائهم زرع حبّ آل البيت في المجتمعات الّتي هُجّروا إليها؟

الجواب: ما يجب أوّلاً علی المؤمن کائناً من کان وفي أيّ مکان هو کان، التمسّك بدينه وهويّته الإسلامية لا يميل منها إلی اليمين واليسار، وإن لم يمکن هناك حفظ الدين والعمل بالتکاليف الشرعية من فعل الواجبات وترك المحرّمات، يجب عليه المهاجرة إلی غير هذه البلاد إذا کان مضطرّاً في ذلك، أو کان في البين مصلحة دينيّة عظمی فيعمل فيما بينه وبين الله مجاهداً يدعو الناس إلی الدين الحنيف بالقرآن الکريم ومعارف أهل البيت(علیهم السلام) وسيرتهم الشريفة وکان موقفه هناك موقف الدعوة إلی الدين وهدايتهم إلی الإسلام.

أفضلیة الأنبیاء والأئمّة من الملائکة

السؤال: هل الأنبياء والأئمّة أفضل من الملائكة؟ وهل هم خارجون عن الحالات الطبيعية للإنسان؟ وهل خُلقت الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) في ظروف خارقة للعادات؟

الجواب: اعتقادنا في الأنبياء والأئمّة(علیهم السلام) أنّهم بشر، وعباد لله مُكرمون، مولودون من الآباء والاُمّهات ويموتون، جائز أن يعرض لهم المرض (إلّا ما كان منفّراً للناس عنهم) والجوع والعطش والنوم والتعب والألم، فإن لم يعرض لهم بعض ذلك يكون من خوارق عاداتهم ومعجزاتهم، ومع ذلك هم مفضّلون على الملائكة، والأخبار الّتي ترتبط بشؤونهم هذه يلاحظ سندها، فإذا كان الحديث

ص: 129

ضعيف السند أو مرسلاً لا يعتمد عليه وإنْ كان لا يجوز ردّ مضمونه والبناء على خلافه بمجرّد الاستبعاد، بل نَذَرُه في بقعة الإمكان إلّا أن يكون مضمونه مخالفاً للحكم العقليّ الضروري أو دليل نقليّ ثابت مسلّم، وحينئذ إن كان محتملاً مقبولاً مسلّماً، نحمله عليه احتمالاً، وإذا كان السند صحيحاً ففي الاُمور الاعتقادية نحتجّ به إذا كان محفوفاً بالقرائن الّتي يقطع بها بصدور الحديث فضلاً عمّا إذا كان متواتراً. ومع العلم بصدوره بأحد الوجهين (التواتر أو وجود القرينة القطعية) يحتجّ به في الاُمور الاعتقادية إن كانت دلالته أيضاً قطعية، وإلّا (أي مع عدم العلم بصدوره كذلك) فلا بأس بنقله وروايته، ويضمّ إلى سائر الروايات الّتي هي بمضمونه إن كانت، وحصل بالجميع التواتر الإجمالي أو المعنوي فيؤخذ بالمضمون اليقينيّ الحاصل منه، هذا إذا لم يكن المدلول معارضاً لما ثبت بحكم العقل الضروري أو النقل القطعي، وإلّا فيعمل معه على الميزان الّذي ذكرناه. ولذا لا يقع المحقّق والمحدّث لبعض الأخبار في الإشكال.

وأمّا الرواية الّتي أشرتم إليها فلا دلالة لها على أنّ أجسادهم غير أجساد سائر الناس أو اختلاف هيئة بدنهم عن غيرهم، فليس ذلك معناها قطعاً، بل يمكن أن يكون ذلك تشريفاً لولادة سيّدة نساء العالمين (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وكمال الاهتمام بانعقاد نطفتها في الظروف الطيّبة النورانية والإيمانية بعد اعتزال النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عن السيّدة خديجة في مدّة أربعين يوماً وهذه التشريفات والمتهيّآت تكون نظير ما ورد تعليماً لآداب الزواج والزفاف من الصلاة والدعاء والغذاء الصالح وغيرها، والرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) اُمر بأكثر من ذلك لما أراده الله منه.

وبالجملة فهذه التعالیم تدلّ على رجحان الاعتناء بالعبادة وذكر الله والصلاة

ص: 130

والتسمية وتأثيرها في سعادة الولد وحسن عاقبته، كما يضرّ بعض الأعمال والأفعال بها، فقد ثبت أنّ الّذين ينقلون نطفتهم في ليالي اللهو والخلاعة وعندما يكون الوالدان سكّيرين، يكونون في معرض بعض الأمراض الصعبة، وإلّا فلا استبعاد لما في هذا الخبر، وما أمر الله به النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والطعام الّذي جيء به ولا يخرجون بذلك عن كونهم بشراً، وأبدانهم وهيأتهم كسائر الأبدان يؤثّر فيها الحرّ والبرد وكثير من الأسباب الطبيعية فإنّ الله تعالى جعلهم اُسوة للناس وأمرنا أن نتأسّى بهم، ولا يكون ذلك إلّا إذا عرض لهم ما يعرض لغيرهم، اللّهمّ إلّا أن يكون ذلك منافياً لنبوّتهم وإمامتهم وقداسة هذين المقامين، والمسألة طويلة لا يمكننا إشباع الكلام فيها. قال الله تعالى: «وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ»؛(1) «وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ»؛(2) والأسرار والتحقيقات في هذه المسائل ممّا يزيد المعرفة بمقاماتهم كثيرة جدّاً، لا يسع المقام بيانها، وبعد ذلك كلّه في الرواية من حيث السند وإن لم نردّ مضمونها مقال، فراجع بحار الأنوار.(3)

تطوّر التشیّع من عصر النبيّ

السؤال: 1. هل صحيح أنّ من أسّس التشيّع هم الصفويّون؟ وهل هناك تشيّع صفويّ وتشيّع علويّ؟ یقول بعض المتجدّدین: إنّ علماء التشيّع الصفويّ هم من

ص: 131


1- . الأنبياء، 8.
2- . الأنعام، 9.
3- . المجلسي، بحار الأنوار، ج15.

أتى بالخرافات والتطيّر للشيعة مثل العلّامة المجلسي صاحب بحار الأنوار وغيره من علماء وعّاظ السلاطين من الشيعة ويذكر الكثير منهم... هل هذا صحيح؟

2. إذا كان النصّ على وجود 12 إماماً بأسمائهم موجوداً من زمن الرسول وأهل بيته؛ لماذا تفرّق الشيعة إلى الكثير من الطوائف كلّ يتّبع غير أُولئك المعروفين؟ ألا يدلّ هذا علی أنّ الحديث مكذوب؟

3. في معراج الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): رأى أهل بيته أنواراً من عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) إلى (القائم عجل الله تعالی فرجه شریفه).. ولكن الرواية تذكر أنّ القائم كان يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّيّ... على ماذا يدلّ هذا التلألؤ؟ أرجو شرح الموقف ودلالاته؟

الجواب: إنّ ما ذكرتم من انقسام التشيّع عن غير العالم باُمور الدين كذب وافتراء، والتشيّع مذهب واحد من زمن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بقوله لعليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «يَا عَلِيُّ أَنْتَ وَشِيعَتُكَ الْفَائِزُونَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ».(1)

1. ثم اتّضح هذا المذهب بعد قضيّة السقيفة حيث انتصر لعليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أصحابه الكرام الخاصّون المخلصون واختلف معه عامّة الناس واتّسع الخلاف إلى يومنا هذا، بل سيبقی الخلاف إلى قيام القائم(القائم عجل الله تعالی فرجه شریفه) الّذي يوحّد المسلمين على الهدى والحقّ، ولا عبرة بأقوال المذكورين، إذ ليسوا من أهل العلم والمعرفة والخبرة في المذهب الحقّ. ولا يجوز نسبة وضع الخرافات إلى علماء المذهب الحريصين على نقائه وبقائه سليماً عن كلّ شائبة بعض عوامّ الناس غير المراعين لأقوال علمائهم،

ص: 132


1- . ابن شاذان القمّي، الروضة، ص 75؛ البحراني، البرهان، ج2، ص 494؛ المرعشي النجفي، شرح إحقاق الحقّ، ج 7، ص 299.

ولا يوجد في علمائنا الأبرار من يوصف بواعظ السلاطين حاشاهم من التُهَم والافتراءات راجين منكم نبذ التّهم عنهم وعدم قبولها والله المستعان.

2. النصّ على الأئمّة الاثني عشر موجود من زمن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وقد ذكرهم واحداً تلواً آخر في مناسبات عديدة وآخرها قضيّة واقعة الغدير في خطبته المفصّلة قد ذكر أسماءهم، ونقله مؤلّف كتاب الغدير العلّامة الفذّ الشيخ الأميني أعلى الله مقامه مفصّلاً. واختلاف الناس وابتعادهم عن أهل البيت(علیهم السلام) فليس بعزيز، فقد وقع الاختلاف في جميع الأعصار على الأنبياء السابقين كقول الله تعالى: «وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ».(1) واختلاف الناس في الأئمّة ليس بأقوى من اختلافهم في واقعة الغدير الّتي نقلها العامّة متواترةً والخاصّة؛ إذ نصب رسول الله عليّاً إماماً وخليفة ووليّاً على المسلمين في تلك الواقعة الّتي حضرها الآلاف من المسلمين وأنكرها بعض وأوّلها الآخرون والنتيجة كانت الاختلاف الباقي إلى يومنا هذا، بل إلى قيام القائم (القائم عجل الله تعالی فرجه شریفه)، وهذا الاختلاف بسبب تخلّف الناس عن حديث الثقلين الصريح الواضح بحقّهم. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

3. روايات الإسراء والمعراج مختلفة الأسناد والدلالة، ولكن القضيّة واقعة صريحة صحيحة قد دلّ عليها القرآن الكريم والنصوص المتواترة، ويظهر من الروايات أنّ إسراءه قد وقع مکرّراً،(2) وإذا صحّ الحديث المذكور في السؤال

ص: 133


1- . المؤمنون، 70.
2- . الکلیني، الکافي، ج1، ص 442 443؛ الصدوق، الخصال، ج2، ص 600 601.

فدلالته واضحة، لأنّ الإمام المهديّ (القائم عجل الله تعالی فرجه شریفه) هو الّذي يقيم الدين الحنيف ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً فتلألؤه إشارة إلى انتشار سلطانه وسعة هيمنته على الدين كلّه ولو كره الكافرون. جعلنا الله وإيّاكم من أنصاره وأشياعه والذابّين عنه، وهو على كلّ شيء قدير.

الفارق بین الشیعة والسنّة

السؤال: أنا في الحقيقة لا أعرف علی وجه التحديد الدقيق الفارق بين السنّة والشيعة ولا أعلم لماذا افترق المسلمون علی الفرق المختلفة؟

الجواب: الفرق بينهما هو أنّ الشيعة بمقتضی حديث الثقلين المتواتر المشهور عند الشيعة والسنّة، وغيره من النصوص يتمسّکون بأهل بيت النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ويأخذون مذهبهم في الاُصول والفروع منهم ويقتدون بهَدْیهم والحديث المذکور وأحاديث اُخری صحيحة تدلّ علی جعل طريق النجاة والأمن من الضلال بالتمسّك بالقرآن الکريم وبأهل بيت النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فهم الحجّة عليهم وعلی جميع الناس. وغيرهم من أهل السنّة لا ينزلون أهل البيت(علیهم السلام) هذه المنزلة الّتي جعلها الله تعالی لهم ونصّ عليه النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وفي الحديث الشريف قال(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «أَهْلُ بَيْتِي كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ».(1)

وأيضاً الشيعة تقول: إنّ الزعامة الدينية والدنيوية بعد رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بنصّه مختصّة بالأئمّة الاثني عشر الّذين أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الّذي

ص: 134


1- . الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص34.

نصبه في غدير خمّ بأمر من الله جلّ وعلا وليّاً ومولی وخليفة من بعده وأهل السنّة ينکرونه.

تسمّي بعض أولاد الأئمّة بأسماء الخلفاء

السؤال: ورد أنّ من أسماء أولاد الإمام عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كان عمر وأبا بكر وعثمان، وأيضاً للإمام الحسن ولد اسمه أبو بكر وعمر، وللإمام زين العابدين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بنت بإسم عائشة. هل هي صحيحة؟ وما هي الحكمة فيها؟

الجواب: الأسماء المذكوره كانت متداولة بين الناس غير مختصّة بآحاد خاصّة ولا ركاكة فيها لكنّها بمرور الزمن كرهت عند بعض للأسباب الّتي لا تخفى عليكم. علماً أنّه ليس للإمام الحسن ولد يُسمّى عمر.

المهدويّة

حدّ إطاعة الإمام(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في عصر الغیبة

السؤال: في الكافي: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن شاذان بن الخليل قال: وكتبت من كتابه بإسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد الله قال: «قَالَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الْعِبَادَةُ؟ قَالَ: حُسْنُ النِّيَّةِ بِالطَّاعَةِ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي يُطَاعُ اللهُ مِنْهَا؛ أَمَا إِنَّكَ يَا عِيسَى لَا تَكُونُ مُؤْمِناً حَتَّى تَعْرِفَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ. قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَ لَيْسَ تَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ مُوَطِّناً نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي

ص: 135

طَاعَتِهِ فَيَمْضِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَيَأْتِي إِمَامٌ آخَرُ فَتُوَطِّنُ نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ. قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَذَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ».(1)

لمن تكون الطاعة المذكورة في هذه الرواية، وفي كثير من الروايات في عصرنا هذا والإمام(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) غائب؟ وكيف اُطيعه في الواقع؟

الجواب: حدّ إطاعة الإمام في الواقع في عصر الغيبة کعصر الحضور، العمل بالفرائض وترك المحرّمات ورعاية التقوی والجهد لإعلاء أمرهم وإحياء کلمتهم ولإعزاز الدين وقضاء حوائج المؤمنين والمستضعفين، فکما أنّ المؤمن في عصر الحضور يطيع الإمام والإمام بالمدينة وهو مثلاً، إذا اُمر بشيء من الإمام الغائب عنه في عصر الغيبة يطيعه. ثمّ اعلم أنّ الناس في زمن غيبة إمام العصر أرواحنا فداه مكلّفون بالعمل بفتاوی نوّابه العدول العاملين وهم الفقهاء الواجدون لشرائط الإفتاء بحكم الروايات الشريفة والأحاديث المأثورة عنهم صلوات الله عليهم أجمعين وحيث إنّ هذه الطاعة بأمر الإمام فهي طاعة له(عَلَيْهِ السَّلاَمُ). والله العالم.

الأعمال التوفیقیّة للوصول إلی صاحب العصر

السؤال: ما هي الأعمال التوفيقية الّتي تؤهلنا للإلتقاء بإمامنا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه شریف) ؟

الجواب: قال الله تعالی: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ»،(2) الأهليّة للنيل إلی المقامات العالية والدرجات الرفيعة تتحصّل بالجهاد المستمرّ

ص: 136


1- . الکلیني، الكافي، ج 2، ص83-84.
2- . آل عمران، 31.

ومخالفة النفس والهوی ومتابعة نبيّ الهدی والأئمّة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين والسعي في حوائج المؤمنين وطيب المعاش،

والمواظبة علی النوافل سيّما صلاة الليل، والمداومة علی الدعاء لتعجيل فرجه(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، فإذا کان الشخص مهتمّاً بهذه الاُمور ويؤثر رضا مولاه أرواحنا له الفداء علی رضا نفسه حافظاً لدينه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنکر فهذا الالتقاء المعنويّ ألذّ وأشرف من الالتقاء الظاهري ورؤيته بالقلب أشرف من رؤيته بالعين. داوم علی دعاء العهد ودعاء الفرج وهذا الدعاء: «يَا اَللهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».(1)

فإنّ الزمان، زمان التمحيص والتخليص والامتحان. لا يبقي علی التمسّك بولايته إلّا الأندر فالأندر من المخلصين الثابتين الکاملين، «أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». (2)

عدد أنصار الإمام المهدي(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)

السؤال: سمعت حواراً في التلفاز يتناول موضوعاً عن الإمام المهديّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وقد لفت نظري أنّ المُحاور قال بأنّ للمهديّ أنصاراً كعدد أنصار بدر. وهنا يمکن السؤال: فإذا كان عدد أنصار بدر 313 فأين هم المؤمنون الصالحون من الأوّلين والآخرين الّذين أعتقد أنّ عددهم يفوق ذلك؟ وأين يذهب شيعته الّذين كانوا يترقّبون ظهوره؟

ص: 137


1- . ابن طاووس، مهج الدعوات، ص332.
2- . المجادلة، 19.

الجواب: العدد المذكور عن عدد أنصاره(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) الخواصّ من الخواصّ، وحتّی أنّ في بعض الروايات أنّ عدد الخواصّ منهم يبلغ عشرة آلاف. (1) وبالجملة ليس عدد أصحابه محصوراً فيما ذُكر.

***

السؤال: وردت روايات تنصّ على أنّ المسيح أو الإمام المهديّ (عجل الله تعالی فرجه شریف) «يضع الجزية» فما هو تفسير سماحتكم لها، هل هو تشريع للجزية واستغناء عنها، أو إلغاء لها لزوال جميع الأديان إلّا الإسلام؟

الجواب: الظاهر أنّه لا يقرّ أهل الكتاب على دينهم بأداء الجزية وليس لهم إلّا قبول الإسلام.

عدم جواز تعیین وقت الظهور

السؤال: ما هو تفسيركم لرواية: «اَلْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللهُ فِيْ لَيْلَةٍ»؟

الجواب: أخرجنا هذا الحديث في كتابنا منتخب الأثر(2) بأسانيد كثيرة جدّاً، ولعلّ المراد منه كما ذكرنا هناك ما يظهر من غيره من الأحاديث من عدم العلم بوقت ظهوره فلا يعرف من تهيئة أسبابه قبله، بل يهيّئ الله سبحانه أسباب دولته وملكه في ليلة يوم ظهوره.

حرکة الیماني

السؤال: ظهرت حركة جديدة في الوسط الاجتماعي تدّعي أنّها تمثّل الإمام

ص: 138


1- . الصدوق، کمال الدین، ج1، ص 331؛ ج2، ص 378، 654.
2- . منتخب الأثر للمؤلّف، ج2، ص62، ح 362 / 10.

المهديّ (عجل الله تعالی فرجه شریف) ، ولزوم الرجوع إليها، وهي حركة اليماني (كما يدّعون)، لذلك نقدّم بين يدي سماحتكم هذه المعلومات عن ادّعاءاتهم، راجين الإجابة عن أسئلتنا:

إنّ هذه المجموعة تدّعي أنّها تتبع ابن الإمام المهديّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ولديها كما تدّعي عدة أدلّة، منها:

إنّ رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بشّر الناس به، وذكر اسمه وصفته في روايات عديدة. وردت في بحار الأنوار والغيبة للطوسي والبرهان. (1)

دعوة العلماء للمناظرة في القرآن الكريم، كي يثبت أنّه مرسل من الإمام المهديّ.

إنّه يخبر بالأخبار الغيبية والرؤيا الصادقة والمكاشفات.

إنّ الإمام التقى به وجهاً لوجه، وأخبره أنّه ابنه ووصيّه ووزيره.

إنّ عدم ظهوره على الساحة بصورة علنية، يرجع إلى دعواه أنّه مطلوب من السفياني وغيره.

إنّه طلب المناظرة بالقرآن الكريم، ولم يستجب له أحد.

ماذا تنصحون الشباب تجاه هذه الفئة؟ وكيف يمكن تعيين اليماني وحركته الصالحة من شبيهاتها الباطلة؟ وما الدليل على كذب هذا المدّعي؟

الجواب: لا يجوز الاعتماد على الاُمور المذكورة، الّتي هي أباطيل وزخارف، بل يجب تكذيبها وتكذيب مدّعيها، وإنكار عملهم، وعلى المؤمنين أخذ علمهم وأحكام شريعتهم وعقائدهم عن العلماء المعروفين بالعلم والصلاح والتقوى،

ص: 139


1- . الطوسي، الغيبة، ص150-151؛ البحراني، البرهان، ج3، ص310؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص145-148.

والعارفين بهذه المطالب، لا عن أمثال هؤلاء المدّعين الكاذبين، الضالّين المضلّين المنحرفين. أجارنا الله وإیّاكم من مضلّات الفتن.

الرجعة: عقیدة الشیعة في الرجعة

السؤال: ما هي عقيدتكم في الرجعة؟ وهل تعدّ من اُصول المذهب؟

الجواب: عقيدتنا في الرجعة أنّها حقّ، لدلالة الأحاديث المتواترة(1) عليها، بل وفي القرآن الكريم أيضاً الدلالة على إمكانها وحقيقتها بل وقوعها.

أمّا الدلالة على إمكانها ووقوعها وأنّه لا وجه لاستبعاد وقوعها فضلاً عن القول باستحالتها فتدلّ عليه هذه الآيات:

1. «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».(2)

2. «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ اُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ

ص: 140


1- . القمّي، تفسیر، ج2، ص 131؛ الصدوق، الخصال، ج1، ص 108؛ البحراني، البرهان، ج3، ص 507؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 42، 63.
2- . البقرة، 259.

لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ».(1)

3. «وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرىَ لِلْعَابِدِينَ».(2)

وأمّا الدلالة على وقوعها في المستقبل فقوله تعالى: «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ»؛(3) وقوله تعالى: «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»؛(4) فاليوم الّذي يحشر فيه من كلّ أُمّة فوجاً، هو غير يوم القيامة الّذي يحشر فيه جميع الاُمم، وهذا كما يستفيد الفقهاء من قوله تعالى: «وَحَمْلُهُ وفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً»،(5) وقوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ»(6) أنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر.

وعدّها من اُصول المذهب معناه ثبوتها بالمذهب لا يعرفه غير أهله، فهي ثابتة عند أهل البيت(علیهم السلام)، وليس معناه أنّ من لم يعرفها ولم يعتقد بها، إمّا لأنّه لم يلتفت إليها أصلاً أو اجتهد ولم يصل إليها، أو فهم من الروايات الواردة بعضَ التأويلات، يكون خارجاً عن المذهب وعن ولاية أهل البيت، معاذ الله أن يكون ذلك. وعلى كلّ حال، فالاعتقاد بها يكون بالإجمال، وإلّا فأكثر تفاصيلها لا يدلّ

ص: 141


1- . البقرة، 243.
2- . الأنبياء، 84.
3- . النمل، 83.
4- . الکهف، 47.
5- . الأحقاف، 15.
6- . البقرة، 233.

عليه إلّا بعض أخبار الآحاد الّتي لا تعتبر حجّةً في الاُمور الاعتقادية، ولا تحصل بها العقيدة، كما بيّن في علم الكلام.

***

السؤال: هل يجب الإيمان بالرجعة؟ وما هو الدليل النقلي (الروائي) أو العقلي على ذلك؟

الجواب: استدلّ على الرجعة ببعض الآيات القرآنية الكريمة، والروايات الكثيرة المعتبرة، ويجب الاعتقاد الإجمالي بها، والشيعة كانت ولا تزال منذ العصور الاُولى إلى زماننا هذا معروفة بهذه العقيدة، ولذا قيل: إنّها من ضروريّات المذهب. ولا مانع من وقوعها عقلاً، بل إنّ القرآن الكريم صرّح بوقوعها أي برجوع بعض الأموات إلى الدنيا في الاُمم السالفة.(1)

وقد جاء فيما روته الخاصّة والعامّة عن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «سَيَكُونُ فِي اُمَّتِي كُلُّ مَا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ».(2)

نعم، لا يجب الاعتقاد بتفاصيلها، فإنّ ما يدلّ على كثير منها، من أخبار الآحاد، ولا يعتمد عليها في غير الفروع.

والاعتقاد بها ليس من اُصول الدين والمذهب كالعدل والإمامة، فمن لم يعرف تفاصيل الرجعة أو أنكرها باجتهاده إن لم يرجع إنكاره إلى إنكار ما أخبر

ص: 142


1- . البقرة، 243، 259.
2- . الحسیني الأسترآبادي، تأویل الآیات، ص402؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص127.

به النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأوصياؤه البررة الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام لا يخرج بذلك من الإيمان.

شخصیّة المختار بن أبي عبیدة الثقفي وثورته

اشارة

السؤال: ما رأي سماحة الشيخ في شخصيّة المختار بن أبي عبيدة الثقفي رضي الله عنه وثورته وتفاصيلها وما رأي سماحته في الآتي: 1. قطع الأيدي والأرجل بخصوص القتلة لعترة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟ 2. ألا يُعدّ ذلك من المُثلة الّتي نهى عنها النبيّ الأعظم وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم والنصّ الوارد عنهم (ولو بالکلب العقور)؟ 3. أنّ المختار وضع أعضاء القتلة في قدور تغلي؟ وغيرها من الاُمور المرتبطة بهذا الأمر، وهل هناك نصّ في شرعيّة قيام المختار بالثورة صادر من معصوم زمانه، فضلاً عن التزکيّات الّتي حصلت عليها ثورته ضدَّ الظلمة من روايات المدح والثناء الوارد عن الإمام زين العابدين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) والإمام الباقر(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) والإمام الصادق(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؟ وما زبدة ما نريده هو الملاحظة الأخيرة، حول شرعيّة خروجه لطلب الثأر، وفي حال وجود ذلك أرجو إيراد النصّ مع المصدر ويفضّل ذکر ما يتعلّق بالخبر من صحّته من حيث الصدور والوثاقة. ودمتم مأجورين.

الجواب: لم تکن ثورة المختار بطلب من أئمّة أهل البيت وقد ثار هو لأسباب عديدة منها الانتقام من قتلة الحسين. والأعمال المذکورة لم تثبت نسبتها إليه والثابت أنّه قتل قتلة الحسين وهذا العمل مورد استجابة دعاء الأئمّة(علیهم السلام)،

ص: 143

وآراء علمائنا مختلفة في شخص المختار بطبيعة الحال وما صدر منه من إظهار الموالاة لأهل البيت(علیهم السلام)یمدحه کلّ شيعيّ يحبّ الآل ويبغض قتلة سيّدنا أبي عبد الله(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لا بأس بأن نقول جزاه الله من أهل البيت(علیهم السلام) وشيعتهم المحبّين المخلصين لهم(علیهم السلام).

المختار وعقیدته

السؤال: ما رأي سماحتكم بالمختار بن أبي عبيدة الثقفي من ناحية عقيدته وما قام به من ثورة ضدّ الظالمين من بني اُميّة.

الجواب: إنّ كثيراً من علمائنا الأعلام أعلى الله مقامهم مدحوا المختار بن أبي عبيدة الثقفي رحمه الله بانتقامه من قتلة الإمام الحسين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وشفى صدور بني هاشم، بل قد ورد أنّ الهاشميّات لم يكتحلن قبل إرسال المختار رأس عبيد الله بن زياد وأتباعه إليهنّ، ولا زال المؤمنون والعلماء في العراق يزورون مرقده الشريف الّذي هو جنب مرقد مسلم بن عقيل(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وما نسب إلى المختار بأنّه كيسانيّ غير ثابت، وقد فصّل القول فيه آية الله السيّد الخوئي أعلى الله مقامه في كتابه معجم رجال الحديث (1) فراجعه لتنتفع به، وفّقك الله لمراضيه.

وجود السفیاني الیوم

السؤال: هل يصحّ بأنّ السفياني هو ملك الاُردن (عبد الله الثاني)؟

ص: 144


1- . الخوئي، معجم رجال الحدیث، ج19، ص102-110.

الجواب: لا يصحّ تطبيق الروايات الّتي فيها أسماء نحو الدجّال والسفياني علی أشخاص معيّنين فعلاً إذ کلّه رجم بالغيب.

ص: 145

ص: 146

المعاد والجزاء

اشارة

قال الله تعالی: «اَللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً».(1)

«ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ».(2)

«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ اُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».(3)

کیفیّه دخول المؤمن الجنّة

السؤال: 1. الإنسان المؤمن عند ما يدخل الجنّة هل يدخل بروحه فقط أم بروحه وجسده معاً؟ وما هو الدليل علی ما تقول؟ 2. وهل الزواج بالحور العين يکون روحيّاً أم روحيّاً وجسديّاً؟ وما هو الدليل؟ 3. وماذا نقصد بزمن الرجعة؟

الجواب: (1) المؤمن يدخل الجنّة بجسده وروحه ودليله الآيات القرآنية وأحاديث الأئمّة المعصومين عليهم أفضل صلاة المصلّين والله العالم. (2)

ص: 147


1- . النساء، 87.
2- . المؤمنون، 16.
3- . آل عمران، 185.

زواجهم أيضاً جسديّ وروحيّ والدليل هو نفس الدليل المذکور. (3) بالنسبة إلی الرجعة راجعوا کتاب اعتقادات الصدوق عليه الرحمة (1) وکتاب الإيقاظ من الهجعة.(2)

***

السؤال: بعض الناس المذنبين يدخلون النار ولکن بعد أن ينقضي حسابهم الّذي خصّصه الله لهم يخرجون بأمر من الله سبحانه فهل يدخلون الجنّة بعد ذلك؟ ولکم منّي جزيل الشکر والدعاء.

الجواب: من لم يحکم عليه بالخلود في النار فلابدّ أن يتمتّع بالجنّة.

التناسخ

السؤال: ما هو التناسخ وهل توجد أدلّة من القرآن أو السنّة تبطل هذا الاعتقاد؟

الجواب: التناسخ هو عبارة عن تعلّق روح إنسان بعد خروجها من بدنه ببدن إنسان أو غيره وعيشها مدّة من الزمن، وهو باطل لا أصل له، وهو فضلاً عن الأدلّة العقليّة المسطورة في کتب هذا الموضوع المستدلّ عليها، يمکن الاستدلال علی نفسه بعدّة من الآيات الشريفة، کقوله تعالی: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»؛(3) إذ إنّ المعتقدين

ص: 148


1- . الصدوق، الاعتقادات، ص 60 63.
2- . الحرّ العاملي، الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، ص 2430.
3- . البقرة، 28.

بالتناسخ يقولون بأنّ الإنسان يعود بعد الموت ثانيةً إلی هذه الحياة بعد حلول روحه في جسم آخر أو نطفة اُخری وتحيی في هذه الدنيا حياة اُخری، وقد تتکرّر هذه العودة عدّة مرّات، وتکرّر هذه الحياة يسمّی بالتناسخ. والآية الکريمة تصرّح بعدم وجود أکثر من حياة واحدة بعد الموت وهي حياة البعث والنشور، فليس للإنسان إلّا حياتان والتناسخيّون يدّعون أکثر منهما.

وما يدلّ علی بطلان التناسخ من الروايات ما في کتاب عيون أخبار الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من رواية تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن عليّ الأنصاري، عن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): يَا أَبَا الْحَسَنِ فَمَا تَقُولُ فِي الْقَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ؟ فَقَالَ الرِّضَا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «مَنْ قَالَ بِالتَّنَاسُخِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ الْعَظِيمِ مُكَذِّبٌ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ».(1)

شهداء الأعمال یوم القیامة

السؤال: 1. هل الزمان يشهد علی الإنسان يوم القيامة؟

الجواب: إنّ المستفاد من الآيات والروايات عدم اختصاص الشهادة يوم القيامة بالشهداء من الناس، بل هي تعمّ کلّ ما له صلة بعمل الإنسان ويتحمّل الشهادة عليه کالجوارح والحواسّ والقلب والزمان والمکان والقرآن والملائکة، فالقيامة يوم قيام الشهود کما يقول سبحانه: «يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ»؛(2) والشهود هم: (1) الله

ص: 149


1- . الصدوق، عیون أخبار الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ج2، ص202.
2- . غافر، 51.

سبحانه: «وَكَفى بِالله شَهِيداً»،(1) «إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهيداً».(2) (2) الأنبياء(علیهم السلام): «جِئْنَا مِنْ كُلِّ اُمَّةٍ بِشَهيدٍ».(3) (3) الإمام المعصوم(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ.»(4) (4) الملائکة: «وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.»(5) (5) الأرض: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَهَا.»(6) (6) الزمان: في الرواية: «أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ وَأَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ... أَشْهَدُ لَكَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».(7) (7) الجوارح: «تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ».(8)

قال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ نَظَرْتُ تَحْتَ الْعَرْشِ أَمَامِي فَإِذَا أَنَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَائِماً أَمَامِي تَحْتَ الْعَرْشِ يُسَبِّحُ اللهَ وَيُقَدِّسُهُ. قُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ سَبَقَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: لَا لَكِنِّي اُخْبِرُكَ. اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُكْثِرُ مِنَ الثَّنَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَوْقَ عَرْشِهِ فَاشْتَاقَ الْعَرْشُ إِلَی عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَخَلَقَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الْمَلَكَ عَلَى صُورَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) تَحْتَ عَرْشِهِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ الْعَرْشُ فَيَسْكُنَ شَوْقُهُ وَجَعَلَ تَسْبِيحَ هَذَا

ص: 150


1- . النساء، 79، 166؛ الفتح، 28.
2- . النساء، 33؛ الأحزاب، 55.
3- . النساء، 41.
4- . البقره، 143.
5- . ق، 21.
6- . الزلزلة، 4.
7- . الکلیني، الكافي، ج 2، ص523؛ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج4، ص397؛ الشعیري، جامع الأخبار، ص89.
8- . النور، 24.

الْمَلَكِ وَتَقْدِيسَهُ وَتَمْجِيدَهُ ثَوَاباً لِشِيعَةِ أَهْلِ بَيْتِكَ يَا مُحَمَّدُ».(1)

الرواية بحسب موازين علم الرجال لا يعتمد عليها ولکن ورد في زيارة الجامعة الکبيرة عن الإمام الهادي(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «خَلَقَكُمُ اللهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ».(2)

الحساب والعقاب بالنسبة إلی غیر المسلمین

السؤال: فلماذا يعاقب الله غير المسلمين هذا العقاب الشديد الأبدي في الآخرة بالرغم من أنّ تکذيبهم لا يضرّ وبالرغم من وجود عوامل کثيرة إلی جانب العقل تتحکّم في صياغة عقيدتهم مثل عقيدة الوالدين وتربيتهما وتأثير البيئة وهي اُمور لها تأثيرها اللا إرادي علی اعتقادات البشر والإنسان وإن کان مخيّراً في عمله، فهو مسير في خلقه ووجوده علی هذه الدنيا فلو احتجّ الإنسان يوم القيامة بأنّ وجوده لم يکن باختياره فما هو الردّ عليه؟

الجواب: الحساب والعقاب بالنسبة إلی کلّ العصاة حتّی الکفّار ليسا علی السواء، والله عالم بشرائطهم وحالاتهم الخاصّة من البيئة والتربية والاستعدادات النفسانية والعقلائية وغير ذلك ممّا يتکوّن به شخصيّة الأفراد، وليس الجاحد المعاند عنده کالمستضعف، فهو العالم الحاکم العادل الخبير البصير ولا يؤاخذ جميع الناس بجميع ذنوبهم، يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء.

ص: 151


1- . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص233؛ البحراني، البرهان، ج4، ص736؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 39 ص 79.
2- . الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج2، ص613؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج6، ص98؛ ابن المشهدي، المزار الکبیر، ص529؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص130.

الخلود في النار

السؤال: أرجو توضيح ما يدور بذهني وهو أنّ أحداً من الناس مقترف للمعاصي من کبائر مختلفة إلی حدّ موته فهنا هل أنّ هذا الإنسان يخلّد خلود أبديّ في النار أم أنّه يحاسب علی أعماله؟ ومن ثَمّ يُدخله الله جنّته؟ علماً أنّه مسلم، فهل هناك خلود له في النار أم عقاب علی الذنوب ومِن ثَمّ دخول الجنّة، هذا ولکم الشکر والتقدير.

الجواب: المستفاد من الأحاديث الشريفة هو أنّ المؤمن لا يخلّد في النار وإن کان من أهل المعاصي.

***

السؤال: هناك من يقول بأنّه لا يبقی في نار جهنّم خالداً فيها بعد العذاب إلّا ثلاثة عشر شخصاً فما صحّة هذا الکلام؟

الجواب: إذ الله تبارك وتعالی توعّد الکافرين بالخلود في النار وتوعّد غيرهم من المنافقين والقاتل مؤمناً متعمّداً وغيرهم. نعم لله أن يخلف وعيده إلّا أنّه لا يخلف وعده، ورحمته وسعت کلّ شيء. وأنّا لا علم لنا بالتفاصيل.

تضاعف السیّئات

السؤال: قال الله تعالی: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»،(1) فهذا صريح في أنّ السيّئة لا تضاعف، بينما أسمع من بعضهم أنّ السيّئات تضاعف في الأوقات الشريفة،

ص: 152


1- . القصص، 84.

کمثل: ليلة الجمعة ويومها أو شهر رمضان وليلة النصف من شعبان ويوم عرفة وغيرها؛ فماذا تقولون؟

الجواب: قال الله تبارك وتعالی: «جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا»،(1) نعم إن لزم من ارتکاب السيّئة هتك حرمة مکان معيّن أو شخص معيّن أو زمان معيّن تضاعفت السيّئة کما جاء في القرآن الکريم خطاباً لزوجات النّبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) «يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ»، (2) بارتکاب السيّئات إن هتکن حرمة زوجهنّ ولابدّ من حفظ مقامه الشامخ المقدّس.

***

السؤال: قال الله تعالی في سورة النجم: «أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَی * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفىَ».(3) وورد في بعض الأحاديث أنّ في يوم القيامة يقتصّ للمظلوم من الظالم أو للدائن من المدين فيؤخذ من حسنات المدين وتعطی للدائن وتؤخذ من سيّئات الدائن وتلقی علی المدين، وهذا يعني أنّ المدين سيتحمّل وزر ذنوب لم يکتسبها، وأنّ الدائن سيعطی عملاً لم يسع إليه؛ أليس في هذا مخالفة للآيات المذکورة؟

الجواب: لا منافاة بين الآيات الکريمة أصلاً؛ وقولك: «إنّ الظالم سيحمل

ص: 153


1- . الشوری، 40.
2- . الفرقان، 69.
3- . النجم، 36-41.

ذنوباً لم يرتکبها» غير صحيح؛ إذ هو بظلمه استحقّ هذه الذنوب وهذا الجزاء. والله ليس بظلّام للعبید ولکنّ الناس أنفسهم يظلمون.

توبة العاصي

السؤال: هل العاصون إذا تابوا في آخر عمرهم يدخلون الجنّة؟ وهل يوفّقهم الله إلی التوبة؟ وما تجب عليه إقامة الصلوات السابقة لمن لم يصلِّ؟

الجواب: العاصون إن انتبهوا إلی معاصيهم ولم يسوّفوا في توبتهم فالله تعالی يتوب عليهم إنّه هو التوّاب الرّحيم و «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»(1) ويجب عليهم المبادرة إلی قضاء الصلوات حتّی الإمکان ليغفر لهم الله الغفور الرحيم.

***

السؤال: أنا عندي سؤال حيّرني وأفکّر فيه، إذا أقدم شخص متزوّج أو غير متزوّج علی الفواحش والکبائر من سرقة وغيبة وربا وغيره ودام عليها وقتاً طويلاً، ثمّ عرف الله وتاب الله توبةً نصوحاً خالصةً لوجه الله تعالی واستسمح الّذين اغتابهم وردّ الّذي سرق وتخلّص من الربا والّذي بينه وبين الله من زنا وشرب وتقصير في صلاة تاب منه ولم يعد إليه، ولکنّه لم يُحدَّ، فهل الله تعالی يقبل توبته ويقبل عبادته مهما کثرت ذنوبه أو يمکن أن لا يقبل الله توبته وتکون عبادته مردودة؟ وهل الله ينجيه من عذاب القبر ومن دخول النار؟ وماذا عليه أن يعمل ليتلافی العذاب ويرضي الله سبحانه وتعالی؟

ص: 154


1- . الکلیني، الکافي، ج2، ص435؛ الصدوق، عیون أخبار الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ج2، ص74؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج16، ص75.

الجواب: إنّ الله تعالی يقبل التوبة من عباده ويعفو عن کثير وهو الّذي فتح باب التوبة لعباده العاصين، فإن علم منه صدق التوبة تاب عليه وبدّل سيّئاته حسنات وهذا من أعظم النعم. بقي هنا أمر الحدود فهي لا تسقط بالتوبة إذا ثبتت عند الحاکم الشرعيّ الجامع للشرائط. نعم إن لم يقم عليه الحدّ فأمره مُرجًی إلی ربّه.

حقّ الناس

السؤال: هل يغفر الله حقوق الناس يوم القيامة؟

الجواب: حقوق النّاس لا تغفر إلّا بأدائها لأصحابها أو لورثتهم أو عفوهم عن المدين بنيّة صادقة.

عقبات یوم القیامة

السؤال: نودّ أن توجزوا لنا ملخّصاً لعقبات القبر وما الوسيلة للمرور بها بسلام. حفظکم الله وسدّد خطاکم؟

الجواب: راجعوا في ذلك کتب الأدعية والمواعظ وفي اعتقادات الصدوق أنّ في يوم القيامة عقبات؛ کلّ واحدة منها باسم تکليف من التکاليف کالصلاة والصوم و...(1) وقال أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ، فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً، وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً، لَابُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَاحِظَ الْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ ]دَائِبَةٌ[، وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ

ص: 155


1- . الصدوق، الاعتقادات، ص71-72.

نَشِبَتْ فِيكُمْ، وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الْاُمُورِ وَ]مُضْلِعَاتُ[ مُعْضِلَاتُ الْمَحْذُورِ، فَقَطِّعُوا عَلَائِقَ الدُّنْيَا وَاسْتَظْهِرُوا بِزَادِ التَّقْوَى».(1)

ص: 156


1- . نهج البلاغة، الخطبة 204 (ص321).

عقائد متفرّقة: الکتب المناسبة لتحصیل العقائد الصحیحة

اشارة

السؤال: أودّ أن أدرس العقائد ولكنّي متحيّر في مسألة الكتاب المناسب والاُستاذ المناسب؛ أي بتعبير آخر محتاج لنصيحتکم في مسألة اختيار الكتاب والاُستاذ المناسب الثقة التقيّ. جزاكم الله خير الجزاء ونسألكم من صالح دعواتكم.

الجواب: راجعوا كتاب الحقّ اليقين وسائر الكتب العقائدية للمرحوم المبرور المغفور له العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه.

***

السؤال: اُريد أن اُغيّر مذهبي من سنّي إلى شيعي، فأرشدوني؟

الجواب: نهنّئك على إرادتك ونرجو لك التوفيق، وبذلك تخرج من الظلمات إلى النور، وتسلك السبيل السويّ والصراط المستقيم، ويكون اتّباعك للسنّة حقيقياً. وعليك أن تهتمّ بمزيد العلم والمعرفة بمطالعة الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع وحضور المجالس الدينية، لأنّ حقيقة التشيّع الفقه والفهم. والحمد لله

ص: 157

الّذي هدانا وإیّاك لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وإنْ أعوَزتْك تلك الكتب فعليك بمراجعة الإخوة عبر موقع الإنترنت.

اعلم أنّ شيعته هم الفائزون ولا يجوز أحد الصراط إلّا من کَتبَ له عليٌّ الجوازَ(1) ولم یرد في حقّ عليّ والتأکيد علی ولايته والاقتداء والاقتفاء به وبالأئمّة الاثني عشر الّذين هو أوّلهم وقد نصّ عليهم رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في کتب القوم، فمثل أحمد روی في مسنده فقط عن جابر بن سمرة من أربع وثلاثين طريق.(2) فما ظنّك بسائر طرقه وغيره من الأحاديث المتواترة. جعلك الله وإيّانا من شيعتهم ومحبّيهم والفائزين بولايتهم.

اعتبار کتب حدیث الشیعة

السؤال: ما رأي سماحتكم في كتابي الكافي وبحار الأنوار أو غيرهما من كتب الأحاديث؟ وهل عند الشيعة الإمامية الجعفرية كتاب صحيح غير القرآن؟

الجواب: لا يقاس بالقرآن الكريم في الشأن غيره من الكتب أيّاً كان، فإنّه برهان النبوّة الخاتمة وبرهان إثبات النبوّات السالفة كتاب الله الحميد المجيد، وأمّا كتب الأحاديث فلكلّ منها شأنه الباهر واعتباره الخاصّ، فالكتب الأربعة الّتي عليها المدار: الكافي والفقية والتهذيب والاستبصار، والمجاميع المتأخّرة: الوسائل ومستدركه والوافي والبحار وغيرها، فهي جامعة لجلّ المسائل والأحكام الشرعيّة

ص: 158


1- . الطبري، ذخائر العقبی، ج1، ص 343، 584؛ الطبري، الریاض النضرة، ج3، ص 137؛ القندوزي، ینابیع المودّة، ج2، ص 440؛ ج3، ص 230.
2- . أحمد بن حنبل، مسند، ج5، ص 85 108.

لولا الكلّ. وأمّا اصطلاح كلمة (الصحيح) وإطلاقه على الكتاب يختلف باختلاف المصطلحات والكتب الأربعة الّتي سبق ذكرها، فهي معتبرة ومعتمدة ومرجع لجميع الفقهاء وإن وجد فيها قليل من الروايات الّتي لا يطلق عليها الصحيح حسب بعض الاصطلاحات فهو غير مضرّ، إذ هذا القليل أيضاً صحيح باصطلاح آخر، والاطّلاع على ذلك منها بحاجة إلى مراجعة كتب الحديث الشريفة والدراية. وأمّا مثل موسوعة بحار الأنوار فلها أيضاً شأنها الخاصّ وإن لم تطلق عليها كلمة (الصحيح) إلّا أنّها جامعة لصحاح الأخبار ولغيرها، فهي موسوعة كافية جامعة لم يؤلّف مثلها، شكر الله مساعي جميع العلماء الأعلام.

المقصود من الصراط المستقیم في الروایات

السؤال: ما هو المقصود من الصراط المستقيم الّذي نسمع عنه في الكثير من الروايات والأحاديث يوم القيامة؟

الجواب: الصراط المستقيم يطلق على أقصر مسافة بين شخصين مبدأ ومنتهى، فيطلق على دين الله تعالى الّذي هو الإسلام وعلى ولاية أمير المؤمنين والأئمّة الأطهار(علیهم السلام)، وعلى الحبل الممدود بين الجنّة والنّار الّذي عليه الناس يوم القيامة.

المداومة علی قراءة حدیث الکساء

السؤال: هل تنصحوننا بقرائة حديث الکساء الشريف والمداومة عليه أو ترکه وعدم الاهتمام به کما يقول بعض المشکّکين؟

الجواب: نعم، أنا أقرأه واُحبّ المداومة عليه والتبرّك به، استلذّ منه اللذّة

ص: 159

المعنوية والنشاط الولائي. جعلنا الله وإيّاکم من شيعة أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) المخلصين ومن شيعة أولاده الأئمّة الطاهرين ورزقنا شفاعة سيّد المرسلين وابنته سيّدة نساء العالمين سلام الله عليهم أجمعين.

إظهار الحزن والبکاء علی أهل البیت(علیهم السلام)

السؤال: ما هو رأي سماحتكم فى إظهار الحزن والبكاء على محمّد وأهل بيته الطاهرين(علیهم السلام)؟

الجواب: قد ثبت بالأحاديث المتواترة القطعية رجحان إظهار الحزن والبكاء على مصاب أهل البيت(علیهم السلام) سيّما مولانا سيّد الشهداء أبي المجاهدين والأحرار وأعظم الثائرين على الظلمة والمستكبرين عليه الصلاة والسلام واستحبابه مؤكّد جدّاً حتّی كاد أن يُلحق بالواجبات، والإجهار به محبوب مرغوب فيه، وقد جرت عليه سيرة الأئمّة(علیهم السلام) وشيعتهم وكلّ من يحبّ أهل البيت(علیهم السلام) حتّی أنّ الغالب في أدبهم وأشعارهم يتضمّن معاني عميقة وأسراراً عجيبة من التعابير الّتي حفظت مفاهيم المذهب وساهمت في إعلاء أمر العترة الطاهرة وتعظيم نصرة الحقّ والتضحية بالنفس والأولاد والأعزّة لحفظ الإسلام ولتحطيم الظلم والاستعلاء.

ولا يُشترط في إقامة مجالس العزاء لكسب الثواب والأجر والتقرّب إلى الله تعالى ورسوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بها إن شاء الله شكل معيّن ولا طريقة مخصوصة، وما يؤتى به في صورتها المشروعة المقبولة المنزّهة عن إرتكاب المحرّمات يقع محبوباً وراجحاً، وكلّ ما كان منها أوقع في النفوس، ودعوة الناس

ص: 160

إلى هذه المواريث الأخلاقية الحسينية العالية أرجح وأحبّ عند الله تعالى، ولا شكّ أنّ مظاهر مثل هذه الشعائر تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والعادات والرسوم فمثل تعزية المصاب الّتي هي من المستحبّات تؤدّى بكلّ صورة عرفية للعزاء والمصاب. نعم يجب أن لا يكون ذلك بفعل محرّم أو عمل يوجب نقض الأغراض العالية الملحوظة في مثل هذا الشعار.

إذاً فلا فرق بين أن يُقام هذا الشعار بصورة تعارفت في عصر الأئمّة(علیهم السلام)، أو يقام بالبكاء وإظهار الحزن وإلقاء المراثي أو إنشادها، أو قراءة المقاتل وإقامة مجالس التعزية في المنازل والحسينيات والتكايا وسائر الأماكن المناسبة والحضور فيها وبتعطيل الأسواق والمؤسّسات الرسميّة وترك المشاغل في مثل يوم عاشوراء وتاسوعاء، وحركة هيئات العزاء والمواكب في الشوارع، ونصب أعلام المآتم والعزاء على دروب المارّة وغيرها ممّا يعرفها المحبّون لأهل البيت(علیهم السلام).

معرفة اُصول الدین والفروع الفقهیة من خلال القضایا التاریخیة

السؤال: هل يمكننا معرفة اُصول الدين والفروع الفقهية والأحكام الشرعية من خلال القضايا التاريخية فحسب؟

الجواب: الاطّلاع على القضايا التاريخية الإسلامية ممّا هو مربوط بالعقائد يعرف طائفة منها من التاريخ الصحيح. وأمّا المفاهيم والاصطلاحات المربوطة باُصول الدين والفروع والأحكام بالتفصيل فلا يحصل العلم بها للشخص إلّا بتعلّم العلوم الحوزويّة.

ص: 161

نظریة الإسلام في الدنیا

السؤال: هل الدنيا محبّبة إلى الشارع المقدّس؟ وكيف يمكن التوفیق بين من يقول: إنّ الإسلام دين ودنيا، وبين من يقول: إنّ الإسلام لا يدعو الناس إلى الدنيا؟

الجواب: تارة يقال الدنيا ويراد منها ما هو المطلوب بالذات لمحبّي الرئاسة والترف والبذخ والتجمّل والتكاثر فينظرون إليها وإلى نعيمها نظر البهائم، لا يفهمون ولا يدركون منها إلّا ما يفهم الأنعام منها، فيريد طالبها أن تكون له دار وسيعة مزخرفة بالجواهر، ومراكب جميلة غالية، وجاه ورئاسة وعلوّ على عباد الله واستضعافهم واستحقارهم واستغلالهم، فهذه الدنيا ملعونة مذمومة ومن يحبّها ملعون مذموم، فملعون من ترأّس وملعون من يحبّ الرئاسة، وملعون من حدّث بها نفسه، وحبّ هذه الدنيا رأس كلّ خطيئة،(1) وهي الّتي قال الله تعالى عنها: «إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»؛(2) وقال عزّ اسمه: «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ...»،(3) وقال في حقّ أهلها: «يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ».(4)

وخاطبها مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بقوله: «إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ».(5)

ص: 162


1- .[1] الکلیني، الکافي، ج2، ص 315، 317؛ ج8، ص 141.
2- . محمّد، 36.
3- . یونس، 24.
4- . الروم، 7.
5- .[1] نهج البلاغة، کتاب 45 (ص 419)؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 292.

وقال: «يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لَا حَانَ حِينُكِ غُرِّي غَيْرِي لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ لِي فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ وَأَمْلُكِ حَقِيرٌ». (1)

وهذه هي الدنيا الّتي ذمّتها رسالات السماء ورغّبت الناس بتركها ورفضها، فلم يرغب فيها نبيّ، ولا وليّ.

وتارةً يقال: الدنيا ويراد بها ابتغاء فضل الله تعالى وطلب الحلال والاستغناء عن الناس وعمران الأرض، والتوسعة على الخلق وعزّة الإسلام وقدرة المسلمين وشوكة الدين الحنيف، والنجاة من ذلّ الحاجة والسؤال، وحفظ كرامة النفس، وخلاص الناس من المضايق وإعداد ما يُرهب أعداء الله ورسوله ويدافع به عن نواميس الإسلام، وتحصيل الاستقلال الاقتصادي و.... فهذه الدنيا محمودة مطلوبة قد رغّب إليها الإسلام، وجعل طلبَها من أفضل العبادات.

إنّ تحصيل هذه الدنيا بالعمل والتجارة والزراعة والصناعة مأمور به، ففي الحديث: «لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ جَمْعَ الْمَالِ مِنْ حَلَالٍ فَيَكُفَّ بِهِ وَجْهَهُ وَيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ».(2)

وفي حديث آخر: «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا اسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ وَتَعَطُّفاً عَلَى الْجَارِ لَقِيَ اللهَ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».(3)

ص: 163


1- .[2] نهج البلاغة، الحکمة 76 (ص480 481)؛ اللیثي الواسطي، عیون الحکم والمواعظ، ص556557؛ الآمدي، تصنیف غرر الحکم، ص144.
2- . الصدوق، ثواب الاعمال، ص180.
3- .[1] الصدوق، ثواب الأعمال، ص181؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج100، ص8.

وما ظنّك بمن يريد من طلب الدنيا والاشتغال بأنواع الحِرَف والصنائع استغناء المسلمين عن الكفّار؟ فذلك أعظم أجراً، لأنّه لا يقام الدين وأعلامه وعزّه إلّا بهذه الدنيا، فينبغي لطالب هذه الدنيا بهذه النيّة القُربيّة الخالصة، أن يطلبها أشدّ وأكثر من غيره، ممّن يريد الدنيا للأغراض الفاسدة الدنيّة.

فطلب الدنيا بالقصد الأوّل موجب للفشل والخصومة والاستعلاء وشيوع الخلاعة والدعارة وغير ذلك من المفاسد، وطلبها بالمعنى الثاني موجب لفعل الخيرات وبناء المساجد والمستشفيات وتهيئة العدد والعدّة لنصرة الإسلام. قال الله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»،(1) في هذه الدنيا يقول أمير المؤمنين الّذي أكثر الذمّ للدنيا بمعناها الأوّل: «اَلدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَدَارُ غِنًی لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ وَمُصَلَّی مَلَائِکَةِ اللهِ وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ وَمَتْجَرُ أَوْلِیَاءِ اللهِ، اکْتَسَبُوا فِیهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِیهَا الْجَنَّةَ ...». (2)

نعم أصل الشهوة والغضب والميل إلى إعمال الغرائز الحيوانية لا يحتاج إلى الترغيب إليه، فإنّ النوع مائلون إليها بالذات إلّا أنّ هداية الناس فيها وفي جميع اُمور الدنيا إلى المناهج الصحيحة يحتاج إلى هداية الرسل وتشريعات الأنبياء، ولذا ترى أنّ الإسلام يرغّب العزّاب بالزواج، فيقول: «مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أَحْرَزَ نِصْفَ دِينِهِ فَلْيَتَّقِ

ص: 164


1- . الأنفال، 60.
2- . نهج البلاغة، الحکمة 127 (ص493)؛ الشریف الرضي، خصائص الأئمّة، ص102؛ المفید، الإرشاد، ج1، ص296؛ الحلواني، نزهة الناظر، ص66.

اللهَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي»(1) أو «ثُلُثَيْ دِينِهِ فَلْيَتَّقِ اللهَ الْعَبْدُ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي».(2) فالإنسانية تحتاج إلى هدایته في جمیع اُموره الدنيويّة والاُخرويّة، فيصحّ أن يقال: إنّ الدعوة للدنيا أي لأصلها خارجة عن قصد النبوّات، لأنّ الإنسان مفطور على طلبها مضطرّ إليه، ولكن من أهداف الأنبياء هداية الناس إلى العدل والقصد في إعمال هذه القوى حتّی لا يقعوا في جانب الإفراط أو التفريط في إعمال هذه الغرائز أو تركها، فلا يحتاج الإنسان كسائر الحيوانات إلى ترغيب في أكل وشرب وكلّ ما هو مفطور عليه ومضطرّ إليه إلّا أنّه محتاج إلى هدايته لما هو الصلاح له في كيفيّة الاستفادة من هذه الغرائز وإعمال كلّ واحد منها على ما ينبغي، وهذا باب واسع، تكفّل ببيانه علم الأخلاق الإسلامي وعلم النفس إلّا أنّه لا يهتدي أحد به إلّا بالاستمداد من رسالات الأنبياء، فإنّ الله تعالى هو خالق هذا الإنسان وخالق غرائزه، وهو العارف بصلاحه فيما يرتبط به. إذاً فلا منافاة بين القولين؛ قول من يقول: إنّ الإسلام دين ودنيا، وقول من يقول: إنّ الإسلام لا يدعو الناس إلی الدنيا.

التشکیك في العقائد الإسلامیة الثابتة بحجّة عدم توافقها مع العقل

السؤال: ما هي النصيحة الّتي تقدّمونها إلى المشكّكين في بعض العقائد الإسلامية الثابتة، بحجّة عدم توافقها مع العقل والتفكير البشري؟

ص: 165


1- . الطوسي، الأمالي، ص518؛ الشعیري، جامع الأخبار، ص101؛ الطبرسي، مکارم الأخلاق، ص196.
2- . المغربي، دعائم الإسلام، ج2، ص190؛ الراوندي، النوادر، ص12؛ المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج14، ص149.

الجواب: نصيحتي لهؤلاء أن لا يغترّوا بعقولهم وما كسبوه ممّا يسعون إليه بالعلم فما وصل إليه البشر الّذي يسمّيه بالعلم هو أقلّ بكثير ممّا لم يصل إليه من الحقائق والموضوعات، وهو أيضاً كقطرة من بحر لجّيّ، وما يراه موافقاً لعقله وأفكاره لعلّه يراه كذلك لقصر فكره. قال الله تبارك وتعالى: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ»،(1) و «وَمَا اُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ».(2)

بعض شبهات الوهّابية حول اُصول الدین والفروع الفقهیة

السؤال: 1. ما حکم الّذي يقول: إنّ القرآن الّذي بين يدينا ناقص؟ 2. ما حکم الّذي ينسب بعض صفات الله تعالی إلی أحد من البشر کنسبة إدخال الجنّة إلی من يرضاه عليّ وإدخال النار إلی من عصی عليّ؟ 3. ما حکم الزنا الملّفق (الّذي تسمّونه زواج المتعة) ولماذا حلّل علماؤکم ذلك بالإضافة إلی اللواط واللعب مع الغلمان والتفخيذ للصغيرة من البنات والوطي في الدبر... وأنتم تعلمون أنّ رسول الله صلّی الله عليه وسلّم حرّم ذلك؟

الجواب: 1. القول بتحريف القرآن وأنّه ناقص، ليس من قول جمهور الشيعة والمسلمين ولو فرض قائل به منهم فإنّما هو لشبهة أوجدتها بعض الروايات عنده، وهذه الروايات کما توجد في بعض الکتب الشيعيّة، موجود مثلها بل أکثر في کتب السنّة وصحاحهم. والعجيب أنّها تسند القول بالتحريف إلی کبار

ص: 166


1- . يوسف، 76.
2- . الإسراء، 85.

الصحابة کعمر وعائشة وأبي هريرة وغيرهم. فما تقوله من جواب بالنسبة لهم، فقله لغيرهم.

2. لا يقول أحد من الشيعة بأنّ عليّاً(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، له صفات الله، بل يقولون بأنّه يدخل الجنّة أو النار من کان أهلاً للجنّة أو النار بإذن الله تعالی؛ فهو قسيم الجنّة والنار بإذنه تعالی، کما ورد في ذلك روايات متعدّدة في کتب الفريقَين.

3. المتعة ليست زناً ملفّقاً، وهي الّتي اتّفق المسلمون علی أصل مشروعيّتها ولو لفترة معيّنة في حياة الرسول، أفهل يحلّ الرسول الزنا، ولو لفترة معيّنة؟ حاشاه من ذلك. ولا تسمّ شيئاً ثبت أصل تشريعه بالزنا الملفّق وقد فعله بعض أصحاب الرسول في زمان رسول الله وزمان أبي بکر وفترة من زمان عمر لرأي ارتآه، وما له في ذلك من حقّ وکيف تسمّي شيئاً عدّه الله بأنّه من الطيّبات، بالزنا وهو من الخبائث، فانظر ما جاء في صحيح البخاري ومسلم وکيف طبّق ابن مسعود، آية «لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ»،(1) علی المتعة. (2)

وما ذکرتَه من اُمور إمّا لا يقوله الشيعة، بل هو تقوّل منك عليهم کاللواط واللعب مع الغلمان، وإلّا فاذکر لنا واحداً منهم يقول بذلك؟ وما هي کتبهم تحرّم ذلك وتعاقب عليه؟

وإمّا أنّه غير محرّم کالاستمتاع بالصغيرة، المعقود عليها، بما دون الجماع. فأين دليلك علی الحرمة؟ أو أنّه مسألة خلافية بين جميع الفقهاء کوطي المرأة في الدبر فإنّ من الشيعة من أحلّه ومنهم من حرّمه وکذلك السنّة؛ منهم من أحلّه ومنهم

ص: 167


1- . المائده، 87.
2- . البخاري، صحیح، ج5، ص 189؛ المسلم النیسابوري، صحیح، ج 4، ص 130.

من حرّمه. بل فيهم من العلماء من فعله، کالنسائي، فراجع التذکرة للذهبي(1)، وعمل قوم لوط کان بين الرجال، وليس بين الرجال والنساء. (2)

معنی الإسلام

السؤال: معنى الإسلام في اللغة هو الانقياد والاستسلام، أمّا الشرع فقد استعمله في معانٍ شتّى، منها المسلم الأخلاقيّ السلبي الّذي أشار إليه النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». ومنها المسلم العامل الإيجابي قال الرسول الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) في جواب من سأله أيّ الإسلام خير: «إطعام الطعام، وإفشاء السلام». وقال: «ثلاث من كنّ فيه فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام، والإنفاق من الإقتار».

فإنّ في غير المسلمين من يكفّ أذاه عن الناس أجمعين، لا عن المسلمين فقط، وقد سمعنا، وقرأنا عن أفراد من الهندوس بلغوا الغاية في المسالمة، حتّی لمن اعتدى عليهم. كيف يحاسب المسلم المخالف لذاك وغير المسلم المتّبع لذاك؟

الجواب: إنّ الله سبحانه وتعالى لا يضيع عمل عامل من ذكر واُنثى إلّا أنّ بعض الأشخاص ومنهم الكفّار المحسنون يعطون أجرهم في الدنيا فقط بقوله عزّ من قائل: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ»،(3) فالله تبارك وتعالى ينعّم عليهم بالمال والعزّة

ص: 168


1- . الذهبي، تذکرة الحفّاظ، ج2، ص 699.
2- . راجع: الأعراف، 81؛ النمل، 55؛ العنکبوت، 29.
3- . هود، 15.

والصحّة والعافية والأمن والأمان والأولاد، وليس لهم في الآخرة من نصيب. والله العالم.

اتّباع أهل العرفان

السؤال: كنت أحضر مجالس حسينية وفي أحد الأیّام قالوا: إنّ هناك شيخ من أهل العرفان فذهبنا لمحاضرته ، وبعد المحاضرة جلسنا فلم أقدر أن أُبعد ناظري عنه، فسألته أن يدعو لي فلم يهتمّ كثيراً إذ أنّه دعا لغيري من قلبه، قالوا: إنّه يرى أهل المعصية بأشكالهم يوم المحشر، وأنا كلّما أتذكّر أنّه أعرض عنّي؛ يصيبني حزن شديد هل أنّه رآني بصورة حيوان؟ وإنّي أعمل ما بجهدي للوصول إلى أهل العرفان لكي أكون مثلهم إن شاء الله تعالى، فكيف أكون واحداً منهم؟ إنّي في ضيق من أمري، قال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ»،(1) هل من طريقة أتّبعها لرؤية العرفان، فإن أبي يقول لي: ادرس علوم الدين. ما هو رأي سماحتكم؟

الجواب: لا اعتبار بذلك ولا تعتمد على دعواه، فكن واثقاً بالله تعالى ورحمته ومغفرته تائباً من الذنوب، عاملاً بالفرائض، تاركاً للمحرّمات، فليس وراء ذلك شيء من الحقيقة.

الشیخیة

السؤال: 1. هل يجوز التعبّد بمذهب الشيخية (الركنية والكشفية)؟

ص: 169


1- . النحل، 43؛ الأنبیاء، 7.

2. هل يجوز تقليد علمائهم حسب ما يدّعون بأنّهم يقلّدون الشيخ محمّد خان الإبراهيمي الموجود في طهران؟

3. هل يجوز الصلاة خلفهم؟

4. هل يجوز الزواج منهم وتزویجهم من المؤمنات؟

الجواب: لا يجوز التعبّد بالمذاهب المذكورة، ولا تقليد علمائهم في الأحكام الشرعية، ولا الاقتداء بهم في الصلاة. وأمّا الزواج من نسائهم جائز ما لم يترتّب عليه الإخلال بالمذهب ويجب إرشادهنّ إلى المذهب الحقّ بعد الزواج، ولا يجوز تزويجهم من النساء المؤمنات. والله العالم.

ص: 170

القسم الثاني: الأخلاق والمواعظ

اشارة

ص: 171

ص: 172

إیّاکم وتشويه الدين

السؤال: كثيراً ما نرى رسائل تصلنا عن طريق الجوّال أو المنشورات، فعن طريق الجوّال تكون: «اللّهمّ عجّل فرج وليّك» أرسلها إلى عشرة أشخاص وستقضی جميع حوائجك بإذن الله، فما مدى صحّة ذلك؟

الجواب: إنّ الأدعية والأذكار الشريفة لا تخلو من آثار طيّبة؛ إلّا أنّا إذا لم ترد عن أهل البيت(علیهم السلام) فلا يجوز الإتيان بها بعنوان الورود والاستحباب الخاصّ، ولا يجوز لأثر دعاء خاصّ، القول بغير علم وغير طريق معتبر.

فلسفة بعض المصائب والبلایا

السؤال: في البداية اُحبّ أن أشکرکم علی فتح هذه الزاوية لکي يتسنّی للناس التعبّر عن تساؤلاتهم الّتي لا يجدون لها تفسيراً ولا يملکون إلّا التوجّه إلیکم والاستعانة بعلمکم وخبرتکم، ولکم منّا جزيل الشکر والامتنان.

أودّ طرح هذا التساؤل العلنيّ أجد الدواء علی أيديکم. ما السبب في تتالي المصائب في وقت واحد مع عدم مقدرة الإنسان علی تحمّلها وقد يصل لحالة العجز عن إدارة حياته هل هو امتحان من الله أو قد يکون بسبب الحسد أو سبب آخر مجهول؟ فهل يستطيع الإنسان معرفة السبب أو لا؟ وإذا عرفه هل يستطيع

ص: 173

أن يعالج الأمر؟ مع العلم بعدم تخلّي هذا الشخص عن دفع الصدقات وقراءة المعوّذتين وآية الکرسيّ.

إیّاکم وتشويه الدين

أنا سيّدة تعرّضت لظروف فيّ غاية القساوة حتّی أنّني فقدت قواي ولا أدري من أيّ الدواحي أبداً فقد تعرّضت اُمّ زوجي لجنطة حادّة ولم نکاد نعالجها حتّی تعرّض ابنها (زوجي) لجنطة في القلب وما کدنا أيضاً نتعافی ممّا أصابنا إلّا وقد وقع زوج اُختي نتيجة تعرّضه لمرض ورم خبيث بالمخّ وکلّ هذا ولنا راضیة بقضاء الله وقدره فلا حول ولا قوّة إلّا به تعالی، لکنّي أتسائل کيف أدفع البلاء عن عائلتي وکيف أستطيع تخفيف ما نحن فيه؟ أنا في أمسّ الحاجة لمساعدتکم وعولکم فحالتي لا يعلمها إلّا الله ولا شکوی إلّا إليه سبحانه، وأنا أحتاج لمن يرشدني لکيفيّة التخلّص من هذا الحال الّذي يقودني للانهيار دون أن أستطيع عمل شيء فبيتي ينهار وأنا أرجوکم مساعدتي سائلةً المولی أن يمنّ عليّ وإیّاکم بالصحّة والعافية.

الجواب: اُختي الکريمة، إنّ البلايا والمشاکل إمّا هي نتيجة أعمالنا السابقة ويريد الله سبحانه بذلك تطهيرنا من المعاصي والذنوب، فلا ينبغي حينئذٍ الجزع والفزع لأنّ تکفيرها في الدنيا أهون من الآخرة.

قال تعالی: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ».(1)

وفي الکافي في هذه الآية عن الإمام الصادق(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قال: «لَيْسَ مِنِ الْتِوَاءِ عِرْقٍ وَلَا نَكْبَةِ حَجَرٍ وَلَا عَثْرَةِ قَدَمٍ وَلَا خَدْشِ عُودٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَمَا يَعْفُو اللهُ

ص: 174


1- . الشوری، 30.

أَكْثَرُ، فَمَنْ عَجَّلَ اللهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عُقُوبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ».(1)

وإمّا هي بلاء وامتحان يريد سبحانه بذلك ارتقاءنا إلی الدرجات السامية إن صبرنا عليها. وفي الکافي أيضاً عنه(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، أنّه سئل «أَ رَأَيْتَ مَا أَصَابَ عَلِيّاً وَأَهْلَ بَيْتِهِ(علیهم السلام) مِنْ بَعْدِهِ هُوَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ

وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ طَهَارَةٍ مَعْصُومُونَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كَانَ يَتُوبُ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ إِنَّ اللهَ يَخُصُّ أَوْلِيَاءَهُ بِالْمَصَائِبِ لِيَأْجُرَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ».(2)

فعليك بالصبر فإنّه مفتاح الفرج وإنّ الله مع الصابرين. واعلمي کما في الخبر بأنّ الله جعل في الکره للمؤمنين خيراً کثيراً، فما من حادثة إلّا وللمؤمن فيها خير.

والواجب علينا أداء الوظيفة من الواجبات الإلهيّة وحقوق الناس والعمل بما يرضيه. وأمّا النتيجة والحوادث فلسنا بمکلّفين بها فلا تهتمّين بأزيد من ذلك. وعليك بقراءة دعاء التوسّل بالمعصومين(علیهم السلام)، وزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء، ونسأل الباري تعالی لك ولأهلك الصحّة والعافية والشفاء العاجل والأمان من الفتن.

الدعاء المأثور والاستجابة

السؤال: أرجو من سماحتكم توجيهي لدعاء سريع الإجابة، مع رجائي الخاصّ لسماحتكم بأن تدعو لي بقلوبكم الطاهرة؟

ص: 175


1- . الکلیني، الکافي، ج2، ص445.
2- . الکلیني، الکافي، ج2، ص450.

الجواب: أسأل العليّ القدير أن يقضي حاجتك المهمّة بفضله وكرمه إذ قال: سبحانه: «اُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ»،(1) فالداعي لابدّ له من الإخلاص والتوجّه إليه خاصّة والإنقطاع عن غيره، وعندئذ كلّ دعاء مأثور في الكتب الخاصّة مستجابة إن شاء الله تعالى ونسألك الدعاء أيضاً، والله سميع الدعاء وسريع الإجابة.

الصداقة ورابطة الأصدقاء

السؤال: كوّنت رابطة صداقة مع شخص في الله تعالى، وقامت على أساس الالتزام وتطبيق قواعد القرآن وحديث الأئمّة(علیهم السلام)، وبعد أن أصبحت الصداقة قويّة جاء أخ هذا الصديق العزيز وطلب من أخيه أن لا يصادقني، لأنّي أكبر منه سنّاً، مع أنّ أعمارنا متقاربة ولا أكبره إلّا بسنتين، وكان يقول لأخيه: إنّه ربّما یشغلك عن الدراسة رغم أنّني أُشجّعه عليها مع أنّنا لا نتّفق مع توجّهات هذا الأخ ولكنّه يؤثر على أمّه بشكل ما، فماذا تنصحونا؟

الجواب: ممّا أمر به في ديننا الحنيف التحابب والتجاذب: «كُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً»(2) و«أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللهِ والْبُغْضُ فِي اللهِ».(3) أوّلاً: أُكبر فيك هذه الروح الخيّرة المهتمّة بأمر الدين فاشكر الله على نعمه وآلائه واسلك السبيل الّذي يهديك إلى الصراط السويّ وتقوى الله تعالى، فما عليك من أخ صديقك إلّا دفع الشبهة عن نفسه بالّتي هي أحسن، والله الموفّق والمعين.

ص: 176


1- . غافر، 60.
2- . المجلسي، بحار الأنوار، ج73، ص38؛ المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج9، ص49، 97، 118.
3- . البرقي، المحاسن، ج1، ص264؛ الکلیني، الکافي، ج2، ص126؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص362؛ قطب الدین الراوندي، الدعوات، ص28.

الوصول إلی الکمالات برهان الأعمال الصالحة

السؤال: كيف يجعل الإنسان نفسه من ذوات النفوس المطمئنّة، وما هي الأعمال الّتي تجعل القلوب لا تخشی غير الله؟

الجواب: الوصول إلى الكمالات الإنسانية والدرجات الرفيعة مرهون بأعمال الإنسان ونواياه؛ فمن أتى بالفرائض وترك المحرّمات والمشتبهات وجاء بالمستحبّات بقدر الإمكان خصوصاً النوافل وترك المكروهات بقدر وسعه وصدق نواياه وأخلص لله تعالى تعيّنه على أن يصل إلى ما تمنّاه من الكمالات، وممّا يوجب اليقين التفکّر في آلاء الله وآياته فإنّه يوصل العبد إلی کلّ مقام.

التوبة عن الاستمناء

السؤال: عندي أحد الأصدقاء المؤمنين الّذين يدرّسون القرآن للأطفال، ويحضرون في صلاة الجماعة في المساجد، ولكن بعد دخوله الجامعة للدراسة أخذ يتأثّر بوجود الفتيات غير المحتشمات ممّا جعله يمارس العادة السرّيّة عند رجوعه إلى البيت فما هو الحلّ المناسب لترك هذه العادة؟

الجواب: الاستمناء عمل شنيع محرّم شرعاً وتجب التوبة منه، ومع توفّر الشرائط يجب عليه الزواج ولو انقطاعاً، والصيام يميت الشهوة: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى».(1)

ص: 177


1- . النازعات، 40-41.

***

السؤال: أحد صديقاتي الفتيات شاهدت بعض الأفلام الجنسيّة عدّة مرّات ونصحتها بعدم رؤية ذلك وحرمته المؤكّدة في الشريعة، وقد أبعدت أجهزة الفضائيات عن نفسها لكنّها يراودها شعور دائماً بمشاهدة تلك المناظر الخليعة، فعند ما تختلي مع نفسها تمارس العادة السرّيّة، ثمّ ترجع إلى نفسها وتتوب، وهكذا أخذت تعاني من هذه الظاهرة القبيحة ثمّ ترجع إلى الله بالتوبة حتّی وعدتني أن تترك هذه العادة الخبيثة فهل إذا تابت سيتوب الله تعالى ويرضى عنها، فأرجو المساعدة؟

الجواب: التوبة من كلّ ذنب سواء كان صغيراً أو كبيراً مطلوبة عند الله ومأمور بها قال عزّ من قائل: «تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً»،(1) وقوله: «إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً»،(2) و «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».(3) فليکن التوبة نصوحاً ويکون التائب عازماً جدّاً علی ترك الذنب.

اغتنام الفرص في حياة الشباب

السؤال: لفت انتباهي أنّ الكثير من الشباب يهتمّون ويستغرقون بالقصائد الأدبيّة الغزليّة إلى حدّ الإسراف، وهذا ما يؤدّي إلى تمييع الفكر وتهميشه عن الواقع وهذا ما يريده الغرب من شبابنا لإلهائهم في الإسراف في هذه المسائل، وتناسي قضايا الاُمّة المصيرية، وممّا يؤسف له أنّ البعض منهم يبرّر هذا العمل بالقول: إنّ الشباب

ص: 178


1- . التحریم، 8.
2- . الزمر، 53.
3- . الکلیني، الکافي، ج2، ص435؛ الصدوق، عیون أخبار الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ج2، ص74؛ الطبرسي، مکارم الأخلاق، ص313؛ ورّام بن أبي فراس، مجموعة ورّام، ج2، ص223؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج16، ص75.

يميل بطبعه إلى الترفيه والغرام بقصائد الغرام للابتعاد عن الهموم، فما يقول سماحتكم في هذا الخصوص؟

الجواب: لا إشكال في أنّ استغراق الشباب في القصائد الغزلية إتلاف للعمر فيما هو غير مثمر للسعادة الإنسانية المأمور بها شرعاً وعقلاً، إن لم نقل بإضراره للجهة المطلوبة للإنسان المسلم وهو كذلك، فالجدير بالشابّ العاقل صرف عمره الثمين فيما هو نافع لدنياه وآخرته ممّا أوصی به رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أن يغتنمه الشباب.

الدعاء لطلب الذرّية الصالحة

السؤال: أرجو الدعاء بطلب الذريّة الصالحة قال تعالى: «رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ»،(1) هل هناك صلاة ودعاء لهذا الغرض؟

الجواب: صلِّ ركعتين صلاة الحاجة واسأل الله جلّ شأنه أن يرزقك ذرّيّةً صالحةً، وأنا أيضاً اُصلّيهما، وأسأل الله لك ذلك، وقد ورد في بعض الأحاديث أن يكتب على فصّ فيروزج هذه الآية المباركة: «رَبِّ لَا تَذَرْني فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ»،(2) ويعمل للفصّ خاتماً ويجعله في يدیه؛ أي يتختّم. (3)

الطريقة المثلى لتأدیب النفس

السؤال: ما هي الطريقة المثلى لمعاقبة النفس؟ فإذا عملنا خطئية فنخاف أن

ص: 179


1- . الأنبياء، 89.
2- . الأنبياء، 89.
3- . الطوسي، الأمالي، ص49؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج5، ص95؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج92، ص343.

يعاقبنا الله عليها، هل نجرح أنفسنا مثلاً بالسكّين حتّی يبقى أثر الجرح فنذكر خطیئتنا فلا نعود لذلك؟ وهل هذا الموقف مصداق القول المأثور «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا؟».

الجواب: العمل المذكور ليس من معاقبة النفس؛ بل هو جناية على النفس غير جائز شرعاً، وإن هو أراد معاقبة النفس فليصم لله أو ينفق مالاً في سبيله، فقد روي: «إِنَّ رَجُلاً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدَ اللهَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ قَرَّبَ قُرْبَاناً فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ: وَمَا أُتِيتُ إِلَّا مِنْكِ وَمَا الذَّنْبُ إِلَّا لَكِ. قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ ذَمُّكَ نَفْسَكَ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَتِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً».(1)

وأمّا محاسبة النفس جاء فيها: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا».(2) و «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ عَمِلَ خَيْراً حَمِدَ اللهَ وَاسْتَزَادَهُ، وَإِنْ عَمِلَ سُوءاً اسْتَغْفَرَ اللهَ».(3)

وساوس الشيطان

السؤال: تنتابني في حياتي أثناء الصلاة وساوس وهواجس عندما اُفكّر في ذنوبي. هل أنّ الله تعالى سيغفرها لي، وبعد مدّة أقول في نفسي هل غفر لي، وأنا على يقين أنّها من وساوس الشيطان فما هو الحلّ؟

ص: 180


1- . الحمیري القمّي، قرب الإسناد، ص392؛ الطبرسي، مشکاة الأنوار، ص245؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص234.
2- . ورّام بن أبي فراس، مجموعة ورّام، ج1، ص298؛ الدیلمي، أعلام الدین، ص251؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص73.
3- . ابن فهد الحلّي، عدّة الداعي، ص239؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص259.

الجواب: حلّ هذه المشكلة لا يمكن إلّا بعدم الاعتناء بعد ما تيقّنت بأنّ الحالة المذكورة من وساوس الشيطان، فصلِّ واستغفر وكن على رجاء من رحمة ربّك ولا تكن من القانطين، وتزول الحالة بعد مدّة إن شاء الله ولکنّ الکون بين حالة الخوف وحالة الرجاء حالة سعيدة، فقد جاء في الحديث: «خَفِ اللهَ عَزَّ

وَجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَهُ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ، وَارْجُ اللهَ رَجَاءً لَوْ جِئْتَهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ».(1) وجاء: «لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا فِي قَلْبِهِ نُورَانِ: نُورُ خِيفَةٍ وَنُورُ رَجَاءٍ، لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَلَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا».(2)

التمسّك بالقرآن وأهل البیت(علیهم السلام) للوصول إلی السعادة

السؤال: إنّ قلبي قد طغت عليه القساوة من كثرة الذنوب فما البرنامج المفضّل لدى سماحتكم الّذي اُتّبعه لكي أكون من العابدين العارفين؟ وما هي النيّة للصلاة نيابةً عن المتوفّى؟

الجواب: أكثر من تلاوة القرآن، وذکر الموت، وفناء الدنيا، والتزم بواجبات دينك، وبترك المحرّمات، والالتزام بالمستحبّات خاصّةً صلاة الليل وسائر النوافل، وأكثر من التوسّل بالله وأنبيائه ورسله والأئمّة الأطهار. هذا إجمال الطريق وتفصيله في الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع.

ص: 181


1- . الکلیني، الکافي، ج2، ص67؛ ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص375؛ الشعیري، جامع الأخبار، ص98؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص352.
2- . الکلیني، الکافي، ج2، ص67؛ الطبرسي، مشکاة الأنوار، ص119؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج15، ص217؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص352.

أما النيّة عموماً هي أنّك حين تعمل أيّ عمل لو سئلت ماذا تصنع؟ فتجيب فوراً اُصلّي فرضي أو نيابةً عن المتوفّى أو غير ذلك.

***

السؤال: مشكلتي: حصل عندي نفور من العبادة قبل مدّة وطالت إلى تسعة أشهر، فما هو الحلّ لذلك؟

الجواب: عليك الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وأداء الواجبات إرغاماً لأنف الشيطان، فينفر من نفسك النفور ويعود عليك الإقبال على العبادة إن شاء الله.

السحر في الخِطبة

السؤال: مشكلتي أنّني فتاة يأتي لخطبتي الكثير من الشبّان ولكنّهم يرفضون حتّی للّذين لم يقابلونني مع أنّي والحمد لله أتمتّع بخلق وتديّن ومستوى لا بأس به من الجمال، ويوجد عندي إحباط وإحساس أنّه سوف لن يتقدّم لزواجي أحد، وأودّ الإشارة إلى أنّ هناك بعض الأعمال الشيطانية وضعت لي ولاُختي كي تحول دون زواجنا، وأنا متأكّدة من وجود هذه الأعمال لبعض النسوة كما أخبروني بذلك، فما هي الأشياء الّتي لها مفعول لمنع ذلك؟

الجواب: لا علم لي بالقضيّة الشخصيّة وأنّ المشكلة هل هي من آثار السحر أم لا، وللدعاء والتضرّع والتوسّل بالله والتصدّق على الفقراء آثار عجيبة فادع الله وتوسّلي بالمعصومين(علیهم السلام) وتصدّقي على الفقراء للنجاة من المشكلة إن شاء الله وعليك أيضاً بقراءة المعوّذتين.

ص: 182

الصداقة وتأثیرها بین الأصدقاء

السؤال: وردت نصوص كثيرة عن أهل البيت(علیهم السلام) تحثّ على اتّخاذ الأصدقاء الصالحين وتحذّر من مصاحبة المفسدين، وقد تعرّفت عل صديقة ذات قلب طيّب وتتمتّع بصفات حسنة، ولكن بعد مرور الزمن ظهر لي منها بعض الصفات السيّئة كتأخير الصلاة وعدم الالتزام بالحجاب الساتر ولكنّي لا اُريد تركها مع علمي عدم تقبّلها النصيحة بسهولة، ولكنّني اُريد إصلاحها بكلّ عزيمة وثبات، فما هي إرشاداتكم لذلك؟

الجواب: يظهر أنّكِ من أخواتنا المؤمنات فنسأل الله تعالى أن يوفّقك لمراضيه، ويجعل مستقبل أمرك خيراً من ماضيه، ونشكرك على اهتمامك باُمور دينك، ونوصيك أن تديمي الصحبة وتستمرّي في نصحها وإرشادها إلى معالم دينها بحسن الحديث والموعظة الحسنة، والله نسأل أن يوفّقك في هذا الأمر.

موقف المؤمنین تجاه الإشاعات وتجنّب التسقيط

السؤال: ما هي نصيحتكم للمؤمنين تجاه الإشاعات وحملات التسقيط، وتشويه الشخصيّة الإيمانية صادقاً كان المخبِر أم كاذباً؟

الجواب: لا يخفی عليك أنّي لا أنصح من أنصحه لأنّي أعلم منه وأحسب نفسي أبصر من غيري ولأنّي فوقه بجهة من الجهات الظاهرية والمعنوية، بل أنصح لأنّ الدين دینُ النصيحة، فينصح العبد مولاه والصغير الکبير والداني

ص: 183

العالي والمأموم الإمام والمأمور الأمير، بل لأنّ ذلك من حقّ المؤمن علی المؤمن أن ينصحه وأن يقبل النصيحة منه، والله هو الهادي إلی الرشد والصواب، وبعد ذلك فإليك الجواب: موقف المؤمنين قبال هذه الاتّجاهات موقف الثبات

والتمسّك بالمبادئ الإيمانية، لا تحرّكهم العواصف، ولا يتنازلون عن قيمهم الإسلامية، قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»،(1) لا يملأ عين المؤمن ما عند غيره من زخارف الدنيا وزبرجها، فساعة منه في الإيمان خير ممّا عند الكافر وإن كانت الدنيا بما فيها. فهذه الحملات كانت ولا تزال على المؤمنين من جانب الكفّار والمستكبرين، والّذين يريدون استضعاف عباد الله واغتصاب حقوقهم واستذلالهم، ولكنّ التاريخ يشهد أنّه لم يقف قبالهم، ولم يدفعهم عن استذلال عباد الله إلّا رجالات الإيمان وأرباب العقيدة بالله وبعالم الغيب وهم الأنبياء، والّذين آمنوا بهم، وقاموا معهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الّذين كفروا السفلى. فهؤلاء الّذين قاموا وصاحوا على المستكبرين والظالمين أنّ الناس كلّهم عباد الله، وأنّ أكرمهم عند الله أتقاهم.

المؤمن طريقه، الطريقة الدينية لا يترك خطّه وموضعه وإن بقي هو وحده في طريقه يدافع عن دينه بماله وأهله ونفسه، لا يرتدّ عن دينه ولا يتراجع، يقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم والعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين. وقال مولانا

ص: 184


1- . فصّلت، 30.

أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ وَجُوعُهَا طَوِيلٌ».(1)

وظیفة المؤمن تجاه أخیه المؤمن

السؤال: ما هو نظركم حول وظيفة المؤمن تجاه أخيه المؤمن، ووظيفة المسلمين جميعاً بخصوص العمل بمقتضى الآية الكريمة: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا»،(2) فما هو المقصود ب (الحبل) في الآية؟

الجواب: هذا باب واسع فيه آيات من القرآن الكريم وأحاديث كثيرة فالمؤمن أخ المؤمن لا يظلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، والمؤمن مرآة أخيه المؤمن، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».(3)

وأيسر حقّ المؤمن على أخيه أن يحبّ له ما يحبّ لنفسه، وأن يكره له ما يكره لها، وأن لا يحبّه إلّا لله. قال مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في وصيّته الجامعة الكاملة لابنه الإمام السبط الأكبر(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللَّطَفِ وَالْمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى

ص: 185


1- . نهج البلاغة، الخطبة 201 (ص319).
2- . آل عمران، 103.
3- . القرطبي، الجامع لأحکام القرآن، ج8، ص227؛ السیوطي، الجامع الصغیر، ج2، ص532؛ المتّقي الهندي، کنز العمّال، ج1، ص149.

الدُّنُوِّ وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْر،ِ حَتَّی كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ»،(1) الحديث.

المقصود من «حبل الله» في آیة الاعتصام

والمعنى العامّ لحبل الله في آية الاعتصام هو: دين الله وشرائعه وأحكامه، وكما جاء في بعض الأحاديث هو القرآن الكريم، وفي بعضها أنّ المراد به في هذه الآية ولاية أهل البيت(علیهم السلام) والتمسّك بهم، ولا ريب في أنّ كلّ واحد من هذه المعاني مشتمل على غيرها، فولاية أهل البيت(علیهم السلام) من أهمّ شرائع الدين كما أنّها مستفادة من القرآن الكريم، والتمسّك بأهل البيت(علیهم السلام) لا يتمّ إلّا بالتمسّك بالقرآن الكريم بشرائع الدين وأحكامه، فلا يتمّ الاعتصام بكلّ واحد من هذه المعاني إلّا بالاعتصام بغيره، وإلى هذا ترشدنا أحاديث الثقلين المتواترة وغيرها من الأخبار الكثيرة.

واجبنا تجاه القرآن الکریم

السؤال: نرجو من سماحتكم موضوعاً عن واجبنا تجاه القرآن الكريم؟ ولكم منّا جزيل الشكر على جهودكم المبذولة.

الجواب: يجب على كلّ مسلم اتّباع أوامر القرآن ونواهيه والاتّعاظ بمواعظه والاعتبار بقصصه.

ص: 186


1- . نهج البلاغة، کتاب 31 (ص403).

الاهتمام بالقرآن الکریم

السؤال: ما هي نصيحتكم حول البحث والاهتمام بالقرآن الكريم؟(1)

الجواب: النصيحة حول البحث والاهتمام بالقرآن الكريم أبلغ وأجمع ممّا نقرأه فيه، ومن الأحاديث الشريفة المأثورة عن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، والأئمّة الهداة المعصومين(علیهم السلام)، ولا سيّما مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، قال الله تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»؛(2) وقال عزّ اسمه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»؛(3) وقال عزَّ من قائل: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».(4)

وقال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالْحَبْلُ الْمَتِينُ وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَى وَالدَّرَجَةُ الْعُلْيَا وَالشِّفَاءُ الْأَشْفَى وَالْفَضِيلَةُ الْكُبْرَى وَالسَّعَادَةُ الْعُظْمَى، مَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ نَوَّرَهُ اللهُ، وَمَنْ عَقَدَ بِهِ أُمُورَهُ عَصَمَهُ اللهُ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ

ص: 187


1- . أرسل أحد المؤمنين هذا السؤال وما يتبعه من الأسئلة الثلاثة عشر التالية، وقد صدّرها جميعاً بالمقدّمة التالية، إنّ الإسلام يحثّ على النصيحة، قال تعالى حاكياً عن لسان نبيّه هود(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ» (الأعراف، 68)؛ وقال الإمام الصادق(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «عَلَيْكُمْ بِالنُّصْحِ لِله فِي خَلْقِهِ، فَلَنْ تَلْقَاهُ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْهُ». (الکلیني، الكافي، ج2، ص208).وبما أنّ العلماء هم اُمناء الرسل وورثة الأنبياء، وبناءً على تأثيرهم الروحي والنفسي في توجيه المسلمين يرجى رفدنا بنصائحكم وتوجيهاتكم الأخلاقية، وهناك بعض العناوين المجملة بحاجة إلى إجابة ولو باختصار.
2- . الإسراء، 9.
3- . یونس، 57.
4- . المائدة، 15 16.

أَنْقَذَهُ اللهُ»؛(1)

وقال(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ».(2)

وقال(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): في الوصيّة والأمر والتأكّد بالتمسّك به وبأهل بيته وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي».(3)

وقال أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى».(4) والأحاديث في الحثّ والاهتمام بالقرآن المجيد كثيرة.

حُبُّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بيته(علیهم السلام)

السؤال: ما هو نظركم حول حقيقة الحبّ والتولّي للنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والطاهرين من أهل بيته(علیهم السلام)؟

الجواب: الدين هو الحبّ كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام

ص: 188


1- . الفیض الکاشاني، تفسیر الصافي،ج1،ص17؛ البحراني، البرهان، ج1، ص288؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج89، ص31.
2- . الکلیني، الکافي، ج2، ص599؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج6، ص171.
3- . القمّي، تفسیر، ج 2، ص 345؛ الصدوق، کمال الدین، ج1، ص 234 239؛ الخزّاز القمّي، کفایة الأثر، ص 137، 163.
4- . نهج البلاغة، الخطبة 175 (ص252).

الصادق(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبَّ».(1) وحبّ الله تعالى الّذي من أظهر علائم الإيمان، قال الله تعالى: «اَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلهِ»،(2) وروي عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «اَللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ أَحَبَّكَ وَحُبَّ مَنْ (مَا) یُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ»؛(3) ثم حُبّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وحُبّ أهل بيته الطاهرين(علیهم السلام)، وحُبّ القرآن وحُبّ الإيمان، قال الله تعالى: «وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ»؛(4) ثمّ حبّ الأعمال الصالحة وحبّ أولياء الله وحبّ الجهاد والشهادة في سبيل الله تعالى.

فالحبّ من أفضل الصفات وأعلى درجات الكمال، لذا وصف النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أخاه أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بأنّه: «يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ»(5) و «أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللهِ والْبُغْضُ فِي اللهِ»،(6) وأرقى أنواع الحبّ وأعظمه؛ إذ هو حبّ الله تعالى ورسوله وآله وأوليائهم، بل هو من واجبات الدين وضروريّاته.

وصایتي للاُسرة المسلمة والشباب والفتیات

السؤال: ما هي نصيحتكم للاُسرة المسلمة من أجل بناء حياة إسلامية سعيدة؟ وما هي نصيحتكم للشباب والفتيات بخصوص مسألة الزواج؟

ص: 189


1- . الصدوق، الخصال، ج1، ص 21؛ الفتّال النیسابوري، روضة الواعظین، ج2، ص 416.
2- . البقرة، 165.
3- . الغزالي، إحیاء علوم الدین، ج6، ص184؛ ج13، ص23؛ ج14، ص42؛ الفیض الکاشاني، المحجّة البیضاء، ج7، ص286؛ ج8، ص5-6.
4- . الحجرات، 7.
5- . الکلیني، الکافي، ج1، ص294؛ ج8، ص351؛ ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص139؛ المفید، الإرشاد، ج1، ص64.
6- . البرقي، المحاسن، ج1، ص 264؛ الکلیني، الکافي، ج2، ص 126؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص362؛ قطب الدین الراوندي، الدعوات، ص28.

الجواب: نصيحتي للاُسرة المسلمة والفتيان والفتيات أن يتمسّكوا بهداية الدين الحنيف وبسيرة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والأئمّة الطاهرين(علیهم السلام)، أن يحتفظوا بشخصيّتهم الإسلامية المستقلّة المتميّزة عن الشخصيّات الكافرة والغربية أو الشرقية، فلا يدنّسوا هذه الشخصيّة العزيزة بتقليد الأجانب والأجنبيّات، ولا يفتخروا بالتشبّه بهم وبأخلاقهم السيّئة وبأزيائهم الخليعة، فإنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين... وأن يكونوا على الأعداء يداً واحدة وأن يأخذوا العلم والحكمة والصنعة أينما وجدوا ذلك، وأن يعملوا لعزّة الإسلام والمسلمين وزيادة قوّتهم وشوكتهم حتّی لا يقعوا في شباك استعباد الكفّار واستضعافهم وكيدهم ومكرهم، فالمستعمرون والحكومات المستكبرة لا يريدون إلّا اغتصاب حقوق الأقوام والجماعات والتسلّط على ما تحت أيديهم من الثروات الطبيعية.

وأخصّ الفتيان والفتيات بالنصيحة بالأخذ بتعالیم الإسلام وهداية القرآن، وأن يعرفوا قيمة ما هم عليه من الإسلام، والتمسّك بأحكام الله تعالى وولاء أهل بيت الرسول(علیهم السلام)، فهذه نعمة لا تعادلها الدنيا بما فيها.

فالفتاة المسلمة تعرف ما هي عليها من نعمة الستر والحجاب والالتزام بالآداب الإسلامية الحافظة لكرامتها الإنسانية، فهي ببركة هذه التعالیم الرشيدة ليست مبتذلة سافرة، فالإسلام هو الدين الّذي رفع قدر المرأة وجعلها في مكانها السامي.

المعاقون والصبر على البلاء

السؤال: ما هي نصيحتكم للمبتلين بالأمراض البدنية وللمعوّقين خلقة أو بأسباب خارجية؟

ص: 190

الجواب: نصيحتي لهم أن لا يظنّوا أنّ ما أصابهم لأنّهم أقلّ قدراً وخطراً عند الله تعالى، أو أنّ ذلك يمنعهم من السير إلى معارج الكمال الحقيقي والقرب الإلهي فربَّ مريض هو عند الله تعالى أفضل من الصحيح وأشرف منه، فهؤلاء ينالون بالصبر على ما هم عليه درجات ومقامات لا ينالها غيرهم «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»،(1) فهم إذا كانوا راضين بقضاء الله تعالى صابرين على ما أصابهم فهم خائضون في رحمة الله وبركاته عليهم صلواته ورحمته. فحال الفقر والمرض والبلاء إذا كان موجبا لتوجّه القلب إلى الله تعالى حال الحضور، ونداؤه ومناجاته من الحالات الحسنة، وأحسن وأشرف من الغنى والصحّة والعافية إذا صارت سبباً لنسيان ذكر الله والغفلة عن الآخرة، وترك التفكّر في العاقبة وبالنتيجة إنكار نعم الله تعالى وكفرانها. فنداء المريض ربّه تعالى يا شافي! ونداء الفقير يا غني! وجلوسه على بساط السؤال والدعاء أكرم وأجلّ من أن يكون له الدنيا بما فيها وهو غافل عن الله وما أراد منه. وبالجملة فحسب كلّ الموازين الصحيحة لم يخسر المؤمن المبتلى بأنواع البليّات شيئاً من الشؤون الواقعية والكمالات الحقيقية.

الأغنياء ومعاونة الفقراء

السؤال: ما هي نصيحتكم للفقراء والمساكين والأيتام من جهة، وللأغنياء وأصحاب الثروات من جهة اُخری؟

ص: 191


1- . الزمر، 10.

الجواب: أمّا نصيحتي للفقراء والمساكين أن يعلموا أنّ الفقر ونظائره ليس ذلّاً واقعيّاً، وأن يعلموا أنّ الأكثريّة هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من قلّ منهم، فالأنبياء كانوا من الفقراء، ورسول الله النبيّ الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كان يقول: «اَللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِيناً وَأَمِتْنِي مِسْكِيناً وَاحْشُرْنِي مَعَ الْمَسَاكِينِ».(1)

والعيش مع الفقراء يوجب حياة الصعب، وأمّا مع الأغنياء فيوجب قسوتها، وليس معنى ذلك ترك العمل والسعي لعمران الدنيا والاستغناء عن الناس فإنّ «اَلْكَادَّ عَلَى عِيَالِهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ»؛(2) فطلب الدنيا إذا كان لهوى ولحبّ الدنيا والاستعلاء على الناس والمقاصد الرديئة فهو قبيح مذموم عند الشرع، وأمّا إذا كان لأغراض عالية ومقاصد دينية فهو راجح محبوب، بل من أفضل الطاعات.

وأمّا وصيّتي للأغنياء فهي أن يعلموا أنّ ما جعله الله تعالى عندهم من الثروات والأموال أمانات الله تعالى عندهم فلا يخونوه في أماناته، وأن ينفقوا منها في سبيل الله وقضاء حوائج عباد الله وإعانة الضعفاء والمساكين، وتأسيس المشاريع الخيرية فنصيبهم الباقي من الأموال ليس إلّا ما أنفقوه في سبيل الله، فعليهم أن يبتغوا فيما أتاهم الله الدار الآخرة ولا ينسوا نصيبهم من الدنيا، ويحسنوا كما أحسن الله إليهم، ولا يبغوا الفساد في الأرض وأن يعلموا أنّ الأموال عندهم ودائع «ولابدّ يوماً أن تُردّ الودائع»، فلا ينسوا ما في القرآن من التهديد: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ

ص: 192


1- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج11، ص232.
2- . الکلیني، الکافي، ج5، ص88؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج1، ص268؛ ج2، ص109؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج17، ص67.

بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ».(1)

***

السؤال: إنّي طالب دراسات عليا في (الجامعة العلمية للعلوم الإسلامية) في لندن في مرحلة الماجستير وبحثي: (حول الفقر وأسبابه وعلاجه) وبما أنّ أحد فصول الدراسة وهو الفصل الرابع حول الفتاوی والأحکام الفقهية ومواقف المجتهدين في معالجات الفقر، لذا أتوجّه إلی سماحتکم بالسؤال : ما هي أهمّ رکائز رؤيتکم الفقهية في معالجة الفقر؟! وسوف اُشير إلی رأي سماحتکم حول الموضوع في الدراسة مع مجموعة من آراء العلماء والفقهاء والمراجع العظام وفّقکم الله لکلّ خير، نحن بانتظار ردّکم السريع ولکم من الله التوفيق مرّةً ثانيةً شکراً لکم ودعائي الدائم لکم بطول العمر، ابنکم عليّ السمّاك البريد الإلکتروني هو.

الجواب: الفقر مشکلة اجتماعية مستعصية، والإسلام جعل لهذه المشکلة حلولاً کثيرة منها:

(1) الحثّ علی العمل، والعامل الکاسب علی أهله کالمجاهد في سبيل الله، وفضّل العامل علی العابد المتّکل علی الغير في معيشته. (2) توفير فرض العمل للناس بتوسعة دائرة الخدمات. (3) فرض علی الأغنياء في أموالهم الحقوق الشرعيّة الّتي مصرف أکثرها الفقراء. (4) الحثّ علی الصدقة المستحبّة وجعل

ص: 193


1- . التوبة، 3435.

أجرها کبيراً وحصر منها الفقراء. (5) صرف جميع من معادن الأرض ومنابعها الفقراء. وهناك موارد اُخری الّتي مصرفها الفقراء إلّا أنّ المشکلة الکبری هي أنّه لا الدولة تعمل بوضيفتها ولا الأغنياء يعملون بوظائفهم وما جاع فقیر إلّا عاش به غنيّ.

حفظ المؤمنين وعدم جواز غيبتهم

السؤال: ما هي نصيحتكم للمؤمنين اتجاه الإشاعات وحملات التسقيط صدقاً أو كذباً؟

الجواب: الخلافات بين الناس أمر موجود في كلّ جيل، وفي مجتمعات المسلمين بل في مجتمعات المؤمنين، والواجب حفظ المؤمنين والمسلمين وعدم غيبتهم، وعدم تصديق الشائعات وإشاعة الغيبة والسوء في المجتمع. فقد جاء في الحديث: «كَذِّبْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ، فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً وَقَالَ لَكَ قَوْلاً فَصَدِّقْهُ وَكَذِّبْهُمْ لَا تُذِيعَنَّ عَلَيْهِ شَيْئاً تَشِينُهُ بِهِ وَتَهْدِمُ بِهِ مُرُوءَتَهُ؛ فَتَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1)».(2) أما علماء الدين المستقيمون فيجب احترامهم واتّباعهم والاستفادة من علومهم وإرشاداتهم، اللّهمّ إلّا من انحرف منهم وخرج عن الموازين أو ابتدع في الدين أو والى الفاسقين والكافرين فهؤلاء يجب

ص: 194


1- . النور، 19.
2- . الکلیني، الکافي، ج8، ص147، ح125.

فضحهم وإسقاطهم، ولكن ينبغي أن يرجع إلى مرجع تقليده لتشخيص الموضوع والحكم. والله المسدّد للصواب.

دور المسجد في حياة المسلمين

السؤال: ما هي نصيحتكم حول الاهتمام بالمساجد والحسينيات بشكل عامّ؟

الجواب: قال الله تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»،(1) وإنّ المساجد والحسينيات من شعائر الله، وشعائر الإسلام وشعائر المذهب، فتعظيمها وتكريمها بأيّ صورة شرعية وعمرانها بالاجتماع فيها لإقامة الجماعات وقراءة القرآن وتعلّم الأحكام واستماع الحديث وسيرة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بيته(علیهم السلام) وفضائلهم ومناقبهم ومصائبهم ولاسيّما مصائب مولانا سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، فذلك كلّه من تعظيم شعائر الله، وقد قال الله تعالى: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»،(2) ولهذه المظاهر والمجامع فوائد جليلة كثيرة، لتعزيزها شوكة الإسلام والمسلمين، ورفع مستواهم الثقافي، فمن لا يستفيد من اجتماعات هذه المساجد والمجامع يكون في معرض الوقوع في شبكات الملحدين والمبدعين.

شرف العلم وتواضع المتعلّم لاُستاذه

السؤال: ما هي نصيحتكم لطلبة الحوزة العلمية ومدرّسيها؟

ص: 195


1- . التوبة، 18.
2- . الحجّ، 32.

الجواب: اُوصيهم بتقوى الله تعالى فهي خير ما أوصى به المسلم المسلم، وأن يتعلّموا لله ويخلصوا نيّاتهم، ويجتهدوا في كسب المعالي والمكارم، والتفقّه في الدين، ومعرفة اُصول الدين والحلال والحرام، وأن يغدوا عالمين أو متعلّمين، فقيمة كلّ امرئٍ ما يحسنه، فلم ينل أحد ما ناله إلّا بالسعي والاجتهاد، فلنعم ما نسب إلى مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):

لَوْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالْمُنَى * مَا كَانَ يَبْقَى فِي الْبَرِيَّةِ جَاهِلٌ

اِجْهَدْ وَلَا تَكْسَلْ وَلَا تَكُ غَافِلاً * فَنَدَامَةُ الْعُقْبَى لِمَنْ يَتَكَاسَلُ (1)

وعلى المدرّس والمتعلّم التواضع، فالمعلّم أحد الآباء الثلاثة الّذين يجب على الإنسان تكريمهم وتعظيمهم، وعلى المدرّس أيضاً أن يكون شفيقا بالمتعلّم متواضعاً له، ففي الحديث: «تَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ الْعِلْمَ وَلِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ»،(2) واُوصيهم بأن لا يبيعوا أنفسهم بجاه الدنيا، فلا يطلبوا العلم للرئاسة وكسب المال والزخارف الفانية فما عند الله خير وأبقى، ولا شيء أشرف من العلم حتّی يكون غايةً له، فهو الغاية القصوى والفائدة الكبرى، العلم يزيد بالإنفاق والمال ينقص به، العلم مذخور عند صاحبه لا يسرق منه فهو شرف دائم، والمال يسرق وهو عرض زائل.

واُوصيهم بالمحافظة على القرآن وسنّة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بيته الطاهرين(علیهم السلام) وسيرتهم، فما لم يخرج من هذا الباب ليس إلّا الضلال أو وسيلة لتضييع الأوقات

ص: 196


1- . الکیدري، دیوان أمیر المومنین(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ص334.
2- . اللیثي الواسطي، عیون الحکم والمواعظ، ص202.

والأعمار، فلا يوجد العلم الصحيح إلّا عند أهل بيت النبيّ(علیهم السلام) الّذين هم أبواب مدينة علم النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).

وبالجملة بقاء الدين يكون ببقاء العلماء، والتعلّم منهم فطوبى للعلماء وطوبى للمتعلّمين، وطوبى لمن يجالسهم ويهتدي بهداهم، ففي الحديث: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ، وَخَوْضِ اللُّجَجِ».(1)

طلبة الجامعات والارتقاء العلميّ اللازم

السؤال: ما هي نصيحتكم لطلبة الجامعات والمعاهد والثانويّات ومدرّسيها؟

الجواب: نصيحتي لطلبتهم ولمدرّسيهم أن يکونوا ساعين في کسب الکمالات الحقيقية والأخلاق الکريمة الإسلامية، عارفين بمعالم هذا الدين الحنيف، مجتنبين عن تقليد الکافرين، متخلّقين بأخلاق أوليائنا الطاهرين، وأيضاً يجب أن يعلموا أنّ ما ناله بعض الاُمم من القوّة المادّية، والشوكة الظاهرية، والاستيلاء على البلاد، واستضعاف العباد، لم ينالوه إلّا بالتقدّم الصناعي والعلوم الماديّة ما هو ملقًى. فعلى عاتق جامعاتنا وطلبتها ومدرّسيها الارتقاء اللازم والمهارة التامّة في هذه العلوم أيضاً، فما دمنا محتاجين إلى هؤلاء الّذين بدّلوا نعمة الله كفراً فلا نخلص من استكبارهم ولا نتمكّن من دفعهم أراضينا، ولا يرهبون من قوّتنا وعدّتنا ولا يمكننا استرجاع ما اغتصبوه منّا ودفع سلطتهم وظلمهم واستكبارهم. فأنتم يا طلّاب الجامعات ومدرّسيها أملنا للمستقبل، فاعملوا

ص: 197


1- . الکلیني، الکافي، ج1، ص35؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص185.

لمجدكم ومجد اُمّتكم ومجد الإسلام ولنصرة الدين. جعلكم الله من أنصار الله وأنصار رسوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأنصار مولانا المهديّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ).

دور المحقّقين في حياة المجتمع

السؤال: ما هي نصيحتكم للخطباء والكتّاب والمحقّقين؟

الجواب: العلماء المحقّقون والأدباء ركب ثقافتنا ورائدي جماعتنا وظائفهم كبيرة وخطيرة، إذا كانوا هم مخلصين عارفين بمعالم الإسلام وصادقين في علاج المشاكل، وعالمين بالسنن الّتي بها حياة الأقوام والجماعات ورقيّها وتقدّمها، وما فيه الهلاك والتأخّر والدمار، قائمين لله تعالى يدفعون الاُمّة إلى الأمام.

إنّ حاجة الأقوام إلى هذه الفئة المرشدة الهادية أكثر من حاجتهم إلى الغذاء والماء والهواء، فإنّ هذه الأشياء غذاء الأبدان وقوتها، وعند هذه الطائفة غذاء الأرواح، غير أنّها لو تولّتها الجهّال أو أهل الأهواء والأغراض وطلّاب الدنيا، يكون ضررها أيضاً على النفوس والأرواح أشدّ من ضرر السموم المهلكة للأجسام.

المسؤولون والتواضع والعمل بالعدل

السؤال: ما هي نصيحتكم للمسؤولين والإداريّين؟

الجواب: وصيّتي لهم أن يعلموا أنّ عملهم عندهم أمانة وليس لهم بطعمة، وأنّ الله يسألهم عمّا جعل تحت رعايتهم، وعليهم بتلاوة هذه الآية وإدمان التدبّر فيها «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً

ص: 198

وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»،(1) فإيّاهم وإيّاهم من الاستعلاء واستحقار عباد الله، وليعملوا بالعدل بين الناس، وليحكموا بالعدل، وليأخذوا حقّ الضعيف من القويّ، والرعيّة من الراعي، والسوقة من الوالي، من غير إفراط ولا تفريط، وقد قيل من قديم الأيّام: إنّ الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ

وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَالله أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُواْ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً.»(2)

أهمّيّة الطبّ في المجتمع

السؤال: ما هي توجيهاتكم للأطبّاء والعاملين في المؤسّسات الصحّيّة؟

الجواب: الأطبّاء والعاملون في المؤسّسات الصحّيّة مهنتهم من أكرم المهن، وشغلهم كلّه خير وثواب، وهم من أنفع عباد الله لخلقه، فهم من أحبّهم إليه، وهم من الثلاثة الّذين لا يستغني أهل كلّ بلد ومجتمع عنهم، ومن أحسن الحسنات تكفّل المرضى وعيادتهم وإصلاح شؤونهم.

أصحاب الحرف والتجارات والصنائع من أركان المدنية الإنسانية

السؤال: ما هي توجيهاتكم لأصحاب الحرف والكسبة والتجّار؟

الجواب: العمّال والزرّاع وأصحاب الحرف والتجارات والصنائع كانوا وما

ص: 199


1- . القصص، 83.
2- . النساء، 135.

زالوا من أركان المدنية الإنسانية، وهناك قول معروف «الإنسان مدنيّ بالطبع» وهو قول صحيح، يعني لا يتمكّن كلّ فرد من أن يقوم بنفسه بتأمين جميع ما يحتاج إليه، فلا يمكن لشخص واحد أن يكون خيّاطاً ومزارعاً وحدّاداً وطبيباً وبيطاراً ومهندساً ومعلّماً وندّافاً ونسّاجاً وصيدلياً و... إلخ فلابدّ للإنسان من المعيشة الاجتماعية وتفرّد كلّ واحد بشغل يكون وسيلة لإعاشته ورافعاً لحوائج الآخرين، فكلّ المجتمع يكون كجسد واحد يستفيد بعضه من بعض، ولا يستغني منه عضو عن عضو، فالعين عون لليد والرِجل والرأس وسائر الأعضاء الظاهرة والباطنة، واليد عون لغيرها من الأعضاء، واللسان عون كذلك، وكلّ الأعضاء كبيرها وصغيرها حتّی الخلايا الصغيرة لا شأن لها إلّا ذلك، ولا بقاء لها إلّا بهذا التعاون، فإذا اختلّ أو ضعف بعض الأعضاء يؤثّر ذلك في سائر الأعضاء... وهذا حال الجامعة الإنسانية المتديّنة، فلا يستقیم حال بعضهم إلّا باستقامة حال البعض الآخر، وكلّما كانت هذه الرابطة التعاونية بين أعضاء المجتمع أشدّ وأقوم يكون حالها أحسن والعيش فيها أهنأ.

ولذا شبّه النبيّ الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) المجتمع المؤمن الملتزم بالعمل بالهدايات الإلهيّة والإرشادات السماوية والإستضاءة من نور النبوّة والولاية بالجسد الحيّ السالم الصحيح، فقال: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».(1)

ولا ريب أن العيش لا يهنأ لأحد إلّا في مثل هذا المجتمع، فيجب على كلّ من

ص: 200


1- . القرطبي، الجامع لأحکام القرآن، ج8، ص227؛ السیوطي، الجامع الصغیر، ج2، ص532؛ المتّقي الهندي، کنز العمّال، ج1، ص149.

يريد العيش الهنيء والحظّ الكامل من الحياة ومن النعم الإلهيّة أن يكون في حرفته ومهنته وصنعته وكلّ ما حوّل إليه أميناً صادقاً مخلصاً في عمله ساعياً لخدمة بني نوعه، فكما يأخذ من الجميع ويستفيد من نتيجة أعمالهم، يجب عليه إعطاء الجميع نتيجة عمله، فلا يكون من أهل هذه الآية «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ»،(1) فالواجب على جميع أهل الحرف الاهتمام بارتقاء مستوى صنعتهم، والتعاون مع الناس بما يحبّون أن يعاملوهم به. وأحكام الإسلام في أبواب المعاملات والتجارات كلّها ترجع إلى نظم هذه الاُمور والوفاء بالعهود والعقود الّتي ليست منحصرةً بالعقود العرفية بل تشمل العهود الاجتماعية، فكلّ من اتّخذ حرفةً وصنعةً وشغلاً في المجتمع كأنّه تعهّد في قبال الآخرين أن يتقن عمله ويعمل بالأمانة ويجتنب الغشّ والخيانة.

وعلى كلّ حال فالشريعة المقدّسة أكّدت على أرباب الصناعات والحرف والتجارات والعمّال رعاية طيب المكسب والاجتناب عن الوقوع في الحرام بالاشتغال بالمكاسب المحرّمة كالغناء واستعمال آلات اللهو والطرب بأنواعها، وعمل الصور المجسّمة وبيع الخمر وكلّ ما لا يأتي منه إلّا الفساد، ممّا هو مذكور في الكتب الفقهيّة.

التوكّل على الله والرضا بقضائه

السؤال: هل لدى سماحتكم نصائح اُخری تحبّون التأكيد عليها؟

ص: 201


1- . المطفّفين، 13.

الجواب: ممّا ينبغي أن يكون كلّ إنسان يريد السعادة الدنيوية والآخروية مهتمّاً به هو نيل مقام التوكّل على الله، والتسليم لأمر الله تعالى، والرضا بقضائه، وتفويض الأمر إليه سبحانه، فالسعيد كلّ السعادة هو من حاز هذه المقامات، ومن فقد هذه الدرجات يكون دائماً في اضطراب يخاف من زوال هذه النعمة وفوت الاُخری، أو حلول هذه المصيبة ونزول تلك البليّة، أمّا من توكّل على الله وسلّم لأمر الله ورضي بقضائه وفوّض أمره إليه، فهو فارغ البال لا يخاف من شيء، قلبه مشحون بالاطمينان والنشاط والرجاء، لا ييأس من روح الله ولا يهزم من عساكر الهموم والغموم، وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله تعالى، يقول الحقّ ويعمل به، تستوي عنده حالتا العدم والوجود والزيادة والنقصان، فهؤلاء هم الّذين وصفهم الله تعالی في كتابه. فقال: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».(1)

حیاه الاُمّة بالعلم وتعظيم العلماء

السؤال: يوجد في بلادنا عدد لا بأس به من العلماء وطلبة العلوم الدينية، ولكن المشكلة أنّ بعض الناس يزاحمون العالم الديني ولا يعطونه مقامه المناسب حتّی في المجالس والمساجد، وأنّه لابدّ أن يكون العالم عندهم موظّفاً عند زيد أو عمرو مطيعاً لهم ولا يتدخّل في القضايا السياسية. نرجو بيان الرأي الشرعي والنصيحة للمجتمع تجاه العالم الديني؟

ص: 202


1- . يونس، 62.

الجواب: يوجد في جميع المجتمعات من لم يصل إلى حدّ الرشد العقلي والفكري فهو فاقد البصيرة قاصر الهمّة، لا يدرك فضيلة العلم والعلماء والقيم الإنسانية، فهم كما وصفهم مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ... لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ».(1)

ولا يضرّ ذلك ما دام أكثريّة المجتمع راشدين عارفين بفضل العلم والعلماء ومقدّرين جهودهم في سبيل إحياء الدين والارتقاء الفكري بالمجتمع.

والإخوة (أبناء بلدكم) أيّدهم الله تعالى واجدون لهذه الفضيلة المختارة إن شاء الله، يحترمون العلم والعلماء وطلبة العلم والخطباء والوعّاظ، ويساعدونهم لتحقيق أهداف الإسلام، ويسمعون منهم أحكام الدين وإرشادات الأئمّة الطاهرين(علیهم السلام) بسمع القبول، ولا يفرضون عليهم سلائقهم السياسية والاجتماعية، ولا يأخذون عليهم تدخّلهم في الاُمور السياسية، وحرصهم على حفظ المصالح الإسلامية، فهداية الإسلام ليست محدودة بالاُمور العبادية أو المعاملية والشخصية بل تشمل جميع نواحي الحياة الإنسانية مادّية ومعنويّة سياسية واقتصادية. ومع ذلك نشير تذكيراً إلى فضل العلم وعلوّ درجات العلماء، فإنّه أمر ثابت بالشرع والعقل، بل من الاُمور البديهية والفطرية الّتي لا يشكّ فيها إلّا من اختلّت قوّته العقلية ومشاعره الذاتية، فالإنسان مجبول على حبّ العلم والعلماء. قال الله تعالى في كتابه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»،(2)

ص: 203


1- . نهج البلاغة، الحکمة 143 (ص496)؛ ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص169-170؛ الصدوق، الخصال، ج1، ص186.
2- . الزمر، 9.

وأخبر عزّ ثناؤه باختصاص مقام الخشية من الله تعالى بالعلماء وهو من أعلى مقامات أهل المعرفة بالله وصفاته وأسمائه الحسنى، فقال: «إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»،(1) وجاء في الحديث عن الإمام زين العابدين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ وَخَوْضِ اللُّجَجِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَانِيَالَ أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّارِكُ لِلْاِقْتِدَاءِ بِهِمْ وَأَنَّ أَحَبَّ عِبَادِي عِنْدِي (عَبِیدِي إِلَيَّ) التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ اللَّازِمُ لِلْعُلَمَاءِ التَّابِعُ لِلْحُكَمَاءِ [لِلْحُلَمَاءِ] الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاءِ».(2)

وحياة الاُمّة إنّما هو بالعلم والعلماء، باحترامهم وتعظيمهم وقبول قولهم وإرشاداتهم والاهتداء بهداهم فعلامة موت المجتمع موت العلم، وترك الاقتداء بالعلماء. ومن أعظم ما يعرف به حسن حال الشخص مجالسته للعلماء، فمن كان أكثر مجالسةً معهم كان أكثرهم فضلاً ونبلاً ومعرفة.

فالواجب الشرعي والاجتماعي والأخلاقي على الجميع تعظيم العلماء وإكرامهم وحفظ مقامهم العالي الديني والاجتماعي، ولا شيء أدلّ على الانحطاط الأخلاقي من ترك احترام العلماء وإهانتهم والعياذ بالله.

فمن نظر إلى عالم بل ومتعلّم وطالب علم بنظر الحقارة فقد حقّر العلم وحقّر الفضيلة، وحقّر الفطرة السليمة، وفي الحقيقة أظهر حقارة نفسه ودناءة أخلاقه. وعلى هذا فإنّ من أظهر ما يجب أن يكون بارزاً في المجتمع الإسلامي مشاراً إليه بالبنان هو احترام العلماء والمتعلّمين، ورواة العلم والحديث عن

ص: 204


1- . فاطر، 28.
2- . الکلیني، الکافي، ج1، ص35؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص185 186.

الأئمّة(علیهم السلام) وحملة علوم القرآن والمعارف الإسلامية فقد جاء في فضلهم: «سَاعَةٌ مِنْ عَالِمٍ يَتَّكِئُ عَلَى فِرَاشِهِ يَنْظُرُ فِي عِلْمِهِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الْعَابِدِ سَبْعِينَ عَاماً».(1) وفي الحديث المشهور عن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «مَنْ أَكْرَمَ عَالِماً فَقَدْ أَكْرَمَنِي وَمَنْ أَهَانَ عَالِماً فَقَدْ أَهَانَنِي».(2)

وبالجملة فالشرف والمكانة السامية لا يكون إلّا للاُمّة الّتي تعرف شأن العلم ومقام العلماء فهم أشرف المخلوقات وأفضل الممكنات بعد الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وليس لله تعالى بعد المعصومين خلق أكرم وأفضل من العلماء العاملين.

جعلنا الله تعالى من المقتدين بهم، ومن الّذين يشكرون الله تعالى على نعمة وجودهم، ومن الّذين يرون أنّ إكرامهم إكرام الأئمّة الطاهرين، الّذين يعرفون حقّهم بمعرفة حقّ مولانا بقيّة الله في الأرضين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين فالعلماء في عصر الغيبة هم نوّابه وحفظة الآثار الّذين ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وكفى لهم بذلك شرفاً ونبلاً وفضلاً وقرباً من الله ورسوله وأهل بيته(علیهم السلام). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وظیفة إمام المسجد

السؤال: 1. سؤالي يتعلّق حول وظيفة إمام المسجد: هل صحيح أنّ دور إمام المسجد ينحصر فقط بأداء الصلاة وإلقاء الخطب وتعليم الأحکام الشرعيّة؟

ص: 205


1- . الفتّال النیسابوري، روضة الواعظین، ج1، ص12؛ الشعیري، جامع الأخبار، ص37.
2- . الشعیري، جامع الأخبار، ص38.

2. وأنّ دور تفعيل المسجد وإقامة الاحتفالات والدروس متروکة للمصلّين، فأيّ مجموعة أو نفر من المصلّين المتواجدين في المسجد يستطيعون عمل هذه الاُمور دون أخذ الإذن من إمام المسجد ولا يستطيع إمام المسجد أن يمنع أيّ شخص أو مجموعة من إقامة الاحتفالات وغيرها من الأنشطة ولا يحتاجون إلی إذن من الإمام؟ 3. هل صحيح هذا القول بأنّه يمکن أن تقيم کلّ مجموعة من المصلّين حلقات تدريس دون تنسيق أو تخطيط مع إمام المسجد، ويمکن أن يشکّلوا لجنةً إداريةً لإدارة المسجد أو مجلس إدارة دون أن يکون الإمام عضواً فيهم؟

الجواب: المساجد أماکن مقدّسة محترمة لا يجوز إقامة عمل فيها يتنافی مع حرمتها أو مزاحمة أوقات الصلاة، وإقامة الدروس الدينية والخطابات ومجالس العزاء إن لم تزاحم المصلّين وقت الصلاة لا تتنافی مع قداستها، وليس لإمام المسجد المنع من إقامة الشعائر الدينية فيها، وتشکيل لجنة إداريّة لشؤون المسجد يحتاج إلی نصب متولٍّ مؤمن موثوق به فرداً کان أو لجنةً من أهل الصلاح والتقوی، وهو راجع إلی حاکم شرعيّ واجد للشرائط.

الشباب سلّم العروج إلی الکمال

السؤال: ما هي توجيهات سماحتكم إلى الشباب لتكون منهاجاً ومدرسة لهم؟

الجواب: قال تعالى: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ».(1) صدق الله العليّ العظيم.

ص: 206


1- . العصر، 13.

إنّ من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان نعمة الشباب الّتي هي الكمال البدني للإنسان، فمن عرف قدرها وأحسن صحبتها وأدّى شكرها فإنّه يصرفها في طاعة الله تعالى والسير فيما يوجب كمال نفسه، حتّی ليصير شبيهاً بالملائكة الروحانية في قربه من الله تعالى. فهو من الفائزين الّذين لم يخسروا أنفسهم وهم في رضوان الله خالدون. ومثل هذا الإنسان لا يقع في الحسرة والندامة عندما يتبدّل شبابه بالشيب، وعندما يعضُّ على يديه من أبلى شبابه في سكرة الغفلة والبعد عن الله تعالى، واتّباع الهوى والاشتغال بما لم يكلّفه الله به. فالشباب من جهةٍ شعبة من الجنون، فهو مشحون بالشدّة والحدّة والاندفاع.

ولهذا روي عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ»،(1) وروي عن مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنّه قال: «رَأْيُ الشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ الْغُلَامِ».(2)

وقال الشاعر:

إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالْجِدَةَ * مَفْسَدةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةٍ(3)

ومن جهة اُخری، فالشباب سلّم العروج إلى الكمال ومظهر الشهامة والسماحة والكرامة. فالشابّ مستعدّ بصفاء باطنه ونورانية ضميره ودعوة فطرته لكسب العلوم والكمالات والتخلّق بالأخلاق الفاضلة والصفات چ

ص: 207


1- . الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج4، ص377؛ الشریف الرضيّ، المجازات النبویّة، ص195؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص174.
2- . نهج البلاغة، الحکمة 83 (ص482)؛ الشریف الرضي، خصائص الأئمّة، ص95؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص178.
3- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج3، ص340.

الحميدة. فهو بطبيعته مبادر إلى نصرة الحقّ وإعانة المظلوم والقيام في وجهة الظلم والاستكبار.

والشابّ يحبّ المعالي والمكارم ويرحم المساكين والضعفاء مبادر إلى قبول الحقّ، طامح لأن يكون من الأبطال ورجال الإصلاح.

وبسبب هذه الحيوية والتركيب في شخصيّة الشباب، توجّهت تحذيرات الشرع والنقل والعقلاء وأساتذة علم الأخلاق وعلم النفس.. وأنّه يجب عليه أن يكون يقظاً فيراقب نفسه، ويتعرّف أحوالها، وطرق تقويم غرائزه وتوجيه طاقاته؛ لأنّه عند بلوغه مرحلة الشباب يدخل في امتحان شديد، ويصير هدفاً وغرضاً لسهام شياطين الإنس والجنّ، يسوّلون في الإفراط والتفريط، ويدفعونه لأن يشتغل بما لا يعنيه ويلهو عمّا أُريد منه ويصرف عمره في المناهي والمحرّمات ومجالسة الأراذل وعبّاد الأهواء الّذين تميت مجالستهم القلب الحيّ وتبعد العبد عن الربّ، وتخضعه للشيطان.

ففي الأحاديث الكثيرة عن الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قوله: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(علیهم السلام)».(1)

إنّ أمر الشباب والشابّ عجيب وكلّنا مسؤولون عن نعمة الشباب.

فيا ولدي العزيز: اعرف نفسك وافهمها بخيرها وشرّها واهتمّ في بنائها، فأنت في وقت بناء شخصيّتك وغرس الخير والعادات الطيّبة فيها، وتخليصها من الفجور والشرّ والعادات السيّئة.

ص: 208


1- . الصدوق، الخصال، ج1، ص 253.

واعلم أنّ أهمّ ما يؤثّر في بناء شخصيّتك هم رفقاؤك والّذين تحبّهم وتسمع كلامهم، فهؤلاء هم الّذين يبنون شخصيّتك سواء شئت ذلك أم أبيت. فاختر منهم الأبرار الأخيار الطاهرين المحبّين للمؤمنين المستفيدين في بناء شخصيّتهم من العلماء الكرام والمراجع العظام، الّذين عرفوا مقام الأئمّة الطاهرين فأحبّوهم وخضعوا لهم، واهتدوا بهداهم، وشربوا من مَعين علمهم وأخلاقهم... فإنّهم صلوات الله عليهم قد جسّدوا هدى جدّهم الأعظم خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وابتعد عن أهل الانحراف والشذوذ في روحيّاتهم أو في سلوكهم أو في أفكارهم حتّی لو كانوا في ظاهرهم من المتديّنين أو المنسوبين إلى أهل العلم، فإنّ أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم هم الفرقة الوسطى وهم الميزان في الأفكار والسلوك، ومن بعدهم العلماء الأبرار الّذين حملوا علومهم واقتدوا بسلوكهم من أمثال: الكليني، والصدوق، والمفيد، والمرتضى، والطوسي والمحقّق، والعلّامة، وابن طاووس، والمحقّق الكركي، والمجلسي رحمه الله تعالی علیهم وسلسلة مراجع الطائفة الأجلّاء الّذين شهد الجميع بعلمهم وتقواهم ومعرفتهم لمقامات أهل البيت الطاهرين، وفضائلهم ومعجزاتهم ونهلوا من فيض علومهم، ولم ينحرفوا ذات اليمين أو ذات الشمال رضوان الله تعالى عليهم.

الشابّ مستعدّ لنيل المعارج الملكوتية والكمالات الحقيقية، وهو بطبيعته يحبّ المعالي والفضائل ويبغض المساقط والرذائل، ويريد أن يكون من أهل الخير والصلاح وأصحاب الرشاد والسداد.

وعليه أن يتخلّق بالأخلاق الربّانية، ويعمل لله تعالى، ويهب نفسه لله ورسوله وأهل بيته، ليكون من شيعتهم الّذين هم في ظلّ عرش الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.

ص: 209

والشابّ بطبيعته يحبّ أن ينصر الحقّ ويدفع الظلم عن المظلوم، ويجاهد في سبيل الله، ولا يقبل الاستذلال والاستحقار والاستعباد، ولا يخضع لغير الله تعالى.

فيا أيّها الشابّ الذكيّ الفطن الألمعيّ المؤمن، يا زهرة المجتمع والأهل لبلدك! الحقّ عليك في مساعدته ورفعته وحلّ مشاكله، وأنت أمل الاُمّة في إعادة أمجادها الإسلامية، وإعلاء كلمة الله ونصرة دينه. أنت أمام هذا العالم المشحون بالفساد والدعارة والخلاعة وهتك شرف الإنسانية. فانهض وسر إلى الأمام لنشر الإيمان والنور ومكافحة الفساد.

لا ترض بأقلّ من أن تكون ساعياً لتقدّم اُمّتك وحاملاً لواء العلم والعمل والهداية. اغتنم شبابك قبل هَرَمك، وصيفك لشتائك.

هذا الكون بأرضه وسمائه وشموسه وأقماره ومنظوماته، وبما فيه من الجماد والنبات والحيوان والإنسان. هذه العوالم من الذرّات، والخلايا الّتي لا تحصی ما يوجد منها في حيوان واحد، وهذه العوالم الكبرى في هذا الكون الكبير الفسيح، كلّها تعمل وتسير إلى هدف لا سكون فيها ولا ملل، ولا

بطالة فيها ولا فراغ من العمل. فالملائكة «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ».(1) «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»،(2) وكلّ هذه المجموعات الّتي لا يمكن لنا تقدير مكانها إلّا بملايين الملايين من السنين النورية، هي دائبة في العمل والتحرّك. فلا تكن ساكناً في كون متحرّك. فالسكون والتوقّف هو الزوال والبطلان والفناء.

ص: 210


1- . الأنبياء، 20.
2- . يس، 38 39.

ولا تكن متحرّكاً في غير الطريق الّذي رسمه لك ربّ العالمين. فالإغراق قد يبدأ صغيراً في فكرة تخالف بسببها حكماً شرعياً أو في أمر جزئيّ من العقيدة تتصوّر أنّه لا يضرّ فيوصلك إلى انحراف أكبر.

فلو أنّ نجماً بدأ بالانحراف عن مسیره ميلاً واحداً في هذا اليوم، لوصل انحرافه بعد سنوات إلى مئات الكيلو مترات. إنّ على الإنسان العاقل المختار أن ينظّم سيره الاختياري لكي ينسجم مع هذا السير التكويني الحاكم على الكائنات.

إنّ الركود والخمول والسكون، والشعور بالفراغ، من علامات البعد عن الله تعالى. إنّ خلايا بدن الإنسان لا تهدأ، وحتّى الجراثيم الصغيرة فهي في عمل دائب.

فلا تضيّع أيّها الشابّ العزيز عمرك ووقتك باللهو والخمول والفراغ والإعراض عن بناء شخصيّتك وكسب الفضائل والكمالات الّتي فيك استعداداً لها. فاللهو هو السكون والفراغ، وهو باب الخسران، بل هو عين الخسران.

والفراغ الصيفي ينبغي أن يصرف في النشاطات الفكريّة والروحية، وبعض النشاطات الجسمية كالألعاب الرياضية المشروعة والسفر وزيارة المشاهد المشرّفة والمكتبات والمتاحف فهو يساعد على الفهم والعبرة ويزيد في الوعي الديني والفكري.

كما ينبغي أن يخصّص الشابّ وقتاً كافياً للاستفادة من مجالسة العلماء والصلحاء وأهل التجارب والعارفين بأحوال المجتمعات، وسرّ تقدّم الاُمم وتأخّرها.

وكذلك الآداب والفنون الّتي حثّ عليها الشرع، مثل الرماية والسباحة والمسابقة.

ص: 211

علی الشباب والمحاصَرین بالغریزة الجنسیّة التأسّي بیوسف(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ودوام ذكر الله

السؤال: كيف يتأتّى لشبابنا المحاصر بالغريزة الجنسية التأسّي بالنبيّ يوسف(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كما ذكر وصفه في القرآن؟

الجواب: على الشباب وغيرهم من المحاصرين بالغريزة الجنسية ويرون أنفسهم في معرض الوقوع في الحرام ومعصية الله أن يذكروا الله تعالى ويتذكّروا موقفهم عنده يوم الحساب وأنّه يراهم في كلّ حال، ولا يخفى عليه شيء «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ».(1)

وأنّ كلّ ما سواه تحت سلطانه، لا يمكن لأحد الخروج عن ملكه، أو عصيانه في غير أرضه وسمائه.

وأن يذكروا الموت الّذي هو آتٍ لا محالة، هادم اللذّات، ومكدّر الشهوات، وذكر ما يترتّب على المعاصي من آثار مخزيةً وعواقب مهلكة لما توجب الندامة والحسرة. قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ».(2) وقال تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ»،(3) والمقصود من ذكر الله كما في بعض التفاسير هو أن يكون العبد ذاكراً لله عند كلّ ما أحلّه الله تعالى وحرّمه.

ص: 212


1- . غافر، 19.
2- . الأعراف، 201.
3- . العنكبوت، 45.

وقال مولانا أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «إِيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ».(1)

حقوق الصديق تجاه صدیقه

السؤال: ما هي الحقوق الّتي تترتّب على الصديق تجاه صديقه؟

الجواب: قال سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «لَا يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلَاثٍ: فِي نَكْبَتِهِ، وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ».(2) وهذه هي الصداقة الكاملة، فإنّ كلّ صديق يحفظ أخاه في نكبته وفي حضوره وحياته.

ثمّ إنّه إذا كان من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن «يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ»،(3) وأن يكون عين أخيه ودليله ومرآته وأن لا يشبع وأخوه جائع و... و... وممّا هو مذكور في الأحاديث الشريفة فما ظنّك بالأخ المؤمن الصديق؟ وقد نسب لمولانا ومولى الكونين أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قوله:

هُمُومُ رِجَالٍ فِي اُمُورٍ كَثِيرَةٍ * وَهَمِّي مِنَ الدُّنْيَا صَدِيقٌ مُسَاعِدٌ

يَكُونُ كَرُوحٍ بَيْنَ جِسْمَيْنِ قُسِّمَتْ * فَجِسْمُهُمَا جِسْمَانِ وَالرُّوحُ وَاحِدٌ (4)

ص: 213


1- . ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص248؛ ابن فهد الحلّي، عدّة الداعي، ص228؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص369؛ ج69، ص391؛ ج72، ص107؛ ج74، ص103.
2- . نهج البلاغة، الحکمة 134 (ص494)؛ الشریف الرضيّ، خصائص الأئمّة، ص103؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج12، ص26.
3- . الطوسي، الأمالي، ص478؛ الفتّال النیسابوري، روضة الواعظین، ج2، ص291؛ اللیثي الواسطي، عیون الحکم والمواعظ، ص234؛ ورّام بن أبي فراس، مجموعة ورّام، ج2، ص175؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج12، ص211-212.
4- . الکیدري، دیوان أمیر المؤمنین(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ص146.

صحبة الوالدين

السؤال: كيف يمكن للولد المؤمن أن يبني علاقة الصحبة بالمعروف مع والديه غير المؤمنين؟

الجواب: قال الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً».(1) وذلك لهما ما لم يجاهدا على أن يشرك الولد بالله شيئاً، قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا»؛(2) وقال تعالى أيضاً: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ اُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».(3)

هذا ما أدّبنا الله تعالى بالنسبة إلى الوالدين وصحبتهما بالمعروف مؤمنين كانا أم كافرين.

الشباب بين صراع الهوى والعقل

السؤال: النقلة النوعية في حياة الشباب يتحدّث عنها علماء التربية والنفس

ص: 214


1- . الإسراء، 23.
2- . العنكبوت، 8.
3- . لقمان، 1415.

والاجتماع على أنّها من أعقد مراحل الحياة، إسلاميّاً كيف يمكن النظر إلى مرحلة المراهقة؟

الجواب: قال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ...». (1) وفي حديث آخر: «إِذَا [جَاءَ] كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ تَزُلْ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَمَّا اكْتَسَبَهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(علیهم السلام)».(2)

وعن مولانا أبي عبد الله الصادق(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قال: «لَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى الشَّابَّ مِنْكُمْ إِلَّا غَادِياً فِي حَالَيْنِ: إِمَّا عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَّطَ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَيَّعَ، وَإِنْ ضَيَّعَ أَثِمَ، وَإِنْ أَثِمَ سَكَنَ النَّارَ».(3)

ثمّ ليعلم الشباب الأعزّاء أنّ نعم الله الظاهرية وآلائه الباطنية والروحية والجسمية، والخارجية والداخلية، في كلّ ما يتصوّر من الأبواب؛ كثيرة جدّاً لا تعدّ ولا تحصى، قال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا».(4)

ومن أعظم النعم نعمة الحياة والوجود، ونعمة الإيمان والهداية إلى الدين الحنيف، ونعمة العقل، ونعمة الصحّة والأمان. ومنها نعمة الشباب، فدورة الحياة والعمر في الشباب هي أزهى وأغلى دوراتها، دورة بلوغ الغرائز والقوى والطاقات

ص: 215


1- . الطوسي، الأمالي، ص526؛ الطبرسي، مکارم الأخلاق، ص459؛ الدیلمي، أعلام الدین، ص189؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج1، ص114.
2- . المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص160.
3- . الطوسي، الأمالي، ص 303.
4- . إبراهيم، 34.

ودورة نموّها ورشدها وقوّتها وحدّتها وحركتها، دورة ظهور النشاطات الحيويّة والاستعدادات الذاتيّة.

لا يتأتّی للإنسان ولأيّ كائن هو ما يتأتّى له في هذه الدورة الثمينة الغالية، فإنّه إن اغتنم هذه الدورة وانتفع بشبابه كما يحدّ ربّه، حاز من المنافع الجسمية والفوائد العظيمة والمقامات الرفيعة والدرجات السامية، وارتفع بها من حضيض النفس البهيمية وهوّة الشهوات الحيوانية السخيفة، إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّين، وملك سعادة الدارين والفوز في النشأتين.

وأمّا إذا غفل عن ذلك وصرف أیّام شبابه فيما لا يعنيه وفي الملاهي والمتاهي خسر الحيثية الكريمة وفقد الشؤون الجليلة والمقامات الرفيعة والحياة السعيدة.

وأودّ أن أُلفِتَ انتباه الشباب واُحيطهم علماً بأنّهم في هذه الدورة في امتحان شديد وابتلاء عتيد، محاطون بعاملين متضادّين بل بعوامل متنافرة ومتنافية، محفوفة بجنود العقل وجنود الجهل وكلّ منهما يدعوه إلى ضدّ ما يدعو إليه الآخر.

فالعامل النفسي يدعوه إلى اتّباع النفس والهوى، والإفراط في إعمال الغرائز الشهوية الحيوانية، والبطالة والدعارة والتميّع والخلاعة وارتياد مجالس الملاهي والمناهي والاستهتار.

والعامل العقلي يدعوه إلى سلوك سبيل العقل ومخالفة هوى النفس ومجاهدتها، والاعتدال في إعمال الغرائز واغتنام فرصة الشباب الذهبية السعيدة، هذا يأمره وذاك يزجره، هذا يحسّن في نظره المعاصي والملاهي، وذاك يُقبّحها له ويلومه عليها، ويأمره بالخير والسداد والصلاح.

قال الله تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ

ص: 216

زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا».(1) فالشابّ أیّام شبابه واقع بين هاتين الحالين، وبين الجدالين: جدال العقل والنفس، وجدال ميل النفس الأمّارة بالسوء إلى حريّتها والميل إلى كونه إنساناً عقليّاً مشابهاً للملائكة، فمن غلب عقله على نفسه وهواها فهو أعلى رتبةً من الملائكة، ومن غلبت شهوته على عقله فهو أقلّ وأحقر وأضلّ سبيلاً من البهائم.

قال الله تبارك وتعالى: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ واللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً».(2)

وقال عزّ اسمه: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى».(3)

أثر التأسّی بأهل البیت(علیهم السلام) في بناء شخصیّة الإنسان

السؤال: للتقليد والمحاكاة أثر كبير في حياة الشباب، فمنهم من يقلّدون الكبار الأبطال والنجوم والمشاهير فما هو حدود التقليد إيجاباً وسلباً؟

الجواب: للتقليد والمحاكاة أثر كبير في التربية والتعليم وتعلّم أنواع الصناعات بل له أثره الفذّ في توسيع مدنيّة الإنسان عبر التاريخ.

وممّا لا ريب فيه أنّ الإنسان ولا سيّما في عهد صباه وشبابه يكون معرضاً للتأثّر بأفعال غيره وسيرتهم بخاصّة الآباء والاُمّهات، والّذين هو

ص: 217


1- . الشمس، 710.
2- . البقرة، 268.
3- . النازعات، 37 41.

محفوف بهم من الأقارب والأرحام والأصدقاء والأساتذة وغيرهم، كما أنّه يتأثّر بما يسمع أو يقرأ من سيرة الرجال والكبار، فإن كان هؤلاء من الصلحاء والأخيار والأبطال وأرباب الورع والتقوى والصبر والإيثار وما إلى ذلك من الفضائل والمكارم، فلا محالة تنعكس في نفسه صفات بطولاتهم وأمجادهم، وإن كانوا والعياذ بالله من الأنذال والأشرار وأهل الدناءة والدعارة وسوء الأخلاق انعكست في نفسه تلك الرذائل.

قال الله تبارك وتعالى: «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً»،(1) فعلى الشابّ إيجاباً أن يكون ملتزماً بالعبادة وملازماً لعباد الرحمن، متوخّياً مجالس العلماء والصلحاء والأخيار، مستأنساً بذكر سيرة العظماء ولا سيّما نبيّنا الأعظم والأئمّة الكرام صلوات الله وسلامه عليهم وأصحابهم الأجلّاء، مستلهماً من حالاتهم الشريفة متأسّياً ومقتدياً بهم.

قال الله تبارك وتعالى: «وَلَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً»،(2) وعلى الشابّ سلباً أن يتجنّب معاشرة الأشرار ومصاحبتهم وأهل المناهي والملاهي؛ لئلّا يتأثّر برذائل صفاتهم، فقد جاء في روايات أهل البيت(علیهم السلام): «اَلْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السَّوْءِ»؛(3) وقال بعض الشعراء:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * وكلّ قرين بالمقارن يقتدي(4)

ص: 218


1- . الأعراف، 58.
2- . الأحزاب، 21.
3- . الحلواني، نزهة الناظر، ص20؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص189.
4- . ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج10، ص46.

التمسّك بالقرآن وسنّة النبيّ والأئمّة(علیهم السلام)

السؤال: ما هي توجيهات سماحتكم لشباب اليوم؟

الجواب: أيّها الشباب الأحباب، يا زهور البلاد وأزهار الحياة، أنتم الأمل، ورجال المستقبل، وأمل الاُمّة، وعزّتها مرتهنة بأعمالكم الصالحة ومساعيكم الجميلة المشكورة لله وعباده، وجهادكم وجهودكم، فالجهاد الجهاد، والصبر الصبر، والعمل العمل، والتقدّم التقدّم، إلى الأمام إلى الأمام، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنّه خير ما أوصى به المسلم أخاه المسلم، التزموا بطاعة الله ومتابعة أحكامه، فقد اُوصي بها المسلم بالفرائض والواجبات، بل والمستحبّات، اتركوا المحرّمات بل والمكروهات، احفظوا صبغتكم الإسلامية وشخصيّتكم الدينية، احتفظوا بها وحافظوا عليها في محاوراتكم ومعاملاتكم في أسواقكم ومؤسّساتكم، في مجالسكم، في محافلكم وكليّاتكم، في ملابسكم وأزيائكم، حتّى وإن كنتم في غير بلادكم، لا يستحقرّنكم غيركم، فأنتم الأعزّاء، أعزّكم الله بالقرآن الكريم وبالدين الإسلاميّ الحنيف، اهتدوا بهدی القرآن، وواظبوا على تلاوته والتفكّر في آياته، وخذوا بحلاله واعملوا به، وتجنّبوا من ارتكاب حرمته. تفكّروا في آيات الله وآفاقه، ولا تكونوا ممّن يشمله قوله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ».(1)

تمسّكوا بسنّة الرسول الأعظم(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وسيرته المباركة وسنّة الأئمّة الأطهار عليهم صلوات الله الملك العزيز الغفّار وسيرتهم، فهم عدل القرآن، من تقدّم عليهم ضلّ ومن تأخّر عنهم هلك.

ص: 219


1- . يوسف، 105.

يا أبنائي الشباب الأعزّاء لتكن أعمالكم خالصةً لوجه الله تعالى، لا تقنعوا في كسب العلم والمعرفة برتبة خاصّة، بل جدّوا واجتهدوا وليكن الوصول إلى أعلى رتب العلوم نصب أعينكم، واعلموا أنّ أيّ اُمَّة لا تسود ولا تعتزُّ بدون العلم، والجهل ليس فيه عزٌّ لأحد، فقيمة كلّ امرئ وكلّ اُمّة ما يحسنه وتحسنها، قال تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ».(1)

العمل بالواجبات الشرعية

السؤال: أطلب من سماحتكم موعظةً ونصيحةً تكون لي زاداً في الدنيا والآخرة.

الجواب: نصيحتي لكم ولجميع إخوانكم الكرام هو العمل بالواجبات الشرعية والتجنّب عن المحرّمات والمشتبهات؛ فمن اجتنب المشتبهات نجا من المحرّمات، واتّق الله وأحسن «فَإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوْا وَالَّذينَ هُمْ مُحْسِنُونَ».(2) وفّقك الله وإيّانا لصالح الأعمال بحقّ محمّد وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

نصائح عامّة للمراهقین والشباب

السؤال: المراهق كسائر الناس ينظر إلى الواقع من حوله، فما هي نصيحتكم له وكيف ينظر للحياة بإيجابية؟

الجواب: على المراهق أن يرجع أوّلاً إلى والديه ويبيّن لهما نظره إلى ما حوله وكيفية النظر إلى الحياة الإيجابية، فإن اقتنع بإجابتهما فيها، وإلّا فليراجع علماء

ص: 220


1- . التوبة، 105.
2- . النحل، 128.

المحلّ وسائر المؤمنين، ولنا تأليف خاصّ للمراهقين والشباب باللغة الفارسية.(1) ودمتم موفّقين.

أداء الواجبات والمحرّمات

السؤال: أنا كثير الشوق إلى الجنّة ورؤية الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بيته(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لكنّني مهمل في أداء الطاعات وأن لا أحظى بتلك الكرامة؛ فما هي نصيحتكم لي؟

الجواب: أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيّاكم في زمرة المؤمنين، ويرزقنا شفاعة سيّدنا رسول الله وأهل بيته الطاهرين صلواته عليهم أجمعين وأن يدخلنا في كلّ خير أدخل فيه محمّداً وآل محمّد(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأن يوفّقكم لكلّ ما يوجب رضاه من أداء الفرائض والواجبات والمندوبات وترك المحرّمات، قال الله تعالى في محكم كتابه: «إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ».(2) وقال عزَّ اسمه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ».(3)

حقوق الإنسان بنظر الإسلام والمنظّمات العالمیة

السؤال: ما هي الحقوق الّتي منحها الإسلام للإنسان؟ وهل تختلف في جوهرها عن مجمل الحقوق الّتي تنادي بها منظمة حقوق الإنسان العالمية؟

ص: 221


1- . راجع: با جوانان.
2- . العصر، 23.
3- . الحشر، 18.

الجواب: نعم تختلف في جوهرها، فالحقوق الّتي تنادي بها المنظّمات والمؤسّسات العالمية باسم حقوق الإنسان تقوم على أساس العلمانية وابتعاد الإنسان عن هداية الله تعالى، وأنّه حرّ التصرّف بنفسه، فله أن يعيش حياةً أحطّ من الحيوانات ويفعل بنفسه ما يشاء من الأعمال الشنيعة والأفعال القبيحة ولا يجوز لغيره منعه عنها إلّا إذا كان عمله الشنيع مضرّاً بحرّية غيره. ونحن نرى كيف انحطّ الإنسان في المجتمعات الغربيّة المادّية في الأخلاق والتعامل، وانتشر فيهم الفساد والمخدّرات ومنهم من يتزوّجون بالكلاب وسائر الحيوانات!!

أما الإسلام فالإنسان في نظره أكبر آيات الله تعالى على الإطلاق وقد خلقه الله تعالى حرّاً مريداً مختاراً بالذات وهداه بالعقل وبهداية الأنبياء(علیهم السلام) والشرع إلى السعادة الكاملة التامّة المعنوية والمادّية والروحانية والجسمانية والدنيويّة والاُخرويّة وفتح عينيه ليرى ما في العالم من الأرض والسماء والكائنات الّتي لا تحصی آيات الله وكلماته الّتي لو كان البحر مداداً لها لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله.

وقد منح الله الإنسان تكويناً وتشريعاً لنيل هذه السعادة العظمى باستخدام جميع غرائزه وقواه الظاهرة والكامنة، ونهاه أن يضرّ بنفسه وبشرفه أو بغيره، ومنعه عمّا يضرّ بغاية خلقه؛ فهو ممنوع من القبائح والفحشاء ومن الظلم والغصب والاستكبار واستضعاف عباد الله والإفساد في الأرض.

قال الله تعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَی وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».(1)

ص: 222


1- . النحل، 90.

وكلّ ذلك مبّين بأحسن بيان، ومفصّل في الكتاب والسنّة.

هذا هو جوهر الاختلاف بين الحقوق الّتي منحها الإسلام للإنسان ومنحتها المنظّمات المدّعية للدفاع عن حقوقه.

الإسلام واللاعنف

السؤال: اُلصقت بالإسلام تهمة الإرهاب وبالمسلمين التخلّف والعدائية، ألا تجدون الدعوة إلى اللاعنف هي الطريق الأمثل للتخلّص من هذه التهم الرخيصة الّتي يقف وراءها اللوبي الصهيوني؟

الجواب: هذه وكم لها من نظير من أفاعيل سياسة أعداء الإسلام، يعلم العارف بأساسها ومنشأها أنّ الإسلام دين السلم والعدل، دين يرفض إرادة العلوّ والاستعلاء، وهي الصفة الّتي تنشأ منها مظالم

كبيرة على البشريّة، فقد قال الله تبارك وتعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».(1)

محاولات التقريب بین المذاهب

السؤال: محاولات التقريب بين المذاهب هل تجدونها فاعلة في إخماد العصبية والنعرة الطائفية بين المسلمين؟

الجواب: التقريب بمعناه الصحيح هو تعرّف كلّ طائفة على حقيقة مذهب غيرها من الطوائف حتّى لا يتّهم كلّ واحد منهم غيره بغير علم، ولا يقول

ص: 223


1- . القصص، 83.

بالعصبية كما نرى ذلك في زماننا لجماعة من الكتّاب المنتمين إلى أهل السنّة يفترون على شيعة أهل البيت(علیهم السلام)، رغم علمهم بكذب ما يفترونه، ويكرّرون تلك الافتراءات وأهل البيت(علیهم السلام) وشيعتهم بعيدون عنها بعد السماء عن الأرض.

تبليغ الإسلام في المجتمع الغربي

السؤال: يشكّل المسلمون المهاجرون جالية عظيمة في إطار المجتمع الغربي، كيف يمكن توجيههم للعمل الإسلامي التبليغي؟

الجواب: لابدّ من التبليغ والإرشاد وإرسال المبلّغين والنشريّات ودعوتهم إلى التقارب والتحابب والتعاون.

***

السؤال: بماذا توجّهون المسلمين لاستثمار مناسباتهم الدينية حضاريّاً؟

الجواب: اللازم علينا اغتنام الفرصة في هذه المناسبات الدينية للتبليغ والإرشاد والدعوة إلى التعاون والمشاركة في تحقيق الأهداف الدينيّة والمذهبيّة بما يوجب لهم العزّة وزيادة القوّة والمنعة في المجالات الاقتصادية وغيرها من المجالات الضرورية.

التاريخ بحاجة إلى غربلة

السؤال: ألا يحتاج تاريخنا الإسلامي إلی مزيد غربلة لتصفية ما شابهُ من الشوائب والذوائب الّتي لحقت به جرّاء الاستعمار وحكومات الجور الّتي تعاقبت على الاُمّة؟

ص: 224

الجواب: نعم يحتاج التاريخ إلى كتابة جديدة وغربلة الباطل والتزوير الكثير الّذي دخل فيه، خاصّة ضدّ أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم وضدّ شيعتهم المؤمنين بهم.

ص: 225

ص: 226

القسم الثالث: علوم القرآن والتفسير

اشارة

ص: 227

ص: 228

التفسیر

اشارة

الحسن والقبح العقليّان

السؤال: قال الله تعالی: «اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ اُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَاُولَئِكَ هُمْ اُولُو الْأَلْبَابِ»(1) وقال: «اَللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ».(2)

القرآن يؤکّد علی أنّ الحسن من الله بدلالة إنزاله علی الرسول، فأحسن الحديث يفترض أن يکون حول أحسن الأشياء، أليس في ذلك دلالة علی أنّ الأصل في الحسن هو الشرع قبل العقل؟ وما العقل السليم إلّا ذلك الّذي استوعب أحسن الحديث فميّز به بين الأشياء الحسنة والقبيحة، وإن وجدنا أحکام حسنة لدی النّاس من غير المسلمين فهو ممّا تبقی من تعليم الأنبياء الّتي تناقلها الناس عنهم. أمّا المؤمنون الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه وهو طبعاً کلام الله بدلالة الآية الثانية فإنّما يفعلون ذلك بأنّ الله هداهم للإيمان، فإيمانهم هو هداهم إلی تمييز الحسن ثمّ اتّباعه.

ص: 229


1- . الزمر، 18.
2- . الزمر، 23.

أوّلاً: السؤال هو: أين استقلال العقل عن الشرع بالحکم علی الأشياء بالحسن والقبح؟

ثانياً: متی کان الاحتجاج بالعقل؟

إن کان الله قد احتجّ بالعقل وجعله حجّةً باطنةً (في معرفة الأوّليّات ومنها معرفة الله بالتوحيد ومعرفة حجّته بالمعروف والعدل والإحسان) فذلك بعد التبليغ وليس قبله، فليس لله علی الناس حجّة

قبل التبليغ لا عقل ولا غيره، وليس للناس علی الله حجّة بعد التبليغ. قال تعالی: « رُسُلاً مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزيزاً حَكيماً»؛(1) وقوله: «مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»،(2) فأُقيمت الحجّة علی الناس بعد التبليغ حصراً، قال أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ(3) أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ الله إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ، وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ، وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاثٍ [تَتَتَابَعُ] تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ».(4)

ص: 230


1- . النساء، 165.
2- . الإسراء، 15.
3- . أي من ولد آدم(عَلَيْهِ السَّلاَمُ).
4- . نهج البلاغة، الخطبة 1 (ص43).

ثالثاً: حکم العقل من المعلوم أنّ الله يأمر بالحسن (ومنه الإحسان)، وينهی عن فعل السيّء وهو (القبيح)، فإذا کان الحسن والقبح عقليّين وأنّ العقل قادر علی التمييز بينهما والفصل بدقّة؛ فلماذا لم يجب علی الإنسان أن يتعبّد لله بفعل الحسن وترك القبيح، ولماذا لم يجب ذلك عليه قبل قيام الحجّة ولم تکن حاجة لقول المعصوم(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «الناس في سعة ما لم يعلموا». فمن أين يأتي ذلك العلم إن لم يأت من الشريعة؟

وکيف يمکن التعبّد بمبدأ أصالة البراءة أو الإباحة في الأشياء ما لم يأت فيها نهي، فأين الحکم العقلي السابق والقادر علی تمييز الحسن عن القبيح فيؤاخذ صاحبه بترك الحسن وفعل القبيح؟ وأين

کلّ ذلك من الرواية التالية عن محمّد بن حکيم قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): جُعِلْتُ فِدَاكَ فُقِّهْنَا فِي الدِّينِ وَأَغْنَانَا اللهُ بِكُمْ عَنِ النَّاسِ حَتَّى أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنَّا لَتَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ مَا يَسْأَلُ رَجُلٌ صَاحِبَهُ تَحْضُرُهُ الْمَسْأَلَةُ وَيَحْضُرُهُ جَوَابُهَا فِيمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِكُمْ فَرُبَّمَا وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّيْ ءُ لَمْ يَأْتِنَا فِيهِ عَنْكَ وَلَا عَنْ آبَائِكَ شَيْ ءٌ فَنَظَرْنَا إِلَى أَحْسَنِ مَا يَحْضُرُنَا وَأَوْفَقِ الْأَشْيَاءِ لِمَا جَاءَنَا عَنْكُمْ فَنَأْخُذُ بِهِ. فَقَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فِي ذَلِكَ وَاللهِ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ يَا ابْنَ حَكِيمٍ...».(1)

الجواب: 1. لا ريب ولا شكّ في أنّه تعالی نزّل أحسن الحديث کما لا ريب في حسن کلّ ما جاء من عند الله تکويناً أو تشريعاً وأنّه لا يفعل القبيح جلّ وعلا إلّا أنّ ذلك لا يتنافی مع القول بکون الحاکم في مسألة القبح والحسن

ص: 231


1- . الکلیني، الکافي، ج1، ص 56.

هو العقل الأمر الّذي يقول به العدلية خلافاً للأشاعرة القائلين بأنّ الحاکم فيه هو الشرع، حيث قامت الأدلّة القطعية علی ذلك، ومن تلك الأدلّة علی سبيل المثال:

أنّ الحاکم بالقبح والحسن لو کان هو الشرع لانسدّ باب الاستدلال علی النبوّة؛ إذ لو أعطی الشارع المعجزة للکاذب لما کان في ذلك أيّ بأس بعد کون الحسن ما حسّنه الشارع والقبيح ما قبّحه، وليس من حقّ أحد أن يقبّح ذلك.

ومن هنا نعلم أنّ القضية أسبق من بعثة الرسل والأنبياء(علیهم السلام)، إذ ثبوت نبوّة النبيّ بحاجة إلی ما ذکرناه من ردّ الحسن والقبح إلی العقل، فلا يصحّ ما ذکرته من أنّه ممّا تبقی من تعالیم الأنبياء(علیهم السلام).

وکأنّك خلطت بين المستقلّات العقلية وغيرها فالاُولی من قبيل القبح للظلم والمعصية والکذب ممّا يستقلّ به العقل والعقلاء ولو لم يکن هناك أنبياء، والثانية أحکام تتوقّف علی ملاکات معيشة لا يدرکها العقل بل يحتاج فيها إلی کشف الشارع عن تلك الملاکات المصالح والمفاسد ولذلك بعث الله الرسل.

2. أنّ دور العقل وحجّيته في إثبات الاُصول العقائدية المذکورة ممّا لا شبهة فيه وليس ذلك مربوطاً بما بعد التبليغ وإلّا لزم الدور، إذ حجّية قول المبلّغ المرسَل لا تتمّ إلّا بعد ثبوت کونه مبلّغاً ورسولاً، فلو أردنا إثبات ذلك بقوله وتبليغه لکان من توقّف الشيء علی نفسه، إذن لابدّ لنا من تحکيم العقل من المقام لإثبات ذلك ومعه تثبت المبلّغية والرسولية، فلو جعلنا حجّية العقل في هذا الأمر متفرّعة علی المبلّغية والرسولية وأنّه لا يکون کذلك إلّا بعد تبليغ الرسول لزم الدور، إذ کونه حجّةً في الفرض يتوقّف علی حجّية قول المبلّغ وکونه مرسَلاً

ص: 232

من قبله تعالی وهذا يتوقّف علی حکم العقل وحجّيته، والمفروض أنّه يتوقّف علی حجّية قول المبلّغ وکونه مرسَلاً، وهذا دور.

وکأنّك خلطت بين الحجّة لله في العقائد والاُصول اليقينية، وبين الحجّة في الأحکام الشرعية، فإنّ الحجّة لله في الاُولی ثابتة قبل التبليغ بحکم العقل کما بيّنّا، والثانية لا تثبت إلّا بعد التبليغ وإرسال الرسل. وما ذکرت من آيات ورواية ناظرة إلی الثانية، فدقّق جيّداً تجد ذلك واضحاً خصوصاً في الرواية المذکورة؛ فإنّها تنبّه علی أنّ وظيفة الأنبياء(علیهم السلام) التذکير وإثارة دفائن العقول، والتفکير بها بعد ملاحظة تلك الآيات الکونية من سماء وأرض وحياة وموت و... .

3. ممّا تقدّم يتّضح الجواب عن سؤالك الثالث. فإنّ العقل إنّما يحکم بالقبح أو الحسن بعد اطّلاعه علی جميع المصالح والمفاسد وفعليّتها، کما في قبح الظلم وحسن العدل، لا في کلّ مورد ولو لم يطّلع ويدرك جميع المصالح أو المفاسد، فلو أدرکها في مورد کان حجّة ولا حاجة إلی أمر الشارع إلّا من باب الإرشاد والتأکيد. والرواية المذکورة ناظرة إلی الموارد الّتي لم يطّلع العقل علی جميع المصالح والمفاسد فيها والّتي لا يمکنه التعرّف عليها إلّا من طريق الشرع.

الفرق بین الإسلام والإیمان

السؤال: 1. کيف نوفّق بين حديث: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»،(1) وقوله تعالی: «وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ اُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً»؟(2) 2. ما هو الفرق

ص: 233


1- . الکلیني، الکافي، ج2، ص13.
2- . النحل، 78.

بين الإيمان والإسلام هل هما شيئان أم شيء واحد؟

الجواب: 1. إنّ آية: «وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ اُمَّهَاتِكُم...» الآية، بقرينة ذيلها منصرفة إلی العلوم المکتسبة عن طريق الحسّ والفکر، فلا تنفي المعلومات الحضورية کعلم النفس بذاتها وقواها، والاُمور المفطورة في الإنسان، والغرائز.

2. قد يطلقان ويراد منهما ما يکون النسبة بينهما عموماً مطلقاً، مثل أنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فيراد من الإسلام المعنی العامّ ومن الإيمان المعنی الخاصّ، وکلّ مؤمن مسلم وليس العکس، وهما مثل الکعبة والمسجد، فمن دخل الکعبة فقد دخل المسجد وليس بالعکس.

وقد ورد عن أهل بيت النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بأنّ الإسلام هو الظاهر وهو الإقرار بالشهادتين الّذي يحقن به الدماء والأموال، والإيمان هو الإقرار باللسان والعقد بالقلب والعمل بالجوارح وأنّه يزيد بالأعمال وينقص بترکها.

فالإسلام هو الظاهر والحالة الخارجية يعرف به کلّ من نطق بالشهادتين، والإيمان أخصّ منه.

ومن ناحية اُخری اُطلق الإسلام في الروايات وفي فقه الإمامية علی جميع الفرق الإسلامية، وأمّا الإيمان فقد اختصّ فيهما بمن عرف ولاية أهل البيت(علیهم السلام) واعتنق إمامتهم، وقد يطلقان ويراد منهما معنی واحد، مثل: «فَأَخْرَجْنَا مَنْ کَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».(1)

***

ص: 234


1- . الذاریات، 35 36.

السؤال: يقول الله تعالى في كتابه العظيم في سورة الحجر: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ».(1) فهل هنا سورة الحمد خارج عن القرآن، أو أنّ القرآن يشمل هذه السورة المباركة؟

الجواب: القرآن الكريم يشمل سورة الحمد وهو من ذکر العامّ بعد الخاصّ. والله هو العالم.

معنی قوله تعالی: «إذا بلغت التراقي...»

السؤال: ما هو معنى قوله تبارك وتعالى: «كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ»؟(2)

الجواب: إنّ الآيتين بيان لحال المحتضر إذا بلغت نفسه إلى الترقوة وأشرفت على الخروج من الجسد، والغرض منها تنبيه الناس إلى ما يؤول أمرهم إليه وتذكيرهم بهذا الحال الّذي ينتهون إليه، فلا يركنوا إلى الدنيا ولا ينسَوْا ما أمامهم من العقبات المهولة والمنازل المخوفة. قال شيخنا الأقدم الأكمل مفخرة المفسّرين الشيخ الطوسي: يقول الله تعالى: «كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ»؛ يعني النفس أو الروح ولم يُذكر؛ لدلالة الكلام عليه كما قال: «مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا»؛(3) يعني على ظهر الأرض، وإنّما لم يذكر؛ لعلم المخاطب به و«التراقي» جمع الترقوة، وهي مقدّم الحلق من أعلى الصدر تترقّى إليه النفس عند الموت، وإليها يترقّى البخار من الجوف، وهناك تقع الحشرجة.

ص: 235


1- . الحجر، 87.
2- . القيامة، 2627.
3- . فاطر، 45.

وقوله: «وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ» فالراق طالب الشفاء، يقال: رقاه يرقيه رقية إذا طلب له شفاء بأسماء الله الجليلة وآيات كتابه العظيمة، وأمّا العوذة فهي رفع البليّة بكلمات الله تعالى.

وقال أبو قلابة والضحّاك وابن زيد وقتادة: معنى (راقٍ) طبيب شافٍ؛ أي أهله يطلبون له من يطبّبه ويشفيه ويداويه فلا يجدونه.

وقال ابن عباس وأبو الجوزاء: معناه: قالت الملائكة: مَن يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العقاب؟

وقال الضحّاك: أهل الدنيا يجهّزون البدن وأهل الآخرة يجهّزون الروح، إلخ.(1)

وعن أمالي الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر÷ أنّه سُئل عن قول الله عزّ وجلّ: «وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ»؟

قَالَ «ذَاكَ قَوْلُ ابْنِ آدَمَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ: هَلْ مِنْ طَبِيبٍ؟ هَلْ مِنْ رَاقٍ؟»، الحديث. (2)

وعن الكافي بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر قال: سألته عن قوله تبارك وتعالى: «وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ».

قال: «فَإِنَّ ذَلِكَ ابْنُ آدَمَ إِذَا حَلَّ بِهِ الْمَوْتُ قَالَ: هَلْ مِنْ طَبِيبٍ «أَنَّهُ الْفِرَاقُ» أَيْقَنَ بِمُفَارَقَةِ الْأَحِبَّةِ، قَالَ: «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ»: الْتَفَّتِ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، ثُمَّ «إِلَی رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ» قَالَ: الْمَصِيرُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ».(3)

ص: 236


1- . الطوسي، التبیان، ج1، ص 200 201.
2- . الصدوق، الأمالي، ص307.
3- . الکلیني، الکافي، ج3، ص259.

هذا وأمّا الندب لقراءة بعض السور والآيات كسورة الفاتحة والأدعية والعوذات واتّخاذ الأحراز طلباً لحصول بعض المقاصد، كالسلامة والشفاء والعافية والأمان وزيادة الرزق وكفاية شرّ الأعداء وقضاء الحاجات كالنذر والصدقة للحفظ من الحوادث ونفي الفقر ودفع البلاء وجلب رضى الله تعالى، ولصلة الرحم لدفع ميتة السوء والتزييد في العمر، فكلّ ذلك ثابت إمّا بالقرآن الكريم أو الأحاديث الصحيحة المتواترة الّتي لا ريب فيها، ولا منافاة بينها وبين لزوم الرجوع شرعاً وعقلاً إلى الطبيب أو اللجوء إلى غير ذلك من الأسباب المادّية الظاهرية العاديّة والطبيعية، لأنّ اهتداء الطبيب أيضاً إلى معرفة المرض والداء الّذي يداوي به المريض أيضاً يكون تحت رعاية الله تعالى ولتأثير أسباب وشرائط خاصّة لا يمكن للبشر أو يتعسّر له الإحاطة بجميعها وكثيراً ما لا يتفطّن إلى بعض ذلك، فلا يؤثّر علاجه، كما أنّه قد يتفطّن ويُلهم إلى ذلك على حدّ لم يكن يعرفه لولم يكن هناك مدد غيبيّ بسبب الدعاء والصدقة.

وبالجملة ثبت بالتجربة لنا تأثير الدعاء لقضاء الحوائج، ومثل الصدقة لدفع البلاء وردّ القضاء من غير أن يكون كلّ ذلك علّةً تامّةً لا تتخلّف عن معلولها، بل الأسباب والشرائط والموانع يؤثّر ويزاحم بعضها مع بعض، فإمّا يقع مطلوبنا بالدعاء والصدقة أو لا يقع، فالاُمور في هذا العالم إن كانت تحت تأثير النواميس الطبيعية والمادّية، فليست بخارجة عن تأثير النواميس الغيبية، ولا يمكن لنا التعرّف على جميعها وجميع شرائطها بالأسباب الظاهرية، ونتمسّك معها بالأسباب الغيبية مثل دعاء وغيره، لأنّا نرى تأثير مثل الدعاء والصدقة في دفع كثير من البلايا والمنايا كما نرى لبعض الأعمال تأثيراً إيجابياً في وقوع البلاء

ص: 237

والقضاء، فالتصادمات المنتهية إلى تلف الأشخاص بحسب الظاهر تقع بأسبابها الظاهرية، كما أنّ تلف الأشخاص بها يستند إلى تلك التصادمات، وهي بحسب الظاهر والعادة أسبابها، ولكن ليس لأحد إنكار تأثير مؤثّرات اُخری في وقوع الحوادث وعدم كشفها إلى الحدّ التامّ لنا، إلّا أنّ الشارع كشفه لنا في الجملة، فلا يمكن لنا إنكار تأثير قطع الرَّحِم أو ترك الرحمة على الفقير أو غير ذلك في وقوع وقائع السوء، فعالم الأسباب والمسبّبات كلّه ليس تحت إحاطة علمنا المحصور في دائرة العلم بالمحسوسات، كما أنّه ليس لأحد أن يُنكر أنّ كثيراً ممّا لم يقع من هذه الحوادث المسيئة إنّما لم تقع لتأثير الأسباب الغيبية من الدعاء والصدقة، وآثار أعمالنا الوضعية.

وبالجملة تأثير الدعاء وبعض الأعمال في الوقائع، سواء كانت محزنة أو مُسرّة أمر لا ينكر، ثابت بالتجربة عند المسلمين وغيرهم، ولذا سعى بعض من سعى لأن يُسند كلّ الوقائع إلى العلل المادّية لاستناد تأثير الدعاء وغيره إلى بعض العلل الظاهرية، لأنّه يرى أنّه لا طريق إلى إنكار تأثير هذه الاُمور إمّا بالسلب أو الإيجاب في بعض الوقائع. نعم حسب الموازين الشرعية والعقلية ما لم يقطع اليد عن الأسباب العاديّة لا يجوز تركها والاكتفاء بالدعاء والعوذات والأحراز، بل يحرم تركها ويجب التوسّل بها إلى مسبّباتها، فالمريض يجب عليه عقلاً وشرعاً لدفع الخطر عن نفسه بالرجوع إلى الطبيب واستعمال الأدوية كما يجب على الإنسان الكسب وتحصيل الرزق بالحراثة والتجارة أو الصناعة أو غيرها، ولكن لا يصحّ أن يكون كلّ اعتماده أوسع ممّا نعلمه، بل عليه أن يدعو الله ويتوكّل عليه

ص: 238

ويفوّض أمره إليه وأن يأخذ بما يوجب الإمداد الغيبي ممّا كشف عنه الشارع وأمرنا به، فلا ينبغي له أن يرفع اليد عنهما.

نعم لو افتقد الأسباب الظاهرية ويئس من تأثيرها، ينحصر طريق النجاة والتخلّص من المهلكة بالتوجّه إلى الله تعالى ويتوجّه إليه هو بفطرته ويدعوه، وكثيراً ما يستجاب دعاؤه وينجّيه الله تعالى ويسهّل عليه العسير، كما رأينا كثيراً عند صلاة الاستسقاء، فهو مفرِّج الهموم، وكاشف الغموم، وقاضي الحاجات، وسامع الدعوات، ومعطي السؤلات، وفاتح أبواب الخيرات والبركات.

المقصود بهمّ یوسف(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)

السؤال: ما المقصود بهمِّ يوسف(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كما ورد في قوله تعالى: «وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ»؟(1)

الجواب: لعلّ المراد هو أنّ يوسف على نبيّنا وآله وعليه السلام لو لم يكن عارفاً كاملاً معصوماً لهمّ بالمعصية بياناً للحال أو أنّ المراد لهمّ بها بدفعها وضربها.

المراد من قوله تعالی: «والنجم إذا هوی»

السؤال: يقول الله في محكم كتابه: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»،(2) سؤالي ينقسم إلى قسمين: الأوّل: هو عالم الأضلّة أو الأظلّة؟ والثاني ما هو معنى الآية المباركة، وإلى أين يكون المصير؛ أي أين تهوي النجوم؟

ص: 239


1- . يوسف، 24.
2- . النجم، 1.

الجواب: 1. المراد من الأظلّة كما بيّنتْه الأحاديث المذكور فيها هذا المصطلح هو عالم الذرّ وأخذ الميثاق والولاية وعالم ما قبل ارتباط الأرواح بالأجساد. والموضوع مذكور في مجلّدات البحار.(1)

2. الهويّ والمصير يتّبعان تفسير النجم، فإن فُسِّر بالقرآن لنزوله نجوماً، فمعناه النزول إلی رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وإنْ فُسِّر بالنجم المطلق أو الثريّا ونحوها، فمعناه الاُفول والاستتار فالمصير إلى اُفوله واستتاره، وإنْ فسّرناه بالنجم الراجم للشياطين فمصيره إلى مكان الشياطين وقد يُفسَّر بأفوله وسقوطه يوم القيامة.

معنی کلمة (کهیعص وحمعسق)

السؤال: أقرأ والحمد لله القرآن الكريم وأتساءل عن معنى كلمة (كهيعص وحمعسق) بحثت في الكتب وجدت أنّ لها أكثر من معنى، فوجدت أنّ الإمام عليّ قال: إنّها تحكي الغيب وعمّا سيصيب أهل البيت، ووجدت أيضاً أنّها تشير إلى مجموعة من خمس آيات أيضاً. هل لهذه الكلمات معاني تحكي عن الغيب، وهل لها من معان اُخری؟ وإذا كانت تحكي عن الآيات الخمس فما هي هذه الآيات الكريمة وما سرّها؟

الجواب: لا مانع من كونها من أنباء الغيب الّتي اشتمل عليها القرآن الكريم في كثير من آياته خاصّة مع دلالة بعض الأحاديث الشريفة على أنّها هي وأنّها من أنباء الله تعالى ما يجري على الحسين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)(2) وبيان أمر المهديّ عجّل الله تعالى فرجه

ص: 240


1- . المجلسي، بحار الأنوار، ج3؛ 5؛ 6؛ 11؛ 15؛ 18؛ 24؛ 25؛ 26؛ 46؛ 57؛ 61؛ 101؛ 104.
2- . البحراني، البرهان، ج3، ص 398.

وسهّل مخرجه (1) ومعاني اُخری لا تنافي ما ذكر، لأنّ للقرآن الكريم ظهراً وبطناً، وللبطن بطوناً ولم نجد حسب تتبّعنا، ذكر الآيات الخمس في الأحاديث والأخبار.

معنی آیة 88 وآیة 100 من سورة التوبة

السؤال: أرجو منك التفضّل بإعطائي فكرة رئيسية أو عامّة للآيتين الكريمتين (رقم الآية 88، والآية 100 من سورة التوبة).

الجواب: الآية (88) «لَكِنِ الرَّسُولُ»(2) استدراك وهي كالاستثناء المنقطع عن المنافقين الّذين اُشير في الآيات السابقة إلى أعمالهم وأقوالهم بمعنى أنّهم إن كانوا كذلك لكن الرسول ومن معه هكذا بهذه الأوصاف ولهم الخيرات والفوز، وقد أعدّ الله لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار المذكورة في الآية المباركة. وأمّا الآية (100) «وَالسَّابِقُونَ»(3) فهي أيضاً في وصفهم كما أنّ الآية (101)(4) أيضاً كأنّها استثناء ممّا قبلها، وبيان بأنّ المنافقين موجودون في المدينة وما حولها.

معنی قوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «شیّبتني سورة هود»

السؤال: لماذا سورة هود أشابت رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟

ص: 241


1- . البحراني، البرهان، ج4، ص 803 804.
2- . «لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
3- . «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».
4- . «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ...».

جواب: قوله تعالى: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ».(1)

المراد من الأیّام في قوله «ستّة أیّام»

السؤال: قال تعالى: «اَللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَليٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ»،(2) هذه الأیّام في قوله: «فِي سِتَّةِ أَيَّام» هل هي من أيّام الدنيا أو من أيّام الآخرة؟

الجواب: المقصود من كلمة اليوم قطعة من الزمان لا اليوم المقابل للّيل. والله العالم.

المراد من الصلاة الوسطی

السؤال: أيّ صلاة هي الصلاة الوسطى؟

الجواب: في روايات كثيرة مأثورة عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين أنّها صلاة الظهر.(3) والله العالم.

علوم القرآن

اشارة

حجیّة القرآن علی الناس أجمعین

السؤال: ما حجّية القرآن علی الغرب (أو علی من لا يتکلّم العربية) بالوقت الحاضر؟

ص: 242


1- . هود، 112.
2- . السجدة، 4.
3- . البحراني، البرهان، ج1، ص 496.

الجواب: القرآن الکريم ليس حجّةً بألفاظه وعباراته وفصاحته وبلاغته فحسب، بل هو حجّة علی جميع الملل والنحل وعلی العربي وغير العربي محتواه من المضامين والمعارف والأحکام والعلوم فإنّه بکلّ جهة من هذه الجهات حجّة علی الناس أجمعين؛ فإنّه من أعظم المعاجز الّذي أعجز أهل لغة عن الإتيان بمثله ولازال يتحدّاهم به.

حکمة نزول القرآن باللغة العربیّة

السؤال: ما الحكمة من نزول القرآن باللغة العربية؟

الجواب: لأنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) والمخاطبون بالقرآن في ذلك كانوا عرباً، مضافاً إلى أنّ في اللغة العربية خصوصيات ودقائق أدبيّة ربَّما لا يسهل إفهام المعاني بغيرها، على أنّ القرآن المجيد هو المعجزة الوحيدة الخالدة لنبيّنا الكريم الّذي تحدّى الكفّار المنكرين لنزوله من قبل الله بالإتيان بمثله(1) أو بمثل سورة منه،(2) ولم يتمكّنوا.

حجیّة ظواهر القرآن

السؤال: هل يعتبر ظاهر القرآن حجّة في التفسير؟

الجواب: إذا كان للقرآن ظاهر معتبر حجّة عند العقلاء يؤخذ به، وأمّا إذا كانت الآية تحتمل معنیين أو أكثر فلا يكون لها ظهور معتبر عند العقلاء في أحد المعنیين، فتفسير الآية بأحدهما أو بأحد المعاني، لابدّ وأن يستند إمّا إلى دليل عقلي يدلّ مثلاً

ص: 243


1- . الإسراء، 88.
2- . البقرة، 23؛ یونس، 38.

على أنّ المراد خصوص أحدهما، فهو قرينة عقلية يعيّن بها المراد، أو إلى غيرها من الآيات، فإنّ القرآن كالحديث يُفسّر بعضه بعضاً، أو إلى حديث معتبر مقبول مأثور عن أئمّة أهل البيت(علیهم السلام) الّذين هم أحد الثقلين أعدال القرآن، وأقوالهم في التفسير وكلّ ما يؤخذ من الشرع حجّة، لا اعتبار لقول آخر معها كائناً من كان قائله، وذلك بدلالة أحاديث الثقلين المتواترة وغيرها كأحاديث السفينة والأمان وغيرها، ممّا ذكرنا طائفة منها في كتابنا (أمان الاُمّة من الضلال والاختلاف).

العلوم الدخیلة في التفسیر

السؤال: هل يجوز تفسير القرآن لمن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد؟

الجواب: لا ريب أنّ تفسير القرآن يحتاج إلى المعرفة بأدبيّات اللغة العربية وتاريخ صدر الإسلام، لتُعرف بذلك مداليل الكلمات والجمل ومفاهيمها وإعرابها وتراكيبها وأساليب البيان فيها وقراءاتها.. الخ. ويحتاج إلى المعرفة بعلوم قرآنية اُخری، مثل سبب النزول، وزمانه ومكانه، وما هو مكيّ أو مدنيّ، وتمييز المحكم من المتشابه، وغيرها.

كما يحتاج إلى علم الحديث لمعرفة خصوصيّات الحديث سنداً ومتناً، والقدرة على تمييز الصحيح من السقيم والقويّ من الضعيف، والمتواتر بأنواعه من خبر الواحد بأقسامه.. كما يحتاج إلى إلمام بعدد من العلوم.

وبعبارة اُخری: إلی ثقافة عامّة تشمل ما يحتاجه المفسّر من العلوم الإلهية والعلوم الإنسانية، والطبيعية، كعلم النفس والمجتمع والتاريخ الإنساني، وعلوم الحيوان والنبات والجغرافيا والهيئة.

فالمفسّر الكامل المتضلّع هو مَن كان عارفاً بهذه العلوم بالمقدار الّذي يتوقّف

ص: 244

عليه كشف القناع عن معاني الآيات. ويجب عليه بعد ذلك أن لا يفسّر القرآن برأيه، ولا يحمّله ما يريده، ولا يقتصر على مجرّد ما يراه من ظاهره، فربّما يكون اللفظ ظاهراً في العموم ويكون المراد منه الخصوص، أو ظاهراً في المطلق ويكون المراد منه المقيّد، أو ظاهراً في المعنى الحقيقي والمراد منه المعنى المجازي ونحو ذلك.

وقد ظهر من ذلك أنّ التفسير بالرأي المنهيّ عنه بشدّة في الأحاديث الشريفة: هو حمل لفظ يحتمل أكثر من معنى على أحد معانيه من غير اعتماد على نصّ قرآنيّ أو تفسير مأثور عن أهل البيت(علیهم السلام) الّذين هم أعدال الكتاب، وأقوالهم حجّة على الجميع بنصّ أحاديث الثقلين المتواترة. فالمفسِّر بل بتعبير أعمّ: من يقول عن القرآن يجب أن يكون معتمداً على الآيات الناصّة على معنى واحد. وفي غيرها من الآيات يجب أن يكون معتمداً في تفسيرها على الآيات الناصّة على معنى واحد، وإلّا فعلى الروايات المعتبرة المأثورة عن الأئمّة الطاهرين(علیهم السلام) الناصّة على المدلول الّذي يقول به.

أمّا معنى حجّية ظواهر الكتاب الّتي استقرّت عليها سيرة العرف والأصحاب فهو جواز الاعتماد على ظواهر الكتاب والسنّة إذا لم نجد نصّاً منهما يفسّرها، ولذا لابدّ للفقيه والمفسِّر أن يتتبّع نصوص القرآن والحديث قبل أن يأخذ بالظاهر. لا أن يقرأ الآية ويكتفي بالنظر في آراء المفسّرين ثمّ يقول برأيه في كتاب الله تعالى!

وبالجملة فما لم يكن مستخرجاً من نفس الكتاب أو من أحاديث بيت الوحي والرسالة في التفسير لا يجوز الاعتماد عليه، وأقوال المتسمّين بالمفسّرين إذا لم تكن مستندةً إلى نفس الكتاب وروايات أهل البيت(علیهم السلام)، لا يصلح الاحتجاج

ص: 245

بها، وكلّها زعوم أو احتمالات وآراء أخذها بعضهم من بعض، وكثير منها من الإسرائيليات وما جمعوه عن أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبّه. أما التفسير الصحيح فلا يوجد إلّا عند أهل البيت(علیهم السلام).

وممّا ذكرنا ظهر أنّ المجتهد في علم التفسير هو الّذي حصلت له ملكة القدرة على استخراج مداليل الآيات بالتبحّر والتضلّع في الجهات الّتي أشرنا إليها، وإلّا فمَن فسّر القرآن برأيه فقد كفر.

وفي الختام إن شئتم الوقوف على مصاديق ظاهرة من تفسير القرآن بالرأي، فراجعوا كلمات بعض المتسمّين بأهل العرفان، حتّی تعرفوا مبلغ بُعدهم عن القرآن وأحاديث أهل بيت العصمة(علیهم السلام)، بل مبلغ بُعدهم عن فهم لغة القرآن ومداليل ألفاظها المطابقية والالتزامية. وتعرفوا أنّ من لا يهتدي بهدى أهل بيت الوحي(علیهم السلام) كيف يقع في الضلال والإضلال ويقول في كلام الله ما يخرّ به أبعد ممّا بين السماء والأرض!! قال الله تعالى: «قُلِ اللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ».(1) نسأل الله التوفيق، ونعوذ به من أن نقول في دينه وكتابه كلاماً بغير علم.

عدم تحریف القرآن عند الشیعة

السؤال: ما هو رأي الشيعة في تحريف القرآن؟

الجواب: لقد ألّفنا رسالة في إثبات صيانة القرآن الكريم عن التحريف سيّما عند شيعة أهل البيت(علیهم السلام) فراجعوا رسالتنا المسمّاة «صيانة القرآن الكريم عن التحريف» وكتابنا «مع الخطيب»، فصل «صيانة الكتاب عن التحريف»، كما قد

ص: 246


1- . يونس، 59.

ألّف علماء الشيعة ورجالاتهم في العلوم حول ذلك فأثبتوا تنزّه الكتاب المجيد عن أيّ تغيير وتحريف بما لا مزيد عليه.

التفسیر بالمأثور والتفسیر بالرأي

السؤال: يقول أحد علماء الشيعة هذا الكلام: «قبل اُسبوع ذكرنا فكرة عن القرآن بمناسبة قوله تعالى: «وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»؛(1) ومع أنّ قلوبنا كالحجارة، فقد احتجّ علينا أحدهم بحجّة كانت نتيجتها أن نتكلّم هذا الاُسبوع حول القرآن، القرآن الّذي نعترف بظلمنا له، لعلّ الله تعالى يعاملنا بفضله، على أنّا نتخوّف من الدخول في هذه المباحث بسبب قلّة الباع ونقص الاطّلاع، وعدم لياقة الباحث، فليس هذا من مباحث الفقه والاُصول الّتي نتسلّط عليها، بل هو من المباحث المسلّطة علينا، الّتي نتحدّث فيها بخوف وهيبة، معترفين بالعجز عن الخوض في أعماقها». فهل صحيح هكذا هو موقف علماء الشيعة من القرآن الكريم؟

الجواب: علم التفسير علم عميق صعب عسير لا يتيّسر لأيّ أحد إلّا من سبر رأي أهل البيت(علیهم السلام) وما روى عنهم، والتفسير بغير هذا الطريق يعتبر تفسيراً بالرأي، فمن ليس له أهليّة هذا الأمر ليس له أن يدخل في هذا الأمر لئلّا يهلك نفسه بتفسير ما لا يرضى به الله تعالى وأهل البيت(علیهم السلام)، وليس لنا طريق نسلكه في هذا الأمر إلّا التوسّل بالعترة الطاهرة والسلام على من اتّبع الهدى.

ص: 247


1- . الأعراف، 180.

ص: 248

مصادر التحقیق

1. القرآن الکریم.

2. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن (م. 1104ق)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1425ق.

3. إحیاء علوم الدین، الغزالي، محمّد بن محمّد (م.505ق)، بیروت، دار الکتاب العربي.

4. الاختصاص، المفید، محمّد بن محمّد (م. 413ق)، بیروت، دار المفید، 1413ق.

5. الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد، المفید، محمّد بن محمّد (م. 413ق)، بیروت، دار المفید، 1414ق.

6. الاعتقادات في دین الإمامیّة، الصدوق، محمّد بن عليّ (م. 381ق)، بیروت، دار المفید، 1414ق.

7. أعلام الدین في صفات المؤمنین، الدیلمي، الحسن بن محمّد (م. 841ق)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1408ق.

8. إعلام الوری بأعلام الهدی، الطبرسي، الفضل بن الحسن (م. 548ق)، قم، مؤسّسة آل البیت لإحیاء التراث، 1417ق.

9. الأمالي، الصدوق، محمّد بن علي (م. 381ق)، طهران، منشورات کتابچي، 1376ش.

ص: 249

10. الأمالی، الطوسي، محمّد بن الحسن (م. 460ق)، قم، دار الثقافة، 1414ق.

11. الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن (م. 1104ق)، طهران، منشورات نوید، 1362ش.

12. بحار الأنوار، المجلسي، محمّد باقر (م. 1111ق)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1403ق.

13. البرهان في تفسیر القرآن، البحراني، السیّد هاشم بن سلیمان (م. 1107ق)، قم، مؤسّسة البعثة، 1374ش.

14. بشارة المصطفی(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لشیعة المرتضی(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، الطبري، محمّد بن أبي القاسم (م. 525ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامی، 1420ق.

15. بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد(علیهم السلام)، الصفّار، محمّد بن الحسن (م. 290ق)، طهران، مؤسّسة الأعلمي، 1404ق.

16. بلاغات النساء، ابن طیفور، أحمد بن أبي طاهر (م. 280ق)، قم، مکتبة بصیرتي.

17. البلد الأمین والدرع الحصین، الکفعمي، إبراهیم بن عليّ (م. 905ق)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1418ق.

18. تاریخ الاُمم والملوك، الطبري، محمّد بن جریر (م. 310ق)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1403ق.

19. تأویل الآیات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، الحسیني الأسترآبادی، السیّد شرف الدین علي (م. 965ق)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1409ق.

ص: 250

20. التبیان في تفسیر القرآن، الطوسي، محمّد بن الحسن (م. 460ق)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي.

21. التحریر والتنویر (تفسیر ابن عاشور التونسي)، ابن عاشور، محمّد بن طاهر (م. 1393ق)، مؤسّسة التاریخ.

22. تحف العقول عن آل الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن عليّ (م. قرن4)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامی، 1404ق.

23. تذکرة الحفّاظ، الذهبي، محمّد بن أحمد (م. 748ق)، بیروت، دار إحیاء التراث العربی.

24. تصنیف غرر الحکم ودرر الکلم، الآمدي، عبد الواحد بن محمّد (م. 550ق)، قم، مکتب الإعلام الإسلامي، 1366ش.

25. تفسیر الصافی، الفیض الکاشاني، محسن بن المرتضی (م. 1091ق)، طهران، مکتبة الصدر، 1415ق.

26. تفسیر القمّي، القمّي، عليّ بن إبراهیم (م. 329ق)، قم، دار الکتاب، 1404ق.

27. التمحیص، الإسکافي، محمّد بن همام (م. 336ق)، قم، مدرسة الإمام المهديّ(عجل الله تعالی فرجه شریفه)، 1404ق.

28. تنبیه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ورّام بن أبي فراس، مسعود بن ورّام (م. 605ق)، قم، مکتبة الفقیه، 1410ق.

29. تهذیب الأحکام، الطوسي، محمّد بن الحسن (م. 460ق)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1407ق.

ص: 251

30. التوحید، الصدوق، محمّد بن عليّ (م. 381ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1398ق.

31. الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي، محمّد بن عليّ (م. 560 ق)، قم، منشورات إسماعیلیان، 1419ق.

32. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الصدوق، محمّد بن عليّ (م. 381ق)، قم، الشریف الرضي، 1406ق.

33. الجامع لأحکام القرآن، القرطبي، محمّد بن أحمد (م. 671ق)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1405ق.

34. جامع الأخبار، الشعیري، محمّد بن محمّد (م. 679ق)، قم، الشریف الرضي، 1405ق.

35. جامع البیان في تفسیر القرآن، الطبري، محمّد بن جریر (م. 310ق)، بیروت، دار المعرفة، 1412ق.

36. الجامع الصغیر في أحادیث البشیر النذیر، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق)، بیروت، دار الفکر، 1401ق.

37. الجنّة العاصمة، میرجهاني الطباطبائي، السیّد حسن (م. 1413ق)، مشهد، بیت الزهراء، 1384ش.

38. الخصال، الصدوق، محمّد بن عليّ (م. 381ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1403ق.

39. خصائص الأئمّة(علیهم السلام)، الشریف الرضي، محمّد بن الحسین (م. 406ق)، مشهد، الآستانة الرضویة المقدّسة، 1406ق.

ص: 252

40. الدرّ المنثور في التفسیر بالمأثور، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق)، قم، مکتبة المرعشيّ النجفي، 1404ق.

41. دعائم الإسلام، المغربي، القاضي النعمان بن محمّد التمیمي (م. 363ق)، القاهرة، دار المعارف، 1385ق.

42. الدعوات، قطب الدین الراوندي، سعید بن هبة الله (م. 573ق)، قم، مدرسة الإمام المهديّ (عجل الله تعالی فرجه شریف) ، 1407ق.

43. دلائل الإمامة، الطبري، محمّد بن جریر (م. قرن 5)، قم، مؤسّسة البعثة، 1413ق.

44. دیوان أمیر المؤمنین(علیهم السلام)، الکیدري، محمّد بن حسین (م. قرن 6)، قم، دار نداء الإسلام، 1411ق.

45. ذخائر العقبی في مناقب ذوي القربی، الطبري، أحمد بن عبد الله (م. 694ق)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1424ق.

46. ربیع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري، محمود بن عمر (م. 538ق)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1412ق.

47. روضة الواعظین وبصیرة المتّعظین، الفتّال النیسابوري، محمّد بن الحسن (م. 508ق)، قم، الشریف الرضي، 1375ش.

48. الروضة في فضائل أمیر المؤمنین عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، شاذان القمّي، شاذان بن جبرئیل (م. 665ق)، قم، مکتبة الأمین، 1423ق.

49. الریاض النضرة في مناقب العشرة، الطبري، أحمد بن عبد الله (م. 694ق)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1424ق.

ص: 253

50. شرح إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، المرعشيّ النجفي، السیّد شهاب الدین (م. 1411ق)، قم، مکتبة المرعشيّ النجفي، 1409ق.

51. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، عزّ الدین (م. 656ق)، دار إحیاء الکتب العربیّة، 1378ق.

52. صحیح البخاري، البخاري، محمّد بن إسماعیل (م. 256ق)، بیروت، دار الفکر، 1401ق.

53. صحیح مسلم، المسلم النیسابوري، مسلم بن الحجّاج (م. 261ق)، بیروت، دار الفکر.

54. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ابن طاووس، السیّد عليّ بن موسی (م. 664ق)، قم، مطبعة الخیّام، 1399ق.

55. عدّة الدّاعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمّد (م. 841ق)، دار الکتاب الإسلامي، 1407ق.

56. عوالي اللئالي العزیزیة في الأحادیث الدینیة، ابن أبي جمهور الأحسائي، محمّد بن عليّ (م. 880ق)، قم، مطبعة سیّد الشهداء، 1403ق.

57. عیون أخبار الرضا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، الصدوق، محمّد بن عليّ (م. 381ق)، طهران، نشر جهان، 1378ق.

58. عیون الحکم والمواعظ، اللیثي الواسطي، عليّ بن محمّد (م. قرن 6)، قم، دار الحدیث، 1376ش.

59. الغدیر في الکتاب والسنّة والأدب، الأمیني، عبد الحسین (م. 1392ق)، بیروت، دار الکتاب العربي، 1397ق.

ص: 254

60. الغیبة، الطوسي، محمّد بن الحسن (م. 460ق)، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامیة، 1411ق.

61. الغیبة، النعماني، محمّد بن إبراهیم (م. 360ق)، طهران، مکتبة الصدوق، 1397ق.

62. الفصول المختارة، المفید، محمّد بن محمّد (م. 413ق)، بیروت، دار المفید، 1414ق.

63. قرب الإسناد، الحمیري القمّي، عبد الله بن جعفر (م. 300ق)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1413ق.

64. الکافي، الکلیني، محمّد بن یعقوب (م. 329ق)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1407ق.

65. الکامل في التاریخ، ابن الأثیر الجزري، عليّ بن محمّد (م. 630ق)، بیروت، دار صادر، 1386ق.

66. کشف الغمّة في معرفة الأئمّة(علیهم السلام)، الإربلي، عليّ بن عیسی (م. 693ق)، تبریز، منشورات بني هاشمي، 1381ق.

67. کفایة الأثر في النصّ علی الأئمّة الأثني عشر(علیهم السلام)، الخزّاز القمّي، عليّ بن محمّد (م. 400ق)، قم، منشورات بیدار، 1401ق.

68. کمال الدین وتمام النعمة، الصدوق، محمد بن عليّ (م. 381ق)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1395ق.

69. کنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، المتّقي الهندي، عليّ (م. 975ق)، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409ق.

ص: 255

70. مثیر الأحزان، ابن نما الحلّي، محمّد بن جعفر (م. 645ق)، قم، مدرسة الإمام المهديّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، 1406ق.

71. المجازات النبویّة، الشریف الرضي، محمّد بن الحسین (م. 406ق)، قم، مکتبة بصیرتي.

72. مجمع البیان في تفسیر القرآن، الطبرسي، الفضل بن الحسن (م. 548ق)، طهران، منشورات ناصر خسرو، 1372ش.

73. المحاسن، البرقي، أحمد بن محمّد (م. 274ق)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1370ش.

74. المحجّة البیضاء في تهذیب الأحیاء، الفیض الکاشاني، محسن بن المرتضی (م. 1091ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

75. المزار الکبیر، ابن المشهدي، محمّد بن جعفر (م. 610ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1419ق.

76. مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، میرزا حسین (م. 1320ق)، بیروت، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1408ق.

77. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل (م. 241ق)، بیروت، دار صادر.

78. مشکاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسي، عليّ بن الحسن (م. قرن 7)، النجف الاشرف، المکتبة الحیدریة، 1385ق.

79. مصباح المتهجّد، الطوسي، محمّد بن الحسن (م. 460ق)، بیروت، مؤسّسة فقه الشیعة، 1411ق.

ص: 256

80. معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرواة، الخوئي، السیّد أبو القاسم الموسوي (م. 1413ق)، 1413ق.

81. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، الحسین بن محمّد (م. 502ق)، بیروت، الدار الشامیة، 1412ق.

82. مقتل الحسین(علیه السلام)، الخوارزمي، الموفّق بن أحمد (م. 561ق.)، قم، أنوار الهدی، 1423ق.

83. مکارم الأخلاق، الطبرسي، الحسن بن الفضل (م. 554ق)، الشریف الرضي، 1392ق.

84. من لا یحضره الفقیه، الصدوق، محمّد بن عليّ (م. 381ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404ق.

85. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ (م. 588ق)، قم، منشورات العلّامة، 1379ق.

86. مناقب عليّ بن أبي طالب(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ابن مردویه الأصفهاني، أحمد بن موسی (م. 410ق)، قم، دار الحدیث، 1424ق.

87. المناقب، الخوارزمي، الموفّق بن أحمد (م. 568ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1411ق.

88. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر(علیهم السلام)، الصافي الگلپایگاني، لطف الله، قم، مکتب تنظیم ونشر آثار آیة الله العظمی الصافي الگلپایگاني، 1422ق.

89. المنتخب في جمع المراثي والخطب، الطریحي، فخر الدین (م. 1085ق)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1424ق.

ص: 257

90. مهج الدعوات ومنهج العبادات، ابن طاووس، السیّد عليّ بن موسی (م. 664ق)، قم، دار الذخائر، 1411ق.

91. نزهة الناظر وتنبیه الخاطر، الحلواني، حسین بن محمّد (م. قرن 5)، قم، مدرسة الإمام المهديّ (عجل الله تعالی فرجه شریف) ، 1408ق.

92. نهج البلاغة، الإمام عليّ بن أبي طالب(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، الشریف الرضي، تحقیق صبحي الصالح، قم، مؤسّسة دار الهجرة، 1414ق.

93. النوادر، الراوندي، السیّد فضل الله بن عليّ (م. 571ق)، قم، دار الکتاب.

94. وسائل الشیعة، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن (م. 1104ق)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1414ق.

95. ینابیع المودّة لذوي القربی، القندوزي، سلیمان بن إبراهیم (م. 1294ق)، دار الاُسوة، 1422ق.

ص: 258

الفهرس

القسم الأوّل: العقائد 7

التوحید 9

وجوب معرفة الله تعالی 10

الهدف من الخلقة 17

معرفة النبيّ والإمام الله تعالی 19

دورالمعرفة في الحسن الفاعلي 21

الدلیل علی وجود الله تعالی 21

البحث العقلي في ذاته تعالی وصفاته 22

معرفة صفاته تعالی 30

وحدة الأسماء والصفات 35

نظریة وحدة الوجود 36

تأویل صفاته تعالی 37

البناء علی القبور 38

التوسّل والشفاعة 42

العدل. 47

ص: 259

المقدّمة 48

تعریف العدل 51

الهدایة والضلال 52

الامتحان والابتلاء 54

النبوّة 57

وجوب إرسال الأنبیاء 58

عصمة النبيّ من السهو والخطأ 58

الأنبیاء مصونون من السحر 60

رفع إدریس وعیسی (علیهما السلام) إلی السماء 63

الإمامة. 65

مراتب العصمة 66

اعتقاد الشیعة حول الأنبیاء والأئمّة(علیهم السلام) 66

الولایة التکوینیّة 68

علم الإمام 71

معنی الغلوّ وموقف أهل البیت(علیهم السلام) في الغلاة 73

نسبة الاُلوهیة إلی أمیر المؤمنین عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) 81

النصوص الواردة في أسماء الأئمّة الاثني عشر(علیهم السلام) 87

الإیمان بولایة الأئمّة الاثني عشر(علیهم السلام) من شرائط الإیمان 88

حدیث اللوح 89

شمول آیة التطهیر وآیة الولایة علی الأئمّة الاثني عشر(علیهم السلام) 90

ص: 260

المراد من التطهیر 91

نزول سورة هل أتی في شأن أهل البیت(علیهم السلام) 93

فدك نحلة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) 94

فدك في عصر خلافة أمیر المؤمنین(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) 95

روایات حول شهادة فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) 95

کسر ضلع الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) في المصادر التاریخیّة 96

لطم فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وعصرها بین الباب والجدار 98

صبر أمیر المؤمنین عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) علی المصائب والحوادث 98

فضائل أمیر المؤمنین عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) 102

قصّة ردّ الشمس 105

تواتر حدیث الغدیر 105

بیعة أمیر المؤمنین عليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) للخلفاء الثلاثة 106

إیمان أبي طالب 107

زیارة وارث 108

المراد من الشیعة في خطبة الإمام الحسین(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) 108

فضیلة أصحاب الأئمّة(علیهم السلام) 109

الصحابة عند الشیعة 114

موقف علماء الشیعة في الاستناد بأقوال الصحابة 117

کیفیّة تحمّل الحدیث و نقله 118

علّة التعارض والتناقض في أحادیث الأئمّة(علیهم السلام) 120

ص: 261

حدیث لولاك سنداً ودلالةً 121

الصحیفة السجادیة متواترة 124

حبّ أهل البیت 124

وظیفة المؤمن في بلاد الغرب تجاه مکتب أهل البیت(علیهم السلام) 129

أفضلیة الأنبیاء والأئمّة من الملائکة 129

تطوّر التشیّع من عصر النبيّ 131

الفارق بین الشیعة والسنّة 134

تسمّي بعض أولاد الأئمّة بأسماء الخلفاء 135

المهدويّة 135

حدّ إطاعة الإمام(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في عصر الغیبة 135

الأعمال التوفیقیّة للوصول إلی صاحب العصر 136

عدد أنصار الإمام المهدي(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) 137

عدم جواز تعیین وقت الظهور 138

حرکة الیماني 138

الرجعة 140

عقیدة الشیعة في الرجعة 140

شخصیّة المختار بن أبي عبیدة الثقفي وثورته 143

المختار وعقیدته 144

وجودالسفیاني الیوم 144

المعاد والجزاء. 147

ص: 262

کیفیّه دخول المؤمن الجنّة 147

التناسخ 148

شهداء الأعمال یوم القیامة 149

الحساب والعقاب بالنسبة إلی غیر المسلمین 151

الخلود في النار 152

تضاعف السیّئات 152

توبة العاصي 154

حقّ الناس 155

عقبات یوم القیامة 155

عقائد متفرّقة. 157

الکتب المناسبة لتحصیل العقائد الصحیحة 157

اعتبار کتب حدیث الشیعة 158

المقصود من الصراط المستقیم في الروایات 159

المداومة علی قراءة حدیث الکساء 159

إظهار الحزن والبکاء علی أهل البیت(علیهم السلام) 160

معرفة اُصول الدین والفروع الفقهیة من خلال القضایا التاریخیة 161

نظریة الإسلام في الدنیا 162

التشکیك في العقائد الإسلامیة الثابتة بحجّة عدم توافقها مع العقل 165

بعض شبهات الوهّابية حول اُصول الدین والفروع الفقهیة 166

معنی الإسلام 168

ص: 263

اتّباع أهل العرفان 169

الشیخیة 169

القسم الثاني: الأخلاق والمواعظ. 171

إیّاکم وتشويه الدين 173

فلسفة بعض المصائب والبلایا 173

الدعاء المأثور والاستجابة 175

الصداقة ورابطة الأصدقاء 176

الوصول إلی الکمالات برهان الأعمال الصالحة 177

التوبة عن الاستمناء 177

اغتنام الفرص في حياة الشباب 178

الدعاء لطلب الذرّية الصالحة 179

الطريقة المثلى لتأدیب النفس 179

وساوس الشيطان 180

التمسّك بالقرآن وأهل البیت(علیهم السلام) للوصول إلی السعادة 181

السحر في الخِطبة 182

الصداقة وتأثیرها بین الأصدقاء 183

موقف المؤمنین تجاه الإشاعات وتجنّب التسقيط 183

وظیفة المؤمن تجاه أخیه المؤمن 185

المقصود من «حبل الله» في آیة الاعتصام 186

واجبنا تجاه القرآن الکریم 186

ص: 264

الاهتمام بالقرآن الکریم 187

حُبُّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وأهل بيته(علیهم السلام) 188

وصایتي للاُسرة المسلمة والشباب والفتیات 189

المعاقون والصبر على البلاء 190

الأغنياء ومعاونة الفقراء 191

حفظ المؤمنين وعدم جواز غيبتهم 194

دور المسجد في حياة المسلمين 195

شرف العلم وتواضع المتعلّم لاُستاذه 195

طلبة الجامعات والارتقاء العلميّ اللازم 197

دور المحقّقين في حياة المجتمع 198

المسؤولون والتواضع والعمل بالعدل 198

أهمّيّة الطبّ في المجتمع 199

أصحاب الحرف والتجارات والصنائع من أركان المدنية الإنسانية 199

التوكّل على الله والرضا بقضائه 201

حیاه الاُمّة بالعلم وتعظيم العلماء 202

وظیفة إمام المسجد 205

الشباب سلّم العروج إلی الکمال 206

علی الشباب والمحاصَرین بالغریزة الجنسیّة التأسّي بیوسف(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ودوام ذكر الله 212

حقوق الصديق تجاه صدیقه 213

صحبة الوالدين 214

ص: 265

الشباب بين صراع الهوى والعقل 214

أثر التأسّی بأهل البیت(علیهم السلام) في بناء شخصیّة الإنسان 217

التمسّك بالقرآن وسنّة النبيّ والأئمّة(علیهم السلام) 219

العمل بالواجبات الشرعية 220

نصائح عامّة للمراهقین والشباب 220

أداء الواجبات والمحرّمات 221

حقوق الإنسان بنظر الإسلام والمنظّمات العالمیة 221

الإسلام واللاعنف 223

محاولات التقريب بین المذاهب 223

تبليغ الإسلام في المجتمع الغربي 224

التاريخ بحاجة إلى غربلة 224

القسم الثالث: علوم القرآن والتفسير. 227

التفسیر 229

الحسن والقبح العقليّان 229

الفرق بین الإسلام والإیمان 233

معنی قوله تعالی: «إذا بلغت التراقي...» 235

المقصود بهمّ یوسف(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) 239

المراد من قوله تعالی: «والنجم إذا هوی» 239

معنی کلمة (کهیعص وحمعسق) 240

معنی آیة 88 وآیة 100 من سورة التوبة 241

ص: 266

معنی قوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): «شیّبتني سورة هود» 241

المراد من الأیّام في قوله «ستّة أیّام» 242

المراد من الصلاة الوسطی 242

علوم القرآن 242

حجیّة القرآن علی الناس أجمعین 242

حکمة نزول القرآن باللغة العربیّة 243

حجیّة ظواهر القرآن 243

العلوم الدخیلة في التفسیر 244

عدم تحریف القرآن عند الشیعة 246

التفسیر بالمأثور والتفسیر بالرأي 247

مصادر التحقیق. 249

ص: 267

ص: 268

الصورة

ص: 269

الصورة

ص: 270

الصورة

ص: 271

الصورة

ص: 272

الصورة

ص: 273

الصورة

ص: 274

الصورة

ص: 275

الصورة

ص: 276

الصورة

ص: 277

الصورة

ص: 278

الصورة

ص: 279

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.