کتاب القضاء و الشهادات

اشارة

سرشناسه:شفتی بیدآبادی ، محمد باقر بن محمد نقی

عنوان و نام پديدآور:کتاب القضاء و الشهادات / نویسنده سید محمد باقر شفتی / تحقيق السيّد مهدي الشفتيّ

وضعیت استنساخ:شفتی بیدآبادی ، محمد باقر بن محمد نقی

مشخصات ظاهري:2ج

موضوع :فقه

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

1 - لمحةٌ من حياة المؤلّف (قدس سره)

اشارة

1 - لمحةٌ من حياة المؤلّف (قدس سره)(1)

اسمه و نسبه

هو السيّد محمّد باقر بن السيّد محمّد نقي ( بالنون ) الموسويّ النسب، الشفتي الرشتيّ الجيلانيّ الأصل واللقب، الغرويّ الحائريّ الكاظميّ العلم والأدب، العراقي، الأصفهاني البيدآبادي المنشأ والموطن والمدفن والمآب، الشهير في الآفاق بحجّة الإسلام على الإطلاق، من فحول علماء الإمامية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ومن كبار زعماء الدين وأعلام الطائفة .

ص: 5


1- لاحظ ترجمته في : بيان المفاخر : المجلّد الأوّل والثاني ؛ روضات الجنّات : 2 / 100 ؛ الفوائد الرضويّة :2/426 ؛ تاريخ اصفهان : 97 ؛ طبقات أعلام الشيعة (ق13) : 2 / 193 ؛ قصص العلماء : 135؛ الروضةالبهيّة في الطرق الشفيعيّة : 19 ؛ مستدرک الوسائل : 3 / 399 ؛ أعيان الشيعة : 9 / 188 ؛ ريحانة الأدب:1/312 ؛ الكنى والألقاب: 2 / 155 ؛ لباب الألقاب: 70 ؛ الكرام البررة : 1 / 192 ؛ معارف الرجال :2/196 ؛ مكارم الآثار: 5 / 1614 ؛ نجوم السماء: 63 ؛ بغية الراغبين (المطبوع ضمن موسوعة الإمام شرفالدين): 7 / 2949 ؛ تكملة أمل الآمل : 5 / 238 ؛ موسوعة طبقات الفقهاء : 13 / 533 ؛ دانشمندانوبزرگان اصفهان: 1 / 373؛ تذكرة القبور: 149 ؛ رجال ومشاهير اصفهان: 255 ؛ وفيات العلماء: 162 ؛غرقاب: 210 ؛ بغية الطالب: 171 ؛ هدية الأحباب: 140 ؛ مزارات اصفهان: 163 ؛ تذكرة العلماء: 213؛أعلام اصفهان: 2 /141.

وأمّا نسبه الشريف هكذا :

محمّد باقر بن محمّد نقي بن محمّد زكي بن محمّد تقي بن شاه قاسم بن مير أشرف بن شاه قاسم بن شاه هدايت بن الأمير هاشم بن السلطان السيّد عليّ قاضي بن السيّد عليّ بن السيّد محمّد بن السيّد علي بن السيّد محمّد بن السيّد موسى بن السيّد جعفر بن السيّد إسماعيل بن السيّد أحمد بن السيّد محمّد بن السيّد أحمد بن السيّد محمّد بن السيّد أبي القاسم بن السيّد حمزة بن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)(1) .

ولادته و نشأته

ولد على أصحّ القولين في سنة 1180 أو 1181 ه (2) في قرية من قرى : «طارم العُليا»، وانتقل إلى شفت و هو ابن سبع سنين (3) .

ثمّ هاجر إلى العراق لطلب العلوم الدينيّة والكمالات النفسانيّة في حدود سنة 1197 ه أو قريبًا من ذلک، و هو ابن ستّ أو سبع عشرة سنة (4) ، فحضر في أوّل أمره على الأستاذ الأكبر الآقا محمّد باقر الوحيد البهبهاني (قدس سره) في كربلاء (5) ، ثمّ

ص: 6


1- . هكذا ذكره صاحب الترجمة في ديباجة كتابه « مطالع الأنوار : 1 / 1 ».
2- . روضات الجنّات : 2 / 102 ؛ تاريخ اصفهان : 97 .
3- . بيان المفاخر : 1 / 24 و 25 .
4- . روضات الجنّات : 2 / 102 .
5- . صرّح بذلک صاحب الترجمة (قدس سره) في بعض إجازاته، حيث قال : ... عن المولى الساطع ... الّذي فزنابالاستفادة من جنابه في أوائل التحصيل في علم الأصول، و قرأنا عليه من مصنّفاته ما هو مشهور بالفوائدالعتيق ... مولانا آقا محمّد باقر البهبهاني ( كتاب الإجازات : مخطوط ).

على أستاذه العلّامة المير سيّد عليّ الطباطبائيّ (قدس سره) صاحب الرياض .

ثمّ رحل إلى النجف الأشرف و أقام فيها سبع سنين، و حضر فيها على العلّامة الطباطبائيّ بحر العلوم (قدس سره)، والشيخ الأكبر صاحب كشف الغطاء.(رحمه الله)

ثمّ سافر إلى الكاظميّة، فحضر فيها على السيّد المحقّق المُحسن البغداديّ المقدّس الأعرجي ؛ قليلاً، فقد قرأ عليه القضاء والشهادات، وأقام عنده مدّة من الزمان .

ولمّا حلّت سنة 1205 ه و قد تمّ بها على المترجم في العراق ثمان سنين بلغ فيها درجة سامية و مكانة عالية، رجع إلى ديار العجم (1) و توطّن في أصفهان (2)

مع الحاجّ محمّد ابراهيم الكلباسي (قدس سره)، وكانا صديقين رفيقين شفيقين .

ثمّ اتّفق له في سنة 1215 ه الارتحال من أصفهان إلى قم أيّام زعامة المحقّق القمّي ؛، فحضر مجلسه بما ينيف على ستّة أشهر (3) ، وكان يقول : « أرى لنفسي

الترقّي الكامل في هذه المدّة القليلة بقدر تمام ما حصل لي في مدّة مقامي

ص: 7


1- . كما نصّ عليه نفسه(قدس سره) في حواشي بعض إجازاته، قال : قد حُرِمنا من شرافة مجاورة العتبات العاليات على مشرفها آلاف التحيّة و الصلوات - و انتقلنا منها إلى ديار العجم في سنة خمس ومائتين بعد الألف،وكان مولانا مولى الكلّ آقا محمّد باقر البهبهاني في الحيات، ثمّ انتقل إلى الفردوس الأعلى في سنة ستّومائتين بعد الألف قدّس الله تعالى روحه السعيد ( كتاب الإجازات : مخطوط ).
2- . قال المترجم له (قدس سره) في حاشية بعض إجازاته ما هذا كلامه : انتقل المرحوم المغفور مير عبدالباقي إلى دارالآخرة - قدّس الله تعالى روحه - في أوائل ورودي في اصبهان في سنة سبع و مائتين بعد الألف من الهجرة(كتاب الإجازات : مخطوط ).
3- . قال سيّدنا المترجم(رحمه الله) في حاشية كتابه « مطالع الأنوار : ج 1 » : « إعلم انّه اتّفق لي في سنة مائتين وخمس عشر بعد الألف الارتحال من اصبهان إلى بلدة قم، ومكثت فيها أربعة أشهر أو أكثر، وكنت مشتغلاًبكتابة هذا المجلّد من الشرح، إلخ».

بالعتبات العاليات » (1) ؛ فكتب له الميرزا (قدس سره) إجازة مبسوطة مضبوطة كان يغتنم بها من ذلک السفر المبارک .

ثمّ سافر بعدها إلى كاشان، فحضر على المولى محمّد مهدي النراقي(رحمه الله) ، وتلمّذ عليه مدّة قليلة (2) .

نقل من بعض المشايخ أنّه بعد وروده إلى أصفهان ليس له شيء من الكتب إلّا مجلّدًا واحدًا من المدارک، و كان مجرّدًا من الأموال، قليل البضاعة، بل عديمها، إلّا منديلاً لمحلّ الخبز، ويسمّى بالفارسية : سفره (3) .

و سكن في مدرسة السلطان - المفتوح بابه إلى چهارباغ العبّاسي - المعروفة في اصفهان بمدرسة چهارباغ، واجتمع الطلّاب والمشتغلون عنده للتحصيل والتعليم، و أخرجه المدرّس من المدرسة و لم يتعرّض له و لم يعارضه، فإذا اطّلع على انّه أمر بالخروج، خرج من غير إظهار للكراهة (4) .

فبعد قليل من الزمان إجتمع عليه أهل العلم والمحصّلون، وانتقلت إليه رياسة الإماميّة في أغلب الأقطار بعد ذهاب المشايخ - رحمهم الله - فصار مرجعًا للفتوى، و أقبلت له الدنيا بحيث انتهت إليه الرياسة الدينيّة والدنيويّة، وملكت أموالاً كثيرة من النقود والعروض والعقار والقرى والدور الكثيرة في محلّة بيدآباد، و كان له أموال كثيرة في التجارة إلى بلدة رشت يدور من اصفهان إلى

ص: 8


1- . انظر روضات الجنّات : 2 / 100 .
2- . الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 19 .
3- . الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 19 .
4- . انظر طرائف المقال : 2 / 377 .

رشت، و يربح كثيرًا .

و كان الباعث على ترويج أمره في أصفهان و في غيره من البلاد، العالم الربّاني والمحقّق الصمداني ميرزا أبوالقاسم الجيلاني القمّي (قدس سره)، المقبول قوله عند العوام والخواص، و عند السلطان والرعيّة .

و أيضًا يقدّمه العالم الزعيم الحاج محمّد إبراهيم الكرباسي(رحمه الله) في المشي والحكم و غيرهما، فكلّ هذه الأمور كانت ترفع شأنه، إلّا انّ يده - تعالى - فوق الأيدي، ترفع و تضع طبق المصالح الربّانيّة (1) .

وكانت بينه و بين الحاج محمّد إبراهيم المذكور صلة متينة و صداقة تامّة من بدء أمرهما، فقد كانا زميلين كريمين في النجف، تجمع بينهما معاهد العلم، وشاء الله أن تنمو هذه المودّة شيئًا فشيئًا، و يبلغ كلّ منهما في الزعامة مبلغًا لم يكن يحدث له في البال، وأن يسكنا معًا بلدة أصفهان، ويتزعّما بها في وقت واحد، ولم تكن الرياسة لتكدّر صفو ذلک الودّ الخالص، أو تؤثّر مثقال ذرّة، فكلّما زادت سطوة أحدهما زاد اتّصالاً و رغبة بصاحبه، فاعتبروا يا أولى الأبصار .

و حجّ بيت الله الحرام في سنة 1231 ه (2) من طريق البحر، و كان ذلک أيّام محمّد عليّ باشا المصريّ، و كانت له زيارة خاصّة له، فأخذ منه « فدک » وكفّل بها سادات المدينة (3) ؛ و كذلک حدّد المطاف على مذهب الشيعة للمسلمين في مكّة

ص: 9


1- . الكرام البررة : 1 / 194 .
2- . صرّح بذلک نفسه(قدس سره) في مناسكه ( مناسک الحجّ : مخطوط ).
3- . قصص العلماء : 145 ؛ وقد أشار بذلک الميرزا حبيب الله نيّر(رحمه الله) ضمن مرثيته للمترجم(قدس سره) (معادن الجواهر: 1 / 23 ) بقوله :ميراث أولاد الزهراء استرد لهممن غاصبي فدک في طوفه الحرما

المكرّمة (1) .

و في سنة 1243 (2) أخذ في بناء المسجد الأعظم باصبهان (3) وأنفق عليه ما يقرب من مائة ألف دينار شرعيّ تقريبًا من أمواله الخالصة، ومال بقبلته إلى يمين قبلة سائر المساجد يسيرًا، و جعل له مدارس و حجرات للطلبة، و أسّس أساسًا لم يعهد مثله من أحد العلماء والمجتهدين، و بنى فيه قبّة لمدفن نفسه، و هي الآن بمنزلة مشهد من مشاهد الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)مطاف للخلايق في خمسة أوقات الصلوات .

إطراء العلماء له
1- الفقيه المحقّق ميرزا أبوالقاسم القمّي (قدس سره)

هو من أساتذته و مشايخه، قال في إجازته الكبيرة له :

«... فقد استجازني الولد الأعزّ الأمجد، والخل الأسعد الأرشد العالم العامل الزكي الذكي، والفاضل الكامل الألمعيّ اللوذعيّ، بل المحقّق

ص: 10


1- . تاريخ اصفهان : 97 .
2- . صرّح بهذا التاريخ معاصره الأديب الفاضل الميرزا محمّد عليّ الطباطبائي الزوّاري، المتخلّص بوفا(المتوفّى سنة 1248 ه ) في تذكرته الموسومة بالمآثر الباقريّة : ص 232، الّتي جمع فيها بعض من القصائدوالمقطّعات الّتي أنشدها الشعراء في مدح حجّة الإسلام(قدس سره) ووصف مسجده الأعظم .
3- . أنشأه في محلّة «بيدآباد»، وهي من محلّات أصفهان العظيمة .

المدقّق التقي النقي، ابن المرحوم المبرور السيّد محمّد نقي، محمّد باقر الموسويّ الجيلانيّ، أسبل الله عليه نواله، و كثّر في الفرقة الناجية أمثاله »(1) .

2 - الحكيم المولى عليّ النوريّ (قدس سره)

هو من أساتذته، قد أطرى عليه بقوله :

« علّامة العهد، فقيه العصر، حجّة الطائفة المحقّة، قبلة الكرام البررة، الفريد الدهريّ، والوحيد العصريّ، مطاع، واجب الإتّباع، معظّم، مجموعة المناقب والمفاخر، آقا سيّد محمّد باقر، دامت بركات فضائله الإنسيّة و شمائله القدسيّة » (2) .

زهده و عبادته

قال المحدّث القمّي(رحمه الله) في الفوائد الرضويّة، نقلاً عن صاحب التكملة :

« حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر كان عالمًا ربّانيًّا روحانيًّا ممّن عرف حلال آل محمّد (عليهم السلام)و حرامهم، و شيّد أحكامهم، و خالف هواه، واتّبع أمر مولاه، كان دائم المراقبة لربّه، لا يشغله شيء عن الحضور والمراقبة. و قال : حدّثني والدي(رحمه الله) انّ آماق عين السيّد كانت مجروحة من كثرة بكائه في تهجّده .

ص: 11


1- . بيان المفاخر : 2 / 7 .
2- . رسالة في أحكام القناة للمترجم له : مخطوط .

و حدّثني بعض خواصّه، قال: خرجت معه إلى بعض قراه، فبتنا في الطريق، فقال لي: ألا تنام؟! فأخذت مضجعي فظنّ أني نمت، فقام يصلّي، فوالله إنّي رأيت فرائصه وأعضائه يرتعد بحيث كان يكرّر الكلمة مرارًا من شدّة حركة فكّيه وأعضائه، حتّى ينطق بها صحيحة » (1) .

إقامته الحدود الشرعيّة

يعتقد السيّد حجّة الإسلام أنّ إقامة الحدود واجبة على الفقيه الجامع لشرائط الفتوى في عصر الغيبة عند التمكّن من الإقامة والأمن من مضرّة أهل الفساد، وألّف (قدس سره) في إثبات هذا الاعتقاد رسالة ؛ و بهذا كان يقيم الحدود الشرعيّة ويجريها بيده أو يد من يأمره بلا خشية و لا خوف .

قال صاحب الروضات(رحمه الله) :

يقدم إلى إجرائه بالمباشرة أو الأمر بحيث بلغ عدد من قتله(رحمه الله) في سبيل ربّه - تبارک و تعالى - من الجناة والجفاة أو الزناة أو المحاربين اللاطين زمن رئاسته ثمانين أو تسعين، و قيل : مائة و عشرين (2) .

أساتذته و مشايخ روايته

1 - الأستاذ الأكبر الآقا محمّد باقر الوحيد البهبهاني (قدس سره) ( المتوفّى 1206 ق )

ص: 12


1- . الفوائد الرضويّة : 2 / 429 .
2- . روضات الجنّات : 2 / 101 .

2 - الميرزا محمّد مهدي الموسويّ الشهرستانيّ (قدس سره) ( المتوفّى سنة 1216 ق )

3 - الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره) ( المتوفّى سنة 1227 ق )

4 - الشيخ سليمان بن معتوق العامليّ (قدس سره) ( المتوفّى سنة 1227 ق )

5 - السيّد محسن الأعرجيّ البغداديّ (قدس سره) ( المتوفّى سنة 1227 ق )

6 - الأمير السيّد عليّ الطباطبائي الحائريّ (قدس سره) ( المتوفّى سنة 1231 ق )

7 - الميرزا أبوالقاسم الجيلاني القمّي (قدس سره) ( المتوفّى سنة 1231 ق )

أولاده

له (قدس سره) أولاد متعدّدون، كلّهم علماء أجلّاء، و سادة فضلاء، إنتهت إليهم الرياسة الدينيّة والعلميّة بعد أبيهم في أصفهان، و هم:

1 - السيّد أسد الله ( 1228 - 1290 ق ) (1)

ص: 13


1- . ترجمته في : روضات الجنّات : 2 / 103 ( ذيل ترجمة أبيه ) ؛ أعيان الشيعة : 11 / 109 ؛ بيان المفاخر :2/ 245 - 351 ؛ الكنى والألقاب : 2 / 156 ؛ الفوائد الرضويّة : 1 / 42 ؛ أحسن الوديعة : 1 / 78 ؛ المآثروالآثار : 138 ؛ الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 22 ؛ ماضي النجف وحاضرها : 1 / 133 ؛ معارف الرجال: 1 / 94 ؛ مكارم الآثار: 3 / 836؛ لباب الألقاب: 71؛ ريحانة الأدب: 2 / 26؛ قصص العلماء: 122؛الكرام البررة: 1/124؛ نجوم السماء: 332 ؛ بغية الراغبين ( المطبوع ضمن موسوعة الإمام شرف الدين ) :7/ 2950 ؛ تكملة أمل الآمل : 2 / 165 ؛ مرآة الشرق : 1 / 146 ؛ رجال ومشاهير اصفهان : 153 ؛ تاريخاصفهان و رى : 262؛ تاريخ اصفهان : 305 ؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان : 1 / 253 ؛ أعلام اصفهان :1/519 ؛ منتخب التواريخ: 718 ؛ ناسخ التواريخ : (تاريخ قاجار) 3 / 103 ؛ علماى معاصرين: 331 ؛روضة الصفا: 10 / 458.

قال الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين في ترجمة والده(قدس سره) ما هذا كلامه :

« و خَلَفَه ولده الأبرّ الأغرّ، الفقيه الأصولي، المحقّق البحّاثة، العلّامة السيّد أسد الله . كان(رحمه الله) على شاكلة أبيه في العلم والعمل والجهاد لنفسه والمراقبة عليها آناء الليل، و أطراف النهار . و قد انتهت إليه رئاسة الدين في ايران، وانقادت لأمره عامّة الناس وخاصّتها حتّى السلطان ناصرالدين شاه ... »(1) .

2 - السيّد محمّد مهديّ (2)

3 - السيّد محمّد عليّ ( حدود 1227 - 1282 ه ) (3)

4 - السيّد مؤمن ( 1294 ه ) (4)

5 - السيّد محمّد جعفر ( المتوفّى عاشوراء 1320 ه ) (5)

6 - السيّد زين العابدين ( المتوفّى قبل 1290 ه ) (6)

ص: 14


1- . بغية الراغبين ( المطبوع ضمن موسوعة الإمام شرف الدين ): 7 / 2950 .
2- . ترجمته في : رجال اصفهان : 146 ؛ تذكرة القبور : 81 ؛ بيان المفاخر : 2 / 161 ؛ دانشمندان وبزرگاناصفهان: 1 / 381 .
3- . ترجمته في : غرقاب : ص 222 ؛ الكرام البررة (القسم الثالث): 119 ؛ تذكرة القبور : 81 ؛ بيان المفاخر :2/ 159 و 160 ؛ مكارم الآثار : 7 / 2490 - 2487 ؛ بزرگان ودانشمندان اصفهان : 1 / 379.
4- . ترجمته في تذكرة القبور : 81 ؛ بيان المفاخر : 2 / 160 ؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان: 1 / 380 ؛ رجالاصفهان : 147 ؛ تكملة أمل الآمل : 6 / 96 ؛ المآثر والآثار : 184 ؛ تكملة نجوم السماء : 1 / 400.
5- . ترجمته في: بيان المفاخر: 2 / 155 - 157؛ نقباء البشر: 1/279؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان: 1/ 377تاريخ اصفهان : 324 ؛ المآثر والآثار : 1 / 249 ؛ معجم رجال الفكر والأدب : 1 / 398 ؛ اعلام اصفهان :2/ 288.
6- . ترجمته في : بيان المفاخر : 2 / 157 و 158 ؛ الكرام البررة : 2 / 589 ؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان :1/378 ؛ تكملة نجوم السماء : 1 / 368 ؛ المآثر والآثار : 1 / 221 ؛ تذكرة القبور : 146 ؛ اعلام اصفهان :3/ 261 .

7 - السيّد أبو القاسم ( المتوفّى 1262 ه ) (1)

8 - السيّد هاشم ( المتوفّى قبل 1293 ه ) (2)

تآليفه القيّمة

له مؤلّفات كثيرة، و رسائل متعدّدة، كلّها تفصح عن تضلّعه في شتّى العلوم المختلفة خصوصًا الفقه والرجال، و تظهر منها جامعيّته من المعقول والمنقول، وإليک أسماء بعضها :

الكتب و الرسائل الفقهيّة

1- مطالع الأنوار المقتبسة من آثار الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)( شرح شرائع الإسلام )

2- تحفة الأبرار الملتقط من آثار الأئمّة الأطهار لتنوير قلوب الأخيار

3- المصباح الشارقة في الصلاة

4- السؤال و الجواب

5- كتاب القضاء و الشهادات

ص: 15


1- . ترجمته في : دانشمندان وبزرگان اصفهان : 1 / 376 ؛ الكرام البررة : 1 / 51 ؛ بيان المفاخر : 2 / 154؛مكارم الآثار : 5 / 1619 .
2- . ترجمته في : بيان المفاخر : 2 / 162 ؛ آثار ملّى اصفهان : 193 .

6- مناسک الحجّ

7- رسالة في آداب صلاة الليل و فضلها

8- رسالة في إبراء الوليّ مدّة المتعة عن المولى عليه

9- رسالة في حرمة محارم الموطوء على الواطي

10- رسالة في الردّ على رسالة تعيين السلام الأخير في النوافل

11- رسالة في الردّ على ردّ المولى الإيجهي(رحمه الله)

12- إقامة الحدود في زمن الغيبة

13- رسالة في أنّ يد الواقف كاف في القبض لو كان هو المتولّي

14- رسالة في مسألة الغُسالة

15- رسالة في تطهير العجين بالماء النجس بتخبيزه و عدمه

16- رسالة في أنّ اللبن المضروب بماءٍ نجسٍ هل يطهّر بطبخه آجرًا أو خزفًا أم لا؟

17- رسالة في الأراضي الخراجيّة

18- رسالة في أحكام الشکّ والسهو في الصلاة

19- رسالة في طهارة عرق الجنب من الحرام

20- رسالة في صلاة الجمعة

21- رسالة في العقد على أخت الزوجة المطلّقة

22- رسالة في حكم صلح حقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ

23- رسالة في جواز الإتّكال بقول النساء في انتفاء موانع النكاح فيها

ص: 16

24- رسالة في حكم الصلاة في جلد الميتة المدبوغ

25- رسالة في ثبوت الزنا واللواط بالإقرار

26- رسالة في شرح جواب المحقّق القمّي(رحمه الله)

27- رسالة في أحكام القناة

28- رسالة في ولاية الحاكم على البالغة غير الرشيدة

29- رسالة في حكم الصلاة عن الميّت

30- رسالة في تحديد آية الكرسي

31- رسالة في كيفيّة زيارة عاشوراء

32- رسالة في حكم أكل التربة الحسينيّة و تعيين الحائر

33- رسالة في صيغ النكاح

34- رسالة في العصير العنبيّ والزبيبيّ والتمريّ

35- رسالة في نجاسة المخالفين و عدمه

36- رسالة في انّه هل يجوز نيّة الوجوب في الوضوء قبل دخول الوقت مع اشتغال الذمّة بالقضاء و عدم ارادة الإتيان بها بذلک الوضوء، أم لا ؟

37- رسالة في تعريف البيع وأقسامه و شروطه

38- رسالة في توكيل الصبيّ المميّز

39- رسالة في أنّه هل ينفسخ المبايعة الخياريّة بمجرّد ردّ مثل الثمن وإرادة الفسخ من غير أن يتلفّظ بصيغة الفسخ، أم لا ؟

ص: 17

40- رسالة في أنّه إذا وقع عقد النكاح من الأب وكالة للابن المريض فمات قبل الدخول ما حكمه من العدّة والصداق والميراث و تزويج المرأة في العدّة ؟

41- رسالة في أنّه إذا انهدم بنيان لمالكين، هل يجوز لمالک بناء التحت بعد الإحياء منع مالک الفوق من الإحياء، أم لا ؟

42- رسالة في انّه إذا قتل عبد حرًّا ما حكمه

43- رسالة في ميراث الغائب و بيان زمان التربّص

44- رسالة في جواز الوصل بين اسطوانين أو أسطوانات المسجد لجدار ضعيف البنيان لمصلحة إقامة الجماعة

45- رسالة في سلام التحيّة في الصلاة

46- الرسالة العمليّة

الكتب و الرسائل الحديثيّة

47- الحاشية على الكافي

48- الحاشية على الوافي

49- شرح الحديثين المرويّين عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)

الكتب و الرسائل الأصوليّة

50- الزهرة البارقة لمعرفة أحوال المجاز والحقيقة

ص: 18

51- رسالة في الاستصحاب

52- الحاشية على تهذيب الوصول

53- الحاشية على أصول معالم الدين

54- رسالة في الاجتهاد والتقليد

الكتب و الرسائل الرجاليّة

55- الحاشية على رجال الطوسي

56- الحاشية على الفهرست

57- الحاشية على خلاصة الأقوال

58- رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان و أصحاب الإجماع

59و60 - رسالتان في تحقيق حال إبراهيم بن هاشم القمّي (1)

61- الإرشاد الخبير البصير إلى تحقيق الحال في أبي بصير

62- رسالة في تحقيق حال أحمد بن محمّد بن خالد البرقي

63- رسالة في تحقيق حال أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري

64و65 - رسالتان في تحقيق حال إسحاق بن عمّار الساباطي

ص: 19


1- . صرّح السيّد حجّة الإسلام(قدس سره) في الرسالة الثانية بأنّه كتب في تحقيق أحواله رسالتان، حيث قال في أوّلها :لمّا كتبت في سالف الزمان رسالة في تحقيق الحال في إبراهيم بن هاشم وأغفلت فيها بعض ما ينبغي التنبيهعليه، أبرزت هذه الكلمات في ذلک المرام ( الرسائل الرجاليّة : 61 ).

66-رسالة في تحقيق حال حسين بن خالد

67- رسالة في تحقيق حال حماد بن عيسى الجهني

68- رسالة في تحقيق حال سهل بن زياد الآدمي الرازي

69- رسالة في تحقيق حال شهاب بن عبد ربّه

70- رسالة في تحقيق حال عبد الحميد بن سالم العطّار وولده محمّد

71- رسالة في تحقيق حال عمر بن يزيد

72- رسالة في تعيين محمّد بن اسماعيل الواقع في صدر بعض أسانيد الكافي (1)

73- رسالة في تحقيق حال محمّد بن أحمد الراوي عن العمركي

74- رسالة في تحقيق حال محمّد بن خالد البرقي

75و76- رسالتان في تحقيق حال محمّد بن سنان

77- رسالة في تحقيق حال محمّد بن الفضيل

78- رسالة في تحقيق حال محمّد بن عيسى اليقطيني

79- رسالة في بيان أشخاص الّذين لقّبوا بما جيلويه

80- رسالة في تحقيق حال معاوية بن شريح و معاوية بن ميسرة و أنّهما واحد

ص: 20


1- . قال صاحب الذريعة(قدس سره): ترجمة محمّد بن اسماعيل الواقع في صدر بعض أسانيد الكافي، للسيّد حجّةالإسلام الاصفهاني، طبعت مع رسائله، فرغ من أصله سنة 1206، ثمّ بعد مدّة كتب عليه حاشية منه سنة1232 ( الذريعة : 4 / 162 الرقم 801 ).

81- رسالة في بيان العدّة المتكرّرة في أسانيد الكافي (1)

الكتب و الرسائل المتفرّقة

82- رسالة في أصول الدين

83- سؤال و جواب عن بعض عقائد الشيخيّة

84- رسالة في أنّ المراد من الطعام في قوله تعالى : ( و طعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم ) ماذا ؟

85- الحلية اللامعة للبهجة المرضيّة

وفاته و مرقده

عاش - قدّس الله نفسه الزكيّة - ثمانين سنة تقريبًا، ثمّ أجاب دعوة الإلهيّة في عصيرة يوم الأحد، الثاني من شهر ربيع الثاني سنة 1260 ه (2) علی اصح

ص: 21


1- . طبعت أكثر هذه الرسائل في مجلّد واحد بتحقيق الحجّة الحاج السيّد مهدي الرجائي - دامت بركاته - سنة1417 ه ، قامت بطبعها مكتبة مسجد السيّد حجّة الإسلام الشفتي(قدس سره)باصفهان .
2- . هذا التاريخ مطابق لما كتبه صاحب الروضات(رحمه الله) في بياضه ( انظر مقدّمة النهريّة : 20 ) ؛ وكذا مطابق لماكتبه العلّامة الشيخ محمّد جعفر بن محمّد إبراهيم الكرباسي (المتوفّى 1292 ه ) في ظهر كتابه: منهج الرشادفي شرح إرشاد الأذهان ( انظر فهرس مخطوطات مكتبة مركز إحياء التراث الإسلامي: 6 / 79 الرقم 90 ).وضبطه كذلک العالم الفاضل الشاعر رضا قليخان هما الشيرازيّ ( المتوفّى 1290 ه) فقال في « ديوانه : ص104» في تاريخ وفاته : در اول حمل و دويم ربيع دويم*** زدامگاه جهان شد بسوى دار سلام بلفظ تازى تاريخ رحلتش گفتم***چو بشمرى مأتين است و ألف و ستّين عام

الأقوال ؛ و دفن بعد ثلاثة أيّام من وفاته في البقعة الّتي بناها لنفسه في جانب مسجده الكبير باصبهان، و هي الآن مشهد معروف و مزار متبرّک .

قال المحقّق الچهارسوقي (قدس سره) في الروضات:

و لم ير مثل يوم وفاته، يوم عظيم، ملأت زقاق البلد من أفواج الأنام رجالاً و نساءًا، يبكون عليه بكاء الفاقد والده الرحيم و مشفقه الكريم، بحيث كان همهمة الخلائق تسمع من وراء البلد، و غسل في بيته الشريف، ثمّ أتى به إلى المسجد، فصلّى عليه ولده الأفضل و خلفه الأسعد الأرشد و الفقيه الأوحد والحبر المؤيّد ... مولانا و سيّدنا السيّد أسد الله ... ؛ و من العجائب اتّفاق فراغه من التحصيل و مراجعته من النجف الأشرف بإصرار والده الجليل في سنة وفاته، و مسارعة روحه المطهّر إلى جنّاته (1) .

ص: 22


1- . روضات الجنّات : 2 / 104 .

2 - تعريف الكتاب

اشارة

لا إشكال و لا ترديد في نسبة هذا الأثر النفيس إلى مؤلّفنا الجليل صاحب الكتاب الحاضر .

و هذا الكتاب المستطاب الّذي أحاط بدقائق الفقه هو : كتاب القضاء والشهادات ؛ من تأليفات فخر الشيعة و ركن الشريعة العلّامة الحاجّ السيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الموسويّ الشفتيّ الرشتيّ الجيلانيّ الأصفهانيّ، المعروف بحجّة الإسلام - أعلى الله مقامه في دار السلام - اشتمل على تحقيقات لطيفة و نوادر فقهيّة رائعة .

استوفى فيه المؤلّف الأدلّة و الأحكام، لم ير مثله في كثرة التفريع و الإحاطة بنوادر الفقه و الاستقامة في طريق الاستدلال ؛ عناوينه : « مسألة - مسألة »، وليس شرحًا على شيءٍ من الكتب الفقهيّة .

ألّفه (قدس سره) في مبادي أمره حين قراءته تلک المباحث على أستاذه العلّامة السيّد محسن الأعرجيّ ( 1130 - 1227 ه )، كما ذكره تلميذه صاحب الروضات (قدس سره) قائلاً :

و من تصنيفاته الفائقة أيضًا كتاب ألّفه في القضاء والشهادات بطريق الاستدلال التامّ زمن قراءته في تلک المباحث على شيخه السيّد محسن المرحوم (1) .

ص: 23


1- . روضات الجنّات : 2 / 101 .

رتّب المصنّف - رحمه الله - كتاب القضاء على ترتيب كتاب « قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام »، تأليف العلّامة الحلّيّ (قدس سره)، كما صرّح به في «كتاب القضاء »، حيث قال ما هذا نصّه :

إعلم : أنّي بنيت أن يكون هذا المجلّد من كتابي على ترتيب القواعد غالبًا، لكنّ العلّامة (رحمه الله)لمّا ذكر كثيرًا من المسائل فيه مكرّرًا، تركت التكرار واكتفيت بذكر كلّ مسألة مرّة، إلّا لأجل فائدة، فقد ذكرت بعضًا من المسائل مكرّرًا لذلک، و من ذلک مسألة النكول .

و قد ذكره المحقّق الطهراني (قدس سره) في موضعٍ من ذريعته بقوله :

القضاء و الشهادات، لحجّة الإسلام الحاج سيّد محمّد باقر بن محمّد تقي (1) الموسويّ الجيلانيّ الأصفهانيّ، المتوفّى في 3 ربيع الثاني 1260. قال سيّدنا أبي محمّد الحسن صدر الدين : انّه من تقرير أستاذه السيّد محسن الأعرجيّ (2) .

و قال في موضعٍ آخر :

رسالة في القضاء و الشهادات و بعض فروعها، للسيّد محمّد باقر حجّة الإسلام الأصفهانيّ، المتوفّى 1260 . يوجد ضمن مجموعة مع رسالة الوقف له، رأيتها في كتب الميرزا عليّ الشهرستاني بكربلا (3) .

ص: 24


1- . كذا في المصدر، والصواب : نقي بالنون .
2- . الذريعة : 17 / 140 الرقم 733 .
3- . الذريعة : 17 / 141 الرقم 737 .
تاريخ و مكان التأليف

فرغ المصنّف (قدس سره) من تأليف كتاب القضاء في 24 شهر محرّم الحرام سنة 1205ه ، و هو في جوار جدّه الإمام الكاظم موسى بن جعفر(عليهماالسلام)

قال في آخر « كتاب القضاء » ما هذا نصّه :

قد فرغت منه في سحر ليلة الاثنين هي الرابعة و العشرون من شهر المحرّم في سنة خمس و مأتين بعد الألف من الهجرة .

و قد اتّفق الابتداء به و كذا الفراغ في جوار سابع و تاسع الأئمّة الهدى، جعلني الله من السالكين في طريقتهم الحسنى، و التابعين لسنّتهم العليا، و المرحومين بشفاعتهم يوم يفرّ المرء من الأمّهات و الآباء، و لا ينفع هنالک مال و لا غيره من خصائص أهل الدنيا .

ص: 25

3- منهجيّة التحقيق

توجد للكتاب نسختين خطّيتين :

الأولى : النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله الحاجّ السيّد حسين الموسويّ الخادمي(رحمه الله) تحت رقم 172 ، المذكورة في فهرس مخطوطاتها : ص 203 ؛ و هي نسخة الأصل بخطّ المؤلّف (قدس سره). و قد تفضّل بها علينا صديقنا الفاضل الحجّة السيّد محمّد عليّ الخادميّ - دام عزّه .

و الثانية : النسخة الموجودة في مكتبة الميرزا عليّ الشهرستاني بكربلاء، كما أشار إليها المحقّق الطهراني في الذريعة (1) .

واعتمدت في تحقيقي لهذا الكتاب على نسخة الأصل الّتي هي بخطّ المصنّف (قدس سره)، و كان عملي فيها كالآتي :

1 - خرّجت ما يحتاج إلى تخريجٍ من آياتٍ قرآنيّة كريمة، و أحاديثٍ شريفة، وأقوالٍ من مصادرها على قدر المستطاع .

2 - أوضحت المواضع المشكلة و العبارات المبهمة، و شرحت بعض اللغات الغريبة الواردة في المتن مع الاستعانة بكتب اللغة و معاجم العربيّة .

ص: 26


1- . الذريعة : 17 / 141 الرقم 737 .

3 - أضفت عناوين فرعيّة في المتن بين قوسين معقوفين كي يسهّل الوصول إلى تفاصيل الموضوع .

4 - عملت فهارس فنّيّة للايات القرآنيّة و الأحاديث الشريفة والموضوعات المطروحة، وضعنا هذه الفهارس في آخر الكتاب تسهيلاً لمهمّة الباحثين والمراجعين .

و لقد بذلنا قصارى جهدنا في تحقيق هذا السفر القيّم و إخراجه إلى عالم النور، فما وجد فيه من خلل أو خطأ فهو عن قصور لا تقصير .

و نسأل الله - تعالى - أن يتقبّل منّا هذا القليل بقبول حسن ؛ و نسأله أن يوفّقنا لإحياء تراث أهل البيت(عليهم السلام) و علمائنا الأبرار، خصوصًا بقيّة آثار جدّنا الأمجد الأسعد العلّامة المحقّق والفقيه الأصوليّ الأوحد السيّد محمّد باقر الشفتيّ المعروف بحجّة الإسلام - أعلى الله مقامه في دار السلام - و سلفه الصالح .

و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و أهل بيته الطيّبين الطاهرين .

السيّد مهدي الشفتيّ

20 رمضان المبارک 1440 ه

اصفهان - صانها الله عن الحدثان

ص: 27

ص: 28

ص: 29

نماذج من المخطوطة الأصليّة

بخطّ المؤلّف ( قدّس سرّه )

ص: 30

ص: 31

كتابُ القضاء

اشارة

ص: 32

ص: 33

ص: 34

بسم الله الرّحمن الرّحيم

و إليه الاستعانة فيما يعجز عنه الصديق و الحميم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على مدّعى النبوّة والرسالة بإقامة البيّنة والبراهين، و على ابن عمّه و وصيّه الّذي قد أقرّ بفضله أشرف أصحاب اليمين، و على أوصيائه و أصحابه إلى يوم يتميّز فيه دعوى الحقّ عن الباطلة للمشركين و المنكرين .

الكلام في بيان المدّعي و المدّعى عليه

1- مسألة

اشارة

في بيان المدّعي و المدّعى عليه الّذي يقال له المنكر أيضًا، فأقول : قد اختلفت مقالة الأصحاب في ذلک، فمنهم من قال :

إنّه هو الّذي يترک لو ترک الخصومة .

ص: 35

و لو قيل بدله : انّه هو الّذي لو ترک الخصومة تترک، بأن يكون مرجع الضمير في الفعل الثاني للخصومة، كان أظهر .

و منهم من قال :

إنّه الّذي يدّعي أمرًا خفيًّا يخالف الظاهر .

و منهم من قال :

إنّه هو الّذي يدّعي خلاف الأصل .

هكذا نقل الأقوال (1) .

و منهم من ردّد بين هذه الثلاث، كالعلّامة حيث قال :

المدّعي هو الّذي يترک لو ترک الخصومة، أو الّذي يدّعي خلاف الظاهر أو خلاف الأصل (2) .

و مثله غيره (3) .

و كيف كان والمنكر ما يقابله و قضيّة الترديد والتخيير بين هذه التعاريف اتّحاد

ص: 36


1- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 93 و 893 ؛ والمختصر النافع : 276 ؛ و كشف الرموز : 2 / 26 و 504 ؛وتلخيص المرام : 298 ؛ و قواعد الأحكام : 3 / 436 ؛ وإيضاح الفوائد : 4 / 323 ؛ والتنقيح الرائع :4/265 ؛ والمقتصر من شرح المختصر : 379 ؛ و غاية المرام : 4 / 251 ؛ والروضة البهيّة : 3 / 77 ؛وحاشية المختصر النافع، للشهيد الثاني : 191 ؛ و روضة المتّقين : 6 / 178 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 719 ؛و كشف اللثام : 10 / 85 ؛ و رياض المسائل : 13 / 158 و 15 / 146 ؛ والمهذّب البارع : 4 / 482 ؛ومسالک الأفهام : 14 / 59 ؛ و مفاتيح الشرائع : 3 / 270 .
2- . قواعد الأحكام : 3 / 436.
3- . انظر التنقيح الرائع : 4 / 366 ؛ و كشف اللثام : 10 / 85 .

مقتضاها و ليس الأمر كذلک .

نعم، هو أمر أغلبيّ، و من ذلک هو انّه لو ادّعى زيدٌ عينًا في يد عمرو أنّها ماله وهو ينكره، فزيدٌ في المثال المفروض مدّع على جميع التعاريف، لأنّه الّذي يترک لو ترک الخصومة ؛ و أنّه الّذي يدّعي خلاف الظاهر، لأنّ الظاهر أنّ المال الّذي في يد عمرو انّه منه ؛ و أنّه الّذي يدّعي خلاف الأصل، لأنّ اشتغال ذمّة عمرو بمال الغير خلاف الأصل .

و عمرو منكر في المثال المفروض على جميع التعاريف أيضًا، لأنّه الّذي يَتْرُکُ لو تُرِک ؛ و بعبارة أخرى : انّه لا يُتْرَک لو تَرَک (1) ، و هو الّذي يدّعي ما يوافق الظاهر والأصل .

و من ذلک أيضًا هو أنّه لو ادّعى دينًا على ذمّة عمرو و هو ينكره، فزيد مدّع حينئذٍ على جميع التعاريف و عمرو منكر كذلک، هكذا قيل (2) .

و نحن نقول : كون زيد في المثال الأخير مدّعيًّا على التعريف الأوّل والثالث مسلّم، لكن على الثاني فمحلّ كلام، إذ من أين يحصل لنا الظنّ بعد ادّعاء واحد على الآخر دينًا و هو ينكره أنّ الأوّل كاذب و الثاني صادق حتّى نحكم بأنّ مقالة الأوّل مخالفة للظاهر و مقالة الثاني موافقة له ؟!

و مخالفة مقالة الأوّل للأصل و موافقة مقالة الثاني له لا يقتضي ذلک ؛ و كيف

ص: 37


1- . جاء في حاشية الأصل : إعلم : أنّ الفعل الأوّل في الأوّل مبنيّ للفاعل والثاني مبنيّ للمفعول، و في الثانيبالعكس ؛ منه .
2- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 59 و 60 .

ذلک مع أنّه ربّما يحصل لنا الظنّ باتّصاف شيء على خلاف ما كان يستحقّه بالأصل، كآنية الكفّار و المواضع القريبة من النجاسة، حيث أنّ الأصل فيهما الطهارة، مع أنّا نظنّ نجاستهما الآن و مثلهما فضلاً عن حصول الظنّ بعكس ذلک ؟!

و يمكن أن يقال : إنّ موافقة الشيء للأصل موجبة لحصول الظنّ ببقائه على مقتضاه، إلّا إذا عارضه من الخارج ما يوجب الخروج عنه كالمثالين المذكورين، والكلام عند فقد المعارض، فتأمّل .

و إنّما قلنا : إنّ اتّحاد مقتضى التعاريف ليس أمرًا كلّيًّا، لأنّه ربّما يكون الشيء بأحد التعاريف المذكورة مدّعيًا و بالتعريف الآخر منكرًا ؛ و من ذلک المثال المشهور بينهم، و هو ما إذا أسلم الزوج و الزوجة قبل الوطي وادّعى الزوج تقارنهما في الإسلام، فيكون النكاح باقيًا على حاله، وادّعت الزوجة التعاقب، فانفسخ النكاح .

فعلى التعريف الأوّل للمدّعي - أي : هو الّذي يترک لو ترک الخصومة - انّ المرأة مدّعية، لأنّها تدّعي انفساخ النكاح و تريد التزويج بغيره، والزوج يمنعه وانّها تترک لو تركت الخصومة والزوج منكر، لأنّه يَترُک لو ترک .

و كذا على التعريف الثالث، لأنّها تدّعي خلاف الأصل، لأنّ إسلامهما أمر حادث والأصل في الحادثين التقارن، فمدّعي التعاقب على خلاف الأصل .

و أمّا على التعريف الثاني، فينعكس الأمر، إذ تساويهما و تقارنهما في الإسلام بعيد مخالف للظاهر، فالزوج مدّع لخلاف الظاهر والزوجة بالعكس، فتكون مدّعيًا عليها.

ص: 38

و لا يخفى عليک أنّ بعد التقارن في الإسلام إنّما هو إذا كان المراد من التقارن التقارن الحكميّة والحقيقيّة ؛ و أمّا إذا كان المراد منه العرفيّ، فليس كذلک .

و قيل (1) : إنّ الزوج مدّع بناءً على التعريف الأوّل أيضًا، لأنّه يدّعي بقاء النكاح و وقوع الإسلام معًا، فلو ترک يترک، والزوجة مدّعى عليها، فإنّ الزوج لو تركها هي لا تطلب شيئًا .

و كذا لو كان الأمر بالعكس، أي : ادّعى الزوج التعاقب في الإسلام فانفسخ النكاح، وادّعت الزوجة التقارن فبقي، فالزوج مدّع بالتعريف الأوّل والثالث، والزوجة مدّعى عليها بالتعريفين ؛ و بالعكس في التعريف الثاني، فإنّ الزوجة تدّعي خلاف الظاهر، و الزوج ما وافقه (2) .

و ممّا اختلف فيه مقتضى التعاريف أيضًا هو : ما لو ادّعت الزوجة عدم إنفاق الزوج لها و كان رجلاً خيّرًا متموّلاً، فإنّها على التعريف الأوّل والثاني مدّعية، لأنّها تترک لو تركت الخصومة و تدّعي مخالفة الظاهر من عدم إنفاق الزوج الخيّر المتموّل لها، و هو مدّعى عليه على التعريفين .

و أمّا على التعريف الثالث، فالأمر بالعكس، أي الزوج مدّعي، لأنّه يدّعي خلاف الأصل من وصول النفقة إليها، و هي مدّعى عليها، لأنّها تدّعي ما يوافقه .

و ما يختلف المدّعي والمنكر فيه هو ما إذا اشترى واحد شيئًا معلومًا برؤية

ص: 39


1- . نسبه إلى القيل في : الإيضاح : 4 / 324 ؛ و التنقيح : 4 / 267 ؛ و المهذّب البارع : 4 / 484 ؛ و المسالک :14 / 60 .
2- . انظر تحرير الأحكام : 5 / 155 ؛ و غاية المرام : 4 / 252 .

سابقة، ثمّ عند القبض ادّعى أنّه حدث فيه عيب بعد ما رأيته، و البائع يدّعي أنّه ما حدث، بل كان كذلک، فحينئذٍ على التعريف الأوّل يكون المشتري مدّعيًا، لأنّه الّذي لو ترک و لم يدّع حدوث العيب لترک .

والبائع منكر على هذا التعريف، لأنّه الّذي ترک لو ترک ؛ و بالعكس بالنسبة إلى التعريف الثالث، لأنّ البائع يدّعي خلاف الأصل والمشتري ما يوافقه من حدوث العيب و تأخّره، لأنّ الأصل في الحادث التأخّر .

و حيث قد عرفت إختلاف مقتضيات هذه التعاريف بالنسبة إلى المدّعي والمنكر، فلابدّ من ترجيح واحد فيهما، ليمكن لک تشخيص المدّعي من المنكر حتّى يمكنک أن تقول : هذا مدّع فحقّه البيّنة، و ذاک منكر فحقّه اليمين .

فنقول: إنّ لفظ « المدّعي » لم يرد له تفسير من الشارع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف، لأنّه الحَكَم فيما لم يرد له تفسير، فالظاهر من لفظ « المدّعي » في العرف هو الّذي يدّعي حقًّا على شخص بحيث لو سكت الشخص الأوّل سكت الشخص الثاني، فعلى هذا أحسن التعاريف هو الأوّل .

البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر

2-مسألة

اشارة

قد عرفت ممّا ذكرنا المدّعي و المدّعى عليه ؛ و فائدة ذلک الحكم بأنّ البيّنة

ص: 40

للمدّعي واليمين على من أنكر .

و هذه القاعدة قد اتّفقت بها الألسن و تظافرت بها السُنن، منها: ما روي من طرقهم عنه (صلي الله عليه واله) : « البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر » (1) .

و قد رواها شيخنا الصدوق في الفقيه عنه(صلي الله عليه واله)، لكن بدل « من أنكر » بالمدّعى عليه (2) .

و منها : حسنة الحلبي و جميل و هشام عن مولانا الصادق (عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلي الله عليه واله): البيّنة على من ادّعى، واليمين على المدّعى عليه (3) .

و غيرهما .

و قيل في سبب ذلک - أي جعل البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر - هو :

انّ جانب المنكر أقوى، لموافقته للأصل والظاهر، و جانب المدّعي ضعيف لمخالفته لهما ؛ والبيّنة أقوى من اليمين، للبرائة عن تهمة جلب النفع، فجعل الأقوى للضعيف والأضعف للقويّ (4) ولا يخفى عليک أنّ ما قلنا من كون البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر إنّما

ص: 41


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر : كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
2- . الفقيه : 3 / 32 ح 3267 ؛ وانظر الكافي : 7 / 361 ح 4 .
3- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 553 ؛ الوسائل : 27 / 233 ح 33666 .
4- . لم نعثر على قائله، نعم نسبه إلى القيل في إيضاح الفوائد : 4 / 323 ؛ و غاية المرام : 4 / 251 ؛ و مسالکالأفهام : 14 / 59 ؛ و مفاتيح الشرائع : 3 / 270 .

هو في حقّ غير الأمين، و أمّا هو فيصدّق في ردّ الوديعة باليمين ولا يطلب منه البيّنة مع كونه مدّعيًا فيما إذا ادّعى ردّ الأمانة، لكونه مدّعيًا خلاف الأصل من ردّ الأمانة الثابتة، و خلاف الظاهر بناءً على ما مرّ، و أنّه يترک لو ترک، لأنّه لو ترک دعوى ردّ الوديعة لايدّعي المنكر عدم ردّها، فالأمين عند ادّعاء ردّ الأمانة مدّع على جميع التعاريف، مع أنّه يصدّق باليمين، لاستثناء الشارع من تلک القاعدة لمصالح العباد، لأنّ عدم إسماع قول الأمين فيما ائتمن فيه يفضي إلى امتناع الناس من قبول الأمانات، هذا .

مع أنّه يمكن إخراج الأمين من سلک المدّعي و إدخاله تحت المنكر بأن يقال : المالک عند جعل الأمانة عند المستودع قد علم أمانته، فالأصل بقائها، وهو يدّعي خلاف الأصل والظاهر من ارتفاع الأمانة الثابتة ؛ و أيضًا هو الّذي لو ترک ترک، لأنّه لو لم يدّع ارتفاع الأمانة يترک .

قال في المختلف :

ويحتمل أن يكون القول قول المالک، لأنّه منكر، فيقدّم قوله مع اليمين، لكن الأشهر الأوّل، إنتهى (1) .

قال في الفقيه :

مضى مشايخنا - رضي الله عنهم - أنّ قول المودع مقبول، فإنّه مؤتمن ولا يمين عليه (2) .

ص: 42


1- . مختلف الشيعة : 6 / 67 .
2- . الفقيه : 3 / 305 .
شرائط المدّعي

3-مسألة

اشارة

يشترط في المدّعي البلوغ، لأنّه قبله ليس بمكلّف، فيمكن أن يكون ادّعاؤه كاذبًا، لعلمه بعدم المؤاخذة .

وفيه نظر، لأنّ كلام المدّعي لم يعتبر من حيث هو كلامه، بل لأجل البيّنة، فمع وجودها ينبغي أن يحكم ولو كان غير مكلّف.

ألا ترى انّ المدّعى لو كان فاسقًا و فاجرًا مع وجود البيّنة يحكم له و يعلم منه أن العبرة بالبيّنة، لا بكلام المدّعي، فينبغي أن يكون غير البالغ أيضًا كذلک، بل ربما كان كلام غير البالغ أولى من كلام البالغ من حيث حصول المظنّة به، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في اعتبار البلوغ .

وكذا يشترط فيه العقل، فلا عبرة بقول المجنون ؛ و يرد عليه ما مرّ و يجاب بما يجاب.

ويمكن أن يقال : إنّ المدّعي قد يتوجّه إليه اليمين، كما إذا نكل المنكر منه، فحينئذٍ لابدّ من أن يكون المدّعي ممّن يكون مكلّفًا حتّى يقبل يمينه، فيعتبر البلوغ في الجميع لعدم القول بالفصل .

ويشترط فيه أيضًا أن يكون ادّعاؤه لنفسه، أو لمن له ولاية منه، كالوكيل والوصيّ و غيرهما ؛ و ذلک لأنّ الحكم بأنّ المال الّذي في يد زيد انّه لعمرو مثلاً

ص: 43

خلاف الأصل يقتصر فيه على الموضع المتيقّن اقتصارًا فيما خالف الأصل على القدر المتيّقن، و هو ما إذا كان ادّعاؤه لنفسه أو لمن له ولاية منه دون غيره.

وأيضًا اليمين بالله - تعالى - ليس بأمر سهل فيحكم به على المنكر أيّ وقت كان بدعوى أيّ شخص يكون، بل يقتصر فيه على ما ثبت، و هو ما ذكر لا غير ؛ هذا مع انّ اعتبار ما ذكر كأنّه موضع وفاق.

يشترط في المدّعى به أن يكون ممّا يصحّ تملّكه

4-مسألة

اشارة

يشترط في المدّعى به أن يكون ممّا يصحّ تملّكه، فلو ادّعى خمرًا أو خنزيرًا لم يقبل، لأنّ قبول قوله وإقامة البيّنة إنّما هو لأجل تمليک المدّعي على المدّعى به ؛ ومعلوم أنّ ذلک إنّما هو إذا كان المدّعى به ممّا يصحّ و يمكن تملّكه، فمتى لم يصحّ التملّک، كيف يمكن التمليک ؟!

هل يشترط في المدّعى به العلم من كلّ وجه، أم لا ؟

و هل يشترط فيه علم المدّعي بحسب الشخص، أو لا، بل يصحّ دعوى شيء مع كونه مجهولاً في الجملة و معلومًا من وجه، مثل أن يدّعى فرسًا أو دابّة أو ثوبًا ؟

فيه خلافٌ، فالشيخ على الأوّل، قال:

ص: 44

لا يسمع الدعوى إذا كانت مجهولة، مثل أن يدّعى فرسًا أو ثوبًا (1) .

قال :

لانتفاء فائدتها، و هي حكم الحاكم بها لو أجاب المدّعى عليه بنعم (2) .

و كثير منهم على الثاني، وأجابوا عمّا ذكره الشيخ من عدم الفائدة بأنّها موجودة، إذ لو أقرّ الخصم بدعوى المدّعي أو ثبتت بالبيّنة يحكم بمسمّى المدّعى به، فيلزمه، فإن جاء به وادّعى المدّعي الزائد على الخصم لحلف على نفيه وإن اشتركا في الجهالة بأن يدّعي الخصم أيضًا جهالته، فاللازم هو المسمّى وإن ادّعى المدّعي علم الخصم بذلک يحلف على نفيه .

واستدلّوا على قبول قول المدّعي حينئذٍ بأنّه ربما يعلم حقّه بوجه مّا ولا يعلم صفته كما مرّ، فلو لم يجعل له إلى الدعوى ذريعة لبطل حقّه، فلزم إضاعة الحقوق (3) .

واستدلّوا أيضًا بأنّ الإقرار بالمجهول و كذا الوصيّة به يسمع بلا إشكال، فينبغي أن يسمع الدعوى به أيضًا (4) .

ص: 45


1- . هكذا نقله عنه المحقّق في الشرائع : 4 / 872 ؛ قال في المبسوط : فإذا ادّعى عليه لم تسمع الدعوى إلّامحررة، فأمّا إن قال لي : عنده ثوب أو فرس أو حقّ لم تسمع دعواه ( المبسوط : 8 / 156 ).
2- . لم نجده في المبسوط بهذه العبارة، لكن نقله عنه هكذا في إيضاح الفوائد : 4 / 327 ؛ والمهذّب البارع :4/484 ؛ وغاية المرام : 4 / 228 ؛ وانظر المبسوط : 8 / 156 ؛ والسرائر : 2 / 177 .
3- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 116 ؛ و المهذّب البارع : 4 / 484 ؛ و مسالک الأفهام : 12 / 436 و 437 .
4- . انظر كنز الفوائد : 3 / 473 ؛ وإيضاح الفوائد : 4 / 327 ؛ والتنقيح الرائع : 4 / 270 .

ولقائل أن يفرق بينهما، لأنّ الإقرار و الوصيّة دعوى عليه، بخلاف الدعوى فانّها له، فلهذا تسمع الإقرار به و كذا الوصيّة دون الدعوى .

يشترط في المدّعى به أن يكون لازمًا على المدّعى عليه

و يشترط فيه أيضًا أن يكون لازمًا على المدّعى عليه، فلو ادّعى أنّ الفرس الّذي في يد زيد مثلاً انّه وهبه لي، لم يسمع، لأنّ الشيء بمجرّد الهبة لم يلزم، لجواز الرجوع للصاحب فيه .

نعم، لو ادّعى الهبة والقبض بإذن المالک لزم، فيقبل دعواه حينئذ ؛ و ذلک لأنّ الهبة بمجرّدها لا فائدة لإثباتها، لأنّها أعمّ من المقبوضة و غيرها، واللازم هو الأوّل، فلا يمكن الحكم بالتسليم بمجرّد إثبات مطلق الهبة، فلا فائدة لقبول دعويها.

وأيضًا مطلق الهبة يجوز للواهب الرجوع، فيحتمل رجوعه، فلا يلزمه شيء، هكذا علّل (1) .

وفيه نظر، لأنّه إذا ثبت الهبة قد ترتّب عليها الثمرة، مثل أن يكون المنكر من الأشخاص الّتي لو ثبتت الهبة لا يرجع فيها، أو يكون ناذرًا إقباض كلّ هبة ؛ و لک أن تقول: إنّ الكلام في المدّعي للهبة والمنكر لها، والناذر لإقباضها بعد تحقّق الهبة لاينكرها، فلا ثمرة للدعوى .

ص: 46


1- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 61 ؛ ومجمع الفائدة : 12 / 117 .

إلّا أن يقال : إنّه قد يكون وهب شيئًا، ثمّ نسى ؛ و فائدة قبول الدعوى هي انّه قد يكون المدّعي أقام البيّنة لتحقّقها، فيتذكّر الواهب الناذر، فيردّها ؛ و على هذا يكون إنكاره لأجل النسيان، أو ينكر الهبة مع التذكّر بها و بالغدر لحدوث الفسق له بعد النذر، إلّا أنّ هذا قليل لاينصرف إليه إطلاق كلماتهم.

ثمّ (1) إنّ الظاهر من كلماتهم انّه يشترط في المدّعى به اللزوم، فلا يسمع دعوى الهبة إلّا مع دعوى القبض، هو أن يكون مرادهم من قبول دعوى الهبة مع القبض فيما إذا كان القبض سببًا للزوم، كما إذا وهب شيئًا لذي رحم واقبضه، فلا يشمل دعوى الهبة مع القبض إذا كانت للأجنبيّ، فلا يسمع دعواه للهبة وإن كانت مع القبض، لأنّ القبض فيه لايصير سببًا للزوم.

و قولهم : « يشترط في المدّعى به لزومه على المدّعى عليه »، قرينة على إخراج ذلک وإن كان قولهم : « يسمع دعوى الهبة مع القبض » شامل له .

إن قلت (2) : لو كان لزوم المدّعى به على المدّعى عليه شرطًا لقبول الدعوى،فينبغي عدم دعوى شرى حيوان إلّا مع مضيّ زمان سقوط خياره الثلاثة و عدم دعوى في شيء من سائر العقود إلّا مع تفرّق المجلس، مع أنّهم لا يقولون بذلک.

قلنا : مقتضى ما ذكر في لزوم المدّعى به وإن كان ذلک، إلّا انّ اتّفاقهم منعنا من ذلک.

ص: 47


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف(قدس سره): ردّ على المقدّس الأردبيليّ ] انظر مجمع الفائدة : 12 / 117[.
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): ردّ على المقدّس الأردبيليّ ] انظر مجمع الفائدة : 12 / 117 [.

و ممّا ينبغي أن يستثني من عدم قبول دعوى المدّعي الهبة مجرّدة عن الإقباض قول المدّعي الّذي يدّعي على أبيه أنّه وهبه مالاً في حال صغره، فإنّ لزوم هذه الهبة لا يحتاج إلى القبض.

لابدّ من إيراد الدعوى بعبارة صريحة في الملكيّة

5- مسألة

اشارة

اعلم : أنّه لابدّ من إيراد الدعوى بعبارة صريحة في الملكيّة، فلو ادّعى هذه بنت أمتي و أراد جعلها مملوكة له لم تسمع ؛ و ذلک لأنّ كونها بنت أمته غير صريحة في كونها ملكه، لاحتمال انّها ولدت منها قبل أن تدخل في ملكها، إذ يصدق حينئذٍ أنّها بنت أمته (1) .

وكذا لو قال : إنّها ولدت منها في ملكه، لعدم صراحته في الملكيّة أيضًا، لجواز كونها مولودة في ملكه ولم تكن مملوكة له، كما إذا كان أبوها حرًّا فتكون حرّة، أو اشتراها مع كونها حاملة من عبد مولاها وقد شرط كون الولد للمولى .

و هل يسمع لو ادّعى هذه بنت أمته و ولدت منها في ملكي و علم من خارج انّه ملک الأمة حين كانت صبيّة ؟ والظاهر لا، لاحتمال كون البنت من حرّ .

ص: 48


1- . لاحظ البحث في قواعد الأحكام : 3 / 437 ؛ وتحرير الأحكام : 5 / 157 ؛ وإرشاد الأذهان : 2 / 143 ؛ومجمع الفائدة : 12 / 118 و119 ؛ و غاية المراد : 4 / 28 ؛ و مسالک الأفهام : 14 / 66 .

و هكذا لو قال : هذه ثمرة نخلتي، لأنّ كونها ثمرة لنخلته لايستلزم أن تكون ملكًا له، لصدق ذلک قبل أن تدخل النخلة في ملكه ؛ وكذا لو ضمّ إليه : « ثمرتها في ملكي »، لجواز أن يشتري النخلة وحدها و شرط كون الثمرة ملكًا للبائع، أو باع ثمرتها.

و بالجملة : لايسمع الدعوى في أمثال المقام ولا يطلب البيّنة، لما عرفت من أنّ إثبات المدّعى لايجدى نفعًا.

ويحتمل القبول فيما إذا كان النخلة من ماله بالأصل أو بالعارض و علم عدم اشتراط كون الثمرة للبائع إذا ادّعى هكذا : هذه ثمرة نخلتي ثمرتها في ملكي، بناءً على أنّ الأصل عدم بيعها للغير، فتأمّل .

في أنّه لو ادّعى المنكر فسق الشاهدين أو الحاكم

6-مسألة

اشارة

لو ادّعى المنكر بعد إقامة البيّنة فسق الشاهدين، هل تسمع فيطلب بالبيّنة، فإن أقامها لايثبت الحكم، لكن الدعوى لم تسقط ؟

قيل : يمكن أن لا تسمع، لأنّه لا فائدة في قبولها وإسماعها، لما عرفت من عدم

ص: 49

سقوط الدعوى (1) .

و فيه تأمّل، لأنّ عدم الفائدة مطلقًا ممنوع، لأنّه لو لم يكن للمدّعي إلّا الشاهدان وقد أثبت المنكر فسقهما بإقامة البيّنة، فحينئذٍ يكون الحكم للمنكر، فيحلف، فيتخلّص من الدعوى .

ثمّ إنّ ما ذكر هل هو مختصّ قبل حكم الحاكم للمدّعي، أو لا، بل يشمل بعده أيضًا؟

احتمالان من أنّ هذا حكم قد حكم به الحاكم بعد إقامة البيّنة المعتبر قولها شرعًا ظاهرًا، فالأصل بقاء صحّته ؛ و ثبوت فسق الشاهد بعده لايضرُّ بالحكم القبل . و من أنّ الحكم قد حكم الحاكم بقول الفاسق حين الفسق في نفس الأمر، وعدم علم الحاكم لايصير سببًا للصحّة، فإذا علم و ظهر الفسق تبيّن الأمر، فيكون الحكم باطلاً .

هذا إذا تمكّن مدّعي الفسق من إقامة البيّنة ؛ و إن لم يتمكّن من ذلک وادّعى علم المدّعي بذلک، فحينئذٍ لو أقرّ المدّعي بذلک فالأمر ظاهر من عدم ثبوت الحكم، لكن لم تفسد الدعوى أيضًا .

و فساد الحكم هنا فيما لو كان الإقرار بعد حكم الحاكم أظهر ممّا ذكر سابقًا، لعلم المدّعي بفسق البيّنة هنا قبل الحكم ؛ هذا إذا لم يعلم فسقها في الصورة الأولى، وإلّا اشتركت الصورتان .

ص: 50


1- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 121 .

و لو أنكر علمه بالفسق، هل للمنكر تحليفه على عدم العلم، أم لا ؟

إشكالٌ من أنّه لا يدّعى حقًّا لازمًا يثبت بالنكول، أو بردّ اليمين، فلا حلف ؛ ومِن أنّه ينتفع بها في حقّ لازم، لأنّه لو حلف على أنّه لم يعلم فسق البيّنة مثلاً حكم له .

و كيف كان و ينبغي الجزم بعدم الحلف فيما إذا كان له شهودٌ أخرٌ سالمةٌ عن دعوى فسق المنكر .

{لو ادّعت المرأة في رجل أنّه زوجها}

7-مسألة

اشارة

لو ادّعت المرأة في رجل أنّه زوجها، تسمع و تطلب بالبيّنة، فإن أقامتها حكم لها، وإلّا حلف الزوج، ولو نكل حلفت ؛ و ذلک لأنّ هذه دعوى لازمة، فيجب القبول كسائر الدعاوي، فلا يحتاج إلى ضمّ حقّ من حقوق الزوجيّة كالنفقة والمضاجعة والصداق.

نعم، لو ادّعت أنّه كان زوجي، في قبولها وجهان : من أنّها دعوى غير لازمة، لاحتمال الطلاق، فلا تقبل ؛ و من الأصل، لأنّ الطلاق أمر حادث الأصل عدمه .

و على تقدير إقامة البيّنة على أنّه زوجها و حكم الحاكم بالزوجيّة، هل يجوز له المضاجعة معها و وطيها، و بالجملة : ما يجوز للزوج على الزوجة ؟

ص: 51

فيه إشكالٌ، لأنّ مع علمه بأنّه ليس زوج لها في نفس الأمر و أنّها أجنبيّة، كيف يجوز له أن يفعل معها ما يفعل مع الزوجة ؟!

بل مقتضى الأصل والقاعدة التجنّب عنها كيف ما أمكن بالطلاق و غيره، أو أن يعقدها بعقدٍ جديد ؛ وإن لم يمكن شيء من ذلک و تطلب هي حقّ الزوجيّة ولا ترضى بعقدٍ جديد، يفعل هو معها ما تندفع معه الضرورة .

يشترط لسماع الدعوى أن تكون بصورة الجزم

8-مسألة

هل يشترط لسماع الدعوى أن تكون بصورة الجزم أم لا، بل تسمع ولو على سبيل الظنّ ؟

الظاهر الأوّل، وفاقًا للمحكيّ عن ابن زهرة و المحقّق و جماعة (1) ، بل في الكفاية : هو المشهور، للأصل (2) .

بيانه هو : انّه لا شکّ أنّ الأصل براءة ذمّة المنكر عمّا ادّعى عليه المدّعي و عدم اشتغال ذمّته به، فسماع دعوى واحد على آخر سماع لما خالف الأصل ؛ و معلوم

ص: 52


1- . انظر المختصر النافع : 276 ؛ و شرائع الإسلام : 4 / 872 ؛ و تلخيص الخلاف : 3 / 198 ؛ و غنية النزوع :438 ؛ والوسيلة : 232 ؛ والمناهل : 720 .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 684 .

انّه يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كانت الدعوى بصورة الجزم، لا الظنّ .

وأيضًا الدعوى توجب التسلّط على الغير بالالتزام بالإقرار أو الإنكار أو الحبس ؛ ولا شکّ انّ كلاًّ منها يستلزم الضرر، و هو مدفوع بالكتاب والسنّة والإجماع ؛ والتخصيص ثبت فيما إذا كانت الدعوى بصورة الجزم، لا غيرها، لما سيجيء من انّ الغالب المتعارف المعهود في الدعاوي كونها بصورة الجزم، فينصرف إليه إطلاق الأدلّة الدالّة على التحاكم بين الخصمين .

ولأنّ المدّعى ينبغي أن يكون بحيث يجوز له اليمين، لإمكان ردّها إليه، فلو لم يكن جاز لا يجوز له ذلک، فلا تسمع دعواه .

صحّة الاستدلال موقوفة على التأمّل في النصوص الدالّة على أنّ المدّعي لو لم يحلف عند الردّ لا حقّ له، فها أنا أذكر جملة من تلک النصوص، ليظهر لک حقيقة الحال .

فأقول : منها : ما رواه في الفقيه باسناده عن أبان، عن جميل، عن أبي عبدالله 7 قال : إذا أقام المدّعي البيّنة، فليس عليه يمين ؛ وإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الّذي ادّعي عليه اليمين فأبى، فلا حقّ له (1) .

و منها : الصحيح المرويّ في التهذيب باسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى،

ص: 53


1- . الكافي : 7 / 417 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3342 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 563 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح33684 .

عن أبي عبد الله(عليه السلام) في الرجل يدّعى عليه الحقّ و لا بيّنة للمدّعي، قال : يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ له (1) .

و منها : الصحيح المرويّ فيه أيضًا عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهماالسلام): في الرجل يدّعي و لا بيِّنة له، قال: يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلايحلف (2) ، فلا حقّ له (3) .

و غيرها .

وجه الاستدلال هو : أنّ الظاهر من النصوص المذكورة و غيرها التلازم بين عدم الحقّ و عدم الحلف عند الردّ، كما قال (عليه السلام): « فإن أبى فلا حقّ له »، أو : « فإن لم يفعل فلا حقّ له »، أو : « فلا يحلف فلا حقّ له ».

و معلوم أنّ المدّعي لو لم يكن جازمًا، لايجوز له الحلف، فإذا لم يحلف لا حقّ له، لما عرفت من التلازم، فإذا ثبت أنّه لا حقّ له لا تسمع دعواه، لأنّ سماع الدعوى لأجل الحقّ، فإذا ثبت عدمه فلا تسمع، فلا تصغ إلى ما تمسّک به بعض المحقّقين من المتأخّرين (4) .

لايقال : إنّ الغالب المعهود من المدّعي هو أن يكون جازمًا كما اعترفت به، فينصرف إليه إطلاق النصوص المذكورة، فيكون المراد من النصوص بناءً على

ص: 54


1- . التهذيب : 6 / 229 ح 7 .
2- . في المصدر : فلم يحلف .
3- . الكافي : 7 / 416 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 557 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33679 .
4- . هو الفاضل الاصبهانيّ(قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 99 .

حملها على المعهود المتعارف هو : أنّ المدّعي الجازم لو لم يحلف عند الردّ لا حقّ له، فلا تشمل لما نحن فيه، لعدم جزمه .

لأنّا نقول : هذا إنّما يصحّ في الحديث الأوّل، و أمّا في الثاني والثالث فلا، لأنّ ترک استفصال المعصوم عن المدّعي من أنّه أهو جازم أم لا ؟ يفيد العموم .

و على تقدير التسليم نقول : إنّه كما لم تشمل النصوص المذكورة للمدّعي إذا لم يكن جازمًا لكون الغالب خلافه، كذا لايشمله الأدلّة الدالّة على التحاكم بين المدّعي والمدّعى عليه، فيجب الرجوع فيه إلى حكم الأصل وقد عرفت مقتضاه .

وأيضًا سيجيء إن شاء الله - تعالى - أنّ الحقّ أنّه يحكم للمدّعي بمجرّد نكول الخصم، فيحكم بأخذ الحقّ من المنكر ؛ و ذلک مع الظنّ بالاستحقاق مشكل، لاحتمال أنّ نكول الخصم لأجل تعظيم اليمين أو لكراهتها .

وذهب جماعة إلى الثاني، كشيخنا الشهيد الثاني (1) ، و عن فخر الدين و الشهيد في النكت (2) ، لكن قيل : إنّهم لم يذهبوا إلى قبول الدعوى بمطلق الظنّ، بل إذا كانت من قبيل التهمة، أي ممّا يعسر العلم به، كالقتل والسرقة (3) .

بل ربما قيل : لا خلاف في عدم قبول الدعوى بمطلق الظنّ، و إنّما نقله شيخنا الثاني قولاً (4) ، و يحتمل أن يكون من العامّة (5) ؛ و على تقدير تسليم انّه منّا، لا

ص: 55


1- . انظر الروضة البهيّة : 3 / 80 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 438 .
2- . انظر غاية المراد في شرح نكت الإرشاد : 4 / 30 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 327 .
3- . انظر الدروس : 2 / 84 ؛ و غاية المرام : 4 / 229 ؛ والروضة البهيّة : 3 / 80 ؛ و كشف اللثام : 10 / 90 .
4- . انظر مسالک الأفهام : 13 / 437 و 438 .
5- . انظر رياض المسائل : 13 / 163 و 15 / 151 .

شکّ في شذوذه .

وكيف كان واستدلّ لهذا القول بالأصل، لأنّ اشتراط الدعوى بما إذا كان المدّعي جازمًا خلاف الأصل ؛ و بقوله - تعالى - : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) (1) ؛ وبأنّه لو كان الجزم شرطًا لم يكف اللفظ المحتمل عند الحاكم، بل كان يجب عليه الاستفسار بأنّک هل جازم أم لا ؟ والتالي باطل، فالمقدّم مثله (2) .

والجواب أمّا عن الأوّل فهو : انّ صحّته موقوفة على وجود الدليل العامّ والإطلاق لايجدى نفعًا بعد ما عرفت، سيّما مع وجود الدليل على خلافه كما عرفت .

و عن الثاني فبأنّ الإطلاق إنّما ينصرف إلى جميع الأفراد عند تواطؤها وعدم وروده في بيان حكم آخر، و هنا بعد تسليم الأوّل نقول : الظاهر انّ الآية سيقت لأجل لزوم الحكم بالحقّ و عدم جواز العدول عنه، لا أنّ المراد منها لزوم الحكم بين الخصمين مطلقًا وإن لم يكن المدّعي جازمًا .

و عن الثالث فبأنّه ليس المراد بالجزم في قولهم : « يشترط في الدعوى الجزم » قولک : أنا جازم و نحوه، بل المراد ما لم يفهم الظنّ، فعلى هذا قول المدّعي : « إنّ لي على فلان كذا »، دعوى بطريق الجزم .

ص: 56


1- . المائدة : 49.
2- . انظر غاية المراد : 4 / 31 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 438 ؛ وكفاية الأحكام : 2 / 684 ؛ وكشف اللثام :10/ 90 ؛ و رياض المسائل : 13 / 162.

ثمّ إنّ هذه أدلّتهم الّتي استدلّوا بها على هذا القول، والحقّ أنّها لا تقاوم ما ذكرنا، لكن يمكن الاستدلال لهذا القول بما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن مولانا الصادق(عليه السلام) قال : لا يضمن الصائغ و لا القصار ولا الحائک، إلّا أن يكونوا متّهمين، فيجيئون (1) بالبيّنة و يستحلف لعلّه يستخرج منه شيء (2) .

و هذا و إن ورد في الأشخاص المذكورة، إلّا أنّه يمكن القول بالعموم من جهة التعليل .

و بما رواه الشيخ عن بكر بن حبيب، عنه (عليه السلام)قال : لا يضمن القصار إلّا ما جنت يداه و إن اتّهمته أحلفته (3) .

و بما رواه أيضًا بهذا الاسناد قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): أعطيت جُبّة إلى القصار، فذهبت بزعمه، قال : إن اتّهمته فاستحلفه، و إن لم تتّهمه فليس عليه شيء(4) .

و لا يخفى أنّ هذه النصوص واضحة الدلالة على المطلوب .

ثمّ على تقدير جواز الدعوى مع الظنّ هل يورد الدعوى بصيغة الظنّ كأظنّ مثلاً، أو بصيغة الجزم ؟

ص: 57


1- . في التهذيب و الوسائل : فيخوف .
2- . الفقيه : 3 / 257 ح 3928 ؛ التهذيب : 7 / 218 ح 951 ؛ الوسائل : 19 / 144 ح 24327 .
3- . التهذيب : 7 / 221 ح 967 ؛ الاستبصار : 3 / 133 ح 481 ؛ الوسائل : 19 / 146 ح 24333 .
4- . التهذيب : 7 / 221 ح 966 ؛ الوسائل : 19 / 146 ح 24332 .

قال في الشرائع :

و لابدّ من إيراد الدعوى بصيغة الجزم، فلو قال: أظنّ أو أتوهّم، لم تسمع (1) .

قال في المسالک :

نبّه بقوله : « إيراد الدعوى بصيغة الجزم » على أنّ المعتبر من الجزم عنده ما كان في اللفظ بأن يجعل الصيغة جازمة، دون أن يقول : أظنّ، أو أتوهّم كذا ؛ سواء انضمّ إلى جزمه بالصيغة جزمه بالقلب واعتقاده استحقاق الحقّ أم لا .

و الأمر كذلک، فإنّ المدّعي لا يشترط جزمه في نفس الأمر، لأنّه إذا كان للمدّعي بيّنة تشهد له الحقّ (2) ، و هو لا يعلم به، فله أن يدّعي به عند

الحاكم لتشهد بالبيّنة (3) .

و كذا لو أقرّ له مقِرّ بحقّ و هو لا يعلم به، فله أن يدّعيه (4) عليه و إن لم يعلم سببه في نفس الأمر ما هو .

و وجه ما اختاره المصنّف من اشتراط الجزم بالصيغة : أنّ الدعوى

ص: 58


1- . شرائع الإسلام : 4 / 872.
2- . في المصدر : بحقّ .
3- . في المصدر : له البيّنة .
4- . في المصدر : أن يدّعيه به .

يلزمها أن يتعقّبها يمين المدّعي و (1) القضاء بالنكول، و هما غير ممكنين مع عدم العلم بأصل الحقّ، إنتهى كلامه (2) .

وفيه نظر، لأنّ ذيل كلامه مناف لصدره، لأنّ قوله : « و وجه ما اختاره المصنّف من اشتراط الجزم بالصيغة أنّ الدعوى يلزمها أن يتعقّبها اليمين » إلى آخره، يدلّ على عدم جواز الدعوى من غير العلم، و هو يناقض ما صرّح به أوّلاً من جواز ذلک، فكيف يكون هذا وجهًا لذلک ؟!

فأقول : كلام المحقّق يحتمل وجوهًا، أحدها : انّه لابدّ من إيراد الدعوى بصيغة الجزم إذا كان جازمًا، فعلى هذا الاحتمال وجه عدم قبول قوله : أظنّ أو أتوهّم،لعدم مطابقتهما بما في الاعتقاد .

و الثاني : انّه لابدّ من إيراد الدعوى بصيغة الجزم و يكون مراده فيما إذا كان جازمًا ؛ و مراده من قوله : « فلو قال : أظنّ أو أتوهّم، لم تسمع »، أي : فيما إذا كان المدّعي ظانًّا و متوهّمًا ؛ وجه عدم قبول قوله حينئذٍ هو ما ذكرناه سابقًا .

و الثالث : هو ما حمل عليه في المسالک من أنّه لابدّ من إيراد الدعوى بصيغة الجزم و إن كان ظانًّا ؛ وقد ذكر في وجه ذلک ما يدلّ على عدم جواز ذلک كما أشرت إليه .

ثمّ أقول : كون هذا مرادًا للمحقّق بعيد، و كيف مع أنّه يستلزم الكذب و التدليس

ص: 59


1- . في المصدر : أو .
2- . مسالک الأفهام : 13 / 437 و 438.

من غير حاجة و داع، لأنّ إيراد الدعوى بصيغة الجزم مع عدم جزمه بذلک كذب لايصار إليه إلّا مع داع، بل الظاهر أنّ مراده هو ثاني الاحتمالات، أي يعتبر في الدعوى الجزم، فلا تسمع مع الظنّ .

و قوله : « و بعض من عاصرناه (1) يسمعها في التهمة، و يحلف المنكر » يؤيّد ذلک، لأنّ تحليفه المنكر لا المدّعي و لو مع الردّ، لأجل عدم علم المدّعي .

9-مسألة

اشارة

لو ادّعى المدّعي إقرار المنكر له بحقّ، فإن أقرّ بذلک أيضًا فالحكم واضح، وإن أنكره هل تسمع الدعوى حينئذٍ بأن يحكم له بالحلف ؟

فالظاهر ذلک، لأنّه ينتفع به في حقّ لازم، فإنّه إن أقرّ بإقراره ثبت الحقّ (2) ، فإذا حلف على عدم الإقرار يترک و إن ردّ أو نكل يحلف المدّعي على أنّه أقرّ له ذلک، فيأخذه لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (3) .

ص: 60


1- . أشار بذلک إلى شيخه الفقيه نجيب الدين محمّد بن نما الحلّيّ ؛ انظر إيضاح الفوائد : 4 / 327 و 328 ؛وغاية المرام : 4 / 229 .
2- . انظر كشف اللثام : 10 / 88 .
3- . استدلّ به الشيخ الطوسي (قدس سره)في الخلاف : 3 / 597 قائلاً : « دليلنا : الأخبار المرويّة في أنّ إقرار العاقلعلى نفسه جائز ». والعلّامة في المختلف : 5 / 237 و 350 و ج 6 / 51 و 56 و 417 . و قال الشيخ حرّالعاملي في الوسائل : « و روى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبيّ (صلي الله عليه واله)أنّه قال : إقرار العقلاءعلى أنفسهم جائز » ؛ ثمّ قال : « أقول : و يأتي ما يدلّ على ذلک في القضاء و غيره » ( وسائل الشيعة :23/184). و رواه أيضًا في الفصول المهمّة : 2 / 403 ح 1 ؛ و عوالي اللّألئ : 1 / 224 ح 104 و ص 257ح 5 و ج 3 / 442 ح 5 .

و لعدم لزوم علم المقرّ له بالسبب المقتضي للإقرار، بل يجوز له أخذه اعتمادًا على إقراره ما لم يعلم بفساد السبب، لجواز استناد الإقرار إلى سبب لا يعلمه، كالنذر و الجناية و الإتلاف .

{لا يفتقر قبول الدعوى إلى الكشف عن خصوصيّاتها }

10-مسألة

اشارة

لا يفتقر قبول الدعوى إلى الكشف عن خصوصيّاتها والتفصيل في أسبابها بأن يقول: أطلب منک خمسة تومان مثلاً بالدين، أو انّه من ثمن فرس، أو غيرهما.

ويستوي في ذلک الدعوى بالمال و غيره، لإطلاق الدالّ على التحاكم بين المتخاصمين، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهم السلام): في الرجل يدّعي ولا بيّنة له، قال : يستحلفه، إلى آخر الحديث (1) .

و ترک الاستفصال عن كشف الأسباب و عدمه يفيد عموم الحكم ؛ و تقييده فيما إذا كان الدعوى عن تفصيل الأسباب وكشف الخصوصيّات خلاف الأصل ؛ وللمشقّة، لأنّ أسباب الملک كثيرة فقد تنسى و لا تضبط، فلو شرط التفصيل لأدّى

ص: 61


1- . الكافي : 7 / 416 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 557 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33679 .

إلى تضييع الحقوق .

و كذا الكلام في العقود كالنكاح و غيره، فلو قال: هذه زوجتي، تقبل، خلافًا لبعض العامّة، فأوجب فيه التفصيل بأن يقول : هذه زوجتي صداقها كذا و تزوّجتها عند عادلين مثلاً ؛ و ذلک لأنّ أمر الفروج مبنيّ على الاحتياط (1) .

و فيه نظر، لأنّ بناء الفروج على الاحتياط لا يقتضى إلّا عدم الحكم بالنكاح من غير حجّة، لا التفصيل في الدعوى، بل ربّما يئول التفصيل إلى خلاف الاحتياط، و ذلک كما إذا نسي التفصيل في النكاح، فلو كان التفصيل موقوفًا عليه لسماع الدعوى، ينبغي أن يحكم بعدم الزوجيّة، فحينئذٍ تزوّج الإمرأة مع أنّها زوجة غيره .

و لا يخفى أنّ ما قلنا من عدم اعتبار التفصيل في الدعوى إنّما هو في دعوى غير القتل، و أمّا في دعواه فقد نقل اتّفاق أصحابنا على اعتبار الكشف والتفصيل في ذلک بأن يقول : هذا قاتل أبي عن عمد، أو سهو، أو وحده، أو مع غيره بالمباشرة أو التسبيب ؛ و ذلک لاختلاف الحكم باختلاف الأسباب (2) .

ولو لا اتّفاق المحكيّ من الأصحاب، لأمكن المناقشة في ذلک، بناءً على أنّ إختلاف الأسباب ما يصير سببًا لعدم سماع دعوى القتل من غير كشف مطلقًا، لجواز أن يسمع الحاكم الدعوى حينئذٍ و طلب البيّنة من المدّعي، فإن أقامها

ص: 62


1- . انظر الحاوي الكبير : 17 / 310 و 313 ؛ و حلية العلماء : 8 / 185 ؛ والمغني، لابن قدامة : 12 / 165 ؛وروضة الطالبين : 8 / 293 .
2- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 64 ؛ و مفاتيح الشرائع : 3 / 260 .

استفصل منها بأنّ القاتل أيّ نحو قتله، عمدًا أو سهوًا، وحده أو بالمشاركة، فإن تبيّن الأمر حكم بما ظهر، وإلّا أصل القتل معلوم، فلا أقلّ من الحكم بإعطاء الدية، لأنّ القتل ولو كان عن عمد و رضي الوارث بأخذ الدية يجوز، فإذا ثبت قاتليّته تدفع تشارک الغير معه بالأصل و كذا قتل الغير بتسبيبه .

هل يشترط مطالبة الحاكم الجواب
من الخصم بسؤال المدّعي ذلک أم لا ؟

11-مسألة

اشارة

إذا ادّعى المدّعي على المدّعى عليه عند الحاكم، هل للحاكم المطالبة بالجواب قبل أن يسأل المدّعي ذلک، أم لا ؟

قولان، اختار ثانيهما الشيخ والمحقّق (1) والعلّامة ؛ قال في القواعد :

إذا تمّت الدعوى، فالأقرب انّ الحاكم لايبتدئ بطلب الجواب { من الخصم } (2) إلّا بعد سؤال المدّعي ذلک، لأنّه حقّ له، فيتوقّف على المطالبة (3)

ص: 63


1- . انظر المبسوط : 8 / 157 ؛ و شرائع الإسلام : 4 / 872 .
2- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
3- . قواعد الأحكام : 3 / 438 .

أقول : العبارة تحتمل وجهين، أحدهما : انّ الحاكم لايبتدئ بطلب الجواب من الخصم إلّا بعد سؤال المدّعي من الحاكم ذلک، أي طلب الجواب من الخصم.

والثاني هو : أنّ الحاكم لايبتدئ بطلب الجواب من الخصم إلّا بعد سؤال المدّعي من الخصم ذلک، أي الجواب ؛ والظاهر انّ المراد هو الاحتمال الأوّل.

والظاهر أنّ الضمير في « لأنّه » في قوله : « لأنّه حقّه فيتوقّف على المطالبة » يعود إلى : « الجواب »، و في « حقّه » إلى : « المدّعي »، أي : الجواب حقّ للمدّعي لأنّه السائل، فيستحقّ الجواب، فيتوقّف على مطالبته بنفسه، بناءً على الاحتمال الثاني ؛ و بالواسطة بناءً على الاحتمال الأوّل .

إذا عرفت ذلک نقول : إنّ كون الجواب حقًّا له لايدلّ على عدم جواز طلب الحاكم ذلک من الخصم ؛ و الحاكم إنّما يطلبه ذلک للمدّعي لا لنفسه ؛ و إحضاره الخصم عندالحاكم قرينة قويّة على رضاه بطلبه الجواب منه .

و يحتمل أن يكون الضمير في « لأنّه » في قوله : « لأنّه حقّه » عائدًا إلى المدّعى به المدلول عليه بالمقام ؛ و على هذا نقول أيضًا : كون المدّعى به حقًّا للمدّعي لايدلّ على عدم جواز مطالبة الحاكم الجواب من السؤال عن الخصم كما هو واضح .

و على فرض التسليم نقول : إنّ الطلب من المدّعي حاصل، لأنّ الإنسان لايحضر خصمه في مجلس الحاكم و يدّعى عليه إلّا و هو يريد الجواب، فالقرينة الحاليّة دالّة على سؤاله الحاكم وإذنه له على طلب الجواب، فعلى هذا أظهر القولين

ص: 64

هو الأوّل، وفاقًا لجملة ممّن تأخّر (1) .

حكم الحاكم بعد إقرار الخصم غير مشروط بسؤال المدّعي

ثمّ اعلم : أنّه إذا طلب الحاكم الجواب من الخصم فأقرّ هو بما ادّعاه المدّعي عليه و كان جائز التصرّف بأن كان كاملاً مختارًا غير محجور عليه فيما أقرّ به، هل للحاكم أن يحكم عليه من غير أن يسأله المدّعي ذلک، أم لا ؟

قولان أيضًا ؛ قال في القواعد :

فإذا أقرّ وكان جائز التصرّف حكم عليه إن سأله المدّعي (2) .

ونقل ذلک عن المبسوط أيضًا، لأنّه حقّ له، فلا يستوفى إلّا بمسئلته (3) .

و القول الثاني : الجواز، و هو الظاهر، لأنّ المقرّ به حقّ ظهر للحاكم، فوجب عليه إظهاره ؛ و لأنّ القرينة الحاليّة قائمة على رضى المدّعي بذلک، فيقول الحاكم عند الحكم : حكمت، أو قضيت عليک، أو ادفع إليه حقّه، و نحو ذلک، سواء كان بعد سؤال المدّعي، أو قبله (4).

ص: 65


1- . انظر مسالک الأفهام : 13 / 440 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 128 ؛ و رياض المسائل : 13 / 85 ؛ والمناهل :722 .
2- . قواعد الأحكام : 3 / 438.
3- . المبسوط : 8 / 158 .
4- . لاحظ البحث في شرائع الإسلام : 4 / 873 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 442 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 128 ؛ومفاتيح الشرائع : 3 / 255 ؛ والمناهل : 722 .
التماس المدّعي للكتابة بإقرار المنكر يقبل

12-مسألة

اشارة

لو التمس المدّعي من الحاكم أن يكتب له كتابًا في ثبوت حقّه، أجابه وجوبًا إن توقّف وصول الحقّ على ذلک، فيكتب : انّ فلان بن فلان قد حضر وأحضر معه فلان بن فلان وادّعى عليه بكذا، فأقرّ له به .

هذا إذا كان الحاكم يعرف كلاًّ منهما، أو عرفهما عدلان، وإن كان الأحوط في الأخير التنبه على حصول المعرفة بالعدلين ؛ وإلّا - أي : وإن لم يعرفهما الحاكم ولا العدلان - يكتب المحضر بالحلية (1) كلّ منهما بحيث يمتاز كلّ منهما عمّن عداه،بأن يكتب هكذا : انّ رجلاً حليته كذا وكذا حضر وأحضر معه رجلاً حليته كذا وكذا ؛ و ذكر كلّ منهما انّه فلان بن فلان وادّعى عليه بكذا، فأقرّ له به.

ويمكن التخيير في الكتابة في هذه الصور، لأنّ فائدتها التذكّر بالحكم عند رؤية الخطّ، و هو مشترک في الجميع.

وهل يختصّ الحكم - أي وجوب الكتابة إذا تجب - فيما إذا أتى المدّعى بالقرطاس و المداد و القلم، أو يعمّ فيجب على الحاكم القرطاس و غيره لو لم يأتى

ص: 66


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): و هي بكسر الحاء المهملة واللام الساكنة وكسر الياء المثنّاة التحتانيّة،أي : الصفة من الطول والقصر والسواد والبياض و غيرها .

المدّعي ذلک ؟

الظاهر الثاني، لأنّ المفروض انّ وصول الحقّ موقوف على الكتابة، فلو تركت بعدم إتيان المدّعي القرطاس مثلاً، لضاع حقّه و قد نصب الحاكم للمنع من ضياع حقوق الناس بحسب الإمكان .

وكذا يجب على الحاكم الإشهاد لو التمس المدّعي أن يشهد على إقرار المنكر شاهدين إذا توقّف وصول الحقّ عليه (1) .

ينظر المدّعى عليه إلى الميسرة لو ظهر إعساره

13- مسألة

اشارة

لو ادّعى المنكر الإعسار بعد ثبوت المدّعى به عليه، و ظهر صدقه إمّا بشهادة البيّنة المطلقة على حاله، أو بعلم الحاكم ذلک، أو بتسليم الخصم، ينظر إلى أن يوسر ويوسّع و يقدر على الأداء، لقوله - تعالى - : ( و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) (2) .

ص: 67


1- . لاحظ البحث في المبسوط : 8 / 115 ؛ والمختصر النافع : 273 ؛ و شرائع الإسلام : 4 / 873 ؛ وتحريرالأحكام : 5 / 142 ؛ والقواعد : 3 / 438 ؛ ومختلف الشيعة : 8 / 436 ؛ وكشف اللثام : 10 / 93 ؛ وكفايةالأحكام : 2 / 686 .
2- . البقرة : 280.

و رواية غياث بن إبراهيم (1) : أنّ عليًّا (عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا تبيّن له أفلاس و حاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالاً (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّه خلّى سبيله مع كونه محبوسًا بسبب الإعسار الّذي علم به بعد الحبس، فنظرته بالإعسار الّذي علم به قبل الحبس بطريق أولى .

أو يقال: إنّ الداعي للنظرة هناک إعساره، فلا يتفاوت الحال فيه بين أن علم به بعد الحبس أو قبله، فعلى الحالتين لابدّ من الإنظار .

وأيضًا مورد الحديث هو الحبس بالدين، فنجري الحكم على جميع الحقوق لعدم القول بالفصل .

قال في الشرائع :

ولو ادّعى الإعسار كشف عن حاله، فإن استبان فقره أنظره . و في تسليمه إلى غرمائه، ليستعملوه أو يؤاجروه روايتان، أشهرهما الإنظار (3) .

قال في المسالک :

ص: 68


1- . جاء في حاشية الأصل : رواها في زيادات التهذيب في باب كيفيّة الحكم والقضاء، باسناده عن محمّد بنعليّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه(عليهماالسلام)؛ منه .
2- . الفقيه : 3 / 28 ح 3258 ؛ التهذيب : 6 / ص 196 ح 433 و ص 299 ح 834 ؛ الاستبصار : 3 / 47 ح156 ؛ الوسائل : 18 / 418 ح 23960 .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 873 .

الرواية الدالّة على ذلک لم تحضرني حال الكتابة . و ذكر بعضهم أنّها ليست موجودة أصلاً . و جعلها صاحب كشف الرموز (1) رواية زرارة

عن الباقر 7 : « كان عليّ (عليه السلام) لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة : الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلمًا، و من اؤتمن على أمانته (2) فذهب بها، وإن وجد له شيئًا باعه، غائبًا كان أو شاهدًا » (3) . و لا دلالة في هذه الرواية

على المدّعى فضلاً عن كونها أشهر.

أقول : هذه الرواية مرويّة في زيادات القضاء (4) من التهذيب صحيحة ؛ و ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من عدم دلالتها على المدّعى مسلّم، لعدم ذكر الإعسار في الرواية ؛ و على تقدير تنزيلها على ذلک نقول : غاية ما يستفاد منها عدم حبس غير الثلاثة، و هو لايستلزم الإنظار، لتحقّق الواسطة، و هو : تسليمه إلى الغرماء ليستعملوه أو يؤاجروه .

والقول (5) بأنّ التسليم إلى الغرماء أيضًا حبس، يدفعه : أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة، و عدم جواز استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز في استعمال

ص: 69


1- . كشف الرموز : 2 / 499 .
2- . في المصدر: أمانة .
3- . الاستبصار : 3 / 47 ح 154 ؛ التهذيب : 6 / 299 ح 836 ؛ الوسائل : 27 / 295 ح 33783 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : بإسناده عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد ابنمحمّد بن عيسى، عن عبدالرّحمن بن أبي نجران، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبيجعفر(عليه السلام).
5- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : ردّ على المقدّس الأردبيليّ.

واحد ؛ و ممّا يبعد هذا الاحتمال - زيادة على ما مرّ - ذكر السجن في قوله : «لايحبس في السجن ».

ثمّ أقول : يمكن أن يكون الرواية الّتي أشار إليها المحقّق بقوله : « أشهرهما الإنظار»، هي ما ذكرناه أوّلاً بناءً على ما تقدّم .

و يحتمل أيضًا أن يكون الرواية المشار إليها في قوله، هي رواية السكوني عن مولانا جعفر، عن أبيه، عن عليّ :: أنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرًا، فأبى أن يحبسه، و قال : إنّ مع العسر يسرًا (1) .

وجه الدلالة هو : أنّه 7 لم يجعل للزوجة تسلّطًا على استعمال الزوج، بل قال : « إنّ مع العسر يسرًا »، فعدم التسلّط للغير بطريق أولى .

تنبيهٌ

اعلم : أنّ ظاهر صحيحة زرارة المذكورة مناف لما مرّ من رواية غياث، لأنّ ظاهر الصحيحة عدم حبس غير الغاصب ومن أكل مال اليتيم ظلمًا ومن اؤتمن على أمانته فذهب بها، و رواية غياث نصّ على أنّه (عليه السلام)كان يحبس في الدين، فبينهما تناف .

و رفعه يمكن إمّا بحمل رواية غياث على الحبس في غير السجن، ومعلوم أنّ مورد الصحيحة هو الحبس في السجن، فلا منافات، أو بحمل الصحيحة على غير

ص: 70


1- . التهذيب : 6 / 299 ح 837 ؛ و 7 / 454 ح 1817 ؛ الوسائل : 18 / 418 ح 23961 .

القادر، فلا منافات أيضًا، لأنّ رواية غياث في القادر، بقرينة قوله : « فإذا تبيّن له أفلاس » إلى آخره (1) .

إن قلت : حمل الصحيحة على غير القادر يدلّ على جواز حبس الثلاثة المذكورة فيها عند عدم القدرة، إذ معناها حينئذٍ هكذا : كان عليّ (عليه السلام)لايحبس غير القادر - أي المعسر - في السجن إلّا الغاصب و من أكل مال اليتيم إلى آخره، فانّه (عليه السلام) يحبسهم مع الإعسار .

قلت : لا بُعد في حبس هؤلاء ولو في حالة الإعسار تغليظًا لأحكامهم على حكم غيرهم، فعلى هذا يكون الصحيح دالاًّ على جواز حبس هؤلاء عند العجز عن أداء الحقّ صريحًا، فإذا جاز حبس هؤلاء مع العسر، فمع اليسر بطريق أولى .

ثمّ إنّ ما ذكرنا من إنظار المدّعى عليه إلى الميسرة لو ظهر إعساره، هو المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به المحقّق و الشهيد الثاني و المقدّس الأردبيليّ(2) .

و نقل عن شيخنا في النهاية (3) أنّه ذهب إلى تسليم المدين على الغريم ليستعمله، أو يؤاجره، لرواية السكوني (4) عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : إنّ

ص: 71


1- . الفقيه : 3 / 28 ح 3258 ؛ التهذيب : 6 / ص 196 ح 433 و ص 299 ح 834 ؛ الاستبصار : 3 / 47 ح156 ؛ الوسائل : 18 / 418 ح 23960 .
2- . انظر مسالک الأفهام : 7 / 407 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 131 .
3- . نقله عنه الصيمريّ في غاية المرام : 4 / 231 ؛ والشهيد الثاني في مسالک الأفهام : 13 / 445 ؛ وانظرالنهاية في مجرّد الفقه و الفتاوي : 353، الرقم 16 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : رواها في باب القضاء من زيادات التهذيب باسناده عن محمّد بن عليّبن محبوب، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي جعفر (عليه السلام).

عليًّا (عليه السلام)كان يحبس في الدين، ثمّ ينظر، إن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم آجروه، و إن شئتم استعملوه (1) .

و هذا القول ضعيف جدًّا كضعف مستنده، لمخالفته لعمومات الكتاب و السنّة، قال الله - تعالى - : ( ليس عليكم في الدين من حرج ) (2) ؛ ( و يريد الله بكم اليسر

و لا يريد بكم العسر ) (3) ، و غير ذلک ؛ و خصوص قوله - تعالى - : ( فنظرة إلى ميسرة ) (4) ، و ما تقدّم من الرواية ؛ و لأنّ الأصل عدم تسلّط صاحب الدين على المديون عينه، لانتفاء ولايته عليه .

و في المسألة قول ثالث، نقل ذلک عن ابن حمزة، و دفع عنه البعد جماعة، وهو أنّه إذا ثبت إعساره خلّى سبيله إن لم يكن ذا حرفة يكتسب بها { أمره بالتمحل، وإن كان ذا حرفة } (5) دفعه إليه ليستعمله فيها (6) ، وما (7) فضل عن قوته و قوت

عياله { بالمعروف } (8) أخذه (9) بحقّه (10) .

ص: 72


1- . تهذيب الأحكام : 6 / 300 ح 838 ؛ الاستبصار : 3 / 47 ح 155 ؛ الوسائل : 18 / 418 ح 23962 .
2- . الحجّ : 78 ؛ والآية هكذا : ( ما جعل عليكم في الدّين من حرج ).
3- . البقرة : 185 .
4- . البقرة : 280 .
5- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
6- . « فيها » لم يرد في المصدر .
7- . في المصدر : فما .
8- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
9- . في المصدر : أخذ .
10- . الوسيلة : 212 .

و مستنده في ذلک رواية السكوني المتقدّمة على ما قيل (1) .

و أنت تعلم أنّه ليس فيها هذا التفصيل ؛ و حملها على ذلک جمعًا بينها و بين ما تقدّم من الأدلّة يحتاج إلى شاهد، و هو مفقود .

إن قلت (2) : إنّ هذا الشخص مثلاً متمكّن من أداء ما وجب عليه وإيفاء صاحب

الدين حقّه، فيجب عليه كما يجب عليه السعي في المؤنة . و أيضًا أنّ هذا الشخص مع تمكّنه من الكسب لا يكون معسرًا، بل موسر، لأنّ اليسار كما يتحقّق بالقدرة على المال، كذا يتحقّق بالقدرة على تحصيله ؛ و لهذا منع القادر على الكسب من أخذ الزكاة، فلا يشمله ما تقدّم من الأدلّة في إنظار المعسر إلى الميسرة (3) .

قلت : ما ذكرت مسلّم، لكن نقول: إيسار هذا الشخص المفروض ليس أظهر من القادر على المال بالفعل، فحكمه إن لم يكن أدون من حكمه، فليكن مساويًا معه ؛ و حكمه وجوب الوفاء بالدين، فليكن حكم هذا أيضًا ذلک، فتسليمه إلى الغريم و تسليطه عليه من أين ؟!

و الحاصل هو : أنّا نقول : الموسر على قسمين، قسم قادر بالمال بالفعل، فيجب عليه الوفاء بالدين دفعة ؛ و قسم قادر به بالتكسّب والتحصيل، فيجب عليه الوفاء بقدر ما اكتسب و حصّل، و هو إمّا يدلّ على تسليمه إلى الغريم و الكلام في ذلک.

وعلى المختار من الإنظار إلى الميسرة لو مات في حال الإعسار سقط عنه

ص: 73


1- . القائل هو العلّامة (قدس سره) في المختلف : 8 / 452 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه(قدس سره) : ردّ على العلّامة .
3- . انظر مختلف الشيعة : 8 / 453 .

الدين لو لم يبق منه ما لا يمكن به الوفاء كلاًّ أو بعضًا و كان في حال الحياة محتاجًا إليه بحيث لم يجوز أخذه منه فيها، و لا حرج عليه لو استدان بحقّ و لم يتهاون في الأداء، لأنّ هذا دين قد احتاج إليه في حال الحياة، فاستدان، و قد جعل الشارع للأداء به أجلاً معيّنًا، و هو عند الإيسار و قبل الوصول إليه قد فات، فسقط عنه .

لا يجب على المديون قبول الهبات والصدقات لأجل وفاء الدين

ثمّ إنّه هل يجب عليه قبول الهبات والصدقات و غير ذلک ؟

فالظاهر لا، للأصل و عدم دليل يوجب الخروج عنه .

و عن المبسوط أنّه قال :

لا خلاف أنّه لايجب عليه قبول الهبات والوصايا والاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والاغتنام والتلصص في دار الحرب وقتل الابطال و سلبهم ثيابهم و سلاحهم ولا تؤمر المرأة بالتزويج لتأخذ المهر وتقضي الديون، ولا يؤمر الرجل بخلع زوجته فيأخذ عوضه، لأنّه لا دليل على شيء من ذلک، والأصل براءة الذمّة، إنتهى (1)

ص: 74


1- . المبسوط : 2 / 274 .

هذا كلّه إذا علم إعساره بأيّ وجه كان، وأمّا إذا ادّعى الإعسار ولم يعلم، بل اشتبه حاله، فحينئذٍ لايخلو إمّا أن يعلم أنّه كان ذا مال، أو كان المال أصل الدعوى، كما إذا كان المدّعى به قرضًا عنده، أو ثمن مبيع مردود إليه بعيب و نحوه، فادّعى التلف، أو لا يعلم أنّ له مالاً ولم يكن أصل الدعوى هو المال أيضًا .

و على الأوّل يطلب بالبيّنة على تلف ذلک المال جميعًا، فإن أقامها فحكمه كالأوّل - أي ينظر إلى ميسرة - و لا يجوز حبسه حينئذٍ لما تقدّم، و إلّا فيحبس حتّى يثبت إعساره للأصل، بناءً على أنّ المال كان معلوم الثبوت عنده، والأصل بقاؤه إلى أن حصل العلم بالتلف، أو ما قام مقامه .

و لما مرّ من رواية غياث : أنّ عليًّا (عليه السلام)كان يحبس في الدين، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالاً (1) .

و الظاهر أنّ موردها في الدين الّذي لم يعلم حاله قبل الحبس من الإعسار والإيسار ؛ و على فرض تسليم عدم الظهور في ذلک، فلا شبهة في شموله له أيضًا، و ضعفها غير مضرّ بعد عمل الأصحاب، كاحتمال إعساره في نفس الأمر .

إن قلت : ما تقدّم من الأدلّة قد دلّ على أنّ المعسر يجب إنظاره إلى الميسرة؛ ويحتمل أن يكون هذا الشخص معسرًا في نفس الأمر و عجز عن إثباته، فينبغي نظرته حتّى يحصل الامتثال .

ص: 75


1- . الفقيه : 3 / 28 ح 3258 ؛ التهذيب : 6 / ص 196 ح 433 و ص 299 ح 834 ؛ الاستبصار : 3 / 47 ح156 ؛ الوسائل : 18 / 418 ح 23960 .

قلت أمّا أوّلاً : فبالمعارضة، بيانها هو : أنّ الأدلّة قد دلّت على أنّه لو كان مؤسرًا لا يجوز إنظاره، و يحتمل أن يكون هذا الشخص موسرًا في نفس الأمر، فينبغي مطالبته بالحقّ حتّى يحصل الامتثال .

و أمّا ثانيًا : فبالحلّ، بيانه هو : أنّا غير مكلّفين إلّا بما نفهم من الألفاظ و يتبادر إلى أذهاننا منهاج، والظاهر المتبادر من قوله - تعالى - : ( إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) (1) هو الّذي علم إعساره، لا ما احتمل، فيجب الحمل عليه .

إن قلت : كما أنّ المتبادر من المعسر هو الّذي علم عسره، كذا يكون المتبادر من الموسر هو الّذي علم إيساره، فكما لم يشمل الدالّ على أنّ المعسر يجب إنظاره للّذي لم يعلم عسره، كذا لم يشمل الدالّ على أنّ الموسر يجب مطالبته للّذي لم يعلم إيساره، فمن أين ترجّح الثاني على الأوّل، فتحكم بالمطالبة من الّذي لم يعلم إعساره حتّى يحبس ؟

قلت : الدليل الدالّ على أنّ الموسر يطالب على نحوين، أحدهما : مثل مفهوم الشرط في قوله - تعالى - : ( و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة )، و هو أنّه إن لم يكن ذو عسرة، فليس له نظرة إلى الميسرة، بل يطلب بالحقّ ؛ و هذا يجري فيه ما مرّ، لأنّ المتبادر من قولک : « إن لم يكن ذو عسرة »، هو ما إذا حصل العلم بعدم إعساره، فلا يشمل ما اشتبه حاله .

و ثانيهما : مثل رواية غياث المتقدّمة، و قد عرفت شمولها لمشتبه الحال أيضًا ؛

ص: 76


1- . البقرة : 280 .

و مستندنا في إدخال مشتبه الحال في حكم المؤسر من الحبس ليس هو القسم الأوّل من الدليل، بل الثاني .

على أنّا نقول : ليس كلامنا في مشتبه الحال مطلقًا، بل إذا علم بأنّه كان ذا مال، وقد عرفت أنّه موسر بحكم الاستصحاب، فتأمّل .

ثُمَّ الظاهر انّ المدّعي لو أراد أن يحلفه على عدم إبقاء المال المعلوم جاز، لأنّ المدّعي يدّعي إبقاء المال، و هذا ينكره، فيجوز له إحلافه على عدم بقاء المال، فإذا حلف خلّى سبيله إلى الإيسار .

ثمّ اعلم : الظاهر أنّه لو حصل الظنّ بكلّ من الإيسار و الإعسار يكفي في المقام، فعلى هذا لو حصل الظنّ من حال المدين بإتلاف المال يكفي في إنظاره إلى الميسرة، فلا يحتاج إلى العلم ؛ ألا ترى أنّه يشترط في آخذ الزكاة مثلاً الاستحقاق و يكفى فيه بحصول الظنّ و هكذا، فلا يجب تحصيل العلم، فتأمّل .

و على الثاني - أي إذا لم يعلم انّ له مالاً و لم يكن أصل الدعوى مالاً من المدّعي إلى المدّعى عليه، كأن يكون الدعوى صداق الزوجة، أو نفقتها، أو أرش الجناية، و حينئذٍ لو لم يكن معسرًا - فحكمه واضح، و كذا إذا علم إعساره .

و أمّا إذا ادّعى الإعسار و عجز عن إثباته شرعًا، أحلف على الفقر ؛ و كأنّه لاخلاف في ذلک بين الأصحاب، و إن ناقش فيه بعض المتأخّرين (1) ؛ و ذلک لأنّ غالب الناس قد اشتبه حالهم، فلو اكتفى في الإعسار بمجرّد ادّعاء المدّعي لكان ذلک فتحًا للباب الّذي يختلّ به النظام .

ص: 77


1- . لم نعثر عليه .

ثُمَّ إنّ الحكم بالحلف هنا إمّا خروج عن الأصل الّذي تقدّم من أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر، لكونه مدّعيًا للإعسار، أو لإرجاع قول المدّعي إلى ادّعاء القدرة على وفاء المدّعى به و المنكر ينكره، فيكون الحكم بالحلف على القاعدة .

و كيف كان لو حلف خلّى سبيله إلى الميسرة، و إن نكل و منع نفسه من اليمين حلف المدّعي على القدرة، فحبس .

قيل (1) :

و لو كان غريبًا لا يتمكّن من إقامة البيّنة وكّل به القاضي مَن يبحث عن منشئه و منتقله و تفحّص (2) عن أحواله بقدر الطاقة، فإذا غلب على ظنّه إفلاسه شهد به عند القاضي، لئلّا تتخلّد عليه عقوبة السجن (3) .

جواب المنكر إقرار و سكوت و إنكار

14-مسألة

اشارة

جواب المنكر على ثلاثة أقسام، إمّا إقرار، أو سكوت، أو إنكار ؛ أمّا الإقرار

ص: 78


1- . قائله العلّامة الحلّي(قدس سره) .
2- . في المصدر : و يفحّص .
3- . تذكرة الفقهاء : 14 / 74 .

فقد تقدّم الكلام فيه، و أمّا السكوت (1) فسيجيء .

و كلامنا الآن في الإنكار، فأقول : إذا ادّعى المدّعي على خصمه عند الحاكم حقّه، فأنكره ذلک و تعرّض به الحاكم إلى المدّعي فيقول له : ألَک بيّنة فيما تدّعيه عليه وجوبًا إن لم يعلم أنّه موضع المطالبة بالبيّنة، و إلّا فهو مخبر في ذلک، لقوله 7: « البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر » (2) .

فإن قال: نعم و أحضرها و شهدت له، حكم له ؛ و إن قال : ليس لي بيّنة، عرّفه الحاكم أنّ المنكر له اليمين، فإن طلب إحلافه أحلفه الحاكم، و لا يجوز للحاكم إحلافه من غير طلبه اتّفاقًا كما حكاه بعض (3) ، لأنّه حقّ للمدّعي مسقط لدعواه .

و يحتمل أن لا يريد المدّعي الإحلاف في الحال، لاحتمال إقرار الخصم، أو ليتذكّر أنّ له بيّنة ؛ و كذا المنكر، فانّه لا يجوز له الإحلاف (4) ابتداء ؛ و كذا المدّعي، فانّه لا يحلف المنكر من غير أمر الحاكم، فلو تبرّع الحاكم يمينه، أو المنكر حلف ابتداء، أو باحلاف المدّعي، وقعت اليمين لغوًا، فلا يعتدّ بها ولا يرتفع بها الدعوى .

و حكي أنّ أبا الحسين بن أبي عمر القاضي أوّل ما جلس القضاء (5) ارتفع إليه

ص: 79


1- . جاء في حاشية الأصل : في جعل السكوت جوابًا توسّع من تسمية الشيء باسم نقيضه، أو لمشاركتهالإنكار في الحكم على ما سيجيء ؛ منه .
2- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
3- . حكاه في كشف اللثام : 10 / 96 .
4- . جاء في هامش الأصل : الحلف ( بدل ) .
5- . في المصدر : للقضاء .

خصمان، وادّعى (1) أحدهما على الآخر (2) دنانير، فأنكرها (3) ، فقال القاضي للمدّعي : ألَکَ بيّنة ؟ قال : لا، فاستحلفه القاضي من غير مسألة المدّعي، فلمّا فرغ قال له المدّعي : ما سألتک أن تستحلفه {لي } (4) ، فأمر أبو الحسين أن يعطي الدنانير من خزائنه، لأنّه استحيا أن يحلفه (5) ثانيًا، إنتهى (6) .

فللمدّعي في جميع الصور الثلاث، المطالبة باليمين وإعادتها مع مسألة الحاكم .

و قد عرفت الوجه في عدم اعتبار اليمين إذا تبرّعها الحاكم، و كذا إذا حلف الحالف بنفسه .

و أمّا وجه عدم اعتبارها إذا أحلفه المدّعي من غير إذن الحاكم، لأنّ الحكم بأنّ اليمين على من أنكر حكم من الأحكام الشرعيّة قد اجتهد فيه الحاكم، فلابدّ أن يكون من إذنه و اطّلاعه .

بعد حلف المنكر سقطت الدعوى وإن أقام المدّعي البيّنة

ثمّ إنّ فائدة جعل اليمين للمنكر هو أنّه لو حلف بالإحلاف المعتبر سقطت

ص: 80


1- . في المصدر : فادّعى .
2- . في المصدر : على صاحبه .
3- . في المصدر : وأنكر الآخر .
4- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
5- . في المصدر : أن يستحلفه .
6- . حكاه الشيخ في المبسوط : 8 / 16 .

الدعوى عنه ظاهرًا، وإن كان كاذبًا في يمينه، فلا يجوز للمدّعي المطالبة بعد ذلک بشيء، سواء شرط سقوط الدعوى، أم لا ؛ و سواء ادّعى أنّه كان لي بيّنة و نسيتها، أم لا، للاعتبار والنصوص .

منها : ما رواه إبن أبي يعفور في الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه، فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله، ذهب اليمين (1) بحقّ المدّعي، فلا حقّ له (2) . قلت له : و إن كانت عليه بيّنة عادلة ؟ قال :

نعم و إن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قَسامة ما كان له حقّ (3) ، و كان اليمين (4) قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه (5) .

و منها : ما رواه النخعيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل (6) يكون له على الرجل المال فيجحده، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه (7) شيئًا، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه (8) .

ص: 81


1- . في الكافي و الفقيه : ذهبت اليمين .
2- . في الكافي و الفقيه : فلا دعوى له .
3- . « حقّ » لم يرد في الكافي و التهذيب .
4- . في الكافي : و كانت اليمين ؛ و في الفقيه : فانّ اليمين .
5- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل : 27 / 245 ح33689 .
6- . في المصادر : الرجل .
7- . « منه » لم يرد في المصادر .
8- . الكافي : 7 / 418 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 185 ح 3695 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 566 ؛ الوسائل : 27 / 246ح 33601 .

و منها : ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابه : في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده فيحلف له ؛ إلى أن قال : أعليه (1) شيء ؟ قال : ليس له أن يطلب منه (2) .

و هذا و إن لم يذكر فيه أنّه شرط سقوط الدعوى أم لا ؟ و كان له بيّنة أم لا ؟ إلّا أنّه يدلّ عليه من وجهين، أحدهما : من جهة الإطلاق، و هو مشترک بينه و بين ما تقدّم منه ؛ والثاني : من جهة ترک الاستفصال، فإنّ ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم .

خلافًا للمحكيّ عن المقنعة والكامل والوسيلة والمراسم من أنّه يحكم بالبيّنة، إلّا أن يشترط الحالف سقوط الحقّ باليمين، و هو محجوج بما تقدّم من الأدلّة، لكونها مطلقة ؛ و بالإجماع المحكيّ عن الخلاف والغنية في أنّه لايسمع دعواه بعد الإحلاف و لو كانت مع البيّنة ؛ و للمحكيّ عن موضع من المبسوط و الحلبي و ابن إدريس، و العلّامة في المختلف، حيث ذهبوا إلى أنّه يسمع الدعوى بالبيّنة مع النسيان أو الجهل، أو لا، لأنّه إنّما رضى باليمين لظنّ عجزه عن إثبات حقّه .

و جوابه يظهر ممّا تقدّم، فعلى هذا في المسألة أقوال ثلاثة :

الأوّل : عدم سماع الدعوى بعد الإحلاف المعتبر مطلقًا، و هو المختار .

والثاني : سماعها بالبيّنة، إلّا أن يشترط الحالف سقوط الحقّ باليمين.

ص: 82


1- . في المصادر : « أله عليه شيء ؟ ».
2- . الكافي : 7 / 418 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 232 ح 567 ؛ الوسائل : 23 / 286 ح 29582 .

والثالث : سماعها مع النسيان، أو الجهل بالبيّنة، أو لا .

و على المختار لا تسمع دعواه بعد الحلف و لو مع إقامة البيّنة و عدم اشتراط السقوط و مع الجهل و النسيان بالبيّنة، بل لا يجوز له المطالبة، فلو فعل فعل محرَّمًا ويأثم .

و كذا لايجوز له الاقتصاص من ماله لو ظفر به وإن كان في نفس الأمر انّه كاذبًا في يمينه، لأنّ الشارع جعل فسخ دعواه في الدنيا بالحلف كما عرفت وقد حلف، فقد فسخت الدعوى، و مع فسخها كأنّه لا يريد منه شيئًا في الدنيا، فاقتصاصه من ماله حينئذٍ كأخذ ماله من غير أن يطلب منه شيئًا، فيكون حرامًا .

وحكى الشيخ في التهذيب عن عبد الله بن وضاح أنّه قال : كان (1) بيني وبين رجل من اليهود معاملة، فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي، فاحلفته فحلف، وقد علمت أنّه حلف يمينًا فاجرة، فوقع له بعد ذلک عندي أرباح و دراهم كثيرة، فأردت أن أقبض الألف درهم الّتي كانت لي عنده وأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن 7، فأخبرته انّي قد حلفته، فحلف وقد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن آخذ منه ألف (2) درهم الّتي حلفت (3) عليها {فعلت } (4) .

ص: 83


1- . في المصدر : كانت .
2- . في المصدر : منها الألف .
3- . في المصدر : حلف .
4- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .

فكتب (عليه السلام): لا تأخذ منه شيئًا إن كان قد (1) ظلمک فلا تظلمه، ولولا انّک رضيت بيمينه فحلفته لأمرتک أن تأخذ من تحت يدک ولكنّک قد (2) رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها، فلم آخذ منه شيئًا وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (عليه السلام) (3) .

و روى سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)عن رجل وقع لي عنده مال، فكابرني عليه و حلف، ثمّ وقع له عندي مال، أفآخذه لمكان مالي الّذي أخذه واجحده واحلف عليه كما صنع ؟ فقال : إن خانک فلا تخنه و لا تدخل فيما عبته عليه (4) .

نعم، لو أكذب الحالف نفسه بعد الحلف فأقرّ بالحقّ، يجوز له المطالبة حينئذٍ والمقاصّة ممّا يجده له مع امتناعه من التسليم، لعموم أدلّة الأخذ بالإقرار، فيخصّص بها عموم ما تقدّم من أدلّة السقوط .

والتعارض بينهما وإن كان من قبيل تعارض الظاهرين والعموم من وجه، لأنّ أدلّة السقوط خاصّة من حيث ورودها في خصوص مسألة الحلف و عامّة لشمولها فيما لو أكذب الحالف نفسه أم لا ؛ وأدلّة جواز الأخذ بالإقرار وإن كانت من حيث ورودها في خصوص الإقرار خاصّة، إلّا أنّها عامّة من حيث أنّ المقرّ أعمّ من أن

ص: 84


1- . « قد » لم يرد في المصدر .
2- . « قد » لم يرد في المصدر .
3- . الكافي : 7 / 430 ح 14 ؛ التهذيب : 6 / 289 ح 802 ؛ و 8 / 293 ح 1084 ؛ الاستبصار : 3 / 53 ح175 ؛ الوسائل : 27 / 246 ح 33692 .
4- . الكافي : 5 / 98 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 185 ح 3696 ؛ التهذيب : 6 / 197 ح 437 ؛ الاستبصار : 3 / 52 ح171 ؛ الوسائل : 17 / 275 ح 22505 .

يكون الحالف أو غيره، إلّا أنّ الترجيح لأدلّة الإقرار، لكونها موافقة بعمل الأصحاب على ما صرّح به بعضهم من أنّ جواز أخذ الحقّ و مطالبته فيما لو أكذب الحالف نفسه لعلّه لا خلاف فيه .

ذكر الأدلّة على طلب البيّنة من المدّعي أوَّلاً
ثمّ بعد العجز طلب اليمين من المنكر دون العكس

ثمّ إنّا قلنا بعد ترافع الخصمين إلى الحاكم وادّعاء أحدهما على الآخر مع إنكاره يطلب الحاكم البيّنة من المدّعي، فيقول : ألک بيِّنة فيما تدّعيه ؟ فإذا قال : «نعم »، أمر باحضارها لو لم تكن حاضرة، فحكم له بعد الشهادة، فارتفع الخصومة بينهما ؛ ولو قال: « لا بيّنة لي »، فهناک يحكم بحلف المنكر مع سؤاله .

و هذا الحكم من أين ؟ و لأيّ شيء لا يبتدأ بحلف المنكر ؟ و قوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر » (1) لا يدلّ على ذلک كما لا يخفى .

فأقول : و ذلک أمّا أوّلاً : فلأنّه موافق بالاعتبار، إذ لو جاز الابتداء بإحلاف المنكر، فلا حاجة لنا إلى البيّنة، لأنّ المنكر إمّا أن يحلف، أو يردّه على المدّعي ؛ وهو إمّا يحلف، أو ينكل منه .

ص: 85


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

و في جميع هذه الصور لا حاجة لنا إلى البيّنة، أمّا في الصورة الأولى والثالثة فلأنّ الحكم بعد حلف المنكر له، وكذا إذا نكل المنكر عند نكول المدّعي بعد ردّ المنكر الحلف إليه.

و أمّا في الصورة الثانية فلأنّ الحكم للمدّعي - كما سيجيء بيان الكلّ إن شاء الله تعالى - فيأمر الحاكم بتسليم المدّعى به إليه، فلا حاجة لنا إلى البيّنة، فلأيّ شيء قال (عليه السلام): « البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر » ؟!

وأمّا ثانيًا : فلأنّه منصوص، و من النصّ في ذلک ما رواه في التهذيب عن سليمان بن خالد، عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : في كتاب عليٍّ (عليه السلام) : أنّ نبيًّا من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال : يا ربّ كيف أقضي فيما لم أشهد ولم أرَ ؟ قال: فأوحى الله - تعالى - إليه : احكم بينهم بكتابي و أضفهم إلى اسمي تحلفهم به، و قال : هذا لمن لم تقم (1) بيّنة له (2) .

و منه : ما رواه عن يونس، عمّن رواه قال: استخرج (3) الحقوق بأربعة وجوه : شهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدّعي، فإن لم تكن (4) شاهد فاليمين على المدّعى عليه (5) .

ص: 86


1- . في المصدر : لم تقم له بيّنة .
2- . الكافي : 7 / 415 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 228 ح 550 ؛ الوسائل : 27 / 229 ح 33657 .
3- . في الكافي : استخراج .
4- . في المصدر : لم يكن .
5- . الكافي : 7 / 416 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 562 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33682 .

و أمّا ثالثًا : فلأنّ المسألة الظاهر أنّه لا خلاف فيها .

و أمّا رابعًا : فالنصوص الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر، وقد عرفت جملة منها سابقًا، فإنّها و إن لم تدلّ على ذلک، لكن تقديم القول بأنّ البيّنة على المدّعي في جميعها يؤيّد ذلک .

في ردّ اليمين على المدّعي

15- مسألة

اشارة

لو توجّه اليمين إلى المنكر، له أن يحلف و أن يردّها على المدّعي، أمّا الأوّل فقد مرّ الكلام فيه ؛ وأمّا الثاني فحكمه أنّه لو حلف المدّعي استحقّ المدّعى به، فيجب عليه تسليمه، وإن نكل و منع نفسه من اليمين تسقط الدعوى أيضًا إجماعًا، كما في الشرائع و موضع من القواعد (1) .

و للنصوص، منها : الصحيح المرويّ عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهماالسلام) : في الرجل يدّعي و لا بيّنة له، قال : يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا يحلف (2) ، فلا حقّ له (3) .

ص: 87


1- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 878 ؛ و قواعد الأحكام : 3 / 445 .
2- . في المصدر : فلم يحلف .
3- . الكافي : 7 / 416 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 557 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33679 .

و هذا الحديث قد دلّ على جواز ردّ اليمين و على أنّه لو حلف بعد الردّ استحقّ المدّعى به، ولو لم يحلف و نكل منه تسقط الدعوى .

أمّا دلالته على جواز الردّ و سقوط الدعوى للنكول فواضحة، و أمّا على أنّه لو حلف استحقّ المال فبمفهوم الشرط، و هو قوله : « فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا يحلف (1) ، فلا حقّ له »، إذ مفهومه هو : أنّه لو ردّ اليمين على صاحب الحقّ فيحلف فله حقّ، و هو المطلوب .

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يدّعى { عليه الحقّ } (2) ولا بيّنة للمدّعي، قال: يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ له (3) .

و منها : مرسلة أبان، عن رجل، عن أبي عبد الله 7 : في الرجل يدّعى عليه الحقّ و ليس لصاحب الحقّ بيّنة، قال: يستحلف المدّعى عليه، فإن أبى أن يحلف وقال : أنا أردّ اليمين عليک لصاحب الحقّ، فإنّ ذلک واجب على صاحب الحقّ أن يحلف و يأخذ ماله (4) .

و غيرها .

قال في القواعد :

ص: 88


1- . في المصدر : فلم يحلف .
2- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
3- . الكافي : 7 / 416 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 556 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33680 .
4- . الكافي : 7 / 416 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 561 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33683 .

و إن ردّ المنكر اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت دعواه، وإن نكل سقطت . و هل له المطالبة بعد ذلک ؟ إشكال (1) .

أقول : لايخفى أنّه بعد تسليم سقوط الدعوى بسبب النكول وجه جواز المطالبة غير معلوم حتّى تردّد في المسألة، بل مع تسليمها ينبغي الحكم بعدم جوازها.

إن قيل : وجه الإشكال هو الأصل، لأنّ قبل النكول كانت المطالبة جائزة، فالأصل بقاء الجواز .

قلت : إنّ هذا الأصل قد ارتفع بسقوط الدعوى، لأنّ مع تسليم سقوطها ما بقي الجواز حتّى يستصحب، بل الأصل عدم الجواز استصحابًا للسقوط، فتأمّل .

على أنّا نقول : شرط التمسّک بالأصل عدم وجود النصّ و قد عرفته ؛ وتخصيص سقوط الدعوى في وقت النكول و عدمه بعده تقييد للنصّ من غير دليل، إذ قوله 7 : « فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا يحلف، فلا حقّ له » (2)

مطلق .

إنّما يتوجّه اليمين إلى المدّعي
إذا كانت دعواه لنفسه، لا أن يكون وكيلاً أو وصيًّا

ثمّ إنّ الحكم بحلف المدّعي خلاف الأصل، لما عرفت من أنّ البيّنة على

ص: 89


1- . قواعد الأحكام : 3 / 439 .
2- . التهذيب : 6 / 229 ح 557 .

المدّعي و اليمين على من أنكر، فيجب الاقتصار فيه على الموضع المتيقّن، وهو ما إذا كان ادّعاؤه لنفسه، لأنّه الظاهر من النصوص المتقدّمة، حيث قال 7 فيها : «فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ »، سيّما من الرواية الأخيرة، فلا يحكم بحلف المدّعي إذا كان وكيلاً، أو وصيًّا، وبالجملة إذا لم يكن الدعوى لنفسه .

بل الحكم بحلف المنكر أيضًا مشكل، إذ يسقط به الدعوى والحقّ، ولا مصلحة لليتيم في ذلک، لاحتمال أنّه إذا بلغ و رشد يثبت المدّعى به بالبيّنة، أو يصالح ويحصل له نفع .

حلف المدّعي هل هو بمنزلة الإقرار أو البيّنة ؟

ثمَّ اعلم : أنّ حلف المدّعي فيما يحلف هل هو بمنزلة البيّنة، أو بمنزلة إقرار المنكر ؟

وجهان، وجه الأوّل هو : انّ المدّعي لو أقام البيّنة يحكم له، وكذا إذا حلف بعد ردّه المنكر إليه، فيكون بمنزلتها .

و وجه الثاني : أنّ يمين المدّعي إنّما هو من حيث ردّ المنكر أو نكوله، فيكون بمنزلة صدور الإقرار بالحقّ منه .

و لعلّ الأوّل أولى، لأنّ الردّ في اليمين أو النكول منها لايستلزم الإقرار، لاحتمال أنّ ترک المنكر و عدم حلفه إنّما هو باعتبار كراهة اليمين، فيحتمل أنّه

ص: 90

تركها لذلک و إن كان مصيبًا في نفس الأمر، فردّ اليمين غير مستلزم للإقرار .

و لأنّ ردّ اليمين لو كان مستلزمًا للإقرار ينبغي أن يثبت له حكم الإقرار ؛ و من حكمه أنّ الإقرار متى وجد يكون حجّة يستحقّ به الحقّ للمقرّ له، و ليس الردّ كذلک، إذ ربما يوجد الردّ واستحقّ المدّعى لشيء، بل يسقط، كما ردّ اليمين إليه ولم يحلف .

وأيضًا حلف المدّعي لو كان بمنزلة إقرار المنكر بالحقّ، لكان مثله، ومن المعلوم أنّ الإقرار لايحتاج أن يكون بإذن الحاكم ولا في مجلسه، وقد تقدّم انّ الحلف لايكون إلّا بإذن الحاكم، و سيجيء أيضًا انّه لايجوز إلّا في مجلس الحاكم، فتأمّل.

ثمّ لايخفى عليک أنّه لا دليل في كون اليمين بمنزلة شيء منهما، ولو كان البيّنة ؛ وحملها عليهما لما ذكر قياس لانقول به ؛ و غاية ما ثبت من الدليل أنّ المدّعي لو حلف بعد الردّ إليه لكان مستحقًّا للحقّ، وهو لايستلزم أن تكون اليمين بمنزلة البيّنة أو الإقرار، لجواز أن لا تكون بمنزلة شيء منهما، و مع ذلک تثبت الحقّ لأمر الشارع، و لم يرد من الكتاب و لا من السنّة أنّها بمنزلة شيء منهما .

بعد حلف المدّعي لا تقبل البيّنة لو أقامت لها المنكر

ثمّ إنّ بعد حلف المدّعي لو أقام المنكر البيّنة على أداء الحقّ، أو على إبرائه المدّعى عنه، و بالجملة على خروج ذمّته عن حقّه، هل تسمع أم لا ؟

ص: 91

الظاهر : لا، لما عرفت سابقًا من أنّ الدعوى بعد اليمين غير مسموعة، والنصّ في ذلک وإن ورد في حقّ المنكر، إلّا أنّه نجري الحكم هنا بتنقيح المناط، لأنّا نقطع أنّ عدم قبول قول المدّعي و البيّنة بعد حلف المنكر إنّما هو لأجل الحلف، و هو موجودٌ هنا، فينبغي أن لا تسمع مثله (1) .

و لا يخفى أنّ ما قلنا من سقوط الدعوى بمجرّد نكول المدّعي وامتناعه من اليمين إنّما هو إذا لم يعلّل ذلک بشيء، و أمّا لو علّله كأن يقول : أريد أن أتى بالبيّنة، أو أنظر في الحساب ؛ و نحو ذلک، فلا تسقط الدعوى للأصل و عدم ما يوجب الخروج عنه، لأنّ الظاهر أنّ المتبادر من النصوص المتقدّمة غير الصورة المفروضة، فتصير بالنسبة إليها مجملة، فبقي الأصل سالمًا عمّا يصلح للمعارضة .

ثمّ هل يقدر لإمهاله قدرًا ؟

الظاهر لا، لأنّ الحقّ له، فله أن يحلف و يأخذ، أو يتأخّره إلى أن يشاء، كإقامة البيّنة ؛ و هذا بخلاف المنكر، فإنّ إمهاله بعد توجّه اليمين غير جائز، فلابدّ إمّا أن يحلف، أو يردّ، لأنّ الحقّ لغيره .

ص: 92


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : ألا ترى إلى قوله(عليه السلام) في الصحيح : « و كان اليمين قد أبطلت كلّما ادّعاهقبله » { الكافي : 7 / 418 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 }، فإنّ الظاهر منه انّ اليمين مستقلّة في إبطالالحقّ ؛ و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بعموم الموثّق المرويّ عن أبي حمزة عن مولانا عليّ بن الحسين (عليهماالسلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : « لا تحلفوا إلّا بالله، و من حلف بالله فليصدق، و من حلف له بالله فليرض، ومنحلف له بالله فلم يرض فليس من الله » {الكافي : 7 / 438 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 284 ح 1040 }. وجهالاستدلال أنّ « مَن » الموصوليّة تفيد العموم، فيشمل عين المدّعى أيضًا، و معلوم أنّ من أقام البيّنة بعد الحلفغير راض باليمين، وإلّا لما أقامه .

16- مسألة

اشارة

لو قال المدّعي للمنكر : « قد أسقطت عنک هذه اليمين »، لم تسقط دعواه، لأنّ إسقاط اليمين لايستلزم إسقاط الدعوى، بل له إحلافه في مجلس آخر، لأنّ هذا دعوى غير الدعوى الأولى، واليمين الساقطة هي اليمين في الأولى .

نعم، لو قال : « قد أسقطت عنک اليمين »، ليس له إحلافه مطلقًا ولو في مجلس آخر، لكن الحقّ لم يسقط لإمكان إثباته بالبيّنة ؛ ولو فرض عدمها ينبغي أن يسقط، لأنّ طريق ثبوته بعد إنكار المنكر منحصرٌ في شيئين : اليمين والبيّنة، و قد فرض عدمهما، واللازم من عدمهما عدم ثبوت الحقّ .

المنكر إذا نكل من اليمين والردّ حكمه ما هو ؟

17- مسألة

اشارة

إذا توجّه اليمين على المنكر لايخلو إمّا أن يحلف، أو يردّ، أو ينكل بأن لايحلف و لا يردّ اليمين على المدّعي .

و قد مرّ الكلام في الأوّل والثاني، و أمّا الثالث فقد حكم كثير منهم (1) بأنّ

ص: 93


1- . انظر القواعد : 3 / 439 ؛ و الإرشاد : 2 / 144 ؛ و الدروس : 2 / 87 ؛ و المسالک : 13 / 453 ؛ و كشفاللثام : 10 / 100 ؛ و رياض المسائل : 13 / 105 .

الحاكم يقول له ثلاث مرّات : إن حلفت و إلّا جعلتک ناكلاً (1) .

و بعضهم أطلق ذلک و لم يصرّح بالوجوب أو الندب (2) ، فظاهره الوجوب .

وبعضهم صرّح بأنّ ذلک على سبيل الندب، لا الوجوب (3) .

و بعضهم حكم بوجوب ذلک مرّة و باستحباب الزيادة (4) .

و لم أظفر بمستند في ذلک، فالحكم بالوجوب مشكل، و أمّا الاستحباب فلا بأس به، للتسامح في أدلّته .

نعم، يمكن الاستدلال للوجوب دفعةً بأنّ الحاكم لابدّ أن يُعْلم المنكر بأنّه يحكم عليه بالحقّ حينئذ، أو يردّ الحلف إلى المدّعي، إذ ربما لا يعلم ذلک، فإذا علم حلف أو ردّ، لكنّه أخصّ من المدّعى، لأنّ الإعلام إنّما هو إذا لم يعلم المنكر ذلک .

و كيف كان فإن حلف المنكر بعد ذلک، أو ردّ، فالحكم واضح ؛ وإن أصرّ على النكول، ففي حكمه قولان :

{ القول الأوّل }

الأوّل : إنّ الحاكم يردّ اليمين إلى المدّعي، فإن حلف ثبت الدعوى، وإلّا

ص: 94


1- . جاء في حاشية الأصل : معناه أنّه يحكم عليه بمجرّد ذلک بالحقّ إمّا بردّ اليمين إلى المدّعي، أو بدونه علىما سيأتي ؛ منه .
2- . انظر الوسيلة : 217 .
3- . انظر المبسوط : 3 / 31 ؛ و المهذّب : 1 / 413 ؛ و الشرائع : 4 / 874 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 691 .
4- . انظر الدروس : 2 / 89 .

فسقطت .

و هو المحكيّ عن ابن الجنيد والمبسوط والخلاف والمهذّب والعلّامة في أكثر كتبه، و غيرهم (1) .

و منه ابن إدريس، حيث قال في السرائر :

من ادّعى مالاً أو غيره ولا بيّنة له، فتوجّهت اليمين على المدّعى عليه فنكل عنها، فإنّه لا يحكم (2) بالنكول، بل يردّ اليمين إلى المدّعي (3) فيحلف، و يحكم له بما ادّعاه، هذا هو مذهب أصحابنا . وقال شيخنا أبوجعفر في نهايته : فإذا نكل، لزمه الحقّ، و أطلق ذلک (4) ، و رجع في مسائل الخلاف والمبسوط إلى ما اخترناه، إنتهى (5) .

واستدلّ على ذلک بما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : أنّه ردّ اليمين على طالب الحقّ (6) .و برواية عبيد بن زرارة عن مولانا الصادق (عليه السلام) : في الرجل يدّعى عليه الحقّ

ص: 95


1- . حكاه عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : 8 / 380 ؛ وانظر الخلاف : 6 / 290 ؛ والمبسوط : 8 / 159 ؛والمهذّب : ج 1 / ص 413 و ج 2 / ص 586 ؛ و مختلف الشيعة : 8 / 398 ؛ و التبصرة : 238 ؛ و القواعد :3 / 440 و 452 ؛ و التحرير : 2 / 186 ؛ و غاية المراد 4 / 37 ؛ و المسالک : 13 / 453 ؛ و كشف الرموز :2 / 501 ؛ وإيضاح الفوائد : 4 / 331 و 353 ؛ و الدروس : 2 / 89 ؛ و التنقيح الرائع : 4 / 255 .
2- . في المصدر : يحكم عليه .
3- . في المصدر : بل يلزم اليمين المدّعي .
4- . النهاية : 340 .
5- . السرائر : 2 / 180 .
6- . كنز العمّال : 5 / 850 ح 14545 ؛ سنن الدارقطني : 4 / 213 ح 24 ؛ سنن البيهقي : 10 / 184 .

ولا بيّنة للمدّعي، قال : يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ له (1) .

و بأنّ المدّعي مع ردّ اليمين عليه يجب الحلف، فإذا نكل بطل حقّه وإذا كان الحال بهذه المثابة يجب على الحاكم ردّ الحلف إليه، لاحتمال أن ينكل ولم يستحقّ شيئًا ؛ و مع تحقّق هذا الاحتمال كيف يأمر بأخذ المدّعى به ؟!

وبقوله (صلي الله عليه واله) : « المطلوب أولى من الطالب باليمين » (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (صلي الله عليه واله) جعل المطلوب - و هو المنكر - أولى باليمين من الطالب - أي المدّعي - و معلوم أنّ أولويّة المطلوب بها تستلزم تحقّق الجواز في المفضل عليه - أي الطالب - لأنّ أفعل التفضيل حقيقة في اشتراک المفضل والمفضل عليه في الشيء مع تفضيل المفضل فيه، فإذا ثبت جواز يمين المدّعي، ثبت المطلوب .

و بأنّ الأصل براءة الذمّة و عدم اشتغالها بالمال إلى أن يثبت ما يوجب الخروج عنه، و لم يثبت ذلک بالنكول .

ص: 96


1- . الكافي : 7 / 416 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 556 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33680 .
2- . رواه في تلخيص الحبير: 4 / 210 في ذيل الحديث 2143 ؛ لفظه : « من كانت له طلبة عند أحد فعليهالبيّنة، والمطلوب أولى باليمين، فإن نكل حلف الطالب و أخذ ». و في مسند أحمد بن حنبل 1 / 356 :«المدّعى عليه أولى باليمين ». و في الجامع الصغير للسيوطي 2 / 665 : « المدّعى عليه أولى باليمين إلّا أنتقوم عليه البيّنة ». و نحوه في سنن الدارقطني : 4 / 136 و 140 ؛ و سنن البيهقي : 10 / 256 . و نقله الشيخ- قدّس سرّه - في الخلاف : 6 / 292 ؛ و ابن زهرة في الغنية : 443 ؛ والعلّامة في المختلف : 8 / 381 ؛وغيرهم .

و بما رواه هشام في الحسن عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : يردّ اليمين على المدّعي (1) .

و في جميعها نظر، أمّا في الأوّل فلأنّه قضيّة في الواقع، يحتمل أن يكون ردّه اليمين على المدّعي لأجل سؤال المنكر ذلک، كما يحتمل أن يكون ذلک لأجل النكول ؛ و وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال دخلت في حيّز الإجمال، فلايجوز بهاالاستدلال (2) ؛ هذا مع أنّه عامّيّ .

و أمّا في الثاني فلأنّ وجه الاستدلال به غير واضح، إلّا بحمل « يستحلف » و«يردّ » على المبنيّ للمفعول، و هو غير متعيّن، بل الظاهر أنّ الضمير في «يستحلف » يعود إلى « الرجل » في قوله : « في الرجل يدّعى عليه »، وكذا في «يردّ »، فلاوجه للتمسّک به في المقام، بل هو دليل على المسألة السابقة من أنّ المنكر إمّا يحلف هو، أو يردّ اليمين إلى المدّعي على ما تقدّم .

وكون « يستحلف » من باب الاستفعال و وضعها للطلب غير مناف لذلک، لأنّه يطلب اليمين من نفسه ؛ على انّ استعمال باب الاستفعال مجرّدًا من الطلب غير عزيز في الاستعمال .

و على فرض تسليم كون الفعل مبنيًّا للمفعول نقول : المتبادر منه هو ما إذا كان الرادّ منكرًا، فينصرف إليه .

ص: 97


1- . الكافي : 7 / 417 ح 5.
2- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

و أمّا في الثالث فلأنّ ردّ اليمين على المدّعي خلاف الأصل، لما عرفت سابقًا من أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، فعلى هذا ينبغي أن يقتصر في مخالفة الأصل على موضع اليقين، و هو ما إذا ردّ المنكر اليمين إلى المدّعي، لا إذا نكل المنكر .

فعلى هذا نقول : إنّ نكول المدّعي إنّما يسقط دعواه إذا ثبت جواز الردّ إليه، والكلام في ذلک، فكيف هذا يصير دليلاً لجواز الردّ ؟! إذ معه يلزم الدور، لأنّ النكول المسقط للحقّ موقوفٌ على جواز الردّ و جواز الردّ لو كان لأجل أنّ بالنكول يسقط الحقّ، لكان ذلک توقّف الشيء على نفسه، و هو باطل .

وأمّا في الرابع فلأنّ قوله (صلي الله عليه واله): « المطلوب أولى من الطالب باليمين » ظاهره خلاف اتّفاق الأصحاب، فالظاهر انّ المراد بأولويّة المطلوب باليمين من الطالب هو ما إذا جاز يمين الطالب، كما إذا ردّها المنكر إليه ؛ و كيف يجعل هذا دليلاً على الجواز ؟!

على أنّ استعمال أفعل التفضيل مجرّدًا عن معنى التفضيل غير عزيز ؛ ألا ترى أنّک تقول : إنّ في المسألة الفلانيّة ثلاثة أقوال مثلاً، إلّا أنّ أشهرها ذلک مع أنّ القولين الأخيرين شاذّان ؛ و هكذا تقول : إنّ هذا القول من بين الأقوال أقوى وأصحّ، مع أنّ غيره من الأقوال ضعيف، و هكذا، فتأمّل .

و أمّا في الخامس فلأنّ الأصل كما يكون براءة الذمّة عن الاشتغال بالمال، كذا انّ الأصل عدم جواز ردّ اليمين إلى المدّعي، لأنّ قبل النكول لم يكن ذلک جائزًا، فالأصل بقاؤه، فإذا تعارضا تساقطا، فعلى مدّعي جواز الردّ الإثبات .

ص: 98

و أمّا في السادس فسيجيء إليه الإشارة بعد نقل القول الثاني و أدلّته .

{ القول الثاني }

و القول الثاني هو : انّه يحكم عليه بمجرّد نكوله من دون ردّ اليمين على المدّعي .

نقل ذلک عن الصدوقين و المقنعة و المراسم و أبي الصلاح والغنية والنهاية والقاضي في الكامل و الجامع و الموجز (1) ، و هو مختار المحقّق في الشرائع والنافع (2) ؛ للأصل، بناءً على ما مرّ من أنّ « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (3) ، فالحكم بحلف المدّعي خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع اليقين،والمقام من ذلک .

و لصحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عن الأخرس كيف يحلف ؟ قال : إنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) كتب له اليمين و غسلها و أمره بشربها، فامتنع، فألزمه الدين (4) .

ص: 99


1- . المقنع : 396 ؛ و حكاه عن عليّ بن بابويه ابنه الصدوق في الفقيه : 3 / 39 ؛ والمقنعة : 724 ؛ والمراسم :231 ؛ والكافي في الفقه : 447 ؛ و الغنية : 445 ؛ و النهاية و نكتها : 2 / 71 ؛ وحكاه عن القاضي فيالمختلف : 8 / 380 ؛ وانظر غاية المراد : 4 / 35 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 453 ؛ و كشف اللثام : 10 /100؛ و رياض المسائل : 13 / 105 ؛ والمناهل : 730 .
2- . الشرائع : 4 / 874 ؛ المختصر النافع : 274 .
3- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
4- . الفقيه : 3 / 65 ح 218 ؛ التهذيب : 6 / 319 ح 879 .

وجه الاستدلال أنّه (عليه السلام) لم يردّ اليمين على المدّعي مع امتناع المنكر عن الحلف، بل ألزمه الدين عليه بعد الامتناع من غير أن يتحقّق فصل بينهما، على ما هو قضيّة فاء التعقيبيّة في : « فألزمه »، فلو كان الحكم عند نكول المنكر عن الحلف والردّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي لفعله (عليه السلام)، و عدم فعله دليل على العدم، فإذا ثبت الحكم في الأخرس نقول في غيره، لعدم الفارق .

و لما رواه في التهذيب عن عبدالرحمن بن أبي عبد الله، قال: قلت للشيخ (1) : خبّرني (2) عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ، فلا يكون له البيّنة بما له، قال : فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له، وإن لم يحلف فعليه (3) .

وجه الاستدلال هو : أنّه حكم بثبوت الحقّ على المنكر بمجرّد عدم الحلف من دون أن يأمر الحاكم بردّ الحلف على المدّعي، و هو المطلوب .

الظاهر أنّ الحديث حسن، فهذا القول هو الأقوى، لما عرفت من ضعف مستند القول الأوّل و قوّة مستند هذا القول .

لكن بقي الكلام في الجواب عمّا رواه هشام عن مولانا الصادق (عليه السلام)، و هو ما مرّ من قوله : « يردّ اليمين على المدّعي » (4) .

ص: 100


1- . جاء في حاشية الأصل : يعني : موسى بن جعفر (عليهماالسلام)، كما فى الفقيه ؛ منه .
2- . في الفقيه : أخبرني .
3- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .
4- . الكافي : 7 / 417 ح 5 .

فأقول : والجواب عن هذا هو : أنّ الاستدلال به لقول الأوّل مبنيٌّ على كون الفعل فيه مبنيًّا للمفعول، و هو غير معلوم، لاحتمال كونه للفاعل، بل هذا أولى، لأنّ الأصل في الفعل المبنيّ للفاعل، و حينئذٍ الضمير يحتمل أن يعود إلى الحاكم فيصير دليلاً لهم، أو للمنكر فلا، فصار مجملاً، فلا يجوز التمسّک به في إثبات الحكم .

على انّه بعد النظر والتتبّع في الأخبار يحصل الظنّ بتعيّن الاحتمال الثاني من كون الضمير فيه عائدًا إلى المنكر، فلا دخل له فيما نحن فيه .

و على تقدير تسليم كون الفعل مبنيًّا للمفعول، نمنع التمسّک به أيضًا، لما مرّ من أنّ المتبادر منه هو ما إذا كان الرادّ هو المنكر، فينصرف إليه .

و ربما قدح الاستدلال به بما وجد في ذيله (1) : « و إن كان المطلوب بالحقّ قد مات، فأقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين - إلى أن قال (عليه السلام) - : و لو كان حيًّا لألزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين » (2) .

و كان وجه القدح مبنيّ على حمل « يردّ اليمين » بصيغة المبنيّ للمفعول، و هو غير متعيّن، أمّا أوّلاً لجواز أن لا يكون فعلاً مطلقًا، بل مصدر مصدَّر بالباء الجارّة، أي : لألزم بردّ اليمين، و حينئذٍ يصير دليلاً على بطلان القول الأوّل، لدلالته حينئذٍ على أنّ اليمين لا يردّ على المدّعي إلّا بردّ المنكر .

و على فرض تسليم كونه فعلاً نقول : كما يحتمل أن يكون مبنيًّا للمفعول كذا

ص: 101


1- . أي : ذيل رواية عبدالرحمن بن أبي عبد الله .
2- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .

يحتمل أن يكون مبنيًّا للفاعل، أي : يردّ المنكر اليمين ؛ و إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال .

ثمّ اعلم : أنّه ربما يمكن التأييد به للقول الأوّل من حيث قوله : « أو الحقّ »، فتأمّل.

{ الجواب عن الإجماع المنقول على القول الأوّل }

نعم، بقي في المقام شيء، و هو أنّه قد نقل في المسالک عن الشيخ الإجماع على القول الأوّل (1)

و جوابه : أنّه موهون بمصير أساطين الفقهاء على خلافه، كالصدوقين والشيخ المفيد وابن البرّاج و أبي الصلاح و سلّار وابن زهرة و غيرهم (2) .

و على فرض تسليم عدم الوهن فيه نقول : إنّه لايقاوم ما مرّ من الأدلّة في القول الثاني، فارتفع الإشكال عن المسألة بإعانة الله - سبحانه .

ص: 102


1- . مسالک الأفهام : 13 / 456 ؛ نقلاً عن الخلاف : 6 / 292 ذيل المسألة 38 .
2- . انظر المقنع : 396 ؛ و الفقيه : 3 / 39 ؛ و المقنعة : 724 ؛ و المراسم : 231 ؛ والكافي في الفقه : 447 ؛والغنية : 445 ؛ والنهاية و نكتها : 2 / 71 ؛ و المختلف : 8 / 380 ؛ و غاية المراد : 4 / 35 ؛ و مسالکالأفهام : 13 / 453 ؛ و كشف اللثام : 10 / 100 ؛ و رياض المسائل : 13 / 105 ؛ والمناهل : 730 .

18- مسألة

اشارة

لو بذل المنكر يمينه بعد الحكم بالنكول لم تسمع، لأنّ الحكم قد استقرّ بسبب النكول، إمّا بردّ الحاكم اليمين على المدّعى - كما هو القول الأوّل - أو بمجرّد النكول - كما هو الحقّ - فلا يجدى بذل اليمين، كما لايجدى بعد ردّه الحلف على المدّعي .

نعم، لو ادّعى بذلها بعد النكول قبل حكم الحاكم تسمع، فيحلف لبقاء المحلّ، لأنّه إنّما ينقضى بالحكم، و المفروض أنّ الدعوى قبله .

حكم المنكر إذا سكت

19- مسألة

اشارة

قد تقدّم الكلام في المنكر إذا أقرّ أو أنكر، وأمّا إذا سكت ولم يجب بشيء، فلايخلو إمّا أن يكون لا لأجل العناد، أو لذلک .

و على الأوّل يجتهد الحاكم للتوصّل إلى معرفة جوابه على نحوٍ يحصل له اليقين، و إن احتاج في فهم إقراره و إنكاره إلى من يعرفه إشارته، كما إذا كان سكوته لأجل الخرس، فلابدّ من عدلين تحصيلاً للأقرب إلى اليقين ؛ فإن شهد العدلان بأنّ مقصوده كذا و أذعن هو بذلک بالإشارة المفهمة لذلک، فيحكم الحاكم بينهما ؛ و إن لم يفعل ذلک و لم يُشر إشارة مفهمة للإذعان والعدم، فيكون من قبيل

ص: 103

أن يكون سكوته لإحلافه، بل للعناد، و سيجيء حكمه .

و على الثاني - أي : يكون سكوته عنادًا و لا يكتفى بإلزام الحاكم - ففيه أقوال ثلاثة :

{ القول الأوّل }

الأوّل : انّه يُجبر حتّى يجيب ؛ و هو المحكيّ عن المقنعة و النهاية و الخلاف والمراسم و الوسيلة و الجامع (1) .

واختاره في الشرائع و النافع و القواعد (2) .

ونسبه في المسالک إلى المتأخّرين، لأنّ الجواب حقّ عليه، فيجوز حبسه لاستيفائه منه، كذا قيل (3) .

و نسبه في الشرائع و غيره إلى الرواية ؛ و قال في المسالک :

و لم نقف على روايته (4) .

واحتمل بعضهم أنّ المراد بالرواية قوله (صلي الله عليه واله): « لِيّ الواجد يُحلّ عقوبته

ص: 104


1- . المقنعة : 725 ؛ النهاية : 2 / 73 ؛ الخلاف : 6 / 238 ؛ المراسم : 231 ؛ الوسيلة : 212 ؛ الجامع للشرائع :524 .
2- . الشرائع : 4 / 875 ؛ المختصر النافع : 274 ؛ القواعد : 3 / 440.
3- . انظر مسالک الأفهام : 13 / 466 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 696 .
4- . مسالک الأفهام : 13 / 466 .

وعِرْضَه (1) » (2) ، بناءً على تفسيرهم العقوبة بالحبس خاصّة (3) .

{ مختار المصنّف (قدس سره) في المسألة }

أقول : ظاهر عبارة أصحاب هذا القول الّتي رأيناها وجوب الحبس ؛ و هذا التعليل و كذا الرواية مقتضاهما جوازه كما ترى، فإن أردت تطبيق القول للمستند تقول : الظاهر انّ مرادهم جواز الحبس، لا وجوبه .

وجه الظهور أمّا أوّلاً : فلأنّ المطلوب استيفاء الجواب من المنكر كيف ما حصل، و تعيين الحبس خلاف الأصل .

و أمّا ثانيًا : فلأنّه الظاهر من عباراتهم أيضًا، لأنّ الأمر الوارد مورد توهّم الحضر لايفيد إلّا الإباحة ؛ و هذا القول هو الأقوى .

{ القول الثاني }

والقول الثاني : هو أن يجبر عليه بالضرب و الإهانة حتّى يجيب ؛ و قائل هذا

ص: 105


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف 1 : أي طلبه .
2- . أمالي الطوسي : 520 ح 1146 ؛ الوسائل : 18 / 333 ح 23793 ؛ عوالي اللّألئ : 4 / 72 ح 44 ؛مسندأحمد : 4 / 222 ؛ صحيح البخاري : 3 / 155 ؛ سنن أبي داود : 3 / 313 ح 3628 ؛ سنن النسائي :7/ 316 ؛ سنن البيهقي : 6 / 51 .
3- . مجمع الفائدة و البرهان : 12 / 170.

القول غير معلوم، و إنّما ذكره المحقّق و العلّامة قولاً من غير أن يذكرا له قائلاً (1) .

و مستنده أيضًا غير معلوم، سوى ما ذكره بعض المحقّقين (2) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

و رُدّ بأنّهما يحصلان أيضًا بالأوّل، فلا وجه للتخصيص به، سيّما مع رجحان الأوّل بما مرّ من الخبر المنجبر قصوره بفتوى الأكثر، و بالنصوص الكثيرة الدالّة على حبس الأمير (عليه السلام) الغريم بالِليّ والمطل من دون أن يحصل الحقّ منه بالضرب والجبر (3) .

{ القول الثالث }

والقول الثالث : هو المحكيّ عن المهذّب و المبسوط و السرائر (4) من أنّه يقول الحاكم له مرّة وجوبًا و ثلاثًا استظهارًا : « إن أجبت، و إلّا جعلتک ناكلاً و رددت اليمين على المدّعي »، فإن أصرّ ردّ اليمين على المدّعي .

و عن المبسوط : انّه الّذي يقتضيه مذهبنا، والثاني - يعني الحبس - قويّ أيضًا (5) .

ص: 106


1- . الشرائع : 4 / 875 ؛ التحرير : 2 / 187 ؛ القواعد : 3 / 440 .
2- . هو الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام : 10 / 102 .
3- . رياض المسائل : 13 / 116 ؛ و 15 / 100 .
4- . المهذّب : 2 / 585 و 586 ؛ المبسوط : 8 / 160 ؛ السرائر : 2 / 163 .
5- . المبسوط : 8 / 160 .

و في المهذّب : انّه ظاهر مذهبنا (1) ، و لا بأس بالعمل بالثاني (2) - يعني الحبس - كما نقل عنه (3) .

واستدلّ لذلک بأنّ ثبوت الحكم بالنكول يدلّ على ثبوته هنا بطريق أولى، لأنّه لو كان النكول عن الحلف والردّ مع الجواب - أي الإنكار - موجبًا للحكم، فمع عدم الجواب بطريق أولى (4) .

و فيه نظر، لاحتمال أن يكون سكوته لا لأجل الإنكار، بل لأجل أنّه أدّى الحقّ، و حينئذٍ لم يكن منكرًا يلزمه اليمين و لا مقرًّا يلزمه الحقّ، فيسكت عن الإنكار لعدم صحّته و عن الإقرار لإلزامه بالمقرّ به مع العجز عن إثبات أدائه (5) .

بل نقول: إنّ الحكم على المدّعى عليه بمجرّد النكول عن الحلف و ردّه إمّا بردّ الحاكم الحلف إلى المدّعي أو من دونه خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على مورد اليقين، و هو ما إذا أنكر المدّعى عليه و نكل عن الحلف و ردّه كما عرفت، لا إذا سكت، فتأمّل .

ص: 107


1- . في المصدر : الظاهر من مذهبنا .
2- . المهذّب : 2 / 586 .
3- . نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 102 .
4- . انظر مجمع الفائدة و البرهان : 12 / 170 .
5- . انظر رياض المسائل : 13 / 116 ؛ و 15 / 100 .

فصلٌ

في كيفيّة سماع البيّنة والحكم بها

الحاكم يأمر بإحضار البيّنة أم لا ؟

20- مسألة

قد عرفت ممّا تقدّم أنّ الحاكم بعد إنكار المنكر عمّا ادّعى عليه، يسأل المدّعي : ألک بيّنة ؟ فإذا سأله و قال : نعم، هل للحاكم أن يأمره بإحضارها، أم لا ؟

فيه أقوالٌ للأصحاب :

الأوّل : الجواز مطلقًا ؛ و هو المنقول عن الشيخين و سلّار و أبي الصلاح والقاضي في أحد قوليه، بل عليه الأكثر كما في المسالک (1) .

و القول الثاني : العدم كذلک ؛ و هو المحكيّ عن المبسوط و المهذّب والسرائر(2) ، لأنّه حقّ له، فله أن يفعل فيه ما يرى .

ص: 108


1- . انظر النهاية : 339 ؛ و النهاية و نكتها : 2 / 70 ؛ والمقنعة : 723 ؛ والمراسم : 231 ؛ والكافي في الفقه :446؛ والوسيلة : 212 ؛ والمسالک : 13 / 459 ؛ وكفاية الأحكام : 2 / 693 ؛ و رياض المسائل : 13 / 91.
2- . المبسوط : 8 / 115 ؛ المهذّب : 2 / 585 ؛ السرائر : 2 / 158 .

والقول الثالث : التفصيل بين علم المدّعي بأنّ المقام مقام البيّنة فالثاني لما مرّ، وإلّا فالأوّل، لئلّا يضيع حقّه ؛ و هو المنقول عن العلّامة والشهيد (1) .

ولا أدري ما يقولان فيما إذا لم يطّلع الحاكم بعلم المدّعي و لا بجهله ؛ و يحتمل أن يقولا بوجوب الاستعلام منه .

أقول : هكذا قرّر الأقوال، فالحقّ في المقام أن يقال: إن كان المراد من الأمر في قولهم : « يجوز للحاكم أمر المدّعي بإحضار البيّنة » الإيجاب، فيكون المراد: أنّه يجوز للحاكم أن يوجب المدّعي إحضار البيّنة و يجبره عليه، فالحقّ مع المانع، لأنّ الحقّ له، فهو مخيّر بين إقامة البيّنة فيأخذ حقّه، أو عدمها فلا يأخذ، فإيجاب الحاكم إحضار البيّنة عليه لا وجه له .

لايقال : إنّ المدّعي لو كان ممّن يرفع اليد عن ماله، فلم جاء بالخصم عند الحاكم.

لأنّا نقول: لاحتمال أن يقرّ بحقّه و يعطيه من غير أن يحتاج إلى إقامة البيّنة، لكن لما أنكر فترک المدّعي إثبات حقّه بإقامة البيّنة أو بغيرها، إلّا أن يقيّد فيما إذا لم يرفع اليد عن الدعوى ولم يتأخّر المطالبة واحتاج رفع الخصومة بينهما بحضور البيّنة و هو لايحضرها، و حينئذٍ للحاكم أن يوجبه بإحضارها .

وإن لم يكن المراد من الأمر ذلک، بل الإرشاد، يعني : انّه للحاكم أن يقول للمدّعي : أحضر البيّنة، ولم يرد من الأمر الوجوب، فالحكم بالمنع حينئذٍ مشكل،

ص: 109


1- . انظر المختلف : 8 / 359 ؛ والقواعد : 2 / 209 ؛ والدروس : 2 / 77 .

بل الظاهر : الجواز، للأصل .

وما استدلّ للمنع من : « انّه حقّ له، فله أن يفعل فيه ما يرى »، لايصير دليلاً للمنع، لأنّ مقتضاه عدم إيجاب الحاكم إحضار البيّنة، لا عدم سؤاله .

و يمكن أن يكون مراد المانع أنّه لايجوز للحاكم أمر المدّعي بإحضار البيّنة، أي إيجابه على ذلک، و مراد المجوّز من جواز ذلک إذا لم يرد الوجوب، فارتفع الخلاف .

ويؤيّد ذلک ما حكي عن الشيخ في المبسوط من أنّه قال : « لا يقول (1) - أي الحاكم - : أحضر بيّنتک، بل يقول له : إن شئت أقمها (2) ، ولا يقول له : أقمها، لأنّه أمر » (3) ؛ والحقّ له (4) ، فلا يؤمر باستيفائه، بل إليه المشيئة، إنتهى (5) .

فيعلم منه أنّ نهيه من قول : « أحضر بيّنتک » فيما إذا قصد الوجوب، لا مطلقًا، فيجمع بين قوله هذا و قوله في النهاية من أنّه يجوز أن يقول له : « أحضرها » بما مرّ.

وكيف كان، الحقّ إمّا مع المانع، أو مع المجوّز، بناءً على ما مرّ، أو لا خلاف بينهما حقيقة، بل النزاع لفظيّ .

ص: 110


1- . في المصدر : لا يقول للمدّعي .
2- . في المصدر : أقمتها .
3- . انظر المبسوط : 8 / 115 .
4- . « والحقّ له » لم يرد في المصدر .
5- . مسالک الأفهام : 13 / 459 .

لكن بقي الكلام في قول المفصِّل بأنّه إن علم المدّعي أنّ المقام مقام البيّنة، فلايجوز للحاكم أمره بإحضارها، و إلّا فيجوز .

أقول : ينبغي أن يردّد المقصود بالأمر هنا أيضًا بأنّه إن كان الإيجاب - أي لو علم المدّعي كون المقام مقام البيّنة - فلا يجوز أن يوجبه بإحضارها، و إلّا فيجوز، فينبغي أن لايكون جائزًا ولو مع الجهل، لأنّ غاية ما يلزم من جهله تعليم الحاكم إيّاه و تنبيهه على انّ لک إحضار البيّنة، لا أن يوجبه بإحضارها، إذ بعد علمه بذلک يجوز له إقامة البيّنة فيستوفى حقّه، و عدمها فيترک الاستيفاء، فكيف يوجبه الحاكم على الإقامة ؟!

وما استدلّ لهذا القول من : « أنّ الأمر بإحضار البيّنة لئلّا يضيع حقّه »، لايدلّ على ذلک، بل غاية ما يلزم منه تنبّه الحاكم إيّاه على أنّ لک إقامة البيّنة، فإذا أقمتها استحقّقت حقّک، لا أن يوجبه بإحضارها، و هو واضح .

وإن لم يكن المراد من الأمر ذلک، فمنع أمر الحاكم بإحضار البيّنة في صورة علم المدّعي بكون المقام مقامها لا وجه له، لأنّ علم المدّعي بذلک لايصير دليلاً لمنع ذلک، كما لايخفى هذا.

ويمكن أن يوجّه الخلاف بنحو آخر، و هو أن يقال : إنّ الخلاف ليس من حيث أنّ المراد من لفظ « الأمر » الإيجاب أو لا، بل من حيث انّه إذا جاء الخصمان عند الحاكم فادّعى أحدهما على الآخر شيئًا و هو ينكره، هل يجب على الحاكم أن يطلب البيّنة من المدّعي، أو لا ؟

ص: 111

فقيل : إن علم المدّعي أنّ المقام مقام البيّنة، فلا يجب ذلک لعلم المدّعي، فله أن يحضرها فيستوفى حقّه و يتركها و يرتفع اليد عنه ؛ وإلّا فيجب، لأنّ استيفاء الحقوق واجب ولا يحصل إلّا بطلب البيّنة، فيكون واجبًا على الحاكم، سواء أراد المدّعي بعد العلم إقامتها، أو لا، فعلى هذا الحقّ هو قول المفصّل .

21- مسألة

اشارة

لو أحضر المدّعي بيّنته، فلا يسأل الحاكم منها إلّا بعد التماس المدّعي ذلک، لأنّ المدّعى به حقّ للمدّعي، فلا يتصرّف فيه إلّا بإذنه ؛ و معلوم أنّ القيام في إثباته من نحو السؤال من البيّنة تصرّف، فيتوقّف على إذنه .

و يمكن المناقشة فيه أوّلاً بطلب الدليل على حرمة مثل هذا التصرّف الّذي قصد به إيصال الحقّ إلى مالكه ؛ و ثانيًا بحصول الإذن، لأنّ المدّعي ما أتى بالبيّنة إلّا لأن يطلب الحاكم الشهادة منها بما تعلم، فالإذن حاصل .

و يمكن الجواب عنه بأنّ الحكم بأنّ الحكم بأنّ المال الّذي في يد زيد لعمرو وأخذه منه وإعطاؤه إيّاه خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على القدر المتيقّن، وهو ما إذا يكون حكمه بشهادة البيّنة بعد سؤال المدّعي ذلک، لا قبله ؛ هذا، مع أنّه ادّعى اتّفاق الأصحاب على ذلک .

ثمّ لو التمس المدّعي للسؤال من البيّنة و عرف عدالتهما بالعلم أو بالتزكية، يقول الحاكم : من كانت عنده شهادة في كذا فليذكرها إن شاء، أو نحوه ؛ و لا يأمر

ص: 112

بذلک بأن يقول : إشهدا، لئلّا يدخل في قلب المنكر ريب من الحاكم لأمره بشهادة البيّنة ؛ و لأنّ الحاكم ليس في مقام الأمر، بل في مقام السؤال، والسؤال غير الأمر ؛ ولما مرّ من وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن .

ثمّ بعد التماس المدّعي و سؤال الحاكم و شهادة الشاهدين لايحكم إلّا بعد سؤال المدّعي ذلک، لاحتمال رفع المدّعي اليد عن حقّه وإبرائه عنه بعد إثباته عليه فتأمّل، و لما مرّ .

فإذا سأله المدّعي يقول الحاكم للخصم : إن كان عندک ما يقدح في شهادة البيّنة أذكره، فإن قال : لا، يحكم بينهما وإن قال : نعم و طلب الإنظار، قالوا : أنظره ثلاثة أيّام ؛ وإن عجز عن إثبات ما ادّعى من الجرح، يحكم عليه (1) .

ولا يخفى عليک أنّ إطلاق كلماتهم في إنظار ثلاثة أيّام عند الاستنظار يقتضي عدم الفرق فيما تمكن من إثباته قبل الثلاثة، أم لا .

و فيما ادّعى أنّ شهودي على الجرح في موضع لايمكن حضورهم إلّا بعد الثلاثة، أم لا، قال في شرح القواعد بعد ذكر الإمهال بثلاثة أيّام :

و لم أعرف مستند التقدير. ثمّ إنّهم أطلقوه، فيعمّ ما إذا ادّعى بعد بيّنة الجرح بحيث لايحضر في ثلاثة، ولعلّ (2) الحكم مخصوص بما عداه، إنتهى (3) .

ص: 113


1- . انظر المبسوط : 8 / 159 ؛ والتحرير : 5 / 145 ؛ والقواعد : 3 / 441 .
2- . في المصدر : فلعلّ .
3- . كشف اللثام : 10 / 104 .
الكلام في البيّنة إذا كانت غائبة

22- مسألة

اشارة

لو قال المدّعي : إنّ بيّنتي غائبة، يجعل له أجلاً بمقدار إحضارها، أو يحكم له بإحلاف المنكر مخيّرًا بينهما، بلا خلاف في ذلک كما ادّعي ؛ و لأنّ الحقّ له، فله أن ينتظر إلى حضور البيّنة و إحلاف المنكر (1) .

و لو لم يكن الاتّفاق المحكيّ من الأصحاب، لأمكن المناقشة في ذلک ؛ و ذلک لأنّا قد ذكرنا سابقًا من الرواية ما يدلّ على أنّ اليمين على المدّعى عليه إنّما هو إذا لم يكن للمدّعي شاهد، و هو قوله (عليه السلام) : « فإن لم يكن شاهد، فاليمين على المدّعى عليه » (2) ؛ ولفظ : « شاهد » نكرة في سياق النفي تفيد العموم، فيشمل جميع البيّنة ولو كانت غائبة، هذا .

و سيجيء الجواب عن ذلک في المسألة الآتية بعون الله - سبحانه .

هل يجوز أخذ الكفيل من المنكر عند غياب البيّنة، أم لا ؟

ثمّ لو اختار المدّعي عدم الإحلاف والانتظار إلى حضور البيّنة، هل يجوز له

ص: 114


1- . انظر الروضة البهيّة : 3 / 88 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 194 ؛ و كشف اللثام : 2 / 338 ؛ و رياض المسائل :15 / 73 .
2- . الكافي : 7 / 416 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 562 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33682 .

تكفيل المدّعى عليه و أخذ الكفيل منه لاحضاره عند حضور البيّنة، أم لا ؟

فيه خلافٌ بينهم ؛ و المحكيّ عن الشيخين في المقنعة و النهاية (1) ، والقاضي في أحد قوليه (2) ، وابني حمزة و زهرة (3) ، هو الأوّل، بل عن الأخيرين نفي الخلاف في ذلک ظاهرًا، لاحتمال ذهاب الغريم و فراره، فيؤخذ منه الكفيل حذرًا من ذلک، حفظًا للحقوق ؛ هكذا استدلّ لهم (4) .

أقول : لو تمّ ذلک لم يدلّ على الجواز فقط، بل على الوجوب، لأنّ حفظ الحقوق واجب، و هو لا يتمّ إلّا بأخذ الكفيل من المدّعى عليه، فيكون واجبًا من باب المقدّمة .

و المنقول عن الشيخ في المبسوط و الخلاف، و ابن ادريس، و القاضي في قوله الآخر، هو الثاني (5) ؛ و هو مختار المحقّق و العلّامة (6) ؛ و في المسالک (7) نسبه إلى

المتأخّرين ؛ للأصل، بناءً على أنّ قبل ذلک لم يكن جائزًا، فالأصل بقاؤه .

و لأنّ مثل ذلک عقوبة يحتاج في إثباته إلى دليل ؛ و دعوى البيّنة من المدّعي

ص: 115


1- . المقنعة : 733 ؛ النهاية و نكتها: 2 / 70 و 71 .
2- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 360 ؛ قال فيه : « و لابن البرّاج قولان، ففي الكامل وافق الشيخ أيضًا، و قالفي المهذّب »، إلى آخره .
3- . الوسيلة : 212 ؛ الغنية : 445 .
4- . انظر رياض المسائل : 15 / 73 .
5- . انظر المبسوط : 8 / 159 ؛ و الخلاف : 6 / 237 ؛ والسرائر : 2 / 158 ؛ والمهذّب : 2 / 586 .
6- . المختصر النافع : 273 ؛ المختلف : 8 / 361 .
7- . مسالک الأفهام : 13 / 465.

لأجل استحقاقه واشتغال ذمّته بالمدّعى به لا يجعله مستحقًّا حتّى يحلّ عقوبته .

و أيضًا أنّ الكفيل يلزمه الحقّ إن لم يحضر المكفول ؛ و لزوم الحقّ على تقدير عدم إحضار المكفول قبل ثبوته لا وجه له، مع أنّ المدّعى عليه بعد إحضار البيّنة إن كان حاضرًا فيطلب الحقّ، و إلّا كسائر الغياب يحكم عليه .

إن قيل : إنّ الأصل يجب الخروج عنه لما دلّ على لزوم مراعات حقّ المسلم عن الذهاب .

قلت : المتبادر منه الحقّ الثابت، و هو مفقود قبل إقامة البيّنة .

و على تقدير تسليم أنّ المراد منه هو الحقّ في نفس الأمر، فيجب المراعات لكلّ ما احتمل أنّه حقّ من باب المقدّمة، نقول : مقتضى هذه وجوب أخذ الكفيل منه، والمحكيّ منهم الجواز، لا الوجوب كما عرفت .

على أنّا نقول : يجب الاحتراز عن عقوبة و أذيّة كلّ من لم يثبت من الشارع في حقّه ذلک .

ويحتمل أن يكون عدم الثبوت النفس الأمريّ، فيجب الاجتناب عن أذيّة كلّ من احتمل أنّه ممّن لم يثبت له من الشرع عقوبة من باب المقدّمة، فتأمّل.

وممّا ذكر ظهر الجواب عمّا لو قيل : إنّ الكفيل يلزمه أداء الحقّ لو لم يحضر المكفول، لاحتمال إثبات الحقّ في ذمّته نفس الأمر ؛ و قولک : « إنّ لزوم الحقّ على الكفيل لا وجه له قبل إثباته »، ممنوع، لاحتمال حضور البيّنة و ثبوت الحقّ بها، فإذا حضرت البيّنة و ثبت الحقّ يلزم الكفيل أداء الحقّ إن غاب المدّعي،

ص: 116

فالحكم بجواز التكفيل من المدّعى عليه مشكل .

وما نقل عن ابني حمزة و زهرة من دعوى عدم الخلاف في ذلک (1) ، فجوابه :انّ عدم الخلاف من حيث هو ليس بحجّة، بل لاستلزامه الإجماع، والاستلزام إنّما نسلّم إذا لم يظهر للمسألة مخالف ؛ وأمّا إذا ظهر فلا، سيّما مع كون المخالف كثيرًا كما في المسألة .

نعم، لو فصّل أحد في المسألة فقال : بوجوب أخذ الكفيل من المدّعى عليه فيما لو خيف هربه و عدم التمكّن من استيفاء الحقّ بعد ثبوته من ماله حفظًا لإضاعة الحقوق و عدم جواز ذلک فيما إذا لم يكن الأمر كذلک، لكان له وجه .

وهذا التفصيل هو الظاهر من الفاضل المقداد في شرح المختصر حيث قال:

ويقوى أنّ التكفيل موكولٌ إلى نظر الحاكم، فإنّ الحكم يختلف باختلاف الغرماء، فإنّ الغريم قد يكون غير مأمون (2) ،فالمصلحة حينئذٍ تكفيله،وإلّا لزم تضييع حقّ المسلم ؛ وقد لايكون كذلک، بل يكون ذا ثروة (3) وحشمة و مكنة، فلا حاجة إلى تكفيله لعدم ثبوت الحقّ والأمن من ضياعه، إنتهى (4) .

ثمّ على القول بالتكفيل مطلقًا، أو في الجملة، هل يتعيّن في ضرب مدّته ثلاثة

ص: 117


1- . الوسيلة : 212 ؛ الغنية : 445 ؛ و نقله عنهما في رياض المسائل : 15 / 73 .
2- . في المصدر : قد يكون ملطلطًا غير مأمون .
3- . في المصدر : مروة .
4- . التنقيح الرائع : 4 / 252.

أيّام كما عن ابن حمزة (1) ، أو يناط بنظر الحاكم ؟

قولان، الظاهر الثاني، لأنّ الحاكم أمر بتكفيله لأجل مصلحة، فتعيين المدّة بيده من حيث وجود المصلحة و عدمها.

يجوز للمدّعي مع وجود البيّنة إحلاف المدّعى عليه

23- مسألة

اشارة

هل يجوز للمدّعي مع حضور البيّنة إحلاف المدّعى عليه و ترک البيّنة ؟

الظاهر الجواز، لأنّ الحقّ له، فله أن يقيم البيّنة فيستحقّ حقّه، و أن يحلف المنكر فيرفع اليد عنه .

و لا دلالة لقوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (2) على منع ذلک على ما ربما توهّم، لأنّ مقتضاه أنّ منصب المدّعي إقامة البيّنة، فلا يجوز له الحلف ابتداء، لا أن لا يجوز له إحلاف المنكر مع وجود البيّنة، كما هو واضح، فإذا ترک البيّنة و أحلفه سقطت به الدعوى .

للإجماع على الحكمين من جواز الإحلاف و سقوط الدعوى بعده ؛ حكاه

ص: 118


1- . الوسيلة : 212 .
2- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

بعض الأجلّة (1) .

وللصحيح المتقدّم، و هو صحيحة ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق (عليه السلام): إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله، ذهب اليمين (2) بحقّ المدّعي، فلا حقّ له (3) ؛ قلت له : وإن كانت عليه بيّنة عادلة ؟ قال :

نعم و إن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له (4) ، وكان اليمين (5) قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه (6) .

و دلالته على ما ذكر من وجهين، أحدهما : من جهة إطلاق قوله : « إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر »، إلى قوله (عليه السلام): « فلا حقّ له »، فيشمل ما كان للمدّعي بيّنة أم لا، وكانت حاضرة أم لا.

والثاني : من جهة ترک الاستفصال، فانّه (عليه السلام) بعد أن سأله الراوي : « وإن كانت عليه بيّنة ؟ »، حكم به لسقوط الحقّ من غير استفصال بين علم المدّعي بوجود البيّنة قبل الإحلاف أم لا، و حضورها أم لا ؛ و ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال .

ص: 119


1- . حكاه عن الخلاف والغنية في كشف اللثام : 10 / 97 ؛ وانظر الخلاف : 6 / 293 ؛ والغنية : 442 .
2- . في الكافي و الفقيه : ذهبت اليمين .
3- . في الكافي و الفقيه : فلا دعوى له .
4- . في الفقيه : ما كان له حقّ .
5- . في الكافي : و كانت اليمين ؛ و في الفقيه : فانّ اليمين .
6- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل : 27 / 245 ح33689 .

إن قلت : إنّ قوله (عليه السلام) في الرواية المتقدّمة : « فإن لم يكن له شاهد، فاليمين على المدّعى عليه » (1) يعارض ذلک، لأنّ مقتضاه أنّ اليمين إنّما يتوجّه على المدّعى عليه إذا لم يكن له شاهد مطلقًا، حاضرًا كان أو غائبًا .

قلت أمّا أوَّلاً : فإنّها ضعيفة، فلا تصلح للمعارضة .

وأمّا ثانيًا : فلأنّ دلالتها على ما ذكر انّما هي بالمفهوم، لأنّ قوله : « فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه »، مفهومه : انّه إن كان له شاهد، فليس اليمين على المدّعى عليه ؛ والظاهر أنّ المراد به : انّه لو كان له شاهد فليس منصب المدّعى عليه أن يحلف، و هو مسلّم ولا يستلزم منه عدم جواز اليمين له مطلقًا.

وأمّا ثالثًا : فلأنّ هذا المفهوم مطلق، أعمّ من أن يرضى المدّعي لحلف المدّعى عليه أم لا، فيحمل على الثاني لدلالة الصحيح المذكور على أنّه إذا رضي بيمينه جازله الإحلاف، لوجوب حمل المطلق على المقيّد .

هل يجوز للمدّعي إحلاف المنكر بعد إقامة الشاهد، أم لا ؟

ثمّ هل الحكم المذكور مختصّ بما إذا لم يقم البيّنة على الحقّ، أو يعمّ فيجوز إحلاف المدّعى عليه ولو بعد إقامة البيّنة قبل الحكم ؟

ص: 120


1- . الكافي : 7 / 416 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 562 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33682 .

الظاهر الأوّل، لأنّ بعد إقامة البيّنة ثبت الحقّ في ذمّته شرعًا ؛ و بعد ثبوت الحقّ كيف يجوز الإحلاف على عدمه ؟!

و يمكن الاستدلال لذلک من النصّ بما مرّ، و هو ما رواه في التهذيب عن مولانا الصادق (عليه السلام)أنّه قال : في كتاب عليّ (عليه السلام): أنّ نبيًّا من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال : يا ربّ كيف أقضي فيما لم أشهد و لم أر ؟ قال : فأوحى الله - تعالى - إليه : أحكم بينهم بكتابي و أضفهم (1) إلى اسمي تُحلِفُهُم به، و قال : هذا لمن لم تقم له بيّنة (2) .

وجه الاستدلال : أنّه (عليه السلام) قيّد توجّه الحلف بعدم إقامة البيّنة، فلا يجوز معها .

و يمكن الجواب عنه : بأنّه (عليه السلام) قيّد وجوب الحكم بالحلف بعدم إقامة البيّنة، لأنّ قوله (عليه السلام) : « أضفهم إلى اسمي » أَمْرٌ، والأمرُ حقيقةٌ في الوجوب، ونحن نقول به، لأنّ مع وجود البيّنة لا يجب الحكم بالحلف اتّفاقًا وإن لم يقمها، لكن كلامنا في الجواز بمعنى انّه يجوز للمدّعي مع إقامة البيّنة على ما ادّعاه الإعراض عنها وإحلاف المنكر، أم لا ؛ والحديث المذكور لاينافيه .

إن قلت : يمكن الاستدلال لذلک بما رواه في التهذيب أيضًا عن محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه، هل عليه أن يستحلف ؟ قال: لا (3) .

ص: 121


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أضفته إليه : ألجأته { هكذا في القاموس المحيط : 3 / 166 }.
2- . الكافي : 7 / 415 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 228 ح 550 ؛ الوسائل : 27 / 229 ح 33657 .
3- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 558 ، و 231 ح 564 ؛ الوسائل : 27 / 243 ح 33685 .

وجه الاستدلال هو : أنّ باب الاستفعال للطلب، فعلى هذا يكون معنى قوله : «هل عليه أن يستحلف ؟ » أي : أن يستحلف من المنكر مع إقامته البيّنة، فأجاب (عليه السلام) بلا، فثبت المطلوب.

قلت : لا دلالة للرواية بما ذكر أمّا أوّلاً : فلأنّ الظاهر من تتبّع النصوص في الباب هو أنّ المراد بقوله : « هل عليه أن يستحلف » هو حلف المدّعي نفسه ؛ أمّا بناءً على انّه مجرّد عن معنى الطلب هنا، فيكون « يستحلف » بمعنى : يحلف، أو باق على الدلالة على الطلب، لأنّه يطلب الحلف من نفسه.

و على تقدير تسليم أنّ المراد منه استحلاف المدّعي من المنكر نقول أيضًا : لا دلالة له لذلک، أي لعدم جواز إحلاف المدّعى عليه مع إقامة البيّنة، بل يدلّ على عدم وجوب ذلک، و نحن نقول به، لكن كلامنا في الجواز ؛ بيانه هو : انّ « على » للضرر، فعلى هذا يكون معنى قوله في السؤال : « هل عليه أن يستحلف »، أي : هل يجب عليه ذلک، فأجاب عليه بلا، أي : لا يجب ذلک ؛ ولا يلزم من نفي الوجوب نفي الجواز، لأنّ نفي الخاصّ لايستلزم نفي العامّ .

نعم، لو سأل الراوي باللام فقال : هل له أن يستحلف، و أجاب (عليه السلام) بلا، كان له دلالة، بل نقول : لو استدلّ به على جواز الإحلاف حينئذٍ كان له وجه، بيانه هو : انّ الراوي - بناءً على ما مرّ - سأل عن وجوب الاستحلاف بعد إقامة البيّنة، والظاهر منه انّه كان يعلم جوازه، فقرّره المعصوم على فهمه ؛ و معلوم أنّ تقرير المعصوم على شيء يدلّ على رضائه بذلک، فيكون جائزًا .

قال في الشرائع :

ص: 122

لو كان له بيّنة فأعرض عنها، والتمس يمين المنكر، أو قال : أسقطت البيّنة و قنعت باليمين، فهل له الرجوع ؟ قيل : لا، و فيه تردّد، ولعلّ الأقرب الجواز . وكذا البحث لو أقام شاهدًا فأعرض عنه، و قنع بيمين المنكر، إنتهى (1) .

أقول : قوله : « الأقرب الجواز » يحتمل وجهين، أحدهما : جواز الرجوع قبل أن يحلف المنكر ؛ والثاني : جوازه بعد حلفه .

والظاهر أنّ مراده هو الأوّل، لما عرفت سابقًا من الأدلّة في إسقاط الدعوى بمجرّد حلف المنكر .

و كذا الكلام في قوله : « وكذا البحث لو أقام شاهدًا فأعرض عنه، و قنع بيمين المنكر »، فإنّ الظاهر أنّ المراد انّه يجوز الرجوع فيه قبل أن يحلف المنكر وإن كانت العبارة مطلقة .

24- مسألة

اشارة

لو قال المدّعي : « إنّ لي بيّنة أريد إحلافه أوّلاً، ثمّ أحضرها لإثبات حقّي »، لم يكن له ذلک بلا خلاف ؛ و لأنّ اليمين مسقطة للحقّ شرعًا، والبيّنة بعد سقوطه غير ملتفت إليها .

ص: 123


1- . شرائع الإسلام : 4 / 880 .

ولما عرفت من قول الصادق (عليه السلام) : انّه إن أقام بعد ما استحلف (1) بالله خمسين قسامة ما كان له (2) ، و كان اليمين (3) قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه (4) .

وغيره من النصّ الدالّ أنّ إقامة البيّنة لا تجتمع مع الحلف، والحلف لايجتمع مع إقامة البيّنة .

يقضى بشاهد و اليمين في الأموال و الديون

25- مسألة

اشارة

يجوز للحاكم أن يقضي بالشاهد الواحد و اليمين في الأموال و الديون بالإجماع، نقل ذلک عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس (5) ؛ و عن جماعة نفي الخلاف في ذلک (6) .

ص: 124


1- . في المصدر : ما استحلفه .
2- . في الفقيه : ما كان له حقّ .
3- . في الكافي : و كانت اليمين ؛ و في الفقيه : فانّ اليمين .
4- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل: 27 / 245 ح33689 .
5- . نقله عنهما في المختلف : 8 / 521 ؛ و كشف اللثام : 10 / 137 ؛ و رياض المسائل : 15 / 124 ؛ وانظرالمقنعة : 726 ؛ والخلاف : 6 / 274 و 275 ؛ والمبسوط : 8 / 189 ؛ والسرائر : 2 / 140 ؛ والمراسم: 233 .
6- . منهم الكاشاني في المفاتيح : 3 / 264 ؛ والسبزواري في الكفاية : 272 .

و في المسالک :

أجمع أصحابنا على القضاء في الجملة بالشاهد و اليمين (1) .

و النصوص المستفيضة، منها : ما روي من طرق العامّة عنه (صلي الله عليه واله)، عن ابن عبّاس و جابر : أنّ النبيّ (صلي الله عليه واله) قضى بالشاهد مع اليمين (2) .

و روي أيضًا : أنّه (صلي الله عليه واله) قضى بالشاهد الواحد مع يمين الطالب (3) .

و منها : ما نقل إنّهم رووا عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) : أنّ النبيّ (صلي الله عليه واله) قضى بشاهد واحد و يمين صاحب الحقّ، و قضى به عليّ (عليه السلام) بالعراق (4) .

وغيرها (5) .

و من طرق الخاصّة ما رواه عبّاس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال: إنّ جعفر بن محمّد (عليهماالسلام) قال له أبو حنيفة : كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد ؟ فقال جعفر (عليه السلام) : قضى به رسول الله (صلي الله عليه واله)، و قضى به عليّ (عليه السلام) عندكم ؛ فضحک أبو حنيفة، فقال جعفر (عليه السلام): أنتم تقضون بشهادة واحد شهادة مائة ؛ فقال : ما نفعل،

ص: 125


1- . مسالک الأفهام : 13 / 506 .
2- . مسند أحمد : 1 / 315 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 793 ح 2369 و 2370 ؛ سنن أبي داود : 3 / 308 ح3608؛ سنن البيهقي : 10 / 167 و 170 ؛ سنن الترمذي : 3 / 628 ح 1344 .
3- . سنن ابن ماجة : 2 / 793 ح 2371 .
4- . مسند أحمد 3 / 305 ؛ سنن الترمذي : 3 / 628 ح 1345 ؛ سنن الدارقطني : 4 / 136 ح 4441 ؛ السننالكبرى : 10 / 170 ؛ كنز العمّال : 5 / 830 ح 14507 .
5- . انظر السنن الكبرى : 10 / 170 و 171 ؛ و المصنّف : 5 / 360 و 7 / 12 .

فقال : بلى يشهد (1) مائة، فترسلون واحدًا يسأل عنهم، ثمّ تجيزون شهادتهم بقوله (2) .

و منها : ما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: كان رسول الله (صلي الله عليه واله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ (3) .

و منها : ما رواه حمّاد بن عيسى في الصحيح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : حدّثني أبي أنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قد (4) قضى بشاهد و يمين (5) .

و منها : ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج في الصحيح قال : دخل الحكم بن عتيبة و سلمة بن كهيل على أبي جعفر (عليه السلام)، فسألاه عن شاهد و يمين، فقال : قضى به رسول الله (صلي الله عليه واله)، و قضى (6) عليٌّ (عليه السلام) عندكم بالكوفة ؛ فقالا : هذا خلاف القرآن، فقال: أين (7) وجدتموه خلاف القرآن ؟ فقالا : إنّ الله - تبارک و تعالى - يقول :(وأشهدوا ذوي عدل منكم ) (8) ، فقال : هؤلاء يقبلوا شهادة واحد و يمين (9) .

ص: 126


1- . في التهذيب : تشهد .
2- . التهذيب : 6 / 296 ح 826 ؛ الوسائل : 27 / 268 ح 33744 .
3- . الكافي : 7 / 385 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 741 ؛ الاستبصار : 3 / 33 ح 113 ؛ الوسائل : 27 / 264ح 33733 .
4- . « قد » لم يرد في المصدر.
5- . الكافي : 7 / 385 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 275 ح 748 ؛ الاستبصار : 3 / 33 ح 112 ؛ الوسائل : 27/ 265ح 33735 .
6- . في المصادر : و قضى به .
7- . في المصادر : و أين .
8- . الطلاق : 2.
9- . في المصادر بدل « فقال : هؤلاء يقبلوا شهادة واحد و يمين » : « فقال لهما أبو جعفر(عليه السلام): فقوله(وأشهدوا ذوي عدل منكم ) هو أن لا تقبلوا شهادة واحد و يمينًا ».

ثمّ قال: إنّ عليًّا (عليه السلام) كان قاعدًا في مسجد الكوفة، فمرّ به عبد الله بن قَفَل التَيْمي (1) و معه درع طلحة أخذت غلولاً (2) يوم البصرة (3) ، فقال له عليّ (عليه السلام) : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له عبدالله بن قفل : فاجعل بيني و بينک قاضيک الّذي رضيته للمسلمين ؛ فجعل بينه و بينه شريحًا .

فقال له عليّ (عليه السلام) : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له شريح : هات على ما تقول بيّنة، فأتاه الحسن (عليه السلام) (4) ، فشهد أنّها درع طلحة أُخِذَتْ غُلُولاً يوم البصرة .

فقال (5) : هذا شاهد واحد و لا أقضي بشهادة شاهد (6) حتّى يكون معه آخر،فدَعَا (7) قنبرًا، فشهد أنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقال (8) شريح :هذا مملوک لا أقضي (9) بشهادة مملوک .

ص: 127


1- . في الكافي : التميمي .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : غلّ غلولاً، أي : خان .
3- . « أخذت غلولاً يوم البصرة » لم يرد في الكافي و التهذيب و الاستبصار .
4- . في الكافي و التهذيب : بالحسن (عليه السلام)
5- . في الكافي و التهذيب و الفقيه : فقال شريح .
6- . في التهذيب : شاهد واحد .
7- . في التهذيب : قال : فدعا .
8- . في الاستبصار : فقال له .
9- . في المصادر : و لا أقضي .

قال أبو جعفر (1) : فغضب عليّ (عليه السلام) و قال : خذها (2) ، فقال (3) : هذا قضى بجور ثلاث مرّات ؛ قال : فتحوّل شريح عن مجلسه، ثمّ قال: لا أقضي بين اثنين حتّى تخبرني مِن أين قضيتُ بجور ثلاث مرّات ؟

فقال له : ويلک - أو ويحک (4) - إنّي لمّا أخبرتُک أنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقلت : هات على ما تقول بيّنة، و قد قال رسول الله (صلي الله عليه واله): ما (5) وُجِد غُلُولاً (6) أخذ بغير بيّنة، فقال الرجل لم تسمع الحديث (7) ، فهذه واحدة .

ثمّ أتيتک بالحسن فشَهِدَ، فقلت : هذا واحد و لا أقضي بشهادة واحد حتّى يكون معه آخر و قد قضى رسول الله (صلي الله عليه واله) بشاهد (8) واحد و يمين، فهذه اثنتان (9) ، ثمّ أتيتک بقنبر ليشهد (10) ، فقلت : هذا مملوک ولا أقضي بشهادة مملوک،

ص: 128


1- . « أبو جعفر » لم يرد في المصادر .
2- . في الكافي و التهذيب و الاستبصار : خذوها ؛ و في الفقيه : خذوا الدرع .
3- . في المصادر بدل « فقال » : « فإنّ » .
4- . جاء هنا في حاشية الأصل بخطّ المصنّف (قدس سره) : الترديد من الراوي .
5- . في المصادر : حيث ما .
6- . في المصادر : غُلولٌ . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : الغلول : الخيانة، و ربّما يخصّ بالغنيمة، يقال: غلّشيء من المغنم إذا أخذ في خفية ؛ ولعلّ الوجه في جواز أخذ الغلول بغير بيّنة أنّه ممّا يعرفه العسكر و لميقسم بعد بين أهله ليباع ويوهب، وافي {الوافي : 16 / 948 }.
7- . في الكافي و الفقيه : « فقلت : رجل لم يسمع الحديث » ؛ و في التهذيب والاستبصار : « فقلت : إنّک رجللم يسمع الحديث ».
8- . في المصادر : بشهادة .
9- . في الكافي : فهذه ثنتان ؛ و في التهذيب والاستبصار: فهاتان ثنتان ؛ و في الفقيه : فهاتان اثنتان .
10- . في المصادر : فشهد أنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة .

و لا بأس بشهادة مملوک إذا كان عدلاً (1) .

ثمّ إنّ جملة من هذه النصوص و إن كانت مطلقة شاملة لحقوق الناس و حقوق الله - تعالى - فمقتضى إطلاقها جواز الاكتفاء بشهادة واحد مع يمين و لو كانت في حقوق الله - تعالى - إلّا أنّها مقيّدة بالأوّل .

بالإجماع المحكيّ على عدم جواز الاكتفاء في حقوق الله - تعالى - بذلک .

و بالصحيح المرويّ في الفقيه، و هو هذا : « لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد (2) إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق الله - تعالى - و رؤية الهلال فلا » (3) .

ثمّ إنّ حقوق الناس و إن كانت شاملة لغير المال و ما يقصد منه المال أيضًا كالقصاص، إلّا أنّها يجب تخصيصها بالأموال، لما نقل من إطباق الأصحاب ظاهرًا على عدم قبول شهادة واحد و يمين في القصاص .

إن قلت : ينبغي تقييد الأموال أيضًا بالدين، للنصوص الدالّة على كون متعلّق قضاء النبيّ (صلي الله عليه واله) والأمير (عليه السلام) بشهادة شاهد و يمين هو خصوص الدين، كالصحيح :

ص: 129


1- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 ؛ و للحديث تتمّة، و هي هذه : « ثمّ قال : ويلک - أو ويحک - إنّ إماما لمسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا » .
2- . « الواحد » لم يرد في الفقيه .
3- . الفقيه : 3 / 54 ح 3319 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 746 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 116 ؛ الوسائل : 27 /394 ح 34039 .

« كان (صلي الله عليه واله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين، و لايجيز (1) في الهلال إلّا شاهدي عدل » (2) .

و مثله : الصحيح الآخر في قضاء الأمير (عليه السلام)، والموثّق : « كان رسول الله (صلي الله عليه واله) يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحقّ، و ذلک في الدين » (3) .

لدلالتهما على عدم إجازتهما (عليهماالسلام) الحكم في غير الدين بشاهد و يمين، فيكون جواز الاكتفاء في الحكم بشاهد واحد و يمين مختصًّا بالدين، كما هو المنقول عن ابن أبي عقيل والشيخ في النهاية و ابن زهرة، حيث خصّوا جواز القضاء بالشاهد واليمين في الديون، بل الأخير ادّعى إجماع الإماميّة عليه (4) .

قلت : شرط حمل المطلق على المقيّد هو أن لا يكون المطلق فيما به التعارض موافقًا بعمل الأصحاب أو أكثرهم، و قد عرفت نقل جماعة اتّفاقهم على جواز الاكتفاء بهما في الأموال والديون ؛ والقول باختصاص ذلک بالديون نادرٌ، لرجوع الشيخ عنه في غير النهاية، بل قد ادّعى الإجماع على خلافه في خلافه (5) كما

ص: 130


1- . كذا في الاستبصار ؛ وفي الكافي : ولم يكن يجيز ؛ و في التهذيب والوسائل : ولم يجز .
2- . الكافي : 7 / 386 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 740 ؛ الاستبصار : 3 / 32 ح 108 ؛ الوسائل : 27 / 264ح 33732 .
3- . الكافي : 7 / 385 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 742 ؛ الاستبصار : 3 / 32 ح 109 ؛ الوسائل : 27 / 265ح 33736 .
4- . انظر النهاية : 2 / 61 و 63 ؛ و الغنية : 439 ؛ والكافي في الفقه : 438 ؛ والمراسم : 233 ؛ و مختلف الشيعة :8 / 522 ؛ و كشف اللثام : 10 / 331 ؛ و رياض المسائل : 15 / 124 .
5- . انظر الخلاف : 6 / 274 .

عرفت، فالإجماع الّذي ادّعاه ابن زهرة موهون .

على أنّه يمكن المناقشة في دلالة بعض النصوص المذكورة على عدم جواز الاكتفاء بهما في غير الدين، لأنّ قوله : « إنّه(صلي الله عليه واله) يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحقّ، و ذلک في الدين » (1) إنّما يدلّ على أنّ قضائه (صلي الله عليه واله) بذلک كان في الدين و لم يقض به في غيره، و لا يلزم منه عدم جواز القضاء بهما فيه ؛ و من المحتمل أن يكون جائزًا، لكن لم يتّفق له (عليه السلام) ذلک، فتأمّل .

و كيف كان و قد عرفت أنّها مع تسليم صراحتها لايصحّ لتقييد ما ذكرنا من النصوص المستفيضة لما مرّ، فينبغي إمّا حمل « الدين » فيها على المعنى الشامل لمطلق المال، كما حمل عليه لفظ « الدين » في عبارة النهاية في المختلف ؛ أو طرحها.

ما يجوز فيه القضاء بالشاهد واليمين و ما لا يجوز

تنبيهٌ

ينبغي أن نذكر هنا ما يثبت بشهادة واحد و يمين، و ما لا يثبت، و ما اختلف في الإثبات والعدم، فنقول : الظاهر الموضع المتيقّن الّذي يجوز فيه القضاء هو في

ص: 131


1- . الكافي : 7 / 385 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 742 ؛ الاستبصار : 3 / 32 ح 109 ؛ الوسائل : 27 / 265ح 33736 .

الأموال، كالدين والغصب و غيرهما ؛ و ضابطه ما كان مالاً، أو المقصود منه المال، و قد تقدّم الدليل على ذلک.

وأمّا الموضع الّذي لايجوز القضاء بهما فيه، فهو مثل الحدود و رؤية الهلال ونحوهما ؛ و بالجملة : ما لم يكن مالاً و لم يكن المقصود منه المال أيضًا.

و قد عرفت النصّ في حقوق الله - تعالى - و رؤية الهلال .

وأمّا الموضع المختلف في جواز القضاء بهما فيه، فهو دعوى النكاح والخلع والعتق والوقف و غيرها، فالمحكيّ عن سلّار و أبي الصلاح و فخر الدين و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (1) : المنع من ذلک في الأوّل (2) ، بل عن الأخيرين نسبة ذلک إلى المشهور بين الطائفة ؛ قالا :

لأنّ المقصود الذاتي منه الإحصان و إقامة السنّة و كفّ النفس عن الحرام والنسل، و أمّا المهر و النفقة فانّهما تابعان (3) .

و فصّل العلّامة في ذلک بين دعوى الزوجة، فيجوز القضاء بهما لتضمّنها المهر والنفقة ؛ و دعوى الرجل فلا (4) .

و قال في الشرائع :

ص: 132


1- . حكاه عنهم في رياض المسائل : 13 / 142 ؛ وانظر : المراسم : 233 ؛ والكافي في الفقه : 438 ؛والإيضاح : 4 / 348 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أي النكاح .
3- . الروضة البهيّة : 3 / 102 ؛ الإيضاح : 4 / 348 .
4- . القواعد : 3 / 449 ؛ التحرير : 2 / 192 س 30 .

و في النكاح تردّد (1) .

وجهه ما مرّ من التضمّن للمهر والنفقة، و من حيث انّ المقصود بالذات منه الإحصان والتناسل كما مرّ ؛ وأمّا المهر والنفقة فهما تابعان .

وأمّا في الثاني (2) فقد منع العلّامة والشهيد من القضاء بهما فيه (3) ؛ و نسبه في الروضة إلى الأكثر (4) ؛ و فصّل فيها و في المسالک بين دعوى المرأة فالمنع،ودعوى الرجل فالجواز، فإنّ دعواه تتضمّن المال، فقال في الثاني :

والوجه ثبوت الحكم بهما في الخلع (5) إذا كان يدعيه (6) الزوج، و هو خيرة العلّامة في أحد قوليه، إنتهى (7) .

وأمّا في الثالث - أي العتق - كما إذا ادّعى عتق عبد عبد و هو في يد غيره، فقد قال في المسالک :

المشهور عدم ثبوته بهما، لأنّه يتضمّن تحرير الرقبة، والحرّيّة ليست مالاً، و هي حقّ الله (8) - تعالى (9) .

ص: 133


1- . الشرائع : 4 / 881 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أي الخلع .
3- . انظر الإرشاد : 2 / 162 ؛ والتحرير : 2 / 192 ؛ والقواعد : 3 / 449 ؛ والدروس : 2 / 97 ؛ واللمعة : 55 .
4- . الروضة البهيّة : 3 / 99 و 102.
5- . في المصدر : ثبوت الخلع بهما .
6- . في المصدر : مدّعيه .
7- . مسالک الأفهام : 13 / 513.
8- . في المصدر : حقّ لله .
9- . مسالک الأفهام : 13 / 513.

قال :

و قيل: يثبت بهما العتق، لأنّ المملوک مال، و تحريره يستلزم تفويت المال على المالک، والحريّة وإن لم يكن نفسها مالاً، لكنّها تتضمّن المال من هذه الحيثيّة .

ثمّ قال :

واختلف كلام العلّامة في التحرير في نسخة الأصل، فوافق التحرير لفظ القواعد (1) ، ففي كتاب العتق والتدبير قطع بثبوتهما بالشاهد واليمين (2) من غير نقل خلاف، و في هذا الباب منه قطع بعدم ثبوتهما (3) كذلک . وتوقّف في الدروس مقتصرًا على نقل القولين ؛ و له وجه، إنتهى (4) .

في أنّه هل يثبت الوقف بالشاهد الواحد و يمين، أو لا ؟

و أمّا في الرابع - أي الوقف - ففيه أقوال ثلاثة، الأوّل : عدم القضاء بهما في ذلک مطلقًا، حكي ذلک عن الشيخ في الخلاف (5) .

ص: 134


1- . في المصدر : واختلف كلام العلّامة في التحرير والقواعد .
2- . في المصدر : بشاهد و يمين .
3- . في المصدر : بثبوتهما بهما .
4- . مسالک الأفهام : 13 / 514.
5- . الخلاف : 6 / 280 .

والثاني : عدمه أيضًا، لكن مع عدم انحصار الموقوف عليه، كما عن الشهيدين في الدروس و المسالک (1) و غيرهما (2) .

والقول الثالث : جواز القضاء بهما مطلقًا (3) .

هذا نقل الأقوال في الأمور المذكورة .

و يمكن أن يقال بترجيح القضاء بهما في الجميع بناءً على الإطلاق والعموم في النصوص المتقدّمة، منها : الصحيح المتقدّم، و هو أنّه : « لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد (4) إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس »، الحديث (5) .

و لا شکّ أنّه يصدق في كلّ منها أنّه حقّ و لو كان غير متبادر، و معلوم أنّ جمع المضاف يفيد العموم الاستغراقي، فيشمل جميع الأفراد ولو كانت غير متبادرة.

فعلى هذا نقول : إنّه يجب العمل بالعامّ إلى أن يثبت له مخصّص، فيتبع التخصيص ذلک المخصّص ؛ و نحن قد خصّصنا العامّ و قلنا : إنّ المراد به المال، للإجماع كما عرفت، و معلوم فقده في ما نحن فيه لمحلّ النزاع والخلاف كما

ص: 135


1- . الدروس : 2 / 97 ؛ مسالک الأفهام : 13 / 515.
2- . انظر كشف اللثام : 2 / 344 ؛ و رياض المسائل : 13 / 144 .
3- . كما عن الشيخ في المبسوط : 8 / 190 ؛ و الحلّي في السرائر : 2 / 162 ؛ والفاضل في القواعد : 3 / 449 ؛وانظر رياض المسائل : 13 / 144 .
4- . « الواحد » لم يرد في الفقيه .
5- . الفقيه : 3 / 54 ح 3319 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 746 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 116 ؛ الوسائل : 27 /394 ح 34039 .

عرفت، فلا مخصّص للعامّ في محلّ النزاع، فيجب العمل به .

و يمكن أن يقال : إنّ هذا إنّما يتوجّه إذا كان المجوّز للقضاء بشاهد و يمين في الأمور المذكورة قادحًا في القاعدة المتقدّمة، و هي : أنّه لا يجوز العمل بشهادة شاهد و يمين في غير المال، أو ما يقصد منه، فإن كان تجويزه القضاء بهما في الأمور المذكورة لأجل القدح في تلک القاعدة، كان الكلام المذكور متوجّهًا، إلّا أنّ الظاهر منه أنّه ليس كذلک، بل لأجل إدخالها في المال كما عرفت من دليله، فحينئذٍ هو قائل بتلک الكلّيّة و تجويز القضاء بهما فيما نحن فيه، لكونه مالاً .

فعلى هذا نقول : صحّة ذلک موقوفة على تشخيص معنى تعلّق الدعوى بالمال الموجب لِقبول القضاء بشهادة شاهد و يمين هل هو مطلق التعلّق ولو بالاستتباع كما في النكاح مثلاً، أو هو التعلّق المقصود بالذات من الدعوى بمعنى أنّ الباعث للدعوى هو المال ؟

و الظاهر المتبادر من كلماتهم أنّ الدعوى بالمال يقضي فيها بشاهد و يمين هو الثاني، و لذا لم يثبتوا بهما النسب و الرجعة اتّفاقًا كما في المسالک (1) ، مع أنّهما تستتبعان المال من النفقة و نحوها .

فيعلم أنّ تعلّق الدعوى بالمال الموجب للقضاء بهما هو ما إذا كان مقصودًا بالذات، فعلى هذا الحقّ في النكاح عدم القضاء بهما، لما عرفت من أنّ المقصود بالذات منه الإحصان و إقامة السنّة و كفّ النفس عن الحرام والنسل، وأمّا المهر

ص: 136


1- . انظر مسالک الأفهام : 13 / 513 ؛ و رياض المسائل : 13 / 146 .

والنفقة فانّهما تابعان (1) .

نعم، إذا كانت الدعوى من المرأة و علم أنّ قصدها لأجل المهر والنفقة، فتقبل، فيقضي حينئذٍ بهما، فيكون الحقّ في المسألة قول المفصّل، كما أنّ الحقّ في الخلع ذلک .

و أمّا في العتق، فالظاهر العدم، لأنّه ليس المقصود من دعوى الرقّيّة المال، بل حصول الحرّيّة، و هي تستلزم زوال الماليّة هنا، مع أنّ الأصل عدم قبول شاهد ويمين، لقوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدلٍ منكم ) (2) ، و غيره ؛ و هو شامل لما إذا كان الدعوى بالمال و غيره، فتقييده خلاف الأصل، لا يصار إليه إلّا بدليل، ونحن قد قيّدناه فيما إذا لم يكن تعلّق الدعوى في الأموال مقصودًا بالذات بالأدّلة السابقة على ما تقدّم، و أمّا غيره فغير معلوم إخراجه، فالأصل البقاء .

هذا كلّه في غير الوقف، و أمّا فيه فالظاهر أنّه يقضي فيه بهما، لأنّ الحقّ انّ الوقف ينتقل إلى الموقوف عليه، كما هو المنقول عن أكثر الأصحاب (3) ، فظاهر العلّامة أنّه إجماعيّ، حيث قال في القواعد:

ص: 137


1- . انظر الروضة البهيّة : 3 / 102 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 512 ؛ و رياض المسائل : 13 / 142 .
2- . الطلاق : 2.
3- . جاء في حاشية الأصل : فيه خلافٌ بين الأصحاب، و ما ذكرناه أحد الأقوال ؛ و قيل : إنّ ملک الوقف ينتقلإلى الله - تعالى . و قيل : مع الانحصار ينتقل إلى الموقوف عليه و إلى الله مع عدمه . و قيل : يبقى على ملکالواقف، مع أنّ ابن زهرة ادّعى إجماع الإماميّة بخروجه عن ملک الواقف . و على هذه الأقوال ينبغي أنلايقضي بهما في الوقف بشاهد و يمين إلّا في القول المفصّل بناءً على الإنحصار ؛ منه .

انّه عندنا ينتقل إلى الموقوف عليه (1) .

و في السرائر نفى الخلاف في ذلک، قال :

انّه بالوقف خرج من ملكه، وانتقل إلى ملک الموقوف عليه بغير خلاف بيننا (2) .

و جعله الشيخ وابن إدريس مقتضى المذهب (3) ، و عن أبي الصلاح نسبة ذلک إلينا(4) ؛ و ظاهرهم دعوى الإجماع عليه .

هذا مضافًا إلى ما استدلّوا به عليه زيادةً على ما مرّ من أنّه مال لابدّ له من مالک ؛ واختصاص الموقوف عليه به دون غيره دليلٌ على أنّه المالک، و كذا جميع أحكام الملک .

و الامتناع عن بيعه لا يخرج عن الملكيّة، كأمّ الولد والأموال المرهونة، مع أنّه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال عند علمائنا، و أنّه يضمن باليد والقيمة، فإذا ثبت أنّ الوقف ملک الموقوف عليه، فيجوز القضاء بهما في دعواه .

ص: 138


1- . القواعد : 3 / 449 .
2- . السرائر : 3 / 165 .
3- . انظر المبسوط : 8 / 190 ؛ والسرائر : 2 / 142 .
4- . نقله عنه في رياض المسائل : 13 / 144 .
يجوز القضاء بشاهد و يمين و لو مع التمكّن من الشاهدين

26- مسألة

اشارة

هل يجوز القضاء بشاهد و يمين فيما يجوز مطلقًا و لو مع التمكّن من الشاهدين، أم يخصّ ذلک فيما إذا لم يكن الشاهدان (1) ؟

و الظاهر من إطلاق العبارات الأوّل، و كذا من النصّ .

و يمكن المناقشة في النصّ بأنّه لم يرد بصيغة الأمر و لا بغيرها ممّا يفيد الإطلاق، بل أكثره إخبار بالواقع ؛ و معلوم أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلم تصلح للاستدلال في المشكوک، بل يجب الاقتصار على المتيقّن (2) ، و هو عند عدم التمكّن من الشاهدين .

و هو مقتضى الأصل أيضًا، لأنّ قوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (3) يفيد وجوب الإشهاد برجلين، فمقتضاه عدم جواز الحكم بشاهد ويمين مطلقًا، سواء وجد الرجلان أم لا .

ص: 139


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أي لم يوجد .
2- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .
3- .الطلاق : 2.

لكن قلنا بجواز الحكم بهما عند عدم وجود الرجلين للأدلّة السابقة، فبقي غيره داخلاً تحت الإطلاق .

لكن يمكن الاستدلال لذلک بقول مولانا الأمير (عليه السلام) لشريح في الحديث المتقدّم (1) ، حيث حكم أنّ شريح قضى بجور ثلاث و عدّ من جملة ذلک عدم حكمه بشهادة واحد و يمين مع التمكّن من الشاهدين، و هما مولانا الحسن (عليه السلام) وقنبر، فتأمّل .

لكن روي في التهذيب ما هو صريح على أنّ الحكم بشاهد و يمين إنّما هو بعد التعذّر عن الشاهدين، و هو هذا : « استخرج الحقوق بأربعة وجوه : شهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، و إن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدّعي »، الحديث (2) .

لكنّه ضعيف لا يجوز التمسّک به لإثبات الحكم الشرعيّ .

يجوز القضاء بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي

ثمّ اعلم : أنّه لو لم يوجد رجل لأن يشهد له، أو وجد و هناک امرأتان تشهدان على ما ادّعاه، هل يجوز القضاء حينئذٍ بشهادتهما و يمين المدّعي ؟

ص: 140


1- . انظر الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ و الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ و الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ و التهذيب :6/273 ح 747 ؛ و الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .
2- . الكافي : 7 / 416 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 562 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33682 .

الظاهر ذلک، لأنّ امرأتين بدل عن رجل، فيجوز في البدل ما يجوز في المبدل منه .

و للصحيح : أنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين، الحديث (1) .

والموثّق : إذا شهد لطالب الحقّ امرأتان و يمينه { فهو } (2) جائز (3) .

يشترط تقديم الشهادة على اليمين

27- مسألة

اشارة

يشترط في شهادة الشاهد الواحد أن تكون قبل اليمين، فتشهد أوّلاً هو ثمّ حلف المدّعي، فلو عكس بأن يحلف المدّعي أوّلاً ثمّ يشهد الشاهد لايحكم، بل وقعت اليمين لاغية، فيفتقر إلى إعادتها ؛ هكذا ذكر كثير من الأصحاب (4) ، و لم يظهر لهم في ذلک مخالف منهم، بل قال في كشف اللثام :

ص: 141


1- . هذه الرواية مرويّة في الكافي : 7 / 386 ح 7 ؛ و الفقيه : 3 / 55 ح 3321 ؛ و التهذيب : 6 / 272 ح739؛ و الوسائل : 27 / 272 ح 33754 ؛ عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام).
2- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر .
3- . الرواية مرويّة في الفقيه : 3 / 55 ح 3320 ؛ والتهذيب : 6 / 272 ح 738 ؛ والوسائل: 27 / 271 ح33752 ؛ عن منصور بن حازم، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهماالسلام).
4- . انظر المختصر : 275 ؛ والشرائع : 4 / 92 ؛ والسرائر : 2 / 141 ؛ والتحرير : 2 / 193 ؛ والقواعد : 3 /449 ؛ والروضة : 3 / 102 ؛ والدروس : 2 / 98 ؛ والمفاتيح : 3 / 264 ؛ والرياض : 13 / 146 .

ذكره الأصحاب قاطعين به (1) .

و ذكر الخلاف شيخنا الشهيد الثاني عن بعض العامّة فقط (2) ، و هو يشعر بعدم وجود المخالف منّا ؛ و عدم ظهور الخلاف كاف في الحكم، مضافًا إلى الأصل، لأنّ الحكم بشهادة واحد و يمين خلاف الأصل، يجب الاقتصار فيه على القدر المتيقّن، و هو ما إذا قدمت الشهادة على اليمين .

و علّل ذلک شيخنا في المسالک بأنّ وظيفة المدّعي بالأصالة إنّما هو البيّنة، واليمين تتميم لها بالنصّ (3) .

لا يقال : إنّ النصوص المتقدّمة مطلقة في جواز القضاء بشهادة شاهد و يمين وتقييدها فيما إذا قدمت الشهادة على اليمين خلاف الأصل ؛ و منه يظهر الجواب عمّا مرّ من الأصل، لأنّ حكم الأصل بعد وجود الإطلاق مفقود .

لأنّا نقول : أكثر النصوص المتقدّمة إخبار في الواقع، و قد عرفت أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فأسقطها عن صلاحيّة الاستدلال (4) .

و على فرض التسليم نقول : شرط انصراف المطلق إلى جميع الأفراد عدم

ص: 142


1- . كشف اللثام : 10 / 139 .
2- . انظر المسالک : 13 / 510 .
3- . المسالک : 13 / 509 .
4- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

وروده في بيان حكم آخر ؛ والظاهر من النصوص المذكورة أنّها سيقت لأجل دفع توهّم عدم جواز القضاء بشاهد و يمين و إثبات ذلک في الجملة، لا أن يكون المراد بها القضاء بهما مطلقًا ولو مع تقدّم اليمين .

هذا مع أنّ تقديم الذكريّ في النصوص مؤيّد لذلک .

و ممّا ذكرنا ظهر وجوب تقديم تعديل الشاهد حيث أحتيج إليه على اليمين، لأنّ تعديل الشاهد مقدّم على شهادته، و شهادته مقدّمة على اليمين كما عرفت، فتعديله مقدّم على اليمين .

و فيه نظر، لعدم تسليم الصغرى ؛ و من الممكن إسماع شهادته أوّلاً ثمّ النظر إلى التعديل، و قد صرّح جمع من الأصحاب في إقامة الشاهد أنّه بعد إسماع الشهادة ينظر إلى العدالة، فينبغي أن يكون هنا أيضًا كذلک، بل يمكن أن يقال بجواز أن يشهد الشاهد أوّلاً، ثمّ يحلف المدّعي، ثمّ ينظر إلى عدالة الشاهد، إذ يصدق حينئذٍ أنّه قضاء بشاهد و يمين، فقدّمت شهادته، فيشمله إطلاق النصوص المتقدّمة وعبارات المصرّحين بأنّه يشترط أن تكون الشهادة قبل اليمين .

و يمكن أن يستدلّ لذلک بالأصل المتقدّم، و هو أنّ القضاء بشاهد و يمين خلاف الأصل، فيجب أن يكون التعديل قبل اليمين، اقتصارًا فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كان التعديل قبل اليمين .

و أيضًا لو أخّر التعديل عن الحلف يحتمل أن لا يثبت عدالته، أو ثبت خلافها ؛ فعلى هذا وقعت اليمين عبثًا و ليس الحلف بالله - تعالى - بهاتين حتّى يجري فيه،

ص: 143

فيجب التعديل أوّلاً، فإن ثبتت العدالة يحلف المدّعي و يأخذ ماله، و إلّا فلا .

والجواب عن إطلاق النصوص قد تقدّم، و أيضًا المتبادر من قولک : « يقضى بشاهد و يمين »، هو ما إذا علمت عدالته، فينصرف إليه النصوص و كذا عباراتهم، فيجب أن يكون التعديل قبل اليمين أيضًا .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه لو قدّمت اليمين على الشهادة أو التعديل، وقعت لاغية، لما عرفت من أنّها مؤخّرة عنهما، فحينئذٍ يحكم بإعادتها وحدها ؛ ولايحتاج إلى إعادة الشهادة أو التعديل ثانيًا، لصدق أنّ اليمين وقعت بعد الشهادة مثلاً.

و يمكن المناقشة في ذلک بأنّ المتبادر من إطلاقهم هو ما إذا كان إقامة الشهادة مثلاً إبتداءً، لا أن يسبقها يمين لو لم يكن الإجماع على خلافه .

ادّعاء المنكر البراءة مع إقامة البيّنة

28- مسألة

اشارة

قد عرفت ممّا تقدّم أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لا يحلف ؛ و هو إجماعيّ كما صرّح به بعض الأجلّة (1) ؛ و منصوصٌ قد تقدّم الإشارة إلى بعض منه ؛ لكن لو

ادّعى المنكر مع إقامة البيّنة برائة ذمّته عمّا قامت عليه، فحينئذٍ ينعكس الأمر، أي المدّعي صار منكرًا، لأنّه ينكر براءة ذمّة الخصم، والمنكر مدّعيًا لادّعائه

ص: 144


1- . لم نعثر عليه .

البراءة (1) .

والحكم في ذلک أنّه لو أثبت ما ادّعاه بإقامة البيّنة سقطت الدعوى، وإلّا فيحلف المدّعي الأوّلي على بقاء الحقّ، أو على عدم براءة ذمّة الخصم عن حقّه فيأخذه ؛ وذلک لما مرّ من أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر .

إن قلت : إنّ المتبادر من قولک : « البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر » هو ما كان منكرًا إبتداءً ؛ و ليس ما نحن فيه من ذلک، فينبغي الرجوع فيه إلى حكم الأصل، و هو يقتضي أخذ الحقّ من غير أن يحلف .

قلت أوّلاً : كون مقتضى الأصل مطلقًا أخذ الحقّ من غير حلف ممنوع، لأنّ المراد بالأصل هنا الاستصحاب، و هو إنّما يجري إذا سبقت إقامة البيّنة على دعوى البراءة، و أمّا إذا لم يكن كذلک فلا، فتأمّل .

و ثانيًا : على تقدير تسليم كون المتبادر من قولک : « البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر » ما ذكر، نقول : إنّ النصوص في المسألة ليست منحصرة بلفظ : « واليمين على المنكر أو المدّعى عليه »، إذ في بعضها : « واليمين على من أنكر »، و « مَن » الموصول تفيد العموم الاستغراقيّ، فيشمل كلّ منكر ؛ والاستصحاب إنّما يكون حجّة إذا لم يعارضه الإطلاق أو العموم، و أمّا معه فلا.

ص: 145


1- . لاحظ المسألة في الشرائع : 4 / 878 ؛ والإرشاد : 2 / 147 ؛ والقواعد : 3 / 447 ؛ والمسالک :13/489 ؛ وكشف اللثام : 10 / 130 ؛ و الرياض : 13 / 133 .

{ فروعٌ }

و في المقام فروعٌ :

{ الفرع الأوّل }

الأوّل : انّه لا فرق فيما ذكر بين ما أقام البيّنة و غيره، فإذا أقرّ المنكر بما ادّعاه المدّعي عليه، ثمّ ادّعى البراءة عنه و عجز عن الإثبات، حكمه ما ذكر لما مرّ .

{ الفرع الثاني }

والثاني : انّ الحكم المذكور هل هو مختصّ بما إذا شهدت البيّنة بحكم الأصل والظاهر بأنّ المدّعي كان مريدًا للمدّعى به قبل ذلک من المنكر، فشهادة البيّنة الآن لما كان، أو يعمّ ولو ادّعت العلم بثبوت الحقّ حين الدعوى، كما إذا اشتغلت ذمّة المنكر بالمدّعى به و لم تفارقها البيّنة إلى أن حضرت عند الحاكم، أو لم تفارق المدّعى إلى ذلک الوقت، فحصلت له العلم بعدم وصول الحقّ إلى المدّعي ؟

الظاهر : الأوّل، لأنّ الثاني يستلزم تكذيب البيّنة ؛ و فتح هذا الباب يرفع فائدة ثبوت البيّنة، بل لا يبعد أن يقال : بعد إقامة البيّنة لا يلتفت إلى قول المنكر مطلقًا، إذ معه يرتفع فائدة ثبوت البيّنة، إذ لكلّ منكر حينئذٍ أن يدّعي براءة الذمّة، فيرجع

ص: 146

الحكم إلى حلف المدّعي كما إذا لم توجد البيّنة، فيحتمل قويًّا بعد إقامة البيّنة عدم الالتفات إلى قول المنكر .

هذا مضافًا إلى النصوص المستفيضة الدالّة على أنّ الرجل لو أقام البيّنة على حقّه لا يحلف، منها : الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه، هل عليه أن يستحلف ؟ قال : لا (1) .

و نحوه الموثّق القريب من الصحيح بفضالة عن أبان، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما، و غيرهما (2) .

و دلالة هذه على ما قلنا من وجهين، أحدهما : من جهة الإطلاق، والثاني : من جهة ترک استفصال المعصوم من أنّ المنكر هل يدّعي البراءة، أم لا ؟ و ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال .

والأوّل وإن أمكن المناقشة فيه بعدم وجود شرط انصراف الإطلاق إلى جميع الأفراد في هذه النصوص، إلّا أنّ الثاني لا شبهة فيه .

إذا عرفت ذلک نقول : إنّ التعارض بين هذه النصوص والنصّ الدالّ على أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، من قبيل تعارض الظاهرين والعموم من وجه، أمّا خصوص النصّ فيما نحن فيه لوروده فيمن أقام البيّنة .

ص: 147


1- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 558 ، و 231 ح 564 ؛ الوسائل: 27 / 243 ح 33685 .
2- . انظر الكافي : 7 / 417 ، باب : انّ من كانت له بيّنة فلا يمين عليه إذا أقامها ؛ والوسائل : 27 / 243 ، باب :أنّ المدّعي إذا أقام البيّنة فلا يمين عليه معها إلّا فيما استثنى .

و أمّا عمومه فلأنّه أعمّ من أن يدّعي المنكر براءة ذمّته عمّا ادّعى عليه المدّعي وأقيمت عليه البيّنة، أم لا .

و أمّا خصوص نصّ : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر »، فمن أجل اشتماله على المنكر .

وأمّا عمومه فلأنّ المنكر أعمّ من أن يكون ابتدائيًّا، أو ممّا نحن فيه، فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع النصوص الدالّة على أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لايحلف للأصل و ما تقدّم من الاعتبار .

إن قلت : إنّ الترجيح مع النصوص الدالّة على أنّ اليمين على المنكر، لأكثريّتها، حتّى ادّعي أنّها متواترة معنًى .

قلت : قد عرفت سابقًا أنّ تلک النصوص لا يجدي لنا نفعًا في المقام، إلّا ما كان عامًّا منها، كما إذا ورد بصيغة العموم، مثل : « انّ اليمين على من أنكر » ؛ و كثرة مثل ذلک ممنوعة .

نعم، لو ثبت في المقام شهرة، لأمكن الترجيح لتلک الأدلّة، إلّا أنّه لم يحضرني كتب الأصحاب حين الكتابة حتّى ننظر فيها لتحقّق الشهرة، لكن مقتضى القواعد الاجتهاديّة هو ما ذكرناه .

{ الفرع الثالث }

والثالث : يجوز للمنكر الحلف على عدم الاستحقاق بعنوان العموم مطلقًا، ولو

ص: 148

كان المدّعى به مفيدًا، فلو ادّعى الغصب مثلاً أو الدين و هكذا، يجوز له الحلف على عدم الاستحقاق، لأنّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ، فإذا حلف على عدم استحقاق المدّعي بعنوان العموم، يلزمه عدم استحقاقه لخصوص المدّعى به أيضًا .

هذا مع انّه ربما يكون للعدول عن الخاصّ إلى العامّ فائدة، كما إذا غصب شيئًا ودفع إلى المالک، و حينئذٍ لا يمكنه الحلف على نفي الغصب لتحقّقه .

و أمّا الحلف على نفي الاستحقاق فصحيح، لأنّه مع دفعه ذلک لا يستحقّه المالک منه .

المواضع الّتي يحلف المدّعي مع إقامة البيّنة

29- مسألة

اشارة

قد عرفت ممّا ذكرناه أنّ مقتضى الأصل في المدّعي أن لا يحلف، لما عرفت من النصوص الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، سيّما بعد إقامة البيّنة، فإنّ المدّعي بعد أن أقام البيّنة لا حلف له، لما عرفت و للإجماع المحكيّ عن الخلاف و غيره (1) .

والنصوص مع ذلک مستفيضة، منها : فيها الصحيح المرويّ في الفقيه عن أبان وجميل، عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: إذا أقام المدّعي البيّنة فليس عليه يمين،

ص: 149


1- . انظر الخلاف : 6 / 236 ، المسألة 35 ؛ و رياض المسائل : 13 / 112 .

الحديث (1) .

و رواه في التهذيب عن أبان، عن أبي العبّاس، عنه (عليه السلام) (2) .

و منها : الصحيح المرويّ في التهذيب عن ابن مسلم (3) قال: سألت أبا

جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه، هل عليه أن يستحلف ؟ قال : لا (4) .

و منها : الموثّق القريب من الصحيح بفضالة و أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما، المرويّ في التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل ذلک (5) .

أقول : تمسّک بهما فيما نحن فيه بعض الأصحاب (6) ، و لا يبعد أن يقال : إنّ التمسّک بهما فيما نحن فيه في غير محلّه، إذ الظاهر أنّ المراد منه انّ المدّعي بعد إقامة البيّنة على المدّعى عليه لا يستحلف المدّعي عليه ؛ والمراد أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لا يحلف ؛ و أين هذا من ذلک ؟! فالتعويل على ما سلف، فعلى هذا الحكم بحلف المدّعي يحتاج إلى دليل، فيجعل مستثنى عمّا تقدّم .

ص: 150


1- . الكافي : 7 / 417 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3342 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 563 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح33684 .
2- . الكافي : 7 / 417 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 563 ؛ و فيه : إذا أقام الرجل، الحديث ؛ الوسائل: 27 /243 ح 33686 .
3- . جاء في حاشية الأصل : رواه باسناده إلى الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم، عن محمّد بنمسلم، قال : سألت، إلى آخره ؛ و عاصم و إن كان مشتركًا بين الثقة و الضعيف، لكنّ الظاهر أنّه في المقامعاصم بن حُميد الثقة، بقرينة رواية النضر بن سويد عنه، منه .
4- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 558 ، و 231 ح 564 ؛ الوسائل: 27 / 243 ح 33685 .
5- . التهذيب: 6 / 230 ح 10.
6- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 154 ؛ و رياض المسائل : 13 / 112 .
{ الصور المستثناة من قاعدة :
البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر }

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّه استثني من ذلک صور :

{ الصورة الأولى }

الأولى : إذا لم يكن له بيّنة، فردّ المنكر الحلف إليه، فيحلف حينئذٍ كما تقدّم دليله .

المدّعي يحلف مع إقامة البيّنة إذا كانت دعواه على الميّت

{ الصورة الثانية }

والثانية : إذا كانت الدعوى على الميّت و أقام البيّنة على ذلک، فإنّه حينئذٍ يحلف على بقاء الحقّ في ذمّة الميّت فيأخذه، بلا خلاف في ذلک كما يظهر من جمع، بل نقل عن شيخنا الشهيد الثاني الإجماع على ذلک، قال في المسالک :

المشهور بين الأصحاب - بل لا يظهر فيه مخالف - أنّ المدّعي يستحلف مع بيّنته على بقاء الحقّ في ذمّة الميّت (1) .

ص: 151


1- . مسالک الأفهام : 13 / 461.

و قال قبل ذلک بعد ذكر رواية عبدالرحمن الآتية :

انّها من الروايات المتلقّاة بالقبول للأصحاب، لأنّها مستند الحكم بثبوت اليمين على المدّعي على الميّت إذا كان له بيّنة، إنتهى (1) .

هذا مع أنّه منصوص، ففي الصحيح المرويّ في الفقيه و التهذيب و غيرهما عن محمّد بن الحسن الصفّار أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل ؟ - إلى أن قال : - أو تقبل شهادة الوصيّ على الميّت بدين مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم من بعد يمين (2) .

و ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبد الله (3) قال : قلت للشيخ - قال في الفقيه : يعني موسى بن جعفر (عليهماالسلام)- أخبرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ، فلا يكون له بيّنة بما له، قال : فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له، و إن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له .

هكذا في الفقيه، و في التهذيب و الكافي : « و إن حلف فلا حقّ له، و إن لم يحلف فعليه ». ثمّ اشتركت الكتب الثلاثة .

فإن كان المطلوب بالحقّ قد مات، و أقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين

ص: 152


1- . مسالک الأفهام : 13 / 455.
2- . الكافي : 7 / 394 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 73 ح 3362 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 626 ؛ الوسائل : 27 / 371 ح33973 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : الحديث مرويّ في الكافي و الفقيه و التهذيب، أمّا في الكافي فقد رواهعن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن ياسين الضرير قال :حدّثني عبدالرحمن بن أبي عبد الله ؛ و أمّا في الفقيه فقد رواه باسناده إلى ياسين الضرير .

بالله الّذي لا إله إلّا هو لقد مات فلان و إنّ حقّه لعليه، فإن حلف وإلّا فلا حقّ له، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه - هكذا في الفقيه، و في التهذيب : قد وفاه - ببيّنته لا نعلم موضعهم - هكذا في الفقيه، و في التهذيب : موضعها - أو بغير بيّنة قبل الموت، فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة، فإن ادّعى و لا بيّنة فلا حقّ له، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ، ولو كان حيًّا لألزم اليمين أو الحقّ، أو يردّ (1) اليمين عليه، فمن ثمّ لم يثبت له حقّ عليه (2) .

إن قلت (3) : إنّها لا تصلح دليلاً للحكم، لأنّ قوله (عليه السلام) : « فعلى المدّعي اليمين

بالله الّذي لا إله إلّا هو »، يدلّ على وجوب الحلف بهذا النحو، لقوله (عليه السلام) : عليه، وأنتم لا تقولون بذلک .

قلت : لا نسلّم أنّ مقصوده (عليه السلام) الحلف بجميع : « الله الّذي لا إله إلّا هو »، بل الظاهر أنّ المقصود : عليه الحلف بالله، و ذكر « الّذي لا إله إلّا هو » لأجل التعظيم، لا لأن يكون الجميع متعلّقًا للحلف .

وربّما يقدح في الرواية بأنّ في طريقها: محمّد بن عيسى بن عبيد، و هو ضعيف.قلت : الأمر و إن كان كذلک، لكنّ الحقّ أنّ رواية ابن عبيد مقبولة، بل صحيحة، سيّما إذا لم تكن عن يونس و كتبه كما فيما نحن فيه، مع أنّ الضعف لو سلّم غير

ص: 153


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : ردّ خ ل فقيه .
2- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : ردّ على المقدّس الأردبيليّ .

مضرّ بعد عمل الأصحاب، فلا إشكال في المسألة، فيخصّص النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ المدّعي لا حلف له بعد إقامة البيّنة بهذين الحديثين و عمل الطائفة كما عرفت .

إن قيل (1) : روى في الفقيه و التهذيب صحيحًا ما يعارض ذلک، و هو ما كتبه محمّد بن الحسن إلى أبي محمّد (عليه السلام) : رجل أوصى إلى ولده و فيهم كبار قد أدركوا و فيهم صغار يجوز للكبار أن ينفذوا وصيّته و يقضوا دينه لمن صحّح على الميّت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار ؟ فوقّع (عليه السلام) : على الكبار (2) من الولد أن يقضوا دين أبيهم و لا يحبسوه (3) .

لأنّه (عليه السلام) أمر بقضاء دين الميّت بشهود من دون أن يقيّده باليمين، فلا يكون اليمين لازمة، و إلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و الإغراء بالجهل (4) .

و الجواب أنّ هذا مطلق و ما تقدّم مقيّد، و المطلق يحمل على المقيّد .

حلف المدّعي مع إقامة البيّنة مختصّ بما إذا
لم يكن الحاكم عالمًا بعدم وفاء الميّت حقّه

ثمّ هل الحكم - و هو تحليف المدّعي مع إقامة البيّنة - مختصّ بما إذا لم يحصل

ص: 154


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : ردّ على المقدّس الأردبيليّ .
2- . في التهذيب : نعم على الأكابر ؛ و في الفقيه : على الأكابر .
3- . الفقيه : 4 / 210 ح 5487 ؛ التهذيب : 9 / 185 ح 744 ؛ و فيهما : « و لا يحبسوه بذلک ».
4- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 162 .

العلم للحاكم ببقاء الحقّ في ذمّة الميّت، أو يعمّه و غيره، فيحلّف المدّعي ولو مع علمه ببقاء اشتغال ذمّة الميّت و عدم تحقّق الإبراء من المدّعي ولو لم يمتنع في حقّه، كأن كان كبيرًا مثلاً .

و عدم الوفاء من الميّت إمّا بسماع ذلک عند الموت، أو بعدم تحقّق زمان يحتمل الوفاء، أو بمصاحبة الحاكم له بنحو يحصل له العلم بعدم الوفاء و نحوها .

و بالجملة : إذا كان الحاكم عالمًا بعدم الوفاء و عدم الإبراء من صاحب الحقّ، فيكون عالمًا باشتغال ذمّة الميّت و بقائه إلى ذلک الحين .

الظاهر : الأوّل، لما عرفت من أنّ الحكم بحلف المدّعي خلاف الأصل، سيّما بعد إقامة المدّعي البيّنة ؛ و معلوم أنّه يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا لم يكن الحاكم عالمًا ببقاء اشتغال ذمّة الميّت واحتمل البراءة .

و لما عرفت من التعليل في النصّ، و هو : « أنّا لا ندري لعلّه وفاه » (1) ، فإذا علم عدم وفائه، و كذا عدم تحقّق الإبراء من صاحب الحقّ، فلا يشمله النصّ المخصّص، فيبقى النصوص المطلقة الدالّة على أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لايحلف سالمة عمّا يصلح لتقييدها حينئذ، فيجب العمل بمقتضاها .

إن قلت : إنّ هذا إنّما يصحّ بالنسبة إلى رواية عبدالرحمن، لكونها معلّلة بما ذكر، وأمّا بالنسبة إلى الصحيح فلا، لعدم ذكر التعليل فيه، بل هو مطلق، فيشمل ما

ص: 155


1- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .

نحن فيه و غيره، فيقيّد إطلاق النصوص بذلک .

قلنا : إنّ الصحيح و إن كان مطلقًا، لكن الغالب غير ما نحن فيه، لأنّ حصول العلم للحاكم بعدم وفائه و عدم الإبراء من المدّعي نادرٌ، فلا ينصرف إليه إطلاق الصحيح .

لكنّ الإنصاف أنّ هذا الجواب ليس بشيء، لأنّ إطلاق الصحيح غير مسلّم، بل هو عامّ، لأنّ ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم، فيشمل المقام و غيره .

فالأولى أن يقال في الجواب : انّ الصحيح وإن كان عامًّا، لكن يجب تخصيصه بالمفهوم من التعليل المتقدّم .

بيانه هو : أنّ قوله (عليه السلام) : « لأنّا لا ندري لعلّه قد وفاه » (1) ، يدلّ بمفهومه على انّا لو علمنا بعدم وفائه لايحلف، فيقيّد عموم الصحيح بذلک، فتأمّل .

ثمّ إنّ البيّنة تختلف، قسمٌ منها تشهد على طلب المدّعي الحقّ عن الميّت عملاً بالأصل ؛ و قسمٌ ليس كذلک، بل شهادته ليس لأجل العمل بالأصل، بل لأجل علمهم بعدم وفاء الميّت ذلک، إمّا لسماعهم منه عند الموت، أو لغير ذلک ممّا تقدّم ؛ و هل الحكم شامل لكلا القسمين منها، أو مختصّ بالأوّل ؟

والظاهر العموم، لترک الاستفصال في النصّين المذكورين .

ص: 156


1- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .
الحكم بحلف المدّعي مختصّ بما إذا كانت الدعوى دينًا

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ الحكم المذكور هل هو مختصّ بما إذا كان المدّعى به الدين، أو يعمّ غيره أيضًا كالوديعة والغصب، فلو أقام البيّنة على وديعة عين عند الميّت، أو غصبها، يتوقّف الانتزاع على الحلف أيضًا، فلا يكفي البيّنة وحدها ؟

الظاهر : الأوّل، وفاقًا للعلّامة في القواعد، و شيخنا الشهيد الثاني في المسالک، وصاحب الكفاية (1) ؛ للأصول :

الأوّل : براءة ذمّة المدّعي من الحلف .

والثاني : بقاء إطلاق النصوص الدالّة على أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لايحلف سالمًا من التقييد .

والثالث : بقاء العين في ملكه، لأنّ البيّنة شهدت على كونها ملكًا له، فالأصل بقاء الملكيّة، فاحتمال خروجها عن ملكه خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كانت الدعوى على الميّت بالدين، لأنّ الدليلَ على عدم الاكتفاء بالبيّنة و ضمّ اليمين معها الإجماعُ والنصّ ؛ والأوّل منتف هنا، لمحلّ الخلاف .

ص: 157


1- . انظر القواعد : 3 / 441 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 461 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 695 ؛ و كشف اللثام :10/ 105 ؛ و رياض المسائل : 13 / 113 .

و أمّا الثاني فكذلک، لأنّ النصّ في المسألة هو ما ذكر من صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار و رواية عبدالرحمن ؛ و الأوّل قد صرّح فيه باليمين حيث كتب إليه (عليه السلام) : « أتقبل (1) شهادة الوصيّ على الميّت بدين »، الحديث (2) ؛ و الثاني و إن لم يكن نصًّا في الدين، لكن ظاهره ذلک، لقوله (عليه السلام) : « و إنّ حقّه لعليه » (3) .

مضافًا إلى قوله (عليه السلام) : « لأنّا لا ندري لعلّه قد وفاه ببيّنة »، لأنّ التوفية ظاهرة في الدين ؛ و أمّا الوديعة و الغصب، فيقال في الأوّل الردّ، و الثاني الدفع ؛ و إن كان صدره مشتملاً لمطلق الحقّ الشامل للجميع، إلّا أنّه بمجرّد هذا الإطلاق لايمكن رفع اليد عن مقتضى الأصل المتّفق عليه و تقييد النصوص الكثيرة الدالّة على أنّ المدّعي مع إقامة البيّنة لا يحلف ؛ مع ما عرفت من الكلام في سندها و الإشعار الظاهر في أنّ المراد به الدين، مضافًا إلى أنّه يمكن دعوى ظهور الحقّ في الدين أيضًا .

اعلم : أنّه قال في المسالک :

واعلم : أنّه مع العمل بمضمون الخبر يجب الاقتصار على ما دلّ عليه من كون الحلف على المدّعي مع دعواه الدين على الميّت، كما يدلّ عليه قوله: « وإنّ حقّه لعليه ... لأنّا لاندري لعلّه وفاه ». فلو كانت الدعوى

ص: 158


1- . في المصدر : أو تقبل .
2- . الكافي : 7 / 394 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 73 ح 3362 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 626 ؛ الوسائل : 27 / 371 ح33973 .
3- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .

{ عينًا } (1) في يده بعارية أو غصب دفعت إليه مع البيّنة من غير يمين (2) .قال في الكفاية بعد نقل هذا عنه :

و هو متجّه، لكن ينافيه إطلاق صحيحة محمّد بن الحسن (3) .

أقول : فيه نظر واضح، لأنّ صحيحة محمّد بن الحسن ليست مطلقة، بل مصرّحة بالدين كما مرّ، و هو هذا : « تقبل شهادة الوصيّ على الميّت بدين مع شهادة آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم من بعد يمين »، هكذا في الفقيه (4) .

و أيضًا قد ذكرها جمع من أصحابنا في كتبهم الاستدلاليّة كذلک، فأين الإطلاق ؟!

لايمكن أن يقال : إنّ مراده جواب المعصوم (عليه السلام) حيث لم يذكر فيه الدين، لأنّ الجواب جواب للسؤال، و قد عرفت أنّه في الدين، و كذا الجواب .

نعم، لو كان لفظ « الدين » مذكورًا في الجواب، لأمكن به الاستدلال على عدم لزوم الحلف في غير الدين مع إقامة البيّنة، فكان دليلاً في المسألة .

فها أنا أذكر الصحيح بتمامه، ليظهر لک حقيقة الحال، فأقول : قال في الفقيه :

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهماالسلام): هل

ص: 159


1- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
2- . مسالک الأفهام : 13 / 463 .
3- . كفاية الأحكام : 2 / 695.
4- . الفقيه : 3 / 73 ح 3362 .

تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين . و كتب إليه : أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغيرًا كان أو كبيرًا بحقّ له على الميّت أو على غيره و هو القابض للوارث الصغير و ليس للكبير بقابض ؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم و ينبغي للوصيّ أن يشهد بالحقّ و لايكتم شهادته . و كتب إليه : أو تقبل شهادة الوصيّ على الميّت بدين مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم من بعد يمين (1) .

و لا يخفى أنّ المستند فيما نحن فيه هو سؤاله : « تقبل شهادة الوصيّ على الميّت بدين » إلى آخره، و هو كما ترى صريح في سؤال قبول الشهادة على الميّت بدين، فأجاب (عليه السلام) بالجواز من بعد يمين .

نعم، لفظ « الحقّ » وقع مطلقًا في قوله : « أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغيرًا أو كبيرًا لحقّ له » إلى آخره، لكن ليس له دخل في المقام كما لايخفى .

ثمّ أقول : نقل الحديث عن الكافي (2) و التهذيب مثل ما مرّ من الفقيه، لكن في التهذيب على ما رأيناه ليس فيه لفظ : « بدين »، بل مطلق هكذا : « تقبل شهادة الوصيّ على الميّت مع شاهد آخر عدل، فوقّع : نعم من بعد يمين » (3) .

و هذا هو الّذي ذكره في الكفاية، فيكون مراده من الإطلاق : أي من غير التقييد

ص: 160


1- . الفقيه : 3 / 73 ح 3362 .
2- . الكافي : 7 / 394 ح 3 .
3- . التهذيب : 6 / 247 ح 626 .

بدين ؛ و حينئذٍ و إن وجّه ما قاله، إلّا أنّ جوابه هو : أنّه إذا دار الأمر بين سقوط شيء في الحديث و زيادته، فالسقوط أولى ؛ فعلى هذا اعتراضه غير موجّه، بل الحكم مختصّ بالدين، فلا يشمل مثل دعوى غصب العين و عاريتها، بل يحكم فيهما بمجرّد البيّنة، فلا حاجة إلى اليمين لما تقدّم .

و لا فرق في ذلک بين ما تلفت العين، أو وجدت في التركة، قال في المسالک :لو لم توجد في التركة و حكم بضمانها للمالک، ففي إلحاقها حينئذٍ بالدين نظرًا إلى انتقالها إلى الذمّة، أو العين نظرًا إلى أصلها، وجهان أجودهما الثاني (1) .

وجه الأجوديّه يظهر ممّا قلنا، لأنّ الحكم بحلف المدّعي خلاف الأصل، سيّما بعد إقامة البيّنة، فيقتصر فيه على الموضع المتيقّن، و قد عرفته .

تنبيهٌ

قال في الشرائع و القواعد و الإرشاد ما حاصله :

إنّ المدّعي لم يستحلف مع البيّنة إلّا أن تكون الشهادة على ميّت، فيستحلف على بقاء الحقّ في ذمّته استظهارًا (2) .

و معنى الاستظهار في كلامهم ليس ما يقابل الوجوب، بل المراد به هنا طلب

ص: 161


1- . مسالک الأفهام : 13 / 463.
2- . الشرائع : 4 / 874 ؛ القواعد : 3 / 441 ؛ الإرشاد : 2 / 145 .

ظهور ثبوت الحقّ إلى حين الطلب، إذ لم يعلم من البيّنة سوى كونه في ذمّته في الجملة .

ثمّ اعلم : أنّ مقتضى النصّ و الفتاوي الاكتفاء بيمين واحدة و لو كان الوارث متعدّدًا ؛ وجهه واضح، إذ يكفي في الامتثال بالمطلق الإتيان بفرد من أفراده، بل الزيادة على المرّة مشكل، لما عرفت من أنّ الحكم بحلف المدّعي خلاف الأصل، يقتصر فيه على القدر المتيقّن، و هو مرّة واحدة، لا أزيد .

و أيضًا العمومات الدالّة على المنع من الحلف قد خصّصت بالنسبة إلى المرّة بعمل الأصحاب و السّنة، وأمّا الزائد عليها فلا، فالأصل بقاء المنع .

{ الصورة الثالثة }

والصورة الثالثة المستثناة من القاعدة المسلّمة - و هي : انّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر - هي ما إذا أقام المدّعي البيّنة وادّعى المنكر براءة الذمّة، فإنّه حينئذٍ صرّح كثير منهم بأنّ المدّعي يحلف على بقاء الاستحقاق، فيأخذ حقّه ؛ وقد تقدّم الكلام منّا في ذلک مفصّلاً، فليراجع من أراد الإطّلاع عليه .

هذا مع أنّ المدّعي فيما يحلف عليه حينئذٍ ليس مدّعيًا، بل منكر، لأنّه ينكر برائة ذمّة خصمه .

ص: 162

هل يضمّ اليمين إلى البيّنة
في الغائب والصغير والمجنون، أم لا ؟

{ الصورة الرابعة }

والصورة الرابعة الّتي استثنيت من تلک القاعدة، هي ما إذا كانت الشهادة على الصغير أو مجنون أو غائب، فإنّ الشيخ في المبسوط، والعلّامة في التحرير والقواعد و الإرشاد، و ابنه في الإيضاح، حكموا بضمّ اليمين إلى البيّنة أيضًا (1) .

و في المسالک والكفاية : هو ما ذهب إليه الأكثر (2) .

و عن الصيمريّ : هو المشهور (3) .

و ذهب المحقّق في الشرائع و بعض من المتأخّرين إلى العدم (4) ، و نسبه في الكفاية إلى جماعة، منهم : المحقّق (5) ؛ للأصل، لأنّک قد عرفت أنّ الحكم بحلف المدّعي سيّما بعد إقامة البيّنة خلاف الأصل، و قد منعت منه النصوص المستفيضة المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة .

ص: 163


1- . التحرير : 2 / 187 ؛ القواعد : 3 / 441 ؛ الإرشاد : 2 / 145 ؛ الإيضاح : 4 / 334 ؛ المبسوط : 8 / 162.
2- . المسالک : 13 / 461 ؛ الكفاية : 2 / 694 .
3- . غاية المرام : 4 / 233 .
4- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 874 ؛ و كشف اللثام : 10 / 106 ؛ و رياض المسائل : 13 / 114 و 115 .
5- . كفاية الأحكام : 2 / 695 .

و قد قلنا بضمّ الحلف إلى البيّنة في الميّت لدليل و موجب، و هو مفقود هنا، فيجب العمل بالأصل، إذ الدليل في تلک المسألة إمّا الإجماع، أو النصّ ؛ و كلاهما مفقود في المقام، أمّا الأوّل فلمكان الخلاف، و أمّا الثاني فلأنّ مورده الميّت، و هو مفقود فيما نحن فيه .

و الجواب عنه : أنّ مورد النصّ وإن كان الميّت، لكن في رواية عبدالرحمن المتقدّمة قد علّل الشارع ضمّ الحلف إلى البيّنة باحتمال التوفية، و هذه العلّة موجودة في كلّ من الثلاثة، فيجب القول به فيها أيضًا ؛ و ليس ذلک من باب العلّة المستنبطة، بل المنصوصة، و الحقّ حجّيّة القياس إذا كانت العلّة منصوصة .

واستدلّ في المسالک (1) للقول الأوّل بمشاركة كلّ من الصبيّ و المجنون والغائب للميّت في العلّة المومى إليها في النصّ، و هو أنّه ليس للمدّعى عليه لسان يجيب به، فيكون من باب منصوص العلّة، أو من باب اتّحاد طريق المسألتين، لا من باب القياس المستنبطة (2) ؛ و لأنّ الحكم في الأموال مبنيّ على الاحتياط التامّ، و هو يحصل بانضمام اليمين .

ثمّ قال :

و فيه نظر، لأنّ العلّة الظاهرة في الخبر - على تقدير تسليمه - كون المدّعى عليه ليس بحيّ، و هذه العلّة منتفية عن المذكورين . و أيضًا فإنّ

ص: 164


1- . المسالک : 13 / 462 .
2- . في المصدر : الممنوع .

مورد النصّ - و هو الميّت - أقوى من الملحق به، لأنّ جوابه قد انتفى مطلقًا، و يئس منه في دار الدنيا، والصبيّ والمجنون والغائب لهم لسان يرتقب جوابه، إنتهى (1) .

و فيما ذكره نظر، أمّا أوّلاً : فلأنّ قوله : « العلّة المومى إليها في النصّ، و هي (2) أنّه ليس للمدّعى عليه لسان يجيب به » غير مسلّم، لأنّه ليس مرادنا من العلّة في النصّ ما ذكره، بل قوله (عليه السلام) : « لأنّا لاندري لعلّه قد وفاه » ؛ وأين ذلک ممّا ذكره ؟!

نعم، انّ ما ذكره لعلّه مستنبطٌ من النصّ، فيكون من باب العلّة المستنبطة، فقوله : « فيكون ذلک من باب منصوص العلّة » لا وجه له .

وأمّا ثانيًا : فلأنّ قوله : « العلّة الظاهرة في الخبر - على تقدير تسليمه - كون المدّعى عليه ليس بحيٍّ » ممنوعٌ أيضًا، لأنّ المراد من العلّة ليس ما ذكره، بل ما ذكرناه .

وأمّا ثالثًا : فلأن في قوله : « فإنّ مورد النصّ - و هو الميّت - أقوى من الملحق به » إنّما يتوجّه إذا قلنا بدلالة الخبر على اشتراک الصبيّ و غيره مع الميّت بالفحوى، و لم يقل أحد بذلک ؛ وأمّا منصوص العلّة فاللازم فيه وجود العلّة المنصوصة في الفرع، لا غيره.

و قال في الكفاية بعد نقل القول الأوّل :

ص: 165


1- .مسالک الأفهام : 13 / 462.
2- . في المصدر : و هو .

و مذهب الأكثر ذلک، نظرًا إلى مشاركتهم للميّت في العلّة المومئ إليها في الخبر، فيكون من باب منصوص العلّة، و من باب اتّحاد طريق المسألتين .

ثمّ قال :

و فيه : أنّ العلّة المذكورة في الخبر احتمال توفية الميّت قبل الموت، وهي غير حاصلة في محلّ البحث وإن حصل مثلها، و مورد النصّ أقوى من الملحق به، لليأس عن (1) الميّت مطلقًا (2) .

و فيه أيضًا نظر، أمّا أوّلاً : فلأنّک قد عرفت أنّ كون مورد النصّ أقوى من الملحق به إنّما يتوجّه إذا قلنا بدلالة الخبر عليه بالفحوى، و لم نقل به .

و أمّا ثانيًا : فلأنّ ما ذكره من أنّ العلّة هي احتمال توفية الميّت - و هو غير حاصل في محلّ البحث - مبنيّ على الفرق في منصوص العلّة بين قولک : « الخمر حرام لكونها مسكرة »، و بين قولک : « علّة حرمة الخمر الإسكار »، بأنّه لو كان مثل الأوّل فلا يكون حجّة، لاحتمال أن يكون العلّة هي الإسكار، و أن يكون إسكار الخمر بحيث يكون قيد الإضافة إلى الخمر معتبرًا في الحكم، فإذا احتمل الأمران لم يجز القياس .

و في المقام أيضًا كذلک، لأنّ الضمير في « لعلّه » في قوله (عليه السلام) : « لأنّا لاندري

ص: 166


1- . في المصدر : في .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 694 .

لعلّه قد وفاه » راجعٌ إلى الميّت، و حينئذٍ نقول : يحتمل أن يكون علّة ضمّ اليمين إلى البيّنة احتمال عدم الوفاء، أو عدم وفاء الميّت بحيث يكون النسبة إلى الميّت معتبرة في الحكم، فإذا احتمل الأمران لم يجز القياس .

لكنّ الحقّ أن لا فرق بين قولک : « الخمر حرام لأنّها مسكرة »، و بين قولک : «علّة حرمة الخمر الإسكار »، لأنّ أهل العرف يفهمون من الأوّل أيضًا أنّ علّة الحرمة هي الإسكار من غير اعتبار النسبة .

ألا ترى أنّه لو قال طبيب لواحد : « لا تأكل الشيء المعلوم لأنّه حلو أو حامض »، فلا شکّ في أنّ العرف يفهمون منه المنع عن أكل كلّ ما فيه حلاوة أو حموضة من غير ملاحظة النسبة، فضلاً عن اعتبارها ؛ وأنّ علّة المنع هي الحلاوة أو الحموضة بنفسها .

فعلى هذا نقول : إنّ قوله (عليه السلام) : « لأنّا لاندري لعلّه قد وفاه »، يفهم منه أنّ علّة ضمّ الحلف إلى اليمين هل هو احتمال التوفية، و هو متحقّق في كلّ من الصبيّ والمجنون والغائب، فينبغي أن يحكم بضمّ الحلف إلى البيّنة هنا أيضًا من غير اعتبار نسبة ذلک إلى الميّت .

لكنّ الإنصاف أن يقال بعدم جواز التمسّک بهذا التعليل في محلّ البحث، لا من حيث الإتيان بالضمير الراجع إلى الميّت في « لعلّه »، بناءً على ما عرفت من أنّ ذلک غير قادح، بل من حيث انّ التعليل ليس هو قوله (عليه السلام) : « لأنا لاندري لعلّه وفاه » وحده، بل مجموع قوله (عليه السلام) : « لأنّا لاندري لعلّه وفاه ببيّنة لم نعلم موضعها، أو بغير بيّنة قبل الموت ».

ص: 167

و قوله (عليه السلام) : « قبل الموت » متعلّق بقوله : « وفاه » ؛ و حينئذٍ نقول : إنّه يعتبر في منصوص العلّة وجود تمام العلّة في الملحق به، إلّا ما قلنا من عدم اعتبار النسبة، فنقول : إنّ قولک : « الخمر حرام لإسكارها »، يدلّ على حرمة النبيذ، لتحقّق العلّة فيه، إذ يمكنک أن تقول : النبيذ حرام لإسكاره .

و أمّا ما نحن فيه، فليس الأمر كذلک، إذ لم يمكننا أن نقول : يجب ضمّ اليمين إلى البيّنة في الغائب، لأنّا لا ندري لعلّه وفاه ببيّنة لم نعلم موضعها، أو بغير بيّنة قبل الموت .

نعم، يصحّ إذا قلنا قبل الغياب مثلاً، لكنّه غير التعليل المذكور في كلام المعصوم، فلو لم يكن لفظ « قبل الموت » مذكورًا في العلّة، لقلنا بحجيّة ذلک ولو مع الضمير العائد إلى الميّت في قوله (عليه السلام) : « لعلّه » كما عرفت، فتأمّل.

فالأقوى حينئذٍ هو القول الثاني، لما عرفت من الأصل وإطلاق النصوص المانعة عن الحلف مع إقامة البيّنة في بعضها، و عموم ترک الاستفصال في الآخر.

مضافًا إلى إطلاق المرويّ في التهذيب عن أبي الحسن الرضا و جعفر بن محمّد (عليهماالسلام) : « الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة و يباع ماله و يقضى عنه دينه و هو غائب » (1) .

حيث حكم (عليه السلام) بالقضاء على الغائب بمجرّد إقامة البيّنة عليه من غير أن يأمره بضمّ اليمين إليها .

ص: 168


1- . الكافي : 5 / 102 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 191 ح 413 ؛ الوسائل : 27 / 294 ح 33782 .

فإذا ثبت الحكم في الغائب نقول في الصغير والمجنون، لعدم القائل بالفصل .

و هذه الرواية رواها في التهذيب بسندين، و هي في أحدهما صحيحة، مع أنّ موافقتها للأصل وإطلاق النصوص المتقدّمة و مخالفتها لأكثر العامّة - على ما صرّح به شيخنا في المسالک (1) من أنّ أكثرهم على ضمّ اليمين - مؤيّدةٌ لها .

{ هل يجب التكفيل للغائب بعد إقامة البيّنة و ضمّ اليمين ؟ }

و هل يجب التكفيل للغائب - أي أخذ الكفيل من المدّعي للغائب - بعد إقامة البيّنة و ضمّ اليمين بناءً على القول به ؟

قال في القواعد :

و يدفع الحاكم من مال الغائب بعد التكفيل (2) .

و لعلّ مستنده الخبر المذكور، فإنّ في ذيله : « و يكون الغائب على حجّته إذا قدم و لا يدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء » (3) .

و نحوه قول مولانا الباقر (عليه السلام) في خبر محمّد بن مسلم، إلّا أنّه خصّص ذلک : إذا لم يكن المدّعي مليًّا (4) .

ص: 169


1- . انظر مسالک الأفهام : 13 / 462 .
2- . القواعد : 3 / 441 .
3- . التهذيب : 6 / 296 ح 827 ؛ الوسائل : 27 / 294 ح 33782 .
4- . الكافي : 5 / 102 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 191 ح 413 ؛ الوسائل : 27 / 294 ح 33782 .

و عن بعضهم (1) : تخصيص الكفيل بما إذا لم يضمّ اليمين إلى بيّنة المدّعي .

إذا كان للمدّعي على الميّت شاهد واحد
هل يكتفى في حقّه يمين واحد، أو لابدّ من يمينين ؟

ثمّ اعلم : أنّه إذا كانت الدعوى على الميّت و لم يكن عنده إلّا شاهد واحد، هل تكفيه يمين واحدة لإثبات حقّه، أو يحتاج إلى يمينين إحداهما مقام شاهد آخر والأخرى في محلّها، بناءً على ما مرّ من أنّ المدّعي على الميّت مع إقامة الشاهدين يحلف ؟

الظاهر : الأوّل، وفاقًا للعلّامة (2) ، لأنّ الّذي دلّ عليه التعليل المذكور هو أنّ اليمين مع الشاهدين لرفع احتمال التوفية و بقاء الاستحقاق، و هذا يحصل بيمين واحدة، والأصل البراءة عن الزيادة ؛ و لقوله (عليه السلام) في الصحيحة السالفة : « لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق الله - عزّوجلّ - و رؤية الهلال فلا » (3) .

وجه الدلالة هو: أنّ حقوق الناس يعمّ ما نحن فيه وغيره، خرج ما إذا تمكن من الشاهدين فيما إذا كان الدعوى على الميّت، و يبقى غيره مندرجًا تحت العموم .

ص: 170


1- . هو الفاضل الأصبهاني (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 107 .
2- . انظر القواعد : 3 / 441 .
3- . الفقيه : 3 / 54 ح 3319 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 746 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 116 ؛ الوسائل : 27 /394 ح 34039 .

قال في السرائر :

فإن لم يكن للمدّعي على الميّت إلّا شاهد واحد و كان عدلاً، لزم المدّعي أيضًا اليمين معه، لأنّ الشاهد واليمين عندنا في المال جائز، ولايلزمه يمين أخرى (1) .

و لا يمكن الاستدلال بتعدّد اليمين هنا بما مرّ من النصّين الَّذَيْن قد دلّا على لزوم اليمين مع الشاهدين، فيجب تعدّد اليمين هنا، إحداهما للقيام مقام شاهد واحد، والأخرى في محلّها، لاختصاصهما فيما إذا أقام الشاهدين ؛ و لم يثبت عموم بدليّة اليمين للبيّنة حتّى يؤتى بها في كلّ موضع لم يمكن إقامتها .

ألا ترى أنّه لو لم يكن له شاهد مطلقًا لايمكن له أن يحلف مرّتين، فيأخذ حقّه .

هذا مع ما عرفت من أنّ اليمين فيما نحن فيه إنّما هو لدفع احتمال التوفية و بقاء الاستحقاق، و هو يحصل بالواحدة، إذ يتعرّض فيها لبقاء الحقّ .

يفرّق الشهود إذا كانوا من أهل الريبة

30- مسألة

يكره تفريق الشهود عند الإقامة إذا كانوا من ذوي البصائر والشأن، كالعلماء والصلحاء، لأنّ ذلک ربّما يؤل إلى مهانتهم، بل ربّما يحصل من ذلک كسر قلوبهم .

ص: 171


1- . السرائر : 2 / 46 .

نعم، يستحبّ التفريق بينهم إذا كانوا من أهل الريبة، أي ارتاب الحاكم في أمرهم، فيسأل كلّ واحد عن جزئيّات القضيّة، فيقول له مثلاً : في أيّ وقت شهدت و في أيّ مكان، و هل كنت وحدک أو مع باقي الشهود ؟ فإن قال : وحدي، قال : هل كنت أوّل من شهد أو لا ؟ بحيث يظهر الكذب إن ظهر الاختلاف، فإن اختلفت أقوالهم أبطلها، و إلّا حكم .

والمستند في ذلک فعل الأمير و قبله دانيال النبيّ (عليهماالسلام)، و إن أردت أن تقف على فعلهما فاعلم : أنّه روي في التهذيب في الحسن أو الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أتى عمر بن الخطّاب بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت وكان من قصّتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرًا ما يغيب عن أهله، فشبّت اليتيمة، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها زوجها، فدعت بنسوة حتّى أمسكوها(1) ، فأخذت عذرتها بإصبعها، فلمّا قدم زوجها من غيبته رمت اليتيمة المرأة بالفاحشة وأقامت البيّنة من جاراتها اللّاتي ساعَدَنْها على ذلک، فرفع ذلک إلى عمر، فلم يدر كيف يقضي فيها .

ثمّ قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب واذهب بنا إليه، فأتيا (2) عليًّا (عليه السلام) وقصّوا عليه القصّة و قال (3) لامرأة الرجل : ألکِ بيّنة أو برهان ؟ قالت : لي شهود هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول وأَحْضَرْتُهنَّ، وأخرج عليٌ - صلوات الله

ص: 172


1- . في المصدر : أمسكنها .
2- . في المصدر : فأتى .
3- . في المصدر : فقال .

عليه (1) - السيف من غمده فطرح بين يديه، فأمر (2) بكلّ واحدة منهنّ، فأدخلت

بيتًا.

ثمّ دعا امرأة الرجل، فأدارها بكلّ وجه، فأبت أن تزول عن قولها، فردّها إلى البيت الّذي كانت فيه، و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه، ثمّ قال : تعرفيني أنا عليّ بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحقّ وأعطيتها الأمان، وإن لم تصدقيني لأمكننّ السيف منک .

فالتفت إلى عمر فقالت : يا أميرالمؤمنين الأمان عليّ الصدق، فقال لها عليٌ 7: فاصدقي، فقالت : لا ، والله إلّا أنّها رأت جمالاً و هيئة، فخافت فساد زوجها، فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها، فافتضّتها بإصبعها .

فقال عليّ (عليه السلام) : الله أكبر أنا أوّل من فرّق بين الشهود إلّا دانيال النبيّ (عليه السلام)، وألزمهنّ عليّ (عليه السلام) بحدّ القاذف وألزمهنّ جميعًا العُقر و جعل عُقرها أربعمائة درهم و أمر المرأة أن تنفى من الرجل و يطلّقها زوجها و زوّجه الجارية و ساق عنه المهر عليّ (عليه السلام).

فقال عمر : يا أبا الحسن، فحدِّثنا بحديث دانيال النبيّ، فقال : إنّ دانيال كان يتيمًا لا أمّ له و لا أب، و إنّ امرأة من بني إسرائيل عجوزًا كبيرةً ضمّته فربّته، وإنّ ملكًا من ملوک بني إسرائيل كان له قاضيان، فكان لهما صديق و كان رجلاً صالحًا

ص: 173


1- . في المصدر بدل « صلوات الله عليه » : عليه السلام .
2- . في المصدر : و أمر .

و كانت له امرأة ذات هيئة جميلة و كان يأتي الملک فيحدّثه، فاحتاج الملک إلى رجل يبعثه في بعض أموره .

فقال للقاضيين : اختارا رجلاً أرسله في بعض أموري، فقالا : فلان، فوجّهه الملک، فقال الرجل للقاضيين : أوصيكما بامرأتي خيرًا، فقالا : نعم .

فخرج الرجل، فكان القاضيان يأتيان باب الصديق (1) ، فعشقا امرأته، فراوداها عن نفسها، فأبت، فقالا لها : والله لئن لم تفعلي لنشهدنّ عليک عند الملک بالزنا ليرجمنّک .

فقالت : افعلا ما أحببتما، فأتيا الملک فأخبراه و شهدا عنده أنّها بغت، فدخل الملک من ذلک أمر عظيم واشتدّ بها غمّه و كان بها مُعجبًا، فقال لهما : قولكما (2) مقبول ولكن ارجموها بعد ثلاثة أيّام و نادى في البلد الّذي هو فيه : احضروا قتل فلانة العابدة، فإنّها قد بغت وإنّ القاضيين قد شهدا عليهما بذلک وأكثر الناس في ذلک .

و قال الملک لوزيره : ما عندک في هذا من حيلة ؟ فقال : ما عندي في ذلک من شيء، فخرج الوزير يوم الثالث و هو آخر أيّامها، فإذا هو بغلمان عراة يلعبون وفيهم دانيال و هو لايعرفه .

فقال دانيال : يا معشر الصبيان، تعالوا حتّى أكون أنا الملک و تكون أنت يا فلان

ص: 174


1- . في المصدر : الرجل الصديق .
2- . في المصدر : انّ قولكما .

العابدة و يكون فلان و فلان القاضيين الشاهدين عليها، ثمّ جمع ترابًا و جعل سيفًا من قصب و قال للصبيان : خذوا بيد هذا، فنحّوه إلى مكان كذا و كذا و خذوا بيد هذا، فنحّوه إلى مكان كذا و كذا، ثمّ دعا بأحدهما فقال له : قل حقًّا، فإنّک إن لم تقل حقًّا قتلتک بم تشهد ؟ و الوزير قائم يسمع و ينظر .

فقال: أشهد أنّها بغت، قال : متى ؟ قال : يوم كذا و كذا، قال: ردّوه إلى مكانه وهاتوا الآخر، فردّوه إلى مكانه و جاؤا بالآخر، فقال له : بم تشهد ؟ قال : أشهد أنّها بغت، قال: متى ؟ قال: يوم كذا و كذا، قال : مع مَن ؟ قال : مع فلان بن فلان، قال: وأين ؟ قال : في موضع كذا و كذا، فخالف صاحبه .

فقال دانيال (عليه السلام) : الله أكبر شهدا بزور، يا فلان ناد في الناس أنّما (1) شهدا على فلانة بزور، فاحضروا قتلهما، فذهب الوزير إلى الملک مبادرًا فأخبره الخبر، فبعث الملک إلى القاضيين، فاختلفا كما اختلف الغلامان، فنادى الملک في الناس و أمر بقتلهما، إنتهى الحديث (2) .

و إنّما ذكرناه مع طوله لأنّي لما رأيت الكتب الاستدلاليّة الّتي عندي خالية من ذكر الحديث، بل قالوا فيها : « كما فعل الأمير و دانيال (عليهماالسلام)»، فأردت أن أذكره حتّى يعرف الناظر حقيقة الحال، إذ ربما لا يمكن لكلّ أحد الرجوع في المأخذ ويحبّ أن يطّلع على حقيقة الحال كما اتّفق لي أوّلاً .

ص: 175


1- . في الكافي : أنّهما .
2- . الكافي : 7 / 426 ح 9 ؛ الفقيه : 3 / 20 ح 3251 ؛ التهذيب : 6 / 308 ح 852 ؛ الوسائل : 27 / 277 ح33762 .

{ بيان حرمة تتعتع الشاهد من قبل القاضي }

31- مسألة

اشارة

يحرم على الحاكم أن يتعتع الشاهد، و هو أن يداخله في التلفّظ بالشهادة وأن يدخل في أثناء نطقه بها كلّما يجعل ذريعة إلى أن ينطق به و يعدل عمّا كان يريده، هدايةً له إلى شيء ينتفع به، أو إيقاعًا له إلى شيء يتضرّر به ؛ أو يتعقّبه عند فراغه بكلام ليجعله تتمّة شهادته، و يستدرجه فيه بحيث تصير به الشهادة مقيّدة، أو مسموعة، أو مردودة، سواء كان الشاهد يأتي بما داخله و يعقّبه لولاه، أم لا .

بل الواجب أن يصبر عليه حتّى ينتهي ما عنده، ثمّ ينظر فيه و يحكم بمقتضاه من نفي و إثبات ؛ و إذا وجده قاصرًا عن تأدية المطلوب، أو غير مطابقٍ للمدّعى ونحو ذلک ردّه، كما في المسالک (1) .

وجه الجميع ظاهر .

و كذا يحرم له إذا تردّد الشاهد في شهادته ترغيبه بها، لاحتمال أن يكون تردّده للشکّ في الأصل، فعلى هذا ترغيبه في الشهادة ترغيب للباطل والحرام، لأنّ الشهادة لا تجوز إلّا مع العلم بالمشهود به .

ص: 176


1- . مسالک الأفهام : 13 / 417 .

و كذا يحرم عليه تزهيده عن الإقامة بالشهادة إذا رآه جازمًا بذلک، لأنّ ذلک يؤدّي إلى ضياع الحقّ، إذ ربما لم يكن له شاهد غيره، فيضيع حقّه .

و كذا يحرم عليه أن يوقف الغريم عن الإقرار إذا أراد أن يقرّ بالحقّ، لأنّ منصبه إيصال الحقوق إلى صاحبها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ نعم، يجوز ذلک في حقوق الله - تعالى - تأسّيًا للنبيّ (صلي الله عليه واله) (1) .

ص: 177


1- . انظر المسالک : 13 / 418 .

فصلٌ

فيما ينعقد به اليمين الموجبة للحقّ إذا كانت
من المدّعي والمسقطة للدعوى إذا كانت من المنكر
و في كيفيّة الاستحلاف
لا ينعقد اليمين إلّا بالله تعالى

32- مسألة

اشارة

إعلم : أنّه لا تنعقد اليمين الموجبة للحقّ و لا لسقوط الدعوى إلّا بالله - تعالى - مطلقًا ولو كان الحالف كافرًا ؛ والحكم في المسلم اتّفاقيّ، و في الكافر مشهور، كما صرّح به بعضهم (1) .

والنصوص بذلک مستفيضة بالعموم و الخصوص، منها : الصحيح المرويّ عن سليمان بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : لا يحلف اليهوديّ و لا النصرانيّ ولا المجوسيّ بغير الله - تعالى - إنّ الله - تعالى - يقول : ( و أن احْكُم بينهم بما أنزل الله) (2) .

ص: 178


1- . صرّح به في كشف اللثام : 10 / 109 .
2- . الكافي : 7 / 451 ح 4 ؛ الاستبصار : 4 / 39 ح 131 ؛ التهذيب : 8 / 278 ح 1013 ؛ الوسائل : 23 /266 ح 29536 ؛ و الآية في سورة المائدة : 49 .

و منها : الموثّق عن سماعة قال : سألته هل يصلح لأحد أن يحلف أحدًا من اليهود و النصارى و المجوس بآلهتهم ؟ فقال : لا يصلح لأحد أن يحلف أحدًا إلّا بالله(1) .

و منها : الصحيح المرويّ عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله 7 عن أهل الملل كيف يستحلفون ؟ فقال : لا تحلّفوهم إلّا بالله (2) .

و منها : ما رواه الجرّاح المدائني عنه (عليه السلام) أنّه قال : لا يحلف بغير الله، و قال : اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ لا تحلّفوهم إلّا بالله (3) .

و عموم النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين من يعرف الله من الكفّار ومن لا يعرفه .

و عن المبسوط :

و إن كان وثنيًّا معطلاً، أو كان ملحدًا يجحد الوحدانيّة لم يغلّظ عليه (4) واقتصر على قوله : والله . فإن قيل : كيف حلفته بالله و ليست عنده

ص: 179


1- . الكافي : 7 / 451 ح 2 ؛ الاستبصار : 4 / 39 ح 133 ؛ التهذيب : 8 / 279 ح 1015 ؛ الوسائل : 23 /267 ح 29540 .
2- . الكافي : 7 / 450 ح 1 ؛ الاستبصار : 4 / 40 ح 134 ؛ التهذيب : 8 / 279 ح 1016 ؛ الوسائل : 23 /267 ح 29541 .
3- . الكافي : 7 / 451 ح 5 ؛ الاستبصار : 4 / 39 ح 132 ؛ التهذيب : 8 / 278 ح 1014 ؛ الوسائل : 23 /266 ح 29537 .
4- . في المصدر : لم يغلّظ عليه باللفظ .

بيمين (1) ؟ قلنا : ليزداد إثمًا و يستوجب العقوبة، إنتهى (2) .

قال بعض المحقّقين من متأخري المتأخّرين :

و عندي أنّ الوثنيّ والملحد يستحلف بالّذي يعبده و يعتقد أنّه الخالق والرازق (3) ، أو أنّه الرازق اعتقد (4) وحدته أو تعدّده أو بإحدى (5) العبارتين ؛ وإن قيل له : إنّ الله هو الخالق الرازق و يستحلفه بالله ثانيًا كان أولى، إنتهى (6) .

وأنت قد عرفت مقتضى النصوص والفتاوى، والعجب أنّه قال ذلک بعد ما صرّح بأنّ إطلاق النصوص والفتاوى عدم الفرق بين من يعرف الله من الكفّار و من لايعرفه .

ص: 180


1- . في المصدر : يمينًا .
2- . المبسوط : 8 / 205 .
3- . في المصدر : والرزّاق .
4- . في المصدر : واعتقد .
5- . في المصدر : أو إحدى .
6- . كشف اللثام : 10 / 110 ، الهامش 3 .

فروعٌ

{ الفرع الأوّل : لا يجوز الحلف بغير الله و إن كان
من الكتب المنزلة أو الرسل المعظّمة أو الأمكنة المتبرّكة }

الأوّل : النهي في النصوص المذكورة عن الحلف بغير الله - تعالى - إمّا محمولٌ على ظاهره من الحرمة، فلو حلف بغير الله - تعالى - أثم و يلزمه عدم حصول الغرض المطلوب من اليمين، أو المراد منه عدم صحّة اليمين و عدم حصول الغرض المطلوب منها من غير حصول الإثم .

مقتضى الأصل في الاستعمال الحقيقة هو الأوّل، لأنّ النهي حقيقة في التحريم و حمله على غيره مجاز، فلا يصار إليه إلّا بدليل و ليس، فلا يجوز الحلف بغيره -تعالى - وإن كان من الكتب المنزلة أو الرسل المعظّمة أو الأمكنة المتبرّكة .

مضافًا إلى النصوص الكثيرة، منها : حسنة محمّد بن مسلم أو صحيحته عن مولانا الباقر (عليه السلام) قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قول الله - تعالى - : ( والليل إذا يغشى ) (1) ( والنجم إذا هوى ) (2) و ما أشبه ذلک ؛ فقال : إنّ لله - عزّوجلّ - أن يقسم من خلقه بما يشاء و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به (3) .

ص: 181


1- . الليل : 1 .
2- . النجم : 1 .
3- . الكافي : 7 / 449 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 376 ح 4323 ؛ التهذيب : 8 / 277 ح 1009 ؛ الوسائل : 23 / 260ح 29521 .

و منها : صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) : لا أرى أن يحلف الرجل إلّا بالله، وأمّا قول الرجل : لا بل شانئک، فإنّه من قول أهل الجاهليّة (1) .

و منها : ما رواه ابن حمزة (2) عنه (صلي الله عليه واله) : لا تحلفوا إلّا بالله تعالى (3) .

و منها : ما روي عنه (صلي الله عليه واله) أيضًا أنّه قال : من حلف بغير الله فقد أشرک (4) .

و في بعض الأخبار : فقد كفر (5) .

قيل :

في قوله : « فقد أشرک » تأويلان، أحدهما : الشرک الحقيقيّ، و هو أن يعتقد تعظيم ما يحلف به، و يعتقده لازمًا كاليمين بالله، فمن اعتقد هذا فقد كفر. و ثانيهما (6) : لا يكفر به، و هو أن يشارک في اليمين فيحلف

بغير الله كما يحلف بالله.

و قوله : « فقد كفر » لا تأويل له غير الكفر الحقيقيّ، و هو أن يعتقد تعظيم

ص: 182


1- . الكافي : 7 / 449 ح 2 ؛ التهذيب : 8 / 278 ح 1010 ؛ الوسائل : 22 / 260 ح 29522 .
2- . كذا في الأصل، والصواب : أبي حمزة ؛ قال في مجمع الفائدة : و رواية أبي حمزة - كأنّه الثمالي - عن عليّبن الحسين (عليهماالسلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : لا تحلفوا، الحديث ( مجمع الفائدة : 12 / 175 ؛ وانظر كشفاللثام : 10 / 111 ).
3- . الكافي : 7 / 438 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 284 ح 1040 ؛ الوسائل : 23 / 211 ح 29390 .
4- . مسند أحمد : 2 / 69 و 87 و 125 ؛ سنن أبي داود : ج 2 ، كتاب الأيمان والنذور، ص 91 ح 3251 ؛السنن الكبرى : 10 / 29 .
5- . مسند أحمد : 2 / 125 ؛ سنن الترمذي : 3 / 46 ح 1574 ؛ المستدرک للحاكم : 1 / 18 ؛ السنن الكبرى :10 / 29 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 262 ح 46 .
6- . في المصدر : والتأويل الثاني .

ما يحلف به كما يعتقده في الله - تعالى ذكره - إنتهى (1) .

و لظاهر هذه النصوص عمل المحقّق والعلّامة، فقال في الشرائع :

لا يجوز الإحلاف بغيره - تعالى (2) .

و كذا في القواعد (3) .

و عن الشيخ في المبسوط :

انّ الحلف بغيره - تعالى - مكروه (4) .

واختاره في الكفاية (5) .

و عن ابن الجنيد :

لا بأس أن يحلف الإنسان بما عظم الله من الحقوق، لأنّ ذلک من حقوق الله - عزّوجلّ - كقوله : و حقّ رسول الله و حقّ القرآن (6) .

و فصّل شيخنا الشهيد بين الدعوى و غيرها، فقطع بالتحريم في الأوّل و تردّد في غيرها (7) .

ص: 183


1- . المبسوط : 6 / 192.
2- . شرائع الإسلام : 4 / 876 .
3- . القواعد : 3 / 443 .
4- . المبسوط : 6 / 191 .
5- . كفاية الأحكام : 2 / 699 .
6- . حكاه عنه في مختلف الشيعة : 8 / 142 .
7- . الدروس الشرعيّة : 2 / 96 .

و لا يخفى أنّ وجه التفصيل غير ظاهر، لأنّ النهي إمّا محمولٌ على الحقيقة في النصوص المذكورة، فينبغي أن يقال بالتحريم في الجميع ؛ وأمّا على غيرها فكذلک إلّا أن يقال : إنّه أبقي النهي في النصوص على ظاهره، لكن قطع بالتحريم في الدعوى، لأنّها مقطوع الإرادة منها، و أمّا غيرها فيحتمل أن يكون مرادًا و عدمه، فلهذا تردّد، فتردّده من جهة الشکّ في الإرادة .

{ الفرع الثاني }

الحلف بالله هل يعمّ جميع الأسماء، أو بعضًا دون آخر ؟

الثاني : قد عرفت من النصوص الناهية عن الحلف إلّا بالله اختصاصه به -تعالى - و هل تعمّ جميع الأسماء، أو بعضًا دون آخر ؟

فأقول : أمّا حصول الحلف بلفظ الجلالة فلا شبهة فيه، و ينبغي أن يكون كذلک أسماءه الخاصّة - كالرحمن - و الصفات الّتي لا تطلق على غيره - كالّذي نفسي بيده - و الّتي تطلق على غيره - تعالى - أيضًا، لكن عند الإطلاق تنصرف إليه سبحانه - كالخالق و الرحيم .

و أمّا الّتي تطلق عليه - تعالى - و على غيره و لم تغلب استعمالها فيه - سبحانه - بحيث تنصرف إليه عند الإطلاق، فلا تنعقد به اليمين - كالموجود و الحيّ .

ص: 184

{ الفرع الثالث }

يجوز الاكتفاء في الحلف بلفظ الجلالة
و إن كان الحالف مجوسيًّا

الثالث : المستفاد من النصوص المذكورة أوّلاً : الاكتفاء في الحلف بلفظ الجلالة مطلقًا و لو كان الحالف مجوسيًّا .

و عن الشيخ في المبسوط :

يفتقر في إحلاف المجوسيّ مع لفظ الجلالة إلى ما يزيل الاحتمال، لأنّه يسمّى النور إلهًا (1) .

و توضيح هذا الكلام على ما فهمه جمع من الأعلام - كفخر الدين والمقدّس الأردبيليّ و صاحب الكفاية و غيرهم (2) - أنّه لا يفتقر في إحلاف المجوسيّ على لفظ الجلالة بأن يقول : « والله كذا »، لأنّهم يسمّون النور إلهًا، فيحتمل أن يريدوا بلفظ الجلالة النور، لأنّ الله هو إلهٌ بإدخال حرف التعريف، فلا يكون حالفًا بالله -تعالى - فلابدّ أن يقول : « والله خالق النور والظلمة »، أو : « خالق كلّ شيء »، وهكذا؛ و هذا هو الظاهر من العبارة المنقولة عنه كما ترى .

ص: 185


1- . انظر المبسوط : 8 / 205 ؛ و حكاه عنه في مفاتيح الشرائع : 3 / 265 ؛ و كشف اللثام : 10 / 110 ؛ورياض المسائل : 13 / 119 .
2- . انظر الدروس : 2 / 96 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 472 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 179 ؛ و إيضاح الفوائد :4/ 335 ؛ و غاية المرام: 4 / 237 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 699 ؛ و كشف اللثام : 10 / 110 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 119 ؛ والمناهل: 742 .

و قال بعضهم في معناها و توضيحها هو :

أنّهم لمّا أثبتوا أصلين هما : النور والظلمة، وأسندوا خلق الخيرات إلى النور وخلق الشرور إلى الظلمة جعلوهما إلهَين، فإذا اقتصر المجوسيّ على قوله : « والله » احتمل أن يكون أقسم بالظلمة، فإنّ عَلَميّة « الله » ليست معلومة، وإن علمناها لم نعلم بعلم المجوسيّ الحالف، فيمكن أن لا يريد به إلّا معنى الإله، وأمّا إذا ضمّ إلى لفظ الجلالة (1) : خلقني ورزقني - بأن يقول : « والله الّذي خلقني ورزقني » (2) - فتعيّن (3) النور للإرادة بيقين (4) .

واختلاف المعنيين بيّن، إذ المعنى الأوّل صريح على أنّ المعتبر عدم إرادة النور من لفظ الجلالة، و لهذا اعتبروا أن يقول : خالق النور، والمعنى الثاني صريح على أنّ المعتبر إرادة النور منه .

ثمّ قال هذا القائل :

و في الدروس : إضافة خالق النور والظلمة (5) . و في اللمعة : خالق كلّ شيء (6) . و فيهما نظر ظاهر، إذ ليس عند المجوس إلهٌ خلق النور

ص: 186


1- . في المصدر : وأمّا إذا ضمّ إليه نحو .
2- . قوله : « بأن يقول : والله الّذي خلقني و رزقني » لم يرد في المصدر .
3- . في المصدر : فيتعيّن .
4- . كشف اللثام : 10 / 110 .
5- . الدروس : 2 / 96 .
6- . اللمعة : 97 .

والظلمة أو كلّ شيء، إنتهى (1) .

أقول : في كلا المعنيين المذكورين لعبارة المبسوط نظر، أمّا في الأوّل : فلأنّه لايخلو إمّا أن يكون المعتبر في الحلف الحلف بالله - تعالى - سواء قصده الحالف أم لا، أو يعتبر فيه قصد الحالف في يمينه الله - سبحانه .

فإن كان الأوّل فينبغي أن يكتفى في حلف المجوسيّ بذكر لفظ الجلالة فقط و لو لم يقصده الحالف ؛ وإن كان الثاني فإضافة الخالق إلى النور والظلمة مثلاً لايجدى نفعًا، لما مرّ من أنّهم لم يقولوا بوجود خالق للنور والظلمة، فكيف يقصدونه ؟!

إلّا أن يقال : المعتبر أن لايقصد المجوسيّ بحلفهم إلههم، و هو مع لفظ الجلالة وحده غير معلوم، لما عرفت من جواز إرادة إلههم منه .

وأمّا مع إضافة خالق إلى النور بأن يقال : « والله الّذي خلق النور »، فلا يمكن ذلک .

و أمّا في المعنى الثاني : فلأنّه لايخلو إمّا أن يكون المعتبر في الحلف ذكر لفظ «الله » و قصده - سبحانه - منه، أو ذكر لفظ « الله » فقط وإن قصد به غيره - تعالى .

و إن كان الأوّل فينبغي أن لايحصل الحلف بالنسبة إلى المجوسيّ، سواء قصد من لفظ « الله » الظلمة أو النور، إذ النور الّذي هم أثبتوا غير ذاته - سبحانه - فعلى هذا لا وجه لقوله : « وأمّا إذا ضمّ إلى لفظ الجلالة خلقني و رزقني بأن يقول : والله الّذي خلقني، فتعيّن النور للإرادة بيقين »، إذ إرادة النور غير مجدٍ حينئذ .

ص: 187


1- . كشف اللثام : 10 / 110 .

و إن كان الثاني - أي : كان المعتبر في الحلف ذكر لفظ الجلالة فقط وإن لم يقصد به ذاته المقدّس، بل غيرها - فينبغي أن يحصل الحلف وإن أراد به الظلمة .

وبالجملة : المعنيان المذكوران قد عرفت حالهما، و فسادهما ينبئ عن فساد أصل الاشتراط ؛ و إن كان المعنى الأوّل - أي : إذا قال : والله الّذي خالق النور والظلمة - أحوط، لعدم إرادة إلههم من لفظ الجلالة .

و معلوم أنّ عدم إرادة غيره - تعالى - أولى و أقرب بإرادته - تعالى - من إرادة غيره - سبحانه .

{ الفرع الرابع }

لا يجوز لنا إحلاف اليهوديّ و غيره بغير الله - تعالى -

الرابع : ذهب الشيخ في النهاية، و المحقّق في النافع و الشرائع، والعلّامة في الإرشاد و القواعد، و عن الوسيلة و الجامع : أنّه لو رأى الحاكم إحلاف الّذي بما يقتضيه دينه من التوراة والإنجيل و موسى و عيسى و نحو ذلک أردع و أمنع عن الكذب من الحلف بالله - تعالى - جاز له إحلافه به (1) .

بل عن الوسيلة : أنّه عمّم ذلک لكلّ كافر (2) .

ص: 188


1- . انظر النهاية : 556 ؛ والوسيلة : 228 ؛ والمختصر النافع : 274 ؛ والشرائع : 4 / 876 ؛ والإرشاد :2/146؛ والقواعد : 3 / 443 ؛ والجامع للشرائع : 525 .
2- . الوسيلة : 228 .

واستدلّ لهم على ذلک برواية السكونيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : إنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديًّا بالتوراة الّتي أنزلت على موسى (1) .

و بصحيحة محمّد بن قيس أنّه قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : قضى عليّ (عليه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب يمين صبر (2) أن يستحلف بكتابه و ملّته (3) .

والجواب عنهما أوّلاً : انّ ظاهرهما خلاف الإجماع، لأنّه لم يعمل أحد بإطلاقهما ؛ و تقييدهما بما إذا كان يمينهم أردع، ليس بأولى من التقييد بما إذا كان الإحلاف بعد الحلف بالله - سبحانه - بأن يقال : والله الّذي أنزل التوراة .

و ثانيًا : انّهما قضيّتان في الواقع ؛ و يحتمل أن يكون الحلف بالتوراة والكتاب بعد الحلف بالله - سبحانه - للتأكيد والتشديد، أو يحتمل أن يكون ذلک مخصوصًا بالإمام (عليه السلام) ؛ و إذا تحقّق الاحتمال بطل الاستدلال، لأنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا يجوز التمسّک بها للاستدلال (4) .

و قال شيخ الطائفة في الاستبصار بعد ذكر رواية السكونيّ :

ص: 189


1- . الكافي : 7 / 451 ح 3 ؛ الاستبصار : 4 / 40 ح 135 ؛ التهذيب : 8 / 279 ح 1019 ؛ الوسائل : 23 /266 ح 29539 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : يقال : قتل فلان صبرًا، أو حلف صبرًا، إذا حبس على القتل حتّى يقتل،أو على اليمين حتّى يحلف ؛ ص { الصحاح : 2 / 706 }.
3- . الفقيه : 3 / 375 ح 4320 ؛ الاستبصار : 4 / 40 ح 137 ؛ التهذيب : 8 / 279 ح 1018 ؛ الوسائل : 23 /268 ح 29543 .
4- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

انّ الوجه في هذا الخبر أن نحمله على أنّ للإمام أن يحلّف أهل الذمّة بما(1) يعتقدون في ملّتهم اليمين به إذا كان ذلک أردع لهم، وإنّما لا يجوز

لنا أن نحلّفهم، لأنّا لا نعرف ذلک، و إذا عرفنا (2) جاز ذلک أيضًا لنا، لأنّ كلّ من اعتقد اليمين بشيء جاز أن يستحلفه (3) به، إنتهى (4) .

و كلامه هذا موافق لما ذهب إليه في النهاية (5) .

والحقّ في الجواب ما ذكرناه، فلا نخرج عمّا دلّت عليه النصوص المتقدّمة من عدم جواز إحلاف اليهوديّ و غيره بغير الله - تعالى - والجمع بينهما بأن يحلفهم هكذا: والله الّذي أنزل التوراة مثلاً، أحوط .

يستحبّ للحاكم موعظة الحالف

33- مسألة

اشارة

يستحبّ للحاكم عند توجّه اليمين إلى أحد المتخاصمين وعظه بذكر ما ورد من النهي عنها في الآيات و الأخبار، و استحباب ترک الحلف إجلالاً له - تعالى -

ص: 190


1- . في المصدر : ممّا .
2- . في المصدر : عرفنا ذلک .
3- . في المصدر : أن يستحلف .
4- . الاستبصار : 4 / 40 .
5- . انظر النهاية : 556 .

كقوله - تعالى - : ( وَ لاَ تَجْعَلُوا آللهَ عُرْضَةً لاَِيْمَانِكُمْ أنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) (1) .

تفسير قوله تعالى : ( لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم )

تفسير الآية : يقال : فلان عرضة للناس، أي نصب للوقوع فيهم، فعلى هذا يكون معنى ظاهر الآية : لا تجعلوا الله معرضًا لأيمانكم، أي : تكثروا به الحلف حتّى في الأمور المحقّرة و غير المهمّة، كما ذمّ كثير الحلف بقوله تعالى : ( وَ لاَتُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ ) (2) ، أي كثير الحلف .

و على هذا يكون قوله - سبحانه - : ( أنْ تَبَرُّوا ) إلى آخره، علّة للنهي في قوله : (لا تجعلوا )، أي : أنهاكم عن التكثّر بالحلف إرادة برّكم و تقواكم و إصلاحكم بين الناس، لأنّ كثير الحلف مجرئ على الله - تعالى - والمجرئ عليه - سبحانه - لايكون بارًّا و لا متّقيًا و لا موثوقًا به في الإصلاح بين الناس، فالآية دلّت على النهي عن التكثّر باليمين و إن كانت صادقة (3) .

و قيل في معنى الآية : إنّ العرضة بمعنى العارض، أي : الحاجز والمانع، والمراد

ص: 191


1- . البقرة : 224.
2- . القلم : 10.
3- . انظر الكشّاف : 1 / 362 ؛ و تفسير البيضاوي : 1 / 511 ؛ و تفسير جوامع الجامع : 1 / 212 ؛ و فقهالقرآن : 2 / 243 ؛ و كنز العرفان : 2 / 119 ؛ و ملاذ الأخيار : 14 / 34 .

من ( أيمانكم ) ليس هو اليمين، بل ما وقعت عليه اليمين، أي : لما حلفتم عليه، وتسميته بالأيمان لتلبّسه باليمين .

و على هذا يكون قوله - تعالى - : ( أنْ تَبَرُّوا ) إلى آخره، في محلّ النصب لأن يكون عطف بيان لقوله - سبحانه - : ( لأيمانكم )، أي : لاتجعلوا الله مانعًا للأمور المحلوف عليها الّتي هي البرّ والتقوى والإصلاح بأن تحلفوا به - تعالى - على ترک هذه الأشياء ثمّ تمتنع منها لأجل الحلف .

و يمكن أن يبقى ( أيمانكم ) على معناه بأن يقال : لا تجعلوا الله مانعًا لسبب أيمانكم به - تعالى - لأن تبرّوا و تتّقوا و تصلحوا بين الناس، فيكون على هذا قوله - تعالى - : ( أن تبرّوا ) متعلّقًا بعرضة (1) .

و على هذا لا مناسبة للاية في المقام، لكنّ المعنى الأوّل أولى كما لا يخفى .

و قوله - تعالى - : ( إنَّ الَّذينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَ أيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولئِکَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الاْخِرَةِ وَ لاَ يُكَلِّمُهُمُ آللهُ وَ لاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لاَ يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ) (2) ؛ « لا خلاق لهم »، أي : لا حظّ و لا نصيب لهم في يوم الآخرة .

و أمّا النصوص الناهية عن الحلف بالله - تعالى - فكثيرة، منها : ما رواه أبو أيّوب الخزّاز قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لا تحلفوا بالله لا (3) صادقين و لا

ص: 192


1- . انظر الكشّاف : 1 / 362 ؛ و تفسير البيضاوي : 1 / 511 ؛ و تفسير جوامع الجامع : 1 / 212 ؛ و فقهالقرآن : 2 / 243 ؛ و كنز العرفان : 2 / 119 ؛ و ملاذ الأخيار : 14 / 34 .
2- . آل عمران / 77.
3- . « لا » لم يرد في المصدر .

كاذبين، فإنّه يقول - عزّوجلّ - : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ) (1) .

و لا يخفى عليک أنّ تعليله (عليه السلام) للنهي عن الحلف بالآية يقوى المعنى الأوّل، لأنّ تعليله (عليه السلام) بناءً عليه، كما هو واضح .

و منها : ما رواه أبو سلام المتعبّد أنّه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لسَدير : يا سدير من حلف بالله كاذبًا كفر، و من حلف بالله صادقًا أثم، إنّ الله - عزّوجلّ - يقول : (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ) (2) .

والكلام في التعليل قد مرّ .

و منها : ما رواه وهب بن عبد ربّه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : مَن قال الله يعلم ما لم يعلم اهتزّ له (3) عرشه إعظامًا له (4) .

و منها : ما رواه أبان بن تغلب قال { قال أبو عبد الله (عليه السلام) (5) : إذا قال العبد :«علم الله » و كان كاذبًا، قال الله - عزّوجلّ - : أما وجدت أحدًا تكذب عليه غيري (6) .

و منها : ما رواه عليّ بن الحكم مرسلاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا ادّعي عليک

ص: 193


1- . الكافي : 7 / 434 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 362 ح 4281 ؛ التهذيب : 8 / 282 ح 1033 ؛ الوسائل : 23 / 198ح 29357 .
2- . الكافي : 7 / 435 ح 4 ؛ التهذيب : 8 / 282 ح 1035 ؛ الوسائل : 23 / 199 ح 29358 .
3- . في المصدر : لذلک .
4- . الكافي : 7 / 437 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 283 ح 1038 ؛ الوسائل : 23 / 209 ح 29386 .
5- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
6- . الكافي : 7 / 437 ح 2 ؛ التهذيب : 8 / 283 ح 1039 ؛ الوسائل : 23 / 209 ح 29387 .

مالٌ و لم يكن له عليک شيء فأراد أن يحلّفک، فإنْ بلغ مقدار ثلاثين درهمًا فأعطه و لا تحلف، وإن كان أكثر من ذلک فاحلف و لا تعطه (1) .

و منها : ما رواه في الأمالي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : من حلف على يمين يقطع (2) بها مال أخيه (3) لقي الله - عزّوجلّ - و هو عليه غضبان (4) .

وأمّا ما ورد من النصّ الدالّ على رجحان ترک التحلّف إجلالاً له -سبحانه - فمنه : ما رواه السكونيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه يوم القيامة خيرًا ممّا ذهب منه (5) .

و في بعض النسخ : خيرًا ممّا يحلف منه .

و منه : ما رواه أبو بصير عنه (عليه السلام) أيضًا أنّه قال : حدّثني أبو جعفر (عليه السلام) : أنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج أظنّه قال : من بني حنيفة، فقال له مولى له : يابن رسول الله إنّ عندک امرأة تبرّأ من جدّک فقُضي لأبي أنّه طلّقها، فادّعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة : يا عليّ إمّا أن

ص: 194


1- . الكافي : 7 / 435 ح 6 ؛ التهذيب : 8 / 283 ح 1037 ؛ الوسائل : 23 / 201 ح 29366 .
2- . في أمالي الطوسي (قدس سره) : « من حلف يمينًا يقتطع ». و في أمالي الصدوق (قدس سره) : « من حلف بيمين كاذبة صبرًاليقطع ».
3- . في أمالي الصدوق (قدس سره) : مال امرئ مسلم .
4- . الأمالي، للشيخ الصدوق : 511 ؛ الفقيه : 4 / 7 ؛ الأمالي، للشيخ الطوسي : 358 ح 743 ؛ الوسائل : 23/207 ح 29380 .
5- . الكافي : 7 / 434 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 370 ح 4299 ؛ التهذيب : 8 / 282 ح 1034 ؛ الوسائل : 23 / 198ح 29355 .

تحلف وإمّا أن تعطيها، فقال لي : يا بنيّ قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له : يا أبه ألست مُحقًّا ؟ قال : بلى ولكنّي أجللت الله - عزّوجلّ - أن أحلف به يمين صبر (1) .

هذا كلّه بالنسبة إلى الحالف، ثمّ ينبغي أن تذكر للمحلف إذا كان مدّعيًا بأنّه ليس لک في يمينه نفع أصلاً، لا في الدين و لا في الدنيا، بل مجرّد اتّباع الهوى والانتقام وإرادة إدخال ضرر على المنكر لا يجبر، و ذلک غير مرضيّ، بخلاف العفو فإنّه حسنٌ بالعقل والنقل .

و يذكر له ما ورد عنهم (عليهم السلام)، كالمرويّ عن عبد الحميد عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : قال النبيّ (صلي الله عليه واله) : من قدم غريمًا إلى السلطان يستحلفه وهو يعلم أنّه يحلف ثمّ تركه تعظيمًا لله - تعالى - لم يرض الله له بمنزلة يوم القيامة إلّا منزلة إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) (2) .

يجوز الاقتصار في الحلف بلفظ الجلالة

34- مسألة

اشارة

المستفاد من النصوص المتقدّمة جواز الاقتصار في الإحلاف بلفظ الجلالة بأن يقول الحاكم للحالف إذا كان منكرًا قل : « والله ما له قِبلي كذا »، و مدّعيًا قل : «والله لي قبله كذا » ؛ و هكذا، لأنّ الامتثال بالمطلقات يتحقّق بالاتيان على أيّ

ص: 195


1- . الكافي : 7 / 435 ح 5 ؛ التهذيب : 8 / 283 ح 1036 ؛ الوسائل: 23 / 200 ح 29364 .
2- . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 130 ؛ التهذيب : 6 / 193 ح 419 ؛ الوسائل : 23 / 289 ح 29589 .

فرد كان من أفرادها .

مضافًا إلى ما رواه أبو حمزة في الموثّق عن عليّ بن الحسين (عليهماالسلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : لا تحلفوا إلّا بالله، و من حلف بالله فليصدق، و من حلف له بالله فليرض، و من حلف له بالله فلم يرض فليس من الله (1) .

وجه الاستدلال أنّه يصدق على من حلف بما ذكر أنّه حلف بالله، فدلّ الحديث على إجزاء القدر المذكور في الحلف .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بما رواه في الفقيه عن قاسم بن محمّد الجوهريّ عن عليّ بن أبي حمزة قال : سألته عمّن قال : « والله » ثمّ لم يف (2) ؟ قال أبو عبدالله (عليه السلام): كفّارته إطعام عشرة مساكين مدًّا مدًّا دقيق، أو حنطة، أو تحرير رقبة، أو صيام ثلاثة أيّام متوالية إذا لم يجد شيئًا (3) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (عليه السلام) حكم بالكفّارة بمجرّد قول القائل : « والله »، و هو يستلزم انعقاد الحلف به، لأنّ الكفّارة لليمين فرع انعقادها .

يستحبّ التغليظ في اليمين للحاكم

ثمّ إنّه يجوز للحاكم تغليظ اليمين و تشديدها، بل عن المشهور يستحبّ بالقول

ص: 196


1- . الكافي : 7 / 438 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 284 ح 1040 ؛ الوسائل : 23 / 211 ح 29390 .
2- . في الفقيه : لم يف به .
3- . في الكافي : « إذا لم يجد شيئًا من ذا » . الكافي : 7 / 453 ح 8 ؛ الفقيه : 3 / 363 ح 4285 ؛ الوسائل :22/ 376 ح 28821 .

والمكان والزمان .

والتغليظ بالقول أن يقول للحالف : قل بمثل ما في الصحيح المتضمّن لإحلاف الأخرس، و هو هذا : والله الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضارّ النافع المهلک المدرک الّذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانية .

و بالجملة : ينبغي أن يذكر من أوصافه - تعالى - المشتملة على عظم شأنه والقدرة على الإهلاک في الحال وأنّه قهّار و منتقم شديد العقاب عالم بجميع الأشياء.

و بالمكان بأن يحلفه في المكان الشريف، كالكعبة والمسجد الحرام و غيره من المساجد.

و روي عن قرب الاسناد : أنّ عليًّا (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم و كنائسهم، والمجوس في بيوت نيرانهم، و يقول : شدّدوا عليهم إحتياطًا للمسلمين (1) .

و بالزمان كالجمعة والعيد و بعد الزوال والعصر .

والظاهر أنّ استحباب التغليظ إنّما هو بالنسبة إلى الحاكم، لا بالنسبة إلى الحالف، لما عرفت من النصوص المذكورة النهي عن اليمين، فيعلم منها أنّها مرغوب عنها، فكلّما كانت اليمين أخفّ كان أولى .

ص: 197


1- . قرب الاسناد : 86 ح 284 ؛ و عنه في الوسائل : 23 / 268 ح 29546 .

قال في المسالک :

وجه الاستظهار بالتغليظ أنّه مظنّة رجوع الحالف إلى الحقّ خوفًا من عقوبة العظيم . و على تقدير جرأته عليه كاذبًا مظنّة مؤاخذته، حيث أقدم على الحلف به مع إحضار عظمته و جلالته و انتقامه في الموضع الشريف والزمان الشريف (1) اللذين هما محلّ الاحترام (2) .

ثمّ إنّ استحباب التغليظ باليمين قالوا متحقّق في جميع الحقوق وإن قلّت، إلّا المال، فإنّه لا تغليظ فيه بما دون نصاب القطع، و هو ربع الدينار (3) .

قال في المسالک :

هذا الحكم هو المشهور بين الأصحاب، و ذكروا (4) أنّه مرويّ، و ما وقفت على مستنده، إنتهى (5) .

و لا يجبر الحالف لو امتنع من التغليظ

واعلم : أنّه لو أمره الحاكم بالتغليظ في اليمين، لا يجبر الحالف عليه لو امتنع

ص: 198


1- . في المصدر : والمكان والزمان الشريف .
2- . مسالک الأفهام : 13 / 477 .
3- . انظر المختصر النافع : 274 ؛ والشرائع : 4 / 876 ؛ والتحرير : 5 / 165 ؛ وكفاية الأحكام : 2 / 701 ؛ومجمع الفائدة : 12 / 184 ؛ والرياض : 13 / 122 .
4- . المبسوط : 8 / 203 .
5- . مسالک الأفهام : 13 / 478 .

منه، للأصل و لما عرفت من حصول الحلف بذكر لفظ الجلالة، فيجب الرضاء به لما مرّ من قوله (صلي الله عليه واله) : « مَن حلف بالله فليرض، و مَن لم يرض فليس من الله » (1) .ولكراهة أصل اليمين، فالتغليظ أولى .

قيل :

أمّا في المكان والزمان فيجبر عليهما، فإنّ اليمين حقّ للمدّعي لايحلف إلّا إذا حلّفه، والمستحلف هو الحاكم، فأينما يحلّفه وجب عليه الحلف (2) .

يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة لليمين

35- مسألة

اشارة

المشهور بين الأصحاب - على ما صرّح به جمع كثير منهم كصاحب الإيضاح والمسالک والتنقيح والكفاية و كشف اللثام و غيرهم - أنّه يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة لليمين ؛ و علّل ذلک جمع منهم بأنّ الشارع جعل إشارته قائمًا مقام كلامه (3) .

ص: 199


1- . الكافي : 7 / 438 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 284 ح 1040 ؛ الوسائل : 23 / 211 ح 29390 .
2- . كشف اللثام : 10 / 116 .
3- . انظر التذكرة : 10 / 222 ؛ والتنقيح : 4 / 257 ؛ والإيضاح : 4 / 336 ؛ و غاية المرام : 4 / 238 ؛والمسالک : 13 / 480 ؛ والمهذّب : 4 / 478 ؛ والكفاية : 2 / 701 ؛ وكشف اللثام : 10 / 117 ؛ والرياض :13 / 123 .

و نقل عن الشيخ في النهاية : أنّه يوضع مع الإشارة يده على اسم الله -تعالى - في المصحف إن كان، و إلّا يكتب اسم من أسمائه - تعالى - فيضع يده عليه (1) .

و عن الوسيلة و الجامع : أنّه يكتب صورة اليمين في لوح و يغسل بالماء، ثمّ يؤمر بشربه بعد إعلامه، فإن شرب كان حالفًا، و إلّا ألزم الحقّ (2) .

و مستند هذا القول ما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن مولانا الصادق 7 حيث سأله عن الأخرس كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين و لم يكن للمدّعي بيّنة ؟ فقال: إنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) أتي بأخرس وادّعى عليه دين فأنكر و لم يكن للمدّعي بيّنة، فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه .

ثمّ قال : إئتوني بمصحف فأتي به، فقال للأخرس : ما هذا ؟ فرفع رأسه إلى السماء و أشار أنّه كتاب الله - عزّوجلّ - ثمّ قال : إئتوني بوليّه، فأتي بأخ له فأقعده إلى جنبه، ثمّ قال : يا قنبر عَلَيَّ بدواة و صحيفة، فأتاه بهما، ثمّ قال لأخي الأخرس : قل لأخيک : هذا بينک و بينه هو عليّ (3) ، فتقدّم إليه بذلک .

ثمّ كتب أميرالمؤمنين (عليه السلام) : والله الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة

ص: 200


1- . النهاية : 2 / 79 .
2- . الوسيلة : 228 ؛ الجامع للشرائع : 524 .
3- . « هو عليّ » لم يرد في التهذيب ؛ و في الفقيه : أنّه عليّ .

الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضارّ النافع المهلک المدرک الّذي يعلم السرّ والعلانية، إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان - أعني الأخرس - حقّ و لا طلبة بوجه من الوجوه و لا سبب من الأسباب ؛ ثمّ غسله و أمر الأخرس أن يشربه، فامتنع، فألزمه الدين (1) .

و عن ابن إدريس أنّه أجاب عن الصحيحة بحمله على أخرس لا يكون له إشارة مفهومة (2) .

و فيه نظر، لأنّ استفهامه (عليه السلام) بالإشارة إلى المصحف بأنّه ما هذا ؟ و إشارته إلى أنّه كتاب الله - تعالى - برفع رأسه إلى السماء، ينافيه .

و ربما أجيب عنه (3) أيضًا : بأنّها قضيّة في واقعة، فلا تكون عامّة، لاحتمال كون الحلف فيها بشرب المكتوب بعد الحلف بالإشارة، و يكون ذلک من باب التغليظ، كما فعل (عليه السلام) في اليمين (4) المكتوبة .

و فيه أيضًا نظر، أمّا أوّلاً : فلأنّ سؤال الراوي بأنّ الأخرس كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين ؟ و قوله (عليه السلام): « الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيّنت » ينافيه، لأنّ الراوي سأل عن أصل حلف الأخرس، لا عن التغليظ في الحلف، وجوابه (عليه السلام) محمولٌ على ذلک .

ص: 201


1- . الفقيه : 3 / 112 ح 3432 ؛ التهذيب : 6 / 319 ح 879 ؛ الوسائل : 27 / 302 ح 33799 .
2- . السرائر : 2 / 163 ؛ و فيه : لا يكون له كناية معقولة و لا إشارة مفهومة .
3- . المجيب هو أستاذ المؤلّف (قدس سره)، يعني العلّامة السيّد عليّ الطباطبائيّ (رحمه الله) في الرياض : 13 / 125 .
4- . في المصدر : كما فعله (عليه السلام) في يمين .

وأمّا ثانيًا : فلأنّ قوله (عليه السلام) : « حتّى بيّنت لهم جميع ما نحتاج إليه »لايساعد ذلک أيضًا، لأنّ التغليظ في الحلف ليس بأمر يحتاج إليه الأمّة، لأنّ الظاهر أنّ ذلک إنّما يقال لشيء إذا كان ضرورًا بحيث يتوقّف حصول المال عليه، إذ المتبادر من لفظ الحاجة والاحتياج ذلک، و هو في تغليظ الحلف مفقود، لما عرفت سابقًا من أنّ الواجب المتوقّف عليه الحقّ هو الحلف، لا التغليظ .

وأمّا ثالثًا : فلأنّ الظاهر أنّ أصحابنا متّفقون على أنّه لو امتنع الحالف من التغليظ لم يجبر عليه كما عرفت و لا يكون بسببه ناكلاً، فعلى هذا قوله : « و أمر الأخرس أن يشربه فامتنع فألزمه الدين » قرينةٌ واضحة و بيّنة لائحة على بطلان هذا الاحتمال، لأنّ أمره (عليه السلام) بشرب ماء اليمين لو كان بعد الإشارة الّتي حصل بها أصل الحلف و كان المقصود منه التغليظ، لما ألزمه (عليه السلام) الدين بسبب الامتناع لما عرفت.

و بالجملة : القول بأنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال لا يجوز بها الاستدلال، إنّما هو إذا جاز إرادة ذلک المحتمل منها، و قد عرفت عدم جواز إرادته هنا .

فعلى هذا نقول : إنّ طرح الحديث مع صحّته و وضوح دلالته و عدم انعقاد الإجماع على خلافه مع فقد المعارض له أمرٌ مشكل، إذ لم نجد للقولين الآخرين مستندًا يعارض ذلک .

نعم، مستند القول الأوّل هو الأصل، و معلوم أنّ حجّيّته مشروطة بفقد دليل خاصّ و قد عرفته .

ص: 202

و مع ذلک كلّه لا محيص عمّا عليه المشهور، لأنّ الأصل والعمومات المعتضدة بالمشهور لا يرفع اليد عنهما بمجرّد وجود خاصّ سيّما في المقام، لأنّا لم نجد قائلاً صريحًا بذلک بعد زمان ابن حمزة و صاحب الجامع، والحقّ حجّيّته اتّفاق أهل عصر واحد، فضلاً عن الزائد .

نعم، قد نفى البعد عن هذا القول الفاضل المقداد في شرح النافع قائلاً : بأنّ الإشارة لا تنافيه، بل هذا من أحد جزئيّاتها (1) .

فنفيه البعد عن هذا بناءً منه على كونه من أحد أفراد الإشارة، فيدخل في القول المشهور، لا أنّه قول سواه، كما هو الظاهر من الناقلين هذا القول حيث ذكروه منفردًا عنه و مقابلاً له ؛ و مقتضى ذلک كونه قولاً غير القولين الآخرين، أي تعيّن كون الحلف في الأخرس بكتابة صورة اليمين في اللوح و غسلها ثمّ الشرب، لا أنّه من أحد أفراد الإشارة، وإن كانت العبارة المنقولة عن ابن حمزة في الإيضاح (2) غير مقيّدة للتعيين .

و كيف كان، فالقول المشهور أقوى، لكنّ الجمع بينه و بين هذا القول أحوط بأن يحلّف الأخرس بالإشارة، ثمّ بما في الصحيح .

هذا بالنسبة إلى الحاكم، و أمّا بالنسبة إليه فالحلف بالإشارة و ترک ما في الرواية أولى، لما عرفت من أنّ اليمين كلّما كانت أخفّ كان أولى بالنسبة إلى الحالف .

ص: 203


1- . التنقيح الرائع : 4 / 259 .
2- . أنظر إيضاح الفوائد : 4 / 337 ؛ والوسيلة : 238.

والجواب عن القول الثاني هو : أنّه مع شذوذه مخالف للأصل و غير واضح المستند.

إذا عرفت أنّ الحقّ في المسألة كون حلف الأخرس بالإشارة، فاعلم : أنّ نكوله يعرف بترک الإشارة مع التمكّن منها إن يظهر لتركها موجب، و هناک يحكم عليه بالنكول على ما مرّ سابقًا .

لا يحلف أحد إلّا في حضور الحاكم

36- مسألة

اشارة

المعروف بين الأصحاب من غير خلاف يظهر أنّه لا يحلّف الحاكم أحدًا إلّا في حضوره للأصل .

بيانه هو : أنّ كلّ ما يترتّب على الحلف شيء حادث مقطوع بالعدم، فترتّب ما يترتّب على الحلف خلاف الأصل ؛ والواجب فيما خالف الأصل الاقتصار على المتيقّن، و هو ما إذا كان الحلف في حضور الحاكم، لا غيره .

إن قيل : إنّ الأصل بالعكس، لإطلاق الأدلّة الدالّة على سقوط الحقّ بالحلف وتقييدها فيما إذا كان الحلف حضور الحاكم خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل و ليس فليس، فلا بأس بذكر جملة من النصوص المتعلّقة بتلک المسألة حتّى يظهر لک حقيقة الحال .

فأقول : منها : صحيحة ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : إذا رضي

ص: 204

صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله، ذهب (1) اليمين بحقّ المدّعي، الحديث (2) .

و قريب منها رواية النخعيّ (3) ، و قد تقدّمت .

وجه الاستدلال هو : أنّه (عليه السلام) حكم بسقوط الحقّ بالحلف بمجرّد رضاءالمدّعي، و هو أعمّ من أن يكون الحلف المرضيّ به حضور الحاكم أم لا، فينبغي اشتراكهما في الحكم .

و بعبارة أخرى : انّه (عليه السلام) جعل مناط سقوط الحقّ رضاء المدّعي، لا غيره ؛ ويعلم منه عدم اعتبار غيره، و منه كون الحلف حضور الحاكم، إذ لو كان هذا معتبرًا أيضًا لذكره (عليه السلام) ، لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة .

قلت : الجواب عنه هو ما تقدّم مرارًا من أنّ انصراف الإطلاق إلى جميع الأفراد مشروط بشرطين، أحدهما : تواطئ الأفراد، والثاني : عدم وروده في مقام بيان حكم الآخر ؛ و وجودهما فيما نحن فيه غير مسلّم .

أمّا الأوّل منهما فلأنّ الغالب المتبادر المتعارف في الحلف أن يكون عند الحاكم، فينصرف إليه الإطلاق .

ص: 205


1- . في الكافي : ذهبت .
2- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل : 27 / 245 ح33689 .
3- . هي ما رواه خضر النخعيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) : في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال :إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئًا، و إن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه ( الكافي : 7 / 418 ح 2 ؛ الفقيه :3/ 185 ح 3695 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 566 ؛ الوسائل : 27 / 246 ح 33601 ).

وأمّا الثاني فلأنّ الظاهر من سياق الحديثين و غيرهما من النصوص في المسألة هو أنّها سيقت لأجل عدم جواز المطالبة بعد الحلف الّذي صدر على وفق المشروع، لا أنّ المراد منها سقوط الحقّ بعد أيّ حلف كان و لو لم يكن عند الحاكم، فيبقى المطلق بالنسبة إلى ما نحن فيه مجملاً، و مع الإجمال لا يمكن رفع اليد عن الأصل المتيقّن المتقدّم .

نعم، ربما يقال : إنّ هذا الجواب إنّما يصحّ بالنسبة إلى النصوص المطلقة في تلک المسألة، لا بالنسبة إلى جميعها، إذ بعض منها عامّ من جهة ترک الاستفصال، كرواية عبد الحميد المتقدّمة عن بعض أصحابه : في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، فيحلف ؛ إلى أن قال : أعليه شيء ؟ قال : ليس عليه أن يطلب منه (1) .

وجه الاستدلال هو : انّه (عليه السلام) قال : ليس عليه أن يطلب منه، و لم يستفصل بين وقوع الحلف حضور الحاكم و غيره ؛ و ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال، لكن ضعف الخبر كفانا عن تجشّم الجواب عنه ؛ و بالجملة : جميع ما ذكر غير موجب للخروج عن مقتضى الأصل .

و كيف عمّا عليه الأصحاب على ما عرفت من أنّ الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في المسألة، و هو الظاهر من المقدّس الأردبيليّ و غيره أيضًا (2) ، حيث قال الأوّل عند ذكر الدليل للحكم :

ص: 206


1- . الكافي : 7 / 418 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 232 ح 567 ؛ الوسائل : 23 / 285 ح 29582 .
2- . انظر كفاية الأحكام : 2 / 703 ؛ و رياض المسائل : 13 / 125 .

و لعلّه { ما شرحناه } (1) أنّه من تتمّة الحكم، و لا حكم لغيره، إذ هو العالم بالكيفيّة لا غير، أو الإجماع، أو تبادر ذلک إلى الفهم من الاستحلاف في الروايات والعبارات، فتأمّل ؛ و بالجملة قد تقرّر عندهم عدم جواز الإحلاف إلّا للحاكم، إنتهى (2) .

تنبيهٌ

اختلفت كلمات الأصحاب في التعبير عن المسألة، قال في الشرائع :

لايستحلف الحاكم أحدًا إلّا في مجلس قضائه (3) .

و مثله في القواعد، إلّا أنّه قال :

إلّا في مجلس حكمه (4) .

قال في الإرشاد :

لا يستحلف أحد إلّا في مجلس الحكم (5) .

و هكذا، والظاهر أنّ مرادهم ما ذكرناه من أنّه لا يحلّف الحاكم أحدًا إلّا عند حضوره، سواء كان موضع الإحلاف موضع قضاء الحاكم، أم لا، فيجوز له

ص: 207


1- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
2- . مجمع الفائدة : 12 / 188.
3- . شرائع الإسلام : 4 / 877 .
4- . القواعد : 3 / 444 .
5- . إرشاد الأذهان : 2 / 146 .

الإحلاف في غير موضع الحكم، لأنّ المعتبر حضور الحاكم، لا كون الإحلاف في خصوص مجلس القضاء ؛ ولمّا كان الغالب أنّ الإحلاف إنّما هو في مجلس القضاء، عبّروا بما ترى .

فالظاهر أنّ مراد المحقّق من عبارة الشرائع : « انّه لا يستحلف الحاكم أحدًا إلّا في موضع قضائه » (1) ، أنّه لا يجوز أن يستحلف المنكر مثلاً و هو ليس في حضوره، لا أنّ الواجب كون الاستحلاف في خصوص مجلس القضاء .

و كذا الكلام في عبارة القواعد .

و أمّا عبارة الإرشاد فكذلک أيضًا وإن كانت تصدق فيما إذا حلف غير الحاكم في مجلس الحكم و توهّم عدم جواز استحلاف الحاكم في غير مجلس الحكم و لو مع حضوره .

فالظاهر أنّ مرادهم ما مرّ من أنّ المعتبر في حالة الإحلاف حضور الحاكم وإن لم يكن مجلس الحكم بأن يحكم في موضع و يحلف في موضع آخر، لما مرّ ؛ ولأنّهم قالوا في اليمين المغلظة باستحبابها في الأمكنة الشريفة - كالمساجد والمشاهد المتبرّكة - مع كراهة جعلها مجلسًا للقضاء، فلا يحتاج إلى تخصيص الحكم، و هو عدم جواز الإحلاف إلّا في مجلس الحكم في غير اليمين المغلظة، أو حمل النهي على الكراهة كما فعله بعض الأجلّة (2) .

ص: 208


1- . شرائع الإسلام : 4 / 877 .
2- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 187 .

ثمّ لا يخفى أنّ ما قلنا من عدم جواز الإحلاف إلّا عند حضور الحاكم إنّما هو مع الإمكان، وأمّا إذا لم يمكن، كأن يكون الحالف ذا عذر، كالمرض المانع من حضوره عند الحاكم، أو إذا كان مرأة غير برزة، أي ليس من شأنها البروز عند الرجال و يكون ذلک نقصًا في حقّها و عيبًا عليها ؛ و بالجملة كلّ عذرٍ لا يمكن معه الحضور عند الحاكم، أو يشقّ معه ذلک، فإنّ الحاكم حينئذٍ يستنيب واحدًا لإحلافه في موضعه، للأدلّة الدالّة على نفي العسر والحرج في الدين من الكتاب و السنّة والعقل.

و هل يجب على الحاكم حينئذٍ الذهاب إلى ذوي الأعذار لتحقّق الحلف في حضوره ؟

مال إلى ذلک المقدّس الأردبيليّ (1) إذا لم يجعل ذلک نقصًا له و مسقطًا محلّه عند الناس .

و ردّ بأنّه مع مخالفته لإطلاق الفتاوي يوجب فتح باب لإلقاء الحاكم في ضيق وشدّة منفيّة في الشريعة، مع عدم كونه معهودًا في الأعصار السابقة واللاحقة عند أحد من حكّام الخاصّة والعامّة، وإلّا أشتهر (2) .

و لقائل أن يقول بأنّه إن ثبت إجماع فهو، و إلّا ما ذكر أوّلاً من أنّه يوجب فتح باب لإلقاء الحاكم في ضيق و شدّة منفيّة في الشريعة لايصير دليلاً على المنع

ص: 209


1- . مجمع الفائدة : 12 / 188.
2- . رياض المسائل : 13 / 126 و 127 .

مطلقًا، بل إذا استلزم الإلقاء في الضيق والشدّة فيتبع ذلک، والقائل لا يقول بذلک حينئذٍ أيضًا، كما هو واضح .

{ شرط اليمين أن تطابق الإنكار والدعوى }

37- مسألة

اشارة

قال في القواعد :

و شرط اليمين أن تطابق الإنكار و (1) الدعوى (2) .

أي : اليمين إذا كانت من المنكر شرطها مطابقتها لإنكاره في العموم والخصوص والنفي والإيجاب ؛ و إذا كانت من المدّعي شرطها مطابقتها لما ادّعاه كذلک .

توضيحه هو : أنّه لو كان إنكاره أنّه ما اقترض، أو ما غصب بعد ادّعاء الاقتراض أو الغصب عليه، حلف على أنّه ما اقترض أو ما غصب ؛ و كذا لو ادّعى أنّ له عليه كتابًا مثلاً، بناءً على ما مرّ من سماع الدعوى المجهولة و يحلف بأنّه ليس له كتاب عليه، لا أن يحلف أنّه ليس له عليه الكتاب الفلانيّ، لاحتمال أن يكون غيره .

ص: 210


1- . في المصدر : أو .
2- . القواعد : 3 / 444 .

والثاني مسلّم، أي : لزوم كون اليمين مطابقة للإنكار إذا كان عامًّا، لأنّ نفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعمّ ؛ و أمّا الأوّل - أي : لزوم كون اليمين مطابقة للإنكار الخاصّ - فغير مسلّم، بل يكفي فيما أنكر الاقتراض مثلاً أن يحلف على انّه لا حقّ عليه للمدّعي، لأنّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ (1) .

هذا في المنكر، و أمّا يمين المدّعي كما إذا ردّت عليه، فشرطها أيضًا مطابقتها لما ادّعاه على ما ذكره ؛ فلو كان دعواه شيئًا خاصًّا - كما إذا ادّعى أنّ له عليه عشرة تومان مثلاً - يجب عند ردّ الحلف أن يحلف على ذلک بخصوصه، لا أن يحلفه أنّ له عليه حقًّا ؛ و ذلک واضح، لأنّ الحقّ يصدق بتومان و أقلّ منه، فلايستلزم كون الحقّ له عليه استحقاقه لعشرة تومان .

وأمّا إذا كان دعواه بالعموم - كما إذا ادّعى أنّ له عليه كتابًا مثلاً - ينبغي أن يحلف عند الردّ على العموم أيضًا .

و فيه نظر، لأنّه يجوز أن يكون له عليه كتاب خاصّ و أبرز دعواه أوّلاً بصورة العامّ، لعدم اشتراط كون المدّعى به محرزًا في سماع الدعوى، أو لاحتمال أنّه ما كان أوّلاً بباله، ثمّ جاء ؛ و لأنّ المعتبر حلفه، فكلّما تعلّق به يستحقّه .

و يحتمل أن يكون قوله : « و شرط اليمين أن تطابق الإنكار أو الدعوى » بالنسبة إلى يمين المنكر، لا المدّعي ؛ و معناه حينئذٍ هو : أنّ المعتبر في يمين المنكر مطابقتها إمّا لإنكاره، أو لدعوى المدّعي ؛ و يكون المراد بالمطابقة المطابقة

ص: 211


1- . لاحظ البحث في كشف اللثام : 10 / 119 .

في العموم والخصوص، لا في النفي والإيجاب، أمّا مطابقتها للإنكار بالعموم والخصوص فقد مرّ المثال في ذلک .

و يرد على هذا أيضًا ما مرّ من أنّ الإنكار لو كان خاصًّا لم يجب مطابقة اليمين معه، بل يجوز اليمين بالعموم، لأنّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ .

و قوله : « أو الدعوى »، يعني : أنّ شرط اليمين أحد الأمرين، إمّا مطابقتها لإنكار المنكر كما مرّ، أو للدعوى، كما إذا كانت الدعوى أخصّ من الإنكار، كأن ادّعى الاقتراض عليه وأنكر أن يكون عليه حقّ ؛ و حينئذٍ ما يجب مطابقة اليمين للإنكار في العموم، بل يجوز مطابقتها للدعوى، فله أن يحلف بأنّه ما اقترض، كما يجوز جعلها مطابقة للإنكار الأعمّ حينئذٍ أيضًا .

و هذا المعنى أنسب بالنسبة إلى الإتيان بأو حيث قال : « أو الدعوى ».

ص: 212

فصلٌ

في الحالف

يشترط في الحالف أن يكون مكلّفًا

يشترط في الحالف أن يكون مكلّفًا حين الحلف، فلا اعتبار بيمين الصبيّ والمجنون والسكران والمغمى عليه والنائم والغافل والمضطرّ (1) .

وجه الجميع واضح، لأنّ الحلف هو الّذي يسقط بمجرّده حقّ المدّعي ولو كانت عنده بيّنة، كما عرفت سابقًا ؛ و معلوم أنّ الحكم بسقوط ذلک موقوفٌ على كون الحالف ممّن يعتبر كلامه و إقراره، إذ مع عدم الاعتبار كلّما تنطق به يكون لغوًا، فكيف يجوز سقوط الحقّ معه ؟ و عدم اعتبار كلام هؤلاء بيّن .

و أيضًا الشارع جعل اليمين مسقطة للحقّ بناءً على أنّ ما فيها من العقاب وسوء العاقبة كما عرفت سابقًا من النصوص المستفيضة من حيث انّ المطّلع بذلک لايتجرّي على الحلف من دون حقّ و هؤلاء ليس عليهم تكليف، فليس عليهم بالحلف عقاب و لا سوء عاقبة .

ص: 213


1- . لاحظ البحث في الشرائع : 3 / 713 ؛ والقواعد : 3 / 444 ؛ و كشف اللثام : 10 / 119 .

و بالجملة : المسألة من أوضح الواضحات، فلا يحتاج إلى تجشّم الاستدلال .

و كذا يعتبر في الحالف للاعتبار بحلفه توجّه دعوى صحيحة عليه، فلو توجّه إليه دعوى غير صحيحة فحلف، لا اعتبار به ؛ كما إذا ادّعى عليه أنّ المال الّذي في يده أنّه لعمرو من غير ثبوت الولاية للمدّعي، فأحلف، فلا اعتبار بهذا الحلف، بل وجوده كعدمه، فيجوز لعمرو أن يدّعيه ثانيًا، فإن أقام البيّنة يأخذه، و إلّا أحلفه ثانيًا.

لا يحلف المنكر في حدود الله تعالى

38- مسألة

اشارة

و ممّا لا يحلف المنكر أيضًا هو ما إذا كان متعلّق الدعوى حدودًا، كحدّ الزنا وشرب الخمر و غيرهما ؛ و بالجملة : ما لا يستحقّ المدّعي موجب الدعوى فيه ؛ ولهذا لا تسمع الدعوى فيه مجرّدة عن البيّنة بلا خلاف أعرف بين الأصحاب، كما في الكفاية (1) .

و لأنّ مستحقّه - و هو الله سبحانه - أمر بالستر والإخفاء والكفّ عن الجدّ والجهد في إظهار معايب الناس .

ص: 214


1- . كفاية الأحكام : 2 / 707 .

و لأنّ ترتّب الأحكام المذكورة سابقًا على الحلف خلاف الأصل، يجب الاقتصار فيه على القدر المتيقّن، و هو في حقوق الناس، لا في حقوق الله تعالى .

و لأنّ الشارع جعل لمدّعيه من غير بيّنة عقوبة، فلو جاز فيه حلف المنكر لَما كان الأمر كذلک .

و للنصوص، منها : المرسل بابن أبي عمير المرويّ في التهذيب في كتاب الحدود في باب الحدّ في الفرية، باسناده عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : جاء رجل إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) برجل و قال : يا أمير المؤمنين هذا قذفني، فقال له : ألک بيّنة ؟ فقال: لا ولكن استحلفه، فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : لا يمين في حدّ (1) .

و رواه في الكافي (2) في كتاب الحدود بسند آخر فيه سهل، عن ابن أبي نصر البزنطيّ، و هو أرسله، لكن للمرويّ فيه نوع مخالفة لما ذكر من التهذيب، وسنذكره .

و روي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من كتاب الحدود : أنّ رجلاً استعدى عليًّا (عليه السلام)على رجل فقال : إنّه افترى عليّ، فقال (عليه السلام) للرجل : فعلت (3) ما فعلت ؟ فقال : لا، فقال (عليه السلام) للمستعدي : ألَکَ بيّنة ؟ قال : فقال : ما لي بيّنة، فأحلفه

ص: 215


1- . التهذيب : 10 / 79 ح 310 ؛ الوسائل : 28 / 46 ح 34176 ؛ و للحديث تتمّة، و هي : « و لا قصاص فيعظم ».
2- . الكافي : 7 / 255 ح 1 .
3- . في المصدر : أفعلت .

لي، فقال (عليه السلام) : ما عليه يمين (1) .

و يمكن الاستدلال في المسألة بالنصوص المستفيضة الدالّة على عدم إقامة الحدود إلّا بالبيّنة، منها : ما رواه أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه : لا يرجم الرجل و المرأة حتّى تشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة (2) .

و منها : ما رواه محمّد بن قيس عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : لا يرجم الرجل و لا المرأة حتّى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج (3) .

و غيرهما، فإنّ النصوص في ذلک كثيرة .

وجه الاستدلال هو : أنّهم (عليهم السلام) جعلوا طريق إقامة الحدّ منحصرًا في البيّنة كما عرفت، فيعلم منه عدم إقامة الحدّ باليمين ؛ إذ لو جاز إقامة الحدّ باليمين، لَما كان طريق إقامته منحصرًا في البيّنة، و قد عرفت انحصارها بذلک .

و بالجملة : المسألة ممّا لا كلام فيها .

ص: 216


1- . التهذيب : 6 / 314 ح 868 ؛ الوسائل : 27 / 299 ح 33791 .
2- . الكافي : 7 / 184 ح 4 ؛ التهذيب : 10 / 2 ح 1 ؛ الاستبصار : 4 / 217 ح 812 ؛ الوسائل : 28 / 95 ح34307 .
3- . الكافي : 7 / 183 ح 2 ؛ الفقيه : 4 / 24 ح 4991 ؛ التهذيب : 10 / 2 ح 3 ؛ الاستبصار : 4 / 217 ح814؛ الوسائل : 28 / 409 ح 34077 .
في حدّ القذف هل يحلف المنكر أم لا ؟

لكن وقع الخلاف بين الأصحاب فيما لو كان الحدّ مشتركًا بين كونه من حقوق الله - سبحانه - و كونه من حقّ الآدميّ، كحدّ القذف، فعن الشيخ في المبسوط أنّه لو قذفه و لا بيّنة له تسمع ترجيحًا لجانب حقّ الآدميّ، قال :

فإن ادّعى عليه أنّه زنى لزمه الإجابة عن دعواه واستحلف (1) على ذلک،فإن حلف سقطت الدعوى و يلزم القاذف الحدّ، وإن لم يحلف ردّت اليمين فيحلف و يثبت الزنا في حقّه و يقسط عنه حدّ القذف، و لا يحكم على المدّعى عليه بحدّ الزنا، لأنّ ذلک حقّ لله - تعالى - محض، و حقوق الله المحضة لا يسمع فيها الدعوى، و لا يحكم فيها بالنكول و ردّ اليمين، إنتهى (2) .

والمحكيّ عن الأكثر عدم السماع هنا أيضًا كما في حقوق الله - تعالى - و هو الظاهر لقوله (عليه السلام) في المرسل المتقدّم بناءً على ما في الكافي، و هو أنّه أتى رجل أميرالمؤمنين (عليه السلام)برجلٍ فقال : هذا قذفني و لم يكن له بيّنة، فقال : يا أميرالمؤمنين استحلفه، فقال (عليه السلام): لا يمين في حدّ (3) .

ص: 217


1- . في المصدر : و يستحلف .
2- . المبسوط : 8 / 216 .
3- . الكافي : 7 / 255 ح 1 ؛ التهذيب : 10 / 79 ح 310 ؛ الوسائل : 28 / 46 ح 34176 ؛ و للحديث تتمّة،وهي : « و لا قصاص في عظم ».

وجه الاستدلال هو : أنّ الظاهر أنّ فاعل قوله : « فقال يا أميرالمؤمنين » هو الرجل القاذف، لأنّ الرجل المقذوف لمّا قال له (عليه السلام) : إنّ الرجل قذفه، مع أنّه لا بيّنة له، فأراد حدّه و هو خاف من ذلک، فقال له (عليه السلام) : استحلفه، أي : على أنّه لم يفعل ذلک، و لعلّه هو كان يدري بأنّه لا يحلف لفعله ذلک ؛ و حينئذٍ إمّا ينكل أو يردّ، وعلى التقديرين لا يلزمه حدّ المفتري، فقال (عليه السلام): « لا يمين في حدّ ».

و على هذا، الحديثُ صريحٌ في الردّ على الشيخ، و دلالته على ما تقدّم من أنّه لايحلف المنكر في حقوق الله - تعالى - من وجهين، أحدهما : من جهة العموم، فإنّ قوله (عليه السلام) : « لا يمين في حدّ » عامّ، لأنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ؛ و معلوم أنّ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص المحلّ .

والثاني : من جهة الأولويّة، لأنّه لو لم يستحلف في حدّ يشترک فيه حقّ الله -تعالى - والآدميّ، فعدم الاستحلاف في حقوقه المختصّة به - سبحانه - بطريق أولى .

هذا مضافًا إلى قوله - جلّ شأنه - : ( والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) (1) ، فإنّه - سبحانه - ألزم الحدّ على القاذف بمجرّد القذف إذا لم يأت بالبيّنة، فلو كان اليمين على المنكِر للزنا - أي المقذوف - لَما كان كذلک، بل كان الحدّ موقوفًا على يمينه، فإن حلف فثبت، وإلّا فلا ؛ وبمضمونه نطقت السنّة أيضًا .

ص: 218


1- . النور : 4 .

فالمستفاد منهما لزوم الحدّ على القاذف بمجرّد القذف، و تقييدهما فيما إذا حلف المقذوف خلاف الأصل .

هذا مع أنّ هذا القول لم ينقلوا إلّا من الشيخ، فيكون نادرًا، فلا يلتفت إليه .

نعم، واستحسن الشهيد في الدروس ما ذهب إليه الشيخ من تعلّقه بحقّ الآدميّ و حمل نفي اليمين { في الخبر } (1) على ما إذا لم يتعلّق بحقّه (2) .

و فيه : انّ هذا تخصيص للدليل من غير مخصّص .

إن قيل : إنّ المخصّص هو ما مرّ سابقًا من الأدلّة الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، و هو أعمّ من أن يكون المنكر منكرًا لحقّ الله -تعالى - أو حقّ الآدميّ، أو لهما، و خصّصناه بغير الأوّل لعمل الأصحاب والخبر، و أمّا غيره فالأصل بقاؤه، فيقيّد به إطلاق الخبر .

قلنا : على تقدير تسليم شمول تلک الأدلّة لمحلّ النزاع و عدم تبادر غيره منها نقول : إنّ ما ذكر إنّما يصحّ إذا كان التعارض بينهما من قبيل تعارض العامّ والخاصّ بأن يكون تلک الأدلّة خاصّة والخبر المذكور هنا عامًّا، و هو غير مسلّم .

و كيف ؟! مع أنّ الأمر بالعكس، لأنّ تلک الأدلّة - كما مرّ - أعمّ من أن يكون الإنكار لحقّ الله - سبحانه - أو لحقّ الآدميّ أو لهما ؛ و على الثالث أعمّ من أن يتعلّق الإنكار بحقّ الله فقط، أو بحقّ الآدميّ، والخبر ورد على أنّه لا يمين فيما إذا

ص: 219


1- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
2- . الدروس : 2 / 93.

يتعلّق الإنكار بحقّهما، سواء تعلّق الإنكار بحقّ الله - تعالى - فقط، أو بحقّ الآدميّ، فيجب العمل به، لوجوب حمل العامّ على الخاصّ .

هذا مع أنّ الخبر - على ما فهمناه و قد سبق ذكره - صريحٌ فيما نحن فيه، فلاإشكال في المسألة بحمد الله - سبحانه .

لو ادّعي على العبد فهل الغريم هو أو مولاه ؟

39- مسألة

اشارة

لو ادّعي على العبد، فهل الغريم هو، أو مولاه ؟

فيه خلافٌ بين الأصحاب، ففي الشرائع :

إذا ادّعي على المملوک فالغريم مولاه، و يستوي في ذلک دعوى المال والجناية (1) .

و نحن نكتفي في المقام بذكر كلام المسالک، فأقول : قال فيه بعد كلام المحقّق المذكور :

مقتضى كون الغريم مولى العبد في الدعوى عليه ] مطلقًا [ (2) قبول قوله عليه لو أقرّ بموجب الدعوى، و توجّه اليمين عليه لو أنكر، وأنّ العبد لا عبرة بإقراره و لا بإنكاره .

ص: 220


1- . الشرائع : 4 / 879 .
2- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .

والأمر ليس كذلک مطلقًا، بل إقرار العبد معتبرٌ بالنسبة إلى اتباعه بمقتضاه بعد العتق، كما سلف في باب الإقرار، و يلغى (1) عاجلاً، لكونه

إقرارًا في حقّ الغير .

وإقرار المولى في حقّه بالمال مقبول مطلقًا، فيدفعه فيه، أو يفكّه بمقداره، إذ لا يتوجّه على العبد بذلک ضرر، بل هو إقرار من المولى في حقّ نفسه محضًا ؛ و كذا إقراره في حقّه بالجناية الموجبة للمال .

ولو أوجبت القصاص لم تقبل في حقّ العبد بالنسبة إلى القصاص، لكن يتسلّط المجني عليه منه بقدرها ؛ و يلزم من هذا أنّ غريم الدعوى عليه متعلّق بالمولى والعبد معًا ؛ وأنّ اليمين تتوجّه على العبد لو أنكر موجب الدعوى، لأنّه لو أقرّ لزم على بعض الوجوه، و هو قاعدة سماع الدعوى على الشخص .

فعلى (2) هذا فلا يشترط في الدعوى عليه حضور المولى، وإنّما يعتبر حضوره بالنسبة إلى ما يتعلّق به من ذلک . و قد اختلفت عبارات الأصحاب في حقّه بسبب ذلک، فالمصنّف { رحمه الله } (3) أطلق كون الغريم مولاه، و لم يجعل للعبد اعتبارًا .

ص: 221


1- . في المصدر : و ملغى .
2- . في المصدر : و على .
3- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .

و قال الشيخ في المبسوط (1) : إذا كان على العبد حقّ، فإنّه ينظر فإن كان حقًّا يتعلّق ببدنه - كالقصاص و غيره - فالحكم فيه مع العبد دون السيّد، فإن أقرّ به لزمه عند المخالف، و عندنا لا يقبل إقراره، و لا يقتصّ منه مادام مملوكًا، فإن أعتق لزمه ذلک، فإمّا ان أنكر فالقول قوله، فإن حلف سقطت الدعوى، وإن نكل رُدّت اليمين على المدّعي، فيحلف و يحكم بالحقّ (2) .

و مقتضى كلام الشيخ أنّ الغريم في الجناية الموجبة للقصاص العبد مطلقًا، و في موجب المال المولى مطلقًا .

واختلف كلام العلّامة، ففي القواعد (3) جعل الغريم مولاه مطلقًا، لكنّه قرّب توجّه اليمين على العبد، و أنّه مع نكوله عنها تردّ على المدّعي، وتثبت الدعوى في ذمّة العبد يتبع بها إذا أعتق . فخالف حكمها في الموضعين . و مقتضى كون الغريم مولاه أنّه يقبل إقراره إن جعل جواب الدعوى الإقرار، و تلزمه اليمين إن أنكر، لأنّ ذلک هو مقتضى كلام (4)

الغريم الّذي تسمع عليه الدعوى .

ص: 222


1- . المبسوط : 8 / 315 .
2- . في المصدر زيادة : و إن كان حقًّا يتعلّق بالمال - كجناية الخطأ و غير ذلک - فالخصم فيه السيّد، فإن أقرّ بهلزمه، فإن أنكر فالقول قوله، و إن حلف سقطت الدعوى، و إن نكل ردّت اليمين على المدّعي، فيحلفويحكم له بالحقّ .
3- . انظر قواعد الأحكام : 2 / 211 و 212 .
4- . في المصدر : حكم .

و في باب الإقرار (1) حكم بعدم قبول إقرار العبد على نفسه مطلقًا، لكن يتبع بالمال بعد العتق . و حكم بعدم قبول إقرار المولى عليه مطلقًا، لكن في الإقرار عليه بالجناية يجب المال و يتعلّق برقبته .

و في الإرشاد (2) أطلق كون الغريم مولاه، كالمصنّف (3) .

والأقوى أنّ الغريم كلّ واحد من العبد والمولى، فإن وقع النزاع مع العبد فلم ينفذ (4) إقراره معجّلاً مطلقًا، و يثبت بعد العتق مطلقًا، فيتبع بالمال،ويستوفى منه الجناية . فإن أنكر فحلف انتفت عنه الدعوى مطلقًا، وإن ردّها أو نكل أتبع بموجبها بعد العتق كما لو أقرّ، لأنّ النكول أو يمين المدّعي منزّل منزلة إقراره أو منزلة قيام البيّنة عليه ؛ و كلاهما يوجبان ثبوت الحقّ عليه في الجملة، والقدر المتّفق عليه منه كونه بعد العتق، لأنّ قيامه مقام البيّنة و إن أوجب الرجوع معجلاً، إلّا أنّ السبب نشأ من جانب العبد، فلا يتعلّق بحقّ السيّد بمجرّده .

و إن وقع النزاع بينه و بين المولى، سواء كان قد وقع بينه و بين العبد، أم لا، فإن أقر بالمال لزمه مقتضاه معجّلاً في ذمّته، أو متعلّقًا برقبة العبد على حسب موجب الإقرار . وإن أقرّ بالجناية لم يسمع على العبد

ص: 223


1- . انظر قواعد الأحكام : 1 / 278 .
2- . إرشاد الأذهان : 2 / 146 و 147 .
3- . في المصدر زيادة : رحمه الله .
4- . في المصدر : لم ينفذ .

بالنسبة إلى القصاص، لكن يتعلّق برقبة المجني عليه بقدرها، فيملكه المقرّ له إن لم يفده المولى .

و مختار الشهيد في الدروس (1) يناسب ما اخترناه، وإن كانت عبارته لاتخلو من قصور، حيث جعل الغريم المولى كما أطلقه المصنّف، إلّا أنّ تفصيله يرجع إلى ما ذكرناه، لأنّه قال : ولو ادّعي على العبد فالغريم المولى، وإن كانت الدعوى بمال . و لو أقرّ العبد تبع به . و لو كان بجناية واعترف (2) العبد فكذلک ؛ و لو أقرّ المولى خاصّة لم يقتص من العبد،ويملک المجني عليه منه بقدرها . و يلزم من هذا وجوب اليمين على العبد لو أنكر اللزوم، لسماع الدعوى عليه منفردًا (3) .

إنتهى كلامه، ذكرناه وإن كان في بعض المواضع منه نظر .

حلف المدّعي مع اللوث في دعوى الدم

40- مسألة

قد تقدّم جملة من المواضع الّتي يحلف فيها المدّعي، واتّفق الأصحاب في أنّه يحلف المدّعي أيضًا مع اللوث في دعوى الدم .

ص: 224


1- . الدروس: 2 / 87.
2- . في المصدر : و أقرّ .
3- . مسالک الأفهام : 13 / 493 .

والنصوص مع ذلک ناطقة به، منها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إنّ الله حكم في دمائكم بغير ما حكم (1) في أموالكم، حكم في أموالكم أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من ادّعي عليه (2) و حكم في دمائكم أنّ البيّنة على من ادّعي عليه واليمين على من ادّعى، لكيلا يبطل دم امرئ مسلم (3) .

و منها : ما رواه بريد بن معاوية عنه (عليه السلام) قال: سألته عن القسامة، فقال: الحقوق كلّها البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، إلّا في الدم خاصّة، فإنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً، فقالت الأنصار: إنّ فلانَ اليهوديّ قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلي الله عليه واله) للمطالبين (4) : أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده (5) برُمّته، فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة

خمسين رجلاً أقده (6) برمّته .

فقالوا : يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا و إنّا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله (صلي الله عليه واله) من عنده و قال: إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا (7) رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به، فكفّ

ص: 225


1- . في المصدر : ما حكم به .
2- . في المصدر بدل « من ادّعي عليه » : المدّعى عليه .
3- . الكافي : 7 / 362 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 554 ؛ الوسائل : 18 / 171 ح 3 .
4- . في المصدر : للطالبين .
5- . في الكافي : أقيدوه .
6- . في الكافي : أقيدوه .
7- . في الكافي : إذ .

عن قتله، و إلّا حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلناه و لا علمنا قاتلاً (1) .

و منها : ما رواه أبو بصير عنه (عله السلام) أيضًا حيث قال : سألت أبا عبد الله 7 عن القسامة أين كان بدؤها ؟ فقال : كان من قبل رسول الله (صلي الله عليه واله) لمّا كان بعد فتح خيبر تخلّف رجل من الأنصار عن أصحابه، فرجعوا في طلبه، فوجدوه متشحّطًا في دمه قتيلاً، فجاءت الأنصار إلى رسول الله (صلي الله عليه واله)، فقالت : يا رسول الله قتلت اليهود صاحبنا .

إلى أن قال : فقلت له : كيف الحكم فيها ؟ فقال : إنّ الله - عزّوجلّ - حكم في الدماء ما لم يحكم في شيء من حقوق الناس لتعظيمه الدماء، لو أن رجلاً ادّعى على رجلٍ عشرة آلاف درهم، أو أقلّ من ذلک، أو أكثر لم يكن اليمين على المدّعي و كانت اليمين على المدّعى عليه، فإذا ادّعى الرجل على القوم (2) أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدم قبل المدّعى عليهم، الحديث (3) .

فتأمّل (4) .

ص: 226


1- . الكافي : 7 / 361 ح 4 ؛ التهذيب : 10 / 166 ح 661 ؛ الوسائل : 29 / 152 ح 35362 ؛ و للحديثتتمّة و هي : « و إلّا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون ».
2- . في المصدر زيادة : بالدم .
3- . الكافي : 7 / 362 ح 8 ؛ الفقيه : 4 / 100 ح 5179 ؛ التهذيب : 10 / 167 ح 663 ؛ الوسائل : 29 / 156ح 35373 .
4- . جاء في حاشية الأصل : وجهه يظهر للمتأمّل في صدر الحديث و ذيله ؛ منه .

41- مسألة

اشارة

لو ادّعى الصبيّ بلوغه تسمع، لا يطلب بالبيّنة، لأنّ الحقّ بينه و بين الله -تعالى - ولا يعلم إلّا من قبله غالبًا ؛ و لا يحلف على ذلک أيضًا، لما عرفت سابقًا من أنّ الاعتبار باليمين موقوفٌ على كون الحالف بالغًا، فلو كان بلوغه أيضًا موقوفًا على اليمين يلزم الدور .

و كذا يقبل قوله لو ادّعى عدم بلوغه، فلا يحلف حينئذٍ أيضًا، و إلّا يلزم من صحة اليمين فسادها .

و لو أخذ من المشركين، فوجد إنبات الشعر الخشن في العانة وادّعى استنباته بالعلاج لا بنفسه، في الإيضاح (1) :

قال كثير من الفقهاء يحلف، فإن حلف عفي عنه، وإلّا قتل، فقد أقاموا هنا أمارة البلوغ مقامه (2) ، لأنّ الأمارة تفيد الظنّ، و قتل الكافر حدّ،

والحدود مبنيّة على التخفيف، و قد ذكر أمرًا ممكنًا، فيصحّ أن يحلف عليه، فإن لم يحلف عمل معه بما أمر الشارع به في حقّ من أنبت، و هو القتل، إذ المقتضي موجود، و هو الكفر، والأسر قبل وضع الحرب أوزارها، والأمارة الّتي حكم الشارع عندها بالبلوغ موجودة، والمانع منتف، لأنّه اليمين و لم توجد (3) .

ص: 227


1- . إيضاح الفوائد : 4 / 338 .
2- . في المصدر : مقام البلوغ .
3- . في المصدر : و لم يوجد .

و قال الشيخ في المبسوط (1) : القول قوله، فإن حلف حكم بأنّه لم يبلغ ويكون في الذراري، و إن نكل حكمنا بنكوله وإنّه بالغ، فيجعل في المقاتلة . قال : و عندنا أنّ الّذي يقتضيه مذهبنا أنّه يحكم (2) بالبلوغ بلا يمين، لأنّ عموم أخبارنا أنّ الإنبات بلوغ يقتضي ذلک . ثمّ قال : و ما ذكروه قويّ، إنتهى (3) .

أقول : كيف يرضي لحلفه مع أنّه يلزم من صدقه فساده كما عرفت .

المواضع الّتي يقبل فيها قول المدّعي من غير يمين و لا بيّنة

و حيث قد عرفت أنّ الصبيّ يقبل قوله من غير حلف، ينبغي أن نذكر المواضع الّتي تشترک معه في ذلک، أي : يقبل فيها قول المدّعي من غير يمين .

فأقول : الأوّل منها هو : ما لو ادّعى المالک إبدال النصاب في أثناء الحول لينتفي عنه الزكاة ؛ ومثله ما لو ادّعى دفع الزكاة إلى المستحقّ .

والثاني هو : ما لو ادّعى الذمّيّ الإسلام قبل الحول ليتخلّص من الجزية إن أوجبناها على المسلم بعده .

ص: 228


1- . المبسوط : 8 / 313 .
2- . في المصدر : يحكم عليه .
3- . إيضاح الفوائد : 4 / 338 .

والثالث : ما لو ادّعى نقصان الخرص للثمرة و الزرع لينتقص عنه ما قدر (1) عليه من مقدار الزكاة .

فإنّ في هذه المواضع يقبل قول المدّعي من غير يمين بلا خلاف، كما في المسالک (2) .

ثمّ قال فيه :

و وراء هذه المواضع الخمسة ممّا يقبل فيه قول المدّعي مواضع :

أحدها (3) : مدّعي أنّه من أهل الكتاب لتؤخذ منه الجزية .

والثاني : مدّعي تقدّم الإسلام على الزنا بالمسلمة حذرًا من القتل .

والثالث : مدّعي فعل الصلاة والصيام خوفًا من التعزير .

والرابع : مدّعي إبقاء (4) العمل المستأجر عليه إذا كان من الأعمال المشروطة بالبيّنة (5) ، كالاستيجار على الحجّ والصلاة .

والخامس : دعوى الوليّ إخراج ما كلّف به من نفقة و غيرها ؛ و كذا الوكيل فعل ما وكلّ فيه .

و في هذين نظر .

ص: 229


1- . في المصدر : ما قرّر .
2- . المسالک : 13 / 500 .
3- . في المصدر : أحدها : « دعوى البلوغ ... و ثانيها : مدّعي أنّه من أهل الكتاب » .
4- . في المصدر : إيقاع .
5- . في المصدر : بالنيّة .

والسادس : دعوى المعير و مالک الدار لو نازعه المستعير والمستأجر في ملكيّة الكنز على قول مشهور .

والسابع : دعوى ذي الطعام أنّه لم يبقه إلّا لقوته وإن زاد عليه في نفي الاحتكار.

والثامن : قول المدّعي مع نكول خصمه بناءً على القضاء بالنكول .

والتاسع : مدّعي الغلط في إعطاء الزائد عن الحقّ لا التبرّع .

والعاشر : دعوى المحلّلة الإصابة .

والحادي عشر : دعوى المرأة ممّا يتعلّق بالحيض والطهر، كالعدّة .

والثاني عشر : دعوى الظئر أنّه الولد .

والثالث عشر : منكر السرقة بعد إقراره مرَّةً، لا في المال (1) .

والرابع عشر : مدّعي هبة المالک ليسلم من القطع و إن ضمن المال .

والخامس عشر : منكر موجب الرجم الثابت بإقراره .

والسادس عشر : مدّعي الإكراه في الإقرار المذكور .

والسابع عشر : مدّعي الجهالة مع إمكانها في حقّه .

والثامن عشر : مدّعي الاضطرار في الكون مع الأجنبيّ مجرّدين .

ص: 230


1- . جاء في حاشية الأصل : أقول : و في جعل الثالث عشر والخامس عشر والتاسع عشر من عنوان المسألة-أي ممّا يقبل فيه قول المدّعي من غير يمين - لا يخفى ما فيه ؛ منه .

والتاسع عشر : منكر القذف بناءً على عدم سماع دعوى مدّعيه .

والعشرون : مدّعي ردّ الوديعة على القول المشهور، على ما صرّح به في المسالک (1) .

لكن الّذي يُظهر من الكفاية أنّ المشهور قبول قوله مع يمينه، قال :

والمشهور قبول قوله بيمينه (2) .

قال شيخنا الشهيد في اللمعة :

و يقبل قوله بيمينه في الردّ (3) .

والحادي والعشرون : مدّعي تقدّم العيب مع شهادة الحال .

و ضبطها بعضهم بأنّ كلّ ما كان بين العبد و بين الله، أو لا يعلم إلّا منه و لا ضرر فيه على الغير، أو ما تعلّق بالحدّ و (4) التعزير (5) .

و فيه نظر، لأنّ هذا لا يصدق في جميع هذه الصور .

ص: 231


1- . المسالک : 13 / 503.
2- . كفاية الأحكام : 1 / 699 .
3- . اللمعة الدمشقيّة : 134 .
4- . في المصدر : أو .
5- . مسالک الأفهام : 13 / 500 - 503 .
في أنّه لو شهد للميّت واحد بدين على شخص

42- مسألة

اشارة

نقل عن الشيخ في المبسوط (1) : أنّه لو شهد للميّت واحد بدين بأنّ له على فلان كذا، أو وجد ذلک في روزنامجته و أنكر المشهود عليه مثلاً، فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف سقطت الدعوى، و إلّا يحبس حتّى يقرّ أو يحلف، إذ لا يمكن ردّ اليمين هنا، لكون صاحب الحقّ ميّتًا .

و كذا قال فيما إذا ادّعى الوصيّ على الورثة أنّ أباهم أوصى للفقراء أو المساكين، سواء أقام على ذلک شاهدًا واحدًا، أم لا ؛ وأنكروا ذلک، أي القول قولهم مع الحلف، فإن حلفوا سقطت الدعوى، وإن نكلوا يحبسون حتّى يقرّوا أو يحلفوا، ولايمكن ردّ اليمين إلى الوصيّ، لأنّه لا يجوز له أن يحلف عن غيره، و لا إلى الفقراء أو المساكين، لأنّهم غير متعيّنين (2) .

و فيه نظر، لأنّ الحبس عقوبة لا يصار إليه إلّا بموجب و لم نجده .

و قياسُ ذلک فيما إذا ترک الخصم وفاء الدين قياسٌ فاسدٌ لا نذهب إليه ؛ على أنّه قياس مع الفارق، لأنّ الحبس هناک بعد ثبوت الحقّ شرعًا، و هو في المقام

ص: 232


1- . المبسوط : 8 / 214 .
2- . نقله عن المبسوط في المسالک : 13 / 503 ؛ و كشف اللثام : 10 / 127 .

مفقود، فلا يشمله الدليل الدالّ على حبس الخصم، لتركه الوفاء بالحقّ .

إن قلت : إنّ المسلّم أنّه كلّما تعذّرت البيّنة و ما يقوم مقامها، بل مطلقًا، فاليمين حقّ المدّعى عليه و قد ترک، فيصدق في حقّه أنّه ترک الوفاء بالحقّ، فيشمله الأدلّة الدالّة على أنّ من ترک الوفاء بالحقّ يحبس حتّى يوفيه .

قلت : ليس عندنا دليل يدلّ على أنّ مَن ترک الوفاء بحقّ أيّ حقّ كان يحبس، بل غايه ما يستفاد منه هو أنّ التارک لأداء الحقّ الّذي يملک به الغير يحبس، و هنا ليس كذلک، ضرورة أنّ اليمين لا يملكها الغير . و كيف ؟! مع أنّها مسقطة لحقّ الغير، فالقول بالحبس هنا لا شبهة في ضعفه .

لكن ينبغي البحث في أنّه هل يحكم عليه بالنكول، أو لا، بل يقف الحكم إلى أن يقرّ ؟

فأقول : الحكم بالنكول أيضًا مشكل، لأنّ أصل القضاء بالنكول مختلفٌ فيه ؛ وعلى تقدير القول به - كما هو الحقّ لما سبق - نقول : الظاهر من أدلّته هو ما إذا كان المدّعي هو صاحب الحقّ كما هو واضح، و ليس المقام من ذلک .

والقول بجواز القضاء بالنكول أيضًا مختصّ بذلک، أي بما إذا كان المدّعي هو صاحب الحقّ الّذي يجوز له أن يحلف إذا ردّ إليه . ألا ترى كلماتهم أنّه لو نكل المنكر بمعنى أن لا يحلف و لا يردّ اليمين على المدّعي، و معلوم أنّ ردّ اليمين إليه فرع جوازها منه، و قد عرفت عدمه .

و أيضًا القضاء بالنكول خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على القدر المتيقّن

ص: 233

إرادته من النصّ، و هو ما إذا كان المدّعي هو صاحب الحقّ، لا غيره .

و حكي عن المبسوط (1) نسبة القضاء بالنكول في المسألة الثانية إلى قوم، والظاهر أنّ المراد منهم العامّة، و هو مبنيّ على العمل بالقياس، لأنّ القضاء بالنكول فيما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ، لكون المنكر عادلاً عن اليمين، و هو متحقّق هنا، و هو علّة مستنبطة لا منصوصة .

على أنّ العلّة المستنبطة ليست خصوص العدول عن اليمين، بل العدول عنها وعن الردّ، و هو غير متحقّق في المقام، لما عرفت من عدم جواز ردّ اليمين .

و من المحتمل أن يكون القضاء بالنكول في تلک المسألة لأجل أنّه لمّا كان ردّ اليمين هناک جائزًا و لم يفعل المنكر و عدم فعله لعلّه لأجل علمه بجواز الحلف للمدّعي فخاف أن يحلف فيستحقّ الحقّ، فأمر الشارع القضاء بالنكول لذلک، وليس المقام كذلک .

لو ادّعى الوارث لمورّثه مالاً على الغير

43- مسألة

اشارة

لو ادّعى الوارث لمورّثه مالاً على الغير، فلا يخلو إمّا أن لا يكون على الميّت دين يحيط بالتركة، أو يكون ذلک .

ص: 234


1- . انظر المبسوط : 8 / 190 .

و على الأوّل فلا كلام في سماع دعوى الوارث، لأنّ بعد موت المورّث صار المال حقّه، فدعواه له دعوى لحقّه، فتسمع و يترتّب عليها أحكام الدعوى .

هل ينتقل المال بعد موت الموّرث إلى الوارث، أم لا ؟

و أمّا على الثاني، فلا يخلو إمّا أن ينتقل التركة بعد موت المورّث إلى الوارث حينئذٍ أيضًا - كما ذهب إليه العلّامة في القواعد في هذا المقام، والشهيد الثاني، وبعض متأخّري المتأخّرين (1) - وإن لم يجز له التصرّف في شيء منها قبل الأداء،أو الإسقاط، أو إذن الغرماء إجماعًا، كما في الإيضاح والمسالک و غيرهما (2) .

أو لا ينتقل إلى ملكه، بل يبقى على حكم مال الميّت، كما ذهب إليه في الشرائع (3) ، و موضع من القواعد (4) ، و نقل ذلک عن الشيخ والأكثر (5) .

و على الأوّل فلا إشكال أيضًا في سماع دعواه، لأنّه ماله فيدّعيه ؛ و عدم جواز التصرّف فيها لا يمنع من انتقالها في ملكه، كالأموال المرهونة والعبد الجاني .

ص: 235


1- . انظر القواعد : 3 / 354 ؛ والمسالک : 13 / 505 ؛ والرياض : 13 / 137 و 138 .
2- . انظر الإيضاح : 4 / 342 ؛ والمسالک : 13 / 505 ؛ و كشف اللثام : 10 / 127 .
3- . الشرائع : 4 / 818 .
4- . القواعد : 3 / 446 .
5- . حكاه عن الشيخ في الدروس : 2 / 95 ؛ و عن الشيخ والأكثر في المسالک : 13 / 61 ؛ والكفاية : 2 /807 ؛ وانظر المبسوط : 8 / 192 و 193 ؛ والخلاف : 6 / 282 .

وأمّا على الثاني فقد نقل اتّفاقهم على سماع دعواه أيضًا، فلا ثمرة للاختلاف من حيث سماع الدعوى والعدم .

نعم، تظهر الثمرة في النماء المتخلّل بين الوفاة والوفاء، فإنّه على القول الأوّل يصير ملكًا للوارث، و على الثاني يبقى في حكم مال الميّت .

{ الحقّ في المسألة }

و حيث ظهرت الثمرة للاختلاف، فينبغي الإشارة إلى الحقّ في المسألة، وإن كان للمسألة محلّ أليق، و لهذا نقتصر هنا بذكر كلام قليل، فأقول : الظاهر هو القول الثاني، لظاهر الكتاب و السنّة .

قال الله - سبحانه - : ( يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين )، إلى أن قال - جلّ شأنه - : ( من بعد وصيّة يوصي بها ) (1) . و كذا قوله - تعالى - : ( من بعد وصيّة يوصين بها أو دَين ) (2) ، و قوله - تعالى - : ( من بعد وصيّة توصون بها ) (3) .

وأمّا السنّة فكالصحيح : قضى أميرالمؤمنين (عله السلام) في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب الله تعالى (4) إذا لم يكن على المقتول دين (5) .

ص: 236


1- . النساء : 11 .
2- . النساء : 12 .
3- . النساء : 12 .
4- . في المصادر : على كتاب الله و سهامهم .
5- . الكافي : 7 / 139 ح 2 ؛ الفقيه : 4 / 318 ح 5686 ؛ التهذيب : 9 / 375 ح 1338 ؛ الوسائل : 26 / 35ح 32432 ؛ الحديث مرويّ عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و له تتمّة و هي : « إلّا الإخوةوالأخوات من الأمّ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئًا ».

و لتمام الكلام في المسألة و الكلام في الآيات حيث قدّم فيها الوصيّة على الدين مع أنّه نقل اتّفاق الفقهاء على تقديم مؤنة التجهيز والدين من أصل التركة، ثمّ الوصيّة من الثلث، محلّ أليق نذكره هناک إن شاء الله تعالى .

فينبغي الإشارة إلى ما هو المقصود هنا، فأقول : إذا أقام الوارث المدّعي على المدّعى عليه شاهدًا و له أن يحلف، فيأخذ المال مطلقًا، سواء لم يكن على الميّت دين محيط بالتركة، أم كان ؛ و إذا لم يحلف و أراد تأخير الدعوى، فليس للديّان أن يحلفه على التقدير الأوّل، أي إذا لم يكن الدين محيطًا بالتركة، و هو واضح .

وأمّا إذا كان فكذلک، بناءً على القول بانتقال المال إلى الوارث، لأنّه حقّ للغير والتحليف من صاحب الحقّ لا غيره، إذ قد عرفت سابقًا أنّ الحاكم لو تبرّع بالإحلاف وقعت اليمين لغوًا، و كيف ظنّک في غيره ؟!

و أمّا على القول الآخر فيجوز للديّان أن يحلفه، فتأمّل (1) .

و كذا للوارث بناءً على نقل الاتّفاق الّذي عرفت في سماع دعواه، و من أحكام

ص: 237


1- . جاء في حاشية الأصل : وجهه هو : أنّ مقتضى ما ذكر من أنّ التحليف لابدّ أن يكون من صاحب الحقّينبغي أن لا يجوز للديّان تحليف الغريم على هذا القول أيضًا، لأنّ هذا القول إنّ المال باق على حكم مالالميّت . نعم، انّ التحليف من الديّان إنّما يتّجه إذا قيل بانتقال المال في الصورة المفروضة إلى الديّان ؛ و فيكلام بعضهم أنّه خلاف الإجماع، بناءً على أنّ القول في المسألة عند الشيعة منحصر في القولين المذكورين ؛منه .

سماع الدعوى إقامة الشهود و الإحلاف و الحلف .

و هذا ثمرة أخرى للاختلاف المذكور، لكن قال في القواعد بعد اختياره القول بانتقال المال إلى الوارث :

للديّان إحلاف الغريم (1) .

و كذا قال ابنه في الشرح (2) .

أقول : إن ثبت الإجماع في ذلک فهو، فيرتفع الثمرة المذكورة، و إلّا فمقتضى القواعد ما ذكرناه و على القول بجواز إحلافهم إذا أحلفوه براء ذمّته منهم، لما عرفت من قوله (صلي الله عليه واله): « و من حلف له بالله فليرض، و من حلف له بالله فلم يرض فليس من الله » (3) .

ثمّ بعد ذلک هل للوارث أن يحلف و يأخذ المال لإقامته شاهدًا واحدًا، أو لا وللديّان أن يأخذه من الوارث، لأنّه من تركة الميّت ؟

هكذا قال في القواعد وابنه في الشرح (4) ، لكن مقتضى قوله (صلي الله عليه واله) : « من حلف بالله فليصدق » هو أنّه متى حلف الحالف بالحلف الصحيح يجب تصديقه، سواء كان المحلف الديّان أو غيره، فينبغي إمّا أن يقال بعدم جواز إحلاف الديّان للغريم، أو بجوازه مع عدم جواز مطالبة الوارث .

ص: 238


1- . قواعد الأحكام : 3 / 446 .
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 342 .
3- . الكافي : 7 / 438 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 284 ح 1040 ؛ الوسائل : 23 / 211 ح 29390 .
4- . انظر القواعد : 3 / 446 ؛ والإيضاح : 4 / 342 .

إلّا أن يقال : إنّ المتبادر من قوله (صلي الله عله واله) : « من حلف بالله فليصدق » تصديق المحلف، ولهذا قال بعد ذلک : « من حلف له بالله فليرض و من حلف له بالله فلم يرض فليس من الله ».

هذا كلّه إذا حلف الوارث و أخذ المال، وأمّا إذا حلف و لم يأخذ المال منه، بل أخَّره، فهل للديّان حينئذٍ أخذ المال من الغريم بعد إحلافهم إيّاه، أم لا ؟

قال في القواعد : إشكال (1) .

منشأه من أنّه تركة، فيتعلّق به حقّ الديّان ؛ و من قوله (صلي الله عليه واله): « و من حلف له بالله فليرض » إلى آخره .

والأولى - وفاقًا لفخر المحقّقين - جواز استيفائهم من الغريم (2) .

والجواب عن قوله (صلي الله عليه واله) : « و من حلف له بالله فليرض » هو : أنّ المراد به عدم جواز المطالبة به على الحالف من غير سبب آخر مبيح للمطالبة، و قد وجد هنا، وهو استحقاق الوارث للمال، والديّان إنّما يطلبه منه لا من حيث استحقاقه لذلک، بل من حيث استحقاق الوارث ذلک منه، و هو مقرّ بأنَّه من تركة الميّت .

44- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ السرقة قد تكون موجبة للحدّ والمال، كما إذا كانت بالبيّنة مع

ص: 239


1- . القواعد : 3 / 446 .
2- . الإيضاح : 4 / 342 .

الشرائط من النصاب و غيره ؛ و قد تكون موجبة للمال فقط، كما إذا كانت مع عدم الشرائط، فلا تلازم بين ثبوت المال و ثبوت الحدّ، فعلى هذا منكر السرقة يحلف لنفي المال وإسقاط الغرم، فإن ردّ فحلف المدّعي أو نكل، ثبت المال دون الحدّ، لأنّ الحدّ لا يثبت باليمين كما تقدّم .

لا يحلّف الوارث إلّا مع اجتماع شروط ثلاثة

45- مسألة

اشارة

لا يحلّف الوارث بالدعوى على المورّث إلّا مع اجتماع شروط ثلاثة :

الأوّل : دعوى علمه بموت مورّثه .

والثاني : دعوى علمه بثبوت الحقّ في ذمّته .

والثالث : دعوى تركة الميّت في يده (1) .

فإذا ادّعى المدّعي على الوارث على النحو المزبور، فهو إن أقرّ بما ادّعاه فالحكم واضح، و إن أنكر و عجز المدّعي عن إثبات ذلک له أن يحلفه بنفي العلم في الشرطين الأوّلين و بعدم كون التركة في يده في الثالث ؛ و لايكفي فيه الحلف بنفي العلم لما سيجيء .

والحكم - أي جواز إحلاف المدّعي مع الشروط الثلاثة - واضح، لأنّ الأدلّة

ص: 240


1- . لاحظ البحث في المختصر النافع : 275 ؛ والقواعد : 3 / 447 ؛ والمسالک : 13 / 492 ؛ و مجمع الفائدة :12 / 195 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 706 ؛ و كشف اللثام : 10 / 130 ؛ و رياض المسائل : 13 / 134 .

الدالّة على تحليف المنكر تشمله .

بقي الكلام في أنّه لو تعدّد متعلّق الإنكار، هل يجبر على تعدّد الحلف، أم لا بل له الاكتفاء بالحلف الواحد بأن يقول فيما إذا كان متعلّق الإنكار الثلاثة : والله ما لي علم بموت فلان و ثبوت حقّک في ذمّته و ما له عندي مال . و هكذا إذا كان متعلّقه اثنين منها ؟

الظاهر الثاني، لكن يراعى في الشرط الثالث تعلّق الحلف عليه بالقطع والبتّ، لا بنفي العلم، بل يجوز الاكتفاء حينئذٍ (1) بنفي واحدٍ منها كائنًا ما كان، بأن يقول :« والله ما لي علم بموت فلان » ؛ أو : « والله ما له عندي مال » ؛ و هكذا، لما ستقف عليه .

و إنّما قلنا : لا يحلّف الوارث إلّا مع اجتماع هذه الشرائط، لأنّه لو لم تكن تلک الشرائط و لو واحد منها لا يجوز إحلافه، فلو ادّعى علمه بثبوت المال في ذمّة المورّث و بكون ماله في يده من غير أن يدّعي علمه بموت المورّث لا تسمع دعواه، لعدم الفائدة، إذ لا يلزم عليه شيءٌ ؛ و معلوم أنّ الإحلاف فرعُ سماع الدعوى .

و كذا لو ادّعى علمه بموت مورّثه و ثبوت حقّه في ذمّته و لم يدّع بأنّ تركته في يده لا يجوز الإحلاف أيضًا، بناءً على ما حكي (2) من عدم الخلاف في أنّ الوارث

ص: 241


1- . جاء في حاشية الأصل : أي حين تعلّق الإنكار بالمتعدّد ؛ منه .
2- . حكاه في رياض المسائل : 13 / 134 .

لايجب عليه أداء دين المورّث من ماله ؛ و حيثما توجّه إليه الحلف، فلا يخلو إمّا أن يحلف، أو يردّ، أو ينكل ؛ و على تقدير الردّ إمّا أن يحلف المدّعي، أو ينكل .

و حكم الجميع قد مرّ مستقصًى، فإنّه على تقدير حلفه و نكول المنكر عنه بعد الردّ يسقط الدعوى ؛ و على تقدير النكول و حلف المدّعي بعد الردّ يجب الوفاء، وقد تقدّم الدليل في الجميع .

فرعٌ

لو حلف الوارث على نفي العلم بالدين أو الاستحقاق مثلاً، لا يمنع المدّعي من إقامة البيّنة على حقّه بعد حلفه، لأنّ ما وقع عليه الحلف هو نفي العلم مثلاً، و ما أقام عليه البيّنة هو أصل الحقّ، أحدهما غير الآخر .

و ما دلّ على أنّ المدّعي لو أقام البيّنة بعد يمين المنكر لا يلتفت إليها، مختصٌّ فيما إذا كان إقامة البيّنة على ما وقع عليه الحلف، و في المقام ليس كذلک .

لابدّ في الحالف أن يكون حلفه على بتّ و قطع

46- مسألة

اشارة

لابدّ للحالف أن يكون حلفه على البتّ والقطع، إلّا على فعل الغير، فيحلف على

ص: 242

نفي العلم ؛ هكذا قالوا (1) .

إن أردت توضيح المقام فاعلم : أنّ الحالف لايخلو إمّا مدّع، أو منكر ؛ والأوّل لايحلف إلّا على البتّ والقطع .

و معنى كون الحلف على البتّ والقطع هو : أن يكون متعلّقه بحيث يفهم منه القطع واليقين، لا الظنّ والتخمين .

فلو ادّعى المدّعي على خصمه أنّ له عليه كذا وانقضى الأمر إلى حلفه، لابدّ أن يقول هكذا : « والله إنّ لي على فلان كذا » ؛ لا أن يقول : « والله إنّي أظُنُّ، أو أتوهّم أنّ لي عليه كذا ».

و أمّا إذا كان الحالف هو المنكر، فلا يخلو إمّا أن يكون حلفه على فعل نفسه، أو على فعل غيره ؛ والأوّل كالأوّل في لزوم كون الحلف على البتّ والقطع، و قد عرفت المراد بالبتّ والقطع ؛ فلو ادّعى عليه أنّ له عليه كذا، فأنكره، و عند الحلف لابدّ أن يقول : والله ما له عليّ ذلک بالخصوص، أو بالعموم بأن يقول : والله لايستحقّ منّي شيئًا، بناءً على ما مرّ ؛ و لا يجوز له الحلف بنفي العلم، أو بالظنّ .

{ مستند المصنّف (قدس سره) في المسألة }

إذا عرفت ذلک نقول : إنّ مستندنا في المسألة وجوه :

ص: 243


1- . انظر المبسوط : 8 / 206 ؛ والقواعد : 3 / 447 ؛ والمسالک : 13 / 492 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 189 ؛وكفاية الأحكام : 2 / 703 ؛ و كشف اللثام : 10 / 128 ؛ و رياض المسائل : 13 / 127 .

الأوّل : اتّفاق الأصحاب ظاهرًا .

والثاني : هو أنّ المتبادر من يمين المدّعي هو أن يكون على ثبوت المدّعى به والمنكر على نفيه، لا عدم العلم بشيء منهما، فينصرف إليه الأدلّة الدالّة على يمينهما.

والثالث : هو أنّک قد عرفت سابقًا أنّ ترتّب الأحكام على اليمين خلاف الأصل، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن من النصوص والفتاوى، و هو ما إذا كان اليمين على البتّ والقطع، لا الغير كما لا يخفى .

والرابع : هو أنّ مولانا الأمير (عليه السلام) حيث أتى بأخرس حلّفه بذلک حيث كتب (عليه السلام) : أنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان - أعني الأخرس - حقّ ولا طلبة بوجه من الوجوه و لا بسبب من الأسباب .

لا يقال : إنّ هذا إنّما يدلّ على جواز كون الحلف بالبتّ، لا تعيّنه، لاحتمال أنّ إحلافه (عليه السلام) الأخرس بذلک لكونه ممّا يحصل به اليمين، لا أنّها تنحصر بذلک، والكلام إنّما هو في ذلک، والتأسّي إنّما يجب إذا ظهر وجهه ؛ و على فرض التسليم نقول : إنّه قضيّة في واقعة، فلا عموم له .

لأنّا نقول : إنّ ما ذكرت إنّما يرد إذا كان تمسّكنا بالحديث لأجل فعل الأمير (عليه السلام)، وليس الأمر كذلک، بل تمسّكنا به إنّما هو من جهة أنّ مولانا الصادق (عليه السلام) لمّا سئل عن كيفيّة حلف الأخرس أتى (عليه السلام) بذلک في الجواب، فيعلم منه أنّه لا خصوصيّة للحديث لأخرس خاصّ و تعيين حلفه أيضًا، إذ لو كان

ص: 244

الحلف جائزًا بغير ذلک لذكره (عليه السلام)أيضًا ؛ هذا .

لكنّ الجواب عنه يمكن أن يقال : إنّ التمسّک به فرع القول بمضمونه و نحن لانقول بذلک كما تقدّم .

و الخامس : قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة : إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله، ذهب اليمين بحقّ المدّعي، فلا حقّ له (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (عليه السلام) قيد سقوط الحقّ بسبب الحلف بأن يحلف أن لاحقّ له، فيدلّ بمفهوم الشرط على أنّه لو لم يحلف بأنّه لا حقّ له لا يسقط حقّه، وهو أعمّ من أن يحلف بنفي العلم و غيره، و هو المقصود .

والصحيح وإن ورد في حقّ المنكر، لكن نعمّم الحكم بالمدّعي أيضًا، لعدم القول بالفصل .

و أنت بعد اطّلاعک على ما ذكرناه يظهر لک ظهورًا بيّنًا عدم جواز الاكتفاء في اليمين بنفي العلم فيما إذا كان الحالف عالمًا بما ادّعى به .

و أمّا إذا لم يكن كذلک فأقول : لايخلو إمّا أن يكون الحالف هو المدّعي، أو المنكر.

أمّا الأوّل : فكما أنّه ادّعى واحد على آخر بمال و هو ينكره، ثمّ ردّ إليه اليمين

ص: 245


1- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل : 27 / 245 ح33689 .

بعد توجّهها إليه، فقال المدّعي : أنا لا أحلف بثبوت المدّعى به في ذمّتک لعدم علمي بذلک، لكن أحلف على أنّي أظنّ أنّ حقّي في ذمّتک .

و هذا لايحكم له بشيء وإن حلف، لما عرفت سابقًا من عدم سماع الدعوى المظنونة ؛ و هذا بعد توجّه الحلف إليه ظهر أنّ دعواه كذلک، و غاية ما ثبت من حلفه لو حلف أنّه ظانّ بذلک، و قد عرفت الحال فيه، فبطلت دعواه .

في أنّه هل يسقط الدعوى بحلف المدّعى عليه
بعدم علمه بحقّيّة دعوى المدّعي أم لا ؟

و أمّا إذا كان الحالف هو المنكر، كما إذا ادّعي عليه بمال في ذمّته و أنكر، فقال بعد توجّه اليمين إليه : إنّي لا أحلف على عدم ثبوت المدّعى به في ذمّتي، لعدم علمي بذلک، بل أحلف على عدم علمي بثبوت حقّک في ذمّتي .

فهل يكتفى حينئذٍ لسقوط الدعوى بحلفه على عدم علمه بذلک، أو لابدّ من ردّ اليمين إلى المدّعي، و إلّا فيقضى عليه بالنكول بعد ردّ الحاكم اليمين إلى المدّعي، أو بدونه ؟

إشكالٌ .

و نفى البعد في الكفاية عن الاكتفاء بالحلف على نفي العلم، قال :

ص: 246

و لا دليل على نفيه (1) .

و فيه نظر، لما عرفت من أنّ الأصل عدم ترتّب شيء على يمين، فحينئذٍ عدم الدليل على نفي الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في الصورة المزبورة لايجدى نفعًا، بل يحتاج للاكتفاء به فيها إلى دليل، فالاكتفاء بسقوط الدعوى بالحلف على نفي العلم فيما نحن فيه مشكل، لما عرفت من أنّ المتبادر من اليمين من المدّعي أو المنكر هو ما كان على بتّ و قطع، فينصرف إليه إطلاق الأدلّة الدالّة على سقوط الدعوى باليمين .

هذا، مع أنّ النصوص الدالّة على سقوط الحقّ والدعوى باليمين إنّما هو إذا كان المنكر منكرًا لأصل الحقّ و يحلف على عدمه، فلا يشمل ما إذا كان المنكر لم ينكره، بل يقول: أنا لست بعالم في ثبوت الحقّ و يحلف على عدم العلم .

وإن شئت أن يظهر لک صحّة ما قلته، فانظر في قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة، حيث قال فيها : « إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله، ذهب اليمين بحقّ المدّعي، فلا حقّ له » (2) .

و دلالته على ما ذكر في مواضع منها :

الأوّل هو : قوله (عليه السلام): « إذا رضي الحقّ بيمين المنكر »، والمتبادر من المنكر أن يكون منكرًا لأصل الدعوى، لا أن يدّعى عدم العلم بالحقّ .

ص: 247


1- . كفاية الأحكام : 2 / 703 .
2- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل : 27 / 245 ح33689 .

والثاني هو : قوله : « إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه »، و هذا الشخص لا يكون يمينه للحقّ، بل لعدم العلم بالحقّ .

والثالث - و هو أوضح منهما - هو : قوله (عليه السلام) : « فحلف أن لا حقّ له » إلى آخره، و هذا الشخص لايحلف على أن لا حقّ له، بل حلفه لعدم العلم بالحقّ، لا لعدم الحقّ، والفرق بينهما بيّن .

فهذا الحديث لايدلّ على سقوط الحقّ بالحلف على نفي العلم، بل فيه دلالة على عدمه من جهة مفهوم الشرط، لأنّ مفهوم قوله (عليه السلام) : « فحلف أن لا حقّ له ذهب اليمين بحقّ المدّعي » هو : أنّه لو لم يحلف على أن لا حقّ له لم يذهب اليمين بحقّ المدّعي ؛ و ما نحن فيه كذلک، إذ الشخص المفروض غير حالف على عدم الحقّ، بل على عدم العلم بالحقّ، فدلّ الحديث بمفهومه على عدم سقوط الحقّ بمثل هذا اليمين، فتأمّل .

و كذا في رواية إبراهيم بن عبد الحميد، حيث سئل فيها عن الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، إلى أن أجاب : ليس له أن يطلب منه (1) .

و هذا صريح في أنّه أنكر الحقّ المدّعي، فلا دخل له لما نحن فيه .

و كذا الكلام في رواية النخعي المتقدّمة عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل يكون على الرجل المال فيجحده ؟ قال (عليه السلام) : إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه شيئًا (2) .

ص: 248


1- . الكافي : 7 / 418 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 232 ح 567 ؛ الوسائل : 23 / 286 ح 29582 .
2- . الكافي : 7 / 418 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 185 ح 3695 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 566 ؛ الوسائل : 27 / 246ح 33601 .

فالاكتفاء بسقوط الحقّ المدّعي بالحلف على عدم العلم من أين ؟! مع أنّ الأصل بقاء الدعوى الّتي اجتمع فيها شرائط السماع .

ثمّ في الكفاية أيضًا ادّعى جواز الحلف على البتّ في الصورة المزبورة، فها أنا أذكر عبارته بتمامها في المقام، ثمّ نشير إلى المقصود .

فأقول : قال فيها بعد أن حكم بأنّ المعروف بين الأصحاب كون الحالف على البتّ، إلى أن قال :

و مقتضى ظاهر كلامهم أنّه إذا ادّعى عليه بمال في ذمّته ولم يكن المدّعى عليه عالمًا بثبوته أو نفيه (1) ، لم يكف حلف المنكر بنفي العلم،وأنّه لا يجوز له حينئذٍ الحلف بنفي الاستحقاق، لعدم علمه بذلک، بل لابدّ ]له [ (2) من ردّ اليمين، وإن لم يردّ يقضى عليه بالنكول إن قيل بالقضاء به (3) ، و بعد ردّ اليمين على المدّعي إن لم نقل به .

لكن في إثبات ذلک إشكال، و لا يبعد (4) الاكتفاء حينئذٍ بالحلف على نفي العلم، و لا دليل على نفيه، إذ الظاهر أنّه لايجب عليه إيفاء ما يدّعيه إلّا مع العلم .

و يمكن على هذا أن يكون عدم العلم بثبوت الحقّ كافيًا في الحلف على

ص: 249


1- . في المصدر : و لا بنفيه .
2- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
3- . في المصدر : بالنكول .
4- . في المصدر : إذ لا يبعد .

عدم الاستحقاق، لأنّ وجوب إيفاء حقّه إنّما يكون عند العلم به، لكن ظاهر عباراتهم خلاف ذلک، إنتهى (1) .

إيرادٌ على الكفاية في حكمه بجواز
الحلف على نفي الاستحقاق مع عدم علمه بذلک

أقول : قد عرفت الكلام على قوله : « و لا يبعد الاكتفاء حينئذٍ بالحلف على نفي العلم، و لا دليل على نفيه »، و سيجيء أيضًا .

وكلامنا الآن على قوله : « و يمكن على هذا أن يكون » إلى قوله : « على عدم الاستحقاق »، لأنّا لانسلّم أنّ عدم وجوب إيفاء ما يدّعيه يكون كافيًا في الحلف على عدم الاستحقاق المطلق، لأنّ المتبادر من قولک : « هذا لايستحقّ منّي شيئًا» هو نفي الاستحقاق ولو في نفس الأمر، فلا يجوز الحلف هنا بذلک، لعدم علمه واحتمال ثبوت الحقّ في ذمّته .

نعم، عدم علمه بالحقّ أثبت له عدم كونه مكلّفًا بإيفائه والحلف عليه، لا على عدم استحقاقه .

و على فرض التسليم أنّه ليس المتبادر من قولک : « هذا لايستحقّ منّي شيئًا »

ص: 250


1- . كفاية الأحكام : 2 / 703 .

نفي الاستحقاق مطلقًا، بل نفيه ظاهرًا - أي بينه و بين الله تعالى - نقول : لا نسلّم أنّ كلّ من حلف على نفي الاستحقاق يلزم منه سقوط الحقّ، بل إذا كان من المدّعى عليه الّذي أنكر الحقّ، لا من الّذي ادّعى عدم العلم بالحقّ، لأنّ الدليل في ذلک إمّا الإجماع، أو النصوص، و كلاهما مفقودٌ في محلّ النزاع، أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلما عرفت من ورود النصوص في المنكر، مضافًا إلى أنّ المتبادر منها نفي الاستحقاق النفس الأمريّ، فلا تشمل لمحلّ النزاع .

إن قلت : يمكن أن يستدلّ للاكتفاء بالحلف فيما نحن فيه بما مرّ من صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهماالسلام) في الرجل يدّعى و لا بيّنة له، قال (عليه السلام) : يستحلفه (1) .

و هو أعمّ من أن يكون المدّعى عليه عالمًا بالمدّعى به، أم لا ؛ وأمَرَ المعصوم بإحلافه من غير استفصال، و ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم .

قلت : لا ريب ولا شبهة في أنّ مراده (عليه السلام) من الأمر بإحلاف المدّعى عليه هو إحلافه على المدّعى به، لا على شيء خارج عنه ؛ و معلوم عدم جواز إرادته هنا، لعدم جواز إحلافه على ذلک في المقام، لتصريحه بأنّه غير عالم بالمدّعى به لا نفيًا ولا إثباتًا ؛ والحلف على شيء نفيًا أو إثباتًا فرعُ العلم به و قد عرفت فقده، لأنّ المدّعى به هو الحقّ، لا عدم العلم به، فلا يدخل تحت الصحيح .

ص: 251


1- . الكافي : 7 / 416 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 557 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33679 .

و هكذا يجاب عن مثل الصحيح من النصّ، كمرسلة أبان المتقدّمة عن مولانا الصادق (عليه السلام) : في الرجل يدّعى عليه الحقّ و ليس لصاحب الحقّ بيّنة، قال : يستحلف المدّعى عليه (1) .

و غيرها .

و بالجملة : الاكتفاء بالحلف على نفي العلم لسقوط الدعوى في المقام لا وجه له .

في أنّ القضاء بالنكول إنّما هو إذا
تمكّن المنكر من اليمين ولم يحلف ولم يردّ

لكن بقي الكلام في ردّ اليمين إلى المدّعي، وإلّا فالقضاء بالنكول بمجرّده أو بعد ردّ الحاكم اليمين إلى المدّعي .

فأقول : أمّا القضاء بالنكول، فالظاهر أنّه مختصّ فيما إذا تمكّن المنكر من الحلف على نفي المدّعى به ولم يحلف ولم يردّ أيضًا، لأنّ المتبادر من أدلّته ذلک، وكلام الأصحاب أيضًا مختصّ بذلک، لأنّه موضوع المسألة في كلامهم، و هو غير متحقّق في المقام، مع أنّ الأصل عدم استحقاق المدّعي للمدّعى به، فيجب

ص: 252


1- . الكافي : 7 / 416 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 561 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33683 .

الاقتصار فيه على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كان المدّعى عليه متمكّنًا من الحلف على نفي المدّعى به ظاهرًا ولم يحلف ولم يردّ أيضًا، فهناک يقضى عليه إمّا من غير ردّ اليمين إلى المدّعي، أو معه ؛ و قد عرفت أنّه لم يتمكّن منه فيما نحن فيه .

بل نقول: إنّ الحكم باستحقاق المدّعي للمدّعى به بيمينه ولو مع رضا المدّعى عليه بها مشكلٌ، لما عرفت من أنّ حلف المدّعي خلاف الأصل، فيحتاج حلفه في كلّ موضع إلى دليل .

و ليس لنا دليل على أنّه كلّما رضي المدّعى عليه بيمين المدّعي يثبت بها الحقّ، لما عرفت من أنّ المتبادر من النصوص الدالّة على ذلک هو ما إذا كان المدّعى عليه متمكّنًا من الحلف على نفي المدّعى به، وليس ما نحن فيه من ذلک .

إلّا أن يتمسّک بالفحوى بأن يقال : لو ثبت استحقاق المدّعي للمدّعى به بيمينه لو رضي المدّعى عليه بذلک مع تمكّنه من الحلف، فاستحقاقه بذلک مع عدم تمكّنه منه بطريق أولى، لكنّ الأولويّة غير واضحة .

إن قلت : إنّ ما ذكرت من كون المتبادر من النصوص الدالّة على أنّ المدّعى عليه لو رضي بيمين صاحب الحقّ، هو ما إذا كان المدّعى عليه متمكّنًا من الحلف على نفي المدّعى به ظاهرًا مسلّم، لكن هل الدليل على التبادر إنّما هو إذا كان مطلقًا، و أمّا إذا كان عامًّا فلا، بل يحمل على جميع الأفراد ولو كان غير متبادر؟

و من هذا القبيل الصحيح المتقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا يحلف، فلا حقّ له » بعد أن سئل عن الرجل يدّعي و لا بيّنة له، قال (عليه السلام) :

ص: 253

«يستحلفه فإن ردّ اليمين » الحديث، لأنّ ترک استفصال المعصوم من أنّ المدّعى عليه هل هو يدّعى العلم بعدم الحقّ، أو عدم العلم به مع حكمه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا يحلف، فلا حقّ له، قرينته العموم .

قلت : قد مرّ الجواب عن الصحيح المذكور و مثله بأنّها محمولان فيما إذا كان المدّعى عليه مدّعيًا علمه بعدم الحقّ، فلاحظه حتّى يظهر لک صدق ما قلته،فالمسألة قويّة الإشكال .

نعم، يمكن أن يقال : إنّ الحاكم نصب لقطع النزاع بين الناس، فعليه أن يقطع الدعوى بين المدّعي والمدّعى عليه في المقام، و هو يحصل إمّا بحكمه بفساد الدعوى، فلا تسمع ؛ أو بالاكتفاء في حلف المدّعى عليه بنفي العلم، فيسقط الدعوى أيضًا ؛ أو يحكم عليه بردّ اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه وإلّا سقط، وإن نكل من الردّ يحكم عليه بالقضاء بالنكول على ما مرّ .

لكن لايمكن الأوّل، لأنّ الحكم بعدم سماع الدعوى المستجمعة للشرائط غير جائز وادّعاء المدّعى عليه عدم علمه بما ادّعاه لم يوجب ذلک، ولهذا لم يقل أحد بأنّ شرط سماع الدعوى عدم دعوى المدّعى عليه عدم علمه بما ادّعى عليه .

و كذا الثاني، لما عرفت من الأدلّة السابقة ؛ على أنّک قد عرفت من عبارة الكفاية أنّ الاكتفاء بحلف المدّعى عليه في المقام خلاف الظاهر من كلماتهم، فتعيّن الثالث، و هو وإن لم يثبت من جهة الدليل لما عرفت، إلّا أنّه من حيث الاعتبار على ما عرفت لابدّ من المصير إليه .

ص: 254

إقامة المدّعي البيّنة بعد نكوله عن الحلف تعتبر أم لا ؟

ثمّ بناءً عليه لو ردّ اليمين على المدّعي و نكل ولم يحلف، سقط به الدعوى، هل يحكم له لو أقام البيّنة بعد ذلک ؟

إشكالٌ من إطلاق الأدلّة الدالّة على اعتبار البيّنة، و من النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ المدّعي لو ردّ إليه الحلف ولم يحلف لا حقّ له .

والتعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين والعموم من وجه، لأنّ النصّ في اعتبار البيّنة خاصّ من جهة وروده في البيّنة، و عامّ من جهة شموله لما إذا كانت إقامة البيّنة بعد النكول من الحلف أو قبله .

والأخبار الدالّة على أنّ المدّعي لو توجّه إليه اليمين ولم يحلف لا حقّ له، خصوصها لأجل ورودها في المدّعي المتوجّه إليه اليمين بالردّ، و عمومها لأجل حكمه (عليه السلام) بعدم الحقّ إذا لم يحلف حينئذ، و هو أعمّ من أن يقيم البيّنة بعد ذلک، أم لا ؛ و لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيجب التوقّف في مرتبة الاجتهاد، ولكنّ الحاكم عند الحكم مخيّرٌ بين الأخذ بأيّهما شاء، لأنّه الشأن في كلّ ما تعارض فيه الدليلان و لم يكن لأحدهما ترجيح على الآخر .

إن قلت : لا نسلّم عدم ترجيح أحدهما على الآخر فيما نحن فيه، لأنّ إطلاق النصوص الدالّة على أنّ المدّعي بعد توجّه الحلف إليه لو لم يحلف لا حقّ له موافقٌ

ص: 255

بأصالة براءة ذمّة المدّعى عليه عن حقّه، فيجب اختياره والفتوى بعدم سماع البيّنة بعد نكول المدّعي من الحلف .

قلت : هذا الأصل معارض بأصالة بقاء دعوى المدّعي و عدم سقوطها .

إن قلت : هذا لايمكن التمسّک به، لأنّ وجود النصّ الدالّ على أنّه لو نكل لا حقّ له قد أبطل حكم هذا الأصل .

قلت : نقول بعينه في النصّ في البيّنة، لأنّ وجود النصّ الدالّ على اعتبار البيّنة قد أبطل حكم أصالة البراءة، فتساويا ؛ هذا .

و يمكن الجواب عنه بأنّ النصوص الدالّة على أنّ المدّعي بعد النكول سقط حقّه، ليست مطلقة، بل مقيّدة فيما إذا لم يكن له بيّنة، كما تقدّم من قوله : «رجل يدّعي ولا بيّنة له »، و معلوم أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ؛ و هذا المدّعي أقام البيّنة كما هو المفروض، فلا تشمله النصوص المزبورة، بل هي دالّة على أنّها لو كانت للمدّعي بيّنة لا تسقط الدعوى بمفهومها، فتكون معاضدةً لأدلّة البيّنة، لا معارضة لها، فتأمّل .

إقامة المنكر البيّنة بعد حلف المدّعي لا تسمع

هذا فيما إذا نكل المدّعي من اليمين، ثمّ أقام البيّنة بعد ذلک على حقّه، وأمّا لو حلف، فاستحقّ المال، فادّعى المدّعى عليه بعد ذلک العلم بعدم ثبوت حقّه في

ص: 256

ذمّته، إمّا لعدم ثبوته أوّلاً، أو معه، لكن علم أنّه أدّاه مثلاً، فلا تسمع .

و هل الحكم مختصّ فيما إذا ادّعى العلم و لم يقدر على إقامة البيّنة، أو عامّ ولو مع إقامة البيّنة، فلو أقام البيّنة بعد حلف المدّعي على أدائه حقّه، أو على إبرائه المدّعى عنه، و بالجملة على خروج ذمّته عن ذلک الحقّ الّذي ادّعى المدّعى عليه، فحلف عليه، لا تسمع أيضًا ؟

الظاهر : الثاني، لما عرفت سابقًا من النصّ الدالّ على أنّ البيّنة بعد اليمين لاتنفع، والنصّ وإن ورد في يمين المنكر، لكن يتعدّي الحكم إلى غيره بالتنقيح المناط القطعيّ، لأنّا نعلم أنّ عدم اعتبار البيّنة بعد يمين المدّعي إنّما هو لأجل اليمين، لا من جهة كونه من المنكر، و هو موجود هنا، فيجب الحكم بعدم اعتبارها.

هذا كلّه فيما إذا كان حلف المنكر في فعل نفسه، وأمّا إذا كان حلفه في فعل غيره، فيكفى له الحلف على نفي العلم حينئذ، و ذلک كما تقدّم من أنّه إذا ادّعي على الوارث العلم بموت مورّثه و بثبوت الحقّ في ذمّته و أنكر ذلک، فانّه يكتفى عنه حينئذٍ بالحلف على عدم العلم ولا يحلف على عدم ثبوت الحقّ في ذمّة المورّث مثلاً، لامتناع العلم به غالبًا ؛ ولو فرض حصول العلم له بذلک يجوز له الحلف عليه أيضًا؛ هكذا قال جماعة (1) .

ص: 257


1- . انظر قواعد الأحكام : 3 / 447 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 189 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 493 ؛ وكفايةالأحكام : 2 / 703 ؛ و كشف اللثام : 10 / 130 ؛ والمناهل : 748 ؛ و رياض المسائل : 13 / 131 .

و أقول : الظاهر أنّ هذا القسم من الحلف داخل في الحلف على البتّ أيضًا، لأنّ حلفه وقع على عين ما ادّعى عليه من العلم بموت الموِّرث، أو ثبوت الحقّ في ذمّته، فاليمين على البتّ والقطع، لا على غيره .

ثمّ إنّ هذا الحلف ليس على فعل الغير، لأنّ عدم علمه بموت المورّث مثلاً ليس فعل الغير .

و ممّا ذكر تبيّن أنّه لو ادّعى المدّعي علم المدّعى عليه بما ادّعاه عليه، يكون ذلک من هذا القبيل، و لا إشكال حينئذٍ في حلف المدّعى عليه بنفي العلم ولا في ردّ اليمين إلى المدّعي .

يكفي الحلف على عدم العلم فيما إذا ادّعي
على شخص بأنّ مملوكه جنى جناية يلزمه الأرش

ثمّ اعلم : أنّه قد استشكل في الحكم المذكور من الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في مواضع :

منها : لو ادّعي على شخص بأنّ مملوكه جنى جناية يلزمه الأرش و أنكر وعجز عن إثباته بالبيّنة، فهل يكفي الحلف على عدم العلم حينئذ، لأنّه فعل الغير، أو لابدّ من الحلف على البتّ، لأنّ فعل العبد كفعله ؟

ص: 258

قال في القواعد : إشكال (1) . وجهه ما مرّ .

و على الأوّل يسقط الدعوى لو حلف على عدم العلم، أو أقرّ المدّعي بذلک ؛ وعلى الثاني يجب عليه الحلف على البتّ، أو الردّ، و إلّا يقضى عليه بالنكول.

أقول : لا شکّ و لا شبهة في أنّ الأصل براءة ذمّة المدّعى عليه و عدم اشتغال ذمّته بشيء من حقّ المدّعي، فلابدّ في الحكم بثبوت حقّه في ذمّته من دليل وموجب حتّى يمكن الخروج بهما عن مقتضى الأصل .

ولم يثبت لنا دليل يدلّ على أنّ الحقّ هل يثبت في ذمّة المدّعى عليه بمجرّد ادّعاء المدّعي إلّا بعد أن أقام البيّنة على ما ادّعاه، أو بعد أن حلف فيما إذا توجّه اليمين المردودة إليه ؟ والمفروض أنّ الأوّل متعذّر، فبقي الثاني .

فنقول : لم يثبت أيضًا أنّ كلّ يمين من المدّعي يثبت بها الحقّ، لأنّ الظاهر من النصوص المتقدّمة هو ما إذا كان المدّعى عليه متمكّنًا من الحلف على ما ادّعى عليه ظاهرًا ولم يحلف و ردّه إلى المدّعي و حلف، فيستحقّ الحقّ .

و هو غير متحقّق في المقام، لأنّ المدّعى به هو جناية العبد الموجبة للأرش، والمولى غير عالم بذلک، فلا يجوز له الحلف، لما عرفت من أنّ الحلف على شيء موقوفٌ على معلوميّته، و هي مفقودة فيما نحن فيه ولم يثبت أنّ ادّعاء المدّعى عليه عدم العلم بما ادّعى عليه موجبٌ لردّ اليمين إلى المدّعي .

فعلى هذا عدم ردّ المنكر الحلف إلى المدّعي و عدم حلفه على البتّ لايصير

ص: 259


1- . قواعد الأحكام : 3 / 447 .

سببًا لنكوله حتّى يقضى عليه بالنكول، بل الحكم باستحقاق المدّعي للحقّ بعد الحلف لو ردّ إليه مشكل، كما عرفت ؛ على أنّه لا يصدق الردّ هنا، لأنّ الظاهر من الردّ هو إنّما يقال فيما إذا كان المدّعى عليه متمكّنًا من الحلف ولم يحلف، بل أحاله إلى المدّعي، و هناک يقال : إنّه ردّ اليمين و قد عرفت أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل .

{ الحقّ في المسألة }

فعلى هذا الحقّ هو : الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في الصورة المفروضة، وفاقًا للمقدّس الأردبيليّ و صاحب الكفاية (1) .

و إثباته من الأدلّة وإن كان مشكلاً لما عرفت سابقًا من عدم الدليل على الحلف بنفي العلم، إلّا أنّ الحاكم لمّا نصب لرفع الخصومة فيجب عليه أن يرفعها، و رفعه يمكن إمّا بالحكم بفساد دعوى المدّعي، أو بالحكم على الحلف على البتّ للمنكر، أو الاكتفاء بالحلف على عدم العلم .

والأوّل والثاني لايجوز اختيارهما لما عرفت، فتعيّن الثالث، و هو وإن كان مشتركًا مع الثاني في كونه مخالفًا للأصل، إلّا أنّه أقلّ ممّا يندفع به الضرورة، ومعلوم أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، فعلى هذا لو حلف المنكر على نفي العلم تسقط به الدعوى، وإلّا يقضى عليه بالنكول .

ص: 260


1- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 191 و 192 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 704 .

لكن لايخفى عليک أنّه لو أقام المدّعي البيّنة بعد حلف المدّعى بنفي العلم ينبغي قبولها والحكم بمقتضاها ؛ و كذا الحكم في كلّ ما كان مثل المقام، لعموم الأدلّة الدالّة على اعتبارها من غير معارض في المقام، لاختصاص النصوص الدالّة على عدم اعتبار البيّنة بعد حلف المنكر فيما إذا كان حلفه على البتّ، كما نبّهنا عليه سابقًا و أوضحناه .

هذا إذا حلف المنكر على نفي العلم وإن لم يحلف و قضى عليه بالنكول، فلو أقام البيّنة على براءة ذمّته عمّا ادّعى عليه المدّعي، فكذلک أيضًا بناءً على المختار من أنّه يقضى بالنكول من غير حلف المدّعي، فيجب قبول البيّنة والحكم بمقتضاها لما عرفت .

وأمّا على القول الآخر فلا، لما مرّ سابقًا، لكن لايبعد هنا القول بعدم القضاء بالنكول إلّا بعد الحلف على المدّعي، لأنّ المتبادر من الدليل المتقدّم للقول المختار غير ما نحن فيه .

و لقائل أن يقول : إنّه ينبغي على كلا القولين عدم الردّ هنا، لأنّ الظاهر من الردّ هو ما ردّ إلى المدّعي الحلف الّذي نكل المنكر منه، و هو لم يتحقّق في المقام، لأنّ اليمين الّتي نكل المنكر منها هي اليمين على عدم العلم و الّتي يحلفها المدّعي هي العلم بالعدم، فتأمّل (1) .

ص: 261


1- . جاء في حاشية الأصل : وجهه واضح، لأنّ كون المراد من اليمين الّتي يردّ إلى المدّعي هي اليمين الّتينكل منها المنكر ممنوع، لأنّ إحداهما منفية والأخرى مثبتة، فإذا جاز الاختلاف على هذا الوجه ينبغي أنيجوز كون إحداهما على عدم العلم والأخرى على العلم بالعدم، فتأمّل ؛ منه .

و من المواضع المذكورة : ما لو نصب البائع وكيلاً لقبض الثمن و تسليم المبيع، فادّعى المشتري : موكّلک أوجب عليک تسليم المبيع قبل قبض الثمن، و هو ينكره، فهل يكفي حينئذٍ الحلف على نفي العلم، لأنّ إيجاب تسليم المبيع فعل الغير، أو لابدّ من الحلف على البتّ، لأنّه يثبت لنفسه استحقاق اليد على المنع ؟

و منها : ما لو طولب البائع بتسليم المبيع، فادّعى حدوث عجز عنه و قال للمشتريّ : أنت عالم بذلک، و هو ينكره .

والحقّ في الموضعين أيضًا ما تقدّم، لما تقدّم وفاقًا لمن تقدّم (1) .

ثمّ لايخفى عليک أنّ الحلف في جميع هذه المواضع على البتّ والقطع، لأنّه حلف على عدم العلم، و عدم العلم مقطوع به، فقول بعضهم (2) : إنّ اليمين على البتّ إلّا إذا كانت على نفي فعل الغير (3) ، لا وجه له .

وإنمّا الفرق بين فعل نفسه و فعل غيره هو : أنّ الحلف في الأوّل على نفي الفعل، وفي الثاني على عدم العلم بالفعل .

و بعبارة أخرى : أنّ الحلف في الأوّل على العلم بالعدم، و في الثاني على عدم العلم .

ص: 262


1- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 191 و 192 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 704 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف (قدس سره): كالمبسوط و غيره .
3- . المبسوط : 8 / 206 .
الفرق بين حلف المدّعي والمنكر

هذا إذا كان الحلف من المنكر، وأمّا إذا كان من المدّعي فإنّه يحلف على البتّ في فعله و فعل غيره كما تقدّم، فالفرق بين حلف المدّعي والمنكر هو أنّ حلف المدّعي على البتّ في فعله و فعل نفسه، و حلف المنكر على البتّ في نفي فعله وعلى البتّ أيضًا في عدم العلم بفعل الغير، لا أنّ حلفه على البتّ في نفي فعله وعلى عدم البتّ في نفي فعل غيره، كما يظهر من الكفاية حيث قال :

و يظهر من الضابطة المذكورة أنّ حلف المدّعي دائمًا على البتّ ؛ وحلف المنكر ينقسم إلى قسمين (1) .

و أراد من الضابطة أنّ حلف المدّعي على البتّ و حلف المنكر على البتّ في فعله و على عدم العلم في فعل غيره، و أنت قد عرفت أنّه أيضًا من الحلف على البتّ .

نعم، الفرق بين حلفهما هو أنّ حلف المدّعي على العلم بالفعل، و حلف المنكر على العلم بعدم الفعل و على عدم العلم بعدم الفعل كما عرفت، لكنّ الجميع على البتّ .

إلّا أن يقال : المتبادر من قولهم : « لابدّ في الحلف أن يكون على البتّ »، هو ما

ص: 263


1- . كفاية الأحكام : 2 / 704 ؛ مع اختلاف يسير في العبارة .

إذا تعلّق العلم في الحلف بثبوت الفعل أو بنفيه، فلا يشمل الصورة الّتي تعلّق العلم فيها بعدم العلم بنفيه ؛ و لهذا لايقال لمن حلف على أنّه ظانّ بكذا : إنّه حلف على البتّ مع أنّه عالم بكونه ظانًّا .

و كذا الكلام في مَن حلف على أنّه شاکّ أو متوهّم بكذا مع علمه بحصول الشکّ والوهم فيه، فتأمّل .

فعلى هذا يكون معنى قولهم : « الحلف لابدّ أن يكون على البتّ والقطع » هو : أن يكون الحلف بحيث لو وجد لدلّ على أنّ الحالف عالم بثبوت الفعل أو بنفيه، فحينئذٍ يكون حلف المنكر على قسمين، أحدهما : حلفه على نفي الفعل، والثاني: حلفه على عدم العلم بذلک، والأوّل على البتّ دون الثاني بناءً على ما ذكر .

لا يجوز أن يحلف على البتّ مع عدم العلم

47- مسألة

اشارة

لا يجوز للحالف أن يحلف على البتّ مع عدم العلم مطلقًا، سواء كان ظانًّا أو شاكًّا، و كان ظنّه من شهادة عدل، أو عدلين، أو من خطّ و قرينة، كنكول المنكر وخطّ المورّث .

بمعنى أن يحلف مع عدم العلم على نحو يفهم منه أنّه عالم بما حلف عليه .

ص: 264

للإجماع على ما يظهر من بعض المحقّقين من المتأخّرين (1) .

و لأنّ الحلف على نحو يفهم منه أنّه عالم بذلک مع أنّه ليس الأمر كذلک كذب حرام، فيشمله النصوص الناهية عن الحلف كاذبًا، و قد تقدّم جملة منها .

و لأنّ الحلف منهيّ عنه بالكتاب و السنّة، قال الله - تعالى - : ( لا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم ) (2) ، بناءً على ما مرّ في أحد المعنيين خرج منهما ما إذا كان الحالف عالمًا بما يحلفه بالإجماع و السنّة، فبقي الباقي داخلاً تحت النهي .

و خصوص النصوص المستفيضة، منها : الصحيح المرويّ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : لا يحلف الرجل إلّا على علمه (3) .

و منها : ما رواه أبو بصير عنه (عله السلام) أيضًا : لايستحلف (4) الرجل إلّا على علمه (5) .

و منها : ما رواه محمّد بن يحيى عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لايستحلف العبد إلّا على علمه، ولا يقع إلّا على العلم، يستحلف أو لم يستحلف (6) .

ص: 265


1- . يظهر من كشف اللثام : 10 / 128 .
2- . البقرة : 224 .
3- . الكافي : 7 / 445 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 280 ح 1020 ؛ الوسائل : 23 / 246 ح 29491 .
4- . في التهذيب : لا يحلف .
5- . الكافي : 7 / 445 ح 2 ؛ التهذيب : 8 / 280 ح 1021 ؛ الوسائل : 23 / 247 ح 29492 .
6- . التهذيب : 8 / 280 ح 1022 .

و بالجملة : المسألة واضحة، لكن بقي الكلام في أنّه هل يجوز له أن يحلف على ما عنده من الظنّ والشکّ والوهم ؟

الظاهر ذلک، لأنّ حلفه حينئذٍ على العلم، لكن لا فائدة لهذا الحلف، إذ غاية مايستفاد من هذا الحلف أنّه ظانّ مثلاً، وقد عرفت أنّ الدعوى مع الظنّ غير مسموعة .

نيّة الحالف إذا كانت على خلاف ما حلف عليه لا تضرّه

48- مسألة

إعلم : أنّ المعتبر في نيّة اليمين إذا كانت من المنكر هو ما قصده المدّعي والقاضي واحلفاه عليه، سواء قصده المنكر، أم لا، بل لايجوز له أن يقصد غيره، فلو قصده فعل محرّمًا ولم يضرّ في انعقاد اليمين و ترتّب أثرها ؛ وإذا كانت من المدّعي هو ما قصده المنكر والقاضي واحلفاه عليه، و بالجملة كما تقدّم .

و فيما إذا ردّها القاضي بنكول المنكر - بناءً على القول به - المعتبر قصد القاضي، سواء قصده الحالف، أم لا، فلا يجوز للحالف قصد سوى ما وقع عليه الحلف ظاهرًا، ولو فعل لم يضرّ مطلقًا، سواء كانت من المنكر أو المدّعي، هي نيّة القاضي الّذي أحلفه عليها، سواء قصدها، إذ لو أضرّ ذلک في انعقادها يلزم منه ضياع الحقوق، لاحتمال أنّ كلّ حالف يضمر في قلبه خلاف ما وقع عليه الحلف

ص: 266

ظاهرًا، فيحلف و يأخذ ماله .

و لما روي عن مسعدة بن صدقة في الموثّق أنّه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: و سئل عمّا لايجوز من النيّة على الإضمار في اليمين، فقال (عليه السلام) : قد يجوز في موضع و لا يجوز في آخر، فأمّا ما يجوز فإذا كان مظلومًا فما حلف به ونوى اليمين فعلى نيّته، و أمّا إذا كان ظالمًا فاليمين على نيّة المظلوم (1) .

و عنه (صلي الله عليه واله) أنّه نهى أن يُلْغَزَ (2) في الأيمان و قال : إذا كان مظلومًا فعلى نيّة الحالف، و إن كان ظالمًا فعلى نيّة المستحلف (3) .

وجه الاستدلال واضح، لأنّ كلاًّ من المنكر والمدّعي إذا أراد في حلفه خلاف ما قصده خصمه فقد ظلمه، فإنّ قصده خلاف ذلک ليس إلّا لأجل أنّ الحقّ في جانب خصمه، فلا يعتبر قصده، بل اليمين على قصد المستحلف .

و بما ذكر من النصّ و غيره يقيّد إطلاق النبويّ : « اليمين على ما يستحلف الطالب » (4) ؛ بأن يقال : إنّ المراد منه إذا كان الطالب مظلومًا .

والصحيح المرويّ عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السلام) : « عن الرجل

ص: 267


1- . الكافي : 7 / 444 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 280 ح 1025 ؛ الوسائل : 23 / 245 ح 29488 .
2- . اللغز التشبيه في الكلام، و هو أن يريد الشيء فيشبه بغيره و يوهم السامع الّذي يشبه به، هو المراد منقوله، وهو ينوي و يضمر غيره، و يستحلف أهل الذمّة بالله و بما يعظمونه من أيمانهم ؛ تمّت من مختصرالآثار (دعائم الإسلام : 2 / 96 ، الهامش 1 ).
3- . دعائم الإسلام : 2 / 96 ح 301 .
4- . روى هذا الخبر في « كشف اللثام : 10 / 131 » عن النبيّ (صلي الله عليه واله)؛ و في « دعائم الإسلام : 2 / 96 » عنجعفر بن محمّد (عليهماالسلام).

يحلف و ضميره على غير ما حلف عليه ؟ قال: الحلف (1) على الضمير (2) ». بأن يقال : إنّ المراد به أيضًا إذا كان الحالف مظلومًا .

و يمكن تقييده بما إذا لم يكن هناک طالب و مطلوب، بل الرجل يحلف بنفسه، لكن ضميره على غير ما حلف عليه، فقال (عليه السلام) : « الحلف على الضمير ».

49- مسألة

لو قال المدّعي بعد إقامة البيّنة : « إنّ بيّنتي كذبت »، لم يجز الحكم بشهادتهاحينئذٍ ؛ و ذلک واضح .

و هل يقتضي ذلک فساد الدعوى و بطلانها، فلا تسمع بعد ذلک و لا يطلب ببيّنة أخرى ؟

فيه تفصيل، و هو : أنّ شهادة البيّنة إن كانت هكذا : نشهد أنّه أقرضه كذا أو ابتاعه كذا مثلاً ؛ أو قالوا : و كان ذلک في حضورنا أو نعلم ذلک، فلا تبطل الدعوى حينئذ، لجواز أن يكون تكذيبه للبيّنة حينئذٍ لأجل عدم علمها بالمشهود به، لا لأجل عدم الشهود به .

ألا ترى قوله - تعالى - : ( إذا جاءک المنافقون قالوا نشهد إنّک لرسول الله والله يعلم إنّک لرسوله والله يشهد إنّ المنافقين لكاذبون ) (3) ، فقد نسب الله - تعالى -

ص: 268


1- . في المصادر : اليمين .
2- . الكافي : 7 / 444 ح 3 ؛ التهذيب : 8 / 280 ح 1024 ؛ الوسائل : 23 / 246 ح 29490 .
3- . المنافقون : 1.

المنافقين إلى الكذب مع أنّ المشهود به - و هو كونه (صلي الله عليه واله)رسول الله - حقّ، فتكذيبهم حينئذٍ للمنافقين، لأجل عدم علمهم بالمشهود به، إذ الشهادة على شيء يدلّ على علم الشاهد بذلک الشيء، فإذا لم يكن الشاهد عالمًا بذلک الشيء كان كاذبًا في شهادته، و هو لايستلزم كون المشهود به كذبًا، كما عرفت .

وأمّا إذا لم يكن كذلک بأن اقتصروا على قولهم : « إنّه أقرضه كذا، أو ابتاعه كذا» و هكذا، فالظاهر بطلان الدعوى حينئذ، لأنّ قول البيّنة حينئذٍ هو أصل الدعوى وقد أقرّ الخصم بأنّها كاذبة، و هو يستلزم إقراره بكذب دعواه، فلا تسمع بعد ذلک .

هذا إذا أقرّ عند الحاكم بتكذيب الشهود، أو أكذبها عنده، أو أثبت ذلک المنكر ببيّنة عند الحاكم ؛ وأمّا إذا ادّعى الخصم عليه ذلک و أنكر و أقام شاهدًا واحدًا على ذلک، هل يمكن له أن يحلف على أنّه أقرّ بكذب شهوده، أو لا ؟

مبنيٌّ على ما تقدّم من أنّ اليمين والشاهد الواحد إنّما تسمع في الأموال، أو ما كان المقصود منه المال، فإن كانت شهادة البيّنة من قبيل الثاني، فينبغي أن تسمع، لإسقاط الدعوى حينئذٍ بالمال .

و أمّا إن كانت من قبيل الأوّل فلا، لأنّ الدعوى حينئذٍ ليست بمال و لا المقصود منه المال ؛ أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فكذلک أيضًا، إذ مع ثبوت الدعوى لايستحقّ المال (1) .

ص: 269


1- . لاحظ المسألة في تحرير الأحكام : 5 / 171 ؛ و قواعد الأحكام : 3 / 448 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 345؛وكشف اللثام : 10 / 132 .

فصلٌ

في التوصّل إلى الحقّ

50- مسألة

اشارة

إعلم : أنّ حقّ المدّعي إمّا عقوبة أو مال ؛ و إن كان عقوبة - كالقصاص و حدّ القذف - فلابدّ من الرفع إلى الحاكم، لا أعرف فيه خلافًا كما في الكفاية (1) ، فلايجوز للمدّعي استيفائها بنفسه .

و إن كان مالاً فلا يخلو إمّا أن يكون عينًا أو دينًا ؛ أمّا الأوّل فحكمه أنّ من كان له عين عند آخر و تيقّن استحقاقها وأمكن انتزاعها من غير تحريک فتنة، يجوز له ذلک بأيّ نحو كان ولو قهرًا، ولايحتاج إلى إذن الحاكم بلا خلاف، كما صرّح به بعضهم (2) ؛ و في الإيضاح : عليه الإجماع (3) .

و وجهه مع ذلک واضح، لأنّ المقتضي موجود والمانع مفقود، فوجب القول به .

أمّا الأوّل فلأنّ المفروض أنّها ماله، و معلوم أنّ للمالک التصرّف في ماله، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم .

ص: 270


1- . كفاية الأحكام : 2 / 721 .
2- . صرّح به في رياض المسائل : 13 / 164 ؛ وانظر كشف اللثام : 10 / 133 .
3- . إيضاح الفوائد : 4 / 346 .

وأمّا الثاني فلأنّه المفروض، و معلوم أنّ مجرّد كونها في يد الغير لايمنع من ذلک بالضرورة .

و من قبيل المسألة أنّه لو رأى عينًا من ماله في يد الغير و هو يدّعي تملّكه بالشراء و غيره، و هو عالم بخلافه و خاف أنّه لو أظهر أنّها من ماله لاحتاج إلى الترافع عند الحاكم و إقامة الشاهد، و هي غير ممكن له، يأخذه من غير أن يظهر ذلک، كأن يقول له : أعْطِيني، لأن ألاحظها مثلاً، فإذا أخذ يمتنع من تسليمها .

و أنكر كونها من مال الّذي كانت عنده، فيكون المالک حينئذٍ منكرًا، فإذا ترافعا عند الحاكم له أن يحلف أنّها من ماله وأنّ خصمي ما يستحقّ منّي شيئًا، فتبطل دعوى خصمه .

هذا إذا لم يؤدّ انتزاعها بنفسه إلى الفتنة، وأمّا إذا أدّى إليها قال في المسالک والكفاية : فلابدّ من الحاكم (1) .

أقول : الحاكم غير متعيّن، بل لابدّ ممّن أمن معه من حدوث الفتنة ولو كان غير حاكم .

و أمّا الثاني - أي لو كان الحقّ دينًا - فلا يخلو إمّا أن يقرّ الخصم بذلک، أو ينكره .

والأوّل لايخلو إمّا أن يكون باذلاً غير مماطل، أو مماطلاً، أو غير باذل، لكن

ص: 271


1- . مسالک الأفهام : 14 / 69 ؛ كفاية الأحكام : 2 / 721 ؛ و عبارة المسالک هكذا : فلابدّ من الرفع إلى الحاكمدفعًا لها .

يمكن الانتزاع بالحاكم، ففي الجميع لايجوز له أن يستقلّ بالانتزاع، بل لابدّ من إذن الغريم في الأوّل، لأنّ حقّه أمر كلّيّ في ذمّة المديون و له التخيير في تعيينه من ماله، فلا يتعيّن في شيء منه بدون تعيينه .

ولأنّ الأصل عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه، فلا يجوز له الأخذ من ماله إلّا بإذنه، ولا مدخل للحاكم في ذلک أيضًا، لأنّ المفروض أنّ الغريم باذل ومن اذن الحاكم في غيره، لما عرفت من أنّ الأصل عدم جواز تصرّف غير المالک في المال من غير إذنه .

و عدم بذل الغريم للمال، أو مماطلته في ذلک ليس موجبًا للخروج عن مقتضاه مع فرض إمكان الانتزاع بالحاكم، لوجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا لم يبذل الغريم أو يماطل فيه ولم يمكن العلاج بالحاكم أيضًا.

و فصّل بعض المحقّقين من المتأخّرين في المقام (1) بأنّ الغريم لو أقرّ وامتنع من الأداء، فلا يخلو إمّا أن يكون بعد الرفع إلى الحاكم، أو قبله ؛ و ما ذكر من عدم جواز استقلال المدّعي بالأخذ والتوقّف على إذن الحاكم هو مختصّ بصورة الأولى - أي بعد الرفع إلى الحاكم - وأمّا قبله فقد نسب إلى الأكثر جواز الأخذ من دون إذن الحاكم بعد أن اختاره ؛ و هو الحقّ، إذ لم نجد دليلاً على توقّف الأخذ على إذن الحاكم فيما ذكر إلّا الأصل المتقدّم .

ص: 272


1- . التفصيل للفاضل الأصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 133 .

والجواب عنه : أنّه معارض بأصالة البراءة من وجوب الرفع إلى الحاكم، فإذا تعارضا تساقطا، فله أن يأخذ حقّه بأيّ وجه اتّفق ؛ على أنّه يمكن الترجيح لهذا الأصل بما في الرفع إلى الحاكم من المشقّة، سيّما بعد شمول قوله - تعالى - : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (1) .

و معلومٌ من امتنع من أداء الحقّ اعتدى على صاحبه، بل المماطل للأداء من غير عذر شرعيّ أيضًا كذلک .

و سيجيء الكلام في الآية إن شاء الله - سبحانه - وكذا بعض ما سيجيء في المسألة الآتية .

بعد إنكار الغريم يجوز لصاحب الحقّ أخذه من ماله مطلقًا

هذا كلّه فيما إذا أقرّ بالحقّ، وأمّا إذا أنكره فلايخلو إمّا أن يكون للمدّعي على حقّه حجّة يتمكّن معها من إثباته عند الحاكم، أو لا ؛ و على الأوّل قال في النافع (2) : لايستقلّ المدّعي بالأخذ حينئذٍ أيضًا (3) .

ص: 273


1- . البقرة : 194.
2- . المختصر النافع : 276 ؛ مع اختلاف يسير في العبارة .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): قال شيخ الطائفة في النهاية : و متى كان للإنسان على غيره دين فحلفهعلى ذلک لم يجز له مطالبته بعد ذلک بشيء منه، فإن جاء الحالف تائبًا فردّ عليه ماله جاز له أخذه . إلى أنقال : فإن لم يحلف، لكنّه لا يتمكّن من أخذه و وقع له عنده مال، جاز له أن يأخذ حقّه منه من غير زيادةعليه { النهاية : 307 ، مع اختلاف يسير في العبارة }.

للأصل المتقدّم ؛ والمشهور بين الأصحاب الجواز - كما صرّح به في الكفاية وغيرها (1) - و هو الحقّ .

والجواب عن الأصل أنّه معارض بما تقدّم، سيّما مع شمول الآية، إذ من أنكر حقّه اعتدى عليه بلا شبهة، فيجوز له الأخذ ولو من غير إذن الحاكم، لقوله -تعالى - ( و من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (2) ، و عموم الأدلّة الآتية .

وأمّا إذا لم يكن له حجّة يتمكّن معها من إثباته عند الحاكم، فيجوز للمدّعي أن يستقلّ بأخذ حقّه بلا خلاف فيه كما صرّح به جمع (3) ، والدليل عليه مع ذلک كثير،كقوله - تعالى - : ( و من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ).

إعلم : أنّ « اعتدى » في قوله تعالى : ( و من اعتدى عليكم ) المراد به المعنى الحقيقيّ، وأمّا قوله تعالى : ( فاعتدوا عليه )، فليس المراد به المعنى الحقيقيّ، وهو واضح، لأنّ أخذ المال حينئذٍ ليس من العدوان .

و قوله تعالى : ( فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) (4) ، والكلام فيه مثل الكلام في الآية السابقة عليه .

ص: 274


1- . صرّح به في الكفاية : 2 / 723 ؛ والمسالک : 14 / 70 ؛ و غاية المرام : 4 / 254 ؛ و كشف اللثام : 10 /133 ؛ و رياض المسائل: 13 / 165 .
2- . البقرة : 194.
3- . صرّح به في الكفاية : 2 / 722 ؛ و غاية المرام : 4 / 254 ؛ و كشف اللثام : 10 / 133 ؛ و رياض المسائل :13 / 166 .
4- . النحل: 126.

و قوله (صلي الله عليه واله): « ليّ الواجد يُحلّ عقوبته و عِرْضَه » (1) .

الليّ : المطل (2) ، و المراد بالعقوبة : الحبس، و بالعِرض : المطالبة .

وجه الاستدلال هو : أنّه لو جاز الحبس و المطالبة بالمال بالمماطلة مع الإقرار بالحقّ، فجواز أخذ المال مع الإنكار بطريق أولى .

و صحيحة (3) داود بن زربي (4) قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّي أعامل قومًا

فربما أرسلوا إليّ فأخذوا منّي الجارية والدابّة، فذهبوا بها منّي، ثمّ يدور لهم المال عندي، فآخذ منه بقدر ما أخذوا منّي ؟ فقال : خذ منهم بقدر ما أخذوا منک ولا تزد عليه (5) .

و صحيحته الأخرى أيضًا : قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنّي أخالط السلطان،

ص: 275


1- . أمالي الطوسي : 520 ح 1146 ؛ الوسائل : 18 / 333 ح 23793 ؛ عوالي اللّألئ : 4 / 72 ح 44 ؛ مسندأحمد : 4 / 222 ؛ صحيح البخاري : 3/155 ؛ سنن أبي داود : 3 / 313 ح 3628 ؛ سنن النسائي : 7 /316 ؛ سنن البيهقي : 6 / 51 .
2- . المطل : « التسويف بالعدّة و الدين »، كما في القاموس المحيط : 4 / 51 .
3- . جاء في حاشية الأصل : المرويّة في الفقيه في باب الدين والفرض ؛ منه .
4- . جاء في حاشية الأصل : « رزين »، و عليه علامة : خ ل . قال في « جامع الرواة » ذيل ترجمة داود بنزربي، بعد إشارته إلى هذا الاختلاف : الظاهر أنّ ابن رزين سهو، لعدم وجوده في كتب الرجال، والله أعلم،إنتهى ( جامع الرواة : 1 / 303 ). ولم يذكره الكشّي أيضًا في كتابه، نعم قد تعرّض لداود بن زربي، قال : وكانأخصّ الناس بالرشيد ( إختيار معرفة الرجال : 2 / 600 ). و قد تعرّض أيضًا العلّامة في الخلاصة بعنوان :داود بن زربي، قال : و كان أخصّ الناس بالرشيد، و أورد الكشّي ما يشهد بسلامة عقيدته، و قال النجاشي :إنّه ثقة، ذكره ابن عقدة ( الخلاصة : 142 ).
5- . الفقيه : 3 / 187 ح 3703 .

فيكون عندي الجارية، فيأخذونها و (1) الدابّة الفارهة، فيبعثون فيأخذونها، ثمّ يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه ؟ فقال : خذ مثل ذلک ولا تزد عليه (2) .

والصحيح (3) المرويّ عن الحسن بن محبوب، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كان له على رجل مال، فجحده إيّاه و ذهب به منه (4) ، ثمّ صار إليه بعد ذلک منه للرجل الّذي ذهب بماله مال مثله (5) ، أيأخذه مكان ماله الّذي ذهب به منه ؟ قال: نعم، يقول (6) : اللّهمّ إنّي إنّما آخذ هذا مكان مالي الّذي أخذه منّي (7) .

و في الفقيه بعد نقله الحديث : و في خبر آخر ليونس بن عبدالرحمن عن أبي بكر الحضرميّ مثله، إلّا أنّه قال : يقول : اللّهمّ إنّي لم آخذ ما أخذت منه خيانة ولا ظلمًا، ولكنّي أخذته مكان حقّي (8) .

اعلم : أنّ ما اشتمله الموثّق المذكور و غيره من الأمر بالدعاء حين أخذ المال

ص: 276


1- . في المصدر : أو .
2- . التهذيب : 6 / 338 ح 939 ؛ رواه باسناده عن ابن أبي عمير عن داود بن رزين . و روى مثله فيه أيضًا :6/347 ح 978 ؛ باسناده عن الحسين بن سعيد، عن داود بن زربي .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : رواه في التهذيب في باب الديون .
4- . « منه » لم يرد في التهذيب .
5- . في التهذيب : قبله .
6- . في التهذيب : نعم، ولكن لهذا كلام يقول .
7- . الكافي : 5 / 98 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 186 ح 3699 ؛ التهذيب : 6 / 98 ح 439 ؛ الوسائل : 17 / 274 ح22503 .
8- . الفقيه : 3 / 186 ح 3700 .

وإن كان ظاهرهما الوجوب، لكنّه محمول على الاستحباب، لأنّ ظاهر الأصحاب عدم وجوب الدعاء حينئذ، حيث ذكروا المسألة مفتين بها من غير ذاكرين للدعاء.

ويؤيِّده خلوّ جملة من النصوص الواردة في المسألة عن الأمر به مع ورودها في مقام الحاجة، كالصحيحين المتقدّمين، واختلاف المتضمّن له كما عرفت من كلام الفقيه، لأنّ الاختلاف علامة الاستحباب .

و من جملة النصوص في المسألة ما روي عن أبي بكر الحضرميّ في الموثّق: قال: قلت: رجل لي عليه دراهم فجحدنا (1) و حلف عليها، أيجوز لي أن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي ؟ قال: فقال: نعم، ولكن لهذا كلام ؛ قلت: و ما هو ؟ قال: تقول: اللّهمّ إنّي (2) لم آخذه ظلمًا ولا خيانة وإنّما أخذت منه (3) مكان مالي الّذي أخذ منّي لم ازدد عليه شيئًا (4) .

و هو مع اشتماله على الأمر بالدعاء متضمّن للاقتصاص بعد الحلف .

والجواب عنه : أنّه محمول فيما إذا كان الحلف من غير استحلاف المدّعي بإذن الحاكم، لما مرّ من النصوص المستفيضة في عدم جواز الاقتصاص بعد الإحلاف ؛ وهذا أولى من إبقائه على إطلاقه و حمل النهي في النصوص المتقدّمة على الكراهة، لأولويّة التقييد من المجاز عند تعارضهما في نفسه، مع أنّه هنا لابدّ من

ص: 277


1- . في المصدر : فجحدني .
2- . « إنّي » لم يرد في التهذيب .
3- . في المصدر بدل « أخذت منه » : أخذته .
4- . الاستبصار : 3 / 52 ح 168 ؛ التهذيب : 6 / 348 ح 982 ؛ الوسائل : 17 / 273 ح 22502 .

هذا الحمل، لما عرفت من اتّفاق الأصحاب على عدم جواز الاقتصاص بعد الإحلاف، لا على كراهته .

و من النصّ في المسألة أيضًا ما رواه جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له على الرجل الدين، فيجحده، فيظفر من ماله بقدر الّذي جحده، أيأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلک ؟ قال : نعم (1) .

ولا يخفى أنّ ترک الاستفصال في هذه النصوص من تمكّن إثبات حقّه عند الحاكم و غيره يفيد العموم، لكن الصحيح الثاني ظاهر في أنّه لايمكن فيه ذلک، لأنّ الدعوى والترافع مع السلطان الظاهر أنّه غير ممكن، لكن غيره من النصّ عامّ وكذا الآيتان، فالحقّ شمول الحكم له أيضًا .

{ هل يشمل الحكم فيما إذا نسي الغريم الدين
واستحى صاحب الحقّ إظهاره ، أم لا ؟ }

ثمّ هل يشمل الحكم فيما إذا نسي الغريم الدين واستحى صاحب الحقّ إظهاره، فإذا حصل عنده من ماله يأخذ بمثل ماله، أم لا ؟

الظاهر الثاني، للأصل المتقدّم من غير معارض، و هو عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه، و لا تشمله الأدلّة المتقدّمة أيضًا .

ص: 278


1- . الاستبصار : 3 / 51 ح 167 ؛ التهذيب : 6 / 349 ح 986 ؛ الوسائل : 17 / 275 ح 22508

أمّا عدم شمول الآيتين له فواضح، لأنّه لا يصدق على من نسي وفاء الدين أنّه اعتدى على صاحب الحقّ ولا عاقبه .

وأمّا النصوص فأوضح، فالخروج عن مقتضى الأصل مع فقد ما يوجبه غير جائز، و على صاحب الحقّ أن يذكره .

يجوز أخذ صاحب الدين حقّه من الوديعة

ولا يخفى أنّ ما مرّ من جواز الاقتصاص من مال الغريم و نقل اتّفاق الأصحاب عليه إنّما هو إذا لم يكن المال المذكور عنده بعنوان الوديعة .

و أمّا إذا كان كذلک، ففيه خلاف بين الأصحاب، و ما اختاره في التهذيب والاستبصار والشرائع والإرشاد والقواعد والإيضاح والمسالک والكفاية هو الجواز مع الكراهية (1) .

و هو المنقول عن السرائر والمختلف والنكت للشهيد و شرح الشرائع للصيمريّ و شرح النافع للفاضل المقداد (2) .

ص: 279


1- . انظر التهذيب : 6 / 349 ؛ والاستبصار : 3 / 53 ؛ والشرائع : 4 / 109 ؛ والقواعد : 3 / 213 ؛ والإرشاد :2/ 143 ؛ والإيضاح : 4 / 347 ؛ والمسالک : 14 / 71 ؛ والكفاية : 2 / 723 .
2- . انظر السرائر : 2 / 36 ؛ والمختلف : 5 / 28 و 8 / 145 ؛ و غاية المراد : 4 / 24 ؛ والتنقيح : 4 / 268 ؛وغاية المرام : 4 / 254 .

و في المسالک و الكفاية و شرح القواعد للفاضل نسبوه إلى أكثر المتأخّرين (1) .و هو الحقّ، لما تقدّم من الأدلّة من النصوص والآية .

أمّا النصوص فلأنّ ترک الاستفصال في جملة منها من أنّ المال الّذي حصل بيد صاحب الحقّ أنّه بالوديعة و غيرها يفيد العموم .

و أمّا الآية فلأنّ قوله - سبحانه - : ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى ) مطلق شامل لكلّ ما يمكن الاعتداء به عليه و لو كان وديعة .

و خصوص النصوص الواردة في المسألة، منها : ما رواه إسحاق بن إبراهيم أنّ موسى بن عبد الملک كتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) (2) يسأله عن رجل دفع إليه مالاً ليفرقه (3) في بعض وجوه البرّ، فلم يمكنه صرف ذلک المال في الوجه الّذي أمره به وقد كان له عليه مال بقدر هذا المال، فقال : هل يجوز لي أن أقبض مالي، أو أردّه عليه واقتضيه ؟ فقال (4) : اقبض مالک ممّا في يديک (5) .

و منها : ما رواه عليّ بن سليمان قال : كتبت (6) إليه رجل غصب رجلاً مالاً أو جارية، ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه، أيحلّ له

ص: 280


1- . انظر المسالک : 14 / 71 ؛ والكفاية : 2 / 723 ؛ و كشف اللثام : 10 / 133 ؛ والرياض : 13 / 168 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : هكذا في الاستبصار، و في كشف اللثام : إلى الجواد (عليه السلام){ انظر كشفاللثام : 10 / 134 }.
3- . في المصدر : ليصرفه .
4- . في المصدر : فكتب .
5- . الاستبصار : 3 / 52 ح 170 ؛ التهذيب : 6 / 348 ح 984 ؛ الوسائل : 17 / 275 ح 22506 .
6- . في المصدر : كتب .

حبسه عليه، أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : نعم، إن كان بقدر حقّه (1) ، وإن كان أكثر فليأخذ (2) منه ما كان عليه و يسلم الباقي إليه إن شاء الله (3) .

و منها : الصحيح المرويّ عن أبي العبّاس البقباق : أنّ شهابًا ما رآه (4) في رجل ذهب له ألف درهم واستودعه بعد ذلک ألف درهم، قال أبو العبّاس : فقلت له : خذها مكان الألف الّذي أخذ منک، فأبى شهاب قال: فدخل شهاب على أبي عبدالله (عليه السلام )، فذكر له ذلک، فقال : أمّا أنا فأحبّ إليَّ (5) أن تأخذ و تحلف (6) .

ولعلّ المراد من قوله (عليه السلام): « و تحلف » هو أنّه إذا طلب المودع منک الوديعة فأنكرها، فإن أحلفک يجوز لک أن تحلف، و حلفه حينئذٍ إمّا على عدم الاستحقاق مطلقًا، لأنّ المودع لايستحقّ منه شيئًا، أو على عدم الاستيداع مع التورية .

والضمير في قوله : « انّ شهابًا ما رآه » يعود إلى أبي العبّاس، والممارات : المعارضة، أي : عارض أبا العبّاس .

ثمّ إنّ قوله (عليه السلام) : « و أحبّ إليّ » كيف يجتمع مع اتّفاق الأصحاب على المرجوحيّة في الجملة، و هو (عليه السلام) إنّما يحبّ الراجح لا المرجوح ؟!

و يمكن أن يقال : إنّ نسبة المحبّة (عليه السلام) إلى نفسه في أخذ الحقّ من الوديعة

ص: 281


1- . في المصدر : يحلّ له ذلک إن كان بقدر حقّه .
2- . في المصدر : فيأخذ .
3- . التهذيب : 6 / 349 ح 349 ؛ الاستبصار : 3 / 53 ح 173 ؛ الوسائل : 17 / 275 ح 22507 .
4- . ما رآه مراء، و مماراة : ناظره و جادله ( المعجم الوسيط : 866 « مري » ).
5- . « إليّ » لم يرد في التهذيب .
6- . الاستبصار : 3 / 53 ح 174 ؛ التهذيب : 6 / 347 ح 979 ؛ الوسائل : 17 / 272 ح 22500 .

بالنسبة إلى عدم الأخذ، حيث أتى (عليه السلام) بصيغة أفعل للتفضيل، والمفضّل عليه هو عدم أخذه .

و على هذا محبّته لأخذ الحقّ من الوديعة ليست مطلقة، بل بالنسبة إلى عدم أخذ الشهاب، إذ يحتمل أنّه كان محتاجًا غايته إلى ذلک المال، فلو ردّه إلى صاحبه يبقى مُعَطَّلاً و غير قادر على نفقة عياله الواجبة، فقال (عليه السلام) : أخذ الحقّ من الوديعة حينئذٍ أحبّ اِليَّ من ردّها، إذ ربما يصير الشيء المكروه محبوبًا باعتبار استلزام تركه الواجب، فيكون أخذ الحقّ من الوديعة مكروهًا في نفسه، لكن صار محبوبًا هنا بالنسبة إلى ما ذكرنا، و مرجوحيّة الذاتي لاتناف الرجحان بالعرض .

و على فرض التسليم نقول : الرواية ظاهرة في عدم المرجوحيّة واتّفاق الأصحاب عليها قاطع، والظاهر لايعارض القاطع، فينبغي العود إلى المقصود، وهو ذكر القول الآخر في المسألة و أدلّته والجواب عنها .

{ القول الآخر في المسألة و أدلّته والجواب عنها }

فأقول : المنقول عن الصدوق في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وأبي الصلاح والكيدري وأبي عليّ الطبرسي وابن زهرة المنع من ذلک، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليه (1) .

ص: 282


1- . الفقيه : 3 / 185 ؛ الكافي في الفقه : 331 ؛ إصباح الشيعة : 284 و 535 ؛ مجمع البيان : 1 / 288 ؛ الغنية :240 .

لقوله - تعالى - : ( إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ) (1) ، والأمر بالأداء يفيد وجوبه، و هو ينافي جواز الأخذ منها .

والنصوص الآمرة بردّ الأمانات بالعموم .

و خصوص النصوص الواردة عن أهل الخصوص في المسألة، منها : ما رواه معاوية بن عمّار عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : قلت له : الرجل لي عليه حقّ (2) فيجحدنيه، ثمّ يستودعني مالاً أَلي أن آخذ مالي عنده ؟ قال: لا هذه خيانة (3) .

و هذا الحديث إمّا صحيح أو موثّق، لأنّ في سنده إبراهيم بن عبد الحميد، وقد اختلفوا فيه، لكن رواه في الفقيه باسناده عن معاوية بن عمّار (4) ، و قد صحّح العلّامة (رحمه الله) طريقه إليه (5) ، فيكون الحديث صحيحًا .

و منها : ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن أخي الفضيل بن يسار قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) و دخلت عليه (6) امرأة وكنت أقرب الناس (7) إليها، فقالت لي : أسأله، فقلت : عمّا ذا ؟ فقالت : إنّ ابني مات و ترک مالاً كان في يد أخي فأتلفه، ثمّ أفاد مالاً فأودعنيه، فلي أن آخذ منه

ص: 283


1- . النساء: 58.
2- . في الكافي والتهذيب : الحقّ .
3- . الكافي : 5 / 98 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 197 ح 438 ؛ الوسائل : 17 / 275 ح 22509 .
4- . الفقيه : 3 / 186 ح 3697 .
5- . انظر خلاصة الأقوال : 439 .
6- . « عليه » لم يرد في التهذيب .
7- . في التهذيب والاستبصار : القوم .

بقدر ما أتلف من شيء ؟ فأخبرته بذلک، فقال : لا ، قال رسول الله (صلي الله عليه واله): أدّ الأمانة إلى من ائتمنک و لاتخن من خانک (1) .

و دلالته على ذلک في مواضع، الأوّل : جوابه (عليه السلام) بلا، والثاني : قوله : « أدّ الأمانة إلى من ائتمنک » . والثالث : قوله : « و لا تخن مَن خانک ».

والراوي - و هو ابن أخي الفضيل - و إن كان الآن لم يكن لي معلوم الحال، لكن ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه من رواياته (2) .

{ الجواب عن أدلّة القول الآخر }

والجواب أمّا عن الآية - أي قوله تعالى : ( إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ) (3) - فهو أنّها معارضة بما مرّ من قوله - تعالى - : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (4) .

والتعارض بينهما من قبيل تعارض العموم من وجه، لأنّ الأمر بأداء الأمانات إلى أهلها أعمّ من أن يكون أهلها من اعتدى على المستودع بإنكار حقّه عليه، أم لا؛ و قوله - تعالى - : ( فمن اعتدى عليكم ) أعمّ من أن يكون المعتدي من أهل الأمانة، أم لا .

ص: 284


1- . التهذيب : 6 / 348 ح 981 ؛ الاستبصار : 3 / 52 ح 172 ؛ الوسائل : 17 / 273 ح 22501.
2- . انظر إختيار معرفة الرجال : 2 / 830 .
3- . النساء : 58 .
4- . البقرة : 194.

فالواجب عند تعارض الأدلّة الرجوع إلى الترجيح، و هو مع القول الأوّل للشهرة ؛ والظاهر أنّها مرجّحة ولو كان المتعارضان من الكتاب .

و منه يظهر الجواب عن النصوص الآمرة بردّ الأمانات بالعموم، مضافًا إلى أنّ شرط العمل بالعامّ فَقْد الخاصّ المعارض له، و قد عرفته و هو ما ذكرناه من النصوص الدالّة على جواز أخذ الحقّ من الوديعة لو جحد صاحبها عن الحقّ .

و أمّا عن النصوص الخاصّة، فأقول : الّذي ظفرنا منها أحسنها من حيث الدلالة هو ما ذكرناه من الحديثين، فالجواب عنهما أمّا عن الثاني منهما فلأنّه مطلق، إذ لم يذكر فيه أنّ صاحب الأمانة جحد حقّها .

و غاية ما ذكر فيها أنّه أتلف المال، و معلوم أنّ إتلاف المال لا يستلزم إنكاره، فهو أيضًا من النصوص المطلقة يجب تقييدها بما إذا لم يجحد الحقّ، لما مرّ من النصوص الخاصّة .

أمّا عن الأوّل منهما فقد أجيب عنه بالحمل على الكراهة (1) .

و فيه نظر، لأنّ سؤال الراوي : « ألِي أن آخذ »، و جوابه (عليه السلام) بلا، لا يساعده، لأنّ سؤاله في الجواز و معنى « ألي أن آخذ » أي : أيجوز لي أن آخذ ؛ و جوابه (عليه السلام) بلا بمنزلة أن يقول : لا يجوز . و معلوم أنّ نفي الجواز يستلزم نفي الكراهة .

فالحقّ في الجواب أن يقال : إنّه معارض بأمر من الأدلّة الخاصّة الدالّة على جواز المقاصّة في تلک الصورة، فالتعارض بينهما من قبيل تعارض النصّين،

ص: 285


1- . أجاب عنه في المختلف : 8 / 378 .

فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو معنا، لأكثريّة عدد تلک النصوص و موافقتها بعمل المشهور .

و به يجاب عن الإجماع المنقول عن الغنية، فلا يبقى من أدلّة المنع ما يدلّ على الكراهة، فضلاً عن الحرمة، لكن قلنا بالكراهة، لما مرّ من الاتّفاق على المرجوحيّة في الجملة ؛ على أنّه يكفي في إثباتها قولُ فقيهٍ بها، للتسامح في أدلّتها.

فالحقّ في المسألة السابقة و في هذه المسألة : جواز المقاصّة .

لا يشترط في جواز المقاصّة كون المقتصّ منه

لكن هل يشترط في جوازها كون المقتصّ منه من جنس الحقّ، أم لا، بل يجوز ولو كان من غير جنسها ؟

مقتضى النصوص المتقدّمة الثاني، لترک الاستفصال بين كون المال من جنس الحقّ و غيره، بل صريح جملة منها حيث سئل عن الجارية والدابّة، و أمر المعصوم (عليه السلام) بأخذ المال في المسألة السابقة، و كذا في هذه المسألة كما في رواية عليّ بن سليمان، و هي هذه : رجل غصب رجلاً مالاً أو جارية، ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعة، الحديث (1) .

ص: 286


1- . التهذيب : 6 / 349 ح 985 ؛ الاستبصار : 3 / 53 ح 173 ؛ الوسائل : 17 / 275 ح 22507 .

قال في الكفاية :

ولو كان المال من غير جنس الموجود جاز أخذه بالقيمة، و يسقط اعتبار رضى المالک . و يتخيّر عند الأصحاب بين أخذه بالقيمة و بين بيعه و صرفه في جنس الحقّ، و يستقلّ بالمعاوضة، إنتهى (1) .

يجوز الأخذ من غير جنس الحقّ و لو مع التمكّن من جنسه

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق جماعة من الأصحاب و جملة من النصوص المتقدّمة جواز الأخذ من غير جنس الحقّ و لو مع التمكّن من جنسه، خلافًا للشهيدين وبعض محقّقي المتأخّرين (2) ، فاشترطوا في جواز الأخذ من غير الجنس عدم التمكّن من جنسه، و هو تقييد للدليل من غير دليل وإن كان أحوط .

ثمّ لو أخذ المال الغير المجانس لحقّه لايخلو إمّا أن يكون أخذه لنفسه، بمعنى أنّه أخذه في مقابلة ماله، أو أخذه ليبيع و يصرف القيمة في حقّه .

و على الأوّل لو تلف المال قبل البيع كان ذلک منه و براء ذمّة الغريم من حقّه، ولا يجوز له المقاصّة بعد ذلک .

و على الثاني لو تلف قبله هل يكون ضامنًا، أم لا ؟

ص: 287


1- . كفاية الأحكام : 2 / 724 .
2- . الدروس : 2 / 85 ؛ المسالک : 14 / 74 ؛ الرياض : 13 / 168 .

فيه قولان، أحدهما : عدم الضمان، و هو المنقول عن الشيخ حيث قال :

الأليق بمذهبنا أنّه لا يضمنها (1) .

واختاره في المسالک (2) .

والقول الآخر : الضمان، واختاره في الشرائع والقواعد والإيضاح (3) ، لأنّه قبضه لمصلحة نفسه، كما إذاقبض الرهن من غير إذن الراهن، فيصدق عليه أنّه تصرّف في ملک الغير من غير إذن الصاحب، فكان ضامنًا .

و فيه نظر، لأنّه وإن كان تصرّفه من غير إذن المالک، لكنّه بإذن الشارع، و إذن الشارع أقوى من إذن المالک ؛ و حمل ذلک على الرهن قياس لا نقول به، على أنّه قياس مع الفارق، لحصول الإذن من الشارع هنا بخلاف الرهن .

فالأقرب هو : القول الأوّل، سيّما بعد نسبته الشيخ إلى مذهبنا .

و هل يختصّ الحكم فيما إذا كان المقبوض بقدر الحقّ، أي : لم يكن زائدًا عليه، أو يعمّه والزائد أيضًا ؟

أقول : المقبوض الزائد على الحقّ لايخلو إمّا كان ممّا يمكن أخذ قدر الحقّ منه، أم لا ؛ و إن كان من القبيل الأوّل فينبغي القطع بضمانه للزائد، لأنّه تصرّف في ملک الغير من غير الإذن، لا من الشارع و لا من المالک .

ص: 288


1- . نقله عنه في الشرائع : 4 / 896 ؛ وانظر المبسوط : 8 / 311 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 75 .
3- . الشرائع : 4 / 896 ؛ القواعد : 3 / 448 ؛ الإيضاح : 4 / 347 .

أمّا الثاني، فواضح ؛ و أمّا الأوّل فلأنّ الشارع جوّز له الأخذ بقدر ماله دون الزائد، بل نهاه عنه كما عرفت، فيكون ضامنًا .

وإن كان من القبيل الثاني - أي كان المال ممّا لم يمكن أخذ الحقّ منه إلّا على قبض جميعه - فيحتمل عدم الضمان أيضًا .

و كيف كان و ثمرة القولين تظهر فيما لو تلف المال قبل البيع، فإنّه على القول الأوّل غير ضامن، بل له الأخذ من ماله بقدر حقّه إذا تمكّن إذا كان المال التالف بقدر حقّه، أو زائدًا عليه، لكن يمكن أخذه من غير أخذ الزائد بناءً على الاحتمال المذكور؛ و على القول الثاني فيتقاصّان كلّ ممّا على ذمّة الآخر، و على ذي الفضل دفع الفاضل .

إذا وجد مال في حضور جماعة وادّعى
واحد منهم أنّه له من أن ينازعه غيره، حكم له

51- مسألة

اشارة

إذا وجد مال في حضور جماعة و لا يد لأحدهم عليه وادّعى واحد منهم أنّه له ولا ينازعه غيره، حكم بأنّ المال له من غير شهادة ولا يمين .

و من هذا القبيل ما لو وجد كيس بحضرة جماعة لابدّ لأحد منهم عليه وادّعى واحد أنّه له و لا ينازعه غيره، فيحكم بأنّه ماله ولا يطلب منه البيّنة ولا اليمين .

ص: 289

أمّا عدم اليمين فواضح، فلأنّها حقّ المنكر، وأمّا عدم طلب البيّنة فلأنّها لقطع النزاع و لا نزاع هنا .

والأصل في المسألة بعد ما ذكر من الاعتبار موثّقة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: عشرة كانوا جلوسًا و وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضًا : ألكم هذا الكيس ؟ فقالوا كلّهم : لا، فقال واحد (1) منهم : هو لي،فلمن هو ؟ قال : للّذي ادّعاه (2) .

و لأنّ هذا مال لابدّ له من صاحب، والحاضرون كلّهم مقرّون بعدم كونه لهم غيره، فينبغي أن يكون له، إذ هو أولى من الغير، لادّعائه ذلک، والأصل في أفعال المسلمين حملها على الصحّة، و كذا في أقوالهم .

لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله
و ما أخرجه الغوّاص بعد يأس أهله عنه فهو لهم

52- مسألة

اشارة

لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله و أصحابه، و ما أخرجه الغوّاص فهو لهم، هكذا قيل (3) .

ص: 290


1- . في التهذيب : للواحد .
2- . الكافي : 7 / 422 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 292 ح 810 ؛ الوسائل : 27 / 273 ح 33758 .
3- . قائله الكيدريّ في إصباح الشيعة : 248 ؛ ولاحظ البحث في السرائر : 2 / 195 ؛ والمختصر النافع : 277 ؛والشرائع : 4 / 896 ؛ والإرشاد : 2 / 143 ؛ والقواعد : 3 / 449 ؛ والتنقيح : 4 / 271 ؛ والمسالک : 14 /77 ؛ وكفاية الأحكام : 2 / 724 ؛ وكشف اللثام : 10 / 136 ؛ والرياض : 13 / 175 .

و المستند رواية الشعيريّ قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص و أخرج البحر بعض ما غرق فيها، فقال : أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله الله أخرجه لهم، و أمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم و هم أحقّ به (1) .

و لا يخفى أنّ الأصل عدم تملّک أحد لشيء إلّا بممّلِک، و كذا الأصل عدم خروج الملک عن تحت يد المالک والانتقال إلى الغير .

فعلى هذا، الحكم بخروج المال عن تحت يد المالک وانتقاله إلى ملک الغوّاص بمجرّد غرق السفينة في البحر غير جائز، إلّا بدليل يصحّ معه الخروج عن مقتضى الأصل، إذ لم يثبت أنّ غرق السفينة من المملّكات، فلا فرق في ذلک بين إعراض المالک عنه، أم لا ؛ و لا يأسه عنه، أم لا .

والرواية المزبورة وإن دلّت على الإطلاق على أنّ ما أخرجه الغوّاص فهو لهم، إلّا أنّها ضعيفة، لأنّ في سندها أميّة بن عمر، أو عمرو على اختلاف النسخة، و هو واقفيّ ؛ والشعيريّ الظاهر أنّه إسماعيل بن أبي زياد السكونيّ، و هو عاميّ، فلا تعارض بها الأصول المقطوعة، لكن صرّح في الكفاية باشتهار مضمونها بين الأصحاب حيث قال :

ص: 291


1- . التهذيب : 6 / 295 ح 822 ؛ الوسائل : 25 / 455 ح 32343 ؛ عوالي اللّألئ : 3 / 523 ح 23 .

لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله، و ما هو (1) أخرج بالغوص فهو لمخرجه على الأشهر عند الأصحاب، و مستنده رواية الشعيريّ (2) .

و ذكر الرواية .

و في المسالک بعد حكم المحقّق بضعف سند الرواية :

و لا يلزم من حكم المصنّف بضعف سندها ردّ حكمها، لأنّه كثيرًا ما يجبر الضعف بالشهرة و غيرها، والأمر في هذه كذلک، إنتهى (3) .

فعلى هذا الرواية وإن كانت ضعيفة، إلّا أنّها منجبرة بالشهرة المحكيّة، فيخصّص بها الأصول المزبورة .

وابن إدريس حملها في صورة اليأس على ما نقل من أنّه قال :

وجه الفقه في هذا الحديث : أنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه و ما تركه أصحابه، آيسين منه، فهو لمن وجده و غاص عليه، لأنّه صار بمنزلة المباح، و مثله من ترک بعيره من جهد (4) في غير كلاء و لا ماء، فهو لمن أخذه، لأنّه خلاه آيسًا منه و رفع يده عنه، فصار مباحًا، و ليس هذا قياسًا، لأنّ مذهبنا ترک القياس، وإنّما هذا على جهة المثال، والمرجع

ص: 292


1- . « هو » لم يرد في المصدر .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 724 .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 77.
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : الجهد المشقّة .

فيه إلى الإجماع، و تواتر النصوص، دون القياس والاجتهاد، و على الخبر (1) إجماع أصحابنا منعقد (2) .

و عن أبي العبّاس في مقتصره : تنزيل الرواية في صورة اليأس أيضًا (3) .

و في القواعد و المسالک : تنزيلها في صورة إعراض المالک (4) .

و الفرق بينهما يظهر في الأشياء الّتي لا ييأس عنها، لكن أعرض عنها .

و يظهر من المحقّق في النافع والشرائع التأمّل في أصل المسألة (5) ، و هو في محلّه لو لم نقل بجبر الرواية بالشهرة المنقولة والإجماع الّذي ادّعاه ابن إدريس .

لو قال المنكر : إنّ المدّعي حلّفني و طلب إحلافه

53- مسألة

اشارة

لو قال المنكر : إنّ المدّعي حلّفني مرّة، و أنكر المدّعي ذلک و طلب إحلافه عليه، هل يسمع أم لا ؟

ص: 293


1- . في المصدر : الخبرين .
2- . انظر السرائر : 2 / 195 .
3- . المقتصر : 380 ؛ و نقله عنه في الرياض : 13 / 176 .
4- . القواعد : 3 / 449 ؛ المسالک : 14 / 77 .
5- . انظر المختصر النافع : 277 ؛ والشرائع : 4 / 896 .

الظاهر لا، لما عرفت سابقًا من النصوص الكثيرة على النهي من الإحلاف، ولم يقم لنا دليل على جواز إحلاف كلّ منكر بأيّ إنكار كان حتّى يخصّص تلک النصوص الناهية، لما عرفت من ورود النصوص المتقدّمة في الحقّ حيث سئل عن رجل يدّعى عليه الحقّ، و هكذا .

نعم، ورد بعض النصوص مطلقًا، لكن المتبادر هو الحقّ .

إن قلت : التبادر إنّما ينفع في المطلقات، لا في العامّ، و قوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي واليمين على مَن أنكر » (1) يفيد العموم، لأنّ « مَن »الموصولة من أدوات العموم، فيدلّ على أنّ اليمين على كلّ منكر، و من جملته ما نحن فيه، فيحكم عليه بالحلف .

قلت : لفظ « مَن » و إن كان من أدوات العموم، لكن المتبادر من الإنكار في قوله (عليه السلام): « مَن أنكر » غير ما نحن فيه، فلا يجدى فيه عموم الموصول، لأنّ عمومه بالنسبة إلى المفهوم من صلته، و قد عرفت أنّ المتبادر منها غير ما نحن فيه، فلاينصرف إليه .

نعم، لو دلّ دليل على أنّ اليمين على كلّ منكر بأيّ إنكار كان، كان ذلک نافعًا لنا في المقام، لكن أنّى لنا بإثبات ذلک .

فمعنى قوله : « إنّ اليمين على مَن أنكر » أنّ اليمين على كلّ مَن أنكر،والمتبادر

ص: 294


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

من الإنكار غير الإنكار الّذي كلامنا فيه، فيصير الحديث بالنسبة إليه مجملاً، و مع الإجمال لا يجوز تخصيص النصوص الناهية .

إذا علمت ذلک نقول : إن أقام المنكر البيّنة على أنّ المدّعي حلّفه فهو، و إلّا فيحكم عليه بالحلف .

إلّا أن يقال : إنّه لو لم يحكم بحلف المدّعي لأدّى ذلک إلى ضرر بالنسبة إلى المنكر، إذ للمدّعي حينئذٍ أن يرفعه عند كلّ حاكم و يحلّفه، و يلزم من ذلک عليه عُسر شديد، لكن يمكن التخلّص عنه بإقامة البيّنة، أو العرض إلى الحاكم الأوّل .

و على فرض تسليم عدم تمكّن شيء منهما و لا من غيرهما إذا سلّمنا حصول الضرر أيضًا نقول : ينبغي الاقتصار حينئذٍ في إحلاف المدّعي بما يرفع معه الضرر، لا مطلقًا، و الكلام فيه .

لو ادّعى جماعة و كان لهم شاهد، لابدّ لحلف الجميع

54- مسألة

اشارة

إذا ادّعى جماعة على خصمهم مالاً و كان لهم شاهد واحد على دعواهم، يتوقّف استحقاقهم للمدّعى به على حلف كلّ واحد منهم، لأنّ الأصل براءة ذمّة المدّعى عليه و عدم اشتغالها بما ادّعى عليه، فالحكم عليه بشيء خلاف الأصل .

و أيضًا الأصل عدم استحقاق المدّعي للمدّعى به و عدم تسلّطه على المدّعى

ص: 295

عليه، لأنّ كلاًّ منهما أمر حادث ؛ و معلوم أنّ كلّ حادث مسبوق بالعدم .

و أيضًا الأصل براءة ذمّة الحاكم عن وجوب الحكم على المدّعى عليه ولو كان بعد التماس المدّعي، فالحكم باشتغال ذمّة المدّعى عليه بما ادّعى عليه واستحقاق المدّعى به و تسلّطه عليه و وجوب الحكم على الحاكم خلافٌ للأصول المقطوعة .

و قد عرفت مرارًا أنّ الاقتصار فيما خالف الأصل على الموضع المتيقّن واجب، و هو ما إذا حلف كلّ واحد منهم بعد إقامة الشاهد، فلا يكفى للحكم باستحقاقهم للمدّعى به حلف بعض دون آخر .

و للنصوص المستفيضة، منها : الصحيح المرويّ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: كان رسول الله (صلي الله عليه واله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين، و لم يجز (1) في الهلال إلّا شاهدي عدل (2) .

و منها : الموثّق المرويّ عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ و له شاهد واحد ؟ قال : فقال : كان رسول الله (صلي الله عليه واله) يقضي بشهادة شاهد واحد (3) مع يمين صاحب الحقّ (4) .

و منها : الصحيح المرويّ عن حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)

ص: 296


1- . في الكافي : ولم يكن يجيز . و في الاستبصار : ولا يجيز .
2- . الكافي : 7 / 386 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 740 ؛ الاستبصار : 3 / 32 ح 108 ؛ الوسائل : 27 / 264ح 33732 .
3- . في الاستبصار : بشهادة واحد ؛ و في التهذيب : بشاهد واحد .
4- . الكافي : 7 / 385 ح 3 ؛ الاستبصار : 3 / 32 ح 109 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 742 ؛ الوسائل : 27 / 265ح 33736 ؛ و للحديث تتمّة و هي : « و ذلک في الدين ».

يقول: كان عليّ (عليه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل و يمين المدّعي (1) .

و منها : الصحيح المرويّ عن أبي مريم - الظاهر أنّه عبد الغفّار بن القاسم الأنصاريّ الثقة - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أجاز رسول الله (صلي الله عليه واله)شهادة شاهد مع يمين صاحب (2) الحقّ (3) .

و منها : الصحيح المرويّ عن منصور بن حازم عنه (عليه السلام)أيضًا أنّه قال: كان رسول الله (صلي الله عليه واله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ (4) .

وجه الاستدلال هو : أنّ النصوص المذكورة و غيرها تدلّ على أنّهم (عليهم السلام) أجازوا في الحقّ شهادة شاهد واحد و يمين المدّعي، فالحكم بشهادة شاهد واحد من غير يمين المدّعي غير جائز .

لما عرفت من النصوص المذكورة أنّهم أجازوا الحكم مع يمين المدّعي، والمدّعي قد يكون واحدًا، فيكتفى بيمينه مع شهادة شاهد واحد، و قد يكون متعدّدًا، فيتوقّف الحكم بالاستحقاق على يمين الجميع مع شهادة شاهد واحد، لأنّ المدّعي حينئذٍ هو الجميع .

فالحكم باستحقاق الجميع يتوقّف على حلف الجميع، فلو حلف بعض منهم

ص: 297


1- . الكافي : 7 / 385 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 33 ح 111 ؛ التهذيب : 6 / 275 ح 749 ؛ الوسائل : 27 / 265ح 33734 .
2- . في المصدر : يمين طالب الحقّ إذا حلف أنّه حقّ .
3- . الاستبصار : 3 / 33 ح 115 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 744 ؛ الوسائل : 27 / 267 ح 33740 .
4- . الكافي : 7 / 385 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 33 ح 113 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 741 ؛ الوسائل : 27 / 264ح 33733 .

دون آخر و حكم للجميع بأخذ الحقّ يصدق بالنسبة إلى غير الحالف أنّه حكم له باستحقاق الحقّ من غير حلف المدّعي، لأنّ المفروض أنّه مدّع و لم يحلف، كما أنّه يصدق بالنسبة إلى الحالف حينئذٍ أنّه حكم له باستحقاق الحقّ مع حلف المدّعي ؛ ولهذا قالوا : إنّه لو حلف بعض منهم دون الآخر ثبت نصيبه دون نصيب الممتنع .

و بما ذكرنا ظهر لک الوجه في أصل المسألة من استحقاقهم مع شهادة شاهد واحد و حلف الجميع للحقّ، و كذا في توقّف الحكم باستحقاق الجميع على حلف الجميع من الأصول والنصوص على ما مرّ .

مضافًا في الأخير، و هو توقّف الحكم باستحقاق الجميع على حلفهم أنّه لو ثبت حقّ الجميع بحلف البعض يلزم الحكم بثبوت حقّ الغير بحلف الغير، و سيجيء إن شاء الله تعالى أنّ الحلف لا يثبت إلّا حقّ الحالف .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّ من أفراد المسألة ما لو ادّعى الورثة لمورّثهم مالاً على آخر و لهم على ذلک شاهد واحد، فإذا أقاموه و حلفوا جميعًا استحقّوا المال، فيقسم بينهم على حسب سهامهم ؛ وإن لم يحلفوا لم يحكم لهم بشيء وإن حلف بعضهم دون آخر حكم للحالف دون غيره، فلا يشاركه في حصّته .

و هكذا لو كان دعوى الجماعة في وصيّة و كان لهم على الدعوى شاهد واحد إذا حلفوا جميعًا بعد إقامة الشاهد استحقّوه، فيقسمون بينهم بالسويّة، إلّا إذا ثبت تفضيل الموصي بعضهم على بعض في ذلک، فبحسب الوصيّة .

وإن امتنعوا من الحلف لم يستحقّوا شيئًا، وإن اختلفوا في الحلف بأنّ حلف

ص: 298

البعض دون الآخر استحقّ الحالف نصيبه دون الممتنع، ولم يشاركه في ذلک .

هذا إذا كان كلّهم متمكّنين من الحلف، و أمّا إذا لم يكن كذلک - كأن يكون بعض منهم صغيرًا أو مجنونًا مثلاً - فهناک يحلف المتمكّن و يبقى الباقي إلى أن يصلح لذلک، ثمّ بعد الصلاحيّة إن حلف فهو، وإلّا فلم يستحقّ شيئًا ولا يشارک ما حلف عليه غيره و أخذه .

الفرق بين ما أخذ بعض الورثة
المال بيمين و شاهد و بغيرهما

و في المقام إشكالٌ، و هو : أنّه من المسلّم أنّه لو ادّعى واحد من الورثة على آخر مالاً و ذكر سببًا موجبًا لاشتراک غيره من الورثة معه فيه، شاركه غيره فيما وصل إليه من الحقّ، فينبغي أن يكون ما نحن فيه أيضًا كذلک بأن يشارک غير الحالف معه فيما أخذه .

والجواب عنه هو : انّ بين المقامين فرقًا، بيانه هو : أنّ المدّعي فيما نحن فيه لمّا كان جميعهم و كان لهم شاهد، جعل الشارع استحقاق كلّ واحد منهم لحصّته موقوفًا على حلفه، والمفروض أنّ بعضهم حلف فاستحقّ حصّته، و بعض آخر ترک فلم يستحقّ حصّته، فعدم استحقاقه لحصّته إنّما هو لنكوله عن اليمين الّتي توقّف استحقاقه لحصّته بها .

ص: 299

و أمّا الحالف فإنّ الشارع جعل ما أخذه بحلفه حينئذٍ حصّة له، فاشتراک غيره معه في حصّته الّتي استحقّ بها باليمين يحتاج إلى دليل ؛ و كون أصل الدعوى إرثًا مثلاً لا يقتضي التشريک فيما وصل إليه حينئذ، لما عرفت من أنّ نكول الناكل عن الحلف سلب الاستحقاق عنه، و يمين الحالف جعلت ما وصل إليه حقًّا له .

هذا مع أنّه لو اشترک مع الحالف فيما وصل إليه بحلفه يلزم استحقاقه للمال بحلف الغير، و سيجيء أنّه غير جائز .

و أمّا في المثال المفروض فليس الأمر كذلک بالضرورة، لأنّ المدّعي فيه واحد ولم يتوقّف وصول الحقّ هناک إلى حلف غير المدّعي إن احتيج إلى اليمين حتّى يسقط حقّ غير الحالف .

واستحقاق غير المدّعي للمال ليس بحلف المدّعي حتّى يلزم استحقاق غير الحالف للحقّ بحلف الحالف، بل بإقراره بالسبب الموجب لاشتراک غيره معه في الحقّ المدّعى، ولهذا اشترک غيره معه فيما وصل إليه .

و هكذا فيما إذا كان المدّعي جميعًا، لكن أخذ المال كلاًّ أو بعضًا واحد منه لا بالشاهد واليمين، بل بنحو آخر، فإنّ غير الآخذ حينئذٍ يشترک معه فيما وصل إليه ولو كان بقدر حصّته بالنسبة إلى جميع المال، لأنّ مقتضى اشتراكهم ثابت والمانع عنه مفقود .

وفرّق بعضهم (1) بين المقامين باختصاص ما نحن فيه بما إذا كان المدّعى به

ص: 300


1- . روضة الطالبين : 8 / 254 ؛ وانظر مسالک الأفهام : 13 / 518 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 711 .

دينًا والمثال المفروض بما إذا كان عينًا، نظرًا إلى اشتراک عين التركة بين الورثة، وحيث اعترف بذلک لزم عليه التشريک، بخلاف الدين، فإنّه يتعيّن بالتعيين والقبض .

و لا يخفى أنّ هذا مبنيّ على القول بعدم مشاركة الشريک في الدين فيما قبضه الآخر، و أمّا على القول بالمشاركة فلا، فالأولى ما ذكرناه .

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو إذا لم يحلف بعض من الورثة مطلقًا، و أمّا إذا حلف الجميع، فحينئذٍ لايخلو إمّا أن يحلفوا دفعة، فاستحقّوا المال دفعة، فلكلّ نصيبه، فلا ثمرة حينئذٍ لاشتراک بعض على آخر في حصّته، أم لا .

و أمّا لو حلف بعضهم بعد حلف الآخر، سواء كان البعض غير متمكّن من الحلف في ذلک الوقت - كما إذا كان صغيرًا مثلاً - أو متمكّنًا، فهل يشترک المتأخّر في الحلف مع المتقدّم فيه فيما وصل إليه، أم لا ؟

الظاهر لا، و يظهر وجهه ممّا قدّمناه، و تظهر الثمرة في النماء المتجدّد قبل يمين الآخر.

و فصّل العلّامة وابنه في المولى عليه - كالصبيّ والمجنون - بأنّه إن كمل وحلف له شركه فيما قبضه الحالف أوّلاً، و إلّا فلا (1) .

ص: 301


1- . قواعد الأحكام : 3 / 450 ؛ إيضاح الفوائد : 4 / 350 .

فروعٌ

{ الفرع الأوّل }

لو لم يحلف بعض الورثة واتّفق موته
لوارثه أن يحلف و يأخذ حصّته

الأوّل : لو لم يحلف بعض المدّعي من الورثة، سواء كان غير متمكّن من الحلف، أو متمكّنًا، لكن لا من حيث نكوله عن اليمين، ثمّ اتّفق موته، لوارثه أن يحلف فيستحقّ حصّته ؛ و هل يجب عليه حينئذٍ إقامة الشاهد ثانيًا، أو يكتفى بالشاهد الّذي أقامه مورّثه ؟

أقول : الوارث لايخلو إمّا أن يكون هو الّذي أقام الشاهد مع مورّثه، كما إذا كان أخًا له مثلاً ؛ أو لا، كما إذا كان ابنًا له مثلاً .

والأوّل لا يبعد الاكتفاء بذلک الشاهد و عدم الاحتياج إلى إقامته مرّة أخرى، بل يحلف و يأخذ الحقّ .

ص: 302

والثاني لا يبعد عدم الاكتفاء بذلک فيه، لأنّ المتبادر من الحكم بشاهد و يمين هو ما إذا كان الحالف هو مقيمًا للشاهد .

و يمكن أن يقال بعدم الاكتفاء بتلک الإقامة مطلقًا ولو كان الوارث هو الأوّل، لأنّ الحكم بشاهد و يمين خلاف الأصل، يقتصر على الموضع المتيقّن، و هو ما إذا كان الحالف أقامه للحقّ الّذي يأخذه، لكونه المتيقّن من النصّ دون غيره، وفاقًا لفخر المحقّقين في الإيضاح (1) .

فعلى هذا يشكل الحكم فيما لو مات الشاهد، أو لم يمت لكن لا يمكن إحضاره .

لو اتّفق موت الحالف قبل الاستيفاء
كان المحلوف عليه لوارثه

{ الفرع الثاني }

الثاني: لو حلف بعض المدّعي واتّفق موته قبل الاستيفاء، لوارثه استحقاق المحلوف عليه، سواء كان ابنه، أو أخاه الّذي كان مدّعيًا معه .

والثاني أعمّ من أن يكون ممّن حلف على أصل الدعوى فاستحقّ حصّته، أم لا،

ص: 303


1- . إيضاح الفوائد : 4 / 349 .

سواء كان عدم الحلف للنكول، أم لا، إلّا إذا كذب مورّثه في أصل الدعوى، فحينئذٍ لا يجوز له أن يأخذ ما حلف عليه مورّثه، لعلمه بعدم استحقاق مورّثه لذلک، فعدم استحقاقه بطريق أولى .

لو نكل المدّعي من الحلف لم يجز لوارثه المطالبة

{ الفرع الثالث }

الثالث : لو لم يحلف بعض المدّعي من الورثة و كان عدم حلفه للنكول لايجوز لوارثه بعد موته المطالبة بالدعوى والحلف، لأنّ نكول موّرثه من الحلف قد أسقط دعواه، و بعد سقوطها كيف يجوز المطالبة ؟!

و يطّرد الحكم في كلّ ناكل من اليمين، لكن إثبات ذلک من حيث الدليل مشكل، لأنّ النصّ ورد في أنّ المنكر لو ردّ اليمين على المدّعي ولم يحلف لا حقّ له ؛ والمقام ليس كذلک، إلّا أن يتمسّک بتنقيح المناط إن تحقّق المنقّح، و هو غير معلوم، فالحكم بسقوط الدعوى بالنكول في غير صورة الردّ مشكل .

لا يجوز اليمين لإثبات مال الغير

55- مسألة

اشارة

لا يجوز اليمين لإثبات مال الغير، فلا يجوز للوكيل والوصيّ أن يحلفا إذا ردّ

ص: 304

إليهما لإثبات ما وكّل أو وصّى عليه، لأنّه لغيرهما (1) .

و كذا لو ادّعى غريم الميّت دينًا له على آخر و كان له شاهد واحد، فلا يجوز له أن يحلف وإن كان الدين مستوعبًا للتركة، لأنّ مال الميّت حينئذٍ إمّا أن ينتقل إلى الوارث، أو يبقى على حكم مال الميّت ؛ و على التقديرين حلف الغريم لإثبات مال الغير، فلا يكون جائزًا .

و كذا لو ادّعى رهنًا أنّه للراهن و أقام شاهدًا واحدًا عليه، فلا يجوز له أن يحلف، لأنّ حلفه حينئذٍ لإثبات مال الغير، بل لابدّ في الأخير من حلف الراهن وفي دعوى مال الميّت من حلف الوارث (2) .

والدليل في المسألة الأصل، تقريره هو : أنّه لا شکّ أنّ الأصل في كلّ من ادّعى عليه براءة ذمّته عمّا ادّعى عليه و عدم اشتغالها به، فالحكم باشتغال ذمّته بشيء خلاف الأصل، يحتاج إلى دليل و موجب، لأنّ مخالفة الأصل من غير دليل غير جائز.

و ليس لنا دليلٌ يدلّ على أنّ كلَّ حلفٍ بأيّ حالف كان حجّة موجبٌ لإثبات المال، بل المتيقّن من الأدلّة هو أنّ الحلف إنّما يصير موجبًا لإثبات الحقّ إذا كان من مستحقّه، لا غير ؛ و معلوم أنّ الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن واجب.

ص: 305


1- . لاحظ المسألة في الشرائع : 4 / 882 ؛ والقواعد : 3 / 450 ؛ والدروس : 2 / 95 ؛ والمسالک : 13 /516؛ و كشف اللثام : 10 / 141 ؛ و رياض المسائل : 13 / 147 .
2- . جاء في حاشية الأصل : هذا على القول بالانتقال إلى الوارث واضح، و أمّا على الاحتمال الآخر فحلفالوارث أيضًا يكون لإثبات مال الغير لا سيّما في صورة استيعاب الدين ؛ منه .

والعمومات الدالّة على عدم جواز اليمين من الكتاب و السنّة، و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة ؛ والتخصيص إنّما ثبت بالإجماع، والنصوص فيما إذا كان الحالف مستحقًّا للمال و صاحبه، لا غير، فبقي الباقي داخلاً تحت العمومات الناهية عن الحلف، و من جملته ما نحن فيه .

و لأنّ الأصل عدم حجّية شيء إلّا ما ثبت، لأنّ كون الشيء حجّة أمر وضعيّ يحتاج إلى دليل، ولم يثبت حجّيّة الحلف إلّا إذا كان الحالف الّذي ذكرناه .

هذا كلّه بالنسبة إلى غير الحاكم من الحالف و المدّعى عليه، وأمّا بالنسبة إليه فنقول: لا شبهة في أن الأصل براءة ذمّته من وجوب الحكم بين المتخاصمين، بل الأصل عدم جواز ذلک أيضًا، لأنّ الحكم بانتقال المال عمّن في يده إلى غيره وكذا تسليط أحد على آخر غير جائز، إلّا ما دلّ الدليل عليه، و هو إنّما يكون إذا كان الحالف ممّن ذكرناه، لا غير .

و أيضًا جعل الشارع البيّنة حقًّا للمدّعي واليمين حقًّا للمدّعى عليه في النصوص المستفيضة الّتي تقدّم إلى بعضها الإشارة، فالحكم باليمين على المدّعي غير جائز، إلّا فيما ثبت، و ليس ما نحن فيه من ذلک .

و إن أردت صدق ما ادّعيناه في هذا المقام فاعلم : أنّه موقوفٌ على ملاحظة النصوص الواردة في حلف المدّعي، فها أنا أذكرها ليظهر لک حقيقة الحال و ضعف ما ذكره من المناقشة بعض المتأخّرين من الأخيار في بعض ما مرّ على أصحابنا العلماء الأبرار - عليهم رحمة الله العزيز الغفّار إلى يوم يتميّز فيه الحقّ للمنافقين والفجّار .

ص: 306

فأقول : من النصوص صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن أحدهما (عليهماالسلام): في الرجل يدّعي و لا بيّنة له، قال : يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلايحلف (1) فلا حقّ له (2) .

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة في الحسن، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل يدّعى عليه الحقّ و لا بيّنة للمدّعي، قال: يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ له (3) .

و منها : المرسل المرويّ عن أبان، عن رجل، عنه أيضًا : في الرجل يدّعى عليه الحقّ و ليس لصاحب الحقّ بيّنة، قال: يستحلف المدّعى عليه، فإن أبى أن يحلف وقال : أنا أردّ اليمين عليک لصاحب الحقّ، فإنّ ذلک واجب على صاحب الحقّ أن يحلف و يأخذ ماله (4) .

و منها : مرسلة أخرى عن يونس، عمّن رواه قال : استخرج (5) الحقوق بأربعة وجوه : شهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان، فإن لم يكن (6) امرأتان فرجل و يمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف ردّ اليمين على المدّعي، و هي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ

ص: 307


1- . في المصدر : فلم يحلف .
2- . الكافي : 7 / 416 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 557 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33679 .
3- . الكافي : 7 / 416 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 556 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33680 .
4- . الكافي : 7 / 416 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 561 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33683 .
5- . في الكافي : استخراج .
6- . في المصدر : فإن لم تكن .

حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شيء عليه (1) .

و منها : ما رواه أبوالعبّاس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أقام الرجل البيّنة على حقّه فليس عليه يمين، فإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الّذي ادّعي عليه اليمين، فإن أبى أن يحلف فلا حقّ له (2) .

لا يحلف الوكيل والوصىّ، و بالجملة غير صاحب الحقّ

و لا يخفى عليک أنّ هذه النصوص دالّة على جواز ردّ الحلف على المدّعي، فبها يخصّص ما مرّ من الأصول والعمومات، لكن بحسب موردها .

و معلوم أنّ مورد الجميع فيما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ، فلا تشمل الوكيل والوصيّ، فتبقى الأصول والعمومات المتقدّمة بالنسبة إليهما سالمة عمّا يصلح للتخصيص .

أمّا كون مورد النصوص المذكورة في صاحب الحقّ فواضح بالنسبة إلى الثلاثة الأُوَل من تلک النصوص، لقوله (عليه السلام) : « فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ » في الأوّلين منها، و أمّا الثالث فأوضح منهما .

و أمّا كون مورد الباقيين ذلک، فلقوله (عليه السلام) في الأوّل منهما : « فإنّ ذلک على المدّعي أن يحلف و يأخذ حقّه » ؛ والثاني منهما : « فإن أقام الرجل البيّنة على حقّه ».

ص: 308


1- . الكافي : 7 / 416 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 562 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33682 .
2- . الكافي : 7 / 417 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 563 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33686 .

و معلومٌ أنّ كلاًّ من الوكيل والوصيّ ليس الحقّ المدّعى من حقّهما، بل من حقّ الغير، فلا تشمل النصوص المذكورة لهما، فلا يجوز حلفهما عملاً بما تقدّم من الأصول والعمومات .

بل يمكن أن يقال بدلالة بعض من تلک النصوص على عدم جواز حلفهما وحلف غيرهما إذا لم يكن مالكًا للحقّ المدّعى .

و ذلک من وجهين، أحدهما : من جهة أنّ الراوي سأل في أكثرها عن الرجل يدّعي و لا بيّنة له، و هو أعمّ من أن يكون صاحبًا للحقّ و أقام البيّنة على حقّه، أم لا ؛ و عدول المعصوم (عليه السلام) في الجواب بالإطلاق إلى الجواب بصاحب الحقّ قرينة على عدم اشتراک غيره معه في الحكم، وإلّا لكان الجواب بالإطلاق أنسب بأن يقول : فإن ردّ اليمين على المدّعي، كما لايخفى .

و ثانيهما : من جهة المفهوم، فإنّ جعله (عليه السلام) مدار سقوط الحقّ حلف صاحب الحقّ عند الردّ يدلّ على عدم سقوطه بحلف غيره و لو كان وكيلاً أو وصيًّا .

هذا كلّه في عدم جواز حلف الوكيل لإثبات ما وكّل عليه، و كذا الوصيّ .

هل يجوز للوكيل والوصىّ أن يحلفا المنكر ؟

و هل يجوز لهما إحلاف المنكر ؟

لا يبعد ذلک، لعموم صحيحة الحلبي و جميل و هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :

ص: 309

قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه (1) .

و غيرها .

و « مَن » الموصول من أدوات العموم، فيعمّ المدّعى عليه، سواء كان بدعوى صاحب الحقّ، أو الوكيل والوصيّ، كما أنّ قوله (صلي الله عليه واله) : « البيّنة على من ادّعى » أعمّ من أن يكون المدّعي صاحب الحقّ، أو لا .

و يمكن الفرق بين المقامين بأنّ إقامة البيّنة لمّا كانت من المدّعي، فدلّت الصحيح على أنّ إقامتها على كلّ المدّعي ؛ و أمّا الحلف فليس كذلک، لأنّ الحلف ليس باختيار المنكر، بل باختيار المدّعي، لأنّه المحلّف، فإذا أراد يجوز له الحلف، و إلّا فلا.

فعلى هذا دلّت الصحيحة على أنّ اليمين على كلّ من ادّعي عليه، وكيلاً أو وصيًّا، لكن ما دلّت على جواز الحلف بأيّ محلف و لو كان من الوكيل والوصيّ، بل بالنسبة إليه مطلق .

والجواب : أنّ هذا مسلّم، لكنّ المطلق حجّة في أفراده، و من جملتها ما نحن فيه، فعلى هذا ما استشكلناه سابقًا - وفاقًا لبعض المحقّقين من المتأخّرين (2) - في الحكم بحلف المنكر حينئذٍ لاستلزامه سقوط الدعوى والحقّ، و لا مصلحة لليتيم مثلاً في ذلک، لاحتمال أنّه إذا بلغ و رشد يثبت المدّعى به بالبيّنة، أو يصالح ويحصل له من ذلک نفع، هو اجتهاد في مقابلة النصّ .

ص: 310


1- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 553 ؛ الوسائل : 27 / 233 ح 33666 .
2- . هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 99 .
إحلاف الوكيل والوصىّ للمنكر هل يسقط الحقّ، أم لا ؟

ثمّ على تقدير جواز الإحلاف للوكيل والوصيّ هل تسقط الدعوى والحقّ بعد أن أحلفاه مطلقًا، فلا يجوز للموكّل واليتيم إذا بلغ و رشد المطالبة بشيء وإن كانت له بيّنة ؟

إشكالٌ من أنّ النصّ في ذلک ورد فيما إذا كان المحلف هو صاحب الحقّ، كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة عن مولانا الصادق (علیه السلام) قال : إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه، فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله ذهب اليمين بحقّ المدّعي، فلا حقّ له (1) .

و كذا رواية النخعيّ (2) ، و مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابه (3) ،

الّلتان تقدّم ذكرهما سابقًا .

والتمسّک بتنقيح المناط هنا بعد احتمال مدخليّة رضاء صاحب الحقّ في السقوط غير ممكن .

ص: 311


1- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 61 ح 3340 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 565 ؛ الوسائل : 27 / 245 ح33689 .
2- . هي ما رواه خضر النخعيّ عن مولانا الصادق (علیه السلام): في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال :إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئًا، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه ( الكافي : 7 / 418 ح 2 ؛ الفقيه :3/ 185 ح 3695 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 566 ؛ الوسائل : 27 / 246 ح 33601 ).
3- . الحديث هكذا : في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده فيحلف له يمين صبر، أله عليه شيء ؟ قال :ليس له أن يطلب منه، و كذلک إن احتسبه عند الله، فليس له أن يطلب منه ( الكافي : 7 / 418 ح 3 ؛التهذيب : 6 / 232 ح 567 ؛ الوسائل : 23 / 286 ح 29582 ).

و من أنّ هذا يمين قد جوّز الشارع للوصيّ مثلاً أن يحلّف المنكر بها، فينبغي أن يسقط بها الدعوى مطلقًا من غير تخصيص السقوط بالنسبة إلى الوصيّ أو اليتيم عند عدم البيّنة .

و يمكن التمسّک للسقوط مطلقًا بقوله (صلی الله علیه واله) في الموثّق المتقدّم، و هو هذا : لاتحلفوا إلّا بالله، و من حلف بالله فليصدق، و من حلف له بالله فليرض، و من حلف له بالله فلم يرض فليس من الله (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّ « مَن » الموصوليّة تفيد العموم واليتيم مثلاً يصدق عليه أنّه هو الّذي حلف له بالله، فينبغي أن يرض بعد البلوغ والمطالبة ولو كانت مع البيّنة تنافيه .

هذا كلّه بالنسبة إلى الوكيل والوصيّ، و بالجملة : إذا كان المدّعي غير صاحب الحقّ ولم يكن له بيّنة، لم يجز له أن يحلف إذا ردّ إليه .

لا يجوز حلف غريم الميّت لإثبات حقّه
ولا حلف المرتهن لإثبات حقّ الراهن

و أمّا عدم جواز حلف غريم الميّت إذا ادّعي له على آخر دينًا و كان له شاهد واحد، و كذا عدم جواز الحلف للمرتهن إذا ادّعى أنّ هذا رهن للراهن و كان عنده شاهد واحد، فللأصول والعمومات المتقدّمة .

ص: 312


1- . الكافي : 7 / 438 ح 1 ؛ التهذيب : 8 / 284 ح 1040 .

وإن أردت إعادتها نقول : لا شبهة في أنّ الأصل براءة ذمّة المدّعى عليه عمّا ادّعي عليه و عدم اشتغالها بذلک .

والحكم باشتغال ذمّته بشيء خلاف الأصل، لا يصار إليه إلّا بعد دليل وموجب، لأنّ مخالفة الأصل من غير دليل غير جائز، ولم يثبت عندنا دليل يدلّ على أنّ كلّ من أقام شاهدًا و حلف يستحقّ المدّعى به، لأنّ المتيقّن من الأدلّة هو ما إذا كان الحالف صاحب الحقّ لا غير، كما ستعرف إن شاء الله تعالى .

و أيضًا أنّ الأصل عدم حجّيّة شيء إلّا ما ثبت من الشارع حجّيّته، لأنّ كون الشيء حجّة أمرٌ وضعيّ يحتاج إلى دليل، ولم يثبت حجّيّة الحلف مع شاهد واحد، إلّا إذا كان الحالف هو الّذي ذكرناه .

هذا بالنسبة إلى المدّعي والمدّعى عليه، وأمّا بالنسبة إلى الحاكم فنقول أيضًا : لا شکّ أنّ الأصل براءة ذمّته من وجوب الحكم بين المتخاصمين، بل الأصل عدم جواز ذلک أيضًا، لأنّ الحكم بانتقال المال عمّن في يده إلى غيره، و كذا تسليط أحد على آخر غير جائز، إلّا إذا دلّ الدليل عليه .

والّذي دلّ عليه الدليل هو ما إذا كان الحالف صاحب الحقّ و أقام شاهدًا، وأمّا غيره فلا .

و أيضًا العمومات من الكتاب و السنّة دالّة على عدم جواز الحلف، و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة .

والتخصيص إنّما ثبت إذا كان الحالف صاحب الحقّ و أقام شاهدًا واحدًا لا

ص: 313

غير، فالأصل بقاء الغير تحت العمومات الناهية إلى أن يثبت المخصّص، ولم يثبت .

و ذلک لأنّ النصوص الخاصّة واردة فيما إذا كان الحالف صاحب الحقّ، وقد ذكرنا كثيرًا منها في المسألة المتقدّمة، فلاحظها، و أذكر جملة منها هنا للإشارة إلى ما ينفعنا في المقام .

فأقول : منها : صحيحة أبي مريم المتقدّمة عن مولانا الصادق (علیه السلام) قال: أجاز رسول الله (صلی الله علیه واله) شهادة شاهد مع يمين صاحب الحقّ (1) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة أيضًا عنه (علیه السلام)قال: كان رسول الله (صلی الله علیه واله)يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين (2) .

و غيرهما .

ولا يخفى أنّ الصحيحين المذكورين كما ترى و مثلهما من النصوص تدلّ على جواز الحكم بشهادة شاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ، فيجب تخصيص العمومات بمقتضاها .

و قد عرفت أنّه ليس الغريم والمرتهن صاحب حقّ، فلا تشمله النصوص المشار إليها، فلايجوز تخصيص ما ذكر من الأصُول والعمومات بما عداهما أيضًا.

ص: 314


1- . الاستبصار : 3 / 33 ح 115 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 744 ؛ الوسائل : 27 / 267 ح 33740 .
2- . الكافي : 7 / 386 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 272 ح 740 ؛ الاستبصار : 3 / 32 ح 108 ؛ الوسائل : 27 / 264ح 33732 .

إن قلت : إنّ ورود الصحيحين في صاحب الحقّ مسلّم، لكن النصوص ليست منحصرة فيهما و فيما هو مثلهما، لأنّ لنا نصوصًا مطلقة دالّة على جواز الحكم بشهادة شاهد واحد و يمين مطلقًا و لو كانت من غير صاحب الحقّ، منها : صحيحة حمّاد بن عيسى قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : حدّثني أبي أنّ رسول الله (صلی الله علیه واله) قد قضى بشاهد و يمين (1) .

و منها : صحيحته الأخرى (2) أيضًا عنه (علیه السلام) قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : كان عليّ (علیه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل و يمين المدّعي (3) .

و مثلهما .

وجه الاستدلال هو : أنّه (علیه السلام) قال : « بشاهد و يمين »، أو : « بشاهد و يمين المدّعي »، و هو مطلق أعمّ من أن يكون يمين صاحب الحقّ و غيره، فيجب تخصيص الأصول والعمومات المتقدّمة، لأنّ المطلق حجّة في أفراده .

قلت : أمّا الجواب عن الأوّل فلأنّه (علیه السلام) قال : « رسول الله (صلی الله علیه واله) قضى بشاهد ويمين »، و هو قضيّة في واقعة وإخبار عن فعله (صلی الله علیه واله) ، والفعل لا عموم له ؛ و يحتمل أن يكون اليمين الّتي قضى بها (صلی الله علیه واله) مع شاهد هي يمين صاحب الحقّ .

ص: 315


1- . الكافي : 7 / 385 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 33 ح 112 ؛ التهذيب : 6 / 275 ح 748 ؛ الوسائل : 27/ 265ح 33735 .
2- . كذا في الأصل، والصواب : صحيحة حمّاد بن عثمان .
3- . الكافي : 7 / 385 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 33 ح 111 ؛ التهذيب : 6 / 275 ح 749 ؛ الوسائل : 27 / 265ح 33734 .

و قد عرفت مرارًا أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فسقطت عن قابليّة الاستدلال (1) .

و أمّا عن الثاني فنقول : إنّ حجّيّة المطلق على أفراده مسلّمة، لكن إذا وجد شرط انصرافه إلى جميع الأفراد، والظاهر أنّ المقام ليس كذلک، لأنّ من شرط انصرافه إلى جميع الأفراد عدم وروده في مقام بيان حكم آخر .

والظاهر أنّ المراد من النصّ إثبات جواز القضاء بشاهد و يمين في الجملة دفعًا لتوهّم عدم جواز ذلک مطلقًا، كما يظهر ذلک من قول أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال : إنّ جعفر بن محمّد (علیهماالسلام) قال له أبو حنيفة : كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد ؟ فقال جعفر (علیه السلام): قضى به رسول الله (صلی الله علیه واله) و قضى به عليّ (علیه السلام) عندكم ؛ فضحک أبو حنيفة، الحديث (2) .

و من حسنة عبد الرحمن الحجّاج قال : دخل الحكم بن عتيبة و سلمة بن كهيل على أبي جعفر (علیه السلام)، فسألاه عن شاهد و يمين، فقال : قضى به رسول الله (صلی الله علیه واله) وقضى به عليّ (علیه السلام)عندكم بالكوفة، فقالا : هذا خلاف القرآن، فقال : و أين وجدتموه هذا (3) خلاف القرآن ؟ فقالا : إنّ الله - تبارک و تعالى - يقول : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (4) ، الحديث (5) .

ص: 316


1- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .
2- . التهذيب : 6 / 296 ح 826 ؛ الوسائل : 27 / 268 ح 33744 .
3- . « هذا » لم يرد في المصادر .
4- . الطلاق : 2.
5- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

إذا عرفت ذلک نقول : على هذا يكون المطلق بالنسبة إلى ما نحن فيه مجملاً، ومع الإجمال لايمكن رفع اليد عن أصل واحد، فضلاً عن الأصول والعمومات المتقدّمة .

هذا، مع أنّ المسألة - أي : عدم جواز الحلف لإثبات حقّ الغير - كأنّه لا خلاف فيه عندنا .

و قال في المسالک بعد الحكم بأنّه لو كان على الميّت دين و له على آخر دين وله شاهد واحد يكون الحلف على الوارث، ما هذا كلامه :

لم يكن للغريم الحلف عندنا .

ثمّ نقل عن بعض العامّة جواز حلف الغريم بناءً على أنّ المال لو ثبت صار ملكًا له، فصار كالوارث .

ثمّ قال :

والفرق واضح، لأنّ الوارث إذا حلف صار له بالفعل، فالغريم ينتقل بحلفه إلى الوارث و منه إليه، فكان حلفه لإثبات مال غيره، إنتهى (1) .

و قال في الكفاية :

لو ادّعى غريم الميّت مالاً له على آخر مع شاهد، فإن حلف الوارث

ص: 317


1- . مسالک الأفهام : 13 / 516 .

يثبت (1) وإن امتنع الوارث من الحلف لم يكن للغريم الحلف عند الأصحاب (2) .

و أنت إذا أحطت خبرًا بما حرّرناه يظهر لک ظهورًا بيّنًا أنّه لايجوز الحلف لإثبات مال الغير، فلابدّ في الصورتين المتقدّمتين حلف الراهن في إحداهما وحلف الوارث في الأخرى مع إقامة الشاهد .

و لا إشكال في الأولى و كذا في الثانية بناءً على القول بأنّ تركة الميّت ينتقل إلى الوارث مطلقًا و إن كان له دين محيط بها .

و أمّا على القول بعدم انتقالها إليه مع الدين، بل يبقى المال على حكم مال الميّت حينئذٍ كما هو الحقّ و قد تقدّم، فالحكم لحلف الوارث حينئذٍ مشكل، بل مقتضى ما ذكر عدم جوازه، لأنّه حلف لإثبات مال الغير، لكن قد تقدّم سابقًا نقل اتّفاق الأصحاب على سماع دعوى الوارث مطلقًا و لو من أصحاب القول الثاني، و معلوم أنّ من لوازم سماع دعواه صحّة حلف المدّعي .

و لعلّه لهذا ترى جماعة من الأصحاب حاكمين في المسألة بحلف الوارث على الجزم والقطع مع اختيارهم القول الثاني، بل مصرّحين بجواز حلف الوارث على هذا القول أيضًا - كما في المسالک و غيره - فحكم الوارث حينئذٍ من جواز الحلف بناءً على هذا القول خلاف الأصل، لكنّه ثبت .

ص: 318


1- . في المصدر : ثبت .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 712 .

بل الظاهر من المسالک أنّه على الأصل، حيث قال بعد نقل القولين من انتقال التركة إلى الوارث و عدمه :

و على القولين لو كان للميّت دين على آخر، فالمحاكمة فيه للوارث، لا للغرماء، لأنّه إمّا مالک أو قائم مقامه، و من ثمّ لو أبرئ الغريم من الدَين صارت التركة ملک الوارث، فهو مالک لها بالقوَّة أو بالفعل . و على هذا فلو توجّه اليمين مع الشاهد أو بردّ الغريم، فالحالف هو الوارث، و إن كان المنتفع بالمال هو الغريم (1) ، إنتهى (2) .

واعلم : أنّه لو امتنع الوارث من الحلف لا يجبر عليه - كما في القواعد والإيضاح والمسالک والكفاية (3) - لأنّه لايجب عليه إثبات مال به لنفسه، فضلاً عن مورّثه .

ص: 319


1- . في المصدر : هو المدين .
2- . مسالک الأفهام : 13 / 505 .
3- . القواعد : 3 / 450 ؛ الإيضاح : 4 / 349 ؛ المسالک : 13 / 517 ؛ الكفاية : 2 / 712 .

فروع

لو ادّعى ورثة الميّت أنّ مورّثه وقف لهم أعيان ماله
حكم لهم بعد حلف الجميع والشاهد

{ الفرع الأوّل }

الأوّل : لو ادّعى ورثة الميّت أنّ مورّثهم وقف أعيان تركته - كالدار و نحوها - عليهم و من بعدهم على نسلهم و كان لهم على ذلک شاهد واحد يحكم لهم بعد حلف الجميع، بناءً على ما مرّ من جواز الحكم بالشاهد واليمين في الوقف لانتقاله إلى ملک الموقوف عليهم، على ما هو الحقّ بين الأقوال في تلک المسألة، و قد تقدّم وجهه .

ثمّ إنّ فائدة هذا الحكم مع أنّه لو لم يحكم بالوقفيّة يكون المال لهم أيضًا تظهر فيما إذا كان على الميّت دين مستوعب للتركة، فإنّه مع ثبوت الوقفيّة لا يؤدّى منه دين و كذا لا يؤدّى منه وصيّة ؛ و في ترتّب أحكام الوقف عليه بعد ثبوته، بخلاف ما إذا لم يثبت ؛ و إذا لم يحلفوا جميعهم، أو حلف بعض دون آخر يظهر حكمه ممّا سيجيء.

ص: 320

هذا إذا كان المدّعي للوقف جميع الورثة، و أمّا لو كان بعضها و أقام شاهدًا وحلف، فيحكم له، فلا يشاركه غيره من الورثة وإن لم يبق لهم شيء من التركة، ولا يؤدّى منه دين و لا وصيّة .

وإن امتنع من الحلف يبقى المال ميراثًا بالنسبة إلى باقي الورثة و إلى الديون والوصايا، فإذا أدّى الديون منه مثلاً و بقي منه شيء يشترک فيه الوارث، لكن يحكم على مدّعي الوقف بوقفيّة نصيبه منه في حقّه لإقراره، بخلاف غير المدّعي، فإنّ ما وصل إليهم طلق .

هذا إذا نكل مدّعي الوقف جميعهم، أو كان مدّعيه واحد و نكل ؛ و أمّا إذا حلف بعض مدّعيه دون الآخر، فالحالف يستحقّ نصيبه وقفًا و يبقى الباقي ميراثًا بالنسبة إلى الديون والوصايا و باقي الورثة، فإن فضِّل عن (1) أداء الأوّلين يقسّم بين الورثة غير الحالف و يبقى المال بالنسبة إلى غير المدّعي للوقف من الورثة طلقًا وإليه وقفًا، ولا يشترک الحالف من المدّعي معهم، لإقراره بأنّه ما يستحقّ إلّا ما أخذه .

ثمّ لو انقرض الممتنع من الحلف، فلا يخلو إمّا أن يكون بعض مدّعي الوقف أو جميعه، فإن كان الأوّل كان للحالف من مدّعيه الحلف، لا لأولاد الممتنع، لأنّ التولية إلى الأولاد - كما هو المفروض - بعد انقراض الطبقة الأولى .

و إن كان الثاني قال في الشرائع والقواعد :

ص: 321


1- . جاء في حاشية الأصل : هذا إذا كانت التركة منحصرة في ذلک ؛ منه .

كان للبطن الثاني الحلف مع الشاهد، ولا يبطل حقّهم بامتناع الأوّل (1) .

هذا بناءً على أنّهم يتلقّون الوقف من الواقف، و عليه لابدّ لهم من اليمين مع الشاهد، و أمّا إذا قلنا بأنّهم يتلقّونه من بطن الأوّل - كما هو الأشهر على ما في المسالک (2) - فليس لهم ذلک، لأنّ الأوّل أسقط حقّه بالامتناع من الحلف .

و أمّا ما وصل إلى الأوّل بعد الامتناع من الحلف من جهة الميراث و كان محكومًا بوقفيّته في حقّهم، فالظاهر أنّه بالنسبة إلى البطن الثاني أيضًا محكوم بالوقفيّة في حقّهم، لأنّه كان وقفًا أخذًا بإقرار الأوّل .

لو ادّعى الوقف أنّه وقف ترتيب بعد الحكم
به للمدّعي و موته ينتقل إلى وارثه من غير حلف

الفرع الثاني

لو ادّعى أنّ الوقف وقف ترتيب، بأن ادّعى أنّه وقف عليه و من بعده على أولاده، و حلف المدّعي مع إقامة شاهد واحد و حكم له بالوقف، ثمّ بعد ذلک مات، كان الحقّ المدّعى باقيًا على وقفيّته بالنسبة إلى أولاده، فلا يلزمهم الحلف ثانيًا وإقامة الشاهد .

كما أنّه لو كان للمدّعي دين على آخر و أقام شاهدًا واحدًا و حلف، ثمّ اتّفق

ص: 322


1- . شرائع الإسلام : 4 / 882 ؛ قواعد الأحكام : 3 / 451 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 723 .

موته قبل أن يأخذه، فإنّ لوارثه أن يأخذه من غير يمين و إقامة شاهد .

و هكذا بالنسبة إلى البطن الثالث و الرابع .

هذا مبنيّ على ما مرّ من أنّ البطن الثاني يتلقّون الوقف من البطن الأوّل، كما هو الأشهر على ما في المسالک (1) .

وأمّا لو قلنا : إنّهم يتلقّونه من الواقف، فلا بدّ لكلّ بطن من الحلف و إقامة الشاهد ؛ و رجّحه في الإيضاح، فقال :

والأصحّ عندي الثاني (2) .

لأنّ حقّ الثاني ينتقل من الواقف، و لا يمكن إثبات حقّ واحد بيمين غيره، ولتحقيق المقام محلّ أليق .

و أمّا لو ادّعى أنّ الوقف وقف تشريک، و هو ما لم يكن كذلک، فقيل :

افتقر البطن الثاني إلى اليمين، لأنّها بعد وجودها يصير كالموجودة وقت الدعوى المتّفقة مع الدعوى رتبة (3) .

{ الفرع الثالث }

الثالث : لو ادّعى ثلاثة من بني الميّت تشريک الوقف بينهم و بين البطون،

ص: 323


1- . مسالک الأفهام : 13 / 523 .
2- . إيضاح الفوائد: 4 / 351 .
3- . كشف اللثام : 10 / 144 .

وحلفوا بعد إقامة شاهد واحد، ثمّ صار لأحدهم ولد وقف له الربع من حين يولد، لاشتراكه معهم بإقرارهم، و بقي إلى أن بلغ الكمال، فإن حلف حينئذٍ أخذ، وإن امتنع يرجع الربع إلى المدّعين كما عن المبسوط (1) ، لأنّهم أثبتوه لأنفسهم بحلفهم ولا تزاحم، إذ بامتناعه جرى مجرى المعدوم .

و فيه نظر، لأنّ إثباتهم ذلک لأنفسهم ليس لا بشرط، بل بشرط لا، أي بشرط أن لا يوجد الشريک و قد وجد ؛ وامتناع الولد عن الحلف لا يصير سببًا لرجوع المال إليهم بعد إقرارهم بأنّه ليس لهم، و إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .

والحاصل : أنّ المقتضي لعدم انصراف المال إليهم موجود، والمانع عنه مفقود، فوجب القول به .

أمّا وجود المقتضي فلإقرارهم باشتراک الغير معهم، بل حلفهم و إقامتهم شاهدًا على ذلک .

و أمّا فقدان المانع فلأنّه ليس إلّا امتناع الولد من الحلف، و هو لا يقتضي رجوع المال إليهم بعد ما عرفت من وجود المقتضي، بل رجوعه إليه أولى، لأنّ المقتضي لذلک - و هو : إقرار المدّعين و حلفهم و إقامتهم شاهدًا على ذلک - موجودٌ، والمانع ليس إلّا امتناعه عن الحلف، و لم يثبت أنّ كلّ امتناع من الحلف مانع ولو كان ممّا نحن فيه .

و فيه : أنّه يلزم من هذا ثبوت حقّ الغير بحلف الغير، و قد علمت عدم جوازه ؛

ص: 324


1- . المبسوط : 8 / 201 .

ولا يبعد أن يقال برجوعه إلى غير المدّعين من الورثة .

إن قلت : كيف يجوز ذلک مع أنّ المانع عنه موجود، و هو : عدم استحقاقهم لذلک بحلف المدّعين و إقامتهم شاهدًا ؟!

قلت : والّذي ثبت من حلفهم و شاهدهم استحقاقهم للحقّ المدّعى و عدم استحقاق غيرهم من الورثة إذا لم يوجد غيرهم ممّن ادّعوه شريكًا لهم، فإذا وجد - كما هو المفروض - فلا .

أمّا عدم استحقاق المدّعين حينئذٍ فلإقرارهم، و أمّا انتفاء عدم استحقاق غيرهم من الورثة حينئذٍ أيضًا فلأنّ الحلف إنّما يسقط حقّ المدّعى عليه مثلاً بالنسبة إليهم، لا بالنسبة إلى غيرهم .

لما عرفت من أنّ حلف الحالف لا يثبت مال الغير، فعدم استحقاق غير المدّعين من الورثة بعد وجود الولد و كماله موقوفٌ على حلفه، والمفروض أنّه مفقود، والموقوف على المفقود مفقود، فثبت استحقاق غير المدّعين من الورثة .

ثمّ إنّه لو مات أحد الثلاثة من المدّعين قبل كمال الولد، يصير الوقف حينئذٍ أيضًا أثلاثًا، و قد كان لكلّ من الولد والإثنين ربع، فأضيف إلى كلٍّ نصف سدس .

ثمّ إن كمل الولد و حلف، فالحكم واضح، و كذا إذا اتّفق موت أحد المدّعين بعد كماله و حلفه ؛ و إن امتنع من الحلف في الموضعين فالحكم ما مرّ من انتقال الحصّة إلى باقي الورثة لما مرّ (1) .

ص: 325


1- . لاحظ الفرع في الشرائع : 4 / 883 ؛ والقواعد : 3 / 451 ؛ والتحرير : 5 / 178 ؛ والإيضاح : 4 / 351 ؛والمسالک : 13 / 530 ؛ وكشف اللثام : 10 / 144 .
حكم ما لو ادّعى البطن الأوّل وقف ترتيب
و ادّعى الثاني تشريكهم معهم

{ الفرع الرابع }

الرابع : لو ادّعى البطن الأوّل أنّ الوقف على الترتيب و حلفوا بعد إقامة الشاهد، ثمّ ادّعى البطن الثاني بعد وجودهم تشريک الوقف، كانت دعواهم مع البطن الأوّل، لا غيرهم من الورثة .

فإن حلفوا بعد إقامة شاهد واحد ثبت التشريک، لما عرفت من اعتبار شاهد واحد و حلف المدّعي في الوقف، فلهم حينئذٍ مطالبة البطن الأوّل بحصّتهم من النماء من حين وجودهم، وإن لم يحلفوا سقطت دعواه و خلص الوقف للبطن الأوّل ما بقي منهم واحد، فإذا انقرض الجميع انتقل إليهم، بناءً على ما مرّ .

هذا إذا كان وجود البطن الثاني و دعواهم بعد حلف الأوّل، وإن تجدّدوا وادّعوا التشريک قبل حلفهم، و حينئذٍ كانت دعواهم معهم و مع غيرهم من الورثة، لكن نكولهم لا يجدى الورثة، لأنّهم لو نكلوا و حلف البطن الأوّل على اختصاص الوقف مع الشاهد، حكم لهم فقط .

نعم، لو انعكس الأمر بأن نكل الأوّل و حلف الثاني صار نصيب الأوّل ميراثًا، وأمّا إذا حلف كلاهما فإن كان حلف البطن الأوّل مقدّمًا، فالحكم ما مرّ ؛ و مثله عكسه (1) .

ص: 326


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 146 .

{ الفرع الخامس }

الخامس : قال في القواعد :

لو ادّعى البطن الأوّل الوقف مرتّبًا و نكلوا عن اليمين مع شاهدهم، فوُجِد البطن الثاني، احتمل إحلافهم واحتمل عدمه إلى أن يموت البطن الأوّل . و منشأ التردّد : جعل النكول كالإعدام، فكأنَّ البطن الأوّل قد انقرضوا فيحلف، واعتراف البطن الثاني بنفي استحقاقهم الآن مع تلقّيهم الوقف من الواقف، فلهم اليمين بعد موتهم (1) .

واحتمل بعض (2) عدم الإحلاف مطلقًا، لتلقّيهم من الأوّلين و قد أبطلوا حقّهم .

يقضي على المنكر بالنكول
من غير ردّ الحاكم اليمين على المدّعي

56- مسألة

اشارة

إعلم : أنّي بنيت أن يكون هذا المجلّد من كتابي على ترتيب القواعد غالبًا، لكنّ العلّامة (رحمه الله) لمّا ذكر كثيرًا من المسائل فيه مكرّرًا، تركت التكرار واكتفيت بذكر كلّ

ص: 327


1- . هذه عبارة شرح القواعد : « كشف اللثام 10 / 146 » للفاضل الاصبهانيّ (قدس سره). و انظر قواعد الأحكام : 3 /452.
2- . هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 146 .

مسألة مرّة إلّا لأجل فائدة، فقد ذكرت بعضًا من المسائل مكرّرًا لذلک، و من ذلک مسألة النكول .

اعلم : أنّ العلّامة (رحمه الله) لمّا ذكرها أوّلاً في إنكار المنكر بما ادّعي عليه كغيره من الأصحاب، ذكرناها هناک أيضًا ؛ و لمّا جئت في هذا المقام من القواعد رأيت أنّه ذكرها فيه أيضًا، فأحببت أن أذكرها أيضًا للتنبيه على بعض الفوائد .

فأقول : من تلک المسألة مسألة القضاء بالنكول، و قد اختلف الأصحاب في ذلک على قولين :

{ القول الأوّل في المسألة }

الأوّل : أنّ الحاكم يقضي عليه بمجرّد النكول من غير أن يردّ اليمين إلى المدّعي .

و قد عرفت أنّه منقول عن الصدوقين و المقنعة و المراسم و أبي الصلاح والنهاية و الغنية و القاضي في الكامل (1) ، و اختاره المحقّق في النافع و الشرائع وقال : هو المرويّ (2) ، بالحصر ؛ و من متأخّري المتأخّرين جماعة (3) ، و عن

ص: 328


1- . المقنع : 396 ؛ و حكاه عن عليّ بن بابويه ابنه الصدوق في الفقيه : 3 / 39 ؛ وانظر المقنعة : 724 ؛والمراسم : 231 ؛ والكافي في الفقه : 447 ؛ والغنية : 445 ؛ و النهاية و نكتها : 2 / 71 ؛ و حكاه عن القاضيفي المختلف : 8 / 380 .
2- . الشرائع : 4 / 874 ؛ والمختصر النافع : 274 .
3- . انظر غاية المراد : 4 / 35 ؛ و مسالک الأفهام : 13 / 453 ؛ و كشف اللثام : 10 / 100؛ و رياض المسائل :13 / 105 ؛ والمناهل : 730 .

العلّامة في التلخيص (1) .

و قد عرفت أنّ هذا القول هو الحقّ، فلا يجب ردّ الحلف إلى المدّعي، للأصل ؛ ويمكن تقريره من وجوه :

الأوّل : أنّ الأصل براءة ذمّة الحاكم من وجوب ردّ الحلف حينئذٍ إلى المدّعي .

والثاني : هو أنّ الأصل عدم كون اليمين حجّة، و سقطه للحقّ بالنسبة إلى المدّعي، لأنّ منصبه إقامة البيّنة، واليمين منصب المنكر، لقوله (علیه السلام): « البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر » (2) ؛ و معلوم أنّ الحكم لحجّيّة شيء حكم وضعيّ يحتاج إلى دليل من الشارع .

والثالث : هو أنّک قد عرفت العمومات الناهية عن الحلف من الكتاب و السنّة، و تخصيصها ثبت بالنسبة إلى المدّعي إذا ردّ المنكر الحلف إليه، أو كان دعواه على الميّت، أو مع شاهد واحد ؛ و بالجملة ليس المقام من ذلک، فيبقى داخلاً تحت عموم النهي .

والرابع : هو أنّ الأصل براءة ذمّة المدّعي من وجوب الحلف عليه، فتأمّل .

و لصحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الصادق (علیه السلام) حيث سأله عن كيفيّة حلف الأخرس، قال : إنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) أتي بأخرس وادّعى عليه دين، فأنكره ولم يكن للمدّعي بيّنة، ثمّ كتب الأمير (علیه السلام) صورة الحلف و أمر الأخرس أن يشربه،

ص: 329


1- . تلخيص المرام : 299 .
2- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

فامتنع، فألزمه الدين (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (علیه السلام) ألزم الدين بمجرّد الامتناع من الحلف من غير تحقّق فصل بينهما، على ما هو قضيّة فاء التعقيبيّة في : « فألزمه »، فلو كان الحكم عند نكول المنكر ردّ اليمين إلى المدّعي لفعله (علیه السلام)، و عدم فعله دليل على العدم، فإذا ثبت الحكم في الأخرس نقول في غيره، لانتفاء الفرق بينهما بالإجماع، كما في المسالک و غيره (2) .

ثمّ إنّ ظاهر الصحيح و إن دلّ على إلزام الدين بمجرّد الامتناع من الحلف، لكن يجب تخصيصه بما إذا لم يردّ المنكر اليمين إلى المدّعي أيضًا، لما تقدّم من الأدلّة من أنّ القضاء بالنكول إنّما هو بعد الامتناع من الحلف و الردّ، لا أنّه بمحض الامتناع من الحلف فقط، و هو اتّفاقيّ أيضًا .

لا يقال : إنّ هذا قضيّة في واقعة، لأنّه إخبار بفعل الأمير (علیه السلام) ذلک في أخرس، ويحتمل أن يكون في ذلک الأخرس خصوصيّة موجبة لذلک ؛ و قد عرفت مرارًا أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا يجوز بها التمسّک للاستدلال (3) .

لأنّا نقول : إنّ ما ذكر إنّما يرد إذا كان تمسّكنا بالصحيح فيما ذهبنا إليه من جهة

ص: 330


1- . الفقيه : 3 / 112 ح 3432 ؛ التهذيب : 6 / 319 ح 879 ؛ الوسائل : 27 / 302 ح 33799 .
2- . انظر المسالک : 13 / 454 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 691 ؛ و رياض المسائل : 13 / 106 .
3- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

فعل الأمير (علیه السلام) ذلک في أخرس، و ليس الأمر كذلک، بل نقول : إنّ التمسّک به إنّما هو لأجل أنّ الراوي لمّا سأل مولانا الصادق (علیه السلام) عن كيفيّة حلف الأخرس مطلقًا أجابه (علیه السلام) بذكر فعل الأمير (علیه السلام)، و يعلم منه أنّ هذا الحكم ليس مختصًّا بذلک الأخرس الخاصّ، بل هو عامّ لكلّ أخرس، و إلّا لما أجاب (علیه السلام) بذلک، و هو واضح .

إن قلت : سلّمنا عدم قدح هذا الاحتمال للتمسّک بالصحيح في المقام لما ذكرت، لكن فيه ما يمنع من ذلک، و هو أنّ التمسّک به فرع العمل به في كيفيّة إحلاف الأخرس، والمشهور لم يقولوا بذلک، كما عرفت سابقًا من أنّ حلف الأخرس إنّما هو بالإشارة المفهمة لليمين على المشهور .

قلت : الظاهر أنّ المشهور لم يقولوا بذلک من حيث التعيين، بمعنى أنّ حلف الأخرس لا يكون إلّا بذلک، لا مطلقًا .

و كيف ؟! مع أنّ ما تضمّنه الصحيح من أفراد الإشارة المفهمة لليمين أيضًا، وظاهر الصحيح وإن كان التعيين، إلّا أنّهم حيث ظهر لهم عدمه قالوا بعدمه ؛ وحمله على عدم التعيين فيما اشتمل من كيفيّة الحلف لا يستلزم عدم العمل به مطلقًا.

و حسنة عبدالرحمن قال : قلت للشيخ - في الفقيه يعني موسى بن جعفر (علیهما السلام) - : خبّرني (1) عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ، فلا يكون له البيّنة بما له، قال :

ص: 331


1- . في الفقيه : أخبرني .

فيمين المدّعى عليه فإن حلف فلا حقّ له، وإن لم يحلف فعليه، الحديث (1) .

وجه الاستدلال واضح ؛ و هذا أيضًا كالصحيح محمول بما إذا لم يردّ المنكر اليمين أيضًا لما تقدّم .

و ربما قدح الاستدلال به بما وجد في ذيله، و هو هذا : « و إن كان المطلوب بالحقّ قد مات فأقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين » ؛ إلى أن قال (علیه السلام): « ولو كان حيًّا لألزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين ».

والظاهر أنّ وجه الحمل مبنيّ على حمل « يردّ » فيه فعلاً مبنيًّا للمفعول، و هو غير متعيّن، أمّا أوّلاً : فلجواز أن لا يكون فعلاً مطلقًا، بل مصدر مُصدَّر بالباء الجارّة، أي : لألزم بردّ اليمين ؛ و حينئذٍ يصير دليلاً للمسألة، لا قادحًا لصدره، لدلالته على أنّ اليمين لا يردّ على المدّعي إلّا بردّ المنكر .

و لهذا ترى الفاضل الهنديّ (رحمه الله) مع كمال دقّته في نقل الأحاديث والأقوال استدلّ بما ذكر من ذيل الحديث لهذا القول، بناءً على حمله « بردّ اليمين » على ما ذكر (2) .

و يؤيّده ما وجد في حاشية الفقيه نسخةً : « ردّ » بإسقاط الجارّ .

و مع ملاحظة ما ذكر لو لم يحصل الظنّ بترجيح هذا الاحتمال على الاحتمال

ص: 332


1- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3343 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 555 ؛ الوسائل : 27 / 236 ح33673 .
2- . انظر كشف اللثام : 10 / 100 .

الأوّل، فلا أقلّ من التساوي، فيصير مجملاً، والمجمل لا يصير قادحًا للمبيّن .

و على فرض تسليم كونه فعلاً نقول : كما يحتمل أن يكون مبنيًّا للمفعول، كذا يحتمل أن يكون مبنيًّا للفاعل، بل الأخير أولى، أمّا أوّلاً فلأنّ الأصل في الفعل المبنيّ للفاعل، و أمّا ثانيًا فلأنّه لو كان فعلاً لكان عطفًا على : « لألزم »، فيكون التقدير : و لو كان حيًّا يردّ اليمين، أو ليردّ .

و معلوم أنّ الضمير في « كان » يعود إلى المدّعى عليه، و ينبغي أن يكون في «يردّ » أيضًا كذلک ؛ و معلوم أنّه لو أمكن إرجاع الضمير بشيء مذكور صريحًا أولى من غيره .

والمناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه في كون كلّ منهما مَبنيًّا للفاعل أوالمفعول وإن كانت من المحسّنات، إلّا أنّه إذا لم يلزم مع مراعاتها ما هو أدون من هذا، و قد عرفته .

و على تقدير تسليم تساوي الاحتمالين يكون مجملاً، و قد عرفت حاله .

ثمّ على تقدير تسليم ترجيح كون الفعل مبنيًّا للمفعول على كونه مبنيًّا للفاعل نقول أيضًا : لا يجدى في المقام، لوجوب حمله فيما إذا كان الرادّ هو المنكر، لأنّه المتبادر منه حينئذ، إمّا لأنّه الفرد الغالب، إذ الظاهر أن يكون رادّ الحلف هو المنكر غالبًا، أو مع قطع النظر عن الغلبة و غيرها، بل من حيث انّه يتبادر من لفظ « الردّ »، لأنّ الظاهر المتبادر من لفظ « الردّ » أن يكون رادّ الشيء هو الّذي كان ذلک الشيء تحت يده، و هو هنا المنكر، لا الحاكم، لأنّ الشارع جعل اليمين حقًّا للمنكر،

ص: 333

فينبغي أن يكون الرادّ هو أيضًا لما ذكر (1) .

{ القول الثاني في المسألة }

والقول الثاني هو : أنّ الحاكم يردّ اليمين إلى المدّعي، فإن حلف فيحكم على المنكر بأداء حقّه، و إلّا فيسقط (2) .

و قد تقدّم القائل به و أدلّته المستدلّ بها عليه والجواب عنها، فلا نعيدها (3) .

و قد اختار العلّامة في الموضعين من القواعد هذا القول (4) ، و اختار ابنه في الشرح أيضًا (5) .

ص: 334


1- . جاء في حاشية الأصل : نعم، ربما يمكن القدح في الاستدلال من جهة قوله (علیه السلام) : « أو الحقّ »، بيانه هو :انّ المنكر لا يلزم على الحقّ، بل الّذي ألزم عليه هو الحلف أو ردّه، لا الحقّ، فعلى هذا قوله (علیه السلام) : « أو الحقّ »يحتمل أن يكون فيما ردّ الحلف على المدّعي و حلف هو، فحينئذٍ يكون المراد من قوله (علیه السلام) : « أو يردّاليمين » أي الحاكم، فتأمّل جدًّا ؛ منه .
2- . حكاه عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : 8 / 380 ؛ وانظر الخلاف : 6 / 290 ؛ والمبسوط : 8 / 159 ؛والمهذّب : ج 1 / ص 413 و ج 2 / ص 586 ؛ و مختلف الشيعة : 8 / 398 ؛ و تبصرة المتعلّمين : 238 ؛وقواعد الأحكام : 3 / 440 و 452 ؛ و تحرير الأحكام : 2 / 186 ؛ و غاية المراد 4 / 37 ؛ ومسالک الأفهام : 13 / 453 ؛ و كشف الرموز : 2 / 501 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 331 و 353 ؛ والدروس الشرعيّة : 2 / 89 ؛ والتنقيح الرائع : 4 / 255 .
3- . تقدّم في المسألة 17 .
4- . انظر قواعد الأحكام : 3 / 440 و 452 .
5- . انظر إيضاح الفوائد : 4 / 331 و 353 .
نكول المدّعي في اليمين المردودة إليه مسقط لحقّه

57- مسألة

اشارة

لو نكل المدّعي من اليمين المردودة إليه سقطت دعواه إجماعًا، كما في الشرائع (1) .

والنصوص المستفيضة، منها : الصحيح (2) : في الرجل يدّعي و لا بيّنة له، قال : يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا يحلف، فلا حقّ له (3) .

و منها : الموثّق المرويّ عن أبان و جميل المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: إذا أقام المدّعي البيّنة فليس عليه يمين، وإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الّذي ادّعي عليه اليمين فأبى، فلا حقّ له (4) .

و منها : المرسل المقطوع المتقدّم، و هو هذا : استخرج (5) الحقوق بأربعة وجوه - إلى أن قال : - فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف ردّ اليمين على المدّعي، و هي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف

ص: 335


1- . الشرائع : 4 / 878 .
2- . هو الصحيح المرويّ عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (علیهماالسلام).
3- . الكافي : 7 / 416 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 557 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33679 .
4- . الكافي : 7 / 417 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 63 ح 3342 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 563 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح33684 .
5- . في الكافي : استخراج .

فلا شيء له (1) .

و منها : مقبولة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في الرجل يدّعى عليه البيّنة ولا بيّنة للمدّعي، قال : يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ له (2) .

و منها : مرسلة أبان عنه (علیه السلام) أيضًا : في الرجل يدّعى عليه الحقّ و ليس لصاحب الحقّ بيّنة، قال : يستحلف المدّعى عليه، فإن أبى أن يحلف و قال : أنَا أردّ اليمين عليک لصاحب الحقّ، فإنّ ذلک واجب على صاحب الحقّ أن يحلف ويأخذ ماله (3) .

و منها : رواية أبي العبّاس عنه (علیه السلام) أيضًا (4) ، و هي مثل الموثّقة المتقدّمة .

و لا يخفى عليک أنّ مقتضى الإجماع المنقول في المسألة والنصوص المستفيضة المذكورة سقوط الحقّ والدعوى عند نكول المدّعي من اليمين مطلقًا، سواء كان في ذلک المجلس، أو في غيره .

و هو موافق بالاعتبار أيضًا، إذ لو لم يكن كذلک لكان لكلّ مدّع كلّ يوم أن يرفع خصمه عند الحاكم و لم يحلف عند ردّ اليمين عليه، فيلزم من ذلک عسر شديد .

ص: 336


1- . الكافي : 7 / 416 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 562 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33682 .
2- . الكافي : 7 / 416 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 556 ؛ الوسائل : 27 / 241 ح 33680 .
3- . الكافي : 7 / 416 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 561 ؛ الوسائل : 27 / 242 ح 33683 .
4- . الكافي : 7 / 417 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 231 ح 563 ؛ الوسائل : 27 / 243 ح 33686 .

و هذا الإطلاق هو مقتضى كثير من الفتاوى، بل في الكفاية و غيره صرّح بأنّ سقوط الدعوى مطلقًا هو المشهور (1) .

و أيضًا وضع الحاكم و جعل البيّنة واليمين و ردّها كلّ ذلک لأجل قطع النزاع ؛ وعلى تقدير عدم سقوط الدعوى في غير ذلک المجلس بمجرّد النكول لم يرتفع النزاع .

و عن المبسوط تجويز المطالبة في مجلس آخر (2) ، و هو تقييد للنصوص من غير دليل .

و قال في القواعد عند بيان حكم ما لو ادّعى المدّعى عليه و أنكر :

و إن ردّ المنكر اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه (3) دعواه، وإن نكل سقطت . و هل له المطالبة بعد ذلک ؟ إشكال (4) .

أقول : لا إشكال في ذلک بعد ما عرفت من النصوص المستفيضة الدالّة على أنّ المدّعي بعد ردّ اليمين عليه لو لم يحلف لا حقّ له، و هو نكرة في سياق النفي تفيد العموم، فيشمل مجلس النكول و غيره .

مضافًا إلى ما عرفت من التأييد بالاعتبار، بل الحكم بعدم سقوط الدعوى في

ص: 337


1- . انظر الكفاية : 2 / 692 ؛ و الخلاف : 6 / 290 - 292 ؛ والغنية : 445 ؛ و المسالک : 13 / 455 - 458 ؛وكشف اللثام : 10 / 123 ؛ والرياض : 13 / 109 .
2- . انظر المبسوط : 8 / 209 .
3- . « حقّه » لم يرد في المصدر .
4- . قواعد الأحكام : 3 / 439.

غير ذلک المجلس مشكل، لاستلزامه التخصيص في النصوص المستفيضة من غير دليل .

ثمّ إشكاله (رحمه الله) من الأصل و كون اليمين المردودة بمنزلة إقرار المنكر له بالحقّ، أو بمنزلة بيّنة المدّعي و من النهى في النصوص، و قد مرّ الجواب عن الأصل من أنّ التمسّک به إنّما هو إذا لم يعارضه دليل، و قد وجد ؛ و انّه لا دليل في كون اليمين بمنزلة شيء منهما، و سيجيء الكلام فيه أيضًا .

ثمّ في موضع من القواعد قال :

وإن ردّها المنكر توجّهت، فإن نكل سقطت دعواه إجماعًا (1) .

حيث إنّ ظاهره نقل الإجماع على السقوط مطلقًا .

لكن قال إبنه :

إنّ مراده من دعوى الإجماع هو سقوط الدعوى في مجلس النكول (2) .

ثمّ قال في هذا المقام من القواعد :

الفصل السادس في النكول، والأقرب أنّه لا يقضى به، بل يردّ اليمين على المدّعي . و لو نكل المدّعي سقطت دعواه في الحال، و له إعادتها في غير المجلس (3) .

ص: 338


1- . القواعد : 3 / 445 .
2- . الإيضاح : 4 / 331 .
3- . القواعد : 3 / 452.

و هو صريح في الفتوى بجواز المطالبة للمدّعي الناكل في مجلس آخر، لكن يحتمل أن يكون مراده من نكول المدّعي هو النكول من اليمين الّتي ردّها الحاكم، بل هذا هو الأظهر ؛ كما يحتمل أن يكون المراد مطلق النكول من اليمين، سواء كان الرادّ المنكر، أو الحاكم ؛ و على الأوّل ما ذكره هنا غير مخالف لما ذكره سابقًا، بخلافه على الثاني .

ثمّ أقول : إن كان مراده ما استظهرناه من كون اليمين المردودة من الحاكم لايبعد القول بجواز المطالبة حينئذٍ في غير المجلس، لأنّ الدليل الدالّ على سقوط الحقّ بالنكول هو ما إذا كان الرادّ هو المنكر، والتعدّي إلى غيره يحتاج إلى دليل، وليس، فبقي الأصل حينئذٍ سالمًا من المعارض .

بل نقول : لا شکّ و لا شبهة في أنّ الحكم بسقوط الدعوى بالنكول خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كان نكول المدّعي من اليمين الّتي ردّها المنكر، لما عرفت من النصوص الكثيرة في ذلک، لا غيره .

و بهذا يظهر لک ضعف آخر للقول بعدم القضاء بالنكول، حيث إنّ أصحاب هذا القول أناطوا سقوط الحقّ و العدم بردّ الحاكم اليمين إلى المدّعي، فإن حلف فاستحقّ، و إن نكل فسقطت دعواه .

و قد عرفت أنّه لا دليل لنا بكون هذا النكول مسقطًا للدعوى مطلقًا ولو كان في ذلک المجلس، بل نقول : كون حلف المدّعي حينئذٍ موجبًا للحقّ أيضًا مشكل، لعدم الدليل على ذلک .

ص: 339

و بهذا يعلم فساد هذا القول من وجه آخر زيادة على ما تقدّم، بل إنّما يستحقّ المدّعي للحقّ بمنع المنكر نفسه من الحلف والردّ، لما تقدّم من الدليل على ذلک، لا أنّ استحقاقه موقوف على ردّ الحاكم الحلف على المدّعي، فتأمّل .

سقوط حقّ المدّعي بنكوله لا يحتاج إلى حكم الحاكم

ثمّ اعلم : أنّه إذا ردّ المنكر اليمين على المدّعي ولم يحلف، هل يحتاج في سقوط حقّه إلى حكم الحاكم بأن تقول له : خلّ سبيله، أو لا حقّ لک عليه، و هكذا، أو لا ؟

و الظاهر الأخير، للنصوص المستفيضة المذكورة الدالّة على أنّ المدّعي لو نكل من الحلف لا حقّ له، و هو عامّ و تقييدها فيما إذا حكم الحاكم خلاف الأصل، لايصار إليه إلّا بدليل، و ليس فليس .

و اشتراط الأصحاب حكم الحاكم ليصير لازمًا إنّما هو بالنسبة إلى المدّعى عليه بأداء الحقّ ؛ ألا ترى قولهم صورة الحكم : أخرج إليه من حقّه، و غيره .

نعم، لو حلف المدّعي حينئذٍ يحتاج في لزوم المدّعى به في ذمّة المدّعى عليه إلى حكم الحاكم .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ المدّعي بعد النكول لو أقام البيّنة على حقّه، هل تسمع، أم لا ؟ و كذا لو أقامها المنكر بعد حلف المدّعي على الإبراء أو الأداء، هل تسمع، أم لا ؟

ص: 340

و قد ذكرناهما مستقصًى سابقًا، مَن أراد الاطّلاع فعليه الرجوع إلى ذلک (1) .

ينبغي للحاكم أن يذكر حكم النكول

ثمّ اعلم أيضًا : أنّه ينبغي للحاكم أن يشرح لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه حكم المتعلّق باليمين والنكول، بأن يقول للمدّعي : إن لم تحلف بعد أن يردّ اليمين عليک تسقط حقّک ؛ و للمدّعى عليه انّه : إن لم تحلف لک أن تردّ اليمين على خصمک، و إن لم تردّ و لم تحلف أقضي عليک بأداء حقّه، إمّا من دون ردّ اليمين إلى خصمک، أو معه إن حلف .

والظاهر أنّ هذا مرادهم من قولهم : « إن حلفت و إلّا جعلتک ناكلاً »، وإن كان العبارة غير وافية لذلک، إذ بمجرّد عدم الحلف لا يجعل ناكلاً .

و هل يجب على الحاكم ذلک ؟

الظاهر لا، وفاقًا لبعض المحقّقين من المتأخّرين (2) ، للأصل و عدم ما يوجب الخروج عنه .

إن قيل : ينبغي أن يجب ذلک إذا لم يعلم المنكر ذلک .

قلت : هذا و إن احتملناه سابقًا، لكن مقتضى التحقيق العدم مطلقًا و لو مع عدم

ص: 341


1- . تقدّم في المسألة 46 .
2- . هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 148 .

العلم، إذ التقصير منه لإمكان استفساره ذلک .

نعم، الواجب على الحاكم بعد التماس المدّعي أن يعرض له اليمين بأن يأمره بها و يقول له : قل : والله لا يستحقّ منّي مثلاً.

ثمّ إنّما يقضى عليه بعد تحقّق النكول بأن يقول : أنا ناكِل، أو أنا لا أحلف ولا أردّ ؛ أو بعد أمر الحاكم له بالحلف لا يحلف، فإذا تحقّق نكوله يقضى عليه إمّا من غير ردّ الحلف إلى المدّعي كما هو الحقّ، أو معه و مع حلف المدّعي (1) .

دعوى المنكر عدم العلم بحكم النكول تسمع أم لا ؟

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه لو لم يشرح له حكم النكول على ما مضى و حكم عليه إمّا بالردّ، أو بدونه، فرجع المنكر وادّعى عدم علمه بحكم النكول و أراد أن يحلف، هل يسمع أم لا ؟

إشكالٌ من تحقّق النكول و حكم الحاكم به و عدم دليل على معذوريّة الجاهل هنا، فلا يسمع، و هو المحكيّ عن التحرير (2) ؛ و من أنّ اليمين في الأصل حقّه،فالأصل بقاؤه إلى أن يردّه إلى المدّعي، والنكول مع العلم بحكمه قرينة على الردّ،

ص: 342


1- . انظر قواعد الأحكام : 3 / 453 .
2- . تحرير الأحكام : 10 / 148 .

بخلافه مع الجهل (1) .

هذا إن لم يحلف المنكر و لم يردّه أيضًا، و أمّا لو نكل من الحلف و ردّه على المدّعي، ثمّ بعد حلفه ادّعى عدم علمه بأنّه يحلف، أو يستحقّ بعد الحلف و أراد أن يحلف، لم يسمع قطعًا، لما عرفت في النصوص المستفيضة الدلالة على أنّه لو حلف المدّعي بعد ردّ المنكر عليه يستحقّ الحقّ .

دعوى المدّعي عدم علمه بحكم النكول غير مسموعة

هذا بالنسبة إلى المنكر، و أمّا المدّعي فإنّه إذا نكل من الحلف بعد ردّه المنكر عليه، ثمّ ادّعى عدم علمه بأنّ نكوله موجب لإسقاط حقّه و أراد أن يحلف، لم يسمع، لما عرفت من النصوص المستفيضة المتقدّمة أنّ نكول المدّعي بعد ردّ المنكر الحلف عليه مسقط لحقّه ؛ و تقييده فيما إذا لم يدّع المدّعي عدم علمه بحكم النكول خلاف الأصل ؛ هذا .

مع أنّ الأصل عدم جواز حلف المدّعي و استحقاقه للمدّعى به بذلک ؛ وغاية ما ثبت جواز حلفه عند ردّ الحلف عليه و استحقاقه بالمدّعى به بذلک الحلف، و أمّا غيره فلا.

ص: 343


1- . كشف اللثام : 10 / 148 .
عدم جواز الحلف بادّعاء الناكل منه عدم العلم بحكم النكول
هل هو مختصّ فيما إذا لم يرض خصمه بحلفه، أم عامّ ؟

ثمّ هل المنع مختصّ فيما إذا لم يرض كلّ من المدّعي والمنكر بحلف الآخر، أو يعمّه و غيره، فلا يجوز حلفهما و لو مع رضاء أحدهما على حلف الآخر ؟

أقول : توضيح المقام يحتاج إلى إرخاء القلم في بيان كلّ من الصُوَر المذكورة، فأقول : أمّا لو كان الناكل هو المدّعي - كما إذا ردّ المنكر اليمين عليه ولم يحلف - فالحقّ فيه أنّ حلفه بعد نكوله غير موجب لاستحقاقه للمدّعى به مطلقًا ولو مع رضا المنكر .

لما عرفت من النصوص المستفيضة، حيث دلّت انّ نكول المدّعي حين ردّ الحلف عليه مسقط لحقّه، و هو أعمّ من أن يرضي المنكر بحلفه بعد ذلک، أم لا ؛ وتقييدها بالثاني خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل .

إن قلت : إنّ الصورة المفروضة - و هي ما إذا ردّ اليمين إلى المدّعي و نكل، ثمّ ادّعى عدم علمه بحكم النكول، ثمّ رضا خصمه بيمينه ثانيًا - نادرة جدًّا فلاينصرف إليها إطلاق النصوص المذكورة، لأنّ من شرط انصراف المطلقات إلى جميع أفرادها تواطؤها - كما أشرت إليه غير مرّة - و قد عرفت عدمه .

قلت : على فرض تسليم ذلک نقول : عدم انصراف النصوص المتقدّمة إلى الصورة المفروضة لا يكفي في الحكم باستحقاق المدّعي للمدّعى به بحلفه بعد

ص: 344

النكول فيها .

بل غاية ما يثبت من عدم شمولها لها أنّها لا تدلّ على المنع، و لا يلزم من عدم دلالتها على المنع الجواز بالضرورة، بل يجب الرجوع في حكم الصورة المفروضة حينئذٍ إلى ما اقتضاه الأصول المعتبرة .

و معلوم أنّ صيرورة حلف المدّعي حجّة موجبة لما ادّعى عليه بعد نكوله من اليمين أوّلاً خلاف الأصل، و معلوم أنّ رضا المنكر لا يجعل غير الحجّة حجّة ؛ هذا.

مع ما عرفت العمومات الناهية من الحلف من الكتاب و السنّة و تخصيصها ثبت حين ردّ المنكر الحلف عليه، لا بعد نكوله أوّلاً .

و معلوم أيضًا أنّ رضا المنكر لا يجعل غير الجائز جائزًا، و لا يصير مخصّصًا للأدلّة الناهية عن الحلف .

و أمّا إذا كان الناكل هو المنكر، فهو لايخلو إمّا أن ردّ اليمين على المدّعي وحلف هو، ثمّ ادّعى عدم علمه بلزوم الحقّ عليه بحلف المدّعي، و رضي المدّعي بحلفه أيضًا لا يبعد القول بعدم كون هذا الحلف من المنكر مسقطًا لحقّ المدّعي .

لأنّ المدّعي بعد توجّه الحلف إليه و حلفه استحقّ المدّعى به، لما عرفت من النصوص المستفيضة، حيث دلّت على ذلک، و لم يثبت أنّ كلّ يمين من المنكر مسقطة لحقّ المدّعي و لو بعد حلف المدّعي فيما إذا ردّ عليه، لأنّ الظاهر أنّ ما دلّ على سقوط الحقّ المدّعى بيمين المنكر مختصّ بما إذا يردّها على المدّعي، و

ص: 345

هوواضح، و معلوم أنّ رضا المدّعي لا يجعل غير المسقط مسقطًا .

هذا إذا نكل المنكر من اليمين، لكن ردّها على المدّعي، و أمّا إذا نكل ولم يردّ، لكن ردّها الحاكم عليه بناءً على هذا القول و حلف المدّعي، ثمّ ادّعى المنكر عدم علمه بحكم النكول و أراد أن يحلف و رضي المدّعي بحلفه، فيجري فيه الإشكال المتقدّم من تحقّق النكول و حكم الحاكم به و عدم دليل على معذوريّة الجاهل هنا، و من أنّ اليمين حقّه في الأصل والأصل بقاؤه إلى أن يردّه هو إلى المدّعي .

و يمكن أن يقال : الأصل جواز اليمين للمنكر، لعموم الأدلّة ؛ والتخصيص ثبت فيما إذا ردّ اليمين هو إلى المدّعي، أو الحاكم، لكن مع عدم رضا المدّعي بحلفه .

و أمّا إذا ردّها الحاكم على المدّعي و حلف، ثمّ رضي بيمين المنكر في الصورة المذكورة فلا، لأنّ المتبادر من كلمات الأصحاب و دليل النكول غير ما نحن فيه، بل يمكن جريانه فيما إذا لم يرض المدّعي بحلف المنكر أيضًا، إلّا أنّ تحقّق الإجماع على خلافه .

يمين المدّعي هل هي بمنزلة
إقرار المنكر له بالحقّ ، أو بمنزلة بيّنته ؟

58- مسألة

اشارة

اعلم : أنّه اختلف في أنّ حلف المدّعي هل هو بمنزلة إقرار المنكر له بحقّه، أو بمنزلة بيّنة المدّعي ؟

ص: 346

و قد أشرنا إلى الخلاف سابقًا أيضًا، و أعدت ذكره هنا للتنبيه على بعض ما لم أنّبهه عليه هناک .

فأقول : وجه الأوّل : أنّ يمين المدّعي إنّما هو من حيث ردّ المنكر أو نكوله بناءً على القول بالردّ حينئذٍ، فيكون بمنزلة صدور الإقرار منه بالحقّ .

أمّا كون ردّه اليمين عليه بمنزلة إقراره، فلأنّ ردّ اليمين لا يكون إلّا بعد أن ألزم المنكر نفسه بأداء المدّعى به بعد حلف المدّعي ؛ والإقرار أيضًا كذلک، لأنّ الإنسان لا يقرّ بشيء إلّا بعد أن ألزم نفسه بأداء المقرّ به بعد الإقرار .

و أمّا كون نكوله بمنزلة صدور الإقرار منه، فلأنّ ترک الحلف و ردّه لا يكون إلّا من جهة استقرار الحقّ في ذمّته، لأنّه ما حلف لعلمه باستقرار الحقّ في ذمّته، و ما ردّه، لأنّه لمّا كان عالمًا باستقرار المال في ذمّته علم أنّه لو ردّه عليه ليحلف ويلزمه أداء الحقّ .

و فيه نظر، لأنّ المنع في كليهما متوجّه، أمّا في الأوّل فلأنّ ترک الحلف لايلزم أن يكون لأجل استقرار الحقّ في ذمّته، لاحتمال أن يكون تركه تعظيمًا لله تعالى، ولكراهة الحلف، و للعمومات الناهية عن الحلف وإن كان الحالف صادقًا، كقوله (علیه السلام): « لا تحلفوا بالله لا (1) صادقين و لا كاذبين » (2) ، و قد تقدّم .

و أمّا عدم استلزام ترک الردّ استقرار الحقّ في ذمّة المنكر، فلاحتمال أنّه يعلم

ص: 347


1- . « لا » لم يرد في المصدر .
2- . الكافي : 7 / 434 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 362 ح 4281 ؛ التهذيب : 8 / 282 ح 1033 ؛ الوسائل : 23 / 198ح 29357 .

أنّ المدّعي يحلف إذا ردّ الحلف عليه مع علمه بأنّه لا يطلب منه شيئًا، فلا يستلزم عدم الحلف و لا عدم الردّ الإقرار .

و قال جمع (1) في توجيه ذلک - أي كون حلف المدّعي بمنزلة إقرار المدّعى

عليه له بالحقّ - : أنّ يمين المدّعي جاءت من قبل المدّعى عليه إمّا بردّها، أو بالنكول، فيكون بمنزلة الإقرار .

و فيه نظر أيضًا، لأنّا لا نسلّم أنّ مجرّد يمين المدّعي من قبل المدّعى عليه جعلها بمنزلة الإقرار .

و كيف ؟! مع أنّ المدّعى عليه عند النكول يمتنع من اليمين والردّ، و عند الإقرار يقرّ ؛ و كيف يكون الشيء الممتنع منه كالمقرّ به ؟! و ليس هذا إلّا قياس محض، لا نقول به .

والحكم بكون أحد الشيئين المتخالفين في الحقيقة بمنزلة الآخر لا يجوز إلّا من دليل، و ليس لنا فيما نحن فيه دليل على ذلک .

هذا كلّه في وجه كون حلف المدّعي بمنزلة إقرار المدّعى عليه، و أمّا وجه كونه بمنزلة بيّنة المدّعي - كما هو قول الأكثر على ما في الإيضاح (2) - فهو أنّ المدّعي لو أقام البيّنة يحكم له، و كذا إذا حلف بعد الردّ، فيكون بمنزلتها .

ص: 348


1- . منهم الشهيد الثاني في مسالک الأفهام : 13 / 451 ؛ والمحقّق الأردبيليّ في مجمع الفائدة : 12 / 138 ؛والسيّد الطباطبائيّ في رياض المسائل : 13 / 102 .
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 355 .

و فيه أيضًا نظر، لما عرفت آنفًا من أنّ الحكم بكون أحد الشيئين المتخالفين في الحقيقة بمنزلة الآخر يحتاج إلى دليل و ليس .

و غاية ما ثبت أنّ المدّعي لو حلف بعد ردّه الحلف إليه يكون مستحقًّا لما حلف عليه، و هو لا يستلزم أن يكون حلفه بمنزلة بيّنته، أو إقرار المدّعى عليه، لجواز أن لايكون بمنزلة شيء منهما ؛ و مع ذلک يثبت بها الحقّ لوجود الدليل .

و نعم ما قال في الكفاية بعد نقل القولين :

و حجّة الطرفين غير وافية، إنتهى (1) .

فالقول بعدم كونه بمنزلة شيء منهما قويّ، إن لم يستلزم مخالفة الإجماع في المسألة .

و فرّع على القولين فروعٌ، ينبغي الإشارة إلى جملة منها، فأقول : منها : أنّ المدّعى عليه لو أقام بيّنة على الأداء أو الإبراء بعد ما حلف المدّعي تسمع بيّنته على الثاني دون الأوّل، لأنّه مكذِّب لبيّنته بالإقرار .

و منها : عدم الاحتياج بعد حلف المدّعي إلى حكم الحاكم على الأوّل، واحتياجه إليه على الثاني (2) .

و من الفروع : عدم الشرط في حلف المدّعي كونه في مجلس الحاكم على الأوّل، لأنّ الإقرار كذلک، بخلافه على الثاني .

ص: 349


1- . كفاية الأحكام : 2 / 690 .
2- . انظر مسالک الأفهام : 13 / 451 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 139 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 690 .

و لم أر مَن ذكر من الأصحاب هذا الفرع .

و منها : أنّه لو اعترفت بزوجيّة أحدهما و قلنا بأنّها إن اعترفت بزوجيّة الآخر لم تغرم المهر، فأنكرت و نكلت فحلف، فعلى الثاني يغرم المهر، دون الأوّل (1) .

نكول المدّعي عن الحلف
إذا كان له شاهد واحد غير مسقط حقّه

59- مسألة

اشارة

قد عرفت سابقًا أنّ المدّعي لو كان له شاهد واحد في ماله له أن يحلف بعد إقامته، فيستحقّ المدّعى به، فلو أقام الشاهد و نكل من الحلف هل يجوز له الحلف بعد ذلک، أم لا ؟

الظاهر الأوّل، لأنّ سقوط الدعوى بالنكول خلاف الأصل، فيجب أن يقتصر فيه على مورد النصّ و الفتوى، و هو ما إذا كان بعد ردّ الحلف إلى المدّعي، و هو هنا مفقود .

و للاستصحاب، لأنّه قبل النكول كان له أن يحلف، فالأصل بقاؤه إلى أن يثبت المانع و لم يثبت .

ص: 350


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 148 .

و عن المبسوط (1) : عدم قبول دعواه إلّا بشاهد آخر، لسقوط اليمين بالنكول، و لا دليل على ذلک، مع أنّ مقتضى الاستصحاب البقاء كما عرفت .

و لأنّه (2) كالنكول بعد نكول المنكر، إن أراد أنّ نكول المدّعي حينئذٍ كنكوله بعد نكول المنكر من حيث انّ كلاًّ منهما ترک للحلف .

و فيه : أنّ هذا القدر لا يكفي للتعدية، لما عرفت من أنّ الحكم بسقوط الدعوى بالنكول خلاف الأصل، و الاقتصار فيما خالفه على مورد النصّ لازم، و ليس المقام من ذلک .

و إن أراد أنّه مثله، بمعنى أنّ المناط محقّق، و هو أنّ سقوط اليمين هناک إنّما هو لأجل النكول فقط، لا خصوصيّة للناكل و لا للحلف المردودة، و هو متحقّق في المقام أيضًا، نطلب بالمنقح في ذلک .

فأقول : و هو إمّا العقل، و هو لا يبعده أن يكون سقوط اليمين بالنكول لأجل ردّها عليه و لم يحلف ؛ أو الإجماع، و إثباته في المقام دونه خرط القتاد .

على أنّ نكول المدّعي حينئذٍ لو كان كنكوله بعد نكول المنكر ينبغي أن يحكم بسقوط الحقّ أيضًا، لا بسقوط اليمين، لما عرفت من النصوص المستفيضة في أنّه لو نكل المدّعي بعد توجّه اليمين إليه لا حقّ له .

و إن أراد أنّ نكوله حينئذٍ كنكوله بعد امتناع المنكر من الحلف والردّ، فنمنع

ص: 351


1- . المبسوط : 8 / 211 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): عطف على لسقوط .

الأصل، فضلاً عن المنع، لما مرّ من أنّ المنكر يحكم عليه من دون ردّ، فاستحقاق المدّعي ثبت هناک بمجرّد امتناع المنكر من الحلف والردّ للمدّعى به، فلا يمين هناک على المدّعي حتّى تسقط بنكوله .

ثمّ على تقدير التسليم بناءً على غير المختار من القولين نمنع المثليّة في المقامين، لأنّ نكول المدّعي الّذي بعد امتناع المنكر من الحلف فقط أو من الردّ أيضًا ليس مثلاً للنكول الّذي من المدّعي، أو لا مع شاهد .

و على تقدير تسليم ذلک بمعنى أنّ كلاًّ منهما ترک للحلف كما مرّ، و إن كان المقام مختلفًا نطالب بدليل التعدّي كما مرّ .

لو ادّعى القاضي مالاً لميّت
لا وارث له على إنسان حكمه ماذا ؟

60- مسألة

اشارة

لو ادّعى القاضي مالاً لميّت لا وارث له على إنسان، إمّا لشهادة شاهد واحد، أو لوجوده في روزنامجته (1) و أنكر و لم يحلف، هل يحكم عليه بالنكول، أو يحبس حتّى يقرّ، أو يحلف، أو لا هذا و لا ذاک ؟

ص: 352


1- . كلمة فارسية تعني : دفتر المذكّرات اليوميّة .

احتمالاتٌ ؛ والأوفق بالقواعد الأخير، لما عرفت من أنّ القضاء بالنكول خلاف الأصل، يقتصر فيه على الموضع المتيقّن، و ليس المقام من ذلک .

مضافًا إلى أنّ القضاء بالنكول فيما مرّ لعلّه لإمكان المنكر من الحلف والردّ، وليس ما نحن فيه كذلک، لعدم إمكان الردّ فيه .

أمّا أوّلاً فلما عرفت من أنّه لايجوز الحلف إلّا مع العلم، والقاضي غير عالم بثبوت الحقّ المدّعى في ذمّة المنكر .

و أمّا ثانيًا فلما عرفت أيضًا من أنّه لا يجوز الحلف لإثبات مال الغير، و عدم كون الوارث للميّت لا يجعل القاضي مالكًا، بل ماله حينئذٍ من بيت المال ؛ و أمّا الحبس فهو عقوبة يحتاج إلى موجب، و ليس .

إن قلت : ما روي عنه (صلی الله علیه واله): « ليّ (1) الواجد يُحلّ عقوبته » (2) ، مقتضاه ذلک،لأنّ الشخص المفروض متمكّن من الحلف و واجد له، و لِيُّه عن ذلک يُحلّ عقوبته ؛ والمراد من العقوبة على ما فسّر هو الحبس، فالشخص المذكور يجوز حبسه .

قلت : مع الإغماض عن جميع ذلک نقول : لا دخل للرواية في المقام، لأنّ الظاهر منه أنّه ورد في حقّ مَن ثبت عليه الحقّ، و هو باطل أدائه، و ما نحن فيه

ص: 353


1- . الليّ : المطل و عدم وفاء الدين، كما في النهاية : 4 / 280 . و في القاموس : « المطل : التسويف بالعدّةوالدين »، ( القاموس المحيط : 4 / 51 ).
2- . أمالي الطوسي : 520 ح 1146 ؛ الوسائل : 18 / 333 ح 23793 ؛ عوالي اللّألئ : 4 / 72 ح 44 ؛ مسند أحمد : 4 / 222 ؛ صحيح البخاري : 3 / 155 ؛ سنن أبي داود : 3 / 313 ح 3628 ؛ سنن النسائي : 7 /316 ؛ سنن البيهقي : 6 / 51 .

ليس من هذا القبيل كما لا يخفى .

والمتبادر من الواجد في قوله : « ليّ الواجد يحلّ عقوبته »، هو الواجد للمال ومتمكّن منه، لا أنّه واجد للحلف و متمكّن منه، إذ الحلف ليس بمال، فلم يبق إلّا الاحتمال الثالث، فلا يحكم عليه بالنكول و لا يحبس .

و يمكن أن يقال : إنّ قوله (علیه السلام) : « واليمين على من أنكر » يدلّ على وجوب اليمين على كلّ منكر، و منه الشخص المفروض، فترک الحلف حينئذٍ ترک للواجب، و تارک الواجب يجبر على تركه إلى أن يؤدّى بالحبس و غيره .

لو ادّعى الفقير إقرار الخصم بثبوت الزكاة في حقّه

61- مسألة

اشارة

لو ادّعى الفقير إقرار المالک بثبوت الزكاة في ذمّته فأنكر، هل يجوز للمدّعي أن يحلف إذا كان له شاهد واحد ؟

الظاهر لا، لأنّ الحلف لا يثبت إلّا حقّ الحالف كما عرفت ؛ و هذا المال بعد ثبوته لا يكون حقّ المدّعي، لجواز إعطائه لفقير آخر .

نعم، لو انحصر الفقير في ذلک و لم يكن غيره يمكن حلفه، لأنّه حينئذٍ لإثبات حقّ الحالف .

و لو ادّعى و لم يكن له شاهد، أو كان لكن لم ينحصر الفقير في ذلک، فأنكر

ص: 354

المالک و لم يحلف، هل يحكم عليه بالنكول، أو يجبر على الحلف أو الإقرار، أو لا هذا و لا ذاک ؟

مقتضى ما ذكرناه آنفًا هو الثاني، و لا يحكم عليه بالنكول لما تقدّم، فتأمّل .

{ لابدّ أن يكون المدّعي على الغائب مدّعيًا شيئًا معلومًا }

62- مسألة

اشارة

قيل (1) : لابدّ أن يكون المدّعي على الغائب مدّعيًا شيئًا معلومًا في جنسه ووصفه و قدره، و إن أجزنا ادّعاء المجهول على الحاضر .

و ذلک فإنّ الحاضر لما ادّعي عليه المجهول و ثبت ذلک عليه يؤخذ بالمسمّى ويجبر على نفي الزائد بالحلف إن ادّعي عليه ؛ و لا يمكن ذلک في الغائب، لأنّه لايمكن حلفه على نفي الزائد .

و فيه نظر، لأنّ مع عدم تمكّن الغائب من الحلف على نفي الزائد لا يجوز طرح الدعوى و عدم سماعها مطلقًا لجواز الحكم له بالمسمّى، فإن تمكّن من الغائب له إحلافه على نفي الزائد، و إلّا فلا، فالقول باشتراط العلم في الجنس والوصف والقدر مشكل .

ص: 355


1- . قائله الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 150 .

نعم، يصحّ ذلک بالنسبة إلى الجنس، فإنّ العلم به لابدّ منه، فلو لم يعلم الجنس لايسمع دعواه، لعدم الفائدة في ذلک .

و أمّا بالنسبة إلى الوصف والقدر، فالظاهر عدم اشتراط سماع الدعوى بعلمهما، إذ معه يلزم إضاعة الحقّ .

فعلى هذا لا فرق في الدعوى بين الحاضر والغائب في ذلک، لاشتراط العلم بالجنس في الموضعين و عدم اشتراط العلم بالوصف والقدر فيهما .

ثمّ هل يشترط في المدّعي أن يدّعى عليه صريحًا بأن يقول : « إنّي مطالب به »، فلو قال : « لي عليه كذا »، لم يكف في الحكم ؛ أو لا، فيجوز أن يكون دعواه بمثل الثاني أيضًا ؟

اختار في القواعد (1) الأوّل، فنصّ على عدم كفاية الثاني .

أقول : لا شکَّ و لا شبهة في أنّه يصدق على من ادّعى على غائب أنّ لي عليه كذا أنّه مدّع، فيدخل تحت عموم قوله (عليه السلام): « البيّنة على من ادّعى » (2) ؛ و ثمرةكون البيّنة له جواز الحكم له بعد إقامتها و تخصيصه فيما إذا لم يكن دعواه مثل ما ذكر خلاف الأصل، فتأمَّل ؛ هذا .

مضافًا إلى إطلاق الصحيح المرويّ في التهذيب : « أنّ الغائب يقضى عليه إذا

ص: 356


1- . القواعد : 3 / 454 .
2- . الكافي : 7 / 415 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 229 ح 553 ؛ الوسائل : 27 / 233 ح 33666 .

قامت عليه البيّنة » (1) ، لأنّه (عليه السلام) علّق القضاء على الغائب بإقامة البيّنة عليه، و هو أعمّ من أن يكون مقيم البيّنة دعواه مثل الأوّل أو الثاني، و تقييده فيما إذا لم يكن الدعوى مثل الثاني تقييد للنصّ من غير دليل .

هل يحكم على الغائب بشاهد و يمين، أم لا ؟

63- مسألة

اشارة

لا يحكم على الغائب إلّا بعد إقامة البيّنة، و هو واضح، لما عرفت من الصحيح المذكور، و هو : أنّ الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة و يباع ماله و يقضى عنه دينه .

و هل يحكم عليه فيما إذا أقام المدّعي شاهدًا واحدًا مع يمينه، أم لا ؟

أقول : ذلک موقوف على أنّ البيّنة هل هي مختصّة بشاهدين مثلاً، أو يشمل اليمين و شاهد واحد أيضًا .

والحقّ الثاني، فيجوز الحكم عليه بشاهد و يمين أيضًا، لعموم قوله (عليه السلام) : «الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة »، فتأمَّل .

مضافًا إلى إطلاق النصوص المتقدّمة الدالّة على جواز الحكم بشاهد ويمين،

ص: 357


1- . الكافي : 5 / 102 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 191 ح 413 ؛ الوسائل : 27 / 294 ح 33782 .

كصحيحة أبي مريم المتقدّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أجاز رسول الله (صلي الله عليه واله) شهادة رجل مع يمين صاحب الحقّ (1) .

و غيرها، فتأمّل أيضًا .

و إلى إطلاق و عموم كلمات الأصحاب في مسألة جواز القضاء بشاهد و يمين حيث قالوا : يجوز القضاء بشاهد و يمين في الأموال من غير استثناء الغائب (2) .

و يمكن الاستدلال لذلک بالفحوى، بيانه هو : أنّه لو جاز الحكم بشاهد و يمين مع حضور المدّعي و إنكاره، فمع الغياب بطريق أولى .

لا يشترط الحكم على الغائب بادّعاء المدّعي إنكاره

و هل يشترط في الحكم على الغائب ادّعاء المدّعي إنكار الغائب عن حقّه، لأنّ البيّنة إنّما تطلب بعد إنكار الخصم، أم لا ؟

الظاهر لا، لأنّ الظاهر من استقراء الأحكام الشرعيّة أنّ البيّنة حجّة بنفسها أيّ موضع تحقّقت .

ألا ترى أنّها إذا شهدت بنجاسة شيء نقبل، و كذا بتطهيره بعد النجاسة، و كذا برؤية الهلال و جهة القبلة و غير ذلک .

ص: 358


1- . الاستبصار : 3 / 33 ح 115 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 744 ؛ الوسائل : 27 / 267 ح 33740 .
2- . انظر المبسوط : 8 / 254 ؛ والمختصر النافع : 275 ؛ و شرائع الإسلام : 4 / 921؛ والتحرير: 5 / 267 ؛والقواعد : 3 / 449 ؛ وكشف اللثام : 10 / 137 .

نعم، لو كان الخصم حاضرًا لا نطلب البيّنة إلّا بعد إنكاره عن المدّعى به ؛ و ذلک لأنّه لا حاجة إليها و لا ثمرة لها إلّا بعد إنكاره، لأنّ الخصم إذا أقرّ فإقراره مثبت للمدّعى به، فلا حاجة إلى البيّنة .

و كذا إذا سكت و لم يجب بشيء، بناءً على القول بأنّه يحكم عليه بعد قول الحاكم له : إن أجبت و إلّا جعلتک ناكلاً .

و بالجملة نقول : البيّنة تطلب في كلّ دعوى إلّا إذا قيّد المطالبة بها بشيء، و قد ثبت أنّ المطالبة بها عند حضور الخصم لا يكون إلّا بعد إنكاره ؛ و أمّا إذا كان غائبًا فلا.

فعلى هذا لو ادّعى على خصمه الغائب من غير تعرّض لجحوده و لا إقراره بما ادّعاه عليه و أقام بيّنة يحكم له، بل و لو اعترف اعترافه بذلک .

ثمّ مع إقامة البيّنة على الغائب هل يتوقّف الحكم له على يمينه على بقاء الحقّ في ذمّته و عدم وفائه ذلک، أو لا ؟

قولان، المشهور على ما نقل هو الأوّل، و ذهب المحقّق في الشرائع (1) إلى الثاني، و هو ظاهره في النافع (2) ، و نقله في الكفاية (3) عن جماعة من الأصحابمنهم المحقّق .

ص: 359


1- . الشرائع : 4 / 874 .
2- . المختصر النافع : 277 .
3- . كفاية الأحكام : 2 / 695 .

و قد تقدّم الكلام فيه مستقصًى، مَن أراد الاطّلاع فعليه الرجوع إلى ما ذكرناه (1) .

لو ادّعى وكيل الغائب حقّ موكّله
وادّعى الخصم الإبراء لم تسمع

64- مسألة

اشارة

لو ادّعى وكيل الغائب حقّ موكّله و أقام البيّنة على ذلک وادّعى الخصم أنّ موكّلک أبرأني، أو دفعت إليه، لم يمكن حلف الوكيل على بقاء المال في ذمّته .

لما تقدّم مفصّلاً من أنّ الوكيل لا يجوز حلفه، بل ألزم الخصم بتسليم المال، وفاقًا للشرائع والقواعد والإرشاد والإيضاح (2) ؛ لثبوته في ذمّته بحكم الاستصحاب، فادّعاء الإبراء أو الدفع خلاف الأصل يحتاج إلى دليل .

و لأنّه لو توقّفت المطالبة بمجرّد ادّعاء الخصم إبراء صاحب الحقّ، أو الدفع إليه لتعذّر استيفاء الحقوق بالوكالة، فينتفي فائدة الوكالة حينئذ .

والثاني باطل، لثبوت الوكالة بالنصّ والإجماع، فلو لم يكن لها فائدة لكانت لغوًا غالبًا، إلّا فيما أقام البيّنة على الحقّ و على ثبوته في ذمّته حين الدعوى

ص: 360


1- . تقدّم في المسألة 29 .
2- . الشرائع : 4 / 875 ؛ القواعد : 3 / 454 ؛ الإرشاد : 2 / 147 ؛ الإيضاح : 4 / 358.

لسماع البيّنة من صاحب الحقّ : إنّ خصمي ما أدّى إليّ حقّي و لا أبرأته أنا منه، لكن لا مطلقًا أيضًا، بل لو حصل العلم للبيّنة بعد أن سمع ذلک من صاحب الحقّ بعدم ملاقات الخصم لصاحب الحقّ ليوفيه حقّه، أو ليعلمه صاحب الحقّ بإبراء ذمّته من حقّه، و بعدم أداء الحقّ بواسطة أيضًا .

و كذا بالنسبة إلى الإبراء، لكن هذا نادر جدًّا، والنادر كالمعدوم، فيلزم عدم الفائدة للوكالة .

بيان الملازمة هو : أنّه يمكن لكلّ خصم إذا ادّعاه وكيل خصمه أن يدّعي الإبراء أو الدفع، فيتوقّف المطالبة .

و لأنّ تأخير الأداء يؤدّي إلى الضرر، لأنّ صاحب الحقّ ربما يكون محتاجًا إلى حقّه و لم يمكنه الحضور إلى أن يأخذ حقّه بالحلف أو بغيره، فتأخير الأداء حينئذٍ ضررعليه، و هو منفيّ بالنصّ والإجماع .

و على فرض عدم احتياجه إليه أيضًا كذلک، لأنّه ربما يحصل من حقّه بعد أداء الخصم نفع، و عدمه يستلزم عدمه، فيلزم الضرر عليه أيضًا، فلابدّ من الحكم بتسليم الحقّ إلى الوكيل حينئذ .

نعم، بقيت الدعوى حينئذٍ بينه و بين صاحب الحقّ، فإن أقرّ بالإبراء أو الدفع فالحكم واضح، و إلّا فينعكس الأمر بينهما بأن يصير المدّعي منكرًا والمنكر مدّعيًا، و يقضى حينئذٍ بينهما بما هو المقرّر المعلوم .

إن قلت : إنّ الحكم على الخصم مع دعواه الإبراء أو الأداء ضررٌ أيضًا،

ص: 361

لاحتمال صدق ما يدّعيه، فالحكم عليه بالأداء يستلزم الضرر عليه .

قلت : هذا ضرر محتمل، و ذلک ضرر معلوم، والمعلوم لا يترک و لا يعارض بالمحتمل .

هذا كلّه إذا ادّعى الخصم الإبراء أو الأداء، و لم يكن له بيّنة على ذلک، و إلّا فمع إقامتها على ما ادّعاه فالحكم واضح ؛ أمّا لو ادّعى الإبراء أو الأداء و قال : إنّ لي بيّنة، لكنّها غائبة، فأقول : مقتضى ما ذكرناه وجوب الأداء عليه و يستمرّ ذلک إلى أن يمنع منه مانع، والّذي ثبت مانعيّته هو إقامة البيّنة، لا دعوى وجودها .

والحاصل : انّ استحقاق الوكيل للحقّ حينئذٍ معلوم، و لا يدفعه إلّا حجّة معلومة مثله، والبيّنة حينئذٍ محتملة، و قد عرفت آنفًا أنّ المعلوم لا يترک بالمحتمل .

و قال بعض المتأخّرين :

إن ادّعى البيّنة وقف إلى إحضارها، و لعلّه لا يؤجّل أزيد من ثلاثة أيّام (1) .

أقول : إن ثبت الإجماع في ذلک فهو، و إلّا فمقتضى القواعد ما حرّرناه .

هذا كلّه إذا ادّعى الوكيل على الخصم و أقام بيّنة على ما ادّعاه، و كذا الكلام فيما إذا ادّعى عليه و أقرّ هو بما ادّعاه عليه، ثمّ ادّعى الإبراء أو الأداء، فإنّه يحكم عليه حينئذٍ بتسليم المدّعى به إلى الوكيل لجميع ما مرّ .

ص: 362


1- . كشف اللثام : 10 / 152 .

و أمّا إن ادّعى و ليس له بيّنة و لم يقرّ الخصم أيضًا بأصل الدعوى، بل أنكر، فليس للوكيل عليه تسلّطٌ، إلّا أنّه قادرٌ على إحلافه، فإن حلف فسقطت الدعوى، وإلّا يحكم عليه بتسليم الحقّ، و لا يمكن الردّ هنا لما تقدّم .

القضاء على الغائب

65- مسألة

اشارة

اتّفق الأصحاب - على ما يظهر من جمع من الأعلام (1) - على جواز القضاء على الغائب في الجملة، قال في المسالک :

مذهب أصحابنا جواز القضاء على الغائب في الجملة ؛ و هو مذهب أكثر العامّة، كالشافعيّ (2) و مالک (3) و أحمد (4) و جماعة من الفقهاء (5) ، وخالف فيه أبو حنيفة (6) ، إلّا أن يتعلّق بخصم حاضر كشريک أو وكيل (7) .

ص: 363


1- . منهم : الشيخ الطوسيّ في الخلاف : 6 / 238 ؛ و الشيخ الطبرسي في المؤتلف : 2 / 525 ؛ والشهيد الأوّلفي غاية المراد : 4 / 53 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 13 / 467 ؛ و المحقّق السبزواريّ في الكفاية : 2 /697 ؛ والسيّد الطباطبائيّ في الرياض : 13 / 180 .
2- . انظر الحاوي الكبير : 16 / 296 ؛ و روضة الطالبين : 8 / 158 .
3- . انظر بداية المجتهد : 2 / 472 ؛ و الكافي للقرطبي : 2 / 931 ؛ و مختصر خليل : 298 .
4- . انظر المغني، لابن قدامة : 11 / 486 ؛ والكافي في فقه الإمام أحمد : 4 / 301 ؛ والإنصاف : 11 / 298 .
5- . انظر المغني، لابن قدامة : 11 / 486 .
6- . انظر اللباب في شرح الكتاب : 4 / 88 ؛ و المبسوط للسرخسي : 17 / 39 .
7- . مسالک الأفهام : 13 / 467 .

قال في الكفاية :

مذهب أصحابنا و أكثر العامّة جواز الحكم على الغائب في الجملة ؛ ويدلّ عليه من النصّ (1) ما رواه الشيخ عن جميل، عن جماعة من أصحابنا، عنهما (عليهماالسلام) قال (2) : « الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة،و يباع ماله، و يقضى عنه دينه و هو غائب، و يكون الغائب على حجّته إذا قدم، قال: و لا يدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء (3) » (4) .

و روى بسند آخر صحيح عن جميل مثل ذلک (5) .

و من طرق العامّة ما روي عنه (صلي الله عليه واله) أنّه قال لهند زوجة أبي سفيان - و قد قالت : إنّ أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني و ولدي - : « خذي ما يكفيک وولدک بالمعروف » (6) ، و كان أبو سفيان غائبًا عن المجلس .

ص: 364


1- . في المصدر : « والحجّة عليه غير واحد من الأخبار من طريق العامّة، و من طريق الخاصّة ما رواه الشيخ »إلى آخر ما نقله عنه .
2- . في المصدر : قالا .
3- . التهذيب : 6 / 296 ح 827 ؛ الوسائل : 27 / 294 ح 33782 .
4- . كفاية الأحكام : 2 / 697 .
5- . التهذيب : 6 / 191 ح 413 ؛ رواه عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسن، عن جعفر بن محمّد بنحكيم، عن جميل بن درّاج، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، و زاد في آخره : إذا لم يكن مليًّا .ورواه الكلينيّ عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسن مثله ( الكافي : 5 / 102 ح 2 ).
6- . المسند للشافعي : 266 و 288 ؛ مسند أحمد : 6 / 39 و 50 و 206 ؛ صحيح البخاري : 7 / 36 و 193و8/ 116 ؛ صحيح مسلم : 5 / 129 ؛ سنن الدارقطني: 2 / 159 ؛ سنن أبي داود : 2 / 150 ح 3532 و 3 /289 ح 3532 ؛ سنن النسائي : 8 / 246 ح 5420 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 769 ح 2293 ؛ سنن البيهقي : 7 /477 .

فلا إشكال في المسألة فيما إذا كان الغائب غائبًا عن البلد مطلقًا، سواء كان قريبًا أو بعيدًا ؛ و كذا إذا كان فيه، لكن يتعذّر من الحضور ؛ و في المسالک ادّعى اتّفاق أصحابنا على ذلک (1) .

بقي الكلام في مَن كان غائبًا عن المجلس، لكنّه في البلد و أمكن حضوره ؛ وفي المسالک والكفاية : أنّ المشهور جواز القضاء عليه أيضًا، واستدلّا عليه بعموم الأدلّة (2).

و فيه نظر، لأنّ ما تقدّم من النصّ لا عموم فيه، أمّا في الأوَّل : فلأنّ لفظ «الغائب » فيه و إن كان مطلقًا، لكن شرط انصرافه إلى جميع الأفراد تواطؤها، ولا شکَّ أنّ المتبادر من الغائب من كان غائبًا من البلد .

و أمّا في الثاني : فلأنّه مع تسليم سنده نقول : إنّه و إن لم يمكن فيه الجواب بما مرّ، لأنّ قوله : « و كان أبو سفيان غائبًا عن المجلس » لو لم يكن المتبادر منه مَن كان في البلد و غاب عن المجلس، فلا أقلّ من التساوي .

إلّا أنّ الجواب عنه أنّه قضيّة في واقعة، و يحتمل أن يكون حكمه (صلي الله عليه واله) لأجل أنّه كان شحيحًا أو غيره، و قد عرفت غير مرّة أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال (3) ، و بالمجمل لا يصحّ الاستدلال، فأين

ص: 365


1- . مسالک الأفهام : 13 / 467 .
2- . المسالک : 13 / 468 ؛ الكفاية : 2 / 697 ؛ وانظر رياض المسائل : 13 / 181 .
3- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

العموم ؟!

نعم، ذكر في المسالک (1) عن طرقهم أنّهم رووا عن أبي موسى الأشعريّ قال :كان النبيّ (صلي الله عليه واله) إذا حضر عنده خصمان فتواعدا الموعد، فوفى أحدهما ولم يف الآخر، قضى للّذي وفي على الّذي لم يف (2) .

لكن أوّل ما يرد عليه أنّه عامّيّ لا يجوز التمسّک به لإثبات حكم .

و أيضًا أنّ ظاهره خلاف الإجماع، لأنّ ظاهره أنّه (صلي الله عليه واله) قضى بمجرّد وفاء أحد الخصمين و عدم وفاء الآخر، و هو أعمّ من أن يكون له بيّنة، أم لا .

و أيضًا أنّه أخصّ من المدّعى، لأنّ المدّعى أنّ الغائب يحكم عليه مطلقًا، وهو إنّما يدلّ على جواز القضاء على الغائب إذا خالف الموعد .

والجواب أمّا عن الأوّل : فلأنّه و إن كان عاميًّا، لكنّه منجبرٌ بالشهرة كما عرفت من المسالک والكفاية ؛ والحقّ حجّيّة الرواية المنجبرة بالشهرة و لو كانت عامّيّة .

و أمّا عن الثاني : فلأنّه وإن كان مطلقًا، لكنّه مقيّد بالإجماع و غيره، و تقييد الدليل لدليل لا يخرجه عن الحجّيّة .

و أمّا عن الثالث : فلأنّه و إن كان أخصّ من المدّعى، لكن يتمّ المدّعى بالإجماع المركّب، لأنّ الأصحاب على قولين :

ص: 366


1- . مسالک الأفهام : 13 / 468.
2- . الحاوي الكبير : 16 / 298 ؛ روضة الطالبين : 8 / 158 ؛ وانظر الخلاف : 6 / 240 ؛ و كنز العمّال : 5 /849 ح 14539 .

الأوّل : جواز القضاء على من غاب عن المجلس مع كونه في البلد و متمكّنًا من الحضور، كما عرفت أنّه المشهور .

والثاني : المنع من ذلک، كما هو المنقول عن الشيخ في المبسوط (1) ، معلّلاً بأنّ القضاء على الغائب موضع ضرورة، فيقتصر فيه على محلّها .

و كلا القولين مطلق يشمل ما لو كان للخصمين موعد، أم لا ؛ و على تقديره وَفى أحدهما بالموعد دون الآخر، أم لا، فإذا ثبت جواز القضاء في صورة منها نقول في غيرها بالإجماع المركّب ؛ و ليس هذا بأوّل قارورة كسرت في الإسلام، فإنّ كثيرًا من الأحكام الشرعيّة يثبت بذلک ؛ هذا .

مع أنّ القول بعدم جواز الحكم على الغائب إذا كان في البلد و لم يتعذّر حضوره، لم ينقل إلّا من الشيخ (2) ، فكأنّه ملحوق بالإجماع .

نعم، ربما مال إليه بعض متأخّر المتأخّرين (3) ، لكن لا يعبؤ به، فعلى هذا القول

بالإطلاق غير بعيد .

إذا علمت ذلک، فقد ظهر لک أنّ حضور المدّعى عليه غير مشروط في سماع البيّنة .

ص: 367


1- . المبسوط : 8 / 162 .
2- . المبسوط : 8 / 162 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 153 ؛ و الرياض : 13 / 181 .
3- . هو أستاذ المصنّف (قدس سره): العلّامة السيّد عليّ الطباطبائيّ (رحمه الله) في الرياض : 13 / 182 ؛ كما مال إليه أيضًاالمقدّس الأردبيليّ في مجمع الفائدة : 12 / 205 .
يقضي على الغائب في حقوق الآدميّ لا في حقوق الله تعالى

66- مسألة

اشارة

يقضي على الغائب في حقوق الآدميّ، كالديون والعقود والطلاق والعتق والجنايات والقصاص، لأنّها مبنيّة على الاحتياط، لا في حقوق الله تعالى - كالزنا واللواط و شرب الخمر - لأنّها على التخفيف (1) .

و لأنّ أصل الحكم على المدّعى عليه و لو كان حاضرًا خلاف الأصل، لكن قلنا به في الحاضر مطلقًا و لو في حقوق الله - تعالى - لقيام الدليل، و أمّا في الغائب فلم يثبت دليل يدلّ على جواز الحكم و لو في حقوق الله - سبحانه - لاختصاص دليل المسألة بحقّ الآدميّ، لأنّ دليلها إمّا الإجماع، و معلوم اختصاصه بذلک، فلا يشمل حقوق الله - تعالى - بل لو ادّعاه واحد على عدم جواز الحكم على الغائب في حقوق الله - تعالى - كان مصيبًا ظاهرًا .

و أمّا النصّ و هو أيضًا مختصّ بذلک، أمّا اختصاص النصّ المرويّ من طرق الخاصّة بذلک فلأنّ مورده ذلک بقرينة قوله (عليه السلام): « و يباع ماله، و يقضى عنه دينه، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم، قال : و لا تدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء » (2) .

ص: 368


1- . انظر القواعد : 3 / 455 ؛ و غاية المرام : 4 / 236 ؛ و كشف اللثام : 10 / 153 .
2- . التهذيب : 6 / 296 ح 827 ؛ الوسائل : 27 / 294 ح 33782 .

و أمّا اختصاص المرويّ عن طرقهم بذلک فظاهرٌ بالنسبة إلى حكاية هند ؛ و أمّا الرواية الأخرى فلأنّ قوله : « قضى للّذي وفي على الّذي لم يف » ظاهره ذلک .

فإذا عرفت اختصاص الأدلّة بحقّ الآدميّ نقول : يجب الاقتصار عليه و عدم التعدّي إلى غيره اقتصارًا فيما خالف الأصل المتيقّن على القدر المعلوم .

فلو جمع الدعوى حقّين : حقّ الله تعالى، و حقّ الآدميّ - كالسرقة بالنسبة إلى القطع والغرم - يقضى بالنسبة إلى الثاني، لا الأوّل .

قال في الشرائع :

ولو اشتمل الحكم على الحقّين قُضِي بما يختصّ الناس، كالسرقة يقضى بالغُرم، و في القضاء بالقطع تردّد، إنتهى (1) .

منشأه من حيث انّ القطع حقّ الله - تعالى - فينبغي أن لا يقضى فيه ؛ و من حيث انّه مع الغرم معلولان لعلة واحدة و ثبت القضاء في الثاني، فينبغي أن يقضى فيه أيضًا.

و في المسالک :

و باقي الأصحاب قطعوا بالفرق وانتفاء القطع، نظرًا إلى وجود المانع من الحكم في أحدهما دون الآخر . و تخلّف أحد المعلولين لمانع واقع كثيرًا، و منه في هذا المثال ما لو أقرّ بالسرقة مرّة، فإنّه ثبت (2) عليه

ص: 369


1- . شرائع الإسلام : 4 / 875 .
2- . في المصدر : يثبت .

المال دون القطع، ولو كان المقرّ محجورًا عليه في المال ثبت الحكم في القطع دون المال، فليكن هنا كذلک. والأصل فيه أنّ هذه ليست عللاً حقيقيّة، و إنّما هي معرِّفات للأحكام (1) .

لا عبرة بكتابة قاضٍ إلى آخر

67- مسألة

اشارة

لا عبرة عندنا بكتاب قاضٍ إلى آخر، فلو كتب حاكم إلى آخر : انّي أنفذت الحكم الفلانيّ مثلاً، فلا يجوز له إنفاذه بذلک إجماعًا، كما في السرائر والقواعد ؛ وعن الخلاف و التحرير و المختلف (2) .

و للخبرين، أحدهما : ما رواه السكونيّ عن مولانا جعفر، عن أبيه، عن عليّ : : أنّه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدِّ و لا غيره، حتّى وليت بنو أميّة، فأجازوا بالبيّنات (3) .

و ثانيهما : ما رواه طلحة بن زيد عنه، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام) أيضًا مثل ذلک (4) .

ص: 370


1- . مسالک الأفهام : 13 / 469 .
2- . الخلاف : 6 / 224 ؛ السرائر : 2 / 176 ؛ القواعد : 3 / 456 ؛ المختلف : 8 / 428 ؛ التحرير : 5 / 235 .
3- . التهذيب : 6 / 300 ح 840 ؛ الوسائل : 27 / 297 ح 33788 .
4- . التهذيب : 6 / 300 ح 841 ؛ الوسائل : 27 / 298 .

و للإعتبار، لأنّ الحكم بأخذ المال مثلاً من يد غير و تسليمه إلى الغير و تسليطه عليه لابدّ من أن يناط بالعلم أو الظنّ الشرعيّ، و ليس في المكتوب شيء من ذلک (1) .

و لا يخفى أنّ مقتضى ما ذكر من الإجماعات المنقولة و غيرها عدم جواز العمل بالكتابة مطلقًا ولو كان في حقوق الناس، خلافًا للمحكيّ عن ابن الجنيد (2) من التفصيل بين حدّ الله - تعالى - و حقوق الناس، فمنع عن العمل بها في الأوّل وجوّزه في الثاني .

و عبارته المنقولة في المسالک هذه :

لا يجوز عندنا كتاب قاض إلى قاض في حدّ لله تعالى .

إلى أن قال :

فأمّا ما كان من حقوق الناس بعضهم على بعض في الأموال و ما يجري مجراها دون الحدود في الأبدان، فجائز كتاب القضاة من قبل إمام المسلمين بعضهم إلى بعض (3) .

و هو شاذّ، و في مقابلة الإجماعات المنقولة ضعيف، و خروجه لمعلوميّة نسبه غير مضرّ ؛ والروايتان المذكورتان ناطقتان على خلافه، و هما وإن كانتا

ص: 371


1- . كشف اللثام : 10 / 156 .
2- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 428 ؛ والرياض : 13 / 148 .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 7 .

ضعيفتين، إلّا أنّ الإجماعات المنقولة والآيات الكثيرة و الاعتبار جابرة لضعفها .

قال العلّامة :

و هذان الراويان و إن كانا ضعيفين، إلّا أنّ الرواية من المشاهير، فلا اعتبار حينئذٍ بالطعن في الراوي (1) .

أراد بالراويان السكونيّ و طلحة بن زيد المذكورين .

واعلم : أنّ مرادهم من عدم جواز العمل بكتابة القاضي هو ما إذا لم يحصل العلم بأنّه حكمه بين الخصمين، و أمّا لو حصل له العلم بالكتابة بأنّه حكمه بينهما فيجوز له إنفاذه حينئذٍ، لأنّ الشارع أمضى حكمه، فالقاضي بطريق أولى ؛ ولفحوى ما سيأتي في المسألة الآتية أيضًا ؛ و إطلاق بعض الإجماعات المنقولة، و كذا إطلاق الروايتين لا ينصرف إليه لندرته .

يجوز الحكم بشهادة الشهود على الحكم

68- مسألة

اشارة

لو حكم حاكم بين خصمين فصاعدًا، ثمّ أشهد على حكمه شاهدين، يجوز لحاكم آخر إنفاذ حكم ذلک الحاكم إذا شهد الشاهدان عنده بحكمه، بل يجب ؛

ص: 372


1- . المختلف : 8 / 428 .

وهو الّذي عليه الأكثر، كما في كشف اللثام (1) .

و استدلّ لذلک بوجوه :

{ الوجه الأوّل }

الأوّل هو : أنّه ربما يكون للمدّعي حقّ في بلد بعيد و لم يكن له فيه شهود، بل شهوده في غير ذلک البلد و لم يمكن له نقل الشهود إلى بلد فيه حقّه، و حينئذٍ إثبات حقّه موقوفٌ على إقامة الشهود في بلدهم عند حاكم البلد، لكن يمكن له إقامة الشهود على حكم الحاكم عند حاكم البلد الّذي فيه حقّه، فلو لم نجوّز إنفاذه حكم الحاكم الأولى بالشهود على الحاكم يلزم ضياع الحقوق، و هو غير جائز، فثبت الجواز.

إن قلت : لا نسلّم عند عدم تمكّن نقل شهود الأصل إلى بلد الحقّ انحصار وجه التوصّل بالحقّ في جواز إنفاذ الحاكم الثاني حكم الحاكم الأوّل بالشهود على الحكم، لإمكان التوصّل إلى الحقّ بإقامة الشهادة على شهود الأصل عند حاكم بلد الحقّ .

قلت : نفرض المسألة فيما إذا لم يمكن نقل الشهود على شهود الأصل أيضًا، كما إذا شهدت شهود الأصل عند الحاكم ولم يسمع منهم أحد، ثمّ اتّفق موتهم، لكن أمكن من الشهادة على الحكم عند حكم الحاكم .

ص: 373


1- . كشف اللثام : 10 / 157 .

و على فرض التسليم نقول : الشهادة الثالثة في الشهادة على الشهادة غير مسموعة، والمرتبة الثالثة من الشهادة على الحكم بمنزلة المرتبة الثانية من الشهادة على الشهادة، فتكون مسموعة .

و ربّما يتعذّر نقل الشهادة في المرتبة الثالثة، و هي مسموعة من الشهادة على الحكم دون الشهادة على الشهادة، فتحقّق موضع التوصّل إلى الحقّ فيه موقوفٌ على الشهادة على الحكم، فيجب العمل بها لما تقدّم .

{ الوجه الثاني }

الثاني : أنّه لو لم يجز ذلک لبطلت الحجج مع تطاول المدّة، لأنّ الحاكم يموت فيبطل حكمه، فتنتفي فائدة الحكم حينئذ، بخلاف ما إذا أشهد على حكمه و لو قبل موته بيسير، فإنّ الشهود تصير طبقة ثانية بعده، فإذا أنفذ حكمه بشهادتهم طال زمان نفوذ الحجّة والانتفاع بها، و هَلُمَّ جرًّا بالنسبة إلى الحاكم الثاني والثالث، فيستمرّ الانتفاع بالحجّة ؛ هكذا قرّره في المسالک (1).

أقول : الفرق بين هذا و ما تقدّم عليه هو : أنّ في الأوّل مأخوذًا ضياع الحقوق، وفي الثاني بطلان الحجج .

ثمّ أقول : لا نسلّم بطلان الحجج عند عدم جواز إنفاذ الحكم بالشهادة على الحكم، لإمكان الحكم بتلک الحجّة الّتي حكم بها الحاكم الأوّل، إلّا أن يثبت

ص: 374


1- . مسالک الأفهام : 14 / 10 .

الدليل على لزوم بقاء حكم ذلک الشخص من الحجّة .

نعم، تظهر الثمرة لو كانت الحجّة في الأصل البيّنة و ذهبت الأصل منها ولاتسمع من الفرع في المرتبة الثالثة، بخلاف الشهادة، و قد عرفت أنّها حينئذٍ تسمع .

{ الوجه الثالث }

الثالث هو : أنّ المنع من إنفاذ حاكمٍ حكم الآخر يؤدّي إلى استمرار الخصومة في الواقعة بأن يرفعه المحكوم عليه إلى حاكمٍ آخر و هكذا، و يحصل للمدّعى له من ذلک عسر و مشقّة ؛ بخلاف ما لو أنفذ حكم الحاكم الأوّل، فإنّ المحكوم عليه يدري أنّه ينفذ حكم الحاكم الأوّل، فيترک رفعه إليه، و يرتفع الخصومة حينئذٍ بالمرّة، و هو المناسب لنصب الحكّام من الشارع، لأنّهم نصبوا لفصل الخصومات وقطع المنازعات (1) .

و في هذا الدليل أيضًا تأمّل، لأنّ رفع المحكوم عليه خصمه إلى حاكم آخر إمّا مع وجود حجّته الّتي حكم بها الحاكم الأوّل، أو مع عدمها، فإن كان الأوّل حكم الثاني أيضًا بها عليه، و إن كان الثاني فهو قد مرّ، فلا يكون دليلاً ثالثًا .

إن قلت : نختار الأوّل و نقول : قد لا يعرف البيّنة الحاكم الثاني، فلا يحكم عليه، وعلى تقدير معرفته بها ليس المراد من استمرار الخصومة عدم حكم الحاكم الثاني

ص: 375


1- . انظر مختلف الشيعة : 8 / 429 ؛ و مسالک الأفهام : 14 / 11 .

عليه، بل رفع الخصم مرّة بعد أخرى عند الحكّام خصومة .

قلت : أمّا على تقدير عدم معرفة الحاكم الثاني للبيّنة، فلا يجدى نفعًا بعد معرفة الحاكم الأوّل بها و حكمه عليه، لأنّ مع حكمه لزم عليه أداء الحقّ، فلا يجوز له التخلّف .

و أمّا على تقدير معرفة الحاكم فنقول : لو كان المراد من استمرار الخصومة مجرّد رفعه مرّة بعد أخرى إلى الحاكم، فيمكن ذلک و لو مع القول بإنفاذ الحاكم الثاني حكم الحاكم الأوّل كما لا يخفى .

{ الوجه الرابع }

والرابع هو : أنّ المدّعى عليه لو أقرّ عند حاكم أنّ حاكمًا حكم عليه بكذا أنفذه الحاكم المقرّ به عنده، لأنّ إقراره بذلک إقرار بثبوت الحقّ عليه شرعًا، و إذا أنفذ الحاكم الثاني الحكم بإقراره بالحكم و يقطع الخصومة بذلک ينبغي أن يفعل ذلک فيما إذا شهدت البيّنة بالحكم أيضًا .

لما صرّح جماعة قاطعين بذلک كأنّه إجماعيّ عندهم من أنّ البيّنة تثبت ما لو أقرّ به المحكوم عليه لزم (1) .

و نقل في الإيضاح و كشف اللثام (2) عن جماعة من أصحابنا المنع من إنفاذ

ص: 376


1- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 884 ؛ و المسالک : 14 / 11 ؛ و الرياض : 13 / 153 .
2- . الإيضاح : 4 / 364 ؛ كشف اللثام : 10 / 158 .

الحاكم حكم حاكم آخر بالبيّنة .

و مستندهم كما ذكر جماعة من الأصحاب هو ما تقدّم من رواية طلحة بن زيد و رواية السكونيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و هي هذه : أنّ عليًّا (عليه السلام) لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ و لا غيره، حتّى وليت بنو أميّة، فأجازوا بالبيّنات (1) .

لعلّ وجه الاستدلال هو : أنّه قال : « إنّ عليًّا لا يجيز كتابة قاض »، إلى أن قال : « فأجازوا بالبيّنات ».

و معنى قوله (عليه السلام) : « فأجازوا بالبيّنات » هو : أنّ بني أميّة أجازوا الكتابة بالبيّنات، بمعنى أنّهم أجازوا كتابة قاض إلى آخر حكمه بشرط شهادة البيّنة على حكمه أيضًا ؛ و نسب ذلک إلى بني أميّة و أخبر أنّ عليًّا (عليه السلام) لا يجيز ذلک، فإذا ثبت عدم جواز إنفاذ حكم الحاكم لحاكم آخر بالبيّنة مع كتابة القاضي، فمع عدمها بطريق أولى، فثبت المطلوب .

والجواب عنه أمّا أوّلاً فبالقدح في الدلالة، بيانه هو : أنّ قوله (عليه السلام): « فأجازوا بالبيّنات » يحتمل وجهين، أحدهما هو : أنّهم أجازوا الكتابة بالبيّنات، بمعنى أنّ البيّنة تشهد أنّ الكتابة كتابة القاضي ؛ و ثانيهما : أنّهم أجازوا الكتابة مع شهادة البيّنة بالحكم .

و أظهر الاحتمالين هو الأوّل، فلا دخل للروايتين فيما نحن فيه، بل هو إجماعيّ كما تقدّم ؛ و على تقدير تساويهما تدخلان في حيّز الإجمال، فلا

ص: 377


1- . التهذيب : 6 / 300 ح 840 ؛ الوسائل : 27 / 297 ح 33788 .

تعارضان، لما تقدّم من الأدلّة .

و أمّا ثانيًا فبالطعن في السند، لأنّ في سند إحداهما : طلحة بن زيد كما عرفت، وهو بُتْرِيّ (1) ، و البُتْرِيّة فرقة من الزيديّة (2) ؛ و عن النجاشي و الفهرست أنّه عامّيّ(3) ؛ و في سند الأخرى : السكونيّ، و هو أيضًا عامّيّ ؛ و لا جابر لهما في المقام، لما عرفت من أنّ القول بالإنفاذ هو مذهب أكثر الأصحاب .

قال في المسالک :

القول بجواز إنفاذ الحكم على هذا الوجه مذهب أكثر علماء الإسلام، ومنهم جملة الأصحاب، سيّما المتأخّرين (4) .

ص: 378


1- . قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في الفهرست : طلحة بن زيد، له كتاب، و هو عامّيّ المذهب، إلّا أنّ كتابه معتمد(الفهرست : 149 ). و عدّه في رجاله تارةً من أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلاً : طلحة ابن زيد بتريّ ( الرجال :138) ؛ و أخرى من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً : طلحة بن زيد الخزريّ القرشيّ ( الرجال : 228 ). و قالابن شهر آشوب : طلحة بن زيد، عامّيّ المذهب، له كتاب معتمد ( معالم العلماء : 96 ).
2- . قال ابن إدريس الحلّيّ (رحمه الله): البُتْرِيّة فرقة تنسب إلى كثير النَوّاء و كان أبتر اليد ( السرائر : 5 / 247 ). و قالالشيخ الطريحيّ : البُتْريّة بضمّ الموحّدة فالسكون : فرقة من الزيديّة، و قيل : نسبوا إلى المغيرة بن سعد،ولقبه : الأبتر . و قيل : البتريّة هم أصحاب كثير النوا {كذا } الحسن بن أبي صالح و سالم بن أبي حفصةوالحكم بن عيينة و سلمة بن كهيل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الّذين دعوا إلى ولاية عليّ (عليه السلام) ،فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة، و يبغضون عثمان و طلحة و الزبير و عائشة، و يرونالخروج مع ولد عليّ (عليه السلام)، إنتهى ( مجمع البحرين : 3 / 213 ).
3- . رجال النجاشي : 207 الرقم 550 ؛ الفهرست : 149 الرقم 372 .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 14 .

فروعٌ

إنفاذ الحاكم الثاني حكم الأوّل إنّما هو في حقوق الناس

{ الفرع الأوّل }

الأوّل : قال في الشرائع والقواعد و تبعه غيرهما : أنّ ما ذكر من إنفاذ الحاكم الثاني حكم الحاكم الأوّل بالبيّنة إنّما هو في حقوق الناس، لا في حقوق الله - تعالى - لابتناء الأوّل على الاحتياط والتضييق والاحتراز عن أن يضيع، والثاني على التخفيف واندفاعه بالشبهات و عدم شمول بعض الأدلّة المتقدّمة و إن كان البعض الآخر شاملاً (1) .

يجوز إنفاذ الحكم للحاكم الثاني
ولم يحضر البيّنة حكم الحاكم لإشهاده على حكمه

{ الفرع الثاني }

والثاني : هل يختصّ ذلک فيما إذا حضرت البيّنة على الحكم الخصومة وسمعت حكم الحاكم و أشهدها عليه، أو لا، بل يعمّه و غيره، فيجوز للثاني إنفاذ

ص: 379


1- . الشرائع : 4 / 885 ؛ القواعد : 3 / 457 ؛ المسالک : 14 / 14 ؛ كشف اللثام : 10 / 158 .

الحكم مع الإشهاد و عدم الحضور، كما إذا أخبرها الحاكم بحكمه بعد الحكم والخصومة، كما اختاره في الشرائع والقواعد (1) والمسالک، بل فيه :

هو الّذي اختاره الأكثر، لعموم ما تقدّم من الأدلّة، و لأنّه كلّما كان حكم الحاكم ماضيًا كان إخباره به ماضيًا، لكن المقدّم حقّ، فالتالي مثله . وحقّيّه المقدّم واضحة، والملازمة ظاهرة، لأنّ غاية الحضور سماعهما الحكم، إذ لا اعتبار بما وقع في المجلس و غيره من الدعوى و شهادة الشاهدين و تعديلهما ما لم يحصل الحكم، و هو عبارة عن الإخبار بثبوت الحقّ من أهله بلفظ : « حكمت » و نحوه ؛ و صورة النزاع إخبار بذلک، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر (2).

و قيل : بالأوّل، أي لا يجوز إنفاذ الحكم إلّا إذا حضرت البيّنة الخصومة وسمعت الدعوى والحكم و أشهدها الحاكم عليه .

اختاره في الإيضاح واستدلّ له بأنّ حكم الحاكم الثاني حكم بمظنون، لأنّه بسبب لا يفيد العلم، و هو في مال الغير المبنيّ على الاحتياط التامّ ؛ و لأنّه قول على الله - تعالى - بما لا يعلم، و هو منهيّ عنه، لقوله - تعالى - : ( أتقولون على الله ما لا تعلمون ) (3) خرج ما اتّفق عليه بالتخصيص بالنصّ عن هذا العلم (4) .

ص: 380


1- . الشرائع : 4 / 884 ؛ القواعد : 3 / 457 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 16 .
3- . الأعراف : 28 ؛ يونس : 68 .
4- . إيضاح الفوائد: 4 / 364.

أقول : فيه نظر، لأنّ ما ذكره يقتضي عدم جواز إنفاذ الحكم مطلقًا ولو حضرت البيّنة الخصومة و أشهدها الحاكم على حكمه، كما لا يخفى .

ثمّ ما ذكره من أنّه خرج ما اتّفق عليه بالتخصيص إن أراد بما اتّفق عليه اتّفاق الكلّ، فقد عرفت أنّه نقل الخلاف عن جماعة من أصحابنا ؛ و إن أراد غيره مع أنّ العبارة لا تساعده، فلا يصلح لتخصيص النهي فيما ذكره .

و أيضًا من التخصيص بالنصّ نظر، لأنّا لم نجد نصًّا في مسألة الإنفاذ مطلقًا، ولا نقله ناقل من علمائنا الأبرار، بل المستند في المسألة هو ما تقدّم من الأدلّة، و هي شاملة لما نحن فيه أيضًا، فينبغي القول بجواز الإنفاذ فيه أيضًا .

و كذا الكلام مع حضور البيّنة الخصومة و مشاهدتها الخصومة من غير أن يشهدها الحاكم، فإنّ ما ذكر سابقًا يقتضي جواز الإنفاذ بهذه البيّنة أيضًا .

{ الفرع الثالث }

الفرع الثالث هو : أنّه لا فرق فيما ذكر بين كون الدعوى على الحاضر و غيره، فلو كانت الدعوى على الغائب و حكم الحاكم عليه و شهدت البيّنة عليه عند حاكم آخر، يجوز له إنفاذه، إلّا أن يكون الغائب المحكوم عليه حاضرًا عند ذلک الحاكم وكانت له حجّة تعارض مناط الحكم، فحينئذٍ لا تفاوت بينه و بين الحاكم الأوّل إذا حضر عنده في أنّه على حجّته .

ص: 381

{ الفرع الرابع }

الرابع هو : أنّ المراد بإنفاذ الثاني حكم الحاكم الأوّل هو أنّه لا يطلب بالبيّنة على أصل الدعوى و لا يسمع الدعوى ثانيًا، بل يقرّر ما حكم به الحاكم الأوّل وأمضاه على حاله، لا أنّه يحكم بصحّته، لعدم علمه بذلک ؛ و لجواز مخالفته لاجتهاده، فلا يكون ما حكم به الحاكم الأوّل صحيحًا عنده بالنظر إلى اجتهاده .

{ الفرع الخامس }

الخامس : لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل، فلا يخلو إمّا أن يكون تغيّر حاله بالموت، أو عزل، أو فسق .

و على الأوّل والثاني يجوز إنفاذ حكمه أيضًا ؛ و على الثالث فلا يخلو إمّا أن يكون الظاهر عند الحكم عدم الفسق، أم لا .

و على الأوّل ينبغي أن ينفذه أيضًا ؛ و على الثاني فلا يجوز الإنفاذ، لأنّ إنفاذ الحكم فرع صحّته، و هي موقوفة على كون الحاكم عادلاً، فمع الفسق لا يصحّ الحكم، فكيف ينفذ الحكم الفاسد ؟!

{ الفرع السادس }

السادس : لو كان المدّعى عليه في بلد حاكم آخر، و كتب الحاكم الأوّل اسمه واسم أبيه و جدّه و حليته بحيث يتميّز المحكوم عليه في ظنّه عن غيره، ثمّ أشهد

ص: 382

الشاهدين على أنّ الّذي ذكر في هذا الكتاب بصفاته، حكمت عليه بأنّ لهذا المدّعى عليه كذا .

ثمّ أخذ المدّعي خصمه فقال : هذا خصمي، و شهد الشاهدان عند الحاكم أنّ ذلک الحاكم أشهدنا على أنّ المكتوب في هذا الكتاب بالصفات خصمه، و إنّي حكمت عليه للمدّعى بكذا .

فحينئذٍ إن أقرّ المأخوذ أنّه المحكوم عليه ألزمه، وإن أنكر فحينئذٍ إن كان الحاكم الثاني عالمًا بأنّه ليس له أخ مطلقًا، أو كان لكن ليس بهذه الصفات كلّها أو بعضها، أو لم يكن الحاكم عالمًا بذلک، لكن المدّعي أقام البيّنة على انحصار ولد أبيه فيه، فلا يلتف إلى إنكاره، بل ألزم عليه الحقّ، لأنّ الظاهر أنّه هو المحكوم عليه، لبعد أن يكون شخصًا آخر متّحدًا معه في الصفات و كان اسم أبيه و جدّه معه و مع أبيه و جدّه واحدًا .

و إن اكتفى في المكتوب بذكر اسمه و بعض الصفات و ذكر اسمه فقط و أنكر المأخوذ كونه المحكوم عليه، أو كان المكتوب صفاته كلّها، لكن أظهر من يشاركه في الصفات، فلا يجوز إلزامه بالحقّ حينئذ، بل القول قول المنكر مع اليمين، فلو حلف على أنّه ليس المحكوم عليه سقطت الدعوى عنه حينئذٍ و يتوجّه دعواه على ذلک الشخص .

و يحتمل الإلزام عليه و عدم توجّه الحلف إليه و إن أنكر، لأنّ الحقّ ثبت شرعًا عند ذلک الحاكم، فانحصر في شخصين ظاهرًا حلف أحدهما، فسقط عنه، فاستقرّ في ذمّة الآخر، فيحكم عليه بالأداء .

ص: 383

هذا إذا كان المكتوب جميع الصفات و أحضر المشارک، و أمّا لو كان المكتوب بعض الصفات و كان البعض ممّا يشارک فيه غالبًا، فيجوز حلف كلّ واحد منهما، فإذا حلفا سقطت الدعوى عنهما ظاهرًا .

هذا كلّه إذا سلم المأخوذ بالوصف و غيره، و أمّا لو أنكره - كما إذا أنكر كونه مسمّى بذلک الاسم المكتوب، أو صفة من الصفات - فحينئذٍ إن أقام المدّعي البيّنة على ما أنكره حكم عليه، و إلّا يحلف، فإذا حلف انصرف الحكم عنه، و لو نكل حلف المدّعى، فيحكم له .

و لو قال المدّعى عليه : إنّي ما أحلف على نفي الاسم أو نفي الصفة، لكن أحلف أنّه ما يستحقّ منّي شيئًا، في القواعد : أنّه لم يقبل (1) ، لأنّه غير ما فيه الخصومة .ويحتمل القبول، لأنّه لازمه (2) و قد يكون قد برئت ذمّته بعد حكم الحاكم الأوّل ولم يتمكّن من إثباته .

ثمّ لو ادّعى المأخوذ أنّ في البلد مساويًا معه في الاسم والوصف، يحلف بإحضاره، فإذا أحضره و اعترف أنّه المحكوم عليه فالحكم واضح ؛ و إن أنكر وقف الحكم حتّى ينكشف الغريم منهما، فإن لم ينكشف و لم يتعيّن أخبر الحاكم الأوّل بما حصل من الاشتباه لعلّ أن يكون عنده ما يميز المحكوم عليه من غيره ؛ فإن كان عنده ذلک ألزم المحكوم عليه بالحقّ و أطلق الآخر، و إلّا وقف الحكم حتّى يتعيّن بإقرار أو بيّنة أو نكول .

ص: 384


1- . القواعد : 3 / 458 .
2- . كشف اللثام : 10 / 161 .

و إذا ادّعى أنّ المساوي له مات و ثبت ذلک، فإن شهدت الحال بعدم كون الّذي مات محكومًا عليه، إمّا لأنّ الغريم لم يعاصره، أو لتأخّر تاريخ الحقّ عن موته، أو لغير ذلک لم يلتفت إليه، و إلّا وقف الحكم إلى أن يظهر الأمر كما في الحيّ (1) .

{ الفرع السابع }

السابع : لو ادّعى الخصم القدح في الشاهد بأن يقول : أنا أجرح شاهدي الأصل، أو شاهدي الإعلام في بلادهم لم تسمع، لثبوت الحقّ عليه ظاهرًا، بل يحكم عليه بتسليم المال، فإن أظهر استردّ، و لو ادّعى الجرح في هذا البلد أجّل ثلاثة أيّام، فإن أثبت فهو، و إلّا حكم عليه (2) .

{ الفرع الثامن }

الثامن : لو اقتصر القاضي في الكتابة بذكر اسمه و أبيه بأن يكتب : « انّي حكمت على أحمد بن محمّد بكذا »، فهذا لا يعتبر به، لأنّه مبهمٌ في ذاته، و لا إشكال في ذلک .

و إنّما الإشكال في أنّه لو اعترف أحد بأنّه أحمد بن محمّد و أنّه المعنى بالكتاب و أنكر الحقّ من إقراره بأنّه المعنى من الكتاب و من أنّه لم يقرّ بأنّه المحكوم عليه .

ص: 385


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 162 .
2- . انظر قواعد الأحكام : 3 / 458 ؛ و كشف اللثام : 10 / 162 .

و في الإيضاح والمسالک : أنّه لا يلزمه شيء (1) .

أقول : الظاهر الإلزام بالحقّ، لأنّ الحاكم الأوّل ما حكم إلّا بعد ثبوت الحقّ شرعًا على المعنى بالكتاب و أنّه لم يحكم عليه إلّا بعد تعيينه في نفسه عنده، لكن اقتصر في الكتاب بذكر ما مرّ، والمفروض أنّ هذا الشخص مسلم أنّه المعنى بالكتاب، فكأنّه أقرّ أنّه المحكوم عليه بالحقّ، لأنّ المعنى بالكتاب هو المحكوم عليه بالحقّ، فيلزمه وفاقًا للدروس (2) .

يجوز إنفاذ الحكم بإخبار الحاكم حكمه

69- مسألة

اشارة

هل يجوز للحاكم الثاني إنفاذ الحكم إذا أخبره الحاكم الأوّل بذلک ؟

فيه خلافٌ بين الأصحاب، فالمنقول عن الشيخ في الخلاف العدم (3) ، و ذهب الشهيدان في الدروس و المسالک إلى الجواز (4) .

وجه الأوّل : هو ما تقدّم من أنّ حكم الثاني حكم بغير علم، فيشمله الآيات

ص: 386


1- . إيضاح الفوائد : 4 / 366 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 22 .
2- . انظر الدروس : 2 / 92 .
3- . الخلاف : 6 / 244 .
4- . انظر الدروس : 2 / 92 ؛ والمسالک : 14 / 17 .

الناطقة على العمل من غير علم، كقوله - تعالى - : ( أَتقولون على الله ما لاتعلمون ) (1) ؛ ( و لا تَقْفُ مَا ليس لک به عِلْمٌ ) (2) و غيرهما، خرج عنها ما دلّ الدليل عليه و بقي الباقي .

وجه الثاني : هو أنّ جواز الإنفاذ مع الشهادة على الحكم كما تقدّم يدلّ على جوازه هنا بطريق أولى .

توضيحه هو : أنّ عموم النهي من العمل بغير علم و شموله لما نحن فيه و إن كان مسلّمًا، لكنّه كما خصّص بالنسبة إلى ما تقدّم ينبغي أن يخصّص بالنسبة إلى ما نحن فيه أيضًا، لأنّ التخصيص كما يحصل من الدليل بالنسبة إلى منطوقه، كذا يحصل منه بالنسبة إلى مفهومه .

إذا عرفت ذلک نقول : كما دلّت الأدلّة المتقدّمة على جواز إنفاذ الحاكم الثاني حكم الحاكم الأوّل بالبيّنة بمنطوقها، دلّت على جواز إنفاذه حكمه بإخباره عن حكمه بالفحوى، لأنّ الإخبار بالحكم لو كان مجوّزًا لإنفاذ الحكم مع الواسطة، فتجويزه له مع عدمها - أي بإخبار نفسه - بطريق أولى .

ثمّ أقول : هذه الأولويّة لا شکّ فيها فيما إذا لم يكن البيّنة مشاهدة للخصومة، بل أشهدها الحاكم على حكمه في غير مجلس النزاع و الحكم، و قد تقدّم آنفًا جواز الإنفاذ للحاكم الثاني مع هذه البيّنة، فجواز إنفاذه الحكم مع إخبار الحاكم

ص: 387


1- . الأعراف : 28 ؛ يونس : 68 .
2- . الإسراء : 36 .

نفسه بطريق أولى، كما هو واضح .

لكن تحقّق الأولويّة في الصورة الأخرى - و هي ما إذا حضرت البيّنة الخصومة وسمعت الحكم و أشهدها الحاكم على حكمه فيه خفاء، فإنّ الغرض هنا إثبات حكم الحاكم، لا إثبات إقراره بحكمه .

و معلوم أنّ إثبات حكمه للحاكم الثاني مثلاً بقول العدلين - أي البيّنة - أولى من إثباته له بقول عدل واحد - أي الحاكم .

لكن نقول : إذا ثبت جواز إنفاذ الحكم بإخبار الحاكم، لتحقّق الأولويّة في صورة، نقول فيما لم تتحقّق فيه، لعدم القول بالفصل، لأنّ القول في المسألة إمّا الجواز مطلقًا، أو العدم كذلک، أو التوقّف فيهما كالمحقّق في الشرائع و عن العلّامة في التحرير (1) .

و هو أيضًا مطلق، فإذا أثبتنا الجواز بتحقّق الأولويّة بالنسبة إلى جواز الإنفاذ بشهادة البيّنة الغير الحاضرة في مجلس الخصومة لإشهادها الحاكم في حكمه في غيره نقول بالجواز مطلقًا، فتأمّل .

هذا كلّه إذا أخبر حاكم آخر حكمه بأنّه حكم بين الخصمين، سواء قال : حكمت بينهما، أو قضيت، أو غيرهما ؛ و أمّا لو قال لآخر : « ثبت عندي أنّ الحكم بينهما كذا »، فلا يجوز للحاكم الآخر إنفاذه بأن يحكم بينهما بما أخبره الحاكم من الثبوت من غير أن يسمع الدعوى و يطلب البيّنة و غير ذلک .

ص: 388


1- . انظر الشرائع : 4 / 886 ؛ والتحرير : 2 / 188 .

و ذلک لأنّ غاية ما ثبت من الدليل إنفاذ الحاكم الثاني حكم الأوّل، و هو غير حاصل فيما نحن فيه، و إنّما الحاصل فيه قول الحاكم بثبوت الحكم عنده، و لم يثبت جواز إنفاذ الحاكم ما ثبت عند غيره (1) .

ص: 389


1- . انظر غاية المرام : 4 / 245 .

فصلٌ

في أحكام القسمة

70- مسألة

اشارة

إعلم : أنّ القسمة مشروعة بالكتاب و السنّة والإجماع، قال الله - تعالى - : ( و إذا حضر القسمة أولوا القربى ) الآية (1) ، ( و نبّئهم أنّ الماء قسمةٌ بينهم كلّ شِربٍ محتضر ) (2) .

و عنه (صلي الله عليه واله) : أنّه كان يقسّم الغنائم بين الغانمين أنّه قسّم خيبر على ثمانية عشر سهمًا (3) .

و في الفقيه عن طلحة بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهم السلام) : أنّ رسول الله (صلي الله عليه واله)قضى بالشفعة ما لم نؤرّف - يعني تقسم (4) .

ص: 390


1- . النساء: 8.
2- . القمر: 28.
3- . مسند أحمد : 1 / 427 ؛ صحيح البخاري : 5 / 200 و 201 ؛ صحيح مسلم: 2 / 738 ح 1061 ؛ سنن أبيداود : 1 / 621 ح 2736 ؛ سنن البيهقي : 6 / 317 و 10 / 132 ؛ أمالي الشيخ الطوسي : 262 ح 477 .
4- . الفقيه : 3 / 76 ح 3367 ؛ الوسائل : 25 / 398 ح 32213 .

و فيه : قال الصادق (عليه السلام) : إذا أُرفت الأرض (1) و حدّت الحدود فلا شفعة، إلّا (2) لشريک غير مقاسم (3) .

قال في القاموس في باب الفاء في فصل الهمزة :

الأُرْفَة بالضمّ : الحدُّ بين الأرضين، جمعه كغُرَف .

إلى أن قال :

و أُرّف على الأرض تأريفًا : جُعِلَتْ لها حدودٌ و قُسِّمَت (4) .

و قال أيضًا في فصل الواو من هذا الباب :

وَرَّفّتُ الأرض تَورِيفًا : قَسَمتُها (5) .

و في الفقيه : قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا وقعت السهام ارتفعت الشُفعَة (6) .

و روي أنّه كان لعليّ (عليه السلام) قاسم يقال له : عبد الله بن يحيى، و كان يرزقه من بيت المال (7) .

ص: 391


1- . كذا في المختلف : 5 / 328 ؛ و في المصدر و التهذيب : أرفت الأُرف ؛ و في الكافي : إذا رفت الارف .
2- . في المصدر : « و لا شفعة إلّا لشريک غير مقاسم » ؛ و هذا الذيل ليس في بعض نسخ المصدر، و لعلّها منزيادات النسّاخ .
3- . الكافي : 7 / 164 ح 727 ؛ الفقيه : 3 / 77 ح 3369 ؛ التهذيب : 7 / 164 ح 727 ؛ الوسائل : 25 / 397ح 32210 .
4- . القاموس المحيط : 3 / 117 .
5- . القاموس المحيط : 3 / 204 .
6- . الفقيه : 3 / 79 ح 3376 .
7- . رواه في المبسوط : 8 / 133 .
في تعريف القسمة و أنّها ليست بيعًا

71- مسألة

اشارة

القسمة عندنا على ما قيل : تمييز الحقوق والأنصباء بعضها عن بعض، أو تمييز أحد النصيبين أو الأنصباء عن الآخر، و هي ليست بيعًا، سواء تضمّنت ردًّا، أم لا (1) .

أمّا في الصورة الثانية فواضح، لأنّ البيع لا يكون إلّا مع الردّ، و ذلک كأن يكون لشريكين حيوانان (2) لا تفاوت لواحد على آخر، فإذا قسّم يختصّ كلّ واحدمنهما بواحد منهما من غير أن يردّ أحدهما على آخر شيئًا .

و أمّا في الصورة الأولى - أي إذا تضمّنت القسمة ردًّا - فلأنّها لا تفتقر إلى صيغة و يتقدّر أحد النصيبين بقدر الآخر وجوبًا، بخلاف البيع فإنّ لزومه لا يكون إلّا مع الصيغة، و ليس فيه تقدير النصيب .

و إن أردت فرض القسمة المتضمّنة للردّ، فافرض في الفرض المتقدّم أنّ لأحد

ص: 392


1- . انظر تذكرة الفقهاء : 10 / 204 ؛ والقواعد : 3 / 459 ؛ والروضة البهيّة : 3 / 113 ؛ و كشف اللثام : 10 /163 ؛ و رياض المسائل : 13 / 154 .
2- . جاء في حاشية الأصل : و فيه تأمّل، للقطع بأنّ في الفرض المفروض يكون كلّ واحد من الشريكين مالكًالنصف كلّ واحد من الحيوانين، فبعد القسمة ينتقل سهم كلّ واحد من الشريكين إلى الآخر، فاختصاصواحد من الحيوانين بواحد من الشريكين لا يكون إلّا بإزاء حقّه في الحيوان الآخر الّذي جعل لشريک آخر،فسهم كلّ واحد من الشريكين يكون مردودًا إلى الآخر ؛ منه .

الحيوانين تفاوتًا على آخر بحسب القيمة، فإنّه يختصّ كلّ واحد منهما بواحد من الحيوانين و يردّ الّذي أخذ الفاضل في القيمة ما به التفاوت بينهما على الآخر بقدر حصّته .

و المسألة عندنا موضع وفاق، و للعامّة فيها خلاف، حيث انّ المحكيّ عن بعضهم أنّ القسمة بيع مطلقًا ؛ و عن آخر : أنّها بيع إذا تضمّنت للردّ ؛ بل عن بعضهم نقل اتّفاقهم على ذلک حينئذ (1) .

و ثمرة الخلاف تظهر في الشفعة و عدمها، فإنّه على مذهبنا ليست فيها شفعة، بخلافه على مذهبهم ؛ و في الحنث و عدمه لو حلف أن لا يبيع أو لا يشتري، فإنّه على مذهبنا لا يحنث لو قسم المشترک فيه مطلقًا، و على مذهبهم يحنث مطلقًا أو في الجملة .

لا يشترط في جواز القسمة
علم الحاكم بملكيّة المقسوم به للمقسوم عليهم

72- مسألة

اشارة

و هل يشترط في جواز القسمة من الحاكم علمه بملكيّة المقسوم به

ص: 393


1- . انظر المجموع : 20 / 172 و 173 ؛ و تذكرة الفقهاء : 11 / 17 ؛ و كشف اللثام : 10 / 163 .

للمقسومين، أو لا فيجوز له ذلک و إن لم يحصل له العلم بالملكيّة ما لم يظهر عدم الملكيّة، كما إذا سأل جماعة من الحاكم قسمة ما في يدهم و لم يعلم بملكيّته لهم ولم يظهر لهم منازع ؟

خلافٌ ، والشيخ في الخلاف و المحقّق في الشرائع و العلّامة في المختلف و ابنه في الإيضاح و غيرهم اختاروا الأخير، و هو الحقّ، بل ظاهر الخلاف الاتّفاق عليه (1) .

و ذلک لأنّ ظاهر اليد يقتضي الملک و لا معارض له - كما هو المفروض - ولايلزم من القسمة الحكم بالملک، بل يكتب في كتاب القسمة أنّها وقعت بقولهم .

و نقل في الشرائع عن الشيخ في المبسوط الأوّل، حيث قال :

و إذا سألا الحاكم القسمة و لهما بيّنة بالملک قُسِّمَ ؛ و إن كانت يدهما عليه، و لا منازع (2) . قال الشيخ في المبسوط (3) : لا يقسّم . و قال في الخلاف (4) : يقسّم، و هو الأشبه، إنتهى (5) .

لكن نقل في الإيضاح و التنقيح و غيرهما الثاني عن المبسوط (6) .

ص: 394


1- . انظر الخلاف : 6 / 232 ؛ و الشرائع : 4 / 889 ؛ و المختلف : 8 / 438 ؛ و الإيضاح : 4 / 367 ؛ والتنقيح :4 / 262 ؛ و الكفاية : 2 / 716 .
2- . في المصدر : و لا منازع لهما .
3- . المبسوط : 8 / 147 .
4- . الخلاف : 6 / 232 .
5- . شرائع الإسلام : 4 / 889 .
6- . انظر الإيضاح : 4 / 367 ؛ والتنقيح : 4 / 262 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 716 .

نعم، نقلا في الكتابين الأوّل عن ابن الجنيد، حيث قالا :

و قال ابن الجنيد : لا يقسّم إلّا بعد ثبوت الملک، و إلّا كان ملكًا لهم بالملک (1) .

أقول : عبارته المنقولة عنه لا يدلّ على ذلک، بل موافقة لما ذكرناه، و هي هذه :

لو ينازع (2) المدّعون للأرض على سهامهم، ثمّ سألوا الحاكم القسمة بينهم لم يجز (3) للحاكم ذلک إلّا أن يثبت عندهم البيّنة بملكهم، أو ميراثهم عن مالكها، فإن رأى الحاكم أن يقسّمها بينهم لم يفعل ذلک حتّى يشيع أمرها بين جيرانها، و ينتظر مدّة يمكن معها أن يحضره مدّع لها أو لبعضها إن كان مالكها، فإذا قسّمها لم يستحلّ بالقسمة إلّا أن يذكر الحال وأنّه لم يثبت عنده تملّكهم إيّاها (4) ، و لا أعلم لهم منازعًا، لئلّا يكون ذلک حكمًا منه بالملک لهم، فيلزم من بعده إنفاذه، إنتهى (5) .

و هذه العبارة و إن كان أوّلها موافقًا لما نسباه إليه، إلّا أنّ آخرها - و هو قوله : «فإذا قسّمها لم يستحلّ بالقسمة إلّا أن يذكر الحال » إلى آخره - صريحٌ بالموافقة لما ذكرناه ؛ فعلى هذا ارتفع الخلاف، إذ لم نجد نقل الخلاف عن غيرهما (6) ، و هما

ص: 395


1- . الإيضاح : 4 / 367 ؛ التنقيح : 4 / 262 .
2- . في المصدر : لو تنازع .
3- . في المصدر : لم أختر .
4- . في كشف اللثام : إيّاهم .
5- . نقله عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : 8 / 438 ؛ و كشف اللثام : 10 / 164 .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : الشيخ و ابن الجنيد .

وإن نسب الخلاف إليهما، إلّا أنّک قد عرفت عدمه .

هل يجبر الممتنع على القسمة لو أراد بعض الشركاء، أم لا ؟

73- مسألة

اشارة

لو سأل بعض الشركاء القسمة وامتنع الآخر، فلا يخلو إمّا أن يكون المال المشترک ممّا يحصل الضرر بتقسيمه، أم لا .

و الأوّل كالجواهر والعضائد الضيّقة والسيف والسكين و حجر الرحى و مثلها، فلا يجبر الممتنع على القسمة، بل لا يجوز و إن اتّفق جميع الشركاء عليها، لأنّها إضاعة للمال بلا مسوّغ لها شرعًا .

و الثاني لايخلو إمّا أن يكون ممّا يتساوي أجزاؤه وصفًا و قيمةً، و هو الّذي يعبّر عنه بالمثليّ، أو لا .

و الأوّل يجبر الممتنع على القسمة جامدًا كان - كالحنطة والشعير و نحوهما من الحبوب و الثمار - أو مايعًا، كالعسل والأدهان و نحوهما .

و الثاني - أي المال المشترک الّذي أجزاؤه غير متساوية الّذي يعبّر عنه بالقيميّ- فلا يخلو إمّا أن يكون متشابه الأجزاء بحيث يمكن تعديله بعدد الأنصباء من غير ردّ - كالدار المتّفقة الأبنية و الأرض المتشابهة الأجزاء - أو ليس كذلک .

و الأوّل أيضًا يجبر الممتنع على القسمة، فيجبر الممتنع على القسمة في هذين القسمين، أي في المثليّ والقيميّ فيما ذكر، وفاقًا للشرائع والنافع والقواعد

ص: 396

والمسالک (1) ، بل في الكفاية :

لا أعلم خلافًا في ذلک (2) .

و في كشف اللثام :

اتّفاقًا كما يظهر، لأنّ لكلّ مالک ولاية الانتفاع بملكه والإنفراد (3) أكمل نفعًا، هذه القسمة مسمّاة بقسمة الإجبار (4) ، لإجبار الممتنع عليها (5) .

و أمّا الثاني - أي القيميّ الّذي لم يمكن تعديله بعدد الأنصباء مثلاً من غير ردّ - فلا يجبر الممتنع على القسمة، لاشتمالها على معاوضة، فلا يصحّ إلّا بالتراضي، وهذه القسمة تسمّى قسمة تراض، لتوقّفها على التراضي (6) ؛ و سيجيء تمام الكلام فيه بعد ذلک .

لو سأل بعض الشركاء المهاياة لا يجبر الممتنع عليها

74- مسألة

لو سأل أحد الشريكين المهاياة من غير قسمة، فامتنع الآخر، لا يجبر عليها .

ص: 397


1- . انظر الشرائع : 4 / 889 ؛ والمختصر النافع : 276 ؛ والقواعد : 3 / 460 ؛ والمسالک : 14 / 30 .
2- . الكفاية : 2 / 715 .
3- . في المصدر : و الاستبداد به .
4- . في المصدر : و تسمّى هذه القسمة قسمة إجبار .
5- . كشف اللثام : 10 / 164.
6- . انظر كشف اللثام : 10 / 164 .

إن أردت توضيح ذلک فاعلم : أنّ القسمة كما تتعلّق بالأعيان، كذا تتعلّق بالمنافع، و طريق قسمتها المهاياة، و هي إمّا في الأجزاء، كأن يطلب أحد الشريكين مثلاً أن يسكن، أو يزرع هذا الجزء المعيّن، والآخر الباقي .

أو في الأزمان، كأن يطلب أنّه يسكن الملک المشترک شهرًا و الآخر شهرًا، فالمهاياة قسمة المتّفقة بالأجزاء أو بالزمان .

والحكم فيه أنّه إن رضي الشريک بذلک، فلا كلام في جوازه، وجهه واضح، ولكن بمجرّد الرضاء لا يلزم، بل يجوز لكلّ منهما فسخها .

و إن لم يرض الشريک بذلک، بل امتنع، فلا يجبر على ذلک، لتساويهما في الاستحقاق، و لكونها بمنزلة معاوضة، فلابدّ من التراضي، و لما عرفت من أنّ المهاياة لاتلزم، فكيف يجبر عليها ؟!

و لأنّها تعجيل حقّ أحدهما و تأخير حقّ الآخر .

و يستوي في ذلک كون العين المشترک فيها ممّا يصحّ قسمته، أو لا، كالقناة والحمّام لما مرّ، مضافًا إلى الإجماع الّذي ادّعاه في الإيضاح على الأوّل (1) .

واستشكل العلّامة في الثاني (2) ، منشأه من ما مرّ ؛ و من أنّ فيها قطعًا للنزاع،والإمام نصب لذلک .

و لا يجب على أحد منهما بيع ملكه و لا إجارته، فربّما انحصر دفع النزاع فيها،

ص: 398


1- . إيضاح الفوائد : 4 / 368 .
2- . انظر قواعد الأحكام : 3 / 460 .

لكنّ الأقوى عدم الإجبار، وفاقًا للإيضاح و كشف اللثام (1) ، لما تقدّم .

{ حكم نصب القاسم }

75- مسألة

اشارة

قد عرفت سابقًا مشروعيّة أخذ القاسم، بل رجحانه، لما عرفت من فعل مولانا الأمير (عليه السلام) (2) ؛ و لهذا أفتى الأصحاب على ما يظهر من جمع من الأعلام باستحباب أخذه للإمام، بل ظاهر القواعد وجوبه حيث قال :

و على الإمام أن ينصب قاسمًا للحاجة إليه (3) .

و يشترط في القاسم المنصوب من الإمام : العدل و البلوغ و غيرهما

و يشترط في القاسم الّذي ينصبه الإمام : البلوغ والعقل والإيمان والعدالة، لأنّه أمين الإمام و لا أمانة لمن لم يستجمعها ؛ و معرفة الحساب لمسيس الحاجة في القسمة إليه غالبًا .

ص: 399


1- . انظر إيضاح الفوائد : 4 / 368 ؛ و كشف اللثام : 10 / 165 .
2- . روي أنّه كان لعليّ (عليه السلام) قاسم يقال له : عبد الله بن يحيى، و كان يرزقه من بيت المال ( رواه الشيخالطوسي (قدس سره) في المبسوط : 8 / 133 ).
3- . القواعد : 3 / 460 .

{ أجرة القسّام من بيت المال }

و أجرته من بيت المال، لأنّه من مصالح المسلمين و إن لم يكن إمام، أو كان ولم يكتف بيت المال .

قال في الشرائع و القواعد :

كانت أجرته على المتقاسمين (1) .

سواء طلب الجميع القسمة، أو طلبها بعض دون بعض كما في المسالک (2) ، فإن عيّنوها فالمسمّى، و إلّا فأجرة المثل، فلو استأجره كلّ واحد بأجرة معلومة جاز كما في القواعد (3) .

و إن استأجروه جميعًا في عقد واحد بأجرة معيّنة ولم يعيّنوا نصيب كلّ واحد من الأجرة لزمتهم الأجرة بالحصص دون الرؤوس، كما في الشرائع والقواعد وعن الشيخ (4) .

و عنه في الخلاف :

ص: 400


1- . الشرائع : 4 / 888 ؛ القواعد : 3 / 461 .
2- . المسالک : 14 / 28 .
3- . القواعد : 3 / 461 .
4- . انظر المبسوط : 8 / 135 ؛ والشرائع : 4 / 888 ؛ والقواعد : 3 / 461 .

أن لو راعيناها على قدر الرؤوس ربما أفضى إلى ذهاب المال، لأنّ القرية يمكن أن يكون بينهما، لأحدهما عُشر العشر سهم من مائة سهم، والباقي للاخر، ويحتاج إلى أجرة عشرة دنانير على قسمتها، فيلزم من له الأقلّ نصف العشرة . و ربما لا يساوي سهمه دينارًا، فيذهب جميع المال (1) . و هذا ضرر، و القسمة وضعت لإزالة الضرر، فلا يزال بضرر أعظم منه، إنتهى (2) .

هذا مضافًا إلى أنّ الأجرة إنّما هو للعمل، فكما كان العمل فيه أكثر، فينبغي أن يكون أجرته أزيد ؛ و معلوم أنّ من كانت حصّته أزيد كان العمل له أزيد، فيستحقّ الأجرة منه أزيد (3) .

و يظهر في المكيل و الموزون، فإنّ كيل الأكثر و وزنه أكثر (4) .

واحتمل في القواعد (5) التساوي، أي : اعتبار الأجرة بعدد الرؤوس للتساوي في العمل، لأنّ عمله في نصيب أحدهما كعمله في نصيب الآخر، لأنّ عمله في الحساب و المساحة يقع لهم جميعًا، لأنّه به يتميّز نصيب كلّ واحد، فتوقّف تميز نصيب كلّ واحد على كلّ هذا العمل، بل قد يكون الحساب في الأقلّ أغمض ؛ وقلّة النصيب توجب كثرة العمل، لوقوع القسمة بحسب أقلّ الأنصباء، فإن

ص: 401


1- . في المصدر : الملک .
2- . الخلاف : 6 / 229 .
3- . انظر كشف اللثام : 10 / 168 .
4- . انظر إيضاح الفوائد : 4 / 370 .
5- . انظر القواعد : 3 / 461 .

لم يجب على الأقلّ من الأجرة أزيد، فلا أقلّ من التساوي (1) .

ثمّ قال : و يضعّف بالحافظ (2) .

يعني : إذا حفظ الملک المشترک كانت له الأجرة عليهم بالحصص دون الرؤوس مع التساوي في العمل - أي : الحفظ - فعلم أنّ العمدة في التساوي و عدمه بالنسبة إلى الحصص، لا بالنسبة إلى الرؤوس، و هو المطلوب، فتأمّل .

ثمّ اعلم : أنّ الحرّيّة غير مشروطة في القاسم عندنا كما في المسالک و كشف اللثام (3) ، و في الكفاية (4) أسنده إلى الأصحاب، فيجوز أن يكون عبدًا مع استجماع الشرائط المتقدّمة و إذن المولى، خلافًا لبعض العامّة .

ثمّ إنّ ما ذكر من اعتبار الشروط المذكورة في القاسم إنّما هو إذا كان منصوبًا من الإمام ؛ و أمّا إذا كان ممّن اتّفق الشركاء و تراضوا عليه، فلا يشترط فيه ذلک، بل يجوز و لو كان فاسقًا، بل و لو كان كافرًا، كما في الشرائع والقواعد والمسالک وغيرها (5) ؛ لجواز كونه وكيلاً، و القسمة في معنى الوكالة، كما في المسالک والكفاية (6) .

ص: 402


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 168 .
2- . القواعد : 3 / 461 .
3- . المسالک : 14 / 25 ؛ كشف اللثام : 10 / 166 .
4- . كفاية الأحكام : 2 / 713 .
5- . الشرائع : 4 / 888 ؛ القواعد : 3 / 460 ؛ المسالک : 14 / 25 ؛ الكفاية : 2 / 713 ؛ كشف اللثام : 10 /166 .
6- . المسالک : 14 / 25 ؛ الكفاية : 2 / 713 .
القسمة بعد القرعة لازمة إذا كان القاسم منصوبًا من الإمام مطلقًا

76- مسألة

اشارة

إذا عدلت السهام و صار كلّ واحد منها لواحد بالقرعة، لزمت القسمة إذا كانت القسمة و القرعة من القاسم المنصوب من الإمام بلا خلاف، كما صرّح به بعضهم (1) ، سواء رضي أهل السهام بذلک، أم لا، لأنّ قرعة قاسم الإمام بمنزلة حكمه، فلايعتبر الرضاء بعدها، كما لا يعتبر بعد حكمه .

نقل الخلاف في لزوم القسمة و عدمه
بعد القرعة إذا لم يكن القاسم من الإمام

و أمّا لو كانت القسمة من القاسم التراضي، أو تقاسم كلّ من أهل السهام بأنفسه بالتعديل و الإقراع، ففيه خلاف و أقوال :

الأوّل : أنّ اللزوم فيها موقوفٌ على رضا أهل السهام بعد القرعة مطلقًا ؛ و هو المحكيّ عن الشيخ في المبسوط، و العلّامة في التحرير (2) .

ص: 403


1- . صرّح به في الرياض : 13 / 155 .
2- . المبسوط : 5 / 488 ؛ التحرير : 2 / 202 .

والثاني : اللزوم مطلقًا و لو لم يرض أهل السهام بذلک، و هو ظاهر النافع، وربما نسب إلى العلّامة في الإرشاد، لكن عبارته في كتاب الشركة تنافيه، و هي هذه :

و لو اتّفقا عليه افتقر بعد القرعة إلى الرضا ثانيًا (1) .

و لم يذكره في هذا المقام .

و الثالث : توقّف اللزوم على الرضاء إن كانت القسمة قسمة ردّ، و إلّا فلا، اختاره في الدروس حيث قال :

و قسمة المنصوب تلزم بالقرعة، و غيره يعتبر بعدها تراضيهما في قسمة الردّ خاصّة (2) .

واستحسنه في المسالک (3) ، و تردّد المحقّق في الشرائع (4) .

قسمة غير قاسم الإمام غير لازمة إلّا بعد الرضاء

والأظهر هو الأوّل استصحابًا للشركة المتيقّنة و عدم اللزوم، و قد عرفت مرارًا أنّ الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن واجب، و ليس إلّا إذا كانت

ص: 404


1- . إرشاد الأذهان : 1 / 434 .
2- . الدروس : 2 / 117 .
3- . المسالک : 14 / 27.
4- . الشرائع : 4 / 888 .

القسمة من منصوب الإمام، لما عرفت من دعوى عدم الخلاف في اللزوم حينئذٍ ولو من غير رضا، و كذا غيره بشرط الرضاء .

و مستند القول الثاني هو : أنّ القرعة شرعت وسيلة إلى تعيّن الحقّ و قد قاربها الرضاء، فلا يعتبر بعدها، فيصير لازمًا .

والجواب هو : أنّ كون القرعة وسيلة إلى تعيّن الحقّ بحيث يصير لازمًا مطلقًا ممنوعٌ، لعدم الدليل على ذلک، لأنّ الدليل إمّا النصّ أو الإجماع أو العقل، والنصّ مفقود، و كذا الإجماع لما عرفت من النزاع .

و أمّا العقل فليس بقاطع بعد احتمال تخصيص ذلک فيما إذا كانت القرعة من المنصوب من الإمام أو غيره، لكن مع الرضاء بعدها ؛ و ليست المسألة على وفق الأصل حتّى لا تحتاج إلى دليل لما عرفت .

و نعم ما قال في الإيضاح في منع ما استدلّ به على كون القرعة سبب التعيين :

إنّ القرعة إنّما تعيّن بحكم الحاكم، أو تراضيهما بعدها، أمّا لا مع أحدهما فنمنع أنّها سبب التعيين، لأصالة (1) بقاء الشركة، إنتهى (2) .

و لعلّ مستند القول الثالث هو : أنّ قسمة الردّ لمّا كانت موقوفة على الرضاء فينبغي أن لا تكون لازمة إلّا بالرضاء بعد القرعة ؛ و أمّا غيرها فلمّا لم يكن أصله موقوفًا على الرضاء، فينبغي أن يكون لزومه أيضًا كذلک ؛ و هو أيضًا ضعيف، لمنع

ص: 405


1- . في المصدر : لأصل .
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 369.

التلازم، و السند واضح .

و ممّا ذكرناه في وجه ما اخترناه ظهر لک ضعف ما ذهب إليه في المسالک من الاكتفاء في اللزوم بمجرّد تراضيهما على القسمة و تخصيص كلّ واحد من الشركاء بحقّه و إن لم يحصل القرعة، قال :

كما تصحّ المعاطاة في البيع، إلّا أنّ المعاطاة في البيع (1) يتوقّف لزومها على التصرّف، من حيث إنّ ملک كلّ واحد من العوضين كان للاخر، فيستصحب ملكه إلى أن يتصرّف أحدهما بإذن الآخر، فيكون رضا منه بكون ما في يده عوضًا عن الآخر . أمّا القسمة فإنّها مجرّد تمييز أحد النصيبين عن الآخر، و ما يصل إلى كلّ منهما هو عين ملكه، لا عوضًا عن ملک الآخر، فيكفي تراضيهما عليها مطلقًا، إنتهى (2) .

أقول : قد عرفت ضعف أصل الفتوى فيما ذكرناه، و كلامنا الآن على ما ذكره، فأقول : قوله : « من حيث إنّ ملک كلّ واحد من العوضين كان للاخر، فيستصحب ملكه إلى أن يتصرّف ».

و فيه : أنّ عدم لزوم كلّ واحد من العوضين قبل التصرّف ليس إلّا لأجل الاستصحاب، و هو متحقّق فيما نحن فيه، لأنّ المقسوم قبل القسمة كان مشتركًا بينهما، فيستصحب الشركة إلى أن يثبت خلافها .

ص: 406


1- . « في البيع » لم يرد في المصدر .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 26.

و أيضًا عدم اللزوم كان مقطوعًا به قبل القسمة، فيستصحب إلى أن يثبت خلافه .

و أيضًا أنّ قوله : « و ما يصل إلى كلّ منهما هو عين ملكه »، فيه: انّا لا نسلّم ذلک، و كيف ؟! مع أنّ قسمة الردّ مشتملة على المعاوضة كما عرفت .

و أيضًا نقول : إنّ ملكه كان حصّة غير معيّنة، و ما وصل إليه معيّن، و غير المعيّن لايصير معيّنًا بحيث لا يجوز العدول عنه إلى غيره إلّا بمعيّن و دليل، و مجرّد التراضي لا دليل على كونه موجبًا لذلک .

يكفي قاسم واحد إذا لم يكن القسمة قسمة ردّ

72- مسألة

اشارة

إذا لم يكن القسمة قسمة ردّ يكفي قاسم واحد عندنا، كما في كشف اللثام (1) .وفي المسالک : هو مذهب الأصحاب (2) . و عن بعض العامّة اعتبار التعدّد (3) .

و أمّا لو كانت قسمة ردّ، فلا يجري فيه قاسم واحد، بل لابدّ من اثنين، لأنّها تتضمّن التقويم، فالتعدّد لابدّ منه من حيث انّه شهادة، إلّا إذا رضي الشريک بتقويم واحد، فحينئذٍ لا يحتاج إلى التعدّد، و وجهه واضح .

ص: 407


1- . كشف اللثام : 10 / 167 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 27.
3- . الحاوي الكبير : 16 / 247 .
مع الضرر لا يجبر الممتنع على القسمة
و لو كان المتضرّر بعض الشركة لا جميعها

78- مسألة

اشارة

قد عرفت ممّا تقدّم أنّ القسمة لو كانت مستلزمة للضرر لا يجوز القسمة ولو اتّفق جميع الشركاء عليها .

و هل الحكم المذكور مختصّ فيما إذا استلزمت الضرر بالنسبة إلى جميع الشركاء، أو لا، بل عامّ شامل له و لغيره، فلا تجوز القسمة و لا يجبر الممتنع عليها و لو استلزمت الضرر عليه فقط ؟

والظاهر الأخير، لانتفاء الضرر و الحرج في الدين، و لاستلزامه إضاعة المال وقد روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) النهي عن ذلک ؛ خلافًا للمحكيّ عن شفعة المبسوط فالإجبار، قال :

لأنّه يطلبها من لا يستضرّ بها، فأشبه ما إذا لم يستضرّا (1) .

و هو ممنوع .

ص: 408


1- . المبسوط : 3 / 120 .
هل يجبر على القسمة إذا كان طالبها متضرّرًا لا غيره

و هل يعمّ ذلک لما إذا كان طالب القسمة هو المتضرّر دون غيره، أو مختصّ بغيره، فلو طالب أحد الشركاء القسمة وامتنع الباقي و كان الطالب هو المتضرّر دون غيره، يجبر الممتنع على القسمة ؟

في الشرائع و القواعد اختارا الأخير (1) ؛ و كذا في الخلاف، قال :

لأنّه لا ضرر عليه و الطالب قد رضي بدخول الضرر عليه، فيجب أن يجبر عليه (2) .

أقول : على هذا ينبغي جواز القسمة إذا اتّفق الشركاء جميعًا عليها و كانت القسمة مشتملة على ضرر بالنسبة إلى الجميع، إذ ليس المانع عنها إلّا الضرر و قد رضوا جميعًا به، و هو مناف لما اختاره في القواعد قبيل المسألة من عدم جواز القسمة حينئذ، و الظاهر أنّ الفرق بين المسألتين لا وجه له .

بيان الضرر المانع من جبر الممتنع على القسمة

ثمّ إنّ تحقيق الحقّ موقوفٌ على بيان الضرر المانع عن جبر الممتنع على القسمة، فأقول : قد اختلفوا في ذلک على أقوال :

الأوّل : انّه هو الّذي لو قسّم لا ينتفع به، كالعضائد الضيّقة والجواهرالنفيسة

ص: 409


1- . الشرائع : 4 / 889 ؛ القواعد : 3 / 461 .
2- . الخلاف : 6 / 231 .

وأمثالهما ؛ نسب هذا القول إلى الشيخ في المبسوط (1) .

و الثاني : هو الّذي يحصل معه نقصان في القيمة و إن بقيت المنفعة ؛ و هذا القول قد اختاره المحقّق في الشرائع و العلّامة في القواعد و ابنه في الإيضاح (2) ؛ و نقل عن الشيخ في أحد وجهي المبسوط أيضًا (3) .

و الثالث : هو الّذي يحصل معه عدم الانتفاع منفردًا فيما ينتفع به مع الشركة كالدار الصغيرة، فإنّها إذا قسّمت أصاب كلّ واحد من الشركاء موضع ضيق لايمكن الانتفاع منه ما كان ينتفع من الدار قبل القسمة من جعلها مسكنًا بأن يعمل دارًا برأسها، أو جعل مسكنًا قبل العمل لضيقه (4) .

و الفرق بين هذا القول و القول الأوّل هو : انّ القول الأوّل مأخوذ فيه عدم الانتفاع مطلقًا، والثاني عدم الانتفاع مقيّدًا، أي فيما ينتفع به قبل القسمة .

قال في الإيضاح :

هذا قول قوم (5) .

والقول الرابع : هو الّذي يلزم معه نقصان الانتفاع دون القيمة ؛ و هو المنقول عن يحيى بن سعيد (6) .

ص: 410


1- . المبسوط : 8 / 135 .
2- . الشرائع : 4 / 889 ؛ القواعد : 3 / 462 ؛ الإيضاح : 4 / 372 .
3- . المبسوط : 8 / 135 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 170 .
4- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 34 .
5- . إيضاح الفوائد: 4 / 372.
6- . الجامع للشرائع : 531 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 170 .

و الفرق بين هذا و الثالث هو : انّ المعتبر في الثالث عدم الانتفاع فيما ينتفع به مع الشركة، كما هو الظاهر من قولهم عدم الانتفاع فيما ينتفع به ؛ و في هذا نقصان ذلک الانتفاع، لا عدمه كلّيّة .

فعلى هذا ما ذكره في كشف اللثام بعد نقل هذا القول :

و هو معنى ما قيل : من عدم الانتفاع به فيما كان ينتفع به مع الشركة (1) . ليس بسديد، فتأمّل .

ثمّ إنّ هذا القول يشمل القول الأوّل و الثالث، لأنّه لو كان جبر الممتنع على القسمة ممنوعًا مع نقصان الانتفاع، فمع عدم الانتفاع مطلقًا أو فيما ينتفع به بطريق أولى .

نعم، يظهر الفرق بينه و بين القول الثاني فيما إذا حدث في القيمة نقصان بعد القسمة مع عدم النقصان في الانتفاع، فينبغي أن لا يجبر الممتنع على القسمة حينئذٍ على القول الأخير و أجبر على القول الثاني .

و كذا الكلام في العكس، أي إذا حدث في النفع نقصان بعد القسمة مع عدم النقصان في القيمة، فإنّه يجبر الممتنع حينئذٍ على القول الأخير و لا يجبر على القول الثاني، فالنسبة بين هذين القولين عموم من وجه، و قد عرفت موردي التفارق، و أمّا مورد الاجتماع و التصادق فهو ما إذا حدث نقصان بعد القسمة في الانتفاع و القيمة .

ص: 411


1- . كشف اللثام : 10 / 170 .

هذا في القول الأخير و الثاني، و أمّا النسبة بينه و بين القول الأوّل فالظاهر أنّه عموم مطلق، لأنّ الظاهر أنّ كلّ شيء ينتفى منه الانتفاع مطلقًا إمّا أن لا يبقى فيه قيمة، أو بقيت مع النقصان، فإذا ثبت عدم جبر الممتنع على القسمة بنقصان القيمة، فمع عدمها بطريق أولى كما لا يخفى .

فكلّ من قال بعدم جبر الممتنع بنقصان القيمة والظاهر أنّه يلزمه القول بعدمه فيما إذا انتفت منه الفائدة مطلقًا ؛ و لا عكس، إذ كثيرًا مّا ينقص القيمة من الشيء مع عدم انتفاء الفائدة كلّيّة، كما لا يخفى .

و أمّا بينه و بين القول الثالث فالظاهر أنّها عموم من وجه .

{ تحقيق ما هو الحقّ بين الأقوال }

و بالجملة : حيث قد عرفت اختلاف مقتضى الأقوال في المسألة و تحقّق الثمرة العظيمة بينها، فالواجب صرف الهمّة إلى تحقيق ما هو الحقّ بينها .

فأقول : تحقيقه موقوف على الرجوع في المستند، و الظاهر انحصار المستند فيها بالاعتبار، و حديث : « لا ضرر و لا إضرار (1) » (2) ؛ و مقتضاهما المنع من

ص: 412


1- . قد نقل الحديث في مصادر الخاصّة على هذين النحوين : « لا ضرار » و « لا إضرار »، والأوّل هوالمعروف، قال في مجمع البحرين : و في بعض النسخ : و لا إضرار، و لعلّه غلط ( مجمع البحرين : 3 / 374 ).
2- . الكافي : 5 / 280 ح 4 و 292 ح 2 و 293 ح 6 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ دعائم الاسلام : 2 / 499 ح1781 ، و ص 504 ح 1805 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛ الفقيه : 3 / 233 ح 3859 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛و4 / 334 ح 5718 ، و فيه : « لا ضرر و لا إضرار في الإسلام » ؛ التهذيب : 7 / 146 ح 651 ، و ص 164ح 727 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ الوسائل : 18 / 32 ح 23073 - 23075 ؛ مسند أحمد : 1 / 313 ، وفيه :«و لا إضرار » ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 784 ح 2340 و 2341 ؛ سنن الدارقطني : 4 / 146 ح 4494و4495؛ سنن البيهقي : 5 / 157 ؛ و فيها : « و لا ضرار ».

جبر الممتنع على القسمة مطلقًا و لو بمجرّد نقص النفع والقيمة كما لا يخفى .

فانحصر الحقّ ظاهرًا في القول الثاني والرابع، لكن لمّا كان الكلام في الضرر الحاصل بالقسمة، فالظاهر أنّ المعتبر حينئذٍ هو بقاء الانتفاع مع الشركة أو لا ؛ وأمّا القيمة فإنّما تعتبر إذا أريد البيع .

فالحقّ بين الأقوال هو القول الرابع، وفاقًا لشيخنا يحيى بن سعيد و كشف اللثام (1) ، فعلى هذا لو علم حدوث النقص في النفع بالقسمة لا يجبر الممتنع و إن لم يحصل في القيمة نقص، فإذا كان الحقّ هو القول الرابع نقول بعدم جواز جبر الممتنع على القول الأوّل و الثالث بطريق أولى .

إذا تحقّق ذلک ينبغي أن نعود إلى أصل المطلوب و المقصود، فأقول : إذا اشتملت القسمة على ضرر فسئل الحاكم عنها، فلا يخلو إمّا أن يكون طالبها بعض الشركاء، أو كلّها ؛ و على الأوّل إمّا أن يكون الطالب هو المتضرّر فقط، أو غيره كذلک، أو هما معًا ؛ و على التقادير إمّا أن يكون الضرر انتفاء المنفعة، أو نقصها، فههُنا صُوَرٌ :

الأولى : أن يكون طالب القسمة بعض الشركاء الّذي هو المتضرّر فقط، لكن

ص: 413


1- . انظر الجامع للشرائع : 531 ؛ و كشف اللثام : 10 / 170 .

الضرر عدم المنفعة .

و الثانية : أن يكون الطالب أيضًا ذلک، لكن الضرر نقص الانتفاع .

و الثالثة : أن يكون الطالب البعض، لكن المتضرّر غيره، سواء كان الضرر فيه عدم الانتفاع، أو نقصه .

و الرابعة : أن يكون الطالب هو البعض أيضًا، لكن الضرر بالنسبة إلى الجميع مطلقًا.

و الخامسة : أن يكون الطالب هو الكلّ، لكن الضرر عدم الانتفاع .

و السادسة : أن يكون الطالب هو الكلّ أيضًا، لكن الضرر نقص الانتفاع .

والظاهر عدم جواز القسمة في جميع هذه الصُوَر، إلّا في الصورة الثانية والسادسة .

أمّا عدم جوازها في غيرهما فلما عرفت من الاعتبار و عموم : « لا ضرر ولا إضرار (1) » (2) ، و لما فيها من إضاعة المال، و قد عرفت نهي النبيّ (صلي الله عليه واله)عن ذلک،

ص: 414


1- . قد نقل الحديث في مصادر الخاصّة على هذين النحوين : « لا ضرار » و « لا إضرار »، والأوّل هوالمعروف، قال في مجمع البحرين : و في بعض النسخ : و لا إضرار، و لعلّه غلط ( مجمع البحرين : 3 / 374 ).
2- . الكافي : 5 / 280 ح 4 و 292 ح 2 و 293 ح 6 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ دعائم الاسلام : 2 / 499 ح1781 ، و ص 504 ح 1805 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛ الفقيه : 3 / 233 ح 3859 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛و4 / 334 ح 5718 ، و فيه : « لا ضرر و لا إضرار في الإسلام » ؛ التهذيب : 7 / 146 ح 651 ، و ص 164ح 727 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ الوسائل : 18 / 32 ح 23073 - 23075 ؛ مسند أحمد : 1 / 313 ، و فيه :«و لا إضرار » ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 784 ح 2340 و 2341 ؛ سنن الدارقطني : 4 / 146 ح 4494و4495؛ سنن البيهقي : 5 / 157 ؛ و فيها : « و لا ضرار ».

فإذا ثبت عدم جوازها، فلا يجوز الجبر عليها فيما إذا تحقّق أيضًا، بل بطريق أولى .

و أمّا جوازها فيهما، فلأنّ مقتضى ما ذكر و إن كان العدم، لكن لمّا كانت القسمة حينئذٍ مستلزمة للنفع العظيم، لأنّ إفراز حقّ واحد من الشريكين مثلاً و تفرّده عن صاحبه أعظم نفعًا له من الشركة - كما صرّح به جماعة (1) - و كان سالمًا عن التضرّر بالنسبة إلى الغير، قلنا لجواز القسمة حينئذٍ و خصّصنا ما مرّ بغيرهما .

فإذا ثبت جواز القسمة حينئذٍ نقول : المانع عنها كما في الصورة الثانية إذا امتنع الشريک عنها يجبر عليها، إذ كلّ موضع تحقّق جواز القسمة و الممتنع عنها يجبر عليها، لأنّه مانعٌ لما جوّزه الشارع .

79- مسألة

اشارة

قد عرفت ممّا تقدّم أنّ القسمة على قسمين : قسمة إجبار، و قسمة تراضي ؛ وأنّ الأوّل هو ما لم يشمل على ضرر و لا ردّ، بمعنى أن يكون المقسوم بحيث يمكن تعديله في القسمة من غير ضرر و لا ردّ ؛ و الثاني : هو ما اشتمل على أحدهما .

و عرفت أيضًا أنّ الأوّل يكون في المثليّ والقيميّ .

ص: 415


1- . صرّح به العلّامة (قدس سره) في المختلف : 8 / 433 ؛ وانظر كشف اللثام : 10 / 170 .
أقسام قسمة الإجبار أربعة

و ها أنا أبيّن أقسامه ليحصل لک زيادة التوضيح، و أشير إلى كيفيّة القسمة فيها أيضًا، فأقول : أقسام قسمة الإجبار أربعة، لأنّه إمّا أن يكون السهام متساوية في المقدار والقيمة بأن يكون المقسوم متساوي القيمة بالنسبة إلى أجزائه، أو جزئيّاته، أو مختلفة فيهما، أو متساوية في الأوّل دون الثاني، أو عكس ذلک .

{ القسم الأوّل }

الأوّل : أن يكون السهام متساوية في المقدار والقيمة، و ذلک كما إذا كان بين ثلاثة شركاء ثلاث دور ليس لأحد الشركاء تفاضل على آخر، و كانت الدور متساوية في القيمة .

و هذه تقسم ثلاث تقسيمات، ثمّ يقرع بأن يأخذ رقاعًا ثلاثًا و يكتب في كلّ واحدة منها اسم واحد من الشركاء حتّى يكتب اسم الجميع، ثمّ تجعل كلّ واحد من القرعة مصونًا في ساتر كالشمع والطين، ثمّ يخرج كلّ واحد على سهم من السهام بأن يقال لمن لم يحضر الكتابة : أخرج اسمًا من هذه الأسماء على واحد من هذه السهام، فيختصّ ذلک السهم بمن خرج اسمه، ثمّ يخرج اسمًا آخر على واحد من السهمين الباقيين، فيختصّ ذلک أيضًا بمن خرج اسمه، ثمّ لا يحتاج إلى إخراج الاسم الباقي، بل يتعيّن عليه .

ص: 416

و هكذا إذا كان العين المشترک ما يعدّ شيئًا واحدًا، كالأرض إذا كانت مشتركة أربعة مثلاً بالسهام المتساوية، و كانت متساوية الأجزاء في القيمة، فإنّها تقسم أربعة أجزاء بالمساحة، فإن رضي الشركاء كلّ واحد بكلّ واحد من السهم، فلا كلام، و إلّا فيقرع بينهم بأن يأخذ رقاعًا بعدد السهام و يفعل فيها ما مرّ، و يتخيّر في إخراج الأسماء على السهام و بالعكس .

والأوّل قد عرفت كيفيّته، و أمّا الثاني - أي إخراج السهام على الأسماء - كتب في الرقاع أسماء السهام على نحو يتميّز كلّ واحد منها عن البواقي، ثمّ تجعل الرقاع مصونة بساتر، و يقال لمن لم يحضر الكتابة أن يخرج رقعة منها على واحد معيّن، فيكون له السهم الّذي في الرقعة، ثمّ يخرج رقعة أخرى على آخر، إلى أن يبقى سهم واحد، فيختصّ بالباقي .

{ القسم الثاني }

القسم الثاني من الأقسام الأربعة هو ما يكون السهام متساوية في المقدار لا في القيمة، كأن يكون الأرض مشتركة بين أربع مثلاً و لا تفاضل لأحدهم على الآخر في الحصّة، لكن ليس أجزاء الأرض متساوية في القيمة، بل لبعضها تفاضل على آخر فيها، مثل أن يكون ربعها مثل ربعيها في القيمة من حيث قرب الماء والعدم، أو من حيث انّ ذلک الربع يسقى من النهر بخلاف غيره، أو من حيث قوّة الإنبات و ضعفه.

ص: 417

و طريق القسمة في هذا القسم أن تعدل الأرض بالقيمة و تجعل أربعة أسهم في المثال المفروض، و يعمل فيها ما مرّ من حيث كتابة القرعة و عملها .

{ القسم الثالث }

القسم الثالث : عكس الثاني، أي : يكون العين المشتركة متساوية الأجزاء في القيمة، بأن يكون قيمة النصف متساوية لقيمة النصف الآخر، و قيمة الثلث متساوية لقيمة ثلثها ؛ و كذا الربع و الخمس و هكذا، لكن السهام مختلفة بحسب المقدار، كما إذا كانت العين مشتركة بين أربعة، بأن يكون لواحد نصف و لآخر ربع و لآخرين ربع آخر بأن يكون لكلّ منهما ثمن .

و طريق القسمة في هذا القسم أن تسوّي السهام على أقلّهم نصيبًا، ففي المثال المفروض يقسّم الأرض ثمانية أجزاء معدلة لتساوي الأجزاء في القيمة، و يجعل للسهام أوّلاً و ثانيًا و ثالثًا و رابعًا إلى آخره، و يتخيّر الشركاء في تعيين الأوّل أىّ سمت أرادوا، فإن تعاسروا عيّنه القاسم، و يكتب أربع رقاع بأسمائهم، و جعلها مصونًا بشيء كما تقدّم .

ثمّ يقال لمن لم يحضر الكتابة : أخرج رقعة من الرقاع، فإن خرج اسم صاحب النصف استحقّ تمام حصّته ممّا يلي ذلک السهم، أي استحقّ أربعة أثمان واحدًا هو ما خرج عليه اسمه والباقي ممّا يليه .

ثمّ يخرج رقعة أخرى، فإن كان الخارج لصاحب الثمنين استحقّهما واحدًا ما

ص: 418

خرج عليه اسمه والآخر ممّا يليه .

ثمّ يخرج قرعة أخرى و كان السهم الّذي خرجت عليه لصاحبها، ثمّ يختصّ السهم الباقي للباقي، فلا يحتاج إلى قرعة ؛ و إن كانت القرعة الّتي خرجت أوّلاً كانت لصاحب الثمن أختصّ به .

ثمّ يخرج أخرى، فإن كانت لصاحب الثمن أيضًا أختصّ به أيضًا، و يبقى ستّة أثمان، ثمّ يخرج أخرى، فإن كانت لصاحب الثمنين استحقّهما على ما مرّ، ثمّ تعيّن الباقي لصاحب النصف، و لا يحتاج إلى قرعة و هكذا .

و بالجملة : إن كان لصاحب القرعة ذا سهم واحد أختصّ بما خرجت عليه، وإن كان ذا سهم متعدّد أستحقّ ما خرجت عليه القرعة، و الباقي ممّا يليه ؛ و إن لم يبق إلّا سهم واحد أختصّ الباقي به من دون إخراج قرعة .

و لا يخفى عليک أنّ القسم الأوّل و الثاني يمكن إخراج الرقاع فيهما على قسمين : قسمٌ يكتب أسماء الشركاء في الرقاع و يخرج على السهام، و آخر بالعكس بأن يكتب أسماء السهام بعلامة تميّز كلّ واحد منها على غيره، و أخرج على الأسماء .

و في هذا القسم لا يجوز إلّا الأوّل، فلا يجوز أن يكتب الرقاع بأسماء السهام ويخرج على الأسماء، لأنّه قد يؤدّي إلى تفريق السهام .

ص: 419

بيان التفريق في السهام

بيانه هو : أنّ الإخراج على الأسماء لو كان جائزًا هنا، لكان هكذا بأن يكتب في المثال المفروض ثمانية رقاع، لأنّ عدد السهام ذلک، و أخرج أربعة منها لصاحب النصف، و اثنتين منها لصاحب الربع، و اثنتين لآخرين بأن يخرج لكلّ واحد واحدة منهما .

فالأربع المخرج إلى صاحب النصف يمكن أن يكون بعضه مشتملاً على السهم الأوّل، و بعضه على السهم الثالث، و بعضه على السادس، و بعضه على الثامن، لعدم علم المخرج بما في الرقعة .

و كذا يحتمل أن يكون الإثنتان المخرجتان على صاحب الربع بعضًا منهما مشتملاً على السهم الأوّل، والآخر على الثامن لما مرّ، فيلزم من ذلک التفريق في السهام .

و كذا يحتمل أن يكون الواحدة المخرجة على واحد من صاحب الثمن مشتملة على السهم الثاني، و آخر مشتملة على السادس، و أخرجت الإثنتان على صاحب الربع متضمّنتين للرابع والسابع، فيكون الباقي لصاحب النصف من غير إخراج، و هو السهم الأوّل والثالث والخامس والثامن، فيلزم التفريق أيضًا، و هو ضرر، فلا يجوز إلّا مع رضا الشركاء ؛ و كلامنا ليس في ذلک، فلا يجوز في هذا القسم إخراج القرعة على الأسماء، بل يخرج على السهام كما عرفت .

ص: 420

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّ المحقّق في الشرائع قد صدر منه فيه عكس ما يدلّ على مقصوده، حيث قال :

و لا يخرج في هذه على السهام، بل على الأسماء (1) .

ثمّ اعلم : إخراج الرقاع على السهام هنا ليس مثل إخراجها عليها في القسمين المتقدّمين، لعدم إخراج الرقاع فيما نحن فيه على جميع السهام، بل لو كان صاحب الاسم ذا سهام إذا أخرجت القرعة على واحد منها أخذ جميعها من غير إخراج القرعة ثانيًا كما عرفت .

إذا علمت جميع ما مرّ ظهر لک أنّ اللازم هنا كون عدد الرقاع عدد الشركاء، لا عدد السهام، وفاقًا للمحقّق و العلّامة و غيرهما، بل في المسالک هو الأشهر (2) .

وذهب بعضهم (3) إلى لزوم كون عددها عدد السهام، فعلى هذا يلزم أن يكون عددها في المفروض المتقدّم ثمانية .

و عن الشيخ أنّه جعله في المبسوط أقوى من الأوّل، أي الاقتصار على عدد الشركاء ؛ واحتجّ على ذلک - على ما نقل عنه (4) - : بأنّ من كان سهمه أكثر كان حظّه أوفر، و له مزيّة على صاحب الأقلّ، فإذا كتب لصاحب النصف مثلاً ثلاث رقاع كان خروج رقعته أسرع و أقرب، و إذا كتب له واحدة كان خروج رقعته

ص: 421


1- . الشرائع : 4 / 891 .
2- . انظر الشرائع : 4 / 890 ؛ و القواعد : 3 / 464 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 717 ؛ والمسالک : 14 / 43 .
3- . لم نعثر عليه .
4- . نقله عنه في المسالک : 14 / 43 ؛ و كشف اللثام : 10 / 175 .

ورُقعة صاحب السدس سواء (1) .

و فيه نظر، لما عرفت من أنّ ذا السهمين أو السهام لو خرجت قرعة على اسمه دفعت إليه ما يستحقّه من جميع السهمين أو السهام، فعلى هذا إقراع رقعة أخرى لغوٌ، إذ لو لم يكن لغوًا، بل كان بإخراج كلّ رقعة على اسمه يستحقّ سهمًا من سهامه مثلاً يؤدّي إلى ما مرّ من التفريق، لاحتمال عدم خروجها بالترتيب .

واعلم : أنّ ما مرّ من محذور التفريق على تقدير إخراج السهام على الأسماء قد دفعه بعضهم (2) بما يرجع حاصله في المثال الّذي ذكرناه : أنّ التفريق إنّما يلزم فيه بالنسبة إلى اسم صاحب النصف، أو الثلث إذا لم يبتدأ بإخراج السهم عن اسمهما، بأن يبتدأ أوّلاً على اسم صاحب الثمن، فاتّفق خروج السهم الثاني له، ثمّ على صاحب ثمن آخر، فاتّفق خروج الرابع له، ثمّ على اسم صاحب الثلث، فاتّفق خروج السهم الأوّل والخامس له، فيلزم التفريق في سهميه، و هو يستلزم التفريق بين سهام صاحب النصف، لأنّ سهامه حينئذٍ هو السهم الثالث مع السادس والسابع والثامن .

و أمّا لو ابتدأ بإخراج السهم على اسم صاحب النصف، ثمّ على اسم صاحب الثلث، أو بالعكس، فلا يلزم التفريق أبدًا، لأنّه لو ابتدأ بإخراج السهم على اسم صاحب النصف، فلا يخلو إمّا أن يكون السهم الخارج له الأوّل أو الثاني أو الثالث و هكذا .

ص: 422


1- . المبسوط : 8 / 138 .
2- . انظر إرشاد الأذهان : 1 / 434 ؛ والمسالک : 14 / 47 .

فإن كان الأوّل يأخذه و ثلاث سهام بعده ؛ و إن كان الثاني يأخذه والسهم الّذي قبله والإثنين بعده ؛ و إن كان الثالث وقف و أخرج لصاحب الثلث، فإن كان الخارج له الأوّل أخذه و ما بعده، و كذا إن كان الثاني، أي أخذه مع ما قبله ؛ ولصاحب النصف حينئذٍ الثالث و ما بعده إلى السابع، و يبقى الباقيان - و هما السابع والثامن - لصاحبي الثمنين ؛ و إن كان الرابع يأخذه و ما قبله و هكذا ؛ و إن كان الخامس ينبغي أن يأخذه و ما بعده إلى الثامن، ثمّ أخرج السهم على اسم صاحب الثلث و هكذا .

أو بالعكس بأن يبتدأ بإخراج السهم على اسم صاحب الثلث، ثمّ على اسم صاحب النصف، فلا يلزم فيه تفريق .

أقول : و فيه نظر، أمّا أوّلاً فلأنّه لو كان الأمر كذلک ينبغي أن لا يكتب أزيد من أربع رقاع في المثال المفروض ؛ و بالجملة : يكون عدد الرقاع عدد الشركاء، كما إذا أخرجت الأسماء على السهام، مع أنّهم لم يقولوا بذلک، بل قالوا : لو أخرجت السهام على الأسماء و كتبت عدد الرقاع عدد السهام .

و يعلم منه أنّ مرادهم من لزوم التفريق من حيث اعتبار كلّ من الرقاع بأن لايعطى سهمًا لواحد إلّا بعد خروج اسمه له، سواء خرج اسم سهم الأوّل له، أم لا، وكان بعده و قبله سهم، أم لا .

و أمّا ثانيًا فلعدم الدليل على اعتبار هذه التوجيهات، و لهذا مثّلنا فيما تقدّم للتفريق بما لا يكون معه بعد هذه التوجيهات تفريق .

ص: 423

{ القسم الرابع }

القسم الرابع : من الأقسام الأربعة هو ما يكون كلٌّ من السهام و قيمة الأجزاء فيه مختلفًا، كأن يكون السهام بالنصف والثلث والربع مثلاً ولم يكن أجزاء الأرض قيمتها متساوية .

و طريق القسمة في هذا القسم أن يعدل السهام بالتقويم و يسوّي السهام على أقلّهم نصيبًا، ففي المثال المتقدّم يجعلها ثمانية أقسام متساوية القيمة، ثمّ يعمل بالرقاع على نحو ما مرّ في القسم الثالث من غير فرق، إلّا أنّ التعديل هناک بالمساحة المستلزمة للقيمة، و هنا بالقيمة (1) .

تنبيه

إعلم : الظاهر أنّ ما اشتهر في ألسنة الفقهاء من كتبة الرقاع و جعلها في شيء ساتر، كالطين و الشمع، و جعلهما بندقًا، هو على سبيل التمثيل، إذ اللازم مراعاة الستر، فلو كتب الرقاع و لم يجعل في بندق، بل يلفّها بحيث يستر الاسم كفى .

و كذا الكتبة أيضًا غير لازمة، بل لو جعلها بالحصى و الورق و غيرهما يجوز ويكفى في حصول الأثر، كما نبّه عليه شيخنا الشهيد الثاني في المسالک و صاحب الكفاية (2) .

ص: 424


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 176 .
2- . المسالک : 14 / 41 ؛ الكفاية : 2 / 717 .
بيان قسمة الردّ

80- مسألة

قد عرفت التفصيل في قسمة الإجبار، و بقي الكلام في قسمة الردّ الّتي تقدّم منّا الوعدة على توضيحها، فأقول : قسمة الردّ هي الّتي لا يمكن فيها تعديل السهام بنفس المال المشترک، بل تعديل السهام فيها موقوفٌ على ضميمة شيء خارج عن المشترک إلى بعض الأقسام، كما لو كان بين شريكين عبدان و كانت قيمة أحدهما أربعمائة دينار و قيمة الآخر ثمانية مائة دينار .

والقسمة فيهما تسمّى بقسمة ردّ، لأنّ تعديل السهام فيها موقوفٌ على ردّ الأخذ للعبد الّذي قيمته ثمانية مائة دينار مائتين منه على الآخر .

و مثله ما لو كان العين المشترک فيها أرضًا يكون في أحد جانبها بئر أو شجر ومثلهما ؛ و يتوقّف تعديل السهام فيهما على ردّ الأخذ للجانب الّذي فيه بئر أو شجر من ما يحصل به التعادل .

و قد عرفت أنّ هذا القسم من القسمة يسمّى بقسمة تراضي، لاشتمالها على معاوضة موقوفة على التراضي .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه قال في الشرائع :

لو كانت القسمة قسمة ردّ، و هي المفتقرة إلى ردّ في مقابلة بناء أو شجر أو بئر، لا تصحّ (1) القسمة ما لم يتراضيا جميعًا، لما يتضمّن من الضميمة

ص: 425


1- . في المصدر : فلا يصحّ .

الّتي لا تستقرّ إلّا بالتراضي .

فإذا (1) اتّفقا على الردّ، و عُدِّلَت السهام، هل (2) يلزم بنفس القرعة ؟

قيل : لا، لأنّها تتضمَّن معاوضة، و لا يعلم كلّ واحد (3) مَن يحصل له العوض، فيفتقر إلى الرضا بعد العلم بما ميّزته القرعة (4) .

و مثله قال في القواعد (5) .

و هذا القول الّذي نقلا بعنوان قيل نسب إلى المبسوط و الجامع و التحرير (6) ،

وقد عرفت سابقًا أنّه مدلول عبارة الإرشاد أيضًا (7) .

ثمّ إنّ المستفاد من إطلاقهم هنا تحقّق الخلاف في لزوم هذه القسمة بعد القرعة ولو كان القاسم منصوبًا من الإمام .

و هو المستفاد من التنقيح أيضًا حيث قال :

لا يشترط مع تعديل السهام و القرعة التراضي من أرباب الحقوق إن كان القاسم من قبل الإمام، لأنّ قرعته بمنزلة حكمه، فلا يعتبر فيها

ص: 426


1- . في المصدر : و إذا .
2- . في المصدر : فهل .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): أي أحد من الشركاء، أو جميعهم، فإنّه لابدّ من علم المتعاوضين جميعًا،ولا يستلزم علم بعضهم، فكأنّه أشار به إلى أنّه لابدّ من علم، و هو هنا منتف و إن انتفى علم أحد منهم أيضًا .
4- . الشرائع : 4 / 891 .
5- . القواعد : 3 / 459 .
6- . انظر المبسوط : 5 / 495 ؛ و الجامع للشرائع : 531 ؛ و تحرير الأحكام : 5 / 225 .
7- . إرشاد الأذهان : 1 / 434.

الرضا .

أمّا لو تراضيا بقاسم يقسم و يعدل و أقرع، فهل يشترط الرضا من أصحاب (1) الحقوق، أم لا ؟

يحتمل الاشتراط، لأصالة بقاء الشركة، فإنّ القرعة إنّما تعتبر (2) بحكم الحاكم و لم يحصل . و يحتمل عدمه، لأنّ القرعة سبب التعيين و قد وجدت مع الرضاء السابق، و الرضا بالسبب يستلزم الرضاء بالمسبب .

هذا كلّه فيما لا يشتمل على الردّ، و أمّا المشتمل عليه فلابدّ فيه من الرضاء قبل و بعد، و صورته (3) أن يقول : رضيت بالقسمة، إنتهى (4) .

و عبارته هذه و إن كان صدرها يدلّ على عدم اعتبار رضاء أهل الحقوق في قاسم المنصوب من الإمام مطلقًا و لو كانت القسمة قسمة ردّ، إلّا أنّ ذيلها - و هو قوله : هذا كلّه فيما لا يشتمل على الردّ، إلى آخرها - يدلّ بعمومه على أنّ ما سبق من عدم اشتراط رضاء أهل الحقوق في قاسم الإمام بعد القرعة في غير قسمة الردّ.

و كذا يظهر من كشف اللثام (5) تحقّق الخلاف في ذلک أيضًا، حيث قال بعد نقل

ص: 427


1- . في المصدر : من أرباب .
2- . في المصدر : تعين .
3- . في المصدر : و صورة الرضاء .
4- . التنقيح الرائع : 4 / 263 .
5- . كشف اللثام : 10 / 177 .

العلّامة قول القيل المذكور .

و حكم الشهيد باللزوم إن كان القاسم منصوب الحاكم، و بعدمه إن كان غيره (1) ، فيعلم منه أنّ قول القيل المذكور من عدم لزوم قسمة الردّ بنفس القرعة مطلق .

و كذا يظهر ذلک من الشيخ في المبسوط أيضًا (2) ، حيث جعل مورد المسألة لزوم قسمة المنصوب من الإمام قسمة الإجبار، و جعل مورد هذه المسألة الّتي قد حكم فيها بكون عدم اللزوم أقوى قسمة الردّ .

و عبارته المنقولة (3) هذه :

القسمة ضربان : قسمة إجبار و قسمة تراض، فإن كانت قسمة إجبار نظرت في القاسم، فإن كان قاسم الإمام لزمت بالقرعة، لأنّ قرعة القاسم كحكم الحاكم، لأنّه يجتهد في تعديل السهام كما يجتهد الحاكم في إطلاق الحقّ ؛ و إن كان القاسم رجلاً ارتضوا به حكمًا و قاسمًا فالحكم فيه كالتراضي بحاكم يحكم بينهما (4) .

ثمّ قوى اعتبار التراضي بعد القرعة فيه و فيما لو اقتسما بأنفسهما ؛ ثمّ قال :

ص: 428


1- . الدروس : 3 / 117 .
2- . المبسوط : 5 / 504 .
3- . نقله عنه في المسالک : 14 / 51 .
4- . المبسوط : 8 / 148 .

هذا (1) في قسمة الإجبار، فأمّا قسمة التراضي - و هي الّتي فيها ردّ (2) - فهل يلزم بالقرعة، أم لا ؟

قال قوم (3) : يلزم كقسمة الإجبار، و قال آخرون : لا تلزم (4) ، لأنّ القرعة هاهنا ليعرف البائع الّذي يأخذ الردّ، و المشتري الّذي يدفع الرّد(5) ، فإذا تميّز هذا بالقرعة اعتبرنا التراضي بعد القرعة على البيع والشراء، و هذا هو الأقوى، إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (6) .

و لا يخفى عليک أنّ لهذا الكلام دلالة في مواضع على تحقّق الخلاف في لزوم قسمة الردّ مطلقًا و لو كانت من القاسم المنصوب :

الأوّل : من جهة تخصيصه اللزوم بالقرعة بقسمة الإجبار .

و ذلک في موضعين، أحدهما : قوله : « فإن كانت قسمة إجبار ينظر (7) » إلى آخره ؛ و الثاني : قوله : « هذا في قسمة الإجبار »، فلو كان قسمة الردّ أيضًا ممّا تلزم بالقرعة و لو من القاسم المنصوب من الإمام لما فعله .

والثاني : قوله : « أمّا في قسمة التراضي الّتي »، إلى قوله : « قال قوم : تلزم

ص: 429


1- . في المصدر : هذا الكلام .
2- . في المصدر هنا زيادة و هي : « أو لا ردّ فيها مثل أن تراضيا أن يكون السفل لأحدهما والعلوّ للاخر » .
3- . كذا في نسخة الأصل و المسالک، و في المصدر : قال بعضهم .
4- . كذا في نسخة الأصل و المسالک، و في المصدر : لا يلزم بالقرعة .
5- . في المصدر هنا زيادة و هي : « لأنّا نجهل هذا قبل القرعة ».
6- . المبسوط : 5 / 504 .
7- . في المصدر : نظرت .

كقسمة الإجبار ».

والثالث : قوله في تعليل عدم لزوم قسمة الردّ : « لأنّ القرعة هاهنا ليعرف البائع الّذي يأخذ الردّ و المشتري الّذي يدفع الردّ » إلى آخره، إذ هو مشترک بين ما لو كانت القرعة من القاسم المنصوب من الإمام، أو غيره .

و بالجملة : كلام الشيخ كالصريح في اختياره عدم اللزوم في قسمة الردّ بنفس القرعة مطلقًا، و لو كان القاسم منصوب الإمام .

قال في الشرائع أيضًا :

والمنصوب من قبل الإمام تمضي قسمته بنفس القرعة، و لا يشترط رضاهما بعدها ؛ و في غيره يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة (1) .

و هذا لا يدلّ على عدم الخلاف في قاسم الإمام مطلقًا على ما فهم بعض الأصحاب، لأنّ الظاهر أنّ هذا فتوى له، و لا يعلم غير ذلک منه .

نعم، قد علّل جماعة (2) - منهم العلّامة - لزوم القسمة من قاسم الإمام مطلقًا و لوكانت قسمة ردّ و مع عدم الرضا بأنّ قرعة قاسم الإمام بمنزلة حكمه، فلا يعتبر رضاهما بعدها ؛ و قد عرفت ذلک من عبارة التنقيح (3) .

ص: 430


1- . شرائع الإسلام : 4 / 888 .
2- . منهم الشيخ الطوسيّ في المبسوط : 8 / 148 ؛ و الصيمريّ في غاية المرام : 4 / 247 ؛ و العلّامة في تحريرالأحكام : 5 / 223 ، والقواعد : 3 / 460 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 26 ؛ و الفاضل الاصبهانيّ فيكشف اللثام : 10 / 166 .
3- . انظر التنقيح الرائع : 4 / 263 .

و هذا التعليل و إن كان عامًّا شاملاً لمطلق القسمة من قاسم الإمام، إلّا أنّه لم يثبت على ذلک دليل، و إنّما وجد ذلک في كلام جمع، فحجّيّته غير معلوم .

و لعلّه لهذا ظاهر الشيخ - بل صريحه في عبارته المتقدّمة - الفتوى على عدم لزوم قسمة منصوب الإمام في قسمة الردّ بنفس القرعة، مع وجود هذا التعليل في كلامه .

فإذا ثبت وجود المخالف في المسألة، ظهر لک أنّ الحقّ عدم اللزوم في قسمة الردّ حينئذٍ استصحابًا للشركة الثابتة، لما عرفت سابقًا من عدم الدليل الموجب على الخروج من حكمه، إلّا الاتّفاق ؛ و قد عرفت عدمه، والوقوف على المعدوم معدوم .

فعلى هذا دعوى عدم الخلاف في لزوم قسمة القاسم المنصوب من الإمام كما عرفت سابقًا عن بعض على إطلاقه غير مسلّم .

81- مسألة

اشارة

لو كان بين شريكين دار مشتملة على علوّ و سفل، و طلب أحدهما قسمتها بحيث يكون لكلّ واحد نصيب من العلوّ والسفل أجابه الآخر، و إلّا أجبر عليها إذا لم تتضمّن ضررًا و لا ردّا .

و أمّا لو طلب انفراده بالعلوّ أو السفل إن لم يجب الآخر لا يجبر عليها، سواء كان لأحدهما رجحان على الآخر، أم لا .

ص: 431

أمّا مع الرجحان فظاهر، لأنّه حينئذٍ يكون من قسمة الردّ، و قد عرفت عدم الجبر فيها .

وأمّا مع عدم الرجحان مطلقًا، سواء كان الطالب للقسمة طالبًا للمرجوح،أو المساوي، فلما صرّح به بعض المحقّقين (1) من أنّ البناء تابع للأرض والعلوّ للسفل، فإنّما يجبر على قسمة تأتي على الأرض من الأرض ؛ و من أنّ مَن مَلک شيئًا ملک قراره إلى الأرض السابعة و هواه إلى السماء، فلو جعلنا لأحدهما العلوّ قطعنا السفل عن الهواء والعلوّ عن القرار .

و منه يعلم عدم جواز الجبر لو طلب قسمة كلّ منهما بينهما، لكن منفردًا عن الآخر بأن يطلب حصّة من السفل و حصّة من العلوّ الّتي لم تكن فوق تلک الحصّة من السفل .

و لو طلب أحدهما قسمة السفل خاصّة و يبقى العلوّ مشتركًا، أو بالعكس، قال في القواعد :

لم يجبر الممتنع عليه، لأنّ القسمة للتمييز، و مع بقاء الإشاعة في أحدهما لا يحصل التمييز (2) .

و فيه نظر، لأنّ مع قسمة السفل فقط حصل التمييز فيه، إذ المشترک شيئان ؛ويدلّ عليه عبارته أيضًا كما ترى، و بقاء الإشاعة في أحدهما لايستلزم عدم

ص: 432


1- . صرّح به الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 177 .
2- . قواعد الأحكام : 3 / 464 .

حصول التمييز في الآخر بالقسمة .

والجواب : أنّهما و إن كانا شيئين ظاهرًا، إلّا أنّک قد عرفت أنّ البناء تابعٌ للأرض، فكلٌّ من العلوّ والسفل تابع لها، فيكون المشترک شيئًا واحدًا .

ثمّ أقول : على تقدير تسليم كونهما شيئًا واحدًا، ما المانع عن قسمة نصف شيء واحد لو طلبها أحد الشريكين و يبقى النصف الآخر على الإشاعة ؟!

و عدم حصول التمييز حينئذٍ ممنوعٌ، لحصوله في النصف المقسوم بديهة، فإذا ثبت الجواز أجبر الممتنع عليها، لأنّه مانع عمّا جوّزه الشارع، إلّا أن يثبت إجماعهم على عدم تجزية شيء واحد في القسمة بأن يقسّم شيء منه و أبقى الباقي منه على الإشاعة .

الزرع في الأرض المشتركة لا يمنع
من إجبار الممتنع عن القسمة فيها

82- مسألة

اشارة

لو كان في الأرض المشتركة زرع، و طلب أحد الشريكين قسمتها خاصّة، أجبر الممتنع عليها، وفاقًا للشيخ - و ستسمع عبارته - و المحقّق و العلّامة

ص: 433

وغيرهم (1) ، لأنّ الزرع فيها كالمتاع في الدار ؛ فكما لا يمنع المتاع فيها من إجبارالممتنع على قسمتها، كذا لا يمنع الزرع على الأرض المشتركة من إجبار الممتنع على قسمتها .

و أمّا لو طلب أحدهما قسمة الزرع، فهل يجبر الممتنع عليها ؟

فقد منع الشيخ عنه و ستقف على عبارته، لأنّ تعديل ذلک بالسهام غيرممكن، فيكون من قسمة الردّ، و قد عرفت عدم جواز جبر الممتنع عليها .

والحقّ : الإجبار، وفاقًا للمحقّق في الشرائع و العلّامة في الإرشاد (2) .

و عدم إمكان تعديل السهام غير مسلّم، لإمكانه بالتقويم إذا لم يكن فيه جهالة، كما إذا كان بذرًا مستورًا .

قال في المسالک :

إن أراد (3) قسمة الزرع فمقتضى الأصول الشرعيّة كون الحكم كذلک حيث يمكن تعديله، بأن لا يكون بذرًا مستورًا، سواء كان سنبلاً، أم حشيشًا، أم قصيلاً .

ثمّ قال :

ص: 434


1- . انظر المبسوط : 8 / 141 ؛ و الشرائع : 4 / 892 ؛ والتحرير : 5 / 221 ؛ و القواعد : 3 / 465 ؛ والكفاية :2/ 718 ؛ و كشف اللثام : 10 / 180 .
2- . انظر الشرائع : 4 / 889 ؛ والإرشاد : 1 / 434 .
3- . في المصدر : إن أرادا .

والشيخ (1) - رحمه الله - أطلق المنع من قسمته قسمة إجبار، محتجًّا بأنّ تعديله غير ممكن . و لا يخفى منعه، إذ لا مانع منه، سواء كان سنبلاً، أم لا (2) .

و ما ذكره من جواز الجبر في السنبل أيضًا هو الّذي يظهر من المحقّق أيضًا، قال :

و لو كان سنبلاً قال الشيخ أيضًا : لم يصحّ، و هو مشكل، لجواز بيع الزرع عندنا (3) .

و في عبارة الشيخ نوع اضطراب، لأنّه قال :

فإن كان بينهما أرض فيها زرع، فطلب أحدهما القسمة، فإمّا أن يطالب بقسمة الأرض أو الزرع أو قسمتهما معًا، فإن طلب قسمة الأرض دون غيرها أجبرنا الآخر عليها على أيّ صفة كان الزرع، حبًّا أو قصيلاً أو سنبلاً قد اشتدّ،لأنّ الزرع في الأرض كالمتاع في الدار، و كون المتاع في الدار لا يمنع القسمة، فالزرع مثله ؛ و أمّا إن طالب قسمة الزرع وحده لم يجبر الآخر عليه، لأنّ تعديل الزرع بالسهام لا يمكن.

و أمّا إن طالب قسمتها مع زرعها لم يخل الزرع من ثلاثة أحوال : إمّا أن

ص: 435


1- . المبسوط : 5 / 496 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 53 .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 892 .

يكون بذرًا، أو حبًّا مستترًا، أو قصيلاً، فإن كان حبًّا مدفونًا لم يجز (1) القسمة، لأنّا إن قلنا القسمة إفراز حقّ فهو قسمة مجهول أو (2) معلوم فلايصحّ ؛ و إن (3) قلنا بيع لم يجز مثل هذا، و إن كان الزرع قد اشتدّ سنبله و قوي حبّه فالحكم فيه كما لو كان بذرًا و قد ذكرنا .

و إن كان قصيلاً أجبرنا الممتنع عليها، لأنّ القصيل فيها كالشجر فيها، ولو كان فيها شجر قسّمت شجرها كذلک هاهنا، إنتهى كلامه (4) .

و هذا كما ترى ليس فيه ذكر السنبل بخصوصه، و لكنّه فرّق بين النسبل و غيره فيما إذا طلب قسمة الأرض و الزرع معًا، حيث قال : « و أمّا إن طالب قسمتها مع زرعها »، إلى أن قال : « و إن كان الزرع قد اشتدّ سنبله و قوي حبّه فالحكم فيه كما لو كان بذرًا و قد ذكرنا ».

و الظاهر أنّه أراد بالبذر هنا الحبّ المستتر، و في الأوّل ما في السنبل، فعلى هذا منعه عن الإجبار في قسمة السنبل إنّما هو إذا طلب قسمة الأرض والزرع معًا.

و قد نسب في الشرائع والمسالک (5) المنع عن الإجبار في قسمة السنبل ؛

ص: 436


1- . في المصدر : لم تجز .
2- . في المصدر : و .
3- . في المصدر : و إذا .
4- . المبسوط : 8 / 141 .
5- . انظر الشرائع : 4 / 892 ؛ و المسالک : 14 / 53.

ولعلّهما رآه في غير هذا الموضع، أو في غير هذا الكتاب .

ثمّ إنّ وجه فرقه - رحمه الله تعالى - بين القصيل والسنبل الّذي قوي حبّه - على ما قيل (1) - هو :

أنّ الّذي قوي حبّه صار بمنزلة المتاع المنفصل الموضوع في البيت، فلا يتبع الأرض و لا يجبر على قسمته إلّا كيلاً أو وزنًا ؛ و القصيل تابع للأرض كالشجر، فيجبر على قسمته بتبعيّة الأرض، إلّا إذا طولب بقسمته على حدته، فلهذا نفي الإجبار على قسمة الزرع منفردًا مطلقًا(2) .

پ

لا يجبر الممتنع على تقسيم
ما يعدّ شيئين من العقار والقرحان

83- مسألة

اشارة

المشهور بين الأصحاب - على ما صرّح به في المسالک (3) - هو : أنّ ما يعدّ

ص: 437


1- . قائله الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره).
2- . كشف اللثام : 10 / 180 .
3- . المسالک : 14 / 54 .

شيئين أو أكثر من العقار،كالدور المتعدّدة،و القرحان المتعدّدة - أي الأرض المتعدّدة الخالية من البناء و الشجر - و كذا الدكاكين المتعدّدة، سواء تجاورت، أم لا، والحبوب المختلفة كالحنطة والشعير، لو طلب أحد الشريكين قسمة بعضها في بعض، بمعنى أن يجمع نصيبه في أحد الدارين أو إحدى الأرضين و هكذا، لم يجبر الممتنع عليها، لأنّ المشترک في جميعها متعدّد، فتخصيص أحد المشتركين بواحد من الشريكين في مقابلة الآخر معاوضة موقوفة على التراضي، فلا يجبر الممتنع .

و عن ابن البرّاج الحكم بالإجبار في الدور إذا اعتدلت في بقاعها و أحوالها ورغبة الناس فيها (1) .

و ذهب العلّامة في الإرشاد (2) في الدكاكين المتعدّدة المتجاورة إلى جواز قسمة بعضها في بعض قسمة إجبار .

و لعلّ وجهه هو ما عرفت من تبعيّة البناء للأرض، و هي هنا شيء واحد، والدكاكين كبيوت الدار، و لهذا اعتبر المجاورة ؛ و هو ضعيف، لتعدّدها حسًّا وعرفًا و حقيقةً ؛ و مجرّد المجاورة لا يجعلها شيئًا واحدًا، كما إذا كانت الدور مجاورة بعضها لبعض، فلا يقال : إنّها واحدة بديهة .

و ما ذكره من الإجبار في الدكاكين المتجاورة هو المحكيّ عن جماعة من العامّة (3) ؛ و عن بعضهم الفرق بين الدكاكين مجتمعة و متفرّقة، فجوّز قسمة

ص: 438


1- . المهذّب : 2 / 573 .
2- . إرشاد الأذهان : 1 / 434 .
3- . روضة الطالبين: 8 / 190.

المجتمعة بعضها في بعض، كالدار الواحدة و القراح الواحد (1) .

و فيه نظر، لظهور الفرق بينهما، و هو : صدق وحدة المشترک في الدار الواحدة وعدم صدقها في الدكاكين و لو كانت مجتمعة .

توضيحه هو : أنّ العين المشتركة في الدار هي المسمّى بالدار، و هي اسم لبناء مخصوص، و لو كان مشتملاً على بيوت متعدّدة، فاشتماله على بيوت و لو كانت كثيرة لا يخرجه عن ذلک .

نعم، تعدّد الدار يصدق بتعدّد ذلک البناء الخاصّ، بخلاف الدكان فإنّه اسم لبناء مخصوص معلوم، و تعدّده يلزم بتعدّد ذلک البناء و لو كان مجتمعًا ؛ و لهذا لايجوز أن يقال لثلثه من ذلک البناء أنّها دكان، بل يقال : إنّها دكاكين، بخلاف الدار المشتملة على بيوت، فلا يقال : إنّها دور، بل دار .

القسمة سبب اللزوم، فلا يمكن الفسخ فيها

84- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ القسمة مع تحقّق الشرائط سبب اللزوم بالإتّفاق، كما صرّح به بعض الأجلّة (2) ، فلا يمكن لأحد المتقاسمين فسخها .

ص: 439


1- . المسالک : 14 / 54 .
2- . صرّح به في كشف اللثام : 10 / 181 .

و هل يمكن ذلک مع اتّفاقهما عليه ؟

ذهب في القواعد (1) إليه، لكنّه مشكل، لأنّ القسمة ملّكت المتقاسمين ما وصل إليهما بعدها بالخصوص و الإنفراد ؛ والمفروض أنّها لازمة، فصار ما وصل إلى المتقاسمين بالقسمة بمنزلة الملک المختصّ بأحدهما، والمال المختصّ لا يجعل مشتركًا إلّا بموجب الاشتراک، وكون ما نحن فيه من ذلک لم يثبت .

و أيضًا الشيء اللازم شرعًا يقتضي الاستصحاب بقاؤه، ففسخه لا يجوز إلّا بما دلّ الدليل على أنّه فاسخ، و لم نجد دليلاً على كون اتّفاق المتقاسمين من ذلک .

و لا فرق في ذلک بين كون القسمة قسمة إجبار أو تراض، و لا بين كون القاسم منصوب الإمام أو منصوبهما .

لو ادّعى بعض الشركاء الغلط في القسمة هل تسمع أم لا ؟

85- مسألة

اشارة

لو ادّعى أحد الشريكين بعد القسمة الغلط عليه، بمعنى أنّ ما وصل إليه ليس مقدار ما يستحقّه، بل أدون منه، فإن أقام بيّنة على ذلک تبطل القسمة، لأنّ فائدتها إفراز الحقّ و لم تحصل، كما لو أقام بيّنة على ظلم القاضي أو سهوه، أو على كذب الشهود.

ص: 440


1- . قواعد الأحكام : 3 / 465 .

و إن عجز عن إقامتها له إحلاف شريكه إن ادّعى علمه بذلک، فهل يجوز له إحلافه مطلقًا و لو لم يدّع علمه بذلک ؟

أقول : ينبغي التفصيل بأنّ شريكه إمّا أن ينكر ما ادّعاه من الغلط عليه، أو لا، فإن كان الأوّل الظاهر أنّ له إحلافه حينئذٍ أيضًا، لعموم قوله : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (1) .

و إن كان الثاني - أي لا ينكر ما ادّعاه - فليس له أن يحلفه، لأنّ الحلف حجّة المنكر ، أي لمن أنكر ما ادّعاه المدّعي .

و المفروض أنّه لا ينكر ذلک، بل في إحلافه الشريک على الأوّل كلام، لأنّ الظاهر أنّ المنكر الّذي يتوجّه إليه اليمين هو المنكر لما ادّعى عليه، لأنّه المتبادر من قوله : « البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر » أو « على المنكر ».

و هو في المقام غير متحقّق، لأنّه يدّعي وقوع الغلط عليه، فيكون المدّعى عليه هو القاسم، لا الشريک، إلّا أن يكون القاسم هو الشريک، فعلى هذا المدّعى عليه حقيقة هو القاسم، لكن لا يتوجّه اليمين عليه، و لا تسمع الدعوى بالنسبة إليه، لأنّه وكيل الإمام، و قسمته كحكمه، كما لا يتوجّه الدعوى على الحاكم، و لا على الشاهد، و لا عليهما يمين .

و كذا في القاسم التراضي، لعموم القول بالفصل، فعلى ما ذكرناه له إحلاف

ص: 441


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

الشريک فقط إن ادّعى عليه العلم بالغلط، فلو حلف سقطت الدعوى، و إن نكل أحلف هو، و بطلت القسمة حينئذٍ، بناءً على عدم القضاء بالنكول ؛ و إلّا لا يحتاج إلى إحلاف المدّعي حينئذ .

و إن كثر الشركاء و حلف بعضهم و نكل الآخر بطلت القسمة بالنسبة إلى الناكل دون الحالف ؛ و يحتمل بالنسبة إلى الجميع، لأنّ ما وصل إلى الناكل بالقسمة هو مقدار ما وصل إلى الآخر، فإذا ثبت بالنكول من الحلف بطلان القسمة بالنسبة إلى غير الحالف ينبغي أن تسقط بالنسبة إلى الحالف أيضًا، لأنّ مقدار ما وصل إليه هو مقدار ما وصل إلى الناكل .

و فيه نظر، لأنّ هذا إنّما يسلم إذا كان عدم حلفه منحصرًا وجهه في استحقاق الآخر المدّعي للحقّ، و ليس الأمر كذلک، لجواز أن يكون نكوله عن الحلف لأجل كراهة الحلف، نظرًا إلى النهي عنه، فعلى هذا نقول : إنّ أصل النكول من الحلف سببيّته للحقّ مثلاً خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على الموضع المتيقّن، و هو بالنسبة إلى الناكل فقط كما عرفت .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّ الشريک لو ردّ الحلف إليه بعد توجّهه إليه، فإن حلف المدّعي بطلت القسمة أيضًا ؛ و هل يكفي عند كثرة الشركاء إذا أرادوا جميعًا ردّ الحلف حلف واحد بردّ واحد، أو يحتاج في بطلان القسمة بالتمام ردّ الجميع الحلف إليه، والحلف بعدد جميع الشركاء غيره ؟

الظاهر : الأخير، لأنّ حلفه إنّما هو لعلم الرادّ بالغلط عليه في القسمة، و معلوم أنّ علم أحد الشركاء بذلک لا يستلزم علم الجميع به، فيحتاج إلى الحلف بعددهم .

ص: 442

نعم، يمكن الاكتفاء بحلف واحد إذا توجّه الحلف إليهم جميعًا، و ردّوا كذلک، ثمّ حلف بالعموم بأن يقول : « والله أنتم كُلُّكّم عالمون بذلک » ؛ هذا .

و يحتمل الاكتفاء بحلف واحد مطلقًا و لو لم يكن على العموم، لأنّ غير المدّعي كلّهم يسلمون بتساوي القسمة بالنسبة إليهم، فإذا ثبت الغلط في القسمة بالنسبة إلى بعضهم يثبت بالنسبة إلى الآخر أيضًا .

ثمّ اعلم : أنّ ما مرّ لا شبهة فيه في قسمة الإجبار، و أمّا في قسمة التراضي فقد ذهب شيخ الطائفة إلى عدم سماع دعواه حينئذٍ فيها مطلقًا، قال :

لم يخل من أحد أمرين : إمّا أن اقتسما بأنفسهما، أو يقسّم بينهما قاسم الحاكم، فإن اقتسما بأنفسهما لا يلتفت إلى قول المدّعي، لأنّه إن كان مبطلاً سقط قوله، و إن كان محقًّا فقد رضي بترک هذه الفضيلة له، فلا معنى لرجوعه فيها .

و إن كان القاسم بينهما قاسم الإمام (1) ، فمن قال : يلزم بالقرعة، قال الحكم فيها كقسمة الإجبار، و قد مضى { يعني : لم يقبل دعواه } (2) ، ومن قال : لا يلزم إلّا بتراضيهما بعد القرعة، فالحكم كما لو تراضيا من غير حاكم، إنتهى (3) .

ص: 443


1- . في المصدر : الحاكم .
2- . ما بين المعقوفين لم يرد في المصدر، و إنّما ورد في كشف اللثام .
3- . المبسوط : 8 / 142 .

هكذا نقلت العبارة عنه (1) .

أقول : مقتضى نسبتهم الخلاف في قسمة التراضي إلى الشيخ من أنّه لا يسمع الدعوى فيها مطلقًا هو أنّه يقول : بسماع الدعوى في قسمة الإجبار و لو كان في الجملة، و هو مناف لقوله في العبارة المذكورة : « فمن قال : يلزم بالقرعة، قال : الحكم فيها كقسمة الإجبار، و قد مضى { يعني لم يقبل دعواه } (2) » .

ثمّ أقول : إنّ في قوله : « و إن كان محقًّا فقد رضي بترک هذه الفضيلة » نظرًا، لعدم تسليم ذلک، لاحتمال السهو و الخطأ والجهل بالقيمة .

حكم المقسوم لو ظهر مستحقًّا
و بيان شقوق المسألة

86- مسألة

اشارة

لو ظهر بعض المقسوم مستحقًّا - أي مملوكًا للغير - هل تقتضي ذلک بطلان القسمة، أم لا ؟

أقول : لايخلو إمّا أن يكون ذلک البعض مشاعًا، أو معيَّنًا ؛ و على الثاني إمّا أن يكون في نصيب أحد الشريكين، أو في نصيبهما ؛ و على الثاني إمّا أن يكون فيهمابالسويّة، أو لا ؛ فهاهنا صورٌ :

ص: 444


1- . نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 182 .
2- . ما بين المعقوفين لم يرد في المبسوط، و إنّما ورد في كشف اللثام .

{ الصورة الأولى }

الأولى : أن يكون البعض الّذي ظهر استحقاقه مشاعًا، كما إذا كان العين المشتركة فيها دارًا مشتملة على ستّة بيوت متساوية، انتقل بالقسمة إلى كلّ واحد منهما حصّته، ثمّ ظهر الاستحقاق في اثنين منها، و حينئذٍ بطلت القسمة في المستحقّ قطعًا، بمعنى أن يخرج من يد الشريكين، فينتقل إلى مالكه ؛ لكن هل تبطل بالنسبة إلى الباقي ؟

فيه قولان، نقلا عن الشيخ (1) ، الأوّل : أنّها لا تبطل، لبقاء السهام بين الشركاء بالتعديل، فلا وجه لإبطالها .

و الثاني : البطلان، و هو الحقّ، وفاقًا للمحقّق و العلّامة و ابنه في الإيضاح والشهيدين (2) ، لأنّ المقصود من القسمة تمييز الحقوق و لم يحصل فيما نحن فيه،لأنّ ما ظهر استحقاقه مستحقّه شريک كلّ واحد من الشريكين و لا يتميّز حقّه ؛ ولاستلزامه انفراد بعض الشركاء بالقسمة، و هو غير جائز .

و لا فرق بين علم الشريكين أو القاسم بوجود المستحقّ، أم لا، أمّا مع العلم فالبطلان ظاهر، و أمّا مع العدم فلأنّ غاية ما يلزم منه عدم المؤاخذة، لا صحّة القسمة و لو بعد العلم بوجوده .

ص: 445


1- . انظر المبسوط : 8 / 142 .
2- . انظر الشرائع : 4 / 893 ؛ و التحرير : 5 / 227 ؛ و الإيضاح : 4 / 377 ؛ والمسالک : 14 / 57 .

و يمكن أن يقال : قبل حصول العلم بالشريک كانت القسمة صحيحة بالإجماع، والأصل بقاؤها إلى أن يثبت العدم بدليل و لم يثبت، إذ ليس إلّا حصول العلم بالشريک ؛ و غاية ما يلزم منه انتقال حصّته إليه، لا بطلان القسمة .

و على القول بصحّة القسمة ينبغي في إفراز حصّة الشريک أن يكتب في رقعة اسمه و فعلت معها ما مرّ .

{ الصورة الثانية }

والصورة الثانية : أن يكون ذلک البعض معيّنًا في نصيب أحد الشريكين وحينئذٍ تبطل القسمة، لأنّ المستحقّ يملكه مستحقّه، فيبقى مجموع غيره مشتركًا بينهما، لأنّ ما يبقى لكلّ واحد ليس من حقّه كما لا يخفى، فعادت الشركة و يحتاج إلى تمييز حقّهما إلى قسمة أخرى .

{ الصورة الثالثة }

والصورة الثالثة : أن يكون البعض معيّنًا أيضًا و يكون في النصيبين، لكن في أحدهما أكثر ؛ والحكم فيها ما مرّ لما مرّ .

{ الصورة الرابعة }

والصورة الرابعة : أن يكون البعض معيّنًا و يكون في النصيبين بالسويّة ؛

ص: 446

والحكم في هذه الحالة أنّه يأخذ نصيبه منهما و لم تنقض القسمة حينئذٍ لحصول المقصود و انتفاء المانع .

أمّا الأوّل فلأنّ المقصود من القسمة هو تمييز الحقوق و قد حصل، فينبغي أن يكون صحيحًا .

و أمّا انتفاء المانع، فلأنّه ليس الإنفصال في النصيبين، إذ هو المفروض، و هو لايصلح للمانعيّة بعد أن يبقى بعد إفراز المستحقّ النصيبان على التعديل، كما إذا حصل في الملک المنفرد .

و ليس هنا المانع الّذي في الصور المتقدّمة، لأنّ التعديل بعد إفراز المستحقّ وإن تحقّق في الصورة الأولى، لكن لمّا كان المستحقّ شريكًا معهما نقضت القسمة لما مرّ، و هنا ليس كذلک، لأنّ المستحقّ ليس شريكًا معهما، لأنّ فرض تعيين ما ظهر استحقاقه ينافي الشركة .

و أمّا عدم المانع في الصورتين الأخيرتين هنا، فلأنّ المانع فيهما هو عدم بقاء حصّة كلّ منهما على التعديل بعد إفراز المستحقّ، و قد عرفت بقاؤها في هذه عليه بعده .

و لا فرق فيما ذكرناه بين كون المعيّن الّذي ظهر استحقاقه لشخص واحد، أو لشخصين، أو أكثر، فلو كان لشخصين في حصّة أحدهما، أو فيهما بأن يكون ما في إحدى الحصّتين أكثرهما في الأخرى، و كان واحد منهما لشخص والآخر لآخر، نقضت القسمة لما تقدّم .

ص: 447

و أمّا لو كان ما في الحصّتين مساويًا و كان لشخصين لم تنقض، لما عرفت .

هذا إذا كان المستحقّ معيّنًا، و أمّا لو كان و كان لشخصين بأن يكون حصّة كلّ واحد منهما في حصّة كلّ واحد منهما، فهو مبنيّ على القولين المتقدّمين في الصورة الأولى، فعلى القول بالبطلان هناک يلزم القول بالبطلان هنا لما مرّ ؛ و على القول بالصحّة يلزم الصحّة .

هذا كلّه إذا كان المستحقّ متّحدًا في النوع بأن يكون ما في الحصّتين إمّا معيّنًا أو مشاعًا كما عرفت ؛ و أمّا لو اختلفا بأن يكون ما في الحصّتين مشاعًا و معيّنًا، فهذا أولى بالبطلان، لأنّ كلّ واحد منهما بانفراده كان سببًا لبطلان القسمة، فهما معًا بطريق أولى .

و ذلک كما إذا كان العين المشتركة فيها دارًا مثلاً مشتملة على أربعة بيوت، انتقل بعد القسمة إلى كلّ من الشريكين بيتان منها، ثمّ ظهر الاستحقاق في واحد منها معيّنًا و في آخر مشاعًا .

و كذا الكلام فيما لو ظهر الاستحقاق في كلا الحصّتين معيّنًا مع شائع، فإنّ القسمة فيه باطلة، سواء كان المعيّن في أحد الحصّتين أكثر، أو لا، إلّا على القول بالصحّة فيما لو ظهر الاستحقاق مشاعًا و كان المستحقّ المعيّن في الحصّتين متساويًا.

ص: 448

لم قسّم الورثة التركة، ثمّ ظهر دين
فإن أدّوه مضت و إلّا بطلت

87- مسألة

اشارة

لو كان للميّت دين و ظهر بعد قسمة تركته، لايخلو إمّا أن يكون دينه مستوعبًا لتركته، أم لا ؛ و على الأوّل ينبغي الحكم ببطلان القسمة، بناءً على القول بعدم انتقال التركة حينئذٍ إلى الوارث، كما هو الحقّ و قد مرّ، لأنّ القسمة حينئذٍ صدرت من غير الملّاک و على غير الملاک .

و لا فرق في ذلک بين ما لو قام الورثة على أدائه، أم لا ؛ نعم، بعد أن أدّوه من مالهم يصحّ القسمة حينئذ .

والمحقّق - طاب ثراه - مع اختياره القول المذكور في تلک المسألة حكم في المقام بأنّه لو قام الورثة بالدين لم تبطل القسمة مطلقًا (1) ، و لعلّه مقيّد في غير تلک الصورة .

و أمّا على القول بالانتقال إليهم حينئذٍ و كذا إذا لم يكن الدين مستوعبًا للتركة فلا يخلو إمّا أن يقوم الورثة بوفائه من مالهم، أم لا، فإن قاموا لم تبطل القسمة بوجود المقتضي و انتفاء المانع .

أمّا وجود المقتضي،فلأنّها قسمة الملّاک ملكهم، وكلّ قسمة لو كانت كذلک صحيحة.

ص: 449


1- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 892 .

و أمّا انتفاع المانع، فلأنّه ليس إلّا ظهور دين المورّث بعدها، إذ هو المفروض، وهو إنّما يصلح للمانعيّة إذا لم يقم الورثة بأدائه، والمفروض غير ذلک، و ذلک لأنّ للوارث حينئذٍ مالين : التركة و غيرها، و يجب عليه وفاء ما ظهر من مورّثه من الدين، و هو مخيّر بين وفائه من حقّه، أو من التركة .

و هذا بناءً على مذهبنا من أنّ القسمة ليست بيعًا، بل إفراز حقّ عن آخر ؛ ولبعض العامّة قول بالبطلان بناءً على أنّها بيع و أنّ بيع التركة فاسد مع الدين لتعلّق الدين بها (1) .

و أمّا على الثاني - أي إن امتنعوا من وفاء الدين - بطلت القسمة، لتقدّم الدين على الإرث، فبيع التركة جميعها، أو بعضها .

و بالجملة : ما يؤدّى به الدين فإن بقي بعده شيء يقسّم بينهم، و لو امتنع بعضهم من أداء الدين دون الآخر بطلت القسمة بالنسبة إلى حقّ الممتنع دون غيره، فبيع من نصيبه خاصّة بقدر ما يصيبه من الدين، فإن بقي شيء يبقى في ملكه .

هذا إن قسّم جميع التركة، و أمّا لو قسّم بعضها ثمّ ظهر الدين، فهذا لايخلو إمّا أن يكون الباقي كافيًا لأداء الدين، أو لا ؛ و على الأوّل أخرج الدين من الباقي وكان قسمة المقسوم صحيحة، و على الثاني بطلت على تقدير عدم قيامهم بالوفاء، و إلّا فلا .

و قد ظهر وجه الجميع ممّا مرّ و أنّ تلف البعض الغير المقسوم تعين وفاء الدين

ص: 450


1- . انظر المبسوط للسرخسيّ : 15 / 64 .

من المقسوم، و نقض القسمة فيه إن لم يؤدّ الورثة من مالهم وجهه واضح .

لو ظهر بعد القسمة عيب في حصّة أحد الشريكين
هل تبطل القسمة، أم لا ؟

88- مسألة

اشارة

لو ظهر بعد القسمة عيب في حصّة أحد الشريكين أو الشركاء، و علم أنّه كان قبل القسمة، قال في القواعد :

احتمل بطلان القسمة، لانتفاء التعديل الّذي هو شرط، و صحّتها فيتخيّر الشريک بين أخذ الأرش و الفسخ (1) .

واختار الأوّل في كشف اللثام (2) ، و هو الأقوى .

والثاني منقول عن العلّامة في التلخيص (3) ، لاستصحاب الصحّة، و لأنّ ما ذكر في الأوّل من انتفاء التعديل إنّما يسلم إذا كان الشرط هو التعديل في نفس الأمر، وهو غير معلوم، لأنّ المتبادر من التعديل هو التعديل في الظاهر، و هو متحقّقٌ هنا.

والجواب عنه أمّا أوّلاً : فلأنّه لو كان المراد من التعديل التعديل في الظاهر، لا

ص: 451


1- . قواعد الأحكام : 3 / 466 .
2- . كشف اللثام : 10 / 184 .
3- . تلخيص المرام : 304 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 184 .

في نفس الأمر، ينبغي أن تلزم القسمة و لم يجز أخذ الأرش و لم يقل به قائله .

و لأنّ الصحّة في القسمة خلاف الأصل، فيجب الاقتصار في صحّتها على موضع اليقين، و لم نجد في المقام نصًّا حتّى يحمل على المتبادر، بل انحصر الدليل في الإجماع، فيتبع حيث تحقّق ؛ و حيث قد عرفت عدمه في المقام يتعيّن التمسّک بأصالة عدم الصحّة .

و منه يعلم الجواب عمّا تمسّک به من استصحاب الصحّة .

والحاصل : أنّ التبادر إنّما ينفع في الأدلّة اللفظيّة، و هي مفقودة في محلّ النزاع، فيجب الرجوع في كلّ ما كان كذلک إلى ما اقتضاه الأصل، و مقتضاه في المقام عدم الصحّة .

فعلى هذا المعتبر في القسمة هو التعديل في نفس الأمر، اقتصارًا فيما خالف الأصل على المتيقّن، و حيث قد ظهر عدمه لم يبق صحّة حتّى يستصحب، لأنّ المشروط ينتفى بانتفاء شرطه ؛ هذا .

و إنّما قيّدنا ذلک أوّلاً بما إذا حصل العلم بكون العيب قبل القسمة، للتنبيه على أنّه لو لم يكن كذلک الأصل بقاء صحّة القسمة و عدم التزام سائر الشركاء بشيء، فلا يجوز فسخها و لا أخذ الأرش، سواء علم بحدوث العيب بعد القسمة، أم شکّ، بل و لو ظنّ لكون العيب حادثًا، والأصل في كلّ حادث التأخّر، فأصالة تأخّره جعله بعد القسمة، فيلزم صحّتها لعدم المانع منه إلّا العيب، و قد عرفت أنّ أصالة التأخّر جعله بعد القسمة، و معلوم أنّ حدوث العيب بعد القسمة لا يضرّ بصحّة

ص: 452

القسمة المتقدّمة، و هو واضح .

إن قلت : إنّه كما يكون حدوث العيب حادثًا كذلک القسمة، فإنّها أيضًا حادثة، فكما يكون الأصل تأخّر حدوث العيب، كذا يكون الأصل تأخّر القسمة، فتساويا في الحدوث و الوجود ؛ و معلوم أنّ الأصل في كلّ حادثين التقارن، فمقتضى هذا تقارن حدوث العيب للقسمة، فلا تكون صحيحة .

قلت : هذا اشتباه ناش من الغفلة عن حقيقة الحال، لأنّ الأصل في الحادثين التقارن إنّما يتمسّک به إذا وجد الحادثان و جهل وقت وجودهما و حصولهما معًا، فهناک يقال : إنّ الأصل في الحادثين تقارنهما ؛ و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل قطعًا، لأنّ وقت القسمة معلوم، و إنّما المجهول وقت حدوث العيب، فالأصل تأخّره عن القسمة، فثبت المطلوب .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ ما قلناه من أنّه لو لم يعلم بحدوث العيب قبل القسمة لكانت القسمة صحيحة أعمّ من أن يكون المقسوم من الحيوان و غيره، فلو كان المقسوم ثلاثة حيوان مثلاً بين ثلاثة شركاء، ثمّ ظهر في واحد منها عيب و لم يعلم أنّه قبل القسمة، سواء علم أنّه بعد القسمة، أم لا، لكانت القسمة صحيحة، و هو مبنيّ على مذهبنا من عدم كون القسمة بيعًا، إذ لو كان بيعًا لكان البائع ضامنًا و لو علم حدوثه قبل ثلاثة أيّام .

نعم، على مذهب من قال إنّها بيع كبعض العامّة، يلزمه القول بالضمان فيما نحن فيه أيضًا .

ص: 453

لو ظهر وصيّة بعد التركة بجزء من المقسوم حكمه ماذا ؟

89- مسألة

لو ظهرت وصيّة بعد قسمة التركة بجزء من المقسوم فكالمستحقّ، فلو كان الجزء مشاعًا بطلت القسمة كما تقدّم، و لو كان معيّنًا لايخلو إمّا في أحد النصيبين، أو فيهما معًا أيضًا ؛ و على الثاني إمّا بزيادة و نقصان، أو بالسويّة، و هي مع الأوّلين باطلة، و مع الثالث صحيحة، و قد مرّ وجه الجميع .

90- مسألة

لو اتّفق لأحد الشريكين طريق في حصّة الآخر، و هذا لايخلو إمّا أن يكون لحصّة الآخر طريق إلى الدرب، أم لا .

فإن كان الأوّل صحّت القسمة و إن لم يكن للشريک الآخر مرور في ذلک الطريق، لأنّ المعتبر في القسمة التعديل، و قد تحقّق ؛ و مرور أحدهما في حصّة الآخر دون الآخر في حصّة الآخر لا يضرّ .

و إن كان الثاني تبطل، لانتفاء التعديل الّذي هو شرط في حصّتها، والمشروط ينتفى بانتفاء شرطه .

ص: 454

91- مسألة

اشارة

لو كان للشريكين داران، و كان ماء إحداهما يجري من الأخرى، فإذا اقتسما و أخذ كلّ واحد منهما واحدة منهما، لم يكن للاخذ الدار الّتي منها الماء إلى الأخرى منعه .

لما عرفت من أنّ المعتبر في القسمة التعديل، و هو إنّما يتحقّق إذا جعل لكلّ حصّة حقوقها، و من حقوق الحصّة بل من أعظمها الماء، فمنعه مناف للتعديل .

فعلى هذا لو اقتسما و لو من غير شرط للماء، لم يمكن له منعه إلّا أن يشترط في حال القسمة منع الماء منه .

و من هذا القبيل ما لو كان مسلک البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من البيت، فإنّه لا يجوز له منعه من السلوک من حصّة، إلّا أن يشترط ذلک، لما عرفت.

تتمّة

قيل :

لوليّ الطفل و المجنون المطالبة بالقسمة مع الغبطة لهما، و عليه الحصّة من أجرة القسّام من مال المولّى عليه، لا بدونها، و إن انتفت المفسدة واكتفينا في تصرّفات الوليّ انتفاؤها، فإنّ الإجبار بمجرّده غير معلوم .

و لو طلب الشريک القسمة و انتفى الضرر أجبر الوليّ عليها و إن كانت

ص: 455

الغبطة في الشركة، لعموم الفتوى بالإجبار، إذ لا ضرر . و عليه الحصّة من أجرة القسّام من مال المولّى عليه كما في التحرير (1) . و يحتمل العدم، لأنّ أخذ الأجرة من ماله و لا غبطة له إجحاف، إنتهى (2) .

ص: 456


1- . تحرير الأحكام : 5 / 217 .
2- . كشف اللثام : 10 / 185 .

فصل

في الدعاوي المتعارضة

ذكر الصور فيما لو وجد مال في يد شخصين
وادّعى كلّ منهما أنّه له

92- مسألة

اشارة

لو وجد مال في يد شخصين و ادّعى كلّ منهما أنّه له، فهذا لايخلو إمّا أن يكون لهما بيّنة، أو لم تكن، أو كانت لواحد منهما دون الآخر، فالصور ثلاث :

{ الصورة الأولى : }

{ أن يكون كلّ منهما أقام البيّنة و تعارضت البيّنتان }

الأولى : أن يكون كلّ منهما أقام البيّنة على دعواه و تعارضت البيّنتان .

والحكم فيه أنّه يكون بينهما معًا بالسويّة، إمّا بكون ما في يد كلّ منهما لآخر،

ص: 457

بناءً على أنّ الترجيح لبيّنة الخارج، و هو المشهور كما في المسالک (1) ؛ أو بأن يكون لكلّ منهما ما في يده، بناءً على أنّ الترجيح لبيّنة الداخل، و سيجيء التحقيق إن شاء الله تعالى .

و هل يحلف كلّ واحد على النصف المحكوم له به، أو يكون له من غير يمين ؟ في التحرير :

الأقوى عندي الأوّل، مع احتمال الثاني (2) .

و هو إنّما يتّجه إذا قلنا بتساقط البيّنتين لتعارضهما، و إلّا فلا وجه للحلف مع ترجيح بيّنة الخارج، و لا مع ترجيح بيّنة الداخل .

ثمّ إنّ ما ذكر من كون المال بينهما بالسويّة هو المعروف بينهم، كما في الكفاية (3) .

و في المسالک :

لا إشكال في الحكم بها بينهما نصفين، لكن اختلف في سببه، فقيل: لتساقط البيّنتين بسبب التساوي، و بقي الحكم كما لو لم يكن هناک بيّنة . و قيل : لأنّه (4) مع كلّ منهما مرجّحًا باليد على نصفها، فقدّمت بيّنته على

ما في يده .

ص: 458


1- . المسالک : 14 / 81 .
2- . تحرير الأحكام : 5 / 185 .
3- . كفاية الأحكام : 2 / 726 .
4- . في المصدر : لأن .

ثمّ قال في الحكم بأنّ لكلّ منهما ما في يد صاحبه :

علّته تقديم بيّنة الخارج .

ثمّ قال :

و هذا هو الأشهر . و تظهر الفائدة في اليمين على من قضي له، فعلى الأوّل يلزم كُلّاً منهما اليمين لصاحبه، لأنّ تساقط البيّنتين أوجب الرجوع إلى اليمين . و على الثاني لا يمين على أحدهما، لأنّ ترجيح البيّنة على الأخرى بسبب اليد أوجب العمل بالراجح و ترک الآخر، كما لو تعارض الخبران . و على الثالث - و هو الأظهر - لا يمين، لأنّ القضاء له مستند إلى بيّنته، وهي ناهضة بثبوت الحقّ، فيستغنى عن اليمين، إنتهى (1) .

أقول : و يمكن الاستدلال للحكم في المسألة بما رواه غياث بن إبراهيم - وثّقه النجاشي (2) ، و قال العلّامة : إنّه بُتْرِيّ (3) - عن مولانا الصادق (عليه السلام) : أنَّ

ص: 459


1- . مسالک الأفهام : 14 / 81 .
2- . رجال النجاشي : 305 .
3- . خلاصة الأقوال : 385 ؛ و فيه : « غياث بن إبراهيم التميميّ الأسديّ، بصريّ، سكن الكوفة، ثقة، روى عنأبي عبد الله (عليه السلام)، و كان بتريًّا ». قال ابن إدريس الحلّيّ (رحمه الله): البُتْرِيّة فرقة تنسب إلى كثير النَوّاء و كان أبتر اليد(السرائر : 5 / 247 ). و قال الشيخ الطريحيّ : البُتْريّة بضمّ الموحّدة فالسكون : فرقة من الزيديّة، و قيل :نسبوا إلى المغيرة بن سعد، و لقبه : الأبتر . و قيل : البتريّة هم أصحاب كثير النوا { كذا } الحسن بن أبي صالحوسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة و سلمة بن كهيل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الّذين دعوا إلىولاية عليّ (عليه السلام)، فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة، و يبغضون عثمان و طلحة والزبيروعائشة، و يرون الخروج مع ولد عليّ (عليه السلام)، إنتهى ( مجمع البحرين : 3 / 213 ).

أميرالمؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة، و كلاهما أقام (1) البيّنة أنّه أنتَجَهَا، فقضى بها للّذي هي في يده و قال : لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (عليه السلام) قال : « لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين »، و هو أعمّ من أن تكون في يدهما معًا كما فيما نحن فيه، أو لا .

و عن ابن الجنيد : أنّ عنده مع تساوي البيّنتين يعرض اليمين على المدّعيين، فأيّهما حلف استحقّ الجميع، و إن حلفا اقتسماها، و مع اختلافهما يقرع، فمن أخرجته حلف و أخذ العين (3) .

ثمّ إنّ في المقام نصوصًا مستفيضة لا تطابق شيئًا من القولين، لا القول الأوّل، ولا قول ابن الجنيد، فها أنا أذكر جملة منها ليتبيّن لک ذلک .

فأقول : منها : ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) إذا أتاه رجلان ببيّنة شهودٍ (4) عدلُهُم سواء و عددهم (5) ، أقرَعَ بينَهُم على أيِّهم يصير (6) اليمين، قال : و كان يقول : « اللّهمّ ربّ السَّماواتِ السبع أيُّهُم كان الحقّ له (7) فأدّه إليه » ؛ ثمّ يجعل الحقّ للّذي يصير عليه اليمين إذا حلف (8) .

ص: 460


1- . كذا في الكافي، و في التهذيب : أقاما .
2- . الكافي : 7 / 419 ح 6 ؛الاستبصار : 3 / 39 ح 133 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 573 ؛ الوسائل : 27 / 250ح 33697 .
3- . نقله عنه في المختلف : 8 / 371 .
4- . في الكافي و الوسائل : رجلان بشهود .
5- . في التهذيب : و عددهم سواء .
6- . في الكافي والوسائل : تصير .
7- . في المصادر : كان له الحقّ .
8- . الكافي : 7 / 419 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 94 ح 3397 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 571 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح131 ؛ الوسائل : 27 / 251 ح 33699 .

قوله : « شهود » بدل عن قوله : « ببيّنة »، بدل الكلّ من الكلّ، أو عطف بيان على القول بجوازه في النكرات ؛ و قوله : « و عددهم » مبتدأ محذوف الخبر، أي :وعددهم كذلک، أي سواء ؛ والجملة عطف على الجملة الّتي قبلها .

و منها : ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهدين شهدا على أمر واحد، و جاء آخران فشهدا على غير الّذي شَهِدَ الأوَّلان (1) واختلفوا، قال :يُقرَعُ بينهم، فمن أقرِعُ (2) عليه اليمين و هو (3) أولى بالقضاء (4) .

و منها : ما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضًا : أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابّة في أيديهما و أقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نُتِجَت عنده، فأحلفهما عليّ (عليه السلام)، فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له : فلو لم يكن (5)في يد واحد منهما و أقاما البيّنة ؟ قال (6) :أحلِفهُما، فأيّهما حَلَفَ و نكل الآخر جعلتُها للحالف، فإن حلفا جميعًا جعلتها

ص: 461


1- . في الكافي : غير الّذي شهدا ؛ و في الفقيه : غير الّذي شهد عليه الأوليان ؛ و في التهذيب : غير الّذي شبهالأوّلان .
2- . في الكافي و الفقيه : فأيّهم قرع عليه .
3- . في الكافي و التهذيب : فهو .
4- . الكافي : 7 / 419 ح 4 ؛ الفقيه : 3 / 93 ح 3394 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 132 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح572 ؛ الوسائل : 27 / 251 ح 33700 .
5- . في المصدر : فلو لم تكن .
6- . في التهذيب : فقال .

بينهما نصفين، قيل : فإن كانت في يد أحدهما (1) و أقاما جميعًا البيّنة ؟ قال : أقضي بها للحالف الّذي هي (2) في يده (3) .

هكذا نقله في الوافي (4) عن الكافي و التهذيب، لكن لم نجد في التهذيب قوله :«في دابّة في أيديهما و أقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده، فاحلفهما عليّ (عليه السلام) »، فإنّ المذكور فيه هكذا : « أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف » إلى آخره .

و كذا نقله في الاستبصار أيضًا (5) .

وجهُ عدم انطباق النصوص المذكورة و غيرها ممّا هو مثلها من نصوص المسألة لقول ابن الجنيد ظاهرٌ ؛ و كذا للقول الأوّل، لأنّها متّفقة في اشتمالها إمّا على القرعة و الحلف بعدها كما في الروايتين الأوليين، أو على الحلف فقط، فظاهرها توقّف القسمة على ذلک و أنّه لو لم يحلف أحدهما أختصّ الآخر بالمال ؛ و ليس في القول الأوّل ذلک، لأنّ ظاهر كثير منهم القسمة بينهما نصفين من غير قرعة و حلف، كما عرفت من المسالک (6) ، و هو صريح جماعة أيضًا (7) .

ص: 462


1- . في التهذيب : في يد واحد منهما .
2- . « هي » لم يرد في التهذيب .
3- . الكافي : 7 / 419 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 570 ؛ الوسائل : 27 / 250 ح 33696 .
4- . الوافي : 16 / 931 ح 16415 .
5- . الاستبصار : 3 / 38 ح 130 .
6- . انظر المسالک : 14 / 81 .
7- . انظر كفاية الأحكام : 2 / 729 ؛ و رياض المسائل : 13 / 218 .

نعم، ذهب العلّامة في التحرير (1) إلى وجوب ضمّ الحلف أيضًا مع احتمال العدم كما عرفت، و مقتضاه اختصاص أحدهما بالمال لو حلف و لم يحلف الآخر .

و هو الظاهر من الفاضل المقداد في التنقيح، حيث قال بعد الإشارة إلى ما يترتّب على الخلاف في تقديم بيّنة الخارج و الداخل من الحكم لكلّ بما في يد الآخر على الأوّل و بما في يده على الثاني :

فيكون بينهما نصفين على التقديرين، سواء أقاما بيّنة أو لم يقيما بيّنة، ويكون لكلّ منهما اليمين على صاحبه، فإن حلفا أو نكلا فالحكم كما تقدّم، و إن حلف و نكل الآخر قضى بها للحالف، إنتهى (2) .

هذا، مع أنّهما أطلقا القول بالحلف لكلّ منهما، و قد عرفت مقتضى بعض النصوص أنّه لمن خرجت القرعة باسمه، لا لكلّ منهما .

نعم، ما ذكره في التنقيح موافق لرواية إسحاق بن عمّار ؛ و سندها معتبر، إذ فيه الخشّاب، و اسمه : الحسن ابن موسى الخشّاب، قيل :

إنّه من وجوه أصحابنا، كثير العلم (3) .

و غياث بن كلوب، و هو و إن لم يوثّقوه أيضًا، لكن قيل :

له كتاب (4) .

ص: 463


1- . تحرير الأحكام : 2 / 195 .
2- . التنقيح الرائع : 4 / 281.
3- . رجال النجاشي : 42 .
4- . رجال النجاشي : 305 .

مضافًا إلى ما نقل عن الشيخ من أنّه قال :

إنّ الأصحاب عملوا بحديثه (1) .

و الرواية على ما نقله في الوافي عن التهذيب و الكافي صريحة في ما نحن فيه .

و المذكور في التهذيب الّذي رأيناها و إن لم يكن صريحًا في ذلک، بل أعمّ منه، لا من حيث كون العين المتنازع فيها بيدهما على ما قال بعض (2) ، بل من حيث إقامة كلّ منهما البيّنة، أم لا، لأنّ قوله : « انّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحلف أحدهما و أبى الآخر، فقضى بها للحالف »، إذ ليس فيه ذكر إقامة البيّنة، بل ربما يمكن أن يقال : إنّ مقتضى فاء التعقيبيّة في : « فحلف » عدمها .

و إنّما قلنا : إنّ الرواية أعمّ ممّا نحن فيه، لا من حيث كون العين المتنازع فيها بيدهما، لأنّه و إن لم يذكر فيها كونها بيدهما، لكن في ذيلها قرينة على أنّ المراد ذلک، و هي قوله : « و إن لم يكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة » ؛ و قوله : « فإن كانت في يد واحد منهما ».

توضيح المقام هو : أنّ الصور العقليّة هنا ثلاث :

الأولى : أن تكون العين المتنازع فيها في يدهما جميعًا .

و الثانية : أن لا تكون في يدهما .

ص: 464


1- . نقله عنه في رياض المسائل : 13 / 219 ؛ وانظر عدّة الأصول : 1 / 380 .
2- . البعض هو السيّد الطباطبائيّ (رحمه الله) في رياض المسائل : 13 / 208 .

و الثالثة : أن تكون في يد واحد منهما دون الآخر .

و الأخيرتان مذكورتان في العبارة الأولى منهما في قوله : « و إن لم يكن في يد واحد منهما » ؛ و الثانية منهما في قوله : « فإن كانت في يد واحد منهما » ؛ و لم يبق إلّا الصورة الأولى، فتعيّن أن يكون المراد من قوله أوّلاً : « في رجلين اختصما» إلى آخره، تلک الصورة .

لا يقال : إنّ قوله ثانيًا : « و إن لم يكن في يد واحد منهما » ليس المراد منه عدم كونها في يدهما جميعًا، بل المراد منه أنّها ليست في يد أحدهما .

لأنّا نقول : هذا باطل، أمّا أوّلاً : فلأنّ « واحد » نكرة وقعت في سياق النفي، فيفيد العموم .

و أمّا ثانيًا : فلأنّ معناه حينئذٍ : فإن لم يكن في يد واحدهما و كانت في يد الآخر، و هو بعينه معنى قوله في الآخر : « و إن كانت في يد أحدهما »، فكان من الواجب عدم ذكره .

و بالجملة : ما ذكرناه ممّا لا شبهة فيه، فعلى هذا الحديث معتبر السند و واضح الدلالة، فطرحها من غير معارض مشكل، مع ما عرفت من وجود القائل بمضمونه، بل ظاهر فاضل المقداد (1) - كما عرفت - القطع بذلک، إلّا أنّک قد عرفت أنّ المرويّ في التهذيب و كذا في الاستبصار - على ما رأينا - ليس بصريح من حيث إقامة كلّ منهما البيّنة .

ص: 465


1- . انظر التنقيح الرائع : 4 / 281 .

والجواب : أنّه و إن لم يكن نصًّا صريحًا فيه، لكنّه مطلق، و هو حجّة في أفراده، على أنّه (1) ما نقله في الوافي من الكافي نصّ في ذلک، و لم يحضرني الكافي حال كتابة المسألة حتّى أحكم بصحّة ما نسبه إليه .

لكن يمكن الجواب عنها بأنّک قد عرفت سابقًا من المسالک و الكفاية (2) أنّ الحكم بالعين بالتنصيف بينهما من غير حلف هو المشهور، فعلى هذا نقول : الأصل والعمومات و النصوص الكثيرة الدالّة على أنّ من أقام البيّنة لا يمين عليه - كما تقدّمت جملة منها - المعتضدة بالشهرة، لا يخصّص بالخاص الّذي لم يكن كذلک، فحينئذٍ المفتى به هو القول الأوّل .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ بعض المتأخّرين (3) اعتبر الحلف فيما نحن فيه إحتياطًا.

أقول : مقتضى اعتبار الحلف هو أنّه لو حلف أحدهما و نكل الآخر حكم بها للحالف فقط، و لا يشاركه غيره في ذلک، كما هو مدلول الرواية المذكورة و العبارة المتقدّمة من التنقيح ؛ و لا شکّ أنّه خلاف الاحتياط، بل لا يكون جائزًا، لأنّه مع ترجيح القول بالتنصيف من غير حلف يستحقّ كلّ منهما النصف و إن لم يحلف ؛ وعلى هذا لو اعتبرنا الحلف احتياطًا مقتضاه ما ذكرناه، و هو حكم للحقّ الثابت شرعًا لواحد لآخر، و كيف يكون ذلک احتياطًا مع أنّه حرام قطعًا ؟!

ص: 466


1- . كذا في نسخة الأصل .
2- . انظر المسالک : 14 / 81 ؛ والكفاية : 2 / 726 .
3- . هو السيّد الطباطبائيّ (قدس سره) في الرياض : 13 / 218 .

هذا كلّه في الجواب عن رواية إسحاق ؛ و أمّا الجواب عن غيرها فأقول : إنّه ليس في شيء منه تصريح بكون العين المتنازع فيها في يدهما، فيحمل على غير ذلک صونًا للإخبار عن مخالفة الإجماع ؛ هذا .

مع أنّ ما ذكر هنا من الروايتين - و هما رواية عبدالرحمن بن أبي عبد الله ورواية داود بن سِرْحان - ضعيفان، فلا تكونان حجّة .

و لا يخفى عليک أنّ ما قلنا من الحكم بتنصيف العين المتنازع فيها فيما نحن فيه بينهما أعمّ من أن يكون البيّنتان متساويتين عدالةً و كثرةً و إطلاقًا و تقييدًا، أم اختلفتا فيها، بل حكي عليه الشهرة .

و ظاهر الكفاية : اتّفاقهم على ذلک بالنسبة إلى العدالة و العدد حيث قال :

لم يعتبروا ترجيح أحد (1) البيّنتين هاهنا من حيث الرجحان في العدالة والعدد (2) .

و فيه ما ستعرف .

خلافًا للمحكيّ عن جماعة من القدماء و المهذّب (3) ، حيث خصّوا ذلک بما إذا تساوت البيّنتان في الأمور المتقدّمة كلّها .

و نقل : إنّهم حكموا مع الاختلاف فيها لأرجحهما، و إنّهم اختلفوا في بيان

ص: 467


1- . في المصدر : إحدى .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 727 .
3- . نقله عنهم في الرياض : 13 / 216 ؛ وانظر المهذّب البارع : 4 / 492 و 493 .

المرجّح لها، ففي المحكيّ عن المفيد : اعتباره الأعدليّة خاصّة هنا (1) .

و عن ابن الجنيد : اعتبار الأكثريّة خاصّة (2) .

و عن المهذّب : اعتبارهما مرتّبًا بينهما الأعدليّة فالأكثريّة (3) .

و عن المحكيّ عن ابن حمزة : اعتباره التقييد أيضًا مردّدًا بين الثلاثة (4) .

و عن سلّار : اعتبار المرجّح مطلقًا (5) .

و دليلهم غير معلوم .

نعم، قال صاحب الكفاية بعد ذكر المختار في المسألة، أي الحكم بين المتنازعين بالتنصيف :

و في هذه المسألة إشكالٌ من وجهين، { أحدهما : } (6) من حيث الإطلاق، حيث لم يعتبروا ترجيح أحد (7) البيّنتين هاهنا من حيث الرجحان في العدالة والعدد، و في بعض الروايات إشعار باعتبار ذلک (8) .

ص: 468


1- . حكاه عنه في المهذّب : 4 / 492 ؛ و الرياض : 13 / 216 ؛ وانظر المقنعة : 730 .
2- . نقله عنه في المختلف : 8 / 371 ؛ و الرياض : 13 / 216 .
3- . المهذّب البارع : 4 / 494 .
4- . الوسيلة : 218 ؛ و حكاه عنه في الرياض : 13 / 217 .
5- . المراسم : 234 ؛ و حكاه عنه في الرياض : 13 / 217 .
6- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
7- . في المصدر : إحدى .
8- . كفاية الأحكام : 2 / 727 .

أقول : على تقدير تسليم ما ذكره من إشعار بعض الروايات باعتبار العدالة والعدد فيما نحن فيه، الإشعار ليس بحجّة، فكيف يصير سببًا للإشكال، سيّما بعد ما نسب عدم اعتبار ذلک إلى الأصحاب، حيث أتى بصيغة الجمع، و هي قوله : « لم يعتبروا ترجيح أحد (1) البيّنتين »، إلى آخره ؟!

ثمّ أقول : ظاهره أنّه جعل من ذلک البعض الّذي نسب إشعار اعتبار العدالة والعدد إليه رواية عبدالرحمن المتقدّمة، و هي قول الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « كان عليّ (عليه السلام) إذا أتاه رجلان ببيّنة شهود (2) عدلهم سواء و عددهم (3) ، أقرع بينهم على أيّهم يصير (4) اليمين »، الحديث (5) .

و فيه نظر، لأنّه ليس بصريح في كون العين المتنازع فيها بيدهما ؛ و على تسليم عدم قدح ذلک لما ذكره - كما هو الحقّ - نقول : إنّه لا دخل لهذه الرواية لما هو في مقام إثباته و تأييده ؛ و هو أنّه لو كانت البيّنتان متساويتين حكم للمتنازعين بالتنصيف، و إلّا لكان الحكم لأرجحهما في العدالة أو العدد، و الرواية دلّت على أنّ البيّنتين إن كانتا متساويتين في العدالة والعدد أقرع بينهما، فمن خرجت القرعة باسمه يحكم له ؛ و أين هذا من ذاک ؟!

ص: 469


1- . في المصدر : إحدى .
2- . في الكافي و الوسائل : رجلان بشهود .
3- . في التهذيب : و عددهم سواء .
4- . في الكافي والوسائل : تصير .
5- . الكافي : 7 / 419 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 94 ح 3397 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 571 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح131 ؛ الوسائل : 27 / 251 ح 33699 .

و أيضًا مفهوم الرواية هو : أنّه لو لم يكن الشهود متساوية في العدالة و العدد ما أقرع بينهم، و هو لا يستلزم الحكم للأرجح، لجواز الحكم لهما حينئذ .

و على تقدير التسليم نقول : المفهوم تابع للمنطوق، فإذا لم نقل بالمنطوق كيف نقول بالمفهوم، على أنّک قد عرفت أنّ الرواية ضعيفة .

و لا إشعار أيضًا لذلک في مضمرة سماعة أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) قضى في البيّنتين المتساويتين بالقرعة، لما عرفت و لأنّه إخبار عن فعله .

نعم، في رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليه السلام): أنَّه قضى في رجلين ادّعيا بغلة، فأقام أحدهما شاهدين و الآخر خمسة، فقال (1) : لصاحب الخمسة (2) خمسة أسهم، و لصاحب الشاهدين سهمان (3) .

و هذه و إن دلّت على أنّه (عليه السلام) لاحظ في الحكم عدد الشهود، فجعل للأكثر أكثر وللأقلّ أقلّ، إلّا أنّ الجواب عنها من وجوه :

الأوّل : أنّها إخبار عن فعله (عليه السلام) و قضيّة في واقعة ؛ و يحتمل أن يكون هناک ما يوجب ذلک، و قد عرفت مرارًا أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا يجوز التمسّک بها للاستدلال (4) .

ص: 470


1- . في الكافي : فقضى .
2- . في الكافي : لصاحب الشهود الخمسة .
3- . الكافي : 7 / 433 ح 23 ؛ الاستبصار : 3 / 42 ح 142 ؛ التهذيب : 6 / 237 ح 583 ؛ و 7 / 76 ح 325 ؛الوسائل : 27 / 253 ح 33704 .
4- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

و الثاني : هو أنّها ضعيفة .

و الثالث : هو أنّ ظاهرها خلاف الإجماع، لأنّ الحكم في المسألة إمّا بعدم اعتبار الرجحان بالعدالة والعدد فيحكم للمتنازعين بالتسوية، أو باعتبارهما فيحكم للراجح بانفراده .

و الرابع : على تقدير تسليم جميع ذلک فالرواية إنّما دلّت على اعتبار الرجحان بالعدد، لا بالعدالة، فأين الدالّ باعتبار الرجحان بها ؟!

إن قيل : إنّ الأكثريّة في العدد تستلزم الأكثريّة في العدالة، لأنّ ما في الزائد منها ليس في الناقص .

قلت : ليس المراد بالأكثريّة في العدالة ذلک قطعًا، و إلّا لكان ذكرها لغوًا كما لايخفى .

قال في المسالک بعد قول المحقّق : « و لو كانت في يد ثالث قضي بأرجح البيّنتين عدالةً، و إن (1) تساويا قضي في أكثرهما (2) شهودًا »، ما هذا كلامه :

اختصاص هذا القسم بالترجيح بهذين المرّجحين - و هما العدالة والعدد- دون باقي أقسام التعارض هو المشهور بين الأصحاب، خصوصًا المتأخّرين (3) منهم .

ص: 471


1- . في المصدر : فإن .
2- . في المصدر : قضي لأكثرهما .
3- . انظر إرشاد الأذهان : 2 / 150 ؛ و اللمعة الدمشقيّة : 52 .

إلى أن قال :

خالف جماعة (1) من المتقدّمين واعتبروا الترجيح بهما في جميع الأقسام ، و هو أنسب كما في الروايات و في بعضها مطلق (2) في الترجيح بهما أو بأحدهما، و بعضها مصرّح، إنتهى (3) .

و فيه نظر، إذ من جملة الأقسام ما نحن فيه، أي : إذا كان العين المتنازع فيها بيدهما، و نحن قد عرفت (4) في إثبات إشعار اعتبار الأعدليّة والأكثريّة من الروايات بعد في ويل و عويل، فضلاً في إثبات الدلالة منها حتّى يمكن الفتوى بذلک .

و بالجملة : إثبات اعتبار رجحان إحدى البيّنتين فيما نحن فيه على الأخرى من حيث الأعدليّة والأكثريّة و غيرهما - كما تقدّم من النصوص - دونه خرط القِتاط .

نعم، ربما وجّه ذلک بأمر اعتباريّ، و هو أنّ حال البيّنتين هنا كحال الخبرين المتعارضين، فيتعيّن الأخذ بأرجحهما، و يجمع بينهما مع التكافؤ و إمكان الجمع ولو في الجملة .

و فيه أيضًا نظر، لأنّ ذلک إنّما يسلم إذا ثبت أنّ حجّيّة البيّنة إنّما هي من حيث

ص: 472


1- . منهم الشيخ الصدوق في المقنع : 399 و 400 ؛ والشيخ المفيد في المقنعة : 730 و 731 .
2- . في المصدر : أنسب بحال الروايات الّتي بعضها مطلق .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 87 .
4- . كذا في نسخة الأصل .

حصول المظنّة منها ؛ و حينئذٍ يتوجّه اعتبار ما مرّ لوجوب متابعة أقوى الظنّين في العمل، تحصيلاً لما هو الأقرب إلى اليقين، كما ثبت ذلک في الخبر من أنّ حجّيّته إنّما هو من حيث إفادته المظنّة، و هو غير معلوم في البيّنة، بل الظاهر أنّها من قبيل الأسباب كاليد و الأنساب، كما صرّح به السيّد الأستاد (1) - أدامه الله على العباد - وجماعة من الأصحاب (2) ، و لذا وجب العمل بها و لو لم يحصل منها الظنّ مطلقًا،

بل لو حصل الظنّ بخلافها .

و بالجملة : حمل البيّنتين المتعارضتين على الخبرين المتعارضين قياسٌ لانقول به ؛ على أنّه قياس مع الفارق كما عرفت، و حاصل الفرق أنّ ما دلّ على حجّيّة الخبر مفاده حجّيّته إذا حصل منه الظنّ، و لهذا يراعى فيه الرجحان في الظنّ والعدم، فيؤخذ بالأقوى فالأقوى، و يترک لو لم يحصل منه الظنّ مطلقًا، أو حصل لكن عارضه ظنّ أقوى منه .

و أمّا ما دلّ على حجّيّة البيّنة فمفاده حجيّتها من حيث كونها بيّنة، لا من حيث إفادتها المظنّة ؛ و لا شکّ في أنّ البيّنتين المختلفتين بأحد الأمور المتقدّمة مشتركتان فيما هو المناط في حجّيّتهما، و هو كون كلّ منهما بيّنة و إن اختلف الظنّ الحاصل منهما ضعفًا و قوةً، فيجب العمل بكلّ منهما، و هو المختار .

ص: 473


1- . صرّح به في رياض المسائل : 13 / 217 .
2- . حكاه عنهم في الرياض : 13 / 217 .

{ الصورة الثانية : }

فيما إذا كانت العين المتنازع فيها
بيد شخصين و ليس لأحدهما بيّنة

والصورة الثانية من الصور الثلاث في المسألة هي أن يكون العين المتنازع فيها في يد شخصين و ليس لأحدهما بيّنة على دعواه .

و الحكم في ذلک هو ما تقدّم من أنّه يقضى بينهما بها بالتنصيف، لكن بعد إحلاف كلّ منهما لصاحبه، لأنّ كلاًّ منهما مدّعي لما بيد الآخر و الآخر منكر له، فيدخل تحت قوله (صلي الله عليه واله): « البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر » (1) .

و لا يتعرّض الحالف منهما في يمينه لإثبات ما في يده، بل يحلف على أنّه لا حقّ لصاحبه في المتنازع فيه .

و عن المبسوط (2) :

لما روي أنّ رجلين تنازعا دابّة ليس لأحدهما بيّنة، فجعلها النبيّ (صلي الله عليه واله) بينهما (3) .

ص: 474


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
2- . المبسوط : 8 / 257 .
3- . سنن أبي داود : 3 / 310 ح 3613 ؛ السنن الكبرى : 10 / 254 ، باختلاف يسير في اللفظ .

قال :

و الخبر محمول على أنّه حلف كلّ واحد منهما صاحبه (1) .

و يمكن الاستدلال لذلک بما مرّ من رواية إسحاق بن عمّار على ما في التهذيب و الاستبصار، و هي هذه : انّ رجلين اختصما إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف فقضى بها للحالف، الحديث (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّک قد عرفت ممّا ذكرناه قبل هذا أنّ الرجلين الّذين وقعا في الحديث هما اللّذان يكون العين المتنازع فيها بيدهما، و لم يذكر فيه وجود البيّنة لهما أم لا، فإطلاقه شامل لهما، فيشمل ما نحن فيه أيضًا، بل ظاهره لأجل فاء التعقيبيّة من غير مهلة عدم البيّنة، و قد أمرهما (عليه السلام) بالحلف بقرينة قوله : « فحلف أحدهما و أبى الآخر » ؛ و معلوم أنّه لو حلف الآخر أيضًا و لم يأب عنه لكان المتنازع فيه بينهما، و هو المطلوب .

و الجواب عنه : أنّه إخبار عن فعله (عليه السلام) في واقعة، و يحتمل أن يكون ذلک بعد إقامة البيّنة ؛ و قد عرفت أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا يجوز بها التمسّک للاستدلال (3) .

ص: 475


1- . في المصدر : لصاحبه .
2- . الكافي : 7 / 419 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 130 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 570 ؛ الوسائل : 27 / 250ح 33696 .
3- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

على أنّ قوله : « فقيل له : لو لم يكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة » ربّما يشعر بهذا الاحتمال، مضافًا إلى ما عرفت الحديث من الكافي، حيث صرّح فيه بكون المتنازع فيه في يدهما، و بإقامة البيّنة إذا دار الأمر بين الزيادة والنقصان، والأخير مقدّم ؛ هذا مضافًا إلى أضبطيّة الكافي في نفسه .

ثمّ إنّ ما ذكرناه من اعتبار الحلف فيما نحن فيه هو الّذي ذكره الأكثر ؛ و في المسالک :

بل لم ينقل الأكثر فيه خلافًا (1) .

و عن الصيمريّ :

هو المشهور (2) .

لعلّ وجهه هو : أنّه يحتمل أن لا يحلف أحد المتنازعين لعدم الحقّ له في نفس الأمر، و حينئذٍ لو لم نعتبر حلف كلّ منهما في المقام، فنجوز القضاء بينهما من غيره يبطل حقّ المحقّ، فلدفع هذا الاحتمال لابدّ من حلفهما جميعًا للاحتياط في حقوق الناس .

و عن الغنية و الإصباح : عدم ذكر الحلف (3) .

و في الشرائع نسبه إلى القيل، حيث قال :

ص: 476


1- . مسالک الأفهام : 14 / 78 .
2- . غاية المرام : 4 / 257 .
3- . غنية النزوع : 444 ؛ إصباح الشيعة : 531 .

لو تنازعا عينًا في يدهما، و لا بيّنة، قضي بها بينهما نصفين، و قيل : يحلف كلّ منهما لصاحبه (1) .

و قال في النافع :

لو تنازعا عينًا في يدهما قضي لهما بالسويّة، و لكلّ منهما إحلاف صاحبه (2) .

و فيه : أنّه لو جاز الحكم بينهما من غير حلف كلّ منهما، فلا وجه لتجويز الحلف، لما عرفت من النصوص الكثيرة الناهية عن الحلف، فلو لم يتوقّف القضاء بينهما على الحلف - كما هو الظاهر من العبارة - فلا مخصّص لعموم تلک الأدلّة، هذا.

و ربمّا استدلّ لاعتبار الحلف في المقام بفحوى الأخبار الدالّة على إحلاف كلّ منهما لصاحبه مع تعارض البيّنة، فمع عدمه بطريق أولى (3) .

و فيه نظر، لأنّ هذا إنّما يسلم إذا قلنا بإحلاف كلّ منهما لصاحبه في تلک الصورة، و قد عرفت عدمه ؛ و على المختار لو حلفا يقضى بالمتنازع فيه بينهما بالسويّة، و كذا لو نكلا، فإنّ النكول كالإقرار بما فيه الدعوى، فيقضى لكلّ بما في يد الآخر .

ص: 477


1- . شرائع الإسلام : 4 / 897 .
2- .المختصر النافع : 277.
3- . المستدلّ هو السيّدالطباطبائيّ (قدس سره) في رياض المسائل : 13 / 188 .

و هل يتخيّر الحاكم في البدأة بالإحلاف، أو يقرع بينهما ؟

وجهان من باب نيابة العامّة ومن أنّ بالقرعة خلاصًا للحاكم عن توهّم ريبة فيه.

و قيل : إنّ كلاًّ منهما مدّع و مدّعى عليه كما عرفت، فينبغي أن يبدأ بالإحلاف من ابتدأ بالدعوى، كما في المسالک و كشف اللثام (1) .

فإن اقترنا فمن على يمين صاحبه، كما في كشف اللثام (2) .

و عن التحرير :

و يبدأ القاضي في الحلف بمن يراه، أو بمن يخرجه (3) القرعة (4) .

و كيف كان، فلو حلفا قضي لهما بالسويّة، و كذا لو نكلا كما عرفت .

و أمّا لو حلف أحدهما و نكل الآخر قضي بالجميع للحالف، و لم يكن للناكل حقّ من ذلک .

و هل اكتفى في ذلک بحلف واحد للحالف مطلقًا و لو كان الحالف هو الأوّل، أو لا، بل يحتاج إلى حلفين مطلقًا و لو كان الحالف هو الثاني و الناكل هو الأوّل ؟

الظاهر : الأوّل، بناءً على ما مرّ من القضاء بالنكول، فإنّ الحالف بسبب الحلف استحقّ النصف و بسبب نكول صاحبه استحقّ النصف الآخر ؛ و لا فرق في ذلک

ص: 478


1- . انظر المسالک : 14 / 79 ؛ و كشف اللثام : 10 / 187 .
2- . انظر كشف اللثام : 10 / 187 .
3- . في المصدر : تخرجه .
4- . تحرير الأحكام : 5 / 183 .

بين كون يمينه قبل نكول صاحبه، أو بعده .

والثاني مبنيّ على عدم القضاء بالنكول، فإنّه حينئذٍ يحتاج في الحكم بالجميع للحالف إلى حلفين، فإذا لم يحلف الحالف ثانيًا مع نكول صاحبه ينبغي لأهل هذا القول القضاء بذلک النصف لهما، لنكولهما جميعًا بالنسبة إليه .

و ربّما فرّق في المقام بناءً على هذا القول بين كون الحالف هو الأوّل والناكل هو الثاني و بين عكسه بأنّه في الأوّل لابدّ من حلفين، و أمّا في الثاني فنسب إلى ظاهر الأصحاب (1) الاكتفاء بحلف واحد إذا اجتمع عليه يمين النفي للنصف الّذي ادّعاه صاحبه و يمين الإثبات للنصف الّذي ادّعاه هو بأن يحلف أنّ الجميع له و لا حقّ لصاحبه فيه، أو يقول لا حقّ له في النصف الّذي يدّعيه والنصف الآخر لي .

و احتمل في المسالک (2) بناءً على هذا القول وجوب يمينين، إحداهما نافية،والأخرى مثبتة، لتعدّد السبب المقتضي لتعدّد المسبّب .

{ الصورة الثالثة : }

فيما إذا كان المتنازع فيه في يدهما
لكن أقام أحدهما البيّنة دون الآخر

والصورة الثالثة : أن تكون المتنازع فيه في يدهما، لكن أقام أحدهما البيّنة

ص: 479


1- . الناسب هو صاحب رياض المسائل : 13 / 187 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 79 .

دون الآخر .

والحكم فيها أن يكون المتنازع فيه لمقيم البيّنة، لقوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (1) .

و فيه نظر، لأنّه إنّما يصحّ إذا كان مدّعيًا فقط ؛ و ليس الأمر كذلک، بل مدّع بالنسبة إلى القدر الّذي في يد صاحبه و منكر بالنسبة إلى القدر الّذي في يده ومدّعيه صاحبه، فعلى هذا مقتضى الحديث المذكور : كما يكون إقامة البيّنة للمدّعي، كذا يكون الحلف على من أنكر .

{ الحقّ في المسألة }

فالحقّ في المسألة أن يقضى لمقيم البيّنة بالجميع إذا حلف بالنسبة إلى القدر الّذي في يده إذا أحلفه صاحبه ؛ و إن لم يحلف يقضى بذلک لصاحبه إمّا من غير أن يردّ الحلف إليه بناءً على القضاء بالنكول، أو بعده بناءً على عدمه إن حلف، و إلّا فيكون الجميع لمقيم البيّنة .

إن قيل : و يمكن معارضته بالنصوص الدالّة على أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لايستحلف، كقول مولانا الباقر (عليه السلام) فيما رواه محمّد بن مسلم حيث سأله عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه، هل عليه أن يستحلف ؟ قال : لا (2) .

ص: 480


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
2- . الكافي : 7 / 417 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 230 ح 558 ، و 231 ح 564 ؛ الوسائل : 27 / 243 ح 33685 .

و في التهذيب عنه - أي : عن الحسين بن سعيد - عن فضالة، عن أبان، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)مثل ذلک (1).

قلنا : يمكن الجواب عنه أوّلاً : بأنّ الظاهر من هذه النصوص أنّ المدّعي من حيث كونه مدّعيًا لا يستحلف مع إقامة البيّنة، و هو مسلّم، لكنّ المقام حلفه ليس من حيث كونه مدّعيًا، بل من حيث كونه منكرًا .

و ثانيًا : على تقدير تسليم التعارض نقول : إنّ التعارض بين هذه النصوص و ما تقدّم من أنّ « البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر » (2) عمومٌ من وجه .

بيانه هو : أنّ النصوص الدالّة على أنّ المدّعي بعد إقامة البيّنة لا يحلف، أعمّ من أن يكون منكرًا أيضًا كما فيما نحن فيه، أم لا ؛ والنصوص الدالّة على أنّ المنكر يحلف، أعمّ من أن يكون مدّعيًا أيضًا كما فيما نحن فيه، أم لا، فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو معنا من حيث العدد و السند .

93- مسألة

اشارة

قد تقدّم أنّه لو كان المتنازع فيه في يد الخصمين صُوَرُه ثلاث، و قد مرّت مفصّلة .

ص: 481


1- . التهذيب : 6 / 230 ح 559 .
2- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

بقي الكلام فيما إذا لم يكن بيد واحد منهما، بل بيد ثالث، فأقول : صُوره أيضًا ثلاث :

{ الصورة الأولى : }

فيما إذا كان المتنازع فيه بيد ثالث و يكون لكلّ من الخصمين بيّنة

الأولى : أن يكون لكلّ من الخصمين بيّنة .

و المشهور بين الأصحاب خصوصًا المتأخّرين - كما في الكفاية (1) - أنّه يقضى حينئذٍ لمن كان بيّنته أرجح في العدالة، فإن تساوتا في ذلک يقضى لأكثرهما عددًا، فإن تساوتا في العدالة و الكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه عليه أن يحلف، فيقضى له بتمام المدّعى به بعد الحلف، و لو امتنع من الحلف حلّف الآخر فقضي له، فإن نكلا قضي بينهما بالسويّة .

و نسب ذلک إلى الشهرة في رياض المسائل، بل قال :

عليه عامّة متأخّري أصحابنا (2) .

و اختاره في الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد (3) .

ص: 482


1- . كفاية الأحكام : 2 / 730 .
2- . رياض المسائل : 13 / 220 .
3- . الشرائع : 4 / 898 ؛ النافع : 278 ؛ القواعد : 3 / 469 ؛ الإرشاد : 2 / 150 .

و هو المحكيّ عن التهذيب و الاستبصار و النهاية و موضع من الخلاف والحلبي و القاضي و الحلّيّ و ابن زهرة (1) .

و ظاهر الكفاية و رياض المسائل (2) أنّ المشهور بين الأصحاب هو إذا كانت إحدى البيّنتين أعدل القضاء لصاحبها مع حلفه، و كذا عند أكثريّة عدد إحداها .

و صريح كشف اللثام : أنّ الحكم لأرجحهما عدالةً مع يمينه مذهب أكثر الأصحاب، حيث قال بعد ذكر ذلک :

و نصّ عليه أكثر الأصحاب قاطعين بذلک (3) .

و كذا ذكر اليمين عند تساوي العدالة مع أكثريّة عددهما، و نسبه إلى الشيخ في النهاية و ابن أبي عقيل و الحلبيّ و بني زهرة و حمزة و إدريس و غيرهم (4) .

و لم يحضرني كتب الأصحاب حتّى أبيّن لک حقيقة الحال، لكن ظاهر الشرائع والنافع و القواعد و الإرشاد مع الأوّلين (5) .

ص: 483


1- . انظر الاستبصار : 3 / 43 ذيل الحديث 13 ؛ و التهذيب : 6 / 237 ذيل الحديث 14 ؛ والنهاية : 2 / 75 ؛والخلاف : 6 / 337 ؛ والكافي في الفقه : 439 ؛ و المهذّب : 2 / 578 ؛ والسرائر : 2 / 169 ؛ والغنية : 443 ؛حكاه عنهم في رياض المسائل : 13 / 220 .
2- . الكفاية : 2 / 730 ؛ الرياض : 13 / 220 .
3- . كشف اللثام : 10 / 189 .
4- . انظر النهاية : 2 / 75 ؛ والكافي في الفقه : 439 ؛ و الغنية : 443 ؛ و الوسيلة : 220 ؛ و السرائر: 2 / 169 ؛والجامع للشرائع : 2 / 532 ؛ و الشرائع : 4 / 898 ؛ و التحرير : 5 / 186 ؛ و المختلف : 8 / 370 ؛ نسبهإليهم في كشف اللثام : 10 / 190 .
5- . انظر النافع : 277 ؛ و الشرائع : 4 / 898 ؛ والقواعد : 3 / 469 ؛ والإرشاد : 2 / 150 .

نعم، اعتبر شيخ الطائفة في التهذيب الحلف عند تساوي البيِّنتين في العدالة مع أكثريّة عددهما، حيث قال :

و إن لم يكن (1) مع واحد منهما يد متصرّفة و كانتا جميعًا خارجتين،فينبغي أن يحكم لأعدلهما شهودًا و يبطل الآخر، و إن تساوتا (2) في العدالة حلف أكثرهما شهودًا (3) .

و مثله قال في الاستبصار (4) .

والنصوص في المقام مختلفة جدًّا، فها أنا أذكرها أوَّلاً، ثمّ أشار إلى أنّ الحقّ في المسألة ما هو .

فأقول : منها : ما تقدّم من رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : انّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحلف أحدهما . إلى أن قال : فقيل له : لو لم يكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة، قال : أُحلِفهُما، فَأيُّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعًا جعلتها بينهما نصفين، الحديث (5) .

و ظاهره الحكم لهما معًا إذا حلفا مطلقًا، سواء كانت إحدى البيّنتين أرجح من حيث العدالة، أو من حيث العدد، مع تساويهما في العدالة، أو لا، بل كانتا

ص: 484


1- . في المصدر : فإن لم تكن .
2- . في المصدر : و إن تساويا .
3- . التهذيب : 6 / 237 ، ذيل الحديث 583 .
4- . الاستبصار : 3 / 42 ، ذيل الحديث 142 .
5- . الكافي : 7 / 419 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 130 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 570 ؛ الوسائل : 27 / 250ح 33696 .

متساويتين فيهما .

و بالجملة : الظاهر من هذه الرواية أنّ المعتبر في الحكم فيما نحن فيه الحلف، فإن حلفا جميعًا حكم لهما، أو أحدهما فله خاصّة، سواء كانت البيّنتان متساويتين في العدالة و العدد، أم لا .

و عدم انطباق هذه الرواية للحكم المذكور في المسألة واضح .

و منها : رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهدين شهدا على أمر واحد و جاء آخران فشهدا على غير الّذي شهد الأوّلان (1) و اختلفوا، قال : يقرع بينهم، فمن أقرع عليه اليمين (2) و هو (3) أولى بالقضاء (4) .

تنبيهٌ

عائد الموصول في قوله : « على غير الّذي شهد الأوّلان » محذوف، والتقدير: فشهدا على غير الّذي شهد عليه الأوّلان ؛ والعائد المجرور يجوز حذفه إذا كان جارّه مع جارّ الموصول متّحدًا .

ص: 485


1- . في الكافي : غير الّذي شهدا ؛ و في الفقيه : غير الّذي شهد عليه الأوليان ؛ و في التهذيب : غير الّذي شبهالأوّلان .
2- . في الكافي و الفقيه : فأيّهم قرع عليه .
3- . في الكافي و التهذيب : فهو .
4- . الكافي : 7 / 419 ح 4 ؛ الفقيه : 3 / 93 ح 3394 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 132 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح572 ؛ الوسائل : 27 / 251 ح 33700 .

ثمّ المفهوم من هذه الرواية اعتبار القرعة عند تعارض البيّنتين، سواء كانت إحداهما راجحة من حيث العدالة، أو من حيث العدد، أو لا، بل متساويتين، واعتبار اليمين بعد القرعة مطلقًا أيضًا ؛ و عدم انطباق هذه الرواية أيضًا للحكم المذكور واضح .

و منها : موثّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضًا : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة و كلاهما أقام (1) البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للّذي هي في يده و قال : لو لم تكن في يده لجعلتها بينهما نصفين (2) .

و قوله : « لو لم تكن في يده لجعلتها بينهما نصفين » أعمّ من أن يكون بيدهما جميعًا، أو لم يكن بيد واحد منهما كما فيما نحن فيه ؛ و هو مطلق، فيشمل ما لو كانت البيّنتان متساويتين في العدالة و العدد، أم لا ؛ و على تقدير التساوي أعمّ من أن يحلفا جميعًا، أم لا .

و منها : الصحيح عنه (عليه السلام) أيضًا مثل رواية داود بن سرحان، إلّا أنّه قال في ذيله : و هو أولى بالحقّ (3) .

و منها : الموثّق عن سماعة، عنه (عليه السلام) أيضًا، قال : إنّ رجلين اختصما إلى عليّ (عليه السلام) في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتِجت (4) على مِذْوَده و أقام كلّ واحد

ص: 486


1- . كذا في الكافي، و في التهذيب : أقاما .
2- . الكافي : 7 / 419 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 133 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 573 ؛ الوسائل : 27 / 250ح 33697 .
3- . الاستبصار : 3 / 40 ح 137 ؛ التهذيب : 6 / 235 ح 577 ؛ الوسائل : 27 / 254 ح 33705 .
4- . كذا في الفقيه، و في التهذيب و الاستبصار : أنتجت .

منهما بيّنة سواء في العدد، فأقَرَع بينهما سهمين، فَعَّلم السَهمَين كلّ واحد منهما بعلامة، ثمّ قال : « اللّهمّ ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السبع و ربّ العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرّحيم، أيّهما كان صاحب الدابّة و هو أولى بها، فأسألک أن تُقرِع و تُخرِجَ سهمه »، فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها (1) .

بيان

المِذوَد بكسر الميم و سكون الذال المعجمة كمِنبَر : معلف (2) الدابّة (3) .

و هذا الحديث يدلّ على أنّه أقرع فيما إذا كانت البيّنتان متساويتين في العدد ولم يعلم أنّ التساوي في العدد شرط للاقراع، أم لا .

و أيضًا غاية ما يعلم منه أنّه (عليه السلام) أقرع عند تساوي البيّنتين في العدد، و هو أعمّ من أن كانتا متساويتين في العدالة، أم لا .

و على فرض التسوية فيها أيضًا أنّه (عليه السلام) قضى بمجرّد إخراج القرعة باسم أحدهما من دون أن يأمر بحلفه، و قد عرفت أنّ القول المتقدّم ليس الحكم بمجرّد الإقراع عند تسوية البيّنتين في العدالة و العدد، بل الحلف بعدها، فإن حلف يقضى له، و إلّا فللاخر أن يحلف، و إلّا فلهما ؛ و أين هذا من ذاک ؟!

ص: 487


1- . الفقيه : 3 / 93 ح 3393 ؛ الاستبصار : 3 / 40 ح 136 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 576 ؛ الوسائل : 27/254 ح 33706 .
2- . في القاموس : معتلف .
3- . انظر القاموس المحيط : 1 / 293 ؛ و لسان العرب : 3 / 168 ؛ و مجمع البحرين : 3 / 46 .

و مثله رواية عليّ بن مطر، عن عبد الله بن سنان، عنه (عليه السلام) أيضًا، إلّا أنّه قال في آخره : فأسألک أن تقرع و تخرج اسمه، فخرج اسم أحدهما، فقضى له بها (1) .

و منها : ما رواه أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم فيدّعي دارًا في أيديهم و يقيم البيّنة (2) و يقيم الّذي في يديه الدار البيّنة (3) أنّه ورثها عن أبيه و لا يدري كيف كان أمرها، فقال : أكثرهم بيّنة يستحلف و تدفع إليه ؛ و ذكر أنّ عليًّا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البيّنة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مِذوَدهم لم يبيعوا و لم يهبوا و أقام هؤلاء البيّنة (4) أنّهم أنتجوها على مِذْوَدِهم لم يبيعوا و لم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بيّنة واستحلفهم (5) .

أوّل ما يقال في هذه الرواية : إنّها وردت فيما إذا كان المتنازع فيه في يد أحد الخصمين .

و قوله : « و ذكر أنّ عليًّا (عليه السلام) أتاه قوم » إلى آخره، و إن لم يذكر فيه أنّ البغلة المتنازع فيها في يد أحد الخصمين، لكن كأنّه يستفاد من ذكره في هذا المقام أنّها كانت كذلک .

و على تقدير التسليم نقول : إنّ غاية ما يستفاد منه أنّ عليًّا (عليه السلام) قضى لأكثرهم

ص: 488


1- . الاستبصار : 3 / 41 ح 141 ؛ التهذيب : 6 / 236 ح 582 و 7 / 75 ح 323 ؛ الوسائل : 27 / 255 ح33709 .
2- . « و يقيم البيّنة » ورد في الفقيه : 3 / 65 ح 3345 .
3- . « البيّنة » لم يرد في التهذيب والاستبصار .
4- . في التهذيب و الاستبصار : و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلک .
5- . الكافي : 7 / 418 ح 1 ؛ والاستبصار : 3 / 40 ح 135 ؛ و التهذيب : 6 / 234 ح 575 .

بيّنة، و لم يعلم أنّ بيّنة الآخر كانت أعدل، أم لا .

و أيضًا أنّها إخبار عن فعله (عليه السلام) في واقعة ؛ و يحتمل أن يكون لتلک البيّنة خصوصيّه موجبة، و قد عرفت مرارًا أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا تصلح للاستدلال (1) ، فتأمّل .

و بالجملة : لا يكاد يوجد من نصوص الباب ما يطابق الحكم المذكور في المسألة، لكن ربما يمكن الجمع بينها على نحو يطابق ذلک إن شاء الله تعالى .

فأقول : من النصوص في المسألة رواية عبدالرحمن بن أبي عبد الله، عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) إذا أتاه رجلان ببيّنة شهود (2) ، عَدلُهُم سِواءَ وعَدَدُهُم (3) ، أقرَعَ بينهم على أيِّهم يصير (4) اليمين، قال : و كان يقول : اللّهمّ ربّ السموات السبع أيُّهم كان الحقّ له (5) فأدِّه إليه، ثُمّ يجعل الحقّ للّذي يصير إليه اليمين (6) إذا حلف (7) .

ص: 489


1- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .
2- . في الكافي و الوسائل : رجلان بشهود .
3- . في التهذيب : و عددهم سواء .
4- . في الكافي والوسائل : تصير .
5- . في المصادر : كان له الحقّ .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « عليه » بدل من لفظ : « إليه » . هكذا في التهذيب، و في الكافيوالاستبصار : « للّذي تصير إليه اليمين » . و في الفقيه : « للّذي تصير اليمين عليه ».
7- . الكافي : 7 / 419 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 94 ح 3397 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 571 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح131 ؛ الوسائل : 27 / 251 ح 33699 .

و هذه الرواية بمفهومها تدلّ على أنّ القرعة و اليمين عند تعارض البيّنتين إنّما هو إذا كانت البيّنتان متساويتين في العدالة و العدد، فيخصّ بمفهومها ما دلّ على اعتبار القرعة و اليمين مطلقًا، كرواية داود بن سرحان و الصحيح الّذي مثله .

و كذا موثّقة سماعة حيث دلّت عليه أنّه (عليه السلام) أقرع عند تسوية البيّنتين في العدد، و لم يعلم منها حال تسويتهما في العدالة و أنّ التسويتين شرط في الإقراع، أم لا ؛ و حيث ثبت اشتراط ذلک من الرواية المذكورة، علم أنّ ما تضمّنته الموثّقة من إقراعه (عليه السلام) إذا كانتا متساويتين في العدالة .

و أيضًا ظاهر الموثّقة الحكم لمن خرجت القرعة باسمه مطلقًا و إن لم يحلف، فمِن الرواية المذكورة يعلم أنّه كان بعد الحلف أيضًا .

و كذا رواية عليّ بن مطر و رواية أبي بصير دلّت على أنّ عليًّا قضى بالبغلة لأكثرهم بيّنة، فيحمل فيما إذا لم يكن بيّنة الآخر أعدل، والشاهد الرواية .

لكن بقي شيء، و هو أنّ هذه الرواية دلّت على أنّه (عليه السلام) حكم لأكثرهم بيّنة واستحلفهم أيضًا، والرواية المذكورة دلّت على أنّ الحلف إنّما هو بعد تساوي البيّنتين .

والجواب : أنّه لا تعارض بينهما من هذه الجهة أيضًا، لأنّ رواية أبي بصير مشتملة على فعله، والتأسّي إذا لم يعلم وجه فعلهم (عليهم السلام) مستحبّ، لا واجب، فلاتعارض بينهما، لدلالة الرواية على عدم كون الحلف لابدّ منه، فلا إشكال .

نعم، بقي الإشكال بين الرواية الأولى و بين هذه الرواية، لأنّ التعارض بينهما

ص: 490

ليس من تعارض العامّ و الخاصّ حتّى يخصّ الأولى بهذه، بل تعارضهما من قبيل تعارض الظاهرين و العموم من وجه .

بيانه هو : أنّ الرواية الأولى خاصّةٌ من حيث انّه نصّ فيها أنّ المتنازع فيه ليس بيد أحدهما، كما هو المفروض فيما نحن فيه ؛ و عامّةٌ من جهة أنّ الحلف أعمّ من أن يكون حين تساوي البيّنتين، أم لا .

والرواية المذكورة عامّةٌ لاحتمال أن لا يكون المتنازع فيه بيدهما، أو كان ؛ وخاصّةٌ من جهة دلالتها على أنّ اليمين بعد التسوية في العدالة و العدد .

والجواب هو : أنّه على فرض تسليم كون التعارض بينهما عمومًا من وجه نقول : فالواجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع رواية عبدالرحمن، لأنّ مضمونها - و هو كون الحلف بعد تسوية البيّنتين في العدالة و العدد - موافقٌ لعمل المشهور كما عرفت ؛ و يعضده الاعتبار أيضًا، لأنّ التسوية بين الأعدل و غيره، أو الأكثر وغيره خلاف العقل .

لكن لک أن تقول : إنّ تعارضهما و إن كان من قبيل تعارض الظاهرين و العموم من وجه على ما ذكر، لكن بينهما تعارض من وجه آخر، بيانه هو : أنّ الرواية الأولى تدلّ على حلف الخصمين معًا، و أنّه لو حلفا جعل ما تنازعاه بينهما نصفين من غير اعتبار القرعة ؛ والرواية المذكورة قد دلّت على أنّ المتنازع فيه عند تسوية البيّنتين لواحد منهما، و يتعيّن بالقرعة، ثمّ يحلف و يجعل له ذلک ؛ وتعارضهما من هذه الجهة من تعارض النصّين .

ص: 491

و جوابه هو : أنّه حينئذٍ يجب الرجوع إلى الترجيح أيضًا، و قد عرفت أنّه مع رواية عبدالرحمن، فارتفع الإشكال بين الأخبار بحول الله المتعال، و صار مضمون الكلّ : أنّه مع تسوية البيّنتين في العدالة و الكثرة يقضى بالمال لأحدهما، ويتعيّن بالقرعة، إلّا ما عرفت، فكون القضاء لواحد منهما عند عدم تسوية البيّنتين بطريق أولى، و يكون ذلک الواحد هو الّذي يكون أرجح بيّنة، و لا يحتاج إلى القرعة، لوجود المرجّح.

لكن مع جميع ذلک بقي في المقام شيء، و هو : أنّه لم يعلم الترتيب من رواية عبدالرحمن بين الأعدليّة و الأكثرية، و إن كان فيها إشعارٌ ما على ذلک بتقديم الأوّل على الثاني على ما في التهذيب (1) ، لكنّ الإجماع المنقول عن الغنية (2) على الحكم من تقديم الأعدليّة على الأكثريّة والإقراع عند التسوية و غير ذلک يعيّن ما أشعرته الرواية .

{ الحقّ في المسألة }

فصار الحقّ في المسألة هو ما تقدّم من أنّه يقضى فيها للأعدل بيّنة، فإن تساوتا فيها للأكثر بيِّنة من غير حلف عليهما، لكن نقل عن الشيخ في الخلاف : الإجماع على اعتباره مع الأعدليّة (3) .

ص: 492


1- . التهذيب : 6 / 233 ح 571 .
2- . الغنية : 443 ؛ و نقله عنه في الرياض : 13 / 221 .
3- . الخلاف : 6 / 333 .

و عن ابن زهرة : الإجماع على اعتباره مع الأكثريّة (1) ؛ فعلى هذا الحلف ممّا لابدّ منه معهما .

و إن تساوتا فيهما أحلف من أخرجته القرعة و يقضى له، و لو امتنع أحلف الآخر، و لو امتنعا جعل المدّعى به بينهما نصفين .

و بقي الكلام في وجه أنّه لو امتنع عن الحلف مَن أخرجته القرعة لِمَ يحلف الآخر و لَمْ يحكم القضاء بالنكول ؟ و على تقدير امتناعهما معًا عنه لِمَ قسّم المدّعى به بينهما ؟

فأقول : أمّا عدم القضاء بالنكول حينئذٍ، فلعدم العموم في دليله بحيث يشمل محلّ النزاع، و قد نبّهت عليه سابقًا، فإذا لم يجز القضاء بالنكول تعيّن حلف الآخر.

و أمّا تقسيم المدّعى به بينهما لو امتنعا معًا عنه، فلأنّه مالٌ ادّعى فيه خصمان وأقام كلّهما بيّنة، و لم يثبت ترجيح لأحدى البيّنتين على الأخرى، فتوجّه إلى كلّ منهما الحلف، و نكلا منه، و ليس للمدّعى به مدّع غيرهما، فوجب أن يكون بينهما .

تنبيهٌ

الظاهر أنّ المراد بأعدليّة البيّنة هو أن تكون إحدى البيّنتين أكثر مواظبة على الأمور المستحبّة و أشدّ رغبة للخيرات المستحسنة، مع كون البيّنة الأخرى غير تارک للواجب من الواجبات و مرتكب لما يقبح من القبائح المردودات، كما نقل

ص: 493


1- . الغنية : 443 .

ذلک عن ابن ادريس (1) .

و عن الشيخ في المبسوط في حكم أصل المسألة : أنّه يقرع بين الخصمين إن شهدت البيّنتان بالملک المطلق، و يقسّم بينهما إن شهدتا بالملک المقيّد، و يختصّ بواحد منهما لو شهدت بيّنته بالتقييد و بيّنة الآخر بالإطلاق (2) .

و استدلّ له في المسالک بصحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجلين شهدا على أمر، و جاء آخران فشهدا على غير ذلک، فاختلفوا، قال : يقرع بينهم فأيّهم قرع فعليه اليمين، و هو أولى بالحقّ (3) ؛ قال :

فحملها على ما إذا أطلقا، لدلالة ظاهر الشهادة عليه .

ثمّ قال :

و يدلّ على ما ذكره من أنّه مع شهادتهما بالملک المقيّد يقسَّم بينهما، رواية غياث بن إبراهيم السابقة - و هي هذه : أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة، و كلاهما أقام (4) البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للّذي هي في يده و قال : لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين (5) - وجه الاستدلال أنّه (عليه السلام) قال : « لو لم تكن في يده جعلتها بينهما

ص: 494


1- . السرائر : 2 / 170 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 189 .
2- . انظر المبسوط : 8 / 258 .
3- . الاستبصار : 3 / 40 ح 137 ؛ التهذيب : 6 / 235 ح 577 ؛ الوسائل : 27 / 254 ح 33705 .
4- . كذا في الكافي، و في التهذيب : أقاما .
5- . الكافي : 7 / 419 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 133 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 573 ؛ الوسائل: 27 / 250ح 33697 .

نصفين »، والحال أنّهما شهدتا بالسبب، و هو النتاج .

ثمّ قال :

و يدلّ على ترجيح ذات السبب مع الاختلاف قُوَّتُها، مضافًا إلى ما سبق من الأخبار الدالّة على تقديم ذات السبب (1) .

أقول : و في الجميع نظر، أمّا في الأوّل فلأنّا نقول : إنّ قوله : « إنّ رجلين شهدا على أمر » إلى آخره، أعمّ من أن يكون شهادتهما بالإطلاق أو بالتقييد كما لايخفى .

و ما ذكره من دلالة ظاهر الشهادة على الإطلاق غير مسلّم، و على هذا تقييده بما إذا كانت الشهادة بالإطلاق يحتاج إلى مقيّد و ليس، فليس، فالحديث محمول على ما ذكرناه، لما ذكرناه .

و أمّا في الثاني فلأنّه معارض بما مرّ من موثّقة سماعة و رواية ابن مطر، حيث تضمّنتا : « أنّ رجلين اختصما إلى عليّ (عليه السلام) في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت على مِذوَده، و أقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما »، الحديث (2) ، حيث دلّتا على القرعة مع شهادة البيّنة بالتقييد، فالواجب حملها على ما حملناها عليه لما مرّ .

ص: 495


1- . مسالک الأفهام : 14 / 88 .
2- . الفقيه : 3 / 93 ح 3393 ؛ الاستبصار : 3 / 40 ح 136 و 41 ح 141 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 576و236 ح 582 و 7 / 75 ح 323 ؛ الوسائل : 27 / 254 ح 33706 و 255 ح 33709 .

و أمّا في الثالث فلما قيل من إنّ ترجيح ذات السبب غير معلوم (1) .

و ما أشار إليه بقوله : « مضافًا إلى ما سبق من الأخبار الدالّة على تقديم ذات السبب » سنذكرها إن شاء الله - تعالى - فيما إذا كان المدّعى به بيد أحد الخصمين .

{ الصورة الثانية : }

لو كان المدّعى به بيد ثالث و لم يكن للخصمين بيّنة

الصورة الثانية من الصور الثلاث في المسألة هو : أن يكون المدّعى به بيد ثالث أيضًا، لكن ليس لواحد من الخصمين بيّنة .

والحكم في ذلک أنّه لو صدّق مَن كان بيده المدّعى به أحدهما بأنّه له قضى به له مع يمينه، فهو في حكم ذي اليد .

و سيجيء إن شاء الله - تعالى - أنّ الحكم فيه ذلک لقوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (2) ، والمفروض أنّ البيّنة مفقودة، فالمنكر يحلف، فيسقط عنه الدعوى .

لكن للمدّعي الآخر أن يحلّف المصدّق إن ادّعى علمه بأنّه له، فإن حلف فهو،

ص: 496


1- . رياض المسائل : 13 / 225 .
2- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

وإلّا فيحلف المدّعي على علمه بذلک، فيلزم الغرامة في القيمة، لا العين، لأنّها بإقراره و تصديقه صارت مستحقّة للمصدّق، فلا يمكنه ارتجاعها منه (1) .

هذا بناءً على عدم القضاء بالنكول، و يحتمله بناءً عليه أيضًا لما عرفت .

و لو صدّقهما معًا قضى لهما بالسويّة بعد إحلاف كلّ لصاحبه، ولكلّ منهما إحلاف المصدّق إن ادّعيا علمه بأنّه له بانفراده، فإن حلف فهو، وإلّا فإن حلفا لزمه قيمة المدّعى به لكلّ من الخصمين نصفها، و إلّا فإن حلف أحدهما دون الآخر استحقّ منه نصف قيمتها ؛ و إن لم يحلفا لا يلزمه شيء بناءً على عدم القضاء بالنكول .

و لو كذّبهما بأن يقول : ليس لشيء منهما، سواء ادّعى لنفسه، أم لا، أقرّ في يده ولهما أن يحلفه لكونه منكرًا، فإن حلف بقي المدّعى به على ما كان، و إلّا فإن حلفا استحقّا نصفين، أو أحدهما فقط فاستحقّه بالتمام .

و لو نكل الجميع الظاهر أنّه أقرع بين الثلاثة إن نسبه مَن في يده إلى نفسه، و إلّا فيشكل الأمر، سواء نسبه إلى واحد معيّن، أم لا .

و لو قال للخصمين : إنّ المدّعى به لأحدكما و لا أعرفه، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه يقضى له بعد حلفه، و إلّا فللاخر بالنكول، أو بعد حلفه ؛ و إن نكلا قسّمت بينهما.

ص: 497


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 189 .

ودليل القرعة في الموضعين ما رواه في الفقيه باسناده إلى محمّد بن الحكيم (1) ، و قد صحّح العلّامة طريقه إليه (2) ، قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام)عن شيء، فقال لي : كلّ مجهول فيه (3) القرعة ؛ فقلت له : إنّ القرعة تخطئ وتصيب، فقال :كلّ ما حكم الله - عزّوجلّ - به فليس بمخطئ (4) .

و رواه في التهذيب بسند فيه موسى بن عمر مجهول (5) .

بيان

قوله (عليه السلام): « كلّ ما حكم الله عزّوجلّ » إلى آخره، يحتمل معنيين :

الأوّل : أنّ حكم الله - تعالى - لا يخطئ في القرعة أبدًا، بمعنى أنّ مَن أخرجته القرعة فهو صاحب الحقّ في نفس الأمر .

و الثاني : أنّ ما خرج بالقرعة فهو حكم الله ؛ و إن أخطأ القرعة، فإنّ الحكم

ص: 498


1- . عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً : محمّد بن حكيم الخثعميّ، كوفيّ، أبو جعفر ( رجالالطوسيّ : 280 ) ؛ و ذكره فيه أيضًا في أصحاب الكاظم (عليه السلام) ( انظر رجال الطوسي : 342 ). و عدّه البرقيّأيضًا في أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً : محمّد بن حكيم الخثعميّ، كوفيّ، مولى ( رجال البرقيّ : 19 ) ؛ و قالعند تعداده أصحاب الكاظم (عليه السلام): من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) ( رجال البرقيّ : 48 ). فيظهر من ذلک أنّمحمّد ابن حكيم الّذي هو من أصحاب الكاظم (عليه السلام) هو محمّد بن حكيم الخثعميّ، و هذا هو صريح النجاشي( انظر رجال النجاشي : 357 الرقم 957 ).
2- . انظر إيضاح الاشتباه : 280 ؛ و خلاصة الأقوال : 253 .
3- . في المصادر : ففيه .
4- . الفقيه : 3 / 92 ح 3389 ؛ التهذيب : 6 / 240 ح 593 ؛ الوسائل : 27 / 259 ح 33720 .
5- . التهذيب : 6 / 240 ح 593 .

ليس بخطأ .

لكن دعاؤه (عليه السلام) في بعض النصوص المتقدّمة بأنّ : « مَن كان صاحب الدابّة فهو أولى بها، فأسألک أن تخرج سهمه » (1) ، يؤيّد المعنى الأوّل .

{ صورةٌ أخرى في المسألة }

و في المسألة صورة أخرى، و هي أن يقول من بيده المدّعى به : إنّي ما أعرف صاحب المال بأنّه الخصمان أو أحدهما أو غيرهما .

و في هذه الصورة يحتمل أن يقضي بينهما نصفين ؛ و يحتمل الإقراع أيضًا، فمن خرجت عليه يحلف و يأخذ، و إلّا فيحكم للاخر إمّا من غير حلف، أو بعده فيستحقّه ؛ و إن نكلا قسّم بينهما، لأنّ المفروض عدم المدّعى له غيرهما .

{ الصورة الثالثة : }

فيما إذا كان المدّعى به بيد ثالث و يكون لأحد الخصمين بيّنة

والصورة الثالثة من الصور الثلاث في المسألة هي : أن يكون المدّعى به بيد ثالث أيضًا، لكن لأحد الخصمين بيّنة .

ص: 499


1- . الفقيه : 3 / 93 ح 3393 ؛ الاستبصار : 3 / 40 ح 136 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 576 ؛ الوسائل : 27/254 ح 33706 .

و الحكم فيها : أنّه يقضى لصاحب البيّنة، لاشتراكهما في أصل الدعوى و زيادة ذي البيّنة بيّنته عنه، و هي حجّة، و المعارض لها مفقود، فوجب الحكم بمقتضاها.

و لأنّه قد مرّ أنّه لو كان المدّعى به بيدهما جميعًا و كانت لأحدهما بيّنة دون الآخر يقضى به لصاحب البيّنة، فإذا ثبت جواز القضاء لصاحب البيِّنة مع كون المدّعى به بيد الخصم و لو في الجملة، فالقضاء لصاحبها مع عدم كون المدّعى به بيده مطلقًا بطريق أولى .

هذا كلّه إذا لم يكن المدّعى به بيد واحد منهما كما في الصُوَر الثلاث السابقة، أو إذا كان بيدهما جميعًا كما في الصور الثلاث السابقة على السابقة .

فيما لو كان المدّعى به بيد واحد من الخصمين
و لم يكن لواحد منهما بيّنة

و أمّا لو كان بيد واحد منهما دون الآخر، فصُوره أيضًا ثلاث :

الأولى : أن لا يكون لواحد منهما بيّنة .

و الثانية : أن تكون لهما جميعًا .

و الثالثة : أن تكون البيّنة لواحد منهما دون الآخر .

فها أنا أبَيِّن كلاًّ من هذه الصُوَر بأوضح البيان بإعانة الله الملک المنّان .

ص: 500

{ الصورة الأولى :

فيما إذا لم تكن البيّنة لواحد منهما مع كون المدّعى به بيد أحدهما }

فأقول : أمّا الصورة الأولى منها - و هي : ما لم تكن البيّنة لواحد منهما مع كون المدّعى به بيد أحدهما - فالحكم فيها أنّه يقضى به لمن كان في يده .

و ذلک لأنّ التصرّف و ظاهر اليد يقتضي الملكيّة، و لعلّ ذلک ممّا اتّفقت عليه ألسُن الأخيار، إذ لولاه لا اختلّت النظام .

و مع ذلک نطقت به الأخبار، منها : ما رواه في الكافي و الفقيه (1) و التهذيب (2) ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال له رجل : أرأيتَ إذا رأيتُ شيئًا في يدي رجل، أَيجوز لي أن أشهد أنّه له ؟ فقال : نعم، قلت (3) : فلعلّه لغيره ؟ قال : و مِن أين جاز لک أن تشتريه و يصير ملكًا لک، ثمّ تقول بعد الملک : هو لي، و تحلف عليه، ولايجوز أن تنسبه إلى مَن صار ملكه إليک من قبله (4) ؟ ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام) : لو لم يجز هذا ما قامت (5) للمسلمين سوق (6) .

ص: 501


1- . جاء في حاشية الأصل : في باب من يجب ردّ شهادته و من يجب قبول شهادته ؛ منه .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): في باب البيّنات .
3- . في الكافي و التهذيب : « فقال الرجل : أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له، فلعلّه لغيره ؟ فقال له أبوعبدالله (عليه السلام): أفيحلّ الشراء منه ؟ قال : نعم، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لعلّه لغيره، فمن أين »، إلى آخره .
4- . في الكافي و التهذيب : « من قبله إليک ».
5- . في الكافي : لم يقم .
6- . الكافي : 7 / 387 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 51 ح 3307 ؛ التهذيب : 6 / 261 ح 695 ؛ الوسائل : 27 / 292 ح33780 .

و منها : ما روي عن تفسير عليّ بن إبراهيم صحيحًا، و عن الاحتجاج مرسلاً، عن مولانا الصادق (عليه السلام) في حديث فدک : أنّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم الله - تعالى - في المسلمين، قال : لا، قال : فإن كان في يد المسلمين شيء يملّكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة ؟

قال : إيّاک كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين، قال : فإذا كان في يدي شيٌ فادّعى فيه المسلمون، تسألني (1) البيّنة على ما في يدي و قد ملّكته في حياة رسول الله (صلي الله عليه واله) و بعده، و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ (2) كما سألتني البيّنة (3) على ما ادّعيت عليهم (4) .

و غيرهما .

فإذا ثبت دلالة اليد المتصرّفة على الملكيّة، ففي المقام اختصّ ذو اليد بالمدّعى به، إلّا أنّ الشارع جعل عليه اليمين حينئذٍ لقوله : « البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر » (5) .

ص: 502


1- . في تفسير القمّيّ : فتسألني .
2- . في الاحتجاج : « على ما ادّعوها شهودًا ». و في تفسير القمّي : « على ما ادّعوا عليّ شهودًا ».
3- . « البيّنة » لم يرد في المصدرين .
4- . تفسير القمّي : 2 / 156 ؛ الاحتجاج : 1 / 122 ؛ الوسائل : 27 / 293 ح 33781 .
5- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

{ الصورة الثانية : }

فيما لو كان المدّعى به بيد أحد الخصمين و كان لهما جميعًا بيّنة

و أمّا الصورة الثانية - أي : إذا كانت البيّنة لكلّ منهما - ففيها صُوَر :

الأولى : أن تشهد البيّنتان بالملک المطلق من دون ذكر سبب للملک .

و الصورة الثانية : أن تشهدا بالملک المقيّد، أي : ذكر كلّ منهما سبب الملک .

و الثالثة : أن تشهد بيّنة صاحب اليد بالملک المقيّد بأن يذكر سببه، و أطلقت بيّنة الآخر.

والرابعة : عكس الثالثة .

{ الصورة الأولى من الصورة الثانية : }

لو شهدت البيّنتان بالملک المطلق يقضى بالمدّعى به للخارج

أمّا الصورة الأولى فحكمها أن يقضى فيها للخارج، أي : لمن لم يكن المدّعى به في يده ؛ وفاقًا للصدوقين، و الشيخ في التهذيب و الاستبصار، و المحقّق في الشرائع و النافع ، و العلّامة في القواعد، و ابنه في الإيضاح (1) .

ص: 503


1- . انظر المقنع : 339 ؛ و الاستبصار : 3 / 42 ذيل الحديث 13 ؛ والتهذيب : 6 / 237 ذيل الحديث 14 ؛والشرائع : 4 / 111 ؛ والمختصر النافع : 278 ؛ والقواعد : 3 / 468 ؛ و الإيضاح : 4 / 407 .

و هو المحكيّ عن النهاية، و كتاب البيوع من الخلاف، و الديلميّ، والقاضيّ،والإصباح ، و ابني إدريس و زهرة، و المختلف، و ظاهر التحرير، و الشهيدين في النكت و الروضة (1) .

و عن الخلاف (2) نسبة ذلک إلينا، و عن المبسوط (3) جعله مذهبنا ؛ و ظاهره الإجماع، بل صرّح به في الخلاف و الغنية على ما نقل عنهما (4) .

و يدلّ عليه مضافًا إلى الإجماع المذكور ما رواه في التهذيب عن منصور، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل في يده شاة، فجاء رجل فادّعاها و أقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع و جاء الّذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول أنّها وُلدت عنده و لم يبع و لم يهب .

قال أبو عبد الله (عليه السلام) : حَقُّهما للمدّعي و لا أقبل من الّذي في يده بيّنة، لأنّ الله -عزّوجلّ - إنّما أمر أن تطلب (5) البيّنة من المدّعي، فإن كانت له بيّنة، و إلّا فيمين الّذي هو في يده، هكذا أمر الله عزّوجلّ (6) .

ص: 504


1- . النهاية : 2 / 75 ؛ الخلاف : 3 / 130 ؛ المراسم : 234 ؛ المهذّب : 2 / 578 ؛ الإصباح : 531 ؛ السرائر :3/ 167 ؛ الغنية : 443 ؛ المختلف : 8 / 376 ؛ التحرير : 5 / 185 ؛ غاية المراد : 4 / 70 ؛ الروضة : 3 /108.
2- . الخلاف : 6 / 331 .
3- . المبسوط : 8 / 258 .
4- . انظر الخلاف : 6 / 331 ؛ و الغنية : 444 ؛ و نقله عنهما في الرياض : 13 / 206 .
5- . في المصدر : أن يطلب .
6- . الاستبصار : 3 / 43 ح 143 ؛ التهذيب : 6 / 240 ح 594 ؛ الوسائل : 27 / 255 ح 33708 .

وجه الاستدلال هو : أنّ الرواية و إن وردت فيما إذا شهدت البيّنتان بالمقيّد، إلّا أنّ التعليل فيها - و هو قوله : « لأنّ الله - عزّوجلّ - إنّما أمر أن تطلب البيّنة » إلى آخره - عامٌّ شاملٌ لما نحن فيه أيضًا .

و ضعف سنده لو كان، منجبرٌ بالشهرة المنقولة و المحقّقة، قال في المسالک :

و طريق الرواية إلى منصور حسن، أمّا هو فإنّه مشترکٌ بين الثقة وغيره (1) .

و يمكن الاستدلال له أيضًا برواية الاحتجاج المذكورة عن مولانا الأمير (عليه السلام)، لأنّ قوله (عليه السلام) لأبي بكر : « تحكم فينا بخلاف حكم الله - تعالى - في المسلمين »(2) ؛ ومراده (عليه السلام)من ذلک طلب البيّنة من المنكر، كما يظهر ذلک من قوله (عليه السلام) فيما بعد ما ذكر، فلو كانت بيّنة المنكر حجّة لما كان طلبها منه خلاف حكم الله - تعالى - و هو واضح، فوجود البيّنة للمنكر كالعدم .

و معلومٌ أنّه لو لم يكن لصاحب اليد - و هو المنكر - بيّنة و كانت للمدّعي، يقضى له، فيجب أن يقضى له هنا أيضًا، لما عرفت من أنّ وجود البيّنة كعدمها بالنسبة إلى المنكر.

و يدلّ عليه قوله (صلي الله عليه واله): « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (3) ،

ص: 505


1- . مسالک الأفهام : 14 / 83 .
2- . تفسير القمّي : 2 / 156 ؛ الاحتجاج : 1 / 122 ؛ الوسائل : 27 / 293 ح 33781 .
3- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

فإنّه (صلي الله عليه واله) جعل جنس البيّنة للمدّعي و اليمين للمنكر، فكما لا يمين للمدّعي ينبغي أن لا بيّنة للمنكر، فتخصيص كلّ واحد منهما بما ذكر منافٌ لاشتراكهما و لو في أحدهما.

إن قيل : غاية ما يستفاد من قوله (صلي الله عليه واله) : « البيّنة على المدّعي » إلى آخره، لزوم إقامة البيّنة على المدّعي، لا عدم الحكم بها عند إقامة المنكر إيّاها .

قلت : هذا لا وجه له، لأنّه لو جاز الحكم بإقامة المنكر البيّنة له لما كانت لازمة على المدّعي، إذ معنى لزومها عليه تعيّنها عليه، و تجويزها للمنكر ينافيه .

و على فرض التسليم قصور الدلالة مجبور بما مرّ من الرواية و فهم الأصحاب، حيث استدلّ كثير منهم به على ما ذكر من عدم كون البيّنة للمنكر في هذا المقام وفي غيره .

و أيضًا قد عرفت من قول مولانا الأمير (عليه السلام) نسبة طلب البيّنة من المنكر إلى خلاف حكم الله - تعالى - فلو كانت إقامتها من المنكر جائزة، بمعنى ترتّب الثمرة عليه، لما نسبه (عليه السلام) إلى ذلک كما لا يخفى، فهو قرينة أخرى على ما ذكرناه .

و يدلّ على أصل الحكم أيضًا ما روي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قضى في البيّنتين يختلفان (1) في الشيء الواحد يدّعيه الرجلان أنّه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بيّنة كلّ واحد منهما و ليس في أيديهما، فأمّا إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان، و إن كان في يدي أحدهما فإنّما البيّنة فيه على المدّعي و اليمين

ص: 506


1- . في المصدر : تختلفان .

على المدّعى عليه (1).

مضافًا إلى أنّ كون البيّنة على المدّعي متّفق عليه و منصوص، بل ادّعي (2) تواتر النصّ (3) عليه دون المنكر ؛ و معلوم أنّ الخارج هو مدّع بجميع التفاسير المتقدّمة للمدّعي و ذو اليد منكر كذلک، لأنّ الخارج هو الّذي لو ترک ذا اليد يترک، و هو الّذي يدّعي خلاف الظاهر، لأنّ الظاهر نظرًا إلى اليد المتصرّفة أنّه مال لذي اليد، كما عرفت دلالة ظاهر اليد عليه، و لأنّه الّذي يدّعي خلاف، لأنّ اشتغال ذمّة ذي اليد بحقّه خلاف الأصل .

و بالجملة : المسألة ممّا لا إشكال فيه بحمد الله - سبحانه - خلافًا للمحكيّ عن المبسوط و الوسيلة (4) ، حيث رجّحا في المسألة الحكم لذي اليد لتأييده بالبيّنة،ولما سيأتي من الأدلّة لتقديم ذي اليد مع شهادتها بالسبب .

والجواب : أنّ الأوّل اجتهاد في مقابلة النصوص كما عرفتها، و الثاني على تقدير قبول مضمونه مختصّ بغير هذه الصورة .

و لا يخفى أنّ ما قلنا من كون القضاء للخارج في الصورة المذكورة أعمّ من أن يكون البيّنتان متساويتين في العدالة والعدد، أم لا ؛ وفاقًا للتهذيب و الاستبصار

ص: 507


1- . دعائم الإسلام : 2 / 522 ح 1863 .
2- . ادّعاه في كشف اللثام : 10 / 247 .
3- . انظر الوسائل : 18 / 170 الباب 3 من أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى .
4- . المبسوط : 8 / 258 ؛ الوسيلة : 219 .

والشرائع والنافع والمحكيّ عن النهاية و السرائر و الغنية و الإصباح و الخلاف (1) .

خلافًا للمحكيّ عن الصدوقين و المفيد (2) ، فحكموا بأنّ ترجيح بيّنة الداخل إنّما هو بعد التساوي عدالة .

و عن المفيد : زاد : أو عددًا (3) .

و الدليل على اعتبار الأعدليّة في المقام غير واضح .

لا يقال : إنّ ما تقدّم من قول مولانا الصادق (عليه السلام) من أنّ عليًّا (عليه السلام) إذا أتاه رجلان ببيّنة شهود عدلهم سواء و عددهم، أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين، الحديث (4) .

لأنّه أعمٌّ من أن يكون المدّعى به في يدهما معًا، أو لا يكون في يد واحد منهما، أو يكون في يد واحد منهما دون الآخر كما فيما نحن فيه .

لأنّا نقول : لا دخل لهذه الرواية فيما نحن فيه، لدلالتها على أنّه حين تسوية البيّنتين في العدالة والكثرة يقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين، و هم لا يقولوا بذلک.

و استدلّ على اعتبار الأكثريّة بقوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير المتقدّمة، حيث

ص: 508


1- . انظر الاستبصار : 3 / 42 ، ذيل الحديث 13 ؛ والتهذيب : 6 / 237 ، ذيل الحديث 14 ؛ و الخلاف :3/130 ؛ و النهاية : 2 / 75 ؛ و الشرائع : 4 / 111 ؛ و المختصر النافع : 278 ؛ و الإصباح : 531 ؛ والسرائر :3 / 167 ؛ و الغنية : 443 .
2- . المقنع : 399 و 400 ؛ المقنعة : 730 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 10 / 247 .
3- . المقنعة : 730 و 731 .
4- . الكافي : 7 / 419 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 94 ح 3397 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 571 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح131 ؛ الوسائل : 27 / 251 ح 33699 .

سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم، فيدّعي دارًا في أيديهم و يقيم الّذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها عن أبيه لا يدري كيف أمرها ؟ فقال : أكثرهم بيّنةً يستحلف و تدفع إليه، و ذكر أنّ عليًّا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت لهؤلاء البيّنة (1) أنّهم انتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا و قامت لهؤلاء البيّنة

بمثل ذلک، فقضى بها لأكثرهم بيّنة و استحلفهم .

هكذا في التهذيب و الاستبصار (2) .

و في الفقيه : « عن الرجل يأتي القوم فيدّعي دارًا في أيديهم و يقيم البيّنة و يقيم الّذي في يديه الدار البيّنة »، إلى آخره (3) .

و في الاستدلال بها نظر، لأنّ الاستدلال بها إمّا مبنيّ على ذيله، و هو قوله : «وذكر أنّ عليًّا » إلى آخره، و جوابه واضح، لأنّه لا دخل له لما نحن فيه، لأنّ كلامنا فيما إذا شهدت البيّنة بالمطلق، و ليس الأمر فيه كذلک، بل بالملک المقيّد ؛ ألا ترى قوله : « فقامت لهؤلاء البيّنة أنّهم أنتجوها على مِذوَدهم » إلى آخره .

و أيضًا كلامنا فيما إذا كان المدّعى به في يد أحدهما، و ليس في ذلک تعرّض لما ذكر، فيحتمل أن يكون المدّعى به في يد ثالث، و نحن نقول به كما عرفت .

و ليس من قبيل المطلقات حتّى يتمسّک بالإطلاق، بل إخبار عن فعله (عليه السلام) في واقعة ؛ و قد عرفت غير مرّة أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها

ص: 509


1- . في التهذيب و الاستبصار : و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلک .
2- . الاستبصار : 3 / 40 ح 135 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 575 .
3- . الفقيه : 3 / 38 ح 129 .

ثوب الإجمال، فلا يمكن التمسّک بها للاستدلال (1) .

لكن قد عرفت ممّا ذكرناه سابقًا أنّه (عليه السلام) و إن لم ينصّ فيه بكون المدّعى به بيد واحد منهما، لكن في ذكره (عليه السلام) ذلک بعد السؤال عن كون المدّعى به بيد واحد منهما - كما قال عن الرجل يأتي القوم فيدّعي دارًا في أيديهم - إشعار بذلک كما لايخفى، لكنّه مع ذلک غير كاف .

و إمّا مبنيّ على الصدر، و هو و إن صرّح فيه كون المدّعى به بيد واحد منهما، إلّا أنّه لا دخل لذلک أيضًا فيما نحن فيه، لدلالته على أنّ أكثرهم بيّنة يستحلف، والقائل باعتبار الأكثر بيّنة لا يقول بذلک .

على أنّه على فرض تسليم دلالته على اعتبار الأكثر بيّنة لا يتمّ المطلوب، لما عرفت من أنّ المفيد لم يعتبر الأكثريّة وحدها، بل اعتبرها مع الأعدليّة بالترتيب بينهما بتقديم الأعدليّة على الأكثريّة .

و لا يمكن التمسّک بالإجماع المركّب في المقام، لما حكي عن ابن الجنيد (2) من اعتباره الأكثريّة وحدها من دون ذكر الأعدليّة كما سيجيء .

هذا مع أنّه يمكن أن يقال بمضمون الرواية مع المنع من اعتبار الأكثر بيّنة فيما إذا شهدت البيّنتان بالملک المطلق، بل الحكم للخارج هناک مطلقًا، كما يظهر ذلک من الصدوق في الفقيه، و نسبه إلى رسالة أبيه حيث قال بعد ذكر الرواية المذكورة :

ص: 510


1- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .
2- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 371 ؛ و الرياض : 13 / 216 .

لو قال الّذي في يده الدار : إنّها لي و هي ملكي و أقام على ذلک بيّنة وأقام المدّعي على دعواه بيّنة، كان الحقّ أن يحكم بها للمدّعي، لأنّ الله -عزّوجلّ - إنّما أوجب البيّنة على المدّعي و لم يوجبها على المدّعى عليه، و لكن هذا المدّعى عليه ذكر أنّه ورثها عن أبيه و لا يدري كيف أمرُها، فلهذا أوجب الحكم باستحلاف أكثرهم بيّنة و دَفعِ الدار إليه .

إلى أن قال :

هكذا ذكره أبي - رضى الله عنه - في رسالته إليَّ (1) .

و على هذا نسبة العبارة إليه - كما صدر من جماعة من الأصحاب (2) - لعلّه مبنيّ على موافقته لأبيه و قبوله لقوله .

و حاصل العبارة الفرق بين دعوى الملک فيما يد المدّعى عليه و إقامة البيّنة عليها، و بين دعوى كونه منتقلاً إليه بالإرث و إقامة الشهادة عليها، بأنّ في الدعوى الأولى يقضى للخارج، و في الثاني لأكثريّتهما بيّنة .

و هو المحكيّ عمّا حكاه في المختلف (3) عن الحلبيّ ؛ و الفارق الصحيحة المذكورة، فلا يلزم من القول بمضمون الرواية القول بتقديم أكثر بيّنة في مطلق الدعاوي و لو كانت الدعوى بالملک و إقامة البيّنة عليها .

ص: 511


1- . الفقيه : 3 / 65 و 66 .
2- . منهم العلّامة في المختلف : 8 / 370 ؛ و الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 24 والسيّد الطباطبائيّ في الرياض : 13 / 208 .
3- . انظر المختلف : 8 / 373 .

ثمّ اعلم : أنّه يظهر من العبارة المنقولة من الفقيه و ما بعدها الفرق في البيّنتين بين الأكثر و الأعدل في الدعوى بالملک، حيث قال بعد ما نقلنا عنه :

و لو أنّ رجلاً ادّعى على رجل عقارًا أو حيوانًا أو غيره و أقام شاهدين و أقام الّذي في يده شاهدين و استوى الشهود في العدالة، لكان الحكم أن يخرج الشيء من يدي مالكه إلى المدّعي، لأنّ البيّنة عليه (1) .

وجه دلالة هذه العبارة مع ما قبلها على ما قلنا هو : أنّه حكم أوّلاً بأنّ بيّنة المدّعي تقدّم مطلقًا و لو كانت بيّنة الداخل أكثر و أعدل، لكن في هذه العبارة صرّح بتقديم بيّنة المدّعي إذا استوت في العدالة ؛ و مفهومها على أنّه لو لم تستو في العدالة لا تتقدّم .

و يقيّد بهذا المفهوم إطلاق ما تقدّم من عبارته في تقديم بيّنة المدّعي بما إذا لم تكن البيّنة متساوية في العدالة، فعند الاستواء بها يقدّم الأعدل منها .

و حاصل ذلک : أنّه لو كانت بيّنة ذي اليد أعدل من بيّنة غيره يحكم له بما في يده، و إلّا يحكم لغيره و لو كانت بيّنة ذي اليد أكثر .

فعلى هذا مقتضى هذه العبارة أنّ قائلها يرجّح بيّنة الخارج بعد التساوي عدالة دون غيره، كما تقدّمت حكاية ذلک عنه و عن والده .

ص: 512


1- . الفقيه : 3 / 66 .

{ القول الثالث في المسألة }

ثمّ اعلم أيضًا أنّ في المسألة قولاً ثالثًا محكيًّا عن ابن الجنيد، و هو ترجيح ذي اليد مع تساوي البيّنتين و حكم باحلافهما، قال :

فإن حلفا جميعًا، أو أبيا، أو حلف الّذي هي في يده (1) كان محكومًا للّذي هي في يده بها - أي الدار - فإن حلف الّذي ليست في يده و أبى الّذي هي في يده أن يحلف حكم بها للحالف .

قال : و لو اختلف (2) أعداد الشهود و كان الّذي هي في يده أكثر شهودًا، كان أولى باليمين إن بذلها، فإن حلف حكم له بها .

و لو كان الأكثر شهودًا الّذي ليست في يده فحلف و أبى الّذي هي في يده أن يحلف، أخرجت ممّن كان (3) في يده و سلّمت إلى الحالف مع شهوده الأكثر (4) من شهود من كانت في يده، إنتهى عبارته (5) .

هكذا نقلت عنه على ما رأيناه، و لو لم يكن : « إن بذلها » بعد قوله : « كان أولى باليمين » مذكورًا كان أولى .

ص: 513


1- . في المختلف زيادة : دون الآخر .
2- . في المختلف : و لو اختلفت .
3- . في المختلف بدل « ممّن كان » : من يد من كانت .
4- . في المختلف : الأكثرين .
5- . نقله عنه في المختلف : 8 / 371 ؛ و كشف اللثام : 10 / 248 .

ثمّ إنّ مستنده بالخصوص غير معلوم، قيل (1) :

و لعلّه جمع بين نصوص تقديم ذي اليد و ما أطلق من النصوص بتقديم الأرجح من البيّنتين (2) .

و هو موقوف على وجود شاهد، لكنّه مفقود ؛ و أيضًا لو كان الأمر كذلک ينبغي أن يراعي الأعدليّة أيضًا، مع أنّه لم يذكرها .

{ القول الرابع في المسألة }

ثمّ إنّ في المسألة قولاً رابعًا منقولاً عن ابن أبي عقيل (3) ، و هو اعتبار القرعة،فيقضى لمن أخرجته مطلقًا .

و نقل إنّه ادّعى تواتر الأخبار بقضاء النبيّ (صلي الله عليه واله) بها، و هو شاذّ (4) .

و ما ذكره من تواتر الأخبار بقضاء النبيّ (صلي الله عليه واله) بالقرعة ممنوع، لأنّا لم نجد خبرًا يدلّ على اعتبارها فيما نحن فيه بالخصوص .

نعم، وردت الأخبار على اعتبار القرعة، لكنّها محمولة في غير ما نحن فيه بقرينة ما تقدّم .

ص: 514


1- . القائل هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) .
2- . كشف اللثام : 10 / 248 .
3- . نقله عنه في المختلف : 8 / 371 .
4- . رياض المسائل : 13 / 210 .

{ الصورة الثانية من الصورة الثانية : }

فيما لو شهدت البيّنتان بالملک المقيّد

و الصورة الثانية من الصورة الثانية هي : ما شهدت البيّنتان جميعًا بالملک المقيّد.

و الحكم في ذلک أنّه يقضي فيها للخارج أيضًا، وفاقًا للشرائع و النافع، والمحكيّ عن بيوع الخلاف، و إطلاق الغنية، و الشهيدين في النكت و الروضة، والفاضل المقداد (1) ، بل عن بعض محقّقي المتأخّرين هو المشهور (2) .

لما تقدّم من رواية منصور عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل في يده شاة، فجاء رجل فادّعاها و أقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده و لم يبع و لم يهب و جاء الّذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول أنّها ولدت عنده ولم يبع و لم يهب ؛ قال أبو عبد الله (عليه السلام) : حقّها للمدّعي، و لا أقبل من الّذي في يده بيّنة، لأنّ الله - عزّوجلّ - أمر أن تُطلب (3) البيّنة من المدّعي، فإن كانت له بيّنة، وإلّا فيمين الّذي هو في يده، هكذا أمر الله عزّوجلّ (4) .

ص: 515


1- . انظر الشرائع : 4 / 897 ؛ والنافع : 278 ؛ والخلاف : 3 / 130 ؛ والغنية : 443 ؛ و غاية المراد في شرحنكت الإرشاد : 4 / 70 ؛ والروضة : 3 / 109 ؛ والتنقيح الرائع : 4 / 281 .
2- . رياض المسائل : 13 / 213 .
3- . في المصدر : أن يطلب .
4- . الاستبصار : 3 / 43 ح 143 ؛ التهذيب : 6 / 240 ح 594 ؛ الوسائل : 27 / 255 ح 33708 .

و هو صريحٌ في المدّعى ؛ و قصوره بحسب السند غير مضرّ بعد ما عرفت من نقل الشهرة .

خلافًا للشيخ في التهذيب و الاستبصار، فنصّ فيهما على ترجيح ذي اليد، حيث قال في الأوّل :

و إن كان مع إحدى البيّنتين يد متصرّفة، فإن كانت البيّنة إنّما تشهد له بالملک فقط دون سببه (1) انتزع منه (2) و أُعطي اليد الخارجة، و إن كانت بيِّنتُهُ بِسَبب الملک إمّا بأن يكون بشرائه، أو نتاج الدابة إن كانت دابّةً، أو غير ذلک و كانت البيّنة الأُخرى مثلها، كانت البيّنة الّتي مع اليد المتصرّفة أولى (3) .

و مثله قال في الثاني (4) .

و نسب هذا القول شيخنا في المسالک إلى المحقّق، حيث قال في تحرير الأقوال :

الثالث : ترجيح الداخل إن شهدت بيّنته بالسبب، سواء انفردت به، أم شهدت بيّنة الخارج به أيضًا، و تقديم الخارج إن شهدتا بالملک المطلق، أو انفردت بيّنته بالسبب . و هذا هو الّذي اختاره المصنّف (رحمه الله)، و قبله

ص: 516


1- . في المصدر : سببيّته .
2- . في المصدر : من يده .
3- . التهذيب : 6 / 237 ، ذيل الحديث 583 .
4- . الاستبصار : 3 / 42 ، ذيل الحديث 142 .

الشيخ في النهاية (1) .

لكن عبارة المحقّق في النافع و الشرائع لا تساعده، لأنّه قال في الأوّل :

و لو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما : القضاء للخارج (2) .

و في الثاني :

و لو شهدتا بالسبب (3) ، قيل : يقضي لصاحب اليد، لقضاء عليّ (عليه السلام) في الدابّة . و قيل : يقضي للخارج، لأنّه لا بيّنة على ذي اليد، كما لا يمين على المدّعي، عملاً بقوله (صلي الله عليه واله) : « واليمين على من أنكر »، والتفصيل قاطع للشركة، و هو أولى، إنتهى (4) .

و هاتان العبارتان صريحتان في الفتوى على خلاف ما نسبه إليه .

نعم، ربّما يوهم ذلک صدر العبارة في الكتابين، و هو هذا :

يقضي مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملک المطلق (5) .

كما في النافع .

و في الشرائع :

ص: 517


1- . مسالک الأفهام : 14 / 84 .
2- . المختصر النافع : 278 .
3- . في المصدر : السبب .
4- . شرائع الإسلام : 4 / 897 .
5- . المختصر النافع : 278 .

يقضي بها للخارج دون المتشبّث، إن شهدتا لهما بالملک المطلق (1) .

لأنّ مفهوم الشرط فيهما يدلّ على أنّهما لو لم تشهدا بالملک المطلق لا يقضى للخارج .

و جوابه : أنّ مفهوم الشرط إنّما يكون حجة إذا لم يصرّح على خلاف المفهوم وقد عرفته .

و أمّا نسبته ذلک إلى شيخ الطائفة في النهاية (2) ، فقد أجيب عنه (3) بأنّ عبارته فيه إنّما حكمت بتقديم بيّنة ذي اليد إذا انفردت بالسبب - كما هو الصورة الآتية - لا إذا شهدتا به .

لكن نقل عنه (4) أنّه قال في المبسوط (5) أوّلاً :

أنّ مذهبنا الّذي يدلّ عليه أخبارنا ما ذكرناه في النهاية، و هو الحكم لليد، سواء أطلقت البيّنتان، أو شهدتا بالسبب، ثمّ قال : فإذا ثبت أنّ بيّنة الداخل يسمع في الجملة، فالكلام فيه : كيف تسمع ؟ أمّا بيّنة الخارج فإذا شهدت بالملک المطلق سمعت، و إن شهدت بالملک المضاف إلى سببه أولى (6) أن يقبل ؛ و أمّا بيّنة الداخل فإن كانت بالملک المضاف إلى

ص: 518


1- . شرائع الإسلام : 4 / 897 .
2- . انظر النهاية : 2 / 75 .
3- . المجيب هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 249 .
4- . نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 249 .
5- . انظر المبسوط : 8 / 258 .
6- . في المبسوط : فأولى .

سببه قبلناها، و إن كانت بالملک المطلق قال قوم : لا نسمعها، و قال آخرون : مسموعة، و الأوّل مذهبنا، لأنّه يجوز أن يكون شهدت بالملک لأجل اليد، و اليد قد زالت ببيّنة المدّعي .

و لا يخفى اضطراب هذا الكلام، حيث صرّح أنّ مذهبنا الّذي يدلّ عليه أخبارنا أنّ الحكم لليد مطلقًا، و صرّح ثانيًا أنّ مذهبنا أنّ بيّنة الداخل إن كانت بالملک المطلق لا تسمع، والتعارض بينهما غير خفيّ .

ثمّ إنّه و إن صرّح في التهذيب بتقديم بيّنة ذي اليد إذا شهدتا بالسبب، إلّا أنّه كون ذلک مذهبه و فتواه محلّ نظر، لأنّه لمّا ذكر النصوص في تعارض البيّنات غير الرواية المذكورة دليلاً في المسألة قال :

والّذي اعتمده في الجمع بين هذه الأخبار هو : أنّ البيّنتين إذا تقابلتا، إلى آخره (1) .

و المشار إليه بهذه غير رواية منصور الّتي قد استدللنا بها للمختار، و إنّما ذكرها في آخر باب تقابل البيّنتين (2) .

و كيف كان قد نقل ذلک في المسالک عن القاضي (3) و جماعة (4) .

و المستند في ذلک هو ما مرّ من رواية إسحاق عن الصادق (عليه السلام) أنّه قيل له في

ص: 519


1- . التهذيب : 6 / 237 ، ذيل الحديث 583 .
2- . التهذيب : 6 / 240 ح 594 .
3- . المهذّب : 2 / 578 .
4- . المسالک : 14 / 84 .

ذيلها : فإن كانت في يد واحد منهما و أقاما جميعًا البيّنة، فقال : أقضى بها للحالف الّذي في يده (1) .

و رواية غياث بن إبراهيم : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة وكلاهما أقام (2) البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للّذي هي في يده (3) .

و الجواب عنهما مع الإغماض عن سندهما، أمّا عن الأوّل فهو : أنّا نقول : إنّه ليس بصريح في كون شهادة البيّنتين بالسبب، بل هو يعمّ الإطلاق و السبب، فعلى هذا يجب طرحه، لكونه مخالفًا للأدلّة المتقدّمة .

نعم، هو لعلّه ظاهر في ذلک، لأنّ أوّل الخبر السؤال عن رجلين اختصما في دابّة و أقام كلّ منهما بيّنة أنّها نتجت عنده، فربما يظهر من ذلک أنّ هذا السؤال أيضًا فيما إذا تكون شهادة البيّنتين بذكر السبب، إلّا أنّ الظاهر لا يعارض النصّ المتقدّم دليلاً على المختار .

و أمّا عن الثاني فهو : و إن كان نصًّا في ذلک، إلّا أنّه يجب الرجوع عند تعارض الدليلين إلى المرجّحات، و هي مع رواية منصور، لموافقتها بعموم قوله (صلي الله عليه واله) : «البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر » (4) . و بالأخبار الأخر الّتي تقدّمت

ص: 520


1- . الكافي : 7 / 419 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 570 ؛ الوسائل : 27 / 250 ح 33696 .
2- . كذا في الكافي، و في التهذيب : أقاما .
3- . الكافي : 7 / 419 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 39 ح 133 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 573 ؛ الوسائل : 27 / 250ح 33697 .
4- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

إليها الإشارة، لا سيّما الشهرة الّتي هي أقوى المرجّحات عند تعارض الأدلّة، ومخالفة رواية غياث لجميع ذلک .

و أيضًا هي موافقة لما اشتهر عند العامّة، كما حملها الفاضل المجلسيّ في بعض الحواشي المنسوبة إليه و غيرها على التقيّة (1) ، حيث قال :

و لعلّ ما مرّ من الأخبار من ترجيح بيّنة الداخل محمول على التقيّة، لشهرته بين العامّة فتوى و رواية، فإنّهم رووا عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ : أنّ رجلين تداعيا دابّة، فأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها دابّته نتجها، فقضى رسول الله (صلي الله عليه واله) للّذي في يديه ؛ و عمل عليه (2) أكثرهم (3) .

بخلاف رواية منصور المتقدّمة، فإنّها مخالفة لما اشتهر بينهم و موافقة لما اشتهر عند أصحابنا على ما عرفت .

و أيضًا أنّ هذه الرواية معلّلة، كما عرفت من قوله : « لأنّ الله - عزّوجلّ - أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي » إلى آخره، بخلاف غيرها ؛ و الرواية المعلّلة مقدّمة على غيرها عند التعارض .

و أيضًا تأكيده (عليه السلام) في ذلک، حيث قال في ذيلها : « هكذا أمَر الله عزّوجلّ » بعد حكمه (عليه السلام) و تعليله، يرجّحها على غيرها .

ص: 521


1- . نقله عنه في الرياض : 13 / 213 ، قائلاً : « و بالجملة المشهور على الظاهر المصرّح به في كلام الخالالمجلسيّ (رحمه الله)، حيث قال في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية » إلى آخره .
2- . كذا في الرياض، و في الملاذ : و عليه عمل .
3- . ملاذ الأخيار : 10 / 73 .

و أيضًا هي موافقة للإجماع المحكيّ عن الغنية على تقديم بيّنة الخارج بعنوان الإطلاق .

و بالجملة : لا ريب في ترجيح هذه الرواية على غيرها بما عرفت من المرجّحات الكثيرة، فيجب طرح مخالفها، أو حمله على التقيّة، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه .

{ الصورة الثالثة من الصورة الثانية : }

فيما إذا كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالسبب و بيّنة غيره بالمطلق

و الصورة الثالثة من الصورة الثانية هي : ما إذا كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالسبب و بيّنة غيره بغيره، أي بالملک المطلق .

و فيها خلاف شديد بين الأصحاب، فذهب في الشرائع و النافع و القواعد والإرشاد و الإيضاح إلى أنّه يقضى لذي اليد (1) .

و هو الّذي يظهر من التهذيب و الاستبصار (2) ، لأنّه و إن لم ينصّ بهذه الصورة فيهما، إلّا أنّ اختياره فيهما القضاء لذي اليد فيما إذا كانت شهادة البيّنتين بالسبب يدلّ على اختياره القضاء له هنا بطريق أولى، لأنّه إذا يقضى لذي اليد مع شهادة البيّنتين بالسبب، فالقضاء له مع شهادة بيّنته بالسبب و بيّنة غيره بالملک المطلق

ص: 522


1- . الشرائع : 4 / 897 ؛ النافع : 278 ؛ القواعد : 3 / 487 ؛ الإرشاد : 2 / 150 ؛ الإيضاح : 4 / 407 .
2- . الاستبصار : 3 / 42 ذيل الحديث 13 ؛ التهذيب : 6 / 237 ذيل الحديث 14 .

بطريق أولى .

و هو المحكيّ عنه في ظاهر المبسوط و النهاية (1) ، و ظاهر الخلاف في موضع منه، لقوله :

إذا شهدت البيّنة للداخل مضافًا قبلناها، بلا خلاف بيننا و بين الشافعي، إنتهى (2) .

و هو المحكيّ أيضًا عن القاضي والطبرسي والشهيدين في النكت والروضة (3) .و مستندهم ما مرّ من دعوى عدم الخلاف من الشيخ في المسألة .

قيل (4) :

و يدلّ عليه قوّة الشهادة المشتملة على السبب، و لأنّ في ترجيحها نوعًا من التوفيق، فإنّ المطلقة ربّما استندت إلى اليد ؛ و لما في خبر عبد الله بن سنان من أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام)كان إذا اختصم الخصمان في جارية، فزعم أحدهما أنّه اشتراها، و زعم الآخر أنّه أنتجها، فكانا إذا أقاما البيّنة جميعًا قضى بها للّذي أنتجت عنده . و لما فيه من ترجيح السبب القويّ على غيره (5) .

ص: 523


1- . المبسوط : 8 / 258 ؛ النهاية : 2 / 75 .
2- . الخلاف : 6 / 332 المسألة 3 .
3- .المهذّب : 2 / 578 ؛ المؤتلف، للطبرسي : 2 / 563 ؛ غاية المراد : 4 / 70 ؛ الروضة : 3 / 109 .
4- . القائل هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) .
5- . كشف اللثام : 10 / 251 .

و حديث جابر عنه (صلي الله عليه واله) : أنّه قضى لصاحب اليد لما أقام كلّ منهما البيّنة أنّه أنتجها عنده (1) .

و ما تقدّم من رواية غياث و غيرها .

و نقل عن الصدوقين و المفيد و سلّار و ابن ادريس و ابن زهرة : تقديم بيّنة الخارج هنا أيضًا (2) .

و هم و إن لم يصرّحوا على الصورة المذكورة - على ما نقل عنهم (3) - إلّا أنّ ما ذكر مقتضى إطلاق كلامهم، حيث أطلقوا الحكم بتقديم بيّنة الخارج من دون تفصيل بين كونها مطلقة أو مقيّدة .

و مستندهم ما مرّ من قوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر»(4) ؛ و قد عرفت أنّ ذا اليد مدّعٍ لجميع التفاسير .

و خصوص قوله (عليه السلام) : « لا أقبل من الّذي في يده بيّنة، لأنّ الله - تعالى - إنّما أمر أن يطلب البيّنة من المدّعي، فإن كانت له بيّنة، و إلّا فيمين الّذي هو في يده » (5) .

ص: 524


1- . سنن البيهقي : 10 / 256 .
2- . المقنع : 399 ؛ الفقيه : 3 / 39 ذيل الحديث 130 ؛ المقنعة : 730 ؛ المراسم : 234 ؛ السرائر : 2 / 168 ؛الغنية : 443 .
3- . نقله عنهم في المسالک : 14 / 82 ؛ و كشف اللثام : 10 / 247 ؛ و رياض المسائل : 13 / 206 .
4- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
5- . الاستبصار : 3 / 43 ح 143 ؛ التهذيب : 6 / 240 ح 594 ؛ الوسائل : 27 / 255 ح 33708 .

و قول مولانا الأمير (عليه السلام) : « أنّه قضى في البيّنتين يختلفان (1) في الشيء الواحد يدّعيه الرجلان أنّه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بيّنة كلّ واحد منهما و ليس في أيديهما، فأمّا إن كان في أيديهما فهو فيما بينهمانصفان، و إن كان في يدي أحدهما فإنّما البيّنة فيه على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه » (2) .

و إطلاق الإجماع المحكيّ عن الغنية (3) بتقديم بيّنة الخارج من غير تفصيل بين كونها مطلقة أو مقيّدة .

و المناقشة في دليل الطرفين واردة، أمّا في دليل القول الأوّل فلأنّ قوّة الشهادة المشتملة على السبب بحيث يصحّ جعلها مدركًا للحكم الشرعيّ غير معلوم .

و أيضًا ما مرّ من أنّ في ترجيح بيّنة ذي اليد حينئذٍ نوعًا من التوفيق، فإنّ المطلقة ربّما استندت إلى اليد ما أفهمه بعد أن فرض المسألة تعارض البيّنتين وتقابلهما .

و أمّا خبر عبد الله بن سنان و كذا رواية جابر و نحوهما فلا دخل لها فيما نحن فيه، لاشتمالها فيما إذا كانت شهادة البيّنتين جميعًا بذكر السبب .

نعم، يمكن الاستدلال بها بالفحوى إن قلنا بتقديم ذي اليد على الخارج في تلک الصورة، لأنّ حجّيّة المفهوم فرع القول بالمنطوق، و قد عرفت أنّ الحقّ خلافه ؛ و أكثر أصحاب هذا القول - كالمحقّق و العلّامة و ابنه و غيرهم - لا يقولون

ص: 525


1- . في المصدر : تختلفان .
2- . دعائم الإسلام : 2 / 522 ح 1863 .
3- . حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 247 ؛ وانظر الغنية : 443 .

بذلک أيضًا .

وأمّا في دليل القول الثاني، فلأنّ غير الأوّل منه وإن كان بالإطلاق شاملاً لما نحن فيه أيضًا، إلّا أنّ حجّيّته بحسب السند غير معلوم ؛ و لا شهرة في المقام حتّى ينجبر.

و أمّا الأوّل فعلى فرض تسليم شموله لما نحن فيه نقول : إنّه مقيّد بما مرّ من دعوى عدم الخلاف من الشيخ في تقديم بيّنة ذي اليد في المسألة، و هي أيضًا قرينة على أنّ مراد الصدوقين و شيخنا المفيد من إطلاق عبارتهم تقديم بيّنة الخارج غير ما نحن فيه، لأنّ أهل الدار أدرى بما فيها .

و حيث ادّعى عدم الخلاف في المسألة نقول : الظاهر أنّه علم أنّ مراد شيخه المفيد من إطلاق كلامه ليس الصورة المفروضة ؛ و كذا الكلام بالنسبة إلى الصدوقين .

و يؤيّد ما ذكرناه نسبة ابن فهد القول بتقديم بيّنة الخارج فيما نحن فيه إلى الندرة (1) .

و لم يبق إلّا إطلاق عبارة ابن زهرة و نصّ ابن ادريس على ما نقل (2) .

و الأمر في ذلک سهل، لأنّهما بعد الشيخ .

ص: 526


1- . المهذّب البارع : 4 / 499 .
2- . الغنية : 443 ؛ السرائر : 2 / 168 ؛ نقله عنهما في المسالک : 14 / 82 ؛ و كشف اللثام : 10 / 247 ؛ورياض المسائل : 13 / 206 .

و إجماع ابن زهرة إن لم يكن مراده من إطلاق عبارته الصورة المفروضة، فلا دخل له لما نحن فيه، و إلّا فموهون .

فعلى هذا لعلّ الأظهر في المسألة تقديم بيّنة ذي اليد، وفاقًا لمن عرفت من كثير من الأصحاب لما عرفت .

{ الصورة الرابعة من الصورة الثانية : }

فيما إذا كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالإطلاق
و شهادة بيّنة الخارج بالسبب

و الصورة الرابعة من الصورة الثانية من الصور الثلاث هي : عكس الثالث، أي كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالإطلاق و شهادة بيّنة الخارج بالسبب ؛ فقد قطع العلّامة - طاب ثراه - في القواعد (1) بتقديم بيّنة الخارج فيها، و هو كذلک .

و يدلّ عليه جميع ما دلّ على تقديم بيّنة الخارج إذا كانتا مطلقتين و كذا إذا كانتا مقيّدتين بالعموم أو بالفحوى، لأنّه لو وجب تقديم بيّنة الخارج إذا كانتا مطلقتين جميعًا أو مقيّدتين كذلک، فوجوبه مع كون بيّنته بالتسبيب و بيّنة الداخل بالإطلاق بطريق أولى .

ص: 527


1- . القواعد : 3 / 487 .

ففي رواية منصور دلالة من وجهين على تقديم بيّنة الخارج، إحداهما بالفحوى حيث انّ موردها كون شهادة البيّنتين بالسبب، و ثانيهما بالعموم من حيث تعليله (عليه السلام) حيث قال : « لا أقبل من الّذي في يده بيّنة » بقوله (عليه السلام): « لأنّ الله تعالى إنّما أمر أن تطلب البيّنة » الحديث (1) .

فعلى هذا نقول : الظاهر أنّ كلّ من قال بتقديم بيّنة الخارج من المسألتين قال بتقديم بيّنته هنا بطريق أولى كما عرفت، هذا .

و في صحيحة أبي بصير على ما في التهذيب و الاستبصار : « قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم فيدّعي دارًا في أيديهم، و يقيم الّذي في يديه الدار أنّه ورثها عن أبيه ».

إلى أن قال : « إنّ أبا هذا الّذي هو فيها أخذها بغير ثمن و لم يقم الّذي هو فيها بيّنة، إلّا أنّه ورثها عن أبيه، قال (عليه السلام) : إذا كان أمرُها هكذا فهي للّذي ادّعاها وأقام البيّنة عليها » (2) .

قيل :

و هو قريب من الاختلاف بالإطلاق و التسبيب، إنتهى (3) .

ص: 528


1- . التهذيب : 6 / 240 ح 594 ؛ الاستبصار : 3 / 43 ح 143 .
2- . الاستبصار : 3 / 40 ح 135 ؛ التهذيب : 6 / 234 ح 575 .
3- . كشف اللثام : 10 / 251 .

{ الصورة الثالثة : }

فيما إذا كانت البيّنة لواحد منهما

و الصورة الثالثة من الصور الثلاث في أصل المسألة - أي : إذا كانت البيّنة لواحد منهما - فهذا لايخلو إمّا أن تكون البيّنة لذي اليد، أو لغيره ؛ فإن كان الأوّل يقضى لذي اليد، لأنّک قد عرفت أنّه يقضى له بمجرّد كون المدّعى به في يده من دون بيّنة، فالقضاء له مع البيّنة بطريق أولى .

هذا و إن لم تكن موضعًا للبيّنة، لكنّها تؤيّد اليد المتصرّفة، و ينبغي أن يكون ذلک بعد حلفه، لما عرفت من أنّ بيّنته كالعدم، لأنّه منكر بجميع التفاسير المتقدّمة، و جعل الشارع اليمين عليه لقوله : « البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر» (1) .

و إن كان الثاني - أي : تكون البيّنة للمدّعي، لا لذي اليد - فالحكم فيها أيضًا واضح، و هو القضاء لِذِي البيّنة مطلقًا، سواء كانت شهادة بيّنته بالملک المقيّد، أو المطلق .

ص: 529


1- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .
الصور الّتي يتحقّق التعارض فيها بين البيّنة ثلاث

94- مسألة

اشارة

الصُوَر الّتي يتحقّق التعارض فيها بين البيّنة ثلاث :

الأولى : أن يكون كلّ من بيّنة الخصمين رجلاً، كأن يكون بيّنة كلّ أحدهما رجلين عادلين مثلاً، و كذا بيّنة الآخر .

و الثانية : أن يكون بيّنة كلّ منهما رجلاً و امرأتين .

و الثالثة : أن يكون بيّنة أحدهما كالأولى و الآخر كالثانية، بأن تكون بيّنة أحدهما رجلين و بيّنة الآخر رجلاً و امرأتين .

و ذلک لأنّ كلاًّ من الشاهدين أو الشاهد والمرأتين بيّنة، فيشمله ما مرّ من النصوص الدالّة على تعارض البيّنتين .

و فيه نظر، لأنّ النصوص المتقدّمة إخبار عن الواقعة إمّا مذكور فيها كون البيّنتين رجلين - كما في بعضها - و معلوم عدم نفعه في المقام ؛ أو لا - كما في البعض الآخر - و هو أيضًا كذلک، لاحتمال أن تكون البيّنتان المتعارضتان كلاًّ منهما رجلين أو رجلاً و امرأتين، فلا يشمل المختلفتين .

نعم، في ذيل رواية إسحاق بن عمّار : « فقيل له : لو لم يكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة ؟ فقال : أُحلفهما ».

ص: 530

و كذا قوله : « قيل : و إن كانت في يد واحد منهما و أقاما جميعًا البيّنة، قال : أَقضِي بها للحالف الّذي في يده » (1) .

و ترک الاستفصال من كون البيّنتين متماثلتين أو متخالفتين، يفيد اشتراكهما في الحكم ؛ هذا .

مع أنّه يمكن المناقشة فيه بأنّ لفظ : « البيّنة » فيه معرّف باللام العهديّة، فيكون الإشارة بها إلى ما وقع في صدر الحديث، و هو غير معلوم لما مرّ ؛ و عدم العلم به يستلزم عدم العلم بالذيل، فلا ينفع أيضًا .

فالأولى أن يتمسّک في المقام بأنّ كلاًّ من الرجلين و رجل و امرأتين بيّنة يثبت به الحقّ بالاتّفاق، فإذا أقيم أحدهما على خلاف الآخر لا يمكن ذلک، لأنّه كما يدلّ أحدهما على ثبوت الحقّ يدلّ الآخر على عدمه، فتعارضا .

إن قلت : إن أردت من قولک : إنّ كلاًّ منهما بيّنة يثبت به الحقّ مطلقًا و لو في حال التعارض، فهو أوّل الكلام ؛ و إن أردت أنّه يثبت الحقّ لكلّ واحد منهما في الجملة - أي في غير صورة التعارض - فمسلّم، لكنّه لا ينفکّ في المقام .

حاصله : أنّ شهادة الرجلين أولى من شهادة رجل و امرأتين، لأنّ الله - تعالى - رتّب بينهما فقال : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) (2) ، فيجب أن يرتّب في القبول أيضًا .

ص: 531


1- . الكافي : 7 / 419 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 233 ح 570 ؛ الوسائل : 27 / 250 ح 33696 .
2- . البقرة : 282 .

قلت : الترتيب بينهما في القبول مسلّم، لكن لا يلزم منه عدم التعارض في ما نحن فيه، بل هو دليل على التعارض فيه .

بيانه هو : أنّه - تعالى - أوجب قبول رجل وامرأتين عند عدم الشاهدين و فيما نحن فيه كذلک، لأنّ الخصم الّذي بيّنته رجل و امرأتان بيّنته منحصرة في ذلک، فيجب قبولها لقوله - تعالى - : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان )، و بعد القبول يتحقّق التعارض بينها و بين بيّنة الخصم الآخر، و هو المطلوب .

ملخَصّ الجواب : الظاهر أنّ المراد من الآية الإشهاد و قبول قول الشاهد بالنسبة إلى مستشهد واحد، فيدلّ على الترتيب بالنسبة إليه، و التعارض إنّما هو بين بيّنة شخصين .

هذا كلّه فيما إذا كانتا مختلفتين، و أمّا إذا كانتا متماثلتين فالتعارض واضح مطلقًا و لو كان كلّ واحد منهما رجلاً وامرأتين .

ثمّ إنّ هذه المسألة - أي تعارض البيّنتين - كأنّه لا خلاف فيه .

لا يتحقّق التعارض بين شاهدين و شاهد و يمين
و لا بين شاهد و امرأتين و بين شاهد و يمين

95- مسألة

اشارة

و لا يتحقّق التعارض بين شاهدين و شاهد و يمين، و لا بين شاهد وامرأتين

ص: 532

وبين شاهد و يمين، على ما هو المعروف من مذهبهم كما في الكفاية (1) .

لأنّ التعارض على ما هو في كلمات الأصحاب و استفاضت به الأخبار إنّما هو بين البيّنتين ؛ والشاهد واليمين ليس بيّنة، فكونه حجّة خلاف الأصل على ما تقدّم تحقيقه .

و نهاية ما ثبت أنّ الشاهد الواحد إذا ضمّ إليه يمين يثبت به الحقّ في الجملة، ومعلوم أنّه يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا لم يعارضه بيّنة، لأنّ المتبادر من أدلّته ذلک، فيجب العمل بمقتضى البيّنة عند اجتماعها معه، لثبوت حجّيّتها مطلقًا، إلّا إذا عارضتها بيّنة أخرى، و قد تقدّم الكلام في ذلک .

و أيضًا البيّنة أقوى من الشاهد و اليمين، لأنّ البيّنة مصدّقة للغير و مثبتة لمال الغير، و اليمين مع الشاهد مصدّقة له و مثبتة لماله، فهي أقرب من التهمة، بخلاف البيّنة ؛ و من المعلوم أنّ من شرط التعارض تكافؤ المتعارضين، و قد عرفت انتفاؤه في المقام، والمشروط ينتفى بانتفاء شرطه .

واستدلّ بعض المحقّقين من متأخّري المتأخّرين (2) لعدم تحقّق التعارض بينهما بأنّ الشاهد و اليمين ليس بيّنة، فلا يشمله نصوص تعارض البيّنات .

و فيه نظر، لأنّ المرجع في تحقّق التعارض و عدمه لو كان ما ذكره، ينبغي أن

ص: 533


1- . الكفاية : 2 / 731 .
2- . هو الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 253 .

لايقع التعارض بين الشاهدين و شاهد و امرأتين أيضًا، لعدم شمول النصوص المذكورة لذلک أيضًا كما عرفت وجهه .

و نقل المحقّق عن الشيخ وقوع التعارض بين الشاهدين و شاهد و يمين، حيث قال :

و ربَّما قال الشيخ : نادرًا يتعارضان و يُقرَعُ بينهما، إنتهى (1) .

و قد عرفت الحقّ .

نعم، يتحقّق التعارض بين شاهد و يمين، و مثله كما إذا أقام أحد الخصمين شاهدًا و حلف، و كذا الخصم الآخر، لأنّهما مِثلان في إثبات الحقّ بهما، و قد دلّ أحدهما على خلاف الآخر، و هو المعنى بالتعارض، فينبغي أن يرجع فيه إلى الأحكام المتقدّمة في تعارض البيّنتين .

لأنَّهما و إن لم يكونا بيّنتين، لكنّهما مثلهما في إثبات الحقّ بهما و تعارضا، فلو كان المتنازع فيه بيدهما قضى بينهما نصفين، و إن كان بيد ثالث فكذلک إن صدّقهما، أو قال : « لا أعرف مالكه »، و هكذا .

ص: 534


1- . شرائع الإسلام : 4 / 898 .
لو تداعى الزوجان متاع البيت للرجل
ما يصلح للرجال و للمرأة ما يصلح للنساء

96- مسألة

اشارة

لو تداعى الزوجان، أو ورثتهما، أو أحدهما مع ورثة الآخر، متاع البيت، فإن كانت مع البيّنة فالحكم واضح، و إلّا ففيه أقوال :

{ القول الأوّل }

الأوّل هو : أنّه للرجل ما يصلح للرجال، كالعمائم و الدروع و السلاح ونحوهما ؛ و للمرأة ما يصلح للنساء، كالحليّ و المقانع و نحوهما ؛ و لهما ما يصلح لهما، كالفُرَش و أكثر الأواني و نحوهما، فيقسّم بينهما نصفين .

وفاقًا للمحكيّ عن ابن الجنيد، و النهاية، و الخلاف، و ابن حمزة، و السرائر، والجامع ، و الكيدريّ، و المحقّق، و العلّامة في التحرير و التلخيص، و ابن فهد في المهذّب، و الشهيد في الدروس (1) .

ص: 535


1- . حكاه عن ابن الجنيد الإسكافي في المسالک : 14 / 136 ؛ وانظر النهاية : 2 / 83 ؛ والخلاف : 6 / 352 ؛والوسيلة : 227 ؛ والسرائر : 2 / 194 ؛ والجامع للشرائع : 526 ؛ والإصباح : 535 ؛ والشرائع : 4 / 907 ؛والتحرير : 5 / 207 ؛ والتلخيص : 306 ؛ والمهذّب البارع : 4 / 491 ؛ والدروس : 2 / 111 .

و هو مذهب الأكثر كما في المسالک (1) ، بل المشهور كما هو صريح النكت على ما حكي عنه (2) ، بل ظاهر الشرائع هو المجمع عليه، حيث قال :

أنّه أشهر في الروايات و أظهر بين الأصحاب (3) .

و عن صريح الخلاف و السرائر الإجماع عليه (4) .

و يدلّ عليه مضافًا إلى الإجماع المذكور الموثّق : في امرأة تموت قبل الرجل، أو رجل قبل المرأة، قال : ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من استولى على شيء منه فهو له (5) .

و هو و إن لم يذكر فيه : للرجل ما يصلح للرجال، إلّا أنّه يدلّ عليه التزامًا، لأنّ المال بينهما إمّا من متاع النساء، أو من متاع الرجال، أو من متاعهما ؛ و قد دلّ الحديث على أنّ الأوّل للمرأة و الثالث يقسّم بينهما، فيلزم منه اختصاص الثاني بالرجل، كما هو واضح .

ص: 536


1- . مسالک الأفهام : 14 / 136 .
2- . حكاه عنه في رياض المسائل : 13 / 196 .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 907 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف (قدس سره) : قال في الخلاف : إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، فقال كلّواحد منهما كلّه لي، و لم يكن مع أحدهما بيّنة، نُظِر فيه، فما يصلح للرجال القول قوله مع يمينه، و ما يصلحللنساء فالقول قولها مع يمينها، و ما يصلح لهما كان بينهما . و قد روي أيضًا أنّ القول في جميع ذلک قولالمرأة مع يمينها، و الأوّل أحوط . إلى أن قال : دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم ( الخلاف : 6 / 352 و 354 ).و قال ابن ادريس في السرائر بعد أن حكاه عن الخلاف : والّذي يقوى عندي ما ذهب إليه في مسائل خلافه،لأنّ عليه الإجماع، و تعضده الأدلّة ( السرائر : 2 / 194 ).
5- . التهذيب : 9 / 302 ح 1079 ؛ الوسائل : 26 / 216 ح 32857 .

و صحيحة رفاعة بن موسى النخّاس المرويّة في الفقيه عن مولانا الصادق (عليه السلام) : إذا طلّق الرجل امرأته ( و في بيتها متاع، فلها ما يكون للنساء، و ما يكون للرجال والنساء يقسّم بينهما ؛ قال : فإذا طلّق الرجل المرأة ) (1) فادّعت أنّ المتاع لها وادّعى الرجل (2) أنّ المتاع له، كان له ما للرجال و لها ما للنساء (3) .

و الفرق بين صدره و ذيله الظاهر أنّ مراده (عليه السلام) في الأوّل التصريح في بيان الحكم في الصورة الّتي إذا لم يدّع أحدهما متاع البيت، و في الثاني إذا ادّعيا مع أنّ في الأوّل صرّح بكون الصالح لهما لهما، بخلاف الثاني ؛ و في الثاني صرّح بكون الصالح للرجل، بخلافه في الأوّل .

و بالجملة : الظاهر أنّ مراده (عليه السلام) التنبيه على عدم الفرق بين ما إذا ادّعيا متاع البيت، أم لا، خوفًا على أنّه لو اكتفى بذكر أحدهما دون الآخر ربما غفل عن حكمه .

ثمّ إنّ الصحيح بمفهومه يدلّ على أنّه في غير الطلاق ليس حكمه كذا، كما هو المحكيّ عن القاضي (4) ، حيث قرّب الحكم المذكور في الدعوى بعد الطلاق (5) ،لكن يعارضه ما مرّ من الموثّق و الإجماعين، و الترجيح لهما بما مرّ من الشهرة

ص: 537


1- . ما بين القوسين ليس في الفقيه .
2- . « الرجل » لم يرد في الفقيه .
3- . الفقيه : 3 / 111 ح 3430 ؛ الاستبصار : 3 / 46 ح 153 ؛ التهذيب : 6 / 294 ح 818 ؛ الوسائل : 26 /216 ح 32858 .
4- . حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 197 ؛ و رياض المسائل : 13 / 196 .
5- . المهذّب : 2 / 579 .

وندرة هذا القول المحكيّ من القاضي .

و استدلّ للمختار أيضًا بموثّقة سماعة : عن الرجل يموت، ما له من متاع البيت ؟ قال : السيف و السلاح و الرحل و ثياب جلده (1) .

و هي إن لم تفد تمام المدّعى صريحًا، لكن قيل : إنّها ظاهرة فيه (2) .

{ القول الثاني }

القول الثاني : هو الّذي اختاره في المختلف على ما نقل عنه (3) ، و هو الرجوع إلى العرف العامّ أو الخاصّ، فإن وجد عمل به، و إن انتفى أو اضطرب كان بينهما، قال :

لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار و النظر راجعة إلى ذلک (4) ، و لهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناءً على الأصل، و كون (5) المتشبّث به أولى من الخارج، لقضاء العادة بملكيّة ما في يد الإنسان غالبًا، فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر و الرجوع إلى

ص: 538


1- . الاستبصار : 3 / 46 ح 152 ؛ التهذيب : 6 / 298 ح 832 ؛ الوسائل : 26 / 99 ح 32576 .
2- . الرياض : 13 / 197 .
3- . نقله عنه في الرياض : 13 / 197 .
4- . كذا في الرياض، و في المصدر : إلى ما ذكرناه .
5- . كذا في الرياض، و في المصدر : و بأنّ .

من يدّعي ظاهر العرف (1) ، و أمّا مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح (2) فيتساويان (3) .

و اختاره في المسالک (4) بعد نقل ذلک عن المختلف، و الشهيد في شرح الإرشاد(5) ، و جماعة من المتأخّرين (6) ، و هذا هو الأقرب .

إن قلت : إنّ ما تقدّم من النصوص و الإجماع المنقول في أنّ للرجل ما للرجال و للمرأة ما للنساء و لهما ما يصلح لهما، مطلق أعمّ من أن يقضى بذلک العرف والعادة، أم لا ؛ و تخصيصه بالأوّل يحتاج إلى دليل، و ليس .

قلت : إنّ ما تقدّم و إن كان مطلقًا، لكنّ الغالب فيما يصلح للمرأة قضاء العرف والعادة أنّه لها، و كذا بالنسبة إلى الرجل ؛ و معلوم أنّ المطلق ينصرف إلى الغالب ويصير بالنسبة إلى غيره مجملاً، فيرجع فيه إلى حكم الأصل، و هو التقسيم بينهما كما عرفت سابقًا فيما إذا كان المدّعى به بيد الخصمين و لم يكن لهما بيّنة ؛ هذا .

مع أنّ ظاهر ابن إدريس أنّ الإجماع الّذي ادّعاه هو في هذه الصورة، لا مطلقًا، حيث قال بعد نقل قول الشيخ عن النهاية و الاستبصار و الخلاف و المبسوط:

ص: 539


1- . كذا في الرياض، و في المصدر : الظاهر .
2- . كذا في الرياض، و في المصدر : مع عدم الترجيح لأحدهما، فتساويا فيها .
3- . المختلف : 8 / 391 .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 138 .
5- . غاية المراد : 4 / 84 .
6- . انظر المهذّب البارع : 4 / 491 ؛ و غاية المرام : 4 / 268 ؛ و المسالک : 14 / 138 ؛ و الكفاية : 2 / 738 ؛والرياض : 13 / 197 و 198 .

والّذي يقوى عندي ما ذهب إليه في مسائل خلافه، لأنّ عليه الإجماع، و يعضده (1) الأدلّة، لأنّ ما يصلح للنساء الظاهر أنّه لهنّ، و كذلک ما

يصلح للرجال، فأمّا ما يصلح للجميع فيداهما معًا عليه، فيقسّم بينهما، لأنّه ليس أحدهما أولى به من الآخر، و لا ترجيح لأحدهما (2) على الآخر، إنتهى (3) .

فعلى هذا من انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر و ظهور الإجماع من ابن ادريس في هذا أيضًا يكون مآل القولين واحدًا، كما صرّح به الأستاد (4) - أدامه الله على العباد - و نقله عن المقدّس الأردبيليّ (5) .

{ القول الثالث }

و القول الآخر في المسألة : إنّ كلاًّ من الزوج و المرأة في المتاع المتنازع فيه سواء، فيقسّم بينهما بعد حلف كلٍّ لصاحبه، سواء كان المتنازع فيه ممّا يصلح للرجال، أو ممّا يصلح للنساء، أو يصلح لهما كما تقدّم ؛ و سواء كانت الدار لهما، أو لأحدهما، أو لثالث ؛ و سواء كانت يدهما عليه تحقيقًا، أم تقديرًا ؛ و سواء كان

ص: 540


1- . في المصدر : و تعضده .
2- . في المصدر : و لا يترجّح أحدهما .
3- . السرائر : 2 / 194 .
4- . صرّح به في رياض المسائل : 13 / 198 .
5- . مجمع الفائدة : 12 / 254 .

النزاع بينهما، أو بين ورثتهما، أو بين أحدهما و ورثة الآخر .

و اختاره في القواعد و الإيضاح (1) ؛ و نقل في المسالک (2) هذا القول عن الشيخ في المبسوط (3) ، لكنّ الّذي نقله ابن إدريس هو عنه ما ذهب إليه في

الخلاف (4) .

و كيف كان و مستند هذا القول هو الأصل و إلحاقه بسائر الدعاوي .

و الجواب هو : أنّ المخصّص موجود ؛ و هو ما تقدّم من النصوص و الإجماع .

{ القول الرابع }

و في المسألة قول آخر، و هو أنّ القول قول المرأة، فيكون المتاع المتنازع فيه مالها، و على الرجل الإثبات .

و هو الّذي نصّ عليه شيخنا في الاستبصار (5) ، و نقل عن ظاهر الكافي (6) ؛ و به وردت روايات صحيحة و موثّقة .

منها : صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألني كيف

ص: 541


1- . القواعد : 3 / 470 ؛ الإيضاح : 4 / 381 .
2- . المسالک : 14 / 135 .
3- . المبسوط : 8 / 310 .
4- . انظر السرائر : 2 / 194 ؛ و الخلاف : 6 / 353 .
5- . الاستبصار : 3 / 45 ، ذيل الحديث 1 .
6- . نقله عنه في الرياض : 13 / 199 ؛ وانظر الكافي : 7 / 130 ح 1 .

قضى ابن أبي ليلى ؟ قال : قلت (1) : قد قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه في الّتي يتوفّى عنها زوجها، فيختلف أهله و أهلها في متاع البيت، فقضى فيه بقول إبراهيم النخعيّ ما كان من متاع الرجل فللرجل (2) ، و ما كان من متاع النساء فللمرأة، و ما كان من متاع يكون للرجل و المرأة قسَّمه بينهما نصفين .

ثمّ ترک هذا القول، فقال : المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل لو أنّ رجلاً أضاف رجلاً فادّعى متاع بيته كلّفه البيّنة، و كذلک المرأة تكلّف البيّنة، و إلّا فالمتاع للرجل ؛ فرجع إلى قول آخر فقال : إنّ القضاء أنّ المتاع للمرأة، إلّا أن يقيم الرجل البيّنة على ما أحدث في بيته .

ثمّ ترک هذا القول، فرجع إلى قول إبراهيم الأوّل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : القضاء الأخير (3) و إن كان قد رجع عنه، المتاع متاع المرأة، إلّا أن يقيم الرجل البيّنة قد عَلِمَ مَن بين لابتيها - يعني بين جبلي منى - أنّ المرأة تزفّ إلى بيت زوجها بمتاع ونحن يومئذٍ بمنى (4) .

و منها : صحيحته الأخرى، قال : سألني - أي أبو عبد الله (عليه السلام) - هل يقضي ابن أبي ليلى بقضاء يرجع عنه ؟ فقلت له : بلغني أنّه قضى في متاع الرجل و المرأة إذا مات أحدهما فادّعى ورثة الحيّ و ورثة الميّت، أو طلّقها الرجل فادّعاه الرجل

ص: 542


1- . في الاستبصار : قلت له .
2- . في الاستبصار : من متاع يكون للرجل .
3- . في الاستبصار : الآخر .
4- . الاستبصار : 3 / 44 ح 149 ؛ التهذيب : 6 / 297 ح 829 .

وادَّعته المرأة أربع قضيّات .

قال : ما هنّ ؟ قلت : أمّا أوّل ذلک فقضى فيه بقضاء إبراهيم النخعيّ أن يُجعل متاع المرأة الّذي لا يكون للرجل للمرأة، و متاع الرجل الّذي لا يكون للمرأة للرجل، و ما يكون للرجال و النساء بينهما نصفين .

ثمّ بلغني أنّه قال : هما مدّعيان جميعًا و الّذي بأيديهما جميعًا ممّا يتركان بينهما نصفين .

ثمّ قال : الرجل (1) صاحب البيت و المرأة الداخلة عليه و هي المُدَّعية، فالمتاع كلُّه للرجل، إلّا متاع النساء الّذي لا يكون للرجال، فهو للمرأة .

ثمّ قضى بعد ذلک بقضاء لو لا أنّي شهدته لم أروه (2) عليه ماتت امرأة منّا و لها زوج و تركت متاعًا، فدفعته (3) إليه، فقال : اكتبوا لي المتاع (4) ، فلمّا قرأه قال : هذا يكون للمرأة و الرجل (5) فقد جعلته للمرأة إلّا الميزان، فإنّه من متاع الرجل، فهو لک .

قال : فقال لي : على أيِّ شيء هو اليوم ؟ قلت : رجع إلى أن جعل البيت للرجل، ثمّ سألته عن ذلک فقلت له : ما تقول فيه أنت ؟ قال : القول الّذي أخبرتني أنّک

ص: 543


1- . في الاستبصار : للرجل .
2- . في الكافي : لم أردّه .
3- . في المصادر : فرفعته .
4- . في الكافي : اكتبوا المتاع ؛ و في الاستبصار و التهذيب : اكتبوا إليّ المتاع .
5- . في الاستبصار : و للرجل .

شهدته (1) منه و إن كان قد رجع عنه .

قلت له : يكون المتاع للمرأة ؟ فقال : لو سألت مَن بينهما يعني الجبلين و نحن يومئذٍ بمكّة لأخبروک أنّ الجَهاز و المتاع يُهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل، فيعطى الّتي جاءت به، و هو المدّعي، فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئًا فليأت بالبيّنة (2) .

و الجواب عنهما و عن ما هو نحوهما هو : أنّها لا تكافؤ ما قدّمناه من النصوص، لشهرتها بين الأصحاب و اعتضادها بالإجماع المنقول و ندرة القول بمضمون ما في هاتين الصحيحتين، إذ لم يقل بذلک صريحًا إلّا ما عرفت من الشيخ في الاستبصار ؛ و هو و إن صرّح بذلک فيه، إلّا أنّ كون ذلک فتواه غير معلوم، و يعضده عدم الفتوى بذلک في شيء من كتبه، فطرحهما و طرح ما هو نحوهما متعيّن .

و لعلّه لهذا جعلها في الخلاف رواية، حيث قال :

مسألة : إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، فقال كلّ واحد منهما كلّه لي، و لم يكن مع واحد منهما (3) بيّنة، نظر فيه، فما يصلح للرجال القول قوله مع يمينه، و ما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها، و ما يصلح لهما

ص: 544


1- . في الاستبصار : شهدت .
2- . الكافي : 7 / 130 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 45 ح 151 ؛ التهذيب : 6 / 298 ح 831 ؛ و 9 / 301 ح1078؛ الوسائل : 26 / 213 ح 32855 .
3- . في المصدر : مع أحدهما .

كان لهما (1) ؛ و قد روي أنّ القول في جميع ذلک قول المرأة مع يمينها، والأوّل أحوط ... . دليلنا : إجماع الطائفة (2) و أخبارهم (3) .

تنبيهٌ

لعلّ جعل الأوّل أحوط من حيث ضمّ اليمين، يعني : أنّه لو لم يحلف كلّهما يكون الحكم أيضًا كذلک، لإطلاق النصوص المتقدّمة دليلاً على المختار، لكن مع ضمّ اليمين كان أحوط، فتأمّل .

ثمّ اعلم : الظاهر أنّ محلّ النزاع كما يستفاد من جمع (4) هو : ما إذا كان يد المتنازعين على المتاع، سواء كان حقيقةً، كما إذا كانت يداهما عليه مشافهة، أو تقديرًا كأن يكون المتاع في بيت كان في تصرّفهما ؛ هذا .

و هل يمكن للزوجة ادّعاء المتاع الّذي يصلح للنساء مع تسليمها بأنّه ممّا أخذ الزوج لها ؛ أو لا، بل يختصّ ذلک فيما إذا ادّعت أنّه من حقّها ؟

الظاهر : الثاني، و هو المتبادر من النصوص و كلماتهم، فلا يقضى لها مع تسليمها بأنّه ممّا أخذه زوجها لها، بل يبقى في مال الزوج، إلّا إذا أثبتت التمليک ؛ وكذا الكلام في الزوج بالنسبة إلى زوجتها .

ص: 545


1- . في المصدر : كان بينهما .
2- . في المصدر : الفرقة .
3- . الخلاف : 6 / 353 ، المسألة 27 .
4- . منهم الشيخ الطوسيّ (قدس سره) في المبسوط : 8 / 310 ؛ و الشهيد في غاية المراد : 4 / 82 ؛ والمحقّق الأردبيليّفي مجمع الفائدة : 12 / 252 ؛ والمحقّق السبزواريّ في الكفاية : 2 / 737 .
لو ادّعى أبو الميّتة أنّه أعارها بعض متاعها
الّذي كان عندها، أو غيره، طولب بالبيّنة

97- مسألة

اشارة

لو ادّعى أبو الامرأة الميّتة أنّه أعارها بعض متاعها الّذي كان عندها، أو غيره، طولب بالبيّنة كغيره من المدّعين، فإن أقامها فهو، و إلّا فلا تسمع دعواه .

و هو مذهب الأصحاب و فتواهم كما في المسالک و كشف اللثام (1) ، لعموم قوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر » (2) .

إن قلت : إنّ شرط العمل بالعامّ فقدان المخصّص، و هنا موجود، و هو ما روى في الفقيه صحيحًا باسناده عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أخيه جعفر بن عيسى قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداک، المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من المتاع و الخدم، أتقبل دعواه بلا بيّنة، أم لا تُقبَل دعواه إلّا ببيّنة ؟ فكتب (عليه السلام) يجوز بلا بيّنة .

قال : و كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) - يعني عليّ بن محمّد(عليهما السلام) - : جعلت فداک، إن ادّعى زوج المرأة الميّتة، أو أبو زوجها، أو أمّ زوجها في متاعها أو في خدمها مثل

ص: 546


1- . المسالک : 14 / 138 ؛ كشف اللثام : 10 / 198 .
2- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

الّذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم، أيكون (1) بمنزلة الأب في الدعوى ؟ فكتب (عليه السلام) : لا (2) .

و رواه في التهذيب و الكافي بسند فيه : محمّد بن جعفر الكوفيّ، عن محمّد بن إسماعيل، عن جعفر بن عيسى (3) .

و في الجميع كلام ؛ و صريح الحديث التفرقة بين دعوى أب الميّتة و غيره، فتقبل الدعوى في الأوّل من غير بيّنة، بخلاف الثاني، فيخصّص بذلک عموم قوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر » ؛ على أنّ في دلالته على عدم قبول قول المدّعي من غير بيّنة عمومًا كلامًا .

قلت : تخصيص العامّ بالخاصّ إنّما هو إذا لم يكن العامّ فيما به التعارض معمولاً به عند الأصحاب أو أكثرهم ؛ و أمّا لو كان كذلک، فلا يجوز التخصيص ؛ ووجهه واضح .

و ما نحن فيه من هذا القبيل، لما عرفت من أنّ عدم التفرقة بين الأب و غيره في الدعاوي هو مذهب الأصحاب و فتواهم على ما في المسالک و غيره (4) ،فتخصيص العامّ بما إذا لم يكن الدعوى من أب الميّتة بقرينة الصحيح المذكور غير جائز.

ص: 547


1- . في الكافي : أيكون في ذلک .
2- . الفقيه : 3 / 110 ح 3429 .
3- . الكافي : 7 / 431 ح 18 ؛ التهذيب : 6 / 289 ح 800 .
4- . انظرالمسالک : 14 / 138 ؛ و كشف اللثام : 10 / 198 .

لكن يظهر من الصدوق (رحمه الله) العمل بالصحيح، حيث قال في عنوان الباب الّذي ذكر الصحيح فيه :

باب ما يُقبَل من الدعاوي بغير بيّنة (1) .

ثمّ ذكر الصحيح المذكور في آخر الباب، مضافًا إلى ضمانه في أوّل الفقيه بأنّه لم يذكر فيه من الحديث إلّا ما كان مفتى به عنده، حيث قال :

و لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد (2) ما أفتي به و أحكم بصحّته و أعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني و بين ربّي تقدّس ذكره و تعالت قدرته (3) .

لكنّ المحكيّ عن الفاضل المقدّس التقيّ المجلسيّ - طاب ثراه - عدول الصدوق عمّا ذكره في أوّل كتابه (4) .

و كيف كان، و تخصيص العموم فيما مرّ لا يجوز بذلک .

و أمّا دلالة قوله (عليه السلام) : « البيّنة على المدّعي » على عدم قبول الدعوى بغير بيّنة كلّيّة و إن كانت ممّا أمكن فيه المناقشة، إلّا أنّ فهم الأصحاب و عملهم يسهل الأمر في ذلک، فينبغي طرح الحديث المذكور، أو حمله ببعض المحامل .

قال ابن إدريس :

ص: 548


1- . الفقيه : 3 / 60 .
2- . جاء في حاشية الأصل : « كلّ »، و عليه علامة : خ .
3- . الفقيه : 1 / 2 .
4- . روضة المتّقين : 1 / 17 .

أوّل ما أقول في هذا الحديث أنّه خبر واحد، لا يوجب علمًا و لا عملاً، وفيه مايضعفه، و هو أنّ الكاتب للحديث (1) ما سمع الإمام يقول هذا، ولا شهد عنده شهود أنّه قال : و أفتي (2) ؛ و لا يجوز أن يرجع إلى ما يوجد في الكتب، فقد يزوِّر على الخطوط، و لا يجوز للمستفتي أن يرجع إلّا إلى قول المفتي، دون ما يجده بخطّه، بغير خلاف من محصّل ضابط لأصول الفقه (3) .

قال :

و لقد شاهدت جماعة من متفقّهة أصحابنا المقلّدين لسواد الكتاب يطلقون القول بذلک، و أنّ أبا الميّتة لو ادّعى كلّ المتاع و جميع المال كان قوله مقبولاً بغير بيّنة .

و هذا خطأ عظيم منهم في هذا الأمر الجسيم، لأنّهم (4) إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد أخطأوا من وجوه، أحدها : أنّه لا يجوز العمل عند محصّلي أصحابنا بأخبار الآحاد، على ما كرّرنا القول فيه، و أطلقناه (5) . و الثاني : أنّ (6) من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلک، و لا يعمل به، إلّا

ص: 549


1- . في المصدر : الكاتب الراوي للحديث .
2- . في المصدر : أنّه قاله و أفتى به .
3- . السرائر : 2 / 187 .
4- . في المصدر : لأنّه .
5- . في بعض نسخ المصدر : و أطلناه .
6- . « أنّ » لم يرد في المصدر .

إذا سمعه الراوي من الشارع .

و الثالث : أنّ الحديث ما فيه أنّه إن (1) ادّعى أبوها جميع متاعها وخدمها، و إنّما قال : بعض ما كان عندها، و لم يقل : جميع ما كان عندها.

ثمّ إنّه مخالف لأصول المذهب، و لما عليه إجماع المسلمين أنَّ المدّعي لايعطى بمجرّد دعواه، و الأصل براءة الذمّة، و خروج المال من يد (2)مستحقّه يحتاج إلى دليل، و الزوج يستحقّ السهم (3) بعد موتها بنصّ القرآن، فكيف يرجع عن ظاهر التنزيل بأخبار الآحاد ؟! و هذا من أضعفها، و لا يعضده كتاب، و لا بيّنة (4) مقطوع بها، و لا إجماع منعقد .

فإذا خلا من هذه الوجوه بقي في أيدينا من الأدلّة أنّ الأصل براءة الذمّة، و العمل بكتاب الله، و إجماع الأمّة على أنّ المدّعي لا يعطى بمجرّد دعواه .

ثمّ لم يورد هذا الحديث إلّا القليل من أصحابنا، و مَن أورده في كتابه لايورده إلّا في باب النوادر، و شيخنا المفيد و السيّد المرتضى لم يتعرَّضا له، و لا أورداه في كتبهما، و كذلک غيرهما من محقّقي أصحابنا.

ص: 550


1- . « إن » لم يرد في المصدر.
2- . « يد » لم يرد في المصدر .
3- . في المصدر : سهمه .
4- . في المصدر : سنّة .

و شيخنا أبو جعفر (رحمه الله) ما أورده في جميع كتبه، بل في كتابين منها (1) فحسب، إيرادًا، لا اعتقادًا، كما أورد أمثاله من غير اعتقاد لصحّته، على ما بيّناه و أوضحناه في كثير ممّا تقدّم في كتابنا هذا .

ثمّ شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) رجع عنه و ضعّفه في جواب (2) المسائل الحائرّيات (3) المشهورة عنه، المعروفة .

و قد ذكر شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان (رحمه الله) في الردّ على أصحاب العدد الذاهبين إلى أنّ شهر رمضان لا ينقص، قال :

فأمّا ما تعلّق به أصحاب العدد في أنّ شهر رمضان لا يكون أقلّ من ثلاثين يومًا، فهي أحاديث شاذّة، قد طعن نقّاد الآثار من الشيعة الإماميّة في سندها، و هي مثبتة في كتب الصيام في أبواب النوادر، والنوادر هي الّتي لا عمل عليها ؛ هذا آخر كلام المفيد (رحمه الله) .

و هذا الحديث مَن أورده في كتابه لا يثبته (4) إلّا في أبواب النوادر .

ثمّ يحتمل بعد تسليمه وجهًا صحيحًا، و هو أن (5) يجوز بلا بيّنة ؟ المراد به الاستفهام و أسقط حرفه ... ؛ و يحتمل أيضًا أنّه أراد بذلک الذمّ (6) لمن

ص: 551


1- . هما التهذيب : 60 / 289 ؛ و النهاية : 349 .
2- . في المصدر : جوابات .
3- . المسائل الحائريّات : 287 .
4- . في المصدر : ما يثبته .
5- . « أن » لم يرد في المصدر .
6- . في المصدر : التهجين و الذّم .

يرى عطيّة ذلک بغير بيّنة، بل بمجرّد دعوى الأب، كما قال تعالى : (ذُقْ إنّک أنت العزيز الكريم ) (1) ، إنتهى (2) .

و في مواضع من كلماته نظر، منها : قوله : « لا يجوز العمل بأخبار الآحاد »، فإنّه ممنوع بإطلاقه، و ليس المقام مقام تحقيقه .

و منها : قوله : « انّ من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلک و لا يعمل إلّا إذا سمعه الراوي من الشارع »، فإنّه أيضًا ممنوع، فإنّ دليل حجّيّة الخبر الواحد يشمل غير ما ذكر أيضًا .

و منها : قوله : « الحديث ما فيه أنّه ادّعى أبوها جميع متاعها و خدمها، و إنّما قال : بعض ما كان عندها »، لأنّ ثبوت الحكم في البعض في المقام كاف لثبوته في الجميع إمّا بتنقيح المناط، أو بالإجماع المركّب .

و منها : قوله : « ثمّ لم يورد هذا الحديث إلّا القليل من أصحابنا »، لأنّک قد عرفت أنّ أساطين الأصحاب - كثقة الإسلام و الصدوق و شيخ الطائفة - ذكروه ؛ ونحن نكتفي في الحديث بذكر واحد من هؤلاء الأجلّة العظام - عليهم رحمة الله الملک العلّام - فكيف ما نكتفي بالحديث إذا ذكره الجميع ؟!

و منها : قوله : « و من أورده لا يورده إلّا في باب النوادر »، فإنّک قد عرفت أنّ الصدوق أورده في باب : ما يقبل الدعاوي بغير بيّنة (3) ؛ و أيضًا ذكره شيخ الطائفة

ص: 552


1- . الدخان : 49 .
2- . السرائر : 2 / 187 - 189 .
3- . الفقيه : 3 / 110 ح 3429 .

في باب الزيادات في القضاء و الأحكام (1) .

و أيضًا القدح في الرواية و طرحها لكونها موردة في النوادر غير مسلّم، والسند بيّن .

و منها : قوله : « ثمّ شيخنا أبو جعفر الطوسي رجع عنه »، فإنّ هذا إنّما يناسب إذا ذكر أوّلاً أنّه قبله و ذهب إليه، و لم يذكر ذلک مع أنّه صرّح قبيل هذا بأنّ الشيخ أورده إيرادًا، لا اعتقادًا .

و مقتضى هذا ينبغي أن يكون رجوعه عمّا نسبه أوّلاً إليه، و هو عدم الاعتقاد، فيفهم منه اعتقاده لذلک، لأنّ الرجوع عن عدم الاعتقاد لشيء اعتقاد إليه، فأفاد كلامه ضدّ ما هو بسبب بيانه .

و منها : ما ذكره من الحملين، فإنّ ذيل الحديث - أي : جوابه (عليه السلام) لما كتبه ثانيًا - يأباه، و هو قوله : « و كتبت إليه إن ادّعى زوج المرأة الميّتة و أبو زوجها و أمّ زوجها في متاعها أو خدمها مثل الّذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى ؟ فكتب (عليه السلام) : لا » (2) ؛ هذا .

و قال في كشف اللثام :

و عندي أنّه لا إشكال في الخبر، و لا مخالفة فيه للأصول، و أنّ المراد ادّعاء الأب فيما جهّزها به، و علم أنّها نقلته من بيت أبيها و أنّه الّذي

ص: 553


1- . التهذيب : 6 / 289 ح 800 .
2- . الكافي : 7 / 431 ح 18 ؛ الفقيه : 3 / 110 ح 3429 ؛ التهذيب : 6 / 289 ح 800 .

أعطاها، فحينئذٍ إذا ادّعى أنّه أعارها فالقول قوله، لأنّ الأصل عدم انتقال الملک .

و الفرق بينه و بين الزوج و أبيه و أمّه ظاهر، لجريان العادة بنقل المتاع والخدم من بيت الأب .

و قريب منه ما في التحرير (1) من الحمل على الظاهر من أنّ المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها، إنتهى (2) .

و فيه نظر، لأنّ ظاهر اليد يقتضي الملكيّة، كما مرّت إليه الإشارة، و قد دلّت عليه النصوص الواردة عن أهل العصمة، و تقدّم إلى بعض منها الإشارة .

فعلى هذا ينبغي الرجوع فيه إلى ما اقتضته الأصول المقرّرة في الدعاوي، و هو ما ذكروه من طلب البيّنة من الأب كغيره في مقام الدعوى و المنازعة .

و نقل المتاع من بيت الأب لا يستلزم كونه ملكًا له ؛ و التمسّک بأصالة عدم انتقال الملک إنّما يتوجّه إذا حصل العلم، أو لا يكون المتاع ملكًا للأب، و هو غير معلوم .

ص: 554


1- . تحرير الأحكام : 5 / 207 و 208 .
2- . كشف اللثام : 10 / 201 .
لو كانت في يد رجل وامرأة صبيّة
فادّعى أنّها مملوكته وادّعت أنّها بنتها، لأيّهما هي ؟

98- مسألة

لو كانت في يد رجل و امرأة صبيّة غير بالغة، فادّعى الرجل أنّها مملوكته وادّعت المرأة أنّها بنتها، فإن أقام أحدهما البيّنة فالحكم واضح، و إلّا قال في النافع :

تركت الجارية تذهب (1) حيث شاءت (2) .

و دليله ما رواه في التهذيب في باب : تقابل البيّنتين، عن حُمْرَان بن أعين قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن جارية لم تدرک بنت سبع سنين مع رجل و امرأة ادّعى الرجل أنّها مملوكة له، و ادّعت المرأة أنّها ابنتها، فقال : قد قضى في هذا عليّ (عليه السلام).

قلت : و ما قضى في هذا ؟ فقال : كان يقول : الناس كلّهم أحرار، إلّا من أقرَّ على نفسه بالرقّ، و هو مُدرِک، و مَن أقام بيّنة على ما ادّعى من عبد أو أمة فإنّه يدفع إليه، و يكون له رقًّا .

قلت : فما ترى أنت ؟ قال : أرى أن أسأل الّذي ادّعى أنّها مملوكة له بيّنة على

ص: 555


1- . في المصدر : حتّى تذهب .
2- . المختصر النافع : 277 .

ما ادّعى، فإن أحضر شهودًا يشهدون أنّها مملوكة (1) لا يعلمونه باع و لا وهب،دفعت الجارية إليه، حتّى تقيم المرأة من يشهد لها أنَّ الجارية إبنتها حرّة مثلها، فتدفع إليها، و تخرج من يد الرجل .

قلت : فإن لم يقم الرجل شهودًا أنّها مملوكة له ؟ قال : تخرج من يده (2) ، فإن أقامت المرأة البيّنة على أنّها ابنتها دفعت إليها، و إن لم يقم الرجل البيّنة على ما ادّعى و لم تقم المرأة البيّنة على ما ادّعت خُلِّىَ سبيل الجارية، تذهب حيث شاءت (3) .

و رواه باسناده إلى سهل، و طريقه إليه صحيح، أمّا هو فقد اختلف في توثيقه وضعفه، و المشهور الثاني، لكن قيل : إنّه مرويّ في الكافي بسند حسن كالصحيح (4) ، لكنّ السند الّذي ذكره في الوافي عنه مذكور فيه سهل أيضًا (5) .

هذا، مع أنّه معارض بالصحيحين الدالّين على ثبوت نسب الصغير بإقرار الأمّ، كما هو مذهب جماعة من الأصحاب ؛ و الرواية المذكورة غير صالحة للمعارضة معهما، لعدم تكافؤها معهما لا بحسب السند و لا بحسب العدد، إلّا إذا ثبت الإجماع بمضمونها، فيقيّد الصحيحان فيما إذا لم يكن للأمّ منازع ؛ و معلوم أنَّ مورد الرواية غير ذلک، لكن لم نجد من تعرّض لذكر مضمونها، إلّا شيخنا المحقّق

ص: 556


1- . في المصدر : مملوكته .
2- . في المصدر : من بيته .
3- . الكافي : 7 / 420 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 236 ح 580 ؛ الوسائل : 27 / 252 ح 33703 .
4- . رياض المسائل : 13 / 184 .
5- . انظر الوافي : 16 / 938 ح 16427 .

في النافع (1) ، و نقل عن الشيخ في النهاية (2) .

و ابن ادريس في السرائر و إن صرّح بالمسألة، لكن على تفصيل ليس في الرواية، حيث قال :

و قد روى أصحابنا أنّه إذا كانت جارية مع رجل و امرأة، و ادّعى الرجل أنّهامملوكته، و ادّعت المرأة أنَّها بنتها و هي حرّة، و أنكرت الجارية الدعويين جميعًا، كان على الرجل البيّنة بأنّ هذه الجارية مملوكته لم يبعها و لم يعتقها، فإن أقام بذلک بيّنة سلّمت إليه، و كذلک إن أقرّت الجارية أنّها مملوكته و كانت بالغًا (3) سلّمت إليه، و إن لم يقم بيّنة ولاتكون هي بالغًا، أو تكون بالغًا غير أنّها لا تقرّ، إنتزعت من يده، فإذا(4) أقامت المرأة البيّنة أنّها بنتها سُلِّمت إليها إذا كانت صغيرة، و إن لم تكن لها بيّنة تركت الجارية حتّى (5) تمضي حيث شاءت، إنتهى (6) .

و ظاهره الاتّفاق على ما ذكره مَن ذكر الرواية بهذا التفصيل، لكنّا لم نجد، والرواية المذكورة خالية عمّا ذكره من التفصيل .

ص: 557


1- . المختصر النافع : 277 .
2- . النهاية : 2 / 75 .
3- . في المصدر : بالغة .
4- . في المصدر : فإن .
5- . « حتّى » لم يرد في المصدر .
6- . السرائر : 2 / 171 .

تنبيه

لعلّ وجه طلب البيّنة أوّلاً من الرجل مع كون كلّ منهما مدّعيًا من وجه و منكرًا من وجه آخر، هو تقدّم الرجل في الدعوى على ما يستفاد من الرواية، فعلى هذا يستفاد منها الترتيب بين المتقدّم في الدعوى و المتأخّر في طلب البيّنة .

99- مسألة

لو اختلفا في خُصِّ (1) قضى به لمن إليه معاقد قِمْطه (2) ، و هو المشهور، كما عن الدروس في كتاب الصلح و القضاء (3) ، و عن الروضة و المسالک في الأوّل (4) ؛ بل عليه الإجماع كما في السرائر في أواسط باب النوادر في القضاء و الأحكام حيث قال بعد الحكم المذكور :

و هذا هو الصحيح، لأنّ عليه إجماع أصحابنا (5) .

و حكي عن التذكرة و عن كتاب الصلح من الغنية أيضًا (6) .

ص: 558


1- . قال الطريحيّ في مجمع البحرين : الخصّ - بالضمّ والتشديد - البيت من القصب، و منه الحديث : الخصّلمن إليه القُمط ؛ يعني شدّ الحبل ( مجمع البحرين : 4 / 168 ).
2- . القِمط بالكسر : حبل يشدّ به الخصّ ؛ و بالضمّ : جمع قماط، و هي : شداد الخصّ من ليف و خوصوغيرهما ( لسان العرب : 7 / 26 و 385 ).
3- . الدروس : 2 / 114 و 3 / 349 .
4- . الروضة البهيّة : 4 / 194 ؛ المسالک : 4 / 288 .
5- .السرائر : 2 / 195 .
6- . التذكرة : 2 / 191 ؛ الغنية : 255 ؛ وانظر رياض المسائل : 13 / 191 .

و يدلّ عليه أيضًا ما رواه في الفقيه و السرائر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ (عليه السلام) : أنّه قضى في رجلين اختصما إليه في خُصِّ، فقال : الخصّ (1) للّذي إليه القُمُط (2) .

بيانٌ

الخُصّ - بضمّ الخاء المعجمة و تشديد الصاد المهملة - كما عن النهاية :

أنّه بيت يعمل من الخشب و القصب، و جمعه : خصاص و أخصاص، سمّي به لما فيه من الخصاص، و هي : الفُرج و الأثقاب (3) .

و عن المجمع :

انّه بيت يعمل من القصب (4) .

و في الفقيه :

انّه الطُنّ (5) الّذي يكون في السواد بين الدور (6) .

و يظهر من السرائر أنّه متّفق عليه، حيث قال :

ص: 559


1- . في السرائر : إنّ الخصّ .
2- . الفقيه : 3 / 100 ح 3413 ؛ السرائر : 2 / 194 .
3- . النهاية في غريب الحديث والأثر : 2 / 37 .
4- . مجمع البحرين : 4 / 168 .
5- . جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف (قدس سره) : « طنّ : دسته نى ؛ كنز اللغة ».
6- . الفقيه : 3 / 100 ذيل الحديث 3413 .

قالوا : و الخُصّ الطُنّ (1) الّذي يكون في السواد بين الدور (2) .

والقِمط قيل :

بالكسر : حبل يشدّ به الأخصاص (3) .

و في السرائر :

قالوا هو الحبل (4) .

و في الفقيه :

هو شَدّ الحبل (5) .

و قال :

يعني : أنّ الخصّ (6) هو للّذي (7) إليه شدّ الحبل، و قد قيل : إنّ القِماط هو الحَجَر الّذي (8) يُغلَق منه (9) الباب (10) .

ص: 560


1- . الطُنّ - بالضمّ - كما في القاموس والصحاح : حزمة القصب ( القاموس المحيط : 4 / 245 ؛ الصحاح : 6 /2159 ).
2- . السرائر : 2 / 194 .
3- . القاموس المحيط : 2 / 382 .
4- . السرائر : 2 / 194 .
5- . الفقيه : 3 / 100 ذيل الحديث 3413 .
6- . في المصدر : أن يكون الخصّ .
7- . في المصدر : الّذي .
8- . جاء في حاشية الأصل : قيل : كأنّه الحجر الّذي يشدّ بالحبل و يعلّق على الأبواب لثبوت القصب ؛ منه .
9- . في المصدر : يغلق منه على الباب ؛ و جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف (قدس سره) : « يعلّق منه على الباب »،وعليه علامة : خ ل .
10- . الفقيه : 3 / 100 ذيل الحديث 3413 .

ثمّ إنّ الحديث و إن كان ضعيفًا، لكنّه منجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فلا وجه للقدح فيه من حيث السند، لكن يمكن المناقشة فيه من حيث الدلالة، لكونه قضيّة في واقعة، لقوله (عليه السلام) : « انّه قضى في رجلين » ؛ و جوابها : أنّه و إن كان كما ذكر، لكن قوله (عليه السلام) : « فقال : الخُصّ للّذي إليه القمط » عامّ، و معلوم أنّ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص المحلّ، هذا .

و يدلّ عليه أيضًا ما روي في الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضًا حيث سئل عن حظيرة (1) بين دارين، فذكر : أنّ عليًّا (عليه السلام) قضى بها لصاحب الدار الّذي من قبله القماط (2) .

و هذا و إن ورد السؤال فيه من الحظيرة، إلّا أنّ المراد منها إمّا أخصّ فقط، أو أعمّ منه ؛ و على التقديرين يصلح دليلاً لما نحن فيه .

و أجيب عنه : بأنّه قضيّة في واقعة، فلعلّه (عليه السلام) علم فيها أنّها كانت كذلک، فلا يعمّ غيرها، لما عرفت غير مرّة أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا يتمسّک بها للاستدلال (3) .

و الجواب عنه هو : ما عرفت سابقًا ممّا ذكرناه في الحديث الوارد في كيفيّة

ص: 561


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : حظيرة - بظاء منقوطة - : محوّطه كه براى چهار پا و غير آن كنند ؛ كنزاللغة { لم نعثر عليه }.
2- . الكافي : 5 / 295 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 100 ح 3412 .
3- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

إحلاف الأخرس (1) .

بيانه هو : أنّ عدم جواز التمسّک بوقائع الأحوال مسلّم، لكن هذا إنّما يمنع من التمسّک بالصحيح المذكور إذا كان تمسّكنا به لأجل أنّ مولانا الأمير (عليه السلام) فعل ذلک في تلک الواقعة ؛ و ليس الأمر كذلک، بل التمسّک به في إثبات الحكم العامّ إنّما هو لجواب مولانا الصادق (عليه السلام) لمّا سئل عن حكم الحظيرة بفعل مولانا الأمير (عليه السلام) ، فيعلم من إتيانه في الجواب بذلک عدم اختصاص فعل الأمير في تلک الواقعة، بل يعمّ الحكم جميع المواضع، و إلّا لما كان لذكره في الجواب وجه كما لا يخفى .

ثمّ إنّ الأدلّة المذكورة في المسألة من النصّ و الإجماعات المنقولة مخصّصة بما تقدّم في الدعاوي من الأصول المقرّرة من طلب اليمين و البيّنة و غير ذلک .

100- مسألة

اشارة

و لو كان في دكّان عطّار أو نجّار، فتنازعا فيما فيه من الآلات، قال في القواعد :

حكم لكلّ بآلة صناعته (2) .

عملاً بالظاهر .

و فيه : أنّ تخصيص الأصول المتقدّمة بمجرّد هذا الظهور مشكل، إلّا أن يدّعى

ص: 562


1- . لاحظ : المسألة 35 .
2- . القواعد : 3 / 470 .

حصول الظنّ من الاستقراء و تتبّع الموارد الجزئيّة في الدعاوي الّتي عمل فيها بمجرّد الظهور بجواز العمل به و الحكم بسببه، لكن في بلوغه بحيث يخصّص به الأصول المعتضدة بعمل الأصحاب إشكالٌ ؛ و لعلّه لهذا ذكر ذلک في التحرير على الاحتمال (1) .

و قال في القواعد أيضًا :

لو اختلف المؤجر للدار (2) و المستأجر في شيء في الدار، فإن كان منقولاً - كالأثاث (3) - فهو للمستأجر، و إلّا فللمؤجر، كالرفوف و السُلَّم المثبتة (4) و الرحى المنصوبة (5) .

وجهه أيضًا هو : ما تقدّم من الظهور، لجريان العادة بخلوّ الدار المستأجرة من الأثاث و كون الغير المنقول من البيت .

و فيه أيضًا ما مرّ، لأنّ بلوغ ذلک بمرتبة العلم ممنوع، و مع الظنّ يجيء الكلام المتقدّم، لأنّ تخصيص ما تقدّم من الدليل على دلالة ظاهر اليد الملكيّة بمجرّد هذا الظهور مشكل .

و كيف كان، لو أشكل الحال - كالباب و الرفوف المستعارة - فهو للمستأجر،

ص: 563


1- . تحرير الأحكام : 5 / 207 .
2- . « للدار » لم يرد في المصدر .
3- . « كالأثاث » لم يرد في المصدر .
4- . في المصدر : المثبت .
5- . القواعد : 3 / 470 .

لدلالة يده عليه، وفاقًا للتحرير (1) .

و قال في القواعد أيضًا :

لو كان الخيّاط في دار غيره فتنازعا في الإبرة و المقصّ حكم بها (2) للخيّاط، لقضاء العادة بأنّ من دعا خيّاطًا إلى منزله فإنّه يستصحب ذلک معه . و لو تنازعا في القميص فهو لصاحب الدار، لأنّ العادة أنّ القميص لايحمله الخيّاط إلى منزل غيره (3) .

أقول : و يرد عليه أيضًا ما تقدّم، فإنّ تخصيص الأصول بمجرّد هذا الظاهر مشكل ؛ و بالجملة : لو ثبت الإجماع أو دليل غيره في العمل بالظهور في المواضع و أمثالها، فلا كلام فيه ؛ و إلّا فللمناقشة فيه مجال، لما عرفت .

لو تنازع صاحب العبد و غيره
في الثياب الّتي على العبد، فهي لصاحب العبد

101- مسألة

لو تنازع صاحب العبد و غيره في الثياب الّتي على العبد فهي لصاحب العبد، لأنّ يد العبد عليها و يده يد مولاه .

ص: 564


1- . تحرير الأحكام : 5 / 207 .
2- . في المصدر : بهما .
3- . القواعد : 3 / 470 .

و لو تنازع صاحب الثياب الّتي على العبد مع غيره في العبد تساويا، بلا خلاف كما عن المبسوط (1) ؛ و ليس لصاحب الثياب الّتي على العبد ترجيح بلبس العبد لها و انتفاعه بها، لأنّ نفع الثياب يعود إلى العبد، لا إلى صاحبه (2) .

102- مسألة

اشارة

لو كانت في أيديهما عين، فادّعاها أحدهما و ادّعى الآخر نصفها و لم تكن بيّنة، قال في القواعد :

فهي بينهما بالسويّة (3) .

و لكن على مدّعي النصف اليمين إن أراد حلفه، لأنّه منكر نصف ما ادّعاه صاحبه لنفسه، و ليس له يمين على صاحبه، لأنّه لا يدّعي عليه شيئًا .

أقول : قد مرّ أنّه لو كانت عين في يدهما و ادّعى كلّ منهما أنّها له حكم بينهما بالسوية، لكن لكلّ منهما إحلاف صاحبه .

و الفرق بين تلک المسألة و مسألتنا هذه هو : أنّ فيما نحن فيه يدّعي أحدهما تمام العين المتنازع فيها و الآخر نصفها، و في تلک المسألة كان كلّ منهما مدّعيًا لتمامها ؛ و على ما ذكره العلّامة - طاب ثراه - يكون الحكم في المسألتين واحدًا،

ص: 565


1- . المبسوط : 2 / 297 .
2- . لاحظ المسألتين في القواعد : 3 / 470 ؛ و كشف اللثام : 10 / 202 .
3- . القواعد : 3 / 471 .

إلّا أنّه كان هناک لكلّ منهما إحلاف صاحبه، و في المقام ليس كذلک .

أقول : يمكن أن يقال في المسألة : انّ الحكم فيها هو أن يقضي لمدّعي العين بتمامها بالنصف و الربع و مدّعي نصفها بالربع الآخر، لأنّه ليس نزاعهما في نصف العين، لأنّ مدّعي العين بتمامها معلوم أنّه يقول نصفها له ؛ و كذا خصمه، إذ هو ما يدّعي إلّا نصفها، فنزاعهما ليس إلّا في النصف، فيقضى لكلّ منهما بنصف النصف، وهو الربع بعد إحلاف كلّ منهما لصاحبه، لأنّ كلاًّ منهما مدّع في النصف و منكر، فيشمله عموم قوله (عليه السلام) : « و اليمين على من أنكر ».

و يمكن الاستدلال لذلک بقول مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سئل عن رجلين كان بينهما درهمان، فقال أحدهما : الدرهمان لي، و قال الآخر : هما بيني و بينک، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : قد أقرّ أنّ أحد الدرهمين ليس له فيه شيء و أنّه لصاحبه، و أمّا الآخر فبينهما (1) .

والاستدلال به لما نحن فيه يمكن من وجهين، أحدهما : من إطلاق السؤال حيث قال : « بينهما درهمان »، و هو أعمّ من أن يكونا في يدهما، أم لا .

والثاني : من الجواب، لأنّ قوله : « قد أقرّ أنّ أحد الدرهمين ليس له فيه شيء »

ص: 566


1- . الفقيه : 3 / 35 ح 3274 ؛ و رواه الشيخ باسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن ابنأبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) نحوه ( التهذيب : 6 / 292 ح 809 ) ؛ورواه أيضًا باسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثله، إلّا أنّه قال : و يقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين ( التهذيب : 6 / 208 ح 481 ). وانظرالوسائل : 18 / 450 ح 24022 .

إلى آخره، يدلّ على أنّ كلّ ما كان كذلک يكون مثله في الحكم، و منه ما نحن فيه، لأنّا نقول : إنّ فيه قد أقرّ أحد الخصمين أنّه ليس له في نصف العين المتنازع فيها شيء، فيكون النصف الآخر بينهما، و هو المدّعى .

والحديث و إن كان في سنده قدح بالإرسال و غيره، إلّا أنّه يعضده الاعتبار على ما عرفت .

هذا كلّه إذا كان لهما بيّنة (1) ، و أمّا لو كانت لهما فالنصف الّذي في يد مدّعي الجميع لا كلام فيه، و إنّما يكون تعارضهما في النصف الآخر الّذي في يد مدّعي النصف، فيرجع فيه إلى ما تقدّم من الحكم لبيّنة الخارج، أو الداخل بالتفصيل، أو مطلقًا، فإن كانت شهادة البيّنتين بالإطلاق، أو بالتقييد، أو شهادة بيّنة الخارج بالتقييد دون بيّنة الداخل، فيقضى بالنصف حينئذٍ لمدّعي الكلّ، فينزع من يد مدّعي النصف .

و إن كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالتقييد فقط، فيقضى له حينئذٍ بالنصف الّذي في يده على ما هو الحقّ في هذه الصُوَر، و قد تقدّم وجهه .

هذا إذا كانت البيّنة لهما جميعًا، و أمّا لو كانت لواحد منهما فإن كان مدّعي الكلّ فيقضى له، و إن كان مدّعي النصف فيقضى له، و قد تقدّم الكلام فيهما أيضًا، فلا نطول بالإعادة .

هذا كلّه فيما إذا كانت العين المتنازع فيها بيدهما كما عرفت، و أمّا لو كانت بيد

ص: 567


1- . كذا في الأصل، والصواب : إذا لم يكن لهما بيّنة .

ثالث و هو غير مدّع لها، فالنصف أيضًا يكون لمدّعي الكلّ، و أمّا النصف الآخر فإن أقاما البيّنة على دعواهما، فالحكم ما مرّ في تلک المسألة، فيقضى بذلک النصف لمن كانت بيّنته أعدل ؛ و إن تساوتا فلمن كانت بيّنته أكثر .

و إن تساوتا في العدالة و العدد أقرع بينهما، فيقضى به لمن خرجت القرعة باسمه إذا حلف ؛ و إن امتنع منه يقضى للاخر بعد حلفه ؛ و إن امتنعا كلاهما منه جعل النصف بينهما، فيكون حينئذٍ لمدّعي الكلّ ثلاثة أرباع و لمدّعي النصف ربع .

و إن أقام البيّنة واحد منهما يقضى به له ؛ و إن لم يكن لهما بيّنة، فإن صدّق من بيده المتنازع فيه واحدًا منهما فهو له مع يمينه ؛ و إن صدّقهما يقسّم بينهما، فيكون أيضًا لمدّعي الكلّ ثلاثة أرباع و لمدّعي النصف ربع .

و بالجملة : الحكم ما مرّ، سواء كان صدّقهما، أو كذّبهما، أو صدّق واحدًا وكذّب آخر.

لو كانت العين المتنازع فيها في يد ثلاثة
فادّعى واحد منهم النصف و واحد آخر الثلث
والآخر السدس، يد كلّ واحد على الثلث

103- مسألة

لو كانت العين المتنازع فيها في يد ثلاثة، فادّعى واحد منهم النصف و واحد

ص: 568

آخر الثلث والآخر السدس، فيدُ كلّ واحد على الثلث، فصاحب دعوى الثلث لايدّعي زيادةً عمّا في يده، و صاحب دعوى السدس يفضل في يده سدس يقضي به لصاحب دعوى النصف، لأنّه لا مدّعى له غيره، و لا نزاع هنا في الحقيقة بينهم، فلهذا لا يحكم بحلف واحد منهم، إلّا أن يكذب مدّعي النصف مدّعي الثلث، فيريد أن يأخذ منه نصف السدس و من الآخر نصف السدس .

و عن المبسوط أنّ للعامّة (1) قولاً بأنّه إذا جحد بعضهم بعضًا كانت بينهم أثلاثًا ؛ قال :

و هذا غلط عندنا، لأنّه لا يجوز أن يدّعي واحد سدسًا فيقضي له بثلثها (2) .

و لا فرق فيما ذكرنا بين ما لو كانت لهم بيّنة، أم لا ؛ لما عرفت من أنّه لا نزاع بينهم حقيقة .

و للعامّة (3) قولٌ بأنّ لصاحب النصف ثلثًا و نصف سدس، فإنّ بيده ثلثًا و يدّعي سدسًا مشاعًا فيما بأيدي الباقيين جميعًا، لا فيما بيد صاحب السدس خاصّة، فإنّما يدّعي على كلّ منهما نصف السدس، فيحكم له ممّا في يد صاحب السدس بنصف السدس، لأنّ له به بيّنة بلا معارض ؛ و لا يقضى له بنصف السدس ممّا في يد صاحب الثلث، لأنّ له بيّنة بالثلث الّذي يدّعيه و يده عليه، و البيّنة بيّنة الداخل،

ص: 569


1- . انظر المغني، لابن قدامة : 12 / 178 .
2- . المبسوط : 8 / 291 .
3- . انظر المغني، لابن قدامة : 12 / 179 و 180 ؛ و نقله عنهم في كشف اللثام : 10 / 206 .

فيبقى في يد صاحب السدس نصف سدس لا يدّعيه هو و لا غيره، فهو لمن أقرّ له به.

و فيه : أنّه مع كونه مبتنيًا على تقديم بيّنة الداخل، و قد عرفت أنّ الحقّ خلافه، يندفع بأنّ المفروض أنّه لا نزاع مع صاحب النصف في تمام السدس بيد صاحب السدس، لا لذي اليد و لا لغيره، فيسلّم له من غير يمين و لا بيّنة، فمع البيّنة بطريق أولى (1) .

104- مسألة

لو ادّعى كلّ من الخصمين شراء عين من صاحبها و إيفاء الثمن و لا بيّنة، فلايخلو إمّا أن تكون العين بيدهما، أو بيد واحد منهما، أو بيد الصاحب الأولى .

و على الأوّل ينبغي أن يقضى بينهما، لعموم ما تقدّم، مع إحلاف كلّ منهما صاحبه .

و على الثاني لذي اليد مع يمينه ؛ و يحتمل فيهما الرجوع إلى ما ادّعيا شرائه منه، لتصريحهما بكونه المالک الأصليّ و الشراء منه، و احتمال تخصيص ما تقدّم فيما إذا ادّعيا بالملک إذا لم يكن من هذا القبيل .

و على الثالث يرجع فيه إلى ذي اليد، فهو لايخلو إمّا أن يكذّبهما، أو يكذّب واحدًا و يصدّق آخر، و لا يمكن تصديقهما هنا بأن تكون المتنازع فيه لكلّ واحد

ص: 570


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 206 .

منهما، لأنّ المفروض أنّه شيء واحد، فإذا ثبت كونه ملكًا لأحدهما لا يمكن كونه ملكًا لآخر .

نعم، يمكن أن يصدّقهما بالاشتراک، بأن يصدّق لكلّ واحد بالنصف مثلاً، و هو واضح .

{ الحكم في الصورة الأولى }

و الحكم في الصورة الأولى هو : إحلافهما لذي اليد، لادّعائهما عليه أخذ الثمن للمثمن، و هو ينكره، فيحلف لهما، و يبقى المتنازع فيه بيده، و يسقط الدعوى بينهما حينئذ .

{ الحكم في الصورة الثانية }

و في الصورة الثانية قضي به للمصدّق و لخصمه إحلاف ذي اليد، لإنكاره كون المدّعى به من ماله و أخذ الثمن منه ؛ و كذا له إحلاف المصدّق أيضًا كما في القواعد (1) ، لادّعائه عليه أيضًا .

و يمكن أن يقال بأنّه ليس له ذلک، لأنّ بعد الرجوع إلى ذي اليد و تصديقه للمصدّق و حلفه صار المتنازع فيه ملكًا للمصدّق شرعًا، فسقط عنه دعواه، فلا

ص: 571


1- . القواعد : 3 / 477 .

حلف، إلّا أن تنقلب الدعوى، كأن يدّعى الشراء من المصدّق مثلاً، فيخرج عن موضوع المسألة حينئذ .

ثمّ إن حلف ذو اليد على عدم شراء هذا المدّعي العين منه و أخذ الثمن منه فهو، و إلّا فيحلف هو على ذلک، فيلزمه غرامة قيمتها، لا العين، لأنّها بإقراره و تصديقه صارت ملكًا لمن صدّقه، فلا يمكن ارتجاعها منه .

فلو حلف ذو اليد على ما ذكر، ثمّ عاد و أقرّ بكون العين المتنازع فيها للاخر -أي لمن كذّبه أوّلاً - يلزمه الغرامة أيضًا، لإتلافه عليه ماله، إلّا أن يصدّقه من صدّقه في الأوّل، فيسلّم العين إليه، إلّا إذا تلفت العين ؛ و حينئذٍ له المطالبة على أيّهما أراد، لأنّ كلاًّ منهما قد أقرّ بكونها ملكًا له، فله المطالبة على أيّهما شاء .

و يمكن أن يقال بتعيين ذي اليد، لأنّه صار سببًا لتلف ماله، فيلزمه الغرامة .

{ الحكم في الصورة الثالثة }

هذا كلّه في الكلام على الحكم في الصورة الثانية، و أمّا الحكم في الصورة الثالثة - أي إذا صدّق ذو اليد كلّ واحد في النصف - فهو : أن يقضي لكلٍّ منهما بالنصف، لأنّ المتنازع فيه بعد تصديقه كذلک صار كأنَّه بيدهما، و الحكم في ذلک قد عرفت أنّه القضاء بينهما، لكن لكلّ منهما فيما نحن فيه إحلاف ذي اليد في النصف الآخر .

و لو لم يحلف و حلفا جميعًا، أو نكلا كذلک، يكون الحكم أيضًا ذلک، و إلّا

ص: 572

فاختصّ الحالف منهما بالمدّعى به بالتمام، و لا يشاركه خصمه الناكل عن الحلف .

هذا كلّه فيما لو كذّبهما ذو اليد، أو صدّقهما على ما مرّ، أو واحدًا دون آخر ؛ وأمّا لو قال : هي لأحدكما، لكن لا أعرفه بخصوصه ؛ و كذا لو أقام كلّ منهما بيّنة وتساوتا في العدالة و العدد و التاريخ، فيقضى بها لمن أخرجته القرعة مع يمينه على ما مرّ الكلام في ذلک مفصّلاً، و يستحقّ الآخر الثمن من ذي اليد، لشهادة بيّنته على اشتغال ذمّته بذلک ؛ و لا منع من ذلک، لأنّ غاية ما يلزم هنا بعد شهادة البيّنة فساد أحد البيعين، و هو لا يستلزم عدم أخذ الثمن لئلّا يستحقّه، هكذا يظهر من بعضهم (1) .

لكن فيه نظر، لأنّ مع تساوي البيّنتين في العدد و العدالة و التاريخ - كما هو المفروض - يكون إحداهما كاذبة للتعارض بينهما، لعدم إمكان إيقاع عقدين على شيء واحدٍ في آنٍ واحد، فإذا كانت إحداهما كاذبة لا يستحقّ صاحبها شيئًا، فكيف يأخذ الثمن ؟!

فلو حلف الخارج بالقرعة فالأمر كما مرّ، و إلّا فيحلف الآخر و ينعكس الأمر، أي : يستحقّ الحالف للعين و الآخر للثمن - و لو نكلا استحقّ كلّ منهما نصف العين و نصف الثمن، لثبوت قبض ذي اليد ثمنين شرعًا بشهادة البيّنة، إلّا إذا اعترفا، أو اعترف أحدهما، أو شهدت بيّنتاهما، أو إحداهما بقبض المبيع، فمن قبضه من بائعه بالإقرار، أو بشهادة البيّنة، لم يكن له الرجوع بشيء من الثمن، لثبوت كونه

ص: 573


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 218 .

مستحقًّا لغيره بإقراره، أو بشهادة البيّنة ؛ و غاية الأمر أنّه اغتصب منه نصف العين ؛ هكذا قيل (1) .

و فيه نظر، لأنّه مع ثبوت الغصبيّة في نصف العين يجوز للمغصوب عليه الأخذ من مال الغاصب على قدر حقّه ؛ و ثبوت استحقاق الثمن له مع فرض أنّه غصب نصف العين من حقّ الآخر لا يمنع أخذه منه، إلّا إذا ادّعى أنّه أدخل الضرر على نفسه، لنكوله من اليمين كما هو المفروض، فتأمّل .

هذا كلّه إذا ادّعيا شرائهما عينًا من ثالث ؛ و لو انعكست المسألة بأن ادّعيا شراء ثالث عينًا في يده من كلٍّ منهما و أنكر و لم يكن لهما بيّنة، لهما إحلافه، فإن حلف لهما فلا حقّ لهما عليه ظاهرًا ؛ و إن حلف لواحد دون الآخر يقضى له ؛ و إن لم يحلف لواحد منهما ينبغي أن يقضى بالثمن نصفين .

ولو قال : اشتريت من واحد منكما، لكن لا أعرفه بخصوصه، ينبغي أن يقرع بينهما، فمن خرجت القرعة باسمه يحكم له به ؛ و إن أقرّ لواحد منهما بخصوصه دون الآخر يقضى له به، و للاخر عليه الحلف ؛ و إن أقرّ لهما جميعًا بأن يشتري العين الّتي في يده مِن كلٍّ منهما يلزمه ثمنان ؛ و لا امتناع في ذلک، لجواز أن يشتريه أوّلاً من واحد منهما، ثمّ ملّكه الآخر بأيّ نحو كان، بالبيع أو غيره، فاشترى منه بعد ذلک أيضًا .

و إن أنكر شرائها منهما و أقاما البيّنة، فإن كانت شهادة البيّنتين بالإطلاق بأن

ص: 574


1- . قائله الفاضل الاصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 218 .

تشهد بيّنة أحدهما أنّه اشتر العين الّتي في يده من هذا الشخص، و كذا بيّنة الآخر.

أو كانت شهادة إحداهما بالإطلاق و شهادة الأخرى بالتقييد بأن تشهد أنّه اشترى تلک العين في ظهر يوم الخميس من سابع شهر كذا في سنة كذا .

أو كانت شهادتهما جميعًا بالتقييد، لكن اختلف التاريخ، كأن تشهد إحداهما بأنّه اشترى العين الّتي في يده يوم الخميس مثلاً من هذا الشخص، و الأخرى منهما بأنّه اشتراها يوم الجمعة مثلاً من ذلک الشخص .

ففي جميع هذه الصور الثلاث يلزمه ثمنان لكلّ واحد منهما واحد منهما، لأنّ الأصل في البيّنة الحجّيّة ؛ و لا تعارض هاهنا بينهما، لاحتمال أن يكون اشتراها من الأوّل، ثمّ ملّكه الآخر بأيّ نحو كان، بالبيع و غيره، فيلزمه القيمتان جميعًا.

و أمّا لو كانت شهادة البيّنتين بالتقييد واتّحد التاريخ، كأن شهدت بيّنة أحدهما بأنّه اشترى تلک العين من هذا الشخص ظهر يوم الخميس في سابع شهر كذا و سنة كذا، و كذا شهدت بيّنة الآخر، فحينئذٍ تحقّق التعارض بين البيّنتين، لظهور امتناع تملّک شخصين شيئًا واحدًا بتمامه دفعةً، وامتناع إيقاع عقدين دفعةً .

و حينئذٍ ينظر إلى البيّنتين، فإن كانت إحداهما أعدل يحكم عليه بثمن واحد لصاحبها، و إن تساوتا في العدالة لأكثرهما عددًا، و إن تساوتا فيهما يقرع بينهما ويحكم بذلک الثمن الواحد لمن خرجت القرعة باسمه بعد يمينه إن حلف، و إلّا يحكم به للاخر بعد حلفه .

و لو نكلا كلاهما، جعل الثمن بينهما نصفين على ما هو الحقّ في المسألة المتقدّمة.

ص: 575

105- مسألة

اشارة

لو ادّعى أحد الخصمين شراء المبيع من عمرو، وادّعى الآخر شرائه من زيد، وكان المبيع في يد البائعين، يرجعان إليهما، فإن كذباهما يبقى المال في يدهما ولهما إحلافهما .

و إن صدّق أحدهما لأحدهما، و كذّب الآخر للاخر، وادّعى أنّ العين له، اختصّ نصف المبيع بالمصدّق، و على المصدِّق ردّ نصف ثمنه إن رضي المصدّق، وإلّا بطل البيع، لعدم تحقّق شرطه، و للاخر إحلاف مكذّبه .

و إن أقرّ البائعان بذلک لهما، استحقّا العين و ثمن واحد، و يكون كلٌّ منهما بينهما نصفين إن رضيا بذلک، و إلّا بطل العقد واستحقّ كلّ منهما حقّه من الثمن، ويبقى المبيع في يد البائعين إن عجز كلٌّ منهما عن إثبات كون المبيع مختصًّا به، لأنّ المبيع حينئذٍ مشترکٌ بينهما، فلا وجه لاستقلال كلٍّ منهما في بيعه .

و أمّا لو أثبت أحدهما أنّه له، يختصّ المبيع حينئذٍ للمشتري الّذي اشترى منه، واستحقّ الآخر للثمن، فلا اشتراک بينهما حينئذ .

و إن كذباهما و أقاما بيّنة و شهدتا بالإطلاق، أو إحداهما بالإطلاق والآخر بالتقييد، أو شهدتا بالتقييد واختلف التاريخ، كأن تشهد بيّنة واحد منهما أنّه اشتراه من زيد يوم الخميس مثلاً، و بيّنة الآخر أنّه اشتراه من عمرو يوم الجمعة مثلاً، استحقّا العين و ثمن واحد أيضًا إن رضيا بذلک، و إلّا استحقّ كلّ واحد ثمنه .

ص: 576

و إن شهدت البيّنتان بالتقييد واتّحد التاريخ، أقرع بينهما، و يقضى للخارج بالقرعة بعد حلفه لتحقّق التعارض، لامتناع تملّک شخصين شيئًا واحدًا بتمامه في آنٍ واحد، و امتناع إيقاع عقدين دفعةً على شيءٍ واحد .

فإن نكل الّذي خرجت القرعة باسمه، حلف الآخر و يستقلّ بالمبيع ؛ و إن نكلا جميعًا يقسّم بينهما، و إذا قسّمت العين بينهما رجع كلٌّ منهما إلى بائعه بنصف الثمن على ما في القواعد (1) .

أقول : و على هذا لو استقلّ أحدهما بالعين، ينبغي أن يرجع الآخر إلى تمام الثمن، وجهه واضح، لكن فيه نظر، لما عرفت سابقًا من أنّ بعد فرض تساوي البيّنتين في العدالة و العدد و التاريخ، يكون إحدى البيّنتين كاذبة، لأنّه لو اشترى أحدهما العين المتنازع فيها من زيد في الواقع، تكون بيّنة الآخر كاذبة، و لو انعكس انعكس .

إن قلت : لا نسلّم مع فرض تساوي البيّنتين فيما ذكر لزوم كذب إحداهما، لجواز وقوع البيعين، لكنّ اللازم فساد أحد البيعين .

قلت : مع فرض وقوع البيعين لا معنى لشهادة البيّنتين كلّ منهما على خلاف الأخرى، لأنّه لو كان البيعان واقعين مع فرض كونهما في آنٍ واحد، ينبغي أن يشهد كلّ من البيّنتين على كلّ من البيعين، لا أن تشهد إحداهما على بيع أحدهما والأخرى على بيع الآخر .

ص: 577


1- . القواعد : 3 / 478 .

نعم، يمكن ذلک فيما إذا لم يكن البيعان في مكانٍ واحد، بل في مكانين مختلفين، لأنّ مفروض المسألة أنّ البائع اثنان، و كذا المشتري، فيكون مفروض المسألة فيما إذا أوقع البيع أحد المشتريين مع أحد البائعين في غير مكان أوقعه الآخر مع الآخر .

فاندفع الاعتراض، لكنّه وارد غير مندفع في المسألة السابقة، أي إذا كان المشتري واحدًا و البائع متعدّدًا ؛ و لهذا أوردناه هناک من غير جواب، لعدم امكان وقوع بيعين في آنٍ واحدٍ مع شخصٍ واحدٍ، إلّا في مكان واحد، و معه يطّلع كلّ من البيّنتين على كلّ من البيعين، فلا معنى لشهادة إحداهما على بيع الواحد من الخصمين و الأخرى على بيع الآخر .

و كذا فيما إذا كان الأمر بالعكس، أي : يكون المشتري متعدّدًا و البائع واحدًا.

هذا كلّه إذا كانت العين في يد البائعين، و أمّا لو كانت في يد الخصمين المشتريين، فيقضى بينهما بالسويّة، سواء أقاما بيّنة، أم لا، لكن مع إقامة البيّنة يستحقّان ثمنًا من البائعين، و مع عدمها لهما إحلافهما، لادّعائهما عليهما ثمنًا، فإن حلفا سقطت دعواهما عنهما، و إلّا فيحلفان و يأخذان ثمنًا منهما .

و إن حلف أحدهما و نكل الآخر، يحتمل أن يستحقّ نصف الثمن، لأنّ نصف العين عنده على ما هو المفروض، فلا يستحقّ إلّا نصف الثمن .

و يحتمل أن لا يستحقّا شيئًا منهما، و لم يكن لهما إحلافهما أيضًا، لادّعاء كلِّ منهما شراء العين بانفراده و هي في يده، فقد حصل القبض في المبيع، فلا يستحقّ من البائع شيئًا .

ص: 578

غاية الأمر أنّه غصب منه نصف العين خصمه، إلّا إذا فرض عدم حصول القبض في المبيع بانفراده ؛ هذا .

و لو كان المبيع بيد أحد الخصمين المشتريين، فإن لم يكن للاخر بيّنة، يقضى به لمن كان في يده، و للاخر عليه اليمين، لادّعائه عليه ما في يده، و لو كانت له بيّنة، وحينئذٍ لايخلو إمّا أن يكون لذي اليد بيّنة، أم لا، فإن لم تكن له، يقضى به لخصمه، فيستنقذ من يده ؛ و إن كانت، فيرجع فيه إلى ما تقدّم سابقًا من أنّ البيّنتين إمّا مطلقتان، أو مقيّدتان، أو أحدهما مطلقة و الأخرى مقيَّدة .

و على الأوّل و الثاني يقضى به للخارج، و على الثالث فلا يخلو إمّا أن تكون بيّنة ذي اليد مطلقة، يقضى به أيضًا للخارج، و إلّا للداخل على ما هو الحقّ في هذه الصُوَر على ما عرفت وجهه ؛ و أيّهما كان المقضى له يرجع الآخر إلى بائعه .

فمع إقامة البيّنة عليه يأخذ ثمنه، و مع عدمها له عليه الحلف ؛ و يجري في هذه الصورة و فيما إذا كان المبيع بيديهما الاحتمال المتقدّم من الرجوع إلى البائع على ما تقدّم .

و بقيت في المقام صورة، و هي : ما إذا كانت العين بيد أحد البائعين ؛ و الحكم فيها أنّه مع عدم البيّنة للاخر عليه تكون العين ماله و له عليه الحلف، و توجّهت إليه دعوى مشتريه، فإن صدّقه فالحكم واضح، و إلّا فإن أقام عليه بيّنة فكذلک، و إلّا فله عليه الحلف، و تتوجّه دعوى المشتري الآخر إلى البائع الخارج، فإن أقام عليه بيّنة يأخذ ثمنه، و إلّا فله عليه الحلف .

ص: 579

فيما لو ادّعى شراء عبد من سيّده وادّعى العبد عتقه

106- مسألة

اشارة

لو ادّعى شراء عبد من سيّده، و ادّعى العبد عتقه، و لايخلو إمّا أن يكون العبد بيد مدّعي الشراء، أو بيد السيّد، أو بيد ثالث، أو لا يد عليه .

و إن كان الأوّل فلا يخلو إمّا أن لا يكون معهما بيّنة، أو تكون ؛ و على الأوّل القول قول المشتري مع يمينه، و على الثاني فلا يخلو إمّا أن تكون البيّنة لهما معًا، أو لواحد منهما .

و على الأوّل فلا يخلو إمّا أن يعلم تاريخ البيّنتين، أم لا ؛ و على الأوّل يقدّم السابق منهما إذا لم يتّحد تاريخهما، فإن اتّحد التاريخ، أو لم يعلم في الأصل، سواء كانتا مطلقتين، أو إحداهما مطلقة و الأُخرى مقيّدة، أقرع بينهما، فمن أخرجته يقضى له مع يمينه، فإن نكل حلف الآخر، و إن نكلا انقسم العبد بين نفسه والمشتري، فيحرّر نصفه و يبقى الباقي لمدّعي الشراء و يرجع على البائع بنصف الثمن، فتأمّل .

و على الثاني - أي إذا كانت البيّنة لواحد منهما - فإن كان المشتري يقضى له فيكون العبد عبدًا له، و إن كان العبد يقضى له و يرجع على البائع بالثمن .

هذا كلّه إذا كان العبد بيد المشتري، و أمّا إذا كان بيد السيّد، فيرجعان إليه ؛ و كذا

ص: 580

إذا كان بيد ثالث، أو لا يد عليه، فإن كذّبهما حلف لكلّ منهما، فيكون العبد مملوكًا له، و إن كذّب أحدهما و صدّق الآخر حلف لمن كذّبه، كذا نقل عن التحرير (1) .

و فيه نظر، لأنّه لو صدّق المشتري يكون العبد مملوكًا له، فلا يحلف للعبد حينئذ، لأنّه لو أقرّ بعد ذلک بالعتق لم يقبل، لكونه إقرارًا في حقّ الغير ؛ و كذا إن صدّق العبد لم يحلف للمشتري، لأنّه لو صدّقه بعد ذلک فقد اعترف بالإتلاف قبل الإقباض، و هو كالآفة السماويّة في انفساخ البيع به .

نعم، إن ادّعى عليه قبض الثمن حلف له إن أنكره .

هذا إذا لم تكن لمدّعي الشراء و لا للعبد بيّنة، و أمّا لو كانت لهما، فلا يخلو إمّا أن تكونا معلومتي التاريخ، أم لا ؛ و على الأوّل يقضى للسابق منهما إن اختلفتا في التاريخ .

و إن اتّحدتا في ذلک، أو لم تكن تاريخهما معلومًا مطلقًا، سواء كانتا مطلقتين، أو إحداهما مطلقة و الأخرى مقيّدة، فالحكم ما مرّ من الإقراع، والحكم لمن أخرجته مع يمينه، فإن نكل حلّف الآخر و يقضى له .

و إن نكلا فالحكم ما مرّ أيضًا من انقسامه بين نفسه و المشتري، فيحرّر نصف العبد و يبقى النصف الباقي لمدّعي الشراء، و يرجع على البائع بنصف الثمن أيضًا، فتأمّل .

ص: 581


1- . تحرير الأحكام : 5 / 202 .
فيما لو خلّف المسلم ابنين

107- مسألة

لو خلّف المسلم ابنين (1) ،و اتّفقا على إسلام أحدهما قبل الموت، واختلفا في الآخر بأن ادّعى هو أيضًا ذلک، وادّعى علم أخيه بذلک و أنكره،يحلف على عدم علمه ؛و معه الاستصحاب ، لأنّ إسلامه أمر حادث و الأصل تأخّره، فلا يشترک معه في التركة .

نعم، لو أقام البيّنة على إسلامه قبل الموت، أو نكل أخوه عن الحلف و حلف هو، يشترک معه فيها .

و مثله لو كانا مملوكين، و اتّفقا حرّيّة أحدهما قبل الموت، و اختلف في الآخر، فيحلف المتّفق عليه على عدم علمه بحرّيّة أخيه قبل موت والده إن لم تكن له بيّنة على ذلک .

و أمّا لو لم يثبت مملوكيّتهما، و اتّفقا على حرّية أحدهما، و اختلفا في الآخر، فقوله مقدّم، لأصالة الحرّيّة و عدم المملوكيّة .

و لو ادّعى كلّ منهما إسلامه، أو حرّيته قبل الموت، و أنكر الآخر، فلو ثبت كفرهما و مملوكيّتهما زمانًا، إمّا باتّفاقهما عليهما، أو بغيره، لا إرث لواحد منهما، لعدم ثبوت انتفاء المانع، و هو الكفر و المملوكيّة الثابتتين .

ص: 582


1- . لاحظ المسألة في القواعد : 3 / 480 ؛ و كشف اللثام : 10 / 225 .

و لا مجال للحلف هنا، لأنّ كلاًّ منهما مدّع لزوال المانع عن نفسه، والحلف ليس وظيفة المدّعي .

نعم، كلّ منهما في الحقيقة منكر لعلمه بزوال المانع عن الآخر، و الحلف عليه لايجدى نفعًا، فإرث كلّ واحد منهما في هذا الفرض موقوفٌ على إقامته البيّنة على ما ادّعاه، أو على ادّعائه العلم على الآخر بما ادّعاه، و هو لا يحلف .

هذا كلّه إذا علم وقت الموت واشتبه وقت الإسلام أو الحريّة، و أمّا لو انعكس الأمر بأن علم وقت الإسلام أو الحرّية واشتبه وقت الموت، كما إذا علم وقت الإسلام أو العتق في شهر رجب مثلاً، لكن لم يعلم أنّ موته قبله أو بعده، فيرثان حينئذ، لأصالة بقاء الحياة و تأخّر الموت الحادث، فيجعل الأصلان الموت بعد الإسلام أو العتق، فلهما الإرث .

و أمّا لو اشتبه وقت الجميع من الموت والإسلام أو العتق، فلا إرث لهما أيضًا، لأنّهما حادثان، و الأصل فيهما التقارن، و معه لا يستحقّان الإرث .

و لو اتّفق الأخوان على أنّ أحدهما أسلم أو عتق في شهر رجب مثلاً، و الآخر في شعبان، ثمّ ادّعى المتقدّم سبق موت الأب على شعبان، فلا يشترک معه أخوه في الإرث، و ادّعى الآخر تأخّره عنه فيشترک ؛ و الحقّ التأخّر، لما عرفت من أصالة بقاء الحياة و تأخّر الحادث، إلّا أن يقيم المتقدّم البيّنة على التقدّم، فلايشترک معه .

و لو أقاما البيّنة تعارضتا، و يحتمل تقديم قول مدّعي التأخّر، لأنّ البيّنتين بعد

ص: 583

التعارض تساقطتا، فيبقى كما لو لم تكن لهما بيّنة ؛ و قد عرفت أنّ الأمر لو كان كذلک يقدّم قول مدّعي التأخّر، فكذا هنا .

قيل :

يحتمل تقديم بيّنة مدّعي التأخّر فيما يمكن صدقهما، لجواز أن يكون قد أُغمي عليه أوّلاً، فتوهّم الموت ؛ و لو صرّحت هذه البيّنة بالإغماء أوّلاً فلا إشكال في تقديمها، كما أنّه لو صرّحت الأخرى بأنّه كان قد مات ولم يعلم بموته إلّا بعد رمضان مثلاً، لم يكن إشكالٌ في تقديمها، إنتهى (1) .

108- مسألة

لو ادّعت الزوجة في عين أنّها صداقها، أو اشترتها من زوجها، وادّعى ابن الزوج الميّت الإرث (2) ، قدّم قوله، لتسليم الزوجة أنّها من مال الزوج، فالأصل بقاؤه على ملكيّته للميّت و عدم خروجه عنها ؛ و لها عليه إحلافه على عدم علمه بما ادّعته إن ادّعته عليه، إلّا أن تقيم بيّنة، فتقدّم قولها حينئذ .

و لو أقاما بيّنة، قيل :

حكم لبيّنة المرأة، سواء قلنا بتقديم بيّنة الخارج، أو الداخل، لشهادة

ص: 584


1- . كشف اللثام : 10 / 226 .
2- . لاحظ المسألة في القواعد : 3 / 480 ؛ و كشف اللثام : 10 / 237 .

بيّنتها بما يمكن خفاؤه على البيّنة الأخرى . نعم، إن أرّخت الإصداق أو الشراء، فشهدت الأخرى بتقدّم الموت، تعارضتا ؛ و لا فرق بين أن تكون العين في أيديهما، أو في يد أحدهما، أو أجنبى ّ، لاعترافهما بكونها للمورِّث في الأصل، والأصل بقاؤها على ملكه إلى الموت . نعم، إن كانت بيد المرأة في حياة الزوج إلى موته، فالقول قولها مع اليمين إن لم يكن للابن بيّنة باعترافها له، إنتهى (1) .

109- مسألة

اشارة

لو ادّعى واحد عينًا في يد غيره - كالدار مثلاً - أنّها له و لأخيه الغائب إرثًا عن أبيهما، و أقام على ذلک بيّنة، فإن كانت بيّنته كاملة - و سيجيء بيانها - سُلِّمَ إليه نصف الدار من غير إشكال، لأنّه مدّع أقام البيّنة على دعواه، فيجب العمل بمقتضاها ؛ و لا يطالب حينئذٍ بضمين، لأنّ المطالبة به إنّما هي لئلّا يظهر وارث غيرهما، و المفروض انحصار الوارث بهما، لشهادة البيّنة الكاملة .

و اختلفوا في النصف الآخر من الدار هل هو يبقى في يد من كانت الدار في يده إلى حضور الغائب، أم ينتزع و يجعل بيد أمين إلى أن يحضر ؟

فالمحقّق في الشرائع (2) ، و العلّامة في القواعد (3) على الأوّل، و نقل عن

ص: 585


1- . كشف اللثام : 10 / 237 .
2- . الشرائع : 4 / 908 .
3- . القواعد : 3 / 480 .

المبسوط (1) ، لأنّها يد مسلم، و الأصل عدم التعدّي و عدم وجوب الانتزاع .

و الحقّ وفاقًا للخلاف (2) و المحكيّ عن المختلف (3) : الثاني، و هو مختار المسالک (4) أيضًا، لكون الحاكم وليّ الغائب، و لأنّ ذا اليد بإنكاره سقط عن الأمانة ؛ ولأنّ الدعوى على الميّت مع البيّنة، ولذا يُقضى منها ديونه و ينفذ وصاياه.

هذا كلّه إذا كانت البيّنة كاملة ؛ و أمّا إذا لم تكن كاملة، فلا يدفع النصف إلى المدّعي الحاضر المقيم للبيّنة بمجرّدها، بل يؤخّر التسليم إليه إلى أن يستظهر الحاكم في البحث عن نفي غيرهما بحيث يغلب على الظنّ أنّه لو كان هناک وارث غيرهما لظهر، ثمّ بعد الاستظهار يدفع حصّته إليه .

و في الشرائع و القواعد : أنّ الدفع إليه حينئذٍ بعد التضمين استظهارًا (5) .

و هو مبنيٌّ على جواز ضمان العين و المجهول القدر .

و يستفاد منهما عدم كفاية التكفيل، و به صرّح في المسالک (6) ؛ و لعلّ وجهه إمكان الإتلاف، فالإعسار .

و عن ابن حمزة : الاكتفاء بالكفيل (7) .

ص: 586


1- . المبسوط : 8 / 274 .
2- . الخلاف : 6 / 341 ، المسألة 12 .
3- . المختلف : 8 / 447 ؛ حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 228 .
4- . المسالک : 14 / 143 .
5- . الشرائع : 4 / 908 ؛ القواعد : 3 / 480 .
6- . المسالک : 14 / 143 .
7- . الوسيلة : 225 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 228 .
بيان البيّنة الكاملة

ثمّ اعلم : أنّه اختلفت عباراتهم في تعيين البيّنة الكاملة، فالظاهر من المحقّق في الشرائع أنّها ذات معرفة و خُبْرة بأحوال الميّت، سواء شهدت بأنّها لا تعلم وارثًا، أم لا، حيث قال :

و نعني بالكاملة : ذات المعرفة المتقادمة و الخُبرة الباطنة (1) .

و هو الظاهر من القواعد (2) أيضًا .

بل في المسالک :

هو مقتضى عبارة الأكثر (3) .

و يستفاد منهم أنّ البيّنة الكاملة تنقسم إلى قسمين : قسمٌ يثبت بها حقّ المدّعي بمجرّد إقامة البيّنة، و هو ما إذا شهدت تلک البيّنة العارفة بأحوال الميّت بنفي علم غيرهما من الورثة ؛ و قسمٌ : لا يثبت به الحقّ بمجرّدها .

قال في الشرائع :

فإن كانت - أي البيّنة - كاملة، و شهدت أنّه لا وارث سواهما، سُلِّمَ إليه النصف (4) .

ص: 587


1- . الشرائع : 4 / 908 .
2- . القواعد : 3 / 480 .
3- . المسالک : 14 / 143 .
4- . الشرائع : 4 / 908 .

و مفهوم العبارة أنّه لو كانت البيّنة كاملة و لم تشهد كذلک، لا يسلّم إليه .

و قال في القواعد :

لو ادّعى عينًا و أقام بيّنة كاملة و شهدت بنفي غيرهما، سلّم إليه النصف (1) .

و مفهومه أيضًا ما ذكر .

و قال في الإرشاد بعد عنوان المسألة :

و أقام بيّنة كاملة، فإن شهدت بنفي وارث غيرهما، سلّم إليه النصف، و لو لم تشهد بنفي الوارث، سلّم إليه النصف بعد البحث و التضمين (2) .

فيعلم من هذه العبائر و مثلها ما قلنا من انقسام البيّنة الكاملة إلى القسمين المذكورين .

ثمّ إنّ ما تضمّنته هذه العبائر من شهادة البيّنة بنفي وارث غيرهما، الظاهر أنّه مبنيّ على التسامح، لأنّ الشهادة بالنفي غير صحيحة، فالأولى أن يعبّر بنفي علم وارث غيرهما ؛ هذا .

و الظاهر من بعضهم أنّ البيّنة الكاملة ليست مطلق ذات المعرفة و الخبرة بأحوال الميّت، بل إنّما تكون كاملة إذا كانت كذلک مع شهادتها بنفي وارث و لو بعدم العلم بغيره، و انتفاء الكمال يحصل بانتفاء الخُبرة و الشهادة بنفي العلم أو

ص: 588


1- . القواعد : 3 / 480 .
2- . الإرشاد : 2 / 153.

أحدهما ؛ و هو المحكيّ عن صريح الدروس (1) .

ثمّ اعلم : أنّ المدّعي الحاضر لايخلو إمّا أن يكون ذا فرض - كالزوج والزوجة - أو وارثًا بالقرابة - كالابن و الأخ - .

و إن كان الأوّل، فلا يخلو إمّا أن يكون ممّن لا ينقص الوارث فرضه لو وجد، أو ينقص .

و الأوّل يعطى فرضه بالتمام، سواء كانت بيّنته كاملة، أم لا، لأنّه ثبت كونه وارثًا بشهادة البيّنة، والمفروض أنّ وجود الوارث لا ينقص فرضه، فيجب إعطاء فرضه، لوجود المقتضي و انتفاء المانع، فلا يحتاج في إعطاء حصّته إلى شهادة البيّنة الكاملة بعدم العلم بالوارث، و لا إلى البحث عن الوارث إذا لم تكن البيّنة كاملة، أو كانت و لم تكن شهادتها على ما مرّ .

والثاني - أي : إذا كان المدّعي الحاضر ذا فرض ينقص بوجود وارث - أعطي مع شهادة البيّنة الكاملة بعدم العلم بوجود الوارث فرضه كاملاً، و إلّا ما استحقّه مع وجوده .

نعم، أعطي تمام فرضه بعد البحث و اليأس عن وجود الوارث مع التضمين على ما مرّ.

و إن كان الثاني - أي : يكون المدّعي الحاضر ممّن إرثه بالقرابة - فلا يخلو إمّا أن يكون ممّن يحجب عن الإرث بالكلّيّة بوارث آخر - كالأخ - أو لا .

ص: 589


1- . الدروس : 2 / 108 ؛ حكاه عنه في المسالک : 14 / 144 .

و على الأوّل أعطي مع البيّنة الكاملة الشاهدة بعدم العلم بالحاجب تمام ما يستحقّه مع عدم الحاجب ؛ و مع غير الكاملة لا يعطى إلّا بعد البحث و اليأس من وجود الوارث و التضمين ؛ و كذا معها إذا لم تكن شهادتها بما مرّ، بناءً على الخلاف المتقدّم .

110- مسألة

لو كانت لرجل امرأة و له منها ابن و أصابهما الموت واختلف الزوج و أخو امرأته، فقال الزوج : إنّها ماتت قبل موت الابن، فانتقلت تركتها إليّ و إلى ابني ثمّ صار بعد موت الابن كلّها لي مع تركته .

و قال أخو المرئة : إنّها ماتت بعد موت الابن، فورّثته مع أختي، ثمّ ماتت هي، فتركتها بيني و بينک .

فإن كانت لواحد منهما بيّنة يقضى له، و إن أقاما البيّنة كلاهما و تعارضتا، فإن كانت التركة بيد واحد منهما يقضى للخارج، على ما هو الحقّ في تلک المسألة، كما عرفت.

و إن لم تكن بيد واحد منهما و تساوتا في العدالة و العدد، أقرع بينهما، فيقضى لمن أخرجته مع يمينه، و إن نكل حلف الآخر، و إن نكلا قسّم بينهما بأن يجعل للأخ ربع من التركة و للزوج ثلاثة أرباع منها .

و أمّا إذا لم تكن لواحد منهما بيّنة، فلا يخلو إمّا أن يعلم وقت موت أحدهما، أو

ص: 590

لا، فإن علم و لا يخلو إمّا يكون الابن، فيقدّم قول الأخ، لأصالة بقاء الحياة وتأخّر الحادث، فيكون موت المرأة بعد موت الولد ؛ و إمّا يكون ذلک الواحد الّذي علم موته الأمّ، فيقدّم قول الزوج لما مرّ .

و إن اشتبه وقت موتهما، فلا يخلو إمّا أن علم تقدّم أحدهما في الموت و جهل التعيين، أو لا ؛ و على الثاني يقضى لهما بتركة المرأة و تركة الابن مختصّة بالأب، فلاترث الأمّ من الولد، و لا الابن من الأمّ، لأصالة الحياة و عدم الانتقال، إذ الأصل في الحادثين التقارن، و لكلٍّ منهما إحلاف الآخر لو ادّعى علمه بما ادّعاه عليه من تقدّم موت الأمّ، أو الابن .

و على الأوّل أيضًا كذلک بعد تحالفهما، فلا يرث الابن من الأمّ، و لا الأمّ من الابن، لأنّه لا إرث إلّا بعد تحقّق حياة الوارث بعد موت المورّث، و هو هنا غير معلوم، فيقدّم قول الزوج في مال الابن و قول الأخ في مال الأخت مع حلفهما، أو نكولهما عنه ؛ و إلّا يقدّم قول الحالف منهما .

111- مسألة

لو أعتق المولى عبدين من عبيده في مرض الموت، فلا يخلو إمّا أن يكونا بقدر الثلث، أو أنقص منه، أو أزيد منه .

و على الأوّل و الثاني لا إشكال في عتقهما ؛ و على الثالث - أي إذا كان العبدان أزيد من ثلث ماله، كأن يكون كلّ واحد منهما ثلث ماله مثلاً و شهدت البيّنتان

ص: 591

على العتق - فلا يخلو إمّا أن يعلم التاريخ منها، أو لا .

و على الأوّل إمّا أن يكون بالترتيب بأن يكون عتق أحدهما مقدّمًا على عتق الآخر، أو لا، كما إذا كان عتقهما دفعةً، بأن يقول المولى لهما : أنتما حرّان .

و في الأوّل يكون المعتق هو المقدّم دون المؤخّر، و لا هما معًا، لأنّ وصيّته معتبرة في ثلث ماله فقط ؛ و المفروض أنّ كلاًّ من العبدين ثلث ماله، فيختصّ العتق بأحدهما، و هو المتقدّم، لأنّه بالتقدّم تعلّق العتق به، فصار معتوقًا ؛ و عتقه في العبد الآخر بعد ذلک غير معتبر، لأنّه ليس من ثلث ماله .

و في الثاني - أي إذا اتّحد التاريخ، أو لم يعلم التاريخ - أقرع بينهما، فمن أخرجته يكون معتوقًا ؛ و في صورة عدم العلم بالتاريخ يحلف الخارج بالقرعة إن ادّعى الآخر السبق عليه، و إن نكل حلف الآخر، فيعتق، و إن نكلا تحرّر النصف من كلٍّ منهما .

هذا إذا كان كلٌّ من العبدين ثلث ماله، فإن لم يكن كذلک بأن يكون لأحدهما زيادة في القيمة على الآخر و كان الّذي زاد قيمته زائدًا على الثلث و الناقص في القيمة لم يكن بقدر الثلث .

و حينئذٍ لو علم التاريخ يكون المتقدّم عتقًا إن اختلف، فإن كان من زاد قيمته عن الثلث يعتق بقدر الثلث منه، و إن كان من نقص قيمته عنه يعتق هو بتمامه مع شيء من الآخر بحيث يستوفي الثلث .

و إن لم يعلم التاريخ، أو علم و اتّحد، يكون المعتق من أخرجته القرعة بالتفصيل الّذي عرفت .

ص: 592

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّه قال في القواعد :

إذا ثبت عتق عبدين ببيّنتين كلّ واحد ثلث مال المريض دفعة، قيل (1) : يقرع و يعتق مَن تخرجه القرعة . و لو اختلفت (2) قيمتهما أعتق المقرُوع، فإن كان أكثر من الثلث عتق منه (3) ما يحتمله (4) .

و نسبته إلى القيل يشعر بوقوع الخلاف فيه .

و نقل في الإيضاح القول بعتق نصف كلّ واحد منهما، حيث قال بعد ذكر قول والده :

قوله : قيل، إشارة إلى قول الشيخ في المبسوط في فصل الرجوع عن الشهادة ؛ و قيل : يعتق نصف كلّ واحد منهما (5) ، إنتهى (6) .

و ظاهره كون هذا القائل منّا، لكن قال في كشف اللثام بعد ما نقلنا من القواعد :

و النسبة إلى القيل يشعر بالتوقّف أو الخلاف (7) ، و هو متحقّق عند العامّة (8) ، فلهم قول بأنّه يعتق من كلٍّ منهما جزء مساو لما يعتق من

ص: 593


1- . و هو قول الشيخ في المبسوط : 8 / 250 .
2- . في المصدر : اختلف .
3- . « منه » لم يرد في المصدر .
4- . القواعد : 3 / 481 .
5- . « منهما » لم يرد في المصدر .
6- . إيضاح الفوائد : 4 / 397 .
7- . في المصدر : يشعر بالخلاف .
8- . المغني، لابن قدامة : 12 / 195.

الآخر و يكمل الثلث منهما، فلو تساويا قيمةً في الفرض عُتِقَ نصف كُلٍّ منهما لتعلّق العتق بكلٍّ منهما وانتفاء المرجّح مِن سبق و نحوه .

و الظاهر اتّفاقنا على القرعة، كما يظهر من الخلاف (1) والمبسوط (2) والتذكرة (3) .

قال الشهيد (4) : و احتمال إعمال البيّنتين فيقسَّم كما في الأملاک باطل عندنا، للنصّ على القرعة في العبيد، إنتهى (5) .

112- مسألة

لو أقام زيد بيّنة بأنّ الميّت أوصى له بسدس ماله، و عمرو أقام بيّنة أخرى بأنّه أوصى له بسدس، و شهدت بيّنة أخرى بأنّه رجع عن إحدى الوصيّتين من غير تعيين، واحتمل في المبسوط و القواعد (6) : بطلان الرجوع لإبهامه .

و في الثاني احتمل الصحّة أيضًا ؛ و هو أولى، لأنّ المرجوع عنه و إن كان مبهمًا، لكنّ المشهور له معيّن، و كذا قدر المشهود به، و إنّما عرض الإبهام بسبب

ص: 594


1- . الخلاف : 6 / 290 المسألة 37 .
2- . المبسوط : 8 / 250 .
3- . التذكرة : 2 / 490 ، كتاب الوصايا.
4- . الدروس : 2 / 109 .
5- . كشف اللثام : 10 / 230 .
6- . المبسوط : 8 / 253 ؛ القواعد : 3 / 481 .

إبهام المرجوع عنه في الموصى له، فيقرع بينهما، لصحّة إحدى الوصيّتين و بطلان الأخرى و الاشتباه (1) .

و احتمل في القواعد أيضًا تقسيم السدس بينهما لتساوي نسبتهما إليه وانحصار المستحقّ فيهما (2) .

و فيه : أنّ رجوعه عن إحداهما معلوم، فقد علم من ذلک عدم الاستحقاق لأحدهما، و معه لا وجه للتقسيم بينهما ؛ و عدم تعيين غير المستحقّ لا يجعله مستحقًّا، بل يعيّن بالقرعة، لأنّها لإزالة الاشتباه و رفع الإشكال، و قد عرفت سابقًا(3) من قوله (عليه السلام) : « كلّ شيء مجهول فيه القرعة » (4) .

و اعلم : أنّ بعض الأصحاب (5) فرض المسألة فيما إذا كانت الوصيّتان بالثلث (6) .

و فيه نظر، لأنّها على تقدير عدم ثبوت الرجوع عن إحداهما لا فائدة فيها، لأنّ إحداهما غير صحيحة مطلقًا، سواء علم الرجوع منها، أم لا، بل يقضى للسابق في

ص: 595


1- . انظر القواعد : 3 / 481 ؛ و كشف اللثام : 10 / 231 .
2- . انظر القواعد : 3 / 481 .
3- . انظر المسألة 93 .
4- . رواه في الفقيه باسناده إلى محمّد بن الحكيم، قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن شيء، فقال لي : كلّمجهول ففيه القرعة ؛ فقلت له : إنّ القرعة تخطئ و تصيب ؛ فقال : كلّ ما حكم الله - عزّوجلّ - به فليسبمخطئ ( الفقيه : 3 / 92 ح 3389 ؛ الوسائل : 27 / 259 ح 33720 ). و رواه في التهذيب بسند فيه موسىبن عمر مجهول ( التهذيب : 6 / 240 ح 593 ).
5- . لم نقف عليه .
6- . انظر كشف اللثام : 10 / 231 .

هذا الفرض إن علم ؛ و إن اشتبه، أو اتّفقت الوصيّتان، كأن قال : أوصى لكلّ واحد من هذا الشخصين بثلث مالي، يقرع بينهما، أو يقسّم بناءً على ما مرّ .

113- مسألة

لو شهد شاهدان بأنّ الميّت أوصى بعين أو غيرها لزيد مثلاً، ثمّ شهد من ورثته عدلان أنّه رجع عن ذلک و أوصى لخالد مثلاً، في القواعد :

الأقرب عدم القبول، لأنّهما يجرّان نفعًا من حيث أنّهما غريمان -للمرجوع عنه (1) - (2) .

و فيه نظر، لأنّه لو كان الأمر كذلک ينبغي أن لا تسمع شهادة البيّنة مطلقًا، لاسيّما في مقام التعارض .

ثمّ إنّ قوله : « إنّهما يجرّان نفعًا » إن أراد أنّهما يجرّان نفعًا بالنسبة إلى الغير، فيرد عليه ما مرّ، لأنّ كلّ موضع تكون شهادة البيّنة كذلک، فينبغي أن لا تسمع البيّنة مطلقًا، و هو واضح الفساد .

و إن أراد أنّهما يجرّان نفعًا بالنسبة إليهما، و فيه أيضًا نظر، لأنّه خروج عن موضوع المسألة، لأنّ فرض المسألة هو ما إذا شهدت العدلان أنّه رجع عن الوصيّة الأولى و أوصى لغير مَن أوصى له في الأولى، فيلزم خروج الموصى به عن التركة

ص: 596


1- . « للمرجوع عنه » لم يرد في المصدر .
2- . القواعد : 3 / 481 .

كالوصيّة الأولى، فلا يحصل نفع للورثة أيضًا، فلا تهمة لهم .

فالأقرب وفاقًا للشيخ (1) : القبول، لإطلاق ما دلّ على حجّيّة البيّنة و عدم ما يصلح للتخصيص .

هذا إذا شهدت عدلان من الورثة برجوع الميّت، و أمّا لو شهدا و لم يكونا من الورثة فلا كلام في قبول قولهما .

و كذا إذا شهد عدل أجنبيّ بالرجوع و حلف معه، ثبت له الموصى به بلا خلاف كما في كشف اللثام (2) ، بخلاف ما لو شهد اثنان لزيد بالثلث و واحد بالثلث لعمرو واتّفقت الوصيّتان أو اشتبهت السابقة، ففي المبسوط :

يقرع عندنا لتساوي الشاهدين والشاهد مع اليمين (3) .

و عن التحرير :

ترجيح ذي الشاهدين من غير قرعة، لرجحانهما على الشاهد واليمين (4) .

قيل :

و هو الموافق للشرائع و الجامع (5) .

ص: 597


1- . المبسوط : 8 / 253 .
2- . كشف اللثام : 10 / 232 .
3- . المبسوط : 8 / 254 .
4- . تحرير الأحكام : 5 / 213 .
5- . كشف اللثام : 10 / 232 ؛ وانظر : الشرائع : 4 / 146 ؛ و الجامع للشرائع : 535 .

114- مسألة

اشارة

لو تداعى اثنان ولدًا، فيدّعي كلّ واحد أنّه له، فلا يحكم لأحدهما إلّا بالبيّنة ؛ ولا يكفي تصديق الولد ؛ و لا عبرة عندنا بالقيافة، لما روي عن مولانا الأمير (عليه السلام) أنّه قال : لا يأخذ بقول عرّاف (1) ، و لا قائف (2) . و أنّه لم يقبل شهادة أحد من هؤلاء.

و عن مولانا الباقر (عليه السلام) : أنّه مَن سمع قول قائف أو كاهن أو ساحر فصدّقه، أكبّه الله على منخره في النار (3) .

و لو وطئ إثنان امرأة في طهر واحد، فإن كانا زانيين لا يلحق الولد بهما، بل إن كان لها زوج يحتمل أن يكون ذلک الولد ولده لحق به، و إلّا كان ولد الزنا .

و أمّا إذا كان وطؤهما لها وطئًا يلحق به النسب، كما إذا كان الوطئ مباحًا، كأن تكون المرأة لأحدهما و مشتبهة على الآخر، أو لم تكن لواحد منهما، لكنّها مشتبهة عليهما، أو يعقد على كلّ واحد منهما بعقد فاسد مع جهلهما بالفساد، ثمّ تأتي بولد بعد مضيّ ستّة أشهر فصاعدًا إلى أقصى مدّة الحمل و لم يتجاوزه،

ص: 598


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّ المصنّف (قدس سره) : العرّاف : المنجّم أو الحازي الّذي يدّعي علم الغيب ؛ نهاية(النهاية في غريب الحديث والأثر : 3 / 218 ).
2- . الفقيه : 3 / 30 ح 91 .
3- . مسند أحمد : 6 / 226 ؛ صحيح البخاري : 8 / 195 ؛ صحيح مسلم : 2 / 1082 ح 39 ؛ سنن أبي داود :2/ 280 ح 2267 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 787 ح 2349 ؛ سنن البيهقي : 10 / 262 .

مقتضى الأصل فيه أنّه لو علم المتأخّر في الوطئ يلحق الولد به، لأصالة العدم وتأخّر الحادث .

و لو لم يعلم أقرع بينهما، فمن أخرجته القرعة فالولد له، سواءكان الرجلان مسلمين أو كافرين أو مختلفين، لصحيح الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) : إذا وقع المسلم و اليهوديّ و النصرانيّ على المرأة في طُهر واحد أُقرِعَ بينهم، فكان الولد للّذي يصيبه (1) القرعة (2) .

و هذا و إن كان مطلقًا شاملاً لصورة الزنا أيضًا، لكنّه مقيّد بما ذكر، لأنّ الظاهر أنّ إطلاقه غير معمول به ؛ و لا يخفى أنّ إطلاقه شامل لما إذا علم المتقدّم والمتأخّر أيضًا، فعلى هذا يخرج به عن حكم الأصل المتقدّم، فيقرع و لو كان المتأخّر في الوطئ معلومًا .

ثمّ إنّ الصحيح و إن دلّ في صورة الاختلاف في الكفر و الإسلام، لكن يمكن الاستدلال به لصورة الاتّحاد بطريق أولى، لأنّه إذا أقرع مع المسلم و الكافر، فمع المسلمين و الكافرين بطريق أولى .

و نقل عن لقطة المبسوط ترجيح المسلم من غير قرعة لو اشتبه بينه و بين الكافر، و قد عرفت صريح الصحيح المذكور خلافه ؛ و كذا نقل عنه ترجيح الحرّ إذا اشتبه بينه و بين العبد (3) .

ص: 599


1- . في المصدر : تصيبه .
2- . التهذيب : 9 / 348 ح 1249 ؛ الوسائل : 26 / 280 ح 33004 .
3- . المبسوط : 3 / 350 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 233 .

و فيه نظر، لأنّ المفروض أنّ الولد مشتبه بينهما، يحتمل أن يكون للعبد، كما يحتمل أن يكون للحرّ ؛ و الاحتمالان متساويان، فلا وجه لترجيح الحرّ، و إنّما يرجّح أحدهما على الآخر بالقرعة .

و لا فرق أيضًا فيما ذكر إذا حصل الاشتباه بين الأب و الابن، فيقرع بينهما ويكون الولد لمن أخرجته .

و نقل عن الشافعي و مالک و أحمد : اعتبار القيافة في الولد المتنازع فيه، فإن لم يكن قافه، أو اشتبه عليهم، ترک حتّى يبلغ، فيلحق بمَن ينتسب إليه (1) .

و عن أبي حنيفة أنّه قال : ألحقته بهما و لا أُريه القافة، قال : و لا ألحقه بثلاثة (2) .

و عن أبي يوسف أنّه ألحقه بثلاثة (3) .

و عن المتأخرّين من الحنفيّة أنّهم قالوا : يجوز الإلحاق بألف أب على قول أبي حنيفة ؛ و ألحقه أبو حنيفة بأُمَّين أيضًا إذا تنازعتا و اشتبه الأمر (4) .

هذا كلّه إذا لم يكن لأحدهما بيّنة، أو كانت لهما و تعارضتا ؛ و أمّا لو كانت لواحد منهما دون الآخر، فالحكم لذي البيّنة .

ص: 600


1- . مغني المحتاج : 4 / 488 ؛ نقله عنهم في كشف اللثام : 10 / 233 .
2- . نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 233 ؛ و راجع : بدائع الصنائع : 6 / 252 و 253 ؛ و المغني، لابن قدامة :6/ 430 و 7 / 235 ؛ و نيل الأوطار : 7 / 81 ؛ و الحاوي الكبير : 17 / 381 .
3- . المغني، لابن قدامة : 6 / 402 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 233 .
4- . انظر الخلاف : 6 / 349 ؛ و الحاوي الكبير : 17 / 381 ؛ و فيهما : مائة أب . و نقله عنه في في كشف اللثام :10 / 233 .
يلحق النسب بأربعة أشياء

115- مسألة

يلحق النسب بالفراش المنفرد، و الدعوى المنفردة، و بالفراش المشترک، والدعوى المشتركة .

أمّا الفراش المنفرد فكأن أن ينفرد رجل بوطئ امرأة هي زوجته، أو ملک يمين له، أو لمن حلّلها له ؛ و في حكم الفراش المنفرد الانفراد بالوطئ شبهة .

و أمّا الدعوى المنفردة فكأن يدّعي واحد مجهول النسب أنّه ولده و لا منازع له في ذلک .

وأمّا الفراش المشتركة فهو ما إذا وطئها اثنان أو أزيد بمجرّد شبهة لهما، أولأحدهما، أو بنكاح فاسد، أو كانت أمة مشتركة بينهما ؛ و في حكمها ما لو اشترى أمة فوطئها قبل الاستبراء .

و أمّا الدعوى المشتركة فكأن يدّعي اثنان فصاعدًا مجهول نسب كلّ واحد منهما أنّه ابنه مع امكان كونه منهما .

و الحكم في الفراش المنفرد و الدعوى المنفردة واضح ؛ و أمّا في الفراش المشترک و كذا في الدعوى المشتركة، فهو ما عرفت من أنّه لو كانت لأحدهما بيّنة فالولد له، و إلّا فلمن تخرجه القرعة مطلقًا، سواء لم تكن لهما بيّنة، أو كانت لهما معًا.

ص: 601

قيل :

و لا فرق عندنا بين الرجل و المرأة، فلو استلحقت امرأة مولودًا، فإن لم ينازعها غيرها لحق بها، و إن تنازعت فيه امرأتان لحق بذات البيّنة، أو من أخرجته (1) القرعة (2) .

هذا كلّه إذا كان وطؤ الاثنين في طهر واحد، و أمّا لو لم يكن كذلک، بل يكون وطؤ الثاني بعد تخلّل حيض بينه و بين الأوّل، فحينئذٍ يقضى بالولد للأخير إذا كان وطؤهما بالاشتباه، أو بعقد فاسد لكلّ منهما، لما صرّح به جماعة من الأصحاب من انقطاع إمكان كون الولد حينئذٍ من الأوّل، لأنّ الحيض علامة براءة الرحم في الشرع .

و كذا إذا كان وطؤ الأوّل بالاشتباه و وطؤ الثاني بعقد صحيح، أو فاسد .

و أمّا إذا كان وطوء الأوّل بعقد صحيح، فليس كذلک، بل يكون الولد له، لكون الولد للفراش، إلّا أن يعلم عدمه ؛ و تخلّل الحيض لا يفيد العلم به هنا، لقوّة الفراش وعدم امتناع اجتماع الحمل مع الحيض .

و تردّد في القواعد (3) فيما إذا كان الأوّل زوجًا بعقد فاسد لم يعلم بالفساد، ووطؤ الثاني بالاشتباه، لتحقّق الفراش ظاهرًا و انتفائه حقيقة .

ص: 602


1- . في المصدر : أخرجتها .
2- . كشف اللثام : 10 / 234 .
3- . القواعد : 3 / 482 .

لكنّ الظاهر كون الولد للأخير، للأصل، و هو بقاء براءة الرحم من الحمل، سيّما بعد اعتضاده في المقام بتخلّل الحيض .

و قد خالفناه فيما إذا كان الأوّل زوجًا بعقد صحيح، لما رأينا جماعة من أصحابنا قاطعين بذلک مع تحقّق الفراش الحقيقيّ فيه .

و أمّا هنا فليس كذلک، لما عرفت من تردّد العلّامة و مثله غيره أيضًا وانتفاء الفراش الحقيقيّ .

116- مسألة

اشارة

قد عرفت ممّا تقدّم أنّه لو انفرد أحد بدعوى مولود صغير - أي : لم يكن له منازع في ذلک - لحقه ؛ و هو مسلّم، إلّا أن يضرّ بغيره، كأن يكون معتقًا ولاؤه لمولاه، فحينئذٍ لو حكم لمدّعي الأب بنوّته له يقتضي ذلک تقدّمه على المولى في الإرث، و هو ضرر على المولى (1) .

ثمّ اعلم : أنّ الولد الصغير الّذي حكم به لمدّعيه إذا بلغ وانتفى عنه لا يقبل منه، استصحابًا لما ثبت شرعًا، إلّا إذا قام بيّنة، أو ظهر أمر مزيل له شرعًا .

هذا إذا كان الولد المتنازع فيه صغيرًا، و أمّا لو كان بالغًا عاقلاً فادّعاه مدّع أنّه ابنه و أنكر ذلک لم يلحق به، فلا يحكم له إلّا مع البيّنة، لأنّ له حينئذٍ منازعًا، خلافًا

ص: 603


1- . انظر قواعد الأحكام : 3 / 482 ؛ كشف اللثام : 10 / 234 .

للمحكيّ عن النهاية (1) .

و في القواعد :

إن سكت لم يكن تصديقًا (2) .

لأنّه أعمّ .

و يمكن أن يقال : إنّه مع السكوت الّذي لم يكن له باعث لا يصدق أنّه منازع، فتبقى الدعوى من غير منازع، فيجب القبول، فتأمّل .

لو ادّعى في ولد أنّه له من الزوجة المعيّنة
و أنكرتها الزوجة، لا يلحق بها مطلقًا

117- مسألة

اشارة

ولو ادّعى ولدًا أنّه له من الزوجة المعيّنة، فأنكرت زوجته ذلک ؛ والظاهر أنّه بمجرّد إقرار الأب لا يلحق بها، لأنّه إقرار في حقّ الغير، فلا يسمع، وفاقًا للمحكيّ عن أبي الجنيد و غيره (3) .

و للمسألة صُوَر :

الأولى : أن يعلم أنّ له زوجة غيرها .

ص: 604


1- . النهاية : 3 / 272 .
2- . القواعد : 3 / 482 .
3- . حكاه عنه في إيضاح الفوائد : 4 / 399 ؛ و كشف اللثام : 10 / 235 .

و الثانية : أن لا يعلم أنّ له زوجة غيرها، أم لا .

و الثالثة : أن يعلم عدم غيرها .

و في الصورة الأولى و الثانية لا بأس بما ذكرناه من عدم إلحاق الابن بها، لما مرّ ؛ و أمّا في الصورة الثالثة فينبغي الإلحاق بها، لانحصار الزوجة .

إن قلت : كما يدّعي الزوج أنّه لها، كذا تنكره الزوجة، فلِمَ يقدّم قول الزوج على قول الزوجة ؟

لا يقال : لكون الزوج أكثر اعتمادًا عليه، و لذا جعل الشارع امرأتين مقام رجل في الشهادة .

لأنّا نقول : لو كان الأمر كذلک ينبغي أن يقدّم الزوج مطلقًا و لو في الصورة الأولى و الثانية .

قلت : ليس بناء الحكم على ما ذكر من كون قول الزوج أكثر اعتمادًا عليه، بل هو قياس لا نقول به، بل المرجع في عدم إلحاق الولد بها هو ما مرّ من أنّه إقرار في حقّ الغير، و هو غير مسموع .

إن قلت : هو بعينه جارٍ في الصورة الثالثة أيضًا، لأنّ إلحاق الولد بها بإقرار الزوج هو عين ذلک .

قلت : إلحاقه بها في هذه الصورة ليس بمجرّد إقرار الأب، بل لما عرفت من العلم بعدم زوجة له غيرها كما هو المفروض، فيعلم من انحصار الزوجيّة فيها كون الولد لها، لا بمجرّد الإقرار من الزوج .

ص: 605

إن قلت : انحصار الزوجيّة فيها لا يجعل الولد ابنها مع إنكارها، لاحتمال أن لايكون ابن زوجها، بل لغيره ؛ و مجرّد ادّعاء الزوج لا يجعله ابنًا له .

قلت : قد عرفت سابقًا أنّه إذا ادّعى مدّع ولدًا و لم يكن له منازع في ذلک، يكون الولد له شرعًا ؛ و الولد في المثال المفروض كذلک، فيكون له بحكم الشرع ؛ و معلومٌ أنّ الولد لا يكون من غير زوجة، و المفروض انحصار الزوجة في المرأة المذكورة، فيكون منها، و هو المطلوب ؛ و حينئذٍ يؤيّد ذلک ما مرّ من الاعتبار من مقابلة قول رجل واحد قول امرأتين .

انتساب المتنازع فيه إلى أحد المتنازعين لا يكفي لثبوت النسبة

118- مسألة

اشارة

قال في القواعد :

و لو بلغ الصبيّ بعد أن تداعاه (1) اثنان قبل القرعة فانتسب إلى أحدهما قُبِل (2) .

و فيه نظر، لأنّا لم نجد دليلاً على أنّ مجرّد الانتساب إلى أحدهما يجعله ابنًا له، بل لابدّ فيه كما عرفت إمّا البيّنة إذا وجدت، أو القرعة مع عدمها، أو مع وجودها و تعارضت .

ص: 606


1- . في المصدر : بعد أن تداعيا .
2- . القواعد : 3 / 483 .

نعم، ما ذكره موافق لقول الشافعيّة، حيث قالوا على ما حكي :

و لا ينتسب بمجرّد التشهّي، بل يعوّل فيه على ميل الطبع الّذي يجده الولد إلى الوالد و القريب إلى القريب بحكم الجبلّة (1) .

و فيه نظر، لأنّ ميل القلبيّ ليس بمنحصر وجهه في القرابة، فإنّ المحسن يميل الطبع إليه و أنّ القلوب جبلّت على حبّ من أحسن إليها و بغض مَن أساء إليها، وقد يميل إليه لإساءة الآخر إليه، و قد يميل إلى أحسنهما خلقًا و أعظمها قدرًا أو جاهًا أو مالا، فلا تبقى للميل أثر في الدلالة على النسب ؛ كذا أفاده في التذكرة (2) ، و هو كما أفاد .

ثمّ على المختارمن عدم ثبوت النسب بالانتساب و عدم كفاية التصديق من المتنازع فيه في ذلک لأحدهما، لو انتسب إلى واحد منهما و أخرجته القرعة، فلا كلام، و إلّا يبقى مجهولاً .

و لو أنكرهما جميعًا وانتسب إلى ثالث، يقرع للثلاثة إذا صدّقه الثالث، فإن تخرجه فالولد له، و إلّا يبقى مجهولاً .

و على ما ذكرناه من القواعد لا يحتاج إلى القرعة حينئذ، بل يحكم لمن انتسب إليه ؛ و على القولين لو أنكرهما و لم ينتسب إلى ثالث لا يحتاج إلى القرعة، بل يبقى مجهولاً .

ص: 607


1- . المغني المحتاج : 4 / 490 ؛ حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 / 235 .
2- . التذكرة : 2 / 279 .

و بالجملة : لا دليل على قيام تصديقه و انتسابه إلى أحدهما مقام القرعة .

و أمّا القرعة فإن كان المتنازع فيه غير بالغ، فهي حجّة مطلقًا، سواء صدّق من أخرجته، أم لا ؛ و إن كان بالغًا فإن كذّبه و أنكره فلا اعتبار بها، لما عرفت من أنّه مع إنكار البالغ يكون هو أحد المتنازعين، و ليس القرعة بين المتنازعين ؛ و إن صدّقه فينسب إليه، و كذا إن سكت على احتمال، كما عرفت ممّا ذكرناه .

ثمّ اعلم : أنّه لو انتفى عنه بعد الانتساب إليه شرعًا لم يقبل قوله، لما عرفت فيما إذا حكم الصبيّ لأحد المتنازعين، ثمّ انتفى عنه بعد البلوغ .

نفقة الولد المتنازع فيه على المتنازعين قبل الثبوت

تنبيه

نفقة الولد المتنازع فيه قبل الثبوت شرعًا عليهما معًا، لإقرار كلّ منهما له، فيجب عليهما نفقته، ثمّ بعد الثبوت لأحدهما إمّا بالبيّنة أو بالقرعة يختصّ به، وذلک واضح .

لكن هل يكون للاخر المطالبة بالنفقة الّتي أنفقها عليه قبل الثبوت ؟

إشكالٌ مِن إقراره على نفسه باستحقاقه النفقة عليه، فليس له ذلک ؛ و مِن أنّه بعد الثبوت ظهر عدم الاستحقاق فيجوز (1) .

ص: 608


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 236 .

119- مسألة

لو ادّعى المدّعي أنّ لي عليک عشرة و أنكره المنكر فقال : لا يلزمني العشرة، أو ليس لک علىّ عشرة، و حلف عليه، لا يسقط عنه دعواه مطلقًا، بل لابدّ أن يكون حلفه إذا أراد سقوط الدعوى عنه إمّا بعنوان العموم بأن يقول : والله لا يستحقّ منّي شيئًا، أو بالخصوص بأن يقول : ليس لک عليّ عشرة، و لا شيء منها .

فلو اقتصر في حلفه بقوله : ليس لک عليّ عشرة، و لم يحلف على ما قلناه، يكون الحالف بالنسبة إلى ما تحت العشرة ناكلاً، فللمدّعي أن يحلف على ما دون العشرة، فيستحقّه .

و ذلک لأنّ ادّعاء المدّعي في المثال المفروض تعلّق بكلّ جزء من أجزاء العشرة، و مجرّد سقوط شيء من جزئها لا يستلزم سقوط كلّها، كما هو واضح، إلّا إذا كان متعلّق الدعوى هو المجموع من حيث المجموع ؛ و حينئذٍ انتفاء جزء منه يستلزم انتفاء الجميع .

و ذلک كما إذا نسب دعواه إلى عقد، كأن يقول : بعته بخمسين، و حلف المدّعي عليه أنّه لم يشتر بخمسين، و حينئذٍ لا يمكنه الحلف على ما دون الخمسين، لمناقضته مع الدعوى الأولى، لأنّ الدعوى هنا بالعقد، و هو أمر واحد، بخلاف ما تقدّم (1) .

ص: 609


1- . لاحظ البحث في القواعد : 3 / 485 ؛ و تحرير الأحكام : 5 / 159 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 705 ؛ و كشفاللثام : 10 / 240 .

120- مسألة

لو ادّعى عليه بتمزيق الثوب، أي : بأنّه مزّق ثوبه و عليه الأرش، يجوز له الاقتصار في الحلف بنفي الأرش، لأنّ المدّعى هو الأرش حقيقة، لأنّه هو الّذي أراده المدّعي من دعواه .

و لا يجب عليه التعرّض لنفي التمزيق، لجواز أن مزّقه و لا يلزمه أرش، فلو ادّعى بالتمزيق يشكل عليه الأمر، كذا قيل (1) ، و هو كذلک .

و كذا لو ادّعى عليه بدين و قد أدّاه، يجوز له الاقتصار له في الحلف بأنّه ليس له في ذمّتي شيء، أو لا يستحقّ منّي شيئًا .

و لا يجب عليه التعرّض بعدم الاستدانة لجوازها والتأدية، فيخاف أنّه لو أقرّ بذلک وادّعى التأدية يطلب بالبيّنة و ليست له ؛ و يخاف أن يحلف الخصم و يأخذه منه ثانيًا، و قد تقدّمت إليها الإشارة .

121- مسألة

لو ادّعى عليه عينًا في يده و لا يصدّقه و لا ينسبها إلى نفسه أيضًا، بل قال : ليست لي، لا يجوز تسليمها إلى المدّعي، لدلالة اليد ظاهرًا على نفي ملكه .

ص: 610


1- . قاله في كشف اللثام : 10 / 241 .

و مجرّد الدعوى لا يجعلها ملكًا له، إلّا أقام البيّنة، بل طولب المدّعى عليه بالتعيين، فإن عيّن صاحبها فهو، و إلّا قيل :

لم ينصرف الخصومة عنه، بل يجبر على الجواب إمّا بالاعتراف للمدّعي، أو تعيين من لم يعيّنه (1) .

و قيل :

أو بالادّعاء لنفسه (2) .

و فيه نظر، لتصريحه أوّلاً بأنّها ليست له، فلا وجه لقبول نسبته إلى نفسه ثانيًا.

و الظاهر انقطاع الخصومة عنه، بل يأخذها الحاكم إلى أن تقوم حجّة لمالک، لصيرورتها بإقرار ذي اليد بأنّها ليست له مجهول المالک، إذ المفروض عجز المدّعي عن الإثبات، فيأخذها الحاكم و يحفظها إلى أن ظهر مالكها من باب نيابة العامّة .

و يحتمل أن لا يعرف ذو اليد صاحبها، فلا وجه لإجباره على التعيين، أو الاعتراف بها للمدّعي ؛ و أيضًا ظهر بإقرار ذي اليد أنّها للغير، فيحتمل أن تتلف في يده، فعلى الحاكم أخذها حفظًا لمال الغير من التلف .

ثمّ إنّه لو قال : إنّها ليست لي و لكن لفلان، و هو حاضر، يرجع إليه، فإن صدّقه ردّها إليه، و للمدّعي إحلاف ذي اليد إن ادّعى علمه بأنّها له، لثبوت الغرم إن نكل

ص: 611


1- . كشف اللثام : 10 / 242 .
2- . نسبه إلى القيل في كشف اللثام : 10 / 242 .

عنه، أو اعترف له ثانيًا .

و قيل :

ليس له إحلافه (1) .

و هو مبنيّ على القول بعدم ثبوت الغرم لو اعترف ثانيًا لغير ما اعترف له أوّلاً، أو نكل من الحلف، لعدم الفائدة للحلف حينئذ .

و أمّا لو كذّبه فلا يردّ إليه، و لا إلى المدّعي ؛ أمّا عدم الردّ إلى المقرّ له مع تكذيبه فظاهر، و أمّا عدمه إلى المدّعي فلما مرّ، بل يأخذها الحاكم إلى أن يظهر مستحقّه، لما عرفت .

و احتمل في القواعد (2) هنا دفعه إلى المدّعي بلا بيّنة، لعدم المنازع له فيه .

و فيه نظر، لأنّه لا دليل على أنّه (3) كلّ شيء لا منازع فيه لحكم به للمدّعي، بل إنّما هو إذا كان في يده، أو لم يكن في يده و لا في يد غيره .

ثمّ اعلم : أنّه لو قال : إنّها لفلان، و هو غائب، فحينئذٍ إن رأى الحاكم يأخذه، وإن رأى أبقاه في يده، و للمدّعي إحلافه إن ادّعى عليه أنّه عالم بكونها له، أو على العلم بأنّها للغائب، فإن حلف فهو، و إلّا حلف المدّعي بأنّها له، أو ليست للمقرّ له .

ثمّ بعد حلفه هل يحكم له بالعين، أو بمثلها، أو قيمتها ؟

ص: 612


1- . المبسوط : 8 / 266 .
2- . القواعد : 3 / 486 .
3- . كذا في نسخة الأصل .

في القواعد :

الأقرب : الثاني (1) .

وجهه هو : أنّ إقراره لغيره بمنزلة الإتلاف، فيلزمه الغرم بمثل المال التالف، أو قيمته ؛ و أنّ المالک ظاهرًا بإقرار ذي اليد هو الغائب، فلا ينتزع ملكه بنكول غيره، وكذا بيمينه .

هذا كلّه إذا لم تكن لأحدهما بيّنة، فإن كانت للمدّعي فيحكم له، و كذا إن كانت لذي اليد تشهد أنّها للغائب ؛ و إن كانت البيّنة لهما معًا، فالحكم للمدّعي، لما عرفت سابقًا من ترجيح بيّنة الخارج مطلقًا، سواء كانتا مطلقتين، أو مقيّدتين، أو بيّنة الخارج مقيّدة و الداخل مطلقة .

و أمّا إذا كان عكسه، أي : بيّنة الداخل مقيّدة و الخارج مطلقة، فالحكم للداخل، كما عرفت الوجه في الجميع، فلاحظ .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ ما قلناه من أنّ ذا اليد لو قال : إنّها ليست لي مثلاً، يأخذها الحاكم، إنّما هو إذا لم يعلم أنّ ذا اليد وكيل صاحبها أو وليّها ؛ و أمّا إذا علم ذلک فلايأخذها منها، بل يبقيها في يده، وجهه واضح .

و كذا لو اشتبه الأمر، لأنّ الأصل في حمل أفعال المسلمين الصحّة، فتصرّف ذي اليد لا يكون إلّا بوجه شرعيّ، و معه لا وجه لأخذها الحاكم، إلّا إذا علم أنّه غير أمين ؛ و كذا لو ظنّ ذلک أيضًا .

ص: 613


1- . القواعد : 3 / 486 .

121- مسألة

اشارة

لو باع شيئًا، ثمّ خرج مستحقًّا للغير، يرجع إلى البائع في أخذ ثمنه ؛ و ذلک واضح، قال في القواعد :

فإن قال (1) في نزاع المدّعي بأنّه كان ملكًا للبائع، ففي الرجوع إشكال (2) .

وجه الإشكال هو : أنّه إذا اعترف بأنّه ملكه اعترف بأنّ انتزاع العين وقع ظلمًا منه ؛ و أنّ الظاهر من هذا الكلام في أثناء الخصومة أنّه أراد منه أنّه كان في الظاهر ملكه، فيسمع منه قوله : إنّما قلت ذلک على رسم الخصومة (3) .

لكنّ الأقوى الثاني، كما اختاره في القواعد، لأنّ المفروض في المسألة هو ما إذا ظهر المبيع مستحقًّا للغير شرعًا ؛ و معلوم أنّ الشيء الواحد لا يملكه بالانفراد شخصان في آنٍ واحد، فعلى هذا اعترافه في حال النزاع أنّه للبائع مع ثبوت كونه لغيره شرعًا لا يلتفت إليه، فيرجع إلى الثمن مطلقًا، و إن قال في حال النزاع : انّه ملک بائعه .

نعم، إذا حصل له العلم بأنّه ليس من ملک المدّعي، بل من مال البائع حقيقة،

ص: 614


1- . في المصدر : صرّح .
2- . القواعد : 3 / 486 .
3- . كشف اللثام : 10 / 244 .

وأنّ البيّنة الّتي أقامها المدّعي قد اشتبه الأمر عليها مثلاً، فلا يجوز الرجوع حينئذ، لعلمه بكون المبيع ملكًا للغير، و هو اشترى منه بعقد صحيح، و حينئذٍ قد انتقل المبيع من البائع إليه، فصار ملكًا له، لاجتماع شرائط البيع .

فصلٌ

في بيان ما يترجّح إحدى الحجّتين
على الأخرى في مقام تعارضهما

و هو ثلاثة :

الأوّل : قوّة إحداهما و ضعف الأخرى، كشهادة الشاهدين، أو شاهد وامرأتين مع شاهد و يمين، و عرفت أنّه ليس بينهما تعارض حقيقة، فإنّه متى اجتمع أحد من الأوّلين مع الثالث يقدّم، و قد مرّ ذلک .

و الثاني : كون إحداهما للخارج و الأخرى للداخل، فمتى عارضت البيّنتان وكان إحداهما بيّنة خارج و الأخرى بيّنة داخل يقدّم الأولى على الثانية، كما عرفت مفصّلاً، إلّا إذا كانت بيّنة الداخل مقيّدة و الأخرى مطلقة، فيقدّم الداخل حينئذٍ على ما هو الحقّ، و قد عرفت أيضًا .

الثالث : اشتمال إحدى البيّنتين على زيادة، فإذا تعارضت البيّنتان و كانت إحداهما مشتملة على ما لم تشتمل عليه الأخرى تقدّم المشتملة على غيرها،

ص: 615

لتساقط البيّنتين بتعارضهما فيما اشتملتا، ويبقى الزيادة مع حجّة من غير معارض .

كزيادة التاريخ، فإذا شهدت بيّنة شخص على أنّه ملكه منذ شهر - أي : من ابتداء هذا الشهر إلى الآن - و بيّنة آخر على أنّه ملكه منذ شهرين - أي : من ابتداء هذين الشهرين إلى الآن - قدّمت بيّنة الأخير، لأنّ بيّنته أثبتت الملک له في وقت لم تعارضه البيّنة الأخرى فيه، و هو الشهر الأوّل، فثبت الملک فيه من غير معارض، لكن تعارضتا في الملک فيما بعد الشهر الأوّل إلى الآن، فسقطتا، فبقى الملک السابق بلا معارض، فيجب استدامته ؛ هكذا قال جماعة من الأصحاب (1) .

و فيه نظر، لأنّ ثبوت الملک في الشهر الأوّل تابع لثبوته في الحال، فإذا لم يثبت الملک بتعارض البيّنتين في الحال، فلا عبرة بثبوته في الماضي، لأنّ النزاع إنّما هو في الملک في الحال ؛ ألا ترى أنّه لو ادّعى أحد المتداعيين الملک في الماضي خاصّة وادّعى خصمه الملک في الحال، يحكم للثاني و لا يسمع دعوى الأوّل ولابيّنته، لعدم التعارض بين الدعويين ؛ هكذا أفاد بعضهم (2) .

و الجواب عنه هو : أنّ عدم ثبوت الملک في الحال غير مضرّ بعد ثبوته في الماضي مع عدم ثبوت خلافه، لأنّه بعد تعارض البيّنتين من الطرفين في الحال صارتا في حكم العدم بالنسبة إلى ثبوت الملک لأحدهما في الحال، فيستصحب ما ثبت في الماضي .

ص: 616


1- . منهم الشيخ في المبسوط : 8 / 279 ؛ والمحقّق في الشرائع : 4 / 112 ؛ وابن إدريس في السرائر : 2 /169 ؛ و ابن حمزة في الوسيلة : 230 .
2- . كشف اللثام : 10 / 258 .

و القول بأنّ ثبوت الملک في الشهر الأوّل تابع لثبوته في الحال - و بالجملة ثبوت الملک في الماضي تابع لثبوته في الحال - ممنوع، بل الأمر بالعكس، أي : ثبوت الملک في الحال تابع لثبوته في الماضي إذا لم يظهر خلافه، كما فيما نحن فيه، استصحابًا لما ثبت على ما أوضحناه .

ثمّ إنّ حمل المقام بما لو انفرد أحد المتداعيين بادّعاء الملک في الماضي خاصّة مع ادّعاء خصمه الملک في الحال قياسٌ لا نقول به، على أنّه قياس مع الفارق، لأنّ هناک أحد المتداعيين ادّعى الملک في الماضي، و الآخر الملک في الحال ؛ و هنا ليس كذلک، لأنّه بعد تعارض البيّنتين في الحال و ادّعاء المتداعيين فيها صار كأنّه لا مدّعي في الحال للمدّعى به، فيحكم به لمن ثبت أنّه ملكه في الماضي .

فنظير المسألة هو ما إذا وجد شيء و لا مدّعي له في الحال، لكن ثبت أنّه كان في الماضي لشخص معيّن، فالظاهر أنّه يحكم في الحال لمن كان له في الماضي، للأصل السالم من المعارض ؛ و بالجملة : هذا لا يصلح سندًا لبطلان ما ذكروه من تقديم البيّنة المشتملة على الزيادة على غيرها .

نعم، في المقام شيء، و هو : أنّه لو شهدت البيّنة الغير المشتملة على ما اشتملت عليه الأخرى من الزيادة بأنّ المشهود له بها اشتراه من الأوّل، تقدّمت على البيّنة الأخرى من غير إشكال، على ما يستفاد من بعض الأصحاب (1) ، مع قيام ما مرّ

ص: 617


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 258 .

فيها، و هو تعارض البيّنتين في الحال و تساقطهما فيها، فبقى ما اشتمله من الزيادة من غير معارض .

و وجه تقديم البيّنة الغير المشتملة على الزيادة على ما اشتملت عليها ظاهرًا هناک هو : أنّها لمّا صرّحت بالشراء علم أنّها اطّلعت على ما لم يطّلع عليه الأخرى، و هو موجودٌ فيما نحن فيه أيضًا، فإنّ البيّنة فيه و إن شهدت بأنّ المشهود له بها ملكه من ابتداء شهرين مثلاً إلى الآن، لكن غاية ما يستفاد من هذه البيّنة أنّها علمت أنّه ملكه و لم تعلم بمزيله في المدّة المذكورة .

والظاهر من البيّنة الأخرى أنّها اطّلعت على ما لم تطّلع عليه الأخرى، فإنّه ما لم يظهر لها ما يعيّن الملک منذ شهر كيف تشهد به ؟!

و غاية البيّنة الأخرى أنّه لم يظهر لها ذلک، و المثبت مقدّم، إلّا أنّها لمّا لم تتعرّض بسبب الملک و لم يصرّح به يمكن استناد شهادتها إلى اليد، و هي تحتمل الملک و غيره، و إن كان ظاهرها الملک .

و يمكن أن تكون البيّنة الأخرى تعلم اليد و أنّها لغير الملک، فلهذا لا يحكم بتقديم البيّنة الغير المشتملة على الزيادة على المشتملة عليها، بل يحكم بالتساوي بينهما، لا تقديم البيّنة المشتملة على الزيادة على غيرها .

و يمكن الجواب عنه : بأنّ مقتضى الأصل تقديم البيّنة المشتملة على الزيادة على غيرها على ما مرّ بيانه، و تخصيصه ثبت فيما إذا صرّحت البيّنة الأخرى بسبب الملک ؛ و أمّا إذا لم تكن كذلک - كما فيما نحن فيه - فلا ؛ و مخالفة مقتضى

ص: 618

الأصل من غير ثبوت الخلاف غير جائز .

هذا كلّه فيما إذا اختلفت البيّنتان بالزيادة و النقصان، و كذا الكلام فيما إذا اختلفتا بالحادث و القديم، بأن شهدت إحداهما بالملک في الحال و الأخرى بالملک في القديم مستمرًّا إلى الحال، كأن تقول إحداهما أنّه ملكه في الحال، والأخرى بأنّه ملكه منذ شهر مثلاً .

و أمّا لو أطلقت إحداهما و أرّخت الأخرى، كأن تشهد الأولى بأنّه ملكه، والأخرى بأنّه ملكه منذ سنة، ففي القواعد : تساوتا (1) ، لأنّ الإطلاق يحتمل هذا التاريخ و غيره زائدًا و ناقصًا، فلا زيادة في إحداهما على الأخرى، إلّا بالتعرّض للتاريخ .

قيل :

و هو ممّا لا يؤكّد الملک ليتسبّب للترجيح (2) .

أقول : و يمكن أن يقال : إنّ تملّک كلٍّ من المتداعيين للمدّعى به خلاف الأصل و حادث، و قد عرفت مرارًا أنّ الأصل في كلّ حادث التأخّر .

و على هذا نقول : إنّ تاريخ تملّک أحدهما وقته معيّن و معلوم بالبيّنة، و تملّک الآخر وقته مجهول و غير معلوم، فالأصل تأخّره عن المعلوم لما عرفت، فصار الإطلاق على هذا كأنّه بمنزلة أن يصرّح بأنّ تاريخه بعد تاريخ المؤرّخ، فيكون

ص: 619


1- . القواعد : 3 / 490 .
2- . كشف اللثام : 10 / 258 ؛ و فيه : ليتسبّب الترجيح .

حكمه حكم ما لو اختلفت البيّنتان بالزيادة و النقصان، و قد عرفته .

ثمّ اعلم : أنّه لو كانت البيّنة المشتملة على الأقدميّة في الملک للخارج، فينبغي أن لا إشكال في تقديمها على غيرها على القول بتقديم بيّنة الخارج، لعموم ما دلّ على تقديمها، كما مرّ سابقًا ؛ مضافًا إلى خصوص ما عرفته فيما نحن فيه .

و أمّا لو كانت تلک البيّنة المشتملة على الأقدميّة لذي اليد و غيرها للخارج، فالظاهر تقديم بيّنة الخارج أيضًا و إن كانت بيّنة ذي اليد مشتملة على ما لم تشتمل عليه الأخرى من الزيادة كالأقدميّة، لعموم ما عرفته سابقًا في ترجيح بيّنة الخارج .

و لا مخصّص له في المقام، إذ لم نجد دليلاً على تقديم المشتملة على الزيادة على غيرها، إلّا ما مرّ من الأصل ؛ و معلوم أنّه في مقابلة العموم مطروح، فبقي العامّ سالمًا عمّا يصلح للمعارضة، فيجب العمل به .

فعلى هذا إفراد هذه المسألة بخصوصها لا ثمرة له، للاستغناء عن هذه المسألة بما تقدّم من تقديم بيّنة الخارج على بيّنة الداخل، لكن نقل عن الشيخ في المبسوط و الخلاف (1) أنّه يقدّم بيّنة ذي اليد إذا كانت مشتملة على الأقدميّة على غيرها، و أنّه نفى عنه الخلاف في الخلاف (2) ، فإن ثبت فلا كلام فيه، و إلّا فالحقّ ما عرفته .

ص: 620


1- . المبسوط : 8 / 280 ؛ الخلاف : 6 / 342 .
2- . الخلاف : 6 / 342 .

ثمّ إنّ هذا كلّه إذا شهدت البيّنتان المشتملة على الزيادة و غيرها على الملک كما عرفت .

و أمّا لو شهدت إحداهما بالملک و الأخرى باليد، كما لو قالت إحداهما أنّه ملكه منذ شهر مثلاً، والأخرى أنّه في يده منذ شهرين، فتقدّم الأولى، لأنّ تعارضهما من تعارض النصّ و الظاهر، لأنّ قول البيّنة الأولى نصّ في الملكيّة، وقول الأخرى ظاهر فيها، لما عرفت سابقًا من دلالة اليد عليها ظاهرًا ؛ و معلومٌ تقديم النصّ على الظاهر في مقام التعارض .

و هذا أعمّ من أن يكون البيّنة المشتملة على الملكيّة صريحًا لذي اليد، أو للخارج .

في أنّ الشهادة بأنّ المدّعى به
كان للمدّعي في الأمس لا يعارض التصرّف

123- مسألة

لو تداعيا و كان المدّعى به في يد أحدهما و شهدت البيّنة للاخر على أنّه له أمس و لم يتعرّض للحال، فشهادتها غير مسموعة .

و عن الشيخ في أحد قوليه في الخلاف و المبسوط (1) : أنّها مسموعة ؛ وجهه

ص: 621


1- . الخلاف : 6 / 342 ؛ المبسوط : 5 / 637 .

هو: أنّه إذا ثبت الملک في الأمس بشهادة البيّنة استصحب إلى أن يظهر المزيل .

و عن التحرير : اختياره (1) .

و فيه نظر، لأنّ مقتضى الاستصحاب و إن كان ذلک، إلّا أنّه يطرح بما مرّ من النصّ الدالّ على دلالة اليد على الملكيّة .

و لا فرق في ذلک بين أن تقتصر البيّنة بأنّه كان ملكه أمس و بين ما لو أضافت إليه قولها : لا أعلم له مزيلاً ؛ خلافًا للقواعد و غيره (2) ، إلّا أن ثبت بالدليل .

و لو قالت : إنّه له أمس واعتقد أنّه له في الحال بالاستصحاب، فهو أيضًا كذلک، لأنّه ليس الفرق بينه و بين ما تقدّم إلّا في تصريح المستند الّذي هو الاستصحاب، و قد عرفت الجواب عنه ؛ خلافًا للمحكيّ عن التحرير (3) ، فجوّز السماع حينئذ،لأنّه تصريح بمستند الشهادة بالملک في الحال، إذ لا طريق إلى العلم، فكما يسمع مع الإهمال يسمع مع التصريح .

و فيه نظر، إذ قوله : « لا طريق إلى العلم » ممنوع، إذ ربما انضمّ إلى الاستصحاب أمور أخر يقوّي بقاء الملک حتّى يحصل العلم به .

و أيضًا حمل ذلک فيما أهملت الشهادة قياسٌ لا نقول به، على أنّه قياسٌ مع الفارق، لأنّ مع الاهمال يحتمل أن يكون عالمًا بالملک، بل الظاهر ذلک، بخلاف ما

ص: 622


1- . تحرير الأحكام : 5 / 189 .
2- . انظر القواعد : 3 / 490 ؛ و كشف اللثام : 10 / 260 .
3- . تحرير الأحكام : 5 / 191 ؛ حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 260 .

نحن فيه، لتصريحه بأنّ مستند اعتقاده الاستصحاب .

و قد مرّ الجواب عنه، فالشهادة إنّما تسمع إذا شهدت بأنّه ملكه في الحال، سواء انضمّت إليه علمها بذلک، أم لا .

هذا إذا شهدت البيّنة بالملک في الزمان المتقدّم ؛ و أمّا لو شهدت بأنّ ذا اليد أقرّ في الأمس بأنّه للمدّعي، فحينئذٍ لا يخلو إمّا أن ظهر من البيّنة أنّه كان حين الإقرار بيده أيضًا، أو بيد المدّعي، أو بيد ثالث، أو لا يظهر ذلک .

فإن ظهر منها أنّه كان حين الإقرار بيده أيضًا يحكم به للمدّعي، لأنّإقراره باستحقاقه قد ثبت، فيستصحب إلى أن يظهر المزيل و لم يظهر بعد .

وإن ظهرمن البيّنة أنّه كان بيد المدّعي و الظاهر أنّه يحكم لذي اليد، لأنّ استصحاب الإقرار يرفع اليد عنه بما تقدّم ممّا دلّ على دلالة ظاهر اليد على الملكيّة ؛ و كذا لو ظهر منها أنّه كان بيد غيرهما، لعين ما مرّ .

و أمّا لو لم يظهر من البيّنة أنّه بيد أيّهما هو، فالظاهر أنّه يحكم به للمدّعي، لأنّه لو كان بيد الغير وانتقل إليه يلزم التغيّر و التبدّل، و الأصل عدمه، فعلى هذا كان إقراره حال كونه في يده، فيكون كالأوّل، فيستصحب إقراره السالم من المعارض، فيحكم به للمقرّ له .

124- مسألة

لو شهدت البيّنة أنّه كان في يد المدّعي أمس، يحكم أيضًا لذي اليد، لأنّه ليس

ص: 623

فيه إلّا استصحاب الملكيّة الظاهرة من اليد في الأمس، و هو معارض بما دلّت عليه اليد في الحال، على أنّ تلک اليد ليس بمقطوع بها، بخلاف هذه .

وفاقًا للمحكيّ عن ابن الجنيد (1) وأحد قولي الشيخ في المبسوط والخلاف (2) ؛ و خلافًا للمحكيّ عن الشيخ في قوليه الاخر في الخلاف و المبسوط (3) ، لاستناد الشهادة باليد إلى التحقيق، و إذا ثبتت سابقًا استصحبت .

و قد مرّ الجواب عنه، لكن أُيّد ذلک (4) بمرسل جميل عن أحدهما (عليهماالسلام) في

رجل اشترى هديًا فنحره، فمرّ بها رجل فعرفها (5) ، فقال : هذه بدنتي ضلّت منّي بالأمس، و شهد له رجلان بذلک، فقال : له لحمها (6) .

و فيه أوّلاً : أنّه ليس للمرسل دخل لمحلّ النزاع، لأنّ الظاهر منه شهادة البيّنة بالملک في الحال لا يكون اليد عليه .

و ثانيًا : أنّه مرسل .

نعم، لو شهدت بيّنة المدّعي أنّ صاحب اليد في الحال غصبه أو استأجره منه

ص: 624


1- . حكاه عنه في مختلف الشيعة : 8 / 451 .
2- . المبسوط : 8 / 269 ؛ الخلاف : 6 / 339 .
3- . المبسوط : 8 / 303 ؛ الخلاف : 6 / 347 .
4- . انظر مجمع الفائدة : 7 / 269 ؛ و كشف اللثام : 10 / 261 الهامش 3 .
5- . في الكافي : فمرّ به رجل فعرفه .
6- . الكافي : 4 / 495 ح 9 ؛ الاستبصار : 2 / 272 ح 964 ؛ التهذيب : 5 / 220 ح 740 ؛ الوسائل :14/145 ح 18829 . و للحديث تتمّة، و هي : « و لا تجزئ عن واحد منهما، ثمّ قال : و لذلک جرت السنّةبإشعارها و تقليدها إذا عُرّفت ».

حكم له، لشهادة البيّنة بالملک للأوّل و سبب يد الثاني و صرّحت بأنّ يده ليست للملک، فلا معارض للملكيّة المستفادة من اليد السابقة (1) .

125- مسألة

اعلم : أنّ البيّنة لا توجب زوال الملک للمدّعى عليه عن المشهود به في جميع زمان قبل قيامها، بل إنّما توجب زوال الملک له عنه قبل قيامها بأقلّ زمان يمكن الزوال .

و ذلک لأنّ الأصل أن يكون ما في اليد ملكًا لصاحبها، فالحكم بكونه لغيره وأخذه منه و إعطاؤه لغيره خلاف الأصل و إن كان بالبيّنة ؛ و معلوم أنّه يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن .

و على هذا نقول : إنّ الشيء الّذي في يد المدّعى عليه الأصل أن يكون ملكًا له في جميع الأزمنة الّتي في يده، لكن لمّا ثبت أنّه إذا أقام المدّعي البيّنة على أنّه له يجب متابعتها، قلنا بذلک ؛ و لم يعلم منها زوال الملكيّة للمدّعى عليه في جميع الأزمنة الّتي في يده، فيجب الاقتصار على أقلّ ما يمكن ذلک، و هو ما تقدّم، أي : قبل إقامة البيّنة بأقلّ زمان يمكن فيه ذلک، لما عرفت من الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن .

فعلى هذه القاعدة أنّه لو شهدت البيّنة على دابّة يحكم بها للمدّعي خاصّة،

ص: 625


1- . قواعد الأحكام : 3 / 491 ؛ كشف اللثام : 10 / 262 .

لانتاجها قبل شهادة البيّنة، بل هو للمدّعى عليه ؛ و كذا إذا شهدت على الشجر، فإنّ الثمرة الظاهرة على الشجر قبل شهادتها للمدّعى عليه .

و أيضًا على هذا أنّ المشتري إذا أخذ منه ما اشتراه ببيّنة مطلقة ينبغي أن لايرجع على البائع بالثمن إذا مضى بعد البيع زمان يمكن فيه زوال الملک من المشتري و انتقاله إلى المدّعي المقيم للبيّنة ؛ و مع ذلک المنقول عن المشهور بين الأصحاب الرجوع على البائع بالثمن حينئذ (1) .

و العجب عنهم حكمهم - على ما نقل عنهم (2) - بتملّک المشتري للثمرة إذا حصلت بعد البيع و قبل إقامة البيّنة أو حالها مع الرجوع على البائع بالثمن .

و فيه نظر، لأنّ هذا البيع إمّا باطل، أو صحيح ؛ و على الأوّل لا معنى لتملّک المشتري للثمرة، و هو واضح ؛ و على الثاني انتقل المبيع من البائع إلى المشتري، ثمّ ذهب منه بحجّة شرعيّة، فلا وجه للرجوع إلى البائع بالثمن .

و بالجملة : القول بالرجوع على البائع بالثمن مع تملّک المشتري للثمرة المتجدّدة بعد البيع و قبل الإقامة مثلاً جمعٌ بين المتنافيين، لأنّهما معلولان للنقيضين، لأنّ الرجوع على البائع بالثمن معلولٌ لبطلان البيع، و تملّک المشتري للثمرة المتجدّدة معلولٌ لصحّته ؛ و اجتماع المعلولين يستلزم اجتماع علّيّتهما -أي : البطلان و الصحّة - و التناقض و التنافي بينهما واضح، فيلزم اجتماع

ص: 626


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 262 .
2- . نقله عنهم في القواعد : 3 / 491 ؛ و كشف اللثام : 10 / 262 .

المتناقضين، و هو محال، و الموقوف على المحال محال .

و أعجب من ذلک أنّه حكي عنهم (1) أيضًا أنّه لو أخذ المبيع ممّن وهبه له المشتري يرجع المشتري أيضًا إلى البائع، و كذا لو أخذ ذلک ممّن اشتراه من المشتري و لو كثر، فإنّه يرجع فيه المشتري الثاني إلى المشتري الأوّل، و هو إلى البائع ؛ و كذا إذا كان البائع قد اشتراه من آخر، و هكذا ؛ و لا يخفى شناعة هذا الحكم .

و لهذا قد أجاب عنه بعضهم (2) بأنّه ربّما يمكن تنزيل إطلاق المشهور على ما إذا ادّعى المدّعي على خصمه ملكًا سابقًا على الشراء و أقام البيّنة على ذلک، و هو مسلّم لا مخالفة له، للأصل المتقدّم ؛ و لهذا قال في القواعد :

لو قيل : لا يرجع على البائع إلّا إذا ادّعى ملكًا سابقًا (3) ، كان وجهًا (4) .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ هذا كلّه إذا كانت البيّنة مطلقة، و هو واضح ؛ و أمّا لو كانت مؤرّخة، فيتبع التاريخ .

126- مسألة

لو شهدت البيّنة مع ذكر السبب فلا يخلو إمّا أن يكون المدّعي أراد ذلک، أم لا،

ص: 627


1- . حكاه عنهم في القواعد : 3 / 491 ؛ و كشف اللثام : 10 / 262 .
2- . و هو الفاضل الأصبهانيّ (قدس سره) في كشف اللثام : 10 / 263 .
3- . في المصدر : ملكًا سابقًا على الشراء .
4- . القواعد : 3 / 491 .

فإن كان الأوّل فلا كلام في ذلک و يرجّح على البيّنة المطلقة عند القائل بذلک .

و إن كان الثاني - أي : كانت شهادة البيّنة مع ذكر السبب من غير إرادة المدّعي، أي : كان ادّعا المدّعي بالإطلاق - فلا كلام في سماع الشهادة حينئذٍ أيضًا، لكن لو أراد المدّعي الترجيح بالسبب وجبت إعادة البيّنة بعد إعادة الدعوى للسبب، إذ لاعبرة بالشهادة المتبرّع بها .

127- مسألة

و لو ادّعى أحد المتداعيين ما يبطل به العقد و أنكره الآخر، قال في القواعد :

قُدِّم قول مدّعي الصحّة (1) .

إجماعًا عملاً بالظاهر و إن كان البطلان موافقًا للأصل (2) .

و إن أقاما بيّنة، فهل يقدّم بيّنته أيضًا، أم بيّنة مدّعي البطلان ؟

إشكالٌ ؛ فإن قلنا : إنّ المدّعي هو الّذي يدّعي خلاف الأصل يقدّم بيّنته أيضًا، لأنّ الصحّة خلاف الأصل .

و إن قلنا : إنّه الّذي يدّعي خلاف الظاهر، فيقدّم بيّنة مدّعي البطلان، لأنّ الظاهر صحّة البيع حملاً لأفعال المسلمين على الصحّة .

ص: 628


1- . القواعد : 3 / 491 .
2- . كشف اللثام : 10 / 263 .

و إن قلنا : إنّه الّذي يترک لو ترک الخصومة يقدّم بيّنة مدّعي البطلان أيضًا، لأنّه لو ترک الخصومة و لم يدّع بطلان العقد يترک الخصومة ؛ و حيث قد رجّحناه وجب علينا القول بتقديم بيّنتها .

و أيضًا بيّنته بيّنة الخارج و بيّنة مدّعي الصحّة بيّنة الداخل، و قد عرفت أنّ الحقّ تقديم بيّنة الخارج إلّا إذا كان بيّنة الداخل مقيّدة و الأخرى مطلقة، و قد عرفت.

128- مسألة

و لو ادّعى أنّ وكيله آجر بيته دون أجرة المثل، و ادّعى الوكيل أنّها بأجرة المثل قدّم قول الوكيل، لما عرفت من دعوى الإجماع على تقديم قول مدّعي الصحّة على قول مدّعي البطلان .

و لو أقاما البيّنة تقديم (1) بيّنة أيّ منهما إشكال، من أنّ المالک هو الّذي يدّعي خلاف الظاهر و يترک لو ترک، فتقدّم بيّنته ؛ و أيضًا أنّ القول قول الوكيل مع يمينه، فالبيّنة بيّنة المالک ؛ و أيضًا أنّ المالک يدّعي زيادة ينكرها الوكيل .

و من أنّ الوكيل يدّعي انتقال المنفعة، و المالک ينكره، فالبيّنة بيّنة الوكيل .

و من أنّ الوكيل يدّعي انتقال ملكه إلى المستأجر، و المالک ينكره، فالبيّنة بيّنة الوكيل، لأنّ قوله مخالفٌ للأصل، و قول المالک موافقٌ له، لكنّ الأوّل أولى (2) .

ص: 629


1- . كذا في نسخة الأصل، والمناسب : ففي تقديم .
2- . لاحظ المسألة في القواعد : 3 / 491 ؛ و كشف اللثام : 10 / 263 .

129- مسألة

لو تداعيا في دابّة و ادّعى أحدهما أنّه ملكها منذ خمس سنين مثلاً و علم أنّ سنّها أقلّ من ذلک قطعًا، أو قال : إنّها نتجت عنده في مدّة كذا و علم أنّ سنّها أكثر من تلک المدّة، لا تسمع دعواه، فلا نطلب بالبيّنة، لحصول العلم بكذبها، بل يحكم للاخر إن كانت في يده، أو أقام البيّنة على أنّها له، بل مطلقًا، لأنّه مدّع لها من غير منازع (1) .

130- مسألة

لو ادّعى عينًا في يد زيد و أقام بيّنةً على أنّه اشتراها من عمرو لا يحكم له، بل يبقى في يد زيد و له عليه اليمين، لدلالة اليد على الملكيّة .

و الشراء من عمرو لايستلزم أن يكون ملكًا له، لاحتمال أن يكون نائبًا في الشراء.

و على تقدير تسليم أن يكون له، أو شهدت البيّنة على الملكيّة ليس هناک إلّا استصحاب الملكيّة، و هو مطروحٌ في مقابلة ما دلّ على دلالة ظاهر اليد على الملكيّة كما عرفت غير مرّة، إلّا أن تشهد البيّنة بالملک في الحال، فيقضى للمدّعي حينئذ.

ص: 630


1- . لاحظ المسألة في القواعد : 3 / 491 ؛ و كشف اللثام : 10 / 264 .

و عن الخلاف (1) أنّه يقضى له مع شهادة البيّنة بالشراء، لأنّ الشراء دلالة على التصرّف السابق الدالّ على الملكيّة، كما أنّ اليد السابقة دالّة عليها، إذ كما أنّ الظاهر من اليد كونها أصالةً لا نيابةً و لا عدوانًا، فكذا البيع و الشراء (2) .

و جوابه قد عرفت ممّا ذكرناه .

131- مسألة

ولو ادّعى الخارج أنّ العين الّتي في يد المتشبّث ملكه منذ سنة، فادّعى المتشبّث أنّه اشتراها عنه منذ سنتين و أقاما بيّنةً، مقتضى ما ذكرناه سابقًا تقديم بيّنة الخارج، لكن نقل عن الشيخ في الخلاف أنّه قال :

لا خلاف في زوال يد البائع، ثمّ المشتري إن شهدت بيّنته بأنّه اشتراها من الأوّل، و هي ملكه، أو كان متصرّفًا فيها تصرّف الملّاک، حكم بها للمشتري بلا خلاف ؛ و إن شهدت بالشراء فقط و لم تشهد بملک و لا بيد فقال الشافعي : حكمنا بها للمشتري و إليه أذهب .

و قال أبو حنيفة : أقرّها في يد المدّعي و لا أقضي بها للمشتري، لأنّ البيّنة إذا لم تشهد بغير البيع المطلق لم يدلّ على أنّه باع ملكه، و لا أنّها

ص: 631


1- . الخلاف : 6 / 345 .
2- . لاحظ المسألة في المبسوط : 8 / 295 ؛ والشرائع : 4 / 902 ؛ والمختلف : 8 / 449 ؛ والقواعد : 3 /491 ؛ و كشف اللثام : 10 / 264 .

كانت في يديه حين باع، لأنّه قد يبيع ملكه و غير ملكه (1) .

ثمّ استدلّ (2) على مختاره بأنّ بيّنة البائع أسقطت يدي المشتري و أثبت الملک للبائع سنةً و لم تنف أن يكون قبل السنة ملكًا له أيضًا، فإذا أقامت البيّنة أنّه باعها قبل ذلک فالظاهر أنّها كانت ملكه حين البيع أيضًا ؛ فالمسألة كما لو شهدت بيّنة بملک هذا لها مطلقًا و أخرى بأنّ الآخر اشتراها منه مطلقًا، فكما يقضى بها حينئذٍ للمشتري بلا خلاف، فكذا هنا (3) .

132- مسألة

قال في القواعد :

و لو ادّعى أحدهما - أي أحد المتداعيين - أنّه اشتراها من الآخر قضي له بها (4) .

و ظاهره القضاء له مطلقًا، سواء كانت في يده أم لا، و على التقديرين أقام البيّنة على ما ادّعاه أم لا ؛ و ليس الأمر كذلک .

و إن أردت التفصيل فاعلم : أنّ في المسألة صُوَرًا كما عرفت :

ص: 632


1- . الخلاف : 6 / 345 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أي الشيخ .
3- . نقله عن الشيخ في كشف اللثام : 10 / 265 .
4- . القواعد : 3 / 492 .

الأولى : أن تكون بيد مدّعي الشراء، و هذا الشخص منكر بالنسبة إلى التعريف الّذي اخترناه في التعاريف للمدّعي، إذ هو الّذي لا يترک لو ترک الخصومة .

و كذا على التعريف بأنّ المدّعي هو الّذي يدّعي ما خالف الظاهر، إذ مدّعي الشراء في المسألة المفروضة قوله موافق للظاهر، لأنّ الظاهر أن لا يكون يده على مال الغير بغير وجه شرعيّ و إن كان فيه تأمّل مّا .

و أمّا على التعريف الآخر له - أي : المدّعي هو الّذي يدّعي خلاف الأصل - فهو مدّع و البائع منكر، لأنّ وقوع البيع و الشراء خلاف الأصل .

و لمّا كان المختار في التعاريف المذكورة هو الأوّل، فيكون مدّعي الشراء منكرًا و الصاحب الأصليّ مدّعيًا، فإن أقام بيّنةً بأنّها ملكه في الحال يحكم له بها، وإلّا فيحكم بها لمدّعي الشراء مع يمينه .

و الصورة الثانية : أن يكون المدّعى به بيد الصاحب الأصليّ، و حينئذٍ ينعكس الأمر، أي : يكون مدّعي الشراء مدّعيًا و هذا منكرًا، لا بالنسبة إلى التعريف الأوّل بخصوصه، بل بالنسبة إلى جميع التعاريف، فلو أقام مدّعي الشراء البيّنة فهو، و إلّا فيحكم لذي اليد و له عليه اليمين .

و الصورة الثالثة : أن لا يكون بيد واحد منهما، و يقضى فيها أيضًا للمالک، لالمدّعي الشراء، للاستصحاب السالم - و هو بقاء الملكيّة و عدم وقوع البيع والشراء- عن المعارض، إلّا أن يقيم المدّعي للشراء البيّنة، بل نقول : إنّ القضاء لمدّعي الشراء مع إقامة البيّنة في الصورة الثانية مشكل، لأنّ ظاهر يده يقتضي الملكيّة .نعم،

ص: 633

إن شهدت البيّنة بالبيع و الشراء و بقائه في ملک المشتري إلى الآن، أو ببقائه في يد الصاحب بعد وقوع الشراء إلى الآن يحكم له، بل الحكم مع ذلک له أيضًا مشكل، لاحتمال أن يكون أصل بيع البائع نيابةً عن مالكها و فضوليًّا (1) ،فيكون اللزوم موقوفًا على إمضائه و لم يمض ؛ و هذا مشترک في جميع الصور الثلاث، فتأمّل .

133- مسألة

لو تداعيا في عين، فقال أحدهما : إنّها ملكي مع إقامة البيّنة، و قال الآخر : إنّه باعها أو وهبها أو وقفها عليه و أقام البيّنة على ذلک، قال في القواعد :

حكم له، لأنّ بيّنته (2) شهدت بأمرٍ خفِّيٍ على البيّنة الأخرى، و بيّنة الأخرى إنّما (3) شهدت بالأصل (4) .

و هو بقاء الملک، فالعمل ببيّنة المالک يستلزم تكذيب بيّنة الآخر، بخلاف العمل ببيّنته، فإنّه تصديق للبيّنتين .

و لا يخفى عليک أنّ هذا إنّما يسلم إذا كانت شهادة بيّنة المالک بالإطلاق بالاستصحاب ؛ و أمّا لو كانت شهادتها بكونها ملكه في الحال بالعلم، فحينئذٍ

ص: 634


1- . انظر كشف اللثام : 10 / 265 .
2- . في المصدر : بيّنة هذا .
3- . « إنّما » لم يرد في المصدر .
4- . القواعد : 3 / 492 .

لايصحّ ذلک، بل البيّنتان متعارضتان، والعمل بكلّ واحدة منهما يستلزم طرح الأخرى، فيرجع فيهما إلى ما تقدّم من حكم تعارض البيّنتين .

134- مسألة

لو ادّعى عليه بمبلغ معيّن كألف مثلاً و أقام البيّنة به و أقام المدّعى عليه بيّنةً بأداء ذلک القدر من المبلغ، لكن لم يعلم أنّه كان لهذا المدّعي، أم لغيره .

فلو جهل تاريخ البيّنتين، أو علم تاريخ الأوّل و جهل الثاني، أو علم تاريخهما و كان تاريخ الثاني مؤخّرًا من تاريخ الأوّل، يحكم ببراءة ذمّة المدّعى عليه، لأنّه ما ثبت عليه إلّا ألف درهم واحد و ثبت أنّه أراد ذلک القدر من المبلغ و لم يثبت على ذمّته غيره، فصرف إليه لأصالة البراءة من الزائد .

بخلاف ما لو علم التاريخان و كان تاريخ بيّنة الأداء مقدّمًا على تاريخ بيّنة مدّعي الثبوت ؛ و حينئذٍ لا يحصل له البراءة، و هو واضح .

و كذا لو علم تاريخ بيّنة الأداء و جهل تاريخ بيّنة الثبوت، لأنّ الأصل تأخّره، فيجب عليه الأداء ثانيًا (1) .

135- مسألة

و لو ادّعى عليه بألف و أقام البيّنة بذلک و ادّعى هو الأداء و أقام البيّنة أيضًا

ص: 635


1- . لاحظ المسألة في القواعد : 3 / 492 ؛ و كشف اللثام : 10 / 266 .

ينبغي أن لا شيء عليه، لأنّ بيّنته شهدت بأمر خفيّ على البيّنة الأخرى، والبيّنة الأخرى إنّما شهدت بحكم الأصل، إلّا إذا كانت شهادتها باشتغال ذمّته في الحال بالعلم، لا بحكم الأصل فقط، فالحكم ما مرّ في بيان تعارض البيّنتين .

* * *

وليكن هذا آخر كتاب القضاء، الحمد للكريم الواهب العطاء والشكر للحليم الجزيل السخاء على توفيقنا لهذه النعمة العظمى .

أسأله أن يدرجني مدارج المخلصين من الفقهاء، و يدخلني مداخل الصالحين من العلماء، و أن يجعلني من المروّجين لدينه في الصباح و المساء، و يحفظني من شرّ النفس الأمّارة بالسوء و الفحشاء، و يوفّقني لفعل الخير الّذي يحبّه و يرضاه، ويمنعني عن ارتكاب ما يسخطه عنّي، بجاه أشرف الأنبياء و آله المتّقين و عترته الطاهرين الأصفياء - عليهم صلوات الله و سلامه ما بقيت الأرض والسماء .

قد فرغت منه في سحر ليلة الاثنين هي الرابعة و العشرون من شهر المحرّم في سنة خمس و مأتين بعد الألف من الهجرة ؛ و قد اتّفق الابتداء به و كذا الفراغ في جوار سابع و تاسع الأئمّة الهدى، جعلني الله من السالكين في طريقتهم الحسنى، و التابعين لسنّتهم العليا، و المرحومين بشفاعتهم يوم يفرّ المرء من الأمّهات و الآباء، و لا ينفع هنالک مال و لا غيره من خصائص أهل الدنيا .

أجبني يا خير من استعين به في السرّاء و الضرّاء، و أكرم من اعتمد عليه في الشدّة و الرخاء، بحقّ آلائک و أسمائک الحسنى و أنبيائک و أوصيائک الأتقياء، رحم الله تعالى من وافقني فقال : آمينا ؛ تمّ .

ص: 636

فهرس المحتويات

مقدّمة التحقيق... 5

1 - لمحةٌ من حياة المؤلّف... 5

اسمه و نسبه... 5

ولادته و نشأته... 6

إطراء العلماء له... 10

زهده و عبادته... 11

إقامته الحدود الشرعيّة... 12

أساتذته و مشايخ روايته... 12

أولاده... 13

تآليفه القيّمة... 15

وفاته و مرقده... 21

2 - تعريف الكتاب... 23

ص: 637

تاريخ و مكان التأليف... 25

3 - منهجيّة التحقيق... 26

* كتابُ القضاء

1 - مسألة : الكلام في بيان المدّعي و المدّعى عليه... 35

2 - مسألة : البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر... 40

3 - مسألة : شرائط المدّعي... 43

4 - مسألة : يشترط في المدّعى به أن يكون ممّا يصحّ تملّكه... 44

هل يشترط في المدّعى به العلم من كلّ وجه، أم لا ؟... 44

يشترط في المدّعى به أن يكون لازمًا على المدّعى عليه... 46

5 - مسألة : لابدّ من إيراد الدعوى بعبارة صريحة في الملكيّة... 48

6 - مسألة : لو ادّعى المنكر فسق الشاهدين أو الحاكم... 49

7 - مسألة : لو ادّعت المرأة في رجلٍ أنّه زوجها... 51

8 - مسألة : يشترط لسماع الدعوى أن تكون بصورة الجزم... 52

9 - مسألة : لو ادّعى المدّعي إقرار المنكر له بحقّ... 60

10 - مسألة : لا يفتقر قبول الدعوى إلى الكشف عن خصوصيّاتها... 61

ص: 638

11 - مسألة : هل يشترط مطالبة الحاكم الجواب من الخصم بسؤال المدّعي ذلک

أم لا؟... 63

حكم الحاكم بعد إقرار الخصم غير مشروط بسؤال المدّعي... 65

12 - مسألة : التماس المدّعي للكتابة بإقرار المنكر يقبل... 66

13 - مسألة : ينظر المدّعى عليه إلى الميسرة لو ظهر إعساره... 67

لا يجب على المديون قبول الهبات والصدقات لأجل وفاء الدين... 74

14 - مسألة : جواب المنكر إقرار و سكوت و إنكار... 78

بعد حلف المنكر سقطت الدعوى وإن أقام المدّعي البيّنة... 80

ذكر الأدلّة على طلب البيّنة من المدّعي أوَّلاً، ثمّ بعد العجز طلب اليمين من المنكر

دون العكس... 85

15 - مسألة : في ردّ اليمين على المدّعي... 87

إنّما يتوجّه اليمين إلى المدّعي إذا كانت دعواه لنفسه، لا أن يكون وكيلاً أو وصيًّا... 89

حلف المدّعي هل هو بمنزلة الإقرار أو البيّنة ؟... 90

بعد حلف المدّعي لا تقبل البيّنة لو أقامت لها المنكر... 91

16 - مسألة : لو قال المدّعي للمنكر : قد أسقطت عنک هذه اليمين... 93

17 - مسألة : المنكر إذا نكل من اليمين والردّ حكمه ما هو ؟... 93

الجواب عن الإجماع المنقول على القول الأوّل... 102

ص: 639

18 - مسألة : لو بذل المنكر يمينه بعد الحكم بالنكول لم تسمع... 103

19 - مسألة : حكم المنكر إذا سكت... 103

مختار المصنّف في المسألة... 105

فصلٌ : في كيفيّة سماع البيّنة والحكم بها... 108

20 - مسألة : الحاكم يأمر بإحضار البيّنة أم لا ؟... 108

21 - مسألة : لو أحضر المدّعي بيّنته... 112

22 - مسألة : الكلام في البيّنة إذا كانت غائبة... 114

هل يجوز أخذ الكفيل من المنكر عند غياب البيّنة، أم لا ؟... 114

23 - مسألة : يجوز للمدّعي مع وجود البيّنة إحلاف المدّعى عليه... 118

هل يجوز للمدّعي إحلاف المنكر بعد إقامة الشاهد، أم لا ؟... 120

24 - مسألة : لو قال المدّعي : إنّ لي بيّنة أريد إحلافه أوّلاً ثمّ أحضرها لإثبات

حقّي... 123

25 - مسألة : يقضى بشاهد و اليمين في الأموال و الديون... 124

ما يجوز فيه القضاء بالشاهد واليمين و ما لا يجوز... 131

هل يثبت الوقف بالشاهد الواحد و يمين، أو لا ؟... 134

26 - مسألة : يجوز القضاء بشاهد و يمين و لو مع التمكّن من الشاهدين... 139

يجوز القضاء بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي... 140

ص: 640

27 - مسألة : يشترط تقديم الشهادة على اليمين... 141

28 - مسألة : ادّعاء المنكر البراءة مع إقامة البيّنة... 144

فروعٌ :

الفرع الأوّل : لا فرق فيما ذكر بين ما أقام البيّنة و غيره... 146

الفرع الثاني : الحكم المذكور مختصّ بما إذا شهدت البيّنة بحكم الأصل والظاهر بأنّ المدّعي كان مريدًا للمدّعى به قبل ذلک من المنكر... 146

الفرع الثالث : يجوز للمنكر الحلف على عدم الاستحقاق بعنوان العموم مطلقًا... 148

29 - مسألة : المواضع الّتي يحلف المدّعي مع إقامة البيّنة... 149

الصور المستثناة من قاعدة « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » :

الصورة الأولى : إذا لم يكن له بيّنة، فردّ المنكر الحلف إليه... 151

الصورة الثانية : المدّعي يحلف مع إقامة البيّنة إذا كانت دعواه على الميّت... 151

حلف المدّعي مع إقامة البيّنة مختصٌّ بما إذا لم يكن الحاكم عالمًا بعدم وفاء الميّت حقّه... 154

الحكم بحلف المدّعي مختصّ بما إذا كانت الدعوى دينًا... 157

الصورة الثالثة : إذا أقام المدّعي البيّنة وادّعى المنكر براءة الذمّة... 162

الصورة الرابعة : هل يضمّ اليمين إلى البيّنة في الغائب و الصغير و المجنون أم لا ؟... 163

ص: 641

هل يجب التكفيل للغائب بعد إقامة البيّنة و ضمّ اليمين ؟... 169

إذا كان للمدّعي على الميّت شاهد واحد هل يكتفى في حقّه يمين واحد، أو لابدّ من يمينين ؟... 170

30 - مسألة : يفرّق الشهود إذا كانوا من أهل الريبة... 171

31 - مسألة : بيان حرمة تتعتع الشاهد من قبل القاضي... 176

فصلٌ : فيما ينعقد به اليمين الموجبة للحقّ إذا كانت من المدّعي والمسقطة للدعوى إذا كانت من المنكر و في كيفيّة الاستحلاف... 178

32 - مسألة : لا ينعقد اليمين إلّا بالله تعالى... 178

فروعٌ :

الفرع الأوّل : لا يجوز الحلف بغير الله وإن كان من الكتب المنزلة أو الرسل المعظّمة أو الأمكنة المتبرّكة... 181

الفرع الثاني : الحلف بالله هل يعمّ جميع الأسماء، أو بعضًا دون آخر ؟... 184

الفرع الثالث : يجوز الاكتفاء في الحلف بلفظ الجلالة و إن كان الحالف مجوسيًّا... 185

الفرع الرابع : لا يجوز لنا إحلاف اليهوديّ و غيره بغير الله - تعالى - ... 188

33 - مسألة : يستحبّ للحاكم موعظة الحالف... 190

تفسير قوله تعالى : ( لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم )... 191

ص: 642

34 - مسألة : يجوز الاقتصار في الحلف بلفظ الجلالة... 195

يستحبّ التغليظ في اليمين للحاكم... 196

و لا يجبر الحالف لو امتنع من التغليظ... 198

35 - مسألة : يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة لليمين... 199

36 - مسألة : لا يحلف أحد إلّا في حضور الحاكم... 204

37 - مسألة : شرط اليمين أن تطابق الإنكار والدعوى... 210

فصلٌ : في الحالف... 213

يشترط في الحالف أن يكون مكلّفًا... 213

38 - مسألة : لا يحلف المنكر في حدود الله تعالى... 214

في حدّ القذف هل يحلف المنكر أم لا ؟... 217

39 - مسألة : لو ادّعي على العبد فهل الغريم هو أو مولاه ؟... 220

40 - مسألة : حلف المدّعي مع اللوث في دعوى الدم... 224

41 - مسألة : لو ادّعى الصبيّ بلوغه تسمع، لا يطلب بالبيّنة... 227

المواضع الّتي يقبل فيها قول المدّعي من غير يمين و لا بيّنة... 228

42 - مسألة : لو شهد للميّت واحد بدين على شخص... 232

43 - مسألة : لو ادّعى الوارث لمورّثه مالاً على الغير... 234

هل ينتقل المال بعد موت الموّرث إلى الوارث، أم لا ؟... 235

ص: 643

الحقّ في المسألة... 236

44 - مسألة : منكر السرقة يحلف لنفي المال و إسقاط الغرم... 239

45 - مسألة : لا يحلّف الوارث إلّا مع اجتماع شروط ثلاثة... 240

فرعٌ : لو حلف الوارث على نفي العلم بالدين أو الاستحقاق مثلاً... 242

46 - مسألة : لابدّ في الحالف أن يكون حلفه على بتّ و قطع... 242

مستند المصنّف في المسألة... 243

في أنّه هل يسقط الدعوى بحلف المدّعى عليه بعدم علمه بحقّيّة دعوى المدّعي أم لا؟... 246

إيرادٌ على الكفاية في حكمه بجواز الحلف على نفي الاستحقاق مع عدم علمه بذلک... 250

القضاء بالنكول إنّما هو إذا تمكّن المنكر من اليمين ولم يحلف ولم يردّ... 252

إقامة المدّعي البيّنة بعد نكوله عن الحلف تعتبر أم لا ؟... 255

إقامة المنكر البيّنة بعد حلف المدّعي لا تسمع... 256

يكفي الحلف على عدم العلم فيما إذا ادّعي على شخص بأنّ مملوكه جنى جناية يلزمه الأرش... 258

الحقّ في المسألة... 260

الفرق بين حلف المدّعي والمنكر... 263

ص: 644

47 - مسألة : لا يجوز أن يحلف على البتّ مع عدم العلم... 264

48 - مسألة : نيّة الحالف إذا كانت على خلاف ما حلف عليه لا تضرّه... 266

49 - مسألة : لو قال المدّعي بعد إقامة البيّنة : إنّ بيّنتي كذبت... 268

50 - مسألة : فصلٌ : في التوصّل إلى الحقّ... 270

بعد إنكار الغريم يجوز لصاحب الحقّ أخذه من ماله مطلقًا... 273

هل يشمل الحكم فيما إذا نسي الغريم الدين واستحى صاحب الحقّ إظهاره،أم لا؟... 278

يجوز أخذ صاحب الدين حقّه من الوديعة... 279

القول الآخر في المسألة و أدلّته والجواب عنها... 282

الجواب عن أدلّة القول الآخر... 284

لا يشترط في جواز المقاصّة كون المقتصّ منه... 286

يجوز الأخذ من غير جنس الحقّ و لو مع التمكّن من جنسه... 287

51 - مسألة : إذا وجد مال في حضور جماعة وادّعى واحد منهم أنّه له من أن ينازعه غيره، حكم له... 289

52 - مسألة : لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله و ما أخرجه

الغوّاص بعد يأس أهله عنه فهو لهم... 290

53 - مسألة : لو قال المنكر : إنّ المدّعي حلّفني و طلب إحلافه... 293

ص: 645

54 - مسألة : لو ادّعى جماعة و كان لهم شاهد، لابدّ لحلف الجميع... 295

الفرق بين ما أخذ بعض الورثة المال بيمين و شاهد و بغيرهما... 299

فروعٌ :

الفرع الأوّل : لو لم يحلف بعض الورثة واتّفق موته لوارثه أن يحلف و يأخذ حصّته... 302

الفرع الثاني:لو اتّفق موت الحالف قبل الاستيفاء كان المحلوف عليه لوارثه... 303

الفرع الثالث : لو نكل المدّعي من الحلف لم يجز لوارثه المطالبة... 304

55 - مسألة : لا يجوز اليمين لإثبات مال الغير... 304

لا يحلف الوكيل والوصىّ، و بالجملة غير صاحب الحقّ... 308

هل يجوز للوكيل والوصىّ أن يحلفا المنكر ؟... 309

إحلاف الوكيل والوصىّ للمنكر هل يسقط الحقّ، أم لا ؟... 311

لايجوز حلف غريم الميّت لإثبات حقّه ولا حلف المرتهن لإثبات حقّ الراهن... 312

فروعٌ :

الفرع الأوّل : لو ادّعى ورثة الميّت أنّ مورّثه وقف لهم أعيان ماله حكم لهم بعد حلف الجميع والشاهد... 320

الفرع الثاني : لو ادّعى الوقف أنّه وقف ترتيب بعد الحكم به للمدّعي و موته ينتقل

إلى وارثه من غير حلف... 322

ص: 646

الفرع الثالث : لو ادّعى ثلاثة من بني الميّت تشريک الوقف بينهم و بين البطون،

وحلفوا بعد إقامة شاهد واحد... 323

الفرع الرابع : حكم ما لو ادّعى البطن الأوّل وقف ترتيب و ادّعى الثاني تشريكهم

معهم... 326

الفرع الخامس... 327

56 - مسألة : يقضي على المنكر بالنكول من غير ردّ الحاكم اليمين على المدّعي... 327

57 - مسألة : نكول المدّعي في اليمين المردودة إليه مسقط لحقّه... 335

سقوط حقّ المدّعي بنكوله لا يحتاج إلى حكم الحاكم... 340

ينبغي للحاكم أن يذكر حكم النكول... 341

دعوى المنكر عدم العلم بحكم النكول تسمع أم لا ؟... 342

دعوى المدّعي عدم علمه بحكم النكول غير مسموعة... 343

عدم جواز الحلف بادّعاء الناكل منه عدم العلم بحكم النكول هل هو مختصّ فيما إذا

لم يرض خصمه بحلفه، أم عامّ ؟... 344

58 - مسألة : يمين المدّعي هل هي بمنزلة إقرار المنكر له بالحقّ أو بمنزلة بيّنته ؟ ... 346

59 - مسألة : نكول المدّعي عن الحلف إذا كان له شاهد واحد غير مسقط حقّه... 350

60 - مسألة : لو ادّعى القاضي مالاً لميّت لا وارث له على إنسان حكمه ماذا ؟... 352

61 - مسألة : لو ادّعى الفقير إقرار الخصم بثبوت الزكاة في حقّه... 354

ص: 647

62 - مسألة : لابدّ أن يكون المدّعي على الغائب مدّعيًا شيئًا معلومًا... 355

63 - مسألة : هل يحكم على الغائب بشاهد و يمين، أم لا ؟... 357

لا يشترط الحكم على الغائب بادّعاء المدّعي إنكاره... 358

64 - مسألة : لو ادّعى وكيل الغائب حقّ موكّله وادّعى الخصم الإبراء لم تسمع... 360

65 - مسألة : القضاء على الغائب... 363

66 - مسألة : يقضي على الغائب في حقوق الآدميّ لا في حقوق الله تعالى... 368

67 - مسألة : لا عبرة بكتابة قاضٍ إلى آخر... 370

68 - مسألة : يجوز الحكم بشهادة الشهود على الحكم... 372

فروعٌ :

الفرع الأوّل : إنفاذ الحاكم الثاني حكم الأوّل إنّما هو في حقوق الناس... 379

الفرع الثاني : يجوز إنفاذ الحكم للحاكم الثاني و لم يحضر البيّنة حكم الحاكم لإشهاده على حكمه... 379

الفرع الثالث : لا فرق فيما ذكر بين كون الدعوى على الحاضر و غيره... 381

الفرع الرابع : ما المراد بإنفاذ الثاني حكم الحاكم الأوّل ؟... 382

الفرع الخامس : لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل... 382

الفرع السادس : لو كان المدّعى عليه في بلد حاكمٍ آخر و ... 382

الفرع السابع : لو ادّعى الخصم القدح في الشاهد... 385

ص: 648

الفرع الثامن : لو اقتصر القاضي في الكتابة بذكر اسمه و أبيه... 385

69 - مسألة : يجوز إنفاذ الحكم بإخبار الحاكم حكمه... 386

70 - مسألة : فصلٌ : في أحكام القسمة... 390

71 - مسألة : تعريف القسمة و أنّها ليست بيعًا... 392

72 - مسألة : لا يشترط في جواز القسمة علم الحاكم بملكيّة المقسوم به للمقسوم

عليهم... 393

73 - مسألة : هل يجبر الممتنع على القسمة لو أراد بعض الشركاء، أم لا ؟... 396

74 - مسألة : لو سأل بعض الشركاء المهاياة لا يجبر الممتنع عليها... 397

75 - مسألة : حكم نصب القاسم... 399

يشترط في القاسم المنصوب من الإمام : العدل و البلوغ و غيرهما... 399

أجرة القسّام من بيت المال... 400

76 - مسألة : القسمة بعد القرعة لازمة إذا كان القاسم منصوبًا من الإمام مطلقًا... 403

نقل الخلاف في لزوم القسمة و عدمه بعد القرعة إذا لم يكن القاسم من الإمام... 403

قسمة غير قاسم الإمام غير لازمة إلّا بعد الرضاء... 404

77 - مسألة : يكفي قاسم واحد إذا لم يكن القسمة قسمة ردّ... 407

78 - مسألة : مع الضرر لا يجبر الممتنع على القسمة و لو كان المتضرّر بعض الشركة، لاجميعها... 408

ص: 649

هل يجبر على القسمة إذا كان طالبها متضرّرًا لا غيره... 409

بيان الضرر المانع من جبر الممتنع على القسمة... 409

تحقيق ما هو الحقّ بين الأقوال... 412

79 - مسألة : أقسام قسمة الإجبار... 415

بيان التفريق في السهام... 420

80 - مسألة : بيان قسمة الردّ... 425

81 - مسألة : لو كان بين شريكين دار مشتملة على علوّ و سفل و ... 431

82 - مسألة : الزرع في الأرض المشتركة لا يمنع من إجبار الممتنع عن القسمة

فيها... 433

83 - مسألة : لا يجبر الممتنع على تقسيم ما يعدّ شيئين من العقار والقرحان... 437

84 - مسألة : القسمة سبب اللزوم، فلا يمكن الفسخ فيها... 439

85 - مسألة : لو ادّعى بعض الشركاء الغلط في القسمة هل تسمع أم لا ؟... 440

86 - مسألة : حكم المقسوم لو ظهر مستحقًّا و بيان شقوق المسألة... 444

87 - مسألة : لم قسّم الورثة التركة، ثمّ ظهر دين فإن أدّوه مضت و إلّا بطلت... 449

88 - مسألة : لو ظهر بعد القسمة عيب في حصّة أحد الشريكين هل تبطل القسمة،

أم لا ؟... 451

89 - مسألة : لو ظهر وصيّة بعد التركة بجزء من المقسوم حكمه ماذا ؟... 454

ص: 650

90 - مسألة : لو اتّفق لأحد الشريكين طريق في حصّة الآخر... 454

91 - مسألة : لو كان للشريكين داران و كان ماء إحداهما يجري من الأخرى... 455

92 - مسألة : فصل : في الدعاوي المتعارضة... 457

ذكر الصور فيما لو وجد مال في يد شخصين وادّعى كلّ منهما أنّه له :

الصورة الأولى : أن يكون كلّ منهما أقام البيّنة و تعارضت البيّنتان... 457

الصورة الثانية : فيما إذا كانت العين المتنازع فيها بيد شخصين و ليس لأحدهما

بيّنة... 474

الصورة الثالثة : فيما إذا كان المتنازع فيه في يدهما لكن أقام أحدهما البيّنة دون

الآخر... 479

الحقّ في المسألة... 480

93 - مسألة : ذكر الصور فيما إذا لم يكن بيد واحد منهما، بل بيد ثالث... 481

الصورة الأولى : فيما إذا كان المتنازع فيه بيد ثالث و يكون لكلّ من الخصمين

بيّنة... 482

الحقّ في المسألة... 492

الصورة الثانية : لو كان المدّعى به بيد ثالث و لم يكن للخصمين بيّنة... 496

صورةٌ أخرى في المسألة... 499

الصورة الثالثة : فيما إذا كان المدّعى به بيد ثالث و يكون لأحد الخصمين بيّنة... 499

ص: 651

فيما لو كان المدّعى به بيد واحد من الخصمين و لم يكن لواحد منهما بيّنة... 500

الصورة الأولى : فيما إذا لم تكن البيّنة لواحد منهما مع كون المدّعى به بيد أحدهما... 501

الصورة الثانية : فيما لو كان المدّعى به بيد أحد الخصمين و كان لهما جميعًا بيّنة... 503

الصورة الأولى من الصورة الثانية : لو شهدت البيّنتان بالملک المطلق يقضى بالمدّعى به للخارج... 503

الصورة الثانية من الصورة الثانية : فيما لو شهدت البيّنتان بالملک المقيّد... 515

الصورة الثالثة من الصورة الثانية : فيما إذا كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالسبب و بيّنة

غيره بالمطلق... 522

الصورة الرابعة من الصورة الثانية : فيما إذا كانت شهادة بيّنة ذي اليد بالإطلاق

وشهادة بيّنة الخارج بالسبب... 527

الصورة الثالثة : فيما إذا كانت البيّنة لواحد منهما... 529

94 - مسألة : الصور الّتي يتحقّق التعارض فيها بين البيّنة ثلاث... 530

95 - مسألة : لا يتحقّق التعارض بين شاهدين و شاهد و يمين و لا بين شاهد و امرأتين و بين شاهد و يمين... 532

96 - مسألة : لو تداعى الزوجان متاع البيت للرجل ما يصلح للرجال و للمرأة ما يصلح للنساء... 535

ص: 652

97 - مسألة : لو ادّعى أبو الميّتة أنّه أعارها بعض متاعها الّذي كان عندها، أو غيره،

طولب بالبيّنة... 546

98 - مسألة : لو كانت في يد رجل وامرأة صبيّة فادّعى أنّها مملوكته وادّعت أنّها بنتها،لأيّهما هي ؟... 555

99 - مسألة : لو اختلفا في خُصِّ قضى به لمن إليه معاقد قِمْطه... 558

100 - مسألة : و لو كان في دكّان عطّار أو نجّار، فتنازعا فيما فيه من الآلات... 562

101 - مسألة : لو تنازع صاحب العبد و غيره في الثياب الّتي على العبد، فهي لصاحب العبد... 564

102 - مسألة : لو كانت في أيديهما عين، فادّعاها أحدهما و ادّعى الآخر نصفها ولم

تكن بيّنة... 565

103 - مسألة : لو كانت العين المتنازع فيها في يد ثلاثة فادّعى واحد منهم النصف

وواحد آخر الثلث والآخر السدس، يد كلّ واحد على الثلث... 568

104 - مسألة : لو ادّعى كلّ من الخصمين شراء عين من صاحبها و إيفاء الثمن و لا

بيّنة... 570

105 - مسألة : لو ادّعى أحد الخصمين شراء المبيع من عمرو، وادّعى الآخر شرائه من زيد، وكان المبيع في يد البائعين... 576

106 - مسألة : فيما لو ادّعى شراء عبد من سيّده وادّعى العبد عتقه... 580

107 - مسألة : فيما لو خلّف المسلم ابنين... 582

ص: 653

108 - مسألة : لو ادّعت الزوجة في عين أنّها صداقها، أو اشترتها من زوجها، وادّعى

ابن الزوج الميّت الإرث... 584

109 - مسألة : لو ادّعى واحد عينًا في يد غيره أنّها له و لأخيه الغائب إرثًا عن أبيهما... 585

بيان البيّنة الكاملة... 587

110 - مسألة : لو كانت لرجل امرأة و له منها ابن و أصابهما الموت واختلف الزوج

وأخو امرأته... 590

111 - مسألة : لو أعتق المولى عبدين من عبيده في مرض الموت... 591

112 - مسألة : لو أقام زيد بيّنة بأنّ الميّت أوصى له بسدس ماله، و ... 594

113 - مسألة : لو شهد شاهدان بأنّ الميّت أوصى بعين أو غيرها لزيد، ثمّ ... 596

114 - مسألة : لو تداعى اثنان ولدًا، فيدّعي كلّ واحد أنّه له... 598

115 - مسألة : يلحق النسب بأربعة أشياء... 601

116 - مسألة : لو انفرد أحد بدعوى مولود صغير... 603

117 - مسألة : لو ادّعى في ولد أنّه له من الزوجة المعيّنة و أنكرتها الزوجة، لايلحق بها مطلقًا... 604

118 - مسألة : انتساب المتنازع فيه إلى أحد المتنازعين لا يكفي لثبوت النسبة... 606

نفقة الولد المتنازع فيه على المتنازعين قبل الثبوت... 608

ص: 654

119 - مسألة : لو ادّعى المدّعي أنّ لي عليک عشرة و أنكره المنكر... 609

120 - مسألة : لو ادّعى عليه بتمزيق الثوب... 610

121 - مسألة : لو ادّعى عليه عينًا في يده و لا يصدّقه و لا ينسبها إلى نفسه... 610

122 - مسألة : لو باع شيئًا، ثمّ خرج مستحقًّا للغير... 614

فصلٌ : في بيان ما يترجّح إحدى الحجّتين على الأخرى في مقام تعارضهما... 615

123 - مسألة : في أنّ الشهادة بأنّ المدّعى به كان للمدّعي في الأمس لا يعارض

التصرّف... 621

124 - مسألة : لو شهدت البيّنة أنّه كان في يد المدّعي أمس... 623

125 - مسألة : البيّنة لا توجب زوال الملک للمدّعى عليه عن المشهود به في جميع زمان قبل قيامها... 625

126 - مسألة : لو شهدت البيّنة مع ذكر السبب... 627

127 - مسألة : لو ادّعى أحد المتداعيين ما يبطل به العقد و أنكره الآخر... 628

128 - مسألة : ولو ادّعى أنّ وكيله آجر بيته دون أجرة المثل و ... 629

129 - مسألة : لو تداعيا في دابّة وادّعى أحدهما أنّه ملكها منذ خمس سنين و ... 630

130 - مسألة : لو ادّعى عينًا في يد زيد و أقام بيّنةً على أنّه اشتراها من عمرو... 630

131 - مسألة : لو ادّعى الخارج أنّ العين الّتي في يد المتشبّث ملكه منذ سنة و ... 631

132 - مسألة : ولو ادّعى أحد المتداعيين أنّه اشتراها من الآخر... 632

ص: 655

133 - مسألة : لو تداعيا في عين، فقال أحدهما : إنّها ملكي مع إقامة البيّنة و ... 634

134 - مسألة : لو ادّعى عليه بمبلغ معيّن كألف مثلاً و أقام البيّنة به و... 635

135 - مسألة : ولو ادّعى عليه بألف وأقام البيّنة بذلک وادّعى هو الأداء و ... 635

فهرس المحتويات... 637

ص: 656

المجلد 2

اشارة

سرشناسه:شفتی بیدآبادی ، محمد باقر بن محمد نقی

عنوان و نام پديدآور:کتاب القضاء و الشهادات / نویسنده سید محمد باقر شفتی / تحقيق السيّد مهدي الشفتيّ

وضعیت استنساخ:شفتی بیدآبادی ، محمد باقر بن محمد نقی

مشخصات ظاهري:2ج

موضوع :فقه

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتابُ الشهادات

اشارة

ص: 3

ص: 4

حدّ الشهادة لغةً و شرعًا

الشهادة و هي مصدر : شهد يشهد، كزهادة مصدر : زهد يزهد ؛ قيل :

هي لغةً إمّا من « شهد » بمعنى : حضر ؛ و منه قوله - تعالى - : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (1) ، أي : حضر ؛ أو من « شهد » بمعنى : علم ؛

وعلى ذلک سمّي تعالى شهيدًا، أي : عليمًا (2) .

و قيل :

هي الإخبار عن اليقين (3) ؛ و شرعًا : إخبار جازم عن حقّ لازم لغيره، واقع من غير حاكم (4) .

و خرج بقوله : « جازم » إخبار الظانّ .

و بقوله : « عن حقّ لازم » إخبار الجازم عن غير حقّ لازم، كما إذا أخبر مخبر جازم أنّ فلانًا مات، أو قال كذا، أو ورد في البلد .

ص: 5


1- . البقرة : 185 .
2- . التنقيح الرائع : 4 / 283 .
3- . انظر الصحاح : 2 / 494 ، مادّة : ( ش ه د ).
4- . مسالک الأفهام : 14 /153 .

و بقوله : « لغيره » دعوى المدّعي، كما إذا ادّعى زيد على عمرو أنّ له عليه حقًّا، فإنّه يصدق عليه أنّه إخبار جازم عن حقّ لازم واقع من غير حاكم، لكن ليس لغيره ؛ و كثير من إخبار الله - تعالى - فإنّ إخباره - سبحانه - و إن كان إخبار جازم عن حقّ لازم، لكن ليس لغيره، كالإخبار بالصلاة و الصوم و الحجّ و غيرها من التكاليف الواجبة، فإنّ إخباره - تعالى - بكلّ واحد منها إخبار جازم في حقّ لازم له - تعالى - لا لغيره .

و بقوله : « واقع من غير حاكم » بعض إخبار الله - تعالى - عن حقّ لازم للغير، كإخباره - سبحانه - بالخمس و الزكاة و مثلهما ؛ و إخبار الرسول و الأئمّة (علیهم السلام) ، فإنّ إخبارهم (علیهم السلام)و إن كان إخبار جازم عن حقّ لازم لغيرهم، لكنّه واقع من حاكم، فالإخبار في جميع هذه المواضع لا يسمّى بشهادة .

إن قلت : قوله - سبحانه - : ( شَهِدَ آللهُ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ ) (1) ينافي ذلک، لأنّه لا يصدق عليه الحدّ المذكور بالنسبة إلى الله - سبحانه - مثلاً مع أنّه - تعالى - نسب الشهادة إليه .

قلت : الحدّ المذكور ليس لمطلق الشهادة، بل للشهادة الاصطلاحيّ ، و كلامه -تعالى - في الآية محمولٌ على الشهادة اللغويّ، و قد عرفت أنّها لغةً : الإخبار عن اليقين على أحد معانيها، و هو متحقّق في الآية .

ص: 6


1- . الآية هكذا : ( شَهِدَ آللهُ أنَّهُ لاَ إلهَ إلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلهَ إلاّ هُوَ الْعَزيزُالْحَكيمُ ) ؛ آل عمران : 18 .

و الفرق بين المعنيين هو : أنّ المعنى اللغويّ أعمّ، فبينهما عمومٌ مطلق، لأنّ كلّ شهادة اصطلاحيّ فهو شهادة لغويّ، و بعض الشهادة اللغويّ ليس بشهادة اصطلاحيّ.

حدّ الشهادة ليس بجامع و لا مانع

لكن يرد في الحدّ شيئان عكسًا و طردًا، و الأوّل هو : أنّه إذا أخبر حاكم حاكمًا عن حقّ لازم لغيره، الظاهر أنّه شهادة حقيقة، مع أنّ صريح الحدّ أنّه ليس كذلک .

و الثاني هو : أنّ الحدّ المذكور يصدق على الإقرار أيضًا في بعض المواضع، فإنّ من أقرّ لواحد بأنّ له عليه كذا يصدق عليه أنّه إخبار جازم عن حقّ لازم لغيره، مع أنّه لا يسمّى بالشهادة اصطلاحًا، بل هو إقرار على نفسه للغير بحقّ لازم .

و أيضًا أنّ عدم كون إخبار الأئمّة عن حقّ لازم لغيره شهادة غير مسلّم، بل الظاهر أنّه شهادة أيضًا .

و قد مرّ في كتاب القضاء (1) أنّ مولانا الأمير لمّا طلب بالبيّنة عند ادّعائه درع طلحة أقام الحسن (علیه السلام)، فشهد بما ادّعاه - و قد مرّ الحديث - و من جملة كلامه (علیه السلام) في ذيل ذلک الحديث مخاطبًا على شريح : « أتيتک بالحسن فشهد، فقلت : هذا واحد و لا أقضي بشهادة واحد حتّى يكون معه آخر، و قد قضى رسول الله (صلی الله علیه واله)

ص: 7


1- . لاحظ : المسألة 25 .

بشاهد واحد و يمين »، الحديث (1) .

فلو قيل في حدّها : إنّها إخبار مخلوق جازم عن حقّ لازم على غيره لغيره، سلم من جميع ما ذكر .

ثمّ اعلم : أنّ الآيات و الأخبار في الشهادة و أحكامها مستفيضة، قال الله -تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (2) ( و لا تكتموا الشهادة ) (3) (و كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ) (4) ، و غيرها .

بيان

السين في قوله - تعالى - : ( واستشهدوا ) للطلب، أي : أطلبوا شهيدين .

الفرق بين الشاهد و الشهيد

قيل : الفرق بين الشاهد و الشهيد أنَّ الأوَّل بمعنى الحدوث، و الثاني بمعنى الثبوت، فإنّه إذا تحمّل الشهادة فهو شاهد باعتبار حدوث تحمّله ؛ و إذا ثبت تحمّله لها زمانين أو أكثر فهو شهيد .

ص: 8


1- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .
2- . البقرة : 282 .
3- . البقرة : 283.
4- . النساء : 135 .

ثمّ يطلق الشاهد عليه مجازًا، تسميةً للشيء بما كان عليه ؛ و سيجيء في تضاعيف المباحث إلى النصوص الإشارة بتوفيق الله سبحانه .

يشترط البلوغ في سماع الشهادة

1- مسألة

اشارة

يشترط في الشاهد البلوغ، فلا تسمع شهادة الصبيّ و إن كان مميّزًا، للأصل ؛ تقريره هو : أنّ الحكم على شخص بحقّ لآخر خلاف الأصل، لأصالة البراءة، وأيضًا تسليط شخص على آخر عقوبة، و الأصل براءة الذمّة عنها و عدم جواز تسليط واحد على آخر، فلا يتجرّي في إثبات ذلک بشهادة غير البالغ، اقتصارًا فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو الشاهد البالغ .

و لقوله - تعالى - : ( وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ) (1) ؛ و الظاهر أنّ لفظ «الرجال » حقيقة في غير الصبيّ، و لا يطلق على الصبيّ إلّا مجازًا، و قضيّة الأصل في الاستعمال الحقيقة ؛ و عدم جواز استعمال اللفظ في استعمال واحد في المعنى الحقيقىّ و المجازيّ تعيّن حمل لفظ « الرجال » في الآية على غير الصبيّ .

إن قلت : إنّ ما ذكرت مسلّم، لكن غاية ما يستفاد من الآية سماع شهادة الرجال، و هو لا يدلّ على عدم جواز شهادة الصبيان، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .

ص: 9


1- . البقرة : 282 .

قلت : قد علّق الأمر بالاستشهاد في الآية على الرجال، فلا يكتفى بشهادة غيرهم، لأنّ الأمر حقيقة في الوجوب، و حمله على التخييريّ مجاز، لا يصار إليه إلّا بدليل، و هو هنا منتف .

هذا مع أنّ في الآية قرينةٌ على عدم جواز حمل الأمر فيها على الوجوب التخييريّ، لأنّه لو كان الاستشهاد بالتخيير بين الرجال و الصبيان لكان عند عدم التمكّن من الرجال الاستشهاد من الصبيان متعيّنًا إذا تمكّن منهم و مقدّمًا ذلک على الاستشهاد بالرجل و المرأتين، لأنّ الاستشهاد من الصبيان مساوٍ للاستشهاد من الرجال كما هو المفروض ؛ و الاستشهاد من الرجال مقدّم على الاستشهاد بالرجل والمرأتين، فيجب أن يكون مساويه أيضًا مقدّمًا، و إلّا لم يكن مساويًا له .

مع أنّه -تعالى - قال : ( وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَرَجُلٌ وَامْرَأتَانِ ) (1) ، و هو أعمّ من التمكّن من الاستشهاد من الصبيان أم لا، فيعلم منه أنّ الأمر فيها محمولٌ على حقيقته من الوجوب العينيّ، على أنّ حمل اللفظ على الحقيقة غير محتاج إلى القرينة .

فعلى هذا نقول : إنّ الأمر في الآية محمولٌ على الوجوب العينيّ، فلا يجوز الاكتفاء بشهادة الصبيان، إذ لو جاز ذلک لذكره - سبحانه - كما ذكره - تعالى - الرجل والمرأتين، حيث قال - تعالى - : ( فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَرَجُلٌ وَامْرَأتانِ ) (2) ، فلايجوز الاكتفاء بشهادتهم لا مخيّرًا و لا مرتّبًا كما عرفت، و هو المطلوب .

ص: 10


1- . البقرة : 282 ؛ والآية هكذا : ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ).
2- . البقرة : 282 ؛ والآية هكذا : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ).

و يدلّ عليه أيضًا قول مولانا الصادق (عليه السلام) : لا يجوز شهادة الغلام قبل أن يحتلم (1) .

و لأنّه لا يقبل قول الصبيّ على نفسه، فعلى غيره بطريق أولى ؛ و لما سيجيء من اشتراط العدالة في الشاهد، و معلوم انتفائها في الصبيّ ؛ و لأنّ الصبيّ مأمونٌ من المؤاخذة، فلا يحترز من الكذب، فلا يسمع شهادته .

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه من الأدلّة عامٌّ شاملٌ للمميّز و غيره و مَن بلغ عشر سنين و غيره .

مضافًا إلى ما استفاض نقل الإجماع منهم على عدم قبول شهادة غير المميّز من الصبيّ.

و ممّن نقل الإجماع على ذلک هو فخر الدين في الإيضاح، حيث قال :

الصبيّ إمّا أن لا يكون مميّزًا، أو يكون ؛ و الأوّل لا تقبل شهادته إجماعًا(2) .

و نقل في المسالک (3) عن جماعة - منهم : الشيخ فخر الدين - الاتّفاق على عدم قبول شهادة مَن دون العشر، لكنّه في الإيضاح ادّعى الإجماع على عدم قبول شهادته في غير القصاص و القتل و الجراح، حيث قال :

ص: 11


1- . دعائم الإسلام : 2 / 510 ح 1827 .
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 417 .
3- . المسالک : 14 / 154 .

و الثاني - أي : الصبيّ المميّز - إمّا أن لا يكون قد بلغ عشر سنين، أو يكون قد بلغ، و الأوّل لا تقبل شهادته في غير القصاص والقتل والجراح إجماعًا ؛ و أمّا في الجراح و الشِجَاج (1) ، فقيل : لا تقبل، و هو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية، و قال في الخلاف : تقبل، و هو اختيار ابن الجنيد، إنتهى (2) .

و هو كما ترى صريحٌ في وقوع الخلاف .

و بالجملة : عدم سماع شهادة الصبيان لا إشكال فيه، إلّا في الشِجَاج و الجراح، فتقبل شهادتهم فيهما، كما في الانتصار و عن المقنعة والمراسم والغنية والجامع (3) ؛ و في الأوّل و عن الرابع : عليه الإجماع، حيث قال في الأوّل :

و ممّا يظنّ انفراد الإماميّة به و لها فيه موافق : القول بقبول شهادة الصبيان في الشِجَاج و الجراح إذا كانوا يعقلون بما (4) يشهدون به ويؤخذ بأوّل كلامهم و لا يؤخذ بآخره .

و قد وافق الإماميّة في ذلک عبد الله بن الزبير و عروة بن الزبير و عمر بن عبد العزيز و ابن أبي ليلى و الزهري و مالک و أبو الزياد (5) ، و خالف

ص: 12


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « شجاج : شكستها كه در سر باشد ؛ كنز ».
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 417 .
3- . المقنعة : 727 ؛ الانتصار : 505 و 506 ؛ المراسم : 233 ؛ الغنية : 440 ؛ الجامع للشرائع : 540 .
4- . في المصدر : ما .
5- . في المصدر : الزناد . انظر المحلّى : 9 / 420 ؛ والمجموع : 20 / 251 ؛ والمبسوط، للسرخسي : 16 /136 ؛ و أحكام القرآن، للجصّاص : 1 / 496 ؛ و فتح الباري : 5 / 277 .

باقي الفقهاء في ذلک و لم يجيزوا شهادة الصبيان في شيء (1) .

و المعتمد في هذه المسألة على إطباق الطائفة، و هو مشهور من مذهب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، و قد روى ذلک عنه الخاصّ والعامّ و الشيعيّ و غير الشيعيّ، و هو موجود في كتب مخالفينا .

و رووا كلّهم : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في ستّة (2) وقعوا في الماء وغرق (3) أحدهم، فشهد ثلاثة غلمان على غلامين أنّهما غرّقا الغلام وشهد الغلامان على الثلاثة أنّهم غرّقوه، فقضى (عليه السلام) بدِيَةِ الغلام أخماسًا على الغلامين ثلاثة أخماس الدية لشهادة الثلاثة عليهما و على الثلاثة بخمسي الدية لشهادة الغلامين عليهم (4) .

و ليس لأحد أن يقول : لو قبلت شهادة الصبيان في بعض الأمور لقبلت في جميعها كسائر العدول .

قلنا : غير ممتنع أن توجب المصلحة قبول شهادة الصبيان في موضع دون موضع كما أنّها أوجبت قبول شهادة النساء في بعض المواضع دون بعض، و لم يلزم أن تكون النساء في كلّ المواضع مقبولات الشهادة (5)

ص: 13


1- . انظر المدوّنة الكبرى : 5 / 154 .
2- . في المصدر : ستّة غلمان .
3- . في المصدر : فغرق .
4- . الكافي : 7 / 284 ح 6 ؛ الفقيه : 4 / 116 ح 5233 ؛ التهذيب : 10 / 239 ح 953 ؛ الوسائل : 29 / 235ح 35528 .
5- . في المصدر : الشهادات .

من حيث قبلت شهادتهنّ في بعضها ؛ إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (1) . و قد ذكرناه مع طوله لما اشتمله من الفوائد الّتي سيجيء إلى بعضها الإشارة . و عن الخلاف (2) الإجماع على قبول شهادة الصبيان في الجراح فقط، يحتمل أن يكون مراده بالجراح ما يعمّ الشِجَاج، لأنّ الشِجَاج جمع : شَجَّة، و هي جرح في الرأس، قال في المجمع :

والشَجُّ و هو في الرأس خاصّة، و هو أن يَضرِبه بشيء فَيَجْرَحَه ويَشُقّه (3) .

و عن النهاية و الوسيلة و السرائر قبول شهادتهم في الشِجَاج و القِصاص (4) .

و الفرق بين هذا و ما مرّ من المقنعة و الانتصار و المراسم و الغنية و الجامع (5) هو: أنّ القصاص يعمّ القتل و الجراحة، بخلاف الجراح، لكن قد عرفت من الانتصار حيث عنون المسألة بقبول شهادتهم في الشجاج و الجراح .

ثمّ استدلّ عليه بالنصّ المنقول عن مولانا الأمير (عليه السلام) في قبوله (عليه السلام) شهادتهم في القتل، فيعلم منه عموم الشجاج أو الجراح للقتل أيضًا، و كذا حكي عن الغنية ؛ وعلى هذا يتّحد المراد .

ص: 14


1- . الانتصار : 505 .
2- . الخلاف : 6 / 269 .
3- . مجمع البحرين : 2 / 312 ؛ و مثله في تاج العروس : 3 / 410 .
4- . النهاية : 331 ؛ الوسيلة : 458 ؛ السرائر : 2 / 36 .
5- . المقنعة : 727 ؛ الانتصار : 505 و 506 ؛ المراسم : 233 ؛ الغنية : 440 ؛ الجامع للشرائع : 540 .

المستند في المسألة

اشارة

ثمّ إنّ المستند في المسألة مضافًا إلى ما مرّ من الإجماعات المنقولة وجوه :

الوجه الأوّل

منها : ما نقل عن الخلاف من إجماع الصحابة على ذلک، حيث قال :

روى ابن أبي مليكة عن ابن عبّاس أنّه قال : لا تقبل شهادة الصبيان في الجراح، فخالفه ابن الزبير، فصار الناس إلى قول ابن الزبير، فثبت أنّهم أجمعوا على قوله و تركوا قول ابن عبّاس (1) .

الوجه الثاني

و منها : حسنة جميل عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله : تجوز شهادة الصبيان ؟ قال : نعم في القتل يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني منه (2) .

الوجه الثالث

و منها : رواية محمّد بن حُمْرَان عنه (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة الصبيّ ؟ قال :

ص: 15


1- . الخلاف : 6 / 270 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 269 .
2- . الكافي : 7 / 389 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 251 ح 645 ؛ الوسائل : 27 / 343 ح 33888 .

فقال : لا، إلّا في القتل، يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني (1) .

قال في المسالک بعد ذكر الحديثين :

و لفظ الروايتين تضمّن القتل، فيمكن أن يدخل فيه الجراح بطريق أولى (2) .

و لعلّ هذا مراد صاحب المفاتيح حيث قال :

يشترط في الشاهد أن يكون بالغًا .

إلى أن قال :

إلّا في الجراح و القتل على المشهور، للحسن : قلت : تجوز شهادة الصبيان ؟ قال : نعم في القتل (3) .

و ذكر تمام الحديث، ثمّ ذكر الحديث الآخر، إذ ليس فيهما إلّا لفظ القتل، فالاستدلال بهما للجراح أيضًا لعلّه مبنيّ على الأولويّة .

و فيه نظر، لأنّه على فرض تسليم الأولويّة نقول : إنّها انّما تكون حجّة إذا لم يمنع منها مانع ؛ و ليس في المقام كذلک، إذ جوابه (عليه السلام) أوّلاً بعدم قبول شهادة الصبيان بعنوان العموم، ثمّ استثناء القتل منه يمنع من إرادة الأولويّة .

إن قيل : إنّ جوابه (عليه السلام) أوّلاً بلا عامٌّ و يخصّص بالأولويّة المفهومة من الجواب

ص: 16


1- . الكافي : 7 / 389 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 251 ح 646 ؛ الوسائل : 27 / 343 ح 33889 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 155 .
3- . مفاتيح الشرائع : 3 / 276 .

ذلک العامّ بغير الجراح .

قلت : لو كان الأمر كذلک، فلا يبقى للعامّ فرد، لوجود الأولويّة بالنسبة إلى جميع أفراد العامّ، فحينئذٍ يلزم أن يكون جوابه (عليه السلام) أوّلاً بلا لغوًا كما لا يخفى .

و يمكن أن يجاب عن ذلک : بأنّ هذا الإيراد واردٌ في رواية محمّد بن حمران، لا في الحسن المتقدّم عليه، فالأولويّة مفهومة منه و لا يرد عليه ما ذكر، فعبارة المسالک (1) حيث قال : « و لفظ الروايتين » إلى آخرها، ليس على ما ينبغي ؛ ولعلّه لهذا لم يورد الرواية الثانية بطريق الدليل على جواز قبول شهادة الصبيان في الجراح و القتل، بل قال : « و في رواية »، بخلاف الحسن، فأورده دليلاً على الحكم المذكور كما عرفت .

ثمّ إنّ هذا كلّه على تقدير تسليم الأولويّة ؛ و لمانع أن يمنع ذلک، لاحتمال أن يكون وجه قبول شهادتهم في القتل هو الاهتمام في إخفاء القتل، فلو لم يسمع شهادتهم يطلّ دم امرئ مسلم، بخلاف الجراح، فإنّ الأمر فيه ليس بهذه المرتبة، هذا.

الوجه الرابع

و منها : ما في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) أيضًا : أنّه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ستّة غلمان كانوا في الفرات، فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة منهم على

ص: 17


1- . انظر المسالک : 14 / 155 .

اثنين أنّهما غرقاه و شهد اثنان على الثلاثة أنّهم غرّقوه، فقضى (عليه السلام) بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين و خمسين على الثلاثة (1) .

و قد مضى هذا الحديث في عبارة الانتصار بتغيير قليل في اللفظ .

و يمكن أن يقال : إنّه مع الإغماض عن ضعفه ليس بصريح فيما نحن فيه ليخصّص به الأصول المتقدّمة في صدر المسألة، لاحتمال أن يكون الغلمان الّذين تضمّنه بالغًا ؛ و قد عرفت مرارًا فيما تقدّم : أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا تصلح للتمسّک في مقام الاستدلال (2) .

ثمّ إنّ هذه النصوص واردةٌ في القتل، فالجراح و الشجاج إمّا محمولٌ عليه من باب الأولى على ما عرفته في الجراح، أو من جهة الإجماعات المنقولة المتقدّمة، فصار الحقّ في المسألة عدم جواز قبول شهادة الصبيان إلّا في القتل و الجرح والشجاج، فالجواز لما ذكر من الأدّلة، و بها يخصّص ما تقدّم من الأدلّة في صدر المسألة على عدم جواز قبول شهادتهم مطلقًا .

ثمّ إنّ مقتضى النصوص المذكورة و كلمات الأجلّة و كذا الإجماعات المنقولة جواز قبول شهادتهم فيما ذكر مطلقًا و لو تمكّن من شهادة الرجال مثلاً .

و يمكن أنّ غاية ما في هذه الأدلّة و كلمات الأجلّة الإطلاق، و من شرط انصرافه إلى جميع الأفراد عدم كون المقصود منه بيان حكم آخر .

ص: 18


1- . الكافي : 7 / 284 ح 6 ؛ التهذيب : 10 / 229 ح 953 ؛ الوسائل : 29 / 235 ح 35528 .
2- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

و الظاهر من النصّ الأوّل و الثاني إثبات جواز سماع شهادتهم في الجملة، ردًّا لتوهّم عدم جوازه مطلقًا، كما يستفاد ذلک من السؤال في صدرهما ؛ و أمّا الثالث فلا ينفعنا في المقام لما عرفت، فيجب حملها على الفرد المتيقّن، و هو ما إذا لم يتمكّن من غيرهم .

و كذا الكلام في الإجماعات المنقولة، فبقيت الأصول و غيرها في غير الفرد المتيقّن سالمة عمّا يصلح للمعارضة، فيجب العمل عليها، فلا يجوز قبول شهادتهم عند التمكّن من غيرهم و لو في الثلاثة المذكورة، اقتصارًا على المتيقّن فيما خالف الأصول المتيقّنة .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ هذه النصوص و إن كانت مطلقة شاملة لما إذا كان الصبيّ مميّزًا و غير مميّز، لكن يجب تقييده بالأوّل، لِما عرفت من الإجماعات المنقولةالمستفيضة على عدم جواز قبول شهادة غير المميّز .

و كذا الكلام بالنسبة إلى المميّز الّذي لم يبلغ العشر إن ثبت ما نقله في المسالک من دعوى الإتفاق عن جماعة منهم على عدم جواز قبول شهادتهم حينئذ، لكنّ الشيخ فخر الدين نقل الخلاف في الإيضاح (1) ، حيث نقل عن الشيخ في الخلاف وابن الجنيد القول بجواز قبول شهادتهم في الجراح و الشجاج .

و كيف كان فإن ثبت نقل الإجماع على عدم جواز قبول شهادتهم إذا لم يبلغوا عشرًا في القتل و الجراح يخصّص به إطلاق النصّ في جواز قبول شهادة الصبيان

ص: 19


1- . الإيضاح : 4 / 417 .

في القتل و الإجماعات المنقولة في جواز ذلک في الجراح، و إلّا فالحكم مطلق .

على أنّا نقول : لو لم يثبت نقل الإجماع على ذلک أيضًا القول بالإطلاق لا يخلو من إشكال، لما عرفت من عدم تحقّق شرط انصراف المطلق إلى جميع الأفراد في المقام .

لكن يمكن أن يجاب عن ذلک هنا و ما تقدّم بأنّ النصّ في المقام ليس مطلقًا، لأنّ المعصوم بعد السؤال عن جواز شهادة الصبيان أجاب بالجواز من غير استفصال بين كون الصبيّ بالغًا لعشر سنين أم لا ؛ و كذا بالنسبة إلى التمكّن من غير الصبيّ أم لا، كما في حسنة جميل و رواية محمّد بن حُمْرَان ؛ و ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال .

نعم، في المقام رواية تدلّ على اشتراط بلوغ العشر في جواز قبول شهادتهم، وهي رواية أبي أيّوب الخزّاز حيث سأل إسماعيل بن جعفر : متى تجوز شهادة الغلام ؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ؛ قال : قلت : و يجوز أمره ؟ قال (1) : إنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتّى تكون امرأة، فإن كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته (2) .

قال في الوافي :

في هذا الحديث ما لا يخفى، فإنَّ حكم الرجل و المرأة لا يجب أن

ص: 20


1- . في المصدر : قال : فقال .
2- . الكافي : 7 / 388 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 251 ح 644 ؛ الوسائل : 27 / 344 ح 33890 .

يكون واحدًا في كلّ شيء ؛ ألا ترى إلى الأمر الّذي جعل جامعًا، فإنّ صاحب العشر سنين من الرجال لا يتأتى منه النكاح غالبًا، إلّا أنّ الأمر فيه سهل، لعدم اتّصال الحديث بالمعصوم (1) .

و هي موقوفة، و مع ذلک ضعيفة، لأنّ في طريقها : محمّد بن عيسى عن يونس، و متهافتة المتن، فلا يجوز التخصيص بها عموم ما تقدّم من الأدلّة .

إلّا أن يقال : إنّ اشتراط التميز في قبول شهادتهم ممّا لا ريب فيه، و هو لايحصل في غير العشر، فاشترط البلوغ إلى العشر تحصيلاً للشرط المتيقّن .

و فيه نظر، أمّا أوّلاً : فلأنّ ذكر التميز مغن عن ذلک ؛ و أمّا ثانيًا فلعدم تسليم عدم امكان التميز للصبيّ قبل العشر ؛ و أمّا ثالثًا فلإمكان عدم حصول التميز له مع بلوغه العشرة و التجاوز عنها، فلا وجه لاشتراط قبول شهادتهم بالبلوغ إلى العشرة .

نعم، قد اشترط المحقّق في الشرائع (2) ، و العلّامة في الإرشاد و القواعد (3) ، وعن التحرير (4) في قبول شهادتهم ثلاثة شروط :

أحدها : هو ذلک، أي بلوغ سنّهم العشر .

و قد عرفت الكلام في أنّه لا دليل على ذلک .

ص: 21


1- . الوافي: 16 / 973 ، ذيل الحديث 16512 - 14 .
2- . شرائع الإسلام : 4 / 910 .
3- . الإرشاد : 2 / 155 ؛ القواعد : 3 / 493 .
4- . تحرير الأحكام : 5 / 243 .

و الثاني : هو اجتماعهم حين التحمّل إلى الأداء على المباح .

و فيه أنّه لا دليل على ذلک أيضًا .

ثمّ إنّهم غير مكلّفين، فجميع الأفعال مباحٌ بالنسبة إليهم، فلا معنى لهذا الاشتراط ؛ و إن أريد اجتماعهم على المباح بالنسبة إلى المكلّفين لم يكن لتخصيصه وجه، فينبغي اشتراط جميع شرائط قبول الشهادة بالنسبة إليهم أيضًا . ويمكن الاستدلال لذلک بما مرّ من الأصل، لكن يجاب بما تقدّم أيضًا .

و الشرط الثالث : عدم تفرّقهم من حين التحمّل إلى الأداء .

و هذا أيضًا لا دليل عليه .

قال في المسالک :

و في النافع (1) نسب اشتراط عدم التفرّق إلى الشيخ في الخلاف (2) ، مؤذنًا بعدم ترجيحه ؛ و عذره واضح، لعدم الدليل المقتضي لاشتراطه (3) .

إن قلت : و فيه نظر، لأنّ دليل ذلک هو ما رواه في الفقيه في باب من يجب ردّ شهادته و من يجب قبول شهادته، باسناده عن طلحة بن زيد، عن مولانا الصادق (عليه السلام) ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما

ص: 22


1- . المختصر النافع: 286.
2- . الخلاف : 60 / 270 المسألة 20 .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 156 .

لم يتفرّقوا، أو يرجعوا إلى أهليهم (1) .

قلت : هذا لا يصلح دليلاً على المسألة، لأنّ طريق الصدوق و إن كانت إليه صحيحة، لأنّه قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن طلحة بن زيد فقد رويته عن أبي و محمّد بن الحسن -رضي الله عنهما - عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى الخزّاز و محمّد بن سنان جميعًا عن طلحة بن زيد(2) .

و محمّد بن سنان و إن كان ضعيفًا، لكن ضعفه مع اجتماعه مع محمّد بن الخزّاز غير مضرّ، لكونه ثقة، و قد وثّقه النجاشي و العلّامة (3) .

و لكن هو - أي طلحة - في نفسه ضعيف ؛ قيل (4) : إنّه بُترِيّ (5) ، و قيل : إنّه

ص: 23


1- . دعائم الإسلام : 2 / 408 ح 1421 ، مع اختلاف قليل في العبارة ؛ الفقيه : 3 / 44 ح 3294 ؛ الوسائل :27 / 345 ح 33893 .
2- . الفقيه : 4 / 480 .
3- . رجال النجاشي : 207 ؛ خلاصة الأقوال : 361 .
4- . رجال الطوسي : 138 ؛ جامع الرواة : 1 / 421 ؛ وانظر المسالک : 14 / 13 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 296 .
5- . خلاصة الأقوال : 385 ؛ و فيه : « غياث بن إبراهيم التميميّ الأسديّ، بصريّ، سكن الكوفة، ثقة، روى عنأبي عبد الله (عليه السلام)، و كان بتريًّا ». قال ابن إدريس الحلّيّ (رحمه الله) : البُتْرِيّة فرقة تنسب إلى كثير النَوّاء و كان أبتر اليد (السرائر : 5 / 247 ). و قال الشيخ الطريحيّ : البُتْريّة بضمّ الموحّدة فالسكون : فرقة من الزيديّة، و قيل :نسبوا إلى المغيرة بن سعد، و لقبه : الأبتر . و قيل : البتريّة هم أصحاب كثير النوا { كذا } الحسن بن أبي صالحوسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة و سلمة بن كهيل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الّذين دعوا إلىولاية عليّ (عليه السلام) ، فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة، و يبغضون عثمان و طلحة والزبيروعائشة، و يرون الخروج مع ولد عليّ (عليه السلام)، إنتهى ( مجمع البحرين : 3 / 213 ).

عامّيّ (1) .

و الحديث الضعيف كالعدم، و لهذا قلنا : إنّه لا دليل على ذلک .

و أيضًا عبارات الأصحاب إلّا ما شذّ تعمّ شهادتهم بعضهم على بعض و على غيرهم ؛ و الحديث المذكور يدلّ على جواز شهادتهم بينهم إذا لم يتفرّقوا. و أيضًا أنّه متضمّن بما لم نجد القائل بذلک، و هو قوله : « أو يرجعوا إلى أهليهم » .

و بالجملة : لم نجد ما يصلح دليلاً لهذه الشروط المذكورة، إلّا ما قدّمناه من الأصل على ما مرّ بيانه، لكن جوابه أيضًا قد مرّ، فعلى هذا الاشتراط بهذه الشروط لا وجه له.

نعم، قد دلّت الحسنة المتقدّمة و غيرها الاشتراط بشيء واحد غير ما ذكر من الشروط المذكورة، و هو الأخذ بأوّل كلامهم دون غيره إن اختلفت أقوالهم ؛ و هو الّذي صرّح به كثير من الأصحاب كالسيّد - و قد مرّت عبارته - و المحقّق (2) ، ونقل عن المقنعة و النهاية و سلّار و بني زهرة و حمزة و إدريس (3) ، و هو مسلّم

ص: 24


1- . رجال النجاشي : 207 ؛ الفهرست : 149 ؛ معالم العلماء : 96 ؛ إيضاح الاشتباه : 205 ؛ خلاصة الأقوال :361 ؛ نقد الرجال : 2 / 433 ؛ الفوائد الرجاليّة، للسيّد بحر العلوم : 4 / 148 . قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في الفهرست : طلحة بن زيد، له كتاب، و هو عامّيّ المذهب، إلّا أنّ كتابه معتمد . و عدّه في رجاله تارة منأصحاب الباقر (عليه السلام) قائلاً : طلحة ابن زيد بتريّ ( الرجال : 138 ) ؛ و أخرى من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً :طلحة بن زيد الخزريّ القرشيّ ( الرجال : 228 ) .
2- . نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 271 ؛ انظر : الشرائع : 4 / 910 ؛ والنافع : 278 ؛ والانتصار : 506 .
3- . نقله عنهم في كشف اللثام : 10 / 271 ؛ وانظر المقنعة : 727 ؛ والنهاية : 2 / 60 ؛ والمراسم : 233 ؛والغنية: 440 ؛ والوسيلة : 231 ؛ و السرائر : 2 / 136 .

لوجود الدليل، و لما عرفت من قبول هؤلاء الأجلّة له ؛ هذا .

قولان في المسألة

اشارة

و في المسألة قولان غير ما تقدّم :

القول الأوّل

أحدهما : قبول شهادتهم مطلقًا في الجراح و غيرها ؛ و هو الّذي ذكره في الشرائع و القواعد قولاً (1) ؛ و القائل به غير معلوم، و قد اعترف بذلک جماعة من المتأخّرين (2) .

و مستنده هو : ما تقدّم من رواية أبي أيّوب الخزّاز، و قد عرفت الجواب عنها، فلا نعيد ؛ والأدلّة المتقدّمة الدالّة على قبول شهادتهم في القتل، ففي غيره بطريق أولى.

و الأولويّة ممنوعة، لما أشرنا إليه سابقًا من اهتمام الناس في إخفاء القتل، ولعلّ المعصوم جوّز قبول شهادتهم في القتل لذلک بخلاف غيره، و لشدّة الحاجة إلى القصاص لئلّا يُطِلّ دم امرئ مسلم، كما نبّه (عليه السلام) على ذلک في بعض ما سيجيء من الأخبار .

ص: 25


1- . انظر الشرائع : 4 / 910 ؛ و القواعد : 3 / 493 .
2- . منهم : الصيمريّ في غاية المرام : 4 / 274 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 157 ؛ و الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 269 .
القول الثاني

و القول الثاني في مقابله، أي : عدم قبول شهادتهم مطلقًا، لا في القتل و لا في الجراح و لا في غيرهما .

و هذا القول هو الّذي اختاره في الإيضاح (1) ، لما تقدّم من الأصول و غيرها في صدر المسألة ؛ و مال إليه بعض المتأخّرين (2) .

و الجواب عنه هو : أنّ المخصّص موجود، و هو ما تقدّم من النصّ والإجماعات المنقولة، لأنّ التعارض بينهما من تعارض العامّ و الخاصّ في بعضهما و المطلق و المقيّد في الآخر، لأنّ المذكور في صدر المسألة قد دلّ على عدم قبول شهادتهم مطلقًا، لا في القتل و لا في غيره ؛ و الإجماعات المنقولة وغيرها قد دلّت على قبول شهادتهم في القتل و الجراح و الشجاج، لا في غيرها، فيخصّص العامّ بغير ما دلّ عليه الخاصّ و يقيّد المطلق بما عدا مورد المقيّد .

و أجاب بعض المتأخّرين بعد الميل إلى هذا القول عن النصوص المجوّزة لقبول شهادتهم :

بأنّه يمكن أن يريد بقبول شهادة الصبيان فيما ذكر ثبوت الفعل بطريق

ص: 26


1- . إيضاح الفوائد : 4 / 417 .
2- . هو الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 157 ؛ و مال إليه أيضًا : الحلّيّ في المهذّب البارع : 4 / 507 ؛والصيمريّ في غاية المرام : 4 / 275 ؛ و السيّد الطباطبائيّ في الرياض : 13 / 231 .

الاستفاضة، بناءً على الغالب من وقوع الجراح بينهم في اللعب (1) حال اجتماعهم بكثرة يمكن أن يثبت بها الاستفاضة، إذ لا يشترط فيها بلوغ المخبر، بل و لا إسلامه (2) .

و تبعه في المفاتيح (3) في هذا الجواب .

و فيه نظر، لما عرفت من أنّ النصوص واردة كلّها في القتل، لا في الجراح، كما أذعن بذلک المجيب أيضًا، فحملها على الجراح لا وجه له .

و على فرض التسليم نقول : إنّها مطلقة و تقييدها بما إذا بلغ حدّ الاستفاضة يحتاج إلى مقيّد، و ليس فليس .

على أنّ النصوص من الأصحاب و النصوص أنّ للصبيان مدخليّة في هذا الحكم، فلو كان المعتبر بلوغ ذلک حدّ الاستفاضة ارتفعت الخصوصيّة بالمرّة، كما لايخفى على مَن له أدنى دربة .

على أنّه زيادة على ما مرّ المستفاد من الشرائع قبول شهادتهم في الجراح مع الشروط الثلاثة المتقدّمة اتّفاقي، حيث قال بعد ذكر رواية جميل و محمّد بن حُمْرَان المتقدّمتين :

والتهجّم على الدماء بخبر الواحد خطر، فالأولى الاقتصار على القبول

ص: 27


1- . في المصدر : الملعب .
2- . المسالک : 14 / 157 .
3- . مفاتيح الشرائع : 3 / 276 .

في الجراح بالشروط الثلاثة : بلوغ العشر، و بقاء الاجتماع، إذا كان على مباح، تمسّكًا بموضع الوفاق (1) .

فالقول بعدم قبول شهادتهم مطلقًا ضعيف جدًّا .

يشترط العقل في سماع الشهادة

2- مسألة

اشارة

و يشترط في الشاهد أيضًا كمال العقل، فلا تقبل شهادة المجنون إجماعًا، كما في الشرائع و كشف اللثام و غيرهما (2) .

و في المسالک :

هذا محلّ وفاق بين المسلمين (3) .

و نقل الإجماع و الاتّفاق في ذلک كثير .

و كذا لا تقبل من السكران، و ادّعى الإجماع عليه في كشف اللثام (4) ؛ و لقوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (5) ؛ ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم

ص: 28


1- . شرائع الإسلام : 4 / 910 .
2- . الشرائع : 4 / 911 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 244 ؛ مجمع الفائدة : 12 / 297 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 277 ؛كشف اللثام : 10 / 272 .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 159 .
4- . كشف اللثام : 10 / 272 .
5- . الطلاق : 2 .

فإن لم يكونا (1) فرجل و امرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (2) .

و كلّ من المجنون و السكران ليس بعادل، لأنّ تعريف العدالة - كما ستعرف إن شاء الله تعالى - غير متحقّق فيه .

و كذا ليس بمرضيّ، لأنّ المرضيّ للشهادة هو مَن يحترز من الكذب و يلازم الصدق و يخاف الله - تعالى - و هكذا، و ليس شيء من ذلک بمتحقّق في المجنون والسكران .

و لأنّ الشاهد لابدّ أن يكون ممّن يعرف ما يقول و يميّز المشهود به و المشهود له و المشهود عليه عن الغير و يطمئنّ النفس بقوله حتّى يحكم على الآخر بالنفس أو بالمال، و لا يصدق ذلک بالنسبة إليهما .

و لو كان جنونه غير مطبق، بل يعتوره أدوارًا، فلا تقبل شهادته أيضًا حال الجنون، لجميع ما ذكر ؛ و أمّا في حال الإفاقة فتقبل شهادته إذا علم الحاكم بكمال فطنته و عقله حالتي التحمّل و الأداء، لوجود المقتضي و انتفاء المانع .

أّما وجود المقتضي فلأنّه المفروض، إذ المفروض اجتماع جميع الشرائط المعتبرة في الشاهد ؛ و أمّا انتفاء المانع فلأنّ المانع ليس إلّا الجنون و المفروض أنّه قد علم زواله، و لم يثبت مانعيّة الجنون لقبول الشهادة مطلقًا و لو زال حالتي التحمّل و الأداء .

ص: 29


1- . كذا في نسخة الأصل ؛ و الآية هكذا : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) .
2- . البقرة : 282 .

نعم، لو شکّ في كمال فطنته و عقله لم تسمع، للأصل ؛ و الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، إذ الحكم لشخص على آخر بشيء و لو مع البيّنة خلاف الأصل، لبراءة ذمّته عن ذلک و أصالة عدم جواز مطالبته عليه، و لأنّه مع الشکّ في ذلک لا تطمئنّ النفس بقوله و لا يحصل لها الوثوق بشهادته .

و لأنّ العقل شرطٌ لجواز سماع الشهادة كما عرفت، و المفروض أنّه مشكوکٌ فيه، و الشکّ في الشرط يوجب الشکّ في المشروط، فلا يجوز سماعها، لأصالة عدم تحقّق شرط جواز السماع .

و كذا لا تسمع شهادة المغفّل الّذي في جبلّته و طبعه البله، بحيث لا يتفطّن لتفاصيل الأشياء و يدخل عليه التزوير و الغلط من حيث لا يشعر إلّا بعد الاستظهار و التفتيش من الحاكم بحيث يظهر له حقيقة الحال .

و كذا الكلام في كثير النسيان، فلا تسمع شهادته إلّا أن يكون المشهود به ممّا لايسهو عن مثله، أو بعد تفتيش الحاكم بحيث يظهر له عدم السهو (1) .

يشترط الإيمان في سماع الشهادة

3- مسألة

اشارة

و يشترط فيه الإيمان أيضًا، فلا تقبل شهادة غير المؤمن و إن كان من المخالف، لاتّفاق الأصحاب عليه ظاهرًا، كما في المسالک و كشف اللثام (2) .

ص: 30


1- . انظر القواعد : 3 / 493 ؛ والمسالک : 14 / 159 ؛ و الكفاية : 2 / 741 ؛ و كشف اللثام : 10 / 272 .
2- . المسالک : 14 / 160 ؛ كشف اللثام : 10 / 272 .

وعن التنقيح و المهذّب و شرح الشرائع للصيمريّ و شرح المقدّس الأردبيليّ : الإجماع عليه (1) .

و للأصل، لأنّک قد عرفت أنّ الحكم بشيء لشخص على آخر خلاف الأصل، وخلافه ثبت فيما إذا كان الشاهد مؤمنًا دون غيره على ما ستعرفه .

و لاعتبار العدالة في الشاهد كما سيجي، و غير المؤمن فاسق، فلا تقبل شهادته لقوله تعالى : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) (2) .

قال في المسالک :

واستدلّ المصنّف - رحمة الله عليه - بأنّ غير المؤمن فاسق و ظالم من حيث اعتقاده الفاسد الّذي هو من أكبر الكبائر، و قد قال - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) (3) ، و قال : ( و لا تركنوا إلى الّذين ظلموا ) (4) .

و فيه نظر، لأنّ الفسق إنّما يتحقّق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية، أمّا مع عدمه بل مع اعتقاد أنّها طاعة بل من مهمّات (5)الطاعات فلا .

ص: 31


1- . التنقيح الرائع : 4 / 287 ؛ المهذّب البارع : 4 / 510 ؛ غاية المرام : 4 / 275 ؛ مجمع الفائدة : 12 / 298 .
2- . الحجرات : 6 .
3- . الحجرات : 6 .
4- . هود : 113 .
5- . في المصدر : أمّهات .

و الأمر في المخالف للحقّ في الاعتقاد كذلک، لأنّه لا يعتقد المعصية، بل يزعم أنّ اعتقاده من أهمّ الطاعات، سواء كان اعتقاده صادرًا عن نظر أم تقليد . و مع ذلک لا يتحقّق الظلم أيضًا، و إنّما يتّفق ذلک ممّن يعاند الحقّ مع علمه به ؛ و هذا لا يكاد يتّفق، و إن توهّمه بعض (1) مَنْ لا عِلم له بالحال، إنتهى (2) .

و تبعه في ذلک بعض من تبعه (3) .

أقول : و فيه نظر، إذ قوله : « الفسق إنّما يتحقّق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية » ممنوع، بل نقول : إنّ الشيء المفسق مفسقٌ لمن ارتكبه مطلقًا، سواء علم أنّه الّذي بسببه يحصل الفسق، أم لا .

ألا ترى أنّ من ارتكب فعل معصية يصدق عليه أنّه عاص و إن لم يعلم أنّه معصية، كما إذا جامع أحد مع امرأته أو غيرها في نهار شهر رمضان مع عدم علمه بعدم جواز ذلک، و هو عاص مستحقّ للعقاب، إلّا إذا تاب ؛ و هكذا .

و على ما ذكره ينبغي أن لا عصيان للكافر و لا لغيره إذا لم يفعل ما علم أنّه معصية، و أن لا تكون فرقة من الكفّار و لا غيرهم فاسقين إذا لم يفعلوا ذلک ؛ والبديهة حاكمة بفساده .

ثمّ نقول : إنّ الفسق في اللغة هو : العصيان والخروج عن طريق الحقّ، قال في

ص: 32


1- . « بعض » لم يرد في المصدر .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 160 .
3- . لم نعثر عليه .

القاموس :

الفِسق : الترک لأمر الله، و العصيان، و الخروج عن طريق الحقّ (1) .

فيكون أحد معانيه الخروج عن طريق الحقّ، و لا شبهة في صدق ذلک لجميع المخالفين و إن كان مسلمًا .

و قال - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ )، فيجب حمل اللفظ على معناه اللغويّ، إلّا إذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة، أو العرف العامّ على خلافها، فيحمل عليه بلا إشكال في الأوّل، و على القول بتقديم العرف على اللغة في الثاني .

و دعوى ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ : « الفسق » فيما ذكره مشكلة ؛ وكيف ؟! مع أنّ جماعة من فحول العلماء - كالمحقّق و العلّامة و غيرهما - صرّحوا بفسق غير المؤمن بعنوان الإطلاق ؛ و قد عرفت كلام المحقّق في عبارة المسالک ؛ و قال العلّامة على ما حكي عنه :

أنّه لا فسق أعظم من عدم الإيمان (2) .

و كذا دعوى العرف العامّ ؛ و الشکّ كاف في المقام .

و قال في الكفاية :

ص: 33


1- . القاموس المحيط : 3 / 276 .
2- . حكى الشهيد الثاني عن فخر المحقّقين أنّه قال : « سألت والدي - رحمه الله - عن أبان بن عثمان، فقال :الأقرب عدم قبول روايته، لقوله تعالى : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا )، و لا فسق أعظم من عدمالإيمان »؛ حاشية خلاصة الأقوال، المطبوعة ضمن : رسائل الشهيد الثاني : 2 / 911 ؛ و انظر مجمع الفائدة :2 / 350 ؛ ونقد الرجال، للتفرشي : 1 / 46 .

الظاهر صدق الفسق و الظلم على المخالف، إنتهى (1) .

و قال في كشف اللثام بعد ذكر عدم قبول شهادة غير المؤمن :

للفسق و الظلم وانتفاء العدالة و إن كان ثقةً و لم تكن (2) مخالفته عن عناد.

إلى أن قال :

و ما احتمل من قبول شهادته إذا كان ثقةً مأمونًا لتحقّق العدالة له، لأنّه لايعصي الله في اعتقاده، فهو من الضعف بمكان، إنتهى (3) .

و لعلّه أشار إلى ما ذكره في المسالک .

و ربّما أجيب عن الآية - أي : قوله تعالى : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) - : بأنّ التبيّن ربّما يحصل بعدم قبول شاهد واحد حتّى ينضمّ إليه شاهد آخر، فإنّ التبيّن ليس هو الردّ (4) .

و فيه نظر، لأنّه لا يجوز أن يكون المراد من التبيّن ذلک، لأنّه لا اختصاص له بالفاسق، بل مشترک بينه و بين المؤمن، إذ قول الشاهد المؤمن أيضًا غير مقبول إلّا إذا انضمّ إليه شاهد آخر .

ص: 34


1- . كفاية الأحكام : 2 / 742 .
2- . في المصدر : و لم يكن .
3- . كشف اللثام : 10 / 272 .
4- . كفاية الأحكام : 2 / 742 .

و لقوله - تعالى - : ( شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا (1) فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (2) ، بناءً على ما جاء في تفسيره من مولانا الأمير (عليه السلام) حيث قال : ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تفطّنه (3) فيما يشهد به، وتمييزه (4) ، فما كلّ صالح مميّز محصّل (5) ، و لا كلّ محصّل مميّز صالح (6) .

و لا شکّ أنّ المخالف ليس بمرضيّ الدين .

إن قلت : إنّ قوله - تعالى - : ( شهيدين من رجالكم ) عامٌّ يشمل المؤمن والمخالف، فينبغي أن تجوز شهادة المخالف أيضًا، لشمول الدليل لهم كما عرفت .

قلت : على فرض تسليم شموله للمخالف أيضًا نقول : إنّ العامّ يجب تخصيصه بعد ثبوت المخصّص، و هو في نفس الآية موجود، لأنّ تقييدها بمن يرضون يعيّن كون المراد منه غير المخالف، لما عرفت من تفسير مولانا الأمير (عليه السلام) ذلک بمن يرضي دينه ؛ و المخالف ليس بمرضيّ الدين قطعًا كما عرفت .

على أنّا لا نسلّم شمول لفظ : ( رجالكم ) في الآية المذكورة المخالف، بناءً على مذهبنا الإماميّة من اختصاص الخطابات الشفاهيّة بالمخاطبين بها دون غيرهم (7) .

ص: 35


1- . كذا في نسخة الأصل، والآية هكذا : ( فإن لم يكونا رجلين ).
2- . البقرة : 282 .
3- . في المصدر : و تيقّظه ؛ و في بعض نسخه : و تيقّنه .
4- . في المصدر : و تحصيله و تمييزه .
5- . في المصدر : و لا محصّل .
6- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) : 674 ح 375 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 399 ح 34054 .
7- . انظر رياض المسائل : 13 / 240 .

و معلومٌ بالبديهة أنّ المخالف ليس موجودًا في زمان نزول الآية، فلايشمله عموم ( رجالكم ) بالضرورة .

ثمّ اعلم : أنّه يستفاد من النصوص المستفيضة جواز قبول شهادة المسلمين، والظاهر صدق المسلم على المخالف، فمنها : الحسن عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل (1) على المسلمين (2) .

و غيره (3) .

و الجواب عنه - على فرض تسليم صدق المسلم على المخالف - هو : أنّ التعارض بين هذه النصوص و الآية المذكورة عمومٌ من وجه، لأنّ هذه النصوص تدلّ على جواز قبول شهادة المسلم مطلقًا سواء كان مؤمنًا، أو غيره ؛ والآية قد دلّت على عدم جواز قبول شهادة الفاسق سواء كان مسلمًا أو غيره، فالواجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع الآية، لِقطعيّة متنها و لموافقتها بعمل الأصحاب كما عرفت .

و على فرض تسليم كون التعارض بينهما من قبيل تعارض المطلق و المقيّد بأن تكون الآية مطلقة، نقول : إنّ عمل الأصحاب على إطلاقها يمنع من تقييدها بالنصوص المزبورة .

ص: 36


1- . في الكافي : أهل الذمّة .
2- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .
3- . انظر الوسائل : 27 / 386 ، باب قبول شهادة المسلم على الكافر .

و منه يعلم الجواب عمّا رواه عبد الله بن المغيرة في الحسن قال : قلت للرضا (عليه السلام) : رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيّين ؟ قال : كلّ مَن ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (1) .

على أنّ إجماعنا منعقدٌ على كفر الناصبيّ بالكفر المقابل للإسلام، و عدم قبول شهادة الكافر ممّا لا تدخل حوله ريبة ؛ و ظاهر الحديث المذكور حيث ورد السؤال عن شهادة الناصبيّ قبول شهادته، فهو خلاف الإجماع .

هذا على تقدير صدق المسلم عليهم حقيقة، و أمّا على القول بكفرهم - كما هو مختار جماعة من الأصحاب كالسيّد و ابن ادريس و غيرهما (2) ، بل عن ابن إدريس الإجماع عليه (3) - فعدم شمول هذه النصوص عليهم معلوم، فلا يحتاج إلى تجشّم الجواب .

و يمكن الاستدلال لعدم قبول شهادة المخالفين أيضًا بالنصوص المستفيضة، بل المتواترة الّتي أطلق فيها لفظ « الكفر » عليهم ؛ و قد ذكرنا كثيرًا منها في رسالة منفردة (4) .

ص: 37


1- . الفقيه : 3 / ص 46 ح 3298 و ص 48 ح 3302 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 37 ؛ التهذيب : 6 / ص 283 ح778 و ص 284 ح 783 ؛ الوسائل : 27 / 393 ح 34036 و ص 398 ح 34052 .
2- . انظر رسائل الشريف المرتضى : ج 1 / ص 400 ( جواب المسائل الطرابلسيات الثالثة، المسألة العاشرة ) ؛وج 4 / ص 39 ( جواب المسائل الواسطيات، المسألة الخامسة ) ؛ والمختلف : 4 / 21 ؛ والمسالک : 6 /212 ؛ و مجمع الفائدة : 11 / 115 ؛ و رياض المسائل : 13 / 241 .
3- . السرائر : 1 / 356 .
4- . رسالة في نجاسة المخالفين، للمؤلّف (قدس سره): مخطوط ؛ توجد ضمن مجموعة من رسائله المسمّاة بزبدةالرسائل و نخبة المسائل، في مكتبة أميرالمؤمنين (عليه السلام) بأصفهان .

وجه الاستدلال هو : أنّ إطلاق لفظ « الكافر » عليهم إمّا بعنوان الحقيقة، أو المجاز ؛ و على الأوّل الاستدلال واضح، و أمّا على الثاني فللقاعدة المسلّمة، وهي أنّه متى تعذّر حمل اللفظ على الحقيقة فحمله على أقرب المجازات معيّن، فمقتضى هذه القاعدة اشتراكهم مع الكافر في جميع أحكامه و من جملتها عدم قبول الشهادة، فلا تقبل منهم أيضًا، و هو المطلوب .

تقبل شهادة الذمّيّ على المسلم في الوصيّة

و بالجملة : لا إشكال في عدم قبول شهادة غير المؤمن على المؤمن إلّا الذمّيّ، فإنّه تقبل شهادته في الوصيّة خاصّة إذا كان عدلاً في دينه عند عدم المسلمين بالإجماع على ما حكاه جماعة من الأصحاب (1) ؛ و قوله - تعالى - : ( يا أيّها الّذين آمنوا شهادةُ بينكم إذا حَضَر أحدَكُمُ الموتُ حين الوصيّة اثْنَان ذَوَا عَدلٍ مِّنْكم أو آخَرَان من غيركم ) (2) ، بناءً على ما سيجيء من تفسيره في النصّ .

بيانٌ

( شهادة بينكم ) مبتدأ، مسوّغ الابتداء بها شيئان : الإضافة، و كونها عاملة

ص: 38


1- . إيضاح الفوائد : 2 / 636 ؛ مجمع الفائدة : 12 / 304 ؛ المهذّب البارع : 4 / 510 .
2- . المائدة : 106 .

لكونها مصدرًا ؛ و ( اثنان ) خبره ؛ و ( إذا حضر ) ظرف للشهادة ؛ و ( حين الوصيّة ) بدل منه ؛ و ( ذوا عدل ) صفة لاثنان ؛ و ( منكم ) إمّا صفة أخرى له أو صفة للصفة، و على التقديرين متعلّق بمحذوف وجوبًا ؛ و التقدير : شهادة بينكم شهادة اثنين ؛ حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه .

هذا أحد الاحتمالين، و الاحتمال الآخر هو : أن يكون ( شهادة بينكم ) مبتدأ محذوف الخبر، و ( اثنان ) فاعل لفعل محذوف، و التقدير : عليكم شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة يشهد اثنان .

و النكتة في الإبهام ثمّ التفسير هي : تقرير الحكم في النفس مرّتين ؛ و لمّا قال - تعالى - : ( شهادة بينكم ) كان سائلاً يسأل : مَن يشهد ؟ فقال : ( اثنان ).

و للنصوص المستفيضة، منها : ما رواه حمزة بن حُمْرَان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله - عزّوجلّ - : ( ذَوَا عَدل منكم أو آخران من غيركم ) ؟ قال : فقال : اللّذان منكم مسلمان و اللّذان من غيركم من أهل الكتاب . قال : و إنّما ذلک إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة، فيطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيّته، فلم يجد مسلمين أشهد على وصيّته رجلين ذمّيّين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم (1) .

ص: 39


1- . الكافي : 7 / 399 ح 8 ، و فيه : « مرضيّين عند أصحابهما » ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 655 ، باب البيّنات ؛و9 / 179 ح 718 ، باب الإشهاد على الوصيّة ؛ الوسائل : 19 / 312 ح 24675 .

و منها : ما رواه هشام بن الحكم في الحسن عن مولانا الصادق (عليه السلام) في قول الله - عزّوجلّ - : ( أو آخران من غيركم ) (1) ، فقال : إذا كان الرجل في أرض غربة ولايوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة (2) .

و منها : ما رواه ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة أهل ملّة (3) هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم ؟ فقال : لا، إلّا أن لا يوجد في تلک الحال غيرهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم، و لا تبطل وصيّته (4) .

و منها : موثّقة سماعة عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عن شهادة أهل الملّة، قال : فقال : لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم، فإن لم يوجد (5) غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (6) .

ص: 40


1- . المائدة : 106 .
2- . الكافي : 7 / 398 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 653 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34030 .
3- . في الكافي : أهل الملل .
4- . الكافي : 7 / 300 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 654 ؛ الوسائل : 19 / 309 ح 24669 .
5- . في الكافي : فإن لم تجد .
6- . الكافي : 7 / 398 ح 2 ؛ التهذيب: 6 / 252 ح 652 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34031 .

فروع

الفرع الأوّل

الأوّل : اعلم : أنّ هذه النصوص الثلاثة من الحسن و ما بعده و إن كان إطلاقها دالاًّ على قبول شهادة غير الذمّيّ أيضًا، لكنّ الأُولى مقيّدة حيث قال : « رجلين ذمّيّين »، و المطلق محمولٌ على المقيّد ؛ و بها يقيّد إطلاق الآية المذكورة أيضًا حيث قال - تعالى - : ( أو آخران من غيركم ) (1) ، و هو أعمٌّ من أن يكون ذمّيًّا، أم لا، لكنّها مقيّدة بالأوّل بقرينة الرواية المفسّرة لها بالذمّيّ كما عرفت ؛ هذا .

مع أنّا لم نجد من الأصحاب من جوّز قبول شهادة غير الذمّيّ على المسلم مطلقًا، لا في الوصيّة و لا في غيرها .

الفرع الثاني

والثاني هو : أنّ هذه الروايات الثلاث بإطلاقها تدلّ على جواز قبول شهادة أهل ملّة أعمٌّ من أن يكون عادلاً عند أصحابهم، أم لا، لكن يجب تقييدها بالأوّل بقرينة الرواية الأولى أيضًا حيث قال (عليه السلام) فيها : « مرضيّين عند أصحابهم ».

ص: 41


1- . المائدة : 106 .

و أيضًا يمكن الاستدلال لاعتبارها بفحوى ما دلّ على اعتبارها في المسلم، لأنّه لو اعتبرت العدالة في المسلم لقبول شهادتهم، فاعتبارها في الذمّيّ لذلک بطريق أولى ؛ و بعبارة أخرى : لو لم تقبل شهادة الفسّاق من المؤمنين، فعدم قبول شهادة الفسّاق من غيرهم بطريق أولى .

إذا عرفت ذلک نقول : إنّه يمكن الاستدلال لاعتبار العدالة في الذمّيّ لقبول شهادتهم بالآية المذكورة من وجهين :

أحدهما هو : ما مرّ من الفحوى لقوله - تعالى - : ( اثنان ذوا عدل منكم ) (1) ، بناءً على ما مرّ .

والثاني هو : أنّ سياق الآية يستفاد منه حذف الصفة لآخران، و التقدير : اثنان ذوا عدل منكم أو آخران كذلک من غيركم، فتأمّل .

و أيضًا نقول : إنّ قبول شهادة غير المؤمن خلاف الأصل كما عرفت مفصّلاً،والاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن لازم، و هو ما ذكرناه من كونه عادلاً و مرضيًّا عند أصحابهم .

الفرع الثالث

الثالث : اعلم أنّ المستفاد من النصوص المذكورة هو أنّ الإشهاد بالذمّيّ إنّما هو مع عدم التمكّن من المسلم مطلقًا و لو كان فاسقًا ؛ و مقتضاه أنّه لو وجد مسلم

ص: 42


1- . المائدة : 106 .

فاسق يقدّم على الذمّيّ، و هو مقتضى كلام جماعة من الأصحاب أيضًا حيث اعتبروا عدم المسلم في قبول شهادة الذمّيّ (1) .

و عن التذكرة التفصيل بين الفاسق المسلم المحترز عن الكذب والخيانة و بين غيره، فيقدّم الأوّل على الذمّيّ دون الثاني، حيث قال :

لو وجد مسلمان فاسقان فإن كان فسقهما بغير الكذب والخيانة فالأولى أنّهما أولى من أهل الذمّة، و لو كان فسقهما يتضمّن اعتماد الكذب وعدم التحرّز منه فأهل الذمّة أولى (2) .

لكنّ الظاهر من المحقّق في الشرائع و العلّامة هو : أنّ قبول الشهادة من الذمّيّ في الوصيّة غير متوقّف على عدم مطلق المسلم، بل عدم عدو لهم، حيث قالا :

تقبل شهادة الذمّي في الوصيّة عند عدم عدول المسلمين (3) .

و مقتضاه أنّه لو وجد فسّاق المسلمين يقدّم الذمّيّ عليهم ؛ و به صرّح في كنز العرفان، حيث قال في جملة كلامه :

و تكون الآية مخصّصة لأدلّة اشتراط الإيمان والعدالة في الشاهد بما عدا الوصيّة، نعم يشترط عدالتهم في دينهم، و يرجّحون على فسّاق

ص: 43


1- . انظر المقنعة : 727 ؛ والنهاية : 2 / 62 ؛ والمبسوط : 8 / 187 ؛ و المختصر النافع : 279 ؛ و مختلفالشيعة : 8 / 503 ؛ و إيضاح الفوائد : 2 / 635 ؛ و كشف اللثام : 10 / 274 .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 522 .
3- . الشرائع : 4 / 911 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 245 .

المسلمين، إنتهى (1) .

و نقل عن صريح التحرير أيضًا أنّه قال :

لو وجد فسّاق المسلمين و شهدوا لم تقبل، و لو شهد أهل الذمّة فقبلت (2) .و هذا هو الحقّ، لقوله - تعالى - : ( اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ) (3) .

و كلمة « أو » هنا للترتيب، كقولک : أنكح هندًا أو أختها ؛ فعلى هذا نقول : إنّه -سبحانه - رتّب في الإشهاد بين عدل المسلم و غير المسلم بأنّه مع عدم الأوّل يؤتى بالثاني، فالواسطة منتفية بينهما .

و لأنّ الأصل عدم قبول شهادة غير المؤمن العادل مطلقًا، سواء كان المؤمن الفاسق أو غير المؤمن، ذمّيًّا كان أو غيره، خرج منه شهادة الذمّيّ بالنصوص المذكورة والإجماعات المنقولة، بخلاف غيره، فهو باق على الأصل .

و الجواب عن النصوص المذكورة هو : أنّ المسلم فيها و إن كان مطلقًا أو عامًّا شاملاً للعادل و غيره، لكن يجب تقييده أو تخصيصه بالأوّل للاية الشريفة على ما مرّ بيانه .

ص: 44


1- . كنز العرفان : 2 / 99 .
2- . التحرير : 5 / 245 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 274 .
3- . المائدة : 106.
الفرع الرابع

الرابع هو : أنّ قبول شهادة الذمّيّ مختصّ في الوصيّة بالمال، كما عن السرائر والتحرير و التذكرة و الدروس و المسالک و غيرهم (1) ، لا بالولاية، للأصل المتقدّم، و هو : أنّ قبول شهادة غير المؤمن خلاف الأصل، والاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن لازم، و هو الوصيّة بالمال، لا بالولاية ؛ و إطلاق الآية والنصوص في الوصيّة ينصرف إليه، و كذا إطلاق جماعة من الأصحاب ؛ هذا .

مع أنّه ادّعى الإجماع صريحًا في كنز العرفان على عدم قبول شهادتهم فيها، حيث قال :

جواز شهادة أهل الذمّة في الوصيّة عند أصحابنا مختصّ بالمال، فلاتسمع في الولاية إجماعًا، إنتهى (2) .

الفرع الخامس

والخامس : هل يشترط في قبول شهادتهم على المسلم كونه في أرض غربة -أي : في السفر - فلا تقبل شهادتهم مع عدم كون المسلم غريبًا و لو لم يوجد غير المسلم للإشهاد ؛ أو لا، فتقبل مطلقًا و لو لم يكن المسلم غريبًا، بل المعتبر عدم

ص: 45


1- . السرائر : 2 / 139 ؛ التحرير : 5 / 244 ؛ التذكرة (ط . ق) : 2 / 521 ؛ الدروس : 2 / 124 ؛ المسالک :14/ 161 ؛ الرياض : 13 / 242 ؛ الكفاية : 2 / 744 ؛ كشف اللثام : 10 / 273 .
2- . كنز العرفان : 2 / 100 .

المسلم المؤمن للإشهاد ؟

فيه خلافٌ بين الأصحاب، و المحكيّ عن الشيخ في المبسوط وابن الجنيد وأبي الصلاح الأوّل (1) .

و هو مقتضى الأصل على ما تقدّم بيانه، و ظاهر الآية الشريفة، لأنّه - تعالى - قال : ( شهادةُ بينكم إذا حَضَر أحدَكُم الموتُ حينَ الوصيّةِ اثنَان ذَوا عدلٍ منكم أو آخَران من غيركم إن أنتم ضَرَبتُم في الأرض فأصابتكم مصيبةُ الموت ) (2).

و مفهومها : أنّه لو لم تكن ضربتم في الأرض ليس الحكم على ما ذكر .

و هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في المسألة، منها : ما تقدّم من رواية حمزة بن حُمْرَان و حسنة هشام، حيث قال في الأولى : « و إنّما ذلک إذا كان الرجل المسلم في أرض غربة »، إلى آخره (3) .

و في الثانية : « إذا كان الرجل في أرض غربة »، إلى آخره (4) .

و منها : ما هو مثل الرواية الأولى، و هو ما رواه في الفقيه باسناده عن الحسن بن عليّ الوشاء عن أحمد بن عمر قال : سألته عن قول الله - عزّوجلّ - : ( ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم )، قال : اللّذان منكم مسلمان واللّذان من غيركم

ص: 46


1- . المبسوط : 8 / 187 ؛ الكافي في الفقه : 436 ؛ و حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 507 .
2- . المائدة : 106 .
3- . الكافي : 7 / 399 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 655 ، باب البيّنات ؛ و9 / 179 ح 718 ، باب الإشهادعلى الوصيّة ؛ الوسائل : 19 / 312 ح 24675 .
4- . الكافي : 7 / 398 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 653 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34030 .

من أهل الكتاب، فإن لم تجد من أهل الكتاب فمن المجوس، لأنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ؛ و ذلک إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يُشهدهما فرجلان من أهل الكتاب (1) .

و مفهوم الشرط في هذه النصوص الثلاثة هو : أنّ المسلم لو لم يكن في أرض غربة فلا يشهد من أهل الكتاب مطلقًا، سواء وجد مسلمان للإشهاد، أم لا .

و قيل :

ربّما يفهم من ظاهر المبسوط و الغنية كون ذلک إجماعيًّا بيننا (2) .

و ذهب المحقّق و العلّامة و جماعة إلى الثاني (3) ، أي : إلى عدم اشتراط كون المسلم في أرض غربة .

و هو المحكيّ عن ظاهر كثير من القدماء، كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن أبي عقيل و سلّار وابن البرّاج وابن إدريس (4) .

بل في المسالک و رياض المسائل : هو المشهور (5) .

و قال في الشرائع :

ص: 47


1- . الفقيه : 3 / 47 ح 3300 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34029 .
2- . رياض المسائل : 13 / 242 .
3- . انظر الشرائع : 4 / 911 ؛ والتحرير : 5 / 245 ؛ و المختلف : 8 / 508 ؛ والتذكرة ( ط.ق ) : 2 / 521 ؛وغاية المرام : 276 ؛ والمسالک : 14 / 162 .
4- . انظر المقنعة : 727 ؛ والنهاية : 2 / 62 ؛ و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : 8 / 505 ؛ والمراسم :233 ؛ والمهذّب : 2 / 120 ؛ والسرائر : 2 / 139 .
5- . مسالک الأفهام : 14 / 161 ؛ رياض المسائل : 13 / 244 .

و لا يشترط كون الموصي في غربة، و باشتراطه رواية مطروحة (1) .

و مثله حكي عن التحرير (2) .

و لعلّه يستفاد من نسبتهما الرواية المشترطة إلى الطرح عدم القائل بمضمونهما.

و بالجملة : فهذا القول هو الأقرب، لما تقدّم من رواية ضريس الكناسيّ قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام)- إلى أن قال (عليه السلام) : - فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم (3) .

و مثله الموثّقة المتقدّمة ؛ و الاستدلال بكلّ منهما للمختار من وجهين، أحدهما : من جهة إطلاق قوله (عليه السلام) فيهما : « فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم »، و هو مطلقٌ شاملٌ لما إذا كان في أرض غربة أم لا، فتأمّل .

و الثاني : من جهة التعليل، و هو قوله : « لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم ».

إن قلت : إنّ الإطلاق و العموم حجّة إذا لم يوجد المقيّد و المخصّص، و هنا قد وجد، لأنّ النصوص المتقدّمة و كذا الآية الشريفة مفهوم الشرط فيها يدلّ على أنّ المسلم لو لم يكن في غربة لم تقبل شهادة الذمّيّ، فيقيّد بهذا المفهوم إطلاق الحديثين المذكورين و يخصّص به عموم التعليل .

ص: 48


1- . شرائع الإسلام : 4 / 911 ؛ و فيه : رواية مطرّحة .
2- . التحرير : 5 / 245 ؛ و حكاه عنه في الرياض : 13 / 243 .
3- . الكافي : 7 / 300 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 654 ؛ الوسائل : 19 / 309 ح 24669 .

قلت : المفهوم فيها لا عبرة به، لورود الشرط مورد الغالب، لأنّ الغالب فيما إذا لم يوجد المسلم للإشهاد هو ما إذا كان المسلم في غربة .

فعلى هذا تكون تلک النصوص و الآية دالّة على ثبوت الحكم في أرض غربة، وهو لا ينافي ثبوته في غيرها، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فلا تصلح للتقييد و التخصيص، لأنّ المعتبر في المقيّد و المخصّص تضمّنهما على حكمين إثباتًا و نفيًا حتّى يتحقّق التعارض، و قد عرفت عدمه .

إن قلت : هذا بعينه وارد في الحديثين المذكورين، لأنّ المطلق أيضًا ينصرف إلى الفرد الغالب، و الغالب فيما إذا لم يوجد مسلم للإشهاد حتّى يجوز الإشهاد بالذمّيّ هو ما إذا كان المسلم في أرض غربة كما اعترفت به، فينصرف الإطلاق إليه و يجب الرجوع في غير الفرد الغالب إلى حكم الأصل، و هو ما عرفته من عدم جواز قبول شهادة غير المؤمن إلّا مورد النصّ، و قد عرفت أنّ ما نحن فيه ليس من ذلک .

قلت : هذا إنّما يسلم بالنسبة إلى الإطلاق، و أمّا بالنسبة إلى التعليل فلا، لأنّ مفهوم التعليل عامّ شاملٌ للفرد الغالب و النادر، فيخصّص به الأصل المتقدّم ؛ هذا .

مع أنّا لو سلّمنا عدم ورود الشرط في النصوص و الآية مورد الغالب نقول : إنّ تخصيص الحديثين المذكورين بهذه النصوص إنّما يجب إذا كان التعارض بينهما من تعارض النصّ و الظاهر .

و ليس الأمر كذلک، بل التعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين و العموم

ص: 49

من وجه، لأنّ مفهوم الشرط هو ما إذا لم يكن الرجل في أرض غربة لم يشهد الذمّيّ، و هو و إن كان خاصًّا من جهة اشتماله على عدم كون الرجل في أرض غربة، لكنّه عامّ من حيث التمكّن من الإشهاد بالمسلم أم لا .

و الحديثان المذكوران و إن كانا عامّين من حيث عدم كون الرجل في أرض غربة و غيرها، لكنّهما مختصّين بما إذا لم يتمكّن من المسلم، فالواجب عند تعارض الظاهرين الرجوع إلى الترجيح .

و فيما نحن فيه و إن كان لكلٍّ من الطرفين جهة رجحان و مرجوحيّة، أمّا جهة الرجحان لتلک النصوص و الآية فلكثرة العدد و قطعيّة متن الآية و الموافقة للأصل ؛ و أمّا جهة الرجحان للحديثين فللشهرة على ما عرفت، إلّا أنّها أقوى المرجّحات عند تعارض الأدلّة، فيقدّمان الحديثان على تلک النصوص و الآية وإن كانت جهة الرجحان لها متعدّدة، كما مرّت إليها الإشارة .

مضافًا إلى أنّ القائل بمضمونها بعد من تقدّم غير ظاهر، فعلى تسليم كونها خاصّة لا تصلح لتخصيص العامّ المعمول في أفراده عند المشهور بين الطائفة .

و بما ذكرنا ظهر لک ضعف ما ذهب إليه في الكفاية، حيث قال بعد نقل اشتراط الغربة في الموصي عن الجماعة المتقدّمة (1) :

و هو متّجه، لأنّ المستفاد من حسنة هشام بن الحكم و رواية حمزة

ص: 50


1- . هم : الشيخ وابن الجنيد و أبو الصلاح ؛ انظر المبسوط : 8 / 187 ؛ و حكاه عن ابن الجنيد في المختلف :8/ 505 ؛ والكافي في الفقه : 436 .

وحسنة أحمد بن عمر اعتبار الغربة و الضرورة، إنتهى كلامه (1) .

و ما ذكرناه كاف لتضعيفه، فلا يحتاج إلى الإطالة .

و ظهر لک الوهن ممّا ذكرناه أيضًا للإجماع المستشعر من عبارة المبسوط والغنية ؛ هذا .

و تلخّص ممّا ذكرناه : أنّه لا تقبل شهادة غير المؤمن على المؤمن إلّا شهادة الذمّيّ، فتقبل في الوصيّة خاصّة، لا في غيرها، للأصل المتقدّم، و لما مرّ في اعتبار الإيمان في الشاهد، بناءً على اختصاص ما مرّ من النصوص المخصّصة بالوصيّة .

بل يمكن الاستدلال بها على عدم قبول شهادة الذمّيّ في غير الوصيّة، بناءً على تقييد المعصوم (عليه السلام) الجواز فيها في الوصيّة، حيث قال (عليه السلام) : « جازت شهادته في الوصيّة » ؛ و مقتضاه عدم جواز قبول شهادته في غير الوصيّة، و هو المطلوب.

هذا، مع أنّ في الإيضاح و المسالک و عن التحرير و المهذّب الإجماع عليه (2) .

الفرع السادس
اشارة

الفرع السادس : هل تقبل شهادة الذمّيّ على غير المؤمن، أم لا ؟

أقول : غير المؤمن لا يخلو إمّا أن يكون من الذمّيّ، أو من غيره .

ص: 51


1- . كفاية الأحكام : 2 / 744 .
2- . الإيضاح : 4 / 418 ؛ المسالک : 14 / 161 ؛ التحرير : 5 / 245 ؛ المهذّب : 2 / 120 .
الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على أهل ملّته

والأوّل فقد نقل عن الشيخ في النهاية (1) القبول ؛ و يدلّ عليه ما تقدّم من موثّقة سماعة، حيث سأل فيها عن شهادة أهل الملّة، قال : فقال : لا تجوز إلّا على (2) ملّتهم (3) .

قال في كشف اللثام :

و هو قويّ، إلزامًا لكلِّ أهل ملّةٍ بما يعتقده (4) .

و ربما يدلّ عليه النبويّ المرويّ في كتب جماعة من الأصحاب، و هو هذا : «لا تقبل شهادة أهل دينٍ على غير دينهم (5) إلّا المسلمين، فإنَّهم عدولٌ على أنفسهم و على غيرهم » (6) .

و الحسن المتقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين » (7) .

و يستفاد من هذه النصوص قبول شهادة الذمّيّ على الذمّي، بل قبول شهادة

ص: 52


1- . النهاية : 2 / 62 .
2- . في المصدر : على أهل ملّتهم .
3- . الكافي : 7 / 398 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 652 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34031 .
4- . كشف اللثام : 10 / 273 .
5- . في العوالي : غير أهل دينهم .
6- . عوالي الّلألئ : 1 / 454 ح 192 ؛ الحاوي الكبير : 17 / 62 ؛ تلخيص الحبير : 4 / 198 ح 2108 .
7- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .

أهل كلّ ملّة على أهل ملّتهم، كما نقل ذلک عن النهاية (1) ، حيث جوّز قبول شهادة أهل كلّ ملّة على أهل ملّتهم ولهم .

و المستفاد من النصوص المذكورة قبول شهادة أهل كلّ ملّة على أهل ملّتهم، وأمّا قبول شهادتهم لهم فلا ؛ و لا يمكن التمسّک بالأولويّة، لعدم تسليمها .

نعم، لو كان الأمر بالعكس - أي : كانت النصوص دالّة على جواز قبول الشهادة لهم - لكان للتمسّک بالأولويّة وجه .

المختار عند المصنّف (قدس سره)

والمختار : عدم القبول، وفاقًا للشرائع و النافع و الإرشاد (2) ، و المحكيّ عن ابن أبي عقيل و المقنعة و المبسوط و ابني البرّاج و إدريس (3) .

بل في المسالک و كشف اللثام (4) : هو المشهور، لعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار الإسلام و الإيمان في الشاهد .

و النصوص المذكورة مع الكلام في دلالة الأخيرين لا تصلح للتخصيص، لما عرفت من كون العامّ فيما به التوارد معمولاً عند المشهور بين الطائفة .

ص: 53


1- . النهاية : 2 / 62 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 272 .
2- . المختصر النافع : 279 ؛ الشرائع : 4 / 911 ؛ الإرشاد : 2 / 156 .
3- . حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : 8 / 506 ؛ وانظر المقنعة : 726 ؛ المبسوط : 8 / 187 ؛ المهذّب :2/ 557 ؛ السرائر : 2 / 140 .
4- . المسالک : 14 / 164 ؛ كشف اللثام : 10 / 272 .

و يمكن الاستدلال لما نحن فيه بجميع الأدلّة الدالّة على قبول شهادة الذمّيّ على المسلم في الوصيّة، بناءً على أنّه لو جاز قبول شهادتهم على المسلم فيها، فجوازها في الوصيّة على غيرهم بطريق أولى مطلقًا، سواء كان من أهل ملّتهم أم لا، فإذا ثبت جواز قبول شهادتهم عليهم و على غيرهم في الوصيّة نقول بجوازها في غيرها أيضًا، لعدم القول بالفصل، إلّا أنّه لا محيص عمّا عليه المشهور مع ندرة القول الآخر .

قولٌ آخر في المسألة

و في المسألة قولٌ آخر، و هو التفصيل بأنّه تقبل شهادة الذمّيّ على الذمّيّ إن كان الترافع إلينا .

نقل ذلک عن الشيخ في الخلاف، و عنه : أنّه نسبه إلى أصحابنا (1) .

واختاره في المختلف و نزّل موثّقة سماعة عليه، فقال في مقام الردّ عليها والجواب :

المنع من صحّة السند، و القول بالموجب، كما اختاره الشيخ في الخلاف، و هو أنّه إذا ترافعوا إلينا و عدلوا الشهود عندهم، فإنّ الأولى هنا القبول ؛ إنتهى (2) .

ص: 54


1- . الخلاف : 6 / 273 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 272 ؛ و رياض المسائل : 13 / 246 .
2- . المختلف : 8 / 506 .

و مال إليه في التنقيح، فقال بعد نقله عن الخلاف :

و هذا في الحقيقة قضاءٌ بالإقرار، لما تقدّم من (1) أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه (2) .

و ضعفه ظاهر، لأنّ تلک المسألة إنّما هي إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهد و جهل حاله للحاكم، فإنّه هناک يكتفي بإقرار الخصم بعدالة الشاهد و يحكم عليه .

و ليس الأمر فيما نحن فيه كذلک، لأنّ الخصم و إن كان مقرًّا بعدالة الشاهد لأنّه المفروض، إلّا أنّ الحاكم ليس بجاهل عن حاله، بل هو عالم بفسقه، فيكون المقام كما إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهد مع علم الحاكم بفسقه، و لا يجوز له الحكم حينئذٍ و إن رضي الخصم بذلک .

ثمّ أقول : إنّ ما نسبه شيخنا إلى أصحابنا إن ثبت ذلک فهو، و إلّا - كما هو الظاهر - فالحقّ ما مرّ .

الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّته

هذا كلّه إذا كانت شهادة الذمّيّ على أهل ملّته، و أمّا إذا كانت شهادته على غير أهل ملّته ممّن عدا المؤمن، فالمشهور بين الأصحاب - على ما حكاه جماعة من

ص: 55


1- . «من» لم يرد في المصدر.
2- . التنقيح الرائع: 4 / 288.

الأعلام (1) - عدم قبول الشهادة أيضًا، لما مرّ من عموم الأدلّة الدالّة على اشتراط الإسلام والإيمان في قبول الشهادة، و خصوص الموثّقة المتقدّمة والنبويّة المزبورة .

و لما رواه ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة أهل ملّة هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم ؟ فقال : لا، إلّا أن لا يوجد في تلک الحال غيرهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم، و لا تبطل وصيّته (2) .

خلافًا للمحكيّ عن ابن الجنيد (3) ، فجوّز شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّته أيضًا، بل عنه : تجويز شهادة جميع الكفّار بعضهم على بعض و إن اختلفت الملّتان مع العدالة في دينهم .

لصحيحة الحلبي المرويّة في الفقيه عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله : هل يجوز (4) شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم ؟ قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (5) .

ص: 56


1- . انظر المقنعة : 726 ؛ و المبسوط : 8 / 187 ؛ و السرائر : 2 / 140 ؛ و المختلف : 5 / 245 ؛ و الدروس :2/ 124 ؛ و المهذّب : 2 / 557 ؛ و المسالک : 14 / 161 ؛ و كشف اللثام : 10 / 272 ؛ و رياض المسائل :13 / 247 .
2- . الكافي : 7 / 300 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 654 ؛ الوسائل : 19 / 309 ح 24669 .
3- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 505 ؛ وانظر كشف اللثام : 10 / 273 .
4- . في المصدر : هل تجوز .
5- . الفقيه : 3 / 47 ح 3299 ؛ و رواه في الكافي ( : 7 / 4 ح 2 ) والتهذيب ( : 9 / 180 ح 724 ) عن الحلبيّومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام)، مع اختلاف يسير .

والظاهر أنّ مرجع الضمير في : « من أهل ملّتهم و غيرهم » هو غير أهل ملّتهم .

وجه الاستدلال : أنّها و إن دلّت على جواز شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّتهم، لكن نقول بجواز شهادة جميع الكفّار بعضهم على بعض لعدم القول بالفصل .

و أيضًا أنّها تدلّ على جواز شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّتهم عند عدم وجدان أهل ملّتهم، لكن يقال بقبول شهادتهم على غير ملّتهم مطلقًا لعدم القول بالفصل .

و جوابه هو : أنّا نعكس الأمر بأن نقول : إنّ الصحيح المذكور دلّ بمفهومه على عدم جواز قبول شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّتهم مع وجدان أهل ملّتهم، فيقال بعدم جواز قبول شهادتهم على غير أهل ملَّتِهم مطلقًا لعدم القول بالفصل .

هذا مع أنّه لا يصلح لمقاومة ما مرّ من الأدلّة المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادتهم .

و ممّا ذكر ظهر الجواب عن الحسن المتقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « يجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين »(1) ،لإشعاره من جهة نفي جواز شهادة أهل الملل على المسلمين فقط جواز شهادة أهل الملل على غير المسلمين مطلقًا، سواء كانت شهادة أهل ملّةٍ لملّته أو لغير ملّته .

إن قلت : إنّ ما تقدّم من موثّقة سماعة و رواية ضريس المذكورة أنّهما مثل صحيحة الحلبي في المعنى و إن كانتا مختلفتين معها في اللفظ والاعتبار، إنّما هو

ص: 57


1- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .

بالمعنى، لا باللفظ، فكيف جعلتا دليلاً للمختار والصحيحة دليلاً عليه ؟!

قلت : كونهما مثل الصحيحة في المعنى غير مسلّم، و إن كان يتوهّم ذلک من قوله (عليه السلام) : « فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة »، لأنّ تعليله (عليه السلام) ذلک بقوله : « لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم » قرينةٌ على أنّ جواز شهادتهم عند عدم وجود غير الذمّيّ إنّما هو إذا كانت شهادته في الوصيّة على المسلم خاصّة، لا على غيره من أهل الملل غير الذمّيّ .

هذا في رواية ضريس، و أمّا الموثّق و إن كان التعليل فيه ليس على ما ذكر، بل هو هكذا : « لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد »، و هو شامل للمسلم و غيره، إلّا أنّ مفهوم القيد في رواية ضريس لتقييد « امرئ » بالمسلم يقيّد إطلاق « أحدٍ » هنا بالمسلم، فيكون المعنى : أنّه لا يقبل شهادة الذمّيّ على غير الذمّيّ إلّا على المسلم في الوصيّة إذا لم يوجد غير الذمّيّ، و هو المطلوب .

بل نقول : إنّه يمكن جريان مثل ذلک في صحيحة الحلبيّ أيضًا، فلا تصير مستندة لابن الجنيد .

هذا كلّه في الكلام على شهادة غير المسلم بعضه على بعض ؛ و أمّا شهادة المسلم فإنّها مقبولة مطلقًا، سواء كانت على مسلم أو غيره، لما عرفت من قوله (عليه السلام) في الحسن : « تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل » (1) .

و كذلک النبوىّ المتقدّم، و هو قوله (صلي الله عليه واله) : « لا تقبل شهادة أهل دين على غير

ص: 58


1- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .

دينهم إلّا المسلمين، فإنّهم عدول على أنفسهم و على غيرهم » (1) .

و عن المسالک : ادّعى الاتّفاق عليه (2) .

اعتبار العدالة في الشاهد

4- مسألة

اشارة

يشترط في الشاهد أيضًا : العدالة، بالإجماع والكتاب والسنّة .

أمّا الإجماع فقد استفاض نقله في كتب الأصحاب، بحيث لا يكاد يحصى كثرة (3) .

ذكر الآيات الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد

و أمّا الكتاب فالآيات في اعتبارها كثيرة، منها : ما تقدّم، و هو قوله - تعالى - : (يا أيّها الّذين آمنوا ) - إلى أن قال تعالى - : ( اثنان ذوا عدل منكم ).

ص: 59


1- . عوالي اللّألئ : 1 / 454 ح 192 ؛ الحاوي الكبير : 17 / 62 ؛ تلخيص الحبير : 4 / 198 ح 2108 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 161 .
3- . انظر تحرير الأحكام : 5 / 246 ؛ و مسالک الأفهام : 14 / 165 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 311 ؛ و كشفاللثام : 10 / 275 ؛ و رياض المسائل : 13 / 249 .

تنبيه

يستفاد من ذيل هذه الآية تحليف الشاهد حيث قال : ( اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلوة فيقسمان بالله إن ارتبتم ) الآية (1) ، مع أنّ الإجماع على عدم تحليف الشاهد مستفيض نقله بين الأصحاب، بل محقّق (2) .

الجواب عمّا يدلّ عليه الآية من تحليف الشاهد

و الجواب عنه يمكن من وجهين :

أحدهما هو : أنّ المراد من تلک المسألة هو : أنّ الشاهد لا يحلف لمكان شهادته ؛ و الآية غير دالّة على خلافه، لاحتمال أن يكون حلف الشاهدين فيها على تقدير دعوى خيانتهما و لم تكن لهما بيّنة على صدق قولهما، فتحليفهما حينئذٍ على القاعدة المسلّمة من كون : « البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر» (3) .

لما روي أنّ ثلاثة نفر خرجوا للتجارة من المدينة إلى الشام : تميم بن أوس

ص: 60


1- . المائدة : 106 .
2- . انظر كنز العرفان : 2 / 99 .
3- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

وعديّ بن بريد (1) - و هما نصرانيّان - و ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص (2) - وهو مسلم - فمرض ابن أبي مارية و كتب ما معه في صحيفة، و طرحها في متاعه ولم يخبر صاحبيه بها، و أوصى إليهما أن يدفعا متاعه إلى أهله و مات، ففتشا متاعه و أخذا منه إناء من فضّة وزنه ثلاثمائة مثقال منقوشًا بالذهب، ثمّ رجعا بالمال إلى الورثة، فوجدوا الكتاب و طالبوهما بالإناء فجحدا، فترافعوا إلى النبيّ (صلي الله عليه واله)، فنزلت : ( تحبسونهما )، أي : تقفونهما ليحلفا من بعد الصلاة (3) .

والمراد بالصلاة قيل (4) : صلاة العصر، لأنّه وقت اجتماع الناس و وقت تصادم ملائكة الليل و ملائكة النهار، فاللام فيها للعهد .

و قيل (5) : صلاة الظهر .

ص: 61


1- . في الكشّاف : عدىّ بن زيد ؛ و في تفسير الثعلبي : عدىّ بن فدي ؛ و في الكافي : وابنُ بَيْدِيّ .
2- . في الكشّاف : بديل بن أبي مريم ؛ و في تفسير الثعلبي : بديل مولى عمرو بن العاص السهمي، وكان مسلمًامهاجرًا، واختلفوا في كنية أبيه، فقال الكلبي : بديل بن أبي مازنة، و قال قتادة وابن سيرين و عكرمة : هو ابنأبي مارية ( تفسير الثعلبي : 4 / 118 ).
3- . انظر الكافي : 7 / 5 ح 7 ؛ و الوسائل : 19 / 314 ح 24679 ؛ و سنن أبي داود : 3 / 307 ، كتاب القضايا،ح 3606 ؛ و تخريج الأحاديث و الآثار، الزيعلي : 1 / 426 ؛ و مجمع البيان : 3 / 438 ؛ و تفسير جوامعالجامع : 1 / 540 ؛ و زبدة التفاسير : 2 / 337 ؛ و فقه القرآن، للراوندي : 1 / 418 ؛ والكشّاف : 1 / 650 ؛و تفسير القرطبي : 6 / 246 ؛ و تفسير الثعلبي : 4 / 118 ؛ و أسباب النزول، للواحدي : 175 .
4- . هو المرويّ عن أبي جعفر (عليه السلام) ، و قتادة، و سعيد بن جبير، و غيرهم ؛ انظر مجمع البيان : 3 / 440 ؛والتبيان : 4 / 45 ؛ و زبدة التفاسير : 2 / 336 ؛ و الكشّاف : 1 / 650 . واختاره الزجّاج في معاني القرآن :2/ 216 ؛ و النحاس في إعراب القرآن : 2 / 46 .
5- . و هو قول الحسن ؛ راجع تفسير الماوردي : 2 / 76 ؛ والتبيان : 4 / 45 ؛ والكشّاف : 1 / 687 .

و قيل (1) : أيّة صلاة كانت، فاللام فيها للجنس .

و الوجه الثاني هو : أنّا لو سلّمنا أنّ تحليف الشاهدين في الآية إنّما هو لمكان شهادتهما، نقول : جاز أن يكون تحليف الشاهد مختصًّا بهذه الصورة، فكما تجوز شهادة الذمّيّ جاز تحليفه أيضًا، فتكون كلمات الأصحاب من الحكم بعدم تحليف الشاهد مختصّة بغير هذه الصورة ؛ هذا مضمون ما قاله بعضهم (2) .

و من الآيات المشار إليها قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا (3) فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (4) ، و غير العادل ليس بمرضيّ .

و منها : قوله - تعالى - : ( وَ أشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (5) .

و منها : قوله - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (6) .

بيان

« النبأ » : الخبر، و هو يشمل الشهادة و غيرها . « فتبيّنوا » أي : تفحّصوا ؛

ص: 62


1- . انظر كنز العرفان : 2 / 97 ؛ و زبدة التفاسير : 2 / 336 .
2- . مسالک الأفهام إلى آيات الأحكام : 3 / 125 ؛ كنز العرفان : 2 / 99 .
3- . كذا في نسخة الأصل، و في المصدر : فإن لم يكونا رجلين .
4- . البقرة : 282 .
5- . الطلاق : 2 .
6- . الحجرات : 6 .

وقرئ : فتثبّتوا، أي : أطلبوا الثبوت إلى أن تبيّن لكم الحال . و « أن تصيبوا » في موضع النصب، أي : كراهة أن تصيبوا قومًا بجهالة، أي : جاهلين بحالهم .

وجه دلالة الآية على اعتبار العدالة في الشاهد هو : أنّه - تعالى - أوجب التفحّص و التثبّت إذا كان المخبر فاسقًا، فلا يجوز قبول الخبر مع فسق المخبر إلّا مع التفحّص و التثبّت، فاشترط في قبول الخبر من غير تفحّص عدم الفسق، و هو يلزم العدالة، فدلّت الآية على عدم قبول الخبر من غير تفحّص و تثبّت إلّا مع العدالة، و هو المطلوب .

إن قلت : دلالة الآية على قبول الخبر مع انتفاء فسق المخبر - أي : مع عدالته - غير مسلّمة، إذ مفهوم الشرط في الآية هو : أنّه إن جاءكم غير فاسق بنبأ، فلا تبيّنوا ؛ و هو لا يستلزم القبول .

قلت : عدم التبيّن و إن لم يستلزم القبول، لكنّ القرينة على إرادة القبول موجودة، لأنّه لو لم يقبل خبر العدل، بل يطرح، يلزم أن يكون الفاسق أعظم مرتبة من العادل، و هو أفضع شأنًا منه، و هو باطل قطعًا، فيجب القبول .

الدليل من السنّة على اعتبار العدالة في الشاهد

و أمّا السنّة الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد فمستفيضة، منها : صحيحة الحلبيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عمّا يردّ من الشهود، فقال : الظنين

ص: 63

والمتّهم و الخصم، قال : قلت : فالفاسق و الخائن ؟ قال : هذا يدخل في الظنين (1) .

و بمعناها نصوص (2) .

و منها : ما رواه جراح المدائني عنه (عليه السلام) أنّه قال : لا أقبل شهادة الفاسق (3) إلّا على نفسه (4) .

و سيجيء إلى غيرها الإشارة بإعانة الله - سبحانه .

بيان العدالة

و حيث قد عرفت اعتبار العدالة في قبول الشهادة و عدم قبولها مع عدمها، فلابدّ من البحث عنها نفسها حتّى يتميّز المقبول من المردود .

فأقول : هي في اللغة : الاستقامة و الاستواء (5) ؛ و في الشرع قد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلک، ففي المبسوط في تعريف العدل :

أنّه الّذي يكون عدلاً في الدين و في المروّة و في الأحكام، فالعدل في

ص: 64


1- . الفقيه : 3 / 40 ح 3281 ؛ الوسائل : 27 / 374 ح 33981 .
2- . انظر الكافي : 7 / 395 ح 1 و 2 و 3 ؛ والتهذيب : 6 / 242 ح 598 و 601 و 602 ؛ والوسائل : 27 /373 ح 33977 و 33979 .
3- . في التهذيب : شهادة فاسق .
4- . الكافي : 7 / 395 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 600 ؛ الوسائل : 23 / 186 ح 29345 ؛ و 27 / 373 ح33980 .
5- . انظر لسان العرب : 11 / 433 و 434 ؛ والقاموس المحيط : 4 / 13 ؛ و مجمع البحرين : 5 / 421 ؛ و تاجالعروس : 15 / 471 .

الدين : أن يكون مؤمنًا لا يعرف منه شيء من أسباب الفسق، و في المروّة : أن يكون مجتنبًا للأمور الّتي تسقط المروّة، مثل الأكل في الطرقات، و مدّ الرِجل بين الناس، و لبس الثياب المصبَّغة، و ثياب النساء، و ما أشبه ذلک ؛ و في الأحكام : أن يكون بالغًا عاقلاً لنقص أحكام الصبيّ و المجنون (1) .

و نقل عن ابن حمزة (2) ما يقرب عن هذا .

و عن متأخّري الأصحاب - كالعلّامة و من تأخّر عنه - :

أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى و المروّة (3) .

والتقوى قيل :

ص: 65


1- . انظر المبسوط : 8 / 217 ؛ و نقله عنه بهذه العبارة في كشف اللثام : 10 / 275 . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : عبارة المبسوط هكذا : « العدالة في اللغة : أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا، و{ أمّا } في الشريعة هو مَن كان عدلاً في دينه، عدلاً في مروّته، عدلاً في أحكامه، فالعدل في الدين أن يكون مسلمًا]و[ لا يعرف منه شيء من أسباب الفسق، و في المروَّة أن يكون مجتنبًا للأمور الّتي تسقط المروّة، مثل الأكلفي الطرقات، و مدّ الأرجل بين الناس، و لبس الثياب المصبَّغة وثياب النساء و ما أشبه ذلک ؛ و العدل فيالأحكام أن يكون بالغًا عاقلاً عندنا ».
2- . الوسيلة : 230 ؛ نقله عنه في المحصول : 2 / 179 ؛ و مفتاح الكرامة : 8 / 262 .
3- . انظر قواعد الأحكام : 2 / 236 ؛ و مختلف الشيعة : 8 / 484 ؛ و تحرير الأحكام : 5 / 246 ؛ و إرشادالأذهان : 2 / 156 ؛ والدروس : 2 / 125 ؛ و روض الجنان : 2 / 767 ؛ والروضة البهيّة : 3 / 128 ؛ومجمع الفائدة : 2 / 351 و 12 / 311 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 745 ؛ و الحدائق الناضرة : 10 / 13 ؛وكشف اللثام : 10 / 276 ؛ و كشف الغطاء : 3 / 318 ؛ و مناهج الأحكام : 60 ؛ و مفاتيح الأصول : 548 ؛والمحصول : 2 / 178 .

في اللغة : الحذر (1) ، و في الشريعة : اجتناب الكبائر مع عدم الإصرار على الصغائر؛ و إنّما سمّي ذلک تقوى لأنّ الّذي يجب الحذر منه شرعًا إنّما هو ذلک، و أمّا غيره فيقع مكفّرًا باجتناب ذلک، كما قال - تعالى - : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم و نُدْخِلُكُم مُدْخَلاً كَرِيمًا ) (2) ؛ كذا قيل (3) .

و فيه نظر، لأنّ الحذر واجب عن كلّ ذنب و لو كان صغيرًا من غير إصرار، فلو لم يجب الحذر عن الصغيرة و لو بأوّل دفعة لما كان ذلک معصية ؛ و كون الصغيرة من غير إصرار مكفّرة لا يدلّ على ذلک ؛ و كيف مع أنّ التكفير دليلٌ على المعصية ؛ ألاترى قوله - تعالى - : ( نكفّر عنكم سيّئاتكم ).

و يمكن أن يقال : إنّ تسمية ذلک بالتقوى لأنّه الّذي بسببه يحصل الحذر عن الإدراج في مدارج الفسّاق، إذ مع الاجتناب عن الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر لا يصدق الفسق .

والمروّة : عبارةٌ عن اتّباع محاسن العادات واجتناب مساويها من الأمور الخسيسة، و إن كانت ممّا يقع مكفّرًا، كلبس الفقيه لباس الجنديّ، والأكل في الأسواق، والبول في الشوارع عند مرور الناس، و كشف الرأس، و مدّ الرجلين في المجامع، و تقبيل الأمة في المحاضر، والإكثار من الحكايات المضحكة،

ص: 66


1- . انظر القاموس المحيط : 1 / 1344 ؛ و لسان العرب : 6 / 4903 .
2- . النساء : 31 .
3- . المحصول : 2 / 178 .

والمضايقة في اليسير الّذي لا يناسب حاله، و هكذا (1) .

و هذه الأمور تختلف بالنسبة إلى الأحوال و الأوقات، و لهذا قيل :

إنّ ملازمة المروّة أن يسلک مسلكًا يليق بحاله في زمانه (2).

ثمّ اعلم : أنّه قال العلّامة في القواعد في تعريف العدالة :

أنّها كيفيّة نفسانيّة راسخة تبعث على ملازمة المروّة والتقوى (3) .

و هو مرادف لما مرّ من أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، بل الظاهر اتحادّه مع ما مرّ من كلام الشيخ (4) ، فإنّه و إن لم يأخذ الملكة في تعريفها كما عرفت، إلّا أنّ عدم ظهور شيء من أسباب الفسق للمخالطين لا يكون في العادات إلّا عن ملكة .

و لهذا جعل في كشف اللثام ما ذكره الشيخ في المبسوط مرادفًا لما ذكره العلّامة في القواعد، حيث ذكر أوّلاً تعريف الشيخ، ثمّ قال : « و بعبارةٍ أُخرى » (5) ، فذكر ما ذكرناه من القواعد، لكنّ المحكيّ عن شيخنا المفيد و المحقّق : عدم

ص: 67


1- . انظر الروضة البهيّة : 1 / 793 ؛ و رسائل الشهيد الثاني : 1 / 68 ؛ و مدارک الأحكام : 4 / 68 ؛ والمسالک :14 / 169 ؛ و الحدائق الناضرة : 10 / 15 ؛ و رياض المسائل : 4 / 329 و 13 / 258 ؛ و مفاتيح الأصول :566 ؛ والمحصول : 2 / 178 .
2- . المحصول : 2 / 179 .
3- . القواعد : 3 / 494 .
4- . انظر المبسوط : 8 / 217 .
5- . كشف اللثام : 10 / 276 .

اعتبارهما المروّة في ظاهر كلامهما (1) .

و لعلّ الوجه في ذلک أنّ مخالفتها مخالفة العادة، لا الشريعة، فلا تضرّ بالعدالة .

إلّا أنّه يمكن أن يقال : إنّ مخالفة ما ذكرناه في بيان المروّة تكشف عن مساءةٍ وعدم حياء و قلّة مبالاة، و معها لا تبقى الوثاقة نظرًا إلى قوله (صلي الله عليه واله) : « من لا حياء له لا إيمان له » (2) ، « الحياء من الإيمان » (3) .

فالظاهر في تعريفها هو ما تقدّم من : أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، و سيجيء الكلام في ذلک .

و يظهر اعتبار الملكة مضافًا إلى من عرفته من المفيد والشيخ في النهاية وأبي الصلاح و ابن البرّاج أيضًا .

قال الأوّل - على ما حكي عنه - : « العدل من كان معروفًا بالدين والورع عن محارم الله تعالى » (4) ، والمعروف بهما لا يكون إلّا مع الملكة المذكورة .

واعتبر الثاني - على ما نقل عنه - كونه معروفًا بالستر و الصلاح و العفاف

ص: 68


1- . انظر المقنعة : 725 ؛ و شرائع الإسلام : 4 / 911 و 912 ؛ حكاه عنهما في المحصول : 2 / 180 .
2- . مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا : 42 ح 101 عن النبيّ (صلي الله عليه واله) ؛ كشف الخفاء، العجلوني : 2 / 375 ح3138؛ والمرويّ في الكافي : 2 / 106 ح 5 عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا إيمان لمن لا حياء له » .
3- . دلائل الإمامة : 66 ؛ الغيبة، للشيخ الطوسيّ : 390 ؛ مسند أحمد : 2 / 9 و 56 و 147 و 501 ؛ صحيحالبخاري : 1 / 11 و 7 / 100 ؛ صحيح مسلم : 1 / 46 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 1400 ح 4184 ؛ سننالترمذي : 3 / 247 ح 2077 .
4- . المقنعة : 725 ؛ حكاه عنه في المحصول : 2 / 180 .

واجتناب الكبائر، و الكفّ عن شهوات الجوارح الأربع (1) .

و الثالث و الرابع - على ما نقل عنهما - : أن يكون مجتنبًا لجميع القبائح (2) .

فيعلم منهم أيضًا اعتبار الملكة في العدالة، لأنّ المتّصف بهذه الصفات لا يكون إلّا وهو ذو ملكة تبعث على ملازمة التقوى، بل المروّة، لا سيّما من الأخيرين، لأنّ الاجتناب من جميع القبائح يلزمه الاجتناب عن ما خالف المروّة، و هو واضح .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ ما أورده في الكفاية ليس على ما ينبغي، حيث قال :

فسّر العلّامة و جماعة ممّن تأخّر عنه العدالة بملكة نفسانيّة تبعث على ملازمة التقوى و المروّة، و لم أجده في كلام من تقدّم على العلّامة، والظاهر أنّه اقتفى في ذلک بكلام الرازي و من تبعه من العامّة، إنتهى (3) .

و أنت قد علمت ممّا ذكرناه اعتبار ذلک من جماعة من متقدّمي الأصحاب، وهم و إن لم ينصّوا بذلک، لكن عباراتهم دالّة عليها كما عرفت .

على أنّ الظاهر من كنز العرفان أنّ اعتبار الملكة في العدالة مجمع عليه، حيث قال :

و قد عرّفها الفقهاء بأنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة إنتهى (4) .

ص: 69


1- . النهاية و نكتها : 2 / 52 ؛ نقله عنه في المحصول : 2 / 180 .
2- . انظر مختلف الشيعة : 8 / 482 ؛ نقله عنهما في المحصول : 2 / 180 .
3- . كفاية الأحكام : 2 / 745 .
4- . كنز العرفان : 2 / 384.

القول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام

ثمّ اعلم : أنّه يظهر من جماعة من الأصحاب - كابن الجنيد، و المفيد في كتاب الإشراف (1) ، و الشيخ في الخلاف على ما حكي عنهم (2) - أنّ العدالة هي ظاهر الإسلام، فلو علم إسلام الرجل و إيمانه تقبل شهادته، إلّا إذا علم فسقه (3) .

ص: 70


1- . لم نعثر عليه في الإشراف، لأنّه يحتوي على العبادات فقط و بالضبط إلى نهاية الحجّ . قال المصنّف (قدس سره) فيكتابه « مطالع الأنوار 4 / 112 » : و أمّا شيخنا المفيد فإنّه وإن حكي عنه هذا القول في كتابه الإشراف، لكنّانقول : هذا الكتاب لم يكن عندي حتّى يتبيّن حقيقة الحال، فيمكن أن يكون الحال كالمبسوط، و أمّا كلامهفي المقنعة { : ص 725 } فهو صريح في خلافه، حيث قال : « العدل من كان معروفًا بالدين والورع عنمحارم الله عزّوجلّ » إنتهى .
2- . حكاه عنهم في المسالک : 13 / 400 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 674 ؛ و بحار الأنوار : 85 / 32 ؛ و الحدائقالناضرة : 10 / 18 ؛ و رياض المسائل : 13 / 61 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : قال في المسالک : « إذا شهد عند الحاكم شهود فإن عرف فسقهم فلاخلاف في ردّ شهادتهم من غير احتياج إلى بحث ؛ و إن عرف عدالتهم قبل شهادتهم فلا حاجة إلى التعديل{و إن طلبه الخصم }؛ و إن لم يعرف حالهم في الفسق و العدالة، فإن لم يعرف { مع ذلک }إسلامهم وجبالبحث أيضًا ؛ و هذا كلّه ممّا لا خلاف فيه ؛ و إن عرف إسلامهم و لم يعرف شيئًا آخر { غيره } من جرح و لاتعديل فهذا ممّا اختلف فيه الأصحاب، والمشهور { بينهم - خصوصًا } عند المتأخّرين منهم - أنّه يجب البحثعن عدالتهم، و لا يكفي الاعتماد على ظاهر الإسلام ».ثمّ استدلّ لهم بقوله تعالى : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم )، و برواية ابن أبي يعفور، و أجاب عن الآية بالمنعمن الدلالة، بأنّ غاية ما تدلّ الاتّصاف بأمرٍ زائدٍ على مجرّد الإسلام، فنحمله على عدم ظهور الفسق ؛ و عنالرواية بالطعن في السند .ثمّ حكى عن الخلاف وابن الجنيد والمفيد في كتاب الإشراف ظاهرًا الاكتفاء بمجرّد الإسلام، فقال : « و باقيالمتقدّمين لم يصرّحوا في عباراتهم بأحد الأمرين، بل كلامهم محتمل { لهما }».ثمّ أورد النصوص المذكورة الّتي أوردناها دليلاً للاكتفاء بظاهر الإسلام، ثمّ قال : « و هذا القول { و إن كان }أمتن دليلاً، { و أكثر روايةً }، و حال السلف تشهد به، و بدونه لا يكاد تنتظم الأحكام { للحكّام }، خصوصًا فيالبلاد الكبيرة، و للقاضي المنفذ من بعيد إليها، لكنّ المشهور الآن بل المذهب خلافه »، إنتهى ( المسالک :13/ 397 - 403 ).

قال الأوّل على ما نقل عنه :

انّ كلّ المسلمين على العدالة إلى أن يظهر خلافه (1) .

بل عن الثالث الإجماع عليه، و عبارته المنقولة هذه :

إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما و لا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما، و لا يقف على البحث، إلّا أن يجرح المحكوم عليه فيهما، بأن يقول : هما فاسقان (2) .

ثمّ حكى خلاف أبي حنيفة و تفصيله بين القصاص والحدّ و غيرهما، فيبحث فيهما، ثمّ قال :

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم . و أيضًا الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل . و أيضًا نحن نعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبيّ (صلي الله عليه واله) ، و لا أيّام الصحابة، و لا أيّام التابعين، و إنّما هو شيء أحدثه شريک بن عبد الله القاضي، فلو كان شرطًا ما أجمع أهل الأعصار على تركه، إنتهى كلامه (3) .

ص: 71


1- . حكاه عنه في مختلف الشيعة : 3 / 88 ؛ و فيه : إلى أن يظهر منه ما يزيلها .
2- . الخلاف : 6 / 217 ، المسألة 10 .
3- . الخلاف : 6 / 218 ، المسألة 10 .

الاستدلال بجملة من النصوص للقول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام

و استدلّ لهذا القول بجملة من النصوص، و لعلّها هي الّتي أشار إليها الشيخ في العبارة المذكورة، حيث قال : « دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم »، فها أنا أذكرها أوّلاً، ثمّ أُشير إلى جوابها .

فأقول : من تلک النصوص صحيحة حريز (1) عن مولانا الصادق (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران ؛ فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعًا، وأقيم الحدّ على الّذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا به (2) وعلموا، و على الوالي أن يجيز شهادتهم إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق (3) .

و منها : المرسل رواه يونس عن بعض رجاله (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :

ص: 72


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و هي مرويّة في الكافي و التهذيب .
2- . « به » لم يرد في المصادر .
3- . الكافي : 7 / 403 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 36 ؛ التهذيب : 6 / 277 ح 759 ؛ الوسائل : 27 / 397ح 34049 .
4- . جاء في حاشية الأصل : و هو مرويّ في باب النوادر من كتاب القضايا من الكافي، و باب الزيادات فيالقضايا من التهذيب، و باب ما يجب فيه الأخذ بظاهر الحكم من كتاب القضاء من الفقيه ؛ و في التهذيب :«خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحال »، و هو أظهر كما لا يخفى ؛ منه .

سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة من غير مسألة إذا لم يعرفهم ؟ قال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم : الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرًا مأمونًا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه (1) .

و منها : رواية سلمة بن كهيل قال : سمعت عليًّا (عليه السلام) يقول لشريح في حديث طويل : اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض، إلّا مجلود (2) في حدّ لم يتب منه، أو معروف بشهادة زور، أو ظنين (3) .

و منها : ما رواه في الفقيه باسناده إلى عبد الله بن المغيرة - و طريقه إليه حسن بإبراهيم بن هاشم - قال : قلت للرضا {عليه السلام} : رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيّين، قال : كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (4) .

و رواه في موضع آخر من غير ذكر سؤال هكذا : و روى عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت

ص: 73


1- . الكافي : 7 / 431 ح 15 ؛ الفقيه : 3 / 16 ح 3244 ؛ الاستبصار : 3 / 13 ح 35 ؛ التهذيب : 6 / ص 283ح 781 ، و ص 288 ح 798 ؛ الوسائل : 27 / 289 ح 33776 ؛ و رواه الشيخ الصدوق في الخصال : 311ح 88 ، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر المقري - رفعه - إلى أبي عبدالله، عن آبائه، عن علىّ (عليهم السلام) قال : خمسة يجب على القاضي، و ذكر نحوه .
2- . في الكافي : مجلودًا .
3- . الكافي : 7 / 412 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 15 ح 3243 ؛ التهذيب : 6 / 225 ح 541 ؛ الوسائل : 27 / 211 ح33618 .
4- . الفقيه : 3 / 46 ح 3298 ؛ التهذيب : 6 / 284 ح 783 ؛ الوسائل : 27 / 398 ح 34052 .

شهادته (1) .

و منها : ما رواه عن العلاء بن سيابة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (2) .

الجواب عن النصوص

و الجواب عن هذه النصوص بعد تسليم دلالة جميعها على ذلک هو : أنّا نقول : إنّ هذه النصوص معارضةٌ بنصوص أخر :

منها : صحيحة ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله : بِمَ يعرف (3) عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم ؟

فقال : أن يعرفوه (4) بالستر و العفاف، و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، ويعرف (5) باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله - تعالى - عليها النار، من شرب الخمر(6) ، و الزنا، { و الربا } (7) و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و غير ذلک .

ص: 74


1- . الفقيه : 3 / 48 ح 3302 ؛ التهذيب : 6 / 283 ح 778 ؛ الوسائل : 27 / 393 ح 34036 .
2- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 ؛ التهذيب : 6 / 284 ح 784 ؛ الوسائل : 27 / 394 ح 34037 .
3- . في المصدر : تعرف .
4- . في المصادر : أن تعرفوه .
5- . في الفقيه : و تعرف .
6- . في الفقيه : الخمور .
7- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر .

و الدالّ (1) على ذلک كلّه أن يكون ساترًا (2) لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلک من عثراته و عيوبه (3) ، و يجب عليهم تزكيته (4) وإظهار عدالته في الناس، و يكون معه التعاهد (5) للصلوات الخمس إذا واظب

عليهنّ، و حفظ (6) مواقيتهنّ بحضور (7) جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علّة .

فإذا (8) كان كذلک لازمًا لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا : ما رأينا منه إلّا خيرًا، مواظبًا على الصلاة (9)، متعاهدًا لأوقاتها في مصلّاه، فإنّ ذلک تجيز (10) شهادته و عدالته بين المسلمين (11) .

و لا يخفى أنّ ما تضمّنه هذا الحديث ينافي القول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام قطعًا، بل لا يكاد يتمّ إلّا مع القول بأنّ العدالة هي الملكة .

ص: 75


1- . في الفقيه : و الدلالة .
2- . في التهذيبين بدل « أن يكون ساترًا » : والساتر .
3- . في الفقيه : حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلک من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلک .
4- . في الاستبصار : توليه ؛ و في التهذيب : توليته .
5- . في الاستبصار : المتعاهد .
6- . في التهذيبين : و حافظ .
7- . في التهذيبين : بإحضار .
8- . من هنا إلى قوله : « عدالته بين المسلمين » ليس في التهذيبين .
9- . في المصدر : الصلوات .
10- . في المصدر : يجيز .
11- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .

و منها : ما مرّ في تفسير قوله - تعالى - : ( ممّن ترضون من الشهداء ) (1) ، قال (عليه السلام) (2) : ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تفطّنه (3) فيما يشهد به، وتمييزه (4) ، فما كلّ صالح مميّز محصّل (5) ، و لا كلّ محصّل مميّز صالح (6) .

و معلوم أنّ مجهول الحال لا يصدق عليه أنّه ممّن يرضى أمانته و صلاحه وعفّته، لأنّ المتبادر منها أنّها شيءٌ وجوديٌّ زائدٌ على مجرّد ظاهر الإسلام .

و منها : ما روي عن الخصال عن مولانا الرضا، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : مَن عامل الناس و لم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروّته، و ظهرت عدالته، و وجبت أخوّته، وحرّمت غيبته (7) .

و نحوه آخر مرويّ عنه أيضًا (8) .

و منها : موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : لا بأس بشهادة

ص: 76


1- . البقرة : 282 .
2- . يعني : أمير المؤمنين (عليه السلام) .
3- . في المصدر : و تيقّظه ؛ و في بعض النسخ : و تيقّنه .
4- . في المصدر : و تحصيله و تمييزه .
5- . في المصدر : و لا محصّل .
6- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) : 674 ح 375 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 399 ح 34054 .
7- . الخصال : 208 ح 28 ؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 33 ح 34 ؛ تحف العقول : 57 ؛ الوسائل : 27 / 396ح 34046 ؛ و رواه في الكافي : 2 / 239 ح 28 ، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مع تفاوتيسير.
8- . انظر الخصال : 208 ح 29 ؛ و الوسائل : 27 / 396 ح 34047 .

الضيف إذا كان عفيفًا صائنًا (1) .

و منها : ما رواه العلاء بن سيابة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، حيث سأله عن المكاري والملّاح و الجمّال، قال : لا بأس بهم (2) ، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء (3) .

و منها : ما رواه هشام بن سالم عن عمّار بن مروان قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) - أو قال : سأله بعض أصحابنا (4) - عن الرجل يشهد لابنه (5) ، والإبن لأبيه (6) ،

والرجل (7) لامرأته ؟ قال : لا بأس بذلک إذا كان خيّرًا (8) .

و منها : الحسن المرويّ عن البزنطيّ عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّه قال له : جعلت فداک، كيف طلاق السنّة ؟ قال : يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها(9) بشاهدين عدلين، كما قال الله تعالى في كتابه - إلى أن قال : - مَن (10) ولد على

ص: 77


1- . الفقيه : 3 / 44 ح 3292 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 64 ؛ التهذيب : 6 / 258 ح 676 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33976 .
2- . في المصدر : و ما بأسٌ بهم .
3- . الكافي : 7 / 396 ح 10 ؛ الفقيه : 3 / 46 ح 3297 ؛ التهذيب : 6 / 243 ح 605 ؛ الوسائل : 27 / 381ح 34003 .
4- . في الفقيه : أصحابه .
5- . في المصادر : لأبيه .
6- . في المصادر : أو الأخ لأخيه .
7- . في المصادر : أو الرجل .
8- . الكافي : 7 / 393 ح 4 ؛ الفقيه : 3 / 41 ح 3285 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 631 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح33964 .
9- . في المصادر : أن يغشاها .
10- . في قرب الاسناد : كلّ من .

الفطرة أجيزت (1) شهادته على الطلاق بعد أن يعرف (2) منه خيرًا (3) .

و الظاهر من العفّة و الصائن و الصلاح و الخير هو الأمر الوجوديّ الزائد عن أصل الإسلام .

و التعارض بين هذه النصوص و النصوص المتقدّمة تعارض المطلق و المقيّد، لأنّ النصوص المتقدّمة دلّت على أنّ المسلم إذا لم يظهر منه فسقٌ تقبل شهادته مطلقًا ؛ و هذه النصوص قد دلّت على أنّه تقبل شهادته بشرط أن يكون فيه شيءٌ زائدٌ على مجرّد الإسلام، فيقيّد بها إطلاق تلک النصوص حملاً للمطلق على المقيّد.

فيعلم من ذلک أنّ العدالة ليست مجرّد ظاهر الإسلام، بل مع شيء آخر، فنقول : إنّ ذلک الشيء هو الملكة الباعثة على ملازمة التقوى و المروّة ؛ و هي و إن لم تذكر في النصوص صريحًا، إلّا أنّ جملةً منها قد اشتملت على صفات ظاهر لا تتحقّق إلّا معها، لا سيّما الصحيحة المتقدّمة ؛ هذا .

مع أنّک قد عرفت من ظاهر كنز العرفان الاتّفاق على أنّ العدالة ذلک ؛ و به يشعر عبارة المولى الأردبيليّ في مجمع الفائدة و البرهان، حيث قال :

إنّ العدالة قد عرفت في الأصول و الفروع من الموافق و المخالف

ص: 78


1- . في قرب الاسناد : جازت .
2- . في قرب الاسناد : بعد أن يعرف منه صلاح في نفسه .
3- . قرب الاسناد : 365 ح 1309 ؛ الكافي : 6 / 67 ح 6 ؛ التهذيب : 8 / 49 ح 152 ؛ الوسائل : 22 / 18 ح27909 ، و ص 26 ح 27930 .

بالملكة الّتي يقتدر بها على ترک الكبائر، و الإصرار على الصغائر، والمروّات، إنتهى (1) .

قال في الشرائع :

الحاكم إن عرف عدالة الشاهدين حكم، و إن عرف فسقهما أطرح، و إن جهل الأمرين بحث عنهما (2) ، و كذا لو عرف إسلامهما و جهل عدالتهما، توقّف حتّى يتحقّق ما يبني عليه من عدالة أو جرح . و قال في الخلاف : يحكم، و به رواية شاذّة، إنتهى (3) .

و أنت إذا أحطت خبرًا بما ذكرناه ظهر لک أنّ الإجماع الّذي ادّعاه في الخلاف موهون، مع أنّک قد عرفت سابقًا من المفيد (4) - الّذي هو أحد مشاركيه - ما يدلّ على اعتبار الملكة .

و المحكيّ عن ابن الجنيد - الّذي هو شركيه الآخر - ما يدلّ على ذلک أيضًا، وهو هذا :

إذا كان الشاهد حرًّا بالغًا مؤمنًا بصيرًا، معروف النسب، مرضيًّا، غير مشهور بكذب في شهادة، و لا بارتكاب كبيرة، و لا مقام على صغيرة، حسن التيقّظ، عالمًا بمعاني الأقوال، عارفًا بأحكام الشهادة، غير

ص: 79


1- . مجمع الفائدة : 12 / 66 .
2- . في المصدر : و إن جهل الأمر يبحث عنهما .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 868 .
4- . انظر المقنعة : 725 .

معروف بحيف على معامل، و لا تهاون (1) بواجب من علم أو عمل، و لا معروف بمباشرة أهل الباطل، و الدخول (2) في جملتهم، و لا بالحرص على أهل الدنيا، و لا بساقط المروّة، بريئًا من أهواء أهل البدع الّتي يجب (3) على المؤمنين البرائة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (4) .

هذا مع أنّ الشيخ بنفسه ظاهره الإجماع على خلاف ذلک، حيث قال في الخلاف :

مسألة : إذا حضر الغرباء في بلد عند حاكم (5) ، فشهد عنده اثنان، فإن عرفا بعدالة حكم، و إن عرف الفسق (6) وقف، و إن لم يعرف عدالةً و لا فسقًا بحث عندنا (7) ، سواء كان لهما السيماء الحسنة و المنظر الجميل، أو (8) ظاهر الصدق .

ثمّ حكى خلاف مالک في معرفة العدالة بالمنظر الحسن، ثمّ استدلّ لما اختاره

ص: 80


1- . في المصدر : متهاون .
2- . في المصدر : و لا الدخول .
3- . في المصدر : توجب .
4- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 483 .
5- . في المصدر : الحاكم .
6- . في المصدر : و إن عرفا بالفسق .
7- . في المصدر : عنهما .
8- . في المصدر : و .

بقوله - تعالى - : ( فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (1) ، قال :

و هذا ما رضي بهما (2) .

و بما ذكر ظهر لک أنّه لو كان التعارض بين تلک النصوص و ما بعدها تعارض الظاهرين، يقدّم الثاني أيضًا ألبتّة ؛ هذا .

مع أنّا لا نسلّم دلالة جميع تلک النصوص على كفاية مجرّد ظاهر الإسلام في قبول الشهادة، إذ من جملتها قوله (عليه السلام) : « من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته » (3) .

و ظاهره لو لم يدلّ على عدم كفاية مجرّد ظاهر الإسلام في قبول الشهادة، فلا أقلّ من عدم دلالته على ذلک .

و كذا الكلام في قوله (عليه السلام) في المرسل المتقدّم المشترط كون ظاهره ظاهرًا مأمونًا (4) .

بل الإنصاف أنّه لا يقال للمجهول الحال : انّه صالح، سيّما أن يكون معروفًا بالصلاح ؛ و كذا لا يقال له : انّه مأمون .

ص: 81


1- . البقرة : 282 .
2- . الخلاف : 6 / 221 ، المسألة 15 .
3- . الفقيه : 3 / 48 ح 3302 ؛ التهذيب : 6 / 283 ح 778 .
4- . انظر الكافي : 7 / 431 ح 15 ؛ و الفقيه : 3 / 16 ح 3244 ؛ والاستبصار : 3 / 13 ح 35 ؛ والتهذيب : 6 /ص 283 ح 781 ، و ص 288 ح 798 ؛ والوسائل : 27 / 289 ح 33776 .

يجب الفحص عن المجهول الحال

فالحقّ - وفاقًا للمشهور المحقّق و المنقول (1) - : وجوب التفحّص عن مجهول الحال مع العلم بالإسلام، لما عرفت .

مضافًا إلى أنّ الأصل عدم اشتغال ذمّة شخص لآخر بحقّ و عدم جواز تسليطه عليه، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا شهد الشاهدان المتّصفان بالعدالة الّتي هي الملكة، دون غيره .

و يدلّ عليه أيضًا ما روي عن الوسائل عن مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ في تفسيره، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال : كان رسول الله (صلي الله عليه واله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي : ألک حجّة ؟ فإن أقام بيّنة يرضى (2) و يعرفها، نفذ (3) الحكم على المدّعى عليه .

إلى أن قال : و إذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ، بعث رجلين من خيار أصحابه يسئل كلّ منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال الشهود في قبائلهم ومحلّاتهم، فإذا أثنوا عليه قضى حينئذٍ على المدّعى عليه، و إن رجعا بخبر سيّء وثناء قبيح لم يفضحهم، و لكن يدعو الخصم إلى الصلح، و إن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون أقبل على المدّعى عليه، فقال : ما تقول فيهما ؟

ص: 82


1- . انظر معارج الأصول : 149 ؛ و مفاتيح الأصول : 378 ؛ و المحصول : 2 / 194 .
2- . في المصدر : يرضاها .
3- . في المصدر : أنفذ .

فإن قال : ما عرفنا إلّا خيرًا غير أنّهما غلطا فيما شهدا عليّ أنفذ شهادتهما، و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصمين، أو أحلف المدّعى عليه و قطع الخصومة بينهما (1) .

و هو صريحٌ في البحث عن الشاهد إذا جهل حاله ؛ و إطلاقه شاملٌ لما إذا جهل إسلامهما أم لا، لو سلّمنا عدم تبادر الأخير منه، لغلبيّة الإسلام في المتخاصمين وشهودهم في زمانه (صلي الله عليه واله).

و يدلّ عليه أيضًا ما دلّ على عدم قبول شهادة الفاسق من الآية المذكورة، وهي قوله - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ ) الآية (2) ؛ و النصوص المستفيضة الّتي قد تقدّمت إلى بعضها الإشارة .

بناءً على أنّ الفاسق اسمٌ لمن ثبت وصف الفسق له في نفس الأمر، و مجهول الحال يحتمل أن يكون كذلک، فيجب الفحص عن حاله، لاسيّما بعد تعليله - تعالى - عدم قبول قول الفاسق بكراهة الوقوع في الندم، حيث قال - تعالى - : (أن تُصيبوا قومًا بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين ) على ما ذكرناه سابقًا .

و على فرض تسليم كون المراد بالفاسق من علم فسقه - بناءً على أنّ المتبادر منه ذلک، فيجب حمله عليه، لأنّ الألفاظ محمولةٌ على ما يفهم منها في العرف والعادة - نقول : إنّ قبول قول الشاهد ليس على وفق الأصل حتّى ينفعک حمل

ص: 83


1- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) : 675 ح 376 ؛ عنه الوسائل : 27 / 239 ح 33678 ؛ معتفاوت .
2- . الحجرات : 6 .

الفاسق على ما علم فسقه، لأنّه مع حمل لفظ « الفاسق » على ذلک يبقى حكم مجهول الحال من غير دليل، بناءً على ما عرفت من الجواب عن النصوص الّتي استدلّ بها على قبول شهادته، فيجب فيه المصير إلى حكم الأصل، و هو عدم جواز قبول شهادته .

إن قلت : إنّ الدليل على قبول القول من مجهول الحال هو مفهوم الآية الشريفة، لأنّ مفهومها - بعد حمل لفظ « الفاسق » على الّذي علم فسقه - هكذا : إن جاءكم غير الفاسق الّذي علم فسقه (1) لا تبيّنوا، بل أقبلوا ؛ و هو أعمٌّ من أن يكون معلوم العدالة أو مجهول الحال، فيجب قبول قوله أيضًا عملاً بإطلاق المفهوم .

قلت : إطلاق المفهوم كالإطلاق في النصوص المتقدّمة، فيجب تقييده بما قيّدناها و بخصوص ما مرّ آنفًا عن مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ {عليه السلام}، حيث دلّ صريحًا على الفحص عند شهادة مجهول الحال، فلا يبقى للشبهة مجالٌ بتوفيق الله المتعال .

و أيضًا نقول : كما أنّه يحمل لفظ « الفاسق » على من علم فسقه، ينبغي أن يحمل لفظ « العدل » و « العادل » على من علمت عدالته، فيحمل عليه ما دلّ على اشتراط العدالة في قبول الشهادة، فلا يجوز قبول شهادة مجهول الحال، لأنّه غير معلوم العدالة، بناءً على ما عرفت من أنّها الملكة، أي : الهيئة الراسخة في النفس الباعثة لها على ملازمة التقوى و المروّة .

ص: 84


1- . كذا في نسخة الأصل، والصواب : لم يعلم فسقه .

و بالجملة : لا شکّ في ضعف القول بقبول شهادة مجهول الحال، و لا في ضعف كون العدالة هي ظاهر الإسلام، بل الحقّ أنّها عبارة عن الملكة (1) .

في بيان ما يعرف به العدالة الّتي عبارة عن الملكة

و حيث قد عرفت أنّ العدالة عبارةٌ عن الملكة، ينبغي أن يذكر ما به يحكم بتحقّق تلک الملكة في الشاهد حتّى تقبل قوله في الشهادة .

فأقول : قد اختلفت مقالة الأصحاب في ذلک، فمنهم (2) من اكتفى في ذلک بحسن الظاهر، أي : بالظنّ الّذي يحصل بسبب حسن الظاهر في تحقّق تلک الملكة، فلا يحتاج إلى الاختبار والمعاشرة الباطنيّة المطّلعة على الباطن والسريرة .

و منهم (3) من اشترط في الحكم بها الاختبار و المعاشرة الباطنيّة حتّى يحصل الظنّ المتأخّم للعلم بحصولها و اطمينان النفس بذلک، أو ما يقوم مقام ذلک شرعًا من الشياع، أو شهادة عدلين، أو اقتدائهما مع انتفاء التهمة .

ص: 85


1- . لاحظ تفصيل البحث في كتاب المصنّف (قدس سره) : مطالع الأنوار : 4 / 105 - 115 .
2- . منهم : المقنعة : 725 ؛ و الخلاف : 6 / 217 ؛ والمبسوط : 8 / 217 ؛ والنهاية : 2 / 52 ؛ والوسيلة : 230 ؛والسرائر : 2 / 117 ؛ و المدارک : 4 / 69 ؛ و مفاتيح الشرائع : 3 / 261 .
3- . منهم : الشرائع : 4 / 126 ؛ والذكرى : 4 / 391 ؛ و الدروس : 1 / 218 ؛ والمقاصد العلية : 52 ؛ والروضة :1 / 379 ؛ والجعفريّة ( رسائل المحقّق الكركيّ ) : 1 / 80 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 324 ؛ و كشف اللثام :10 / 276 ؛ والحدائق الناضرة : 10 / 28 ؛ والشرح الصغير : 3 / 260 ؛ و رياض المسائل : 13 / 67 .

و هو مقتضى الأصل، لأنّ مقتضاه حصول العلم بذلک، إلّا أنّه لمّا كان في المقام متعذّرًا، لأنّ العدالة كما عرفت هي الملكة، و هي الهيئة الراسخة في النفس ولايمكن العلم بذلک غالبًا، لكن قد ثبت أنّه متى تعذّرت الحقيقة وجب الانصراف إلى ما هو أقرب إليها .

إلّا أنّ الظاهر من جملة من النصوص الواردة في المسألة كفاية حسن الظاهر، منها : ما تقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم : الولايات و المناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرًا مأمونًا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه » (1) .

و عن الصدوق أنّه روى في الخصال ما يقرب منه (2) .

و منها : الصحيحة المتقدّمة أيضًا، و هي قوله : « بِمَ تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم ؟ فقال : بأن تعرفوه بالستر و العفاف -إلى أن قال (عليه السلام) : - و الدلالة على ذلک كلّه أن يكون ساترًا لجميع عيوبه » (3) .

ص: 86


1- . الكافي : 7 / 431 ح 15 ؛ الفقيه : 3 / 16 ح 3244 ؛ الاستبصار : 3 / 13 ح 35 ؛ التهذيب : 6 / ص 283ح 781 ، و ص 288 ح 798 ؛ الوسائل : 27 / 289 ح 33776 .
2- . رواه الشيخ الصدوق في الخصال : 311 ح 88 ، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم،عن أبي جعفر المقري - رفعه - إلى أبي عبد الله، عن آبائه، عن علىّ (عليهم السلام) قال : خمسة يجب على القاضي،وذكر نحوه .
3- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .

و غيرهما (1) .

إن قلت : إنّ جملة من النصوص قد دلّت على أنّه يعتبر في قبول شهادة الشاهد كونه معروفًا بالستر و العفاف و الصلاح، والظاهر أنّه لا يقال لشخص انّه معروف بالصلاح مثلاً، إلّا مع الاختبار و المعاشرة الكثيرة، أو بالشياع ؛ و بالجملة : مجرّد حسن الظاهر لا يكفي في صدق ذلک .

قلت : قد تقدّم في الصحيحة المذكورة آنفًا ما دلّ على كفاية حسن الظاهر في ذلک، و هو قوله (عليه السلام) : « و الدلالة على ذلک كلّه أن يكون ساترًا لجميع عيوبه »، فيكون هذا تفسيرًا لكلّ ما وقع فيه لفظ « المعروف » من غير تفسير .

و لقائل أن يقول : إنّه على هذا - أي : على الاكتفاء بحسن الظاهر في تحقّق الملكة - يلزم كون اعتبار الملكة أوّلاً عبثًا و لغوًا، إذ لا فائدة يعتدّ بها في ذلک مع الاكتفاء بحسن الظاهر، فلک أن تقول أوّلاً : انّ العدالة هي حسن الظاهر، نظرًا إلى النصوص المشار إليها .

و يمكن أن يجاب عن ذلک : بأنّ صحيحة ابن أبي يعفور دلّت على أنّ حسن الظاهر دليلٌ عليها، لا هي نفسها، على ما قدّمنا .

و أيضًا : أنّ تفسير العدالة بالملكة اتّفاقيّ، كما استفيد ذلک من كلام كنز

ص: 87


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « و يؤيّده ما في الكافي { : 2 / 239 ح 28 } في باب علامات المؤمن،عن عثمان، عن سماعة، عن الصادق (عليه السلام) قال : مَن عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم،ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدالته، و وجبت أخوّته . و هو مرويّفي العيون { : 2 / 33 ح 34 } عن مولانا الرضا (عليه السلام)، عن رسول الله (صلي الله عليه واله)».

العرفان (1) ، و كذا من مجمع الفائدة و البرهان (2) ، فاتّفاقهم على ما يستفاد ممّا ذكر يمنع القول بكون العدالة عبارةٌ عن حسن الظاهر ؛ و لهذا قلنا أوّلاً : انّ العدالة هي الملكة .

ثمّ لمّا دلّت النصوص المشار إليها على كفاية حسن الظاهر في قبول الشهادة، علمنا أنّهم (عليهم السلام) اكتفوا في تحقّق العدالة بذلک، بناءً على أنّه لو لم نكتف في تحقّقها بذلک و اعتبرنا الاختبار و المعاشرة ربّما لا يتمّ نظام العالم و أمر الحكّام، لا سيّما في المدن الكبيرة، و القاضي الّذي ترافع الخصمان إليه من البلاد البعيدة .

و الظاهر أنّ حال السلف لم يكن كذلک، بل الظاهر أنّ حالهم قبول الشهادة بحسن الظاهر، إذ لم يمكن للحاكم الاختبار و المعاشرة الباطنيّة مع كلّ أحد .

والبحث و التفتيش عن عدالة الشهود مع ظهور حسن الظاهر غير معلوم أيضًا، وقد عرفت من عبارة الخلاف أنّ البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيّام النبيّ (صلي الله عليه واله) ، و لا أيّام الصحابة، و لا أيّام التابعين (3) .

و كفاک هذا شاهدًا على ما قلنا ؛ و معلوم أنّ الشيخ أعرف بهم و أجلّ من أن يتّهم عليهم .

و يدلّ عليه أيضًا ما في أمالي الصدوق عن علقمة قال : قلت للصادق (عليه السلام):

ص: 88


1- . كنز العرفان : 2 / 384 .
2- . مجمع الفائدة : 12 / 66 .
3- . الخلاف : 6 / 218 ، المسألة 10 .

أخبرني عمّن (1) تقبل شهادته و من لا تقبل (2) ؟ قال : يا علقمة، كلّ مَن كان على فطرة الإسلام جازت شهادته .

فقلت (3) : تقبل شهادة المعترف بالذنوب (4) ؟ فقال : لو لم تقبل شهادة المعترفين (5) بالذنوب لما قبلت إلّا شهادة (6) الأنبياء و الأوصياء - صلوات الله عليهم - لأنّهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينک يرتكب ذنبًا، أو لم يشهد عليه بذلک شاهدان، فهو أهل (7) العدالة و الستر، و شهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبًا ؛ و مَن اغتابه بما فيه فهو خارجٌ عن ولاية الله - تعالى ذكره - داخلٌ في ولاية الشيطان، الحديث (8) .

و في الكتاب عن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) : من صلّى خمس صلوات في اليوم والليل (9) في جماعة، فظنّوا به خيرًا، و أجيزوا شهادته (10) .

هذا، و استدلّ للقول الآخر - أي : القول بعدم كفاية حسن الظاهر واعتبار

ص: 89


1- . في المصدر : من .
2- . في المصدر : و من لا تقبل شهادته .
3- . في المصدر : قال : فقلت له .
4- . في المصدر : المقترف للذنوب .
5- . في المصدر : المقترفين .
6- . في المصدر : شهادات .
7- . في المصدر : من أهل .
8- . الأمالي، للشيخ الصدوق (رحمه الله) : 163 ح 163 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 285 ح 16319 .
9- . في المصدر : و الليلة .
10- . الأمالي، للشيخ الصدوق (رحمه الله) : 418 ح 556 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 395 ح 34043 .

الاختبار و المعاشرة - بقوله تعالى : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ، و قوله - عزّ شأنه - : ( فَرَجُلٌ و امرَأتانِ ممّن ترضون مِنَ الشهداء ) (2) .

و فيه نظر، لأنّ غاية ما يستفاد من الآية الأولى اعتبار العدالة في الشاهد، ونحن نقول به، لكنّا نجعل حسن الظاهر علامة لتحقّقها لما عرفت ؛ و لا دلالة للاية على خلافه .

و أمّا الآية الثانية، فلأنّ الظاهر أنّ مَنِ اتّصف ظاهره بالحسن و الصلاح هو ممّن يرضى عنه .

و بالجملة : الظاهر الاكتفاء في قبول الشهادة بحسن الظاهر، إلّا أنّ الاحتياط مهما أمكن اعتبار المعاشرة و الاختبار ؛ و مع العدم البحث و التفتيش عن حاله من العدلين الّذين علمت عدالتهما بالاختبار و المعاشرة (3) .

ص: 90


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .
3- . لاحظ تفصيل البحث في كتابه (قدس سره) : مطالع الأنوار : 4 / 105 - 115 .

فروع

الفرعُ الأوّل
هل في الذنوب صغيرة أم لا ؟

الأوّل : لمّا أخذ الكبائر و الصغائر في تفسير العدالة، ناسب لنا البحث عنهما، فأقوّل أوّلاً : قد اختلف أصحابنا في أنّ المعاصي هل هي كبيرة بجميعها فلا صغيرة فيها، أم تكون على قسمين : كبير و صغير ؟

فالمحكيّ عن جماعة من الأصحاب - كشيخنا المفيد، و ابن البرّاج، و أبي الصلاح، و ابن إدريس، و أبي عليّ صاحب المجمع (1) - هو الأوّل .

فذهبوا إلى أنّ كلّ معصية كبيرة و إن اختلفت مراتبها، لاشتراكها في مخالفة أوامر الله تعالى - جلّ شأنه - و إطلاق الصغير و الكبير إنّما هو بالنسبة إلى ما فوقه و ما تحته، فالقُبلة بالنسبة إلى الزنا صغيرة، و بالنسبة إلى النظر كبيرة .

ص: 91


1- . انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 4 / 83 و 84 ؛ و المقنعة : 725 ( و ليس فيها التصريح بذلک ) ؛ والمهذّب :2/ 556 ؛ و الكافي في الفقه : 435 ؛ و السرائر : 2 / 118 ؛ و مجمع البيان : 3 / 70 ؛ و حكاه عنهم فيالتنقيح الرائع : 4 / 290 ؛ و المسالک : 14 / 166 ؛ و الذخيرة (ط.ق ) : ج 1 ق 2 / ص 303 ؛ و الحبلالمتين ( ط . ق ) : 82 ؛ و الحدائق : 10 / 51 ؛ و مناهج الأحكام، للميرزا القمّيّ : 62 ؛ وانظر أيضًا كنزالعرفان : 2 / 385 ؛ و حقائق الإيمان، للشهيد الثاني : 211 و 212 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 315 .

بل كلام الأخير ظاهره انعقاد الإجماع على ذلک، حيث قال بعد أن ذكر هذا القول :

و إلى هذا ذهب أصحابنا - رضي الله عنهم - فإنّهم قالوا : المعاصي كلّها كبيرة { من حيث كانت قبائح } (1) ، لكن بعضها أكبر من بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و إنّما تكون صغيرة (2) بالإضافة إلى ما هو أكبر {منه } (3) ، و يستحقّ العقاب عليه أكثر، إنتهى (4) .

و قال في الجوامع :

قال أصحابنا { - رضي الله عنهم - } : المعاصي كلّها كبائر من حيث كانت قبائح، لكن بعضها أكبر من بعض، و إنّما يكون الذنب صغيرًا بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، واستحقاق العذاب (5) عليه أكثر (6) .

و عن الشيخ في العدّة (7) أنّه قال في الدليل الثاني على حجّيّة خبر الواحد :

ص: 92


1- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
2- . في المصدر : يكون صغيرًا .
3- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
4- . مجمع البيان : 3 / 70 .
5- . في المصدر : العقاب .
6- . تفسير جوامع الجامع : 1 / 392 .
7- . و قال في كتاب الاقتصاد : ص 144 ، في تعريف الفسق ما هذا لفظه : « و أمّا في عرف الشرع فهو عندناعبارة عن كلّ معصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، و لأنّ المعاصي الله تعالى كلّها كبائر و إنّما نسمّيها صغائربالإضافة إلى ما هو أكبر منها، و هي كبيرة بالإضافة إلى ما هو أصغر منها »، إنتهى .

و على أصولنا أنّ كلّ خطأ و قبيح كبيرة (1) .

و ظاهره يشعر بالإجماع .

و قال ابن إدريس :

لا صغائر عندنا في المعاصي، إلّا بالإضافة إلى غيرها (2) .

و ظاهره الإجماع أيضًا .

الذنوب على قسمين : كبيرة و صغيرة

و المشهور بين الأصحاب (3) : الثاني، أي : الذنوب تنقسم على قسمين : كبيرة وصغيرة .

و ذكر في التنقيح :

أنّ أكثر الأصحاب قالوا : إنّ الكبائر كلّ ذنب توعّد الله - تعالى - بالعقاب

ص: 93


1- . عدّة الأصول : 1 / 139 .
2- . السرائر : 2 / 118 .
3- . انظر النهاية : 325 ؛ و المبسوط : 8 / 217 ؛ والوسيلة : 230 ؛ والشرائع : 4 / 127 ؛ والنافع : 287 ؛والقواعد : 2 / 226 ؛ و تحرير الأحكام : 5 / 247 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 420 و 421 ؛ و الدروس : 2 /125 ؛ والروضة : 3 / 129 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 318 ؛ و الحدائق : 10 / 54 ؛ و رياض المسائل : 13 /254 ؛ و مناهج الأحكام : 62 و 63 .

في الكتاب العزيز (1) .

و عن الذخيرة بعد نسبة ذلک إلى المشهور بين الأصحاب قال :

و لم أجد في كلامهم اختيار قول آخر (2) .

و عن الصيمريّ : أنّه نسب ذلک إلى أصحابنا (3) .

و بالجملة : استفاض نقل الشهرة على تخصيص الكبائر بما ذكر ؛ و مقتضاه أنّ المشهور بينهم أنّ غير ما ذكر من الذنوب صغائر، فيكون على هذا نقل الشهرة على انقسام الذنوب في القسمين مستفيضًا، بل يستفاد من الكلام الّذي ذكرناه عن الذخيرة كون ذلک مجمعًا عليه .

و هو المستفاد ممّا نقل عن شيخنا البهائي في الحبل المتين (4) من نسبته انقسام الذنوب إلى القسمين إلى الأصحاب، لكنّک قد عرفت المخالف .

الحقّ في المسألة

و كيف كان، فالحقّ هو : القول الثاني (5) ، وفاقًا للمشهور، لقوله - تعالى (6)

ص: 94


1- . لم نجده بهذه العبارة فيه، انظر التنقيح الرائع : 4 / 291 ؛ و لكن حكاه عنه في الرياض : 13 / 249 ؛ وانظرأيضًا كفاية الأحكام : 1 / 138 ؛ والحدائق : 10 / 46 .
2- . ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 2 / ص 304 .
3- . غاية المرام : 4 / 277 .
4- . الحبل المتين (ط . ق ) : 82 .
5- . أي : القول بأنّ الذنوب تنقسم على قسمين : كبيرة و صغيرة ؛ و هو ما اختاره المصنّف (قدس سره) أيضًا في كتابهمطالع الأنوار : 4 / 23 .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : في سورة النساء .

- :(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم ) (1) ، حيث جعل - جلّ شأنه - الاجتناب عن الكبائر سببًا لتكفير السيّئات .

و على القول الأوّل ليس غير الكبائر سيّئة، لكون جميع السيّئات كبائر بناءً عليه ؛ و الآية دلّت على أنّ الاجتناب عن الكبائر سببٌ لتكفير السيّئات، و لا محالة تكون تلک السيّئات المكفّرة غير الكبائر، و غير الكبائر هي الصغائر، إذ لا ثالث بالإجماع .

و قوله - تعالى (2) - : ( و الّذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش )، مدحهم - جلّ شأنه - على اجتناب الكبائر، حيث قال - عزّ شأنه - : ( و ما عند الله خيرٌ و أبقى للّذين آمنوا و على ربّهم يتوكّلون * و الّذين يَجتنبون كبائرَ الإثم ) (3) الآية .

( و الّذين يجتنبون ) عطفٌ على « الّذين » في قوله - جلّ شأنه - : ( للّذين آمنوا )، فلو كانت المعاصي كبائر بجميعها، لما كان لذكر الكبائر كثير فائدة (4) .

ص: 95


1- . النساء : 31 . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و يقرب من الآية المذكورة ما ذكره الله - تعالى - في سورةالنجم { الآية : 31 و 32 }، و هو قوله - تعالى - : ( و لله ما في السماوات و ما في الأرض ليَجزي الّذينأساءوا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى * الّذين يَجتنبون كبائر الإثم و الفواحش إلّا الّلمم ) ؛ قالالثقة الجليل عليّ بن إبراهيم في تفسيره : و هو ما يلمّ به العبد من ذنوب صغار بجهالة، ثمّ يندم و يستغفر اللهويتوب، فيغفر الله له { تفسير القمّي : 2 / 338 }.
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : في سورة شورى .
3- . الشورى : 36 و 37 .
4- . جاء في حاشية الأصل : و يدلّ عليه ما رواه في ثواب الأعمال { : 1 / 158 } بسندٍ معتبرٍ عن الحلبيّ، قال :سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله : ( إن تجتنبوا ) الآية، قال : من اجتنب ما أوعد الله عليه النار إذا كانمؤمنًا كفّر الله عنه سيّئاته و يدخله مدخلاً كريمًا ؛ منه .

و للنصوص المستفيضة الواردة في بيان الكبائر من المعصية، حيث خصّصت الكبائر فيها ببعض المعاصي، فيكون غيره غير الكبائر، فيكون صغيرة .

منها : ما تقدّم من صحيحة ابن أبي يعفور، حيث قال (عليه السلام) : و تعرف - أي : العدالة - باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار (1) ؛ الحديث .

و إن كان للمناقشة فيها مجال، لأنّ قوله (عليه السلام) : « الّتي أوعد الله عليها النار » كما يحتمل أن يكون تفسيرًا لمطلق الكبائر، كذا يحتمل أن يكون تفسيرًا لبعض الكبائر الّذي باجتنابه تعرف العدالة، فيكون على هذا دالاًّ على انقسام الكبائر على قسمين : قسمٌ يقدح ارتكابه في العدالة، و قسمٌ لا يقدح ارتكابه في ذلک، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال .

و يمكن أن يقال : إنّ الاحتمالين المذكورين و إن كانا محتملين في ظاهر الحديث، إلّا أنّه بعد النظر إلى النصوص الأخر - الّتي سيجيء إلى بعضها الذكر - يعيّن الاحتمال الأوّل .

و منها : ما رواه محمّد بن مسلم عن مولانا الصادق (عليه السلام) ، حيث سمع منه أنّه يقول : الكبائر سبعٌ : قتل المؤمن متعمّدًا، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، والتعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم (2) ، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب الله

ص: 96


1- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .
2- . في المصدر : و أكل مال اليتيم ظلمًا .

عليه النار (1) .

و منها : ما رواه أبو بصير عنه (عليه السلام) ، حيث سمع منه أنّه يقول : الكبائر سبعة، منها : قتل النفس متعمّدًا، و الشرک بالله العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البيّنة، والفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلمًا، قال : و التعرّب و الشرک واحد (2) .

و بالجملة : النصوص في تخصيص الكبائر ببعض الذنوب أكثر من أن تحصى، وسنشير إلى بعض منها أيضًا إن شاء الله - تعالى - و هذه النصوص و إن اختلفت في تفسير الكبائر، إلّا أنّها متّفقة الدلالة على أنّ الكبائر من الذنوب ليست جميعها، و هذا القدر كاف لنا في هذا المقام .

و يدلّ عليه أيضًا نصوص أخر، منها : أنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر (3) .

و منها : من اجتنب الكبائر كفّر الله - تعالى - عنه جميع ذنوبه، و ذلک قول الله - تعالى - : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم و نُدْخِلُكُم مُدْخَلاً كَرِيمًا ) (4) .

ص: 97


1- . الكافي : 2 / 277 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 322 ح 20633 .
2- . الكافي : 2 / 281 ح 14 ؛ الوسائل : 15 / 324 ح 20643 .
3- . لم نعثر عليه بهذا النصّ، و لكنّ المضمون موجود في أخبار كثيرة، انظر : ثواب الأعمال و عقاب الأعمال :15، 17، 43، 75، 195، 197 ؛ و دعائم الإسلام : 1 / 135 ؛ و إرشاد القلوب : 412 . و نقله بهذا النصّ فيالمسالک : 14 / 167 ؛ و الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1، ص 304 ؛ و رياض المسائل : 13 / 255 .
4- . الفقيه : 3 / 575 ح 4967 ؛ الوسائل : 15 / 316 ح 20622 ؛ و الآية في سورة النساء : 31 .

و منها : ما جاء في ثواب كثير من الأعمال أنّه مكفّر للذنوب إلّا الكبائر (1) .

و بالجملة : لا شبهة في ترجيح هذا القول، لقوّة أدلّته الكثيرة من الكتاب والسنّة، و عدم ما يصلح للمعارضة لتلک الأدلّة .

مستند القول بأنّ المعاصي كلّها كبيرة، مع الجواب عنه

نعم، استدلّ للقول الأوّل (2) بما دلّ على أنّ كلّ معصية شديدة، كالموثّق الّذي

رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الذنوب كلّها شديدة ؛ الحديث (3) .

و أنّ كلّ ذنب يوجب النار، و بما دلّ على حرمة استحقار الذنب و وجوب التحذير منه، كقوله (صلي الله عليه واله) : لا تحقّروا شيئًا من الشرّ و إن صغر في أعينكم (4) .

و في هذا الاستدلال نظر، أمّا فيما دلّ على أنّ كلّ معصية شديدة، فلعدم استلزام ذلک كون جميع الذنوب كبيرة، و هو واضح، فنقول بمضمونه و نقسّم المعصية الشديدة إلى كبيرة و صغيرة، بقرينة ما تقدّم .

و أمّا فيما دلّ على حرمة استحقار الذنب فكذلک أيضًا، لأنّ حرمة استحقار الذنب لا يستلزم كون جميع الذنوب كبيرة، لأنّ جميع الذنوب منهيّ عنه، والمنهيّ

ص: 98


1- . انظر ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 193، 195، 197 .
2- . انظر ذخيرة المعاد ( ط. ق ) : ج 1 ق 1، ص 303 ؛ والحدائق الناضرة : 10 / 52 .
3- .الكافي : 2 / 269 ح 7 ؛ الوسائل : 15 / 299 ح 20567 .
4- . الأمالي، للشيخ الصدوق : 518 ؛ الفقيه : 4 / 18 ؛ الوسائل : 15 / 312 ح 20610 .

عنه لا يجوز استحقاره .

و ليس معنى الاستحقار المنهيّ عنه في المقام عدم كون الذنب صغيرًا في نفس الأمر، بل الظاهر أنّ معناه : عدم المبالات في ارتكاب المعاصي، بأن يقول : هذا الذنب صغيرة، فلا يضرّ ارتكابه ؛ و هكذا .

ألا ترى إلى قوله (صلي الله عليه واله) : « و إن صغر في أعينكم »، فلا تنافي بين ما تقدّم من الأدلّة و بين ما ذكر .

و أمّا ما يدلّ على أنّ كلّ ذنب يوجب النار، فظاهره و إن كان منافيًا لما تقدّم من الأدلّة، لدلالتها على أنّ الكبائر هي ما توجب النار، و أنّ جميع الذنوب ليس ممّا يوجب ذلک، لحصر الذنوب الموجبة لذلک ببعضها، إلّا أنّ هذا لا يصلح لمعارضة تلک الأدلّة من وجوه كثيرة، فيحمل هذا - أي : الدالّ على أنّ كلّ ذنب يوجب النار - فيما إذا كان مع الإصرار .

إن قيل : هذا الحمل غير جائز، للإتّفاق على أنّ بعض الذنوب يوجب النار و لو من غير إصرار .

قلت : هذا مسلّم، لكنّ الحمل المذكور لا ينافيه، لأنّ إيجاب كلّ الذنوب للنار مع الإصرار لا يستلزم عدم كون شيء منها موجبًا لها من غير إصرار، و هو واضح .

ولم يبق إلّا الإجماع الظاهر من كلام جماعة منهم - كالشيخ و ابن إدريس وصاحب المجمع (1) - و هو موهونٌ، لما عرفت من استفاضة نقل الشهرة على

ص: 99


1- . انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 4 / 83 و 84 ؛ والسرائر : 2 / 118 ؛ و مجمع البيان : 3 / 70 .

خلافه، بل دعوى الإجماع ظاهرًا على ما مرّ .

و أحسن ممّا ذكر دليلاً للقول المذكور : الصحيح المرويّ في الكافي عن الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في الوتر هل فيه شيء موقّت يُتّبع و يقال ؟ فقال : لا أثْنِ على الله - عزّوجلّ - و صَلّ على النبي (صلي الله عليه واله)، و استغفر لذنبک العظيم ؛ ثمّ قال : كلّ ذنب عظيم (1) .

فإنّ قوله (عليه السلام) : « كلّ ذنب عظيم » ظاهر الدلالة على أنّ كلّ ذنب كبيرة، كما لايخفى .

و بالجملة : ضعفُ القول بكون جميع الذنوب كبيرة، ممّا ينبغي أن لا يشکّ فيه (2) .

معنى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر

تنبيه

قد تقدّم في الآية الشريفة و بعض من النصوص المتقدّمة أنّ الصغائر تقع مكفّرة باجتناب الكبائر من المعصية، ينبغي أن نبيّن معنى ذلک، فأقول : قال بعضهم :

ص: 100


1- . الكافي : 3 / 450 ح 31 ؛ التهذيب : 2 / 130 ح 502 ؛ الوسائل : 6 / 277 ح 7957 و 15 / 322 ح20632 .
2- . لاحظ تفصيل البحث في كتابه (قدس سره) : مطالع الأنوار : 4 / 23 - 27 .

الصغيرة المكفّرة هي ما كانت مقدّمة لكبيرةٍ مجتنبةٍ لوجه الله - تعالى - بعد الإشراف عليها و التمكّن منها .

و ذلک كما لو تمكّن من الزنا مثلاً فكفّ نفسه واقتنع باللمس و النظر، فإنّ مجاهدة نفسه في الكفّ عن الوقاع أشدّ تأثيرًا في تنوير قلبه من تأثير اللمس (1) و النظر في الإظلام (2) .

و ذلک إنّما هو إذا كان الاجتناب عن تلک الكبيرة لوجه الله - تعالى - كما مرّ، و أمّا إذا كان للعنين أو لخوف و بالجملة لغير الله -سبحانه - فلا تكفير (3) .

و قال بعضهم :

و الظاهر أنّ المراد { هو أنّه } (4) إذا عرضت صحيفة السيّئات، فوجدت خالية من الكبائر والإصرار على الصغائر، عفي له عن باقي السيّئات (5) ،

ص: 101


1- . في التحفة السنيّة : من إقدامه على اللمس ؛ و في المحصول : من تأثير الشيء .
2- . في التحفة : إظلامه ؛ و في المحصول : الظلام .
3- . نسبه إلى القيل في التحفة السنيّة، للسيّد عبد الله الجزائريّ ( مخطوط ) : 18 ؛ و المحصول : 2 / 187 .
4- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
5- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و يؤيّده ما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : الكبائر سبع أعظمهنّ : الإشراک بالله،وقتل النفس المؤمنة، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنة، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف،فمن لقى الله - سبحانه - و هو بري منهنّ، كان معي في بحبوحة جنّة مصاريعها من ذهب ( مجمع البيان : 3 /72 ؛ و رواه مثله في كنز الفوائد، للكراجكي : 184 ؛ و السنن الكبرى : 10 / 186 ، إلّا أنّ فيهما : الكبائر تسع- إلى أن قال : - واستحلال البيت الحرام، و السحر ).

لكنّ الظاهر (1) قولهم : تقع مكفّرة، أن (2) لا تكتب على المجتنب،إنتهى (3) .

ص: 102


1- . في المصدر : لكن ظاهر .
2- . في المصدر : أنّها .
3- . المحصول : 2 / 187 .
الفرع الثاني
في بيان الكبائر من الذنوب

قد عرفت أنّ الحقّ انقسام الذنوب إلى كبائر و صغائر، فلابدّ من بيانهما، لأنّ معرفة العادل موقوفة عليه .

ذكر اختلاف الأصحاب في بيان الكبائر

فأقول : قد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلک، و كذلک النصوص، فقال الشيخ في النهاية (1) و العلّامة في القواعد :

انّ الكبيرة ما توعّد الله - تعالى - فيها بالنار، كالقتل والزنا واللواط والغصب للأموال (2) وإن قلّت، و عقوق الوالدين، وقذف المحصنات (3) .أمّا كون الأوّل و الثاني ممّا توعّد الله - جلّ شأنه - عليه بالنار، فلقوله - تعالى - :

ص: 103


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : عبارة النهاية هكذا : العدل الّذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهمهو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثمّ يعرف بالستر و الصلاح و الكفّ عن البطن و الفرج و اليد واللسان،ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار، من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين والفرارمن الزحف، و غير ذلک ( النهاية : 325 ).
2- . في القواعد : للأموال المعصومة .
3- . القواعد : 3 / 494 .

( و لا يَقتُلونَ النَفسَ الّتي حَرّمَ اللهُ إلّا بالحَقّ و لا يَزنُون و مَنْ يَفعَل ذلک يَلْقَ أَثَامًا* يُضاعَفْ له العذاب يومَ القيامة و يَخلُدْ فيه مُهانًا ) (1) .

و لقوله تعالى في الأوّل : ( و مَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهنّمُ خَالِدًا ) (2) .

و أمّا كون الثالث من ذلک، فلما ورد من أنّ النقب كفر (3) .

و من أنّه لو كان ينبغي أن يرجم رجل مرّتين لكان اللوطي (4) .

و من أنّه مَن نكح امرأة حرامًا في دبرها، أو رجلاً، أو غلامًا، حشره الله -عزّوجلّ - يوم القيامة أنتن من الجيفة، يتأذّى به الناس حتّى يدخل جهنّم، ولايقبل الله منه صرفًا و لا عدلاً، و أحبط الله عمله، و يدعه في تابوت مشدودٍ بمسامير من حديد، فلو وضع عرق من عروقه على أربعمائة أُمَّة لماتوا جميعًا، وهو من أشدّ الناس عذابًا (5) .

و من أنّه لا يجلس على استبرق الجنّة مَن يؤتى في دبره (6) .

ص: 104


1- . الفرقان : 68 و 69 .
2- . النساء : 93 .
3- . المحاسن : 1 / 112 ح 104 ؛ الكافي : 5 / 544 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 266 ؛الاستبصار : 4 / 221 ح 828 ؛ التهذيب : 10 / 53 ح 197 ؛ الوسائل : 20 / 339 و 340 ح 25770و 25771 .
4- . المحاسن : 1 / 112 ؛ الكافي : 7 / 199 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 266 ؛ الفقيه : 4 / 43 ح5049 ؛ الاستبصار : 4 / 219 ح 821 ؛ التهذيب : 10 / 53 ح 196 ؛ الوسائل : 20 / 332 ح 25752 .
5- . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 282 ؛ الوسائل : 20 / 322 ح 25726 .
6- . المحاسن : 1 / 112 ؛ الكافي : 5 / 550 ح 5 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 266 ؛ الوسائل : 20 /336 ح 25761 .

و أمّا كون الرابع من ذلک، فلقول مولانا الأمير (عليه السلام) في خبر السكوني : أعظم الخطايا اقتطاع (1) مال امرئ مسلم بغير حقّ (2) .

و ما رواه فضيل عن مولانا الصادق (عليه السلام) : مَن أكل مال أخيه ظلمًا و لم يرد عليه (3) أكل جذوة من النار يوم القيامة (4) .

و لفظ « أخيه » في الحديث إمّا يكون المراد منه الأخ في الدين، فدلالته على المطلوب حينئذٍ واضحة ؛ و إمّا يكون المراد منه الأخ الحقيقيّ، فدلالته على العموم حينئذٍ بالفحوى .

و قوله (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ، مَن لم يبال مِن أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار (5) .

و قال - تعالى - : ( إنَّ الّذِينَ يَأكُلونَ أموَالَ اليَتامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطُونِهم نَارًا و سَيَصْلَون سَعِيرًا ) (6) .

و أمّا كون الخامس من ذلک، فلما روي من : أنّ العاقّ لا يشمّ رائحة الجنّة (7) .

ص: 105


1- . اقتطع مال فلان، أي : أخذه لنفسه .
2- . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 273 ؛ تحف العقول : 216 ؛ الوسائل : 16 / 50 ح 20953 .
3- . في الكافي : و لم يردّه إليه .
4- . الكافي : 2 / 333 ح 15 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 273 ؛ الوسائل : 16 / 53 ح 20960 .
5- . مكارم الأخلاق : 468 ؛ عدّة الداعي : 73 ؛ أعلام الدين في صفات المؤمنين، للديلمي : 199 ؛ الوسائل :16 / 98 ح 21080 .
6- . النساء : 10 .
7- . الكافي : 2 / 348 ح 3 و 349 ح 6 ؛ الوسائل : 21 / 501 ح 27694 .

و في خبر عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ : أنّ الله - عزّوجلّ - جعل العاقّ جبّارًا شقيًّا (1) ؛ في قوله : ( و بَرًّا بوالدتي و لم يجعلني جبّارًا شقيًّا ) (2) .

و أمّا كون السادس من ذلک، فلقوله - تعالى - : ( إنّ الّذين يَرمُونَ المُحصَناتِ الغافلات المؤمنات لُعِنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذابٌ عظيمٌ ) (3) .

و هذا القول مبنيّ على أنّ ما توعّد عليه بالنار أعمّ من أن يكون الإيعاد بها بالكتاب أو بالسنّة، إلّا أنّ الاختصاص بما ذكر لا وجه له، إلّا أن يكون ذكره على سبيل التمثيل .

قال في التنقيح :

أكثر الأصحاب على أنّ الكبائر كلّ ذنب توعّد الله - تعالى - بالعقاب في الكتاب العزيز (4) .

و عن الذخيرة و غيرها : أنّه مشهور بين أصحابنا (5) ، بل عن الأوّل أنّه قال : و لم أجد في كلامهم اختيار قول آخر (6) .

ص: 106


1- . الكافي : 2 / 286 ح 24 ؛ علل الشرائع : 2 / 479 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 563 ح 4932 ؛ الوسائل : 15 /318 ح 20629 .
2- . مريم : 32 .
3- . النور : 23 .
4- . التنقيح الرائع : 4 / 291 ؛ و نقله عنه في الرياض : 13 / 249 .
5- . ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ الحدائق : 10 / 46 .
6- . الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ كفاية الأحكام : 1 / 139 .

و عن الصيمريّ (1) : أنّه نسب ذلک إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم .

و عن بعضٍ : أنّها ما قام على حرمته دليل قاطع (2) .

و عن بعضٍ آخر : أنّها كلّ معصية تؤذن فعلها عدم مبالاة فاعلها بالدين (3) .

و يستفاد من كلام الصيمريّ و غيره عدم كون هذين القولين من أصحابنا (4) .

هذا اختلاف الكلمات بالنسبة إلى تحديد الكبائر، واختلفت بالنسبة إلى التعديد أيضًا، فقيل :

إنّها سبعٌ : الشرک، و قتل النفس، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، والزنا، و الفرار من الزحف، و العقوق (5) .

و عن القواعد للشهيد :

و قد ضبط ذلک بعضهم (6) فقال : هي : الشرک بالله، و القتل بغير حقّ،

ص: 107


1- . غاية المرام : 4 / 277 .
2- . نقله عن جماعة في الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 138 ؛ و حكاه أبوالسعود في تفسيره : 2 / 171 .
3- . قائله إمام الحرمين عبدالملک الجويني في الإرشاد : 329 ؛ و نقله عن طائفة في الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق1 ، ص 304 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 138 ؛ وانظر : القواعد والفوائد، للشهيد الأوّل : 1 / 226 ؛ و البحرالمحيط، للزركشي : 3 / 335 .
4- . انظر غاية المرام : 4 / 277 ؛ و الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 139 .
5- . تفسير الماوردي : 1 / 476 .
6- . لعلّه يقصد به شيخ الإسلام العلائي، فقد ضبطها بذلک، إلّا أنّه لم يذكر اللواط، انظر : الزواجر، لابن حجر :1/ 8 .

واللواط، و الزنا، و الفرار من الزحف، و السحر، و الربا، و قذف المحصنات، و أكل مال اليتيم، و الغيبة بغير حقّ، و اليمين الغموس (1) ، وشهادة الزور، و شرب الخمر، و استحلال الكعبة، و السرقة، و نكث الصفقة (2) ، و التعرّب بعد الهجرة، و اليأس من روح الله، و الأمن من مكر الله، و عقوق الوالدين . - و عن الشهيد أنّه قال : - و كلّ هذا ورد في الحديث منصوصًا عليه بأنّه كبيرة (3) .

و للعامّة أقاويل كثيرة في تعدادها (4) .

ذكر اختلاف النصوص في بيان الكبائر

و أمّا النصوص المختلفة، فمنها : ما تقدّم من صحيحة ابن أبي يعفور : بِمَ تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته بهم (5) و عليهم ؟ فقال : بأن تعرفوه

ص: 108


1- . أي : اليمين الكاذبة الفاجرة، و سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار .
2- . نكث الصفقة - كما فسّرها رسول الله (صلي الله عليه واله) بقوله - هي : أن تبايع رجلاً بيمينک، ثمّ تخالف إليه فتقاتله بسيفک ؛ انظر : مسند أحمد : 2 / 229 ؛ والمستدرک، للحاكم : 1 / 120 ؛ و كنز العمّال : 7 / 318 ح19057. و روى في الخصال عن النبىّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : ثلاث موبقات : نكث الصفقة، و ترک السنّة، و فراقالجماعة، الحديث ؛ انظر الخصال : 85 .
3- . القواعد و الفوائد : 1 / 224 و 225 .
4- . انظر بدائع الصنائع : 6 / 268 ؛ و البحر المحيط : 3 / 336 .
5- . في المصادر : لهم .

بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله - تعالى - عليها النار من شرب الخمر (1) و الزنا و الربا و عقوق الوالدين والفرار من الزحف و غير ذلک (2) .

و منها : الصحيح عن الكبائر كم هي و ما هي ؟ فكتب : الكبائر من اجتنب ما أوعد (3) الله - تعالى - عليه النار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنًا، و السبعُ الموجبات : قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنات، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف (4) .

و منها : ما رواه محمّد بن مسلم عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سمعه أنّه يقول : الكبائر سبعٌ : قتل المؤمن متعمّدًا، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم (5) ، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب الله عليه النار(6) .

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام) ، حيث سأله عن الكبائر، فقال : هنّ في كتاب عليٍّ (عليه السلام) سبعٌ : الكفر بالله، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد

ص: 109


1- . في الفقيه : الخمور .
2- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .
3- . في الكافي : ما وعد .
4- . الكافي : 2 / 276 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 318 ح 20628 .
5- . في المصدر : و أكل مال اليتيم ظلمًا .
6- . الكافي : 2 / 277 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 322 ح 20633 .

البيّنة، و أكل مال اليتيم ظلمًا، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة .

قال : قلت : فهذا أكبر المعاصي ؟ قال : نعم . قلت : فأكل درهم من مال اليتيم ظلمًا أكبر، أم ترک الصلاة ؟ قال : ترک الصلاة . قلت : فما عددت ترک الصلاة في الكبائر ؟ فقال : أيّ شيء أوّل ما قلت لک ؟ قلت : الكفر . قال : فإنّ تارک الصلاة كافر، يعني من غير علّة (1) .

و منها : ما رواه في الفقيه باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) ، فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية : ( الَّذِينَ يَجتَنِبُون كَبائِر الإثمِ و الفَواحِش ) (2) ، ثمّ أمسک، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما أسكتک ؟ قال : أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله .

فقال : نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الإشراک بالله، يقول الله : ( و مَنْ يُشرِکْ بِاللهِ فقد حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّة ) (3) .

و بعده اليأس من روح الله، لأنّ الله يقول : ( إنَّه لا يَيئَسُ مِن رَوحِ الله إلّا القومُ الكافِرُون ) (4) .

ص: 110


1- . الكافي : 2 / 278 ح 8 ؛ الوسائل : 15 / 321 .
2- . الشورى : 37 ؛ و النجم : 32 .
3- . المائدة : 72.
4- . يوسف : 87 .

ثمّ الأمن من مكر الله، انّ (1) الله يقول : ( فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إلّا القومُ الخَاسِرُون ) (2) .

و منها : عقوق الوالدين، لأنّ الله جعل العاقّ جبّارًا شقيًّا في قوله - تعالى - : (وَبَرًّا بِوالِدَتي وَ لَم يَجعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) (3) .

و قتل النفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، لأنّ الله يقول : ( و مَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) (4) إلى آخر الآية .

و قذف المحصنات، لأنّ الله يقول : ( إنَّ الّذِين يَرمُونَ المُحصَناتِ الغَافِلاتِ المُؤمِناتِ لُعِنُوا في الدُنيَا و الآخرة و لَهم عذابٌ عظيمٌ ) (5) .

و أكل مال اليتيم ظلمًا، لقول الله - تعالى - : ( إنَّ الّذِينَ يَأكُلونَ أموَالَ اليَتامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطُونِهم نَارًا و سَيَصْلَونَ سَعِيرًا ) (6) .

و الفرار من الزحف، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يُوَلِّهم يَومَئذٍ دُبُرَه إلّا مُتحَرّفًا لِقِتَال (7) أو مُتَحَيّزًا إلى فِئةٍ فَقَد بَاءَ بغضبٍ مِن الله و مَأواه جَهنّمُ و بِئس المصير ) (8) .

ص: 111


1- . في المصادر : لأنّ .
2- . الأعراف : 99 .
3- . مريم : 32 .
4- . نساء: 93.
5- . النور : 23 .
6- . النساء : 10 .
7- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : فسّر بالكرّ بعد الفرّ، يخيّل عدوّه أنّه منهزم، ثمّ ينعطف عليه، و هو نوع منمكائد الحرب ( الكشّاف : 2 / 149 ؛ الوافي : 5 / 1055 ).
8- . الأنفال : 16 .

و أكل الربا، لأنّ الله - تعالى - يقول : ( الّذِينَ يَأكُلونَ الرِبا لا يَقومُونَ إلّا كما يَقُومُ الّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَيطانُ مِنَ المَسّ ) (1) .

و السحر، لأنّ الله - تعالى - يقول : ( وَ لَقَدْ عَلِموا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ في الآخرةِ مِنْ خَلاَقٍ ) (2) .

و الزنا، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يَفعَلْ ذلک يَلقَ أثَامًا * يُضاعَفْ له العذابُ يومَ القيامة و يَخْلُدْ فيه مُهَانًا ) (3) .

و اليمين الغموس الفاجرة (4) ، لأنّ الله يقول : ( الّذِينَ يَشْتَرونَ بِعَهدِ اللهِ

وأيْمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلاً أولَئِکَ لاَ خَلاَق لَهُم فِي الآخرة ) (5) .

و الغلول، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيامَة ) (6) .

و منع الزكاة المفروضة، لأنّ الله - تعالى - يقول : ( فَتُكْوَى بِها جِبَاهُهُم وجُنوبُهُم و ظُهورُهُم هذا ما كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُم فَذوقوا مَا كُنتم تَكْنِزون ) (7) .

و شهادة الزور و كتمان الشهادة، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يَكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلبُهُ ) (8) .

ص: 112


1- . البقرة : 275 .
2- . البقرة : 102 .
3- . الفرقان : 68 و 69 .
4- . أي : اليمين الكاذبة الفاجرة، و سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار .
5- . آل عمران : 77 .
6- . آل عمران : 161 .
7- . التوبة : 35 .
8- . البقرة : 283 .

و شرب الخمر، لأنّ الله - عزّوجلّ - عدل بها عبادة الأوثان .

و ترک الصلاة متعمّدًا، أو شيئًا ممّا فرض الله - عزّوجلّ - لأنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : من ترک الصلاة متعمّدًا فقد برىء منه (1) ذمّة الله و ذمّة رسوله (صلي الله عليه واله) .

و نقض العهد، و قطيعة الرحم، لأنّ الله - عزّوجلّ - يقول : ( أُولَئِکَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَارِ ) (2) .

قال : فخرج عمرو و له صراخ من بكائه، و هو يقول : هلک من قال برأيه ونازعكم في الفضل و العلم (3) .

ثمّ إنّه (عليه السلام) لم يستدلّ لنقض العهد، لعلّه لعلم المخاطب، أو لدخوله فيما قدّمه من قوله : ( إنَّ الّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ الله ) الآية (4) .

و لم يستدلّ لشهادة الزور أيضًا ؛ و عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : من شهد شهادة زور على رجل مسلم أو ذمّيّ، أو من كان من الناس، عَلَّق بلسانه يوم القيامة و هو مع المنافقين في الدرک الأسفل من النار (5) .

و منها : ما رواه أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سمعه يقول :الكبائر

ص: 113


1- . في العيون : من .
2- . الرعد : 25 .
3- . الكافي : 2 / 285 ح 24 ؛ علل الشرائع : 2 / 391 ح 1 ؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 1 / 257 ح 33 ؛الفقيه : 3 / 563 ح 4932 ؛ الوسائل : 15 / 318 ح 20629 .
4- . آل عمران : 77 .
5- . الأمالي، للشيخ الصدوق : 516 ؛ الفقيه : 4 / 15 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 336 ؛ الوسائل : 27 /325 ح 33850 و 33851 .

سبعة، منها : قتل النفس متعمّدًا، و الشرک بالله العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البيّنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلمًا . قال : و التعرّب و الشرک واحد (1) .

و منها : ما رواه مسعدة بن صدقة أنّه سمعه (عليه السلام) يقول : الكبائر : القنوط من رحمة الله، و اليأس من روح الله، و الأمن من مكر الله، و قتل النفس الّتي حرّم الله، وعقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلمًا، و أكل الربا بعد البيّنة، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف (2) .

و منها : ما رواه عبد الله بن سنان أنّه سمعه (عليه السلام) يقول : إنّ من الكبائر : عقوق الوالدين، و اليأس من روح الله، و الأمن من مكر (3) الله (4) .

و منها : ما رواه عبد الله (5) بن كثير أنّه (عليه السلام) قال : إنّ الكبائر من الذنوب (6) سبعٌ فينا أنزلت (7) و منّا استحلّت، فأوّلها : الشرک بالله العظيم، و قتل النفس الّتي حرّم الله، و أكل مال اليتيم، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنة (8) ، و الفرار من الزحف،

ص: 114


1- . الكافي : 2 / 281 ح 14 ؛ الوسائل : 15 / 324 ح 20643 .
2- . الكافي : 2 / 280 ح 10 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 324 ح 20640 .
3- . في المصدر : لمكر .
4- . الكافي : 2 / 278 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 322 ح 20634 .
5- . في المصادر : عبد الرحمن .
6- . « من الذنوب » لم يرد في المصادر ؛ بل ذكره في كشف اللثام : 10 / 280 .
7- . في الخصال : نزلت .
8- . في الخصال : المحصنات .

وإنكار حقّنا (1) .

و منها : ما رواه أبو خديجة عنه (عليه السلام) : الكذب على الله و على رسوله و على الأوصياء (عليهم السلام) من الكبائر (2) .

و منها : ما رواه السكونىّ عن عليّ (عليه السلام) : السكر من الكبائر، و الحيف (3) في

الوصيّة من الكبائر (4) .

و منها : مرسل ابن أبي عمير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) : الكبائر خمسة : الشرک (5) ، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البيّنة، والفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة (6) .

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام)، حيث سأله (عليه السلام) عنها، فقال : هنّ خمس، و هُنَّ ما أوجب الله عليهنّ النار، قال الله - تعالى - : ( إنَّ الّذِينَ يَأكُلونَ أموَالَ اليَتامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطُونِهِم نَارًا و سَيَصْلَون سَعِيرًا ) (7) .

ص: 115


1- . الخصال : 363 ح 56 ؛ علل الشرائع : 2 / 474 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 561 ح 4931 ؛ الوسائل : 15 / 326ح 20649 .
2- . المحاسن : 1 / 118 ح 127 ؛ الكافي : 2 / 339 ح 5 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 268 ؛ الفقيه : 3 / 568 ح 4941 ؛ الوسائل : 12 / 249 ح 16224 .
3- . الحيف : الميل في الحكم والجور والظلم ( انظر لسان العرب : 9 / 60 ).
4- . تفسير العيّاشي : 1 / 238 ح 111 ؛ الفقيه : 3 / 565 ح 4933 ؛ و ج 4 / 184 ح 542 ؛ الوسائل : 19 /268 ح 24565 .
5- . في الخصال : الشرک بالله عزّوجلّ .
6- . علل الشرائع : 2 / 475 ح 2 ؛ الخصال : 273 ح 16 ؛ و عنهما في الوسائل : 15 / 327 ح 20654 .
7- . النساء : 10 .

و قال : (يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنوا إذا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَروا زَحْفًا فلا تُوَلُّوهُمُ الأدبَارَ ) (1) إلى آخر الآية .

و قال - عزّوجلّ - : ( يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِبا ) (2) ، إلى آخر الآية .

و رمي المحصنات الغافلات المؤمنات (3) ، و قتل مؤمن (4) متعمّدًا على دينه (5) .

و منها : ما روي عن النبيّ (صليي الله عليه واله) : ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله؛ قال : الإشراک بالله، و عقوق الوالدين - و كان متّكأ، فجلس ثمّ قال : - ألا وقول الزور، ألا و قول الزور - قاله ثلاثًا (6) .

و منها : ما تقدّم من قوله (صلي الله عليه واله) : الكبائر سبع، أعظمهنّ : الإشراک بالله، و عقوق الوالدين، و قتل النفس المؤمن، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنة، وعقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، فمن لقى الله - سبحانه - و هو بري منهنّ كان معي في بحبوحة جنّة مصاريعها من ذهب (7) .

ص: 116


1- . الأنفال : 15 .
2- . البقرة : 278 .
3- . « المؤمنات » لم يرد في الخصال و ثواب الأعمال .
4- . في الخصال : المؤمن .
5- . علل الشرائع : 2 / 475 ح 3 ؛ الخصال : 273 ح 17 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 233 ؛ و عنهم فيالوسائل : 15 / 327 ح 20655 .
6- . مسند أحمد : 3 / 131 و 5 / 36 ؛ صحيح البخاري : 3 / 152 و 7 / 70 ؛ صحيح مسلم : 1 / 64 ؛ سننالترمذي: 3 / 208 .
7- . مجمع البيان : 3 / 72 ؛ و رواه مثله في كنز الفوائد، للكراجكي : 184 ؛ و السنن الكبرى : 10 / 186 ، إلّاأنّ فيهما : الكبائر تسع - إلى أن قال : - واستحلال البيت الحرام، و السحر .

و منها : ما روي عن مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون : هي قتل النفس الّتي حرّم الله - تعالى - و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، والفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلمًا، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ به لغير الله (1) - تعالى - من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، والميسر - و هو القمار (2) - و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، واللواط، و شهادة الزور، و اليأس من روح الله - تعالى - و الأمن من مكر الله -تعالى - و القنوط من رحمة الله - تعالى - و معونة الظالمين و الركون إليهم (3) ، واليمين الغموس (4) ، و حبس الحقوق من غير عسر (5) ، و الكذب، و الكبر، والإسراف، و التبذير، و الخيانة، و كتمان الشهادة (6) ، و الاستخفاف بأولياء الله (7)- تعالى - و الاستخفاف بالحجّ، و الاشتغال بالملاهي (8) ، و الإصرار على الصغائر من الذنوب (9) .

ص: 117


1- . في العيون : و ما أهلّ لغير الله به .
2- . في العيون : و الميسر و القمار .
3- . في الخصال : و ترک معونة المظلومين والركون إلى الظالمين .
4- . أي : اليمين الكاذبة الفاجرة، و سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار .
5- . في العيون : العسرة .
6- . « و كتمان الشهادة » لم يرد في العيون والخصال .
7- . في العيون والخصال : و المحاربة لأولياء الله عزّوجلّ .
8- . في الخصال : والملاهي الّتي تصدّ عن ذكر الله - تبارک و تعالى - مكروهة، كالغناء و ضرب الأوتار .
9- . عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2 / 134 ح 1 ؛ الخصال : 610 ؛ و عن العيون في الوسائل : 15 / 329 ح20660 ؛ و رواه ابن شعبة في تحف العقول : ص 422 ، مرسلاً نحوه .

و لا يخفى اختلاف هذه النصوص في بيان الكبائر، حيث دلّ بعضها على أنّها ما توعّد الله عليها بالنار - و هو صحيح ابن أبي يعفور، و الصحيح الّذي يليه - مطلقًا، سواء كان إيعاده - تعالى - النار عليها بالكتاب العزيز، أو بلسان النبيّ (صلي الله عليه واله)؛ وبالجملة : ظاهرهما أنّ العبرة بإيعاده النار، سواء علم الإيعاد من الكتاب، أو من السنّة، أو من الإجماع .

ثمّ إنّ في الصحيح الثاني خفاء ما، و لا بأس بالتكلّم فيه و كشف خفائه، فأقول : وهو هذا : « الكبائر من اجتنب ما أوعد الله - تعالى - عليه النار، كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنًا، و السبع الموجبات : قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، والتعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف » (1) .

بيان

« الكبائر » مبتدأ، و « مَن » في : « مَن اجتنب » مبتدأ ثان، و « اجتنب » صلتها، « ما أوعد الله - تعالى - عليه النار » موصول و صلة، و خبر المبتدأ الثاني لعلّه محذوف، و جملةُ المبتدأ و خبره المحذوف خبرٌ للمبتدأ الأوّل ؛ و التقدير : الكبائر من اجتنب ما أوعد الله - تعالى - عليه النار، فقد اجتنب عنها و كفّر عنه سيّئاته .

والعائد للمبتدأ الثاني هو الضمير في « اجتنب »، و للمبتدأ الأوّل هو الضمير المجرور في « عنها » ؛ حذف الجملة الخبريّة و أقيمت الجملة المعطوفةمقامها

ص: 118


1- . الكافي : 2 / 276 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 318 ح 20628 .

وحذف العاطف ؛ فدلّ الصحيح على أنّ الكبائر هي ما أوعد الله - تعالى - عليه النار.

إن قلت : إنّ دلالة الصحيح مع التقدير المذكور أيضًا لا يدلّ على أنّ جميع ما أوعد الله - تعالى - عليه النار هو الكبائر، لاحتمال أن يكون ما أوعد الله - تعالى - عليه النار على قسمين : كبيرة و صغيرة، فحينئذٍ من اجتنب عن ذلک اجتنب عن الكبائر ألبتّة، لأنّ الاجتناب عن العامّ يستلزم الاجتناب عن الخاصّ، فلا يعلم من الصحيح بنفسه أنّ جميع ما أوعد الله - تعالى - عليه النار هو الكبائر .

قلت : قوله (عليه السلام) : « كفّر عنه سيّئاته » قرينةٌ على كون جميع ما أوعد الله عليها النار كبيرة، إذ قوله (عليه السلام) : « سيّئاته » المراد بها الصغائر، والجمع المضاف يفيد العموم، فيشمل جميع الصغائر، فانحصر ما أوعد الله عليه النار بالكبائر، و هو المطلوب .

على أنّا نقول : لو سلّم كبيريّة بعض ما أوعد الله - تعالى - عليه النار نقول : بأنّ جميع ما أوعد الله كذلک، لأنّ العلّة في كون ذلک البعض كبيرة هي إيعاد الله -سبحانه - و هو متحقّقٌ في الجميع ؛ و للإجماع المركّب ؛ هذا .

و يمكن التقدير في الحديث بغير ما ذكر أيضًا، يظهر بعد التأمّل، و ذكره يستلزم تطويلاً أكثر .

ثمّ إنّ قوله (عليه السلام) : « و السبع الموجبات » إلى آخره، و الظاهر أنّه عطفٌ على «ما» في قوله (عليه السلام) : « ما أوعد الله - تعالى - عليه النار »، و ذكرها مع شمول

ص: 119

المعطوف عليه لذلک للإهتمام بشأنها .

و جميع السبع المذكورة قد أوعد عليها بالكتاب العزيز، أمّا كون غير التعرّب من ذلک فقد عرفت، و أمّا هو فلما مرّ من قوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير : « انّ التعرّب و الشرک واحد » (1) . و قد عرفت الإيعاد عليه في الكتاب الكريم .

و قوله (عليه السلام) : « قتل النفس الحرام » إلى آخره، إمّا بالرفع، لكونه خبرًا للمبتدأ المحذوف، أو بالنصب لكونه مفعولاً لفعل محذوف، أو بدلاً من قوله (عليه السلام) : « و السبع الموجبات »، بدل بعض من الكلّ .

و متعلّق الموجبات في قوله : « و السبع الموجبات » محذوف ؛ و التقدير

: والسبع الموجبات لكون فاعلها ذا كبيرة، أو لكون فاعلها مستحقًّا للنار، أو غير ذلک، هي قتل النفس ؛ أو أعني بالسبع : قتل النفس ؛ أو من تقدير شيء بناءً على الاحتمال الثالث ؛ و هذا الاحتمال مبنيّ على القول بعدم لزوم اشتمال بدل البعض من الكلّ للضمير .

و دلّ كثير منها على أنّها سبع، و هو خبر محمّد بن مسلم و عبيد بن زرارة وأبي بصير و عبد الله بن كثير و النبويّ ؛ و دلّ بعض منها على أنّها خمس، كمرسلة ابن أبي عمير و رواية عبيد بن زرارة الأخرى ؛ و الرضويّ دلّ على أنّها خمس وثلاثون .

و رواية عمرو بن عبيد دلّت على أنّها إحدى و عشرون ؛ و إن أمكن الجواب

ص: 120


1- . الكافي : 2 / 281 ح 14 ؛ الوسائل : 15 / 324 ح 20643 .

عن هذه الرواية بأنّ الراوي ما سأل معرفة جميع الكبائر، بل معرفة الكبائر من كتاب الله، حيث قال : « أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله »، بناءً على أحد الاحتمالين ؛ و على هذا قوله (عليه السلام) في : « ترک الصلاة، أو شيئًا ممّا أوجب الله -تعالى - لأنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : مَن ترک الصلاة » إلى آخره، من باب التبرّع منه (عليه السلام).

الجواب عن اختلاف النصوص في بيان الكبائر

و ربّما أجيب عن اختلاف تلک النصوص بأنّ ذلک محمولٌ على اختلاف المراتب بأن تكون السبع الّتي تضمّنته أكثر تلک النصوص أكبر الكبائر و هكذا، لكن هذا إنّما يتّجه إذا كانت تلک النصوص في بيان السبع متّحدة، و ليس الأمر كذلک، و يظهر ذلک لمن يلاحظها .

و يمكن أن يقال : إنّ السبع الّتي تضمّنته تلک النصوص أكبرها باختلاف الأشخاص و المقامات ؛ و يؤيّد هذا الحمل قوله (عليه السلام) : « أكبر الكبائر سبع : الشرک بالله العظيم، و قتل النفس الّتي حرّم الله - تعالى - إلّا بالحقّ، و أكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و إنكار ما أنزل الله عزّوجلّ » (1) .

ص: 121


1- . التهذيب : 4 / 149 ح 417 ؛ الوسائل : 9 / 536 ح 12661 .

و ربّما قيل (1) :

إذا أردت معرفة الفرق بين الكبيرة و الصغيرة، فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصغائر، و إلّا فمن الكبائر ؛ مثلاً حبس المحصنة للزنا فيها أعظم من مفسدة القذف مع أنّهم لم يعدّوه في الكبائر .

و كذا دلالة الكفّار على عورات المسلمين و ما أضمروه من تدابيرهم، ونحو ذلک ممّا يفضي إلى القتل و السبي و النهب، فإنّ مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من { الزحف }، و هكذا ؛ و هذا باب واسع .

و منه يظهر الوجه لكلام ابن عبّاس، حيث سئل عن الكبائر : أسبع هي ؟ فقال : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع (2) .

ص: 122


1- . نقله النووي في شرحه على صحيح مسلم : 2 / 86 ، عن الشيخ الإمام أبو محمّد بن عبد السلام في كتابهالقواعد، مع تفاوت يسير ؛ و نسبه إلى القيل في المحصول : 2 / 186 .
2- . حكاه عن ابن عبّاس في مجمع البيان : 3 / 39 ؛ و تفسير الطبريّ : 5 / 27 ؛ و الجامع لأحكام القرآن : 5 /159 .
الفرع الثالث
معنى إصرار الصغائر

قد عرفت أنّ من الكبائر : الإصرار على الصغائر، و هو اتّفاقيّ على ما يظهر، ومنصوصٌ قد تقدّم ذكره في جملة ما كتبه مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون (1) .

و يدلّ عليه أيضًا قولهم - صلّى الله عليهم - : لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار (2) .

و روى أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه سمعه يقول : لا والله لا يقبل الله شيئًا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه (3) .

و روى سماعة عن مولانا أبي الحسن (عليه السلام) أنّه سمعه يقول : لا تستكثروا كثيرَ الخير و لا تستقلّوا قليلَ الذنوب، فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيرًا (4) .

و روى أبو بصير عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه سمعه يقول : اتّقوا المحقّرات من

ص: 123


1- . عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 134 ح 1 ؛ الخصال : 610 ؛ و عن العيون في الوسائل : 15 / 329 ح20660 ؛ و رواه ابن شعبة في تحف العقول : ص 422 ، مرسلاً نحوه .
2- . الكافي : 2 / 288 ح 1 ؛ الفقيه : 4 / 18 ح 4968 ؛ الوسائل : 15 / 312 ح 20610 و 337 ح 20681 .
3- . الكافي : 2 / 288 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 337 ح 20679 .
4- . الكافي : 2 / 287 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 310 ح 20604 .

الذنوب، فإنّ لها طالبًا، يقول أحدكم : أذنب و أستغفر، إنّ الله - عزّوجلّ - يقول (1) : ( سنكتب ما قدّموا و آثارهم و كلّ شيء أحصيناه في إمام مبين ) (2) .

و روى زياد عن مولانا الصادق (عليه السلام) : إنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) نزل بأرض قَرْعَاء، فقال لأصحابه : ايتونا (3) بحطب، فقالوا : يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ؛ قال : فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاؤا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلي الله عليه واله) : هكذا تجتمع الذنوب .

ثمّ قال : إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإنّ لكل شيء طالبًا، ألا و إنّ طالبها يكتب ( ما قدّموا و آثارهم و كلّ شيء أحصيناه في إمام مبين ) (4) .

ذكر الأقوال في معنى الإصرار

ثمّ اعلم : أنّهم اختلفوا في معنى الإصرار على الصغائر، و المراد به على أقوال، الأوّل هو : أنّ الإصرار على الصغائر هو الإكثار منها، سواء كان متعلّق الإكثار من نوع واحد منها بأن يرتكب نوعًا واحدًا منها مكرّرًا، أو أنواعًا متعدّدة بأن يرتكب كلّ نوع منها بحيث لا يحصل الإصرار بالنسبة إلى واحد منها (5) .

ص: 124


1- . قاله - عزّوجلّ - في سورة يس : 12 ؛ و الآية هكذا : ( إنّا نحن نُحْىِ المَوتى و نَكتُبُ ما قدّموا ) إلى آخره .
2- . الكافي : 2 / 270 ح 10 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 310 ح 20603 .
3- . في الكافي : ائتوا .
4- . الكافي : 2 / 288 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 310 ح 20605 .
5- . المسالک : 14 / 168 ؛ ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 / ص 305 ؛ كفاية الأحكام : 1 / 142 .

و القول الثاني هو : أنّه الإكثار و المداومة على نوع واحد منها (1) .

و القول الثالث هو : أنّه عدم التوبة و الندامة بعد فعل الصغيرة و لو كان مرّة (2) .

و خير الأقوال أوسطها، لأنّه المتبادر من اللفظ و الموافق بما يتبادر من كلمات أهل اللغة في تفسيره، فعن الجوهريّ :

أصْرَرتُ على الشيء، أي : أقمت و دمت عليه (3) .

و عن ابن أثير :

أصَرَّ على الشيء يُصِرّ إصْرارًا : إذا لزمه و داومه و ثبت عليه (4) .

و عن القاموس :

أصرّ على الأمر : لزم (5) .

و لعلّ مستند القول الأوّل : اتّفاقهم على أنّ الإكثار من الذنوب قادحٌ في العدالة مطلقًا و إن كان متعلّق الإكثار مختلف الأنواع، كما يظهر من بعضهم .

و عن العلّامة في التحرير : الإجماع عليه (6) .

ص: 125


1- . حكاه في المسالک : 14 / 168 ؛ و ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 / ص 305 ؛ و المحصول : 2 /187؛ و الحدائق : 10 / 54 ؛ و الرياض : 13 / 252 .
2- . انظر السرائر : 2 / 118 ؛ و ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 / ص 305 ؛ والحدائق : 10 / 54 ؛ والبحار :85 / 29 .
3- . الصحاح : 2 / 711 .
4- . النهاية: 3 / 22.
5- . القاموس المحيط : 2 / 71.
6- . تحرير الأحكام : 2 / 208 .

و فيه نظر، لأنّ غاية ما يلزم من ذلک الاتّفاق في الحكم، و هو لا يستلزم دخول هذا القسم من الإكثار في الصغائر داخلاً في مفهوم الإصرار، و هو واضح، إلّا أنّه بعد الاشتراک في الحكم لا فائدة معتدًّا بها في الدخول و العدم، فالأمر في ذلک هيّن .

و مستند القول الثالث : ما رواه جابر عن مولانا الباقر ( :ليه السلام) الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله و لا يحدث نفسه بتوبة، فذلک الإصرار (1) .

و الجواب : أنّه مع مخالفته للعرف و اللغة ضعيف السند، فلا يجوز التمسّک به لإثبات الحكم .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّه قسّم جماعة من المتأخّرين (2) الإصرار على الصغيرة إلى : فعليّ و حكمىّ، منهم : الفاضل المقداد، حيث قال في كنز العرفان :

الإصرار على الصغيرة إمّا فعليّ، و هو المداومة على نوع واحد منها بلا توبة، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ؛ و إمّا حكميّ، و هو العزم على فعل تلک الصغيرة بعد الفراغ منها .

- و قال : - أمّا مَن فعل صغيرة و لم يخطر بباله بعدها توبة و لا عزم على فعلها، فالظاهر أنّه غير مصرّ (3) .

ص: 126


1- . الكافي : 2 / 288 ح 2 ؛ الوسائل : 15 / 338 ح 20682 .
2- . منهم : الشهيد الأوّل في القواعد و الفوائد : 1 / 227 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 168 ؛ والروضة :3 / 130 ؛ وانظر مجمع الفائدة : 2 / 351 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 142 ؛ والرياض : 13 / 253 .
3- . كنز العرفان : 2 / 385 .

و هو مختار الشهيدين أيضًا (1) ، لكنّ الظاهر عدم صدق الإصرار بالنسبة إلى مَن فعل صغيرة مرّة و لو مع العزم لفعلها مرّة أخرى .

هذا كلّه فيما إذا أصرّ على الصغائر، فإنّه يقدح في العدالة كما عرفت .

قيل :

و كذا لو فعل الصغائر و إن أظهر التوبة عنها كلّما فعلها، لدلالته على قلّة المبالاة و عدم الإخلاص في التوبة (2) .

و أمّا لو فعلها ندرة من غير إصرار، فالظاهر أنّه غير قادح في العدالة، وفاقًا للمحكيّ عن ابن الجنيد، و المبسوط، و ابن حمزة، و الفاضلين، و الشهيدين، وغيرهم من سائر المتأخّرين (3) .

و استدلّ لذلک بما مرّ من صحيحة ابن أبي يعفور حيث سئل فيها : « بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين ؟ » إلى آخره، فأجاب (عليه السلام) : « باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله - تعالى - عليها النار »، إلى آخره (4) ؛ فلا تقدح فعل الصغيرة في العدالة، وإلّا لذكرها (عليه السلام) أيضًا .

ص: 127


1- . القواعد والفوائد : 1 / 227 ؛ المسالک : 14 / 168 .
2- . كشف اللثام : 10 / 258 .
3- . انظر حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 483 ؛ وانظر المبسوط : 8 / 217 ؛ و الوسيلة : 230 ؛والشرائع : 4 / 912 ؛ و الإرشاد : 2 / 156 ؛ و الدروس : 2 / 125 ؛ والمسالک : 14 / 168 ؛ و كشف اللثام :10 / 258 ؛ والرياض : 13 / 253 .
4- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .

واستدلّ أيضًا (1) بأنّ فعل الصغيرة لو انقدح في العدالة تلزم عدم وجود عادل، إذ الإنسان غير المعصوم لا ينفکّ عن فعل الصغيرة، فيلزم من ذلک تعطيل للأحكام، و إخلال للنظام، و تضييع لحقوق الأنام، فيستلزم ذلک العسر و الحرج المنفيّين في شرع الإسلام، و قد دلّت عليه السنّة و الكتاب، قال الله - سبحانه - : (ليس عليكم في الدين من حَرَج ) (2) ؛ و قال - تعالى شأنه - : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ

اليُسر و لا يُريدُ بِكُمُ العُسر ) (3) . و قال (عليه السلام): « لا ضرر و لا ضرار » (4) .

و فيه نظر، لأنّا نجوّز على كثير من الصلحاء المتورّعين عدم صدور المعصية منهم و لو كانت صغيرة، بل ربّما نظنّ ذلک منهم .

و يمكن أن يجاب عن ذلک بأنّه لو اقتصر في أمر الشهادة على شهادة هؤلاء الأجلّة أيضًا يلزم تعطيل بعض الأحكام و تضييع بعض الأموال، لا سيّما في المدن الكبيرة .

و لقد أجاب ابن إدريس عن أصل الدليل بأنّه لمّا كان تدارک الذنب بالتوبة

ص: 128


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 254 .
2- . الحجّ : 78 ؛ و الآية هكذا : ( و ما جعل عليكم في الدّين من حَرَج ).
3- . البقرة : 185 .
4- . الكافي : 5 / 280 ح 4 و 292 ح 2 و 293 ح 6 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ دعائم الاسلام : 2 / 499 ح1781 ، و ص 504 ح 1805 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛ الفقيه : 3 / 233 ح 3859 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛و4 / 334 ح 5718 ، و فيه : « لا ضرر و لا إضرار في الإسلام » ؛ التهذيب : 7 / 146 ح 651 ، و ص 164ح 727 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ الوسائل : 18 / 32 ح 23073 - 23075 ؛ مسند أحمد : 1 / 313 ، وفيه :«ولا إضرار » ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 784 ح 2340 و 2341 ؛ سنن الدارقطني : 4 / 146 ح 4494و4495؛ سنن البيهقي : 5 / 157 ؛ و فيها : « و لا ضرار ».

والاستغفار ممكنًا لم يبق للذنب أثر (1) .

و فيه نظر، لأنّه احتمال التوبة و ظهورها بحيث يطمئنّ النفس منه ربّما يحتاج إلى زمان يفوت فيه الغرض المقصود من مراعات عدالة من شهادة أو غيرها (2) .

خلافًا للمحكيّ عن المفيد و ابن البرّاج و أبي الصلاح و ابن إدريس و أبي عليّ صاحب المجمع (3) ، فقالوا بانقداح العدالة بفعل الصغيرة مطلقًا و إن كان من غير إصرار، بناءً منهم على أنّ كلّ ذنب كبيرة، و ليس شيء منه صغيرة .

و قد عرفت ضعف هذا القول و بطلانه، و أنّ الحقّ : انقسام الذنوب إلى صغيرة وكبيرة، فلا يحتاج إلى الإعادة .

ص: 129


1- . لم نعثر عليه بهذا اللفظ في السرائر، نعم قد ورد ما هو بمضمونه فيه، انظر السرائر : 2 / 118 ؛ و 3 / 526 ؛و حكاه عنه بهذه العبارة في ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 2 / ص 303 ؛ و المحصول : 2 / 189 ؛ورياض المسائل : 13 / 254 .
2- . المحصول : 2 / 189 .
3- . انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 4 / 83 و 84 ؛ والمقنعة : 725 ( و ليس فيها التصريح بذلک ) ؛ و المهذّب :2/ 556 ؛ و الكافي في الفقه : 435 ؛ و السرائر : 2 / 118 ؛ و مجمع البيان : 3 / 70 ؛ و حكاه عنهم فيالتنقيح الرائع : 4 / 290 ؛ و المسالک : 14 / 166 ؛ والذخيرة (ط.ق ) : ج 1 ق 2 / ص 303 ؛ و الحبلالمتين ( ط . ق ) : 82 ؛ و الحدائق : 10 / 51 ؛ و مناهج الأحكام، للميرزا القمّيّ : 62 ؛ وانظر أيضًا كنزالعرفان : 2 / 385 ؛ و حقائق الإيمان، للشهيد الثاني : 211 و212 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 315 .
الفرع الرابع
في بيان الرحم و صلته و قطعه

اعلم : أنّک حيث قد عرفت من المقبولة الطويلة المتقدّمة الواردة لبيان الكبائر من كتاب الله - تعالى - لعمرو بن عبيد (1) : أنّ من جملة الكبائر قطيعة الرحم، فلابدّ

أن نبحث في الرحم و صلته و قطعه .

فأقول : أمّا الرحم، فهي - كما يظهر من النصوص، و فيها صحيحة و موثّقة وغيرهما - القرابة (2) .

و في المسالک في باب الهبة :

المراد بالرحم في هذا الباب و غيره - كالرحم الّذي تجب صلته و يحرم قطعه - مطلق القريب المعروف النسب و إن بعدت - إلى أن قال : - و هو موضع نصّ و وفاق (3) .

و بالجملة : الرحم هو : ما يقال في العرف و العادة أنّه قريب فلان مثلاً، و يكون

ص: 130


1- . الكافي : 2 / 285 ح 24 ؛ علل الشرائع : 2 / 391 ح 1 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 257 ح 33 ؛الفقيه : 3 / 563 ح 4932 ؛ الوسائل : 15 / 318 ح 20629 .
2- . انظر القاموس المحيط : 1 / 1112 ؛ و الصحاح : 5 / 1929 ؛ و لسان العرب : 12 / 232 ؛ والنهاية : لابنالأثير : 2 / 210 .
3- . مسالک الأفهام : 6 / 31 .

قرابته لک بالأب أو الأمّ، كالأخوان و الأخوات و الأعمام و الأخوال و العمّات والخالات و أولادهم و إن نزلوا، مع صدق اسم القرابة عليهم في العرف و العادة .

و أمّا صلته فتختلف بالنسبة إلى الأشخاص و بُعد المرتبة و المنازل و قُربهما، فربّما تتحقّق الصلة بشيء و بالنسبة إلى ولد ولد ولد الأخت مثلاً، و لا تتحقّق بالنسبة إلى الأخت بذلک، بل يعدّ قاطعًا للرحم لو اقتصر على ذلک الشيء .

و ربّما تحقّق الصلة بشيء بالنسبة إلى مَن بَعُدَ منزلة، و لا تتحقّق بالنسبة إلى مَن قَرُبَ منزلة .

و ربّما تتحقّق بشيء بالنسبة إلى العمّ مثلاً، و لا تتحقّق بالنسبة إلى الأخ والأخت، و قد تتحقّق بالنسبة إلى أولاد الأعمام بشيء، و لا تتحقّق به بالنسبة إلى أولاد الأخوان مثلاً، و هكذا .

و كذا الكلام في القطع، أي : تختلف باختلاف المراتب و الأشخاص و بُعد المنازل و قُربها، فربّما يصدق القطع بالنسبة إلى الأخ، و لا يصدق بالنسبة إلى العمّ، و بالنسبة إلى قريب المنزل دون البعيد .

و بالجملة : المرجع في تحقّق الصلة و القطع هو العرف، لأنّه الحَكَم فيما لم يرد له من الشرع بيان .

و سنذكر النصوص الدالّة على أنّ صلة الرحم توجب زيادة العمر، و قطعها توجب النقص في العمر و الحرمان من المال .

ص: 131

حكم شهادة القاذف

5- مسألة

اشارة

قد عرفت من أكثر النصوص المتقدّمة أنّ من جملة الكبائر القذف، فلا تقبل شهادة القاذف، لأنّه غير عادل ؛ و لقوله - تعالى - : ( والّذين يَرمُون المُحصَناتِ ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فَاجْلِدوهُم ثمانين جَلْدَة و لا تَقبَلوا لهم شَهادةً أبَدًا و أولَئِکَ هُمُ الفاسِقون ) (1) .

و المسألة موضع وفاق، فلا تقبل شهادته إلّا إذا تاب، بل فتقبل حينئذٍ للإجماع - كما عن التحرير و التنقيح (2) - و قوله - تعالى - : ( إلّا الّذين تَابُوا من بعد ذلک وأصلَحُوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ ) (3) .

والنصوص المستفيضة، منها : ما رواه قاسم ابن سليمان عن مولانا الصادق (عليه السلام) : عن الرجل يقذف الرجل، فيجلد حدًّا، ثمّ يتوب، و لا يعلم منه إلّا خيرًا، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم، ما يقال عندكم ؟ قلت : يقولون : توبته فيما بينه وبين الله - عزّوجلّ - و لا تقبل شهادته أبدًا ؛ فقال : بئس ما قالوا، كان أبي يقول : إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيرًا جازت شهادته (4) .

ص: 132


1- . النور : 4 .
2- . التحرير : 2 / 208 ؛ التنقيح الرائع : 4 / 289 .
3- . النور : 5 .
4- . الكافي : 7 / 397 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 37 ح 125 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 620 ؛ الوسائل : 27 / 383ح 34009 .

و القاسم و إن كان مجهولاً، إلّا أنّ السند إليه صحيح ؛ و الراوي عنه حمّاد، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1) .

و منها : المرسل المرويّ عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أحدهما(عليهما السلام)قال : سألته عن الّذي (2) يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب ؟ قال: نعم (3) .

و منها : ما رواه أبو الصباح الكنانيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سأله عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته ؟ قال : يكذب نفسه ؛ قلت : أرأيت إن أكذب نفسه و تاب أتقبل شهادته ؟ قال : نعم (4) .

إن قلت : إنّ النصوص المذكورة قد دلّت على جواز شهادة القاذف التائب بعد الحدّ، حيث قال : « تقبل شهادته بعد الحدّ »، كما في المرسل ؛ و مقتضاه عدم قبول شهادته قبل الحدّ و إن تاب .

قلت : هذا التقييد إنّما ورد في كلام الراوي، لا في كلام المعصوم (عليه السلام)، فليس مفهومه حجّة ؛ و معلوم أنّ التقييد في السؤال لا يستلزم التقييد في الجواب بمعنى أن ينفي الحكم في غير مورد السؤال، و إنّما هو يثبت الحكم لمورد السؤال المقيّد، و إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .

ص: 133


1- . انظر خلاصة الأقوال : 125 .
2- . في التهذيب : عن الرجل الّذي .
3- . الكافي : 7 / 397 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 122 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 617 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34011 .
4- . الكافي : 7 / 397 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 120 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 615 ؛ الوسائل : 27 / 383ح 34008 .

نعم، من النصوص في المسألة ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال : ليس يصيب أحدٌ حدًّا فيقام عليه ثمّ يتوب إلّا جازت شهادته (1) .

و مفهومه : أنّه لو لم يقم الحدّ عليه ليس الأمر كذلک .

و جوابه على تقدير تسليم فهم هذا المفهوم منه نقول : إنّ مفهومه ليس بعامّ حتّى يشمل للقاذف و غيره، لأنّ لفظ « أحد » فيه نكرة، وقع في سياق النفي، يفيد العموم، فيدخل فيه القاذف و غيره .

و أمّا مفهومه، فليس الأمر كذلک، لأنّه مثبت، فلا يفيد العموم، لأنّ النكرة في سياق الإثبات غير مفيدة لذلک، فلا يصلح لمعارضة ما دلّ على جواز قبول شهادة القاذف بعد التوبة مطلقًا و إن كان قبل إقامة الحدّ كالآية المتقدّمة و غيرها، فلا إشكال في الرواية من هذه الجهة .

نعم، فيها إشكالٌ من وجهٍ آخر، و هو أنّ هذه الرواية قد وجد في آخرها في بعض نسخ التهذيب نسخة و في الاستبصار :

إلّا القاذف، فإنّه لا تقبل شهادته، إنّ توبته فيما بينه و بين الله (2) .

و على هذا، هذه الرواية معارضةٌ للنصوص المتقدّمة، لا معاضدة لها، لكنّ الجواب عن هذا - مع عدم وجود هذه الزيادة في الكافي و في نسخ التهذيب

ص: 134


1- . الكافي : 7 / 397 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 37 ح 124 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 619 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34010 .
2- . الاستبصار : 3 / 37 ح 127 .

جميعًا - أنّها مع فرض صحّة هذه الزيادة محمولةً على التقيّة، لما نقل عن العامّة من أنّ أكثرهم قالوا بذلک، سيّما مع كون الراوي من قضاتهم .

و كيف كان و هذه الرواية لا تصلح لمعارضة ما تقدّم من الكتاب و الإجماع والسنّة، فلتطرح، أو يحمل على ما مرّ، فلا إشكال، بل لا خلاف في المسألة بحمد الله سبحانه .

حدّ توبة القاذف

اشارة

لكن وقع الخلاف في حدّ توبته على أقوال :

القول الأوّل

الأوّل : انّه إكذاب نفسه ؛ اختاره في الشرائع و النافع و عن المقنع و النهاية والتبيان (1) .

و يدلّ عليه من النصوص ما تقدّم من رواية أبي الصباح الكنانيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سأله : ما توبته ؟ قال : يكذب نفسه ؛ الحديث


1- . شرائع الإسلام : 4 / 912 ؛ المختصر النافع : 279 ؛ المقنع : 397 ؛ النهاية : 2 / 53 ؛ التبيان : 7 / 409 ؛وحكاه عنهم في كشف اللثام : 10 / 287 ؛ و رياض المسائل : 13 / 272 .

(1). في التهذيب : عن الرجل الّذي .(2). في التهذيب : فيجيء فيكذب نفسه عند الإمام و يقول .(3). الكافي : 7 / 397 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 122 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 617 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34011 .(4). في المصادر : إن تاب .(5). في التهذيب : فيما قال .(6). الكافي : 7 / 397 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 121 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 616 ؛ الوسائل : 27 / 385ح 34014 .


1- .و من مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليه السلام) قال : سألته عن الّذي
2- يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب ؟ قال : نعم ؛ قلت : و ما توبته ؟ قال : يجيء عند الإمام فيقول
3- : قد افتريت على فلانة و يتوب ممّا قال
4- . و صحيحة ابن سنان عن مولانا الصادق (عليه السلام) ، حيث سأله عن المحدود إذا تاب
5- تقبل شهادته ؟ فقال : إذا تاب، و توبته أن يرجع ممّا قال
6- و يكذب نفسه عند الإمام و عند المسلمين

الإكذاب عند الإمام أم لا، إلّا أنّها من جهة ورودها في خصوص القاذف خاصّة .

و الصحيح و إن كان من حيث اشتماله على كون الإكذاب عند الإمام مقيّدًا، إلّا أنّه من جهة وروده في مطلق المحدود عامّ، لكن مع ذلک يجب تقديم الصحيح، لصحّته و ضعف الأولى .

ثمّ إنّ الإكذاب عند الإمام فقط أيضًا غير كاف، لما دلّ عليه الصحيح من أنّ حدّ توبته إكذاب نفسه عند الإمام و عند المسلمين، فيقيّد ما يدلّ على كفاية الإكذاب عند الإمام فقط - كالرواية الثانية - فيما إذا كان هناک غيره من المسلمين أيضًا .

ثمّ الظاهر أنّ المراد من المسلمين ليس جميع المسلمين الّذين يمكن تبليغ الإكذاب إليهم، بل الّذين قد بلغ إليهم خبر القذف .

و هل المعتبر تبليغ القاذف نفسه الإكذاب إلى الإمام و المسلمين مطلقًا، أو لا كذلک، بل يكفي بلوغ الإكذاب إليهم، سواء كان المبلّغ هو القاذف أم لا ؛ أو التفصيل بأنّ خبر القذف إليهم إن كان من القاذف بنفسه فالأوّل، و إلّا فالثاني ؟

ظاهر النصّ : الأوّل، فلا يكفي لحصول التوبة مطلق بلوغ إكذاب القاذف نفسه إليهم .

و عن الخلاف و الغنية و المجمع : أنّ الإكذاب شرط التوبة (1) .

و الظاهر أنّ المراد واحد، لأنّ القائل أنّ حدّ التوبة هو الإكذاب، لم يرد أنّ

ص: 137


1- . الخلاف : 6 / 264 ؛ غنية النزوع : 440 ؛ مجمع البيان : 7 / 222 ؛ و حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 /287 .

الإكذاب نفس التوبة، لأنّ التوبة عبارة عن الندم عمّا مضى و الترک في الحال والعزم على عدم العود إلى الفعل القبيح، لكن جعل الشارع الإكذاب فيما نحن فيه شرطًا لتحقّق التوبة ؛ و يظهر الثمرة فيما لو أكذب نفسه مع عدم اجتماع ما مرّ عليه .

و بالجملة : اعتبار الإكذاب في توبة القاذف متّفقٌ عليه، كما يظهر من الخلاف، حيث قال - على ما نقل عنه - من أنّه قال :

من شرط التوبة من الكذب (1) أن يكذب نفسه حتّى يصحّ قبول شهادته فيما بعد، بلا خلاف بيننا و بين أصحاب الشافعي .

إلى أن قال :

لا خلاف بين الفرقة أنّ من شرط ذلک أن يكذب نفسه، و حقيقة الإكذاب أن يقول : كذبت فيما قلت، إنتهى (2) .

القول الثاني

و القول الثاني : انّ حدّ توبته أيضًا الإكذاب، لكن يقول : القذف باطل حرام، ولاأعود إلى ما قلت .

نقل ذلک عن المبسوط، و عبارته المحكيّة هذه :

ص: 138


1- . في المصدر : القذف .
2- . الخلاف : 6 / 263 ؛ و نقله عنه في المختلف : 8 / 479 ؛ و كشف اللثام : 10 / 288 ؛ و رياض المسائل :13 / 270 .

و اختلفوا في كيفيّة إكذابه نفسه، قال قوم : أن يقول : القذف باطل حرام، ولا أعود إلى ما قلت . و قال بعضهم : التوبة إكذابه نفسه ؛ و حقيقة ذلک أن يقول : كذبت فيما قلت ؛ و روي ذلک في أخبارنا، و الأوّل أقوى، لأنّه إذا قال : كذبت فيما قلت، ربما كان كاذبًا (1) ، لجواز أن يكون صادقًا في الباطن و قد تعذّر عليه تحقيقه، فإذا قال : القذف باطل حرام، فقد أكذب نفسه (2) .

و نقل عن ابن إدريس أيضًا ذلک (3) .

و فيه نظر، لأنّ القول بأنّ القذف باطل حرام و لا أعود إلى ما قلت، ليس من التكذيب بشيء .

توضيحه هو أن يقال : إنّ الّذي دلّت عليه النصوص المتقدّمة هو : أنّ حدّ توبته إكذاب القاذف نفسه ؛ و لا شکّ أنّ حقيقة الإكذاب أن يقول : كذبت فيما قلت مثلاً، لا أن يقال : القذف باطل حرام .

نعم، هذا إنّما يناسب إذا قال في الأوّل : القذف ليس بباطل و حرام ؛ و ليس الكلام في ذلک .

ص: 139


1- . في المصدر : كاذبًا في هذا .
2- . المبسوط : 8 / 179 ؛ و حكاه عنه في المختلف : 8 / 478 ؛ و التنقيح : 4 / 294 ؛ و كشف اللثام : 10 /288 ؛ و رياض المسائل : 13 / 270 .
3- . السرائر : 2 / 116 ؛ و حكاه عنه في المختلف : 8 / 479 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 423 ؛ و غاية المرام :4/ 279 ؛ و كشف اللثام : 10 / 288 ؛ و رياض المسائل : 13 / 271 .

و ممّا يدلّ على بطلانه زيادة على ما ذكر، قوله عليه السلام في الحديث المتقدّم : «يجيء عند الإمام فيقول : قد افتريت على فلانة » (1) ؛ و أين هذا من ذلک ؟!

و أيضًا السرّ في أمر الشارع بالإكذاب الظاهر أنّه للستر و عدم التفضيح، و هولايحصل مع القول بأنّ القذف باطل حرام مثلاً، بل لعلّ الحاصل منه خلافه .

ثمّ إنّ هذا لو تمّ إنّما يدلّ على التفصيل الّذيّ سيجيء إليه الإشارة، لا مطلقًا .

القول الثالث

و القول الثالث في المسألة هو : التفصيل بين كون القاذف صادقًا في قذفه أم لا، فإن كان الأوّل فحدّ توبته إكذاب النفس ؛ و إن كان الثاني فحدّها الاعتراف بالخطأ في الملأ الّذين قذف عندهم .

و هو الّذي اختاره في القواعد و الإرشاد، و المحكيّ عن ابن حمزة و سعيد والتحرير و المختلف (2) .

و مستنده في الأوّل هو ما تقدّم من النصوص الدالّة على أنّ حدّ توبته إكذاب النفس ؛ و هي و إن كانت مطلقة شاملة لصورتي الكذب و الصدق، إلّا أنّها محمولةٌ على ما إذا كان كاذبًا، نظرًا إلى الأدلّة الدالّة على حرمة الكذب بقول مطلق .

ص: 140


1- . الكافي : 7 / 397 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 122 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 617 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34011 .
2- . انظر القواعد : 3 / 494 ؛ و الإرشاد : 2 / 157 ؛ و الوسيلة : 231 ؛ و الجامع للشرائع : 540 ؛ و التحرير :2/ 218؛ و المختلف : 8 / 398 ؛ و حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 / 288 ؛ و الرياض : 13 / 271 .

و في الثاني لعلّه الإجماع، بيانه هو : أنّ الأصحاب كأنّهم متّفقون في توبة القاذف على اعتبار أمر زائد ممّا اعتبر في توبة غيره ؛ و لا يجوز أن يكون ذلک الأمر إكذاب النفس، لاستلزامه الكذب، فليكن هو الاعتراف بالخطأ في الملأ، إذ لا ثالث يناسب ذلک .

و فيه نظر، لأنّ الله - جلّ شأنه - جعل القاذف كاذبًا مطلقًا و إن كان قوله مطابقًا للواقع، حيث قال - تعالى شأنه - : ( انّ الّذين يَرمُون المُحصَنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئک عند الله هم الكاذبون ) (1) .

و على تقدير تسليم شمول عموم الأدلّة الدالّة على حرمة الكذب لما نحن فيه، وعدم تخصيصها بما مرّ في المسألة، و تقييد الآية فيما إذا لم يكن القذف مطابقًا للواقع، نقول : إنّ الفرار من الكذب لا ينحصر وجهه في تخطئة القاذف نفسه، لحصوله بالتورية، بل هي أولى و أقرب إلى النصوص من التصريح، و أنسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر و عدم تفضيح حال الناس، لما في التصريح بالتخطئة من التعرّض بالقذف أيضًا، فإفساده أكثر من إصلاحه .

ص: 141


1- . كذا في نسخة الأصل . قال الله - تبارک و تعالى - في سورة النور، الآية 4 : ( والّذين يرمون المحصنات ثمّلم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا و أولئک هم الفاسقون )، إلى أن قال- عزّوجلّ - في الآية 13 منها : ( لو لا جاءوا عليه بأربعة شهداء فَإِذْ لم يأتوا بالشهداء فأولئک عند الله همالكاذبون ).

رأي المصنّف (قدس سره) في المسألة

فالقول الأوّل (1) أرجح، وفاقًا للمحكيّ عن الصدوقين، و ابن أبي عقيل، والشيخ في النهاية، و الشهيدين في الدروس و المسالک، و التنقيح (2) .

بل قيل :

الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين، بل المتقدّمين أيضًا، بل عن ابن زهرة (3) دعوى الإجماع على ذلک (4).

و قد مرّ نقل عدم الخلاف بيننا في عبارة الخلاف المتقدّمة (5).

و يدلّ عليه زيادة على ما مرّ من النصوص المتقدّمة : النبوىّ : « توبة القاذف إكذاب نفسه » (6) ، هذا .

إيرادٌ في المقام

و في المقام إيراد، و هو : أنّه قد تقدّم مفصّلاً أنّ العدالة عبارةٌ عن الملكة، و أنّ

ص: 142


1- . و هو أنّ حدّ توبة القاذف : إكذاب نفسه .
2- . حكاه العلّامة عن الصدوقين و ابن أبي عقيل في المختلف : 8 / 398 ؛ وانظر المقنع : 398 ؛ و النهاية :2/53 ؛ و الدروس : 2 / 126 ؛ و المسالک : 14 / 175 ؛ و التنقيح الرائع : 4 / 294 ؛ و حكاه عنهم فيكشف اللثام : 10 / 287 ؛ و رياض المسائل : 13 / 272 .
3- . انظر غنية النزوع : 440 .
4- . رياض المسائل : 13 / 272 .
5- . الخلاف : 6 / 263 .
6- . تلخيص الحبير : 4 / 204 ح 2131 ؛ الدرّ المنثور : 6 / 131 .

الملكة عبارةٌ عن الهيئة الراسخة في النفس الباعثة على ملازمة المروّة و التقوى، فلو كانت العدالة عبارة عن ذلک، كيف تزول بعروض ما ينافيها من معصية حتّى أنّه بمجرّد قذف واحد يخرج عن كونه عادلاً و يدخل تحت الفسّاق ؟

و أيضًا ظاهر النصوص المتقدّمة و كلمات كثير من الأصحاب الأجلّة في المسألة أنّ القاذف بعد التوبة بمجرّدها تقبل شهادته، فكيف تعود العدالة الزائلة بمحض التوبة حتّى يجوز قبول الشهادة ؟

الجواب عن الإيراد

أجيب عن ذلک (1) بأنّ الملكة بعد ثبوتها و إن كانت لا تزول بمخالفة مقتضاها

في بعض الأحيان، إلّا أنّ الآثار لمّا كانت دلائل الملكات جعل الشارع بالإجماع الأثر المخالف لمقتضاها مزيلاً لحكمها، و التوبة رافعة لهذا المزيل، لكن إن كانت التوبة عن القذف لا تكفي بمجرّدها لرفع المزيل و قبول الشهادة، لقوله - تعالى - : (إلّا الّذين تابوا من بعد ذلک و أصلحوا ) (2) ، حيث اعتبر - جلّ ذكره - الإصلاح بعد التوبة، فلم نكف من دونه .

و به يقيّد إطلاق ما دلّ على قبول شهادته بمجرّد التوبة، كقوله (عليه السلام) : « توبته أن يرجع فيما قال و يكذب نفسه عند الإمام و عند المسلمين، فإذا فعل ذلک، فإنّ

ص: 143


1- . أجاب عنه الأعرجيّ في شرحه على الوافية : ص 170 س 12 ، القول في تعريف العدالة ( مخطوط فيمكتبة المرعشيّ برقم 2 ) ؛ وانظر مفتاح الكرامة : 8 / 272 .
2- . آل عمران : 89 ؛ النور : 5 .

على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلک » (1) ؛ و قوله عليه السلام بعد أن سأله أبو الصباح : «أرأيت أن أكذب بنفسه و تاب أتقبل شهادته ؟ قال : نعم » (2) . و غيرهما ممّا تقدّم ذكره .

على أنّ في إطلاقها كلام، لأنّ مِن شرط انصراف المطلق إلى تمام الأفراد - كما عرفت مرارًا - عدم وروده في مقام بيان حكم آخر ؛ و هذه النصوص على ما يستفاد منها أنّها سيقت لدفع توهّم عدم قبول شهادة القاذف بعد التوبة مطلقًا و لو كانت بعد الإصلاح، فتكون النصوص المذكورة في الدلالة على قبول الشهادة بالنسبة إلى بعد التوبة و قبل الإصلاح مجملة، فلا تصلح للتمسّک بها في قبول الشهادة قبل الإصلاح، هذا .

ثمّ اعلم : أنّ المراد بالإصلاح - على ما نقل عن الأكثر - هو : الاستمرار على التوبة و لو ساعة .

و عن فخر الإسلام :

أنّ هذا المعنى متّفق عليه، و إنّما الخلاف في الزائد عليه، و هو : إصلاح العمل ؛ فقال ابن حمزة (3) : يشترط مطلقًا - أي : في الصادق و الكاذب -

ص: 144


1- . الكافي : 7 / 397 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 121 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 616 ؛ الوسائل : 27 / 385ح 34014 .
2- . الكافي : 7 / 397 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 120 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 615 ؛ الوسائل : 27 / 383ح 34008 .
3- . انظر الوسيلة : 231 .

ولم يشترط الشيخ في النهاية مطلقًا .

و قال في المبسوط (1) : يشترط في الكاذب لا الصادق (2) ؛ و هو اختيار ابن إدريس .

احتجّ المصنّف بأنّ الاستمرار على التوبة إصلاح، و الأمر المطلق يكتفى فيه بالمسمّى (3) ، و لم يشترط في الرواية المتقدّمة، بل علّق قبول

الشهادة على التوبة و إكذاب نفسه .

و فيه نظر، لحمل المطلق على المقيّد مع اتّحاد القضيّة، إنتهى كلامه (4) .

و مراده من المطلق هو الرواية، و المقيّد هو الآية ؛ و الأمر كما ذكره، لأنّ الآية وإن كانت مطلقة، لأنّ الإصلاح أعمّ من أن يكون في الحال أو العمل، إلّا أنّ المتبادر منه هو الثاني .

على أنّ الإطلاق أيضًا يقتضي التقييد بالنسبة إلى فرديه أحدهما : الإصلاح في العمل، فالحقّ ما نقله عن ابن حمزة من أنّ الإصلاح في العمل في القاذف شرطٌ لقبول الشهادة .

ثمّ إنّ هذا بالنسبة إلى التوبة عن القذف، و أمّا عن غيره فالظاهر قبول الشهادة

ص: 145


1- . انظر المبسوط : 8 / 179 .
2- . في المصدر : لا في الصادق .
3- . النهاية : 326 .
4- . إيضاح الفوائد : 4 / 424 .

بمجرّد التوبة، لقوله (عليه السلام) : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » (1) ؛ و لقوله (عليه السلام) :

«التوبة تجبّ ما قبلها » (2) .

و عمومهما و إن كان شاملاً للتوبة عن القذف أيضًا، إلّا أنّ المعارض بالنسبة إلى توبة القاذف موجود، و هو ما تقدّم من قوله - تعالى - : ( إلّا الّذين تَابُوا من بعد ذلک و أصلَحُوا ) (3) ، لكنّه لمّا كان مختصًّا بالقاذف، فيبقى العموم بالنسبة إلى غيره سالمًا عن المعارض .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ ما تقدّم من خروج القاذف بالقذف عن العادليّة، فلا تقبل شهادته إلّا بعد التوبة و الإصلاح، إنّما هو إذا لم يقم بيّنة على ذلک ؛ و أمّا إذا أقامها فليس الأمر كذلک، و هو واضح ؛ و لعلّه متّفق عليه، لقوله - تعالى - : ( و الّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جَلدة و لا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا ) (4) ؛ و مفهومه هو : أنّهم لو أتوا بأربعة شهداء تقبل شهادتهم، و هو المطلوب .

و مثله ما لو قذف و لم يقم البيّنة، لكنّ المقذوف صدّقه على ذلک، لأنّ إقرار المقذوف أولى من إقامة البيّنة، فثبوت الحكم لمقيم البيّنة يدلّ على ثبوته هنا بطريق أولى .

ص: 146


1- . الكافي : 2 / 435 ح 10 ؛ و رواه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 79 ح 347 ، عن الرضا(عليه السلام) عنآبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلي الله عليه واله) ؛ و عنهما في الوسائل : 16 / 74 ح 21016 ؛ و 75 ح 21022 .
2- . رفعه ابن أبي جمهور الأحسائيّ إلى النبيّ (صلي الله عليه واله) في عوالي اللّألئ : 1 / 237 ح 150 .
3- . النور : 5 .
4- . النور : 4 .

و أمّا لو قذف و لم يقم البيّنة، لكن صدّقه أحد المقذوفين من الرجل أو المرأة وكذّبه الآخر كذلک، فينبغي أن لا تسمع شهادته أيضًا، لأنّه قاذفٌ من غير بيّنة، و لا إقرار المقذوف بالنسبة إلى المكذّب، فلا تقبل شهادته .

ثمّ اعلم : أنّ قبول شهادة القاذف بعد التوبة غير متوقّف على إقامة الحدّ عليه، فتقبل و لو قبل الحدّ، لأنّ في النصوص و الآية قد علّق قبول الشهادة بالتوبة، فلو كان متوقّفًا على إقامة الحدّ ينبغي أن يذكر أيضًا ؛ و عدم الذكر دليلٌ على العدم، قال في الجوامع :

فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، سواء حدّ أو لم يحدّ، عند (1) أئمّة الهدى (عليهم السلام) و ابن عبّاس، و هو مذهب الشافعي (2) .

اللّاعب بآلات القمار لا تقبل شهادته

6- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ اللّاعب بآلات القمار كلّها - كالشطرنج و النرد و الأربعة عشر (3) والخاتم - و إن قصد اللّاعب بأحدها الحذق أو اللهو أو القمار، يردّ شهادته كما في

ص: 147


1- . في المصدر : عن .
2- . تفسير جوامع الجامع : 2 / 607 ؛ و انظر كتاب الأم للشافعي : 7 / 45 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : قيل : هي قطعة من خشب يحفر فيها حفر ثلاثة أسطر، فيجعل في الحفرشيء من الحصى الصغار و نحوها يلعبون بها { المبسوط : 8 / 222 } .

القواعد (1) ؛ و ظاهره - كغيره - أنّ اللّاعب بآلات القمار مطلقًا و لو من غير إصرار يردّ شهادته .

و يمكن الاستدلال لذلک بوجوه :

الوجه الأوّل

الأوّل : انّ الظاهر من كشف اللثام أنّ فسق اللّاعب بآلات القمار مجمعٌ عليه بيننا، حيث قال بعد قول العلّامة :

واللّاعب بآلات القمار كلّها فاسقٌ عندنا (2) .

فإذا ثبت فسقه لم تقبل شهادته، لقوله - عزّ شأنه - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) (3) .

الوجه الثاني

و الثاني : قد روى حمّاد بن عيسى في الحسن أو الصحيح عن أبي الحسن الأوّل، حيث قال : دخل رجل من البصريّين على أبي الحسن الأوّل (عليه السلام)، فقال له : جعلت فداک إنّي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست ألعب بها و لكن أنظر،

ص: 148


1- . القواعد : 3 / 494 .
2- . كشف اللثام : 10 / 290 .
3- . الحجرات : 6 .

فقال : ما لک و لمجلس لا ينظر الله إلى أهله (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّه يستفاد من الحديث أنّ اللعب بالشطرنج من الكبيرة، ولا شکّ أنّ فاعل الكبيرة غير مقبول الشهادة، كما مرّت إليه الإشارة .

وجه استفادة ذلک من الحديث هو : أنّه (عليه السلام) أخبر أنّ اللّاعب بالشطرنج ممّن لاينظر الله إليه ؛ و الظاهر منه أنّ الباعث على ذلک هو اللعب بالشطرنج ؛ و الصغيرة ليست كذلک، لقوله - تعالى - : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم ) (2) .

و معلوم أنّ مَن لا ينظر الله - تعالى - إليه لا يكفّر عنه سيّئاته، و قد عرفت أنّ اللّاعب بالشطرنج كذلک ؛ و مَن لا ينظر الله - تعالى - إليه و لا يكفّر عنه سيّئاته يستحقّ النار، فيكون اللّاعب بالشطرنج ممّا أوعد عليه بالنار، و هو ملزوم قوله (عليه السلام) : « لا ينظر الله إلى أهله » .

فإذا ثبت الحكم في الشطرنج نقول في غيره، لعدم القول بالفصل ظاهرًا ؛ على أنّه يمكن أن يقال في خصوص النرد : بأنّ ثبوت الحكم في الشطرنج يدلّ على ثبوته في النرد بطريق أولى، لما ورد في بعض الأخبار (3) بأنّه أشدّ من الشطرنج وأنّ اللّاعب به كمثل الّذي يأكل لحم الخنزير .

و يمكن أن يقال على فرض تسليم جميع ما مرّ : انّ الصحيح ورد في حقّ

ص: 149


1- . الكافي : 6 / 437 ح 12 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 322 ح 22661 .
2- . النساء : 31 .
3- . فقه الرضا (عليه السلام): 284 الباب 46 .

اللّاعب بالشطرنج بعنوان الإصرار عليه، كما يدلّ عليه قوله : « يلعبون »، لأنّ فعل المضارع للاستمرار، إلّا أنّ الظاهر من كتب الاستدلاليّة جعله من قبيل المطلقات .

الوجه الثالث

و الثالث : بما دلّ صريحًا على عدم قبول شهادة هؤلاء الأذلّة، كقوله (عليه السلام) : «لاتقبل شهادة شارب الخمر و لا شهادة اللّاعب بالشطرنج و النرد، و لا شهادة المقامر» ؛ لكنّه مرويّ في الفقيه مرسلاً (1) .

و من ذلک : ما رواه أيضًا في الفقيه باسناده عن علا (2) بن سيابة عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : لا تقبل شهادة صاحب النرد، و الأربعة عشر، و صاحب الشاهَيْن، يقول : لا والله، و بلى والله، مات والله شاهه، و قتل والله شاهه، والله -تعالى ذكره - شاهه ما مات و لا قتل (3) .

بيان

الشاهَيْن تثنية : شاه، و هو من آلات الشطرنج، و هما اثنان .

ثمّ إنّ راوي الحديث - و هو : علا بن سيابة - و إن كان مجهولاً، لكنّ الراوي

ص: 150


1- . الفقيه : 3 / 40 ح 3282 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 379 ح 33999 .
2- . في المصدر : العلاء .
3- . الكافي : 7 / 396 ح 9 ؛ الفقيه : 3 / 43 ح 3291 .

عنه أبان بن عثمان، و سند الحديث إليه صحيح، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1) .

لكن قوله (عليه السلام) : « صاحب النرد » ربّما يشعر بالإصرار .

الوجه الرابع

و الرابع : بما تقدّم ممّا كتبه مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون، حيث عدّ في جملة الكبائر : الميسر، و فسّره بالقمار، و عدّ من جملتها الاشتغال بالملاهي (2) .

و لا يخفى أنّ كون جميع أقسام القمار من الملاهي ممّا لا ريب فيه، فدلّت الرواية على كون اللّاعب بآلات القمار غير مقبول الشهادة من وجهين :

إحداهما : من حيث انّه لا شکّ في أنّ الاشتغال بجميعها اشتغال بالملاهي، و قد عدّه (عليه السلام) من جملة الكبائر، و قد عرفت أنّ العادل من اجتنب عن الكبائر، فاللّاعب غير عادل، فلا تقبل شهادته .

و ثانيهما : من حيث انّه (عليه السلام) عدّ من جملة الكبائر أيضًا الميسر و فسّره بالقمار .

و بالجملة : دلالة هذه الرواية على كون اللّاعب غير عادل واضحة، لكنّ الكلام

ص: 151


1- . انظر رجال الطوسي : 1 / 57 ؛ و الفهرست : 291 الرقم 62 ؛ و رجال ابن داود : 30 ؛ والتحرير الطاووسي :72 .
2- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 134 ح 1 ؛ الخصال : 610 ؛ و عن العيون في الوسائل : 15 / 329 ح20660 ؛ و رواه ابن شعبة في تحف العقول : ص 422 ، مرسلاً نحوه .

في اعتبار أصل الرواية، فأقول : هي و إن كانت غير مرويّة في الكتب الأربعة، إلّا أنّها قيل :

رويت في عيون أخبار الرضا بأسانيد متعدّدة لا تخلو (1) عن اعتبار (2) .

على أنّا لو سلّمنا ضعفها من حيث السند، نقول : قد عرفت من ظاهر كشف اللثام (3) أنّ فسق اللّاعب بآلات القمار متّفقٌ عليه بيننا، فينجبر ضعفها لو سلّم بذلک كغيرها من الأدلّة في المسألة .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بالنصوص الدالّة على أنّ الشطرنج و النرد من الميسر، أو أنّ الميسر هو القمار، منها : ما رواه أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - : الشطرنج و النرد هما الميسر (4) .

و منها : ما رواه ابن جندب مرسلاً عن مولانا الصادق (عليه السلام) أيضًا، قال : الشطرنج ميسر و النرد ميسر (5) .

و منها : الصحيح (6) المرويّ في الكافي عن معمّر بن خلّاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كلّ ما قومر عليه فهو

ص: 152


1- . في المصدر : لا يخلو .
2- . ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 2 / ص 304 .
3- . كشف اللثام : 10 / 290 .
4- . الكافي : 6 / 435 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 324 ح 22666 .
5- . الكافي : 6 / 437 ح 11 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 324 ح 22668 .
6- . جاء في حاشية الأصل : رواه عن محمّد ابن يحيى، عن أحمد - و هو : أحمد بن محمّد بن خالد البرقي - عنمعمّر بن خلّاد ؛ منه .

ميسر(1) .

و منها : ما رواه عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لمّا أنزل الله -عزّوجلّ - على رسوله (صلي الله عليه واله) : ( إنّما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه ) (2) ، قيل : يا رسول الله ! ما الميسر ؟ فقال : كلّ ما تقومر به (3) حتّى الكعاب و الجوز (4) .

وجه الاستدلال هو : أنّ الميسر من الكبائر، لما عرفت من عدّه مولانا الرضا (عليه السلام) منها ؛ و لقوله - تعالى - : ( يسألونک عن الخمر و الميسر قُل فيهما إثمٌ كبيرٌ ) (5) ، جعل - سبحانه - إثم الميسر كبيرًا كإثم الخمر، فيكون من الكبائر كالخمر ؛ و يؤيّد ذلک ذكرهما معًا - سبحانه تعالى - مكرّرًا في الكتاب (6) .

فإذا علمت أنّ الميسر من الكبائر، نقول : قد فسّر الميسر في النصوص المذكورة الّتي منها الصحيح بما يقمر به مثلاً، فيكون القمار من الكبائر، فمشتغله مشتغلٌ بالكبيرة، فيكون غير عادل، فلا تقبل شهادته .

و ضعف السند في جملة من النصوص غير مضرّ بعد كون بعضها صحيحًا كما

ص: 153


1- . الكافي : 6 / 435 ح 1 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 323 ح 22665 .
2- . المائدة : 90 .
3- . في التهذيب : كلّ ما يقتمر به ؛ و في الفقيه : كلّ ما تقوم به .
4- . الكافي : 5 / 122 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 160 ح 3587 ؛ التهذيب : 6 / 371 ح 1075 ؛ الوسائل : 17 / 165ح 22257 .
5- . البقرة : 219 .
6- . في سورة البقرة : 129 ؛ والمائدة : 90 و 91 .

عرفت ؛ على أنّ ضعف السند غير مضرّ بعد ما عرفت دعوى الإجماع من ظاهر كشف اللثام (1) .

و يظهر لک بعد اطّلاعک بما حرّرناه في المسألة ضعف ما ذهب إليه في المسالک وإن استحسنه في الكفاية، حيث قال في الأوّل بعد ذكر ما يدلّ على النهي عن الشطرنج و غيره :

و ظاهر النهي أنّها - أي آلات القمار - من الصغائر، فلا يقدح في العدالة إلّا مع الإصرار عليها، إنتهى كلامه (2) .

على أنّ في بعض الأخبار التوعيد بالنار في اللعب بالشطرنج، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر عمرو (3) بن يزيد، قال : إنّ لله في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، إلّا مَن أفطر على مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين ؛ قال : قلت : و أيّ شيءٍ صاحب شاهين ؟ قال : الشطرنج (4) .

بيان

قد عرفت الكلام في شاهَين، المشاحن : المعادي، و الشحناء : العداوة ؛ قيل :

ص: 154


1- . كشف اللثام : 10 / 290 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 177 .
3- . في الكافي و التهذيب : عمر .
4- . الكافي : 6 / 435 ح 5 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 67 ؛ التهذيب : 3 / 60 ح 203 ؛ الوسائل :17/ 319 ح 22649 .

لعلّ المراد به هاهنا صاحب البدعة المفارق للجماعة (1) .

ثمّ إنّ الخبر و إن لم يكن مضمونه صريحًا على أنّه مَن لعب بالشطرنج أدخله الله - تعالى - في النار بسبب ذلک، إلّا أنّ حاصل مضمون الخبر ذلک كما لا يخفى .

و روى في الفقيه مرسلاً في باب : حدّ شرب الخمر و ما جاء في الغناء والملاهي، حيث قال :

و سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله - تعالى - : ( فاجتنبوا الرِجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) (2) ، قال : الرجس من الأوثان الشطرنج،

و قول الزور الغناء (3).

و النرد أشدّ من الشطرنج، فأمّا الشطرنج فإنّ اتّخاذها كفر، واللعب بها شرک، و تعليمها كبيرة موبقة، و السلام على اللاهي بها معصية، و مقلّبها كمقلّب لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر إلى فرج أمّه .

و اللّاعب بالنرد قمارًا مثله كمثل (4) مَن يأكل لحم الخنزير، و مثل الّذي يلعب بها من غير قمار مثل مَن يضع يده في لحم الخنزير أو في دمه (5) .

ص: 155


1- . الوافي : 17 / 229 .
2- . الحجّ : 30 .
3- . رواه الكلينيّ في الكافي : 6 / 435 ح 2 ، مسندًا عن زيد الشحّام ؛ و رواه فيه أيضًا مرسلاً عن ابن أبي عميرعن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله - تبارک و تعالى - إلى آخره ؛ الكافي : 6 / 436 ح 7 .
4- . في المصدر : مثل .
5- . الفقيه : 4 / 58 ح 5093 .

و قال بعض المتأخّرين :

إنّ قوله : « و النرد أشدّ » إلى آخره، من كلام الصدوق، لا من تتمّة الحديث (1) .

و لعلّ وجهه هو : أنّ السائل سأل عن الرجس من الأوثان و قول الزور، فيكون كلامه 7 على وفق سؤاله إلى أن : « قول الزور الغناء ».

لكنّه لا يصير سببًا لذلک، لاحتمال أن يكون بيان المعصوم (عليه السلام) ذلک من باب التفضّل و التبرّع، أو لعلمه (عليه السلام) بابتلائه عن هذه المعصية، فأراد أن يخبره بفساده، أو لغير ذلک من الاحتمالات المتصوّرة في مثل المقام .

الكلام في الغناء و حكمه

7- مسألة

اشارة

و ممّا يقدح في العدالة : الغناء ؛ و الكلام يقع فيه من وجوه، الأوّل: في حقيقته وماهيّته، و الثاني : في أنّه هل هو حرامٌ مطلقًا، أو في الجملة ؟ ؛ و الثالث : في أنّه من الكبائر .

ص: 156


1- . لم نعثر عليه .

حقيقة الغناء و ماهيّته

أمّا الأوّل، فأقول : المنقول عن أكثر اللغويّين أنّه ترجيع الصوت الّذي يحصل بسببه طربٌ للسامع (1) .

و الترجيع عبارةٌ عن تحريک الصوت و تكريره في الحلقوم (2) .

و الطَرَبُ هو : حالةٌ تعرض للإنسان بسبب الفرح أو الحزن، قال في الصحاح :

الطربُ : خِفّةٌ تصيب الإنسان لشدّة حزن أو سرور (3) .

قال في القاموس :

الطرب، محرّكة : الحزن، و السرور (4) ، أو خفّة تلحقک، تسرّک أو تحزنک، وتخصيصه بالفرح وَهَم (5)

قال في المجمع :

الطَرَب، بالتحريک : خِفّةٌ تعتري الإنسان لشدّة حزن أو سرور (6) .

و حكي عن جماعة : أنّ الغناء عبارة عن ترجيع الصوت و إن لم يطرب (7) .

ص: 157


1- . انظر القاموس المحيط : 4 / 372 ؛ و لسان العرب : 15 / 136 ؛ و مجمع البحرين : 1 / 321 .
2- . انظر القاموس المحيط : 3 / 28 ؛ و لسان العرب : 8 / 115 ؛ و مجمع البحرين : 4 / 334 .
3- . الصحاح : 1 / 171 .
4- . في المصدر : الفرح و الحزن .
5- . القاموس المحيط : 1 / 97 .
6- . مجمع البحرين : 3 / 40 .
7- . انظر المسالک : 3 / 126 ؛ و الفوائد الطوسيّة : 91 ؛ و مجمع الفائدة : 8 / 57 ؛ و الحدائق : 18 / 101 ؛ورياض المسائل : 8 / 62 .

و قال العلّامة في القواعد :

و هو ترجيع الصوت و مدّه (1) .

و ربّما ادّعى بعض عدم تحقّق هذا الفرد - أي الترجيع - من غير طرب (2) .

و تحقيق المقام أن يقال : ليس المعتبر من حصول الطرب من الصوت المشتمل على الترجيع حصوله لكلّ أحد، أو في كلّ وقت، إذ ربّما لا يحصل الطرب لواحد أبدًا، فيلزم أن لا يتحقّق الغناء بالنسبة إليه أبدًا .

و كذا ربّما يختلف الحال بالنسبة إلى شخص واحد، فيحصل له الطرب من الصوت المشتمل على الترجيع بالنسبة إلى وقت دون آخر، أو حال دون أخرى، فيلزم أن يختلف أمر الغناء بالنسبة إليه باختلاف الأوقات و الأحوال .

وليس الأمر كذلک قطعًا، بل المعتبر أن يكون ذلک الصوت المشتمل على الترجيع ممّا يطرب و لو بالنسبة إلى بعضٍ دون آخر، و وقتٍ دون آخر، و حالٍ دون أخرى .

و بالجملة : المعتبر أن يكون نوع الصوت ممّا يطرب، فيتحقّق الغناء مطلقًا و لو لم يحصل الطرب بالنسبة إلى جميع الأشخاص و الأحوال .

نعم، ربّما يتحقّق الصوت المشتمل على الترجيع من غير حصول الطرب مطلقًا و لو لواحد، كما إذا صدر ذلک من ردي الصوت بحيث لا تقبل النفس من استماعه،

ص: 158


1- . القواعد : 3 / 495 .
2- . انظر مفتاح الكرامة : 12 / 168 .

بل ربّما تشمأزّ منه، فحينئذٍ تحقّق الصوت المشتمل على الترجيع من غير حصول الطرب منه .

و هو مظهر الثمرة بين القولين، لأنّ هذا الصوت بالنسبة إلى التعريف الأوّل ليس بغناء، بخلافه بالنسبة إلى التعريف الثاني .

و كذا إذا كان الصوت مشتملاً على ترجيع، لكن لم يبلغ إلى حدّ يحصل منه الطرب، إذ الحاصل أوّلاً هو الترجيع، ثمّ الطرب ؛ هذا .

و ربّما حكي عن بعض اعتبار الطرب فقط، و هو الظاهر من كلام صاحب القاموس، حيث قال :

الغناء من الصوت : ما طرّب به (1) .

و حيث قد عرفت الاختلاف في تفسيره، فاعلم : أنّ اللّازم في مثل المقام الرجوع إلى العرف، لأنّه الحَكَم فيما لم يرد له من الشرع تفسير .

فأقول : لا شکّ في أنّ المشتمل للوصفين داخلٌ جزمًا في معناه العرفيّ، لكنّ الكلام في غيره هل يقال : إنّه غناء أيضًا، أم لا ؟ فإن قالوا فهو، و إلّا فلا .

حكم الغناء

و أمّا الكلام في حكمه، فأقول : قد استفاض نقل الإجماع على حرمته ؛ و ممّن

ص: 159


1- . القاموس المحيط : 4 / 372 .

ادّعى الإجماع عليها شيخُ الطائفة و ابن إدريس و العلّامة و غيرهم (1) .

النصوص الدالّة على تحريم الغناء مطلقًا

و النصوص بذلک مستفيضة، منها : ما رواه نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : المغنّية ملعونة، ملعونٌ مَن أكل كسبها (2) .

و منها : ما روي عنه(عليه السلام) أيضًا، حيث سأله رجل عن بيع الجواري المغنِّيات ، فقال : شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق (3) .

و في بعض النسخ : القينات - بالقاف و تقديم المثنّاة التحتانيّة على النون - بدل : المغنيّات ؛ و المعنى واحد، لأنّ القينة الأمةُ المغنّية .

و منها : ما رواه إبراهيم بن أبي البِلاد قال : أوصى إسحاق بن عُمَر عند وفاته بجوارٍ له مُغنّيات أن يبعن (4) ، و يحمل (5) ثمنهنّ إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، قال إبراهيم : فبِعْتُ الجواري بثلاثمائة ألف درهم، و حَمَلتُ الثمن إليه، فقلت له : إنّ مولًى لک

ص: 160


1- . الخلاف : 6 / 306 ؛ السرائر : 2 / 223 و 224 ؛ مجمع الفائدة : 8 / 57 ؛ كفاية الأحكام : 1 / 428 ؛الحدائق الناضرة : 18 / 101 ؛ رياض المسائل : 8 / 62 .
2- . الكافي : 5 / 120 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1020 ؛ الاستبصار : 3 / 61 ح 203 ؛ الوسائل : 17 /121 ح 22147 .
3- . الكافي : 5 / 120 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 356 ح 1018 ؛ الوسائل : 17 / 124 ح 22155 .
4- . في الكافي : أن نبيعهنّ .
5- . في الكافي : و نحمل .

يقال له : إسحاق بن عمر أوصى (1) عند موته ببيع جوارٍ له مغنّيات و حمل الثمن إليک، و قد بعتهنّ، و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال : لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحتٌ، و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت (2) .

و منها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)، حيث سأله عن قول الله تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) (3) ؟ قال : هو الغناء (4) .

و منها : ما رواه حمّاد عن الخزّاز قال : نزلنا المدينة، فأتينا أبا عبدالله (عليه السلام)، فقال لنا: أين نزلتم ؟ قلنا : على فلان صاحب القيان، فقال : كونوا كرامًا، فوالله ما علمنا ما أراد به و ظَنَنَّا أنّه يقول : تفضّلوا عليه، فعُدنا إليه، فقلنا : إنّا لا ندري و ما أردت بقولک : كونوا كرامًا ؟ فقال : أما سمعتم قول الله - عزّوجلّ - يقول (5) في كتابه : (وإذا مَرُّوا باللَّغْو مَرُّوا كِرَامًا ) (6) .

بيان

القيان : جمع القينة، و هي الأمة المغنّية، كما عرفت .

ص: 161


1- . في الكافي : قد أوصى .
2- . الكافي : 5 / 120 ح 7 ؛ الاستبصار : 3 / 61 ح 204 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1021 ؛ و عن الكافي فيالوسائل : 17 / 133 ح 22153 .
3- . الحج: 30.
4- . الكافي : 6 / 431 ح 1 ؛ الوسائل : 17 / 305 ح 22602 .
5- . « يقول » لم يرد في المصدر .
6- . الكافي : 6 / 432 ح 9 ؛ الوسائل : 17 / 316 ح 22642 ؛ والآية في سورة الفرقان : 72 .

و منها : ما رواه في الكافي في الصحيح عن مَسْعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام)، فقال له رجل : بأبي أنت و أمّي إنّني أدخل كنيفًا لي و لي جيران عندهم جوارٍ يتغنّين و يضربن بالعُود، فربّما أطلت الجلوس استماعًا منّي لهنّ ؛ فقال : لا تفعل .

فقال الرجل : والله ما آتيهنّ، إنّما هو سَماع أسمعه بأُذُني ؛ فقال : لله أنت، أما سمعت الله يقول : ( إنّ السمع و البصر و الفؤاد كلُّ أولئک كان عنه مَسئُولاً ) (1) ؟ فقال : بلى، والله لكأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من أعجميّ و لا عربيّ، لا جرم أنّني لا أعود إن شاء الله و أنّي لأستغفر الله (2) .

فقال له : قم فاغتسل و صلّ (3) ما بدا لک، فإنّک كنت مقيمًا على أمر عظيم ما كان أسوأ حالک لو مِتّ على ذلک، احمد الله و سَلْه التوبة من كلّ ما يكره، فإنّه لايكره إلّا قبيح (4) ، و القبيح دعه لأهله، فإنّ لكلٍّ أهلاً (5) .

و منها : ما رواه الشحّام عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : قال (عليه السلام): بيت الغناء لايُؤمن (6) فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله المَلِک (7) .

ص: 162


1- . الإسراء : 36 .
2- . في الكافي و التهذيب : أستغفر الله ؛ و في الفقيه : و أنا أستغفر الله تعالى .
3- . في الكافي : و سَلْ .
4- . في الكافي : إلّا كلّ قبيح ؛ و في الفقيه و التهذيب : إلّا القبيح .
5- . الكافي : 6 / 432 ح 10 ؛ الفقيه : 1 / 80 ح 177 ؛ التهذيب : 1 / 116 ح 304 ؛ الوسائل : 3 / 331 ح3795 .
6- . في المصدر : لا تؤمن .
7- . الكافي : 6 / 433 ح 15 ؛ دعائم الإسلام : 2 / 208 ح 762 ؛ الوسائل : 17 / 303 ح 22594 .

الفجيعة، قيل : المصيبة (1) .

و منها : المرسل عنه (عليه السلام) : قيل : سُئل عن الغناء و أنا حاضر، فقال : لاتدخلوا بيوتًا الله معرضٌ عن أهلها (2) .

و منها : ما رواه عَنْبَسة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : استماع الغناء و اللهو يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء في (3) الزرع (4) .

و منها : ما رواه عليّ بن الريّان عن يونس قال : سألت الخراسانيّ - صلوات الله عليه - و قلت : إنّ العبّاسىّ ذكر أنّک ترخص في الغناء (5) ، فقال : كذب الزنديق، ما هكذا قلت له، يسألني (6) عن الغناء، فقلت له : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر (عليه السلام)، فسأله عن الغناء، فقال : يا فلان إذا ميّز الله بين الحقّ و الباطل، فأين (7) يكون الغناء ؟ فقال : مع الباطل، فقال (8) : قد حكمت (9) .

و لا يخفى أنّ الأدلّة المذكورة من الإجماعات و أكثر النصوص المستفيضة دالّة على تحريم الغناء مطلقًا، سواء كان في الشعر، أو في القرآن، أو في غيرهما .

ص: 163


1- . الوافي : 17 / 214 .
2- . الكافي : 6 / 434 ح 18 ؛ الوسائل : 17 / 306 ح 22605 .
3- . « في » لم يرد في المصدر .
4- . الكافي : 6 / 434 ح 23 ؛ الوسائل : 17 / 316 ح 22641 .
5- . في العيون : إنّ إبراهيم بن هاشم العبّاسيّ حكى عنک أنّک رخّصت له استماع الغناء .
6- . في المصدر : سألني .
7- . في الكافي : فأنّى .
8- . في العيون : فقال له أبو جعفر (عليه السلام): قد قضيت .
9- . الكافي : 6 / 435 ح 25 ؛ العيون : 2 / 17 ح 32 ؛ الوسائل : 17 / 306 ح 22606 .

أمّا كون الإجماعات المنقولة كذلک، فواضح .

و أمّا النصوص، فها أنا أتكلّم في كلٍّ منها، فأقول : أمّا الحديث الأوّل فلأنّ قوله (عليه السلام) : « المغنّية ملعونة » مطلق، سواء كان في القرآن، أو غيره .

و أيضًا قد علّق (عليه السلام) الحكم بالملعونيّة على المغنّية ؛ و تعليق الحكم بالوصف يشعر بعليّة مأخذ اشتقاقه، فيكون على هذا علّة الحكم بالملعونيّة الغناء، فكلّما تحقّق يكون الحكم معه، لكن هذا من جهة الإشعار و إن لم يكن دليلاً، لكن يصلح للتأييد.

و أمّا الحديث الثاني، فلأنّ دلالته على ما ذكر من وجهين، الأوّل : من جهة العموم في السؤال، حيث قال : « سأله رجل عن بيع الجواري المغنيّات »، لأنّ جمع المحلّى باللام يفيد العموم، فيكون سؤاله على هذا عن كلّ مغنّية، سواء كانت مغنّية في القرآن، أو في غيره .

و الثاني : من جهة ترک استفصال المعصوم في المغنّية بين كونها مغنّية في القرآن أو غيره ؛ و قد مرّ مرارًا أنّ ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال .

ثمّ إنّ هذا الحديث و إن لم يدلّ صريحًا على حرمة الغناء، إلّا أنّه يدلّ عليه بالالتزام، لأنّ قوله (عليه السلام) : « شراؤهُنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق » يدلّ على تحريم شرائهنّ و بيعهنّ مثلاً ؛ و إنّما يكون تحريم ذلک من جهة كونها مغنّية، فيلزم منه حرمة الغناء، و هو المطلوب .

ص: 164

و هذا الحديث أوضح دلالة من بين النصوص المذكورة على المدّعى في المسألة .

و أمّا الحديث الثالث، فقد يعلم الكلام فيه بما ذكر، إلّا أنّه يمكن أن يقال فيه : إنّ عدم أخذ المعصوم (عليه السلام) ثمنها، لاحتمال علمه (عليه السلام) باشتغالها في الغناء المحرّم، لا لمطلق الغناء .

ثمّ إنّه يمكن أن يقال في الجميع : الإنصاف أنّه لا دلالة لغير الثاني من النصوص على المطلوب من تحريم الغناء مطلقًا حتّى في القرآن، لأنّ الغالب في الجواري أن لا يعلمن القرآن، فلا ينصرف الإطلاق إلى الغناء في القرآن، لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل الغالب الشائع، و قد عرفت أنّ ما نحن فيه ليس من ذلک ؛ و أمّا الحديث الثاني، فلا يمكن فيه ذلک، لأنّ المغنّيات فيه جمعٌ محلّى باللام، فيفيد العموم الاستغراقيّ، فيشمل النادر و غيره .

و أمّا الحديث الرابع، فلأنّ قوله (عليه السلام) : « هو الغناء » يدلّ على أنّ قول الزور الّذي أمر الله - تعالى - بالاجتناب عنه هو الغناء نفسه، سواء وجد في القرآن، أو في غيره .

و أمّا الحديث الخامس و السادس، فالإنصاف أنّهما يصلحان لإثبات الحرمة في الغناء في الجملة، فلا يمكن التمسّک بهما لحرمته مطلقًا و لو في القرآن مثلاً .

أمّا الأوّل منهما فلما عرفت ؛ و أمّا الثاني فلأنّه إنّما يدلّ على تحريم الغناء الّذي مع العود، فيعلم منه أنّه في غير القرآن، فلايشمل الغناء الّذي في القرآن مثلاً.

ص: 165

ثمّ إنّ هذا الحديث و إن لم يدلّ على تحريم الغناء صريحًا، إلّا أنّه يستلزمه، لأنّ تحريم استماعه إنّما هو لحرمة نفسه، فتأمّل .

و أمّا الحديث السابع، فلأنّ قوله (عليه السلام) : « بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة، ولايجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملک » مطلق، و لا اختصاص له في خصوص فرد دون آخر، فيشمل جميع الأفراد .

ثمّ إنّ هذا الحديث و إن لم يدلّ صريحًا على تحريم الغناء أيضًا، إلّا أنّه يستلزمه، كما لا يخفى .

و أمّا الحديث الثامن، فلأنّ قوله (عليه السلام) : « لا تدخلوا » إلى آخره ؛ و قوله : « الله معرضٌ عن أهلها » مطلق، فيشمل جميع الأفراد .

و أمّا الحديث التاسع، فلأنّ دلالته على ما ذكر من وجهين :

أحدهما : من جهة إطلاق قوله (عليه السلام) : « استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق »، لأنّ المطلق حجّة في أفراده .

و الثاني : من جهة تنظيره (عليه السلام) ذلک بقوله : « كما ينبت الماء في (1) الزرع »، لأنّ نبت الزرع يحصل لجميع أفراد الماء، فينبغي أن يكون نبت النفاق حاصلاً من جميع أفراد الغناء، فإذا حصل النفاق من جميع أفراده يكون جميعها حرامًا، لأنّ ما ليس بحرام لا ينبت النفاق .

و أمّا الحديث العاشر، فالكلام فيه مثل ما ذكر .

ص: 166


1- . « في » لم يرد في المصدر .

و هذه النصوص قد عرفت أكثرها دالّة على تحريم الغناء بعنوان الإطلاق، سواء كان في القرآن، أو في الدعاء، أو في المدائح، أو غيرها، فينبغي أن يقال بتحريمه كذلک .

و سند بعضها و إن كان غير معتبر، إلّا أنّ موافقتها بإطلاق الإجماعات المنقولة تسهل الخطب في ذلک .

على أنّه قد حكي عن بعض المشايخ الإجماع على تحريم الغناء مطلقًا، سواء كان في القرآن و غيره (1) .

نسب حرمة الغناء في القرآن و عدم استثنائه فيه في شرح الإرشاد للمقدّس الأردبيليّ (2) إلى الأصحاب (3) .

و ما يقال (4) في الجواب عن هذه النصوص المذكورة من أنّ المفرد المحلّى بالّلام لايفيد العموم، بل مطلق، و المطلق إنّما ينصرف إلى جميع الأفراد إذا لم يكن له فرد شائع ؛ و هنا ليس كذلک، لأنّ المعهود و الشائع في ذلک الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري المغنّيات و غيرهنّ في مجالس الفجور و الخمور و العمل

ص: 167


1- . قد صرّح الشيخ المفيد في المقنعة : 588 ؛ و الحلبي في الكافي : 281 ؛ و ابن إدريس في السرائر : 2 /224 بتحريم الغناء مطلقًا، لكنّ العلّامة صرّح في التذكرة : 1 / 582 بورود الرخصة في المغنّية في الأعراس،و كذا في سائر كتبه .
2- . مجمع الفائدة : 8 / 59 .
3- . جاء في حاشية الأصل : و هو الظاهر من مولانا الصالح المتّقيّ محمّد صالح المازندرانيّ في شرحه علىالأصول { : 11 / 5} ، حيث قال : و قراءة القرآن بالتغنّي به حرام عندنا و عند أكثر العامّة، إنتهى ؛ منه .
4- . انظر كفاية الأحكام : 1 / 433 ؛ والوافي : 17 / 218 .

بالملاهي و التكلّم بالباطل و إسماعهنّ الرجال و غيرها، فيجب حمل المطلق في النصوص المذكورة على تلک الأفراد، فيبقى غيرها داخلاً تحت أصل الإباحة وإطلاق بعض النصوص الآتية .

فمدفوعٌ، لعدم ظهور شيوع تلک الأفراد بحيث لا ينصرف الإطلاق إلّا إليها ؛ والشکّ كاف في المقام، و الأصل في المطلق الحجّيّة في جميع الأفراد، فلا يجوز رفع اليد عن هذا الأصل بمحض الاحتمال .

على أنّه لا يصحّ هذا الجواب بعد تسليم هذا المقال بالنسبة إلى جميع ما تقدّم من الأخبار، لأنّ من جملتها الحديث الثاني، و قد عرفت اشتماله بالجمع المحلّى باللام، و هو يفيد عموم الاستغراقيّ، فلا يجدى بالنسبة إليه الشيوع المدّعى في بعض الأفراد، فتأمّل .

و أيضًا أنّ الدليل في المسألة ليس بمنحصر في النصوص المذكورة، بل منه الإجماعات المنقولة، فلا يمكن دعوى ما مرّ فيها ألبتّة، سيّما بعد ما عرفت من دعوى الإجماع في خصوص تحريم الغناء في القرآن و غيره .

فعلى هذا ما استحدثه بعض مَن أحبّ مخالفة الأصحاب من جواز الغناء في القرآن و الدعاء و المدح و نحوها - بل و استحبابه - لا وجه له و إن تبعه بعض من تبعه، و إن استندوا في ذلک بكثير من النصوص الدالّة على حسن الصوت و قراءة القرآن و الدعاء مع الحزن و غيرها، فها أنا أذكرها، فأشير إلى الجواب عنها بإعانة الربّ الجليل .

ص: 168

النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن

فأقول : منها : ما رواه أبو بصير عن رسول الله (صلي الله عليه واله) : إنّ من أجمل الجمال الشعر الحسن و نَغمة الصوت الحسن (1) .

و منها : مرسلة ابن أبي عمير عن مولانا الصادق (عليه السلام) : إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرؤوه بالحزن (2) .

و منها : ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ الله أوحى إلى موسى بن عمران : إذا وقفت بين يديّ فَقِفْ مَوقف الذليل الفقير، و إذا قرأتَ التوراة فأسمعنيها بصوت حزين (3) .

و منها : ما رواه حفص قال : ما رأيت أحدًا أشدّ خوفًا على نفسه من موسى بن جعفر (عليهماالسلام) ، و لا أرجى للناس (4) منه، و كانت قرائته حزنًا، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانًا (5) .

ص: 169


1- . الكافي : 2 / 615 ح 8 .
2- . الكافي : 2 / 614 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 208 ح 7748 .
3- . الكافي : 2 / 615 ح 6 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 208 ح 7749 .
4- . في المصدر : الناس .
5- . الكافي : 2 / 606 ح 10 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 208 ح 7750 .

و منها : ما رواه عبدالله بن سنان : اقرؤوا القرآن بألحان العرب و أصواتها (1) .

و منها : ما رواه النوفلىّ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : ذكرت الصوت عنده، فقال : إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام)كان يقرأ القرآن، فربّما يمرّ (2) به المارّ فصعق من حُسن صوته ؛ و إنّ الإمام لو أظهر من ذلک شيئًا لما احتمله الناس من حسنه . قلت : و لم يكن رسول الله (صلي الله عليه واله) يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن ؟ فقال : إنّ رسول الله (صلي الله عليه واله)كان يحمّل الناس من خلفه ما يطيقون (3) .

و منها : ما رواه عبدالله بن سنان عن رسول الله (صلي الله عليه واله) : لم يعط أمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال، و الصوت الحسن، و الحفظ (4) .

و منها : ما رواه أيضًا عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : لكلّ شيء حلية، و حلية القرآن الصوت الحسن (5) .

و منها : ما روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : كان عليّ بن الحسين (عليه السلام)أحسن الناس صَوتًا بالقرآن، و كان السقّاؤون يمرّون ببابه فيقفون (6) يسمعون قراءته (7) .

ص: 170


1- . الكافي : 2 / 614 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 210 ح 7754 .
2- . في المصدر : مرّ .
3- . الكافي : 2 / 615 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7755 .
4- . الكافي : 2 / 615 ح 7 ؛ الخصال : 137 ح 152 .
5- . الكافي : 2 / 615 ح 9 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7756 .
6- . في المصدر : يمرّون فيقفون ببابه .
7- . الكافي : 2 / 616 ح 11 .

و منها : ما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل لا يرى أنّه صنع شيئًا في الدعاء و في القرآن (1) حتّى يرفع صوته، فقال : لا بأس، إنّ عليّ بن الحسين (عليهماالسلام)كان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، فكان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار، و أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان (2) إذا أقام الليل (3) و قرأ رفع صوته، فيمرّ به مارّ الطريق من السقّائين وغيرهم، فيقومون فيستمعون إلى قراءته (4) .

و عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله - تعالى - : ( و رتّل القرآن ترتيلاً ) (5) ، قال : هو أن تتمكث فيه و تحسن به صوتک (6) .

و منها : ما رواه حسن بن عبدالله التميمي، عن أبيه، عن الرضا (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا(7) .

ص: 171


1- . في المصدر : و في القراءة .
2- . في المصدر : فكان .
3- . في المصدر : إذا قام من الليل .
4- . رواه محمّد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب الأشعريّ الجوهريّالقمّيّ، عن العبّاس، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار ؛ مستطرفات السرائر : باب النوادر، ص 604 ؛و عنه في الوسائل : 6 / 209 ح 7752 ؛ و البحار : 82 / 82 ح 23 ؛ و 89 / 194 ح 9 .
5- . المزّمل : 4 .
6- . مجمع البيان : 10 / 162 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 207 ح 7746 ؛ و البحار : 89 / 191 ح 4 .
7- . العيون : 2 / 74 ح 322 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 212 ح 7759 .

و منها : ما رواه موسى العمري (1) قال : جئت (2) إلى باب أبي جعفر (عليه السلام) استأذن عليه (3) ، فسمعنا صوتًا حزينًا يقرأ بالسريانيّة (4) ، فبكينا حيث سمعنا الصوت، فظننا أنّه بعث إلى رجل من أهل الكتاب يستقرأه، فأذن لنا، فدخلنا عليه و لم نر عنده أحدًا، فقلنا : أصلحک الله، سمعنا صوتًا بالعبرانيّة فظننا أنّک بعثت إلى رجل من أهل الكتاب تستقرأه، قال : لا و لكن ذكرت مناجات إيليا (5) لربّه، فبكيت، الحديث (6) .

و منها : ما رواه أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إذا قرأت القرآن فرفعتُ به صوتي جاءني الشيطان، فقال : إنّما تُرأئِي بهذا أهلک و الناس، قال : يا أبا محمّد إقرأ قراءَةً ما بين القِرائَتين تُسمِعُ أهلک و رَجِّع بالقرآن صوتک، فإنَّ الله - عزّوجلّ - يُحِبُّ الصوت الحسن، يُرجِّع فيه ترجيعًا (7) .

و هذه جملة من النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن .

ص: 172


1- . في المصدر : النميري .
2- . في الاختصاص : جئنا .
3- . في البصائر : لأستأذن عليه ؛ و في الاختصاص : نستأذن عليه .
4- . في المصدر : بالعبرانيّة .
5- . في المصدر : إليا .
6- . بصائر الدرجات : 99 ؛ الاختصاص، للشيخ المفيد : 291 و 292 ؛ و عنهما في البحار : 13 / 400 ح 7 ؛و26 / 180 ح 3 .
7- . الكافي : 2 / 616 ح 13 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7758 .

[ الجواب عن النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن ]

أقول : لا ريب و لا شبهة في أنّ هذه النصوص ليست بصريحة في ذلک، لأنّ قراءة القرآن مع الحزن مثلاً لا يستلزم الغناء قطعًا، فيخصّص بها أو يقيّد تلک النصوص المتقدّمة .

بل التعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين و العموم من وجه، لأنّ تلک النصوص صريحة في عدم جواز الغناء، لكن ظاهرة من جهة العموم - أي : كونه في القرآن و غيره - و هذه النصوص و إن كانت ناصّة من جهة اشتمالها على قراءة القرآن بالحزن و الصوت مثلاً، لكنّها عامّة من حيث انّ قراءة القرآن مع الحزن والصوت أعمّ من أن تصل إلى حدّ الغناء، أم لا .

و عند تعارض الظاهرين يجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع النصوص المتقدّمة من وجوه عديدة :

الأوّل : هو أنّها مخالفةٌ للعامّة، بخلاف هذه، لما نقل بعض المحقّقين القول بجواز الغناء فيهم أيضًا (1) .

و يؤيّده قوله (عليه السلام) في بعض تلک النصوص : « احمد الله و سَلْه التوبة من كلّ ما

ص: 173


1- . انظر رياض المسائل : 8 / 66 .

يكره، فإنّه لا يكره إلّا كلّ قبيح، و القبيح دعه لأهله، فإنّ لكلٍّ أهلاً» (1) .

بل يدلّ عليه ما رواه عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء و قلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) رخّص في أن يقال : جِئْناكم جِئْناكم حَيّونا حَيّونا نُحَيّيكم.

فقال : كذبوا، إنّ الله - عزّوجلّ - يقول : ( ما خلقنا السماوات (2) والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتّخذ لهوًا لاَتَّخَذْناه مِن لَدُنّا إن كنّا فاعلين * بَلْ نَقْذِفُ بالحقّ على الباطل فيَدْمَغُهُ فإذا هو زاهِق و لَكُمُ الويل ممّا تصفون ) (3) .

ثمّ قال : ويلٌ لفلان ممّا يصف رجلٌ لم يحضر المجلس (4) .

و قد ورد الأمر عنهم (عليهم السلام) : الأخذ بما خالفهم و ترک ما وافقهم، فإنّ الرشد في خلافهم (5) .

و الثاني هو : أنّ هذه النصوص إطلاقها موافقٌ لهوى النفس، فإنّ النفس لها رغبة تامّة لِسَماع الغناء، بخلاف تلک النصوص، فإنّها مخالفةٌ لهواها ؛ و لا شکّ أنّ

ص: 174


1- . الكافي : 6 / 432 ح 10 ؛ الفقيه : 1 / 80 ح 177 ؛ التهذيب : 1 / 116 ح 304 ؛ الوسائل : 3 / 331 ح3795 .
2- . كذا في النسخ، و في المصاحف : ( و ما خلقنا السماء و الأرض ).
3- . الأنبياء : 16 - 18 .
4- . الكافي : 6 / 433 ح 12 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 307 ح 22608 .
5- . الكافي : 1 / 67 ح 10 ؛ الفقيه : 3 / 5 18 ؛ التهذيب : 6 / 301 ح 845 ؛ الوسائل : 27 / 106 ح33334.

مخالفة النفس أولى و أهمّ من موافقتها، لقوله - تعالى - : ( و مَن (1) خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى * فإنّ الجنّة هي المأوى ) (2) .

و الثالث : أنّ تلک النصوص موافقةٌ للمشهور بين الأصحاب ظاهرًا، بل قد عرفت دعوى الإجماع، بخلاف هذه النصوص، فإنّ العامل بإطلاقها غير ظاهر، سوى ما ينسب من كلام الطبرسي في مجمع البيان (3) ، و نصّ عليه بعض من أحبّ مخالفة الأصحاب ؛ و لا ريب أنّ مخالفة النادر و أخذ خلافه أولى من أخذ النادر وترک خلافه .

و بالجملة : لا شبهة في ترجيح تلک النصوص على غيرها، فيجب تقديمها في العمل .

نعم، يمكن أن يقال : إنّ رواية أبي بصير المذكورة ليس التعارض بينها و بين تلک النصوص من تعارض الظاهرين، بل من تعارض العامّ و الخاصّ، لأنّ قوله (عليه السلام) فيها : « رجّع بالقرآن صوتک » (4) صريحٌ في جواز الغناء في القرآن، لما تقدّم من أنّ الغناء هو ترجيع الصوت مع الطرب، و دلّ الحديث على جواز الترجيع في القرآن، و الطرب لازم له ؛ و معلوم أنّ الخاصّ مقدّمٌ على العامّ ومخصّصٌ له، فدلّ الحديث على جواز الغناء في القرآن .

ص: 175


1- . في المصحف الشريف : ( و أمّا مَن ).
2- . النازعات : 40 و 41 .
3- . مجمع البيان : 1 / 46 .
4- . الكافي : 2 / 616 ح 13 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7758 .

و الجواب بعد تقدير تسليم ما ذكر نقول : إنّ الخاصّ إنّما يقدّم على العامّ إذا كان حجّة ؛ و هذه الرواية بلوغها في حدّ الحجّيّة من حيث السند غير معلوم، فلايرفع اليد عن العامّ .

و على فرض تسليم ذلک أيضًا نقول : إنّها معارضة بقوله (عليه السلام) (1) فيما رواه عبدالله بن سنان : « اقرؤوا القرآنَ بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لُحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فإنّه سيجيء من بعدي قومٌ (2) يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والرَهبانيّة و النَّوح، و لا يجاوز حناجرهم (3) ، قلوبهم مقلوبة (4) ، و قلوب الّذين يعجبهم (5) شأنهم » (6) .

و تعارضهما من تعارض النصّين، فيجب الرجوع إلى الترجيح أيضًا، و هو معنا لما عرفت.

و في الفقيه : سأل رجل عليّ بن الحسين (عليهماالسلام) عن شراء جارية لها صوت ؟ فقال : ما عليک لو اشتريتها فذكّرتک الجنّة - يعني بقراءة القرآن - و الزهد والفضائل الّتي ليست بغناء، و أمّا (7) الغناء فمحظور (8) .

ص: 176


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): مرويّ في الكافي و جامع الأخبار لابن بابويه .
2- . في الكافي : أقوام .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : و في الكافي : « لا يجوز تَراقِيَهم » ؛ و المعنى واحد، أي : لا يجوز القرآنحناجرهم و لا يصل إلى قلوبهم .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : كالكوز المقلوب، أي : لا يستقرّ فيها شيء من آثار الحقّ .
5- . في الكافي : و قلوب من يعجبه .
6- . الكافي : 2 / 614 ح 3 ؛ جامع الأخبار : 57 ؛ الوسائل : 6 / 210 ح 7754 .
7- . في المصدر : فأمّا .
8- . الفقيه : 4 / 60 ح 5097 ؛ الوسائل : 17 / 123 ح 22150 .

فلم يبق في المقام إلّا ما روي بطريق العامّة عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : إنّ القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا و تباكوا (1) و تغنّوا به، فمَن لم يتغنّ بالقرآن فليس مِنّي (2) .

و الجواب عنه من وجهين :

الأوّل : انّه عامّيّ، فليس بحجّة ؛ و رفع اليد بما لا يكون حجّة عمّا يكون، ليس بجائز .

و الثاني هو : أنّ ظاهره خلاف الإجماع، لأنّه يدلّ على وجوب التغنّي في القرآن و لم يقل به أحد، فلا محالة يجب صرفه عن ظاهره، فحينئذٍ كما يمكن حمل الأمر فيه على الاستحباب يمكن حمله على استغنوا، كما روي عنه (صلي الله عليه واله) : «مَن قرأ القرآن فهو غنيّ لا فقر بعده » (3) ؛ فلا دخل له لما نحن فيه، فصار مجملاً،والمجمل لا يصلح للمعارضة .

إن قلت : إنّ الإجمال غير مسلّم، لأنّ المعهود في الأصول أنّه إذا تعذّر حمل اللفظ على الحقيقة، فحمله على أقرب المجازات و أرجحها متعيّن ؛ و هذه القاعدة معيّنة لحمل الأمر في الرواية المذكورة على الاستحباب و السنّة، لأنّ كثرة

ص: 177


1- . في المصدر : فإن لم تبكوا فتباكوا .
2- . سنن ابن ماجة : 1 / 424 ح 1337 ؛ السنن الكبرى : 10 / 231 ؛ مسند أبي يعلى : 2 / 49 ح 689 ؛ كنزالعمّال : 1 / 608 ح 2789 ؛ مجمع البيان : 1 / 46 .
3- . معاني الأخبار : 279 ؛ جامع الأخبار : 114 ح 199 ؛ و رواه في الكافي : 2 / 605 ح 8 ، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، و فيه زيادة : « و إلّا ما به غنًى » .

استعمال الأمر في الاستحباب و شيوعه في ذلک مرجّح لحمله عليه، فلا إجمال .

قلت : كما أنّ كثرة استعمال الأمر في الاستحباب سببٌ لرجحان حمل الأمر فيما نحن فيه عليه، كذا استلزامه لمخالفة أكثر الأصحاب، بل الإجماع - كما عرفت - سببٌ لمرجوحيّة ذلک ؛ و حمل الأمر على ما ذكرنا و إن كان مرجوحًا بالنسبة إلى ندرة الاستعمال، لكنّه راجحٌ بالنسبة إلى عدم استلزامه ما مرّ، فتساويا، إذ لكلّ طرفٍ رجحانٌ و مرجوحيّة .

على أنّا نقول : حمل الأمر في الرواية على الاستحباب غير ممكن، بقرينة قوله (صلي الله عليه واله) : « و مَن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّي » (1) ، لأنّ ترک المستحبّ لا يوجب ذلک بالبديهة، فاللازم حمله إمّا على ما ذكرناه، أو على غيره ممّا يجده الطبع السليم مناسبًا.

والله الهادي إلى طريق الصواب ؛ و عليک بالحذر عن مخالفة الأصحاب .

ص: 178


1- . سنن ابن ماجة : 1 / 424 ح 1337 ؛ السنن الكبرى : 10 / 231 ؛ مسند أبي يعلى : 2 / 49 ح 689 ؛ كنزالعمّال : 1 / 608 ح 2789 ؛ مجمع البيان : 1 / 46 .

ذكر مواضع الخلاف في جواز التغنّي أو عدمه

ثمّ اعلم : أنّه وقع الخلاف بين الأصحاب في جواز التغنّي أو عدمه في مواضع :

التغنّي في العرائس جائز أم لا ؟

الموضع الأوّل : في تغنّي المرأة في العرائس
اشارة

الأوّل : في تغنّي المرأة في العرائس إذا لم تتكلّم بالباطل و لم تعمل بالملاهي ولم يسمع صوتها الأجانب من الرجال، فقد نقل عن جماعةٍ - منهم : الشيخان - إباحة ذلک (1) .

و عن القاضي : أنّه كرهه (2) .

و عن جماعةٍ - منهم : ابن إدريس و العلّامة و غيرهما - المنع من ذلک (3) ؛

ص: 179


1- . النهاية و نكتها : 2 / 103 ؛ النافع : 116 ؛ تحرير الأحكام : 2 / 259 ؛ المختلف 5 / 19 ؛ المسالک :3/126 ؛ و نفى عنه البأس في الروضة : 3 / 213 ؛ و هو الظاهر من الدروس : 3 / 162 ؛ و جامع المقاصد :4/ 23 . وانظر الحدائق الناضرة : 18 / 116 ؛ و مفتاح الكرامة : 12 / 174 ؛ و رياض المسائل : 8 / 62 .
2- . المهذّب : 1 / 346 .
3- . السرائر : 2 / 222 ؛ التذكرة : 12 / 140 ؛ الإرشاد : 1 / 357 ؛ إيضاح الفوائد : 1 / 405 ؛ التنقيح الرائع :2 / 12 ؛ و هو ظاهر المقنعة : 588 ؛ و المراسم : 170 ؛ و الكافي في الفقه : 281 ؛ وانظر مفتاح الكرامة :12/ 175 .

ومستندهم هو ما تقدّم من النصوص الدالّة على تحريم الغناء بعنوان العموم والإطلاق .

و دليل المجوّزين عدّة نصوص، منها : ما رواه أبو بصير في الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : أجر المغنِّية الّتي تَزُفُّ العرائس ليس به بأسٌ، ليست بالّتي يدخل عليها الرجال (1) .

و منها : ما رواه أيضًا عنه (عليه السلام) أنّه قال : المغنّية الّتي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها (2) .

و منها : ما رواه أيضًا عن مولانا الباقر (عليه السلام)، حيث سأله عن كسب المغنّيات، فقال : الّتي يدخل عليها الرجال حرام، والّتي تُدعى إلى الأعراس ليس به بأس (3) .

و الجواب عن استدلال المانعين هو : أنّ النصوص المانعة مخصّصة بهذه النصوص الخاصّة، إلّا أن يقال : إنّ ما دلّ عليه الصحيح المذكور هو عدم البأس بأجر المغنّية، و هو لا يستلزم حلّيّة الغناء، لجواز أن يكون حرامًا و الأجر حلالاً، فلا يصلح ما دلّ على نفي البأس في أجر المغنّية في العرائس لتخصيص النصوص المانعة، لأنّ المخصّص لابدّ أن يكون واضحة الدلالة .

ص: 180


1- . الكافي : 5 / 120 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 161 ح 3589 ؛ الاستبصار : 3 / 62 ح 205 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح1022 ؛ الوسائل : 17 / 121 ح 22146 .
2- . الكافي : 5 / 120 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 62 ح 206 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1023 ؛ الوسائل : 17 /121 ح 22145 .
3- . الكافي : 5 / 119 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 62 ح 207 ؛ التهذيب : 6 / 358 ح 1024 ؛ الوسائل : 17 /120 ح 22144 .

إلّا أن يدّعى الاستقراء في أنّ الشيء إذا كان حرامًا كان أجره أيضًا حرامًا، فإذا ثبت حلّيّة أجر المغنّية في العرائس يكون الغناء أيضًا حلالاً ؛ و قد نصّ جملة من النصوص الدالّة على حرمة الغناء على حرمة ثمن المغنّية ؛ هذا .

مع أنّ الحديثين الأخيرين قد دلّا على عدم البأس بكسب المغنّية في العرائس، و كسبها هو التغنّي .

التغنّي في الحُداء جائز أم لا ؟
الموضع الثاني : في الحُدَاء

و الثاني من تلک المواضع المختلف فيها : الحُدَاء - كدُعاء - و هو الإنشاد الّذي ينساق به الإبل .

و بعبارة أخرى : هو الإنشاد الّذي يحثّ به الإبل على الإسراع في السير.

و المشهور بين الأصحاب - على ما حكاه بعض الأعلام (1) - جواز الغناء فيه ؛ وكان مستندهم ما رواه في الفقيه باسناده في كتاب الحجّ عن السكوني أنّه قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء (2) .

ص: 181


1- . حكاه عنهم في كفاية الأحكام : 1 / 434 ؛ و رياض المسائل : 8 / 63 .
2- . المحاسن : 2 / 358 ح 73 ؛ الفقيه : 2 / 280 ح 2447 ؛ الوسائل : 11 / 418 ح 15149 . جاء فيحاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : خناء، أي : الفحش { الصحاح - خنا - : 6 / 2332 }. و في الفقيه : خنا، و فيالمحاسن : جفاء . قال في الوسائل : « الخنا من معانيه : الطرب، و يأتي ما يدلّ على تحريم الغناء ».

و ضعف السند بالشهرة منجبر، مع أنّ ظاهر الكفاية أنّه مجمع عليه بين الأصحاب، حيث قال :

واستثنى الأصحاب من الغناء المحرّم الحُداء (1) .

و من عجيب ما يناسب المقام ما حكاه بعض الأعلام عن أبي بكر المعروف بالرقي (2) ، قال : أضافني بالبادية بعض قبائل العرب وأدخلني خباءه، فرأيت عبدًا مقيّدًا و رأيت بين يدي البيت أجمالاً ميتة و بقي منها جمل حيّ ناحل زابل، فقال لي العبد : أنت ضيف و سيّدي مكرم للضيف لا يردّ شفاعته، فاشفع لي عساه يحلّ عنّي القيد .

فلمّا حضر الطعام قلت : لا آكل الطعام ما لم أشفع في هذا العبد، فقال : إنّه أفقرني و أتلف جميع مالي . قلت : ماذا فعل ؟ قال : له صوت طيّب و كنت أعيش من ظهور هذه الأجمال، فحملها أحمالاً ثقيلة وحدا بها، فقطعت مسيرة ثلاثة أيّام في ليلة من طيب نغمته .

فلمّا حطّ عنها الأحمال ماتت كلّها إلّا هذا الجمل، و لكن أنت ضيف و قد وهبته لک لكرامتک . فقلت : أحبّ أن أسمع صوته، فلمّا أصبحناه أمره أن يحمل على جمل يستقي عليه من بئر هناک، فلمّا رفع صوته بالحُداء قام ذلک الجمل و قطع حباله و وقعت أنا على وجهي، فما أظنّ أنّي سمعت صوتًا أطيب منه (3) ؛ هذا .

ص: 182


1- . كفاية الأحكام : 2 / 750 .
2- . في تاريخ مدينة دمشق : الدقي .
3- . شرح الأبي والسنوسي على صحيح مسلم : 8 / 56 ؛ تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر : 52 / 439 ؛وسير أعلام النبلاء : 16 / 139 مع اختلاف يسير .

الكلام في الغناء في مراثي الحسين (عليه السلام)

الموضع الثالث : مراثي الحسين (عليه السلام)

و الثالث من تلک المواضع المختلف فيها : مراثي الحسين (عليه السلام) ، فإنّه قد حكي عن بعض الأصحاب استثناء ذلک (1) .

قال في الكفاية بعد نقل هذا القول :

و هو غير بعيد (2) .

أقول : لا يخفى أنّ الشيعة بعد وقوع ذلک الخطر العظيم و الأمر الجسيم قد كانوا مشتغلين بمراثيه (عليه السلام) و في كلّ عصر عصر قد استكثروا في ذلک، فعلى هذا ليس الغناء في مراثيه (عليه السلام) من الأفراد النادرة حتّى لا ينصرف إليها إطلاق النصوص المتقدّمة، فاستثناؤه يحتاج إلى دليل، و ليس .

و ربّما يمكن أن يستدلّ لذلک بفحوى ما دلّ على جواز التغنّي في العرائس كما تقدّم، فإنّه إذا جاز التغنّيّ في العرائس ينبغي أن يجوز فيما نحن فيه بطريق أولى، لأنّ فيه خير الدنيا و الآخرة .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بما يدلّ على جواز النوح عليه مطلقًا، سواء

ص: 183


1- . حكاه عن بعض في جامع المقاصد : 4 / 23 ؛ و قال في الرياض 8 / 63 : « حكي عن قائل مجهول » .
2- . كفاية الأحكام : 1 / 434 ؛ و 2 / 750 .

اشتمل على الغناء، أم لا، لكنّ التعارض بينه و بين الأدلّة المتقدّمة من تعارض العموم من وجه، فيجب الرجوع إلى الترجيح ؛ و قد عرفت أنّه من وجوهٍ مع الأدلّة المانعة، إلّا أن يدّعى أنّ الغالب في النوحة اشتمالها على الغناء، فينصرف إليه إطلاق ما دلّ على جواز النوح عليه (عليه السلام) ، فيكون التعارض بينهما من باب تعارض النصّ و الظاهر ؛ و معلومٌ أنّ النصّ مقدّم .

و اعلم : أنّ استماع الغناء تابعٌ له في التحريم و عدمه، فكلّما كان الغناء حرامًا كان استماعه أيضًا ؛ و كلّما كان جائزًا كان استماعه أيضًا كذلک .

هذا كلّه في الكلام على تحريمه .

الغناء من الكبائر

بقي الكلام في بيان أنّه من الكبائر، فأقول : قد دلّت عليه جملة من النصوص، منها : ما رواه عبدالله بن مسكان، عن محمّد (1) ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغناء ممّا قال الله - تعالى (2) - : ( و مِنَ الناس مَن يشتري لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عن سبيل الله بغير علم و يَتّخِذَها هُزوًا أولئک لهم عذاب مُهين ) (3) .

ص: 184


1- . في الكافي : عن محمّد بن مسلم .
2- . في الكافي : ممّا وعد الله عليه النار، و تلا هذه الآية .
3- . الكافي : 6 / 431 ح 4 ؛ الوسائل : 17 / 304 ح 22599 ؛ و الآية في سورة لقمان : 6 .

و محمّد في هذا السند و إن كان الظاهر أنّه محمّد بن سنان (1) و هو ضعيف، إلّا أنّ سند الحديث إليه معتبر ؛ و قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن عبدالله بن مسكان ؛ على أنّ مضمون هذا الحديث مرويّ بطرق متعدّدة بعضها صحيح .

وجه دلالة الآية على كون الغناء من الكبائر واضح، لأنّ الكبائر قد عرفت أنّها الّتي أوعدها الله - تعالى - عليها بالنار ؛ و قد دلّ الحديث على أنّ الغناء من ذلک، لأنّ العذاب المهين هو عذاب جهنّم .

و منها : ما رواه الحسن بن عليّ الوشّاء قال : سُئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) عن شراء المغنِّية ؟ فقال : قد تكون للرجل الجارية تُلهيه، و ما ثمنها إلّا ثمن كلب، وثمن الكلب سُحتٌ، و السُحت في النار (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّ الحديث دلّ على أنّ ثمن المغنّية في النار ؛ و معلوم أنّه ليس المراد من كون الثمن في النار أنّ نفس الثمن في النار، بل آكله، فدلّ الحديث على أنّ آكل ثمن المغنّية في النار، فيلزم عنه كون المغنّية فيها بطريق أولى .

ثمّ إنّ ذلک إنّما هو لأجل الغناء، فدلّ الحديث على أنّه ممّا يوجب النار، و هو المطلوب، إذ ليس المراد من الكبائر إلّا ذلک .

ص: 185


1- . جاء في حاشية الأصل : « قلت : بل الظاهر أنّه محمّد بن مسلم، و المراد بأبي جعفر هو الباقر (عليه السلام) ، و كونه محمّد بن سنان و أبي جعفر هو الجواد (عليه السلام) بعيدٌ جدًّا، كما لا يخفى على العارف بطبقات الرجال ؛ حرّره حسنخوانسارى ».
2- . الكافي : 5 / 120 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 61 ح 202 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1019 ؛ الوسائل : 17 /124 ح 22154 .

و في سند الحديث : سهل .

و منها : الخبر القريب من الصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : الغناء ممّا وعد الله عليه النار و تلا هذه الآية (1) : ( و من الناس من يشترى لهو الحديث ليُضِلَّ عن سبيل الله بغير علم و يتّخذها هزوًا أولئک لهم عذاب مُهين ) (2) .

و هذا أصرح ممّا تقدّم .

إذا علمت أنّ الغناء من الكبائر، فقد ظهر لک أنّه لا تقبل شهادة فاعله و لو من غير إصرار .

استماع الغناء من الكبائر أم لا ؟

و أمّا استماع الغناء، فحرمته ممّا لا شبهة فيه كما علمت ؛ و أمّا كونه سببًا لتفسيق مستمعه و لو من غير إصرار، فقد ادّعى الإجماع الظاهريّ على ذلک في كشف اللثام (3) .

و قد وردت جملة من النصوص على أنّ استماع الغناء نفاق، أو منبتٌ له ؛ و من الأوّل قد تقدّم ذكره، و من الثاني ما رواه عنبسة عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال :

ص: 186


1- . في الكافي : الغناء ممّا قال الله : ( و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله ).
2- . الكافي : 6 / 431 ح 5 ؛ الوسائل : 17 / 305 ح 22600 ؛ والآية في سورة لقمان : 6 .
3- . كشف اللثام : 10 / 293 .

استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع (1) .

و ربّما يمكن الاستدلال لذلک بما تقدّم من صحيحة مسعدة بن زياد المتقدّمة عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إنّي كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام)، فقال له رجل : إنّي أدخل كنيفًا لي و لي جيران عندهم جوارٍ يتغنّين - إلى أن قال له (عليه السلام): - قم فاغتسل وصلّ (2) ما بدا لک، فإنّک كنت مقيمًا على أمر عظيم ما كان أسوء حالک لو متّ على ذلک، الحديث (3) .

فإنّ قوله (عليه السلام) : « فإنّک كنت مقيمًا على أمرٍ عظيم » ؛ و قوله (عليه السلام) : « و ما كان أسْوَءَ حالک لو مِتَّ على ذلک »، يدلّ على أنّ استماع الغناء من الكبائر، فتأمّل .

الاشتغال بآلات اللهو حرامٌ

8- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ ممّا يحرم أيضًا : الاشتغال بآلات اللهو - كالمزمار والعود والصَنج (4)

ص: 187


1- . الكافي : 6 / 434 ح 23 ؛ الوسائل : 17 / 316 ح 22641 .
2- . في الكافي : و سَلْ .
3- . الكافي : 6 / 432 ح 10 ؛ الفقيه : 1 / 80 ح 177 ؛ التهذيب : 1 / 116 ح 304 ؛ الوسائل : 3 / 331 ح3795 .
4- . جاء في حاشية الأصل : الصنج - كما نقل عن المطرزي { المغرب : 1 / 309 } و الجوهري { الصحاح :1/325 } - هو الّذي يتّخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر . و في المسالک { : 14 / 183 } : و الضَنجَ هوالدفّ المشتمل على الجلاجل ؛ منه .

و غيرها - عندنا كما في كشف اللثام (1) ، لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح أو الحسن قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أنهاكم عن الزَفْن و المِزْمَار و عن الكُوبَات والكَبَرَات (2) .

بيان

قيل :

الزَفن : اللعب و الدفّ، و يزفنون : يرقصون . والمزمار : ما يزمر به، والزمر : التغنّي في القصب . والكُوبة - بالضمّ - يقال للنرد و الشطرنج والطبل الصغير و البربط . و الكبر - محرّكة - : الطبل (3) .

و لقوله (عليه السلام) أيضًا في رواية عمران الزعفرانيّ : مَنْ أنعم الله عليه بنعمة، فجاء عند تلک النعمة بمِزمار فقد كفرها (4) .

ولقوله (عليه السلام) : إيّاک والصَوانجَ(5) فإنَّ الشيطان يركض معک والملائكة تنفر عنک(6) .

ص: 188


1- . كشف اللثام : 10 / 295 .
2- . الكافي : 6 / 432 ح 7 ؛ دعائم الإسلام : 2 / 207 ح 754 ، و فيه : « و عن الكوبات و الكنارات » ؛الوسائل : 17 / 313 ح 22631 .
3- . الوافي : 17 / 211 .
4- . الكافي : 6 / 432 ح 11 ؛ الوسائل : 17 / 127 ح 22160 .
5- . في الفقيه : « و إيّاک والضرب بالصوانيج » ؛ و في فقه الرضا (عليه السلام): « و إيّاک والضربة بالصولجان » ؛ و فيأصل زيد النرسي : « و أمّا ضربک بالصوالج » .
6- . فقه الرضا (عليه السلام) : 284 ؛ الأصول الستّة عشر : 51 ، أصل زيد النرسي ؛ الفقيه : 4 / 59 ح 5093 .

و بالجملة : لا إشكال في حرمة الاشتغال بها و استماع أصواتها و تفسيق الفاعل و المستمع بعنوان الإصرار .

لكنّ الإشكال في أنّه هل يفسقا مطلقًا و لو من غير إصرار، فلا تقبل شهادتهما كذلک، أم يعتبر في الحكم بالتفسيق و عدم قبول الشهادة إصرارهما في فعلها واستماعهما، فلا يضرّ في العدالة فعلها و استماعها من غير إصرار ؟

ظاهر المحقّق و العلّامة (1) الأوّل، لكن إثبات ذلک من حيث الدليل مشكل، لعدم دليل على كونها من الكبائر .

نعم، قد تقدّم فيما كتبه مولانا الرضا (عليه السلام) إلى المأمون في تعداد الكبائر الاشتغال بالملاهي ؛ و لا شکّ أنّ الاشتغال بآلات اللهو كلّها اشتغال بالملاهي، وكذا استماعها، إلّا أنّ بلوغ تلک الرواية في حدّ الحجّيّة فيما نحن فيه غير ظاهر .

و عن الخلاف (2) أنّه استدلّ لذلک - أي : لتفسيق المشتغل بآلات اللهو ومستمعها - بشمول الغناء لها، فيشملها نصوصه .

و ما أفهمه، فالقول بتفسيق الفاعل و المستمع و زوال عدالتهما و لو من غير إصرار مشكل، لعدم ما يصلح دليلاً لذلک .

ص: 189


1- . الشرائع : 4 / 117 ؛ التحرير : 5 / 250 ؛ التذكرة : 12 / 140 .
2- . الخلاف : 6 / 307 ، المسألة 55 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 295 .

الدفّ في العرائس جائز أم لا ؟

ثمّ اعلم : أنّه قد استثنى جمعٌ من الأصحاب - كالمحقّق و العلّامة (1) ، و المحكيّ عن الشيخ و الشهيد و المحقّق الثاني (2) - من جملة آلات اللهو : الدفّ في الأعراس و الختان، فأباحوه فيهما مع الكراهة، لما روي عنه (صلي الله عليه واله) : « أعلنوا النكاح و اضربوا عليه بالغربال » (3) ؛ يعني : الدفّ .

و لقوله (صلي الله عليه واله) أيضًا : « فصل ما بين الحلال و الحرام الضرب بالدفّ في النكاح » (4) .

و التعارض بينهما و بين ما يدلّ على عدم جواز الاشتغال باللهو والدفّ من تعارض المطلق و المقيّد ؛ و معلوم أنّ المطلق يحمل على المقيّد، فيكون مآل الجمع بينهما عدم جواز الدفّ في غير النكاح و جوازه فيه ؛ و هو و إن كان أخصّ من المدّعى، لأنّ المدّعى جواز الدفّ في النكاح و الختان، و مقتضى الجمع المذكور جواز الدفّ في النكاح، إلّا أنّه يضمّ جوازه في الختان أيضًا، لعدم القول بالفصل ظاهرًا .

ص: 190


1- . الشرائع : 4 / 913 ؛ الإرشاد : 2 / 157 ؛ التحرير : 5 / 251 ؛ تلخيص المرام : 311 ؛ القواعد : 3 / 495 .
2- . الخلاف : 6 / 307 ؛ المبسوط : 8 / 224 ؛ الدروس : 2 / 126 ؛ جامع المقاصد : 4 / 24 .
3- . سنن ابن ماجة : 1 / 611 ح 1895 ؛ السنن الكبرى : 7 / 290 ؛ كنز العمّال : 16 / 299 ح 44578 .
4- . مسند أحمد : 4 / 259 ؛ سنن النسائي : 6 / 127 ؛ المستدرک، للحاكم : 2 / 184 ؛ كنز العمّال : 16 / 300ح 44584 .

و فيه نظر، لأنّ المطلق إنّما يحمل على المقيّد إذا كان المقيّد صالحًا للتقييد ؛ وهنا ليس كذلک، لأنّ الحديثين المذكورين كِلَيهما عامّيان، و لم يبلغ فتواهم في المسألة إلى حدّ الشهرة حتّى يجبر بها ضعفهما، فعلى هذا العمل بإطلاق النهي لازم، كما نقل ذلک عن ابن إدريس و عن العلّامة في التذكرة (1) ، و قد اختاره من

المتأخّرين جماعة (2) .

و يمكن أن يستدلّ لجواز الدفّ في العرائس بما دلّ على جواز التغنّي فيها من النصوص المتقدّمة الّتي كانت من جملتها الصحيحة، بناءً على أنّه إذا ثبت جواز التغنّي في العرائس مع كونه من الكبائر كما عرفت، فجواز الدفّ فيها بطريق أولى، لعدم ثبوت كونه من الكبائر كما عرفت .

و هذا و إن دلّ على جواز الدفّ في العرائس، إلّا أنّه يضمّ الختان إليها لما عرفت، لكن هذا إنّما يصحّ إذا لم يقل القائلون بجواز الدفّ فيهما أنّه من الكبائر ؛ والظاهر من المحقّق و العلّامة و كذا الشيخ (3) - على ما حكي عنه - أنّه منها،فلايصحّ التمسّک بما مرّ ؛ و كلام غيرهم من القائلين بجوازه فيهما لم أعثر عليه .

و يمكن أن يقال بصحّة الاستدلال المذكور و إن كان القائلون بجواز الدفّ في العرائس و الختان قالوا بأنّه من الكبائر، بناءً على أنّه لا شکّ في تفاوت مراتب

ص: 191


1- . السرائر : 2 / 215 ؛ التذكرة ( ط . ق ) : 2 / 581 ؛ و نقله عنهما في المسالک : 14 / 184 ؛ و مجمعالفائدة : 12 / 341 ؛ و مفاتيح الشرائع : 2 / 21 ؛ و رياض المسائل : 13 / 266 .
2- . اختاره في الكفاية : 2 / 752 ؛ و كشف اللثام : 10 / 296 ؛ و رياض المسائل : 13 / 266 .
3- . المبسوط : 8 / 224 ؛ الشرائع : 4 / 913 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 251 .

الكبائر في الشدّة، كقتل النفس مثلاً مع السرقة، و الزنا مع المحصنة و غيرها، وهكذا .

فعلى هذا نقول : إنّ الدفّ و إن كان من الكبائر بناءً على القول بذلک، إلّا أنّه يجوز أن يكون حكمه أخفّ من الغناء ؛ و لهذا قد كثرت النصوص بالنسبة إلى مذمّة الغناء، و قد صرّح في بعضها أنّه ممّا وعد الله عليه بالنار كما عرفت، بخلاف الدفّ، فإنّ النصّ في شأنه ليس مثل النصّ في الغناء، و لم يصرّح في نصٍّ أنّه ممّا وعد الله عليه بالنار .

و أيضًا قد اتّفق الأصحاب ظاهرًا على أنّ الغناء من الكبائر، بخلاف الدفّ، فإنّه مختلف فيه في كونه من الكبائر أم لا، فعلى هذا يكون الغناء بالنسبة إليه أشدّ، فإذا ثبت جوازه في النكاح مع كونه أشدّ، فثبوت الدفّ ينبغي أن يكون بطريق أولى .

إن قلت : على فرض تسليم ما ذكر ينبغي أن يكون جميع آلات اللهو جائزًا في النكاح، لتحقّق ما مرّ بالنسبة إلى الجميع .

قلت : الأمر و إن كان كذلک، إلّا أنّه لمّا كان مورد الخبرين هو الدفّ، و كانت الأولويّة لعلّها غير مستقلة في الدلالة، لكنّها صارت معتضدة للروايتين المذكورتين، فلهذا خصّوا الجواز بالدفّ، فتأمّل .

ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى الخبرين المذكورين و الأولويّة المزبورة و إطلاق كلام جماعة من الأصحاب عدم الفرق بين كون الدفّ المستثنى في العرائس ذا صَنج،

ص: 192

أم لا ؛ و عن شيخنا الشهيد و المحقّق الثاني (1) تقييده بالثاني، أي : إذا لم يكن الدفّ مشتملاً على صَنج .

و ذهب إلى هذا التقييد في المسالک أيضًا حيث قال :

واستثنى من ذلک الدفّ الغير المشتمل على الصَنج (2) .

و لعلّ وجهه هو : أنّ الأصل بقاء العموم و الإطلاق على حالهما ؛ و الفرد اليقينيّ من المخصّص في المقام هو الدفّ الغير المشتمل على ما ذكر، فيقتصر في التخصيص عليه اقتصارًا فيما خالف الأصل على الفرد المتيَقّن .

و الجواب عنه : أنّ الروايتين لو سلّمت صلاحيّتهما للتخصيص و التقييد ينبغي أن يقال باستثناء الدفّ مطلقًا، سواء كان مشتملاً على الصَنج، أم لا، لإطلاقهما .

ثمّ إنّ المراد من الصَنج الّذي اشتمل عليه الدفّ - كما حكاه في المجمع عن المطرزي - :

هو الّذي يجعل في أطار الدفّ من النحاس المدوّرة صغارًا، إنتهى (3) .

ص: 193


1- . الدروس : 2 / 126 ؛ جامع المقاصد : 4 / 24 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 183 .
3- . مجمع البحرين : 5 / 59 ؛ وانظر المغرب : 1 / 309 .

لبس الحرير من الكبائر أم لا ؟

9- مسألة

اشارة

قد استفاض نقل الإجماع على حرمة لبس الحرير المحض للرجال ؛ و يدلّ عليه جملة من النصوص، منها : أحلّ الذهب و الحرير للإناث من أمّتي، و حرامٌ على ذكورها (1) .

و قيل في لفظ آخر : هذان محرّمان على ذكور أمّتي (2) .

و منها : قوله (صلي الله عليه واله) : لا تلبسوا الحرير، فإنّ من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة (3) .

و بالجملة : حرمة لبس الحرير المحض للرجال ممّا لا كلام فيه، لكنّ الكلام في أنّه هل هو من الكبائر، فلا تقبل شهادة لابسه و لو من غير إصرار ؛ أم لا، بل من الصغائر، فلبسه من غير إصرار لا يقدح في العدالة، فلا تردّ شهادته إلّا مع الإصرار؟

ص: 194


1- . مسند أحمد : 4 / 393 ؛ سنن النسائي : 8 / 161 ؛ السنن الكبرى : 2 / 425 و 3 / 275 ؛ كنز العمّال : 6 /675 ح 17360 .
2- . مسند أحمد : 1 / 96 و 115 ؛ سنن أبي داود : 2 / 260 ح 4057 ؛ سنن النسائي : 8 / 160 ؛ السننالكبرى، للبيهقي : 2 / 425 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 1190 .
3- . صحيح مسلم : 6 / 140 ؛ سنن النسائي : 8 / 200 ؛ مسند أبي يعلى : 7 / 29 ؛ كنز العمّال : 15 / 318ح 41205 .

ظاهر النافع و الشرائع و الإرشاد و القواعد (1) الأوّل ؛ و هو المحكيّ عن ظاهر

التحرير و التلخيص أيضًا (2) ، و لم نجد دليلاً على ذلک .

و المستفاد من الأدلّة الحرمة، و هي غير مستلزمة لكونه من الكبائر، لاشتراک الصغائر معها فيها، بل مقتضى الأصل العدم، لأنّ العدالة الثابتة الأصل بقاؤها إلى أن ثبت لها رافع يقينيّ، و هو فعل شيءٍ من الكبائر أو الصغائر، لكن مع الإصرار ؛ ولم يثبت كون لبس الحرير من الأوّل لما عرفت، فالأصل بقاء العدالة .

إن قيل : إنّ هذا الأصل معارضٌ بأصالة عدم قبول الشهادة .

قلت : هذا الأصل قد ارتفع حكمه بتحقّق العدالة، لأنّ مفروض المسألة أنّ العدالة الثابتة هل ترتفع بلبس الحرير أم لا ؟ فلا وجه للتمسّک بأصالة عدم قبول الشهادة حينئذ، بل الأصل قبول الشهادة .

إن قلت : إنّ قبول الشهادة غير جائز إلّا مع الاجتناب عن الكبائر، و الاجتناب عنها إنّما يتحقّق إذا اجتنب عن كلّ ما احتمل أنّه كبيرة، فيجب الاجتناب عن لبس الحرير، لاحتمال أنّه من الكبائر ؛ و اللابس له و لو من غير إصرار لا يصدق عليه أنّه اجتنب الكبائر، فلا تقبل شهادته .

قلت :على فرض تسليم ذلک نقول : إنّ هذا إنّما يصحّ إذا علّق قبول الشهادة بالاجتناب عن الكبيرة في النصّ و لم نجده .

ص: 195


1- . المختصر النافع : 279 ؛ الشرائع : 4 / 913 ؛ الإرشاد : 2 / 157 ؛ القواعد : 3 / 495 .
2- . تحرير الأحكام : 5 / 251 ؛ تلخيص المرام : 311 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 10 / 296 .

و على فرض تسليم ذلک نقول : إنّ المتبادر من الاجتناب عن الكبيرة هو ما علم أنّه كبيرة، لا ما احتمل ؛ و لبس الحرير ليس من الأوّل كما عرفت، بل من الثاني، فلا يقدح في العدالة من غير إصرار .

و هذا التحقيق ليس مختصًّا بخصوص هذه المسألة، بل مطّرد في كلّ ما لم يعلم أنّه من الكبائر، فلا تردّ شهادة فاعله من غير إصرار .

ثمّ اعلم : أنّ ما تقدّم من حرمة لبس الحرير إنّما هو في غير حال الحرب والضرورة ؛ و أمّا فيهما، فالجواز أمّا في الأوّل فلموثّقة سماعة بن مهران عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الحرير والديباج، فقال : أمّا في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل (1) .

و قول مولانا الباقر (عليه السلام) فيما روي عن الحميري في قرب الإسناد عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان : إنّ عليًّا (عليه السلام) كان لا يرى بلباس الحرير والديباج - إذا لم يكن فيه تماثيل (2) - بأسًا (3) .

و بهما يخصّص إطلاق ما يدلّ على حرمة لبسه .

و لتحقيق المقام موضع أليق، و لهذا نكتفي في هذا المقام بما ذكر .

و أمّا في الثاني - أي : جواز اللبس في حال الضرورة - فواضح، لأنّ

ص: 196


1- . الكافي : 6 / 453 ح 3 ؛ الاستبصار : 1 / 386 ح 1466 ؛ التهذيب : 2 / 208 ح 816 ؛ الوسائل : 4 /372 ح 5425 .
2- . في المصدر : إذ لم يكن فيه التماثيل .
3- . قرب الإسناد : 103 ح 347 ؛ و عنه في الوسائل : 4 / 372 ح 5427 .

الضرورات تبيح المحظورات .

ثمّ لا يخفى أنّ التحريم فيما كان مختصّ باللبس، فلا بأس بالتُكأة عليه والافتراش به و لو في حال الاختيار، للأصل .

و اختصاص الموجب للخروج عنه باللبس إمّا لكونه المتبادر منه و إن لم يكن اللبس مذكورًا، أو لكونه مذكورًا فيه كما تقدّم .

و لصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن فراش حرير (1) و مثله من الديباج، و مصلّى من حرير (2) و مثله من الديباج، هل يصلح للرجل النوم عليه و التُكَأَة (3) و الصلاة عليه ؟ قال : يفترشه (4) و يقوم عليه، ولايسجد عليه (5) .

خلافًا للمحكيّ عن المبسوط و الوسيلة (6) .

ص: 197


1- . في الكافي : الفراش الحرير .
2- . في الكافي : والمصلّى الحرير .
3- . في قرب الإسناد : والاتكاء .
4- . في قرب الإسناد : يفرشه .
5- . قرب الإسناد : 185 ح 687 ؛ الكافي : 6 / 477 ح 8 ؛ التهذيب : 2 / 373 ح 1553 .
6- . المبسوط : 1 / 168 ؛ الوسيلة : 367 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 3 / 221 .

لبس الذهب و التختّم به حرام على الرجال

10- مسألة

اشارة

و ممّا يحرم على الرجال أيضًا لبس الذهب بلا خلاف كما صرّح به بعضهم (1) ، لما تقدّم من النبويّ من أنّ : أحلّ الذهب و الحرير للإناث من أمَّتي و حرامٌ على ذكورها (2) .

و لقول مولانا الصادق (عليه السلام) في خبر موسى بن أُكَيل النُمَيري (3) : جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه (4) .

و فيما رواه عمّار : لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنّة (5) .

و في تخصيصه النهي عن لبس الذهب بالرجل دلالةٌ على جواز لبسه للنساء،

ص: 198


1- . انظر الإرشاد : 2 / 157 ؛ والقواعد : 3 / 495 ؛ والدروس : 2 / 126 ؛ والمسالک : 14 / 195 ؛ والرياض :13 / 268 .
2- . مسند أحمد : 4 / 393 ؛ سنن النسائي : 8 / 161 ؛ السنن الكبرى : 2 / 425 و 3 / 275 ؛ كنز العمّال : 6 /675 ح 17360 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : رواه في التهذيب في باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان منالأصل، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن رجل، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن عليّ بن عقبه عن موسىبن أكيل النميري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الحديد : انّه حلية أهل النار، و الذهب حلية أهل الجنّة، و جعل اللهالذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه .
4- . التهذيب : 2 / 227 ح 102 ؛ الوسائل : 4 / 414 ح 5569 .
5- . التهذيب : 2 / 372 ح 1548 ؛ الوسائل : 4 / 413 ح 5568 .

كما دلّ عليه النبويّ (صلي الله عليه واله) و خبر موسى بن أكيل، إلّا أنّ تعليله (عليه السلام) بقوله : « لأنّه من لباس أهل الجنّة » يدلّ على عدم جوازه، لكنّه لا يصلح، لمعارضة ما دلّ على الجواز.

ثمّ إنّ ما مرّ من التحريم للرجال شاملٌ للتَّخَتُّم به أيضًا، لقول مولانا الصادق (عليه السلام) فيما رواه الجَرَّاح المَدائني عنه من أنّه قال : لا تجعل في يدک خاتمًا من ذهب (1) .

و قوله (عليه اللام) فيما رواه روح بن عبد الرحيم عنه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تختّم بالذهب، فإنّه زينتک في الآخرة (2) .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ المستفاد ممّا ذكر حرمة لبس الرجال للذهب، لا أنّه من الكبائر، فعلى هذا لبسه من غير إصرار غير مضرّ في العدالة ؛ و لا تردّ بسببه الشهادة .

و ظاهر عبارة النافع و القواعد و مثلهما (3) أنّه من الكبائر ؛ و لا دليل على ذلک، لما عرفت من عدم دلالة الحرمة على ذلک، بل مقتضى الأصل أنّه من الصغائر على ما سبق تحقيقه .

و لهذا قال بعض المحقّقين من المتأخّرين :

ص: 199


1- . الكافي : 6 / 469 ح 7 ؛ الوسائل : 4 / 413 ح 5566 .
2- . الكافي : 6 / 468 ح 5 ؛ و عنه في الوسائل : 4 / 412 ح 5565 ؛ و رواه في « الفقيه : 1 / 253 ح 775 »عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ النبىّ (صلي الله عليه واله) قال لعليّ (عليه السلام): إنّي أحبّ لک ما أحبّ لنفسي، و أكره لک ماأكره لنفسي، فلا تتختم بخاتم ذهب، فإنّه زينتک في الآخرة، الحديث .
3- . انظر المختصر النافع : 279 ؛ والقواعد : 3 / 495 ؛ والإرشاد : 2 / 157 ؛ والدروس : 2 / 126 .

أنّه يمكن أن يكون مرادهم أنّ قدحه في العدالة باعتبار الإصرار، ولاينافيه إطلاق عبائرهم، لقوّة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في العدالة، من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار أيضًا، أو الاكتفاء فيه بالمرّة الواحدة ؛ و إنّما أحالوا تشخيص ذلک إلى الخلاف في زوال العدالة بكلّ ذنب، أو بالكبائر منها خاصّة، و ملاحظة الفقيه كلّاً من المحرّمات المزبورة مع أدلّتها، و أنّها ما تفيد كونها كبائر أو صغائر، وعليه العمل بمفادها كيفما اقتضاه مذهبه في تلک المسألة (1) .

من الأمور المحرّمة : الحسد

11- مسألة

اشارة

و ممّا يحرم أيضًا الحسد ؛ و هو : تمنّي زوال النعمة عن الغير، سواء قصد بلوغها إليه، أم لا، فالحاسد هو الّذي يتمنّي زوال النعمة عن غيره (2) .

و حرمتها مجمع عليها ؛ و يدلّ عليها وصيّته (صلي الله عليه واله) لعليّ (عليه السلام) : يا عليّ أنهاک عن ثلاث خصال : الحسد والحرص و الكبر (3) .

ص: 200


1- . رياض المسائل : 13 / 268 .
2- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 184 .
3- . الخصال : 125 ح 121 ؛ الفقيه : 4 / 360 ؛ روضة الواعظين : 424 ؛ الوسائل : 15 / 367 ح 20762 .

و صحيحة داود الرقّيّ قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : اتّقوا الله و لا يحسد بعضكم بعضًا (1) .

و صحيحة أخرى عنه (عليه السلام) أيضًا قال : قال الله - عزّوجلّ - لموسى بن عمران (عليهماالسلام) : يابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيک إلى ذلک، و لا تتبعه نفسک، فإنّ الحاسد ساخطٌ لنِعَمي، صادٌّ لِقَسْمِي الّذي قسمتُ بين عبادي، و من يک كذلک فلست منه و ليس منّي (2) .

و صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه قال : إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب (3) .

و مثله رواية القاسم بن سليمان عن جراح المدائنيّ عن أبي عبدالله (عليه السلام) (4) .

و رواية (5) معاوية بن وهب عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : آفة الدين الحسد والعجب و الفخر (6) .

و ما ورد من أنّ ستّة يدخل النار قبل الحساب بستّة، منهم العلماء بالحسد (7) .

ص: 201


1- . الكافي : 2 / 306 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 365 ح 20756 .
2- . الكافي : 2 / 307 ح 6 ؛ الوسائل : 15 / 366 ح 20759 .
3- . الكافي : 2 / 306 ح 1 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 365 ح 20254 .
4- . الكافي : 2 / 306 ح 2 ؛ الوسائل : 15 / 365 ح 20755 .
5- . جاء في حاشية الأصل : هذه النصوص المذكورة بجملتها مرويّة في الكافي في كتاب الإيمان و الكفر فيباب الحسد ؛ منه .
6- . الكافي : 2 / 307 ح 5 ؛ الوسائل : 15 / 366 ح 20758 .
7- . جامع الأخبار : 392 ؛ الاختصاص : 234 ؛ كنز العمّال : 16 / 87 ح 44031 ؛ كشف الغمّة : 2 / 424،وفيه : و الفقهاء بالحسد .

الحسد من الكبائر أم لا ؟

ثمّ إنّه يستفاد من جملة من هذه النصوص أنّه من الكبائر، فينقدح في العدالة مطلقًا و لو من غير إصرار .

و قد صرّح الفاضل المجلسيّ { بأنّ } المشهور أنّ إظهار الحسد من الكبائر (1) .

وإطلاق بعض هذه النصوص و العموم في بعضٍ يشمل ما لو كان المحسود كافرًا أيضًا .

هذا إذا تمنّى زوال النعمة من المال و الفضل و الحسن و الصوت و غيرها عن الغير ؛ و أمّا لو لم يتمنّي زوالها عن الغير، بل أراد مثلها له، فليس ذلک من الحسد في شيء، بل هو المسمّى بالغبطة (2) ؛ و هي محمودة كما يظهر من الأدعية منهم (عليهم السلام) ؛ و يدلّ عليه رواية (3) فضيل بن عياض عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إنّ المؤمن يغبط و لا يحسد، و المنافق يحسد و لا يغبط (4) .

في تحريم بُغض المؤمن

ثمّ اعلم أيضًا : انّ ممّا يحرم : بُغض المؤمن، قال في الصحاح و القاموس :

ص: 202


1- . صرّح به في بحار الأنوار : 70 / 238 ؛ و مرآة العقول : 10 / 158 .
2- . انظر كشف الريبة : 59 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : مرويّة في الكافي في الباب المذكور .
4- . الكافي : 2 / 307 ح 7 ؛ الوسائل : 15 / 366 ح 20760 .

البُغض بالضمّ : ضدّ الحبّ (1) .

و المستفاد منهما و من العرف أنّه نوع عداوة، قال في المسالک :

لا خلاف في تحريم هذين الأمرين - أي الحسد و البغض - و التهديد عليهما في الأخبار مستفيض ؛ و هما من الكبائر .

ثمّ قال : و المراد ببغض المؤمن : كراهته و استثقاله لا بسبب (2) دينيّ - كفسق - فيبغضه لأجله، سواء قاطعه مع ذلک، أم لا ؛ فإن هجره فهما معصيتان ؛ و قد يحصل كلّ منهما بدون الآخر (3) .

و اعترض عليه المقدّس الأردبيلي (رحمه الله) بأنّ :

مجرّد الاستثقال ليس ببغض، لا لغة و لا عرفًا، و لو كان ذلک لأشكل الأمر، إذ قد يثقل شخص على النفس لا بسبب دينيّ، بل ليس له ميل إلى اختلاطه، بل اختلاط أحد لا بسبب، بل هكذا يقتضي طبعه، أو قد يكون بسبب غير دينيّ، مثل شغله عن أمره و لو كان من أكله و شربه و سائر لذّاته، و بالجملة هو معنى تجده في النفس غير الّذي فسّر به .

ثمّ إنّه بالتفسير الّذي ذكره يحتمل تحريم بغض غير المؤمن أيضًا، فإنّه إذا أبغض غيره لدنيا (4) فليس له وجه معقول يقتضي اختصاص عدم

ص: 203


1- . الصحاح : 3 / 1066 ؛ القاموس المحيط : 2 / 325 .
2- . في المصدر : لسبب .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 184.
4- . في بعض نسخ المصدر : للدنيا .

تحريمه .

إلى أن قال :

و أمّا تحريم بغض المؤمن بخصوصه الّذي (1) ادّعي استفاضة الأخبار في ذلک، فليس يحضرني الآن شيء منها، نعم ما ورد في الهجر و غيره من حقوق الإيمان، و تحريم الحجاب عنه، يدلّ عليه بالطريق الأولى، مثل رواية المفضّل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أيّما مؤمن كان بينه و بين مؤمن حجاب ضرب الله بينه و بين الجنّة سبعين ألف سُور، غِلَظُ كلّ سُور مسيرة ألف عام ما بين السُور إلى السور مسيرة ألف عام (2) .

و رواية أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداک ما تقول في مسلم أتى مسلمًا (3) و هو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه ؟ قال : يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلمًا زائرًا أو طالب حاجة و هو في منزله فاستأذن عليه فلم يأذن له (4) و لم يخرج إليه، لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا . فقلت : جعلت فداک في لعنة الله حتّى يلتقيا؟ قال : نعم يا أبا حمزة (5) .

ص: 204


1- . في المصدر : و أمّا الأخبار الدالّة على تحريم بغض المؤمن بخصوصها الّتي .
2- . الكافي : 2 / 365 ح 3 .
3- . في المصدر : مسلمًا زائرًا .
4- . « فلم يأذن له » لم يرد في المصدر .
5- . الكافي : 2 / 365 ح 4 .

و قد ورد في الرواية عن الرضا (عليه السلام) : في زمن يوشع بن نون افترق (1) ثلاثة من المؤمنين بسبب أن جاء إليه مؤمن آخر و دقّ عليهم الباب، فخرج غلام إليه و قال : إنّ مولاه ليس في البيت و هو في البيت مع اثنين آخرين و رجع ذلک و ذهب الغلام إليهم و أخبرهم به، فما تكلّموا و لم يقولوا لأيّ شيء فعلت ؟

ثمّ من الصباح جاء إليهم و ما اعتذروا إليه و ذهبوا جميعًا إلى ضيعة، فجاء النار في الطريق و احترق الثلاثة، بقي الواحد متحيّرًا و سأل يوشع قال : بسببک و قال : أنا جعلتهم في حلّ، قال : لو كان قبل هذا لنفعهم ولعلّ ينفعهم بعد ذلک (2) .

فانظر يا أخي و تأمّل في هذه ؛ و منه يعلم حال الباغض له ما علم، إنتهى كلامه أعلى الله مقامه (3) .

ثمّ اعلم : أنّ ما يدلّ عليه كلام شيخنا في المسالک من تحريم الهجر مطلقًا و إن لم يكن بسبب بغض، مشكل، بل الحقّ العدم إلّا إذا كان الهجر مع البغض ؛ و لهذا اعترضه الفاضل المقدّس المذكور بأنّه ليس كذلک، فقال :

إنّ تحريم الهجر مطلقًا غير معلوم أنّه مذهب الأصحاب (4) ، و لهذا ترى

ص: 205


1- . في المصدر : احترق .
2- . انظر الكافي : 2 / 364 ح 2، باب من حجب أخاه المؤمن، منقول هنا بالمعنى، فلاحظ .
3- . مجمع الفائدة و البرهان : 12 / 346 .
4- . في المصدر : للأصحاب .

أنّه واقع من الصلحاء و الأتقياء، بل الأنبياء و الأولياء، بل لا يمكن العمل به - أي بما دلّ على تحريم الهجر مطلقًا - فإنّ المؤمنين كثيرون، و إذا كان هجر كلّ واحد حرامًا، فلا يشتغل بشيء إلّا التزاور، فلا يشتغل بغيره إلّا قليل .

نعم، الرواية في مذمّة الهجر كثيرة، لعلّها محمولة على المهاجرة على طريق الغيظ و البغض و العداوة، مثل صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : لا هجرة فوق ثلاث (1) .

و يؤيّد ما قلناه أنّ في أكثر الأخبار إشارةٌ إلى ذلک، مثل رواية أحمد بن محمّد بن خالد، قال في رواية (2) المفضّل : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لايفترق رجلان على الهِجران إلّا استوجب أحدهما البراءة و اللعنة وربّما استحقّ ذلک كلاهما، فقال له مُعَتِّب : جعلني الله فداک هذا الظالم، فما بال المظلوم ؟ قال : لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته و لا يتغامس (3) له

ص: 206


1- . الكافي : 2 / 344 ح 2 ؛ الوسائل : 12 / 260 ح 16251 .
2- . في المصدر : وصيّة .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « غمس الشيء : أخفاه كأغمسه، و الغَمس أيضًا : أن تري أنّک لا تعرفالأمر، و أنت تعرفه ؛ ق » ؛ ( في القاموس : عمس الشيء : أخفاه، كأعمسه، والعمس، إلى آخره ؛ انظرالقاموس المحيط : 2 / 233 . و في هامش أصول الكافي : 2 / 344 ، باب الهجرة، طبع الآخوندي، هكذا :في أكثر النسخ بالغين المعجمة، والظاهر أنّه بالمهملة كما في بعضها، و في القاموس : تعامس : تغافل، و عليّ :تعامى عليّ ؛ و بالمعجمة : غمسه في الماء، أي : رمسه، و الغميس : الليل المظلم ؛ مرآة العقول، إنتهى ما فيالهامش ).

عن كلامه، سمعت أبي (عليه السلام) يقول : إذا تنازع اثنان فعازّ (1) أحدهما الآخر، فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتّى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم، حتّى يقطع الهجران بينه و بين صاحبه، فإنّ الله - تبارک و تعالى - حَكَمٌ عدل يأخذ للمظلوم من الظالم (2) .

و رواية داود بن كثير، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : قال أبي : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أيّما مسلمين تهاجرا، فمكثا ثلاثًا، لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام و لم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنّة { يوم الحساب } (3) .

- بيان (4) : الظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : « و لم يكن بينهما ولاية » عطفٌ على قوله (عليه السلام) : « فمكثا »، أي : أيّما مسلمين تهاجرا و لم يكن بينهما، إلى آخره ؛ أو عطفٌ على : « تهاجرا »، أي : أيّما مسلمين لم يكن بينهما ولاية - .

و حسنة زرارة (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلک استلقى على قفاه

ص: 207


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « عزّه كمدّه : غلبه { في المعازة }، و في الخطاب : غالبه، كعازّه ؛ ق »(القاموس المحيط : 2 / 182 ).
2- . الكافي : 2 / 344 ح 1 ؛ تحف العقول : 514 ؛ الوسائل : 12 / 261 ح 16253 .
3- . الكافي : 2 / 345 ح 5 ؛ الوسائل : 12 / 262 ح 16255 .
4- . هذا البيان من السيّد المؤلّف (قدس سره) .
5- . الكافي : 2 / 346 ح 6 .

و تمدّد .

ثمّ قال : فزت، فرحم الله امرء ألّف بين وليّين لنا، يا معاشر المؤمنين تألّفوا و تعاطفوا (1) .

أذيّة المؤمنين و تحقيرهم من الكبائر

و من الأمور المحرّمة : أذيّة المؤمنين و تحقيرهم، بل هي من الكبائر، فينقدح في العدالة و لو من غير إصرار، لصحيحة هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : قال الله - عزّوجلّ - : ليأذن بحرب منّي مَن أذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي مَن أكرم عبدي المؤمن (2) .

و رواية مفضّل بن عمر قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصُدود (3) لأوليائي ؟ فيقوم قومٌ ليس على وجوههم لَحم، فيقال :

ص: 208


1- . مجمع الفائدة و البرهان : 12 / 344 - 346 . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال لأبي ذرّ : يا أباذرّ إيّاک و هجران أخيک، فإنّ العمل لا يتقبّل مع الهجران ؛ يا أباذرّ أنهاک عن الهجران، فإنكنت لابدّ فاعلاً فلاتهجره ثلاثة أيّام كملاً، فمن مات فيها مهاجرًا لأخيه كانت النار أولى به ( الوافي : 26 /199 ؛ الوسائل : 12 / 264 ح 16262 عن محمّد بن الحسن في المجالس والأخبار ؛ مكارم الأخلاق :471 ؛ بحار الأنوار : 74 / 90 ).
2- . المحاسن : 1 / 97 ح 61 ؛ الكافي : 2 / 350 ح 1 ؛ و في ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 238 عنهشام بن سالم عن المعلّى بن خنيس قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) ، الحديث .
3- . صدّ عنه صدودًا، أي : أعرض ؛ و صدّه عن الأمر صدًّا : منعه و صرفه عنه . أي : أين المعرضون عن الأولياءالمعادون لهم، أو أين المانعون لهم عن حقوقهم، أو أين المستهزؤون بهم . و في بعض نسخ المصدر : أينالمؤذون لأوليائي ؛ و في بعضها : أين الضدود لأوليائي .

هؤلاء الّذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم و عانَدوهم و عَنّفوهم في دينهم، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم (1) .

و مرسلة محمّد بن أبي حمزة عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن حقّر مؤمنًا مسكينًا أو غير مسكين لم يزل الله - عزّوجلّ - حاقرًا له ماقتًا له حتّى يرجع عن محقرته إيّاه (2) .

و في سندها : ابن أبي عمير، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه .

إخافة المؤمنين من الكبائر

و من الأمور المحرّمة أيضًا : إخافة المؤمنين، لما رواه عبدالله بن سنان عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : مَن نظر إلى مؤمن نظرة لِيُخيفه بها، أخافه الله - عزّوجلّ - يومَ لا ظِلّ إلّا ظِلّه (3) .

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه، عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : مَن أعان على مؤمن بشطر كلمة لقى الله - عزّوجلّ - يوم القيامة مكتوب بين عينيه

ص: 209


1- . الكافي : 2 / 351 ح 2 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 257 ؛ الوسائل : 12 / 264 ح 16264 .
2- . الكافي : 2 / 351 ح 4 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 250 ؛ الوسائل : 12 / 267 ح 16273 .
3- . الكافي : 2 / 368 ح 1 ؛ الوسائل : 12 / 303 ح 16362 .

آيس من رحمة الله (1) .

و رواية أبي إسحاق عن بعض الكوفيّين، عنه (عليه السلام) أيضًا قال : مَن رَوّع مؤمنًا بسلطان ليصيبه منه مكروه ولم يصبه (2) ، فهو في النار ؛ و مَن روّع مؤمنًا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه، فهو مع فرعون و آل فرعون في النار (3) .

و يظهر من الأخيرين أنّها من الكبائر .

من الأمور المحرّمة : النميمة

و من الأمور المحرّمة أيضًا : النميمة، لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : ألا أنبّئكم بشِراركم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : المَشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون (4) للبُرَآء المعايب (5) .

و صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : مُحَرّمةٌ الجنّةُ على القَتّاتين المَشّائين بالنميمة (6) .

ص: 210


1- . المحاسن : 1 / 103 ؛ الكافي : 2 / 368 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 276 ؛ الفقيه : 4 / 94 ح5157 ؛ الوسائل : 12 / 304 ح 16366 و 305 ح 16368 .
2- . في المصدر : فلم يصبه .
3- . الكافي : 2 / 368 ح 2 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 256 ؛ الوسائل : 12 / 303 ح 16363 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : الظالمون .
5- . الكافي : 2 / 369 ح 1 ؛ الخصال : 183 ح 249 ؛ الفقيه : 4 / 375 ؛ الوسائل : 12 / 306 ح 16369 .
6- . الكافي : 2 / 369 ح 2 ؛ الوسائل : 12 / 306 ح 16370 .

بيان

« رجلٌ قَتَّات و قَتُوت و قِتِّيتَي : نَمّامٌ، أو يسّمّع أحاديث الناس من حيث لايعلمون، سواء نمّها، أو لم يَنِمّها » ؛ كذا نقل عن النهاية (1) .

و رواية أبي الحسن الاصبهاني ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أميرالمؤمنين - صلوات الله عليه - : شراركم المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، المبتغون للبراء المعائب (2).

بيان

النميمة هي : نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد ؛ و قد نمّ الحديث ينمّه فهو نمّام، و الإسم : النميمة ؛ و نمّ الحديث : إذا ظهر، فهو متعدّ و لازم (3) .

و روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال لأبي ذرّ : يا أباذرّ لا يدخل الجنّة قتّات ؛ قلت : وما القتّات ؟ قال : النمّام ؛ يا أباذرّ صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله -عزّوجلّ - في الآخرة (4) .

ص: 211


1- . هذه عبارة القاموس المحيط : 1 / 154 ؛ و لم نجدها في النهاية و لا في غيرها .
2- . الكافي : 2 / 369 ح 3 ؛ الوسائل : 12 / 306 ح 16371 .
3- . النهاية في غريب الحديث و الأثر : 5 / 120 .
4- . الأمالي، للشيخ الطوسيّ : 537 ح 1162 ؛ مكارم الأخلاق : 470 ؛ و عن الأمالي في الوسائل : 12 / 307ح 16372 .

من الأمور المحرّمة : إطاعة المخلوق في معصية الخالق

و من الأمور المحرّمة أيضًا : إطاعة المخلوق في معصية الخالق .

و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام9 أنّه قال : لا دين لمن دان بطاعةِ مَن عصى الله - تعالى (1) .

و رواية السكوني عن مولانا الصادق، عن أبيه (عليهماالسلام) ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله): من أرضى سلطانًا (2) بسخط (3) الله خرج من دين الله (4) .

من الأمور المحرّمة : مجالسة أهل المعاصي

و من الأمور المحرّمة أيضًا : مجالسة أهل المعاصي .

ص: 212


1- . الكافي : 2 / 373 ح 4 ؛ الأمالي، للشيخ المفيد : 308 ح 7 ؛ الاختصاص : 258 ؛ الأمالي، للشيخ الطوسيّ :78 ح 114 ؛ و عن الكافي في الوسائل : 16 / 152 ح 21220 ؛ كنز العمّال : 16 / 65 ح 43956 .
2- . في الوسائل : سلطانًا جائرًا .
3- . في العيون و تحف العقول : بما يسخط .
4- . الكافي : 2 / 373 ح 5 ؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 74 ح 318 ؛ تحف العقول : 57 ؛ مشكاة الأنوار فيغرر الأخبار، للشيخ عليّ الطبرسي : 547 ؛ الوسائل : 16 /5 153 ح 21223 ؛ كنز العمّال : 6 / 70ح 14888 .

و يدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم ؛ قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : المرء على دين خليله و قرينه (1) .

و رواية الجعفري (2) قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : ما لي رأيتک عند عبدالرّحمن بن يعقوب ؟ فقال : إنّه خالي، فقال : إنّه يقول في الله قولاً عظيمًا، يصف الله و لا يوصف، فإمّا جلست معه و تركتنا، و إمّا جلست معنا و تركته ؟ فقلت : هو يقول ما شاء، أيّ شيء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول ؟

فقال أبوالحسن (عليه السلام) : أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعًا ؟ أما علمت بالّذي كان من أصحاب موسى (عليه السلام) و كان أبوه من أصحاب فرعون، فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى، فمضى أبوه حتّى (3) يراغمه (4) حتّى بلغا طرفًا من البحر، فغرقا جميعًا، فأُتى موسى (عليه السلام) الخبر، فقال : هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دفاع (5) .

و رواية عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن كان يؤمن بالله

ص: 213


1- . الكافي : 2 / 375 ح 3 ؛ الوسائل : 12 / 48 ح 15610 .
2- . الجعفريّ هو أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ، و هو من أجلّة أصحابنا، و يقال : إنّه لقى الرضا إلى آخرالأئمّة (عليهم السلام) ؛ و أبو الحسن يحتمل الرضا و الهاديّ (عليهما السلام) ؛ و يحتمل أن يكون سليمان بن جعفر الجعفريّ، كماصرّح به في مجالس المفيد ( عليّ أكبر الغفّاري ).
3- . في المصدر : و هو يراغمه .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : المراغمة : الهجران و التباعد .
5- . الكافي : 2 / 374 ح 2 ؛ الأمالي، للشيخ المفيد : 112 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 360 ح 21513 .

واليوم الآخر فلا يجلس مجلسًا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن (1) .

و صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن قعد عند سبّاب لأولياء الله، فقد عصى الله (2) .

اعلم : أنّه قد وردت جملة من النصوص في عدم إعانة المؤمن إذا استعان مع القدرة على الإعانة بعضها و إن دلّ على الحرمة، لكنّه بحسب السند غير نقيّ، مثل ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أيّما رجل من شيعتنا أتى رجلاً من إخوانه، فاستعان به في حاجة (3) ، فلم يُعِنْه و هو يقدر، إلّا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا، يُعذّبه الله عليها يوم القيامة (4) .

و في سنده محمّد بن عيسى عن يونس .

و ما رواه فرات بن أحنف عنه (عليه السلام) أيضًا أنّه قال : أيّما مؤمن منع مؤمنًا شيئًا ممّا يحتاج إليه و هو يقدر عليه مِن عنده أو مِن عند غيره، أقامه الله يوم القيامة مسودًّا وجهه، مُزْرَقَّةً عيناه، مَغلُولةً يداه إلى عنقه، فيقال : هذا الخائن الّذي خان الله ورسوله، ثمّ يؤمر به إلى النار (5) .

ص: 214


1- . الكافي : 2 / 377 ح 9 ؛ الوسائل : 16 / 261 ح 21515 .
2- . الكافي : 2 / 379 ح 14 ؛ الوسائل : 16 / 260 ح 21510 .
3- . في الكافي : في حاجته .
4- . المحاسن : 1 / 99 ح 68 ؛ الكافي : 2 / 366 ح 2 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 249 ؛ الوسائل :16/ 385 ح 21832 .
5- . المحاسن : 1 / 100 ح 71 ؛ الكافي : 2 / 367 ح 1 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 239 ؛ عوالياللّألئ : 1 / 360 ح 37 ؛ الوسائل : 16 / 388 ح 21836 .

و في سنده محمّد بن سنان و فرات بن أحنف .

و ما رواه عليّ بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمةٌ من الله - عزّوجلّ - ساقها إليه، فإن قبل ذلک فقد وصله بولايتنا، و هو موصول بولاية الله - عزّوجلّ - فإذا (1) ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شُجَاعًا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة (2) .

و في سنده معلّى بن محمّد .

و ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر - صلوات الله عليه - قال : قلت له : جعلت فداک، ما تقول في مسلم أتى مسلمًا زائرًا (3) و هو في منزله، فاستأذن عليه ولم يأذن له و لم يخرج إليه ؟ قال : يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلمًا زائرًا أو طالب حاجة و هو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له و لم يخرج إليه (4) ، لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا ؛ فقلت : جعلت فداک، في لعنة الله حتّى يلتقيا ؟ قال : نعم يا أبا حمزة (5) .

و في سنده يحيى بن المبارک .

و من النصوص ما رواه سدير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لم يَدَعْ رجلٌ مَعُونَةَ

ص: 215


1- . في المصدر : و إن .
2- . مسائل عليّ بن جعفر : 338 ح 833 ؛ الكافي : 2 / ص 196 ح 13 و ص 368 ح 4 ؛ الاختصاص : 250 ؛الوسائل : 16 / 360 ح 21761 .
3- . في المصدر : مسلمًا زائرًا أو طالب حاجة .
4- . في المصدر : فاستأذن له و لم يخرج إليه .
5- . الكافي : 2 / 365 ح 4 ؛ الوسائل : 12 / 229 ح 16161 .

أخيه المسلم حتّى يسعى فيها و يواسيه إلّا ابتُلى بمعونة مَن يأثم و لا يؤجر (1) .

و مثله غيره (2) .

و هما مع ضعف سندهما دلالتهما على الحرمة غير مسلّمة .

من الأمور المحرّمة : الغيبة

و من الأمور المحرّمة أيضًا : الغيبة ؛ و هي كما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) بعد أن سئل عنها، فقال (صلي الله عليه واله) : أن تذكر أخاک بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، و إن لم تكن فيه { فقد} بهته (3) .

و المراد أن تذكر أخاک في حال غيبته، و هو ظاهر ؛ و ما ذكره (صلي الله عليه واله) في حدّ الغيبة هو الّذي يناسبه اللفظ و يوافقه الاعتبار .

و أمّا ما دلّ عليه رواية داود بن سِرْحَان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الغِيبة ؟ قال : هو أن تقول لأخيک في دينه ما لم يَفعَل و تَبُثَّ عليه أمرًا قد ستره الله عليه

ص: 216


1- . الكافي : 2 / 366 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 249 ؛ الوسائل : 16 / 386 ح 21833 .
2- . مثل ما رواه حسين بن أمين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته{ إلّا } ابتلى بمعونة من يأثم عليه و لا يؤجر « الكافي : 2 / 366 ح 1 » ؛ و رواه في « المحاسن : 1 / 99 »عن حسين بن أنس، عن أبي جعفر (عليه السلام) ؛ و رواه في « ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 249 » عن الحسينبن أبان عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثله .
3- . الأمالي، للشيخ الطوسيّ : 537 ح 1162 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 280 ح 16308 ؛ مسند أحمد : 2 /230 و 384 ؛ صحيح مسلم : 8 / 21 ؛ سنن أبي داود : 2 / 450 ؛ سنن الترمذي : 3 / 221 ح 1999 .

لم يقم فيه عليه (1) حدّ (2) ؛ حيث إنّ ظاهرها خلاف ما مرّ، فهي خلاف العقل، لأنّ العقل قاطعٌ بقبح ذكرک أخيک في حال غيبته ما يكرهه إن ذكرته في حضوره مطلقًا، سواء كان فعله، أو لم يفعله .

و أيضًا تدلّ على أنَّ بثّ الأمر الّذي فيه حدّ ليس بغيبة مطلقًا إن لم يتمكّن من إثباته شرعًا، و لا يخفى ما فيه .

و بالجملة : قد عرفت أنّ الغيبة هي أن تذكر أخاک ما يكرهه في حضوره، سواء كان فعله، أو لم يفعل، واستوجب عليه حدًّا أم لا، بل لو ذكرته فيما لم يكن فيه يكون بهتانًا.

و هذه الرواية غير صالحة للتخصيص و المعارضة مع ما فيها من الضعف و كون مدلولها خلاف العقل ؛ بخلاف النبويّ، فإنّه مع موافقته بالعقل قد عرفت مضمونه المناسب لجوهر لفظ الغيبة كما عرفت .

الاستدلال بالكتاب و السنّة و الإجماع على حرمة الغيبة

و حرمتها بالكتاب و السنّة و الإجماع، قال الله - تعالى - : ( لا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتًا ) (3) .

ص: 217


1- . في المصدر : عليه فيه .
2- . الكافي : 2 / 357 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 288 ح 16324 .
3- . الحجرات : 12 .

بيان

« ميتًا » نصب على الحالية من « أخيه » مع كونه المضاف إليه، لأنّ مضافه جزء له ؛ قيل : هو حال عن « لحم » (1) ؛ و فيه : أنّ الميّت غير صادق على اللحم .

جعل الله - سبحانه - الاغتياب بمنزلة أكل لحم الميّت ؛ و كما أنّه إذا وجدت أخاک ميتًا لا تأكل من لحمه و تجتنب عنه، فكذلک ينبغي أن تجتنب من أكل لحمه إذا كان حيًّا .

و لمّا كان الطباع غير راغبة، بل متنفّرة و كارهة عن أكل لحم الميّت، قال الله -تعالى - : ( فكرهتموه )، أي : فتحقّقت كراهتكم و نفور طباعكم من أكل لحم الميّت، فاكرهوا ما هو نظيره من الغيبة .

و روى في الفقيه : مَن اغتاب امرءًا مسلمًا بطل صومه، و نُقِضَ وُضُوؤه، و جاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أَنتُنَ من الجيفة يَتأذّى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات مستحِلاًّ لِما حرّم الله تعالى (2) ... ؛ ألا مَن سَمِع فاحشة فأفشاها فهو كالّذي أتاها (3) .

و روى في الكافي عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) :

ص: 218


1- . انظر الكشّاف : 3 / 568 ؛ و إملاء ما منّ به الرّحمن : 2 / 240 ؛ و التبيان في إعراب القرآن : 353 ؛ و زبدةالبيان : 418 ؛ و مسالک الأفهام إلى آيات الأحكام : 2 / 417 .
2- . في المصدر : عزّوجلّ .
3- . الفقيه : 4 / 15 ؛ الأمالي، للشيخ الصدوق : 515 و 516 ح 707 ؛ الوسائل : 12 / 282 ح 16312 و 27/ 325 ح 33850 .

الغيبة أسرع في دين الرجل المُسْلِم من الأَكِلَة (1) في جوفه (2) .

و روى فيه أيضًا عن ابن أبي عمير، في الحسن أو الصحيح، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه، فهو من الّذين قال الله (3) - عزّوجلّ - : ( إنّ الّذين يُحِبّون أن تشيعَ الفاحشةُ في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ ) (4) .

و لا يخفى أنّ ما تضمّنه هذا الحديث هو فردٌ من أفراد الغيبة على ما تقدّم ؛ ويستفاد منه أنّه من الكبائر إمّا لكونه فردًا من الغيبة، فيلزم أن يكون مطلق الغيبة من ذلک ؛ أو لأجل خصوصيّةٍ في ذلک الفرد .

و يمكن الاستدلال بكون مطلق الغيبة من الكبائر بما مرّ من قوله - تعالى - : (ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتًا )، بناءً على أنّه

ص: 219


1- . قال العلّامة المجلسيّ (قدس سره) في البحار : الأَكِلَة - كَفَرِحَة - داءٌ في العضو يأتكل منه كما في القاموس و غيره،وقد يقرأ بمدّ الهمزة على وزن فاعلة، أي العلّة الّتي تأكل اللحم، والأوّل أوفق باللغة ؛ و قوله : « أسرع فيدين الرجل » أي : في ضرره و إفنائه . و قيل : الأكلة - بالضمّ - اللقمة، و كفرحة - داءٌ في العضو يأتكل منه،وكلاهما محتملان، إلّا أنّ ذكر الجوف يؤيّد الأوّل، و إرادة الافناء و الإذهاب يؤيّد الثاني، و الأوّل أقربوأصوب ؛ و تشبيه الغيبة بأكل اللقمة أنسب، لأنّ الله سبحانه شبّهها بأكل اللحم، إنتهى ؛ و كان الثاني أظهر،والتخصيص بالجوف لأنّه أضرّ و أسرع في قتله، و في التأييد الّذي ذكره نظر ( بحار الأنوار : 72 / 220و221 ).
2- . الكافي : 2 / 356 ح 1 ؛ الوسائل : 12 / 280 ح 16306 .
3- . في سورة النور : الآية 19 .
4- . الكافي : 2 / 357 ح 2 ؛ و رواه الشيخ الصدوق في الأمالي : 417 ح 549 ، عن محمّد بن الحسن، عنالصفّار، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن الصادق (عليه السلام)، مثله ؛ و عنالكافي و الأمالي في الوسائل : 12 / 280 ح 16305 .

- تعالى - جعل الغيبة بمنزلة أكل لحم الميّت، و الحقيقة متعذّرة، فيحمل على اشتراكها معه في جميع الأحكام ؛ و الظاهر أنّ أكل لحم الميّت من الكبائر، فينبغي أن يكون الغيبة كذلک، فتأمّل .

و قد تقدّم من كلام الشهيد في القواعد (1) ناقلاً عن بعضهم جعل الغيبة من الكبائر، بل نقل الفاضل المجلسيّ عن جمع من العلماء ذلک (2) .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بقوله (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ إيّاک و الغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا . قلت : يا رسول الله لِمَ ذلک بأبي أنت و أمّي ؟ قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، و الغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها، الحديث (3) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (صلي الله عليه واله) قال : « الغيبة أشدّ من الزنا »، و قد عرفت أنّ الزنا من الكبائر، فيكون أشدّه منها بطريق أولى .

و من النصوص الدالّة على حرمتها ما رواه مفضّل بن عمر قال : قال لي أبوعبدالله (عليه السلام): مَن رَوى على مؤمن روايةً يريد بها شَينَه و هَدْمَ مُروءَتِهِ لِيَسقُط مِن أعين الناس، أخرَجَه الله مِن وَلايته إلى وَلاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان (4) .

ص: 220


1- . انظر القواعد و الفوائد : 1 / 224 و 225 ؛ تقدّم كلامه ذيل مسألة 5 .
2- . انظر بحار الأنوار : 72 / 222 ؛ و مرآة العقول : 10 / 408 .
3- . الأمالي، للشيخ الطوسي : 537 ح 1162 ؛ الوسائل : 12 / 280 ح 16308 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 274 ح101 .
4- . المحاسن : 1 / 103 ح 79 ؛ الكافي : 2 / 358 ح 1 ؛ الأمالي، للشيخ الصدوق : 574 ح 786 ؛ الوسائل :12 / 294 ح 16341 .

و ما رواه زيد عنه (عليه السلام) أيضًا فيما جاء في الحديث : عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال : ما هو أن ينكشف فترى منه شيئًا، إنّما هو أن تروي عليه أو تَعِيبَه (1) .

و ما رواه عبد الأعلى بن أعين عنه (عليه السلام) أيضًا أنّه قال : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس مجلسًا ينتقص فيه إمام، أو يُغابُ (2) فيه مؤمن (3) .

و ما روي من أنّه - تعالى - أوحى إلى موسى بن عمران (عليه السلام) : أنّ صاحب الغيبة (4) لو تاب هو آخر مَن دخل في الجنّة، و إن لم يتب فهو أوّل مَن دخل في النار (5) .

و يظهر منه أنّها من الكبائر .

تفسير الغيبة و حدّها

ثمّ اعلم : أنّ بعض الأصحاب عرّف الغيبة بما مرّ (6) ؛ و نقل الفاضل المجلسيّ

ص: 221


1- . الكافي : 2 / 359 ح 3 ؛ الوسائل : 2 / 38 ح 1411 ؛ و رواه الشيخ الصدوق في « معاني الأخبار : ص255 ح 1 » عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن الحسين بنمختار، عن زيدٍ الشحام، نحوه .
2- . في المصدر : أو يعاب .
3- . الكافي : 2 / 377 ح 9 ؛ الوسائل : 16 / 261 ح 21515 .
4- . في المصدر : أنّ المغتاب .
5- . بحار الأنوار : 72 / 257، ضمن الحديث 48، عن مصباح الشريعة ( المنسوب للإمام الصادق عليه السلام) :205؛ الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة : 79 .
6- . و هي أن تذكر أخاک ما يكرهه في حضوره، سواء كان فعله، أو لم يفعل، واستوجب عليه حدًّا أم لا ؛ انظررسائل المحقّق الكركيّ : 2 / 44 ؛ و كشف الريبة : 5 ؛ و مجمع البيان : 5 / 137 .

عن الأكثر في تعريفها :

أنّ الغيبة هي التنبيه في حال غيبة إنسان معيّن على أمرٍ فيه بحيث لو سمع نسبة ذلک الأمر إليه لكرهه ؛ و يكون ذلک الأمر ممّا يعدّ في العرف والعادة عيبًا و نقصًا، سواء كان ذلک التنبيه بالقول أو بالإشارة، بالتصريح أو بالكناية، باللسان كما تقدّم أو بالكتابة (1) .

و الفرق بين التفسيرين هو : أنّ التفسير الأوّل يشمل و إن لم يكن الأمر المنسوب موجودًا في ذلک الشخص، بخلاف هذا التفسير ؛ و أنّ التفسير الأوّل ظاهره عدم شموله إلّا للقول و الكتابة دون الكناية .

و أيضًا المأخوذ في التفسير الأوّل هو كراهة المغتاب لو سمع الأمر المنسوب إليه، سواء تحقّق مع ذلک صدق العرفيّ بكونه عيبًا و نقصًا، أم لا ؛ بخلاف التفسير الثاني، فإنّ المأخوذ فيه ليس مطلق كراهة المغتاب لو سمع الأمر المنسوب إليه، بل مع صدق العرفيّ بأنّه من العيب و النقص .

حاصل الفرق بينهما هو : أنّ التفسير الثاني أعمّ باعتبار المورد و أخصّ باعتبار المتعلّق ؛ و التفسير الأوّل بعكس ذلک، أي : أخصّ باعتبار المورد، إذ لم يشمل الأمر المنسوب بالكناية، بخلاف التفسير الثاني ؛ و أعمّ باعتبار المتعلّق، لصدقه ولو لم يكن الأمر المنسوب متحقّقًا في المغتاب، و كذا لو لم يصدق في العرف

ص: 222


1- . انظر كشف الريبة : 3 ؛ و زبدة البيان : 417 ؛ و كتاب الأربعين، للشيخ البهائيّ : 133، ذيل الحديثالثلاثين ؛ و بحار الأنوار : 72 / 222 ؛ و مرآة العقول : 10 / 408 .

والعادة على الأمر المنسوب إليه أنّه عيب و نقص، بخلاف التفسير الثاني كما عرفت .

و لعلّ الظاهر هو التفسير الثاني، لأنّ ذكر ما لا يصدق أنّه عيب أو نقص لا يقال في العرف أنّ ذاكره مغتاب و إن كره المنسوب إليه لو سمعه، بل ربّما كان الوصف مدحًا عند أهل العرف، لكن صاحبه لو سمع ذكر ذلک لكرهه، كذكر بعض عباداته ونقل بعض أحواله الممدوحة و أوصافه المحبوبة، لكنّ الغالب أنّ الوصف الّذي يكره بسماعه المنسوب إليه هو عيب أو نقص له .

و أمّا ذكر العيب الّذي ليس في المنسوب إليه، فهو بهتان ؛ و قد دلّت به جملة من النصُوص و تقدّم بعضها .

ثمّ اعلم : أنّ التقييد بالإنسان المعيّن، للتنبيه على أنّه لو ذكر عيب إنسان مبهم لم يكن غيبة، كما إذا قلت : أهل هذا البلد أو هذا المصر واحد منهم شأنه كذا، أو واحد من أهل هذا البيت فعل كذا، لكن بحيث لم يتعيّن ؛ أمّا لو قال بحيث يفهم المخاطب أو السامع أنّ مراده ذلک الشخص المعيّن، فيكون غيبة أيضًا و إن لم يصرّح باسمه .

و قيل (1) : لو قال : إنّ واحدًا من زيد و عمرو فيه عيب كذا، يكون غيبة أيضًا بالنسبة إليهما، لإدخاله كلاًّ منهما في معرض هذا الاحتمال ؛ و به يظهر لهما نقص الشأن و الجلال، و كون هذا الكلام ممّا يكرهه كلٌّ منهما، كما شهد به الوجدان .

و التقييد بأمرٍ فيه، للتنبيه على أنّه لو نسب عيب إلى شخص و لم يكن ذلک فيه،

ص: 223


1- . لم نقف على قائله .

لما كان ذلک غيبة، بل بهتان كما عرفت، لأنّ المشهور - كما حكاه بعض المحقّقين - هو : أنّ الغيبة ذكر ما يوجب العيب أو النقص إذا كان فيه، و إلّا يكون بهتانًا، لكنّ الغيبة قد أطلقت عليهما في العرف و العادة ؛ و يشهد لذلک بعض النصوص الواردة، كرواية داود بن سِرحان عن مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سأله عن الغيبة، قال : هي (1) أن تقول لأخيک في دِينه ما لم يفعل و تبثّ عليه أمرًا قد ستره الله عليه،الحديث (2) .

و التقييد بكون ذلک الأمر ممّا يُعدّ في العرف و العادة عيبًا و نقصًا، لإخراج بعض ما يكرهه الشخص الموصوف و لم يكن عيبًا و نقصًا كما عرفت ؛ و أمّا إذا كان ممّا يعدّ عيبًا و نقصًا فهو غيبة، سواء كان ذلک في الخلقة، أو في الخلق، أو في العمل، أو في النسب، لعموم الدليل .

و انّ التعميم بقولنا : « سواء كان ذلک التنبيه بالقول صريحًا، أو كناية، أو بالإشارة، أو بالكتابة » للتنبيه على عدم اختصاص الغيبة بالقول الصريح، بل تتحقّق و لو بالكناية، كما إذا قلت مثلاً عند ذكر اسم شخص : « الحمد لله الّذي لم يجعلني من العاصين، أو من المحبّين للدنيا » إذا كان غرضک إثبات ذلک له .

و كذا تحقّق الغيبة بالإشارة، كما تشير بالعين مثلاً إلى عيب لذلک الشخص ؛ وكذا تحقّق بالكتابة أيضًا، كما إذا كتبت أوصافه الغير الجيّدة إلى ثالث .

ص: 224


1- . في المصدر : هو .
2- . الكافي : 2 / 357 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 288 ح 16324 .

المواضع الّتي استثنيت الغيبة فيها

اشارة

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه نقل عن الأصحاب استثناء الغيبة المحرّمة في عشرة مواضع:

الموضع الأوّل : إذا كان شخص معروفًا بوصف الغيبة

الأوّل : إذا كان شخص معروفًا بوصف الغيبة، كفلان الأعرج، أو الأحول، أو الأعمى، أو الأشلّ، و هكذا ؛ فإنّه يجوز لكلّ أحد عند الإخبار عنه ذكره مع ذلک الوصف و لا إثم عليه .

و نقل عن بعضهم : تخصيص جواز ذلک فيما إذا كانت معرفة ذلک الشخص موقوفةً على ذكر الوصف الكذائيّ .

أقول : تحريم الغيبة إمّا لاستلزامها كشف عيوب الناس و الاطّلاع عليها، أو لاستلزامها ذكر الوصف الّذي يكره المغتاب أن يذكر .

و على الأوّل ينبغي أن يجوز ذكر الأوصاف الّتي في شخص عند مَن تعرف تلک الأوصاف فيه مطلقًا، لأنّ مع العلم بتلک الصفات لا يصدق الكشف عن عيوب الناس و الاطّلاع عليها و لا يقصد المتكلّم ذلک أيضًا، و هو واضح .

ص: 225

و على الثاني ينبغي أن يتبع كراهة المغتاب، فكلّما تحقّقت وجب الاجتناب، وإلّا فلا، إلّا على قدر الحاجة، فيجوز لک ذكر ذلک الوصف إذا كانت معرفة صاحبه منحصرة بذكره، لكن يجب الاقتصار على أقلّ ما تندفع به الضرورة، إلّا إذا ثبت الإجماع على الجواز، فيتبع كيف تحقّق .

و كيف كان يظهر من بعض النصوص جواز الغيبة فيما إذا كان الوصف معلومًا مطلقًا، بل عدم كون ذكر الوصف المعلوم غيبة، كرواية أبان عن رجلٍ قال : لا نعلمه إلّا يحيى الأزرق، قال : قال لي أبو الحسن - صلوات الله عليه - : من ذَكَر رجلاً مِن خَلْفِه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، و مَن ذكره مِن خَلْفِه بما هو فيه ممّا لايعرفه الناس اغتابه، و مَن ذكره بما ليس فيه فقد بَهَتَه (1) .

و رواية عبد الرّحمن بن سَيَابَة قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : الغِيبَة أن تقول في أخيک ما سَتَرَ الله (2) عليه، و أمّا الأمر الظاهر فيه مثل : الحِدَّة و العَجَلَة فلا ؛ والبُهتَان أن تقولَ فيه ما ليس فيه (3) .

إلّا أنّ في سندهما كلامًا (4) ؛ و التعليلان المذكوران مستنبطان، فالحقّ ما مرّ .

ص: 226


1- . الكافي : 2 / 358 ح 6 ؛ الوسائل : 12 / 289 ح 16326 .
2- . في المصدر : ما ستره الله .
3- . الكافي : 2 / 358 ح 7 ؛ الوسائل : 12 / 288 ح 16325 .
4- . قال المحقّق الأردبيليّ (قدس سره) بعد ذكر الروايتين : و هما غير صحيحتين، لاشتراک أبان و مجهوليّة عبدالرّحمن ( مجمع الفائدة : 12 / 355 ) .
الموضع الثاني : أن يكون المغتاب متظاهرًا بالفسق

و الثاني من تلک المواضع هو : أن يكون المغتاب متظاهرًا بالفسق و متجاهرًا به ؛ و الظاهر أنّ المراد به مَن يرتكب المعاصي كلاًّ أو بعضًا علانية بحيث لايستنكر من أن يذكر بتلک المعاصي مثلاً، كأرباب مناصب الجور و الظلم .

و دليل الاستثناء في هذا المقام ما روي عن الصدوق في المحاسن (1) عن هارون بن جهم (2) - في الصحيح على الظاهر - عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة (3) .

و رواه أيضًا في المجلس العاشر من الأمالي (4) .

و رواية البختري (5) عنه، عن أبيه (عليهما السلام) قال : ثلاثةٌ ليس (6) لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه (7) .

و ما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : مَن ألقى جلباب (8) الحياء عن وجهه (9) ، فلا غيبة

ص: 227


1- . كذا في نسخة الأصل ؛ والصواب : المجالس .
2- . في المصدر : الجهم .
3- . لم نجده في المحاسن .
4- . الأمالي : 92 ح 68 / 8 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 289 ح 16327 .
5- . في المصدر : أبي البختري .
6- . في المصدر : ليست .
7- . قرب الإسناد : 176 ح 645 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 289 ح 16328 .
8- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره: جلباب : چادر و ردا ؛ كنز .
9- . « عن وجهه » لم يرد في تحف العقول .

له (1) .

وجه الاستدلال أمّا في الأوّل فظاهر، و أمّا في الثاني فلأنّه (عليه السلام) قال : « المعلن بالفسق ليس له حرمة » ؛ و لفظ : « حرمة » نكرة وقعت في سياق النفي، فيفيد العموم، فيدلّ على أنّ المعلن بالفسق مثلاً لا احترام له كلية ؛ و معلوم أنّ ترک الغيبة احترام .

لا يقال : إنّ ترک الغيبة و إن كان احترامًا في الواقع، لكنّ المتبادر من الحرمة والاحترام في العرف غير ذلک .

لأنّا نقول : التبادر إنّما ينفع في العموم الإطلاقيّ، لا في العموم الاستغراقيّ ؛ ومعلوم أنّ النكرة في سياق النفي يفيد العموم الاستغراقي، و ذلک واضح، لأنّ العموم الإطلاقيّ ثابتٌ للنكرة و إن وقعت في سياق الإثبات، فلا وجه لتخصيص النكرة الواقعة في سياق النفي بهذا الحكم، فالتبادر غير نافع .

و أمّا في الثالث فلأنّه أوضح من الثاني، لقوله (صلي الله عليه واله) : « لا غيبة له »، لكنّه خلاف ذلک له من حيث انّ في الثاني قد صرّح بالفاسق المعلن بفسقه، بخلاف الثالث ؛ إلّا أنّ قوله ((صلي الله عليه واله) : « مَن ألقى جلباب الحياء » شاملٌ له أيضًا، لأنّ المعلن بالفسق فردٌ من أفرادِ : « مَن ألقى جلباب الحياء » ؛ و لفظة : « مَن » تفيد العموم، فيشمل جميع الأفراد و مِن جملتها ما نحن فيه، فثبت المطلوب .

ص: 228


1- . تحف العقول : 45 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 264 ح 56 و 277 ح 105 ؛ السنن الكبرى، للبيهقيّ : 10 / 210 ؛كنز العمّال : 3 / 595 ح 8072 ؛ و رواها الشيخ المفيد في الاختصاص : 242 ، عن الإمام الرضا عليه السلام.

ثمّ هل يختصّ جواز الغيبة في المتظاهر و المتجاهر بالفسق بخصوص الذنب الّذي فعله متجاهرًا و علانيةً، أو يعمّه و غيره و لو لم يتجاهر به مطلقًا، أو التفصيل بأنّه إن لم يستنكر من أن يذكر جميع أفعاله القبيحة فالجواز، و إلّا فالعدم، إلّا في خصوص الفعل المتجاهر به ؟

و الظاهر التعميم، فيجوز غيبته و لو في غير الفعل المتجاهر به مطلقًا وإن استنكف بذكره، عملاً بعموم ما عرفت من الدليل ؛ على أنّه لو لم يستنكف بذكره لم يكن ذكره غيبة، لما عرفت في تعريف الغيبة من أخذ الاستنكاف و الكراهة فيه .

هذا كلّه في المتجاهر بالفسق ؛ و أمّا لو كان فاسقًا لكنّه لم يكن متجاهرًا به، فيمكن الاستدلال لجواز غيبته أيضًا بما روي عنه صلي الله عليه واله : « لا غيبة للفاسق » (1) ،

لأنّ المتبادر منه نفي حرمة الغيبة عنه .

و أمّا ما ذكره بعضهم (2) من حمل ذلک على النهي عن غيبة الفاسق، فبعيد ؛ على أنّه لو كان المراد ذلک لا وجه لاختصاص ذلک بالفاسق مع اشتراک غيره معه في هذا الحكم، لكنّه ليس بشيء، لأنّ ثبوت الحرمة لغيبة الفاسق يدلّ على ثبوتها لغيبة غيره بطريق أولى، فالحقّ ما قدّمناه من أنّ المتبادر من مثل هذا الكلام نفي الحرمة .

ص: 229


1- . عوالي اللّألئ : 1 / 438 ح 153 ؛ و فيه : « لفاسق أو في فاسق » ؛ و في كنز العمّال 3 / 595 ح 8071 :«ليس للفاسق غيبة » .
2- . نقله المحقّق الأردبيليّ عن الشهيد في قواعده : 258 ؛ انظر مجمع الفائدة : 12 / 356 و 13 / 163 ؛وكشف الريبة، للشهيد الثاني : 36 .

ألا ترى أنّ مولانا الصادق (عليه السلام) قال في صحيحة ابن أبي يعفور قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله): لا غيبة إلّا لِمَن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و مَن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، الحديث (1) .

و يعلم منه أنّ المراد من قوله : « لا غيبة إلّا لِمَن صلّى في بيته » ما قلناه، لا النهي عن الغيبة، فيصير مؤيّدًا في الجملة لما نحن فيه .

و الحقّ في الجواب أن يقال : إنّ حرمة الغيبة قد ثبتت بالكتاب والنصوص المستفيضة قد تقدّم إلى كثيرٍ منها الإشارة ؛ و هما يعمّان الفاسق و غيره، والتخصيص يحتاج إلى مخصّص يصلح للتخصيص، و الرواية المذكورة بعد إغماض النظر عن الدلالة نقول : إنّ سندها غير معلوم، فلا تكون حجّة، فكيف يخصّص به عموم الكتاب و النصوص المستفيضة ؟!

نعم، ربما يمكن الاستدلال للمطلوب بالصحيح المرويّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : حرمة الفاسق أنقص من كلّ أحد (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّ لفظ « الفاسق » فيه عامٌّ شاملٌ للفاسق المتجاهر والمتظاهر بالفسق و غيره، فلازم قوله (عليه السلام) : « انّ حرمة الفاسق أنقص من كلّ أحد » نقصان حرمته حتّى من اليهود و النصارى و غيرهما من طوائف الكفّار، فكما يجوز غيبتهم ينبغي أن يجوز غيبة الفاسق أيضًا، بل بطريق أولى، لكونه أنقص،

ص: 230


1- . التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 392 ح 34023 .
2- . لم نجده بهذا اللفظ في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا، و الموجود فيها هكذا : و أقلّ الناس حرمة الفاسق( انظر الأمالي، للشيخ الصدوق : 73 ح 41 ؛ معاني الأخبار : 195 ح 1 ؛ الفقيه : 4 / 394 ح 5840 ).

لكن مع ذلک بعد في النفس شيء، فتخصيص الكتاب و السنّة المستفيضة بمثل هذا لا يخلو من إشكال .

نعم، لو تعلّق بذلک غرض دينيّ يعود إلى المغتاب، مثل غيبته لارتداعه عن المعصية من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جازت حينئذٍ إذا انحصر الوجه في ذلک .

ثمّ اعلم : أنّه بقي الكلام فيما اشتملت عليه صحيحة ابن أبي يعفور من الحكم بوجوب الغيبة في مَن ترک حضور الجماعة ؛ و كيف يكون ذلک مع أنّ الحضور في الجماعة مستحبّ، و ترک المستحبّ كيف يكون موجبًا لهذا الأمر العظيم ؟!

فأقول : الظاهر أنّها إمّا محمولةٌ على مَن ترک حضور الجماعة بقصد التهاون، كما يشعر به قوله (عليه السلام) : « و رغب عن جماعتنا »، أي : أعرض عنها ؛ أو محمولةٌ على ما حملها الشهيد عليه مِن أنّ المراد تارک الجمعة، لا الجماعة (1) .

الموضع الثالث : غيبة المبتدعين في الدين

الثالث من تلک المواضع : غيبة المبتدعين في الدين .

اعلم : أنّ البدعة عبارةٌ عن إدخال ما ليس في الدين في الدين عمدًا، كما إذا

ص: 231


1- . قال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الرواية ما هذا كلامه : « و هو محمول على التأكيد و نفي الكمال، أو علىالاستهانة بصلاة الجماعة ؛ قال الفاضل : أو على الجماعة الواجبة ( انظر تذكرة الفقهاء : 1 / 170 ، و منتهى المطلب : 1 / 263 ) ؛ و هي في الجمعة والعيدين مع الشرائط » إنتهى كلامه رفع مقامه ( ذكرى الشيعة : 4 /372 ). و قال المحقّق في الكفاية : و حملها الشهيد رحمه الله على تارک الجمعة ( كفاية الأحكام : 1 / 439 ).

جعل ما أحلّ الله حرامًا، و ما حرّم الله - تعالى - حلالاً، أو ما أباحه الله مكروهًا أو مستحبًّا أو واجبًا، أو بعكس ذلک ؛ و هكذا .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّک إذا رأيت أرباب البدائع أحدثوا في الدين ما ليس بحقّ و أرادوا بذلک إخداع الناس و ردعهم عن الحقّ و جلبهم إلى الباطل، بل مطلقًا، يجوز لک بل يجب أن تبيّن فساد ما ابتدعوه، و بطلان ما استحدثوه، و منع الناس عن متابعتهم، و إظهار فسقهم عندهم حتّى لا يتّبعهم الغافل، و لا يقفهم الجاهل، و لا يستحسن أفعالهم الذاهل، و ليتميّز الحقّ من الباطل، بل لک أن تسبّهم و تباهتهم .

لما رواه ثقة الإسلام في كتاب الكفر و الإيمان في باب مجالسة أهل المعاصي بسند صحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : إذا رأيتم أهل الريب و البِدَع من بعدي فأظهِروا البَراءة منهم، و أكثروا من سَبّهم و القول فيهم والوَقِيعَة (1) ، و باهتوهم كَيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يَحْذَرَهُمُ الناس، ولايتعلّمون من بِدَعِهم، يَكتُبِ اللهُ لكم بذلک الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة (2) .

و في الصحيح الآخر المرويّ في الباب المذكور : لا تَصْحَبوا أهل البِدَع ولاتُجَالِسُوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم (3) .

ص: 232


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : الوقيعة في الناس : الغيبة ؛ ص { انظر الصحاح : 3 / 1302 } .
2- . الكافي : 2 / 375 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 267 ح 21531 .
3- . الكافي : 2 / 375 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 259 ح 21509 .
الموضع الرابع : بيان خطأ المجتهد

الرابع من تلک المواضع : بيان الخطأ الّذي صدر من المجتهد من غير اختيار، فإنّه يجوز لمجتهدٍ آخرٍ إظهارُ خطائه و ردّه و إقامة الدليل عليه، سواء كان المجتهد المخطئ حيًّا أو ميّتًا، فإنّه و إن لم نجد نصًّا بذلک، إلّا أنّ العلماء لا زال في الأعصار و الأمصار ديدنهم ذلک .

لكن ينبغي أن لا يتجاوز حدّ الضرورة و لم يبالغ في التشييع و المذمّة، و كان غرضه من ذلک إظهارًا للحقّ في المسألة، و تحصيلاً لرضاء الله - سبحانه - دون متابعة النفس و هوى الرياسة و قصد اعتقاد رفعة شأنه في العامّة و الخاصّة ؛ وبالجملة ما لم يكن المقصود الأغراض الباطلة و المطالب الفاسدة .

و في مثل هذا المقام كثيرًا ما يزلّ القدم عن الجادّة، و للشيطان حيل كثيرة، عصمنا الله - تعالى - برحمته الواسعة و رأفته الشاملة و قدرته الكاملة، بحقّ محمّد وآله الكرام البررة و أوصيائه العظام الأجلّة - عليهم صلواته و سلامه إلى قيام القيامة و بقاء النعم في الجنّة .

ثمّ إنّ مَن لم يبلغ رتبة الاجتهاد، و لم يطلق عنان اختياره في ذلک الطريق السداد، و لم يصل إليه حظّ من ذلک الوصف الرشاد، و لم يأخذ ثمرة من بستان منّان العباد، لعلّه غير جائز بالنسبة إليه و لو من غير الجدل و العناد، بل لبيان الحقّ ومحض الإرشاد .

ص: 233

لما عرفت من فقدان الدليل على هذا الاستثناء، سوى فعل المجتهدين، إذ فعل غيرهم ليس بحجّة، و فعلهم لا يدلّ على الجواز مطلقًا، بل بالنسبة إلى المجتهدين، لعموم الأدلّة الدالّة على تحريم الغيبة من الكتاب و السنّة، خرج من ذلک بفعل المجتهدين ما يصدر عنهم في هذا المقام، و أمّا غيرهم فمشكوکٌ تخصيص العمومات الدالّة على التحريم، فالأصل بقاؤها و عدم التخصيص .

و يمكن أن يقال : إنّ الأدّلة المذكورة من الكتاب و السنّة قد دلّت على حرمة الغيبة ؛ و الظاهر عدم صدقها بالنسبة إلى مفروض المسألة في العرف و العادة .

الموضع الخامس : في مقام النهي عن المنكر
اشارة

الخامس من تلک المواضع في مقام النهي عن المنكر، كما إذا علمت معصية من شخص و أردت أن تمنعه و تنكره من ذلک الفعل، فإنّه يجوز لک أن تذكر ذلک الفعل عنه في المحاضر و المجالس لأن يصير ذلک سببًا لتركه ذلک الفعل المذموم، لكنّه مشروطٌ بشرائط :

الشرط الأوّل

الأوّل : أن تعلم أنّ ذلک الفعل مذمومٌ و قبيحٌ شرعًا و لم تجد لفعله وجه صحّة، كأن تكون المسألة إجماعيّة وارتكب خلاف المجمع عليه، أو خلافيّة، لكن فعله تلک المسألة ليس مبنيًّا على اجتهاد و لا تقليد لمجتهدٍ آخر .

ص: 234

و أمّا لو احتملت لفعله وجه صحّة بأن تكون المسألة خلافيّة، فاحتملت أنّ ارتكابه ذلک يمكن أن يكون لتقليد ذلک المجتهد الّذي هذا الفعل مباح عنده، أو لم يعلم أنّ ذلک الفعل قبيحٌ شرعًا، فلا يجوز له الغيبة حينئذ .

الشرط الثاني

و الشرط الثاني : أن يجوّز تأثير غيبته على ترک تلک المعصية، بخلاف ما لو لم يجوز ذلک، فلا يجوز له ذلک، لأنّ من شرائط الأمر بالمعروف تجويز التأثير .

الشرط الثالث

و الثالث : أن لا يمكن له منع ذلک الشخص عن فعل تلک المعصية من غير جهة الغيبة، فلو أمكن له ذلک بأن يعظه في خلوة و يخوّفه عن فعل المعصية بذكر العقاب المترتّب عليها و الحرمان من المنافع الكثيرة الناشئ من فعلها، و بالجملة لم يجد وجه منعه عن فعل تلک المعصية منحصرًا في الغيبة، لا يجوز له الغيبة أيضًا .

الشرط الرابع

و الرابع : أن يكون إيمنًا عن إيصال الضرر إليه، أو إلى عرضه، أو إلى ماله، أو إلى أحد المؤمنين، فلو لم يأمن من ذلک لا يجوز له ذلک، سواء علم إيصال الضرر بسبب غيبته، أو ظنّ ذلک .

ص: 235

الشرط الخامس

و الخامس : أن لا يكون مقصوده من ذلک إلّا تحصيلاً لرضاء الله - سبحانه - وامتثالاً لأمره - جلّ شأنه - و منعًا ذلک الشخص عن فعل المعصية المسخطة ؛ بخلاف ما لو لم يكن المقصود ذلک، بل ذكر غيبته إنّما هو للحسد أو العداوة أو لهما دخلٌ في ذلک، فلا يجوز له ذلک أيضًا، لأنّ ذلک حينئذٍ ليس من باب النهي عن المنكر، بل إنّما هو متابعة لهوى النفس و النهي عن المنكر وسيلة إلى التوصّل بذلک .

فإذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجوز الغيبة حينئذ، بل يجب ؛ و ذلک للأدلّة الدالّة على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من الكتاب والسنّة .

و التعارض بينها و بين الأدلّة الدالّة على حرمة الغيبة و إن كان عمومًا من وجه، لأنّ الأدلّة الدالّة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مطلقةٌ شاملةٌ لما إذا تضمّن كلّ منهما الغيبة أم لا، و كذا الأدلّة الدالّة على تحريم الغيبة، فإنّها تدلّ على حرمة الغيبة، سواء وجدت في ضمن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أم لا ؛ إلّا أنّ الترجيح لتلک الأدلّة الدالّة على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لعمل الأصحاب، لما عرفت من نقل اتّفاقهم على استثناء حرمة الغيبة في عشرة مواضع الّتي من جملتها ما نحن فيه .

و أيضًا انّ الآيات الدالّة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كثيرة، كقوله -تعالى - : ( وَلْتَكُنْ منكم أمّةٌ يَدعُون إلى الخير و يَأمُرُون بالمعروف و يَنْهَونَ عن

ص: 236

المُنكَر ) (1) ، الآية .

و قوله - تعالى - : ( كُنتم خيرَ أمّةٍ أخرِجَت للناس تَأمُرون بالمعروف و تَنْهَون عن المُنكَر ) (2) الآية .

و قوله - تعالى - : ( إنْ مَكّنّاهم في الأرض أقامُوا الصلاةَ و آتَوُا الزَكاةَ وَ أَمَرُوا بالمعروفِ و نَهَوا عن المُنْكَر ) (3) .

و قوله - عزّ شأنه - : ( يَا أيُّهَا الّذينَ آمَنُوا قُوا أنفُسَكم و أَهْلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَاسُ وَ الحِجَارَة ) (4) ؛ و غير ذلک .

و روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَا أيُّهَا الّذينَ آمَنُوا قُوا أنفُسَكُم و أهلِيكُم نَارًا )، جلس رجلٌ من المسلمين يبكي و قال : أنا قد عجزتُ عن نفسي كُلِّفتُ أهلي ؛ فقال رسول الله (صلي الله عليه واله) : حَسبُک أن تَأمُرهم بما تأمُرُ به نفسَک و تَنهَاهم عمّا تنهى عنه نفسَک (5) .

إذا علمت ذلک نقول : إنّ الأمر في الغيبة ليس على ما ذكر، بل الظاهر أنّ الدالّ على حرمتها من الكتاب ليس إلّا ما تقدّم من قوله - تعالى - : ( و لا يغتب بعضكم بعضًا ) الآية ؛ و لا شکّ أنّ الترجيح للأكثر في مثل ما نحن فيه .

ص: 237


1- . آل عمران : 104 .
2- . آل عمران: 110.
3- . الحجّ : 41 .
4- . التحريم : 6 .
5- . الكافي : 5 / 62 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 178 ح 364 ؛ الوسائل : 16 / 147 ح 21205 .
الموضع السادس : نصح المستشير

و السادس من تلک المواضع : نصح المُستشير، كما إذا استشار منک أخوک في الدين في تعلّق أمرٍ من أموره على فلان، كأن تخلف عياله في بيته، أو تزوّج بنته عليه، أو يعطيه ماله بالقرض أو بالمضاربة، و هكذا، فإنّه يجوز لک بل يجب أن تذكّر له ما تعلم من خيره بأن تقول : لا تفعل ذلک الفعل، لأنّه ليس صلاحک وخيرک في فعله و لا يذكر له عيبه صريحًا، لعموم الأدلّة الدالّة على تحريم الغيبة، خرج منها في هذا المقام المقدار الّذي ذكرناه باليقين، و غيره مشكوکٌ فيه، فالأصل عدم الخروج .

و صرّح جمعٌ من الأصحاب (1) - رضي الله عنهم - بأنّ المستشير لو لم يكتف في مقام المشورة بهذا المقدار يجوز التصريح بخصوص العيب المتعلّق بذلک الفعل، فإن ثبت اتّفاقهم في ذلک فمطاع، و إلّا فمقتضى القاعدة ما ذكرناه .

و عن الشهيد الثاني أنّه قال (2) :

قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أترعوون (3) عن ذكر الفاجر حتّى يعرفه الناس ؟!

أذكروه بما فيه يحذره الناس (4) . و قال رسول الله (صلي الله عليه واله) لفاطمة بنت قيس

ص: 238


1- . منهم الشهيد الثاني في كشف الريبة : 35 ؛ و منهم المحقّق السبزواريّ في كفاية الأحكام : 1 / 438 .
2- . كشف الريبة : 35 .
3- . في المصدر : أترعون .
4- . الجامع الصغير : 1 / 22 ح 109 ؛ كنز العمّال : 3 / 595 ح 8070 .

حين شاورته في خُطّابها : أمّا معاوية فرجلٌ صعلون (1) لا مال له، و أمّا أبو جهم فلا يضع العصا من (2) عاتقه (3) .

ثمّ إنّ اللّازم أن لا يقصد في ذكر العيب مجملاً أو مفصّلاً بالنسبة إلى خصوص العيب المتعلّق بذلک الأمر إلّا حقّ الاستشارة و ترک الخيانة، لا العداوة و غيرها من الأغراض الفاسدة .

الموضع السابع : في مقام الاستفتاء

و السابع من تلک المواضع في مقام الاستفتاء، كأن يستفتى من الفقيه : أنّ أبي ظلمني، فكيف سبيلي إلى الخلاص ؟ أو أخذ مالي، هل يمكن لي مطالبة منه ؟ أو سبّني فلان ما يمكن لي في مقابلته ؟ و هكذا .

و يدلّ على جواز الغيبة في مثل المقام ما روي : أنّ هندًا قالت للنبيّ (صلي الله عليه واله) : إنّ أباسفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني أنا و ولدي، أفآخذ من غير علمه ؟ فقال : خذي ما يكفيک و ولدک بالمعروف (4) .

ص: 239


1- . في المصدر : صعلوک .
2- . في المصدر : عن .
3- . عوالي اللّألئ : 1 / 438 ح 155 ؛ سنن الدارمي : 2 / 135 ؛ و رواه أحمد في مسنده ( : 6 / 412 ) بلفظ :«أمّا معاوية فرجل تَرِب لا مال له، و أمّا أبو الجهم فرجل ضراب للنساء » ؛ و رواه مسلم في صحيحه ( : 4 /195 ) بلفظ : « أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، و أمّا معاوية فصعلوک لا مال له ».
4- . صحيح البخاري : 7 / 85 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 769 ح 2239 ؛ صحيح مسلم : 3 / 1338 ح 7 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 402 ح 59 .

وجه الاستدلال هو : أنّها وصفت أبا سفيان في مقام الاستفتاء بوصفين : الشحّ -أي البخل - و عدم إعطاء ما يكفيها و ولدها من المؤنة - و هو ظلم - و لم يزجرها النبيّ (صلي الله عليه واله) ، و إلّا لنقل .

و يمكن الجواب عنه بأنّ عدم انزجاره (صلي الله عليه واله) إيّاها لاحتمال فسق المغتاب، لا لجواز الغيبة في مقام الاستفتاء، فلا يدلّ على جواز الغيبة مطلقًا في ما نحن فيه ؛ ولک أن تقول : إنّه و إن كان فاسقًا في نفس الأمر، إلّا أنّه كان على ظاهر الإسلام .

فالجواب السالم عن الاعتراض هو أن يقال : إنّ الرواية ضعيفة، فلا يجوز التعويل عليها في تخصيص ما تقدّم من الأدلّة الكثيرة ؛ لكنّ المسألة من المسائل الّتي تقدّم نقل اتّفاق الأصحاب على استثناء حرمة الغيبة فيها .

و كيف كان و لا شکّ أنّ الأسلمَ الاحترازُ عن ذكر الاسم بأن يقول في المسألة الأولى : ما طريق خلاص رجل ظلمه أبوه ؟ و في الثانية : هل يجوز دعوى الولد ومطالبته مع والده إذا أخذ من ماله ؟ و هكذا .

الموضع الثامن : تظلّم المظلوم عند مَن يرجو إزالة ظلمه

الثامن من تلک المواضع : تظلّم المظلوم عند مَن يرجو إزالة ظلمه، فإنّه يجوز له ذكر ظلم ظالمه و بيانه له إذا كان مراده إزالة الظلم عنه، و يجوز لذلک الشخص استماعه أيضًا، لكن إذا كان قادرًا على دفع ظلمه عنه و كان الغرض من الاستماع أيضًا ذلک، و مهما أمكن لابدّ أن لا يُسْمِع غير ذلک الشخص .

ص: 240

و دليل الجواز و الاستثناء في المقام ما تقدّم من نقل الاتّفاق و وجوب دفع الضرر من النفس ؛ و المفروض أنّه لا يمكن إلّا بما ذكر، فيكون جائزًا، بل واجبًا .

الموضع التاسع : جرح الرواة

و التاسع من تلک المواضع : جرح الرواة، كما فعله علماء الرجال حيث ذكروا لبعض رواة الأخبار جرحًا و مذمّةً، و هو ظاهر .

دليل الاستثناء - زيادةً على ما مرّ - الاعتبار، لأنّ حفظ الشريعة واجب، والتكاليف ثابتة، فمعرفة الأحكام لازمة، وامتياز الحقّ من الباطل ممّا لابدّ منه، ولا يتمّ إلّا بمعرفة أحوال الرواة و امتياز الثقة منها عن غيرها، و هكذا ؛ لكن يشترط في ذلک أيضًا الإخلاص و قصد حفظ الشريعة و السنن .

الموضع العاشر : ما لو اطّلع جمعٌ على معصيةٍ توجب الحدّ

و العاشر من تلک المواضع هو : ما لو اطّلع جمعٌ على معصيةٍ توجب الحدّ، فإنّه جاز لهم إخبار الحاكم ذلک، ليجرى على فاعلها الحدّ .

و إنّما يجوز ذلک إذا كان عددهم كافيًا في إثبات الحدّ عليه ؛ و جواز ما ذكر إنّما هو عند حاكم الشرع، فلا يجوز عند غيره، عملاً بالعمومات الدالّة على التحريم .

ص: 241

استماع الغيبة كالغيبة في الحرمة

تذنيب

اعلم : أنّ المشهور بين الأصحاب - على ما حكاه بعض الأعلام (1) - أنّ استماع الغيبة بالرضا و الرغبة و كذا التصديق عليها كالغيبة في الحرمة و المعصية .

و روي عن مولانا الأمير (عليه السلام) : انّ مستمع الغيبة أحد المغتابين (2) .

و في رواية عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبدالله (عليه السلام) : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلسًا ينتقص فيه إمام، أو يغاب (3) فيه مؤمن (4) .

و لو ابتليت في مجلس يغاب فيه المؤمن فانصره بمنع الغيبة عنه إن أمكنک ذلک، و إلّا فقم في ذلک المجلس و لا تكن فيه إن أمكنک ذلک، و إلّا فكن كارهًا عليها غير راض بها .

ص: 242


1- . انظر كشف الريبة : 18 .
2- . رواه أبو الفتوح الرازيّ عن النبيّ (صلي الله عليه واله) في تفسيره : 18 / 37 ؛ والغزّالي في إحياء علوم الدين : 9 / 55 ؛وورّام في تنبيه الخواطر ( مجموعة ورّام ) : 1 / 127 ؛ و أورده الشهيد الثاني في كشف الريبة : 64 ، مرسلاًعن عليّ (عليه السلام) ؛ وانظر : شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، لابن ميثم البحرانيّ : 156 ؛ و بحار الأنوار : 72 /226 ؛ و غرر الحكم : 9243، 5581، 5583، 4166 .
3- . في المصدر : يعاب .
4- . الكافي : 2 / 377 ح 9 ؛ الوسائل : 16 / 261 ح 21515 .

و قد قال (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ، من ذبّ عن أخيه المسلم (1) الغيبة كان حقًّا (2) على الله - عزّوجلّ - أن يعتقه من النار . يا أباذرّ من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله - عزّوجلّ - في الدنيا و الآخرة، و إن خذله وهو يستطيع نصره، خذله (3) في الدنيا و الآخرة (4) .

و لا يخفى أنّ ما ذكر إذا كان الرجل المغتاب ممّن نعلم أنّه لا يحلّ غيبته واضح، وأمّا إذا لم نعلم ذلک بأن لم نعرف ذلک الشخص، أو نعرف لكن حاله غير معلوم، فقال بعض العلماء : إنّ مثل هذا الشخص لو اغتابه شخص آخر لا يجوز نهيه عن ذلک و الحكم بتفسيقه بسبب الغيبة، لأنّ أفعال المسلمين و أحوالهم محمولةٌ على الصحّة، فيمكن أن يكون له غرض صحيح بذلک ؛ و نهيه عنها من غير ظهور فساد فعله لا وجه له، لأنّه إيذاء له من غير سبب .

و الحقّ في المقام ما ذكره بعض المحقّقين (5) من التفصيل بين كون الّذي يذكر الغيبة من أهل الصلاح و الورع و كان أكثر أموره على التديّن و الوجه الشرعيّ ؛ وبين كونه ممّن يشهد ظاهر حاله أنّه لا غرض صحيح له من ذلک و لم يكن من أهل الصلاح و الورع، فإن كان الأوّل لا يجوز نهيه عنها، و إلّا فالجواز .

و لكن لا ريب أنّ الأحوط في الأوّل أيضًا أنّه لو أمكن له النهي على وجهٍ

ص: 243


1- . في الأمالي : المؤمن .
2- . في الأمالي : حقّه .
3- . في الأمالي : خذله الله .
4- . الأمالي، للشيخ الطوسيّ : 537 ح 1162 ؛ مكارم الأخلاق : 470 ؛ الوسائل : 12 / 293 ح 16339 .
5- . لم نتحقّقه .

حسنٍ بحيث لم يستلزم انزجار طبع ذلک الشخص ينهاه ؛ و إلّا فإن أمكن له القيام من ذلک المجلس بحيث لم يستلزم الأذيّة فيقوم، وإلّا فيقعد كارهًا لها غير راضٍ بها.

بيان كفّارة الغيبة و توبتها

ثمّ اعلم : أنّه حيث قد طوّلنا الكلام بإعانة الملک العلّام في الغيبة، فلا بأس أن نذكر الكلام في كفّارتها و التوبة عنها، لئلّا يختلج الناظر للرجوع في معرفة ذلک إلى كتابٍ آخر .

فأقول : قد روى في الكافي في كتاب الكفر و الإيمان، في باب الغيبة، عن حفص بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل النبيّ (صلي الله عليه واله): ما كفّارة الاغتياب ؟ قال : تستغفر الله لمن اغتَبْتَه كُلّما ذَكَرْتَه (1) .

و مثله الرواية الأخرى إلّا في لفظ : « كلّما ذكرته » (2) .

و قال النبيّ (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ، إيّاک و الغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا . قلت : يا رسول الله، لِمَ ذلک (3) بأبي أنت و أمّي ؟ قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى

ص: 244


1- . الكافي : 2 / 357 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 290 ح 16331 .
2- . الفقيه : 3 / 377 ح 4327 ؛ و فيه : كما ذكرته ؛ و عنه في الوسائل : 22 / 403 ح 28895 .
3- . في الأمالي : و ما ذاک .

الله فيتوب الله عليه، و الغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها (1) .

و لا يخفى عليک أنّ مدلول الروايتين الأوليين هو : أنّ كفّارة الغيبة الاستغفار من الله - تعالى - للمغتاب مطلقًا، سواء وصلت الغيبة إليه، أم لا و أمكن الاسترضاء منه بأن كان حيًّا و حاضرًا، أو غائبًا و أمكن الوصول إليه، أم لا يمكن الاسترضاء منه بأن كان ميّتًا، أو غائبًا بحيث لم يمكن التوصّل إليه، أو عسر ذلک .

و مدلول ما ذكره (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ (رضي الله عنه) هو : أنّ الاستغفار للمغتاب في كفّارة الغيبة غير كاف، بل لابدّ من الاسترضاء و الاستبراء من المغتاب .

و هو أيضًا مطلقٌ شاملٌ لما إذا كان حيًّا و ميّتًا حاضرًا و غائبًا، فعلى هذا لو كان المغتاب ميّتًا أو غائبًا لم يمكن التوصّل إليه لا يغفر ذنبه و لا تقبل توبته، لأنّ شرط قبول توبته غفران صاحب الغيبة ؛ و المفروض أنّه غير ممكن، لعدم امكان الاسترضاء و الاستبراء منه، فلا تقبل توبته، لأنّ المشروط منتف بانتفاء شرطه .

لكن هذا بعيدٌ من كَرَمِ الله - تعالى - و غيرُ موافقٍ للشريعة السهلة السمحة المحمّديّة (صلي الله عليه واله) بحيث لا يبعد القطع على عدم إرادته (صلي الله عليه واله) هذا الإطلاق من قوله الشريف المذكور، فيكون مراده (صلي الله عليه واله) فيما أمكن و لم يشقّ الاستبراء من صاحب

ص: 245


1- . الأمالي، للشيخ الطوسي : 537 ح 1162 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 280 ح 16308 ؛ و رواه فيالخصال : 62 ح 90 ، و علل الشرائع : 2 / 557 ح 1 ، عن أسباط بن محمّد يرفعه إلى النبيّ (صلي الله عليه واله) قال : الغيبةأشدّ من الزنا، فقيل: يا رسول الله و لم ذلک ؟ قال : صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه، و صاحب الغيبة يتوبفيتوب الله عليه، و صاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه حتّى يكون صاحبه الّذي يحلّه . و رواه في عوالي اللّألئ : 1/ 274 ح 101 ، مرسلاً عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : إيّاكم والغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا، انّ الرجليزني فيتوب فيتوب الله عليه، وانّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبها .

الغيبة .

و ظاهرٌ أيضًا اختلاف الأشخاص و اختلاف أنواع الاغتياب، فربّ شخص بسبب الاستبراء عنه يطّلع على الغيبة، فيتأذّي من ذلک .

و كذا الكلام في أنواع الاغتياب، إذ ربّ نوع منها قلّما اتّفق شخص بعدم الانزجار و التأذّي منه، فعلى هذا يستلزم الاستبراء الأذيّة وانزجار طبع المؤمن، فيكون إفساده أكثر من إصلاحه، فينبغي أن لا يكون هذا أيضًا مرادًا للنبيّ (صلي الله عليه وله).

بل الظاهر أنّ مراده - صلوات الله عليه و آله - من جعله غفران صاحب الغيبة شرطًا لقبول التوبة فيما إذا سمعها صاحب الغيبة و اطّلع عليها، لما مرّ ؛ و لأنّ الّذي لم يطّلع عليها و لم ينزجر أيضًا باستماعها لو استبرأ منه غير معلوم غالبًا .

فعلى هذا يكون قوله (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ مقيّدًا لإطلاق الروايتين الأوليين بحمل الروايتين فيما إذا لم يطّلع صاحب الغيبة عليها، أو اطّلع و لم يمكن أو يشقّ الاستبراء لموتٍ أو لبُعدِ مسافة، لكن لمّا كانت الروايتان ضعيفتين بحسب السند، فعلى هذا مهما أمكن الاستبراء بحيث لم يستلزم الإيذاء لا يترک و لو بعنوان الإجمال بأن يقول : أرجو منک عفو كلّما كان مِن حقّک على ذمّتي، أو نحوه .

قال بعض المحقّقين :

مهما أمكن لابدّ أن يذكر صاحب الغيبة بالجميل عند كلّ مَن ذكر غيبته عنده حتّى يمحو من خاطرهم ما أثبته له بواسطة الغيبة (1) .

ص: 246


1- . لم نعثر عليه .

ثمّ إنّ هذا في كفّارة الغيبة، و أمّا توبتها فَكَتَوبَةِ غيرها من الذنوب .

الكلام في قاطع الرحم

12- مسألة

اشارة

اعلم : انّک قد عرفت سابقًا أنّ من جملة الكبائر : قطيعة الرحم (1) ، فها أنا أذكر في هذا المقام جملة من النصوص المتعلّقة بذلک، فأقول :

منها : ما رواه في الكافي، في كتاب الإيمان و الكفر، في باب مجالسة أهل المعاصي، عن محمّد بن مسلم أو أبي حمزة، عن أبي عبدالله، عن أبيه (عليهماالسلام)قال : قال لي عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهما - : يا بنيّ انظُر خمسةً فلا تُصاحبهم ولا تُحادثهم و لا تُرافقهم (2) .

فقلت : يا أبَة مَن هم ؟ قال : إيّاک و مصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لک البعيد و يباعد لک القريب ؛ و إيّاک و مصاحبة الفاسق، فإنّه بائعک بِأُكْلَةٍ أو أقلّ من ذلک ؛ و إيّاک و مصاحبة البخيل، فإنّه يَخذُلُکَ في مال (3) أَحْوَجَ ما

ص: 247


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : و المراد من الرحم الّذي يحرم قطعه و يجب صلته مطلق القريبالمعروف بالنسب و إن بعدت لحمته و جاز نكاحه { انظر مسالک الأفهام : 6 / 31 ؛ و المحصول، للمحقّقالأعرجيّ : 2 / 190 و 191 }.
2- . في المصدر : و لا ترافقهم في طريق ؛ و في بعض النسخ : و لا توافقهم .
3- . في المصدر : في ماله .

تكون إليه ؛ و إيّاک و مصاحبة الأحمق، فإنّه يُريد أن يَنْفعک فيضُرُّکَ .

و إيّاک و مصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعونًا في كتاب الله - عزّوجلّ - في ثلاثة مواضع، قال الله - عزّوجلّ - : ( فهل عسيتم إنْ تَوَلّيتم أن تُفسِدوا في الأرض و تُقَطِّعُوا أرْحَامَكُم * أولئک الّذين لَعَنَهُمُ اللهُ فَأصَمَّهُمْ و أعمَى أبصارَهم ) (1) .

و قال : ( الّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله من بعدِ مِيثاقِه و يَقطَعُون ما أمَرَ اللهُ به أن يُوصَلَ و يُفسِدُون في الأرض أولئک لَهُمُ اللَّعْنَةُ و لهم سُوءُ الدار ) (2) .

و قال في البقرة (3) : ( الّذين يَنقُضُون عَهدَ الله من بعدِ مِيثاقِه و يَقطَعُون ما أمَرَ الله به أن يُوصَلَ و يُفسِدُون في الأرض أولئک هُمُ الخَاسِرُون ) (4) .

و منها : ما رواه في الكتاب المذكور، في باب قطيعة الرحم، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : لا تَقطعْ رَحِمک و إن قَطَعَتْکَ (5) .

و منها : ما رواه أيضًا في الباب المذكور من الكتاب المزبور، عن أبي حمزة الثُماليّ قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته : أعوذ بالله من الذنوب الّتي تُعجِّل الفناء . فقام إليه عبد الله بن الكَوّاء اليَشْكُريّ فقال : يا أمير المؤمنين ! أو يَكون (6)

ص: 248


1- . محمّد : 22 و 23 .
2- . الرعد : 25 .
3- . البقرة : 27 .
4- . الكافي : 2 / 377 ح 7 ، و 641 ح 7 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 32 ح 15565 .
5- . الكافي : 2 / 347 ح 6 ؛ الوسائل : 21 / 493 ح 27676 .
6- . في المصدر : تكون .

ذنوبٌ تُعَجِّل الفناء ؟ فقال : نعم، ويلک قطيعة الرحم، إنّ أهل البيت يَجْتَمِعُون (1) ويَتَواسَون و هم فَجَرة، فيرزُقُهُم الله - تعالى - و إِنّ أهلَ البيت لَيَتَفَرَّقُون و يقطعُ بعضُهم بَعضًا فَيَحرِمُهُم الله و هم أتقياء (2).

و منها : ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) : إذا قطّعوا الأرحام جُعِلَت

الأموال في أيدي الأشرار (4) .

و منها : ما رواه في الباب المذكور حذيفة بن منصور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إتَّقوا الحَالِقَة، فإنّها تُمِيتُ الرجال . قلت : و ما الحالقة ؟ قال : قطيعة الرحم (5) .

و منها : ما رواه أيضًا في الباب، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه (6) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : إنَّ إِخوتي و بني عمّي قد ضَيَّقُوا عليَّ الدار وألْجَئُوني منها إلى بيتٍ و لو تَكَلَّمْتُ أَخَذت ما في أيديهم . قال : فقال لي : إصْبرْ فإنَّ الله سيجعل لک فَرَجًا .

قال : فانصرفت و وقع الوباء في سنة إحدى و ثلاثين (7) ، فماتوا والله كُلُّهم، فما بقي منهم أحد . قال : فخرجت، فلمّا دخلت عليه قال : ما حال أهل بيتک ؟ قال :

ص: 249


1- . في المصدر : ليجتمعون .
2- . الكافي : 2 / 347 ح 7 .
3- . في المصدر : عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام).
4- . الكافي : 2 / 348 ح 8 ؛ الوسائل : 12 / 273 ح 16287 .
5- . الكافي : 2 / 346 ح 2 ؛ الوسائل : 21 / 493 ح 27677 .
6- . في المصدر : أصحابنا .
7- . في بعض نسخ المصدر بزيادة : و مائة .

قلت له : قد ماتوا والله كُلُّهم، فما بقي منهم أحد ؛ فقال : هو بما صنعوا بک و بعُقُوقهم إيّاک و قطع رَحِمِهِم تبروا (1) ، أَتُحِبُّ أنّهم بقوا وأنّهم ضَيَّقوا عليک ؟ قال : قلت : إي والله (2) .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : في كتاب عليّ - صلوات الله عليه - : ثلاث خصال لا يموتُ صاحبُهُنّ أبدًا حتّى يَرَى وَبالَهُنّ : البغي، و قطيعة الرحم، و اليمينُ الكاذبة يُبارز الله بها ؛ و إنَّ أعْجَلَ الطاعة ثوابًا لَصِلَةُ الرحم، و إنَّ القوم ليكونون فُجّارًا فيتواصَلُون فَتَنمِي أموالُهُم ويُثيرُون (3) ، وأنّ اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم لَتَذَرانِ الدِّيار بَلاقِعَ (4) مِنْ أَهلِها وينْقُل (5) الرَّحِم (6) ، و أنَّ نقلَ الرَّحِم انقطاعُ النسل (7) .

و منها : ما رواه في الباب عن عَنبسة العابِد قال : جاء رجل فشكا إلى أبي عبدالله(عليه السلام) أقارِبَه، فقال له : أكظِم غيظک وافعل، فقال : إنّهم يَفعلون و يَفعلون، فقال : أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظرَ الله إِلَيكُم (8) .

ص: 250


1- . « تبروا » بالمثنّاة الفوقيّة أوّلاً ثمّ الموحّدة، فهو بالفتح : الكسر والهلاک ؛ و في بعض نسخ المصدر : « بُتِرُوا »،والبتر بالباء الموحّدة والتاء المثنّاة الفوقيّة والراء : القطع والاستئصال .
2- . الكافي : 2 / 346 ح 3 .
3- . في المصدر : و يثرون .
4- . جاء في حاشية الأصل : جمع بلقع، و هو الأرض الخالية ؛ منه .
5- . في المصدر : و تنقل .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أي : بهما .
7- . الكافي : 2 / 347 ح 4 ؛ الخصال : 124 ح 119 ؛ الوسائل : 21 / 492 ح 27674 .
8- . الكافي : 2 / 347 ح 5 ؛ الوسائل : 12 / 273 ح 16289 .

الكلام في تحريم الفخر و الكبر

13- مسألة

اشارة

و من الأمور المحرّمة أيضًا : الفخر و الكبر .

روي في الكافي، في كتاب الإيمان و الكفر، في باب الفخر و الكبر، عن السكونيّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى رسول الله (صلي الله عليه واله) رجلٌ فقال : يا رسول الله أنا فلان بن فلان حتّى عدّ تسعة، فقال له رسول الله (صلي الله عليه واله) : أما إنَّک عاشرهم في النار (1).

و روي في الباب أيضًا صحيحًا عن أبي حمزة الثمالي قال : قال عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهما - : عَجَبًا للمتكبّر الفَخُور الّذي كان بالأمس نطفة، ثمّ هو غدًا جِيفَة (2) .

و روي أيضًا في الباب عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : آفة الحسب الافتخار و العُجْب (3) .

و روي أيضًا في الباب عن عُقْبَة بن بشير الأسديّ قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

ص: 251


1- . الكافي : 2 / 329 ح 5 ؛ الوسائل : 16 / 42 ح 20927 .
2- . الكافي : 2 / 328 ح 1 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 42 ح 20924 .
3- . الكافي : 2 / 328 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 42 ح 20925 .

أنا عُقْبَة بن بشير الأسديّ و أنا في الحسب الضَّخْمِ مِن قومي . قال : فقال : ما تَمُنُّ علينا بِحَسَبِک، إنَّ الله رفع بالإيمان مَن كان الناس يُسَمُّونه وضيعًا إذا كان مؤمنًا ووضع بالكفر مَن كان الناس يُسَمُّونه شَريفًا إذا كان كافرًا، فَلَيسَ لأحدٍ فضلٌ على أحدٍ إلّا بالتقوى (1) .

و لا يدلّ شيء من النصوص المذكورة على كون مطلق الافتخار و الكبر من الكبائر، لكن في المقام نصوصٌ أُخَر يدلّ على أنّ الكبر من الكبائر، منها : ما رواه في الكافي في باب الكبر من الكتاب المذكور، عن علاء بن الفضيل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : قال : قال أبو جعفر - صلوات الله عليه - : العِزُّ رِداءُ الله، و الكِبرُ إِزارُه، فمَن تناول شيئًا منهُ أكَبَّه الله في جهنّم (2).

و سنده صحيح .

و منها : ما رواه في الباب عن ليثٍ المراديّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الكِبر رداء الله، فمَن نازع الله شيئًا من ذلک أكبّه الله في النار (3) .

و غيرهما .

و هذه جملة من الأمور المحرّمة قد أحببنا إيرادها في المقام ؛ بعضها من الكبائر، فينقدح في العدالة بمجرّد فعله ؛ و بعضها من الصغائر، فلا ينقدح فيها إلّا مع الإصرار .

ص: 252


1- . الكافي : 2 / 328 ح 3 .
2- . الكافي : 2 / 309 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 374 ح 20782 .
3- . الكافي : 2 / 309 ح 5 ؛ الوسائل : 15 / 374 ح 20783 .

جعلنا الله - تعالى - من المصرّين على اجتناب المعاصي، و من الملازمين بتقواه الناجي يوم يفوز فيه الأولياء برحمته الجليّ، بمنّه و لطفه الخفيّ العليّ.

ترک المندوبات لا ينقدح في العدالة

14- مسألة

اشارة

لا ينقدح في العدالة ترک المندوبات و إن أصرّ، لأنّ المندوب جائزٌ تركه، والشيء الجائز لا ينقدح في العدالة .

نعم، لو بلغ الترک إلى التهاون بها ينقدح حينئذ، و الترک حينئذٍ ليس جائزًا، بل حرامٌ، إمّا من الصغيرة فينقدح مع الإصرار، أو من الكبيرة فينقدح و لو بدونه .

الاشتغال بالصنائع المباحةوالمكروهة والدنيّة غير قادح في العدالة

15- مسألة

اشارة

الاشتغال بالصنائع المباحة - كالكتابة و التجارة - و الصنائع المكروهة -كالصباغة و الحياكة - و الصنائع الدنيّة - كالحجامة و الزبالة - غير قادح في العدالة، لا أعرف فيه خلافًا عندنا (1) .

ص: 253


1- . كفاية الأحكام : 2 / 754 .

و الخلاف قد نقل عن بعض أهل الخلاف في الصنائع المكروهة و الدنيّة، فقال بانقداحهما فيها، لأنّ الاشتغال بهذه الحرف يشعر بالخسّة و قلّة المروّة (1) .

و فيه : إنّا لا نسلّم ذلک مطلقًا ؛ و كيف ؟! مع أنّ هذه الأمور ممّا لابدّ فيه الإنسان ويتوقّف عليه النظام، فالاشتغال به في بعض الأحيان واجب، و تركه يكون قادحًا في العدالة .

و أيضًا لو سلّمنا ذلک نقول : إنّ قدح العدالة إنّما هو لفعل المنافي للمروّة، لا لخصوص الاشتغال بهذه الحرف، إذ أيّ فعلٍ و صنعةٍ حصل منهما ذلک يقدح فيها .

و فصّل بعضٌ آخر منهم بين كون هذه الحرف صنعة آباء المشتغل بها، فلا يقدح في العدالة، و إلّا فيقدح (2) .

و فيه أيضًا نظر، إذ ربما يكون الشيء بالنسبة إلى الأب غير مناف للمروّة وبالنسبة إلى الإبن منافيًا لها و بالعكس، كما هو ظاهر يشهد به الوجدان ونشاهد بالعيان .

نعم، و الّذي يظهر في هذه الأعصار في كثير من الديار و الأمصار عدم قبول شهادة أكثر أهل الحرف، لأنّ كِذبهم قد بلغ مرتبة كأنّه قد عدم الصدق في مقابله .

ص: 254


1- . نقله عن بعض العامّة في المسالک : 14 / 189 ؛ و الرياض : 13 / 346 ؛ وانظر الشرح الكبير : 12 / 35و48 ؛ و المجموع : 16 / 182 ؛ و المغني، لابن قدامة : 7 / 377 ؛ و روضة الطالبين : 8 / 210 ؛ و حليةالعلماء : 8 / 249 .
2- . نقله عن بعضهم في المسالک : 14 / 189 ؛ و كشف اللثام : 10 / 300 ؛ وانظر : روضة الطالبين : 8 / 210 ؛والمغني، لابن قدامة : 12 / 34 و 35 .

حكم الحَمَام

16- مسألة

اشارة

في حكم الحَمَام ؛ اعلم : أنّ الكلام في الحَمَام يقع في مقامات :

المقام الأوّل: في اتّخاذ الحمام لنحو الاُنس

والفرخ و إرسال الكتب إلى البلدان

فاعلم : أنّ ذلک جائزٌ من غير كراهة، للأصل و العمومات (1) .

و في الكفاية (2) في الأوّلين : لا أعرف فيه خلافًا، بل المستفاد من جملة من النصوص الترغيب في ذلک و استحبابه، منها (3) : ليس مِن بيتٍ فيه حمامٌ إلّا لم يصب أهل ذلک البيت آفةٌ من الجنّ، إنّ سُفهاء الجنّ يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام و يدعون (4) الإنسان (5) .

ص: 255


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 259 .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 753 .
3- . رواها في الكافي عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) .
4- . في المصدر : و يتركون الإنسان .
5- . الكافي : 6 / 546 ح 5 ؛ الوسائل : 11 / 516 ح 15415 .

و منها (1) : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام)*، فرأيت على فِراشه ثلاث حماماتٍ

خُضرٍ قد ذَرَقْنَ على الفِراش، فقلت : جعلت فداک هؤلاء الحمام يقذر (2) الفراش،

فقال : لا إنّه يستحبّ أن يسكن (3) في البيت (4) .

فلا يضرّ في قبول الشهادة مجرّد اتّخاذ الحمام، لعموم دليل قبول الشهادة مع عدم ما يخصّصه و يمنع قبولها إلّا اتّخاذ الحمام، كما هو المفروض ؛ و هو غير صالح لذلک لا عقلاً و لا شرعًا .

المقام الثاني: في اقتنائها واتّخاذها للّعب بها من غير رهان

كأن يطيّرها ليتقلّب في السماء و تجيء .

و ذهب ابن إدريس (5) إلى حرمة ذلک و قدحه في العدالة و قبول الشهادة .

و نقله في الكفاية (6) عن ابن حمزة، لقبح مطلق اللعب، لورود المذمّة عليه في الآيات و الأخبار، و هذا منه .

ص: 256


1- . رواها في الكافي عن عبد الكريم بن صالح .
2- . في المصدر : تقذر .
3- . في المصدر : أن تسكن .
4- . الكافي : 6 / 548 ح 15 ؛ و عنه في بحار الأنوار : 62 / 20 ح 26 .
5- . السرائر : 2 / 124 .
6- . الكفاية : 2 / 753 .

و نقل عن كافّة متأَخّري الأصحاب جواز ذلک مع الكراهة (1) .

و هو المحكىّ عن الشيخ في المبسوط و النهاية و ابن البرّاج (2) ، بل ظاهر الأوّل أنّه مجمع عليه بيننا على ما حكي عنه من أنّه قال في المبسوط :

اقتنائها للّعب بها، و هو أن يطيّرها و يتقلّب (3) في السماء و نحو هذا، فإنّه مكروه عندنا (4) .

و لعلّ هذا هو الأظهر، لما عرفت من الإجماع الظاهر ممّا تقدّم .

و ما رواه في التهذيب عن علا (5) بن سيابة أنّه قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة مَن يلعب بالحمام، فقال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (6) .

و ضعف الخبر غير مضرّ، لانجباره بالشهرة، بل الإجماع على ما عرفت .

و الجواب عمّا ذكره ابن إدريس - طاب ثراه - هو أنّه يجب تقييد الآيات والأخبار الدالّة على حرمة مطلق اللعب بغير ما نحن فيه، بقرينة ما مرّ من الإجماع الظاهر و الرواية .

إن قيل : لو كانت الرواية مستندةً في الحكم المذكور، ينبغي الحكم بعدم

ص: 257


1- . نقله عنهم في الرياض : 13 / 260 .
2- . انظر المبسوط : 8 / 221 ؛ والنهاية : 2 / 56 ؛ والمهذّب : 2 / 557 .
3- . « و يتقلّب » لم يرد في المصدر .
4- . المبسوط : 8 / 222 .
5- . في التهذيب : العلا ؛ و في الفقيه : العلاء .
6- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 ؛ التهذيب : 6 / 284 ح 784 ؛ الوسائل : 27 / 412 ح 34085 .

الكراهة أيضًا، لأنّ البأسَ المنفيّ فيها نكرةٌ في سياق النفي، فتفيد العموم .

قلت : إفادة النكرة للعموم في سياق النفي مسلّمة، لكن إنّما تفيده بحسب معناها ؛ و معنى لفظ « البأس » - كما يستفاد من اللغة - هو العذاب .

قال في الصحاح :

البأس : العذاب (1) .

و مثله قال في القاموس (2) .

فيكون إفادته العموم بالنسبة إلى أفراد العذاب، و نحن نقول به ؛ و معلوم أنّ الكراهة ليست بعذاب، فلا ينافيها الرواية، لأنّ نفي العذاب المستفاد من نفي البأس في الرواية أعمّ من نفي الكراهة، فلا يستلزمه .

و على تقدير تسليم نقل هذه العبارة في العرف و العادة إلى ما يستفاد منه نفي الكراهة أيضًا و تسليم تقديم العرف على اللغة نقول : إنّ الرواية ليست بحجّة بنفسها، لضعفها ؛ و حجّيّتها إنّما هي لما تقدّم، و هو إنّما دلّ على عدم الحرمة، لا على عدم الكراهة، بل دلّ على إثباتها، فتأمّل .

ص: 258


1- . الصحاح : 3 / 906 .
2- . القاموس المحيط : 2 / 199 .

و المقام الثالث: في اتّخاذها للّعب بها مع الرهان

و هو حرام، قادحٌ في العدالة، فلا تقبل من فاعله الشهادة ؛ قد نقل على ذلک إجماع الطائفة، و لما دلّ على اختصاص جواز الرهان في الخفّ و الحافر من الحيوان و النصل من غيره، كالسيف و السهم و غيرهما (1) ؛ و لتحقيق المقام مقام آخر.

و أمّا ما دلّ عليه الرواية المرويّة في الفقيه عن علاء (2) بن سيابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث سأله عن شهادة من يلعب بالحمام، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (3) . قلت : فإنَّ مِنْ قِبَلِنا يقولون : قال عمر : هو شيطان، فقال : سبحان الله أَما عَلِمتَ أنَّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : إنَّ الملائكة لَتَنْفِرُ عند الرهان و تَلْعَنُ صاحِبَه ما خلا الحافر و الخُفّ و الريش و النصل، فإنَّها تَحْضُرُها الملائكة و قد سابق رسول الله (صلي الله عليه واله) أسامة بن زيد و أجرى الخيل (4) .

حيث انّ ظاهرها يدلّ على جواز الرهان على الحمام و غيره من الطيور، بناءً

ص: 259


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 261 .
2- . في المصدر : العلاء .
3- . التهذيب : 6 / 284 ح 784 .
4- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 .

على أنّ المراد من الريش مطلق الطيور، فغير معمول بها، لما عرفت من نقل الإجماع على عدم ذلک .

و نقل عن العلّامة في التذكرة أنّه قال :

لا تجوز المسابقة على الطيور من الحمامات و غيرها بالعوض عند علمائنا، و هو أصحّ قولي الشافعي (1) .

و نقل عنه أيضًا أنّه قال :

لا خلاف في تحريم الرهان عليها (2) .

أي : على الطيور .

و لهذا حمل بعض الأصحاب الريش في الرواية على السهام، لأنّ فيها ريشًا ؛ مع أنّ علاء بن سيابة مجهول، إلّا أنّ قبله أبان بن عثمان، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و السند إليه معتبر، لأنّه قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن العلاء بن سيابة فقد رويته عن أبي (رضي الله عنه)، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن العلاء بن سيابة (3) .

فالجواب الحقّ هو ما تقدّم .

ص: 260


1- . التذكرة ( ط . ق ) : 2 / 354 .
2- . التذكرة ( ط . ق ) : 2 / 354 .
3- . الفقيه : 4 / 515 .

و ربّما حملت على التقيّة (1) ؛ قال في المسالک :

قيل : إنّ حفص بن غياث وضع للمهديّ العبّاسي في حديث : « لا سبق إلّا في نصل أو خفّ أو حافر » (2) قوله : « أو ريش »، ليدخل فيه الحمام، تقرّبًا إلى قلب الخليفة حيث رآه يحبّ الحمام، فلمّا خرج من عنده قال : « أشهد أنّ قفاه قفا كذّاب، ما قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أو ريش، ولكنّه أراد التقرّب إلينا بذلک » (3) ، ثمّ أمر بذبح الحمام (4) .

تنبيه

اعلم : أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : « و قد سابق رسول الله (صلي الله عليه واله) أسامة بن زيد وأجرى الخيل » (5) ، الظاهر أنّه لمّا استبعد في نظر الراوي مطلق الرهان و السباقة فقد ذكر (عليه السلام) فعله (صلي الله عليه واله) لرفع الاستبعاد ؛ هذا .

و نقل عن بعضهم (6) أنّ المراد بلعب الحمام عند أهل مكّة هو لعب الخيل،

ص: 261


1- . انظر ملاذ الأخيار : 10 / 174 ؛ و رياض المسائل : 13 / 261 .
2- . الكافي : 5 / 50 ح 14 ؛ وانظر مسند أحمد : 2 / 474 ؛ و سنن ابن ماجة : 2 / 960 ح 2878 ؛ و سننالنسائي : 6 / 226 .
3- . تاريخ الخلفاء، للسيوطي : 275 ؛ و فيه : غياث بن إبراهيم، بدل : حفص بن غياث .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 188 .
5- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 .
6- . نقله عن بعض الأجلّة في الرياض : 13 / 260 ؛ و البعض هو الحرّ العاملي قدس سره ، راجع هامش الوسائل :27/ 413 .

فاحتمل ورود الخبر على مصطلحهم، و أيّد ذلک بما وجد في ذيله : « و قد سابق رسول الله (صلي الله عليه واله)» إلى آخره .

ثمّ اعلم : أنّ المستفاد من العبارة المتقدّمة من التذكرة جواز المسابقة على الطيور من الحمامات و غيرها بغير العوض، مع أنّه نقل عن العلّامة فيها (1) أنّه نقل عن المبسوط :

فأمّا المسابقة بالطيور فإن كان بغير عوض جاز عندهم - يعني العامّة - وإن كان بعوض فعلى قولين، و عندنا لا يجوز للخبر (2) .

و نقل عنه أنّه قال بعد نقل هذه العبارة عن المبسوط :

و هذا يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض، مع أنّ المشهور عندنا أنّه يجوز اتّخاذ الحمام للأنس و إنفاذ الكتب، و يكره للتفرّج والتطيّر(3) . أقول : و التحقيق في المقام أن يقال : إنّ بين الأدلّة الدالّة على النهي عن مطلق اللعب و بين ما دلّ على جوازه في الحمام عمومًا من وجه، لأنّ الأدلّة الناهية تدلّ على النهي عن اللعب مطلقًا، سواء كان مع الحمام و غيرها .

و ما مرّ آنفًا و إن كان قد دلّ على جواز اللعب مع الحمام إذا كان من غير رهان، لكنّه أعمّ من أن يكون بطريق المسابقة أم لا ؛ و الترجيح للأدلّة الناهية من وجوهٍ

ص: 262


1- . نقله عنه في مجمع الفائدة : 10 / 170 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 719 .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط. ق ) : 2 / 354 ؛ وانظر المبسوط : 6 / 292 .
3- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 354 .

عديدة ؛ هذا .

لكنّ الإنصاف أنّ التعارض بينهما عموم مطلق، لأنّ الأدلّة الناهية عامّة، وما مرّ ممّا دلّ على جواز اللعب بالحمام خاصّ .

فالجواب الحقّ أن يقال : إنّ الخاصّ بنفسه كان ضعيفًا، فلا يصلح لتخصيص العمومات الناهية، لكن قلنا بجواز اللعب بها، و تخصيص العمومات الناهية لانجباره بالشهرة ؛ و ليست فيما نحن فيه قطعًا، فلا يجوز تخصيص العمومات بالنسبة إليه بسبب ذلک الخاصّ، سيّما بعد ما عرفت من كلام المبسوط من نسبة عدم جواز ذلک إلينا حيث قال :

و عندنا لا يجوز (1) .

ولد الزنا شهادته غير مقبولة

17- مسألة

اشارة

و يشترط في الشاهد أيضًا طهارة المولد، فلا تقبل شهادة ولد الزنا، للأصل والإجماع، كما في الانتصار حيث قال :

و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ شهادة ولد الزنا لا تقبل و إن كان على ظاهر العدالة .

ص: 263


1- . المبسوط : 8 / 222 ؛ و فيه : فإنّه مكروهٌ عندنا .

إلى أن قال :

دليلنا على ذلک إجماع الطائفة عليه (1) .

و نقل الإجماع على ذلک من الخلاف و الغنية (2) ، و النصوص المستفيضة، منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال : لا (3) .

و منها : ما رواه أبو أيّوب الخزّاز عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لايجوز (4) شهادة ولد الزنا (5) .

و منها : ما رواه أبو بصير حيث قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته ؟ قال : لا (6) ؛ قلت : إنّ الحَكَم (7) يزعم أنّها تجوز ؛ فقال : اللّهمّ لا تغفر ذنبه (8).

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو أنّ

ص: 264


1- . الانتصار : 501 .
2- . غنية النزوع : 440 ؛ الخلاف : 2 / 627 ؛ و نقله عنهما في كشف اللثام : 10 / 301 ؛ و رياض المسائل :13 / 307 .
3- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ و في آخره : « لا و لا عبد » ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
4- . في المصدر : لا تجوز .
5- . الكافي : 7 / 395 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 244 ح 613 ؛ الوسائل : 27 / 375 ح 33985 .
6- . الكافي : 7 / 395 ح 4.
7- . في الكافي : الحكم بن عتيبة .
8- . الكافي : 1 / 400 ح 5 و 7 / 395 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 244 ح 610 ؛ الوسائل : 27 / 374 ح 33983 .

أربعةً شهدوا عندي على رجلٍ بالزنا و فيهم ولد زنا (1) ، لحدّدتهم جميعًا، لأنّه لاتجوز شهادته و لا يؤمّ الناس (2) .

قال في الانتصار :

فإن قيل : أليس ظواهر الآيات الّتي احتججتم بها تقتضي قبول شهادة ولد الزنا إذا كان عدلاً، فكيف امتنعتم من قبول شهادته مع العدالة و هو داخلٌ في ظواهر الآيات ؟

قلنا : هذا موضع لطيف لابدّ من تحقيقه، و قد حقّقناه في مسألة أمليناها قديمًا في الخبر الّذي يروي بأنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة، و بسطنا القول فيها، لأنّ ولد الزنا لا يتعدّى إليه ذنب من خلق من نطفته و له حكم نفسه، فما المانع من أن يكون عدلاً مرضيًّا ؟

و الّذي نقول (3) : إنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيًّا (4) ولا مرضيًّا عند الله - تعالى - ؛ و معنى ذلک أن يكون الله - تعالى - قد علم فيمن خلق من نطفة زنا أن لا يختار هو الخير و الصلاح .

فإذا علمنا بدليلٍ قاطعٍ عدم نجابة ولد الزنا و عدالته و شهد و هو مظهر للعدالة مع غيره لم يلتفت إلى ظاهره المقتضي لظنّ العدالة به، و نحن

ص: 265


1- . في الكافي : ولد الزنى .
2- . الكافي : 7 / 396 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 244 ح 614 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33986 .
3- . في المصدر : نقوله .
4- . في المصدر : نجيبًا .

قاطعون على خبث باطنه و قبح سريرته، فلا تقبل شهادته، لأنّه عندنا غير عدل و لا مرضيّ .

فعلى هذا الوجه يجب أن يقع الاعتماد دون ما تعلّق به أبو عليّ بن الجنيد ( ؛ )، لأنّه قال : إذا كنّا لا نقبل شهادة الزاني و الزانية كان ردّنا لشهادة مَن هو شرّ منهما أولى، و روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال في ولد الزنا : « أنّه شرّ الثلاثة » (1) .

و هذا غير معتمد، لأنّ الخبر الّذي رواه خبر واحد لا يوجب علمًا ولاعملاً، و لا يرجع بمثله عن ظواهر الكتاب الموجبة للعلم .

و إذا كان معنى قوله (صلي الله عليه واله) : « إنّه شرّ الثلاثة » من حيث لم تقبل شهادته أبدًا و قبلت شهادة الزانيين إذا تابا، فقد كان يجب على ابن الجنيد أن يبيّن من أىّ وجه لم تقبل شهادته على التأبيد، و كيف كان أسوأ حالاً في هذا الحكم من الكافر الّذي تقبل شهادته بعد التوبة من الكفر و الرجوع إلى الإيمان، و يبيّن كيف لم تقبل شهادته مع إظهار العدالة و الصلاح والنسک والعبادة، و أنّه بذلک داخل في ظواهر آيات قبول الشهادة و ما شرع في ذلک و لا اهتدى له . والوجه هو ما نبّهنا عليه الموافق للقول بالعدل، إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (2) .

ص: 266


1- . علل الشرائع : 564 ح 2 ؛ بحار الأنوار : 5 / 285 ح 5 ؛ مسند أحمد : 2 / 598 ح 8037 ؛ سنن البيهقي :10 / 99 ح 19987 ؛ سنن أبي داود : 4 / 29 ح 3963 ؛ المستدرک للحاكم : 4 / 100 .
2- . الانتصار : 501 .

في الجواب عن الاعتراض الّذي أورده

العلّامة و الشهيد الثاني على السيّد المرتضى

و اعترض عليه في المختلف (1) بأنّه لا فرق بين دليليهما، لأنّ ما ذكره في الردّ على ابن الجنيد من كون الخبر الّذي استدلّ به على عدم قبول شهادة ولد الزنا خبرًا واحدًا مشترک الورود، إذ كما أنّ الخبر الّذي رواه أبو عليّ خبر واحد كذلک الخبر الّذي ذكره هو، و هو : « أنّه لا يدخل الجنّة ولد الزنا » ؛ اللّهمّ إلّا أن يكون متواترًا في زمن السيّد .

و تبعه شيخنا الشهيد الثاني في المسالک في أصل الاعتراض، فقال :

و احتجّ (2) المرتضى - لعدم قبول شهادة ولد الزنا (3) - بالإجماع والخبر (4) الّذي ورد أنّ ولد الزنا لا ينجب .

إلى أن قال :

و هذا كلّه مبنيّ على ثبوت الخبر الوارد بذلک، بل تواتره، لأنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده ؛ و نحن و مَن قبلنا لم يمكنا إثباته بسندٍ معتمد، فضلاً عن كونه متواترًا .

ص: 267


1- . انظر المختلف : 8 / 490 .
2- . في المصدر : واحتجّ له .
3- . « لعدم قبول شهادة ولد الزنا » لم يرد في المصدر .
4- . في المصدر : و بالخبر .

و قال :

و اعتذر له في المختلف (1) بجواز كونه متواترًا في زمانه، ثمّ انقطع .

ولايخفى ما فيه من التكلّف و ظهور المنع (2) .

و فيما أورداه على السيّد (رضي الله عنه) نظر، لأنّه مبنيّ على عدم التأمّل في كلامه .

أمّا وجه النظر بالنسبة إلى ما أورده في المختلف، فهو : أنّا نسلّم أنّ الخبرين مشتركان في كونهما خبرًا واحدًا، لكنّ السيّد لم يجعل الخبر المذكور - و هو : « أنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة » - دليلاً لعدم قبول شهادة ولد الزنا، بل إنّما قال :

حقّقت (3) ذلک في مسألة أمليناها قديمًا في الخبر الّذي يروي بأنّ ولد الزنا لايدخل الجنّة (4) .

كما عرفت من عبارته المتقدّمة، بل دليله في ذلک هو ما ذكره بعد ذلک من الإجماع على عدم نجابة ولد الزنا، حيث قال :

و الّذي نقول (5) : أنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيبًا ومرضيًّا(6) ؛ إلى آخر ما ذكره (7)

ص: 268


1- . انظر المختلف : 8 / 490 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 223 .
3- . في المصدر : حقّقناه .
4- . الانتصار : 502 .
5- . في المصدر : نقوله .
6- . في المصدر : و لا مرضيًّا .
7- . الانتصار : 502 .

و أمّا وجه النظر بالنسبة إلى ما أورد عليه في المسالک، فهو الّذي عرفته، مضافًا إلى أنّ ما ذكره من استناد السيّد في عدم قبول شهادة ولد الزنا إلى الخبر الّذي ورد: « أنّ ولد الزنا لا ينجب »، ليس له في كلام السيّد أثر، فراجع حتّى يظهر لک، بل مستنده في ذلک هو ما عرفته من الإجماع على عدم نجابة ولد الزنا و كونه مرضيًّا عند الله، بناءً على ما ذكره من أنّ :

معنى ذلک أن يكون الله - تعالى - قد علم فيمن خلق من نطفة زنا أن لايختار هو الخير و الصلاح، فإذا علمنا بدليل قاطع عدم نجابة ولد الزنا وعدالته و شهد و هو مظهر للعدالة مع غيره لم يلتفت إلى ظاهره المقتضي لظنّ العدالة به (1) .

و مراده من الدليل القاطع في قوله : « فإذا علمنا بدليل قاطع »، هو : الإجماع الّذي ذكره بقوله : « إنّ طائفتنا مجمعة » إلى الآخر .

و ليس استناده في ذلک إلى الخبر الّذي ذكره، و هو : « أنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة » حتّى يعترض عليه أنّه غير متواتر ؛ على أنّه لو ثبت عدم تواتره نقول : إنّ الإجماع الّذي ذكره السيّد قرينته، فيكون من الخبر الواحد القطعيّ المحفوف بالقرينة، فيكون حجّةً أيضًا عند الجميع .

فما ذكر شيخنا الشهيد الثاني في عبارته المتقدّمة من أنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده، ليس على إطلاقه، لأنّ الخبر الواحد المحفوف بالقرينة مثل المتواتر

ص: 269


1- . الانتصار : 502 .

في إفادة القطع، فيكون حجّةً عند الجميع .

نعم، غير المتواتر إنّما لا يكون حجّة عنده إذا لم يكن محفوفًا بالقرينة القطعيّة، لا مطلقًا .

ألا ترى كلام السيّد في مقام الردّ على ابن الجنيد حيث قال :

إنّه خبر واحد لا يوجب علمًا و لا عملاً (1) .

و مفهومه أنّه لو يوجب العلم ليس كذلک، والله العاصم .

اعلم : أنّه قد ناقش في المسالک في النصوص المتقدّمة أيضًا، فقال بعد ذكرها :

أجودها سندًا الخبر الأوّل، لكن دلالته لا تخلو من قصور . و أمّا الثاني فصحّته ممنوعة، و إن شهد له بها العلّامة في المختلف (2) و ولده في

الشرح (3) ، لأنّ في طريقها (4) : محمّد بن عيسى عن يونس، و هو مقدوحٌ إمّا مطلقًا، أو على هذا الوجه . و في طريق الثالث : أبان وأبوبصير، و هما مشتركان بين الثقة و غيره . و في طريق الرابع : ابن فضّال، و حاله مشهور (5) .

أقول : أمّا ما ذكره من قصور الدلالة في الرواية الأولى فوجهه غير ظاهر، لأنّها

ص: 270


1- . الانتصار : 502 .
2- . انظر المختلف : 8 / 488 .
3- . انظر إيضاح الفوائد : 4 / 425 .
4- . في المصدر : طريقه .
5- . مسالک الأفهام : 14 / 222 .

هذه : « قال سألته عن شهادة ولد الزنا، قال : لا » (1) ؛ و لا شکّ أنّ المفهوم العرفيّ منه هو : أنّه سألته عن قبول شهادة ولد الزنا أو عن جوازها، و أيًّا ما كان يثبت المطلوب .

و أمّا ما ذكره من عدم ظهور صحّة الثاني، لأنّ في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس، فنقول : إنّه و إن تقدّم منّا مكرّرًا قدح الحديث بذلک، إلّا أنّ الظاهر أنّه لايقدح، فالحديث كما ذكره العلّامة و ولده صحيح .

و أمّا ما ذكره في الحديث الثالث من أنّ في طريقه أبان و أبو بصير، و هما مشتركان بين الثقة و غيره، فأقول (2) : أمّا أبان فهو و إن كان مشتركًا بين الثقة

وغيره، إلّا أنّ الظاهر أنّه أبان بن عثمان، لأنّه الغالب، فينبغي أن ينصرف إليه الإطلاق .

و أمّا أبو بصير، فالأمر فيه و إن كان كما ذكر، إلّا أنّ أبان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه .

و أمّا ابن فضّال، فهو موثّق .

و على فرض تسليم ذلک نقول : إنّ النصوص المذكورة منجبرة بعمل الطائفة، فلا وجه للتأمّل في المسألة .

ص: 271


1- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ و في آخره : « لا و لا عبد » ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
2- . جاء في حاشية الأصل : هذا على فرض تسليم الاشتراک في أبي بصير بين الثقة و غيره ؛ و التحقيقخلافه، كما حقّقناه في محلّه ؛ منه ( حقّقه في رسالته : الإرشاد الخبير البصير إلى تحقيق الحال في أبي بصير،المطبوعة ضمن الرسائل الرجاليّة : 129 - 186 ) .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ الأدلّة المتقدّمة من النصوص و الإجماعات المنقولة مقتضاها عدم قبول شهادة ولد الزنا مطلقًا و إن كان في الشيء اليسير، خلافًا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة (1) ، مجوّزا قبول شهادته في الشيء الدون مع ظهور صلاحه، لما رواه عيسى بن عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث سأله عن شهادة ولد الزنا، فقال : لا تجوز إلّا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحًا (2) .

و الحديث معتبر، بل حسن .

وجه الاستدلال هو : أنّ الأدلّة المتقدّمة قد دلّت على عدم جواز قبول شهادة ولد الزنا بقولٍ مطلق، و الحديث المذكور قد دلّ على جواز قبول شهادته في الشيء اليسير دون الكثير ؛ و مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد، فيجب تقييد تلک النصوص بذلک.

و أجاب عن هذا الحديث في المختلف بأنّا نقول بموجبه، فإنّه يعطي بمفهومه الردّ في الكثير، و ما من يسير إلّا و هو كثيرٌ بالنسبة إلى ما دونه، فلا تقبل شهادته إلّا في أقلّ الأشياء الّذي لا يكون كثيرًا بالنسبة إلى شيء، و مثله لا يتملّک (3) .

و الإنصاف أنّ هذا غير مناسب للجواب، لأنّ الألفاظ محمولة على معانيها العرفيّة، فينبغي أن تقبل شهادته فيما يقال في العرف أنّه يسير .

ص: 272


1- . النهاية : 2 / 53 ؛ الوسيلة : 230 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 10 / 302 .
2- . التهذيب : 6 / 244 ح 611 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33987 ؛ عوالي اللّألئ : 3 / 533 ح 20 .
3- . انظر المختلف : 8 / 490 .

فالحقّ في الجواب أن يقال : إنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما يكون إذا لم يكن مدلول المقيّد شاذًّا، و القول بقبول شهادته في الشيء اليسير شاذّ، فلا يصلح المقيّد المذكور لتقييد المطلق المعمول به عند المشهور، بل المجمع عليه كما عرفت، سيّما بعد رجوع الشيخ عن قوله في النهاية في الخلاف (1) ، فقد حكي عنه أنّه قد منع عن قبول شهادته فيه مطلقًا (2) .

و عن المبسوط :

شهادة ولد الزنا إذا كان عدلاً مقبول (3) عند قوم في الزنا و في غيره، وهو قوىّ، لكن أخبار أصحابنا يدلّ على أنّه لا تقبل (4) شهادته (5) .

هذا، مع أنّ المحكيّ عن ابن إدريس : الإجماع على كفره، و الكافر لا تقبل شهادته و لو في الشيء اليسير (6) .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ ما مرّ من عدم جواز قبول شهادة ولد الزنا إنّما هو إذا ثبت شرعًا أنّه من ذلک ؛ و أمّا إذا لم يثبت ذلک، فتقبل شهادته بعد استجماع الشرائط الأخر و إن نسب إلى الزنا، كما صرّح به جمع من الأصحاب (7) .

ص: 273


1- . انظر الخلاف : 6 / 309 المسألة 57 .
2- . حكاه عنه في الرياض : 13 / 309 .
3- . في المصدر : مقبولة .
4- . في المصدر : لا يقبل .
5- . المبسوط : 8 / 228 ؛ و حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 303 .
6- . السرائر : 3 / 171 ؛ و حكاه عنه في المختلف : 8 / 488 ؛ و المسالک : 14 / 222 ؛ و رياض المسائل :13 / 311 .
7- . انظر الشرح الصغير : 3 / 311 ؛ و رياض المسائل : 13 / 311 .

لأنّ المتبادر من ولد الزنا في النصوص المذكورة و عبارات الأصحاب هو ما علم ذلک، فتنصرف إليه، فيبقى الإطلاقات الدالّة على قبول الشهادة بالنسبة إلى ما نحن فيه سالمة عمّا يصلح للمعارضة .

إن قلت : كما يتبادر من ولد الزنا في النصوص الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ولد الزنا ما علم أنّه ولد زنا، كذا يتبادر من العدالة في الأدلّة الدالّة على اعتبارها العدالة المعلومة ؛ و معلوم أنّ مَن احتمل أنّه ولد الزنا ليست عدالته معلومة، و ليس قبول الشهادة على وفق الأصل حتّى نقبلها فيما نحن فيه عملاً بالأصل، بل على خلاف الأصل، لأنّ الحكم على شخصٍ بشيءٍ لآخرٍ خلاف الأصل، فلا يجوز قبول شهادة مَن احتمل أنّه ولد الزنا عملاً بالأصل .

قلت : العلم بالعدالة إمّا أن يكون هو العلم بتحقّقها في نفس الأمر، أو العلم بها ظاهرًا، أي : العلم بحسن الظاهر ؛ و معلوم أنّ الأوّل غير مراد في المقام، لعدم تمكّنه، فالمراد هو الثاني ؛ و حصوله بالنسبة إلى مَن احتمل أنّه ولد الزنا ممكن، والكلام فيما إذا حصل ذلک .

ارتفاع التهمة شرطٌ في قبول الشهادة

18- مسألة

اشارة

يشترط أيضًا في الشاهد ارتفاع التهمة بالإجماع، كما ادّعاه بعض

ص: 274

الأصحاب (1) ؛ والنصوص المستفيضة، بل قيل :

لعلّها متواترة (2) .

منها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث سأله عن الّذي يُرَدُّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و الخصم . قال : قلت : فالفاسق و الخائن ؟ فقال : كلّ هذا يدخل في الظنين (3) .

بيان

الظنين بمعنى المتّهم، صيغة فعيل بمعنى مفعول، فعطف الخصم عليه من قبيل عطف الخاصّ على العامّ .

و منها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تُردّ (4) مِنَ الشهود ؟ قال : فقال : الظنين و المتّهم . قال : قلت : فالفاسق و الخائن ؟ قال : ذلک (5) يدخل في الظنين (6) .

و في السند : محمّد بن عيسى عن يونس، و هو غير مضرّ .

ص: 275


1- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 190 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 381 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 754 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 276 .
2- . رياض المسائل : 13 / 276 .
3- . الكافي : 7 / 395 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 602 ؛ و رواه في « الفقيه : 3 / 40 ح 3281 » باسناده عنعبيد الله بن عليّ الحلبيّ مثله، إلّا أنّه قال : الظنين والمتّهم والخصم ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33978 .
4- . في المصدر : يردّ .
5- . في التهذيب : كلّ ذلک .
6- . الكافي : 7 / 395 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 601 ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33977 .

بيان

قد عرفت أنّ الظنين هو المتّهم، فعطف المتّهم عليه - كما في الحديث و غيره - من قبيل العطف للتفسير .

و قيل :

الظنين هو : المتّهم في دينه، فعيل بمعنى مفعول من الظنة، و هي التهمة، وأريد بالمتّهم المتّهم في ذلک (1) القضيّة (2) .

و منها : ما رواه شعيب عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، حيث سأله عن الّذي يردّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و المتّهم و الخصم ؛ قال : قلت : فالفاسق والخائن ؟ قال : كلّ هذا يدخل في الظنين (3) .

و لعلّ أبا بصير في هذا السند هو يحيى بن القاسم، بقرينة شعيب، لأنّه قائده وابن أخته (4) ، فيكون الحديث موثّقًا .

على أنّ هذا الحديث مرويّ في الفقيه (5) باسناده إلى عبيد الله بن عليّ الحلبي، و طريقه إليه صحيح، لأنّه قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن عبيد الله بن عليّ الحلبي فقد رويته عن أبي و محمّد بن

ص: 276


1- . في المصدر : تلک .
2- . الوافي : 16 / 995 .
3- . الكافي : 7 / 395 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 598 ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33979 .
4- . انظر مجمع الفائدة : 3 / 181 و 8 / 311 .
5- . الفقيه : 3 / 40 ح 3281 .

الحسن - رضي الله عنهما - عن سعد بن عبدالله و الحميريّ جميعًا عن أحمد و عبدالله ابني محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبىّ (1) .

و منها : وصيّة مولانا الأمير (عليه السلام) لشريح حيث قال : اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود (2) في حدّ لم يتب منه، أومعروف بشهادة زور، أو ظنين (3) .

اعلم : أنّ مقتضى إطلاق النصوص المذكورة عدم قبول شهادة المتّهم مطلقًا، فيستفاد منها أصلٌ كلّيّ، و هو : أنّ شهادة المتّهم ليست بمقبولة، فعلى هذا لابدّ في الحكم بقبول شهادة المتّهم في بعض المواضع من دليل إجماعٍ أو نصٍّ صالحٍ لتقييد النصوص الصحيحة المعتبرة المستفيضة .

و حيث ثبت ذلک نقيّد إطلاق النصوص المذكورة و نقول بمضمونه، و إلّا نعمل بإطلاق النصوص و نحكم بعدم جواز قبول شهادته، إلّا أن يوجد هناک فردٌ غيرُ غالبٍ بحيث لا ينصرف إليه إطلاق المتّهم في النصوص، فهناک نعمل بالأدلّة الدالّة على قبول الشهادة.

و كذا لو شکّ في الموضوع، أي بأنّ ذلک الشاهد هل يصدق عليه أنّه متّهم، أم لا؟ بل بطريقٍ أولى .

ص: 277


1- . الفقيه : 4 / 429 .
2- . في الكافي : مجلودًا .
3- . الكافي : 7 / 413 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 225 ح 541 ؛ الوسائل : 27 / 211 ح 33618 .

المواضع الّتي حكم فيها بقبول شهادة المتّهم

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّا نذكر في هذا المقام المواضع الّتي حكم فيها بقبول شهادة المتّهم، فإن وجدنا لها كلاًّ أو بعضًا مستندًا نذكره و نقول به، و إلّا فنعمل بالأصل الّذي استفدناه من النصوص المذكورة .

شهادة ذي الأقارب بعضهم لبعضهم مقبولة

فأقول : من تلک المواضع شهادة ذي الأقارب بعضهم لبعض، كالوالد للولد وبالعكس، و الأخ للأخ، و هكذا .

و المستند في ذلک الإجماع و النصوص، أمّا الإجماع فقد ادّعاه السيّد الأجلّ في الانتصار، حيث قال :

و ممّا انفردت به الإماميّة (1) في هذه الأعصار و إن روي لها وفاق قديم : القول بجواز شهادات ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً (2) .

ثمّ نقل هذا القول عن كثيرٍ من العامّة، منهم : عمر بن الخطّاب، و نقل الخلاف

ص: 278


1- . في المصدر : الإماميّة به .
2- . الانتصار : 496 .

عن بعضهم أيضًا (1) .

ثمّ قال :

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردّد (2) .

و نقل الإجماع عن الغنية أيضًا (3) .

و هو ظاهر جملة من المتأخّرين أيضًا، كصاحب المسالک و الكفاية و كشف اللثام (4) .

و أمّا النصوص فمنها : صحيحة الحلبي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تجوز شهادة الولد لوالده، و الوالد لولده، و الأخ لأخيه، فقال : تجوز (5) .

و منها : صحيحة عمّار بن مروان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) - أو قال : سأله بعض أصحابنا - عن الرجل يشهد لأبيه، أو الأب يشهد لابنه، أو الأخ لأخيه، فقال : لا بأس (6) إذا كان خيرًا جازت شهادته لأبيه، و الأب لابنه، و الأخ لأخيه (7) .

ص: 279


1- . انظر المغني، لابن قدامة : 12 / 65 ؛ والشرح الكبير : 12 / 72 و 75 ؛ والمحلّى : 9 / 415 ؛ والمجموع :20 / 234 ؛ و بداية المجتهد : 2 / 500 و 501 .
2- . الانتصار : 497 .
3- . انظر الغنية : 439 ؛ و نقله عنه في رياض المسائل : 13 / 284 .
4- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 194 ؛ والكفاية : 2 / 758 ؛ و كشف اللثام : 1 / 306 .
5- . الكافي : 7 / 393 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 630 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح 33963 .
6- . في المصدر : لا بأس بذلک .
7- . الكافي : 7 / 393 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 631 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح 33964 .

و منها : موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة الولد لوالده، والوالد لولده، والأخ لأخيه، قال : فقال : تجوز (1) .

و منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ لأخيه، قال : نعم (2) .

و غيرها .

و بهذه الأدلّة من الإجماعات و النصوص المذكورة نقيّد إطلاق ما تقدّم من الأدلّة على عدم جواز شهادة ذي التهمة .

ثمّ إنّ النصوص المذكورة و إن لم تشمل جميع أفراد المسألة صريحًا، لاختصاصها بشهادة الأب للابن، أو عكس ذلک، أو الأخ للأخ، فلا يدلّ على جواز شهادة مطلق ذي القرابات صريحًا، لكنّها دالّة على ذلک بالفحوى، بناءً على أنّه لو لم يمنع التهمة من قبول شهادة الأب للابن مثلاً و الأخ للأخ، فعدم منعها قبول شهادة الجدّ أو العمّ و هكذا بطريق أولى .

و لا يخفى عليک أنّ الأدّلة المذكورة من الإجماعات و النصوص المعتبرة قد دلّت على جواز قبول شهادة ذي النسب مطلقًا و إن لم يضمّ إليه عدل آخر أجنبيّ، فالحكم مطلق .

ص: 280


1- . الكافي : 7 / 393 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 632 ؛ الوسائل : 27 / 368 ح 33965 .
2- . التهذيب : 6 / 247 ح 629 ؛ الوسائل : 27 / 368 ح 33966 .

خلافًا للمحكيّ عن النهاية (1) ، فاعتبر في قبول الشهادة الضميمة، لرواية السكوني عن مولانا الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) أنّه قال : أنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيًّا و معه شاهد آخر (2) .

و السكونيّ حاله معلوم، و الراوي عنه في سند الحديث النوفليّ، و هو حسين بن يزيد ؛ و قد حكى النجاشي عن قوم من القميّين أنّ حسين بن يزيد غلا في آخر عمره (3) ، فلا يصلح لتقييد النصوص المذكورة .

بل على تسليم اعتبار السند أيضًا، لما عرفت من كون تلک النصوص موافقة للإجماعات المنقولة، سيّما بعد أخصّيّة الرواية من المدّعى و ضعف الدلالة، لاحتمال أن يكون مراده (عليه السلام) أنّ قبول شهادة الأخ بانفراده غير جائز، إلّا إذا انضمّ إليه شاهد آخر، سواء كان من الأخ أو غيره، و نحن نقول بمضمونه، فتأمّل .

تجوز شهادة الرجل لامرأته

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الرجل لامرأته .

و يدلّ عليه من النصوص صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته، و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها (4) .

ص: 281


1- . النهاية : 2 / 59 .
2- . التهذيب : 6 / 286 ح 790 ؛ الوسائل : 27 / 368 ح 33967 .
3- . رجال النجاشي : 38 .
4- . الكافي : 7 / 392 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 32 ؛ الوسائل : 27 / 366 ح 33960 .

و صحيحة عمّار بن مروان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) - أو قال : سأله بعض أصحابنا - عن الرجل يشهد لامرأته قال : إذا كان خيرًا جازت شهادته لامرأته (1) .

و موثّقة سماعة قال : سألته عن شهادة الرجل لامرأته، قال : نعم ؛ والمرأة لزوجها ؟ قال : لا إلّا أن يكون معها غيرها (2) .

و نقل عن جماعة من الأصحاب - كالشيخ في النهاية و ابن البرّاج وابن حمزة (3) - عدم قبول شهادة الزوج لامرأته إلّا بعد انضمام غيره من أهل الشهادة إليه ؛ و كان مستندهم هو ما تقدّم من النصوص المستفيضة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة .

و الجواب عنه : أنّ تلک النصوص و إن دلّت على ذلک، إلّا أنّ دلالتها كانت بعنوان الإطلاق، و المطلق يجب تقييده بعد وجود المقيّد، و هو ما ذكرناه آنفًا من جملة من النصوص المعتبرة، إذ هي واضحة الدلالة على قبول شهادة الرجل لامرأته، سيّما الرواية الأولى و الثالثة، فإنّه (عليه السلام) جعل انضمام الغير شرطًا لقبول شهادة المرأة للزوج بعد حكمه (عليه السلام) بجواز شهادة الزوج للمرأة، فهما كالصريحين في عدم اشتراط انضمام الغير في قبول شهادة الزوج للزوجة، فيجب تقييد تلک النصوص المطلقة بهذه النصوص المقيّدة حملاً للمطلق على المقيّد، فلا إشكال في

ص: 282


1- . الكافي : 7 / 393 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 628 ؛ الوسائل : 27 / 366 ح 33961 .
2- . التهذيب : 6 / 247 ح 34 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح 33962 .
3- . النهاية : 2 / 59 ؛ المهذّب : 2 / 557 ؛ الوسيلة : 231 ؛ و نقله عنهم في كشف اللثام : 10 / 308 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 289 .

المسألة بحمد الله - سبحانه .

نعم، ربما يشكل الأمر في صورة العكس - أي : في شهادة المرأة للزوج - لأنّ مقتضى النصوص الناهية عن قبول شهادة المتّهم عدم قبول شهادتها له، و المقيّد لم نجده إلّا ما عرفت من الصحيح و الموثّق، حيث دلّا على جواز قبول شهادتها للزوج مع انضمام الغير .

اعلم : أنّ في التفصيل إشكالاً، بيانه هو : أنّه لا يخلو إمّا أن يكون المراد من عدم قبول شهادة الزوجة للزوج عدمُ قبولها إذا كانت منفردة، كما دلّت عليه الصحيحة و الموثّقة، فالزوج أيضًا كذلک، لأنّ شهادة رجل واحد غير مقبولة، إلّا بعد انضمام رجل آخر إليه، فلا فرق بينهما، فما وجه تفصيل المعصوم (عليه السلام) بينهما ؟

و على هذا الاحتمال لا فرق بين الزوجة و غيرها من النساء كائنة من كانت، لأنّ شهادتها من غير انضمام الغير غير مقبولة، فما وجه اختصاص الحكم بالزوجة ؟

و إمّا أن يكون المراد من عدم قبول شهادة الزوجة مطلقًا و لو كانت مع الغير، فيكون المراد من قبول شهادة الزوج لها إذا كان له شاهد آخر، بمعنى أنّ الزوج يجوز أن يكون أحد الشاهدين للزوجة، بخلاف الزوجة، فإنّها لا تكون ممّن تقبل شهادته و لو كانت مع النساء الاخر، بناءً على ما مرّ من الأدلّة المانعة عن قبول شهادة المتّهم .

هذا و إن ناسب التقابل بينهما، إلّا أنّ هذا الاحتمال غير صحيح، لأنّ قوله (عليه السلام)

ص: 283

صريحٌ في جواز شهادتها إذا كان معها غيرها .

و يمكن الجواب عن الإشكال باختيار الشقّ الأوّل من الاحتمالين، أعني : أنّ المراد عدم قبول شهادة الزوجة إذا كانت منفردة ؛ قولک : « فالزوج أيضًا كذلک »، قلنا : ممنوع، بل تقبل شهادته منفردًا من غير حاجةٍ إلى شاهدٍ آخر بشرط انضمام اليمين إليه بأن تحلف المرأة بعد شهادة الزوج لها، فيقضى لها، بخلاف شهادة الزوجة، فإنّها لابدّ من انضمام الغير، فلا يكفي حلف الزوج .

أمّا وجه اختصاص الزوجة بالذكر مع شمول الحكم لكلّ نساء، فلعلّه لأجل أنّه لمّا حَكَم المعصوم (عليه السلام) بجواز قبول شهادة الزوج للزوجة، ربّما يتوهّم جواز قبول شهادة الزوجة للزوج، فَحَكَمَ (عليه السلام) بعدم جواز ذلک إلّا بعد انضمام الغير إليها بعد السؤال عن شهادتها له كما في صحيحة عمّار بن مروان (1) ، و من غير سؤال كما

في الصحيحة (2) .

إن قلت : على هذا لا فرق بين الزوج و غيره من الرجال، بناءً على أنّ كلّ رجل عادل يكتفى بشهادته مع حلف المدّعي فيما يثبت بشاهد و يمين، و قد حقّقناه في كتاب القضاء (3) ، فما وجه اختصاص الزوج بالذكر؟

قلت : لعلّ ذلک لأجل أنّه لمّا كان الزوج من أهل التهمة و كان حكم غيره من الرجال معلومًا من أدلّة قبول الشهادة من الكتاب و السنّة، فصار الزوج لأجل

ص: 284


1- . الكافي : 7 / 393 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 628 ؛ الوسائل : 27 / 366 ح 33961 .
2- . أي : صحيحة الحلبيّ المرويّة في الكافي : 7 / 392 ح 1 ؛ و التهذيب : 6 / 247 ح 628 .
3- . لاحظ كتاب القضاء : المسألة 25 و 26 .

التهمة في معرض الشکّ، فاختصّ بالذكر في كلام المعصوم و الراوي للتنبيه على عدم قدح التهمة في شهادة الزوج للزوجة .

على أنّ جواز قبول شهادة الزوج للزوجة يدلّ على جواز قبول شهادة غيره من الرجال لها بطريق أولى، بناءً على أنّه لو جاز قبول شهادة الزوج للزوجة مع كونه من أهل التهمة، فجواز قبول شهادة غيره لها بطريق أولى .

فعلى هذا يكون الصحيحة و الموثّقة المزبورتين مقيّدتين للنصوص المتقدّمة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة بالنسبة إلى شهادة الزوجة لزوجها أيضًا، فارتفع الإشكال في هذه الصورة أيضًا .

شهادة الزوجة منفردة مقبولة في الوصيّة

ثمّ اعلم : أنّ مقتضى إطلاق الحديثين المذكورين عدم قبول شهادة الزوجة من غير انضمام الغير مطلقًا و لو كانت الشهادة في الوصيّة، إلّا أنّ الظاهر من بعض الأصحاب أنّ قبول شهادة الزوجة منفردة في الوصيّة إجماعيّ بيننا (1) .

و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قضى أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وصيّة لم تشهدها (2) إلّا امرأة، أن يجوز (3) شهادة المرأة في

ص: 285


1- . انظر المسالک : 6 / 204 ؛ و رياض المسائل : 9 / 534 و 13 / 343 .
2- . في التهذيب : لم يشهدها .
3- . في الاستبصار و التهذيب : فقضى أن تجاز .

ربع الوصيّة (1) .

و بها إطلاق الحديثين المذكورين و ما تقدّم من النصوص المانعة عن شهادة مطلق ذي التهمة، خلافًا للمحكيّ عن المحقّق (2) ، فاشترط في قبول شهادتها فيها انضمام الغير أيضًا ؛ و لعلّه مصير إلى الإطلاق المشار إليه، و قد عرفت الجواب عنه .

على أنّه يمكن أن يقال : إنّ التقييد في الحديثين المذكورين يحتمل ورودهما مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومهما، كما صرّح به جمع من الأصحاب، كشيخنا الشهيد الثاني، حيث قال في الجواب عنهما :

وجه التقييد في الرواية أنّ المرأة لا يثبت بها الحقّ منفردة و لا منضمّة إلى اليمين، بل يشترط أن يكون معها غيرها، إلّا ما استثني نادرًا و هو الوصيّة، بخلاف الزوج، فإنّه يثبت بشهادته الحقّ مع اليمين، فالرواية (3) باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق، و هي ما عدا الوصيّة، إنتهى (4) .

ص: 286


1- . الاستبصار : 3 / 28 ح 88 ؛ التهذيب : 6 / 268 ح 717 ؛ الوسائل : 19 / 317 ح 24682 .
2- . الشرائع : 4 / 130 ؛ و حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 308 .
3- . في المصدر : و الرواية .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 198 .

شهادة الضيف للمضيف

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الضيف للمضيف، فإنّها مقبولة بلا خلاف، كما في المسالک و الكفاية (1) .

و يدلّ على ذلک موثّقة أبي بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفًا صائنًا (2) .

و بها يقيّد ما تقدّم من النصوص الناهية عن قبول شهادة ذي التهمة ؛ على أنّ في صدق المتّهم عليه كلامًا .

و على فرض التسليم نقول : الظاهر المتبادر من تلک النصوص الناهية غير مثل هذا الفرد، فلا تنصرف إليه، فيبقى العمومات الدالّة على قبول شهادة (3) سالمة عمّا يصلح للمعارضة، فيجب العمل بمقتضاها بالبديهة .

شهادة الأجير

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الأجير للمستأجر، فإنّ مقتضى النصوص المتقدّمة الناهية عن قبول شهادة ذي التهمة عدم قبول شهادته، كما هو المحكيّ عن الصدوقين، و الشيخ في النهاية و الاستبصار، و الحلبي، و بني زهرة و حمزة

ص: 287


1- . المسالک : 14 / 200 ؛ الكفاية : 2 / 760 .
2- . الفقيه : 3 / 44 ح 3292 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 64 ؛ التهذيب : 6 / 258 ح 676 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33976 .
3- . كذا في نسخة الأصل .

وسعيد (1) .

مضافًا إلى خصوص قول مولانا الصادق (عليه السلام) في رواية علا (2) بن سيابة : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير (3) .

و موثّقة زرعة عن سماعة قال : سألته عمّا (4) يردّ من الشهود، فقال : المريب والخصم و الشريک و دافع مغرم و الأجير و العبد و التابع و المتّهم، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم (5) .

و رواه في الفقيه مرسلاً بتغيير قليل و زيادة، فقال :

و في حديث آخر قال : لا تجوز (6) شهادة المريب و الخصم و دافع مغرم أو أجير أو شريک أو متّهم أو بائع (7) ، و لا تقبل شهادة شارب الخمر، و لا شهادة اللّاعب بالشطرنج و النرد، و لا شهادة المقامر (8) .

و فيه نسخة بدل بائع : تابع .

ص: 288


1- . الهداية : 75 ؛ المقنع : 113 ؛ النهاية : 2 / 52 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ؛ الكافي في الفقه : 436 ؛ الغنية : 440 ؛الوسيلة : 230 ؛ الجامع للشرائع : 539 ؛ المهذّب : 2 / 558 ؛ و حكاه عنهم في مختلف الشيعة : 8 / 484 .
2- . في المصدر : العلاء .
3- . الكافي : 7 / 394 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 62 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 624 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33975 .
4- . في الاستبصار : عمّن .
5- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .
6- . في المصدر : لا يجوز .
7- . في المصدر : أو تابع .
8- . الفقيه : 3 / 40 ح 3282 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 379 ح 33999 .

و صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة، ثمّ فارقه، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه ؟ قال : نعم (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّ الظاهر من الراوي أنّه عالم بأنّه قبل المفارقة غير جائز، لكون الأجير حينئذٍ متّهمًا، لكن سأل عن حكم بعد المفارقة، بناءً على ارتفاع التهمة حينئذ، فقرّره المعصوم (عليه السلام) على فهمه، فأجاب بحكم بعد المفارقة ؛ وتقريره (عليه السلام) حجّة .

و ذهب المحقّق و العلّامة و الشهيد الثاني إلى القبول (2) ، بل نقله في المسالک عن المتأخّرين (3) ، حيث قال بعد ذكر الأجير :

فاختلف الأصحاب في شأنه، فجزم المصنّف (رحمه الله) و قبله ابن إدريس (4)

بقبول شهادة الأجير، و عليه المتأخّرون (5) .و كذا في الكفاية، حيث قال بعد نقل الخلاف :

فالمتأخّرون على القبول (6) .

ص: 289


1- . التهذيب : 6 / 257 ح 674 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 63 ؛ الوسائل : 27 / 371 ح 33974 ؛ و آخرالرواية هكذا : « و كذلک العبد إذا أعتق جازت شهادته ».
2- . الشرائع : 4 / 916 ؛ إرشاد الأذهان : 2 / 158 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 200 .
3- . منهم العلّامة في تحرير الأحكام : 5 / 255 ؛ و الفاضل الآبي في كشف الرموز : 2 / 520 ؛ والفاضلالمقداد في التنقيح الرائع : 4 / 297 .
4- . السرائر : 2 / 121 .
5- . مسالک الأفهام : 14 / 200 .
6- . الكفاية : 2 / 760 .

استدلّ لذلک في المسالک بالأصل و عموم قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (1) ، ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (2) .

و فيما ذكره من الدليل نظر، أمّا في الأصل فلأنّ الظاهر أنّ الأصل في كلّ شهادة عدم القبول، كما مرّ غير مرّة في كتاب القضاء و الشهادة، لأنّ الحكم على شخصٍ بمالٍ أو غيره لشخصٍ آخرٍ خلافُ الأصل .

و أمّا في عموم الآيتين فلأنّ العامّ يجب تخصيصه بعد وجود المخصّص، و هو ما عرفت من النصوص المعتبرة الّتي منها الموثّقة و الصحيحة ؛ و لمّا لم يذكر هو إلّا رواية علا (3) بن سيابة و رواية سماعة، و هما لم تكونا عنده حجّة، لم يقل بتخصيص العموم، لما أجاب عن الأولى بأنّ في طريقها أحمد بن فضّال عن أبيه، وعن الثانية بأنّها ضعيفة موقوفة .

أقول : في كلا الجوابين نظر، أمّا في الأوّل : فلأنّ المذكور في سند الحديث الأوّل ليس أحمد بن فضّال، بل أحمد بن الحسن بن عليّ عن أبيه ؛ و الموجود في السند هكذا (4) ؛ نعم، فضّال هو جدّ عليّ الّذي هو جدّ أحمد، أي : أحمد بن الحسن

بن عليّ بن محمّد بن فضّال .

و على تقدير إغماض النظر عنه بناءً على أنّه لمّا اشتهر بابن فضّال عبّر به،

ص: 290


1- . البقرة : 282 .
2- . الطلاق : 2 .
3- . كذا في نسخة الأصل، و في المصدر : العلاء .
4- . انظر الكافي : 7 / 394 ح 4 ؛ والاستبصار : 3 / 21 ح 62 ؛ والتهذيب : 6 / 246 ح 624 .

نقول : إنّه ليس بضعيف حتّى يرفع اليد بسببه عن الحديث، بل موثّق ؛ و كذا أبوه حسن، فالأولى أن يسند قدح الرواية إلى علا بن سيابة، لأنّه مجهول .

و أمّا في الجواب عن الرواية الثانية، فلأنّها ليست بضعيفة، لأنّ الشيخ رواه بإسناده إلى حسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة (1) ؛ و ليس واحد من هؤلاء المذكورين ممّن يصير الحديث به ضعيفًا، لأنّ حسين بن سعيد وثاقته معلومة، و الحسن المرويّ عنه أخوه ثقة أيضًا، و زرعة و سماعة موثّقان، فالحديث موثّق، لا ضعيف ؛و الضعيف في الاصطلاح غير الموثّق .

ثمّ أقول : إنّ النصّ في المسألة ليس منحصرًا في هاتين الروايتين، بل و قد عرفت الجميع ؛ و على هذا طرح النصوص كلّها و القول بجواز قبول شهادة الأجير جرأة عظيمة .

و يمكن أن يقال : إنّ النصوص المتقدّمة الدالّة على جواز شهادة الوالد للولد وبالعكس، يدلّ على جواز قبول شهادة الأجير بالفحوى، بناءً على أنّه لو جاز قبول شهادة الوالد للولد مثلاً مع ما فيه من التهمة، فجواز قبول شهادة الأجير للمستأجر بطريق أولى، لأنّ التهمة فيه ليس مثل التهمة في الوالد مثلاً قطعًا .

فيقيّد بتلک النصوص من حيث الفحوى النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة، و يبقى التعارض بين مفهوم تلک النصوص الدالّة على جواز شهادة الوالد للولد و بين النصوص المذكورة في المسألة الدالّة على

ص: 291


1- . انظر التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ والاستبصار : 3 / 14 ح 38 .

عدم جواز قبول شهادة الأجير .

لكنّک قد عرفت من المسالک و الكفاية (1) أنّ قبول شهادة الأجير ممّا اتّفق عليه المتأخّرون، فيترجّح بذلک تلک النصوص على النصوص في المسألة، فيحكم بقبول الشهادة ؛ على أنّ اتّفاقهم يكفي للفتوى بذلک، فالفتوى القبول، و الأحوط عدمه إن تمكن من غيره .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّه قال في المسالک بعد ما تقدّم منه من جواب الروايتين :

و يمكن حملهما على الكراهة، جمعًا بينهما و بين رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : يكره (2) شهادة الأجير لصاحبه، و لا بأس

بشهادته لغيره، و لا بأس به له بعد مفارقته (3) . أو على ما إذا كان هناک تهمة بجلب نفع أو دفع ضرر، كما لو شهد لمن استأجره على قصارة الثوب أو خياطته به و نحو ذلک، فإنّها لا تقبل قطعًا (4) .

أقول : قوله : « أو على ما كان هناک تهمة » إلى آخره، عطفٌ على قوله : « على الكراهة » في قوله : « و يمكن حملهما على الكراهة ».

و الفرق بين الحملين واضح، لأنّ النهي في الروايتين في الحمل الثاني باقٍ على حقيقته من الحرمة، بخلافه في الحمل الأوّل، فكان الأولى تقديم الثاني عليه، لأنّ

ص: 292


1- . مسالک الأفهام : 14 / 200 ؛ الكفاية : 2 / 760 .
2- . في المصدر : تكره .
3- . الاستبصار : 3 / 21 ح 64 ؛ التهذيب : 6 / 258 ح 676 ؛ الوسائل : 27 / 372 ح 33976 .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 201 .

الحمل الأوّل مجاز، و الثاني تقييد، و التقييد خيرٌ من المجاز، فكان الأولى بالتقديم .

ثمّ أقول : الحمل الثاني لا بأس به، و أمّا الأوّل ففيه نظر من وجهين، أمّا الأوّل فلأنّه لا معنى لكراهة الشهادة، لأنّ الشهادة لو كانت مقبولة كانت واجبة لقوله -تعالى - : ( و أقيموا الشهادة لله ) (1) ، و قوله - تعالى - : ( و لا تَكتُمُوا الشَهَادَة

ومَنْ يَكتُمهَا فإنّهُ آثمٌ قَلبُه ) (2) ، و غيرهما .

نعم، يختلف الوجوب بالنسبة إلى انحصار الشاهد في الأجير و العدم بأنّه في الأوّل عينيّ، و في الثاني كفائيّ ؛ و أيًّا ما كان لا معنى للكراهة .

و يمكن الجواب عنه : بأنّ حمل الروايتين على الكراهة إنّما يمتنع إذا كان متعلّق الوجوب و الكراهة شيئًا واحدًا ؛ و ليس الأمر فيما نحن فيه كذلک، لأنّ متعلّق الوجوب هو الشهادة، و لم نقل انّها متعلّقة للكراهة، بل نقول : إنّ قبولها مكروه، فاختلف المتعلّقان، فلا وجه في منع ذلک .

و يمكن أن يقال : إنّ الشهادة لو كانت واجبة يلزم أن يكون قبولها أيضًا واجبًا على نحو وجوب الشهادة عينًا أو كفايةً، فلو كان قبولها مكروهًا يلزم المحذور أيضًا.

و يمكن الجواب : بأنّ الشيء الواجب قد يكون مكروهًا، كالصلاة في الأماكن

ص: 293


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 283 .

المكروهة كالحمام و غيره ؛ و المقام يقتضي تحقيقًا يستلزم زيادة في الطول .

و أمّا الثاني فلأنّ هذا الحمل غير ممكن هنا ؛ توضيح ذلک هو : أنّ هذا الحمل على فرض تسليمه إنّما يتوجّه إذا كان الروايتان بنحوٍ لا تقبل شهادة الأجير.

و بعبارة أخرى : انّ الحمل المذكور إنّما يتوجّه إذا كانت الروايتان بطريقة النهي الّذي لا يمنع عن حمله على الكراهة مانع، بناءً على أنّه لمّا كان النهي مستعملاً في التحريم و الكراهة، يحمل على الكراهة حيثما وجدت قرينة على عدم كون المراد معناه الحقيقيّ .

و ليس الأمر في الروايتين كذلک، لأنّ الرواية الأولى هكذا : « كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير » (1) . و هو نصّ في عدم الجواز، فلايحتمل الكراهة حتّى يحمل عليه، لأنّ مادّة الصيغة يمنع من ذلک .

و الرواية الثانية ليس فيها نهي و لا نفي، بل هكذا : « سألته عمّا يردّ من الشهود، فقال : المريب و الخصم و الشريک و دافع مغرم و الأجير » (2) . فأين النهي فيها حتّى يحمل على الكراهة ؟!

و لو سلّمنا ذلک نقول : إنّ فيها مانعًا من الحمل على الكراهة، لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنى الحقيقيّ و المجازيّ في استعمال واحد، بناءً على أنّ مثل الخصم و الشريک لا يجوز قبول شهادته، كما سنذكر إن شاء الله - تعالى -

ص: 294


1- . الكافي : 7 / 394 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 62 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 624 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33975 .
2- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .

فتأمّل .

فالحقّ في حمل الروايتين هو ما مرّ من حملهما فيما إذا كان هناک تهمة بجلب النفع أو دفع الضرر .

شهادة الصديق لصديقه مقبولة

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الصديق لصديقه، فإنّه صرّح جمعٌ من الأصحاب - رضي الله تعالى عنهم - بأنّ شهادة الصديق لصديقه مقبولة و إن تأكّدت الصداقة بينهما (1) .

أقول : الصديق لا يخلو إمّا أن لا تكون التهمة بالنسبة إليه صادقة و لو بعد تأكّد الصداقة و المصاحبة، أو تكون ؛ و على الأوّل لا شکّ في جواز قبول شهادته لوجود المقتضي وانتفاء المانع .

أمّا وجود المقتضي فلعموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة ؛ و أمّا انتفاء المانع فلأنّ المفروض عدم المانع إلّا التهمة و المقدّر أنّها غير صادقة .

و على الثاني - أي : على تقدير صدق التهمة - فمقتضى النصوص المتقدّمة عدم جواز قبول شهادته .

ص: 295


1- . الخلاف : 6 / 299 ؛ المبسوط : 8 / 220 ؛ الغنية : 439 ؛ الشرائع : 4 / 915 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 255 ؛القواعد : 3 / 497 ؛ المسالک : 14 / 198 ؛ الكفاية : 2 / 760 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 279 ؛ كشف اللثام :10 / 310 .

إن قلت : كما أنّ مقتضى النصوص المشار إليها عدم جواز قبول شهادته، كذا يكون مقتضى الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة - كقوله تعالى : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (2) و غيرهما - القبول، فما وجه تقديم تلک النصوص على هذه الأدلّة ؟

قلت : وجه تقديم تلک النصوص على ما ذكر من الأدلّة هو : أنّ التعارض بينهما تعارض المطلق و المقيّد، لأنّ أدلّة قبول الشهادة دالّة على قبول شهادة العادل مطلقًا، سواء كان متّهمًا أو لا ؛ و النصوص المشار إليها دالّة على أنّ الشاهد المتّهم لاتقبل شهادته ؛ و معلوم أنّ المقيّد مقدّم في العمل و المطلق محمول عليه .

إن قلت : لا نسلّم أنّ التعارض بينهما من تعارض المطلق و المقيّد، بل التعارض بينهما من تعارض العموم من وجهٍ ؛ أمّا خصوص الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة فللتصريح فيها بالعادل ؛ و أمّا عمومها فلما مرّ من أنّ العادل أعمّ من أن يكون متّهمًا، أم لا . و أمّا عموم النصوص المشار إليها، فلأنّ المتّهم الّذي قد نهى فيها عن قبول شهادته أعمٌّ من أن يكون عادلاً، أم لا ؛ و أمّا خصوصها فلأجل ورودها في المتّهم .

قلت : إنّ النصوص المشار إليها و إن لم يقيّد المتّهم فيها بالعادل ظاهرًا، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد هو المتّهم العادل، لأنّ غير العادل شهادته غير مقبولة، سواء كان متّهمًا أم لا، فيظهر من تعلّق النهي على المتّهم أنّ المراد هو المتّهم العادل، فيكون

ص: 296


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .

تعارضهما تعارض المطلق و المقيّد، فيجب تقديم المقيّد و حمل المطلق عليه، كما عرفت .

و على فرض تسليم كون التعارض بينهما من تعارض العموم من وجهٍ نقول : إنّ الواجب عند تعارض العموم من وجهٍ الرجوع إلى الترجيح، و هو فيما نحن فيه مع النصوص المانعة، لأكثريّتها و موافقتها بالأصل - على ما عرفت من أنّ الأصل في كلّ شاهدٍ عدمُ قبول الشهادة - و بالاعتبار .

و هذا التحقيق ينفعک في كلّ موضعٍ يتحقّق فيه التهمة ؛ و لهذا طوّلت الكلام في ذلک و إن كان الحقّ فيما نحن فيه - أي : في شهادة الصديق لصديقه - قبول الشهادة، لا لعدم تسليم التحقيق المذكور، بل لأجل أنّ الظاهر اتّفاق أصحابنا على القبول، حيث صرّح كثير منهم بالقبول من غير إشكال و لا نقل خلاف إلّا من العامّة (1) ، مع أنّ في الكفاية صرّح بنفي الخلاف حيث قال :

تقبل (2) شهادة الصديق و الضيف بلا خلاف في ذلک (3) .

ص: 297


1- . قال الشيخ في « الخلاف 6 / 299 » : تقبل شهادة الصديق لصديقه وإن كان بينهما مهاداة و ملاطفة، و بهقال جميع الفقهاء إلّا مالكًا، فإنّه قال : إذا كان بينهما مهاداة و ملاطفة لا تقبل شهادته، و إن لم تكن قبلت(وانظر خلاف مالک في الكافي، للقرطبي : 2 / 894 ؛ و حلية العلماء : 8 / 260 و 261 ؛ والمغني، لابنقدامة : 12 / 71 ؛ و الحاوي الكبير : 17 / 162 و 163 ).
2- . في المصدر : يقبل .
3- . الكفاية : 2 / 760 .

شهادة العبد لمولاه مقبولة

و من المواضع المذكورة أيضًا : شهادة العبد لمولاه .

و يدلّ على قبول ذلک الإجماع المدّعى في الانتصار حيث قال :

و ممّا اتّفق عليه الإماميّة إلّا من شذّ من جملتهم (1) القول بأنّ شهادة العبيد لساداتهم إذا كان العبيد عدولاً مقبولة، و تقبل أيضًا على غيرهم ولهم، و لا تقبل على ساداتهم و إن كانوا عدولاً .

إلى أن قال :

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة (2) .

و ادّعى الإجماع على ذلک في الخلاف أيضًا على ما حكي عنه (3) .

و يدلّ عليه أيضًا من النصوص : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في كتاب القضاء الواردة في درع طلحة، حيث قال عليّ (عليه السلام) فيها بعد ردّ شريح شهادة قنبر لكونه مملوكًا : « لا بأس بشهادة المملوک إذا كان عدلاً » (4) ، بعد أن أقامه (عليه السلام) لدعوى نفسه.

ص: 298


1- . في المصدر زيادة : و سنتكلّم عليه .
2- . الانتصار : 499 .
3- . حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 315 ؛ و انظر الخلاف : 6 / 270 .
4- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

و هو صريحٌ في قبول شهادة العبد للمولى .

و يدلّ عليه أيضًا : إطلاق النصوص الآتية ؛ و بما ذكر من الإجماع و النصّ يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة .

ذكر الخلاف في حكم شهادة العبد لمولاه

اشارة

اعلم : أنّا لمّا ذكرنا حكم شهادة العبد لمولاه، فلا بأس بإرخاء عنان القلم في بيان حكم شهادته مطلقًا، فأقول : قد وقع الخلاف بين الأصحاب في حكم شهادة العبد على أقوال :

القول الأوّل
اشارة

الأوّل : أنّها مقبولة مطلقًا، إلّا على المولى، أي : أنّها مقبولة بالنسبة إلى المولى إذا كانت له، لا عليه ؛ و أمّا بالنسبة إلى غير مولاه فتقبل مطلقًا له، أو عليه .

و هذا القول قد اختاره السيّد و المحقّق و العلّامة، و عن الشيخين و سلّار وابن البرّاج و بني زهرة و حمزة و إدريس و أكثر المتأخّرين (1) .

و في الشرائع و غيره : هو المشهور (2) .

ص: 299


1- . انظر المقنعة : 726 ؛ والنهاية : 2 / 59 ؛ والمراسم : 232 ؛ والمهذّب : 2 / 557 ؛ والغنية : 440 ؛ والوسيلة :230 ؛ والسرائر : 2 / 135 ؛ والكافي في الفقه : 435 ؛ والانتصار : 499 ؛ والشرائع : 4 / 916 ؛ و التحرير :5 / 257 ؛ و المختلف : 8 / 497 ؛ والتنقيح الرائع : 4 / 301 ؛ و غاية المرام : 4 / 282 ؛ و كشف اللثام :10/ 315 ؛ و رياض المسائل : 13 / 299 .
2- . شرائع الإسلام : 4 / 916 ؛ غاية المرام : 4 / 282 .

بل في الانتصار : عليه الإجماع، و قد مرّت عبارته (1) .

و نقل الإجماع أيضًا عن الغنية و السرائر (2) .

قال في كنز العرفان :

و اختلف في شهادة العبد - إلى أن قال : - و عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات أشهرها و أقواها القبول إلّا على سيّده خاصّة، فتقبل لسيّده و لغيره وعلى غيره (3) .

أقول : و الرواية الّتي ذكرها لم نجدها في كتب الأخبار، و لا ذكرها أحدٌ من الأصحاب في كتاب الاستدلال .

رأي المصنّف (قدس سره) في المسألة

و هذا القول هو الأقوى، أمّا قبولها مطلقًا إذا لم يكن على المولى فللإجماعات المنقولة ؛ و عن الخلاف (4) الإجماع على ذلک أيضًا ؛ و النصوص المطلقة الّتي سيجيء إلى كثيرٍ منها الإشارة بإعانة الله - سبحانه - و منها : ما تقدّم من صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج الواردة في درع طلحة (5) .

ص: 300


1- . انظر الانتصار : 499 .
2- . الغنية : 440 ؛ السرائر : 2 / 135 .
3- . كنز العرفان : 2 / 53 .
4- . حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 315 ؛ وانظر الخلاف : 6 / 270 .
5- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

و أمّا عدم قبولها إذا كانت على المولى، فللإجماعات المتقدّمة في الانتصار وعن السرائر و الغنية (1) .

و استدلّ لذلک بأنّ تجويز شهادته على السيّد يستلزم التكذيب للسيّد، و هو عقوقٌ في حقّه، فيكون كشهادة الوَلَد على الوالد (2) .

و يدلّ على ترجيح هذا القول أيضًا : أنّه جمعٌ بين النصوص المجوّزة لشهادته على الإطلاق و المانعة عنها كذلک بحمل النصوص المجوّزة إذا لم تكن شهادته على المولى و المانعة إذا كانت عليه ؛ و الشاهد الإجماعات المنقولة .

القول الثاني

القول الثاني : قبولها مطلقًا حتّى على المولى، نقله المحقّق في الشرائع، فقال :

و قيل : تقبل مطلقًا (3) .

و في المسالک صرّح أنّه اختيار ابن عمّه نجيب الدين يحيى بن سعيد في جامعه (4) ، و هو الّذي اختاره (5) ، و تبعه على ذلک صاحب المفاتيح و الكفاية (6) .

ص: 301


1- . الانتصار : 499 ؛ غنية النزوع : 440 ؛ السرائر : 2 / 135 .
2- . التنقيح الرائع : 4 / 301 ؛ رياض المسائل : 13 / 300 .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 916 .
4- . الجامع للشرائع : 540 .
5- . المسالک : 14 / 204 .
6- . كفاية الأحكام : 2 / 761 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 281 .

و مستندهم في ذلک عموم قوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدلٍ منكم ) (1) ، (واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (2) ، و مثلهما (3) ، فإنّها تتناول المملوک كما تتناول الحرّ .

و خصوص النصوص المستفيضة، منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه قال : تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (4) .

و هي و إن كانت أخصّ من المدّعى، لأنّ المدّعى قبول شهادة العبد مطلقًا، سواء كانت على الحرّ أو العبد ؛ و الحديث دلّ على جواز قبولها على الحرّ، لكنّه يدلّ على جواز قبول الشهادة على العبد بالفحوى .

و منها : الصحيح أو الحسن عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا بأس بشهادة المملوک إذا كان عدلاً (5) .

و كان هذا أخذ من الصحيحة المتقدّمة الواردة في درع طلحة (6) .

و منها : ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شهادة المملوک، قال :

ص: 302


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .
3- . النساء : 6 .
4- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 636 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 44 ؛ الوسائل : 27 / 346ح 33898 .
5- . الكافي : 7 / 389 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 634 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 42 ؛ الوسائل : 27 / 345ح 33894 .
6- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 747 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح117 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

إذا كان عدلاً فهو جائز الشهادة، إنّ أوّل مَن ردّ شهادة المملوک عمرُ بن الخطّاب، وذلک أنّه تقدّم إليه مملوکٌ في شهادة، فقال : إن أقمتُ الشهادة تخوّفتُ على نفسي، و إن كَتمتُها أثمتُ بربّي، فقال : هاتِ شهادَتک، أمَا إنّا لا نجيز شهادة مملوکٍ بعدک (1) .

بيان

قيل : كان خوفه من مولاه أن يصيبه منه ضررٌ، أو من المدّعى عليه (2) .

قوله : « لا نجيز » جوابٌ لأَمَا ؛ و كان اللازم إدخال الفاء عليه بأن يقال : فلانجيز، لكن من شدّة فطانة قائله لا يبعد وقوع مثل ذلک عنه .

و منها : ما رواه بُرَيْد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المملوک تجوز شهادته ؟ فقال : نعم و (3) إنّ أوّل مَن ردّ شهادة المملوک لفلان (4) .

و المراد به عُمَر، بقرينة ما مرّ .

وجه الاستدلال هو : أنّ النصوص المذكورة كلّها دالّة على جواز شهادة المملوک بعنوان الإطلاق، سواء كانت للمولى أو عليه مثلاً ؛ و تقييدها بما إذا

ص: 303


1- . الكافي : 7 / 389 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 633 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 41 ؛ الوسائل : 27 / 345ح 33896 .
2- . الوافي : 16 / 968 .
3- . « و » لم يرد في الكافي والاستبصار .
4- . الكافي : 7 / 390 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 635 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 43 ؛ الوسائل : 27 / 345ح 33896 .

لم تكن عليه خلاف الأصل .

أقول : قد تقدّم مرارًا أنّ شرط انصراف الإطلاق إلى جميع الأفراد شيئان، الأوّل : عدم غلبة بعضها و ندرة الآخر ؛ و الثاني : عدم ورود الإطلاق في مقام بيانِ حكمٍ آخر .

و هنا إن سلّمنا تحقّق الشرط الأوّل، نمنع تحقّق الثاني، لأنّ الظاهر منها أنّها واردةٌ لإثبات جواز شهادة المملوک في الجملة ردًّا على المانع عنها مطلقًا، فيصير المطلق بالنسبة إلى الفرد المشكوک فيه مجملاً، فيجب الرجوع فيه إلى حكم الأصل، و هو في المقام عدم القبول، كما عرفت مكرّرًا أنّ الأصل في كلّ شهادة عدم القبول .

و على فرض تسليم تحقّق الشرطين لانصراف الإطلاق إلى جميع الأفراد فيما نحن فيه نقول : إنّ الإطلاق لا ينفع بعد وجود المقيّد، و هو الإجماع المنقول في الانتصار و عن الغنية و السرائر (1) المعتضد بالشهرة العظيمة، سيّما بعد ندرة القائل بقبول شهادته على الإطلاق .

و لذا ترى في الشرائع ذكره بعنوان القيل (2) ، و القائل لم يظهر قبل شيخنا الشهيد الثاني إلّا مَن ذكره، و هو الشيخ نجيب الدين (3) .

ص: 304


1- . الانتصار : 499 ؛ غنية النزوع : 440 ؛ السرائر : 2 / 135 .
2- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 916 .
3- . انظر الجامع للشرائع : 540 ؛ و نقله عنه في المسالک : 14 / 204 .
القول الثالث

و القول الثالث : عدم قبول شهادة المملوک مطلقًا، لا للمولى و لا للغير و لا عليهما.

و هو المحكيّ عن ابن أبي عقيل (1) من أصحابنا، و أكثر العامّة (2) .

و مستنده في ذلک جملةٌ من النصوص الدالّة على عدم قبول شهادته بعنوان الإطلاق، منها : صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة ولد الزنا، قال : لا و لا عبد (3) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : تجوز شهادة المملوک من أهل القبلة على أهل الكتاب، و قال : العبد المملوک لا تجوز شهادته (4) .

و منها : موثّقة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود، فقال : المريب، والخصم، و الشريک، و دافع مَغْرَم، و الأجير، و العبد، و التابع، و المتّهم، كلّ هؤلاء تُردُّ شهاداتهم (5) .

و الجواب : انّ هذه النصوص معارضة بالنصوص المتقدّمة الدالّة على جواز

ص: 305


1- . حكاه عنه العلّامة في المختلف : 8 / 497 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 205 .
2- . حلية العلماء : 8 / 246 ؛ روضة الطالبين : 8 / 199 ؛ الكافي، للقرطبي : 2 / 894 .
3- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
4- . الفقيه : 3 / 45 ح 3296 ؛ و ليس فيه قوله : « و قال : العبد المملوک لا تجوز شهادته » ؛ التهذيب : 6 /249 ح 638 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 46 ؛ الوسائل : 27 / 348 ح 33903 .
5- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .

شهادته، فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع تلک النصوص من وجوهٍ كثيرة، لأنّ هذه النصوص موافقةٌ لمذهب العامّة، لما عرفت الحكاية عن أكثرهم عدم قبول شهادتهم (1) ، بل في كنز العرفان (2) نسبة ذلک إلى فقهائهم الأربعة ؛ و النصوص المتقدّمة مخالفةٌ لهم ؛ و لا شکّ أنّ الأخذ بما خالفهم أولى، لأنّ الرشد في خلافهم (3) ، سيّما بعد ما عرفت في اثنين من تلک النصوص بعد الحكم بقبول شهادته من نسبة الردّ و عدم القبول إلى عُمَر .

و لأنّ تلک النصوص موافقةٌ بعمل أكثر الأصحاب و المشهور بينهم، بل الإجماع كما عرفت من جماعةٍ منهم، بخلاف هذه النصوص ؛ و لا شکّ أنّ الأخذ بما وافق المشهور و ترک خلافه أولى من العكس، سيّما بعد اعتضاده بما عرفت من الإجماعات .

و لأنّ تلک النصوص موافقةٌ بظواهر الكتاب بخلاف هذه، فإنّها مخالفةٌ لها ؛ ومعلوم أنّ الأخذ بما وافق الكتاب أولى من الأخذ بما خالفه .

و لأنّ تلک النصوص أكثر عددًا من هذه النصوص ؛ و الكثرة مرجّحة لمتعلّقها على الأقلّ .

و لأنّ تلک النصوص أوضح من حيث الدلالة على القبول، بخلاف هذه النصوص، فإنّ من جملتها صحيحة محمّد بن مسلم و صدرها ينافي ذيلها، حيث

ص: 306


1- . حكاه عنهم في الخلاف : 6 / 269 .
2- . انظر كنز العرفان : 2 / 53 .
3- . قال في الوسائل : 27 / 112 : و قوله (عليه السلام): دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم .

انّ صدرها دالّ على قبول شهادة المملوک على أهل الكتاب، و هو ينافي عدم قبول شهادته مطلقًا، كما أنّ هذا القول كذلک .

و بالجملة : لا شبهة في ضعف هذا القول و ترجيح النصوص المتقدّمة على هذه النصوص، فلابدّ من حملها إمّا على التقيّة، كما فعله جمعٌ منهم : شيخ الطائفة (1) ؛ أو على ما إذا صدر تحمّل الشهادة و أدائها من غير إذن مولاه، كما حمله بعضهم (2) ، فأيّده بما في تفسير الإمام (عليه السلام) من قول أمير المؤمنين (عيه السلام) : كنّا مع (3) رسول الله (صلي لله عليه واله) وهو يذاكرنا بقوله - تعالى - : ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم ) (4) ، قال : أحراركم دون عبيدكم، فإنّ الله قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمّل الشهادات و عن أدائها (5) .

أو على ما ذكرناه سابقًا حيث أزلنا التعارض بينهما بحمل النصوص المانعة فيما إذا كانت الشهادة على المولى، و النصوص المجوّزة فيما إذا لم تكن كذلک ؛ وشاهد هذا الجمع ما عرفت من الإجماعات، فارتفع الإشكال بتوفيق الله المتعال .

و أمّا ما أورده شيخنا الشهيد في المسالک ردًّا على هذا الجمع بعد جعله مستندًا

ص: 307


1- . انظر الاستبصار : 3 / 16 ؛ و التهذيب : 6 / 249 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 412 ؛ و الكفاية : 2 / 763 ؛والرياض : 13 / 298 .
2- . كشف اللثام : 10 / 316 ؛ الرياض : 13 / 298 .
3- . في المصدر : كنّا نحن مع .
4- . البقرة : 282 .
5- . تفسير المنسوب إلى الإمام العسكرىّ (عليه السلام) : 658 ح 374 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 350 ح 33908 .

للقول الأوّل المختار حيث قال :

و فيه نظر، فإنّ (1) حمل أخبار المنع على ذلک غير متعيّن، لما ذكرناه سابقًا، و لما سيأتي من الأخبار الدالّة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه (2) .

فجوابه قد ظهر ممّا قلناه بعنوان الإجمال و إن ارتضاه بعض الأصحاب .

و إن أردت توضيح ذلک فاعلم : أنّ الجمع بين النصوص المتعارضة المتكافئة بحمل البعض على شيء و الآخر على الآخر لم يكن حجّة إلّا إذا كان هناک شاهد و دلالة من الكتاب أو الإجماع أو السنّة، إذ لم يقم لنا دليلٌ على حجّيّة ذلک مطلقًا و لو من غير شاهد و دليل .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّا قد جمعنا بين النصوص المجوّزة و المانعة بحمل الأولى على ما إذا لم تكن شهادة المملوک على المولى، و الثانية على ما كانت كذلک، بقرينة ما عرفت من الإجماعات المنقولة .

و ذلک لأنّا لمّا نظرنا إلى الإجماعات المنقولة حصل لنا الظنّ بأنّ مدلولها حكم الله - تعالى - و معلومٌ أنّهم (عليهم السلام) في مقام بيان حكمه - تعالى - فمنه حصل لنا الظنّ بأنّ المراد من النصوص المجوّزة و المانعة ما ذكرناه، فحملناها عليه .

و بعبارة أخرى و هي : انّا وجدنا بعد النظر في المسألة دليلها على ثلاثة أنواع،

ص: 308


1- . في المصدر : لأنّ .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 208 .

أحدها: ما دلّ على جواز قبول شهادة المملوک بعنوان الإطلاق، أي : سواء كانت على المولى مثلاً، أم لا ؛ و الثاني : ما دلّ على جواز ذلک كذلک ؛ و الثالث : ما دلّ على جواز قبول شهادته في موضعٍ مثلاً، و على عدم جوازه في موضعٍ آخر ؛ فيكون هذا القسم مقيّدًا و القسمان الأوّلان مطلقين .

و معلومٌ أنّ المقيّدَ مقدّمٌ في مقام العمل و المطلقُ محمولٌ عليه، فحملنا النوع الأوّل و الثاني من الدليل على النوع الثالث حملاً للمطلق على المقيّد، فصار الجمع بينهما ما مرّ ؛ و لهذا صار المشهور في المسألة عدم جواز قبول شهادة العبد إذا كانت على المولى، و جواز قبولها إذا لم تكن عليه، سواء كانت له، أو لغيره، أو على غيره ؛ و كان مبنى عملهم على ما ذكرناه .

أمّا ما ذكره في المسالک من :

أنّ حمل أخبار المنع على ذلک - أي : إذا كانت الشهادة على المولى - غير متعيّن، لما ذكرناه سابقًا، و لما سيأتي من الأخبار الدالّة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه (1) .

فأقول : فيه نظر، لأنّ الجمع بين النصوص إنّما هو على ما دلّ عليه الشاهد، وقد عرفت أنّ مدلول الشاهد بالنسبة إلى أخبار المنع هو ما مرّ من عدم قبول الشهادة إذا كانت على المولى، فتعيّن حملها عليه، فقوله : « حمل أخبار المنع على ذلک غير متعيّن » ممنوع .

ص: 309


1- . مسالک الأفهام : 14 / 208 .

قوله : « لما ذكرناه سابقًا » ينبغي أوّلاً التنبيه على مراده، ثمّ الكلام عليه، فأقول : المشار إليه بقوله : « لما ذكرناه » هو : جواز حمل الأخبار المانعة الدالّة على عدم جواز شهادة العبد على عدم الجواز بمعناه الظاهريّ، أي : الحرمة، بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه، لما في ذلک من تعطيل حقّ سيّده .

و فيه : انّ هذا الاحتمال ممّا يكاد أن يقطع بعدم كونه مرادًا من النصوص المانعة، إذ الظاهر منها أنّها سيقت لأجل بيان ما يقبل من الشهادة و ما يردّ، سيّما أنّها في مقابلة الأخبار الدالّة على قبول الشهادة .

ألا ترى أنّ من جملتها : موثّقة سماعة قد سئل فيها عمّا يردّ من الشهود حيث قال : « سألته عمّا يردّ من الشهود » إلى آخره (1) ، و هو أيضًا اعترف بذلک .

و منها : صحيحة الحلبي، و هي أيضًا كالصريح في أنّ المراد من عدم الجواز عدم جواز القبول، حيث قال فيها : « سألته عن شهادة ولد الزنا، قال : لا و لا عبد» (2) .

و من المعلوم أن ليس المراد من السؤال عن شهادة ولد الزنا إلّا من جهة جواز القبول أو العدم، فأجاب (عليه السلام) بلا، أي : لا تقبل، فعطفه (عليه السلام) بقوله : « و لا عبد »، أي : لا تقبل شهادة العبد أيضًا .

و كذا الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم أيضًا ذلک (3) .

ص: 310


1- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .
2- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
3- . انظر التهذيب : 6 / 249 ح 638 ؛ والاستبصار : 3 / 16 ح 46 ؛ والوسائل : 27 / 348 ح 33903 .

و على تقدير تسليم صحّة هذا الاحتمال نقول : لا يحمل النصّ في مقام الجمع على أيّ احتمال يكون، بل يحمل على ما دلّ عليه الشاهد، و هو ما ذكروه من عدم قبول الشهادة إذا كانت على المولى كما عرفت .

هذا كلّه على قوله : « لما ذكرناه سابقًا » ؛ و أمّا قوله : « و لما سيأتي من الأخبار الدالّة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه » (1) ، ففيه أيضًا نظر ؛ و نحن نذكر الأخبار الّتي أشار إليها بهذه العبارة و ذكرها بعد ذلک، ثمّ نشير إلى المطلوب .

فأقول : منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) : لا تجوز (2) شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (3) .

و منها : ما رواه عن الخلاف (4) عن عليّ (عليه السلام) : أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، و لا تقبل شهادتهم على الأحرار (5) .

أمّا وجه النظر في الأوّل، فلأنّه لا يصلح أن يكون شاهدًا للجمع، لأنّا لو حملنا

ص: 311


1- . مسالک الأفهام : 14 / 208 .
2- . في بعض نسخ الفقيه : تجوز ؛ و تفسير الصدوق (عليه السلام)يؤيّده، حيث قال : « قال مصنّف هذا الكتاب (رحمه الله): يعني لغير سيّده ». و قال صاحب الوسائل بعد ذكر الحديث : « أقول : ذكر الصدوق أنّه محمول على ما لو شهد لغيرسيّده، و في نسخة : لا يجوز، و هو محمول على التقيّة » ؛ الوسائل : 27 / 346 .
3- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 637 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 45 ؛ الوسائل : 27 / 348ح 33905 .
4- . الخلاف : 6 / 269 . قال ابن أبي جمهور الأحسائيّ في العوالي : و روى الشيخ مرفوعًا عن عليّ (عليه السلام) : أنّهكان يقبل، الحديث ( عوالي اللّألئ : 3 / 532 ح 19 ).
5- . انظر حلية العلماء : 8 / 247 ؛ و البحر الزاخر : 6 / 36 ؛ و الحاوي الكبير : 17 / 58 .

الأخبار الناهية على ما إذا كانت شهادة العبيد على الأحرار، يلزم من ذلک حمل الأخبار الدالّة على قبول شهادتهم على ما إذا كانت شهادة بعضهم لبعضهم، و هو لايجوز إلّا بشاهدٍ يدلّ على جواز شهادة بعضهم لبعض و عدم جوازها للأحرار .

و ليس الأمر في الحديث المذكور كذلک، لأنّه إنّما دلّ على عدم جواز شهادتهم للأحرار فقط، لا على جواز شهادة بعضهم لبعضٍ أيضًا، إلّا على القول بحجّيّة مفهوم اللقب، و هو ضعيف .

و على فرض التسليم نقول : إنّها معارضةٌ بصحيحة أخرى لمحمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) أيضًا، و هي هذه : تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (1) .

و أمّا الحديث الثاني، فهو و إن دلّ على الحكمين المختلفين، إلّا أنّ حجّيّته من حيث السند غير معلومة، و هو قد صرّح بذلک، فقال : « ليس له استناد يعتمد » (2) .

وعلى فرض التسليم نقول : إنّ هذا الجمع غير ممكن، لاستلزامه مخالفة الإجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة .

ثمّ إنّه قد ذكر حديثًا آخر أيضًا تركناه، لأنّ عدم صلاحيّته شاهدًا للجمع المذكور كان بديهيًّا .

إن قلت : إنّ الجمع بين النصوص المتعارضة إنّما يحتاج إلى الشاهد إذا كان

ص: 312


1- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 636 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 44 ؛ الوسائل : 27 / 346ح 33898 .
2- . المسالک : 14 / 211 .

الجمع بحيث يتحصّل منه الفتوى .

و بعبارة أخرى و هي : أنّ الشاهد إنّما يطلب للجمع بين النصوص إذا كانت النصوص المتعارضة متكافئة ؛ و أمّا إذا كانت لبعضها رجحان فلا، بل العمل على الراجح، و يحمل المرجوح على أيّ نحوٍ كان بحيث يرجع إلى الراجح .

و ما نحن فيه من هذا القبيل لما اعترفت به سابقًا من ترجيح الأخبار الدالّة على جواز قبول شهادة المملوک على الأخبار المانعة بترجيحاتٍ كثيرة، فلا حاجة إلى الشاهد .

قلت : الكلام هناک كان من حيثيّةٍ و هنا من حيثيّةٍ أخرى ؛ بيان ذلک هو : أنّ الكلام هناک في مقابلة ابن أبي عقيل (1) ، حيث منع قبول الشهادة من العبد مطلقًا، وكان مقصودنا ردّ ذلک و إثبات القبول في الجملة، و كانت الأخبار الدالّة على القبول من تلک الحيثيّة لها المرجّحات المذكورة دون المانعة رجّحناها عليها بتلک المرجّحات المزبورة .

و الكلام هنا - أي : في مقابلة الشهيد الثاني - ليس من تلک الحيثيّة، بل من حيث جواز قبول شهادة العبد على مولاه و عدمه ؛ و ليست للأخبار الدالّة على جواز قبول شهادة العبد من هذه الحيثيّة المرجّحات المزبورة .

و كيف ؟! مع أنّ في انصراف تلک الأخبار إلى ما نحن فيه كلامًا، كما عرفت ممّا ذكرناه سابقًا .

ص: 313


1- . حكاه عنه العلّامة في المختلف : 8 / 497 ؛ والشهيد الثاني في المسالک : 14 / 205 .

و أيضًا أنّ من جملة المرجّحات هناک كان عمل المشهور و الموافقة بالإجماع المنقول، و هاهنا على خلاف ذلک، أعني : أنّ الأخبار المانعة راجحةٌ على الأخبار الدالّة على القبول من حيث انّها موافقة بعمل المشهور و الإجماع المنقول بالنسبة إلى ما نحن فيه ؛ بخلاف الأخبار الدالّة على القبول، فإنّها مخالفةٌ للمشهور والإجماع المنقول بالنسبة إلى ذلک ؛ و هذا الرجحان من أقوى المرجّحات .

نعم، انّ الأخبار الدالّة على القبول لها بعض ترجيحات أيضًا بالنسبة إلى ما نحن فيه، كالكثرة و غيرها، فكذلک تكافات النصوص المجوّزة و المانعة، فلايجوز الجمع بينهما إلّا بعد شاهد .

القول الرابع

و القول الرابع : عكس القول المشهور المختار، أي : عدم قبول شهادته مطلقًا إلّا على مولاه .

و هذا القول قد نقله المحقّق في الشرائع (1) و العلّامة في القواعد (2) قولاً، وقائله غير معلوم ؛ و ذلک كاف في تشنيعه، فلا يحتاج إلى الكلام في مستنده وعليه .

ص: 314


1- . الشرائع : 4 / 916 .
2- . القواعد : 3 / 497 .
القول الخامس

و القول الخامس : قبول شهادته لغير مولاه .

قاله في الفقيه (1) ، و عنه في المقنع (2) ؛ و مقتضاه عدم قبولها للمولى و عليه وعلى غيره .

قيل (3) :

و كأنّه أدخله في الظنين و المتّهم، أو حمله على الأجير بطريق أولى، وجمع بذلک بين الأخبار، و فيما رواه ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق (عليه السلام) : عن الرجل المملوک المسلم تجوز شهادته لغير مواليه ؟ فقال : تجوز في الدين و الشيء اليسير (4) .

القول السادس

و القول السادس : قبول شهادته لغير مولاه و عليه، و عدم القبول له و لا عليه .

و هو المنقول عن أبي الصلاح (5) ؛ و مستنده الجمع بين النصوص بحمل المانعة

ص: 315


1- . الفقيه : 3 / 41 ، ذيل الحديث 3284 .
2- . المقنع : 397 .
3- . قاله الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 316 .
4- . التهذيب : 6 / 250 ح 640 ؛ الاستبصار : 3 / 17 ح 48 ؛ الوسائل : 27 / 347 ح 33901 .
5- . الكافي في الفقه : 435 ؛ و نقله عنه في المختلف : 8 / 498 ؛ والمهذّب : 4 / 527 ؛ والمسالک : 14 /211 ؛ و كشف اللثام : 10 / 317 ؛ والرياض : 13 / 296 .

فيما إذا كانت شهادته لمولاه أو عليه، و حمل المجوّزة فيما إذا كانت شهادته لغير مولاه و عليه و لا شاهد له .

قيل (1) :

و كأنّه لم يقبلها له حملاً على الأجير، و لم يقبلها عليه حملاً على الولد .

القول السابع

و القول السابع : عدم قبولها على الحرّ المسلم كائنًا مَن كان، و قبولها على مثله و على الكافر .

و هو المحكيّ عن ابن الجنيد (2) ؛ و مستنده في عدم القبول على الحرّ المسلم ما تقدّم من صحيحة محمّد بن مسلم (3) .

و في قبولها على الكافر صحيحته الأخرى أيضًا عن أحدهما (عليه السلام): تجوز شهادة المملوک من أهل القبلة على أهل الكتاب (4) .

ص: 316


1- . قاله الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 317 .
2- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 497 ؛ و المسالک : 14 / 210 ؛ و كشف اللثام : 10 / 317 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 297 .
3- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 636 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 44 ؛ الوسائل : 27 / 346ح 33898 .
4- . الفقيه : 3 / 45 ح 3296 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 638 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 46 ؛ الوسائل : 27 / 348ح 33903 .

و في قبول شهادته على مثله ما مرّ من الرواية المرويّة عن الخلاف (1) .

و جوابه هو : أنّ الصحيحة الأولى قد عرفت معارضتها بمثلها، و هو الجواب عمّا تضمّنه ذيل الرواية الثالثة المتقدّمة عن الخلاف ؛ و أمّا الرواية الثانية والثالثة بالنسبة إلى صدرها، فنحن نقول بمضمونهما، هذا .

و الظاهر من السيّد في الانتصار أنّ ابن الجنيد منع من قبول شهادة المملوک مطلقًا، فيكون مشاركًا لابن عقيل فيما تقدّم، حيث قال في الانتصار :

و كان أبو عليّ بن الجنيد من جملة أصحابنا يمنع (2) من شهادة العبد وإن كان عدلاً، و لمّا تكلّم عن (3) ظواهر الآيات في الكتاب الّتي يعمّ (4) العبد و الحرّ ادّعى تخصيص الآيات بغير دليل، و زعم أنّ العبد من حيث لم يكن كفوًا للحرّ في دمه و كان ناقصًا عنه في أحكامه لم يدخل تحت الظواهر .

و قال أيضًا : إنّ النساء قد يكنّ أقوى عدالة من الرجال و لم تكن شهادتهنّ مقبولة في كلّ ما تقبل (5) فيه شهادة الرجال .

و هذا منه غلط فاحش، لأنّه إذا ادّعى أنّ الظواهر اختصّت بمن

ص: 317


1- . الخلاف : 6 / 269 . قال ابن أبي جمهور الأحسائيّ في العوالي : و روى الشيخ مرفوعًا عن عليّ (عليه السلام) : أنّهكان يقبل شهادة بعضهم على بعض، و لا تقبل شهادتهم على الأحرار ( عوالي اللّألئ : 3 / 532 ح 19 ).
2- . في المصدر : يمتنع .
3- . في المصدر : على .
4- . في المصدر : تعمّ .
5- . في المصدر : يقبل .

يتساوى (1) أحكامه في الأحرار كان عليه الدليل، لأنّه ادّعى ما يخالف فيه (2) الظواهر، و لا يجوز رجوعه في ذلک إلى أخبار الآحاد الّتي يروونها (3) ، لأنّا قد بيّنا ما في ذلک .

فأمّا النساء فغير داخلات في الظواهر الّتي ذكرناها مثل قوله : ( ذوي عدل منكم ) (4) ، و مثل قوله - تعالى - : ( شهيدين من رجالكم ) (5) ،

فانّما (6) أخرجنا النساء من هذه الظواهر لأنّهن ما دَخلن فيها، والعبيد العدول داخلون فيها بلا خلاف، و يحتاج في إخراجهم إلى دليل ؛ إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (7) .

تتميم

لو أشهد رجل عبديه في جارية بأنّ حملها منه، فمات ورثهما أخوه مثلاً فاعتقهما، ثمّ ولدت الجارية و شهد الغلامان بما أشهدهما مولاهما عليه، تقبل شهادتهما و يردان عبدين للولد .

ص: 318


1- . في المصدر : تتساوى .
2- . « فيه » لم يرد في المصدر .
3- . في المصدر : يرويها .
4- . الطلاق: 2.
5- . البقرة : 282 .
6- . في المصدر : فما .
7- . الانتصار : 500 .

لما عرفت سابقًا من أنّ شهادة العبد للمولى مقبولة و هنا كذلک، لأنّ مولاهما هو ذلک الولد، فاشهدا له، فتكون مقبولة .

و لخصوص صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل مات و ترک جارية و مملوكين، فورّثهما أخ له، فاعتق العبدين و ولدت الجارية غلامًا، فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية و أنّ الحمل (1) منه، قال : تجوز شهادتهما، و يردّان عبدين كما كانا (2) .

و هو صريحٌ في المدّعى .

و كذا الكلام فيما إذا لم يعتقهما من ورثهما، فلو شهدا بما مرّ للولد، يكونان مملوكين له .

لا يقال : قد تقدّم أنّ شهادة العبد على المولى غير مقبولة، و هنا كذلک،لأنّ شهادتهما لو قبلت يلزم خروجهما عن ملک من ورّثهما .

لأنّا نقول : إنّ الّذي تقدّم هو : أنّ شهادة العبد على المولى غير مقبولة، و هو مسلّم ؛ و المقام ليس من هذا القبيل، بل شهادتهما للمولى لأنّ مولاهما هو الولد، فشهدا له ؛ نعم، شهادتهما على من ورّثهما أوّلاً، و هو ليس بمولى لهما .

إن قلت : إنّ ما ذكر مسلّم، إلّا أنّ الصحيح المذكور قد قيّد فيه قبول شهادتهما

ص: 319


1- . في الاستبصار : الحبل .
2- . التهذيب : 6 / 250 ح 642 ؛ الاستبصار : 3 / 17 ح 50 و 4 / 136 ح 83 ؛ الوسائل : 27 / 347 ح33900 .

بعد العتق، و مقتضاه عدم قبولها قبله .

قلت : هذا إنّما يلزم إذا كان القيد واقعًا في كلام المعصوم (عليه السلام) ، و ليس الأمر كذلک، بل إنّما وقع في كلام الراوي، فمفهومه ليس بحجّة، بل يكون المفهوم من الحديث حكم الصورة المسئول عنها، و يرجع في غيرها إلى ما اقتضاه الأدلّة .

نعم، في الصورة المفروضة في النصّ - بل في الصورتين - يكره للولد استرقاقهما، لموثّقة داود بن فرقد (1) قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجلٍ كان في سفره (2) و معه جارية و له غلامان مملوكان (3) ، فقال لهما : أنتما حُرّان لوجه الله وأشهدا أنّ ما في بطن جاريتي هذه منّي، فولدت غلامًا، فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلک واسترقوهم، ثمّ إنّ الغلامين عَتَقا (4) بعد ذلک، فشهدا بعد ما أعَتَقا أنَّ مولاهما الأوَّل أشهدهما أنَّ ما في بطن جاريته منه، قال : تجوز (5) شهادتهما للغلام، و لا يسترقُّهما الغلام الّذي شهدا له، لأنّهما أثبتا نسبه (6) .

و النهي و إن كان حقيقة في الحرمة، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد منه هنا الكراهة

ص: 320


1- . في الكافي و الفقيه : داود بن أبي يزيد ؛ قال النجاشي : داود بن فرقد، مولى آل أبي السمال الأسديّالنصريّ، و فرقد يكنّى : أبا يزيد، كوفيّ، ثقة، روى عن أبي عبدالله و أبي الحسن عليهما السلام ( رجال النجاشي :158 ).
2- . في الكافي والاستبصار : سفر .
3- . في المصدر : و معه جارية له و غلامان مملوكان .
4- . في الكافي : أعتقا .
5- . في الكافي : يجوز .
6- . الكافي : 7 / 20 ح 16 ؛ الفقيه : 4 / 211 ح 5492 ؛ التهذيب : 9 / 222 ح 870 ؛ الاستبصار : 4 / 136ح 512 ؛ الوسائل : 19 / 403 ح 24848 .

بقرينة قوله (عليه السلام) أوّلاً : « تجوز شهادتهما للغلام »، لأنّ المراد بجوازشهادتهما له جواز قبول شهادتهما له، فإذا جاز قبول شهادتهما له يجوز الحكم بكونهما رقّين له، فيجوز له استرقاقهما، فقوله : « لا يسترقّهما الغلام الّذي شهدا له » النهي فيه محمولٌ على الكراهة .

و أيضًا تعليله (عليه السلام) عدم استرقاقه لهما بقوله : « لأنّهما أثبتا نسبه » يشعر بذلک .

و أيضًا أنّ الصحيحة المذكورة أوَّلاً صريحةٌ في جواز استرقاقه لهما، لقوله (عليه السلام) : « و يردّان عبدين كما كانا » ؛ و النهي في الموثّقة المزبورة صريحٌ في المرجوحيّة، فيكون الجمع بينهما الكراهة، فالقول بتحريم استرقاقه لهما بناءً على ظاهر النهي -كما نقل عن بعض (1) - ضعيف .

إن قلت : إنّ اللّازم ممّا ذكر ثبوت الكراهة في الصورة الأولى - أي : فيما إذا أعتقهما مَن ورّثهما، ثمّ شهدا للغلام بما كانا شاهدين عليه - لاختصاص النصّ بذلک، فيرجع في الصورة الثانية إلى حكم الأصل ؛ و مقتضاه عدم الكراهة .

قلت : الحقّ ثبوت الكراهة في الصورتين، لأنّ النصّ و إن كان مورده الصورة الأولى، إلّا أنّ التعليل في ذيله عامّ، و مفهوم التعليل يتعدّي به إلى كلّ ما تحقّق فيه ذلک ؛ و لا شکّ أنّ الصورة الثانية أيضًا ثبت النسب للغلام لشهادتهما، فهما أثبتا له النسب، و قد جعله المعصوم (عليه السلام) علّة لعدم الاسترقاق، أي : لكراهته في الصورة

ص: 321


1- . النهاية : 2 / 59 ؛ و نسبه إلى القيل في مسالک الأفهام : 6 / 208 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 61 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 304 .

الأولى، و هو موجودٌ في الصورة الثانية أيضًا، فيلزم أن يكره الاسترقاق، لعدم جواز تخلّف المعلول عن العلّة .

و لا يخفى أنّ ما تقدّم من التسوية بين صورة عتق العبدين و غيرها إنّما هو إذا صدّقهما مَن ورّثهما، أو كانا عدلين يمكن الحكم بشهادتهما، كما يؤمي إليه فرض المسألة في كلامهم في عبدين دون عبد واحد ؛ و أمّا مع عدمهما فلا يكون الأمر كما ذكر، بل يبقيان عبدين لمن ورّثهما إلى أن ثبت نسب الولد كما لا يخفى .

ثمّ إنّ هذه جملة من المواضع الّتي دلّ الدليل على قبول شهادة المتّهم ؛ و لمّا كان كثير من المواضع كذلک، أي : قام الدليل على قبول شهادته إمّا بالصريح أو بالفحوى، و لهذا حُصِر أسباب التهمة المانعة من قبول الشهادة في ستّة، ينبغي التنبيه عليها .

ص: 322

أسباب التهمة المانعة من قبول الشهادة

السبب الأوّل
شهادة الشريک فيما هو شريک فيه غير مقبولة

فأقول : الأوّل هو : أن يكون الشاهد بحيث يجرّ النفع في شهادته إليه، لأنّه حينئذٍ يكون بشهادته مدّعيًا، فيكون شاهدًا لنفسه ؛ و لما روي عن النبي (صلي الله عليه واله) أنّه

ص: 323

نهى أن يجاز (1) شهادة الخصم و الظنين و الجارّ إلى نفسه (2) منفعة (3) .

و كذا إذا يدفع عنه ضررًا، لأنّه حينئذٍ بشهادته منكر، و ذلک كشهادة الشريک فيما هو شريک فيه .

و المستند في ذلک - زيادةً على ما مرّ من النصوص المعتبرة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة و ما تقدّم آنفًا - هو : موثّقة سماعة المتقدّمة (4) ، حيث قال فيها: سألته عمّا يردّ من الشهود، فقال : المريب و الخصم و الشريک و دافع مغرم ؛ إلى أن قال : كلّ هذا تردّ شهاداتهم (5) .

و موثّقة أبان قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، فقال : تجوز شهادته إلّا في شيء له فيه نصيب (6) .

و هذه و إن كانت في التهذيب مرسلة، لأنّها مرويّة فيه عن أبان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، إلّا أنّها مرويّة في الفقيه على ما ذكرناه ؛ على أنّ الإرسال والضعف في مثل المسألة غير مضرّ، لأنّ المسألة لعلّها موضع وفاق .

ص: 324


1- . في المصدر : أن تجاز .
2- . في المصدر : « على نفسه » ؛ و ليس فيه قوله : « منفعة »، و هو موجودٌ في كشف اللثام : 10 / 303 .
3- . دعائم الإسلام : 2 / 511 ح 1832 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : و من هذا القبيل الموثّق المرويّ في باب شهادة الشريک من شهادات الكافي عن عبد الرّحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء شهد اثنان عن واحد،قال : لا يجوز شهادتهما ( الكافي : 7 / 394 ح 1 ).
5- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .
6- . الفقيه : 3 / 44 ح 3293 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 623 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 40 ؛ الوسائل : 27 / 370ح 33971 .

و ما روي عن مولانا الأمير (عليه السلام) أنّه قال : لا يجوز (1) شهادة الشريک لشريكه فيما هو بينهما، و يجوز (2) في غير ذلک ممّا ليس له (3) فيه شركة (4) .

و بهما يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم قبول شهادة الشريک مطلقًا - كالموثّقة الأولى - حيث دلّت على عدم شهادة الشريک مطلقًا، سواء كانت له فيما يشهد به شركة، أم لا .

و يقيّد أيضًا إطلاق ما دلّ على جواز قبول شهادة الشريک مطلقًا، و لو كانت الشهادة فيما له فيه شركة، كرواية عبد الرّحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد و شهد الإثنان، قال : تجوز (5) .

فيقيّد فيما إذا كانت شهادتهما على ما ليس لهما فيه شركة، بقرينة ما ذكر .

و مثل الشريک فيما ذكر شهادة المدين للمحجور عليه، بناءً على أنّه يتعلّق حقّه حينئذٍ بأعيان ماله، فيكون المدين حينئذٍ مدّعيًا، فلا تقبل ؛ و أمّا إذا لم يكن المشهود له محجورًا عليه، فتقبل شهادة المدين حينئذٍ لتعلّق حقّه بالذمّة ؛ هكذا قيل (6) .

أقول : إن ثبت اتّفاقهم على ذلک فهو، و إلّا فالاكتفاء بما ذكر في قبول الشهادة

ص: 325


1- . في المصدر : لا تجوز .
2- . في المصدر : و تجوز .
3- . « له » لم يرد في المصدر .
4- . دعائم الإسلام : 2 / 511 ح 1830 .
5- . التهذيب : 6 / 246 ح 622 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 39 ؛ الوسائل : 27 / 370 ح 33972 .
6- . قاله في كشف اللثام : 10 / 304 .

مشكل، لأنّ تعلّق حقّه بالذمّة يخرجه عن كونه مدّعيًا، لا عن كونه متّهمًا ؛ و مجرّد تعلّق الحقّ بالمال غيرُ كافٍ مع صدق التهمة، لما عرفت من كثيرٍ من النصوص المعتبرة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة، فلابدّ للحكم بقبول شهادته حينئذٍ إمّا من مقيّدٍ لتلک الأدلّة، أو عدم تسليم صدق التهمة .

و مثل شهادة الشريک أيضًا فيما ذكر شهادة المولى لعبده، فلا تقبل شهادته، لأنّ العبد لا يملک شيئًا، فيكون شهادته حينئذٍ لنفسه .

شهادة الوصيّ فيما وصّى فيه غير مقبولة

ثمّ اعلم : أنّ المشهور بين الأصحاب - على ما صرّح جمعٌ من الأعلام (1) - عدم جواز قبول شهادة الوصيّ فيما وصّى فيه .

و مستندهم غير واضح ؛ و لا يمكن التمسّک في المقام بالنصوص المتقدّمة الدالّة على عدم جواز شهادة ذي التهمة، لأنّ ذلک فرع الصدق، و هو ممنوع، إذ لايدرک العقل التهمة في الوصيّ، بل للولاية في مثل ذلک تعب و مشقّة للإنسان .

نعم، لو كانت الولاية في مال له أجرة في حفظه أو إصلاحه، لكان لتوهّم التهمة وجه .

ص: 326


1- . منهم الشهيد الثاني في المسالک : 6 / 209 و 14 / 190 ؛ و المحقّق السبزواريّ في الكفاية : 2 / 60 ؛والفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 304 ؛ والسيّد الطباطبائيّ في الرياض : 9 / 538 و 13 / 279 .

و لعلّه لهذا ذهب ابن الجنيد - على ما حكي عنه (1) - إلى قبول شهادة الوصيّ،لعدم ما يصلح لتخصيص العمومات الدالّة على قبول الشهادة .

و يمكن ترجيح القول المشهور بأنّ قول ابن الجنيد ملحوقٌ بالإجماع، إذ لم نجد بعده قائلاً بجواز شهادته و لا نقله ناقل، فلا يمكن لنا المخالفة .

على أنّه يمكن الاستدلال لهم بالصحيح المرويّ في الفقيه و غيره عن محمّد بن الحسن الصفّار أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن (2) بن عليّ (عليهماالسلام) : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين (3) .

وجه الاستدلال هو : أنّک قد عرفت في كتاب القضاء (4) أنّ الحقّ يثبت بشاهد واحد و يمين صاحب الحقّ، فعلى هذا لو كانت شهادة الوصيّ مقبولة لا يحتاج إلى شهادة عدل آخر مع يمين المدّعي، فعدم اكتفائه (عليه السلام) بشهادة الوصيّ و يمين المدّعي ؛ و الإتيان بقوله : « إذا شهد معه عدل آخر » قرينةٌ واضحة على عدم الاعتبار بشهادة الوصيّ .

و يمكن تقرير الاستدلال بوجهٍ آخر، و هو : أنّ حلف المدّعي خلاف الأصل

ص: 327


1- . حكاه عنه في مختلف الشيعة : 8 / 531 ؛ و مسالک الأفهام : 6 / 209 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 60 ؛ومجمع الفائدة : 12 / 385 ؛ و كشف اللثام : 10 / 304 ؛ و رياض المسائل : 9 / 538 و 13 / 278 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : العسكريّ .
3- . الكافي : 7 / 394 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 73 ح 3362 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 626 ؛ الوسائل : 27 / 371 ح33973 .
4- . كتاب القضاء : المسألة 25 .

على ما مرّ تحقيقه في كتاب القضاء (1) ، فيقتصر فيه على مواضع مخصوصة دلّ الدليل على ثبوته فيها .

و من المعلوم أنّه لو كان للمدّعي شاهدان مرضيّان ليس عليه الحلف في إثبات حقّه، بل لا يجوز إلّا في بعض المواضع، و ليس ما نحن فيه منه، فاعتبار المعصوم (عليه السلام) الحلف فيه إمّا من جهة عدم قبول شهادة الوصيّ، أو شهادة عدل آخر؛ و الثاني غير جائز و إلّا فلا معنى لقوله (عليه السلام) : « إذا شهد معه آخر عدل »، فتعيّن الأوّل، و هو المطلوب، فثبت المدّعى، و هو عدم جواز قبول شهادة الوصيّ .

و الكلام في الوكيل كالكلام في الوصّي، فالمحكيّ عن المشهور المنع، و عن ابن الجنيد : الجواز (2) ؛ و حيث قد قلنا بمنع ذلک في الوصيّ نقول في الوكيل أيضًا،لعدم القول بالفصل .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يؤيّد القول بالمنع بأنَّ الوكيل نائبٌ عن نفس الموكّل، فكما لا تقبل شهادة موكّله لنفسه، فكذا شهادة نائبه له .

و أيضًا لا نسلّم انتفاء التهمة في حقّه، أمّا على تقدير تحقّق الأجرة له فظاهر ؛ وأمّا على تقدير العدم فلإمكان أن يكون الداعي لشهادته تصحيح الفعل الّذي صدر عنه بدعوى الوكالة .

و لعلّ هذا المقدار بعد ملاحظة الاشتهار يكفي في المقام، فتأمّل .

ص: 328


1- . كتاب القضاء : المسألة 15 .
2- . مختلف الشيعة : 8 / 531 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 190 ؛ كفاية الأحكام : 2 / 755 ؛ مجمع الفائدة : 12 /385 .
السبب الثاني
من أسباب التهمة : العداوة
اشارة

السبب الثاني للتهمة : العداوة ؛ و المراد بها العداوة الدنيويّة، لا الدينيّة، لما عرفت من قبول شهادة المسلم على الكافر ؛ و أمّا عدم جواز قبول شهادة الكافر على المسلم فَلِفسْقِه و كُفره، لا للعداوة الدينيّة ؛ و لهذا تردّ شهادة بعضهم على بعض ؛ و قد مرّ الكلام في ذلک في أوائل هذا الكتاب .

و الكلام في هذا السبب يقع من وجوه :

الوجه الأوّل : في تفسير العداوة

الأوّل : في تفسيره، فأقول : قد نقل عن الأصحاب تفسير العدوّ في المقام بأنّه الّذي يفرح بالمساءة و المكروهات الواردة على صاحبه و يسأ و يغتّم بالمسرّة والنِعَم الحاصلة له (1) .

و عن جملة منهم أنّهم زادوا على ذلک بأن تبلغ حدًّا يتمنّى زوال نعمه (2) .

ص: 329


1- . انظر المختصر النافع : 279 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 755 ؛ و كشف اللثام : 10 / 309 ؛ و رياض المسائل :13 / 282 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 192 ؛ كفاية الأحكام : 2 / 755 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 278 ؛ رياض المسائل :13/ 282 .

و هذا التعريف إن تحقّق من الطرفين يكون كلّ منهما عدوًّا للاخر، و إلّا اختصّ الطرف الّذي تحقّق فيه ذلک .

الوجه الثاني

الثاني هو : أنّ العدوّ المذكور لا تقبل شهادته على الّذي يكون هذا الشخص عدوًّا له، سواء كان هو عدوًّا له أيضًا، و حينئذٍ لا تقبل شهادته عليه أيضًا ؛ أو لا، ويختصّ عدم القبول حينئذٍ بالعدوّ، فشهادة غير العدوّ عليه مقبولة .

و المستند في الحكم المذكور - أي : عدم قبول شهادة العدوّ على عدوّه، أو على مَن يكون هذا عدوًّا له - : الإجماع، ادّعاه المقدّس الأردبيليّ (1) ؛ و هو ظاهر المسالک (2) ، حيث نسب الحكم إلينا، لكن في شهادة العدوّ على العدوّ .

و النصوص المعتبرة المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة، بناءً على تحقّقها فيما نحن فيه بلا شبهة .

و أيضًا أنّ بعض تلک النصوص قد تضمّن لفظ : « الخصم »، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، حيث سأله عن الّذي يردّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و الخصم (3) .

ص: 330


1- . مجمع الفائدة : 12 / 389 .
2- . المسالک : 14 / 191 .
3- . الكافي : 7 / 395 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 602 ؛ و رواه في « الفقيه : 3 / 40 ح 3281 » باسناده عنعبيد الله بن عليّ الحلبيّ مثله، إلّا أنّه قال : الظنين و المتّهم و الخصم . الوسائل : 27 / 373 ح 33978 .

و ما رواه أبو بصير عنه (عليه السلام) أيضًا، حيث سأله عن الّذي يردّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و المتّهم و الخصم، الحديث (1) .

و معلوم أنّ الخصم هو العدوّ، فيكون دلالتهما على ردّ الشهادة فيما نحن فيه من وجهين، أحدهما : من جهة الإطلاق، لأنّ المتّهم شاملٌ للعدوّ أيضًا ؛ و الثاني : من جهة خصوص لفظ : « الخصم ».

و يدلّ عليه أيضًا ما رواه السكوني عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال : لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مُخْزِيَة في الدين (2) .

بيان

الشحناء : العداوة ؛ و المخزية : ما يوجب الخزي (3) .

و ما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : لا تقبل شهادة خائن و لا خائنة، و لا ذي غمز(4) على أخيه (5) .

ص: 331


1- . الكافي : 7 / 395 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 598 ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33979 .
2- . الكافي : 7 / 396 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 243 ؛ و فيهما : « عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)كان لا يقبل شهادة فحّاش و لا ذي مخزية فيالدين »؛ و عن الكافي في الوسائل : 27 / 377 ح 33993 . و في الفقيه : 3 / 43 ح 3288 ، هكذا :«وروى إسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام» ؛ و عنه في الوسائل:27/ 378 ح 33997 .
3- . العين : 3 / 95 ؛ لسان العرب : 13 / 234 ؛ الوافي : 16 / 998 .
4- . كذا في الوسائل : 27 / 379 ؛ و عوالي اللّألئ : 1 / 242 ح 13 ؛ قال في العوالي : « و الغمز : الحقد ». و فيمعاني الأخبار ص 209 : « و لا ذي غمر» ؛ قال الصدوق : « و الغمر : الشحناء و العداوة ».
5- . معاني الأخبار : 208 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 379 ح 34000 ؛ و في عوالي اللّألئ : 1 / 242ح 13 : « و قال (صلي الله عليه واله): لا تقبل شهادة الخائن، و لا الخائنة، و لا الزاني، و لا الزانية، و لا ذي غمز على أخيه » .
الوجه الثالث

الثالث : قالوا : شهادة العدوّ لعدوّه و لغيره و عليه مقبولة إذا كانت العداوة بحيث لاتتضمّن فسقًا .

و في شرح المقدّس الأردبيليّ (1) : عليه الإجماع، للعمومات الدالّة على قبول شهادة العادل من الكتاب و السنّة ؛ و هي سالمةٌ عمّا يصلح للمعارضة بالنسبة إلى هذا الفرض، بناءً على عدم شمول ما دلّ على ردّ شهادة ذي التهمة للمسألة، لانتفاء التهمة فيها، و اختصاص ما دلّ على عدم قبول شهادة الخصم و ذي شحناء بحكم التبادر بما إذا كانت شهادته على عدوّه، لا له و لا لغيره، أو عليه .

هذا كلّه إذا كانت العداوة بحيث لا تتضمّن فسقًا كما عرفت، و إلّا فغير جائز اتّفاقًا، و هو واضح، لكن يشكل فرض حصول العداوة مع تلک العداوة بعد الاتّفاق على أنّ عداوة المؤمن و بغضه لا لأمر دينيّ معصية، فكيف يجامع مع العدالة ؟!

و ربّما أجيب عن ذلک : بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن، أو عداوة المؤمن، لكن إذا كان لموجب، و عداوته من غير موجب حرام لا معه، أو يعدّ العداوة من الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها، لا الاستمرار على واحدة مخصوصة (2) .

ص: 332


1- . مجمع الفائدة : 12 / 389 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 193 ؛ رياض المسائل : 13 / 282 .
السبب الثالث
الكلام في شهادة الولد على الوالد

الثالث من أسباب التهمة المانعة عن قبول الشهادة : شهادة الولد على الوالد، فإنّ ذلک سببٌ للإتّهام بالعقوق، فالمشهور - على ما صرّح جمعٌ منهم (1) - عدم قبول شهادة الولد على الأب، بل عن الخلاف و السرائر : عليه الإجماع (2) .

و يدلّ عليه ما رواه في الفقيه حيث قال :

و في خبر آخر : أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده (3) .

و إرساله غير مضرّ بعد ما عرفت من الشهرة .

و عن الشيخ في الخلاف : أنّه استدلّ لذلک بإجماع الفرقة و أخبارهم (4) .

و لم نجد من الأخبار إلّا ما عرفت من الرواية المذكورة .

و استدلّ للحكم في المسألة أيضًا بقوله - تعالى - : ( و صَاحِبْهُمَا في الدُّنيَا

ص: 333


1- . منهم : العلّامة في تحرير الأحكام : 5 / 254 ؛ و الشهيد الأوّل في غاية المراد : 4 / 117 ؛ و الدروس : 2 /132 ؛ و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة : 12 / 405 ؛ والفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 /306؛ وانظر المختلف : 8 / 494 ؛ و المسالک : 14 / 194 ؛ و الرياض : 13 / 285 .
2- . الخلاف : 6 / 296 و 297 ؛ السرائر : 2 / 134 .
3- . الفقيه : 3 / 42 ح 3286 .
4- . الخلاف : 6 / 297 ؛ و حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 306 .

مَعْرُوفًا ) (1) ، فليست الشهادة عليه و تكذيب قوله من المعروف، بل من المنكر،فيكون ارتكاب ذلک عقوقًا مانعًا من قبول الشهادة .

و ردّ ذلک بأنّ توجّه المنع عليه جَليّ، إذ من المعروف إبراء ذمّته، كما قال (صلي الله عليه واله) : أنصر أخاک ظالمًا أو مظلومًا، فقيل : كيف أنصره ظالمًا ؟ فقال : تردّه عن ظلمه، فذاک نصرک إيّاه (2) .

و ذهب الشهيد في الدروس (3) إلى قبول ذلک ؛ و مال إليه جملةٌ من المتأخّرين،كشيخنا الشهيد الثانيّ، و المقدّس الأردبيليّ (4) ؛ و عن الفاضل المقداد في التنقيح والصيمريّ، و غيرهما (5) .

و الظاهر من السيّد (رضي الله عنه) في الانتصار القول بذلک، بل الظاهر منه أنّ القائل بالمنع قليل، حيث قال :

و ممّا انفردت به الإماميّة (6) في هذه الأعصار (7) القول بجواز شهادات ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً من غير استثناء

ص: 334


1- . لقمان : 15 .
2- . مسند أحمد : 3 / 201 ؛ صحيح البخاري : 3 / 98 و 8 / 59 ؛ سنن الترمذي : 3 / 356 ح 2356 ؛ عوالياللّألئ : 3 / 414 ح 7204 .
3- . الدروس : 2 / 132 .
4- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 405 ؛ و المسالک : 14 / 195 و 196 .
5- . التنقيح الرائع : 4 / 295 ؛ غاية المرام : 4 / 281 .
6- . في المصدر : الإماميّة به .
7- . في المصدر زيادة : « و إن روي لها وفاق قديم » .

لأحد، إلّا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمدًا على خبرٍ (1) يرويه من أنّه لا يجوز شهادة الولد على الوالد (2) .

و لا يخفى أنّ الظاهر من هذا الكلام، بل ربّما يقال صريحه : انّ شهادة الولد على الوالد عنده مقبولة، و انّ المخالف في ذلک قليل ؛ و لهذا نقل ابن إدريس (3)وغيره عنه القول بالقبول ؛ و في كنز العرفان (4) نقل القول بالقبول عنه و عن ابن الجنيد.

و مستندهم عموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة من الكتاب و السنّة، وخصوص قوله - تعالى - : ( كونوا قوّامين بالقِسط شُهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ) (5) ، و هو صريحٌ في جواز إقامة الشهادة على الوالدين .

و القول بأنّ ما يدلّ عليه الآية هو وجوب إقامة الشهادة و هو لا يستلزم القبول، ليس بشيء، لأنّ الظاهر أنّ المقصود من الأمر بإقامة الشهادة و الترغيب عليها ترتّب أثرها، و هو القبول، إذ يبعد غاية البعد أن يكون المقصود من الآية محض إقامة الشهادة من غير أن يترتّب عليها ثمرتها .

ألا ترى أنّهم يستدلّون بالنصوص الدالّة على جواز الشهادة على جواز قبولها،

ص: 335


1- . الفقيه : 3 / 42 ح 3286 .
2- . الانتصار : 496 .
3- . السرائر : 2 / 134 .
4- . انظر كنز العرفان : 2 / 386 .
5- . النساء : 135 .

و بالنصوص الدالّة على عدم جواز الشهادة على عدم جواز قبولها ؛ على أنّ كلام المستدلّ بالآية المتقدّمة يدلّ على عدم جواز إقامة الشهادة، لا جوازها مع عدم قبولها.

و أيضًا : إقامة الشهادة مع عدم جواز قبولها عبثٌ و لغو، فلا يناسب أن يأمر الله -تعالى - بها .

و أيضًا : أنّ قوله - تعالى - : ( أو الوالدين ) مسبوقٌ بالشهادة المقبولة، و هي الشهادة على النفس، و ملحوقٌ بها، و هي الشهادة على الأقربين، فالمناسب أن يكون هو أيضًا كذلک، حفظًا لاختلال نظم الكلام .

و أيضًا : أنّ المراد بالوالدين الوالد و الوالدة، و الشهادة بالنسبة إليها مقبولة، لعمومات الأدلّة مع عدم ما يخصّصها بالنسبة إليها (1) ، لأنّ دليل المانعين من الإجماع والرواية و كذا كلامهم مختصّ فيما إذا كانت شهادة الولد على الوالد، فينبغي أن يكون الوالد مشتركًا معها في الحكم، لكونهما ذكرا في كلمة واحدة، فتأمّل .

نعم، لو دلّت الآية المتقدّمة - أي : قوله تعالى : ( و صَاحِبْهُما في الدُّنيَا مَعرُوفًا ) (2) - على عدم قبول شهادة الولد على الوالد، لكانت دالّة على عدم قبول

ص: 336


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : قال في التنقيح { 4 / 296 } - بعد أن نسب القول بعدم قبول الشهادةعلى الوالد إلى الشيخين و غيرهما واختياره القبول - ما هذا لفظه : « و هنا فروعٌ على قول الشيخين - إلى أنقال : - الثاني : تقبل الشهادة على الأمّ » . و في كنز العرفان { 2 / 388 } : « و هل حكم الجدّ للأب حكمه ؟الأقرب ذلک، أمّا الأمّ فيقبل شهادة الولد عليها و لها » .
2- . لقمان : 15 .

شهادة الولد على الوالدة أيضًا، لكنّک قد عرفت الجواب عنها .

على أنّا لم نجد من كلام المانعين ما يدلّ على منعهم قبول شهادة الولد على الوالدة ؛ و بهذا يظهر وهنٌ في دلالة تلک الآية على ما مرّ إليه الإشارة .

و بالجملة : ظهور دلالة الآية المذكورة - أي : قوله تعالى : ( كونوا قوّامين ) (1) إلى آخره - على قبول شهادة الولد على الوالد ممّا ينبغي أن لا يدور حوله ريبة، هذا.

و قد وردت بمضمون الآية الشريفة نصوصٌ متعدّدة، منها : ما رواه عليّ بن سويد السائي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : كتب أبي في رسالته إليّ و سألته عن الشهادة (2) لهم، قال : فأقم الشهادة لله - عزّوجلّ - و لو على نفسک أو الوالدين والأقربين فيما بينک و بينهم، فإن خفت على أخيک ضيمًا (3) فلا (4) .

و مثله رواية إسماعيل بن مهران (5) .

و منها : ما رواه داود بن الحصين (6) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أقيموا

ص: 337


1- . النساء : 135 .
2- . في التهذيب : الشهادات .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : أي الظلم .
4- . الكافي : 7 / 381 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 276 ح 757 ؛ الوسائل : 27 / 315 ح 33823 .
5- . الكافي : 7 / 381 .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : رواه في التهذيب في باب البيّنات باسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب،عن محمّد بن الحسين، عن ذبيان بن حكيم الأودي، عن موسى بن أكيل النميري، عن داود بن الحصين .

الشهادة على الوالدين و الولد (1) .

و ضعفها بعد الانجبار بالآية الشريفة غير مضرّ، لكن هذا كلّه في مقابلة الشهرة المستفيض نقلها و الإجماعات المنقولة - كما عرفت من الخلاف و السرائر (2) وسيجيء عن الغنية (3) - و الرواية المتقدّمة المنجبرة بهما، غيرُ قابلٍ للمعارضة .

و لذا ترى جملة من أصحابنا المتأخّرة مناقشين في الأدلّة غير متجرّئين على الفتوى بالمخالفة .

و على فرض تسليم تعارضهما من الطرفين يجب الرجوع إلى حكم الأصل، ومقتضاه عدم القبول كما عرفت مرارًا .

ثمّ اعلم : أنّه نقل عن الغنية (4) دعوى الإجماع في المسألة أيضًا، لكنّه جعل المجمع عليه التفصيل بين حياة الوالد فالمنع، و موته فالقبول ؛ و هو قويّ، لأنّ الظاهر المتبادر من كلماتهم و كذا مستندهم هو حال الحياة، فيبقى العمومات بالنسبة إلى غيرها سالمة عمّا يصلح للمعارضة ؛ هذا، مع أنّ الفاضل في كشف اللثام (5) نفى الخلاف في قبولها على الميّت .

ثمّ إنّ الحكم المذكور هل هو مختصّ بالأب الحقيقيّ، أو شاملٌ للجدّ و إن علا؟

ص: 338


1- . الفقيه : 3 / 49 ح 3304 ؛ التهذيب : 6 / 257 ح 675 ؛ الوسائل : 27 / 340 ح 33880 .
2- . الخلاف : 6 / 296 ؛ السرائر : 2 / 134 .
3- . الغنية : 439 .
4- . الغنية : 440 ؛ و نقله عنه في الرياض : 13 / 285 .
5- . انظر كشف اللثام : 10 / 307 .

وجهان، أوجههما : القبول، لأنّه على فرض تسليم صدق الأب على الجدّ والولد على ولد الولد حقيقةً نقول :إنّ المتبادر من الأب والولد غير ذلک، فينصرف إليه إطلاق الإجماع و الرواية، فيرجع في غيره إلى ما اقتضاه العمومات، و هو القبول .

الكلام في شهادة الولد على الوالد

هذا كلّه في شهادة الولد على الوالد ؛ و أمّا إذا كان الأمر بالعكس - أي : شهادة الوالد على الولد - فمقبولة، عملاً بالعمومات السالمة عن المعارض .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه لو شهد الولد على الأب و على غيره كالأجنبيّ مثلاً، هل تردّ مطلقًا، أو تقبل كذلک، أو التفصيل فتردّ في حقّ الوالد و تقبل في حقّ غيره ؟ احتمالات .

وجه الأوّل : أنّ هذه شهادة واحدة صدرت من الشاهد ؛ و قد عرفت أنّها على الوالد غير مقبولة، فيلزم عدم القبول بالنسبة إلى غيره أيضًا، لأنّ الشهادة الواحدة كيف تتّصف بالقبول و غيره ؟!

و وجه الثالث هو : العمل بكلٍّ من الأدلّة الدالّة على عدم قبول شهادة الولد على الوالد و الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة بالنسبة إلى الغير .

واتّصاف الشهادة الواحدة بالقبول و العدم مع اختلاف الحيثيّة غير مضرّ ؛ و ما نحن فيه كذلک، لأنّ تلک الشهادة من حيث انّها شهادةٌ على الوالد غير مقبولة، ومن حيث انّه شهادةٌ على الغير فمقبولة .

ص: 339

أوجه الوجوه الثلاثة هو الثاني، فتقبل شهادة الولد حينئذٍ مطلقًا، استنادًا إلى عموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة من الكتاب و السنّة .

و ليس لها معارض إلّا ما تقدّم من الإجماعات المنقولة و الرواية المتقدّمة ؛ والمتبادر منهما هو ما إذا كانت شهادة الولد على الوالد فقط، فينصرفان إليه و يبقى تلک العمومات سالمة عمّا يصلح للمعارضة بالنسبة إلى مفروض المسألة، فوجب العمل بها .

وجه الاحتمال الثاني ضعيف، لأنّ اختلاف الحيثيّة مع اتّحاد الذات لا يجدي نفعًا ؛ و الاحتمال الأوّل مبنيّ على تسليم ثبوت العموم في الأدلّة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة الولد على الوالد حتّى يشمل مفروض المسألة أيضًا ؛ و هو غير مسلّم، إذ لم نجد من تلک الأدلّة إلّا الإجماعات المنقولة و الرواية المزبورة ؛ وليس شيء منهما من العموم بلا ريبة .

إلّا أن يدّعى أنّ عدم قبول شهادة الولد على الوالد فقط يدلّ على عدم قبولها فيما إذا كان مع الوالد غيره بطريق أولى، لكنّها ممنوعة .

السبب الرابع
من أسباب التهمة : كون الشاهد كثير الغفلة

السبب الرابع من أسباب التهمة : كون الشاهد كثير الغفلة و النسيان، فإنّه متّهم بسبب كثرة السهو و النسيان، إلّا أن يكون المشهود به بحيث لا ينسي و لا يسهي

ص: 340

عادةً مطلقًا و لو بالنسبة إلى كثير النسيان و السهو، أو أن يذكر من الخصوصيّات بحيث يطمئنّ النفس به ؛ و بدون ذلک لا تقبل شهادته للاتّهام المذكور، فيدخل تحت النصوص المعتبرة المتقدّمة الدالّة على عدم شهادة ذي التهمة .

و يمكن المناقشة في تلک النصوص بأنّه ليس في شيء منها ما يدلّ على عدم قبول شهادة المتّهم بعنوان العموم ليشمل جميع الأفراد، بل إنّما هي مطلقات، والمتبادر منها غير ما نحن فيه، فتنصرف إليه، فتبقى العمومات الدالّة على قبول الشهادة بالنسبة إلى ما نحن فيه سالمًا عمّا يصلح للمعارضة .

إلّا أن يثبت الإجماع في المسألة، أو يثبت المنقح في أنّ الباعث على عدم قبول الشهادة هناک مطلق التهمة أيّة تهمة كانت .

و الكلام في ثبوت ذلک مع أنّک قد عرفت في كثيرٍ من المواضع قبول الشهادة مع تحقّق التهمة فيه، فتأمّل .

نعم، روي عن تفسير الإمام (عليه السلام) (1) في تفسير قوله - تعالى - : ( مِمَّنْ تَرْضَونَ مِنَ الشُهَدَاء ) (2) أنّه قال (عليه السلام): ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته وتفطّنه (3) فيما يشهد به، و تمييزه (4) ، فما كلّ صالح مميّز محصّل (5) ، و لا كلّ

ص: 341


1- . أي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام)، عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
2- . البقرة : 282 .
3- . في المصدر : و تيقّظه ؛ و في بعض نسخه : و تيقّنه .
4- . في المصدر : و تحصيله و تمييزه .
5- . في المصدر : و لا محصّل .

محصّل مميّز صالح (1) .

السبب الخامس
من أسباب التهمة : دفع عار الكذب

السبب الخامس من أسباب التهمة : دفع عار الكذب، كما إذا تاب الفاسق، وهو متّهم بأنّه ما تاب إلّا لتقبل شهادته .

و هذه التوبة لم تؤثر في قبول الشهادة و إن أظهر صلاح حاله ؛ و ذلک لتحقّق التهمة بأنّها ليست توبة، فإنّ التوبة لا تكون إلّا لخوف الله - سبحانه .

و هذا الشخص متّهم بأنّه لم يتب لذلک، لأنّ المفروض أنّه متّهم، لأنّه تاب لتقبل شهادته، لا لخوف الله - تعالى - فلا تكون هذا الشيء مخرجًا له من الفسق إلى العدالة حتّى تجوز قبول الشهادة مع تحقّق تلک التهمة .

و التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الصور المتصوّرة هنا ثلاث :

الأولى : أنّ الفاسق تاب و ليس بمتّهم أنّه تاب لأجل أن تقبل شهادته، بل علم من حاله أنّه تاب لخوف الله تعالى .

و هذا الشخص بعد ظهور الصلاح منه واستمراره عليه قبلت شهادته من غير إشكال ؛ بل ربّما يقال بقبول شهادته من حين تاب ؛ و هذا ليس بمتّهم، فكلامنا ليس فيه .

ص: 342


1- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام): 674 ح 375 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 399 ح 34054 .

و الثانية : بعكس ذلک، بأن علم أنّه تاب لأجل أن لا تردّ شهادته لا لخوف الله -تعالى - بأن يظهر صلاحه و أنّه تاب لذلک .

و هذا غير مسموع الشهادة بلا إشكال، وجهه واضح، لأنّه لم يتب حقيقة، لأنّ التوبة عبارة عن الندم عمّا صدر منه في الماضي من القبيح و العزم على عدم العود إليه في الاستقبال و الترک في زمان الحال .

و كلّ ذلک لأجل خوف الله - سبحانه - والاستحياء عن ذاته المقدّسة، و لقبح ما صدر منه من الخصلة السخيفة .

و المفروض أنّ ذلک الشخص ما ترک الذنب مثلاً لذلک، بل لأجل أن لا تردّ شهادته، فما فعله ليس بتوبة حقيقة، فلا يعود بسببه العدالة، بل باقٍ على فسقه و لو إلى قيام القيامة، فلا يكون مقبول الشهادة .

و ليس كلامنا في مثل هذا الشخص أيضًا، لعلمنا بفسقه، فلا معنى للتهمة .

و الصورة الثالثة : هي ما إذا تاب الفاسق و لم نعلم أنّها كالصورة الأولى أو الثانية، لكنّه متّهم بأنّ توبته لأجل أن لا تردّ شهادته .

و هذا هو الّذي كلامنا فيه، فنقول : إنّ شهادته ليست بمقبولة، لأجل التهمة فيه في توبته .

إن قلت : قد تقدّم منک آنفًا أنّ النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة لا تنصرف إلى مثل هذه التهمة، فينبغي أن تقبل فيها الشهادة كما حكمت به في المسألة المتقدّمة .

ص: 343

قلت : هذا اشتباه في البين و غفلة عن الفرق بين المقامين ؛ بيان الفرق بينهما هو: أنّ النصوص الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة لمّا لم تشمل مثل تلک التهمة بقيت العمومات الدالّة على قبول شهادة العادل عن المعارض سليمة .

و هنا أيضًا عدم شمول تلک النصوص لمثل هذه التهمة مسلّم، لكن ذلک غير كافٍ مع عدم مقتضى القبول، لعدم جواز التمسّک في المقام بالعمومات المشار إليها، لعدم ثبوت العدالة فيه، بل ثبوت الفسق بمقتضى الاستصحاب .

و الحاصل : أنّ المقتضي لقبول الشهادة في المسألة السابقة لمّا كان موجودًا، وهو العمومات المشار إليها، و لم يوجد المانع لذلک سوى النصوص المتقدّمة كما هو المفروض ؛ و حيث قد أثبتنا عدم صلاحيّتها للمانعيّة على ما مرّ، بقي المقتضي لقبول الشهادة هناک من غير مانع .

و مع تحقّق المقتضي وانتفاء المانع وجب القول بمقتضاه، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ المقتضي فيه غير موجود حتّى نحتاج إلى دفع المانع .

و بعبارة أخرى و هي : أنّ عدم شمول النصوص الناهية لقبول شهادة ذي التهمة لما نحن فيه مسلّم، لكن ذلک مع عدم مقتضى قبول الشهادة فيه غير نافع، بل قد عرفت أنّه فاسقٌ بمقتضى الاستصحاب .

خلافًا للمحكّي عن المبسوط و الجامع (1)، فجوّزا أن يقول القاضي للمشهور بالفسق : تب أقبل شهادتک .

ص: 344


1- . المبسوط : 8 / 179 ؛ الجامع للشرائع : 541 ؛ حكاه عنهما في كشف اللثام: 10 / 311 .

و ليس بمرضيّ، و قد عرفت التحقيق .

على أنّه يمكن أن يقال : إنّ عبارتهما ليست بصريحة في المخالفة، بل و في الظهور كلام، لاحتمال أن يكون مرادهما : تب بالتوبة الصحيحة، أي : لخوف الله -تعالى - حتّى أقبل شهادتک، لا أن يكون مرادهما : تب لأجل قبول الشهادة .

و على ما ذكرناه من التحقيق ظهر لک أنّه لو تاب الفاسق و اتّهم أنّ توبته لأجل أن تقبل شهادته، أو علم أنّ توبته لأجل ذلک، شهادته مردودة، لكن لو تاب بعد ذلک لخوف الله - تعالى - و أقام الشهادة المردودة بعدها، قال في القواعد : ففي القبول نظر (1) ؛ ينشأ من انتفاء المانع، و هو الفسق ؛ و من ثبوت التهمة أيضًا لحرص الناس على إثبات الصدق فيما عيّروا بالكذب فيه (2) .

و الأوّل محكيّ عن النهاية و الخلاف و السرائر (3) .

ويمكن أن يفصل بين ظهور الصلاح منه واستمراره عليه فالأوّل، وإلّا فالثاني .

و حكي عن جماعة (4) التفصيل في المسألة بين الفاسق المعلن بفسقه و المستتر به، فإن كان الأوّل تقبل شهادته، لأنّه لمّا كان معلنًا في فسقه لا يبال بإظهار كذبه والقول بخلافه لو كان كاذبًا و عدم الإظهار يظهر العدم ؛ و إن كان الثاني، فلا تقبل

ص: 345


1- . القواعد : 3 / 497 .
2- . كشف اللثام : 10 / 311 .
3- . انظر النهاية : 2 / 56 ؛ و الخلاف : 6 / 260 ؛ و السرائر : 2 / 123 ؛ حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 /311 .
4- . انظر غاية المرام : 4 / 282 ؛ و رياض المسائل : 13 / 307 .

شهادته المردودة، لحرص المستتر على إصلاح الظاهر و دخول الغضاضة عليه بظهور كذبه ؛ هذا .

المعتبر في ردّ الشهادة وجود المانع حال الأداء

و حيث قد انتهى الكلام إلى أنّ تحمّل الفاسق حال فسقه للشهادة لا يمنع قبولها إذا لم يكن الفسق حال أدائها، فينبغي تحقيق تلک المسألة .

فأقول : اعلم : أنّ المعتبر في ردّ الشهادة وجود المانع حال الأداء، فلو لم يكن المانع موجودًا حاله، فلا تردّ الشهادة و لو كان في حال التحمّل موجودًا .

فعلى هذا لو تحمّل الفاسق أو الصبّي أو الكافر الشهادة، و كذا العبد بالنسبة على مولاه، ثمّ زال المانع بأن تاب الفاسق و بلغ الصبيّ و أسلم الكافر واعتق العبد، يجوز قبول شهادتهم بالتحمّل السابق، لأنّ المعتبر في قبول الشهادة عدالة الشاهد حال الأداء، و هو متحقّق، إذ المفروض ذلک، فتقبل .

و بعبارة أخرى و هي : أنّ المقتضي لقبول الشهادة موجود، و المانع عنه مفقود، فتقبل ؛ أمّا وجود المقتضي فلتحقّق العدالة، فيدخل تحت ما دلّ على قبول شهادة العادل ؛ و أمّا انتفاء المانع فلأنّ المفروض عدمه سوى الفسق والصباوة والكفر والرقّ حال التحمّل، و هو لا يصلح للمانعيّة، فيجب القبول .

و للنصوص المستفيضة المعتبرة، منها : ما رواه السكونيّ عن جعفر، عن أبيه،

ص: 346

عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) : انّ شهادة الصبيان إذا شهدوا (1) و هم صغارٌ جازت إذا كبروا ما لم ينسوها (2) ؛ و كذلک اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم (3) ؛ والعبد إذا شهد شهادة (4) ثمّ أعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق (5) .

قال الشيخ : و قوله (عليه السلام) : « إذا لم يردّها الحاكم » محمولٌ على أنّه إذا لم يردّها بفسق، أو ما يقدح في العدالة (6) ، لا لأجل العبوديّة (7) .

و هذا الحديث يدلّ على المطلوب بتمامه، أمّا دلالته على قبول شهادة الصبيّ إذا بلغ بما شهده قبل البلوغ و كذا العبد، فواضحة ؛ و أمّا بالنسبة إلى قبول شهادة الكافر إذا أسلم بما شهده في حال كفره، فهو و إن لم يكن صريحًا بالنسبة إليه، إلّا أنّ قوله (عليه السلام) : « و كذا اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم » مطلقٌ يشمل ما لو كانت الشهادة بشهادةٍ حال الكفر، أم لا .

على أنّه ربّما يمكن أن يقال في قوله (عليه السلام) : « و كذا اليهود » إشعارٌ بأنّ مراده (عليه السلام) هو الصورة الأولى .

ص: 347


1- . في الكافي : إذا أشهدوهم .
2- . الكافي : 7 / 389 ح 5 ؛ الوسائل : 27 / 342 ح 33885 .
3- . الكافي : 7 / 398 ح 3 ؛ الوسائل : 27 / 349 ح 33906 .
4- . في الفقيه : « إذا أشهد على شهادة » ؛ و في التهذيب : « إذا شهد بشهادة » .
5- . الفقيه : 3 / 45 ح 3295 ؛ التهذيب : 6 / 250 ح 643 ؛ الوسائل : 27 / 349 ح 33906 .
6- . في المصدر : الشهادة .
7- . التهذيب : 6 / 251 ؛ الاستبصار : 3 / 18 .

و كيف كان يستفاد منه قبول شهادة الفاسق بما تحمّله حال الفسق إذا تاب وشهد، لأنّه لو جاز قبول شهادة الكافر بما تحمّله حال الكفر إذا أسلم ففي الفاسق بطريقٍ أولى.

و منها : الموثّق عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)- إلى أن قال : - وسألته عن الّذي يشهد على الشيء و هو صغيرٌ قد رآه في صغره، ثمّ قام به بعد ما كبر، قال : فقال : تجعل شهادته نحوًا (1) من شهادة هؤلاء (2) .

بيان

قوله : « تجعل شهادته نحوًا من شهادة هؤلاء » يعني : بهؤلاء البالغين، يعني : لا فرق بين هذه الشهادة و شهادة البالغين الّذين تحمّلوها حال البلوغ .

و منها : الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثمّ أسلم بعد، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم، هو على موضع شهادته (3) .

ص: 348


1- . في المصدر : خيرًا .
2- . التهذيب : 6 / 252 ح 650 ؛ الوسائل : 27 / 343 ح 33886 .
3- . التهذيب : 6 / 254 ح 659 ؛ الاستبصار : 3 / 18 ح 54 ؛ و في الكافي : 7 / 398 ح 4 ، والاستبصار : 3 /18 ح 53 ، هكذا : « عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السلام) قال : سألته عن الصبىّ والعبد والنصرانيّيشهدون بشهادة، فيسلم النصرانيّ، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم ». الوسائل : 27 / 388 ح 34023 .

و منها : ما رواه محمّد بن حُمْرَان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثمّ أسلم بعد، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم، هو على موضع شهادته (1) .

و سند الحديث إلى محمّد بن حُمْرَان صحيح ؛ و أمّا هو فممدوحٌ في الجملة، أي : قيل : له كتاب (2) .

و منها : ما رواه السكونيّ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : اليهوديّ و النصرانيّ إذا شهدوا ثمّ أسلموا جازت شهادتهم (3) .

و هذه النصوص تدلّ على أنّ الفاسق إذا تحمّل الشهادة حال فسقه ثمّ تاب قبل الأداء تقبل شهادته على ما قدّمناه .

و منها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أشهد أجيره

ص: 349


1- . الكافي : 7 / 398 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 656 ؛ الاستبصار : 3 / 18 ح 52 ؛ الوسائل : 27 / 387ح 34022 .
2- . محمّد بن حمران مشترکٌ بين جماعة، كأبي جعفر النهدي، و مولى بني فهر الكوفيّ، وابن أعين الشيبانيّ ؛قال النجاشي : محمّد بن حمران النهديّ، أبو جعفر، ثقة، كوفيّ الأصل، نزل جرجرايا، و روى عنأبي عبدالله عليه السلام، له كتاب ( رجال النجاشي : 359 الرقم 965 ). و في موضع من رجال الطوسيّ : محمّد بنحمران النهديّ، كوفيّ، أبو جعفر، بزّاز، من أصحاب الصادق عليه السلام ( رجال الطوسيّ : 281 الرقم 4059 ). وفيموضع آخر : محمّد بن حمران، مولى بني فهر، كوفيّ، و ليس بابن أعين ( رجال الطوسيّ : 313 الرقم 4649 )وفي موضع آخر قال : محمّد بن حمران بن أعين، مولى بني شيبان (رجال الطوسيّ : 313 الرقم 4651).وقال في الفهرست : محمّد بن حمران بن أعين، له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أبي المفضّل، عن ابن بطة، عنأحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير وابن أبي نجران جميعًا، عنه ( الفهرست : 226 الرقم 637 ) ؛وانظر أيضًا نقد الرجال، للتفرشي : 4 / 193 ؛ و جامع الرواة : 2 / 105 .
3- . الكافي : 7 / 398 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 658 ؛ الوسائل : 27 / 388 ح 34024 .

على شهادة ثمّ فارقه، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه ؟ قال : نعم، و كذلک العبد إذا أعتق جازت شهادته (1) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ثمّ يسلم الذمّيّ و يعتق العبد، أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه ؟ قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلک خيرٌ جازت شهادتهما (2) .

و أمّا ما رواه جميل في الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثمّ أسلم بعد، أتجوز شهادته ؟ قال : لا (3) ؛ فلا يصلح لمعارضة ما تقدّم من وجوهٍ عديدة، فلهذا حمله شيخ الطائفة تارةً على الشذوذ، وأخرى على التقيّة (4) .

و يمكن حمله أيضًا على ما إذا أسلم و لم تعلم عدالته .

بيان إشكال في المقام

و في المقام إشكالٌ، بيانه هو : أنّ قوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل

ص: 350


1- . الفقيه : 3 / 70 ح 3354 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 63 ؛ التهذيب : 6 / 257 ح 674 ؛ الوسائل : 27 / 371ح 33974 .
2- . الفقيه : 3 / 70 ح 3355 ؛ الوسائل : 27 / 387 ح 34020 .
3- . الاستبصار : 3 / 19 ح 56 ؛ الوسائل : 27 / 389 ح 34026 .
4- . الاستبصار : 3 / 19 ؛ التهذيب : 6 / 254 .

منكم ) (1) ، و قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شَهيدين من رِجالكم ) - إلى أن قال تعالى - : ( ممّن ترضون من الشهداء ) (2) ، ظاهرهما ينافي ما ذكر، لأنّه - تعالى - علّق الأمر بالإشهاد على العادل في الأوّل ؛ و بالاستشهاد عليه في الثاني بناءً على ما مرّ ؛ و الأمر حقيقةٌ في الوجوب، فتدلّان على وجوب إشهاد العادل، و هو ينافي جواز إشهاد غير العادل من الفاسق و الصبيّ و الكافر، لأنّ الأمر حقيقةٌ في الوجوب العينيّ، و حمله على التخييريّ مجاز .

الجواب عن الإشكال

و يمكن الجواب عنه من وجهين، الأوَّل : هو أنّا نقول بموجبهما، لكن نمنع تنافيهما لما مرّ ؛ و ذلک لأنّ المستفاد منهما وجوب إشهاد العادل و عدم جواز إشهاد غيره، و نحن نقول به، فلم نجوّز إشهاد غيره من الفاسق و الصبيّ وغيرهما.

لكن غاية ما لزم من ذلک عدم جواز إشهادهم، و هو لا يستلزم عدم جواز قبول شهادتهم مع زوال هذه الموانع عنهم، لجواز أن يطّلعوا بنفسهم على المشهود به عند تحقّق تلک الأوصاف و عند زوالها يقيموا الشهادة ؛ و حينئذٍ تقبل شهادتهم مع عدم إشهادنا لهم .

لكنّ الإنصاف أنّ هذا الجواب ليس بشيء، لأنّه لو جاز قبول شهادتهم فلِمَ

ص: 351


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .

لايجوز إشهادهم ؛ و الإشهاد ليس مطلوبًا بنفسه، بل إنّما هو لتحقّق الشهادة وجواز قبولها، و حيث جاز ذلک ينبغي أن يجوز الإشهاد أيضًا .

و أيضًا قد تقدّم في النصوص المتقدّمة ما يدلّ صريحًا على جواز الإشهاد في النصرانيّ، ففي الفاسق بطريق أولى .

فالحقّ في الجواب هو الوجه الثاني، و هو أن يقال : إنّ ظاهر الآيتين الشريفتين و إن كان ذلک، إلّا أنّه يجب الخروج عن الظاهر لدليل، و هو هنا النصوص المتقدّمة الدالّة على جواز شهادة هؤلاء المذكورين، بناءً على ما عرفت من أنّه لو جاز قبول شهادتهم ينبغي أن يجوز إشهادهم أيضًا .

على أنّک قد عرفت أنّ من جملة تلک النصوص ما يدلّ صريحًا على جواز الإشهاد ؛ و الظاهر يرفع اليد عند بالصريح .

فعلى هذا نقول : إنّ الأمر في الآيتين الشريفتين إمّا محمولٌ على الوجوب التخييريّ، أو مقيّدٌ فيما إذا أريد العمل بشهادته من غير تغيّر وصف ؛ و هذا أولى من الأوّل،لأولويّة التقييد من المجاز .

توضيحه هو : أنّ الآيتين الشريفتين قد دلّتا على عدم إشهاد غير العادل، سواء قصد بالإشهاد العمل في تلک الحالة، أو لا، بل قصد بالإشهاد تحمّله للشهادة، ثمّ العمل بعد تحقّق الشرائط ؛ و جملة من النصوص المتقدّمة دلّت على جواز الإشهاد و تحقّق ثمرته في الصورة الثانية، فيجب تقييد الآية في غيرها حملاً للمطلق على المقيّد.

ص: 352

و يمكن أن يجاب بوجهٍ ثالث أيضًا، و هو أن يقال : إنّ الأمر في الآيتين المذكورتين محمولٌ على الغالب، لأنّه لم يعهد إشهاد الصبيّ أو الكافر مثلاً، فلاتنافي بينهما و بين النصوص المتقدّمة حتّى نحتاج إلى دفعه، فارتفع الإشكال بعون الله المتعال .

السبب السادس
شهادة المتبرّع ليست بمقبولة

السبب السادس من أسباب التهمة : قيل : التبرّع في أداء الشهادة بأن أشهد قبل طلب الحاكم منه الشهادة، فلا تقبل شهادة المتبرّع .

و استدلّ لذلک بأنّه متّهم لإقدامه على الشهادة قبل الطلب، فيدخل تحت النصوص الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة (1) .

و يمكن المناقشة بعدم تسليم تحقّق التهمة في ذلک، لاحتمال أن يكون إقدامه على الشهادة قبل الطلب لأجل جهله بالمسألة و علمه بتحريم كتمانها و الترغيب في أدائها من غير قصدٍ إلى إثبات المشهود، بل ربّما يكون إلى عدم إثباته أميل، لفقر المشهود عليه و كونه من أقربائه و أصدقائه مع عدم كون المشهود له من ذلک .

و على تقدير التسليم نقول : لا شکّ أنّه من الأفراد النادرة، و قد عرفت أنّه ليس

ص: 353


1- . انظر المسالک : 14 / 215 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 399 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 757 ؛ و كشف اللثام :10/ 312 ؛ والرياض : 13 / 312 .

في شيء من النصوص الدالّة على عدم جواز قبول شهادة (1) ما يدلّ على ذلک بعنوان العموم، بل كلّها مطلقات، و انصرافها إلى الفرد النادر غير معلوم، فلا يجوز بذلک رفع اليد عن العمومات الدالّة على قبول شهادة العادل .

و استدلّ لذلک أيضًا بالنبويّ في معرض الذمّ : ثمّ يجيء قومٌ يعطون الشهادة قبل أن يسألوها (2).

و في لفظ آخر : ثمّ يفشوا الكذب حتّى يشهد الرجل قبل أن يستشهد (3) .

و فيه أيضًا نظر، لأنّا لو سلّمنا ظهور دلالته على المدّعى نقول : إنّه غير معلوم السند، لكنّ الردّ في المسألة ممّا لا خلاف فيه، كما يفهم من المسالک حيث قال :

اعلم : أنّ الحقوق على ضربين : ضربٌ يمنع المبادرة إلى الشهادة (4) من قبولها، و هو حقوق الآدميّين المحضة ؛ و ضربٌ مختلف فيه، و هو

ص: 354


1- . كذا في نسخة الأصل، والصواب : شهادة ذي التهمة، أو شهادة المتّهم .
2- . مسند أحمد : 4 / 426 ؛ سنن الترمذي : 3 / 339 ح 2320 ؛ و فيهما : « عن عمران بن حصين قال :سمعت رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - يقول : خير الناس قرني، ثمّ الّذي يلونهم ثمّ يأتي من بعدهم قوميتسمّنون و يحبّون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها ». و قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 13 :«وعن عليّ أنّ النبيّ - صلّى الله عليه و سلّم - قال : إنّ من شرار الناس من تدركهم الساعة و هم أحياءوالّذين يتّخذون القبور مساجد والّذين يشهدون بالشهادة قبل أن يسألوها ».
3- . سنن الترمذي : 4 / 549 ح 2303 ؛ و فيه : « و لا » بدل : « قبل أن ». عوالي اللّألئ : 1 / 123 ح 53 ؛وفيه : « ثمّ يفشوا الكذب حتّى يعجّل الرجل بالشهادة قبل أن يسأل عنها ». كنز العمّال : 11 / 527 ح32458؛ وفيه : « ثمّ يفشوا الكذب حتّى يشهد الرجل و ما يستشهد و يحلف و ما يستحلف ».
4- . في المصدر : الشهادة بها .

حقوق الله - تعالى - المحضة (1) .

و الكفاية حيث قال :

المعروف بين الأصحاب (2) أنّه تردّ شهادة المتبرّع بها قبل سؤال الحاكم؛

- إلى أن قال : - و لا أعرف خلافًا في الردّ المذكور في حقوق الناس المحضة (3) .

و في كشف اللثام :

أنّه ممّا قطع به الأصحاب (4) .

و حيث قد عرفت أنّ المستند في الحكم المذكور هو اتّفاق الأصحاب، فيجب انتفائه في موضع الخلاف ؛ و قد عرفت أنّ موضع الوفاق هو حقوق الآدميّين .

و أمّا حقوق الله - تعالى - ففي قبول شهادة المتبرّع فيها و عدمه قولان، أحدهما :العدم، و هو المحكيّ عن الشيخ في النهاية (5) .

و الثاني : القبول، و هو المحكيّ عنه في المبسوط و عن غيره (6) ؛ بل قيل : هو

ص: 355


1- . مسالک الأفهام : 14 / 214 .
2- . في المصدر : المعروف من مذهب الأصحاب .
3- .الكفاية : 2 / 757 .
4- . كشف اللثام : 10 / 312 .
5- . حكاه عنه في التنقيح : 4 / 304 ؛ و السرائر : 2 / 133 ؛ وانظر النهاية : 330 .
6- . حكاه عنه في التنقيح : 4 / 305 ؛ وانظر القواعد : 3 / 498 ؛ و الروضة البهيّة : 3 / 134 ؛ و كشف اللثام :10 / 313 ؛ والرياض : 13 / 313 .

المشهور (1) ، و هو الأولى، لما عرفت ممّا ذكرناه آنفًا من أنّا لو سلّمنا تحقّق التهمة فيما نحن فيه يكون من الفرد النادر، فلا يشمله النصوص الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة، لكونها مطلقات و انصرافها إلى الفرد النادر غير مسلّم .

و إنّما قلنا بعدم قبول شهادة المتبرّع في حقوق الآدميّين، لاتّفاق الأصحاب عليه، فصار اتّفاقهم قرينة على اشتراک الفرد النادر مع الشائع في عدم قبول الشهادة في حقوق الآدميّين خاصّة ؛ و لذلک خصّصنا عموم الأدلّة الدالّة على قبول شهادة العادل .

و أمّا فيما نحن فيه - أي في حقوق الله تعالى - فقد عرفت عدم الاتّفاق، بل الشهرة على القبول، فليس للعمومات الدالّة على قبول شهادة العادل مخصّصٌ بالنسبة إليه، فيجب العمل عليها .

ثمّ اعلم : أنّ عدم قبول شهادة المتبرّع في ما لا يقبل إنَّما هو بالنسبة إلى تلک الواقعة الّتي تبرّع فيها الشهادة ؛ و أمّا في غيرها ممّا لم يتبرّع فيه، فينبغي القطع بقبولها لوجود المقتضي و انتفاء المانع .

أمّا وجود المقتضي فظاهر، و أمّا انتفاء المانع فلأنّه ليس إلّا التبرّع بالشهادة في غير تلک الواقعة، و هو لا يصلح للمانعيّة، لعدم ثبوت كون التبرّع بها معصية حتّى يقدح في العدالة بالإصرار أو بغيره .

و ظاهر شيخنا الشهيد الثاني أنّه إجماعيّ بيننا، حيث قال :

ص: 356


1- . غاية المرام : 4 / 284 ؛ وانظر كفاية الأحكام : 2 / 757 .

فالتبرّع بالشهادة (1) ليس جرحًا (2) عندنا (3) .

و ربّما يكون المستفاد من النبويّة المذكورة كونه معصية، لكنّها لعدم معلوميّة سندها ليست بحجّة .

و هذا ينبغي أن لا إشكال فيه، و إنّما الإشكال في أنّه لو أعاد تلک الشهادة في مجلس آخر على وجهها، هل تقبل حينئذٍ بناءً على أنّها شهادة مع اجتماع الشروط المعتبرة، أو لا بناءً على بقاء التهمة في تلک الواقعة ؟

فيه خلافٌ، اختار الأوّل في المسالک و الكفاية (4) .

في العدد و الذكورة المعتبرين في الشهادة

19- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ مقتضى الأصل أن يكون الشاهد رجلين، لأنّ ثبوت شيء في ذمّة شخص بقولٍ آخر خلاف الأصل، و قد مرّ مرارًا أنّه يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كان الشاهد رجلين .

و يدلّ عليه قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (5) ، و قوله

ص: 357


1- . في المصدر هنا زيادة : في موضع المنع .
2- . في بعض نسخ المصدر : « حرجًا » ؛ و في بعضها : « حرصًا ».
3- . مسالک الأفهام : 14 / 215.
4- . كفاية الأحكام : 2 / 758 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 216 .
5- . البقرة : 282 .

- تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ؛ و الأمر حقيقة في الوجوب، وتعليقه عليهما في الآيتين يدلّ على عدم جواز الاكتفاء بواحدٍ من الرجال .

و يدلّ عليه أيضًا كثير من النصوص الواردة عن أهل الخصوص .

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة المذكورة عدم جواز القبول بقول رجل عدل مطلقًا، سواء كان في الهلال و غيره، خلافًا للمحكيّ عن ابن أبي عقيل (2) ، فجوّز الاقتصار بشهادة رجل واحد في ثبوت الهلال، لرواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : إذا رأيتم الهلال فافطروا، أو شهد عليه عدلٌ (3) من المسلمين (4) .

و الجواب أنّه بعد الإغماض عن سندها (5) نقول : إنّها مضطربة المتن، لأنّها

ص: 358


1- . الطلاق : 2 .
2- . هو رأي سلّار في المراسم : 233 ؛ حكاه عنه في إيضاح الفوائد : 1 / 251 و 4 / 431 ؛ و مدارک الأحكام :6 / 174 ؛ و كشف اللثام : 10 / 320 .
3- . في بعض النسخ : « عدول » ؛ و في بعضها : « واشهدوا عليه عدولاً ». قال صاحب الوسائل : العدل يطلقعلى الواحد والكثير كما نصّ عليه أهل اللغة، فيحمل على الاثنين فصاعدًا، ذكره بعض علمائنا، بناءً على سقوط لفظ : « بيّنة »، و مع وجوده أو وجود : « عدول » - كما في بعض النسخ - لا شبهة فيه ( الوسائل : 10 /288 ).
4- . الفقيه : 2 / 123 ح 1911 ؛ التهذيب : 4 / 158 ح 440 ؛ و 177 ح 491 ؛ الوسائل : 10 / 254 ح13348 ؛ و 264 ح 13379 و 278 ح 13410 ؛ و 288 ح 13435 .
5- . قال في المدارک : و أجاب عنها بالطعن في السند باشتراک محمّد بن قيس بين جماعة منهم الضعيف ؛ و هوغير جيّد، لأنّ الظاهر كون الراوي هنا البجليّ الكوفيّ الثقة صاحب كتاب القضايا المعروف، الّذي يرويه عنه عاصم بن حميد و يوسف بن عقيل، بقرينة كون الراوي عنه في هذه الرواية يوسف بن عقيل ( مدارکالأحكام : 6 / 174 ).

مرويّة في الاستبصار هكذا : إذا رأيتم الهلال فافطروا، أو تشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين (1) .

و على هذا لا دلالة لها لما ذكره، بل هي دالّة على خلافه، لأنّ البيّنة لا تطلق على رجل واحد (2) .

و على تقدير التسليم نقول : إنّها معارضةٌ بالنصوص المعتبرة الدالّة على عدم جواز الاقتصار على أقلّ من شهادة العدلين في خصوص الهلال، منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين (3) .

و منها : صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال و لا يقبل في الهلال (4) إلّا رجلان عدلان (5) .

و غيرهما، فإنّ النصوص في المقام كثيرة ؛ و الترجيح لها من وجوه عديدة ظاهرة .

ص: 359


1- . الاستبصار : 2 / 64 ح 207 ؛ و 73 ح 222 .
2- . انظر تذكرة الفقهاء : 6 / 129 .
3- . الكافي : 4 / 76 ح 2 ؛ الفقيه : 2 / 124 ح 1912 ؛ التهذيب : 4 / 180 ح 498 ؛ الوسائل : 10 / 288 ح13437 .
4- . في الاستبصار : و لا في الطلاق .
5- . التهذيب : 4 / 180 ح 498 ؛ الاستبصار : 3 / 30 ح 96 ؛ الوسائل : 27 / 355 ح 33925 .

شهادة النساء في الهلال غير مقبولة

20- مسألة

اشارة

شهادة النساء غير مقبولة في الهلال، للأصل والحصر المستفاد من جملة من النصوص الّتي تقدّم إليها الإشارة، حيث قال (عليه السلام) في بعضها : لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين (1) .

و لخصوص النصوص الّتي قد صُرّحت فيها بعدم جواز شهادتهنّ في الهلال، منها : ما تقدّم، و هو صحيحة حمّاد بن عثمان، و منها : صحيحته الأخرى عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، الحديث (2) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال (3) .

و منها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال (4) .

ص: 360


1- . الكافي : 4 / 76 ح 2 ؛ الفقيه : 2 / 124 ح 1912 ؛ التهذيب : 4 / 180 ح 498 ؛ الوسائل : 10 / 288 ح13437 .
2- . الكافي : 4 / 77 ح 4 .
3- . الكافي : 4 / 77 ح 3 ؛ و 7 / 391 ح 6 ؛ و عنه في الوسائل : 10 / 286 ح 13431 ؛ و 27 / 353 ح33916 .
4- . الكافي : 7 / 391 ح 8 ؛ الاستبصار : 3 / 23 ح 70 ؛ التهذيب : 6 / 264 ح 702 ؛ الوسائل : 27 / 353ح 33918 .

و لا يخفى أنّ هذه النصوص و غيرها دالّة على عدم جواز قبول شهادة النساء مطلقًا، سواء كانت منفردات أو مع الرجال .

خلافًا للمحكيّ عن ابن أبي عقيل، فقال :

شهادة النساء مع الرجال جائزة في كلّ شيء إذا كنّ ثقات (1) .

فيلزم منه قبول شهادة النساء مع الرجال في الهلال، و هو شاذّ محجوجٌ بما تقدّم، و بالإجماع المحكيّ عن الغنية (2).

شهادة النساء في الطلاق غير مقبولة

ثمّ اعلم : أنّه كما لا تقبل شهادة النساء مطلقًا في الهلال، كذا لا تقبل شهادتهنّ كذلک في الطلاق، للأصل و النصوص المستفيضة، منها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، قال : تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان عليّ (عليه السلام) يقول : لا أجيزها في الطلاق (3) .

و منها : ما رواه أبو بصير قال : سألته عن شهادة النساء، قال : تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال ينظرون إليه، و تجوز شهادة النساء في

ص: 361


1- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 455 .
2- . الغنية : 438 ؛ و حكاه عنه في الرياض : 13 / 320 .
3- . الكافي : 7 / 390 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 269 ح 723 ؛ الاستبصار : 3 / 29 ح 95 ؛ الوسائل : 27 / 351ح 33910 .

النكاح إذا كان معهنّ رجل، و لا تجوز في الطلاق (1) .

و منها : ما رواه محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : قلت له : تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو في رجم ؟ قال : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و ليس معهنّ رجل، و تجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل . إلى أن قال : و لا تجوز شهادتهنّ في الطلاق (2) .

و منها : ما رواه زرارة حيث قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح ؟ قال : نعم، و لا تجوز في الطلاق (3) .

و منها : ما رواه إبراهيم الخارقي (4) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و يشهدوا عليه، و تجوز شهادتهنّ في النكاح و لا تجوز في الطلاق (5) .

و هذه النصوص و ما هو مثلها كلّها دالّة على عدم جواز قبول شهادتهنّ في الطلاق مطلقًا، سواء كانت منفردات، أو مع الرجل، لا سيّما سوى الأخيرين، فإنّه

ص: 362


1- . الكافي : 7 / 391 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 264 ح 704 ؛ الاستبصار : 3 / 23 ح 72 ؛ الوسائل : 27 / 351ح 33912 .
2- . الكافي : 7 / 391 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 264 ح 705 ؛ الاستبصار : 3 / 23 ح 73 ؛ الوسائل : 27 / 352ح 33915 .
3- . الكافي : 7 / 391 ح 9 ؛ التهذيب : 6 / 265 ح 706 ؛ الاستبصار : 3 / 24 ح 74 ؛ الوسائل : 27 / 354ح 33919 .
4- . في الكافي : الحارثيّ ؛ و في الوسائل : الحارقي .
5- . الكافي : 7 / 392 ح 11 ؛ الاستبصار : 3 / 24 ح 75 ؛ التهذيب : 6 / 265 ح 707 ؛ الوسائل : 27 / 352ح 33913 .

كالصريح في الصورة الأخيرة .

خلافًا للمحكيّ عن ابن الجنيد و المبسوط (1) ، فقالا : بجواز قبول شهادتهنّ في الطلاق إذا كانت مع الرجل .

و هو محجوجٌ بالإجماع المنقول عن الغنية (2) صريحًا، و بما تقدّم من الأصل والنصوص المستفيضة .

و ليس لها معارضٌ سوى ما نقل عن المحكيّ عن المبسوط (3) أنّه استدلّ لما ذهب إليه بما روي من قبول شهادتهنّ في الطلاق مع الرجال .

و هو مع شذوذه و ضعفه - لعدم وضوح سنده - غير صالحٍ لمعارضة النصوص المتقدّمة، فليحمل على التقيّة، لأنّ مضمونه منقولٌ عن عمر بن الخطّاب (4) .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق بعض النصوص المتقدّمة و عموم ترک الاستفصال في الآخر عدمُ جواز قبول شهادة النساء و لو مع الرجل في جميع أنواع الطلاق الّتي منها الخلع و المبارات و الطلاق بعوض .

و عن المسالک و شرح الشرائع للصيمريّ (5) هو المشهور، بناءً على كون الخلع

ص: 363


1- . انظر المبسوط : 8 / 172 ؛ و نقله عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 455 .
2- . انظر الغنية : 438 .
3- . نقله عنه في الرياض و قال : و لم يحكه عن المبسوط إلّا في الكفاية ( رياض المسائل : 13 / 321 ؛ وانظرالمبسوط : 8 / 172 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 769 ).
4- . انظر مختلف الشيعة : 8 / 456 .
5- . المسالک : 14 / 251 ؛ غاية المرام : 4 / 294 .

والمبارات من أفراد الطلاق و في معناه، كما حكي ذلک عن المختلف (1) ؛ قيل (2) :

و ظاهره عدم القائل بالفرق بين الخلع و بين غيره من أنواع الطلاق، فكلّ مَن قال فيه بالمنع - كالمفيد، و الصدوقين، و الشيخ في النهاية والخلاف، و الديلميّ، و أبي الصلاح، وابن البرّاج، و ابن حمزة، والحلّيّ، و غيرهم (3) - قال به مطلقًا ؛ و مَن قال بالقبول - كالشيخ في المبسوط وابن الجنيد (4) - قال به كذلک (5) .

و في المسالک فصّل بين ما لو كان مدّعى الخلع المرأة فكالطلاق، و إلّا فتقبل، لتضمّنه دعوى المال ؛ قال :

و مع ذلک فالمشهور عدم ثبوته بذلک مطلقًا، من حيث تضمّنه البينونة، والحجّة لا تتبعّض . و قيل : يثبت من جهة تضمّنه المال، و هو مستلزم للبينونة، فثبت (6) أيضًا لذلک (7) .

و هذا الخلاف مبنىّ على قبول شهادتهنّ في كلّ ما يتضمّن مالاً أو يكون

ص: 364


1- . انظرالمختلف : 8 / 463 .
2- . قائله العلّامة السيّد علىّ الطباطبائيّ قدس سره .
3- . انظر المقنعة : 727 ؛ و المقنع : 403 ؛ والنهاية : 2 / 61 ؛ والخلاف : 6 / 252 ؛ والمراسم : 233 ؛ والكافيفي الفقه : 436 ؛ والمهذّب : 2 / 558 ؛ والوسيلة : 222 ؛ والسرائر : 2 / 115 .
4- . في المصدر :كالشيخ في المبسوط والإسكافيّ و العمانيّ . انظر المبسوط : 8 / 172 ؛ و نقله عن ابن الجنيدوالعماني في المختلف : 8 / 455 .
5- . رياض المسائل : 13 / 322 .
6- . في المصدر : فيثبت .
7- . مسالک الأفهام : 14 / 251 .

المقصود منه المال ؛ و هو موقوفٌ على ثبوت المستند بعنوان العموم و أنكره بعضهم ؛ و يجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى .

و يمكن أن يرجّح عدم القبول مطلقًا و لو على تقدير ثبوت المستند بعنوان العموم، للزوم تخصيص العامّ بعد وجود المخصّص، و هو هنا موجود، و هو ما مرّ من الإجماع المنقول عن الغنية (1) والمركّب الظاهر من المختلف (2) ، والنصوص الكثيرة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة النساء في الطلاق و قد تقدّم إليها الإشارة .

و محلّ النزاع و إن كان من الأفراد النادرة، إلّا أنّ من جملة تلک النصوص ما يدلّ على عدم جواز قبول شهادتهنّ بعنوان العموم من جهة ترک الاستفصال .

على أنّ المطلق ربّما يمكن التمسّک به في المقام لانجبار ضعف دلالته بالنسبة إلى ما نحن فيه لكونه من الأفراد النادرة بالشهرة المحكيّة، بل المحقّقة .

ص: 365


1- . الغنية : 439 .
2- . المختلف : 8 / 455 .

شهادة النساء في النكاح غير مقبولة

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ المستفاد من النصوص المذكورة بجميعها جواز قبول شهادتهنّ في النكاح إذا كنّ مع الرجال .

واختاره في التهذيب و الاستبصار و الشرائع و القواعد و الإرشاد (1) ؛ و هو المحكيّ عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و الصدوقين و ابن زهرة و الدروس (2) ؛

وعن الغنية عليه الإجماع (3) .

خلافًا للمحكيّ عن المفيد و الخلاف و سلّار و ابن حمزة (4) ، فاختاروا عدم القبول، لرواية السكوني عن مولانا الباقر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام) : أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا في حدود الله (5) ، إلّا في الديون وما لا يستطيع الرجال (6) النظر إليه (7) .

ص: 366


1- . انظر التهذيب : 6 / 280 ، ذيل الحديث 174 ؛ والاستبصار : 3 / 25 ، ذيل الحديث 11 ؛ و الشرائع : 4 /238 ؛ والقواعد : 3 / 499 ؛ والإرشاد : 2 / 159 .
2- . حكاه عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد في المختلف : 8 / 455 ؛ وانظر المقنع : 403 ؛ والغنية : 439 ؛والإيضاح : 4 / 432 ؛ والدروس : 2 / 137 ؛ والمسالک : 14 / 253 ؛ والرياض : 13 / 323 .
3- . الغنية : 439 .
4- . انظر الخلاف : 6 / 252 ؛ والمقنعة : 727 ؛ والمراسم : 233 ؛ والوسيلة : 222 ؛ والرياض : 13 / 324 .
5- . « الله » لم يرد في المصدر.
6- . في التهذيب : الرجل .
7- . التهذيب : 6 / 281 ح 773 ؛ الاستبصار : 3 / 25 ح 80 ؛ الوسائل : 27 / 362 ح 33950 .

و الجواب : أنّ التعارض بينها و بين ما تقدّم من النصوص من تعارض النصّين، فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع النصوص المتقدّمة من وجوهٍ كثيرة، منها : الكثرة، فإنّ تلک النصوص كثيرةٌ جدًّا .

و منها : انّ الرواية المذكورة ضعيفة، بخلاف النصوص المذكورة، فإنّ فيها صحيحًا أيضًا.

و منها : انّ الرواية المذكورة موافقة لمذهب العامّة، بخلاف تلک النصوص ؛ ولهذا حمل الرواية الشيخ على التقيّة، فقال : لأنّ ذلک مذهب أكثر العامّة (1) .

أقول : و يدلّ على ذلک - أي : على كون مذهب العامّة عدم قبول شهادة النساء في النكاح - موثّقة داود بن الحُصَين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال : لا بأس به . ثمّ قال لي : ما يقول في ذلک فقهاؤكم ؟ قلت : يقولون لا يجوز إلّا شهادة رجلين عدلين ؛ فقال : كذبوا - لعنهم الله - هوّنوا واستخفّوا بعزائم الله و فرائضه، و شدّدوا وعظّموا ما هوّن الله، إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، و أجازوا (2) الطلاق بلا شاهد واحد، الحديث (3) .

ص: 367


1- . لم نجده بهذه العبارة في التهذيب و الاستبصار ؛ انظر التهذيب : 6 / 281 ذيل الحديث 773 ؛ والاستبصار :3 / 25 ذيل الحديث 80 ؛ فإنّه قال في الأوّل : « و يحتمل أن يكون الخبر خرج مخرج التقيّة ». و قال فيالثاني : « فلا ينافي ما تقدّم من الأخبار، لأنّ الكلام على هذا الخبر مثل الكلام على الخبر الأوّل من حمله على التقيّة ».
2- . في المصدر : فأجازوا .
3- . التهذيب : 6 / 281 ح 774 ؛ الاستبصار : 3 / 26 ح 81 ؛ الوسائل : 27 / 360 ح 33943 .

مضافًا إلى أنّ راوي الرواية المذكورة السكونيّ، و هو من قضاة العامّة ؛ و هو مؤيِّدٌ آخرٌ لحمل الرواية على التقيّة .

و منها : أنّ النصوص المتقدّمة موافقةٌ لعمل الأكثر، بل الإجماع كما عرفت، بخلاف الرواية المذكورة، فإنّها مخالفة لهما ؛ و لا شکّ أنّ للموافق رجحانًا على المخالف .

نعم، حكي عن شرح الشرائع للصيمري : أنّه نسب القول الثاني فيه إلى المشهور (1) .

لكنّ الظاهر أنّ الأمر ليس كذلک .

و بالجملة : لا شکّ في ترجيح تلک النصوص على الرواية المزبورة، فيجب طرحها، أو حملها على التقيّة كما عرفت، أو على الكراهة كما حملها الشيخ عليها (2) .

أقول : هذا الحمل غير مناسب، لأنّ قوله (عليه السلام) : « و لا نكاح » بتقدير : أنّ شهادة النساء لا تجوز في نكاح، بقرينة المقابلة و العطف ؛ و « لا يجوز » نصٌّ في الحرمة، فلايقبل الحمل على الكراهة .

ثمّ أقول : إنّ في حملها على التقيّة أيضًا نظرًا، لأنّ أوّل الحديث ينافي ذلک، وهو قوله (عليه السلام) : « شهادة النساء لا تجوز في الطلاق »، لأنّ مذهب العامّة جواز

ص: 368


1- . حكاه عنه في الرياض : 13 / 324 ؛ وانظر غاية المرام : 4 / 295 .
2- . انظر الاستبصار : 3 / 25 ، ذيل الحديث 80 .

قبول شهادتهنّ في الطلاق، كما يظهر من الشيخ في التهذيب (1) ، بل قد دلّت الموثّقة المتقدّمة لداود بن الحصين على أنّهم جوّزوا الطلاق من غير شاهد (2) .

فالأولى أن يقال في الجواب عن الرواية المزبورة : بأنّ التعارض بينها و بين النصوص المتقدّمة من تعارض المطلق و المقيّد، لأنّ الرواية المذكورة قد دلّت على عدم جواز قبول شهادة النساء مطلقًا، سواء كنّ مع الرجال أم منفردات .

و النصوص المتقدّمة قد دلّت على جواز شهادتهنّ في الصورة الأولى و عدم جوازها في الصورة الثانية، فيجب حمل المطلق على المقيّد، فيكون مفاد الرواية على هذا : أنّه لا تجوز شهادة النساء منفردات في النكاح .

و يؤيّد ذلک قوله (عليه السلام) : « إلّا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه »، لما تقدّم من النصوص الدالّة على جواز قبول شهادتهنّ منفردات فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه ؛ و سيجيء ممّا يدلّ من بعض النصوص على جواز قبول شهادتهنّ كذلک في الديون .

لا يقال : إنّ هذا الحمل غير ممكن في الرواية المذكورة بقرينة قوله (عليه السلام) في أوّلها: « شهادة النساء لا تجوز في طلاق »، لأنّه لو حملت الرواية على صورة كون النساء منفردات لدلّت على جواز شهادة النساء في الطلاق فيما إذا كنّ مع الرجال، و قد تقدّم أنّه غير جائز .

ص: 369


1- . انظر التهذيب : 6 / 281 ذيل الحديث 773 .
2- . انظر التهذيب : 6 / 281 ح 774 .

لأنّا نقول : لا نسلّم دلالتها على ذلک على تقدير الحمل المذكور، لأنّ الرواية حينئذٍ دالّةٌ على عدم جواز شهادتهنّ في تلک الصورة، لا على جوازها في غيرها، لعدم ذكر القيد فيها حتّى يدلّ مفهومه على انتفاء الحكم عند انتفائه، بل قيّدت الرواية في تلک الصورة بقرينة النصوص المتقدّمة .

و على تقدير تسليم دلالتها على ذلک نقول : إنّ الإيراد المذكور إنّما يرد إذا كانت الرواية هكذا : لا تجوز شهادة النساء في طلاق و نكاح و هكذا ؛ لأنّ لفظ «لايجوز » حينئذٍ يكون واحدًا، و حمله على شيء بالنسبة إلى شيء ممّا تعلّق به يستلزم حمله عليه بالنسبة إلى شيء آخر من متعلّقاته .

و ليس الأمر في الرواية كذلک، لأنّها هكذا : « لا تجوز شهادة النساء في طلاق و لا نكاح »، و قد عرفت أنّه بتقدير : لا يجوز في نكاح، فصار لفظه متعدّدًا .

و حينئذٍ نقول : إنّا قيّدنا « لا يجوز » الثاني في صورة ما إذا كانت النساء منفردات، بقرينة ما تقدّم من النصوص الدالّة على جواز قبول شهادتهنّ إذا كانت مع الرجال، بخلاف « لا يجوز » الأوّل، فإنّه لمّا لم يثبت له مقيّدًا بقيناه على إطلاقه .

على أنّک قد عرفت الدليل لإبقائه على إطلاقه، و هو ما تقدّم من الدليل على عدم جواز قبول شهادتهنّ حتّى في الصورة الّتي كانت مع الرجال، فاندفع الإيراد المذكور.

لكن يمكن أن يعترض بأنّ مآل الرواية على هذا الحمل عدم جواز شهادتهنّ

ص: 370

منفردات في النكاح، و قد دلّت الموثّقة المتقدّمة - أي : موثّقة داود بن الحصين - صريحًا على جواز ذلک حيث سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال (عليه السلام) : لا بأس به، الحديث (1) .

و الجواب هو : أنّ الموثّقة المزبورة و إن دلّت على جواز شهادتهنّ بلا رجل معهنّ، لكنّ النصوص المتقدّمة قد دلّت على عدم ذلک، و أنّ جواز شهادتهنّ منحصرٌ فيما إذا كانت مع الرجال، فتعارضتا ؛ و الترجيح لتلک النصوص من وجوهٍ ظاهرة، فيجب العمل عليها .

ص: 371


1- . التهذيب : 6 / 281 ح 179 ؛ الاستبصار : 3 / 26 ح 13 ؛ الوسائل : 27 / 360 ح 33943 .

— – — –{ جاء في آخر نسخة الأصل بخطّ المؤلّف (قدس سره) ما يلي : }

في المواضع الّتي يقدّم فيها قول المدّعي على قول المنكر

منها : ما في باب المضاربة، قال في التذكرة :

لو ادّعى العامل التلف صدق مع اليمين (1) و عدم البيّنة (2) .

و منها : الوكيل و الأب و الجدّ و الحاكم و أمينه و كلّ أمين، قال في القواعد :

لو ادّعى الوكيل تلف المال، أو تلف الثمن الّذي قبضه، فكذّبه الموكّل، قدّم قول الوكيل مع يمينه، و كذا الأب و الجدّ و الحاكم و أمينه و كلّ من في يده أمانة ؛ و لا فرق بين السبب الظاهر و الخفيّ (3) .

و منها : صورة الاختلاف بين البائع و المشتري في قدر الثمن، كما إذا قال

ص: 372


1- . في المصدر : باليمين .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 245 .
3- . القواعد : 2 / 371 .

البائع : بعت الشيء المعهود بعشرة تمامين (1) ، و يقول المشتري : لا، بل بخمسة مع بقاء العين .

و لو انتقل من المشتري إلى غيره بعقدٍ لازم، فإنّه حينئذٍ يقدّم قول البائع مع يمينه ؛ و أمّا مع تلفها فيقدّم قول المشتري مع يمينه على المشهور بين الأصحاب (2) .

و منها : صورة اختلاف البائع و المشتري في تعجيل الثمن و تأجيله فيما إذا ادّعى البائع التعجيل و المشتري التأجيل، فإنّه يقدّم حينئذٍ قول البائع مع يمينه .

و كذا الحال عند اختلافهما في قدر الأجل، كما أنّ البائع يدّعي بعد شهر أو سنة، و المشتري يدّعي أنّه بعد شهرين مثلاً، فإنّ القول حينئذٍ قول البائع مع يمينه .

و منها : عند اختلاف الشفيع و المشتري في مقدار الثمن، كما أنّ المشتري يدّعي أنّه اشتراه بخمسين، والشفيع يقول بعشرين، فإنّه يقدّم قول المشتري مع يمينه على المشهور (3) .

و منها : فيما إذا ادّعى الشفيع جهله بحقّه مع إمكانه عادة، و أنكره المشتري، فإنّه يقبل قول مدّعي الجهل حينئذ .

و منها : عند اختلاف الشفيع و المشتري في الثمن الّذي وقع عليه العقد،فادّعى

ص: 373


1- . هكذا يقرأ ما في نسخة الأصل .
2- . انظر كفاية الأحكام : 1 / 491 .
3- . انظر المسالک : 12 / 370 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 550 .

الشفيع أنّه عشرون، وادّعى المشتري أنّه أربعون، فيقدّم قول المشتري مع يمينه على المشهور بين الأصحاب، بل قيل : لم ينقل فيه خلاف (1) .

و منها : ما ذكره في المبسوط في مباحث زكاة الغلاة، قال :

إذا كانت الغلة ممّا قد شربت سيحًا و غير سيح حكم فيها بحكم الأغلب، فإن كان الغالب سيحًا أخذ منها (2) العشر ؛ و إن كان الغالب غير السيح

أخذ منها نصف العشر، فإن تساويا أخذ نصفه بحساب العشر، و النصف الآخر بحساب نصف العشر ؛ والقول قول ربّ المال مع يمينه (3) .

و منها : ما إذا ادّعى المديون أنّه أدّى الوجه في الدين الّذي كان بإزائه رهن، وادّعى صاحب الحقّ أنّه أدّاه بإزاء الدين الّذي ليس في مقابله رهن، فإنّ القول حينئذٍ قول المديون مع يمينه .

و منها : ما إذا اختلف المالک و المستودع في ردّ الوديعة، فادّعى المستودع ردّها و أنكره المالک، فالقول قول المستودع .

و كذا الحال فيما إذا ادّعى ردّها على وكيل المالک، بخلاف ما لو ادّعى ردّها إلى وارث المالک .

ص: 374


1- . رياض المسائل : 12 / 339 .
2- . في المصدر : منه .
3- . المبسوط : 1 / 214 .

ص: 375

فهرس مصادر التحقيق

– 1- القرآن الكريم

« أ »

2- الاحتجاج على أهل اللجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (ق 6)، تحقيق السيّد محمّد باقر الخراسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1386.

3- أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص ( م 370 ه )، تحقيق عبدالسلام محمّد علي شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه .

4- إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزاليّ ( 505 ه )، دار الكتب العربيّ، بيروت .

5- الاختصاص، لأبي عبدالله محمّد بن النعمان العكبري الملقّب بالشيخ المفيد (413ه ) تحقيق علي أكبر الغفّاري، والسيّد محمود الزرندي، دار المفيد، بيروت، لبنان، 1414

ص: 376

6- إختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي )، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، قم، 1404 ه .

7- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ فارس الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1410 ه .

8- أسباب نزول الآيات، لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحديّ النيسابوريّ ( 468 ه )، مؤسّسة الحلبي، القاهرة، 1388 - 1968 م .

9- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق السيّد حسن الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة تهران، 1363 .

10- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ، لقطب الدين البيهقي الكيدري ( ق 6 )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، نشر مؤسّسة الإمام الصادق، قم، 1416 ه .

11- الأصول الستّة عشر، لعدّة من المحدّثين، دار الشبستري للمطبوعات، قم، 1405 ه.

12- أعلام الدين في صفات المؤمنين، للشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلميّ ( ق 8 )، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم .

13- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460ه )، منشورات مكتبة جامع چهلستون، تهران، 1400 ه .

14- الأمالي، لأبي عبدالله محمّد بن النعمان العكبري الملقّب بالشيخ المفيد ( 413 ه )،

ص: 377

تحقيق حسين الأستاد ولي - علي أكبر الغفّاري، دار المفيد، بيروت، 1414 ه .

15- الأمالي، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( م 460 ه )، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة، دار الثقافة، قم، 1414 ه .

16- الأمالي، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه )، مؤسّسة البعثة، قم، 1417 ه .

17- إملاء ما منّ به الرّحمن، لأبي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري ( 538 - 616 ه )، دارالكتب العلمية، بيروت، 1399 .

18- الانتصار ، لأبي القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى ( 355 - 436 ه )، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1415ه .

19- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عليّ بن سليمان المرداويّ ( 817 - 885 ه )، تحقيق محمّد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1406 - 1986 م .

20- أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) ، لناصر الدّين أبي الخير عبدالله بن عمر البيضاوي ( م 685 ه )، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع، بيروت، 1330 .

21- إيضاح الاشتباه، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1411 ه .

22- إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد ، لأبي طالب محمّد بن الحسن بن

ص: 378

يوسف المطهّر الحلّي ( 682 - 771 ه )، تحقيق الكرماني والاشتهاردي والبروجردي، المطبعة العلمية، قم، 1387 .

« ب »

23- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ( 1037 - 1110 ه )، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ه .

24- البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمّد بن بهادر الزركشي ( 794 ه )، تحقيق الدكتور محمّد محمّد تأمر، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1421 ه .

25- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود الكاشاني ( 587 ه)، المكتبة الحبيبيّة، باكستان، 1409 ه .

26- بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد ( 595 ه )، تحقيق خالد العطّار، دار الفكر، بيروت 1415 - 1995 م .

27- بصائر الدرجات، لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار ( 290 ه )، تحقيق ميرزا حسن كوچه باغي، منشورات الأعلمي، تهران، 1404 ه .

28- بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين، للإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين الموسويّ ( 1377 ه )، المطبوعة ضمن : « موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين »، تحقيق مركز العلوم والثقافة الإسلاميّة، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1431 ه

ص: 379

29- بيان المفاخر، للسيّد مصلح الدّين المهدوي ( 1416 ه )، مكتبة مسجد السيّد، اصفهان، 1368ش.

« ت »

30- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحبّ الدين أبي فيض السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( ت 1205 ه )، تحقيق على شيري، دار الفكر، بيروت، 1414 ه .

31- تاريخ مدينة دمشق، لأبي القاسم عليّ بن الحسن الشافعي، المعروف بابن عساكر (571ه )، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1415 ه .

32- تبصرة المتعلّمين في أحكام الدّين ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه ) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني و الشيخ هادي اليوسفي ، نشر الفقيه، تهران، 1368 .

33- التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق احمد حبيب قصير العاملي، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، 1409 ه .

34- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، قم، 1420ه.

35- التحرير الطاووسيّ، للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (قدس سرهما)صاحب المعالم (1011ه )، تحقيق فاضل الجواهري، مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، قم، 1411 ه

ص: 380

36- تحفة الأبرار، للحاج السيّد محمّد باقر حجّة الإسلام الشفتي (1180 -1260 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة مسجد السيّد باصفهان، مطبعة سيّد الشهداء، قم، 1409ه .

37- التحفة السنيّة في شرح نخبة المحسنيّة ، للسيّد عبدالله بن نعمة الله الجزائري (1091 ه )، من مخطوطات مكتبة آستان القدس الرضويّة، رقم 2269 .

38- تحف العقول فيما جاء من الحكم والمواعظ عن آل الرسول (صلي الله عليه واله)، لابن شعبة الحرّاني ( ق 4 )، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1404ه .

39- تذكرة الفقهاء ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726ه )، تحقيق و نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1414 ه .

40- تذكرة القبور، للشيخ عبد الكريم الجزي ( 1260 - 1339 ه )، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1371 ش .

41- تذكره مآثر الباقريّة، ميرزا محمّد على زوّاره اى ( 1195 - 1248 ه )، تحقيق دكتر حسين مسجدى، سازمان تفريحى فرهنگى شهردارى، اصفهان، 1385 ش .

42- التعليقات على شرح اللمعة الدمشقيّة، للفاضل جمال الدين بن حسين الخوانساري (1125ه )، منشورات المدرسة الرضويّة، قم .

43- تفسير جوامع الجامع، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1418 ه

ص: 381

44- تفسير علىّ بن إبراهيم ( تفسير القمّي ) ، لأبي الحسن علىّ بن إبراهيم القمّي (م217ه )، تحقيق السيّد طيب الموسويّ الجزائري، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 1404 ه .

45- تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (م320 ه )، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، المكتبة العلمية الإسلاميّة، تهران .

46- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، تحقيق و نشر مدرسة الإمام المهدي، قم، 1409 ه .

47- تكملة أمل الآمل، للسيّد حسن الصدر الكاظميني ( 1354 ه )، تحقيق حسين على محفوظ وعبدالكريم و عدنان الدبّاغ، دار المؤرخ العربي، بيروت، 1429 ه .

48- تلخيص الحبير في تخريج الرافعيّ الكبير، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ (852 ه )، دار الفكر .

49- تلخيص الخلاف، للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري البحراني (م 900 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي (قدس سره)، قم، 1408 ه .

50- تلخيص المرام في معرفة الأحكام ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة، قم، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، 1421 ه .

51- تنبيه الخواطر و نزهة النواظر ( المعروف بمجموعة ورّام )، لأبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكيّ الأشتريّ ( 605 ه )، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1368 ش .

52- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ، لجمال الدّين مقداد بن عبدالله السيوري الحلّي

ص: 382

(م 826 ه )، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، نشر مكتبة آية الله المرعشي (رحمه الله)، الطبعة الأولى، قم، 1404 ه .

53- تهذيب الأحكام ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1365ه .

« ث »

54- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، تحقيق السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، قم 1368 ش .

« ج »

55- جامع الأصول في أحاديث الرسول ، للمبارک بن محمّد بن الأثير الجزري ( 544 - 606 ه )، تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط، دار الفكر، بيروت، 1403 ه .

56- جامع البيان، لابن جرير الطبري ( 310 ه )، تحقيق الشيخ خليل الميس، دار الفكر، بيروت، 1415 ه .

57- جامع الرواة و إزاحة الاشتباهات عن الطرق و الأسناد ، لمحمّد بن عليّ الأردبيلي ( م 1101 ه )، من منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1403 ه .

ص: 383

58- الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي )، لأبي عبدالله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( م 671 ه ) ، مؤسسة التاريخ العربي ، دار إحياء التراث العربي،بيروت،1405 ه .

59- الجامع للشرائع، لنجيب الدّين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي ( 601 - 690ه )، لجنة التحقيق بإشراف الشيخ السبحاني، المطبعة العلمية، قم، 1405 ه .

60- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 911 ه )، دار الفكر، بيروت، 1401 ه .

61- جامع المقاصد في شرح القواعد، للمحقّق الثاني علىّ بن الحسين بن عبدالعالي الكركي ( 868 - 940 ه ) ، نشر و تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1408 ه .

62- الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104 ه )، مكتبة المفيد، قم، 1384 - 1964 م .

« ح »

63- الحاوي الكبير، لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي (346 - 450 ه

)، دارالفكر، بيروت، 1414 ه .

64- الحبل المتين في أحكام الدين، للشيخ بهاء الدّين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ( 953 - 1030 ه )، الطبعة الحجرية ، مكتبة بصيرتي ، قم،1398 .

ص: 384

65- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، للشيخ يوسف البحراني ( 1186 ه )، تحقيق محمّد تقي الإيرواني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1408 - 1409 ه .

66- حقائق الإيمان ( مع رسالتي الاقتصاد والعدالة )، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، تحقيق السيّد مهديّ الرجائيّ، مكتبة آية الله المرعشيّ، قم، 1409 ه .

67- الحلية اللامعة للبهجة المرضيّة، للعلّامة المحقّق الحاجّ السيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الموسويّ الجيلانيّ الشفتيّ ( 1180 - 1260 ه )، تحقيق مكتبة مسجد السيّد بأصفهان، شب افروز، الطبعة الأولى، تهران، 1393 ش .

68- حياة المحقّق الكركي و آثاره، تأليف الشيخ محمّد الحسّون، منشورات الاحتجاج، تهران، 1423 ه .

« خ »

69- الخصال ، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (م 381ه )، تحقيق علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1403 ه .

70- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ جواد القيومي، مؤسسة النشر الإسلامي، النجف الأشرف، 1381 .

ص: 385

71- الخلاف ( مسائل الخلاف ) ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق السيّد عليّ الخراساني والسيّد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي نجف، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417 ه .

« د »

72- دانشمندان و بزرگان اصفهان، للسيّد مصلح الدين المهدوي ( 1416 ه )، نشر گلدسته، اصفهان، 1384ش.

73- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين عبدالرحمن ابن أبي بكر السيوطيّ (911 ه )، دار المعرفة، بيروت .

74- الدروس الشرعيّة في الفقه الإماميّة ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( م 786 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1412 ه .

75- دعائم الإسلام و ذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله - عليه و عليهم أفضل السلام ، للقاضي نعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي ( م 363 ه )، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، مصر ، 1383 .

76- دلائل الإمامة، للشيخ أبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الصغير ( ق 5)، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، قم، 1413 ه .

ص: 386

« ذ »

77- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري (م 1090 ه )، الطبعة الحجرية، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم .

78- الذريعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389)، دار الاضواء، بيروت، 1403 ه .

79- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( م 786 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1419 ه .

« ر »

80- الرجال، لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( 274 ه )، دانشگاه تهران، 1342 .

81- رجال ابن داود ، لتقي الدّين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي ( 647 - بعد 707 )، نشر المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1392 .

82- رجال السيّد بحر العلوم ( الفوائد الرجاليّة )، للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم (1212ه )، تحقيق محمّد صادق بحرالعلوم، مكتبة الصدوق، طهران، 1363 .

83- رجال الطوسي ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق جواد القيّومي الإصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1415 ه .

84- رجال النجاشي ( فهرس أسماء مصنّفي الشيعة ) ، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الكوفي ( 372 - 450 ه )، تحقيق السيّد موسى الشبيري

ص: 387

الزنجاني، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1416 ه .

85- الرسائل الرجاليّة ، للسيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الشفتي المشهور بحجّة الإسلام (1180 - 1260 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة مسجد السيّد بإصفهان، 1417ه .

86- رسائل الشريف المرتضى ، لأبي القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بعلم الهدى ( 355 - 436 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر دار القرآن الكريم، مدرسة آية الله الگلپايگاني، 1405 ه .

87- رسائل الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين بن عليّ العاملي ( ت 965 ه )، تحقيق رضا المختاري، بوستان كتاب قم، 1422 ه .

88- رسائل المحقّق الكركيّ، للشيخ علىّ بن الحسين الكركيّ ( 940 ه )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1409 ه .

89- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، للسيّد محمّد باقر الموسوي الچهارسوقي، مؤسّسة اسماعيليان، قم، 1390 ه .

90- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، الطبعة الحجرية، مؤسّسة آل البيت :، قم، 1404 ه .

91- روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، للشيخ أبي الفتوح الرازيّ ( ق 6 )، تحقيق محمّد جعفر ياحقّي و محمّد مهدي ناصح، بنياد پژوهش هاى اسلامى آستان قدس رضوى، مشهد، 1371 ش .

ص: 388

92- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ العاملي (911 - 965 ه )، منشورات جامعة النجف الدينيّة، قم، 1410 ه .

93- الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة، للسيّد محمّد شفيع بن علي أكبر الجاپلقي البروجردي ( ت 1280 ه )، الطبع الحجري، تهران .

94- روضة الطالبين، لأبي زكريّا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ( 676 ه )، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود و الشيخ علي محمّد معوض، دار الكتب، بيروت .

95- روضة المتّقين في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه، للعلّامة محمّد تقي المجلسي الإصفهاني (ت 1070 ه )، تحقيق جمع من المحقّقين، نشر المؤسّسة الثقافيّة الإسلاميّة للكوشانبور، قم، 1406 ه .

96- رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ، للسيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي ( م 1231 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1412 ه .

97- ريحانة الأدب، لميرزا محمّد علي المدرّس، خيام، تهران، الطبعة الثانية .

« ز »

98- زبدة البيان في أحكام القرآن، للعالم الربّاني أحمد بن محمّد الأردبيلي المشهور بالمقدّس الأردبيلي ( م 993 ه )، تحقيق محمّد الباقر البهبودي، نشر مكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، تهران .

ص: 389

99- زبدة التفاسير، لملّا فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني ( 988 ه )، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1423 ه .

« س »

100- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي ( 543 - 598 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه .

101- سنن ابن ماجة ، لأبي عبدالله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني ( 207 - 275 ه )، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، دار الفكر، بيروت .

102- سنن أبي داود ، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ( 202 - 275 ه )، تحقيق سعيد محمّد اللحام، دار الفكر، بيروت، 1410 ه .

103- سنن الترمذي ، لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ( 209 - 279 ه)، تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف، دار الفكر، بيروت، 1403 ه .

104- سنن الدارقطني ، لأبي الحسن علىّ بن عمر بن أحمد الدارقطني ( 306 - 385 ه)، تحقيق مجدي بن منصور بن سيّد الشورى، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1417 ه .

105- سنن الدارمي ، لعبد الله بن بهرام الدارمي ( ت 255 ه )، نشر مطبعة الإعتدال ، دمشق، 1349 .

106- السنن الكبرى ( سنن البيهقي )، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384 - 458 ه )، نشر دار الفكر، بيروت .

ص: 390

107- سنن النسائي ، لأحمد بن شعيب النسائي ( 303 ه )، بشرح الحافظ جلال الدّين السيوطي و حاشية السندي، دار الفكر، بيروت، 1348 .

« ش »

108- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، للمحقّق الحلّي الشيخ أبي القاسم جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي ( 602 - 672 ه )، تحقيق و تعليق السيّد صادق الشيرازي، نشر إنتشارات الاستقلال، طهران، 1409 ه .

109- شرح أصول الكافي، للمولى محمّد صالح المازندرانيّ ( 1081 ه )، تحقيق الميرزا أبوالحسن الشعرانيّ، ضبط وتصحيح السيّد عليّ عاشور، دار احياء التراث العربيّ، بيروت، 1421 ه .

110- شرح صحيح مسلم، لأبي الحسن مسلم بن الحجّاج بن مسلم القشيري النووي (676ه )، دار الكتب العربي، بيروت، 1407 ه .

111- الشرح الصغير، للسيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي ( م 1231 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1409 ه .

112- شرح مئة كلمة لأميرالمؤمنين عليه السلام ،لابن ميثم البحرانيّ ( 679 ه )، تصحيح وتعليق مير جلال الدين الأرمويّ المحدّث، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم .«ص»

ص: 391

113- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيّة )، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393ه )، تحقيق أحمد بن عبدالغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1407 ه .

114- صحيح البخاري ، لأبي عبدالله بن إسماعيل البخاري ( 194 - 256 ه )، دار الفكر، بيروت، 1401 ه .

115- صحيح مسلم ، لأبيالحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( 206 - 261ه )، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، دار الفكر، بيروت، 1398 .

« ط »

116- طبقات أعلام الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه)، اسماعيليان، قم.

117- الطبقات الكبرى ، لمحمّد بن سعد كاتب الواقدي ( 168 - 230 ه )، نشر دار صادر، بيروت، 1405 ه .

118- طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال ، للسيّد علي أصغر بن محمّد شفيع الجابلقي البروجردي ( 1313 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1410 ه .

119- الطليعة من شعراء الشيعة، للشيخ محمّد السماوي ( 1292 - 1370 ه )، تحقيق كامل سلمان الجبوري، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1422 ه .« ع »

ص: 392

120- عدّة الأصول ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق محمّد رضا الأنصاري، قم، 1417 ه .

121- عدّة الداعي و نجاح الساعي، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841 ه )، تحقيق أحمد الموحديّ القمّيّ، مكتبة وجداني، قم .

122- علل الشرائع ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، نشر المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1386 .

123- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1404 ه .

124- عوالي اللّألئ الحديثيّة، لابن أبي جمهور الأحسائي ( 880 ه )، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، سيّد الشهداء، قم، 1403 ه .

« غ »

125- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( بعد 720 - 786 ه )، المطبوعة مع حاشيتا الإرشاد للشهيد الثاني، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم .

126- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ، للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري البحراني

ص: 393

(م 900 ه )، دار الهادي، بيروت، 1420 ه .

127- غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع ، لأبي المكارم السيّد حمزة بن علىّ بن زهرة الحسيني، المعروف بإبن زهرة ( 511 - 585 ه )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام بإشراف الشيخ جعفر السبحاني، قم، 1417 ه .

« ف »

128- فتاوي ابن الجنيد، محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي ( 381 ه )، إعداد آية الله الشيخ علي پناه الإشتهاردي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1416 ه .

129- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لشهاب الدّين ابن حجر العسقلاني ( 852 ه )، دار المعرفة، بيروت .

130- فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني ( 1250 ه )، عالم الكتب، بدون تاريخ .

131- فقه القرآن، لقطب الدين الراونديّ ( 573 ه )، تحقيق السيّد أحمد الحسينيّ، مكتبة آية الله المرعشيّ، قم، 1405 ه .

132- الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، مشهد، 1406 ه .

133- الفهرست ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، 1417 ه .

ص: 394

« ق »

134- القاموس المحيط ، لأبي طاهر مجد الدّين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ( 729 - 817 ه )، تحقيق و نشر دار العلم، بيروت، 1306 .

135- قرب الإسناد ، لأبي العبّاس عبدالله بن جعفر الحميري القمّي ( م بعد 304 ه )، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1413 ه .

136- قصص العلماء، لميرزا محمّد بن سليمان التنكابني ( م قبل 1320 ه )،انتشارات علميّه إسلاميّه، تهران .

137- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413 ه .

138- القواعد و الفوائد، للشهيد الأوّل محمّد بن مكّيّ العاملي ( 786 ه )، تحقيق الدكتور السيّد عبدالهادي الحكيم، مكتبة المفيد، الطبعة الأولى، قم، بدون تاريخ .

139- القوانين المحكمة في الأصول، لميرزا أبي القاسم بن محمّد حسن القمّي الجيلانيّ (1231 ه )، شرحه و علّق عليه رضا حسين صبح، إحياء الكتب الإسلاميّة، قم، 1430 ه .

« ک »

140- الكافي، لأبي جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ( م 329 ه )، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1388 .

ص: 395

141- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح الحلبي تقي الدّين بن نجم ( 374 - 447 ه )، تحقيق الشيخ رضا الأستادي، مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، إصفهان، 1403 ه .

142- الكامل في التاريخ، لأبي السعادات مجد الدّين المبارک بن محمّد بن محمّد المعروف بابن أثير الجزري ( 544 - 606 ه )، دار صادر، بيروت، 1386 .

143- كتاب الأم، للإمام الشافعيّ ( 150 - 204 ه )، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1403ه .

144- كتاب العين، لأبي عبدالرّحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 100 - 175 ه )، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي و ابراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، قم، 1409ه.

145- كتاب الغيبة، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1411 ه .

146- كتاب المسند، لأبي عبدالله محمّد بن إدريس الشافعي ( 204 ه )، تحقيق مطبعة بولاق الأميريّة، دار الكتب العلمية، بيروت .

147- كتاب من لا يحضره الفقيه ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه ) تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جامعة المدرّسين، قم، 1404 ه .

148- الكرام البررة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، دار المرتضى، مشهد، 1404 ه .

ص: 396

149- الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل ، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ( 467 - 538 ه )، دار الكتب العربي، بيروت،1366.

150- كشف الخفاء و مزيل الالباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للشيخ إسماعيل بن محمّد العجلوني الجراحي (1162ه ) دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408 ه.

151- كشف الرموز، لزين الدين أبي عليّ الحسن بن أبي طالب اليوسفي، المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي ( 690 ه )، تحقيق الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1408 ه .

152- كشف الريبة عن أحكام الغيبة، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي (911 - 965 ه )، انتشارات مرتضوي، تهران، 1376 ش .

153- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، للشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (م 1228 ه )، تحقيق مكتب الإعلام الإسلاميّ، نشر دفتر تبليغات اسلامى، قم، 1422 ه .

154- كشف اللّثام عن قواعد الأحكام ، للشيخ بهاء الدّين محمّد بن الحسن الإصفهاني المعروف بالفاضل الهندي ( 1062 - 1137 ه )، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1416 ه .

155- الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي )، لأحمد بن محمّد بن إبراهيم

ص: 397

النيسابوريّ ( 427 ه )، تحقيق أبي محمّد بن عاشور، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1422ه .

156- كفاية الأحكام، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري ( م 1090 ه )، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1423 ه .

157- كنز العرفان في فقه القرآن ، لجمال الدّين المقداد بن عبدالله السيوري، المعروف بالفاضل المقداد ( م 826 ه )، تحقيق السيّد محمّد القاضي، نشر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، قم، 1419 ه .

158- كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي ( ت 975 ه )، تحقيق الشيخ بكري حياني، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409 ه .

159- كنز الفوائد، لأبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي ( ت 449 ه )، الطبع الحجري، مكتبة المصطفوي، قم، 1369 ش .

160- الكنى والألقاب، للشيخ عبّاس القمّي ( 1359 ه )، مكتبة الصدر، تهران، 1409ه.

« ل »

161- لسان العرب ، لجمال الدّين محمّد بن مكرم بن منظور المصري ( 630 - 711 ه )، نشر أدب الحوزة، قم، 1405 ه .

162- اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي (م 786 ه )، تحقيق الشيخ عليّ الكوراني، دار الفكر، قم، 1411 ه.

ص: 398

« م »

163- ماضي النجف و حاضرها، للشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة ( 1377 ه )، تحقيق محمّد سعيد آل محبوبه، دار الاضواء، بيروت، 1430 ه .

164- المبسوط، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق محمّد تقي الكشفي، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران، 1387 .

165- المبسوط، لشمس الدين أبي بكر محمّد بن أبي سهل السرخسيّ ( 483 ه )، دار المعرفة، بيروت، 1406 - 1986 م .

166- مجمع البحرين و مطلع النيّرين ، للشيخ فخر الدّين محمّد الطريحي ( م 1085 ه )، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة، 1408 ه .

167- مجمع البيان في تفسير القرآن ، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548 ه )، تحقيق لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصائيين، نشرمؤسسة الأعلمي، بيروت، 1415 ه .

168- مجمع الزوائد و منبع الفوائد ، للحافظ نور الدّين عليّ بن أبي بكر الهيثمي (807ه )، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408 ه .

169- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ، للمحقّق الأردبيلي أحمد بن محمّد ( م 993 ه )، تحقيق إشتهاردي وعراقي ويزدي، نشر جامعة المدرّسين، 1403 ه .

170- المجموع ( شرح المهذّب )، لمحيى الدين بن شرف النووي ( ت 676 ه )، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ .

ص: 399

171- المحاسن، لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( 274 ه )، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1370ه .

172- المحصول، للعلّامة السيّد محسن بن حسن الأعرجيّ ( 1130 - 1227 ه )، تحقيق هادي الشيخ طه، دار المرتضى، النجف الأشرف، 1437 ه .

173- المحلّى، لعليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم ( 456 ه )، دار الفكر، بيروت .

174- المختصر النافع ، للمحقّق الحلّي نجم الدّين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 672 ه )، تحقيق بإشراف الشيخ القمي، نشر مؤسّسة البعثة، طهران، 1410ه طبع دار التقريب، قاهرة .

175- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، لجنة التحقيق، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1412ه .

176- مدارک الأحكام في شرح شرائع الإسلام ، للسيّد محمّد بن عليّ الموسويّ العامليّ (956 - 1009 ه ) تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1410 ه .

177- المدوّنة الكبرى، لمالک بن أنس الأصبحيّ ( 179 ه )، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1323 .

178- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 - 1110 ه )، تحقيق السيّد هاشم الرسوليّ، دار الكتب الإسلاميّة،

ص: 400

تهران، 1404 ه .

179- مرآة الكتب، ثقة الإسلام التبريزي الشهيد ( 1330 ه )، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1414 ه .

180- المراسم النبويّة والأحكام العلويّة، لسلّار بن عبدالعزيز الديلمي (463 ه )، تحقيق السيّد محسن الحسيني الأميني، نشر المعاونية الثقافية للمجمع العالمي، قم 1414ه .

181- مسائل علىّ بن جعفر، لأبي الحسن العريضي عليّ بن أبي عبدالله الإمام الصادق عليه السلام (م حوالي 202 ه )، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مشهد، 1409 ه .

182- مسالک الأفهام إلى آيات الأحكام، للفاضل الجواد الكاظميّ ( ق 11 )، تحقيق الشيخ محمّد باقر شريف زاده، المكتبة المرتضويّة، النجف الأشرف .

183- مسالک الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام ، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1413 ه .

184- مستدرک الصحيحين، للحاكم أبي عبدالله النيسابوري ( 405 ه )، تحقيق يوسف عبدالرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت .

185- مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل ، للحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ( 1254 - 1320 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم،1408ه .

186- مسند أحمد ، لأحمد بن محمّد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني ( 164 - 241 ه )، دار

ص: 401

صادر، بيروت، و بهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال .

187- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، للشيخ أبي الفضل عليّ الطبرسىّ ( ق 7 )، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، قم، 1418 ه .

188- المصنّف، للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعانيّ ( 126 - 211 ه )، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظميّ، منشورات المجلس العلميّ .

189- مطالع الأنوار، للحاجّ السيّد محمّد باقر الشفتي، المعروف بحجّة الإسلام على الإطلاق (1180 - 1260 ه )، طبع الأفست، مكتبة مسجد السيّد، نشاط، اصفهان 1366ش ، و1409ه .

190- معارج الأصول، للشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي ( 602 - 676 ه )، تحقيق محمّد حسين الرضوي، مؤسّسة آل البيت، قم، 1403 ه .

191- معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة و أسماء المصنّفين منهم قديمًا وحديثًا، لأبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ( م 588 ه )، نشر الفقاهة، قم، 1425 ه .

192- معاني الأخبار، للشيخ محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ( 381 ه )، تحقيق علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1379 - 1338 ش .

193- المعتبر في شرح المختصر ، للمحقّق الحلّي نجم الدّين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي ( 602 - 676 ه )، لجنة التحقيق بإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام ، قم، 1364 .

ص: 402

194- معجم المؤلّفين، عمر رضا كحالة ( 1408 ه )، دار احياء التراث، بيروت، بدون تاريخ .

195- المغني، لعبدالله بن أحمد بن محمّد بن قدامة ( 620 ه )، بعناية جماعة من العلماء، دار الكتب العربيّ، بيروت، بدون تاريخ .

196- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ محمّد الشربيني الخطيب (977 ه )، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1377 - 1958 م .

197- مفاتيح الأصول، للعلّامة السيّد محمّد بن عليّ الطباطبائيّ المعروف بالمجاهد (1242ه )، مؤسّسة آل البيت، الطبعة الأولى، قم، 1296 ه .

198- مفاتيح الشرائع ، للمولى محمّد محسن بن الشاه مرتضى المشهور بالفيض الكاشاني ( م 1091 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة مجمع الذخائر الإسلامية، قم، 1401 ه .

199- مفتاح الكرامة في شرح قواعد الأحكام، للسيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (م حوالي 1227 ه ) ، تحقيق الشيخ محمّد باقر الخالصي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم، 1419ه .

200- المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، المطبوعة مع حاشيتا الألفيّة، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قم، 1420 ه .

201- المقتصر من شرح المختصر، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي

ص: 403

(757 - 841 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1410ه .

202- المقنع ، لأبي جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم، 1415ه .

203- المقنعة ، لأبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه .

204- مكارم الآثار، محمّد عليّ المعلّم حبيب آبادي ( ت 1396 ه )، انجمن كتابخانه هاى عمومى اصفهان، 1377 - 1382 .

205- مكارم الأخلاق، للحافظ ابن أبي الدنيا ( 281 ه )، تحقيق مجدي السيّد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة .

206- مكارم الأخلاق، للشيخ رضي الدين الحسن بن الفضل الطبرسي ( 548 ه )، منشورات الشريف الرضيّ، قم، 1392 ق - 1972 م .

207- مناهج الأحكام، لميرزا أبي القاسم الجيلاني القمّي ( 1231 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1420 ه .

208- المناهل، للسيّد محمّد بن السيّد علي الطباطبائي، المعروف بالمجاهد ( م 1242 ه )، الطبعة الحجريّة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم .

209- منتهى المطلب في تحقيق المذهب، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه ) تحقيق ونشر قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1412ه .

ص: 404

210- المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف ( منتخب الخلاف )، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت 548 ه )، تحقيق جمع من الأساتذة، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1410 ه .

211- المهذّب ، للقاضي إبن البرّاج أبي القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز ( حوالي 400 - 481 ه )، تحقيق بإشراف الشيخ جعفر السبحاني، نشر جامعة المدرّسين، قم، 1406 ه .

212- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي ( 757 - 841 ه )، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، نشر جامعة المدرسين، قم، 1407 ه .

« ن »

213- نقباء البشر في القرن الرابع عشر، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، دار المرتضى، مشهد، 1404 ه .

214- نقد الرجال ، للسيّد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي ( ق 11 )، تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1418 ه .

215- نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار، للشيخ محمّد بن عليّ ابن محمّد الشوكاني (1255 ه )، دار الجيل، بيروت، 1973 م .

ص: 405

216- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسسة إسماعيليان، قم، 1410 ه .

217- النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدّين المبارک بن محمّد بن محمّد المعروف بابن أثير الجزري ( 544 - 606 ه )، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان، قم، 1364 ش .

218- النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، طبعة دار الأندلس، بيروت .

219- النهاية و نكتها، للشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه ) و المحقّق الحلّيّ ( 602 - 672ه )، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجامعة المدرّسين، قم، 1412 ه .

« و »

220- الوافي ، للمولى محمّد محسن بن الشاه مرتضى المشهور بالفيض الكاشاني (م 1091ه )، تحقيق ضياء الدين الحسيني الإصفهاني، اصفهان، 1406 ه .

221- الوافية في أصول الفقه، للمولى عبدالله بن محمّد البشروىّ الخراسانيّ (1071ه )، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضويّ الكشميريّ، مجمع الفكر الإسلامىّ، مؤسّسة اسماعيليان، قم، 1412 ه .

222- وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة )،للشيخ

ص: 406

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ( 1033 - 1104 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1414 ه .

223- الوسيلة إلى نيل الفضيلة ، لعماد الدّين أبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسيّ، المعروف بابن حمزة ( ق 6 )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، نشر مكتبة السيّد المرعشي، قم، 1408ه .

— — –فهرس المحتويات :

كتابُ الشهادات

حدّ الشهادة لغةً و شرعًا... 5

حدّ الشهادة ليس بجامع و لا مانع... 7

الفرق بين الشاهد و الشهيد... 8

1 - مسألة : يشترط البلوغ في سماع الشهادة... 9

المستند في المسألة... 15

قولان في المسألة... 25

2 - مسألة : يشترط العقل في سماع الشهادة... 28

ص: 407

3 - مسألة : يشترط الإيمان في سماع الشهادة... 30

تقبل شهادة الذمّيّ على المسلم في الوصيّة... 38

فروعٌ :

الفرع الأوّل... 41

الفرع الثاني... 41

الفرع الثالث : الإشهاد بالذمّيّ إنّما هو مع عدم التمكّن من المسلم مطلقًا و لو كان

فاسقًا... 42

الفرع الرابع : قبول شهادة الذمّيّ مختصّ في الوصيّة بالمال، لا بالولاية... 45

الفرع الخامس: هل يشترط في قبول شهادتهم على المسلم كونه في أرض غربة،

أو لا؟... 45

الفرع السادس : هل تقبل شهادة الذمّيّ على غير المؤمن، أم لا ؟... 51

الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على أهل ملّته... 52

المختار عند المصنّف... 53

قولٌ آخر في المسألة... 54

الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّته... 55

ص: 408

4 - مسألة : اعتبار العدالة في الشاهد... 59

ذكر الآيات الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد... 59

الجواب عمّا يدلّ عليه الآية من تحليف الشاهد... 60

الدليل من السنّة على اعتبار العدالة في الشاهد... 63

بيان العدالة... 64

القول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام... 70

الاستدلال بجملة من النصوص للقول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام... 72

الجواب عن النصوص... 74

يجب الفحص عن المجهول الحال... 82

في بيان ما يعرف به العدالة الّتي عبارة عن الملكة... 85

فروعٌ :

الفرعُ الأوّل : هل في الذنوب صغيرة أم لا ؟... 91

الذنوب على قسمين : كبيرة و صغيرة... 93

الحقّ في المسألة... 94

مستند القول بأنّ المعاصي كلّها كبيرة، مع الجواب عنه... 98

معنى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر... 100

ص: 409

الفرع الثاني : في بيان الكبائر من الذنوب... 103

ذكر اختلاف الأصحاب في بيان الكبائر... 103

ذكر اختلاف النصوص في بيان الكبائر... 108

الجواب عن اختلاف النصوص في بيان الكبائر... 121

الفرع الثالث : معنى إصرار الصغائر... 123

ذكر الأقوال في معنى الإصرار... 124

الفرع الرابع : في بيان الرحم و صلته و قطعه... 130

5 - مسألة : حكم شهادة القاذف... 132

حدّ توبة القاذف... 135

رأي المصنّف في المسألة... 142

ذكر إيرادٍ في المقام مع الجواب عنه... 142 و 143

6 - مسألة : اللّاعب بآلات القمار لا تقبل شهادته... 147

7 - مسألة : الكلام في الغناء و حكمه... 156

حقيقة الغناء و ماهيّته... 157

ص: 410

حكم الغناء... 159

النصوص الدالّة على تحريم الغناء مطلقًا... 160

النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن... 169

الجواب عن النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن... 173

ذكر مواضع الخلاف في جواز التغنّي أو عدمه :

الموضع الأوّل : في تغنّي المرأة في العرائس... 179

الموضع الثاني : في الحُدَاء... 181

الموضع الثالث : مراثي الحسين عليه السلام ... 183

الغناء من الكبائر... 184

استماع الغناء من الكبائر أم لا ؟... 186

8 - مسألة : الاشتغال بآلات اللهو حرامٌ... 187

الدفّ في العرائس جائز أم لا ؟... 190

9 - مسألة : لبس الحرير من الكبائر أم لا ؟... 194

ص: 411

10 - مسألة : لبس الذهب و التختّم به حرامٌ على الرجال... 198

11 - مسألة : من الأمور المحرّمة : الحسد... 200

الحسد من الكبائر أم لا ؟... 202

في تحريم بُغض المؤمن... 202

أذيّة المؤمنين و تحقيرهم من الكبائر... 208

إخافة المؤمنين من الكبائر... 209

من الأمور المحرّمة : النميمة... 210

من الأمور المحرّمة : إطاعة المخلوق في معصية الخالق... 212

من الأمور المحرّمة : مجالسة أهل المعاصي... 212

من الأمور المحرّمة : الغيبة... 216

الاستدلال بالكتاب و السنّة و الإجماع على حرمة الغيبة... 217

تفسير الغيبة و حدّها... 221

المواضع الّتي استثنيت الغيبة فيها :

الموضع الأوّل : إذا كان شخص معروفًا بوصف الغيبة... 225

الموضع الثاني : أن يكون المغتاب متظاهرًا بالفسق... 227

ص: 412

الموضع الثالث : غيبة المبتدعين في الدين... 231

الموضع الرابع : بيان خطأ المجتهد... 233

الموضع الخامس : في مقام النهي عن المنكر... 234

الموضع السادس : نصح المستشير... 238

الموضع السابع : في مقام الاستفتاء... 239

الموضع الثامن : تظلّم المظلوم عند مَن يرجو إزالة ظلمه... 240

الموضع التاسع : جرح الرواة... 241

الموضع العاشر : ما لو اطّلع جمعٌ على معصيةٍ توجب الحدّ... 241

استماع الغيبة كالغيبة في الحرمة... 242

بيان كفّارة الغيبة و توبتها... 244

12 - مسألة : الكلام في قاطع الرحم... 247

13 - مسألة : الكلام في تحريم الفخر و الكبر... 251

14 - مسألة : ترک المندوبات لا ينقدح في العدالة... 253

ص: 413

15 - مسألة : الاشتغال بالصنائع المباحة والمكروهة والدنيّة غير قادح في العدالة...253

16 - مسألة : حكم الحَمَام... 255

الكلام في الحَمَام يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في اتّخاذ الحمام لنحو الاُنس والفرخ وإرسال الكتب... 255

المقام الثاني : في اقتنائها واتّخاذها للّعب بها من غير رهان... 256

المقام الثالث : في اتّخاذها للّعب بها مع الرهان... 259

17 - مسألة : ولد الزنا شهادته غير مقبولة... 263

الجواب عن الاعتراض الّذي أورده العلّامة والشهيد الثاني على السيّد المرتضى... 267

18 - مسألة : ارتفاع التهمة شرطٌ في قبول الشهادة... 276

المواضع الّتي حكم فيها بقبول شهادة المتّهم... 278

شهادة ذي الأقارب بعضهم لبعضهم مقبولة... 278

تجوز شهادة الرجل لامرأته... 281

شهادة الزوجة منفردة مقبولة في الوصيّة... 285

شهادة الضيف للمضيف... 287

ص: 414

شهادة الأجير... 287

شهادة الصديق لصديقه مقبولة... 295

شهادة العبد لمولاه مقبولة... 298

ذكر الخلاف في حكم شهادة العبد لمولاه... 299

رأي المصنّف في المسألة... 300

أسباب التهمة المانعة من قبول الشهادة :

السبب الأوّل : شهادة الشريک فيما هو شريک فيه غير مقبولة... 322

شهادة الوصيّ فيما وصّى فيه غير مقبولة... 325

السبب الثاني : العداوة... 328

الوجه الأوّل : في تفسير العداوة... 328

الوجه الثاني : عدم قبول شهادة العدوّ على عدوّه... 329

الوجه الثالث : شهادة العدوّ لعدوّه و لغيره و عليه مقبولة إذا كانت العداوة بحيث لا تتضمّن فسقًا... 331

السبب الثالث : شهادة الولد على الوالد... 332

الكلام في شهادة الولد على الوالد... 338

السبب الرابع : كون الشاهد كثير الغفلة... 339

ص: 415

السبب الخامس : دفع عار الكذب... 341

المعتبر في ردّ الشهادة وجود المانع حال الأداء... 345

بيان إشكال في المقام... 349

الجواب عن الإشكال... 350

السبب السادس : شهادة المتبرّع... 352

19 - مسألة : في العدد و الذكورة المعتبرين في الشهادة... 356

20 - مسألة : شهادة النساء في الهلال غير مقبولة... 359

شهادة النساء في الطلاق غير مقبولة... 360

شهادة النساء في النكاح غير مقبولة... 365

في المواضع الّتي يقدّم فيها قول المدّعي على قول المنكر... 371

فهرس مصادر التحقيق... 375

فهرس المحتويات... 407

—

ص: 416

– — –

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.