سرشناسه:صافی گلپایگانی، لطف الله، 1298 -
Safi Gulpaygan, Lutfullah
عنوان و نام پديدآور:امان الامه من الضلال والاختلاف/ لطف الله صافی گلپایگانی.
وضعيت ويراست:ویراست 2
مشخصات نشر:قم: دفتر تنظیم و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی، 1397.
مشخصات ظاهری:215 ص.
شابک:150000 ریال:978-600-7854-50-1
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:چاپ قبلی:قم: مرکز الراسخون، 1380.
یادداشت:کتابنامه.
یادداشت:نمایه.
موضوع:امامت -- دفاعیه ها
موضوع:Imamate -- Apologetic works
موضوع:شیعه -- دفاعیه ها
موضوع:Shi'ah -- Apologetic works
موضوع:شیعه -- ردیه ها
موضوع:Shi'ah -- Controversial literature
موضوع:امامت -- احادیث
موضوع:Imamate -- Hadiths
شناسه افزوده:دفتر تنظیم و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی
رده بندی کنگره:BP223/1/ص2الف8 1397
رده بندی دیویی:297/452
شماره کتابشناسی ملی:5370525
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
ص: 3
أمان الاُمّة من الضلال والاختلاف
الفقیه الکبیر المرجع الدیني الأعلی سماحة آیة الله العظمی الشیخ
لطف الله الصافي الگلپایگاني (مدّ ظلّه الشریف)
ص: 4
لا ريب في اتّفاق المسلمين وإجماعهم علی وجوب الأخذ والتّمسك و العمل بالكتاب و السنّة، كما لا ريب في حص-ر مدارك الأحكام و مصادر الفقه الإسلامي فيهما عند الشيعة الإماميّة و غيرهم ممّن لا يجوّز العمل بالقياس،((1)) فما خالف الكتاب و السنّة أو لم يؤخذ منهما و لم يكن مستنداً إليهما مزخرف و باطل يضرب علی الجدار.
ولا ريب أيضاً في أنّ الشيعة يتّبعون أهل البيت (علیهم السلام) ، و يهتدون بهداهم و يقتفون آثارهم، و يحتجّون بالسنّة المرويّة عنهم، و يقدّمون أقوالهم و أحاديثهم في كلّ ما اختلف فيه الفقهاء و تعارضت فيه الأحاديث علی أقوال غيرهم و رواياتهم.((2))
ص: 5
فحقيقة مذهب الشیعة و جوهره: أنّهم يأخذون في كلّ مسألة وقع الخلاف فيها بنی الاُمّة بقول الإمام أمير المؤمنين و أولاده الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) ، لا يقدّمون عليهم أحداً من الاُمّة.
وهم يستندون في عملهم هذا إلی أدلة كثيرة، نذكر بعضها في هذه الرسالة، إن شاء الله تعالی.
أخرج الشيخ الجليل الثقة أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي (م. 450ق.) بسنده عن أبان بن تغلب((1))
قال: «أتدري من الشيعة؟ الشيعة
ص: 6
الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) أخذوا بقول عليّ (علیه السلام) ، و إذا اختلف الناس عن عليّ (علیه السلام) أخذوا بقول جعفر بن محمّد (علیه السلام) ».((1))
وقد روی أحاديث أهل البيت (علیهم السلام) و أقوالهم في الفقه من لدن عصرهم إلی عصرنا هذا جماعات كثيرة من الصحابة و التابعين و العلماء و المصنّفين و الثقات و الأثبات الممدوحين بالعدالة و الوثاقة ممّن يتجاوز عددهم حدّ التواتر في جميع الطبقات، ناهيك عن ذلك كتب الأحاديث و التراجم.
وقد اتّفق المسلمون في الصدر الأوّل و في عص-ر التابعين علی صحّة
ص: 7
الرجوع إلی أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ، و استغنت الإماميّة من بين المسلمين بسبب الرجوع إلیهم و الأخذ بروایاتهم و علومهم، عن الاعتماد علی القیاس و الاستحسان باعتبار أنّ الأحاديث المرويّة بطرقهم الصحيحة عن أئمّتهم عن آبائهم عن النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) قد أحاطت بأحكام جميع الوقائع، حیث إنّهم لم یدَعوا واقعة إلّا و قد بیّنوا حکمها؛ و ذلك ما نراه و نلمسه فيما رواه عنهم جماهير من الثقات في كلّ طبقة، و أقوالهم محفوظة في كتب الحديث المؤلّفة من عصورهم المتعاقبة حتی وقتنا هذا. وإلی ذلك يرجع الفضل كلّه في سعة دائرة فقه الشيعة و استغنائهم عن استعمال القياس و غيره من الطرق المخترعة في استنباط الأحكام الشرعية، فلا تجد فيهم من يقول برأيه و لا من يعمل بالقياس، و ما ذلك إلّا لأنّهم أخذوا العلم من منهله الصافي و طلبوه من معينه الفيّاض، و ولجوا فيه من الأبواب الّتي فتحها الله تعالی لهم، و من هنا قيل فيهم:
إذا شئت أن ترضی لنفسك مذهباً * ینجّی-ك یوم الحش--ر من لهب النار
فوالِ اُناساً قولهم و حديثهم * روی جدّن-ا عن جبرئيل عن الباري
وفيهم أيضاً يقول الشاعر كما في رشفة الصادي:((1))
إن كنت تمدح قوماً * لله من غي---ر علّة
ص: 8
فاقصد بمدحك قوماً * ه--مُ الهداةُ الأدلّة
إسنادهم عن أبيه--م * عن جبرئيل عن الله
وإنّما احتاج إخواننا أهل السنّة إلی إعمال الأقيسة و الاستحسانات في الأحكام الشرعية لتركهم التمسّك بالعترة الطاهرة و أقوالهم و أحاديثهم، و لقلّة الأحاديث الحاكية عن السنّة من طرقهم، كما تشهد بذلك جوامعهم سيّما الصحاح الستّ.
قال ابن رشد القرطبي في مقدمة كتابه بداية المجتهد: «وقال أهل الظاهر: القياس في الشرع باطل، و ما سكت عنه الشارع فلا حكم له، و دليل العقل يشهد بثبوته، و ذلك أن الوقائع بين الأشخاص الأناسيّ غير متناهية، و النصوص و الأفعال و الإقرارات متناهية، و محال أن يقابل ما لا يتناهی بما يتناهی».((1)) وسيأتي الكلام حول ذلك إن شاء الله تعالی.
ومن قرأ كتب الشيعة الإماميّة في العقائد من التوحيد و النبوّة و المعاد وفي التفسير و الفقه و غيرها، يعرف أنّ عندهم علم كثير من العلوم الإسلاميّة ممّا لا يوجد عند غيرهم، و أنّ السياسات الّتي استولت علی شؤون المسلمين و منعت الناس عن التمسّك بأهل البيت (علیهم السلام) ((2)) و حملتهم علی ترك روايات
ص: 9
رجال الشيعة، فوّتت علی غير الشيعة علوماً كثيرة و حرمتهم عن تلك الأحاديث الصحيحة و الاهتداء بهدی العترة الطاهرة، فآل أمر الدين الحنيف و السنّة النبويّة إلی ما آل، حتی قال أنس: ما أعرف شيئاً ممّا كان علی عهد النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) . قيل: الصلاة، قال: أليس ضيّعتم؟ ضیّعتم ما ضيّعتم فيها.((1))
وقال الزهري: دخلت علی أنس بن مالك بدمشق و هو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصلاة، و هذه الصلاة قد ضيّعت.((2))
وفي حديثٍ آخر عن ثابت عنه قال: ما من شيء كنت أعرفه علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) إلّا قد أصبحت له منکراً أنّي أری شهادتكم ثابتة. قال: فقيل
ص: 10
له يا أباه حمزة! فالصلاة؟ قال: قد قيل فيها ما رأيتم. ((1))
وقالت اُمّ الدرداء: دخل علَيَّ أبو الدرداء و هو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: و الله ما أعرف من اُمّة محمد (صلی الله علیه وآله و سلم) شيئاً إلّا أنّهم يصلّون جميعاً.((2))
وأخرج أحمد بسنده عن اُمّ الدرداء قالت: دخل علَيَّ أبو الدرداء و هو مغضب فقلت: من أغضبك؟ قال: والله لا أعرف فیهم من أمر محمد (صلی الله علیه وآله و سلم) شیئاً إلّا أنّهم یصلّون جمیعاً.((3))
وعن ابن عباس: أنّه كان يتمثّل بهذا البيت:
فما الناس بالناس الّذين عهدتمُ * و لاالدار بالدار الّتي كنت تعرفُ((4))
وعن یزيد بن خمير الرحبي قال: سألت عبد الله بن بس-ر صاحب النبي (صلی الله علیه وآله و سلم) : كيف حالنا من حال من كان قبلنا؟ قال: سبحان الله لو نش-روا من القبور، ما عرفوكم إلّا أن يجدوكم قياماً تصلّون.((5))
ص: 11
وعن سالم قال أبو الدرداء: لو أنّ رجلاً يعلم الإسلام و أهمّه((1)) ثم تفقّده اليوم ما عرف منه شيئاً.((2))
ولا يخفی أنّ الواجب علی العلماء الأخذ بأخبار الثقات الممدوحين بالأمانة و الوثاقة ممّن يحصل الاطمئنان بصدقهم. و من جملة الثقات الّذين هم كذلك ثقات الشيعة، فلا ينبغي للفقيه و لكلّ من يروم تعلّم الفقه الإسلامي و معرفة نظمه و مناهجه في شؤون الحياة، الإعراض عن أحاديثهم و ترك الروايات الموثوق بصدورها المخرّجة في جوامعهم لمجرّد أنّ في سندها شيعيّ أو موالٍ لأهل البيت (علیهم السلام) أو راوٍ لشيء من فضائلهم،((3))
ص: 12
كما أنّه لا يجوز الاتّكال علی أخبار الكذّابين و الوضّاعين، فلا يجوز للباحث في الفقه و الأحكام الشرعية الإعراض عن هذا العلم الجمّ الموجود عند شيعة أهل البيت (علیهم السلام) .
وسنحاول في هذا المختصر إيراد بعض ما يدلّ علی وجوب اتّباع الأئمّة الاثني عش-ر من أهل بيت النبوّة و العترة الطاهرة (علیهم السلام) برواياتهم، و الأحاديث المخرّجة عنهم في اُصول الشيعة و جوامعهم المعتبرة. فعمدنا إلی اخراج بعض الأحاديث الواردة عن طرق إخواننا أهل السنّة الدالّة من وجهة نظرهم علی حجّية أقوالهم و مذاهبهم و اجماعاتهم في الفقه، و كلّ المسائل الشرعيّة.
ونبحث في هذا الكتاب علی ضوء الأدلّة الصحيحة و الأحاديث المعتبرة عن مسألة ترتبط بواقع حياتنا الإسلاميّة في هذا العص-ر و في جميع العصور، يجب أن ندرسها و نبحث عنها و نتفهّمها و نعيّن موقفنا منها، لا الإعراض عنها، وليس فيها إن نظرنا بعين البصيرة و الإنصاف أقلّ ما يوجد التباعد، بعد ما كان اختلاف الفقهاء غير عزيز، و بعدما كان الكتاب و السنّة مصدر الجميع في الاستنباط و الاجتهاد، بل النظر في هذه المسألة
ص: 13
يأتي بالتفاهم و التجاوب، و التقريب بين المذاهب الفقهيّة، بالأخذ بما هو أوفق بالكتاب و السنّة و تمركز الآراء و المذاهب في مذهب من اتّباعه بالاتّفاق موجب للنجاة و أمان من الضلال، و يوجب تحكيم أساس الفقه من غیر تعرّض لمسألة الخلافة و الزعامة العامّة، و ما وقع فیها بین الفریقین من النقاش، و ما استدلّ به أعلام الطائفتین من أجل إثباتها لهم أو عدم إثباتها.
وإنّما اقتصرنا هنا علی ذلك لأنّ علماء الفریقین قد أشبعوا الکلام حول مسألة الخلافة و الحکومة، و أطالوا البحث فیها في کتبهم و مقالاتهم من لدن ارتحال الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله و سلم) إلی زماننا هذا بما یظهر به الحقّ للباحثین في هذه المسألة. و لأنّ إثبات حجّیة أقوال أئمّة العترة و وجوب اتّباعهم و الأخذ بروایاتهم و إجماعاتهم لا تدور مدار إثبات الإمامة العامّة و الولایة و الزعامة الکلّیة لهم في جمیع الاُمور الدینیة و الدنیویة بعد النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) بل یجب علی من لا یعرف لهم هذه الخصائص و اختصاصهم بها، الأخذ بأقوالهم و اتّباعهم و الاحتجاج بأحادیثهم و الرکون إلی آرائهم، حتی یسیر الفقه مسیره، و یصان عن القول بغیر علم، و یکون التعویل فیه علی أصحّ الأدلّة، لا فرق في ذلك بین الشیعة و من لا یعتقد من أهل السنّة أحقّیّتهم بمنصب الخلافة الکبری، و تخصیصها من قبل الله سبحانه و تعالی بهم.
ص: 14
فالولایة الشرعیة الّتي کانت ثابتة للنبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) و بعده لخلفائه و ولاة الأمر من أهل بیته و عترته و إن کانت لا تنفكّ عن وجوب الاتّباع و التأسّی و التمسّك بهم و حجّیة أقوالهم و أفعالهم، إلّا أنّ الثانی لم یقص-ر علی زمان حیاتهم و تمکّنهم من التص-رّف في الاُمور فحسب بل یجب التمسّك بهم و بأقوالهم و أفعالهم مطلقاً.
فالمسألة من ناحیتها الاُولی في عصرنا اعتقادیة، و للکلام فیها مجال غیر هذا، و لیس لها في زماننا کثیر مساس بالعمل، فلیس في مقدور أحد في هذا الزمان أن یعمل لتکون تلك الولایة في الخارج لشخص دون آخر ممّن مضی عصره، فلیس في وسع أحد تغییر ما وقع.
الإمام أمیر المؤمنین عليّ (علیه السلام) إمام و وليّ، لا شكّ في ولایته و إمامته، و لا یقبل إیمان عبد إلّا بولایته، و لا ریب في أنّه کان علی الحقّ، کما لا شكّ أنّ معاویة کان علی الباطل و باغیاً علیه، إلّا أنّ الإمام استشهد بجنایة ابن ملجم علی الإسلام و المسلمین، و تغلّب معاویة علی الأمر، و آل أمر المسلمین - سیّما في سیاسة الحکم و الإدارة - إلی ما آل إلیه.
والحسین (علیه السلام) أبو الشهداء و سیّد الأحرار، لا شكّ في إمامته و أنّه سیّد شباب أهل الجنّة، و ثار لطلب الإصلاح و الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، کما لا ریب في سوء أعمال یزید و مظالمه و جرائمه و موبقاته. إلّا أنّه لا
ص: 15
یمکننا أن نغیّر التاریخ و أحداثه الواقعة بعد أربعة عش-ر قرناً، فلا یمکن لمحبّي أهل البیت (علیهم السلام) و من یعتقد عدم شرعیة حکومات غیرهم ممّن استبدّوا بالأمر أن یمنعوا عن عرش الخلافة هؤلاء الحکّام الّذین حالت بیننا و بینهم الأزمنة و القرون، و یجلسوا أئمّة أهل البیت في المسند الّذی وضعه الله تعالی لهم و أجلسهم علیه و اختصّهم به.
إذن فلا عمل لهذا، و لا اختلاف عملیاً في ذلك بین الشیعة و السنّة، و لا وجه لعتاب من یعتقد عدم شرعیة هذه الحکومات إذا کانت عقیدته نابعة من طول البحث و الاجتهاد في الکتاب و السنّة، و لا ینبغی أن یکون سبباً للتباعد و التنافر و الشحناء و البغضاء، و الرمي بما هو بريء منه من الکفر و الشرك و الضلال مع الشهادة بالتوحید و الرسالة.
وأمّا من ناحیته الاُخری الّتي نبحث عنها في هذا الکتاب علی ضوء الأدلّة الصحیحة و الأحادیث المعتبرة، فهي مسألة ترتبط بواقع حیاتنا الإسلامیة في هذا العصر و في جمیع العصور، یجب أن ندرسها و نبحث عنها و نتفهّمها و نعیّن موقفنا منها، لا الإعراض عنها. و لیس فیها - إن نظرنا بعین البصیرة و الإنصاف - أقلّ ما یوجب التباعد، بعد ما کان اختلاف الفقهاء غیر عزیز، و بعدما کان الکتاب و السنّة مصدر الجمیع في الاستنباط و الاجتهاد، بل النظر في هذه المسألة یأتي بالتفاهم والتجاوب، و التقریب
ص: 16
بین المذاهب الفقهیة، و الأخذ بما هو أوفق بالکتاب و السنّة، و یوجب تحکیم أساس الفقه کما ستعرف إن شاء الله تعالی.
وقد أقرّ هذا المبدأ وأخذ به جمع من أعيان أهل السنّة: منهم الفخر الرازي، فنراه يقدّم الإقتداء بأمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) علی غيره من الصحابة، فهو يقول في تفسيره في مسألة الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة:
وأمّا أنّ عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، و من اقتدی في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدی، و الدليل عليه قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «اللّهمّ أدر الحقّ مع عليّ حيث دار».((1))
وقال: اطباق الكلّ علی أنّ عليّاً كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.((2))
وقال في مقام الإستدلال: الجهر بذكر الله يدلّ علی كونه مفتخراً بذلك الذكر غير مُبالٍ بإنكار من ينكره، و لا شكّ أنّ هذا مستحسن في العقل فيكون في الشرع كذلك... و كان عليّ بن أبي طالب يقول: «يا من ذكره شرف للذاكرين»، و مثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعی في إخفائه، و لهذا السبب نقل أنّ عليّاً - رضي الله عنه - كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات. و أقول: إنّ هذه الحجّة قويّة في نفس-ي راسخة
ص: 17
في عقلي، لا تزول البتّة بسبب كلمات المخالفين.((1))
وقال أيضاً: إنّ الدلائل العقليّة موافقة لنا، و عمل عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) معنا، و من اتّخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقی في دينه و نفسه.((2))
ومع ذلك قال: قالت الشيعة، السنّة هي الجهر بالتسمية، سواء كانت في الصلاة الجهرية أو السرّية، و جمهور الفقهاء يخالفونهم
فيه.((3)) لماذا؟ لأنّهم شيعة أهل البيت، و المتمسّكون بهم بالتمسّك المأمور به في حديث الثقلين.
والقارئ العزيز إذا تأمّل فيما نذكره في هذا الكتاب، و تتبّع مصادر الشيعة و كتب حديثهم وفقههم، إن لم يصدّق شيئاً فيصدّق علی الأقلّ أنّ إجماع فقهاء الشيعة في كلّ مسألة من المسائل الفقهيّة - كهذه المسألة الّتي ذكرها الفخر - كاشف عن إجماع عترة النبيّ|، و عن رأيهم و مذهبهم فيها.
إذن فماذا عذر الجمهور عند الله تعالی في مخالفة الشيعة في مثل هذه المسألة، و ترك الإقتداء بعليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، و ترك التمسّك بالعترة.
ص: 18
وخلاصة القول: أنّ ما يدور حوله البحث في هذه الرسالة أمران:
الأوّل: وجوب الأخذ بأحاديث أهل البيت، و ما رواه عنهم أعلام الشيعة بطرقهم المعتبرة المعتمدة في جوامعهم.
الثاني: حجّية أقوالهم و مذاهبهم و آرائهم، بل وأفعالهم و وجوب اتّباعهم و الرجوع إليهم و السؤال منهم و التمسّك بهم و تقديم قولهم علی غيرهم.((1))
ص: 19
ص: 20
وإنّنا لنرغب قبل الدخول في الموضوع إلفات النظر إلی شيء هو من الأهميّة بمكان حسبما نراه، و هو أنّ السبب الوحيد و الباعث الحقيقي لعدول من عدل عن الأخذ بأحاديث أهل البيت و ما رواه المحدّثون من الشيعة - كما يظهر لكل ّ باحث - لم يكن إلّا السياسة و غلبة الاُمراء و الملوك المستبدّين الّذين سوّدت مظالمهم صفحات التاريخ و عملوا علی تحريف حقائق هذا الدين، و أحكام شريعته الحنيفیّة السمحاء، أو تأويلها لتوافق أهواءهم الفاسدة و سياساتهم الغاشمة. فعدلوا بالناس نتيجة لذلك عن الصراط المستقيم، و حالوا بينهم و بين الاعتصام بحبل الله المتين و التمسّك بالثقلين، حيث أشعروهم بأنّ الرجوع إلی أهل بيت النبوّة و أخذ العلم و الاستفتاء منهم من أكبر الجرائم السياسية الّتي يستحقّ مرتكبها القتل و السجن علی أقلّ تقدير.
وقد لاقی الكثير ممّن روی عن أهل البيت أو في فضائلهم من أصحاب النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) و التابعين و رجالات الدين و أئمّة الحديث و غيرهم أنواعاً من القتل و السجن و التعذيب علی أيدي هؤلاء الحكام و الظلمة، و ما قصدهم
ص: 21
من ذلك إلّا إطفاء نور العلم النبوّي الخالد معاندة للحقّ و أهله.
ومن له إلمام بتاريخ الاُموي و العبّاسي يعلم موقف الحُكّام من كلّ من يأمر بالمعروف و ينهی عن المنكر و يستنكر سيرتهم السيّئة،((1)) و سيّما من آل البيت (علیهم السلام) و شيعتهم و من روی علومهم و حديثهم. و يكفيك الرجوع إلی كتاب النصائح الكافية و غيره ممّا ألف في هذا الموضوع.
ونحن نری أنّ الإضراب عن الخوض في هذه المسألة أصلح و التفرّغ للبحث عن المقصود أولی، لأنّنا لو تعرضنا لها لاستغرق ذلك بحثاً طويلاً.
ص: 22
إلّا أنّ الباحث فيما نحن بصدده لا يسعه دراسة الموضوع دراسةً وافيةً من دون تعمّق في موقف السياسة ضدّ أئمّة أهل البيت و أشياعهم كما لا ينبغي الإغماض و عدم التعرض - و لو بالإيجاز - لكشف دور السياسة الغاشمة في وضع الأحاديث المكذوبة علی رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) لمصلحة الحاكمين، و من استولی علی مركز الخلافة بالسيف و القهر.
فهذا معاوية بن أبي سفيان أمر بسبّ أمير المؤمنين، باب مدينة العلم و بطل الإسلام و ابن عمّ الرسول و أخيه، و من أنزله من نفسه بمنزلة هارون من موسی، و عمل علی قتل ريحانة الرسول و سبطه الأكبر، و كتب بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممّن روی شيئاً من فضل أبي تراب و أهل بيته. و استعمل علی أهل الكوفة زياد بن أبيه و ضمّ إليها البص-رة، فكان يتتبّع الشيعة و هو بهم عارف، فقتلهم تحت كلّ حجر و مدر، و أخافهم و قطع الأيدي و الأرجل و سمل العيون و صلبهم علی جذوع النخل و طردهم و شرّدهم عن العراق.((1))
نذكر مثالاً لذلك: أنّه بعث في طلب صيفي بن فسيل الشيباني، فلمّا اُتي، قال له: يا عدو الله ما تقول في أبي تراب؟ قال: ما أعرف أبا تراب. فقال: ما اُعرّفك به؟ أتعرف عليّ بن أبي طالب؟ فقال: نعم. قال: فذاك أبو تراب.
ص: 23
قال: كلّا ذلك أبو الحسن و الحسين. فقال له صاحب الشرطة: يقول الأمير هو أبو تراب و تقول لا؟ قال: فإن كذب الأمير أكذب أنا و أشهد علی باطل كما شهد؟ فقال له زياد: وهذا أيضاً، عليّ بالعصا، فاُتي به. فقال: ما تقول في عليّ؟ قال: أحسن قول. قال: أضربوه، حتی لصق بالأرض. ثمّ قال: اقلعوا عنه، ما قولك في عليّ؟ قال: والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت فيه إلّا ما سمعت منّي. قال: لتلعننّه أو لأضربنّ عنقك. قال: لا أفعل، فأوثقوه حديداً و حبسوه.((1))
واشتدّ الأمر حتی أنّ المقري قال: كان بنو اُميّة إذا سمعوا بمولود
اسمه عليّ قتلوه.((2))
ومن عمّاله علی المدينة مروان بن الحكم، و كان لا يدعُ سبّ عليّ × علی المنبر كلّ جمعة تنفيذاً لأوامر معاوية.
وكتب إلی عمّاله نسخةً واحدةً: اُنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه.
وشفع ذلك بنسخة اُخری: من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به و اهدموا داره.
ص: 24
فلم يكن البلاد أشدّ و أكثر منه بالعراق و لاسيّما بالكوفة، حتی أنّ الرجل من شيعة عليّ (علیه السلام) ليأتيه من يثق بدينه فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه، و يخاف من خادمه و مملوكه و لا يحدّث حتی يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمنّ عليه.
ونقل أبو عثمان الجاحظ: أنّ معاوية كان يقول في آخر خطبته: اللّهمّ إنّ أبا تراب (إلی آخر ما قال ممّا لم نذكره حياءاً من الله و رسوله).
و روی فيه أيضاً أنّ قوماً من بني اُميّة قالوا لمعاوية: إنّك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال: لا والله حتی يربو عليه الصغير و يهرم عليه الكبير و لا يذكر له ذاكر فضلاً.((1))
ص: 25
وأفرط في ذلك حتی أظهر ما في صدره، و عرض علی كريم بن عفيف الخثعمي البراءة من دين عليّ الّذي يدين الله به، و أمر زياد أن يقتل عبد الرحمن بن الحسّان العنزي شرّ قتلة لشهادته في عليّ (علیه السلام) أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً، و من الآمرين بالحقّ، والقائمين بالقسط، و العافين عن الناس، و لمقاله في عثمان، فدفنه زياد حيّاً.((1))
وأمر بافتعال الأحاديث في شأن عثمان و إكرام من يروي في فضله، حتی أكثروا في فضائله لما كان يبعث إليهم من الصلات و القطائع، فليس يجد امرؤ من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة إلّا كتب
ص: 26
اسمه و قرّبه و شفّعه، فلبثوا بذلك حيناً، فكتب إلی عمّاله: أنّ الحديث في عثمان قد جهر و فشا في كلّ مصر و كلّ وجه و ناحية، فإذا جاء كم كتابي هذا فادعوا الناس إلی الرواية في فضائل الصحابة و الخلفاء الأوّلين، و لا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا واتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إلَيَّ و أقرّ لعيني و أدحض لحجّة أبي تراب و شيعته، و أشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرأت كتبه علی الناس، فرويت أحاديث كثيرة في مناقب الصحابة مختلقة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجری، حتی أشادوا بذكر ذلك علی المنابر، و ألقی إلی معلّمي الكتّاب فعلّموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتی رووه و تعلّموه كما يتعلّمون القرآن، و حتّی علّموه بناتهم و نساءهم و خدمهم و حشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
فظهر حديث كثير موضوع و بهتان منتش-ر، و مضی علی ذلك الفقهاء و القضاة و الولاة، و كان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون و المستضعفون الّذين يظهرون الخشوع و النسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، و يقربوا في مجالسهم، و يصيبوا به الأموال و الضياع و المنازل، حتی انتقلت تلك الأخبار و الأحاديث إلی أيدي الديّانين الّذين لا يستحلّون الكذب و البهتان، فقبلوها و رووها و هم يظنّون أنّها حقّ، و لو علموا أنّها باطل لما رووها و لا تديّنوا بها. فلم يزل الأمر
ص: 27
كذلك حتی قتل الحسن بن عليّ (علیهما السلام) بالسمّ ظلماً، فازداد البلاء و الفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلّا و هو خائف علی دمه أو طريد علی الأرض، ثمّ تفاقم الأمر بعد استشهاد الحسين (صلی الله علیه وآله و سلم) .((1))
وإن شئت الإحاطة بدوافع معاوية من منعه الملحّ عن ذكر فضائل أمير المؤمنين عليّ و سائر أهل البيت (علیهم السلام) فراجع ما ذكره المسعودي في حوادث سنة اثنتي عشرة و مائتين من حديث مطرف بن مغيرة،((2)) حتی تعلم أنّهم لم يريدوا من سبّ عليّ إلّا سبّ رسول الله و إطفاء نوره(صلی الله علیه وآله و سلم).
وهذا عبد الملك بن مروان قد شدّد الضغط علی محبّي أهل البيت، و ولّی عليهم الحجّاج الّذي أخذ يقرّب إليه كلّ من كان أشدّ بغضاً لاهل البيت و أكثر موالاة لأعدائهم، حتی جاء واحد منهم يوماً إليه - يقال: جدّ الأصمعي - وقف للحجّاج فقال: إنّ أهلي عقّوني فسمّوني عليّاً و إنّي فقير بائس و أنا إلی صلة الأمير محتاج. فتضاحك الحجّاج و قال: للطف ما توسّلت به قد ولّيتك موضع كذا.((3))
والحجّاج هو الّذي كتب إلی محمّد بن القاسم أن يعرض عطيّة العوفي
ص: 28
ابن سعد علی سبّ عليّ (علیه السلام) ، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط و احلق لحيته، فأبی عطيّة أن يسبّ، فأمضی محمّد بن القاسم حكم الحجّاج فيه.((1))
وقد عرقب الحجّاج أو بشر بن مروان، أبو يحيی الأعراج المعرقب من شيوخ الأربعة و مسلم لمّا عرض عليه سبّ الإمام (علیه السلام) فأبی فقطع عرقوبه. قال ابن المديني: قلت لسفيان: في أي شيء عرقب؟ قال: في التشيّع.((2))
وهكذا استمرّ الأمر إلی أيّام عمر بن عبد العزيز، وأشرار الولاة يتطاولون علی مقام أمير المؤمنين (علیه السلام) حتی من كان منهم في المدينة المنوّرة، و بجوار القبر الشريف و علی منبر الرسول (صلی الله علیه وآله و سلم) .((3))
ص: 29
و قد روی ابن عرفة المعروف بنفطويه و هو من أكابر المحدّثين و أعلامهم في تاريخه: أنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني اُميّة تقرّباً إليهم.((1)) وذكر السيوطي أنّه كان في أيّام بني اُمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها الإمام عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) بما سنّه لهم معاوية.((2))
فانظر أيّها القارئ بعين الإنصاف إلی هذه المخازي، و إن شئت فراجع الكثير منها في كتب القوم، حتی تعرف ما اقترفته أفاعيل السياسة المجرمة من أجل إمالة الناس عن أهل بيت الوحي و النبوّة.
قال سيّدنا الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (علیه السلام) في جواب الحارث بن الجارود التميمي، لمّا رآه في جماعة من أهل بيته في المدينة و هم جلوس في حلقة، فقال الحارث: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، كيف أصبحتم رحمكم الله؟ فرفع الإمام (علیه السلام) رأسه إليه فقال: «أما تدري كيف نمسي و نصبح، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون الأبناء و يستحيون النساء، وأصبح خير الاُمّة يشتم علی المنابر، وأصبح من یبغضنا یعطی الأموال علی بغضنا، وأصبح من یحبّنا منقوصاً حقّه - أو قال حظّه - أصبحت قريش تفتخر علی العرب بأنّ محمّداً (صلی الله علیه وآله و سلم) قرشيّ،
ص: 30
و أصبحت العرب تفتخر علی العجم بأنّ محمّداً كان عربياً، فهم يطلبون بحقّنا و لا يعرفون لنا حقّاً، اجلس يا أبا عمران فهذا صباحنا من مسائنا».((1))
وأخرج نحوه ابن سعد بسنده عن المنهال بن عمرو.((2))
جاء بعد بني اُميّة بنو العبّاس، فلم تكن وطأتهم علی أهل البيت و عترة الرسول(صلی الله علیه وآله و سلم) و شيعتهم و محبّيهم بأخفّ من أسلافهم، إن لم نقل بأنّهم كانوا أشدّ من اُولئك ظلماً و عنفاً و اظطهاداً لهم.
إذ أنّهم بالإضافة إلی المسلك المنحرف الّذي سلكوه من وضع الأحاديث، و بالإضافة إلی أنّهم کبني اُميّة أحيوا ما أماته الإسلام من السنن الملوكية، أخذوا يباشرونهم بأنفسهم أو بالايعاز إلی عمّالهم المنحرفين، قتل كلّ من يعترض سبيل مسلكهم الظالم أو يخشون اعتراضه، حتی أزهقوا الكثير من النفوس الطاهرة، و سفكوا الجَمّ من الدماء الزكية من أكابر أهل البيت و شيعتهم و محبّيهم.
لم يهمل التاريخ مظالم مثل المنصور و الهادي و هارون و غيرهم من ملكوك بني العبّاس.((3))
ص: 31
ولم يهمل ما فعله المتوكّل بابن السکّيت إمام العربية المعروف، فإنّه كان قد ندبه إلی تعليم أولاده، حتی جاء يوم جمعهم في مجلس واحد، فنظر المتوكّل إلی و لديه المعتزّ و المؤيّد و خاطب ابن السكيت قائلا له: من أحبّ إليك هما - يعني ولديه المذكورين - أو الحسن و الحسين؟ فقال: قنبر - يريد به مولی علي (علیه السلام) - خير منهما. فأمر حينئذ الأتراك فداسوا بطنه حتی مات. و قيل: أمر باستلال لسانه فاستلّوه حتی مات.((1))
وذكر ابن حجر في ترجمة نصر بن عليّ بن نص-ر الجهضمي من شيوخ الستّة. قال أبو عليّ بن الصوّاف عن عبد الله بن أحمد لمّا حدث نصر بن عليّ بهذا الحديث - يعني حديث عليّ بن أبي طالب: «أنّ رسول الله أخذ بيد حسن و حسين، فقال: من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمّهما كان في درجتي يوم القيامة» - أمر المتوكّل بضربه ألف سوط، فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد و جعل يقول له: هذا من أهل السنّة، فلم يزل به حتی تركه.((2))
ص: 32
ذلك هو الأثر لتدخّل السياسة المنحرفة في الاُمور، فهل تری - أنشدك الله - لهذه الأعمال وجهاً إلّا المحافظة علی الاستمرار في القبض علی أزمّة الاُمور و مقاليد الحكم، و إلّا القضاء علی الفكر الحرّ، و إلّا التنكّر للحقّ و القضاء عليه، و إلّا بغض عليّ بن أبي طالب و سائر أهل البيت الّذي هو من أظهر آثار النفاق؟ و قد قال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) : «لا يحبّ عليّاًَ منافق، و لا يبغضه مؤمن»،((1)) و قال جابر: ما كنّا نعرف منافقينا إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب.((2))
ص: 33
وهل هنا من المصاديق أجلی من أن يؤمر بض-رب المتحدّث عن فضل عليّ و الزهراء و الحسنين (علیهم السلام) الّذين هم أصحاب الكساء و أهل المباهلة ألف سوط لذلك؟
فما ظنّك إذن بمن يتتلمذ و يأخذ العلم و الحديث عن سائر أئمّة أهل البيت كالباقر و الصادق و الكاظم (علیهم السلام) ، و كيف تكون نظرة هؤلاء إليه، و إلی أيّ مدی يكون حقدهم عليه؟!
ثمّ إنّ الحكّام العباسيّين لم يكونوا أقلّ حماساً في هذا الميدان من الاُمويّين، فقد أخذوا يقرّبون الكثير من المحدّثين الّذين عرفوا عنهم عزوفهم عن الحديث بما روي في فضائل أهل البيت أو الأخذ عنهم و عن شيعتهم في الفقه و التفسير و العقائد، و شدّدوا النكير علی من حدّث شيئاً في فضائلهم و مناقبهم (علیهم السلام) منزلين به أشدّ العقوبات، و أوجدوا محدّثين مأجورين يضعون الأحاديث في فضائل بني العبّاس و ما يؤيّد سيرتهم و سياستهم، و يسردونها علی العوامّ.
ذكر الذهبي في ترجمة ابن السقّاء الحافظ عبد الله بن محمّد الواسطي: اتّفق أنّه أملی حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا به
و أقاموا و غسلوا موضعه، فمضی و لزم بيته.((1))
ص: 34
وأغرب من ذلك ما فعله أهل دمشق بالنسائي صاحب السنن و خصائص أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) .((1))
وبالغ بعضهم في ردّ فقه أهل البيت - الّذين أذهب الله عنهم الرجس، و جعلهم النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) ، عدل القرآن و كسفينة نوح و باب حطّة حتی قال ابن خلدون في مقدّمته - وهو ممّن كان يخدم الملوك و الاُمراء و يتزلّف إليهم و يؤيّد آراءهم السياسية، هذا الرجل الّذي وقعت منه في مقدّمته هذه أخطاء فاحشة قد نبّه علی بعضها الاُستاذ شاكر، و ما ذلك إلّا لأنّه نظر في المسائل الإسلامية من زاوية وجهة نظر السياسة للدول الاُمويّة الأندلسيّة الّتي يقول عنها العقّاد: إنّها أنشأت للشرق الإسلامي تأريخاً لم يكتبه مؤرّخوه و لا يكتبونه علی هذا النحو لو أنّهم كتبوه،((2)) ضمن الفصل الّذي عقده في علم الفقه - وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها و فقه انفردوا به.((3))
ص: 35
فسبحان الله! إذا كان أهل البيت مبتدعين، فلم جعلهم رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) أعدالاً للكتاب، و جعل التمسّك بهم أماناً من الضلال؟ و ما معنی هذا
الحثّ الملحّ و الترغيب الواردين في الكتاب و السنّة علی محبّتهم و ولايتهم؟
وقد سمعت بأنّ جماعة من المحدّثين الّذين انضافوا وراء هذه الأباطيل قد أعرضوا و ضعّفوا روايات جمّ غفير من الثقات لمجرّد كونهم شيعة أو مغالين بزعمهم في محبّة أهل البيت، مع كونهم في نفس الوقت يحتجّون بروايات النواصب و الخوارج و المنافقين المعروفين بالانحراف عن أهل البيت، و المشهورين بالظلم و الخيانة و المآثم و المعاصي.
والعجب أنّ مثل البخاري الّذي يروی عن ألف و مائتين من الخوارج،((1))
ص: 36
و يحتجّ بأكثر من مائة مجهول،((1)) و بأعداء أهل البيت مثل المغيرة و مروان و عمرو بن العاص وغيرهم من المنافقين الّذين ظهر فيهم أبرز أمارات النّفاق - و هو بغضهم لعليّ (علیه السلام) - و صحّ فيهم أحاديث الحوض المتواترة و غيرها.((2)) هذا البخاري لا يروي شيئاً من حديث ريحانتي الرسول و سبطيه سيّدي شباب أهل الجنّة، ويحتجّ بحديث سمرة بن جندب،((3)) من
ص: 37
الجزء الثاني من صحيحه((1)) قبل باب ما جاء في صفة الجنّة بأربعة أحاديث،((2)) و كذا في غير ذلك من الموارد الّتي لا تخفی علی المتتبّع.
و يحتجّ أيضاً بحديث عكرمة و عمران بن حطّان،((3)) دون حديث واحد من مثل الإمام جعفر بن محمّد الصادق و الامامين الكاظم و الرضا (علیهم السلام) .
والآن يحقّ لنا أن نتساءل: لماذا كان موقف بني اُميّة و بني العبّاس من أهل البيت هذا الموقف المخزي؟
وهل يمكن أن يكون الجواب غير أنّ أهل البيت ليس لهم من ذنب
ص: 38
سوی أنّهم و شيعتهم لم يدخلوا في حزب هؤلاء الجبابرة الّذين قلّبوا الإسلام، و لم يقبلوا أن يكونوا أعواناً لمثل يزيد و مروان و عبد الملك و الوليد المتجاهر بالكفر، و منصور و هارون و المتوكّل و غيرهم، و لم يكونوا ليسكتوا علی مظالمهم و جرائمهم فضلاً عن أن يشاركوهم فيها؟
وهل يمكن أن يكون لذلك من سبب غير أنّ هؤلاء الحُكّام المجرمين لمّا رأوا أنّهم لو أقرّوا أحاديث أهل البيت و أخذوا بمذاهبهم في الفقه لزال سلطانهم((1)) و لم يبق لهم من نفوذ و لا سيطرة علی عباد الله تعالی، و لانكشف كافّة ألاعيبهم و انحرافاتهم عن الجادّة المستقيمة و لما استطاعوا أن يلغوا بدماء المسلمين و انفاقه علی أنفسهم و خاصّتهم لبناء القصور و شراء الإماء و القينات و الخوض في اللهو و اللعب و أنواع المعاصي و فنون الخلّاعة و الدعارة و الترف، و امتلاء أرجاء بيوتهم بأصوات المعازف و التنعّم بمطارف الحرير و ألوان الأطمعة، و لقد حكی الكثير من مجالسهم المحرّمة الّتي كانوا يعقدونها لمعاقرة أنواع الخمور.
كلّ ذلك و البلاد الّتي نكبت بحكمهمم تعجّ بالجياع الّذين كانوا بأمسّ
ص: 39
الحاجة إلی ما يسدّ جوعهم و يدفع عنهم غائلة الفاقة و يحفظهم عن الحرّ و البرد، فراجع كتب التاريخ حتی تری الأعاجيب ممّا كان يحدث في بلاط الملوك و الخلفاء و الاُمراء.
هذا مختصر الكلام في سبب اعراض الجمهور عن أحاديث أئمّة العترة الطاهرة، و من هنا نشرع بعون الله تعالی في المقصود. والله وليّ التوفيق.
ص: 40
أجمع العقلاء كافّة علی الأخذ و العمل بأخبار الثقات، و اعتبارها حجّة في مقام التعامل و الخصومة، و لولا ذلك لما قامت لهم سوق و لاختلّ نظام اُمورهم.
والشريعة الإسلامية قد قرّرت هذه الطريقة العقلائيّة و أقرّتها، و لم تردع النّاس عنها. و تبعاً لذلك استقرّ بناء المسلمين منذ عصر النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) إلی زماننا هذا علی رغم من رام إمالة الناس عن التحدّث بأحاديث الرسول،((1))
ص: 41
و الاحتجاج بخبر الثقات، حتی أنّهم اعتبروا تحمّل الحديث و حفظه و نقله من أعظم المناصب الدينية و أفضل القربات إلی الله سبحانه، و لذا أكرموا المحدّثين غاية الإكرام و أنزلوهم أحسن المنازل، و أسندوا إليهم الوظائف و منحوهم الصلات، حتی صارت مجالس إملاء الحديث علی كثرتها من أعظم المجالس اعتباراً و قدراً و منزلة و شرفاً، و قد تنقل الكثير من شيوخ الحديث و رجالات العلم في الآفاق، و شدّوا الرحال إلی كثير من البلاد لاستماع الحديث و نقله و تدوينه.
وكان في طليعة شدّ الرحال إليهم لذلك من مختلف الآفاق هو الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیهما السلام) ، حتی زاد مجموع من نقل عنه علی أربعة آلاف رجل كلّهم يقول: حدّثني جعفر بن محمد.
وممّا تقدّم يعلم مدی المكانة العالية و الشأن الكبير اللذين كانا للحديث عند المسلمين، و لقد كان له علی نقلة أحداث التاريخ التأثير الخطير في
ص: 42
نفوسهم و توجيه اُمورهم و أحوالهم و في مسلكهم مع حكوماتهم ممّا يعتبر العامل في كثير من الأزمنة في دعم الحكم و تأسيسه، و كذا التدخّل في الشؤون الاجتماعية و الاقتصادية و العمرانية و غيرها.
وقد اشتهر بحفظ الحديث جماعة کالبخاري و مسلم و ابن ماجة و الترمذي و النسائي و أبي داود و مالك و أحمد و البيهقي و الطبراني و ابن عساكر و الطيالسي و الدارمي و الحاكم و ابن أبي شيبة و السيوطي و غيرهم من أهل السنّة و أعلامهم.
وكمؤلفي الاُصول الأربعمائة من أعلام القرن الثاني و الثالث الهجري و الكليني صاحب الجامع المعروف بالكافي، و الصدوق مؤلّف من لا يحض-ره الفقيه، و الشيخ الطوسي مؤلف كتابي التهذيب و الاستبصار، و البحراني صاحب كتاب العوالم، و المجلس-ي مؤلّف كتاب بحار الأنوار، و الفيض الکاشاني صاحب كتاب الوافي، و الحرّ العاملي مؤلّف وسائل الشيعة، و غيرهم من الإماميّة.
كما قد صنّف علماء الفريقين كتباً كثيرة و اسفاراً ضخمة، سواء في معرفة الرجال و الطبقات و التمييز بين المشتركات أم في معرفة الحديث و أقسامه و انحاء تحمّله، ما لو أردنا التكلّم حولها لطال بنا المقام، إلّا أنّنا طلباً للاختصار نقتصر علی ذكر شيء من مصنّفات الشيعة في ذلك:
ص: 43
فمن مؤلّفاتهم في الرجال:((1))رجال الفضل بن شاذان (م. 260ق.)، و طبقات الرجال لأحمد بن محمد بن خالد البرقي (م. 274أو 280 ق.)، و رجال الكشيّ من أعلام القرن الثالث الموسوم بمعرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين الّذي اختصره الشيخ الطوسي و سمّاه اختيار الرجال، و رجال أبي عليّ المحاربي من أعلام القرن الثالث الهجري و قبله، و رجال محمّد بن أحمد بن داود بن عليّ (م. 378ق.) في الممدوحين و المذمومين، و رجال العقيقي من أعلام القرن الرابع الهجري، و رجال ابن عيّاش (م. 401ق.)، و رجال ابن عبدون (م.423ق.)، و رجال النجاشي (م.450ق.)، و رجال الشيخ الطوسي و الفهرست له (م. 460ق.)، و معالم العلماء لابن شهر آشوب (م. 588ق.)، و رجال ابن داود من أعلام القرن السابع الهجري، و رجال ابن طاووس (م. 673ق.)، و كتب الرجال للعلّامة الحلّي (م. 726ق.): الخلاصة و إيضاح الاشتباه و كشف المقال، و رجال الأمير مصطفی التفريش-ي (م. 1015ق.)، و مجمع الرجال للمولی عناية الله الأصبهاني، و معاصر التفريشي، و كتب الرجال للمحقق الأستر آبادي (م. 1028ق.) الثلاثة
ص: 44
الكبير و الوسيط و الصغير، و كتابي رجال السيّد عليّ خان المدني (م. 1120ق.) المعروفين بسلافة العص-ر و الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، و رجال العلّامة المجلس-ي (م. 1111ق.)، و رجال الشيخ سليمان البحراني الماحوزي (م. 1121ق.)، و الرجال الموسوم برياض العلماء لميرزا عبد الله أفندي الأصبهاني (م.1130ق.)، و رجال الشيخ أبي عليّ الحائري (م. 1159ق.)، و أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين العاملي (م.1371ق.)، و غيرها ممّا يطول الكلام بسرد أسمائها.
ومن الكتب المصنّفة لتمييز المشتركات: کتاب تمییز المشترکات للمولی محمد أمين الكاظمي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، و كتاب جامع الرواة للأردبيلي (م. 1101ق.)، و غيرهما.
ونذكر من الكتب المؤلّفة في الطبقات كتاب سيّدنا و اُستاذنا زعيم الشيعة الإمام السيّد حسين الطباطبائي البروجردي (م. 1380ق.) أعلی الله في القدس درجته و درجة جميع العلماء العاملين.
ص: 45
ص: 46
عرفت أنّ العمل والاحتجاج بأخبار الثقات مما اتّفق العقل و النقل علی صحّته، فالواجب الأخذ بخبر الثقة الممدوح بالأمانة و الوثاقة، سواء كان من الشيعة أو من أهل السنّة. كما أنّه لا ينبغي الأخذ و الاتّكال علی أخبار الكذّابين والوضّاعين و المجهولين و المنافقين من أيّ فرقة كانوا.
فالإعراض عن الروايات المخرّجة في جوامع الشيعة المنقولة إليهم عن أئمّتهم بسندهم المتّصل إلی جدّهم رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) ينافي ما استقرّ عيه بناء العقلاء و دلّت عليه الأدلّة السمعية.
فإنّ الأمانة و الإخلاص يحتمّان علی كلّ باحث في الفقه استنباط الأحكام من الروايات المعتبرة المخرّجة في كتب الفريقين، و أن لا يقتص-ر في ذلك علی أحاديث طائفة دون اُخری، فلا يجوز له ترك هذا العلم الكثير في أبواب المعارف الإسلامية من الفقه و العقائد و الأخلاق و الآداب و التفسير والاحتجاج.
ومن جهة اُخری، فإنّه يظهر لكلّ مطلع علی كتبهم الرجالية سعة تحقيقاتهم في التعرّف علی أحوال الرجال، و أنّهم أشدّ من غيرهم بكثير في الاعتماد علی الممدوحين بالوثاقة و العدالة، كما يظهر لكلّ باحث في كتبهم
ص: 47
الفقهية شدّة تورّعهم في الفتيا و احتياطهم في استنباط الأحكام و ملاحظة خصوصيات الأحاديث من السند و المتن و موافقتها الكتاب، و اجتنابهم الشديد عن القول بغير علم، و استنادهم في الجرح و التعديل و معرفة رجال الحديث إلی أقوال أكابر علمائهم الّذين لم يقدح فيهم قادح، و اتّفقت الكلمة علی جلالة قدرهم و صدقهم و ورعهم.
وأمّا الرجاليون من إخواننا أهل السنّة وإن كان فضلهم أيضاً لا ينكر في المسائل الرجالية لأنّ لهم في هذا العلم دراسات لا يستغني الباحث في الرجال و الحديث عنها، غير أنّ بعض علمائهم في الجرح و التعديل مطعون عندهم بشيء من الهوی و الحسد و العداوة و التدليس و غيرها، حتی أنّ ابن معين يتّهم أحمد بن حنبل بالكذب.((1))
وذكر الشيخ الصالح المقبلي في كتابه العلم الشامخ في تفضيل الحقّ علی الآباء و المشایخ: أنّ أحمد لمّا تكلّم في مسألة خلق القرآن وابتلي بسببها جعلها عديل التوحيد أو زاد، حتی أنّه بلغه أنّ محمّد بن هارون قال لإسماعيل بن عليّة: يا ابن الفاعلة. قلت: القرآن مخلوق أو نحو هذه العبارة. قال أحمد: لعلّ الله يغفر له - يعني محمّد بن هارون - و كان إسماعيل بن عليّة أحقّ أن يرجو له أحمد... إلخ.((2))
ص: 48
وقال المقبلي: تجد أحدهم ينتقل من مذهب إلی آخر بسبب شيخ أو دولة أو غير ذلك من الأسباب الدنيويّة و العصبيّة الطبيعيّة، كما رووا أنّ ابن الحكم أراد مجلس الشافعي بعد موته، فقيل له: قال الشافعي: الربيع أحقّ بمجلسي، فغضب و تمذهب لمالك و صنّف كتاباً سمّاه: الردّ علی محمّد بن إدريس فيما خالف فيه الكتاب و السنة.((1))
وتكلّموا في عليّ بن المديني لما أجاب في المحنة، و الذابّون عنه لم يجدوا من الذبّ إلّا أنّه قال: من قال إنّ القرآن مخلوق فقد كفر، و من قال إنّ الله لا يری فقد كفر، فإن صحّ عنه ذلك فقد كفر مثل عائشة و من وافقها من الصحابة والتابعين علی نفي الرؤية.((2))
قال يحيی بن معين: كان عمرو بن عبيد دهرياً. قيل: و ما الدهري؟ قال: يقول: لا شيء، و ما كان عمرو هكذا.((3))
وقال يحيی بن معين في عنبسة بن سعيد بن العاص: ثقة، و هو جليس الحجّاج.((4))
ص: 49
و روی البخاري لمروان بن الحكم الّذي رمی طلحة و هو في جيشه و المتسبّب لخروجه علی عليّ (علیه السلام) و فعل كلّ طامّة.((1))
وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمة مروان: إذا ثبتت صحبته لم يؤثّر الطعن فيه، كأنّ الصحبة نبّوة أو أنّ الصحابي معصوم.((2))
وقال ابن معين: إنّ مالكاً لم يكن صاحب حديث بل كان صاحب رأي.
وقال الليث بن سعد: أحصيت علی مالك سبعين مسألة و كلّها مخالفة لسنّة الرسول(صلی الله علیه وآله و سلم) .((3))
وقال أحمد أمين: إنّ بعض الرجال الّذي روی لهم البخاري غير ثقات و ضعّف الحفّاظ من رجال البخاري نحو الثمانين.((4))
وكان الحافظ أبو زرعة الرازي يذمّ و ضع كتاب صحيح مسلم في كلام طويل.((5))
ص: 50
ويطول بنا الكلام لو سردناه في سائر الصحاح و ما قالوا فيها، و قد حكموا علی مثل ابن حبان بالزندقة، و طعنوا في ابن حزم بأنّه ينسب إلی دين الله ما ليس فيه، و يقول عن العلماء ما لم يقولوا. و كان مع كلّما طعنوا فيه متشيّعاً لاُمراء بني اُميّة ماضيهم و باقيهم، و يعتقد صحّة إمامتهم.((1))
ونحو ذلك قال المقبلي في ابن حزم، فوصفه بأنّه كان يتكلّف الغمز في أهل البيت (علیهم السلام) ، و يعمی عن مناقبم و يحابي بني اُميّة سيّما المروانية،((2))و حكی عن طبقات الشافعية: الّذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه و عدم اعتبار قوله.
وقالوا في أبي حنيفة: كان لا يعمل بالحديث حتی وضع أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه (المصنّف) باباً للردّ عليه ترجمه (باب الردّ علی أبي حنيفة)،((3)) و قال ابن عديّ: إنّه لم يرو إلّا ثلاثمائة حديث، بل قال ابن خلدون في مقدمته: يقال إنّه إنّما بلغت روايته إلی سبعة عشر حديثاً أو نحوها إلی خمسين.((4))
وحكموا علی جمع من المحدّثين بأنّ لهم تعنّت في جرح الأحاديث بجرح رواتها، منهم ابن الجوزي و عمر بن بدر الموصلي، و الرضيّ الصغاني،
ص: 51
و الجوزقاني و ابن تيميّة الحرّاني مؤلّف منهاج السنّة، و أبو حاتم، و النسائي، و ابن معين، و ابن حبّان و غيرهم.((1))
وكثيراً ما جرحوا من تعصّب أو عداوة أو منافرة، و مثّلوا لذلك جرح مالك محمّد بن إسحاق، و قدح النسائي في أحمد بن صالح المص-ري، و قدح الثوري في أبي حنيفة، و قدح ابن معين في الشافعي، و أحمد في الحارث المحاسبي، و ابن مندة في أبي نعيم الأصبهاني.((2))
واحتجّوا علی جرح الرواة أو تعديلهم بما ليس بحجّة، فمن الحجّة لهم في ذلك ما ساقه الخطيب في الكفاية((3)) بسنده عن يعقوب النسوي أنّه قال في «تاريخه»: سمعت إنساناً يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العمري ضعيف؟ قال: إنّما يضعّفه رافض-يّ مبغض لآبائه، و لو رأيت لحيته و خضابه و هيئته
ص: 52
لعرفت أنّه ثقة. قال الخطيب: فاحتجّ أحمد بن يونس علی أنّ عبد الله العمري ثقة بما ليس بحجّة، لأنّ حسن الهيئة مما يشترك فيه العدل و المجروح.((1))
وقد ردّ ابن تیمیّة الحرّاني في كتابه منهاج السنّة كثيراً من الأحاديث الجياد، حتی قال ابن حجر في حقّه: و كم من مبالغة لتوهين كلام الرافض-ي يعني العلّامة الحلّي - أدلّة إلی تنقيص عليّ رضي الله عنه.((2))
واتّهموا فقهاء أهل الرأي، فقال أبو العباس القرطبي صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم: استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الّذي دلّ عليه القياس الجلّي إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) نسبة قولية، فيقولون في ذلك قال رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) كذا، و لهذا تری كتبهم مشحونة بأحاديث تشهده متونها بأنّها موضوعة... إلخ.((3))
وأخرج ابن أبي حاتم في ترجمة اسحاق بن نجيح الملطي عن ابن أحمد قال: سمعت أبي يقول: اسحاق بن نجيح الملطي من أكذب الناس، يحدّث عن رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) برأي أبي حنيفة.((4))
وقد جهل ابن حزم جماعة من المشهورين، كالترمذي و البغوي و ابن
ص: 53
ماجة و غيرهم.((1))
وتراهم تركوا رواية من فيه بزعمهم الرفض الكامل و الغلوّ فيه و الحطّ علی أبي بكر و عمر و الدعاء إلی ذلك، بل من كان فيه شيء من التشيّع، حتی عدّ السيوطي من قرائن الوضع كون الراوي رافضياً و الحديث في فضائل أهل البيت.((2))
مع أنّ العبرة في الرواية بصدق الراوي و تحرّزه عن الكذب و وثاقته و حصول الاطمئنان بنقله، و المتتبّع في كتب التواريخ و الرجال يعرف أنّ الموصوف بهذه الصفات في الشيعة و أتباع أهل البيت و خرّيجي مدرستهم لو لم يكن بأكثر منهم في سائر الفرق ليس
بأقلّ من غيرهم.
وليت شعري كيف جوزوا ترك رواياتهم لمكان ما ذكروا لهم من العقيدة الّتي أدّی اجتهادهم إليها، فعدّوا ذلك جرحاً لرجال الشيعة و المتمسّكين بأهل البيت، في حين أنّهم يأخذون بروايات من يبغض عليّ بن أبي طالب و الزهراء و السبطين^ و من حاربهم و سبّهم، فإذا كان الحطّ علی أبي بكر و عمر جرحاً في الراوي لا يكون بغض عليّ و محاربته و سبّه جرحاً فيه؟
ليس من جانب العقل أو السمع ما يدلّ علی صحّة هذا الأساس غير
ص: 54
أنّهم رأوا عدم إمكان الجمع بين الأخذ بفقه أهل البيت وروایاتهم وفقه غیرهم، ورأوا أنّ القول بترك أقوال مغضي أهل البیت ممّن تعرف أحوال بعضهم فيما يأتي و الأخذ بروايات الشيعة يضطرّهم إلی اعتناق مذهب أهل البيت، و ترك المذاهب الحكومية الّتي أيّدتها السياسات طوال القرون، اتّهموا الشيعة بما هم بريئون منه، فحكموا علی كلّ من كان فيه الرفض الكامل و التشيّع لأهل البيت بأنّ الكذب شعارهم و النفاق دثارهم. و الله يعلم أنّ أيّ الفريقين أولی بالكذب و النفاق.
فمبغضوا أهل البيت و سابّوهم و من حاربهم و قتلهم بزعمهم هم الصادقون المخلصون البريئون من الكذب و النفاق و هم أهل السنّة، وأنّ حكم رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) عليهم بالنفاق و المروق من الدين و غير ذلك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ولا يخفی عليك أنّ اتهامهم هذا يردّ بما شرطوا أيضاً في قبول الجرح بأنّه إذا كان لعداوة أو لمذهب لا يعتدّ به.((1))
ثم إنّهم قد احتجّوا بروايات كثير من المجهولين و النصّاب و الخوارج و من طعن فيه بالكذب و نحوه، حتی حُكي عن الذهبي و ابن حجر في كتابيهما «الميزان» و«تهذيب التهذيب» أنّ البخاري احتجّ بجماعة في صحيحه
ص: 55
مع أنّه ضعّفهم بنفسه.((1))
وحُكي عن الميزان في ترجمة إسرائيل بن يونس: أنّ يحيي بن سعيد القطّان قال: لو لم أروِ إلّا عمّن أرضی ما رويت إلّا عن خسمة.
وقد جمعت بعض ما قاله علماء الجرح و التعديل في بعض الرجال من شيوخ الستّة أو بعضهم و طعنوا فيه بمثل قولهم: كذّاب أو متّهم بالكذب، أو متروك، أو هالك، أو لا يكتب حديثه، أو ضعيف جدّاً، أو مجمع علی ضعفه، أو ذاهب الحديث، أو متّهم في الإسلام، أو لصّ يس-رق الحديث، أو أكذب الناس، أو يضع الحديث أو غير ذلك، نشير هنا إلی أسمائهم و من طلب التفصيل فعليه
ص: 56
بمراجعة تراجمهم في تهذيب التهذيب و غيره من كتب الرجال. فمنهم:
1. أزهر الحرزي الحمصي.((1))
2. اسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
3. أحمد بن عيسی بن حصان المصري.
4. إسرائيل بن يونس.
5. إسماعيل بن سميع الكوفي البيهسي الخارجي.
6. إسماعيل بن عبد الله الأصبحي.((2))
7. إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني.((3))
ص: 57
8. بسر بن أرطاة.((1))
9. بشر بن رافع الحارثي.
10. بقيّة بن الوليد.
11. جعفر بن الزبير الدمشقي.
12. حريز بن عثمان الرحبي الحمصي الناصبي.((2))
13. حجّاج بن يوسف بن حجّاج الثقفي.
ص: 58
14. حصام بن مسك الأزدي.
15. حصين بن نمير الواسطي.((1))
16. خالد بن سلمة المخزومي.((2))
17. خالد بن عرفطة.((3))
18. خالد بن عبد الله بن يزيد القسري.((4))
19. خالد بن عمرو الاُمويّ السعيدي.
20. خيثمم بن عراك.
21. داود بن الزبرقان الرقاشي.
ص: 59
22. زهير بن محمد التميمي المروزي.
23.زهير بن معاوية.
24. أبو خيثمة الكوفي الجعفي.((1))
25. زياد بن جبير حبّة الجعفي.((2))
26. زياد بن علاقة الثعلبي.((3))
27. سفيان بن سعيد الثوري.
28. سليمان بن داود أبو داود الطيالسي (صاحب المسند).
29. سهيل بن أبي صالح.
30. شبابة بن سوار المدائني.((4))
ص: 60
31. شبث بن ربعي التميمي اليربوعي. ((1))
32. صالح بن حسّان النضري.
33. طارق بن عمرو المكّي مولی عثمان.((2))
34. عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
35. عبد الله بن ذكوان.
36. عبد الله بن زيد العدويّ.
37. عبد الله بن صالح بن محمّد بن مسلم.
38. عبد الله بن شفيق العقيلي.((3))
39. عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني.((4))
ص: 61
40. عبد الرحمن بن آدم البصري.((1))
41و42. عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم و أبوه.
43. عبد العزيز بن المختار الدبّاغ البصري.
44. عبد الكريم بن أبي المخارق.
45. عبد الملك بن عمير اللخمي.
46. عبد الملك بن مروان.
47. عبد الوهّاب بن عطاء الخفّاف.
48. عثمان بن حيّان الدمشقي.
49. عثمان بن عاصم بن حصين.
50. عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقّاص.
51. عثمان بن عبد الرحمن الحرّاني.
52. عكرمة البربري، المطعون بطعون كثيرة.
53. عليّ بن طبيان (ظبیان).
54. عليّ بن عاصم.
ص: 62
55. عمر بن عليّ بن عطاء المقدمي البصري.
56. عمر بن سعد بن أبي وقّاص.((1))
57. عمرو بن سعيد بن العاص الاُموي.((2))
58. عمرو بن عبد الله بن الأسوار اليماني.
59. عمران بن حطان الخارجي.((3))
ص: 63
60. عمير بن هاني.((1))
61. عنبسة بن خالد الاُموي.((2))
62. عنبسة بن سعيد الاُموي.((3))
63. فائد بن عبد الرحمن.
64. فليح بن سليمان المدني.((4))
65. قتادة بن دعامة.
ص: 64
66. قيس بن أبي حازم، و اسمه حصين بن عوف، و يقال عوف بن الحارث.((1))
67. كثير بن عبد الله المزني المدني.
68. لمازة بن زبار البصري.((2))
69. مجاهد بن جبر المكّي.
70. محمد بن أشعث بن قيس الكندي.((3))
71. محمد بن بشّار.
72. محمد بن جابر السحيمي.
73. محمّد بن حميد الرازي.
74. محمّد بن خازم الضرير الكوفي.
75. محمّد بن زياد الألهاني.((4))
76. محمّد بن سعيد المصلوب.
77. محمّد بن عبد الله بن علاثة.
78. محمّد بن كثير الصنعاني.
79. محمّد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير المكّي.
ص: 65
80. محمّد بن الفضيل بن عطيّة العبسي.
81. مروان بن الحكم.((1))
82. معاوية بن خديج.((2))
83. معاوية بن أبي سفيان.((3))
84. نجيح السندي.
85. المغيرة بن شعبة.((4))
86. مهلّب بن أبي صفرة.((5))
ص: 66
87. نعيم بن أبي هند الكوفي.
88. هشام بن حسّان.
89. هشام بن عمّار، خطيب دمشق.
90. هشيم بن بشير.
91. الوليد بن مسلم الدمشقي.
92. الوليد بن عقبة بن أبي معيط.((1))
93. يحيي بن أكثم القاضي.
94. يحيي بن العلاء البجلي.
95. يزيد الرقاشي.
96. يزيد بن أبي كبشة السكسكي، خليفة الحجّاج علی الخراج و والي العراقين.
97. يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.((2))
98. يزيد الرشك.((3))
ص: 67
99. أبو بكر بن أبي موسی الأشعري.((1))
وغيرهم ممّن يقف عليهم الباحث في الرجال، و هؤلاء و نظراؤهم كلّهم مطعونون كما ذكرنا، إمّا بالكذب، أو بوضع الحديث، أو بالضعف، أو ليس بشيء، أو كذّاب، أو لا تجوز الرواية عنه، أو ليس بثقة، أو بالتدليس، أو يروي الموضوعات، أو متروك، أو مجمع علی ضعفه، أو بالس-رقة، أو شرب الخمر، أو عامّة حديثه كذب، و غيرها من الطعون الّتي ذكروا فيهم و في غيرهم في كتب الرجال مثل تهذيب التهذيب.
وما ذكرنا من أسماء شيوخ الحديث ليس إلّا غيض من فيض، إلّا أنّه يظهر لك ممّا تقدّم أنّه لا عذر لمن يتمسّك بأحاديث المنافقين و النصّاب و المرجئة والمعروفين بالفسق و الكذب و الظلم الفاحش و الدعارة و الخلاعة و الضعفاء و المدلّسين في ترك أحاديث جوامع الشيعة، و روايات أهل البيت الطاهرين.
كما يظهر لك أنّ ترك حدیث العترة الطاهرة ليس إلّا لعلة سياسية من أظهر مصاديقها التقرّب إلی الولاة و الاُمراء، ((2)) أو الخوف منهم و من
ص: 68
أعوانهم، و للعصبيات المذهبية و الضغائن الجاهلية، ثمّ الجهل بما عند الشيعة من الثروة العلمية و الأحاديث المعتبرة.
وليس غرضنا قدح السلف و الطعن فيهم «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، و عليها ما اكتسبت»،((1)) بل الغرض من ذلك التقريب بين المذاهب و أن يكون سير الفقه الإسلامي سيراً لائقاً به، و أرقی وأرفع من العصبيات الطائفية، وأن لا يترك الفقيه و كلّ باحث في العلوم الإسلامية ما عند غير طائفته من العلوم و الأحاديث المعتبرة، و لا يعتبر كلّه ضلالاً و باطلاً، سيّما إذا لم يكن اعتباره أقلّ ممّا عند طائفته، بل كان ما عند غير طائفته أقوی و أصحّ سنداً و متناً، فلا يجوز الإقتصار علی أحاديث طائفة و ترك احاديث غيرها، فكيف يترك الطالب الفاحص عن الحقّ هذه العلوم الجمّة الّتي حصلت عند الشيعة((2)) و عند جهابذتها و رجالها من لدن عص-ر الرسالة
ص: 69
و عصر الإمام عليّ (علیه السلام) إلی زماننا هذا بفضل تمسّكهم بأئمّة أهل البيت (علیه السلام) .
و كيف يضرب علی هذه الجوامع و الكتب الّتي لا ريب في أنّها من أغلی ذخائر التراث الإسلامي؟ و من أين يحكم المنصف - العياذ بالله - علی كلّ ما في هذه الجوامع بالبطلان؟ ومن أين يقول من يحتجّ بالحديث بعدم جواز الاحتجاج بهذه الأحاديث مع ما يری من إتقان فقه الشيعة و كونه أوفق بالكتاب و العقل.
وهذا حجر أساسي للتقريب بين المذاهب و أهلها، فإنّهم إذا جعلوا علی أنفسهم أن لا يتجاوزوا عن الكتاب والسنّة و أن لا يقولوا إلّا بما دلّت عليه الأحاديث المتعبرة، سواء كان من طرق الشيعة أو السنّة، و نظروا في الأحاديث و الأقوال نظرة من لا يريد إلّا الواقع و الحقيقة، يحصل بينهم الوئام و الوفاق أكثر ممّا هم عليه الآن.((1))
وفائدة اُخری تحصل عند مراجعة الأحاديث المروية في جوامع الشيعة و الإطّلاع علی العلوم الإسلامية المدوّنة فيها: أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) لم يأمر الاُمّة
ص: 70
بالرجوع إلی أهل بيته و التمسّك بهم و لم يجعلهم عدلاً للقرآن إلّا لأنّهم معادن العلم و ينابيع الحكم و أعلم من غيرهم بالأحكام
الشرعيّة.
ونعم ما قاله أبو الحسن بن سعيد كما نقل عن كتابه كنوز المطالب:
يا أهل بيت المصطفی عجباً لم-ن * ي---أبی ح-ديثكم م--ن الأق-وام
والله قد اثن--ی عليك--م قبل--ها * و بهديكم شدّت عُری الإسلام((1))
ص: 71
ص: 72
اتّفق علماء الفريقين علی تقديم من كان اختصاصه بالمرويّ عنه أكثر، فيقدّم ما يرويه أهل بيت رجل أو تلميذه أو خادمه أو قريبه علی ما يرويه غيره، و لذلك يقدّمون ما يرويه أبو يوسف و الشيباني عن أبي حنيفة، و ما يرويه المزني والربيع عن الشافعي علی ما يرويه غيرهم عنهما.
وقد اتّفقوا أيضاً علی تقديم الأعدل من المخبرين علی من ليس له تلك المنزلة من العدالة، و هذه طريقة العقلاء في اُمورهم الدينية و الدنيوية.
ومن ذلك نعلم وجوب تقديم أحاديث أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) علی روايات غيرهم لوجهين:
أحدهما: أنّ الاُمّة أجمعت علی عدالتهم و وثاقتهم و فضلهم و تقواهم و جلالة قدرهم و وجوب حبّهم و موالاتهم، و لم يتحقّق منهم إجماع علی عدالة غيرهم من الصحابة((1)) و التابعين.
ص: 73
ثانيهما: أنّه لا ريب في اختصاص أهل البيت بالنبّي (صلی الله علیه وآله و سلم)، و أنّهم أدری بما في البيت، فهم أهل بيت الوحي و النبوّة و محطّ الرسالة و مختلف الملائكة. و قد أجمعت الاُمّة علی اختصاص الإمام عليّ (علیه السلام) برسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) في معرفة الأحكام الش-رعية و العقائد الإسلامية و تفسير القرآن و السنّة و معر فة المحكم و المتشابه و المطلق و المقيّد و العامّ و الخاصّ و التأويل و التنزيل و غيرها.
وقد قال (صلی الله علیه وآله و سلم) في حقّه: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، و من أراد المدينة فليأت الباب».((1))
ص: 74
وقال: «أنا دار الحكمة و عليّ بابها».((1))
وقال: «عليّ مع القرآن و القرآن مع عليّ، لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض».((2))
وقال: «عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ يدور حيثما دار».((3))
وقال: «أعلم اُمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب (عن سلمان)».((4))
وقال: «عليّ باب علمي، و مبيّن لاُمّتي ما أرسلت به من بعدي، حبّه إيمان و بغضه نفاق، و النظر إليه رأفة».((5))
وقال عليّ (علیه السلام) : «علّمني رسول الله ألف باب، كلّ باب يفتح لي ألف باب».
ص: 75
أخرجه أبو نعيم و الإسماعيلي في معجمه.((1))
وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «إنّ الله أمرني أن اُدنيك و لا اُقصيك، و أن اُعلّمك، و أن تعي، لك أن تعي». قال: فنزلت هذه الآية: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَة﴾.((2)) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن عليّ.((3))
وقال: «إنّي أردت أن اُدنيك و لا اُقصيك، و أن اُعلّمك و أن تعي و حقّ لك أن تعي». قال فنزلت هذه الآية: ﴿وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَة﴾.((4)) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير عن ابن أبي مرّة الأسلمي، و ابن المغازلي عن ابن بريدة عن أبيه، و أخرجه الطبري.((5))
ومن هذا الوجه أخرجه ابن جرير، و أخرجه أيضاً من وجه آخر عن
ص: 76
بريدة، و من وجه آخر عن مكحول مرسلاً لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) : «سألت أن يجعلها اُذنك يا عليّ». و هكذا أخرجه ابن أبي حاتم و ابن مردويه، و أخرجه الثعلبي من وجه آخر عن حسن.((1))
وعن ابن عبّاس قال: كنّا نتحدّث أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) عهد إلی عليّ سبعين عهداً لم يعهدها إلی غيره. و رواه الطبراني في معجمه بسنده عن السنديّ بن عبدويه،((2)) و أخرجه أبو نعيم في الحلية قال: حدّثنا الطبراني به.((3))
وقال عبد الله بن عبّاس: و الله لقد اُعطی عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، و أيم الله لقد شارككم في المعشر العاشر.((4))
ص: 77
وروی طاووس عنه أنّه قال: كان عليّ والله قد ملی علماً و حكماً.((1))
وقال ابن عبّاس أيضاً: إذا حدّثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها.((2))
و في اُسد الغابة: إذا ثبت لنا الشيء عن عليّ لم نعدل عنه إلی غيره.((3))
و في الإصابة: إذا جاءنا الثبت عن عليّ لم نعدل به.((4))
وقالت عائشة: إنّه أعلم الناس بالسنّة، و كانت كثيراً ما ترجع إليه في المسائل.((5))
وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً يخطب، و هو يقول: «سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به، و سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلّا
ص: 78
و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل، و لو شئت أوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب».((1))
وقال ابن عباس، علم رسول الله من علم الله، و علم عليّ من علم رسول الله، و علمي من علم عليّ، و ما علمي و علم أصحاب محمّد (صلی الله علیه وآله و سلم) في علم عليّ إلّا كقطرة في سبعة أبحر.((2))
ولقد كان معاوية يكتب فيما ينزل به فيسأل عليّ بن أبي طالب، فلمّا بلغه قتله قال: ذهب الفقه و العلم بموت عليّ بن أبي طالب.((3))
كما قد شهد بكثرة علمه أنّه أعلم الناس جماعة من الصحابة، ذكر أسماء
ص: 79
جمع منهم في كتاب فتح الملك العليّ.
وقال عليّ (علیه السلام) : «و الله ما نزلت آية إلّا و قد علمت فيما نزلت و أين نزلت و علی من نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً و لساناً طلقاً».((1))
وقيل لعليّ (علیه السلام) : ما لك أكثر أصحاب رسول الله حديثاً؟((2)) فقال: «إنّي
ص: 80
كنت إذا سألته أنبأني و إذا سكت ابتدأني».((1)) و روي عنه (علیه السلام) : «كنت إذا سألت اُعطيت و إذا سكت ابتدئت».((2))
وقال سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوّذ بالله من معظلة ليس فيها أبو حسن.((3)) و قال: لم يكن أحد من الصحابة يقول: «سلوني» إلّا عليّ.((4))
وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) لفاطمة الزهراء علیها السلام : «أما ترضين أن أزوّجك (زوّجتك - خ ل) أقدم اُمّتي سلماً و أكثرهم علماً و أعظمهم حلماً؟»، رواه أحمد
ص: 81
و الطبراني برجال وثّقوا.((1))
وفي حديث أخرجه الحافظ أبو بكر عبد الرزّاق الصنعاني: «لقد زوجتكه و أنّه لأوّل أصحابي سلماً و أكثرهم علماً و أعظمهم حلماً».((2))
وعن سلمان قال: قلت: يا رسول الله، إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً فمن وصيّك؟ فسكت عنّي فلمّا كان بعدُ رآني فقال: «يا سلمان»، فأسرعت إليه قلت: لبّيك. قال: «تعلم من وصيّ موسی؟»، قال:((3)) نعم، يوشع بن نون. قال: «لِ-مَ؟» قلت: لأنّه كان أعلمهم يومئذ. قال: «فإنّ وصيّي و موضع سرّي و خير من أترك بعدي و ينجز عِدتي و يقضي ديني عليّ بن أبي طالب».((4))
وأخرج ابن سعد عن جبلة بنت المصفّح عن أبيها قال: قال لي عليّ (علیه السلام) : «يا أخا بني عامر! سلني عمّا قال الله و رسوله، فإنّا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله و رسوله».((5))
ص: 82
وأخرج الرازي عن عليّ (علیه السلام) أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) قال له: «ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شرباً و نهلته نهلاً».((1))
وعن ابن عبّاس - رضي الله عنه -، و قد سئل عن عليّ (علیه السلام) فقال: رحمة الله علی أبي الحسن، كان والله علم الهدی، و كهف التقی، و طود النهی، و محلّ الحِجی، و غيث الندی، و منتهی العلم للوری، و نوراً أسفر في الدجی، و داعياً إلی المحجّة العظمی مستمسكاً بالعروة الوثقی، أتقی من تقمّص و ارتدی، و أكرم من شهد النجوی بعد محمّد المصطفی، و صاحب القبلتين، و أبو السبطين، و زوجته خير النساء، فما يفوقه أحد، لم تر عيناي مثله، و لم أسمع بمثله، فعلی من بغضه لعنة الله و لعنة العباد إلی يوم التناد. أخرجه أبو الفتح القوّاس.((2))
والأحاديث في هذه المعاني كثيرة جداً لا شبهة في تواترها.
وقال عليّ (علیه السلام) في خطبته المعروفة بالقاصعة: «و قد علمتم موضعي من رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا ولد يضمّني في صدره و يكنفني في فراشه، و يمسّني جسده و يشمّني عرفه، و كان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة في فعل، و لقد قرن
ص: 83
الله به (صلی الله علیه وآله و سلم) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره، و لقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، و يأمرني بالاقتداء به، و لقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه و لا يری غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الاسلام غير رسول الله و خديجة و أنا ثالثهما، أری نور الوحي و الرسالة و أشمّ ريح النبوّة، و لقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلی الله علیه وآله و سلم) فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع و تری ما أری إلّا أنّك لست بنبيّ و لكنّك وزير و إنّك علی خير».((1))
وقال: «كنت أسمع الصوت و أبص-ر الضوء سنين سبعاً، و رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) حينئذٍ صامت ما اُذن في الإنذار و التبليغ».((2))
وقال: «لقد عبد ت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة سبع سنين».((3))
وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) : «لقد صلّت الملائكة عَلَيّ و علی عليّ سبع سنين، و ذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره». أخرجه ابن الأثير بسنده عن أبي أيّوب الأنصاري، و أخرجه المحبّ الطبري إلّا أنّه لم يذكر «سبع سنين»، و قال:
ص: 84
«لأنّا كنّا نصلّي ليس معنا أحد يصلّي غيرنا».((1))
والأخبار في هذا المعنی و أنّه أوّل من صلّی و أسلم كثيرة.
وأخرج ابن الأثير عن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب النبيّ(صلی الله علیه وآله و سلم) : لقد كان لعليّ من السوابق ما لو أنّ سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً. ثمّ قال: و له في هذا أخبار كثيرة تقتصر علی هذا منها، و لو ذكرنا ما سأله الصحابة مثل عمر و غيره لأطلنا.((2))
وأخرج المحبّ الطبري عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) : «من أراد أن ينظر إلی آدم في علمه و إلی نوح في فهمه و الی إبراهيم في حلمه و إلی يحيی بن زكريّا في زهده و إلی موسی في بطشه، فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه»، أخرجه أبو الخير الحاكمي.((3))
و عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) : «من أراد أن ينظر إلی إبراهيم في حلمه و إلی نوح في حكمه و إلی يوسف في جماله فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب»، أخرجه الملّا في سيرته.((4))
ص: 85
وأخرج ابن أبي الحديد عن أحمد و البيهقي: «من أراد أن ينظر إلی نوح في عزمه و إلی آدم في علمه و إلی ابراهيم في حلمه و إلی موسی في فطنته و إلی عيسی في زهده فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ».((1))
وأخرج ابن المغازلي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم): «من أراد أن ينظر إلی علم آدم و فقه نوح فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب».((2))
وأخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن أبي الطفيل و جعفر بن حيّان أنّ الإمام الحسن السبط (علیه السلام) قال في خطبته: «أنا من أهل البيت الّذين كان جبرئيل ينزل فينا و يصعد من عندنا».((3))
هذا و سيأتي في بعض الفصول الآتية ما يدلّ علی ذلك إن شاء الله تعالی.((4))
وممّا ذكرنا يظهر ما اختصّ به عليّ (علیه السلام) دون غيره، و ناهيك عن علمه الواسع المستفاد من علم النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) كتاب «نهج البلاغة» و ما روي عنه في الأحكام الشرعية و قضاياه.
ص: 86
ثمّ إنّه لا ريب في اختصاص الحسن و الحسين (علیهما السلام) برسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) و بأمير المؤمنين (علیه السلام)، و هما ممّن أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. كما أنّه لا شكّ في اختصاص أبنائهم بهم اختصاصاً يقصر غيرهم عن بلوغه.
إذن فلا شكّ في وجوب تقديم ما رواه أعلام أهل بيت النبوّة، مثل الإمامين محمد الباقر و جعفر بن محمد الصادق (علیهما السلام) بإسنادهم المتّصل إلی جدّهم الرسول، و تعيّن الأخذ به دون حديث غيرهم كائناً من كان، فضلاً عن كون الراوي من الخوارج و النواصب و المنافقين و من عمّال بني اُميّة و قتلة الأخيار، أو من دعاة المرجئة و أهل الزندقة و المتقرّبين إلی الولاة و حكّام الجور بوضع الأحاديث.
وظهر لك أيضاً وجه إعراضهم عن أحاديث العترة الطاهرة و قلّة تخريجها في مثل الصحيحين و عدم احتجاجهم بأقوالهم، مع أنّ الأخبار المتواترة من طرق الفريقين في فضلهم و وجوب موالاتهم و اتّباعهم يؤكّد وجوب التمسّك بهم غاية التأكيد، و يأمر بالأخذ بأقوالهم و أحاديثهم، كما يدلّ علی وجوب الرجوع إليهم غاية الإيجاب و الإلزام.
هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً * تمسّك في اُخراه بالسبب الأقوی
هم القوم فاق--وا العالمين مناقب--اً * محاسنهم تحك-ي و آياتهم
ت--روی موالاتهم فرض و حبّه-مُ * ه---دی و طاعته--م ودّ وودّه--مُ تق-وی
ص: 87
ص: 88
استدلّ القائلون بحجّية القياس و جواز العمل به في الأحكام كما نصّ عليه ابن رشد في مقدّمة كتابه «بداية المجتهد» بأنّ النصوص و كذا الأفعال و الإقرارات الشرعية متناهية بينما الوقائع و القضايا غير متناهیة، و لا يمكن شمول المتناهي لغير المتناهي.((1))
ص: 89
فالعمل بالقياس عند من يقول بجوازه إنّما هو بالنسبة إلی الوقائع الّتي
ص: 90
لم يرد فيها حكم من الشارع و سكت عنها، أمّا الوقائع و القضايا الّتي ورد حكمها من قبل الشارع فلا يجوز العمل به فيها.
ونحن تركنا التعرّض في هذا المختصر للردّ علی الأدلّة الّتي أقاموها علی حجّية القياس و تفنيدها، إذ أنّ ما كتب حول هذا الموضوع في كتب الاُصول من قبل كثير من محقّقي الشيعة و غير واحد من محقّقي أهل السنّة يكاد أن لا يحصی، فمن شاء أن يتبيّن له الحقّ فليراجع.
ولكن الّذي نريد أن نقول: هو مجمل رأي الشيعة الإمامية في الموضوع، و يتلخّص في عدم جواز العمل بالقياس و الإخالة((1)) في أحكام الله تعالی، و عدم جواز القول بخلوّ الكتاب و السنّة عن أحكام أكثر الوقائع، و عدم وفائهما بها.
وذلك لوجود أئمّة أهل البيت و عترة النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) إلی القرن الثالث بين ظهراني الاُمّة محيطين علماً بأحكام جميع الوقائع، فلا توجد واقعة إلّا و حكمها عندهم، و قد أجمعوا علی حرمة العمل بالقياس، و إجماعهم حجّة.
ص: 91
أضف إلی ذلك رواياتهم الكثيرة في حرمته عن جدّهم رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم)، و نصوصهم من أنّ دين الله لا يصاب بالعقول، وأنّ السنّة إذا قيست مُحِقَ الدين.((1)) وأضف أيضاً إلی ذلك أنّ موضوع جواز العمل بالقياس علی القول به إنّما يتحقّق في واقعة سكت الشارع عن حكمها، و بعد ارجاعه الاُمّة إلی أهل بيته وإلزامه بالتمسّك بهم و الأخذ بأقوالهم، يجب الرجوع إليهم لا العمل بالقياس، لأنّهم عيبة علم النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) و هداة الاُمّة من بعده و أمانهم من الضلال، فكيف يجوز العمل بالقياس مع وجود أئمّة من أهل البيت (علیهم السلام) مثل جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) بين الاُمّة و هم يقولون ببطلان العمل بالقياس و علمهم بأحكام جميع الوقائع.
نعم لو لم يكن في أحاديثهم و العلوم المذخورة عندهم عن النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) حكم واقعة، تصل النوبة إلی البحث عن حجيّة القياس و الرأي و الإخالة في استكشاف حكم تلك الواقعة و عدمها، فلا يجوز الاجتهاد و القياس مع النصّ.
ومع ذلك كيف يرضی المسلم المؤمن بما آتاه الرسول و بما نهی عنه أن
ص: 92
يدين بالقياس و يأخذ بالاستحسان و يعمل علی وفق الفتاوی الّتي يأباها العقل و لا تقرّها الشريعة المقدّسة السمحاء، و ترك أحاديث أئمّة أهل البيت المخرّجة في جوامع الشيعة، و يض-رب علی كلّ هذه الأحاديث و العلوم بالردّ و يستند في أحكام دينه علی روايات النواصب و الخوارج و المنافقين و المجاهيل ممّن أشرنا إلی بعضهم.
ونختم الكلام في هذا الموضوع بما قال أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) ، قال: «ترد علی أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها علی غيره فيحكم فيها بخلافه، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الّذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً، وإلههم واحد و نبيّهم واحد و كتابهم واحد. فأمرهم الله تعالی بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم علی إتمامه؟ أم كانوا شركاءه فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضی؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تامّاً فقصّر الرسول(صلی الله علیه وآله و سلم) عن تبليغه و أدائه، و الله سبحانه يقول: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْ ءٍ﴾((1)) و قال: «فيه تبيان كلّ شيء»((2)) و ذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، و أنّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾،((3)) وأنّ القرآن
ص: 93
ظاهره أنيق و باطنه عميق، لا تفنی عجائبه، و لا تنقض غرائبه، و لا تكشف الظلمات إلّا به».((1))
هذا مختصر الكلام في الأمر الأوّل، و هو وجوب الأخذ بأحاديث أئمّة أهل البيت و ما روي عنهم بالطرق المتّصلة إليهم (علیهم السلام)، و يأتي الكلام في الأمر الثاني، و هو حجّية أقوال أئمّة العترة و أفعالهم و سيرتهم و وجوب اتّباعهم و الرجوع إليهم.((2))
وممّا يؤيّد صحّة هذه الأحاديث أنّ الفقه الشيعي المستند إليها أوفق بالكتاب و السنّة و العقل والشريعة الحنيفية السمحة، كما لا يخفی علی كلّ باحث في الفقه و الكتب المؤلّفة في خلافات الفقهاء، كالخلاف للشيخ الطوسي، و تذكرة الفقهاء للعلّامة الحلّي و غيرهما.
ولَنِعم ما قال ابن الوردي عمر بن المظفر بن عمر التيمي مؤلّف تاريخ ابن الوردي و ناظم البهجة:
يا أهل بيت النبيّ من بذل--ت * فيحبّك--م روح--ه فم-ا غبنا
من جاءكم يطلب الحديث ل-ه * قولوا لنا البيت و الحديث لنا((3))
ص: 94
قد دلّت النصوص الص-ريحة الكثيرة المتواترة الّتی خرّجها أكابر علماء الجمهور و أعاظم أئمّتهم المحدّثين و حفّاظهم، علی وجوب التمسّك بأهل البيت و أخذ العلم عنهم و حجيّة أقوالهم وأنّ اتّباعهم هو طريق النجاة، و هم الآخذون بالكتاب و السنّة، نذكر بعون الله تعالی طائفة منها في هذا المختصر:
نصوص الثقلين((1)) متواترة قطعية، أجمعت الاُمّة علی صحّتها، و قد أخرجها أكابر أهل السنّة و محدّثيهم في صحاحهم و جوامعهم و مسانيدهم بأسانيد صحيحة، و قد بقيت علی تواترها في جميع الأعصار إلی العص-ر الحاضر، و قلّما يخلو عن روايتها مسند أو جامع أو كتاب في الفضائل، منذ أن بدأ تدوين الأحاديث في الكتب، بل قد رويت في كتاب واحد بطرق متعدّدة.
وتواترها و قوّة اشتهارها بين أهل السنّة فضلاً عن الشيعة يغني عن ذكر
ص: 95
مصادرها و مخرّجيها، فراجع كتاب عبقات الأنوار و ما كتب فيه حول هذه الأحاديث.((1)) وراجع كتب الحديث عند العامّة و تفاسيرهم و تواريخهم و كتبهم في اللغة، حتی تعرف شأن هذه النصوص من الاشتهار و التواتر.
قال ابن حجر: و لهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع و عش-رين صحابياً لا حاجة لنا ببسطها.((2))
ونصوص الحديث علی كثرتها و إن كانت ترجع إلی معنی واحد و هو وجوب التمسّك بالكتاب و العترة إلّا أنّ لفظها قد يختلف عند مخرّجيها بحسب اختلاف أسانيدها الصحيحة، و أنّها صدرت في غير مورد و مكان.
النصّ الأوّل: فعند الطبراني و غيره بسند صحيح أنّه(صلی الله علیه وآله و سلم) قال في خطبة خطبها بغدير خمّ تحت شجرات: «إنّي أظنّ أن يوشك أن اُدعی فاُجيب، و إنّي مسؤول و إنّكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟»، قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت و جهدت و نصحت، فجزاك الله خيراً. فقال: «أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله
ص: 96
+++++
و أنّ محمّداً عبده و رسوله، و أنّ جنّته حقّ و أنّ ناره حقّ، و أنّ الموت حقّ، و أنّ البعث حقّ بعد الموت، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ الله يبعث من في القبور؟». قالوا: بلی نشهد بذلك. قال: «اللّهمّ اشهد». ثمّ قال: «أيّها النّاس إنّ الله مولاي و أنا مولی المؤمنين، و أنا أولی بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليّاً - اللّهمّ والِ مَن والاه و عادِ مَن عاداه». ثمّ قال: «أيّها النّاس إنّي فرطكم وإنّكم واردون عَلَيّ الحوض، حوض أعرض ممّا بين بص-ری إلی صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة، و إنّي سائلكم حين تردون عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عزّ و جلّ، سبب طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تبدّلوا، و عترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتی يردا عَلَيّ الحوض».((1))
النصّ الثاني: و عند الترمذي و غيره بإسنادهم عن جابر قال: رأيت رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) في حجّته يوم عرفة و هو علی ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: «أيّها الناس انّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب الله و عترتي أهل بيتي». (قال الترمذي) و في الباب عن أبي ذرّ و أبي سعيد و زيد بن أرقم و حذيفة بن اُسيد.((2))
ص: 97
النصّ الثالث: و أخرج بطريق آخر عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض، فانظروني كيف تخلفوني فيهما».((1)) و أخرجه ابن الأثير إلّا أنّه قال: «لن تضلّوا أحدهما أعظم...»، الحديث.((2))
النصّ الرابع: و عند أحمد في مسنده: «إنّي أوشك أن اُدعی فاُجيب، و إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ و جلّ و عترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما».((3))
أقول: و لأحمد في مسنده لهذا الحدیث طرق کثیرة جدّاً مضامینها متقاربة،((4)) و أخرجه ابن سعد عن أبي سعید إلّا أنّه قال: «فانظرونی کیف
ص: 98
تخلفونی فیهما».((1))
النصّ الخامس: و عند مسلم في صحيحه من بعض طرقه عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) یوماً فینا خطيباً بماء يدعی خمّاً بين مكّة و المدينة، فحمد الله و أنثی عليه و وعظ و ذكر ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، و أنا تاركٌ فيكم ثقلين، كتاب الله فيه الهدی و النور،فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به»، فحثّ علی كتاب الله و رغّب فيه ثمّ قال: «و أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي». و أخرج الحديث بطرق اُخری أيضاً،((2)) و أخرجه البيهقي بإسناده عن يزيد بن حيّان.((3))
النصّ السادس: و في رواية صحّحها ابن حجر: «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن تبعتموها، و هما كتاب الله و أهل بيتي عترتي». زاد الطبراني: «إنّي
ص: 99
سألت ذلك لهما فلا تقدّموهما فتهلكوا و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».((1)) و أخرجه الحاكم عن زيد و صحّحه علی شرط الشيخين، و فيه بعد قوله: «وأهل بيتي عترتي»، ثمّ قال: «أتعلمون إنّي أولی بالمؤمنين من أنفسهم؟»، ثلاث مرّات، قالوا: نعم. فقال رسول الله|: «من كنت مولاه فعليّ مولاه».((2))
النصّ السابع: و في رواية اُخری أنّه (صلی الله علیه وآله و سلم) قال في مرض موته: «أيّها النّاس يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، إلّا أنّي مخلف فيكم كتاب ربّي عزّ و جلّ و عترتي أهل بيتي». ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها فقال: «هذا عليّ مع القرآن و القرآن مع عليّ، لا يفترقان حتی يردا علَيَّ الحوض، فأسألهما ما خلّفت فيهما».((3))
النصّ الثامن: و في رواية صحّحها أيضاً ابن حجر: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب الله و عترتي».((4))
النصّ التاسع: و عند الطبراني في الكبير و أحمد أيضاً في مسنده بسند صحيح: «إنّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء
ص: 100
و الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض».((1)) و أورده السيوطي أيضاً بسند صحيح بلفظ آخر عن أحمد و عبد بن حميد و مسلم،((2)) و أخرجه ابن عقدة في الموالاة بسنده عن زيد بن ثابت،((3))و أخرجه الهيثمي مختصراً عن زيد بن ثابت، و قال: رواه الطبراني في الكبير و رجاله ثقات.((4))
النصّ العاشر: و أخرج الحاكم و صحّحه علی شرط الشيخين عن زيد قال: لمّا رجع رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) من حجّة الوداع و نزل غدير خمّ أمر بدوحات فقمن. فقال: «كأني قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله و عترتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض». ثمّ قال: «إنّ الله عزّ وجلّ مولاي و أنا مولی كلّ مؤمن»، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال: «من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهمّ وال من والاه و عادِ من عاداه».((5))
النصّ الحادي عشر: و مثله في كنز العمّال نقلاً عن ابن جرير في تهذيب
ص: 101
الآثار بسنده عن أبي الطفيل، و في آخره فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم)؟ فقال...ما كان في الدوحات أحد إلّا قد رآه بعينه و سمعه باُذنيه (ثمّ قال في الكنز) أيضاً عن ابن جرير عن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك.((1))
النصّ الثاني عشر: و أخرج النسائي بسنده عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع النبيّ(صلی الله علیه وآله و سلم) من حجّة الوداع و نزل غدير خمّ أمر بدوحات فقمن، ثمّ قال: «كأنّي دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله و عترتي
أهل بيتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض». ثمّ قال: «إنّ الله مولاي و أنا وليّ كلّ مؤمن». ثمّ أخذ بيد عليّ فقال: «من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاداه». فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم)؟ فقال: و إنّه ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه و سمعه باُذنيه.((2))
النصّ الثالث عشر: و أخرج الحافظ ابن عقدة (في الموالاة) عن عامر بن أبي ليلی بن ضمرة وحذيفة بن اُسيد قالا: قال النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) : «أيّها الناس إنّ الله مولاي و أنا أولی بکم من أنفسكم، ألا و من كنت مولاه فهذا مولاه». و أخذ بيد
ص: 102
عليّ فرفعها حتی عرفه القوم أجمعون، ثمّ قال: «اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاده»، ثمّ قال: «و إنّی سائلکم حین تردون علَيَّ الحوض عن الثقلین، فانظروا کیف تخلفونی فیهما»، قالوا: و ما الثقلان؟ قال: «الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم، و الأصغرعترتي، وقد نبّأني العليم الخبير أن لا يفترقا حتی يلقياني، سألت ربّي لهم ذلك فأعطاني، فلا تسبقوهم فتهلكوا و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم». و أيضاً أخرجه ابن عقدة من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عن عامر و حذيفة بن اُسيد نحوه.((1))
النصّ الرابع عشر: أخرج الدولابي في«الذرّيّة الطاهرة» روی الحافظ الجعابي عن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جدّه عن عليّ، و لفظه: «إنّي
مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا، كتاب الله حبل طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتی يردا عَليَّ الحوض».((2))
النصّ الخامس عشر: و أخرج ابن عقدة من طريق سعد بن ظريف عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ، و عن ابن أبي رافع مولی رسول الله ما لفظه: «أيّها الناس إنّي تركت فيكم الثقلين، الثقل الأكبر و الثقل الأصغر، فأمّا الأكبر هو حبل فبيد الله طرفه و الطرف الآخر بأيديكم، و هو كتاب الله إن تمسّكتم به لن تضلّوا و لن تذلّواً أبداً، و أمّا (الثقل) الأصغر فعترتي أهل بيتي، إنّ اللطيف الخبير
ص: 103
أخبرني أنّهما لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض، و سألت ذلك لهما فأعطاني، و الله سائلكم كيف خلّفتموني في كتاب الله و أهل بيتي».((1))
النصّ السادس عشر: أخرج ابن عقدة من طريق محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه، و عن أبي هريرة ما لفظه: «إنّي خلّفت فيكم الثقلين إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً، كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض».((2))
النصّ السابع عشر: أخرج أبو نعيم عن أبي الطفيل: إنّ عليّاً قام فحمد الله و أثنی عليه، ثمّ قال: «أنشد الله من شهد يوم غدير خمّ إلّا قام، و لا يقوم رجل يقول نبّئت أو بلغني إلّا رجل سمعت اُذناه ووعاه قلبه»، فقام سبعة عشر رجلاً منهم خزيمة بن ثابت و سهل بن سعد و عديّ بن حاتم و عقبة بن عامر و أبو أيّوب الأنصاری و أبو سعيد الخدري و أبو شريح الخزاعي و أبو قدامة الأنصاري و أبو يعلی الأنصاري و أبو الهيثم بن التيهان و رجال من قريش، فقال عليّ: «هاتوا ما سمعتم». فقالوا: نشهد أنّا أقبلنا مع رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) من حجّة الوداع نزلنا بغدير خمّ، ثمّ نادی بالصلاة فصلّينا معه، ثمّ قام فحمد الله و أثنی عليه، ثمّ قال: «أيّها النّاس ما أنتم قائلون؟»، قالوا: قد بلّغت. قال: «اللّهمّ اشهد» - ثلاث مرّات - ثمّ قال: «إنّي أوشك أن اُدعی
ص: 104
فاُجيب، و إنّي مسؤول و أنتم مسؤولون». ثمّ قال: «أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي أهل بيتي إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، و لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض، نبّأني بذلك اللطيف الخبير». ثمّ قال: «إنّ الله مولاي و أنا مولی المؤمنين، ألستم تعلمون أنّي أولی بكم من أنفسكم؟». قالوا: بلی، قال ذلك ثلاثاً. ثمّ أخذ بيدك يا أمير المؤمنين فرفعها و قال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاداه». فقال عليّ: «صدقتم و أنا علی ذلك من الشاهدين».((1))
النصّ الثامن عشر: أخرج المتّقي الهندي خطبة رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) في غدير خُمّ منها: «أيّها النّاس ألا هل تسمعون، فإنّي فرطكم علی الحوض و أنتم واردون علَيَّ الحوض، وإنّ عرضه أبعد ما بين صنعاء و بصری، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلّفوني في الثقلين». قالوا: و ما الثقلان يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم فاستمسكوا به و لا
ص: 105
تضلّوا، و الآخر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما ولا تقص-روا عنهما فتهلكوا، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، من كنت أولی به من نفسه فعليّ وليّه، اللّهمّ والِ من والاه و عادِ من عاداه». قال: رواه الطبراني في الكبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.((1))
النصّ التاسع عش-ر: و أخرج الش-ريف الحض-رمي: «إنّي فرطكم علی الحوض... فأسألكم عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما». فقام رجل من المهاجرين فقال: ما الثقلان؟ قال: «الأكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله و سبب طرفه بأيديكم فتمسّكوا به، والأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي و أجاب دعوتي فليستوص بهم خيراً - أو کما قال - فلا تقتلوهم و لا تقهرو هم و لا تقص-روا عنهم، و انّي قد سألت اللطيف الخبير فأعطاني أن يردوا عَلَيّ الحوض كتَينٍ - أو قال )كهاتين) - وأشار بالمسبّحتين - ناصرهما لي ناصر، و خاذلهما لي خاذل، و وليّهما لي وليّ و عدوهما لي عدوّ».((2))
النصّ العشرون: أخرج عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب الله
ص: 106
و عترتي أهل بيتي، إنّهما لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض».((1))
النصّ الحادی و العش-رون: و أخرج ابن أبي شيبة و الخطيب في المتّفق و المفترق عن جابر بلفظ: «إنّي تارك فيكم ما لن تضلّوا بعدي إن اعتصمتم به، كتاب الله و عترتي أهل بيتي».((2))
النصّ الثاني و العش-رون: أخرج الحسن بن محمد الصغاني الحافظ (م.650ق.) في الشمس المنيرة:((3)) «افترقت اُمّة أخي موسی إحدی و سبعين فرقة، و افترقت اُمّة أخي عيسی علی اثنتين و سبعين فرقة، و ستفترق اُمّتي علی ثلاث و سبعين فرقة كلّهم هالكة إلّا فرقة واحدة». فلمّا سمع ذلك منه ضاق المسلمون ذرعاً و ضجّوا بالبكاء و أقبلوا عليه وقالوا: يا رسول الله، كيف لنا بعدك بطريق النجاة؟ و كيف لنا بمعر فة الناجية حتی نعتمد عليها؟ فقال (صلی الله علیه وآله و سلم): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً، كتاب الله
ص: 107
و عترتي أهل بيتي، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتی يردا عَلَيّ الحوض».
النصّ الثالث و العشرون: و أخرج الدارمي بسنده عن يزيد بن حیَان عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) يوماً خطيباً، فحمد الله و أثنی عليه ثمّ قال: «أيّها الناس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاُجيبه، و إنّي تارك فيكم الثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدی و النور، فتمسّكوا بكتاب الله و خذوا به». فحثّ عليه و رغَّب فيه، ثمّ قال: «و أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي»، ثلاث مرات. و أخرجه المتّقي أيضاً عن زيد بن أرقم.((1))
النصّ الرابع والعشرون: و أخرج الحافظ الطحاوي أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) حض-ر الشجرة بخُمٍّ فخرج آخذاً يد عليّ فقال: «يا أيّها النّاس! ألستم تشهدون أنّ الله عزّ وجلّ ربّكم؟»، قالوا: بلی، قال: «ألستم تشهدون أنّ الله و رسوله أولی بكم من أنفسكم و أنّ الله عزّ وجلّ و رسوله مولاكم؟»، قالوا: بلی، قال: «فمن كنت مولاه فإنّ هذا مولاه، أو قال: فإنّ علیّاً مولاه، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم لن تضلّوا، كتاب الله بأيد يكم، و أهل بيتي».((2))
النصّ الخامس و العشرون: و في المعجم الأوسط: «إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض، و عترت
ص: 108
أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض».((1))
النصّ السادس و العشرون: و أيضاً فيه: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض».((2))
هذه بعض ألفاظ نصوص الثقلين، و قد ظهر منها أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) قد كرّر عليهم ذلك في موارد متعدّدة، في غدير خمّ و الجحفة كما رواه الحاكم،((3)) و ابن الأثير،((4)) و النسائي في الخصائص و الذهبي في التلخيص و غيرهم، و في حجّة الوداع بعرفة كما سمعته عن الترمذي، و في مرض موته كما أخرجه ابن حجر،((5)) و بعد انصرافه من الطائف لمّا قام خطيباً، و في غيرها من المواطن.
ويستفاد من ذلك شدّة اهتمام النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) بإبلاغ ذلك و بإرجاع الاُمّة إليهما، فكرّر ذلك بحسب المواطن و المواقف، حتی لا يبقی لأحد عذر في ترك الرجوع إليهما و التمسّك بهما.
قال ابن حجر: ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة وردت
ص: 109
عن نيّف و عشرين صحابياً، و مرّ له طرق مبسوطة في حادي عش-ر الشبه، و في بعض تلك الطرق أنّه قال بحجّة الوداع بعرفة، و في اُخری أنّه قال بالمدينة في مرض موته و قد امتلأت الحجرة بأصحابه، و في اُخری أنّه قال ذلك بغدير خمّ، و في اُخری أنّه قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ. و لا تنافي، إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن و غيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز و العترة الطاهرة.((1))
يستفاد من هذه النصوص اُمور:
الأمر الأوّل: وجوب التمسّك بالكتاب و العترة، و المراد به إنّما هو وجوب السير علی وفق أوامرهم و نواهيهم و ارشاداتهم، لكونهم أعدال القرآن، و عدم افتراق أحدهما عن الآخر.
الأمر الثاني: انحصار سبيل النجاة و العصمة عن الضلالة بالتمسّك بهم و بالكتاب دون غيرهم كائناً من كان، لأنّه جعلهم عدل الكتاب و غير مفترقين عنه، و لأنّه لو كان التمسّك بغيرهم مؤمناً من الضلال لوجب أن ينبّه عليه، خصوصاً في مثل تلك المواطن.
ويدلّ علی ذلك أيضاً قوله(صلی الله علیه وآله و سلم): «فلا تقدّموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما
ص: 110
فتهلكوا، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» وأنّه خاطب الجميع في هذه النصوص، فما من الاُمّة أحد إلّا و هو مأمور بالتمسّك بهم.
الأمر الثالث: تعليق الأمن من الضلالة بالتمسّك بالكتاب و أهل البيت جميعاً، فالتمسّك بأحدهما إن لم يقترن بالتمسّك بالآخر لا يوجب الأمن من الضلالة، فإنّه(صلی الله علیه وآله و سلم) لم يقل: «ما إن تمسّكتم بأيّهما أو بأحدهما». و عليه فمفهوم الحدیث يدلّ علی وعيد عظيم، و هو أنّ من لم يتمسّك بهما أو تمسّك بأحدهما فقط يقع في الضلال، و ذكر ذلك الفاضل الشهير أحمد أفندي المعروف بالمنجم باشي (م. 1113 أو 1116ق.) في طيّ ما أفاده من النكات الجليلة، و هو من أعلام السنّة و محقّقيهم.((1)) بل التمسّك
الحقيقي بأحدهما من غير التمسّك بالآخر لا يتحقّق، فلا يمکن التمسّك بأحدهما دون الآخر.
الأمر الرابع: عصمة العترة عن الخطأ و الاشتباه، و ذلك لوجوه:
1. عدم افتراقهم عن الكتاب، فتجويز الخطأ عليهم تجويز افتراقهم عن الكتاب، و هو مناف لقوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «لن يفترقا».
2. لو لم يكونوا معصومين لجاز أن يكون المتمسّك بهم ضالّا ً، و يدفع هذا أمر النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) بالتمسّك بهم.
3. لو لم يكونوا معصومين لما أمكن أن يكونوا منقذين من الضلالة
ص: 111
مطلقاً، و لم يكن التمسّك بهم أمناً من الضلال كذلك، و هو ينافي قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا».
4. أنّهم لو لم يكونوا معصومين من الخطأ لم يكن التقدّم عليهم و التخلّف عنهم سبباً للتهلكة علی سبيل الإطلاق، و قد قال (صلی الله علیه وآله و سلم) : «فلا تقدّموهما فتهلكوا و لا تقصروا عنهما فتهلكوا».
5. أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) أمر باتّباعهم و التمسّك بهم علی سبيل الإطلاق، و لا يجوز اتّباع أحد علی الإطلاق إلّا إذا كان معصوماً.
الأمر الخامس: كون العترة أعلم الناس بعد النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) إذ لا معنی لاختصاصهم بالاقتران بالكتاب و عدم افتراقهم عنه إلّا إذا كان عندهم من العلوم اللدنّية ما ليس عند غيرهم، و كانوا أعلم بالكتاب و السنّة من غيرهم، و كان لهم من الله عنايات اختصّهم بها، و إلّا فحالهم و حال غيرهم سواء، و لا يصحّ اقترانهم بالكتاب في كون التمسّك بهم منقذاً من الضلالة، و يدلّ علی ذلك قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».((1))
الأمر السادس: بقاء العترة الهادية إلی يوم القيامة، و عدم خلّو الزمان من عالم من أهل البيت تكون أقواله حجّة كالكتاب المجيد، ويدلّ علی ذلك اُمور:
ص: 112
أوّلاً: قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «إنّي تارك فيكم الثقلين»؛((1)) وقوله: «إنّي مخلف فيكم»؛((2)) و قوله: «إنّي تارك فيكم خليفتين»؛((3)) و قوله: «إنّي قد تركت فيكم»؛((4)) و قوله: «إنّي قد خلّفت فيكم الثقلين»؛((5)) فإنّها تدلّ علی أنّه(صلی الله علیه وآله و سلم) ترك في اُمّته من يكون مرجعاً في اُمورهم و خليفته عليهم، و هو القرآن و العترة. و من المعلوم أنّ احتياج الاُمّة إليهما ليس مختصّاً بزمان دون زمان، فلو لم يبق ما ترك في الاُمّة مدی الدهر لا يصدق عليه أنّه ترك فيهم من يكون كذلك، و عليه فلا يصحّ صدور هذه التعابير و التصريحات منه. و الفرق واضح بين أن يكون تاركاً و مخلفاً في الجميع ما إن تمسّكوا به لن يضلّوا أو في البعض، و هذه العبارات كلّها صريحة في الأوّل دون الثاني.
ثانیاً: قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا»؛ و قوله: «إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا»، فإنّ نفي الضلال علی سبيل التأبید إن تمسّكوا بالثقلين لا يصحّ إلّا
ص: 113
إذا كان ما يتمسّك به باقياً متأبّداً.
ثالثاً: قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «لن يفترقا حتی يردا علَيَّ الحوض»، فإنّه لو لم يكن في زمن من الأزمنة من هو عدل الكتاب و قرينه لزم افتراق كلّ منهما عن الآخر، و هذا ينافي ما هو صريح الحديث من كونهما عدلين و عدم افتراقهما أبداً.
رابعاً: قوله(صلی الله علیه وآله و سلم) : «لن ينقضيا حتی يردا علَيَّ الحوض» فإنّه يدلّ علی دوامهما و عدم انقضائهما أبداً.
قال ابن حجر: و في أحاديث الحثّ علی التمسّك بأهل البيت إشارة
إلی عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلی يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، و لهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، و يشهد لذلك الخبر السالف: «في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي...» إلی آخره.((1))
وممّا يدلّ علی وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت في جميع الأزمان و عدم خلوّ الزمان من إمام معصوم إلی يوم القيامة - كما هو مذهب الإماميّة - مضافاً إلی أخبار السفينة و الأمان و غيرهما من الأخبار الكثيرة الّتي يأتي الإيعاز إلی بعضها إن شاء الله تعالی، الحديث المشهور الّذي أخرجه الحميدي في الجمع بين الصحيحين علی ما حكي عنه: «من
ص: 114
يصحّ إلّا
مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً»، و نحوه ما عن الحاكم عن ابن عمر، و فيه من الحثّ الشديد علی وجوب معر فة الإمام و التهديد و الوعيد لمن قصر في أداء حقّه و معرفته و عدم خلوّ الزمان إلی يوم القيامة من وجود إمام معصوم ما لا يخفی.
وأخرج ابن مردويه عن عليّ (علیه السلام) قال: قال رسول الله|: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾،((1)) قال: «يدعی كلّ قوم بإمام زمانهم و كتاب ربّهم و سنّة نبيهم».((2)) و أخرجه الثعلبي مسنداً عنه (صلی الله علیه وآله و سلم) .((3))
هذا و من شاء استقصاء ما يستفاد من الحديث من شؤون أهل البيت (علیهم السلام) و مقاماتهم فعليه بكتاب عبقات الأنوار،((4)) فانّه ذكر أموراً كثيرة و استشهد لها بالأحاديث و تصريحات أعلام أهل السنّة في غاية التحقيق.((5))
والله هو الهادي إلی الصراط المستقيم.
ص: 115
ص: 116
لا ريب في أنّ المراد بالعترة الّتي أمر النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) الاُمّة بالتمسّك بها ليس كلّ واحد منها، بل المراد منها - بمناسبة عدم افتراقهم عن الكتاب و كونهم معصومين و وجوب متابعتهم و أنّ التمسّك بهم أمن من الضلال - أئمّتهم و علماؤهم و المستجمعون للفضائل و الكمالات العلميّة و العمليّة، و قد صرّح بذلك غير واحد من أهل السنة.
قال ابن حجر: تنبيه: سمّی رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) القرآن و عترته، و هي بالمثنّاة الفوقانية: الأهل و النسل و الرهط الأدنون، ثقلين لأنّ الثقل كلّ خطير مصون، و هذان كذلك، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدّنية و الأسرار و الحكم العليّة و الأحكام الشرعية، و لذا حثّ (صلی الله علیه وآله و سلم) علی الإقتداء و التمسّك بهم و التعلّم منهم، و قال: «الحمد لله الّذي جعل فينا الحكمة أهل البيت». و قيل سُمّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما.
ثمّ الّذين وقع الحثّ عليهم منهم إنّما هم العارفون بكتاب الله و سنّة رسوله، إذ هم الّذين لا يفارقون الكتاب إلی الحوض، و يؤيّده الخبر
ص: 117
السابق: «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم». و تميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، و شرّفهم بالكرامات الباهرة و المزايا المتكاثرة، و قد مرّ بعضها.((1))
وقال السمهودي: و الحاصل أنّه لمّا كان كلّ من القرآن العظيم و العترة الطاهرة معدناً للعلوم اللدنيّة و الحِكَم و الأسرار النفيسة الش-رعية و كنوز دقائقها و استخراج حقائقها، أطلق رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) عليهما الثقلين، و يرشد لذلك حثّه (صلی الله علیه وآله و سلم) في بعض الطرق السابقة علی الإقتداء و التمسّك و التعلّم من أهل بيته،((2)) و قوله في حديث أحمد: «الحمد لله الّذي جعل فينا الحكمة أهل البيت»،((3)) و ما سيأتي من كونهم أماناً للاُمّة.((4))
وقال السيّد أبو بكر العلوي الشافعي: قال العلماء: و الّذين وقع الحثّ علی التمسّك بهم من أهل البيت النبويّ و العترة الطاهرة، هم العلماء
ص: 118
بكتاب الله عزّ وجلّ منهم، إذ لا يحثّ (صلی الله علیه وآله و سلم) علی التمسّك إلّا بهم، و هم الّذين لا يقع بينهم و بين الكتاب افتراق حتی يردوا الحوض، و لهذا قال: «لا
تقدّموهما فتهلكوا و لا تقصّروا عنهما فتهلكوا»، و اختصّوا بمزيد الحثّ علی غيرهم من العلماء كما تضمّنته الأحاديث السابقة، و ذلك مستلزم لوجود من يكون أهلاً للتمسّك به منهم في كلّ زمان وجدوا فيه إلی قيام الساعة، حتی يتوجّه الحثّ إلی التمسّك به، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، و لهذا كانوا أماناً للاُمّة كما سيأتي، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.((1))
وقال الحكيم الترمذي: و هذا - يعني قوله: أهل بيتي - عامّ اُريد به الخاصّ، و هم العلماء العاملون منهم.((2))
وقال التفتازاني في شرح المقاصد: ألا تری أنّه عليه الصلاة و السلام قد قرنهم بكتاب الله في كون التمسّك بهما منقذاً عن الضلال و لا معنی للتمسّك بالكتاب إلّا الأخذ بما فيه من العلم و الهداية، فكذا في العترة.((3))
وقال ابن أبي الحديد علّامة المعتزلة: و قد بيّن رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) عترته من هي، لما قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين». فقال: «عترتي
أهل بيتي»، و بيّن في مقام آخر مَن أهل بيته، حيث طرح عليهم الكساء و قال حين نزلت: ﴿إِنَّمَا يُريدُ
ص: 119
اللهُ لِيُذْهِبَ ﴾((1)) «اللّهمّ
هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس».((2))
وقال ابن حجر: ثمّ أحقّ من يتمسّك به منهم إمامهم و عالمهم عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، لما قدّمناه من مزيد علمه و دقائق
مستنبطاته، و من ثمّ قال أبو بكر: عليّ عترة رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) ،((3)) أي الّذين حثّ علی التمسّك بهم، فخصّه لما قلنا، و كذلك خصّه (صلی الله علیه وآله و سلم) بما مرّ يوم غدير.((4))
وقد خصّ عليّاًَ بالأمر بالتمسّك به في روايات اُخری متواترة أخرجها العامّ و الخاصّ في كتبهم، فمنها: ما أخرجه الحافظ أبو نعيم بسنده عن الإمام السبط الحسن (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) : ادعوا لي سيّد العرب، يعني عليّ بن أبي طالب». فقالت عائشة: ألست سيّد العرب؟ فقال: «أنا سيّد ولد آدم و عليّ سيّد العرب». فلمّا جاء أرسل إلی الأنصار فأتوه، فقال لهم: «يا معشر الأنصار! ألا أدلّكم علی ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده أبداً؟»، قالوا: بلی يا رسول الله، قال: «هذا عليّ فأحبّوه بحبّي، و أكرموه بكرامتي، فإنّ جبرئيل أمرني بالّذي قلت لكم من الله عزّ وجلّ». و رواه أبو بشر عن سعيد بن
ص: 120
جبير عن عائشة نحوه في السؤدد مختصراً.((1))
كما قد نصّ عليه في نفس هذه النصوص، و أخرجه غير واحد من أكابر أهل السنّة كابن حجر المكّي و الدارقطني و السمهودي و غيرهم.((2))
وقد خصّ عليّاً و الزهراء و الحسن و الحسين (علیهم السلام) بالأمر بالتمسّك بهم، و أنّهم و كتاب الله لا يفترقان حتی يردا علَيَّ الحوض في حديث أخرجه الثعلبي في العرائس عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك،((3))و في غيره من الأحاديث.
وخصّ الأئمّة الاثني عش-ر (علیهم السلام) بالأمر بالتمسّك بهم في حديث أخرجه الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في أربعينه، و في أحاديث كثيرة اُخری.
وقد ظهر ممّا ذكرناه في دلالة أحاديث الثقلين وجه تعيّن وجوب التمسّك بالأئمّة الاثني عشر من بين العترة الطاهرة و اختصاصهم بذلك المنصب، فإنّ غيرهم من العترة لم يدّعِ العصمة و العلم بأحكام جميع الوقائع.
ويدلّ عليه أيضاً إجماع المسلمين علی أنّ من عداهم ليس معصوماً و عالماً
ص: 121
بجميع الأحكام الشرعية، كما تدلّ عليه الأخبار الكثيرة الّتي خرّجها مسلم و أحمد و البخاري و الترمذي و أبو داود و الحاكم و المتّقي و ابن الديبع و الخطيب و السيوطي و غيرهم في عدد الأئمّة و الخلفاء عن جابر بن سمرة، وابن مسعود، وأنس و غيرهم.((1))
ومن المعلوم أنّ هذا العدد لا ينطبق إلّا علی الأئمّة الاثني عش-ر، و قد صرّح بأسمائهم رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) في روايات كثيرة متواترة أخرجها الإماميّة بطرقهم المعتبرة في صحاحهم و جوامعهم، كما قد أخرج طائفة منها جمع من شيوخ السنّة و أعلامهم، و أفرد جماعة من أصحاب الحديث من الفريقين في
ص: 122
فضائلهم و مناقبهم و كراماتهم و ما ورد فيهم من النصوص و تنصيص كلّ واحد منهم علی الإمام الّذي
يلي الأمر بعده، و في العلوم الصادرة عنهم كتباً نافعة قيّمة.((1))
قال الفاضل القندوزي: قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالّة علی كون الخلفاء بعده (صلی الله علیه وآله و سلم) اثني عش-ر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبش-رح الزمان و تعريف الكون و المكان علم أنّ مراد رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) من حديثه هذا الأئمّة الاثنی عشر من أهل بيته و عترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث علی الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عش-ر، و لا يمكن أن يحمل علی الملوك الاُمويين لزيادتهم علی الاثني عشر و لظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز، و لكونهم غير بني هاشم؛ لأنّ النبيّ قال: «كلّهم من بني هاشم» في رواية عبد الملك عن جابر. و اخفاء صوته في هذا القول يرجّح هذه الرواية، لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.
و لا يمكن أن يحمل علی الملوك العباسيّين لزيادتهم علی العدد المذكور و لقلّة رعايتهم الآية: ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْ-مَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾((2)) و حديث الكساء. فلابدّ أن يحمل هذا الحديث علی الأئمّة الاثني عش-ر من
ص: 123
أهل بيته و عترته(صلی الله علیه وآله و سلم) ، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم و أورعهم و أتقاهم و أعلمهم نسباً و أفضلهم حسباً و أكرمهم عند الله، و كان علومهم من آبائهم متّصلاً بجدّهم (صلی الله علیه وآله و سلم) و بالوارثة اللدنيّة، كذا عرّفهم أهل العلم و التحقيق و أهل الكشف و التدقيق. و يؤيّد هذا المعنی - أي أنّ مراد النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) الأئمّة الاثنا عشرمن أهل بيته - و يشهده و يرجّحه حديث الثقلين و الأحاديث المتكثّرة المذكورة في هذا الكتاب... إلخ.((1))
وقال محمد معين السندي في كتابه دراسات اللبيب في طيّ كلماته في حديث الثقلين: و لمّا كان هذا بطريق دلالة النصّ انتظرنا نصّاً فيهم يدلّنا علی إمامتهم في العلم، فوجدنا قوله (صلی الله علیه وآله و سلم) :«الحمد لله الّذي جعل الحكمة فينا أهل البيت»، فعلمنا أنّهم الحكماء العارفون و العلماء
الوارثون الّذين وقع الحثّ علی التمسّك بهم في دين الله تعالی و أخذ العلوم عنهم، و أيّدنا في ذلك ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً﴾((2)) عن جعفر الصادق× قال: «نحن حبل الله الّذي قال تعالی: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَ لَا تَفَرَّقُوا﴾، انتهی.((3))
ص: 124
وكيف لا وهم أحد الثقلين، فكما أنّ القرآن حبل الله الممدود من السماء فكذلك أهل هذا البيت المقدس - صلوات الله تعالی و تسليماته عليهم أجمعين - و قد قال قائلهم× مخبراً عن نفسه القدسي و سائر رهطه المطهرين:
وفينا كتاب الله أن--زل ص--ادقاً * و فينا الهدی و الوحي و الخير يذكر
ثمّ ساق الكلام إلی أن قال: فعلمنا من كلام الأئمّة - عليهم رضوان الله تعالی - معنی التمسّك بهم بما لا ريبة فيه، إلّا لمن ﴿اِرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾.((1))
وقال أيضاً: فإذا انضمّ إلی ذلك ما ورد من الأخبار في الأئمّة الاثني عشر مما بسطنا أكثرها في المقامات الأربعة من كتابنا المسمّی «مواهب
سيّد البشر في حديث الأئمّة الاثني عشر» بالترتيب بسطناها، و ما اجتمع عليه السلف و الخلف من غزارة علوم هذا العدد المبارك و خرقهم العوائد و ما اختصّوا به من المزايا الباهرة من بين سائر الرجال الأبطال من هذه الفئة الفائقة علی معاصريها في كلّ عصر، يتيقّن بأنّهم الأولی بصدق أحاديث التمسّك عليهم من غيرهم.
وقال أيضاً في طيّ تحقيقاته: فلا وجه لأن يمتري من له أدنی إنصاف في أنّ من صدق عليهم هذه الأحاديث و الآية من غير شائبة، و هم الأئمّة
ص: 125
الاثني عشر من أهل البيت و سيّدة نساء العالمين بضعة رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) اُمّ الأئمّة الزهراء الطاهرة، علی أبيها وعلیها الصلاة والسلام، لا شائبة في كونهم معصومين كالمهديّ منهم (علیهم السلام) ... إلخ.((1))
وقال الشبراوي الشافعي: قد أشرق نور هذه السلسلة الهاشمية و البيضة الطاهرة النبويّة و العصابة العلويّة، و هم اثنا عش-ر إماماً مناقبهم عليّة و صفاتهم سنيّة و نفوسهم شريفة أبيّة، و اُرومتهم كريمة محمدية، و هم محمد الحجّة ابن الحسن الخالص ابن عليّ الهادي ابن محمد الجواد ابن عليّ الرضا ابن موسی الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الإمام الحسين أخي الإمام الحسن ولدي الليث الغالب عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالی عنهم أجمعين.((2))
وقال الشبراوي أيضاً: و يكفيه - يعني الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) - شرفاً بأنّ الإمام المهديّ المنتظر من أولاده. فللّه درّ هذا البيت الش-ريف و النسب الخضمّ المنيف، و ناهيك به من فخار، و حسبك فيه من علوّ مقدار، فهم جميعاً في كرم الاُرومة و طيب الجرثومة، كأسنان المشط متعادلون، و لسهام المجد مقتسمون، فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلّة، فلقد
ص: 126
طاول السماك علاً و نبلاً و سما علی الفرقدين منزلةً و محلّا ً، و استغرق صفات الكمال فلا يستثنی فيه بغير ولا بإلّا و انتظم في المجد هؤلاء الأئمّة انتظام اللئالي، و تناسقوا في الشرف فاستوی الأوّل و التالي، و كم اجتهد قوم في خفض منارهم و الله يرفعه، و ركبوا الصعب و الذلول في تشتيت شملهم و الله يجمعه، كم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله و لا يضيّعه. أحيانا الله علی حبّهم و أماتنا عليه.((1))
ص: 127
ص: 128
الثاني من النصوص الصريحة المرشدة إلی التمسّك بأهل البيت وحجّية مذاهبهم و أقوالهم و وجوب التأسّي بأعمالهم، أحاديث السفينة الّتي أخرجها من أعلام السنّة ما يربو علی المائة: كأحمد و الطبراني و أبي نعيم و البزّار و ابن عبد البرّ و السيوطي و السمعاني و ابن الأثير و الفخر و محمد بن طلحة الشافعي و المتّقي و الملّا وسبط ابن الجوزي و المحبّ الطبري و الخطيب و ابن كثير و ابن المغازلي و السمهودي و ابن الصبّاغ و أبي بكر الحض-رمي والصبّان و الشبلنجي و القندوزي و ابن حجر و غيرهم، عن أبي ذرّ وابن عبّاس و ابن الزبير و أنس و أبي سعید الخدري و سلمة بن الأكوع، وإليك بعض ألفاظ الحديث:
النصّ الأوّل: أخرج الحاكم بسنده عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذرّ يقول و هو آخذ باب الكعبة: أيّها النّاس من عرفني فأنا من عرفتم و من أنكرني فأنا أبو ذرّ، سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) يقول: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح علی شرط مسلم؛((1)) و أخرجه ابن
ص: 129
المغازلي إلّا أنّه قال: «إنّما مثل»، و قال: «من ركب فيها»، و في حديث آخر زاد: «ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجّال»، و أخرجه الطبراني عن أبي ذرّ إلّا أنّه قال: «سفينة نوح في قوم نوح»، وقال: «هلك» بدل «غرق»، و زاد: «ومثل باب حطّة بني إسرائيل»،((1)) و أخرجه أبو طالب يحیی بن الحسين - المتولّد سنة 340ه- بآمل - بسنده عن حنش إلّا أنّه قال: «من عرفني فقد عرفني»، و قال: «مثل
أهل بيتي فيكم»، و أخرج نحوه الهيثمي و ابن حجر و السيوطي.((2))
النصّ الثانی: أخرج البزّار و غيره عن ابن عبّاس: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق».((3))
ص: 130
النصّ الثالث: أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري، سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) يقول: «إنّما مثل أهل بيتي فیکم كسفينة نوح، مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق، و إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له».((1))
النصّ الرابع: أخرج البزّار عن عبد الله بن الزبير أنّ النبيّ (صلی الله علیه وآله و سلم) قال: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تركها غرق».((2))
النصّ الخامس: و أخرج الثعلبي: «مثل عترتي كسفينة نوح، من ركب فيها نجا»،((3)) و أخرجه القندوزي عنه إلّا أنّه قال: «من ركبها نجا».((4))
النصّ السادس: و أخرج الخطيب بإسناده عن أنس بن مالك قال: قال
ص: 131
رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «إنّما مثلي و مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».((1))
النصّ السابع: أخرج الحموئي في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله و سلم) : «يا
عليّ، أنا مدينة الحکمة و أنت بابها، و لن یؤتی المدينة إلّا من قبل الباب، و كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغضك، لأنّك منّي و أنا منك، لحمك من لحمي، و دمك من دمي، و روحك من روحي، و سريرتك من سريرتي، و علانيتك من علانيتي، و أنت إمام اُمّتي، و خلیفتي علیها بعدي؛ سعد من أطاعك و شقي من عصاك، و ربح من تولّاك و خسر من عاداك، فاز من لزمك و هلك من فارقك، مثلك و مثل الأئمّة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلی يوم القيامة».((2))
النصّ الثامن: أخرج الشبلنجي و الصبّان قالا: و روی جماعة من أصحاب السنن عن عدّة من الصحابة أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله ) قال: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك»، و في رواية:
ص: 132
«غرق»، و في اُخری: «زُجّ في النار».((1))
النصّ التاسع: قال ابن حجر: و جاء من طرقٍ عديدة يقوّي بعضها بعضاً: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا»،
و في رواية مسلم: «ومن
تخلّف عنها غرق»، و في رواية: «هلك».((2)) و قال: و في رواية: «إنّ
مثل أهل بيتي»، و في رواية: «ألا إنّ أهل بيتي»، و في رواية: «ألا إنّ مثل أهل بيتي»، و في رواية: «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم»، و في رواية: «من ركبها سلم و من تركها غرق».((3))
النصّ العاشر: وقال ابن حجر أيضاً: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، من دخل غفر له»، و في رواية: «غفر له الذنوب».((4))
النصّ الحادی عشر: وأخرج ابن السري عن عليّ(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا و من تعلّق بها فاز، و من تخلّف عنها زُجّ في النار».((5))
ص: 133
النصّ الثاني عشر: أخرج الديلمي أبو منصور شهردار بن شيرويه في كتاب مسند الفردوس عن أبي سعيد الخدري قال: صلّی بنا رسول الله صلاة الاُولی، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: «يا معاشر أصحابي، إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح و باب حطّة بني إسرائيل، فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي الأئمّة الراشدين من ذرّيّتي، فإنّكم لن تضلّوا أبداً». فقيل: يا رسول الله، كم الأئمّة بعدك؟ قال: «اثنا عشر من أهل بيتي». أو قال: «مِن عترتي».((1))
النصّ الثالث عشر: و أخرج ابن أبي شيبة عن عليّ(علیه السلام) قال: «إنّما مثلنا في هذه الاُمّة كسفينة نوح و كباب
حِطّة».((2))
النصّ الرابع عشر: و أخرج القطّان في أماليه و ابن مردويه عن عباد بن عبد الله الأسدي في حديث أنّ عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) قال: «والله إنّ مثلنا في هذه الاُمّة كمثل سفينة نوح في قوم نوح، و إنّ مثلنا في هذه الاُمّة كمثل باب حطّة في بني إسرائيل».((3))
النصّ الخامس عشر: وأخرج الطبراني عن جعفر بن المعتمر قال: رأيت
ص: 134
أبا ذرّ الغفاري أخذ بعضادتي باب الكعبة و هو يقول: من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أبو ذرّ الغفاري، سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله ) (يقول): «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك و مثل باب حطّة بني إسرائيل».((1))
و قال ابن حجر: وجه تشبيهم بالسفينة فيما مرّ أنّ من أحبّهم و عظّمهم شكراً لنعمة مشرّفهم(صلی الله علیه وآله )، و أخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، و من تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم و هلك في مفاوز الطغيان، و مرّ في خبر: أنّ من حفظ حرمة الإسلام و حرمته(صلی الله علیه وآله ) و حرمة رحمه، حفظ الله تعالی دينه و دنياه، و من لا، لم يحفظ دنياه و لا آخرته، وورد «يرد
الحوض أهل بيتي و من أحبّهم من اُمّتي كهاتين السبّابتين»، و يشهد له خبر: «المرء مع من أحبّ»، و باب حطّة إنّ الله تعالی جعل دخول ذلك الباب الّذي هو باب اريحاء أو بيت المقدس مع التواضع و الاستغفار سبباً للمغفرة، و جعل لهذه الاُمّة مودّة أهل البيت^ سبباً لها كما سيأتي قريباً.((2))
وقال السيّد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي الحضرمي: و وجه تمثيله(صلی الله علیه وآله ) لهم بسفينة نوح، أنّ النجاة من هول الطوفان
ص: 135
ثابتة لمن ركب تلك السفينة، وأنّ من تمسّك بأهل بيته(صلی الله علیه وآله ) و أخذ بهديهم كما حثّ عليه في الأحاديث السابقة نجا من ظلمات المخالفات و اعتصم بأقوی سبب إلی ربّ البريّات، و من تخلّف عن ذلك و أخذ غير مأخذهم و لم يعرف حقّهم غرق في بحار الطغيان و استوجب الحلول في النيران، إذ من المعلوم ممّا سبق. و يأتي أنّ بغضهم منذر بحلولها موجب لدخولها.
وأمّا وجه تمثيله(صلی الله علیه وآله ) لهم بباب حطّة - و هو باب أريحاء و قيل: باب بيت المقدس - فذلك أنّ المولی سبحانه و تعالی جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب مستغفرين متواضعين سبباً للغفران وجعل لهذه الاُمّة مودّة أهل البیت وتولّیهم ومحبّتهم سبباً للغفران كما تقدّم عن ثابت البناني في قوله عزّ و جلّ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِ-مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾((1)) قال: إلی ولاية أهل البيت،((2)) فجعل الإهتداء إلی ولايتهم مع الإيمان و العمل الصالح سبباً للمغفرة.((3))
وفي فرائد السمطين: أنّ الواحدي - بعد نقل ما رواه الحاكم بسنده عن حنش بن المعتمر - قال: سمعت أبا ذرّ و هو آخذ بباب الكعبة و هو يقول: یا أيّها النّاس! من عرّفني فأنا من قد عرفتم و من لم يعرفني فأنا أبو ذرّ، إنّي
ص: 136
سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله ) يقول: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك». قال: اُنظر كيف دعا الخلق إلی التشبُّث إلی ولائهم و السير تحت لوائهم بضرب مثلهم بسفينة نوح، جعل ما في الآخرة من مخاوف الأخطار و أهول النار كالبحر الّذي یلجّ براكبه فيورده مشارع المنيّة و يفيض عليه سجال البليّة، و جعل أهل بيته - عليه و عليهم السلام - سبب الخلاص من مخاوفه، و النجاة من متالفه، فكما لا يعبر بحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلّا بالسفينة، كذلك لا يأمن لفح الجحيم و لا يفوز بدار النعيم إلّا من تولی أهل بيت الرسول - صلوات الله عليه و عليهم - و نحل لهم ودّه و نصحه، و أكّد في موالاتهم عقيدته، فإنّ الّذين تخلّفوا عن تلك السفينة آلو شرّ مآل، و خرجوا من الدنيا إلی أنكال و جحيم ذات أغلال، و كما ضرب مثلهم لسفينة نوح قرنهم
بكتاب الله فجعلهم ثاني الكتاب و شفع التنزيل.((1))
أقول: من تدبر حقّ التدبر في أحاديث السفينة، و ما يأتي من أحاديث الأمان، و أحاديث الطائفة، و أحاديث من مات و لم يعرف إمام زمانه، و أحاديث الخلفاء و الأئمّة الاثني عشر، و أحاديث الثقلين، و حديث في كلّ خلف و حديث من سرّه، و غيرها من الأحاديث الكثيرة الّتي أخرجنا
ص: 137
بعضها في هذا الكتاب، يحصل له العلم بعدم خلوّ الزمان من إمام معصوم من أهل بيت النبيّ(صلی الله علیه وآله )، يجب التمسّك به في الاُمور الدينية و معرفته و متعابعته و التأسّي به و أخذ العلم عنه، فهو خليفة الرسول في بيان الأحكام و تبليغ مسائل الحلال و الحرام و تفسير القرآن، كما أنّ الكتاب العزيز أيضاً خليفته، و هما لا يفترقان عن الآخر.
وعلی هذا الأساس المتين المستفاد من هذه الأخبار المتواترة القطعية و غيرها، بني مذهب الإماميّة القائلين بوجود الإمام المعصوم في كلّ عص-ر و زمان من أهل البيت، و انحصار الإمامة في الاثني عشر إلی قيام الساعة. ويرشد إلی ذلك - أي عدم خلوّ الأرض من الإمام - ما رواه الخاصّ و العامّ عن أمير المؤمنين علیّ بن أبي طالب(علیه السلام) قال: «اللّهمّ بلی لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلّا تبطل حجج الله و بيّناته، و كم ذا، و أين اُولئك؟ اُولئك و الله الأقلّون عدداً والأعظمون عند الله قدراً، يحفظ الله بهم حججه و بيّناته».((1)) أخرجه الش-ريف الرضيّ،((2)) و الذهبي،((3)) مع اختلاف يسير، و سبط ابن الجوزي في تذكرة
ص: 138
الخواصّ،((1)) و الموفّق بن محمد الخوارزمي في المناقب،((2)) و عليّ المتّقي في كنز العمّال،((3)) وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء.((4))
وقد ظهر ممّا ذكر أنّ أحاديث السفينة صريحاً حص-رت طريق النجاة بالتمسّك بهم، فلا ينجو إلّا من تمسّك بهم، كما أنّه لم ينجُ من قوم نوح إلّا من ركب السفينة، فمن لم يركبها و تخلّف عنها غرق.
ص: 139
ص: 140
الثالث من الأحاديث الدالّة علی نجاة المتمسّكين بأهل البيت، و انحصار نجاة غيرهم من الاُمّة كائناً من كان بالتمسّك بهم، و أنّهم أمان للاُمّة من الاختلاف و الهلاك و الاندثار (أحاديث الأمان). وإليك بعض ألفاظها:
النصّ الأوّل: أخرج الحاكم عن ابن عبّاس عن رسول الله(صلی الله علیه وآله ) قال: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس»،((1))و أخرجه ابن حجر و السيوطي.((2))
النصّ الثانی: و أخرج ابن حجر أيضاً: «أهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون».((3))
النصّ الثالث: و أخرج أبو يعلی في مسنده عن سلمة بن الأكوع بسندٍ
ص: 141
حسن: «النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لاُمّتي»،((1)) و أخرجه الحكيم الترمذي في نوادره،((2)) و أخرجه ابن حجر، و أخرج عن أحمد: «فإذا
ذهب النجوم ذهب أهل السماء و إذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»،((3)) و أخرجه الهيثمي عن الطبراني عن سلمة إلّا أنّه قال: «النجوم جلعت أماناً لأهل السماء و أنّ
أهل بيتي أمان
لاُمّتي»،((4)) و أخرجه ابن أبي شيبة و المسدّد في مسنديهما.((5))
النصّ الرابع: أخرج أحمد في المناقب عن عليّ(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): النجوم
أمان لأهل السماء، فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».((6))
أقول: روی أحاديث الأمان بطرق كثيرة و ألفاظ متقاربة، جمع كثير من أعلام أهل السنّة عن أمير المؤمنين عليّ و أنس و أبي سعيد الخدري و جابر و أبي موسی و ابن عبّاس و سلمة بن الأكوع، لا حاجة هنا إلی إخراج
ص: 142
ألفاظها و سرد أسماء مخرّجيها أزيد من ذلك.((1))
قال ابن حجر: الآية السابعة - يعني من الآيات الواردة في أهل البيت(علیهم السلام) - قوله تعالی: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ ﴾،((2)) أشار(صلی الله علیه وآله ) إلی أنّ وجود ذلك المعنی في أهل بيته و أنّهم أمان لأهل الأرض، كما كان هو(صلی الله علیه وآله ) أماناً لهم، و في ذلك أحاديث كثيرة.((3))
وقال: بعضهم يحتمل أنّ المراد بأهل البيت الّذين هم أمان علماؤهم، لأنّهم الّذين يهتدي بهم كالنجوم، و الّذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون، و ذلك عند نزول المهديّ لما يأتي في أحاديثه... إلخ.((4))
وقال أحمد: إنّ الله خلق الأرض من أجل النبيّ(صلی الله علیه وآله )، فجعل دوامها بدوام أهل بيته و عترته.((5))
وقال الشريف السمهودي بعد إيراد هذه الأحاديث: يحتمل أنّ المراد من أهل البيت الذين هم أمان للاُمّة علماؤهم الذين يهتدی بهم كما يهتدی
ص: 143
بنجوم السماء، وهم الذين إذا خلت الأرض منهم جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون و ذهب أهل الأرض، و ذلك عند موت المهديّ الّذي أخبر به النبيّ(صلی الله علیه وآله ).((1))
أقول: إنّ دلالة هذه الأحاديث علی حجّية مذاهب أهل البيت(علیهم السلام) و كونهم أماناً من الاختلاف لعصمتهم، وجود من يكون أهلاً للتمسّك به منهم في كلّ زمان إلی قيام الساعة، و أنّ المراد من أهل البيت الّذين هم أمان لأهل الأرض أئمّتهم، في غاية الوضوح؛ فإنّهم لم
يختصّوا بهذا التشريف من دون الناس إلّا لكونهم معدناً للعلوم النبويّة و الأحكام الشرعية و الفضائل المحمودة، فلابدّ أن لا يخلو الزمان ممّن يكون منهم موصوفاً بهذه الصفات و أهلاً لأن يكون مشرّفاً بهذا التشريف، وأماناً لهذه الاُمّة المرحومة و لجميع أهل الأرض من الزوال و الفناء و الاختلاف.
وأصرح من الجميع في أنّ المراد من أهل البيت أئمّتهم و علماؤهم، ما أخرجه الحاكم عن ابن عبّاس و صحّحه، فإنّ اتّصاف أهل البيت بكونهم أماناً للاُمّة من الاختلاف علی سبيل الإطلاق في الاُمور الدينية و غيرها، كما قال(صلی الله علیه وآله ): «وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف»، ليس إلّا بعلمائهم و أئمّتهم(علیهم السلام) الّذين نصّ عليهم النبيّ(صلی الله علیه وآله ) في غير هذه الأحاديث.
ص: 144
وهم الّذين وصفهم سيّدهم و أفضلهم الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) فيما قال في أوصافهم: «لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه»،((1)) «إليهم يفيء الغالي و بهم يلحق التالي»،((2)) «وهم أزمّة الحقّ و أعلام الدين و ألسنة الصدق».((3))
هم الراقون في أوج الكمال * و هم أهل المعارف و المعالي
وهم سفن النجاة إذا ترامت * بأهل الأرض أمواج الضلال
أمان الأرض من غرقٍ و خسفٍ * و حصن الملّة الصعب المثال
وهم في غرّة الدين بُدورٌ * تسامت بالجميل و بالجمال
كفی خبر الوصيّة أنّهم * والكتاب معاً إلی يوم الحجال
عليهم بعد جدّهم صلاةٌ * و تسليمٌ و رحمة ذي الجلال
ص: 145
ص: 146
من تدبّر في أحاديث الثقلين و السفينة و الأمان يظهر له أنّ سبيل النجاة للجميع منحصر في التمسّك بأهل البيت، وإليك طوائف اُخری من الأحاديث الدالّة علی ذلك:
فالأوّل من هذه النصوص المرشدة إلی صحّة الاحتجاج بفتاواهم و الاقتداء بهم، ما أخرج الحافظ أبو نعيم بسنده عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «من سرّه أن يحيی حياتي و يموت مماتي و يسكن جنّة عدن الّتي غرسها ربّي، فليوالِ عليّاً من بعدي وليوالِ وليّه، وليقتدِ بالأئمّة من بعدي، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهماً و علماً، و ويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».((1))
وأورده المتّقي عن الطبراني في الكبير، و الرافعي في مسنده مع اختلاف في بعض ألفاظه،((2))و كذلك أخرجه الحموئي،((3)) و أخرجه السيوطي فی جمع
ص: 147
الجوامع،((1)) و ابن أبي الحديد.((2)) و أخرج نحوه أحمد في مسنده و في مناقب عليّ(علیه السلام)،((3)) و أخرجه الگنجي الشافعي مسنداً عن ابن عبّاس،((4)) و ابن شهر آشوب عن أبي نعيم بطرق متعدّدة عن زيد بن أرقم و ابن عباس،((5)) و أخرجه أيضاً أبو نعيم في «منقبة المطهّرين»، والرافعي في «التدوين» والدهلوي في «تحقيق الإشارة» و غيرهم.((6))
الثاني: أخرج المتّقي عن زياد بن مطرف قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله ) يقول: «من أحبّ أن يحيی حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنّة الّتي و عدني ربّي قضباً من قضبانها غرسها بيده و هي جنّة الخلد، فليتولّ عليّاً و ذرّيّته من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدیً و لن
يدخلوكم باب ضلالة». أخرجه عن مطير والباوردي و ابن شاهين و ابن منده بأسانيدهم عن زياد بن مطرف،((7)) و أخرج نحوه أبو جعفر محمد بن جریر الطبری في «ذیل المذیّل» بسنده عن
ص: 148
زیاد،((1)) وساق السند هكذا: حدّثني زكريّا بن يحيی بن أبان المص-ري، قال حدّثنا أحمد بن أشكاب، قال حدّثنا يحيی بن يعلی المحاربي، عن عمّار بن زريق الضبّي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن زياد بن مطرف.
وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة زياد بن مطرف قال: و أخرجوا من طريق أبي اسحاق عنه قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله ) يقول: «من أحبّ أن يحيی حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنّة فليتولَّ عليّاً و ذرّيته من بعده». قال ابن مندة: لا يصحّ، قلت: في إسناده يحيی بن يعلی المحاربي و هو واهٍ.((2))
أقول: يحيی بن يعلی المحاربي من شيوخ البخاري، روی عنه و روی الباقون سوی الترمذي له بواسطة أبي كريب، و محمّد بن أبي بكر بن أبي شيبة و محمّد بن عبد الله بن نمير وغيرهم، و ذكره ابن حبّان في الثقات، مات سنة 216ه-.((3))
وقال ابن أبي حاتم: روی عنه أبي وأبو زرعة و محمّد بن مسلم و الناس، أنبأنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عنه فقال: هو ثقة.((4))
فالحكم بعدم صحّة الحديث من غير علّة فيه ليس إلّا لما اعتادوا من ردّ الأحاديث الواردة في فضل أهل بيت النبوة، فمالوا بالناس عن طريقهم
ص: 149
السويّ و الصراط المستقيم.
وأخرج الطبراني و أبو نعيم في فضائل الصحابة: «من أحبّ أن يحيی حياتي و يموت موتي و يسكن جنّة الخلد الّتي وعدني ربّي، فإنّ ربّي غرس قضبانها بيده، فليتولّ عليّ بن أبي طالب، فإنّه لن يخرجكم من هدیً ولن يدخلكم ضلالة».((1))
الثالث: أخرج الخوارزمي بسنده عن سيّدنا أبي عبد الله الحسين السبط(علیه السلام) قال: «سمعت جدّي رسول الله(صلی الله علیه وآله ) يقول: من أحبّ أن يحيی حياتي و يموت ميتتي (مماتي - خ ل) و يدخل الجنّة الّتي وعدني ربّي فليتولَّ عليّ بن أبي طالب، و ذرّيته أئمّة الهدی و مصابيح الدجی من بعدهم، فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدی إلی باب الضلالة».
و أخرج عن الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه الحسين(علیهم السلام) نحوه،((2)) و أخرجه ابن شهر آشوب عن أبي المؤيّد المكّي.((3))
الرابع: أخرج ابن سعد عنه(صلی الله علیه وآله ): «أنا و أهل بيتي شجرة في الجنّة و أغصانها في الدنيا، فمن شاء اتّخذ إلی ربّه سبيلاً».((4)) و أورد المحبّ الطبري لأبي سعيد
ص: 150
في شرف النبوّة إلّا أنّه قال: «فمن تمسّك بنا اتّخذ» الحديث.((1))
و أورده القندوزي عن شرف النبوّة عن عبد العزيز، ((2))و أخرجه الحضرمي عن أبي سعيد.((3))
الخامس: أخرج الملّا عن عمر: أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله ) قال: «في كلّ خلوف من اُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين، ألا وإنّ أئمّتكم و فدكم إلی الله عزّ وجلّ فانظروا بمن توفدون».((4)) و أخرجه ابن حجر إلّا أنّه قال: «في كلّ خلف»، و قال: «تحريف الضالّين»، و قال: «وانظروا من توفدون»،((5)) و أخرجه الحض-رمي،((6)) و القندوزي.((7))
وأخرج عليّ بن محمّد بن عبد الله العبّاسي العلوي بسنده عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن النبيّ(صلی الله علیه وآله ) قال: «في أهل بيتي عدول، ينفون عن الدين تحريف
ص: 151
الغالين و تأويل الجاهلين و انتحال المبطلين، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلی الله تعالی، فانظروا من تقدّمون في دينكم و صلاتكم».((1))
السادس: أخرج الصبّان عن أبي ذرّ: «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد و مكان العينين من الرأس، و لا يهتدي الرأس إلّا بالعينين».((2)) وأخرجه الشريف الحضرمي،((3))و النبهاني،((4))و حكی إخراجه عن جماعة من أصحاب السنن بالإسناد إلی أبي ذرّ مرفوعاً.
وأخرج أبو القاسم عليّ بن محمد الخزّاز القمّي في كتابه القيّم «كفاية الأثر في النصّ علی الأئمّة الاثني عشر» مسنداً عن واثلة قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «أنزلوا أهل بيتي بمنزلة الرأس من الجسد و بمنزلة العينين من الرأس، والرأس لا يهتدي إلّا بالعينين، اقتدوا بهم من بعدي لن تضلّوا». فسألنا عن الأئمّة، فقال: «الأئمّة بعدي من عترتي»، أو قال: «أهل بيتي عدد نقباء بني اسرائيل».((5))
وأخرج الحافظ أبو نعيم بسنده عن عليم بن سلمان قال: أنزلوا آل محمّد بمنزلة الرأس من الجسد و بمنزلة العين من الرأس، فإنّ الجسد لا يهتدي إلّا
ص: 152
بالرأس، و أنّ الرأس لا يهتدي إلّا بالعينين،((1))و أخرجه ابن حجر عن الطبراني عن سلمان إلّا أنّه قال: «وبمنزلة العينين».((2))
السابع: أخرج السمهودي في جواهر العقدين عن ربيبة السعدي حديثاً طويلاً عن حذیفة في فضل الحسين(علیه السلام) إلی أن قال: «أيّها الناس، إنّه لم يعط أحد من ذرّيّة الأنبياء الماضين ما اُعطي الحسين بن عليّ خلا يوسف بن يعقوب بن إبراهيم، أيّها الناس، إنّ الفضل و الش-رف و المنزلة و الولاية لرسول الله و ذرّيته، فلا تذهبنّ بكم الأباطيل».((3)) و أخرجه الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي عن صاحب كتاب «السنّة»،((4)) و أخرج ذيل الحديث الحضرمي،((5)) و القندوزي،((6)) و ابن حجر.((7))
الثامن: أخرج الحموئي بسنده عن أصبغ بن نباتة عن عليّ(علیه السلام) في قوله تعالی: ﴿إِنَّ الَّذينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّ-راطِ لَنَاكِبُونَ ﴾؛((8)) قال:
ص: 153
«الصراط ولايتنا أهل البيت».((1))
و أخرج الثعلبي في تفسير الفاتحة من تفسيره الكبير عن أبي بريدة أو أبي يزيد((2)) - كما أخرج ابن البطريق عن الثعلبي -: إنّ الص-راط المستقيم هو صراط محمّد و آله.((3))
و عن تفسير وكيع بن جرّاح عن سفيان الثوري عن السدّي عن أسباط و مجاهد عن ابن عبّاس في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْ-مُسْتَقيمَ ﴾؛((4)) قال: قولوا أرشدنا إلی حبّ آل محمّد و أهل بيته.((5)) و أخرج القندوزي عن المناقب عن زيد بن موسی الكاظم عن أبيه عن آبائه(علیهم السلام) نحو حديث الأصبغ.((6))
وأخرج الشريف الحضرمي أنّ عبد الرحمن بن زيد قال في قوله تعالی: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْ-مُسْتَقيمَ ﴾؛((7)) هم رسول الله(صلی الله علیه وآله ) و أهل بيته،((8)) و أخرج
ص: 154
الحاكم الحسكاني الحنفي في «شواهد التنزيل» عشرين حديثاً في ذلك.((1))
التاسع: أخرج ابن حجر في الآية الخامسة من الآيات الّتي ذكر أنّها و ردت فيهم، و هي قوله تعالی: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً﴾،((2)) عن الثعلبي عن الإمام جعفر الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «نحن حبل الله الّذي قال الله فيه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً وَلَا تفرَّقوُا﴾.((3))
وقد فسّر الشافعي حبل الله بولاء أهل البيت في الأبيات الّتي ذكرها له أحمد بن عبد القادر العجيلي في كتابه «ذخيرة المآل» و الش-ريف الحض-رمي في كتابه «رشفة الصادي»، و هي هذه:
ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغيّ و الجهل
ركبت علی اسم الله في سفن النجا * و هم أهل بيت المصطفی خاتم الرسل
ص: 155
وأمسكت حبل الله و هو ولاؤهم * كما قد اُمرنا بالتمسّك بالحبل((1))
إذا افترقت في الدين سبعين فرقةً * ونَيْفاً علی ما جاء في واضح النقل
ولم يك ناجٍ منهمُ غير فرقة * فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل
أفي الفرقة الهلّاك آل محمد * أم الفرقة اللّاتي نجت منهم؟ قل لي
فإن قلت في الناجين فالقول واحد * و إن قلت في الهلاك حِفت عن العدل
إذا کان مولی القوم منهم فإنّني * رضيت بهم لا زال في ظلّهم ظلّي
رضيت علياً لي إماماً و نسله * و أنت من الباقين في أوسع الحلِّ((2))
العاشر: أخرج الخوارزمي موفّق بن أحمد عن أبي صالح عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: الصادقون في هذه الآية يعني: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ﴾((3)) محمد(صلی الله علیه وآله ) و أهل بيته.((4)) أخرجه أبو نعيم و الحموئي بلفظه،((5)) و أخرجه أبو نعيم عن الصادق جعفر بن محمد÷، و أخرجه أيضاً وصاحب المناقب عن الباقر و الرضا÷ قالا: «الصادقون
ص: 156
هم الأئمّة من أهل البيت».((1))
وقال سبط ابن الجوزي: قال علماء السير: معناه: كونوا مع عليّ و أهل بيته. قال ابن عبّاس: عليّ سيّد الصادقين.((2)) وعن جماعة كأبي نعيم و ابن مردويه و ابن عساكر عن جابر و ابن عباس و أبي جعفر، قالوا: مع عليّ بن أبي طالب.((3))
وأخرج ابن حجر أنّ الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(علیه السلام) كان إذا تلا قوله تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ﴾((4)) يقول دعاءاً طويلاً يشتمل علی طلب اللحوق بدرجة الصادقين و الدرجات العليّة، و علی وصف المحن و ما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمّة الدين و الشجرة النبويّة، ثمّ يقول: «وذهب آخرون إلی التقصير في أمرنا، و احتجّوا بمتشابه القرآن و تأوّلوا بآرائهم و اتّهموا مأثور الخبر» إلی أن قال: «فإلی من يفزع خلف هذه الاُمّة، و قد درست أعلام هذه الملّة و دانت الاُمّة بالفرقة و الاختلاف، يكفّر بعضهم بعضاً والله يقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّناتُ﴾،((5)) فمن الموثوق به علی إبلاغ الحجّة و تأويل الحكم إلّا أهل (أعدال - خ ل) الكتاب
ص: 157
و أبناء أئمّة الهدی و مصابيح الدجی، الّذين احتجّ الله بهم علی عباده و لم يَدعِ الخلق سدیً من غير حجّة، هل تعرفهم أو تجدونهم إلّا من فرع الشجرة المباركة، و بقايا الصفوة الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، و برّأهم من الآفات و افترض مودّتهم في الكتاب.((1))
وأخرجه الحافظ عبد العزيز بن الأخضر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، و هو آخر الصحابة موتاً،((2))وأخرجه الحض-رمي،((3)) و السمهودي في جواهر
العقدين،((4)) ثم قالا:
هم العروة الوثقی و هم معدن التُّقی * و خي--ر حب---ال العالمين وثيقه---ا
و في الباب روايات اُخری أخرجها الحاكم الحسكاني.((5))
الحادی عشر: أخرج ابن حجر في الآية الرابعة من الآيات الّتي ذكر أنّها وردت فيهم، وهي قوله تعالی: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُون﴾ ((6)) عن الواحدي:
ص: 158
أي عن ولاية عليّ و أهل البيت، لأنّ الله أمر نبيّه(صلی الله علیه وآله ) أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم علی تبليغ الرسالة أجراً إلّا المودّة في القربی، و المعنی أنّهم يسألون هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ أو أضاعوها و أهملوها، فتكون عليهم المطالبة و التبعة؟ انتهی.
و أشار بقوله: «كما أوصاهم النبيّ» إلی الأحاديث الواردة في ذلك، و هي كثيرة.((1)) ورواه الحضرمي عن الواحدي أيضاً،((2)) و في الباب روايات اُخری أخرجها الحسكاني.((3))
أقول: حقّ موالاتهم هو تصدیق أقوالهم و اتّباع آثارهم و اتّخاذهم الأئمّة في الدین، و أولی بالأنفس و الأموال و الاحتجاج بأحادیثهم.
الثانی عشر: أخرج ابن حجر أيضاً في الآية الثامنة، و هي قوله تعالی: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِ-مَنْ تابَ و َآمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾((4)) عن ثابت البناني أنّه قال: اهتدی إلی ولاية أهل البيت(علیهم السلام) و جاء ذلك عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام) أيضاً.((5))
ص: 159
وأخرجه الحض-رمي و قال: جعل الاهتداء إلی ولايتهم مع الإيمان و العمل الصالح سبباً لوجود المغفرة.((1))
أخرج ابن البطريق عن الحافظ أبي نعيم بسنده عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن عليّ(علیه السلام) أنّه في هذه الآية: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِ-مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾ قال: «إلی ولايتنا»،((2)) و في الباب روايات اُخری أخرجها الحاكم الحسكاني.((3))
الثالث عشر: أخرج القاضي، قال(صلی الله علیه وآله ): «معرفة آل محمد براءة من النار، و حبّ آل محمّد جواز علی الص-راط، و الولاية لآل محمّد أمان من العذاب».((4))
وأخرجه الحموئي مسنداً عن المقداد و السمهودي في جواهر العقدين،((5)) و أخرجه في كتاب السبعين في فضائل أمير المؤمنين في الحديث التاسع و الستّين، و قال: أورده أبو إسحاق في كتابه، و أخرج تمام هذا الكتاب الشريف «كتاب السبعين» في ينابيع المودّة.((6))
ص: 160
أقول: لا ريب في أنّ معنی معرفتهم ليس معرفتهم بأسمائهم و أشخاصهم، بل المراد معرفتهم بأنّهم أهل بيت النبيّ(صلی الله علیه وآله ) و العالمون بأحكام الله، و بأنّهم مراجع النّاس في اُمورهم الدينية و الدنيويّة. ومن جهة اُخری: فإنّه لا يصحّ هذا الحثّ الأكيد علی معرفتهم و حبّهم و ولايتهم إلّا إذا كانت مذاهبهم صحيحة و اتّباعهم سبيلاً للنجاة و الإعراض عنهم سبباً للهلاك.
الرابع عشر: أخرج الطبراني في الأوسط عن الإمام الحسن بن عليّ÷ أنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله ) قال: «ألزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه من لقي الله عزّ وجلّ و هو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، و الّذي نفس-ي بيده! لا ينفع عبداً عمله إلّا بمعرفة حقّنا».((1)) أخرجه ابن حجر،((2)) و الشريف الحضرمي،((3)) و السيّد
عليّ الهمداني في المودّة الثانية من «مودّة القربی» عن جابر، و الصبّان،((4)) و النبهاني،((5)) و غيرهم.
الخامس عشر: أخرج الطبراني عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «لا تزول قدما عبد حتی يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، و عن جسده فيم
ص: 161
أبلاه، و عن ماله فيم أنفقه و من أين اكتسبه، و عن محبّتنا أهل البيت».((1))
وأخرجه أبو المؤيّد الخوارزمي عن أبي هريرة،((2)) والحموئي عن عليّ(علیه السلام)((3)) نحوه. و أخرجه ابن حجر عن الطبراني في الكبير و الأوسط،((4)) و المتّقي((5)) أخرجا عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ) «لا تزول قدما عبد يوم القيامة» قالا: «فيما» بدل فيم و «عن
حبّنا أهل البيت»، و أخرجه ابن المغازلي بلفظ كنز العمّال و الطبراني.((6))
السادس عشر: أخرج الثعلبي في تفسيره عن محمد بن أسلم الطوسي عن يعلی بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «ألا و من مات علی حبّ آل محمد مات شهيداً، ألا و من مات علی حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا و من مات علی حبّ آل محمّد مات تائباً، ألا و من مات علی حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا و من مات علی حبّ آل محمّد فتح في قبره بابان من الجنّة، ألا و من مات علی حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر و نكير، ألا و من مات علی حبّ آل محمّد يزفّ إلی الجنّة كما تزفّ العروس إلی بيت زوجها، ألا و من مات
ص: 162
علی حبّ آل محمّد جعل الله تعالی زوّار قبره ملائكة الرحمة، ألا من مات علی حبّ آل محمّد مات علی السنّة والجماعة، ألا و من مات علی بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد مات كافراً، ألا و من مات علی بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة».((1))
وأخرجه الزمخشري في الكشّاف في تفسير آية المودّة،((2)) والحموئي في فرائد السمطين،((3)) والشبلنجي،((4)) و الشريف الحض-رمي،((5)) و الصفوري مختص-راً و قال: حكاه القرطبي في سورة الشوری،((6)) و صاحب فصل الخطاب،((7)) وروح البيان.((8))
ص: 163
السابع عشر: أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي برزة قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «لا تزول قدما عبد حتی يسأل عن أربعة: عن جسده فيما أبلاه، و عمره فيما أفناه، و ما له من أين اكتسبه و فيما أنفقه، و عن حبّنا أهل البيت». قيل: يا رسول الله فما علامة حبّكم؟ فضرب بيده علی منكب عليّ.((1))
وأخرج أبو طالب يحی بن الحسين بسنده عن عليّ(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتی يسأله الله عزّ و جلّ عن أربع: عن عمره فيما أفناه، و عن جسده فيما أبلاه، و عن ماله ممّا اكتسبه و فيما أنفقه، و عن حبّنا أهل البيت». فقال أبو برزة: ما علامة
حبّكم يا رسول الله؟ قال: «حبّ هذا» و وضع يده علی رأس عليّ(علیه السلام).((2))
الثامن عشر: أخرج السيوطي و الحضرمي عن الديلمي عن عليّ(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «أدّبوا أولادكم علی ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، و حبّ أهل بيته، و علی قراءة القرآن، فإنّ حملة القرآن في ظلّ الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه مع أنبيائه و أصفيائه».((3)) و أخرجه المتّقي إلّا أنّه قال: «وقراءة القرآن»،((4))
ص: 164
و أخرجه ابن حجر إلّا أنّه قال: «وقراءة القرآن و الحديث» و لم يذكر ما بعده.((1))
أقول: الأخبار في هذه المعاني كثيرة متواترة، و فيها من ضروب التأكيد و الترغيب في محبّة أمير المؤمنين عليّ و الزهراء والحسنين و أولادهم(علیهم السلام) و ذمّ مبغضيهم، ما يجعل حبّهم من أعظم الواجبات و الفرائض، و بغضهم و الإعراض عنهم بأشدّ المحرّمات، بل يجعله من أكبر الكبائر، و نعم ما قاله الشافعي:
ي--ا أهل بيت رسول الله حبّك-م * ف-رض م-ن الله في القرآن أنزله
يكف-يكم من عظيم الفخر أنّكم * من لم يصلّ عليكم لاصلاة له((2))
وللفرزدق في قصيدته المعروفة:
من معش-رٍ حبّهم دينٌ و بغضهم * كفرٌ وقربهمُ منجی و معتصم
إن عُدّ أهل التقی كانوا أئمّتهم * أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل همُ
يستدفع الض-رّ و البلوی بحبّهم * و يستزاد به الإحسان و النعم
لا يستطيع جوادٌ بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
مقدّم بعد ذكر الله ذكرهمُ * في كلّ يوم و مختومٌ به الكلم((3))
ص: 165
وأخرج السيوطي و النبهاني عن ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالی: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَة﴾((1)) قال: المودة لآل محمّد(صلی الله علیه وآله ).((2))
وفي هذه الآية و آية: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّاَ الْ-مَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ روايات كثيرة.((3))
وأخرج النبهاني عن ابن مسعود: حبّ آل محمّد يوماً خير من عبادة سنة.((4))
وأخرج أيضاً عن الديلمي عن علیّ(علیه السلام): «أثبتكم علی الص-راط أشدّكم حبّاً لأهل بيتي».((5)) و أخرجه المناوي أيضاً عن الديلمي.((6))
ومن المعلوم البديهي أنّ الحثّ علی محبّتهم بهذا التأكيد و اهتمام النبيّ(صلی الله علیه وآله ) في بيان فضائلهم و مناقبهم و تنزيلهم منزلة نفسه في حبّهم و بغضهم و سلمهم و حربهم و اختصاصهم بفضائل كثيرة دون غيرهم، أقلّ ما يدلّ عليه هو صحّة الاقتداء بهم في الأحكام الشرعية، و حجّية أقوالهم و أفعالهم، و حرمة الإعراض عن أحاديثهم و علومهم.
ص: 166
التاسع عش-ر: أخرج السيوطي في تفسير قوله تعالی: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾((1)) عن عليّ (علیه السلام): «إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله ) لمّا نزلت هذه الآية قال: ذاك من أحبّ الله و رسوله و أحبّ أهل بيته صادقاً غير كاذب». قال: أخرجه ابن مردويه، و أخرجه المتّقي.((2))
وأخرج الحافظ أبو نعيم بسنده عن أنس أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله ) قال في هذه الآية: «أتدري من هم يا ابن أمّ سليم؟»، قلت: و من هم یا رسول الله؟ قال: «نحن و شيعتنا».((3))
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير في تفسير قوله تعالی: ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾((4)) عن جابر قال: قال عليّ بن أبي طالب(علیه السلام): «نحن أهل الذكر».((5)) و أخرجه الطبري في تفسيره.((6))
وأخرج الحسكاني في ذلك روايات غيرها.((7))
ص: 167
وأخرج الشارح المتعزلي عن شيخه أبي عثمان عن أبي عبيدة عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين(علیهم السلام): «ألا إنّ أبرار عترتي و أطائب اُرومتي، أحلم الناس صغاراً و أعلم الناس كباراً، ألا و إنّا أهل بيت من علم الله علمنا، و بحكم الله حكمنا، و من قول صادق سمعنا، فإن تتّبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، و إن لم تفعلوا يهلككم بأيدينا، معنا راية الحقّ، من تبعها لحق و من تخلّف عنها غرق، ألا و بنا يدرك ترّة كلّ مؤمن، و بنا تخلع ربقة الذلّ عن أعناقكم، و بنا فتح لا بكم».((1))
وأخرجه الحافظ عمرو بن بحر في كتابه عن أبي عبيدة.((2))
العشرون: أخرج الگنجي بسنده عن أبي اُمامة الباهلي قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «إنّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتّی، و خلقني و عليّاً من شجرة واحدة، فأنا أصلها و عليّ فرعها و فاطمة لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، و من زاغ عنها هوی، و لو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا و المروة ألف عام ثمّ لم يدرك محبّتنا أكبّه الله علی منخرية في النار، ثمّ تلا: ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْ-مَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾((3)). ((4))وأخرجه ابن حجر
ص: 168
عن فضال بن جبر،((1))و أخرج نحوه ابن المغازلي عن جابر.((2))
وأخرج الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد مرفوعاً إلی أبي اُمامة الباهلي نحوه،((3)) و الحموئي بسنده عن جابر بن عبد الله أيضاًَ نحوه.((4))
وأخرجه الهمداني في «مودّة القربي» في المودّة الثامنة، و زاد: «وأشياعنا أوراقها»،((5)) و أخرجه الطبري و ابن عساكر بعدّة طرق عن أبي اُمامة.((6))
ونحو هذا الحديث في المضمون و الدلالة علی نجاة المتمسّمكين بهم(علیهم السلام) ما أخرجه أحمد في المناقب و السمهودي في جواهر العقدين،((7)) و الطبراني في معجمه الكبير،((8)) و ابن عساكر في تاريخه،((9)) والنيسابوري في تفسيره،((10))
ص: 169
والمتّقي،((1)) والصبّان عن الطبراني عن أبي رافع،((2)) و ابن حجر و غيرهم.((3))
الحادی و العشرون: أخرج الديلمي في مسنده عن عليّ(علیه السلام): «يا علي، إنّ الله قد غفر لك و لذرّيّتك و لولدك و لأهلك وشيعتك و لمحبّي شيعتك، فابش-ر فإنّك الأنزع البطين».((4)) و أخرج ابن حجر نحوه.((5))
وأخرج الخوارزمي أنّه(صلی الله علیه وآله ) قال: «يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك و لأهلك و شيعتك و محبّي شيعتك وابشِر فإنّك الأنزع البطين، منزوع من الشرك، بطين من العلم».
و روي الإمام سيّدنا عليّ بن موسی الرضا(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) مثل ما رواه الديلمي و قال في آخره: «منزوع من الشرك مبطون من العلم».((6))
الثانی و العشرون: أخرج الحافظ الزرندي عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِ-حَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾((7)) قال
ص: 170
لعليّ: «هو أنت و شيعتك، تأتي يوم القيامة أنت و شيعتك راضين مرضيّين، و يأتي عدوّك غضاباً مقمحين». فقال: يا رسول الله و مَن عدوّي؟ قال: «من تبرّأ منك ولعنك». ثمّ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله ): «رَحِم الله عليّاً رحمه الله».((1))
وأخرج الحاكم الحسکاني عن ابن عباس أيضاً قال: نزلت في عليّ و أهل بيته.((2))
قال السيوطي في الدرّ المنثور في تفسيرها: أخرج ابن عديّ عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِ-حَاتِ ﴾((3)) قال
رسول الله(صلی الله علیه وآله ) لعليّ: «أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضیّين»،((4)) و أخرجه الشبلنجي إلی قوله «مقمحين».((5))
الثالث و العش-رون: أخرج الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد المرفوع إلی يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب عليّ(علیه السلام) قال: سمعت عليّاً يقول: «حدّثني رسول الله(صلی الله علیه وآله ) و أنا مسنده إلی صدري، فقال: يا عليّ أما تسمع قول الله تعالی: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِ-حَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ
ص: 171
الْبَرِيَّة﴾،((1)) هم أنت و شيعتك، و موعدي و موعدكم الحوض إذا اجتمعت الاُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين».((2))
وأخرج ابن مردويه عن عليّ(علیه السلام) قال: «قال لي رسول الله(صلی الله علیه وآله ): ألم تسمع قول الله: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِ-حَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾،((3)) هم أنت و شيعتك، و موعدي و موعدكم الحوض إذا جاءت الاُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين».((4))
وفي الباب روايات كثيرة أخرجها الحاكم الحسكاني الحنفي.((5))
الرابع و العشرون: أخرج الهيثمي عن عبد الله بن أبي نجيّ أنّ عليّاً(علیه السلام) أتی يوم البصرة بذهب و فضّة، فقال: «ابيضّ-ي و اصفرّي و غرّي غيري، غرّي أهل الشام غداً إذا ظهروا عليك». فشقّ قوله ذلك علی الناس، فذكر ذلك له، فأذن في الناس فدخلوا عليه قال: «إنّ خليلي(صلی الله علیه وآله ) قال: يا عليّ، إنّك
ص: 172
ستقدم علی الله و شيعتك راضين مرضيّین، و يقدم عليك عدوّك غضبان مقحمين، ثمّ جمع يده إلی عنقه يريهم الأقماح». رواه الطبراني في الأوسط.((1))
الخامس و العشرون: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبيّ(صلی الله علیه وآله ) فأقبل عليّ(علیه السلام) فقال النبيّ: «والّذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته هُم الفائزون يوم القيامة»، و نزلت ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا﴾... الآية.((2)) و أورده القندوزي في حديث طويل ذكر فيه بعض فضائل عليّ(علیه السلام) عن المناقب عن أبي الزبير المكّي عن جابر.((3))
السادس و العشرون: أخرج الگنجي باسناده عن أبي سعيد إلخدري قال: نظر النبيّ(صلی الله علیه وآله ) إلی عليّ(علیه السلام) فقال: «هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة». و قال: و قد سمعته من جم غفير بطرق مختلفة، و أخرج المناوي: «شيعة عليّ هم الفائزون»، و أخرج أيضاً: «عليّ و شيعته هم الفائزون يوم القيامة».((4)) و أخرج البلاذري عن اُمّ سلمة نحوه، كما أخرج عنها ابن عساكر أيضاً قالت: سمعت
ص: 173
النبيّ(صلی الله علیه وآله ) يقول: «إنّ عليّاً و شيعته هم الفائزون يوم القيامة».((1))
السابع و العشرون: أخرج الديلمي في الجزء الأوّل من كتاب الفردوس في باب الألف عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله ): «أنا شجرة، و فاطمة حملها و عليّ لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها و المحبّون لأهل البيت ورقها من الجنّة حقّاً حقّاً».((2)) ومرّ نحو ذلك عن أبي اُمامة، و في الباب نحوه عن عبد الرحمن بن عوف و أبي سعيد الخدري و جابر.((3))
وأنشد بعضهم شعراً في هذه الأحاديث:
يا حبّذا دوحةً في الخلد نابتة * ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفی أصلها و الفرع فاطمة * ثمّ اللقاح عليّ سيد البش-ر
والهاشميّان سبطاه لها ثمر * والشيعة الورق الملتف بالثمر
أنا بحبّهم أرجو النجاة غداً * والفوزَ في زمرة من أفضل الزمر
هذا هو الخبر المأثور جاء به * أهل الرواية في العالي من الأثر((4))
الثامن و العشرون: أخرج الزمخشري عن عليّ(علیه السلام) أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله ) قال له: «إذا
ص: 174
كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، و أخذ ولدك بحجزتك، و أخذت شيعة ولدك بحجزتهم، فتری أين يؤمر بنا».((1))
وأخرج في ربيع الأبرار: «إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، و أخذت أنت بحجزتي، و أخذوا ولدك بحجزتك، و أخذوا شيعة ولدك بحجزهم، فنودي أين من يؤنس بنا».((2))
وفي مسند الإمام عليّ بن موسی الرضا (علیه السلام) المطبوع مع مسند الإمام زيد في الباب الرابع، ص 455، أخرج بالإسناد، قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «يا عليّ إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، و أخذت أنت بحجزتي، و أخذ ولدك بحجزتك، و أخذ شيعة ولدك بحجزتهم، فتری أين يؤمر بنا». قال أبو القاسم الطائي: سألت أبا العبّاس بن ثعلب عن الحجزة قال: هي السبب، و سألت ابن نفطويه النحوي عن ذلك فقال: هي السبب.
التاسع و العشرون: أخرج الحافظ جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي الحنفي عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري قال: جلست إلی الأصبغ بن نباتة فقال: ألا أقرأ عليك ما أملاه عَلَيّ عليُّ بن أبي طالب، فأخرج لي صحيفة
ص: 175
فيها مكتوب: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصی به محمّد(صلی الله علیه وآله ) أهل بيته و اُمّته، أوصی أهل بيته بتقوی الله و لزوم طاعته، و أوصی اُمّته بلزوم أهل بيته، وأنَّ أهل بيته يأخذون بحجزة نبيّهم(صلی الله علیه وآله )، و أنّ شيعته آخذون بحجزهم يوم القيامة، و أنّهم لن يدخلوكم في باب ضلالة، و لن يخرجوكم من باب هدیً»،((1)) و أخرجه الشريف الحضرمي الشافعي.((2))
أقول: الأحاديث الواردة في نجاة من تمسّك بهم في فضل شيعتهم(علیهم السلام) كثيرة جدّاً تجاوزت حدّ التواتر،((3))و صنّف فيها جمع من أعلام الشيعة و السنّة كتباً مفردة.
شيعة الرجل أتباعه و أنصاره و قد غلب هذا الإسم في عص-ر النبيّ(صلی الله علیه وآله ) و الصحابة إلی العص-ر الحاضر علی أتباع عليّ(علیه السلام) و الّذين اختصّوا به
ص: 176
وبأولاده، و اتّخذوهم أولياء و اتّخذوهم أئمّة في الدين و في تبليغ الأحكام عن الرسول(صلی الله علیه وآله ) و في تفسير القرآن و السنّة في سائر الاُمور، و قد نصّ علی ذلك علماء اللغة:
قال الجوهري في الصحاح: شيعة الرجل أتباعه وأنصاره.((1)) وقال الفيومي في المصباح: الشيعة الأتباع و الأنصار.((2)) وقال الراغب: من يتقوّی بهم الإنسان و ينتشرون عنه.((3)) وقال الفيروز آبادي في القاموس: و شيعة الرجل - بالكسر - أشياعه و أنصاره، و الفرقة علی حِدة، و يقع علی الواحد و الاثنين والجمع و المذكّر و المؤنّث، و قد غلب هذا الإسم علی كلّ من يتولّی عليّاً و أهل بيته حتی صار اسماً لهم خاصّاً.((4))
قال ابن منظور في لسان العرب: الشيعة أتباع الرجل و أنصاره، جمعها شيع و أشياع - إلی أن قال -: قد غلب هذا الإسم علی من يتولّی عليّاً وأهل بيته - رضوان الله تعالی عليهم أجمعين - حتی صار لهم اسماً خاصّاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنّه منهم، و في مذهب الشيعة كذا، أي عندهم، و أصل ذلك من المشايعة، و هي المتابعة و المطاوعة. و قال الأزهري: و الشيعة
ص: 177
قوم يهوون هوي عترة النبيّ(صلی الله علیه وآله ) و يوالونهم.((1))
وذكر نحوه ابن الأثير في النهاية.((2))
وقال الشيخ أبو محمّد الحسن بن موسی النوبختي في الفرق و المقالات (المطبوع في استانبول): الشيعة هم فرقة عليّ بن أبي طالب المسمّون بشيعة عليّ في زمان النبيّ(صلی الله علیه وآله )، و ما بعده معروفون بانقطاعهم إليه و القول بإمامته.((3))
وقال أبو حاتم السجستاني في الجزء الثالث من كتاب «الزينة» أنّ لفظ الشيعة كان علی عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله ) لقب أربعة من الصحابة: سلمان و أبي ذرّ و المقداد و عمّار.((4))
وقال عليّ بن محمد الجرجاني في كتاب التعريفات في باب الشين: الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً - رضي الله عنه - و قالوا أنّه الإمام بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله )، و اعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج عنه و عن أولاده.((5))
وممّا ذكرنا یظهر دلالة الأحاديث المذكورة علی أنّ الشيعة اسم أطلقه
ص: 178
النبيّ(صلی الله علیه وآله ) علی جماعة خاصّة من اُمّته، و هم أتباع عليّ(علیه السلام) و أشياعه و من اتّخذه وليّاً و اقتفی أثره و أثر ولده، و يتأسّی و يقتدي به وبأولاده الأئمّة في عقائده و أعماله. ولا معنی لهذا إلّا كونهم أئمّة في الدين و أولياء الناس بتعیين رسول الله(صلی الله علیه وآله )، و كون الأخذ بأقوالهم و العمل بفتاواهم في الفروع و الاُصول سبباً للنجاة في الدارين.
وليس المراد منها كلّ من يحبّ عليّاً و لا يبغضه، فإنّ مجرّد ذلك لا يصحّح إطلاق الشيعة عليه و لا يختصّه بأهل البيت، فلا يقال لمن يحبّ أحداً أنّه من شيعته إلّا إذا اقتدی به وتولّاه و تابعه و شايعه و التزم بمتابعته و مشايعته، كما لا ينتمی من أخذ العلم عن جميع العلماء إلی واحد منهم إلّا إذا كان له اختصاص به.
ولا ريب في أنّه ليس في فِرَق المسلمين و طوائفهم فرقة تنتمی إلی أهل البيت غير الشيعة، و لا شبهة في إضافة علومهم وفقههم إلی أئمّة أهل البيت(علیهم السلام)، كما لا شبهة في صحّة إضافة فقه الحنابلة إلی أحمد بن حنبل و الحنفيّة إلی أبي حنيفة والشافعيّة إلی الشافعي و المالكيّة إلی مالك. فكما لا يجوز لأحد إنكار صحّة حكاية فقه المذاهب الأربعة بين أهل السنّة عن مالك و أحمد و الشافعي و أبي حنفية، لاستفاضة الفتيا عنهم، لا يجوز أيضاً لأحد إنكار صحّة فقه المذهب الجعفري و ما عند الإماميّة من الحديث و العلم،
ص: 179
و صحّة انتمائه إلی جعفر بن محمد و آبائه و أولاده الأئمّة(علیهم السلام)، سيّما مع استفاضة كونهم من أجلة أهل العلم و الفتيا في جميع الأحكام و تواتر ذلك بين المسلمين، و معروفيّة فتاواهم و مذاهبهم بين الشيعة دون غيرهم من الفرق.
الثلاثون: أخرج شيخ الإسلام إبراهيم بن محمّد الحموئي الشافعي في حديث بإسناده عن رسول الله(صلی الله علیه وآله ) ذكر فيه بعض فضائل عليّ(علیه السلام) - إلی أن قال -: «والحسن والحسين إماما اُمّتي بعد أبيهما و سيّدا شباب أهل الجنّة، و اُمّهما سيّدة نساء العالمين، و أبوهما سيّد الوصيّين، و من ولد الحسين تسعة أئمّة تاسعهم القائم من وُلدي، طاعتهم طاعتي و معصيتهم معصيتي، إلی الله أشكو المنكرين لفضلهم و المضيّعين
لحرمتهم بعدي، و كفی بالله وليّاً و ناصراً لعترتي و أئمّة و منتقماً من الجاحدين حقّهم، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾((1)). ((2))
الحادی و الثلاثون: أخرج القندوزي عن المناقب بالإسناد عن أبي الزبير المكّي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله(صلی الله علیه وآله ) حديثاً ذكر فيه أيضاً بعض فضائل عليّ(علیه السلام) - إلی أن قال - «وزوجته الصدّيقة الكبری ابنتي، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ابناي، و هو و هما و الأئمّة من بعدهم حجج الله علی خلقه بعد النبيّين، و هم أبواب العلم في اُمّتي، من تبعهم نجا من النار، و من
ص: 180
اقتدی بهم هدي إلی صراط مستقيم، لم يهب الله محبّتهم لعبد إلّا أدخله الجنّة».((1))
الثاني و الثلاثون: أخرج الزمخشري بإسناده قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «فاطمة بهجة قلبي، و ابناها
ثمرة فؤادي، و بعلها نور بصري، و الأئمّة من ولدها اُمناء ربّي، و حبل ممدود بينه و بين خلقه، من اعتصم بهم نجا ومن تخلّف عنهم هوی».((2))
الثالث و الثلاثون: أخرج الحموئي و الخوارزمي مسنداً و الهمداني في «مودّة القربی» عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال: دخلت علی النبيّ(صلی الله علیه وآله )، فإذا الحسين بن عليّ علی فخذيه، و هو يقبّل خدّيه و يلثم فاه و يقول: «أنت سيّد ابن سيّد أخو سيّد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجّة ابن حجّة أخو حجّة، و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم المهديّ».((3))
الرابع و الثلاثون: أخرج الهمداني في «مودّة القربی» في المودّة العاشرة عن أصبغ بن نباتة عن عبد الله بن عبّاس قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله ) يقول: «أنا
ص: 181
و عليّ والحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون». و أخرجه الحموئي.((1))
الخامس و الثلاثون: أخرج الحموئي في فرائد السمطين بسنده عن عباية بن ربعي عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «أنا سيّد النبيين، و عليّ سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عش-ر، أوّلهم عليّ و آخرهم المهديّ».((2)) و أخرجه: في «مودّة القربی» في المودّة العاشرة.
السادس و الثلاثون: أخرج الحموئي في فرائد السمطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج الله علی الخلق بعدي الاثنا عشر، أوّلهم أخي و آخرهم ولدي». قيل: يار سول الله، و مَن أخوك؟ قال: «عليّ بن أبي طالب». قيل: فمَن ولدك؟ قال: «المهديّ الّذي يملأها قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً، و الّذي بعثني بالحقّ بشيراً، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتی يخرج فيه ولدي المهديّ، فينزل روح الله عيسی بن مريم فيصلّي خلفه، و تشرق الأرض بنور ربّها، و يبلغ سلطانه
ص: 182
المشرق و المغرب»،((1)) و أخرجه في روضة الأحباب في ذكر الإمام الثاني عشر.((2))
السابع و الثلاثون: أخرج القندوزي عن المناقب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة - و هو آخر من مات من الصحابة - عن علي(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «أنت وصيّي، حربك حربي و سلمك سلمي، و أنت الإمام أبو الأئمّة الأحد عشر الّذين هم المطهّرون المعصومون، منهم المهديّ الّذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً، فويل لمبغضيهم، يا علي ّ لو أنّ رجلاً أحبّك و أولادك في الله لحش-ره الله معك و مع أولادك، و أنتم معي في الدرجات العلی، و أنت قسيم الجنّة و النار، تدخل محبّيك الجنّة و مبغضيك النار».((3))
الثامن و الثلاثون: أخرج القندوزي عن عليّ(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله ): «من أحبّ أن يركب سفينة النجاة و يستمسك
بالعروة الوثقی و يعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ عليّاً و ليعادِ عدوّه، و ليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي و أوصيائي و حجج الله علی خلقه من بعدي و سادات اُمّتي و قوّاد الأتقياء إلی الجنّة، حزبهم حزبي و حزبي حزب الله، و حزب أعدائهم حزب الشيطان».((4)) و أخرجه الهمداني في «مودّة القربی» في المودّة العاشرة.((5))
ص: 183
وأخرج أبو سعيد عبد الملك بن محمّد النيسابوري الخرگوشي في شرف المصطفی عن عليّ(علیه السلام) أنّه قال: «ومن فيكم من تخلّف من نبيّكم(صلی الله علیه وآله )، إن تمسّكتم به لن تضلّوا، و هم الدعاة، و هم النجاة، و هم أركان الأرض، و هم النجوم، بهم يستضاء من شجرة طاب فرعها و زيتونة طاب أصلها، نبتت في حرم و سقيت من كرم، من خير مستقرّ إلی خير مستودع، من مبارك إلی مبارك، صفت من الأقذار و الأدناس و من قبيح ما نبت به شرار الناس، لها فروع طوال و ثمر لا ینال، قصرت عن وصفها و صفاتها الألسن، و قصرت عن بلوغها الأعناق، فهم الدعاة وهم النجاة، و بالناس إليهم الحاجة، فأخلفوا رسول الله(صلی الله علیه وآله ) فیهم بأحس الخلافة، فقد خبّرکم أنّهما الثقلان فهما لن يفترقا هم والقرآن حتی يردا علَيَّ الحوض، فالزموهم تهتدوا و ترشدوا ولا تتفرّقوا عنهم فتترکوهم فتفرّقوا و تمرقوا».((1))
التاسع و الثلاثون: أخرج الديلمي في حديث عن جابر عن رسول الله(صلی الله علیه وآله ) أنّه قال: «فمن سرّه أن يلقی الله و هو عنه راضٍ فليتولَّ عليّاً و عترته، فإنّهم أوليائي و نجبائي و أحبّائي و خلفائي».((2))
الأربعون: أخرج الحافظ أبو الفتح محمّد بن أحمد بن أبي الفوارس (م.
ص: 184
412ق.) في أربعينه بإسناده حديثاً طويلاً، و هو الحديث الرابع من أربعينه، ذكر فيه أسماء الأئمّة الاثني عشر من الإمام عليّ بن أبي طالب إلی المهديّ محمد بن الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(علیهم السلام) و ذكر فضيلة موالاة كلّ واحد منهم و اتّخاذهم أولياء.((1))
ومن الروايات الواردة فيهم الدالّة علی وجوب التمسّك بهم و المصرّحة بعددهم و أسمائهم، ما أخرجه القندوزي عن واثلة و صاحب فرائد السمطين عن عمر بن سلمة،((2)) و شارح غاية الأحكام عن أبي عبد الله الحسين(علیه السلام)،((3)) و صاحب روضة الأحباب و المناقب عن جابر،((4))و الخوارزمي بسنده عن أبي سلمی راعي إبل رسول الله(صلی الله علیه وآله ) و بسنده عن عليّ(علیه السلام)،((5)) و الحموئي في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليّ(علیه السلام)،((6)) و غيرها.
ص: 185
أقول: الأحاديث في إرجاع الاُمّة إلی أهل البيت و في التص-ريح بأسماء الأئمّة الاثني عش-ر كثيرة متواترة، لا يمكن في مثل هذا الكتاب استقصاؤها، و إنّما ذكرنا منها - مضافاً إلی أحاديث الثقلين و السفينة و الأمان - هذه الأحاديث الأربعين تبرّكاً، و لما نقله الحافظ أبو الفتح محمّد بن أبي الفوارس في أوّل أربعینه عن الشافعي بعد ذكر حديث: «من حفظ عنّي من اُمّتي أربعين حديثاً كنت له شفيعاً»، أنّ المراد من هذه الأربعین مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(علیه السلام).
ونقل بإسناده عن أحمد بن حنبل أنّه قال: خطر ببالي من أين صحّ عند الشافعي، فرأيت النبيّ(صلی الله علیه وآله ) في النوم و هو يقول: «شككت في قول محمّد بن إدريس عن قولي: من حفظ من أمّتي أربعين حديثاً في فضائل أهل بيتي كنت له شفيعاً يوم القيامة، أما علمت أن فضائل أهل بيتي لا تحصی؟».
من أراد الاطّلاع علی طائفة من هذه الأحاديث فعليه بكتابنا منتخب الأثر، فقد أخرجنا فيه ما يزيد علی 270 من الأحاديث المروّية في الأئمّة الاثني عشر من طرق الفريقين، و ما كتبناه مقدّمة علی كتاب مقتضب الأثر للعلّامة المحدّث ابن العيّاش الجوهري (م. 401ق.).
وليراجع أيضاً الكتاب القيم ينابيع المودّة و مودّة القربی و المناقب للخوارزمي،
ص: 186
و فرائد السمطين للحموئي، و نظم درر السمطين للزرندي، و جواهر العقدين للسمهودي والفصول المهمّة لابن الصبّاغ، و كفاية الطالب للگنجي الشافعي، و تذكرة الخواصّ و الصواعق المحرقة، و وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفی، و حسن التوسّل بهامش الإتحاف، و رشفة الصادي، و المناقب لابن المغازلي، و شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، و غير ذلك من جوامع الحديث و الصحاح و المسانيد و التفاسير و التواريخ ممّا جاء أسماؤها في كتاب عبقات الأنوار. فإنّك إن سبرت هذه الكتب و كتاب عبقات الأنوار تجد في هذه المعاني روايات كثيرة.
وقد أفرد العلّامة محمّد معين السندي مؤلّف «دراسات اللبيب في الاُسوة الحسنة بالحبيب» كتاباً أسماه: «مواهب سيّد البش-ر في حديث الأئمّة الاثني عشر».((1))
كما قد ذكر فضائلهم جمع من الأعلام و أرباب التراجم، و قد أفردوا في ذلك كتباً عديدة.
ص: 187
وأمّا الإماميّة فأفردوا في ذلك كتباً كثيرة لا يستغني الباحث عنها، فممّن صنّف منهم في ذلك: الشيخ الجليل الثقة الثبت أبو القاسم عليّ بن محمد بن عليّ الخزّاز الرازي من أعلام القرن الرابع الهجري، فصنف كتابه القيم «كفاية
الأثر في النصوص علی الأئمّة الاثني عش-ر»، و أخرج فيه في ذلك بأسانيده و طرقه المعتبرة عن جماعة من الصحابة كأمير المؤمنين عليّ و الحسن والحسين(علیهم السلام) و ابن عبّاس وابن مسعود و أنس بن مالك و زيد بن أرقم و عمّار و جابر بن سمرة و أبي ذرّ و سلمان و جابر بن عبد الله و زيد بن ثابت و اُمّ سلمة و غيرهم.
وممّا يؤيّد هذه الأحاديث روايات اُخری أخرجها في غير هذه الأبواب جمهرة من علماء الفريقين وقد صنّف في كراماتهم و مناقبهم و ما سمع منهم من العلم و الحديث من عصر الصادقين بل من النصف الثاني من القرن الأوّل كتباً لا يسع هذا المختص-ر سرد أسمائها، فمن أراد الاطّلاع عليها فعليه بمطالعة أجزاء كتاب الذريعة إلی تصانيف الشيعة.
وأقلّ ما يستفاد من هذه الأحاديث هو حجيّة أقوال أهل البيت و مذاهبهم في الفقه و العلوم الش-رعية و وجوب الرجوع إليهم وإلی أحاديثهم و نجاة من تمسّك بهم. و قد عرفت ممّا أسفلنا أنّ ما بيد الشيعة في الفقه و الأحكام الشرعيّة و ما في جوامعهم مأخوذ من أهل البيت(علیهم السلام) لا ريب في ذلك، فلا يعرف مذاهبهم و لا يؤخذ علومهم إلّا من كتب الشيعة،
ص: 188
و هذا أمر واضح يعرفه كلّ منصف متتبّع خبير. ونختم الكلام بإيراد بعض الكلمات الصادرة عن إمام البلغاء و سيّد الفصحاء نفس الرسول و سيف الله المسلول، قائد البررة و قاتل الكفرة، وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة، أمير المؤمنين أبي الحسن و الحسين عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) في شأن أهل البيت و وجوب الإقتداء بهم:
1. فمن ذلك قوله(علیه السلام) في خطبته في مدح النبيّ(صلی الله علیه وآله ) و الأئمّة(علیهم السلام) بجامع الكوفة: «فنحن أنوار السماوات و الأرض
و سفن النجاة، و فينا مكنون العلم و إلينا مصير الاُمور، و بمهديّنا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمّة و منقذ الاُمّة و منتهی النور».((1))
2. و قال(علیه السلام): «موضع سرّه، و لجأ أمره، و عيبة علمه، و موئل حكمه، و كهوف كتبه، و جبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، و أذهب ارتعاد فرائصه - إلی أن قال - لا يقاس بآل محمد(صلی الله علیه وآله ) من هذه الاُمّة أحد، و لا يسوّی بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين و عماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، و بهم يلحق التالي، و لهم خصائص حقّ الولاية، و فيهم الوصيّة و الوارثة، الآن إذ رجع الحقّ إلی أهله و نقل إلی منتقله».((2))
ص: 189
3. و قال(علیه السلام): «تالله لقد علمت تبليغ الرسالات و إتمام العدات و تمام الكلمات، و عندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر، ألاوإنّ شرائع الدين واحدة، و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق و غنم، و من وقف عنها ضلّ و ندم».((1))
4. و قال(علیه السلام): «اُنظروا أهل بيت نبيّكم، فالزموا سمتهم و اتّبعوا أمرهم، فلم يخرجوكم من هدیً ولن يعيدوكم في ردیً، فان لبدوا فالبدوا، و إن نهضوا فانهضوا، و لا تسبقوهم فتضلّوا و لا تتأخّروا عنهم فتهلكوا».((2))
5. و قال(علیه السلام): «وأنّی تؤفكون، و الأعلام قائمة و الآيات واضحة و المنار منصوبة، فأين يتاه بكم؟ بل كيف تعمهون، و بينكم عترة نبيّكم، و هم أزمّة الحقّ و أعلام الدين و ألسنة الصدق، و أنزلوهم بأحسن منازل القرآن،((3))و رِدوهم و رود الهيم العطاش،((4)) أيّها النّاس خذوها من خاتم النبيّين(صلی الله علیه وآله ): «أنّه يموت من مات منّا و ليس بميّت، و يبلی من بلي منّا و ليس ببالٍ»، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، و اعذروا من لا حجّة لكم عليه، و أنا هو، ألم أعمل فيكم
ص: 190
بالثقل الأكبر،((1)) و أترك فيكم الثقل الأصغر، و ركزت فيكم راية الإيمان، و وقفتكم علی حدود الحلال و الحرام، و ألبستكم العافية من عدلي، و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي، و أدّيتكم كرائم الأخلاق من نفسي؟».((2))
6. و قال في وصف النبيّ(صلی الله علیه وآله ): «أرسله بأمره صادعاً، و بذكره ناطقاً، فأدّی أميناً و مضی رشيداً، و خلّف فينا راية الحقّ، من تقدّمها مرق ومن تخلّف عنها زهق، و من لزمها لحق،((3)) دليلها مكيث الكلام بطيء القيام، سريع إذا قام - إلی أن قال - ألا إنّ مثل آل محمد(صلی الله علیه وآله ) كمثل نجوم السماء إذا خوی نجم طلع نجم».((4))
7. وقال(علیه السلام): «نحن شجرة النبوّة، و محطّ الرسالة، و مختلف الملائكة، و معادن العلم، و ينابيع الحكم، ناصرنا و محبّنا ينتظر الرحمة، و عدوّنا و مبغضنا
ص: 191
ينتظر السطوة».((1))
8. و قال(علیه السلام): «فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالّذي نفس-ي بیده! لا تسألوني عن شيء فیما بینکم و بین الساعة، و لا عن فئة تهدي مائة و تضلّ مائة، إلّا أنبأتكم بناعقها و قائدها و سائقها و مُناخ ركابها و محطّ رحالها، و من يقتل من أهلها قتلاً و يموت منهم موتاً».((2))
9. و قال(علیه السلام)، و قد سأله سائل عن أحاديث البدع و عمّا في أيدي النّاس من اختلاف الخبر: «إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، و صدقاً و كذباً، و ناسخاً و منسوخاً، و عامّاً و خاصّاً، و محكماً و متشابهاً، و حفظاً و وهماً» - إلی أن قال في آخر هذه الخطبة -: «وليس كلّ أصحاب رسول الله(صلی الله علیه وآله ) من كان يسأله ويستفهمه، حتی أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابيّ و الطارئ، فيسأله(علیه السلام) حتی يسمعوا، و كان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلّا سألت عنه و حفظته».((3))
10. و قال: «أين الّذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً و بغياً، أن
ص: 192
رفعنا الله و وضعهم، و أعطانا و حرمهم، و أدخلنا و أخرجهم، بنا يستعطی الهدی، و يستجلی العمی».((1))
11. و قال(علیه السلام): «وإنّما الأئمّة قوّام الله علی خلقه و عرفاؤه علی عباده، لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه».((2))
12. و قال(علیه السلام): «نحن الشعار و الأصحاب و الخزنة و الأبواب، و لا تؤتی البيوت إلّا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقاً - و منها -
«فيهم كرائم القرآن و هم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا، و إن صمتوا لم يسبقوا».((3))
13. و قال(علیه السلام): «هم عيش العلم و موت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، و صمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام، وو لائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ في نصابه، و انزاح الباطل عن مقامه، و انقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل و عاية و رعاية، لا عقل سماع و رواية، فإنّ رواة العلم كثير و رعاته قليل».((4))
14. أخرج ابن سعد عن جبلة بنت المصفّح عن أبيها قال: قال لي عليّ(علیه السلام):
ص: 193
«يا أخا بني عامر سلني عمّا قال الله و رسوله، فإنّا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله و رسوله»، قال: و الحديث طويل.((1))
هذا آخر ما كتبناه حول وجوب الأخذ بأحاديث جوامع الشيعة و حجّية أقوال أئمّتهم(علیهم السلام)، و وجوب التمسّك بهم قبل عشر سنين، فجدّدت النظر فيه و لخّصته و أعددته للطبع طلباً لمرضاة الله تعالی و مرضاة رسوله(صلی الله علیه وآله ).
والرجاء ممّن يطّلع عليه إن رأی فيه هفوة أن يتجاوز عنّي، و يدعو لي ليغفر لي ربّي هفوتي و ذنوبي، و يستر عيوبي، و يحش-رني و والدي و جميع أساتذتي و مشايخي و أهلي وأولادي في زمرة المتمسّكين بولاية أهل البيت علیهم الصلاة والسلام.
إن تجد عيباً فسد الخللا * جلّ من لا عيب فيه و علا
كان إتمام ذلك في السادس عشر من ربيع الثاني من سنة 1389 ه-، ثمّ أجلت النظر فيه و استنسخته و راجعت مصادره و مآخذه ثالثاً و زدت عليه في شهر رمضان الّذي اُنزل فيه القرآن من شهور سنة 1394ه-.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
لطف الله الصافي الگلپايگاني
ص: 194
1. القرآن الکریم.
2. الإبانة عن شریعة الفرقة الناجیة ومجانبة الفرق المذمومة، ابن بطة العکبري، عبید الله بن محمد (م. 387 ق.)، الریاض، دار الرایة، 1415ق.
3. الإتحاف بحبّ الأشراف، الشبراوي، عبد الله بن محمد، قم، دار الکتاب، 1423ق.
4. الإتقان في علوم القرآن، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.)، بیروت، دار الفکر، 1416ق.
5. أجوبة مسائل جار الله، شرف الدین الموسوي، السیّد عبد الحسین (م. 1377ق.)، صیدا، مطبعة العرفان، 1373ق.
6. إحیاء المیت بفضائل أهل البیت(علیهم السلام)، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.)، طهران، المجمع العالمي لأهل البیت(علیهم السلام)، 1421ق.
7. أخبار مکّة وما جاء فیها من الآثار، الأزرقي، محمد بن عبد الله (م. 241ق.)، بیروت، دار الأندلس، 1416ق.
8. أساس البلاغة، الزمخش-ري، محمود بن عمر (م. 538ق.)، القاهره، دار ومطابع شعب، 1960م.
ص: 195
9. أسباب نزول القرآن، الواحدي، عليّ بن أحمد (م. 468ق.)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411ق.
10. لاستیعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البرّ، یوسف بن عبد الله القرطبي (م. 463ق.)، بیروت، دار الجیل، 1412ق.
11. اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثیر الجزري، عليّ بن محمد (م. 620ق.)، طهران، منشورات إسماعیلیان.
12. إسعاف الراغبین في سیرة المصطفی وأهل بیته الطاهرین(علیهم السلام)، الصبّان، محمد. الأشرف، المطبعة الحیدریة، 1389ق.
13. الإصابة في تمییز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن عليّ (م. 852ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1415ق.
14. أضواء علی السنّة المحمّدية، أبو ریّة، محمود (م. 1385ق.)، نش-ر البطحاء.
15. أعیان الشیعة، الأمین العاملي، السیّد محسن (م. 1371ق.)، بیروت، دار التعارف، 1403ق.
16. الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، عليّ بن الحسین (م. 356ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1415ق.
17. أنساب الأشراف، البلاذري، أحمد بن یحیی (م. 279ق.)، بیروت، دار الفکر، 1417ق.
ص: 196
18. الباعث الحثیث شرح اختصار علوم الحدیث، شاکر، أحمد محمد، القاهرة، مکتبة محمد علي صبیح وأولاده، 1377ق.
19. بدایة المجتهد و نهایة المقتصد، ابن رشد القرطبي، محمد بن أحمد (م. 595ق.)، بیروت، دار الفکر، 1415ق.
20. بشارة المصطفی(صلی الله علیه وآله ) لشیعة المرتضی(علیه السلام)، الطبري، محمد بن أبي القاسم (م. 525ق.)، قم، مؤسسه النشر الإسلامي، 1420ق.
21. تاریخ ابن الوردي، ابن الوردي، عمر بن مظفّر (م. 749ق.)، النجف
22. تاریخ ابن خلدون (مقدمه)، ابن خلدون، عبد الرحمن (م. 808ق.).
23. تاریخ الاُمم و الملوك، الطبري، محمد بن جریر ( م. 310ق.)، نش-ر البطحاء.
24. تاریخ بغداد، الخطیب البغدادي، أحمد بن عليّ (م. 462ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1417ق.
25. تاریخ الخلفاء، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.)، منشورات الشریف الرضی، 1411ق.
26. تاریخ مدینة دمشق، ابن عساکر، عليّ بن الحسن (م.571ق.)، بیروت، دار الفکر، 1415ق.
27. تأسیس الشیعة لعلوم الإسلام، الصدر، السیّد حسن (م. 1354ق.).
28. تذکرة الحفّاظ، الذهبي، محمد بن أحمد (م. 748ق.)، بیروت،
ص: 197
دار إحیاء التراث العربي.
29. تذکرة الخواصّ، سبط ابن الجوزي، یوسف بن حسام الدین (م. 654ق.)، قم، الشریف الرضي، 1418ق.
30. التعریفات، الجرجاني، عليّ بن محمد (م.816ق.)، طهران، منشورات ناصرخسرو، 1412ق.
31. التفسیر الکبیر (مفاتیح الغیب)، الفخر الرازي، محمد بن عمر (م. 606ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1420ق.
32. تفسیر روح البیان، الحقّي البروسوي، إسماعیل (م. 1137ق.)، بیروت، دار الفکر.
33. تفسیر غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النیشابوري، حسن بن محمد(م. 728ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1416ق.
34. تهذیب التهذیب، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن عليّ (م. 852ق.)، بیروت، دار الفکر، 1404ق.
35. تیسیر المطالب في أمالي الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، ابن هارون، یحیی بن حسین (م. 424ق.)، صنعاء، مؤسسة الإمام زید بن عليّ الثقافیة، 1422ق.
36. تیسیر الوصول إلی جامع الاُصول، ابن الدیبع الشیباني، عبد الرحمن بن عليّ (م. 944ق.).
ص: 198
37. جامع البیان في تفسیر القرآن، الطبري، محمد بن جریر (م. 310ق.)، بیروت، دار المعرفة، 1412ق.
38. جامع الرواة، الأردبیلي، محمد بن عليّ (م. 1101ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1403ق
39. الجامع الصغیر في أحادیث البشیر النذیر، السیوطي، جلال الدین (م.911ق.)، بیروت، دار الفکر، 1401ق.
40. الجامع الکبیر، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.).
41. الجرح و التعدیل، ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد (م. 327ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1371ق.
42. جواهر العقدین في فضل الش-رفین، السمهودي، عليّ بن أحمد (م. 911ق.)، بغداد، مطبعة العاني، 1405ق.
43. حسن التوسّل في آداب زیارة أفضل الرسل (المطبوع بهامش الإتحاف بحبّ الأشراف)، الفاکهي، عبد القادر بن أحمد (م. 920ق.)، قم، منشورات الشریف الرضي، 1363ش.
44. حلیة الأولیاء و طبقات الأصفیاء، أبو نعیم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله (م. 430ق.)، بیروت، دار الکتاب العربي، 1405ق.
45. خصائص الأئمة(علیهم السلام)، الش-ریف الرضي، محمد بن الحسین (م. 1406ق.)، مشهد، آستان القدس الرضوي، 1406ق.
ص: 199
46. الخصائص الكبری، النسائي، أحمد بن شعيب (م. 303ق.)
47. الخصائص الکبری، السیوطي، جلال الدین (م. 911 ق.).
48. خصائص الوحي المبین، ابن بطریق، یحیی بن الحسن (م. 600ق.)، قم، دار القرآن الکریم، 1417ق.
49. خصائص أمیر المؤمنین عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، النسائي، أحمد بن شعیب (م. 303ق.)، طهران، مکتبه النینوی الحدیثة.
50. الدرّ المنثور في التفسیر بالمأثور، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1404ق.
51. دراسات اللبيب في الاُسوة الحسنة بالحبيب، السندي، محمد بن محمد (م. 1161 ق.).
52. دراسات عن المؤرّخین العرب، مرغولیوث، دیوید سموئیل (م. 1940م.)، القاهرة، مکتبة الثقافة الدینیة، 1422ق.
53. دلائل الصدق، المظفّر، محمد حسین (م. 1381ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1422ق.
54. ذخائر العقبی في مناقب ذوي القربی، الطبري، أحمد بن عبد الله (م. 694ق.)، القاهرة، مکتبة القدسي، 1356ق.
55. ذکر أخبار أصبهان، أبو نعیم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله (م. 430ق.)، لیدن المحروسة، مطبعة بریل، 1934م.
ص: 200
56. ربیع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخش-ری، محمود بن عمر (م. 538ق.)، بیروت، مؤسسه الأعلمی، 1412ق.
57. رجال النجاشي، النجاشي، أحمد بن عليّ (م. 450ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1416ق.
58. رشفة الصادي من فضائل بني النبيّ الهادي، العلوي الحضرمي، أبو بکر بن عبد الرحمن (م. 1225ق.)، القاهرة، المطبعة الإعلامیة، 1303ق.
59. الرفع و التکمیل في الجرح و التعدیل، اللکنهوي، محمد بن عبد الحيّ بن عبد الحلیم (م. 1304ق.)، حلب، مکتب المطبوعات الإسلامیة، 1388ق.
60. روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم، الآلوسي، سیّد محمود (م. 1270ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1415ق.
61. الریاض النض-رة في مناقب العش-رة، الطبري، أحمد بن عبد الله (م. 694ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة.
62. سنن ابن ماجة، ابن ماجة القزویني، محمد بن یزید (م. 275ق.)، دار الفکر.
63. سنن أبي داود، أبو داود السجستاني، سلیمان بن الأشعث (م. 275ق.)، بیروت، دار الفکر، 1410ق.
64. سنن الترمذي، الترمذي، محمد بن عیسی (م. 279ق.)، بیروت، دار الفکر، 1403ق
ص: 201
65. سنن الدارمي، الدارمي، عبد الله بن الرحمن (م. 255ق.)، دمشق، مطبعة الاعتدال، 1439ق.
66. السنن الکبری، البیهقي، أحمد بن الحسین (م. 458ق.)، بیروت، دار الفکر، 1416ق.
67. سنن النسائي، النسائي، أحمد بن شعیب (م. 303ق.)، بیروت، دار الفکر، 1348ق.
68. سیرة الهادي إلی الحق یحیی بن الحسین، یحیی بن الحسن، بیروت، دار الفکر، 1392ق.
69. شرح إحقاق الحقّ، المرعش-ي النجفي، السیّد شهاب الدین (م. 1411ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1409ق.
70. شرح مشکل الآثار، الطحاوي، أحمد بن محمد (م. 321ق.)، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1408ق.
71. شرح المقاصد في علم الکلام، التفتازاني، سعد الدین مسعود بن عمر (م. 793ق.).
72. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، عزّ الدین (م. 656ق.)، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378ق.
73. شرف المصطفی، الخرگوشي النيسابوري، أبو سعيد عبد الملك (م. 406ق.)، مكّة ، دار البشائر الإسلامية، 1424ق.
ص: 202
74. الش-رف المؤبّد لآل محمد(صلی الله علیه وآله )، النبهاني، یوسف بن اسماعیل (م. 1932م.)، بیروت، المطبعة الأدبیه، 1309ق.
75. الشفاء بتعریف حقوق المصطفی، الیحصبي، القاضي عیّاض (م. 544ق.)، بیروت، دار الفکر، 1409ق.
76. شواهد التنزیل لقواعد التفصیل في الآیات النازلة في أهل البیت(علیهم السلام)، الحاکم الحسکاني، عبید الله بن عبد الله (م. 506ق.)، طهران، وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، 1411ق.
77. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربیة، الجوهري، إسماعیل بن حمّاد (م. 393ق.)، بیروت، دار العلم للملایین، 1407ق.
78. صحیح البخاري، البخاري، محمد بن إسماعیل (م. 256ق.)، بیروت، دار الفکر، 1401ق.
79. صحیح مسلم، مسلم النیسابوري، مسلم بن الحجّاج (م. 261ق.)، بیروت، دار الفکر.
80. الصواعق المحرقه، الهیتمي، أحمد بن حجر (م. 974ق.).
81. الطبقات الکبری، ابن سعد، محمد بن سعد (م. 230ق.)، بیروت، دار صادر.
82. عبقات الأنوار، اللکنهوي، میر حامد حسین (م. 1306ق.)، أصفهان، مکتبه الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) العامة، 1366ش.
ص: 203
83. العتب الجمیل علی أهل الجرح والتعدیل، ابن عقیل العلوي، محمد بن عقیل (م.
84. العلل الواردة في الأحادیث النبوية، الدار قطني، عليّ بن عمر (م. 385ق.)، الرياض، دار طيبة، 1405ق.
85. عمدة عیون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن بطریق، یحیی بن الحسن (م. 600ق.)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407ق.
86. غایة الأماني في أخبار قطر الیماني، یحیی بن الحسین (م. 1100ق.)، القاهرة، دار الکاتب العربي، 1388ق.
87. فتح الملك العليّ بصحّة حدیث باب مدینة العلم عليّ، المغربي، أحمد بن محمد بن الصدّیق الحسني (م. 1380ق.)، أصفهان، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین عليّ(علیه السلام) العامّة، 1403ق.
88. الفتوح، ابن أعثم الکوفي، أحمد بن عليّ (م. 314ق.)، بیروت، دار الأضواء، 1411ق. .
89. فرائد السمطین في فضائل المرتضی والبتول والسبطین والأئمّة من ذرّیّتهم(علیهم السلام)، الحموئي، إبراهیم بن محمد (م. 730ق.)، بیروت، مؤسّسة المحمودي، 1400ق.
90. فرق الشیعة، النوبختي، حسن بن موسی (م. 310ق.)، بیروت، دار الأضواء، 1404ق.
ص: 204
91. الفصول المهمّة في تألیف الاُمّة، شرف الدین الموسوي، السیّد عبد الحسین (م. 1377ق.).
92. الفهرست، الطوسي، محمد بن الحسن (م. 460ق.)، قم، مؤسسة نش-ر الفقاهة، 1417ق.
93. فیض القدیر شرح الجامع الصغیر من أحادیث البشیر النذیر، المناوي، محمد بن عليّ (م. 1031ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1415ق.
94. القاموس المحیط، الفیروزآبادي، محمد بن یعقوب (م. 817ق.).
95. القول الجليّ في فضائل عليّ، السیوطي، جلال الدین (م. 911 ق.).
96. كفاية المطالب في مناقب عليّ بن أبي الطالب(علیه السلام)، الگنجي الشافعي، محمد بن يوسف (م. 658ق.)، طهران، در إحياء تراث أهل البيت(علیهم السلام)، 1404ق.
97. الکامل في التاریخ، ابن الأثیر الجزري، عليّ بن محمد (م. 630ق.)، بیروت، دار صادر، 1386ق.
98. الکامل في ضعفاء الرجال، ابن عديّ الجرجاني، عبد الله (م. 365ق.)، بیروت، دار الفکر، 1409ق.
99. کتاب الولایة، ابن عقدة الکوفي، أحمد بن محمد (م. 333ق.).
100. الکشّاف عن حقائق غوامض التنزیل وعیون الأقاویل في وجوه التأویل، الزمخشري، محمود بن عمر (م. 538ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1407ق.
ص: 205
101. کشف الغمّة في معرفة الأئمّة(علیهم السلام)، الإربلي، عليّ بن عیسی (م. 693ق.)، بیروت، دار الأضواء، 1405ق.
102. کشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار، المحدّث النوري، میرزا حسین (م. 1320ق.).
103. الکشف و البیان في تفسیر القرآن (تفسیر الثعلبي)، الثعلبي، أحمد بن إبراهیم (م. 427ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1422ق.
104. کفایة الأثر في النصّ علی الأئمة الاثني عشر(علیه السلام)، الخزّاز القمّي، عليّ بن محمد (م. 400ق.)، قم، منشورات بیدار، 1401ق.
105. کفایة الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، الگنجي الشافعي، محمد بن یوسف (م. 658ق.)، طهران، دار إحیاء تراث أهل البیت(علیهم السلام)، 1404ق.
106. کفایة الطالب لمناقب عليّ بن أبيّ طالب، الشنقیطي، محمد حبیب الله (م. 1363ق.)، دار الفتح، 1435ق.
107. الکفایه فی علم الروایة، الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ (م. 463ق.)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1405ق.
108. کنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال، المتّقي الهندي، علاء الدین عليّ (م. 975ق.)، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409ق.
109. کنوز الحقائق في حدیث خیر الخلائق، المناوي، محمد بن عليّ (م. 1031ق.).
ص: 206
110. لباب النقول في أسباب النزول، السیوطي، جلال الدین (م. 911ق.)، بیروت دار الکتب العلمیة.
111. لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مکرم (م. 711ق.)، قم، نش-ر أدب الحوزة، 1405ق.
112. لسان المیزان، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن عليّ (م. 852ق.)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1390ق.
113. متشابه القرآن و مختلفه، ابن شهر آشوب، محمد بن عليّ (م. 588ق.)، قم، منشورات بیدار، 1410ق.
114. مجمع البیان في تفسیر القرآن، الطبرسي، الفضل بن الحسن (م. 548ق.)، طهران، منشورات ناصر خسرو، 1372ق.
115. مجمع الزوائد و منبع الفوائد، الهیثمي، عليّ بن أبي بکر (م. 807ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1408ق.
116. مروج الذهب و معادن
الجوهر، المسعودي، عليّ بن الحسین (م. 345ق.)، قم، دار الهجرة، 1409ق.
117. المستدرك علی الصحیحین، الحاکم النیسابوري، محمد بن عبد الله (م. 405ق.)، بیروت، دار المعرفة.
118. المستصفی في علم الاُصول، الغزالي، محمد بن محمد (م. 505ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1417ق.
ص: 207
119. مسند أبي داود الطیالس-ي، الطیالس-ي، سلیمان بن داود (م. 204ق.)، بیروت، دار المعرفة.
120. مسند أبي یعلی الموصلي، أبو یعلی الموصلي، إسماعیل بن محمد (م. 307ق.)، دمشق، دار المأمون للتراث.
121. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل (م. 241ق.)، بیروت، دار صادر.
122. مصابیح السنّة، البغوي، حسین بن مسعود (م. 510ق.)، بیروت، دار المعرفة.
123. مصباح المنیر، الفیومي، أحمد بن محمد (م. 770ق.)، قم، دار الهجرة، 1405ق.
124. المصنّف في الأحادیث و الآثار، ابن أبي شیبة الکوفي، عبد الله بن محمد (م. 235ق.)، بیروت، دار الفکر، 1409ق.
125. المصنّف، الصنعاني، عبد الرزّاق بن همّام (م. 211ق.)، منشورات المجلس العلمی.
126. معاویة بن أبی سفیان في المیزان، العقاد، محمود عباس.
127.المعجم الأوسط، الطبراني، عليّ بن أحمد (م. 468ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1411ق.
128. المعجم الصغیر، الطبراني، سلیمان بن أحمد (م. 360ق.)، بیروت،
ص: 208
دار إحیاء التراث العربي، 1404ق.
129. المعجم الکبیر، الطبراني، سلیمان بن أحمد (م. 360ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1404ق.
130. معرفة الصحابة، أبونعیم الأصفهاني، أحمد بن عبدالله (م. 430ق.)، الریاض، دار الوطن، 1419ق.
131. مفردات غریب القرآن، الراغب الأصفهاني، حسین بن محمد (م. 502ق.)، بیروت، الدار الشامیة، 1412ق.
132. مقاتل الطالبیین، أبو الفرج الأصفهاني، عليّ بن الحسین (م. 356ق.)، بیروت، دار المعرفة.
133. مقتل الحسین(علیه السلام)، الخوارزمي، موفق بن أحمد (م. 568ق.)، قم، مکتبة المفید.
134. مقدّمة ابن الصلاح في علوم الحديث، ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (م. 643 ق.)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1416ق.
135. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، محمد بن عليّ (م. 588ق.)، النجف الأشرف، المکتبة الحیدریة، 1376ق.
136. مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، ابن المغازلي، عليّ بن محمد (م. 483ق.)، منشورات سبط النبی، 1426ق.
137. مناقب عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، ابن مردویه الأصفهاني، أحمد بن موسی
ص: 209
(م. 410ق.)، قم، دار الحدیث، 1424ق.
138. المناقب، الخوارزمي، موفّق بن أحمد (م. 568ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1411ق.
139. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر(علیه السلام)، الصافي الگلپایگاني، لطف الله.
140. منتخب کنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال (المطبوع بهامش مسند أحمد).
141. المنتخب من ذیل المذیل، الطبري، محمد بن جریر (م. 310ق.)، بیروت، مؤسسة الأعلمی.
142. نزهة المجالس ومنتخب النفائس، الصفوري، عبد الرحمن بن عبد السلام (م. 894ق.).
143. النصائح الکافیة لمن یتولّی معاویة، ابن عقیل العلوي، السیّد محمد بن عقیل (م.1350ق.)، قم، دار الثقافة، 1412ق.
144. نظم درر السمطین في فضائل المصطفی و المرتضی و البتول و السبطین(علیهم السلام)، الزرندي، محمد بن یوسف (م. 750ق.)، الأصفهان، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) العامة، 1377ق.
145. نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، الحسیني المیلاني، السیّد عليّ، مطبعة مهر، 1414ق.
146. نقض الوشیعة، الأمین العاملي، السیّد محسن (م.1371ق.)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1403ق.
ص: 210
147. نهایة الدرایة، الصدر، السیّد حسن (م.1354ق.)، قم، نشر مشعر.
148. النهایة في غریب الحدیث والأثر، ابن الأثیر، مبارک بن محمد (م. 606ق.)، قم، منشورات إسماعیلیان، 1364ش.
149. نهج الإیمان، ابن جبر، عليّ بن یوسف (م. قرن 7)، مشهد، مؤسسة الإمام الهادي(علیه السلام)، 1418ق.
150. نهج البلاغة، الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، الشریف الرض-ي، تحقیق وشرح محمد عبده، بیروت، دار المعرفة، 1412ق.
151. نهج الحق وکشف الصدق، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م. 726ق.)، قم، دار الهجرة، 1414ق.
152. نور الأبصار في مناقب آل بیت النبيّ المختار(صلی الله علیه وآله )، الشبلنجي، مؤمن بن حسن (م. 1298ق.)، قم، منشورات الشریف الرضي.
153. نور القبس المختص-ر من المقتبس في أخبار النحاة والاُدباء والشعراء والعلماء، المرزباني، محمد بن عمران (م. 384ق.)، قیسبادن، دار النش-ر فرانتس شتاینر، 1964م.
154.نوید أمن و أمان، الصافي الگلپایگاني، لطف الله، قم، مکتب تنظیم ونشر آثار آیة الله العظمی الصافي الگلپایگاني، 1392ش.
155. وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفی، السمهودي، عليّ بن أحمد
ص: 211
(م. 911ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 2006م.
156. وفیات الأعیان و أبناء الزمان، ابن خلکان، أحمد بن محمد (م. 681ق.)، بیروت، دار الثقافة.
157. ینابیع المودّة لذوي القربی، القندوزي، سلیمان بن إبراهیم (م. 1294ق.)، دار الاُسوة، 1416ق.
ص: 212
المقدّمة. 5
كلام أبان بن تغلب في تعريف الشيعة. 6
سبب إعراض الجمهور عن أحاديث أهل البيت(علیهم السلام). 21
دور بني العبّاس في الظلم و الاستبداد 31
حجّيّة أخبار الثقات.. 41
وجوب العمل بالأحاديث المخرّجة في أصول الشيعة و جوامعهم المعتبرة 47
وجوب تقديم روايات أهل البيت(علیهم السلام) علی روايات غيرهم. 73
العمل بالقياس... 89
النصوص الصحيحة في وجوب التمسّك بأهل البيت(علیهم السلام). 95
نصوص الثقلين. 95
دلالة أحاديث الثقلين. 110
من هو الّذي يجب التمسّك به من العترة؟. 118
أحاديث السفينة. 130
أحاديث الأمان. 142
سائر الأحاديث.. 149
تنبيه. 179
مصادر التحقیق.. 198
ص: 213
ص: 214
الصورة
ص: 215
الصورة
ص: 216
الصورة
ص: 217
الصورة
ص: 218
الصورة
ص: 219
الصورة
ص: 220
الصورة
ص: 221
الصورة
ص: 222