سرشناسه:بهاری همدانی، محمدباقربن محمدجعفر، م 1332 - 1277
عنوان و نام پديدآور:کتاب النور فی الامام المستور عجل الله تعالی له الفرج/ محمدباقر البهاری؛ تحقیق دار التحقیق للروضه المقدسه بقم
مشخصات نشر:قم: زائر، 1382.
مشخصات ظاهری:ص 734
شابک:964-6461-46-535000ریال ؛ 964-6461-46-535000ریال
وضعیت فهرست نویسی:فهرستنویسی قبلی
يادداشت:عربی.
یادداشت:کتابنامه: ص. [704] - 719؛ همچنین به صورت زیرنویس
موضوع:مهدویت - انتظار
موضوع:محمدبن حسن(عج)، امام دوازدهم، 255ق. - -- غیبت
شناسه افزوده:آستانه مقدس قم. انتشارات زائر
رده بندی کنگره:BP224/4/ب 93ک 2
رده بندی دیویی:297/462
شماره کتابشناسی ملی:م 82-15788
ص :1
کتاب النور فی الامام المستور عجل الله تعالی له الفرج
محمدباقر البهاری
ص :2
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على نبيّنا محمّد و على آله الطاهرين.
اللهمّ صلّ على المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا.
و عجّل فرجه
ص:3
مقدمة التحقيق 5
الفصل الأول:7
الفصل الثاني:25
الخاتمة:29
تقريظ آية اللّه السيد حسن الصدر 41
متن الكتاب 43
مقدّمة الكتاب 47
الباب الأوّل 49
الباب الثاني 97
الباب الثالث 139
الباب الرابع 171
الباب الخامس 205
الباب السادس 277
الباب السابع 357
الباب الثامن 373
الباب التاسع 461
الخاتمة 535
مستدرك كتاب النور 539
الفهارس الفنية 581
ص:4
و فيها فصلان و خاتمة
ص:5
ص:6
هو الشيخ محمّد باقر بن جعفر بن محمّد المدعوّ ب «كافي» بن محمّد يوسف البهاري الهمداني المعروف ب «محمد باقر البهاري» . و البهاري منسوب إلى قرية بهار من قرى مدينة همدان، و الظاهر أنّه ولد في اليوم الأخير من ذى الحجّة سنة 1277 ق (1). و عن ابنه الشيخ محمّد حسين أنّ والده البهاري ولد سنة 1275 ق (2).
و قد ادعى بعض آخر انّه ولد سنة 1265 ق (3). و المعروف هو القول الأوّل و لعلّ منشأ هذا الاختلاف الخلط بين المترجم له-أي الشيخ محمّد باقر البهاري-و معاصره من الشيخيّة الشيخ ميرزا باقر بن محمّد جعفر الجندقي الهمداني الشيخي و من العجيب اتحادهما في الاسم و اللقب و كذا في اسم أبيهما و زمن حياتهما و حتّى في عنوان بعض تأليفاتهما، فإنّ لكلّ منهما كتابا يسمّى ب «الدرّة النجفيّة» أو الدرّة الغرويّة، و من هنا وقع الاشتباه بينهما في بعض كتب التراجم (4)، و نظيره
ص:7
ما وقع في بداية القرن الرابع في مدينة آمل حيث كان هناك اثنان بل ثلاثة من العلماء باسم محمّد بن جرير بن رستم الطبري فانّ واحدا منهم من علماء السنة و هو صاحب التاريخ، و الآخرين من علماء الشيعة أي صاحب «دلائل الإمامة» و صاحب «المسترشد» (1).
و توفّي البهاري رحمه اللّه في شهر شعبان المعظم سنة 1333 ق (2)بهمدان و دفن بها عند قبر المولى عبد اللّه الهمداني و هو من المقابر المعروفة و يزار بها.
كان البهاري من اسرة العلم و الدين فإنّ جدّه من الفقهاء العظام (3)، كما أنّ أخاه الشيخ محمد رضا البهاري أيضا من فحول العلماء بالنجف الأشرف (4). قرأ المؤلّف في قريته عند والده ثمّ انتقل إلى همدان، مدرسة الآخوند ملا حسين الهمداني و تتلمذ عند الشيخ محمّد إسماعيل الهمداني، ثمّ أكمل تعلّمه في مدينة بروجرد عند الميرزا محمود الطباطبايى صاحب «المواهب في شرح منظومة بحر العلوم» حتّى أتمّ السطوح العالية و هو ابن عشرين سنة (5). و بعده هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1297 ق. و استقى العلم من مصدره و أقام بها عشرين سنة و تتلمذ عند فحول العلماء و الفقهاء العظام بها مثل الملا محمّد كاظم الخراساني و الملا حسينقلى الهمداني. ثمّ رجع إلى همدان سنة 1317 ق (6). حينما صار فقيها مجتهدا عارفا، فانّه تتلمذ على العارف الشهير الملا حسينقلى الهمداني حتّى برع في الأخلاق و العرفان و صار من الأولياء.
ص:8
و لا يخفى أنّ المؤلّف-و هو الشيخ محمد باقر البهاري المتوفى 1333 ق. -هو غير العارف الشهير الشيخ محمد البهاري المتوفّى 1325 ق. و كان كلّ منهما تلميذا للمولى حسينقلي الهمداني و إن كان الثاني أعرف و أشهر.
اصطاد المحقّق البهاري المعارف الإلهيّة في مختلف الفنون من فحول أساطين الفقه و العرفان و الأخلاق «ففي ايران، قرأ على عدّة مشايخ، منهم والده الشيخ محمد جعفر و الآقا محمد إسماعيل الهمداني و الميرزا محمود الطباطبائي» (1)و في النجف الأشرف «فقد أخذ السلوك و الأخلاق عن العلامة الشهير المولى حسين قلي الهمداني» (2)حتى صار من خواص تلامذته و أصحابه، ثم رجع البهاري إلى همدان بعد وفاة الأستاذ (3)و «كان يحضر على مشايخه الشيخ محمد حسين الكاظمي و الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي و ملا محمد الإيرواني و ملا محمد الشرابياني و الميرزا حسين ابن الميرزا خليل الرازي النجفي» (4)«و الشيخ حسن المامقاني و ملا كاظم الخراساني و ملا حسينقلي الهمداني و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ ميرزا حبيب اللّه الرشتي و ملا لطف اللّه المازندراني و غيرهم و يروي عنهم بالإجازة بتاريخ سنة 1308 و يروى عن الميرزا حسين النوري بتاريخ 27 ربيع الثاني سنة 1302» (5).
ص:9
من الجدير بالذكر إحيائه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (1)تبعا لمولاه سيد الشهداء عليه السّلام و كونه محدّثا متبحرا لروايات أهل البيت بإجازة من مشايخه المحدّثين (2)و من العجائب ما حصل له من التوفيق فى الجهات المختلفة بعد رجوعه إلى همدان من الخدمات الدينية و الاجتماعية و السياسية و إليك الإشارة إلى بعضها:
قسم منها يتعلق بتأليفاته و سيأتى ذكرها و قسم منها مربوط بإجراء الأحكام و الحدود الإلهية.
فنقول: بعد رجوعه إلى همدان توجّه أهلها إليه و كانوا يدعوه لإقامة الجماعة بمسجد الجامع بعد وفاة إمام جماعته العالم المجتهد الميرزا سيد عبد المجيد الكروسى المتوفى 1318، فكان أقام الجماعة و تولّى موقوفاته و المناصب الدينية (3)و بعد قبول الإمامة أخذ بعمران المسجد و تجديد بنائه بإعانة المؤمنين و أحدث عليه قبة مع منارتين و صنع في حياطه حوضا، و هذه الباقيات الصالحات موجود إلى اليوم و المؤمنون كانوا يستفيدون منه، و قد نقل أنه بعد تولية المسجد
ص:10
أحيى بعض موقوفاته كماء القناة فأعادها بعد ما تصّرفه بعض عدوانا (1).
و من مآثره الجميلة اهتمامه الكبير بإحياء الحدود الإلهية و إجرائها في المجتمع و قد نقل: أنه حكم بقتل رجل فاجر فاسق فى محل يسمى مقبرة الميرزا تقي و تولى بنفسه لاجراء هذا الحكم و اجتمع الناس منذ يومه لمشاهدة إجراء الحدّ و لكن لم يكن فيهم أحد أقدم على ذلك حتى أصدقائه و أصحابه للخوف و الاضطراب فأقدم بنفسه و انتزع ردائه رافعا لكمّيه و ضرب مرّة فانقطع الرأس (2).
و كان غير غافل عن أعمال السلطان و ولاة الجور، فكان يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يتذكرهم الآخرة (3).
و من جملة أفعاله التي كانت منشأ للبركات هى إعانته المظلومين الحافين و حمايتهم وافرا و المجاهدة على الظالمين المستبدين في عصره.
قد حكي: أنّ بعض حكّام الهمدان كان يظلم و يجور على الناس بحيث كان الناس غير قادرين على تحمل مظالمه، فالتجأوا بارسال التلغراف إلى طهران عاصمة الحكومة و مع ذلك لم يهتم به أحد و لم يؤثر ذلك، ثم اجتمعوا و تحصّنوا عند الاستخبارات و مضى مدة و لم يحصلوا على مأمولهم لمساعدة اركان الحكومة للحاكم و كونه من أياديهم و هدّدهم بان يتفرّقوا منه و إلاّ فالجنود يجبرونهم على ذلك و لو برميهم بالبنادق و قتلهم، و حيث بلغ ذلك إلى الشيخ محمد باقر البهاري كتب تلغرافا بامضائه و أرسله إلى عاصمة الحكومة، و جاء في نهايته كلام يشبه ان يكون شعارا او رجزا للمتحصنين:
ص:11
إجماع أمت در عزل حاكم يا قتل أمت يا عزل حاكم
كان فيه إيماء على استقامة الناس في قيامهم إلى حد الشهادة، و عند وصول التلغراف إلى العاصمة أقدم الحكومة سريعا على عزل الحاكم الجور (1).
و من بعض خدماته حمايته لمن كان ساعيا حاميا للمستضعفين في المجامع السياسي كالشيخ تقي وكيل الرعايا، و هو من الرجال الشهير و المجاهد الكبير بهمدان، و إنّما سمي بذلك لإظهار الصداقة و الاستقامة في حرية الوطن و حسن النية و اعتماد الناس به، و هو من أعاظم رجال نهضة المشروطة بهمدان و قد كان مؤثرا فيها و مجاهدا على الإقطاعية و لذلك اختاره الطبقات و الطوائف المختلفة لو كالة «مجلس فوائد عامة» للاعتماد به، و من هنا وصفوه بوكيل الرعايا، ثم لاجتهاده المستمر لأخذ حقوق الناس من خوانين همدان صار وكيلا لهم في مجلس الشورى الوطني في المرحلة الأولى و من طهران في الثانية. (2)
و أمّا مبارزاته مع الاستبداد الصغير و مخالفته مع الشاه محمد على من سلاطين القاجار و ولاته مثل أخ الشاه سالار الدولة فكثيرة نشير إلى بعض مجهوداته، و منه ان الشيخ البهارى قد أسس حزبا بهمدان للكفاح مع عمّال السلطان و الذبّ عن أموال الناس و أعراضهم حتى ارتفع صيت المخالفة مع السالار فى جميع اصقاع همدان خصوصا عند تسلطه على كردستان (3)حتى قصد قتل البهارى مرارا من قبل الحكومة و عوامله و لكن أعوانه و أنصاره دفعوا عنه ذلك، و عند نفى آية اللّه البهبهاني إلى العتبات العاليات أراد البهاري مع حزبه التهاجم إلى جنود الحكومة و لكن البهبهاني نهاه و انصرفه عن ذلك (4).
ص:12
و من جملة الموارد المغفول عنها في كتب التراجم و التاريخ اهتمامه الكثير بالمسائل السياسية، إذ فضلا عن أنّه من رجال المشروطة بهمدان هو أحد رجال السياسى بايران في عصره-و مع ذلك لم يسمّ عنه فيها-و هو من العلماء المفكرين و من رجال المشروطة في ناحية همدان حتى قيل إنّ عمدة شهرته كانت من جهة دوره في نهضة المشروطة و كونه من دعاتها، و له مبارزات سياسية مستمرة فيها، فجعلها من العلماء الثوري و كانت أرائه في المشروطة موردا للتوجه و صنّف لذلك كتابا كما سيأتى (1).
و أمّا دوره في المشروطة بهمدان فكان بيته بهمدان مركز الاجتماعات مأمنا للمبارزين و كان له حظّ عظيم فى قيام المشروطة في ناحية همدان (2). و في سنة 1325 ق كان من أعضاء انجمن ولايتي همدان ثم صار رئيسها (3).
و أمّا صيرورته من رجال سياسي ايران فلأنّه جعل سنة 1328 ق في مجلس الشورى الوطني من أحد مجتهدي الخمسة من علماء ايران في هيئة الخمسة العلمية و لكن لم يقبل البهاري ذلك و امتنع عن عضويته (4)، و في أوائل سنة 1329 ق عند تشكيل هيئة الاتحادية مع حضور الستين أو السبعين من العلماء صار رئيسها (5)، و أنظاره كانت من الآراء الموجهة من منظر التشريع، و التشيع و منها عدم التعارض بين المشروطة و المشروعة و لذلك صنّف كتابا سمّاه «إيضاح
ص:13
الخطاء في تخطئة الأجلة العلماء» (1)و حضر سنة 1332 ق لوكالة المجلس و لم يحصل على الأراء اللازمة، و نقل أنّ ذلك لإجراء الحدود في الاجتماع (2).
له مكتبة عظيمة فيها كتب قيّمة منها مكتوباته التي استنسخها من الكتب النفيسة التي ألّفها غيره من العلماء السالفة و منها تأليفاته المشتملة على المعارف الإلهية في الموضوعات المختلفة. و انتقل جميع كتب هذه المكتبة-إلاّ خمسة منها-إلى مكتبة سماحة الآية اللّه العظمى المرعشي النجفي بقم المقدّسة باهتمام ولده حجة الإسلام و المسلمين الدكتور السيد محمود المرعشي النجفي رئيس المكتبة (3).
و نأتي بها كلّها أولا تأليفاته القيّمة ثمّ بما استنسخها من كتب سائر العلماء.
قد وفّق المؤلف المحقق للتأليف في مختلف العلوم الإسلامية و إليك عنوان ما وصل إلينا منها (4).
(1) - «أبهى الدرر في تكملة عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر عليه السّلام» ليوسف بن يحيى الشافعي من علماء العامة.
ص:14
(2) - «أحاديث مناقب أخطب الخوارزم» . أي مستدرك الروايات التي لم يأت بها الخوارزمي في مناقبه.
(3) - «رسالة في أحوال أخطب الخوارزم» .
(4) - «اصول الدين» بالفارسية.
(5) - «إضائة النور في الامام المستور» فيما يتعلق بالحجة «عج» .
(6) - «كتاب النور في الإمام المستور» (1).
(7) - «بسط النور» في شرح «كتاب النور في الإمام المستور» و هو ترجمته بالفارسية.
(8) - «ذيل كتاب النور» .
(9) - «أعلان الدعوة» .
(10) - «إيضاح الخطاء في تخطئة الأجلة العلماء» ، بالفارسيّة في المشروطة و الردع عن الاستبداد. (2)
(11) - «إيضاح المرام في أمر الإمام» ، فيما يتعلق بالحجة «عج» (3).
(12) - «رسالة في جواب من أنكر وجود الإمام «عج» في هذه الأزمنة» (4).
(13) - «بدر الأمّة في جفر الأئمة» . (5)
(14) - «بعث الأموات قبل ظهور الحجة» .
(15) - «البيان في حقيقة الإيمان» .
ص:15
(16) - «التحصيل في معني التفضيل» (1)في رد ما ذكروه في الفضل بين الخلفاء.
(17) - «تحفة الحجاج» في مناسك الحج المطابق لفتاواى الحاج الميرزا حسين الحسيني، بالفارسية.
(18) - «تزويج الصغيرة في المدة القليلة» .
(19) - «تسديد المكارم و تفضيح المظالم» (2).
(20) - «ترجمة تسديد المكارم و تفضيح المظالم» بالفارسية.
(21) - «تعليقة على مكاسب الشيخ المرتضى الأنصاري» .
(22) - «تعليقة على الرضاعية» للشيخ المرتضى الأنصاري.
(23) - «تعليقة على «المقاصد العلية» في شرح «النفلية» .
(24) - «تقريرات الأصول» للمرحوم الحاج الميرزا أبي القاسم الطهراني.
(25) - «تكليف الكفار» بالفروع و ملحقه.
(26) - «ذيل تكليف الكفار» .
(27) - «تلخيص رسالة الشافية الرجالية» في أحوال إبراهيم بن هاشم القمي، للسيد محمد باقر الشفتي الاصفهاني (3).
(28) - «تلخيص الرسائل الرجالية» في عثمان بن عيسى الرؤاسي العامر الكلابي (4)للسيد محمد باقر الشفتي الاصفهاني.
(29) - «تلخيص قسم من الرسائل» في ثلاثة فصول:
الأول: في أبي بصير.
ص:16
الثاني: في إسحاق بن عمار.
الثالث: في حسين بن خالد.
(30) - «تلخيص عدة رسائل رجالية» للسيد محمد باقر الشفتي.
الإصفهاني المشتمل على سبع عشر رسالة:
(1) -في اتحاد معاوية بن شريح و معاوية بن ميسرة بن شريح.
(2) -في محمد بن الفضيل الراوي عن أبي الصباح الكناني.
(3) -في محمد بن خالد البرقي.
(4) -في أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
(5) -في محمد بن أحمد الراوي عن العمركي و عنه ابن محبوب (1).
(6) -في محمد بن اسماعيل الراوي عن الفضل في أسناد الكليني.
(7) -في أبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى القمي.
(8) -في شهاب عبد ربّه.
(9) -في عبد الحميد بن سالم العطار و ابنه محمد بن عبد الحميد.
(10) -في عمر بن يزيد.
(11) -الملقب ما جيلويه و أنّهم أربعة و أحوالهم.
(الف) -محمد بن علي بن أبي القاسم.
(ب) -عمّه، محمد بن أبي القاسم.
(ج) -ابن عمّه، علي بن محمد بن أبي القاسم.
(د) -و من أحفاد عمّه، محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم.
(12) -في محمد بن سنان الزاهري و حسن حاله.
(13) -في محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني.
ص:17
(14) -في عدّة الكافي.
(15) -في سهل بن زياد الآدمي.
(16) -حمّاد بن عيسى الحميني (1).
(17) -في أبان بن عثمان الأحمر و أصحاب الإجماع.
(31) - «التنبيه على أمر الكتب» .
(32) - «تنزيه المشاهد عن دخول الأباعد» في منع الحائض و الجنب عنها.
(33) - «تلخيص تنزيه المشاهد» .
(34) - «التوحيد» في الفلسفة.
(35) -رسالة في «الجمع بين فاطميتين» .
(36) - «حاشية حكمة العين» لأبي الحسن علي بن عمر دبيران كاتبي قزويني.
(37) - «حاشية على حياة الأرواح» في أصول الدين للأستر آبادي.
(38) - «الحاشية-الجديدة-على فرائد الأصول» .
(39) - «الحاشية على الملل و النحل» لأبي الفتح عبد الكريم الشهرستاني.
(40) - «حاشية على منبع الحياة» للجزائري.
(41) - «حاشية قوانين الأصول» للميرزا أبي القاسم القمي.
(42) - «حقيقة الإسلام» في أصول الدين بالفارسية.
(43) - «الفرق المسيحية و حقّانية الإسلام» بالفارسية.
(44) - «الدرّة الغروية و التحفة الحسينية» (2).
(45) - «الدعوة الحسينية إلى مواهب اللّه السنية» في استحباب البكاء على
ص:18
الحسين عليه السّلام من طرق العامة.
(46) - «دعوة الرشاد» في مدرك أعمال العباد.
(47) - «دين المقتول» .
(48) - «رسالة أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد اللّه البكري» .
(49) - «رسالة جابلقا و جابرسا» و هى رسالة في مدينتي جابلقا و جابرسا (1).
(50) - «رسالة في تفسير قوله تعالى: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي اَلْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ في الاحتجاج مع بعض علماء المسيحيّة.
(51) - «رسالة في تفسير قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ بانها ليست تأييدا للأخباريين.
(52) - «رسالة في التقلييد» .
(53) - «رسالة في حفظ الصحة» .
(54) - «رسالة في رد انتساب كتاب الفضائل و الروضة إلى فضل بن الشاذان» .
(55) - «رسالة في الصوم» .
(56) - «رسالة في العدالة» .
(57) - «رسالة في العلامات و الإشارات» .
(58) - «رسالة في القضاء و الشهادات» (2).
(59) - «رسالة في مناقب سيد الشهداء عليه السّلام» من الأحاديث و الروايات الواردة في شأنه.
(60) - «روح الجوامع في الرجال» أو «تلخيص جامع الرواة» للاردبيلي.
ص:19
(61) - «الروضة الجعفرية» .
(62) - «سلاح الحازم لدفع الظالم» في الاعتقادات.
(63) - «شرح الفية» لابن مالك (1).
(64) - «شرح علائم الظهور» .
(65) - «شرح قطر الندى» .
(66) - «الطلع النضييد» في إبطال المنع عن لعن يزيد (2).
(67) - «كتاب العصمة في دفع الوصمة» في رد من أنكر عصمة الأئمّة عليهم السّلام.
(68) - «كتاب عصمة الملائكة» في الاعتقادات.
(69) - «كتاب العلائم لاهتداء الهوائم» في علامات ظهور الحجة (عج) و أحواله.
(70) - «تكملة كتاب العلائم لاهتداء الهوائم» .
(71) - «ذيل كتاب العلائم» .
(72) - «الفوائد الأصولية» المشتمل على المسائل الاصولية.
(1) -الإجزاء.
(2) -التسامح في أدلة السنن.
(3) -المطلق و المقيد.
(4) -المجمل و المبين.
(5) -بعض الكلام في المشتق.
(73) - «مسائل في الأصول» .
(1) - «رسالة في الأمر مع العلم بانتفاء الشرط» .
ص:20
(2) - «رسالة في زمان فعل الأمر» .
(3) - «رسالة في الصحيح و الأعم» .
(74) - «فضل عمار» (1).
(75) - «قامعة اللجاج و دافعة انحجاج» فيما يتعلق بالحجة «عج» .
(76) - «مبدأ اشتقاق الموجودات» في الفلسفة.
(77) - «المجاهدة لدين الحق» في رد إظهار الحق لعبد العيلم بن عبد الرحيم في طعنه على الشيعة في أمر الصحابة.
(78) - «مجموع الروايات و الأحاديث» .
(79) - «الرسائل الفقهيّة» :
(1) -رسالة في الصلاة.
(2) -في صلاة الجماعة.
(3) -في لباس المصلى.
(4) -في أفعال صلاة المسافر.
(5) -في سهو المأموم.
(6) -الخلل في الصلاة او المخلاة في الصلاة أو الذهب المسبوك في الصلاة و الشكوك.
(7) -رسالة في الإجارة.
(8) -رسالة في الزكاة.
(9) -في الصيد.
(80) - «مستدرك الدرة الغروية و التحفة الحسينية» .
(81) - «مستدرك كتاب النور في الإمام المستور» فيما يتعلق بامر الحجة (عج) .
ص:21
(82) - «مطلع الشمسين» في فضل حمزة و جعفر ذى الجناحين.
(83) - «مغايرة الإجزاء و القبول» (1).
(84) - «مقارنات ظهور الحجة» بالفارسية.
(85) - «رسالة في استحالة توقيف ظهور الحجة» بالفارسية.
(86) - «المقالات في اثبات مذهب الإسلام» (2).
(87) - «مناهج الطالبين» أو «تعليقة على مختصر أبي محمد بن عبد اللّه بن يوسف هاشم الانصاري» .
(88) - «المولود من الزنا» .
(89) - «نثار اللباب في تقبيل التراب» في استحباب تقبيل العتبة في المشاهد المشرفه و إبطال توهم المنع عنه.
(90) - «وجيزة تنقيح المقال» في عدة من الرجال.
(91) - «وجيزة في غيبته عليه السّلام» .
(92) - «وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3)» .
و أمّا ما استنسخها البهاري رحمه اللّه لنفسه فكثير.
و الموجود منها في مكتبة آية اللّه السيد المرعشي هذه:
(1) - «اسرار قاسمي» الفارسي في العلوم الغريبة و الطلسمات للواعظ الكاشفي.
ص:22
(2) - «الأشعثيات» (1).
(3) - «البراهين الساباطية» لجواد بن ساباط بن إبراهيم.
(4) - «ترجمة انجيل متى و الزبور و التوراة» من العبري إلى العربي لهداية اللّه الهمداني.
(5) - «تفسير أحمد بن محمد السياري» .
(6) - «تفسير سعد الأشعري القمي» .
(7) - «تفسير محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب» المشهور بابن أبي زينب النعماني.
(8) - «التكلمة المعينية» لخواجه نصير الدين الطوسي.
(9) - «ثاقب المناقب» المنسوب الى عماد الدين مشهدي ابن حمزة.
(10) - «الحاشية على الرسائل» للآخوند الخراساني.
(11) - «رسالة الأربعين» لمحمد تقي المجلسي.
(12) - «رسالة حياة الأرواح» في أصول الدين للمولى محمد جعفر الاستر آبادي.
(13) - «رسالة العقد الحسيني» لعبد الصمد الجباعي الحارثي والد الشيخ بهاء الدين.
(14) -تأليفات الشهيد الثاني-(الف) - «رسالة في تحريم طلاق الحائض» .
(ب) - «نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار» .
(ج) - «كشف الريبة في أحكام الغيبة» .
(15) - «رسالة في الحكمة» .
(16) - «رسالة في معرفة ساعات الليل» .
ص:23
(17) - «رسالة المعينية» في الهيئة لخواجه نصير الدين الطوسي.
(18) -تأليفات السيد جعفر الدارابي البروجردي: (الف) - «الرقّ المنثور لبيان معراج نبينا المنصور» .
(ب) - «منظومة البلد الأمين» في الأصول.
(ج) - «قصيدة السردابية» .
(19) - «سبيل الرشاد» في رد فرقة البروتستاني من المسيح لإبراهيم بن أحمد بن حسين بن خليل.
(20) - «عقد الدرر في اخبار المنتظر» للشافعي.
(21) - «فرحة الغرى بصرحة الغرى» لأحمد بن موسى بن طاووس الحلي.
(22) - «فرق الشيعة» للنوبختي.
(23) - «الفهرست» للشيخ الطوسي.
(24) - «كامل الزيارات» لابن قولويه.
(25) - «كتاب في الإمامة» -لخواجه نصير الدين الطوسي.
(26) - «المزار» -للشيخ المفيد.
(27) - «المناقب» للخوارزمي.
(28) - «منية اللبيب في شرح التهذيب» في الأصول لبهاء الدين ابن أعرج.
(29) - «مقتضب الأثر في الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام» لابي عبد اللّه أحمد بن محمد بن العياش.
(30) - «النكت في مقدمات الأصول للشيخ المفيد» (1).
(31) - «اليقين» لعلي بن طاووس.
ص:24
في أواخر القرن الثالث عشر ظهرت آراء و عقائد سخيفة حول الإمام المهدي عليه السّلام و قد انتجت منها مذاهب فاسدة قد أثمرت فشل المسلمين و تفرّق كلمتهم، و قد كان أوزارها على عاتقة بعض الطلبة الّذين لم يتضلّعوا في العلوم الإسلاميّة عامّة و في الكلام و الفلسفة الإسلاميّة خصوصا. و في مقدّم هؤلاء الشيخ أحمد الأحسائي فإنّه نشأ و تربّى في بيت من أهل السنّة ثمّ أظهر التشيّع و سافر إلى النجف الأشرف لتحصيل المعارف الدينيّة، و لكنّه لم يأخذ الفلسفة و العرفان من أساتذة الفنّ و إنّما شرع في مطالعة كتب المعقول من دون استعداد و تمهيد مقدّمات لها، فحصل على نتائج و أبرز آراء و عقائد سخيفة تحكى عن فكره الفاتر مثل أصالة الوجود و الماهية معا و الاعتقاد بوجود جسم هور قليائى الموجود في عالمي جابلقا و جابرصا و تفسير المعاد الجسماني و المعراج النبوي و بقاء الإمام المهدي عليه السّلام في مدّة طويلة و ابتنائها على الاعتقاد بهذا الجسم الموهوم. و من هنا حكم بعض علماء الشيعة بكفره. لكنّه لم يرتدع عن تلك الآراء حتّى ابتدع مذهبا سمّيت من بعده بمذهب «الشيخية» أو «الكشفية» . و قد أولدت مذاهب و فرقا ضالة مبتدعة مثل البابية و الأزلية و البهائية. و كان جلّها حول مسألة المهدوية و الاعتقاد بقرب ظهور المهدي عليه السّلام بل تحقّق ظهوره الصغرى.
ص:25
و المقابلة لمثل هذه الآراء الكاسدة الفاسدة هي الغاية القصوى من تأليف «كتاب النور في الإمام المستور» و قد شمّر المؤلّف المحقّق البهاري عن ساعد اجتهاده و ذبّ عمّا هو الصحيح من المذهب الحقّة من إثبات إمامة المهدي عليه السّلام و أنّه من ولد الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و أنّه حيّ موجود لم يظهر بعد و جعل كتابه مشتملا على مقدّمة و تسعة أبواب و خاتمة ثمّ ما الحقه به. امّا المقدّمة فيبحث فيها عن لزوم وجود الحجّة و ضرورة بقاء الدّين بعد الرسول.
و أمّا الأبواب فإليك عناوينها:
الأول: الأخبار الدالة على وجود الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وجوب الايتمام به و الدخول في طاعته دوام الإسلام و بعض ما لذلك الإمام من الأوصاف.
الثاني: أنّ هذه الأمّة قد خيف عليهم الضلال و وقع المحذور بفقد شرط انتفاء ذلك المخوف و لو ائتمّوا بإمام مرّ وصفه لم يضلّوا، ففيه ما سلف، و أراد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يكتب ما لا يضلّون بعده فمنع منه و كان رزية كلّ الرزية.
الثالث: أنّهم أمروا بالتمسّك بالكتاب و العترة كيلا يضلّوا، فلهم منهم أمراء و أئمّة و خلفاء يمنعونهم من الضلال بما خصّوا به من علم الدين.
الرابع: تعيين أهل البيت و العترة الّذين أمر النّاس بالرجوع إليهم و التمسك بهم و الدخول في طاعتهم و الايتمام بهم مدّة الإسلام.
الخامس: أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عيّن أمرائهم من العترة و الرؤسا المرجوع إليهم منهم في تلك المدّة في اثني عشر لا يزيد فيهم واحد و لا ينقص واحد.
السادس: جملة ممّا يعلم حاله من تلك الأخبار و إلاّ فكلّه لا يحصى هنا و فيه تعيين الاثني عشر.
السابع: بعض ما في الثاني عشر.
الثامن: سرّ حجب هذا البدر المنير عن الأبصار بعد الإيماء إلى أمور هي
ص:26
كالمقدّمة.
التاسع: بعض الكلمات الصادرة في شأن هذا الإمام من بعض الأعلام.
و الخاتمة في تعيين بعض نسخ مدارك الكتاب.
و بعد الخاتمة فقد الحق المحقق المؤلّف رحمه اللّه فصلا آخر في رؤية الإمام المهدي عليه السّلام و من رآه من علماء العامّة مثل محى الدين و غيره و نقل كلمات بعضهم مثل «الفتوحات المكية» و «اليواقيت» و أنّها دليل على وجود امام عليه السّلام، و الإشارة إلى التحريف الواقع في نسخ «الفتوحات» .
ثمّ إنّ المحقّق البهاري لم يتمحّض و لم يتمركز على البحث العقلي فحسب و لا على خصوص نقل الروايات و البحث النقلي الخالص، بل يذكر بعض الروايات في كلّ فصل من أهمّ مصادر الروائية عند أهل السنّة، ثمّ يأخذ في فقه الحديث و بيان شرحه و ما يستفاد منه، فقد يذكر في كيفيّة الاستدلال ببعض الروايات و وجوه دلالته على مدّعاه ما يقرب من خمسين وجها.
ألف: نقل الروايات حول الإمام المهدي عليه السّلام من المصادر الروائية القديمة و الحديثة من أهل السنّة و قد يذكر قليلا بعضها من المصادر الشيعيّة.
ب: بيان المشتركات بين الشيعة و السنة حول المسألة و متفردات كلّ من المذهبين.
ج: التحرّي التامّ لنقل التصحيفات و التحريفات الّتي جاء بها أهل السنة في مصادرهم الروائية، و التدليس الواقع في كتبهم.
د: اهتمامه الكثير بكتاب «بعض الأثبات» أي «روضة الأحباب في سيرة النبي و الآل و الأصحاب» . للسيد جمال الدين الأمير عطاء اللّه بن فضل اللّه الحسيني الدشتكي الشيرازي و كتاب «غاية المرام» للمحقق السيد هاشم البحراني.
ه: عدم دقّة المؤلّف كثيرا من جهة القواعد الأدبيّة و اللغوية.
ص:27
و: البحث عن الإمامة العامّة و الخاصة كلتيهما مع مزيد الاهتمام بالبحث عن إمامة المهدي عليه السّلام.
حيث إنّ اللّه تبارك و تعالى يسّر لنا الحصول على النسخة الأصلية المخطوطة من الكتاب بخطّ مؤلّفه المحقّق البهاري الموجودة في مكتبة السيدة فاطمة المعصومة عليها السّلام بقم المرقّمة 899، فقد صرنا في غنى عن تحصيل سائر نسخ الكتاب أو إثبات اختلاف النسخ في الهوامش. و هذه النسخة نفيسة قليلة الأخطاء و عليها حواش جميعها عناوين مباحث الكتاب، و في مقدّمتها تقريظ من آية اللّه السيّد حسن الصدر رحمه اللّه بخطّه الشريف.
و قد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على هذه النسخة، و بعد استنساخ الكتاب خرّجنا الآيات و الأخبار و أقوال العلماء من مصادرها الأصلية، و تحرّينا من هذه المصادر ما هو الموجود عند المؤلّف، و أثبتنا عناوين تلك المصادر في التعليقات مع الإشارة إلى اختلاف ما نقله المحقق البهاري مع الموجود في تلك المصادر إن كان هناك اختلاف.
ص:28
كلمة شكر و ثناء
نشكر اللّه تعالى و نحمده على أن تفضّل علينا بتحقيق و إعداد هذا الكتاب المتفرّد في موضوعه، و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه. و بعد السلام و التحيّة على صاحب الأمر الإمام المهدي عليه السّلام حيث هيّأ لنا التوفيق لخدمة صاحب الولاية الكبرى، و خدمة بنت باب الحوائج إلى اللّه السيدة الستي فاطمة المعصومة عليها السّلام.
و في نهاية المطاف أتقدّم بالشكر الخالص إلى سماحة آية اللّه المسعودي المتولي العامّ للروضة المقدّسة بقم و سماحة الفضيلة حسين الفقيه الميرزائي نائب التولية و كذا الفاضل الألمعي الشيخ غلامعلي العباسي مسئول الامور الثقافية للروضة المقدّسة، و الشيخ أحمد رضا الأحمديان مسئول المكتبة. و المحققين الأعزّاء السيد حسن النقيبي و إلياس محمد بيگى الصادقي و عباس علي القضائي، فإنّه وقع مهمّة تحقيق الكتاب و تخريج مصادره على كاهلهم، كما أنّ السيد علي أصغر الموسوي و رسول عينلو و عبد اللّه العسكري و السيد محسن الصالحي ساعدونا في استنساخ الكتاب. و الّذي تولّى الإشراف و المراجعة على تحقيق الكتاب مع الملاحظة النهائية الشيخ محمد باقر بابانيا. فإنّهم ساعدوني في إنجاز هذا المشروع و تحقيق الكتاب. و للّه درّهم و أتقدّم إليهم بالشكر.
و آخر دعوينا أن الحمد للّه ربّ العالمين احمد العابدي
23 رمضان المبارك 1423 ق.
ص:29
ص:30
صورة تقريظ آية اللّه السيد حسن الصدر
ص:31
ص:32
صورة الصفحة الاولى من الكتاب
ص:33
صورة الصفحة الأخيرة من الكتاب
ص:34
ص:35
ص:36
صورة المؤلّف المحقّق البهاري رحمه اللّه
ص:37
تصوير مضجع البهاري الشريف
ص:38
ص:39
ص:40
لسماحة الحجة العلامة السيد حسن الصدر
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، و الصلاة على رسوله المبعوث لكافّة الأمم، و على آله أهل العصمة و الكرم.
أمّا بعد؛ فيقول العبد الراجي فضل ربّه ذي المنن ابن السيد هادي من آل صدر الدين حسن: اعلموا يا إخواني أنّ هذا هو «كتاب النور في الإمام المستور» حوى من درر الأسرار ما يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار، انتضمت دراريه و استحكمت معانيه، و أشرقت أنواره إشراق البدر في سواد مفرق هذا الدهر، قد فتحت به معضلات المسائل حتّى لم يبق قول لقائل، لم يبلغ أحد بلاغه حتّى أعاظم الصناعة، تقصر عنه الإشارة و تضيق عن إحاطة نعته العبارة. فهو الحياة لأولى البصائر و الأبصار، و أحاديثه نخب الآثار و الأخبار، كما لا يخفى على أولى النهى و الأنظار، و لا غرو فقد جمعه الشيخ المتبحّر الباهر و من هو للعلوم باقر، قد نشر بيد الفضل أعلامه و طوى على التحقيق لياليه و أيّامه، لم أعثر على من جرى على مثاله أو نسج على منواله، فعلى نور هذا الكتاب يجد الحيران الهدى و من به المقتدى، و لعمري لهو النور لمن كان له قلب قد أوعى. و لو أنزلناه على جبل لرأيته خاضعا متصدّعا (1)قد-و اللّه-أسفر الحقّ به وجهه و أوضح نهجه، حتّى عاد حلية
ص:41
لجيل هذا الزمن العاطل، و زينة لأهل المنابر و المحافل، و نور هداية لأهل الفضل و الفواضل.
فلو تأمّل علماء الجمهور أحاديثه الباهرة و براهينه القاهرة، كان الجدير أن يتلى عليهم: فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ (1)تتجلّى به البصائر و ترتاح بمطالعته القلوب و الضمائر. فهو هداية الاستبصار و بحار الأنوار، و كشف المحجة عن طرائف الأسرار، و فتح الأبواب و ربيع الألباب.
فأسعد اللّه بالشيخ الفاضل جدود الأفاضل و ورّد بنور مزاياه خدود الفضائل، و عمّر به أفنية الشريعة، و رفع به أعمدة الملّة المنيعة و جعله ملاذا للشيعة، فقد حباهم بكتاب تستأنس برائق تحقيقاته النفوس، و تتجلّى بترتيبه و أبوابه أبواب النحوس، فهو الحقيق بأن يكتب بالنور على جبهات الحور، لا ما تلفّقه علماء أهل العناد من الجمهور، فقد زيّفها هذا الشيخ الفاضل-دامت إفادته-بالصوارم الإلهية، و نقضها بالضربة الحيدرية، و قطعها بالصمصام البتار، و قصمها بذي الفقار و حسام الإسلام، و شجّرها بطفق الرماح، و أعماها بالبرق الخاطف، و فضحها بتشييد المطاعن و كشف الضغائن و تقليب المكائد، و صرعها بمصارع الأفهام.
حتّى قامت الحجّة بالجواهر العبقرية، و ظهرت مقالة الإمامية بعبقات الأنوار، و تمّ البرهان على إمامة الأئمة الأطهار. و الحمد للّه ربّ العالمين.
حرّرته يمناي الداثرة في غرّة شهر رمضان المبارك من شهور سنة 1317. و اللّه جلّ جلاله وليّ التوفيق و كتبه السيد حسن الصدر
ص:42
ص:43
ص:44
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين و الآخرين إلى يوم الدين.
و بعد فيقول العبد الفاقر إلى ربّه الغافر-محمّد المدعوّ بباقر ابن الراجي عفو ربّه الأكبر محمّد المدعوّ بجعفر ابن الواصل إلى رحمة ربّه الوافي محمّد المدعوّ بكافي ابن محمّد يوسف عفي عنهم و عمّن دعا لهم بخير: إنّي كنت كتبت كتابي «أبهى الدرر تكملة عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر» و أثبتت فيه من طرق إخواننا أهل السنة أنّ المهدي الموعود به في أخبارهم هو الثاني عشر من أئمة الإمامية، بما يكون حجة على العباد إلى يوم التناد، إلاّ أنّي كنت اقتصرت فيه على ذكر الروايات، و رمزت في آخره إلى شيء من وجوه الدلالات، و نبذ من طرق الاستدلال بها على وجه الاختصار.
ثمّ بدا لي تجديد الكلام في هذا المرام في و ريقات تكون تبصرة لأولى النهى، فجاء بحمد اللّه تعالى «كتاب النور في الإمام المستور» عجلّ اللّه فرجه و سهّل مخرجه.
و رتّبت ذلك على مقدّمة و أبواب و خاتمة.
المقدّمة في الإشارة إلى الحاجة إلى وجود من يمكنه القيام بأمر الدين و تبليغه إلى العباد عضّا طريّا من غير شوب باطل و لا اختلاف نحو ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ باب الأخبار الدالّة على وجود الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وجوب
ص:45
الايتمام به و الدخول في طاعته دوام الإسلام، و بعض ما لذلك الإمام من الأوصاف.
ثمّ باب أنّ هذه الأمّة قد خيف عليهم الضلال و وقع المحذور بفقد شرط انتفاء ذلك المخوف، و لو ائتمّوا بإمام مرّ وصفه لم يضلّوا قضيّة ما سلف، و أراد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يكتب ما لا يضلّون بعده فمنع منه، و كان رزية كلّ الرزية.
ثمّ باب أنّهم أمروا بالتمسك بالكتاب و العترة كيلا يضلّوا فلهم منهم أمراء و أئمة و خلفاء يمنعونهم من الضلال بما خصّوا به من علم الدين.
ثمّ باب تعيين أهل البيت و العترة الذين أمر الناس بالرجوع إليهم و التمسك بهم و الدخول في طاعتهم و الايتمام بهم مدّة الإسلام.
ثمّ باب أن عيّن أمرائهم من العترة و الرؤساء المرجوع إليهم منهم في تلك المدّة في اثني عشر لا يزيد فيهم واحد و لا ينقص واحد.
ثمّ باب جملة ممّا يعلم حاله من تلك الأخبار، و إلاّ فكلّه لا يحصى هنا، و فيه تعيين الاثني عشر.
ثمّ باب بعض ما في الثاني عشر.
ثمّ باب سرّ حجب هذا البدر المنير عن الأبصار بعد الإيماء إلى أمور هي كالمقدّمات له.
ثمّ باب بعض الكلمات الصادرة في هذه الإمام من بعض الأعلام.
الخاتمة في تعيين بعض نسخ مدارك الكتاب.
ص:46
إنّ من الواضح الضروري من دين الإسلام أنّ اللّه تعالى بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاتم الأنبياء، و ليس بعده نبيّ، فلابدّ أن يكون أقام به الحجج و أوضح المنهج للناس إلى يوم الدين. حتّى يكون شرعه محكم البنيان و أوضح البرهان في كلّ أوان بوجود من يقوم بأمره، يحمي (1)حماه بنحو ما كان يفعله و نحو ما كان في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى يمكن الوصول إلى خالصه و يكون حرمان من يحرم عن لبّه لنحو ما كان لحرمان المحرومين في زمانه من الأسباب سُنَّةَ اَللّهِ فِي اَلَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اَللّهِ تَبْدِيلاً (2)و إلاّ عادت الجاهلية الأولى و اضمحلّ الدين نحو ما وقع في الأولين و لم يتمّ الحجة على الآخرين و قد أقام علما في الدين يضيئون (3)إليه و يلوذون به، يقوم به دينهم و لا يندرس إلى قيام الساعة، و قد أشار إلى هذا العلم الإمام في أخبار و نحن نشير إلى نبذة منها في ضمن أبواب.
ص:47
ص:48
باب الأخبار الدالّة على وجود الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وجوب الايتمام به و الدخول في طاعته دوام الإسلام و بعض ما لذلك الإمام من الأوصاف
ص:49
في «ينابيع المودّة» في آخر الكتاب، و في «الأربعين» للشيخ بهاء الدين العاملي قدّس سرّه صاحب الكشكول و الأوراد قال: إنّ الحديث المتفق عليه بين العامّة و الخاصّة: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية. . .» و كذا في كتاب «الملل و النحل» هذا الحديث موجود (1). انتهى.
أقول: و من ذلك ما في «مسند الإمام أحمد» في الجزء الرابع في أحاديث معاوية-و هو في السادسة و التسعين في الطبع-: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أسود بن عامر، أنبأنا أبو بكر، عن عاصم، عن أبي صالح، عن معاوية، قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» (3).
و في الثالث في أحاديث عامر بن ربيعة-في السادسة و الأربعين بعد الأربع مأة -: حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو النضر و حسن، قالا: حدّثنا شريك، عن عاصم بن عبد اللّه (4)، عن عبد اللّه بن عامر-يعني ابن ربيعة-، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من مات و ليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية، فإن خلعها
ص:50
من بعد عقدها في عنقه لقي اللّه تبارك و تعالى و ليست له حجة. . .» (1)الخبر. و في ذيله، قال حسن: «بعد عقده إيّاها في عنقه» (2).
و لا يخفى عليك دلالة الخبر على أنّ الإمام أنّما اعتبر ليطاع، حيث إنّ موت الجاهلية يحصل بأن لا يكون له إمام، و بأن لا يدخل في طاعة إمام.
مسلم في «الصحيح» في كتاب الإمارة، في باب الأمر بلزوم الجماعة: حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا جرير-يعني ابن حازم-، حدّثنا غيلان بن جرير، عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنّه قال: «من خرج من الطاعة و فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، و من قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية. . .» الخبر (3).
«عمية» يحتمل الصفة، ففي «القاموس» : «فهي عمياء و عمية و عمية» (4)و يحتمل المصدر قال: «و العمية بالكسر و الضمّ مشدّدتي الميم و الياء: الكبر و الضلال» (5)و أيّاما كان فالمراد أن ليست على هدى، و لعلّ قوله: «يغضب. . .» كالتفسير لذلك.
ثمّ إنّ الخبر كالصريح في أنّ الجماعة يراد بهم خصوص الملازمين للطاعة، و أنّ الخروج من الطاعة عبارة أخرى من فراق الجماعة أو محقّق له؛ فلاحظ.
ص:51
حدّثني زهير بن حرب، حدّثنا عبد الرحمان بن مهدي، حدّثنا مهدي بن ميمون، عن غيلان بن جرير، عن زياد بن رياح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من خرج من الطاعة و فارق الجماعة ثمّ مات، مات ميتة جاهلية. . .» الخبر (1).
و روي الفقرة الثانية فقط عن هريم بن عبد الأعلى، عن المعتمر، عن أبيه، عن أبي مجلز، عن جندب بن عبد اللّه البجلي، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).
و أيضا حدّثنا محمّد بن المثنى و ابن بشار، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن غيلان بن جرير، بهذا الإسناد، غير أنّ ابن المثنى لم يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3).
و أيضا حدّثنا حسن بن الربيع، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، عن أبي رجاء، عن ابن عباس يرويه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية» (4).
«البخاري» في الجزء الرابع في كتاب الأحكام في باب السمع و الطاعة للإمام ما لم يكن معصية: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد. فذكر مثله إلاّ أنّه قال:
«فيموت إلاّ مات ميتة جاهلية» (5).
ص:52
«مسلم» في الباب: حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا عبد الوارث الجور (1)، حدّثنا أبو رجاء العطاردي عن ابن عباس، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال «من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنّه ليس أحد من الناس يخرج (2)من السلطان شبرا فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية» (3).
حدّثنا عبيد اللّه بن معاذ العنبري، حدّثنا أبي، حدّثنا عاصم-و هو ابن محمّد بن زيد-، عن زيد بن محمّد، عن نافع، قال: جاء عبد اللّه بن عمر إلى عبد اللّه بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرّحمان وسادة، فقال: إنّي لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقوله: سمعته (4)يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي اللّه يوم القيامة لا حجّة له، و من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (5).
حدّثنا ابن نمير، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكير، حدّثنا ليث عن عبيد اللّه بن أبي جعفر، عن بكير بن عبد اللّه الأشج، عن نافع، عن ابن عمر: أنّه أتى ابن مطيع فذكر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نحوه (6).
حدّثنا عمرو بن علي، حدّثنا ابن مهدي [و]حدّثنا محمّد بن عمرو بن جبلّة،
ص:53
حدّثنا بشر بن عمر، قالا (1): حدّثنا هشام بن سعيد (2)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نحوه (3).
و روي بطرق عن عرفجة، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة و هي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان» (4).
و في بعضها: «فاقتلوه» (5)و في بعضها: «من أتاكم و أمركم جمع على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه» (6). و بعض ذلك «أو كلّه» قد رواه في «المسند» أيضا (7).
أقول: مجمل القول في تلك الأخبار أنّه قد ذكر عناوين حكم عليها بكون ميتتها جاهلية، سردها:
1-من مات و لم يعرف إمام زمانه.
2-من مات بغير إمام.
3-من مات و ليست عليه طاعة.
ص:54
4-من مات و ليس في عنقه بيعة.
5-من خرج من الطّاعة و فارق الجماعة.
6-من خرج من السّلطان شبرا.
7-من فارق الجماعة.
1-مات ميتة جاهلية.
2-فمات، مات ميتة جاهلية.
3-فمات فميتته جاهلية.
و الظاهر أنّ الأربعة الأول ترجع إلى أمر واحد و هو ترك اتخاذ إمام ينقاد له بالطاعة فيما أمر. و الثلاثة الأخيرة (1)ترجع إلى أمر واحد و هو خلع ربقة طاعة الإمام. و يرجعان إلى أمر واحد هو ترك الايتمام. و ستعرف الكلام في عنوان الجماعة إن شاء اللّه تعالى.
هذا في جانب الموضوع.
و أمّا في طرف الحكم فالظاهر رجوع الكلّ إلى الإخبار بأنّ موت صاحب العنوان ميتة جاهلية. و حيث كان الإخبار بذلك الكلام على صورة القضية الشرطية دلّ على أنّ العنوان المذكور في المقدّم سبب للأمر المذكور في التالي
ص:55
و بينهما تأثير و تأثّر، كما دلّ على أنّ الموت المذكور في المقدّم ليس جزءا من السبب المذكور، بل المؤثر في الواقع عدم معرفة الإمام و عدم اتخاذه و عدم البيعة له و عدم الانقياد لطاعته فقط، فنفس ذلك الأمر العدمي هو المؤثر في الجزاء. و إذا ثبت الدّلالة على التأثير المزبور في المذكور في المقدّم و سياق الشرط ثبت أحد الأمرين-بعد وضوح كون تلك الأخبار ناظرة إلى خصوص المسلمين و خصوص أحوالهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:
أحدهما كون اتخاذ الإمام شرطا في الإسلام، و انتفاء الشرط يوجب فوات فوائد الإسلام و نقض المشروط.
و ثانيهما كون اتخاذ الإمام مانعا عن الضلال، و حيث ينتفي المانع يوجد الممنوع، و إلاّ فترتّب الجزاء المذكور في تلك الأخبار على الشرط المذكور فيها غير معقول كما لا يخفى.
و من الواضح انتفاء الأوّل، لتمامية إسلامهم بالإقرار بالشهادتين، فيتعيّن الثاني و هو كون اتخاذ الإمام مانعا عن الموت ميتة جاهلية.
ثمّ ما ذكر فيه الموت في المقدّم و التالي معا أنّما أورد بيانا لحال الميّت و يعرف منه حال الحيّ أيضا، لأنّ من مات بغير إمام ميتة جاهلية حياته أيضا حياة أهل الجاهلية، فهو من نوع الجاهلية في حياته و موته، و ليس تنحصر النوعية في الممات فقط.
و أمّا مثل رواية أبي هريرة (1)فيمكن أن يكون إرشادا إلى إيراثه سوء الخاتمة، و الجاهلية في العاقبة، و لعلّه أيضا لا يكون مع المفارقة التامّة الحقيقية للجاهلية في
ص:56
الحياة، بل يكون بالجاهلية في الحياة أيضا كما لا يخفى.
ثمّ إنّ نوع ميتة الجاهلية المشار إليه في تلك الأخبار إمّا أن يكون ما خصّ به أهل الجاهلية في كيفية القبض و العذاب عند النزع و نحو ذلك، أو الموت بغير دين الإسلام. و لعلّ الظاهر من سياقها و المتفاهم منها عرفا هو الثاني، لأنّه الذي كان يعرفه الناس كلّهم فخوّفوا به؛ فلاحظ.
و أيضا نقول: الجاهلية مقابل الإسلام، و جاهلية تارك اتخاذ الإمام و الانقياد لطاعته في موته المحكوم بها في تلك الأخبار يمكن أن يكون نفس عمله جاهلية لا يرتبط بما دعا إليه دين الإسلام-كما في قوله: «من مات من غير وصية مات ميتة جاهلية» (1)-و أن يكون عمله هذا مستتعبا له بأن يبتلي بسوء الخاتمة- و العياذ باللّه منه-و بأن يقع في الجاهلية في أعماله التي يبتلي بها حال عدم اتخاذ الإمام.
و قد يضعّف الأول بأنّ البيعة للرئيس و الدخول في طاعته كانت متداولة في الجاهلية أيضا، فكيف يعدّ نفس ترك الاتخاذ جاهلية؟ ! !
و فيه أنّه لو أريد مطلق اتخاذ الرئيس و المتبوع، فالأمر كذلك. فقد كان في الجاهلية أيضا، فلا يكون تركه من خواصّ الجاهلية، و المراد في الروايات المتبوع في الأمور الدينية الذي يسلم تابعه كما أوصى إليه بذكر ذلك في ترك الطاعة و في الخروج من السلطان و نحوهما أيضا. و من خواصّ أهل الجاهلية ترك اتخاذ إمام كذلك لأمور دينهم و أخراهم، و إلاّ لم يكونوا في الجاهلية كما لا يخفى.
ص:57
و قد يؤيّد هذا الوجه أنّ الخبر عامّ لكلّ من مات بغير إمام، سواء كان طال عمره و ابتلي بأعمال لا يعرف حكمها أم لا حتّى من لم يقع بين موته و موت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصل كثير.
و بعبارة أخرى: عمله جاهلية لا يكون بواسطة هذا العمل محظوظا من الإسلام بواسطة كثرة مفاسد ترك اتخاذ الإمام و ليس ذلك إلاّ الوقوع (1)في عمل أهل الجاهلية فيما بعدّ كثيرا.
و أمّا الثاني فكان سياق الأخبار ينصرف إلى غيره؛ فلاحظ.
و مع ذلك فنقول: إنّ الجاري على الصراط المستقيم في حياته لا يعقل أن يبتلي بالجاهلية في وفاته، فلابدّ أن يكون عمله مخالفا للشرع حتى يبتلي، و يكفي فيه تلك الأخبار الدالة على دعوة الإسلام إلى الايتمام بإمام تعرف وصفه إن شاء اللّه، فيكون الترك جاهلية أيضا.
فالوجوه كلّها تلازم جاهلية المسلم التارك لاتخاذ الإمام في حياته حتّى يبتلي بها في مماته، و مع ذلك فالمصدر النوعي كأنّه يراد به أنّ هذا المسلم التارك للايتمام كمن لم يفز بحظوظ الإسلام.
و بعبارة أخرى: الجاهل في ذلك أو الجاهل (2)في الجملة يموت كموت أهل الجاهلية المطلقة فيما لهم من الخصوصية، و يكون حكم هذا البعض حكم الكل.
و بعبارة أخرى: يكون هذا التارك المسلم كمن لم يدخل في الإسلام أصلا، و من المعلوم أنّ تلك المشاركة أنّما تكون مع وقوع الكثير من الأعمال أو العمدة منها على غير قواعد الإسلام، أو فوات الالتزام و التديّن فيها على ما يكون في الإسلام، لوضوح أنّ مدار الفرق بين الجاهلية و الإسلام أنّما هو في التديّن
ص:58
و الالتزام، لا في نفس العمل، فتارك الفرض عصيانا بعد الإقرار به مسلم لا يكون من أهل الجاهلية، بخلاف غير الملتزم بوجوبه، فيعدّ جاهليّا لا عاصيا؛ فتأمّل.
و إذا ثبت جاهلية من لم يتخذ الإمام في حياته أيضا-و كون ذلك بملاحظة جاهلية في أعماله حال الحاجة إلى الإمام، حيث يكون في عمله خارجا من الطاعة و السلطان و مفارقا للجماعة و مخالفا للحقّ و القرآن، و لعلّ استفادة ذلك من تلك الأخبار لا صعوبة فيها-فنقول: من الواضح أنّ الجاهلية معني واقعي-لا تعبّدي-يوجد في محلّها بالجهل بما (1)أرداه اللّه تعالى من العبد، و بذلك دخل أهل الجاهلية فيها و سمّوا باسمهم. و تلك الجاهلية ممّا يجري عليه البشر بمقتضى طبائعهم و عاداتهم، و لذا احتاجوا في الفوز بالسعادة إلى أن يأتيهم رسل مبشّرين و منذرين فيحتاجون إلى دافع للجاهلية و مانع عنها، فيثبت مانعية اتخاذ الإمام و الدخول في طاعته عن الجاهلية فيما بعد بمقتضى تلك الأخبار.
و حينئذ فيستفاد من تلك الأخبار أمور:
الأوّل: أنّ الدخول في طاعة الإمام مانع عن الجاهلية فلا يجامعها أبدا، ضرورة المانعية كما لا يخفى.
الثاني: أنّ ذلك الإمام لا يوصف بجاهلية و لا يأتي من قبله جاهلية أبدا،
ص:59
ضرورة المانعية. إذ المانعية عن شيء لا يتأتّي عن واجده، كاستحالة تأثيره في وجود ممنوعه. و من ائتمّ بجاهلي ارتطم فيها، لا خرج عنها و خلص منها. فلابدّ أن يكون عالما بجميع ما يحتاج آحاد رعيته إلى علمه فيه، ضرورة رئاسته على الكلّ بوجه واحد و بالعلم، و مانعيته عن جاهلية كلّ الآحاد متبوعا غير تابع لواحد من الأمّة. ضرورة إمامته على الكلّ و تكليف الناس باتخاذه إماما و الدخول في طاعته.
و أيضا دلّت تلك الأخبار على أنّ الخلوص من الجاهلية يتوقف على اتخاذ الإمام و الدخول في طاعته، إذ لو لا التوقّف المزبور لم يتمّ الحكم بجاهلية من لا إمام له على وجه الإطلاق، فلو كان لذلك الإمام مورد جاهلية وجب ايتمامه بآخر و لو لم يفعل لمات بغير إمام و هكذا في كلّ من يفرض له مورد جهل فيما يحتاج إليه هو أو رعيّته، و حينئذ قد يتسلسل أو يدور، و من المعلوم من تلك الأخبار أنّ الموصوف بالإمامة يجب الايتمام به.
الثالث: انتفاء الإمامة المشار إليها في تلك الأخبار عمّن علم جاهليته في الأحكام كلّها أو بعضها في مورد احتياج الناس و كذا عمّن يأتي من قبله جاهلية، أعني من يوجب إطاعته الوقوع في عمل جاهلية.
الرابع: أنّ وجود المانع اتباعه عن جاهلية آحاد الرعية في كلّ مورد يمكن فيه كونهم في الجاهلية و أهلها، مستمر في دين الإسلام من زمان مضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الأبد، ضرورة إطلاق الأخبار و دوام الحاجة إلى المانع المزبور و عدم فرق في التكليف بالايتمام.
ص:60
الخامس: أنّ إمامة ذلك الإمام أو منشأها الباعث على إيجاب الايتمام به أنّما هو بمانعيته عن الجاهلية و قدرته على منعها و دفعها، و ذلك أمر واقعي في مورده لا يحتاج تحقّقه إلى اجتماع الناس و ايتمامهم بذلك الإمام، كما لا يضرّه عدم ذلك الاجتماع، ضرورة أنّ مانعية المانع تلازم ذاته و يدور مدار وجوده، و لعلّ ذلك واضح.
السادس: أنّ إمامة هذا الإمام موقوف على علمه بكلّ مورد يجهل فيه الرعية و يبتلون بجاهليته و الضلال، فبذلك يعلم أن لا يمكن حصولها باجتماع الناس و نحوه لقصورهم عن معرفة وجود المانعية المطلقة لتمام الرعية في كلّ الأحوال عن الجاهلية و الضلال، [و كذا عن معرفة وجود المانعية المطلقة]لشخص مدّة عمره و إمامته و رئاسته من غير تخلّف، بل يعرف ذلك العالم بمراتب الناس و عواقبهم، و هذا معني الحاجة إلى النصّ و التعريف من اللّه جلّ جلاله.
السابع: أنّ الجاهلية لازم ترك اتخاذ الإمام، فلابدّ أن لا تثبت مع اتخاذه و إلاّ لم يكن الفرار منها باعثا على اتخاذه لوجودها مع اتخاذ الإمام و عدمه، و ارتفاع الجاهلية باتخاذ الإمام أنّما يكون بسؤاله و اتّباعه فيما يقول و يرشد إلى ذلك ذكر الطاعة و نحوها فيما مرّ من الأخبار. و إن شئت قلت: إنّ لازم ترك الإمام الجاهلية، فيدلّ على كون لازم ضدّه ضدّ الجاهلية لدفع مرض الجاهلية و لا يندفع إلاّ بسؤاله و الأخذ بعلمه.
ص:61
الثامن: أنّ الأمّة كلّهم غير الإمام في معرض الجاهلية، فيحتاجون إلى الإمام دفعا لذلك و إلاّ لم يتمّ إطلاق وجوب الايتمام و الدخول في طاعة الإمام، و لعلّ ذلك أيضا بعد ملاحظه الحوادث لا يكون تعبّديّا و يعرفه كلّ بصير.
التاسع: أنّ أهل البيت-الآتي وصفهم في الأخبار-ليسوا من هؤلاء الأمّة المحكوم بجاهليتهم لو لا اتباعهم. و ذلك لاستحالة جاهلية من لا يفارق القرآن و لا يفارقه، و كذا جاهلية سفينة النجاة، إلى غير ذلك ممّا يأتي في وصفهم، فيختصّ تلك بغير هؤلاء المذكورين في تلك الأخبار، و لعلّ ذلك-بعد وضوح تصادق الجاهلية و الضلال-في كمال الوضوح.
العاشر: أنّ ذاك الإمام المانع اتّباعه عن جاهلية تابعيه تماما و في كلّ أحوال التبعية من العترة و أهل البيت، يعرف ذاك من ضمّ هذه الأخبار إلى ما يأتي في أهل البيت الموجب رئاستهم على عامّة الأمّة و كون كلّ من سواهم في معرض الضلال إلاّ أن يتمسّكوا بهم. و لا يحتمل أحد تقييد الأخبار الآتية بأخبار الايتمام بالإمام و إلاّ لاحتاج القرآن إلى إمام يأتمّ به و هم قرناءه و مشاركوه في عدم المزايلة عن الحقّ، فدلّت الأخبار المزبورة على وجود إمام عالم بشرائع الإسلام عامّة ليس له جاهلية أصلا يندفع باتّباعه جاهلية الرعيّة فيما تبعوه من غير استثناء و هو من العترة أهل البيت يجب على الناس اتباعه و الايتمام به دفعا لمرض الجاهلية؛ و أين معاوية و أهل البيت؟ ! و أضرابه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ ! هذا.
ص:62
و خصوص حديث ابن ربيعة (1)تخدير عن إنكار الإمام وليّ الأمر الّذي أمر بطاعته كما أمر بطاعة الرسول في الآية (2)، إذ المراد طاعة إمام الحقّ و أمّا غيره فعدم إطاعته مطلوب للشارع و محبوب له و مندوب إليه كما يأتي، فلا يعقل أن يوجب موت الجاهلية و لا خلعها سببا لانقطاع الحجة و المحجوجية، فذكر هذين الأمرين على أنّ المراد من الإمام إمام ليس له مورد طاعة إلاّ و هو للّه رضى، كما يدلّ على أنّ الإمام حجة على العباد و أنّ الفوز مع الانقياد له، و الهلاك مع عدم الانقياد، فيثبت بذلك أيضا اعتبار عالميته بشرائع الإسلام و كونه يوافق رضي اللّه في سائر الأحوال، و منه يعلم الحال في عنوان الخروج من الطاعة، فإنّ المعيار على انتفاء الطاعة، و من يكون مخالفته و ترك طاعته-و لو في مورد-رضي اللّه تعالى لا يكون من ذلك الإمام المشار إليه في تلك الأخبار بل الإمام غيره.
و أمّا أحاديث فراق الجماعة (3)فنقول: -مضافا إلى ما يظهر منها من أنّ المراد منها جماعة الإمام الّذي لا يأمر إلاّ بما هو للّه رضى، كما عرفت الذين اتّفقوا على طاعته و ثبتوا عليها-:
أوّلا: لا يراد منها الفراق الكلّي بل الأعم كما يدلّ عليه قوله: «شبرا» (4)و نحو ذلك.
و ثانيا: لم يرد منه الفراق في خصوص شيء خاص بل مطلق المفارقة لهم كما
ص:63
يرشد إليه التنكير أيضا.
ثالثا: لمّا حكم بجاهلية كلّ مفارق لها في أيّ شيء كان و في أيّ وقت كان كما هو قضية الإطلاق الوارد في مقام التعليل يكون المراد منها جماعة ليس لهم جاهلية و لا لواحد منهم و إلاّ لم يجامعهم و لا يصدر منهم عمل غير ما يقتضيه دين الإسلام و يدعو إليه و لا يخالف عملهم أبدا قضية دين الإسلام، و إلاّ لم يكن مفارقهم في ذلك العمل جاهليا و هو خلاف نصّ الأخبار، و هذا المعني مساوق لعصمتهم عن مخالفة الشرع و الهدى كما لا يخفى.
و رابعا: إنّ قضية ملاحظة المورد في الفراق بكره شيء من الأمير و بعد الاجتماع على عمل الحقّ من الناس في تمام أحوالهم و أفعالهم أنّ النظر في تلك الأخبار أيضا إلى فراق من يكون الحقّ و الهدى معه، يدور معه حيثما دار.
فافرض فراق الكلّ أو الأكثر فيما رأوا من الأمير ما كرهوه، و انظر-من يكون مذموم الخبر-الأمير أو من تركه؟ من الواضح أنّه الأخير.
و أيضا الجماعة إمّا أن يكون لهم إمام و إمّا لا يكون، و على الثاني هم أهل جاهلية قضية ما سلف، فكيف يكون مفارقهم جاهليا؟ و على الأوّل هم أتباع يكون المعيار على فراق رئيسهم الذي يكون مدار الحقّ و الحقّ مداره، و أيضا الجماعة إن تمسّكوا بالعترة قرناء التنزيل فالفراق فراقهم، و لا يكون للجماعة مدخلية و إلاّ فهم أهل ضلال، قضية ما يأتي، فلا يكون مفارقهم جاهليا و هو باطل.
و خامسا: إن ظاهر عنوان الجماعة و الفراق أنّه في مورد حصل اجتماع منهم في أمر، سواء كانوا كلّ أهل الإسلام أو بعضه كما في مورد الأخبار أيضا، و حينئذ لا بدّ من معرفة ما اجتمعوا فيه و عدم دخوله في أمر الجاهلية و لا يعلم ذلك إلاّ بعد
ص:64
وجود مدار الحقّ فيهم أو كون ما جمعهم أمر من يكون القرآن و الحقّ معه و هو معهما إذ الجماعة في الفرضين أمرهم ليس بجاهلية، و يوصف مفارقهم في الأمر الجامع جاهليا و يرمي إلى ذلك ما يأتي عن الترمذي أيضا، فلا يثبت الحكم لكلّ جماعة و اجتماع كما لا يخفى.
و يؤيّد ما حرّرناه ما ذكره الترمذي في «صحيحه» في كتاب الفتن، ذيل حديث «يد اللّه مع (1)الجماعة و من شذّ شذّ إلى النار» (2).
قال أبو عيسى: «و تفسير الجماعة-عند أهل العلم-: هم أهل الفقه و العلم و الحديث» قال: «و سمعت الجارود ابن معاذ، يقول: سمعت علي بن الحسن، يقول: سئل عبد اللّه بن المبارك من الجماعة؟ فقال: أبو بكر و عمر. قيل له: قد مات أبو بكر و عمر، قال: فلان و فلان. قيل له: قد مات فلان و فلان. فقال عبد اللّه بن المبارك: أبو حمزة السكري جماعة. قال أبو عيسى: و أبو حمزة هو محمّد بن ميمون و كان شيخا صالحا و إنّما قال: هذا في حياته عندنا» (3)، انتهى.
و أيضا من الواضح أنّ أظهر مصاديق الجماعة الّذين يكون مفارقهم أهل جاهلية الجماعة الذين يكون الإمام و الأمير معهم، كما أومي إليه في تلك الأخبار أيضا.
و بعد ما جعلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قسمين يكون الإمام الواجب اتّخاذه و الايتمام به أحد النوعين و الجماعة المذموم مفارقتهم خصوص اتباعه و لا يكون
ص:65
الإمام و الجماعة في كلا القسمين، بضرورة من العقول.
ففي «البخاري» في الجزء الثالث، في كتاب التفسير، في سورة التوبة، في قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ اَلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ (1): حدّثنا محمّد بن المثنى، حدّثنا يحيى، حدّثنا إسماعيل، حدّثنا زيد بن وهب، قال: كنّا عند حذيفة، فقال:
ما بقي من أصحاب هذه الآية إلاّ ثلاثة و لا من المنافقين إلاّ أربعة. فقال أعرابي:
إنّكم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تخبرونا فلا ندري فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا و يسرقون أعلاقنا (2)، قال: أولئك الفساق أجل لم يبق معهم (3)إلاّ أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده (4).
أقول: و عن حذيفة: إنّ أهل هذه الآية لم يقاتلوا بعد (5).
و قيل: إنّه مات بعد بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام بأربعين يوما (6).
و في الجزء الثاني منه-قبيل فضائل أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنصف كراس تقريبا-:
حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم، حدّثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا شعبة، عن أبي التيّاح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «يهلك الناس هذا الحيّ من قريش» . قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «لو
ص:66
أنّ الناس اعتزلوهم» (1).
قال محمود: حدّثنا أبو داود، أخبرنا شعبة عن أبي التياح سمعت أبا زرعة (2).
أقول: مسلم في كتاب الفتن من «صحيحه» عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شعبة مثله (3).
و عن «الجمع بين الصحاح» : عن «موطأ» مالك عن أبي هريرة مثله (4).
و في «المسند» ، في أحاديث أبى هريرة، في الواحدة بعد الثلاث مأة، في الجزء الثاني: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة فذكر مثله، و قال بعد قوله: «اعتزلوهم» : قال أبي في مرضه الّذي مات فيه:
اضرب على هذا الحديث فإنّه خلاف الأحاديث عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يعنى قوله:
«اسمعوا و أطيعوا و اصبروا» (5).
و في «البخاري» في الموضع: حدّثنا أحمد بن محمّد المكّي، حدّثنا عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي، عن جدّه، قال: كنت مع مروان و أبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلاك أمّتي على يدي غلمة من قريش» ، فقال مروان: غلمة؟ قال أبو هريرة: إن شئت أن أسمّيهم بني فلان و بني فلان (6).
مسلم في كتاب الصلاة، باب كراهية تأخير الصلاة: حدّثنا خلف بن هشام، حدّثنا حمّاد بن زيد (ح) ، قال: حدّثني أبو الربيع الزهرانيّ و أبو كامل الجحدريّ،
ص:67
قالا: حدّثنا حمّاد، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللّه بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها» ؟ قال: (1)فما تأمرني؟ قال: «صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة» و لم يذكر خلف «عن وقتها» (2).
حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللّه بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إنّه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة فصلّ الصلاة لوقتها فإن صلّيت لوقتها كانت لك نافلة و إلاّ كنت قد أحرزت صلاتك» (3).
و في طريق آخر: «كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخّرون الصلاة عن وقتها. . .» (4).
«الترمذي» في آخر كتاب الصلاة: حدّثنا عبد اللّه [بن]أبي زياد الكوفي، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا غالب أبو بشر، عن أيّوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كعب بن عجرة، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أعيذك باللّه يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس منّي و لست منه، و لا يرد عليّ الحوض، و من غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدقهم في كذبهم و لم يعنهم على ظلمهم فهو منّي و أنا منه، و سيرد عليّ الحوض. . .» الخبر (5).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا يعرفه إلاّ من هذا الوجه، و سألت
ص:68
محمّدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلاّ من حديث عبيد اللّه بن موسى و أيوب بن (1)عائذ و استغربه جدا (2).
و قال (3)حدّثنا ابن نمير عن عبيد اللّه بن موسى، عن غالب بهذا (4).
أقول: و في الجزء الرابع من «المسند» في الثالثة و الأربعين بعد المأتين:
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، حدّثني أبو حصين، عن الشعبي، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة، قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو دخل-و نحن تسعة و بيننا و سادة من أدم-فقال: «إنّها ستكون بعدي أمراء يكذبون و يظلمون، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس منّي و لست منه و ليس بوارد عليّ الحوض و من لم يصدقهم بكذبهم و يعنهم على ظلمهم فهو منّي و أنا منه و هو وارد عليّ الحوض» (5).
أقول: فالاستغراب في غير محله و عدم المعرفة من المقصود.
و في كتاب الفتن، باب ما جاء في الأئمّة المضلّين: حدّثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا حمّاد بن زيد، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء [الرحبي]، عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين. . .» الخبر.
قال أبو عيسى: و هذا حديث حسن صحيح (6).
ص:69
أقول: و في «المسند» : حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، فذكر مثله (1).
و في الجزء الثالث من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث أبي سعيد، في الثانية و العشرين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا فضيل، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إنّ أحبّ الناس إلى اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و أقربهم منه مجلسا إمام عادل و إنّ أبغض الناس إلى اللّه يوم القيامة و أشدّهم عذابا إمام جائر» (2).
و في الخامسة و الخمسين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا علي بن إسحاق، أنبأنا عبد اللّه، أنبأنا الفضيل بن مرزوق، عن عطية، مثله (3).
و في الرابعة و العشرين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى عن شعبة، حدّثنا قتادة، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، قال: «تكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون و يكذبون فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس منّي و لست منه و من لم يدخل عليهم و يصدّقهم بكذبهم و يعنهم على ظلمهم فهو منّي و أنا منه» (4).
و في رواية: «تكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب و تلين لهم الجلود ثمّ يكون عليكم أمراء تشمئزّ منهم القلوب و تقشعرّ منهم الجلود» فسئل عن قتالهم فقال: «لا، ما أقاموا الصلاة» (5).
و في حديث عامر بن ربيعة في الخامسة و الأربعين بعد الأربع مأة من الجزء:
ص:70
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريح، قال:
أخبرني عاصم بن عبيد اللّه، إنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «إنّها ستكون من بعدي أمراء يصلّون (1)لوقتها و يؤخّرونها عن وقتها فصلّوها معهم، فإن صلّوها لوقتها و صلّيتموها معهم فلكم و لهم و إن أخّروها عن وقتها فصلّيتموها معهم فلكم و عليهم، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية و من نكث العهد (2)جاء يوم القيامة لا حجّة له» قلت له: من أخبرك هذا الخبر؟ قال: أخبرنيه عبد اللّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه عامر بن ربيعة، يخبر عامر بن ربيعة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم (3).
و في الّتي بعدها: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدثّنا محمّد بن بكر، قال: أنبأ ابن جريح مثله (4).
و في أحاديث أبي هريرة، في الثاني بسنده عن يزيد العامري: سمعت مروان يقول لأبي هريرة: حدّثني حديثا سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، قال سمعته (5)يقول:
«ليوشكنّ رجل يتمنّى أنّه خرّ من عند الثريا و أنّه لم ينل من أمر الناس شيئا» قال:
و سمعته يقول: «إنّ هلاك العرب على يدي غلمة من قريش» قال: فقال مروان:
بئس الغلام أولئك (6).
و روايته هلاك الأمّة و فسادها على يدي أغيلمة سفهاء من قريش كثيرة.
و في الجزء الثاني من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث أبي هريرة، في الرابعة و العشرين بعد الثلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا روح، حدّثنا أبو
ص:71
أميّة عمرو بن يحيى، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: أخبرني جدّي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «هلاك أمّتي على يد غلمة من قريش» قال مروان: و هو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا فلعنة اللّه عليهم غلمة، قال: و أما و اللّه لو أشاء أقول: بنو فلان و بنو فلان لفعلت، قال: فقمت أخرج أنا مع أبي و جدّي إلى مروان بعد ما ملكوا، فإذا هم يبايعون الصبيان منهم و من يبايع له و هو في خرقة، قال لنا: هل عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الّذين سمعت أبا هريرة يذكر أنّ هذه الملوك يشبه بعضها بعضا (1).
و في الجزء الخامس، في الثانية و العشرين بعد الأربع مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الملك بن عمرو، حدّثنا كثير بن زيد، عن داود بن أبي صالح، قال: أقبل مروان يوما، فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم آت الحجر، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، و لكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» (2).
أقول: أبو أيوب خالد بن زيد قتل في غزوة قسطنطنية منذ خمسين (3)أو إحدى و خمسين (4)أو اثنين و خمسين زمن معاوية (5)فتدبّر في تعيين الوالى.
و في «البخاري» في الجزء الرابع من كتاب الفتن في باب قول النبي صلى اللّه عليه و سلم:
«هلاك أمّتي على يدي أغيلمة سفهاء» .
حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد،
ص:72
قال: أخبرني جدّي، قال: كنت جالسا مع أبي هريرة في المسجد النبي صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة و معنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلاك (1)أمّتي على يدي غلمة من قريش» فقال مروان: لعنة اللّه عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان و بني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدّي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا، قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم (2).
و في حواشي شيخ الإسلام: قوله: «فكنت أخرج» قائله عمرو بن يحيى (3).
أقول: وجدنا السند في الكتابين كما أوردنا و يظهر من رواية «البخاري» السابقة أن عمرو بن يحيى هو الأموي؛ فليلاحظ.
و يؤيّده روايته السابقة أيضا و أخبار «ويل للأمراء» «ويل للوزراء» و نحو ذلك كثيرة جدّا في «المسند» (4)و غيره (5).
إذا عرفت هذه النبذة من أخبار هذا المضمار و اتّضح لك أنّ الإمام المذموم تاركه بالجاهلية و الجماعة المذموم المفارقها بها أيضا لا يعقل أن يكون هؤلاء و أتباعهم ضرورة لزوم الجاهلية لهم و لأتباعهم فكذا من حذى حذوهم، فيكون المفارق على ضدّ الجاهلية كما لا يخفى. فينحصر من يذم تاركه من الأئمّة
ص:73
و مفارقه من الجماعة فيمن لا أمر له إلاّ فيما هو للّه رضى و من ليس لهم غير العمل بالحقّ محضة و مرّة، فمن وجدته مصداقا لذلك يكون مورد تلك الأخبار، فإن لم تر تريها بقيت بلا مورد.
«اللهمّ بلى إنّك لا تخلي الأرض من حجّة لك كيلا يبطل بيّناتك» (1)و ذلك واضح بنصوص تلك الأخبار.
بالسمع]
ثمّ نقول: إنّ المذكور في أخبار الذمّ هلاك الناس و هلاك الأمّة و المراد من ذلك الهلاك ليس فساد دنياهم ليكون على حذو أخبار: «و سترون أثرة» ، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فاصبروا» (2)بل المراد فساد دينهم و فسادهم في الأمور الدينيّة، و يؤيّد ذلك ذكر الأمور الديني و الضلال في جملة من تلك الأخبار و ذلك الفساد لا يعقل أن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر فيه بغير الاعتزال أو الإنكار و لو بالقلب الذي هو أدنى مراتب الإيمان، كما في أحاديث الصحاح (3)و إلاّ أمرا بإفساد الدين و إذنا فيه (4).
فما قاله الإمام أحمد (5)في غير محله لا ينبغي أن يصدر عن مثله، كما لا ينبغي أن يخفى فساده على ولده و منشأ ذلك-بعد حمل الفساد و الهلاك على ما يرد على
ص:74
دنياهم لا دينهم-حمل سئوال السائلين على ما بعد ولاية هؤلاء الغلمة و الاعتزال على اعتزالهم حينئذ و هو أيضا كما ترى.
بل لمّا عرفوا وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (1)و أنّهم مورد تلك الهلكة سئلوا عن طريق النجاة عن تلك الورطة و عن السبيل الّذي لا يرد على تلك الهلكة فقال: «لو أنّ الناس اعتزلوهم» يعني من الأوّل و بدو الأمر، و كان ذلك الاعتزال سبيل أن لا ينالوا الولاية عليهم فيهلكوهم، و هذا واضح، و ليس فيه مخالفة لشيء من أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل أحاديث السمع و الطاعة-بعد رئاسة الوالي أيضا بعد ما فيها مخصّصة بغير صورة المعصية بصراح ما رواه هو و غيره-هي كثيرة جدّا.
مع أنّ المسلمين المتديّنين عنده اعتزلوا الولاة في فساد الدين و لم يسمعوا و لم يطيعوا. فهذا سعد بن أبي وقاص أمره معاوية بسب عليّ فلم يطعه و اعتزله إلى غير ذلك، ممّا لا يحصى هنا ممّا يعرفه المطلع في الأخبار و السير (2).
ثمّ إنّ الخبر المزبور يظهر منه عموم الهلاك، فليت الإمام أحمد كان صرف عنان الكلام إليه لمنافاته لأحاديث بقاء الدين و نحوها إلاّ أنّ من الواضح صحّة مثل هذا التعبير عرفا مع كثرة هالكهم، فلا تنافيها أيضا.
ثمّ إنّ هذا الصنع من الإمام الناقد يدلّ على أنّ كلّ ما رواه خال عمّا يبطله فيما زعم، كما أنّ تعرّضه لعمرو بن خالد (3)الراوي عن زيد بن علي-مع كون روايته
ص:75
عنه بوسائط-يدلّ على سلامة رجال رواياته الّتي سكت عنهم عمّا يوجب القدح فيهم وكلتا الدعويين منه واضحة الفساد بإخباره فضلا عن غيره إذ ممّن روي عنهم مترضيا (1)أبو الغادية (2)، قاتل-عمّار-مع روايته لرواية القدح (3)-أيضا إلى غير ذلك ممّا لا مهمّ في التعرّض له هنا.
و أمّا روايات أبي ذرّ فهي في «المسند» (4)أيضا صريحة في المخالفة حيث أمره بالصلاة ثمّ الصلاة معهم و الثانية من المماشاة، فلم يأذن صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تفويت فضيلة أوّل الوقت تبعا للأمراء و هو فضل فكيف بالمعاصي و هي خطر؟ فلاحظ.
و أمّا حديث كعب بن عجرة (5)فصريح في اعتزالهم حال إمارتهم و أنّ المتابعة لهم توجب هلاك الدين و الانفصال عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و البعد عنه و عدم ورود الحوض، ثمّ إنّ من المحتمل أن يراد من الكذب، الكذب في الإمارة و الظلم فيها أو الأعم لا خصوص الكذب و الظلم في أمر آخر خارج عن أصل الإمارة؛ فتأمّل.
و أمّا حديث ثوبان فصريح في أنّه كان يخاف على أمّته من الأئمّة المضلّين أن يضلّوهم و لذا عقبه هو أو ثوبان مولاه بذكر «طائفة منهم لا يزالون على الحق ظاهرين. . .» (6)إرشادا إلى أنّ من أراد التخلص من ضلال هؤلاء المضلّين فلتكن مع تلك الطائفة.
ص:76
ثمّ إنّ المشار إليهم في ذلك الخبر كأنّهم عين المشار إليهم في حديث كعب، مضافا إلى وضوح أنّ التصديق في الكذب و الإعانة في الظلم لا يقعان بلا ضلال، كما أنّ فراق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و البعد عنه و حرمان حوضه لا يكون لغير من ضلّ ممّن آمن به، و لعلّ ذلك واضح.
و أمّا رواية أبي سعيد الأولى (1)فهل يتوهّم عاقل أن يأمر اللّه تعالى أو يرضى بالكون مع من ذكر فيه من أبغض الناس و المجالسة أو يأمر بالاعتزال و المخالفة؟
و أمّا الثانية (2)فيعلم الحال فيها من الكلام في رواية كعب.
و قوله: «هو منّي» فيهما إشارة إلى قوله: «من تبعني فإنّه منّي» (3)المستفاد منه القرب في الجملة، و كيف كان فالمراد منه و تاليه في مثل المقام بقاء ما جاء بالإيمان برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الدخول في دين الإسلام و لا يقاس غيره؛ فلاحظ.
و أمّا ما أشرنا إليه جملا فلا يهمّنا الكلام في موضوعية الترتيب فيها و نحوه، و من الواضح أنّ النهي عن القتال (4)أعمّ من الأمور الموهومة كما لا يخفى.
و أمّا رواية عاصم (5)فمسوقة للحثّ على الصلاة معهم و عدم مشاركتهم كليّا و هو-كما ترى-لا يدلّ على الاقتصار على تلك الصلاة و إن أميت عن وقتها، فيكون ما يصنعه معهم نحو ما أمر به أبا ذرّ (6)، و ربّما يؤيّده قوله: «فلكم و عليهم» فهو أيضا من حقيقة الإعراض و الاعتزال، و كيف يحتمل أن يكون موت المنفرد بالحق من الجماعة المفارق فيه و به ميتة جاهلية؟ ! ! كما هو مورد ظاهر الخبر مع
ص:77
إرادة نحو ما علم أبا ذرّ و حينئذ يكون قوله: «من فارق. . .» تحذيرا عن مخالفة الحق و إلاّ فتفويت فضل الصلاة في وقتها يكون واجبا صونا للنفس عن الموت ميتة جاهلية؛ فلاحظ ذلك جيّدا.
مسلم في «صحيحه» في باب الأمر بلزوم الجماعة من كتاب الإمارة: حدّثني محمّد بن المثنّى، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا عبد الرحمان بن يزيد بن جابر، حدّثني بسر بن عبيد اللّه الحضرمي، أنّه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الخير و كنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول اللّه! إنّا كنّا في جاهلية (1)فجائنا (2)بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: فهل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: «نعم و فيه دخن» قلت: و ما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي و يهدون بغير هديي تعرف منهم و تنكر» فقلت: فهل بعد ذاك الخير من شرّ؟ قال:
«نعم دعاة على أبواب جهنّم من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول اللّه! صفهم لنا. قال: «نعم، (3)من جلدتنا و يتكلّمون بألسنتنا» ، قلت: يا رسول اللّه! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين و إمامهم» فقلت: (4)فإن لم تكن لهم جماعة و لا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها و لو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت و أنت على ذلك» (5).
ص:78
و رواه «البخاري» عن يحيى بن موسى، عن الوليد، عن ابن جابر، عن بسر بن عبيد اللّه الحضرمي، عن أبي إدريس نحوه (1)، بل رواه مكررا و يحتمل تعدد الطريق أيضا.
و لا يخفى أنّ هذا الخبر-بعد ضمّه إلى خبر «من مات بغير إمام» (2)و نحوه (3)الصريح في عود الجاهلية لو لا الإمام و ضمّه إلى أدلّة بقاء الإسلام يظهر منه إرادة عدم التمكن من الوصول إلى الإمام و عدم ظهور الإمام و نحوه لا عدم وجوده أصلا و إلاّ عادت الجاهليّة بمقتضى تلك الأخبار، كما أنّه يكون أمرا بها و كلاهما واضح الفساد باتّفاق الفريقين و يؤيده ما في بعض طرق الإمام أحمد في الحديث، قال: «فإن رأيت يومئذ خليفة اللّه في الأرض فالزمه و إن نهك جسمك و أخذ مالك، فإن لم تره فاهرب في الأرض و لو أن تموت بجذل شجرة. . .» الحديث (4).
و أيضا صريح في أنّ هؤلاء الدعاة على أبواب جهنّم، لا يكون لهم إمام في أهل الإسلام و إن ترأّسوا كما هو الفرض، و أنّ مع وجودهم لا بدّ أن يكون المفزع هو الإمام، فيجامع وجوده وجودهم، و يلزمه من وصل إليه، بل فرض ذلك-في شرّ بعد خير فيه دخن جمع رؤسائهم بين المعروف و المنكر-يدلّ على أنّه زمان لا يكون الرؤسا فيه إلاّ شرار الخلق، ليس لهم معروف، و أنّه حينئذ لو وجد إمام يكون ملاذا للناس في حكم اللّه و رسوله فهو غير الرؤساء بين الناس حينئذ، و إمامته حينئذ إنّما يكون بنصب من اللّه و رسوله، و يكون إماما لم يطع مثل نبيّ لم
ص:79
يصنع إليه و لم يتّبع، و لو لا أنّ الإمام حاله ذلك لم يكن الزمان شرّا كلّه، كما فرض، بل كان الفساد في بعض الرؤساء فقط، و الإمامة الّتي يجامع وجود صاحبها شرّ الزمان على الوجه المفروض في الرواية ما يقوله الإماميّة و لا يتعدّاهم كما لا يخفى.
و أيضا مسلم في الباب من الكتاب من «صحيحه» : و حدّثني محمّد بن سهل بن عسكر التميمي حدّثنا يحيى بن حسّان (ح) و حدّثنا عبد اللّه بن عبد الرحمان الدارمي، أخبرنا يحيى (و هو ابن حسّان) حدّثنا معاوية يعني ابن سلاّم، حدّثنا زيد بن سلاّم، عن أبي سلاّم، قال: قال حذيفة بن اليمان: قلت: يا رسول اللّه! إنّا كنّا بشرّ فجائنا (1)اللّه بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» قلت: كيف؟ قال: «يكون (2)أئمّة لا يهتدون بهداي و لا يستنّون بسنّتي (3)فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللّه! إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع و تطيع للأمير و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع» (4).
أقول: السمع و الطاعة إن أريد الحقيقي منهما كان ذلك أمرا بترك الاهتداء بهداه و الاستنان بسنّته و أمرا بإطاعة الشيطان كما هو مورد الخبر و لا يتوهّم ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مضافا إلى معارضته بروايته الأولى كما لا يخفى، و إن أريد محض إظهارهما مع المخالفة في الواقع و الباطن لم يكن فيه محذور، غير أنّه التقيّة التي ينكرها إخواننا، و إن أريد السمع و الطاعة لأمير ليس هو من هؤلاء الذين
ص:80
ذكرهم في خبره، و غرضه الحثّ على إطاعة ذلك الأمير الخارج عنهم في الكره و النشاط عند وجود هؤلاء الظلمة أيضا فلا يخالف خبره السابق، و يدلّ على أنّ الإمارة الإلهيّة و أنّ الأمير يمكن أن لا يكون مبسوط اليد، و أن لا يكون له رئاسة في الظاهر، و لا يضرّ ذلك في إمارته نظير ما يكون في النبيّ الذي لا يؤمن به قومه و هو ما يقوله الإماميّة بعينها؛ فلاحظ.
أقول: إذا عرفت الحثّ على الايتمام بالإمام، و التحذير عن ترك اتّخاذه، و الحثّ على الكون مع جماعة الحق، و التحذير عن مفارقتهم، كالتحذير عن الايتمام بالجائر، و الموافقة مع أهل الباطل، ممّا رويناه من الأخبار، فنقول:
في «البخاري» في كتاب المغازي في غزوة خيبر: حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عايشة، أنّ فاطمة عليها السّلام بنت النبي صلى اللّه عليه و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر.
فقال أبو بكر: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» و إنّما يأكل آل محمّد صلى اللّه عليه و سلم في هذا المال و إنّي و اللّه لا أغيّر شيئا من صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة (1)شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت و عاشت بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ستة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر، و صلّى عليها و كان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة فلمّا توفّيت
ص:81
استنكر عليّ وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته، و لم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا و لا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر.
فقال عمر: لا و اللّه، لا تدخل عليهم وحدك.
فقال أبو بكر: و ما عسيتهم أن يفعلوا بي، و اللّه لآتينّهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهّد عليّ، فقال: إنّا قد عرفنا فضلك و ما أعطاك اللّه و لم ننفس عليك خيرا ساقه اللّه إليك، و لكنّك استبددت علينا بالأمر و كنّا نرى لقرابتنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصيبا، حتّى فاضت عينا أبي بكر، فلمّا تكلّم أبو بكر قال: و الذي نفسي بيده لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحبّ إليّ، أن أصل من قرابتي، و أمّا الذي شجر بيني و بينكم من هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير، و لم أترك أمرا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصنعه فيها إلاّ صنعته.
فقال عليّ لأبي بكر: موعدك العشيّة للبيعة، فلمّا صلّى أبو بكر الظهر رقي المنبر فتشهّد و ذكر شأن علي و تخلّفه عن البيعة و عذره بالذي اعتذر إليه، ثمّ استغفر و تشهّد عليّ فعظّم حقّ أبي بكر و حدّث: أنّه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر و لا إنكارا للذي فضّله اللّه به، و لكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبدّ علينا فوجدنا في أنفسنا، فسرّ بذلك المسلمون، و قالوا: أصبت و كان المسلمون إلى عليّ قريبا حين راجع الأمر بالمعروف (1).
مسلم في «الصحيح» في كتاب الجهاد و السير، في باب قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا نورث، ما تركناه فهو صدقة» : حدّثني محمّد بن رافع، أخبرنا حجين، حدّثنا ليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عايشة أنّها أخبرته أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فساق مثله سواء (2).
ص:82
قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم و محمّد بن رافع و عبد بن حميد، قال ابن رافع:
حدّثنا و قال لآخران: أخبرنا عبد الرزّاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عايشة، أنّ فاطمة و العبّاس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدك و سهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: إنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، ثمّ قال مسلم: و ساق الحديث بمثل (1)حديث عقيل عن الزهري غير أنّه قال: ثمّ قام عليّ فعظّم (2)حقّ أبي بكر و ذكر فضيلته و سابقته، ثمّ مضى إلى أبي بكر فيبايعه، فأقبل الناس إلى عليّ، فقالوا: أصبت و أحسنت، فكان الناس قريبا إلى علي حين قارب الأمر المعروف (3).
أقول: و روى محمّد بن يوسف بن محمّد القريشي الكنجي صدر الحفاظ فقيه الحرمين في كتابه «كفاية الطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب» عن إبراهيم بن محمود المعروف بابن الخيّر، عن خديجة بنت النهرواني، عن الحسين بن طلحة النعالي، عن علي بن محمّد، عن إسماعيل بن محمّد، عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عايشة إنّ فاطمة و العبّاس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدك و سهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة» إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال، و اللّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصنعه، قال: فغضبت فاطمة و هجرته و لم تكلّمه حتّى ماتت فدفنها عليّ ليلا و لم يؤذن أبا بكر، قالت عايشة: و كان لعليّ من الناس وجه في حياة فاطمة، فلمّا توفّيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عند ذلك، قال
ص:83
معمر للزهري: كم مكثت فاطمة بعد النبي صلى اللّه عليه و سلم؟ قالت: ستّة أشهر، فقال رجل للزهري: فلم يبايعه عليّ حتّى ماتت فاطمة، قال: لا-و لا أحد من بني هاشم. ثمّ قال: قلت: هذا حديث صحيح متّفق على صحّته أخرجه «البخاري» و «مسلم» في كتابيهما (1).
أقول: لعلّ نظر هذا الحافظ إلى خصوص قصّة فاطمة و أمر فدك، فقد تكرّر روايتهما في الصحيحين (2)و يؤيّده أنّه ذكر ما ذكر فيما يتعلّق بفاطمة و أمّا ما اشتمل على قصّة بيعة عليّ من ذلك الحديث في الصحيحين فهو ما أوردناه و لا يوجد فيهما غيره.
نعم في «باب مناقب قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منقبة فاطمة عليها السّلام» بنت النبيّ ذكر: فتشهّد عليّ، و قوله: إنّا قد عرفنا. . . (3)و هو بعض تلك الرواية، كما يعرفه المراجع، و «البخاري» أورد حديث مطالبة فاطمة عليها السّلام في الخبر الثاني في باب فرض الخمس (4)، و أخرى في باب مناقب قرابته. . . (5)و ثالثة في أوائل المغازي من الجزء الثالث (6)، و رابعة في غزوة خيبر (7)لمّا أوردناه، و خامسة في الرابع في باب قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «لا نورث» (8). و مسلم ذكره في الباب (9)و الإمام أحمد في
ص:84
عدّة مواضع من مسند الصديق (1)و فى «شرح النهج» لابن أبي الحديد مثل ذلك، مع الزيادة السابقة بعد نسبة الرواية إلى الشيخين (2).
و عن «إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري» لشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني هكذا: «و قد صحّح ابن حيان و غيره من حديث أبي سعيد الخدري، أنّ عليّا بايع أبا بكر في أوّل الأمر، و أما ما في «مسلم» عن الزهري، أن قال له رجل: لم يبايع عليّ أبا بكر حتّى ماتت فاطمة عليها السّلام، قال: و لا أحد من بنى هاشم، فقد ضعّفه البيهقي (3): بأن الزهري لم يسنده و أن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح» (4)انتهى.
و في «الصواعق المحرقة» : قال البيهقي: «و أمّا ما وقع في «صحيح مسلم» عن أبي سعيد من تأخر بيعته هو و غيره من بنى هاشم إلى موت فاطمة عليها السّلام فضعيف، فإن الزهرى لم يسنده. و أيضا فالرواية الأولى عن أبي سعيد هي الموصولة فتكون أصحّ» انتهى (5).
و لعلّ ذلك يشهد بوجود الذيل أيضا في «مسلم» أو بعض نسخه؛ فلاحظ.
و في حديث السقيفة من «المسند» و هو بعد مسند فاروق و من «البخاري» و هو في باب رجم الحبلى بسندهما عن سيّدنا عمر: إلاّ و أنّه كان من خبرنا حين توفّى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، أنّ عليّا و الزبير و من كان معهما تخلّفوا في بيت فاطمة عليها السّلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تخلّفت عنّا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، و اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من هؤلاء
ص:85
الأنصار فانطلقنا، . . . القصّة (1).
و في رواية ابن عبّاس في باب فضل أبي بكر، من الجزء الثاني من «صحيح البخاري» بعد ذكر قصّة الشيخين في إنكار موته و الردع، قال: اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبّادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منّا أمير و منكم أمير؛ فذهب إليهم أبو بكر الصديق و عمر بن الخطّاب و أبو عبيدة بن الجرّاح. . . الخبر (2).
أقول: و كيف كان فهذا الخبر قد رواه الشيخان و غيرهما، مع زيادة احتياط أبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري في مرحلة النقل، حيث أشار إلى اختلاف لفظ مشايخه في نقلهم له، حيث قال: قال ابن رافع: حدّثنا و قال الآخران: أخبرنا (3)، و ذلك يكشف عن غاية احتياطه في حفظ اللفظ في الروايات، حتّى فيما لا يختلف المعني باختلافه، و قد سلك هذا المسلك في غير موضع من كتابه، فجزاه اللّه جزاه، و من يريد الاستفادة و الاستدلال بالروايات و معرفة السوالف من الحكايات يتردد أمره بين أمور لا يرى العالم شيئا منها إلاّ حرجا.
الأوّل: إبطال تلك الروايات الّتي أعمل فيها مثل هذا الاحتياط من هذه الرواة أيضا، فينكر ما فيها من أمر البيعة فرارا عن محذور الآخرين.
الثاني: الالتزام بصحّة ما فيها من الأمر المزبور، و القول: بأنّ عليّا الذي مع القرآن و القرآن معه، و من وافقه في القعود عن البيعة في تلك الستّة الأشهر، كانوا
ص:86
صاروا أهل جاهلية، حيث لم يكن لهم إمام فيها، حيث امتنعوا عن بيعة الصديق و كفوا عنه كما ستعرفه، و لأنّهم فارقوا الجماعة و لم يلزموها، خصوصا على ما رواه الترمذي عن ابن المبارك من تفسير الجماعة بالشيخين في عصرهما (1).
فيكون حال نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حال سعد بن عبّادة.
ففي حديث السقيفة في الكتابين: فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته و بايعه المهاجرون، ثمّ بايعته الأنصار و نزونا على سعد بن عبّادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبّادة، فقلت: قتل اللّه سعد بن عبّادة (2).
و في حديث ابن عبّاس السابق: فأخذ عمر بيده فبايعه و بايعه الناس فقال قائل: قتلتم سعد بن عبّادة، فقال: قتله اللّه (3)قلت: يعني، قال سيّدنا عمر!
قلت: و دعا سيّدنا عمر على سعد بذلك يوم السقيفة الدالّ على محبوبية مقتوليته أو قتله، و أنّ موته أحبّ إليه من بقائه في دار الدنيا، و أنّ حياته شرّ له يحسن دفعه، و شبه ذلك ممّا يستكشف منه حبّه لأن يقتلوه و إلاّ فلا يدعو لما يكره، كما هو عادة العقلاء فيما يدعون له سرى إلى عليّ أيضا إمام الجمل، كما ستعرفه آنفا إن شاء اللّه تعالى، و هذا ممّا يؤيّد لحوقه و من تبعه في أمر البيعة بسعد بن عبادة و ثبوت عنوان الجاهلية لهم فيما زعموا، فكانوا يرون أنفسهم الجماعة الذين يكون مفارقهم جاهليا، و إمامهم الإمام الّذي يكون من لا يأتمّ به جاهليا.
ففي «المسند» في الجزء الأوّل، في مسند الزبير، في السادسة و الستّين بعد
ص:87
المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عفّان، حدّثنا مبارك، حدّثنا الحسن، قال: جاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال: أقتل لك عليّا عليه السّلام؟ قال: لا، و كيف تقتله و معه الجنود؟ قال: ألحق به فأفتك به، قال: لا، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن» (1).
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا مبارك بن فضّالة، حدّثنا الحسن، قال: أتى رجل الزبير بن العوام فقال: ألا أقتل لك عليّا عليه السّلام؟ قال:
و كيف تستطيع قتله و معه الناس؟ قال: فذكر معناه (2).
و في الّتي بعدها: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسماعيل، حدّثنا أيّوب عن الحسن، قال: قال رجل للزبير: ألا أقتل لك عليّا عليه السّلام؟ قال: كيف تقتله؟ قال أفتك به، قال: لا، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن» (3).
و لكنّ الأسف هنا-إنّ بعد المرمى-فقد مال أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري في كتابه، «كتاب الإمامة و السياسة» و يروي عنه في هذا الكتاب ناسبا لهذا الكتاب إليه العلاّمة عمر بن محمّد بن أبي الخير محمّد بن عبد اللّه بن فهد في كتابه «اتحاف الورى بأخبار أمّ القرى» في وقائع ثلاث و تسعين؛ فليلاحظ (4).
و نسخ «كتاب الإمامة» أيضا ليست بتلك العزة؛ فليراجع.
قال في عنوان «كيف كانت بيعة علي عليه السّلام» بعد كلام له: و بقي عمر و معه قوم، فأخرجوا عليّا عليه السّلام و مضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن لم أفعل، فمه؟ قالوا إذا و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك! قال: إذا تقتلون عبد اللّه و أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال عمر: أمّا عبد اللّه فنعم و أمّا أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلا! و أبو بكر
ص:88
ساكت لا يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق عليّ بقبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصيح و يبكي و ينادي (1): اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي (2).
و ذلك مؤيّد أيضا بما نرده في سعد (3)و كان منه بمنزلة هارون لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (4).
و في مسند أم الفضل من «مسند الإمام أحمد» : حدّثنا عبد اللّه، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده، حدّثنا أبو معمر و سمعته أنا من أبي معمر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال: حدّثنا يزيد يعني ابن أبي زياد عن عبد اللّه بن الحرث، عن أمّ الفضل بنت الحرث و هي أمّ ولد العبّاس أخت ميمونة، قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم في مرضه، فجعلت أبكي، فرفع رأسه، فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: خفنا عليك، و ما ندري ما نلقي من الناس بعدك يا رسول اللّه! قال: «أنتم المستضعفون بعدي» (5).
أقول: و قال تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ (6).
و الكلام في مثل ذلك خروج عن غرض الكتاب فليطلب من مظانه.
الأمر الثالث: الالتزام بعدم كون تلك الإمامة إمامة ينظر إليها أخبار من مات بغير إمام و نحوها (7)، و لا بالجماعة جماعة يكون مفارقهم أهل
ص:89
جاهلية (1)و كل ذلك فيه محذور، فتلك الروايات بحر هلكة لا ينجو فيه غير من ركب سفينة محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيين صلوات اللّه عليه و آله و أخذ من تلك الوجوه ما يقتضيه قواعد شرعه و أخبار سنّته، فنقول: أمّا إبطال الحديث فكأنّهم لا يقدمون عليه لما قالوا في الصحيحين و مصنّفيها و الثالث أيضا أساس مذهبهم، فقد يتوهّم الجاهل أنّ الأمر في الثاني أهون، فلنشر إلى بعض ما ينافيه:
فنقول: يجب على المسلمين أن يحبّوه أجر الرسالة في آية المودّة في القربى، فكيف يحارب و يعادى من قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من فارقه فارق اللّه» (2)«و خير البرية» (3)، «حبّه إيمان و بغضه كفر و نفاق» (4)، «باغضه يموت ميتة جاهلية يهوديا أو نصرانيا» (5)، «حربه حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو حرب له» (6)و عدل كتاب اللّه «لا يتفارقان حتّى يردا عليّ الحوض» (7)فأين كان كتاب اللّه في تلك الستة الأشهر؟ فإن كان مع الممتنع عن البيعة فهي مخالف للكتاب النور و الهدى، عالم بالقرآن و تأويله، لو قاتل كان على تأويله، و يدور الحق معه، و هو على قلبه و لسانه و بين عينيه و كفى بذلك مانعا عن الثاني، فيتعيّن الثالث عند من لا يرى
ص:90
الأوّل، و نبذة من أخبار هذا الوجه قد رويناها في أوّل كتاب «سلاح الحازم» فليراجع (1).
و إذا عرفت ذلك فلنوضح ما رويناه من الخبر ليتّضح حال بيعته في ذلك الوقت أيضا.
فنقول: «و كان لعليّ عليه السّلام من الناس وجه أو وجهة حياة فاطمة عليها السّلام تلك الستّة الأشهر فلمّا توفّيت استنكر عليّ وجوه الناس (2)أو انصرف عنه وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته و لم يكن بايع أو يبايع تلك الأشهر (3).
أقول: يدلّ الصدر على أنّه كان للنّاس إقبال إلى عليّ في تلك المدّة-مدّة حياة فاطمة، مدّة الامتناع من البيعة أو مدّة ترك البيعة-و بقرينة ترتب البيعة و المصالحة على انصرافها يعلم أنّه بالنظر إلى أمر الخلافة أو الامتناع من البيعة، أيّا منهما كان، فلا يكون تلك الوجهة ممّن بايع عن صميم القلب و راضيا بها لمنافاة ذلك لتلك الوجهة، فيدلّ على أنّ هؤلاء كانوا يرون أن لم يتحقّق الإمارة بحقيقتها، و إلاّ فكيف يكون لهم وجهة إلى من يخالف تلك الإمارة؟ ! ! و ذلك ممّا يؤيده ما رواه الكنجي (4)و ابن أبي الحديد (5)عن الصحيحين صريحا من عدم بيعة أحد من بني
ص:91
هاشم (1)فكأنّهم إذا لم يبايعوا عامّة لم يطمئنّ الناس بدوام ما فعلوه أيضا؛ فلاحظ.
و كيف كان، فأهل تلك الوجهة لا بدّ أن يكونوا لنفع عليّ المخالف لتلك الخلافة، التارك لبيعتها على وجه الامتناع بعد الحث و السؤال و على ضرر تلك الخلافة، حتّى يترتب البقاء على الخلاف على وجود تلك الوجهة و الرجوع عنه و الإقدام على المصالحة على انعدام تلك الوجهة. و بالجملة، فدوران الامتناع المزبور مع تلك الوجهة من الناس وجودا و عدما يدلّ على تمام مدخلية تلك الوجهة في الامتناع و ليس ذلك إلاّ بواسطة التمكن من الامتناع مع تلك الوجهة و عدم التمكّن مع عدمها، بأن يكون لا يسع قهر ذلك الممتنع على البيعة أو إضراره بالترك مع تلك الوجهة، بخلاف صورة انتفاء تلك الوجهة، فكان يسع أحد الأمرين أو كلاهما.
و بعبارة أخرى الممتنع كأنّه كان متحصّنا بتلك الوجهة و محفوظا بها فلمّا ارتفع الحصن و غاب الحافظ ترك الامتناع فرارا عمّا يتعقّبه من المفسدة، فإن كان الحال كذلك كما يرشد إليه قولها «فالتمس مصالحة أبي بكر و الاعتذارات» (2)فمن الواضح أنّ تلك البيعة أيضا لا تكون بيعة اختيارية بل اضطرارية محضة، أوتي بها دفعا للضرر و حفظا للنفس عن المهالك، و لا عملا بالأخبار السابقة كما لا يخفى، بل المبايع كذلك في حكم الخارج في الواقع رأسا، فلم يرتفع محذور المخالفة حينئذ أيضا.
ثمّ إنّ الخبر صريح في أنّ التماس المصالحة و المبايعة ترتّب على فوات
ص:92
الوجهة و كان عقيبه، فيكون الإقدام على الصلح لفقد الناصر المعين في الوصول إلى المدّعى، إذ المصالحة تكون بعد منازعة لا قبلها، و المصالحة قد تؤمي إلى أنّ الخصم ليس بذي حقّ بزعم المصالح، فماذا يثبت تلك المصالحة في مرحلة الواقع، خصوصا إذا كانت عن حاجة إلى ترك الخصومة بالعجز عنها؟
ثمّ إنّ ما أومى إليه لفظ المصالحة من وجود الخصومة، بل العداوة قد يؤيّده قول عمر و جواب أبي بكر بقول: «و ما عسيتهم أن يفعلوا بي» (1)حيث يدلّ على أنّه خشي عليه منهم أو زعم هو خشيته، و هذا ممّا يؤيّد ما ذكرناه في وجه دوران الامتناع مع وجهة الناس؛ فلاحظ.
ثمّ إنّ الإرسال المزبور نفس التماس المصالحة، و لا بدّ من التدبّر في وجه فهم عايشة، أنّ اشتراط الوحدة لكراهة محضر عمر، لا لإرادة أصل الوحدة، و في أنّ أيّ مفسدة كانت لحضوره في ذلك المجالس بزعمها أو زعم علي ظاهر السياق إن لم يكن يتمّ المقصود من وقوع المصالحة، و ليتأمّل في أنّه من أيّ وجه كان يبطلها أو يمنعها؛ فلاحظ.
حديث السقيفة من الكتابين (1)و قوله: «بلزوم كون الأمر في قربى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا غيرهم» كما في غير واحد من الروايات (2).
و أمّا أبو بكر فلم يجبه عن ذلك، و مثله، و تعرض لذكر الأموال مصرحا بنشو العداوة بينهما منها أيضا، دفعا لما دخل القلوب منها، فقال: ما قال، يعني من زمان تصرّفه فيها إلى الوقت، و لم يتعرض له عليّ عليه السّلام في ذلك، و صريح روايات قصّة الخصومة إلى عمر في الصحيحين و غيرهما شهادة عمر بأنّه لم يصدّقه، قال: و أنتما حينئذ تذكران أبا بكر فيه كما تقولان و اللّه يعلم أنّه صادق، بارّ، راشد، تابع للحقّ (3)بل في «صحيح مسلم» في كتاب الأنفال، في الحديث: «فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا، و اللّه يعلم أنه لصادق بارّ راشد تابع للحق. . . (4)
و كيف كان فأعرض عمّا قال، و وعده العشية للبيعة، و فعل في المسجد أيضا ما فعل، و لم يظهر أنّه كان أخطأ و لا شبه ذلك، و سرّ المسلمون حيث راجع الأمر بالمعروف، و لم يقع منكرا و رجع إلى الأمر المعروف الّذي ليس بمنكر، و يدلّ ذلك على أنّهم كانوا بعدوا منه قبل المراجعة، فقرّبوا حين راجع، فليتأمّل في ذلك أيضا.
و لعلّه ليس غير ما أشرنا إليه؛ فلاحظ.
و ممّا ينبغي التأمّل في وجهه ما حكاه قولها: «حتّى فاضت عينا أبي بكر» (5)فما وجه بكائه الآن؟ و من المحتمل أنّه رأى وقوع ما أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمّ
ص:94
الفضل من استضعافهم بعده. ثمّ قول الناس: «أصبت أحسنت» (1)يشعران بأن لم يكن قبل تلك البيعة أصاب و أحسن، فلا أدري هل كان الحق و القرآن فارقاه أو العياذ باللّه انتفى عنهما الإصابة و الإحسان أيضا؟ فياله من تمسك بالكتاب و العترة.
تتميم: قد علم من الأخبار في أوّل الباب اعتبار العلم بكافّة شرائع الإسلام في الإمام المفترض الايتمام به، و كونه لا يأمر بغير ما رضيه اللّه، ليتمّ فرض طاعته، و كون من انحاز عنه جاهليا، و كونه مع الحقّ، فيكون مفارقه جاهليا، إلى غير ذلك، فمن وجد إمامه بذلك الوصف فليحمد اللّه على الاهتداء، و إلاّ فليعلم أنّه أورد الروايات غير مواردها، و لم يحصل له الايتمام الواجب، و الانقياد الازم للإمام المشار إليه في تلك الأخبار.
ثمّ نقول يلاحظ ذلك بالنسبة إلى أهل بيت قرناء التنزيل و آياته، فيقال: إنّهم إمّا أن يكونوا هم الإمام الواجب على الناس اتخاذه و الايتمام به، أو يكون الإمام غيرهم، و الثاني يبطله أن لا يعقل جاهليتهم بعد الأمر بالتمسك بهم، و جعلهم مرجعا للناس، و آمنا من الضلال و نحوه، فإنّ قضية ذلك، كفاية ذلك للورود على الحوض، و نحوه المنافي للجاهلية و إنّ العترة لو لم يتخذوا إماما لزم كونهم أهل جاهلية، فكيف يجعلون قرين القرآن فيما يأتي يؤمر بالرجوع إليهم؟ ! ! .
و إنّ العترة أهل البيت إمّا أن يكونوا الجماعة الذين يكون مفارقهم أهل جاهلية أو في تلك الجماعة رئيسا فيها، حسب ما يعرف، ممّا أثبت لها أو يكونوا غيرهم و خارجين عنهم؟ و على الثاني يكونون أهل جاهلية و هو واضح الفساد. و على
ص:95
الأوّل يكون الجاهلية بفراقهم، سواء كانوا نفس الجماعة أو الرؤساء فيها، و إنّ العترة ما ورد فيها مانع عن دخولهم في شيء من العناوين المذمومة في الأخبار السابقة في الرؤساء، فلابدّ من دخولهم في غيرهم، فتكون العناوين المذمومة كلها لغير العترة، و أتباعهم فيكون الهدى باتّباعهم فقط. و الجاهلية بفراقهم كذلك.
و أيضا إنّ هذا الإمام للناس إمّا أن يكلّف بالرجوع إلى أهل البيت، كما أمر غيره، و الأخبار الآتية تعم الناس كلّهم، فالخروج من الجاهلية باتّباع ذلك الإمام، يكون باستضاءته من نور أهل البيت و العترة فقط، فيكون أهل البيت مدار ذلك، و هم الإمام حقيقة دون تابعهم، كما لا يخفى.
فيثبت من ذلك انحصار العالم بشرايع الإسلام كما هو حقّه، و العامل بها الّذي لا يفارقها في عمله، و إلاّ لم يذم من فارقه في عمله المفارق شرع الاسلام، كما لا يخفى في أهل البيت و العترة دون من سواهم.
و كيف كان فالمتحصّل من أخبار «من مات بغير إمام» و «من مات مفارقا للجماعة» (1)عروض الجاهلية و حصول الضلال بهذين العنوانين، و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يخاف على أمّته عروض الضلال، فأراد أن يفعل ما يمنعهم من الضلال فمنعوه، و كان الجمع بينهما يشهد بتعلّق الكتاب بتسجيل أمر الإمام و الجماعة و إلاّ مانعان عن الضلال الذي كان يخاف منه، فلنشر إلى ذلك في باب على حدة.
ص:96
باب أنّ هذه الأمّة قد خيف عليهم الضلال.
و وقع ذلك المحذور بفقد شرط انتفاء ذلك المخوف، و لو ائتموا بإمام مرّ وصفه لم يضلّوا قضية ما سلف، و أراد أن يكتب ما لا يضلّون بعده، فمنع منه و كان رزيّة كلّ الرّزية.
ص:97
في الجزء الأوّل من الأجزاء الستة من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث ابن عبّاس، في الصفحة الثانية و العشرين بعد المأتين من الجزء المزبور في الطبع، حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا سفيان، عن سليمان ابن أبي مسلم خال ابن نجيح، سمع سعيد بن جبير، يقول: قال ابن عباس: يوم الخميس و ما يوم الخميس، ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه، و قال: مرّة دموعه الحصى، قلنا: يا أبا العباس و ما يوم الخميس؟ قال: اشتدّ برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا» فتنازعوا و لا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ قال سفيان: يعني هذه استفهوا، فذهبوا، يعيدون عليه فقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه» و أمر بثلاث، و قال سفيان: مرّة أوصي بثلاث، قال:
«أخرجو المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» و سكت سعيد عن الثالثة، فلا أدري أسكت عنها عمدا؟ و قال: مرّة أو نسيها، و قال سفيان: مرّة و إمّا أن يكون تركها أو نسيها (1).
«البخاري» في الجزء الثاني في التاسعة و الثلاثين بعد المأة: حدّثنا محمّد، حدّثنا ابن عيينة، عن سليمان بن أبي مسلم الأحول، سمع سعيد بن جبير، فذكر نحوه باختلاف يسير، فقال: «ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا» فتنازعوا و لا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر استفهموه؟ فقال: «ذروني فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» فأمرهم بثلاث، قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» و الثّالثة إمّا أن سكت
ص:98
عنها و إمّا أن قالها فنسيتها؟ قال سفيان: هذا من قول سليمان (1).
و أيضا «البخاري» في الجزء الثاني من الأجزاء الأربعة، في الثانية و العشرين بعد المأة في الطبع: حدّثنا قبيصة، حدّثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، نحو الأوّل باختلاف يسير، إلاّ أنّه قال بعد قوله: تنازع: فقالوا:
هجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» و أوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» و نسيت الثالثة، و قال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرّحمان عن جريرة العرب؟ فقال: مكّة و المدينة و اليمامة و اليمن، و قال يعقوب: و العرج أوّل تهامة (2).
و في الجزء الثالث، في الثانية و الستين، في مرض النبي صلى اللّه عليه و سلم: حدّثنا قتيبة، حدّثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس: يوم الخميس و ما يوم الخميس، اشتدّ برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجعه، فقال: «ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فتنازعوا و لا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فذهبوا، يردون عليه، فقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه» و أوصاهم بثلاث، قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» و سكت أو قال فنسيتها (3).
مسلم في «صحيحه» في الجزء الثاني، في باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه و هو في العاشرة: حدّثنا سعيد بن منصور و قتيبة بن سعيد و أبو بكر بن أبي شيبة و عمرو الفاقد [و اللفظ لسعيد]، قالوا: حدّثنا سفيان، عن سليمان
ص:99
الأحول، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: يوم الخميس و ما يوم الخميس، ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى، فقلت: يا ابن عباس و ما يوم الخميس؟ قال: اشتدّ برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجعه، فقال: «ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي» فتنازعوا. و ما ينبغي عند نبيّ تنازع، و قالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه قال:
«دعوني، فالّذي أنا فيه خير، أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا بنحو ما كنت أجيزهم» و قال: و سكت عن الثّالثة أو قالها فأنسيتها (1).
ابن أبي الحديد: في الصحيحين خرّجا معا، فذكر الحديث، و قال في آخره:
و سئل ابن عباس عن الثالثة، إمّا أن لا يكون تكلّم بها و إمّا أن يكون قالهما فنسيت (2).
و في «المسند» في الثالثة و التسعين بعد المأتين من الجزء الأوّل في الطبع:
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حسن، حدّثنا شيبان، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، أنّه قال: لمّا حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «ائتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لا يختلف منكم رجلان من بعدي» قال: ما قبل القوم في لغطهم، فقالت المرأة: و يحكم عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (3).
و في آخر الرابعة و العشرين بعد الثلاث مأة من الجزء في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثني وهب بن جرير، حدّثنا أبي، قال: سمعت يونس يحدّث عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال: لمّا حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الوفاة قال: «هلّم أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده» و في البيت رجال، فيهم عمر بن
ص:100
الخطاب، فقال عمر: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد غلبه الوجع، و عندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه، قال: فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول يكتب لكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو قال: قرّبوا يكتب لكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و منهم من يقول: ما قال عمر، فلمّا اكثروا اللغط و الاختلاف و غم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «قوموا عنّي» فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم (1).
أقول: و قال «البخاري» في الثانية و العشرين من الجزء الأوّل: حدّثنا يحيى بن سليمان، قال: حدّثني ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ صلى اللّه عليه و سلم وجعه قال: «ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده» قال عمر: إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم غلبه الوجع، و عندنا كتاب اللّه حسبنا، فاختلفوا و كثر اللغط، قال: «قوموا عنّي، و لا ينبغي عندي التنازع» فخرج ابن عباس، يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين كتابه (2).
و في «المسند» في السادسة و الثلاثين بعد الثلاث مأة من الجزء الأوّل، في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرزاق، حدّثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال: لمّا حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم-و في البيت رجال و فيهم عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه-قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «(هلّم) أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد غلب عليه الوجع، و عندنا القرآن، حسبنا كتاب اللّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابا (لن) لا تضلّوا بعده، و فيهم من يقول: ما قال عمر، و لمّا أكثروا اللغو
ص:101
و الاختلاف عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قوموا» قال عبد اللّه: و كان ابن عباس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم (1).
أقول: «البخاري» في باب مرض النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من الجزء الثالث، و هو في الثانية و الستين من الطبع: حدّثنا علي بن عبد اللّه، حدّثنا عبد الرزاق، فذكر نحوه إلاّ أنّه قال: و في البيت رجال، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «هلّموا. . .» و قال أيضا: و منهم من يقول:
غير ذلك (2).
فترك التصريح بذكر عمر في المقامين.
و قال في الجزء الرابع، في باب قول المريض «قوموا عنّي» هو في الخامسة من الطبع: حدّثنا إبراهيم بن موسى، حدّثنا هشام عن معمر و حدّثني عبد اللّه بن محمّد، حدّثنا عبد الرزّاق، أخبرنا معمر فذكر نحو ما في المسند سواء (3).
و في باب كراهية الخلاف و هو في الثالثة و الثمانين بعد المأة في الطبع: حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام عن معمر، عن الزهري فذكر نحوه سواء، ذاكرا لعمر في المقامين صريحا أيضا (4).
و في «صحيح مسلم» في الباب السابق: حدّثني محمد بن رافع و عبد بن حميد قال: عبد أخبرنا و قال ابن رافع: حدّثنا عبد الرزّاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن ابن عباس، فذكر مثله إلاّ أنّه قال: «كتابا لا تضلّون بعده» فقال عمر: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه. . . (5).
ص:102
و عن ابن أبي الحديد في «الشرح» : قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري:
حدّثنا الحسن بن الربيع، عن عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن عبيد اللّه بن العباس، عن أبيه قال: لمّا حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوفاة-و في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ائتوني بدواة و صحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلّون بعدي» فقال عمر: كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ قال: إنّ عندنا القرآن، حسبنا كتاب اللّه؛ فاختلف من في البيت و اختصموا، فمن قائل يقول: القول ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من قائل يقول: القول ما قال عمر، فلمّا كثر اللغط و اللغو و الاختلاف غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: «قوموا؛ إنّه لا ينبغي لنبي أن يختلف عنده هكذا» فقاموا، فمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ذلك اليوم؛ فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا و بين كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعني الاختلاف و اللغط.
قلت: هذا الحديث قد خرّجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري و مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحهما و اتفق المحدّثون كافّة على روايته (1).
و في «المسند» في الخامسة و الخمسين بعد الثلاث مأة من الجزء الأوّل في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا و كيع، حدّثنا مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يوم الخميس و ما يوم الخميس؛ ثمّ نظرت إلى دموعه على خديه تحدر كأنّها نظام اللؤلؤ، قال: قال:
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ائتوني باللوح و الدواة، أو الكتف، أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا، فقالوا: رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يهجر (2).
النسائي في «خصائصه» في الثامنة و العشرين هكذا ذكر: آخر الناس عهدا
ص:103
برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: أخبرنا أبو الحسن على بن حجر المروزي، قال: حدّثنا جرير، عن المغيرة، عن أم المؤمنين أم سلمة: إنّ أقرب النّاس عهدا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليّ رضى اللّه عنه (1).
أخبرني محمد بن قدامة، قال جرير: حدّثنا حرير عن مغيرة، عن أم موسى قالت: قالت أم سلمة: و الّذي تحلف به أم سلمة، إنّ أقرب النّاس عهدا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليّ رضى اللّه عنه، قالت: لما كانت غدوة قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأرسل إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالت: و أظنّه كان بعثه في حاجة، فجعل يقول: جاء عليّ ثلاث مرّاة! فجاء قبل طلوع الشمس، فلمّا أن جاء عرفنا أنّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت و كنّا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يومئذ في بيت عايشة، و كنت في (2)آخر من خرج من البيت، ثمّ جلست من وراء الباب، فكنت أدناهم إلى الباب، فاكبّ عليه عليّ رضى اللّه عنه، فكان آخر النّاس به عهدا، فجعل (3)يساره و يناجيه (4).
و في الجزء السادس من «مسند الإمام أحمد» في الثلاث مأة في أحاديث أم سلمة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد اللّه بن محمد و سمعته أنا من عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة، قال: حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن أم موسى، عن أم سلمة، قالت: و الّذي أحلف به أن كان عليّ عليه السّلام لأقرب النّاس عهدا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، قالت: عدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غداة بعد غداة، يقول: «جاء عليّ عليه السّلام مرارا» قالت: و أظنّه كان بعثه في حاجة، قالت: فجاء بعد، فظنت أنّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند الباب، فكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه عليّ، فجعل يساره و يناجيه، ثمّ قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يومه ذلك،
ص:104
فكان أقرب الناس به عهدا (1).
أقول: قال مسلم في الباب السّابق: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا و كيع عن مالك بن مغول؛ فذكر مثله إلاّ أنّه قال: «ائتوني بالكتف و الدواة (أو اللوح و الدواة) (2)» .
و في «المسند» في السادسة و الخمسين بعد الثلاث مأة من الجزء الأوّل في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا وكيع، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس، قال: لمّا مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرضه الّذي مات فيه، كان في بيت عايشة، فقال: «ادعوا إليّ عليّا» قالت عايشة: ندعو لك أبا بكر؟ قال: «أدعوه» قالت حفصة: يا رسول اللّه ندعو لك عمر؟ قال: «ادعوه» قالت أم الفضل: يا رسول اللّه ندعو لك العباس؟ قال: «ادعوه» فلمّا اجتمعوا رفع رأسه؛ فلم ير عليّا فسكت، فقال عمر: قوموا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر، يصلّي بالناس، فقالت عايشة: إنّ أبا بكر رجل حضر (3)و متى ما لا يراك الناس يبكون، فلو أمرت عمر يصلي بالناس، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس و وجد النبي صلى اللّه عليه و سلم من نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين، و رجلاه تخطان في الأرض، فلما رآه الناس سبّحوا أبا بكر، فذهب يتأخّر، فأومأ إليه أيّ مكانك؟ فجاء النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى جلس قال: و قام أبو بكر عن يمينه و كان أبو بكر يأتم بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و الناس يأتمّون بأبي بكر.
قال ابن عبّاس: و أخذ النبي صلى اللّه عليه و سلم من القرآئة من حيث بلغ أبو بكر و مات في مرضه ذلك عليه السلام. و قال وكيع: مرّة، و كان (4)أبو بكر يأتمّ بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و الناس
ص:105
يأتمّون بأبي بكر (1).
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثني حجّاج، أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، قال: سافرت مع ابن عبّاس من المدينة إلى الشام، فسألته أوصى النبي؟ فذكر معناه و قال: ما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم الصلاة حتّى ثقل جدّا، فخرج يهادي بين رجلين، و إنّ رجليه لتخطان في الأرض، فمات رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم و لم يوص (2).
الخوارزمي «في الفصل السادس» من كتابه: و أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد اللّه بن الحسن (3)الهمذاني، فيما كتب إليّ من همذان:
أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد بإصبهان، فيما أذن لي في الرواية عنه، أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلي عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث و سبعين و أربع مأة، أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردوية الإصفهاني، قال أبو النجيب سعد بن عبد اللّه الهمذاني (4)المعروف بالمروزي: و أخبرنا بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الإصبهاني في كتابه إلىّ من إصبهان، سنة ثمان و ثمانين و أربع مأة، عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردوية، حدّثنا عبد الرحمان بن محمّد بن حمّاد، حدّثنا القاسم بن عليّ بن منصور الطائي، حدّثنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا عبد اللّه بن مسلم الملائي، عن أبيه، عن إبراهيم، عن علقمة و الأسود (5)، عن عايشة، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و هو في بيتي-لمّا حضره الموت: «ادعو
ص:106
إليّ حبيبي» فدعوت أبا بكر، فنظر إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ وضع رأسه، ثمّ قال:
«ادعوا لي حبيبي» فقلت: ويلكم؛ ادعوا له علي بن أبي طالب، فو اللّه ما يريد غيره، فلمّا رآه [استوى جالسا و]فرّج الثوب الّذي كان عليه، ثمّ أدخله فيه، فلم يزل يحضنه (1)حتّى قبض و يده عليه (2).
و الكنجي في أواخر الباب الثاني و الستين-بعد إيراد رواية إنكار عايشة وصايته و إبطالها بأنّها أنكرت ما لم تسمعه-: و أخبرنا أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن الصالحي، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي، أخبرنا أبو غالب بن البنا، أخبرنا أبو الغنائم بن المأمون، أخبرنا إمام أهل الحديث أبو الحسن الدار قطني، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن شرالبجلي، حدّثنا علي بن الحسين بن عبد كعب، حدّثنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا عبد اللّه بن مسلم الملائي، فذكر نحوه، و زاد عليه إحضار عمر أيضا، و قال: قلت: (3)رواه محدّث الشام في كتابه، كما أخرجناه، قال: قال الدار قطني (4): تفرد به مسلم الملائي و هو غريب في مثل هذا (5).
و الّذي يدلّ على أنّ عليّا كان أقرب الناس عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند وفاته، ما ذكره أبو يعلي الموصلي في «مسنده» (6)و الإمام أحمد في مسنده (7).
ص:107
و (1)أخبرنا أبو القاسم بن الحسين، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدّثني عبد اللّه بن محمّد و سمعته أنا من عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة، قال: حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن أم موسى، عن أم سلمة، قالت:
و الذي أحلف به أن كان علي عليه السّلام لأقرب الناس عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال (2)غدا (3)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غداة بعد غداة، يقول: «جاء عليّ مرارا» قالت فاطمة (4):
كان يبعثه (5)في حاجة (6)، فجاء بعد، فظننت أنّه له إليه حاجة، فخرجنا من البيت؛ فقعدنا عند الباب، فكنت من أدناهم من الباب (7)، فأكبّ عليه علي عليه السّلام، فجعل يساره و يناجيه، ثمّ قبض (8)من يومه ذلك؛ فكان أقرب الناس (9)عهدا.
قلت: هكذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده و الموصلي سواء غير أنّ الموصلي قال في مسنده: فأكبّ على عليّ عليه السّلام (10).
و في الجزء الرابع من الستّة من «المسند» في حديث عبد اللّه بن أبيّ أو في، الحادية و الثمانين بعد الثلاث مأة: (11)
ص:108
حدّثنا عبد اللّه، حدّثنى أبي، حدّثنا و كيع، حدّثنا مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، قال: قلت لعبد اللّه بن أبي أوفى: أوصّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشيء؟ قال: لا، قلت: فكيف أمر المسلمين بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب اللّه عزّ و جلّ، قال مالك بن مغول: قال طلحة: و قال الهذيل بن شرحبيل: أبو بكر رضى اللّه عنه كان يتأمّر على وصي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ودّ أبو بكر رضى اللّه عنه أنّه وجد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عهدا فخزم أنفه بخزام. (1)
و في الجزء الثالث من الستة من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث جابر، في السادسة و الأربعين بعد الثلاث مأة من الجزء في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر أنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلّون بعده، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها (2).
و الضمير في قوله: «بعده» يحتمل رجوعه إلى الكتاب، و يحتمل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و في «منتخب كنز العمّال» في كتاب الشمائل في مرض موته صلى اللّه عليه و سلم عن عليّ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمّا ثقل قال: «يا علي ائتني بطبق أكتب فيه ما لا تضلّ أمّتي بعدى» ، فخشيت أن تسبقني نفسه فقلت: إنّي أحفظ ذراعا من الصحيفة فكان رأسه بين ذراعي و عضدي، فجعل يوصي بالصّلاة و الزكاة و ما ملكت أيمانكم، قال: كذلك حتّى فاضت نفسه و أمر بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله حتّى
ص:109
فاضت نفسه من شهد بها حرم على النار. ابن سعد (1).
عن عمر بن الخطاب قال: كنّا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم و بيننا و بين النساء حجاب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اغسلوني بسبع قرب و آتوني بصحيفة و دواة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» ، فقال النسوة: ائتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحاجته فقلت: اسكتن فإنكنّ صواحبه! إذا مرض عصر تنّ أعينكنّ فإذا صحّ أخذتنّ بعنقه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«هنّ خير منكم» . إبن سعد (2).
أقول: و في بعض الكتب إنّهنّ فاطمة و أمّ سلمة و عايشة و فضّة (3)، و فيما أوردناه كفاية و إن كان يوجد عندنا غير ذلك أيضا من أخبارهم.
اعلم انّ تلك الأخبار قد اشتملت على كلام من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كلام ممّن عارضه و كلام من ابن عباس و لا بأس بشرح كلّ تلك الكلمات فنقول:
إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم له كلام البدو و له كلام تلوما قالوا؛ أمّا الأوّل «هلمّوا أكتب. . .» (4)، «هلمّ أكتب. . .» (5)، «ائتوني أكتب لكم كتابا. . .» (6)أو «ائتوني بكتف أكتب. . .» (7)أو «ائتوني بكتاب
ص:110
أكتب. . .» (1)أو «ائتوني بالكتف و الدواة أو اللوح و الدواة. . .» كما في رواية مسلم (2)أو «ائتوني بصحيفة و دواة. . .» كما في رواية منتخب كنز العمال (3)، «أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا. . .» (4)، «لا يختلف منكم رجلان من بعدي. . .» (5)، «لن تضلّوا بعده أبدا. . .» (6)، «لا تضلّوا بعدي. . .» كما في رواية مسلم (7)؛ «لا تضلّون بعده. . .» كما في رواية البخاري (8).
و أمّا مثل «هلمّ أكتب. . .» (9)فيدلّ على طلب حضورهم كتابه صلى اللّه عليه و آله فقط، و أمّا غيره فالترديد فيه فيما أمر به يمكن أن يكون من الرواة في النقل و أن يكون تخييرا منه لئلاّ يعتذر بالعسر أو عدم العثور، و المراد: إحضار ما يكتب فيه و لفظ «أكتب» و إن كان ظاهرا في المباشرة إلاّ أنّ المنسوب منه إلى الأجلّة و العظماء الذين لهم كتّاب أعدّوهم لحوائجهم في أمر الكتابة لا يكون له هذا الظهور بل يراد منه كتابتهم بأيدى عمّالهم محض دخول ما في أنفسهم من الحاجة في عالم الانتقاش في الصحف و لعلّ ذلك لا يخفى.
ص:111
و لو قيل: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان أميّا لا يقرأ و لا يكتب كما عن أسلاف القوم فالأمر أظهر.
فإن قلت: إنّ الشريف الّذي له كاتب إذا احتاج إلى كتابة أمر عمّاله بإحضار ما يكتب فيه أو الحضور و الكتابة أو غيره بأن يأتي له ما يكتب فيه لإعانة من في البيت و يقول: ائتوني.
قلت: الكلام مرّة في عموم التكليف المزبور، و أخرى في جعل ياء المتكلّم مفعولا. و من الواضح أنّ العموم بعد تعلّق الغرض بوجود شيء خاص يكون أقرب إلى النجح كما في الواجبات الكفائية، لوضوح أنّه لو أنيط بشخص قد لا يقع المراد بعذر أو تعلّل أو نحو ذلك. مضافا إلى إيضاح تعلّق الغرض بإتيان ما يكتب فيه محضا بلا خصوصية لشخص و نحو ذلك.
و أمّا الثاني فلأنّ الحاجة في المقام للطالب حقيقة و أن أتي إلى الكاتب مثلا و أنّ إظهار كون الحاجة للعظيم الشريف يوجب الحرص على الامتثال. و بالجملة فالعموم معلوم.
و الأمر أعرف بطريق طلب إيجاد مرامه و ما يتعلّق به غرضه في الأمر و خصوصية ما له داع إلى فعله. و الأمر للوجوب [لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:] «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (1)وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (2)وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)، فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (4)خصوصا بعد ملاحظة خصوصيات الواقعة.
ص:112
و أمّا جواب الأمر فلا يفيد أزيد من وعد به، إذ معنى «ائتوني بكتاب» (1)إن أتيتم أكتب، فلا يدلّ على الوجوب و لا يكون ذلك مضرا، بدلالة الأمر على الوجوب أو إرادته منه أيضا، إذ الأمر لا تعليق فيه بما يمكن أن يقع و أن لا يقع لئلاّ يكون واجبا إلاّ في الجملة، بل التعليق أنما هو في الجواب و حكم أصل الكتابة المزبورة من حيث الوجوب و غيره إنّما يلتمس من دليل آخر و قد علم في المقام، ان لم يكن، وجب لا من تركه لها بل لما ذكر من ثمرة الكتابة و غايتها الداعي إليها كما ستعرفه.
و قوله: «لا تضلّون بعده» (2)جملة وصفية وصف بها كتابه الذي أراد أن يكتب و هو نفي لفعلية الضلال.
و أمّا «لا تضلّوا» (3)فسقوط النون فيه للنصب بأن مقدرة، يشهد لها السياق و الأظهر فيه حينئذ الغائية لقوله: «أكتب» .
و أمّا «لن تضلّوا» (4)فيحتمل الأمرين كما لا يخفى، كما يحتمل إرادة نفي إمكان الضلال بكثرة وضوح الحق و الهدى و بكمال قوّة أسباب الاهتداء بل الظاهر إرادة امتناع الضلال بواسطة أنّه في نفسه كان ممكنا، و أراد إيجاد المانع عنه، و معلوم أنّ وجوده بعد وجود المانع ممتنع لا ممكن و لا يقع.
ص:113
ثمّ إنّ ذلك فيما عقب بقوله: «بعده» (1)و أمّا ما عقب بقوله: «بعدي» (2)فالمتعيّن فيه الغائية لعدم وجود الرابط على الوصفية.
و مثله قوله: «لا يختلف رجلان من بعدي» (3)و لعلّ أصل الضلال هو التحيّر [كما في قوله تعالى]: وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (4)و اختيار الباطل و غير الحق فممّا يتفرّع على ذلك، و هو منسوب إلى ضمير الجمع و النسبة إليه في طرف الإيجاب تقضي بقيام الحدث على كل واحد من الأفراد، فالمقتضي في طرف السلب انتفاء انتساب ذلك الحديث إلى آحاد الأفراد، كما هو المتفاهم من قبيل العبارة في العرف أيضا، دون السلب عن المجموع من حيث المجموع، فهو خلاف الظاهر و خلاف ما فهمه السامعون أيضا كما لا يخفى، مضافا إلى ثبوت انتفاء ضلالهم بهذا المعنى من قوله «لا يزال طائفة» (5)و نحوه.
إرادة الكتاب مضافا إلى ظهور صيغة الاستقبال في خصوص العارض من الضلال و ما يوجد بعد الانعدام كما لا يخفى يكشف عن انتفاء نسبة الضلال إليهم في تلك الحال و إنّهم على هدى و مهتدون.
و لمّا لم يقيّد الضلال بقيد و هو بحكم النكرة في سياق النفي المفيد للعموم، يفيد أن لا يضاف إليهم في الحال ضلال، و ذلك إنّما ينتفي بانتفائه عنهم في كل مورد يكون فيه هدى و ضلال و حق و باطل، و إلاّ لم ينتف عنهم على وجه الإطلاق و لم يخص بما بعده أو حال عدم الكتاب خاصة.
و لعلّ ذلك بعد اختلاف حال الأمة في العلم و الجهل و أشباههما فما يكشف عن كون دخولهم عامّة في أهل الهدى و المهتدين مطلقا بواسطة نصب هاد لهم يهديهم إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1)عالم بطرق الهدى عند مخاوف الردى فيما ينوبهم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (2)لا يكون مثلهم في الحاجة إلى الأخذ عنهم أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى (3)و لا يشابههم في كونهم في معرض الضلال بل يكون بريء الساحة عن ذلك و يكون مع الحقّ في أحواله و يكون الحقّ معه في أفعاله و يدور معه حيثما دار، التزم الأمّة بالفزع إليه في موارد الحيرة، فبوصف هذا العلم المنصوب و التزام الأمّة باتّباعه كما التزموا في زمان الرسول باتّباعه يوصفون بالهدى مطلقا و ينتفي عنهم الضلال كذلك، و إلاّ فكيف يثبت الأمرآن لآحاد الأمّة على وجه الإطلاق
ص:115
و في ذلك للحقّ حجّة واضحة و أعلامها لائحة.
و لو أريد الضلال في أمر خاص فلا بد أن يكون معلوما لهم، كلّهم قد أخذوه فاهتدوا بأخذه و يخاف أن يزيغوا عن الهدى فيضلّوا.
ثمّ إنّه لا بدّ أن يكون الضلال في ذلك الأمر الخاص قبيحا في الغاية و موجبا للهلاك و العقاب الدائم و ما يقاربه حتّى يهتمّ بالاهتداء فيه و البقاء عليه هذا الاهتمام في مرض الموت برفع أعلامه بحيث لا يضلّ عنه أحد إلاّ واضح الحال في سوء الاختيار و إظهار الخلاف على اللّه و رسوله، إذ ليس كلّ واحد من المعالم الدينية كذلك فلابدّ هو من الأركان بل يزيد على ذلك بكون أصل قوام باقي المعالم أو الاهتداء فيه و دوامه بدوام الاهتداء في ذلك، حيث إنّ بقاء الاهتداء فيه و عدم طرو الضلال يوجب أن لا يختلف بعده رجلان منهم في أمر من أمور الدين، و القامع لمادة الاختلاف من رجلين لا بدّ مثل أسّ الدين و أساس شريعة سيد المرسلين، حتى يكون الهدى فيه ملازما لانحسام مادة طبيعة اختلاف رجلين من الأمّة و زيادة و الضلال فيه موجبا لإثارة الاختلافات بين الأمّة عامة، هذا مع إرادة الاختلاف في أمور الدين و اختلاف أهل الدين في دينهم و ما يتبعه في كمال الوضوح.
و لو أريد الاعم من ذلك و من الاختلافات في موارد الخصومات المنطقة بأشخاصهم لا من حيث خصوص الدخول في دين الإسلام فشأن ذلك الحاسم لتلك المادة أعلى و أجلّ، حيث إنّ مع هداهم فيه لا يكون خصومة و اختلاف لا في أمر ديني و لا في أمر دنيوي و أضلالهم فيه أبشع حيث يكون منار الفتن و الخصومات و المحن و ما الذي يكون أثر دوام الهدى فيه ذلك و مفسدة الضلال فيه و عنه ما أشير إليه أ ليس لدوام بقائه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يخش وقوع ذلك الاختلاف إذا
ص:116
المراد من الاختلاف المزبور ليس محض طهوره و وجوده بل وجوده المستمر فكان يرتفع ببركته هَباءً مَنْثُوراً (1)و كان لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (2)فكذا لو قام مقامه من هو بمنزلته في العلم و العمل بل له مراتبه إلاّ النبوّة، الايمان خالط لحمه و دمه و الحق على قلبه و لسانه و بين عينيه و هو معه و يدور معه حيثما دار و أذعن له الأمّة و ولّوه كما هو مولاهم كان يحصل هذا الغرض و ينتفي تلك المفسدة كما كان في عصره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و إذا عرفت ذلك فلاحظ قول المرأة: «و يحكم عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (3)لتعرف معرفتها بما أراد أن يكتب أو تستشم ما استشمت، بل و قول غيرها (4)أيضا يؤيّد ذلك في وجه، فحجّة الحق في حديث الاختلاف أبلج، و لها كمال الفلج، و الدعوة إلى واضح المنهج إلاّ أنّ قولهم-في أحاديث «لن تضلّوا» (5)و نحوه و كذا ذكر كتاب اللّه عزّ و جلّ-يرشد إلى فهمهم إرادة العموم من الضلال المنفي.
ثم إنّ ما يعقل عدم حصوله بعد الكتاب من الضلال و كذا الاختلاف خصوص ضلال و اختلاف لا يكون عن عناد و عتوّ و أمّا ما يستند إلى مثلهما فدفعه لا يحصل إلاّ بالقهر المنافي للتكليف على قواعد العدلية كما لا يخفى، فهو الذي أخبر بعدم حصوله لا مطلق الضلال و الاختلاف فلا يكون تصديه لدفعه في تلك الحال منافيا لما أخبر به من وقوع أنواع الضلالات و وجود الأئمة المضلّين لكون كلّ ذلك من
ص:117
باب العناد و نحوه، و لو كان فيه ما يخرج عن ذلك فقد يكون إخباره بواسطة علمه بأنّهم يمنعونه عن نيل المرام في هذا المقام و التصدي لإصلاح تلك المفاسد في تلك الحال مع عرفان ما هو المآل بعين اليقين من الإعذار و تأكيد الحجة و هو شأن العقلاء و أعقلهم نظير إرسال اللّه تعالى رسوله إلى من يعرف أن يجحد و لا يؤمن فلا يكون منافيا لمرتبته و جلالته كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الخطاب في تلك الأخبار و إن كان مع الحاضرين في البيت و عنده إلاّ أنّ من المعلوم، أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يلاحظ حال كلّ الأمّة، من الحاضرين و الغائبين و من في الأصلاب كلّ من أرسله اللّه تعالى لهديهم، فإنّ ضلال كل واحد مبغوض عنده، و يمكن أن يكون ما كان يخافه خصوص ضلال الحاضرين بعد ما عرف طوياتهم و يكون من وجه اهتمامه بعدمه أنّه لو ضلّ الأوّلون تبعهم الأخرون كما في الأمم، و إنّ هدى الأخرين لا يكون إلاّ بدوام الهدى فيهم من أوّلهم و إلاّ كانوا أمّة أخرى كما لا يخفى، و لعلّ هذا أقرب؛ فليلاحظ.
ثمّ إنّ الضلال المبغوض الملحوظ محذورا منه في تلك الأخبار لمّا كان خصوص ما كان متأخرا بحسب الوجود عن زمان إرادة الكتاب-بقرينة صيغة الاستقبال و غيرها-فكان يكتب دفعا له يكون احتمال وجوده ذلك احتمالا عقلائيا كافيا في الحركة للخلوص عن ذلك المحذور و التهية لعدم وفوعه و لا يتوقف على الجزم بالوقوع، نظير ما لو كان الاستقبال أمرا مرغوبا فيه، فيتحرك إليه و يهيؤ أسبابه، بعد كونه محتمل الوقوع احتمالا عقلائيا، بل العقلاء بالنسبة إلى الاستقباليات لا يكون إلاّ على الخوف و الرجاء و لا يكون لهم في الغالب جزم، و انتفاء الجزم لا يكفّهم عن الحركة نحو المطلوب و عن الفرار من المحذور كما لا يخفى.
فاتضح كفاية الاحتمال في هذا المجال لأنّه يوجب حصول الخوف و هو يكون سببا للتصدي لمنع المحذور عن الوقوع، و كان قد حصل له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مع أن كون
ص:118
العباد-إلاّ من عصمه اللّه تعالى-في معرض الوقوع في ورطة الضلال، لعلّه بعد معرفة ما تجري عليه النفوس البشرية و ما يسعى فيه، و له عدوّها إبليس كما فعل بالأمم السالفة في كمال الوضوح و لا يحتاج إلى إعمال روية، كيف لا؟ ! و قد أمروا أن يتفزعوا إلى ربّهم في كل يوم و ليلة مرارا، و إن بلغ بهم العمر ما بلغ و ارتقوا من الهدى و المعرفة مرتقى و يقول: اِهْدِنَا اَلصِّراطَ اَلْمُسْتَقِيمَ (1)السورة استثباتا لهديهم و استبعادا من الغضب و الضلال و كيف لا يذعن بذلك من يراه دعاء في الصلوات كلّفوا بطلب الاستجابة بعده، بقول امين رجاء أن يوافق تأمين الملائكة، مضافا إلى آيات يضلّ اللّه، و هى لا تحصى، فإمكان ضلال كلّ واحد ممّا لا ينكر.
لا يقال: إنّ إضلال اللّه تعالى غير ضلالهم لأنّه يقال: على مذهب العدلية إضلاله خذلانه، فالضّالّ إنّما باختياره؛ هذا.
و للضلال أسباب أقويها و عمدتها التي يرجع إليها الباقي العمى لا تَعْمَى اَلْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي فِي اَلصُّدُورِ (2)فما من أمر اهتدى الناس فيه إلاّ و يمكن أن تعمى عنه أبصارهم، فيضلّوا عنه، وَ اُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ اَلَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ اَلشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ اَلْغاوِينَ* وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اَلْأَرْضِ وَ اِتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ اَلْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ اَلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (3).
كلّ ذلك من باب المماشاة و إلاّ كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعرف عاقبتهم بوحي من اللّه جلّ
ص:119
جلاله أو ما جعل من الطريق إلى معرفتها، كيف؟ و قد ملؤا الطوامير من قوله: فلان من أهل الجنّة و فلان من أهل النّار و أشباه ذلك، فلا مانع من أن يعلم جزما بضلال من يضلّ مع عدم الكتاب، و يريد أن يكتب دفعا له يقول: كما قال.
و التصدي لدفع هذا المخوف منهم من كمال شفقته عليهم و إلاّ فالنبي يبعثه اللّه تعالى بَشِيراً وَ نَذِيراً (1)بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2)و لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اَللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ اَلرُّسُلِ (3)و لئلا يقول أحد لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى (4)و لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (5)و لو ضلّ من هداهم فَلِلّهِ اَلْحُجَّةُ اَلْبالِغَةُ (6)عليهم.
ثمّ إنّ أمره الموعود في جوابه الكتاب المفيد لدوام الاهتداء و النجاة من الضلال فيه، زيادة ترغيب على الإطاعة و الامتثال، حيث أبان أنّ إطاعتهم لها فائدة تعود إليهم ثمرة جليلة لما يتسامح طالبها. و هو دوام الاهتداء و الأمن من مهكة عظيمة لا يغفل هاد بها و هو الضلال و كلهم أهلها، و إنّ عليهم الحمل على الكتاب و إن لم يكن أمرهم و وعدهم حرصا على تلك السعادة و فرارا عن تلك الشقاوة، فكيف بعد ما أمرهم و حثّهم!
و إذا عرفت هذا ظهر لك أنّ الباعث إلى الكتاب المزبور كان وجد له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وجوده قريب جدّا لا غريب و أنّه كان للحاضرين، بل و غيرهم أيضا من محض الرحمة، بل من الرحمات الخاصة التي لا يتصور فيها جهة أخرى بوجه من الوجوه، فكان خيرا محضا لهم ليس فيه شائبة شرّ عليهم أصلا. و هذا يقتضى غاية
ص:120
الحرص على حصوله دون المحيد عنه و منعه، كما فعلوا، فحرّموا أنفسهم و أضرّوا غيرهم و هذا بعض ما يتعلّق بشرح كلامه الأوّل على وجه الإجمال و الاختصار.
و امّا كلام من تعرّض له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمنه ما ينظر إلى حاله و منه ما ينظر إلى مقاله و إن كان من إثبات ما قيل في حاله و نحو ذلك.
فالأوّل صنفان بل ثلاثة أصناف قولهم: «ما شأنه أهجر استفهموه» (1)قال سفيان-شيخ (2)ابن حنبل-: «يعني هذى» (3)و يقرب منه قول المرأة: «و يحكم عهد. . .» (4)في الازم بل هو مثبت لما احتملوه لإظهار كون فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تحصيل الحاصل و نحوه، و قول عمر: إنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «قد غلب عليه» (5)أو «غلبه الوجع» (6)و قولهم: ما قال عمر فقالوا: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يهجر» (7)و قولهم:
«قرّبوا يكتب لكم. . .» (8)«ائتوا له يكتب» (9)«ائتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحاجته» (10)أمّا
ص:121
الأخير فيوافقه و لا يخالف فإنّه و إن كان يحتمل كونه من استمالة المتكلم أو المماشاة معه، و يؤيده أن لم يقدّموا بإتيان الصحيفة و الدواة، مع أنّ طلبها عنهم كان على سبيل الوجوب الكفائي دون العيني. و يؤيده أيضا إفراد ما عورض به من الكلام في رواية طلحة بن مصرف (1)إلاّ ان المقابلة بقول غيرهم في رواية عبيد اللّه (2)و كونهما شرح الخصومة و كون هذا الكلام طرفا فيها و نحو ذلك يوجب ظهوره في خلاف ما يتوهم.
و عدم الإتيان يمكن أن يكون لكون قائل ذلك خارجا عن خطاب «ائتوني أكتب لكم» (3)كخروج النسوة، مثلا في الرواية الأخيرة (4)، أو أنّهم راوا أن لا يجدي إتيانهم بما أمر، حيث أنّ غرضه لا يحصل و لا يقدم على الكتاب بعد خلاف من خالف، أولا يتركونه يكتب أو فهم أنّ الغرض أن يكونوا كيد واحدة في حصول هذا المطلب، فيأتوا به و يكتب لهم، كما يكونون في الحمل على الكتاب لهم فيما ينفعهم و لم يكن يحصل الغرض مع الانفراد بالإتيان، و أمّا إفراد المعارض في حديث طلحة (5)فلكون الغرض نقل المانع فقط؛ فلاحظ.
و أمّا سابقه فصريح في أنّهم أخبروا أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «هجر» (6)و هذى كفّا لمريد الإمتثال عن امتثاله و كأنّه أثبت ذلك يقول: «عندكم القرآن» (7)أي الذي فيه النور
ص:122
و الهدى «حسبنا كتاب اللّه» (1)مانع عن الضلال.
و أمّا قول «غلبه» (2)و «غلب عليه الوجع» (3)فهو القهر (4)لكون مادّته بذلك المعنى، و قهر الوجع يكون بسلبه للاختيار و الإرادة، فالجزم به بعد كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جزم بالمعني السابق بغير ذلك اللفظ، و قول: «عندكم القرآن» (5)تأمين لمن خاف من ضلال نفسه بعد قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الدال على أنّهم في معرض الضلال (6)أو يخشى عليهم الضلال و إثبات لما ادعاه من غلبة الوجع.
إلاّ أنّ الجزم في ثاني روايات «البخاري» (1)و إن كان يحتمل حذف أداة الاستفهام، و الرواية الثانية لسعيد بن جبير التي رواها طلحة، و رواها عنه بسندهما الإمام أحمد (2)ثمّ مسلم (3)بعده بعد وضوح اتحاد الواقعة، مضافا إلى ذكر التنازع (4)و الإعادة عليه و الرد عليه، و مضافا إلى قوله: «ممّا تدعونى إليه» (5)و نحوه (6)، يرشد إلى أنّ القضيّة كانت جزمية صرف عنها إلى صورة السؤال لوجه.
كما أنّ ضم ذلك و ما جزم فيه بالهجر إلى ما دلّ على كون سيدنا عمر، هو البادي بمثل ذلك الكلام و أنّ غيره قال: ما قال سيدنا عمر، و إلاّ لم يصح قول:
«يقول القول ما قال عمر» (7)كما لا يخفى-يدلّ على أنه المخبر بأنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يهجر مضافا إلى رواية جابر الناصّة بأنّه المخالف المصرّ «حتّى رفضها» (8)كما يدلّ ما احتوى على كلامه الجزمي على أنّ ما صدر من القوم تبعا له، كان كلاما جزميّا و قضية جزميّه لا استفهاميه بقرينة تقسيم المتكلمين إلى من تبع سيدنا (9)و من قال:
ص:124
«ائتوا» أو من قال: غير ما قال الظاهر في اتّحاد مقولهم كما لا يخفى.
و بذلك يوهن الاستفهامية غاية الوهن، و أن التعبير من بعض رواته لبعض المصالح، كما أنّ ما دلّ على أن القوم تبعوا (1)عمر بانضمامه إلى ما دلّ على أنّهم «قالوا يهجر» (2)يدلّ على أنّ ما صدر منه في المقام أنّما كان خصوص هذا اللفظ أو ما هو صريح في معناه و إلاّ لم يكن من التبعية و قول ما قال، بل من قول شتى يوهم (3)أنه قال.
فيحصل من اجتماع تلك الروايات إنّهم قالوا: «يهجر» و اتبعوا عمر في القول، فيكون كلامه كلام هاجر هاذر لا يعبأ به و لا يترتب عليه أثر.
و قد اعتذر بعض حماة الشوكة العمرية من إخواننا عن إنكاره موته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففي «مشارق الأنوار» للعلامة الشيخ حسن العدوي الحمزواي في خاتمة الفصل الأوّل من الباب الثالث-بعد ذكر قصة الإنكار و الردع-ما هذا لفظه: «و قال الإمام ابن المنير: لمّا مات صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاشت العقول فمنهم من خبل و منهم من أقعد فلم يطق القيام و منهم من أخرس فلم يطق الكلام و كان عمر ممّن خبل و عثمان ممّن أخرس و عليّ ممّن أقعد و كان أثبتهم أبو بكر رضى اللّه عنه» (4)؛ فلاحظ.
ص:125
و أمّا ما ينظر إلى مقاله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كلامهم فهو قول سيدنا عمر رضى اللّه عنه الذي تبعه فيه جماعة ممّن حضر في البيت و محضر النبي صلى اللّه عليه و سلم و «عندكم (1)القرآن» أو «عندنا القرآن حسبنا كتاب اللّه» (2)و لعلّ نظره إلى أنّ القرآن فيه تبيان كل شىء أو إِنَّ هذَا اَلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (3)إلى غير ذلك ممّا في القرآن و غيره للقرآن.
و حاصله أنّ من عنده القرآن لا يضلّ أو لا يمكن ضلاله، فكيف يخاف عليه من الضلال؟ ! و إنّ كتاب اللّه حسبنا في المنع عن الضلال، فهذا دفع للخوف الحاصل من كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حيث أخبر بكونهم في معرض الضلال، حيث أراد أن يكتب لهم ما يدفعه عنهم و تأمين للخائفين و إظهار جزم بأنّهم لا يضلّون، فلا حاجة لهم إلى ذلك الكتاب، فيخطأ من يزعمهم محتاجين و يتصدي لدفع الحاجة، و يكون إظهار ذلك من غلبة الوجع عليه لا أنّه شيء واقعي عرفه و أدركه.
ثمّ إنّ اعتقاد امتناع ضلالهم و نحوه يحمل على اعتقاد هجر من يتكلّم بخلافه، فيكون إظهار ذلك إفصاحا لما ذكره، من أنّه «غلب عليه الوجع» (4)و نحوه ليعرفه الجاهل أيضا، فيشاركه في ذلك الاعتقاد، فيتّفقوا على ترك الإتيان بما أمر به، كما
ص:126
لو سمعوه من مجنون، فلا يقع ما أراد من الكتاب، و لعلّ الظّاهر من قوله: «فأقبل القوم في لغطهم» (1)و قوله: «فذهبوا يعيدون عليه» (2)أو «يردون عليه» (3)و قوله:
«و لمّا أكثروا اللغط أو اللغو و الاختلاف» (4)و قوله: «كثر اللغط» (5)و نحو ذلك، خصوصا رواية جابر «فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها» (6)تكرر صدور هذا القول، و مثله من سيدنا عمرو من تبعه في محضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لعلّ ذلك لا يخفى.
و أمّا كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد تلك الكلمات فقوله: «دعوني» (7)أو «ذروني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» . (8)و قوله: «قوموا عني» (9)و الأوّل إظهار انزجار منهم و طرد لهم، و يؤيّده قول ابن عباس في رواية عبيد اللّه: «و غمّ رسول
ص:127
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (1)و الثاني صريح في الطرد عن انزجار كما لا يخفى.
ثمّ إنّ ذكر ذلك و نحوه-تفريعا على اللغط و الاختلاف-يدلّ على أنّ الوصيّة بالثلاث لم يقع في هذا المجلس و يعد هذا القول-و إن كان ظاهر قول مسلم في روايته «فالذي أنا فيه خير أوصيكم بثلاث. . .» (2)كون الوصية بها عقيب ما انزجر، إذ الظاهر أنّ كل تلك الروايات من ثقل واقعة واحدة، و الصريح في طردهم و إخراجهم من البيت-بعد ما تأذي من عملهم و قولهم و عقيب كثرة اللغط و الاختلاف-يمنع عن تخلل تلك الوصية بين التأذي و الانزجار- «أو نسيتهما» و بين طردهم عن محضره و إلاّ لنقل الطرد المزبور بعد الوصية، و لم يكن قول:
«دعوني» (3)و قول: «قوموا» (4)جواب كلمة «لمّا» بل كانت الوصية جواب «لمّا» و حكى الطرد بقول ثم قال: «قوموا عنّي» و نحو ذلك و لعلّ ذلك واضح.
و أمّا ما كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه الذي قال: فيه هو «خيّر ممّا تدعوني إليه» (5)فيمكن أن
ص:128
يكون أراد الموت فرآى نفسه فيه مشارفة، فيكون الحاصل الموت لي خير من أن أكون هاذيا، و سمّاه لعدم وجود واقع له عنده، فمن زعمه هاذيا و ليس به، كأنّه دعاه إليه سيّما بعد تكرر التعبير، و إلاّ فهم لم يدعوه إلى أمر على وجه الحقيقة؛ فلاحظ.
و أيّا ما كان، فهذا الكلام فيه إظهار كمال التأثر عمّا قالوا فيه، و ذلك التأثر تسبب إلى أن استرحمهم بقول: «دعوني» (1)«ذروني» (2)تخلصا ممّا يناله منهم و من كلامهم، و تبعيدا للآذى عن نفسه.
و أمّا رواية مسلم: «فالذي أنا فيه من الخير» ، (3)و لكن السياق يشهد بأنّ تلك الرواية أيضا حذو أخواتها؛ فلاحظ.
و أمّا كلام بن عباس فمنه ما يتعلق بفعلهم فقال: «تنازعوا و لا ينبغي. . .» ، (4)«اختلفوا. . .» ، (5)«اختلف أهل البيت و اختصموا. . .» ، (6)«فذهبوا يردون عليه. . .» (7)، «يعيدون عليه. . .» (8)و قال جابر: «خالف عليها عمر حتى
ص:129
رفضها. . .» (1)و قال عمر: «فقلت اسكتنّ. . .» . (2)
و أمّا ما يتعلق بكلامهم فهو قوله: «فلمّا أكثروا اللغط أو اللغو و الاختلاف. . .» (3)و قوله: «كثر اللغط. . .» (4)و في «القاموس» : «اللغط و يحرك الصوت و الجلبة أو أصوات مبهمة لا تفهم» (5)و لعلّ المراد به الأخير بقرينة اللغظ و لا يبعد أن يكون الغرض أنّها كانت أصواتا بلا معاني تشنيعا عليها.
و ما يتعلّق بشأن الواقعة و وصف الحال و هو «الرزية كل الرزية ما حال. . .» (6)يدلّ ذلك على أنّه منع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ذلك الكتاب مانع و إلاّ كان يفعل و كان يكتب و قال جابر: «فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها. . .» (7)و الاستناد إلى المانع كأنّه يكون بعد وجود المقتضي المفروض الحصول، و وجود الشرط المفهوم من ذكر الكتابة جوابا للأمر الموجب، لتعليق الكتابة على الإتيان بما أمر
ص:130
به، فإمّا أن يكون قد حصل أو فهم أنّه كان يكتب و أن لم يمتثّلوه بأمر غيرهم بإحضاره و نحو ذلك و إلاّ كان فقد الشرط حائلا، و لعلّ الحيلولة حينئذ بواسطة المنع عن وجود الشرط، فيكون مانعا عن الكتاب بواسطة، ثم بين ذلك المانع فجعله الاختلاف و اللغط، و من المعلوم أن منعه بانزجار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ممّا قالوا و أنّه لو اختلفوا و لغطوا بما ينزجر منه لم يحصل ترك الكتاب.
فالاختلاف و اللغط بما احتوى عليه من سبب انزجاره و تأذيه حال بينه و بين الكتاب، و كلّ أطراف الخلاف لم يعلم سببيته، بل الظاهر انفرادها دعوه إليه، ممّا جعل ما هو خيرا منه بالتأثير في الانزجار و السببية للمنع، و كذا الحال بالنسبة إلى اللغط، فينفرد ذلك الكلام الجزمي بالسببية، و التأثير في المنع عن الكتاب و الحيلولة بينه و بين من أراده، فرآه رزية كل الرزية و رزية كاملة كان يبكي ابن عباس عند ما يتذكرها بعد أعوام تأثرا من تلك الرزية «حتى يبلّ دمعه الحصى من شدة البكاء» (1)و يرى «دموعه تحدر على خدّيه كنظام اللؤلؤ» (2)لتواتر البكاء.
فينحصر «الرزية كل الرزية» في قول سيدنا عمر و من تبعه في الكلام، في هذا المقام لا يشاركه كلام غيرهم و يصرّح بذلك كلام جابر «فخالف عليها عمر حتى رفضها» (3).
ثم أبان ابن عباس جهة المصيبة من تلك الرزية بعد ما كان كثر المكاره فيها
ص:131
فجعلها خصوص وصف الحيلولة لا تأذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مادمى به و غير ذلك، فالعمل بحيلولته و مانعيته عن الكتاب صار رزية كل الرزية يحق لها ما فعل ابن عباس، فأظهر أن المصابية منه ليست شخصية و دنيوية بل هي دينية و اسلامية نوعية، فإنّ فوات الكتاب لو كان ضررا و صدمة فهو على من قال فيهم «لا تضلّوا بعده» (1)لا على ابن عباس مثلا، و مثل هذا البكاء عند تذكر تلك الواقعة كأنّه يكشف عن إحساس وقوع ما كان يخاف من الضلال و إدراك وقوع ذلك المحذور حسّا و إلاّ فلو مضى أعوام و لم يظهر وقوع ذلك الأمر المحذور الذي خيف منه كان حرّيا هو ان أمر المنع و الحيلولة دون زيادة التأثر و التصدم كما لا يخفى.
أمّا كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأول فهو أمر و وعد بيّن فيه الداعي إلى فعل ما وعد. و هو خوف ضلالهم و منع ذلك الضلال، و من الواضح كفاية الاحتمال في التصدي و التعرض لإيجاد ما يمنع ذلك المحتمل فضلا عن عرفان العواقب و الإطلاع بالعاشرة على طويات السرائر و ما يؤل إليه لو لا الآمر و الزاجر، بل الضرر المحتمل إذا كان جليلا وجب الفرار عنه، كما هو الشاهد في إفعال العقلاء عامّة، و مثل ذلك الكلام من أيّ متكلّم كان إذا علم صلوحه لمعرفة ما ينبئ عنه لا يصح معاوضته إلاّ فمن يقطع بأن لا يقع ذلك المحتمل عن حسّ صحيح و إطلاع على الغيب، فيصح له معارصة المتكلّم في دعواه الكون في معرض الضلال و الحاجة إلى المانع عن وقوعه كما لا يخفى، و كذا فمن يعرف عدم حصول الاحتمال للمتكلّم و لا هو موجود في الواقع.
ص:132
و بعبارة أخرى أنّه لم يحتمل أيضا و لم يعرف كونهم في ذلك المعرض و ليسوا أيضا فيكذب في دعوى وجود مبادي الحاجة إلى الحاجز، و ممّن يعرف أن ما يريد إيجاده من الحاجز بلا فائدة ليس له وصف الحاجزيّة، و أنّه لا يؤثر بل ذلك المحتمل يبقى على حاله و يقع و يؤثر لا محالة من غير ان يحجزه الحاجز أو يمنع عن أثره مانع، فتحصّل من ذلك أنّ الخدشة في مثل الكلام.
أمّا في مقدمات فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد عرفت تماميتها و ليس لأحد منع حصولها أو ابطالها إلاّ المعارف بالعواقب و بشهوات طويات السرائر الذي هو أعرف من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهما، و الظاهر أنّه بعد في كتم العدم و لم يوجد إلى الآن.
و أمّا مانعية ما أراد أن يكتب و عدمها فهل يعقل معرفتها قبل معرفة نفس ذلك الشيء و معرفة أثارها و خواصّها و ما يترتب عليه؟ كلاّ؛ لتأخّر معرفة الوصف عن معرفة الموصوف و قس عليهما إلاّ أن يكون من عرفان قصور الفاعل عن إيجاد حاجز و إلاّ فالجاهل بما أراد أن يكتب كيف يصح له التعرض له؟ ! ! فظهر من ذلك أن مثل هذا الكلام لا يخدش، بل من حصل له احتمال أن يضلّ عليه أن يعي أو يجدّ كل الجدّ-بضرورة العقول-في وجود ذلك الحاجز أو مثله فرارا من الضرر المحتمل، بعد عظم شأنه و فظاعته (1)و التساهل فيه خلاف سنة العقلاء في أحوالهم.
و أمّا من تعرّض له في أصل كلامه فليس له وجه وجيه، لان ما صدر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان متقضى الحزم كما عرفت، فما وجه الجزم بالهجر أو احتماله.
ص:133
و أمّا قول: «عندنا» (1)أو «عندكم كتاب اللّه» (2)ففيه-مضافا إلى وضوح أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يرى أن لا يوجب حصول ما كان له من الغرض من الكتاب و إلاّ فلم يجهل ما عرفه هذا القائل-أنّ القرآن لم يكن عند كل أحد بحسب إقرار ذلك القائل، فليراجع الأخبار في جمع القرآن و نحوه، من الاكتفاء بشهادة رجلين في أثبات الآية و ما وقع يوم اليمامة و شبه ذلك.
و أمّا قول «حسبنا كتاب اللّه» (3)فدعوى قولي يكذبه الفعل من المدعي، أليس بزعم أنهم لا يضلّون، فلأجله قال: ما قال، و نصّ القرآن بأن ضلّ جملة ممّن اهتدى، فلم يكفّه القرآن في تصحيح هذا الاحتمال بعد كونه واضحا لأوائل العقول.
و قال القرآن: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (4).
و قال القائل: «قد غلب عليه» (5)أو «يهجر» (6)حسب ما عرفت من اجتماع تلك الأخبار.
ص:134
و قال القرآن: فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (1)و أصرّ ذلك القائل على الخلاف «حتى رفضها» (2)و نهى القرآن عن رفع الصوت فوق صوته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فعل ما فعل و قال: ما قال، حتى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «هنّ خير منكم» (3).
و قال القرآن: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ اَلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (4)فدعاه بما (5)قال: «ما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» (6).
و قال: وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (7)و أقبل القوم في لغطهم أفكان القائل خارجا من القوم في اللغط و نحوه؟ و نفى أن يكون لهم الخيرة من أمرهم بعد ما قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرا فقال: ما قال و أظهر أنّهم يضلون لو لا الكتاب فقال القائل ما معناه لا نضل «عندنا كتاب اللّه» (8).
و قال القرآن: أن يقولوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا (9)تلو ما يقضى و هذا خالفها «حتى رفضها» (10).
و قال: وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (11)فخاطبهن بعد ما وافقن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:135
يقول: ما قال، إلى غير ذلك.
فكيف لم يكن كتاب اللّه حسبه في ذلك و شبهه، فيهتدي للحق و الصواب فلا يقع في المحضر ما غمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى طردهم و أخرجهم من عنده، و لم يوجد ما كان مانعا عن ضلالهم في نظره.
و ربما يستشمم من هذا الكلام أن الضلال المذكور في كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مرادا به الضلال عن أمر خاص كان القرآن هاديا إليه، فأظهر أنّ الدليل الكتابي عليه موجود و لا نضلّ معه فلا يخشى إذ لو أريد العموم لم يكن وجه لذكر القرآن في مرحلة ذكر المانع عن مطلق الضلال و كل ضلال فيكون دليلا على أنّه عرف ما أردا أن يكتب، فمنع مظهرا لعدم الحاجة إلى الكتاب؛ فلاحظ.
و أمّا قوله الثاني فهو إعراض عنهم و ترك لهم و منع لخيره عنهم بما قابلوه بالإسائة و الإنكار، نظير الإعراض عن المشركين، و نظير ترك الكفّار ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ اَلْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (1)هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (2)بِأَنَّ اَللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (3)فقد استحقّوا الحرمان بما فعلوا.
و أمّا قول بن عباس في وصف الحاجز عن الكتاب «الرزية كل الرزية» (4)فمن أصدق الأقوال، أي رزية أعظم قادحا عليهم من أمر يضلّ به من ضلّ من الأمّة في
ص:136
موارد الضلال. أو كلّ الأمّة عن أمر خاص مهمّ من أعلام الشرع، فلم يحصل الحاجز و دفع الضلال بنصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بتعليق عدمه على كتابه الكتاب، و لم يحصل حسّا فيقع علق عليه عدمه ينصّ المخبر الصادق على التعليق.
ثمّ إنّ في أخبار إخواننا ما يدلّ على انّه عرف ما أراد ان يكتب، طبق ما استكشفناه من تلك الروايات، و أنّه منعه لغرض، فلا بأس بالإشارة إليه و إن كان من غير الصحاح الستة فنقول: قال ابن أبي الحديد المعتزلي في «شرح نهج البلاغة» :
«روى ابن عباس قال: دخلت على عمر في أوّل خلافته و قد ألقى (1)صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة، و أقبل يأكل حتّى أتي عليه، ثم شرب من جرة كانت (2)عنده و استلقى على مرفقة له و طفق يحمد اللّه يكرر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد اللّه؟ قلت: من المسجد، قال: كيف خلّفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد اللّه بن جعفر، قلت: خلّفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعن ذلك، انّما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلّفته يمتح بالغرب على تحيلات من فلاة (3)و يقرأ (4)القرآن، قال: يا عبد اللّه عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصّ عليه؟ .
قلت: نعم، و أزيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان
ص:137
من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أمره ذرؤ من قول لا يثبت حجة و لا يقطع عذرا و لقد كان يرثع (1)في أمره وقتا ما، و لقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك انفاقا و خيطة على الإسلام لا و ربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش ابدا و لو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّي علمت ما في نفسه فأمسك و أبى اللّه إلاّ إمضاء ما حتم.
ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب (2)«تاريخ بغداد» (3)في كتابه مسندا انتهى (4).
هذا و قد عرفت أن قضية جعل الضلال المدفوع بالكتاب لو كان حصل خصوص الاستقبالي منه دون الحالي كما لا يخفى، كون كتابه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من باب التسجيل و التأكيد و التثبيت للامر الثابت المقرر لا من إحداث ما لم يكن و بيان ما جهل، فلابدّ أنّ ما في الكتاب لو حصل هدى و سببا للاهتداء و دوامه و كان أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم موصونا في غير موضع من كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك، لا يضلّ من تمسك بهم و كان مهم و لم يخالفهم و لم يفارقهم كما كان كتاب اللّه كذلك.
ثمّ إنّا كنّا قد شرحنا روايات الصحيفة و الدواة من «البخاري» في كتاب «التنبيه» و تعرضنا لبعض ما قيل فيها، كما تعرضنا للضلالات الواقعة في الأمّة بنص روايات «البخاري» يراجعها من أراد و لم يكن مهمنا تكرار التحرير.
ص:138
باب أنّهم أمروا بالتمسك بالكتاب و العترة، كيلا يضلّوا فلهم منهم أمراء و أئمة و خلفاء يمنعونهم من الضلال بما خصّوا به من علم الدين.
ص:139
في الجزء الثالث من الأجزاء الستة من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث أبي سعيد الخدري في الرابعة عشر في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أسود بن عامر، أخبرنا أبو إسرائيل يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي، عن عطيّة عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (1).
أقول: ذكر كون الكتاب حبلا ممدودا للإرشاد إلى لزوم التمسك به بواسطة العمل به و الرجوع إليه لذلك لكونه كالوجه، للزوم العمل كما يخفى.
و قوله «لن يفترقا» بيان للوجه الداعي إلى لزوم الرجوع إلى العترة و أن لن يضلّ تابعهما، ثم المراد من «العترة أهل البيت» الأشخاص الموجودة في الخارج لأنّها القابلة للمراجعة كالقرآن دون معني مفهومي و نحو ذلك.
ثمّ بواسطة التوصيف بعدم الافتراق من الكتاب يعلم أنّ من يفارق الكتاب في عمله بمقارنة الذنوب من أهل البيت ليس داخلا فيمن أومى إليهم في تلك الروايات بل المشار إليهم خصوص من يمتنع مفارقته للكتاب، و كذا يمتنع مفارقة الكتاب له قضيّة «لن» ، فيستحيل إنفراد كل عن الأخر، و هو دليل على وجود
ص:140
المعصوم من مفارقة الكتاب، و أنّه الذي تركه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في النّاس مرجعا لهم كما استفيد من الخبر؛ فلاحظ.
و في السابعة عشر من الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو النضر، حدّثنا محمّد يعني ابن طلحة عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «إنّي أو شك أن أدعي فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه عزّ و جلّ و عترتي، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، و إن اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما» (1).
أقول: صدر الخبر قوله: «إنّي أو شك. . .» إمّا من بيان الحاجة إلى مرجع مثله في الاهتداء به، ثمّ الإشارة إلى ذلك المرجع أو تمهيد لبيان ترك هذه الشركة، و لمّا كان الترك بعنوان المرجعية للأمّة كما عرفت، فالمراد من خلافتهم له فيهما العمل بهما أو الرجوع إليهما بعده؛ فتأمل.
و امّا قوله: «فانظروني. . .» فلعلّ المراد أكون في أنظاركم في وقت الرجوع، ذكر ترغيبا في الرجوع بوجه تام و نحوه و لو ظهر في الإسائة و الإحسان، فنقول:
ترك الرجوع إسائة و العمل إحسان؛ فتأمّل.
و في السادسة و العشرين من الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبد الملك يعني ابن أبي سليمان عن عطيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه عزّ و جلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، ألا إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (2).
ص:141
و في التّاسعة و الخمسين من الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه: «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي، الثقلين أحدهما أكبر من الأخر، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض (1)» .
و عن بعض نسخ الكتاب: قال ابن نمير: قال بعض أصحابنا: عن الأعمش قال:
«انظروا كيف تخلّفوني فيهما» (2).
و عن «تفسير الثعلبي» في الجزء الأول في سورة آل عمران في قوله:
وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ. . . (3): حدّثنا الحسن بن محمّد بن حبيب قال: وجدت في كتاب جدّي بخطه، حدّثنا أحمد بن الأعجم القاضي المروزي، حدّثنا الفضل بن موسى الشيباني، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «أيّها النّاس إنّي قد (4)تركت فيكم الثقلين خليفتين، إن أخذتم بهما لم تضلّوا (5)بعدي، أحدهما أكبر من الأخر، كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء و الأرض-أو قال: بين السماء إلى الأرض (6)-و عترتي أهل بيتي (7)و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (8).
ص:142
أقول: عدم ضلال الأخذ بهما. معلوم من ساير الروايات أيضا إذ بعد فرض مصادفتهما للحقّ و الهدى لن يعقل ضلال، كما أنّ تارك الأخذ لا يتوهم فيه غير الضلال لوضوح الإعراض عن الحق، فكيف لا يكون ضلالا؟ ! !
و الافتراق، افتعال من الفرق، إسند إلى ضمير المثنى و هو يفارق، قولك تفارقا يكون الفراق إراديّا من كل منهما في مكان واحد.
و بعبارة أخرى إرادتهما معا أثرت في وقوع حدث واحد يقوم بهما معا. و أمّا الافتراق فالحدث يقوم بالفاعل الواحد، فمفاد يفترقا وقوع الحدث عن كل واحد من الفاعلين، فلهما فعلان، فافتراق العترة من الكتاب أن تدخل مدخلا لا يلج فيه الكتاب و افتراق الكتاب من العترة دخوله موردا لا يتابعه العترة، فكان ظرف افتراق كل منهما غير ظرف افتراق الأخر؛ فلاحظ.
و كيف كان فالروايات تدلّ على شدّة اجتماعهما و تنفى افتراق كلّ عن الأخر نافيا (1)بكلمة «لن» الدالة على التأبيد، فكان ذلك لاستحالة انفراد كل واحد منهما عن الأخر أو دليل الاستحالة، فالكتاب محفوظ عن التخلّف عن العترة و مخالفتهم و العترة معصومة عن مخالفة الكتاب أبدا، لا يحصل بينهما ذلك الاختلاف أبدا، بل يتّفقان و يجتمعان ما داما موجودين إلى أن يردا الحوض معا و لا يعقل بينهما تفارق و افتراق أبدا، و في ذلك دليل على أنّ العترة في حدّ نفسها معيار الحق و الدليل عليه، نحو الكتاب.
فكان ترك الكتاب بمخالفة العترة-كالإعراض عن العترة بمخالفة الكتاب- كان أمرا موهوما أو معقولا و مقصودا أو محتملا و نحو ذلك، فنفى وجود سبب وهن
ص:143
أحدهما بذلك، و قال: «يجريان كفرسي رهان» (1)و يستحيل الافتراق من كلا الطرفين، فنفي المفارقة المزبورة يدلّ على اختصاص الترك المزبور بمن يستحيل انفراده عن الكتاب في ساير الأحوال و يثبت له عدمه مطلقا و لا يعمّ كل العترة، كما يتوهم و لا كل عالم منهم بالكتاب و السنّة، كما توهمه من تعرض للحديث، و لعل ذلك واضح.
ثم في ذلك دلالة واضحة على أنّ كل ما يقوله من يدخل في تلك العترة المتروكة في الأمور الدينية هو ممّا يوافقه الكتاب العزيز، و أنّه ناطق بما قالوا، فلابدّ أن يكون كل ما قالوا واردا في الكتاب و أن قصر العقول عن إدراك نطق الكتاب طبق ما قالوا، و لعلّ ذلك بعد الإقرار ببطون القرآن و نحو ذلك ممّا لا غبار عليه؛ فلاحظ.
و في الجزء الرابع من الأجزاء الستة من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث زيد بن أرقم، في الحادية و السبعين بعد الثلاث مأة من الجزء المزبور في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني، أبي حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن بيعة، قال: لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت: له أسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «إني تارك فيكم الثقلين» ؟ قال:
نعم. (2)
و في الخامس من أجزاء «المسند» في حديث زيد بن ثابت: عن النبي صلى اللّه عليه و سلم في اخر الصفحة الحادية و الثمانين بعد المأة من الجزء المزبور في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني، أبي حدّثنا الأسود بن عامر، حدّثنا شريك عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنّي تارك فيكم
ص:144
خليفتين، كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء و الأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي و أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (1).
و في التاسعة و الثمانين بعد المأة من الجزء في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو أحمد الزبيري، حدّثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسّان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب اللّه و أهل بيتي و أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض جميعا» (2).
أقول: من الواضح أنّ إطلاق الخليفة عليهما ليس بوجودهما بعد موته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بقائهما في تلك النشأة بضرورة عدم اختصاص هذا المعنى بهما فالخلافة إمّا بكونهما في محله و منزلته في هداية النّاس و اهتدائهم بهما أو بكونهما بدله بعده في المرجعية للأنام، فلابدّ أن يكونا يحصل للناس منهما ما كان يحصل لهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليتمّ خلافتهما له و نيابتهما أو عوضيتهما و بدليتهما. ثم الذيل إشارة إلى اتحاد الخليفتين هذين و أن لا يختلفان، فيكون حالهما حاله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في زمانه في وجوب الرجوع إليه و الايتمام به في أمور الدين.
و المخاطب في قوله «تارك فيكم» كلّ الأمّة أو من حضر مشهده ذلك و يعلم حال الغير من مساواتهم معهم، فلا بد أن لا يخالفهما، بل و لا أحدهما في الظاهر أحد و إلاّ كان معرضا عن خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الأمّة و مرتطما في الضلال بترك الحق الذي لا يخرج عن القرآن و العترة.
الكنجي في «كفايته» : أخبرنا أبو المنجا عبد اللّه بن عمر بن علي بن الليثي (3)،
ص:145
أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى (1)أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمان بن محمّد الداري (2)، أخبرنا أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد حمويه، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن حريم (3)، أخبرنا الامام (4)عبد بن حميد، حدّثني يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم لن تضلّوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» قلت: هكذا أخرجه في المنتخب (5)من مسنده (6).
و في الجزء الرابع من الأجزاء الستة من المسند، في أحاديث زيد بن أرقم، في السادسة و الستين بعد الثلاث مأة من الجزء في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيّان التميمي، حدّثني يزيد بن حيّان التميمي، قال: انطلقت أنا و حصين بن سبرة و عمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سمعت حديثه و غزوت معه و صلّيت معه لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ فقال: يابن أخي و اللّه لقد كبرت سنّي و قدم عهدي و نسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فما حدّثتكم فاقبلوه و ما لا
ص:146
فلاّ تكلفوا فيه.
ثم قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة و المدينة، فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه و وعظ و ذكر.
ثم قال: «أمّا بعد ألا أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عزّ و جل فأجيب، و إنّي تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللّه عزّ و جل، فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه تعالى و استمسكوا به، فحث على كتاب اللّه و رغب فيه، قال: و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي» ، فقال له حصين: و من أهل بيته يا زيد؟ أليس نسائه من أهل بيته؟ قال: إنّ نسائه من أهل بيته و لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: و من هم؟ قال: هم آل علي و آل عقيل و آل جعفر و آل عباس، قال: كلّ (1)هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. . . (2)
مسلم في «صحيحه» في باب من فضائل عليّ عليه السّلام: حدّثني زهير بن حرب و شجاع بن مخلد جميعا عن ابن عليّة، قال زهير: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثني أبو حيّان، حدّثني يزيد بن حيان، قال: انطلقت فذكر مثله سواء (3).
و قال: حدّثنا محمّد بن بكّار بن الريّان، حدّثنا حسان (يعني ابن إبراهيم) ، عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيّان، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).
[قال] (5)و ساق الحديث (6)بمعنى حديث زهير.
ص:147
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا محمّد بن فضيل و حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير كلاهما، عن أبي حيّان بهذا الاسناد، نحو حديث أسماعيل، و زاد في حديث جرير: «كتاب اللّه فيه الهدى و النور، من استمسك به و أخذ به كان على الهدى و من أخطأه ضلّ» (1).
حدّثنا محمّد بن بكّار بن الريّان، حدّثنا حسان (يعني ابن إبراهيم) عن سعيد (و هو ابن مسروق) ، عن يزيد بن حيّان، عن زيد بن أرقم، قال: دخلنا عليه، فقلنا له: لقد رأيت خيرا، لقد صاحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صليت خلفه، و ساق الحديث بنحو حديث أبي حيان، غير أنه قال: « (2)و إنّي تارك فيكم ثقلين، أحدهما كتاب اللّه عزّ و جلّ، هو حبل اللّه، من اتبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة» و فيه فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا و إيم اللّه إنّ المرئة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته أصله و عصبته الذين حرّموا الصدقة بعده (3).
و في «رشفة الصادي» (4)و «الصواعق» (5)عنه في الرواية: أهل بيته أهله و عصبته الذين حرّموا الصدقه بعده.
أقول: اعترف زيد بأن حديثه ليس على ما ينبغي للنسيان و شبهه و لا يريد الاعتذار عن خصوص الأحاديث المنفرده كما لا يخفى، و مع ذلك فذكر الترك بعد الأخبار بمضيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كالدليل على إرادة تركه بدلا عن نفسه و مرجعا للناس،
ص:148
مضافا إلى ما ذكره في حق الكتاب ممّا يدلّ على إرادة خصوص مرجعيته بعد جعله و العترة قرينين.
ثم إنّ ظاهر قوله: «أذكركم اللّه. . .» (1)و إن كان من الوصية بالإحسان محضا إلاّ أن الظاهر أنّ المراد أن يعامل معهم كما أمر اللّه به و رضيه و يعلم الحال في ذلك من موارد أخر، و لعلّ المعلوم من الخارج كان ما يفيد لزوم الرجوع إليهم، فاقتصر بالإجمال أو أجمل لغرض أخر مّما ورد نحوه في «المسند» (2)عن أجلة الأصحاب، و أمّا تصديق كونهنّ من أهل بيته كما في الطريق الأول بعد ما عقبه به من الاستدراك، فيمكن أن يكون بالنظر إلى معني دون آخر.
و الحاصل أنهنّ من أهل بيته بالمعني المعروف و لسن ممّن أراده في المقام، و حاصله أن مراده معنى خاص أو أشخاص مخصوصون يخرج عنهم النسوة، فخروجهنّ من المراد يدلّ على عدم إرادة الوصية بالإحسان محضا و إلاّ كن بالدخول أولى كما لا يخفى، كما أنّ النعيم في البيوتات يرشد إلى عدم إرادة بيان المرجع أيضا و لكن الأول أقوى، و كان العذر في أوّل الحديث ناظر إلى مثل ذلك الإجمال و نحو، و مع ذلك فقد يأتي عن زيد مفصلا واضح الدلالة و هي قرينة أخرى على ما ذكر أو رافعة لهذا الإجمال و يبيّن أنه من زيد في أواخره أو من الرواة عنه لا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخصوص هذا الإجمال؛ فتأمل.
أقول: و رواه الحمويني بسنده إلى أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، عن أبي
ص:149
محمّد جناح (1)القاضي بالكوفة، عن محمّد بن علي بن رحيم، عن إبراهيم بن إسحاق الزهري، عن جعفر بن عون (2)و يعلى، عن أبي حيّان التميمي، عن يزيد بن حيّان، قال: سمعت زيد بن أرقم، قال: قام فينا-فذكر نحو الأوّل-و قال: قال الشيخ أحمد البيهقي: قلت: قد بيّن زيد بن أرقم: أن نسائه من أهل بيته و أن اسم أهل البيت للنساء تحقيق و هو يتناول الآل و اسم الآل لكلّ من حرم عليه الصدقة من أولاد هاشم و أولاد المطّلب لقول النبي صلى اللّه عليه و سلم «إن الصدقة لا تحلّ لمحمد و لآل محمّد» و إعطاؤه (3)الخمس الذي عوضهم من الصدقة (4)بني هاشم و بني عبد المطلب، و قد يسّمى أزواجه آلا بمعني التشبيه (5)فأراد (6)تخصيص الآل من أهل البيت بالذكر و لفظ النبي صلى اللّه عليه و سلم في الوصية بهم عامة يتناول الآن و الأزواج و قد أمرنا بالصلاة على جميعهم؛ انتهى (7).
أقول: و قال الكنجي في الباب الأول من كفايته-بعد إيراد الحديث عن مسلم-: قلت: إن تفسير زيد-أهل البيت-غير مرضي لأنه قال: أهل بيته من حرم الصدقة (8)لا ينحصرون في المذكورين فإنّ بني المطلب يشاركونهم في الحرمان و لان آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج أمير المؤمنين عليه السّلام عن أن يكون من أهل البيت بل الصحيح، أن أهل البيت علىّ و فاطمة و الحسنان عليهم السّلام
ص:150
كما رواه مسلم، فذكر ما يأتي إن شاء اللّه و لعلّ مصداق من حرم كان الحصر في الآل فلا اشكال و أنّه يريد (1).
و في أواخر «صحيح أبي عيسى الترمذي» في مناقب أهل بيت النبي صلى اللّه عليه و سلم:
حدّثنا نصر بن عبد الرحمان الكوفي، أخبرنا زيد بن الحسن هو الأنماطي (2)، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه، قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في حجته يوم عرفة و هو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: «يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم من [ما]إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي- قال: -و في الباب عن أبى ذر و أبي سعيد و زيد بن أرقم و حذيفه بن أسيد-قال: - و هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
قال: و زيد بن الحسن قد روي عنه سعيد بن سليمان و غير واحد من أهل العلم. (3)
إلى أن قال: حدّثنا علي بن المنذر الكوفي، أخبرنا محمّد بن فضيل، قال (4):
أخبرنا الأعمش عن عطية، عن أبي سعيد و الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم رضي اللّه عنهما قالا (5): قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (6)، قال: هذا حديث حسن غريب (7).
ص:151
أقول: خبره الأول صريح في أن النّاس في معرض الضّلال و انتفاء الضلال عنهم مشروط بحصول الأخذ بما ترك كتاب اللّه و العترة، كما هو صريح في أنّ المشار إلى تركهما فيهم، هنا خصوص ما يوجب دوام الاهتداء للنّاس، كما هو صريح أيضا في أنّهما في مرحلة ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهما علما و أخذ الناس واحد لا تعدد فيهما، فيدلّ على أنّ تارك العترة لم يأخذ بما ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دافعا للضلال، و الثاني شرح فيما سبق و قوله: «فانظروا كيف. . .» من القلب و يحتمل أن يكون وصية على حدة فرعها على مالهما من الفائدة الجليلة للمسلمين.
و عن «الجمع بين الصّحّاح» في الجزء الثّالث من الأربعة الأجزاء، عن «صحيح أبي داود السّجستاني» (1)و «صحيح التّرمذي» (2)الحديث عن زيد بن أرقم نحو ذلك إلاّ أنّه قال: «عترتي» و زاد عليه سفيان: أهل بيته هم ورثة علمه لأنّه لا يورث من الأنبياء إلاّ العلم فهو كقول نوح عليه السّلام: رَبِّ اِغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً (3)يريد ديني و العلماء من أهل بيته المقتدون به و العالمون بما جاء به لهم فضلان. (4)
النسائي في «خصائصه» في الخامسة عشر: أخبرنا أحمد بن المثنى، قال:
حدّثنا يحيى بن معاذ، قال: أخبرنا أبو عوانة عن سليمان، قال: حدّثنا حبيب بن ثابت (5)، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لمّا دفع (6)النبي صلى اللّه عليه و سلم من حجة
ص:152
الوداع و نزل غدير خم أمر بدوحات، فقممن ثمّ قال: «كأنّي دعيت فأجبت و إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» ثمّ قال: «إنّ اللّه مولاي و أنا وليّ كلّ مومن» ثم إنّه أخذ بيد عليّ رضى اللّه عنه فقال: «من كنت وليّه فهذا وليّه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه» فقلت: لزيد سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ فقال: إنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه و سمعه بأذنيه (1).
الكنجي في الباب السادس من «كفايته» : أخبرنا محمّد بن عبد الواحد بن أحمد بن التوكل على اللّه ببغداد عن (2)محمّد بن عبيد اللّه (3)حدّثنا حسين بن محمّد بن (4)الفرزدق، حدّثنا حسين بن علي بن يزيع، حدّثنا يحيى بن الحسن بن (5)الفرات، حدّثنا أبو عبد الرحمان المسعودي و هو عبد اللّه بن عبد الملك، عن الحرث بن حصيرة، عن صخر بن الحكم الفزاري، عن حبّان الحرث الأزدي، عن الربيع بن جميل الضبي، عن مالك بن ضمرة الدوسي، عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ترد عليّ الحوض راية أمير المؤمنين و إمام الغر المحجّلين، فأقوم فآخذ بيده، فيبيض وجهه و وجوه أصحابه و أقول: ما خلّفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا (6)الأكبر و صدقناه و وازرنا الأصغر و نصرناه و قاتلنا معه، فأقول: زدوا رواء مرويين فيشربون شربة لا يظمأمون بعدها (7)، وجه إمامهم.
ص:153
كالشّمس الطالعة و وجوههم كالقمر ليلة البدر أزكى ضوء (1)نجم في السماء (2).
أقول: نصروه على النّاكثين و القاسطين و المارقين إذ لم يحارب بعده غيرهم.
و في «الصواعق» في ذيل الأربعين و في رواية أنّه صلى اللّه عليه و سلم قال في مرض موته:
«أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إنّي مخلف فيكم كتاب اللّه (3)عزّ و جلّ و عترتي أهل بيتي» ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها فقال: «هذا عليّ مع القرآن و القرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض، فاسألوهما ما خلفت فيهما» (4).
و في «رشفة الصادي» بعد إيراد رواية زيد عن «صحيح مسلم» (5): و في رواية:
«إنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا بما تخلفوني فيهما» (6)زاد الطبراني (7): «و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، سألت ربي ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، و لا تعلموهم فانّهم أعلم منكم» (8).
و في رواية عنه رضى اللّه عنه (9)قال: أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم حجة الوداع، فقال:
«إنّي فرطكم على الحوض و إنكم تبعي و إنكم توشكون أن تردّوا عليّ الحوض
ص:154
فأسئلكم عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما» ؟ فقام رجل من المهاجرين فقال: ما الثقلان؟ قال: «الأكبر منهما كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه و سبب طرفه بأيديكم، فتمسكوا به، و الأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي و أجاب دعوتي فليستوص بهم خيرا» -أو كما قال-: «فلا تقتلوهم و لا تقهروهم و لا تقصروا عنهم، و إنّي قد سألت (1)اللطيف الخبير، فأعطاني أن يردّوا عليّ الحوض كتين-أو قال: كهاتين- و أشار بالمسبحتين، ناصرهما لي ناصرو خاذلهما لي خاذل و وليّهما لي وليّ و عدّوهما لي عدوّ» (2).
أقول: و عن ابن المغازلي: أخبرنا أبو يعلى عليّ بن عبيد اللّه (3)، أخبرنا عبد السلام بن عبد الملك (4)، أخبرنا عبد اللّه بن محمّد (5)، حدّثنا محمّد بن بكير (6)بن عبد الرزاق، حدّثنا ابن حاتم مغيرة بن محمّد المهلّبي (7)، حدّثني مسلم بن إبراهيم، حدّثنا يونس (8)بن قيس الحدّاني حدّثنا الوليد بن صالح عن امرأة زيد بن أرقم، في حديث طويل مثل ذلك إلاّ أنّه قال-بعد قوله: «خلفتموني فيهما» :
فأعيل علينا ما ندري ما يقول الان، فقام (9)رجل. . . و قال أيضا: «أجاب دعوتي فلا تقتلوهم. . .» و قال (10): «كهاتين» و أشار بالمسبحة، و لو شئت قلت: كهاتين
ص:155
بالسبابة و الوسطى ناصرهما. . . ، و زاد عليه (1)، «ألا و إنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتدين بأهوائها، و تظاهر على نبوتها، و تقتل من قام بالقسط» ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبيطالب عليه السّلام فرفعها فقال (2): «من كنت وليّه فهذا وليه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه» قالها ثلاثا (3). . . آخر الخطبة (4).
و «في الصواعق» في التتمّة، في باب الأمان ببقائهم: و جاء عن الحسين كرّم اللّه وجهه: «من أطاع اللّه من ولدي و اتبع كتاب اللّه تعالى وجبت طاعته» و قال:
و أورد أيضا بلا إسناد: «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين، تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين» الحديث و أشهر منه الحديث المشهور: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدو له ينفون عنه. . .» (5).
و في «رشفة الصادي» -بعد ما مرّ عنه-: و في رواية أخرى أنه قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-في مرض موته-: «يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إنّي مخلف فيكم كتاب ربّي عزّ و جلّ و عترتي أهل بيتي» قال السمهودي قده: و الحاصل انه لمّا كان كلّ من القرآن العظيم و العترة الطاهرة معدنا للعلوم الدينيّة و الحكم و الأسرار النفيسة الشرعيّة و كنوز دقائقها و استخراج حقائقها أطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليهما الثقلين و يرشد لذلك حثه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض الطرق السابقة على الاقتداء و التمسك و التعلّم من أهل بيته و قوله في حديث أحمد: «الحمد للّه الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت» (6)و ما سيأتي من كونهم أمانا
ص:156
للأمّة انتهى (1).
و عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري قال: جلست إلى الأصبغ بن نباتة، فقال: ألا أقرئك ما أملاه عليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه، فأخرج صحيفة فيها مكتوب:
«هذا ما أوصى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أهل بيته و أمّته، أوصى أهل بيته بتقوى اللّه و لزوم طاعته و أوصى أمّته بلزوم أهل بيته و انّ أهل بيته يأخذون بحجزة نبيّهم، و إنّ شيعتهم يأخذون بحجزتهم يوم القيامة، و إنّهم لن يدخلوكم باب ضلالة، و لم يخرجوكم عن باب هدى» و أخرج الملاء حديث: «[من]في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين، ألا و إنّ أئمتكم و فدكم إلى اللّه، فانظروا من توفدون» (2).
و في «الصواعق» و في رواية صحيحة: «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا ان تبعتموهما و هما كتاب اللّه و أهل بيتي عترتي» (3)زاد الطبراني: «إني سألت ذلك لهما، فلا تقدموهما، فتهلكوا و لا تقصروا عنهما، فتهلكوا و لا تعلموهم، فإنّهم أعلم منكم» (4).
و قال أيضا: ثمّ اعلم إنّ لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف و عشرين صحابيا، و مرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر لشبهة. انتهى موضع الحاجة (5).
و قال فيما أشار إليه: و لفظه «أي حديث الغدير» عند الطبراني و غيره بسند صحيح. فساقه إلى أن قال: ثم قال: «أيّها الناس إنّي فرطكم، و إنّكم و اردون عليّ
ص:157
الحوض، حوض أعرض ممّا بين بصري و صنعاء فيه عدد النجوم، قدحان من فضة، و إنّي سائلكم حين تردّون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّ و جل، سبب طرفه بيد اللّه و طرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا و لا تبدّلوا، و عترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير، إنهّما لن ينقضيا حتّى يردا عليّ الحوض» (1).
أقول: أخبار الثقلين كثيرة الطرق جدّا، و لم يتعلق الغرض باستيفاء ما يحضرنا من طرقها فضلا عن النقل بالواسطة، كسائر الأخبار في الأبواب، لأنّ فيما نورده كفاية.
و عن «الحمويني» : حدّثنا الإمام الأطهر (2)قطب الدين المرتضي ابن محمود محمّد بن محمّد الحسني إجازة (3)سنة إحدى و سبعين و ست مأة بهمذان، قال:
أنبأنا والدي رحمه اللّه و أبنأنا الإمام مجد الدين أبو الحسن محمّد بن يحيى بن الحسن الكرخي (4)بقرائتي عليه ظاهر قرية قهود و هي التي تدعي قلعة (5)سقور، قال:
أنبأنا جدّي لأمّي الإمام مجد الدين أبو محمّد عبد الرحمان بن الإمام مجد الدين أبي القاسم عبد اللّه بن حيدر (6)، أنبانا شيخ الإسلام جمال السنة معين الدين أبو عبد اللّه محمّد بن حمويه (7)قال: أبنأنا جمال الإسلام أبو المحاسن عليّ بن الفضل الغاريدي رضى اللّه عنه، قال: أنبأنا والدى شيخ الإسلام أبو على الفضل بن على بن محمّد
ص:158
الفارندى قال (1): قال: أبنأنا الإمام أبو القاسم عبد اللّه بن علي-شيخ وقته المشار إليه في الطريقة و متقدم (2)أهل الإسلام و الشريعة قال: أنبأنا (3)أبو زيد عبد الرحمان بن محمّد بن أحمد-يوم الثلثاء السابع من شوال سنة ست و أربع مأة -حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمّد بن سنان الفزار (4)، حدّثنا (5)موسى بن عبيدة حدّثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «النجوم أمان لأهل السماء، و أهل بيتي أمان لأمّتي» (6).
أقول: و في هامش النسخة: بهلول عن مورق، أنبأنا و لا أعرف موضع ذلك فتدبر (7).
و أيضا قال: قال الواحدي: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن (8)أبي فضيل عن أبي حيّان عن يزيد بن حيّان (9).
أنبأني السيد الإمام جمال الدين أحمد بن موسى بن طاوس الحسني قدس اللّه أرواحهم و السيد النسّابة جمال الدين (10)عبد الحميد بن فخّار بن معد
ص:159
الموسوي رحمه اللّه بروايتهما عن السيد شمس الدين [شيخ]الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن جعفر بن محمّد الدوريستي، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي رضى اللّه عنهم، قال:
حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادي، قال: حدّثنا أحمد بن عبد العزيز بن الجعد أبو بكر، قال: حدّثنا عبد الرحمان بن صالح، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى عن موسى بن عبيدة، عن أياس بن سلمة (1)عن أبيه رفعه (2)قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. . . فذكر مثله (3).
و بهذا الإسناد عن ابن بابويه، حدّثنا محمّد بن عمر، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن السري بن سهل، قال: حدّثنا عباس بن الحسين، قال: حدّثنا عبد الملك بن هارون عن (4)عنترة عن أبيه عن جدّه عن على عليهما السّلام، مثله، إلاّ أنه قال: «لأهل الأرض «فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (5).
أقول: و روى غير ذلك أيضا» (6).
و عن عبد اللّه بن أحمد عن أبيه قال: و فيما كتب إلينا محمّد بن علي الحضرمي، يذكر أن يوسف بن نفيس حدّثهم، قال: حدّثنا عبد الملك بن هارون، عن عنترة (7)، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليه السّلام. . . ، فذكر ما يأتي عن أحمد (8).
ص:160
و في «الصواعق» : و منها «النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأمّتي» أخرجه جماعة كلّهم بسند ضعيف و في رواية ضعيفة أيضا «أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الأيات ما كانوا يوعدون» و في أخرى لأحمد. . . ، فذكر ما يأتي عنه. و في رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين. . . ، فذكر رواية الحاكم الآتية. (1)
و في «رشفة الصادي» : أخرج الحاكم (2)و قال: صحيح الإسناد عن ابن عباس رضى اللّه عنه أنّه، قال: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوها، فصاروا حزب إبليس» و عن عليّ بن أبيطالب كرّم اللّه وجهه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» أخرجه أحمد في «المناقب» (3). . . ، إلى أن قال: قال السمهودي روح اللّه روحه (4)-بعد إيراد هذه الأحاديث-: يحتمل أن المراد من أهل البيت (5)علمائهم الذين يهتدي بهم كما يهتدي بنجوم السماء، و هم الذين إذا خلت الأرض منهم جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون (6)، و ذلك عند موت المهدي، إلى أن قال: و يحتمل و هو الأظهر الإطلاق (7)لأنّ اللّه تعالى لمّا خلق الدنيا (8)لأجل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل
ص:161
دوامها بدوامه و دوام أهل بيته فإذا انقضوا طوى بساطها (1).
و قال في «الرشفة» : أخرج الحاكم (2)عن أبي ذر رضى اللّه عنه: أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى و من تخلف عنها عرق و مثل باب حطّة بني إسرائيل» (3).
و زاد أبو الحسن المغازلي: «و من قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال» (4).
و عن أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجى و من تخلف عنها غرق، و إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني اسرائيل من دخله غفر له» أخرجه الطبراني في الصغير و الأوسط. (5)
و الكنجي في الباب المأة: و أخبرنا نقيب النقباء أبو الحسن علي بن إبراهيم الحسيني (6)و غيره بدمشق، و أخبرنا الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي بحلب، قالوا: أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي، أخبرنا أبو عدنان و فاطمة بنت عبد اللّه، قالا: أخبرنا أبو بكر بن زيدة، أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد
ص:162
بن أيوب الطبراني، حدّثنا الحسن بن (1)منصور سجادة، (2)حدّثنا عبد اللّه بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المغيرة (3): فإنه سمع أبا ذر الغفاري يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح (4)من ركبها نجى و من تخلف عنها هلك و مثل باب حطّة في بني إسرائيل» أخرجه إمام أهل الحديث في معجم شيوخه (5)، كما أخرجناه سواء. (6)
و رواه عن أبي سعيد بسند آخر، كما أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي بحلب، قال: أخبرنا الأمير أبو علي داود بن سليمان بن أحمد (7)مولانا وزير وزراء الشرق و الغرب محيي الشريعة نظام الملك أبي علي الحسن بن إسحاق، قال: أخبرتنا فاطمة الجوزدانية و خجسته (8)الصالحانية (9)أخبرنا أبو بكر بن زيدة، أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز بن محمّد بن ربيعة، حدّثنا عبد الرحمان بن أبي حماد المقري عن أبي سلمة الصايغ، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى و من
ص:163
تخلف عنها غرق و إنّما مثل أهل بيتي مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له» .
قلت: هو في هذه الترجمة في كتابه و أمّا الكلام (1)فظاهر عند أهل النقل (2).
عن الحمويني: أخبرنا الشيخ الصالح كمال الدين أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن عليّ السيد قاني الجويني رحمه اللّه فيما كتب إليّ (3)و أجاز [لي]-في روايته [عنه] في ذي الحجة، سنة أربع و ستين و ستة مأة-، قال: أنبأنا الإمام جمال الدين أبو الفضل جمال بن معين الطبري قال (4): أبنأنا زاهر بن طاهر بن محمّد المستملي أنبأنا (5)أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عبد اللّه المذكّر بهراة، قال: أنبأنا إسماعيل بن زاهر اليوناني (6)في كتابه، قال: أنبأنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم الإصفهاني، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد بن الطبراني فذكر مثل مامرّ (7).
و أيضا قد أخبرني جماعة: منهم العلامة نجم الدين عثمان بن الموفق الأذكاني -فيما أجازوا لي روايته عنهم-، قالوا: أنبأنا المؤيد بن محمّد بن عليّ الطوسي عن عبد الجبّار بن محمّد الجوازي (8)إجازة، قال: أبنأنا الإمام أبو الحسن عليّ [بن أحمد]الواحدي، قال: أنبأنا الفضل بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم، أنبأنا أبو عليّ
ص:164
بن أبي بكر الفقيه، أبنأنا محمّد بن إدريس الشافعي، حدّثنا الفضل (1)بن صالح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حبش (2)بن المعتمر الكناني، قال: سمعت أبا ذر. . . ، فذكر ما مرّ مع زيادة.
أيضا قال الواحدي: روى الحاكم في «صحيحه» (3)عن أحمد بن جعفر بن حمدان (4)عن عباس (5)القراطيسي عن محمّد بن إسماعيل الأحمسي عن الفصل (6). . . (7)
و في «الصواعق» : و جاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضا «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة (8)نوح من ركبها نجى» و في رواية مسلم (9)«و من تخلف عنها غرق» و في رواية: «هلك (10)» «و إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له» .
و في رواية «غفر له الذنوب» (11).
و وجّه بأن من تمسك بأهل بيته و أخذ بهديهم نجى من ظلمات المتخالفات
ص:165
و اعتصم بأقوى سبب إلى اللّه و من تخلّف عن ذلك و أخذ غير مأخذهم غرق في بحار الطغيان و استوجب حلول النيران لأنّ بعضهم موجب لدخولها انتهى ملخصا. (1)
أقول: و عن ابن المغازلي، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطار الفقيه الشافعي، قال: حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن عثمان الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي، قال: حدّثني أبو بكر محمّد بن يحيى الصوليّ النحويّ، قال (2): حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي قال (3): حدّثنا جهم بن السباق أبو السباق الرياحي، حدّثني بشر بن المفضّل يقول (4): سمعت المهدي، يقول: سمعت المنصور يقول: حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «مثل أهل بيتي (5)مثل سفينة نوح من ركبها نجى و من تخلف عنها هلك (6).
و أيضا أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو الحسين محمّد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ إذنا، حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي، حدّثنا سويد، حدّثنا عمر بن ثابت، عن موسى بن عبده (7)، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجى» (8).
ص:166
و بهذا الاسناد عن سويد: حدّثنا المفضل بن عبد اللّه (1)بن إسحاق، عن ابن المعتمر عن أبي ذر مثله و زاد: «و من تخلّف عنها غرق» (2).
و أيضا أخبرنا أبو نصر (3)الطحان إجازة عن القاضي أبي الفرج الخيوطي قال (4): حدّثنا أبو الطيب بن فرج (5)، حدّثنا إبراهيم، حدّثنا إسحاق بن سنان، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا عليّ بن زيد عن سعيد بن مسيب، عن أبي ذر، مثل الأخير مع زيادة من «قاتلنا. . .» . (6)
و أيضا أخبرنا أبو غالب محمّد بن أحمد بن سهل النحوي قال (7): حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ [بن محمّد بن عليّ] (8)السقطى إملاء، حدّثنا يوسف (9)بن سهل، حدّثنا (10)الحضرمي، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي ودمة (11)، حدّثنا سليمان بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا أبو الصهباء، عن سعيد بن عبّاس، مثله إلى قوله: «غرق» (12).
أقول: و في «القاموس» : «العترة» بالكسر «قلادة تعجن بالمسك، و الأفاوية
ص:167
و نسل الرجل و رهطه و عشيرته الأدنون ممّن مضى و غبر» (1).
و في «مختار الصحاح» : «و عترة الرجل» نسله و رهطه الأدنون «و العتر» (2)أيضا.
و في الصراح: خويشان و نزديكان (3).
أبو البقاء: هي نسل الرجل و رهطه و عشيرته الأدنون ممن مضى (4).
«الأساس» : «و عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» عبد المطلب و كل عمود تفرعت منه الشعب فهو عترة، و أغصان الشجرة عترتها: عمود الشجرة (5).
و في «العين» : «عترة الرجل» أقرباءه من ولده و ولد ولده و بني عمه دنيا. . . (6).
و عن أبي العباس تغلب، عن ابن الأعرابي في معاني العترة: «و العترة» ولد الرجل و ذريته من صلبه (7)فلذلك سميت ذرية محمّد صلى اللّه عليه و سلم من عليّ و فاطمة عترة محمّد صلى اللّه عليه و سلم، قال تغلب: قلت: لإبن الأعرابي فما قول أبي بكر في السقيفة نحن عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: أراد بلدته و بيضته و عترة محمّد لا محالة ولد فاطمة. (8)
يحكى ذلك عن كتاب «الياقوتة» : لمحمد بن عبد الواحد صاحب تغلب.
أقول: لا يبعد أن يقال: إنّ الظاهر من الأخبار إرادة الأقارب الادنين، و لذا
ص:168
قال: بينا أهل بيتي.
فالظاهر أن المراد بهما واحد و إن كان الظاهر من العترة اسم الجنس الجمعي كالقوم و الرهط، و كيف كان نعهد الإضافة يجري في ذلك أيضا، مضافا إلى الاختصاص ما ذكر لها من الوصف، من أنها و القرآن لا يتفارقان إلى الحوض أيّا ما كان العترة و أهل البيت، فدلالة هذه الأخبار على عدم احتباجهم إلى الايتمام بإمام في كمال الوضوح كدلالتها على كونهم أئمة لمن يكون في معرض ضلال و جاهلية بنزاهتهما عن الضلال و الإضلال و فوزها بالحق و الصواب، كدلالتها على كون كل من سواهم من الأمة مكلفا بالتمسك بهم و التشبث بذيلهم حتى بنحو فلنجرى الكلام في تعينهم.
ص:169
ص:170
باب تعيين أهل البيت و العترة الذين أمر النّاس بالرجوع إليهم و التّمسك بهم و الدخول في طاعتهم و الايتمام بهم مدّة الإسلام.
ص:171
في الجزء الرابع من «المسند» في مسند الشّامييّن في حديث واثلة بن الأسقع في السابعة بعد المأة في الطّبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن مصعب (1)قال: حدّثنا الأوزاعي، عن شدّاد أبي عمّار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع-و عنده قوم-فذكروا عليّا، فلمّا قاموا قال لي: أ لا أخبرك (2)؟
أقول: كذا حديث النّسخة. و في المحكي عن الكتاب: قد ذكروا فشتموه، فشتمته معهم، فلمّا قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرّجل؟ ! قلت: رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم، فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ قلت: بلى.
قال: أتيت فاطمة (رضي اللّه عنها) أسألها عن عليّ عليه السّلام قالت: توجّه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجلست انتظره حتى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و معه عليّ و حسن و حسين رضى اللّه عنهم أخذ كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل، فأدنى عليّا و فاطمة، فأجلسهما بين يديه، و أجلس حسنا و حسينا كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ لفّ عليهم ثوبه، أو قال: كسا، ثمّ قرأ هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3). و قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، و أهل بيتي أحقّ» (4).
أقول: سبط ابن الجوزي في تذكرته فيما يتعلّق بالحسين عليه السّلام: و قال أحمد في «الفضائل» (5): حدّثنا محمّد بن مصعب، حدّثنا الأوزاعي عن شدّاد بن عمّار، عن
ص:172
واثلة (1)بن الأسقع، قال: أتيت فاطمة، أسألها عن عليّ، فقالت: توجّه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجلست أنتظره، و إذا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أقبل و معه عليّ و الحسن و الحسين، قد أخذ بيد كلّ واحد (2)حتّى دخل الحجرة، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى و الحسين على فخذه اليسرى، و أجلس عليّا (3)و فاطمة بين يديه، ثمّ لفّ عليهم كساء (4)أو ثوبه، ثمّ قرأ: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ. . . (5)ثمّ قال: «أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي حقّا» (6).
أقول: و عن «تفسير الثّعلبي» عن الحسين بن محمّد، عن عمر بن الخطّاب، عن عبد اللّه بن الفضل، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمّد بن مصعب، مثل الأوّل مع زيادة قصّة الشتم (7).
أقول: تعريف المسند فيه قد يوجب الدّلالة على الانحصار فيمن أشار إليهم.
و لعلّ قوله: «أهل بيتي حقا» و نحوه أيضا يؤيّد هذا المعنى، لإفادته أنّ أهل بيته الحقيقي الكاملين في الأهليّة، أو في وجه النّسبة و الإضافة هم، فليس المورد من قبيل الإخبار عن الخاصّ بالعامّ، بل هما من قبيل هذا زيد.
مضافا إلى أنّ الإخبار بالعامّ في مثل المورد كأنّه لا يخلو عن الفائدة؛ فلاحظ.
ص:173
و في السّادس، في الثانية و التسعين بعد المأتين، في أحاديث أمّ سلمة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد اللّه بن نمير، قال: حدّثنا عبد الملك يعني ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أمّ سلمة، تذكر أنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة (1)، فدخلت بها عليه، فقال لها:
«ادعي زوجك و ابنيك» .
قالت: فجاء عليّ و الحسن و الحسين (2)، فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة و هو على منامة له على دكّان تحته كساء له خيبري.
قالت: و أنا أصليّ في الحجرة، فأنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).
قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثمّ أخرج يده، فألوى بها إلى السّماء، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي، فأذهب عنهم الرّجس، و طهّرهم تطهيرا» (4).
قالت: فأدخلت رأسي البيت، فقلت: و أنا معكم يا رسول اللّه؟ قال: «إنّك إلى خير، إنّك إلى خير» (5).
قال عبد الملك: و حدّثني-أبو ليلى عن أمّ سلمة مثل حديث عطاء سواء (6).
قال عبد الملك: و حدّثني داود بن أبي عوف الجحّاف، عن حوشب عن أمّ سلمة مثله سواء (7).
ص:174
أقول: و عن «تفسير الثّعلبي» ، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه بن فتحويه، حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، فذكر مثله (1).
و في بعض نسخ الرّواية عن «المسند» : قوله مرّتين «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي، فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (2).
أقول: أصل سؤال أمّ سلمة ممّا يشهد بأن فهمت أن لا يراد من أهل البيت المعني المتعارف، فضلا عن إلاعراض عن جوابها بقول لا، أو نعم، مضافا إلى تطييب قلبها بأنّها إلى خير، و خصوص ذلك على أنّ الوجه ما يكون من الخير، فأجاب بما حاصله: أن لست منهم، و لا ينتفي عنك الخير أيضا. و في الخبر دلالة على أن اللّفّ لتعيين المشار إليه، و لو أريد الدّعاء لهم خاصّة-و هم بعض أهل بيته -لأدخل لفظة: «من» ، مع أنّ ذكر هذا الكلام-بعد نزول الآية-لبيان مورد الإرادة، و إلاّ فمع تعلّقها بكلّ أهل بيته كيف يدعو بها لبعضهم خاصّة؟ !
ثمّ إنّ الدّعاء المزبور بعد وعد اللّه عزّ و جلّ؛ و إخباره لأغراض أخر غير أصل حصول الحاجة؛ فتأمّل.
و في السّادسة و التّسعين بعد المأتين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا عوف عن أبي المعدّل عطيّة الطّفاوي، عن أبيه، عن أمّ سلمة، حدّثته، قالت: بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في بيتي يوما، إذ قالت الخادم: إنّ عليّا و فاطمة بالسّدّة، قالت، فقال: «قومي تنّحي (3)لي من أهل بيتي» ، قالت: فقمت، فتنحّيت
ص:175
في البيت قريبا، فدخل عليّ و فاطمة، و معهما الحسن و الحسين، و هما صبيّان صغيران، فأخذ الصّبيين، فوضعهما في حجره، فقبّلهما، قال: و اعتنق عليّا بإحدى يديه، و فاطمة باليد الأخرى، فقبّل فاطمة، و قبّل عليّا، فأغدف عليهم خميصة سوداء، فقال: «اللّهمّ إليك، لا إلى النّار أنا و أهل بيتي» ، قالت: فقلت: و أنا يا رسول اللّه؟ فقال: «و أنت» (1).
و في الرّابعة بعد الثّلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاء، حدّثنا عوف، عن أبي المعدّل عطيّة الطّفاوي، قال: حدّثني أبي، عن أمّ سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: و اعتنق عليّا و فاطمة، ثمّ أغدف عليهما ببردة له، و قال: «أللّهمّ. . .» (2).
و كيفيّة قول أمّ سلمة و جوابه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدلّ على خروجها منهم عندها أيضا، حيث أفردت نحو ما أفردت نفسه، و لو شاركتهم في ذلك لم يدلّ على دخولها في عنوان أهل البيت في أمثال المقام كما لا يخفى، فكيف بالنّظر إلى ردّها، إخراجها؟ ! فلاحظ.
و في الثّامنة و التّسعين بعد المأتين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم، حدّثنا عبد الحميد يعني ابن بهرام، قال: حدّثني شهر بن حوشب، قال: سمعت أمّ سلمة زوج النّبي صلى اللّه عليه و سلم-حين جاء نعي الحسين بن علي-لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم اللّه، غرّوه و ذلّوه لعنهم اللّه، فإنّي رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جائته فاطمة-غدية-ببرمة قد صنعت له فيها عصيدة تحمله في طبق لها حتى وضعتها بين يديه، فقال لها: «أين ابن عمّك؟» قالت: هو في البيت، قال:
«فاذهبي فادعيه، و إيتيني بابنيه» ، قالت: فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما
ص:176
بيده (1)، و عليّ يمشى في إثرهما، حتّى دخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأجلسهما في حجره، و جلس عليّ عن يمينه، و جلست فاطمة عن يساره، قالت أم سلمة:
فأجتيذ (2)من تحتي كساء خيبريّا كان بساطا لنا على المنامة في المدينة، فلفّه النبي صلى اللّه عليه و سلم عليهم جميعا، فأخذ بشماله طرفي الكساء، و ألوى بيده اليمنى إلى ربّه عزّ و جلّ، قال: «أللّهمّ أهلي أذهب عنهم الرّجس، و طهّرهم تطهيرا، أللّهمّ أهل بيتي أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» قلت: يا رسول اللّه! ألست من أهلك؟ قال: «بلى، فأدخلي الكساء» (3)قالت: فدخلت في الكساء بعد ما قضى دعائه لإبن عمّه عليّ و ابنيه، و ابنته فاطمة رضى اللّه عنهم (4).
أقول: يشعر الخبر بأنّ دعوتهم لأن يفعل بهم ما فعل، و لو كان لهم شريك لم يترك دعوته، كما دعاهم. ثمّ إنّ سؤال أمّ سلمة هذا يدلّ على فهمها من كلامه صلى اللّه عليه و سلم انحصار أهل بيته فيهم، كما يدلّ على أنّها عرفت من أشار إليهم بلفظ الإشارة و رأت نفسها خارجة عمّن أشار إليهم.
و أمّا الجواب: فيصّح كونه تصديقا لأهليّتها له بمعني آخر تطييبا لطيبها، ثمّ إنّ التثليث بلفظ واحد كالصّريح في الانحصار.
و في الرّابعة بعد الثلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو أحمد الزّبيري، حدّثنا سفيان، عن زبيد عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة، أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم جلّل على عليّ و حسن و حسين و فاطمة كساء، ثمّ قال: «أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، و خاصّتي، أللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» ، فقالت أمّ سلمة: أنا منهم؟
ص:177
أقول: لعلّ قوله صلّى اللّه عليه و سلّم «خاصّتي» يدلّ على أن ليسوا لغيره بخاصة، و عطفه على الأهل قد يرشد إلى أن وجه النسبة تلك الخصوصيّة، و إلى انحصار العنوانين فيهم؛ فتأمّل.
و في الثالثة و العشرين بعد الثلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: حدّثنا عليّ بن زيد، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لفاطمة: « (3)بزوجك و ابنيك» فجائت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيّا، ثمّ وضع يده عليهم، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء آل محمّد، فاجعل صلواتك و بركاتك على محمّد و على آل محمّد، إنّك حميد مجيد» ، قالت أمّ سلمة:
فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي، و قال: «إنّك إلى (4)خير» (5).
و في الأوّل، في الثّلاثين بعد الثّلاث مأة-في أحاديث ابن عبّاس-: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيي بن حمّاد، حدّثنا أبو عوانه، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو بن ميمون، قال: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس، إذ أتاه تسعة (6)، فقالوا:
يا أبا عبّاس إمّا أن تقوم معنا، و إمّا أن تخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عبّاس: بل أقوم معكم، قال: و هو يومئذ صحيح البصر (7)، قبل أن يعمى، قال: فابتدؤا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا. قال: فجاء ابن عبّاس (8)ينفض ثوبه، و يقول: أفّ
ص:178
و تف، وقعوا في رجل له عشر، إلى أن قال: قال: و أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثوبه فوضعه على عليّ و فاطمة و حسن و حسين، فقال: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ. . . (1)الحديث (2).
و يدلّ على كون فعله صلى اللّه عليه و سلم من بيان أهل البيت المومى إليهم في الآية-كما لا يخفى.
و في الخامسة و الّثمانين بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن حمّاد (3)، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول له و خلّفه في بعض مغازيه، فقال عليّ رضى اللّه عنه:
تخلفني (4)مع النّساء و الصبيان؟ ! قال: «يا عليّ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ (5)بعدي» ، و سمعته يقول يوم خيبر: «لأعطينّ الّرايه رجلا يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله» ، فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليّا رضى اللّه عنه» ، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه (6)، و دفع الرّاية إليه ففتح اللّه عليه، و لمّا نزلت هذه الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ (7)دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا رضوان اللّه عليهم أجمعين، فقال: «أللّهمّ هؤلاء أهلي» (8).
أقول: الدّلالة فيه على الانحصار لا تخفى.
«مسلم» في كتاب الفضائل، في باب فضائل عليّ رضى اللّه عنه: حدّثنا قتيبة بن سعيد
ص:179
و محمّد بن عبّاد-و تقاربا في اللّفظ-قالا: حدّثنا حاتم-و هو ابن إسماعيل-عن بكير. . . ، فذكر مثله (1)، إلاّ أنّه قال-بعد قوله عن أبيه-قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب (2)؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلن أسبّه لإن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلىّ من حمر النّعم، سمعت-رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول له: «خلفه. . .» . (3)
التّرمذي في «صحيحه» في كتاب الفضائل باب في فضائل عليّ رضى اللّه عنه: حدّثنا قتيبة، حدّثنا حاتم ابن إسماعيل، عن بكير بن مسمار عن عامر، فذكر مثله، فقال: «قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه» (4).
و في كتاب التفسير في سورة آل عمران: حدّثنا قتيبة، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار-و هو مدني، ثقة-عن عامر بن سعد بن أبي وقاص (5)، عن أبيه، قال: لمّا أنزل اللّه هذه الآية: . . . نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ. . . (6)دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليّا و فاطمة، و حسنا و حسينا، فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهلي» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، غريب، صحيح (7).
مسلم في باب فضائل أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة و محمّد بن عبد اللّه بن نمير، و اللّفظ لأبي بكر (8)، حدّثنا محمّد بن بشر عن زكريّا، عن مصعب بن شيبة، عن صفيّة بنت شيبة، قالت: قالت عايشة صلى اللّه عليه و سلم: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غداة-
ص:180
و عليه مرط مرجّل (1)من شعر أسود-فجاء الحسن بن عليّ، فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة، فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال:
إِنَّما يُرِيدُ. . . (2)، (3).
أقول: قال بعض الأثبات: و من «صحيح البخاري» -في الجزء الرّابع منه (4)- و من «صحيح مسلم» في الجزء الرّابع منه على احدّ الكراسين (5)، من آخر الجزء- و أجزاء «البخاري» ثمانية و أجزاء «مسلم» من ستة، -و هذا من المتفق عليه منهما، فذكر سنده إلى «البخاري» ، و قال: يرفعه إلى مصعب بن شيبة، عن صفيّة بنت شيبة عن عايشة، و سيأتي ذكر الخبر، ثمّ ذكر طريقه إلى «صحيح مسلم» :
و هذا الحديث، إلى أن قال:
و من «الجمع بين الصّحيحين» للحميدي، فذكر سنده إليه، فقال: قال: الحديث السابع و السّتّون من المتفق عليه في الصّحيحين من «البخاري» و «مسلم» ، من مسند عايشة، عن مصعب بن شيبة، فذكر الحديث، و قال: و ليس لمصعب بن شيبة، عن صفيّة في مسند عايشة من الصحيحين غير هذا (6).
ص:181
و من «الجمع بين الصّحاح السّتّة» (1)فذكرها و السند، فقال: قال في الجزء الثّاني من أجزاء ثلاثة، في تفسير سورة الأحزاب: و من «صحيح أبي داود السجستاني» (2)، و هو كتاب «السّنن» في تفسير قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ. . . (3)
عن عايشة، قالت: . . . ، فذكر هذا الحديث بعينه، إلى أن قال: و من الجزء الثالث من الكتاب، أعني جمع رزين أيضا في باب مناقب الحسن و الحسين من «صحيح أبي داود» ، و هو السّنن، عن صفيّة بنت شيبة. . . ، فذكر الحديث بعينه (4).
أقول: لم أجد الحديث في نسختي من «صحيح البخاري» و اتفاق النّقلين مع عدم إشارة رزين قد يرمي إلى كون ذلك من اختلاف النّسخ؛ فلاحظ.
الترمذي في «صحيحه» في كتاب التفسير في سورة الأحزاب: حدّثنا قتيبة، حدّثنا (5)محمّد بن سليمان (6)الإصبهاني عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة-ربيب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم-قال: لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه و سلم: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (7)، في بيت أمّ سلمة، فدعا فاطمة و حسنا و حسينا، فجلّلهم بكساء، و عليّ خلف ظهره، فجلّلهم (8)بكساء، ثمّ قال: «أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» قالت أمّ سلمة: و أنا معهم يا رسول اللّه (9)؟ قال: «أنت على
ص:182
مكانك، و أنت على خير» .
قال: هذا حديث غريب (1)من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة. (2)
حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا (3)عفّان بن مسلم، حدّثنا (4)حمّاد بن سلمة، أخبرنا عليّ بن زيد، عن أنس بن مالك: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر، إذا خرج إلى صلاة (5)الفجر، يقول: «الصلاة يا أهل البيت» إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (6)، قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنّما نعرفه من حديث حمّاد بن سلمة، قال: و في الباب عن أبي الحمراء (7)و معقل بن يسار و أمّ سلمة (8).
أقول: و رواه في باب مناقب أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعينه، و قال: و في الباب:
عن أمّ سلمة و معقل بن يسار و أبي الحمراء و أنس (9)، قال: و (10)هذا حديث، غريب من هذا الوجه. (11)
أقول: من «الجمع بين الصّحاح السّتّة» في الجزء الثاني-في تفسير سورة
ص:183
الأحزاب-: «سنن أبي داود» (1)و «موطأ» (2)مالك، عن أنس إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. . . (3)فذكر الحديث بعينه، إلاّ أنّه قال: «قريبا من ستّة أشهر» ، و لعلّ إشعاره أو دلالته على وحدة المراد من أهل البيت في كلامه و الآية لا يخفى.
«التّرمذي» في باب فضل فاطمة: حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا (4)أبو أحمد الزّبيري، حدّثنا (5)سفيان، عن زبيد، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة: أن النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم جلّل على الحسن و الحسين و عليّ و فاطمة كساء، ثمّ قال: «أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي (6)أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» فقالت أمّ سلمة: و أنا معهم يا رسول اللّه؟ فقال: «إنّك إلى (7)خير» ، قال: هذا حديث حسن (8)، و هو أحسن شيء (9)في هذا الباب (10).
و في الباب عن عمر بن أبي سلمة و أنس بن مالك و أبي الحمراء و معقل (11)بن يسار و عايشة (12).
و في «الصواعق» : و صحّ أنّه صلى اللّه عليه و سلم جعل على هؤلاء كساء، و قال: «أللّهمّ هؤلاء
ص:184
أهل بيتي و حامتي-أي خاصّتي-أذهب عنهم الّرجس و طهّرهم تطهيرا» ، فقالت أمّ سلّمة: و أنا معهم؟ قال: «إنّك إلى خير» (1)(2).
و في رواية أنّه قال بعد تطهيرا-: «أنا حرب لمن حاربهم، و سلم لمن سالمهم، و عدوّ لمن عاداهم» (3).
و في أخرى ألقى عليهم كساء، و وضع يده عليها، ثمّ قال: «اللّهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد، فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمّد إنّك حميد مجيد» (4).
و في أخرى أنّها نزلت ببيت أمّ سلمة، فأرسل صلى اللّه عليه و سلم إليهم و جلّلهم بكساء، ثمّ قال نحو ما مرّ (5).
و في أخرى: إنّهم جاؤا، و اجتمعوا، فنزلت. فإن صحّتها حمل على نزولها مرّتين (6).
و في أخرى أنّه قال: «أللّهمّ أهلي أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» ثلاثا، و أنّ أم سلمة قالت له: ألست من أهلك؟ قال: «بلى» ، و أنّه أدخلها الكساء بعد ما قضى دعاءه لهم (7).
و عن «الجمع بين الصّحاح» في الجزء الثّاني: في تفسير سورة الأحزاب: و في «صحيح أبي داود السّجستاني» (8)-و هو كتاب السّنن-في تفسير قوله: إِنَّما
ص:185
يُرِيدُ. . . (1)قال: و عن أمّ سلمة زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنّ هذه الآية نزلت في بيتها:
إِنَّما يُرِيدُ. . . (2)قالت: و أنا جالسة عند الباب، فقلت يا رسول اللّه! ألست من أهل بيتك؟ فقال: «إنّك إلى خير، إنّك من أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالت: و في البيت رسول اللّه و عليّ و فاطمة و حسن و حسين فجلّلهم بكساء، و قال: «أللهمّ هؤلاء أهلى بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (3).
أقول: لا يخفى إشعاره أو دلالته على سبق سؤالها على فعل ما فعل:
و أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أثبت لها كونها من أزواجه، و ذكرهنّ في المقام يدلّ على خروجهنّ من المراد من أهل البيت في الآية و الرواية، و إن صحّ الإطلاق من وجه آخر كما يأتي.
بعض الأثبات عن «مسند الإمام أحمد» (4)ما هذا لفظه: قال حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدّثنا الوليد بن أسلم، قال: حدّثنا الأوزاعي، قال: حدّثنا شدّاد بن عمّارة، عن واثلة (5)بن الأسقع، أنّه حدّثه، قال: طلب عليّا في منزله، فقالت فاطمة:
«ذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» قال: فجاءآ جميعا، فدخلا، و دخلت معهم، فأجلس عليّا عن يساره، و فاطمة عن يمينه، و الحسن و الحسين بين يديه، ثمّ التفع عليهم بثوبه و قال: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «أللّهمّ إنّ هؤلاء أهلي، أللّهمّ إنّ هؤلاء أحقّ» ، قال واثلة: فقلت: من ناحية البيت
ص:186
و أنا من أهلك يا رسول اللّه؟ قال: «و أنت من أهلي» ، قال واثلة: قلت: لك (1)أرجو ما أرجو من عملي (2).
و في «الصواعق» : و في رواية صحيحة، قال واثلة: و أنا من أهلك؟ قال:
«و أنت من أهلي» قال واثلة: إنّها لمن أرجى ما أرجو. قال البيهقي: (3)و كأنّه جعله في حكم الأهل، تشبيها بمن يستحق هذا الاسم، لا تحقيقا (4).
أقول: روايات واثلة السابقة و الآتية كلّها تدفع قول: «و أنا من أهلك. . .» بل و قول: «ذلك أرجى ما أرجو من عملي» يشعر بأنّ ما كان منه هو الآتي في رواية الخوارزمي من طلبه التشريك في الصلوات و ما معها و الإجابة؛ فتأمل.
إلاّ أن يكون إشارة إلى قول: «و أنا من أهلك» فهو عمل يرجوه بما تعقبه من التّصديق و نحوه، و مع الغضّ عن ذلك، فكأنّه يشعر بأنّ المراد بأهل البيت من كان في البيت حينئذ، فتوهّم دخوله فيهم هذا، و لفظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الدّعاء الظّاهر كونه غير ما في تلك الرواية بكثرة طرقها.
بعض الأثبات، قال: و بالإسناد المقدّم يعني إسناده إلى «المسند» (5)قال:
حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن سليمان، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمر الحنفي، قال: حدّثنا عمر بن يونس، قال: حدّثنا سليمان بن أبي سليمان الزّهري، قال:
حدّثنا ابن أبي كثير، حدّثنا عبد الرّحمان بن أبي عمرو، حدّثني شدّاد بن عبد اللّه، قال: سمعت واثلة بن الأسقع-و قد جيء برأس الحسين بن عليّ عليهما السّلام-قال:
ص:187
فلقيه رجل من أهل الشّام، فأظهر سرورا، فغضب واثلة، فقال: و اللّه أزال (1)أحبّ عليّا و حسينا و حسنا أبدا بعد إذ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو في منزل أمّ سلمة يقول فيهم ما قال، قال واثلة: رأيت ذات يوم-و قد جئت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في منزل أمّ سلمة يقول فيهم ما قال. قال واثلة: رأيت ذات يوم-و قد جئت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في منزل أم سلمة و جاء الحسن، فأجلسه على فخذه اليمنى و قبّله، و جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى و قبّله، ثمّ جاءت فاطمة، فأجلسها بين يديه، ثمّ دعا بعليّ فجاء، ثمّ أردف عليهم كساء خيبريّا-كأنّي أنظر إليه-ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ. . . (2)الآية، قلت لواثلة: ما الرّجس؟ قال الشّكّ في اللّه عزّ و جلّ (3).
و لا يخفى دلالة ذكر ذلك في وجه تخصيصهم بالحثّ دون من سواهم على أنّ واثلة قد فهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تخصيضا لهم بما يختصّ بهم، و لا يتعدّاهم، و ليس ذلك إلاّ بكونهم أهل البيت المذكورين في الآية، دون من سواهم.
ثمّ إنّي لم أجد هذا و ما قبله في نسختي من «المسند» (4)و كأنّ السندين أيضا ليساله.
و عن «تفسير الثّعلبي» : أخبرنى عقيل بن محمّد الجرجاني، أخبرنا المعافى بن ذكريّا البغدادي، أخبرنا محمّد بن جرير، حدّثني المثنّي، حدّثني أبو بكر بن يحيى بن ريّان المغنوي، حدّثنا مندل، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «نزلت هذه الآية في خمسة، فيّ و في عليّ
ص:188
و حسن و حسين و فاطمة» ، إِنَّما يُرِيدُ. . . (1)الآية (2).
أقول: و في «الصّواعق» : أخرج أحمد (3)، عن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت في خمسة، النّبي و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (4)، و أخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ نزلت هذه الآية في خمسة؛ فيّ و في عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة (5).
و أخرجه الطّبراني (6)أيضا (7).
و عن «الثّعلبي» أيضا، قال: و أخبرني الحسين بن محمّد بن الحسين بن عبد اللّه الثّقفي، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوّام بن حوشب، حدّثني ابن عمّ لي من بني الحرث بن تيم اللّه، يقال له (مجمع) ، عن عايشة في حديث: لقد رأيت عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا، و قد جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يغدف عليهم، ثمّ قال:
«أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، و خاصّتي، فأذهب عنهم الرجس، و طهّرهم تطهيرا» ، قال: قلت، يا رسول اللّه! أنا من أهلك؟ فقال: «تنحّي فإنّك إلى خير» (8).
و قال: أخبرني الحسين بن محمّد، حدّثنا ابن حبش المقري، حدّثنا أبو القاسم المقري، حدّثنا أبو زرعة، حدّثني عبد الرّحمان بن عبد الملك بن شيبة، أخبرني أبو فديك، حدّثني ابن أبي مليكة، عن إسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر الطّيّار عن أبيه،
ص:189
قال: لمّا نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى الرحمة هابطة من السماء، قال: «من يدعو» ؟ مرتين، قالت زينب: أنا يا رسول اللّه! فقال: «أدعي لي عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين» ، قال: فجعل حسنا عن يمينه و حسينا عن شماله، و عليّا و فاطمة تجاهه، ثمّ غشّاهم كساء خيبريا، ثمّ قال: «أللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا، و هؤلاء أهل بيتي، و أنزل (1)اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ. . . (2)الآية، فقالت زينب: يا رسول اللّه! ألا أدخل معكم؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «مكانك، فإنّك إلى خير إن شاء اللّه تعالى» (3).
أقول: و عن الحمويني في «فرائد السّمطين» عن المفتي جلال الدّين أحمد بن محمّد عن والده نجم الدّين محمّد بن محمّد. . . . و عن الإمام محمّد بن عبد اللّه بن الحسن عن والده مظهر الدّين. . . (4)و عن الإمام يحيى بن الحسين، كلّهم عن الإمام أحمد بن الحسين الطّالقاني، عن ناصر بن سهل و محمّد بن المنتصر، كلاهما عن محمّد بن سعيد، عن الثّعلبي مثله (5).
و السّند في كلامه طويل في أوصافهم، و دلالة ذلك على الانحصار لا يخفى.
قال: و قال: و أخبرني أبو عبد اللّه-يعني ابن فتحوية- (6)، حدّثنا أبو سعيد أحمد بن على بن عمر بن حبش (7)الرّازي، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحيم السّناني أبو
ص:190
عبد الرّحمان، حدّثنا كريب (1)، حدّثنا هشام بن يونس عن أبي إسحاق، عن نفيع، عن أبي داود، عن أبي الحمراء قال: أقمت بالمدينة تسعة أشهر-كيوم واحد- و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجيء كلّ غداة، فيقوم على باب عليّ و فاطمة، فيقول:
الصّلاة، . . . إِنَّما يُرِيدُ. . . (2)الآية (3).
و عن الحمويني بسند طويل ذكره: عن يحيى بن معين، عن أبي عبيدة، عن طريف بن عيسى، عن يوسف بن عبد الحميد، قال: قال لي ثوبان-مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و الحسين على فخذيه و فاطمة في حجره و اعتنق عليّا، ثمّ قال: «أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» (4).
الخوارزمي في الفصل الخامس من كتابه في فضائل عليّ عليه السّلام: عن عليّ بن أحمد العاصمي عن إسماعيل، عن والده شيخ السّنّة أحمد بن الحسين البيهقي، عن عبد اللّه بن يوسف الإصبهاني، عن بكر (5)بن أحمد، عن موسى بن هارون، عن إبراهيم بن حبيب، عن عبد اللّه بن مسلم، عن أبي الحجّاف (6)، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، جاء إلى باب عليّ أربعين صباحا بعد ما دخل على فاطمة، فقال: «السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته. الصّلاة يرحمكم اللّه» ، . . . إِنَّما يُرِيدُ. . . (7)الآية (8).
ص:191
و عن أبي سعيد، لمّا نزل قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ (1)، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأتي باب فاطمة و عليّ-تسعة أشهر، كلّ صلاة (2)-فيقول: «الصّلاة يرحمكم اللّه . . . إِنَّما يُرِيدُ. . . (3)الآية (4).
أقول: يشعر الأوّل باتّحاد المراد من أهل البيت في كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الآية، و الثّاني بانحصار أهله فيهم، حيث لم يفعل ذلك بغيرهم، و خصّهم من بين الأقارب بذلك؛ فلاحظ.
و أيضا الخوارزمي بإسناده عن البيهقي، عن أبي عبد اللّه الحافظ، و أحمد بن الحسن القاضي، و أبو عبد الرّحمان السّلمي، كلّهم عن أبي العبّاس محمّد بن يعقوب، عن الحسن بن مكرّم، عن عثمان بن عمر، عن عبد الرّحمان بن عبد اللّه، عن شريك (5)بن نمير، عن عطاء بن يسار، عن أمّ سلمة. قالت: في بيتي نزلت . . . إِنَّما يُرِيدُ. . . (6)الآية، قالت: فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين. فقال: «هؤلاء أهلي أهل البيت» (7)، فقلت: يا رسول اللّه! أمّا أنا من أهل البيت؟ فقال: «بلى إن شاء اللّه» (8).
أقول: الجواب بذلك ينافيه ما سبق، و هو أقوى بالكثرة.
و أيضا عن سيّد الحفّاظ مهرداد الدّيلمي، عن أبي عليّ، عن ابي نعيم، عن عليّ
ص:192
بن أحمد، عن أحمد بن خليل (1)، عن الرّبيع بن نافع، عن يزيد بن ربيعة، عن يزيد بن أبي مالك عن أبي الأزهر واثلة بن الأسقع، قال: لمّا جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين تحت ثوبه، قال: «أللّهمّ قد جعلت صلواتك و رحمتك و مغفرتك و رضوانك على إبراهيم و آل إبراهيم، أللّهمّ إنّهم منّي و أنا منهم، فاجعل صلواتك و رحمتك و مغفرتك و رضوانك عليّ و عليهم» ، فقال واثلة:
و كنت واقفا على الباب فقلت: و عليّ يا رسول اللّه بأبي أنت و أمّي؟ قال: «أللّهمّ و على واثلة» (2).
بعض الأثبات بإسناده عن أبي نعيم الحافظ-و هو يروي عن كتابه «حلية الأولياء» (3)و عمّا صنّفه من المنتزع من القرآن العزيز ممّا ورد في مناقب أمير المؤمنين، و لم يعيّن هنا محلّ الرّواية-قال: قال الحافظ أبو نعيم، حدّثنا أحمد بن عليّ بن الحرب المرهبي و زيد بن علي المقري، حدّثنا القاسم بن محمّد بن حمّاد الدّلاّل، حدّثنا مخول بن إبراهيم، حدّثنا عبد الجبّار بن العبّاس الشّامي الشّيباني، عن عمّار الدّهني، عن عمرة بن أفعي عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، قالت: نزلت هذه الآية في بيتي إِنَّما يُرِيدُ. . . (4)الآية، و في البيت سبعة، جبرائيل و ميكائيل و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة و أنا على الباب فقلت: يا رسول اللّه! أ لست من أهل البيت؟ فقال: «أنت على خير، إنّك من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما قال إنّك من أهل البيت (5).
ص:193
و قال: حدّثنا سليمان بن أحمد، قال حدّثنا الحسين بن إسحاق، قال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا جرير عن الأعمش عن جعفر بن عبد الرّحمان، عن حكيم بن سعد، عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت: نزلت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ. . . (1)الآية في رسول اللّه و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (2).
في «المعجم الكبير» : حدّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدّثنا ابن زهير التّستري، قال: حدّثنا عبد الرّحمان بن محمّد بن منصور بن أبي الأسود، قال:
حدّثنا الأعمش، عن حبيب بن ثابت، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة رضى اللّه عنها، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ ثوبا فجلّله على عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين، ثمّ قرأ: إِنَّما يُرِيدُ. . . (3)الآية (4).
و قال: حدّثنا أبو بكر بن خلاّد، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان. قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون، قال: حدّثنا علي بن عابس، عن أبي الجحاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد و عن الأعمش عن عطيّة، عن أبي سعيد، قال: نزلت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ. . . (5)الآية في خمسة: في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (6).
و قال: حدّثنا صالح بن يوسف الأنباري، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة، قال: حدّثنا عبد الملك، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن هارون، قال: حدّثنا
ص:194
هارون بن سعد، قال: حدّثنا عطيّة، قال: سألت أبا سعيد عن أهل البيت الذّين قال اللّه عزّ و جلّ فيهم: إِنَّما يُرِيدُ. . . (1)، فذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين (2).
و قال: حدّثنا صباح بن محمّد بن علي، و أبو ذر بن محمّد بن الحسين بن رومي، حدّثنا محمّد بن الحسين بن حفص، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال:
حدّثنا أبو عبد الرّحمان المسعودي عن كثير النّوا، عن عطيّة، عن أبي سعيد رضوان اللّه عليه قال: نزلت هذه الآية في خمسة، فقرأها و سمّاهم: إِنَّما يُرِيدُ. . . (3)
الآية، في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (4).
أقول: دلالة هذه الأخبار على اختصاص الآية بهم؛ و انحصار أهل البيت لهم في كمال الوضوح.
(تتميم) : قد ذكر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرجع النّاس في أخبار الباب السّابق بقوله: «عترتي أهل بيتي» و قد أومأنا إلى ما يفيد كون العنوان هو الثّاني، حيث جعل كالبيان، و ورد في أخبار هذا الباب عنوان أهل البيت، أهل بيتي، أهلي، كما ورد التّعرّض للأشخاص (5)المذكورين، مع الإيماء إلى آية التطهير و نحوها، و الحال في الأسامي جليّة و المهمّ الإشارة إلى الحصر.
ص:195
فنقول: أمّا أهل البيت فكان معرفة (1)حقّها بعد معرفة المراد من البيت الذي أضيف إليه، لفظ الأهل، قال أمين الدّين الفضل بن الحسن الطّبرسي رحمه اللّه في الآية:
«و البيت التعريف فيه للعهد، و المراد به بيت النّبوّة و الرّسالة، و العرب تسمّي ما تلتجيء إليه بيتا، و لهذا سمّوا الأنساب بيوتا-إلى أن قال: -و قيل: البيت، بيت الحرام و أهله هم المتّقون على الإطلاق، لقوله تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ اَلْمُتَّقُونَ (2)، و قيل البيت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهله من مكّنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه، و لم يخرجه و لم يسدّ بابه. . .» (3).
أقول: لفظ أهل البيت ذكر في قصّة بشارة إبراهيم عليه السّلام أيضا، و قال تعالى:
وَ إِذْ جَعَلْنَا اَلْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً (4)، وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ اَلْقَواعِدَ مِنَ اَلْبَيْتِ (5)إلى غير ذلك (6).
و لا يبعد كونه المراد من «البيت» في الآية، و يؤيّده ما دلّ على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المخاطبين بالآية، و الدّاخلين في الأهل، و أنّها تشملهم على حدّ سواء (7). و ينافيه ما يذكر فيه قوله: «أهل بيتي» ، و ما يفيد مؤدّاه الّذي ذكر فيه الآية مشعرا باتّحاد الأهل في المقامين، و ما دلّ على كون الآية في أهل البيت و هو كثير.
ص:196
و يمكن أن يكون الوجه في الأوّل أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أراد مساواتهم له في كونهم أهل البيت، و ذلك طريق التأدية، و أمّا الاتحاد المتوهّم ففيه أنّ غاية ما يعلم من ذلك كون الأشخاص المزبورين مصداقا لكلا العنوانين، و أمّا اتحاد نفس العنوانين فلا، فيكونون أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أهل البيت المذكور في الآية، و في الثاني أنّه وارد بالنّظر إلى ما بعد زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو مع قطع النّظر عنه بوضوح الحال، أو كون الحصر إضافيّا بالنسبة إلى غيره من النّاس، و يحتمل أن يراد به بيت النّسب.
و يؤيّده ما كثر في الأخبار من قوله: «ثمّ جعل القبائل بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا» (1)، و ذلك قوله عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ. . . (2)الآية، و هو أيضا كما ترى لا دلالة فيه على أنّ المراد من البيت في كلامه و الآية واحد، و لا مانع من أن يكون الأهل المذكورين منها، عدّهم بيتا و رآهم بيتا من القبائل، أو بحكمه، فلا يدلّ على كون المراد من البيت المذكور فيه بيت النّسب؛ فلاحظ. هذا بعض الكلام في لفظ «البيت» في الآية.
و أمّا الأهل المضاف إليه، فإنّه و إن كان يختلف ما به يتحقّق الأهليّة باختلاف البيت، فبيت السّكنى لأهله و ساكنوه، و بيت النّسب لأهله المتولّدون فيه، و منه- كما لا يخفى-و بيت اللّه أهله و عامروه بالعبادة حقّها، أو غيره، أو النّازلون عنده و نحو ذلك، إلاّ أنّه لا يهمّنا البحث عن محقّق الأهليّة للبيت المذكور في الآية بعد وضوح طريق تمييز المراد من أهله بأشخاصهم، فإنّ إحراز العنوان و مفهومه من أجل السّلامة من الخطأ في تعيين المصداق، و الخطأ مأمون هنا.
ص:197
و بيان ذلك أنّ الإرادة هنا ليست على حذوها في ساير الموارد. قال تعالى:
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (1)فأخبر تعالى عن أهل البيت في الآية بأن أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.
و في «القاموس» : «التطهّر التّنزه و الكفّ عن الإثم» (2).
و في «المختار» : «قوم يتطهّرون أي يتنزّهون من الأدناس» (3).
و في «الأساس» : «و من المجاز تطهّر من الإثم: تنزّه منه، و طهّره اللّه و هو طاهر الثّياب: نزه من مدانس الأخلاق، و التوبة طهور للمذنب» (4).
و قال بعض الأثبات: «و الطّهر خلاف الدّنس، و التطّهر التّنزه عن الإثم، و عن كلّ قبيح» ، ذكر ذلك صاحب «المجمل في اللّغة» (5)أحمد بن فارس اللّغوي. (6)
و لعلّ ذلك لا يحتاج إلى نقل الكلمات.
و في «القاموس» : «الرّجس بالكسر: القذر، و يحرّك و يفتح الرّاء، و تكسر الجيم، و الماثم و كلّ ما استقذ من العمل، و العمل المؤدّى إلى العذاب، و الشكّ و العقاب، و الغضب» (7).
ص:198
و في «المختار» : «القذر و العقاب و الغضب» ، هذا ملخصّه. (1)
فدلالة الآية على طهر أهل البيت من الإثم واضحة، و أمّا الخبر المفسّر للرّجس فلا يضرّ مرّة للمغايرة و أخرى بأنّ ارتكاب المعصية يحصل عن نقصان و ضعف في الاعتراف بالباري تعالى، كما أنّ الكفّ عنها بقوّة معرفته تعالى-كما لا يخفى- فإذا خصّوا بإذهاب الرّجس و التّطهير، فمن لم يوجد فيه علم خروجه من أهل البيت المذكورين في الآية، و ليس صاحب تلك الخاصّة في عصرهم باتّفاق الأمّة غير الخمسة، رأى اختصاص أظهر من هذا، و بذلك يبطل الأوهام، و إذا عصموا كانوا أهل بيت اللّه الحرام، لا يكون له أخصّ منهم، و بيت الرّسالة لا يكون أعجز منهم، و ذلك واضح، و لو سلّم اكثرية من يعدّ أهلا للبيت بأحد المعنيين، فنقول: إنّ الإضافة للعهد كما في غلام زيد و نحوه. و يكون ذهاب الرّجس و الطّهر دليلا مرشدا إلى بيان العهود، هذا بعض الكلام في الآية.
و أمّا الرّوايات الواردة في هذا الباب الدّالّة على صدقه على الأشخاص المخصوصين بل و انحصار مصداقه فيهم، و الوصفان يلازمان المرجعيّة للنّاس، و من يخاف ضلاله الموصوف بعدم المخالفة للقرآن، بل الوصف المزبور يدلّ على العصمة من السّهو و الخطأ في الأحكام أيضا، و إلاّ لتحقّق المفارقة للكتاب و مخالفته-كما لا يخفى-.
و بعبارة أخرى: العترة و أهل البيت قرناء التّنزيل، و صفوا بعدم مفارقة الكتاب أبدا، و لا يكون ذلك لغير من عصمه اللّه، فلا يدخل في أخبار المرجع مطلقا، غير من يؤمن منه مفارقة الكتاب، فلا يتعدّي عن الخمسة، لاتّفاق الأمّة بعدم أمنهم
ص:199
عن مفارقة الكتاب في غير هؤلاء و نقل المفارقات الواضحة عن غيرهم. فالبيت في الأخبار و لو علم كونه بيت النّسب أو نحوه و أهله أكثر إلاّ أنّ الإضافة للعهد، و الوصف المذكور فيها مبيّن للمعهود، فلا وجه للتعميم يعتمد عليه، و لعلّ ذلك واضح. كلّ ذلك بالنّظر إلى ذكر أهل البيت في تلك الأخبار، و لا ينافيه بوجه إطلاق أهل البيت و العترة في غيرها على الأعمّ ممّا ذكر، لفقد قرينة الاختصاص، و خصوص هذا العهد، لعدم لزوم اتّحاد المراد من هذا اللّفظ، في كلّ مورد.
و بالجملة: فيثبت لهم المرجعيّة المطلقة لكلّ من يخشى ضلاله و جاهليّته، و ثبت-خلافتهم عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في اهتداء النّاس بهم، و يثبت كونهم من يجب على الناس الايتمام بهم، و عدم مفارقتهم فرارا عن الجاهليّة، و الضّلال، و ذلك مع قطع النّظر عن أخبار الباب السّابق، و أمّا هي فدلالتها على كون أهل البيت مع القرآن كفرسي رهان يجريان إلى آخر الزّمان في كمال الوضوح.
و قال في «الصواعق» : و في أحاديث الحثّ على التمّسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمّسك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك و لهذا كانوا أمانا لأهل الأرض (1)كما يأتي (2)، يشهد لذلك الخبر السابق:
«في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدّين تحريف الغالين (3)، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين، ألا و إنّ أئمّتكم و فدكم إلى اللّه عزّ و جلّ، فانظروا من توفدون» (4).
ص:200
أقول: و رواها عن الملاء في سيرته (1)، و قد ذكر نحو ذلك غيره (2)أيضا، فالدّلالة على اتّصال مرجعيّتهم إلى القيامة واضحة، و قد وصف هؤلاء بأن لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم، فهم رجال اصطفاهم اللّه تعالى بتلك العطيّة خاصّة، لا كلّ من يكون من قريش، أو بني هاشم، أو بني عبد المطلب، أو بني أبي طالب، و لا شبه ذلك، و البيت و إن كان أكثر أهلا إلاّ أنّه علم إرادة خصوص الموصوفين بهذا الوصف منهم في تلك الأخبار، و لم يدّع أحد وجود الوصف المزبور و مثله في غير سلسلة أولاد عليّ عليه السّلام، من أهل هذا البيت؛ فليلاحظ.
و في «الصّواعق» ما هذا لفظه: الآية الخامسة قوله تعالى: وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا (3)أخرج الثّعلبي في «تفسيره» (4)عن جعفر الصّادق رضى اللّه عنه:
أنّه قال: «نحن حبل اللّه الذّي قال اللّه تعالى: وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا (5)و كان جدّه زين العابدين إذا تلي قوله تعالى: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّادِقِينَ (6)يقول دعاء طويلا يشتمل على طلب اللّحوق بدرجة الصّادقين و الدّرجات العليّه. . ، و على وصف المحن و ما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمّة الدّين، و الشّجرة النّبويّة، ثمّ يقول: و ذهب آخرون إلى التّقصير
ص:201
في أمرنا و احتجّوا بمتشابه القرآن، فتأوّلوا بآرائهم، و اتّهموا مأثور الخبر، إلى أن قال: فإلى من يقرع خلف هذه الأمّة، و قد درست أعلام هذه الملّة، و دانت الأمّة بالفرقة و الاختلاف، يكفّر بعضهم بعضا، و اللّه تعالى يقول: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اِخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ اَلْبَيِّناتُ (1)فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة، و تأويل الحكم إلى أهل الكتاب، و أبناء الأئمّة الهدى و مصابيح الدّجى الّذين احتج اللّه بهم على عباده، و لم يدع الخلق سدى من غير حجّة. هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشّجرة المباركة، و بقايا الصّفرة الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا، و برّأهم من الآفات، و افترض مودّتهم في الكتاب؟ انتهى (2).
أقول: و الّذي حكاه غيره عن «تفسير الثّعلبي» مسندا هو إلى قوله: و كان جدّه و أمّا ما بعده فلم أجده مرويّا عن «الثّعلبي» ، و هو صريح في أهل البيت، و انحصار المرجع فيهم؛ فلاحظ (3).
و قال: الحديث الحادي و العشرون، أخرج الطّبراني في «الأوسط» (4)عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «عليّ مع القرآن، و القرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض» (5).
و قال: الحديث الرّابع و الثّلاثون، أخرج الدّار قطني في «الإفراد» ، عن ابن عبّاس أنّ النّبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «عليّ باب حطّة من دخل منه كان مؤمنا، و من خرج منه
ص:202
كان كافرا» (1).
أقول: و كثير من أخبار هذا الباب مودع في كتابنا «أبهي الدرّر» (2)يراجعه من أراد.
و إذا عرفت محلّ الخلافة التّامّة و الرّئاسة العامّة، و الرّئاسة الحقيقيّة، و الإمامة الواقعيّة، مرجع الإمامة إلى يوم القيامة، و منجاهم أبدا في موارد الهلكة، و سلسلة أهل البيت قرناء التّنزيل، فلنجري الكلام في عدّة أمراء الأمّة و خلفائهم و أئمّتهم المعلوم، بعد ما مرّ كون تلك العدّة منهم.
ص:203
ص:204
باب أن عيّن أمرائهم و خلفائهم المعلوم كونهم من العترة، بعد انتفاء حقيقة الإمامة عن غيرهم بما سلف، و الرّؤساء المرجوع إليهم في أمور الدّين، و موارد خوف الضّلال و الهلكة الواجب بما مرّ كونهم من أهل البيت، قرناء التنزيل، في تمام تلك المدّة في اثني عشر لا يزيد فيهم واحد، و لا ينقص منهم واحد.
ص:205
في الجزء الخامس من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث جابر بن سمرة، في السادسة و الّثمانين في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حمّاد بن خالد، حدّثنا ابن ذئب (1)عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد، قال: سألت جابر بن سمرة عن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال هذا (2)الدّين قائما حتّى يكون اثنا عشر خليفة من قريش، ثمّ يخرج كذّابون-بين يدي السّاعة-ثمّ تخرج عصابة من المسلمين، فيستخرجون كنز الأبيض كسرى و آل كسرى، و إذا أعطى اللّه عزّ و جلّ أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه و أهله، و أنا فرطكم على الحوض» (3).
و في آخر السّابعة و الثمانين مثله بلا اختلاف (4).
أقول: يأتي إن شاء اللّه تعالى ما يشهد بأنّ ما في الخبر أحاديث متعدّدة سمع كلاّ في موضع و أنّ لفظة «ثمّ» من كلام عامر، و من بعده أتي به لإفادة التّرتيب بين أخبار جابر بكلّ واحد من تلك الأخبار مضافا إلى شهادة تمام طرق الرّواية على تجّردها من تلك الزّوايد-كما لا يخفى-مع أنّ ذلك لو كان في وعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لزم تقدّم خلافة الاثني عشر و خروج الكذّابين قبل فتح بلاد كسرى الواقع في زمان عمر، كما يلزم تأخّر خروج الكذّابين عن خلافتهم، تقدّمه على فتح بلاد كسرى، و انفاق كنوزها، و كلّ ذلك معلوم الفساد.
ص:206
و أمّا لفظة «حتّى» فهي في حدّ نفسها يحتمل وجوها، و لكنم سبق قوله: «لا يزال» و نحوه يرشد إلى الغائيّة، و لو أريد ذلك كان إخبارا بارتفاع الدّين عند خلافة الاثني عشر خليفة من قريش، و من المعلوم إرادة غير ذلك. كما ستعرفه إن شاء اللّه، إلاّ مع إرادة مضيّ ملك اثنى عشر خليفة، لا دخول ملكهم و ستعرف أنّ هذا الاحتمال ممّا يعنيه باقي الطّرق، و ساير الألفاظ، فلا يكون عنه معدل.
ثمّ إنّ جعل ذلك غاية إنّما يتمّ بعد معرفة أنّ هؤلاء الاثني عشر مدار الدّين و الإسلام، و أنّ بعدهم يقع ما يرفع الدّين جزما، و ذلك لا يتمّ إلاّ بكونهم أشخاصا معروفي الحال و الأعمار و الأعمال، أو العلم بوجود ما يخرّب الدّين بعد اثني عشر من الخلفاء لخصوص تلك العدد، أيّا من كان الخليفة، و ستعرف التفصيل إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ إنّ المراجع في تلك الأخبار يرى أنّ الدّين و الأمر و الإسلام و نحوها ممّا ذكر فيها؛ يراد معني واحد كما يرى أن القيام و الصلاح و المضي و بنحوها يراد به شيء واحد و أنّ بعض تلك العبارات من النقل بالمعني و التّفسير، و لعلّ ذلك واضح.
و في السّابعة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرّحمان بن مهدي، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: جئت أنا و أبي إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم و هو يقول: «لا يزال هذا الدّين (1)صالحا، حتّى يكون اثنا عشر أميرا» ثمّ قال: كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (2).
ص:207
و في آخر السابعة بعد المأة مثله بلا اختلاف (1).
أقول: ألأكثر في الرّوايات مشاركة أبيه، و في بعضها التّرديد بنيه و بين الابن و لعلّه من الرّواة، لا من جابر، كما أنّ في بعضها ذكر الأخ، و ذكر السّؤال عن الأب لا ينافي سؤال غيره أيضا، فمثل تلك الاختلافات لا يوجب قدحا، كما لا يخفى.
و أيضا حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا وكيع، عن فطر، عن أبي خالد الوالبي، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال هذا الأمر مؤاتي» أو «مقاربا حتّى يقوم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش» (2).
أقول: أي ينقضي خلافتهم و قيامهم بالخلافة، كما يعرف ممّا يأتي إن شاء اللّه تعالى.
و في السابعة و الثمانين، حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حمّاد بن أسامة، حدّثنا مجالد، عن عامر، عن جابر بن سمرة السّوائي، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: -في حجّة الوداع- «إنّ هذا الدّين لن يزال ظاهرا على من ناواه، لا يضرّه مخالف و لا مفارق، حتّى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة» قال: ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (3).
و كرّرها في الثّامنة و الّثمانين (4).
أقول: «لن» للنّفي الأبدي، و الظّهور على من ناواه هو غلبته عليه بعد ما أبدي له صفحة وجهه، فلو أشير إلى القتال، فالمراد أنّه لا يقع قتال بين المسلمين
ص:208
و الكفّار، فيرتفع و يرجع الفريقان؛ إلاّ و الغلبة للإسلام، فلا يكون مغلوبا، و لا ترتفع الخصومة إلاّ مع غلبة الإسلام، و نصر أهله، لا أنّه لا يرد عليهم كسر أبدا، و لو أشير إلى مقام الاحتجاج، فالمراد أنّ لهم الفلج، و لا يخصم أهله عامّة، بل هم الغالبون، و كيف كان، فالمراد غالبيّة الإسلام عند ما يكون طرف المعارضة فإنّ ذلك مورد الظّهور لا غير.
ثمّ إنّه يخرج من ذلك ما يكون الطرف بعض المسلمين بخصوصيّة فيهم، فإنّ ذلك غير طرفيّة الإسلام للمعارضة كما لا يخفى.
و أمّا الضرّ المنفي عن الإسلام مع خلاف من خالف و مفارقة من فارق فالمراد به اضمحلاله، كما يؤيّده ذكر الانقضاء فيما يأتي، فإنّ مخالف الدّين و مفارقه معاند له، و لعامّة أهله من تلك الجهة، فإن اضمحلّ الدّين فقد ضرّه، و وصل إلى مطلوبه، و إلاّ لم يضرّ الدّين، و لو كان اللفظ ظاهرا في مطلق الصّدمة، و التضعيف أيضا، وجب صرفه إلى ما ذكرناه صونا لكلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الخلف، فكيف مع عدمه؟ ! ، فتأمل.
و بالجملة: فالمنفي تضرّر الدّين بما هو دين، و هو لا يكون إلاّ باضمحلاله أو اضمحلال بعضه، لا تضرّره في أهله، لوضوح وقوعه، و أنّه لا ينبغي كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هذا الوصف ثابت للدّين إلى مضيّ الاثني عشر الخليفة من الأمّة، يمضى زمان خلافتهم و موتهم عنهم، و لا يثبت له بعدهم ضرورة التّعليق بالغاية في الخبر، و لعلّ الخبر يكون ظاهرا في كونهم مرتبين واحدا بعد واحد.
ثمّ إنّ بقاء الوصف المزبور للإسلام يكشف عن أنّ مضيّ الاثني عشر لم يحصل بعد ضرورة الغائيّة.
ثمّ إنّ ذكر حجّة الوداع و خصوص عرفة أو منى قد ينافي ذكر المسجد، و ذكر
ص:209
رجم الأسلمي و القيام و القعود و نحو ذلك، إلاّ أنّه يمكن تعدّد صدور هذا القول من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنّ بعد اتّحاد كيفيّة تلقي جابر للحديث في كلا الوقتين، و إن أمكن كون الكيفيّة في أحدهما من الاقتباس على رواته؛ فتأمل.
فكيف كان فيظهر من تلك الرّوايات كون هؤلاء الاثني عشر مدار الدّين و حامي حماه، و لا يحصل عملهم من غيرهم، و إن كثروا؛ فلاحظ.
و أيضا: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا مجالد، عن عامر، عن جابر بن سمرة السوائي، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: -في حجّة الوداع- «لا يزال هذا الدّين ظاهرا على من ناواه، لا يضرّه مخالف، و لا مفارق حتّى يمضي من أمّتي اثنا عشر أميرا كلّهم، ثمّ خفي عليّ (1)من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، قال: و كان أبي أقرب إلى راحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منّي، فقلت: يا أبتاه! ما الّذي خفي من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟ قال، يقول: «كلّهم من قريش» (2).
و في التسعين كرّرها بعينها، و زاد، قال: فأشهد على إفهام أبي إيّاي؛ قال كلّهم من قريش. (3)
و في الواحدة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت جابر بن سمرة السوائي يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لا يزال هذا الأمر ماضيا حتى يقوم اثنا عشر أميرا، ثمّ تكلّم بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: و قال (4): قال: «كلّهم من قريش» (5).
و في آخر السّابعة و التسعين مثله بلا اختلاف (6).
ص:210
و في التّاسعة و الثّمانين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد اللّه بن محمّد، و سمعته أنا من عبد اللّه بن محمّد، حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة-مع غلامي أخبرني بشىء سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: فكتب إليّ: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الجمعة، عشيّة رجم الأسلمي-يقول: «لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة، أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش» .
و سمعته يقول: «عصبة المسلمين يفتحون (1)البيت الأبيض، بيت كسرى و آل كسرى» . و سمعته يقول: «إنّ بين يدي السّاعة كذّابين، فاحذروهم» .
و سمعته يقول: «إذا أعطى اللّه تعالى أحدكم خيرا؛ فليبدأ بنفسه و أهل بيته» .
و سمعته يقول: «أنا فرطكم على الحوض» (2).
و في «صحيح مسلم» في كتاب الإمارة، في الباب الآتي: حدّثنا قتيبة بن سعيد، و أبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدّثنا حاتم-و هو إسماعيل-عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد مثل ذلك (3).
و قال: حدّثنا محمّد بن رافع، حدّثنا ابن أبي فديك، حدّثنا ابن أبي ذئب، عن مهاجر بن مسمار. . . إلى أن قال: فذكر نحو حديث حاتم (4).
أقول: هذه تشهد بأنّ لفظ «ثمّ» في الحديث الاوّل (5)لإفادة التّرتيب في ذكر جابر لتلك الأحاديث، لا التّرتيب في وقائعها.
و لا يخفى أنّ لفظة «أو» في الرّواية (6)ليست للترديد، حتّى من جابر، فإنّه
ص:211
روى: «لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة» (1)كما روى: «لا يزال الدّين قائما حتّى يكون اثنا عشر خليفة» (2)كما يأتي، فهذا جمع بين حديثيه؛ فلاحظ.
و في «صحيح مسلم» في الجزء الثّاني في كتاب الإمارة، في باب أنّ الناس تبع لقريش و الخلافة في قريش: حدّثنا قتيبه بن سعيد، حدّثنا جرير، عن حصين، عن جابر بن سمرة، قال (3)دخلت مع أبي على النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم، فسمعته يقول: إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم أثنا عشر خليفة (4): ثمّ تكلّم بكلام خفي علىّ، قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (5).
أقول: «مضي الاثني عشر خليفة من قريش فيهم» جعل غاية لعدم انقضاء الدّين، فيحصل الانقضاء بعدهم لانتهاء الغاية للبقاء و الانقضاء، فيكون زمانهم زمان الدّين فلو دلّ دليل على بقاء الدّين إلى قيام السّاعة؛ يلزم أن لا يتحقّق مضي هؤلاء الخلفاء من قريش فيهم قبل ذلك الأمد، و بعبارة أخرى دلّ الغائيّة بمعونة ذلك الدّليل على أنّ هؤلاء يمتدّ زمانهم إلى أمد الدّين، و هو قيام السّاعة لئلاّ يختلف الحدّان.
و أيضا: حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا
ص:212
عشر رجلا» ثمّ تكلّم (1)بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي ما ذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ فقال: «كلّهم من قريش» (2).
حدّثنا قتيبة ابن سعيد، أخبرنا (3)أبو عوانة، عن سماك، عن جابر بن سمرة، عن النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم بهذا الحديث، و لم يذكر «لا يزال أمر النّاس ماضيا» (4).
أقول: إذا لم يذكر هذا الجزء من الخبر؛ لا أدري ما يكون الجزء الّذي ذكره؟ ! إذ باقي ألفاظ الحديث السّابق غير قابل لابتداء الكلام، و لا يبعد أن يكون يليهم «اثنا عشر. . .» .
و يؤيّده رواية ابن مسعود الآتية (5)، فيكون صريحا في أنّ ولاتهم «اثنا عشر رجلا من قريش» و لا يليهم غيرهم، كما يدلّ عليه الأخبار، في أنّ الولاية فيهم، «و لو بقي من النّاس اثنان» (6)و نحو ذلك (7)، فيكون صريحا في مذهب الإمامية، و من الخيانة أجمال الأمر في المقام؛ فلاحظ.
ثمّ إنّ ما في قوله: «ما وليهم» ظرفيّة زمانيّة، و ظرف لقوله: «لا يزال. . .»
ص:213
فيدلّ على أنّ مضيّه وقت ولاية هؤلاء الرّجال الاثني عشر من قريش، فينتفي في غيره ضرورة التّوقيت، فيكون هؤلاء عماد الدّين و قوامه، و لا أقلّ من السّكوت عن مضيّه في غير وقت ولايتهم، فلو كان ماضيا إلى قيام السّاعة بإخبار المطّلع على العواقب كانوا هؤلاء يمتدّ زمانهم إلى قيام السّاعة، إذا حدّ مضيّ الدّين هذا المطّلع بوقت ولايتهم، و كلا الأمرين واضح الثبوت من إخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما لا يخفى.
و في التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة، قال: سمعت نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: يكون اثنا عشر أميرا، فقال: كلمة لم أسمعها. فقال: القوم «كلّهم من قريش» (1).
و في الثّانية و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا هاشم، حدّثنا زهير، حدّثنا زياد بن خثيمة، عن الأسود بن سعيد الهمداني، عن جابر بن سمرة، قال:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (2)يقول: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» قال: ثمّ رجع إلى منزله، فأتته قريش، فقالوا: ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يكون الهرج (3).
أقول: تعقيب الكلام بهذا السّؤال كالصّريح في أنّهم فهموا من كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ خلافة هؤلاء يكون بقيام واحد بعد واحد، لا غيره ممّا احتمله القوم-كما لا يخفى
ص:214
-مضافا إلى ما دلّ على الامتداد لما سبق و يأتي.
و أيضا: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو كامل، حدّثنا زهير، حدّثنا سماك بن حرب، حدّثني جابر، أنّه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «يكون بعدي اثنا عشر أميرا» ثمّ لا أدري ما قال بعد ذلك؟ فسألت: القوم كلّهم، فقالوا: قال: «كلّهم من قريش» (1).
و في الرّابعة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حسن، حدّثنا زهير، فذكر مثله باختلاف يسير (2).
و في الخامسة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حرب، فذكر مثله باختلاف يسير (3).
و في الثالثة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «يكون اثنا عشر أميرا» قال: فقال: كلمة لم أسمعها، قال أبي: قال: «كلهم من قريش» (4).
و في التّاسعة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني سريج بن يونس، عن عمر بن عبيد، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:
«يكون (5)بعدي اثنا عشر أميرا» فتكلّم، فخفي عليّ، فسألت الّذي يليني أو إلى جنبي، فقال: «كلّهم من قريش» (6).
ص:215
و في الثّامنة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عمر بن عبيد أبو حفص، عن سماك، عن جابر، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: يكون بعدي اثنا عشر أميرا، قال: ثمّ تكلّم فخفي عليّ ما قال؛ قال: فسألت: بعض القوم، أو الذي يليني ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (1).
و في «جامع التّرمذي» ، في الجزء الثّاني، من كتاب الفتن، في باب ما جاء في الخلفاء: حدّثنا أبو كريب محمّد بن العلاء (2)، حدّثنا (3)عمر بن عبيد الطنافسي (4)، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يكون من بعدي اثنا عشر أميرا» (5)ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه. فسألت: الّذي يليني، فقال:
قال: «كلّهم من قريش» (6).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
حدّثنا أبو كريب، حدّثنا (7)عمر بن عبيد، عن أبيه، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن جابر بن سمرة، عن النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم مثل هذا الحديث (8)-قد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة (9).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (10)غريب يستغرب من حديث أبي
ص:216
بكر بن أبي موسى، عن جابر بن سمرة، و في الباب عن ابن مسعود و عبد اللّه بن عمرو. (1)انتهى.
و في «صحيح البخاري» ، في كتاب الأحكام، في باب غير مترجم، قبل باب إخراج الخصوم: حدّثني محمّد بن المثنيّ، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك، سمعت جابر بن سمرة، قال: سمعت النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول: «يكون بعدي (2)اثنا عشر أميرا» فقال: كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: «كلّهم من قريش» (3).
و قال السّندي: قوله: «اثنا عشر أميرا. . .» إيضاحه ما رواه أبو داود، عن جابر بن سمرة بلفظ: «لا يزال هذا الدّين عزيزا إلى اثني عشر خليفة» قال: «فبكى النّاس و ضجّوا» (4)و لعلّ هذا سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر، ذكره شيخنا، (5)انتهى.
أقول: الأمير و الخليفة و الوالى بمعني، كما لا يخفى، و هذه تدلّ على انحصار الخلافة في العدد، فيكون إخبارا بعدّة ما أخبر به في قوله: «الملك في قريش» (6).
حاصله أنّه يكون بعدي اثنا عشر، فلا يزال على هذا العدد، و هم من قريش، فلا يكون من غيرهم، و يؤيّد ذلك رواية ابن مسعود (7)؛ كما لا يخفى.
و قوله: «كلّهم من قريش» : جملة خبريّة، و توضيح ذلك: أنّ الأصل اثنا عشر خليفة بعدي (8)، كلّهم من قريش، فأدخل الفعل النّاقص فجعل العدد اسما له
ص:217
و الظّرف خبرا، فتكون الجملة الأخيرة خبرا ثانيا، فيكون الجملة إخبارا بوجود هؤلاء العدّة بعده، و ليست وصفيّة و لا حاليّة لبعدهما عن المساق مع نكارة ذيها.
و إن خصّ بالخبر الأوّل-كما لا يخفى-فيدلّ على الانحصار. فمعناه بالفارسيّة: (مى باشد بعد از من دوازده خليفه، همۀ آنها از قريش هستند) فلو كان بعده خليفة غير هؤلاء لذكرهم، أو زاد في العدد، و لم يفعل، فتأمّل جيدا.
و في التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا بهز، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا سماك، قال: سمعت جابر بن سمرة، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، فقال: كلمة خفيّة لم أفهمها، قال: قلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: «كلّهم من قريش» (1).
و كرّرها في المأة (2)بعينها.
و في الثّالثة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا أبي حدّثنا داود، عن عامر، قال: حدّثني جابر بن سمرة السوائي، قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «إنّ هذا الدّين لا يزال عزيزا إلى اثني عشر خليفة» قال: ثمّ تكلّم بكلمة لم أفهمها، وضجّ النّاس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (3).
و في الثامنة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني محمّد بن أبي بكر بن علي المقدمي، حدّثنا زهير بن إسحاق، حدّثنا داود بن أبي هند، عن عامر الشّعبي، عن جابر نحوه، إلاّ أنّه قال: فكبّر النّاس و ضجّوا، و قال: كلمة خفيّة (4).
و أيضا: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني محمّد بن أبي بكر بن علي المقدّمي، حدّثنا
ص:218
يزيد بن زريع، حدّثنا أبو عون، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، عن النّبي صلى اللّه عليه و سلم، قال: «لا يزال هذا الأمر عزيزا منيعا ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة» ثمّ قال: كلّمة أصمنيها النّاس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (1).
و أيضا: حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه الرّزي، حدّثنا أبو عبد الصمد العمي، حدّثنا عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يزال هذا الدّين عزيزا» أو قال: «لا يزال النّاس بخير» -شك أبو عبد الصّمد- «إلى اثني عشر خليفة» ، ثمّ قال: كلمة خفيّة، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (2).
و في التّاسعة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني عبيد اللّه القواريري، حدّثنا سليم بن خضر، عن ابن عون، عن الشّعبي، قال: سمعت جابر بن سمرة، يقول:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يزال هذا الدّين عزيزا، منيعا، ينصرون على من ناواهم عليه، إلى اثني عشر خليفة» قال: فجعل النّاس يقومون و يقعدون (3).
و في الواحدة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن الشّعبي، عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي أو مع ابني، قال (4): فقال صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يزال هذا الأمر عزيزا، منيعا، ينصرون على من ناواهم عليه، إلى اثني عشر خليفة» ثمّ تكلّم بكلمة أصمنيها النّاس، فقلت لأبي أو لابني: ما الكلمة التّي أصمنيها النّاس، قال: «كلّهم من قريش» (5).
ص:219
و في السادسة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا بهز، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا سماك، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة» ثمّ قال: كلمة خفيّة لم أفهمها، قال: قلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (1).
و في «صحيح مسلم» في كتاب الإمارة، في الباب السّابق: حدّثنا هداب بن خالد الأزدي، أخبرنا (2)حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة» ثمّ قال: كلمة لم أفهمهما: فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: «كلّهم من قريش» (3).
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا (4)أبو معاوية، عن داود، عن الشّعبي، عن جابر بن سمرة، قال: قال النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال هذا الدّين (5)عزيزا إلى اثنى عشر خليفة» قال: ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: «كلّهم من قريش» (6).
حدّثنا نصر بن على الجهضمي، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا ابن عون (ح) و حدّثنا أحمد بن عثمان النّوفلي-(و اللفظ له) -حدّثنا أزهر، حدّثنا ابن عون، عن الشّعبي، عن جابر بن سمرة، قال: انطلقت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معي أبي، فسمعته يقول: «لا يزال هذا الدّين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة» فقال: كلمة
ص:220
صمّينها النّاس، فقلت لأبي: ما قال؟ «قال كلّهم من قريش» (1).
أقول: كلمة «إلى» في الغاية أظهر، فجعل غاية عزّ الإسلام و منيعيّته و منصوريّة أهله «على من ناواهم عليه» الظّاهر في بيان عدم ذلّه و مغلوبيّته الموجب لاضمحلاله و نحوه، كما لا يخفى ما بعد لفظة «إلى» و بظهور الامتداد منه عرفا، نظير-قولك «إلى اثني عشر سنة» و نحوه، يعرف إرادة مضيّ هؤلاء الاثني عشر المراد به انقضاء زمانهم، و خروجه، لا الدّخول و نحوه، فلابدّ أن يدوموا بدوام عزّ الإسلام و بقائه، و لا يكون أحدهما أقصر من الآخر، و إلاّ لزم الخلف، و بالتّخلف يرتفع صحّة الخبر منه صلى اللّه عليه و سلم و هو محال كما لا يخفى.
ثمّ إنّ استفادة الانحصار من تلك الطّائفة: نظير الاستفادة من الطّائفة السّابقة، فعلى غيرنا الالتزام إمّا-العياذ باللّه-بانقضاء الدّين و ارتفاع الإسلام و رجوع الجاهليّة؛ و إمّا بعدم انقضاء زمان الاثني عشر، و كون المسلمين الآن في زمان هؤلاء الكرام، إذ السّلامة و العزّ في وقت الخليفة و الأمير تستند إليه، و تقوم به، فلا يتخلّف عنه بوجه؛ فلاحظ.
و في الثّالثة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يونس بن محمّد، حدّثنا حمّاد يعني ابن زيد، حدّثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال:
خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعرفات، فقال: «لا يزال هذا الأمر عزيزا، منيعا، ظاهرا على من ناواه، حتّى يملك اثنا عشر كلّهم» قال: فلم أفهم ما بعد، قال: فقلت لأبي: ما قال بعد ما قال كلّهم؟ قال: «كلّهم من قريش» (2).
و في السادسة و التّسعين كرّر ذلك بعينه (3)و قال قبله: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني
ص:221
خلف بن هشام البزّاز (1)المقري، حدّثنا حماد بن زيد مثله، إلاّ أنّه قال-بعد ناواه-: «لا يضرّه من فارقه أو خالفه حتّى يملك اثنا عشر كلّهم من قريش» أو كما قال (2).
و في التّاسعة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبو الرّبيع الزّهراني و سليمان بن داود، و عبد اللّه (3)بن عمر القواريري، و محمّد بن أبي بكر المقدمي، قالوا:
حدّثنا حمّاد بن زيد، حدّثنا مجالد بن سعيد، عن الشّعبي، عن جابر بن سمرة، قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعرفات، و قال المقدي في حديثه: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخطب بمنى، و هذا لفظ (4)أبي الرّبيع، فسمعته يقول: «لن يزال هذا الأمر عزيزا ظاهرا حتّى يملك اثنا عشر كلّهم» ثمّ لغط القوم، و تكلّموا، فلم أفهم قوله بعد كلّهم، فقلت لأبي: يا أبتاه! ما بعد كلّهم؟ قال: «كلّهم من قريش» و قال القواريري (5): «لا يضرّه من خالفه أو فارقه، حتّى يملك اثنا عشر» (6).
أقول: أي ينقضي ملكهم كما يعرف ممّا مرّ، و قد مرّ الكلام فيما يحسن الكلام فيه من تلك الرّوايات. ثمّ إنّ اللغط و البكاء و نحوهما لعلّه نشأ من توهّم قصر زمان هذا الدّين حيث جعل إلى اثني عشر خليفة؛ فلاحظ.
و في السادسة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا داود بن هند، عن الشّعبي، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: يقول: «يكون لهذه الأمّة اثنا عشر خليفة» (7).
ص:222
أقول: هذا الخبر لا يخلو من أن يكون لفظ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و من أن يكون لفظ الرّواة من النقل بالمعني لما صدر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
أمّا على الأول: فدلالته على مذهب الإماميّة و انحصار الخليفة على الدّين و على النّاس في الاثني عشر، لا زيادة في كمال الوضوح، فقد أخبر عمّن يكون للأمّة من الخليفة و عدّتهم، فأظهر أنّهم اثنا عشر، فلا يكون غيرهم من خليفة الأمّة، و إن ارتقي مرتقى، و بعد وضوح كون هؤلاء الخلفاء من جعل أمدهم أمد الدّين و أمد الأمّة المتديّنين به كما لا يخفى يعرف كون زمانهم ممتّدا بامتداد زمان الإسلام، و إن لا يقصر عنه بوجه.
و بالجملة لم يعتبر في خليفة الأمّة خصوصيّة بوجه، و أخبر عن مطلق خليفتهم بكونهم العدّة، فلابدّ أن لا يزيد خليفتهم على العدد المذكور، و إلاّ لم يصح هذا الخبر، و لزم خلفه، و هو باطل.
و لو كان من الرّواة فقد فهموا من مثل قوله: إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش، أنّ غرضه صلى اللّه عليه و سلم الإخبار عن مطلق الخليفة الذّي يكون للأمّة، و إلاّ لم يصحّ النّسبة، و حكاة ذلك قد جزموا بوجود ما يصّحح نسبة ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحكوه؛ فلاحظ.
و إذا ثبت الانحصار بخبره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلو جعل زمانهم أمد الدّين؛ فلابدّ أن يمتدّ معه، و إلاّ لزم كون الأمّة بلا خليفة، و بقاء الدّين كذلك، و خبر التّحديد بمضيّهم و نحوه ينفي ذلك كما لا يخفى.
و في كتاب «مودّة القربى» (1)في المودّه العاشرة و «ينابيع المودّة» عينه أيضا
ص:223
عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم (1)فسمعته يقول: «بعدي اثنا عشر خليفة» ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الّذي أخفى صوته قال: (2)«كلّهم من بني هاشم» (3).
و عن سماك بن حرب مثل ذلك (4).
و في الجزء الأول-من الأجزاء الستّة-من «المسند» في حديث ابن مسعود، في الثّامنة و التّسعين بعد الثّلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن المجالد، عن الشّعبي، عن مسروق، قال: «كنّا جلوسا عند عبد اللّه بن مسعود، و هو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرّحمان! هل سألتم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كم تملك هذه الأمّة من خليفة، فقال عبد اللّه بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم، و لقد سألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقال: «اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل» (5).
أقول: لا يخفى أنّه سئل عن سؤالهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن عدد من يملك الأمّة من خليفة-و عدم السؤال (6)-فأجاب بأنّهم سئلوا عمّا ذكره، و هو عدد من يملك،
ص:224
و قدرهم، فأجاب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ببيان عدّتهم فقط، فلابدّ أن لا يملك الأمّة غيرهم، و ما يزيد عليهم، و لا أقلّ منهم، و إلاّ لزم تخلّف خبره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا يكون مالكا للأمّة في الخارج، و هو محال، و إذا ملكهم حدّ الإسلام لزم امتداد زمانهم بامتداد زمان الإسلام، كما لا يخفى.
و في السّادسة بعد الأربع مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا ابو النّضر، حدّثنا أبو عقيل، حدّثنا مجالد عن الشّعبي، عن مسروق، قال: كنّا مع عبد اللّه بن مسعود (1)جلوسا في المسجد يقرئنا، فأتاه رجل، فقال: يابن مسعود! هل حدّثكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: نعم، كعدّة نقباء بني إسرائيل (2).
أقول: سأل عن صدور الأخبار منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعدد من يكون بعده من الخليفة من غير اعتبار قيد فيه غير الخلافة، فأجاب بالوقوع، و بيان أنّهم اثنا عشر، فلا يزيد و لا ينقص، و إلاّ لزم المحال.
«مودّة القربى» (3)في المودّة العاشرة، عن الشّعبي، عن عمرو بن قيس (4)، قال: كنّا جلوسا في حلقة فيها عبد اللّه بن مسعود، فجاء أعرابي، فقال: أيّكم عبد اللّه بن مسعود؟ فقال (5): أنا عبد اللّه بن مسعود، قال: هل حدّثكم نبيّكم؛ كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم؛ أثنا عشر عدّة (6)نقباء بني إسرائيل (7).
عن الشّعبي، عن مسروق، قال: بينا (8)نحن عند ابن مسعود، نعرض
ص:225
مصاحفنا (1)إذ قال له فتى: هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون بعده خليفة؟ قال: إنّك لحديث (2)السّنّ، و إنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة، بعدد نقباء بني إسرائيل (3).
عن جرير، عن أشعث، عن ابن مسعود، عن النّبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل» (4).
«منتخب كنز العمال» في الفرع الخامس، في لواحق الإمارة و الخلافة.
عن عايشة: «إنّ عدّة الخلفاء بعدي عدّة نقباء موسى» (5).
أقول: روايات الإمام أحمد في «مسنده» و ما انفراد به ابنه، و رواية «البخاري» و روايات «مسلم» و «التّرمذي» في الاثني عشر، في النسخ الّتي عندنا كما أوردناها، ليس في تلك الكتب غيرها.
و مع ذلك فقد قال السّيوطي في «تاريخ الخلفاء» : قال عبد اللّه بن أحمد:
حدّثنا محمّد بن أبي بكر المقدمي، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا ابن عون، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، عن النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناواهم عليه اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» (6)أخرجه الشّيخان و غيرهما، و له طرق و ألفاظ، منها: «لا يزال هذا الأمر صالحا» و منها
ص:226
«لا يزال هذا الأمر ماضيا» رواهما أحمد. (1)
و منها عند «مسلم» : «لا يزال أمر النّاس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» (2).
و منها عنده: «إنّ الأمر لا ينقضي حتّى يمضي له فيهم اثنا عشر خليفة» (3).
و منها عنده: «لا يزال عزيزا، منيعا إلى اثني عشر خليفة» (4).
و منها عند البزّار: «لا يزال أمر أمّتي قائما حتّى يمضي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» (5).
و منها عند أبي داود؛ زيادة: فلمّا رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثمّ يكون ماذا؟ قال: «ثمّ يكون الهرج» (6).
و منها عنده: «لا يزال هذا الدّين قائما حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم تجتمع عليه الأمّة» (7).
و عند أحمد و البزّار (8)-بسند حسن عن ابن مسعود-أنّه سأل كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال: سألنا عن هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «اثنا عشر، كعدّة نقباء بني إسرائيل» (9).
أقول: قد عزمت على إلحاق بعض ما وجدت في الاثني عشر بهذا المقام، لأنّه
ص:227
يتلو الأخبار في المرام.
فأقول: قال القاضي جواد في «البراهين السّاباطيّة» في التبصرة الثّالثة فيما يدلّ على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في البرهان السّادس في ضمن كلام له نقلا عن أشعياء عليه السّلام، حيث قال في سفر التّكوين قوله: «اندفار اسماعيل أي هيوهررذي فساقه» فقال: و ترجمته بالعربيّة «و أمّا إسماعيل، فإنّي قد سمعت دعائك له، و ها أنا ذا قد باركت فيه، و جعلته مثمرا و سأكثر تكثيرا، و سيلد اثني عشر ملكا، و سأصيرهم أمّة عظيمة» (1).
أقول: ذهب اليهود و النّصاري إلى أنّ المراد بالملوك الاثني عشر أولاد اسماعيل الاثني عشر، و هو باطل، لأنّهم لم يتملّكوا و لم يدعوا الملكيّة، و الحقّ أنّه في شأن الأئمّة الاثني عشر الّتي تعتقد الإماميّة عصمتها و سيأتي بيان ذلك في ذكر المهدي عجل اللّه بظهوره.
و قال في أواخر الكتاب: البرهان الخامس ما ورد في الرّؤيا فساق بلغة يرطين (2)، فقال: و ترجمته بالعربيّة: فأخذتني الرّوح إلى جبل عظيم شامخ، و أرتني المدينة العظيمة أو رشليم المقدّسة نازلة من السّماء من عند اللّه، و فيها مجد اللّه وضوئها كالحجر الكريم و كحجر اليشم و البلور و كان لها سود عظيم عال و اثنا عشر بابا، و على الأبواب اثنا عشر ملكا، و كان قد كتب عليها أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر (3).
ثمّ قال: أقول-إلى أن قال-: المراد «بالسّور» هو ربّ الجنود صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:228
و «الأبواب الاثني عشر» أولاده الأحد عشر و ابن عمّه عليّ و هم عليّ و الحسن و سمّاهم إلى آخرهم.
و قوله: «و على الأبواب الاثني عشر اثنا عشر ملكا» يدلّ على عظم مرتبته، و على عموم نبوّته، و على قيام دعوته، و انقياد جميع الأسباط له. . .
و قال: البرهان السّادس ما ورد في الرّويا-إلى أن قال-: و ترجمته بالعربيّة:
و لسور المدينة اثنا عشر أساسا، و عليها أسماء رسل الحمل الاثني عشر.
فقال: أقول: هذا تأكير لما قبله، و الاثني عشر الأساس هم الأئمّة الاثني عشر، و رسل الحمل الحواريّون. . . إلى أن قال: و فيه إشارة إلى انقياد جميع المذاهب- العيسويّة لشريعة خير البريّة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (1)
البرهان السّابع ما ورد في الرّؤيا-إلى أن قال-: و ترجمته بالعربيّة: و الأبواب الاثني عشر اثنا عشر لؤلؤة كلّ واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة، و ساحة المدينة من الذّهب الأبريز، كالزّجاج الشفّاف. (2)
أقول: هذا بيان لما قبله وصفة الأبواب، و كون كلّ واحد من لؤلؤة واحدة فيه إشارة إلى ما يدّعيه الإماميّون، من عصمة أئمّتهم، فساق الكلام في بيانه.
و قال: البرهان الثامن ما ورد في الرّؤيا-إلى أن قال-: و ترجمته بالعربيّة:
و أراني في وسطها نهرا معينا من ماء الحياة، مضيئا كالبلور خارجا من كرسي اللّه و الحمل في أزقتها و على كلّ طرف من طرفي النّهر شجرة الحياة تثمر في كلّ شهر اثني عشر ثمرة، و أوراق الأشجار شفاء الأمم (3).
فقال: كناية ظاهرة في حق آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالنّهر هو شريعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:229
و كرسى اللّه هو السّماء، و الحمل لقب عيسى، و الشجرة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الثمرات الاثني عشرهم عليّ و أولاده الأحد عشر، على رأى الإماميّة إلى أن قال: و أوراق الأشجارهم السّادة الذّين هم من ولد فاطمة رضي اللّه عنها، هم شفاء العالم الذّين حرمت عليهم نار جهنّم. . .
إلى أن قال: و لك أن تقول: أنّ النّهر نفس محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الشّجرتان عليّ و فاطمة رضي اللّه عنهما و الأثمار الاثني عشرهم الأئمّة الاثني عشر بدخول «عليّ» فيهم، و الأوراق أولادهم، و هذا المقدار في الأمثال مقنع. . .
أقول: و الرّؤيا ليوحنّا، و هو من كتب العهد الجديد في مصطلح النصاري، و أشعيا من العهد العتيق. (1)
أقول: و لا يخفى عليك مخالفة ما نقله عن عبد اللّه لما سلف عنه، و أنّ ما ذكره لا يتمّ إلاّ بكون لفظ «عليه» من الذّيل، أي «عليه اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش، أي على الأمر، فيدلّ على انحصار خليفته فيهم، و يدلّ على دوام عزّ الإسلام، فيدوم الخلافة عليه أيضا فيهم، و لا يتعدّاهم، و لا يقصرون عنه، و لا يكون خليفة غيرهم، و لا يبقي بلا خليفة أيضا، فلابدّ أن يساوي زمانهم زمان الإسلام، كما لا يخفى، و أنّ مثل هذا اللّفظ لم يحكه الشيخان، كما علم ممّا مرّ، و ثاني ما نسبه إلى «مسلم» (2)صريح في انحصار خليفه الإسلام في المسلمين في الاثني عشر، و أنهم خلفاء مرتّبين واحدا بعد واحد، و كلا هذين لا يقبلان جملة ممّا نقله من التّاويل.
ص:230
و أمّا ثاني ما نقله عن أبي داود (1)، ففي «ينابيع المودّة» في الباب السّابع و السّبعين: و في «جمع الفوائد» : عن جابر (2)بن سمرة-رفعه-: «لا يزال. . .» فذكره، و زاد عليه: فسمعت كلاما من النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم أفهمه، فقلت لأبي: ما يقول؟ قال: «كلّهم من قريش» للشيخين (3)و التّرمذي (4)و أبي داود (5)بلفظه، إنتهى (6).
و سنوضح إن شاء اللّه تعالى كون قوله: «و كلّهم تجتمع عليه الأمّة» (7)موضوعا و مع ذلك إذا علم كون شخص من هؤلاء الاثني عشر الخلفاء على الأمّة عن اتبّاعه خارح منهم الكشف خروج ذلك الخارج عن الأمّة بذلك الخروج، لا كون ذلك ليس من الاثني عشر المذكورين، كما لا يخفى.
ابن حجر في «تطهير الجنان و اللّسان» في الكلام في أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشّر بالخلافة:
و صحّ حديث «لا يزال أمر امّتي صالحا حتّى يمضي إثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش» (8).
و في رواية في سندها ضعيف: «اثنا عشر قّيما من قريش، لا يضرّهم عداوة من عاداهم (9)» .
ص:231
أقول: ذكرهم بالإمارة و الخلافة و الملك و نحوها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدلّ على كون الدّين لبّه عندهم، و على قيامهم به، و قيامه بهم، و كونهم هداة مهتدين، فلابدّ أن يكون من العدّة، و إلاّ لتوقف هداهم على اتّباعهم، نفس الإمام الحقّ و إلاّ لا حتاجوا إلى الايتمام به و نفس الجماعة، و إلاّ لتوقف هداهم على الاجتماع معهم، و ان لا يفارقوهم. كلّ ذلك قضيته ما مرّ و يأتي إن شاء اللّه.
السيّوطي في «تاريخ الخلفاء» ، في ضمن كلامه عن «شرح البخارى» : و يؤيّد هذا ما أخرجه مسدّد في «مسنده الكبير» (1)، عن أبي الخلد انّه قال: «لا تهلك هذه الأمة حتّى يكون منها اثنا عشر خليفه، كلّهم يعمل بالهدي و دين الحقّ، فيهم (2)رجلان من أهل بيت محمد صلى اللّه عليه و سلم (3).
قلت: و حال ذيله في كمال الوضوح.
3-و قال: «يكون بعدي اثنا عشر أميرا و خليفة من قريش» (1).
4-و قال: «الإسلام عزيز إلى مضي اثني عشر أميرا و خليفة من قريش» (2).
5-و قال: «لا يزال الدّين عزيزا منيعا حتّى يملك اثنا عشر كلّهم من قريش» (3).
6-و قال: «يكون لهذه الأمّة اثنا عشر خليفة» (4).
7-و أجاب عن السّؤال عمّن يملكهم من خليفة بقوله: «اثنا عشر، و سبعة إذا رجعتم» (5)و كلّ تلك الرّوايات يستفاد منها انحصار الأمراء و الخلفاء فيهم حسب ما أشرنا إليه في مواردها. و الأوّل و الثاني و الرّابع و الخامس صراح في أنّ هؤلاء الاثني عشر يمتدّ أمدهم بأمد الدّين، و لا يقصر زمانهم و زمان إمارتهم عن زمان قيام الإسلام و بقائه و عزّه.
و من الواضح أنّ ظهور الإسلام في عصر خليفة و أمير إنّما يكون بشوكته و ببركته، و يستند إليه، بل لا يبعد دعوى أنّ الأوصاف المذكورة في تلك الرّوايات للدّين؛ جلّها أو كلّها وصف الأمير و الرّئيس، نسب إلى غير من هي له، بضرب من التجوّز، فالمعلوم من تلك الرّوايات عامّة؛ أنّهم سبب بقاء الإسلام و عزّه، و لذلك ينتهي بانتهائهم، إلى غير ذلك، فلابدّ من دوامهم بدوام عزّ الإسلام و عدم حصول الانقطاع فيهم، و إلاّ لم يكن لهم مدخليّة في البقاء و الظهور، و لم يستند إليهم، بل لم يثبت أصل الظهور على ما عرفت.
ص:233
و الثّالث و السّادس أيضا يدلاّن على ذلك بملاحظة دوام الإمارة و الخلافة و الحاجة إليهما في دين الإسلام، و هما مع السّابع يدلاّن على أنّ لا إمارة لغيرهم، و ان لا يملك أمر الأمّة غيرهم، و إلاّ شاركهم في الإمارة، و شورك في الإخبار به معهم، و إذا ثبت انحصار الإمارة و الخلافة الّتي يراد بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إمارة و خلافة في إمارة الاثني عشر بتخصيصها بهم و خلافتهم في مقام الإخبار عنها أو الإثبات لها انكشف أن لا يكون ما لغيرهم إمارة، و إن تسمّى بالأمير و أن تسمّى بالخلافة، فليمحوا الخارج عن الاثني عشر اسمه الشريف عن جريدة أسامي الخلفاء و أمراء الأمّة، و إلاّ فهو من قبيل الإمام الجائر الوارد في الأخبار كما سلف، تبعا للكتاب العزيز.
قال عزّ من قائل: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّارِ وَ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ * وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ اَلدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ هُمْ مِنَ اَلْمَقْبُوحِينَ (1)و مثله لا يكون زمان إمارته من زمان عزّ الاسلام، و ظهوره كفرسي رهان، بل كرضيعي لبان، بل زمان إمارته من زمان هوان الإسلام حيث يحب اللّه تعالى ردعه و قمعه و يوجبه في حكم الإسلام، و لا يحصل فياله من معرّة، و ذلك أوضح من الشّمس في رابعة النّهار، فلو قام دليل على ثبوت الظّهور للإسلام من زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ممتدّا إلى قيام السّاعة كان ذلك زمان خلافة الاثني عشر بلا فصل، و ممّا وليهم الاثنا عشر و لا غيرهم.
فلنشر إلى نبذة من الأخبار الدّالّة على دوام ذلك الوصف للإسلام إلى قيام السّاعة، ثمّ إلى نبذة من الأخبار الدّالّة على استمرار إمارة قريش إلى قيام السّاعة. فههنا فصلان:
ص:234
في الجزء الثّاني من الأجزاء السّتّة من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث أبي هريرة، في الواحد و العشرين بعد الثلاثمأة في الطبع: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا ابو عبد الرّحمان، حدّثنا سعيد، حدّثنا محمّد بن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنّه قال: «لا يزال لهذا الأمر-أو على هذا الأمر-عصابة على الحقّ، و لا يضرّهم خلاف من خالفهم، حتّى يأتي (1)أمر اللّه» (2).
أقول: يرجّح الاحتمال الثاني الطّريق الآتي، فلتلك العصابة رئاسة على هذا الأمر و هو الإسلام، و التسلّط عليه بالسّلطنة على أهله.
و لو أريد من كون العصابة للأمر أو عليه مجرّد دخولهم في هذا الدّين، فيكون إخبارا بأنّ هذا الدّين له أهل، و لا يبقى بلا أهل، كما قد يتوهم لزم كون قوله:
«على الحقّ» في قوله: «عصابة على الحق» مستدركا، كما لا يخفى، فهو دليل ارادة ما ذكرناه من الرئاسة، لا محض الدّخول في الإسلام، ثمّ وصف هؤلاء العصابة بأنّهم «على الحقّ» الظّاهر في العموم بارادة الجنس أو الاستغراق، فهم على الحق في كل مالهم من الأمور و الشؤون من أهله في كل الأحوال، و لا يضاف إليهم الباطل، فلا يكونون على باطل، فهم مع الحقّ و الحقّ معهم.
و ثانيا بأنّهم «لا يضرّهم خلاف من خالفهم» الظّاهر في إرادة الضّرر في الكون
ص:235
على الحقّ لا مطلقا.
و الحاصل أنّ خلاف من خالف لا يضرهم عن الكون على الحقّ، فهم على ما كانوا عليه من الحقّ، و الظّاهر أنّ المخالف هنا يراد به من خالفهم من أهل الإسلام، دون ساير الملل، و إلاّ لم يختص انتفاء الضّرر بتلك العصابة، بل عمّ عامّة أهل الإسلام و يحتمل أن لا يرجع الضمير إلى العصابة، بل إلى أهل الإسلام المفهوم من ذكر الأمر المراد به الإسلام، فيكون الحاصل عليهم عصابة على الحقّ، و لا يضرّهم خلاف غيرهم.
و أمّا الضّمير في «يأتيهم» فهو يحتمل رجوعه إلى العصابة، فيكون غاية لعدم ضرر المخالف و ما سبقه، و يحتمل الرّجوع إلى أهل الإسلام، فيكون غاية لقوله:
«لا يزال. . .» إلاّ أنّ قوله: «و هم على ذلك» (1)في الطّريق الآتي يرجّح الأوّل.
فالحاصل أنّهم على الحق إلى موتهم، و لا يضرّهم الخلاف إلى موتهم، و التّأبيد يفهم من قوله: «لا يزال» كما لا يخفى-حيث لم يخصّ ذلك بوقت و قدر من الزّمان.
و على الثّاني: فالمراد بأمر اللّه قيام السّاعة و نحوه، و الدّلالة فيه أظهر؛ فلاحظ (2).
ثمّ إنّ الوصف الثّاني ممّا أثبت في الأخبار السّابقة للأمراء و الخلفاء الإثني عشر، فرئاسة العصابة يعارض أخبار الأمراء، إلاّ أن يؤوّل و يحمل على غير ظاهره؛ فتأمّل.
و في الأربعين بعد الثلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يونس،
ص:236
حدّثنا ليث، عن محمّد، عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لن يزال على هذا الأمر عصابة على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتيهم أمر اللّه و هم على ذلك» (1).
و في التّاسعة و السبعين بعد الثّلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا قتيبة، حدّثنا ليث، عن ابن عجلان، عن القعقاع مثله (2).
و في الثّالث من الأجزاء، في الخامسة و الأربعين بعد الثّلاث مأة من الطبع في أحاديث جابر الأنصاري: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا موسى، حدّثنا أبي لهيعة، عن ابن الزّبير، عن جابر، أنّه سمع النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة» ، قال: «فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال، صلّ بنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمير، ليكرم اللّه هذه الأمّة» (3).
و في الرّابعة و الثّمانين بعد الثلاث مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حجّاج، قال، قال ابن جريح: أخبرني أبو الزّبير، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: «تكرمة اللّه عزّ و جلّ هذه الأمّة» (4).
«مسلم» في باب نزول عيسى حاكما بشريعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حدّثنا الوليد بن شجاع و هارون بن عبد اللّه و حجّاج بن الشّاعر، قالوا: حدّثنا حجّاج و هو ابن محمّد، عن ابن جريح، أخبرنا ابو الزّبير، فذكر مثله (5).
و في كتاب الإمارة، في باب «لا تزال طائفة. . .» رواه عن هارون بن عبد اللّه
ص:237
و حجّاج بن الشّاعر، قالا: حدّثنا حجاج بن محمّد، فذكر مثله (1).
و قال في «القاموس» : «الطّائفة من الشّيء القطعة منه، أو الواحد فصاعدا، أو إلى الألف أو أقلّها رجلان، أو رجل، فيكون بمعني أخص» (2).
هذا الخبر بظاهره إخبار بوجود قوم يقاتلون، و يظهرون من أوّل الإسلام إلى يوم القيامة.
و أمّا قوله: «على الحقّ» ففي موضع نصب على الحال من الطّائفة، و يحتمل تعلّقه بقوله: «يقاتلون» و لا يخفى بعده.
و الحاصل إخبار بدوام المقاتلين الظّاهرين الّذين هم على الحقّ إلى يوم القيامة و يتّصل ذلك إلى لقاء عيسى بن مريم.
ثمّ إنّ من المعلوم أنّ المراد مقاتلة المسلمين مع الكفّار و المنتحلين لغير ملّة الإسلام، و من الواضح الضّروري لكلّ أحد استغراب وقوع الجهاد في الإسلام، بل صار كأنّه نادر الاتّفاق، و ستعرف ما أوجب هذا الخلف في الخبر إن شاء اللّه تعالى، و لعلّ هذا التخلف هو السّبب في ترك «مسلم» (3)و «البخاري» (4)و «التّرمذي» (5)في ذكر القتال في عنوان الباب، عند ذكر الحديث.
ص:238
و زاد «البخاري» عليهما بقوله: «و هم أهل العلم» .
و في السّادسة و الثّلاثين بعد الأربع مأة في بقيّة حديث معاوية بن قرّة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يزيد، حدّثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إذا فسد أهل الشّام فلا خير فيكم، و لا يزال أناس من أمّتي منصورين لا يبالون من خذلهم حتّى تقوم الساعة» (1).
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدّثني معاوية بن قرة، عن أبيه، عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «إذا فسد أهل الشّام فلا خير فيكم، و لن تزال طائفة من أمّتي منصورين لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم السّاعة» (2).
و رواهما في الجزء الخامس، في الرّابعة و الثّلاثين، و الخامسة و الثّلاثين، في أحاديث قرّة المزني، و زاد في مسند الأخير، و محمّد بن جعفر: حدّثنا شعبة عن معاوية (3).
التّرمذي في «سننه» في كتاب الفتن، في باب ما جاء في أهل الشّام: حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه، فذكر نحوه.
ثمّ قال: قال محمّد بن إسماعيل: قال عليّ بن المديني: هم أصحاب الحديث.
قال أبو عيسى: و في الباب عن عبد اللّه بن حوالة و ابن عمر و زيد بن ثابت، و عبد اللّه بن عمرو، و هذا حديث حسن صحيح (4).
أقول: أهل الشّام لم يكونوا أسلموا زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و مفاد ذلك أنّه يقع
ص:239
فيهم الفساد في وقت، و إذا وقع فلا خير في أهل الإسلام، فلاحظه، هل ينافي ذيله أم لا؟
و في «القاموس» و «النّاس يكون من الإنس و من الجنّ، جمع إنس، أصله أناس، جمع عزيز أدخل عليه ال» انتهى (1).
و أمّا من فسّر بأن: إنس جمعه (2)فقد أخطأ، كما لا يخفى.
و ظاهر السّياق إرادة أنّهم منصورون في القتال، و إن خذلهم الخاذلون، و إذا انتفى الخير من أهل الإسلام بفساد أهل الشّام الحاصل بترك إطاعة أميرهم يكون هو المنصور المزبور الّذي لا يبالي الخاذل، فهو من الموضوعات ترغيبا في إطاعة معاوية، مع أنّ المنصوريّة أبدا مع عدم المبالات على الخاذل لم يحصل في الإسلام.
و في الجزء الرّابع من «المسند» في الثّالثة و التّسعين في حديث معاوية بن أبي سفيان: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا كثير بن هشام، قال: حدّثنا جعفر، حدّثنا يزيد بن الأصم، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان ذكر حديثا رواه عن النّبيّ صلى اللّه عليه و سلّم لم أسمعه روي عن النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم حديثا غيره أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «من يرد اللّه به خيرا يفقّهه في الدّين، و لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناواهم إلى يوم القيامة» (3).
أقول: صدره حديث آخر، فقد أفرده في غير رواية (4).
ص:240
أقول: رواه «مسلم» عن إسحاق بن منصور، عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد، مثله (1).
و حال المقاتلة المزبورة قد عرفتها فيما قبل، و منه يعلم حال الظّهور، فالخلف فيهما يكشف عن عدم كونهما من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فحديثه هو المذكور في الطّريق الآتي آنفا، و هو الإخبار بوجود طائفة لا يبالون الخاذل و المخالف إلى يوم القيامة، بل الطّريق الآتي يكشف عن الوضع على معاوية، كما أنّ روايته ما يروي عن الأنصاري يكشف عن سماعة ذلك أيضا، و كم من حديث يرويه كذلك، و قد أخذه بواسطة يعرف من مراجعة «المسند» ؛ فليلاحظ.
و توضيح الخلف-زيادة على ما مرّ-أنّ العصابة قيل فيه: إنّه ما بين العشرة إلى خمسة عشر (2)، و قيل: إلى أربعين (3)، و أمّا ما كان فالظّاهر إرادة هؤلاء من يباشر القتال، و القتال و الظهور نسبا إلى مصداق العصابة الخارجي دون مفهومه النوعي، فلابدّ أن يكون تلك الأشخاص موصوفين بالقتال و الظّهور، فلو أريد منها كل من شهد المعارك فمن المعلوم وجود المقتول و المغلوب فيهم، و إن غلب الجند، و كذا لو أريد الرّؤساء، كما لا يخفى.
و لو أريد المعني النوعي كان منافيا لما هو ظاهر في الإناطة على ذوات الأشخاص، و هو أكثر الأخبار، و لتحديد ذلك بأن يأتيهم أمر اللّه بانّ المعني النوعي المزبور لا غاية له-كما لا يخفى-و أنّ عدم المبالاة و نحوه معان يقوم
ص:241
بالأشخاص و لو وصل إلى الخاذل و نحوه لم يتفاوت إلى أشخاص الخاذلين إلى غير ذلك من شواهد إرادة الذّوات.
و في السّابعة و التسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى بن إسحاق، قال: أنبأنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن ربيعة بن يزيد، عن عامر بن عبد اللّه اليحصبي، قال عبد اللّه: قال أبي: كذا، قال يحيى بن اسحق: و إنّما هو عبد اللّه بن عامر اليحصبي، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول:
«لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ لا يبالون من خالفهم أو خذلهم حتّى يأتيهم أمر اللّه عزّ و جلّ» . (1)
و في التّاسعة و التّسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرّحمان بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد اللّه بن عامر اليحصبي (2)، قال: سمعت معاوية يحدّث و هو يقول: إيّاكم و أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلاّ حديثا كان على عهد عمر و إنّ عمر كان أخاف النّاس في اللّه عزّ و جلّ، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. . . إلى أن قال: و سمعته يقول: «لا تزال أمّة من أمّتي ظاهرين على (3)الحقّ، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر اللّه و هم ظاهرون على الناس (4).
أقول: لا يخفى أنّ النّاس هنا غير المسلمين و حينئذ يكون الظّهور للإسلام و أهله عامّة إلاّ يخصّ الظّهور بمن تعرّض للكفار، و دوامه يكون بعد دوام التعرّض المعلوم عدم دوامه، فكلّ ذلك ممّا فهموه بزعمهم من قوله: «لا يضرّهم من خذلهم
ص:242
و لا من خالفهم» (1)؛ فلاحظ. ثمّ إنّ إطلاق الأمّة على الواحد لا إشكال فيه، إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ (2)و أيضا ينبغي التّأمل في قوله: إيّاكم و أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ. . . ، في وجه النّهي و وجه الاستثناء، و غرضه لعلّه أن لا ينتشر غير ما كان انتشر في زمان عمر، كحديث المتعتين و غيرهما، و حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، من المعلوم أنّه غير المكذوب عليه؛ فلاحظ.
و في الواحدة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو سلمة الخزاعي، أنبأنا ليث يعني ابن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الوهاب بن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمان، عن معاوية بن أبي سفيان، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «من يرد اللّه به خيرا يفقّهه في الدين، و لن تزال هذه الأمّة أمّة قائمة على أمر اللّه، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتيهم (3)أمر اللّه، و هم ظاهرون على الناس» (4).
أقول: كونها قائمة بأمر اللّه بقيام آحادها بأمره تعالى؛ و لم يحصل أيضا، و لعلّه سقط لفظ «من» من الولاية؛ فلاحظ.
و الباقي يعلم حاله ممّا مرّ إلاّ أن يراد أنّه يقوم و لا يهلك حتّى يأتيهم أمر اللّه، إلاّ أنّه حينئذ لا يبقى ناس حتّى يكونوا ظاهرين عليهم بل يتشاركون في الإسلام، فتأمّل.
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا يحيى بن حمزة، عن عبد الرّحمان بن يزيد بن جابر، أنّ عمير بن هاني حدّثه، قال: سمعت معاوية
ص:243
بن أبي سفيان على هذا المنبر يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي قائمة بأمر اللّه، لا يضرّهم من خذلهم، أو خالفهم حتّى يأتي أمر اللّه عزّ و جلّ، و هم ظاهرون على الناس» فقام مالك بن يخامر السكسكي، فقال: يا أمير المؤمنين! سمعت معاذ بن جبل يقول: و هم أهل الشّام، فقال معاوية-و رفع صوته-: هذا مالك، يزعم أنّه سمع معاذا يقول: و هم أهل الشّام (1).
أقول: صدر الخبر لا إشكال فيه، و قوله: «ظاهرون على الناس» علم وضعه و أوضح منه ما قال مالك، فلم يكونوا و لم يدم فيهم الوصف عند أحد، فكيف يكون خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ : و كيف يفعل بقوله: «إذا فسد أهل الشّام» (2)؟ !
مسلم في «صحيحه» في آخر كتاب الإمارة في باب «لا يزال طائفة. . .» :
حدّثنا منصور بن أبي مزاحم، حدّثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمان بن يزيد بن جابر، أنّ عمير بن هاني حدّثه فذكره إلى قوله: «على الناس» (3).
البخاري في «صحيحه» قبل فضائل أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-بقليل-: حدّثنا الحميدي عن إسماعيل، فذكر مثله مع الزّيادة إلاّ أنّه قال: «و لا من خالفهم» (4).
و في كتاب الاعتصام بالكتاب و السّنّة، في باب قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لا تزال طائفة. . .» : حدّثنا إسماعيل، حدّثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أخبرني حميد (5)سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب، قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «من يرد اللّه به خيرا يفقّهه في الدين و إنّما أنا قاسم و يعطي اللّه و لن يزال أمر
ص:244
هذه الأمّة مستقيما حتّى تقوم السّاعة أو (1)يأتي أمر اللّه» (2).
و في الرابعة بعد المأة، في حديث سلمة بن نفيل السّكوني: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا الحكم بن نافع، حدّثنا إسماعيل بن عيّاش، عن إبراهيم بن سليمان، عن الوليد بن عبد الرحمان الجرشي، عن جبير بن نفير، أنّ سلمة بن نفيل أخبرهم أنّه أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال: «إنّي سمعت الخيل و ألقيت السّلاح و وضعت الحرب أوزارها» قلت: لا قتال، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الآن جاء القتال، لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على النّاس، يرفع اللّه قلوب أقوام فيقاتلونهم و يرزقهم اللّه منهم حتّى يأتي أمر اللّه عزّ و جلّ و هم على ذلك إلاّ أنّ عقر دار المؤمنين الشام، و الخيل معقود في نواحيها الخير إلى يوم القيامة» (3).
أقول: و لعلّ السياق يدلّ على إرادة قتال الكفّار و الرّزق منهم و وصف الطّائفة من الأمّة بالظّهور على النّاس «حتّى يأتيهم أمر اللّه» و هو الموت.
و في الرابعة و الأربعين بعد المأتين، في حديث المغيرة بن شعبة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يعلي بن عبيد أبو يوسف، حدّثنا إسماعيل عن قيس، عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال من أمّتي قوم ظاهرين على النّاس حتّى يأتيهم أمر اللّه و هم ظاهرون» (4).
و في الثامنة و الأربعين بعد المأتين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يزيد أخبرنا إسماعيل يعني إبن أبي خالد عن قيس بن حازم عن المغيرة بن شعبة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا يزال ناس من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين حتّى يأتيهم أمر اللّه عزّ و جلّ» (5).
ص:245
و في الثانية و الخمسين بعد المأتين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى، عن إسماعيل، حدّثني قيس، قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لن يزال أناس من أمّتي ظاهرين على الناس حتّى يأتيهم أمر اللّه و هم ظاهرون» (1).
أقول: مسلم في «صحيحه» في آخر كتاب الإمارة، في باب قوله: «لا يزال طائفة. . .» و حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيع، ح و حدّثنا ابن نمير، حدّثنا وكيع و عبدة كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد ح و حدّثنا إبن أبي عمرو (2)(و اللفظ له) ، حدّثنا مروان (يعني الفزاري) عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة، قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لا يزال (3)قوم من أمّتي ظاهرين على النّاس حتّى يأتيهم أمر اللّه و هم ظاهرون» (4).
و حدّثنيه محمّد بن رافع، حدّثنا أبو أسامة، حدّثني إسماعيل، بمثل الحديث سواء. (5)«البخاري» قبل فضائل أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حدّثنا عبد اللّه بن أبي الأسود، حدّثنا يحيى عن إسماعيل، حدّثنا قيس، فذكر مثل آخر روايات «المسند» (6).
و في كتاب التّوحيد من الجزء الرابع، في باب قول اللّه تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ. . . (7): حدّثنا شهاب بن عبّاد، حدّثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل،
ص:246
عن قيس، عن المغيرة بن شعبة (1)سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «لا يزال من أمّتي قوم ظاهرين على النّاس حتّى يأتيهم أمر اللّه» (2).
حدّثنا الحميدي. . . فذكر حديث عمير بن هاني السّابق (3)، إلاّ أنّه قال: «ما يضرّهم من كذّبهم و لا من خالفهم» (4).
في كتاب الاعتصام بالكتاب و السنّة، في باب قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ يقاتلون و هم أهل العلم» : حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لا يزال طائفة من أمّتي ظاهرين حتّى يأتيهم أمر اللّه و هم ظاهرون» (5).
و في رابع أجزاء «المسند» في التّاسعة و السّتين بعد الثلاث مأة، في حديث زيد بن أرقم: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا سليمان بن داود، أنبأنا شعبة، عن أبي عبد اللّه الشّامي، قال: سمعت معاوية يخطب: يقول: يا أهل الشام! حدّثني الأنصاري، قال: قال: شعبة-يعني زيد بن أرقم-إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تزال طائفة من أمّتي على الحق ظاهرين، و إنّي لأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشّام» (6).
أقول: هذا الخبر ليس فيه غائلة، و المراد من الظهور الغلبة في مقام الخصومة، و لازمه أن لا يكونوا طرف خصومة إلاّ و يكون لهم الغلبة، و من ذلك يعلم أنّ ما يزيد على ذلك ممّا زاد رحمه اللّه في خبره من أجل ما تخيّلوا في معناه أو مصداقه و الزّعم منهم، و لم يكن له أصل، ثم إنّ الرّجاء يمكن أن يكون من معاوية، و من
ص:247
الأنصاري، و ايّاما كان فقد خاب الرّجاء.
و في التاسعة و العشرين بعد الأربع مأة، في أحاديث عمران بن حصين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا نمير، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أنبأنا قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين على من ناواهم حتّى يأتي أمر اللّه تبارك و تعالى، و ينزل عيسى بن مريم عليه السّلام (1).
أقول: الخبر صريح في أنّ وجود تلك الطّائفة يتّصل بنزول عيسى و لا ينقطع قبله، ثمّ معني كونهم على الحق أن لا يفعلوا إلاّ ما هو للّه رضى، فلو لم يعارضوا المناوي لمصلحة لم يناف ذلك الظّهور؛ فلاحظ.
ثمّ إنّ هذا يشهد بأنّ ذكر القتال فيما يأتي، من روايات عمران ممّا تخيّله في معني الحديث كما لا يخفى، و روايته الأخيرة في أنّ مقاتل الدّجال آخر تلك الطّائفة، المخبر عن حالهم؛ فلاخط.
و في الرّابعة و الثلاثين بعد الأربع مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسماعيل، أنبأنا الجريري عن أبي العلا بن الشّيخين، عن مطرف، قال: قال لي عمران: إنّي لأحدّثك بالحديث اليوم لينفعك اللّه عزّ و جلّ به بعد اليوم، اعلم «أنّ خير عباد اللّه تبارك و تعالى يوم القيامة الحمّادون» و اعلم «انّه لن تزال طائفة من أهل الإسلام يقاتلون على الحقّ ظاهرين على من ناواهم حتّى يقاتلوا الدّجال» و اعلم؛ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أعمر من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك و لم ينه عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتّى مضي لوجهه ارتأي كلّ امرئ، بعد ما شاء اللّه أن يرتئي» (2).
ص:248
قوله: «بعد اليوم» يريد أن يمكّن إظهار تلك الأحاديث فيه؛ فليلاحظ وجه لزوم الإخفاء فيما ذكره.
و في السابعة و الثلاثين بعد الأربع مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو كامل و عفّان، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن قتادة، عن مطرف بن عبد اللّه بن الشّخير، عن عمران بن حصين، أنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين على من ناواهم حتّى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» (1).
و في الخامس من الأجزاء الستّة، في التّاسعة و السّتين بعد المأتين، في حديث أبي أمامة، قال أبو عبد الرّحمان: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده: حدّثني مهدي بن جعفر الرّملي، حدّثنا ضمرة، عن الشّيباني و اسمه يحيى بن أبي عمرو، عن عمرو بن عبد اللّه الحضرمي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا تزال طائفة من أمّتي على الدّين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين لا يضرّهم من خالفهم إلاّ ما أصابهم من لأواه، حتّى يأتيهم أمر اللّه، و هم كذلك» قالوا: يا رسول اللّه! و أين هم، قال: «ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس» (2).
أقول: الظهور على الدين، الظاهر في الغلبة، لعلّه يراد به السلطنة عليه و الرئاسة فيه على أهله، فيعرف من ذلك لو أنّهم على الحقّ و معه و إلاّ فلم يظهروا على الدين، و الضرر المنفي يراد منه العموم بقرينة الاستثناء، و أثبت لهم الوصفين إلى أن يموتوا، فلا يخالف ذلك غيره، بل يوافقه و موضوعية الذيل واضحة.
و في الرابعة و التسعين، في أحاديث جابر بن سمرة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا شريك عن سماك، عن جابر بن سمرة، رفعه،
ص:249
قال: «لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة حتّى تقوم الساعة» قال شريك:
سمعه من أخيه إبراهيم بن حرب، قلت لشريك: عمّن ذكره، هو لكم، أنتم؟ قال:
عن جابر بن سمرة (1).
و في الثامنة و التسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني محمّد، حدّثنا عمرو، حدّثنا أسباط، عن سماك، عن جابر بن سمرة، عمّن حدّثه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: «لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم الساعة» (2).
و في الثالثة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:
«لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم الساعة» (3).
و في الخامسة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الزبيري و خلف ابن الوليد، قالا: حدّثنا إسرائيل، عن سماك، بن حرب، أنّه سمع جابر بن سمرة، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يزال هذا الأمر قائما، يقاتل عليه المسلمون حتّى تقوم الساعة» قال أبو عبد الرحمان: هذا أبو أحمد الزبيري ليس من ولد الزّبير بن العوام، و إنّما كان اسم جدّه الزبير (4).
و في السادسة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا معاوية بن عمرو، حدّثنا زائدة، حدّثنا سماك، عن جابر، مثل ما كان في الثالثة بعد المأة سواء (5).
ص:250
و في الثامنة بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرحمان، حدّثنا زائدة مثل حديثه السابق سواء (1).
مسلم في «الصحيح» كتاب الإمارة، في باب «لا يزال طائفة. . .» : حدّثنا محمّد بن المثنى و محمّد بن بشّار، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة: عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، فذكر مثله (2).
أقول: دوام مقاتلة المسلمين للكفّار على الدين من بدو الإسلام الى قيام الساعة قد عرفت أنّه بواسطة التخلّف و نحوه، ممّا لا ينسب إلى حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فكل ذلك ممّا نقلوه بالمعني بما توهّموه في معني كلامه صلى اللّه عليه و سلم، ثمّ إنّ قتال العصابة و المسلمين إمّا مع كون أميرهم فيهم و بأمره، أو بغير ذلك الوجه، فإن كان الأوّل فقد روي جابر هذا «أنّ أمرائهم و خلفائهم ينحصر في الاثني عشر» و عرفت أنّ الأمير غيرهم و ليس بأمير إلاّ جورا، و الوصف بكونهم على الحقّ و نحوه يأبى الحمل على قتال يكون بأمر خلفاء الجور، فيدوم وجود الخلفاء الاثني عشر إلى قيام الساعة؛ فلاحظ.
و في خامس «المسند» أيضا، في الثامنة و السبعين بعد المأتين، في أحاديث ثوبان: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. . .
فساق الحديث إلى أن قال: «و لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر اللّه عزّ و جلّ» (3).
ص:251
و في التاسعة و السبعين بعد المأتين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا يونس، حدّثنا حمّاد، فذكر ذلك الذيل فقط بباقي السند سواء (1).
أقول: و عن «الجمع بين الصحيحين» : الحديث العاشر: من المتّفق عليه من «البخاري» و «مسلم» من مسند ثوبان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ليس له في «الصحيحين» سوى عشرة أحاديث، ممّا خرّجه أبو بكر البرقاني من حديث أبي الربيع الزاهراني و قتيبة، من حديث أبي موسى و بندار عن هشام، أخرجه «مسلم» من حديثهم، بالإسناد إلى أن قال: «و لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ، منصورة لا يضرّهم من خذلهم حتّى يأتي أمر اللّه تعالى» (2).
أقول: و الترمذي في «سننه» في كتاب الفتن، في باب ما جاء في الأئمة المضلّين: حدّثنا قتيبة بن سعيد (3)، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرجبي، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنّما أخاف على أمّتي الأئمة المضلّين» قال: و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من يخذلهم (4)حتى تأتيهم (5)أمر اللّه» .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن (6)صحيح (7).
سمعت محمّد بن إسماعيل يقول: سمعت علي بن المديني، يقول، و ذكر هذا الحديث عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق، قال: عليّ
ص:252
«هم أهل الحديث» (1).
مسلم في آخر كتاب الإمارة من «صحيحه» في باب لا يزال طائفة: حدّثنا سعيد بن منصور و أبو الربيع العتكي و قتيبة بن سعيد، قالوا: حدّثنا حمّاد (و هو ابن زيد) . . . ، فذكر مثله و زاد «و هم كذلك» و ليس في حديث قتيبة «و هم كذلك» (2).
و أيضا حدّثني أحمد بن عبد الرحمان بن وهب، حدّثنا عمّي عبد اللّه بن وهب، حدّثنا عمرو بن الحرث (3)، حدّثني يزيد بن أبي حبيب، حدّثني عبد الرحمان بن شماسة المهري، فساق الحديث (4)إلى أن قال: قال عقبة بن عامر: و أمّا أنا فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «لا تزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أمر اللّه، قاهرين لعدوّهم، لا يضرّهم من خالفهم حتّى تأتيهم الساعة، و هم على ذلك» . (5)
و أيضا حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحقّ حتّى تقوم الساعة» . (6)
أقول: دلالة تلك الأحاديث على بقاء الإسلام و ظهوره إلى نزول عيسى و قيام الساعة في كمال الظهور، لا حاجة فيه إلى كلام، و مع ذلك فنقول: ذكر من يقوم به
ص:253
الإسلام بلفظ «العصابة» (1)و «ناس» (2)و «أمّة» (3)و «قوم» (4)و «طائفة» (5).
و نسب إلى الأمّة و المسلمين و ذكر من غير إضافة أيضا و وصف بالظّهور على «من ناواه» و الظهور على الناس و بكونه «على الحقّ» و «بأن لا يبالي من خالفه» و «من كذبه» و «من خذله» و «و لا يضرّونه» كل ذلك إلى موتهم.
و إذا عرضت الموصوف في تلك الأخبار على أخبار «الأمراء» و «الخلفاء» فهل تراه غيرهم؟ و غير من يكون تحت أمرهم؟ لئلا يكون دوام هؤلاء في الإسلام دليلا على دوام إمارة هؤلاء الأمراء و خلافتهم، أو تراهم إيّاهم أو من يكون تحت رآيتهم.
إذا عرفت بطلان ذكر المقاتلة و دوامها في تلك الأخبار بالتخلّف الذي لا يعقل في وعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خبره، و أنّ «البخاري» و شيخه و «الترمذي» حملوا جملة من تلك الأخبار على أهل العلم، ظهر لك أن المراد الغلبة في مقام الاحتجاج، و التمكّن منها، و دوام تلك الحال إلى الموت، و هذا أمر معلوم الثبوت في حقّ أهل البيت، كما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما لا يخفى.
و مع ذلك فنقول: هذه الطائفة مع الغضّ عمّا أسلفنا إمّا أن يكون لهم إمام و مع الجماعة، أم لا. و على الثاني يكونون أهل جاهليّة قضيّة ما مرّ، و على الأوّل يدور بقاء الدين مدار إمامهم و رئيسهم الفئة و الجماعة.
ص:254
و أيضا إمّا أن تمسّكوا بالعترة أهل البيت و إمّا لا، و على الثاني هم أهل ضلال قضية ما مرّ، و على الأوّل فالعترة أقوى في الوصف، و من ذلك يظهر كونهم بأنفسهم من أهل البيت و العترة لا غيرهم.
و بعبارة أخرى غير [العترة]أهل البيت لمّا كان هداهم و خلوصهم من الضلال موقوفا على التمسك بأهل البيت و اتّباعهم نحو التمسّك بالكتاب و أتباعه و على أن يكون لهم إمام و على أن يكونوا مع الجماعة و لا يكونوا فارقوهم، و إلاّ كانوا أهل ضلال و أهل جاهليّة حسب ما مرّ، و تلك الطائفة لمّا وصفوا بالهدى و أثبت لهم المرتبة العليا من غير إعتبار شيء فيهم، فهم نفس العترة لأنّهم الذين لا يتوقّف هداهم و خلوصهم من الضلال على اتّباع غيرهم، و اتّخاذ إمام و موافقة جماعة بل هم في أنفسهم هداة مهتدون «لا يضرّهم من خالفهم» «و لا من كذبهم» «و لا من خذلهم» و لا بدّ هم أيضا الأئمة الاثنا عشر و إلاّ كان لهم إمام و يظهر من ذلك أيضا أنّ هؤلاء الاثني عشر أيضا من نفس العترة لا من غيرهم و إلاّ لتوقّف هداهم على اتباعهم؛ فلاحظ.
في الجزء الثاني من الأجزاء الستّة من «مسند الإمام أحمد» في أحاديث ابن عمر، في التاسعة و العشرين من الجزء في الطبع:
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا معاذ، حدّثنا عاصم بن محمّد، سمعت أبي يقول: سمعت عبد اللّه بن عمر، يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من النّاس اثنان» قال: و حرّك إصبعيه يلويهما هكذا (1).
و في الثّالثة و التسعين: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا
ص:255
عاصم بن محمّد بن زيد بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب عن أبيه، عن عبد اللّه، مثله إلاّ أنّه ترك قوله: قال: و حرّك. . . (1).
و في الثّامنة و العشرين بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن زيد، عن عاصم مثل ذلك: (2)
مسلم في «صحيحه» في الجزء الثاني، في أوّل كتاب الإمارة، في باب أنّ النّاس تبع لقريش و الخلافة في قريش: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، حدّثنا عاصم بن محمّد بن زيد عن أبيه، قال: قال عبد اللّه: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من النّاس اثنان» (3).
و عن «الثّعلبى» ، في قوله تعالى: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (4): أخبرني ابن فتحويه، حدّثنا أبو نصر منصور بن جعفر النّهاوندي، حدّثنا أحمد بن يحيي الجلّودي (5)، حدّثنا هشام بن عبّاد، حدّثنا الوليد عن العمري، عن نافع عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لن يزال هذا الشّان (6)في قريش ما بقي من النّاس اثنان» (7).
البخاري في «الصّحيح» في مناقب قريش: حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا عاصم بن محمّد، قال: سمعت ابي، عن ابن عمر، عن النّبي صلى اللّه عليه و سلم، قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» (8).
ص:256
و في الجزء الرابع من «صحيحه» في كتاب الأحكام، في باب الأمراء من قريش: حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا عاصم بن محمّد، سمعت أبي يقول: قال ابن عمر: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» (1).
أقول: قوله: «منهم» الضمير راجع إلى النّاس لا إلى قريش بقرينة ساير الطرق، و الخبر صريح في أنّهم-دون غيرهم-محل الإمارة إلى يوم القيامة و لم يقيدّ بشيء و ستعرف ما في القيود إن شاء اللّه.
و في اوّل الرّابعة و السّتين بعد الثلاث مأة من «المسند» في الجزء المزبور في أحاديث أبي هريرة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا معاوية بن صالح، قال: حدّثنا أبو مريم، أنّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الملك في قريش و القضاء في الأنصار و الأذان في الحبشة و السّرعة في اليمن» و قال زيد مرّة بحفظه: «و الأمانة في الأزد» (2).
الترمذمي في «سننه» في أواخر الكتاب، في فضل اليمن، حدّثنا أحمد بن منيع، أخبرنا زيد بن حباب، فذكر مثله إلى قوله: «في الحبشة، فقال: و الأمانة في الأزد» يعني اليمن (3).
حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا (4)عبد الرحمان بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي هريرة، نحوه، و لم يرفعه، و هذا أصح من حديث زيد بن حباب (5).
ص:257
و في «تاريخ الخلفاء» : و قال الترمذي، ثمّ ذكر حديث زيد، فقال: إسناده صحيح (1).
أقول: رواية «أحمد» كأنّها ترفع تفسير الترمذي؛ فلاحظ، و إن لم يكن الخبر مرفوعا فهو، و إلاّ فما وجه تخصيص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لغير الملك بمن ذكر؟ و إلاّ قطع ذكر الأذان، إلاّ أنّ ذلك لا يخلّ لوضوح مرفوعيّة صدره، حتّى تعرّضوا له في السّقيفة أيضا، و كيف كان، فقد اثبت محلية قريش لجنس الملك و طبيعته، فلا يكون لغيرهم ملك و لا إمارة إلى يوم القيامة.
في الجزء الثّالث، في التّاسعة و العشرين بعد المأة، في أحاديث أنس بن مالك:
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن عليّ أبي الأسد، قال: حدّثني بكير بن وهب الجزري، قال: قال لي أنس بن مالك: أحدّثك حديثا ما أحدثه كلّ أحد؛ إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قام على باب البيت، نحن فيه، فقال:
«الأئمة من قريش إنّ لهم عليكم حقا، و لكم عليهم حقّا، مثل ذلك ما إن استرحموا فرحموا، و إن عاهدوا وفوا، و إن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللّه و الملائكه و النّاس أجمعين» (2).
و في الثّالثه و الّثمانين بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش، عن سهيل بن أبي الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس، قال: كنّا في بيت رجل من الأنصار، فجاء النّبي صلى اللّه عليه و سلم حتّى وقف، فأخذ بعضادة الباب، فقال: «الأئمة من قريش، و لهم عليكم حق، و لكم مثل ذلك، ما إذا استرحموا رحموا و إذا حكموا عدلوا، و إذا عاهدوا فوفوا فمن. . .» (3).
ص:258
أقول: صدر الخبر صريح في أن الأئمة منهم و الإمامة فيهم ثمّ بيّن أنّ لكلّ من الإمام و الرّعيه حقّا على الآخر و هو واضح أيضا و أمّا قوله: «ما إن استرحموا. . .» (1)فالظاهر بقرينة الموضع الثّاني و الرّواية الأولى لأبي برزة أنّ المراد ما دام «إن استرحموا رحموا. . .» و قوله: «فمن لم يفعل ذلك منهم» (2)أي قريش، و لو لا لفظة «منهم» لقيل: إنّه توعيد للنّاس.
و أيّا ما كان فنقول: الأئمه من قريش مادام إذا استرحموا، الضّمير إمّا يرجع إلى الأئمة أو إلى قريش، فإن كان الأوّل فالمفهوم منه تقييد إمامة الإمام بالرّحم و الوفاء و العدل و إن لم يقم بذلك الأمور فعليه اللّعنة المذكورة.
و إن كان الثّاني فيكون رحم كل واحد واحد من قريش-بعد ما استرحمهم، بحيث لا يصحّ سلب الرّحم عنه في وقت دواما و كلّ واحد كذلك بكلّ عهوده، بحيث لا يخلف عهدا له في وقت و عدل كلّ واحد في تمام أحكامه، بحيث لا ينسب إليه غير العدل-شرطا لوجود الإمام فيهم و منهم.
و من المعلوم عدم اتّصاف آحاد قريش عامّة بذلك الوصف في وقت، بأن لا يوجد فيهم من لا يرحم إذا استرحم، أو لا يفي إذا وعد، أو لا يعدل إذا حكم، فاللازم أن لا يكون فيهم الإمامة رأسا، و مثل ذلك لا يعتبر في مذهب من المذاهب و يقطع بعدم اقترانه من باب الاتّفاق سلطنة سلطانهم أيضا، بل و بأن لا
ص:259
يقترن أيضا، فكيف يجعل قيدا في خبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن وجود الإمامة فيهم، فالاحتمال الثّاني واضح البطلان.
و على الأوّل لو كان الإمامة منصبا مجعولا لشخص فيتبدّل، لا أنّه يخرج من يخرج من قعر بيتهم، هذا و قضيّة التّقييد لو كان إمّا السّقوط عن المرتبة أو خروج السّلطنة من بيتهم فكلا الأمرين لا يناسب اللّعن في الّذيل.
و بعبارة أخرى، ظاهر اللّعن أنّهم لا يفعلون ذلك، و هم أئمّة فلعنهم بتركهم زيّهم، فكيف صار السّقوط من المرتبة أو خروج السّلطان من بيتهم، المستفاد من القيد إلاّ أن يكون اللّعن التّسبيب لخروج سلطان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قعر بيته، لا لنفس ارتكابه تلك الأمور، و يكون تحذيرا في السّببيّة لخروج السّلطان عنهم، و هو أيضا لا يكون إلاّ مع كون وجود الإمامة فيهم محبوبا لا يرضى، يعني و هو معني إيجاب الايتمام بهم فقط، فلا يخرج إلى غيرهم شيء فيثبت استحقاقهم الإمامة مطلقا و اتّصافهم بها، و عدم اتّصاف غيرهم بها بوجه، و سيأتي بعض ما يناسب الخبر.
و في الجزء الرّابع، في الرّابعة و التّسعين، في أحاديث معاوية بن أبي سفيان:
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة، حدّثني أبي، عن الزّهري، كان محمّد بن جبير بن معطم يحدّث: أنّه بلغ معاوية-و هو عنده في وفد من قريش-أنّ عبد اللّه بن عمرو بن العاص يحدّث: أنّه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام، فأثنى على اللّه عزّ و جلّ بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب اللّه، و لا يؤثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أولئك جهّالكم، فإيّاكم الأمانّي الّتي تضلّ أهلها، فإنّى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «إنّ هذا الأمر في قريش لا ينازعهم أحد إلاّ أكبّه اللّه على وجهه ما أقاموا الدّين» (1).
ص:260
البخاري في «صحيحه» في الجزء الثاني، في مناقب قريش: حدّثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن الزّهري، فذكر مثله (1).
و في كتاب الأحكام في باب الأمراء من قريش، ذكر مثله (2).
أقول: لا يخفى أن منافاة ذلك لما قاله ابن عمرو أوّلا، لعدم الفرق بين ملك الجور و الحقّ، أو حمل ما ذكره أيضا على الملك الحقّ و مع ذلك فنفس ذكره في مورد المعارضة قرينة على أنّ القيد للجزء الأخير و هو أكبّ اللّه من ينازعهم دون أصل كون الأمر فيهم و إلاّ لم يعارض ما ذكره إذ لا يستحيل أن لا يقيموا الدّين في وقت، فلا يكون لهم الأمر بحكم التّقييد، فيكون الخبر إثباتا لكونهم محل الأمر بلا قيد؛ فلاحظ.
و في الخامسة و الثمانين بعد المأة، في حديث عتبة بن عبد: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا الحكم بن نافع، حدّثنا إسماعيل بن عيّاش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن كثير بن مرّة، عن عتبة بن عبد، أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «الخلافة في قريش و الحكم في الأنصار و الدعوة في الحبشة و الهجرة في المسلمين و المهاجرين بعد» (3).
أقول: و في «تاريخ الخلفاء» بعد ذكر الرّواية عن أحمد: و رجاله موثّقون (4).
أقول: و حال الرّواية بالنسبة إلى غير الخلافة حال رواية أبي هريرة، و قد سبق (5)، بل الحال في قوله: و الهجرة إلى آخر (6)، أوضح كما لا يخفى.
ص:261
و في الثالثة بعد المأتين في بقيّة حديث عمرو بن العاص: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن خبيب بن الزّبير، قال:
سمعت عبد اللّه بن أبي الهذيل، قال: كان عمرو بن العاص يتخوّلنا، فقال رجل من بكر بن وائل: لئن لم تنته قريش ليضعن هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب سواهم، فقال عمرو بن العاص: كذبت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «قريش ولاة النّاس في الخير و الشّر إلى يوم القيامة» (1).
التّرمذي في «سننه» في كتاب الفتن، في باب ما جاء «أنّ الخلفاء من قريش إلى أن تقوم السّاعة» : حدّثنا حسين بن أحمد البصري (2): حدّثنا (3)خالد بن الحرث (4): حدّثنا شعبة، فذكر مثله، ثمّ قال: أبو عيسى و في الباب عن إبن مسعود و إبن عمر و جابر. هذا حديث غريب صحيح (5).
أقول: عنوان «البخاري» و «مسلم» و إن لم يكن فيهما التّصريح بالأبد إلاّ أنّ الظّاهر أنّهما أيضا يريدان ذلك؛ فلاحظ.
و قوله «و الشرّ» يمكن أن يكون مثل فيما يحبّ و يكره و إلاّ فلا ينصب فيه ولاة إلاّ من قبيل وَ جَعَلْناهُمْ (6)الآية.
ثمّ إنّ قوله: «قريش ولاة» يستفاد منه حصر الولاة فيهم كما فهمه ابن العاص.
و احتجّ به أيضا، فلا يكون لغيرهم ولاية في وقت إلاّ من قبلهم.
و في الواحدة و العشرين بعد الأربع مأة، في أحاديث أبي برزة: حدّثنا عبد اللّه،
ص:262
حدّثني أبي، حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا سكّين، حدّثنا سيّار بن سلامة، سمع أبا برزة يرفعه إلى النّبي صلى اللّه عليه و سلم، قال: «الأئمّة من قريش، إذا استرحموا رحموا، و إذا عاهدوا وفوا، و إذا حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين» (1).
«تاريخ الخلفاء» قال: أبو داود الطّيالسي في سننه (2): حدّثنا سكّين بن عبد العزيز، عن سيّاد بن سلامة، عن أبي برزة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «الأئمّة من قريش (3)ما حكموا فعدلوا، و وعدوا فوفوا، و استرحموا فرحموا» (4)أخرجه أحمد و أبو يعلى في مسنديهما (5)و الطبراني (6).
أقول: رواية الإمام أحمد هذه ليس فيها ما يوجب التّقييد، بل ظاهرها بيان حالهم، فهو ترفيب في الايتمام بهم و تقديمهم، و حينئذ يحتمل رجوع الذّيل إلى تارك ذلك لا الأئمّة إلاّ أنّ ذلك موهون بطريقها الآخر، كما لا يخفى.
و ما أشار إليه السيوطي مأخذو ممّا يأتي و ربّما يشعر به سياق الثلاثة أيضا، كما لا يخفى.
و أيضا: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عفّان، حدّثنا سكّين بن عبد العزيز، حدّثنا سيّار بن سلامة أبو المنهال، قال: دخلت مع أبي على أبي برزة-و (7)في أذني يومئذ لقرطين، و إنّي غلام-قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الأمراء من قريش
ص:263
ثلاثا ما فعلوا ثلاثا، ما حكموا فعدلوا، و استرحموا فرحموا، و عاهدوا فوفوا، فمن لم. . .» فذكر مثله. (1)
و في الرّابعة و العشرين بعد الأربع مأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا حسين بن موسى، حدّثنا سكّين بن عبد العزيز، عن سيّار بن سلامة أبي المنهال الرّياحي، قال: دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي (2)-و إنّ في أذني (3)لقرطين، قال: و إنّي لغلام-قال: فقال أبو برزة: إنّي أحمد اللّه، إنّي أصبحت لائما لهذا الحي من قريش، فلان هيهنا يقاتل على الدّنيا، و فلان هيهنا يقاتل على الدّنيا، يعني عبد الملك بن مروان (4)، حتّى ذكر ابن الأرزق، قال: ثمّ قال: «إنّ أحبّ النّاس إليّ لهذه العصابة الملبدة الخميصة بطونهم من أموال المسلمين، و الخفيفة ظهورهم من دمائهم» قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الأمراء من قريش، الأمراء من قريش، الأمراء من قريش، لي عليهم حقّ، و لهم عليكم حقّ، ما فعلوا ثلاثا، ما حكموا فعدلوا، و استرحموا فرحموا، و عاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين» (5).
و عن الثّعلبي في «تفسيره» في قوله: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (6): و أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا السّراج، حدّثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حدّثنا موسى بن داود و خالد بن خداش، قالا: حدّثنا سكّين بن عبد العزيز، عن سيّار بن سلامة، عن أبي
ص:264
برزة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الأمراء من قريش، لي عليهم حقّ، و لهم عليكم حقّ، (1)ما حكموا فعدلوا، و استرحموا فرحموا، و عاهدوا فوفوا» زاد خالد «فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين» (2).
أقول: رواية «الثعلبي» و الأخيرة من روايات الإمام أحمد (3)كالصريحة في الإطلاق، فإنّ قوله: «ما حكموا. . .» قيد لقوله: «و لهم عليكم حقّ» و توضيح ذلك، أنّهم إذا فعلوا ذلك يكونون إمام حقّ، فلهم حقّ على الرّعية و يجب الايتمام بهم، و إذا لم يفعلوا لم يكن لهم حقّ، فلا طاعة لهم و الفرض تقييد ذي الحقّ من الأمراء من قريش لإخراج من لا حقّ له على الرّعية بالّذين ثبت لهم تلك الأوصاف، و هو لا ينافي وجود الأمير فيهم.
ثمّ إنّ ظاهر روايات أبي برزة، لا سيّما الأخيرتين، أنّ الضمير في الأفعال للأمراء و هو في معنى ايجاب تلك الأفعال على أمرائهم، كما يرشد إليه تعقيب ذكرها بلعن التّارك، كما أنّ ظاهر خصوص الثّانية و الثّالثة بواسطة تكرير الصدر أنّ الإمارة لا تخرج عنهم، أو لا ينبغي إخراجها عنهم، فأكّد ثبوتها فيهم بالتّكرير، و المناسب لذلك تحذير من يخالف ذلك الحكم، فينصرف اللّعن إلى صارف الإمارة عنهم، أو الحائد عن إمارتهم إذ استقرار الإمارة فيهم، أو ثبوتها لهم يعلم مطلوبيته و إهتمامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم به من كلامه من هذا التّكرار إذ لا يكون ذلك إلاّ مع خوف أن لا يقع الأمر موقعه حتّى يحصل المطلوب في الأمر المهمّ، و لو لا أنّ
ص:265
منشأ اختلال حصول هذا الأمر المطلوب هو النّاس بأحد الوجهين لم يحتجّ إلى تكرير النّداء فيهم و تثليثه، و لو كان ذلك فالمناسب لعن الصّارف لا التعرّض للأمراء كما لا يخفى.
ثمّ على الفرض الآخر، ذكر تلك الأمور في وصف الأمير يدلّ على طلبها منه و إيجابها عليه و حثّه عليها، و إذا لم يفعل ما عليه كان عليه بمقتضي تلك الرّوايات لعنة من ذكر، و ذلك لا يدلّ على تقييد أصل الأمراء من قريش. و أوضح من ذلك أنّ الإمارة المخبر بكونها في قريش و صاحبها منهم إمّا أن يكون أحد حوادث الدّنيا الّتي قدّرها اللّه جلّ جلاله، كما كان قدّر ما سلف من الأمور المشابهة لها لمن قام بها، و نظير ما قدّر الغنى و الفقر لزيد و عمرو، و غير ذلك من حوادث العالم و مقدّراته جلّ جلاله، فعدم قيديّة وجود الأمور المذكورة لإمارة القرشيين في كمال الوضوح، فقد فعل أمراء منهم ما فعل، و لم يخرج سلطانهم عن قعر بيوتهم، بل كلّما اشتدّ جورهم قوي سلطانهم.
فلاحظ جملة من بني أميّة و بني العباس، و إن كانت عهدا منه تعالى يناله بعض قريش، و هو مع أنّه لا يكون إلاّ لمعلومين، فقد قال اللّه تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ (1)إلى غير ذلك، فلا يكون صاحبها إلاّ من يفي، فكيف يقيّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوزهم بالأمارة و الموهبة الإلهيّة و بقائهم عليها بما في الخبر؟ ! مع أنّها لا يقتضي أزيد من إنعزال المخالف، و سقوطه بشخصه من تلك المرتبة، لا خروج الإمارة من قريش، فهو يكون من بيان حال الأمراء، و أنّ من ليس كذلك ليس من الأمراء.
ففي الخبر باعتبار القيام بتلك الأمور دلالة على انّ الإمارة منصب إلهي يجعله لمن أراد و لا يحصل بغيره، و من التزم بذلك فلا بحث معه في المقام، و لو جعل
ص:266
كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من محض الإخبار عن الأمور الواقعية التي تحدث بعده خاليا عن جهة إنشاء الإمارة و نصب الأمير و تعيين من عيّنه اللّه لهذا المنصب، لزم-و العياذ باللّه-الخلف في خبره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما لا يخفى هذا.
و ظاهر أبي برزة في الرواية الطويلة أنّ أمراء عصره قد سقطوا عن الإمارة بترك تلك الأمور، و حمد اللّه بأن أصبح لائما للحي من قريش، و مال إلى من ذكرهم من العصابة، و صاروا أحبّ الناس إليه و لينه، كان أبان عنهم لنعرف هل كان له إمام في الزمان، و كان مع الجماعة أو لم يكن له إمام و لم يكن يعرفه و كان فارق الجماعة؟ و لو كان كذلك فما يكون حاله عند إخواننا الّذين رووا: «مات ميتة الجاهلية» ؟ و نحوه (1).
و في الجزء الخامس من «المسند» في الرابعة و السبعين بعد المأتين، في حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا معاوية بن هشام، حدّثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن القاسم بن الحرث، عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لقريش إنّ هذا الأمر لا يزال فيكم، و أنتم ولاته، حتّى تحدثوا أعمالا، فإذا فعلتم ذلك سلّط اللّه عليكم شرار خلقه، فالتحوكم كما يلتحي القضيب» (2).
حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو نعيم، عن عبد اللّه بن عتبة، قال:
«فالتحوكم» و كذلك قال أبو أحمد: و قال: «فالتحوكم» قال أبو نعيم: «كما يلتحي القضيب» (3).
و أيضا حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا سفيان، عن حبيب
ص:267
بن أبي سالم (1)، عن القاسم بن الحرث، عن عبد اللّه بن عتبة، عن أبي مسعود، فذكر مثل الأوّل (2).
أقول: الخطاب لقريش عامّة، فغاية ولايتهم أن يحدثوا الأعمال بمعنى أن لا يبقى منهم أحد إلاّ و قد أحدث الأعمال أو دخل في المحدثين، و لو أريد خصوص أهل الإمارة فقد فعلوا و لم يسلبوا ثمّ سلبوا بزعم القوم، و كيف يجامع ذلك ما دلّ على التأبيد؟ ! ! و كيف جمع الإمام أحمد بين النوعين و لم يضرب عليه و لا أمر به؟ ! ! كما أمر في مرض موته بالضّرب على حديث «لو أنّ النّاس اعتزلوهم» ، و لعلّه لزعم أن لا يسلبون، أو أنّ المراد من الأعمال السجود للأصنام و لا يسجدون.
«تاريخ الخلفاء» : و قال البزّار: حدّثنا إبراهيم بن هاني، حدّثنا الفيض بن الفضل، حدّثنا مسعر عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ماجد، عن عليّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الأمراء من قريش أبرارها أمراء أبرارها و فجارها أمراء فجارها» (3).
أقول: أليس الأمراء نصبت لكف الفجّار عن فجورها؟ فكيف يكون هذا التقسيم؟ ! ! فهو ممّا وضع إبطالا للحقّ، مضافا إلى لخلف بواسطة عدم دخول القريقين في الأعصار تحت أمر الفريقين من قريش كما لا يخفى. و مع ذلك نقول:
ساير بيوتات قريش كساير الناس يتوقّف هديهم و خلوصهم من الضلال على متابعة العترة و الكون معهم حسب ما عرفت، و لمّا لم يتوقّف هدى الأمراء
ص:268
المذكورين على شيء علم إرادة خصوص العترة من قريش، و إن كان اللفظ عامّا، فإنّ أرادة الخاصّ من العام و التّعميم في مقام الخصوص لأغراض للمخبر في غاية الكثرة و الشيوع، فالأمر في العترة و إن بقي من الناس اثنان، و إلى أن تقوم الساعة، لا أمر لغيرهم قضيّة ما سلف، و يدوم فيهم بدوام الإسلام و ظهوره إلى القيامة قضيّة الجمع بين ذلك و أخبار دوام الإسلام.
تذنيب في سرد العناوين و بيانها فنقول: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» (1)، «الملك في قريش» (2)، «الأئمّة من قريش» (3)، «الخلافة في قريش» (4)، «قريش ولاة الناس في الخير و الشّر» (5)، «الأمراء من قريش» (6)، «لا يزال هذا الأمر فيكم و أنتم ولاته و سبقه إذا رجعتم» (7).
اعلم أنّ الأمر و الملك و الخلافة و الولاية كأنّها بمعني، و يراد بها الرّئاسة على المسلمين، قال: الصديق أبو بكر يوم السقيفة على ما في «البخاري» و «المسند» :
«و لن يعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحيّ من قريش هم أوسط العرب نسبا و دارا. . .» (8).
ص:269
و اللام في قوله: «الأمر» و «الملك» و «و الخلافة» ، للجنس، و أخبر عن مدخول اللام بكونه في قريش فلا يكون في غيرهم، على ما عرفه رواة تلك الروايات أيضا، من معاوية (1)و عمرو بن العاص (2)و غيرهما (3).
و المراد من «الأمر» و «الملك» لا يكون مطلقهما بل خصوص الرّئاسة العظمى و الزّعامة الكبرى إذ لو أريد الأوّل كان الخبر واضح الخلف، فيراد خصوص الرئاسة العامة، و تنحصر به في قريش.
و بعبارة أخرى أخبر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن محلّ تلك الماهيّة، فلو لم تختصّ بهم لم يصحّ الخبر، أو لم يفد، و أنّه لو كان له مشارك لأشار إليه بقوله: «في قريش» و فلان و لم يفعل وَ ما يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (4).
و اللام (5)في قوله: «الأئمّة» و «الأمراء» للاستغراق، فلا يبقى إمام و أمير إلاّ و قد أخبر عن حاله بكونه من قريش، فمن لا، فليس من الإمام و الأمير في نظر هذا المخبر المطلع على ما يكون في الأمّة من ذلك و إلاّ كان التعرض لمثل ذلك الخبر، و العياذ باللّه من الخرص بل الكذب و من الغلط كما لا يخفى.
و أفصح أحاديث ابن عمر بقوله: «ما بقي من الناس اثنان» (6)المساوي في
ص:270
المفاد لقوله (1): «إلى يوم القيامة» (2)، من أنّ استقرار الأمر في قريش إلى قيام الساعة، كما دلّ على أنّ الرّئاسة في الإسلام لا ترتفع بقلّة النّاس، بل يمتدّ ببقاء ما يتصوّر معه رئيس و مرئوس، فالحجة مع النّاس أبدا، و ذكر الاثنين لكونهما أقلّ عدد يتصوّر معه عنوان الرّئاسة، و لا ينافي ذلك كون الواحد الباقي منهما هو الحجة، فيكون مع الخلق و بعدهم، فيدلّ ذلك على أبديّة وجود الأمير على الناس من قريش.
و قوله: «ما بقي. . .» كأنّه ظرف لقوله: «لا يزال» أو النسبة في قوله: «هذا الأمر في قريش» فبقاء الاثنين يستتبع أميرا من قريش و كون الأمر فيه و إن انضمّ إليهما ألوف كما لا يخفى.
و يستفاد هذا المطلب من إطلاق جملة من غير ذلك الخبر أيضا، مضافا إلى كون القضية طبيعيّة كما لا يخفى. و من الاستغراق أيضا بعد وضوح عدم إرادة خصوص زمان دون زمان غيره، و لعلّ ذلك واضح، مضافا إلى دلالة أخبار الفصل السابق بالصّراحة من قوله: «لا تزال» ، «لن تزال» و التّقييد في جملة منها، بقوله:
«حتّى تقوم السّاعة» (3)و نحوه (4)على امتداد الرئاسة في الإسلام إلى قيام السّاعة، مضافا إلى دلالة رواية جابر على كون مكلّم عيسى أميرهم، و قوله: «إنّ بعضكم على بعض أمير» (5)و صراحة رواية عمران (6)في كون مقاتل الدّجال آخر
ص:271
تلك الطوايف، و ما دلّ على رئاسة هؤلاء على الدّين (1)و أهله ما وجدوا كما أومأنا إليه.
فتدلّ تلك الأخبار على دوام الأمر و الملك في الإسلام إلى يوم القيامة، و تدلّ أخبار الفصل الثاني على كون صاحب الأمر فيهم من قريش لا من غيرهم، كما أشرنا و يحصل من ضمّ أخبار الفصل الثّاني «الأمر في قريش» (2)إلى أخبار كون غير العترة أهل البيت في معرض الضّلال (3)، و لا يستحقّ مثله للإمارة و الخلافة و الملك المعلوم كون أصلها للخلوص و التّخليص من الضّلال و الجاهلية كما علم ممّا سلف و لو ملك ذلك ضلّ، و أضلّ، و إلى دليل وجوب رجوع النّاس عامّة إلى أهل البيت و دخولهم تحت رايتهم، و الانقياد لرئاستهم، و عدم وجود من يكون رئيسا عليهم في الدين، و أمره في وقت، كما أسلفنا لزوم كون ذلك القرشي من العترة أيضا، و إرادة خصوص العترة من هذا اللفظ العام الوسيع لغرض (4)، نحو ما وقع في الإخبار برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قول: «يخرج من تهامة» (5)أو «ولد إسماعيل» (6)و نحو ذلك-حفظا له من أعدائه، أو نحو ذلك-فلا يعمّ كلّ قرشي و إن زعمته الأوهام.
ثمّ تتعيّن العترة بما يعيّنه من أخباره الّتي أودعناها في الباب الرّابع من
ص:272
الكتاب، كما تدلّ أخبار أصل الباب من قوله: «أنّ الخليفة و الأمير من قريش» على أن المراد به العترة فقط، كما عرفت في مدة الدّين اثنا عشر، لا يزيد فيهم واحد و لا ينقص منهم واحد، فينتفي إمارة غير ذلك القرشي في تمام تلك المدّة، و ينتفي إمارة غير هؤلاء الاثني عشر من قريش أيضا، بمجتمع تلك الطوايف من الأخبار.
و نقول أيضا غبّا: ظهور الدين في أخبار الفصل الأوّل «بقيام الساعة» (1)و «نزول عيسى» (2)و نحوهما (3)-و غبّا-قيامه في أخبار الاثني عشر بقوله:
«حتّى يكون اثنا عشر خليفة من قريش» (4)و قال: «لن يزال ظاهرا. . . حتّى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة. . . كلّهم من قريش» (5)و قال: «لا ينقضيى حتّى يمضي فيهم اثنا عشر من قريش» (6)و قال: «ماض ما وليهم اثنا عشر من قريش» (7)و قال: «لا يزال أو لن يزال عزيرا إلى اثنى عشر خليفة كلّهم من قريش» (8)و «حتّى يملك اثنا عشر كلّهم من قريش» (9)و قضية اتّحاد الغايتين
ص:273
حفظا عن الخلف تساوي المدّتين و امتداد ملك الاثني عشر إلى قيام السّاعة.
هذا.
و أخبار الباب منها ما اعتبر فيه كون الخليفة من قريش، فخصّه بالعدد. (1)
و منها ما لم يعتبر فيه ذلك و خصّه بالعدد و قال: «يكون لهذه الأمّة اثنا عشر خليفة» (2)و تقديم الخبر أيضا يفيد الحصر كما في الرواية الأخيرة لابن سمرة و جعله عدة من يملك الأمّة من الخلفاء بعده في رواية ابن مسعود (3)و جعله عدة الخلفاء بعده في رواية عايشة (4). و يعلم قرشيّتهم من جعله قريشا فقط محل الخلافة و الإمارة و الملك و كونهم من العترة أهل البيت من الحكم بمرؤسية كلّ من سواهم، بحاجتهم إلى من يسوسهم و يميرهم في العلم دون العترة أهل البيت خاصّة.
فجعلهم رؤسائا في الدّين، مرجعا لأهله، قرين الكتاب العزيز حسب ما عرفت من روايات الباب الثالث و كونهم في عصر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علىّ و ولداه و عدم دخول غيرهم من الرّجال في عترته و أهل بيته، فيكونون هم الأمراء و الخلفاء و الملوك في هذه الأمّة في زمانهم حسب ما يظهر من ضمّ أخبار العترة (5)المنضم إليها أخبار الاثني عشر (6)إلى أخبار تعيين العترة، و هي أخبار الباب الرابع (7).
ص:274
فلا يكون لغير العدّة من العترة إمارة و خلافة و ملك في نظره، و بحسب خبره و ليس ذلك إلاّ لأجل انتفاء مبادي تحقّق تلك العناوين في حقّ غيرهم، و اختصاص وجودها بمباديها بهؤلاء الاثني عشر، و إلاّ كان الإثبات و النّفي- و العياذ باللّه-من الخرص الذي لا يتوهّم عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فبماذا يثبت تلك العناوين لغيرهم أو يتوهّم في العدد زيادة أو نقص؟ فلنقتصر بذلك في الكلام على تلك الطوايف من الأخبار بعد وضوح سعة المجال في هذا المضمار، و فيه كفاية لمن خشي العار و النار، فهاك ساطع النّور على شاهق الطّور، في ظلماء الديجور و هو الهادي إلى أرشد الأمور.
ص:275
ص:276
باب جملة ممّا يعلم حاله من تلك الأخبار و إلاّ فكلّه لا يحصى هنا و فيه تعيين الأثني عشر.
ص:277
و متّضح الحال بها أخبار و غيرها، فمن الأوّل ما ورد في تحديد مدة الخلافة، مثل ما عن سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: سمعت رسول اللّه عليه الصلاة و السلام يقول: «الخلافة ثلاثون سنة، ثمّ يكون بعد ذلك الملك» أخرجه أصحاب السّنن، و صحّحه ابن حبّان و غيره، ذكره السّيوطي في «تاريخ الخلفاء» (1).
و من ذلك، انقطاعها، مثل ما عن أبي عبيدة بن الجراح، قال: قال رسول اللّه عليه الصلاة و السلام: «إنّ اوّل دينكم بدء نبوّة و رحمة، ثمّ يكون خلافة و رحمة، ثمّ يكون ملكا و جبريّة» حديث حسن ذكره السّيوطي أيضا (2).
و قال أيضا: و أخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن ابن عمر، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «يكون خلفي اثنا عشر خليفة، أبو بكر لا يلبث إلاّ قليلا» صدر هذا الحديث مجمع على صحّته، وارد من طرق عدة، و قد تقدّم شرحه في اوّل هذا الكتاب انتهى (3).
و من ذلك ما يظهر منه كثرة الخلفاء، مثل ما في «البخاري» ، في باب ما ذكر عن بني إسرائيل: حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن فرات القزّاز، قال: سمعت أبا حازم، قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين،
ص:278
فسمعته: يحدّث عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك بنيّ خلّفه بنيّ، و لا نبيّ بعدي، و سيكون خلفاء، فيكثرون» قالوا: فما تأمرنا قال: «فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقّهم، فإنّ اللّه سائلهم عمّا استرعاهم» (1).
و في باب علامات النّبوة: حدّثنا محمّد بن كثير، أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أبي مسعود، عن النّبى صلى اللّه عليه و سلم، قال: «ستكون أثرة و أمور تنكرونها» قالوا: يا رسول اللّه! فما تأمرنا؟ قال: «تؤدّون الحقّ الّذي عليكم، و تسألون اللّه الّذي لكم» (2).
و مرّ حديث حذيفة، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة و لا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق. . .» . (3)
النعمان، عن أبي عوانة، عن بيان أبي بشر، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس، يقال لها زينب، إلى ان قال: قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء اللّه به بعد الجاهلية؟ قال: «بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم» قالت: و ما الأئمة؟ قال: «أما كان لقومك رؤس و أشراف يأمرونهم فيطيعونهم» ؟ قالت: بلى، قال: «فهم أولئك على النّاس» . (1)
و كيف يقول: يملكهم مالك و لا يكون خليفة؟ ! ! و قد نصّ بملك الخليفة في أخبار الاثني عشر، و ان لا يملك غيرهم كما عرفت، و إلاّ كان جائرا، و يشاركه كلّ من يخرج ممّن حكم بملكهم و يملكون في حكمه،
فإن قلت: لعلّ في ملك الاثني عشر انقطاعا و ليس بمتّصل، فلا ينافي تخلّل الملك.
قلت: مع الغضّ عن دليل تعيينهم، قد استظهرنا الاتّصال من أدلّته، مضافا إلى دوام وجه الحاجة إلى الخليفة من الخليقة، و مضافا إلى دليل اتصال وجود الدّين و دوامه، و نحو ذلك، و ملك قريش المقيد بكونه من العترة بما سلف (2)، مع انّ الحسنين الأميرين الخليفتين في زمانهما بما سلف من حكمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم موجود ان في تلك المدّة، فكيف يفرض انقطاع الخلافة؟ ! إلى غير ذلك ممّا لا يخفى، و لا يحصى هنا.
ثمّ أين يكون عند انقطاع الخلافة إمام النّاس الذّي يكون ترك اتّخاذه و الايتمام به سببا للجاهليّة و الموت ميتة جاهليّة، و لو كان هذا الملك فقد أثبتنا أن لا يعقل كون اتّباعه سببا للخروج من الجاهلية، و لو كان غيره و موجودا فلم ينقطع الخلافة، بضرورة اتّصاف هذا الشّخص بالإمارة و الملك و الخلافة، و يكشف
ص:280
أخبار دوامها في قريش عن دوام وجوده كما أن أخبار وجوب اتخاذ الإمام أبدا تكشف عن دوام وجود دافع مرض الجاهلية عن آحاد الأمّة، كما أومأنا إليه ايضا، و الإمام و الأمير و الخليفة واحد كما عرفت، و يدّل عليه التّوارد في أخبار الفصل الثاني أيضا.
و من ذلك يعلم حال خبر أبي عبيدة (1)، بل و رواية ابن عمر (2)ايضا. و من لا يرى الصّديق منصوصا عليه لا بدّله من جعل الذّيل من ابن عمر لا مرفوعا.
و أما أبّو هريرة فمن رواة اثني عشر خليفة (3)، فكيف يروي الكثرة (4)كما ذكره؟ ! ! و ظاهره الكثرة في عصر، فكيف صار وجوب القتل في حديث عرفجة في الباب الأوّل؟ ! ! (5)
ثمّ إنّه هل يجوز تعدّد البيعة بالخلافة لغير واحد؟ ثمّ ما حقّهم الذّي يجب إعطاؤه؟ و هل يكون خلافة النّبوة إلاّ على منهاجها؟ (6)و كيف صار ما كان في غير الإمام الحقّ من حكمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ ! ! فلاحظ.
و ابن مسعود أيضا روى انحصار الخلفاء في اثني عشر (7)، فلو رآهم أعمّ من الخليفة على الحقّ و غيره، فقد وضح الآن فساده، و إن رآهم خصوص من كان بحق، فكيف يكون أثرة و أمور منكرة؟ ! ! فهو كاشف عن غلبة الغير على من رآه
ص:281
خليفة، مالك الأمة بإخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الاثني عشر (1)، فذلك الخبر حينئذ إخبار بأنّهم يهتضمون في سلطانهم إلاّ عند من يرى جواز انقطاع ملك هؤلاء الخلفاء، و قد اتّضح فساد ذلك أيضا، فيما سلف.
و أمّا حديث حذيفة (2)فقد أسلفنا تفسيره و المراد منه، و إذا كانت الخلافة لأشخاص عدّوا بالعدد، فمحلها مستقّرهم، و لو عرفتهم عرفت إن لم تنزّلوا الشّام، منه يظهر حال ما رواه أحمد في الجزء الخامس، في الثامنة و الثمانين بعد المأتين، من قوله: «إذا نزلت الخلافة بالشّام. . .» (3)؛ فلاحظ.
و من ذلك ما رواه في «المسند» في الجزء الأوّل في أحاديث عليّ عليه السّلام في الثّامنة و الأربعين بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني إسماعيل أبو معمّر، حدّثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، عن قيس بن عبّاد، قال: قلت لعليّ: أرايت مسيرك هذا عهد عهده إليك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم رأي رأيته؟ قال: «ما تريد إلى هذا؟» قلت:
ديننا ديننا، قال: «ما عهد إلىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيه شيئا، و لكن رأي رأيتة» (4).
فالسّؤال عنه في حال خلافته، و يظهر منه أن يتفاوت أمر دينه بطر في السّؤال و أن يقتضي الجواب رجوعه، و لكن قيس بن عباد البكري من أصحابه المشهورين المشكورين.
و في الثانية و الأربعين بعد المأة: حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الرّزاق، أخبرنا معمّر، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن قيس بن عبّاد، قال: كنّا مع علي رضي اللّه عنه فكان إذا شهد مشهدا؛ أو أشرف على أكمة أو هبط واديا؛ قال: «سبحان اللّه، صدق اللّه و رسوله» ، فقلت لرجل من بني يشكر: إنطلق بنا إلى أمير المؤمنين حتّى نسأله عن قوله:
«صدق اللّه و رسوله» قال: فانطلقنا إليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين! رأنياك إذا شهدت مشهدا؛ أو هبطت واديا؛ أو أشرفت على أكمة؛ قلت: «صدق اللّه و رسوله» ، فهل عهد إليك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (1)في ذلك؟ قال: فأعرض عنّا، و ألححنا عليه، فلمّا رأى ذلك. قال: «و اللّه ما عهد إلىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عهدا إلاّ شيئا عهده إلى النّاس، و لكن النّاس وقعوا على عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوء حالا و فعلا منّي. ثمّ إنّي رأيت أنّي أخفّهم بهذا الأمر فوثبت عليه، فاللّه أعلم أصبنا أم أخطأنا» (2).
أقول: الظّاهر أنّ القصّة في هذا و سابقه واحدة، و أيّاما كان فالعهد في أمر الرّجوع إلى أهل البيت و استخلاف اثني عشر خليفة و نحو ذلك ممّا لم يختص بأحد من المسلمين، فضلا عن الاختصاص به، و ستّيضح مقتضي مثل ذلك إن
ص:283
شاء اللّه تعالى.
و يقرب من جوابه ذلك عذر بعض أصحابه حين سئل عن عمله أمن عهد؟ فنفي أن يكون عهد إليهم بما يخصهم، إفصاحا لكفاية العهود العامّة فيما فعلوا.
و أمّا قوله: «فاللّه أعلم أصبنا أم اخطأنا» فقد أومأنا إلى وضعه في كتاب سلاح الحازم (1)، و يدلّ عليه ما دلّ على عدم شكّه في قضاء و لم يزل قاضيا، و كونه أقضي الأمّة و نحوه ممّا ورد في فضله و علمه و غير ذلك ممّا لا يحصى هنا و من ذلك ما سلف في الباب الأوّل من «المسند» : كان أبو بكر يتأمر على وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2). . . و أحاديث إنكار عايشة وصاية علي عليه السّلام (3).
و توضيح المقام أنّ السوالف من العهود العامّة إلى كافّة المسلمين أثبتت الخلافة لعلّي عليه السّلام و وجوب الرّجوع إليه.
و شيخنا الصّدّيق، قد عقد السيوطي في «تاريخ الخلفاء» فصلا لبيان أنّه أعلم الصّحابة و أذكاهم و روى حديث: «و كان أبو بكر أعلمنا» (4)إلى أن قال: و كان مع ذلك أعلمهم بالسّنّة، كما رجع إليه الصّحابة في غير موضع يبرّز عليهم بنقل «سنن عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحفظها هو و يستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم، و كيف
ص:284
لا يكون كذلك؟ ! و قد واظب صحبة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أوّل البعثة إلى الوفاة! و هو مع ذلك أذكى عباد اللّه، و أعقلهم، و إنّما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلاّ القليل، لقصر مدّته و سرعة وفاته بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إلاّ فلو طالت مدّته لكثر ذلك عنه (1)و لم يترك النّاقلون عنه حديثا إلاّ نقلوه، و لكن كان الّذين في زمانه من الصّحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته، فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم. (2)انتهى موضع الحاجة من كلامه.
فإن كان عرف تلك العهود العامّة و الأحاديث المودّعة في تلك الأبواب و مفاداتها-مضافا إلى الأخبار النّاصّة بالوصاية التي لم نوم إليها، و حديث الغدير الصّادر في الملأ الّذي لم نتعرّض له بعنوان إثبات الإمامة، و إن أسلفنا بعض طرقه، إلى غير ذلك-فقد تآمر على الوصي، و لم يلاحظ عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس من المحبّة إنكار العلم بتلك العهود العامّة الّتي عرّفها قليل الصّحبة، فضلا عن صاحب الغار و غيره، أو معرفة مفاداتها و مقتضياتها، حيث يستلزم نقصا فيه و في علمه الوافر، و هو منكر عند العلماء عامّة.
بل اللازم تصحيح عمله من وجه آخر، كاعتقاد الصّلاح في تأخيره و نحو ذلك، مثل ما أشار إليه سيدنا عمر في الحديث السّابق عن ابن أبي الحديد (3)، و دعوى وصي علي عليه السّلام بمباشرته الزّعامة الكبرى، كما يرى في بعض الكلمات، و يصرّح (4)بمثله أو ما يقرب (5)منه الأفضليّة من أهل السّنّة و الجماعة، و إلاّ فهذا
ص:285
الصّدّيق أيمكن أن يجهل بحديث الثقلين، و أحاديث (1)تعيين العترة النّاصّة بدخول فاطمة في عترته أهل البيت (2)، مضافا إلى ما في فضلها، و مقتضيات تلك السنن ظني أن لا يجامع ذلك فضله في العلم، فقد عرفها حق المعرفة، لكونه أعلم الصّحابة و أذكى عباد اللّه و أعقلهم بشهادة السيوطي، (3)و من حذا حذوه من أهل البصيرة و الإطلاع و مع ذلك، وقع بينه و بين فاطمة عليها السّلام ما مرّ بعض أحاديثه من «البخاري» (4).
و يروي في الصّحاح (5)و غيرها (6)من كتب الجماعة: «فهجرته، فلم تكلّمه حتى ماتت» .
فعلى المحبّ دعوى أن فعل لمصلحة رآها، و إلاّ فأين العلم و الذكاء و العقل التي يراه فاق فيها الصّحابة؛ فلاحظ.
إعلم أنّ وجه الكلام الآن إلى إخواننا أهل السّنّة و الجماعة في أمر الإمامة و الخلافة، دون ساير الفرق، فالصحيح فيها باتّفاق الفريقين أحد الطّرقين.
ص:286
و الكلام في أمر الإمامة، لأنّه يختلف باختلاف الأزمان و مرّ الدّهور، إذ في ابتداء الإسلام كان يشكّ في أن خليفة الزّمان هو شيخنا الصّدّيق، أو عليّ عليه السّلام.
فمن اختار الأوّل اعتمد على ما ادّعاه من تحقّق الإجماع (1)و نحوه (2)، بعد دعوى عدم كون الخلافة منصبا إلهيّا (3)يعرف بتعريفه؛ فقط.
و من اختار عليّا ادّعي النّصّ في الغدير (4)و غيره (5)، بعد زعم توقيفيّة منصب الخلافة (6). و أمّا في مثل هذا الزّمان؛ فليس التّردّد بين الشخصين، بل بين النّوعين و القبيلين، هل الإمارة في الخلفاء البارزين المعروفين، الملوك في الدّولة الإسلاميّة غالبا، أو في أشخاص الاثني عشر لا يتعدّاهم و إن يتولّوا رئاسة في الدّولة الإسلاميّة؟
و أكثر الباحثين في تلك المسألة قد ساقوا الكلام كأنّهم فرضوهما خليفة العصر أو أنفسهم في زمانهما، و لا حاجة إلى ذلك أبدا.
و في هذا الزّمان اتّضح كون الثّاني موافقا لأخبار خير الأنام من طرق الفريقين
ص:287
بنفسه، و بمباديه (1)، إذ في الصدر الأوّل قبل مضي اثني عشر من الخلفاء البارزين من قريش كان يحتمل كون هؤلاء البارزين مطرح أنظار تلك الأخبار، و إن كانت مغيّاة بالسّاعة، أو مفيدة للانحصار من أجل خفاء غاية الأمد، و مدّة الإسلام، و عدد من يأتي من الخلفاء.
و أمّا الآن فقد انسدّ باب هذا الاحتمال، و ضاق المجال، خصوصا بعد خروج سلطان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قعر بيته و قراره في سائر البيوت، فإنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يزال الأمر في قريش» (2)و نحوه (3)إمّا أن يكون جزا عن قرار الأمر بحسب ما يجري في العالم، كما هو صريح القاضي عياض في «الشفاء» حيث قال في فصل إخباره بالغيوب: «و قال: الخلافة في قريش، و لن يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدّين» . (4)
و إمّا أن يكون بيانا لمورد الأمر بحسب جعل الشارع و حكم اللّه تعالى على العباد، كما يؤمي إليه التعرّض له يوم السقيفة كما عرفت (5)، و التخلّف بحسب ما وقع في العالم من وقائعه، كما هو المحسوس و المفروض مع استحالة التخلف في أخباره عن الوقائع و الغيوب، كما هو واضح عند كلّ من أقرّ برسالته، و عرف معناها و لوازمها يوجب الجزم بكون سنخ تلك الرّوايات خارجا عن سنخ القضايا
ص:288
الأخباريّة، و كونها من سنخ بيان الأحكام و إنشائها و جعلها، و بذلك يثبت كون الخلافة توقيفيّة محتاجة إلى التعريف من البرّ اللّطيف، و عدم كونها ممّا يحصل بإجماع النّاس و نحوه-كما أو مأنا إليه في ذيل أحاديث الباب الأوّل (1)أيضا.
و بذلك يظهر عدم كون ما حصل لشيخنا الصّدّيق و من بعده من الخلفاء البارزين من حقيقة تلك الإمارة، و يقصر مقتضاهما عن إثبات الحقيقة لها.
فمن يقول بتلك الرّوايات و لا يجد عنها ملجأ و لا منجي يضطّر إلى الإقرار بتوقيفيّة الخلافة، فيضطر إلى الفحص و التفتيش عن معرّف الخليفة بعنوانه الخاصّ الذّي يعيّنه من بين رجال قريش.
كما أنّ أخبار «الاثني عشر» بعد تجاوز عدد الخلفاء البارزين يكشف عن ذلك، لأنّ تلك الأخبار أظهرت خلافه اثني عشر رجلا من قريش، و لم يعتبر فيهم سوى كونهم من قريش من الخصوصيّات شيء حتّى يرجع إلى الأخبار عن ولاية صاحب تلك الخصوصيّة، و يمكن انطباق الخبر على واقعه من غير تخلّف و اختلاف بينهما، و بعد تساوي كل واحد من البارزين الّذين جازت (2)عدّتهم العدد المزبور في دخوله في تلك الأخبار و شمولها له، و عدم تفاوت و ترجيح لبعض على بعض بالنّسبة إلى عناوين تلك الأخبار يعلم أنّ النّظر فيها إلى غير ما نراه في الشّاهد من أمر الخلافة.
فيدلّ على كونها توقيفيّة محتاجة إلى تعريف الباري، عرفّها رسوله خاصا بالمعدودين بذلك العدد، فكشف عنهم كشفه عن ساير الأمور الّتي لا تعرف إلاّ من
ص:289
قبله من الأحكام و موضوعاتها الشّرعية، فتكون معني آخر غير ثابت لهؤلاء البارزين عامّة، فوجود ذلك المعني فيهم لا يعارض خلافة المشار إليهم في أخبار العدد فيما اختلف مصداقهما.
كما أنّ اعتبار بلوغ أمدهم نزول عيسى و نحوه يدلّ على أنّ هؤلاء العدّة ليسوا ممّن يعرفونهم أهل الإسلام بما جرت عليه الدّولة الإسلاميّة، و أنّهم يحتاجون إلى تعريف لهم من قبل المخبر بهم أو من هو مثله في العلم و المعرفة، و إلاّ لبقي النّاس أهل جاهليّة بهم و لا سيّما بعد ظهور اتّصال إمارتهم و خلافتهم بعضهم ببعض من غير انقطاع الإمارة عنهم إلى غير ذلك حسب ما استظهرناه من تلك الرّوايات، إذ بذلك يزداد جهة الجهل بهؤلاء الأشخاص، و لا مخلص إلاّ بتعريف من العارف بهم بأشخاصهم كما لا يخفى.
و هذا معني التوقيف، و مبني على توقيفيّة الخلافة و الملك و الإمارة، فيكون التوقيفيّة ثابتة عند المخبر عن عدّتهم بذلك العدد؛ انكشف ذلك لنا بما أو مأنا، و إن كانت التوقيفيّة معلومة لنا من طرق آخر و أدلّة محكمة لا بدّ أن يلتزم به من ينقاد للأخذ بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أحاديثه و مقتضياتها، و إن قصر عن إدراك توقيفيّة الخلافة من طرقه الآخر الأجلى، إلاّ أن يعرض عن تلك الطوايف من سننه أو يؤوّلها بقرائن واضحة، تأويلا يقبله العقول، فلنقتصر بذلك في الكلام على الحق الجديد، و فيه كفايه لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى اَلسَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ (1).
و نقول أيضا: إنّ الخليفة إمّا أن يكون هو الإمام الّذي يجب اتخاذه، و يوجب طاعته الخلوص من الجاهليّة حسب ما مرّ في أخبار الباب الأوّل (2)، أو يكون غيره، فإن كان الأوّل أمره بالإمامة توقيفيّا محتاجا إلى التعريف حسب ما قلنا في
ص:290
الباب الأوّل (1)، و إن كان الثاني فالأمير و المالك من يكون ذلك تابعا له، المحتاج إلى التعريف دون المتظاهر بالإمارة، كما لا يخفى، و قد أثبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التابعيّة لكلّ من سوي العترة في أخبار الخليفتين، فيكونون هم الخلفاء دون غيرهم، و قد كشف عنهم و عرّفهم في تلك الأخبار، فلا يثبت الخلافة لغيرهم؛ فلاحظ.
و من الثاني في كلمات العلماء في أخبار «الاثني عشر» و نحن نقتصر من ذلك على جملة، قال الإمام العالم العلاّمة، جلال الدّين عبد الرّحمان السّيوطي في كتابه «تاريخ الخلفاء» في الكرّاس الأوّل في فصل أورد فيه أخبار «الاثني عشر» كما نقلنا عنه ما هذا لفظه: «قال القاضي عياض: لعلّ المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث و ما شابهها أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة و قوّة الإسلام و استقامة أموره، و الاجتماع على من يقوم بالخلافة، و قد وجد هذا فيمن اجتمع عليه النّاس إلى أن اضطرب أمر بني أميّة، و وقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتّصلت بينهم إلى أن قامت الدّولة العبّاسيّه، فاستأصلوا أمرهم (2).
قال (3)شيخ الإسلام ابن حجر في «شرح البخاري» : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث، و أرجحه لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة (4): «كلّهم يجتمع عليه النّاس» و إيضاح ذلك أنّ المراد بالاجتماع
ص:291
انقياده (1)لبيعته، و الّذي وقع أنّ النّاس اجتمعوا على أبي بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين، فتسمّى (2)معاوية يومئذ بالخلافة.
ثمّ اجتمع النّاس على معاوية عند صلح الحسن، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد، و لم ينتظر للحسين أمر، بل قتل (3)ذلك، ثمّ لمّا مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزّبير، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثمّ سليمان، ثمّ يزيد، ثمّ هشام، و تخلّل بين سليمان و يزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الرّاشدين، و الثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع عليه النّاس، لمّا مات عمّه هشام فولى نحو أربع سنين، ثمّ قاموا عليه، فقتلوه، و انتشرت (4)و تغيّرت الأحوال من يومئذ، و لم يتّفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأنّ يزيد بن الوليد الّذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته، بل ثار عليه-قبل أن يموت-ابن عم أبيه مروان بن محمّد بن مروان، و لمّا مات يزيد ولى أخوه إبراهيم، فقتله (5)مروان، ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس، إلى أن قتل.
ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السّفّاح، و لم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه، ثمّ ولى أخوه المنصور، فطالت مدّته، و لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيّين على الأندلس و استمرّت في أيديهم متغلّبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك (6)إلى أن لم يبق من الخلافة إلاّ الاسم في البلاد (7)، بعد أن كان
ص:292
في أيّام (1)عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض (2)شرقا و غربا، يمينا و شمالا (3)ممّا غلب عليه المسلمون، و لا يتولّى أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شيء منها إلاّ بأمر الخليفة (4).
و من انفراط الأمر أنه كان في المأة الخامسة بالأندلس وحدها ستّة أنفس كلّهم يتسمّى بالخلافة، و معهم صاحب مصر العبيدي و العبّاسي ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلويّة و الخوارج، قال (5): فعلى هذا التأويل (6)يكون المراد بقوله: «ثمّ يكون الهرج» (7)يعني القتل الناشي عن الفتن وقوعا فاشيا، و يستمرّ و يزداد (8)و كذا كان.
و قيل: إنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة، يعملون بالحقّ، و إن لم تتوال (9)أيّامهم، و يؤيد هذا (10)ما أخرجه مسدّد في «مسنده» الكبير عن أبي الخلد (11)أنّه قال: «لا تهلك هذه الأمّة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى و دين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمّد صلى اللّه عليه و سلم. . .» (12)و على، هذا فالمراد بقوله: «ثمّ يكون الهرج» أي الفتن المؤذنة
ص:293
بقيام السّاعة من خروج الدّجّال و ما بعده» ، انتهى (1).
قلت (2): و على هذا فقد وجد من الاثني عشر (3)الخلفاء الأربعة، و الحسن و معاوية و ابن الزّبير و عمر بن عبد العزيز هؤلاء ثمانية، و يحتمل أن ينضمّ إليهم المهدي (4)المهتدي من العبّاسيّين، لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أميّة، و كذلك الظاهر، لما أويته من العدل، و يبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمّد» انتهى كلام السيوطي (5).
أقول: الحيرة في المراد من «الاثني عشر» من هذا الكلام في كمال الوضوح.
و ظاهر القاضي انقضاؤهم قبل بني العبّاس، حيث قال: «و قد وجد هذا. . .» (6).
و أمّا شرح شيخ الإسلام و كلامه: فى «الشرح» فقيه أنّه مغاير لما هو الظّاهر من كلامه. حيث يدخل فيهم من بني العبّاس، و ظاهره عدم دخولهم كما عرفت، بل هو يقارب الوجه الأخير كما لا يخفى، و مع ذلك فلم يفتن في أمر أبي بكر بما وقع ممّن لم يبايعه، و من أهل الردّة، و لا في أمر عثمان بمن ثاروا عليه حتّى قتلوه، و لا في أمر عليّ عليه السّلام بما وقع. . . و أحزابه و الشام و أشباهه من ترك البيعة، و عدم الانقياد رأسا، و لا بما وقع من أهل الجمل و لا أهل صفين، و لا أهل نهروان، و لا في
ص:294
معاوية إلى قهر الناس، و فعل ما فعل، و لا في يزيد إلى حيل أبيه، و لا إلى وقعة الطّفّ، و لا إلى فعل أهل المدينة، و وقعة الحرّة و ما كان من ابن الزّبير، و لا غير ذلك. مع أنّ ما أخرج به غيرهم تشبه تلك الوقائع، كما يعرفه البصير.
ثمّ الأقطع قوله: «فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الرّاشدين و الثاني عشر هو الوليد. . .» (1)، مع أنّه تمّ العدد بهشام «أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ و معاوية و يزيد و عبد الملك و الوليد و سليمان و عمر بن عبد العزيز و يزيد و هشام» و على أيّ وجه يدّعي إرادة العهد في تلك الأخبار؟ ! و لا قرنية عليه فيها؛ و لا شاهد له في الخارج؛ ثمّ على أيّ وجه ينزّل تلك الأخبار عليهم؟ ! مع أنّه جعل قيامهم غاية قيامهم الدّين؛ و غاية صلاحه؛ و غاية كونه مواتي أو مقاربا، و غاية ظهوره على من ناواه لا يضرّه مخالف و لا مفارق و غاية كونه ماضيا، و غاية عدم انقضائه، و نفس مدّة مضيّه، و غاية عزّة الدّين، و كونه عزيزا، منيعا ينصرون على من ناواهم عليه، و غاية كون النّاس بخير، فجعل غاية لذلك، كما جعل السّاعة غاية لكثير منها المساوي للباقي و جعل العدد بنفسه عدد من يكون بعده من الخلفاء، و عدّة من يكون لهذه الأمّة من خليفة، و عدّة من يملكهم من خليفة، و عدّة الخلفاء بعده، و سئل عمّا يكون بعدهم، فقال: «الهرج» و وصفوا بالعمل بالهدى فيما ذكره (2)، فلو كان هؤلاء مطرح تلك الأخبار فقد انقضى الدّين قبل ذلك بكثير، بل قامت ال