رسائل فی الاجتهاد و التقلید و قاعده لاضرر و ولایه الفقیه، طرح و تحقیق فی مبانی... محمدصادق الحسینی الروحانی مدظله العالی

اشارة

سرشناسه:سنجری اراکی، علی رضا

عنوان و نام پديدآور:رسائل فی الاجتهاد و التقلید و قاعده لاضرر و ولایه الفقیه، طرح و تحقیق فی مبانی... محمدصادق الحسینی الروحانی مدظله العالی / لمولفه علی رضا السنجری الاراکی

مشخصات نشر:علیرضا السنجری الاراکی، 1376.

مشخصات ظاهری:290 ص.

وضعیت فهرست نویسی:فهرستنویسی قبلی

يادداشت:عربی

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس

مندرجات:رساله فی الاجتهاد و التقلید/ ص. 126-7 .-- رساله فی قاعده لاضرر/ ص. 221-129 .-- رساله فی ولایه الفقیه/ ص. [225]---. 283

عنوان دیگر:رساله فی الاجتهاد و التقلید

عنوان دیگر:رساله فی ولایه الفقیه

موضوع:اجتهاد و تقلید

موضوع:قاعده لاضرر

موضوع:ولایت فقیه

موضوع:روحانی، محمدصادق -- نقد و تفسیر

شناسه افزوده:روحانی، محمدصادق

شناسه افزوده:عنوان رساله فی قاعده لاضرر

رده بندی کنگره:BP167/س9ر5 1376

رده بندی دیویی:297/31

شماره کتابشناسی ملی:م 77-10985

ص :1

اشارة

ص :2

رسائل فی الاجتهاد و التقلید و قاعده لاضرر و ولایه الفقیه، طرح و تحقیق فی مبانی... محمدصادق الحسینی الروحانی مدظله العالی

علی رضا السنجری الاراکی

ص :3

ص :4

ص :5

ص :6

الخطبة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

و به نستعين

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على محمد و آله الطيبين الطّاهرين لا سيّما امام العصر و صاحب زماننا الحجة بن الحسن العسكرى عجّل اللّه تعالى فى فرجه الشّريف و سهّل مخرجه و جعلنا من انصاره و اعوانه.

امّا بعد فهذه رسالة فى الاجتهاد و التقليد.

رتبتها على ترتيب كفاية الاصول تسهيلا على طالبها و طرحت و اوضحت فيها افادات سيّدنا الاستاذ آية اللّه الكبرى و حجته العظمى حضرة حجة الاسلام و المسلمين آية اللّه تعالى فى العالمين،اعلم العلماء العظام السحاب المتراكم و بحر العلوم المتلاطم،مفتى الشيعة و مدار الشريعة ابو المكارم السّيد محمّد صادق الحسينى الروحانى ادام اللّه تعالى ظلّه العالى على رئوس المسلمين و حفظ به شريعة سيّد المرسلين و متّعنا بطول بقائه.

و اضفت اليها كثيرا المطالب اللازمة فى المتن و ما يخطر ببالى القاصر فى الحاشية حتّى صار بحمد اللّه رسالة كاملة مفيدة للمحقّق و المستفيد ليكون ذخرا لى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الا من اتى اللّه بقلب سليم.

ص:7

ص:8

فصل:الاجتهاد لغة تحمل المشقة و اصطلاحا كما عن الحاجبى و العلامة...الخ.

الاجتهاد(1) هو افتعال من الجهد و فى القاموس الجهد الطاقة و بالضّم المشقة و قيل هو بالضم الطاقة و الوسع و بالفتح المشقة و عليه فله معنيان تحمل المشقة و بذل الوسع و الطاقة و عن مجمع البحرين و اجتهد يمينه اى بذل وسعه فى اليمين.

ثم انهم ذكروا فى معناه الاصطلاحى امورا:الأول ما عن المشهور(2)

و هو ان الاجتهاد ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعى الفرعى من الاصل فعلا او قوة قريبة منه.(3)

ص:9


1- (1) -الاجتهاد فى اللغة ماخوذ من الجهد و هو بذل الوسع للقيام بعمل ما و لا يكون الا فى الاشياء التى فيها ثقل فيقال اجتهد فلان فى رفع حجر ثقيل و لا يقال اجتهد فى حمل ورقة او نواة.
2- (2) -حكى هذا التعريف عن زبدة الشيخ البهائى.
3- (3) -يرد عليه اولا بعدم الطرد حيث ان قوة الاستنباط ربما تتناول القوة القريبة من الاجتهاد.مع انها ليست باجتهاد قطعا اذا المقصود بقوة الاستنباط هو الملكة الحاصلة فعلا بدون التلبس بالاستنباط الفعلى بخلاف القوة القريبة من-

و فيه ان تفسير الاجتهاد بالملكة مما لا يخفى لانه لا يناسب معنا اللغوى و هيئة الافتعال بل الاجتهاد صرف تلك القوة لا نفسها و لو ذكروا ذلك فى تفسير الجهد لكان اولى.

الثانى ما عن العلامة(1) و الحاجيى من ان الاجتهاد استفراغ الفقيه

ص:10


1- (1) -تعريف العلامة للاجتهاد مشتمل على تتمة لم يذكرها فى المتن.ففى كتابه نهاية الوصول عرّفه بقوله:و اما فى عرف الفقهاء فهو استفراغ الوسع فى طلب الظن بشىء من الاحكام الشرعية بحيث ينتفى اللوم عنه بسبب التقصير. ثم قال و انما قلنا فى طلب الظن ليخرج الاحكام القطعية و قولنا بشى من الاحكام الشرعية ليخرج الاجتهاد فى الامور العقلية و قولنا بحيث ينتفى اللّوم عنه بسبب التقصير ليخرج اجتهاد المقصّر مع امكان المزيد عليه فانه لا يعد اجتهادا معتبرا و عليه فالاجتهاد عند العلامة ليس تحصيلا لمطلق الظن بالحكم الشرعى بل يعتبر خصوص الظن الذى لا يمكن المزيد عليه بالفحص.

الوسع فى تحصيل الظن بالحكم الشرعى(1)

ص:11


1- (1) -فالاستفراغ جنس و يخرج بتقييده بالقيود المذكورة استفراغ غير الفقيه و استفراغه لغير الوسع و استفراغه له فى غير تحصيل الظن و فى تحصيل الظن بغير الحكم الشرعى فالاشكال على هذا الحد من وجوه. الاول:ما ذكره العلامة التفتازانى من ان قيد الفقيه مستدرك اذ لا وجه للاحتراز عن غير الفقيه فانه لا فقه الا بعد الاجتهاد. و محصله:ان التعريف غير منعكس لان الفقه هو العلم بالاحكام المعهودة عن ادلتها و العلم بها عنها انما يتحقق بعد الاستفراغ و الاجتهاد فعنوان المجتهد يصدق قبل صدق عنوان الفقيه فلا يتناول الحد لجميع مصاديق المحدود و لو قال لا فقه غالبا الا بعد الجتهاد كان اولى لان الفقيه قد يصرف وسعه فى تحصيل العلم من اول الامر و يحصل العلم فيحصل الفقه بدون الاجتهاد. الثانى:ان قيد الظن مستدرك بل مفسد لعكس الحد لان المقصود به الاحتراز عن الضروريات او القطعيات و الاول خارج عن الاستفراغ و الثانى لا يحسن اخراجه لان الاجتهاد قد ينتهى الى القطع. الثالث:ان طرد الحد غير مستقيم اما اولا فلصدقه على استفراغ الفقيه وسعه فى تحصيل الظن بالحكم الشرعى الاصولى مع ان ذلك لا يسمى اجتهادا بهذا الاصطلاح حقيقة بل يختص الاجتهاد فى مصطلحهم هذا بالمباحث الفرعية فلا بد من زيادة قيد فرعى ليخرج ذلك. اما ثانيا:فلصدقه على استفراغ الفقيه وسعه فى تحصيل الظن بفتوى غيره-

و فيه ان النسبة بين هذا التعريف و بين الاجتهاد عموم من وجه و ذلك لتصادقهما على ما اذا استفرغ الفقيه الوسع و حصل الظن بالحكم الشرعى من امارة او اصل معتبر و افترق التعريف عن الاجتهاد فى ما اذا استفرغ الوسع و حصل الظن غير المعتبر بالحكم من قياس او غيره.و افتراق الاجتهاد عن التعريف فى ما اذا استفرغ الوسع و حصل العلم بالحكم او الطريق المعتبر غير المفيد للظن.(1)

ص:12


1- (1) -كانه للاشكالات الواردة على هذا التعريف،عدل غير واحد من الاصوليين العامة عن ذكر تعريف الحاجبى و اكتفوا باخذ العلم فيه،منهم الغزالى حيث قال:الاجتهاد و هو عبارة عن بذل المجهود و استفراغ الوسع فى فعل من الافعال و لا يستعمل الا فيما فيه كلفة و جهد فيقال اجتهد فى حمل حجر الرحى لا يقال اجتهد فى حمل خردلة. لكن صار اللفظ فى عرف العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعه فى طلب العلم بالاحكام الشرعيه و الاجتهاد التام ان يبذل الوسع فى الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب.(المستسفى،ج 2،ص 350).-

الثالث ما ذكره المحقق المصنف و هو استفراغ الوسع فى تحصيل الحجة على الحكم الشرعى.

و فيه:ان تحصيل الحجة على الاحكام الشرعية و تمييزها عن غير الحجة الذى يكون علم الاصول متكفلا له ليس تعريفا للاجتهاد(1)

ص:13


1- (1) -و ذلك لوضوح ان المقصود من هذه التعاريف تفسير الاجتهاد فى الفقه بمعنى استنباط الاحكام الفرعية و من المعلوم ان تحديده ب«تحصيل الحجة على الحكم الشرعى يناسب الاجتهاد فى علم الاصول المعد لتمهيد القواعد و بيان الادلة على الاحكام. فالباحث عن مسالة حجية خير الثقة و العدل-باقامة الادلة القطعية عليه من الاخبار المتواترة اجمالا و سيرة العقلاء و غيرهما-يستفرغ وسعه فى تحصيل الحجة-كخبر الثقة-على الحكم الشرعى و قد عرّف علم الاصول بانه علم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية و المراد بالقواعد هو الحجج على الاحكام الشرعية مع ان الاجتهاد فى الفقه تحصيل الحكم الفرعى من الدليل بعد الفراغ عن اثبات دليليّته فى علم الاصول و ليس هو تحصيل الدليل على الحكم. ففرق واضح بين تحصيل الحجة على الحكم الشرعى الذى يتكفله علم الاصول و بين تحصيل الحكم او الوظيفة من الحجة الذى هو شان علم الفقة و حيث ان المقصود تعريف الاجتهاد فى الفقه فلا بد من تحديده بوجه آخر.

فالصحيح فى معناه هو بذل الوسع و صرف تلك القوة فى استنباط الحكم الشرعى عن الحجة.(1)

ثمّ ان ههنا اصطلاحا آخر للاجتهاد و هو الراى و القياس الذى يكون متعارفا عند العامة(2) و ورد الذم عليه فى بعض الاخبار ففى

ص:14


1- (1) -و فيه:ان بذل الوسع ليس فى جميع الفروع لتفاوت مداركها سهولة و صعوبة فاستنباط بعض الفروع لا يتوقف على بذل الوسع مع انه اجتهاد قطعا. و الاولى:تعريفه بتحصيل الحجة على الحكم الشرعى الذى كان امرا مقبولا عند الكل و لا استيحاش للمحدثين عن الاجتهاد بهذا المعنى.
2- (2) -قال الغزالى:قال بعض الفقهاء القياس هو الاجتهاد...ثم قال فى حصر مجارى الاجتهاد فى العلل:اعلم انا نعنى بالعلة فى الشرعيات مناط الحكم اى ما اضاف الشرع الحكم اليه و ناطه به و نصبه علامة عليه و الاجتهاد فى العلة اما ان يكون فى تحقيق مناط الحكم او فى تنقيح مناط الحكم او فى تخريج مناط الحكم و استنباطه اما الاجتهاد فى تحقيق مناط الحكم فلا نعرف خلافا بين الامة فى جوازه مثاله الاجتهاد فى تعيين الامام بالاجتهاد مع قدرة الشارع فى الامام الاول على النص و كذا تعيين الولاة و القضاة و كذلك فى تقدير المقدرات و تقدير الكفايات فى نفقة القرابات و ايجاب المثل فى قيم المتلفات و اروش الجنايات و طلب المثل فى جزاء الصيد فان مناط الحكم فى نفقة القريب الكفاية و ذلك معلوم بالنص اما ان الرطل كفاية لهذا الشخص ام لا فيدرك بالاجتهاد و-

ص:15

ص:16

ص:17

ص:18

ص:19

ص:20

ص:21

ص:22

ص:23

ص:24

ص:25

ص:26

ص:27

ص:28

ص:29

ص:30

ص:31

ص:32

ص:33

الخبر بعد ما بعث النبى(ص)معاذا قاضيا الى المدينة قال بم تحكم قال بما فى كتاب الله قال فان لم تجد قال فبما فى السنة قال فان لم تجد قال اجتهد برأيى و هذا الاجتهاد هو الذى عرفه السيد فى محكى الذريعة حيث قال الاجتهاد هو استنباط الاحكام الشرعية بغير النصوص بل بما طريقه الامارات و الظنون.و اشتراك هذا اللفظ بين المعنيين صار سببا لطعن الاخباريين على الاصوليين فى الاجتهاد و الغفلة عن ان هذا باطل عند الاصوليين ايضا و اما المعنى الاول الذى ذكرنا له فلا يابى الاخباريون عن ذلك بل فيهم المجتهدون بهذا المعنى لانهم ايضا يستفرغون الوسع فى استنباط الحكم الشرعى عن الحجة.

ثم ان ملكة الاجتهاد تفترق عن الملكات الخلقية كالشجاعة و السخاوة و نحوهما بان هذه الملكات تحصل من افعال المسانخة لآثارها فالشجاع لا بد ان تتكرر منه منازلة الابطال و الاقدام فى المخاف فان بذلك يضعف الخوف متدرجا و يزول شيئا فشيئا حتى لا يخاف صاحبه من الحروب العظيمة و غيرها من الامور المهام.

ص:34

فترى انه يدخل الامر الخطير كما يدخل داره.

و كذالك الحال فى ملكة السخاوة فان بالاعطاء متدرجا قد يصل الانسان مرتبة يقدّم غيره على نفسه فيبقى جائعا و يطعم ما بيده لغيره.

و الحاصل:ان بعد حصول الملكة تكون الافعال صادرة منه آثارا لتلك القوة الراسخة فى نفسه و مسانخة للافعال السابقة على حصول الملكة فالافعال السابقة على حصولها و اللاحقة له متماثلة.

و هذا بخلاف ملكة الاجتهاد لانها انما يتوقف على جملة من المبادى و العلوم كالنحو و الصرف و غيرهما و العمدة علم الاصول فبعد ما تعلمها الانسان تحصل له ملكة الاستنباط و ان لم يتصد للاستنباط و لا فى حكم واحد فبعد حصول هذه الملكة تكون نتيجتها القدرة على استنباط الاحكام الفرعية و من المعلوم مغايرة الاستنباط التوقف على الملكة للمبادى التى يتوقف حصول الملكة عليها فلا وجه لما قد يتوهم من انها كسائر الملكات غير منفكة عن العمل و الاستنباط فمن حصلت له الملكة فلا محالة اشتغل بالاستنباط و عليه فبمجرد حصول الملكة له يحصل له الامن من العقاب بل الاستنباط كما عرفت متاخر عن الملكة من غير ان يكون له دخل فى حصولها.

نعم تتقوى الملكة بالممارسة و الاستنباط بعد تحققها فى نفسها لا انها تتوقف عليه فى الوجود.

ص:35

الاجتهاد المطلق و التجزى

فصل:ينقسم الاجتهاد الى مطلق و تجّز فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام..الخ.

اشارة

ينقسم الاجتهاد(1) الى مطلق و تجز و قد وقع الخلاف فى امكان كل

ص:36


1- (1) -و ايضا ينقسم الى الاجتهاد الفعلى و الاجتهاد بالقوة و الملكة،و ذلك لان الانسان قد يكون له ملكة يقتدر بها على استنباط الاحكام الشرعية الا انه لم يعمل بعد قدرته فى الاستنباط او انه استنبط شيئا قليلا من الاحكام. و قد يكون ذا ملكة الاجتهاد و يعمل قدرته ايضا فى الاستنباط و يكون عالما للاحكام الشرعية بالفعل و ان لم يكن علمه علما وجدانيا.بل مستندا الى الادلة و الحجج.و فى تقسيم آخر و هو عند العامة ينقسم الى الاجتهاد المطلق و الاجتهاد فى المذهب و الاجتهاد فى المسائل التى لا رواية فيها و اجتهاد اهل التخريج و اجتهاد اهل الترجيح.و الاجتهاد المطلق او الاجتهاد المستقل و حدوده ب«ان يجتهد الفقيه فى استخراج منهاج له فى اجتهاده»على نحو يكون مستقلا فى منهاجه و فى استخراج الاحكام على وفق هذا المنهاج او هو«كما يعبر العلماء مجتهد فى الاصول و فى الفروع». و الاجتهاد فى المذهب يريدون به ان يجتهد الفقيه المنتسب الى مذهب معين-

واحد منهما و امتناعه و ترتيب الاثر على الثانى.

فيقع البحث فى مقامات ثلاثة:

ص:37

الاول فى امكان المطلق و امتناعه.

و قد استدلوا لامتناع الاجتهاد المطلق بان الاحكام كثيرة جدا و لا يمكن الاطلاع عادة على جميعها فلذلك يمتنع ان يحصل الاجتهاد بالنسبة الى جميع المسائل.

و فيه:ان الكلام فى حصول القدرة على الاستنباط لا الاستنباط الفعلى و ما ذكر انمايتم اذا كان محط الكلام هو الاستنباط الفعلى.و استدلوا لعدم الوقوع بما نشاهد من تردد من هو اعظم المجتهدين فى بعض المسائل.

و اجاب عنه المصنف بان ترددهم فى الحكم الواقعى لاجل عدم دليل مساعد عليه لا لقلة الاطلاع او قصور الباع و اما فى الحكم الظاهرى الفعلى فلا تردد لهم اصلا.

و فيه:ان نظر المستدل انما هو فى موارد الاحتياط اللزومى و فى تلك الموارد كما يتردد الفقيه فى الحكم الواقعى كذلك يتردد فى الحكم الظاهرى و لكن الذى يسهل الامران اللفظ المجتهد غير ماخوذ فى الدليل بل الماخوذ هو الفقيه و العارف بالاحكام.

الثانى:حجية آراء المجتهد المطلق لعمل نفسه التى استنبطها من الادلة و عدم جواز تقليده للغير و حاصله:

انه لا اشكال فى جواز عمل المجتهد المطلق باجتهاده لانه عالم بالحكم الواقعى وجدانا كما اذا ظفر فى مقام الاستنباط بما يفيد العلم به

ص:38

او عالم بقيام حجة شرعية عليه كما فى موارد الطرق او الاصول المثبتة للحكم او عالم بان الشارع جعل له حكما ترخيصيا فى مقام الظاهر كما فى موارد الاصول الشرعية النافية للتكليف،او عالم بمعذورية فى مخالفة الحكم على تقدير وجوده واقعا كما فى موارد الطرق او الاصول العقلية النافية.

فيجوز له العمل بما يستنبطه او الاحتياط بناء على كونه فى عرض الاجتهاد و التقليد فى مقام امتثال التكاليف الواقعية و الا فيتعين عليه العمل باجتهاده اذ لا يجوز تقليد غيره ضرورة ان فتوى الغير ان كانت مطابقة لفتواه فلا معنى للرجوع الى ذلك الغير و ان كانت مخالفة لها فكذلك لانه يخطّىء الغير فالرجوع اليه حينئذ يكون بحسب اعتقاده من رجوع العالم الى الجاهل و عليه فالمجتهد المطلق يحرم عليه التقليد.

الثالث:حجية آراء المجتهد المطلق على المقلّد.

قد فصّل المصنف فى هذه المسالة بين كون المجتهد انقتاحيا او انسداديا فالكلام يقع فى موضعين:

احدهما:فى المجتهد المطلق الانفتاحى و ثانيها فى المجتهد المطلق الانسدادى فالكلام يقع فيه ايضا فى الموضعين:احدهما حكم تقليد الجاهل المجتهد الانسدادى على الحكومة و ثانيهما حكم تقليد المجتهد الانسدادى القائل بالكشف.

ص:39

اما موضع الاول:حجية آراء المجتهد المطلق الانفتاحى على المقلّد حاصله:انه لا اشكال فى جواز عمل الغير براى المجتهد المطلق الانفتاحى-مع اجتماع سائر الشرائط-لما سيأتى فى مباحث التقليد من الدليل على جواز تقليد الجاهل للعالم كآية النفر و الاخبار الارجاعية و من الواضح ان المجتهد الانفتاحى عالم بالاحكام عن ادلتها المعهودة.

حكم تقليد الجاهل المجتهد الانسدادى على الحكومة:الحق ان يقال انه بناء على الحكومة لا يجوز الرجوع اليه لانه لا يكون عالما بالحكم.

توضيحه:ان معنى الحكومة هو حجية الظن فى مقام اطاعة التكليف المعلومة اجمالا لا كون الظن طريقا الى الاحكام الواقعية و مثبتا لها كما هو شأن الظنون الخاصة القائمة على الاحكام فمعنى الحكومة هو جواز الاقتصار على الاطاعة الظنية لا وجود طريق ظنى الى الاحكام الواقعية فلا تشمله ادلة التقليد لخروجه عن عنوان«العالم»الذى هو موضوع تلك الادلة.

حكم تقليد المجتهد الانسدادى القائل بالكشف.

منع المصنف من رجوع الجاهل الى المجتهد الانسدادى القائل بالكشف بوجهين.

احدهما:منع اصل القول بالكشف.

ثانيهما:ان اختصاص حجية الظن-الثابت اعتباره بمقدمات

ص:40

الانسداد-بمن جرت فى حقه و هو المجتهد لانه الموضوع لحجية هذا الظن فلا يمكن التعدى عنه الى غيره و عليه فلا يشمله دليل التقليد لاختصاص حجية هذا الظن بالمجتهد بمقتضى دليل الانسداد لانه الذى انسد عليه باب العلم و العلمى و جرت فى حقه المقدمات و صار الظن بالاحكام حجة عليه و من المعلوم ان هذا الدليل قاصر عن اثبات حجية الظن لغير المجتهد و دليل جواز التقليد او وجوبه لا يجبر هذا القصور لان الدليل يثبت الحكم دون الموضوع.

و فيه:اولا بالنقض عليه باستصحاب الاحكام فى حال الانفتاح فانه مختص بمن يكون الشك و اليقين قائمين به و لا يشمل غيره مع انه يجوز تقليده قطعا بل حجية الظاهر مختصة بمن استظهر الحكم و لا يشمل غيره.

و بعبارة أخرى:دليل الامارة او الاصل انما يدل على حجية ما تضمنه على من انطبق عليه موضوعه و حيث ان الموضوع لا يصير فعليا غالبا الا فى المجتهد فانه الذى جائه النباء او الخبران المتعارضان فالحكم مختص به.

و ثانيا بالحل:بان ادلة التقلييد انما تدل على ان الحكم المشترك بين العالم و الجاهل الذى ظن به المجتهد و بمقتضى مقدمات الانسداد يكون ظنه حجة عليه ثابت لمقلديه و لهم الرجوع فى ذلك الحكم اليه.

فتحصل انه يجوز الرجوع اليه فى صورة الانسداد على الكشف.

ص:41

اما حكم نفوذ قضاء المجتهد المطلق فالكلام هنا ايضا فى الموضعين احدهما فى نفوذ قضاء مجتهد المطلق الانفتاحى و ثانيهما:فى نفوذ قضاء المجتهد الانسدادى فالكلام فيه يقع ايضا فى الموضعين احدهما فى نفوذ قضاء المجتهد الانسدادى على الحكومة ثانيهما على الكشف.

نفوذ قضاء المجتهد المطلق الانفتاحى.

لا اشكال فى نفوذ حكمه فى المرافعات كعدم الاشكال فى حجية فتواه على الجاهل و ذلك لان هذا المجتهد الانفتاحى عالم بالاحكام الشرعية او بموارد قيام الحجة عليهما.

فيشملة قوله عليه السّلام«عرف احكامنا»و بعد فعلية موضوع هذا المنصب ترتب عليه محموله و هو نفوذ قضائه.

نفوذ قضاء المجتهد الانسدادى على الحكومة.

لا اشكال فى ادراجه فى موضوع منصب القضاء و جعله فردا عرفيا لقوله«و عرف احكامنا».

تقريبه:ان احكامنا و ان كان جمعا مضافا ظاهرا فى العموم و استغراق جميع الاحكام الشرعية.

الا ان العارف بجملة معتدة بها يصدق عليه ايضا انه عارف

بالاحكام و المجتهد الانسدادى على الحكومة و ان كان باب العلمى منسدا عليه الا انه يعرف كثيرا من الاحكام و هى موارد الاجماعات المسلمة و الاخبار المتواترة و الضروريات من الدين او المذهب.

ص:42

فاذا صدق عليه«راوى الحديث و العارف بالاحكام»ثبتت له ولاية الحكم فينفذ قضاوه و ان انسد عليه باب العلم بمعظم الفقه.

و فيه:عدم صدق عرفان الاحكام بمجرد عرفان الضروريات و موارد الاجماعات و الا يلزم ان يكون عامة الناس ايضا عارفين بالاحكام و هو كما ترى و ان شئت قلت ان الجمع المضاف يفيد العموم و لا يصدق عرفان جميع الاحكام بمجرد هذا المقدار مع ان فى المقبولة«نظر فى حلالنا و حرامنا»اى اعمل القوة النظرية و اجتهد و مجرد عرفان جملة الضروريات غير المتوقف على اعمال النظر لا يكون موضوعا للجواز.

نفوذ قضاء المجتهد الانسدادى على الكشف.

منع المصنف عنه بمنع اصل المبنى و ان مقتضى مقدمات الانسداد حجيته بالنسبة الى من جرت فى حقه المقدمات دون غيره.

و قد عرفته جوابه نقضا و حلا فلا نعيده.(1)

ص:43


1- (1) -اما حكم تقسيم آخر للاجتهاد فهو تقسيمه الى الاجتهاد الفعلى و الاجتهاد بالقوة و الملكة. اما الاجتهاد الفعلى يجرى فيه ما قلناه فى الاجتهاد المطلق. اما الاجتهاد بالقوة و المجتهد الذى لم يستنبط شيئا من الاحكام او استنبط-

ص:44

ص:45

ص:46

التجزى فى الاجتهاد

قد تقدم ان الكلام يقع فى مقامين،احدهما فى الاجتهاد المطلق و ثانيهما فى التجزى و قد انتهى الكلام فى المقام الاول فيقع البحث فعلا فى المقام الثانى و فيه مواضع ثلاثة:

الاول:فى امكان التجزى و امتناعه.

و المصنف اثبت امكانه بوجهين:

الاول:شهادة الوجدان بامكان التجزى حيث ان الاحكام تختلف بحسب سهولة المدرك و الاستنباط و صعوبتهما فربّ حكم اختلفت فيه الاقوال و تضاربت ادلته و اخباره و حكم مدركه رواية واحدة ظاهرة الدلالة و تامة السند و من البديهى ان الاستنباط فى الاول اصعب و فى الثانى اسهل.

اذا يمكن ان يحصل للانسان ملكة و قدرة على الاستنباط فى مسألة لسهولة مقدماتها و مداركها و لا يحصل له ذلك فى مسالة اخرى لصعوبة مباديها و ماخذها.

و من المعلوم ان الاختلاف فى الجهتين-اعنى به اختلاف المدارك سهولة و صعوبة-يستلزم التجزى فى الاجتهاد.

الثانى:حكم العقل الضرورى بامكان التجزى،لان المطلق من

ص:47

الاجتهاد مسبوق بالتجزى دائما حيث ان ملكة استنباط جميع الاحكام لا تحصل الا تدريجا و الا يلزم الطفرة و ذلك محال.

و قد استدلوا على امتناعه بوجوه ثلاثة:

الاول:ان ملكة الاستنباط بسيطة و البسيط لا يتجزى و لا يتبعض.

و فيه اولا:ان عدم قبول البسيط التجزية و التبعيض لا ينافى ثبوت المراتب له الا ترى ان السواد و البياض و جميع الصفات النفسانية مع بساطتها تختلف مراتبها فى الشدة و الضعف فالاجتهاد له مراتب و فى كل مرتبة كان،يكون بسيطا.

و ثانيا يمكن الالتزام بالزيادة و النقصان فان معرفة جملة من مبادى الاستنباط كالعقليات مثلا يوجب قدرة على استنباط جملة من الاحكام المناسبة لها و معرفة جملة اخرى منها كالنقليات توجب حصول قدرة اخرى على استنباط طائفة اخرى من الاحكام فبعد تحقق اول مرتبة الاجتهاد تحصل ملكة بسيطة مسماة بملكة الاستنباط فكلما ازدادت يتعدد ذلك البسيط و التعدد لا ينافى البساطة كما هو واضح.

الثانى:انه يعتبر فى الاجتهاد الملكة القدسية زائدا على ملكة الاستنباط بمقتضى قوله عليه السّلام العلم نور يقذفه الله فى قلب من يشاء و هى غير قابلة للتجزية.

و فيه اولا:ان اعتبارها ممنوع لحصولها للمؤمن و الفاسق و الكافر

ص:48

لكونه مسببا عن اعمال القواعد بالقوة النظرية الحاصلة عن اتفاق العلوم الدخيلة فى الاستنباط.و ثانيا:ان اعتبار الملكة القدسية على فرضه انما هو بمعنى دخلها فى اعمال قوة الاستنباط كمدخلية مراجعة الكتب فيه و هذا كما يحصل للمجتهد المطلق كذلك يحصل للمتجزى بلا تفاوت اذ لا تلازم بين التجزى فى ملكة الاجتهاد و التجزى فى تلك الملكة.

الثالث:انه لا يمكن استنباط مسئلة واحدة الا بعد الاحاطة بسائر المسائل كى يمكن له دفع احتمال وجود دليل فيها متعلق بتلك المسئلة.

و فيه اولا:النقض باستنباط المطلق فان لازم ما ذكر عدم جواز الاستنباط فى مسئلة واحدة الا بعد مراجعة جميع المسائل التى يحتمل وجود دليل فيها يتعلق بتلك المسئلة.

و ثانيا:بالحل و هو انه بعد تبويب كتب الاحاديث و جعل كل ماله دخل فى مسئلة فى الباب المربوط بها لا يحتاج الاستنباط فيها الى الفحص فى سائر الابواب و لا يعتنى باحتمال وجوده فيها و بالجمله لا يعتبر فى الاستنباط سوى الفحص عن الدليل فى مظان وجوده بمقدار يطمئن بعدمه و هذا امر ممكن للمتجزى مع ان المراجعة الى ساير ابواب الفقه من حيث وجود ما يكون دخيلا فى هذه المسالة لا يتوقف على القدرة على الاستنباط فى سائر المسائل فتحصل ان

ص:49

الاقوى عدم امتناع التجزى و امكانه.

الموضع الثانى:حجية راى المتجزى لعمل نفسه.

حاصل ما افاده المصنف فيه:ان هذه المسالة و ان كانت محل الخلاف كالخلاف فى اصل امكان التجزى الا ان الصحيح حجية آرائه لعمل نفسه و ذلك لان مقتضى ادلة حجية مدارك الاحكام-التى استنبطها المجتهد المتجزى منها-هو حجية رايه ضرورة ان ادلة حجية خبر الواحد-من الآيات و الروايات و بناء العقلاء-و كذا ادلة اعتبار الظواهر لا تختص بالمجتهد المطلق بل مقتضى عمومها و اطلاقها هو حجيتها بالنسبة الى كل من ثبت اعتبارها عنده و بعبارة اخرى:

ان الدليل الدال على وجوب رجوع الجاهل الى العالم من حكم العقل الفطرى او بناء العقلاء او غيرهما غير شامل له لدلالته على رجوع الجاهل الى العالم و المفروض ان المتجزى عالم.فلم يتحقق موضوعه فى المقام فلا مناص من العمل باجتهاده هذا اولا.

و ثانيا:ان دليل الامارة او الاصل غير مقيد بكون من قامت عنده الامارة او الاصل مجتهد مطلقا بل يشمل المتجزى كما يشمل المطلق.

الموضع الثالث:رجوع المقلد الى المتجزى و البحث فيه امران:

احدهما:فى جواز رجوع الجاهل الى المتجزى و تقليده اياه و ثانيهما:فى نفوذ قضائه فى المرافعات.

الامر الاول و حاصله:ان كان مدرك وجوب التقليد هو حكم

ص:50

العقل الفطرى برجوع الجاهل الى العالم او بناء العقلاء فلا شك فى جواز الرجوع اليه لانه عالم بالنسبة الى تلك المسئلة و عدم علمه بساير المسائل لا يضر لعدم دخلها فيه و من هنا يظهر ضعف ما ذكره بعض من ان المتيقن من بناء العقلا الرجوع الى المجتهد المطلق و اما ان كان المدرك الادلة اللفظية الدالة على وجوب الرجوع الى العارف بالاحكام او الفقيه فمدعى عدم شمولها لمن هو عالم ببعض المسائل غير مجازف.لعدم صدق العنوانين على مستنبط لبعض المسائل كما ان واجدية ملكة استنباط الكل مع استنباط ذلك المقدار لا يوجب صدقهما على المستنبط لذلك المقدار.

لكن الانصاف ان دعوى الاطلاق فى مثل آية النفر التى ستعرف دلالتها على جواز التقليد قريبة جدا.

و على كل حال:فمقتضى اطلاق تلك الادلة الجواز غاية الامر انه على القول بعدم الاطلاق لآية النفر يشترط ان يكون مستنبطا لجملة معتد بها من الاحكام كى يصدق عليه عنوان العارف بالاحكام.

فتحصل ان الاقوى جواز الرجوع اليه و ان القول بعدمه ضعيف.

الامر الثانى نفوذ قضائه فى المرافعات.

فظاهر مقبولة ابن حنظلة الدالة على الرجوع الى العارف بالاحكام اعتبار صدق هذا العنوان و هو انما يكون اذا كان مستنبطا لجميع الاحكام او جملة معتد بها.

ص:51

و قد يقال:ان مقتضى مشهورة ابن خديجة:(1) فانظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا او قضائنا الاكتفاء بمعرفة قضية واحدة فى نفوذ حكمه فيقع التعارض بينها و بين المقبولة.

و ذكروا فى مقام الجمع بينهما امورا.

الاول:جعل(من)فى قوله من قضايانا بيانية فيكون المراد فانظروا الى من يعلم قضايانا فيكون مفادها مفاد المقبولة.و لو لم تكن لفظة من فى نفسها ظاهرة فى ذلك لكان المتعين حملها عليه جمعا بين الخبرين.

و فيه:ان البيان لا بد من مطابقته للمبين به و ليس فيما نحن فيه كذلك لان احدهما مفرد و الاخر جمع نعم لو كان بدل شيئا اشياء

ص:52


1- (1) -ان هذه المشهورة رواها ثقة الاسلام الكلينى بلفظ«من قضائنا»و رواها الشيخ-كما فى الوسائل-بلفظ«من قضايانا»و على كل منهما فاما ان تكون حرف الجر للتبعيض او للبيان. و الاستدلال بها على كفاية الاجتهاد فى باب القضاء للتصدى لهذا المنصب الشامخ منوط بدلالة الرواية على كفاية معرفة جملة من احكام القضاء اما بان يقال فى مدلولها:«يعلم شيا هو قضاؤنا»اى يعلم خصوص ماورد عنهم عليهم السّلام من باب القضاء من موازين الحكم و اما ان يقال«يعلم شيئا من طبيعة قضائهم عليهم السّلام و يكون حرف الجر للتبعيض بناء على صحته فى المقام لعدم كون الافراد ابعاض الطبيعة. و على كل منها يكفى كون القاضى مجتهدا فى باب القضاء و حيث ان منصب القضاء هو منصب الفتوى امكن القول بجواز العمل بفتوى المتجزى.

لكان ما ذكر تاما.

الثانى:العمل بكليهما لعدم التهافت بينهما فان المقبولة تدل على كون المجتهد المطلق نافذ الحكم و مقتضى المشهورة كون المتجزى كذلك.

و فيه:انهما حيث وردا فى مقام التحديد فيعارض مفهوم المقبولة مع منطوق المشهورة لدلالة المقبولة على ان غير العارف بالاحكام لا يجوز له التصدى للقضاء.

الثالث:ان المشهورة مطلقة من حيث التمكن من معرفة ساير الاحكام و عدمه و المقبولة تدل على اعتبار التمكن منها فيقيد اطلاقها بالمقبولة فيكون المدار على المقبولة اى لا بد ان يكون متمكنا من معرفة ساير الاحكام.

و فيه:ان المقبولة تدل على اعتبار ان يكون عارفا بالاحكام و ساكتة عن بيان التمكن من معرفة الاحكام و حينئذ يقع التعارض بينهما لانه بمقتضى المقبولة لا بد ان يكون عارفا بجميع الاحكام و مقتضى المشهورة كفاية معرفة قضية من القضايا و الاخذ بالمدلول الالتزامى فى المقبولة و هو التمكن من معرفة الجميع مع سقوط المدلول المطابقى ليس جمعا عرفيا مع انه تحقق فى مبحث التعادل و التراجيع تبعية حجية الدلالة الالتزامية للمطابقية فاذا سقطت المطابقية سقطت الالتزامية بالتبع.

الرابع:ان المراد من«شيئا»فى المشهورة شيئا معتدا به كما هو

ص:53

الظاهر منه لا ما يشمل قضية واحدة فعلى هذا يكون مساقها مساق مقبولة فى انه لا بد من معرفة جميع القضايا او جملة معتد بها.

و فيه:ان هذه الدعوى لا برهان لها لانه ليس فى لسان الدليل ازيد من شيئا من قضايا و حمله على ارادة شى معتد به تبرعى لا شاهد عليه.

فالاقوى انهما حمله تعارضان و ارادة لاصحية سند المقبولة و عمل الاصحاب بها و اعراضهم عن المشهورة تقدم المقبولة و تطرح المشهورة.

فتحصل ان الاقوى جواز حكومة المتجزى اذا عرف شيئا معتدابه بحيث يصدق عليه انه يعرف القضايا و الاحكام الا ان يدعى التلازم بين معرفة جملة معتد بها و معرفة الجميع و عليه فدعوى عدم جواز حكومة المتجزى فى محله.

ص:54

الكلام فى ما يتوقف عليه الاجتهاد فصل:لا يخفى احتياج الاجتهاد الى معرفة العلوم العربية فى الجمله...الخ.

و هو معرفة العلوم العربية من النحو و الصرف و اللغة فى الجمله اى بمقدار يتوقف عليه فهم المعنى من الكتاب و السنة اما علم الرجال فلان استنباط الحكم الشرعى فى الغالب لا يكون الا من الروايات الماثورة عن اهل البيت صلوات الله عليهم اجمعين و الاستدلال بها على ثبوت حكم شرعى يتوقف على اثبات امرين:

الاول:اثبات حجية خبر الواحد فانا اذا لم نقل بحجيته انتهى الامر الى الالتزام بانسداد باب العلم و العلمى و نتيجة ذلك هو التنزل فى مرحلة الامتثال الى الامتثال الظنى او القول بحجية الظن فى هذا الحال على ما ذهب اليه بعضهم.

الثانى:اثبات حجية ظواهر الروايات بالاضافة الينا ايضا فانا اذا قلنا باختصاصها بمن قصد بالافهام و انهم المخاطبون فقط،لم يكن الاستدلال بها على ثبوت حكم من الاحكام اصلا و هذان الامران قد اشبعنا الكلام فيهما فى المباحث السابقة(1) و لكن ذكرنا ان كل خبر عن

ص:55


1- (1) -فارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول ج 2،للمؤلف.

معصوم لا يكون حجة و انما الحجة هو خصوص خبر الثقة او الحسن.و من الظاهر ان تشخيص ذلك لا يكون الا بمراجعة علم الرجال و معرفة احوالهم و تمييز الثقة و الحسن عن الضعيف و كذلك الحال لوقلنا بحجية خبر العادل فقط.فان الجزم بعدالة رجل او الوثوق بها لا يكاد يحصل الا بمراجعته.

هذا...و الحاجة الى معرفة حال الرواة موجودة حتى لو قلنا بعدم حجية خبر الواحد او قلنا باختصاص حجية الظهور بمن قصد افهامه فانتهى الامر الى القول بحجيته الظن الانسدادى او لزوم التنزل الى الامتثال الظنى فان دخل توثيق علماء الرجال رواة رواية فى حصول الظن بصدورها غير قابل للانكار.

و قد انكر بعض الحاجة الى علم الرجال بتوهم ان كل رواية عمل بها المشهور فهى حجة و كل رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجة سواء اكانت رواتها ثقات ام ضعفاء.

فانه مع فرض تسليم ما ذكره من الكلية-و هى غير مسلمة و بطلانها واضح بأدنى تأمل.فالحاجة الى علم الرجال باقية بحالها فان جملة من المسائل لا طريق لنا الى معرفة فتاوى المشهور فيها لعدم التعرض لها فى كلماتهم و جملة منها لا شهرة فيها على احد الطرفين،فهما متساويان او ان احدهما اشهر من الاخر و ليست كل مسالة فقهية كان

ص:56

احد القولين او الاقوال فيها مشهورا و كان ما يقابله شاذا.

بل الحال كذلك حتى لو قلنا بان صدور روايات الكتب الاربعة قطعى، فان ادلة الاحكام الشرعية لا تختص بالكتب الاربعة فنحتاج فى تشخيص الحجة من الروايات الموجودة فى غيرها عن غير الحجة- الى علم الرجال.

و اما علم الاصول فتوقف الاستنباط عليه مما لا يكاد يخفى لان الاحكام الشرعية ليست من الامور الضرورية التى لا يحتاج اثباتها الى دليل،و انما هى امور نظرية يتوقف على دليل و برهان و المتكفل لادلة الاحكام و براهينها من الحجج و الامارات و غيرهما مما يودى الى معرفة الاحكام الشرعية علم الاصول من بحث الاوامر و النواهى و العموم و الخصوص و المطلق و المقيد و المجمل و المبين و مباحث الحجج و الاصول العقلية و الشرعية و التعادل و التراجيح و لا بد من تنقيح كل ذلك بالنظر و الاجتهاد لا بالتقليد و الا لم يصدق عليه عنوان العارف و الفقيه.(1)

ص:57


1- (1) -ذكروا انه يتوقف الاجتهاد المطلق و القدرة على استنباط جميع المسائل الفقهيه على الوجه المعتبر شرعا على امور و قد صرح على هذه الامور فى العدة و السرائر و التحرير و القواعد و نهاية الاصول و تهذيب الاصول و-

ص:58

ص:59

ص:60

ص:61

ص:62

الكلام فى التخطئة و التصويب فصل:اتفقت الكلمة على التخطئة فى العقليات و اختلف فى الشرعيات...الخ

لا خلاف فى وقوع الخطا فى الاحكام العقلية و ان من حكم بما يدعى استقلال عقله به قد يصيب الواقع و قد لا يصيبه سواء كان من المسائل العقلية المحضة التى لا مساس لها بالاحكام الشرعية كمسالة اعادة المعدوم التى ذهب جماعة الى امكانها و اخرى الى امتناعها او كان من المسائل العقلية التى لها دخل فى الاحكام الشرعية،كمسالة جواز اجتماع الامر و النهى و امتناعه.

فان التصويب فى الاحكام العقلية مطلقا مستحيل لانه يستلزم اجتماع الضدين او النقيضين فانه اذا بنى احد على امكان اعادة المعدوم مثلا و بنى آخر على استحالتها لا مناص من ان يكون احد هذين النظرين خطاء و غير مطابق للواقع اذ لازم اصابتهما فى كلتا النظرتين ان يكون اعادة المعدوم ممكنة و مستحيلة فالتخطئة فى تلك الامور مما لا كلام فيه.

و انما الكلام فى الامور الاعتبارية و الشرعيات و انها كالامور

ص:63

الواقعية مورد للتخطئة او لا بد فيهما من الالتزام بالتصويب.

نسب القول بالتصويب الى جماعة من الاشاعرة(1) و المعتزلة2

ص:64


1- (1) -التصويب الاشعرى. و قد اطال الغزالى بتقريبه و دفع ما اورد عليه من الشبهات و كل ما جاء به لا يخلو من خلط بين الاحكام فى مرحلة الجعل و الاحكام فى مرحلة التبليغ و بين الاحكام فى مرحلة الفعلية. قال:و المختار عندنا و هو الذى نقطع به و نخطىء المخالف فيه ان كل مجتهد فى الظنيات مصيب و انها ليس حكم معين لله تعالى و الكاشف عن هذا الكلام المبهم هو انّا نقول:مسئلة فيها نص للشارع و قد اخطأ مجتهد النص فنقول ينظر فان كان النص مما هو مقدور على بلوغه لو طلبه المجتهد بطريقه فقصر و لم يطلب فهو مخطىء و آثم بسبب تقصيره لانه كلف الطلب المقدور عليه فتركه فعصى و اثم و اخطاء حكم الله تعالى. اما اذا لم يبلغه النص لا لتقصير من جهته لكن لعائق من جهة بعد المسافة و تاخير المبلغ و النص قبل ان يبلغه ليس حكما فى حقه فقد يسمى مخطأ مجازا على معنى انه اخطأ بلوغ مالو بلغه لصار حكما فى حقه و لكنه قبل البلوغ ليس حكما فى حقه فليس مخطأ حقيقة كما فى النهى عن المخابرة و تحويل القبلة قبل بلوغ الخبر اما المسائل التى لا نص فيها فيعلم انه لا حكم فيها لان حكم الله تعالى خطابه و خطابه يعرف بان يسمع من الرسول او يدل عليه دليل قاطع من فعل النبى(ص)او سكوته فانه قد يعرفنا خطاب الله من غير استماع صيغه فاذا لم-

و انهم ذهبوا الى ان كل مجتهد مصيب و تبدل الراى فى الاحكام من باب تبدل الراى فى الموضوع كتبدل المسافر حاضرا او العكس.

و تعرض المصنف للاحتمالات الثلاثة فى التصويب و حكم كل منها:

الاول:ان يكون المراد من التصويب الالتزام بانشاء احكام فى الواقع بعدد آراء المجتهدين.

حاصله:ان الشارع الاقدس لمّا كان عالما بما يودّى اليه آراء المجتهدين فقد انشاء احكاما فى الواقع-بعدد آرائهم-قبل ادّاء اجتهاداتهم اليها لعلمه تعالى بآرائهم و أنّ حكم كل واحد منها هو الذى

ص:65

ادّى اليه ظن المجتهد واقعا اذ المجهول فى حقه ازلا هو المطابق لما ادّى اليه ظنه.

و اورد المصنف على التصويب بهذا المعنى بانه و ان كان معقولا فى نفسه لكن لا سبيل للالتزام به لوجهين.

احدهما:تواتر الاخبار على ان له تبارك و تعالى فى كل واقعة حكما واحدا يشترك فيه الكل،سواء ادّى اليه الاجتهاد المجتهد ام لا و ليس للواقعة الواحدة احكام متعددة حتى يتجه التصويب بهذا المعنى و من المعلوم ان الخبر المتواتر يفيد العلم بالواقع.

ثانيهما:اجماع اصحابنا على وحدة الحكم الواقعى المشترك بين الكل و الاجماع حجة.

الثانى:ان يكون معنى التصويب الالتزام بانشاء احكام على طبق الآراء بعد ان ادّت اليهما الاجتهادات ففتاوى المجتهدين مطابقة لتلك الانشاءات و مرجع هذا الوجه الى كون راى المجتهد موضوعا لحدوث الحكم واقعا فلا حكم فى الواقع غير ما ادّت اليه الامارة القائمة عند المجتهد فالاحكام تابعة لآراء المجتهدين و لا حكم قبل حدوث الراى لهم و هذا هو المعبّر عنه بالتصويب الاشعرى.

و رده المصنف بانه غير معقول لاستلزامه الدور و هو توقف الانشاء على الاجتهاد و توقف الاجتهاد عليه.

اما توقفه على الاجتهاد فلان المفروض فى ترتب الانشائات

ص:66

الواقعية على اجتهادات المجتهدين و كون اجتهاداتهم بالنسبة الى الانشائات الواقعية كالموضوع بالنسبة الى الحكم فى الترتب.

و اما توقف الاجتهاد على تلك الاحكام الانشائية فلان الاجتهاد عبارة عن استفراغ الوسع فى تحصيل الظن بالحكم الشرعى و من المعلوم تاخر الظن-كالعلم-عما متعلق به تاخر العرض عن معروضه فالاجتهاد المؤدّى الى الظن بالحكم لا بد و ان يتاخر رتبة عن ذلك الحكم و الا فلا يصدق حد الاجتهاد على الاجتهاد الموجب لوجود الحكم قبله.

الثالث:ان يكون المراد من التصويب بالنسبة الى الحكم الفعلى لا جميع مراتب الحكم و بيانه:ان للحكم الواقعى فى كل واقعة مراتب اربع:الاقتضاء و الانشاء و الفعلية و التنجز و له تعالى فى الواقع احكاما مجعولة حسب فيها من المصالح المقتضية لجعلها و هى التى تحكى عنها الامارات الا ان قيام الامارة سبب لحدوث مصلحة فيما ادّت اليه اقوى ممّا فيه من المصلحة الواقعية و لذا يكون الحكم الفعلى المجعول على طبق الامارة و مؤداها دون الواقع.لان الاحكام الواقعية ليست بفعلية بل هى صورية و انشائية و لا تتصف بالفعلية الا فيما اذا ادّت الامارة اليها فمن لم يقع عنده امارة على الحكم لم يكن حكم فعلى فى حقه و هذا المعبر عنه بالتصويب المعتزلى.

و حكم هذا التصويب و ان كان امرا معقولا فى نفسه فانه لا مانع من

ص:67

ان تكون الاحكام الواقعية انشائية تتوقف فعليتها على قيام الامارة على طبقها و ان تكون مختصة بالعالمين بها دون الجاهلين نظير اختصاص بعض الاحكام ببعض المكلفين دون بعض كاحكام النساء المختصة بهن دون الرجال.

و الذى يرد على هذا المعنى للتصويب امور عمدتها امران:

احدهما:بطلان المبنى للاجماع على ان الامارة لا تكون مغيّرة للواقع.

ثانيهما:ما ادعى الشيخ الانصارى:ان وجود الحكم المشترك بين العالم و الجاهل مما تواترت عليه الاخبار و الاثار.

و حيث انك قد عرفت بطلان جميع انحاء التصويب فالحق مع ما عليه الاصحاب(قدس الله اسرارهم)من القول بالطريقية و عدم كون الامارة مغيّرا للواقع و ان الامارة تنجز الواقع عند الاصابة و تعذر عنه عند المخالفة و اختلاف العالم و الجاهل انما يكون فى مرتبة التنجز على المشهور و قد تقدم الكلام فى معنا الطريقية و الحجية فى اوائل بحث الامارات غير العلمية فراجع.(1)

ص:68


1- (1) -فارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول للمؤلف،ج 2.

الكلام فى اضمحلال الاجتهاد السابق فصل:اذا اضمحلّ الاجتهاد السابق بتبدل الراى الاول بالاخر او بزواله بدونه فلا شبهة فى عدم العبرة به...الخ.

اشارة

حكم المصنف بلزوم تطبيق الاعمال اللاحقة على الاجتهاد الثانى بلا اشكال و بالنسبة الى الاعمال اللاحقة فصّل بين القول بطريقية الامارات و موضوعيتها و ذكر للمسألة صورا اربع:

الصورة الاولى:ان يكون الاجتهاد الاول موجبا للقطع بالحكم ثم زال و تبدل براى آخر.و مقتضى القاعده حينئذ ترتيب آثار البطلان على الاعمال اللاحقة المخالفة للاجتهاد الاول.

فان كانت عبادة كالصلاة التى اتى بها بدون جلسة الاستراحة مثلا و افتى لا حقا بوجوبها-وجبت اعادته.

او ان كانت معاملة و كان العوضان او احدهما موجودا بحيث يكون احدهما او كلاهما موردا للابتلاء فعلا-كما اذا اشترى لحم حيوان قطع اثنان من اوداجه و كانت فتواه الاولى كفاية قطعهما فى التذكية و كان ذلك اللحم موجود حال فتواه الثانية،و هى عدم كفاية قطعهما و لزوم فرى الاوداج الاربعة فى التذكية-فاللازم ترتيب آثار البطلان على تلك المعاملة.

ص:69

الصورة الثانية:ان الاجتهاد الاول اذا كان موجبا للظن بالحكم الشرعى الناشى من امارات معتبرة غير علمية فمقتضاه كالصورة الاولى هو بطلان الاعمال السابقة لكن لا على جميع المبانى فى حجية الامارات بل بناء على مبنيين:احدهما:حجيتها من باب الطريقية الصرفة بلا جعل حكم تكليفى فى موردها و ثانيهما:حجيتها من باب الطريقية مع الالتزام بجعل احكام طريقية لها.

فبناء على كل من هذين المسلكين فى حجية الامارات تشترك الامارة غير العلمية مع القطع فى بطلان الاعمال السابقة فى غير العبادات التى قامت ادلة على الاجزاء فيها و الوجه فى البطلان اما بناء على الطريقية المحضة فلوضوح عدم حكم تكليفى ظاهرى مماثل للواقع حتى يندرج فى اجزاء الامر الظاهرى عن الواقعى.

و اما بناء على جعل احكام طريقية فلان الحكم الطريقى الناشى عن مصلحة فى سلوك الامارة لا يمسّ كرامة الواقع و لا يجبر مصلحته فالواقع باق على حاله و تجب موافقته بعد خطأ اجتهاد الاول.

الصورة الثالثة:ان الاجتهاد الاول ان كان مستندا الى الامارات غير العلمية-و بنينا على اعتبارها من باب السببية-فلا بد من الالتزام بصحة الاعمال السابقة الواقعة على طبق الاجتهاد السابق،سواء أكانت عبادة ام معاملة،اذ بناء على الموضوعية يكون مودى الامارة حكما حقيقيا و يصير تبدل الراى من صغريات تبدل الموضوع

ص:70

كصيرورة المسافر حاضرا اذ المفروض حدوث مصلحة فى نفس قيام الامارة توجب العمل بها فلا تكليف بالواقع حتى يبحث عن لزوم تداركه و استيفاء مصلحته عند قيام امارة اخرى و عدم لزومه لكون تبدل الراى من قبيل تبدل الموضوع لا من قبيل انكشاف الخلاف اذ المفروض عدم اعتبار الامارة لاجل طريقتها للواقع بل المصلحة فى العمل بها.

الصورة الرابعة:و هى ما اذا كان الاجتهاد الاول مستندا الى اصل عملى تعبدى لا الى دليل اجتهادى و لا الى قطع بالحكم الواقعى كما كان ذلك فى الصور الثلاث المتقدمة.

و حاصل ما افاده:ان الاجتهاد السابق ان كان مستندا الى الاستصحاب او البراءة النقلية و قد ظهر خطأوه فى الاجتهاد الثانى- لظفره بدليل على الخلاف-فمقتضى القاعدة صحة الاعمال السابقة لكونها مطابقة لوظيفته فى تلك الحال و المفروض اجزاء الحكم الظاهرى كما تقدم فى بحث الاجزاء(1) و عليه فالصورة الرابعة كالصورة الثالثة فى صحة الاعمال السابقة و عدم وجوب اعادتها.

ص:71


1- (1) -فارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول للمؤلف،ج 1.

تفصيل صاحب الفصول فى المسئلة

قد فصل صاحب الفصول على ما استظهره المصنف منه بين الاحكام و متعلقاتها-بالاجزاء اذا كان الاجتهاد السابق متعلقا بمتعلقات الاحكام و بعدم الاجزاء اذا كان متعلقا بنفس الحكم الشرعى.

فقد استدل عليه بوجهين الاول:ان الوقائع التى هى محطّ الفتوى لا تتحمّل اجتهادين و لو بحسب زمانين.لان فيها واقعا محفوظا لا يتغيّر باجتهاد المجتهدين.بخلاف الاحكام فانها تتحمّل اجتهادين لكثرة موارد عدول المجتهدين عن رأى الى آخر.

الثانى:ان البناء على بطلان الاعمال السابقة و لزوم اعادتها-ان كانت عبادة-يوجب العسر المخل بالنظام و يبعث على المخاصمة بين الانام و هذا محذور باطل عقلا و شرعا و كل ما يوجب ذلك باطل ايضا فلا بد من البناء على صحة الاعمال السابقة حتى لا يلزم هذا المحذور العقلى.

و اجاب المصنف عنهما اما عن الاول فببطلان الفرق بين الموضوع و الحكم و ذلك لان الواقع فى كل من الموضوع و الحكم واحد اذ مفروض الكلام هو اعتبار الامارات غير العلمية على الطريقية

ص:72

لا الموضوعية-التى توجب حدوث ملاك فى نفس المؤدى بقيام الامارة-حتى تختلف الاحكام باختلاف الآراء و الاجتهادات.

و مقتضى الطريقية هو وجوب اعادة الاعمال السابقة على طبق الاجتهاد الثانى مطلقا سواء اكان الاجتهاد متعلقا بالموضوع ام بالحكم فاذا انكشف خطا الاجتهاد المتعلق بالموضوع وجب ترتيب آثار البطلان على الاعمال السابقة كانكشاف خطا الاجتهاد المتعلق بالحكم.

و عن الثانى بوجهين

احدهما:ان الدليل اخص من المدعى لان العسر لا يلزم دائما بل احيانا ضرورة ان الاعادة انما تلزم اذا لم يكن فتوى الاولى مطابقة للاحتياط و لا وجه للاعادة كما اذا صلى مع جلسة الاستراحة.

و ثانيهما:عدم اختصاص لزوم العسر بالمتعلقات فقط بل يجرى ذلك فى الاحكام ايضا فاذا اجتهد عدم وجوب شى مثلا او عدم نجاسته ثم رجع عن ذلك و عرف وجوبه او نجاسته وجب عليه اتيان ذلك الواجب اعادة او قضاء او وجب الاجتناب عن كل ما لاقى ذلك النجس الذى لم يعامل معه معاملة النجاسة او تطهير كل ما لاقاه مما هو محل ابتلائه فعلا و هذا مما يودى الى العسر و الحرج بلا شبهة.

و استدل للاجزاء مطلقا بوجهين:الاول:ان الاجتهاد الثانى كاجتهاد الاول و لا فرق بينهما فكما انه يجب اتباع الاجتهاد الثانى

ص:73

و ترتيب الاثر عليه كذلك يجب اتباع الاول و ترتيب الاثر عليه بعدم الاعادة الاعمال السابقة.

الثانى:ان الحكم الشرعى تابع لراى المجتهد فاذا تبدل الراى يتبدل الحكم لا انه ينكشف عدمه.

و فيهما نظر:اما الاول:فلان كون الاجتهاد الاول كالثانى ممنوع لانه بعد انكشاف فساد الاجتهاد الاول و كشف عدم حجية مدرك الحكم الاول بالاجتهاد الثانى لا سبيل الى ان يقال ان الاجتهاد الثانى كالاول.

و اما الثانى:فلانه انما يتم بناء على السببية التى لا يقول بها العدلية و الا فالحكم الواقعى لا معنى لتبدله.

و استدل للاجزاء فى خصوص الامارات الشرعية الجارية فى متعلقات الاحكام بان دليل حجية الامارة حاكمة على ادلة الاجزاء و الشرائط و يوجب توسعة فى الجزء و الشرط فيكون النتيجة ان الجزء و الشرط اعم من الظاهر و الواقع.

و فيه:ان فى هذا المورد من الحكومة حيث ان دليل الحاكم و المحكوم فى مرتبتين فان دليل الجزء ناظر الى حكم واقعى و الامارة ناظرة الى الحكم الظاهرى فالتوسعة لا تكون الا ظاهرية و لزوم ذلك ترتيب آثار الواقع ما لم ينكشف الخلاف.

و بذلك يظهر الجواب عما استدل به المصنف للاجزاء فى الصورة

ص:74

الرابعة من الاصول العملية هذا كله بحسب القواعد و اما بسبب الادلة فمقتضى حديث(لا تعاد الصلوة)الاجزاء فى خصوص الصلاة فى غير الخمس المستثناة فى الحديث بناء على ما هو الحق من شموله لموارد الجهل عن قصور كما حقق فى محله.

ص:75

الكلام فى التقليد فصل:فى التقليد و هو اخذ قول الغير للعمل به فى الفرعيات ...الخ.

التقليد فى اللغة بمعنى تعليق القلادة فى العنق قال ابن المنظور و منه التقليد فى الدين و تقليد الولاة الاعمال و تقليد البدن:بان يجعل فى عنقها شعار يعلم به انها هدى فيقال تقلد السيف اى.القى حمالته فى عنقه و فى حديث الخلافة قلدها رسول الله(ص)عليا(ع)اى جعلها قلدة له فمعنى ان العامى قلّد المجتهد انه جعل اعماله على رقبة المجتهد و عاتقه و أتى بها استنادا الى فتواه.

اذا عرفت هذا فاعلم اختلفت كلماتهم فى حقيقة التقليد و العمدة منها ثلاث و البقية ترجع الى احداها.

اولها:الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين و ان لم يعمل بعد.

ثانيها:اخذ قول الغير و رأيه للعمل به فى الفرعيات.

الثالث:العمل المستند الى فتوى مجتهد.

و استدل المصنف لكون التقليد هو الالتزام او الاخذ بقول الغير و عدم كون التقليد هو العمل بان التقليد ان كان عبارة عن نفس العمل المستند الى فتوى المجتهد دون الاخذ لزم صدور اول الاعمال

ص:76

بلا تقليد مع ان اللازم وقوع العمل عن تقليد و هذا يتوقف على تقدم التقليد رتبة على العمل.

فكما ان المجتهد يستند الى اجتهاده و هو امر سابق على عمله كذلك العامى لا بد يستند الى التقليد و يلزم ان يكون تقليده سابقا على عمله.

و فيه اولا:ان عنوان التقليد ينطبق على نفس العمل كعنوان التعظيم الذى ينطبق على نفس القيام مثلا فلا يتوقف وقوع العمل تقليدا على سبق التقليد.

و بعبارة أخرى:ان التقليد لون و عنوان للعمل فهو امر مقارن معه و لا يعتبر فيه السبق زمانا فاذا عمل المكلف عملا مستندا الى فتوى الغير كان ذلك العمل مقرونا بالتقليد لا محالة و هو كاف فى صحته و لا دليل على اعتبار سبق التقليد على العمل.

و ثانيا:انه لم يدل دليل على تقابل الاجتهاد و التقليد بهذا المعنى- نعم-هما متقابلان على نحو تقابلهما للاحتياط الذى هو عنوان للعمل قطعا و قد يورد على تفسير التقليد بالعمل بان ذلك مستلزم للدور لان وقوع العمل عبادة تتوقف على قصد القربة و قصد القربة يتوقف على العلم بكونه عبادة فلو توقف العلم بكونه عبادة على وقوعها لكان دورا و بعبارة اخرى:ان مشروعية العبادة و صحتها من المقلد تتوقف على تقليده اذ لو لم يقلد لم يتمكن من الاتيان بها انها مأمور بها حتى تقع

ص:77

عبادة فلو كان تقليده متوقفا على اتيانه بالعبادة لعدم تحقق التقليد الا بالعمل-لدار.

و فيه:انه فرض فى الاستدلال ان العلم بكونه عبادة هو التقليد و لكن الفرض ممنوع بل العلم بذلك من مقدمات التقليد و عليه فلا يلزم محذور.

و بعبارة اخرى:مشروعية اى عمل عبادى او غيره لا يمكن ان تكون ثابتة بالتقليد لعدم كونه شرعا فى الدين بل انّما تتوقف المشروعية على الدليل و لو كان هو فتوى مقلده.

و المختار ان التقليد نفس العمل استنادا الى رآى الغير و ذلك لمناسبته معه من حيث المفهوم و مساعدة الدليل عليه اما بحسب المفهوم فلان التقليد كما ذكرناه لغة جعل الغير ذا قلادة و هذا يناسب العمل لان المقلد يجعل العمل قلادة على رقبة المفتى فان المقلد فى اعماله يتكى و يستند الى قول الغير فهو المسئول عن وجهه دون العامل المقلد و هذا المعنى غير مناسب للمعنيين الاخرين و هو الالتزام و اخذ قول الغير.

و اما بحسب الدليل فلان بناء العرف و العقلاء الذى هو المدرك لوجوب التقليد على وجوب العمل على طبق قول العالم لا الالتزام بقوله او الاخذ بوجوده العلمى بان يحفظه عن وراء قلبه او الكتبى-و كذلك آية النفر الدالة على وجوب التحذر عقيب انذار المنذر فان

ص:78

المراد من التحذر العمل على طبق انذار المنذر بالفعل او الترك لا الالتزام و لا الاخذ-و كذا آية السؤال على فرض دلالتها.

و امّا ما يدل على وجوب الافتاء و الاستفتاء الذى يدل على وجوب التقليد التزاما فكذلك لانه يدل على القبول عملا لان المفروض فيها العمليات.

فتحصل من جميع ذلك ان حقيقة التقليد هو العمل استنادا الى راى الغير لا الاخذ و الالتزام.(1)

ص:79


1- (1) -ثمّ ان ما ذكرناه فى معنا التقليد مضافا الى انه المناسب للمعنى اللغوى قد اشير اليه فى جملة من الروايات. فمنها:معتبرة عبد الرحمان بن الحجاج:قال كان ابو عبد الله 7 قاعدا فى حلقة الرأى فجاء اعرابى فسال ربيعة الراى من مسالة فاجابه فلما سكت قال له الاعرابى:هو فى عنقك فسكت عنه ربيعة و لم يرد عليه شيئا فاعاد المسالة فاجابه بمثل ذلك فقال له الاعرابى هو فى عنقك فسكت ربيعة. فقال ابو عبد الله 7 هو فى عنقه قال او لم يقل و كل مفت ضامن. (الوسائل ج 18 باب اداب القاضى الحديث 3 و 1 ص 161). و منها:الاخبار المستضيفة الدالة على من افتى بغير علم فعليه وزر من عمل به كمعتبرة ابى عبيدة قال:قال ابو جعفر عليه السّلام من افتى الناس بغير علم و لا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل-

اذا ظهر لك حقيقة التقليد يقع الكلام فى الجواز و عدمه فنقول المشهور هو الجواز و لكن ذهب جماعة من علماء حلب الى تحريم التقليد و وجوب الاجتهاد عينا لكل احد.

و استدل للمشهور بوجوه:

منها:ما استدل به المصنف بانه قضية الفطرة و الجبلة و المراد من الفطرة ليس معناها الاصطلاحى و هى القضية التى قياستها معها بل المراد الفطرة العرفية و هى مساوقة للجبلة بقرينة المرادفة.

و فيه:ان قضية الفطرة من جهة شوق النفس الى كمال ذاتها و قواها هى ازالة الجهل بالرجوع الى العالم.اما التعبد بقوله عملا مع بقاء الجهل فليس من قضية الفطرة.

و منها:بناء العقلاء على رجوع الجاهل الى اهل الخبرة فى كل فن و

ص:80

لم يردع الشارع عنه بالامضاء و هذا هو العمدة فى الدليل.

و منها سيرة المتدينين قال فى الفصول:و جريان طريقة السلف عليه من غير نكير.

و فيه:يمكن ان تكون من جهة انهم عقلاء بلا دخل لكونهم متدينين فى ذلك حتى يكون عدم الردع دليلا على امضائها و عليه فليست سيرتهم هذه حجة تعبدية على جواز التقليد لجريان هذه السيرة بين المتشرعة المسلمين و لا اختصاص لها بالمتدينين من الامامية بل عوام اليهود و النصارى يرجعون الى الاحبار و القسيسين لمعرفة احكام شريعتهم.

و منها:الاجماع و قد ادعاه جمع من القدماء و المتاخرين.

قال السيد:و الذى يدل على حسن تقليد العامى للمفتى:انه لا خلاف بين الامة قريبا و حديثا فى وجوب رجوع العامى الى المفتى...و من خالف فى ذلك كان خارقا للاجماع.

و قال شيخ الطائفة فى الفصل الذى عقده لذكر صفات المفتى و المستفتى و بيان احكامهما ما لفظه:

و الذى نذهب اليه انه يجوز للعامى الذى لا يقدر على البحث و يفتونهم العلماء فيها و يسوّغون لهم العمل بما يفتونهم به و ما سمعنا احدا منهم قال لمستفت لا يجوز لك الاستفتاء و لا العمل به بل ينبغى ان تنظر كما نظرت و تعلم كما علمت و لا انكر عليه العمل بما يفتونهم

ص:81

و قد كان منهم الخلق العظيم اثروا(عاصروا)الائمة و لم يحك عن واحد عن الائمة النكير على احد من هولاء و لا ايجاب القول بخلافه بل كانو يصوّبونهم فى ذلك فمن خالف فى ذلك كان مخالفا لما هو المعلوم خلافه.(1)

و قال المحقق:لنا اتفاق علماء الاعصار على الإذن للعوام فى العمل بفتوى العلماء من غير تناكر و قد ثبت ان اجماع اهل كل عصر حجة.(2)

و قد اعتمد الشيخ عليه فى الحكم بجواز التقليد حيث قال لكن العمدة من هذه الادلة الاجماع و السنة.

و لكن المصنف ناقش فيه بما حاصله:ان الاجماع اما محصل و اما منقول اما الاول فلا سبيل لدعواه بحيث يكون كاشفا عن راى المعصوم لاحتمال الاستناد الى بعض الوجوه الاخر فى المسالة اما الثانى-اعنى به الاجماع المنقول-فيرد عليه بوجهين.

احدهما:امتناع تحقق اصل الاجماع التعبدى فى المسالة مع وجود حكم العقل المستقل برجوع الجاهل الى العالم.

ثانيهما انه لو فرض تحقق الاجماع الكاشف عن راى المعصوم عليه السّلام

ص:82


1- (1) -عدة الاصول 115/2.
2- (2) -معارج الاصول،ص 197.

لمدعى الاجماع كالسيد و الشيخ و غيرها.

اشكل اعتمادنا عليه لكونه بالنسبة الينا اجماعا منقولا و قد تقرر عدم حجيته فى شىء من الموارد.

و منها آية النفر:حيث انها تدل على حجية انداز المنذرين كما ذكرناه فى مبحث حجية الخبر(1) من ان اطلاق وجوب الانذار يقتضى اطلاق وجوب التحذر و ان لم يحصل العلم منه فلا وجه لدعوى اختصاصها بما اذا حصل العلم منه و ذكرنا ان ظاهر آية الانذار بما علم به المنذر لا الانذار بالحكم الواقعى فلا يرد عليه ان الاية تدل على لزوم التحذر عند العلم بكون ما انذر به حكما واقعيا.

و قلنا ان الاية بقرينة صدرها ليتفقهوا فى الدين ظاهره فى ارادة الانذار الضمنى الذى هو وظيفة المفتى فالايراد عليها باختصاصها بالواعظ و المرشد لان الانذار وظيفتهما فى غير محله و قلنا ان تطبيق الاية على اصول العقائد لا ينافى حجية الفتوى فلا مورد للايراد عليها بتطبيقها على اصول العقايد فى بعض الاخبار و ذكرنا ان الاية ادل على حجية الفتوى من حجية الخبر من جهة اشتمال صدر الاية على التفقة و تمام الكلام موكول الى محله و بما ذكرناه يظهر الجواب عن مناقشة المصنف فى الاية بان يكون الارجاع لتحصيل العلم لا الاخذ تعبدا.

ص:83


1- (1) -فارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول ج 2 للمؤلف.

و منها:آية السؤال:حيث دلت على وجوب السؤال عند العمل و من الظاهر ان السؤال مقدمة للعمل فمعنى الاية المباركة فاسألوا اهل الذكر لاجل ان تعملوا على طبق الجواب لا ان المقصود الاصل هو السؤال فى نفسه لوضوح انه لغو لا اثر له فدلت الاية على جواز رجوع الجاهل الى العالم و هو المعبر عنه بالتقليد و على حجية فتوى العالم على الجاهل لانه لو لم يكن قول العالم حجة على المسائل لا صبح الامر بالسئوال عنه لغوا ظاهرا.

و ناقش المصنف بان المسئول فى الاية هم اهل الكتاب من جهة اطلاق الذكر على التوراة فى قوله تعالى:

(وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) و اهل الذكر حينئذ هم احبار(1) اليهود او اهل البيت العصمة الاطهار كما فسر به فى

ص:84


1- (1) -يرد عليه بانه لا يجوز رفع اليد عن ظهور الاية فى العموم بالسياق و الشاهد عليه امور منها:بان المرفوع فى حديث الرفع الموضوعات فان الاضطرار و الاكراه يتعلق بالموضوعات و مع ذلك لم يقل احد بتخصيص ما لا يعلمون بالموضوعات بقرينة السياق. و منها ان آية الخمس ترد فى مورد الجهاد نصا و فتوائا و عموم الغنيمة التى كانت مطلق الفائدة لا تنحصر بواسطة السياق بالغنائم الحرب. و منها:لو ورد امر فى سياق المندوبات مثل اغتسل الجمعة و الجنابة لا نرفع-

الاخبار(1) و الايراد الثانى عليها بانه لا اطلاق لها من حيث التعبد بقوله و ان لم يحصل العلم منه و لعلّه كان الامر بالسئوال من جهة

ص:85


1- (1) -فمن الاخبار المبيّنة للمراد من الاية ما رواه ابن بابويه قال:حدثنا على بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميرى عن ابيه عن الريان بن الصلت قال حضر الرضا عليه السّلام مجلس المامون قد اجتمع اليه فى مجلسه جماعة من علماء العراق و خراسان و ذكر الحديث الى ان قال فيه الرضا عليه السّلام فنحن اهل الذكر الذين قال الله فى كتابه فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. فنحن اهل الذكر فاسالونا ان كنتم لا تعلمون. فقالت العلماء:انما عنى بذلك اليهود و النصارى. فقال ابو الحسن:سبحان الله و هل يجوز ذلك. اذا يدعونا الى دينهم و يقولون هو افضل من دين الاسلام فقال المامون فهل عندك شرح بخلاف ما قالوا يا ابا الحسن فقال نعم:الذكر رسول الله و نحن اهله و ذلك بيّن فى كتاب الله تعالى حيث يقول فى سورة الطلاق(فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ)فالذكر رسول الله و نحن اهله.(تفسير البرهان 371/1.)

تحصيل العلم.

و منها:الروايات الدالة على جواز العمل بالتقليد و حجية الفتوى فى الفروع و هى كثيرة بالغة حد تواتر الاجمالى و ان لم تكن متواترة مضمونا و تلك الاخبار على طوائف:

الاولى:الاخبار الناهية عن الافتاء بغير علم و عن القضاء بالرأى و الاستحسان و المقائيس و هى تدل على حرمة الافتاء بمثل القياس و الاستحسان و نحوهما مما هو متداول عند المخالفين لانه من الافتاء بغير علم كما انها تدل على جواز الافتاء عن مدرك صحيح.

منها:خبر ابن رئاب عن ابى عبيدة قال:قال:ابو جعفر من افتى الناس بغير علم و لا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه.

و منها خبر عبد الرحمن بن الحجّاج قال:قال لى ابو عبد الله عليه السّلام اياك و خصلتين ففيهما هلك من هلك ايّاك ان تفتى الناس برايك او تدين بما لا تعلم.

و منها:خبر السّكونى عن ابى عبد الله عليه السّلام قال:قال رسول الله:

يعذّب الله اللسان بعذاب لا يعذّب به شيئا من الجوارح فيقول اى ربّ عذّبتنى بعذاب لم تعذّب به شيئا فيقال له خرجت عنك كلمة فبلغت مشارق الارض و مغاربها فسفك بها الدم الحرام.

و انتهب بها المال الحرام و انتهك بها الفرج الحرام و عزّتى

ص:86

لا عذّبنّك بعذاب لا اعذّب به شيئا من جوارحك.

و منها خبر جعفر عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:سالت ابا عبد الله عن مجالسة اهل الراى فقال جالسهم و اياك خصلتين تهلك فيهما الرجال:ان تدين بشى من رايك او تفتى الناس بغير علم.

و منها:خبر موسى بن بكر قال:قال ابو الحسن عليه السّلام من افتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الارض و ملائكة السماء و منها خبر-الحسن بن شعبه فى تحف العقول عن النبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:من افتى الناس بغير علم فليتبوء مقعده من النّار.(1)

ص:87


1- (1) -الوسايل ج 18 ابواب صفات القاضى باب 4 حديث 1 و 3 و 4-39-31 و 33 ص 19 الى 16.

الطائفة الثانية:

الاخبار المشتملة على الامر الصريح بافتاء بعض اصحابهم.

كقوله عليه السّلام لابان بن تغلب:اجلس فى مجلس المدينة و افت الناس فانى احب ان يرى فى شيعتى مثلك.(1)

و منها:خبر معاذ بن مسلم النحوى عن ابى عبد الله قال:بلغنى انك تقعد فى الجامع فتفتى الناس قلت:نعم واردت ان اسالك عن ذلك قبل ان اخرج،انى اقعد فى المسجد فيجى الرجل فيسألنى عن الشى فاذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون و يجى الرجل اعرفه بمودتكم و حبّكم اخبره بما جاء عنكم و يجيئنى الرجل لا اعرفه و لا ادرى من هو فاقول جاء عن فلان كذا او جاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما ما بين ذلك.فقال عليه السّلام لى:اصنع كذا فانّى كذا اصنع.(2)

و لا يخفى ظهور الجملة الاخيرة فى مطلوبية الافتاء بمعالم الدين و بيان الاحكام الشرعية حتى لو كان متوقفا على ذكر آراء ائمة الضلال فان المهم بنظر الامام عليه السّلام بيان الاحكام الواقعية و اقامة الحجة على العباد لئلا يعتذروا عن مخالفة الواقع.

ص:88


1- (1) -رجال نجاشى ص 8-7
2- (2) -الوسائل ج 18 ب 11 ج 36 ص 108.

و منها ما رواه عبد السلام بن صالح الهروى قال سمعت الرضا عليه السّلام يقول رحم اللّه عبدا أحيى أمرنا فقلت و كيف يحيى امركم قال يتعلم علومنا و يعلمّها النّاس الحديث.(1)

و دلالته على المطلوب واضحة فان دعاءه عليه السّلام لمن احيى امرهم دليل على مطلوبية التعليم المنطبق على بيان الاحكام الفرعية فيدل على وجوب القبول لئلا يلزم لغوية مطلوبية التعلم.

الطائفة الثالثة:الاخبار المشتملة على ارجاع الناس الى اشخاص معيّنين من فقهاء الرواة لا الى رواياتهم حتى يقال بدلالتها على حجية ما يرويه الثقة خاصة.

منها:رواية على بن يقطين عن الرضا عليه السّلام:قال:قلت:لا اكاد اصل اليك اسالك عن كل ما احتاج اليه من معالم دينى افيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم دينى فقال نعم.(2)

و منها:رواية على بن المسيّب الهمدانى قال قلت للرضا عليه السّلام شقتى بعيدة و لست اصل اليك فى كل وقت فممّن اخذ معالم دينى قال من زكريا بن آدم القمى مامون على الدين و الدنيا.(3)

ص:89


1- (1) -الوسائل.ج 11 ص 102.
2- (2) -الوسائل،ج 18،ب 11،ح 33،ص 107.
3- (3) -الوسائل،ج 18،ب 11،ح 27،ص 106.

و ظاهر الامر بالاخذ من زكريا هو وجوب العمل بما يقوله سواء اكان قوله متن الحديث ام فتوى مستفادة من جمع بين حديثين او من تطبيق قاعدة كلية على مورد السئوال.

و منها:صحيح احمد بن اسحاق عن ابى الحسن عليه السّلام قال سالته و قلت من اعامل و عمّن آخذ و قول من اقبل فقال العمرى ثقتى فما ادّى اليك فعنّى يودّى و ما قال لك فعنّى يقول فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون قال و سئلت ابا محمد عليه السّلام عن مثل ذلك فقال العمرى و ابنه ثقتان فما ادّيا فعنّى يودّيان و ما قالا لك فعنّى يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المامونان.(1)

و السائل هو احمد بن اسحاق القمى و ان كان من اجلّة صحابتهم لكن لا ينافى ذلك استعلامه من الامام المعصوم عمّن يصلح للافتاء و اخذ معالم الدين منه و ظاهر الجواب انهما عليهما السّلام ارجعاه الى العمرى و ابنه و لا يخفى ان قوله عليه السّلام فما ادّيا اليك فعنّى يودّيان لا يختص بنقل الاحاديث بل يعم الفتوى ايضا فان الافتاء المستند الى احاديثهم يصدق عليه انه ادّاء عنهم و عليه فلا تكون كلمة(عنى يودّى)قرينة على ارادة ثوثيق العمرى كى يختص مدلول هذه صحيحة بحجية خبر الثقة.

ص:90


1- (1) -الوسائل.ج 18 ب 11 ح 4 ص 99.

و منها:صحيح شعيب العقرقوفى قال قلت لابى عبد الله ربّما احتجنا ان نسال عن الشى فمن نسأل قال عليك بالاسدى يعنى ابا بصير.(1)

و منها:خبر يونس بن يعقوب فقال كنا عند ابى عبد الله عليه السّلام فقال امالكم من مفزع امّا لكم من مستراح تسترحيون اليه ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النفرى.و ظاهر المفزع و المستراح هو الذى يرجع اليه فى معرفة الاحكام الشرعية.(2)

و منها:خبر ابى تراب الرويانى قال سمعت ابا حماد الرازى يقول دخلت على على بن محمد عليهما السّلام بسرّ من راى فسالته عن اشياء من الحلال و الحرام فأجانبى فيها فلمّا ودّعته قال لى:يا حمّاد اذا اشكل عليك شىء من امر دينك بناحيتك فاسئل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسنى و اقرأه منى السلام.(3)

الطائفة الرابعة:المشتملة على الارجاع و الاعتماد الى عنوان من العناوين المنطبقة عليهم كالامر بالاعتماد على كل مسنّ فى حبّهم و كثير القدم فى امرهم و رواة احاديثهم.

ص:91


1- (1) -الوسائل ج 18،ب 11،ح 15،ص 103.
2- (2) -الوسائل ج 18،ب 11،ح 24،ص 105.
3- (3) -مستدرك ج 3،ب 11،ج 31 ص 189.

و منها خبر احمد بن حام بن ماهوية:قال كتبت اليه-يعنى ابا الحسن الثالث-اساله عمّن آخذ معالم دينى و كتب اخوه ايضا بذلك فكتب اليهما:فهمت ما ذكرتما فاصمدا فى دينكما على كل مسّن فى حبّنا و كل كثير القدم فى امرنا فانهما كافو كما ان شاء الله تعالى و المقصود بالمسنّ فى حبّهم و كثير القدم فى امرهم هو الذى تفقه عندهم و ظاهر الامر بالرجوع الى مثله قبول قوله و العمل به سواء اكان جواب هذا الفقيه بقراءة لفظ الحديث الصادر عنهم ام باجتهاده بالجمع بين خبرين احدهما ظاهر و الاخر اظهر او بتطبيق قاعدة كلية متلقاة منهم عليهم السّلام على مورد السؤال او غير ذلك.

و الارجاع فيها الى الفقيه بما هو فقيه فى الدين لا الارجاع الى الفقيه بما هو راو لحديثهم كما فى مثل قوله عليه السّلام امّا ما رواه زرارة عن ابى جعفر فلا يجوز لك ان تردّه حتى تختص هذه الرواية بحجية خبر الامامى العدل.

و منها:خبر على بن سويد السابى قال كتب الىّ ابو الحسن عليه السّلام و هو فى السّجن و اما ما ذكرت يا على ممّن تاخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فانّك ان تعدّيتهم اخذت دينك على الخائنين الذين خانوا الله و رسوله و خانوا اماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه و بدّلوه فعليهم لعنة الله و لعنة رسوله و لعنة ملائكته و لعنة

ص:92

آبائى الكرام البررة و لعنتى و لعنة شيعتى الى يوم القيامة.(1)

فان الشيعى الذى يجب اخذ معالم الدين منه هو الفقيه المتمسك بالكتاب و السنة و لا يعمل بالراى و القياس و الامر باخذ معالم الدين من هذا الفقيه الامامى المستفاد من النهى عن الاخذ عن غير الامامى ملازم لوجوب القبول و هذا هو التقليد المبحوث عنه.

و منها:التوقيع المبارك من الناحية المقدسة الى اسحاق بن يعقوب كما رواه الشيخ فى كتاب الغيبة.

و فيه:اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم و انا حجة الله.(2)

فان الامر بالرجوع الى رواة حديثهم يدل على وجوب اتباع قول العلماء و حرمة ردّه.

و بيانه:ان فى اداة التعريف فى كلمة الحوادث احتمالين:

الاول:ان تكون للاستغراق،فالمقصود هو الارجاع الى رواة احاديثهم فى كل ما يصحّ ان يرجع اليهم و من المعلوم شمول هذا العنوان لكل من الشبهة الحكمية و الموضوعية.

الثانى:ان يكون اللام للعهد الى خصوص الحوادث التى سألها

ص:93


1- (1) -المصدر السابق،ح 42،ص 106.
2- (2) -ج 18،ب 11،ح 9،ص 101.

إسحاق بن يعقوب و عليه يكون ارجاعه عليه السّلام اياه الى رواة الاحاديث فى شبهات المعينة و وقائع محدودة لكن التعليل بقوله فانهم حجتى عليكم واف باثبات عموم حجية اقوال العلماء لدلالته على حجية اقوالهم فى جميع ما ينبغى الرجوع فيه الى الامام المعصوم.

و عليه فليس المقصود ارجاع عوام الشيعة الى خصوص رواياتهم حتى يقتصر فيه على حجيته ما يرويه رواة الاحاديث بل المقصود الارجاع الى اشخاص الرواة و من المعلوم انطباقه على الفقهاء و المجتهدين فى عصر الغيبة.

الطائفة الخامسة:المشتملة على تقرير الائمة المعصومين للافتاء بالاحكام الشرعية.

منها:مرفوعة ابراهيم بن هاشم:سالت امراة ابا عبد الله عليه السّلام فقالت انى كنت اقعد من نفاسى عشرين يوما حتى افتونى بثمانية عشر يوما فقال عليه السّلام لم افتوك بثمانية عشر يوما.

فقال رجل:للحديث الذى روى عن رسول الله قال لاسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن ابى بكر فقال ابو عبد الله ان اسماء سالت رسول الله و قد اتى بها ثمانية عشر يوما و لو سالته قبل ذلك لامرها ان تغتسل و تفعل ما تفعله المستحاضة.(1)

ص:94


1- (1) -وسائل ج 2 ب 3 ج 7 ص 613.

و ظاهر تقريره عليه السّلام لاصل التقليد و اخذ الحكم من العارف به لكنه عليه السّلام خطّأ فتوى ذلك الرجل الذى افتى بالنفاس مدة ثمانية عشر يوما اعتمادا على قصة اسماء بنت عميس.

و منها:خبر على بن اسباط قلت للرضا عليه السّلام يحدث الامر لا اجد بدّا من معرفته و ليس فى البلد الذى انا فيه احد استفتيه من مواليك فقال ائت فقيه البلد فاستفته عن امرك فاذا افتاك بشى فخذ بخلافه فان الحق فيه.(1) لظهوره فى استقرار سيرة الشيعة فى عصر الحضور عن الاستفتاء من فقهاء الاصحاب و عملهم بما يفتونهم و لم يردع عليه السّلام عن هذه السيرة و انما ارشد السائل الى طريق معرفة الحكم عند تعذر الوصول الى فقهاء الشيعة.

الطائفة السّادسة:المشتملة على عنوان خصوص التقليد كرواية الواردة فى تفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكرى و فى الاحتجاج:قال عليه السّلام فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه.

و زعم الاكثر انها مرسلة و لذا لم يعتمد عليها فى مقام العمل و لكن ذكر صاحب الاحتجاج فى مقدمة كتابه سنده اليها قال:و من ذلك ما حدثنى به السيد العالم العابد ابو جعفر مهدى بن ابى الحرب الحسينى

ص:95


1- (1) -الوسائل:ج 18 ب 9 ح 23 ص 183.

المرعشى رضى الله عنه قال حدثنى الصدوق جعفر بن محمد بن احمد الدوريستى رحمة الله عليه قال حدثنا ابى محمد بن احمد قال حدثنى الشيخ السعيد ابو جعفر محمد بن على بن الحسن بابويه القمى رحمة الله عليه قال حدثنى ابو الحسن محمد بن قاسم المفسر الاسترآبادى قال حدثنى ابو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و ابو الحسن على بن محمد سيّار و كانا من شيعة الامامية قال حدثنا ابو محمد الحسن بن على العسكرى و حسن سنده مما لا يخفى على المتأمل و دلالته على المراد اوضح من ان يخفى.

الطائفة السابعة:المشتملة على وجوب الارجاع فى القضاء و الفتوى.

كرواية عمر بن حنظلة قال سالت ابا عبد الله عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة فى دين او ميراث فتحا كما الى السّطان و الى القضاة ايحل ذلك قال:من تحاكم اليهم فى حق او باطل فانما تحاكم الى الطاغوت و ما يحكم له فانما ياخذ سحتا و ان كان حقا ثابتا له لانه اخذه بحكم الطاغوت و ما امر الله ان يكفر به قال الله تعالى:

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قلت:

فكيف يصنعان قال:ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا و نظر فى حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخفّ بحكم

ص:96

الله و علينا ردّ و الرّاد علينا الراد على الله و هو على حد الشرك بالله.

و اورد عليها تاره بضعف السند لانه لم ينص على ابن حنظلة بثوثيق و اخرى بان الظاهر من الحاكم هو القاضى لا المفتى و لكن يرد الاول:ان الاظهر و ثاقة الرجل لتوثيق الشهيد الثانى اياه قال انّا حققنا توثيقه من محل آخر و لورود روايتين دالتين(1) عليها مع ان الاصحاب تلقوها بالقبول و لذلك سميت بالمقبولة.(2)

ص:97


1- (1) -رواهما العلامة المامقانى فى رجاله احداهما عن التهذيب و الاخرى عن الكافى.
2- (2) -و فيه:ان توثيق الشهيد لم يفيد لكونه من المتاخرين اضف الى ذلك ان مدرك توثيقه معلوم على ما نقل عن ابنه و هو عبارة عن الروايتين: الاولى:ما رواه محمد بن يعقوب عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة قال قلت لابى عبد الله:ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوفت فقال ابو عبد الله عليه السّلام اذا لا يكذب علينا.(جامع الرواة ص 633). فهى ايضا ضعيفة بيزيد بن خليفة و قد ورد فى يزيد بن خليفة ايضا رواية استدل بها على وثاقته و هى:ما رواه الكشى بسنده قال دخل على ابى عبد الله رجل يقال له يزيد بن خليفة فقال:له ممن انت فقال:من الحارث من كعب قال: ابو عبد الله ليس اهل بيت الا و فيهم نجيب او نجيبان و انت نجيب بحارث بن كعب.(رجال الكشى ص 283.)-

و يرد الثانى:بان منصب القضاء منصب للفتوى و لا عكس على ما قاله الشيخ من الملازمة بين الحكم و الفتوى.

و قد تحصل مما ذكرناه فى تقريب دلالة الطوائف السبعة من الاخبار ان جواز الافتاء عن علم و حجة يكون لغوا فى حق السائل لو لم يجب الفعل براى المفتى تعبدا.

فالعمدة الدليل على جواز التقليد بناء العقلاء و آية النفر و نصوص الواردة فى الباب.

اما ادلة القائلين بحرمة التقليد فاربعة:

الاول:الاجماع حيث قال السيد ابو المكارم فى الغنية:

فصل:لا يجوز للمستفتى تقليد المفتى لان التقليد قبيح و لان الطائفة مجمعة على انّه لا يجوز العمل الا بعلم و ليس لاحد ان يقول:قيام

ص:98

الدليل و هو اجماع الطائفة على وجوب رجوع العامى الى المفتى و العمل بقوله مع جواز الخطاء عليه يومّنه من الاقدام على قبيح و يقتضى اسناد عمله الى علم لانا لا نسلّم اجماعها على العمل بقوله مع جواز الخطاء عليه و هو موضع الخلاف بل انما امروا برجوع العامى الى المفتى فقط فاما العمل بقوله تقليدا فلا.

فان قيل:فما الفائدة فى رجوعه اليه اذا لم يجز له العمل بقوله.

قلنا:الفائدة فى ذلك ان يصير له بفتياه و فتيا غيره من علماء الامامية سبيل الى العلم باجماعهم فيعمل بالحكم على يقين يتبين صحة ذلك انتهى كلامه.(1)

و فيه:انه ادعى اولا:بقيام الاجماع على العمل بغير العلم و ثانيا:بانّ العمل بقول المفتى مع جواز الخطاء عليه موضع الخلاف.

فلا ينطبق معقد الاجماع على المورد المختلف فيه.

و ثانيا:التعليل المذكور فى كلامه و هو قبح التقليد ممنوع:لانّ العقل حاكم على قبح عمل غير مستند الى الحجة و التقليد عمل مستند الى الحجة و ثالثا:لا يمكن الاعتماد عليه لقوة احتمال مدركيته لاستدلاله عليه بان التقليد قبيح و رابعا:انه معارض بالاجماعات المدعاة المتقدمة على جواز التقليد.

ص:99


1- (1) -الجوامع الفقهية ص 486.

الدليل الثانى:العمومات الناهية عن اتباع غير العلم كتابا و سنة.اما الكتاب فكقوله تعالى:وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ و قوله تعالى:ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ .

و اما السّنة فكخبر هشام بن سالم:قال قلت لابى عبد الله ما حق الله على خلقه قال:ان يقولوا ما يعلمون و يكفّوا عمالا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادّوا الى الله حقه.

و فيه:ان النهى فى تلك الموارد ليس نهيا مولويا و انما هو ارشاد الى ما استقل به العقل اذا الظن يقترن باحتمال الخلاف فالعمل به مقرون باحتمال العقاب و دفع العقاب المحتمل مما استقل به العقل.

و قلنا فى محله ان حجيته اىّ حجة لا بد من ان ينتهى الى العلم اذ لو لم تكن كذلك لاحتمل معها العقاب و العقل مستقل بلزوم دفعه.

الدليل الثالث:ما يدل على ذمّ التقليد من الكتاب و السنة.اما الكتاب فكقوله تعالى قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ.

و امّا السنة فكخبر الحسن بن اسحاق عن الرضا عن آبائه قال:

قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله من دان بغير سماع الزمه الله البتة الى الفناء بتقريب:ان التقليد تديّن بغير سماع من النبى او الوصى و مصيره الى الفناء.

و فيه:ان محل الكلام انما هو التقليد فى الاحكام الفرعية بالاضافة الى العوام غير المتمكن من تحصيل العلم بالمسالة و الايات المباركة

ص:100

وردت فى ذم التقليد فى الاصول حيث كانوا يتبعون آبائهم فى اديانهم.

الدليل الرابع:قياس المسائل الفرعية بالاصول الاعتقادية:بتقريب:

ان المسائل الاعتقادية مع غموضها-لاحتياجها الى براهين من ابطال الدور و التسلسل و غيرهما مما يعجز عنه العامى غالبا لم يشرّع فيها التقليد و الاخذ بقول الغير فعدم تشريع التقليد فى المسائل الفرعية التى لا تكون بذلك الغموض لا بد و ان يكون اولى فيثبت بالاولوية عدم جواز التقليد فى الفروع.

و فيه اولا:ان العمل بالقياس باطل فى الشريعة فلا يمكن جعله دليلا.

و ثانيا:ان القياس هنا مع الفارق.لكون المسائل الاعتقادية التى يجب تحصيل العلم فيها معدودة و ليست كثيرة حتى يصعب تحصيل اليقين فيها فالواجب معرفة الاصول الخمسة الاعتقادية دون كثير من خصوصياتها و هذا بخلاف المسائل الفرعية فانها مما لا تحصى كثرة و لا يتيّسر الاجتهاد فعلا فى جميعها الا للاوحدى فى كلياتها و قواعدها كما هو واضح جدا.

ص:101

الكلام فى تقليد الاعلم فصل:اذا علم المقلّد اختلاف الاحياء فى الفتوى مع اختلافهم فى العلم و الفقاهة...الخ.

اشارة

المصنف جعل البحث فى مقامين:احدهما:فى الجاهل العاجز عن الاجتهاد فى تعيين ما هو مقتضى الادلة فى مسالة تقليد الاعلم.

و ثانيهما:فى القادر على الاجتهاد فى هذه المسالة.

اما الاول:فيمكن الاستدلال له بوجهين:

الاول:اصالة التعيين لدوران الامر بين التعيين و التخيير و ان المرجع فيها قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم الاخذ بما يقطع بحجيته و هو فتوى الاعلم للقطع بحجيّته تعيينا او تخييرا بينها و بين فتوى المفضول فيعلم بجواز تقليد الاعلم و يشك فى اعتبار فتوى المفضول و الاصل عدم اعتبارها.

الثانى:بناء العقلاء على الرجوع الى الاعلم فى كل صنعة فى ما اذا اهتموا بذلك الامر و كان اهل تلك الصنعة مختلفين و كان الرجوع الى الاعلم مساويا لغيره من جميع الجهات من المشقة و غيرها و لا يخفى عليك ان هذا البناء من العقلاء الى رجوعهم الى الاعلم ليس امرا وراء بنائهم على رجوع الجاهل الى العالم و ذلك لان المراد من الاعلم من

ص:102

كان اعلم برد الفروع على الاصول و من كان احسن استنباطا لكونه اعرف بمدارك الحكم و كيفية تطبيقه على مصاديقه و مرجع ذلك الى كونه عالما بما جهل غيره و عليه فحيث ان الرجوع الى غير الاعلم فيما كان الاعلم عالما به و غيره جاهلا به يكون من رجوع الجاهل الى الجاهل فلا بد من الرجوع الى الاعلم.

و اما المقام الثانى:فان هذه المسالة ذات قولين:

احدهما:عدم جواز تقليد المفضول و تعين تقليد الافضل و هذا هو المشهور بل المدعى عليه الاجماع.

ثانيهما:جواز تقليد المفضول و عدم وجوب تقليد الاعلم تعيينا.و هو خيرة جماعة منهم صاحبا القوانين و الفصول و المصنف اختار مذهب المشهور.

ص:103

ادلة جواز تقليد المفضول

اشارة

قد استدل على القول بالجواز تارة بالاصل و اخرى بالدليل فيقع الكلام فى مقامين.

القسم الاول:الاستدلال بالاصل العملى و تقريبه بوجوه:

الف-الاستصحاب.

استصحاب التخيير الثابت فيما اذا كانا متساويين فى العلم ثم صار احدهما افضل من الاخر و يتم فى غير هذا المورد بالاجماع المركب.

و فيه:ان موضوع التخيير كان تساوى المجتهدين فى العلم و قد ارتفع التساوى لصيروة احدهما اعلم من الآخر و لا يجرى الاستصحاب مع زوال وصف من اوصاف الموضوع لكونه موجبا للشك فى بقاء الموضوع مع احتمال دخل الزائل فيه.

ب-اصالة البراءة:

اصالة البراءة عن وجوب تقلييد خصوص الاعلم لكونه كلفة زائدة فيكون مخيّرا فى العمل باحدى الفتويين.

حيث ان ايجاب العمل بفتوى خصوص الافضل يوجب الضيق على العامى فينفى باصالة البراءة.

و بالجملة:فالمقام من صغريات التعيين و التخيير التى تجرى فيها

ص:104

البراءة عن التعيينية.

و فيه:منع صغروية المقام لكبرى التعيين و التخيير التى تجرى فيها البراءة لان الشك فى التعيينية فى المقام و هو الشك فى تعين الاخذ بفتوى الاعلم-ليس من موارد اصالة البراءة لعدم كون الشك فى ثبوت التكليف بل فى سقوطه و امتثاله الذى هو مجرى قاعد الاشتغال فلا وجه لجعل ما نحن فيه من صغريات التعيين و التخيير التى يجرى فيه البراءة.

ج-اصالة عدم مرجحية الاعلمية:

لمّا كان مناط تقديم فتوى الافضل على غيره مرجحية الاعلمية و من المعلوم ان المرجحية كالحجية توقيفية و مع الشك فيها يجرى الاصل فى عدمها المقتضى للتخيير بين الفتويين اذ المفروض حجية قول المفضول ذاتا لشمول دليل حجية الفتوى لها كانت النتيجة حجية قول المفضول كالفاضل.

و فيه:ان الاصل عدم حجية فتوى المفضول لما تقدم انّ المتقين خروجه عن عموم ما دلّ على حرمة العمل بالظن هو قول الافضل لتعينه بنظر العقل فى مقام الاطاعة و تفريغ الذمة دون قول المفضول لان العمل به اطاعة احتمالية لا يكتفى بها فى حصول الامتثال.

ص:105

القسم الثانى:الادلة الاجتهادية.

منها اطلاقات ادلة التقليد:

ان مقتضى اطلاق الادلة اللفظية على جواز التقليد من الايات و الروايات هو حجية قول العالم مطلقا و ان كان مفضولا فيجوز تقليد غير الاعلم ايضا و تقريبه:هو:ان ايتى النفر و السئوال دلّتا على حجية انداز الفقيه فى الدين و قول العالم و لا ريب فى اناطة الحجية بصدق عنوانى الفقيه و العالم سواء اكان الفقهاء و العلماء متساوين فى الفضيلة ام مختلفين.

و كذا الروايات المتقدمة كقوله و اما من كان من الفقهاء...فللعوام ان يقلدوه.

و قد اجيب عن ذلك بان الاطلاقات غير شاملة لصورة الاختلاف فى الفتوى لان الاصل فى التعارض هو التساقط.

و فيه:انه قد حققنا فى محله ان الاصل هو التخيير لا التساقط مع انه لو قلنا فى ساير الموارد بالتساقط لا نقول به فى المقام لمامر من العلم بعدم خروج وظيفته عن احدى الفتويين فلا محالة نقول بالتخيير.

فالحق فى الجواب عنه:ان الايات و الروايات لم يحرز كونها فى مقام البيان من هذه الجهة.

فان قلت:ان آية النفر تدل على جواز التقليد عن المفضول لان

ص:106

حمل الآية على تساوى النافرين فى الفضيلة حمل على فرد نادر لا يمكن الالتزام به.

قلت:حيث انه لم يكن فى صدر الاسلام الافتاء الا بما يفهم من ظاهر قول المعصوم و لم يكن نظرهم دخيلا و لو كان كان بمجرد حمل المطلق على المقيد فلم يكن هناك اختلاف بين النافرين فلا يستفاد حكم مسألتنا من الاية.

و منها:استلزام وجوب تقليد الاعلم للعسر.

ان وجوب تقليد الاعلم عسر على المكلفين لتعسر تشخيص مفهومه و مصداقه و كذا تعسر تعلم فتاواه على اهالى البلدان فضلا عن سكّان القرى و البوادى و كل حكم عسرى مرفوع.

و فيه:ان لازم هذا الوجه هو عدم وجوب الفحص فى ما اذا لزم العسر و اما ما لم يلزم ذلك فهذا الوجه لا يدل على عدم لزومه و بالجملة لا يلزم من العمل بهذه الفتوى عسر كلى و لذا ترى الفقها فى اكثر الاعصار افتوا بذلك و الناس عملوا بها و لم يلزم العسر و الحرج.

و منها:سيرة المتشرعه:استقرار سيرة المتشرعه فى عصر المعصومين عليهم السّلام على الاخذ بفتاواى العلماء مع العلم باختلافهم فى العلم و الفضيلة.

و فيه:عرفت انه لم يكن فى صدر الاسلام الافتاء الا بما يفهم من ظاهر قول الائمه و لم يكن نظرهم دخيلا حتى يؤثر اختلافهم فى العلم

ص:107

و الفضيلة.

و منها:الروايات الارجاعية:

ارجاع الائمة المعصومين عليهم السّلام الى اشخاص معينة فانه باطلاقه يدل على جواز الرجوع اليهم و ان كان غيرهم اعلم.

و فيه:عرفت انه لم يكن اختلاف بينهم من جهة ان الافتاء كان بنقل الرواية.

و منها دليل الانسداد:قال المحقق القمى:من ان دليل الانسداد يقتضى وجوب الاخذ بقول العالم مطلقا من غير فرق بين الاعلم و غيره لوجود المناط و هو الظن فى كليهما.

و فيه اولا:ثبت فى محله عدم تمامية دليل الانسداد.

و ثانيا:بعد تسليم تمامية مقدماته:ان النتيجة حجية قول خصوص الاعلم،اقربيته الى الواقع.

و منها:التمسك بآية نفى مساواة العالم للجاهل.

و قد قال الله تعالى:هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ

و نفى الاستواء يستلزم حجية فتوى المفضول اذ لو لم تكن حجة كان المجتهد المفضول مساويا للجاهل و المفروض انه بمقتضى الاية ليس مساويا للجاهل.

و فيه:المفضول جاهل فى مقدار من العلم الذى يكون الافضل واجدا له فلو جاز تقليد المفضول لزم تساويهما و هذا خلاف ما دلت

ص:108

عليه الاية من نفى استوائها.

ادلة وجوب تقليد الاعلم.

منها:الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة فالمشهور عن الاصحاب هو الوجوب كما نقل عن المعارج و الارشاد و نهاية الاصول و التهذيب و الدروس و القواعد و الذكرى و الجعفرية و جامع المقاصد و تمهيد القواعد و المعالم و الزبدة و حاشية الفاضل الصالح على المعالم و اليه ذهب صاحب الرياض بل عن النهاية انه كلام من وصل الينا كلامه و عن المحقق الثانى انه صرح بدعوى الاجماع و عن ظاهر كلام السيد فى الذريعة كونه من مسلمات الشيعة.

و فيه:اوّلا انه لا اجماع فى المسالة لما مرّ انفا من كون المسالة ذات قولين.

و ثانيا:لا يمكن الاعتماد عليه لقوة احتمال مدركيته لاستدلال المجمعين عليه ببعض وجوه الاتية.

و منها:الاخبار الدالة على ترجيح الاعلم.

منها:مقبولة عمر بن حنظلة التى رواها المشايخ الثلاثة قال سالت ابا عبد الله عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة فى دين او ميراث فتحاكما...الى ان قال فان كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين فى حقهما و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا فى حديثكم فقال الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما

ص:109

و اصدقهما فى الحديث و اورعهما و لا يلتفت الى ما حكم به الاخر.

و الاستدلال بها من وجهين:

الاول ما عن التقريرات نسبته الى الشيخ الاعظم و هو الملازمة بين الحكم و الفتوى فما فى الرواية و ان كان هو الحكم الفاصل للخصومة الا انه للملازمة المذكورة تكون الفتوى كذلك.

الثانى:من جهة شمول الحكم بنفسه للحكومة فان الحكم و ان كان بحسب الاصطلاح مقابلا للفتوى الا انه بحسب معناه العرفى شامل للفتوى و يدل عليه على عمومه لها فى هذه النصوص ان رفع الخصومة فى الشبهات الحكمية يكون بنفس الفتوى و بيان الحكم و الظاهر ان المورد شبهة حكمية و ذلك لان الحكمين اختلفا فى الحكم من جهة استنادهما الى حديثين مختلفين.

و فى كليهما نظر:اما الاول:فلعدم ثبوت الملازمه بين الحكم و الفتوى فى جميع الجهات و الذى يشهد له عدم جواز الحكم بما يخالف الحكم الاخر و جواز الفتوى بخلاف الاخر و جواز ترافع المجتهدين الى ثالث و عدم جواز تقليدهما.

و الاجماع على الملازمة بين الرجوع الى الاعلم و الترافع عنده غير ثابت مع انه ليس فى الرواية لزوم الترافع عند الاعلم و انما تدل على انه لو ترافعا عند الاعلم و غيره و حكم كل واحد منهما بخلاف الاخر يقدم الاعلم فالاعلمية تكون من جملة المرجحات لاحدى

ص:110

الحجتين على الاخرى فهى تدل على جواز تقليد غير الاعلم فى الجملة.

و اما الثانى:فلان مورد هذه النصوص هو الحكم لا الفتوى و ذلك لان المفروض فيها التنازع فى الدين او الميراث و ادعاء كل خلاف ما يدعيه صاحبه فلا محاله يكون المورد من الموارد التى يدعى فيها العلم و هذا يوجب الاختصاص بالحكم الفاصل للخصومة و كون فصل الخصومة فى صدر الاسلام بنقل الفتوى ممنوع بل الظاهر انه كان بنقل الخبر و لذا امر عليه السّلام بالرجوع الى مرجحات الخبر.

و منها:ما كتب امير المؤمنين عليه السّلام الى والى مصر«اختر للحكم بين الناس افضل رعتيك».

و فيه اولا:انه مختص بباب الحكومة و لا يشمل الفتوى.

و ثانيا:يتعين حمله على الاستحباب و ذلك لان من يقول بوجوب الرجوع الى الافضل يقول بالرجوع الى من كان افضل فى جميع الاعصار و قد امر بتعيين الافضل من كل بلد لذلك البلد.

مع ان لازمه ان يتولى مالك الاشتر بنفسه للحكومة لانه كان فى ذلك المصر افضل الناس قطعا.

و منها:ما رواه الصدوق عن داود بن الحصين عن الصادق عليه السّلام فى رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما فى حكم وقع بينهما خلاف و اختلف العدلان بينهما عن قول ايّهما يمضى الحكم قال عليه السّلام ينظر الى افقههما و اعلمهما باحاديثنا.و فيه ما عرفت فى الجواب عن المقبولة.

ص:111

و منها:ما عن البحار نقلا عن كتاب الاختصاص قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله من تعلم علما ليمارى به السفهاء او ليباهى به العلماء او يصرف به الناس الى نفسه يقول انا ريئسكم فليتبوء مقعده من النار ان الرئاسة لا تصلح الا لاهلها فمن دعا الناس الى نفسه و فيهم من هو اعلم منه لم ينظر اليه يوم القيامة.(1)

و منها:ما عن البحار ايضا عن مولانا الجواد عليه السّلام انه قال مخاطبا عمّه:يا عم انه عظيم عند الله ان تقف غدا بين يديه فيقول لك لم تفتى عبادى بما لم تعلم و فى الامة من هو اعلم منك.(2)

و فيه:ان ظاهر هما هو التصدى للخلافة التى هى منصب شامخ الهى لا تحصل لاحد باتعاب النفس بل هى موهبة الهية لا يتقمصها الا من شملته العناية الربّانيّة.

فتلخص:انه لا سبيل الى الاستدلال بالروايات على وجوب تقليد الاعلم تعيينا.

و منها:اقربية فتوى الاعلم الى الواقع:

الوجه الثالث:من الوجوه المحتجة على وجوب تقليد الاعلم تعيينا عند التعارض:ان فتوى الاعلم اقرب الى الواقع من فتوى غيره.

ص:112


1- (1) -بحار ج 2 ص 180.
2- (2) -بحار ج 12 ص 124.

و قد اورد عليه المصنف بمنع الصغرى و الكبرى.

اما الاول:فلانه ربما تكون فتوى المفضول موافقة لرأى الميت الذى هو افضل من افضل الاحياء كما اذا فرضنا ان الاعلم الحى افتى بكفاية التسبيحات الاربع مرة واحدة و قال المفضول باعتبار تثليثها و كان هذا فتوى الميت الاعلم من الاحياء و الاموات ايضا.

فان هذه الموافقة توجب اقربية فتوى المفضول الى الواقع من فتوى الفاضل الحى.

امّا الثانى لانه لم يحرز بكون تمام الملاك فى حجية قول الغير-حتى على الطريقية-هو القرب الى الواقع فلعل قول الفاضل و المفضول سيّان فى الملاك و هو الفقاهة و عرفان الاحكام.

اما المنع الذى ذكره فى الصغرى و فيه:لانه ليس الملاك لحجية الفتوى هو حصول الظن بالحكم بل الملاك هو حصول الظن الحاصل ممن يكون فتواه حجة لنا فلا قربية الحاصلة من راى الافضل الميت الذى ليس حجة لنا اجنبية عما هو ملاك الحجية بخلاف الاقربية الداخلية.

و اما ما ذكره من منع الكبرى فيمكن توجيهه:بان من الجائز كون تمام تمام الملاك للرجوع الى العالم كونه عارفا بالاحكام و لا فرق بين افراده من جهة كون بعضها اعرف من بعض كما مر كذلك فى القاضى فانه اعتبر فيه الكتابة و البصر مع ان كون بعضهم اجود خطا من بعض و

ص:113

ابصر و لا يقتضى تقديمه على الاخرين.

و منها:قبح ترجيح المرجوح على الراجح.

الوجه الرابع:ما عن كشف اللثام و شرح الزبدة للفاضل الصالح من ان تقليد المفضول مع وجود الفاضل يستلزم ترجيح المرجوح على الراجح و هو قبيح عقلا فيتعين تقليد الفاضل.

و فيه:انه اخص من المدعى الذى هو تقديم فتوى الاعلم على فتوى المفضول مطلقا سواء اكان الظنان متساويين ام كان الحاصل من فتوى المفضول ارجح و هذا الدليل لا يشمل هاتين الصورتين لاختصاصه بصورة ارجحية الظن الحاصل من فتوى الافضل من الظن الحاصل من فتوى المفضول.

و منها:وجود مزية للاعلم تقتضى تقديمه على غيره قال العلامة فى النهاية:ان الاعلم له مزية و رجحان على المفضول فيقدم كما قدم فى الصلاة.

و فيه:ان تنظيره بالصلاة يدل على استحباب تقديم قول الاعلم على غيره كتقديم ذى المزية على فاقدها فى الامامة لاجل النص.

و منها:سيرة العقلاء الى الرجوع الى الاعلم.

قد استقرت السيرة العقلائية على الرجوع الى الاعلم و عدم العمل بفتوى المفضول كما هو كذلك فى غير الاحكام من العلوم و الفنون و لم يردع الشارع عن هذه السيرة مع كونها بمنظره و مرئى منه و عدم

ص:114

الردع فى مثل المقام دليل الامضاء.

و هذا الوجه امتن الوجوه و اقواها.

فتحصل مما ذكرناه ان الاقوى تعين تقليد الاعلم.

ص:115

الكلام فى اشتراط الحياة فى المقلّد فصل:اختلفوا فى اشتراط الحياة فى المفتى و المعروف بين الاصحاب الاشتراط و بين العامة عدمه...الخ.

قد اختلفوا فى اعتبار الحياة فى من يرجع اليه فى التقليد و عدمه على اقوال ثلاثة:

احدها:جواز التقليد الميت مطلقا ابتداء و استدامة و نسب ذلك الى الاخباريين و وافقهم من الاصوليين المحقق القمى فى جامع الشتات فى موردين:

حيث سئل فى احدهما عن جواز الرجوع الى فتوى ابن ابى عقيل فاجاب بما حاصله:ان الاقوى عندنا جواز تقليد الميت بحسب الابتداء فلا مانع من الرجوع اليه.

و قال فى ثانيهما:ان الاحوط الرجوع الى الحى.و الاحتياط من الاحتياط المستحب لا فتائه بجواز تقليد الميت ابتداء.

و ثانيهما:عدم الجواز مطلقا و هو المشهور كما فى تقريرات شيخنا الاعظم.

و ثالثها:التفصيل بين البدوى فيشترط و الاستمرارى فلا يشترط.

ص:116

و المصنف اختار المشهور من اشتراط الحياة فى المفتى مطلقا بلا فرق بين البدوى و الاستمرارى و هذا ايضا هو الحق عندنا.

تقليد الميت ابتداء.

ذهبت العامة الى جوازه قال نظام الدين الانصارى فى شرحه:لنا وقوع تقليد الميت من غير نكير شاع و ذاع حتى صار قطعيا كالعلم بالتجربيات فكان اجماعيا.

و وقع ذلك عند اصحابنا موردا لكلام و المشهور بل المتسالم عليه عندهم عدم الجواز.

و قد استدلوا على الجواز بوجوه:

منها:استصحاب جواز التقليد.

قال شيخنا الانصارى فى تقرير الاستصحاب:و تقريره من وجوه:

فانه تارة يراد انسحاب الحكم المستفتى فيه و اخرى يراد انسحاب حكم المستفتى و ثالثة يراد انسحاب حكم المفتى فعلى الاخير يقال:ان المجتهد الفلانى كان ممّن يجوز الاخذ بفتواه و العمل مطابقا لاقواله و قد شك بعد الموت انه هل يجوز اتباع اقواله اولا فيستصحب كما انه يستصحب ذلك عند تغيّر حالاته من المرض و الصحة و الشباب و الشيب و نحوها.

و على الثانى يقال:انه للمقلد الفلانى كان الاخذ بفتوى المجتهد الفلانى و نشك فى ذلك فنستصحب حكمها و على الاول يقال:ان هذه

ص:117

الواقعة كان حكمها الوجوب بفتوى المجتهد الفلانى و نشك ذلك فنستصحب حكمها.

و اجاب عنه الشيخ بانه يحتمل مدخلية وصف فى عنوان الحكم كالحياة فيما نحن فيه فاراء المجتهدين تزول بالموت و لا تبقى و هى موضوع لجواز التقليد.

و اجيب عنه:بان الاراء قائمة بالنفس الناطقة و هى باقية بعد الموت لانها من المجردات قال سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله خلقتم للبقاء لا للفناء و ليس الموت الا الانتقال من دار الى دارو من نشاة دنيوية الى نشأة اخرى كما قال الله تعالى«وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» و على هذا فموضوع الراى و هو النفس الناطقة باق و لا يرتفع بالموت و مقتضاه جواز تقليد الميت ورده الشيخ:بان الواقع يكشف بالموت نفيا او اثباتا فان كان راى المجتهد زائلا بعد الموت لانكشاف خلافه لما كان وجه لتقليده و ان كان باقيا لما كان حجة اذ الاعتقاد الحاصل من الكشف و الشهود لا دليل على اعتباره فالامر دائربين ما هو زائل و بين ما هو باق غير حجة.

و فيه:ان الاعتقاد الحاصل من الكشف و الشهود انما لا يكون حجة لغير صاحبه اذا احتمل خطائه و اما الحاصل بالموت فله يدل دليل على عدم حجيته فيختص ما ذكر بما كان الكشف من قبيل الكشف الحاصل للمرتاضين.

ص:118

و الحق فى الجواب ان يقال:انه بحسب الدقة العقلية و ان كان كذلك و تكون الآراء باقية الا انها بنظر العرف ليس كذلك فان المدار فى بقاء الموضوع و عدمه هو العرف لا العقل و العرف يعتقدون بفناء الانسان بجميع شئونه فالموضوع لا يكون باقيا فلا يكون موردا للاستصحاب و بذلك يظهر الجواب عما يقال من اجراء الاستصحاب حتى مع زوال الراى هذا اولا.

و ثانيا:ان هذا يكون من الاستصحاب التعليقى فى اكثر الموارد.

و ثالثا:انه من استصحاب الحكم الذى لا نقول به لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل.

و منها:اطلاق الادلة اللفظية.

الوجه الثانى الذى استدل به على جواز تقليد الميت الاطلاقات الايات و الروايات.

و تقريب الاستدلال بآية النفر:ان الاية تدل على وجوب الحذر بانداز المنذر سواء بقى حيا الى زمان عمل المنذر ام لا.و اما آية السئوال فتدل على صدق السئوال على مراجعة كتب الاموات و كذا تدل ايضا على وجوب القبول اذا سال و مات المسئول بعد الجواب لئلا يلغو وجوب السئوال.

و اما الروايات فانها غير ظاهرة فى انه بعد ما بيّن الفقيه و العارف الحى رايه وجوب اتباعه مشروط بكونه حيا بل اطلاقها كما يشمل الحى

ص:119

يشمل الميت.

و يمكن الجواب عنه بوجوه.

الاول:ان الايات و الروايات لا تكون مسوقة للبيان من هذه الجهة كى يمكن التمسك باطلاقها.

الثانى:ان الظاهر من الادلة المتضمنة لحجية الراى اعتبار بقاء الراى حال العمل كما هو كذلك فى دليل حجية الخبر فان الظاهر اعتبار بقاء الحكاية حال العمل و عليه فحيث ان الراى زائل بالموت عرفا و لا اقل من الشك فى ذلك الذى لا يكون مجرى للاستصحاب من جهة ان الحى و الميت متباينان عندهم فلا يمكن التمسك بالاطلاقات.

الثالث:انه بناء على مسلك المشهور من ان الاصل فى تعارض الامارتين هو التساقط اذا كان فتوى الميت مخالفا لفتوى الحى و فرضنا شمول الاطلاقات لفتوى الميت ايضا فى انفسها يقع التعارض بينها فيتساقطان فلا يشمل الاطلاق شيئا منهما فيتعين الرجوع الى ما يقتضيه الاصل اى قاعدة الاحتياط و لكن ذكرنا فى محله العمل فى تعارض الامارتين هو التخيير.

و منها دليل الانسداد:و من الوجوه المستدل بها على جواز تقليد الميت دليل الانسداد الّذى اعتمد عليه المحقق القمى.

قال:فلا فرق بين المجتهد و المقلد فى جواز العمل بالظن فان

ص:120

المسوغ للمجتهد هو موجود بعينه فى حق المقلد فلو دار امره فى الفروع بين حى و ميت و حصل له الرجحان فى ان متابعة الميت اقرب الى حكم الله يجب اتباعه.

و فيه:منع اصل المبنى و عدم الوصول النوبة الى دليل الانسداد لان باب التقليد مفتوح للعامى لما تقدم فى الفصل الاول من دلالة آية النفر و الاخبار و بناء العقلاء على مشروعية التقليد فى حق العامى.

و منها سيرة المتشرعة.

قال الشيخ الاعظم:دعوى استقرار السيرة على البقاء على تقليد الميت و يظهر ذلك بملاحظة احوال اصحاب الائمة فان من المعلوم عدم التزامهم مع و فور قدسهم بالرجوع عما اخذه تقليدا عمّن له الافتاء بعد عروض موت المفتى و لو كان ذلك لكان بواسطة عموم البلوى منقولا معلوما و مثله يعطى برضاء الامام عليه السّلام و تقريره الشيعة على البقاء.

و فيه:ان اصحاب الائمة عليه السّلام كانوا ياخذون الاحكام ممن ينقلها من الامام بلا واسطة او مع الواسطة من دون دخل لراى الناقل و اجتهاده فيها.و هو ليس بتقليد-بمعنى الاخذ بآراء الفقيه بل الاخذ برواية الحكم عن الامام حتى يكون عدم رجوعهم ممن اخذوه الاحكام بعد الموت كان ذلك بقاء منهم على تقليد الميت و كان حجة لنا بملاحظة تقرير الامام له و عدم ردعه عنه.

ص:121

و منها:غير ذلك مما لا يليق ان يسطر او يذكر.

ادلة المانعين:

و قد استدلوا على عدم جواز تقليد الميت ابتداء بوجوه.

الاول:ما من جملة من الاعاظم من دعوى الاجماع على عدم الجواز و فيه:ان الاجماع المدعى ليس اجماعا تعبديا قابلا لاستكشاف قول المعصوم لاحتمال ان يستندوا فى ذلك الى اصالة الاشتغال او الى ظهور الادلة فى اشتراط الحياة و معه لا يمكن الاعتماد على اجماعهم.

الثانى:ان الادلة الدالة على حجية فتوى الفقيه ظاهرة الدلالة على اعتبار الحياة فى جواز الرجوع اليه لظهور قوله تعالى وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ -فى ارادة انذار المنذر الحى اذ لا معنى لا نذار الميت بوجه و كذا فى آية السئوال لا يطلق على الميت انه اهل الذكر بالفعل و اما الاخبار الارجاعية و ان ظهورها فى ارادة الحى لان الميت لا معنى للارجاع اليه.

و بما ذكرناه يظهر ان السيرة المستدل بها على جواز الرجوع الى الميت ابتداء مردوعة لظهور الادلة فى اعتبار الحياة حكم البقاء على تقليد الميت.

المشهور بين الاصحاب عدم جواز البقاء على تقليد الميت و قد استدل للجواز بوجوه.

ص:122

الاول:الاستصحاب اعنى الاستصحاب حجية فتوى الميت قبل موته.

و قد اورد عليه المصنف بايردات:

الاول:انه لا يقين بالحكم الشرعى سابقا فان جواز التقليد ان كان بحكم العقل و قضية الفطرة فانه لا يقتضى ازيد من تنجز ما اصابه من التكليف و العذر فيما اخطاء هو واضح و كذلك ان كان بالنقل على ما هو التحقيق من ان قضية الحجية ليست الا ذلك.

لا انشاء احكام شرعية على طبق مؤديها فلا مجال لاستصحاب ما قلده لعدم القطع به سابقا الا على ما تكلفنا فى بعض تنبيهات الاستصحاب فراجع(1) و لا دليل على حجية رايه السابق فى اللاحق.

و فيه اولا:ما حققناه فى محله من جريان الاستصحاب فيما كان ثبوته سابقا بحجة شرعية غير العلم الوجدانى من جهة ان الحجية ليست الا جعل ما ليس بعلم علما.

و ثانيا:انه فى التنبيه الثانى من تنبيهات الاستصحاب استظهر جريان الاستصحاب فى هذا المورد بدعوى ان ادلة الاستصحاب انما تجعل الملازمة بين الحدوث و البقاء فتكون الحجة على الحدوث حجة على البقاء لان الحجة على الملزوم حجة على الملازم و تمام الكلام

ص:123


1- (1) -فارعة الاصول فى شرح الكفاية ج 2 للمؤلف.

فى محله.

الثانى:انه بناء على ما هو المعروف بينهم من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما ادّت اليه من الاحكام الواقعية التكليفية او الوضعية شرعا فى الظاهر فلاستصحاب ما قلده من الاحكام و ان كان مجال فى بادى النظر بدعوى بقاء الموضوع عرفا لاجل كون الراى عند اهل العرف من اسباب العروض لا من مقدمات المعروض.

الا ان الانصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف فانه من المحتمل لولا المقطوع ان الاحكام التقليدية عندهم ايضا ليست احكاما لموضوعاتها بقول مطلق بحيث يعد من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه بسبب تبدل الراى و نحوه بل انما كانت احكاما لها بحسب رايه بحيث يعد من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل و مجرّد و احتمال ذلك يكفى فى عدم حجية استصحابها لاعتبار احراز بقاء الموضوع عرفا.

الثالث:انه لا يجوز البقاء لو زال الراى بسبب الهرم و المرض اجماعا مع انه يختل فيها بعض القوى فعدم الجواز فى حال الموت الذى يختل فيها جميع القوى انما يكون بطريق اولى و مع هذا الوجه لا مورد للاستصحاب.

و فيه:انه يمكن الفرق بانه فى حال الهرم يختل القوى التى تكون دخيلة فى الاستنباط و اما فى حال الموت فمسبب ارتفاع بعض

ص:124

الشواغل المانعة من الاستنباط يصير اقدر من رد الفروع الى الاصول.

فالأولى ان يورد على هذا الاصل الى ما تقدم بما حققناه فى محله من عدم جريان الاستصحاب فى الاحكام الكلية لانه محكوم لاستصحاب عدم الجعل و بما ذكرناه ظهر عدم جريان الاستصحاب فى الحجية اى فى حجية راى المجتهد الثابتة فى حال حيوته.

الوجه الثانى:المطلقات لانّ آية النفر تقتضى وجوب العمل على طبق الانذار المنذر اذا انذر و هو حى و لم تدل على اختصاصه بما اذا كان المنذر باقيا على الحياة حال العمل بفتواه و انذاره.

و الاخبار الاجارعية الآمرة بالاخذ من الاشخاص دلت على وجوب الاخذ من الاشخاص و لم تدل على تقييد ذلك بما اذا كان هولاء الاشخاص احياء عند العمل بقولهم.

و فيه:ما عرفت سابقا بانّها لا تكون مسوقة للبيان من هذه الحجة و من ان الظاهر من الادلة المتضمنة لحجية الراى اعتبار بقاء الراى حال العمل.

و الوجه الثالث:السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل الى العالم فيما جهله من الحرف و العلوم و الموضوعات و غيرها بلا فرق فى ذلك بين ان يكون العالم باقيا على حياته عند العمل بقوله و عدمه.

لوضوح ان المريض لورجع الى الطبيب و اخذ منه العلاج ثم مات الطبيب قبل ان يعمل المريض بقوله لم يترك العقلاء العمل على طبق

ص:125

علاجه.

و فيه:ان بناء العقلاء على حجية الفتوى من مصاديق بنائهم على رجوع الجاهل الى العالم فاذا كان الميت بنظرهم جمادا لا يعرف شيئا و يرون رايه زائلا و لا اقل من الشك فى ذلك فلا محالة لا يكون بنائهم على حجية رايه و فتواه.

الوجه الرابع:دعوى سيرة المستمرة من زماننا هذا الى زمان المعصوم فان المعلوم من اصحابهم عدم رجوعهم عما كانوا ياخذونه تقليدا بعد موت المفتى.

و فيه:ان عدم رجوعهم عما كانوا ياخذونه مسلم لكن كون ذلك من جهة الافتاء غير معلوم لاحتمال كون ذلك من جهة نقلهم الرواية و عدم جواز الرجوع عن الرواية مسلم عند الكل و بعبارة اخرى ثبوت السيرة فى الجملة مسلم و لكن ثبوتها مع دخل راى الناقل فيه غير معلوم.

فتحصل مما ذكرناه انه لا يجوز تقليد الميت ابتداء و لا بقاء.

ص:126

رسالة فى قاعدة لا ضرر

اشارة

ص:127

ص:128

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه على ما اولينا من رد الفروع الى الاصول و التفقه فى الدين و تهذيب مبانى الاحكام الشرعية بالبحث فى المسائل اصولية و استخراج قاعدتها و افضل صلواته و اكمل تحيّاته على صاحب الشريعة الخالدة الكفيلة باسعاد المجتمع و معالجة مشاكله و على آله العلماء باللّه و الامناء على حلاله و حرامه سيّما بقية اللّه فى الارضين الامام الثانى عشر الامام المهدى ارواح من سواه فداه.

اما بعد:

فلما كانت قاعدة لا ضرر من اهم القواعد الفقهية لابتناء كثير من الاحكام الشرعية عليها و لهذا صنّف فيها جمع من الفحول منهم سيدنا الاستاذ الامام العلامة و الحبر الفهامة علم الهدى آية اللّه العظمى السّيد محمد صادق الحسينى الروحانى مدظله العالى رتبتها على ترتيب كفاية الاصول لسهولة تناولها و اضفت اليها ما يخطر ببالى القاصر فى الحاشية لينتفع به المشتغلين و المحققين و نسئل اللّه تبارك و تعالى ان يتقبل منّا هذه البضاعة المزجاة و ثبتها فى ديوان الحسنات انشاء الله تعالى.

ص:129

ص:130

قاعده لا ضرر ثم انه لا باس بصرف الكلام الى بيان قاعده الضرر و الضرار على نحو الاقتصار...الخ.

و تنقيح القول فى هذه القاعدة على نحو الاختصار بالبحث فى مقامات:

1-فى مدركها.

2-فى مفادها و معنى العبارات التى فى النصوص،-و بعبارة اخرى- فى فقه الحديث.

3-فى دفع ما اورد عليها من الايرادات بها.

4-فى بيان حالها مع الادلة الاخر المعارضة لها.

5-فى حكم الاضرار بالنفس.

ص:131

بيان مدرك القاعدة انه قد استدل عليها باخبار كثيرة...الخ.

اما المقام الاول:فقد ورد فيها روايات كثيرة،ففى الرسائل قد ادعى فخر الدين فى الايضاح فى باب الرهن تواتر الاخبار على نفى الضرر و الضرار،و لكن فى الرسالة المستقلة المعمولة فى هذه القاعدة بعد نقل ذلك عن الفخر،ذكر انه لم يعثر عليه،و كيف كان فالروايات الواردة فى القاعدة كثيرة.

منها:موثق ابن بكير الذى رواه المشايخ الثلاثة باسناد بعضها صحيح عن زرارة عن الامام الباقر عليه السّلام ان سمرة بن جندب كان له عذق فى حائط لرجل من الانصار و كان منزل الانصارى بباب البستان يمر به الى نخلته و لا يستاذنه فكلمه الانصارى ان يستاذن اذا جاء فابى سمرة،فلما تابى جاء الانصارى الى رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فشكا اليه و خبره الخبر فارسل اليه رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و خبره بقول الانصارى و ماشكا و قال اذا اردت الدخول فاستاذن فابى،فلما ابى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فابى ان يبيع فقال صلّى اللّه عليه و آله لك به عذق يمدلك فى

ص:132

الجنة فابى ان يقبل فقال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله للانصارى اذهب فاقلعها و ارم بها اليه،فانه لا ضرر و لا ضرار.(1)

و منها:ما رواه ابن مسكان عن ابى جعفر عليه السّلام المتضمن لقضية سمرة، و هو نحو ما تقدم الا انه قال،فقال له رسول الله صلّى اللّه عليه و آله انك رجل مضار، و لا ضرر و لا ضرار على مؤمن،قال ثم امر بها فقلعت و رمى بها اليه فقال له رسول الله صلّى اللّه عليه و آله انطلق فاغرسها حيث شئت.(2)

و منها:ما رواه الصدوق باسناده عن الحسن الصيقل عن ابى عبيدة الحذاء قال ابو جعفر عليه السّلام و قد نقل القضية نحو ما تقدم،الا انه قال صلّى اللّه عليه و آله بعد الامتناع،ما اراك باسمرة الامضار،اذهب يا فلان،فاقطعها- فاقلعها خ-و اضرب بها وجهه،(3) و هذا الخبر و ان لم يشتمل على جملة-لا ضرر و لا ضرار-الا انه متضمن لصغرى القاعدة،و استنتج منها،الامر بقلع الشجرة.

ثم انه لا كلام فى ان هذه الاخبار الثلاثة تحكى عن قصة واحدة، و الظاهر منها انه كان لسمرة حق العبور الى نخلته من البستان،و كان استيفاء حقه،بلا اذن من الانصارى،اضرار به،و لم يرض سمرة،

ص:133


1- (1) -الوسائل ج 17-ص 341 و 340-باب 12 من ابواب احياء الموات.
2- (2) -المصدر المتقدم.
3- (3) -المصدر المتقدم.

بالجمع بين الحقين.

و منها:ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه السّلام قضى رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء فى الارضين و المساكن و قال لا ضرر و لا ضرار،و قال اذا ارفت الارف وحدت الحدود فلا شفعة(1).

و منها:ما رواه فى الكافى باسناده عن عقبة بن خالد عن الامام الصادق عليه السّلام قضى رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بين اهل المدينة فى مشارب النخل انه لا يمنع نقع الشىء و قضى بين اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال لا ضرر و لا ضرار(2).

و منها:خبر هارون بن حمزة الاتى،فى بيان معنى الضرار.

و منها:ما رواه الصدوق فى الفقيه،قال النبى صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام فالاسلام يزيد المسلم خيرا،و لا يزيده شرا.(3)

و منها:خبر دعائم الاسلام عن الصّادق عليه السّلام عن ابيه عن آبائه عن

ص:134


1- (1) -الوسائل ج 17-ص 319-باب 5 من ابواب شفعة.
2- (2) -الوسائل،ج 17،ص 333-باب 7 من ابواب احياء الموات حديث 2.
3- (3) -الوسائل،ج 17،ص 377-باب 1 من ابواب موانع الارث،حديث 10.

امير المؤمنين عليهم السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا ضرر و لا ضرار.(1)

و منها:خبر الدعائم عن ابى عبد الله عليه السّلام انه سئل عن جدار الرجل و هو سترة بينه و بين جاره سقط عنه فامتنع من بنائه قال عليه السّلام ليس يجبر على ذلك الى ان قال،قيل له و ان كان الجدار لم يسقط و لكنه هدمه او اراد هدمه اضرارا بجاره لغير حاجة منه قال عليه السّلام لا يترك و ذلك ان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال،لا ضرر و لا ضرار،و ان هدمه كلف ان يبنيه.(2)

و منها:مرسل العلامة،انه صلّى اللّه عليه و آله قال،لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام.

منها:ما رواه شيخ الطائفة عن النبى صلّى اللّه عليه و آله انه قال لا ضرر و لا ضرار.(3)

و منها:ما رواه سيد ابن زهرة فى الاحتجاج على حكم الارش،قال و يحتج على المخالف بقوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار.(4) هذه هى الروايات الواصلة الينا من طرق الشيعة،و فى المقام روايات من طرق العامة ايضا.

لاحظ ما رواه احمد بن حنبل من طريق ابن عباس،و من طريق

ص:135


1- (1) -مستدرك الوسائل،المجلد الثالث 3،ص 150.
2- (2) -المصدر المتقدم.
3- (3) -الخلاف،كتاب البيع-باب حكم خيار الغبن.
4- (4) -الغنية اواخر الخيار،فى حكم الارش.

عبادة بن صامت عن النبى صلّى اللّه عليه و آله انه قال صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار.(1)

و رواه النووى فى الاربعين عن ابى سعيد سعد بن مالك الخزريجى، و ذكر ان ابن ماجة،و الدار قطنى،رويا الحديث مسندا.

و رواه مالك فى الموطأ عن عمر بن يحيى عن النبى صلّى اللّه عليه و آله مرسلا ثم قال و له طرق يقوى بعضه بعضا.(2)

و ما رواه ابن الاثير فى النهاية انه صلّى اللّه عليه و آله قال،لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام.

هذه جميع ما وصلنا من النصوص و هناك نصوص متضمنة للنهى عن الاضرار بالغير،كجملة من الايات،نتعرض لها فى آخر الرسالة،و انما المهم فى المقام تنقيح القول فى الجملة المذكورة فى هذه النصوص،و تمام الكلام فى هذا المقام فى جهات.

ص:136


1- (1) -المسند ج 5 ص 326 و 327.
2- (2) -المجالس السنية فى شرح الاربعين النووية ص 98 مجلس 32.

سند الحديث و الانصاف انه ليس فى دعوى التواتر كذلك جزاف...الخ.

الاولى:لا ينبغى التوقف فى انه هذه الجملة صدرت عن النبى صلّى اللّه عليه و آله، و ذلك لوجوه.

الاول:صحة بعض طرق الحديث كالخبر الثانى:فان رجال سنده كلهم عدول ثقات،اماميون بالاتفاق عدى ابن بكير،و هو من الذين اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم فهو بمنزلة الصحيح او اعلى منه،و بعض آخر منها و ستقف عليه.

الثانى:اشتهار الحديث بين الفريقين حتى ادعى بعض اصحابنا تواتره.(1)

ص:137


1- (1) -ان التواتر بكلا قسميه من اللفظى و المعنوى هنا مفقود هنا اذا التواتر اللفظى و هو حصول التواتر على لفظ او الفاظ مخصوصة كحديث الغدير غير حاصل هنا قطعا. و كذا التواتر المعنوى و هو حصول النقل المتواتر على قضية خاصة بالفاظ مختلفة كتواتر شجاعة المولى امير المؤمنين عليه السّلام ينقل ما صدر منه فى الحرب مع-

الثالث:استناد الاصحاب اليه و نقله فى كتبهم على وجه الاعتماد عليه.

ص:138

متن الحديث

الثانية:فى تشخيص متن الحديث المروى فى اكثر النصوص قوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار بلا زيادة كلمتى-فى الاسلام-و-على مؤمن،و قد اضيف كلمة على مؤمن فى الخبر الاول،و حيث انه ضعيف لانه رواه محمد بن خالد عن بعض اصحابنا عن ابن مسكان عن زرارة،فهو مرسل،فلا يعتمد عليه.

و اما كلمة فى الاسلام،فقد اصر شيخ الشريعة الاصفهانى(قده)، على عدم وجودها فى شىء من طرق الخاصة و العامة.

و فى مقابله ادعى بعض معاصريه،استفاضة الحديث مع هذا القيد، و اسند الى المحققين دعوى تواتر هذا الحديث مع هذه الزيادة.

و الحق ان القولين افراط و تفريط:لوجودها فى جملة من الاخبار،منها مرسل الصدوق الذى هو حجة،فان الارسال على نحوين-احدهما-ما اذا كان التعبير بلفظ روى و نحوه،ثانيهما:ما اذا كان بلفظ قال و ماشا كل-و بعبارة اخرى-اسند المرسل الخبر جزما الى من روى عنه الواسطة-و الاول لا يكون حجة-و الثانى حجة فان المرسل اذا كان ثقة،اسناده الى من روى عنه الواسطة

ص:139

كاشف عن ثبوت الرواية عنده اذ لا يجوز الاسناد بغير ذلك،و المقام من قبيل الثانى كما لا يخفى.(1)

ص:140


1- (1) -و فيه:ان كثيرا من النصوص المتقدمة المروية بطرقنا و مثلها المروى بطرق العامة ورد فيها قوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار من دون تقييد بكلمة فى الاسلام. و انما ورد التقييد بذلك فى رواية الصدوق خاصة و نقل ايضا عن نهاية ابن اثير من كتب العامه. و ان محور الكلام هو رواية الصدوق دون مرسلة ابن الاثير اذ لا يحتمل ان يستند الى رواية النهاية فى البناء على صدور هذا القيد بعد ان كانت مرسلة لعامى. و الذى نستند اليه فى التوقف عن العمل برواية الصدوق هو و جهان: الوجه الاول:قوة احتمال كون كلمة فى الاسلام زيادة من الصدوق. الوجه الثانى عدم تمامية السند. اما الوجه الاول فلنا عليه: اولا:ان ارتكاز الاشباه و النظائر قد يوقع فى الغفلة و بما ان لهذه الجملة اشباها كثيرة مثل:لا رهبانية فى الاسلام و لا مناجشة فى الاسلام و لا اخصاء فى الاسلام فقد يكون ذلك منشأ لاشتباه الصدوق فى رواية لا ضرر لانها شبيهة بتلك النصوص. و اصالة عدم الغفلة لا يبنى عليها اذا كان احتمال الغفلة معتدا به عرفا كما فى المورد.-

و دعوى،ان التعبير بلفظ قال انما يصح مع ثبوت صدور الرواية عند المرسل و لو من جهة القرائن،و حيث يحتمل ان تكون تلك القرائن غير موجبة للاطمينان عندنا فلا يعتمد عليه.

مندفعة:بانه اذا فرضنا ان الخبر الذى يراه المرسل حجة نراه حجة،و لا اختلاف بيننا و بينه فى المبنى،و حيث ان تشخيص موضوع ذلك ليس متوقفا على مقدمات بعيدة كى يحتمل ان يكون التشخيص غلطا،فلا محالة نكتفى بثبوت الصدور عنده.

ص:141

لا يقال انه يحتمل ان يكون ما رواه الصدوق اشارة الى ما افاده النبى صلّى اللّه عليه و آله فى ذيل قضية سمرة،و المروى هناك يكون مجردا عن هذه الكلمة،فانه يجاب عنه،اولا بان مجرد الاحتمال،لا يصلح دليلا،لرفع اليد،لما يكون الخبر متضمنا له،فلعله صدر هذه الجملة عن النبى صلّى اللّه عليه و آله مرتين،تارة مع الزيادة،و اخرى بدونها.

و ثانيا:انه لو دار الامر،بين الزيادة،و النقيصة،يكون الترجيح لما تضمن الزيادة فان احتمال الغفلة فى الزيادة،ابعد من احتمال الغفلة فى النقيصة.

و ما افاده المحقق النائينى(ره)من ان تقدم اصالة عدم الزيادة النقيصة لا يكون تعبديا صرفا بل هو من باب بناء العقلاء،و ابعدية الغفلة بالنسبة الى الزيادة عن الغفلة بالنسبة الى النقيصة،و هذا انما يتم فى الزيادات البعيدة عن الاذهان دون المعانى المانوسة كما فى المقام، فان نفى الضرر حيث انه من المجعولات الشرعية،فيتوهم الراوى اقترانه بهذه الكلمة،سيما مع ثبوتها فى اغلب اقضيته صلّى اللّه عليه و آله.

غير تام فان الراوى اذا كان ثقة معتمدا فى النقل لا يضيف الى ما يرويه شيئا من عنده فينحصر وجه الزيادة فى الغفلة فيجرى فيه الوجه المذكور.

و لا يتوهم،ان وجود هذه الكلمة و عدمه سيان لعدم الفرق فى معنى

ص:142

لا ضرر و لا ضرار بزيادتها و نقصها:اذ لو لم تكن فى ذيل الحديث المبارك لكان المنفى ايضا هو الحكم المجعول فى الاسلام كما افاده المحقق النائينى(ره).

لانه:اذا ثبت ان مفاد لا ضرر،نفى الحكم الضررى كان ما افاده تاما،و لكن سياتى ان جماعة ذهبوا الى ان مفاده النهى عن الاضرار بالغير،و وجود كلمة فى الاسلام يصلح ردا عليهم كما سيمر عليك فى محله.

فالمتحصل ان الصادر عن النبى صلّى اللّه عليه و آله-لا ضرر و لا ضرار-تارة مجردا و اخرى مع زيادة كلمة فى الاسلام.

ص:143

موقع صدور الحديث

الثالثة:فى موقع صدور الحديث،المتيقن و روده فى ذيل قضية سمرة،و يحتمل وروده مستقلا،و ظاهر الاخبار المتقدمة وروده فى ثلاثة مواضع اخر،احدها ذيل قضائه فى الشفعة-ثانيها-ذيل قضائه صلّى اللّه عليه و آله فى منع فضل الماء-ثالثها-ذيل،ما تضمن حكم جدار الرجل الذى هو سترة بينه،و بين جاره و قد سقط عنه فامتنع من بنائه.

اما الموضع الثالث:فحيث ان الخبر المتضمن له هو خبر دعائم الاسلام،و هو ضعيف للارسال،و لعدم ثبوت وثاقة صاحب الكتاب(1) فلا وجه للتعرض له.

ص:144


1- (1) -و فيه:و الصحيح عندنا وثاقته و لنا وجوه. الوجه الاول:ان كتاب دعائم الاسلام تأليف ابى حنيفة الشيعى نعمان بن محمد بن منصور و قال ابن خلّكان فى الوفيات:كان من اهل العلم و الفقه و الدين و النبل على ما لا مزيد عليه و له عدة تصانيف و كان مالكى المذهب ثم انتقل الى مذهب الامامية.-

ص:145

و اما الموضعان الاولان،(1) فلقد اصر شيخ الشريعة(ره)على عدم

ص:146


1- (1) -فقد وقع البحث فيه من ناحيتين: الناحية الاولى:فى صحة تطبيق نفى الضرر و الضرار فى هذين الموردين و عمدة الاشكال فى صحة ذلك فى مورد الحكم بالشفعة و جهان. احدهما:عدم تحقق الضرر فعلا فى بيع حصة الشريك لغير شريكه نعم قد يتحقق الضرر فى المستقبل كما اذا كان الشريك الجديد سيئ الخلق و غير ذلك. فالبيع قد يكون مقدمة اعدادية للضرر التى قد يترتب عليها الضرر و قد لا يترتب و فى مثله لا يصدق الضرر فعلا كى يصح نفيه بالقاعدة. و الاخر:ان نفى الضرر لا يتكفل على تقدير انطباقه سوى نفى اللزوم و اثبات الجواز الحكمى من دون ان يثبت حقا للشريك على حد سائر الحقوق مع ان الثابت فى مورد الشفعة هو الجواز الحقى فان الشفعة تعد من الحقوق. و اما الاشكال فى صحة تطبيق نفى الضرر على مورد منع فضل الماء فهو و جهان ايضا:-

كون حديث الشفعة و الناهى عن منع الفضل حال صدورهما من النبى صلّى اللّه عليه و آله مذيلين بحديث الضرر،و ان الجمع بينهما و بينه جمع من الراوى بين روايتين صادرتين عنه صلّى اللّه عليه و آله فى وقتين مختلفين،و تبعه فى ذلك جماعة منهم المحقق النائينى(ره)،و قد ذكروا فى مقابل ظهور السياق فى كون الجمع،من الجمع فى المروى لا من الجمع فى الرواية، وجوها.

الاول:ما افاده شيخ الشريعة و حاصله،ان اقضية النبى صلّى اللّه عليه و آله مروية من طريق اهل السنة برواية عبادة بن صامت مجتمعة و هى بعينها مروية من طرقنا برواية عقبة متفرقة على حسب تفرق الابواب،و

ص:147

حديث الشفعة،و النهى عن منع فضل الماء،ليسا مذيلين بحديث الضرر فى نقل عبادة بل هو مذكور مستقلا،و فى نقل عقبة لم يذكر مستقلا بل فى ذيلهما،و بعد كون عبادة من اجلاء الشيعة،مع ما علم من استقراء رواياته من،اتقانه،و ضبطه و ان المروى عن عقبة قطع،و ذكر كل قطعة منه فى باب،يقطع الانسان ان حديث الضرر مستقل(1).

-و بعبارة اخرى-انه من توافق النقلين حتى فى العبارات يحدس الانسان قطعيا ان الاقضية كما كانت مجتمعة فى رواية عبادة،و كان من قبيل الجمع فى الرواية لا فى المروى كما هو واضح،كانت مجتمعة فى خبر عقبة بن خالد،لا سيما ان الراوى عن عقبة فى جميع الابواب المتضمنة لتلك الاقضية المتشتة محمد بن عبد الله بن هلال،و الراوى عنه محمد بن الحسين و الراوى عنه محمد بن يحيى،و هذا كله يوجب الاطمينان بعدم وجود الذيل فى حديث الشفعة و المنع من

ص:148


1- (1) -و فيه:ان الجزم بما افاده شيخ الشريعة من ان تذييل خبرى الشفعة و منع فضل الماء بلا ضرر كان من ائمة الحديث و لم يكن من النبى او الامام عليه السّلام مشكل جدا. لان ذلك مستلزم لسوء الظن بائمة الحديث و عدم امانتهم فى ضبط الاحاديث التى تلقوها و نقلها الى غيرهم كما ضبطوها و تصرفهم فيها بما يغير المعنى و ليس هذا التصرف جائزا لهم كما لا يجوز النقل بالمعنى اذا كان مغيّرا له.

فضل الماء فى خبر عقبة بل كان قضاءا مستقلا خصوصا بعد ملاحظة ان الغاء هذا الذيل من الحديثين لا يجر نفعا،و لا يدفع ضررا عن عبادة.

الثانى:ما افاده المحقق النائينى(ره)و هو انه لو كان من تتمة قضية اخرى فى رواية عقبة لزم خلو رواياته الواردة فى الاقضية عن هذا القضاء الذى هو من اشهر قضاياه صلّى اللّه عليه و آله.

الثالث:ما عن المحقق النائينى(ره)ايضا و هو ان لا ضرار على ما ستعرف معناها لا يناسب،حديث الشفعة،و منع فضل الماء.

الرابع:ان بيع الشريك ليس علة للضرر،بل و لا مقتضيا،و هكذا منع فضل الماء لا يوجب الضرر،نعم لا ينتفع الممنوع،و ليس عدم النفع ضررا.

الخامس:ان تضر الشريك بيع شريكه حصته من غيره لا يكون ضرريا الا فى بعض الموارد فبين مورد ثبوت الخيار،و تضرر الشريك بالبيع،عموم من وجه.

السادس:ان الضرر لو كان فى بيع الشريك فانما هو آت من قبل البيع نفسه فلو كان ذلك مورد للقاعدة لزم الحكم بالبطلان،فان ثبوت الخيار جابر للضرر على تقدير وجوده.

السابع:ان النهى فى المنع من فضل الماء انما يكون تنزيهيا،فلا

ص:149

يندرج تحت كبرى لا ضرر(1) و الكل قابلة للخدشة.

اما الاول:فمضافا الى ان عبادة و ان كان من اجلاء الشيعة الا ان الرواة عنه عاميون لم يثبت و ثاقتهم:ان عبادة لم يذكر جميع اقضية النبى صلّى اللّه عليه و آله كيف و هو لم ينقل قضائه فى قضية سمرة و ما ذكره من لا ضرر و لا ضرار مستقلا الظاهر انه قطع قضية سمرة،و نقل ما فى ذيلها، فلعله لم يذيل حديث الشفعة و المنع من فضل الماء،بهذه الجملة لبنائه على التقطيع،و اتكاءا على ذكرها مستقلا.

و اما الثانى:فلانه لا محذور فى الالتزام بان عقبة لم ينقل هذه القضية المشهورة كما لم ينقل قضية سمرة.

و اما الثالث:فلانه ستعرف ان ضرار بمعنى التعمد فى الضرر،و هذا يلائم مع قضائه صلّى اللّه عليه و آله فى الموردين.

مع ان الاستشهاد بالكبرى الكلية لا يجب ان يكون جميع تلك

ص:150


1- (1) -الوجه الثامن:انه يمكن ان يراد بالضرر فى حديث منع فضل الماء بقرينة منع فضل الكلام عدم الانتفاع حيث ان منع فضل الماء علة تامه لعدم الانتفاع بالكلأ فضررهم عبارة عن عدم انتفاعهم فان الضرر خلاف النفع و ضد النفع و حيث ان المورد-و هو الماء من المشتركات فيتعدى منه الى مثله من سائر المشتركات و النهى عن الضرر فيه تنزيهى و لذا حكم فيه بكراهة منع فضل الماء لا حرمته.

الكبرى منطبقة على ما استشهد بها له-مثلا-نرى انه عليه السّلام فى خبر البزنطى و صفوان استشهد عليه السّلام فى رجل اكره على اليمين فحلف بالطلاق و العتاق،و صدقة ما يملك بقوله صلّى اللّه عليه و آله رفع ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوه و ما اخطأوا(1) ،مع ان المنطبق على المورد خصوص ما اكرهوا،و نرى ايضا،صحة ان يجاب عمن سئلنا عن من ترك صلاته و هو نائم:بانه رفع القلم عن الصبى و المجنون و النائم فليكن المقام من هذا القبيل.

و اما ساير الوجوه:فلانه يمكن ان يلتزم بان لا ضرر و لا ضرار فى الخبرين من قبيل حكمة التشريع لا العلة و الوجه فى الالتزام بذلك مع ان الظاهر من القضية كونها علة لزوم المحاذير المذكورة.

و دعوى انه كيف يمكن ان يكون شىء واحد مجعولا ضابطا كليا فى مورد و حكمة لتشريع فى مورد آخر.

تندفع بانه لا محذور فى ذلك-الا ترى-ان نفى الحرج جعل ضابطا كليا و يرفع كل حكم لزم منه الحرج،و مع ذلك جعل حكمة لتشريع طهارة الحديد.

فان قيل انه يلزم ان تكون الحكمة غالبية و الضرر فى بيع الشريك

ص:151


1- (1) -الوسائل ج 16 ص 1365.

ليس غالبيا بل هو اتفاقى،اجبنا عنه،بان ذلك ايضا غير لازم.

و يمكن دفع الوجه الاخير،بانه لا محذور فى الالتزام بكون النهى لزوميا كما التزم به شيخ الطائفة،توضيحه ان المعروف فى تفسير حديث المنع من فضل الماء،انه يراد منه ما اذا كان حول البئر كلاء، و ليس عنده ماء غيره،و لا يتمكن اصحاب المواشى من الرعى الا اذا تمكنوا من سقى بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعى، فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعى،و فى هذا المورد قال الشيخ فى المبسوط.

كل موضع قلنا انه يملك البئر فانه احق بمائها بقدر حاجته لشربه و شرب ماشيته من السابلة و غيرهم و ليس له منع الفاضل من حاجته حتى لا يتمكن غيره من رعى الكلاء الذى يقرب ذلك الماء،و انما يجب عليه ذلك لشرب المحتاج اليه و شرب ماشيته فاما لسقى زرعه فلا يجب عليه ذلك لكنه يستحب انتهى،و لتمام الكلام فى هذه المسألة محل آخر.

فالمتحصل انه لا محذور فى كون هذه الجملة من تتمة الروايتين، فلا دافع لظهورهما فى ذلك.

و لكن الذى يرد عليهما،ان الرواى فيهما عن عقبة هو محمد بن

ص:152

عبد الله بن هلال و هو مهمل،(1) فعلى هذا المتيقن هو ورود هذه الجملة فى ذيل قضية سمرة،و يحتمل ورودها مستقلة ايضا.

ص:153


1- (1) -اما بناء على الاعتماد على عموم توثيق كامل الزيارات و شموله لمن يروى عنه ابن قولوية مع الواسطة،فحيث ان كلا من الرجلين وقع فى اسناد كتابه. فيشمله التوثيق العام و تتصف رواية عقبة بالاعتبار مضافا الى ما قيل من ان الرواى عن محمد بن عبد الله هو محمد بن الحسين ابن الخطاب الثقة لاستبعاد روايته عن غير الثقة.

مفاد الحديث و معنى مفرداته اما دلالتها فالظاهر ان الضرر هو ما يقابل النفع...الخ

و اما المقام الثانى:فالكلام فيه فى موردين:

1-فى مفردات الحديث اعنى كلمتى،الضرر،و الضرار.

2-فى معنى الجملة،من جهة دخول كلمة لا على الكلمتين.

اما الاول:فالضرر،من الالفاظ التى لها معان ظاهرة عند اهل العرف،و يعرفها كل من مارس اللغة العربية و لاحظ موارد استعمال هذا اللفظ،و هو خلاف النفع،و يوافقه اللغة،ففى معجم مقاييس اللغة، الضر ضد النفع،و يقال ضره يضره ضرا،و نحوه عن الصحاح،و النهاية الاثيرية،و القاموس.

و اليه يرجع ما عن المصباح ضره يضره من باب قتل اذا فعل به مكروها و اضربه يتعدى بنفسه ثلاثيا و الباء رباعيا و الاسم الضرر،و جعل الكراهة اعم من المعنى المذكور خلاف ظاهر كلامه.

كما انه يمكن ارجاع ما عن القاموس من قوله بعد تفسير الضرر بما مر،الضرر سوء الحال،الى ذلك.

ص:154

و اما ما عن المصباح،من انه قد يطلق عن نقص فى الاعيان،فهو على خلاف وضعه.

كما ان ما فى معجم مقاييس اللغة،من اطلاقه على اجتماع الشىء،و على القوة،خلاف وضعه ذلك كما صرح به.

و كيف كان فبما ان للضرر معنى مبينا عند العرف و يتبادر الى الذهن عند اطلاقه،لا وجه للرجوع الى اللغويين،فانه مع قطع النظر عن عدم حجية قول اللغوى:انه لو سلم حجيته فانّما هى بملاك رجوع الجاهل الى العالم،و الرجوع الى اهل الخبرة،فمع فرض كون المعنى معلوما،لا مورد للرجوع كما لا يخفى.

و الذى يظهر من تتبع موارد استعمال هذا اللفظ،انه عبارة عن النقص فى النفس،أو العرض،او المال،و ما شاكل من مواهب الحياة،بل لا يبعد دعوى صدقه،فى موارد اجتماع الاسباب،و حصول المقتضى لبعض تلك المواهب اذا منع عنه مانع.

ثم ان ظاهر جماعة من اللغويين،ان تقابل الضرر و النفع تقابل التضاد،و صريح المحقق المصنّف ان تقابلهما تقابل العدم و الملكة.(1)

ص:155


1- (1) -لان الضرر ما يقابل التام الذى هو مقتضى طبع الشى و تقابل التمام و الضرر تقابل العدم و الملكة اذ لا يطلق الا على ما لا ينبغى ان يكون ناقصا عما يقتضيه طبعه-

و لا يتم شىء منهما،اما الاول فلان الضرر كما عرفت هو النقص فى المال او النفس او العرض،و هو ليس امرا وجود يا حتى يكون ضد النفع.

و اما الثانى:فلان النفع ليس عبارة عن التمامية كى يكون التقابل بينه و بين النقص الذى هو عبارة عن عدم ما من شانه التمامية،تقابل العدم و الملكة،بل هو عبارة عن الزيادة العائدة الى من له علاقة بما فيه الفائدة العائدة اليه،فبين النفع و الضرر واسطة،مثلا لو اتجر شخص و لم يربح،و لم ينقص من ماله شىء،لا يكون هناك نفع،و لا ضرر.

و اما الضرار،فالظاهر انه مصدر باب المفاعلة من ضاره يضاره، و قد ذكر فى معناه امور.

1-انه المجازاة على الضرر،ففى المجمع،الضرار فعال من الضر، الى لا يجازيه على اضراره.

2-انه فعل الاثنين و الضرر فعل الواحد،و احتمل الشيخ رجوعه الى المعنى الاول.

ص:156

3-انه بمعنى الضرر جىء به للتاكيد،كما صرح به جمع من اللغويين لاحظ القاموس و المصباح.

4-انه الاضرار بالغير من دون ان ينتفع به،و الضرر ما تضر به صاحبك و تنتفع انت به.

5-انه بمعنى الضيق و اطلقه عليه فى الصحاح بعد اطلاق الضرر على سوء الحال.

6-انه التصدى للاضرار،ذكره المحقق الاصفهانى،و اليه يرجع ما افاده المحقق النائينى(ره)من انه الاضرار العمدى،و التعمدى على الضرر و القصد اليه.

اقول الظاهر ارادة المعنى الاخير منه-لا-لما افادة المحقق الاصفهانى(ره)من ان ما اشتهر بين القوم من ان الاصل فى باب المفاعلة انه فعل الاثنين و ان الفرق بينه و بين باب التفاعل بعد اشتراكهما فى انهما فعل الاثنين،ان باب المفاعلة هو فعل الاثنين،مع الاصالة من طرف و التبعية من طرف آخر،و باب التفاعل هو فعل الاثنين مع الاصالة و الصراحة من الطرفين مما لا اصل له،كما يشهد به الاستعمالات الصحيحة القرآنية و غيرها،فان فيها ما لا يصح ذلك فيه، و فيها ما لا يراد منه ذلك كقوله تعالى«يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ مايَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ 1» فان الغرض نسبة الخديعة منهم الى الله تعالى، و الى المؤمنين لا منهما اليهم،و قوله تعالى«وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ 2» و يرائون،و ناديناه،و نافقوا،و شاقوا،و لا تؤاخذنى،الى غير ذلك،و ان مفاد هيئة المفاعلة غير مفاد هيئة التفاعل،و انه لا يتقوم بطرفين،بل هيئة المفاعلة وضعت لافادة ان التعدية الى الاخر ملحوظة فى مقام افادة النسبة،بخلاف هئية المجرد،فان تلك الحيثية و لو كانت داخلة فى مفادها كما فى الفعل المجرد الثلاثى،كخدع غير ملحوظة،فاذا فعل فعلا كان اثره خداع الغير،صدق عليه انه خدعه لا انه خادعه،الا اذا تصدى لخديعته فالضرار هو التصدى للاضرار3.

ص:157

اقول الظاهر ارادة المعنى الاخير منه-لا-لما افادة المحقق الاصفهانى(ره)من ان ما اشتهر بين القوم من ان الاصل فى باب المفاعلة انه فعل الاثنين و ان الفرق بينه و بين باب التفاعل بعد اشتراكهما فى انهما فعل الاثنين،ان باب المفاعلة هو فعل الاثنين،مع الاصالة من طرف و التبعية من طرف آخر،و باب التفاعل هو فعل الاثنين مع الاصالة و الصراحة من الطرفين مما لا اصل له،كما يشهد به الاستعمالات الصحيحة القرآنية و غيرها،فان فيها ما لا يصح ذلك فيه، و فيها ما لا يراد منه ذلك كقوله تعالى«يُخادِعُونَ اللّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ مايَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ 1» فان الغرض نسبة الخديعة منهم الى الله تعالى، و الى المؤمنين لا منهما اليهم،و قوله تعالى«وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ 2» و يرائون،و ناديناه،و نافقوا،و شاقوا،و لا تؤاخذنى،الى غير ذلك،و ان مفاد هيئة المفاعلة غير مفاد هيئة التفاعل،و انه لا يتقوم بطرفين،بل هيئة المفاعلة وضعت لافادة ان التعدية الى الاخر ملحوظة فى مقام افادة النسبة،بخلاف هئية المجرد،فان تلك الحيثية و لو كانت داخلة فى مفادها كما فى الفعل المجرد الثلاثى،كخدع غير ملحوظة،فاذا فعل فعلا كان اثره خداع الغير،صدق عليه انه خدعه لا انه خادعه،الا اذا تصدى لخديعته فالضرار هو التصدى للاضرار(1).

ص:


1- (3) -و فى كلام المحقق الاصفهانى مواقع للنظر. منها:ان الامثلة المذكورة لم تبلغ حدا تنافى ما هو المشهور من وضع المفاعلة للاشتراك اذ هذه الافعال الخارجة عن الاصل بالقياس الى ما بقى منها كالقطرة من البحر. و منها:ما نسبه الى المشهور من دعواهم وحدة معنى بابى المفاعلة و التفاعل و انما الفرق فى دلالة المفاعلة على انتساب المادة الى احدهما بالاصالة و الى-

فان هذه الامور ليس برهانية بل لا بد فيها من الرجوع الى اهلها،و قد صرح اهل الفن،بان الاصل فى باب المفاعلة ان يكون فعل الاثنين،و استعمال تلك الهيئة فى غير ذلك انما يكون مع القرينة، كما فى الامثلة المشار اليها.

بل الوجه فى ارادة المعنى الاخير فى الحديث،ان فعل الاثنين لا ينطبق على مورده للتصريح فيه بان سمرة مضار،و لم يقع المضاره بين الانصارى،و سمرة،كما ان ارادة المجازاة لا تنطبق عليه،مضافا الى عدم تعاهدها من هذه الهيئة،و التاكيد المحض خلاف الظاهر، و الضيق ليس معناه قطعا كما هو واضح.

فيتعين ما افاداه و هو الذى يظهر بالتتبع فى موارد استعماله،مع القرينة على عدم ارادة فعل الاثنين،كقوله تعالى«وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً

ص:159

لِتَعْتَدُوا» (1) فان قوله لتعتدوا شاهد كون الضرار هو التعمد للاضرار بقصد الاعتداء و قوله تعالى«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» (2) فان المراد به النهى عن اضرار الام بالولد بترك الارضاع غيظا على ابيه و عن اضرار الاب بولده بانتزاعه من امه طلبا للاضرار و قوله تعالى«وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ» (3) و كونه بمعنى التعمد فى الاضرار بالسحر مما لا يخفى.و قوله تعالى«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ» (4) فان المراد النهى عن الاضرار بالورثة،بالاقرار بدين ليس عليه،و قوله عز و جل«وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً»، (5) و قد اخبر الله تعالى ان المنافقين بنوا المسجد الذى بنوه ضرار و قصدوا به المضارة و لذلك كان قبيحا و معصية،و فى التبيان،الاية تدل على ان الفعل يقع بالارادة على وجه القبح دون الحسن،او الحسن دون القبح.

و قوله عز و جل«وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» (6) فى التبيان

ص:160


1- (1) -البقرة آية 232 و 234.
2- (2) -المصدر المتقدم.
3- (3) -البقرة آية 97.
4- (4) -النساء آية 16.
5- (5) -التوبة آية 107.
6- (6) -التوبة آية 107.

معناه لا تدخلوا الضرر عليهن بالتقصير فى النفقة و السكنى و الكسوة و حسن العشرة لتضيقوا فى السكنى و النفقة و امر بالسعة و المضارة المعاملة بما يطلب به ايقاع الضرر بصاحبه.

و قول الامام الصادق عليه السّلام فى خبر هارون بن حمزة الغنوى فى بعير مريض اشتراه رجل بعشرة دراهم و شاركه الاخر بدرهمين بالرأس و الجلد،فقضى ان برأ البعير و بلغ ثمنه ثمانية دنانير،لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فان قال اريد الرأس و الجلد فليس له ذلك هذا الضرار(1) فان طلب الرأس و الجلد فى الفرض ليس الا بقصد الاضرار بالشريك،و قد اطلق عليه السّلام على الضرار.

و قول النى صلّى اللّه عليه و آله فى الحديث مخاطبا لسمرة،انك رجل مضار،فان المراد به انك متعمد فى الاضرار بالانصارى.

و بالجملة التتبع فى موارد استعمال هذه المادة المتهيئة بهيئة باب المفاعله مع القرينة على عدم ارادة فعل الاثنين،و التامل فى الخبر يوجبان الاطمينان بان المراد بكلمة ضرار فى الحديث ما افاده العلمان،فيكون حاصل قوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر،و لا ضرار نفى اصل الضرر و لو مع عدم التصدى للاضرار،و نفى التصدى للاضرار.

ص:161


1- (1) -الوسائل،ج 18،ص 49.

مفاد الجملة بلحاظ تصدرها بكلمة لا كما ان الظاهر ان يكون لا لنفى الحقيقة كما هو الاصل...الخ.

اشارة

و اما الثانى:و هو مفاد الجملة بلحاظ كونها متصدرة بكلمة-لا- و دخولها على الكلمتين،فقد ذكروا فيه وجوها.

1-ما يظهر من اللغويين و شراح الحديث،و اختاره صاحب العناوين،و شيخ الشريعة الاصفهانى(ره)و هو ارادة النهى من النفى و مرجعه الى تحريم الاضرار.

2-ما نسبه الشيخ الاعظم(ره)الى بعض الفحول،و هو ان المنفى الضرر المجرد غير المتدارك،و لازمه ثبوت التدارك فى موارد الضرر.

3-ما اختاره المحقق المصنف،و هو كونه من قبيل نفى الحكم بلسان نفى الموضوع،كما فى قوله لا رهبانية فى الاسلام-و لا ربا بين الوالد و الولد-و ما شاكل،فمفاد الحديث،نفى الاحكام اذا كانت موضوعاتها ضررية.

4-ما اختاره الشيخ الاعظم و تبعه جمع من الاساطين منهم

ص:162

المحقق النائينى،و هو ان المنفى كل حكم ينشأ منه الضرر سواء أكان الضرر ناشئا من نفس الحكم كما فى لزوم العقد الغبنى،ام من متعلقه كما هو الغالب.اما بان يكون مجازا من باب ذكر المسبب،و ارادة السبب كما يظهر من الشيخ(ره)،او من باب الاطلاق الحقيقى نظرا الى كون النفى تشريعيا لا تكوينيا،كما افاده المحقق النائينى،و اما بان يكون اطلاق الضرر على الحكم الموجب له من باب الحقيقة الادعائية.

5-ما هو المختار،و هو ان المنفى كل حكم نشأ منه الضرر،او كان موضوعه ضرريا.

6-ما عن بعض الاعاظم و هو ان الحكم سلطانى،سيمر عليك توضيحه.

اما الوجه الاول:

فغاية ما قيل فى توجيهه انه كما يصح الاخبار عن وجود الشىء فى مقام الامر به،كذلك يصح الاخبار عن عدم شىء فى مقام النهى عنه،و قد شاع استعمال النفى و ارادة النهى،كما فى قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ 1 و قول رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لا سبق الا فى

ص:163

خف او حافر(1) و قوله صلّى اللّه عليه و آله لا هجرة فوق ثلاث(2) و قوله صلّى اللّه عليه و آله لا جلب و لا جنب و لا شغار فى الاسلام(3) و قوله صلّى اللّه عليه و آله لا منع،و لا اسراف،و لا بخل،و لا اتلاف(4) و نحوها غيرها من الجملات الناهية بلسان النفى، و هى كثيرة(5).

و هذا الوجه و ان كان يكفى فى رد المحقق المصنّف حيث قال،و ارادة النهى من النفى لم يعهد من مثل هذا التركيب،الا انه لا يفى باثبات

ص:164


1- (1) -الوسائل ج 13 ص 348.
2- (2) -الوسائل ج 8 ص 584.
3- (3) -الوسائل ج 14 ص 229.
4- (4) -غوالى اللئالى ج 1 ص 296 الطبع الحديث.
5- (5) -و فيه:ان ارادة النهى من النفى و الاخبار بعدم الوقوع كارادة البعث من الاخبار بالوقوع و ان كانت شائعة فى الكتاب و السنة و كلمات الفصحاء لكن شيوعها ليس بمثابة يوجب الانسباق الى الذهن عند الاطلاق مضافا الى انه يتوجه عليه:ان اصالة التطابق بين الارادتين الاستعمالية و الجدية تقتضى ارادة النفى من لا ضرر الا بقرينة توجب التفكيك بين الارادتين و ارادة الحرمة من الامثلة المذكورة لا تصلح لرفع اليد عن اصالة الحقيقة فى حرف النفى فى المقام و اما تاييد مدعاه بكلام جمع من اللغويين فهو معارض بفهم قدماء الاصحاب المستدلين بها على خيار الغبن المقتضى لاستفادة النفى منه بل ادعى فخر الدين تواتر الاخبار على نفى الضرر.

المطلوب:و ذلك لان ارادة النهى من النفى انما يكون باحد وجهين.

احدهما:استعمال الجملة فى مقام الاخبار عن عدم تحقق ما تصدر بكلمة لا،فى الخارج كناية عن مبغوضيته،و حرمته،نظير الاخبار عن ثبوت الشىء فى الخارج كناية عن محبوبيته،و فى هذا التعبير الكنائى لطف،و يفيد المراد بوجه آكد،الا ترى انه لو كان الاب فى مقام بيان زجر ابنه عن الكذب،قال لا كذب فى بيتى،يكون ذلك آكد فى افادة المراد بحسب المتفاهم العرفى.

ثانيهما:ان يكون ما صدره لا النافية،محكوما بالجواز فى الشرايع السابقة،او عند العقلاء،و اريد نفى ذلك الحكم فى الشريعة المقدسة كما فى لا شغار فى الاسلام،و لا رهبانية فى الاسلام(1) و لا رأى فى الدين(2) فان الاول،و هو ان يقول الرجل للرجل زوجنى ابنتك حتى ازوجك ابنتى على ان لا مهر بينهما كان امرا متعارفا عند العقلاء، و كذلك القياس و الرأى و قد نفاهما الشارع،و الرهبانية كانت مشروعة فى الشريعة السابقة،فقد نفى شرعيتها فى الاسلام.

و شىء منهما لا مورد له فى الحديث،اما الاول:فلان حمل اللفظ،او الهيئة و الجملة على ارادة المعنى الكنائى،خلاف الظاهر لا يلتزم به الا

ص:165


1- (1) -مجمع البيان ج 10 ص 242 و مجمع البحرين فى ذيل كلمة رهب.
2- (2) -الوسائل ج 18 ص 33.

مع عدم امكان ارادة المعنى الحقيقى،او القرينة على عدم ارادته،كما فى قوله تعالى،لا رفث،و لا فسوق،و لا جدال فى الحج.

و اما الثانى:فلان الاضرار بالغير لم يكن جائزا فى شريعة من الشرايع السابقة،و لا عند العقلاء،فارادة النهى من النفى فى الحديث لا تصح.

اضف الى ذلك كله،انه فى بعض الروايات كلمة،فى الاسلام، موجودة فى ذيل قوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار،و هى ظرف لغو متعلق بفعل عام مقدر،و هو،موجود،و هذا لا يلائم مع ارادة النهى من كلمة لا،بان يكون معنى الحديث،حرمة الاضرار فى الاسلام:اذ الاسلام لا يكون ظرفا لا ضرار الناس بعضهم ببعض،الا على تكلف بعيد.

مع ان ارادة النهى من الحديث،لا يلائم مع قضية سمرة،اذ حرمة الاضرار،لا تنطبق على ما امر صلّى اللّه عليه و آله به،من قلع الشجرة و الرمى بها وجهه كما هو واضح،فهذا الوجه ضعيف.

و اما الوجه الثانى:

فغاية ما قيل فى توجيهه،ان الاصحاب ذكروا فى باب الضمان انه لو تلف العين المضمونة يجب على الضامن تداركها اما بالمثل او القيمة،و ذكروا ان ذلك بمنزلة اداء نفس العين التى يجب ادائها،بمقتضى

ص:166

حديث على اليد-و عليه-فاذا حكم الشارع الاقدس بلزوم تدارك الضرر،صح تنزيل الضرر الموجود منزلة المعدوم،و يقال لا ضرر.(1)

و اورد عليه الشيخ الاعظم(ره)بان الضرر الخارجى،لا ينزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه،و انما المنزل منزلته الضرر المتدارك فعلا.

و فيه:ان المدعى يدعى ان الشارع يحكم باشتغال الذمة بالبدل،فكانه يكون البدل موجودا فى الخارج فعلا،لا انه حكم بوجوب التدارك تكليفا محضا.

و الصحيح ان يورد عليه:بان اشتغال الذمة،و ان صح جعله منشئا للتنزيل لكنه نفى تنزيلى لا حقيقى،و هو خلاف الظاهر لا يصار اليه الا مع القرينة.

مع انه يلزم من الالتزام بذلك تأسيس فقه جديد:فان مجرد الاضرار بالغير من دون اتلاف مال منه لا يوجب الضمان-الا ترى- انه لو تضرر تاجر باستيراد تاجر آخر اموالا كثيرة،لم يجب تداركه

ص:167


1- (1) -و فيه:ان ارادة الضرر غير المتدارك ان كانت بالاستعمال فيه مجازا فهى خلاف اصالة الحقيقة و تحتاج الى قرينة صارفة و هى مفقودة و ان كانت بدال مستقل فهى خلاف اصالة الاطلاق و يحتاج التقييد الى الدليل و هو ايضا مفقود و مع الشك يجرى اصالتى الحقيقة و الاطلاق.

لا تكليفا،و لا وضعا.

و اما الوجه الثالث:

فقد افاد المحقق المصنف فى توجيه كونه الظاهر من الحديث،بان الظاهران يكون لا لنفى الحقيقة،كما هو الاصل فى هذا التركيب حقيقة او ادعاءا كناية عن نفى الاثار كما هو الظاهر من مثل لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد(1) و يا اشباه الرجال و لا رجال(2) فان قضية(3) البلاغة فى الكلام هو ارادة نفى الحقيقة ادعائا لا نفى الحكم او

ص:168


1- (1) -الوسائل ج 3 ص 478.
2- (2) -نهج البلاغة ص 65 خطبة 25.
3- (3) -دفع لما قد يتوهم من انه يمكن ارادة نفى الحقيقة ادعائا كناية عن نفى الآثار فكذلك يمكن نفى الحكم ابتدائا كما فى المقام او نفى الصفة من الصحة و الكمال كما ادعى ذلك فى لا صلاة الا بفاتحة الكتاب اى لا صلاة صحيحة الا بها او فى لا صلاة بجار المسجد الا فى المسجد اى لا صلاة كاملة بجار المسجد الا فيه. فيقول المحقق المصنّف فى دفع التوهم ان قضية البلاغة فى الكلام هو ارادة نفى الحقيقة ادعائا لا نفى حكم و لا نفى الصفة و الا لما دل على المبالغة كما تقدم فى الصحيح و الاعم،قال هناك عند الاستدلال للصحيح ما لفظه:-

الصفة،و المنفى فى الحديث هو الضرر،و حيث لا يمكن ارادة نفى الحقيقة،حقيقة فليكن من قبيل نفى الحقيقة ادعائا بلحاظ نفى الحكم و الاثار،فمفاد الحديث،نفى الموضوع الضررى بلحاظ نفى حكمه.

و المتاخرون عنه اوردوا عليه بايرادات 1-ما افاده جماعة،و حاصله،ان نفى الحكم بلسان نفى الموضوع،انما يصح فى موارد ثلاثة.

الاول:كون الموضوع المنفى بنفسه،ذا حكم شرعى بحسب عموم دليل او اطلاق شامل له كما فى قول الامام امير المؤمنين عليه السّلام ليس بين الرجل و ولده ربا،و ليس بين السيد و عبده ربا(1) فان الربا محكوم بالحرمة بحسب الادلة،فيكون حينئذ دليل النفى ناظرا الى نفى شموله له بنفى انطباق موضوعه عليه.

الثانى:كون العنوان المنفى علة للفعل الذى هو موضوع للحكم بحسب عموم دليل او اطلاق،كما فى قول رسول الله صلّى اللّه عليه و آله رفع عن امتى تسعة اشياء،الخطاء،و النسيان الحديث(2) فيكون النفى،نفيا للمعلول،

ص:169


1- (1) -الوسائل ج 12 ص 436.
2- (2) -الوسائل ج 11 ص 295.

بلسان نفى علته فيدل على ان الفعل الصادر فى حال الخطاء او النسيان، كانه لم يصدر فى الخارج فيرتفع عنه الحكم.

الثالث:ما اذا كان العنوان المنفى عنوانا ثانويا للموضوع ذى حكم، كعنوان الطاعة،فى قوله عليه السّلام لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق(1).

و المقام لا يكون من قبيل شىء من هذه الموارد،اما الاول فلانه ان اريد نفى الحكم المترتب على الضرر بنفسه،لادى ذلك الى خلاف المقصود،و يستلزم جواز الاضرار بالغير،لعدم كونه حينئذ ضررا شرعا،اضف اليه ان موضوع الحكم يمتنع ان يكون رافعا له لكونه مقتضياله،و ان اريد منه نفى الحكم المترتب على الفعل المعنون بعنوان الضرر،فيرده ان الضرر ليس عنوانا للفعل،بل هو مسبب عنه و مترتب عليه.

و اما الثانى:فلان الضرر ليس علة للفعل،بل هو معلول و مسبب عنه.

و اما الثالث:فلما اشير اليه من ان الضرر لا يحمل على الفعل الخارجى،كالوضوء،و الصوم،و ما شاكل،بل هو مسبب عنه و مترتب عليه،و على الجملة ما هو موضوع الحكم،هو العنوان المنطبق على الفعل الخارجى لم يرد عليه النفى،و ما ورد عليه النفى لم يرفع حكمه

ص:170


1- (1) -الوسائل ج 8 ص 111.

قطعا.

و يتوجّه عليه ان نفى العنوان الثانوى تشريعا و اخراجه عن عالم التشريع،تارة يكون حقيقيا،و اخرى يكون من قبيل نفى المسبب بلسان نفى السبب،و المقام من قبيل الثانى،لان هذا المقدار من خلاف الظاهر مما لا بد من الالتزام به،حتى على مسلك المستشكلين،الذى اختاروه تبعا للشيخ،من ان المنفى هو الحكم الضررى،اذا لحكم ايضا سبب للضرر،فلو اريد نفى الحكم الضررى لا محالة يكون نفيا للمسبب بلسان نفى سببه.

و دعوى ان الحكم سبب توليدى و علة للضرر،و المسبب التوليدى من العناوين المنطبقة على السبب مثلا الاحراق الذى هو مسبب توليدى ينطبق على سببه و هو الالقاء،فاذا كان الحكم سببا للضرر،ينطبق عنوان الضرر على الحكم فعلى هذا المسلك لا يلزم الالتزام بخلاف الظاهر بخلافه على المسلك الاخر،كما عن المحقق النائينى(ره).

غريبة،فان المسبب التوليدى فى المثال ليس هو الاحراق،فانه وصف منتزع من ترتب الحرقة،عليه بل المسبب هو الحرقة،و هى لا تنطبق على الالقاء،و بالجملة،السبب،و المسبب موجودان منحاذان لا يعقل انطباقهما على شىء واحد،فالضرر ينشأ من الحكم و لا ينطبق

ص:171

عليه و انما المنطبق على الحكم عنوان المضر و الضار.

بل ارادة نفى الموضوع الضررى،اظهر من ارادة نفى الحكم الضررى،فان الموضوع سبب للضرر و نفى المسبب بنفى سببه شايع،و اما الحكم فقد يكون سببا كما فى لزوم العقد فى المعاملة الغبنية،و قد يكون من قبيل المعدله لو ساطة ارادة المكلف و اختياره،كايجاب الوضوء على من يتضرر به فان الحكم ليس سببا للضر لوساطة ارادة المكلف فان له ان لا يتوضأ فلا يقع فى الضرر.

و دعوى ان ارادة المكلف حيث تكون مقهورة فى عالم التشريع لهذا البعث،فبالاخرة ينتهى الضرر الى البعث و الجعل كانتهاء المعلول الاخير الى العلة الاولى،لا كانتهائه الى المعد كما عن المحقق النائينى.

مندفعة،بان الارادة،ليست معلولة للحكم،بل هو ناشئة عن مباديها،و الحكم انما يكون جعلا لما يمكن ان يكون داعيا لها،فهو من قبيل المعد للارادة،لا العلة.

و عليه،فلو اريد من الحديث نفى الحكم الضررى بنحو يلتزم به هؤلاء الاعلام لا بد من الالتزام بكونه نفيا،للجامع بين السبب و المعد، بلسان نفى المسبب،و لا اظن كون هذا الاستعمال متعارفا،او له مماثل.

2-ما افاده المحقق النائينى،و حاصله ان نفى الحكم بلسان نفى الموضوع،تارة يكون نفيا بسيطا واردا لسلب ذات الشىء،و اخرى

ص:172

يكون نفيا تركيبيا واردا لسلب شىء عن شىء.

فان كان من قبيل الاول،يعتبر فى صحته قيود ثلاثة:

الاول:كون الموضوع ذا حكم،اما فى الجاهلية،او فى الشرايع السابقة او فى هذه الشريعة بحسب عموم دليل،او اطلاق شامل له- و الا-فلا معنى لنفى الحكم بلسان نفى موضوعه.

الثانى:كونه عنوانا اختياريا،كالرهبانية،حتى يكون نفيه التشريعى، موجبا لنفيه التكوينى.

الثالث:كون الحكم المنفى هو الحكم الجائز،و الا،انتج نفى الحكم بلسان نفى الموضوع،ضد المقصود فى بعض المقامات،كما فى مورد اتلاف مال الغير،فانه لو ورد فى هذا المقام،قوله لا ضرر يكون مفاده، ان هذا الفرد الصادر خارجا من المتلف لا حكم له،كما هو مفاد قوله عليه السّلام لا سهو فى سهو.

و ان كان من قبيل الثانى،اى كان النفى تركيبيا،واردا لسلب شىء عن شىء،فهو يكون تخصيصا بلسان الحكومة-و بعبارة اخرى-النفى تحديد لما اخذ موضوعا لذلك الحكم المنفى بما عدى مورد النفى، فمثل قوله عليه السّلام لا شك لكثير الشك،يدل على اختصاص البناء على الاكثر بغير كثير الشك.

و لا يمكن الالتزام بشىء منهما فى-لا ضرر-اما الثانى:فلعدم كون

ص:173

السلب سلبا تركيبيا،نعم لو كان الخبر بلسان،لا موضوع ضرريا، لكان من قبيل لا شك لكثير الشك.

و اما الاول:فلان الضرر و ان كان اختياريا،الا ان حكمه السابق، حيث لا يكون بالنسبة الى الاضرار بالغير اباحة،بل هو اما تحريم،او قبح فارادة نفى الحكم بلسان نفى الموضوع،ينتج ضد المقصود فى الموارد المشار اليها،كما فى مورد اتلاف مال الغير.

و فيه:انه بعد فرض كون الحديث نفيا للسبب بلسان نفى المسبب، كما هو اساس هذا الوجه،فقوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر،فى قوة لا وضوء ضرريا، و لا عقد ضرريا،و هكذا ساير الموضوعات الضررية،فيكون سلبه تركيبيا،و لا محذور فيه.

3-ان كلمة،فى الاسلام،الموجودة فى بعض النصوص المعتبرة، تدل على ان المنفى هو الحكم الضررى،اذ لا معنى لكون الموضوع ضرريا فى الاسلام.

و فيه:ان هذه الكلمة تنفى احتمال كون،لا نهيا كما مر مفصلا، و لا تصلح قرينة لتعين كون المنفى هو الحكم،بل هى قرينة على كون النفى تشريعيا لا حقيقيا،و النفى التشريعى كما يتعلق بالحكم،حقيقة، يتعلق بالموضوع كذلك و يخرج الموضوع عن عالم التشريع،فهذه الكلمة تلائم مع كون المنفى كل من الحكم او الموضوع.

ص:174

فالمتحصل مما ذكرناه،ان شيئا مما اورد على ما اختاره المحقق المصنّف لا يرد عليه.(1)

نعم،يرد عليه ان هذا الاستعمال و ان كان صحيحا و شايعا،الا انه لا وجه لتخصيص المنفى بالموضوع الضررى،بل مقتضى اطلاقه البناء على ارتفاع كل ما هو ضررى كان هو الحكم او الموضوع.

و دعوى ان اسناد النفى الى الحكم حقيقى و اسناده الى الموضوع مجازى حيث ان المنفى فى الحقيقة حكمه فلو كان المراد من الحديث هو الاعم لزم اجتماع اسنادين،مجازى،و حقيقى فى اسناد واحد،و هو غير معقول.

مندفعة:بان المراد بالنفى النفى التشريعى و هو كما يستند حقيقة الى

ص:175


1- (1) -عمده الاشكال على هذا الوجه هى عدم انطباق ضابط نفى الحكم بلسان نفى الموضوع عليه حيث ان ضابطه نفى الحكم الثابت لطبيعة عن نفسها او عن بعض انواعها او اصنافها فلا يشمل حكما ثبت لموضوع طرأ عليه ذلك العنوان تصادفا. و عليه فليس وجوب الوضوء الضررى و لزوم الوفاء بالبيع الغبنى و سلطنة المالك اذا صارت ضررية و نظايرها من صغريات قاعدة نفى الحكم بلسان نفى الموضوع ضرورة ان الاحكام فى هذه الامثلة ثبتت لعناوين خاصة من الوضوء و البيع و سلطنة المالك على ماله و لم تثبت لعنوان الضرر حتى ترتفع بقاعدة نفيه مع ان بناء الاصحاب على شموله لها و رفع احكامها به.

الحكم يستند حقيقة الى الموضوع باخراجه عن عالم التشريع،و بما ذكرناه ظهر ما فى:

الوجه الرابع

الذى اختاره الشيخ و المحقق النائينى،فانه لا وجه لجعل المنفى خصوص الحكم الضررى.

و قد استدل المحقق النائينى(ره)لهذا القول،اى كون المنفى هو كل حكم اوجب الضرر،بما يتضح ببيان امور.

الاول:ان النفى اذا تعلق بشىء،فان كان ذلك حكما شرعيا،كان النفى نفيا بسيطا:لان الاحكام الشرعية من الامور الاعتبارية النفس الامرية،و وجودها التكوينى،عين تشريعها،فاثباتها،او نفيها،راجع الى افاضة حقيقتها،و ايجاد هويتها،او اعدامها عن قابلية التحقق،فعلى هذا يكون نفيها من السلب البسيط،و ان كان من الامور الاختراعية، و الامور الدائرة بين العقلاء،المتعلق بها الامضاء،فحيث ان قابليتها للجعل اختراعا،او تأسيسا،او امضاءا او تقريرا،عبارة عن تركيب انفسها،او محصلاتها،دون افاضة هويتها و ايجاد حقائقها،فلا محالة، يكون النفى الوارد عليها من السلب التركيبى،فالمجعول فيها نفس النفى دون المنفى.

ص:176

ثم ان السلب التركيبى على قسمين،قسم ينفى فيه هذه المهيات عن شىء،كقوله عليه السّلام لا صلاة الا بطهور،و قسم عكس ذلك،اى ينفى فيه شىء عن هذه المهيات،كما فى لا شك فى المغرب،و لا رفث فى الحج و ماشا كل،و فى القسم الاول:يفيد النفى،الجزئية،او الشرطية و فى القسم الثانى، المانعية:فان نفى الماهية عن شىء،معناه عدم تحقق الماهية بدون ذلك، و اما نفى شىء عن الماهية،فمعناه ضدية وجود هذا الشىء فيها،اى الماهية قيدت به،و كيف كان فينتج النفى فى القسمين الفساد من غير استعمال النفى فى نفى الصحة،و فى نفى الكمال،فى مثل لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد،هذا فيما يكون قابلا لان يتعلق به الجعل من حيث النفى او المنفى،و اما مالا يقبل ذلك كالامور الخارجية،فلا بد و ان يكون ذا حكم،لو لا هذا النفى ليكون النفى بلحاظه،و هو انما يكون باحد وجهين،اما بان يكون بنفس عنوانه موضوعا لحكم عند العرف و العقلاء،او فى الشرايع السابقة،و النفى واردا لا لغاية كقوله عليه السّلام لا رهبانية فى الاسلام و ماشا كل مما ورد لنسخ الاحكام السابقة، و الغائها عن الاعتبار،و اما بان يكون مندرجا لو لا هذا النفى فى عموم، أو اطلاق،و كان النفى واردا لاخراج ذلك الفرد عن موضوع العام او المطلق كقوله عليه السّلام لا شك لكثير الشك،و لا شك فى نافلة،و القسم الاول من النفى البسيط،و الثانى من النفى التركيبى.

ص:177

الثانى:ان الضرر من العناوين الثانوية للحكم،لانه من المسببات التوليدية،و المسبب التوليدى ينطبق على السبب،فان قيل ان ما ذكر يتم فى مثل لزوم العقد الذى هو السبب للضرر،و لا يتم فى مثل وجوب الوضوء على من يتضرر به،فان السبب هو الوضوء،و وجوبه من قبيل المعد،قلنا:ان ارادة المكلف حيث كانت مقهورة فى عالم التشريع لهذا البعث و الجعل،و قد اشتهر ان الممتنع الشرعى،كالممتنع العقلى،و اللابدية الشرعية،كاللابدية العقلية،فبالاخرة ينتهى الضرر الى البعث و الجعل كانتهاء المعلول الاخير الى العلة الاولى لا كانتهائه الى المعد،فالعلة التامة لوقوع المكلف فى الضرر هى الجعل الشرعى.

الثالث:ان اسناد النفى الى الحكم حقيقى،و يكون النفى مستعملا فى معناه الحقيقى بلا رعاية عناية بخلاف اسناده الى الموضوع فانه يحتاج الى رعاية عناية.

فنتيجة هذه الامور ظهور قوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار،فى ارادة نفى الحكم الضررى،فانه بذلك يتحفظ على ظهور لا النافية فى ما هو معناه الحقيقى،من دون ان يلتزم بخلاف الظاهر فى مدخولها،بان يكون من قبيل استعمال المسبب و ارادة سببه،كى:يرد عليه ما افاده المحقق المصنّف،بانه ليس من الشايع المتعارف فى المحاورات التعبير عن نفى السبب بنفى مسببه،لما ذكرناه من ان الضرر عنوان ثانوى للحكم،و نفى

ص:178

العنوان الثانوى و ارادة العنوان الاولى،ليس من باب المجاز فان اطلاق المسبب التوليدى على سببه شايع متعارف فى المحاورات العرفية.(1)

فى كلامه مواقع للنظر 1-ما افاده من انطباق المسبب التوليدى على سببه الذى قد مثل،له بانطباق الايلام على الضرب،و الاحراق على الالقاء فى النار:فانه يرد عليه ما تقدم من انهما موجودان بوجودين،و ليسا من قبيل العنوانين المنطبقين على المعنون الواحد،و الايلام،و الاحراق ليسا مسببين،بل المسبب هو الالم،و الحرقة،و بديهى عدم انطباقهما على الضرب و الالقاء.

2-ما ذكره من انه من جهة مقهورية العبد فى الارادة،يكون وساطتها،كوساطة الامر غير الاختيارى،غير مانع من استناد المعلول الى علته الاولى،فانه يرد عليه،ما تقدم من ان الحكم انما يكون داعيا الى الارادة و اختياريتها محفوظة،فهو من قبيل المعد.

3-ما افاده من ظهور نفى الحكم،فانه بعد فرض كونه النفى تشريعيا،لا تكوينيا،يكون نسبته الى الحكم و الموضوع على حد

ص:179


1- (1) -و فيه:ان ايجاب الشارع للوضوء معدّ لا علة تامة للضرر و على تقدير تسليم العلية التامة فلا يوجب ذلك كون الاستعمال حقيقيا فان علاقة السببية و المسببية من اظهر علائق المجاز.

سواء،و سياتى زيادة توضيح لذلك،و عليه فلا وجه لجعل المنفى خصوص الحكم.

الوجه الخامس

و مما ذكرناه ظهر ان مفاد الحديث نفى مطلق الامر الضررى موضوعا كان ام حكما،و هو الوجه الخامس و نزيده ظهورا ببيان امرين.

الاول:ان المنفى فى المقام هو ما يوجب الضرر،و هذا المقدار من العناية مما لا بد منه،كان المنفى هو الحكم الضررى،او الموضوع الضررى و قدمر توضيحه،و عرفت ان ما افاده المحقق النائينى من ان الضرر من العناوين الثانوية للحكم غير تام.

الثانى:ان وجود الضرر فى الخارج غير ملازم لاستعمال النفى،فى غير معناه الحقيقى،او ظهوره فى نفى الحكم،بل المنفى متعلق بالضرر فى عالم التشريع،فاستعمل فى معناه،اريد بالمنفى الحكم،او الموضوع،اما على الاول فواضح،و اما على الثانى،فلان المراد من النفى،هو اخراج الموضوع عن عالم التشريع،توضيحه،ان الصفات التعلقية،كالشوق، و الحب و كذلك الاعتباريات،لا يعقل ان تتحقق الامضافة الى الماهيات،و تلك الماهيات تتحقق بنفس تحقق هذه الامور نظير

ص:180

تحقق الماهية بالوجود الخارجى،و الذهنى،فوجودها انما يكون بوجود هذه و اعدامها فى الحقيقة انما يكون باعدام هذه،نظير اعدام الماهية فى الخارج،فانه يكون باعدام الوجود.

فالمتحصل من مجموع ما ذكرناه ان الحديث ظاهر فى ارادة نفى الامر الضررى سواء كان موضوعا ام حكما.

بقى الكلام فى الوجه السادس

و حاصل ما افيد فى وجهه،ان هذا الحكم ليس حكما تشريعيا بل هو حكم سلطانى حكم به صلّى اللّه عليه و آله لمقام سلطنته الممضاة من قبل الله تعالى،بمنع اضرار الناس بعضهم ببعض.

توضيحه ان لنبى صلّى اللّه عليه و آله مقامات الثلاثة:

1-مقام النبوة،و تبليغ الرسالة و هو من هذه الجهة مبين للمعارف و حاك للاحكام الشرعية.

2-مقام القضاوة،و هو انما يكون فى مقام تنازع الناس فى الحقوق و الاموال.

3-مقام السلطنة و الرئاسة،كنصب امراء الجيوش و القضاة و اشباه ذلك.

و من المعلوم ان حكمه صلّى اللّه عليه و آله فى قضية سمرة بنفى الضرر ليس من

ص:181

الاول،و لا الثانى:اذ لم يكن لسمرة و لا للانصارى،شك فى الحكم التكليفى او الوضعى،او تنازع فى حق اختلفا فيه من جهة اشتباههما فى المصاديق او الحكم،و انما اشتكى الانصارى و تظلم و انتصر منه صلّى اللّه عليه و آله بما انه سلطان على الامة،فامر صلّى اللّه عليه و آله بقلع النخلة حسما لمادة الفساد،و عقبه بلا ضرر و لا ضرار،فهذا حكم سلطانى عام بعد الحكم الخاص، و مفاده انه لا يضر احد غيره فى حوزة رعيتى و التابعين لى،لا بما انه حكم من الاحكام الشرعية بل بما انه حكم من قبل السلطان(1).

و يرد عليه امور:

1-ان مآل هذا الوجه،الى الوجه الاول و هو،ارادة النهى من النفى،و كونه فى مقام بيان تحريم الاضرار،فيرد عليه جميع ما اوردناه على الوجه الاول.

2-ان هذا الموضوع الكلى الذى حكم عليه،بحكم سلطانى،هل له حكم شرعى،ام لا حكم له؟لا سبيل الى الثانى:لما ثبت بالضرورة

ص:182


1- (1) -و يمكن تاييد كون النهى الهيا بورود لا ضرر بنحو القضية الكلية كسائر الاحكام الشرعية التى هى من القضايا الحقيقية اذ الاحكام القضائيه و السلطانية من القضايا الخارجيه فلو كان النهى سلطانيا كان المناسب ان يقال انك رجل مضار و انا حرمت عليك الاضرار و لذا يحمل لا ضرر فى حديث الشفعة على الحكم الكلى الالهى بثبوت حق الشفعة مع كونه مسبوقا بلفظ قضى.

انه صلّى اللّه عليه و آله لم يدع موضوعا الا و بين حكمه و على الاول،كان حكمه الجواز،او المنع،لا وجه لتوهم الاول،فيتعين الثانى،و معه لا يبقى مورد للحكم السلطانى.

3-ان اعمال السلطنة انما يكون فى الموارد الخاصة التى ترتبط بمصالح الامة مما لا يندرج تحت ضابطة كلية كنصب القضاة،و امراء الجيوش،و ما شاكل فان تعيين ذلك و تطبيقها على مواردها الجزئية التى لا ضابطة لها بيده صلّى اللّه عليه و آله على ما يراه مصلحة للعباد،و لا سبيل الى جريان ذلك فى الموضوعات الكلية.

4-ان الظاهر من قضية سمرة ان النزاع بينه و بين الانصارى كان من ناحية الاختلاف فى الحكم،فان سمرة كان يرى الاستيذان من الانصارى،منافيا لسلطنته،فيما كان له من حق العبور الى نخلته،و لذا قال استاذن فى طريقى الى عذقى،و الانصارى كان يرى ان له الزامه بذلك،فرجعا الى النبى صلّى اللّه عليه و آله فحكمه انما يكون من باب القضاء،و الظاهر ان الاصحاب ايضا فهموا منه ذلك و لذلك ذكروا هذه القضية فى اقضية النبى صلّى اللّه عليه و آله.

ص:183

تطبيق حديث لا ضرر على قضية سمرة

اما المقام الثالث:و هو فى دفع ما اورد على الاستدلال بالحديث من الايرادات،و هى متعددة جملة منها واضحة الدفع لا حاجة الى التعرض لها،و انما المهم منها اثنان.

الاول:ان حديث لا ضرر لا ينطبق على ما ذكر من مورده و هو نزاع سمرة،مع الانصارى-و بعبارة اخرى-ان الميزان الكلى المبين بقوله صلّى اللّه عليه و آله لا ضرر و لا ضرار،لا ينطبق على مورده،فلا بد اما من رفع اليد عن ظاهره،او اخراج المورد،و على التقديرين لا يصح الاستدلال به.

و الوجه فى ذلك ما افاده الشيخ فى رسالته المعمولة فى هذه القاعدة،و حاصله،ان الضرر فى تلك القضية انما كان فى دخول سمرة بغير استيذان من الانصارى،و لم يكن فى بقاء عذق سمرة فى البستان ضرر،و لذا امره صلّى اللّه عليه و آله اولا بالاستيذان من الانصارى،و مع ذلك امر صلّى اللّه عليه و آله بقلع العذق،فالكبرى الكلية المذكورة فى الحديث لا تنطبق على مورده،فكيف يستدل بها فى غيره،و اجابوا عنه باجوبة.

1-ما عن الشيخ(ره)و هو ان عدم انطباق التعليل على الحكم المعلل،لا يخل بالاستدلال.

و فيه:ان عدم الكبرى على ما ذكر موردا لها،يكشف عن عدم ارادة

ص:184

ما يكون الكبرى ظاهرة فيه،و الالزم خروج المورد،فلا محالة تصير مجملة و معه لا يصح الاستدلال بها.

2-ما افاده المحقق النائينى(ره)،و هو ان جواز دخول سمرة على الانصارى بغير اذن منه،معلول لكون سمرة مستحقا لا بقاء عذقه فى البستان،فاذا كان المعلول ضرريا فكما يرتفع هو بنفى الضرر كذلك يرتفع علته بنفيه،و نظير ذلك ما اذا كانت المقدمة ضررية،فانه كما يرتفع و ينفى به وجوب المقدمة كذلك ينتفى به وجوب ذى المقدمة فحق سمرة يسقط لكون معلوله ضرريا(1).

ص:185


1- (1) -فاذا كان على المكلف غسل و لم يكن الغسل بنفسه موجبا للضرر عليه و لكن كانت مقدمته كالمشى الى الحمام مثلا ضرريا فلا اشكال فى رفع وجوب ذى المقدمة و هو الغسل كرفع وجوب المقدمة و هى المشى الى الحمام فلا مانع من سقوط حق سمرة استنادا الى نفى الضرر لكون معلوله ضرريا و هو الدخول بغير استيذان. و فيه:ان كون المعلول ضرريا لا يوجب الا ارتفاع نفسه فان رفع علته بلا موجب و قياس المقام بكون المقدمة ضررية موجبة لارتفاع وجوب ذى المقدمة مع الفارق لان كون المقدمة ضررية تستلزم كون ذى المقدمة ايضا ضرريا لان الاتيان بذى المقدمة يتوقف على الاتيان بالمقدمة على ما هو معنى المقدمية فضررية المقدمة توجب ضررية ذيها لا محالة فارتفاع وجوب-

و فيه:اولا بالنقض بما اذا كانت اطاعة الزوج ضررية للزوجة،فان لازم ما افاده نفى الزوجية التى هى العلة لوجوب الاطاعة،او اذا اضطر الى شرب النجس،فان لازم ما افاده نفى النجاسة به و غير ذلك من الموارد.

و ثانيا:-بالحل-و هو انه لا يستلزم ضررية المعلول،ضررية العلة كى ترتفع بنفى الضرر فلا وجه لنفيها،و هذا بخلاف المقدمة الضررية:فان ضرريتها تستلزم ضررية ذى المقدمة فيرتفع وجوبه ابتداءا لكونه ضرريا.

2-ما افاده المحقق النائينى(ره)ايضا و تبعه غيره،و هو ان المستفاد من الرواية امران،الاول عدم جواز دخول سمرة على الانصارى بغير استيذانه،الثانى حكمه صلّى اللّه عليه و آله بقلع العذق و المستند الى الضرر،و الصغرى لهذه الكبرى انما هو الحكم الاول خاصة،و الحكم الثانى انما هو من جهة ولايته صلّى اللّه عليه و آله على اموال الامة و انفسهم دفعا لمادة الفساد او تاديبا له لقيامه مقام العناد و اللجاج.

و فيه:ان الظاهر من الحديث كون المستند الى الضرر هو الحكم الثانى كما يظهر لمن راجعه.

ص:186

فالحق فى الجواب ان يقال انه بعد ما لم يرض سمرة بالاستيذان و كان حفظ عرض الانصارى متوقفا على قلع العذق و كان حفظ العرض اهم فى نظر الشارع من حفظ المال طبق صلّى اللّه عليه و آله نفى الضرر على حفظ سلطنة الانصارى لعرضه المقتضى ذلك لقلع العذق،فما هو المستند الى الضرر حفظ الانصارى لعرضه لا نفى سلطنته سمرة على عذقة.

و ان شئت فقل انه بعد ما لم يرض سمرة،بالاستيذان و لا بالمعاملة على عذقه،كان الموجب للضرر،هو بقاء عذقه،و عدم جواز قلعه، فعموم نفى الضرر طبق عليه،و لاجله جاز.

مع ان اجمال ما تضمن قضية سمرة من النصوص غير مضر بالاستدلال بالنصوص المتضمنة لهذه الجملة خاصة كمرسل الصدوق المتقدم الذى عرفت اعتباره.

ص:187

هل القاعدة موهونة بكثرة التخصيصات

الايراد الثانى:ما ذكره الشيخ فى الرسائل،بقوله،ان الذى يوهن فيها،هى كثرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها اضعاف الباقى،الى ان قال بل لو بنى على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد.

و الظاهر ان نظره فى الموارد الخارجة،الى ابواب،الحدود،و الديات،و القصاص،و التعزيرات،و الضمانات،و الخمس،و الزكاة،و الحج،و الجهاد،و ما شاكل،و اجيب عنه بوجهين.

الاول:ان استقراء سيرة الفريقين،على العمل بها فى مقابل العمومات المثبتة للاحكام،و عدم رفع اليد عنها الا بمخصص قوى، يوجب جبر و هنها.

و اورد عليه بان كثرة التخصيص كاشفة عن عدم ارادة المعنى الذى استظهرناه من ادلتها،و عملهم يكشف عن فهمهم معنى شاملا للموارد التى عملوا بها فيها،و حيث ان ذلك المعنى ليس ظاهرا،و فهم الاصحاب ليس حجة لنا،فلا يصلح ذلك لجبر و هنها.

بعد فرض انه لا يحتمل ان يكون عمل الاصحباب كاشفا عن

ص:188

وجود قرينة واصلة اليهم غير واصلة الينا،و ان الصادر عن المعصوم عليه السّلام هو الذى بايدينا،جعل كثرة التخصيص كاشفة عن عدم ارادة المعنى الظاهر،غريب:فان ارادة معنى غير ما هو الظاهر بلا قرينة عليها،غير محتملة بالنسبة الى المتكلم الحكيم،الذى هو فى مقام بيان الحكم الشرعى،فكثرة التخصيص لمعنى ان كانت مستهجنة،لا ريب فى ان ذلك اشد استهجانا،نعم ما ذكر من عدم حجية فهم الاصحاب، متين.

الثانى:(1) ما ذكره الشيخ الاعظم(ره)و هو ان الموارد الكثيرة الخارجة عن العام انما خرجت بعنوان واحد جامع لها و ان لم نعرفه تفصيلا،و قد تقرر فى محله ان تخصيص الاكثر لا استهجان فيه اذا كان بعنوان واحد.

و اورد عليه المحقق المصنّف(ره)بان عدم الاستهجان فيما اذا كان الخارج بعنوان واحد انما هو فيما اذا كان افراد العام انواعا،و السر فيه حينئذ ان خروج عنوان واحد عن تحت الانواع الكثيرة ليس تخصيصا للاكثر،و ان كانت افراده اكثر من افراد ساير الانواع:لان الملحوظ على الفرض هو الانواع دون الافراد،و اما اذا كان افراده اشخاصا بما،ان الملحوظ استقلالا و المجعول موضوعا هو

ص:189


1- (1) -ذكر اولا بمنع اكثرية الخارج و قال مثل ذلك لا استهجان فيه.

الاشخاص،و النظر الى الانواع آلى،فلا يتفاوت فى الاستهجان بين كون الخارج بعنوان واحد أو بعناوين عديدة،و فى القاعدة بما ان افراد لا ضرر،اشخاص فكثرة الخارج مستهجن،و ان كان بعنوان واحد.(1)

و الصحيح ان يقال ان دليل العام اذا كان من قبيل القضية الخارجية و كان الحكم مترتبا و واردا على كل شخص من الافراد بلا جامع بينها بحسب الملاك-مثل-قتل من فى العسكر-و نهب ما فى الدار-تم ما افاده المحقق المصنّف(ره)و اما اذا كان من قبيل القضية الحقيقة غير الناظرة الى الافراد الخارجية المتضمنة لورود الحكم على الطبيعة، و بلحاظ انطباقها على الافراد يشمل الحكم للافراد،فلا يتم فانه لا نظر فى القضية الحقيقية الى الافراد،فلا استهجان فى كثرة افراد المخصص، اذ لم يلاحظ الخارج،الاعلى نحو الفرض و التقدير،و يزيد عدم الاستهجان وضوحا،اذا كان المخصص متصلا،او متحققا حين صدور العام،كما فى المقام.

فهل المقام من قبيل الاول،او الثانى قد يقال انه من قبيل القضية

ص:190


1- (1) -هذا ما افاده فى حاشيته على الرسائل و كانه يحاول ان يقول:ان نفى الاحكام الضررية بحديث لا ضرر من قبيل الثانى و هو ما كان الحكم فيه على ذوات الاشخاص لا على العناوين فلا يندفع محذور تخصيص الاكثر بوحدة عنوان الخارج كما افاده الشيخ.

الخارجية من جهة ان المنفى هو الضرر الناشى من الاحكام المجعولة فى الخارج كما عن المحقق النائينى(ره).(1)

و فيه:ان المنفى كل حكم ضررى و لا يكون الحديث ناظرا الى خصوص الاحكام التى كانت مجعولة حين صدور الحديث كما هو واضح،فهو انما يكون من قبيل القضية الحقيقة،و عليه فيتم ما افاده الشيخ(ره)و يؤيد عدم الاستهجان،ان تلك الاحكام المشار اليها كانت صادرة عن النبى صلّى اللّه عليه و آله فى زمان قضية سمرة و مع ذلك لم يعترض عليه احد من الصحابة بجعلها فى الشريعة.

و يمكن ان يجاب عن الاشكال بوجوه اخر 1-بظهور لا ضرر و لا ضرار فى نفسه فى نفى الاحكام التى لم تقتض بطبعها ضررا،فهذه الموارد خارجة عن القاعدة بالتخصص لا بالتخصيص.

2-ان الحكم فى جملة من تلك الموارد ليس ضرريا كابواب، الغرامات،و الجنايات،و الزكاة،و الخمس:فان وجوب تدارك ما اتلفه،و وجوب الدية على من جنى او قتل نفسا،و وجوب اخراج حق

ص:191


1- (1) -و المحقق النائينى فصل بين القضية الحقيقية و القضيّة الخارجية و التزم بان تخصيص الاكثر بعنوان واحد انما يستهجن فى القضايا الحقيقية الخارجية ثم اختار ان عدم نفى الضرر من قبيل القضايا الخارجية و هو بذلك ينتهى الى موافقة المصنف.

الامام عليه السّلام و السادات و الفقراء من جهة كونهم شركاء،انما يكون من قبيل اداء الدين،و لا يصدق عليها الضرر الذى هو عبارة عن النقص فى المال.

3-ان الحكم المبين بحديث لا ضرر،من الاحكام الاجتماعية الاسلامية،و تلك الاحكام انما تكون بلحاظ نوع مسلمين و عامتهم، لا بلحاظ الافراد،و عليه فاكثر الاحكام التى توهم كونها ضررية و خارجة عن تحت عموم الحديث لا تكون ضررية بحسب النوع، الذى هو الميزان فى المقام،فلا اشكال فى التمسك بعموم الحديث.

ص:192

بيان وجه تقديم القاعدة على ادلة الاحكام و من هنا لا يلاحظ النسبة بين ادلة الاحكام و تقدم ادلته على ادلتها...الخ

و اما المقام الرابع:و هو بيان حال القاعدة مع ما يعارضها،فالكلام فيه فى موارد.

1-فى بيان نسبتها مع الادلة المثبتة للاحكام الثابتة للافعال بعناوينها الاولية.

2-فى بيان نسبتها مع ساير الادلة المثبتة او النافية لحكم الافعال بعناوينها الثانوية.

3-فى تعارض الضررين.

اما الاول:فبعد ما لا كلام فى تقديم القاعدة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضررى،كادلة وجوب الوضوء على واجد الماء،و حرمة الترافع الى حكام الجور،و سلطنة الناس على اموالهم و ماشا كل،وقع الكلام فى وجه ذلك مع ان النسبة بين دليل القاعدة،و بين كل واحد من تلك الادلة عموم من وجه،و قد ذكروا فى وجه تقديمه امورا.

1-ما نقله الشيخ عن غير واحد من عدهما من المتعارضين،و

ص:193

انما يقدم القاعدة،اما بعمل الاصحاب،او بالاصول،كالبرائة فى مقام التكليف،و غيرها فى غيره.

و فيه:اولا ما ستعرف من حكومة دليل القاعدة،على جميع تلكم الادلة،و لا تعارض بينهما،و الترجيح انما هو فى غير موارد الجمع العرفى كما حقق فى محله.

و ثانيا:انه على فرض تسليم التعارض،الاصول ليست من مرجحات احد الخبرين على الاخر،و اما عمل الاصحاب اى الشهرة الفتوائية فهو انما يكون من المرجحات،اذا كانت النسبة بينهما هو التباين،او العموم من وجه،مع كون دلالة كل منهما على حكم المجمع بالعموم،و ان كانت دلالة احدهما بالاطلاق و الاخر بالعموم،او كانت دلالة كل منهما بالاطلاق فالمشهور هو التساقط فى الثانى،و تقديم العام فى الاول فتامل فان المختار خلافه.

2-ان دليل القاعدة اخص من مجموع ادلة الاحكام،و حيث ان المنفى هو الحكم او الموضوع الضررى فى الاسلام،فطرف المعارضة مجموع تلك الادلة لا كل واحد،فلا بد من لحاظ النسبة بين دليلها،و مجموع تلك الادلة،و من الواضح ان النسبة هى العموم و الخصوص المطلق فيقدم دليل القاعدة.

و فيه:ان جميع الاحكام ليس لها دليل واحد،كى يلاحظ النسبة بين ذلك الدليل،و دليل القاعدة،بل لكل واحد من الاحكام دليل مستقل غير مربوط بغيره،و النسبة لا بد و ان تلاحظ بين الادلة،و عليه فلا

ص:194

محيص عن ملاحظتها بين دليل القاعدة،و كل واحد من تلك الادلة،و النسبة حينئذ هى العموم من وجه.

3-انه يدور الامر لعلاج التعارض بين امور ثلاثة.احدها:تقديم دليل لا ضرر على بعض تلك الادلة،و تقديم بعضها عليه،ثانيها:تقديم تلك الادلة باجمعها،على دليله-ثالثها-تقديم دليله على جميع تلك الادلة.

لا سبيل الى الاولين:اذ الاول،مستلزم للترجيح بلا مرجح،و الثانى، يستلزم عدم بقاء المورد له،فيتعين الثالث.

و يرد عليه انه لا محذور فى الثانى،لو لا الحكومة،فان طرح الدليل عند التعارض،غير عزيز.

4-ما افاده المحقق المصنف-و حاصله-انه اذا ورد دليل مثبت لحكم لعنوان اولى،و ورد دليل لبيان حكم لعنوان ثانوى،و كانت النسبة بينهما عموما من وجه،يوفق العرف بينهما بحمل الاول على بيان الحكم الاقتضائى و الثانى على بيان الحكم الفعلى(1)-و بعبارة

ص:195


1- (1) -انه قد يعكس الامر و يقدم دليل الحكم الاولى على الثانوى فيما اذا احرز بدليل معتبر كون الحكم الاولى مجعولا بنحو يكون علة تامة للفعلية لا مقتضيا لها حتى يمكن رفع فعليته و حمله على الاقتضايى بسبب عروض عنوان ثانوى عليه مطلقا سواء كان هو الضرر ام غيره،كوجوب انقاذ نبى او وصى.-

اخرى-يجمع بينهما بحمل العنوان الاولى على كونه مقتضيا،و العنوان الثانى على كونه مانعا،و حيث ان دليل نفى الضرر متضمن لتشريع حكم لعنوان ثانوى،فيحمل لاجله الادلة المثبتة للاحكام للعناوين الاولية على بيان الاحكام الاقتضائية،فيكون المتحصل عدم وجود تلك الاحكام فى موارد الضرر.

و فيه:ان المراد بالحكم الاقتضائى ان كان الحكم المجعول غير الفعلى،من جهة دخل شىء فى فعليته فهو غير معقول،اذ الحكم لا يعقل عدم فعليته بعد فعلية موضوعه،و صيرورة الضرر مانعا عنها بمعنى اخذ عدمه فى الموضوع،و ان كانت ممكنة الا انه مع عدم الدليل عليه لا وجه له و دليلة حديث لا ضرر اول الكلام،و ان كان المراد هو الملاك،فيرد عليه ان حمل الجملة الانشائية على الاخبار مما لا يساعده الجمع العرفى.

5-ما افاده الشيخ،و المحقق المصنف،و هو ان حديث لا ضرر لوروده فى مقام الامتنان يقدم على العمومات.

و يمكن تقريبه بانه اذا لم يكن،للحكم مقتضى الثبوت فى مورد الضرر،فهو منفى لعدم المقتضى،فلا معنى لنفيه امتنانا،فورود الحديث فى

ص:196

مقام الامتنان يقتضى وجود المقتضى له،كما انه اذا لم يكن له مقتضى الاثبات من اطلاق دليل او عموم لا محالة يكون منفيا لعدم الحجة من دون حاجة الى نفيه امتنانا،فمن ورود الحديث فى مقام الامتنان يستكشف وروده لتحديد مقتضى الاثبات بقصره على غير مورد الضرر.

6-ما افاده الشيخ الاعظم،قال ان هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضررى كادلة لزوم العقد،و سلطنة الناس على اموالهم و وجوب الوضوء...و غير ذلك انتهى.

و اورد عليه المحقق المصنف،بان حكومتها تتوقف على ان تكون بصدد التعرض لبيان حال ادلة الاحكام المورثة لضرر باطلاقها او عمومها،و حديث لا ضرر ليس كذلك،بل هو لمجرد بيان ما هو الواقع من نفى الضرر فلا حكومة له،بل حاله كساير ادلة الاحكام(1).

اقول الحق ما افاده الشيخ(ره)،و ذلك،لعدم انحصار الحكومة بما اذا كان دليل الحاكم متعرضا لبيان ما اريد من المحكوم بالمطابقة،كما

ص:197


1- (1) -و محصل اشكال المصنف على هذه الحكومة كما اوضحه فى حاشية الرسائل هو:عدم انطباق ضابط الحكومة بنظر الشيخ على قاعدة الضرر حيث انه يعتبر فى الحكومة ان يكون الدليل الحاكم ناظرا بمدلوله اللفظى الى مدلول الدليل المحكوم و شارحا له و ليس دليل نفى الضرر كذلك لعدم نظر له الى ادلة الاحكام الاولية بل هو فى عرضها نظير لا رفث و لا فسوق و لا جدال فى الحج و نحوها.

فى قول الامام الصادق عليه السّلام فى خبر عبيد بن زرارة فى جواب سئواله، اليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه،انما ذلك فى الثلاث و الاربع(1) ،بما لو كان صالحا لذلك بان يبين شيئا لازمه بيان حال المحكوم،كان ذلك من قبيل الحكومة،و المقام كذلك.

توضيح ذلك يقتضى البحث فى موارد ثلاثة:

1-بيان ضابط الحكومة.

2-بيان وجه تقديم الحاكم.

3-تطبيق ضابط الحكومة على المقام،و بيان كون دليل القاعدة حاكما على الادلة المثبتة للاحكام بعناوينها الاولية.

اما الاول:فضابط الحكومة،(2) كون احد الدليلين ناظرا الى الاخر،

ص:198


1- (1) -الوسائل ج 5-ص 320 و 300.
2- (2) -ثم انه لا بد من الاشارة الى ضابط الحكومة و اخواتها حتى يتضح الحال جيدا فنقول:ان الخارج عن موضوع دليل لا يخلو اما ان يكون خروجه عنه بالتكوين كخروج الجاهل عن موضوع دليل وجوب اكرم العلماء و هذا يسمى بالتخصص. و اما ان يكون بالتشريع و هو اما بلسان المعارضة كخروج زيد العالم عن دليل وجوب اكرام العلماء بلسان لا تكرم زيدا العالم و هذا يسمى بالتخصيص و اما بغير اللسان المعارضة و هو تارة يكون بنفس التعبد و الحجية كخروج-

ص:199

او صالحا لذلك.

اما بالتصرف فى موضوعه سعة،كقوله عليه السّلام الفقاع خمرة استصغرها الناس،بالنسبة الى ادلة حرمة شرب الخمر.

او ضيقا،كقوله عليه السّلام لا شك لكثير الشك،بالنسبة الى ادلة الشكوك.

او بالتصرف فى متعلقه ضيقا كما لو ورد الضيافة ليست باكرام،بعد ورود ما دل على وجوب اكرام العلماء.

او سعة،كما فى قوله عليه السّلام الطواف فى البيت صلاة بالنسبة الى مادل على شرطية الطهارة للصلاة.

ص:200

او بالتصرف فى محموله،بان يتلونه بلون،و يدل على عدم ثبوت ذلك الحكم فى بعض الحالات و الموارد.

و اما الثانى:فوجه التقدم اذا كان دليل الحاكم ناظرا الى موضوع دليل المحكوم او متعلقه واضح،اذ كل من الدليلين متكفل لبيان شىء غير ما يكون الاخر متكفلا لبيانه:فان دليل المحكوم لا نظر له الى بيان الموضوع او المتعلق،بل انما يثبت الحكم على فرض تحقق الموضوع،و اما اذا كان ناظرا الى المحمول،فلان التمسك باصالة الظهور اى الاطلاق او العموم فى دليل المحكوم فرع تحقق الشك فى المراد،و دليل الحاكم يرفع الشك،و يخصص الحكم بمورد خاص، فلا يبقى مورد للتمسك باصالة الاطلاق أو العموم.

و اما الثالث:فان قلنا ان حديث لا ضرر انما يكون من قبيل نفى الحكم بلسان نفى الموضوع او يكون مفاد الحديث نفى الحكم اذا كان الموضوع ضرريا،فحكومة الحديث على ادلة الاحكام واضحة:فانه حينئذ يكون مضيقا لدائرة موضوعات ادلة الاحكام.

و ان قلنا انه انما يكون نافيا للحكم الضررى،فالحديث يوجب تلون ما تضمنه ادلة الاحكام الاولية بلون مخصوص،فعلى اى تقدير يكون حديث لا ضرر حاكما على ادلة الاحكام.

ص:201

تعارض قاعدة لا ضرر،مع قاعدة نفى الحرج ثم انقدح بذلك حال توارد دليلى العارضين...الخ

و اما المورد الثانى:فهو فى بيان نسبة قاعدة لا ضرر،مع الادلة المثبتة او النافية للاحكام بعناوينها الثانوية(1) ،و المصنف،يعامل معهما معاملة المتعارضين،لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين و الا فيقدم ما كان مقتضيه اقوى و ان كان دليل الاخر ارجح و اولى و لا يبعد ان الغالب فى توارد العارضين ان يكون من ذلك الباب بثبوت المقتضى فيهما مع تواردهما لا من باب التعارض لعدم ثبوته الا فى احدهما انتهى.

و فيه:مضافا الى ما حققناه فى اول التعادل و الترجيح،من ان باب

ص:202


1- (1) -كما اذا كان حفر بئرا او بالوعة فى ملكه مضرا بجاره و تركه حرجا على نفسه و كما اذا شرب التتن مضرا بحاله و تركه عسرا عليه و كما اذا نذر الصلاة فى مسجد معين مثلا و كان اداؤها فيه مستلزما للضرر فحينئذ يقع التهافت بين ادلة النذور و الضرر و الحرج و كل منها عنوان ثانوى فلا يتأتى فيها التوفيق العرفى بحمل احدهما على الفعلى و الاخر على الاقتضايى لتساويهما فى الفعلية و الاقتضاء.

تزاحم المقتضيين،غير باب تزاحم الحكمين،و انه لو لا حكومة احد الدليلين على الاخر لا بد من اجراء ما يقتضيه قواعد باب التعارض.

ان ما افاده يتم بناءا على ما افاده فى وجه تقدم قاعدة نفى الضرر على ادلة الاحكام الاولية،من التوفيق العرفى،و لا يتم على مسلك الحكومة،فان الوجه المتقدم لحكومة دليها على ادلة الاحكام الاولية، بعينه يقتضى تقديم دليلها على الادلة المثبتة للاحكام بعناوينها الثانوية، مثل دليل الشرط و النذر و ما شاكل مما دل على ثبوت حكم فى مقابل حكم العنوان الاولى،كما لا يخفى.

فلا بد من ملاحظة نسبة دليل القاعدة مع الادلة النافية للحكم بالعنوان الثانوى،مثل دليل نفى الحرج،و الاكراه و نحوهما،و العمدة هى قاعدة نفى الحرج(1).

فلو تعارض دليل قاعدة نفى الضرر،مع دليل قاعدة نفى الحرج، كما لو فرضنا ان عدم تصرف المالك فى ماله و ان لم يوجب تضرره، الا انه حيث يكون تصرفه لجلب منفعة و تعلق غرض عقلائى به يكون ذلك حرجا،-و بعبارة اخرى-حجر المالك عن الانتفاع بما له حرج،و كان تصرفه فى ملكه موجبا لتضرر جاره،ففيه وجوه و اقوال.

1-تقديم قاعدة نفى الحرج لحكومة نفى الحرج على نفى الضرر اختاره الشيخ الاعظم فى الرسائل.

ص:203


1- (1) -الحج:79.

2-تقديم قاعدة لا ضرر،نظرا الى موافقة قاعدة نفى الحرج لها فى اكثر مواردها،فلو قدم قاعدة نفى الحرج فى مورد التعارض لزم كون تاسيسها كاللغو.

3-يعامل معهما معاملة المتعارضين الذين تكون النسبة بينهما عموما من وجه فيقدم قاعدة نفى الحرج للشهرة،فان المشهور بين الاصحاب جواز التصرف فى الفرض،و لموافقة الكتاب،او يحكم بتساقطهما فيرجع الى قاعدة السلطنة،على الخلاف بين المسلكين فى التعارض بالعموم من وجه.

4-المعاملة معهما معاملة المتزاحمين،فيقدم الاقوى منهما لو كان و الا فيحكم بالتخيير،اختاره المحقق المصنف،و هناك وجوه اخر ستقف عليها.

و تنقيح القول فى المقام،ان حكومة قاعدة نفى الحرج باطلة لوجهين.

احدهما:ان كلا من القاعدتين حاكمة على عمومات الاحكام المجعولة فى الشريعة و مبينة للمراد منها من غير ان يكون فيها جعل و تشريع فجعل احداهما ناظرة الى الاخرى و شارحة لها و الحال هذه لا معنى له كما لا يخفى.

ثانيهما:ان كلا منهما ناظرة الى نفى الاحكام فى مرتبة واحدة،و ليست قاعدة نفى الحرج ناظرة الى قاعدة نفى الضرر بنحو التصرف فى موضوعها او محمولها.

ص:204

و اما الوجه الثانى:و هو تقديم قاعدة لا ضرر لاقلية موردها، فيرده:انه ليس مورد الضرر اقل،اذ المراد بالحرج المشقة التى لا تتحمل عادة و بديهى ان الوقوع فى الضرر لا يستلزم ذلك مطلقا، اضف اليه ان اقلية المورد انما توجب التقديم لو كانا متضادين،بحيث يلزم من تقديم الاكثر موردا،عدم بقاء المورد للاقل،لا فى مثل المقام ممالو قدمنا قاعدة نفى الحرج،لا يلزم طرح قاعدة لا ضرر،بل يبقى لها مورد و هو مورد توافقهما.

و اما الوجه الرابع:و هو المعاملة معهما معاملة المتزاحمين الذى اختاره المحقق المصنف،فيرد عليه:ان التزاحم انما هو بين الحكمين، و القاعدتان نافيتان للاحكام و لا يثبت بشىء منهما حكم اصلا فلا معنى للتزاحم،و ان اريد به التزاحم بين المقتضيين،فيرده ان باب تزاحم المقتضيين غير مربوط بباب تزاحم الاحكام.

و على هذا فان تم ما يخطر بالبال عاجلا من انه من جهة ان القاعدتين لهما الحكومة على الاحكام المجعولة،و لا حكومة لهما على عدم الحكم،انه فى موارد الدوران بينهما كما فى المثال،لا يخلو الامر من ان التصرف المذكور،اما ان يكون مباحا غير محرم مع قطع النظر عن القاعدتين،و هو ما اذا لم يكن تصرفا فى مال الجار و لا متلفا لما له،كما اذا حفر بئرا فى داره قريبا من بئر الجار و صار ذلك سببا لنقص ماء بئر الجار،او يكون محرما غير مباح كمالو استلزم تصرفا فى مال الغير،و على التقديرين لا مورد الا لاحدى القاعدتين اذ ليس

ص:205

الاحكم واحد و الاخر عدم الحكم،ففى الفرض الاول هو السلطنة على المال،و فى الثانى حرمة الاضرار بالغير.

فاذا كان حكم،كسلطنة المالك على ماله،حرجيا او ضرريا يشمله مادل على نفى الحرج او دليل نفى الضرر،و يرفع ذلك،و لو فرضنا ان عدم ذلك الحكم كان كذلك كما فى المثال،لا يكون ذلك مشمولا لشىء منهما و لا يثبت به ذلك الحكم،لان عدم الحكم و عدم السلطنة ليس مجعولا حتى يرتفع باحدى القاعدتين،فالقاعدتان لا تجتمعان فى مورد.

و على فرض التنزل و تسليم تواردهما على مورد واحد و اجتماعهما فى محل واحد،بالبناء على انه كما يرتفع بكل من القاعدتين الاحكام المجعولة،كذلك يرتفع بهما عدم الحكم ايضا،فالاظهر عدم شمول شىء منهما لذلك المورد المجمع:من جهة انهما انما وردتا فى مقام الامتنان على الامة،فاذا كان تصرف المالك فى ماله ضرريا على الجار،و تركه حرجيا على نفسه لا يكون رفع السلطنة منة على الامة، لكونه خلاف الامتنان على المالك كما،ان رفع حجر المالك عن التصرف فى ماله ليس فيه منة على الامة لكونه خلاف الامتنان على الجار.

و لعله الى احد هذين الامرين نظر من قال،انهما لا يتواردان على مورد واحد و لا يجتمعان فى محل فارد.

و ان لم يتم شىء منهما فالظاهر ان يعامل معهما معاملة المتعارضين،

ص:206

و لا مورد لاعمال قواعد باب التزاحم،لان التزاحم انما هو بين الحكمين الوجوديين،و لا معنى له فى الاعدام،و المفروض ان كلا من القاعدتين نافية للحكم لا مثبتة،فلا يثبت بهما الحكم كى يعامل معهما معاملة المتزاحمين.

و عليه فحيث ان النسبة بينهما عموم من وجه،و المختار فى تعارض العامين من وجه هو الرجوع الى اخبار الترجيح و التخيير،ففى المثال بما ان المشهور بين الاصحاب جواز تصرف المالك فى ماله و ان تضرر الجاربه،يقدم قاعدة لا حرج:لان الشهرة اول المرجحات،و مع الاغماض عنه فهى موافقة للكتاب فتقدم،فيحكم بجواز التصرف.

و اما على المسلك الاخر من عدم الرجوع الى اخبار الترجيح، فعلى المختار من ان الاصل فى تعارض الامارتين هو التخيير يحكم بالتخيير،فله ان يختار قاعدة لا حرج و يقدمها و يبنى على جواز التصرف فى المثال.

و اما على القول بالتساقط،فيحكم به،فيرجع الى قاعدة السلطنة و غيرها من القواعد المبيحة و ان وصلت النوبة الى الاصل،فانه البرائة فى المقام.

فالمتحصل انه يحكم بجواز التصرف فى مفروض المسألة على جميع المسالك،و لعله الى بعض ما ذكرناه نظر الاصحاب فانهم افتوا بالجواز فتدبر جيدا.

ص:207

لو دار الامر بين حكمين ضرريين بالنسبة الى شخص واحد و اما لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه...الخ

و اما المورد الثالث:و هو ما لو تعارض حكمان ضرريان،فمسائله ثلاث.الاولى:لو دار امر شخص واحد بين ضررين،بحيث لا بد من تحمل احدهما،او ايراد احدهما،كما لو اكره على الاضرار بشخص، اما بهذا الضرر،او بذاك،الثانية،ما لو دار الامر بين الاضرار باحد الشخصين،كما لو اكره على ذلك،الثالثة ما لو دار الامر بين تحمل الضرر،او ايراد الضرر على الغير.

اما المسألة الاولى:فكلمات الاصحاب فى فروع هذه المسألة التى تعرضوا لها فى كتاب الغصب،و احياء الموات و غيرهما مضطربة و لكن الشيخ جزم فى الرسالة بلزوم الترجيح بالاقلية،و مع التساوى فالتخيير.

قال فان كان ذلك بالنسبة الى شخص واحد فلا اشكال فى تقديم الحكم الذى يستلزم ضررا اقل مما يستلزمه الحكم الاخر،لان هذا هو مقتضى نفى الحكم الضررى عن العباد فان من لا يرضى بتضرر عبده

ص:208

لا يختار له الا اقل الضررين عند عدم المناص عنهما انتهى،و قد جزم بذلك المصنف.

و ملخص القول فى المقام انه ان كان الضرران،مباحين تخير فى اختيار ايهما شاء و هو واضح.

و ان كان احدهما محرما،و الاخر مباحا اختار المباح،اذ لا وجه لسقوط الحرمة كما لا يخفى.

و ان كانا محرمين يختار ما حرمته اضعف،و يجتنب عما حرمته اقوى و اهم،كما هو الشأن فى جميع موارد التزاحم و مع التساوى لا بد من تقديم الحكم الذى يستلزم ضررا اقل مما يستلزمه الحكم الاخر، لما افاده الشيخ،و مع التساوى فهو مختار،و بما ذكرناه يظهر ما فى اطلاق كلام العلمين.

ص:209

لو دار الامر بين حكمين ضرريين بالنسبة الى شخصين

و اما المسألة الثانية:فقد جزم المصنّف بلزوم الترجيح بالاقلية،و مع التساوى فالتخيير.

و قال الشيخ فى الرسالة،و ان كان بالنسبة الى شخصين فيمكن ان يقال ايضا بترجيح الاقل ضررا اذ مقتضى نفى الضرر عن العباد فى مقام الامتنان عدم الرضا بحكم يكون ضرره اكثر من ضرر الحكم الاخر لان العباد كلهم مساوون فى نظر الشارع بل بمنزلة عبد واحد،فالقاء الشارع احد الشخصين فى الضرر بتشريع الحكم الضررى فيما نحن فيه نظير لزوم الاضرار باحد الشخصين لمصلحته فكما يؤخذ فيه بالاقل كذلك فيما نحن فيه،و مع التساوى فالرجوع الى العمومات الاخر،و مع عدمها فالقرعة،لكن مقتضى هذا ملاحظة الشخصين المختلفين باختلاف الخصوصيات الموجودة فى كل منهما من حيث المقدار و من حيث الشخص فقد يدور الامر بين ضرر درهم و ضرر دينار مع كون ضرر الدرهم اعظم بالنسبة الى صاحبه من ضرر الدينار بالنسبة الى صاحبه و قد يعكس حال الشخصين فى وقت آخر،و ما عثرنا عليه من كلمات الفقهاء فى هذا المقام لا يخلو عن

ص:210

اضطراب انتهى.(1)

ص:211


1- (1) -و فى كلام الشيخ الى هنا مواضع للنظر. منها:ان المقام ليس من تعارض الضررين فان تعارض الفردين انما يكون اذا تنافيا فى مقام الجعل و التشريع بحيث علم اجمالا بخروج احدهما عن تحت دليل الاعتبار لا محالة كما فى تعارض الخبرين فان تنافيهما على وجه التضاد او التناقض مما يوجب العلم الاجمالى بكذب احدهما و خروجه عن تحت دليل الحجة راسا فان عدم العلم بالكذب و ان لم يوخذ فى لسان الدليل و لكن نحن نعلم من الخارج ان العلم بكذب مانع عن حجيته الخبر فاذا علم اجمالا بكذب احدهما فقد علم اجمالا بعدم حجية احدهما و حيث لا تعيين فى الحجة فلا يكون شىء منهما بحجة بخلاف التزاحم الفردين كما فى المقام فلا يكاد يكون شى منهما خارجا عن تحت دليل الاعتبار ابدا و انما المكلف قد عجز عن الجمع بينهما كما فى انفاذ الغريقين او اطفاء الحريقين و نحوهما. و منها:انه لو سلم ان المقام من تعارض الضررين فلا وجه لترجيح احدهما على الاخر بالمرجح كما يظهر من قوله:فمع فقد المرجح يرجع الى الاصول و القواعد... بعد ما بيّناه فى التعادل و التراجيح فى شرحنا على الكفاية المسمّى بفارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول من ان مقتضى القاعدة الاوليّة فى المتعارضين هو التساقط دون الترجيح الا ما خرج بدليل خاص كما فى تعارض الخبرين. و منها:انه لو سلم وجوب الترجيح فى مطلق المتعارضين من غير اختصاص-

و اورد على البناء على التخيير مع التساوى،بان حديث لا ضرر لوروده فى مقام الامتنان على الامة لا يشمل المقام،اذ لا معنى للمنة على العباد برفع الضرر فيما كان نفيه عن احد مستلزما لثبوته على آخر، فيستكشف بذلك عن عدم ارادتهما،فيجب الرجوع الى ساير القواعد.

و على البناء على الترجيح باقوائية الضرر او اكثريته.بان ذلك يوجب الترجيح فى الضررين بالنسبة الى شخص واحد لا شخصين،اذ لامنة فى نفى الضرر الاقوى على من استلزم ذلك فى حقه ثبوت الضرر،بل انما يكون منة على خصوص من نفى عنه،و كون العباد بالنسبة الى الله تعالى،بمنزلة عبد واحد،لا يصحح المنة على جميعهم فى نفى الضرر الاكثر و الاقوى،و لو على من استلزم ذلك بالنسبة اليه

ص:212

الضرر.

و تنقيح القول فى المسألة ان فروعها ثلاثة:

1-ما لو دار الامر بين الاضرار باحد الشخصين،كما لو اكرهه المكره بذلك.

2-ما اذا كان الضرر متوجها الى احد الشخصين مع قطع النظر عن الحكم الشرعى،كما اذا وقع دينار شخص فى محبرة الغير،و كان ذلك بفعل شخص ثالث.

3-ما اذا كان الضرر متوجها الى احدهما بآفة سماوية.

اما الفرع الاول:فلا اشكال فى انه يجوز احدهما-و لا يجوز الاخر-و ارتفاع عدم الجواز عن احدهما حيث يكون لاجل عدم تمكن المكلف فلا محالة يقع التزاحم بينهما فلا بد من اعمال مرجحات ذلك الباب،و من جملتها الاهمية،و حيث انها ربما تكون بالاكثرية فما افاده الشيخ من الترجيح بالاقلية،يتم فى هذا الفرع و ليجعل ما استدل به الشيخ الذى هو وجه اعتبارى استحسانى من مؤيدات ذلك.

و اما الفرع الثانى:فيتخير فى اتلاف ايهما شاء،و يضمن الشخص الثالث الذى هو السبب لتوجه الضرر الى احد الشخصين بضمان المثل او القيمة لصاحبه و لا يخفى وجهه.

و اما الفرع الثالث:فالمشهور انه يلزم اختيار اقل الضررين،و ان

ص:213

ضمان ذلك على مالك الاخر.

و استدل له:بان نسبة جميع الناس الى الله سبحانه نسبة واحدة، فالكل بمنزلة عبد واحد فالضرر المتوجه الى احد شخصين كاحد الضررين المتوجه الى شخص واحد،فيلزم اختيار اقل الضررين،ثم انه حيث تكون الخسارة المتوجهة الى من اورد الضرر عليه،لمصلحة الاخر،فهو يكون ضامنا لها.

و لكن مجرد كون الخسارة لمصلحته،لا يوجب استقرار تمام الخسارة عليه فالصحيح:انه حيث يكون الضرر المتوجه،متوجها اليهما و نسبته اليهما على حد سواء،فمقتضى قاعدة العدل و الانصاف المصطادة من النصوص،و عليها بناء العقلاء،هو تقسيط الخسارة عليهما بنسبة المالين.

و يؤيده خبر السكونى عن الامام الصادق عليه السّلام عن ابيه عليه السّلام فى رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها، قال عليه السّلام يعطى صاحب الدينار دينارا و يقسم الاخر بينهما نصفين(1).

ص:214


1- (1) -الوسائل ج 13 ص 171 باب 12 من ابواب الصلح.

لو دار الامر بين ضرر نفسه و ضرر غيره و اما لو كان بين ضرر نفسه و ضرر غيره فالاظهر عدم لزوم تحمله الضرر...الخ

و اما المسألة الثالثة:و هى ما لو دار الامر بين ضرر نفسه و ضرر غيره ففى المسئلة فرعان.

1-ما اذا كان الضرر متوجها اليه ابتداءا،و امكن توجيهه الى الغير.

2-ما اذا كان الضرر متوجها الى غيره،و امكن تحمله.

ص:215

اذا كان الضرر متوجها الى نفسه نعم لو كان الضرر متوجها اليه ليس له دفعه عن نفسه...الخ

اما الفرع الاول:و هو ما لو كان الضرر متوجها اليه ابتداءا،كما لو اكرهه الجائر على دفع مبلغ معين،أو كان السيل متوجها الى داره، فلا ينبغى التوقف فى عدم جواز توجيهه الى الغير،باخذ المبلغ من الغير و اعطائه اياه فى المثال الاول،و صرف السيل الى دار غيره فى الثانى:اذ الجواز حكم ضررى منفى فى الشريعة.

لا يقال ان ترك الاضرار بالغير ايضا ضررى،فلزومه منفى بالشريعة.

فانه يقال-اولا-ان عدم جواز الاضرار غير مشمول للحديث لما تقدم من عدم كون الحديث حاكما على العدميات.

و ثانيا:ان ترك الاضرار ليس ضرريا،فان المفروض توجه الضرر اليه باسبابه و انما يراد دفعه عن نفسه بايجاد المانع(1).

ص:216


1- (1) -و الذى نلتزم به فى هذا المورد هو جواز توجيه السيل الى دار الغير مع-

لو كان الضرر متوجها الى الغير

و اما الفرع الثانى:و هو ما لو كان الضرر متوجها الى الغير ابتداءا،و مثلوا له بما اذا اكرهه الجائر على نهب مال الغير،و الا فيحمل اموال نفسه اليه،ففيه وجوه،و اقوال.

الاول:ما اختاره الشيخ الاعظم،و هو ارتفاع حرمة الاضرار بالغير

ص:217

مطلقا،و لو كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه،اقل بمراتب من الضرر المكره.

الثانى:عدم ارتفاع حرمته كذلك،اى و لو كان الضرر المتوعد به اكثر من الضرر المكره عليه.

الثالث:التفصيل بين ما اذا كان الضرر الذى توعد به اعظم،أو مساويا،فترتفع الحرمة،و بين ما اذا كان اقل فلا ترتفع.

الرابع:ما اختاره سيدنا الاستاذ،و هو التفصيل بين ما اذا كان الضرر المتوعد به امرا مباحا فى نفسه،كما اذا اكرهه الجائر على نهب مال الغير و جلبه اليه،و الا فيحمل اموال نفسه اليه،فلا ترتفع الحرمة، و بين ما اذا كان ذلك الضرر امرا محرما،كما اذا اكرهه على ان يلجىء شخصا آخر الى فعل محرم كالزناء،و الا اجبره على ارتكابه بنفسه، فتقع المزاحمة،و يرجع الى قواعد باب التزاحم.

و قد استدل للاول بوجوه 1-ان عموم حديث رفع الاكراه(1) ، شامل لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم.

و فيه:ان الحديث لوروده مورد الامتنان على الامة،و الحكم بارتفاع الحرمة،مناف للامتنان بالاضافة الى ذلك الغير،و ان كان موافقا للامتنان بالاضافة الى المكره،فلا يكون مشمولا للحديث.

ص:218


1- (1) -الوسائل ج 11-ص 295-باب 56 من ابواب جهاد النفس.

2-ان عموم نفى الحرج(1) يدل عليه،فان الزام الغير بتحمل الضرر،و ترك ما اكره عليه حرج.

و فيه:ان الحرج المنفى فى الشريعة،هى المشقة التى لا تتحمل عادة، و بديهى ان الوقوع فى الضرر لا يستلزم ذلك مطلقا،فلا يصح التمسك لجواز الاضرار مطلقا بدليل نفى الحرج.

اضف اليه،انه ايضا وارد فى مقام الامتنان على الامة،فيجرى فيه ما فى سابقه.

3-ان الضرر متوجه الى الغير بحسب ارادة المكره بالكسر،و المكره بالفتح،و ان كان مباشرا الا انه ضعيف لا ينسب اليه توجيه الضرر الى الغير،نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير،فقد صرف الضرر عن الغير الى نفسه عرفا،و المستفاد من ادلة تشريع نفى الاكراه انما هو لدفع الضرر فلا يجب تحمل الضرر لدفعه عن الغير.

و فيه:ان هذا و ان كان تاما فى بعض الفروض كما ستعرف،الا انه لا يتم فى مورد وساطة ارادة المكره بالفتح،فان الاكراه لا يوجب سلب اختيار المكره بالفتح و صيرورته كالالة بل هو بعد على كونه مختارا فيه،و عليه فهو يضر بالغير اختيارا دفعا للضرر عن نفسه.

و استدل للثانى:باطلاق ادلة حرمة الاضرار بالغير الاتية،بعد عدم

ص:219


1- (1) -سورة الحج آية 79.

شمول ادلة نفى،الاكراه،و الحرج،و الضرر للمقام كما تقدم.

و فيه:ان هذا الوجه و ان كان تاما فى نفسه،الا انه ربما يزاحم حرمة الاضرار،محرم آخر،و هو ما اذا كان الضرر المتوعد به امرا محرما،و حينئذ فلا بد من الرجوع الى مرجحات باب التزاحم، فالاظهر هو القول الرابع فى مفروض المثال.

و استدل للثالث:بان نسبة جميع الناس الى اللّه سبحانه نسبة واحدة،فالكل بمنزلة عبد واحد،فالضرر المتوجه الى احد الشخصين كاحد الضررين المتوجه الى شخص واحد فلا بد من ملاحظة اقل الضررين و عند التساوى يحكم بالتخيير.

و فيه:انه اذا كان الضرر المتوعد به امرا مباحا فى نفسه كيف يحكم بالتخيير بين ذلك و بين الامر المحرم و هو الاضرار بالغير،مع انه وجه اعتبارى استحسانى لا يعتمد عليه.

و الحق فى المقام ان يقال انه اذا كان الضرر بحسب طبعه متوجها الى الغير كما اذا توجه السيل الى دار الجار لا اشكال فى عدم وجوب تحمل الضرر لدفعه عنه،فان الضرر فى الفرض ليس من فعله كى يشمله دليل حرمة الاضرار.

و لكن مسألة الاكراه ليست من هذا الباب،فان الاكراه انما يوجب تخيير المكره بين الاضرار بالغير،و بين تحمل الضرر على فرض العدم،فلا يكون من توجه الضرر الى الغير ابتداء،و اما فى مسألة

ص:220

الاكراه فقد ظهر مما حققناه قوة الوجه الرابع(1).

ص:221


1- (1) -ذكر محقق النائينى فى المقام:ان مقتضى ورود الحديث فى مقام منة عدم وجوب تحمل الانسان الضرر المتوجه الى الغير لدفعه عنه و لا وجوب تدارك الضرر الوارد عليه بمعنى انه لا يجب رفعه عن الغير كما لا يجب دفعه. و لا يخفى انه لا مجال لتحكيم قاعدة لا ضرر فى هذا الفرض لاثبات وجوب تحمل الضرر لا من جهة ما افاده من ورود الحديث مورد المنة فلا يجرى فى مورد يستلزم منه الضرر بل من جهة عدم الموضوع لجريانها و ذلك لان القاعدة ناظرة الى الاحكام الضررية فتتكفل رفعها و من الواضح انه ليس لدينا فى هذا الفرض و مع قطع النظر عن قاعدة لا ضرر حكم ضررى كى يقال ان رفعه خلاف المنة اذ الثابت ههنا انه لا يجب على الانسان دفع الضرر عن الغير او رفعه و لو لم ينشأ منه ضرر عليه فلو رأى ضررا متوجها الى غيره كسيل متوجه الى داره يستلزم خرابها فلا يجب عليه ان يدفع السيل حتى لو لم يستلزم ضررا عليه. و بالجملة لم نعرف وجها لاثبات وجوب تحمل الضرر عن الغير بقاعدة لا ضرر كى يتاتى فيها الكلام الذى ذكره المحقق النائينى رحمة الله عليه.

ص:222

رسالة فى ولاية الفقيه

اشارة

ص:223

ص:224

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خيرته من خلقه محمد و آله الطيّبين الطاهرين و اللعنة الدائمة الابدى على اعدائهم اجمعين.

اما بعد:

فاعلم:ان من أهمّ الامور الضرورية للبشر وجود النظام الاجتماعى و الحكومة العادلة الحافظة لحقوق الجميع.

فان الانسان مدنى بالطبع لا يحصل على حاجاته الا فى ظل الاجتماع المنظمة التى كانت تحت لواء الحكومة العادلة و ان دين الاسلام لم ينحصر احكامه فى الامور الشخصية العبادية بل هو جامع لجميع ما يحتاج اليه الانسان من المعارف و الاخلاق و المعاملات و السياسات و الاقتصاد فهو بنفسه نظام كامل.و لذا يحتاج الى الحاكم العادل الجامع و هذا العنوان ينطبق عندنا فى عصر ظهور الائمة على ائمتنا و فى عصر الغيبة ينطبق على من تفقه فى الكتاب و السنة و عرف احكامها المعبر عنه بولاية الفقية.

ص:225

و هذه الرسالة انّما سيقت لبيان مقدار ولاية الفقية الجامع للشرائط مستفادا من افادات سيدنا الاستاذ فخر المتأخرين و قبلة المشتغلين و صفوة الفقهاء و المجتهدين آية اللّه العظمى فى العالمين السيد محمد الصادق الحسينى الروحانى مد ظله العالى و اضفت اليها ما يخطر ببالى القاصر فى الحاشية و من اللّه تعالى استمدّ و عليه التكلان.

و انما يذكر قبله مقدار ولاية النبى(ص)و الامام من جهة ان بعضهم ذهب الى ان مقتضى عموم ادلة نيابة الفقيه ثبوت الولاية له بالمقدار الثابت للمعصوم.فلا بد اولا من تعيين مقدار تلك الولاية فنقول:

ص:226

ثبوت الولاية التكوينية للمعصومين عليهم السّلام

فاقول:للولاية(1) معان:

1-الولاية التكوينية.

2-وجوب الإطاعة و قبول قول الولى فى الأحكام الشرعية.

3-الحكومة و الرئاسة الدنيوية بادارة شئون الأمة.

ص:227


1- (1) -قال الراغب فى المفردات: الولاء و التوالى ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما و يستعار ذلك للقرب من حيث المكان و من حيث النسبة و من حيث الدين و من حيث الصداقة و النصرة و الاعتقاد. و الولاية:النصرة و الولاية:تولّى الامر. و قيل الولاية و الولاية نحو الدلالة و الدلالة. و حقيقته:تولّى الامر. و الولّى و المولى يستعملان فى ذلك،كل واحد منهما يقال فى معنى الفاعل اى الموالى و فى معنى المفعول اى الموالى.(مفردات/570). و فى الصحاح:الولى:القرب و الدنوّ يقال تباعدنا بعدولى،و كل مما يليك اى مما يقاربك. و اوليته الشى فوليه و كذلك والى البلد،و ولى الرجل البيع ولاية فيهما و المولى:المعتق و المعتق و ابن العم و الناصر و الجار.و الولىّ الصهر و كل من ولى امر واحد فهو وليّه الصحاح:2528/6.

4-الولاية الشرعية،اى ولاية التصرف فى الأموال و الأنفس.

5-وجوب الإطاعة فى الأوامر الشخصية العرفية.

و الظاهر ثبوت الولاية بجميع معانيها للنبى و الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين.

فتنقيح القول بالبحث فى موارد:

الأول:فى الولاية التكوينية-اى ولاء التصرف التكوينى-و المراد بها:كون زمام امر العالم بايديهم،و لهم السلطنة التامة على جميع الأمور بالتصرف فيها كيف ماشاءوا اعداما و ايجادا و كون عالم الطبيعة منقادا لهم لا بنحو الإستقلال بل فى طول قدرة اللّه تعالى و سلطنته و اختياره،بمعنى ان اللّه تعالى اقدرهم و ملكهم كما اقدرنا على الأفعال الإختيارية،و كل زمان سلب عنهم القدرة بل لم يفضها عليهم انعدمت قدرتهم و سلطنتهم.

و من هذا الباب معجزات الأنبياء و الأولياء،و قد دل الكتاب الكريم على ثبوت ذلك لأشخاص،قال اللّه تعالى:(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (1),2 و

ص:228


1- (1) -و تقريب الاستدلال بها:ان كلمة من فى الاية للتبعيض فتدل على ان الاتى بعرش بلقيس،اعنى به اصف بن برخيا كان عنده شى من علم الكتاب، نسبته الى المجموع نسبته قطرة من الماء فى البحر الاخضر و مع ذلك له سلطنة-

قال عز من قائل:(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (1) و قال سبحانه:(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (2) الى غير ذلك من الآيات المتضمنة لثبوت ولاء التصرف لأشخاص.

ص:229


1- (3) -سورة ص آية 38.
2- (4) -سورة آل عمران آية 49.

و اذا ثبت ذلك لهؤلاء فثبوته للرسول الأعظم و خليفته الذى عنده علم الكتاب بنص(1) القرآن لا يحتاج الى بيان،و عليه فالروايات(2)

ص:230


1- (1) -الرعد آية 43.
2- (2) -اما الروايات فهى على طائفتين: الطائفة الاولى ما دلت على ان النبى و الائمه كان فى وسعهم التصرف فى الكون و نواميس الطبيعة. الطائفة الثانية ما دلت على وقوع ذلك التصرف منهم اما الطائفة الاولى فهى فوق حد التواتر. منها:ما عن الباقر عليه السّلام و فوض الينا امور عباده فنحن نفعل باذنه ما نشاء و نحن اذا شئنا شاء اللّه و اذا اردنا اراد الله (بحار ج 7 ص 288 قديم). و منها:ما عن الصادق عليه السّلام:نحن ولاة امر الله و خزنة علم الله و عيبة وحى اللّه. (اصول الكافى ج 1 ص 275). اما الطائفة الثانية:فهى ما تدل على وقوع التصرف منهم عليه السّلام و هى ايضا بلغت فى الكثرة فوق حد التواتر. منها ما عن الباقر عليه السّلام عن ابيه عن جده الحسين بن على عليه السّلام قال لما رجع امير المؤمنين عليه السّلام من قتال اهل النهروان اخذ على النهروانات و اعمال العراق و لم يكن يومئذ قد بنيت بغداد فلما وافى ناحية براثا صلى بالناس الظهر و رحلوا و دخلوا فى ارض بابل و قد وجبت صلوة العصر فصاح المسلمون يا امير المؤمنين هذا وقت العصر قد دخل فقال امير المؤمنين عليه السّلام هذه ارض-

المتواترة المتضمنة للمعجزات و الكرامات الصادرة عن المعصومين عليهم السّلام-كالتصرف الولائى فى النقش و صيرورته اسدا مفترسا و ما شاكل

ص:231

-انما نلتزم بها و نعتقد من غير التزام بالتاويل،كيف و نرى انهم عليهم السّلام بعد موتهم تصدر عنهم كرامات من ابراء المريض الذى عجز الأطباء عن ابرائه،و حل معضلات الأمور و ما شاكل،و ليس ذلك الا لما ذكرناه.

و يمكن ان تكون الآية الكريمة:(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (1) ناظرة الى ثبوت هذا المعنى من الولاية ايضا للنبى صلّى اللّه عليه و آله.

و بالجملة:ثبوت الولاية بهذا المعنى للنبى و الأئمة المعصومين- الذين يثبت لهم جميع ما يثبت للنبى صلّى اللّه عليه و آله للروايات الكثيرة المتواترة-مما لا ينبغى التوقف فيه(2).

ص:232


1- (1) -سورة الأحزاب آية 6.
2- (2) -الدليل الثالث:الاجماع بل هو من الامور المسلمة عند الشيعة و كالنار على المنار. الدليل الرابع:العقل:توضيحه: ان العلة الغائية من ايجاد البشر هى معرفة الله تعالى و ان الانسان لا يبلغ الى هذه المرتبة الا بالعمل بالتكاليف الشريعة فيجب على الله تعالى ان يكلف الانسان بها ليصل الانسان الى حد الكمال. و ان التكليف يحتاج الى مبلغ من نوع البشر و هو عبارة عن النبى الذى لا بد له من اقامة دليل على مدعاه مما يخرق النواميس الطبيعية فهذا الدليل انما هو-

و اما شبهة استلزام ذلك للشرك،فهى تندفع بانّا لا ندعى ثبوت ذلك لهم بالإستقلال،بل ان اللّه تبارك و تعالى ملّكهم و اقدرهم كما ملّكنا و اقدرنا على الأفعال الإختيارية.و به يظهر انه لا ينافيه قوله تعالى:

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا) (1)(2) فان المراد عدم الملكية بالإستقلال.و لتفصيل الكلام فى المقام محل آخر.

الثانى:فى وجوب اطاعتهم و قبول قولهم فى الأحكام الشرعية و الوظائف المجعولة الإلهية،و ان قولهم و كذا فعلهم حجة.

لا شبهة فى ثبوت الولاية بهذا المعنى لهم،قال اللّه تعالى:(ما آتاكُمُ

ص:233


1- (1) -و لم يذكر تمام الآية و الاية:قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلاّ ما شاءَ اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. و انها نزلت فى جواب اعتراض المشركين حيث وعد سبحانه و تعالى المكذبين عذاب القيامة و آلامها فاستعجلوا ذلك على سبيل التكذيب و الرد و قالوا متى هذا الوعد الذى تعدنا به فاجاب الرسول(ص)انى لا املك شيامن ذلك الا ما مكنى الله فكيف املك تقديم القيامة و تعجيل العقوبة فانهما مرهونا اجلهما فالاية اجنبية عن نفى الولاية.
2- (2) -سورة الحشر آية 7.

اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (1) و قال سبحانه:(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) (2) و قال عز و جل:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) الى غير ذلك من الآيات الدالة على ان قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كذا عمله حجة.

و قد دل الحديث الشريف الذى هو متواتر بين الفريقين و لا شك فى صدوره عنه صلّى اللّه عليه و آله:انى تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتى اهل بيتى،و انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض،فلا تقدموهما فتهلكوا،و لا تقصروا عنهما فتهلكوا،و لا تعلموهم فانهم اعلم منكم.على ثبوت هذا المقام للأئمة المعصومين عليهم السّلام،اضف الى ذلك ما دل على ثبوت ما للنبى صلّى اللّه عليه و آله من المناصب للأئمة الهداة(3).

ص:234


1- (1) -سورة الأحزاب آية 21.
2- (2) -سورة آل عمران آية 31.
3- (3) -الدليل الثالث الاجماع فهو من الامور المسلمة القطعية عند الشيعة و ان وجوب اطاعتهم من اوضح الواضحات. الدليل الرابع:العقل فيمكن ان يقرب بوجهين: الاول:حكم العقل المستقل بوجوب اطاعة النبى و الائمة عليهم السّلام بعد معرفة انهم اولياء النعم و انهم وسائط.-

ص:235

ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة للحجة عليه السّلام

الثالث:فى ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة الدنيوية بادارة شئون الائمة للنبى صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة صلوات اللّه عليهم.

لا ينبغى الشك و الكلام فى ثبوت هذا المنصب لهم،و انه فوّض اليهم من قبل اللّه تعالى،فهو منصب الهى لا من قبل الناس،و الشاهد لثبوته لهم امور:

احدها:الآيات الكريمة قال اللّه تعالى:(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) (1) فان الآية الكريمة تدل على ثبوت منصب الزعامة و الرئاسة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لطائفة خاصة من المؤمنين،فاذا انضم الى ذلك ما اتفق عليه المفسرون من نزول الآية فى شان امير المؤمنين عليه السّلام(2) و ما دل على ثبوت منصب كل امام

ص:236


1- (1) -المائدة آية 55.
2- (2) -فى الدر المنثور فى ذيل الاية قال:اخرج الطبرانى فى الاوسط و ابن مردوية عن عمار بن ياسر قال:وقف بعلىّ سائل و هو راكع فى صلاة تطوع فنزع خاتمه فاعطاه السائل فاتى رسول الله(ص)فاعلمه ذلك فنزلت على النبى هذه الاية فقراها رسول الله(ص)على اصحابه ثم قال من كنت مولاه فعلىّ مولا-

لإمام بعده-كخبر المعلى الآتى-يثبت هذا المنصب للأئمة الهداة.

و قال سبحانه:(أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) فان الآية الشريفة تدل على لزوم العمل بكل حكم و امر صادر من اللّه تعالى و رسوله و اولى الأمر،و مقتضى اطلاقها ذلك حتى فى ما يرجع الى شئون الامة و ادارة المملكة الإسلامية،و ليس معنى الحكومة من قبل اللّه تعالى الا ذلك،بل فى بعض النصوص صرح الإمام عليه السّلام بان الإطاعة المامور بها فى الآية اريد بها الإطاعة فى الاوامر الصادرة عن المعصومين عليهم السّلام فيما يرجع الى ادارة شئون الأمة لاحظ خبر عيسى بن السرى قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام حدثنى عما بنيت عليه دعائم الإسلام اذا انا اخذت بها زكى عملى و لم يضرنى جهل ما جهلت بعده،فقال عليه السّلام:شهادة ان لا اله الاّ اللّه و ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و الإقرار بما جاء به من عند اللّه و حق فى الأموال من الزكاة،و الولاية التى امر اللّه بها ولاية آل محمد-الى ان قال-قال اللّه عز و جل:(أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فكان على ثم صار من بعده حسن ثم من بعده حسين ثم من بعده على بن الحسين ثم من بعده محمد بن على،ثم هكذا يكون الأمر،

ص:237


1- (1) -النساء آية 59.

ان الأرض لا تصلح الا بامام(1).

و صحيح بريد العجلى عن ابى جعفر عليه السّلام فى قول اللّه عز و جل:

(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) جعل منهم الرسل و الأنبياء و الأئمة،فكيف يقرّون فى آل ابراهيم و ينكرونه فى آل محمد صلّى اللّه عليه و آله،قال:قلت:(و آتيناهم ملكا عظيما)قال:الملك العظيم ان جعل فيهم ائمة من اطاعهم اطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه فهو الملك العظيم(2).الملك بالضم هو المملكة،فجعل الأئمة من جهة الأمر باطاعتهم و جعلها قرين اطاعة اللّه تعالى صاحب الملك العظيم عبارة اخرى عن الحكومة المطلقة كما هو واضح.و اما اولوا الأمر فقد اتفقت النصوص منها ما تقدم ان المراد بهم الأئمة الإثنى عشر.(3)

ص:238


1- (1) -اصول الكافى ج 2-ص 21 حديث 9 باب دعائم الإسلام.
2- (2) -اصول الكافى ج 1-ص 206 حديث 5.
3- (3) -و من الايات المستدل بها فى المقام:قوله تعالى فى سورة النساء:فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.(سورة النساء(4)الآية 65) و المخاطب هو الرسول(ص)فيجب التسليم له و لاوامره فالاية نص فى ولاية النبى(ص)فى جميع خلافاتهم،الداخلية العامة و الشخصيته و لا نعنى بالحكومة الا هذا و موردها ان كان خصوص القضاء و لكن المورد لا يخصّص.

ثانيها:الروايات منها الدالة على ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر اللّه و اولوا الأمر،لاحظ خبر عبد الرحمن:سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:نحن ولاة امر اللّه(1).

و خبر الحسين ابن ابى العلاء الآتى(2) و غيرهما.

و الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع اليه فى الامور العامة.

و منها:ما عن(3) سيد الشهداء صلوات اللّه عليه:فلعمرى ما الإمام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات اللّه.

و منها:خبر(4) المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السّلام فى قول اللّه عز و جل:(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ) الخ:عدل الإمام ان يدفع ما عنده الى

ص:239


1- (1) -اصول الكافى ج 1 ص 192.
2- (2) -اصول الكافى ج 1 ص 187.
3- (3) -ارشاد المفيد طبع النجف ص 204.
4- (4) -الوسائل-باب 1-من ابواب صفات القاضى حديث 6.

الإمام الذى بعده،و امرت الأئمة ان يحكموا بالعدل و امر الناس ان يتبعوهم.

و خبر(1) سليمان بن خالد عنه عليه السّلام:اتقوا الحكومة،فان الحكومة انما هى للإمام العالم بالقضاء العادل فى المسلمين كنبى او وصى نبى(2).و قريب منهما غيرهما.

و منها:النصوص المتقدمة فى ذيل الآية الثانية.

و منها:بعض الأخبار الواردة فى صفات الأئمة:كخبر(3)

عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السّلام-فى حديث طويل-ان الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين،ان الإمامة اس الإسلام النامى و فرعه السامى،بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفىء و الصدقات و امضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف،و نحوه غيره.

و ظهور ذلك فى ان الحكومة للإمام عليه السّلام واضح،بل هو كالصريح

ص:240


1- (1) -الوسائل-باب 3 من ابواب صفات القاضى حديث 3.
2- (2) -و المراد بالحكومة فى الحديث خصوص القضاء او مطلق الولاية التى من شؤونها القضاء و جهان و لعل الاول اظهر. و قوله:«لنبى»هكذا فى الكافى و التهذيب و فى الفقية«كنبى»و لا يخفى وجود الفرق بينهما اذ على الاول ينحصر فى النبى و الوصى دون الثانى.
3- (3) -اصول الكافى ج 1 ص 200.

فى ذلك.

و نظير ذلك ما عن العلل بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام فى علل حاجة الناس الى الإمام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل:و منها انّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الاّ بقيّم و رئيس لما لا بد لهم فى امر الدين و الدنيا،فلم يجز فى حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الا به الى غير ذلك من النصوص المتواترة الدالة على ذلك بالسنة مختلفة.

ثالثها:الإرتكاز الثابت ببناء العقلاء،حيث جرى بناؤهم فى كل امر راجع الى المعاد و المعاش على رجوع الجاهل الى العالم من جهة كونه اهل الخبرة و الإطلاع،و لم يردع الشارع الأقدس عن ذلك،و حيث ان الإمام عليه السّلام اعلم الناس و افضلهم و ابصر بالأمور-سواء أكان الأمر مربوطا بالمعاش او المعاد-فيتعين جعله المرجع و الحاكم،و متابعته حتى فى الأمور الراجعة الى ادارة شئون الامة.

رابعها:حكم العقل،اذ لم نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيّم و رئيس لما لا بد لهم منه فى امر الدين و الدنيا،و من الممتنع فى حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بدله منه و لا قوام لهم به،و عليه فاما ان يعيّن الأبصر بالأمور السياسية و تنظيم البلاد او غيره،و الثانى باطل قطعا لإستلزامه ترجيح المرجوح،و هو قبيح و من الحكيم محال،فيتعين الأول.

و بهذا البيان يظهر قطعيا ان اللّه تعالى عيّن الإمام عليه السّلام لذلك.

ص:241

خامسها:ان جملة من الأحكام الشرعية جزائية،و قضائية و سياسية،و اجتماعية.كالقصاص،و الحدود،و القضاء،و قبول الجزية،و الجهاد(1) و...و لا يمكن اجراء تلك الأحكام الاّ بيد الحاكم

ص:242


1- (1) -و كالصلاة مثل رواية عبد الرحمن بن سيابة عن ابى عبد الله قال: ان على الامام ان يخرج المحبسين فى الدين يوم الجمعة الى الجمعة و يوم العيد الى العيد و يرسل معهم فاذا قضوا الصلاة و العيد ردّهم الى السجن.(الوسايل 36/5 ب 21 ح 1). و الصوم مثل صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر:اذا شهد عند الامام شاهدان انهما رايا الهلال منذ ثلاثين امر الامام بالافطار. (الوسائل 104/5 ب 9 ح 1). و الزكاة و الخمس مثل ما ورد فى خبر مرسل عن ابى عبد الله قال الامام يقتضى عن المؤمنين الديون ماخلا مهور النساء. (الوسائل 92/13 ب 9 ح 4). و الحج مثل ماورد عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله قال لو عطّل الناس الحج لوجب على الامام ان يجبرهم على الحج.(الوسايل 15/18 ب 5 ح 1). و النكاح و الطلاق مثل صحيحة ابى بصير قال سمعت ابا جعفر: يقول:من كانت عنده امراة فلم يكسها ما يوارى عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرق بينهما (الوسايل 223/15 ب 1 ح 2). و المواريث مثل ما ورد عن ابى بصير قال سالت ابا عبد الله عن رجل مسلم بات-

على الامة و قد صرح فى جملة من الأخبار انها لإمام المسلمين(1) ،و لذلك نرى ان النبى صلّى اللّه عليه و آله حينما ساعدته الظروف اسس حكومة اسلامية عادلة،و كذلك الأمام على بن ابى طالب عليه السّلام اسس الحكومة و حارب مع من خالفه فى ذلك.

ص:243


1- (1) -المستدرك باب 5 من ابواب صلاة الجمعة و آدابها.

ولاية التصرف فى الأموال و الأنفس

الرابع:فى ولايتهم صلوات اللّه عليهم بالولاية التشريعية،بمعنى نفوذ كل تصرف منهم فى اموال الناس و انفسهم.

و بعبارة اخرى:فى الولاية الظاهرية التى هى من المجعولات الشرعية المترتب عليها جواز التصرف،فقد استدل لثبوتها لهم بوجوه:

منها:الآية الشريفة:(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (1) و ما كان مساقه مساقها.

و اورد على الإستدلال بها تارة:بانها مختصة بصورة التزاحم للإنصراف و لأن الولاية لا تقبل الشدة و الضعف،فلا بد و ان يكون التفضيل مجازيا،و المراد ثبوت الولاية عند التزاحم للنبى صلّى اللّه عليه و آله و انتفائها عن غيره.و اخرى:بانه انما تكون الآية فى مقام بيان عدم اختصاص رئاسته صلّى اللّه عليه و آله بالرئاسة الروحانية، بل تعم الرئاسة الدنيوية و الحكومة،فلا تدل اولويته بكل شخص من نفسه.

و لكن يرد الأول:ان الإنصراف ممنوع،و الولاية قابلة للشدة و الضعف كما هو ظاهرها.

و يرد الثانى:-مضافا الى كونه خلاف الظاهر-انه ينافيه النبوى:انا

ص:244


1- (1) -سورة الأحزاب آية 6.

اولى بكل مؤمن من نفسه(1).

فالحق ان يقال:إنّها تدل على ثبوت ولاية و سلطنة على الناس اقوى و اشد من ولاية الشخص على نفسه،و من الضرورى ان ولاية الشخص على نفسه انما هى فى التصرف السببى من الطرق و الأسباب الشرعية،كبيع ماله،و تزويج المرأة و تطليق زوجته(2).

و اما التصرف بلا سبب او بسبب غير شرعى فليس له الولاية عليه حتى تثبت تلك بنحو اشد للنبى صلّى اللّه عليه و آله،مثلا ليس له ان يعطى الإنتفاع بزوجته لغيره فلا يكون ذلك ثابتا له صلّى اللّه عليه و آله،و كذلك الأحكام المحضة كالإرث.

و بالجملة:الآية الشريفة ليست فى مقام التشريع للأحكام بل هى فى مقام بيان تشريع الولاية،و تدل على انها ثابتة له فيما للشخص على نفسه من الولاية لا فى ازيد من ذلك.

ص:245


1- (1) -اصول الكافى ج 1-ص 406 حديث 6.
2- (2) -اما دعوى كون النبى(ص)بمنزلة نفس المؤمن بل هو اولى منه فيجوز له ما يجوز للمؤمن من الافعال فهذا مما لا يمكن الالتزام به فان الافعال ما يجوز للمؤمن باعتبار كونه داخلا فى العنوان الذى حكم الشرع بجوازه لمن ينطبق عليه ذلك العنوان كجواز الاستمتاع من الزوجة فيجوز الفعل النبى(ص)ايضا فيما اذا ادخل فى ذلك العنوان و هذا من حكم الشرع يشترك فيه النبى و امته و اما اذا لم يدخل فى ذلك العنوان فلا يجوز له كما لا يجوز لغيره و الاحكام المختصة بالنبى فى الشرع محدود و معروف.

و يؤيد ما ذكرناه من عدم ثبوت الولاية لهم ازيد مما للشخص على نفسه،بل يشهد له:ما فى ذيل حديث طويل مروى عن كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تاليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازى، فقال له(اى للكاظم عليه السلام):قد بقى مسألة تخبرنى بها و لا تضجر،فقال له:سل،فقال خبرونى انكم تقولون ان جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا،و انكم تقولون من يكون لنا عليه حق و لا يوصله الينا فليس بمسلم،فقال له موسى(عليه السلام):كذب الذين زعموا اننا نقول ذلك،و اذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم،و نحن نشترى عبيد او جوارى و نعتقهم و نقعد معهم و ناكل معهم، و نشترى المملوك و نقول له يا بنى،و للجارية يا بنتى،و نقعدهم ياكلون معنا تقربا الى اللّه سبحانه،فلو انهم عبيدنا و جوارينا ما صح البيع و الشراء و قد قال النبى صلّى اللّه عليه و آله لما حضرته الوفاة:اللّه اللّه فى الصلاة و ما ملكت ايمانكم،يعنى صلوا و اكرموا مماليككم و جواريكم،و نحن نعتقهم،و هذا الذى سمعته غلط من قائله و دعوى باطله،و لكن نحن ندعى ان ولاء جميع الخلائق لنا،يعنى ولاء الدين،و هؤلاء الجهّال يظنونه ولاء الملك،حملوا دعواهم على ذلك،و نحن ندعى ذلك لقول النبى صلّى اللّه عليه و آله يوم غدير خم:من كنت مولاه...الخ(1) فانه يدل على ما ذكرناه.

ص:246


1- (1) -كتاب النجوم للسيد بن طاوس.

قال بعض الأكابر بعد استظهار ذلك من الأدلة:لكن الظاهر ان سيرة النبى صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة صلوات اللّه عليهم.لم تكن كذلك،بل كانوا يعاملون مع الناس معاملة بعض الناس مع بعض، و هو الظاهر من ملاحظة التواريخ و الأخبار،فلاحظ كلام امير المؤمنين فى نهج البلاغة فى جواب اخيه عقيل و مراجعته الى الأمير صلوات اللّه عليه.انتهى.

و منها:النصوص الدالة على ان الدنيا و ما فيها لهم عليهم السلام، و ان لهم التصرف فيها كيف شاءوا،لاحظ مكاتبة ابن الريان الى العسكرى عليه السّلام قال:كتبت اليه:روى لنا:ان ليس لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الدنيا الا الخمس،فجاء الجواب:ان الدنيا و ما عليها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(1).

و مرسل احمد بن محمد بن عبد اللّه:الدنيا و ما فيها للّه تبارك و تعالى و لرسوله و لنا،فمن غلب على شىء منها فليتق اللّه.الحديث(2).

و خبر ابى بصير عن مولانا الصادق عليه السّلام قلت له:اما على الإمام زكاة؟فقال:احلّت يا ابا محمد،اما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام عليه السّلام يضعها حيث يشاء و يدفعها الى من يشاء(3).و نحوها غيرها.

ص:247


1- (1) -اصول الكافى ج 1-ص 409 حديث 6 باب ان الأرض كلها للإمام.
2- (2) -اصول الكافى ج 1 ص 408 حديث 2.
3- (3) -اصول الكافى ج 1 ص 409 حديث 4.

فان الظاهر من هذه الأخبار ثبوت السلطنة الثابتة للّه تعالى على الناس و اموالهم من غير جعل جاعل للرسول صلّى اللّه عليه و آله و الإمام عليه السّلام بالجعل غير المنافى مع ملكية الناس،و هذه عبارة اخرى عن الاولوية بالتصرف فيها منهم.

و منها:الإجماع و الظاهر ثبوته،لكن مستند المجمعين معلوم.

و منها:غير ذلك،و لظهور عدم دلالة ما ذكروه اغمضنا عن التعرض له،و فيما ذكرناه كفاية(1).

ص:248


1- (1) -و قد يستدل على ولايته(ص)على التصرف على اموال الناس بقوله(ص)فى قضية سمرة بن جندب للانصارى اذهب فاقلعها و ارم بها وجهه. و فيه:انه لا دلالة فى الحديث على عدم ضمان الانصارى النخلة التى قلعها و انما يدل على جواز قلعها و يمكن ان يكون الوجه فى جوازه ان حرمة اتلاف مال الغير مع وجوب التحفظ على العرض فى الغرض كانا متزاحمين و بما ان وجوب التحفظ على العرض لو لم يكن اهم من حرمة الاتلاف بالقلع فلا ريب فى عدم كون حرمة الاتلاف اهم فيجوز فى مقام التزاحم رعاية التحفظ على العرض.

وجوب اطاعة المعصوم عليه السّلام

الخامس:فى وجوب الإطاعة.

يمكن ان يستدل للزوم اطاعتهم فى اوامرهم الشخصية العرفية الراجعة مصلحتها اليهم بوجهين:

احدهما:الآيات و النصوص المتواترة الدالة على افتراض طاعتهم، و ان معصيتهم كمعصية اللّه تعالى،كقوله سبحانه:(أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1).

و قوله تعالى:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (2).

و قوله عز و جل:(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَ مَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (3).

و صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام:ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالى الطاعة للإمامة بعد معرفته عليه السّلام(4).

ص:249


1- (1) -النساء آية 59.
2- (2) -النور آية 64.
3- (3) -النساء آية 83.
4- (4) -اصول الكافى ج 1 ص 185 باب فرض طاعة الأئمة حديث 1.

و خبر الحسين بن ابى العلاء قال:ذكرت لأبى عبد اللّه عليه السّلام قولنا فى الأوصياء ان طاعتهم مفترضة،فقال:نعم هم الذين قال اللّه تعالى:

(أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) و هم الذين قال اللّه عز و جل:(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا) (1).الى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

اذ اختصاص هذه باجمعها بالأوامر الشرعية خلاف ظواهرها من جهة ان الإطاعة فيها اطاعة بالذات لأمره تعالى،و اطاعة بالعرض للوسائط،و الإطاعة التى تكون بالذات اطاعة لهم هى اطاعتهم فى الأوامر الشخصية،و معلوم ان ظاهر الآيات و الروايات ارادة الثانية.

الوجه الثانى:(2) انهم صلوات اللّه عليهم مجارى الفيوضات،و

ص:250


1- (1) -اصول الكافى ج 1 ص 185 حديث 7.
2- (2) -ان هنا حكمين:الاول حكم العقل المستقل.الثانى حكم العقل غير المستقل. اما الاول:فان الامام منعم اى ولى النعمة فانه ببركة وجوده تنزل السماء مطرها و تسكن الارض لسكانها و تجرى الشمس و القمر بحسبانهما و ان كان كل ذلك بمشيته العلى القدير اجلالا لهم صلوات اللّه عليهم. و اذا كان الامام منعما فيجب معرفته و اطاعته لان فى مخالفته و ترك معرفته احتمال الضرر. و اما الثانى:فانه وجب فى الشرع اطاعة الوالدين و اذا اقتضت الابوة وجوب-

اولياء النعم باجمعها من المال و الولد و الأعضاء و غيرها،فهم المنعمون بالواسطة،و قد استقل العقل بوجوب شكر المنعم،و معلوم ان صرف النعمة فى سبيل اطاعة المنعم شكر،و تركه كفران،فيحسن الأول عقلا و يقبح الثانى كذلك،و بالملازمة يستكشف الوجوب.

ص:251

اشتراط تصرف الغير باذنهم

و هل يستقل غيرهم عليهم السلام فى التصرف،ام يكون تصرف الغير منوطا باذنهم؟و جهان.

و تفصيل القول فى المقام:انه لا كلام و لا خلاف فى ثبوت الولاية بهذا المعنى،اى اشتراط تصرف الغير باذنهم فى جملة من الموارد الخاصة التى دل الدليل على ذلك،كالحدود،و التعزيرات،و الحكومات،و الجهاد،و غيرها،(1) لا كلام فى ثبوتها لهم فى الأمور التى ثبت انها وظيفة الرئيس،لما دل من النصوص على ان لهم الرئاسة

ص:252


1- (1) -مثل ما ذكره محمد بن حسن باسناده عن ابى جعفر قال من قتله القصاص بامر الامام فلادية له فى قتل و لا جراحة. (وسايل ج 19 ب 24). و ما ذكره محمد بن يعقوب عن يريد العجلى قال سالت ابا جعفر عليه السّلام عن مومن قتل رجلا ناصبا معروفا بالنصب على دينه غضبا لله تعالى يقتل به؟فقال اما هولاء فيقتلونه و لو رفع الى امام عادل ظاهر لم يقتله. (وسايل ج 19 ب 62). و ما رواه الكش(فى كتاب الرجال): فقال ابو عبد الله عليه السّلام لو كنت قتلهم(ثلاثة عشر رجلا من الخوارج)بامر الامام لم يكن عليك شى فى قتلهم. (وسايل ج 19 ب 22).

كخبر الفضل و غيره،و انهم ولاة الأمر و اولى الأمر،كما لا ينبغى التوقف فى عدم ثبوتها لهم بالإضافة الى الوظائف الشخصية لكل فرد من افراد الرعية من العبادات و المعاملات.

انما الكلام فيما اذا جهل الأمر و لم يحرز ان التصرف من اى الأقسام، فان احتمل كونه من وظيفة الإمام خاصة فتارة:لا يحرز كون الفعل مطلوبا للشارع على كل تقدير،و اخرى:يحرز ذلك.فعلى الأول:

تجرى اصالة البرائة عنه بالإضافة الى الرعية،و على الثانى:حيث ان توجه التكليف الى المكلفين بنحو الواجب الكفائى بالتفصيل الذى سيمر عليك معلوم،فلا مورد للأصل.

و ان احرز ان التكليف ليس مختصا بالمعصوم عليه السّلام و انه متوجه الى المكلفين بنحو الواجب الكفائى او العينى و لكن احتمل دخل اذنه عليه السّلام فيه،كان المرجع اطلاق دليل المنع،او دليل الجواز لو كان و الا فمع التمكن من الرجوع اليه عليه السّلام لا بد من ذلك،و لا مجال للرجوع الى الأصل لأنه لا يرجع اليه من التمكن من الفحص.و ان لم يتمكن من ذلك فان احتمل كون اذنه من قبيل شرط الوجوب تجرى اصالة البراءة مع عدم تحقق الاذن،و ان احتمل كونه من قبيل شرط الواجب دخل فى مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين.

ص:253

ولاية الحاكم الشرعى

اذا عرفت ما ذكرناه فلا بد من التعرض لمقدار ولاية الفقيه.

و ملخّص القول فى المقام:انه لا شبهة و لا ريب فى ان منصب القضاوة-من فصل الخصومة و الامور التى يرجع فيها فى العرف الى القاضى كأخذ الحق من المماطل،و حبسه،و بيع ماله،و التصرف فى مال القصر،و نصب القيّم و ما شاكل-ثابت للفقيه الجامع للشرائط،و تشهد به مشهورة ابى خديجة المروية فى الكافى و التهذيب و الفقيه و غيرها باسانيد مختلفة و متون متفاوتة فى غير الجملة التى هى مورد للإستشهاد قال:بعثنى ابو عبد اللّه عليه السّلام الى اصحابنا فقال:قل لهم:اياكم اذا وقعت بينكم خصومة-الى ان قال-اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا،فانى قد جعلته عليكم قاضيا.الحديث(1).

و ظاهر الخبر جعل الفقيه قاضيا كالقضاة المنصوبين من قبل ائمة الجور،و من المعلوم ان من كان يجعل له منصب القضاوة لم تكن وظيفته مختصة بفصل الخصومة بل كان يرجع اليه سائر ما اشرنا اليه، بل فى زماننا ايضا القضاة يتصدون لما ذكر فيثبت هذا المقام للفقيه.

ص:254


1- (1) -التهذيب ج 6 ص 303 حديث 53 و ج 6 ص 219 حديث 8-و الكافى ج 2 ص 358 و الفقيه ج 3-ص 2 و الوسائل-باب 11-من ابواب صفات القاضى حديث 6.

و به يظهر اندفاع ما قيل من اختصاصها بفصل الخصومة و لا يستفاد منها ازيد من ذلك،مع انه لو كان الخبر مسوقا لبيان ذلك لكان قوله:اجعلوا بينكم...الخ كافيا و لم يكن حاجة الى ضم هذه الجملة.

فالظاهر ان هذه الجملة من قبيل الكبرى الكلية التى من مصاديقها المورد.

و اورد عليها بضعف السند لوجهين:احدهما:ان فى طريقها المعلى بن محمد.

الثانى:ما افاده المحقق النائينى،و هو:ان لأبى خديجة حالة اعوجاج عن طريق الحق،و هى زمان متابعته للخطابية،و حالتى استقامة،و ما قبل الإعوجاج و بعده،و لم يعلم انه رواها فى اى الحالات.

و لكن يمكن دفع الأول:بان الخبر مروى بطرق مختلفة،منها ما فى الفقيه عن احمد بن عائد عن ابى خديجة،و طريقه اليه هو:ابوه عن سعد بن عبد اللّه عن احمد ابن محمد بن عيسى عن الحسن بن على الوشاء،و هؤلاء كلهم ثقات،كما ان احد طريقى الشيخ فى التهذيب اليه قوى،مع ان المعلى من مشايخ الإجازة على ما افاده المحقق المجلسى(ره)،و هو يكفى فى قبول رواياته.

و يدفع الثانى:ما حقق فى محله من ان سالم بن مكرم ابا خديجة

ص:255

ثقة(1).

و لا كلام ايضا فى ثبوت منصب الفتوى له و ان للعوام ان يقلدوه و تدل عليه الآيات و الروايات و بناء العقلاء على رجوع الجاهل الى العالم،على ما فصلنا القول فى ذلك انفا فى رسالة الإجتهاد و التقليد.

ص:256


1- (1) -ذهب الشيخ فى الفهرست الى تضعيفه و لكن الذى يسهل الخطب،ان يقال:ان الشيخ قد اشتبه عليه بان المراد من ابى خديجة هو سالم بن ابى سلمة و هو ضعيف عند الاصحاب فتضعيفه ايضا راجع اليه. و اما سالم بن مكرم الذى وقع فى سند الرواية فهو ثقة عند الجميع و الشيخ ايضا يعترف بذلك-فعليه تكون الرواية معتبرة من جهة السند.

تشكيل الحكومة من وظائف المجتهد

انما الكلام فى انه هل يكون المجتهد هو الحاكم المطلق و منفذ الحكم و وظيفته تشكيل الحكومة اما بنفسه او بنصب شخص من قبله،ام لا؟

المعروف بين الأصحاب هو الأول،بل فى عوائد النراقى:دعوى الإجماع عليه،قال:حيث نص به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات.

و هو الحق الذى لا ريب فيه،لأن من جملة احكام الإسلام،بل و المهم منها احكاما جزائية،و قضائية،و سياسية،و اجتماعية كالقصاص،و الديات،و الحدود،و الجهاد،و الصلح،و القضاء،و قبول الجزية و...و لا يمكن اجراء تلك الأحكام الاّ بيد الحاكم على الأمة.

و بعبارة اخرى:ان الأحكام التى اتى بها نبى الإسلام صلّى اللّه عليه و آله انما هى قوانين كلية،و بديهى ان القانون ان لم يكن له مجر لا يفيد و يكون لغوا،فيعلم من ذلك ان النبى صلّى اللّه عليه و آله الذى جاء بتلك القوانين و حينما ساعدته الظروف شكّل الحكومة بنفسه،و كذلك وصيه امير المؤمنين عليه السّلام عين شخصا لإجراء تلك الأحكام،و ليس فى هذا الزمان غير المجتهد الذى قال صلّى اللّه عليه و آله فى حقه:انه خليفتى و وارثى و قال الإمام عليه السّلام:هو الحجة عليكم الى غير

ص:257

ذلك من التعابير التى ستمر عليك،مع انه لا يكون ثمة احد اعرف بمبانى الإسلام منه،فهو المتعين لأن يكون قائما بالحكومة و على رأسها.

و ان شئت قلت انه لا ريب فى ان وظيفة المجتهد فى هذا العصر اجراء احكام الإسلام و حفظ امن البلاد الإسلامية،و التحرز من مكائد الإستعمار،و حفظ استقلال البلاد الإسلامية،و الدفاع عن حريم الإسلام و القرآن،و قطع يد من تسول له نفسه العبث فى بلاد المسلمين،و حفظ المسلمين من يد الأجانب و من عبثهم فى عقول المسلمين،و عقد الذمة و العهود،و اجراء الحدود،و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.و هل يمكن شىء من ذلك الاّ من قبل الدولة و الحكومة القوية العادلة،قال اللّه تعالى:(وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (1) هل يمكن ذلك الاّ من قبل الحاكم،و قد تقدم خبر الفضل عن الإمام الرضا عليه السّلام المتضمن:انّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الاّ بقيّم و رئيس لما لا بد لهم منه فى امر الدين و الدنيا،فلم يجز فى حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الا به.فان هذا البرهان العقلى جار فى زمان الغيبة ايضا.

و تشهد بثبوت هذا المقام للمجتهد جملة من الأخبار:

ص:258


1- (1) -الأنفال 63.

منها:مقبولة(1) عمر بن حنظلة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:ينظر ان من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر فى حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما،فانى قد جعلته عليكم حاكما،فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم اللّه و علينا رد،و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه.حيث انه يستفاد منها جعل المجتهد حاكما كسائر الحكام المنصوبين فى زمان النبى صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة،و من المعلوم ان الحاكم المنصوب فى تلك الأزمنة كان يرجع اليه فى جميع الأمور العامة التى يرجع فيها كل قوم الى رئيسهم،فالمجتهد قد جعل حاكما مطلقا بهذا المعنى،و بعبارة اخرى:الحاكم هو منفذ الحكم.

و اورد عليها تارة بضعف السند لأنه لم ينص على ابن حنظلة بتوثيق،و اخرى:بان الظاهر من الحاكم هو القاضى لأن مورد السؤال و التحاكم هو الترافع الى القاضى،و قوله:فاذا حكم بحكمنا اى قضى،فهى تدل على جعل منصب القضاوة له.

و لكن يرد الأول:ان الأظهر وثاقة الرجل لتوثيق الشهيد الثانى اياه،

ص:259


1- (1) -الكافى ج 1-ص 67 حديث 10-التهذيب ج 6 ص 301 حديث 52- الفقيه ج 3 ص 5-الإحتجاج ص 194-الفروع ج 7 ص 412-الوسائل-باب 11-من ابواب صفات القاضى حديث 1.

قال:انّا حققنا توثيقه من محل آخر،و لورود روايتين دالتين(1) عليها، و لغير ذلك من الشواهد،مع ان الأصحاب تلقوها بالقبول و لذلك سميت بالمقبولة(2).

و يرد الثانى:ان المسلّم عند الأصحاب:ان خصوص المورد

ص:260


1- (1) -رواهما العلامة المامقانى فى رجاله احداهما عن التهذيب-و الأخرى عن الكافى.
2- (2) -و فيه:ان توثيق الشهيد لم يفيد لكونه من المتاخرين اضف الى ذلك ان مدرك توثيقه معلوم على ما نقل عن ابنه و هو عبارة عن الروايتين: الاولى:ما رواه محمد بن يعقوب عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة قال قلت لابى عبد الله:ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوفت فقال ابو عبد الله عليه السّلام اذا لا يكذب علينا.(جامع الرواة ص 633). فهى ايضا ضعيفة بيزيد بن خليفة و قد ورد فى يزيد بن خليفة ايضا رواية استدل بها على وثاقته و هى ما رواه الكشى بسنده قال دخل على ابى عبد الله رجل يقال له يزيد بن خليفة فقال له ممن انت فقال من الحارث من كعب قال ابو عبد الله ليس اهل بيت الا و فيهم نجيب او نجيبان و انت نجيب بلحارث بن كعب.هذه الرواية ايضا ضعيفة السند و ضعيفة الدلالة لان النجابة غير الوثاقة. الثانية:ما رواه اسماعيل الجعفى عن عمر بن حنظلة قال قلت لابى عبد الله عليه السّلام القنوت يوم الجمعة فقال انت رسولى اليهم فى هذا الحديث فهى ساقطة عن الاعتبار بنفس عمر بن حنظلة فلا ثبت وثاقته الا بوجه الدورى و اما الوجه فى تلقى الاصحاب بالقبول ما ذكره الشهيد الثانى و هما الروايتان المذكورتان و قد عرفت الخدشة فيهما.

لا يخصص عموم الوارد،مع انه لو كان المراد ما ذكر لكان يكفى قوله:

ينظر ان من كان...الخ و لم يكن حاجة الى هذه الجملة،سيما مع تصدرها بحرف التعليل الذى يكون صالحا لكون الجملة بيانا لكبرى كلية من مصاديقها المورد.

و منها:ما رواه الصدوق باربعة(1) طرق عن على عليه السّلام:قال رسول

ص:261


1- (1) -بل بخمسة طرق الا ان كلها ضعيفة فلا تشملها ادلة حجية خبر الواحد: الطريق الاول:ما رواه فى المجالس مسندا الا انه مخدوش بالحسين بن احمد ابن ادريس. الطريق الثانى:ما فى معانى الاخبار الا انه فى سنده عيسى بن عبد الله العلوى و النوفلى و هما ضعيفان عند الاصحاب. الطريق الثالث:ما رواه فى العيون عن محمد بن على شاه المروزى عن محمد بن عبد الله النيسابورى عن عبيد الله بن احمد بن عامر الطائى عن ابيه عن الرضا عليه السّلام و هذا الطريق ايضا مخدوش بعبيد الله بن عامر الطائى لعدم توثيقه فى كتب الرجال. الطريق الرابع:ايضا فى العيون عن احمد بن ابراهيم بن البكر الخوزى عن ابراهيم بن هارون بن محمد الخوزى عن جعفر بن محمد بن زياد الفقيه عن احمد بن عبد الله الهروى عن الرضا و هذا الطريق ايضا مخدوش بابراهيم بن هارون فانه لم يوثق عند الاصحاب. الطريق الخامس:عن الحسين بن محمد العدل عن على بن محمد بن مهروية القزوينى عن داود بن سليمان الفرا عن الرضا عليه السّلام ان هذا الطريق ايضا مخدوش بداود بن سليمان.

اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اللهم ارحم خلفائى-ثلاثا-قيل:يا رسول اللّه و من خلفائك؟قال:الذين ياتون بعدى يروون حديثى و سنتى-و زاد فى بعض الروايات:فيعلمونها الناس من بعدى-(1).

و حيث انه عند دوران الأمر بين الزيادة و النقيصة الأصل البناء على وجود ما نقص،فالظاهر ان متن الحديث مع هذه الزيادة،و ظهوره حينئذ فى ارادة الفقهاء من الرواة فى غاية الوضوح.و بعبارة اخرى:المراد من راوى الحديث و السنة هو من يعلّم الناس احكام الإسلام لا مجرد لقلقة اللسان،و هذا يلازم مع الفقاهة(2) فيدل الخبر على ان الفقيه خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و الخليفة بقول مطلق من يقوم مقام من استخلفه فى كل ما هو له،و ان شئت قلت:ان كون الرئاسة و الحكومة حق خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منصبه المفوض اليه كان من الأمور الواضحة المسلمة عند الجميع و

ص:262


1- (1) -عيون الأخبار ج 2 ص 37 حديث 94-معانى الأخبار ص 374.الفقيه ج 4 ص 303 حديث 53-الوسائل-باب 8-من ابواب صفات القاضى حديث 53-و باب 11-منها حديث 7.
2- (2) -و فيه:ان الجملة المذكورة فى ذيل الرواية لا تصلح ان تصرف قوله: (الذى يروون)عن ظهورها و جعلها على الفقهاء.لعدم اختصاص التعليم بهم. فان الرواة ايضا يصدق عليهم انهم يعلمون الناس ما يتعلمون عن النبى. فان الرواة لهم شان من الشئون عند النبى حيث لو لم يكونوا لا ندرس الدين فبروايتهم بقى الدين و آثار سيد المرسلين.

لذلك كان كل من ملوك بنى امية و سلاطين بنى العباس،بل و من قبلهم من رؤساء الحكومة الإسلامية،مدعيا لخلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لتصدى ذلك المقام.و على ذلك فتعيين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العلماء خلفائه يكون دالا بالملازمة البينة على جعلهم حكاما نافذى الحكم و رؤساء للحكومة الإسلامية.

و مما يؤيد ما ذكرناه من ظهور جعل شخص خليفة فى جعله نافذ الحكم و رئيسا:الآية الكريمة:(يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) (1) فان كون الحكومة مترتبة على جعله خليفة مفروغ عنه فى الآية،و انما امر فيها بالحكم و عدم اتباع الهوى.

و منها:التوفيع(2) الشريف المروى فى كتاب اكمال الدين و اتمام النعمة للصدوق،و كتاب الغيبة للشيخ،و الإحتجاج للطبرسى فى جواب مسائل اسحاق بن يعقوب:و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا،فانهم حجتى عليكم و انا حجة اللّه(3).

ص:263


1- (1) -سورة ص آية 26.
2- (2) -فانما من حيث السند مخدوشة باسحاق بن يعقوب فانه غير موثق و اما المدح المنسوب الى مولانا الغائب(عج)فهو روى من طريق نفسه لنفسه فلا يفيد شيئا لان اثبات وثاقته بهذا الرواية يكون دوريا.
3- (3) -اكمال الدين و اتمام النعمة طبع الكمبانى ص 266 ح 4 باب التوقيع- كتاب الغيبة ص 198-الإحتجاج طبع النجف ص 163-الوسائل-باب 11-من ابواب صفات القاضى حديث 9.

بتقريب:ان المراد بالحوادث-من جهة كونها جمعا محلى باللام- كل حادثة يرجع فيها الرعية الى رئيسهم،من غير فرق بين كونها من السياسيات او الشرعيات،و من غير فرق بين ان تكون مرتبطة بشخص خاص او بالمجتمع،فتشمل ما كان من قبيل اخراج الأجانب النفط و سائر المعادن،و عقد الذمة مع الدول الاخر،و ما لو توجه الخطر من جانب الأجانب الى الدولة الإسلامية،و ما شاكل،فيدل على ان راوى الحديث المجعول حجة على الأمة،و هو الفقيه الجامع للشرائط،مرجع فى جميع تلك،و ليس معنى الحكومة و كون الشخص حاكما و نافذ الحكم الاّ ذلك.

و احتمال(1) ارادة حوادث خاصة-نظرا الى ان اللام للعهد،و اشارة الى الحوادث المسئول عنها التى ليست بايدينا-يندفع بان توصيف الحوادث بالواقعة يدفع ذلك.

و قد يقال انه تضمن الرجوع فى الحوادث الى الفقيه،و لا يدل على

ص:264


1- (1) -و يويد احتمال ارادة حوادث خاصة و اشارة الى الحوادث المسئول عنها التى ليست بايدينا ما رواه الشهيد فى كتابه الدّرة الباهرة من الاصداف الطاهرة:و اما المسائل المشكلة الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا فانهم حجتى عليكم و انا حجة الله فان اسحاق بن يعقوب ليس له شان عند اصحاب الرجال و لم ينقل له فضل و لا فقاهة حتى يبعد سئواله عن طريق تعلم الاحكام من المسائل المشكلة عليه.

و كول نفس الحادثة اليه ليباشره بنفسه او بمن ينصبه كما ادعاه الشيخ ره،و الظاهر من ذلك الرجوع فى حكمها اليه لا ايكالها اليه.و لكن يندفع ذلك:بان الرجوع فى كل حادثة الى الفقيه،و كسب الوظيفة منه، و لزوم العمل بكل ما يعينه و لو كان هو الدفاع عن المملكة الإسلامية و حفظ حدودها و ما شاكل،عبارة اخرى عن كونه حاكما مطلقا،و يناسب هذا المعنى التعليل بانه حجة من قبل من هو حجة من قبل اللّه المسلّط على العالم و ما فيه.

و منها:ما روى عن الحسين بن على عليهما السلام الأمور و الأحكام على ايدى العلماء باللّه و الأمناء على حلاله،فانتم المسلوبون تلك المنزلة،و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم فى السّنة بعد البينة الواضحة،و لو صبرتم على الأذى و تحملتم المؤونة فى ذات اللّه كانت امور اللّه عليكم ترد،و عنكم تصدر،و اليكم ترجع،و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم،و استسلمتم امور اللّه فى ايديهم...الخ(1).

و تقريب الإستدلال به:ان المراد بالعلماء فى الخبر غير الأئمة بقرينة سائر الجملات المتضمنة لتفرقهم عن الحق و اختلافهم فى السّنة،و ان المخاطب فيه هم العلماء الساكتون غير الأمرين

ص:265


1- (1) -تحف العقول ص 237.

بالمعروف و غير العاملين بالوظيفة،و غير ذلك من القرائن(1).

و يدل الحديث على ان مجارى الامور على ايديهم،و لا معنى لمجارى الامور فى مقابل مجارى الأحكام سوى الامور المربوطة بالحكومة الاسلامية،و يؤكد ذلك ما فى ذيله من قوله و استسلمتم امور اللّه فى ايديهم فان ما استسلموه هو الحكومة و ما يرتبط بها،و ايضا تضمن الخبر ان العلماء غصب حقهم،و من المعلوم ان المغصوب ليس غير الحكومة.

و على الجملة:من تدبر فى الخبر صدرا و ذيلا يظهر له ان مراد الإمام الشهيد صلوات اللّه عليه:ان العلماء هم الحكام،و ان تشكيل الحكومة من وظائفهم،و قد غصب الظلمة هذه المنزلة من جهة ترك العلماء العمل بوظائفهم من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و عدم المصانعة عند الظلمة،و ما شاكل و اللّه العالم.

و منها:خبر على ابن ابى حمزة عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام:

اذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة،و بقاع الأرض التى كان يعبد اللّه عليها،و ابواب السماء التى كان يصعد فيها باعماله،و ثلم فى الإسلام ثلمة لا يسدها شىء،لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور

ص:266


1- (1) -هذه الرواية و ان كانت تامة من جهة الدلالة الا انها مرسلة لا تشملها ادلة الحجية.

المدينة لها(1).(2)

و تقريب الإستدلال به:انه يدل على ان حصن الإسلام و حافظه هو الفقيه،(3) و حيث ان احكام الإسلام لا تنحصر بالعبادات،بل منها احكام اجتماعية و سياسية و قضائية و جزائية،و لا يمكن حفظ تلك الأحكام،و كون الفقيه حصنا يدافع عنها الاّ من قبل حكومة قوية صالحة،و لذلك نرى ان الإستعمار الأروبى علم من اول و هلة ان

ص:267


1- (1) -اصول الكافى ج 1-ص 38 باب فقد العلماء حديث 3.
2- (2) -و الرواية ضعيفة بعلى بن ابى حمزة بطائنى فانه غير موثق و مجرد ان ابن ابى عمير نقل عنه الرواية لا يدل على وثاقته. و اما عمل المشهور على فرض انجبار ضعف السند به لا يفيد فى المقام لعدم احراز استناد المشهور عملهم بهذه الرواية و مجرد توافق عملهم مع مضمون الرواية لا يفيد شيا ما لم يحرز استناد عملهم اليها و وقوعه فى سند كامل الزيارة على تقدير تسليم توثيق ابن قولوية الرواة التى وقعت فى سنده لا يفيد فى المقام لكون توثيقه معارضا للتضعيف المنقول عن صاحب الوسايل. و قال على بن فضال ان على بن حمزة كذّاب و ايضا ضعفه الغضائرى و قال الكشى ان فى ذمه روايات فوقوعه فى سند الكامل لا اثر له حتى على مبنى من تقبل توثيقات ابن قولوية الرواة الواردة فيه.
3- (3) -و فيه:ينتقض بما ذكر فى باب فقد العلماء(ان الاتقياء حصون الاسلام) و لو كان فى قوله(ص)(لان المؤمنين الفقهاء حصول الاسلام)دالا على ثبوت ولاية للفقيه لكان قوله(الاتقياء حصول الاسلام)ايضا دالا على ذلك.

استعماره لا يتم مادام القرآن هو الكتاب السماوى الذى يتبعه المسلمون و يجرون احكامه و قوانينه و يتبعون ارشاداته و تعاليمه، و بهذا صرح(كلادستون)رئيس وزراء بريطانيا فى ذلك الوقت،و من ذلك الوقت اتجه و جهة اخرى،فاخذ يسعى بشتى الطرق و الوسائل لتضعيف الإسلام،و كان من جملة مصائده و حبائله نغمة التفكيك بين الدين و السياسة،و صارت تلك من اخطر الوسائل فى ايديهم،و سببا لما نرى الان من حال الإسلام و المسلمين و البلاد الإسلامية.

و بالجملة احكام الإسلام من الجهاد و المهادنة و عقد الذمة،و العهود و اجراء الحدود و القصاص و قبول الجزية،و ما شاكل،لا يمكن حفظها الاّ مع كون الحكومة بيد الفقيه او من ينصبه الفقيه بذلك، فجعل الفقيه حصنا للإسلام لا يكون الا بجعله حاكما مطلقا منفذ الحكم.

و منها:خبر السكونى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا فى الدنيا،قيل:يا رسول اللّه و ما دخولهم فى الدنيا؟قال صلّى اللّه عليه و آله:اتباع السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم(1).

و تقريب الإستدلال به:ان الأمين من فوض عليه حفظ ما فوض اليه،و قد فوض الى الفقهاء الأحكام الشرعية،و قد مر فى الخبر

ص:268


1- (1) -اصول الكافى ج 1-ص 46 باب المستاكل بعلمه حديث 5.

السابق ان حفظ الأحكام الشرعية لا يمكن الاّ من قبل حكومة اسلامية قوية،و قوله:ما لم يدخلوا...الخ يمكن ان يكون اشارة الى ان الإهمال فى تشكيل الحكومة و صيرورة المتبوع تابعا و المخدوم خادما خيانة يخرج بذلك عن كونه امينا.(1)

و منها:ما رواه في الكافي،و امالي الصدوق،و في اول المعالم باسانيد عديدة متصلة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا الى الجنة،و ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به،و انه يستغفر لطالب العالم من في السماء-الى ان قال-و ان العلماء ورثة الانبياء ان الأنبياء لم يورثوا دنيارا و لا درهما و لكن ورثوا العلم،فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر(2).

و تقريب الإستدلال به:انه يدل على ان العالم وارث الأنبياء في العلم،و المراد به الأحكام و الحقائق و القوانين التي جاءوا بها،فكما انهم موظفون بنشرها و اجرائها كي ينتفع بها الناس،فكذلك العالم موظف بذلك،و قد مر أن الأحكام الشرعية باجمعها لا يمكن الاّ

ص:269


1- (1) -فيه:ان معنى كونهم امناء الرسل ان كل امر من الاحكام و غيرها لو فوض اليهم فهم امناء فى حفظه و هذا التعميم يستفاد من حذف المتعلق و اما الولاية هل هى من الاحكام التى فوض اليهم ام لا فهو اول الكلام.
2- (2) -اصول الكافي ج 1 ص 34 باب ثواب العالم و المتعلم.

بيد الحاكم المطلق.(1)

و دعوى ان المراد بالعلماء هم الأئمة،غريبة،يدفعها صدر الخبر الوارد في ثواب طلب العلم،مع انه بهذا المضمون روايات صريحة في ارادة غير الأئمة الهداة صلوات اللّه عليهم،مثل ما في البحار:و قال امير المؤمنين صلوات اللّه عليه لولده محمد:تفقه في الدين،فان الفقهاء ورثة الأنبياء(2).

و في المقام روايات اخر قريبة المضمون مع ما تقدم،تظهر كيفية الإستدلال بها مما تقدم،فلا وجه لتطويل الكلام بذكر كل واحد منها(3).

ص:270


1- (1) -هذه الرواية تامة سندا الا انه يرد على الاستدلال بما ان ثبوت الحكومة و الولاية المطلقة لجميع الانبياء غير معلوم فانما الثابت بالدليل ولاية بعض منهم هذا اولا و ثانيا ان القول بثبوت شئون النبى للعلماء يستلزم وجوب اتباعهم فى اوامرهم الشخصية ايضا و لا يلتزم به احد و ثالثا علم من ذيل الرواية ان ميراث الانبياء هو العلم فالعلماء يرثون علمهم و اما كونهم وارثين للولاية فلا يستفاد منها.
2- (2) -ج 1-ص 216 الطبع الحديث.
3- (3) -منها:ما نقل فى المستدرك عن التحرير حيث ذكر العلامة فيه مرسلا: علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل. و يمكن الاستدلال بعموم التشبيه فى الرواية بان يقال: انه يستفاد منها كونهم كانبياء بنى اسرائيل فى جميع الشئون و المناصب حتى-

ص:271

العالم المختلف ابواب الحكام آفة الدين

و قد تضمنت الأخبار ذم العلماء الذين يختلفون ابواب الحكام و لا يحترزون عن مخالطتهم،لاحظ خبر السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا،قيل:يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا؟قال صلّى اللّه عليه و آله:اتباع السلطان،فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.(1)

و النبوي:العلماء امناء الرسل على عباد اللّه عز و جل ما لم يخالطوا السلطان،فاذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم و اعتزلوهم(2)

و النبوي:شرار العلماء الذين ياتون الأمراء،و خيار الأمراء الذين

ص:272


1- (1) -اصول الكافي ج 1 ص 46 باب المستاكل بعلمه.
2- (2) -المحجة البيضاء ج 1 ص 144.

ياتون العلماء.(1)

و الخبر قال عليه السّلام:العلماء احباء اللّه ما امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لم يميلوا في الدنيا و لم يختلفوا ابواب السلاطين،فاذا رأيتهم مالوا الى الدنيا و اختلفوا ابواب السلاطين فلا تحملوا عنهم العلم و لا تصلّوا خلفهم،و لا تعودوا مرضاهم،و لا تشيعوا جنائزهم،فانهم آفة الدين،و فساد الإسلام،يفسدون الدين كما يفسد الخل العسل.(2) الى غير ذلك من الأخبار.

و الظاهر ان منشأ هذه التشديدات العظيمة و السر فيها و جهان:

احدهما:ان العالم جعل متبوعا و حاكما و مخدوما،فاذا صار تابعا و خادما و محكوما كان ذلك انعكاسا على ام الرأس،و مثله هو الذى يقوم فى العرض الأكبر مع المجرمين ناكسى رؤوسهم عند ربهم.

الثانى:ان السلطان و الملك قد غصب حق المجتهد و تصدى للحكومة،فاختلاف بابه تقرير لظلمه و تعديه فلا يجوز.

و بذلك يظهر الوجه لما فى روايات كثيرة فى ذم السلاطين و النهى عن اختلاف ابوابهم و الأمر بالهرب منهم.و فى المقام مطالب هامة يعجبنى التعرض لها و للإخبار الواردة عن ائمة الدين فيها،و لكن

ص:273


1- (1) -المحجة البيضاء ج 1 ص 144-و اخرجه ابن عبد البر في العلم بلفظ آخر على نقل و بلفظه نقله الشهيد في المنية.
2- (2) -خراجية الفاضل القطيفى.

الظروف لا تساعد،و الى اللّه المشتكى.

فالمتحصل مما ذكرناه:انه لا ينبغى التوقف فى ان تشكيل الحكومة وظيفة المجتهد الجامع للشرائط.

ص:274

مزاحمة احد المجتهدين للآخر

بقى الكلام فى انه هل يجوز لآحاد المجتهدين مزاحمة الآخرين ام لا؟

و تنقيح القول فى ذلك:انه تارة:يتصدى احدهم للرئاسة و الحكومة،و اخرى:لم يستقر له الأمر و يريد التصدى لها.

اما فى الصورة الأولى:فلا اشكال فى عدم جواز المزاحمة ان كان المتصدى اهلا لذلك،اذ مضافا الى ان المزاحمة موجبة لتضعيف الحكومة الإسلامية-و هو بديهى الحرمة-يشهد لعدم جوازها قوله عليه السّلام فى مقبولة ابن حنظلة المتقدمة:فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم اللّه و علينا رد،و الراد علينا الراد على اللّه،و هو على حد الشرك باللّه(1).

فان تصدى المجتهد حينئذ كتصدى الإمام عليه السّلام،فمزاحمة الثانى اياه كمزاحمته للإمام،و هى مستلزمة للرد عليه و هو رد على الإمام فلا يجوز.اضف الى ذلك انه يلزم اختلال نظام مصالح المسلمين العامة، و هو غير جائز قطعا،مع ان الأدلة انما تدل على جعل هذا المنصب للمجتهد مع عدم المتصدى له،ففى فرض التصدى لا دليل على ثبوته لأحد.

و الى هذا نظر المحقق النائينى ره،حيث قال:ان الفقيه ولى من لا

ص:275


1- (1) -الوسائل-باب 11-من ابواب صفات القاضى حديث 1.

ولى له،فاذا تحقق الولى فلا ولاية لاخر كما هو مفاد المشهورة (السلطان ولى من لا ولى له)كما ان الظاهر الى هذا نظر من قال ان دليل الولاية ان لم يكن لفظيا فالمتيقن منه انما هو ثبوت الولاية مع عدم تصدى احد،و الا فيرجع الى الأصل و هو يقتضى عدم الولاية و ان كان لفظيا،فاطلاقه غير مسوق للبيان من هذه الجهة،فعند الشك لا بد من الرجوع الى الأصل المتقدم.

و اما فى الصورة الثانية:فان قلنا باعتبار الأعلمية-كما يشهد به ما رواه فى البحار عن كتاب الإختصاص قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من تعلّم علما ليمارى به السفهاء او ليباهى به العلماء او يصرف به الناس الى نفسه يقول انا رئيسكم فليتبوء مقعده من النار،ان الرئاسة لا تصلح الاّ لأهلها،فمن دعى الناس الى نفسه و فيهم من هو اعلم منه لم ينظر اللّه اليه يوم القيامة(1).

فلا اشكال فى عدم جواز المزاحمة،و الا فالأظهر جواز المزاحمة، بمعنى ترتيب المقدمات،و التوسل بكل امر جائز فى نفسه للوصول الى ذلك المقام السامى،بل لو كان يرى نفسه احق و ابصر بالأمور و انه لو تصدى لذلك كان يخدم الإسلام و المسلمين احسن مما لو تصدى الآخر يجب عليه ذلك،و اللّه العالم.

ص:276


1- (1) -البحار ج 2-ص 110 من الطبع الحديث.

عدم اولوية الفقيه بالتصرف فى الأموال و الأنفس

فالمتحصل مما اسلفناه:ثبوت منصب الفتوى و القضاوة و ما يتبع هذا المنصب،و الحكومة المطلقة للفقيه،و عليه فكل امر يرجع فيه كل قوم الى رئيسهم يرجع المسلمون فيه الى الفقيه،كما انه المرجع فى كل امر يكون بيد القضاة كما مر،و اما غير تلك من ما ثبت للإمام عليه السّلام من اولويته بالتصرف فى الأموال و الأنفس،و لزوم اطاعته فى اوامره الشخصية العرفية،و ولايته التكوينية،فالظاهر عدم ثبوت شىء منها للفقيه بما هو فقيه لإختصاص ادلتها بالإمام عليه السّلام.

قال الشيخ قده:فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف فلا دليل على وجوب الدفع...الخ.

و قد التزم هو قده فى كتاب الزكاة بوجوب الدفع اليه ان طالب.

و استدل له:بان منعه رد عليه و الراد عليه راد على اللّه تعالى كما فى مقبولة ابن حنظلة(1) و بقوله عليه السّلام فى التوقيع الشريف:اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم و انا حجة اللّه(2).

ص:277


1- (1) -الوسائل باب 11-من ابواب صفات القاضى حديث 1.
2- (2) -الوسائل باب 11-من ابواب صفات القاضى حديث 9.

و لكن قد مر ان الخبرين انما يدلان على ان الحكومة و القضاوة للفقيه و لا يدلان على ثبوت شىء آخر كوجوب الإطاعة،و حيث إن ذلك ليس شأنان من شؤون احد المنصبين.و بعبارة اخرى:ليس مما يرجع فيه العرف الى الرئيس او القاضى،فلا وجه لوجوب الرد اليه،و ما فى المقبولة انما هو كون عدم قبول ما حكم به بحكمهم ردا على الإمام لا ان مطلق الرد رد عليه.

نعم اذا فرضنا صيرورة المجتهد حاكما و سلطانا فطلب الزكاة او الخمس لصرفها فى المصالح العامة و الفقراء وجب الدفع اليه،لإن ذلك من حيثيات الحكومة و شؤونها و لذا كان دأب النبى صلّى اللّه عليه و آله و الوصى عليه السّلام فى زمان حكومتهما مطالبة الزكاة و الأخذ من المانعين جبرا.

و بما حققناه يظهر الضابط فيما للفقيه تصديه و ما ليس له ذلك، فتدبر حتى لا يشتبه عليك الأمر.

ص:278

ضابط التصرفات المتوقف جوازها على اذن الفقيه

بقى الكلام فى توقف تصرّف الغير على اذنه.

و ملخص القول فى المقام:ان ما ثبت كونه معروفا اذا علم كونه وظيفة شخص خاص،كنظر الأب فى مال ولده الصغير،او صنف خاص كالقضاوة،او علم عدم اشتراطه بنظر شخص آخر كالأمر بالمعروف،فلا كلام.

و ان احتمل ان يكون فى وجوده او وجوبه منوطا بنظر شخص خاص،فان كان لدليل ذلك المعروف عموم او اطلاق من هذه الجهة تنفى الإناطة به حتى و ان ثبت كونه منوطا بنظر شخص الإمام عليه السّلام فى زمان حضوره،اذ المتيقن من دليل القيد هو دخل نظر الإمام فى زمان الحضور،فمع عدم التمكن من الإستئذان منه يكون الإطلاق هو المحكم،و لا وجه للتمسك بعموم ادلة النيابة لعدم الدليل على نيابة الفقيه فيما ثبت للامام عليه السّلام بما هو امام.

نعم ما ثبت له بعنوان انه قاض او حاكم و رئيس يثبت للفقيه لما مر من ثبوت هذين المنصبين للفقيه،و عليه فكل امر مطلوب يرجع فيه كل قوم الى رئيسهم يرجع فيه الى الفقيه،و لعله يكون من هذا الباب الجهاد مع الكفار،و تمام الكلام فيه فى كتاب الجهاد.

ص:279

و ان لم يكن لدليل معروفيته اطلاق او عموم،فان لم يحرز اصل المطلوبية فى زمان الغيبة من جهة احتمال دخل نظر الإمام عليه السّلام فيها، فان ثبت كون دخل نظره(عليه السلام)بما انه رئيس و حاكم يحكم بانه مطلوب مع اذن الفقيه،و انه لا بد فيه من الرجوع اليه لما مر من عموم دليل ولايته بهذا المعنى،و ان احتمل دخل نظر شخص الإمام عليه السّلام فيه سقطت مطلوبيته،كان ذلك من قبيل المعاملات او العبادات للأصل.

و ان احرز ارادة وجوده فى الخارج و علم وجوبه كفاية مع تعذر الإستئذان بان يكون اعتبار اذنه ساقطا عند التعذر،لا كلام فى ان للفقيه التصدى له،لأنه اما يعتبر اذنه او هو كغيره ممن يجب عليه كفاية،و اما غير الفقيه فان كان التصرف تصرفا معامليا فالأصل عدم نفوذه الا باذن الفقيه،و ان كان غير معاملى فان استلزم ذلك التصرف فى مال الغير او نفسه لم يجز لعموم ما دل على حرمة التصرف فى مال الغير او نفسه(1) و الا كما فى الصلاة على الميت جاز التصدى له بدون اذنه بناءا على جريان البراءة عند الدوران بين الأقل و الأكثر كما لا يخفى.

و بذلك يظهر عدم تمامية ما افاده الشيخ ره من اطلاق عدم

ص:280


1- (1) -الوسائل باب 3-من ابواب مكان المصلى حديث 1-3 و باب 1-من ابواب القصاص فى النفس حديث 3.

المشروعية،كما انه ظهر ما فى اطلاق المحقق الخراسانى من الجواز فى غير المعاملات.

فان قيل بناءا على ما ذكر من انه لو كان عموم او اطلاق لدليل ذلك المعروف لم يكن اذن الفقيه معتبرا لا بد من البناء على عدم اعتبار اذن الفقيه فى شىء من الموارد لعموم ما دل على ان كل معروف صدقة(1) من النصوص،توجه عليه ان تلك النصوص من جهة اخذ مشروعية الفعل فى موضعها-لأن المعروف هو ما عرّفه الشارع و رغّب اليه و حث عليه-لا سبيل الى التمسك بها،لأنه مع احتمال اعتبار اذنه لم يحرز كونه معروفا بدون اذن الفقيه،فلا يتمسك به.

فالأظهر هو اعتبار اذن الفقيه فى التصرفات المعاملية و ما استلزم التصرف فى مال الغير او نفسه.

و قد اشتهر فى الألسن و تداول فى بعض الكتب رواية(2):ان السلطان ولى من لا ولى له.

و اختلف كلمات القوم فى المراد من السلطان،فعن جماعه:ان المراد به الإمام(عليه السلام)،و هو الظاهر من صدر عبارة الشيخ ره

ص:281


1- (1) -الوسائل-باب 41 من ابواب الصدقة من كتاب الزكاة.
2- (2) -التذكرة ج 2 ص 592-رواه ابو داود فى محكى سننه ج 1 ص 481-و ابن ماجة تحت رقم 1879-و احمد فى مسنده ج 6 ص 47-و فى عوائد النراقى عائدة 54 انه مروى فى كتب الخاصة و العامة.

فى المقام،و عن اخرين كالعلامة فى التذكرة و غيره:ان المراد به ما يعم الفقيه المامون القائم بشرائط الإقتداء و الحكم،و هو الظاهر من عبارة الشيخ ره الأخيرة.

و الأظهر هو الثانى،فان السلطان من له السلطنة على غيره و الإمام عليه السّلام و ان كان مصداقه الكامل الا ان للفقيه ايضا السلطنة على غيره،و هو الحاكم المنفذ الحكم كما مر،فمقتضى اطلاق الخبر هو جعل الولاية له ايضا(1)

و تقريب الإستدلال به:انه يدل على ثبوت الولاية على من لاولى له،و من شانه ان يكون له ولى لمن له السلطنة،و لازم جعل الولاية هو جواز كل تصرف متعلق به او بما له كان جائزا له لو كان مالكا لأمره،فيجوز للحاكم الشرعى ان يزوج المجنون الذى لا ولى له،و ان يزوج المجنونة.

فان قيل:انه ضعيف السند للإرسال.

قلنا:ان صاحب الجواهر ره فى كتاب النكاح قال:ان هذه القاعدة استغنت عن الجابر فى خصوص الموارد نحو غيرها من القواعد،و

ص:282


1- (1) -و فيه ان المراد بالسلطان هو السلطان بحق كما هو فرض الشارع السلطنة لشخص فينحصر مدلول الرواية بولاية الامام و استفادة ولاية الفقيه يحتاج الى عموم ادلة النيابة و لا عموم فيها و انه لم يثبت ولايته فى غير الافتاء و القضاء و غير الامور المعبر عنها بالامور الحسبية.

الظاهر انه كذلك،فان الفقهاء فى باب النكاح يصرّحون بان احد الأولياء السلطان،و الظاهر ان هذا التعبير منهم من باب تبعية هذا النص،فلا اشكال فى الخبر سندا و دلالة.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطيّبين الطّاهرين

ص:283

ص:284

كتب للمؤلف

1-فارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول معدّة للطبع

2-تقريرات فى الفقه(كتاب البيع)مخطوط

3-تقريرات فى الفقه(كتاب الحج)مخطوط

4-تقريرات فى الفقه(كتاب الخمس)مخطوط

5-تقريرات فى الاصول(دورة كاملة)مخطوط

6-رسالة فى الاجتهاد و التقليد طبع فى هذا الجزء

7-رسالة فى قاعدة لا ضرر طبع فى هذا الجزء

8-رسالة فى ولاية الفقيه طبع فى هذا الجزء

9-رسالة فى الجبر و الاختيار معدة للطبع

10-رسالة فى الشهادة الثالثة مخطوط

11-تعليقة استدلالية على منهاج الفقاهة لسيدنا الاستاذ دام ظله مخطوط

12-رسالة فى الحكومة و الورود مخطوط

13-الاشباه و النظائر فى الفقه مخطوط

14-حاشية على معالم الاصول مخطوط

ص:285

الفهرس

مقدمه 7

الاجتهاد لغة 9

الاجتهاد المطلق و التجزى 36

التجزى فى الاجتهاد 46

الكلام فى ما يتوقف عليه الاجتهاد 54

الكلام فى التخطئة و التصويب 61

الكلام فى اضمحلال الاجتهاد السابق 68

تفصيل صاحب الفصول فى المسئلة 71

الكلام فى التقليد 75

الكلام فى تقليد الاعلم 101

ادلة جواز تقليد المفضول 103

الكلام فى اشتراط الحياة فى المقلّد 115

ص:286

مقدمه 129

قاعده لا ضرر 131

بيان مدرك القاعدة 132

سند الحديث 137

متن الحديث 139

موقع صدور الحديث 144

مفاد الحديث و معنى مفرداته 154

مفاد الجملة بلحاظ تصدرها بكلمة لا 162

تطبيق حديث لا ضرر على قضية سمرة 184

هل القاعدة موهونة بكثرة التخصيصات 188

بيان وجه تقديم القاعدة على ادلة الاحكام 193

تعارض قاعدة لا ضرر،مع قاعدة نفى الحرج 202

لو دار الامر بين حكمين ضرريين بالنسبة الى شخص واحد 208

لو دار الامر بين حكمين ضرريين بالنسبة الى شخصين 210

لو دار الامر بين ضرر نفسه و ضرر غيره 215

اذا كان الضرر متوجها الى نفسه 216

لو كان الضرر متوجها الى الغير 217

ص:287

مقدمه 225

ثبوت الولاية التكوينية للمعصومين(ع)227

ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة للحجة(ع)235

ولاية التصرف فى الأموال و الأنفس 243

وجوب اطاعة المعصوم(ع)248

اشتراط تصرف الغير باذنهم 251

ولاية الحاكم الشرعى 253

تشكيل الحكومة من وظائف المجتهد 256

العالم المختلف ابواب الحكام آفة الدين 271

مزاحمة احد المجتهدين للآخر 274

عدم اولوية الفقيه بالتصرف فى الأموال و الأنفس 276

ضابط التصرفات المتوقف جوازها على اذن الفقيه 278

ص:288

ص:289

كتب للمؤلف

1-فارعة الاصول فى شرح كفاية الاصول معدّة للطبع

2-تقريرات فى الفقه(كتاب البيع)مخطوط

3-تقريرات فى الفقه(كتاب الحج)مخطوط

4-تقريرات فى الفقه(كتاب الخمس)مخطوط

5-تقريرات فى الاصول(دورة كاملة)مخطوط

6-رسالة فى الاجتهاد و التقليد طبع فى هذا الجزء

7-رسالة فى قاعدة لا ضرر طبع فى هذا الجزء

8-رسالة فى ولاية الفقيه طبع فى هذا الجزء

9-رسالة فى الجبر و الاختيار معدة للطبع

10-رسالة فى الشهادة الثالثة مخطوط

11-تعليقة استدلالية على منهاج الفقاهة لسيدنا الاستاذ دام ظله مخطوط

12-رسالة فى الحكومة و الورود مخطوط

13-الاشباه و النظائر فى الفقه مخطوط

14-حاشية على معالم الاصول مخطوط

ص:290

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.