القول الفاخر فی صلاه المسافر: بحوث استدلالیه فی فقه صلاه المسافر

اشارة

سرشناسه : صافی گلپایگانی، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور : القول الفاخر فی صلاه المسافر: بحوث استدلالیه فی فقه صلاه المسافر/ لطف الله الصافی الگلپایگانی.

مشخصات نشر : قم: مکتب تنظیم و نشر آثار آیت الله صافی گلپایگانی دام ظله، 1438 ق.= 1395.

مشخصات ظاهری : 339 ص.

شابک : 180000 ریال 978-600-7854-27-3 :

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه: ص. [313] - 323؛ همچنین به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر : بحوث استدلالیه فی فقه صلاه المسافر.

موضوع : نماز مسافر

موضوع : *Traveler's prayer

موضوع : فتوا های شیعه -- قرن 14

موضوع : Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده : دفتر تنظیم و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی

رده بندی کنگره : BP187/4/ص24ق9 1395

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : 4418512

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص:100

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

القول الفاخر فی صلاه المسافر: بحوث استدلالیه فی فقه صلاه المسافر

حضرت آیت الله العظمی حاج شیخ لطف الله صافی گلپایگانی

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ للهِ ِ رَبِّ الْعالَمينَ

وَصَلَّى الله عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْليماً

* هذا الکتاب

مجموعة دروس علميّة راقية، وبحوث استدلالية عالية، للفقيه الکبير آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني حفظه الله، أفاد بها و أفاض في الحوزة العلمية في قم المقدسة على ثلّة من الفضلاء، و تعميماً للفائدة على بقية الحوزات و العلماء، و صيانة لهذه البحوث السامية و رعاية لها من الضياع و عدم البقاء، فقد عملنا في تبويبها و أخذنا في تقسيمها إلى فصول، و ألقينا عليها اسم «القول الفاخر في صلاة المسافر» ثم رأينا في نشرها سائلين المولى عزّ و جلّ التوفيق و القبول.

وصلّى الله على محمد و آله الطاهرين

والحمد لله ربّ العالمين

هيئة النشر لمؤلّفات المرجع الديني

الشيخ لطف الله الصافي (حفظه الله)

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين، خالق الخلائق أجمعين، و موضع حاجات الطالبين، و معتمد المؤمنين، و الصلاة و السلام علی سيّد الأوّلين و الآخرين محمد و على آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما خليفة الله و خليفة آبائه المهديين و بقيّة الله في الأرضين، و اللعن الدائم علی أعدائهم أجمعين إلی قيام يوم الدين.

ص: 7

ص: 8

تمهيد

اشارة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الله تعالی:

﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّا مُبِيناً﴾((1))

الاستدلال بالآية

ظاهر الآية و إن کان يقتضي قصر دلالتها علی جواز القصر عند الخوف لا مطلقاً. کما أنّه يمکن دعوی عدم دلالتها علی وجوب القصر، لأنّ عدم الإثم في التقصير لا يلازم وجوب القصر فهو يجتمع مع وجوبه و مع کراهته و مع إباحته و مع استحبابه إلّا أنّ الروايات المعتبرة الواردة عن أهل البيت عليهم الصلاة و السلام في تفسير الآية الکريمة قد دلّت علی أنّ المراد منها وجوب القصر علی المسافر مطلقاً من غير کونه مشروطاً بالخوف.

ص: 9


1- النساء، 101.

منها: صحيح زرارة و محمد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر(علیه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر، و کيف هي؟ وکم هي؟

فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ﴾ فصار التقصير في السفر واجباً کوجوب التمام في الحضر».

قالا: قلنا له: إنّما قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ و لم يقل: «إِفْعَلُوا» فکيف أوجب ذلك کما أوجب التمام في الحضر؟ فقال (علیه السلام): «أوليس قد قال الله عزّ وجلّ في الصفا و المروة: ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ ((1)) ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض، لأنّ الله عزّ وجلّ ذکره في کتابه و صنعه نبيّه(صلی الله علیه و آله)، و کذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي(صلی الله علیه و آله) و ذکره الله في کتابه»، الحديث.((2))

وقال العلّامة في التذکرة: أجمع المسلمون کافّة علی جواز القصر في السفر في الرباعية لقوله تعالی: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ﴾ وقصّر النبي(صلی الله علیه و آله) في أسفاره حاجّاً و غازياً((3))، و لا خلاف بين المسلمين

ص: 10


1- البقرة، 158.
2- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص434، ب59، ح1265؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص517 518، ب22، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11327].
3- أبو داود السجستاني، سنن، ج1، ص275 276، ح1229 1230، 1233،1235؛ الترمذي، سنن، ج2، ص29، ح545؛ البیهقي، السنن الکبری، ج3، ص135 136؛ ابن قدامة، المغني، ج2، ص 87.

فيه حتّی لو جحد جاحد جواز القصر في السفر کَفَر.((1))

ويمکن أن يقال: إنّ ذکر الخوف في الآية قد ورد مورد الأعمّ الأغلب في أسفارهم، فإنّهم کانوا في غالبها يخشون الاعتداء، و مثله في القرآن کثير.

هذا و لا يخفی عليك: أنّه حکي عن اُبيّ بن کعب قراءتها بحذف «إِنْ خِفْتُم».

وقيل: إنّ معنی هذه القراءة: أن لا يفتنکم أو کراهة أن يفتنکم، کما في

قوله تعالی: ﴿يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾((2)) . ((3))

اشكال بعض الأعلام على الاستدلال بالآية

قد أفاد بعض الأعلام من المعاصرين: أنّ الآية غير دالّة علی المشروعيّة فضلاً عن الوجوب، فإنّها ناظرة إلی صلاة الخوف و المطاردة بقرينة التقييد بقوله تعالی:﴿إِنْ خِفْتُمْ﴾، و ما ورد في الآية الاُخری المتصلة بها من بيان کيفية هذه الصلاة، فالمراد من الضرب في الأرض الضرب إلی القتال و الحرکة نحو العدوّ، و لا مساس لها بالضرب لأجل السفر، فهي أجنبية عن صلاة المسافر بالکليّة.((4))

جواب الإشکال

وفيه: أوّلاً: بعد ما ورد النص منهم(علیهم السلام) علی أنّ المراد من الضرب في الأرض

ص: 11


1- العلّامة الحلّي، تذکرة الفقهاء، ج4، ص349، المسألة 607؛ راجع أيضاً: الطوسي، الخلاف، ج1، ص569 571، کتاب الصلاة، المسألة 321.
2- النساء، 176.
3- الزمخشري، الکشاف، ج1، ص559؛ الأستر آبادي، آیات الأحکام، ج1، ص265.
4- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص8.

هو الظاهر منه أي السفر لا يبقى مجال لنفيه. و قد مرّ أنّ الشرط ﴿إِنْ خِفْتُمْ﴾، خرج مخرج الأغلب.

وثانياً: قيل: إنّ جواب «إِنْ خِفْتُمْ» محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه، أي إن خفتم أن يتعرّضوا لکم بما تکرهونه من القتال أو غيره فليس عليکم جُناح، الآية. و هذا يدلّ علی ثبوت الحکم عند وجود الخوف أي الشرط و لا يدلّ علی عدمه عند عدمه، فهو ثابت بالسفر و الضرب بالجملة الاُولی.((1))

وفي تفسير «روح المعاني» قيل: إنّ قوله تعالی: «إِنْ خِفْتُمْ» الآية، متعلّق بما بعده من صلاة الخوف منفصل عمّا قبله، فقد أخرج ابن جرير عن عليّ کرّم الله تعالى وجهه قال: «سأل قوم من التجّار رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقالوا: يا رسول الله إنّا نضرب في الأرض فکيف نصلّي؟ فأنزل الله تعالی: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ﴾ ثم انقطع الوحي فلمّا کان بعد ذلك بحول غزا النبيّ(صلی الله علیه و آله) فصلّی الظهر، فقال المشرکون: لقد أمکنکم محمّد و أصحابه من ظهورهم هلّا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إنّ لهم اُخری مثلها في إثرها فأنزل الله تعالی بين الصلاتين: ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الّذينَ كَفَرُواْ﴾ إلی قوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً﴾((2)) فنزلت صلاة الخوف و لعلّ جواب الشرط علی هذا محذوف أيضاً علی طرز ما تقدم».((3))

ص: 12


1- الآلوسي، روح المعاني، ج5، ص133؛ النووي الجاوي، مراح لبید، ج1، ص223؛ الطنطاوي، تفسیر، ج3، ص283.
2- النساء، 102.
3- الآلوسي، روح المعاني، ج5، ص 134؛ راجع أيضاً: السیوطي، الدرّ المنثور، ج2، ص209.

وفي «تفسير القمي»: و أمّا قوله: ﴿وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ﴾((1)) الآية، فإنّها نزلت لماّ خرج رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلی الحديبية يريد مکّة، فلمّا وقع الخبر إلی قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس کميناً ليستقبل رسول الله(صلی الله علیه و آله) علی الجبال، فلمّا کان في بعض الطريق و حضرت صلاة الظهر فأذَّن بلال فصلّی رسول الله(صلی الله علیه و آله) بالناس، فقال خالد بن الوليد: لو کنّا حملنا عليهم و هم في الصلاة لأصبناهم فإنّهم لا يقطعون صلاتهم، و لکن يجیئ لهم الآن صلاة اُخری هي أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل(علیه السلام) بصلاة الخوف بهذه الآية: ﴿وَ إِذا كُنْتَ فيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة ﴾ الحديث.((2))

وعلی ذلك کلّه: الوجه هو صحّة الاستدلال بالآية الکريمة في وجوب قصر الصلاة علی المسافر، والله هو العالم.

ص: 13


1- النساء، 102.
2- القمي، تفسیر، ج1، ص 150.

ص: 14

الباب الأوّل: في شروط التقصير

اشارة

ص: 15

ص: 16

الفصل الأوّل: کلام في المسافة

الشرط الأوّل: المسافة

إعلم: أنّه لا خلاف بين الفقهاء من الفريقين((1)) في اعتبار الضرب في الأرض و صدق السفر، کما أنّهم اتّفقوا علی أنّ مجرّد ذلك لا يکفي، بل هو مشروط بحدّ خاصّ.

نعم، حکي عن داوُد الظاهري الأصبهاني من العامّة((2)) کفاية مجرّد الضرب و صدق السفر قليلاً کان أم کثيراً. و أمّا غيره فقد حدّوا ذلك بحدّ معيّن لا يجوز القصر إذا کان السير في أقلّ منه.

أقوال المسألة

قال في «الخلاف»: «حدّ السفر الّذي يکون فيه التقصير مرحلة، وهي فراسخ

ص: 17


1- اُنظر إجماع الخاصّة في الانتصار (السیّد المرتضی، 159 - 161)؛ الخلاف (الطوسي، ج1، ص567 568)؛ السرائر (ابن إدریس الحلّي، ج1، ص334)؛ المعتبر (المحقق الحلّي ج2، ص465)؛ تذکرة الفقهاء (العلّامة الحلّي، ج1، ص188)؛ نهاية الأحکام (العلّامة الحلّي، ج2، ص168)؛ مدارك الأحکام (العاملي، ج4، ص428)؛ الحدائق الناضرة (البحراني، ج11، ص298)؛ غنائم الأيّام (القمّي، ج2، ص92)؛ رياض المسائل (الطباطبائي، ج4، ص333)؛ جواهر الکلام (النجفي، ج14، ص193).
2- النووي، المجموع، ، ج4، ص425.

بريدان و هي أربعة و عشرون ميلاً».((1))

ثم ذکر أقوال مثل الأوزاعي((2)) و الشافعي((3)) و الليث و أحمد و أبي حنيفة و غيرهم.((4)) و کلّهم و إن کانوا متّفقين علی التقدير إلّا أنّهم مختلفون في المقدار. و حکي عن داوُد أنّه قال: «أحکام السفر يتعلّق بالسفر الطويل

و القصير».((5))

وقد اتّفق أصحابنا علی عدم اعتبار الأزيد علی ثمانية فراسخ امتداديّة، کما أنّهم متّفقون علی عدم کفاية أقلّ من أربعة فراسخ و إن کانت امتداديّة. فالحکم في الثمانية الامتداديّة القصر إجماعاً، و في أقلّ من الأربعة التمام إجماعاً. ((6))

وقد وقع الخلاف بينهم فيما إذا کانت المسافة أربعة فراسخ امتداديّة: فنسب إلى الکليني القول بتعيّن القصر به مطلقاً، سواء رجع من يومه أو بعده أو کان قاصداً للإقامة في المقصد.((7)) و في «الحدائق» نسبه إلی بعض المتأخّرين.((8))

ص: 18


1- الطوسي، الخلاف، ج1، ص 567 568.
2- النووي، المجموع، ج4، ص 325.
3- راجع: النووي، المجموع، ج4، ص323؛ الشربیني، مغني المحتاج، ج1، ص266؛ ابن رشد القرطبي، بدایة المجتهد، ، ج1، ص 162.
4- الطوسي، الخلاف، ج1، ص 568، المسألة320.
5- الطوسي، الخلاف، ج1، ص 568؛ النووي، المجموع، ج4، ص 425؛ العلّامة الحلّي، تذکرة الفقهاء، ج1، ص188.
6- اُنظر: النراقي، مستند الشیعة، ج 8، ص 186.
7- أبو الصلاح الحلبي، الکافي في الفقه، ج3، ص432، البحراني، الحدائق الناضرة، ج11، ص316، المقصد الرابع في صلاة المسافر؛ العاملي، مفتاح الکرامة، ج3، ص502.
8- البحراني، الحدائق الناضرة، ج11، ص316.

والقول الثاني: التخيير بين القصر و الإتمام مطلقاً و قد حکي عن «المدارك».((1))

وقال صاحب «المنتقى» بعد ذکر أخبار البريد و أربعة فراسخ و أخبار عرفات و اعلم أنّ للأصحاب في وجه الجمع بين هذه الأخبار و ما في معناها طريقين:

أحدهما: حمل أخبار البريد علی إرادة قاصد الرجوع ليومه.

والثاني: حملها علی تسويغ التقصير بطريق التخيير بينه و بين الإتمام و توقّف وجوب القصر علی قصد البريدين، و هذا أولی، إذ في جملة الأخبار ما لا يقبل الحمل علی قصد الرجوع، و ستری فيها عدّة من روايات و ليس فيها ما ينافي التخيير سوی شدّة النکير علی أهل مکّة، و صرفها إلی اعتقاد تحتّم الإتمام ممکن، فينتفی عنها المنافاة.((2))

وقال الشيخ في «التهذيب»: علی أنّ الّذي نقوله في ذلك: إنّه يجب القصر إذا کان مقدار السفر ثمانية فراسخ، و إذا کان أربعة فراسخ کان بالخيار في ذلك إن شاء أتمّ و إن شاء قصّر، ثم ذکر ما يدلّ علی جواز التقصير في أربعة فراسخ.((3))

والقول الثالث: وجوب القصر لو أراد العود ليومه. قال في «الجواهر»: «بلا

ص: 19


1- اختاره في مدارك الأحکام (العاملي، ج4، ص 437)؛ و منتقی الجمان (ابن الشهید الثاني، ج2، ص173)؛ و استجوده روض الجنان (الشهید الثاني، ص384).
2- ابن الشهید الثاني، منتقی الجمان، ج2، ص173، باب الصلاة في السفر.
3- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص207 208، باب الصلاة في السفر، ذيل الحديث 495، و نحوه في الاستبصار، ج1، ص 223 224.

خلاف معتدّ به أجد فيه، بل عن «الأمالي»((1)): أنّه من دين الإمامية، بل نصّ عليه أکثر الأعيان من الأصحاب إن لم يکن جميعهم((2))، بل هو ظاهر الجميع عدا الشيخ في کتابي الأخبار اللذين لم يعدّ «الاستبصار» منهما للفتوی فخيّر بينهما فيهما، وإلّا فقد نصّ علی تعيين القصر في غير موضع من «مبسوطه»((3)) و«نهايته»((4)).((5))

أقول: قد عرفت أنّ الظاهر من الشيخ فيهما التخيير مطلقاً و إن لم يرد الرجوع.

والقول الرابع: ما ذهب إليه ابن أبي عقيل العماني في المحکيّ عنه و هو: وجوب القصر بمطلق الرجوع قبل عشرة أيّام.((6))

قال: و کلّ سفر کان مسافته بريدين و هو ثمانية فراسخ أو بريد ذاهباً و بريد جائياً و هو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيّام فعلی من سافره عند آل الرسول(صلی الله علیه و آله) أن يصلّي صلاة المسافر «رکعتين».

ص: 20


1- الصدوق الأمالي، ص514.
2- و ادّعى عليه الشهرة في الروضة البهیة (الشهید الثاني، ج1، ص370)؛ والحدائق الناضرة (البحراني، ج11، ص 313)؛ واختاره السّید المرتضى في رسائله (ج3، ص47)؛ والسرائر (ابن ادریس الحلّي، ج1، ص329)؛ والمعتبر (المحقّق الحلّي، ج2، ص467).
3- الطوسي، المبسوط، ج1، ص141.
4- الطوسي، النهاية، ، ص122.
5- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص206.
6- حکاه عنه في مختلف الشیعة (العلّامة الحلّي، ج1، ص162)؛ نسب أيضاً إلى السبزواري، (ذخیرة المعاد، ص406)؛ والفیض الکاشاني (مفاتيح الشرائع، ج1، ص25)؛ والبحراني، (الحدائق الناضرة، ج11، ص326)؛ والطباطبائي، (ریاض المسائل، ج1، ص 257).

قال في «الجواهر»: «بل ظاهره دعوى الإجماع علی ذلك».((1))

والقول الخامس: وجوب القصر علی مريد الرجوع ليومه و التخيير بين القصر و الإتمام إذا لم يرد الرجوع ليومه.((2))

والقول السادس: وجوب الإتمام مطلقاً و قصّر وجوب القصر علی الثمانية الامتدادية. و لعلّه لا قائل به علی التصريح.((3)) و لا ريب في ضعفه و عدم الاعتداد به، لأنّ مقتضاه الإعراض عن روايات البريد الکثيرة المعتبرة.

والقول السابع أو (الاحتمال السابع): وجوب القصر تعييناً إذا أراد الرجوع مطلقاً من يومه أو بعده و التخيير بين القصر و الإتمام إذا لم يرد الرجوع.

والقول الثامن: وجوب القصر أيضاً تعييناً إذا أراد الرجوع من يومه و التخيير بين القصر و الإتمام إذا أراد الرجوع قبل العشرة.

وبالجملة: فقد تزيد الاحتمالات علی ما ذکر إلّا أنّه لا يعتدّ بها أو لا قائل بها، فنتکلّم في الأقوال أو الاحتمالات الّتي أشرنا إليها، فنقول:

أمّا القول الأوّل: منسوب إلی شيخنا ثقة الإسلام الکلیني(قدس سره)، فهو الظاهر

ص: 21


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص213.
2- اُنظر العاملي، مفتاح الکرامة، ج3، ص 503، المطلب الثاني من الفصل الخامس من المقصد الرابع من کتاب الصلاة؛ الصدوق، الأمالي، ص383؛ ابن ادریس الحلّي، السرائر، ج1، ص 329؛ الطوسي، النهاية، ص122؛ سلّار الدیلمي، المراسم العلویة، ص75.
3- نسب إلى أبي الصلاح الحلبي في الکافي في الفقه (ص116، باب تفصيل أحکام الصلاة الخمس)؛ وابن زهرة الحلبي في غنیة النزوع (ص74) والسيّد المرتضى في الانتصار، ص159 160؛ وفي الماحوزية إلى الأکثر، راجع: العاملي، مفتاح الکرامة، ج10، ص346.

منه في «الکافي» الشريف لأنّه لم يخرج فيه غير أحاديث البريد مثل ما رواه بسنده عن زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ».((1))

وعن أبي أيّوب قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): أدنی ما يقصّر فيه المسافر؟ قال: «برید».((2))

ولکن الظاهر أنّ ذلك لأنّ من يسافر بريداً يرجع بريداً غالباً.

ويدلّ علی ذلك ما رواه عن عدّة من أصحابنا((3))، عن أحمد بن محمد البرقي((4)) عن محمّد بن أسلم الجبلي((5))، عن صباح الحذّاء((6))، عن إسحاق بن عمّار((7)) قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن قوم خرجوا في سفر، فلمّا انتهوا إلی الموضع الّذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا علی فرسخين أو علی ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم السفرهم إلّا به، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم و هم لا يستقيم لهم السفر إلّا بمجيئة إليهم، فأقاموا علی ذلك أيّاماً لا

ص: 22


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص456، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11157].
2- الکلیني، الکافي، ج3، ص432، ح2؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص460، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح11 [11167].
3- وهم عليّ بن إبراهيم، و عليّ بن محمد بن عبد الله ابن بنت البرقي، و أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي و عليّ بن الحسين السعد آبادي.
4- من مشاهير السابعة.
5- من السادسة له کتاب، راجع: الأردبیلي، جامع الرواة، ج1، ص238.
6- من الخامسة إمام مسجد دار اللؤلؤ بالکوفة، ثقة.
7- من الخامسة ثقة، أصله معتمد، فطحي.

يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أنْ يتمّوا الصلاة أو يقيموا علی تقصيرهم؟ قال: إن کانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا علی تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، و إن کانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة أقاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصرّوا.((1))

وزاد راوي الحديث البرقي في «المحاسن» بعد قوله(علیه السلام): «فليقصّروا»: ثم قال: و هل تدري کيف صار هکذا؟ قلت: لا أدري. قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يکون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا کانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا بریداً کانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن کانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يکن لهم إلّا إتمام الصلاة». قلت: أليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الّذي خرجوا منه؟ قال: «بلی، إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشکّوا في مسيرهم و أنّ السير سيجد بهم، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا هکذا».((2))

قال العلّامة المجلسي(رحمه الله) في «المرآة»: الخبر يدلّ علی ما ذکره الأصحاب من أنّ منتظر الرفقة إن کان علی رأس المسافة يجب عليه التقصير ما لم ينو المقام عشرة أو يمضي عليه ثلاثون متردّداً، و إن کان علی ما دون المسافة و هو في محلّ

ص: 23


1- الکلیني، الکافي، ج3، ص432، ح5؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص466، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح10 [11185] و فيها «قاموا» بدل «أقاموا» الثانية.
2- البرقي، المحاسن، ج2، ص312، ح29؛ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص367، باب نوادر علل الصلاة، ح1؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص427، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح11 [11186].

الترخّص و قطع بمجيء الرفقة قبل العشرة أو جزم بالسفر من دونها فکالأوّل و إلّا وجب عليه الإتمام.((1)) انتهی.

وقد ظهر من ذلك کلّه: أنّ ما نسب إلی الکليني(قدس سره) من جواز القصر أو وجوبه في بريد واحد مطلقاً، سواء رجع في يومه أو قبل العشرة أم لم يرجع في غير محلّه، و الله هو العالم.

وأمّا القول الثانی: فما يمکن أن يقال في وجهه، ظهور أخبار الثمانية في تعيّن القصر إذا کانت المسافة ثمانية فلا يجزي غيره، و منع ظهور أخبار البريد في أنّ القصر به علی وجه الوجوب و العزيمة، فإذا لم يکن علی وجه العزيمة يکون علی التخيير لا محالة، و بهذا يرتفع التعارض بين الطائفتين.

وفيه: أنّ هذا فرع کون أخبار البريد نصّاً علی القصر و إن لم يکن

مريد الرجوع ليومه أو قبل عشرة أيّام، و إلّا فالجمع بينهما بحمل أخبار البريدين علی مجرّد السير بمقدارهما و إن کان بالذهاب و الإياب، و أخبار البريد علی البريد ذاهباً و راجعاً، و هذا هو الّذي يقبله العرف و يشهد عليه ما في الروايات.

وأمّا القول الثالث: و هو وجوب القصر علی من يريد الرجوع ليومه، فهو القول الّذي سمعتَ من «الجواهر» أنّه قول الأعيان من الأصحاب إن لم يکن جميعهم، و هو کذلك بمقتضی الروايات کما قال في طيّ کلامه: «المشهور بين الأصحاب نقلاً و تحصيلاً، بل عن «الأمالي» أنّه من دين الإمامية التخيير بين

ص: 24


1- المجلسي، مرآة العقول، ج15، ص378.

القصر و الإتمام إذا لم يرد الرجوع ليومه، غير أنّ الشيخ و ابن حمزة منهم نصّا علی وجوب الصوم و عدم جواز الإفطار، خلافاً للمرتضی و الحلّي((1)) فأوجبا التمام، و اختاره الفاضلان في بعض کتبهما، و لم يتعرّضا في الآخر منها کغيرهما من متأخّري الأصحاب إلّا إلی أنّ المسافة الموجبة للتقصیر ثمانية أو أربعة مع قصد الرجوع ليومه من غير نصّ علی التخيير أو وجوب التمام».((2))

التحقيق في المسألة

والّذي نقول في المقام و إن کانت المسألة من بعض جهاتها في غاية الإشکال : إنّه يجمع بين روايات ثمانية فراسخ بريدين، و روايات أربعة فراسخ بريد واحد بروايات بريد ذاهباً و بريد جائياً.

ومقتضی هذا الجمع وجوب القصر في الثمانية إذا کانت امتداديّة، و فيها إذا کانت تلفيقية و لو لم يکن مريد الرجوع ليومه.

فکما انّه لا يشترط في الثمانية الإمتداديّة کونها في يوم واحد، و يکفي قطعه المسافة في أکثر من يوم، کذلك يکفي في المسافة التلفيقيّة کونها في يومين أو أکثر، و لکنّه قد سمعت من «الجواهر» أنّ القول بوجوب القصر علی من يريد الرجوع ليومه هو قول الأعيان من الأصحاب، و کذلك القول بالتخيير بين القصر و الإتمام إذا لم يرد الرجوع ليومه مشهور بين الأصحاب.

ص: 25


1- حکاه عن السيّد في المعتبر (المحقّق الحلّي، ج2، ص468)؛ و ابن ادریس الحلّي في السرائر (ج1، ص 329).
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص216.

والظاهر أنّه ليس للقول بالتخيير قبال وجوب الإتمام إذا قيّدنا الحکم

بوجوب القصر علی قاطع المسافة ذاهباً و جائياً بما إذا کان مريداً للرجوع ليومه وجه إلّا شهرته بين الأصحاب، و هي تحتاج إلی الإثبات، ثم الاستناد لصحّة الاحتجاج بها بعدم وجود دليل يدلّ علی التخيير في الروايات، و هذا کاشف عن کون ذلك مغروساً في الأذهان أو وجود رواية کانت معتمدة عندهم لم تخرج في کتب الروايات، فإن اکتفی أحد بذلك فهو، و إلّا فالقول بالإتمام هو مقتضی أدلّة الباب.

وبالجمله: فإمّا أن يقال بعدم صحّة الاحتجاج بإطلاق الروايات الدالّة علی التلفيق إن لم يکن مريداً للرجوع ليومه لوجوب القصر بإعراض المشهور عنها و عن غيرها ممّا هو النصّ علی الإطلاق و استقرار فتواهم علی الشرط المذکور في الحکم بوجوب القصر، فهو.

وإمّا أن نقول به بدلالة الأخبار علی عدم الاشتراط کما بنی عليه ابن أبي عقيل، إذن فلنلاحظ الأخبار، فنقول:

منها: رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة المخرجة في «الکافي»، و قد عرفت دلالتها، بل صراحتها علی عدم الاشتراط لا سيّما بضميمة ذيلها الموجود في «المحاسن» و«العلل»،((1)) و کأنّه ردّها سيّدنا الاُستاذ بضعف السند.

ص: 26


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص466 467، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح10 و 11[11185 11186]؛ رواه عن الکلیني، الکافي، ج3، ص432، ح2؛ والصدوق، علل الشرائع، ج2، ص367، ح1؛ والمحاسن، ج2، ص312، ح29؛ و قد مرّ تخريجها.

ومنها: أخبار عرفات((1))، و هي و إن وقعت في «الوسائل» تحت أرقام متعدّدة لتعدّد أسنادها إلّا أنّه يمکن إرجاع ما ينتهي سنده إلی معاوية بن عمّار (وهو الحديث الأوّل و الثاني و الرابع و الخامس و السابع إلی رواية واحدة، بل و السادس باحتمال وقوع الاشتباه بذکر إسحاق بن عمّار بدل معاوية بن عمّار.

وکيف کان: الإنصاف أنّه و إن أمکن الخدشة في دلالة بعضها علی فتوی ابن أبي عقيل، لکنّه لا يمکن الخدشة في دلالة بعضها الآخر علی عدم اشتراط الرجوع ليومه في وجوب القصر، فبحسب هذه الروايات يثبت حکم وجوب القصر في المسافة الملفّقة مطلقاً.

ومنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إنّ أهل مکّة إذا

خرجوا حجّاجاً قصّروا، و إذا زاروا و رجعوا إلی منازلهم أتمّوا».((2))

وجه الاستدلال به: أنّهم سواء خرجوا حجّاجاً في يوم التروية أو يوم عرفة لابدّ لهم الوقوف في المشعر ليلة العيد و يومه لأعمال منی، فلا يکون ذهابهم و إيابهم في يوم واحد و مع ذلك أمرهم بالقصر.

وقد يورد علی ذلك بأنّ الإتمام علی أهل مکّة إنّما يجب بمجرّد الوصول إلی حدّ الترخّص أو إلی نفس مکّة لا إذا زاروا و رجعوا إلی منازلهم، فيمکن أن يکون المراد

ص: 27


1- راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ج8، ص463 464، ح1، 2، 4، 5، 7 [11176]، [11177]، [11179]، [11180]، [11182].
2- الکلیني، الکافي، ج4، ص518؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص465، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح8 [11183].

من أهل مکّة أهل أطراف مکّة و بواديها بحيث کان بينهم و بين عرفات ثمانية فراسخ امتدادية فهم إذا زاروا و رجعوا إلی منازلهم أتمّوا، إلّا أنّه يرد بأنّ أهل البوادي يمکن أن تکون المسافة بينهم و بين عرفات أقلّ من ثمانية، فهم إذا رجعوا إلی منازلهم يتمّوا من دون أن يکونوا قاطعين لتمام المسافة في يوم واحد.

ومنها: رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام) في کم التقصير؟ قال: «في بريد، ويحهم کأنّهم لم يحجّوا مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقصّروا».((1))

والإشکال فيه: أنّ حجّ الرسول(صلی الله علیه و آله) المذکور هو حجّة الوداع، کان الرسول(صلی الله علیه و آله) فيها من أوّل ما أنشأ السفر لها من المدينة إلی أن رجع إليها مسافراً و لم يکن فيها محلّ للتلفيق، إلّا أن يراد منها أنّه کان مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) في هذا السفر جمع من أهل مکّة قصّروا بأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله)، و لفظ الحديث ليس خالياً عن التشويش.

ومنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مکّة، فإذا خرج إلی منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتمّ الصلاة و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلی منی حتی ينفر».((2))

ص: 28


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص225؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص209؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص464، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح6 [11181].
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، ص488؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص464، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11178].

ويمکن أن يقال في بيان المراد منه: أنّ الإتمام في عشرة أيّام قدم قبل التروية، فهو لکونه بمنزلة أهل مکّة، و أمّا وجوب القصر إذا خرج إلی

منی ليذهب إلی عرفات فلکونه قاصد المسافة ثمانية فراسخ ذاهباً و راجعاً. و أمّا إتمام الصلاة إذا زار البيت أي رجع إلی منی و يتمّ في منی حتی ينفر فلعدم بلوغ سيره إلی منی أربعة فراسخ، و کيف کان فالرواية تدلّ علی ما اختاره ابن أبي عقيل.

فنبقی نحن و ابن أبي عقيل و هذه الروايات الدالّة علی ما اختاره و القول المشهور الّذي ظاهره إعراضهم عن هذه الروايات مع کونها في مرآهم و منظرهم، بل کونهم من رواتها و مخرّجيها في کتبهم.

ولکن بقي هنا موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن التقصير؟ قال: «في بريد»، قال: قلت: بريد؟ قال: «إنّه إذا ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه».((1))

وربما يستدلّ به للقول المشهور بأنّ المراد من قوله: «فقد شغل يومه» فعلية شغل اليوم بالسير، فکما أنّ من ذهب ثمانية شغل يومه فکذلك من ذهب بريداً و رجع بريداً شغل يومه، و من ذهب بريداً في يومه و رجع في غده لم يشغل يومه، و هذا معنی مريد الرجوع ليومه.

وفيه: أنّ کون المسافة بياض اليوم أو مسيره يوم ممّا هو بمعنی شغل اليوم قد ورد في أخبار ثمانية فراسخ و لا يشترط فيها قطعها في يوم واحد اتّفاقاً کما صرّح

ص: 29


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص459، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح9 [11165].

به صاحب «الوسائل» أيضاً((1))، فکأنّ السائل تعجّب من کون المسافة بريداً مع أنّه يلزم أن يکون بمقدار شغل اليوم المحدّد بالبريدين، فأجاب الإمام(علیه السلام): بأنّه إذا ذهب بريداً و رجع بريداً يکون بمقدار شغل يوم.

والحاصل: أنّ المراد من هذه التعابير أنّه لو ذهب البريدين في يوم واحد، أو ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه و إن ذهب البريدين في يومين أو أکثر و کذا البريد الواحد ذاهباً و راجعاً في يومين أو أکثر، فوزان هذا الموثّق ليس أزيد من سائر ما يدلّ علی کفاية بريد ذاهباً و بريد راجعاً.

وأمّا الإستشهاد ب «الفقه الرضوي» للقول المشهور بناءً علی حجيّته أو کون مرويّاته مثل هذا معمولاً به مشهوراً بين الأصحاب فالظاهر أنّه أولی بالحجيّة و الاعتماد عليه من المرسل أو الضعيف الّذي

يقال بجبر ضعفه بالعمل، و إليك لفظه: «فإن کان سفرك بريداً واحداً وأردت أن ترجع من يومك قصّرت، لأنّ ذهابك و مجيئك بريدان إلی أن قال فإن لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار إن شئت أتممت و إن شئت قصّرت».((2))

وهذا يدلّ علی أنّ ما أفتی به المشهور من وجوب القصر إذا کان مريد الرجوع ليومه، و التخيير بين القصر و الإتمام إن لم يکن مريداً له لو لم يکن عين هذا الخبر يکون ما هو مثله، و علی هذا يقع التعارض بين ما هو دليل المشهور،

ص: 30


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، في ذيل الرواية، ج8، ص459.
2- ابن بابویه، فقه الرضا(علیه السلام) ، ص159 161، باب صلاة المسافر و المريض؛ المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج6، ص528، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح1.

و ما هو الدليل لابن أبي عقيل و من تبعه من المتأخّرين.

ويمکن أن يقال: إنّ التعارض الواقع بين الطائفتين يکون فيما إذا لم يرد الرجوع ليومه.

ويمکن رفع التعارض بأن يقال: الأخبار الدالّة علی القصر وردت في من لم يرد الرجوع ليومه کأخبار عرفات الّتي عرفتَ، و هي ظاهرة في تعيّن القصر، إلّا أنّه يمکن منع ظهورها في ذلك بأنّها وردت في ردّ القائل بتعيّن الإتمام، و فتوی المشهور المستفاد منها وجود النصّ کما يشهد له ما في «الفقه الرضوي» نصّ في التخيير، فليحمل الظاهر علی الأظهر و النصّ. و علی هذا يکون العمل بالقصر مطلقاً موافقاً للاحتياط و لا يجوز ترکه، و لا يخفى أنّه و عليه ينتفي موضع الإعراض أيضاً. و الله هو العالم.

المسافة التلفيقية

مسألة: هل المعتبر کون كلّ من الذهاب و الإياب بريداً أو يکفي کون الذهاب کذلك و إن کان الإياب أقلّ من أربعة فراسخ، کما إذا کان الذهاب مثلاً ستّة فراسخ أو خمسة و الإياب فرسخين أو ثلاثة فراسخ، أو لا يعتبر فيها إلّا کونها بريدين سواء کانا متساويين أو أحدهما کائناً ما کان أکثر و الآخر أقلّ؟

يمکن أن يقال لاعتبار عدم کون الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ : إنّ المستفاد من أخبار الثمانية أمران، أحدهما: کون المسافة ثمانية فراسخ، و الثاني: کون هذا المقدار امتداديّاً و فصلاً بين المقصد و المبدأ.

ص: 31

وبعبارة اُخری: المعتبر کون المسافة الّتي يقطعها الشخص ثمانية و کون بُعده عن المقصد کذلك، و الأخبار الدالّة علی البريد الواحد أيضاً بهذا المعنی في البريد الواحد، و أخبار التلفيق تدلّ علی کفاية البعد عن المقصد بأربعة فراسخ في طرف أخبار الثمانية و کون المراد من البريد في أخبار البريد، بريداً ذاهباً و بريداً جائياً.

وبالجملة: مفاد أخبار التلفيق شاهد الجمع بين الطائفتين و شارح لکلّ منهما بأنّ المراد من الامتداد و البعد اللازم بين المبدأ و المقصد في أخبار الثمانية أربعة فراسخ، و أنّ المراد من أخبار البريد الظاهرة في کفاية البريد کونه بريداً ذاهباً و بريداً جائياً.

فإن قلت: نعم، يستفاد من ذلك لزوم أن لا يکون الذهاب أقلّ من أربعة، فلماذا لا نقول به في طرف الإياب أيضاً، کما هو الظاهر من قوله(علیه السلام): «بريد ذاهباً و بريد جائياً».

قلت: الظاهر أنّ ما يصحّ اعتباره في الحکم بالسفر هو مقدار بعده عن المقصد في الذهاب، و أمّا في الإياب فلا وجه للفرق بين کونه أربعة و أقلّ.

وبعبارة اُخری: عدم کون الذهاب أقلّ من البريد هو الّذي يستظهره العرف من روايات البريدين و البريد، «بريد ذاهباً و بريد جائياً». و أيضاً يمکن أن يکون قوله: «بريد جائياً» من جهة التغليب، لأنّ الأغلب من الّذين يذهبون بريداً يرجعون بريداً، فليس البريد في الثاني علی وجه الموضوعيّة.

فإن قلت: يستفاد من التّعليل المذکور في صحيح محمد بن مسلم: أنّ قطع ما

ص: 32

شغل يومه بالذهاب و الإياب يکفي في وجوب القصر، فلا يختصّ الحکم بخصوص ما إذا ذهب بريداً و رجع بريداً، فالثمانية بالذهاب و الإياب بأيّ نحو کان هو الموضوع سواء کانا متساويين أو مختلفين.

وفيه: قد قلنا: بأنّ الصحيح يدلّ علی أنّ الذهاب بريد و الإياب بريد من الثمانية الّتي شغل يومه، و ليس هذا بمعنى کفاية کلّ ذهاب و إياب و إن کان الذهاب فرسخاً واحداً و الإياب سبعة فراسخ و إلّا يلزم منه أنّه لو ذهب ثلاثة فراسخ أو أربعة ثم رجع فرسخين أو ثلاثة فراسخ ثم رجع و سار ثلاث فراسخ أو فرسخاً واحداً کان کافياً للحکم بالقصر.

وبعد ذلك کلّه نقول: رفع اليد عن قوله(علیه السلام): «بريد ذاهباً و بريد جائياً» الظاهر في الموضوعيّة بما ذکر من الاجتهاد مشکل جدّاً في الفروع المترتّبة علی ذلك، فلا يترك الاحتياط بالجمع فيما يکون الرجوع أقلّ من البريد، و الله هو العالم.

ص: 33

الفصل الثاني: في مقدار المسافة الشرعيّة

اشارة

مسألة: المسافة علی ما يستفاد من الروايات بريدان إمّا امتداداً أو ملفّقاً من بريد ذاهباً و بريد جائياً، و البريد أربعة فراسخ.

وأيضاً المسافة: ثمانية فراسخ و هي أربعة و عشرون ميلاً.

وأيضاً المسافة: بريدان أربعة و عشرون ميلاً ما بين المدينة و ذي خشب.((1))

وأيضاً: مسيرة يوم بريدان و هما ثمانية فراسخ.

وأيضاً: بياض يوم بريدان.

والميل ثلث الفرسخ اتّفاقاً و الفرسخ ربع البريد، و إذا کان الفرسخ اثني عشر ألف ذراع فالميل أربعة آلاف ذراع.

ولا يخفى: أنّ تحديد الفرسخ و الميل بما ذکر لم يأت في الأخبار.

وقد جاء في «السرائر» عن المسعودي في «مروج الذهب»: «أنّ الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود، و هو الذراع الّتي وضعها المأمون لذرع الثياب و مساحة البناء و قسمة المنازل، و الذراع أربعة و عشرون إصبعاً»((2)) غير أنّا لم نجد

ص: 34


1- ذو خشب هو بضمّتين واد عن المدينة مسيرة يوم کما في مجمع البحرين (الطریحي، ج1، ص468).
2- ابن إدریس الحلّي، السرائر، ج1، ص 328، کتاب الصلاة، باب صلاة المسافر.

ذلك في النسخة المطبوعة الموجودة عندنا من «مروج الذهب»((1)).

والظاهر أنّ الأصل في تحديد الفرسخ و الميل بالذراع هو ما بين طرف المرفق إلی طرف الإصبع الوسطی، و يکفي في اعتبار ذلك المتعارف منه، فلا يلزم التدقيق بتقدير الإصبع بعرض سبع شعيرات کلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البِرذَون.((2))

وبعد ذلك فإن أمکن استکشاف ذلك بمثل تشخيص ما تکون من المسافة بين المدينة المنورّة و ذي خشب أو بين بغداد و النهروان فهو المصرّح به فيما رواه الصدوق في «الفقيه» عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) و فيه: «وقد سافر رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلی ذي خشب و هو مسيرة يوم من المدينة يکون إليها بريدان: أربعة و عشرون ميلاً، فقصّر و أفطر فصارت سنّة».((3))

وفي «التهذيب» بسند صحيح ... «فإنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) خرج إلی ذي خشب فقصّر و أفطر»، قلت: و کم ذي خشب؟

ص: 35


1- اُنظر: المسعودي، مروج الذهب، ج1، ص 103 (بيروت، طبعة دار الأندلس). وانظر التحديدات أيضاً في معاجم اللغة نحو: لسان العرب، مجمع البحرين، القاموس المحيط، المصباح المنير، و غيرها، مادة فرسخ و برد و ميل و ذرع.
2- الترکي من الخيل و الجمع البراذين، و خلافها العراب، و عن ابن الأنباري: يقع على الذکر و الاُنثى، و ربما قالوا في الاُنثى برذونة.
3- الصدوق، من لا یحضره الفقيه، ج1، ص434 435، ح1265؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص452، ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11142].

قال: «بريدان».((1))

وروی في «التهذيب» بإسناده عن إبراهيم بن هاشم، عن رجل، عن صفوان، عن الرضا(علیه السلام) في حديث أنّه سأله عن رجل خرج من بغداد فبلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد؟ قال: «لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً»، الحديث.((2))

فهو کما قاله بعض الأعلام من المعاصرين في تشخيص مقدار الميل و الفرسخ و البريد أحسن الطرق.

وأمّا إن شكّ في أنّ ما يقطعه مسافة شرعيّة أم لا ؟ فيأتي الکلام فيه في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.

حکم نقص المسافة

مسألة: لو نقصت المسافة عن الحدّ المعيّن في الروايات کثمانية فراسخ امتدادية أو الملفّقة من الذهاب و الإياب و لو يسيراً لا يجوز القصر، کما هو الحال في جميع التحديدات الشرعيّة.

وقال في «العروة»: «نعم، لا يضرّ اختلاف الأذرع المتوسّطة في الجملة».((3))

وفيه: کيف لا يضرّ الاختلاف مع عدم ورود التحديد بالأذرع في الروايات.

ص: 36


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص 222، ح651؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص458، ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح12 [11150].
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص225؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص458 459، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح 8 [11164].
3- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقى، ج3، ص416، صلاة المسافر، المسألة 2.

غاية الأمر أنّ وجوب القصر بما هو الأکثر من الأذرع المتوسّطة يقيني و بالأقلّ مشکوك فيه، و على هذا يتّجه ما أفاده بعض الأعلام من المعاصرين من أنّ الشبهة تکون حکميّة حيث قال: «وإذا شكّ، فإن کانت الشبهة حکميّة کما لو ذرع فکان مسافة بذراع و لم تبلغ المسافة بذراع آخر و کلاهما متعارف فلا مناص حينئذ من الرجوع إلى أصالة التمام».((1))

فعلى هذا إذا کان الشكّ في أنّ الخارج عن تحت العامّ و هو وجوب التمام هل هو الأکثر من الذراع المتعارف أو الأقلّ تکون الشبهة حکميّة و مقتضی الأصل وجوب التمام، لدوران الأمر بين تخصيص العامّ بالأقلّ

أو الأکثر لکون المخصّص مجملاً مفهوماً و القدر المتيقّن حجّيته في الأكثر و هو وجوب القصر في أکثر من الأذرع المتوسّطة فيبقى العامّ حجّة في أقلّ منها، فتدبّر.

الشكّ في بلوغ المسافة

إذا شكّ في بلوغ سفره المسافة کما إذا شكّ في کون المسافة بين مبدأ سفره و المقصد ثمانية فراسخ أو أقلّ و لم يمکن إحرازه بمحرز شرعي کالبيّنة أو الشياع المفيد للاطمئنان، فهل يجب عليه البقاء علی التمام أو يجب عليه الجمع بين القصر و التمام؟

دليل الجمع: أنّه يعلم إجمالاً بأنّه مکلّف بصلاة الظهر مثلاً إمّا قصراً إن کانت المسافة ثمانية أو تماماً إن کانت أقلّ فيجب عليه الاحتياط بالجمع تحصيلاً للعلم

ص: 37


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص34.

بفراغ ذمّته عمّا هو عليه يقيناً و هو صلاة الظهر، و أصالة عدم حدوث ما يوجب القصر لا يحرز بها عدم کونها ثمانية حتی يتعيّن عليه التمام إلّا علی القول بالأصل المثبت.

دليل تعيّن التمام: أفاد المحقّق الهمداني بأنّ بقاء التکليف بالتمام کعدم حدوث التکليف بالقصر متفرّع علی الأصل المزبور، أي عدم تحقّق ما يوجب القصر، و هو الموجب لانقلاب تکليفه من التمام إلی القصر، لأنّ مقتضی عموم الأدلّة وجوب الإتيان مثلاً بصلاة الظهر رباعية علی کلّ مکلّف ما لم يسافر، کما أنّ مقتضاها وجوب الصلاة علی کلّ امرأة ما لم تحض، فالسفر کالحيض يکون رافعاً للتکليف، غير أنّ الأوّل رافع للتکليف عن الرکعتين من الرباعية و الحيض رافع لأصل التکليف.((1)) فعدم تحقّق ما يوجب القصر و عدم تحقّق ما يوجب انقلاب التکليف عبّر بما شئت يکفي في بقاء تکليفه بالرباعية.

وليس معنی ذلك اشتراط التکليف بعدم السفر أو بالطهارة عن الحيض حتی يکون استصحاب عدم الرافع و ما يوجب القصر لإثبات التکليف المشروط بعدم السفر مثبتاً، و إنّما يکون السفر رافعاً لوجوب الرباعية، کما أنّ الحيض رافع لوجوب أصل الصلاة.

فعلی هذا، کما أنّ أصالة عدم تحقّق ما يوجب القصر أي السفر تجري في نفي وجوب القصر، فکذا تجري أصالة عدم تحقّق ما يرفع به وجوب التمام أي

ص: 38


1- الهمداني، مصباح الفقيه، ج2، ص725، کتاب الصلاة، الشرط الأوّل من شروط القصر، التنبيه الثالث.

السفر في بقاء التکليف بالتمام المستفاد من العمومات، فالسفر موجب للتکليف بالقصر و الأصل عدم تحقّقه، و رافع للتکليف بالتمام و الأصل عدم تحقّقه.

وبعبارة اُخرى: السفر موجب للتکليف بالقصر و رافع للتکليف بالرباعية الثابت بالعمومات، و استصحاب عدمه ينفي وجوب القصر و ينفي وجود الرافع للتکليف بالرباعية.

وکذلك نقول في الحيض: إنّ استصحاب عدمه يجري في نفي ما يحرم به علی الحائض و في نفي ما هو الرافع للتکليف بالصلاة الثابت عليها بالعمومات.

ولا يخفی عليك: أنّ هذا ليس من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية الّتي لا نقول به، فإنّ الأمر دائر بين کون المکلّف بعنوانه العامّ مکلّفاً بالرباعية أو بعنوان المسافر مکلّفاً بالثنائية، و الثاني منفيّ باستصحاب عدمه دون الأوّل، فهو مکلّف و مصداق للعمومات الدالّة علی وجوب الرباعية بالوجدان، و کونه مصداقاً للمسافر منفيّ بالأصل، کما في قول المولی مثلاً: أکرم العلماء، و لا تکرم الفسّاق منهم، فإذا اشتبه کون العالم فاسقاً فلا يجوز التمسّك بعموم أکرم العلماء لإثبات وجوب إکرامه، و أمّا إذا کانت حالته السابقة العدالة يحکم ببقائها بمقتضی الاستصحاب فهو عالم ثابت العالمية بالوجدان، و ثابت العدالة بالأصل کما هو واضح.

وملخّص الکلام: أنّا إذا قلنا بأنّ التمام إنّما يجب إذا کان الشخص حاضراً و سفره دون الثمانية، و القصر إذا کان سفره بالغاً الثمانية، فاستصحاب عدم بلوغ

ص: 39

السفر الثمانية لازمه کون المسافة دون الثمانية، و هذا کما ترى لازمه، و على القول بعدم حجيّة لوازم الاُصول لا يثبت به شرعاً کون المسافة دون الثمانية.

وإن شئت قلت: وجوب التمام مشروط بکون المسافة دون الثمانية، کما أنّ وجوب القصر مشروط بکون المسافة ثمانية، فاستصحاب عدم تحقّق المسافة ثمانية لا يثبت شرعاً کونها دون الثمانية، إلّا أنّ المحقّق الهمداني يقول: لا نطرح المسألة هکذا، بل نطرح على أنّ التکليف بالرباعية ليس مشروطاً بکون المسافة دون الثمانية، بل الواجب على المکلّف الرباعية، و ما يوجب القصر أي المسافة رافع لوجوبها، فإذا رفع وجوب القصر باستصحاب عدم تحقّق ما يوجبه أي المسافة يرفع أيضاً ما يرفع به وجوب الرباعية و هو المسافة، کما أنّه يحکم ببقاء وجوب الصلاة باستصحاب عدم تحقّق رافعه و هو الحيض.

وبالجملة: الشاكّ في بلوغ سفره المسافة شاكّ في بقاء وجوب الرباعية عليه، کما انّه شاكّ في وجوب القصر، فاستصحاب عدم بلوغه المسافه ينفي وجوب القصر و يثبت عدم الرافع لوجوب الرباعية و عدم المانع من استصحاب بقاء وجوبها.

فإن قلت: بناءً على تَعَنون العامّ بورود المخصّص نحو: العالم غير الفاسق أو العادل في مثل أکرم العلماء و لا تکرم الفسّاق منهم، و في المقام وجوب الصلاة الرباعية علی المکلّف غير المسافر، فإنّه لا يثبت باستصحاب عدم تحقّق ما يوجب القصر أو عدم السفر الموجب للقصر کون المکلّف غير المسافر إلّا علی القول بالأصل المثبت.

ص: 40

قلت: تَعَنون العامّ و تقيّده بأمر وجوديّ أو عدميّ بواسطة ورود التخصيص عليه، و صيرورة موضوعه مقيّداً لا يمنع من إحراز القيد بالأصل و المقيّد بالوجدان، فيحرز الموضوع لوجوب الرباعية و هو المکلّف غير المسافر، أمّا کونه مکلّفاً فهو بالوجدان، و أمّا کونه غير المسافر فبالأصل.

ويمکن أن يقال: إنّ النسبة بين الدليلين دليل وجوب الرباعية علی جميع المکلّفين و دليل وجوب القصر علی المسافر منهم ليس العموم و الخصوص حتی يکون دليل المخصّص موجباً لتعنون العامّ بکونه غير الخاص، بل لسان دليل القصر مثل قوله تعالی: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ...﴾ ((1)) مع لسان العامّ هو الحکومة.

والفرق بينهما: أنّ دليل المخصّص تامّ في معناه و إن لم يکن دليل العامّ، و أمّا دليل الحاکم لا يتمّ معناه إلّا بالدليل المحکوم، فهو لابدّ و أن يکون ناظراً إلی دليل آخر کقوله: «لا شكّ لکثير الشكّ» و في ظرف تحقّق معناه.

وبعبارة اُخری: إنّ معنى الحکومة ليس تصرّفاً في ما هو موضوع دليل المحکوم من الأصل، و قصره من الأصل علی غير ما هو الموضوع لدليل الحاکم، بل مفهومها فرض وجود المحکوم و تحقّقه و إدخال ما لم يکن منه فيه أو إخراج ما کان منه عنه، فقوله تعالی: ﴿وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يکون حاکماً علی العمومات الدالّة علی وجوب الصلوات الرباعية علی کلّ مکلّف بإخراج

ص: 41


1- النساء، 101.

المسافر عنه لا بتقييدها بکون موضوعها غير المسافر، لأنّ ذلك خلاف مقتضی الحکومة و إخراج ما کان من موضوع دليل المحکوم عنه بدليل الحاکم، و هذا بخلاف العامّ و الخاصّ، لأنّ تخصيص نحو أکرم العلماء بلا تکرم الفسّاق منهم معناه التصرّف في موضوع العامّ و أنّه العالم غير الفاسق، فاستصحاب عدم کون زيد العالم فاسقاً لا يثبت کونه غير الفاسق و عادلاً.

وفي ما نحن فيه لو قلنا بالتخصيص يکون معنی العمومات: المکلّف غير المسافر، و إن شئت قل: المکلّف الحاضر، و استصحاب عدم کونه مسافراً لا يثبت کونه حاضراً و غير المسافر.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ العرف لا يفهم من ذلك غير ترکّب موضوع القصر أي المکلّف المسافر لا ترکّب موضوع التمام بالتکليف و الحضور.

هذا، و لا يخفی عليك جريان الأصل الحکمي علی القول به فيما إذا کان أوّل الوقت حاضراً ثم بدا له السفر فتدبّر، و الله هو العالم.

طرق ثبوت المسافة

مسألة: تثبت المسافة بالعلم الحاصل من أيّ سبب کان، فلا يختصّ بالحاصل من الاختبار و بالبيّنة لعدم اشتراط قبولها بالتداعي بين يدي الحاکم.

وهل تثبت بالعدل الواحد، بل الثقة؟ لا يبعد التعويل عليه إلّا في موارد اختصّت إثباتها بالبيّنة أو أربعة شهود.

وأمّا الشياع، فإن کان مفيداً للعلم فهو، و إن حصل منه الظنّ فکأنّه اختار

ص: 42

السيّد الاُستاذ(رحمه الله) اعتباره لانسداد باب العلم و العلمي في مثل المسافة من الموضوعات دائماً أو غالباً، فلابد من العمل بالظنّ.

لا يقال: لم لا يعمل بالاحتياط أو الأصل؟ لأنّه يقال: أمّا الاحتياط فهو خلاف مصلحة التخفيف و التسهيل المقصود من الأمر بقصر الصلاة في السفر، و أمّا العمل بالأصل فهو مبنيّ علی عدم اعتبار الظنّ في مثل المقام، و مقتضی الاحتياط إذا کان الظنّ مخالفاً للأصل الجمع بين القصر و الإتمام و إن کان الأقوی کفاية العمل بالأصل، و الله هو العالم.

لزوم الفحص عند الشكّ في الموضوع

مسألة: قال في «العروة»: الأقوى عند الشكّ وجوب الاختبار أو السؤال لتحصيل البيّنه أو الشياع المفيد للعلم إلّا إذا کان مستلزماً للحرج.((1))

أقول: ظاهره بيان الحکم في الشبهة الموضوعية، لأنّه لا مجال لوجوب الاختبار أو السؤال لتحصيل البيّنة أو الشياع في الشبهة الحکميّة و إن توهّم الإطلاق منه.

وکيف کان لابدّ و أن يکون المراد من الوجوب هنا أنّه إن أراد التمسّك بالأصل و الاکتفاء بالتمام لا يجوز إلّا بعد الفحص عن حدوث ما يوجب القصر و اليأس عن الظفر به.

ص: 43


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص417 418؛ اُنظر البحث في کتاب الصلاة للشيخ الأنصاري، ص390؛ مصباح الفقيه (الهمداني، ج2، ص725)؛ کتاب الصلاة (الحائري، 590 591، المسألة 6).

وبعبارة اُخرى: إجراء الأصل في عدم تحقّق ما يوجب القصر لا يجوز إلّا بعد الفحص عنه و عدم الظفر به، و هو خلاف ما بنوا عليه من عدم اشتراط إجراء الأصل في الشبهات الموضوعية بالفحص، بل قد ورد النهي عنه في بعض الموارد، و ما تشبّث به لوجوب الفحص في بعض الموارد من الابتلاء بالمخالفة الإجمالية فهو لا يختصّ بمقام دون مقام، فيکون البناء على وجوب الاختبار منافياً لإطلاق ما يدلّ على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

نعم، هو أحوط لا سيّما إذا تحقّق ذلك بالسهولة و فحص قليل جدّاً کالسؤال عمّن کان حاضراً عنده أو بمنزلته، بل لا يبعد دعوى أقوائية الوجوب في مثل ذلك، و الله هو العالم.

تعارض البيّنتين

مسألة: إذا تعارضتا البيّنتان فقامت إحداهما على بلوغ السير إلى المقصد المسافة الشرعيّة، و الاُخرى على عدم البلوغ، فهل تسقطان معاً بالتعارض، أو تقدّم بيّنة الإثبات لکشفها عن الواقع، و أمّا النفي فمدلولها عدم العلم بالبلوغ المذکور، أو يفصّل بين ما إذا کان مستند کلّ منهما الحسّ فتتساقطان، و بین ما إذا کان مستند بيّنة الإثبات الحسّ و مستند بيّنة النفي الأصل فتقدّم بيّنة الإثبات؟

ولا حاجة إلى إجراء الأصل إلّا إذا کان مستند کلّ منهما الحسّ أو مستند کلّ منهما الحدس فإنّهما تتساقطان و يجري الأصل فتدخل المسألة تحت مسألة الشكّ

ص: 44

في بلوغ سفره المسافة و قد عرفت حکمها، و الله هو

العالم.((1))

وظيفة الشاكّ في الحکم

مسألة: من شكّ في مقدار المسافة شرعاً، فإن لم يکن مجتهداً يجب عليه التقليد أو الاحتياط، و إن کان مجتهداً يجوز له العمل بالاحتياط قبل الفحص عن حکم المسألة، و أمّا بعد الفحص فإن ظفر بدليل الحکم فهو، و إن لم يظفر بما يزيل شکّه يبني في طرف الأقلّ على التمام على ما مرّ تفصيله.

حکم القصر مع الشكّ

مسألة: من کان شاکّاً في المسألة موضوعاً أو حکماً و قصّر يجب عليه الإعادة. نعم، إن ظهر بعد ذلك وجوب القصر عليه يجزيه إن حصل منه قصد القربة، کما

ص: 45


1- و يمكن منع التعارض رأساً و البناء على حجّية بيّنة الإثبات إذا كانت مبنيّة على الحس أو العلم الحاصل من البيّنة أو الشياع المفيد للعلم، و أمّا بيّنة النفي فلا أثر لها، هذا لعدم الحاجة إلى إثبات عدم كون المسافة ثمانية في إثبات وجوب الرباعية، لأنّ وجوبه لم يكن مشروطاً به. نعم، تحقّق ما يوجب به الثنائية رافع لوجوبها و هو مقتضى قيام بيّنة الإثبات. وبالجملة: ففي إثبات وجوب الرباعية لا نحتاج إلى بيّنة النفي بخلاف وجوب الثنائية إذ نحتاج لإثباته إلى البيّنة و ما يثبت به كون المسافة ثمانية. و مع الغضّ عن ذلك و كون كلّ منهما حجّة في الجملة فالبيّنتان تتساقطان إذا كان كلّ منهما عن الحسّ، و لا وجه لتقديم الإثبات على النفي إذا کان الحکم بوجوب الرباعية مشروطاً بعدم كون المسافة ثمانية و الحكم بالثنائية مشروطاً بكونها ثمانية. نعم، يقدّم كلّ واحد منهما على الآخر إذا كان عن الحسّ و الآخر عن الحدس، و أمّا القول بتقديم بيّنة الإثبات على النفي بحجّة أنّ مدلولها عدم العلم ببلوغ السير المسافة فقد عرفت ما فيه و أنّ بعضها يكون عن الحسّ و مدلولها العلم بعدم البلوغ، و الله هو العالم.

إذا أتى بها قصراً احتياطاً مريداً للجمع بينه و بين التمام، و قال في «العروة»: و مع ذلك الأحوط الإعادة.((1))

کشف الخلاف بعد إقامة الصلاة

مسألة: إذا اعتقد کون سفره مسافة فقصّر ثم بان عدمها لا يجزيه و يجب عليه الإتيان بها تماماً، سواء کان ذلك لمجرّد العلم أو بالأمر الظاهري الشرعي.

أمّا الأوّل، فلأنّ الجهل المرکّب لا يوجب انقلاب الواقع و تبديل تکليفه من التمام إلى القصر، و أمّا إذا کان ذلك بالاعتماد على البيّنة و الحکم

الظاهري بوجوب العمل بالبيّنة فإنّه يجزي و يکتفى به إن لم ينکشف الخلاف، فإن انکشف الخلاف فلابدّ من الإعادة أو القضاء.

لا يقال: هذا على القول بعدم إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي، و أمّا على القول به کما قوّاه السيّد الاُستاذ الأعظم(قدس سره) في الاُصول لا تجب الإعادة.

فإنّه يقال: إنّ ما قلنا به في الاُصول في بحث الإجزاء هو إجزاء الأوامر الظاهرية الجارية في الأجزاء و شرائط المأمور به، و هذا غير إجزاء المأمور به بأمر عمّا هو المأمور به بأمر آخر کصلاة الجمعة و الظهر أو القصر و الإتمام. و تمام الکلام يطلب ممّا کتبناه في الاُصول، و الله هو الهادي.

تبيّن بلوغ المسافة أثناء السير

مسألة: قال في «العروة»: لو شكّ في کونه مسافة أو اعتقد العدم ثم بان في

ص: 46


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص418.

أثناء السير کونه مسافة يقصّر و إن لم يکن الباقي مسافة.((1))

أقول: و ما يوهم عدم کفاية ذلك في وجوب القصر عدم کونه قاصداً عنوان المسافة و غفلته عنه، لکنّه مندفع بأنّ الملاك في اعتبار قصد المسافة و دخله في وجوب القصر کونه قاصداً قطع واقع المسافة، و لذا لو لم يتبيّن له ذلك و بقي في اعتقاده لا يؤثّر ذلك في تغيير تکليفه الواقعي، فهو مکلّف واقعاً بالقصر و إن کان معذوراً في ترکه و کونه في الظاهر مکلّفاً بالتمام، و الله هو العالم.

صلاة الصبيّ البالغ في أثناء السفر

مسألة: استشکل في «الجواهر» في وجوب قصر الصلاة على الصبيّ المسافر القاصد السير إلى المسافة فبلغ في أثنائها، و کذا في المجنون الّذي يتحقّق منه قصد السير إليها.((2)) و لعلّ الوجه کان في الأوّل أنّ عمد الصبيّ خطأ، و في الثاني حديث رفع القلم.

وفيه: أنّ الأوّل: مختصّ بباب الجنايات و مخالف للبناء على شرعيّة عبادة الصبيّ و کونها تطوّعاً منه.

والثاني: بأنّ المراد رفع قلم التکليف و الإلزام عنه. هذا مضافاً إلى أنّ العقل و کذا البلوغ شرط الحکم بالوجوب دون متعلّقه، و هو ذات الصلاة

الصادرة عن قصد الثمانية الحاصل في المقام.

وبالجملة: لا فرق بين استحباب الصلاة على المميز و وجوبها عليه في أثناء المسافة.

ص: 47


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص419.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص206.

في بلوغ المسافة بالتردد

مسألة: قد ظهر ممّا ذکرناه: أنّ المعيار في اعتبار المسافة کونها بريدين امتداداً أو بريداً ذاهباً و بريداً جائياً، فالمتردّد في أقلّ من أربعة فراسخ حتى بلغ المجموع ثمانية لا يجزي منه القصر.((1))

فيما لو كان للبلد طريقان

مسألة: لو کان لبلد طريقان الأبعد منهما مسافة دون الأقرب، فإن لم يکن مريداً للرجوع کما إذا کان المقصد و المبدأ وطناً له، أو کان مريداً للإقامة في المقصد يقصّر إن سلك الأبعد دون الأقرب.

وإن کان مريداً للرجوع و لم يبلغ الطريق الأقرب إياباً و ذهاباً بريدين فلا يجزي منه القصر إنْ سلك الأقرب. نعم، إن اختار الأقرب في الذهاب و کان بريداً، و رجع من الأبعد و صار المجموع ثمانية فراسخ يجزي منه القصر إن کان قاصداً کلّ ذلك من ابتداء السير، و ذلك لإطلاق الأدلّة.

في المسافة المستديرة

مسألة: إنّ المسافة المستديرة لا توجب القصر((2))، و ذلك لما قوّيناه من لزوم کون الذهاب بريداً يعتبر أن يکون سيره من المبدأ إلى آخر نقطة التباعد عنه أربعة

ص: 48


1- راجع: الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقى، ج3، ص419، صلاة المسافر، المسألة 12.
2- اُنظر المسألة في مسالك الأفهام (الشهید الثاني، ج1، ص 340)؛ کتاب الصلاة، للشيخ الأنصاري، ص413؛ مصباح الفقيه (الهمداني، ج2، ص730)، مستمك العروة الوثقی (الحکیم، ج8، ص23 24). و الظاهر أنّ الشهيدان أوّل من تعرّضا لهذه المسألة.

فراسخ، فسيره إلى هذه النقطة يکون الذهاب و سيره إلى المبدأ الّذي يأخذ في الاقتراب إلى المبدأ يعدّ الإياب. هذا مضافاً إلى أنّه يمکن أن يقال: إنّ کلّ المسافة المستديرة تکون کالامتدادية لا کالملفّقة الّتي لها الذهاب و الإياب.

نعم، يمکن التفصيل بين ما إذا کان مرکز الدائرة نفس البلد و يدور حوله لبعض الأغراض و لو للتنزّه و نحوه، و لا يکون مبتعداً عن البلد، بل يکون

کالملاصق به، و لا يعدّ مسافراً عرفاً فليس له أن يقصّر، و ما إذا کان مبتعداً عنه و خارجاً منه فيجب عليه القصر، و بعد ذلك لا تخلو المسأ لة من الإشکال، و الله هو العالم.

في مبدأ تقدير المسافة

في مبدأ تقدير المسافة((1))

مسألة: قال في «الجواهر»: أوّل آنات صدق إسم المسافر عليه، و الظاهر حصوله عرفاً بالخروج عن خطّة((2)) البلد کحصنه إذا لم يکن خارق المعتاد في السعة و إن کان بين بساتينه و مزارعه لا قبله، خلافاً للمحکيّ في «الدروس»((3)) عن علي بن بابويه من الاکتفاء بالخروج من المنزل فيقصّر حتى يعود إليه،((4)) انتهى.

ص: 49


1- و المسألة معنونة و مطروحة قبل الشهيد الأوّل في کتب الشيخ و العلّامة و غيرهما بنحو التفصيل کما يأتي تخريجها.
2- بکسر الخاء: حدّ البلد و نهايته.
3- الشهید الأول، الدروس الشرعیة، ج1، ص210، و حکاه أيضاً في ذکرى الشیعة، ج4، ص319320؛ و استدلّ له بما رواه ابنه مرسلاً في من لا یحضره الفقيه، ج1، ص 436، ح 1267.
4- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص 203، تبعاً للشهيد الأول، في اللمعة الدمشقیة (قوله: و مبدأ التقدير من آخر خطّة البلد المعتدل و آخر محلّته في المتّسع عرفاً).

والقول الثالث: أنّه عند تواري الجدران أو خفاء الأذان.((1))

والقول الرابع: أن يکون مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر.

ولکنّ الظاهر هو القول الأوّل، و ذلك لصدق المسافر الّذي هو موضوع وجوب القصر عليه إذا خرج من البلد دون من کان في البلد؛ إذ لا يصدق عليه عنوان المسافر و هو لم يخرج من بلده، و لصدق المسافر عليه بعد خروجه من البلد و إن لم يصل إلى حدّ الترخّص.

وبالجملة: المتبادر من التعبير بالبريد أو البريدين ليس من منزله. نعم، في من کان مسکنه في الصحاري و البوادي يکون مبدأ المسافة خروجه من منزله و ضربه في الأرض.

والظاهر أنّه لا فرق فيما ذکر بين البلاد الکبيرة و الصغيرة.((2))

ثم إنّه يشهد للقول الأوّل صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام)،

ص: 50


1- ذهب إليه المشهور نحو: المفيد في المقنعة (ص350)؛ و أبو الصلاح الحلبي في الکافي في الفقه (ص117)؛ و السيّد المرتضى في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضی، ج3، ص 47)؛ و الشيخ الطوسي في النهاية (ص123)؛ و المبسوط (ج1، ص136)؛ و الخلاف (ج1، ص 572، المسألة324)؛ و سلّار الدیلمي في المراسم العلویة (ص75)؛ و الشهيد الأول في الدروس الشرعیة (ج1، ص210، و قال فيه بعدم کفاية أحدهما) و سائر کتبه، و ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع (ج1، ص489).
2- و فرّق بينهما الشهيد الأوّل في الدروس الشرعیّة (ج1، ص210)؛ و البيان (ص155) وجعل مبدأ المسافة في البلاد الکبيرة منتهى محلّة المسافر). و تبعه صاحب جواهر الکلام (النجفي، ج14، ص203) کما مرّ.

و فيه: «قد سافر رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى ذي خشب و هي مسيرة يوم من المدينة يکون إليها بريدان: أربعة و عشرون ميلاً، فقصّر و أفطر»، الحديث.((1))

وذلك لأنّه جعل المدينة مبدأ الاحتساب.

وخبر صفوان عن الإمام الرضا(علیه السلام) في حديث أنّه سأله عن رجل خرج من بغداد حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد.((2))

ومقتضاه اعتبار المبدأ من بغداد لا من منزله أو من محلّته.

وربما يوهم خلاف ذلك بعض الروايات مثل: ما رواه حفص المروزي عن الفقيه(علیه السلام) و فيه: «فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلاً... قصّر».((3))

ويمکن أن يقال: إنّ المنزل کما يطلق على المسکن النازل فيه الشخص يطلق على محلّته و بلده، و الظاهر أنّ المراد منه بلده الّذي خرج منه، کما ربما يشهد لذلك ما في خبر صفوان: «لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر» أي خرج من بغداد، و قوله: «ولو أنّه خرج من منزله يريد النهروان»((4)) اُريد منه أيضاً بغداد.

وممّا ذکر يظهر أنّه لا دلالة لما في رواية عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام) على اعتبار

ص: 51


1- الصدوق، من لا یحضره الفقيه، ج1، ص 434 435، ح1265؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص452، ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11142].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص458 459، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح8 [11164].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص457، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11160].
4- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص 227، ح806.

المنزل، قال: لا يکون مسافراً حتى يسير من منزله أو

قريته ثمانية فراسخ.((1)) فإن الظاهر منه لا سيّما بقرينة ذکر القرية البلد، و الله هو العالم.

ص: 52


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص226؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469، ب4، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11192].

الفصل الثالث: الشرط الثاني: قصد المسافة

اشارة

ومن شروط التقصير: قصد المسافة إجماعاً بقسميه کما في «الجواهر»،((1)) و لموثقة عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اُخری أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك، ثم ينزل في ذلك الموضع؟ قال: «لا يکون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة».((2))

وظاهرها اعتبار کونه قاصداً للثمانية من ابتداء سيره إلى تمام الثمانية، و أنّه لا يکفي مجرد الثمانية أو کون بعضها بالقصد و بعضها بدونه.

وخبر صفوان، قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلاً على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد، أيفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟ قال: «لا يقصّر و لا يفطر، لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به السير إلى الموضع الّذي بلغه، و لو أنّه خرج من منزله

ص: 53


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص231.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469، ب4، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11192].

يريد النهروان ذاهباً و جائياً لکان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك».((1))

ودلالته على اعتبار كون القصد من ابتداء السفر واضحة، و ضعف سنده بالإرسال منجبر بعمل الأصحاب.

لا يکفي القصد وحده

ثم إنّه يظهر من بعض الأعلام دلالة صحيحة زرارة على أنّ العبرة بنفس القصد، و هي: قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا و انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة الّتي كان صلّاها ركعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد».((2)) فتكون معارضة للموثّقة الدالّة على اعتبار القصد و المسافه و لصحيح أبي ولّاد.

قال: و لو كنّا نحن و هذه الصحيحة لكانت دالّة على أنّ الثمانية كإقامة العشرة يراد بها القصد الموجود في اُفق النفس لحكمه(علیه السلام) بالتقصير على مجرّد إرادة السفر و إن لم يبلغ سيره الثمانية خارجاً.((3))

ص: 54


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص227؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص225 226؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص468، ب4، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11190].
2- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص438؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص522 523، ب23، من أبواب صلاة المسافر، ح1[11339].
3- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص55.

وفيه: أنّها تدلّ على كفاية القصد إذا كان منضمّاً بقطع مقدار من المسافة و صلّى قصراً قبل انصرافه من قصده، و هذا كما ترى متكفّل لبيان حكم صلاة القاصد الثمانية قبل انصرافه عن قصده، و موثّق عمّار غير ظاهر في ذلك، و غاية ما يستفاد منه بطلان صلاته قصراً بعد انصرافه عن قصده في أثناء الثمانية فليس هو كالمسافر القاصد للإقامة الّذي انصرف عنها بعد صلاة تامّة، و لو لم نقل إنّ ذلك حكم واقعي لإعتبار بقاء القصد إلى تمام الثمانية يكون حكماً ظاهريّاً مجزياً عن الواقع.

وأمّا كون هذا الصحيح معارضاً في مورده بصحيحة أبي ولّاد المتضمّنة لا عادة الصلاة الّتي صلّاها قصراً قبل بلوغه المسافة و قبل أن يبدو له الرجوع، فهو کذلك.

وإليك الصحيح بلفظه:

عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّي کنت خرجت من الکوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الکوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء، فسرت يومي ذلك اُقصّر الصلاة، ثم بدا لي في الليل الرجوع إلى الکوفة، فلم أدر اُصلّي في رجوعي بتقصيرٍ أم بتمامٍ؟ و کيف کان ينبغي أن أصنع؟ فقال(علیه السلام): «إن کنت سرت في يومك الّذي خرجت فيه بريداً فکان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير، لأنّك کنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك». قال: «و إن کنت لم تسر في يومك الّذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن

ص: 55

تقضي کلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تريم((1)) (تؤمّ) من مکانك ذلك، لأنّك لم تبلغ الموضع الّذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت فوجب عليك قضاء ما قصّرت، و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتى تصير إلى منزلك».((2))

وهذا کما ترى معارض لصحيح زرارة إلّا أنّه غير معمول به إلّا على حمله على الاستحباب.

وفي «الوسائل»: أنّ الأمر بالقضاء مخصوص بما وقع بعد الرجوع عن قصد السفر في محلّ الرجوع و الطريق، أو محمول على الاستحباب.((3))

وقال العلّامة المجلسي: ظاهر الخبر خلاف المشهور، و للشيخ قول بوجوب الإعادة في الوقت، فيمکن حمله عليه أو على الاستحباب، و هو أظهر. و قال بإمکان حمله على أنّه لم يکن قاصداً للمسافة و مع ذلك قصّر إذن فيجب عليه القضاء.((4))

ص: 56


1- من قولهم: رامه يريمه ريماً أي برحة. ومنها حديث النبي(صلی الله علیه و آله) مخاطباً لأبي بکر: «لست أريم حتى يقدم ابن عمي و أخي في الله». الحلّي، مختصر بصائر الدرجات، ص130، أي لست أبرح کما في مجمع البحرين و مثله قوله: «لا أريم عن مکاني»؛ أي لا أبرحه. (الطریحي، ج6، ص77).
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص 298 299، ح909؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469، ب5، من أبواب صلاة المسافر، ح1[11193].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص470، ذيل الرواية، ح1[11193].
4- المجلسي، ملاذ الأخیار، ج5، ص570 571.

والحاصل: کأنّهم رأوا صحيح زرارة قرينة على عدم کون الظاهر من صحيح أبي ولّاد المراد منه فحملوه على بعض المحامل، أو انّه يرو کما صدر عن الإمام(علیه السلام)، و الله هو العالم.

لا يعتبر اتّصال السير

مسألة: الظاهر أنّه لا يعتبر اتّصال السير، فلا فرق في الحکم بوجوب القصر بين السير البطيء و السريع و إن کان البطؤ فاحشاً أو السرعة کذلك، فلا يختصّ الحکم بالسير المتعارف في عصر صدور الروايات و نزول آية التقصير أو المتعارف في زماننا بالسيّارة أو الطيّارة.

هذا، و قد استثني من ذلك ما إذا کان بطؤ السير بمثابة لا يصدق علیه معه اسم السفر عرفاً، کما إذا قطع في کلّ يوم مقداراً يبلغ به المسافة في شهر أو شهرين.

ولکن استشکل بعض الأعلام من المعاصرين بأنّ ذلك على تقدير عدم صدق الاسم تامّ و صحيح کبرويّاً، فإن لم يصدق اسم المسافر لا يجب القصر، إلّا أنّ الکلام في الصغرى، فإنّ ما ذکر لا يمنع من صدق الاسم. ثم أفاد بأنّ السير إذا کان قليلاً جدّاً کما إذا يسير في کلّ يوم عشرة أمتار لا يجب عليه القصر لأنّه بمنزلة المقيم.

أقول: إذا صار ذلك سبباً لإقامته في مکان واحد عشرة أيّام يجب عليه التمام للإقامة، و لکن لنا أن نقول في الفرض الأوّل الّذي يقطع المسافة في شهر أو

ص: 57

شهرين أو شهور: يمکن أن يقال بعدم وجوب القصر حتى مع صدق اسم المسافر عليه؛ لانصراف الأدلّة عن مثله، و الله هو العالم.

قصد التابع

مسأله: يکفي في تحقّق قصد المسافة المعتبر في وجوب القصر حصوله بالتبع عن قصد الغير، سواء کانت التبعية واجبة عليه کالزوجة التابعة للزوج أو العبد الواجب عليه إطاعة مولاه، أم لم يکن واجباً عليه کالّذي يخدم غيره و کالمکره على السفر.

وبالجملة: لا فرق في تحقّق القصد بين کون القاصد مستقلاً غير تابع و لا مأموراً و لا مکرهاً، و بين کونه تابعاً أو مأموراً أو مکرهاً، و ذلك لإطلاق الأدلّة، و کون کلّ من هذه الثلاثه مختاراً و مريداً للفعل. و لکن يشترط في تحقّق قصد المسافة منهم کونهم مريدين للمسافة بعلمهم بها، فالزوجة التابعة للزوج أو العبد الملازم لمولاه إن لم يعلما قصد الزوج أو المولى و أنّه يريد المسافة أم لا يتمّان و لا يقصّران. و إن هما سارا مقداراً من المسافة ثم علما أنّ متبوعهما أراد المسافة و ليس ما بقي منها بقدر المسافة لا يجزي منهما القصر.

وعن جماعة منهم الشهيد قدّس الله أسرارهم أنّه يکفي کما في «الجواهر» قصد المتبوع عن قصد التابع و إليك لفظ «الدروس»((1)): و قصد المتبوع کافٍ عن قصد التابع.

ص: 58


1- الشهید الأوّل، الدروس الشرعية، ج1، ص 209.

وقال: يراد منه کفاية ذلك بعد بناء التابع على التبعية و إناطة مقصده بمقصد متبوعه و معرفته به، فإنّه حينئذ يتحقّق قصده المسافة بذلك لا أنّه يکفي و إن لم يکن التابع قاصداً له، ((1)) إنتهى.

وعلى ذلك يکفي لوجوب القصر قصد التابع التبعية و لو لم يکن عالماً بمقدار المسافة. نعم، لا يکفي مجرّد ذلك لجواز القصر، بل وظيفته التمام، فإن علم في الأثناء أنّ متبوعه قصد الثمانية يقصّر و إن کان ما بقي من المسافة أقلّ من الثمانية.

وبالجمله: التابع القاصد ما قصده المتبوع إذا کان متبوعه قاصداً للثمانية يکون التابع أيضاً قاصداً له، و هو نظير من قصد السير من الکوفة إلى الحلّة و يزعم أنّ المسافة بينهما سبعة مع کونها في الواقع ثمانية.

هذا و يمکن أن يقال: فرق بين قصد السير من الکوفة إلى الحلّة، و بين قصد العبد ما يقصده مولاه تبعاً له، فالّذي قصد السير من الکوفة إلى الحلة بظنّ کون المسافة بينهما سبعة يقصد المسافة الشرعيّة الواقعيّة، و أمّا التابع القاصد ما قصده المتبوع فقصده للمسافة يکون على التعليق و شريطة کون المتبوع قاصداً لها. اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه على فرض کون ما قصده المتبوع ثمانية يقصد ما هو في الواقع کذلك. و لا يخفى أنّ الفرق بين المثالين مشکل.

ويمکن أن يقال في مقام الفرق بين ما نحن فيه و من قصد السير من الکوفة إلى الحلّة بزعم أنّ المسافة بينهما سبعة أو لا يدري ذلك أصلاً مع کون المسافة بينهما ثمانية : أنّ الفرق بينهما، إنّ المريد للذهاب من الکوفة يتمشّى منه المشي

ص: 59


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص237.

منها إلى الحلّة، و أمّا من قصد ما قصده المولى لا يتمکّن من ذلك، و مثل هذا لا يعدّ عند العرف قاصداً للسفر و إن عدّ فالأدلّة الدالّة على أنّ من سافر بالقصد ثمانية فراسخ يجب عليه القصر الصادق على العالم بها لا تصدق عليه، و القدر المتيقّن من عدم الفرق بين المتبوع و التابع في وجوب القصر هو ما إذا کان التابع کالمتبوع عالماً مريداً للمسافة بالتفصيل الّذي لو لم يکن عالماً به لم ينشئ السفر.

والحاصل: أنّه لا يستفاد من الأدلّة أکثر من التابع الّذي هو کالمتبوع عالماً بالمسافة مريداً لها دون التابع الجاهل.

هل يجب الاستخبار على التابع

هل يجب على التابع الاستخبار من المتبوع أم لا؟

أمّا بناءً على کفاية مجرّد قصد التابع ما قصده المتبوع فيمکن أن يقال: إنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية الوجوبية على القول به و عدم اختصاصه بالشبهات التحريمية إنّما يکون في الابتدائية منها دون المقرونة منها بالعلم الإجمالی کما فيما نحن فيه، فإنّه يعلم إجمالاً بوجوب الصلاة عليه إمّا قصراً أو تماماً فهو يجب عليه تفريغاً لما في ذمّته إمّا الجمع أو الاستخبار إن أمکن، لأنّ وجوب الاستخبار إرشاديّ لا مولويّ تعبّديّ.

نعم، إن لم يمکن الاستخبار کما إذا امتنع المتبوع من الإخبار يتمسّك بالأصل لوجوب الإتمام لعدم العلم بحدوث ما يوجب القصر و الحکم بعدمه بالاستصحاب.

وأمّا بناءً على اشتراط علم التابع بقصد المتبوع المسافة فلا يتحقّق منه قصد المسافة بدون الاستخبار، و هو بدون القصد موضوع لوجوب التمام، و لا يجب

ص: 60

عليه الاستخبار ليجعل نفسه موضوعاً لوجوب القصر.

وبالجملة: کما أفاده الفقيه المؤسّس الحائري(رحمه الله) قصد المسافة شرط لوجوب القصر لا لوجوده، فلا يجب تحصيله کما هو الحال في الشرائط الوجوبية.

ثم إنّه هل يجب على المتبوع الإخبار و الإعلام؟

لا محلّ لتوهّم الوجوب؛ لعدم وجوب إيجاد شرائط الوجوب على نفس المکلّف فضلاً عن غيره، فالتابع مادام لم يکن عالماً بقصد المتبوع لا يتحقّق منه القصد و تکليفه هو التمام.

وأفاد بعض الأعلام في وجه عدم الوجوب: أنّ الإخبار مانع عن صدور الحرام الواقعي و إيجاد المانع عمّن يفعله جاهلاً به غير واجب قطعاً، و هذا بخلاف التسبيب إلى وقوع الغير في الحرام الواقعي.((1))

وجوابه يظهر ممّا ذکر، فإنّ وجوب القصر مشروط بتحقّق شرط وجوبه و هو قصد الثمانية المفقود هنا کما استدرك هو بما أفاد بعد ذلك و يظهر منه في طيّ سائر کلماته، فکأنّه ذکر هذا الوجه استطراداً، و الله هو العالم.

قصد التابع مع علمه بانصراف المتبوع

مسألة: لا يتمشّى القصد من التابع إذا هو يرى أنّ المتبوع ينصرف عن استمرار المسافة قبل بلوغها و لو ملفّقة، و إن کان هو جادّاً في قصده، و کذا إذا علم أنّه يفارق المتبوع قهراً أو اختياراً.

ص: 61


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص 64.

والظاهر أنّ الشاكّ في ذلك لا يتأتّي منه القصد الفعلي، فالتابع کالمتبوع، فإنّه إذا کان شاکّاً في إمکان انتهائه إلى نهاية المسافة و احتمل انتفاء ما کان سبباً لقصده السفر أو احتمل عروض بعض الموانع لا يتأتّی منه القصد.

حکم من عزم مفارقة المتبوع

مسألة: إذا کان عازماً على مفارقة المتبوع مهما أمکن أو إذا حصل أمر کعتق المولى عبده أو طلاق الزوج زوجته، فإن کان ذلك ممکناً له على الإطلاق أو لحصول أمر مثل العتق أو الطلاق يجب عليه التمام.

وإن کان شاکّاً في إمکانه فالظاهر أنّه أيضاً يجب عليه التمام، إلّا إذا کان احتمال الإمکان ضعيفاً جدّاً لا يعتدّ به.

کشف الخلاف في اعتقاد التابع

مسأله: إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة ثم علم في الأثناء أنّه قاصد لها، فإن کان ما بقي من سفره بقدر المسافة يقصّر فيما بقي.

وإن کان أقلّ منها ففي «العروة» وجوب القصر عليه، لأنّه إذا قصد ما قصده المتبوع فقد قصد المسافة واقعاً، فهو کما لو قصد بلداً معيّناً و اعتقد عدم بلوغه المسافة فبان في الأثناء أنّه مسافة.((1))

وفيه((2)): أنّه إن اعتقد أنّ المتبوع لم يقصد المسافة، لأنّه يرى ما يسيره في الخارج

ص: 62


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص428.
2- و استشکل على السيّد أيضاً أکثر من تأخّر عنه کالسيّد الأصفهاني في صلاة المسافر (ص57)؛ و الشيخ الحائري في کتاب الصلاة (ص596)؛ و السيّد الحکيم في مستمسك العروة الوثقی (ج8، ص33).

مثل السير من الحلّة إلى الکوفة أقلّ من المسافة و التابع تبعه جاهلاً بذلك ثم علم في الأثناء أنّه المسافة يجب عليه القصر لقصده ما هو في الواقع و الخارج مسافة و إن کان المتبوع جاهلاً بذلك، و أمّا إن کان جاهلاً بما هو مسير المتبوع خارجاً و کان معتقداً کونه أقلّ من المسافة و قصد ما قصده المتبوع دون أن کان عالماً به في الخارج و علم في الأثناء أنّه قصد المسافة و کان ما بقي أقلّ منها يجب عليه التمام و قد مرّ الکلام فيه، و الله هو العالم.

حکم التابع المجبور

مسألة: لا فرق في وجوب القصر على التابع بين أن يکون مکرهاً أو مختاراً أو مجبوراً، کما إذا ضيّقوا عليه حتى يسافر أو صار مضطرّاً لرفع ضرورة لم تتحصّل من جانب غيره، ففي مثل هذه الصور هو قاصد مستقلاً أو تبعاً.

إنّما الکلام فيما إذا لم يکن السير باختياره أصلاً کما إذا اُرکب على الدابّة أو اُدخل في السيّارة أو الطيارة، قال في «العروة»: «ففي وجوب القصر مع العلم بالإيصال إلى المسافة إشکال و إن کان لا يخلو من قوّة»((1)) و قوّاه جمع من المحشّين، و کأنّ إبداء الإشکال کان من «المستند» قال على ما حکي عنه في «المستمسك»: «قد يختلج بالبال فيه الإشکال، إذ القصد إنّما يکون على العمل و لا يصدر عنه عمل حتى يکون قاصداً له و لعدم شمول کثير من أخبار القصر لمثله، و عدم تبادره من شيء من أخباره، و إجمال نحو قوله(علیه السلام): «التقصير في

ص: 63


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص429 430.

بريدين» لإحتمال إرادة قصد بريدين أو سيره، و مثل ذلك لا يقصد و لا يسير، إلّا أنّ الظاهر الإجماع على وجوب القصر عليه».

ويمکن الاستدلال له أيضاً بقوله سبحانه: ﴿مَنْ كانَ مَريضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر...﴾((1)) فإنّ ذلك کائن في السفر و إن لم يکن مقصوداً له، و لا معارض له، فيجب عليه التقصير أيضاً».((2))

وأجاب عنه في «المستمسك»: بأنّه إن بني على الغضّ عمّا يدلّ على اعتبار القصد في القصر فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق ما يدلّ على عدم الاعتبار، و إن بني على النظر إلى ما يدلّ على الإعتبار فلا وجه لدعوى الإجماع على القصر، و لا الاستدلال عليه باطلاق الآية، إذ دعوى الإجماع يکون خلاف النصّ، و دعوى الإطلاق مقيّد بما دلّ على اعتبار القصد، و مثله دعوى کون المراد من القصد في کلماتهم أعمّ من العلم، فإنّها خلاف الظاهر، و قياسه بالأسير الغالب فيه کونه مکرهاً لا مجبوراً مع الفارق. (إلى أن قال) فالعمدة في وجوب القصر ما في رواية إسحاق بن عمّار الواردة في قوم خرجوا في سفر و تخلّف منهم واحد، قال(علیه السلام): «بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع، لأنّهم لم يشکّوا في مسيرهم و أنّ السير يجدّ بهم»((3)) فإنّه يدلّ على أنّ تمام موضوع القصر هو العلم بالسفر ثمانية فراسخ،

ص: 64


1- البقرة، 185.
2- النراقي، مستند الشیعة، ج8، ص222.
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص466 467، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح10و11 [11185 11186].

لکن سند الحديث لا يخلو من إشکال.((1))

أقول: رواية إسحاق بن عمّار رواها في «الکافي»، عن عدّة من أصحابنا((2))، عن أحمد بن محمد البرقي((3))، عن محمد بن أسلم الجبلي((4))، عن صباح الحذّاء((5))، عن إسحاق بن عمّار((6))، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن قوم

خرجوا في سفر فلمّا انتهوا إلى الموضع الّذي يجب عليهم فیه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم و هم لا يستقيم لهم السفر إلّا بمجيئة إليهم فأقاموا على ذلك أيّاماً لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون؟ هل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أم يقيموا على تقصيرهم؟ قال: إن کانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، و إن کانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا.((7))

هذا على ما في «الکافي» و ليس فيه ما يدلّ على أنّ الاعتبار لوجوب القصر

ص: 65


1- الحکیم، مستمسك العروة الوثقی، ج8، ص34 -35.
2- هم عليّ بن إبراهيم، و علي بن محمد بن عبد الله و يقال له عبد الله بن بندار ابن بنت البرقي، و أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي، و عليّ بن الحسين السعد آبادي المؤدّب تلميذه الّذي تخرّج عليه في الأدب.
3- من السابعة.
4- من السادسة له کتاب، قيل فيه: إنّه کان غالياً فاسد الحديث.
5- من الخامسة أو السادسة له کتاب روى عنه جماعة.
6- من الخامسة ثقة فطحي.
7- الکلیني، الکافي، ج3، ص433؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص466، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح10 [11185].

و تمام الموضوع هو العلم بکون السفر المسافة، فلا يعتبر فيه الاختيار، إلّا أنّ الصدوق(قدس سره) رواه في «العلل» عن أبيه((1))، عن سعد((2))، وعن محمد بن موسى بن المتوکّل((3))، عن السعد آبادي((4))، عن أحمد بن أبي عبد الله((5))، عن محمد بن عليّ الکوفي((6))، عن محمد بن أسلم((7)) نحوه، و زاد:

قال: ثم قال: «هل تدري کيف صار هکذا؟» قلت: «لا، قال: لأنّ التقصير في بريدين و لا يکون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا کانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا کانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن کانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يکن لهم إلّا إتمام الصلاة»، قلت: أليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الّذي خرجوا منه؟

قال: «بلى، إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشکّوا في مسيرهم و أنّ السير يجدّ بهم، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد

صاروا هکذا».((8))

ص: 66


1- هو والد الصدوق، فضله و جلالته بين الطائفة في غايه الظهور، من التاسعة.
2- ابن عبد الله القمي هذه الطائفة... من کبار الثامنة.
3- ثقة لعلّه کان من التاسعة، و سقط واو العطف بعد عن سعد، فالصدوق رواه عن أبيه و عنه، والله هوالعالم.
4- هو علي بن الحسين قمي، ظاهر جمع من الأصحاب اعتباره، من الثامنة.
5- هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن، من السابعة.
6- الصيرفي، الظاهر اعتباره، من السادسة.
7- مرّ ذکره.
8- الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص367، 382 383؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص466 467، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح11 [11186].

في تحقيق المسألة

ثم اعلم: أنّ الأسانيد المذکورة لا تخلو من الخدش و الإشکال، إلّا أنّ مضمونها يقوّي سندها.

إنّما الکلام في دلالتها، فيمکن أن يقال: إنّ عدم الشكّ في المسير مع أنّ السير فعل اختياري ليس أعمّ منه و من السير به و تسيير غيره له، بل ظاهر في سيره الاختياري.

وقد يقال: بأنّ قوله(علیه السلام): «إنّما قصّروا في ذلك...» لم يرد لبيان أنّه لا يلزم في السفر سوى القصد و العلم کون سيره و سفره اختياريّاً، بل ورد لرفع استبعاد السائل أنّهم کيف يتمّون بعد ما هم قصّروا قبل ذلك، فأجاب(علیه السلام): بأنّهم إنّما قصّروا قبل ذلك لأنّ التقصير کان تکليفهم الفعلي حيث لم يشکّوا في السفر، فلمّا شکّوا يجب عليهم التمام، فالجواب صدر لدفع استبعاد السائل.

ثم اعلم: أنّ وجه الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَ مَنْ كَانَ مَريضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر...﴾ أنّه ظاهر في مطلق السفر أعمّ من الاختياري و غيره في حکم الصوم، فلا يجزي منه الصوم في السفر مطلقاً، فإذا ثبت به عدم وجوب الصوم في السفر الإجباري يثبت القصر أيضاً فيه للملازمة الثابتة بين الإفطار و التقصير.

هذا، و ربما يقال بأنّ مثل موثّقة عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال فيها: «لا يکون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة»((1)) دلّ على عدم

ص: 67


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص226؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469، ب4، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11192].

کفاية العلم و القصد و المسافة مجردة عن الاختيار و الإرادة، فيلزم أن يکون سيره في تمام الثمانية بالاختيار، فلا يکفي الإجبار المذکور.

ولکن أفاد بعض الأعلام بأنّه: «لا دلالة لها بوجه على لزوم صدور القصد المزبور عن الإرادة و الاختيار، بل هي مطلقة يکتفى [به] حتى لو صدر لا عن اختيار، و دعوى انسباق الاختيار من الأفعال ظهوراً أو

انصرافاً غير مسموعة کما حقّق في محلّه».((1))

وفيه: أنّ المتبادر و المنسبق إلى الذهن الاختيار إلّا إذا کانت هناك قرينة مثل مناسبة الحکم و الموضوع، کقوله: «من أتلف مال الغير فهو ضامن» على عدم الفرق بين الاختيار و غيره.

ويمکن أن نقول: إنّ ما يدلّ من الأخبار على الاختيار ورد مورد الغالب، و لا يدلّ على التقييد و اختصاص الحکم به، فلا يقيّد به المطلقات الدالّة على أنّ صلاة الفريضة في السفر رکعتان إلّا المغرب المقتصر في تقييدها على العلم و الجزم بقطع المسافة و لو بغير الاختيار.

هذا کلّه مضافاً إلى أنّ من إرادة اليسر من الحکم يفهم عدم الفرق بين جميع هذه الصور، إذن فيردّ بذلك استظهار الفقيه المؤسّس من الأدلّة بأنّ ظاهر القصد و العزم هو المؤثّر في الحرکة، و الله هو العالم.

ص: 68


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص 71. هذا و قد حقّق في محلّه في المسألة الثانية من المقام الأوّل من مبحث التوصّلي و التعبّدي.

الفصل الرابع: الشرط الثالث: استمرار قصد المسافة

اشارة

الشرط الثالث من شرائط وجوب القصر استمرار قصد المسافة. و هذا بمعنى عدم جواز الاکتفاء بقصده الابتدائي، و إن قطع من المسافة ما لا يبلغ بريداً ففيما بعد ذلك إن قطع الاستمرار يجب عليه التمام.

ولا مجال للمناقشة فيه اجماعاً، و للروايات، لإناطة التقصير فيها بقصد الثمانية، و أقلّ ما يکون معتبراً أن يکون حيثما يأتي بالقصر قاصداً للمسافة مستمرّاً فيه، فمن عدل عن قصده أو شكّ في قطعه لما بقي من المسافة لا يجزي منه القصر و يجب عليه التمام.

نعم، فيما أتى به قبل ذلك من القصر کلام يأتي إن شاء الله تعالى و إن کان المشهور على إجزائه و عدم وجوب الإعادة أو القضاء.

وهنا إشکال و هو: أنّه إذا کان وجوب القصر مشروطاً باستمراره إلى تمام المسافة فکيف يجب قبل وجود شرطه و يجب القصر من ابتداء شروعه في المسافة و بلوغه حدّ الترخّص؟

فهل يقال: إنّ ذلك من الشرط المتأخّر، فإن حصل فهو يکشف عن وجوبه،

ص: 69

و إن لم يحصل يکشف عن عدم وجوبه و وجوب الإتيان به تماماً أداءً أو قضاءً، و مع عدم انکشاف ذلك کيف يجوز له ترك الصلاة تماماً؟

ويمکن أن يقال: إنّ ذلك لا يرد على القول المشهور القائلين بإجزاء ما أتى به قصراً، فهو مأمور به و أتى بما هو المأمور به.

نعم، بناءً على وجوب الإعادة أو القضاء لابدّ من القول بالشرط المتأخّر و البناء ظاهراً على حصوله.

ثم إنّه يکفي في الدليل على اعتبار استمرار القصد کما أفاد الشيخ(قدس سره): أنّ الظاهر من أدلّة تحديد المسافة، و أنّ التقصير في بريدين أو ثمانية فراسخ وجوب التقصير في سفر مقدار سيره بريدان، فيدلّ على اعتبار التلبّس بسفر مسافته بريدان، فکلّما تحقّق وصف التلبّس بالسفر الکذائي تحقّق موضوع التقصير، و المفروض أنّ مع زوال القصد و نيّة الرجوع

أو التردّد لا يصدق عليه أنّه متلبّس بالسفر المقدّر بالمقدار المذکور.((1))

ثم إنّه(قدس سره) ذکر الروايات الدالّة بالخصوص على ذلك کذيل رواية إسحاق بن عمّار و صحيحة أبي ولّاد، و رواية المروزي و غيرها، فراجع کلامه الشريف إن شئت.

کفاية استمرار قصد نوع المسافة

مسألة: قال الشيخ(قدس سره): «المعتبر من الاستمرار هو الاستمرار على قصد نوع المسافة لا شخصها الّذي عزم عليها سابقاً، فلو عدل عن مقصد إلى مقصد آخر

ص: 70


1- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص414.

مشترك مع الأوّل في بلوغه المسافة من محلّ الحرکة الواقعة بقصد المقصد الأوّل بقي على التقصير»((1)) انتهى.

أقول: مقتضى الإطلاقات الأوّلية إناطة التقصير بقطع البريدين، و قد قيّدت بما دلّ على أن تکون مقصودة من أوّل الأمر مستمراً إلى نهاية المسافة سواء تبدّل شخصها أو بقيت کما کانت. و دليل التقييد مثل موثّق إسحاق بن عمّار: «لا يکون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» مطلق يشمل کونه قاصداً ثمانية فراسخ سواء ثبت على مقصده الأوّل أو قصد مقصداً آخر، فهو سار من منزله أو قريته ثمانية فراسخ.

وبعبارة اُخرى: الأمر دائر بين تقييد إطلاقات مجرّد قطع الثمانية بالقصد و استمرار شخصه، فيخرج به عن تحت الإطلاقات ما إذا لم يستمر القصد بقول مطلق، أو بالنوع، أو تقييدها بالقصد و استمراره و إن کان بالنوع، فيخرج عن تحت الإطلاقات القصد الّذي لم يستمرّ لا بالشخص و لا بالنوع، و ما ثبت بالدليل أي موثّقة عمّار تقييد الإطلاق بالقصد المستمرّ شخصاً کان أو نوعاً، فما يخرج منه غير المستمرّ بقول مطلق لا شخصاً و لا نوعاً، بخلاف ما إذا کان الإطلاق مقيّداً بالقصد المستمرّ شخصاً،

ص: 71


1- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص414؛ و وافقه الحائري في کتاب الصلاة (ص599)؛ و خالفه الشهيد الثاني و ذهب إلى اعتبار شخص المسافة في روض الجنان (ص385).

فإنّه يخرج به من الإطلاق المستمرّ بقول مطلق و المستمرّ بالنوع.

وبعبارة اُخرى: الإطلاقات مقيّدة بالقصد المستمرّ نوعاً کان أو شخصاً فالخارج عن تحت الإطلاقات غير المستمرّ بقول مطلق.

والغرض من ذلك کلّه بيان أنّ على القول بتقييد الإطلاقات بالقصد المستمرّ سواء کان شخصيّاً أو نوعيّاً يکون التقييد الوارد عليها أقلّ من أن يقال بتقييدها بالقصد المستمرّ شخصيّاً، لأنّ على الأوّل ما يخرج منها غير المستمرّ بقول مطلق و يبقى المستمرّ بالشخص أو النوع، و على الثاني يخرج منها غير المستمرّ بقول مطلق و المستمرّ بالنوع، و في دوران الأمر بين التقييد بالأکثر أو الأقل يکون الثاني هو الأرجح و مقتضى الأصل، فتدبر.

بيان بعض الأعلام و ردّه

أفاد بعض الأعلام بأنّه على فرض عدم قبول الاستظهار المذکور من

الموثّقة و القول بأنّها ظاهرة في شخص القصد و لزوم البقاء عليه، فلنا أن نتمسّك بصحيحة أبي ولّاد الصريحة في التقصير إن عدل عن قصد المسافة الامتدادية إلى التلفيقية، حيث قال(علیه السلام): «... إن کنت سرت في يومك الّذي خرجت فيه بريداً فکان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير، لأنّك کنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك...».((1)) و هي صريحة في عدم لزوم الاستمرار في شخص القصد و کفاية البقاء على نوعه.

لا يقال: إنّها تدلّ على جواز العدول في خصوص العدول من الامتداد إلى التلفيق، و کما حکي عن الشيخ القول بجواز العدول في خصوص العدول عن

ص: 72


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص298 299؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469 470، ب5، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11193].

الامتداد إلى التلفيق، لأنّ الظاهر استفادة التعميم منه بالأولويّة القطعية، لأنّ دليل التلفيق بالحکومة جعل التلفيق من أفراد الامتداد و نزّله منزلته بقوله: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه» المذکور في صحيح ابن مسلم،((1)) فإذا ثبت الحکم في التلفيق ففي الامتداد يثبت بالطريق الأولى، بل نقول لا أقلّ بالمساواة.

ومع الغضّ عن ذلك أفاد بأنّه يکفينا للتعدّي عن مورد الصحيحة اشتمال ذيلها من التعليل بقوله(علیه السلام): «لأنّك کنت مسافراً إلى أن تصير في منزلك» لدلالة هذا التعليل على کلّ مورد يصدق عليه کونه مسافراً إلى أن يصير إلى منزله.

قال: على أنّ الظاهر أنّه لا إشکال عندهم في أنّ من خرج قاصداً لکلّي المسافة و نوع الثمانية على أن يعيّنها فيما بعد أنّه يقصّر في الحدّ المشترك من الطريق، فيظهر من ذلك أنّ الاعتبار في الاستمرار بالبقاء على قصد النوع، فلا يضرّه العدول من شخص القصد، فإنّه غير دخيل في موضوع الحکم.

ثم استدرك و قال: إنّ الصحيحة لا تشمل ما لو عدل عن الامتداد إلى امتداد آخر إن کان ذلك قبل بلوغ أربعة فراسخ، کما لو خرج بقصد الثمانية الشخصية و بعد مضيّ ثلاثة فراسخ عدل عن مقصده و عزم مکاناً آخر يبلغ خمسة فراسخ، فهذا الفرض غير مشمول للصحيحة،

لاختصاصها بما إذا کان العدول بعد الخروج بريداً، لکنّ التقصير ثابت هنا لعدم القول بالفصل.((2))

ص: 73


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص224؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص459، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح9 [11165].
2- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص81 88، مع تغييرات يسيرة.

أقول: يرد على استدلاله الأخير ما يأتي إن شاء الله من معارضة الصحيحة بصحيحة زرارة.

ويمکن أن يستدلّ بکفاية قصد النوع و صدق کونه مسافراً بروايات مسيرة يوم و بريد يوم، و أنّه إذا ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه. اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ هذه الروايات من الروايات المطلقة الدالّة على إناطة التقصير بقطع ما شغل يومه، و کروايات البريدين. و کيف کان: الأقوى ما ذکره الشيخ(قدس سره)، فيکفي نوع المسافة. والله هو العالم.

لو تردّد في الأثناء

مسألة: قال الشيخ المؤسّس(قدس سره): لو تردّد ثم عاد إلى الجزم، فإن كان الباقي مسافة فلا إشكال في لزوم القصر، و إلّا فإن لم يقطع شيئاً من الطريق في حال الترديد فالظاهر البقاء على التقصير، فإنّ قصد الثمانية و إن زال بحسب الدقة و الّذي وجد ثانياً قصد جديد لکنّه بنظر العرف عود إلى القصد الأوّل. و يدلّ على ذلك رواية إسحاق الواردة في منتظر الرفقة: «وإذا مضوا فليقصّروا».

وأمّا إذا قطع بعضاً من الطريق في حال الترديد ففي العود إلى القصر مطلقاً أو البقاء على التمام کذلك أو التفصيل بين أن يکون ما قطعه أوّلاً حال الجزم مع ما بقي بعد العود إلى الجزم بعد إسقاط ما تخلّل بينهما مسافة أو لا ، ففي الأوّل العود إلى القصر و في الثاني البقاء على التمام وجوه لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الفروع المذکورة بالجمع.

ص: 74

ثم إنّه بعد ذلك أفاد ما هذا ملخّصه: إنّ المعتبر في صدق السفر أمران: السير المحدود شرعاً ثمانية فراسخ و القصد إلى ذلك من أوّل الأمر مستمرّاً إلى تمام المسافة المحدودة، و احتمال أن يکون القصد معتبراً في خصوص حال السير لا يضرّ الرجوع عنه في غيره و لا بالترديد خلاف الظاهر من اُسلوب الکلام، فإذا اختلّ صدق المسافر عليه بالترديد يخرج عن موضوع المسافر الشرعي المحکوم بوجوب القصر.

واستشهد على ذلك بتصريح وجوب التمام على المتردّدين الّذين کانوا قاصدين للسفر في خبر منتظر الرفقة، فإنّهم لو کانوا مسافرين لکان حکم

التمام تخصيصاً في دليل المسافر، و مقتضى أصالة عدم التخصيص کونهم خارجين من عنوان المسافر، فرجوع المنتظر للرفقة إلى التقصير يحتاج إلى سير جديد.

قال: فإن قلت: هذا منافٍ لإطلاق قوله(علیه السلام): «فإذا مضوا فليقصّروا» الشامل للصورة الّتي لم يبق من موضع المضيّ إلى المقصود مقدار مسافة السفر و لو تلفيقاً.

قلت: يمکن منع الإطلاق من هذه الجهة، بل الکلام مسوق لبيان أنّ ما مضى لا يضمّ بالباقي لانقطاعه بالترديد، فالسير الّذي يحسب من السفر بشرائطه هو السير في وقت المضيّ.((1))

أقول: ظاهر کلّ ذلك العدول عمّا بنى عليه في أوّل کلامه و استدلاله بقوله(علیه السلام): «فإذا مضوا فليقصّروا».

ص: 75


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص600 601.

ويمکننا أن نقول بالنسبة إلى الصورة الثانية الّتي رجع إلى قصده و لم يقطع شيئاً من الطريق في حال الترديد بل و في نيّة حال العدول : يکفي ذلك عرفاً في وجوب القصر، و الموضوعات الشرعيّة لا تقدّر بهذه التدقيقات، فيکفي في وجوب القصر رجوعه إلى نيّته الأُولى، و إن کان الاحتياط في هذه الصورة طريق النجاة، و الله هو العالم.

حکم من صلّى قصراً ثم عدل

مسألة: قال في «العروة»: ما صلّاه قصراً قبل العدول عن قصده لا يجب إعادته في الوقت فضلاً عن قضائه خارجه.((1))

أقول: هذا هو قول المشهور.((2)) و الظاهر أنّه لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الشيخ في «الاستبصار»، فإنّه ذکر في وجه الجمع بين الأخبار بالإعادة في الوقت و عدم وجوب القضاء خارجه، و إليك لفظه:

«باب المسافر يخرج فرسخاً أو فرسخين و يقصّر في الصلاة ثم يبدو له الخروج:

أخبرني الشيخ(رحمه الله) عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الصفّار، عن

محمد بن عيسى، عن سليمان بن حفص المروزي((3))، قال: قال الفقيه(علیه السلام): «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً، و البريد ستّة أميال و هو فرسخان،

ص: 76


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص432.
2- کما في الحدائق الناضرة (البحراني، ج11، ص334 335)؛ و انظر: السرائر (ابن إدریس الحلّي، ج1، ص341)؛ و الجامع للشرائع (الحلّي، ص93).
3- هو من السادسة.

و التقصير في أربعة فراسخ، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلاً و ذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين و نيّته الرجوع أو فرسخين أخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن کان قصّر ثم رجع عن نيّته أعاد الصلاة».((1))

فأمّا ما رواه عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن موسى، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يخرج في سفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا و انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة الّتي کان صلّاها رکعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد».((2))

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين، أحدهما: أنّه إذا کان الوقت قد مضى لم يکن عليه الإعادة و إنّما يلزمه الإعادة مادام الوقت باقياً.

والثاني: أنّه و إن لم يُقضَ له الخروج لم يرجع عن نيّة السفر و متى کان کذلك لم يکن عليه الإعادة، بل کان عليه التقصير ما بينه و بين الثلاثين يوماً على ما بيّناه في الکتاب الکبير.((3))

ص: 77


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص457، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11160]؛ کذا في الاستبصار (الطوسي، ج1، ص227 228، ح858)؛ و قد ذکر مثله في من لا یحضره الفقيه، و في تهذیب الأحکام (الطوسي، ج4، ص226، ح664)؛ لکن مع تغيير.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص522، ب23، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11339].
3- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص 227 228، ح808 و 809.

ولا يخفى عليك: أنّ ما ذکره يکون بيان جمع بين الخبرين و دفع القول بتهافتهما على سبيل البتّ.

ولا يخفى عليك أيضاً: ما في رواية المروزي من اضطراب المتن، و لذا قال في «الوسائل»: تفسير البريد بستة أميال و بفرسخين شاذّ مخالف للنصوص الکثيرة، و لعلّ فيه غلطاً من النسّاخ، إلخ.((1))

والّذي يدلّ على قول المشهور هو صحيح زرارة الّذي سمعته من «الاستبصار»، و لکن مع موافقة کلّ ما عندنا من الحواشي مع «العروة» ناقش بعض الأعلام، وقال: «فإنّا لو کنا نحن و هذه الصحيحة لحکمنا بنفي الإعادة و صحّة الصلاة، لصراحتها في ذلك و لا سيّما بعد التعبير بکلمة «تمّت» الدالّة على تمامية الصلاة و عدم خلل فيها، و التزمنا من أجلها بأحد أمرين: إمّا بأنّ الموضوع للقصر مجرد قصد المسافة و إن لم يتعقب بسير الثمانية خارجاً کما هو الحال في قصد الإقامة بلا کلام، فإنّه بنفسه موضوع للتمام و إن لم يقم عشرة أيّام، أو أنّ الشارع اجتزا بغير المأمور به عن المأمور به في مقام الامتثال، فيکون القصر حينئذ مسقطاً عن الواجب تعبداً، و کيف ما کان فکنّا نلتزم بالإجزاء بأحد الوجهين».((2))

أقول: لما لا نقول بالإجزاء لکونه مأموراً بالقصر؟ و دليل الأمر مفاده التصرّف في موضوع الواجب يعني الصلاة، و الصلاة المقصورة في هذا الحال

ص: 78


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص457، ب2، من أبواب صلاه المسافر، ذيل ح4 [11160].
2- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص89 90.

فرد للصلاة کما أنّها فرد لها إذا تعقب القصد بسير الثمانية.

وبالجملة: فهذا من جزئيّات مسألة الإجزاء، و قياس المقام بقصد الإقامة فکأنّه مع الفارق، لأنّ في قصد الإقامة بعد الإتيان بصلاة رباعيّة يجب عليه التمام، و هنا لا يجوز القول بوجوب القصر بعد هذه المقصورة.

وکيف کان: عمدة إشکاله أنّ الصحيح معارض بروايتين، إحداهما: صحيحة أبي ولّاد الصريحة في وجوب القضاء الواردة في من سافر في النهار و لم يسر بريداً و رجع في الليل عن نيّته و بدا له أن يرجع، قال: «... فإنّ عليك أن تقضي کلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام»، الخ((1)). فإنّها بدلالتها على وجوب القضاء تدلّ على وجوب الإعادة فيما إذا کان الرجوع عن القصر في الوقت بالأولويّة القطعيّة.

ودعوى الجمع بينهما بالاستحباب ساقطة جزماً لما مرّ غير مرّة من أنّ الأمر بالإعادة لم يکن نفسيّاً ليقبل الحمل على الاستحباب، و إنّما هو إرشاد إلى الفساد، و لا معنى لاستحباب الفساد، و الصحيحة و إن لم تتضمّن الأمر بالإعادة صريحاً إلّا أنّ قوله(علیه السلام): «و عليك أن تقضي...» إلخ، في قوّة الأمر بها لدلالتها على خلل في الصلاة اقتضى الإتيان بها

ثانياً، فهو بمثابة الأمر بالإعادة کما هو ظاهر جداً.

وثانيتهما: رواية سليمان بن حفص المروزي، الّتي عَبَّر عنها بالموثّقة لما ذکره.

وعلى هذا يقع التعارض بين الطائفتين، فبناءً على عمل المشهور بالرواية

ص: 79


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص298 299؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469 470، ب5، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11193].

مرجحاً، أو إعراضهم موجباً لسقوط حتى الصحيح عن الحجيّة، بل کونه أقوى في ذلك حتى قد قيل: کلّما ازداد صحّة ازداد بذلك ضعفاً فالنتيجة واضحة. و أمّا بناءً على سقوط هذا البناء عن الاعتماد و الاعتبار، فتتساقط الروايات بالتعارض، و لابدّ للرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة و هو الإعادة أو القضاء و الإتيان بالتکليف الواقعي.((1))

ثم إنّه ردّ حمل رواية المروزي و صحيح أبي ولّاد على التقية، کما حکي عن صاحب «الحدائق» نقله عن بعض مشايخه المحقّقين، لموافقتهما مع مذهب العامّة حتى يکون الترجيح مع صحيحة زرارة بما حکاه عن کتاب «المغني» لابن قدامة الحنبلي ما لفظه: «فلو خرج يقصد سفراً بعيداً يوجب قصّر الصلاة ثم بدا له فرجع کان ما صلّاه ماضياً صحيحاً و لا يقصّر في رجوعه إلّا أن تکون مسافة الرجوع مبيحة بنفسها». (قال) و لم يذکر خلافاً في المسألة و عليه کان الموافق لمذهب العامّة هي صحيحة زرارة، فتکون هي المحمولة على التقيّة دون الصحيحتين، و الترجيح معهما لا معها.((2))

بيان الشيخ الحائري(قدس سره) و الردّ عليه

يستفاد من الشيخ المؤسّس(قدس سره) دلالة ذيل رواية إسحاق بن عمّار المذکورة في «العلل» على الاکتفاء بما أتاه قصراً إن عدل عن نيّته بعده قبل بلوغه بريداً ففيه:

ص: 80


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص89 - 91.
2- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص92؛ و انظر : البحراني، الحدائق الناضرة، ج11، ص 336؛ ابن قدامة، المغني، ج2، ص 96.

«وإن کانوا القوم الّذين خرجوا في سفر ساروا أقلّ من ذلك أي البريد لم يکن لهم إلّا إتمام الصلاة»، قلت: أليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الّذي خرجوا منه؟ قال: «بلى، إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشکّوا في مسيرهم، و إنّ السير يجدّ بهم، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا

هکذا».((1))

وجه دلالته إناطة وجوب القصر واقعاً بعدم الشكّ في السير لا بالمسير الواقعي.

ثم قال: و يدلّ على عدم لزوم القضاء، بل الإعاده في الوقت أيضاً صحيحه زرارة، إلخ.

ثم إنّه في مقام بيان الخدشة في الاستدلال بالروايتين على کفاية القصر أفاد بأنّ التعليل المذکور في رواية إسحاق بن عمّار «لأنّهم لم يشکّوا في سيرهم». لا يدلّ على أنّ موضوع وجوب القصر هو القطع بالسير و إن انکشف خلافه، بل يمکن أن يکون مراد الإمام(علیه السلام) أنّ التقصير الّذي حصل منهم إنّما کان من جهة إحراز موضوع السفر الّذي انکشف خلافه فلم يکونوا مسافرين في الواقع و لم يکونوا مکلّفين بالتقصير، فأيّ منافاة بين ذلك و بين لزوم القضاء بعد انکشاف الخلاف.((2))

ص: 81


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص465 466، ب3، من أبواب المسافر، ح11[11186].
2- الحائري، کتاب الصلاة، ص598 599.

وفيه: أنّه خلاف الظاهر لعدم الفائده في بيان وجه اشتباههم، بل الظاهر أنّ ما ذکره الإمام(علیه السلام) من الوجه هو لکفاية صلواتهم بالقصر.

ثم قال: و أمّا الصحيحة فالاستدلال بها على عدم لزوم القضاء مبنيّ على أن يکون الرجل المسؤول عن حال صلاته الّتي وقعت قصراً هو الّذي لم يقض له الخروج و لم يتيسّر له السفر من جهة انصراف البعض لحاجة، و أمّا لو کان المقصود أنّ المنصرف لحاجة لم يقض له السفر، و أمّا الرجل الّذي سأل عن حال صلاته فقال الإمام(علیه السلام): «تمّت صلاته»، فهو باقٍ على القصد الأوّل و لم يبدو له العود فلا تدلّ على المدّعي.

فإن قلت: أيّ شبهة في صلاة من صلّى قصراً مع عدم العزم على العود، بل و مع بقاء عزمه على السفر حتى يسأل من الإمام(علیه السلام)؟

قلت: يمکن ذلك من جهة وقوع الصلاة من القوم جماعة، کما أنّه ليس ببعيد، بل قريب بحسب العادة في ذلك الزمان. و منشأ الشكّ في صحّة صلاة الرجل المسافر أنّه صلّى جماعة، مع من لم يکن تکليفه القصر واقعاً، فلو کان إماماً فقد صلّى هذا الرجل مقتدياً بمن کانت صلاته باطلة و إن کان مأموماً فقد يکون موجباً لاتّصال الرجل المفروض بالإمام، فلو انکشف بطلان صلاة الإمام أو من کان سببه الارتباط إليه يشكّ في

بطلان صلاة هذا الرجل أيضاً، فقول الإمام بتماميّة صلاة الرجل المفروض يدلّ على انکشاف بطلان صلاة الإمام أو المأمومين الّذين بسببهم ترتبط صلاة الشخص بالإمام لا يوجب بطلان صلاة ذلك الشخص، کما أنّه کذلك و مرّ في باب الجماعة. و على هذا فلا يکون الدليل

ص: 82

الدالّ على وجوب القضاء على من قصّر ثم بدا له العود إلى المنزل قبل أن يسير أربع فراسخ معارض. هذا مضافاً إلى أنّه موافق للاحتياط فلا ينبغي ترکه و إن ذهب المشهور إلى الإجزاء و عدم لزوم القضاء.((1))

أقول: لقد أتعب نفسه الشريفة أعلى الله مقامه في صرف الرواية عن ظاهرها المتبادر منها، و الله هو العالم.

ص: 83


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص559.

الفصل الخامس: الشرط الرابع: عدم قصد الإقامة في محلٍّ

اشارة

الشرط الرابع: من شروط وجوب القصر عدم قصده في ابتداء السفر أو في أثنائه إقامة عشرة أيّام قبل بلوغ الثمانية أو المرور على وطنه قبله.

أمّا الأوّل: فلعموم ما دلّ على وجوب الإتمام و الصوم على من يقيم في مکان عشرة أيّام.((1))

وأمّا الثاني: فلعدم کونه مسافراً و هو في وطنه.

والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك، إلّا أنّه قد وقع الخلاف في أنّ إقامة العشرة هل يقطع بها حکم وجوب القصر مع بقاء المقيم تحت عنوان المسافر حتى يکون الحکم بالإتمام مخصِّصاً لعموم ما دلّ على وجوب القصر على المسافر، أو أنّ قصد الإقامة قاطع للموضوع و موجب لزوال عنوان المسافر عن المقيم؟

ويمکن أن يقال: إنّ قصد الإقامة غير قاطع للموضوع عرفاً فالقاصد لها مسافر عرفاً، إلّا أنّه قاطع للسفر الشرعي و لما هو الموضوع لأحکام السفر شرعاً.

ص: 84


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص133؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ، ج8، ص498، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11275].

وبعبارة اُخرى: أنّه قاطع للموضوع الشرعي، فالمقيم خارج عمّا هو الموضوع للأحکام واقعاً و تخصّصاً لا تخصيصاً، کالّذي مرّ على وطنه، و مثل الناوي إقامة العشرة من الابتداء أو الأثناء في وجوب التمام المتردّد في نيّة الإقامة.

نعم، لا يضرّ احتمال عروض ما يوجب الإقامة احتمالاً لا يعتدّ به العرف، و الله هو العالم.

لا يقال: لا يستفاد من الأدلّة تنزيل المقيم منزلة الحاضر.

فإنّه يقال: المستفاد من الأدلّة نفي عنوان المسافر الشرعي الّذي هو الموضوع للأدلّة عن المقيم، فهو خارج عن تحت الدليل بالتخصّص، و على هذا لا حاجة لإثبات کون خروج المقيم عن تحت الأدلّة

بالتّخصيص بمثل صحيح زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مکّة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتمّ الصلاة، و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر»((1))، حتى يورد عليه بأنّه حکم مختصّ بمکّة و غير ذلك و قد مرّ.

قاصد الإقامة في أثناء السفر

مسألة: لو کان حين الشروع في السفر قاصداً للإقامة في أثنائه أو المرور على الوطن الشرعي قبل بلوغ الثمانية لکنّ عدل بعد ذلك عن قصده أو کان متردّداً في ذلك و عدل عن ترديده إلى الجزم بعدم الأمرين، فإن کان ما بقي بعد العدول

ص: 85


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص464، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11178].

مسافة في نفسه أو مع التلفيق بضمّ الإياب قصّر و إلّا فلا.

فلو کان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربع فراسخ و کان عازماً على العود قصّر في الذهاب و المقصد و الإياب.

وقد مرّ الکلام فيما إذا کان الإياب أقلّ من أربعة و کان المجموع من الذهاب و الإياب ثمانية.

مسألة: ظهر ممّا مرّ في حکم من تردّد أو عدل عن نيّة الثمانية ثم عاد إلى الجزم حکم من لم يکن من نيّته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن و قطع مقداراً من المسافة ثم بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية ثم عدل عمّا بدا له و عزم على عدم أحد الأمرين، فلا نعيد الکلام فيه.

ص: 86

الفصل السادس: الشرط الخامس: أن يکون السفر سائغاً

اشارة

الشرط الخامس: من شرائط القصر کما في «الجواهر»: أن يکون السفر سائغاً و لغير الصيد، واجباً کان کحجّة الإسلام، أو مندوباً کزيارة النبيّ(صلی الله علیه و آله) و الأئمة(علیهم السلام)، أو مباحاً کالأسفار للمتاجر، أو مکروهاً کبعض الأسفار لها أيضاً، فإنّه لا ريب في القصر حينئذ نصّاً و فتوى، و لو کان السفر معصية لم يقصّر کاتّباع الجائر و صيد اللهو بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل هو مجمع عليه تحصيلاً و نقلاً مستفيضاً کالنصوص، ففي الصحيح عن حمّاد بن مروان قال: سمعت الصادق(علیه السلام) يقول: «من سافر قصّر و أفطر إلّا أن يکون سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولاً لمن يعصي الله عزّ وجلّ أو في طلب شحناء، أو سعاية ضرر على قوم مسلمين».((1))

والموثق عن عبيد بن زرارة سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد

ص: 87


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص476 477، ب8، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11212]، و فيه عمّار بن مروان بدل حمّاد (عن الفقيه)، و فيه: «إلّا أن يکون رجلاً»، و أيضاً «في طلب عدوّ أو شحناء». و في الکافي (الکلیني، ج4، ص129، ح3) محمد بن مروان. و في وسائل الشیعة عمّار بن مروان. و الظاهر أنّ الصحيح عمّار و هو من الخامسة يروي عنه أبو أيّوب له کتاب.

أيقصّر أم يتمّ؟ قال: «يتمّ، لأنّه ليس بمسير حقّ».((1)) إلى غير ذلك من النصوص((2)) الّتي سيمرّ عليك، بعضها إن شاء الله، على أن

مشروعيّة القصر للإرفاق بالمسافر و الإکرام له کما يومئ إليه مرسل ابن أبي عمير عن الصادق(علیه السلام) الآتي إن شاء الله، و هما لا يستأهلهما العاصي بسفره قطعاً، انتهى.((3))

لا فرق بين معصية نفس السفر و غايته

مسألة: قال أيضاً في «الجواهر»: لا فرق في المستفاد من النصوص و معاقد الإجماعات الّتي يشهد لها ظاهر الفتاوى بين العصيان بنفس السفر کالفرار من الزحف و إباق العبد و هرب المديون مع القدرة على الأداء و الزوجة للنشوز بناءً على حرمة المذکورات بالخصوص عليهم لا من جهة وجوب ما ينافيها عليهم، و بين العصيان في السفر لغايته، ضمّ إليها طاعة أو لا. اللّهمّ إلّا أن يکون المقصد

ص: 88


1- الکلیني، الکافي، ج3، ص438؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص236؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص217؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص479 480، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11219].
2- الواردة في وسائل الشیعة (الحرّ العاملي، ج8، ص476 477، ب8، من أبواب صلاة المسافر، ح1 و 2 و 4 و 5 [11210 11211] [11213 11214]؛ ج8، ص478، 480 - 481، ب9، ح1 و 5و7 [11216] [11220] [11222]. و انظر البحث في النهاية (الطوسي، ص122)؛ و الخلاف (الطوسي، ج1، ص 587)؛ و المهذب (ابن البرّاج الطرابلسي، ج1، ص160)؛ و السرائر (ابن إدریس الحلّي، ج1، ص327)؛ والجامع للشرائع (الحلّي، ج1، ص 102)؛ و روض الجنان (الشهید الثاني، ص388)؛ و ذکرى الشیعة (الشهید الأول، ص260، في الشرط الرابع من شروط القصر)؛ و مصباح الفقيه (الهمداني، ج2، ص740) و ما يليها، وغيرها من کتب الفقهاء رحمهم الله.
3- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص257.

الأصلي الّذي ينسب السفر له الطاعة مع احتمال الاکتفاء بمطلق ضمّ المعصية على أيّ وجه يکون على إشکال.

وبالجملة، فالمراد تحريم السفر لغايته کالسفر لقطع الطريق أو لنيل المظالم من السلطان و نحو ذلك ممّا هو مصرّح به في النصوص، بل لا تعرّض فيها على الظاهر لغيره.

فالمناقشة حينئذ في ذلك بأنّ مقدّمة المحرّم غير محرّمة فلا يعدّ السفر الّذي غايته المعصية حينئذ محرّماً ضعيفة جدّاً، بل هي اجتهاد في مقابلة النصّ، بل النصوص، إذ مع إمکان منع عدم الحرمة و تخرّج هذه النصوص شاهداً عليه يدفعها أنّ الإتمام معلّق على کون السفر للمعصية، سواء کان هو معصية أو لا، کما هو واضح.((1))

اتّفاق المعصية في السفر

مسألة: السفر إذا لم يکن لأجل المعصية و لکن اتّفق فيه المعصية، کالغيبة و حتى قتل النفس المحرّمة، موجب للقصر و الإفطار و يکون مانعاً من وجوب التمام، و ليس هو کالسفر مثلاً لقتل النفس المحترمة.

إذا كان السفر مستلزماً لترك واجب

مسألة: السفر إذا کان مستلزماً لترك واجب کأداء الدين و کان السفر لکونه کذلك لا يوجب القصر، و أمّا إذا کان لغاية اُخری مباحة أو مندوبة لکن يصير

ص: 89


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص257 258.

سبباً لعجزه عن فعل الواجب و سقوط تکليفه به، فهل يجب عليه القصر، و لا يشمله ما دلّ على الاستثناء؟ فيه وجهان: من جهة أنّه لم يسافر لترك الواجب، بل لا يؤدّي ما عليه و إن کان حاضراً في محلّه فيجب عليه القصر، و من جهة أنّ تعجيز المکلّف نفسه عن الفعل الواجب عليه حرام وأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، و عدم الفرق بين کونه عالماً بالاستلزام المذکور أو قاصداً له.

وبالجملة، عدم الفرق في صدق سفر المعصية على هذا السفر بين کونه قاصداً لغاية مباحة مستقلّة و عدمه فيجب عليه التمام. الظاهر المستفاد من الأدلّة و من مناسبة الحکم و الموضوع ذلك، و إن کان رعاية الاحتياط بالجمع أولى.

السفر بالدابّة المغصوبة

مسألة: قال في «العروة»: إذا کان السفر مباحاً لکنّ رکب دابة غصبيّة أو کان المشي في أرض مغصوبة فالأقوى فيه القصر، و إن کان الأحوط الجمع.((1))

أقول: في المسألة قولان: فاختار في «الجواهر» التمام،((2)) و في «العروة» القصر، و لا خلاف بينهم في حرمة رکوب الدابّة الغصبيّة و المشي في الأرض المغصوبة، کما أنّه لا خلاف أيضاً في حرمة قطع المسافة و طيّ الأرض إذا کان بنفسه منهيّاً عنه، کما إذا نهى عنه المولى أو الوالد أو الزوج، و لا خلاف في أنّ الثاني قادح في وجوب القصر على المسافر، و هو القدر المتيقّن من النصوص الدالّة على اشتراط

ص: 90


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص437 438.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص257.

عدم کون السفر معصية، فهو معصية من جهة تعلّق نهي الوالد بنفس سفر الولد بما أنّه السفر، فهو يکون محرّماً لوقوعه بنفسه تحت عنوان نهي الوالد.

إنّما الکلام في کون حرمة السفر قادحاً إذا کان محرّماً من غير جهة السفر کالتصرّف في الدابّة الغصبيّة أو الأرض المغصوبة، فهل تشمل النصوص الدالّة على اشتراط عدم کون السفر معصية هذه الصورة، کما تشمل الصورة الأُولى بالمنطوق أو المفهوم و الأولويّة؟

فمن النصوص: ما رواه عمّار بن مروان عن أبي عبد الله(علیه السلام): «من سافر قصّر و أفطر إلّا أن يکون رجلاً سفره إلى صيد أو في معصية الله، أو رسولاً لمن يعصي الله، أو في طلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين».((1))

ويمکن منع إطلاقه، و أنّه لا يدلّ على أزيد من اشتراط عدم کون السفر بنفسه أو بالغاية المقصودة منه معصية دون ما إذا کان من جهة اُخری کالتصرّف في مال الغير معصية. عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حقّ».((2))

بأن يقال: إنّ السفر إذا کان بالدابّة الغصبيّة ليس في سبيل حق، کالسفر الّذي نهى عنه الوالد أو الزوج أو کان يطيع به الظالم.

ص: 91


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص129؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص219 220؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص476 477، ب8، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11212].
2- الکلیني، الکافي، ج4، ص128 129؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص476، ب8، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11210].

وبالجملة: يمکن القول بالشمول و العموم، فيمنع من جواز القصر في السفر سواء کان بنفسه معصية و منهيّاً عنه أو من جهة اُخری کاستلزامه للغصب، فلا فرق في کون السفر معصية من جهة نفسه أو من جهة اُخری أو من جهة غايته المحرّمة.

ويظهر من بعض الأعلام: أنّ السفر بعنوانه الأوّلي أعني: الابتعاد عن الوطن و الانتقال ببدنه منه إلى المکان الّذي قصده ليس محکوماً بالتحريم و لا يکون معصية إلّا إذا انطبق عليه بعض العناوين الموجبة لذلك کنهي الوالد أو الزوج أو الإلقاء في التهلکة، فهو و السفر الّذي غايته المعصية لا يوجب جواز القصر و لا يمنع من وجوب التمام، و مثل الغصب من العناوين المحرّمة للأفعال و ينطبق على مثل التصرّف في الدار أو الرکوب على دابّة هي من مال الغير أو الأرض الّتي هي کذلك لا ينطبق على السفر و لا يتّصف السفر به، و إنّما هو عنوان ينطبق على الفعل الواقع مقارناً للسفر و لا يسري حکم المقارن إلى مقارنه.

قال: و على الجمله: الرکوب على الدابّة أو الکون في المکان المغصوب الشاغل للمکان و الفضاء شيء، و السفر و الابتعاد و انتقال الجسد من مکان إلى مکان شيء آخر، و ليس السير تصرّفاً زائداً على نفس الکون ليکون بحياله مصداقاً للغصب. (إلى أن قال): و أوضح حالاً مقارنة اللباس المغصوب مع المسافر أو حمل شيء مغصوب معه، فإن هذا أجنبيّ عن مفهوم السفر بالکليّة، فهو کالنظر إلى الأجنبية لا دخل له في الحقيقة بوجه و لا يرتبط بالسفر بتاتاً، فما يتحقّق به السفر مباح و سائغ و إن قورن بنقل مال الغير معه غصباً. (ثم قال): و أوضح مثال لذلك: ما لو سافر مع صديق له يروي قصصاً مکذوبة، فهل يکون السفر

ص: 92

محرّماً بذلك؟ و کلّ هذا يختلف عمّا کان السفر بنفسه مضرّاً للبدن فإنّه يکون محرّماً لانطباقة على نفس السفر، بخلاف حمل المغصوب أو رکوبه أو الدخول في الأرض المغصوبة، فإن ذلك کلّه أجنبيّ عن حقيقة السفر الّتي هي الابتعاد عن الوطن، و لذلك وجب التمام في الأوّل دون الثاني حسبما عرفت.((1))

أقول: يمکن أن يقال: إنّ الفرق واضح بين فعل يولد منه الابتعاد المذکور کالسير بالدابّة و المشي على الأرض، و بين الأمثلة المذکورة،

و الله هو العالم.

حکم التابع للجائر

مسألة: التابع للجائر إذا کان مکرهاً على التبعيّة أو مضطرّاً عليها أو قاصداً بها دفع مظلمة أو حفظ مصلحة مهمّة شرعيّة، و بالجملة کان قاصداً غرضاً صحيحاً مباحاً أو راجحاً يقصّر. و أمّا إذا کان مختاراً و کانت تبعيّته منه إعانة له في ظلمه و قدرته و سيطرته فلا يوجب سفره موجباً للقصر، بل يمکن أن يقال: و إن کان هو بسفره قصد غرضاً مباحاً، و لکن عند العرف يعدّ هذا من أعوانه و مقوّية سلطانه لا يجوز له القصر.

هذا، و لا فرق في ذلك بين أن يکون سفر المتبوع طاعة أو معصية، فإذا کان سفره طاعة يعمل کلّ من التابع و المتبوع حسب وظيفته، کما لا يخفى.

مسألة: التابع للجائر المعدّ نفسه لامتثال أوامره لو أمره بالسفر إن لم يعدّ سفره إعانةً للظالم في ظلمه فهو موجب للقصر، و إلّا يجب عليه التمام و إن کان

ص: 93


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص 110 111، مع تغييرات.

السفر بنفسه مباحاً، قال: و قال في «العروة» قال: و الأحوط الجمع.((1)) و الظاهر أنّه لا وجه لذلك، و الله هو العالم.

حکم السفر للصيد

مسأله: لا خلاف بينهم في أنّ السفر للصيد لقوت نفسه و عياله و ضيوفه موجب لقصر الصلاة و إفطار الصوم، کما لا خلاف بينهم في أن السفر لمجرّد التنزّه کما يستعمله أبناء الدنيا و المترفين المسمّى بصيد اللهو لا يوجب ذلك، فهو باقٍ تحت عموم التمام.

وأيضاً لا خلاف في أنّ السفر للصيد إذا کان للتجارة أيضاً موجب للإفطار، و إنّما الکلام وقع بينهم في مقامين:

الأوّل: في أنّ العلّة في عدم إيجاب السفر اللهوي القصر کونه بالخصوص خارجاً عن تحت ما يدلّ على وجوب القصر على المسافر، قبال ما يدلّ على اشتراط کونه سائغاً، أو أنّ السفر لهو فهو حرام و معصية و غير سائغ، فهو من مصاديق اشتراط عدم کون السفر حراماً و معصية.

وبعبارة اُخرى: يقع البحث رأساً في أنّ السفر للتنزّه منهيّ عنه

و يکون فاعله عاصياً به أم لا؟ و على فرض کونه عاصياً به هل العلّة في حرمته کونه لهويّاً لکون اللهو مطلقاً منهيّاً، أو لأنّه بالخصوص لهو منهيّ عنه کاللعب بالنرد و الشطرنج؟

والمقام الثاني: في أنّ السفر للتجارة کما يوجب الإفطار هل هو موجب لقصر

ص: 94


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص438.

الصلاة؟ و بعبارة اُخری هل الملازمة بين الحکمين بعمومها ثابتة في هذا المورد أم لا؟

فنقول: أمّا المقام الأوّل، فاعلم: أنّ اللهو کما قال الراغب في «المفردات»: ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه و يهمّه، يقال: لهوت بکذا و لهيت عن کذا، اشتغلت عنه بلهو (إلى أن قال): و يعبّر عن کلّ ما به استمتاع باللهو.((1)) انتهى.

والفرق بينه و بين اللعب: أنّ اللعب غير مقصود به بالقصد الصحيح، و قد يقال أحدهما على الآخر.

ثم اعلم: أنّ في الروايات ما يدلّ بالإطلاق على حرمة اللهو و الملاهي، و في بعضها التصريح ببعض أفرادهما، و بعض الأفعال يعدّ عند العرف منه، و هنا طائفة من الأفعال استقرّت السيرة عليها فهي خارجة عن اللهو حکماً أو موضوعاً.

ويمکن دعوى حرمة اللهو مطلقاً و أنّ ما دلّت السيرة على جوازه ليس من اللهو.

وکيف کان: يدلّ على أنّ الصيد لهو و حرام لکونه کذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي الحسين الأسدي، عن سهل بن زیاد، عن السيّد عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا(علیهما السلام) في حديث ، قال: قلت له: متى يحل للمضطرّ الميتة؟

قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه: أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) سئل، فقيل: يا رسول الله(صلی الله علیه و آله)، إنّا نکون بأرض فتصيبنا المَخمصة فمتى يحل لنا الميتة؟ قال: «ما لم

ص: 95


1- الراغب الأصفهاني، المفردات في غریب القرآن، ص455.

تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بقلاً فشأنکم بها»((1))، قال عبدالعظيم: فقلت له يا ابن رسول الله فما معنى قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لَا عَادٍ﴾((2))؟ قال: «العادي: السارق، و الباغي: الّذي يبغي الصيد بطراً أو لهواً لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأکلا الميتة إذا اضطرّا هي حرام عليهما في حال الاضطرار کما هي حرام عليهما في حال الاختيار، و ليس لهما أن يقصّرا في صوم و لا صلاة في سفر...»، الحديث.((3))

والحديث معتبر، و وقوع سهل في سنده سهل لاسيّما أنّ الرواي عنه محمد بن جعفر الأسدي و هو کان أحد الأبواب، و له کتاب.

ويدلّ على مجرّد الحرمة ما رواه حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لَا عَادٍ﴾، قال: «الباغي: باغي الصيد، و العادي: السارق، و ليس لهما أن ياکلا الميتة إذا اضطرّا إليها هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما کما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة».((4))

ص: 96


1- و المخمصة: المجاعة. ما لم تصطبحوا: أي ما لم يحصل لکم غذاء الصباح، او لبنية تشربونها. أو تغتبقوا: أي ما لم يحصل لکم غذاء العشاء. او تحتفئوا بقلاً: أو لم يحصل بعد الغداة بقلة و إن کان أصلها. فشأنکم بها: فحينئذ کلوا الميتة. (المجلسي، روضة المتقين، ج7، ص480). راجع ایضاً: الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج3، ص343 344.
2- البقرة، 173.
3- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج9، ص83 84؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج24، ص214 215، ب56، من أبواب الأطعمة المحرمة، ح1 [30374].
4- الکلیني، الکافي، ج3، ص438؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص217 218؛ ج9، ص78 79؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج24، ص215، ب56، من أبواب الاطعمة المحرّمة، ح2[30375]؛ ج8، ص476، ب8، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11211].

ودلالته على حرمة السفر للصيد لغير حاجة و تجارة ظاهرة، لأنّ الحکم کأنّه عقوبة على الباغي و العادي و لا يجوز عند العقل عقوبة من لم يرتکب حراماً و فعل مباحاً، مضافاً إلى مقارنة الباغي بالعادي السارق.

وقد استشکل بعض الأعلام في دلالته على الحرمة، قال: «وقوعه في سياق السارق المحکوم بحرمة عمله لا يقتضيها نظراً إلى الحکم عليهما الباغي و العادي بمنع أکل الميتة حتى حال الاضطرار، و معلوم أنّ ذلك ليس بمناط التحريم ليدّعى اشتراکهما فيه بمقتضى وحدة السياق، و إلّا فمن البديهي أنّ القاتل أعظم إثماً من السارق، و شارب الخمر أشد فسقاً من طالب الصيد، و هکذا من يرتکب سائر المحرّمات في السفر أو الحضر و مع ذلك لا يمنع من أکل الميتة لدى الاضطرار بلا خلاف فيه و لا اشکال.

فيعلم من ذلك بوضوح أنّ هذا حکم تعبّدي خاصّ بهذين الموردين طالب

الصيد و السارق فلا تدلّ على الحرمة بوجه، بل لا إشعار فضلاً عن الدلالة کما لا يخفى».((1))

أقول: الحکم تعبّدي بالنسبة إلى ما ذکره من المحرّمات. أمّا بالنسبة إلى الموردين فالظاهر أنّ الوجه لحکم حرمة أکل الميتة عليهما هو حرمة الصيد و السرقة عليهما لا جهة اُخری و ما ذکره لا يکفي لحمل الکلام على خلاف ظاهره، فتدبّر.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه في «الکافي»، عن محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن ابن بکير، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يتصيّد اليوم و اليومين و الثلاثة، أيقصر الصلاة؟ قال: لا ، إلّا أن يشيّع الرجل

ص: 97


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص115 117.

أخاه في الدّين، و إنّ التصيّد مسير باطل لا تقصّر الصلاة فيه، و قال يقصّر إذا شيّع أخاه.((1)) لأنّ الظاهر من قوله: «مسير باطل» أي مسير معصية لکنّ في سنده سهل إلّا أنّ الأمر فيه سهل لاسيما برواية العدّة عنه((2))، أو القول بأنّ العدّة أي محمد بن الحسن و علي بن محمد علّان و محمد بن أبي عبد الله و محمد بن عقيل الکليني معه، بأن يکون السند عدّة و سهل.

وموثّق عبيدة بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد يقصّر أو يتمّ؟ قال:«يتمّ لأنّه ليس بمسير حقّ».((3))

والحاصل: أنّه لا ينبغي الريب في کون السفر الصيدي إذا کان للتنزّه حراماً و معصيةً، و الظاهر أنّه لکونه لهواً.

ويدلّ على ذلك أيضاً صحيح زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة و البُزاة و الکلاب يتنزّه الليلة والليلتين و الثلاثة، هل يقصّر من صلاته أم لا يقصّر؟

قال: إنّما خرج في لهو لا يقصّر... الحديث.((4))

ص: 98


1- الکلیني، الکافي، ج3، ص437، باب صلاة الملّاحين، ح4.
2- و روى في الکافي، أيضاً مثله عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن بعض أصحابه عن عليّ بن أسباط (الکلیني، ج3، ص437).
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص479 480، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11219].
4- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص236؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص478 479، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11216].

وما رواه الشيخ، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه(علیه السلام) ، قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة إلى أن قال و الرجل يطلب الصيد يريد به لهواً لدنيا، و المحارب الّذي يقطع السبيل».((1))

ثم إنّه يمکن أن يقال: إنّ المستفاد ممّا ذکر و سائر الروايات الواردة في اللهو: حرمة ما کان لهويّاً و ملهوّاً به عند العرف إلّا أن ثبت خروج بعض أفراده من ذلك بالسيرة القطعية، فالأصل في کلّ الملاهي الحرمة، و لا ريب أنّ مقتضى الاحتياط ذلك، و الله هو العالم.

سفر الصيد للتجارة

وأمّا المقام الثاني، فالکلام فيه کما ذکرناه يقع في سفر الصيد للتجارة، هل يوجب القصر صوماً و صلاة((2)) أو لا يوجب ذلك مطلقاً، أو أنّ الوجه فيه التفصيل بين الصلاة و الصوم بوجوب الإتمام في الصلاة و الإفطار في الصوم؟((3))

وأمّا التفصيل بالعکس فلا وجه له. کما أنّ احتمال وجوب التمام في الصلاة

ص: 99


1- الصدوق، الخصال، ص403 404؛ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص441؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص232؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص214؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص477، ب8، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11214].
2- کما في المختصر النافع (المحقّق الحلّي، ص51)؛ ومختلف الشیعة (العلّامة الحلّي، ص161)؛ و البيان (الشهید الأوّل، ص 157)؛ و روض الجنان (الشهید الثاني، ص388)؛ وجامع المقاصد، (الکرکي، ج2، ص 514).
3- کما أفتى به الشيخ الطوسي في النهاية (ص122)؛ و المبسوط (ج1، ص136)؛ و المفيد في المقنعة (ص349)؛ و ابن البرّاج الطرابلسي في المهذّب (ج1، ص 106)؛ و ابن حمزة الطوسي في الوسيلة (ص109).

و الصوم و إن كان مقتضى العمومات الأوّلية إلّا أنّها مخصّصة بما دل کتاباً و سنّة على وجوب القصر على المسافر صلاة و صوماً.

نعم، في «الفقه الرضوي» ما يدلّ على ذلك، و إن حمله في «الجواهر» على کثير السفر((1)) کما سنذکره إن شاء الله تعالى.

ووجوب القصر مطلقاً مقتضى هذه الأدلّة المخصّصة، و قاعدة الملازمة المستفادة أيضاً من الروايات کصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله(علیه السلام) فيه: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت».((2))

والقول بالتفصيل بالنسبة إلى قصر الصوم أيضاً مقتضى هذه الأدلّة. و بالنسبة إلى وجوب إتمام الصلاة نحتاج إلى دليل نخرج بها عن تحت عموم الأدلّة المذکورة، فالّذي يمکن أن يقال وجهاً لذلك اُمور:

الأوّل: رواية عمران بن محمد بن عمران القمي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصّر أو يتم؟ فقال: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا کرامة».((3))

ص: 100


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص265.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ، ج10، ص184، ب4، من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح1 [13170].
3- الکلیني، الکافي، ج3، ص438؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص236 237؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص217؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص480، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11220].

وارسالها لا يضرّ بصحّة الاحتجاج بها بعد تعبير راويها و هو مثل عمران بن محمد القمي الثقة عمّن روى ببعض أصحابنا.

وجه الاستدلال بها أنّ مفهوم الشرطية الأُولى أنّه إن لم يکن خروجه لقوته و قوت عياله الشامل لخروجه للتجارة و للتنزّه فلا يقصّر و لا يفطر، و هذا و إن يشمل انتفاء الإفطار کانتفاء القصر في التجارة إلّا أنّه يقيّد بالإجماع القطعيّ على وجوب الإفطار في السفر إذا کان للتجارة، فتبقى دلالته على انتفاء القصر على حاله، و على هذا يمکن أن یکون مثل هذه الرواية مستنداً لقول القائل بالتفصيل.

ولکن الاستدلال مخدوش بأنّ المستفاد من الشرطيّة الثانية تقييد مفهوم شرطيّة الأُولى بما إذا کان الخروج إلى الصيد للّهو و يخصّص الحکم بوجوب الإتمام دون ما إذا کان للتجارة، و هو داخل تحت عموم وجوب القصر على المسافر کما أنّ الخارج إلى الصيد لتحصيل القوت أيضاً داخل تحته، و الله هو العالم.

والثاني: موثّق عبيد بن زرارة المتقدّم، بدعوى دلالته على وجوب التمام في مطلق السفر للصيد خرج منه ما کان لقوت عياله و نفسه بالدليل.

الثالث:رواية ابن بکير الّتي تقدّم ذکرها أيضاً.

وضعف الاستدلال بهما ظاهر، فإنّهما ظاهران في السفر للصيد لهواً لما في الأوّل: أنّ التصييد «ليس بمسير حقّ»، و في الثاني: «مسير باطل».

الرابع: قال الشيخ(رحمه الله) في «المبسوط»: «... و إن کان (يعني الصيد) للتجارة دون الحاجة

ص: 101

روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم»((1))، و هو صريح في وجود رواية عندهم.

وقال في «الجواهر»: «وهو الحجة»، و ردّ ذلك بأنّه لم توجد هذه الرواية في کتب الأصحاب حتى في «التهذيبين» الّلذين هما للشيخ(قدس سره)، و لأنّه عبّر عن ذلك في «السرائر»: «روى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم»((2))، فالمراد منه لابدّ و أن يکون الفتوى.((3))

وفيه: أنّ عدم وجوده في «التهذيبين» لا يدلّ على عدم التفاته بما قال في «المبسوط»، و الظاهر من کلامه و کلام ابن ادريس أنّ الرواية بهذا التفصيل کانت ثابتة عندهم، و حجيّة مثل ذلك أقوى من الرواية المرويّة بلفظها في الکتب.

الخامس: ما في الکتاب المعروف «بفقه الرضا(علیه السلام)» قال: «... و إذا کان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و التقصير في الصوم».((4))

وهذا و إن لم نقل إنّه کلام مولانا الإمام الرضا(علیه السلام) إلّا أنّه ممّا يؤيّد هذا القول، بل يمکن القول بأنّ الظاهر أنّه کلام واحد منهم(علیهم السلام)، لأنّه کيف ما کان من کتب بعض القدماء و هم کانوا ملتزمين بذکر ألفاظ الروايات، فهو خبر مرسل منجبر بعمل الأصحاب.

ولکن استشکل في الاستشهاد به بما فيه في باب آخر يخالف ذلك، فقد قال في

ص: 102


1- الطوسي، المبسوط، ج1، ص 136.
2- ابن ادریس الحلّي، السرائر، ج1، ص 327.
3- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص264 265.
4- فقه الرضا(علیه السلام)، ص162، باب صلاة المسافر و المريض؛ المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج6، ص533، ب7، من أبواب صلاة المسافر، ح2.

الباب المذکور: «و صاحب الصيد إذا کان صيده بطراً((1)) فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و إن کان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصوم»، و روي: «أنّ عليه الإفطار في الصوم».((2)) و هذا کما ترى مخالف لفتوى الطائفتين المتقدّمتين و المتأخرّتين، و لذا قال في «الجواهر»: قيل: يمکن حمله و إن بعد على إرادته من کان ذلك دأبه، فيندرج في کثير السفر حينئذ بقرينة أنّه لم نعرف قائلاً بوجوب التمام في الصوم هنا کما اعترف به بعضهم، بل عن «البيان» الإجماع عليه، و يکون قوله: «وروي» ابتداء کلامه في سفر الصيد للتجارة الّذي لم يکن دأبه و هو ما نحن فيه، فهي حينئذ رواية مرسلة مؤيّدة للتفصيل المزبور.((3))

قال: و ربما يشهد للحمل المزبور ما حکاه المقدّس البغدادي عن أصل زيد النرسي((4))، قال: «قد وجدت فيه أنّه سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله(علیه السلام) عن طلب الصيد، و قال: إنّي رجل ألهو بطلب الصيد و ضرب الصولج((5))، و ألهو بلعب

ص: 103


1- بکسر الطاء کما في قوله تعالى: ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾، أي في معيشتها، و قد تکرّر في الحديث ذکر البطر و هو کما قيل سوء احتمال الغنى، و الطغيان عند النعمة، کما في مجمع البحرين (الطریحي، ج3، ص226).
2- فقه الرضا(علیه السلام)، ص208، باب نوافل شهر رمضان؛ المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج7، ص378، ب4، من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح1.
3- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص 265.
4- انظره في مستدرك الوسائل، صدره في أبواب صلاة المسافر، ج6، ص532 533 ب7، ح1؛ و وسطه في کتاب التجارة، أبواب ما يکتسب به، ب81، ح2، و ذيله فيها، ب79، ح4.
5- الصولج و الصولجان و الصولجانة: العود المعوّج... عصا يعطف طرفها يضرب بها الکرة على الدوابّ. ابن منظور، لسان العرب، ج2، ص 310؛ و هي تعريب کلمة «الجوکات» الفارسية، انظر: معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة (ص109).

الشطرنج، قال: فقال: أبو عبد الله(علیه السلام): «أمّا الصيد فإنّه سعي باطل، و إنّما أحلّ الله الصيد لمن اضطر إلى الصيد، فليس المضطرّ إلى طلبه سعيه فيه باطلاً، و يجب عليه التقصير في الصلاة و الصوم إذا کان مضطراً إلى أکله، و إن کان ممّن يطلبه للتجارة و ليس له حرفة إلّا من طلب الصيد فإنّ سعيه حقّ و عليه التمام في الصلاة و الصيام، لأنّ ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الّذي يدور في الأسواق في طلب التجارة، أو کالمکاري و الملّاح، و من طلبه لاهياً و أشراً((1)) و بطراً فإنّ سعيه ذلك سعي باطل و سفر باطل و عليه التمام في الصلاة و الصيام، و أنّ المؤمن لفي شغل عن ذلك، شغله طلب الأخرة عن الملاهي. و أمّا الشطرنج فهو الّذي قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾((2)) الغناء، و أنّ المؤمن عن جميع ذلك لفي شغل، ما له و للملاهي، فإنّ الملاهي تورث

قساوة القلب و تورث النفاق، و أمّا ضربك بالصولج، فإنّ الشيطان معك يرکض، و الملائکة تنفر عنك، و إن أصابك شيء لم تؤجر، و من عثر به دابّته فمات دخل النار».((3))

فعلى ما ذکره السفر للصيد إذا کان بطراً حکمه تمام الصلاة و الصوم، و إذا کان شغلاً له و حرفته لإعاشته و إعاشة أهله و عياله، أو کان تاجراً مشتغلاً به

ص: 104


1- قال تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِر﴾ القمر، 26. الأشِر بکسر الشين: الفرح البطر، کأنّه يريد کفران النعمة و عدم شکرها، کما في مجمع البحرين (الطریحي، ج3، ص207).
2- الحجّ، 30.
3- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص265 266.

يکون حکمه حکم التاجر الّذي يدور في تجارته، و إذا لم يکن شغلاً له فإن کان يريد به قوت أهله و عياله فحکمه القصر في الصلاة و الصوم کغيره من المسافرين، و إن کان يريد به الکسب و التجارة في الجملة فحکمه إتمام الصلاة و فطر الصوم، و کيف کان لا يبعد صحّة الاعتماد بما في الکتاب المذکور، فتأمّل.

السادس: شهرة القول بالتفصيل بين القدماء، فقد حکي القول به عن بني إدريس، و حمزة و البرّاج و ابن بابويه، و الشيخين، و في «الجواهر»: قيل: إنّه مذهب أکثر القدماء، بل لعلّه لا خلاف فيه بينهم، إذ المرتضى و إن حکي عنه دعوى الإجماع على قاعدة تلازم القصرين إلّا أنّه من المحتمل خروج هذه المسألة منها عنده، کما صرّح به ابن إدريس((1)) (يعني صرّح بخروج المسألة عن هذه الملازمة).

ثم إنّه ليت شعري کيف لا يکون کلّ ما ذکر عند المتأخّرين وجهاً للتفصيل و تقييد المطلقات أو العمومات.

ثم اعلم: أنّ الشيخ الأنصاري(قدس سره) استدلّ على ما هو المشهور بين المتأخّرين بالقاعدة.((2)) و الظاهر أنّ مراده منها عمومات القصر في الصلاة الّتي لا يخصّصها ما دلّ بعمومه على عدم ترخّص الصائد بقول مطلق، أو أنّ الصيد سفر باطل لکونها مخصّصةً بما دلّ منطوقاً و مفهوماً على اختصاص هذا الحکم بصيد اللهو، و کأنّه جعل ذلك حجّة اُخری على وجوب القصر في السفر التجاري مطلقاً، کما استدلّ بالملازمة بين التقصير و الإفطار بعد ثبوت کون الإفطار إجماعيّاً في المقام،

ص: 105


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص264 265.
2- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص395.

و ادّعي ضعف ما يقال قبال ذلك من الوجوه الّتي ذکرناها، إلّا أنّه لم يذکر ما يظهر به ضعفها بالوضوح، و لم يزد في ذلك على قوله: و لا يخفى ضعف الجميع، فالقول بالإفطار و الإتمام کما نسب إلى معظم القدماء ضعيف جدّاً،((1)) انتهى.

فعلى کلّ ذلك الظاهر أنّ الفتوى على خلاف القدماء خلاف الاحتياط جدّاً لو لم نقل بقوّة ما هو المشهور، بل المجمع عليه عندهم، و الله هو العالم.

عدم الفرق بين أقسام الصيد من البرّ و البحر

مسألة: قال في «الجواهر»: لا فرق في جميع ذلك بين صيد البرّ و البحر لإطلاق النصوص و الفتاوى، الّلهمّ إلّا أن يدّعى انصرافه إلى المعهود المتعارف بين الملوك و أولاد الدنيا من صيد الأوّل بالبُزاة و الکلاب، و منه يتّجه الاحتياط في الثاني، بل و الأوّل أيضاً إذا لم يکن بالطريق المزبور، بل بالبندق و نحوه فتأمّل.((2))

أقول: لعلّ وجه أمره بالتأمّل أنّ المتعارف الخارجي لا يمنع عن التمسّك بالإطلاق، و لا يمنع من صدق إسم اللهو عليه إذا لم يکن بالبُزاة و الکلاب، و ما في صحيح زراره من السؤال عن خصوص ما إذا کان الخروج بالبُزاة و الکلاب لا يوجب تقييد إطلاق غيره من الروايات، بل إطلاق التعليل المذکور في ذيله «إنّما خرج في اللهو لا يقصّر» و التعليل في غيره بأنّه ليس بمسير حقّ، المشترك بين البرّ و البحر، و بالجملة في صدق إسم اللهو على الصيد إذا لم يکن لقوته أو للتجارة لا فرق بين صيد اللهو الّذي يکون بعض أفراده في البرّ و مع البُزاة

ص: 106


1- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص395.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص267.

و الکلاب و بدونه، و في البحر کما لا يخفى.

لا فرق في الصيد بين كونه دائراً حول المدينه أو تباعد عنها

مسألة: قال في «الجواهر» أيضاً: و کذا لا فرق في جميع أفراد الصيد السابقة بعد إحراز قصد المسافة بين کونه دائراً حول المدينة أو تباعد عنها((1)) انتهى.

أقول: هنا صحيحان قيل بأنّهما مستندان للتفصيل بين کون السفر دائراً حول البلد و بين ما تباعد عنه، فلا يقصّر في الأوّل دون الثاني، أحدهما صحيح عبد الله الّذي عبر عنه في «الجواهر» و عن صحيح عيص الآتي بخبري صفوان و العيص، و الظاهر أنّه ابن سنان أو ابن مسکان لأنّ

لصفوان رواية عنهما، و هما من الطبقة السادسة إلّا أنّ بعض الأعلام کأنّه جزم بکونه ابن سنان((2)) و کيف کان، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يتصيّد؟ فقال: إن کان يدور حوله فلا يقصّر، و إن کان تجاوز الوقت فليقصّر.((3))و مثله صحيح العيص بن القاسم.((4))

وليت شعري کيف يوجب الاستناد إلیهما الفرق بين کون السفر للصيد حول المدينة و في داخل أربعة فراسخ منها، وأنّ حکمه التمام و إن لم يکن لهويّاً أو

ص: 107


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص267.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص267.
3- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص236؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص218؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص479، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11217].
4- الصدوق، من لا یحضره الفقیه؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ، ج8، ص481، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح8 [11223].

متباعداً عنها أربعة فراسخ و أنّ حکمه القصر و إن کان لهويّاً. و معنى ذلك أنّه لا خصوصية للسفر الصيدي، و نتيجتهُ عدم التقصير في الصورة الأُولى، و لو کان تصيّده غير لهويّ و التقصير في الصورة الثانية و لو کان السفر لهوياً، و الأوّل معارضٌ لإطلاقات وجوب القصر على المسافر، و الثاني معارض لإطلاقات وجوب القصر على المتصيّد مطلقاً و کذلك إذا کان لهويّاً، و يمکن أنْ يکون المراد من الفقرة الأُولى الدوران داخل حدّ الترخّص فلا يقصّر، و من الفقرة الثانية السير إلى خارج حدّ الترخّص، و عليه يکون الحديث من الأحاديث الدالّة على التقصير في سفر الصيد مطلقاً، و کيف کان لا يخلو الحديث من الإجمال، کما صرّح به في «الوسائل».((1))

هذا، و أمّا التفصيل فهو أنّه یتمّ إلى ثلاثة أيّام فإذا جاوز الثلاثة لزمه التقصير، فما يدلّ عليه ما روي مرسلاً عن أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيّام و إذا جاوز الثلاثة لزمه».((2)) إلّا أنّه غير صالح للاحتجاج؛ لضعفه بالإرسال، و لو أغمضنا عن ذلك لتعبير الحسن بن المحبوب عمّن أرسله ببعض أصحابنا، فهو متروك لعدم اعتماد الأصحاب عليه و الله هو العالم.

ص: 108


1- في ذيل الرواية المذکورة. الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص479.
2- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص452؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص236؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص218؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص479، ب9، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11218].

في الراجع من سفر المعصية

مسألة: الظاهر أنّ الراجع من سفر المعصية يتمّ، سواء کان ذهابه بقدر المسافة أو ذهاباً و إياباً بقدرها، فلا رخصة له في القصر.

نعم إذا کان إيابه معدوداً سفراً مستقلاً کما إذا أقام عشرة أيّام أو لم يکن ناوياً الرجوع و کان الذهاب مسافة، فحکم إيابه حکم سفر مستقلّ بل و إن کان متردّداً في الرجوع، لأنّ الرجوع يحتاج إلى إنشاء جديد للسفر. هذا کلّه إنْ لم يتب من المعصية، و أمّا إن تاب في المقصد، فإن لم يکن إيابه بقدر المسافة، فلا إشکال في أنّ عليه التمام و إن کان بقدر المسافة، فالظاهر أنّ تکليفه القصر، و الله هو العالم.

إباحة السفر و السير بقدر المسافة شرط في وجوب التقصير

مسألة: إباحة السفر و السير بقدر المسافة شرط في وجوب القصر من ابتدائها إلى آخرها، سواء کانت تلك المسافة ملحوقة بمسافة اُخری غير مباحة أو مسبوقة بها کذلك، فالترخّص الثابت للمسافر يدور مدار صدق عنوان الإباحة على السفر بقدر المسافة الشرعيّة، و على ذلك يمکن أنْ يتّصف سفر الّذي يقطع فيه أکثر من مسافة واحدة بالإباحة و المعصية، فکان مثلاً في المسافة الأُولى مباحاً محکوماً بالقصر، و في الثانية معصيةً و محکوماً بالتمام أو بالعکس.

وبعبارة اُخرى: يکون السفر في المسافة الّتي يقطعها إطاعة محکوماً بالقصر، و في ما يقطعه معصية سواء کان بقدر مسافة أو أقلّ منها أو أکثر محکوماً بالتمام. و تمام الفروع المذکورة في «العروة» يطلب من ذلك، و ممّا ذکرناه في بحث اعتبار المسافة الشرعيّة من الامتداديّة و الملفّقة، و من اعتبار کون الذهاب أربعة،

ص: 109

و ذلك لأنّ المدار في الحکم على صدق العنوان، فإذا لم يصدق عنوان السفر السائغ يبقى السفر تحت عمومات وجوب التمام على الجميع، و الله هو العالم.

في قصد المعصية في أثناء السفر و عودها إلى الطاعة

مسألة: إذا قصد المعصية في الأثناء ثم عاد إلى الطاعة، فإن کان باقياً في مکانه لم يقطع شيئاً من الطريق، فالظاهر أنّه غير قاطع لحکم الترخيص، و أمّا إذا تلبّس بالسير ثم جدّد قصد الطاعة، فالظاهر أنّه يختلّ بذلك ما قلنا في المسألة السابقة من اشتراط استدامة إباحة السير، و عليه يبنی مقتضى مورده الخاصّ، فمثلاً إنْ رجع ذلك قبل وصوله إلى نهاية

المسافة يجب عليه التمام صلاة وصوماً، و إنْ کان بعده فحکمه بالنسبة إلى ما يستقبله کالبادئ للسفر فإن کان بقدر المسافة يقصّر و إلّا يتمّ.

في كون غاية السفر ملفّقة من الطاعة و المعصية

مسألة: غاية السفر إن کانت ملفّقة من الطاعة و المعصية، فإن کان داعي المعصية مستقلاً يجب عليه التمام و إن کان داعي الطاعة أيضاً مستقلاً، و ذلك لأنّ الرخصة في القصر مشروطة بعدم کون غاية السفر معصية الله، و لا يمنع کون المعصية غاية له کون الطاعة أيضاً غاية له، فتترتّب عليه الغايتان. نعم، الأُولى تمنع من وجوب القصر و الثانية لا توجب التمام لأنّه مقتضى الحکم الأُولى للسفر و إذا کان قصد المعصية تبعاً فالظاهر وجوب القصر، و إذا کان مشترکاً بينهما

ص: 110

فالأحوط الجمع، و إن كان وجوب التمام كما إختاره في «العروة»((1)) و سيّدنا الاُستاذ في «الحاشية» لا يخلو عن قوّة.

إذا شكّ في كون السفر معصية بالشبهة الحكمية

مسألة: إذا شكّ في کون السفر معصية، فإن کانت الشبهة حکميّة فيجب عليه الفحص عن حکمه إنْ کان مجتهداً، فإن لم يظفر بدليل على حرمته يبني على حلّيته و يقصّر. و إنْ لم يکن مجتهداً يجب عليه التقليد و العمل بفتوى من يقلّده، و إنْ کانت الشبهة موضوعيّة فلا يجب عليه الفحص و يبني على أصالة الحلّية إلّا إذا کان هناك أصل موضوعي آخر حاکم على أصالة الإباحة کأصالة عدم إذن المولى للعبد أو کانت الحالة السابقة هي الحرمة فتستصحب، و الله هو العالم.

ما هو مدار الحلّية و الحرمة بالنسبة إلى السفر؟

مسألة: الاعتبار في الحلّية و الحرمة هل يکون على الواقع أو على الاعتقاد أو الظاهر من الاُصول؟ يمکن أن يقال: إنّ الإعتبار فيهما على الواقع فإن اعتقد کون السفر حراماً لاعتقاد کون غايته محرّمة فبان خلاف ذلك يجب عليه القضاء قصراً، و إنْ اعتقد کونه حلالاً مع کونه في الواقع حراماً يجب عليه القضاء تماماً.

وقال سيّدنا الاُستاذ(رحمه الله) في «الحاشیة»: وجوب القصر عند اعتقاد الحلّية أو اقتضاء الأصل لها مع کونها محرّماً في الواقع لا إشکال فيه اصلاً. نعم، عکسه محلّ إشکال، لکنّ الأقوى فيه أيضاً أنّ المدار على الاعتقاد مع وجوده و على

ص: 111


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص443.

الاُصول عند عدمه، ((1)) انتهى.

ويمکن أن يقال: إنّ وجوب القصر مترتّب على کون السفر حلالاً سائغاً، فإذا کان على الظاهر سفره سائغاً فحکمه الظاهري هو القصر، و على القول بإجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي يجزي الإتيان به عن الواقع.

وأمّا إذا اعتقد الحرمة مع کونه في الواقع حلالاً فيمکن أن يقال: إنّ التکليف بالتمام ليس مترتّباً على حرمة السفر، بل هو حکم المكلّف بقول مطلق.

وبعبارة اُخرى، الحکم بالتمام ليس موضوعه حرمة السفر، بل موضوعه جميع المکلّفين، غير أنّ السفر السائغ موجب للقصر إذا لا يکون السفر للمعصية بما أنّه متعلّق حکم التمام حتى يکون في الفرض الّذي يعتقد الحرمة مع کونه في الواقع حلالاً محکوماً ظاهراً بوجوب التمام، و هذا بخلاف الصورة الأُولى، فإنّه إذا اعتقد الحلّية مع کونه في الواقع محرّماً يکون محکوماً بالقصر ظاهراً، و لعلّ لذلك قال (قدس سره): نعم عکسه محلّ إشکال، و لکن استدرك ذلك بقوله: لکنّ الأقوى فيه أيضاً أنّ المدار على الاعتقاد مع وجوده و على الاُصول عند عدمه؛ وجه الأقوائية أنّ على ما ذکر و إن لم يکن حرمة السفر موجباً للتمام إلّا أنّ مقتضى الادلّة الأوّلية التمام، ففي هذه الصورة يجب التمام حسب الحکم الظاهري و إنْ کان حکمه الواقعي القصر، فتأمّل فإنّه دقيق.

ثم إنّ هذا کلّه مبنيّ على عدم کون التجرّي معصية و کونه کاشفاً عن سوء السريرة فقط، و أمّا على القول بکونه معصية فلا ريب في أنّ الحکم هو التمام.

ص: 112


1- الطباطبائي الزدي، العروة الوثقی، ج3، ص443.

نقل بيان بعض المعاصرين في المقام و الجواب عنه

ثم إنّ بعض الأعلام من المعاصرين أفاد بأنّ السفر إنْ کان حراماً في الواقع و اعتقد جوازه إمّا بنفسه کما لو کان السفر منهيّاً من قبل الأب أو الزوج و لم يعلم به الولد أو الزوجة أو بغايته، کما لو سافر لتزويج إمرأة هي رضيعته أو ذات بعل أو لقتل شخص محقون الدم و هو لا يعلم، و الواجب حينئذ هو القصر لعدم اتّصاف سفره بالباطل أو بکونه في معصية الله لا بنفسه و لا بغايته بعد عدم تنجّز الواقع في حقّه، بل هو

مسير حقّ قد رخّص فيه الشرع و العقل، و مجرّد اتّصافه بالحرمة الواقعيّة لا يوجب صدق المعصية و لا سلب اسم مسير الحقّ عنه، کما أنّ ارتکاب الحرام الواقعي لا يستوجب زوال العدالة بوجه. و عليه فدليل الإتمام قاصر لشمول المقام، و لا أقلّ من انصرافه عنه و انسباق الحرمة المنجّزة من دليل الإتمام في سفر المعصية، و مع التنزّل فلا أقلّ من الشكّ في الشمول، فيقتصر في المخصّص المنفصل على المقدار المتيقّن، و يرجع فيما عداه إلى عمومات الترخّص لکلّ مسافر.((1))

وفيه: أنّ کلّ ما أفاده خلاف الظاهر؛ لعدم دخل علم المکلّف و جهله في اتّصاف السفر الحرام بالحرمة الواقعيّة و کونه مسير باطل و مبغوضاً للمولى فهو مبغوضه واقعاً علم العبد أم لم يعلم و إلّا لزم الدور، و دليل الإتمام ليس قاصراً لشمول المقام و لا منصرفاً عنه أصلاً و لا ينسبق منه الحرمة المنجّزة، بل ينسبق منه الحرمة الواقعيّة فلا نشكّ في الشمول حتى نقول بالاقتصار في المخصّص المنفصل

ص: 113


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص138.

على القدر المتيقّن و الرجوع إلى عمومات الترخيص لجميع المسافرين. ثم إنّا نمنع من الأصل شمول عمومات الترخيص لما کان السفر مسير باطل و معصية، بل نرى انصرافها عن سفر المعصية و الباطل و انصرافها إلى سفر الطاعة، کما يشهد له مناسبة الحکم و الموضوع أي الترخيص في الصلاة و التسهيل على المکلّفين.

وعلى هذا ما يدلّ من الروايات على عدم الترخيص في سفر المعصية يکون تفسيراً للآية لا مخصّصاً لعمومها لأنّها لا تعمّ مسير الباطل.

هذا کلّه فيما إذا کان السفر حراماً في الواقع و يراه حلالاً و جائزاً، و أمّا إذا کان الأمر بالعکس، بأن يکون السفر حلالاً في الواقع و هو يراه على الظاهر حراماً، فيعتقد وجوب إتمام الصلاة، و هذا فيما إذا کان السفر حلالاً بنفسه و هو يراه حراماً کأن اعتقد الولد أو الزوجة نهي الوالد أو الزوج أو کان مستصحباً ثم بان الخلاف، و فيما إذا کان يراه حراماً بغايته کما لو سافر لقتل شخص يزعم انّه محقون الدم فبان کونه مهدور الدم (قال): فالظاهر وجوب القصر هنا أيضاً؛ لأنّ الحرمة المزعومة خيالية صرفة لا واقع لها، فلم يکن السفر سفر المعصية و لا المسير مسيراً باطلاً، فإن الخيال و الاعتقاد أو الحکم الظاهري المنکشف خلافه لا يغيّر الواقع و لا يوجب قلبه عمّا هو عليه، فهو سفر حقّ و إن جهل به المسافر.

(إلى أن قال): و عليه فأدلّة التمام قاصرة الشمول للمقام و لو انصرافاً، و لا أقلّ من الشكّ في الشمول، فيرجع إلى إطلاقات القصر، و على هذا فلو صلّی تماماً جرياً على اعتقاده ثم انکشف الخلاف في الوقت أو في خارجه وجبت عليه الإعادة أو القضاء قصراً، کما أنّه لا تجب إعادة ما صلّاه قصراً في الصورة الأُولى

ص: 114

لکون القصر هي الوظيفة الواقعيّة في کلتا الصورتين، فتحصّل أنّ إتمام الصلاة يتوقّف على أمرين: ثبوت الحرمة الواقعيّة للسفر، و کون الحرمة منجّزة عليه، فإذا تخلّف أحدهما وجب القصر.((1))

أقول: ما ذکره من الوجه للصورة الثانية تمام إلّا أنّ التفصيل بينها و بين الصورة الأُولى خلاف الظاهر.

في بيان ما قاله في «العروة»

مسألة: قال في «العروة»: إذا نذر أنْ يتمّ الصلاة في يوم معيّن أو يصوم يوماً معيّناً وجب عليه الإقامة، و لو سافر وجب عليه القصر على ما مرّ من أنّ السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام إلّا إذا کان بقصد التوصّل إلى ترك الواجب و الأحوط الجمع،((2)) انتهى.

يمکن أنْ يقال: إنّ ذلك إذا کان الاستلزام للتضاد الذاتي بين السفر و الواجب، و أمّا إذا کان ترك السفر مقدّمة لفعل الواجب يکون فعله معصية، فلا يجوز له السفر و إنْ سافر يجب عليه التمام کما إذا کان في صورة التضادّ الذاتي سافر بقصد التوصّل إلى ترك الواجب.

لا يقال: إنّ السفر الّذي ترکه مقدّمة للإتمام، هو موجب للإتمام فيلزم من وجوده عدمه، أي يترتّب على وجوده ما يترتّب على عدمه و هو محال فإنّه يقال: الإتمام الّذي يترتّب على السفر غير الإتمام الّذي تعلّق به النذر، فما هو المتعلّق

ص: 115


1- الخوئي، کتاب الصلاة، ج8، ص138 140.
2- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص446 447.

للنذر الإتمام في الحضر لا الإتمام المطلق لعدم کونه راجحاً، و الإتمام الّذي وجوبه معلول تعلّق النذر به غير الإتمام الّذي هو کالمعلول للعصيان بفعل السفر.

في عروض قصد المعصية في أثناء السفر

مسألة: لا ريب في أنّ المسافر إذا قصد لسفره غاية محرّمة في حواشي الجادّة بحيث کان سفره لهذا الغرض يتمّ و لا يقصّر، أمّا إذا

عرض له ذلك في الأثناء فإن کان الخروج إليه قليلاً بحيث لا ينقطع به عند العرف سيره المباح الّذي قصده من أوّل الأمر فالظاهر أنّه لا يمنع من إجراء حکم الترخيص و قصّر الصلاة في الجادّة و في الحواشي، فهو کالمسافر الّذي ارتکب القتل الحرام، و أمّا إنْ کان خروجه عن الجادّة کثيراً موجباً لبعده عن المسير و الجادّة و سيراً مستقلاً، فبالنسبة إلى حال الخروج و الرجوع فلا ريب في أنّه يتمّ لخروجه عن سيره المباح الّذي يدور بقاء حکم التقصير مدار بقاء صدق هذا العنوان، و بالنسبة إلى ما بقي يلاحظ في التمام و القصر کونه بقدر المسافة أو أقلّ منه. و يمکن أن يقال: إنّه إذا خرج عن الجادّة و رجع إلى المکان الّذي خرج منه و استمرّ سفره لا ينقطع بخروجه هذا عن الجادّة سفريّته، و لا يضرّ ذلك باستمرار نيّة قطع المسافة، فالأحوط الجمع، و الله هو العالم.

في عروض قصد المعصية بعد الوصول إلى المقصد

مسألة: حکم السفر لغاية محرّمة بعد الوصول إلى المقصد و قبل حصول الغرض من السفر التمام، و أمّا بعده، فبالنسبة إلى الرجوع فقد ظهر حکمه ممّا

ص: 116

سبق، و أنّه إن تاب و کان رجوعه بقدر المسافة يقصّر و إلّا فيتمّ، و إنْ لم يتب فالظاهر أنّ حکم إيابه استمرار حکم ذهابه، سواء کان الإياب بقصد المسافة أو أقلّ منها.

أمّا حال البقاء في المقصد قبل الشروع في الرجوع، فهل هو يلحق بالرجوع، فيقصّر إن تاب لانتهاء سفر المعصية بانتهائها، و إن لم يتب فمجموع الذهاب و الإياب و حال البقاء في المقصد يعدّ سفراً واحداً فيتمّ أو أنّه مطلقاً، و إن تاب قبل الرجوع يتمّ؟

اختار في «العروة» الأوّل((1))، و بعض المحشين الثاني، و مبنى قول «العروة» استظهار رجوع شرطيّة إباحة السفر إلى الحکم. و معنى ذلك هکذا إن کان السفر سائغاً يجب القصر، فبانتفاء الشرط ينتفي الحکم.

وعلى هذا مادام هو عاصياً بسفره يتمّ، و إن تاب فيقصّر.

أمّا إذا کان الشرط راجعاً إلى الموضوع أي السفر السائغ هکذا يجب القصر في السفر المباح، فالمسافة الّتي قطعها حال المعصية لا أثر لها، و هو في حال کونه في المقصد لا يکون مسافراً إلّا بإنشاء سفر جديد، فتدبّر.

في عدول المسافر عن قصد المعصية إلى قصد الطاعة

مسألة: إذا کان السفر في الابتداء معصية، فقصد الصوم ثم عدل في الأثناء إلى الطاعة حال کون ما بقي بينه و بين المقصد المسافة، فإن کان العدول قبل الزوال فلا شكّ في أنّه لا يجوز له البقاء على نيّة الصوم و ذلك على ما هو المقرّر و الوظيفة من عدم جواز الصوم إذا سافر قبل الزوال

ص: 117


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص440 443.

المتحقّق هنا أيضاً، و إنْ کان بعد الزوال فهل يصحّ الصوم و يجب إتمامه إذا کان في شهر رمضان مثلاً کما هو تکليف المسافر في شهر رمضان بعد الزوال. و الوجه لعدم جواز البقاء على نيّة الصوم على ما بنى عليه السيد صاحب العروة(قدس سره) أنّ الإباحة ليست شرطاً في السفر الموجب للترخّص، بل هو شرط في الترخّص أي شرط للحکم لا للموضوع، فمن سافر قبل الزوال يکون مسافراً إلّا أنّه ليس سفره مقتضياً للقصر حال کونه معصية، و لکن يقتضي الترخّص حال قصد الطاعة المتحقّق بعد الزوال، فلا يجوز له نيّة الصوم. و على مبنى من يرى الإباحة شرطاً في السفر الموجب للترخّص أنّه و إنْ لم يتحقّق له ذلك قبل الزوال و لکنّه صام صوماً صحيحاً في هذا الحال، فلا يجوز له الإفطار بعد ذلك.

ويمکن أن يقال ذلك على مبنى السيّد أيضاً بدعوى أنّ الإجماع قائم على أنّ من صام إلى الزوال صوماً صحيحاً لا يجوز له الإفطار بعد الزوال، و لکنّ الإنصاف أنّ ما ذکر لا يوجب الجزم بأحد الطرفين، فالوجه في المسألة الاحتياط بالجمع.

وبالجملة، الأمر يدور بين أن يقال: إنّ صوم العاصي بسفره يکون محکوماً بالصحّة لدى الزوال لفقد شرط الإباحة و تحقّقه بعد الزوال يکون بمنزلة الخروج إلى السفر بعد الزوال المحکوم بصحّة الصوم و عدم جواز الإفطار به أو يقال بأنّ ما ذکر من صحّة صوم الخارج إلى السفر بعد الزوال مختصّ به، و في المقام اللازم العمل بعموم ثبوت الإفطار على کلّ مسافر. اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ

ص: 118

اللازم العمل بعمومات الإتمام، و لذلك کلّه لابدّ من الاحتياط، و الله هو العالم.

هذا کلّه فيما إذا کان الباقي بينه و بين المقصد عند العدول بقدر المسافة، و أمّا إذا کان أقلّ من ذلك، فعلى مبنى القائل بأنّ الإباحة شرط للترخيص، فإن کان العدول قبل الزوال يفطر، و إنْ کان بعد الزوال فالکلام فيه يعرف ممّا سبق.

وعلى مبنى القائل بأنّ الإباحة شرط للسفر، فإذا لم يبق إلى المقصد

بمقدار المسافة فالظاهر أنّه يبقى على صومه مطلقاً سواء کان عدوله قبل الزوال أو بعده.

والمسألة تحتاج إلى بسط في الکلام أکثر للإحاطة بجميع تفاصيلها، و مع ذلك کلّه فهي لا تنتهي من دون الاحتياط، فالاقتصار و الإيجاز أولى، و قد جاء في الروايات: «خذوا من کلّ علم أرواحه و دعوا ظروفه فإنّ العلم کثير و العمر قليل».((1))

اللّهمّ وفّقنا لما تحبّ و ترضى و صلّ على محمد و آله الطاهرين.

ص: 119


1- الحلواني، نزهة الناظر، ص9.

الفصل السابع: ومنها: أن لا يكون ممّن بيته معه وممّن اتّخذ السفر عملاً

اشارة

والشرط السادس و السابع من الشرائط على ما في «العروة»((1)) أن لا يکون ممّن بيته معه، و ممّن اتخذ السفر عملاً و شغلاً له، بل ممّن جعل شغله في السفر.

اعلم: أنّ تعبير جماعة کالمفيد في «المقنعة»، و السيّد في «الانتصار»، و الشيخ في بعض کتبه، وسلّار، و غيرهم قدّس الله أسرارهم على ما حکي عنهم، و المحقّق في الشرائع، و صاحب الجواهر من هذا الشرط أن لا يکون سفره أکثر من حضره.

وإليك عبارة «الجواهر» قال: (الشرط الخامس) من شرائط تأثير المسافة (القصر أن لا يکون) قاطعها (سفره أکثر من حضره کالبدوي الّذي يطلب القطر)((2)) إلخ. و عبارة المحقّق(قدس سره) في «المعتبر» هکذا: أن لا يکون ممّن يلزمه الإتمام سفراً. ((3))

وقال بعضهم: أن لا يکون سفره أکثر من حضره، و هذه عبارة غير صالحة

ص: 120


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص452 453.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص286.
3- المحقق الحلّي، المعتبر، ج2، ص472.

و قد اعتمدها المفيد(رحمه الله) و أتباعه. و يلزم على قولهم لو أقام في بلده عشرة و سافر عشرين أن يلزم الإتمام في السفر، و هذا لم يقله أحد و لا ريب أنّها عبارة بعض الأصحاب و تبعها آخرون. و لو قال: يتقيّد ذلك بأن لا يقيم في بلده، قلنا: فحينئذ لا يبقى بکثرة السفر اعتبار. و قد خبط بعض المعاصرين و ادعى الإجماع على هذه العبارة لوجودها في بعض التصانيف و ليس مثل ذلك إجماعاً، و الّذين يلزمهم الإتمام سفراً و حضراً سبعة على رواية السکوني، إلخ. انتهى کلام صاحب «المعتبر».((1))

ويورد عليه: بأنّ الميزان في لزوم الإتمام سفراً على السبعة إن کان کونهم من مصاديق من يلزمه التمام في سفره، فلا وجه لعدّ هذا العنوان قبال غيره من مصاديقه کالعاصي بسفره أو من يکون غاية سفره المعصية مضافاً إلى أنّ اشتراط وجوب القصر في السفر بعدم لزوم الإتمام ليس معناه إلّا اشتراط وجوب الإتمام بعدم وجوب القصر.

وبعبارة اُخرى: وجوب القصر مشروط بعدم لزوم الإتمام و هو عين وجوب القصر، و هذا يرجع إلى کون الشرط عين المشروط.

وبالجملة، هذا العنوان مجمل لا يوضح المراد منه، و حکي عن «مفتاح الکرامة»((2)) عن اُستاذه السيّد بحر العلوم: «أنّ الأولى التعبير عنه بأن لا يکون السفر عملاً له، و من کان منزله في بيته و معه».

ص: 121


1- المحقّق الحلّي، المعتبر، ج2، ص472.
2- العاملي، مفتاح الکرامة، ج10، ص1905.

وبالجملة، قد اقتصر بعضهم على خصوص العناوين المذکورة في الروايات فعن الصدوق عليه الرحمة في «هدايته»: فأمّا الّذي يجب عليه التمام في الصلاة و الصوم في السفر: المکاري و الکريّ و البريد و الراعي و الملّاح لأنّه عملهم،((1)) انتهى. و مثّل بعضهم عمّن سفره أکثر من حضره، بما جاء في الروايات، و بعد ذلك کلّه فلابدّ لنا من الرجوع إلى الروايات حتى نرى ما يستفاد منها.

فاعلم أنّ الروايات حسب العناوين المذکورة فيها على طوائف.

بيان الروايات في المسألة

ومن العناوين المذکورة فيها: (المکاري) و يدلّ عليه الباب الحادي عشر من أبواب صلاة المسافر من «الوسائل» الحديث الأوّل و الثاني، و الرابع، و الثامن و العاشر، و الحادي عشر.

ومنها: الجمّال، و يدلّ عليه في الباب المذکور الحديث الأوّل، و الرابع، و العاشر.

ومنها: الکريّ، کالغنيّ، و يدلّ عليه الحديث الثاني، و الثاني عشر.

ومنها: الراعي، و يدلّ عليه الحديث الثاني، والتاسع، والثاني عشر.

ومنها: الاشتقان، و يدلّ عليه الحديث الثاني، و العاشر، و الثاني عشر.

ومنها: الملّاح و أصحاب السفن، و يدلّ عليه الحديث الثالث، و الرابع، و الخامس، و السابع، و الثامن، و الحادي عشر، و الثاني عشر.

ص: 122


1- الصدوق، الهدایة، ص143.

ومنها: الجابي الّذي يدور في جبايته، في الحديث التاسع.

ومنها: الأمير الّذي يدور في إمارته، أيضاً في الحديث المذکور.

ومنها: التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، في الحديث المزبور.

ومنها: البدويّ الّذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الأعراب في الحديث المذکور، و الحديث السادس.

ومنها: الّذين بيوتهم و منازلهم معهم، و يدلّ عليه الحديث الخامس، و السادس.

ومنها: الّذين يکون السفر عملهم، في الحديث الثاني عشر.

ومنها: من هو في بيت و هو يتردّد حيث شاء في الحديث الحادي

عشر، و الظاهر أنّه و من بيته معه واحد.((1))

فتبلغ العناوين إلى اثنتي عشر عنواناً يمکن إرجاع أکثرها إلى غيره، کما أنّ روايات الباب و إن کان بلغ رقمها في الباب المذکور من «الوسائل» إلى اثني عشر إلّا أنّه يمکن أن يقال: إنّه لا يثبت بها أکثر من سبعة، کما لا يزيد الراوي عن المعصوم(علیه السلام) أيضاً أکثر من ستّة رواة، و ذلك لاحتمال کون الحديث الأوّل و العاشر واحداً، لاحتمال کون الراوي عن الإمام(علیه السلام) في العاشر أيضاً هشام بن الحکم قد سقط عنه، و يشهد لذلك اتّفاق لفظها حرفاً بحرف، و لاحتمال کون روايتي سليمان الجعفري (الحديث السادس و الحادي عشر)((2)) عمّن ذکره أيضاً

ص: 123


1- انظر: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص 484 487، ب 11، من أبواب صلاة المسافر، ح1 12[11233 12244].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج 8، ص 486 487، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح6و11[11238] [11243].

واحداً، بل احتمل السيّد الاُستاذ(قدس سره) کونهما و الرواية الخامسة عن إسحاق بن عمّار رواية واحدة، لاحتمال کون المراد عمّن ذکره فيهما إسحاق بن عمّار، و إسحاق من الخامسة، و سليمان من السادسة، و لاحتمال کون الحديث الرابع، و الثامن أيضاً واحداً لانتهاء سند کلّ منهما إلى محمد بن مسلم عن أحدهما، بل الظاهر منهما ذلك.

وأمّا احتمال کون الحديث الثاني، و الثاني عشر واحداً کما احتمله أيضاً السيّد الاستاذ أعلى الله درجته، فيبعّده اختلاف متنهما، فإنّ في الأوّل قال: أربعة يجب عليهم التمام، إلخ، الحديث، و في الثاني قال: خمسة يتمّون في سفر کانوا أو حضر، إلخ الحديث، هذا مضافاً إلى أنّ الإمام المروي عنه في الأوّل أبو جعفر(علیه السلام)، و في الثاني أبو عبد الله(علیه السلام)، و لا يخفى عليك أنّ ما جعله في «الوسائل» تحت رقم ثلاثة بهذا اللفظ: قال الصدوق: و روي: الملّاح و الاشتقان: البريد، الظاهر أنّه ليس رواية مستقلّة، بل ترجع إلى المذکور تحت رقم إثنين فکأنّه في الملّاح أراد أنّه بدل عن بعض العناوين المذکورة في رواية زرارة و قوله: الاشتقان: البريد يکون من نفسه تفسيراً له، و يظهر ذلك بالرّجوع إلى «الفقيه» حيث ذکر ذلك في ذيل رواية زرارة.

وعلى هذا أحاديث هذا الباب في الوسائل أحد عشر لا اثنا عشر.

هذا و تبقى رواية علي بن جعفر عن أخيه موسی عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «أصحاب السفن يتمّون الصلاة في سفنهم»،((1)) و رواية السکوني عن أبي عبد الله عن أبيه(علیهما السلام) قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة الجابي الّذي يدور في

ص: 124


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص486، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح7 [11239].

جبايته»، الحديث.((1))

وعلى هذا المتيقن من الّذين تنتهي إليهم الرواية عن الأئمة(علیهم السلام) ستّة من الأصحاب: هشام بن الحکم، و محمد بن مسلم، و زرارة، و عليّ بن جعفر، و إسحاق بن عمّار.((2))

والحديث الثاني عشر و إن لم يکن متّحداً مع أحد من سائر الأحاديث، و لکن احتمال کون المراد ممّن رفعه ابن أبي عمير عن أبي عبد الله(علیه السلام) واحداً من المذکورين لا يرد على سبيل الجزم، و بعد ذلك النظر التفصيلي إلى الروايات من حيث الرواة و التعداد نضعها تحت النظر من حيث المتن و الدلالة فنقول: إنّ المستفاد من التعليل المذکور في ذيل رواية إسحاق بن عمّار (الحديث الخامس)((3)) عدم التقصير على الملّاحين و الأعراب لأنّ بيوتهم معهم أي من لم يکن له بيت يخرج منه و يرجع إليه، لا مقام له في مکان واحد، ليس عليه التقصير و هو کالمکاري و الجمّال الّذي يختلف و ليس له مقام، و کالملّاح الّذي يعيش في سفينته في البحر، و الأعراب و البدوي الّذي يطلب مواضع القطر و منبت الأشجار و أمثال هؤلاء ليس لهم التقصير إلّا أنّ الظاهر أنّ مثلهم ممّن لا مقام له و مسکن معيّن و لا بيت و لا منزل، و بيوتهم و منازلهم معهم خارج عن تحت أدلّة

ص: 125


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص486، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح 9 [11241].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص484 487، ب11، من أبواب صلاة المسافر.
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص486، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11237].

الترخيص بالسفر بالتخصّص لا بالتخصيص، فهم في حلّهم و ترحالهم غير مسافرين لا يشملهم مثل قوله تعالى: ﴿وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾الآية. فإنّ المخاطب به الساکن في مقام و منزل معيّن يعرض له في بعض الأحيان لبعض الجهات السفر و ترك المنزل و الضرب في الأرض دون الأعراب و البدوي و من يحذو حذوهما من المکاري و الجمّال و أهل السفن.

هذا و يستفاد من التعليل الآخر الّذي جاء في ذيل صحيح زرارة (الحديث الثاني) أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر کانوا أو حضر: المکاري و الکريّ و الراعي و الاشتقان لأنّه عملهم.((1))

وفي مرفوعة ابن أبي عمير (الحديث الثاني عشر) أيضاً لأنّه عملهم.((2))

إنّ من کان السفر شغله و عمله يجب عليه التمام، فعلى هذا لا رخصة للطائفتين في القصر. أمّا الأُولى فلخروجهم عن موضوع أدلّة الترخيص بالتخصّص و بنصّ هذه الروايات، و الثانية فبالتخصيص بهذه الأدلّة المخصّصة، و هنا طائفة ثالثة ليس السفر عملهم و لا بيوتهم معهم، بل السفر مقدّمة لعملهم کالجابي الّذي يدور في جبايته فهو يسافر و يسير في الأرض لجمع الخراج و الزکوات و الأخماس، و کذا الراعي سيره و سفره مقدمة لشغله و عمله و هو الرعي، و کذا التاجر الّذي يدور في تجارته، و لا فرق بين الجابي و الراعي و التاجر، و بين الطبيب و المعلّم مثلاً

ص: 126


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص485، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11234].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص487، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح12 [11244].

إذا کان يدور الطبيب في طبابته و المعلّم في تعليمه، و لا يحتمل اختصاص الحکم بخصوص العناوين المذکورة، و أنّ الطبيب کالتاجر مثلاً يکون السفر عمله، فکما أنّ التاجر الّذي يدور في تجارته من أوّل ما يخرج من بيته يقطع الطريق و السير مشتغلاً بالتجارة أو الراعي مشتغلاً برعي الأغنام، الطبيب عيناً يعمل مثلهما غير أنّه ليس السفر عملهم، بل عملهم في السفر.

ومن ذلك نقول: إنّه اُطلق على مثل الراعي و الملّاح و المکاري أنّه عملهم مع أنّ الملّاح و المکاري عملهم السفر و الراعي عمله في السفر تغليباً و إلحاقاً بالّذي عمله السفر، و إنّما نقول بالحاق الطبيب و غيره إلى الراعي لأنّ الرعي عمله في السفر مضافاً إلى أنّ هذا التعليل لم يأتِ في رواية السکوني: «سبعة لا يقصّرون» (الحديث السادس).((1))

وکيف کان لا ريب في إلحاق غير الجابي و الراعي و التاجر إليهم إذا کان عملهم في السفر، و لکن هل يختصّ الحکم بما إذا کان العمل مقارناً للسفر، بأن يکون في ذهابه و إيابه مشتغلاً بعمله کالرعي و التجارة و الجباية أو يکفي في ذلك أنْ يکون مثلاً بين منزله و مقصده الّتي يقوم بالتجارة فيه أو بالطبابة، بل و الجباية أربعة فراسخ يذهب کلّ يوم إليه و يرجع منه، فالطبيب له هناك المطبّ، و التاجر له المتجر، و الجابي له مکان أو في قرية خاصّة فهو بهذه الصورة عمله في السفر، الظاهر عدم اختصاص الحکم بالصورة الأُولى و شموله للصورة الثانية أيضاً، و الله هو العالم.

ص: 127


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص486، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح9 [11241].

ثم إنّ الظاهر لا فرق في الحکم بعدم الترخيص بين ما إذا کان سفر المکاري في الأماکن و المسافات القريبة حتى إذا کان سيره بقدر المسافة ذهاباً و إياباً، و ما إذا کان بين الأماکن و البلاد البعيدة أو بالاختلاف بأن کان بعض أسفاره من الصورة الأُولى، و بعضها من الصورة الثانية، و الثالثة، فالحکم في الجميع واحد.

نعم لو کان مکارياً في داخل المسافة لا يبعد عن منزله أربعة فراسخ فهو ليس عليه التقصير؛ لعدم بلوغ سفره المسافة سواء کان مکارياً أو غيره. و إن اتّفق أن أکرى دابّته أو سيّارته للسفر الّذي تبلغ المسافة الشرعيّة، فالظاهر أنّ عليه التقصير.

لا يقال: إنّ المکاراة عمله، فهو المکاري سواء کان سفره أقلّ من المسافة أو بالغاً المسافة، فإنّه يقال: إنّه إذا کان سفره أقل من المسافة يتمّ لأنّه بحکم الحاضر ليس مسافراً شرعاً، و المکاري الّذي أکرى دابّته لسفرة واحدة فهو مسافر يجب عليه التقصير، و لا فرق فيما ذکر بين ما إذا کان مکاراة المکاري في داخل البلد و توابعه المتّصلة به، و ما إذا کان مکاراته في مسافة تعدّ السفر إليها عرفاً لا شرعاً، فما يدلّ على لزوم التمام على المکاري ظاهر فيمن کان مکاراته في السفر الشرعيّ.

وربّما يستشهد لذلك بموثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم(علیه السلام) عن الّذين يکرون الدوابّ يختلفون کلّ الأيّام، أعليهم التقصير إذا کانوا في سفر؟ قال: «نعم»((1)). بأن کان المراد عن الّذين عملهم المکاراة فيما دون السفر فأکروا دوابّهم للسفر الشرعي، و لکن لو کنّا و هذا لا يکفي للأخذ به؛ لاحتمال کون

ص: 128


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص488، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح2، [11246].

المراد منه السفر لمقاصده و حوائجه لا للمکاراة.

و بموثّقه الآخر((1)) أيضاً عن أبي إبراهيم(علیه السلام) قال: سألته عن المکارين الّذين يکرون الدوابّ، و قلت: يختلفون کلّ أيّام کلّما جاءهم شيء اختلفوا؟ فقال: «عليهم التقصير إذا سافروا».

والظاهر أنّ هذا و الموثّق الأوّل واحد، و إنْ ذکر کلّ منهما في «الوسائل» تحت رقم خاصّ، و عبّر عنهما بعض الأعلام من المعاصرين بموثّقتي إسحاق بن عمّار، و الظاهر أنّه سقط من السؤال في الثاني شيء کما لا يخفى، و کيف کان لو لم نقل بأنّ الاحتمال الثاني في مقام الاستظهار أرجح، لا ريب في عدم أرجحيّة الاحتمال الأوّل، و الله هو العالم.

نقل بيان صاحب العروة للمسألة

ثم إنّ صاحب العروة بعد التصريح في المسألة السابقة بعدم الفرق بين البلدان البعيدة و القريبة قال: و کذا لا فرق بين من جدّ في سفره بأن جعل المنزلين منزلاً واحداً، و بين من لم يکن کذلك.((2)) و قد أشار بذلك إلى ما تدلّ عليه الروايات من الفرق بين من جدّ في سفره و من لم يجدّ.

فمنها: الصحيح الّذي رواه الشيخ في الکتابين عن محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهما السلام) قال: «المکاري و الجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصّرا».((3))

ص: 129


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص488 489، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11247].
2- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص453 454.
3- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص215، ح528؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص233، ب137، ح5، وقد روي کلا الروايتين صاحب وسائل (الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص490 491، ب13، من أبواب صلاة المسافر، ح1 و2 و3 [11251 11253].

ومنها: أيضاً ما رواه فيهما في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المکارين الّذين يختلفون؟ فقال: «إذا جدّ وا السير فليقصّروا».((1))

(ثم قال) فالوجه في هذين الخبرين ما ذکره محمد بن يعقوب الکليني(رحمه الله) قال: هذا محمول على من يجعل المنزلين منزلاً فيقصّر في الطريق و يتمّ في المنزل. و الّذي يکشف عن ذلك ما رواه سعد عن أحمد بن محمد

عن عمران بن محمد الأشعري عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الجمّال و المکاري إذا جدّ بهما السير فليقصّرا فيما بين المنزلين و يتمّا في المنزل».((2))

ومنها: صحيح عليّ بن جعفر في کتابه عن أخيه(علیهم السلام) قال: سألته عن المکارين الّذين يختلفون إلى النيل، هل عليهم تمام (إتمام) الصلاة؟ قال: «إذا کان مختلفهم فليصوموا و ليتمّوا الصلاة إلّا أن يجدّ بهم السير فليفطروا و ليقصّروا».((3))

ص: 130


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص233، باب 137، ح6؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص215، ح529.
2- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص233، باب 137، ح7؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص215 216، ح530.
3- مسائل عليّ بن جعفر، ص115؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص491، ب13، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11254].

ومنها: مرسلة الکافي قال((1)): و في رواية اُخرى: المکاري إذا جدّ به السير فليقصّر. قال: و معنى جدّ به السير يجعل منزلين منزلاً.((2))

التحقيق في المراد من الأحاديث

أقول: اعلم أنّ في المراد من هذه الأحاديث أقوال و احتمالات.

فمنها: أنّ المراد من الجدّ في السير الإسراع فيه و الاهتمام بشأنه، يقال: جدّ بسيره إذا اجتهد فيه کما عن «مجمع البحرين».((3)) و في مفردات الراغب: الجدّ قطع الأرض المستوية، و منه جدّ في سيره يجدّ جدّاً.((4)) و في «النهاية»: کان رسول الله(صلی الله علیه و آله) إذا جدّ في السير جمع بين الصلاتين، أي إذا اهتمّ و أسرع فيه، و المعنى على ذلك ظاهر.((5))

ومنها: خصوص جعل المنزلين منزلاً واحداً کما سمعته من «الکافي»، و يؤيّده خبر عمران بن محمد القمي المتقدّم، و لولا ضعفه يتمّ الاستناد به لهذا القول، کما فعله الشيخ.

ومنها: أنّ المراد منه السفر المتّصل الّذي لا يصدق عليه لبعد مسافته سفر

ص: 131


1- و هذا التفسير من الکليني کما کان قد صرّح به الشيخ الطوسي في تهذیب الأحکام، ج3، ص215 216.
2- الکلیني، الکافي، ج3،ص437، ذيل ح2.
3- الطریحي، مجمع البحرین، ج1، ص348.
4- الراغب الأصفهاني، المفردات في غریب القرآن، ص88.
5- ابن الأثیر، النهایة، ج1، ص244.

الصنعة و الشغل، و هذا مجرّد الاحتمال.

ومنها: ما عن العلّامة (قدس سره) فإنّه قال على ما حکي عنه: الأقرب عندي حمل الحديثين على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصّرا.

ومنها: حملها على ما إذا کانت المکاراة فيما دون المسافة و يکون جدّ السير عبارة عن قصد المسافة.

ومنها: حمل الروايات على ما إذا قصد المکاري و الجمّال المسافة قبل تحقّق الکثرة، حکي ذلك عن الشهيد الثاني في «روض الجنان»، و هو أيضاً احتمال لا شاهد له.

ومنها: کون المراد منه السفر لغير الشغل، و هو أيضاً کما ترى.

وأقرب الاحتمالات استظهاراً من ألفاظ الأحاديث هو الأوّل و الثاني، وقال في «مصباح الفقيه»: حاکياً عن «مفتاح الکرامة»: اعلم أنّه قد ورد صحيحان صرّح فيهما بأنّ المکاري إذا جدّ به السير قصّر فأفتى جماعة من متأخّري المتأخّرين کصاحب «المنتقى» و«المدارك»، و«الذخيرة» و«المفاتيح» و«الحدائق» بظاهرهما، و قالوا: المتّجه الوقوف مع ظاهر اللفظ و هو زيادة السير عن القدر المتعارف بحيث يشتمل على مشقّة شديدة فتخصّ بهما الأخبار الدالّة على أنّ فرضهم التمام.

وفيه: أنّ هذا الظاهر ما وقف أحد من الأصحاب معه و لا عليه، فظاهرهما شاذّ مأمورون بترکه کما أمرنا بترك الخبر الضعيف، و هذا الکليني و الشيخ رحمهما الله قد حملاهما على من يجعل المنزلين منزلاً و وافقهما على ذلك جماعة، إلى آخر ما حکاه عن «مفتاح الکرامة»، و قال بعده: قد أشرنا إلى أنّ الشيخ

ص: 132

و أتباعه لم يعلم تخطّيهم عن ظاهر الخبرين، کما أنّه لم يعلم التزام المتأخّرين الّذين صرّحوا بأنّ المتّجه الوقوف مع ظاهر اللفظ بالتقصير فيما دون ذلك أي فيما إذا لم يبلغ سيره إلى حدّ يجعل المنزلين منزلاً فإنّ هذا أدنى ما يتحقّق به زيادة السير عن القدر المتعارف زيادة معتدّاً بها موجبة لإشتمال السير على مشقّة شديدة، مع أنّ ارتکاب التأويل في الرواية لقرينة داخليّه أو خارجيّة أرشدتهم إليه بزعمهم کما أومئ إليه الشيخ في عبارته المتقدّمة لا يجعلها من الشاذّ الّذي اُمرنا بطرحه. فما استوجهه الجماعة من المتأخّرين من الوقوف مع ظاهر اللفظ و هو الزياده على القدر المتعارف في أسفارهم غالباً کما هو صريح العبارة المحکيّة عن «المنتقى» أشبه بالقواعد، و لکن ينبغي تقييد المطلقات الآمرة بالتقصير بخبر عمران بن

محمد کما أشار إليه الشيخ في عبارته المتقدّمة، بل لا يبعد دعوى انصراف المطلقات بنفسها عن حال استقرارهما في المنزل و الله العالم((1))، انتهى.

العرف هو المعيار في صدق السفر عملاً

ثم اعلم: أنّ الأقوى أنّ المدار على صدق السفر عملاً هو العرف، فلا يشترط فيه تکرّر السفر، فيتحقّق ذلك و لو کان في سفرة واحدة. و على هذا و إنْ کان موضوع الحکم في بعض الروايات مثل الجمّال و الملّاح، و ربما يدّعى صدقه على الّذي اکترى دوابّه اتّفاقاً لسفرة واحدة، و کذلك الملّاح إلّا أنّ التعليل المذکور في البعض الآخر بقوله(علیه السلام): «لأنّه عملهم» يقيّد هذا الإطلاق المذکور بمن کان ذلك

ص: 133


1- الهمداني، مصباح الفقیه، ج2، ص746 747.

عمله و شغله. نعم، لا يعتبر في صدق عمليّة السفر الاختلاف و تکرّر السفر.

ولا يقال: إنّ ذلك مدلول صحيح هشام بن الحکم عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: المکاري و الجمّال الّذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان.((1)) فإنّه يقال: الظاهر أنّ المراد منه الشأنيّة لا الفعليّة، و أمّا على القول بالفعليّة، فيدلّ بالمفهوم على عدم جواز التمام إن لم يتحقّق الاختلاف و التکرار، و قد تفصّى عن ذلك بعض الأعلام بعدم کون مفهوم مثل قوله(علیه السلام): «المکاري و الجمّال الّذي يختلف و ليس له مقام» تقييد الحکم بالاختلاف، بل مفهومه عدم کون المکاراة تمام الموضوع لوجوب التمام، فلا يمنع من قيام قيد آخر مکان الاختلاف.

وهذا قريب إلى ما بنى عليه سيّدنا الاُستاذ(قدس سره) في مبحث المفهوم من کون النزاع فيه کبرويّاً، و في کونه حجّة أم لا، لا في أنّ للقضية الشرطية أو الوصفية مفهوم أم لا ، سواء في ذلك مفهوم الشرط و مفهوم الوصف. إلّا أنّه يمکن أنْ يقال: إنّ وصف المکاراة بالاختلاف و التکرار موضوعاً للحکم لا يمنع من وصفها شغلاً و عملاً للمکاري موضوعاً لحکم التمام إنْ لم تکن الملازمة بين الاختلاف و الشغل و العمل، و أمّا مع وجود الملازمة بينهما المفهوم انتفاء حکم التمام في صورة عدم الاختلاف و عدم کون السفر عملاً له، و الله هو العالم.

ص: 134


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص128؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص218؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص484، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11233].

الّذي شغله المكاراة مثلاً في خصوص فصل من الفصول

مسألة: الّذي شغله المکاراة مثلاً في خصوص فصل من الفصول کالربيع أو الصيف، الظاهر أنّه من مصاديق المکاري، و کذا التاجر الّذي يدور في تجارته في واحد من الفصول أنّه يشمله إطلاق الدليل و التعليل، و الله العالم.

يعتبر في استمرار من شغله المكاراة أنْ لا يقيم في بلده

مسألة: قال في «العروة» يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيّام و إلّا انقطع حکم عمليّة السفر و عاد إلى القصر،((1)) إلخ.

قال الشيخ الأنصاري: الإقامة في المنزل ممّا لا إشکال و لا خلاف فيه، بل و لا في عدم اعتبار النيّة فيها لإطلاق النصّ و الفتوى، و أمّا إقامة العشرة في غير البلد، فلا خلاف ظاهراً في اعتبارها، و إنْ لم يتعرّض لها کثير إلّا أنّ الشهرة تکفي لجبر ضعف الرواية المذکورة بالإرسال، مع أنّ المرسل من أصحاب الإجماع مضافاً إلى اعتضاد الرواية ببعض الروايات الاُخر مضافاً إلى صحيحة هشام المتقدّمة المقيّدة للمکاري بمن يختلف ليس له مقام، و إلى عموم المنزلة.((2))

أقول أمّا الرواية الّتي أشار إلى جبر ضعف سندها بالإرسال فهو ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيی((3))، عن إبراهيم بن هاشم((4))، عن

ص: 135


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص456.
2- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص428.
3- من السابعة کان ثقة في الحديث إلّا أنّه يروي عن الضعفاء.
4- من السابعة هو أوّل من نشر حديث الکوفيين بقم.

إسماعيل بن مرار((1))، عن يونس بن عبد الرحمن((2))، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن حدّ المکاري الّذي يصوم و يتمّ؟ قال: «أيّما مکارٍ أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام أبداً، و إنْ کان مقامه في منزله أو في البلد الّذي يدخله أکثر من عشرة أيّام فعليه التقصير و الإفطار».((3)) و قوله: «أکثر من عشرة» يراد به العشرة فما زاد کما في قوله تعالی: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْن ِ﴾((4)) أي اثنتان فما زاد، و مثله ما في العفو عن الدم الزائد على الدرهم من أنّ المراد به الدرهم فما زاد.

ولعلّ مراده(قدس سره) من بعض الروايات الاُخر ذيل خبر عبد الله بن سِنان المرويّ في «التهذيب» عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «فإن کان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أکثر قصّر في سفره و أفطر».((5))

وأمّا الزياده الواقعة في «الفقيه»،((6)) فالظاهر أنّه سهو، کما أنّ جعل ما في «الفقيه» تحت الرقم الخامس، و«التهذيب» تحت الرقم «السادس» أيضاً سهو کأنّه من النسّاخ.

ص: 136


1- من السادسة روي عنه علي بن إبراهيم وأبيه.
2- من السادسة راجع فيه جامع الرواة (الأردبیلي، ج2، ص356 359).
3- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص234 235؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص219؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص488، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11245].
4- النساء، 11.
5- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص216؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص489 490، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح 5 و6 [11249 11250].
6- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص439440.

ومراده من صحيحة هشام ما رواه عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «المکاري و الجمّال الّذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان».((1)) و هي بالمفهوم تدلّ على أنّ من کان له المقام يقصّر و يفطر. و مراده من عموم المنزلة لعلّه عموم منزلة بلده و محل إقامته.

التحقيق في المسألة

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ أنصّ الأخبار في المسألة هو ما رواه يونس، وضعف سنده على الاصطلاح ظاهر إلّا أنّه کما أفاده(قدس سره) منجبر بالعمل، و هو نصّ في حکم إقامة العشرة في غير بلده، و أمّا رواية عبد الله بن سنان على لفظها المرويّ في «التهذيب» فاستشکل في سنده لاشتماله مثل رواية يونس على إسماعيل بن مرّار، و إنْ ردّه بعض المعاصرين على مبناه لأنّه من رجال تفسير على بن إبراهيم، و لکنّه کما أفاده صحيح بسند «الفقيه» غير أنّ لفظه کما أشرنا إليه مشتمل على زيادة ليس في «التهذيب»، و تمام المتن على ما في «الفقيه» هکذا: «المکاري إذا لم

يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ صلاة الليل، و عليه صوم شهر رمضان، و إنْ کان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أکثر و ينصرف إلى منزله و يکون له مقام عشرة أيّام أو أکثر قصّر في سفره و أفطر».

ص: 137


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص128؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص218؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص484، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح1[11233].

وقال المعاصر الجليل في شرحه ما فيه من الزياده على «التهذيب»: الظاهر أنّ هذه الإضافة ناظرة إلى اختلاف المورد من حيث الذهاب إلى بلد آخر أو الرجوع إلى منزله، فتعتبر الإقامة عشرة أيّام فيما لو ذهب إلى بلد آخر أو الإقامة کذلك فيما لو انصرف و رجع إلى منزله لا أنّه يعتبر في الحکم بالإنقطاع مجموع الأمرَين معا،ً انتهى.

وأنت تعلم ما في هذا الحمل من التکلّف، فالظاهر أنّ هذه الجملة مزيدة على الرواية، و الله هو العالم.

ثم إنّه هنا إشکال أورد على دلالة الحديث فإنّ قوله: «و إنْ کان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أکثر قصّر في سفره و أفطر». ظاهر في أنّه في ذهابه إلى البلد المذکور قبل أن يقيم فيه يقصّر و يفطر، و هذا لم يقل به أحد و تفصّى عنه معاصرنا المعظّم بأنّ الظاهر من الرواية أنّ الشرطيّة الثانية بحسب السياق موضوعها عين موضوع الشرطيّة الأُولى، و الظاهر من الشرطية الأُولى حکم السفر من البلد الّذي أقام فيه خمسة أيّام و لتکن الشرطيه الثانية أيضاً حکم السفر من البلد الّذي أقام فيه عشرة أيّام.

وبعد ذلك کلّه قال: و المتحصّل من جميع ما ذکرناه أنّ الحکم بالإنقطاع بإقامة عشرة أيّام ممّا لا ينبغي التأمّل فيه لصحيحة عبد الله بن سِنان بطريقي الشيخ و الصدوق، انتهى.

لا شبهة في اعتبار النيّة في الإقامة

ثم إنّه قال: لا شبهة في اعتبار النيّة في الإقامة لأنّ الإقامة مع عدم النيّة سفر

ص: 138

شرعاً و ليس إلّا کمکث المسافر في أثناء سفره، و لا ينقطع به نفس السفر و لا کثرته، مضافاً إلى دعوى الإجماع عن «الروض» و«البحار» على اعتبارها و إطلاق النصّ مع ضعفه لا يقاوم هذا کلّه. نعم ربما لاح من الجمع بين الإقامة في المنزل و الإقامة في غيره اعتبار النيّة في المنزل أيضاً بعد معلوميّة اعتبارها في غيره، لکنّ الظاهر عدم الخلاف في عدم اعتبار النيّة هناك، کما أنّه لا خلاف في عدم کفاية نيّة الإقامة بدون تمام الإقامة و لو صلّی تماماً.

أقول: و يمکن أنْ يقال: بأنّ المراد من المقام المذکور في قوله(علیه السلام) و إن کان له المقام في البلد الّذي يذهب إليه، إلخ، في صحيح عبد الله بن سِنان، و کذا مفهوم قوله في صحيح هشام... «المکاري و الجمّال الّذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة»، إلخ، الإقامة عشرة أيّام بالنيّة، لأنّ الإقامة لا تتحقّق إلّا بها، و إنْ أبيت عن ذلك فدعوى ظهورهما في الإطلاق ليس بأظهر من هذا الاستظهار، بل کأنّه کان احتمال الإطلاق فيهما ضعيفاً عند الشيخ(قدس سره)، و لذا اکتفى بالتعرّض لإطلاق رواية يونس الضعيفة بالسند إلّا أنّه يمکن أنْ يقال: بعد ما بيّنتم في أصل المسألة على هذه الرواية فلماذا تعرضون عن ظاهرها؟ و لنا أنْ نقول: إنّ إجماع «البحار» و«الروض» لا يقاوم هذا الإطلاق، اللّهمّ إلّا أنْ يقال: إنّ عملهم برواية يونس ثابت بالإجمال، و القدر المتيقّن منه هو ما إذا کان المقام في غير البلد بالنيّة، و يؤيّد ذلك أنّه يدور الأمر بين تخصيص العامّ، الدالّ على أنّ المکاري يجب عليه التمام، بما إذا کان مقامه في غير بلده عشرة أيّام مطلقاً أو إذا کان مع نيّته ذلك، و حيث إنّ الدليل المخصّص مجمل و منفصل، فلا حجّة لنا إلّا في القدر المتيقن منه و هو ما إذا

ص: 139

کان المقام بالنيّة، و في مورد الشكّ في شمول دليل المخصّص له، المرجع هو عموم ما دلّ على أنّ المکاري يجب عليه التمام، و بعد ذلك فالإحتياط لا ينبغي ترکه.

بعد إقامة العشرة في بلده مطلقاً و في غير بلده مع النّيّة هل يجب التمام في السفرة الأُولى أو الثانية؟

ثم اعلم أنّ الظاهر أنّ عود من کان شغله السفر بعد إقامة العشرة في بلده مطلقاً و في غير بلده مع النيّة إلى القصر مختصّ بسفرته الأُولى بعد ذلك دون الثانية، فضلاً عن الثالثة، و ذلك للعلم بأنّ الحکم بالعود إلى القصر ليس مطلقاً، و إن تکثّرت سفراته بعد ذلك، فلو کان ذلك أکثر من سفرته الأُولى لبيّنه الإمام(علیه السلام)، فما يثبت بالدليل المخصّص للعام هو وجوب القصر في سفرته الأُولى، أمّا الثانية و ما بعدها فهي باقية تحت عموم ما يدلّ على وجوب التمام على المکاري.

وقد يقال: إنّ المدار في وجوب القصر في سفرته الثانية و الثالثة و عدمه أنّ عود المکاري إلى قصر الصلاة بإقامة عشرة أيّام في بلده و غيره هل يکون من جهة کونها رافعة لعمليّة المکاراة و خروج المقيم عن تحت ما يدلّ على وجوب التمام على المکاري الّذي کانت المکاراة عمله موضوعاً، فيحتاج وجوب التمام عليه ثانياً على صدق کون المکاراة عمله، و تحقّق ما يصدق به کونها عملاً له أو أنّه يکون بالتخصيص لا بالتخصّص، فالمکاري الّذي عمله المکاراة إذا أقام عشرة أيّام في موضع يجب عليه القصر، فحکمه في هذا الحال القصر مع أنّه مکارٍ عمله و شغله المکاراة، فلا يسلب عنه عنوان أنّ المکاراة شغله و عمله، و لا يخرج بالإقامة في بلده أو غير بلده أو في أثناء الطريق عن کونه مکارياً، بل الغالب من الّذين يسافرون

ص: 140

أسفاراً بعيدة أنّهم بعد کلّ سفر يقيمون عشرة أيّام أو أقلّ أو أکثر للاستراحة و للاستعداد للشروع في السفر، و لا يخرج مثله عن عنوان المکاري الّذي شغله المکاراة إلّا تشريعاً و اعتباراً، و على هذا يجب عليه التمام في السفرة الثانية و ما بعدها بعموم ما دلّ على وجوب التمام على من کان المکاراة عمله.

والظاهر من الأدلّة ذلك، بل يمکن أنْ يقال: إنّ المستفاد من الروايات ليس حکم من کان السفر عمله و شغله و اتّفق له إقامة العشرة في بلده و غيره، بل المستفاد أنّ الّذي تکون المکاراة عمله حکمه التمام في سفره إذا لم يسترح في بلده أو غيره قبله عشرة أيّام، و إذا استراح کذلك يجب عليه القصر. فالآيات في مثل ذلك البحث عن سفرته الأُولى و الثانية و الثالثة فتأمل في الروايات لعلّك تستفيد منها ذلك، و إن لم أره في کلماتهم. فمثل رواية عبد الله بن سِنان: «المکاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ بالليل((1)) و عليه صوم شهر رمضان، فإن کان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أکثر قصّر في سفره و أفطر»((2)). ظاهر في ذلك.

وکذا خبر يونس قال: سألته عن حدّ المکاري الّذي يصوم و يتمّ قال: «أيّما مکارٍ أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام أبداً، و إن کان مقامه في منزله أو في البلد الّذي يدخله أکثر من

ص: 141


1- و في بعض نسخ وسائل الشیعة و اتمّ (صلاة الليل).
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص216؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص489 490، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11249].

عشرة أيّام فعليه التقصير و الإفطار».((1)) ظاهر أيضاً في ذلك، فعلى ما ذکر الأقوى في السفرة الثانية الّتي تقع بعد أن أقام في بلده أو غيره أقلّ من عشرة أيّام أن يتمّ و يفطر و إن کان الاحتياط بالجمع في السفرة الثانية حسن لا ينبغي ترکه، و الله هو العالم.

مسألة: في «الجواهر» قال: لا فرق في انقطاع حکم الکثرة و غيرها ممّا ذکرناه بين المکاري و غيره، بلا خلاف محقّق أجده فيه، و إن اختصّ النصّ بالأوّل لعموم معقد الإجماع، و القطع بعدم الفرق بعد أنْ کان المناط عمليّة السفر المنقطع حکمها بإقامة العشرة، و لکن في المتن (وقيل: ذلك مختصّ بالمکاري) بالمعنى الأعمّ (فيدخل في جملته الملّاح و التاجر) ولا ريب أنّ (الأوّل أظهر) لما عرفت، بل اعترف غير واحد بعدم معرفة هذا القائل، و أنّه لعلّ المصنف سمعه من معاصر له في غير کتاب مصنّف، بل في «الرياض» ربما احتمل أنّه المصنّف.((2))

أقول: إن کان هنا إجماع محقّق على عدم الفرق بين المکاري و غيره ممّن وظيفته التمام لکون السفر عمله حتى أنّه يشمل الحکم بالقصر التاجر الّذي يدور في تجارته فهو، و إلّا فمقتضى الأخذ بالنصّ هو اختصاص الحکم بالمکاري. نعم يمکن إلحاق الجمّال و الملّاح و من هو شغله کالمکاري به.

ص: 142


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص488، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11245].
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص283.

في البحث عن صحيح عبد الله بن سِنان

مسألة: قد سمعت فيما سبق ما وقع في صدر صحيح عبد الله بن سنان: «المکاري إذا لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ (صلاة الليل) و عليه صوم شهر رمضان». و قال في «الوسائل»: قد عمل بعض الأصحاب بظاهره في حکم الخمسة، و أکثرهم حملوا تقصير الصلاة بالنهار على سقوط النوافل و حکموا بالاتمام((1)) لما مضى و يأتي، و يمکن حمل الخمسة هنا على التقيّة لموافقته لکثير من العامة، انتهى. ((2))

وفي «الجواهر»: و لو أقام خمسة أيّام (قيل) و القائل المشهور نقلاً و تحصيلاً، بل ربما استظهر من بعضهم الإجماع عليه (يتمّ) لإطلاق الأدلّة و مفهوم المرسل السابق و الاستصحاب و غيرها، و قيل و القائل الشيخ و ابنا حمزة و البرّاج على ما حکي عن ثانيهما (يقصّر صلاته نهاراً دون صومه و يتمّ ليلاً) لصحيح ابن سِنان المتقدّم لکنّ لم ينصّ في «المبسوط» و«الوسيلة» على الصوم (و) لا ريب (أنّ الأوّل أشبه) بأُصول المذهب و قواعده، ضرورة قصور الصحيح المزبور عن تقييد الأدلّة المزبورة و أدلّة تلازم الإفطار و التقصير بسبب الإعراض عنه و اشتماله على ما لا يقول به أحد من الاکتفاء بالأقل من خمسة و لو يوماً أو أقل، إذ ابن الجنيد و إنْ حکي عنه الاکتفاء بذلك لکنّه جعله کالعشرة في القصر

ص: 143


1- راجع: الطوسي، الاستبصار، ج1، ص 234؛ العلّامة الحلّي، مختلف الشیعة، ج3، ص108؛ المجلسي، روضة المتقين، ج2، ص621؛ الفیض الکاشاني، الوافي، ج7، ص177.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص490.

و الإفطار لا التفصيل المزبور، (إلى آخر ما ذکره في ردّ ابن الجنيد و إلى أن قال:) نعم لا ينبغي ترکه بالنسبة إلى الأوّل لصحّة مستنده و عمل جماعة به و ميل بعض المتأخّرين کما قيل إليه، و اشتماله على المجمع على خلافه لا يخرجه عن الحجّية في غيره کما لم يخرجه عن الحجّية في المسألة السابقة.((1))

أقول: فرق بين اشتماله على المجمع على خلافه بين قوله في جملة واحدة... «المکاري إذا لم يستقر في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره»، و مثل قوله في جملة مستقلّة اُخرى: «و إن کان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أکثر قصّر في سفره و أفطر». و في الجملة الأُولى لا يجوز الأخذ ببعض مفادها و ترك بعضها الآخر، فلا يجمع حجّيتها بالنسبة إلى بعض مفادها و عدمها بالنسبة إلى الاُخرى، بخلاف ما إذا کان في الحديث جملتان مستقلّتان کانت إحداهما ببعض الجهات ساقطة عن الاحتجاج بها، فلا يسقط بذلك حجّية الجمله الثانية في معناها، و الله هو العالم.

حكم السفر الشغلي للمكاري و غيره

مسألة: مقتضى تعليل حکم وجوب التمام على المسافر الّذي شغله و عمله السفر الاقتصار على خروجه عن تحت عموم ما يدلّ على وجوب القصر، فالمسافر يقصّر و لو اتّفق له بالاختيار أو الاضطرار أسفارٌ کثيرة لأغراض خاصّة، دون أن يکون له شغلاً و عملاً. و لا فرق في ذلك بين أن يکون من الأوّل

ص: 144


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص283 284.

ناوياً لها أو کان کلّ سفرة بعد سابقها اتّفاقاً. فمن يسافر کلّ جمعته لزيارة مولانا أبي عبد الله الحسين(علیه السلام) أو لزيارة بعض

إخوانه أو للصلاة و الدعاء في مسجد «جمکران» يجب عليه القصر و الإفطار، و ذلك لشمول عموم أدلّة القصر على المسافر لهذه الأسفار و عدم دخولها تحت ما يدلّ على الخروج منها لکون السفر شغله و عمله، و الله هو العالم.

حكم السفر في غير العمل الّذي هو شغله الخاصّ لمن كان السفر عملاً له

مسألة: هل يکفي في وجوب التمام کون السفر عملاً له و إن کان سفره في غير العمل الّذي هو شغله الخاصّ و مهنته، فالّذي شغله الملاحة يسافر فيها، إن سافر اتّفاقاً مکاراة يکون سفره هذا ملحقاً بسفره الشغلي، لأنّ الاعتبار على کون السفر عملاً له أو أنّ سفره هذا يکون کسفره للزيارة، و المعتبر أنْ يکون سفره من صنف ما کان مشتغلاً به، فإذا کان شغله المکاراة و سافر للتجارة أو الملاحة يجب عليه القصر کالّذي يسافر للزيارة.

ظاهر المشهور الأوّل، فلا يعتبر عندهم اتّحاد کيفيّات و خصوصيّات أسفاره من حيث الطول و القصر، و من حيث الحمولة، و من حيث نوع الشغل، فلو کان يسافر إلى الأمکنة القريبة فسافر إلى البعيدة أو کان مرکوبه الدابّة من الحمير أو من الجمال أو من الخيل أو من السيّارات أو من السکك الحديدية أو کان مکارياً فسافر في الملاحة أو بالعکس أو لفّق بين النوعين يتمّ، لأنّه مشتغل بعمل السفر، غاية الأمر تبدّل خصوصية الشغل من واحدة إلى اُخرى، فشيء من هذه

ص: 145

الخصوصيات ليست دخيلة فيما هو الموضوع للحکم، و هو کون السفر شغلاً و عملاً له، فلو أعرض عن نوع و اشتغل بنوع آخر ففي جميع ذلك يجب عليه التمام حتى و إن کان اشتغاله بنوع آخر بفرد منه، فالمناط هو الاشتغال بالسفر فهو و حاله و اختياره، فاختياره فرداً من السفر للملاحة و إن لم يکن فرداً من صنف ما کان مشتغلاً به لا يمنع من کونه کسابقه عملاً له.

في نقل بيان الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره) و التحقيق فيه

ولکن الشيخ المحقّق المؤسّس الحائري(قدس سره) کأنّه يختار خلاف ذلك، و أفاد بأنّ ما ذکروه مبنيّ على أنّ المستفاد من الأخبار الحاکمة بوجوب التمام على المکاري و أمثاله، لأنّه عملهم هل المقصود کون السفر عملاً لهم فيترتّب على ذلك أنّه متى يسير في سفره بعنوان الشغل و العمل يتمّ و إنْ کان شغله في السفرة المفروضة غير الشغل السابق صنفاً أو انّ المقصود کون الأوصاف المذکوره في الأخبار عملاً له، فيترتّب على ذلك أنّ کلّ سير يکون سیراً في عمله، ففيه التمام.((1))

وبعبارة اُخرى: المکاري و الملّاح و غيرهما إذا سار و سافر کلّ واحد منهما في مکاراته أو ملاحته أو تجارته من سوق إلى سوق يجب عليه التمام. و قال: يظهر ذلك بذکر الأخبار الواردة في هذا الباب المعلّلة بالعمليّة و الشغل، منها: صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر

ص: 146


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص618، مع تفاوت سیرة.

کانوا أو حضر: المکاري، و الکري، و الراعي، و الاشتقان لأنّه عملهم».((1))

ومنها: خبر ابن أبي عمير المروي عن «الخصال»((2)) مرفوعاً إلى أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «خمسة يتمّون في سفر کانوا أو حضر: المکاري، و الکريّ، و الاشتقان و هو البريد، و الراعي، و الملّاح لأنّه عملهم». (وقال) أقول: الظاهر انّ الضمير في قوله(علیه السلام): «لأنّه عملهم» يرجع إلى کلّ واحد من العناوين المذکورة في الرواية أعني المکاري و الراعي و ما بعدهما باعتبار مبدأ اشتقاقها، فيصير حاصل المعنى أنّ من يکون مشغولاً بهذه الأشغال فعليه التمام سواء کان في سفر أو حضر. و مقتضى ذلك بعد الأخذ بالعموم و إلغاء خصوصية العناوين أنّ من يسير في شغله و عمله لو سافر في عمله و شغله فعليه التمام، فإنّ الشخص المفروض حکمه في السفر و الحضر سيّان، و أين هذا من مفاد لفظة: (لأنّ السفر عملهم) حتى يستفاد منه أنّ السير في السفر الّذي يکون أصل السفر عملاً له يوجب التمام. و ليت شعري بأيّ وجه جعلوا الضمير في قوله(علیه السلام): «لأنّه عملهم» راجعاً إلى السفر، ثم متى يکون الراعي الّذي يکون أحد العناوين المذکورة في الرواية ممّن عمله السفر.

نعم قد يتّفق احتياجه إلى طيّ مسافة السفر بملاحظة الماشية الّتي يريد رعيها،

ص: 147


1- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص439؛ الطوسي، الاسبتصار، ج1، ص232 233؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص215؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص484، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11234].
2- الصدوق، الخصال، ص302؛ و کما عن الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص487، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح 12[11244].

و کذا التاجر الّذي يدور في تجارته الّذي يکون عليه التمام ليس عمله السفر، بل عمله الدوران في أمکنة تناسب تجارته، و قد يحتاج إلى السفر الشرعي.

و الحاصل، أنّ المستفاد من الأخبار بعد ملاحظة التعليل المذکور أنّ السفرة الّتي يکون السير فيها سيراً في عمله و شغله توجب التمام، لکنّ الّذى ذکرنا خلاف ما يظهر من الفقهاء رضوان الله عليهم.

ونحن و إنْ استظهرنا من الروايات غير ذلك، و لکن لابدّ لنا في العمل من عدم المخالفة و الأخذ بالاحتياط.((1))

ويتفرّع على ما استظهرنا من الأخبار أنّ الراعي مثلاً لو صار عمله رعي الماشية و لو في أطراف محلّه الساکن فيه لو سافر لرعي الدوابّ للحاجة إلى ذلك يتمّ، فإنّه يصدق أنّه يسير في عمله، و کذا التاجر الّذي يدور في تجارته إذا صار شغله الدور في التجارة من محلّ إلى محلّ آخر و لو في قرى متقاربة في أطراف مسکنه لو احتاج في عمله إلى طيّ مسافة شرعيّة يتمّ، فإنّه يصدق أنّه يسير في عمله، و أمّا بناء على ما يظهر منهم من أنّ الملاك کون السفر عملاً، فيحتاج کلّ منهما إلى أسفار متعدّدة أو سفر بعيد يطول زمانه بحيث يصدق أنّه ممّن عمله السفر، و کذا يترتّب على ما ذکرنا أنّ من صدق عليه المکاري و لو بالسعي مع دوابّه إلى محلّ قريب و الرجوع من دون مقام، و صار شغله ذلك لو سافر في هذا الشغل يتمّ لأنّه في سفره ممّن يسير في عمله.

وأمّا بناء على ما ذهبوا إليه فيجب عليه التقصير لأنّ السفر لا يکون عملاً له.

ص: 148


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص618 619.

نعم يمکن أنْ يفصّل على ما قرّرنا بين من اتّخذ المکاراة شغلاً له من دون تقييد بکونها إلى محلّ خاصّ أو إلى مسافة خاصّة، و بين من لم يکن کذلك، فالأوّل يتمّ في سفره لما ذکرنا، و أنّه مسافر فيما أخذه صنعة و حرفة له، بخلاف الثاني، فإنّه لو سافر في غير ما عيّن و اتّخذه صنعة له لا يقال: إنّه سافر في عمله و صنعته،((1)) انتهى.

ويمکن أنْ يقال: إنّ المتبادر من العناوين المذکورة في الروايات المسافر منها، لا مطلق من کان واقعاً تحت تلك العناوين، فالمتبادر من الجمّال و المکاري و الملّاح و الراعي و التاجر الّذي يدور في تجارته المسافر منهم، و الّذي شغله و عمله السفر في هذه الأوصاف، لا من يطلق عليه الجمّال و المکاري و غيرهما لمجرّد اشتغاله بها على حدّ لا يصدق عليه السفر، لأنّ المسافر المعنون بهذه العناوين يکون خارجاً عن تحت عموم وجوب القصر على المسافر بالتخصّص، دون من يکون مشتغلاً بها في ما دون المسافة، و يکون ضربه في الأرض و سيره السفري حسب الاتّفاق و بعض الحوائج الخاصّة، بل يمکن منع إطلاق بعض هذه الأوصاف على من کان مشتغلاً في داخل بلده و حواليه.

وعلى هذا ما هو القدر الجامع للجميع تقوّم عملهم بالسفر و عدم تحقّقه بدونه، و ليس المراد منها أنّ نفس کلّ واحدة من هذه الأوصاف تکون موضوعاً لوجوب التمام سواء کان المکاري أو الراعي أو الملّاح حاضراً أو مسافراً. فکما لا يکون لعنوان الرعي و المکاراة و غيرهما دخل في وجوب التمام، إذا کان حاضراً لا يکون لها دخل في وجوب التمام إذا کان مسافراً.

ص: 149


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص619.

نعم ما هو القدر المشترك بين هذه العناوين، و هو عمليّة السفر يکون موضوعاً لوجوب الحکم بالتمام و الخروج عن تحت أدلّة وجوب القصر على المسافر تخصيصاً أو تخصّصاً.

فعلى هذا إن سافر المُعَنون بأحد هذه العناوين و ما يلحق به بتنقيح المناط القطعي، و إلغاء العرف خصوصية مثل الجمّال للتجارة أو الملاحة نقول: بأنّ حکمه التمام أيضاً و إنْ کان شغله الأصلي المکاراة مثلاً، و هذا يوافق فتوى المشهور.

وأمّا المکاري أو الجمّال الّذي لم يکن شغله متقوّماً بالسير و السفر إنْ سافر اتّفاقاً تاجراً أو مکارياً يجب عليه القصر، خلافاً للشيخ الحائري(قدس سره) فإنّه على ما بنى عليه يجب عليه التمام.

هذا و يدلّ على ذلك قوله(علیه السلام) في صحيح هشام: «المکاري و الجمّال الّذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»((1)). و ما يدلّ على أنّ المکاري إذا أقام عشرة أيّام وجب عليه التقصير، فإنّ المراد منه المکاري الّذي يختلف و يسافر و هو مخصّص للعموم المستفاد من أنّ المکاري يجب عليه التمام. و ما رواه إسحاق بن عمّار((2)) قال: سألت أبا إبراهيم(علیه السلام) عن الّذي يکرون الدوابّ يختلفون کلّ الأيّام، الحديث.

وبالجملة لا يبعد دعوى أنّ الظاهر من الأدلّة ما بنی عليه المشهور، و الله هو العالم.

ص: 150


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص484، ب11، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11233].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص488 489، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح2و3 [11246 11247].

في حكم من لم يتّخذ وطناً أو أعرض عنه و اتّخذ السياحة في الأرض

مسألة: من لم يتّخذ وطناً أو أعرض عن وطنه واتخذ السياحة في الأرض يتمّ و يصوم، فهو ملحق بالّذين بيوتهم معهم غير مخاطب بما خوطب به المسافرين باقٍ تحت ما يدلّ على وجوب التمام على الجميع الخارج منه خصوص المسافر، و مع ذلك قال في «العروة»: و الأحوط الجمع.((1))

مسألة: الشاكّ في أنّه أقام في بلده أو مکان آخر عشرة أيّام يجب عليه التمام للأصل، فإذا خرج من وطنه أو محلّ إقامته اليوم الحادي عشر من شهر و لکن لا يدري أنّه دخل فيه اليوم الأوّل من الشهر حتى يکون هذا اليوم العاشر أو اليوم الثاني فيکون اليوم الحادي عشر اليوم التاسع، فمقتضى الأصل عدم دخوله اليوم الأوّل و عدم بقائه العشرة، فيجب عليه التمام؛ لعموم ما يدلّ على وجوب التمام على المکاري و غيره ممّن عمله السفر، و إذا کان عالماً بيوم دخوله البلد شاکّاً في يوم خروجه، کما إذ علم بأنّه قد فاتت منه صلوات لا يدري أنّها کانت قصريّة لإقامة العشرة أو کانت وظيفته التمام من جهة أنّه يعلم أنّه دخل في بلده اليوم الأوّل من الشهر و لکن لا يعلم أنّه خرج منه اليوم العاشر أو الحادي عشر، فيجب عليه القصر لاستصحاب بقائه في البلد إلى اليوم الحادي عشر.

الثامن: من شرائط وجوب القصر على المسافر الوصول إلى حدّ الترخّص في الشروع في السفر و عدم وصوله إليه في الرجوع منه، قال الشيخ الأنصاري: المشهور اشتراط القصر بخفاء الجدران کما اقتصر عليه في محکي «المقنع» أو الأذان کما هو ظاهر المفيد و سلّار و الحلي و الحلبي أو أحدهما کما عن الشيخ و ابن

ص: 151


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص459.

حمزة و ابن البرّاج، بل عن الأکثر، بل المشهور مطلقاً أو بين القدماء على الخلاف بينهم، أو کليهما کما عن السيّد و العمّاني و العلّامة في کثير من کتبه، بل عن المشهور مطلقاً أو بين المتأخّرين، و عن والد الصدوق عدم اعتبار ذلك، بل يقصّر إذا خرج من منزله إلى أن يعود، و ربما حکي عن الإسکافي، و هو شاذّ کما عن «المعتبر» و غيره، بل عن «الخلاف» الإجماع على خلافه.((1))

أقول: أمّا مختار الصدوق فلم يتعرّض الشيخ لما يمکن أن يکون دليلاً له، و اکتفى برميه بالشذوذ، و لکن ذکر في ذلك روايات ثلاث إحداها: مرسلة

حمّاد عن رجل عن أبي عبد الله(علیه السلام) (في المصدر عن أبي جعفر(علیه السلام))((2)) في الرجل يخرج مسافراً؟

قال: «يقصّر إذا خرج من البيوت».((3))

ويمکن أنْ يقال: إنّ إرسالها لا يوجب ضعف سندها بعدما کان المرسِل لها مثل حمّاد، و من أصحاب الإجماع، و لکن حملها في «الوسائل» على التقيّة أو على خفاء الجدران و الأذان. ((4))

وثانيتها: مرسلة الصدوق قال: روي عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه».((5))

ص: 152


1- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص434.
2- البرقي، المحاسن، ج2، ص371.
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص473، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح9 [11202].
4- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص473.
5- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص436؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص475، ب7، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11208].

وثالثتها: ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن يقطين عن أبي الحسن موسى(علیه السلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال: «إذا حدّث نفسه في الليل أفطر إذا خرج من منزله»، الحديث.((1))

وهذه الروايات لا تقوم قبال الروايات الدالّة على حدّ الترخّص المذکور فيها، مضافاً إلى اختصاص الأخيرة بباب الصوم، و الثانية لا يحتجّ بها؛ للإرسال، و الأُولى و إن قلنا بجبر ضعف سندها بأنّ مرسلها حمّاد إلّا أنّه يمکن أنْ يقال: إنّ تعبيره عمّن رواه برجل مشعر بعدم وثوقه به.

وأمّا ما أفاده بعض الأعلام قبال الرواية الثانية و الثالثة، ففيه ما لا يخفى، و کيف کان فما يحتجّ به في المقام صحيح ابن مسلم، و صحيح ابن سنان، و إليك نصّهما.

أمّا الأوّل فرواه شيخنا الکليني(قدس سره) بإسناده عنه قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): الرجل يريد السفر متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت».((2))

والثاني ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن التقصير؟ قال: «إذا کنت في الموضع الّذي تسمع فيه الأذان فأتمّ، و إذا کنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك».((3))

ص: 153


1- الطوسي، الاستبصار، ج2، ص98؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص228؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج10، ص185، ب5، أبواب من يصحّ منه الصوم، ح10 [13182].
2- الکلیني، الکافي، ج3، ص434؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص470 471 ب 6، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11194].
3- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص242؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص472، ب 6، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11196].

وقال الشيخ الأنصاري: المذکور في صحيحة ابن مسلم اعتبار تواري المسافر عن البيوت، و به عبّر في محکي «المقنع» و«اللمعة» و«البيان» و«المفاتيح» و«الحدائق»، لکنّ المصرّح به في عبائر من عداهم تواري البيوت و خفاء الجدران عن المسافر، و هو مراد من يتّبع الصحيحة في التعبير أيضاً، و ذکر شارح «الروضة» أنّ الصحيحة من باب القلب الّذي هو من محاسن الکلام، و ظنّي أنّه لا داعي لارتکاب القلب مع أنّ کونه على الإطلاق من محاسن الکلام ممنوع کما (قرّر) في محلّه خصوصاً في مثل هذا المقام الّذي هو محلّ الاشتباه.

وتوجيه الرواية أنّه لمّا کان تواري الشخص عن شخص مستلزماً لتواري الثاني عن الأوّل إذا کان التواري مسبّباً عن بعد المسافة کما هو المراد في المقام، و کان الشخصان متساويين في قوّة البصر على ما هذا المتعارف الغالب في الناظرين، فإنّ التفاوت في ذلك بينهم أمر عارضي لا يلحظ في التعبيرات و لا في الأحکام العرفية و الشرعية، فلا يفرق الحکم بين إناطته بتواري البيوت عن المسافر أو بتواري الشخص عن البيوت (إلى أن قال) و الحاصل، أنّ مؤدّى العبارتين واحد، و استناد الفعل إلى المسافر لکونه الموجد للسبب دون صاحبه.

أقول: يمکن أن نقول: إنّ تواري المسافر عن أهل البيوت لصغر حجمه بالنسبة إلى البيوت و الجدران يقع قبل تواري البيوت و الجدران اللواتي هنّ أکبر من المسافر جدّاً، و ليس خفاؤهما متساويين حتى يقال: إنّ مؤدّى العبارتين واحد، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ في تلك الأزمنة لم تکن البيوت المتعارفة عالية البناء

ص: 154

و کانت في النوع صغيرة الحجم لم تکن بينها و بين المسافر سيّما إذا کان راکباً على الجمل و غيره فرق في ذلك.

هذا و الّذي يلزم بيانه في وجه کلّ واحد من الأقوال المذکورة فنقول:

أمّا وجه القول الأوّل أي خصوص خفاء الجدران، و الثاني أي خصوص خفاء الأذان فقال الشيخ بسقوطهما لاعتبار الروايتين فلا يصحّ العمل بإحداهما و طرح الاُخرى، و لکن يمکن أن يقال: إنّه لتکافؤهما فيما يرجح به أحد المتعارضين على الآخر و البناء على التخيير في الأخذ بواحد منهما، فمن أخذ بصحيح ابن مسلم قال بخفاء الجدران، و من أخذ بصحيح ابن سِنان قال بخفاء الأذان، و لکن هذا يتمّ على فرض عدم إمکان الجمع الدلالي بينهما بقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و النصّ على الأنصّ.

وأمّا القول الثالث أي الأخذ بکليهما فوجهه تقييد منطوق کلّ منهما بمنطوق الآخر إلّا أنّ ذلك يتمّ لو کانت النسبة بين الخفاءين بالعموم من وجه لا الأعمّ و الأخصّ، فإنّ خفاء الأذان أخصّ من خفاء الجدران، فهو يتحقّق بدونه، و هذا لا يتحقّق بدونه.

وأمّا القول الرابع أي الأخذ بأحدهما فيکون برفع اليد عن مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر((1))، فإذا لم يکن المفهموم منهما معتبراً لا معارضة بين المنطوقين ولا ينفي کلّ واحد منهما الآخر و يکون مدلول کلّ منهما حجّة يجوز الاعتماد على کلّ

ص: 155


1- هذا على مسلك المتأخّرين و إلّا فعلى مسلك القدماء الاُصوليين لا تعارض بين قوله إذا خفي الأذان فقصّر و إذا خفي الجدران فقصّر.

منهما إلّا أنّ ذلك أيضاً يوجّه إذا لم يکن ربط مدلوليهما بالآخر بالأقلّ و الأکثر کما هو الحال في المقام، فإنّ خفاء الأذان يتحقّق قبل خفاء الجدران، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ لازم ذلك بعد حجّية الخبرين البناء على التخيير الواقعي بأنّ يکون مخيّراً بين القصر بخفاء الأذان أو بخفاء الجدران، و يردّ ذلك أنّ ظاهر الصحيحين دلالتهما على حدّ واحد من البعد عن المنزل، فهذا القول أيضاً ضعيف.

بيان للشيخ الحائري(قدس سره) في المسألة

ثم إنّ الشيخ الحائري(قدس سره) قال في المقام بمقالة کأنّه لم يسبقه إليها غيره فقد قال: إنّ الأخبار الّتي أشرنا إليها تدلّ على اعتبار عدم سماع أذان المصر إلّا صحيحة محمد بن مسلم فإنّها تدلّ على اعتبار التواري من البيوت، و قد عبّروا عن هذا المضمون بخفاء جدران البلد عن المسافر، و أشکل ذلك بأنّ خفاء الجدران أخصّ من خفاء الأذان غالباً، بل دائماً فلا يمکن الجمع بين الدليلين بالاکتفاء بأحد الأمرين کما هو مقتضى الشرطيّتين اللّتين يخالف منطوق کلّ منهما مفهوم الاُخری من تخصيص مفهوم کلّ منهما بمنطوق الاُخرى، کما هو الأظهر في أمثال ذلك، فإنّ ذلك إنّما هو في مورد يکون بين السببين عموم من وجه، و لکن في مثل المقام الّذي فرضنا کون خفاء الجدران أخصّ فيلغو السبب الأخصّ عن التأثير دائماً، مضافاً إلى أنَّ المقام ليس من ذلك من جهة اُخری و هو أنَّ الموجب للترخيص أمر واحد و هو البعد الخاصّ من البلد، فلا يحسن هذا الجمع الدَّلالي، و لو فرضنا أنّ بين الخفاءین عموماً من وجه، و الّذي يخطر بالبال أنّ صحيح ابن

ص: 156

مسلم جعل المعيار خفاء الشخص عن البيوت لا خفاء البيوت عنه کما فهمه المشهور، و بينهما فرق واضح إذ تواري الإنسان من البيوت أي أهلها يحصل بمقدار من البعد الّذي يخفى عليه الأذان غالباً، فهما أعني تواري الشخص عن البيوت و خفاء الأذان إنّما جعل کلّ منهما أمارة لبعد واحد، إلى آخر ما أفاد.

وفيه: کيف يکون خفاء الشخص عن البيوت أمارة للحدّ، مع أنّه غير متمکّن عن معرفة ذلك في مکانه الخاصّ.

والتحقيق في ما أفاده الشيخ الحائري(قدس سره)

ويمکن أنْ يقال: إنّ الأصل في الحدّ الابتعاد عن البلد بمقدار لا يسمع أذان البلد منه، و هذا يتحقّق في البلاد الإسلامية و عند الأوقات الشرعيّة، أمّا في غيرها و السفر من الأماکن الّتي لا يؤذّن فيها بأذان الإعلام فالاعتبار على خفاء الجدران، لا بأن يکون طريقاً لوصوله إلى البعد الخاصّ، بل لکونه طريقاً إلى اليقين بوصوله إلى الحدّ.

لا يقال: إنّ الظاهر من الروايات أنّ کلّ واحد من الخفاءين معرّف للبعد المذکور لا أنّ أحدهما طريق إلى تحقّق الآخر فهما متساويان في الطريقية والصدق على الحدّ مع أنّ خفاء الأذان يصدق بدون خفاء الجدران.

فإنّه يقال: العرف يفهم ذلك بعد توهّم التهافت المذکور بين الأمارتين من الکلام بمناسبة الحکم و الموضوع، و أنّ خفاء الأذان طريق إلى نفس الحدّ، و خفاء الجدران طريق لليقين بتحقّقه، فالأصل في الاعتبار خفاء الأذان أي البعد الّذي

ص: 157

يخفی فيه الأذان، و مع تعذّره يحرز تحقّقه بخفاء الجدران. هذا إنْ لم نقل بأنّ خفاء الجدران في تلك الأزمنة لکونها قصيرة لا يختلف عن خفاء الأذان.

و إنْ أبيت عن ذلك و قلت: لا يرفع التهافت و التعارض بينهما بما ذکر، فإنّ کلّ واحد من الصحيحين لا يقبل التقييد، فلابدّ من القول إمّا بالتخيير الواقعي بين القصر عند خفاء الأذان أو عند خفاء الجدران أو التخيير الظاهري الابتدائي بالأخذ بأحدهما أو ترجيح صحيح عبد الله بن سِنان أيضاً بالصحيح المرويّ عن «المحاسن» عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر».((1)) و لما يظهر من موثق إسحاق بن عمّار أنّ البناء على خفاء الأذان کان معروفاً بينهم، ففيه: أنّه يقول للإمام(علیه السلام): أليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الّذي خرجوا منه.((2))

والظاهر أنّ هذا هو الأقوى و البناء عليه و على التخيير الشرعي أو الظاهري موافق للاحتياط، و بعد ذلك کلّه فمهما أمکن لا يترك الاحتياط بالجمع، و الله هو العالم بأحکامه.

في حكم محلّ الترخّص في عوده من السفر

ثم إنّ ما ذکر کلّه في حکم الذهاب إلى السفر من حيث بيان أوّل مکان يجب على

ص: 158


1- البرقي، المحاسن، ج2، ص371؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص473، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح7 [11200].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص 466 467، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح11 [11186].

المسافر قصر الصلاة فيه، بقي الکلام في العود عن السفر. قال في «الجواهر»: «في عوده» من السفر لا يتمّ، بل (يقصّر حتى يبلغ) محلّ الترخّص من (سماع الأذان في مصره) أو رؤية الجدران على المشهور بين الأصحاب نقلاً و تحصيلاً، بل في «الرياض» شهرة عظيمة، بل عن «الذکرى» انّها کادت تکون إجماعاً لا نقطاع صدق السفر عرفاً عليه و اندارجه في الحاضر عند أهله و في منزله و وطنه بالوصول إلى الحدّ المزبور، و لقوله(علیه السلام) في صحيح ابن سنان السابق (وإذا قدمت من سفرك مثل ذلك) الظاهر من إرادة القصر قبل سماعه و الإتمام بسماعه، و للقطع بکون المراد من التحديد بذلك عند الذهاب الکشف عن حال المسافر واقعاً بأنّه قبل الوصول إليه مندرج في الحاضر و خارج عن إسم السفر من البلد و الضرب في الأرض منها، فلا يتفاوت بين الذهاب و الإياب في ذلك((1)) (انتهى).

ثم ذکر الکلام و الخلاف في اعتبار الخفاءين هنا معاً، و أنّه لا يرفع وجوب القصر إلّا برفعهما معاً أو يکفي رفع واحد منهما، إلى آخر ما ذکره.

ويمکن أن يقال: أنّ عمدة أدلّة القائل بخفاء الجدران و خفاء الأذان صحيحي ابن مسلم و ابن سِنان، و الأوّل مشتمل على السؤال عمّن يريد السفر متى يقصّر؟ قال: إذا توارى من البيوت. فيمکن أنْ يقال: إنّه لا يستفاد منه أزيد من حکم الذهاب إلّا بدعوى عدم الفرق بين الإياب و الذهاب في ذلك کما سمعت من «الجواهر»، و الثاني صدره، و إن کان بالإطلاق يشمل حال الإياب کما يشمل حال الذهاب إلّا أنّ بقرينة ذيله يفهم أنّ صدره بيان لحکم الذهاب،

ص: 159


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص299.

و کيف کان فهو نصّ في حکم الإياب، بمعنى أنّه لا يجوز التمام قبل سماع الأذان و يجب البقاء على القصر قبل سماعه.

ويدلّ عليه أيضاً صحيح حمّاد عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر».((1)) الظاهر في حکم المسافر إياباً.

فعلى هذين الصحيحين يفترق حکم الإياب من الذهاب و يختصّ الإياب بالأذان.

وفي قبال هذه الروايات: الروايات الّتي تمسّك بها في «الحدائق» منها: صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا يزال المسافر مقصّراً حتّى يدخل بيته».((2)) و موثق معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أهل مکّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا».((3)) و صحيح إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يکون مسافراً ثم يقدّم فيدخل بيوت الکوفة، أيتمّ الصلاة أم يکون مقصّراً حتّى يدخل أهله؟ قال: «بل يکون مقصّراً حتّى يدخل أهله».((4))

ص: 160


1- البرقي، المحاسن، ج2، ص371؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص473، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح7 [11200].
2- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص242؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص222؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص475، ب7، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11207].
3- الکلیني، الکافي، ج4، ص518؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، ص488؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص474، ب7، من أبواب صلاة المسافر، ح1[11204].
4- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص474، ب7، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11206].

بيان بعض الأعلام و التحقيق في المسألة

وهذه الروايات تدلّ على أنّ المسافر إذ رجع إلى وطنه يقصّر حتى يدخل أهله أو بيته. و قد أفاد بعض الأعلام في ردّ التمسّك بها أنّها مقطوعة البطلان في أنفسها حتى مع قطع النظر عن المعارضة؛ ضرورة أنّ التقصير خاصّ بالمسافر و لا يعمّ غيره ممّن لم يتلبّس بهذا العنوان، و لا شكّ أنّ المسافر لدى رجوعه عن السفر يخرج من هذا العنوان بمجرّد دخول البلد سواء أَ دَخل منزله أم لا ، إذ الاعتبار في السفر بالسير من البلد إلى البلد لا من البيت إلى البيت (إلى أن قال) فلا مناص من طرح هذه الروايات أو حملها على التقيّة لموافقتها العامة، کما احتمله صاحب «الوسائل»،((1)) فهي ساقطة عن درجة الاعتبار في أنفسها.

أقول: هذا الاستدلال في غاية الضعف و من أظهر مصاديق الإجتهاد قبال النصّ، فمن اطّلعنا على أنّ التقصير خاصّ بالمسافر إلى حدّ الترخّص لا إلى البلد و لا إلى البيت؟

والأحکام التعبّدية حکمتها الکبرى صيرورة عباد الله بالعمل بها متعبّدين مخلصين، و أمرها سعة و ضيقاً بيد الشارع عزّ إسمه ليس للعبد فيها إلّا القبول و التسليم، فکما له عزّ اسمه و تعالى جدّه أن يتعبّدنا بالقصر في الصلاة إلى حدّ الترخّص، له أن يتعبّدنا به إلى أن ندخل البيت. نعم حمل هذه الروايات للتعارض الواقع بينها و بين الصحاح الّتي عمل بها الأصحاب على التقيّة کما احتمله صاحب «الوسائل» في محلّه، فإنّ أصحاب المذاهب الأربعة العاميّة

ص: 161


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص475.

اتّفقت على عدم اعتبار ما في فقهنا من حدّ الترخّص، فيجب على المسافر القصر قبل بلوغ بلده، و المکان الّذي خرج منه، و يتمّ بدخوله بلده و وطنه.

على کلّ ما ذکر فلا ريب في أنّ ما هو الحجّة في المسألة صحيح ابن سِنان و صحيح حمّاد، و أمّا خبر «المحاسن» المرويّ عن حمّاد عن أبي عبد الله(علیه السلام) على ما في «الوسائل»، و عن حمّاد عن رجل عنه(علیه السلام) کما في «المحاسن» المطبوع، و في «الحدائق». قال: «المسافر يقصّر حتى يدخل المصر»((1)) فمضافاً إلى ضعف سنده فيمکن أن يکون المراد منه من دخول المصر الدخول إلى داخل حدّ الترخّص ممّا يعدّ الدخول فيه دخول المصر.

وبالجملة، ليس نصّاً في خلاف الصحيحين، و مقتضى الجمع بينه و بينهما بحمل الظاهر على الأظهر إرادة الدخول في جوانب البلد، و الله هو العالم.

هل يكفي في عدم سماع الأذان كونه متميّزاً من غيره

مسألة: هل يکفي في عدم سماع الأذان و خفائه کونه متميّزاً من غير الأذان، و إنْ لم تتميّز فصوله بعضها من بعض؟ ربما يقال بکفاية ذلك؛ لصدق سماع الأذان، و أمّا إذا لم يکن متميّزاً من غيره فلا يحصل العلم بخفائه، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه ليس لسماع الأذان أو خفائه موضوعية خاصّة للحکم، فإن کان الصوت المسموع من المکان الّذي يسمع منه الأذان يکفي، و إن احتمل انّه غير

ص: 162


1- البرقي، المحاسن، ج2، ص371؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص473، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح8 [11201].

الأذان، بل علم بکونه غير الأذان. نعم، إن شكّ في کونه أذاناً أو غيره لعدم تساويه مع الأذان في البعد عن البلد لا يعتدّ به.

وبالجمله، فإذا سمع صوتاً غير الأذان کتلاوة القرآن أو الدعاء و المناجاة يعلم أنّه لو کان الأذان أيضاً يسمعه، فيکفي خفاؤه في وجوب القصر عند الذهاب و سماعه في وجوب التمام عند العود و الإياب.

مسألة: هل المراد من الأذان مطلق الأذان و إن کان من آخر البلد أو يلزم أن يکون من وسط البلد أو من أوّل البلد. يمکن أن يقال: المعتبر کونه من آخر البلد، فإذا خفي عنه أذان أوّل البلد أو وسطه و هو يعلم انّه لو کان من آخر البلد يسمعه لا يکفي في وجوب القصر. و احتمال کون المراد من الأذان في قوله(علیه السلام) تسمع فيه الأذان و لا تسمع فيه الأذان أذان خاصّ بعيد، نعم الظاهر أنّ المراد منه الأذان الّذي يرفعون الصوت به کأذان الإعلام، و الله هو العالم.

هل يعمّ اعتبار حدّ الترخّص بالنسبة إلى محلّ الإقامة أو محلّ ثلاثين يوماً

مسألة: هل اعتبار حدّ الترخّص مختصّ بالوطن ذهاباً و إياباً إليه أو يعمّ محلّ الإقامة، بل و المکان الّذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً، فالکلام يقع في موارد.

المورد الأوّل: إذا خرج من محلّ الإقامة قاصداً المسافة الشرعيّة، فهل يقصّر بمجرّد الخروج منه أو بعد الوصول إلى حدّ الترخّص منه؟ فإن قلنا بأنّ الحکم بوجوب التمام في محلّ الإقامة يکون لتبدّل الموضوع و صيرورة المسافر حاضراً منقطعاً عن السفر.

ص: 163

وبعبارة اُخرى، کان خروج المقيم عن تحت عموم ما يدلّ على وجوب القصر على المسافر بالتخصّص و بالموضوع لا بالتخصيص، فيمکن أن يقال: بشمول قوله في صحيح ابن مسلم الرجل يريد السفر متى يقصّر. فإنّ المقيم على هذا حاضر عند العرف و يصير مسافراً إذا قصد المسافة، فهو يريد إنشاء السفر کمن کان المکان موطنه يريد أن ينشئ السفر، اللّهمّ إلّا أنْ يقال: إنّ الظاهر منه الرجل الّذي يريد السفر من موطنه.

وأمّا إنْ قلنا بالتخصيص و أنّ المقيم مسافر خارج عن تحت عموم ما دلّ على وجوب القصر على المسافر بالتخصيص و الدليل الخاصّ، فلا يشمله قوله: الرجل يريد السفر، لأنّه مسافر محکوم بحکم الحاضر إلّا أنْ يقال: إنّ المراد منه الرجل الّذي يجب عليه التمام سواء کان خارجاً عن حکم التقصير بالتخصيص أو التخصّص و ذلك بمفهموم المساواة و عدم الفرق بين من يجب عليه التمام من جهة کونه حاضراً في وطنه أو من جهة خروجه عن تحت عموم وجوب القصر على المسافر، فکأنّه سُئل متى يقصّر المتمّ، و لکن هذا لا يخلو من التکلّف، فالقدر المتيقّن من السؤال في الصحيح غير المقيم، فتأمّل.

وقد يستدلّ برواية حمّاد عن أبي عبد الله(علیه السلام) کما في «الوسائل»((1))، و عن رجل عنه(علیه السلام) کما في «الحدائق» و«المحاسن» قال: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر».

وفيه: أوّلاً: أنّها ضعيف السند بالإرسال و لا أقلّ من احتماله، مضافاً إلى تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.

ص: 164


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص473، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح7 [11200].

وثانياً: أنّها تدلّ على الوظيفة عند الوصول إلى المقصد لا من حين الشروع و ابتداء السير کما هو واضح، و استدلّ أيضاً لاعتبار حدّ الترخّص في الخروج من محلّ الإقامة بصحيح ابن سِنان((1)) حيث قال فيه: «إذا کنت في الموضع الّذي تسمع فيه الأذان فأتمّ، و إذا کنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر»، فإنّه بالإطلاق يدلّ على أنّ الّذي يجب عليه القصر في السفر يتمّ مادام هو لم يبتعد من ابتداء سيره بمقدار لا يسمع فيه الأذان.

وبعبارة اُخری إذا کان في سيره يسمع الأذان يتمّ، و إذا وصل من المکان الّذي شرع منه السير لقطع المسافة إلى مکان لا يسمع فيه الأذان يقصّر، و ذلك لا يختصّ بالوطن و يشمل محلّ الإقامة أيضاً إلّا أنْ يقال: إنّه يردّ دعوى الإطلاق قوله: و «إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك».((2))

فإن قلت: إذا کانت الإقامة على الأقوى قاطعة لحکم السفر و موجباً لوجوب التمام على القاصد لها من باب التخصيص و الخروج الحکمي لا التخصّص و الخروج الموضوعي، فمقتضى الأصل أي استصحاب وجوب التمام اعتبار حدّ الترخّص و وجوب القصر عند خفاء الأذان و الجدران على التفصيل المذکور في إنشاء السفر من الوطن.

وفيه: بغضّ النظر عن الإشکال الّذي أورد على الاستصحاب الحکمي أنّ الرجوع إلى استصحاب حکم الخاصّ يتمّ إذا کان مفاد الخاصّ إخراج فرد في

ص: 165


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص472، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11196].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص472، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11196].

زمان مع السکوت عمّا بعده مع عدم عموم زماني للعامّ، فيستصحب حکم الخاصّ، أمّا إذا کان مفاد الخاصّ تقييد العامّ بعنوان خاصّ ملازم للزوال و زال ذلك العنوان، فاللازم الأخذ بإطلاق العامّ و إن لم يکن للعام عموم زمانيٌّ. ففيما نحن فيه العامّ وجوب القصر على المسافر و الخارج عن تحته الواجب عليه التمام المقيم في مکان عشرة أيّام، فإذا زال عنوان المقيم عن المسافر بالخروج عن محلّ الإقامة لا يجوز استصحاب حکم التمام، لأنّه کان دائراً مدار بقاء العنوان، و أمّا عموم مثل قوله تعالى: ﴿وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾((1)) و إن لم يکن له عموم أزماني يشمل بالإطلاق کلّ ضارب في الأرض، و من يريد طيّ المسافة، فيجب على المريد المسافة من محلّ الإقامة القصر من أوّل ما يتلبّس بالسير و الخروج عن محلّ الإقامة.

فإنْ قلت: مقتضى التنزيل المذکور في صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مکّة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتمّ الصلاة، و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى

ينفر».((2)) العموم فيثبت به جميع أحکام الوطن للمقيم عشرة أيّام في غيره.

وفيه: أنّه قد أفاد الشيخ الحائري(قدس سره)((3)) أنّ غاية ما يستفاد منه أنّه يجب على

ص: 166


1- النساء، 101.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص464، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11178].
3- الحائري، کتاب الصلاة، ص624 625.

المقيم بمکّة عشرة أيّام التمام، و أنّه يجب عليه القصر إذا أنشأ السفر فلا يتوهّم أنّ تکليفه في مکّة القصر، و ليس في مقام بيان حکم آخر. و إن شئت قلت: ليس ظاهراً في أزيد من ذلك.

وأيضاً أجاب عنه بعض الأعلام من المعاصرين: بأنّها مهجورة لا يمکن العمل بها حتى في موردها و هو مکّة فضلاً عن التعدّي إلى غيرها لتضمّنها ما لم يقل به أحد من الأصحاب، حيث حکم(علیه السلام) أوّلاً بالتقصير إذا خرج إلى منى، و هذا ظاهر لکونه قاصداً لعرفات الّتي هي مسافة شرعيّة، و أمّا حکمه بالتمام لدى عودته إلى مکّة، و کذا في رجوعه إلى منى حتى ينفر الّذي هو بمقدار فرسخ، فلم ينقل القول به عن أحد، إذ بعد السفر عن مکّة يسقط حکم الإقامة لما عرفت من أنّ الفصل بين مکّة و منى فرسخ واحد، و محلّ الإقامة إنّما تکون بمنزلة مکّة مادام مقيماً لا بعد الخروج و إنشاء السفر ثم العودة إليه، فالرواية مهجورة و على تقدير العمل بها لکونها صحيحة يقتصر على موردها و هو مکّة فيلتزم بأنّ المقيم فيها بمنزلة أهلها من جميع الجهات فبأيّ دليل يتعدّى منها إلى غيرها، فلابدّ في الحکم المخالف لمقتضى القاعدة من الاقتصار على مورد النصّ.

والمورد الثاني: ما إذا أراد الدخول على مکان عزم بالإقامة فيه عشرة أيّام أو أکثر فهل حکمه في وجوب التمام عند دخوله إلى حدّ الترخّص کالّذي يريد الدخول إلى وطنه؟ الظاهر أنّه ليس ملحقاً به، و هذا أولى بعدم اللحوق من الّذي ينشأ السفر من محلّ الإقامة.

والمورد الثالث: ما إذا بقي متردّداً ثلاثين و وجب عليه التمام، فإنّه مثل المقيم

ص: 167

العشرة محکوم بحکم الحاضر و إنْ لم يخرج بذلك عن صدق عنوان المسافر عليه، فلا دليل على وجوب التمام عليه قبل وصوله إلى حدّ الترخّص لأنّه مسافر يجب عليه التقصير، اللّهمّ إلّا أنْ نقول بأنّه بعد الثلاثين يجب عليه التمام لخروجه عن عنوان المسافر موضوعاً لا

حکماً، و قد عرفت أنّ الظاهر أنّه خارج عن حکم التقصير بالتخصيص.

فإن قلت: إنّ إلحاق المقيم بمکّة متردّداً دخولاً و خروجاً إلى الّذي يخرج من وطنه و يعود إليه، مقتضى عموم التنزيل المستفاد من صحيح إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن أهل مکّة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «نعم، و المقيم بمکّة إلى شهر بمنزلتهم».((1))

وفيه: أنّ الظاهر منه مجرّد بيان أنّ المقيم إلى شهر إذا زار البيت يجب عليه التمام کأهل مکّة، و هذا حکم يختصّ بالمقيم بمکّة إلى شهر لأنّه بعد ما ذهب إلى عرفات و رجع إلى مکّة يکون مسافراً فيه، إلّا أن يقصد المقام فيه عشرة أيّام، و لم يقل بوجوب التمام على غير المقيم بمکّة إن لم يکن قاصداً للإقامة أحد، فإذا لا يتعدّى منه إلى غيره في ما هو ظاهر اللفظ فکيف يتعدّى منه بدعوى دلالته على حکم الترخّص للمقيم، ثم التعدّى عنه إلى غير المقيم بمکّة.

وبالجملة، الاستدلال به لحدّ الترخّص بالنسبة إلى المتردّد ثلاثين يوماً ساقط جدّاً.

ص: 168


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، ص487؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص472، ب6، من أبواب صلاة المسافر، ح6 [11199].

بيان الشيخ الحائري(قدس سره) في المسألة

هذا و لکن المحقّق الحائري(قدس سره) أفاد في حکم الخروج عن محلّ الإقامه: بأنّ الفرق بين دليل الحاکم و المحکوم و دليل العامّ و الخاصّ أنّ العرف لا يرى بين دليل الحاکم و المحکوم المعارضة کما بين دليل الخاصّ و العامّ، فإنّهم يرون بين دليليهما المعارضة و إنّما يقدّمون الخاصّ على العامّ لمکان أظهريّة دليله من دليل العامّ، فلو کان هناك للخاص فردان يکون ظهوره بالنسبة إلى أحدهما أقوى من ظهور العامّ بالنسبة إليه، و ظهوره بالنسبة إلى الآخر أضعف من ظهور العامّ بالنسبة إليه کما في المقام، فاللازم تقديم الخاص في خصوص فرده الّذي يکون ظهوره فيه أقوى من ظهور العامّ بالنسبة إليه، لا تقديمه على العامّ مطلقاً و لو بالنسبة إلى الفرد الّذي يکون ظهور العامّ فيه أقوى من ظهور الخاصّ بالنسبة إليه. و أمّا بالنسبة بل يقدّم الحاکم و لو کان ظهور دليله من أضعف مراتب الظهور على المحکوم، و لو کان ظهور دليله من أقوى مراتب الظهور.

وعلى هذا يمکن أنْ يقال: إنّ تقديم أدلّة وجوب التمام على المسافر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص على أدلّة وجوب القصر على المسافر ليس من باب التخصيص؛ إذ فيها ما يکون ناظراً إلى أدلّة وجوب القصر و حاکماً عليها کصحيحي محمد بن مسلم و ابن سِنان، فإنّ قوله في الأُولى: «قلت له: رجل يريد السفر متى يقصّر» و في الثانية «سألته عن التقصير»، ناظر إلى أدلّة وجوب التقصير على المسافر و أنّ وجوبه متى يثبت عليه، فتبيّن ممّا ذکر أنّ إلحاق محلّ الإقامة بالوطن في اعتبار حدّ الترخّص خروجاً هو الأقوى لما عرفت من شمول

ص: 169

أدلّة اعتباره للمقيم أيضاً،((1)) انتهى.

هذا ما أفاده في إلحاق محلّ الإقامة بالوطن في اعتبار حدّ الترخّص خروجاً، و أمّا الکلام فيه دخولاً فالمحقّق الحائري ذکر أوّلاً ما استدلّ به من الروايات و الجواب عنه مفصّلاً (إلى أن قال): و لکن مع ذلك يمکن القول بالإلحاق وفاقاً لجمع من الأساطين. و يتوقّف توضيح ذلك على مقدّمتين، و ذکر في المقدّمة الأُولى أنّ مبدأ المسافة عرفاً و شرعاً خطّة بلد المسافر و آخره لا منزله، و ذکر وجه ذلك حسب العرف و الشرع، و ذکر في المقدّمة الثانية أنّه لا شبهة في أنّ مقداراً من أطراف البلد يعدّ عرفاً جزءاً له، و لذا نرى أنّهم إذا وصلوا إلى خان أو بستان واقع خارج البلد قريباً منه يقولون وصلنا إلى البلد، إلّا أنّه لمّا لم يکن هذا المقدار مضبوطاً عند العرف يقع مورد الشكّ، فيحتمل أنْ يکون تحديد الشارع ذلك المقدار بمحلّ الترخّص ليکون الضابطة نظير تحديد الماء الکثير الّذي لا يستقذر بملاقاة النجاسة بالکرّ فيدور الأمر بين أنْ يکون وجوب التمام على المسافر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص من باب الحکومة الّتى مرجعها إلى التخصيص و الخروج حکماً عن أدلّة وجوب القصر على المسافر أو من باب التخصّص و الخروج موضوعاً، و قد حقّقنا في محلّه أنّه إذا دار الأمر بين التخصيص و التخصّص يکون مقتضى أصالة العموم في العامّ تعيين الثاني، فنقول في المقام أيضاً: إنَّ مقتضى أصالة العموم في أدلّة وجوب القصر على المسافر هو کون وجوب التمام عليه قبل الوصول إلى حدّ الترخّص من باب التخصّص، و کون ما

ص: 170


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص625.

قبل حدّ الترخّص جزءاً للبلد و لو بتحديد الشارع فيکون القاصد للإقامة في بلد بمجرّد وصوله إلى حدّ الترخّص من ذلك البلد وارداً في محلّ الإقامة فيجب عليه التمام حينئذ، فتدبر جيداً،((1)) انتهى.

أقول: قوله: قبل الوصول إلى حدّ الترخّص من باب التخصّص، و کون ما قبل حدّ الترخّص جزءاً للبلد يصحّ بالنسبة إلى الخروج من محلّ الإقامة و هو الصورة السابقة، أمّا بالنسبة إلى الدخول إلى المحلّ الّذي عزم بالإقامة فيه، فالصحيح بعد الوصول إلى حدّ الترخّص من باب التخصّص، و کون ما بعد حدّ الترخّص جزءاً للبلد.

ثم بعد ذلك کلّه فالجزم بأحد الطرفين في هذه المسائل خلاف الاحتياط، فلا ينبغي ترکه حسب الموارد إمّا تماماً أو قصراً أو بالجمع بينهما، و الله هو العالم، و لا حول و لا قوّة إلّا بالله.

في مسألة الشكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص

مسألة: قال في «العروة»: إذا شكّ في البلوغ إلی حدّ الترخّص بنی علی عدمه، فيبقی علی التمام في الذهاب و علی القصر في الإياب.((2))

أقول: هذا معلوم بحسب نفس الفرض و عدم وقوع صلاته في الذهاب و الإياب في نقطة واحدة، و أمّا إذا وقع کذلك فإن کان عالماً بذلك عن أوّل الأمر فالاستصحابان يتساقطان بالتعارض، فلابدّ من الاحتياط، و إن لم يعلم بذلك

ص: 171


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص625 628.
2- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص465 466.

و اتّفق له الشكّ في الإياب عند الوصول إلی تلك النقطة يحصل له العلم الإجمالیّ فتبطل إحدی الصلاتين.

وهذا علی القول بعدم إجزاء الحکم الظاهری عن الواقعي علی المسلك المشهور، و إلّا يمکن أن يقال: إنّ مفاد دليل الحکم الظاهري إن کان تحقّق ما هو الشرط أو الشطر للمأمور به کالسورة أو الطهارة للصلاة، يکون مرجعه کون مدلوله هو فرداً من أفراد المأمور به في حال الجهل بذلك، فهو في حال الذهاب مأمور بالتمام، و في حال الإياب مأمور بالقصر، أي هو مأمور بالصلاة بعنوانها الکلّي الّذي له أفراد متمايزة بعضها عن البعض حسب حالات المکلّف. و هذا يکون مثل من کان في هذه النقطة عند الذهاب عاجزاً عن الصلاة قائماً فصلّی جالساً و في حال الإياب صار متمکّناً من القيام و صلّی قائماً، و تمام البحث في ذلك في الاُصول.

وأمّا علی القول بعدم الإجزاء فإن اتّفق له الشكّ المذکور في الإياب أيضاً فإن کان في الوقت و صلّی تماماً في أوّل الوقت الظهر، و عند الإياب أراد الإتيان بالعصر قصراً عملاً بالاستصحاب، يعلم إجمالاً إمّا بطلان الظهر أو العصر، و لا يجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلی الظهر لأنّها إنّما تجري في الشكّ فيما يجب علی المکلّف من الجزء أو الشرط، لا ما ليس تحت اختياره، مثل کون هذا المکان مصداقاً لحدّ الترخّص، فمقتضی العلم بالتکليف و لزوم العلم بالفراغ الاحتياط، و إنْ کان بعد خروج الوقت کأن کان قد صلّی الظُّهرين ثم رجع من سفره في الليل و شكّ في وصوله إلی حدّ الترخّص، فمقتضی الاستصحاب عدم

ص: 172

الوصول و وجوب القصر و هو معارض لاستصحاب عدم الوصول إلی حدّ الترخّص عند الشروع في السفر.

فإنْ قلنا في مسألة الصلاة تماماً بدل القصر جهلاً بالحکم علی إجزاء التمام بدل القصر مطلقاً، و إن لم يکن جهله مقصوراً بأصل الحکم، و کان جاهلاً ببعض تفاصيل الحکم فلا تعارض في البين، و لا العلم الإجمالي بالبطلان، فيجري استصحاب عدم الوصول إلی حدّ الترخّص و وجوب القصر بلا مزاحم في البين. نعم علی البناء علی إجزاء الصلاة تماماً عن القصر في خصوص ما إذا کان جاهلاً بأصل الحکم يقع التعارض بين الاستصحابين و يتساقطان، فلابدّ من الرجوع إلی ما يقتضيه الأصل، فبالنسبة إلی الصلاة الأُولی الّتي وقع الشكّ في صحّتها بعد خروج الوقت يمکننا أنْ نقول بعدم وجوب الاحتياط بقضائها قصراً لأنَّ القضاء بأمر جديد و موضوعه الفوت و هو غير محرز لا بالوجدان لإمکان کون التکليف واقعاً التمام، و لا بالأصل لعدم أصل هنا يحرز به الفوت، و أمَّا بالنسبة إلی الثانية فمقتضی قاعدة الاشتغال الإتيان بها علی النحو المؤمّن من العقاب، و هو لا يتحقّق إلّا بالجمع أو التأخير إلی أن يقطع بوصوله حدّ الترخّص.

ولا يقال: لم لا يبنی علی استصحاب عدم الوصول؟ فإنَّه يقال: قد عرفت سقوطه بالمعارضة، و الله هو العالم.

ص: 173

دفع توهّم في المسألة

تذکرة: لا يخفى عليك أنّه ربما يتوهّم هنا جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الصلاة السابقة أو قاعدة الحيلولة.

واُجيب عن الأوّل: باختصاصها باحتمال الخلل المستند إلى الفعل

الاختياري المفقود هنا.

وعن الثاني: باختصاصها بالشكّ المتعلّق بأصل إتيان الصلاة دون من علم بأنّه صلّی و شكّ في صحّتها، فلا ينحلّ العلم الإجمالی بالعلم التفصيلي، و الشكّ البدوي، و على القول بکون مدلول قاعدة الحيلولة أعمّ من الشكّ في أصل الإتيان و الشكّ في صحّتها أجاب عنه بعض المحشّين بتعارضها قاعدة الفراغ، و الله هو العالم.

في حكم من شرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنيّة التمام ثم في الأثناء و صل إليه

مسألة: قال في «العروة»: إذا کان في السفينة أو العربة فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنيّة التمام ثم في الأثناء وصل إليه فإن کان قبل الدخول في قيام الرکعة الثالثة أتمّها قصراً و صحّت، بل و کذا إذا دخل فيه قبل الدخول في الرکوع و إن کان بعده فيحتمل وجوب الإتمام لأنّ «الصلاة على ما افتتحت»، لکنّه مشکل، فلا يترك الاحتياط بالإعادة قصراً أيضاً.

وإذا شرع في الصلاة في حال العود قبل الوصول إلى الحدّ بنيّة القصر ثم في الأثناء و صل إليه أتمّها تماماً و صحّت، و الأحوط في وجه إتمامها قصراً ثم إعادتها تماماً.((1))

ص: 174


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص464 467.

أقول: أمّا في الصورة الأُولى وجه إتمامها قصراً شمول خطاب: «إذا کنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر». کما في صحيح عبد الله بن سِنان، و وجه الاحتمال في الصورة الثانية أي إذا وصل إلى حدّ الترخّص بعد الدخول في رکوع الرکعة الثالثة فهو ما ذکره من أنّ «الصلاة على ما افتتحت».

ولعلّ وجه الإشکال فيه أنّه منصرف عن ذلك، بل مورده غير ذلك، فعلى ذلك يعمل بالإحتياط يتمّ ما بيده و يأتي بها قصراً أيضاً. و وجه إتمامها تماماً في صورة العود إنْ وصل إلى حدّ الترخّص أيضاً قوله(علیه السلام): «إذا کنت في الموضع الّذي تسمع فيه الأذان أتمّ». و وجه الاحتياط بإتمامها قصراً ثم إعادتها تماماً ما ذکره من أنّ «الصّلاة على ما افتتحت»، و أنّ بالإعادة تماماً يحصل له اليقين بفراغة الذمّة.

وقال بعض المحشّين: بل إتمامها تماماً ثم إعادتها تماماً، و وجهه أقوائيّة وجوب التمام من احتمال إتمامها قصراً، و نحوه قال بعضهم الآخر: لا وجه لهذا الاحتياط على مسلکه(قدس سره) من الحکم بصحّة الصلاة

تماماً و بحرمة إبطال الفريضة اختياراً، بل الأحوط فيه إتمامها تماماً ثم إعادتها کذلك.

ويمکن أن يقال: إنّ دليل حرمة الإبطال الإجماع، و القدر المتيقّن منه غير ما کان الأمر دائراً بين الإبطال و عدمه، مضافاً إلى أنّ إتمامها تماماً و إعادتها کذلك و إن کان فيه رعاية للاحتياط من وجه إلّا أنّه خلاف الاحتياط من وجه آخر، و هو ترك المأمور به الواقعي المحتمل.

ص: 175

تحقيق في بيان سيّدنا الاُستاذ البروجردي

ثم لا يخفى عليك، أنّه يظهر من سيّدنا الاُستاذ الأعظم أفاض الله على روحه الطاهرة من سحائب رحمته الاستشکال في الاستدلال بصحيح بن سِنان بدعوى إنصرافه عن مثل هذا الفرض، و أنّ المتبادر منه ثبوت القصر على من وقعت جميع صلاته في السفر و في الموضع الّذي لا يسمع فيه الأذان، فالرواية إمّا أنْ تکون في مقام بيان تکليف من أتى بالرکعتين الأوّلتين و تردّد في أنّ تکليفه إتمام الصلاة ثنائية أو رباعيّة فقال: إن کنت تسمع الأذان فأتمّها ثنائية، أو أنّه يستفاد منها بيان حکم من يريد الشروع في الصلاة، و الظاهر منها هو الثاني، و حملها على الأعمّ خلاف الظاهر، فلابدّ من الرجوع إلى الأصل، و قد عرفت مکرّراً فيما تلوناه عليك أنّ ما هو الأصل في الصلاة الرباعية. و حکي(قدس سره) عن «التذکرة» اختيار هذا حيث قال فيه: لو أحرم في السفينة قبل أن تسير و هو في الحضر ثم سارت حتى خفي الأذان و الجدران لم يجز له القصر لأنّه دخل في الصلاة على التمام، انتهى.

فعلى ما أفاد الاُستاذ يکون وظيفته التمام إذا دخل في الصلاة في الحضر و بلغ حدّ الترخّص في أثناء الصلاه و إن کان قبل الدخول في الرکعة الثالثة، کما أنّ وظيفته التمام أيضاً إذا دخل في الصلاة و هو في السفر و وصل إلى حدّ الترخّص في أثناء الصلاة لا لقوله(علیه السلام): «إذا کنت تسمع الأذان فأتمّ». لأنّه منصرف عن ذلك، بل لحکم الأصل وأنّ الواجب بالأصل الصلاة الرباعية. و يمکن الاستشهاد لخصوص الصورة الثانية بما في «الفقيه» عن عليّ بن يقطين أنّه سأل أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في الإقامة و هو في الصلاة؟

ص: 176

قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة».((1)) و نحوه أو مثله في «التهذيب» عن محمد بن

سهل عن أبيه قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) الحديث.((2)) و ذلك بمعونة مفهوم المساواة و عدم الفرق عند العرف في الحکم بين المسافر الّذي تبدو له الإقامة في الصلاة، و بين من يبلغ حدّ الترخّص و هو في الصلاة. نعم لا يرى العرف ذلك في عکس ذلك أي المسافر الّذي يخرج في السفر و يشرع في الصلاة و هو فيما دون حدّ الترخّص و يصل إليه أثناء الصلاة، و الله هو العالم.

أقول: کون مراد العلّامة ما أفاده(قدس سره) غير ظاهر لتعليله عدم جواز القصر بأنّه دخل في الصلاة على التمام.

ثم إنّه ممّا يلحق بمسألتنا هذه ما إذا دخل المتردّد في الإقامة و عدمها في الصلاة، و في أثناء الصلاة تمّ منه البقاء ثلاثون يوماً متردّدا فعليه إتمام الصلاة، لأنّ الأصل في تشريع الصلاة الرباعية کما أنّه يمکن لذلك الاستدلال برواية عليّ بن يقطين بإلغاء الخصوصيّة و عدم الفرق في الموضوعيّة للحکم بين ما إذا بدت له الإقامة في الصلاة، و بين تکميل الثلاثين في الأثناء.

ومنها: ما إذا دخل المسافر الّذي قصد الإقامة في الصلاة بنيّة التمام ثم بدا له العدول إلى عدم الإقامة، فهو کراکب السفينة حاضراً إذا دخل حدّ الترخّص في الأثناء، و الله هو العالم.

ص: 177


1- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص446؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص511، ب20، من أبواب صلاة المسافر، ح1و2 [11310- 11311].
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص224.

مسألة: من اعتقد الوصول إلى حدّ الترخّص و صلّی قصراً ثم بان له عدم ذلك يجب عليه أن يأتي بما هو تکليفه حال انکشاف ذلك، فإنْ هو وصل في هذا الحال إلى الحدّ يعيدها قصراً، و إنْ لم يصل يعيدها تماماً، و إنْ ذکر ذلك بعد الوقت يقضيها قصراً إنْ خرج الوقت بعد وصوله إلى حدّ الترخّص و إلّا تماماً إنْ خرج الوقت قبل وصوله، و في العود أيضاً يعيد أو يقضيها على هذا الاعتبار، فإنْ هو ذکر ذلك في الوقت بعد وصوله إلى الحدّ يعيدها تماماً و إلّا فقصراً. و إنْ ذکر ذلك بعد الوقت، فإنْ خرج الوقت و هو دون الترخّص يقضيها قصراً و إلّا فتماماً.

وقد يقال بالتفصيل بين ما إذا کان انکشاف عدم الوصول إلى الحدّ في الوقت بالقصر أو الإتمام، و ما إذا کان بعد الوقت فلا يجب القضاء مطلقاً.

وتمام الکلام فيه يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.

في حكم من سافر من وطنه و جاز حدّ الترخّص ثم وصل إلى ما دونه في أثناء

الطريق

مسألة: من سافر من وطنه و جاز حدّ الترخّص ثم في أثناء الطريق وصل إلى ما دونه و ذلك إمّا لکيفيّة الطريق أو لعروض حاجة توجب الرجوع إلى ما دون الحدّ فهنا مسائل:

الأُولى: أن يکون ذلك لکيفيّة في الطريق لابدّ للمسافر من العبور إلى مکان يسمع فيه أذان وطنه، ففي هذه الصورة يتمّ صلاته في هذا المکان لإطلاق قوله(علیه السلام): «إذا کنت في مکان تسمع فيه الأذان فأتمّ».

وأمّا بالنسبة إلى وصوله إلى حدّ الترخّص قبل ذلك حتى رجع إلى ما دون

ص: 178

الحدّ، فهل يمکننا أن نقول بوجوب القصر عليه أيضاً لإطلاق قوله(علیه السلام): «إذا کنت في مکان لا تسمع فيه الأذان فقصّر». أو نقول: بأنّ المخاطب إذا کان عالماً بمکان يسمع فيه الأذان فهو عالم بالمرور بالوطن قبل طيّ المسافة لا يکون مسافراً بالسفر الشرعي فيجب عليه التمام.

ويمکن أنْ نقول: بأنّه لا اعتبار بوصوله إلى الحدّ إذا کان في طريقه إلى مقصده، فهو يبني على حدّ الترخّص المتعارف و يقصّر الصلاة منه حتى في مکان يصل إلى الحدّ في الطريق، و هکذا في الرجوع، فإنّ الاعتبار على الحدّ المتعارف الّذي يسمع منه أذان البلاد إلى وروده في منزله، لا الحدّ الّذي ينقطع بعده سماع الأذان.

الثانية: مقتضى ما ذکر عدم اعتبار المسافة بين حدّ الترخّص الثاني و المقصد، فيکفي تحقّقها بضمّ ما قطعه من المبدأ.

الثالثة: إذا رجع إلى عين الحدّ الّذي جاز عنه لعروض حاجة له، فهذا بمنزلة العدول من السفر، فإنْ عاد إليه فهو إنشاء سفر جديد.

الرابعة: في المسافة إذا کانت دوريّة و ابتعد في ابتداء السير عن الوطن إلى حدّ الترخّص يقصّر بعد الوصول إلى حدّ الترخّص و إنْ مرّ بعده في الأثناء إلى مکان يسمع فيه أذان وطنه، فالعبرة بوصوله إلى حدّ الترخّص الّذي يبتعد به عن وطنه في رحله و ترحاله إليه، والله هو العالم.

ص: 179

ص: 180

الباب الثاني: الکلام في قواطع السفر موضوعاً أو حکماً

اشارة

ص: 181

ص: 182

الفصل الأوّل: منها: عدم المرور على الوطن

اشارة

فمنها: المرور على الوطن فإنّ السفر ينقطع به و يصير المسافر به حاضراً و لا ريب فيه، و لا يمکن نفيه، فهو أمر واقعيّ لا ينقلب عمّا يقع عليه، فالّذي هو في موطنه ليس في خارجه، و هذا مورد اتّفاق الفقهاء مضافاً إلى دلالة النصوص الکثيرة عليه، و لا فرق في ذلك بين الوطن الأصلي أي ما کان مسقط رأسه و مقرّه من أوّل أمره و الوطن المستجدّ أي المکان الّذي اتّخذه مقرّاً. فالمعيار في صدق الموطن و الوطن کون قرار الشخص و سکونته في مکان على نحو لا ينتقل منه إلى مکان آخر.

وبعبارة اُخرى: لا يبدله بمکان و بلد آخر إلّا بإزعاج مزعج، سواء کان وطنه الأصلي أو المستجدّ. و لا يعتبر نيّة البقاء فيه إلى آخر العمر. نعم في الوطن المستجدّ إذا کان ناوياً ترکه بعد مدّة معيّنة أو کونه فيه إلى مدّة معيّنة لا يحکم عليه بالوطنية، و لا يترتّب عليه أحکام الوطن، فمن اتّخذ مکاناً منزلاً له لمدّة عشرة أو عشرين سنة لا يصدق عليه کونه موطنه.

ص: 183

وأمّا اعتبار الملك في صدق الوطن الاتّخاذي فالظاهر عدمه، فيصدق الوطن و إنْ کان الشخص ساکناً في المسکن الاستيجاري کما يصدق في الوطن الأصلي إذا کان ساکناً في المسکن الاستيجاري.

وهل يعتبر في المستجدّ الإقامة فيه. و بعبارة اُخری هل يتوقّف صدق الوطنيّة على الإقامة فيه و إن کانت قليلة المدّة؟

الظاهر أنّه يختلف بحسب حالات الشخص، فقد يصدق عنوان الوطن بدون الإقامة و قد لا يصدق بدونها. فمن اشترى داراً في بلد لسکناه، و دکاناً لکسبه و تجارته فيه، و باع ما کان له في وطنه السابق يصدق عليه أنّه استوطن البلد. و بالجملة فالاعتبار بالحالات و الخصوصيّات.

مسألة: قال الشيخ الأنصاري: إعلم أنّ قواطع السفر ثلاثة أحدها الوطن، و هو على ثلاثة أقسام: أحدها الوطن الأصلي ... .

الثاني: الوطن المتّخذ ... .

الثالث: الوطن الشرعي، و هو عند المشهور بين المتأخّرين کلّ منزل قد أقام فيه ستّة أشهر مع ثبوت ملك فيه و استندوا في ذلك إلى صحيحة ابن بزيع، إلخ.

وفي «الجواهر» قال: فالوطن ما عرفت أو کلّ موضع يکون (له فيه ملك قد استوطنه) فيما مضى من الزمان (ستّة أشهر فصاعداً) کما هو المشهور نقلاً و تحصيلاً، بل لا خلاف فيه إلّا من نادر، بل في «الروض» و«التذکرة» الإجماع عليه،((1)) إلخ.

ص: 184


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص247 248.

تحقيق في ما قاله الشيخ في الوطن الشرعي

أقول: الظاهر أنّه لم تتحقّق الشهرة الّتي يعتمد القائل بها في المسألة أي الشهرة بين قدماء الأصحاب، فهي لم تتحقّق، و على فرض التحقّق لا يعتمد عليها لاحتمال کون مستندهم في المسألة الروايات.

نعم اشتهر القول به بين المتأخّرين من زمن المحقّق و العلّامة، و إليك بعض کلمات القدماء: فمنهم الصدوق في «الفقيه» بعدما روى سؤال إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله(علیه السلام) عن رجل يسافر من أرض إلى أرض، و إنّما ينزل قراه و ضيعته؟ فقال: «إذا نزلت قراك و أرضك فأتمّ الصلاة، و إذا کنت في غير أرضك فقصّر». (قال) قال مصنّف الکتاب يعني بذلك: إذا أراد المقام في قراه و أرضه عشرة أيّام، و متى لم يرد المقام بها عشرة أيّام قصّر إلّا أن يکون له بها منزل فيکون فيها في السنة ستّة أشهر فإنْ کان کذلك أتمّ متى دخلها،((1)) و تصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟

فقال(علیه السلام): «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يکون له بها منزل يستوطنه». قال: قلت له: ما الاستيطان؟ فقال(علیه السلام): «أنْ يکون له بها منزل يقيم فيها ستّة أشهر، فإذا کان کذلك يتمّ فيها متى دخلها»((2)). و هذا غير ظاهر فيما

ص: 185


1- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص451، ح1039.
2- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص451، ح1038؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص494 495، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح11 [11266].

يعبّرون عنه بالوطن الشرعي.

وقال الشيخ في «النهاية»: و من خرج إلى ضيعة له و کان له فيها موضع ينزله و يستوطنه وجب عليه التمام، فإنْ لم يکن له فيها مسکن وجب عليه التقصير.((1))

وقال في «المبسوط»: و إذا سافر فَمَرَّ في طريقه بضيعة له أو على مال له أو کانت له أصهار وزوجة فنزل عليهم و لم ينو المقام عشرة أيّام قصّر. و قد روى أنّه عليه التمام، و قد بيّنا الجمع بينهما، و هو أنّ ما روي أنّه إن کان منزله أو ضيعته ممّا قد استوطنه ستّة أشهر فصاعداً يتمّ و إنْ

لم يکن استوطن ذلك قصّر.((2))

ومراده من قوله: و قد بيّنا الجمع بينهما، ما بيّنه في «الاستبصار» فإنّه بعدما روى الروايات الدالّة على التمام في ضيعته أو قرية له فيها دار و غير ذلك.((3))

قال: ما تضمّن هذه الأخبار من الأمر بالإتمام في ضيعة الإنسان يحتمل وجوهاً منها: أنّه يلزمه التمام إذا عزم على المقام عشرة أيّام، و الّذي يدلّ على ذلك (ثم روى ما رواه بسنده عن عبد الله بن سِنان) قال: من أتى ضيعة ثم لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر، و إنْ أراد المقام عشرة أيّام أتمّ الصلاة. و ما رواه بسنده أيضاً عن موسى بن حمزة بن بزيع قال: قلت لأبي الحسن(علیه السلام): جعلت فداك إنّ لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الکوفة أريد بغداد فأقيم في تلك الضيعة اُقصّر أم اُتمّ؟ قال: إنْ لم تنو المقام عشرة أيَّام فقصّر (ثم قال):

ص: 186


1- الطوسي، النهایة، ص124.
2- الطوسي، المبسوط، ج1، ص136.
3- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص228 229، ح810814.

والوجه الثاني: أن تکون الأخبار محمولة على من يمرّ بمنزل له کان قد استوطنه سته أشهر فصاعداً، فحينئذ يجب عليه التمام يدلّ على ذلك، ثم روى روايات في ذلك أظهرها و أنصّها صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ قال: لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيّام إلّا أنْ يکون له فيها منزل يستوطنه، فقلت؟ ما الاستيطان؟ فقال: أن يکون له فيها منزل يقيم فيها ستّة أشهر فإنْ کان کذلك يتمّ فيها متى يدخلها.((1))

وحاصل کلّ ما أفاد تقييد الروايات المطلقة الدالّة على التمام في الضيعة بما إذا عزم على المقام عشرة أيّام أو يکون له فيها منزل يقيم فيها ستّة أشهر و کان ما في «الاستبصار» مأخوذاً من «الفقيه» لو لم يکن فيه زيادة (الستّة). و أمّا ما في «النهاية» فهو مضمون الروايات المطلقة، و لکن تقييد المطلقات بما إذا عزم على المقام عشرة أيّام خلاف الظاهر لأنّ وجوب الإتمام إذا عزم على ذلك غير مشروط بمکان له الضيعة أو المال.

و في «السرائر» قال: و السفر خلاف الاستيطان و المقام، فإذن لابدّ من ذکر حدّ الاستيطان، وحدّه ستّة أشهر فصاعداً سواء کانت متفرّقة أو متوالية، فعلى هذا التقرير و التحرير من نزل في سفره قرية أو مدينة و له فيها منزل مملوك قد استوطنه ستّة أشهر أتمّ و إن لم يقم المدّة الّتي توجب على المسافر الإتمام أو لم ينوِ

ص: 187


1- راجع في کلّ ذلك: الطوسي، الاستبصار، ج1، ص229 231، ب135، ح815 821.

المقام عشرة أيَّام و إن لم يکن کذلك قصّر.((1))

وفي «الوسيلة» قال: إن کان له فيها مسکن نزل به ستّة أشهر فصاعداً أتمّ و إنْ لم يکن قصّر إلّا إذا نوى إقامة عشرة.((2))

وفي «المهذّب» قال: و من مرّ في طريقه على مال له أو ضيعة يملکها أو کان له في طريقه أهل أو من جرى مجراهم و نزل عليهم و لم ينوِ المقام عندهم عشرة أيّام کان عليه التقصير.((3))

وفي «الکافي»: فإنْ دخل مصراً له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام و لو صلاة واحدة: فإنْ لم ينزله أو لم يکن فيه وطن فعزم على الإقامة عشراً تمّم و إن لم يعزم على هذه المدّة قصّر ما بينه و بين شهر ثم تمّم و لو صلاة واحدة.((4))

وبعد ذلك کلّه نقول: لا يستفاد من هذه الکلمات شهرة القول بالوطن الشرعي. نعم کلام الشيخ في «المبسوط» دون «نهايته»، و کذا ابن إدريس في «السرائر» ظاهر فيه، و کلام الصدوق أيضاً کان ممکن الحمل عليه لو لم يقيّده بقيد السنة الّذي جعله ظاهراً في ذي وطنين. و أمّا کلام ابن حمزة في «الوسيلة» فهو و إن کان قابلاً للحمل على الوطن الشرعي إلّا أنّه لم يعرف على التحقيق سنة ميلاده و وفاته، و لعلّه کان معاصراً للمحقّق. و على کلّ حال لا يثبت به،

ص: 188


1- ابن إدریس الحلّي، السرائر، ج1، ص331.
2- ابن حمزة الطوسي، الوسیلة، ص109.
3- ابن البرّاج الطرابلسي، المهذّب، ج1، ص106.
4- أبو الصلاح الحلبي، الکافي في الفقه، ص117.

و بقول الشيخ في «المبسوط»، و ابن ادريس في «السرائر» الشهرة، و لاسيّما الشهرة المعتمد عليها بين المتقدّمين، مضافاً إلى أنّ کلام ابن البرّاج في «المهذّب» و أبي الصلاح في «الکافي» ظاهر في عدم ذهابهما إليه، و إنّ غيرهما کالمفيد في «المقنعة» لم يتعرّضوا للمسألة، فنبقى نحن و صحيح ابن بزيع.

فنقول: المستفاد منه أوّلاً: أنّ مجرّد المرور بالضيعة و قريته کما هو ظاهر جواب الإمام(علیه السلام) عن سؤال إسماعيل بن فضل ليس تمام الموضوع للحکم بالتمام، بل إطلاقه مقيّد بما إنْ نوى عشرة أيّام أو يکون بها منزل يستوطنه أي يقيم فيها ستّة أشهر، و حمله على الوطن العرفي خلاف الظاهر لعدم اعتبار الملك له فيه، مع أنّ الصحيحة تدلّ على ذلك إلّا أن يقال: إنّ الضيعة و الملك وقعت في السؤال، و جواب الإمام(علیه السلام) عنه لا يدلّ على دخله في الحکم بالتمام، کما لا يدلّ على دخله في الحکم بالقصر، فکما يکون عليه القصر في ضيعته و ليس لذلك وجوداً و عدماً دخل في الحکم بالقصر يکون عليه التمام إذا تحقّق الوطن العرفي الّذي يقيم فيه في السنة ستّة أشهر کان له الضيعة فيه أم لم تکن.

وفيه: لو کنّا و صحيح ابن بزيع يتمّ ما ذکر، و نقول: لا مدخلية في الملك وجوداً و عدماً في الحکم بالتمام أو القصر، و لکن سائر الروايات تدلّ على دخل الملك له في الحکم بالتمام، و إنّما يقيّد إطلاقها بصحيح ابن بزيع بالناوي عشرة أيّام أو المقيم ستّة أشهر في مکان فيه الضيعة، و حمله على الوطن العرفي موجب لإلغاء الملك و الضيعة له مطلقاً، و هذا بخلاف أن نقول بالوطن الشرعيّ الّذي هو مقتضى الأخبار المطلقة، و صحيح ابن بزيع، و حينئذ فالقول بالوطن الشرعي هو الأقرب، و يؤيّد

ص: 189

ذلك أنّ مثل ابن بزيع الصحابي الجليل کان عارفاً بالوطن الشرعي و أنّه يتحقّق في الضيعة و القرية و إن لم تکن له، بل الظاهر: أنّ سؤاله کان عن الضيعة الّتي لم يستوطنها فلم يفهم مراد الإمام(علیه السلام). فقال: ما الاستيطان؟

لا يقال: إنّ الظاهر من قوله(علیه السلام) يستوطنه و يقيم فيه الاستمرار و هو الوطن العرفي فإنّه يقال: قد سمعت أنّ البحث مبنيّ على دخل کون الملك و الضيعة له في الحکم بالتمام و الوطن العرفي المتّخذ و الوطن الأصلي غير مشروط بذلك.

والحاصل أنْ يقال: قبال ما هو المسلّم و المستفاد من الشرع و العرف من عدم اشتراط الوطن سواء کان أصليّاً أو متّخذاً بأن يکون للذي توطّن فيه ملك و أنّه مادام فيه لا يعدّ مسافراً و ليس بالضارب في الأرض، أنّه إن کان للشخص ملك أو ضيعة في مکان إذا مرّ به يجب عليه التمام في الجملة.

وهذا مثل رواية إسماعيل بن الفضل الدالّة على أنّه إذا نزل قراه

و أرضه يتمّ الصلاة.((1))

ورواية ابن أبي نصر قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن الرجل يخرج إلى ضيعته فيقيم اليوم و اليومين و الثلاثة أيقصّر أم يتمّ؟ قال: يتمّ الصلاة کلّما أتى ضيعة من ضياعه.((2))

و مثلهما في الدلالة على ذلك رواية عمران بن محمد((3)) و عمّار بن موسى.((4))

ص: 190


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص492، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11257].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص497، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح17 [11272].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص496، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح14 [11269].
4- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص493، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11260].

و هذه الأخبار المطلقة تدلّ على أنّ المرور على مکان له قرية أو ضيعة يوجب التمام، و في قبالها ما يدلّ على أنّ الإتيان بالضيعة لو لم يرد المقام عشرة حکمه القصر کرواية عبد الله بن سِنان((1))، و رواية موسى بن حمزة بن بزيع((2)) إلّا أنّ إطلاق الطائفة الأُولى يقيّد بالاستيطان أيضاً برواية ابن بزيع، و الطائفة الثانية بعدم الاستيطان بروايته و يرفع بذلك التهافت بين الطائفتين.

وبعد ذلك نقول: إنّ المراد من الاستيطان المذکور في هذه الروايات ليس الاستيطان الأصلي و المتّخذ، لعدم اشتراط وجوب التمام في الوطن الأصلي و المتّخذ بکونه في مکان له ملك من أرض أو ضيعة قطعاً.

فالمراد منه ما بيّنه الإمام(علیه السلام) في جواب ابن بزيع و هو أن يکون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر.

والمعنى المستقيم لذلك هو أنْ يکون قوله: يقيم بمعنى الماضي أو منسلخاً عن الزمان لأنّه لو کان المراد منه الوطن العرفي يلزم اشتراطه بالملك.

و إنْ کان المراد منه إقامة ستّة أشهر في کلّ سنة فهو کذي الوطنين، و اشتراطه بالملك قد عرفت أنّه خلاف المستفاد المقطوع من الأدلّة کتاباً و سنة، فعلى ذلك الأقرب القول بما اصطلحوه بالوطن الشرعي و مجرّد إقامة ستّة أشهر فيه، والله هو العالم.

ص: 191


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص499، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح6 [11280].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص499 500، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح7 [11281].

هل يجوز للشخص أن يتّخذ الأزيد من وطن واحد

مسألة: يمکن أنْ يکون للشخص أزيد من وطن واحد عرفي کما إذا کان نازلاً في بلدين بقصد السّکنى بأن يکون في تمام السنة ستّة أشهر في هذا البلد و ستّة أشهر في الآخر.

کما يمکن أنْ يکون له أزيد من الإثنين کأن جعل سکونته السنوية دائماً أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر في بلد والأربعة الثانية في بلد آخر و الثالثة في غيرهما أو ثلاثة أشهر الثانية في بلد و الثالثة في بلد و الرابعة في غيرها، و لا يلزم أنْ يکون مقدار سکونته في الوطنين مساويين، بل و إنْ کان على الاختلاف کما إذا بنى على کون أربعة أشهر في بلد و ثمانية أشهر في الآخر.

وبالجملة، فالمدار على ما يراه العرف، و الوجه في ذلك أنّه إذا خرج من هذه الأماکن بقصد طيّ المسافة يعدّ مسافراً و مخاطباً بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾.((1)) و لا يعدّه العرف مسافراً إذا کان في الأماکن المذکورة. فوجوب الإتمام عليه مقتضى الأصل، و القصر لدى الخروج منها هو مقتضى خطابات وجوب القصر على المسافر، والله هو العالم.

تبعية الولد للوالد في الوطن

مسألة: الولد الّذي يکون مع والده أو والدته، بل و غيرهما، إذا کان تحت کفالتهم کالجدّ و العمّ مثلاً، إذا بلغ و لم يعرض عن مقرّه يکون مقرّه وطنه، و إذا

ص: 192


1- النساء، 101.

خرج منه إلى المسافة الشرعيّة يقصّر في سفره، و إذا رجع إلى مقرّه يتمّ، و ذلك لأنّه عند العرف يکون في وطنه و ليس مسافراً، و لو بلغ و أعرض عن موطنه إعراضاً فعليّاً فهو حينئذ يعمل على تکليفه الفعلي. و الظاهر أنّه إذا بلغ و هو مع والده و أعرض والده عن وطنه الأصلي و اتّخذ وطناً جديداً يکون تابعاً له إلّا إذا استقلّ إذا بنفسه.

وهل الطفل المميز إذا أعرض عن وطن وليّه و اتّخذ وطناً جديداً

يترتّب الأثر على وطنه الجديد؟ أو أنّه باقٍ على حاله السابق؟ و لا يترتّب على وطنه الجديد حکم الوطن إذا لم يکن اتّخاذه بإذن الوليّ فهو لا يملك لنفسه أمراً و ليس مستقلاً في فعله. و بعبارة اُخری بناؤه على کون المکان الجديد وطناً له کالعدم، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ حاله في الوطنية کحال عباداته الّتي نقول بصحّتها يترتّب عليه الأثر.

وبالجملة، فهل حکمه في اتّخاذ الوطن کمعاملاته لا تنفذ مادام لم يبلغ على نحو الاستقلال أو کعباداته؟ فهل يحکم بصحّة صلاته في الوطن الّذي کان له مع وليّه و في وطنه الّذي اتّخذه إن صلّی في الأوّل تماماً و في الثاني قصراً أو إن صلّی فيهما بالعکس؟ لا يمکننا الجزم بالأوّل، و الله هو العالم.

مسألة: لا يتوقّف صدق الإعراض عن الوطن باتّخاذ وطن جديد، بل يکفي في ذلك أن لا يکون عند العرف مستقرّاً في ذلك و کان له هذا المکان کغيره من الأمکنة، فمن ترك الاستقرار في مکانه و اتّخذ السياحة و السير في البلاد يکون معرضاً عن وطنه.

ص: 193

مسألة: لا يشترط إباحة المکان في صدق الوطنية، فلو توطّن في قرية غصبيّة أو بلد غصبي و اتّخذه مکاناً و مقرّاً له لا يصدق عليه أنّه المسافر إلّا إذا خرج عنه مسافراً، و الله هو العالم.

حكم التردّد في البقاء و تركه في الوطن الأصلي

مسألة: إذا تردّد من هو في وطنه الأصلي في البقاء و ترکه، فالظاهر أنّه لا يزول به حکم الوطنيّة، فإن سافر و رجع إليه ليس مسافراً فيه و لا يحتاج الإتمام فيه إلى اتّخاذه ثانياً وطنه أو قصد إقامة العشرة.

وبالجملة، لا ينقلب حاله بمجرّد هذا الترديد و لا يصير به مسافراً.

وبالجملة، العرف يراه ساکناً في موطنه حاضراً في مقرّه، بل الظاهر أنّ ذلك حکم الوطن المستجدّ أيضاً يصير بذهابه مسافراً و برجوعه إليه حاضراً، فلا يجوز له القصر مادام لم يعرض عنه، و إنْ کان الأحوط الجمع بين الحکمين، و الله هو العالم.

اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن

مسألة: قال في «العروة»: ظاهر کلمات العلماء رضوان الله تعالی علیهم اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن العرفي، فلا يکفي العزم على السکنى إلى مدّة مديدة کثلاثين سنة أو أزيد، لکنّه مشکل، فلايبعد الصدق العرفي بمثل ذلك، و الأحوط في مثله إجراء الحکمين بمراعاة الاحتياط.

أقول: قد يقال: بأنّ قصد التوطّن أبداً لا يعتبر في الوطن الأصليّ الّذي هو

ص: 194

مسقط رأسه و مقرّه و إن لم يکن قاصداً التوطّن فيه، فهو لا يکون فيه إلّا عند عروض عارض له في ترکه و الهجرة عنه، فمثله ليس مخاطباً بقوله تعالى: ﴿وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾((1))إلّا إذا خرج من مقرّه مسافراً، بل و إن بدا له الإعراض عنه بعد مدّة کعشر سنين أو عشرين أو ثلاثين أو أقلّ أو أکثر، فهو ما بين ذلك إذا سافر و رجع يتمّ في مقرّه بعد الرجوع إليه.

وأمّا في الوطن المتّخذ فهل يعتبر فيه نيّة الدوام أو يکفي في صدق الوطن نيّة إقامة مدّة معتدّ بها کخمس سنوات مثلاً أو عشر أو أکثر، فيمکن القول بأنّه لو کان الملاك و الموضوع في ترتّب الأحکام صدق الوطن فلا يصدق عليه الوطن مع قصد مدّة معيّنة و إنْ کانت طويلة فاللازم عليه رعاية أحکام المسافر فيقصّر فيه إلّا إذا کان ناوياً إقامة العشرة أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً.

وأمّا إن قلنا: بأنّ حکم القصر حکم المسافر، و الّذي يضرب في الأرض و من کان مريداً إقامة مدّة سنين في مکان لما يکون عند العرف مسافراً فيه، بل يعدّ هذا البلد مسکنه و مقرّه حتى و إن لم يصدق عليه الوطن، فإنّ الحکم بالقصر يدور مدار کونه مسافراً لا عدم کونه مستوطناً.

ومع ذلك کلّه قد صرّح جماعة من أکابر العلماء رضوان الله تعالی علیهم باعتبار قصد الدوام في صدق التوطّن العرفي، و لازمه وجوب القصر في المکان الّذي أراد الإقامة فيه مدّة محدودة معيّنة إلّا أن يکون ناوياً عشرة أيّام أو بقي متردّداً إلى ثلاثين يوماً. و لازم ذلك أنّه إن قصد مسافة ثمانية فراسخ يمرّ في

ص: 195


1- النساء، 101.

أثنائها إلى المکان الّذي قصد فيه إقامة موقّتة طويلة کخمس سنين أو أکثر يجب عليه القصر لأنّه لم يمرّ بالوطن الّذي المرور به من قواطع السفر.

ويمکن أن يقال: إنّ المستفاد من الروايات وجوب التقصير في کلّ منزل لم يستوطنه و لم يجعله وطناً له، و ذلك مثل صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل(علیه السلام) أنّه قال: «کلّ منزل من منازلك لا تستوطنه

فعليك فيه التقصير».((1)) و الحديث مرويّ بأسانيد متعدّدة بألفاظ متقاربة.((2))

وقصد الدوام معتبر في الاستيطان و صدق السفر لغة و عرفاً، إذاً فما ظنّك بقصد الخلاف و التوقيت مدّة عشر سنين مثلاً. فالمقيم في بلدة مثل قم المشرّفة أو النجف الأشرف قاصداً عدم الدوام إذا سافر إلى بلد آخر و رجع إلى قم أو النجف لا يريد الإقامة العشرة يجب عليه التقصير لأنّه لم يستوطنه.

وما يقال قبال ذلك بالاجتهاد قبال النصّ أشبه.

ومن الروايات في ذلك أيضاً صحيح حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبد الله(علیه السلام) في الرجل يسافر فيمرّ بمنزل له في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال: يقصّر إنّما هو المنزل الّذي توطّنه.((3))

ص: 196


1- راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص492، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11256].
2- راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص493 494، ب14، من أبواب صلاة المسافر، ح6، 7، 9، 10[11261 11262]، [11264 11265].
3- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص230؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص212؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص493 494، ب14، من أبواب الصلاة المسافر، ح8 [11263].

لا يقال: قد فسّر الاستيطان المذکور في هذه الروايات بصحيح ابن بزيع أنْ يکون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر.

فإنّه يقال: إنّ مثل قوله(علیه السلام): کلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير. يدلّ على أنّ عدم کونه بالفعل مستوطناً للمنزل موجب للتقصير مطلق، و يقيّد إطلاقه بما إذا کان له فيه منزل أقام فيه ستّة أشهر مستوطناً، و إن عدل عنه فعلاً. و هذا لا ينافي ما استظهرناه منه من دخل قصد الدوام في صدق الوطن، و دخل کون ذلك فعليّاً في الحکم بالتمام في سائر الموارد.

ما هو تحقيق في المسألة

وبعد ذلك کلّه الإنصاف أنّ الأقوى بالنظر عدم صدق المسافر على من أراد الإقامة في مکانٍ مدّة معتدّاً بها کخمس سنين، و ذلك لأنّ ما هو المذکور في روايات الباب الکثيرة جدّاً للمسافر و هو کما يصدق على المقيم في النجف الأشرف إذا خرج مسافراً إلى کربلاء المقدّسة لا يصدق عليه بعد الرجوع إلى النجف و إن لم يکن مريداً لإقامة العشرة.

هذا و على فرض الشكّ في المسألة فمقتضى الأصل و ما يدلّ على وجوب الرباعيّة الاقتصار على تخصيص العامّ إذا کان المخصّص منفصلاً مجملاً على القدر المتيقّن منه و البناء على عموم العامّ، والله هو العالم.

ص: 197

الفصل الثاني: منها: عدم العزم على إقامة عشرة أيّام في مكان

اشارة

العزم على إقامة عشرة أيّام قال الشيخ(قدس سره) في «الخلاف»: المسافر إذا نوى المقام في بلد عشرة أيّام وجب عليه التمام، و إن نوى أقلّ من ذلك وجب عليه التقصير. و بعد أن ذكر أقوال غير الأئمّة الطاهرين(علیهم السلام) الّذين حجيّة أقوالهم ثابتة بالنصوص الصحيحة المتواترة، و ذكر اختلافات العامّة في المسألة. فمنهم من قال: بأكثر من خمسة عشر يوماً، و منهم: من جعل الحدّ خمسة عشر يوماً، و منهم: جعل الحدّ ثلاثة عشر يوماً، و منهم: جعله إثني عشر يوماً، و منهم: من اختار أربعة سوى يوم دخوله و خروجه، و منهم: من حدّه بيوم واحد، و منهم: من قال بدخوله البلد و وضع رحله، و ذكر أسماء القائلين لهذه الأقوال الّتي لا اعتبار بها في الشرع. قال بعد ذلك كلّه: دليلنا إجماع الطائفة، و قد بيّنا أنّ إجماعهم حجّة، و أيضاً روى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «إذا عزم الرجل أنْ يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول اليوم أو غداً،

ص: 198

فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإنْ أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة».((1))

أقول: الروايات في المسألة كثيرة جدّاً و الحكم من المسلّمات، قال الشيخ الأنصاري: «ولو نوى المقصّر الإقامة» إمّا بالقطع بتحقّقها أو بالعزم عليها مع الظنّ بعدم طروّ المانع في بلد، بل أيّ مكان عشرة أيّام انقطع سفره و أتمّ إجماعاً محقّقاً و نصّاً متواتراً. ففي الصحيح: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدرِ ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة، و إن أردت أن تخرج من

ساعتك».((2))

والمراد بالأرض في الرواية هو العنوان الّذي ينسب إليه الإقامة عرفاً بلا واسطة كالبلد و ما ضاهاه، إلخ.((3))

وأمّا ما يدلّ على كفاية إقامة الخمسة مثل ما رواه أبو أيّوب قال: سأل محمد بن مسلم أبا عبد الله(علیه السلام) و أنا أسمع عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة

ص: 199


1- الطوسي، الخلاف، ج1، ص573 574، كتاب صلاة المسافر، المسألة 326، ؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص227؛ و الحديث في وسائل الشیعة (الحرّ العاملي، ج8، ص502، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح13 [11287] )، عن تهذیب الأحکام «فعليه إتمام الصلاة» بدل «فليتم الصلاة» بعد «عشراً».
2- الکلیني، الکافي، ج3، ص435؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص237؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص219؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ج8، ص500، ب15، من أبواب صلاة السافر، ح9 [11283].
3- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص399.

أيّام؟ قال: فليتمّ الصلاة فإنْ لم يدرِ ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثم ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة، فقال له محمد بن مسلم: بلغني أنّك قلت: خمساً. فقال: قد قلت ذلك، قال أبو أيّوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقلّ من خمسة أيّام؟ فقال: لا.((1)) و هذا و إن أفتى به الإسكافي على ما حكي عنه العلّامة في «المختلف» إلّا أنّه خلاف المسلّم عند الأصحاب و إجماع الإمامية، و محمول على التقيّة لأنّه قريب إلى مذهب الشافعي القائل بأربعة أيّام سوى يوم الدخول و الخروج، و حمله الشيخ على خصوص الحرمين بقرينة رواية محمد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض؟ فقال: إن حدّثته نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ (إلى أن قال): و لا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة و المدينة، و إن أقام بمكّة و المدينة خمساً فليتمّ.((2))

و حيث إنّ السائل في الروايتين واحد و هو محمد بن مسلم فلا يرد احتمال كونهما حكاية مجلس واحد و كأنّ قوله: (قد قلت ذلك) المراد منه قد قلته في مكّة و المدينة، و أمّا تقييد جواز الإتمام فيهما بالخمسة فلا ينافي التقييد بالعشرة في غيرهما، فإنّ المسافر مخيّر بين الإتمام و القصر فيهما، و يمكن حمل ذلك على الاستحباب، و الله هو العالم.

ص: 200


1- الکلیني، الکافي، ج3، ص436؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص238؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص219 220؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص501، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح12 [11286].
2- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص238؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص220؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص502، ح16 [11290].

وأمّا ما رواه الصدوق(قدس سره) في «العلل» بإسناده عن معاوية بن وهب: قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): مکّة و المدينة کسائر البلدان؟ قال: «نعم». قلت: قد روى عنك بعض أصحابنا أنّك قلت لهم: أتمّوا بالمدينة لخمس؟ فقال: «إنّ أصحابکم هؤلاء کانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فکرهت ذلك لهم فلهذا قلته».((1)) فمعناه السؤال عن مکّة و المدينة أنّهما کسائر البلدان يجب الإتمام فيهما إن قصد المسافر العشرة فيهما، فأجاب الإمام(علیه السلام) بأنّهما في قصد العشرة کسائر البلدان أي لا يجب التمام إن لم يقصد المسافر العشرة. فقال السائل: إنّك قلت بالتمام لخمس. فأجاب الإمام أنّهم حيث کانوا لا يقصدون العشرة يخرجون من المساجد لا

يتمّون الصلاة معهم کرهت ذلك لهم، فلهذا قلته. أي أوجبت عليهم التمام تقيّة لخمس.

وبعبارة اُخرى: أوجبت عليهم حيث إنّهم مخيّرون بين القصر و الإتمام في مکّة و المدينة اختيار الإتمام لخمس تقيّة.

والحاصل، الظاهر من هذه الروايات عدم صدورها لبيان حکم الله الواقعيّ و عدم صحّة الاحتجاح بها من ناحية جهة صدورها، والله هو العالم.

مسألة: بل مسائل:

الأُولى: ظاهر الروايات توالي العشرة، فلا يکفي في انقلاب الوظيفة إلى التمام الإقامة عشرة أيّام متفرّقات، و لو وقع الفصل بينها بيوم واحد أو ليلة واحدة.

ص: 201


1- الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص454؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص531، ب 25، من أبواب صلاة المسافر، ح27 [11369].

الثانية: يجب أن يکون ذلك في مکان واحد کقرية واحدة أو بلد واحد.

الثالثة: الليالي المتوسّطات داخلات في العشرة، فلا يکفي إقامة الليل في مکان و اليوم في مکان آخر، و هذا مقتضى ظاهر الروايات.

نعم الليلة الأُولى خارجة عن الحدّ في غير التلفيقيّة کما أنّ الليلة الّتي تکون بعد إتمام عشرة أيّام أيضاً خارجة عنها بالطبع دون الليلة الأخيرة من التلفيقيّة، فيکفي عشرة أيّام و تسع ليال إذا لم تکن العشرة بالتلفيق.

الرابعة: إذا دخل محلّ الإقامة عند زوال الظهر و خرج زوال اليوم الحادي عشر فهل يصدق عليه المقام عشرة أيّام، لا يبعد ذلك. قال في «الجواهر»: الظاهر إجزاء الملفّق للصدق العرفي، فلو نوى المقام عند الزوال کان منتهاه زوال اليوم الحادي عشر کما صرّح به غير واحد من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافاً من غير «المدارك» قال فيها:

«وفي الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول و الخروج وجهان: أظهرهما العدم لأنّ نصف اليوم لا يسمّى يوماً فلا يتحقّق الإقامة العشرة التامّة، و قد اعترف الأصحاب بعدم الاکتفاء بالتلفيق في أيّام الاعتکاف و أيّام العدّة، و الحکم في الجميع واحد».((1))

وفيه: أنّ ظاهر تعليله الأوّل يقضي بعدم التلفيق ممّا مضى بمعنى عدم احتساب الناقص من يومي الدخول و الخروج يومين کاملين، و لا کلام لنا فيه کما عرفت.

ص: 202


1- العاملي، مدارك الأحکام، ج4، ص460.

إنّما الکلام في احتساب النصفين مثلاً بيوم على معنى تلفيق الأوّل من

الثاني، و هکذا حتى ينتهي فتکسر حينئذ الأيّام العشرة، و عدم الاجتزاء بمثله في الاعتکاف و العدّة لو کان فمن مانع خارجي من إجماع و غيره لکن مع ذلك فالإحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام،((1)) إلى آخر ما أفاد.

الخامسة: المتبادر من اليوم على الظاهر في الروايات هو اليوم العرفي الّذي يبتدء بطلوع الشمس و ينتهي بغروبها العرفي، و في «الجواهر»: انّ الصحيح ابتداء اليوم من طلوع الفجر الثاني.((2))

يجب على المقيم إتمام الصلاة إلى أن ينشئ سفراً جديداً

مسألة: المشهور، بل كالمسلّم عندهم أنّ الّذي قصد الإقامة عشرة أيّام يجب عليه إتمام الصلاة إلى أن ينشئ سفراً جديداً، فلا يختصّ وجوب التمام عليه بما إذا كان في محلّ الإقامة.

وبعبارة اُخری القصد المذكور يوجب عدم ضمّ اللاحق إلى السابق إلّا أنّه كما أفاد المحقّق الحائري لا يوجد في أخبار الباب ما يفيد ذلك إذ لا يستفاد منها إلّا وجوب التمام مادام هو في محلّ الإقامة، و حكي عن الشيخ الأنصاري(قدس سره) ما في كتاب الصلاة أنّه قال: الدليل على هذه القاعدة يعني أنّ المقيم لا يحكم عليه بالقصر إلّا بعد إنشاء سفر جديد بعد الإجماع و عموم المنزلة في قوله(علیه السلام): «من

ص: 203


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص312 313.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص311.

أحلّ مكّة قبل التروية بعشر فهو بمنزلة أهل مكة»،((1)) إطلاق صحيحة أبي ولّاد((2)) بوجوب التمام على

الراوي بعد صلاة التمام إلى زمان الخروج. و الظاهر في إرادة الخروج إلى وطنه، انتهى كلامه(قدس سره) ((3))(أي كلام الشيخ الأنصاري).

ثم أورد الشيخ الحائري عليه: بأنّه إنْ تمّ الإجماع فهو، و إلّا فلا يستفاد من قوله(علیه السلام): «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة»، الحدیث. أزيد من ظهوره في حكم التمام في البلد فقط، و لا يستفاد منه الإطلاق في جميع الآثار حتى احتياج القصر إلى سفر جديد، و إنّ صحيحة أبي ولّاد أيضاً غاية ما يستفاد منها وجوب التمام مادام هو في بلد الإقامة، وأمّا إنْ

ص: 204


1- صحيح زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير»، الحديث. الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص501، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح10[11284].
2- قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام و أتمّ (الصلاة ثم بدا لي بعد أن أقيم بها) فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟ فقال: «إن أنت دخلت المدينة و صلّيت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلِّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ و إن لم تنوِ المقام فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة». في الفقيه بدل ما بين القوسين: «فأتم الصلاة ثم بدا لي أن لا أقيم». الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص437؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص238 239؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص221؛ الحرّ العاملي، الوسائل الشیعة، ج8، ص508 509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح1، [11305].
3- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص438.

خرج إلى ما دون المسافة فلا تدل على وجوب التمام عليه، بل مفهوم الغاية يعني قوله(علیه السلام): «فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها»، يدلّ على لزوم القصر، و الانصراف المدّعى من لفظ الخروج إلى خروجه من وطنه إنصراف بدوي.

وبالجملة، لا دليل على عدم ضمّ اللاحق بالمقام إلى السابق عليه و وجوب التمام ثم قال: إن قلت: يكفي في الحكم باحتياج القصر إلى سفر جديد استصحاب وجوب التمام في غير صورة العزم على الثمانية، فإنّ أدلّة لزوم القصر على المسافر ليس فيها ما يدلّ على الحكم المذكور زماناً حتى يقتصر في تخصيصه على المتيقّن، فالمقام ممّا يتمسّك فيه باستصحاب حكم المخصّص.((1))

قلت: التمسّك باستصحاب حكم المخصّص إنّما يكون إذا خصّص العامّ باعتبار الزمان، بمعنى خروج فرد فيه في زمان بعد دخوله في السابق. و الوجه في التمسّك بالاستصحاب أنّ العموم لا يدلّ على حكم الفرد المذكور بملاحظة الأزمنة المتأخّرة من الزمان الّذي خرج من حكم العام، فإنّ المفروض عدم دلالة العامّ على الاستغراق الزماني فيجب استصحاب حكم المخصّص و ليس فيما نحن فيه تخصيص بحسب الزمان، بل دليل لزوم القصر على المسافر قيّد باُمور: منها: عدم العزم على الإقامة عشرة أيّام، و يجب في مثل ذلك الرجوع إلى إطلاق تلك الأدلّة في غير موارد القيود الثابتة، لأنّ مفاد أدلّة لزوم القصر على المسافر بعد انضمام القيود الثابتة من الخارج أنّه متى تحقّق المسافر المتّصف بتلك القيود يجب عليه القصر.

ص: 205


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص634، مع تفاوت یسیرة.

إذا عرفت هذا فنقول: إنّ المسافر بمجرّد العزم على الإقامة عشرة أيّام لم يخرج عن الصدق العرفي، فهو مسافر يجب عليه التمام بمقتضى الأدلّة المقيّدة لإطلاق دليل وجوب القصر على المسافر، و متى خرج من بلد الإقامة يشمله حكم المسافر، فمقتضى القاعدة الحكم بوجوب القصر عليه و إن لم يكن قاصداً لسفر جديد.

هذا ثم إنّه بعد ذلك کلّه قال: الحقّ ما ذهب إليه المُعْظَم من کون قصد الإقامة عشرة أيّام من قواطع السفر و يحتاج إلى سفر جديد، و يمکن أن يلخّص ما أفاد في وجه ذلك أو يحصل بأنّا و إن منعنا استفادة عموم المنزلة من صحيح زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام): «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مکّة فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير». بأن نقول: إنّ المستفاد من الصحيح أنّه بمنزلة أهل مکّة في وجوب التمام عليه، و أنّه إذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير.

ومن هذا لا يستفاد حکم خروجه إلى غير منى من مکّة لاسيمّا و هو مرتهن بالحجّ، فليس الصحيح متکفّلاً لبيان مطلق خروجه من مکّة أصلاً، بل هو في مقام بيان حکم الخروج الواجب عليه و هو الخروج إلى منى، إذاً فکيف يستفاد منه وجوب التمام إذا لم ينشئ سفراً جديداً.

هذا مضافاً إلى أنّ غاية ما يقال أنّه بمنزلة أهل مکّة في وجوب الإتمام فيه، و في وجوب التقصير عليه إذا يخرج إلى منى.

ولکن نقول: إنّه يستفاد من الروايات الدالّة على ذمّ أهل مکّة بإتمامهم الصلاة

ص: 206

في عرفات مثل ما رواه معاوية بن عمّار أنّه قال لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّ أهل مکّة يتمّون الصلاة بعرفات؟ فقال: «ويلهم أو ويحهم و أيّ سفر أشدّ منه، لا ، لا تتمّ».((1))

إنّ وجوب التقصير إذا خرج إلى منى لصدق السفر عليه، و انّه لو لم يصدق عليه السفر کان إتمام أهل مکّة في محلّه، فرواية زرارة مدلولها وجوب إتمام الصلاة على القادم قبل التروية بعشرة.

وبعبارة اُخرى: العازم على إقامة عشرة أيّام سواء کان مکان الإقامة مکّة المکرّمة أو بلداً آخر، و وجوب القصر على قاصد العشرة إذا سافر منه سواء کان إلى منى أو غيره، فهذه الرواية تکفي في الاستدلال به

على ما ذهب إليه المعظم، و الله هو الهادي إلى الصواب.

هل يضرّ قصد الخروج و لو ساعة واحدة في نيّة الإقامة؟

مسألة: هل يعتبر في قصد إقامة عشرة أيّام في مکان واحد أن يکون ناوياً عدم الخروج منه بمقدار المسافة و لو ساعة واحدة، فلا يکفي أن يکون نازلاً مکاناً ليکون مقرّه عشرة أيّام لأن يذهب منه في کلّ يوم أو بعض الأيّام إلى مکان بينه و بين مقرّه المسافة أو يکفي مجرّد اتّخاذ مکان مقرّاً له يذهب و يرجع إليه؟

الظاهر من الأدلّة هو الأوّل لأنّها ظاهرة في اعتبار الاتّصال و الاستمرار، فمثل قوله(علیه السلام): «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ

ص: 207


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص519؛ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص447؛ ج2، ص466 467؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص210؛ ج5، ص433، 487؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص463، ب3، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11176].

الصلاة». ظاهر في وجوب التمام في تمام العشرة، وإنّ ما هو الموضوع للتکليف بالتمام مقام عشرة أيّام بالاتّصال، و لا يصدق بقول مطلق المقام عشرة أيّام على من يسافر في ما بين هذه الأيّام، و ينقلب تکليفه إلى القصر.

وأمّا ما رواه في «التهذيبين» عن محمد بن إبراهيم الحصيني: قال: استأمرت أبا جعفر(علیه السلام) في الإتمام و التقصير؟ قال: «إذا دخلت الحرمين فأنوِ عشرة أيّام و أتمّ الصلاة». فقلت له: إنّي أقدم مکّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال: «انو مقام عشرة أيّام و أتمّ الصلاة».((1))

و هو بظاهره يدلّ على كفاية الإقامة عشرة أيّام في مكّة و إنْ لم تكن متوالية إنْ قدم قبل التروية بأقلّ من عشرة أيّام، فاحتمال دلالته على الاكتفاء بمجرّد نيّة مقام عشرة أيّام بعيد جدّاً. و كيف كان سنده ضعيف لا يحتجّ به، و لعلّ الحديث لم يرو بالتمام ألفاظه، و وقع فيه سقط خلّة، و الله هو العالم.

هذا کلّه بالنسبة إلى اعتبار عدم نيّة الخروج، بل اعتبار عدم نيّة الخروج من محلّ الإقامة سفراً و بقدر المسافة.

ثم إنّ الظاهر أنّ اشتراط عدم نيّة الخروج أو اعتبار نيّة عدم الخروج عن محلّ الإقامة إلى أقلّ من المسافة إذا لم يکن معدوداً من توابع البلد کبساتينها حکمه حکم اعتبار نيّة عدم الخروج إلى المسافة، و ذلك لعدم صدق الإقامة عشرة أيّام في مکان واحد.

ص: 208


1- الطوسي، الاستبصار، ج2، ص332؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، ص427؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص529، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح15 [11357].

لا يقال: إنّ الإقامة عشرة أيّام في مکان واحد تتحقّق بالنزول فيه و البناء على کونه منزله، و هذا لا يشترط فيه عدم الخروج عنه لأمر يتّفق غالباً للّذي هو من أهل هذا البلد.

فإنّه يقال: هذا بالنسبة إلى الّذي المکان وطنه کذلك لا يضرّ بوطنيّته، و أمّا بالنسبة إلى مقامه عشرة أيّام في مکان واحد فمنع صدق الإقامة في مکان واحد مع العزم بالتردّد فيما دون المسافة مقبول عرفاً.

هل تشمل الأخبار الإقامة الّتي کانت موقوفة على أمر مشكوك الحصول؟

مسألة: إذا كانت الإقامة في مكان موقوفة على أمر مشكوك الحصول لا يأتي معها ما ورد في الروايات من العزم عليها أو نيّتها أو قصدها أو إرادتها و اليقين بها.

وبعبارة اُخرى، إذا لم يكن على يقين بإمكان المقام عشرة أيّام في مكان لا يتحقّق منه لا النيّة و لا القصد و لا اليقين بالمقام فيه، و مع اليقين بإمكان المقام قد يتحقّق اليقين بدون العزم و القصد كما إذا كان مجبوراً عليه، و قد يتحقّق اليقين به بعزمه عليه و نيّته و قصده. و ما ربما يظهر من الروايات من جعل اليقين قبال العزم و النيّة هو اليقين بالمقام بغير الإرادة و العزم، و ليس معناه عدم اليقين في ما إذا عزم و قصد، و على هذا إذا كان المقام مشكوك الحصول لا يتحقّق اليقين و لا العزم و لا النيّة و القصد.

نعم إذا كان الشكّ فيه غير المعتنى به الشكّ الّذي هو ملازم لوقوع كلّ أمر متوقّع الحصول لا يعتدّ به. ثم إنّه لا فرق في ذلك بين ما يكون الشكّ في

ص: 209

الحصول من جهة الشكّ في المقتضي أو المانع إلّا إذا كان الشكّ في المانع لا يعتدّ به يبني العرف على عدمه في التصميمات و الإقدامات، و الله هو العالم.

مسألة: المجبور أو المكره على الإقامة و إن لم يكن ناوياً لها عازماً عليها إلّا أنّه حيث يكون عالماً بها يكفي في وجوب التمام عليه حسب الروايات، فلا يمنع من وجوب التمام عليه عدم عزمه على المقام، بل و إن كان عازماً على ترك الإقامة على فرض رفع الجبر و الإكراه، و الله هو العالم.

مسألة: الزوجة و العبد إذا كانا تابعين للزوج أو السيّد في السفر و الإقامة و كانا جاهلين بقصدهما يجب عليهما قصر الصلاة و إن علما به بعد ذلك، فإنْ كان ما بقي من مدّة إقامتهما عشرة أيّام عليهما إتمام الصلاة من حين العلم به، و إلّا فهما يقصّران و إن كان الزوج أو السيّد يتمّ، و إذا كانا مستقلّين و مختارين

فهما كغيرهما. و لا يكفي في الصورة الأُولى في انقلاب تكليفهما إلى التمام قصد المقام بمقدار ما قصده الزوج أو السيّد لأنّ ذلك ليس قصد العشرة بالتنجّز، بل قصدا العشرة إن قصد الزوج أو السيّد فقصد العشرة كذلك كقصد الأقلّ منه، فهما غير قاصدين مطلقاً لا العشرة و لا أقلّ منها لا يأتي منهما قصد واحد منهما، فما هو واقع نيّتهما يمكن أن يكون عشرة و أن يكون الأقلّ، و هذا بخلاف ما إذا علم واقع قصد الزوج الّذي ينطبق عليه عنوان العشرة و لكنّه لا يعلم بذلك إلّا أنّها تقصد هذا الواقع كإقامة مائتين و أربعين ساعة، فما تقصده الزوجة هو العشرة لا يمكن أن تكون أقلّ منها بخلاف ما إذا أرادت ما أراد الزوج كما هو واضح، و بذلك أفتى السيد الاُستاذ الأعظم(قدس سره) في حاشيته على «العروة»، و كذا في من يقصد ما قصده رفقاؤه في السّفر، و الله هو العالم.

ص: 210

كفاية قصد المقام إلى آخر الشهر إذا كان عشرة و لم يكن عالماً به

مسألة: قال في «العروة»: إذا قصد المقام إلى آخر الشهر مثلاً و كان عشرة كفى و إن لم يكن عالماً به حين القصد، بل و إن كان عالماً بالخلاف، إلخ.((1))

أقول: إذا كان آخر الشهر مردّداً بين كونه يوم التاسع و العشرين أو الثلاثين، و ظهر بعد ذلك أنّه الثلاثين و قصد المقام إلى آخر الشهر فهو كالزوجه الّتي قصدت ما قصده زوجها لا يتحقّق به قصد العشرة، بخلاف ما إذا قصد الإقامة من يومه هذا و لم يعلم أنّه اليوم الأوّل من الشهر أو الثاني إلى اليوم الخامس عشر، و ظهر بعد ذلك أنّه اليوم الأوّل، و الله هو العالم.

من عزم على إقامة العشرة وصلّى رباعيّة يتمّ

مسألة: مقتضى صحيحة أبي ولّاد أنّ من عزم على إقامة العشرة في مكان و صلّی رباعيّة يتمّ مادام هو في ذلك المكان لم ينشئ سفراً جديداً، قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أنْ اُقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة ثم بدا لي بعدُ أن لا اُقيم بها، فما ترى لي اُتمّ أم اُقصّر؟ فقال: «إن كنت دخلت المدينة و صلّيت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلِّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك

الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إنْ لم تنوِ المقام فقصّر ما بينك و بين شهر فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة».((2))

ص: 211


1- الطباطبائي الیزدی، العروة الوثقی، ج3، ص484.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص508 509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11305].

والرواية صريحة في هذا الحكم، عمل بها الأصحاب، و أمّا ما رواه الشيخ أيضاً بإسناده عن سعد((1)) عن أبي جعفر (أحمد بن محمد)((2)) عن محمد بن خالد البرقي((3)) عن حمزة بن عبد الله الجعفري((4)) قال: لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكة فأتممت الصلاة حتى جاء ني خبر من المنزل فلم أجد بدّاً من المصير إلى المنزل و لم أدرِ اُتمّ أم اُقصّر، و أبو الحسن(علیه السلام) يومئذ بمكّة فأتيته فقصصت عليه القصّة، فقال لي: «ارجع إلى التقصير».((5)) فلا يعارض الصحيحة لضعف سنده بحمزة بن عبد الله الّذي لم يذكر بالوثاقة و عدم عمل الأصحاب به أو حمله الشيخ على أنّه يرجع إلى التقصير إذا سافر إلى أهله، فيمكن أن يكون قوله: لم أدرِ أُتمّ أمّ أُقصّر السّؤال عن وظيفته في المصير إلى المنزل فإنّه بعدما نوى المقام و أتمّ الصلاة احتمل أن يكون تكليفه و إنْ سافر تمام العشرة التمام و لذا سأل عن الإمام(علیه السلام)، و يمكن أن يكون قصد المقام دون العشرة، إذاً فلا ظهور معتدّاً به له على خلاف صحيح أبي ولّاد، و على هذا يمكن أن يقال: إنّ الأصحاب لم يستظهروا من رواية الجعفري ما يكون معارضاً للصحيح المذكور حتى يقال بعدم عملهم به. ثم إنّ الظاهر أنّه لا

ص: 212


1- ابن عبد الله القمي جليل القدر... من الثامنة.
2- شيخ القميين من السابعة.
3- ثقة من كبار السادسة.
4- من الخامسة أو السادسة.
5- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص443؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص239؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص221؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11306].

خلاف بينهم إلّا ما يظهر من «المبسوط» من الاكتفاء بنيّة الإقامة((1)) مضافاً إلى أنّه يجب تنزيل ما في «المبسوط» على الصلاة تماماً بعد النيّة كما في «الجواهر» قال: بقرينة تصريحه بعد النيّة ذلك بعين ما في المتن((2)) يعني متن «الشرائع » و لو

صلّی صلاة واحدة بنيّة الإتمام لم يرجع،((3)) و الله هو العالم.

والمراد من الصلاة واحدة في الصحيح هي الصلاة الفريضة الرباعية

مسألة: الظاهر أنّ المراد من صلاة واحدة في صحيح أبي ولّاد: «إنْ کنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها».((4)) هي الصلاة الفريضة الرباعية بتمامها حتّى أنّه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى رکوع الرکعة الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثم عدل عن الإقامة کما صرّح به في «الجواهر»،((5)) فاحتمال أو القول بإرادة الکناية بالصلاة تماماً عن مطلق الشروع في عمل مشروط صحّته بالإقامة من صلاة نافلة أو الدخول في صوم أو القول بأنّه کناية عن ذلك لکنّه إذا أتمّ أو وصل فيه إلى حدّ لا يجوز له إبطاله لو کان مقيماً کالصوم بعد الزوال ضعيف جدّاً، و ذکر ما قيل وجهاً لهذا الأخير في «الجواهر»،((6)) و ما يدفعه، و لا بأس بالإشارة إليهما.

ص: 213


1- الطوسي، المبسوط، ج1، ص137.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص321.
3- المحقّق الحلّي، شرائع الاسلام، ج1، ص103.
4- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص508 509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11305].
5- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص322.
6- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص322.

أمّا الأوّل: فأفاد في بيانه أنّه لو فرض أنّ الّذي نوى الإقامة عشرة أيّام و صام في شهر رمضان و عدل عن نيّته و سافر بعد الزوال قبل الاتيان برباعيّة تامّة، فلا يخلو إمّا أن يجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم، لا سبيل إلى الأوّل للأخبار الصحيحة المتضمّنة لوجوب المضيّ في الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد، فيتعيّن الثاني أي إتمام الصوم و حينئذ فلا يخلو إمّا أن يحکم بإنقطاع نيّة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال و قبل الخروج أو لا ، لا سبيل إلى الأوّل لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفراً بغير نيّة الإقامة و هو غير جائز إجماعاً إلّا ما استثني من الصوم المنذور، فيثبت الأخير و هو عدم انقطاع نيّة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر بالفعل حينئذ أم لم يسافر إذ لا مدخل للسفر في صحّة الصوم و تحقّق الإقامة، بل حقّه أنْ يتحقّق عدمها، و قد عرفت عدم تأثيره فيها، أمّا إذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة و هو المطلوب.((1))

وأمّا الثاني: فقد دفع ما ذکر:

أوّلاً: بأنّ هذا البيان على فرض صحّته يکون دليلاً على کفاية مطلق الشروع في الصوم المشروط بالإقامة و إن عدل عنه قبل زوال الشمس فإنّ بطلان الصوم بالسفر لا يستلزم بالرجوع عن نيّة الإقامة، فکما أنّ الرجوع عن النيّة بعد الزوال لا يستلزم بطلان الصوم و ليکن قبل الزوال أيضاً، و ذکر اختيار ذلك في عدّة من الکتب الّتي ذکرها، و إن ردّ ذلك بأنّه القياس المحرّم، أي قياس الرجوع قبل الزوال بالرجوع بعده.

ص: 214


1- النجفي، جواهرالکلام، ج14، ص323.

وثانياً: قال: بأنّه لا مانع من اختيار الأوّل أي وجوب الإفطار لأنّ ما يدلّ من النصوص على وجوب المضيّ في الصوم بعد الزوال قاصر عن تناول مثل ذلك ضرورة صراحة بعضها و ظهور الآخر في المسافر من موضع يلزمه فيه الإتمام الّذي هو في المقام محلّ النزاع، و دعوى أنّ الظاهر کونه مجمعاً عليه ممکنة المنع.

وثالثاً: نختار الثاني، و هو انقطاع نيّة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال و عدم البأس في وقوع صوم واجب في السفر إذا حصل إلى الزوال حال الإقامة، إلى أخر ما أفاد.((1))

وتمام الکلام، أنّه بالنسبة إلى من صلّی صلاة واحدة لا ريب في أنّه يتمّ مادام في محلّ الإقامة، و بالنسبة إلى الشروع في صلاة الفريضة فلا يعتدّ به في البقاء على حکم المقيم، و إنْ کان العدول بعد الدخول في رکوع الرکعة الثالثة، بل قبل التسليم کما أنّه لا يعتدّ بالنافلة کنافلة الظهر، و أمّا الصيام فإذا کان العدول عن النيّة قبل الزوال ليس عليه الصوم، و إذا کان بعد الزوال يتمّه إلى الليل و هو مسافر يقصّر صلاته من يومه هذا، و يصوم بعده.

وتمام الکلام، أنّه على البناء بأنّ تمام الملاك في انقلاب التکليف إلى التمام خصوص الإتيان بصلاة رباعيّة تامّة أنّه إذا عدل عن قصد العشرة قبل الإتيان بها وظيفته التقصير في الصلاة. و أمّا الصوم فيأتي الکلام فيه، فلا يعتدّ بإتيان غير الصلاة ممّا هو صحّته مشروط بالحضر کالنافلة و الصوم في إتمام الصلاة.

وأمّا الکلام في الصوم إنْ صام من عزم على الإقامة ثم عدل عنها و سافر بعد

ص: 215


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص323324.

الزوال قبل الإتيان بالرباعية فهل يجب عليه إتمام الصوم أو الإفطار، ثم إنّه لو لم يسافر و تردّد في الإقامة أو رجع عنها يجب عليه

إتمام الصوم لأنّه بالعزم على الإقامة صار في حکم المقيم، فلا يصير مسافراً إلّا بإنشاء سفر جديد أو أنّ العدول عن الإقامة کاشف عن عدم انقطاع حکم السفر، فلا يعتدّ بصومه. هذا و حيث قد تعرّض للمسألة مفصّلاً الشيخ المؤسّس(قدس سره) نجري الکلام على ما أفاده في کتابه في الصلاة فنقول:

بيان من الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره) في المسألة

إعلم أنّ الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره) ذکر هنا في طيّ تنبيه، أنّ العود عن الإقامة قبل الإتيان بفريضة تامّة ليس کاشفاً عن عدم انقطاع حکم السفر بقصد إقامة عشرة أيّام، بل ينقطع حکمه به، و ينقلب تکليف المسافر بالقصد المذکور من القصر إلى التمام، ذلك لأنّه لو کان کاشفاً عن ذلك و لم ينقطع حکم السفر به و لم ينقلب إلى التمام لزم أن يکون الأمر بالتمام بعد القصد المذکور مشروطاً بالتمام.

وبعبارة اُخرى، کان وجوبه مشروطاً بفعله و لو بنحو الشرط المتأخّر، فالأمر دائر بين أنْ يکون وجوب التکليف بالتمام عند قصد الإقامة مشروطاً به و مسبّباً عنه أو يکون التکليف به مشروطاً بوقوعه و لو بنحو الشرط المتأخّر، و مثل ذلك لا يکون داعياً للمکلّف نحو العمل و مصحّحاً للتکليف، فعلى هذا لابدّ إلّا أن نقول بوجوب الإتمام بالقصد و إنقلاب تکليفه بالتمام و إنْ رجع عن الإقامة بعد

ص: 216

ذلك و وقع تحت حکم وجوب القصر لعدم الإتيان بالرباعية قبل الرجوع.((1))

(قال) و يتفرّع على ذلك أمور منها:

فيمن فاتته الرباعية بعد قصد الإقامة حتى خرج الوقت

إنّه لو فاتته الرباعية حين العزم على الإقامة يجب قضاؤها تامّة و لو بعد العدول عنها إذا کان زمان العزم على الإقامة متسعاً لأدائها.

ومنها: ما لو صام يوماً أو أيّاماً ثم عدل قبل أن يأتي بفريضة تامّة فصيامه صحيح. نعم لا يصحّ منه الصوم بعد العدول.

ومنها: أنّه لو عزم فصام ثم عدل بعد الزوال قبل أن يأتي بفريضة تامّة فصوم ذلك اليوم صحيح و إن کان يقصّر في صلاته، فهو کمن صام في وطنه ثم سافر بعد الزوال، و لکنّه(قدس سره) استشکل في الأخير بأنّ الصوم الإمساك

من الفجر إلى المغرب بقصد القربة و شرط صحّته الحضر في تمام هذا الوقت. و قد خرج من هذه الکليّة تعبّداً الحاضر الّذي يقصد الصيام و يسافر بعد الظهر، و المسافر الّذي يحضر قبل الزوال و لم يتناول شيئاً من المفطرات، و العازم على إقامة عشرة أيّام الّذي قصد الصوم و تردّد بعد الزوال فيها ليس داخلاً فيمن قصد الصوم حاضراً ثم سافر بعد الزوال.

فإنْ قلت: عنوان السفر کما يتحقّق بالسير إلى خارج البلد يتحقّق بالنسبة إلى المسافر الّذي قصد الإقامة في مکان بتردّده و بقصده ترکها، فهو داخل في من کان صائماً ثم سافر بعد الزوال.

ص: 217


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص637، مع تفاوت فی العبارة.

قلت: قد قلنا: إنّ السفر ينقطع بنفس العزم على الإقامة، و وجوب التمام و صحّة الصوم إنّما يکون لأجل کونه غير مسافر، و لذا قلنا: بأنّ العود إلى القصر يحتاج إلى سفر جديد و مجرّد التردّد، بل العزم على الخروج ليس سفراً جديداً.

نعم مقتضى الروايات في الباب المعمول بها عند الأصحاب لزوم القصر في الصلاة لأنّه لم يأت برباعيّة و هو لا يقتضي أن يعامل مع الشخص المفروض معاملة الصائم المسافر بعد الزوال.

والحاصل، أنّ صحّة الصوم من الشخص المفروض بمقتضى القواعد لانقطاع سفره بالعزم على المقام و عدم إنشاء سفر جديد. ثم إنّه بعد ذلك ذکر وجهاً آخر لکون ذلك الشخص العازم على الصوم إذا تردّد بعد الزوال قبل الإتيان بفريضة تامّة مسافراً بحکم الشارع، و لذا لا يصحّ منه الصوم في الأيّام الآتية لو کانت من شهر رمضان و بقي على حال الترديد، ثم ذکر إشکالاً آخر، وأنهی کلامه إلى أنّ مقتضى الاحتياط إتمام الصوم و قضاؤه.((1))

مسألة: الظاهر أنّه تكفي في البقاء على التمام الصلاة الرباعيّة حال الإقامة و قبل العدول عنها و إن لم يكن ملتفتاً إلى إقامته، كما تكفي عن أصل الإتيان بها. و هذا بمقتضى إطلاق قوله(علیه السلام) في الصحيح: «إنْ كنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس لك أن تقصّر». و أمّا لو صلّاها لشرف البقعة كمواضع التخيير فقد قيل بكفايته أيضاً، و يشكل لأنّ التخيير في هذه الأمكنة المقدّسة حكم المسافر لا المقيم، فإنّه متعيّن عليه التمام فكأنّه يری نفسه مسافراً

ص: 218


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص637 639.

مخيّراً ملتفتاً إلى ذلك، و لكن لا يعتنى بهذا الإشكال لعدم دخل الالتفات إلى وجه إتمام الصلاة أنّه يكون بالتعيين أو بالتخيير فيشمله إطلاق الصحيح.

وبعبارة اُخرى، كما تصحّ الرباعيّة في أماكن التخيير عن المسافر إذا صلّی و لم يكن ملتفتاً إلى كونه مسافراً كذلك يكتفى بها في بقاء حكم التمام إنْ عدل عن قصد العشرة بعد الإتيان بها، و الله هو العالم.

مسألة: إذا فاتتة الرباعيّة بعد قصد إقامة العشرة فلم يأتِ بها حتى خرج الوقت ثم عدل عنه، فإنْ لم تكن الّتي فاتته ممّا يجب عليه قضاؤها كالحائض و النفساء فهي ترجع إلى القصر، و إذا كانت ممّا يجب قضاؤه، فإنْ قضاها ثم عدل عن قصد الإقامة، ففيه وجهان: البقاء على حكم التمام لصدق إتيانه بالفريضة التامّة بعد القصد و قبل العدول، و وجوب القصر عليه بدعوى ظهور صلاة الفريضة في الأدائيّة. و أولی من الثاني بوجوب القصر ما لو ترك الصلاة في تمام الوقت على وجه يثبت قضاؤها عليه تماماً ثم عدل قبل قضائها في حال البقاء على نيّة العشرة إلّا أنّه قال في «الجواهر»:((1)) قد صرّح غير واحد من الأصحاب بوجوب التمام حينئذ معلّلين له باستقرار إتمام الفائت في الذمّة، فهو كمن صلّی تماماً من غير فرق بين التارك عمداً أو نسياناً، و لكن يستفاد منه المناقشة في الدليل المذكور بظهور النصّ في فعليّة التمام قال: و لذا كان ظاهر «المدارك»؛ الرجوع إلى التقصير هنا و أنّه لا مدخليّة لاستقرار القضاء تماماً. (قال:) و منهما معاً توقف الفاضل و الشهيدان و غيرهما في الحكم المزبور (إلی أن قال:) اعترف في «جامع

ص: 219


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص324 325.

المقاصد» على ما حكي عنه بأنّه (أي الحكم بالإتمام) مخالف لظاهر الرواية، و إن قال هو أيضاً: إنّ الأصحّ الإتمام نظراً إلى ما تقتضيه اُصول المذهب.((1))

ثم أشكل عليه في «الجواهر» و قال: إلّا أنّك خبير بعدم اقتضاء الاُصول لذلك، اللّهمّ إلّا أن يريد إطلاق ما دلّ على الإتمام بمجرد نيّة المقام، أقصاه خروج الراجع قبل الصلاة في وقتها، و لعلّه لا يخلو من قوّة إذ الإنصاف أنّ النصّ هنا غير ظاهر في شمول ذلك و لا عدمه، ضرورة كون المفهوم منه بناء حكمي المسألة على ما هو الغالب من عدم فوت الصلاة من المؤمن الموحّد، فيبقى حينئذ ما نحن فيه على مقتضى غيره من الأدلّة، و قد عرفت اقتضاء إطلاقها التمام،((2)) إلخ، و الله هو العالم.

تتحقّق الإقامة و إنْ كانت للمرأة تمامها أيّام عادتها

مسألة: تتحقّق الإقامة و يترتّب عليها أحكامها و إن كانت للمرأة تمامها أيّام عادتها، فإذا كانت عادتها عشرة أيّام و نوت الإقامة فيها تتمّ الصلاة بمجرّد قضاء عادتها، و ذلك لاستظهار عدم مدخليّة الطهارة من الحيض و النفاس، بل و من الجنابة في موضوعيّة الإقامة للحكم بوجوب الإتمام من الأدلّة قطعاً، فالمرأة الّتي تقصد العشرة و هي عالمة بأنّها تحيض مثلاً من اليوم السادس أو أنّها تطهر في اليوم التاسع، بل عند تمام العاشر يجب عليها الصلاة تماماً إذا صارت طاهرة. و هل الّذي يبلغ مثلاً في اليوم التاسع من العشرة الّتي أراد الإقامة فيها أو يبلغ

ص: 220


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص325.
2- النجفي، جواهرالکلام، ج14، ص225.

بعد تمام العشرة هو أيضاً حكمه كذلك فيجب عليه التمام بمجرّد البلوغ سواء بلغ في الأثناء أو بعد العشرة. الظاهر ذلك على القول بمشروعيّة عبادات الصبيّ المميز و إلّا فيشكل القول به، فلا يترك الاحتياط. و الظاهر اعتبار نيّة المجنون إذا نوی الإقامة حال الإفاقة و التعقّل، فإنْ نوى و صار مجنوناً في تمام العشرة و أفاق في اليوم الحادي عشر مثلاً يتمّ صلاته، و الله هو العالم.

مسألة: إذا تمّت العشرة لا يحتاج البقاء على التمام إلى قصد عشرة ثانية، فهو مادام لم ينشئ سفراً جديداً يتمّ صلاته في محلّ الإقامة، و هكذا إذا عدل عن قصده بعد الإتيان بصلاة رباعيّة يتمّ الصلاة تمام العشرة و بعدها إلّا إذا أنشأ السفر الجديد.

مسألة: الإقامة كما أنّها موجبة للصلاة تماماً و لوجوب الصوم أو استحبابه موجبة لاستحباب النوافل الّتي يسقط استحبابها في السفر، و لوجوب صلاة الجمعة إذا كان واجداً لسائر شرائط وجوبها، كلّ ذلك يظهر من الأدلّة، و الله هو العالم.

في حكم السفر إلى ما دون المسافة بعد تحقّق الإقامة حكماً أو تحقيقاً

مسألة: إذا تحقّقت الإقامة حكماً أو حقيقة بأنّ قصد الإقامة و صلّی صلاة رباعيّة ثم عدل عن قصده أو قصد الإقامة و أتمّها إلى العشرة، ثم بعد تحقّق الإقامة بإحدى الصورتين بدا له السفر إلى ما دون المسافة الشرعيّة (الإمتدادية أو التلفيقيّة) فلا يختصّ البحث في المسألة بما إذا تحقّقت الإقامة و تمّت العشرة، فيكفي تحقّق الإقامة و لو بالإتيان بصلاة رباعيّة قبل العدول عن قصد العشرة.

فللمسألة صور:

ص: 221

إحداها: أن يكون بعد الرجوع إلى محلّ إقامته عازماً لإقامة عشرة أيّام اُخری فيه، فلا ريب في أنّه يتمّ في الذهاب و الإياب و المقصد. و لو قيل

بأنّه كان عند كونه مقيماً كالحاضر حكماً فهو في الحال مسافر موضوعاً، يقال: نعم و لكنّه ليس قاصداً المسافة الشرعيّة، فعلى الأصل يجب عليه التمام.

وثانيتها: أن يكون رجوعه إلى محلّ إقامته رجوعاً إلى منزله و محلّ استقراره، و إن لم يكن ناوياً الإقامة فيه بعد ذلك عشرة أيّام أو كان ناوياً عدم الإقامة كذلك فيسافر بعد يوم أو يومين أو أيّام أو كان مردّداً في المقام و الذهاب، ففي هذه الصورة يتمّ في الذهاب و الإياب و مقصده و محلّ إقامته إلى أن ينشئ السفر إلى المسافة. و وجهه، أنّه مادام لم ينشئ السفر و لم يشرع فيه من محلّ الإقامة يجب عليه بحكم الصحيح التمام، و إن خرج منه دون المسافة فهو كمن يخرج من محلّ الإقامة و أراد الخروج بعد يومين مثلاً.

ثالثتها: أن يكون رجوعه إلى غير محلّ إقامته و البقاء فيها عشرة أيّام أو أقلّ من ذلك، ففي هذه الصورة أيضاً يتمّ حتى ينشئ السفر، و وجهه أيضاً يظهر ممّا ذكر.

رابعتها: أن يكون عازماً على عدم العود إلى محلّ الإقامة و لم يكن بينها و بين مقصده المسافة، و لم يكن عازماً على العود إلى وطنه، كأن يكون مردّداً بين البقاء فيه و عدمه، فهذا أيضاً يتمّ في الطريق و المقصد، و إن بدا له بعد ذلك الرجوع إلى وطنه، إلّا أنْ يكون بينه و بين وطنه المسافة فيتمّ في الطريق دون المقصد، و وجه هذا أيضاً يظهر ممّا ذكر.

خامستها: أن يكون ناوياً الرجوع إلى وطنه و كان مروره على محلّ إقامته لأنّه

ص: 222

في طريقه فهو يمرّ عليه كغيره من المسافرين، فهو يقصّر في ذهابه إلى مقصده و في مقصده و في رجوعه منه إلى وطنه إذا كان ما بينه و بين المقصد أربعة فراسخ، و إلّا إن كانت المسافة أقلّ من ذلك و اعتبرنا في المسافة التلفيقيّة أن لا يكون الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ بكون الاعتبار في كون المسافة ثمانية إمتدادية في الرجوع، فهو يتمّ في الذهاب و في المقصد و يقصّر في الرجوع، و وجهه أيضاً ظاهر على ما ذكر، و الله هو العالم.

حكم مَن عزم الخروج من محلّ الإقامة إلى ما دون المسافة حين نيّة الإقامة

مسألة: ما ذكرناه في المسألة السابقة هو حكم من بدا له الخروج إلى ما دون المسافة بعد العشرة أو في أثنائها أو بعد تحقّق الإقامة بإتيان فريضة رباعيّة، أمّا إذا كان من عزمه الخروج من محلّ الإقامة إلى ما دون المسافة

حين نيّة الإقامة ففيه وجوه:

الأوّل: عدم كفاية ذلك لانقلاب تكليفه إلى التمام مطلقاً سواء كان عازماً الخروج من محلّ الإقامة إلى مكان قريب أو بعيد دون المسافة في زمان طويل كيوم أو يومين أو زمان قليل و لو كان ساعة، بل أقلّ منها، فلا يكفي إذا كان قصده كذلك، و يجب عليه القصر. و الوجه له ظاهر قولهم عليهم الصلاة و السلام في الروايات «المقام عشرة أيّام» فإنّه يدلّ على المقام في محلّ الإقامة تمام عشرة أيّام.

الثاني: أنّه يكفي في التكليف بالتمام و صدق العشرة كون محلّ الإقامة مسكنه و مقرّ بيتوتته و رحله في الليالي، فإذا كان له شغل فيما دون المسافة حتى في أماكن مختلفة لا يضرّ بإقامته بدعوى صدق المقام عشرة أيّام.

ص: 223

الثالث: كفاية نيّة العشرة مع عزم الخروج إلى ما دون المسافة إذا كان زمان الخروج قليلاً كساعة أو ساعتين في اليوم لأنّه يصدق معه إقامة عشرة أيّام.

ولكن الأظهر عندي هو الوجه الأوّل لظهور النصّ في ذلك، و لکون المسافر فيما إذا کان ناوياً المقام عشرة أيّام غير قاصدٍ الخروج منه يکون فارغاً عن السير متعطّلاً عن شغله، فيجب عليه التمام للتسهيل، فمن جعل مكاناً مقرّه و منزله يخرج منه في النهار لشغله إلى ما دون المسافة و يرجع إليه في الليل ليس فارغاً عن السير و متعطّلاً من السفر و هو ضارب في الأرض كمن لا يقصد العشرة، فيجب عليه القصر، و هذا هو القدر المتيقّن ممّا يستفاد من النصوص.

وأمّا الوجه الثالث فضلاً عن الثاني، فشمول النصوص لهما مورد الشكّ و الإجمال، و مقتضى القاعدة في المخصّص إذا كان الشكّ فيه لشبهة مفهوميّة الأخذ بالعامّ في موارد الشبهة، فالنصوص العامّة تنصّ على أنّ المسافر يجب عليه القصر، والدليل الخاص يدلّ على أنّه إذا أقام عشرة أيّام يتمّ إلّا أنّ المراد من العشرة مردّد بين المقيم تمام العشرة أو هو أعمّ منها و من الّذي يخرج من مقامه في اليوم ساعة أو ساعتين مثلاً، بل و من الّذي يخرج تمام اليوم منه و يرجع إليه ليلاً لاستراحته و استقراره، فالخاصّ في مثل ذلك حجّة في القدر المتيقّن، و العامّ حجّة في ما سواه، و مع ذلك كلّه فالاحتياط حسن علی كلّ حال، و الله هو العالم.

إذا بدا للمقيم السفر ثم بدا له العود إلى محلّ الإقامة

مسألة: إذا بدا للمقيم السفر ثم بدا له العود إلى محلّ الإقامة و البقاء

عشرة أيّام فللمسألة صورتان:

ص: 224

إحداها: أن يكون ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ فهو يقصّر في المقصد و في العود.

ثانيتهما: أن يكون ذلك قبل بلوغ الأربعة فيتمّ حال العود إلى محلّ الإقامة، و أمّا إذا لم يکن قاصداً للإقامة الجديدة قال في «العروة»: إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتى في محلّ الإقامة، لأنّ المفروض الإعراض عنه.((1))

وفيه: أنّ مجرّد الإعراض عن الإقامة لا يكفي في وجوب القصر المشروط وجوبه بشرائطه المعلومه. نعم، إن كان محلّ الإقامة الّذي أعرض عنه محلّ عبوره إلى مقصد جديد، و لا يكون العود إليه بنفسه مقصوداً، و كانت المسافة إليه مسافة تامّة يقصّر لا محالة.

ثم إنّه ياتي الكلام فيما إذا قصّر قبل نيّة العود إلى محلّ الإقامة إذا قصد العود إليه قبل بلوغ الأربعة، فهل يجزيه ذلك أو يجب عليه الإعادة أو القضاء.

الظاهر أنّ المشهور عدم وجوب الإعادة و القضاء، لصحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا و انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة الّتي كان صلّاها ركعتين؟

قال: «تمّت صلاته و لا يعيد».((2))

ص: 225


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص496 497.
2- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص438؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص521522، ب23، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11339].

و هو دال على تماميّة الصلاة الّتي صلّاها قصراً لأنّه لم يقض له الخروج و لم يتيسّر له السفر من جهة انصراف البعض لحاجة، و احتمال أنّ المقصود منه أنّ المنصرف لحاجة لم يقض له السفر دون الّذي خرج مع القوم الّذي لم ينصرف عن السفر و كان باقياً على قصده الأوّل فقال الإمام(علیه السلام): «تمّت صلاته»، كما ذكره الشيخ المؤسّس(قدس سره) بعيد جداً لما ذكره هو و أورد على نفسه من عدم الفائدة في السؤال عن صلاة من صلّی طبق وظيفته، فلا ريب في أنّ المسافر الّذي لم يرجع عن قصده و يكون باقياً عليه إن صلّی قصراً تمّت صلاته، و ما أجاب به عن ذلك خلاف

الظاهر و تحميل على الصحيح على خلاف ما يستظهر العرف منه.

هذا و استدلّ أيضاً لقول المشهور بقاعدة الإجزاء، و نوقش في ذلك أمّا في الاستدلال بالصحيح، بأنّه يعارضه صحيح أبي ولّاد الّذي فيه: «و إن كنت لم تسر في يومك الّذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام (من قبل أن تؤمّ)»، الحدیث.((1)) أضف عليه ما في ذيل رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه(علیه السلام): «وإن كان قصّر ثم رجع عن نيّته أعاد الصلاة».((2)) إلّا أنّه ضعيف بالمروزي و إن قال بتوثيقه بعض الأعلام المعاصرين لكونه موجوداً في أسانيد «كامل الزيارات»، هذا مضافاً إلى اضطراب متنه و اشتماله بما لم يقل به أحد.

ص: 226


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص469 470، ب5، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11193].
2- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص227 228؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص226؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص457، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11160].

وكيف كان التعارض واقع بين الصحيحين المذكورين فإنْ قلنا: بترجيح صحيح زرارة لعمل الأصحاب به و تركهم صحيح أبي ولّاد فهو، و إلّا فمن لا يقول بهذا الترجيح يقول بتساقطهما بالتعارض.

وأمّا الإجزاء، فعلى ما مشينا به في الاُصول تبعاً لسيّدنا الاُستاذ الأعظم(قدس سره) نقول بكفاية ما صلّاها قصراً، و إن قيل بأنّ المأمور به الواقعي هنا التمام، و قد انكشف الخلاف برجوعه عن السفر، فمقتضى ذلك الإعادة أو القضاء، و الله هو العالم.

من دخل في الصلاة بنيّة القصر ثم بدا له الإقامة

مسألة: من دخل في الصلاة بنيّة القصر ثم بدا له الإقامة فهو كالّذي أنشأ السفر و عدل عنه أثناء الصلاة قبل بلوغه المسافة، يجب عليه إتمامها رباعيّة لانقلاب وظيفته من القصر إلى التمام إذ كلّ منهما فرد من أفراد المأمور به الكلّي و هو الصلاة يأتي به امتثالاً للأمر المتعلّق بالصلاة لا يعتبر فيه قصد خصوص القصر أو التمام، بل لا يضرّ قصد أحدهما سهواً أو جهلاً بالحكم أو الموضوع إن التفت في الأثناء فهما ليسا حقيقتان مختلفتان حتى يقال: لا ينقلب الشيء عما وقع عليه.

وبالجملة، لا يرفع اليد عمّا بيده و يتمّها حسب وظيفته الفعلية، و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه. و نقل دعوى الإجماع عليه، قال: لإطلاق ما دلّ على الإقامة و خصوص صحيح علي بن يقطين((1)) سأل أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل

ص: 227


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص380 381.

يخرج إلى السفر ثم يبدو له الإقامة و هو في الصلاة؟ قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة».((1))

ثمّ إنّ صاحب الجواهر(قدس سره) قال: و قد تقدّم الكلام فيما لو رجع عن نيّة إقامته بعد هذه الصلاة، و أنّ في بقائه على التمام أو عوده على القصر وجهين أقربهما ثانيهما كما في «الذكرى» و«الروض»، و هو ظاهر «البحار» و«الحدائق» خلافاً لظاهر «المدارك» فإنّه بعد أن قال: أن المسألة محلّ تردّد كأنّه مال إلى التمام((2))، إلّا أنّه و إن أشار إلى ما تقدّم منه هنا كأنّه اختار هناك البقاء على التمام، و إليك عبارته قال: و لو نوى الإقامة في أثناء الصلاة و أتمّها ثم رجع عن الإقامة بعد الفراغ ففي عوده إلى التقصير و عدمه وجهان ينشآن من ظهور النصّ في اعتبار افتتاح الصلاة على التمام، و من تحقّق أثر الإقامة الّذي هو الإتيان بالركعتين الأخيرتين، و إلّا فالركعتان الأوّلتان مرادة منه على كل حال أقواهما الثاني.((3))

أقول: و هذا هو الأقوى لعدم ظهور النصّ في اعتبار افتتاح الصلاة على التمام، بل الظاهر عدم كونه في مقام بيان اعتبار شيء في الصلاة المأتيّ بها صحيحة تامّة يشمل إطلاقه صورة افتتاح الصلاة على التمام و صورة إتمامه عليه على السواء، و الله هو العالم.

ص: 228


1- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص446؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص511، ب20، من أبواب صلاة المسافر، ح1[11310].
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص381.
3- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص328.

من دخل في الصلاة ناوياً للإقامة و عدل عنها في أثنائها

هذا كلّه فيما إذا دخل في الصلاة بنيّة القصر ثم بدا له الإقامة، و أمّا الكلام في عكس ذلك بأن دخل في الصلاة ناوياً الإقامة و عدل عنها في أثناء الصلاة فهو يتمّ صلاته ثنائيّة، و إذا لم يمكن ذلك لدخوله في ركوع الركعة الثالثة فالظاهر بطلان صلاته لمفهوم قوله(علیه السلام) في صحيح أبي

ولّاد:((1)) «إن كنت دخلت المدينة و صليت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها» الدالّ على وجوب القصر إذا لم يصلِّ فريضة واحدة بتمام.

و إنْ قیل بأنّ الرواية غاية ما يستفاد منها منطوقاً و مفهوماً وظيفة من صلّی فريضة واحدة بتمام بعد الفراغ منها، و وظيفة من لم يصلّها فلم يدخل فيها، و أمّا حكم مسألتنا هذه فلا يستفاد لإنصرافها عن هذه الصورة.

نقول: نعم لا تدلّ بالمنطوق على كفاية مجرّد الدخول في الصلاة لوجوب الإتمام، بل يدلّ على أنّ تمام الموضوع لوجوب التمام الإتيان بالصلاة الرباعيّة تامّة و مفهومها وجوب القصر سواء لم يدخل فيها أو دخل فيها و لم يتمّها. و لو عدلنا عن ذلك يكفينا ما يقتضيه أدلّة الفوق أي عموم ما دلّ على وجوب القصر على المسافر فيجوز له رفع اليد عن هذه الصلاة و استئنافها قصراً أو الجمع بين إتمامها و استئنافها احتياطاً مطلقاً إلى أن يجدّد السفر أو في خصوص هذه الصلاة. و منه يظهر ما في بعض الكلمات من أنّه إن كان أي العدول عن

ص: 229


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص508 509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11305].

الإقامة بعد الدخول في الركوع فحيث إنّ هذه الصلاة لا تقبل العلاج، فلا مناص من رفع اليد و الاستئناف قصراً، و الله هو العالم.

لا فرق في حكم انقلاب حكم المسافر من القصر إلى الإتمام بين كون إقامته محرّمة أو محلّلة

مسألة: لا فرق في انقلاب حكم المسافر من القصر إلى التمام بين كون الإقامة محرّمة أو محلّلة، فإذا قصد الإقامة في مكان لقطع الطريق أو إخافة الناس يجب عليه إتمام الصلاة، و لا وجه لأنّ يقال بإنصراف الأدلّة إلى المحلّلة منها أو إنصرافها عن المحرّمة، و ذلك لأنّ انقلاب حكم المسافر إلى الحاضر بالإقامة يكون رافعاً للتسهيل الملحوظ للمسافر.

وبعبارة اُخرى: حكم القصر على المسافر تسهيل له و تخفيف فإذا رفع ذلك بالإقامة لا وجه لرفعه عن المقيم حلالاً دون من أقام حراماً، و هذا واضح، و الله هو العالم.

مسألة: قال في «العروة»: إذا كان عليه صوم واجب معيّن غير رمضان كالنذر أو الاستئجار أو نحوهما وجب عليه الإقامة مع

الإمكان.((1))

أقول: أمّا عدم وجوب الإقامة إذا كان الصوم الواجب صوم شهر رمضان، فلأنّ وجوبه كما يستفاد من الكتاب و السنة مشروط بعدم السفر، و أمّا غيره فإذا كان وجوبه بمثل الاستئجار و كان مطلقاً غير مشروط بعدم السفر فيجب على الأجير الإقامة، لأنّ عدم السفر من شرائط الواجب.

ص: 230


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص498.

وبعبارة اُخری، الاستئجار مطلق يجب على الأجير تسليم ما عليه إلى المستأجر، و هكذا الشأن بالنسبة إلى النذر، فإذا لم يكن مقيّداً بالحضور يجب على الناذر الوفاء به إلّا أنّ الدليل دلّ على عدم وجوب الإقامة و جواز السفر و قضاء الصوم المنذور، و ذلك مثل ما رواه شيخنا الكليني(قدس سره) عن عبد الله بن جندب((1)) و فيه (سئل أبو عبد الله(علیه السلام)) عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد الله(علیه السلام)؟ قال: «يخرج و لا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك».((2))

وصحيح عليّ بن مهزيار في حديث قال: كتبت إليه يعني إلى أبي الحسن(علیه السلام): يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه: «قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها و يصوم يوماً بدل يوم إنْ شاء الله»، الحديث.((3))

وصحيح زرارة قال: إنّ أمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرت لله في بعض ولدها في شيء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الّذي يقدم فيه عليها، فخرجت معنا إلى مكّة، فأشكل علينا صيامها في السفر، فلم ندرِ تصوم أو تفطر، فسألت أبا جعفر(علیه السلام) عن ذلك؟ قال: «لا تصوم في السفر إنّ الله قد وضع عنها

ص: 231


1- ثقة من الخامسة.
2- الکلیني، الکافي، ج7، ص457؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج23، ص313، ب13، من أبواب النذر، ح1 [29634].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج23، ص310، ب10، من أبواب النذر، ح1 [29629].

حقّه في السفر، و تصوم هي ما جعلت على نفسها»، فقلت له: فماذا إن قدمت إن تركت ذلك؟ قال: «لا إنّي أخاف أن

ترى في ولدها الّذي نذرت فيه بعض ما تكره».((1))

وعلى هذا في خصوص نذر الصوم في السفر لا يجب الإقامة إلّا أنّه بعد ذلك ينبغي الرجوع إلى كتب أصحابنا القدماء رضوان الله تعالى عليهم.

الکلام في جواز نيّة الإقامة للمسافر الّذي عليه الظهران و لم يبق من وقتهما إلا أربع ركعات

مسألة: المسافر الّذي عليه الظهران إن لم يبق من وقتهما إلّا أربع ركعات هل يجوز له نيّة الإقامة و الاكتفاء بصلاة العصر أربع ركعات أم لا وجه للجواز انّه يجب الظهر عليه ثنائية لأنّه مسافر، و تكليف المسافر الثنائية، أمّا إذا تبدّل الموضوع و صار حاضراً يتبدّل تكليفه بالرباعيّة و حيث إنّه في الوقت المختصّ بالعصر يأتي بصلاة العصر تماماً. و وجه عدم الجواز أنّ نيّة الإقامة توجب تفويت صلاة الظهر الّتي تنجّزت عليه و لا يجوز له ذلك، و لعلّ هذا هو الأقوى. و لو كان الشخص حاضراً و بقي من وقت العصر من أربع ركعات هل يجب عليه السفر حتى يدرك الصلاتين في الوقت و لا يفوته الظهر. الظاهر عدم الوجوب، لأنّه مكلّف بالفعل بصلاة العصر و لا يجب عليه تبديل الموضوع و جعل نفسه مسافراً، و هذا بخلاف الصورة الأُولی فإنّه موضوع لوجوب صلاة الظهر و لا

ص: 232


1- الکلیني، الکافي، ج7، ص459؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج23، ص313 314، ب13، من أبواب النذر، ح2 [29635].

يجوز له تفويت الموضوع و جعل نفسه حاضراً، و الله هو العالم.

من عدل عن الإقامة و شكّ في أنّه صلّی قبل العدول أم لا و هو في الوقت

مسألة: من نوى الإقامة ثم عدل عنها و شكّ في الوقت في أنّه صلّی قبل العدول أم لا يبني على العدم و ذلك لأنّ شكّه يرجع إلى الشكّ في أداء الصلاة و عدمه، و حكمه بمقتضى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال البناء على عدم الإتيان، و بضمّ ذلك إلى العلم بالعدول يتحقّق العدول قبل الرباعيّة فيجب القصر.

مسألة: إذا علم بعد نيّة الإقامة بصلاة أربع ركعات و العدول عن الإقامة و لكن شكّ في المتقدّم منهما مع الجهل بتأريخهما، قال في «العروة»: رجع إلى القصر مع البناء على صحّة الصلاة، لأنّ الشرط

في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماماً حال العزم على الإقامة و هو مشكوك.((1))

أقول: فلا يثبت الوقوع المذكور باستصحاب عدم العدول إلى زمان إتيان الصلاة، بخلاف استصحاب عدم الصلاة إلى زمان العدول، فإنَّ أثره وجوب القصر في الصلوات الآتية، و فيما أتی بها من الصلاة الّتي نشك في أنّها وقعت صحيحة لوقوعها قبل العدول أو باطلة لوقوعها بعد العدول، نقول بصحّتها لقاعدة الفراغ.

ولكن أشكل على البناء على صحّة الصلاة المأتي بها رباعيّة بقاعدة الفراغ.

ص: 233


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص499 501.

و القول بإتيان ما بعدها قصراً بالاستصحاب بأنّ ذلك لا يصحّ لمنافاته للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين، بل التفصيلي، أما الأوّل فمثاله الإتيان بصلاة الظهر حال السفر ثنائيّة ثم قصد الإقامة و صلّی رباعيّة و عدل عن الإقامة و شكّ في المتقدّم منهما على المتأخّر، فإنْ كان العدول متأخّراً عن الرباعيّة فصلاته بالقصر تكون باطلة، و إنْ كان العدول متقدّماً عليها تكون الصلاة الرباعيّة باطلة. فيعلم بالإجمال إمّا ببطلان الرباعيّة أو الثنائيّة، فمقتضى قاعدة الاشتغال الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام فيأتي بثنائية، و بالنسبة إلى ما بعد ذلك يجمع بين القصر و الإتمام.

وأمّا العلم بالبطلان بالتفصيل فصورته أن يأتي بالظهر تامّة و عدل عن الإقامة لا يدري المتقدّم منهما على المتأخّر فالبناء على القصر في العصر مستلزم للعلم ببطلانها تفصيلاً لأنّ الظهر إنْ وقعت قبل العدول فالعصر قصراً تكون باطلة، و إن وقعت بعد العدول فصلاة العصر قصراً فاسدة لفقد الترتيب، و بالجملة، يقع التعارض بين الاستصحاب و قاعدة الفراغ.

ويستفاد ممّا أفاده بعض الأساطين: انّا إن قلنا بسقوط الاستصحابين في الشكّ في تقدّم كل واحد من الحادثين على الآخر لا مناص لنا إلّا أنْ نقول بإعادة ما صلّاه تماماً قصراً و الجمع بين القصر و الإتمام في الصلوات الآتية. و أمّا إن بنينا في مثل المقام على إجراء الاستصحاب في واحد من الحادثين لخصوصيّة كانت فيه دون الآخر فيسقط التعارض بينهما.

بيان ذلك: أنّ المستفاد من قول الإمام(علیه السلام) في صحيح أبي ولّاد: «إن كنت

ص: 234

دخلت المدينة و صلّيتها بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها».((1))

أنّ ما هو الموضوع للحكم بالتمام كونه ناوياً للإقامة و آتياً بصلاة تامّة فيكون الموضوع مركّباً منهما أي الإتيان بالصلاة في زمان يكون ناوياً للإقامة في ذلك الزمان من غير دخل شيء آخر وراء ذلك من وصف الاقتران أو الاجتماع أو الإنضمام، و أحد الجزءين و هو الإتيان بالصلاة التامّة محرز بالوجدان، فإذا أجرينا أصالة عدم العدول عن نيّة الإقامة إلى زمان الإتيان بالصلاة فقد أحرزنا جزئي الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل، و نتيجته الحكم بالبقاء على التمام و بصحّة الصلاة السابقة من غير حاجة إلى قاعدة الفراغ. (قال) و لا يعارض الأصل المزبور بأصالة عدم وقوع الصلاة تماماً حال العزم على الإقامة أي إلى زمان العدول كما ذكره في المتن لعدم ترتّب الأثر، إذ لا يثبت بها وقوع هذه الصلاة بعد العدول إلّا على القول بالأصل المثبت. فهذا الأثر بنفسه لا أثر له إلّا بضميمة الإثبات الّذي لا نقول به لعدم كونه متعرّضاً لحال الشخص و ناظراً إليه بخلاف الأصل المتقدّم، فإنّه ينظر إليه و يتكفّل البقاء على نيّة الإقامة و عدم العدول عنها إلى زمان الإتيان بشخص هذه الصلاة إلى آخر ما أفاد في كلامه المبسوط.

ويمكن أن يقال: إنّ موضوع الحكم ليس مركّباً من جزءين مستقلّين غير

ص: 235


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص508 509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11305].

مقترنين و لا مجتمعين بحيث إنّهما قد يوجدان بوصف الاقتران و الاجتماع، و قد يوجدان بخلاف ذلك، بل هما إن وجدا مقترنين مرتبطين يكونان بهذا الوصف الموضوع للتمام و إلّا فلا، فالصلاة التامّة إذا تحقّقت مقرونة بوصف الإقامة تكون موضوعاً لحكم التمام، و ذلك ليس محرزاً بالوجدان، بل مشكوك، و استصحاب عدم العدول عن الإقامة إلى زمان الإتيان بها لا يثبت الصلاة المقرونة بها، نعم باستصحاب عدم الصلاة المقرونة بها إلى زمان العدول يحرز موضوع حكم القصر. فعلى ذلك كلّه لا مناص في المسألة من القول بالإحتياط.

ثم إنّه لا يخفي عليك أنّ ما ذكرناه في الشكّ في تقدّم العدول عن الإقامة على الرباعيّة أو تأخّرها يكون فيما إذا كان الشكّ في ذلك في الوقت، و أمّا إذا كان بعد الوقت فشككنا في أنّ الوظيفة صلاة العشاء قصراً أو تماماً، فعلى ما ذكره بعض الأساطين من عدم التعارض بين الاستصحابين فالحكم إتمام العشاء و سائر الصلوات الآتيه و صحّة الظهرين اللّتَين أتى بهما.

وعلى القول بتعارض الاستصحابين و القول بكفاية التمام عن القصر إن أتى به المسافر نسياناً أو جهلاً بالحكم مطلقاً أو بأصل الحكم دون التفاصيل و فروعه، و بالموضوع لا يحصل العلم الإجمالي المذكور فإنّ صلاته الرباعيّة صحيحة سواء صلّاها قبل العدول عن الإقامة أو بعد العدول، فعلی ذلك لا حاجة إلى استصحاب عدم العدول إلى زمان الصلاة التامّة إن لم نقل بأنّه مثبت، لصحّة الصلاة الّتي أتی بها، لأنّ الرباعيّة صحيحة على كل حال و بالنسبة إلى الصلوات الآتية يجري استصحاب عدم الإتيان بالرباعيّة إلى زمان العدول،

ص: 236

فيحكم بالقصر دون استصحاب عدم العدول إلى زمان الإتيان بالصلاة، لأنّه كما ذكر مثبت لا يثبت به وقوعها حال كونه ناوياً للإقامة، و من ذلك يظهر ما فيما أفاده بعض الأساطين المذكور من عدم جواز الرجوع إلى القصر في العشاء و ما بعدها، بل لابدّ من الجمع رعاية للعلم الإجمالي بعد تعارض الاستصحابين كما هو المفروض لمنع تعارض الاستصحابين بعد عدم كون أثر لأحدهما، و الله هو العالم.

مَن صَلّی تماماً ثم عدل ثم ظهر بطلان صلاته

مسألة: إذا صلّی تماماً ثم عدل ثم ظهر بطلان صلاته يبني على القصر، و لا يقال: إنّ على البناء في الصحيح و الأعمّ على الأعمّ نشكّ في أنّ المراد من الصلاة في روايات المسألة الصحيح أو الأعمّ، و مقتضى ذلك البناء على التمام فإنّه يقال: ذلك إذا لم يكن هناك قرينة على أنّ المراد منه الصحيح، و في المقام ظاهر الروايات الصلاة الصحيحة.

نعم لا فرق في البناء على الصحة بين أن تكون محرزة بالقطع و الوجدان أو بالتعبّد، فمن صلّی بنيّة التمام و بعد السلام شكّ في أنّه سلّم على الأربع، أو على الاثنتين أو الثلات بنى على أنّه سلّم على الأربع و يكفيه في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها، و الله هو العالم.

مَن نَوى الإقامة و عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة الرباعيّة

مسألة: من نوى الإقامة و عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة الرباعيّة و شكّ

ص: 237

بعد الوقت في أنّه صلّی قبل خروج الوقت حيث لم ينصرف عن

نيّة الإقامة، فلا ريب في أنّه لا يجب عليه القضاء لقاعدة الحيلولة.

وأمّا بالنسبة إلى البقاء على التمام في الصلوات الآتية، فإنْ بنينا على أنّ مقتضى القاعدة البناء على الإتيان، و عدم وجوب القضاء مرتّب عليه نقول بالبقاء. و إن قلنا بأنّ قاعدة الحيلولة لا تفيد أكثر من عدم وجوب القضاء تعبّداً يجب عليه القصر في الصلوات الآتية، إلّا أنّ الظاهر أن قاعدة الحيلولة و بعنوان عامّ قاعدة الفراغ و قاعدة التجاوز وجه اعتبارها و الاعتماد عليها أماريّتها و حكايتها عن الواقع، و على ذلك الأظهر البناء على الصلوات الآتية بالتمام.

إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الأوّل الواجب يكفيه البقاء على التمام

مسألة: على القول بأنّ السلام الواجب من السلامين الأخيرين (السلام علينا، و السلام عليكم) ما أتی به أوّلاً و إنْ کان الثاني يقع مستحبّاً يجوز له تركه إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الأوّل الواجب يكفيه البقاء على التمام و تتحقّق الإقامة، و كذا لو عدل قبل الإتيان بسجدتَي السهو إذا كانتا عليه، لشمول قوله(علیه السلام): «إن كنت دخلت المدينة و صلّيت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها».((1))

ولو عدل عنها قبل قضاء الأجزاء المنسيّة السجدة أو التشهّد المنسيّين هل حكمه حكم العدول بعد الصلاة تماماً أم لا ؟

ص: 238


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص508 509، ب18، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11305].

قد يقال بأنّه مبني على كون وجوب قضاء الأجزاء المنسيّة وجوباً مستقلاً جديداً حدث لنسيانه الجزء المنسي أو أنّ الجزء المنسي باق على جزئيّته للصلاة قد تغيّر محلّه بسبب النسيان، فما لم يأت به لا يفرغ عن صلاته، و لو تركه عامداً بطلت صلاته، فعلى الأوّل لا يؤثّر العدول في إنقلاب تكليفه من التمام إلى القصر لوقوعه بعد الإتيان بالصلاة بالتمام، و على الثاني يعود تكليفه الّذي انقلب إلى التمام إلى القصر، و لكن الإشكال هنا، أنّا لا نعلم أنّ الحكم على أيّ الوجهين، و لا يستظهر ذلك من الدليل لو لم نقل بعدم شمول الحديث له، فمقتضى الأصل وجوب القصر و عدم كفاية تلك الصلاة للحكم بالتمام، نعم يكفيه إن عدل بعد قضاء الجزء المنسي كما هو ظاهر.

وهكذا يأتي الكلام فيما لو عدل قبل الإتيان بصلاة الإحتياط أو في أثنائها لا ندري أنّها جزء حقيقي من الصلاة متمّم لها أو واجب مستقلّ، و عدم شمول الحديث لهذه الصورة أقوى. و يمكن دعوى دلالة قوله(علیه السلام) على

أنّها جزء حقيقي من الصلاة إن وقع النقص فيها، ففي رواية عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن شيء من السهو في الصلاة، فقال: «ألا أعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء»؟ قلت: بلی، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإنْ كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت، كان ما صلّيت تمام ما نقصت».((1))

ص: 239


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص349؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص213، ب8، من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3 [10453].

مَنْ اعتقدَ أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثم تبيّن أنّهم لم يقصدوا

مسألة: قال في «العروة»: إذا اعتقد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثم تبيّن أنّهم لم يقصدوا، فهل يبقى على التمام أو لا ؟ فيه صورتان: إحداهما: أن يكون مقيّداً بقصدهم. الثانية: أن يكون اعتقاده داعياً إلى القصد من غير أن يكون مقيّداً بقصدهم. ففي الأوّل يرجع إلى التقصير، و في الثانية يبقى على التمام، و الأحوط الجمع في الصورتين.((1))

أقول: يمكن أن يقال: إنّه إذا قصد باعتقاد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة ثمّ تبيّن خلافه هل يكون ذلك بحكم العدول عن قصد الإقامة بمقتضى طبع القضية أم لا ؟ ثم يفصّل بأنّ في الصورة الأُولی ذلك بحكم العدول، لأنّ نيّته وجوداً و عدماً يدور مدار وجود نيّة رفقائه و عدمه. و أمّا في الصورة الثانية فقصد الرفقاء و إن كان داعياً له لقصد الإقامة إلّا أنّه لا يستلزم عدوله عن قصده.

واستشكل بعض الأساطين في الصورة الأُولی بأنّ تقييد الجزئي الحقيقي بقيد و جعل وجوده دائراً بين الوجود و العدم لا يعقل بأن يكون على تقدير موجوداً محقّقاً، و على تقدير غير موجود، فلا يتصوّر كون الجزئي الحقيقي في الخارج موجوداً على شرط و غير موجود لعدم الشرط، فالشرط إن كان حاصلاً فهو موجود و إن لم يكن حاصلاً فهو غير موجود. إذاً فما معنى تعليق وجود قصد الإقامة الخارجي على قصد الغير. و يمكن أن يقال: إنّ المراد منه أنّ قصد الغير كان كالعلّة له بحيث لو زال هو يزول هذا، فهذا بمنزلة العدول عن القصد

ص: 240


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص502 503.

و إلّا فالظاهر أنّ الإشكال وارد، فكما أنّ الإنشاء في العقود و الإيقاعات لا يقبل التقييد، القصود الخارجيّة و النيّات لا تقبل التقدير و التعليق، هذا كلّه و قد نبّه على هذه النكتة سيّدنا الاُستاذ(قدس سره) بكلمة موجزة في «حاشيته» على قول صاحب العروة (فيه صورتان) قال: بل في صورة واحدة إذ لا معنى للتقييد فيما ذكر من الفرض، انتهى، و الله هو العالم.

ص: 241

الفصل الثالث: منها: عدم بقاء المسافر في مكان ثلاثين يوماً متردّداً

اشارة

الثالث: من القواطع بقاء المسافر في مكان ثلاثين يوماً أو شهراً متردّداً لا يعلم أنّه يخرج اليوم أو غداً أو بعد غد. و الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في أنّه يتمّ بعد ذلك كما يتمّ الناوي إقامة عشرة أيّام. و يظهر من الشيخ الأنصاري(قدس سره)((1)) وجود القول باشتراط ذلك بإقامة عشرة بعده، ولازم ذلك أنّه لو لم يكن عازماً عشرة بعده يقصّر، و لم أجد في ما عندي من الكتب مضافاً إلى أنّ من يقيم عشرة أيّام يجب عليه التمام و إن لم يتمّ الثلاثين و نوى ذلك في الأثناء. و الظاهر أنّ المسألة من المسائل الأصليّة المتلقّاة عن الأئمّة(علیهم السلام) مستقلاً و مستقيماً لا بواسطه التفريع وردّ الفرع على الأصل، و الروايات فيها متعدّدة في بعضها مثل رواية أبي بصير((2))، و رواية أبي ولّاد الحنّاط((3))، و رواية زرارة((4))، و رواية محمد بن

ص: 242


1- الأنصاري، کتاب الصلاة، ص395.
2- و(3) و(4). الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص 499 500، 502، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح 5، 9، 13، 16، [11279، 11283، 11287،11290].
3- و(3) و(4). الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص 499 500، 502، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح 5، 9، 13، 16، [11279، 11283، 11287،11290].
4- و(3) و(4). الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص 499 500، 502، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح 5، 9، 13، 16، [11279، 11283، 11287،11290].

مسلم((1))، و رواية سويد بن غفلة((2)) ذكر الحدّ بلفظ شهر، و في رواية اُخری عن أبي أيوب((3)) الحدّ مذكور فيه ثلاثون يوماً، و يحتمل اتّحاده مع رواية محمد بن مسلم نفسه عن الإمام فإنَّ أبا أيّوب يقول في روايته: سأل محمد بن مسلم أبا عبد الله(علیه السلام) و أنا أسمع عن المسافر، إلخ. و كيف كان الحكم ثابت مذكور في كتب القدماء المصنّفة لنقل المسائل المأثورة عن الأئمّة(علیهم السلام) «كالمقنع» و«الهداية» للصدوق و«النهاية» للشيخ و«المراسم» للديلمي، لا

بالتفريع، بل بعين ما ورد عنهم و تلقّوه بالرواية منهم، و كان السيّد الاُستاذ(قدس سره) يقول بوجوب الأخذ بهذه المسائل.

وكيف كان يقع الكلام في مقام الاستنباط فيما هو المراد من الشهر و الثلاثين؟ قال: في «الجواهر»: إنّ تعليق الحكم في المتن على الشهر هو الموجود في أكثر النصوص و بعض الفتاوي، بل قيل الأكثر «كالمقنع» و«جمل العلم» و«المبسوط»... و عبّر في «النافع» بالثلاثين يوماً كغيره، بل صرح الفاضل بأنّ العبرة بها لا بما بين الهلالين و إن نقص عنها، و تبعه غيره، فلو كان ابتداء تردّده حينئذ من أوّل يوم من الشهر الهلالي إلى هلال الآخر و اتّفق نقصانه لم يتمّ في صلاته حتى يكمله من الشهر الآخر،((4)) إلخ.

ص: 243


1-
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص504، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح20 [11294].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ، ج8، ص501، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح12 [11286].
4- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص317.

أقول: ورود الرواية بلفظ شهر ثابت، و أمّا الثلاثين فثبوته مع احتمال اتّحاد رواية أبي أيّوب المتضمّنة للثلاثين مع رواية محمد بن مسلم ضعيف يؤيّده اتّفاق سائر الروايات في لفظ الشهر، و مع الغضّ عن ذلك يقع التعارض بين رواية أبي أيّوب و روايات الشهر من جهه الإطلاق، لأنّ روايات الشهر بإطلاقها تدلّ على الاعتبار بما بين الهلالين سواء بلغ الثلاثين أم لا ، و رواية الثلاثين أيضاً بالإطلاق تشمل إذا کان بين الهلالين أقلّ من الثلاثين لا يمکن تقييد إطلاق کلّ منهما بالآخر. فإنّ مقتضى تقييد إطلاقات الشهر بما إذا کان الثلاثين و عدم الاعتبار بأقل من الثلاثين أي بالشهر الناقص الّذي لا سلخ له. و مقتضى تقييد إطلاقات الثلاثين بروايات الشهر عدم الاعتبار بالثلاثين في الشهر الناقص، فعلى ذلك لابدّ لنا إمّا القول بالاحتياط في اليوم الثلاثين إذا کان الشهر ناقصاً أو الأخذ بالأصل المقتضى للقصر، و الله هو العالم.

أنحاء البقاء في مكان ثلاثين يوماً

مسألة: البقاء في السفر متردّداً في مكان ثلاثين يوماً يقع على أنحاء:

أحدها: أن يكون ذلك قبل الوصول إلى المسافة المعتبرة و تردّد في الذهاب و الإياب أو إقامة العشرة و عدمها.

وفيه يكون تكليفه التمام لرجوعه عن نيّة السفر.

وثانيها: أن يكون التردّد قبل الوصول إلى المسافة و لكن لم ينفسخ عزمه و يريد المقصد إلّا أنّه بقي في مكان لحصول أمر ما يترقّب حصوله اليوم أو غد أو بعد

ص: 244

غد إلى ثلاثين يوماً فهو يقصّر و لو بعد الثلاثين، لأنّ الروايات واردة في من وصل إلى المقصد و دخل المدينة أو البلد أو الأرض، و المكان الّذي يقصده بالسفر الشرعي لا يشمل مثل هذا إلّا أن نقول بالأولويّة أخذاً بالمفهوم.

ثالثها: أن يتردّد بعد الوصول إلى المقصد و دخوله البلد في الإقامة عشرة أيّام أو أقلّ منها أو أكثر لا يدري ما يكون فهو يقصّر إلى الثلاثين، و هذا بالخصوص مورد الروايات.

رابعها: أن يكون تردّده في أثناء السفر قبل الوصول إلى المقصد و بعد قطع المسافة، و الظاهر أنّه لا فرق بينه و بين سابقه في قاطعيّته للسفر.

يجب التمام على من بقي ثلاثين يوماً متردّداً إلّا أن ينشئ السفر الجديد

مسألة: المشهور أنّه إذا تحقّق التردّد ثلاثين يوماً مضافاً إلى وجوب

التمام في مكانه و لو كان ناوياً للخروج في ساعته يجب عليه التمام و إن خرج من مكانه إلى ما دون المسافة، و إنّما يجب عليه القصر إذا أنشأ السفر جديداً و بلغ حدّ الترخّص، فلا يختلف حكمه عن حكم المقيم عشرة أيّام.

وبعبارة اُخری، هل التوقّف ثلاثين يوماً قاطع للسفر موضوعاً و لو تعبّداً أو أنّ وجوب التمام حكم خاصّ للمسافر الّذي بقي متردّداً في مكان ثلاثين يوماً مادام هو في ذلك المكان، فإنْ خرج منه إلى مقصده الّذي قصده قبل ذلك يلفّق ما يقطع من المسافه بعد ذلك مع ما قطعه، فإنْ كان المجموع بقدر المسافة يقصّر و إن كان الباقي أقلّ من المسافة. و هذا قول شاذّ منقول عن ظاهر المحقّق

ص: 245

البغدادي أو صريحه كما في «الجواهر»، فإنّه ذهب إلى أنّه ليس من القواطع للسفر، بل هو من الأحكام اللاحقة للمسافر كالإتمام في مواضع التخيير، فلا ينقطع قصد المسافة حينئذ به و لا يحتاج في تجدّد الترخّص إلى مسافة جديدة إلى غير ذلك محتجّاً بعدم ذكر الأصحاب له من القواطع للسفر، بل اقتصروا على الأمرين المزبورين.((1))

وبالجملة، مستنده في ذلك عدم ذكر ذلك في النصوص أو عدم صراحتها فيه، و عدم ذكر الأصحاب له.

وفيه: أمّا عدم ذكر الأصحاب له بالصراحة فيمكن أن يكون ذلك باكتفائهم بألفاظ النصوص الظاهرة في عدم التلفيق المذكور، و احتياج الحكم بالقصر بعد الثلاثين بإنشاء سفر جديد، اللّهمّ إلّا أن يدّعي منع ظهور الروايات، غاية الأمر سكوتها عن ذلك. نعم هنا صحيح إسحاق بن عمّار قال: سألتُ أبا الحسن(علیه السلام) عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «نعم، و المقيم بمكّة إلى شهر بمنزلتهم».((2))

تحقيق في استدلال «الجواهر» في المسألة

استدلّ به في «الجواهر»((3)) لكنّه غير تام، لأنّ الصّحيح بما أنّه يدلّ على وجوب

ص: 246


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص243.
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص501، ب15، من أبواب صلاة المسافر، ح11 [11285].
3- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص243.

التمام على المقيم شهراً الخارج إلى المسافة غير معمول به، و قال الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره): مقتضى اتّحاد السياق بينه و بين مقيم العشر في أكثر الروايات هو الخروج الموضوعي فيترتّب عليه جميع أحكام الحاضر إلّا ما كان الإجماع على خلافه، و هو أيضاً مقتضى المناسبة بين الحكم و الموضوع بحسب الإرتكاز العرفي حيث إنّ المركوز في أذهانهم أنّ المسافر إذا أقام مدّة في بلدة يسلب عنه إسم المسافر، فحدّد الشارع تلك المدّة لمضيّ ثلاثين يوماً. و هذه المناسبة الإرتكازية أيضاً تقتضي كون المناط في الإتمام مضيّ ثلاثين يوماً دون الشهر و إنْ وقع في أكثر الروايات التعبير به، لأنّ ظاهر التحديد أنّ القاطع طول الزمان و كثرة الأيّام من دون خصوصيّة في الشهر و ما بين الهلالين، مع أنّ الشهر في حدّ نفسه لا يأبى عن الحمل على الثلاثين بخلاف الثلاثين فإنّه يأبى عن الحمل على الشهر، و لذا قيل: إنّ حمل الشهر عليه من حمل المجمل على المبيّن، و ليس ببعيد،((1)) إلخ.

أقول: مراده من اتّحاد السياق بين الإقامة عشرة أيّام و التوقّف ثلاثين يوماً في الروايات فلا يفرق بينهما بالقول بقاطعيّة الأُولی دون الثانية، و أمّا المناسبة المذكورة فوجيهة بالنسبة إلى كون التوقّف متردّداً ثلاثين يوماً قاطعاً للموضوع خلافاً للمحقّق البغدادي.

أمّا بالنسبة إلى ترجيح ما يدلّ على الثلاثين على روايات الشهر.

ففيه: أنّ العمدة في ضعف هذا الترجيح عدم إثبات صدور لفظ الثلاثين، و لكن استصحاب حكم القصر و البناء على حكم القصر تمسّكاً بالأصل اللفظي

ص: 247


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص642.

في اليوم الثلاثين إذا كان الشهر ناقصاً لا سلخ له يقصد القول بالثلاثين إلّا أن يقال: إنّ ذلك من إجراء الأصل قبال النصّ، فمقتضى الاحتياط الجمع بين القصر و الإتمام في اليوم الثلاثين إذا كان الشهر ناقصاً، فتدبّر جداً.

يعتبر في انقلاب حكم المسافر إلى التمام بتوقّف ثلاثين يوماً في مكان اُمور

مسألة: يعتبر في انقلاب حكم المسافر إلى التمام بتوقّف ثلاثين يوماً في مكان اُمور:

الأوّل: وحدة المكان عرفاً، فلا يكفي توقّفه في مكانين متّصلين شهراً واحداً.

الثاني: التوالي بين الأيّام، فلا يكفي توقّف شهر في ضمن شهرين، بل إذا وقف في مكان متردّداً ثمانية و عشرين يوماً و خرج مسافة و رجع بعد يومين يحتاج الإتمام إلى استئناف الثلاثين إنْ لم يكن قاصداً للإقامة.

الثالث: توقّفه في مكانه في الليالي المتوسّطات بين الليلة الأُولی و الليلة الأخيرة، فلا يكفي لو كان في الأيّام في مكان واحد و في الليالي في مكان غيره، و هذا بحسب الاستظهار من الروايات.

هل يعتبر البلوغ لمن كان في مكان ثلاثين يوماً متردّداً؟

مسألة: هل يعتبر في وجوب التمام على المسافر الّذي بقي في مكان ثلاثين يوماً أن يكون من الإبتداء بالغاً، فلو لم يكن بالغاً كذلك و بلغ في الأثناء لا يكفي في وجوب التمام أم لا ؟

ولا يخفى أنّ البحث في ذلك، و البحث السابق في مثله إذا قصد الإقامة و هو

ص: 248

غير بالغ ثم بلغ أثناء العشرة و لو في آخر ساعة منها حكمها واحد، و كذا إذا قصد المسافة و أنشأ السفر قبل البلوغ ثم بلغ في الأثناء. و الظاهر أنّ العرف لا يرى فرقاً في هذه الاُمور بين كون المسافر بالغاً من الابتداء أو صيرورته بالغاً في الأثناء، بل و إنْ بلغ بعد الشهر أو بعد العشرة أو بعد بلوغ المسافة، فلا يرى العرف دخلاً للبلوغ في موضوعيّة هذه الموضوعات للحكم بالتمام، و مع ذلك فالاحتياط حسن في كلّ حال، والله هو العالم.

هل يعتبر في قاطعيّة إقامة الثلاثين كونه متردّداً تمام المدّة؟

مسألة: هل يعتبر في قاطعيّة إقامة الثلاثين كونه متردّداً تمام المدّة كما ربما يتوهّم استظهاره من قوله: غداً أخرج أو بعد غد أو أنّه يكفي في ذلك عدم كونه عازماً على إقامة العشرة و لو غفلة؟ لا يبعد الثاني لاسيّما بلحاظ أنّ العرف يرى المتوقّف في مكان ثلاثين يوماً غير المسافر مطلقاً و إن كان الإحتياط فيه حسن أيضا.

مسألة: الخروج من المكان الّذي بقي المسافر فيه ثلاثين يوماً بعد ذلك إلى ما دون المسافة حكمه و حكم المقيم الخارج بعد تحقّق الإقامة و لو بصلاة واحدة رباعيّة حال نيّة الإقامة واحد، يتفرّع عليه الفروع الّتي ذكرنا تفرّعها في الإقامة، والله هو العالم.

ص: 249

ص: 250

الباب الثالث: أحكام صلاة المسافر

اشارة

ص: 251

ص: 252

الفصل الأوّل: المستفاد من الكتاب و السنة سقوط ركعتين من الرباعيّة و الکلام في النوافل

اشارة

إعلم أنّ المسلّم المنصوص و المصرّح به كتاباً و سنّة سقوط ركعتين من الرباعيّة في السفر إذا تحقّقت الشرائط المعلومة، كما تسقط النوافل النهاريّة، أي نافلة الظهرين، بل و نافلة العشاء على المشهور، كما يسقط الصوم الواجب عزيمة، بل والمستحبّ إلّا في الموارد المستثناة، فلا تجوز النوافل النهاريّة، و الأحوط إن أراد الإتيان بالوتيرة أن يأتي بها رجاء، و باحتمال المطلوبية، و يجوز الإتيان بسائر الصلوات المستحبّة كصلاة الزيارة و صلاة الحاجة و صلاة جعفر الطيّار(علیه السلام).

القول في سقوط النافلة في السفر

مسألة: ربما يستثنى من سقوط النافلة في السفر ما إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم يصلِّ و سافر. قال في «الجواهر» في خاتمة كتاب الصلاة (استحب له قضاؤها و لو في السفر) لتحقّق الخطاب بها وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يكون قد أوقع الصلاة تامّة أو لا، لكن في «المدارك» أنّ المراد بالقضاء هنا الفعل فإنْ كان

ص: 253

الوقت باقياً صلّاها أداء و إلّا فقضاء،((1)) إلخ.

وفي أوائل كتاب الصلاة صرّح بعدم سقوط النافلة عمّن دخل وقتها و هو حاضر، و إنْ كان من نيّته السفر بعدها و الصلاة قصراً في الطريق، و ربما يومئ إليه في الجملة الموثّق عن الصادق(علیه السلام): سئل عن الرجل إذا زالت الشمس و هو في منزله، ثم يخرج في سفر؟ فقال: «يبدأ بالزوال فيصلّيها، ثم يصلّي الأُولی بتقصير ركعتين»،((2)) الحديث.((3))

وحاصل ما ذكر أنّ من كان في أوّل الوقت حاضراً فهو بطبيعة الحال يستحبّ له النافلة و إن كان يريد السفر و أداء الصلاة قصراً، و لا تسقط عنه إن لم يصلّها حاضراً فيقضيها في السفر.

وبالجملة، فلا يسقط عنه استحباب النافلة بالسفر فإنْ لم يقضها في الحضر يقضيها في السفر، بخلاف الفريضة فإنّها إن لم يقضها في الحضر تماماً يقضيها في السفر قصراً. و إن شئت قلت: النافلة الّتي تسقط في السفر لا تسقط إذا تحقّق الخطاب بها، و إن لم يأتِ بها في الحضر أتی بها في السفر، بخلاف الفريضة فإنّها و إنْ تحقّق الخطاب بها تامّة في الحضر تسقط الركعتان منها في السفر.

ص: 254


1- النجفي، جواهرالکلام، ج14، ص384.
2- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص222؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص18؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج4، ص85، ب23، من أبواب اعداد الفرائض، ح1 [4577]؛ و فيه: لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضر الأُولى، و سئل، إلخ.
3- النجفي، جواهر الکلام، ج7، ص51.

هذا و في الموثّقة بعد ما ذكر ما هو التعليل للحكم المذكور فقال: لأنّه خرج من منزله قبل أنْ تحضر الأُولی قال: و سئل فإنْ خرج بعد ما حضرت الأُولی؟ قال: «يصلّي الأُولی أربع ركعات ثم يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأُولی، فإذا حضرت العصر صلّی العصر بتقصير، و هي ركعتان لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر».

وظاهره أنّه إذا خرج بعد ما حضرت الأُولی، يصلّي الأُولی أربع ركعات و يصلّي نوافل العصر ثمان ركعات، و إذا حضرت العصر صلّی العصر بتقصير، و هي ركعتان.

تحقيق في الرواية

أقول: بالنسبة إلى مضمون الحديث، الإشكال فيه عدم مطابقة مضمونه مع سائر الروايات و القواعد، فالإشكال الأوّل: أنّ مقتضاه عدم دخول وقت الظهرين بمجرّد زوال الشمس مع أنّ في الروايات أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان، و الفقرة الأُولی و إنْ ليست صريحة في ذلك.

ويمكن أن يقال: إنّ غاية ما يستفاد منها عدم سقوط نافلة الظهر إن لم يصلّها في منزله فيصلّيها و هو في السفر مع أنّه يقصّر في الفريضة إلّا أنّها بضميمة الفقرة الثانية تدلّ على قاعدة اُخری و هي إن خرج في السفر بعد زوال الشمس قبل وقت الصلاة الأُولی يأتي بنافلتها في السفر، و هكذا إن خرج قبل وقت الصلاة الثانية يصلّي الأُولی أربع ركعات و نوافل العصر ثمان ركعات، فإذا حضرت

ص: 255

العصر صلّاها بالتقصير، و ظاهر ذلك كلّه أنّه لكلّ من الظهرين وقت خاصّ.

والإشكال الثاني: أنّه يجب عليه أن يصلّي الأُولی بعدما حضرت أربع ركعات و هو في السفر لأنّه وجب عليه و هو في الحضر، و هذا أيضاً خلاف الإجماع و الروايات، فإنّه يجب عليه في القصر و الإتمام البناء على الحال الّذي هو فيه، فإن كان مسافراً يقصّر و إن كان حاضراً يتمّ.

وبالجملة، العمل بتمام مضمون الحديث خلاف القواعد المستفادة من الروايات الكثيرة، و لذا يجيء الإشكال في جهة الصدور إلّا أنّ أصل المسألة على ما حرّره في «الجواهر» لا يبعد القول به، و الله هو العالم.

جواز الإتيان بنافلة الظهر في السفر إذا أراد المسافر الإتيان بالفريضة تامّة إذا دخل وطنه

مسألة: قد نفى البعد في «العروة» عن جواز الإتيان بنافلة الظهر في السفر إذا أراد المسافر الإتيان بالفريضة تامّة إذا دخل وطنه أو محلّ الإقامة.

وهكذا بالنسبة إلى نافلة العصر بعدما أتی بالظهر في السفر قصراً و أراد تأخير الإتيان بالعصر إلى بلوغه وطنه، بل قال: و كذا لا يبعد جواز الإتيان بالوتيرة في حال السفر إذا صلّی العشاء أربعاً في الحضر ثم سافر. و علّل كل ذلك بأنّه إذا تمّت الفريضة صلحت نافلتها.((1)) و استدرك عليه السيّد الاُستاذ أعطاه الله تعالى عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المصلحين فقال: هذا التعليل ضعيف إذ

ص: 256


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص509.

قولهم(علیهم السلام): «لو صلحت النافلة لتمّت الفريضة» إنّما يدلّ على أنّ صلاحيّة النافلة مستلزمة لتمام الفريضة لا العكس، و الأقرب السقوط في الفروض المذكورة.

أقول: كأنّه إذا لم تكن صلاحية النافلة مستلزمة لتمام الفريضة تستلزم كون الإهتمام بالفرع و هو نافلة الفريضة المتعلّق بها و المتفرّع عليها أكثر من الإهتمام بالفريضة الّتي هي الأصل، و هذا بخلاف إن قلنا بتمام الفريضة و سقوط النافلة.

ثم إنّ الظاهر من قوله: إذ قولهم(علیهم السلام)، إلخ. أنّ المراد منه مثل ما رواه الشيخ في «التهذيبين» بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى،((1)) عن الحسن بن محبوب((2)) و علي بن الحكم((3)) جميعاً، عن أبي يحيى الحنّاط((4)) قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال: «يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة».((5))

بيان من بعض المعاصرين و الإشكال فيه

هذا و قد رمی الحديث بعض المعاصرين بالضعف قال: و إن عبّر عنها بالصحيحة في بعض المؤلّفات لعدم ثبوت و ثاقة أبي يحيى الحنّاط، و إنّما الموثّق هو

ص: 257


1- شيخ القميين و وجههم و فقيههم من السابعة.
2- السرّاد، يقال: الزرّاد، جليل القدر ممّن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم و تصديقهم و هو من السادسة.
3- له كتاب، تلميذ ابن أبي عمير، من السادسة.
4- له كتاب من الخامسة.
5- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص16؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص221؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج4، ص82، ب21، من أبواب أعداد الفرائض، ح4 [4568].

أبو ولّاد الحنّاط و كأنّه اشتبه أحدهما بالآخر، و كيفما كان فالرجل مجهول. نعم احتمل في «جامع الرواة» أنْ يكون هو محمد بن مروان البصري،((1)) و لكنّه لم يثبت، و على تقديره فهو أيضاً مجهول مثله.

أقول: أمّا التعبير عنه بالصحيح فلأجل كون الراوي عن أبي يحيى الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع، أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنه، و إن كان معاصرنا الجليل لا يعتدّ بذلك، و لكن هل ترى رواية مثله في الدين عنه الإمام(علیه السلام) أقلّ من تصريحه بتوثيقه. هذا مضافاً إلى توصيفه بأنّ له كتاب الظاهر أنّ مراده رضي الله عنهما و عن جميع علمائنا العاملين- ممّا عبّر عنه ببعض المؤلّفات كتاب «المستمسك» و كيف كان فالأقوى صحّة الاحتجاج على مثل هذا الحديث. نعم الخدشة في دلالته على ما أفاده في «العروة»((2)) في محلّه، و الله هو العالم.

هل الاعتبار في إتيان الصلاة بوقت الوجوب أو الأداء؟

مسألة: قال في «الخلاف»: إذا خرج إلى السفر و قد دخل الوقت إلّا أنّه مضى مقدار ما يصلّي فيه الفرض أربع ركعات جاز له التقصير و يستحبّ له الإتمام. و ساق الكلام إلى أنْ استدلّ على جواز التقصير برواية إسماعيل بن جابر الآتية، و للاستحباب أيضاً برواية بشير النبّال الآتية، و قال بعد ذلك كلّه فلما اختلفت

ص: 258


1- الأردبیلي، جامع الرواة، ج2، ص424.
2- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص509.

الأخبار حملنا الأوّل على الإجزاء و هذا على الاستحباب.((1))

قال في «الجواهر»: (وإذا دخل الوقت و هو حاضر) متمكن من فعل الصلاة و قد مضى من الوقت ما يسعها جامعة للشرائط (ثم سافر) أي تجاوز محلّ الترخّص (والوقت باقٍ قيل) و القائل الصدوق في «المقنع» و العماني على ما حكي عنهما، و اختاره الفاضل في «المختلف» و«الإرشاد» و الشهيدان في «الدروس» و ظاهر «الروض»، بل في الأخير أنّه المشهور بين المتأخّرين (يتمّ بناء على) اعتبار (وقت الوجوب وقيل) والقائل المفيد والمرتضى و الشيخ في موضع من «المبسوط» و«التهذيب» على ما حكي عنهم، و عن كثير من المتأخّرين، بل في «الرياض» أنّه الأشهر. بل في ظاهر «السرائر» أو صريحها الإجماع

عليه (يقصّر اعتباراً بحال الأداء و قيل) و القائل الشيخ في «الخلاف» على ما قيل (يتخيّر) بينهما جمعاً بين الأدلّة، (و قيل) كما عن الشيخ في «نهايته»، و الصدوق في «فقيهه» (يتمّ مع السعة و يقصّر مع الضيق)، و لا ريب أنّ القول بالتقصير (أشبه).((2))

أقول: وجه الأشبهيّة أنّ التقصير مقتضى إطلاق الآية فليس له الإتمام و هو ضارب في الأرض، و كذلك إطلاق السنة. و قولهم(علیهم السلام): «الحاضر يتمّ و المسافر يقصّر»، منصرف عمّن كان حاضراً في الزمان السابق أو مسافراً كذلك، بل لا يجوز إرادته منه إلّا مجازاً. و يدلّ عليه صحيح محمد بن مسلم (قال في حديث): قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس؟ قال: «إذا

ص: 259


1- الطوسي، الخلاف، ج1، ص577 578، صلاة المسافر، المسألة 332.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص253 354.

خرجت فصلّ ركعتين».((1)) و صحيح إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتى (إذا) أدخل أهلي؟ فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة». قلت: فدخل وقت الصلاة و أنا في أهلي أُريد السفر فلا أصلّي حتى أخرج؟ فقال: «فصلّ و قصّر فإنْ لم تفعل فقد و الله خالفت رسول الله(صلی الله علیه و آله)».((2)) و لا يناقش في الاستدلال بهما بأنّهما محمولان على ما إذا دخل الوقت و لم يسع الصلاة التامّة لأنّ قوله(علیه السلام) (فإن لم تفعل، إلخ) في صحيح إسماعيل يناسب التأكيد على أصل حکم القصر على المسافر، و حمل صحيح محمد بن مسلم أيضاً على ذلك خلاف الظاهر، و على هذا المدار على وقت الأداء لا وقت الوجوب، و الله هو العالم.

نعم في قبال هذه الطائفة من الأخبار هناك طائفة اُخری ادُّعي دلالتها على أنّ الاعتبار بوقت الوجوب، مثل صحيح محمد بن مسلم الآخر الّذي رواه في «الجواهر» قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق؟ فقال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفره و قد

ص: 260


1- الکلیني، الکافي، ج3، ص434؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص12 13؛ ج4، ص224 225، 230؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص512، ب21، من أبواب الصلاة المسافر، ح1 [11312].
2- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص443؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص240؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص13؛ ج3، ص163، 222 223؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص512 513، من أبواب صلاة المسافر، ب21، ح2 [11313].

دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً»،((1)) رواه في «الوسائل» عن «التهذيب» و لكن كأنّه لا يوجد الحديث بهذا اللفظ و سنده المذكور في «الوسائل» في «التهذيب»، نعم يوجد في «التهذيب» (باب فرض الصلاة في السفر((2)))، صحيح آخر عن محمد بن مسلم بعد الصحيح الدالّ على أنّ الاعتبار بوقت الأداء و هو هكذا قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل يدخل مكة من سفره قال: «يصلّي ركعتين و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلِّ أربعاً». و هذا يدلّ على أنّ الاعتبار بوقت الوجوب إلّا أن يحمل على أنّه خرج إلى سفره قبل أن يدخل حدّ الترخّص فيصلّي أربعاً، و لكنّه خلاف الظاهر. و رواه في «الكافي»((3)) إلّا أنّه ليس فيه (مكّة). و في «الوسائل» أيضاً کان قد اعتمد على «الكافي». و على كلّ يمكن أن يكون ما رواه في «الوسائل» تحت رقم (5) و(11) واحداً، و الله هو العالم.

و مثل خبر بشير النبّال((4)) قال: خرجت مع أبي عبد الله(علیه السلام) حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله(علیه السلام): يا نبّال قلت: لبّيك. قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً (أربعاً) غيري و غيرك، و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة

ص: 261


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص513 514، ب21، من أبواب صلاة المسافر، ح5 [11316]، عن تهذیب الأحکام بسنده عن صفوان و فضالة بن أيّوب عن العلا عن ابن مسلم (الطوسي، ج2، ص12 13)، فيتّحد سنده مع الصحيح الأوّل. و قال محقّق الكتاب لم نعثر على الحديث بهذا السند.
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص13، باب2، ح28.
3- الکلیني، الکافي، ج3، ص434، ح4.
4- من الرابعة أو الخامسة.

قبل أن نخرج».((1))

و يمكن حمله على مجرّد الإخبار عن وجوب الأربعة عليهم قبل الخروج، و أمّا غيرهم من أهل العسكر فقد دخل وقت الصلاة عليهم بعد الخروج.

وفي «الوسائل» قال: ليس فيه أنّهما صلّيا بعد الخروج، و يحتمل كونهما صلّيا في المدينة. ((2))

هذا مضافاً إلى ضعف سنده، و بعد ذلك نقول: إنّ القول بأنّ الاعتبار على حال الأداء كما أفاده المحقّق هو الأشبه لصراحة الطائفة الأُولی، و كون مثل صحيح إسماعيل بن جابر نصّاً فيه، بخلاف الطائفة الثانية، و أنّ صحيح محمد بن مسلم إن كانت جملته الأُولی (يدخل مكّة) فيمكن حملها على تعيّن التقصير على المسافر المخيّر بين القصر و الإتمام في مكّة أو يحمل على أنّ المراد منه السؤال عن الّذي يعلم أنّه يدخل مكة أو يدخل منزله يصلّي قبل دخوله الصلاة قصراً أو تماماً؟ فقال: يصلّي ركعتين. أما الجملة الثانية أيضاً فيحمل على أنّه السؤال عمّن يريد الخروج إلى السفر بعد دخول وقت الصلاة، فهل يتمّ أو يقصّر قبل الخروج، فقال: فليصلِّ أربعاً.

فإنْ قلت: حمل الرواية على هذه المعاني تكلّف لا يساعده العرف.

ص: 262


1- الکلیني، الکافي، ج3، ص434؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص240؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص161 162؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص515، ب21، من أبواب صلاة المسافر، ح10 [11321].
2- قاله بعد نقله للحديث المذکور. الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص515.

قلت: لابدّ من حمل الرواية على بعض المحامل أو على التقيّة بعد ما جاء في صحيح ابن جابر التأكيد التامّ على وجوب القصر و لحاظ حال الأداء بأنّه إن لم يفعل فقد خالف رسول الله(صلی الله علیه و آله) مؤكّداً ذلك بالقسم.

بيان الأقوال في المسألة

والحاصل، أنّ الأقوال في المسأله أربعة:

أحدها عن الشيخ في «الخلاف»((1)) و هو القول بجواز التقصير و استحباب التمام الّذي عبّر عنه البعض بالتخيير، و المستند لذلك الجمع بين صحيح إسماعيل بن جابر و خبر بشير النبّال بحمل الأوّل على الجواز، و الثاني على الاستحباب.

وفيه: أوّلاً: يمكن الجمع بحمل الأمر بالتقصير في الصحيح على الاستحباب، و في خبر النبّال على الجواز أو الوجوب التخييري.

وثانياً: الصحيح يكون أنصّ على التقصير من الخبر على الإتمام.

وثالثاً: الخبر ضعيف لا يحتجّ به و لو لم يكن في قباله الصحيح.

ثانيها: وجوب التمام اعتباراً بوقت الوجوب. و الظاهر أنّ مستند القائل به ترجيح صحيح محمد بن مسلم.

وفيه: أنّ ترجيح أحد المتعارضين على الآخر منوط بعدم إمكان ترجيح دلالة أحدهما على الآخر، و قد عرفت أنّ ما دلّ على أنّ الاعتبار بحال الأداء أنصّ

ص: 263


1- الطوسي، الخلاف، ، ج1، ص577 578.

و قرينة على أنّ المراد من الآخر ليس ما يعارضه، و على فرض تكافئهما في الدلالة فالّذي يدلّ على أنّ الاعتبار بحال الأداء موافق للكتاب دون الآخر.

وثالثها: وجوب القصر و قد عرفت قوّة ما دلّ عليه.

ورابعها: وجوب الإتمام مع السعة و التقصير مع الضيق، و لعلّ وجهه موثّق إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا الحسن(علیه السلام) يقول في الرجل يقدم من سفره وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر».((1)) و عليه يمكن أن يقال: إنّ هذا شاهد للجمع بين الطائفتين المتقدّمتين يجب الأخذ به، و إن قال في «الوسائل»: انّه لا يبعد أن يكون المراد بالإتمام الصلاة في المنزل، و بالقصر الصلاة في السفر. ((2))

ويمكن تأييد ذلك بصحيح محمد بن مسلم((3)) عن أحدهما(علیهما السلام)، في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلِّ و ليقصّر».

فعلى كلّ ذلك الّذي يحتجّ به هو صحيح إسماعيل بن جابر، و لا ينبغي ترك الاحتياط، و الله هو العالم.

ص: 264


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص240 241؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص223؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص514، ب21، أبواب صلاة المسافر، ح6 [11317].
2- بعد الحديث السادس. الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص514.
3- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص154؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص514 515، ب21، من أبواب صلاة المسافر، ح8 [11319].

إذا دخل المسافر منزله و الوقت باقٍ فهل يتعيّن عليه التمام أو القصر

مسألة: إذا دخل الوقت و هو مسافر و دخل منزله والوقت باقٍ فهل يتعيّن عليه التمام أو يجب عليه القصر في منزله أو يتمّ في سعة الوقت و يقصّر في ضيقه؟ و المسألة من حيث النصوص كالمسألة السابقة إلّا أنّ الخلاف فيها قليل، و المشهور فيها بين الأصحاب وجوب التمام حتى أنّ بعضهم من الّذين قالوا في المسألة السابقة بالاعتبار بحال الوجوب، قالوا

هنا بالاعتبار بحال الأداء، و نسب القول بالاعتبار بحال الوجوب إلى القيل لم يعرف القائل به، بل في «السرائر» (لم يذهب إلى ذلك أحد و لم يقل به فقيه و لا مصنّف ذكره في كتابه لا منّا و لا من مخالفينا). و ممّا يدلّ على القول المشهور بالخصوص صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصلّيها قال: «يصلّيها أربعاً»، و قال: «لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته».((1)) و صحيح إسماعيل بن جابر.

وفي «الجواهر» قال: و أمّا القول بالتخيير أو التفصيل فهما و إن نسب أوّلهما إلى الشيخ و ثانيهما إلى ابن الجنيد إلّا أنّه لم نتحقّقهما أيضاً، و لكن دليلهما مع الجواب عنه يظهر ممّا عرفت، بل هذا المقام أولی بجميع ما ذكرناه في ذلك المقام كما لا يخفى.((2))

ص: 265


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص162؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص513، ب21، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11315].
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص361.

أقول: القول بالتفصيل من الشيخ في «النهاية» قال: و إن دخل من سفره بعد دخول الوقت و كان قد بقي من الوقت مقدار ما يتمكّن فيه من أداء الصلاة على التمام فليصلّ وليتمّ، و إن لم يكن قد بقي مقدار ذلك قصّر.((1))

عدم إجزاء إتمام الصلاة في موضع القصر و التحقيق فيه

مسألة: إذا كان المتعيّن على المكلّف القصر فأتمّ، مقتضى القاعدة عدم إجزاء غير المأمور به عنه و بقاؤه في ذمّته، ففي الوقت يأتي به مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى قواعد اُخری مثل بطلان الصلاة بالزيادة العمديّة و بطلانها بزيادة الركن مطلقاً.

وأمّا وجوب قضائها فهو أيضاً واقع تحت الأدلّة العامّة الدالّة على وجوب القضاء.

وبالجملة الحكم على طبق القواعد الأوّليّة ظاهر معلوم، إنّما الكلام في الصور الّتي يكتفى فيها بالتمام، إمّا مطلقاً فلا يجب الإعادة و لا القضاء أو في خصوص الإعادة دون القضاء.

بيان الصور المستفادة من الأخبار

وهذه الصور على ما يستفاد من الأخبار تكون على ما يأتي.

إحداها: أنْ يتمّ مكان القصر جاهلاً بالحكم بأنّ لا يعلم حكم القصر أصلاً، و هو الّذي جاء في الروايات مثل رواية زرارة و محمد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر(علیه السلام): رجل صلّی في السفر أربعاً أيعيد أم لا ؟ قال: «إن كان قرأت عليه آية

ص: 266


1- الطوسي، النهاية، ص123، باب الصلاه في السفر.

التقصير و فسّرت له فصلّی أربعاً أعاد، و إن لم يكن قرأت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه».((1))

والظاهر أنّ المراد من تفسيره له تفسير قوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾((2))على ما جاء عن أهل البيت(علیهم السلام). فهذا يجزيه التمام و لا يجب عليه الإعادة لا أداء و لا قضاء دون من يعلم أصل الحكم و كان جاهلاً ببعض التفاصيل و فروع هذا الحكم.

اعلم أنّ هنا روايات ربما يقال بتعارض بعضها مع البعض و هي رواية زرارة و محمد بن مسلم الّتي تدلّ على أنّ المسافر العامد العالم بالحکم إن أتمّ صلاته لا تجزئ عنه و يجب عليه الإعادة إمّا في الوقت أو في خارجه، و أنّ الجاهل بأصل الحکم الّذي لم تقرأ عليه الآية و لم يسمعها إن أتمّ مکان القصر يجزيه لا يجب عليه الإعادة لا في الوقت و لا في خارجه، و صحيح العيص بن القاسم. قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل صلّی و هو مسافر فأتمّ الصلاة؟ قال: «إن کان في وقت فليعد، و إن کان الوقت قد مضى فلا»((3)). و هو يدلّ على أنّ المسافر إذا أتمّ الصلاة إن کان في الوقت فليعد و إن کان الوقت قد مضى فلا.

ص: 267


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص226؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص506 507، ب17، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11300].
2- النساء، 101.
3- الکلیني، الکافي، ج3، ص435؛ الطوسي، الاستبصار، ج1، ص241؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص169؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص505 506، ب17، من أبواب صلاة المسافر، ح1[11297].

وقد يقال بتعارضهما في موردين: أحدهما: في الّذي أتمّ صلاته عالماً عامداً، فمقتضى صحيح زرارة و محمد بن مسلم الإعادة في الوقت أو القضاء في خارج الوقت، کالّذي ترك صلاته عمداً فبالإطلاق يدلّ على وجوب القضاء خارج الوقت، و مقتضى إطلاق صحيح العيص أنّ المتمّ مکان القصر لا يقضيه بعده، فيتعارضان في العامد المتمّ في وجوب

القضاء.

وثانيهما: في الجاهل بأصل الحکم فصحيح الرجلين تدلّ على عدم وجوب الإعادة لا في الوقت و لا بعده، و صحيح العيص تدلّ على وجوب الإعادة في الوقت فيتعارضان في وجوب الإعادة على الجاهل بالحکم في الوقت، و مقتضى إطلاق صحيحهما عدم الوجوب، و مقتضى إطلاق صحيح العيص الوجوب.

واُجيب عن ذلك بأنّ صحيح العيص أجنبيّ عن بيان حکم العامد، و ظاهر في انکشاف الخلاف إن أتمّ غير العامد، فهو الّذي يعيد في الوقت دون خارجه، و لکن يبقى التعارض في غير العامد الجاهل.

وأفاد المحقّق الحائري(قدس سره) في رفع التعارض على الصورتين أنّ صحيح زرارة و محمد بن مسلم بالنسبة إلى صحيح العيص في حکم الأخصّ، بل هو أخصّ، فإنَّ نظر السائل عن أنّ المتمّ في السفر يعيد أم لا إلى الصّحة و الفساد، و تفصيل الإمام(علیه السلام) بين الجاهل و العالم يرجع إليهما أيضاً، و حاصل مضمون صحيح العيص يرجع إلى أنّ الجاهل بالحکم يجزئ صلاته و لا تکون محکومة بالفساد.((1))

هذا و على فرض التکافؤ الترجيح مع رواية زرارة و محمد بن مسلم لقوّة

ص: 268


1- الحائري، کتاب الصلاة، ص647.

دلالتهما على مفاده و عمل المشهور عليهما، بل ادّعي الإجماع عليه، و الله هو العالم.

ثانيتها: أنْ يكون ذلك منه جهلاً بالموضوع كما إذا أتمّ المسافر العالم بالحكم، و أنّه يجب عليه القصر إذا كان قاصداً للمسافة الشرعيّة ثمانية فراسخ امتداديّة أو تلفيقيّة ظنّاً بأنّها لا تبلغ هذه، و من الجهل بالموضوع الجهل بأنّ ثمانية الملفّقة من أفراد السفر الشرعيّ و حكم القسمين على طبق القاعدة الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه، إلّا أنّ مقتضى صحيح العيص عدم وجوب القضاء خارج الوقت إلّا أن يمنع إطلاقه بادّعاء ظهوره في النسيان فيجب عليه القضاء.

ثالثتها: أن يتمّ في مقام القصر ناسياً للموضوع، و هو يتصوّر بنسيان ما هو السفر عند الشارع كمن كان عالماً بكفاية المسافة التلفيقيّة و نسي ذلك أو نسيان كونه مسافراً. و هذا أيضاً يجب عليه طبق القاعدة القضاء في خارج الوقت كما يجب عليه الإعادة في الوقت، إلّا أنّه لا يجب عليه القضاء لصحيح العيص.

رابعتها: أن يكون ذلك لنسيان الحكم، و حكمه أيضاً عدم وجوب القضاء خارج الوقت على خلاف القاعدة، و يدلّ عليه مضافاً إلى صحيح العيص ما رواه الشيخ بسنده عن محمد بن الحسين((1)) عن علي بن النعمان((2)) عن سويد القلّاء((3)) عن أبي أيّوب((4)) عن أبي بصير((5)) عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل

ص: 269


1- ابن أبي الخطاب عظيم القدر... .من السابعة.
2- الأعلم النخعي ثقة وجه ثبت... من السادسة.
3- ابن مسلم ثقة له كتاب... من السادسة أو الخامسة.
4- إبراهيم بن عثمان الخراز ثقة كبير المنزلة ... من الخامسة.
5- المرادي الممدوح... من الرابعة.

ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات؟ قال: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه».((1)) بالاطلاق إلَّا أنْ يقال: إنّ الظاهر من النسيان نسيان الموضوع لبعد نسيان مثل هذا الحكم.

فيتلخّص من ذلك كلّه: أنّ العالم العامد يجب عليه الإعادة في الوقت و إلّا فالقضاء في خارجه، و الجاهل بأصل الحكم لا يجب عليه الإعادة فضلاً عن القضاء و الجاهل بخصوصيّات الحكم يجب عليه التدارك إعادة أو قضاء بناءاً على منع إطلاق صحيح العيص و الناسي للموضوع، بل و الحكم يعيد في الوقت دون خارجه إن تذكّر بعد الوقت و إن كان الأحوط في الناسي للحكم القضاء، و الله هو العالم.

حكم الصوم فيما ذكر حکم الصلاة

مسألة: قال في «العروة»: حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة، فيبطل مع العلم و العمد، ويصحّ مع الجهل بأصل الحكم دون الجهل بالخصوصيّات و دون الجهل بالموضوع.((2))

أقول: تارة يقع البحث في بطلان صوم شهر رمضان بعدم سقوط قضائه عن المسافر إذا كان عالماً بعدم وجوبه و صام عامداً ملتفتاً إلى ذلك، فلا خلاف في عدم

ص: 270


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص241- 242؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص169، ح34، ص225 226، ح79؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص506، ب12، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11298].
2- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص511.

إجزائه و عدم سقوط قضائه، يدلّ عليه الكتاب و السنة، فالصوم المكتوب على المؤمنين إذا كانوا مسافرين يؤتى به عدّة من أيّام اُخر، صام شهر رمضان أو لم يصمه، فالصوم في السفر في شهر رمضان لم يكتب عليهم و لا يجزئ عمّا كتب و وجب عليهم. و هل الآية تدلّ على بطلان الصوم من المسافر تبرّعاً في شهر رمضان.

يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من الآية الكريمة عدم صلاحية صوم شهر رمضان من المسافر مطلقاً، و إلّا لم يتبدّل التكليف بالصوم فيه بعدّة من أيّام اُخر، فعلى هذا تدلّ الآية على بطلان الصوم فيه من المسافر، فكان ذلك أي عدم صلاحية صوم شهر رمضان من المسافر، بل كأنّ عدم صلاحية مطلق الصوم في السفر كان مركوزاً في ذهن المخاطب معلوماً عنده. فيسأل كيف يصنع المسافر فاستدرك ذلك بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَريِضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ... ((1))﴾ و كيف كان فالآية الشريفه لا تخلو من الدلالة على عدم صلاحية الصوم من المسافر في شهر رمضان أو مطلق الأزمنة. و الظاهر من الآية عدم الفرق فيما ذكر بين العالم و الجاهل بالحكم أو الموضوع، فلا يجزئ الصوم في شهر رمضان عن المسافر مطلقاً إلّا أنّه يستفاد من السنة الشريفة المفسّرة للقرآن المجيد بعد حمل مطلقها على مقيّدها صحّة الصوم من المسافر إذا كان جاهلاً بأصل الحكم، و أمّا البطلان و عدم الإجزاء و وجوب القضاء إذا كان عالماً عامداً أو جاهلاً بخصوصيّات الحكم أو جاهلاً بالموضوع فهو مقتضى دلالة الآية الكريمة.

ص: 271


1- البقرة، 185.

والتحقيق في أخبار المسألة

وإليك الروايات فمنها ما يدلّ بالإطلاق على عدم وجوب القضاء على المسافر إنْ صام بجهالة مثل صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله(علیه السلام): «من صام في السفر بجهالة لم يقضه».((1))

وصحيح ليث المرادي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر، و إن صام بجهالة لم يقضه».((2))

ومنها ما يدلّ على تقييد عدم وجوب القضاء بجهالة بما إذا لم يبلغه نهي رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن ذلك مثل صحيح عبد الرحمان((3)) بن أبي عبد الله عن مولانا أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر؟ فقال: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم». و دلالته على خصوص بلوغ أصل ذلك الحكم و جهالته به موقوف على كون المشار إليه في قوله(علیه السلام): «نهى عن ذلك» أصل الحكم.

وصحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): رجل صام في السفر؟ فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول الله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا

ص: 272


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص128؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج10، ص180، ب2، من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح5 [13160].
2- الکلیني، الکافي، ج4، ص128؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج10، ص180، ب2، من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح6 [13161].
3- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص221؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج10، ص179، ب2، من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح2 [13157].

شيء عليه».((1)) و هذا أيضاً بظاهره يدلّ على أنّ من لم يبلغه أصل الحكم لا قضاء عليه. فبهذين الصحيحين بمفهوم الأوّل و منطوق الثاني من الصحيحين الأوّلين يصير مدلول الجميع أنّه من صام في السفر جاهلاً بأصل الحكم و نهي رسول الله(صلی الله علیه و آله) لم يقضه دون سائر الصور. فالخارج عن إطلاق الآية الكريمة بالسنة الشريفة من لم يبلغه نهي رسول الله(صلی الله علیه و آله)، دون الّذي وصله و لم يتحصّل له تفاصيل الحكم، و دون الجاهل بالموضوع، فهما باقيان تحت إطلاق الآية الكريمة كما نصّ عليه في «العروة» كما أنّه يبقى الناسي تحت الإطلاق سواء كان ناسياً للحكم أو الموضوع كما صرّح به سيّدنا الاُستاذ(قدس سره) هنا، فقال: الناسي يجب عليه قضاء الصوم.

هذا و قد نفى البعد عن صحّة الصوم في مطلق الجهل سيّدنا الگلپايگاني(قدس سره) في «حاشيته» فقال: لا يبعد الصحّة في مطلق الجهل. نعم لا يصحّ مع النسيان، و يمكن أن يقال في وجه ذلك أنّ مقتضى إطلاق الصحيحين الأوّلين الصحّة و عدم القضاء، و أمّا الصححين الأخيرين فمفهوم الأوّل منهما و منطوق الثاني بيان حكم من لم يبلغه نهي رسول الله(صلی الله علیه و آله)، و عدم بلوغ نهيه إليه أعمّ من عدم بلوغ الحكم بعنوانه الكلّي أو عدم فرده الخاص للجهل بكونه من أفراد العام.

ص: 273


1- الکلیني، الکافي، ج4، ص128؛ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج2، ص144؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج4، ص220 221؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج10، ص179، ب2، من أبواب من يصحّ منه الصّوم، ح3 [13158].

الفصل الثاني: حكم التقصير في موضع التمام البطلان

اشارة

مسألة: قال في «العروة»: إذا قصّر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد إلّا في المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام.((1))

أقول: أمّا بالنسبة إلى غير المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام فالحكم بالبطلان مقتضى القاعدة، و قد عرفتها في المسألة السابقة، إلّا أنّ من وجوه البطلان هناك الزيادة العمديّة و زيادة الركن، و هنا النقص العمديّ و نقص الركن.

وأمّا بالنسبة إلى المقيم المقصّر للجهل، فلم يحك القول بإجزائه كما في «الجواهر»((2)) إلّا عن ابن سعيد و بعض متأخّري المتأخّرين، و لعلّه صاحب «مجمع البرهان»، فحكي عنه في «الجواهر» نفي البعد عن الصحّة. و الّذي جاء في ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن عمر((3)) عن عليّ بن النعمان((4)) عن

ص: 274


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص512.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص346.
3- الصيقل من السابعة له كتاب و الظاهر أنّه غير ابن بزيع الثقة من السادسة.
4- من السادسة ثقه وجه ثبت ...

منصور بن حازم((1)) عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، فإنْ تركه رجل جاهلاً (جاهل) فليس عليه إعادة».((2)) و سنده ضعيف بموسى بن عمر كما صرّح به السيّد الاُستاذ البروجردي أعلی الله مقامه.

وأمّا ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن إسحاق بن عمّار. قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن إمرأة كانت معنا في السفر و كانت تصلّي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية؟ قال: «ليس عليها قضاء».((3)) فالظاهر أنّه لم

يعمل به أحد من الأصحاب، و ليت شعري ما يقول من لا يقيم لإعراض الأصحاب وزناً في ترك العمل به مع صحّة سنده، فإنّ الشيخ يرويه بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن إسحاق بن عمّار و هو من الثقات، و ممّن روى النصّ على الإمام الرضا(علیه السلام)، و رميه بالوقف توهّم فراجع «جامع الرواة»،((4)) و اسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح. و في «الاستبصار» قال: هذا خبر شاذّ و من المعلوم المجمع عليه الّذي لا يدخل فيه شكّ أنّ صلاة المغرب في السفر لا تقصّر

ص: 275


1- من الخامسة ثقه عين من الأجلّه ...
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص221؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص506، ب17، من أبواب صلاة المسافر، ح3 [11299].
3- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص226، 235؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص507، ب17، من أبواب صلاة المسافر، ح7 [11303].
4- الأردبیلي، جامع الرواة، ج2، ص66.

و إنّ من قصّرها كان عليه القضاء، فهذا الخبر متروك بالإجماع. ((1)) فنبقى نحن و خبر موسى بن عمر الضعيف به، و قد عرفت أنّه لم يحك عن أحد إلّا ابن سعيد و صاحب «مجمع البرهان» الّذي نفى البعد عن صحّته، و لكن ذلك لا يكفي في صحّة الاحتجاج به. و إن أغمضنا عن ضعف سنده لإعراض المشهور عنه و تركهم له خلافاً لمن يفتي به و يقول بعدم الإعادة، لأنّ موسى بن عمر و إن لم يكن موسى بن عمر بن بزيع الثقة، بل هو موسى بن عمر الصيقل المذكور في أسانيد «كامل الزيارات» الّذي بنى هذا القائل على توثيق أسانيده بتوثيق ابن قولويه مولّف «الكامل»، و قد ردّ الاحتجاج لعدم حجّيته بإعراض الأصحاب عنه بمنع الكبرى و الصغری.

أمّا الكبرى فإنّ المدار على صحّة الاحتجاج بالحديث و ثاقة الراوي أو كونه موثّقاً، و الإعراض و إن كان كاشفاً عن خلل ظفر عليه المعرضون و قد خفي علينا حتى اشتهر أنّه كلّما إزداد صحّة إزداد بالإعراض وهناً و ضعفاً، إلّا أنّه لا يثبت به أنّ ما صار عندهم موجباً للوهن و الخلل يوجب ذلك عندنا، فلعلّ ما كان سبب إعراضهم عنه فاسداً في الواقع فلا يسعنا رفع اليد عن عموم دليل حجّية الموثّق بمجرّد احتمال اعتبار ما هو الوجه عندهم للإعراض، و لا يجوز رفع اليد عن دليل حجّية خبر العادل أو الثقة المطلق بالاحتمال.

هذا بحسب الكبرى و أمّا بحسب الصغرى فلم يثبت الإعراض التامّ فقد

ص: 276


1- الطوسي، الاستبصار، ج1، ص220 221.

أفتى بمضمون الخبر بعض المتأخّرين كابن سعيد في «جامعه»، و نفى البعد عنه في «مجمع البرهان».

التحقيق في الروايات

أقول: هنا لا بأس بإطالة الكلام كي يتّضح الحقّ في المقام.

فنقول: إنّ عمدة الدليل في اعتبار أخبار الآحاد هو بناء العقلاء، و الآيات و الروايات تدلّ على الإمضاء و الإرشاد إلى ما عليه العقلاء، و ليس الحكم بالخبر و الاعتماد عليه و الاحتجاج به تأسيساً من الشارع، فمن المعلوم أنّهم لا يعملون بخبر من المولى إذا كان بطانته و أصحابه و خواصّه معرضين عنه لا يأخذون به.

وبالجملة، فالعقلاء يعتمدون في مقام التخاطب و المخاطبة و استكشاف

مراد المتكلّمين و الاحتجاج على المتكلّم و الأخذ بالأقارير و الاعترافات على اُصول معتبرة عند الكلّ كأصالة الظهور، و أصالة الحقيقة، و أصالة عدم الاشتباه، و أصالة كون المتكلّم في مقام بيان الواقع و غيرها، إذا لم تكن هناك قرينة على الخلاف أو احتمال يوجب ضعف الاعتماد على ما هو المقرّر عندهم، و في مقام الاستدلال على إخبار المخبرين عن المولى يأخذون بقول الثقات إذا لم يكن محفوفاً باُمور توجب ضعف الاستناد به كما إذا رأی أنّ المتكلّم نفسه أو راوي الحديث نفسه مع كمال اهتمامه بإطاعة المولى لا يعمل به، فيفهم من ذلك وقوع الاختلال في الاعتماد عليه، بل إذا سمع بنفسه من المولى ما يرى أنّه هو و بطانته لا يلتزمون به و لا يعتمدون عليه، و لذا نرى في بعض الأخبار أنّ أجلّة

ص: 277

الأصحاب يتوقّفون في بعض الروايات عن إمام عصره، بل لا يعملون به حتى أنّهم ما كانوا يعملون بكلام يسمعون من المولى و رئيسهم إذا وجدوا أنّ بطانته و خواصّه العارفين بعقائده و أسراره و مكتبه يعرضون عنه، و يدلّ على ذلك ما روي عن سلمة بن محرز قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّ رجلاً مات، و أوصى إليّ بترکته، و ترك ابنته، قال: فقال لي: أعطها النصف، قال: فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتّقاك، إنمّا المال لها. قال: فدخلت عليه بعد، فقلت: أصلحك الله، إنّ أصحابنا زعموا أنّك اتّقيتني، فقال: لا و الله ما اتّقيتك، و لکني اتّقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت: لا ، قال: فأعطها ما بقي.((1)) هذا كلّه بالنسبة إلى الكبری، و أمّا الصغرى فقد عرفت أنّ قدماء الأصحاب مع التزامهم بذكر ما يعملون به من الروايات و كتبهم الأصليّة متضمّنة حتى لألفاظ الروايات المعمولة عندهم لم يذكروا ذلك و تركوه، و على ذلك يجب على المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام إعادة الصلاه و الإتيان بها تامّة مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى الاحتياط، و الله هو العالم بأحكامه.

الجاهل بالحكم إذا لم يصلِّ في السفر في الوقت يجب عليه القضاء قصراً

مسألة: الجاهل بأصل الحکم إذا لم يصلِّ في السفر في الوقت يجب عليه القضاء قصراً و إن کان هو لو کان يصلّي في الوقت يصلّي تماماً.

ص: 278


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج26، ص101، ب4، من أبواب ميراث الأبوین والأولاد، ح3 [32579]، ص104 105، ب5، ح4و7 [32588،32591].

ووجهه، أنّ القصر هو التکليف الواقعي الثابت علی الجاهل و غيره بمقتضی عموم دليل وجوب القصر علی المسافر، غاية الأمر أنّه قام الدليل علی الاجتزاء بالتمام حال الجهل، و مرجع ذلك إلی تخصيص عموم ما دلّ علی بطلان الصلاة بالزياده الرکنيّة لا انقلاب التکليف الواقعي من القصر إلی التمام.

إن قلت: کيف يکون تکليفه الواقعي القصر مع عدم إمکان خطابه و تکليفه به.

قلت: إنّ التکليف الفعلي المنجّز غير ثابت عليه، و لکن هو مکلّف بالتکليف الشأني الفعلي الّذي أثره فعليّة وجوب قضائه بعد العلم به.

إن قلت: إنّ معنی إجزاء التمام من المسافر الجاهل أنّه مأمور بالتمام ليس خارجاً من عموم وجوب الأربعة علی الجميع، و لا يصحّ تکليفه بالقصر، فإنّه فرع علمه به، فما فات منه الأربعة يجب عليه قضاؤها بحکم: «إقض ما فات کما فات».

قلت: هذا بحسب الظاهر و لا يصحّ البناء عليه بعد رفع الجهل لاستلزامه توقّف التکليف بالتمام علی العلم به، و من الواضح أنّ العلم به متوقّف عليه و هو دور کما هو مذکور في مبحث التخطئة و التصويب.

وبالجملة، الأقوی وجوب القضاء و إن کان الأحوط الجمع، ثم إنّه لا ريب في أنّه إذا کان جهله بالحکم باقياً إلی بعد الوقت و أراد القضاء يقضيها تماماً، و الله هو العالم.

وهذا کلّه في الجاهل، و أمّا الناسي للسفر أو لحکمه فإنْ فاتته الصلاة في الوقت فيقضيها قصراً، و الله هو العالم.

ص: 279

الناسي للسفر إذا دخل في الصلاة و في أثنائها تذّکر

مسألة: الناسي للسفر أو لحکمه إذا دخل في الصلاة و في أثنائها تذکّر، فإن کان ذلك قبل الدخول في رکوع الرکعة الثالثة يتمّها قصراً و لا يضرّه نيّة التمام عند الشروع في الصلاة، لأنّ ما هو المأمور به الواقعي له و تتعلّق به النيّة هو صلاة الظهر مثلاً، و القصريّة أو التماميّة ليستا من العناوين القصديّة الّتي لا تتحقّق بدون القصد کالظهريّة و العصريّة، بل إن وقعت الصلاة ثنائيّة تکون قصراً و إنْ وقعت في الخارج رباعية تکون تماماً، و إن کان عالماً من أوّل الشروع بأنّها يتمّها ثنائيّه أو رباعيّة.

وبالجملة، لا تصير صلاته قصراً أو تماماً، بالنيّة، بل يدور ذلك مدار الخروج منها بالتسليم في الثانيّة أو الرابعة.

وأمّا إنْ تذکّر بعد رکوع الرکعة الثالثة، فلابدّ له من استئناف الصلاة و أدائها قصراً، و لو بقي من الوقت مقدار رکعة، و الله هو العالم.

لو قصّر المسافر اتّفاقاً لا عن قصد، و بيان صور المسألة

مسألة: قال في «العروة»: لو قصّر المسافر اتّفاقاً لا عن قصد فالظاهر صحّة صلاته، و إن کان الأحوط الإعادة، بل و کذا لو کان جاهلاً بأنّ وظيفته القصر فنوی التمام لکنّه قصّر سهواً، و الاحتياط بالإعادة في هذه الصوره آکد و أشدّ.((1))

أقول: للمسألة صور:

ص: 280


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص514.

إحداها: إنْ دخل في الصلاة غافلاً عن نيّة الإتمام و القصر، کما إذا دخل في الجماعة في الرکعة الثالثة للإمام و خرج معه بالتسليم و التفت إلی أنّه کان مسافراً، فالظاهر کفاية ذلك لأنّ عنوان القصر أو التمام ليس من العناوين القصديّة و هو کان مکلّفاً بالصلاة و أتی بها حسب وظيفته.

ثانيتها: إنْ دخل في الصلاة جهلاً بأنّ وظيفته القصر بنيّة التمام و سلّم بعد التشهّد الأوّل و خرج من الصلاة و التفت إلی أنّه نوی التمام و کان وظيفته الواقعيّة القصر ففي هذه الصورة أيضاً الظاهر صحّة صلاته.

وثالثتها: أن يکون ناسياً لکونه مسافراً أو لحکمه و سلّم في الرکعة الثانية، ففي جميع الصور الحکم هنا صحّة الصلاة و عدم وجوب الإعادة، و الله هو العالم.

ص: 281

الفصل الثالث: هل الاعتبار في القضاء بحال الوجوب أو الفوات؟

اشارة

مسألة: قال في «الجواهر»: المشهور نقلاً إن لم يكن تحصيلاً خصوصاً بين المتأخّرين (أنّ الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها)... (وقيل) و القائل الإسكافي فيما حُكي عنه، و الحلّي في «السرائر» حاكياً عن ابن بابويه في «رسالته»، و المرتضى في «مصباحه»، و المفيد في بعض أقواله، و الشيخ في «مبسوطه»، بل قال: إنّه الموافق للأدلّة و إجماع أصحابنا (الاعتبار في القضاء بحال الوجوب) و إن اعتبر جميعهم أو بعضهم في فعلها في الوقت حال الأداء لا حال الوجوب. (والأوّل أشبه) باُصول المذهب و عمومات القضاء، كقوله(علیه السلام): «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» و غيره إذ لا ريب في أنّ الفائت من المكلّف ما وجب عليه في آخر الأحوال لأنّه هو الّذي استقرّ عليه الخطاب به، لا ما وجب عليه في الحال الأوّل و قد سقط عنه و انتقل إلى غيره،((1)) إلخ.

أقول: لم نتحقّق من القول بما اختاره الحلّي عن ابن بابويه و المرتضى و المفيد و الشيخ في «المبسوط» و«التهذيب» فضلاً عن الإجماع، فراجع «السرائر»((2)

ص: 282


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص382 383.
2- ابن إدریس الحلّي، السرائر، ج1، ص 334 335.

و«الجواهر»((1)) في ذلك.

نعم هنا رواية في «التهذيب» بإسناده عن النضر بن سويد((2)) عن موسى بن بكر((3)) عن زرارة((4)) عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخّر الصلاة حتى قدم فهو يريد يصلّيها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، فكان

ينبغي له أن يصلّي عند ذلك».((5)) و ظاهرها أنّ الاعتبار بوقت الوجوب و لا يعتدّ بضعف سنده بموسى بن بكر إلّا أنّه يشكل بأنّ مقتضى التعليل المطلق المذكور فيه التعارض مع ما دلّ على أنّ الاعتبار بحال الأداء في الأداء، و يأتي من «مصباح الفقيه» ما في هذا التعليل.

ويمكن الجواب عن ذلك: بأنّ الرواية ليست متعرّضة لحكم حال الأداء و لا يستفاد منها إلّا حكم حال القضاء.

بيان ذلك: أنّ الظاهر منها أنّ الّذي دخل وقت الصلاة و هو في السفر و أراد تأخير الصلاة حتى يقدم على أهله كان عالماً بتكليفه، و أنّ الاعتبار بحال الأداء لأنّه إن كان عالماً بأنّ الاعتبار بحال الوجوب لا يشك في أنّه يجب القضاء

ص: 283


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص382 383.
2- ثقة له كتاب من السادسة.
3- الواسطي لا بكير الواقفي يروي عنه مثل ابن أبي عمير و صفوان من الخامسة.
4- الرجل المشهور من الرابعة.
5- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج2، ص13، ح4؛ ج3، ص162، ح12، ص225، ح76.

بالقصر، لأنّ على ذلك هو في تمام الوقت كان مأموراً بالقصر قبل قدومه و بعد قدومه، و لكنّه حيث تواردت عليه الحالتان قبل القدوم و بعد القدوم و هو مكلّف باعتبارهما بتكليفين القصر و التمام، سئل الإمام(علیه السلام) عن تكليفه في القضاء، إذاً فدلالتها على وجوب القضاء قصراً تامّة. هذا و حمل الرواية على السؤال عن تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة لا الإجزاء خلاف الظاهر و خلاف التعليل المذكور فيها، و إن احتمل ذلك لقوله(علیه السلام) (يصلّيها) بدل (يقضيها) لأنّ التعبير عن القضاء بالأوّل أيضاً يفيد المعنى.

هذا و لكن قال في «العروة»: إذا فاتت منه الصلاة و كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس فالأقوى أنّه مخيّر بين القضاء قصراً أو تماماً لأنّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت، و المفروض أنّه كان مكلّفاً في بعضه بالقصر و في بعضه بالتمام، و لكن الأحوط مراعاة حال الفوت و هو آخر الوقت، و أحوط منه الجمع بين القصر و التمام.((1))

في نقل بيان المحقّق الهمداني في المسألة

وفي «مصباح الفقيه»: أنّ الفوت و إن لم يتحقّق صدق اسمه إلّا في آخر الوقت عند تضيّقه عن أداء الفعل، و لكنّ الملحوظ في صدقه هو ترك الفعل في مجموع الوقت المضروب له لا خصوص جزئه الآخر، فالّذي فاته في الحقيقة هو فعل الصلاة في هذا الوقت المضروب له الّذي كان في بعضه حاضراً و في بعضه

ص: 284


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص515 516.

مسافراً و ليست أجزاء الوقت موضوعات متعدّدة لوجوبات متمايزة كي يصحّ أن يقال: إنّ الجزء الأوّل ارتفع وجوبه في الوقت برخصة الشارع له في التأخير، بل هو وجوب واحد متعلّق بطبيعة الصلاة في وقت موسّع يختلف كيفية أدائها باختلاف أحوال المكلّف سفراً و حضراً، فليس لها بالمقايسة إلى شيء من أجزاء الوقت من حيث هو وجوب شرعي، و إنّما يتعيّن فعله في آخر الوقت بواسطة تركه فيما سبق لا لكونه بخصوصه مورداً للوجوب، فلو قيل بكون المكلّف مخيّراً بين مراعاة كلّ من حالتيه لكان وجهاً كما ربما يؤيّده، بل يشهد له خبر موسى بن بكير (بكر). (ثم ذكر تمام الخبر) و قال: ربما استدلّ بهذه الرواية أيضاً للقول باعتبار حال الوجوب. ثم ذكر ما قيل فيه

من ضعف سنده، و أجاب عنه و قال: يشكل رفع اليد عنه من غير معارض إلّا أنّ دلالته على لزوم مراعاة وقت الوجوب كما هو المدّعى لا تخلو من تأمّل، فإنّ ما فيه من التعليل مشعر بإرادة الأفضليّة، فيكون حينئد مؤيّداً لما نفينا البعد عنه من القول بالتخيير، و لكن لم ينقل القول به عن أحد فيشكل الالتزام به، و أشكل منه الالتزام بوجوب مراعاة حال الوجوب بخصوصه مع عدم وضوح دلالة الرواية عليه و عدم كون إضافة الفوت إلى حاله في أوّل الوقت أولی من إضافته بالنسبة إلى حاله في آخر الوقت، إذ غاية ما يمكننا الالتزام به عدم الفرق بين أجزاء الوقت الّذي تمكن في كلّ جزء منه من إحراز المصلحة الفائتة باختيارها في ضمن الفرد اللائق بحاله من حيث السفر و الحضور في إضافة الفوت إليها لأنّه متى فاتته فريضة الوقت فقد فاتته في جميع أجزائه لا في خصوص الجزء الأوّل أو الآخر، فليس حاله في أوّل الوقت

ص: 285

أولی بالمراعاة من عكسه، بل العكس أولی.

فإنَّ ما ادّعيناه من التسوية بين أجزاء الوقت من حيث تحقّق الفوات فيها إنّما هو بالتدقيق العقلي، فلا يبعد أن يقال بعدم ابتناء الأحكام الشرعيّة على مثل هذه التدقيقات، بل على ما ينسبق إلى الذهن عرفاً من إطلاق مثل قوله(صلی الله علیه و آله): «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته». و العرف لا يلاحظ في مثل الفرض إلّا حالته الأخيرة الّتي تحقّق عنده الفوت، و لذا استدلّ المشهور بهذه الرواية لإثبات مذهبهم.

وقد ظهر بذلك أنّ القول الأوّل أي مراعاة آخر الوقت إنْ لم يکن أشبه فأحوط، وأحوط منه الجمع بين القصر و الإتمام، و الله العالم،((1)) انتهى كلامه.

في بيان الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره)

ثم إنّ الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره) قال: و قد يتوهّم أنّ الفوت ينسب إلى ما تعيّن عليه في آخر الوقت، و هو فاسد ضرورة أنّه لو كان آتياً بما تعيّن عليه أوّل الوقت لما تحقّق صدق الفوت، كما أنّه لو كان آتياً بما تعيّن عليه آخر الوقت لما صدق الفوت أيضاً، فكيف ينسب الفوت إلى خصوص ترك ما وجب عليه آخر الوقت، و كأنّه(قدس سره) أراد أنّ صدق الفوت بالترك في كلّ من الحالتين منوط بتركه في حالة اُخری أيضاً، إذاً فلا يستلزم الترك في آخر الوقت مطلقاً صدق الفوت، فلا يكون هذا الوجه

للقول بلزوم مراعاة آخر الوقت ثم قال: و لكنّ الأحوط اختيار ما تعيّن عليه آخر الوقت، و أحوط منه الجمع بين القصر و الإتمام،((2))

ص: 286


1- الهمداني، مصباح الفقیه، ج2، ص769.
2- الحائري، کتاب الصلاة، ص564.

و كأنّه إختار أخيراً القضاء على طبق ما تعيّن عليه أوّل الوقت لرواية موسى بن بكر، فراجع تمام كلامه إن شئت هذا.

وإليك خلاصة الاحتمالات المتصوّرة في المسألة:

فأحدها: هو التخيير في القضاء بين القصر و الإتمام، إلّا أنّ ما اُفيد في ذلك سيّما ما أفاده المحقّق الهمداني(قدس سره) لا ينهض لإثباته، غاية الأمر نهوضه لإثبات عدم جواز البناء على خصوص الجزء الآخر، و قد عرفت أنّه قال: لم ينقل القول به عن أحد فيشكل الإلتزام به.

وثانيها: البناء على ما فاته آخر الوقت لأنّه مقتضى ما يفهم العرف من المسألة و أنَّ من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، و لأنّه المخاطب في هذا الحال إن كان مسافراً فبخطاب قصّر، و إن كان حاضراً فبخطاب أتمّ، و هذا القول أظهر لولا رواية موسى بن بكر.

وثالثها: البناء على مراعاة أوّل الوقت لرواية موسى بن بكر، و عليه فلابدّ من رفع اليد عن القاعدة المستفادة من النصوص الّتي هي الوجه للاحتمال الثاني، هذا مضافاً إلى أنّ في الأداء اخترنا البناء على حال الأداء.

رابعها: أنْ يقال بالبناء على إتيان القضاء بالتمام و إنْ دخل الوقت و هو مسافر أو كان مسافراً في آخر الوقت، و وجهه البناء على الأصل في وجوب الصلاة رباعيّة و عدم نهوض ما ذكر للاحتمالات الثلاثة، للجزم بالفتوى بأحدها.

وبعد ذلك كلّه فالأحوط في المسألة في جميع صورها الجمع بين القضاء بالقصر و الإتمام، و الله هو العالم.

ص: 287

الفصل الرابع: صلاة المسافر في الأماكن الأربعة و بيان الأقوال فيه

في صلاة المسافر في المواطن الأربعة

فهل هو مخيّر بين التقصير و الإتمام أو متعيّن عليه القصر أو التمام أو يجب عليه أو يستحبّ أن ينوي الإقامة.

فالأوّل: هو المشهور بين الطائفة من عصر الشيخ إلى زماننا هذا، فيجوز له الإتمام في المواطن الشريفة المعروفة، مكّة المكرّمة و المدينة المنوّرة و المسجد الجامع المعظّم بالكوفة و الحائر الحسيني الشريف. و أمّا جواز القصر فهو على طبق الأصل.

والقول الثاني: اختيار العلّامة الطباطبائي كما في «الجواهر»((1)) تبعاً للمحكيّ عن الفاضل البهبهاني، بل ادّعى أنّه المشهور بين متقدّمي الأصحاب، و لعلّه أخذ ممّا حكي عن الشيخ الجليل ابن قولويه((2)) في «كامل الزيارات» حيث روى عن أبيه((3))

ص: 288


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص330 331.
2- جعفر بن محمد بن جعفر القمي من ثقات أصحابنا و أجلّائهم من العاشرة.
3- محمد بن جعفر من خيار أصحاب سعد من التاسعة.

عن سعد بن عبد الله((1)) قال: سألت أيّوب بن نوح((2)) عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكّة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين(علیه السلام) و الّذي روي فيها؟ فقال: أنا اُقصّر، و كان صفوان((3)) يقصّر و ابن أبي عمير((4)) و جميع أصحابنا يقصّرون((5)). و ممّا في مكاتبة عليّ بن مهزيار((6)) إلى أبي جعفر(علیه السلام): ولم أزل على الإتمام إلى أن صدرنا في حجّنا

في عامنا هذا فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليَّ بالتقصير إذا كنتُ لا أنوي مقام عشرة((7)). و قد أُشبع الكلام في ردّ هذا القول في «الجواهر»((8)) مضافاً إلى احتمال أنّ سؤال سعد عن أيّوب بن نوح كان عن جواز الاكتفاء بالتقصير قبال تعيّن الإتمام فأجاب: بأنّه يقصّر، و صفوان و ابن أبي عمير و غيرهم يقصّرون. يعني قد يقصّرون لا أنّهم كانوا مداومين على ذلك. مضافاً إلى أنَّ فعلهم لا يدلّ على التعيين.

وأمّا مكاتبة عليّ بن مهزيار فما يستفاد منها صدراً و ذيلاً التخيير. و في «الجواهر» قد يشعر استمرار ابن مهزيار في تلك المدّة على التمام مع جلالة قدره

ص: 289


1- القمي الأشعري جليل القدر من كبار الثامنة.
2- ثقة له كتب ... من السابعة.
3- و(4). معروفان بجلالة القدر، هما من السادسة.
4-
5- ابن قولویه القمي، كامل الزيارات، ب81.
6- ثقة جليل القدر له ثلاث و ثلاثون كتاباً من السابعة.
7- الکلیني، الکافي، ج4، ص525؛ الطوسي، الاستبصار، ج2، ص333؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، ص428 429؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص525، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11346].
8- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص330 331.

و غزارة فضله و لفظ «أشاروا عليَّ» فيه بمعروفية التخيير في ذلك الزمان.((1)) هذا مضافاً إلى أنّ الإمام(علیه السلام) كتب بخطّه(علیه السلام) و صرّح بفضل الإتمام.

والقول الثالث: محكيّ عن السيّد و ابن الجنيد، و في «الجواهر» إمكان إرادتهما نفي تحتّم التقصير كما احتمله الشهيد، قال: بل يؤيّده حصر غير واحد الخلاف في الصدوق، بل في «المختلف» المشهور استحباب الإتمام، و اختاره الشيخ و المرتضى و ابن الجنيد و ابن إدريس و ابن حمزة،((2)) إلخ. و ليكن هذا أي استحباب الإتمام القول الرابع.

وأمّا القول الخامس: فهو مختار الصدوق(قدس سره) و كلامه في «الفقيه» بعد ما روى عن الصادق(علیه السلام): من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن بمكّة و المدينة و مسجد الكوفة و حائر الحسين(علیه السلام).

هذا: قال مصنّف هذا الكتاب: يعني بذلك أن يعزم على مقام عشرة أيّام في هذه المواطن حتى يتمّ.((3))

وهل مراده وجوب العزم المذكور أو استحبابه؟ لعلّ الظاهر منه وجوبه.

هذا كلّه في الأقوال، و قد علم ممّا ذكر ضعف القول الثاني الّذي هو قبال النصوص الكثيرة الّتي لا يمكن لأحد رفع اليد عنها. و القول الثالث أيضاً قد عرفت عدم ثبوت القول به عن السيّد و ابن الجنيد. و القول الرابع أي القول

ص: 290


1- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص331.
2- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص330.
3- الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص442.

باستحباب التمام فهو مفاد بعض الروايات و لا منافاة بينه و بين القول الأوّل أي القول بالتخيير فتحصّل من ذلك كلّه أنّ المسألة ذات قولين: أحدهما: القول الّذي أجمع عليه الجميع إلّا واحد و هو القول بالتخيير.

والثاني: قول شاذّ لم يثبت إلّا من الصدوق في «الفقيه».

والأوّل هو المصرّح به في روايات كثيرة((1)) عدّة منها مقطوعة الصدور لا ريب في صدورها عنهم(علیهم السلام)، فلا يجوز العدول عنها، والله هو العالم.

ص: 291


1- راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص524 534، ب 25، من أبواب صلاة المسافر.

الفصل الخامس: الكلام في حدود الأماكن الأربعة

مسألة: الكلام في حدود الأماكن الأربعة يقع في مقامين:

الأوّل: في الحرمين فنقول: التعبير عنهما في بعض الروايات وقع بلفظ حرم الله و حرم رسوله(صلی الله علیه و آله)، مثل صحيح حمّاد عن أبي عبد الله(علیه السلام) (ح1)، و في بعضها بلفظ الحرمين (ح2 و4 و6 و13 و15 و17 و18 و20 و21 و30 و31 و33 و34)، و بعضها بلفظ مكّة أو مكّة و المدينة (ح 3 و5 و6 و7 و8 و9 و10 و15 و16 و19 و26 و27 و29 و32 )، وفي بعضها بلفظ المسجد الحرام، و مسجد الرسول(صلی الله علیه و آله) (ح11 و14 و22 و23 و25 و في الحديث 28 بلفظ المسجدين، و في بعضها فسّر الحرمين بمكّة و المدينة أو ربما يستفاد منه ذلك التفسير (ح4 و15 و17)((1)).

أقول: يمكن أن يقال: أوّلاً: ظاهر ما عبّر فيها من الروايات بالحرمين أو حرم الله و حرم الرسول أنّ المراد من حرم الله هو الّذي عرّفوه بأنّه بريد في بريد أو ما لا يجوز قتل صيده و لا قطع شجره، و من حرم الرسول(صلی الله علیه و آله) ما حدّ بأنّه بين الجبلين من ظلّ عير إلی ظلّ و عير إلّا أنّه قد فسّر في الصحيح عن ابن مهزيار

ص: 292


1- راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص524 534، ب25 من أبواب صلاة المسافر.

الحرمين بمكّة و المدينة. ففيه: قلت له (أي الإمام أبي جعفر الثاني(علیه السلام)) بعد ذلك (أي بعد المكاتبة و وصول الجواب) بسنتين مشافهة: إنّي كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا، فقال: نعم، فقلت: أيّ شيء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة».((1))

وفي قرب الإسناد عن أبي الحسن(علیه السلام): سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن إتمام الصلاة في الحرمين مكّة و المدينة؟ قال: «أتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة».((2)) و نحوه ما رواه محمد بن إبراهيم الحصيني عن أبي جعفر(علیه السلام)

((3)) فهو أيضاً ظاهر في ذلك.

فعلى هذا ما يدلّ على أنّ موضوع جواز التخيير مكّة و المدينة رواياته تزيد على العشرين و إليك الإشارة إلى أرقامها (2 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 و 13 و 15 و 16 و 17 و 18 و 19 و 20 و 21 و 26 و 29 و 30 و 31 و 32).((4))

فإن قلت: هذه الروايات يخصّص الحكم فيها بروايات تدلّ على اختصاص الحكم بخصوص المسجدين (ح11 و 14 و 22 و 23 و 25 و 28)، و في عدّة منها الأمر بإتمام الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول(صلی الله علیه و آله) فيقيّد إطلاق روايات الحرمين و مكّة و المدينة بهذه الروايات.

ص: 293


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص525، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح4 [11346].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص529، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح17 [11359].
3- الحمیري القمي، قرب الإسناد، ص300 301.
4- راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص524 534، ب25، من أبواب صلاة المسافر.

ولا يقال: إنّه لا تعارض بينهما فإنّهما مثبتين، و التعارض بينهما يتحقّق إذا كان مدلوليهما حكم واحد، أمّا مع احتمال اختلافهما في الحكم و إن كان بأفضليّة أحدهما فلا يثبت التعارض بينهما.

وبالجملة، كما لا يقال في المستحبّات بحمل المطلق على المقيّد لعدم إحراز وحدة الحكم و احتمال اختلافهما من حيث مراتب الاستحباب، هنا أيضاً لا يجوز نفي إطلاق الطائفة الأُولی بما ورد في خصوص المسجدَين، فالحكم بالتخيير ثابت في الحرمين إلّا أنّه في المسجدَين و في كلّ مكان كان أقرب إليهما آكد، فإنّه يقال: الظاهر من الروايات وحدة الحكم و أنّ الجميع تكون في مقام بيان حكم واحد.

قلت: في روايات مكّة و المدينة و الحرمين ما يكون آبياً عن التقييد مثل صحيح عليّ بن مهزيار، ففيه فقلت: أيّ شيء تعني بالحرمين فقال: مكّة و المدينة، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاقها، فيجوز الإتمام في نفس البلدَين، بل هو الأفضل، و إن كان الأحوط القصر في غير المسجدَين، و الله هو العالم.

ص: 294

الفصل السادس: المقام الثاني في الكوفة و الحرم الحسيني(علیه السلام)

اشارة

المقام الثاني: في الموطنين الآخَرَين، أحدهما: المُعَنْوَن في بعض الروايات بعنوان حرم أمير المؤمنين(علیه السلام) ، و هو ما رواه حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن، حرم الله، وحرم رسوله(صلی الله علیه و آله) و حرم أمير المؤمنين(علیه السلام) ، و حرم الحسين بن علي(علیه السلام).((1))

وبعنوان الكوفة مثل رواية زياد القندي قال: قال أبو الحسن(علیه السلام): «يا زياد اُحب لك ما اُحب لنفسي و أَكره لك ما أَكره لنفسي أتمّ الصلاة في الحَرَمين، و بالكوفة، و عند قبر الحسين(علیه السلام)».((2)) و«بمسجد الكوفة» في رواية عبد الحميد

ص: 295


1- الطوسي، الاستبصار، ج2، ص334؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص524، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11343] و في سنده الحسن بن علي بن النعمان الظاهر من جامع الرواة أنّه ثقة لأنّ الظاهر أنّ قولهم فيه أبوه عليّ بن النعمان الأعلم ثقة ثبت نعته لا نعت أبيه عليّ. فراجع جواهر الکلام هنا (النجفي، ج14، ص332 334)، و جامع الرواة فيه (الأردبیلي، ج1، ص217) و في البرقي الّذي هو أيضاً في طريقه، و مع ذلك الظاهر الاعتماد عليه.
2- الطوسي، الاستبصار، ج2، ص335؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، ص430 431؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص527، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح13 [11355].

خادم إسماعیل بن جعفر عن أبي عبد الله(علیه السلام) ((1))، و خبر حذيفة بن منصور عمّن سمع عن أبي عبد الله(علیه السلام) ،((2)) و رواية أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) ،((3)) و رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله((4))، و ما رواه الصدوق((5)) و إن كان المحتمل كونه و صحيح حمّاد واحداً.

أقول: أمّا دلالة الروايات على وجوب الإتمام الّذي حُكي عن السيّد

و ابن الجنيد فالظاهر أنّها من الأَوامر الواردة عقيب توهم الحظر، لا يستفاد منها إلّا الجواز و الاستحباب، و أمّا كون الموضوع لجواز التخيير بلد الكوفة كما هو الظاهر من رواية زياد القندي، فالاحتجاج به ساقط لضعف سندها. نعم خبر حمّاد حيث ذكر فيه حرم أمير المؤمنين، و حرم الحسين(علیهما السلام) في سياق حرم الله تعالى و حرم رسوله(صلی الله علیه و آله) الّذين عرف أنّ المراد منهما بلد المدينة، و بلد مكّة يمكن دعوى دلالته بأنّ المراد منه بلد الكوفة و بلد كربلاء بقرينة وحدة السياق.

ويدلّ في خصوص الكوفة ما رواه الكليني بسنده عن حسّان بن مهران قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين(علیه السلام) مكّة حرم الله، و المدينة حرم رسول الله(صلی الله علیه و آله)، و الكوفة حرمي لا يريدها جبّار بحادثة إلّا قصمه الله.((6)) فعلى

ص: 296


1- و(2) و(3) و(4) و(5) الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ج8، ص528، 530 532، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح14[11356] و23 [11365] و25 [11367] و26 [11368] و29 [11371].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ج8، ص528، 530 532، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح14[11356] و23 [11365] و25 [11367] و26 [11368] و29 [11371].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ج8، ص528، 530 532، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح14[11356] و23 [11365] و25 [11367] و26 [11368] و29 [11371].
4- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ج8، ص528، 530 532، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح14[11356] و23 [11365] و25 [11367] و26 [11368] و29 [11371].
5- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة ج8، ص528، 530 532، ب25، من أبواب صلاة المسافر، ح14[11356] و23 [11365] و25 [11367] و26 [11368] و29 [11371].
6- الکلیني، الکافي، ج4، ص563؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج14، ص360، ب16، من أبواب المزار، ح1 [19386].

هذا، القول بالتخيير في الكوفة كالمدينة و مكّة ليس ببعيد. اللّهمّ إلّا أن يقال: لا ملازمة بين كون المراد من حرم الله و حرم رسول الله(صلی الله علیه و آله) مكّة و المدينة، و بين كون حرم أمير المؤمنين(علیه السلام) و حرم مولانا الحسين(علیه السلام) الكوفة و كربلاء، فلعلّ المراد من الأوّل مسجد الكوفة، و من الثاني الحائر، و الاقتصار على الأقلّ مقتضى القاعدة، لأنّ أدلّة التخيير في المواطن الأربعة بالنسبة إلى أدلّة وجوب القصر على المسافر نسبتهما نسبة العموم و الخصوص، تخصّص أدلّة وجوب القصر على المسافر بأدلّة التخيير، و إذا كان دليل المخصّص المنفصل مجملاً مفهوماً يتمسّك به في القدر المتيقن المستفاد منه و في غيره العامّ حجّيته باقية فيه يؤخذ بأصالة العموم. و لا يقال: إنّ حرم أمير المؤمنين(علیه السلام) أيضاً قد فسّر بالكوفة برواية زياد القندي، فإنّه يقال: إنّه ضعيف مذموم جدّاً، و جعفر بن محمد بن مالك أيضاً في سنده مذموم هكذا، و الله هو العالم.

وثانيهما: المُعَنْوَن بعنوان حرم الحسين(علیه السلام) في خبر حمّاد و في خبر خادم إسماعيل (ح14)، وخبر حذيفة عمّن سمع أبا عبد الله(علیه السلام) (ح23)، و خبر أبي بصير (ح25). هذا و بقبر الحسين(علیه السلام) في خبر أبي شبل (ح12)، و زياد القندي الّذي مرّ ذكره، و مرسل ابن أبي البلاد (ح22)، و عمرو بن مرزوق (ح30)، و بالحائر في خبر الصدوق (ح26)، و مرسل حمّاد (ح29).

أقول: قال ابن إدريس: المراد بالحائر ما دار سور المشهد و المسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة. لأنّ الحائر في لسان العرب

ص: 297

الموضع المطمئنّ الّذي يحار الماء فيه. و قد ذكر ذلك شيخنا المفيد في «الإرشاد»((1)) في مقتل الحسين(علیه السلام)، لمّا ذكر من قتل معه من أهله فقال: و الحائر محيط بهم إلّا العبّاس(علیه السلام) فإنّه قتل على المُسَنَّاةِ.((2))

وفي «مجمع البحرين»: في الحديث ذكر الحائر و هو في الأصل مجمع الماء و يراد به حائر الحسين(علیه السلام)، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرّفه السلام، و منه: وقف عند باب الحَيْر، فقل. و الحَيْر بالفتح مخفّف حائر و هو الحظيرة و الموضع الّذي يتحيّر فيه الماء.((3)) و في «الجواهر» عن «الذكرى»((4)) أنّه في هذا الموضع حار الماء لمّا أمر المتوكّل بإطلاقه على قبر الحسين(علیه السلام) ليعفيه فكان لا يبلغه.((5))

وبعد ذلك كلّه الأخبار في تعيين حدود هذَين الموطنَين من الضعاف لا يصحّ الاحتجاج بما هو مدلول خاصّ لكلّ منها، إلّا أنّ المجموع في الدلالة على الإجمال على التخيير لكثرتها يكفي للاعتماد عليها فيما اتّفق الجميع عليه، و هو في الأوّل المسجد، مسجد الكوفة، و في الثاني الحائر الشريف، فهذا هو القدر المتيقّن من الروايات فلا يجوز الاكتفاء بالتمام في أكثر من ذلك كالكوفة و كربلاء المقدّسة، و الله هو العالم.

ص: 298


1- المفید، الارشاد، ج2، ص126.
2- ابن إدریس الحلّي، السرائر، ج1، ص342.
3- الطریحي، مجمع البحرین، ج1، ص604 605.
4- الشهید الأوّل، ذکری الشیعة، ج4، ص291.
5- النجفي، جواهر الکلام، ج14، ص340.

الأحوط في مسجد الكوفة الاقتصار على الأصلي

مسألة: الأحوط في مسجد الكوفه الاقتصار على الأصلي منه دون الزيادات الحادثة بعد صدور الروايات، فإنّ المتبادر من الروايات ما كان المسجد عليه حين صدورها، و أمّا الحرم الشريف الحسيني زاد الله تعالى في شرفه كلّ حين و آن ، ففي «العروة» قال: الأحوط في الحائر الاقتصار على ما حول الضريح المبارك،((1)) و في «حاشية» بعض الأساطين (إلی خمسة و عشرين ذراعاً بذراع يد من كلّ جانب على الأقوى). و لا يخفى أنّ ذلك حدود الحائر أو الحرم من الجوانب الأربعة لا حدود جواز التخيير، لعدم جواز التقدّم على قبر المعصوم. و المستند لهذا التحديد رواية إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إنّ لموضع قبر الحسين(علیه السلام) حرمة معروفة من عرفها و استجار بها اُجير». قلت: فصف لي موضعها جعلت فداك؟ قال: «إمسح من موضع قبره اليوم خمسة و عشرين ذراعاً من قدّامه و خمسة و عشرين ذراعاً من عند رأسه و خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعاً من خلفه، و موضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنّة، و منه معراج يعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء فليس ملك في السماء و لا في الأرض إلّا و هم يسألون الله في زيارة قبر الحسين(علیه السلام) فوج ينزل و فوج يعرج».((2))

وقال في «التهذيب»: و في رواية عبد الله بن سِنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال:

ص: 299


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص517.
2- الطوسي، تهذیب الأحکام، كتاب المزار، ب22، ح3 [134]، ج6، ص71 72؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج14، ص511 512؛ ب 67، من أبواب المزار، ج4 [19713].

سمعته يقول: «قبر الحسين(علیه السلام) عشرون ذراعاً مكسّراً، روضة من رياض الجنّة».((1))

قال الشيخ(قدس سره): و ليس في هذه الأخبار تناقض و لا تضادّ، و إنّما وردت على الترتيب في الفضل، و كان الخبر الأوّل غاية فيمن يحوز ثواب المشهد إذا حصل فيما بينه و بين القبر على خمسة فراسخ، ثم الّذي يزيد عليه في الفضل من حصل على فرسخ، ثم الّذي حصل على خسمة و عشرين ذراعاً، ثم من حصل على عشرين ذراعاً، إلخ.((2))

أقول: كأنّه لا نظر لهذه الروايات إلى تعيين ما هو الموضوع للتخيير إلّا أنّه يمكن أن يقال: بمناسبة الحكم و الموضوع، إنّ ما هو الموضوع للتخيير ما هو الأفضل من هذه التحديدات إلّا أن يقال: إنّ الصلاة في هذا المقدار الضيق لا يناسب الترغيب إلى الإتمام و كثرة الصلاة عنده، فالأقوى في ذلك ما يصدق عليه الصلاة عند القبر، و هو صادق على الصلاة تحت القبّة السامية، و الله هو العالم.

في ثبوت التخيير في سائر المشاهد المشرّفة

مسألة: حكي عن السيّد و ابن الجنيد ثبوت التخيير بين القصر و الإتمام في سائر المشاهد المشرّفة، و كأنّهما استفادا ذلك بتنقيح المناط القطعي و هو فضيلة المواطن الأربعة الثابتة لسائر المشاهد الشريفة، فللجميع شرافة و درجة ليست

ص: 300


1- 2. الطوسي، تهذیب الأحکام، ج6، ص72؛ كتاب المزار، ب22، ح4 [135]؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج14، ص512، ب 67، من أبواب المزار، ح6[19715].
2- 3. الطوسي، تهذیب الأحکام، ج6، ص72.

لغيرها من المقابر و المشاهد إلّا أنّ ذلك محلّ المناقشة، فإنّ شرافة هذه المشاهد الشريفة و إن كانت لا تقع محلّ الإنكار فهي أشرف الأماكن و أقدس الأراضي إلّا أنّ ملاكات الأحكام ممّا لا تناله أيادي غيرهم، فربما ذلك لخصوصيّات خاصّة، و علينا القبول و التسليم و الاقتصار على ما يستفاد من الدليل، و الله هو العالم.

ص: 301

الفصل السابع: هل يلحق الصوم بالصلاة أيضاً في الحكم في أماکن التخيير؟

اشارة

مسألة: قال في «العروة»: لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور، فلا يصحّ له الصوم فيها إلّا إذا نوى الإقامة أو بقي ثلاثين متردّداً ثلاثین یوماً.((1))

أقول: إلحاق الصوم بالصلاة هنا يتصوّر على وجهين:

أحدهما: في أصل التخيير بأن يقال: كما أنّ المسافر مخيّر في هذه المواطن الشريفة بين القصر و الإتمام في الصلاة، يكون مخيّراً في الصوم بين الصوم و قضائه في عدّة من أيّام اُخر، فيجوز له الصوم في شهر رمضان و إن بنى على قصر الصلاة في هذه المواطن، كما يجوز له الإفطار و إن بنى في صلاته على إتمام الصلاة، و هذا غير مراد لهم و لا دليل عليه أصلاً.

وثانيهما: أن يكون ذلك في طول إجراء حكم التخيير في الصلاة بقاعدة الملازمة، فبعد إجراء حكم التخيير و اختيار القصر و الإتمام يفطر إذا قصّر و يصوم إذا أتمّ.

ص: 302


1- الطباطبائي الیزدي، العروة الوثقی، ج3، ص518.

وفيه: أنّ الملازمة بين القصر و الإفطار و الإتمام و الصوم، تكون رتبة قبل ذلك، و بين الحكمين القصر و الإفطار لا بين القصر الخارجي أو الإتمام الخارجي الحاصل من إجراء هذا الحكم.

هذا مضافاً إلى إشعار، بل دلالة صحيح عثمان بن عيسى((1)) قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن إتمام الصلاة و الصيام في الحرمين؟ فقال: «أتمّها و لو صلاة واحدة»،((2)) و في لفظ آخر: «أتمّ الصلاة و لو بصلاة واحدة». على اختصاص الحكم بالصلاة دون الصيام. و الله هو العالم.

يجوز الدخول في الصلاة في المواطن الأربعة من غير نيّة القصر أو التمام

مسألة: الظاهر أنّه يجوز الدخول في الصلاة في المواطن المشرّفة من غير نيّة القصر أو التمام، فإمّا يقصّر و يأتي بالتسليم بعد التشهد الأوّل أو يتمّ و يأتي بالركعتين الأخيرتين، فالتخيير بين القصر و الإتمام ليس ابتدائيّاً، بل الظاهر أنّه لو نوى من الابتداء القصر يجوز له العدول إلى الإتمام في الأثناء، و بالعكس لو قصد الإتمام يجوز له العدول إلى القصر ما دام لم يتجاوز محلّ العدول، و ذلك لإطلاق الأدلّة، والله هو العالم.

ص: 303


1- هو من السادسة و ممّن أجمعت الصحابة... .
2- الکلیني، الکافي، ج4، ص524؛ الطوسي، الاسبتصار، ج2، ص330؛ الطوسي، تهذیب الأحکام، ج5، 425 426؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص529، ب 25، من أبواب صلاة المسافر، ح17 [11359].

فيما لو كان بعض أعضاء المصلّي في المكان و بعضها خارجاً

مسألة: إذا كان بعض أعضاء المصلّي داخلاً في المكان و بعضها خارجاً يجب عليه القصر و لا يجوز له التمام لعدم صدق الصلاة في المكان الشريف.

نعم ربما يقال بأنّه كان داخلاً في المكان إلّا أنّه يتأخّر قليلاً عن السجود يجوز له الإتمام لصدق الصلاة في المكان.

مسألة: روى الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب((1)) عن محمد بن عيسى العبيدي((2)) عن سليمان بن حفص المروزي((3)) قال: قال الفقيه العسكري(علیه السلام): «يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصّر فيها: (سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلّا الله و الله أكبر) ثلاثين مرّة لتمام الصلاة».((4))

وعن «عيون الأخبار» للصدوق((5)) عن تميم بن عبد الله بن تميم((6)) عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا(علیه السلام) أنّه صحبه في سفره فكان يقول: «بعد كلّ صلاة يقصّرها: (سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلّا

ص: 304


1- شيخ القميين... من الثامنة.
2- من الوجوه، راجع جامع الرواة من السابعة.
3- له كتاب، روي عنه الصدوق كأنّه من السادسة.
4- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص230؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص523، ب24، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11341].
5- الصدوق، عیون أخبار الرضا(علیه السلام)، ج1، ص196.
6- ضعيف.

الله و الله أكبر). و يقول: هذا إتمام الصلاة».((1))

قال شيخنا الحرّ العاملي(قدس سره): أقول: و تقدّم في التعقيب ما يدلّ على استحباب الإتيان بالتسبيحات الأربع بعد كلّ صلاة ثلاثين مرّة أو أربعين مرّة فيتأكّد الاستحباب في المقصورة، و يحتمل عدم التداخل.((2))

ص: 305


1- الطوسي، تهذیب الأحکام، ج3، ص230؛ الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص523، ب24، من أبواب صلاة المسافر، ح2 [11342].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص523.

الفصل الثامن: خاتمة: في أخبار بياض يوم و مسيرة يوم

إعلم أن کثيراً من الروايات تدلّ علی تحديد المسافة بالبريدين و ثمانية فراسخ و بياض يوم أو مسيرة يوم، و بعضها يدلّ علی التحديد بخصوص بياض اليوم، و بعضها يدلّ علی خصوص البريدين. و الظاهر من الجميع أنّ ما هو الأصل في ذلك هو التقدير بالبريدين و التعبير عنه ببياض يوم و مسيرة يوم لأنّ هذه المسافة في تلك الأزمنة تقطع في بياض يوم و مسيرة يوم.

وعلی ذلك إنّ التحديد بالتقدير و المقدار لا يقع فيه الاختلاف بخلاف التحديد بمثل بياض يوم أو مسيرة يوم لاختلاف الأيّام طولاً و سعة و لاختلاف المراکب في السير و قطع المسافات، فيحتاج إلی التحديد و المقدار دون العکس، فما فيه الاقتصار بمسيرة يوم لا يدلّ علی الموضوعيّة و التحديد التامّ، بل لأنّ السفر في مسيرة يوم يبلغ علی المتعارف بريدين، بل يزيد عنهما. و هذا يظهر بالتأمّل في روايات الباب، و لذا اتّفقت کلمات الفقهاء من المتقدّمين و المتأخّرين علی الاقتصار بالتحديد بالبريدين و ثمانية فراسخ، دون ذکر من مسيرة يوم سوی الصدوق في «المقنع»، و کلامه فيه أيضاً مشعر بأنّ التعبير عن مسيرة يوم

ص: 306

لأجل بلوغها بريدين.

وبالجملة، التحديد بمسيرة يوم أو بياض يوم لأنّها تنطبق في تلك الأزمنة علی البريدين، فهو ليس التحديد التامّ الجاري في جميع الأزمنة، دون التحديد بالبريدين فإنّه تامّ يعمّ جميع الأزمنة. و التعبير في الروايات عنه بمسيرة يوم، لأنّ المسافر يقطع البريدين في تلك الأزمنة في مسيرة يوم، و هذا هو وجه اقتصار الفقهاء رحمهم الله علی التحديد بالبريدين، و إليك کلماتهم الشريفة في ذلك.

قال الشيخ(قدس سره) في «النهاية»: التقصير واجب في السفر إذا کانت المسافة ثمانية فراسخ((1)) إلخ. و ترك ذکر بياض اليوم أو مسيرة يوم. و في

«المبسوط» قال: و حدّ المسافة الّتي يجب فيها التقصير ثمانية فراسخ، أربعة و عشرون ميلاً،((2)) إلخ. و قال في «الخلاف»: حدّ السفر الّذي يکون فيه التقصير مرحلة و هي ثمانية فراسخ،((3)) إلخ.

وفي «فقه الرضا(علیه السلام)»: «و من سافر فالتقصير عليه واجب إذا کان سفره ثمانية فراسخ»،((4)) إلخ. و قال الصدوق(قدس سره) في «المقنع»: و الحدّ الّذي يجب فيه التقصير مسيرة بريدين ذاهباً و جائياً و هو مسيرة يوم، والبريد أربع فراسخ.((5)) و قال في

ص: 307


1- الطوسي، النهایة، ص122.
2- الطوسي، المبسوط، ج1، ص141.
3- الطوسي، الخلاف، ج1، ص567 568.
4- ابن بابویه، فقه الرضا(علیه السلام)، ص159.
5- الصدوق، المقنع، ص125.

«الهداية»: الحدّ الّذي يوجب التقصير علی المسافر أن يکون سفره ثمانية فراسخ((1)) إلخ.

وقال الشريف المرتضی(قدس سره) في «جمل العلم و العمل»: و حدّ السفر الّذي يجب فيه التقصير بريدان.((2)) و قال في «الانتصار»: و ممّا انفردت الإماميّة به تحديدهم السفر الّذي يجب فيه التقصير في الصلاة ببريدين،((3)) إلخ.

وقال القاضي ابن البرّاج في «المهذّب»: و السفر الّذي يلزم فيه التقصير هو ما کان مسافته ثمانية فراسخ،((4)) إلخ.

وقال ابن حمزة في «الوسيلة»: حدّ التقصير بريدان ثمانية فراسخ، إلخ. ((5))

وقال الصهرشتي: يجب التقصير في الصلاة و الصوم في کلّ سفر بلغ ثمانية فراسخ بريدين، إلخ.

وقال الديلمي في «المراسم»: و حدّ مسافة السفر الّذي يجب فيه التقصير بريدان، ثمانية فراسخ، إلخ.

وقال ابن إدريس في «السرائر»: و حدّ السفر الّذي يجب فيه التقصير بريدان، إلخ. و بمثل ذلك تجد في کتب المحقّق و العلّامة و غيرهما ليس فيها إلّا في «المقنع»

ص: 308


1- الصدوق، الهدایة، ص142.
2- السيّد المرتضی، رسائل، ج3، ص47.
3- السیّد المرتضی، الانتصار، ص159.
4- ابن البراج الطرابلسي، المهذّب، ج1، ص106.
5- ابن حمزة الطوسي، الوسیلة، ص108.

للصدوق ذکر من مسيرة يوم.

علی هذا و قد يتوهّم أنّ المستفاد من الروايات هو عکس ما استفاد منه الأجلّة و هو أنّ ما هو الموضوع لوجوب القصر مسيرة يوم بسير عامّة الناس في كلّ زمان بحسبه، فيختلف ذلك بحسب المراكب الّتي يتعارف الركوب عليها في الأزمنة و الأعصار و إن بلغ التفاوت بينها ما بلغ كما نراه في زماننا هذا و الأزمنة الماضية، فالمسافر في تلك الأزمنة بحسب المتعارف عليه يقطع ثمانية فراسخ في يوم واحد، و في زماننا هذا يقطع مثلاً بالسيّارة أو السكك الحديديّة هذه المسافة في ساعة واحدة أو نصف ساعة لا يشغل يومه، و الاعتبار يكون بشغل اليوم. و ما في الروايات من

أنّ الاعتبار بالبريدين أو ثمانية فراسخ فهو ما شغله اليوم في زمان صدور هذه الروايات ليس حدّاً قبال بياض اليوم أو يوم واحد في جميع الأزمنة. و قد تمسّك المتوهّم بهذا التوهّم بفتاوى من أفتى من الأصحاب في المسافة التلفيقيّة باعتبار رجوعه في يومه، فإنّ هذا يدلّ على موضوعيّة شغل اليوم قبال البريدين.

وفيه: أنّ ذلك لا يكفي للقول بذلك مع دلالة الروايات الكثيرة على عدم الاعتبار بالرجوع ليومه، مضافاً إلى أنّ ذلك لا يدلّ على أزيد من اعتبار قطع الثمانية في يوم واحد، و أنّ المسافة الثمانية إذا لم تكن امتداديّة يلزم أن يكون تمامها في يوم واحد، و أيضاً تمسّك بمثل رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن التقصير؟ قال: «في بريد»، قال: قلت: بريد؟ قال: «إنّه إذا ذهب بريداً

ص: 309

و رجع بريداً فقد شغل يومه».((1)) فهذا يدلّ على أنّ ما هو الموضوع للتقصير ما يشغل يومه، و أنّ اعتبار البريد و البريدين في تلك الأزمنة لشغله يومه، فإذا لم يشغل البريدان، بل البُرُد الكثيرة يومه ليس عليه التقصير.

وفيه: أوّلاً: أنّ هذا الاستظهار معارض بروايات اُخری مثل مضمرة سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، و ذلك بريدان، و هما ثمانية فراسخ((2)). فإنّ السائل سأل عن كميّة السير الّذي يوجب القصر فاُجيب في مسيرة يوم. و فسّرها بالبريدين و ثمانية فراسخ. الظاهر منه أنّ الاعتبار بالكم دون الزمان. و مثل رواية عيص بن القاسم عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال في التقصير: «حدّه أربعة و عشرون ميلاً».((3))

وأيضاً يدلّ على أنّ المراد من بياض اليوم في الروايات البريدان و ثمانية فراسخ صحيح عبد الرحمان بن الحجّاج عن أبي عبد الله(علیه السلام) و فيه: قلت له: كم أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال: «جرت السنة ببياض يوم»، فقلت له: إنّ بياض يوم يختلف (إلی أن قال) فقال: «إنّه ليس إلى ذلك ينظر أما رأيت سير هذه الأميال بين مكّة و المدينة، ثم أومأ بيده أربعة و عشرين ميلاً يكون ثمانية فراسخ».((4)) و هذا أيضاً كالصريح في أنّه ليس الاعتبار ببياض يوم بلغ ما بلغ و لو ألف فرسخ أو

ص: 310


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص459، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح9 [11165].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص453، ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح8 [11146].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص455، ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح14[11152].
4- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص455 ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح 15 [11153].

أكثر. وما رواه محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) عن النبيّ(صلی الله علیه و آله) قال: «التقصير يجب في بريدين».((1)) و صحيح زرارة عنه(علیه السلام) قال: «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ».((2)) و تقييد مثل هذه الروايات الّتي يكون الإمام(علیه السلام) عند بيانه جالساً على كرسيّ بيان الأحكام الشرعيّة الكليّة لا موضوعات الأحكام بعيد و غريب جدّاً، فراجع الروايات.

وبالجملة، التحديد بالبريدين و ثمانية فراسخ لو لم يكن متواتراً مقطوع به لا يختلف بحسب الأزمنة و المراكب، و ليكن المراد من بياض يوم المذكور مع البریدین أيضاً ذلك فهما متقاربان في المعنى يرجع إجمال الأوّل إلى النصّ الثاني، و يشهد على ذلك ذكرهما في كثير من الروايات.

ومن الروايات أيضاً في ذلك ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن التقصير؟ فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي»، قال: «و كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا أتی ذباباً قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ».((3))

والظاهر أنّ قوله: قال إلى آخر الحديث بقيّة الحديث، و إن جعله في «الوسائل» المطبوع جديداً تحت رقم خاصّ، و أفرد الذيل عن الصدر، و على كلّ

ص: 311


1- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص455 ب1، من أبواب صلاة المسافر، ح 17 [11155].
2- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص456 ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح1 [11157].
3- الحرّ العاملي، وسائل الشیعة، ج8، ص461، ب2، من أبواب صلاة المسافر، ح 14 و 15 [11170 11171].

منهما الرواية أو الروايتان صريحتان في التحديد المطلق بالبريدين.

هذا، و يمكن أن يقال: إنّ التحديد بالبريدين تحقيقي، و ببياض يوم تقريبي أو طريقي، و الله هو العالم.

وقد فرغنا بتوفيق الله تعالی و حوله و قوّته من البحث حول صلاة

المسافر بمحضر فريق من الإخوة الأعلام و الفضلاء الکرام في اليوم الثامن من العشر الثاني من الشهر الخامس من السنة التاسعة من العشر الثالث من المأة الخامسة من الألف الثانية من الهجرة النبويّة علی مهاجرها و أهل بيته الطاهرين آلاف الصلاة و السلام و التحيّة و الإکرام.

حامداً مستغفراً منيباً سائلاً من الله غفران الذنوب و ستر العيوب و کشف الکروب، و الفوز بالجِنان و الرضوان، مصلّياً علی خاتم الأنبياء و المرسلين سيّدنا أبي القاسم محمد و آله الطاهرين، لاسيّما مولانا المهديّ المنتظر بقيّة الله في الأرضين أرواحنا و أرواح العالمين له الفداء.

والحمد لله ربّ العالمين أوّلاً و آخِراً.

وأنا العبد الجاني و الراجي من الله تعالی عفوه و مغفرته لطف الله الصافي الگلپايگاني ابن الفقيه المجاهد الآخوند ملّا محمد جواد غفر الله له و لنا و لجميع أساتذتنا، و العلماء العاملين و کافّة المؤمنين بمحمّد و آل بيته الطاهرين.

ص: 312

مصادر التحقیق

1. القرآن الکریم.

2. الأمالي، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة البعثة، 1417ق.

3. الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد، المفید، محمد بن محمد (م.1413ق.)، بیروت، دار المفید، 1414ق.

4. الاستبصار فیما اختلف من الأخبار، الطوسي، محمد بن الحسن (460ق.)، قم، مؤسّسة البعثة، 1417ق.

5. الانتصار، السیّد المرتضی، عليّ بن الحسین (م.436ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415ق.

6. آیات الأحکام، الأسترآبادي، محمد بن عليّ (م.1028ق.)، طهران، مکتبة المعراجي.

7. بدایة المجتهد ونهایة المقتصد، ابن رشد القرطبي، محمد بن أحمد (م.595ق.)، بیروت، دار الفکر، 1415ق.

8. البیان، الشهید الأوّل، محمد بن مکّي العاملي (م.786ق.)، قم، مجمع الذخائر الاسلامیة.

ص: 313

9. تذکرة الفقهاء، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، المکتبة المرتضویة.

10. تفسیر القمي، القمي، عليّ بن إبراهیم (م.320ق.)، قم، دار الکتاب، 1367ش.

11. التفسیر الوسیط للقرآن الکریم، الطنطاوي، السیّد محمد، القاهرة، دار المعارف، 1412ق.

12. تهذیب الأحکام، الطوسي، محمد بن الحسن (م460ق.)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1364ش.

13. جامع الرواة، الأردبیلي، محمد بن عليّ (م.1101ق)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1403ق.

14. جامع المقاصد في شرح القواعد، الکرکي، عليّ بن الحسین (م.940ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1408ق.

15. الجامع للشرائع، الحلّي، یحیی بن سعید (م.690ق.)، قم، مؤسّسة سیّد الشهداء(علیه السلام) ، 1405ق.

16. جواهر الکلام، النجفي، محمد حسن (م.1266ق.)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1366ش.

17. الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة، البحراني، یوسف بن أحمد (م.1186ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 314

18. الخصال، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1403ق.

19. الخلاف، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407ق.

20. الدر المنثور في التفسیر بالمأثور، السیوطي، جلال الدین ( م.911ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1404ق.

21. الدروس الشرعیة في فقه الإمامیة، الشهید الأوّل، محمد بن مکّي العاملي (م.786ق.)، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي.

22. ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، السبزواري، محمد باقر (م.1090ق.)، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، طبعة حجریة.

23. ذکری الشیعة في أحکام الشریعة، الشهید الأوّل، محمد بن مکي العاملي (م.786ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1419ق.

24. رسائل الشریف المرتضی، السیّد المرتضی، عليّ بن الحسین (م.436ق.)، قم، دار القرآن الکریم، 1405ق.

25. روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم، الآلوسي، السیّد محمود (م.1270ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1415ق.

26. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهید الثاني، زین الدین بن عليّ العاملي (م.966ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث.

ص: 315

27. الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة، الشهید الثاني، زین الدین بن عليّ العاملي (م.966ق.)، قم، مکتبة الداوري، 1410ق.

28. روضة المتقین في شرح من لا یحضره الفقیه، المجلسي، محمد تقي (م.1070ق)، قم، مؤسسة الثقافة الإسلامي کوشانپور، 1406ق.

29. ریاض المسائل، الطباطبائي، السیّد عليّ (م.1231ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412ق.

30. السرائر، ابن إدریس الحلّي، محمد بن منصور (م.598ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410ق.

31. سنن أبي داود، أبو داود السجستاني، سلیمان بن أشعث (م.275ق.)، دار الفکر، 1410ق.

32. سنن الترمذي (الجامع الصحیح)، الترمذي، محمد بن عیسی (م.279ق.)، بیروت، دار الفکر، 1403ق.

33. السنن الکبری، البیهقي، حسین بن عليّ (م.458ق.)، بیروت، دار الفکر.

34. شرائع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن (م.676ق.)، طهران، منشورات استقلال، 1409ق.

35. صلاة المسافر، الأصفهاني، محمد حسین (م.1361ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409ق.

ص: 316

36. العروة الوثقی، الطباطبائي الیزدي، السیّد محمد کاظم (م.1337ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1417ق.

37. علل الشرائع، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، النجف الأشرف، المطبعة الحیدریة، 1385ق.

38. عیون أخبار الرضا(علیه السلام)، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، بیروت، مؤسّسة الأعلمي، 1404ق.

39. غنائم الأیام في مسائل الحلال و الحرام، القمي، المیرزا أبو القاسم (م.1221ق.)، مکتب الإعلام الإسلامي.

40. غنیة النزوع إلی علمي الاُصول والفروع، ابن زهرة الحلبي، حمزة بن عليّ (م.585ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الصادق(علیه السلام) ، 1417ق.

41. فقه الرضا(علیه السلام)، ابن بابویه، عليّ (م.329ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1406ق.

42. القاموس المحیط، الفیروز آبادي، محمد بن یعقوب (م.817ق.)، بیروت، دار العلم.

43. قرب الإسناد، الحمیري القمي، عبد الله بن جعفر (م.300ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1413ق.

44. الکافي في الفقه، أبو الصلاح الحلبي، تقي الدین بن نجم الدین (م.447ق.)، الأصفهان، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین عليّ(علیه السلام) العامّة، 1403ق.

ص: 317

45. الکافي، الکلیني، محمد بن یعقوب (م.329ق.)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1363ش.

46. کتاب الصلاة، الأنصاري، مرتضی (م.1281ق.)، قم، منشورات الرسول المصطفی(صلی الله علیه و آله).

47. کتاب الصلاة، الحائري، عبد الکریم (م.1355ق.)، قم، مکتب الإعلام الإسلامي.

48. کتاب الصلاة، الخوئي، السیّد أبو القاسم (م.1413ق.)، قم، المطبعة العلمیة، 1367ش.

49. الکشّاف عن حقائق غوامض التنزیل وعیون الأقاویل في وجوه التأویل، الزمخشري، محمود بن عمر(م.538ق.)، بیروت، دار الکتاب العربي، 1407ق.

50. کامل الزیارات، ابن قولویه القمي، جعفر بن محمد (م.368ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1417ق.

51. لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مکرم (م.711ق.)، قم، نشر أدب الحوزة، 1405ق.

52. اللمعة الدمشقیة، الشهید الأوّل، محمد بن مکّي العاملي ( م.786ق.)، قم، دار الفکر، 1411ق.

53. المبسوط في فقه الإمامیة، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، المکتبة المرتضویة، 1388ق.

ص: 318

54. مجمع البحرین، الطریحي، فخر الدین (م.1085ق.)، مکتب النشر الثقافة الإسلامیة، 1408ق.

55. مجمع البیان في تفسیر القرآن، الطبرسي، فضل بن الحسن (م.548ق.)، طهران، منشورات ناصرخسرو، 1372ش.

56. المجموع شرح المهذب، النووي، محیی الدین بن شرف (م.676ق.)، دار الفکر.

57. المحاسن، البرقي، أحمد بن محمد (م.274ق.)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1370ش.

58. مختصر بصائر الدرجات، الحلّي، حسن بن سلیمان (م.قرن 9)، النجف الأشرف، المطبعة الحیدریة، 1370ق.

59. المختصر النافع في فقه الإمامیة، المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن (م.760ق.)، طهران، مؤسّسة البعثة، 1410ق.

60. مختلف الشیعة في أحکام الشریعة، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1418ق.

61. مدارك الأحکام في شرح شرائع الإسلام، العاملي، السیّد محمد بن عليّ (م.1009ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1410ق.

62. مراح لبید لکشف معنی القرآن المجید، النووي الجاوي، محمد بن عمر (م.1316ق.)، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1417ق.

63. المراسم العلویة في الأحکام النبویة، سلّار الدیلمي، حمزة بن عبد العزیز

ص: 319

(م.448ق.)، قم، المعاونة الثقافیة للمجمع العالمي لأهل البیت(علیهم السلام)، 1414ق.

64. مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، عليّ بن الحسین (م.345ق.)، بیروت، دار الأندلس.

65. مسالك الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، الشهید الثاني، زین الدین بن عليّ العاملي (م.965ق.)، قم، مؤسّسة المعارف الاسلامیة، 1413ق.

66. مسائل عليّ بن جعفر، عليّ بن جعفر (م.قرن2)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1409ق.

67. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، المحدّث النوري، میرزا حسین (م.1320ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1408ق.

68. مستمسك العروة الوثقی، الحکیم، السیّد محسن (م.1390ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1404ق.

69. مستند الشیعة في أحکام الشریعة، النراقي، أحمد بن محمد مهدي (م.1245ق.)، قم، مؤسّسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، 1415ق.

70. مصباح الفقیه، الهمداني، آقا رضا (م.1322ق.)، طهران، مکتبة الصدر، مطبعة حجریة.

71. المصباح المنیر، الفیومي، أحمد بن محمد (م.770ق.)، قم، دار الهجرة، 1405ق.

72. المعتبر في شرح المختصر، المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن (م.676ق.)، قم، مؤسّسة سیّد الشهداء(علیه السلام) ، 1364ش.

ص: 320

73. مغني المحتاج إلی معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربیني، محمد (م.977ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1377ش.

74. المغني، ابن قدامة، عبد الله بن أحمد (م.620ق.)، بیروت، دار الکتاب العربي.

75. مفاتیح الشرائع، الفیض الکاشاني، محسن بن مرتضی (م.1091ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي.

76. مفتاح الکرامة في شرح قواعد العلّامة، العاملي، السیّد محمد جواد (م.1126ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1423ق.

77. المفردات في غریب القرآن، الراغب الأصفهاني، حسین بن محمد (م.502ق.)، نشر الکتاب، 1404ق.

78. المقنعة، المفید، محمد بن محمد (م.413ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410ق.

79. من لا یحضره الفقیه، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404ق.

80. منتقی الجمان في الأحادیث الصحاح و الحسان، ابن الشهید الثاني، حسن بن زین الدین (م.1011ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406ق.

81. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول(صلی الله علیه و آله)، المجلسي، محمد باقر (م.1111ق.)، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1404ق.

ص: 321

82. ملاذ الأخیار في فهم الأخبار، المجلسي، محمد باقر (م.1111ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1406ق.

83. المقنع، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الهادي(علیه السلام)، 1415ق.

84. المهذب البارع، ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمد (م.841ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407ق.

85. المهذّب، ابن البرّاج الطرابلسي، عبد العزیز (م.481ق.)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406ق.

86. نزهة الناظر وتنبیه الخاطر، الحلواني، حسین بن محمد (م.قرن5)، قم، مدرسة الإمام المهدی(علیه السلام) ، 1408ق.

87. نهایة الأحکام في معرفة الأحکام، العلّامة الحلّي، حسن بن یوسف (م.726ق.)، قم، مؤسّسة إسماعیلیان، 1410ق.

88. النهایة في غریب الحدیث و الأثر، ابن الأثیر، مبارک بن محمد (م.606ق.)، قم، منشورات إسماعیلیان، 1364ش.

89. النهایة في مجرد الفقه والفتاوی، الطوسي، محمد بن الحسن (م.460ق.)، قم، منشورات قدس محمدي.

90. الوافي، الفیض الکاشاني، محسن بن مرتضی (م.1091ق.)، أصفهان، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علي(علیه السلام)، 1406ق.

ص: 322

91. وسائل الشیعة، الحرّ العاملي، محمد بن الحسن (م.1104ق.)، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1403ق.

92. الوسیلة إلی نیل الفضیلة، ابن حمزة الطوسي، محمد بن عليّ (م.560ق.)، قم، مکتبة المرعشي النجفي، 1408ق.

93. الهدایة، الصدوق، محمد بن عليّ (م.381ق.)، قم، مؤسّسة الإمام الهادي(علیه السلام) ، 1418ق.

ص: 323

ص: 324

الفهرس

هذا الکتاب.. 5

تمهيد 9

الاستدلال بالآية. 9

إشكال بعض الأعلام على الاستدلال بالآية. 11

جواب الإشکال. 11

الباب الأوّل: في شروط التقصير. 15

الفصل الأوّل: کلام في المسافة. 17

الشرط الأوّل: المسافة. 17

أقوال المسألة. 17

التحقيق في المسألة. 25

المسافة التلفيقية. 31

الفصل الثاني: في مقدار المسافة الشرعيّة. 34

حکم نقص المسافة. 36

الشكّ في بلوغ المسافة. 37

طرق ثبوت المسافة. 42

لزوم الفحص عند الشكّ في الموضوع. 43

تعارض البيّنتين. 44

وظيفة الشاكّ في الحکم 45

حکم القصر مع الشكّ.. 45

کشف الخلاف بعد إقامة الصلاة 46

ص: 325

تبيّن بلوغ المسافة أثناء السير. 46

صلاة الصبيّ البالغ في أثناء السفر. 47

في بلوغ المسافة بالتردّد 48

فيما لو كان للبلد طريقان. 48

في المسافة المستديرة 48

في مبدأ تقدير المسافة. 49

الفصل الثالث: الشرط الثاني: قصد المسافة. 53

لا يکفي القصد وحده 54

لا يعتبر اتصال السير. 57

قصد التابع. 58

هل يجب الاستخبار على التابع. 60

قصد التابع مع علمه بانصراف المتبوع. 61

حکم من عزم مفارقة المتبوع. 62

کشف الخلاف في اعتقاد التابع. 62

حکم التابع المجبور. 63

في تحقيق المسألة. 67

الفصل الرابع: الشرط الثالث: استمرار قصد المسافة. 69

کفاية استمرار قصد نوع المسافة. 70

بيان بعض الأعلام و ردّه 72

لو تردّد في الأثناء. 74

حکم من صلّى قصراً ثم عدل. 76

بيان الشيخ الحائري(قدس سره) و الردّ عليه. 80

الفصل الخامس: الشرط الرابع: عدم قصد الإقامة في محلٍّ. 84

قاصد الإقامة في أثناء السفر. 85

ص: 326

الفصل السادس: الشرط الخامس: أن يکون السفر سائغاً 87

لا فرق بين معصية نفس السفر و غايته. 88

اتّفاق المعصية في السفر. 89

إذا كان السفر مستلزماً لترك واجب.. 89

السفر بالدابّة المغصوبة. 90

حکم التابع للجائر. 93

حکم السفر للصيد 94

سفر الصيد للتجارة 99

عدم الفرق بين أقسام الصيد من البرّ و البحر. 106

لا فرق في الصيد بين كونه دائراً حول المدينه أو تباعد عنها 107

في الراجع من سفر المعصية. 109

إباحة السفر و السير بقدر المسافة شرط في وجوب التقصير. 109

في قصد المعصية في أثناء السفر و عودها إلى الطاعة. 110

في كون غاية السفر ملفّقة من الطاعة و المعصية. 110

إذا شكّ في كون السفر معصية بالشبهة الحكمية. 111

ما هو مدار الحلّية و الحرمة بالنسبة إلى السفر؟. 111

نقل بيان بعض المعاصرين في المقام و الجواب عنه. 113

في بيان ما قاله في «العروة». 115

في عروض قصد المعصية في أثناء السفر. 116

في عروض قصد المعصية بعد الوصول إلى المقصد 116

في عدول المسافر عن قصد المعصية إلى قصد الطاعة. 117

الفصل السابع: ومنها: أن لا يكون ممّن بيته معه وممّن اتّخذ السفر عملاً.. 120

بيان الروايات في المسألة. 122

نقل بيان صاحب العروة للمسألة. 129

التحقيق في المراد من الأحاديث.. 131

ص: 327

العرف هو المعيار في صدق السفر عملاً.. 133

الّذي شغله المكاراة مثلاً في خصوص فصل من الفصول. 135

يعتبر في استمرار من شغله المكاراة أنْ لا يقيم في بلده 135

التحقيق في المسألة. 137

لا شبهة في اعتبار النيّة في الإقامة. 138

بعد إقامة العشرة في بلده مطلقاً و في غير بلده مع النّيّة هل يجب التمام في السفرة الأُولى أو الثانية؟ 140

في البحث عن صحيح عبد الله بن سِنان. 143

حكم السفر الشغلي للمكاري و غيره 144

حكم السفر في غير العمل الّذي هو شغله الخاصّ لمن كان السفر عملاً له. 145

في نقل بيان الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره) و التحقيق فيه. 146

في حكم من لم يتّخذ وطناً أو أعرض عنه و اتّخذ السياحة في الأرض.... 151

بيان للشيخ الحائري(قدس سره) في المسألة. 156

والتحقيق في ما أفاده الشيخ الحائري(قدس سره). 157

في حكم محلّ الترخّص في عوده من السفر. 158

بيان بعض الأعلام و التحقيق في المسألة. 161

هل يكفي في عدم سماع الأذان كونه متميّزاً من غيره 162

هل يعمّ اعتبار حدّ الترخّص بالنسبة إلى محلّ الإقامة أو محلّ ثلاثين يوماً 163

بيان الشيخ الحائري(قدس سره) في المسألة. 169

في مسألة الشكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص.... 171

دفع توهّم في المسألة. 174

في حكم من شرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنيّة التمام ثم في الأثناء و صل إليه. 174

تحقيق في بيان سيّدنا الاُستاذ البروجردي.. 176

في حكم من سافر من وطنه و جاز حدّ الترخّص ثم وصل إلى ما دونه في أثناء الطريق 178

الباب الثاني الکلام: في قواطع السفر موضوعاً أو حکماً 181

الفصل الأوّل: منها: عدم المرور على الوطن. 183

ص: 328

تحقيق في ما قاله الشيخ في الوطن الشرعي. 185

هل يجوز للشخص أن يتّخذ الأزيد من وطن واحد 192

تبعية الولد للوالد في الوطن. 192

حكم التردّد في البقاء و تركه في الوطن الأصلي. 194

اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن. 194

ما هو تحقيق في المسألة. 197

الفصل الثاني: منها: عدم العزم على إقامة عشرة أيّام في مكان. 198

يجب على المقيم إتمام الصلاة إلى أن ينشئ سفراً جديداً 203

هل يضرّ قصد الخروج و لو ساعة واحدة في نيّة الإقامة؟. 207

هل تشمل الأخبار الإقامة الّتي کانت موقوفة على أمر مشكوك الحصول؟. 209

كفاية قصد المقام إلى آخر الشهر إذا كان عشرة و لم يكن عالماً به. 211

من عزم على إقامة العشرة وصلّى رباعيّة يتمّ 211

والمراد من الصلاة واحدة في الصحيح هي الصلاة الفريضة الرباعية. 213

بيان من الشيخ المؤسس الحائري(قدس سره) في المسألة. 216

فيمن فاتته الرباعية بعد قصد الإقامة حتى خرج الوقت.. 217

تتحقّق الإقامة و إنْ كانت للمرأة تمامها أيّام عادتها 220

في حكم السفر إلى ما دون المسافة بعد تحقّق الإقامة حكماً أو تحقيقاً 221

حكم مَن عزم الخروج من محلّ الإقامة إلى ما دون المسافة حين نيّة الإقامة. 223

إذا بدا للمقيم السفر ثم بدا له العود إلى محلّ الإقامة. 224

من دخل في الصلاة بنيّة القصر ثم بدا له الإقامة. 227

من دخل في الصلاة ناوياً للإقامة و عدل عنها في أثنائها 229

لا فرق في حكم انقلاب حكم المسافر من القصر إلى الإتمام بين كون إقامته محرّمة أو محلّلة 230

الکلام في جواز نيّة الإقامة للمسافر الّذي عليه الظهران و لم يبق من وقتهما إلّا أربع ركعات.. 232

من عدل عن الإقامة و شكّ في أنّه صلّی قبل العدول أم لا و هو في الوقت.. 233

مَن صَلَّی تماماً ثم عدل ثم ظهر بطلان صلاته. 237

ص: 329

مَن نَوى الإقامة و عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة الرباعيّة. 237

إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الأوّل الواجب يكفيه البقاء على التمام 238

مَنْ اعتقدَ أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثم تبيّن أنّهم لم يقصدوا 240

الفصل الثالث: منها: عدم بقاء المسافر في مكان ثلاثين يوماً متردّداً 242

أنحاء البقاء في مكان ثلاثين يوماً 244

يجب التمام على من بقي ثلاثين يوماً متردّداً إلّا أن ينشئ السفر الجديد 245

تحقيق في استدلال «الجواهر» في المسألة. 246

يعتبر في إنقلاب حكم المسافر إلى التمام بتوقّف ثلاثين يوماً في مكان اُمور. 248

هل يعتبر البلوغ لمن كان في مكان ثلاثين يوماً متردّداً؟. 248

هل يعتبر في قاطعيّة إقامة الثلاثين كونه متردّداً تمام المدّة؟. 249

الباب الثالث: أحكام صلاة المسافر. 251

الفصل الأوّل: المستفاد من الكتاب و السنة سقوط ركعتين من الرباعيّة و الکلام في النوافل. 253

القول في سقوط النافلة في السفر. 253

تحقيق في الرواية. 255

جواز الإتيان بنافلة الظهر في السفر إذا أراد المسافر الإتيان بالفريضة تامّة إذا دخل وطنه. 256

بيان من بعض المعاصرين و الإشكال فيه. 257

هل الاعتبار في إتيان الصلاة بوقت الوجوب أو الأداء؟. 258

بيان الأقوال في المسألة. 263

إذا دخل المسافر منزله و الوقت باقٍ فهل يتعيّن عليه التمام أو القصر. 265

عدم إجزاء إتمام الصلاة في موضع القصر و التحقيق فيه. 266

بيان الصور المستفادة من الأخبار. 266

حكم الصوم فيما ذكر حکم الصلاة 270

والتحقيق في أخبار المسألة. 272

الفصل الثاني: حكم التقصير في موضع التمام البطلان. 274

التحقيق في الروايات.. 277

ص: 330

الجاهل بالحكم إذا لم يصلِّ في السفر في الوقت يجب عليه القضاء قصراً 278

الناسي للسفر إذا دخل في الصلاة و في أثنائها تذّکر. 280

لو قصّر المسافر اتّفاقاً لا عن قصد، و بيان صور المسألة. 280

الفصل الثالث: هل الاعتبار في القضاء بحال الوجوب أو الفوات؟. 282

في نقل بيان المحقّق الهمداني في المسألة. 284

في بيان الشيخ المؤسّس الحائري(قدس سره). 286

الفصل الرابع: صلاة المسافر في الأماكن الأربعة و بيان الأقوال فيه. 288

في صلاة المسافر في المواطن الأربعة. 288

الفصل الخامس: الكلام في حدود الأماكن الأربعة. 292

الفصل السادس: المقام الثاني في الكوفة و الحرم الحسيني(علیه السلام). 295

الأحوط في مسجد الكوفة الاقتصار على الأصلي. 299

في ثبوت التخيير في سائر المشاهد المشرّفة. 300

الفصل السابع: هل يلحق الصوم بالصلاة أيضاً في الحكم في أماکن التخيير؟. 302

يجوز الدخول في الصلاة في المواطن الأربعة من غير نيّة القصر أو التمام 303

فيما لو كان بعض أعضاء المصلّي في المكان و بعضها خارجاً 304

الفصل الثامن: خاتمة: في أخبار بياض يوم و مسيرة يوم 306

مصادر التحقیق.. 313

الفهرس... 325

آثار سماحة آیة الله العظمی الصافي الگلپایگاني مدّظلّه الوارف.. 333

ص: 331

ص: 332

آثار سماحة آية الله العظمى الصافي الگلپايگاني مدّ ظلّه الوارف

الصورة

ص: 333

الصورة

ص: 334

الصورة

ص: 335

الصورة

ص: 336

الصورة

ص: 337

الصورة

ص: 338

الصورة

ص: 339

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.