سرشناسه:امامی الاهوازی، مصطفی، 1367-
عنوان و نام پديدآور:مجالس منبریه: محاضرات و نواعی لایام الفاطمیه و شهادات الائمه (ع) و مجالس وفیات المؤمنین/ مصطفی الامامی الاهوازی.
مشخصات نشر:قم: دارالتهذیب، 1399.
مشخصات ظاهری:282 ص.
شابک:دوره 978-622-96292-9-1 : ؛ 978-622-97793-1-6
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:چاپ قبلی: حکمت فراز، 1398.
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
موضوع:روضه خوانی
موضوع:*Rowdah-Khani (Commemoration of the martyrs of Karbala)
موضوع:چهارده معصوم -- مراثی
موضوع:*Fourteen Innocents of Shiite -- Elegies
موضوع:مدیحه و مدیحه سرایی اهل بیت (ع)
موضوع:*Laudatory poetry of Ahli-beyt
رده بندی کنگره:BP260/4
رده بندی دیویی:297/742
شماره کتابشناسی ملی:7436387
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
مجالس منبریة
محاضرات و نواعي لأیام الفاطمیة و شهادات الأئمة علیه السلام و مجالس وفيات المؤمنين
المؤلف: مصطفی الإمامي الأهوازي
الناشر: دار التهذیب
شابک (IS(علیها السلام)N): 978-622-97793-1-6
شابک الدورة : 978-622-96292-9-1
الطبعة: الأولی، سنة 1399 ه- ش، 1442ه- ق.
جمیع الحقوق محفوظة للمؤلف
کلیه حقوق انحصارا برای مؤلف محفوظ است.
یمکنک التواصل مع المؤلف (شماره تماس مؤلف):
00989169863406
1366h6@gmail.com
ص: 2
ص: 3
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حمدا يقتضى رضاه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرین.
اما بعد: فیقول الفقير الى رحمة ربه الکريم "مصطفی الإمامي الأهوازي" عفى الله عن خطایاه و حشره مع الائمة الطاهرين علیه السلام کتبت مجموعة کُتب اسمیتها "مجالس منبریة" و هي في المجالس الدینیة التی تمر علی طول السنة و یحتاج الیه المبلغ الدیني و الخطیب الحسیني و هی مرتبة علی اساس الترتیب الرائج بین الخطباء و فیها: مجالس وفیات المؤمنین و مجالس لشهر رمضان من أول الشهر الی أخره و مجالس حسینیة للأیام العشرة الأولی من شهر محرم الحرام و مجالس أیام الفاطمیة و مجالس شهادات اهل البیت علیه السلام مع ذکر فضائلهم و نواعیهم فی اخر کل مجلس.
و اجتهدت و اتعبت نفسی ان تکون اکثر القصائد و النواعی التي نقلتها مقروءة بواسطة احد الخطباء المعروفین کالسید محمد الصافي و الشیخ زمان الحسناوي و غیرهم من خیرة خطبائنا، حتی لا یتعب الخطیب المبتدئ نفسه باجراء الأطوار علیها و سیحصل علی طور القصیدة فی هذا الکتاب بمجرد بحث مستهل القصیدة او الأبیات الأولی في الإنترنت فیجد أحد الخطباء قد قرأها سابقا و یستمع الیها و یحفظها و ثم یجریها، لأني نقلت القصائد المعروفة المقروءة علی لسانهم.
و هذا المجلد فيه: المجالس التي تخص وفيات المؤمنين و مجالس تأبینهم المعروفة بمجالس الفاتحة، و محاضرات و نواعي تخص الأیام الفاطمیة و شهادات الأئمة علیه السلام و ختمته ببعض الفوائد التی تنفع الخطیب الحسیني و المبلِّغ الدیني کخطبة الزواج و صلاة المیت و تلقینه و بعض الأعمال و الادعیة التی یحتاج الیها.
ص: 4
ص: 5
صلى الله عليک يا سيدي ومولاي يا رسول الله. صلى الله عليک وعلى الک المظلومين. لعن الله الظالمين لکم من الأولين والاخرين إلى قيام يوم الدين. صلى الله عليک يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساکبة ويا عبرة کل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتک لک الفدا. يا شهيد کربلاء ويا قتيل العدا ومسلوب العمامة والردا. ما خاب من تمسک بکم وأمن من لجأ إليکم يا ليتنا کنا معکم سادتي فنفوز والله فوزا عظيما.
اذا انت فارقت الذين تحبهم*فذاک لمحتوم الفناء دليل(1)
يود الفتى ان لا يموت خليله*وليس الى ما يبتغيه سبيل
فلا عيش يهنى بعد فقد احبتي*وان بکائي بعدهم لطويل
لکل اجتماع من خليلين فرقة*وکل الذي دون الممات قليل(2)
**
صخر یطحن زمانی ابغیر راحات*او الدنیا ما وراه بعد راحات(3)
اشکثر خوان عنا ابساع راحات*او حسافه ادیارهم ضلت خلیه
گلی ابیا سبب خویه وداعی*اودعنک ولا تسمع وداعی
خویه انه الما طالب ابحگی و لا اداعی*اتگلی اوداعت الله او های هیه
هم اتعود و اتشوفک اعیونی
خویه اهنا یمن طریت گلبی
اجینا البچانک مالگیناک*اشتهینه یخویه نگعد اویاک
شتفید ضلتنه بلایاک
شیعودنه او نگعد سویه
المن تهلن یا عیونی
علی شوفتک عودت عینی*و اتروح خویه او ماتجینی
انه علی افراگکم زاید ونینی
شالو احبابک یه گلبی
هیهات الملاگه بعد هیهات
ص: 1
وصلنه المگبره و تفارگینه*دفن الاخو او عنه مشینه
تری یمک نضل لو یحصل بدینه
فَیّک یل اخو ما مثله افیای*اشمحلاه من ایسولف اویای
یطیب الگلب لو چان بهدای
اعیان للاخو ماهو اب مچانه*علی الفرگه الاخو ماعودانه
وین نلگاه یل الماکو ابحنانه
ذوله اولاد ترد حسبالهم ضلوا یتانونک*کسرت اگلوبهم من غمضت اعیونک
(قُوا أَنْفُسَکمْ وَ أَهْلِيکمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ)(1)
اجتمعنا في هذه المناسبة لهذا المنتقل إلى رحمة الله، غفر الله له ورحمه ورفع درجاته وتجاوز عن جميع سيئاته وبدلها إلى حسنات، وتحمل عنا وعنه التبعات وجمعنا به في أعلى الجنة، وأنزل السکينة على أهله وعلى ذويه فلهم التعزية ولنا التعزية معهم. اللهم اغفر له وارحمه وعظم أجرهم وأکرم نزله عندک واغفر لميتهم واخلفه بخلف خير في أهله وفي أقاربه وفي أهل بلده وفي المؤمنین أهل لا إله إلا الله و محمد رسول الله و علیا ولی الله، اغفر له يا خير الغافرين وارحمه يا أرحم الراحمين، واجعلها ليالي فوز عنده يفوز فيها بمغفرتک يفوز فيها برضوانک يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإکرام.
والطريقة التي علیها اهلنا، انه إذا مات الميت فيهم اجتمعوا على ذکر اهل البیت علیه السلام ، اجتمعوا على الصلاة على محمد و اله صلی الله علیه و آله، اجتمعوا على تلاوة کتاب الله.
فأول ما ينتفع هم الأحياء قبل الميت إذ يجتمعون على الذکر. اذکروا الموت یا إخواني کلنا نفارق هذه الدنیا عاجلا ام اجلا وقد قيل: من أکثر ذکر الموت أکرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترک الرضا بالکفاف، والتکاسل بالعبادة. واعلموا أن تذکر الموت لا يعني کثرة الحزن وطول النحيب مع الإقامة على التفريط، إن تذکرنا للموت يجب أن يقترن بخوفنا من سوء
الخاتمة.
و علی المومن ان یسلم لقضاء الله و قدر و یکون راضیا بما انزله الله
ص: 2
علیه من مصاب و فقد الاحبة ینقل في التاریخ إنه کان في بني إسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد، وکانت له ولد، وکان به معجبا، فمات، حزن عليه شديدا، حتى خلا في بيت، وأغلق على نفسه، واحتجب عن الناس، فلم يکن يدخل عليه أحد، ثم إن امرأة من بني إسرائيل سمعت به فجاءته، فقالت: إن لي إليه و قالت عندی سوال أستفتيک فيه، فذهب الناس، ولزمت الباب فأخبر، فأذن لها؟ فقالت: أستفتيک في أمر، قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي ملابسا و حليا، فکنت ألبسه وأعيره زمانا، ثم إنهم طلبوه منی ان ارجعه، أفأرده إليهم؟ قال: نعم والله، قالت: إنه قد مکث عندي زمانا؟ فقال: ذلک أحق لردک إياه، فقالت له: يرحمک الله، أفتأسف على ما أعارک الله ثم أخذه منک، وهو أحق به منک؟ فأبصر ما کان فيه، ونفعه الله بقولها.
اما تفسیر الآیة التی تلونها علیک (قُوا أَنْفُسَکمْ) أي احرسوا و امنعوا أنفسکم و أهليکم النار بالصبر على الطاعات و عن المعاصی (الوقود) ما توقد به النار هو المادة القابلة للاشتعال مثل (الحطب) و هو بمعنى المعطي لشرارة النار کالکبريت مثلا و بناء على هذا فإن نار جهنم ليس کنيران هذا العالم، لأنّها تشتعل من داخل البشر أنفسهم و من داخل الصخور (النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ) بجعلهما نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب، و المراد بالناس: الکفار، و بالحجارة: الأصنام التي تعبد.
و قد اتضح في هذا العصر أن الصخور تحتوي على مليارات المليارات من الذرات التي إذا ما تحررت الطاقة الکافية فيها فسينتج عن ذلک نار هائلة يصعب على الإنسان تصورها.
روی أبي بصير سئل الإمام الصادق علیه السلام عن تفسیر قول الله عزوجل: (قُوا أَنْفُسَکمْ وَ أَهْلِيکمْ ناراً) کيف نقي أهلنا؟ قال علیه السلام :(1)
«تأمرونهم و تنهونهم.»(2) قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت
ص: 3
من الليل فصلت و أيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»(1).
وعن الإمام علي علیه السلام قال في تفسیر هذه الآیة:(2)
«علموا أنفسکم وأهليکم الخير، وأدبوهم» و في حدیث اخر عنه (ع):(3) «علموهم ما ينجون به من النار» فالاية نداء لأهل الإيمان بأن يعملوا جاهدين لإبعاد أنفسهم وأهليهم من النار، لذلک فإن مهمة تربية الأولاد عظيمة يجب على الاباء والأمهات أن يحسبوا لها حسابا، ويعدوا العدة للقيام بحقها. خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن، واشتدت غربة الدين، وکثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده کراعي الغنم في أرض السباع الضارية، إن غفل عنها ساعة. أکلتها الذئاب، فهکذا الاباء والأمهات إن غفلوا عن أولادهم ساعة. تاهوا في طرق الفساد.
عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال:(4) «إن الله سائل کل راع عما استرعاه: أحفظ ذلک أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل على أهل بيته» وفي رواية عنه صلی الله علیه و آله:(5)
«کلکم راع و کلکم مسئول عن رعيته فالإمام راع و هو المسئول عن رعيته و الرجل في أهله راع و هو مسئول عن رعيته و المرأة في بيت زوجها راعية و هي مسئولة عن رعيتها و الخادم في مال سيده راع و هو مسئول عن رعيته و الرجل في مال أبيه راع و هو مسئول عن رعيته و کلکم راع و کلکم مسئول عن رعيته».
فأنت أيها الأب.. وأنت أيتها الأم.. سوف تسألون. فليعد کل منکم للسؤال جوابا، فکل من وهبه الله نعمة الذرية وجب عليه أن يؤدي أمانتها بأن ينشئ أبناءه ويربيهم تربية إسلامية، وأن يتعهدهم منذ نعومة أظفارهم.
إن الطفل الناشئ کالعجينة اللينة في يد صانعها يشکلها کيفما أراد، أو
ص: 4
کالصحيفة البيضاء قابلة لکل ما يکتب فيها أو ينقش عليها ومن هنا يجب على الوالدين أن يکونا حريصين على ما يصدر منهما أمام أولادهما، فلا يتحدثان إلا بالصدق، ولا ينطقان إلا بالحق، ولا يتعاملان معهما إلا بالرحمة والشفقة والرفق، وأن يبينا لأولادهما الخطأ والصواب.
ففتى اليوم سوف يصبح أبا غدا، وفتاة اليوم سوف تکون أما في المستقبل، ولا بد من إعداد کل منهما إعدادا طيبا.
ليکونوا لبنات صالحات في بناء صرح المجتمع الدیني فعلى الوالدين أن يقوما بتنفيذ المنهج التربوي الذي رسمه الإسلام، وإنما يکون ذلک عن طريق مراقبة سلوک الأبناء، واختيار أصدقائهم حتى لا يختلطوا بذوي الأخلاق الفاسدة والعادات القبيحة، فإن الأولاد إذا عودوا الخير في صغرهم.
نشئوا عليه وسعدوا به في الدنيا والاخرة، وکان لوالديهم الأجر العظيم والثواب الجزيل من العالمين، وإن نشئوا على الشر ودرجوا عليه. شقوا وهلکوا، وکان الوزر والإثم معلقا برقبة أولياء أمورهم، والقائمين على تربيتهم إذا هم قصروا في هذا الواجب، فعلى المؤمن أن يقي نفسه وأهله من عذاب الله قبل أن تضيع الفرصة، ولا ينفع الاعتذار.
وينبغي علينا أن نربي أولادنا على معرفة الله ووحدانيته، وحبه وطاعته، وحب رسول الله صلی الله علیه و آله و اهل بیته علیهم السلام وأتباعهم والاقتداء بهم، ونعلمهم الصلاة، وندربهم على الصيام والجود، والعفو والحلم والشجاعة، ونخوفهم من السرقة والخيانة، والکذب والغيبة والنميمة، والفحش في الکلام وأکل الحرام، فإن قلب الطفل جوهرة نفيسة قابلة للخير والشر، وأبواه هما اللذان يميلان به إلى أحد الجانبين، فعن رسول الله صلی الله علیه و آله:(1)
«ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» هذا و اهل البیت علیهم السلام کانوا یذکرون الناس بالاخرة و یاخذون کل حادث وقع امامهم و یستذکرون به الجنة و النار روی انه الإمام الصادق علیه السلام اذا وضعوا بین یده ادام و اکله حارة قال اعوذ بالله من نار جهنم.
«یقول احد الروات کنا في العشاء عند الصادق علیه السلام في الصيف فاتي
ص: 5
بالعشاء و کان الخبز و ظرف فیه مرق و لحم یفور فوضع الإمام يده فيها فوجدها حارة ثم رفعها و هو يقول: نستجير بالله من النار، نعوذ بالله من النار، نحن لا نقوى على هذا فکيف النار(1)، و جعل يکرر هذا الکلام حتى بردة فوضع يده فيها و وضعنا أيدينا.
ثم رفعت المائدة فقال علیه السلام : يا غلام ائتنا بشي ء فاتي بتمر في طبق فمددت يدي فاذا هو تمر، فقلت: أصلحک الله هذا زمان الأعناب و الفاکهة؟ قال: إنه تمر، ثم قال (ع): ارفع هذا و ائتنا بشي ء(2) فاتي بتمر فمددت يدي فقلت: هذا تمر؟ فقال: إنه طيب(3)»(4)
.
قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(5)«أول
ثلاثة يدخلون الجنة الشهيد و عبد مملوک لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه(6)
و فقير مستعفف و أول ثلاثة يدخلون النار أمير متسلط و ذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله فيه و فقير فجور» و بعض الذنوب تبقی اثرها علی الانسان الی یوم القیامة فمثلا روی في التاریخ انه ابن ملجم قال علی ابن ابی طالب یعذب الی یوم القیامة.
یقول احد الرواة: کنت أجول في بعض الفلوات إذ أبصرت الصومعة فیها راهب فناديته: يا راهب حدثني بأعجب ما رأيت في هذا الموضع. فقال: نعم بينا أنا ذات يوم إذ رأيت طائرا أبيض مثل النعامة کبيرا قد وقع على تلک الصخرة فتقايا رأسا ثم رجلا ثم ساقا. وإذا هو کلما تقايا عضوا من تلک الأعضاء التأمت بعضها إلى بعض أسرع من البرق الخاطف بقدرة الله عزوجل حتى استوى رجلا جالسا بقدرة الله، فإذا هم بالنهوض نقره الطائر نقرة قطعه أعضاء ثم يرجع فيبتلعه فلم يزل على ذلک أياما فالتفت إليه يوما فقلت: يا أيها الطائر سألتک بحق الله اخبرني بقصته، فأجاب الطائر بصوت عربي: أنا ملک من ملائکة الله
ص: 6
موکل بهذا الجسد لما أجرم. سئلت الرجل من أنت؟ قال: أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي وإني لما قتلته أمر الله هذا الملک بعذابي إلى يوم القيامة.»(1)
بعد ان دخل الإمام زین العابدین علیه السلام وعماته وأخواته إلى کربلاء قال الراوي وانکبت فاطمة بنت الحسين علیه السلام على قبر أبيها، وأقامت الرباب على قبره، وأما أم کلثوم فقد نادت برفيع صوتها: اليوم مات جدي المصطفى، اليوم مات أبي المرتضى، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء ثم صاحت سکينة: وا محمداه، وا جداه، يعز عليک ما فعلوا بأهل بيتک، ما بين مسلوب وجريح، ومسجون وذبيح، وا حزناه، وا أسفاه و ما هو حال زینب علیه السلام (و سکینة) حینما وصلت لقبر الحسین:
محله الابو(2)
او محله حچایاه*او یه محله الابو او گاعد اویاه
بلانی زمانی او زاد بلواه
بویه علینه حظم و المن نخبره*ابو گلب الحنین انقلگ گبره
بات العبره بگلوبنه بات المحنه*من شلت یل کلک محنه
حزینه علیک ادیار اهلنه
زین العابدین ایخاف علی عمته ایگومها ایگلها عمه هذا اتراب:
اتگله عمه خلینی اگعد وین ماچان*الراحوا یعمه کلهم احنان
ما مره علینه من ازمان یاعمه*کلهم علینا اعزاز اهلنه
یا ثوب الحزن مالایگ النه*بعد الگلب ماشبع منه
ما حال بنات رسول الله صلی الله علیه و آله لما دخلن إلى المدينة وتذکرن ذلک العز الذي خرجن به يوم خروج الحسين علیه السلام منها أما أم کلثوم فجعلت تبکي وتقول:
مَدِينَةَ جَدِّنا لا تَقْبَلِينا*فَبِالحَسَراتِ وَالأَحْزانِ جِينا
خَرَجْنا مِنْک بِالأَهْلِينَ جَمْعاً*رَجَعْنا لا رِجالَ وَلا بَنِينا
زینب لما رجعت للمدینه و شافت دار ابی عبدالله و کانت ملیئة بالرجال: العباس و علی الکبر و کلهم سادة الرجال و اذا تفتح الدار ما بیه الا اللعیلة اذا تدخل الدار او مابیه راعیها بعد بیها طعم، دخلت زینب و بنات الحسین الی الدار:
ص: 7
بویه مالگیناک اجینه البچانک مالگیناک*او تمنینه یبویه نگعد اویاک
بویه یل کلک محنه و اشمحله ملگاک
اصواب الدهر صاب الگلب ملگه*اخذ منی العزیز او بعد مالگه
ارید انشسد الشال النعش مالگه*رساله لو عتب بالنعش لیه
لا تزار الدار الا بأهلها*على الدار من بعد الحسين سلام
دعاء الختام: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. نسألک اللهم وندعوک باسمک الأعظم الأعز الأجل الأکرم يا محمود بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر السماوات والأرض بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن، يا قديم الإحسان بحق الحسين علیه السلام عجل فرج وليک الحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) وانجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه، الأخوة الحاضرين تقبل اللهم عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحق محمد وآل محمد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذکر محمد وآل محمد، ارزقهم شفاعة محمد وآل محمد، اغفر لهم بحق محمد وآل محمد واحشرهم مع محمد وآل محمد. (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَکشِفُ السُّوءَ) الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمد و آل محمد صلی الله علیه و آله.
ص: 8
صلى الله عليک يا سيدي ومولاي يا رسول الله. صلى الله عليک وعلى الک المظلومين. لعن الله الظالمين لکم من الأولين والاخرين إلى قيام يوم الدين صلى الله عليک يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساکبة ويا عبرة کل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتک لک الفدا. يا شهيد کربلاء ويا قتيل العدا ومسلوب العمامة والردا. ما خاب من تمسک بکم وأمن من لجأ إليکم. يا ليتنا کنا معکم سادتي فنفوز والله فوزا عظيما.
النفس تبکي على الدنيا و قد علمت*أن السلامة منها ترک ما فيها(1)
لا دار للمرء بعد الموت يسکنها*إلا التي کان قبل الموت يأتيها
فإن بناها بخير طاب مسکنها*و إن بناها بشر خاب ثاويها
أين الملوک التي کانت مسلطة*حتى سقاها بکأس الموت ساقيها
لکل نفس و إن کانت على وجل*من المنية امال يقويها
فالمرء يبسطها و الدهر يقبضها*و النفس ينشرها و الموت يطويها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها*و دورنا لخراب الدهر نبنيها
کم من مدائن في الافاق قد بنيت*أمست خرابا و دان الموت أهليها
**
راح اسولفک شصار بحالي*بالگبر من طلعوا اعمالي
من متت وانگضت ساعات العمر*واهلي واصداقائي نزلوني الگبر
ماطلع اي عمل عندي ينذکر*وچفي من مديته اشو رد خالي
راح اسولفک شصار بحالي*بالگبر من طلعوا اعمالي
طلعوا اعمال طيشي والشباب*کله لنه امسجلة بذاک الکتاب
گلت ياروحي ابشري بالعذاب*حيل استاهل المايجرالي
راح اسولفک شصار بحالي*بالگبر من طلعوا اعمالي
ذکروني بالمعاصي و الذنوب*وانا بين النار والحسرة الوم
ابدا ماينفعي هسه شأتوب*گلت اسکت احسن و اشوالی
ص: 9
ماحسبت حساب وانا بدنياي*اعمل الاشياء التفيد بحفرتي
اشلون هسه اشلون وانا بحيرتي*وهاي ماحاسبه چنت و ابالي
صحت فرصة اطوني ارجع للحياة*حتی اتوب واعمل انا الصالحات
اقضي صومي الفات واگضيها الصلاة*ورد ازکي اشما بقی من اموالي
اشلون وانا اشعر بحالي سجين*بین ظلمه او دود مچتوف او رهین
بلایه جاه و بلایه مال ولا بنين*مني اخذو کل عزيز وغالي
هذا حال ال مثلي الماعنده عمل*العايش بطيش المعاصي والجهل
بعد شيسوي اذا حان الاجل*وهو يدري ينزل بحفره تالي
**
حبک یا علی الکل العلل یبره*کسیر الجنح دومن بیک یبره
لا تتبره منی ابیوم یبره*الابو عن ابنه و الاخ عن اخیه
أن لله وأن اليه راجعون
(کلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (1)
إخواني المومنین الموت حق تمر بنا الأيام والليالي يوما بعد يوم و تتکرر وأجيال تتعاقب فهذا مقبل وهذا مدبر وکلنا إلى الله سبحانه وتعالى سائرون.
کل حي سيفنى وکل جديد سيبلى وکل شيء سينتهي (کلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّک ذُو الْجَلالِ وَالإکرَامِ)(2).
فما هي إلا لحظة واحدة في غمضة عين أو لمحة بصر يبدل الله من حال إلى حال وتخرج الروح إلى بارئها فإذا العبد في عداد الموتى. هذه هي الحقيقة الکبرى التي لا مفر منها ولا مهرب عنها مهما طال الزمان أو قصر (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيکمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُکم بِمَا کنتُمْ تَعْمَلُونَ)(3) إنه ملاقيکم في أي مکان تکون سيأتيکم ﴿أَيْنَمَا
تَکونُوا يُدْرِککمُ الْمَوْتُ وَلَوْ کنتُمْ فِي بُرُوجٍ
ص: 10
مُّشَيَّدَةٍ)(1) فإلى الله نشکو قسوة قد عمت وغفلة قد طمت وأياما أضعناها قد انتهت وطويت. قال الشاعر:
تزود من الدنيا فإنک لا تدري*إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فکم من صحيح مات من غير علة*وکم من سقيم عاش حينا من الدهر
وکم من صغار يرتجى طول عمرهم*وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وکم من عروس زينوها لزوجها*وقد نُسجت أکفانها وهي لا تدري
من جعل الموت نصب عينيه زهده في الدنيا و هون عليه المصائب و رغبة في فعل الخير و حثه على التوبة و قيده عن الفتک و قطعه عن بسط الأمل في الدنيا و قل أن يعود يفرح قلبه بشي ء من الدنيا و ما أنعم الله تعالى على عبد بنعمة أعظم من أن يجعل ذکر الدار الآخرة نصب عينيه و لهذا من الله على إبراهيم و ذريته علیه السلام بقوله تعالى (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِکرَى الدَّارِ)(2).
و قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(3) «أکثروا من ذکر هادم اللذات فإنکم إن کنتم في ضيق وسعه عليکم (ای الموت یوسع ضیق الحیات) فرضيتم به فأثبتم و إن کنتم في غنى بغضه إليکم فجدتم به (ای بذلتم في امواتکم في طریق الله) فأجرتم إلا أن المنايا قاطعات الآمال (ای ان الموت یقطع الامل في الدنیا) و الليالي مدنيات الآجال (مضی اللیالی و الایام یقرب الموت و الاجل) و أن المرء عند خروج نفسه و حلول رمسه (ای حلول دفنه في القبر) يرى جزاء ما قدم و قلة غنى ما خلف (ای یری انه کلما خلف لنفسه في دار الاخرة قلیل و لا یغنیه) و لعله من باطل جمعه (ای جمع ماله من باطل و یکون نقمة علیه) و من حق منعه».
و قال أمير المؤمنين علیه السلام :(4) «من علم أن الموت مصدره و القبر مورده و بين يدي الله موقفه و جوارحه شهيدة له طالت حسرته و کثرت عبرته و دامت فکرته» نعم إخواني طال حسرته علی ما فاته من اوقاته و ایامه التی اهدرها بغیر ما یرید الله. رای احد العلماء عالما
ص: 11
اخر و هو مات للتو و ساله ماذا رایت قال له اعلم انی اتمنیت لو ان افنیت کل عمری في طاعة الله حتی انی اتمنی لو کنت اصلی في وقت اکلی و شربی.
و قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(1) «من علم أنه يفارق الأحباب و يسکن التراب و يواجه بالحساب کان حريا بقطع الأمل و حسن العمل.»
لبس سليمان بن عبد الملک يوما حلة وعمامة، ونظر في المراة، فأعجبته نفسه، ونفخ الشيطان في منخريه، فقال: أنا الملک الفتى وکان إلى جواره إحد، فأنطلق لسانه يقول:
أنت نعم المتاع لو کنت تبقى*غير أن لا بقاء للإنسان
ليس فيما علمته فيک عيب*کان في الناس غير أنک فان
روی عن الإمام الصادق علیه السلام :(2)« جاء رجل إلى أبي ذر فقال يا أبا ذر ما لنا نکره الموت فقال لأنکم عمرتم الدنيا و أخربتم الآخرة فتکرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب فقال له فکيف ترى قدومنا على الله فقال أما المحسن منکم فکالغائب يقدم على أهله و أما المسي ء منکم فکالآبق يرد على مولاه قال فکيف ترى حالنا عند الله قال اعرضوا أعمالکم على الکتاب إن الله يقول (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ*وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) قال فقال الرجل فأين رحمة الله قال رحمة الله قريب من المحسنين.
قال أبو عبد الله علیه السلام و کتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا أبا ذر أطرفني(3)
بشي ء من العلم فکتب إليه أن العلم کثير و لکن إن قدرت أن لا تسي ء إلى من تحبه فافعل قال فقال له الرجل و هل رأيت أحدا يسي ء إلى من يحبه فقال له نعم نفسک أحب الأنفس إليک فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها».
وکان عند احد الخلفاء الاموین وزير اصطحبه يوما في الحج، فتعجب الخليفة من عدد رعاياه، فتلفت إلى وزيره وقال: ألا ترى هذا الخلق
ص: 12
الذي لا يحصي عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره؟ قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء رعيتک اليوم، وهم خصماؤک غدا عند الله.
فاذکروا یا مومنین قوله تعالى: (وَجَاءَتْ سَکرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِک مَا کنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، و (سَکرَةُ الْمَوْتِ) أي شدت الموت التي تغشي الإنسان و تغلب على عقله و ان السکر خلاف الصحو، و السکر حالة تعترض علی مشاعر الانسان تمنع البشر من عقله و لذا یقال سکرت النهر إذا سددته، وسکر الباب إذا سده.
(بِالْحَقِّ) أي الذي هو الموت (ذَلِک) أي ذلک الموت (مَا کنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي تهرب و تميل.
و لقد أحسن من قال شعرا:
نراع لذکر الموت ساعة ذکره*فتعترض الدنيا فنلهو و نلعب
دخل رجل علی الحسن بن علی (ع) و قال له:(1)«عظني
يابن رسول الله، قال: نعم استعد لسفرک و حصل زادک قبل حلول أجلک، و اعلم أنک تطلب الدنيا و الموت يطلبک، و لا تحمل هم يومک الذي لم يأت على يومک الذي أنت فيه، و اعلم أنک لا تکسب من المال شيئا فوق قوتک إلا کنت فيه خازنا لغيرک، و اعلم أن في حلالها حسابا و في حرامها عقابا و في الشبهات عتابا.»
عن الإمام الصادق علیه السلام قال:(2)
«لما حضر الحسن بن علي علیه السلام الوفاة بکى فقيل له يا ابن بنت رسول الله تبکي و مکانک من رسول الله صلی الله علیه و آله مکانک الذي أنت به و قد قال فيک رسول الله صلی الله علیه و آله ما قال و قد حججت عشرين حجة راکبا و عشرين حجة ماشيا و قد قاسمت ربک مالک ثلاث مرات حتى النعل فقال علیه السلام إنما أبکي لخصلتين هول المطلع(3)
و فراق الأحبة.» و قال الشاعر:
إن لله عبادا فطنا*ترکوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا*أنها ليست لحي وطدا
ص: 13
جعلوها لجة واتخذوا*صالح الأعمال فيها سفنا
نعم هذه هي الدنيا من عاش فيها مات ومن مات فات وکل ما هو آت، آت (مَنْ کانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ)(1)
ینقل في التاریخ ان الخلیفة الاموی عمر بن عبد العزيز قال لعالم من العلماء: عظني، فقال له: «ستموت ليس من ابائک أحد إلى ادم إلا ذاق الموت وسيأتي دورک.»
هذه هي حقيقة هذه الدار التي سماها الله سبحانه وتعالى متاع الغرور فحياتها عناء ونعيمها ابتلاء وملکها فناء، العمر فيها قصير والخطر المحدق کبير والمرء فيها بين حالين: حال قد مضى وانقضى وأجل قد بقي لا ندري ما الله سبحانه وتعالى قاض لنا فيه (أَرَضِيتُمْ
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ)(2).
يقول احد العلماء: (من تعلق قلبه بالدنيا لم يجد لذة الخلوة مع الله، ومن تعلق قلبه باللهو لم يجد لذة الأنس بکلام الله، ومن تعلق قلبه بالجاه لم يجد لذة التواضع بين يدي الله، ومن تعلق قلبه بالمال لم يجد لذة الاقراض لله، ومن تعلق قلبه بالشهوات لم يجد لذة الفهم عن الله، ومن تعلق قلبه بالزوجة والولد لم يجد لذة الجهاد في سبيل الله، ومن کثرت منه الامال لم يجد في نفسه شوقا إلى الجنة).
فکم نحن في حاجة يا إخواني وخاصة ونحن في تابین موت احد احبائنا إلى أن نجدد الإيمان في القلوب ونزيل عنها غبار الغفلة والذنوب وأن نکثر من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله. وقال الإمام الصادق (ع):(3)
«إذا وضع الميت في قبره، مُثّل له شخص، فقال له: يا هذا، کنّا ثلاثة: کان رزقک فانقطع بانقطاع أجلک، وکان أهلک فخلّوک وانصرفوا عنک، وکنت عملک فبقيت معک أما إني کنت أهون الثلاثة عليک» وعن المفضل بن عمر قال: کنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فذکرنا الأعمال، فقلت أنا: ما أضعف عملي.
فقال:(4)«مه (ای لا تقول هذا) إستغفر الله. ثم قال: إن قليل العمل مع التقوى خير من کثير بلا تقوى. قلت: کيف يکون کثير بلا تقوى؟ قال: نعم، مثل الرجل يطعم طعامه، ويرفق جيرانه، ويوطئ رحله، فاذا
ص: 14
ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى ويکون الآخر ليس عنده شيء، فاذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه».
وقال الإمام الباقر علیه السلام :(1) «اذا أردت أن تعلم أن فيک خيراً، فانظر الى قلبک، فان کان يحب أهل طاعة اللّه عزوجل ويبغض أهل معصيته ففيک خير، والله يحبک وإن کان يبغض أهل طاعة الله، ويحبّ أهل معصيته فليس فيک خير، والله يبغضک، والمرء مع من أحب».
قال الإمام الحسن الزکي علیه السلام في موعظته الشهيرة لجنادة:(2)
«إعمل لدنياک کأنک تعيش أبداً، وأعمل لآخرتک کأنک تموت غداً، وإذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل»
کانت علیه السلام تخرج بين الحين و الآخر إلى قبر أبيها و معها الحسن و الحسين علیه السلام و في بعض الأحيان يکون أمير المؤمنين علیه السلام معها، وکان السبب في زيارتها لقبر أبيها، الشکوى لما حل بها من مصائب، واستمرت على ذلک المنوال حتى في الليالي الأخيرة التي کانت فيها وفاتها تخرج مع ما بها من علة و مصاب.
قالت لعلي علیه السلام ذات ليلة: کم مضى من الليل يا ابن العم، قال ثلثه، قالت ائذن لي بالخروج إلى قبر أبي لأودعه قبل الموت فقد حان الفراق لک يا ابن العم، فبکى وقال: إنک وبهذه الحالة لم تستطيعي القيام فقالت: لابد من وداع قبر رسول الله. فقال الأمر إليک، فنهضت وتوجهت نحو القبر المقدس فتارة تمشي و تارة تجلس، حتى وصلت إلى قبر رسول صلی الله علیه و آله و علي علیه السلام معها فلما نظرت إلى القبر أنَّت أنة تزلزلت لها الأرضون و قالت: يا أبتاه سکنت التراب، وفارقت الأحباب، وأسلمتنا للخطوب وفوادح الکروب. ثم أخذت قبضة من صعيد قبره الشريف، وشتمتها و أنشأت تقول:
ماذا على مَن شَمَّ تربةَ أحمدٍ*لا يَشَمَّ مدى الزمانِ غواليا
صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أَنها*صبت على الأيامِ صِرنَ لياليا
قد کنتَ لي جبلا ألوذ بظلِّه*واليوم تُسلمني إلى أعدائيا
لکن ما حال زینب علیها السلام حینما فارق امها الزهراء علیها السلام البنت اتروح الی امها تشکی دائما و اذا بزینب تفارق امها الزهراء:
ص: 15
ارید ابچی علی القرب ضعنه*عزیزه الوالده او شلعذر منها
یمه ابحظنه یا ما قفیت انه ابحظنه*او زینب ییمه خاب ظنه
مشت عنی الحنینه و اگطعت بیه*یابه مهظومه مشت ما نشدت اعلیه
یمه یمه خیعونه الگعد ویاچ یومیه
یا زینب اشلون حالچ من شالوا النعش:
یمه اخذ منی الکوت ثلثین دمی*من شفت الجنازه انشالت امی
یمه نحیله او مایشیل الخیط عظمی*انه من راحت عزیزة گلبی منی
زینب طفله صغیر بابی و امی من فقدت امها شتخاطب امها:
يمة أنا زينب عند من تخليني*طفلة بصغر سني منچ تحرميني
يايمة يايمة يايمة
موحش عليّ البيت وين اتجه لاوين*گلبي يا يمة يذوب کل ما أدير العين
الگى الحسن حایر يجري الدمع صوبين*و أعاين المسمار بکتره أخوية حسين
أبگى أشاهدهم ما يسکن ونيني*طفلة بصغر سني يمة عندمن تخلینی
يا يمة انتظرچ لمن يجي عاشور*أنت التسنديني يم جثة المنحور
أنت التسلینی الا سلبوا الخدور*لو فرت أيتامي گلبي يظل مجمور
ولأي الأمور تدفن ليلاً*بضعة المصطفى ويعفى ثراها
یالله
کلمة الشکر(1)
طبعا الاخوة یتقدمون بالشکر الجزیل و خادمکم معهم حقیقتا نشکر کل من شارکنا مصابنا و وقف معنا بکلمة طیبة ملهمة للجراح اشکر للجمیع و اخص بالشکر من جائنا من مدن بعید و تکبد عناء السفر و الشکر موصول ایضا الی الجمعیات و الهیئات و الموسسات الدینیة و کل من ساهم معنا بوقفة و المجی و او رساله و کذلک الکوادر من وقف معنا لتنظیم المراسم و السیر، اشکرکم من اعماق قلبی و لو نسیت احدا من الشکر فالعصمة لاهلها اسال الله ان یوفق الجمیع بما فیه الخیر و الرضا و اسال الله ان یجعلنا و ایاکم علی طریق الحسین علیه السلام و من خدمة الحسین علیه السلام لاجل روح المرحوم و الی ارواح اسلافنا
ص: 16
و اروح المومنین و المومنات رحم الله من یقراء الفاتحة مع الصلوات.
دعاء الختام: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. نسألک اللهم وندعوک باسمک الأعظم الأعز الأجل الأکرم يا محمود بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر السماوات والأرض بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن، يا قديم الإحسان بحق الحسين علیه السلام عجل فرج وليک الحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) وانجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه، الأخوة الحاضرين تقبل اللهم عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحق محمد وآل محمد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذکر محمد وآل محمد، ارزقهم شفاعة محمد وآل محمد، اغفر لهم بحق محمد وآل محمد واحشرهم مع محمد وآل محمد. (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَکشِفُ السُّوءَ) الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمد و آل محمد صلی الله علیه و آله.
ص: 17
يا من بدنياه أشتغل*قد غره طول الأمل
الموت يأتي بغتة*والقبر صندوق العمل
ولم تزل في غفلة*حتى دنا منک الأجل
باچر يسئلونک وتتحاکم*وين گضيت العمر يابن ادم
ياابن ادم التفت وأسمع الصوت*لاتغرک ولد واموال وبيوت
أش ماتريد تعيش تاليها تموت*وتدري ملک الموت مايتفاهم
العمر يمشي وهاي ساعاته تنوب*وأنت يوميه بأمل باجر وأتوب
شنهو رأيک تحط لذنوبک ذنوب*ورأيد حمولک بعد تتراکم
الموت ماتعلم بياساعه يجيک*وحصتک تخلص بعد وشلون بيک
يصير قبرک بيتک وينسد عليک*واه من ظلمة لو يتلايم
باجر يسئلونک وتتحاکم*وين قضيت العمر يابن ادم
القبر بيت الدود وبوحشته يضيج*لا ولد وياک لاخل لاصديج
یظل لک بس العمل هو الرفيج*وايده بيدک للقيامه ملازم
تنسئل عن أربعه بيوم الحساب*وأنت ياأبن ادم اش عندک من جواب
بالحشر وقفتک يم رب الأرباب*صحبة وأنت وياها ماتتوالم
عن شبابک تنسئل أول سؤال*بيمن أبليته ياابن ادم تعال
جنت تمشي بطاعة الله والحلال*لو جنت تأخذ اعراض العالم
والسؤال الثاني عن مالک منين*بيا وسيله مجمعه ووديته وين
قاسمت بالمال رب العالمين*لو إبليس وياه چنت تتقاسم
لون مالک منجمع من الحرام*أقرأ يا ابن ادم على الرحمه
الله مايحرم الکل قلبه ظلام*الله يحرم ناسنا تتراحم
لو حلال المال يالمالک چثير*هم عليه تنسئل وقبالک يصير
لايتيم انطيت منه ولافقير*ولافعل الخير مالک ساهم
يا ابن ادم ثالث الأسئله يکون*بيمن أفنيت العمر وأنقضى شلون
على الظالم للمظلوم عون*لو ويا الظالم جنت تتسالم
والسؤال الرابع يقطع النياط*ويه أهل البيت عندک ارتباط
لو قلت ماعندي تهوى من الصراط*ورأسک يظل بالصخر يترادم
ولو چنت صک لولايتهم تحوز*عالصراط وشدته مأمن تجوز
ماتطلب للنار بالجنه تفوز*حيث يشفع لک نبينا الخاتم
ص: 18
وانا أقدم لک نصيحه وأرد أقول*کونک تريد النجاة ساعة الهول
على مصاب حسين واسيها البتول*ودوم خلک حاضر بهالمأتم
**
انه الوالدة يحسين يبني*يا من ريت ذباحک ذبحني
اسعدني على ابني يلتحبني*أنا الوالدة والگلب لهفان
أودور عزا ابني وين ما چان*جسمه طريح ولا له اکفان
اويلي على ابني المات عطشان*ولعبت عليه الخيل ميدان
أنا الوالدة المذبوح ابنها*وطول الدهر ما گل حزنها
وين اليواسيني بدمعته*على ابني الذي حزوا رگبته
وظلت ثلاث تيام جثته
(وَ وُضِعَ الْکتابُ(1)
فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ(2) مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْکتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا کبِيرَةً(3)
إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً(4) وَ لا يَظْلِمُ رَبُّک أَحَداً)(5)
یا مومنین اعلموا علم اليقين بأنه لا بقاء لنا في هذه الدنیا مهما طال بنا العمر، وهذا أمر بدهي لا يحتاج منا لإقناع أحد، فلا يمر يوم إلا ولنا ميت نشيعه، فالموت نهاية کل شيء ولا مفر منه.
أن الدنيا لعب ولهو، وحياة غير دائمة، وعلى الإنسان الرضا والقناعة، فکل نعيمها زائف حتما. ثم إنکم في کل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عزوجل قد قضى نحبه وانقضى أجله، حتى تغيبوه في بطن الأرض، في بطن حفرة غير ممهدة ولا وسدة، قد فارق الأحباب، وباشر التراب، وواجه الحساب، مرتهن بعمله، غني عما ترک، فقير إلى ما قدم، فاتقوا الله قبل انقضاء مواثيقه، ونزول الموت بکم. نعم معشر المسلمين، لا ينسى هذه الحقیقة ولا يغفل عن الموت إلا من مات
ص: 19
قلبه، وذهب عقله، واتبع هواه وشيطانه، فإياکم وطول الأمل. فهو يصد عن الحق، وإياکم وأکل الحرام. فهو ضياع للدارين، واعلموا أن الستر والقناعة ولزوم الطاعة هما من وسائل النجاة لنا في هذه الحياة الدنيا، ألم يقل النبي صلی الله علیه و آله:(1)«من
أصبح امنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فکأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
و قال الإمام الصادق علیه السلام :(2)«جاء
جبرئيل علیه السلام إلى النبي صلی الله علیه و آله فقال يا محمد عش ما شئت فإنک ميت و أحبب من شئت فإنک مفارقه و اعمل ما شئت فإنک مجزي به و افعل ما شئت فإنک ملاقيه، يا محمد شرف المؤمن صلاته بالليل و عزه کفه الأذى عن الناس.» حاصل الکلمات الثلاثة أن العيش لا بد و أن ينتهى الى الموت فلا ينبغي أن تريد طوله و تهتم به، و کذا الشئ الذی تحبه و تقضی وقتک في جمعه لا بد و أن تفارقه فلا ينبغي أن تطمئن قلبک به، و العمل لا بد و أن تلاقيه فلا بد من أن تهتم به فتأتى بما هو صالح نافع تسرک ملاقاته، و تترک ما هو مفسد ضار فينبغي أن يکون عملک عملا لا تندم عليه و لو کان حسنا فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين(3)،
شرف المؤمن هو کماله و اقوی مکانة یکون فیها تعبدا لله تعالى.
«تنقل قصه بالتاریخ انه والی ولي العراق من قبل هشام بن عبد الملک اسمه بن هبیرة أحضر عالم من البلد و قال له هشام بن عبد الملک ولانی و لا تزال کتبه تأتيني بقطع الرقاب و أخذ الأموال فما تری؟ قال العالم يا بن هبیرة أن الله يمنعک من هشام و لا يمنعک هشام من الله تعالى و لو جائک بکتاب هشام بخلاف کتاب الله و رسوله من العدل
ص: 20
و الإحسان و تعمل بکتاب من هشام إن هذا الخسران المبين و اعلم أنک إن تنصر الله ینصرک قال سبحانه (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ).»
و قال امیر المومنین علیه السلام :(1)«خمس
کلمات في التوراة و ينبغي أن تکتب بماء الذهب أولها حجر الغصب في الدار رهن على خرابها(2)
و الغالب بالظلم هو المغلوب(3) و ما ظفر من ظفر الإثم به(4) و من أقل حق الله عليک أن لا تستعين بنعمه على معاصيه(5)
و وجهک ماء جامد(6)
يقطر عند السؤال فانظر عند من تقطره(7).» و قال علیه السلام :(8)
«من فعل
ص: 21
خمسة أشياء فلا بد له من خمسة و لا بد لصاحب الخمسة من النار الأولى من شرب المثلث(1) فلا بد له من شرب الخمر و لا بد لشارب الخمر من النار الثاني من لبس الثياب الفاخرة فلا بد له من الکبر و لا بد لصاحب الکبر من النار الثالث من جلس على بساط السلطان فلا بد أن يتکلم بهوى السلطان و لا بد لصاحب الهوى من النار الرابع من جالس النساء فلا بد له من الزناء و لا بد للزاني من النار الخامس من باع و اشترى من غير فقه فلا بد له من الربا و لا بد لآکل الربا من النار»
«قيل(2)
نادى أمير المؤمنين علیه السلام أهل القبور من المؤمنين و المؤمنات فقال السلام عليکم و رحمة الله و برکاته فسمعنا صوتا يقول و عليکم السلام و رحمة الله و برکاته يا أمير المؤمنين فقال نخبرکم بأخبارنا أم تخبرونا بأخبارکم قال أخبرنا بأخبارکم يا أمير المؤمنين فقال أزواجکم قد تزوجوا و أموالکم قسمها وراثکم و حشر في اليتامى أولادکم و المنازل التي شيدتم و بنيتم سکنها أعداؤکم فما أخبارکم فأجابه مجيب قد تخرقت الأکفان و انتشرت الشعور و تقطعت الجلود و سالت الأحداق على الخدود و تنازلت المناخر و الأفواه بالقيح و الصديد و ما قدمناه وجدناه و ما أنفقناه ربحناه و ما خلفناه خسرناه نحن مرتهنون بالأعمال نرجو من الله الغفران بالکرم و الامتنان.»
وأما الرباب عزيزة الحسين علیه السلام فلما رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلا ولا نهارا من البکاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله کمدا سنة 62 ه. کانت إذا بزغت الشمس تأتي بابنتها سکينة وتجلس معها تحت الشمس وکانت الحوراء زينب علیها السلام تأتي إليها وتقول لها: رباب قومي عن حرارة الشمس، فتقول لها: سيدتي زينب لا تلوميني إني نظرت إلى بدن العزيز أبي عبد الله تصهره الشمس على رمضاء کربلاء...
وبکت على الحسين علیه السلام حتى جفت دموعها، فصنعوا لها دواء (السويق) لاستدرار الدمع وزينب علیه السلام لا تجف لها عبرة ولا تفتر من
ص: 22
البکاء والنحيب، وکلما نظرت إلى دار الحسين علیه السلام تجدد حزنها وزاد وجدها:
یادار شو موسدود بابچ*غیاب ما ردوا احبابچ
خلینی اشم ریحت اترابچ
بیدی ارفع اترابچ و شمه*بلکی الگلچ ینزاح همه
ذلیله من اهد یوم ابو الیومه
من اهد الحنین او ذاک یومه*انه امدولبه او ما بیه گومه
انه اشلون اطب و انظر ارسومه
بعد اشظل عندچ یا زینب:
انه اشلون اطبنچ لیچ یا دار*بس الرسم ضل بیچ تذکار
او حدر الغبار او ضیج الوجوه ابین الغبار
اسمع بعد شتگول زینب:
و الله الوجوه الگبل الچانت مزهره*جو الرمل صارت امغبره
احنان او علیهم نجر عبره
هذا الحنین تتاسف علی روحته بس اشبیدنه علی الموت:
احنان او علیهم نجر ونه*غیاب شیردهم اهلنه
عنه للیوم محد نشد عنه*علینه محد نشد منهم علینه
او لدیارهم شنسوی جینه*او غیر البچی ما حصلینه
ص: 23
الموت لا والدا يبقي و لا ولدا*هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا(1)
کان النبي و لم يخلد لأمته*لو خلد الله خلقا قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة*من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
شلون بيه لو ثقل وزن حسابي*و انترس من المعاصي کتابي(2)
اشلون بيه لو گرب مني الأجل*و أخذ سمعي الموت والساني انثجل
ظلت اعيوني تدير اعلى الأهل*تشوفها اتهل الدمع لمصابي
اشلون بي النفس لو مني خمد*او ملک الموت أخذ روحي او صعد
او للمغيسل طلعوا مني الجسد*او گام المغسل ايجرد اثيابي
اشلون بيه ابکفن لو لفوني*للقبر عقب الغسل شالوني
او نزلوني ابحفرتي او واروني*او قام حفاري يهيل اترابي
اشلون بيه لو مسيت ابحفرتي*دار غربة او ويل حالة الغربتي
لا عمل وياي و يرد وحشتي*و ابعدت عني هلي و أحبابي
اشلون بيه لو ضغط جسمي القبر*او قام من خشمي حليب أمي يدر
ص: 24
اشلون حالي امن اوقف بيوم الحشر*او ياخذ المعبود باستجوابي
اشلون منکر لو لفاني للقبر*او قام ينشد بيش قضيت العمر
شنهو ذاک الوقت من عنده العذر*و شنهو عن ذيک المعاصي اجوابي
اشلون بيه امن انفرد بعمالي*و الذنوب اتصير کلها اقبالي
و ادري منکر ما يروف ابحالي*و لا ابحکم الله علي ايحابي
اشلون بي امن اوقف بيوم الحساب*شايل اذنوبي او جدامي الکتاب
شنهو عذري او شنطي للباري جواب*من يعاتبني او يزيد اعتابي
اشلون بي امن التفت يسرى او يمين*ابيوم هوله ايشيب من عنده الجنين
مال ما ينفع و لا تنفع بنين*او لا ندم ينفع و اعض ابنابي
ما يظل عندي وسيلة و لا أمل*غير حب المرتضى خير العمل
حاشا لنه ايعفيني ابذاک المحل*و انوخ ابوادي حماه رکابي
و اصد للمحشر و أعاين للحسين*موکب اينادي شفيع المذنبين
شيعتي اغفر يا اله العالمين*ابجاه دمي المنه صار اخضابي
مهيت لجلک يا الهي بالشمل*حتى يا معبود عبد الله الطفل
او راحت اعيالي سبايا اعلى الهزل*عقب ذبح أهلي او حرق أطنابي
اشريت منک شيعتي ابدم رقبتي*حتى تغفر بالقيامة الشيعتي
شوف حالي او شوف حالة کبدتي*صوبوني او طحت امن اصوابي
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(1)
أيها المومنین، إن أکبر واعظ هو الموت، الذي قدره الله على من شاء من مخلوق مهما امتد أجله وطال عمره، إلا وهو نازل به، وخاضع لسلطانه (کلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوکم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(2)ولو
جعل الله الخلود لأحد من خلقه لکان ذلک لأنبيائه المطهرين، ورسله المقربين، وکان أولاهم بذلک صفوة أصفيائه محمد المصطفی (ع) کيف لا، وقد نعاه إلى نفسه بقوله: (إِنَّک مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ)(3).
فالموت حتم لا محيص عنه، ولا مفر منه، يصل إلينا في بطون الأدوية، وعلى رؤوس الجبال، فوق الهواء، وتحت الماء، فلا ينجو منه
ص: 25
ملائکة السماء، ولا ملوک الأرض، ولا أحد من أنس أو جن أو حيوان، ولو کانوا في بطون البروج، وغياهب الحصون (أَيْنَمَا تَکونُواْ يُدْرِککمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ کنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)(1) ولو نجا أحد من الموت لبسطة في جسمه، وقوة في بدنه، أو وفرة في ماله، وسعة في سلطانه وملکه، لنجا من الموت کثير من الناس، وإلا فأين عاد وثمود؟ وفرعون ذو الأوتاد؟ أين الأکاسرة؟ وأين القياصرة؟ أين الجبابرة والصناديد الأبطال؟ فالموت لا يخشى أحدا، ولا يبقي على أحد، ينتزع الطفل من حضن أمه، ويهجم على الشاب الفتي، والفارس القوي. قال بعض الحکماء: الموت یرمى عن أقواس، حتى یصیب الجسوم والأنفس، ثم یستوی قبر الأذناب والأرؤس، وصار الرئيس کأنه ابدا لم يرؤس، فمن عامل الدنيا خسر، و من عمل لاخرته ربح، الستم ترون انه لا فرق بین قبر الفقیر و الغنی و لا فرق بین قبر الرئیس و المرؤس، نفس اللحد، نفس الکفن، نفس الغربة. ومن
لطيف ما ورد أن أمير المؤمنين علیه السلام کتب على الکفن سلمان المحمدي (الفارسي) ما هو:(2)
وفدت على الکريم بغير زاد*من الحسنات و القلب السليم
و حمل الزاد أقبح کل شي ء*إذا کان الوفود على الکريم
ينقل ان هذين البيتين کتبهما علي امير المؤمنين علیه السلام على کفن سلمان المحمدي رضوان الله عليه عند وفاتة. وسلمان(3) من خيرة اصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وقد بلغ اعلى مراتب الايمان حتی قیل فیه: (سلمان منا اهل البيت علیه السلام ") "فکيف بنا نحن ربنا لاتخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا.
ص: 26
نقل هذا الشعر العلامة المجلسی رحمه الله لنا و تنقل منه قصة معبرة وهی ما حدث بين العلامة الجزائري وأستاذه الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب البحار اللذين تعاهدا أن يجيء من يموت قبل الاخر إلى صاحبه في المنام، ويخبره عن حقيقة ما انکشف له من الصواب. والسبب في هذه المعاهدة هو أن العلامة المجلسي مع علمه الغزير وتقواه الشديدة کان يعيش في حياته عيشة الأغنياء من کثرة الحشم والخدم والقصور، وکان العلامة الجزائري يعارض هذا النمط من الحياة.
وکان قضاء الله تعالى أن يموت المجلسي قبل الجزائري، وبعد اسبوع وفيما کان الأخير يزور قبر استاذه ويقرأ القرآن ويدعو ويبکي، غلبه النعاس فنام، فرأى في عالم الرؤيا الشيخ المجلسي على أجمل صورة، فسأله عن حاله، فأجابه: يا ولدي، اعلم أني لما مرضت مرض الموت، أخذت العلة مني تتزايد وتشتد انا فانا، فبينما أنا في هذه الحالة، إذ اتاني ات في زي رجل جليل، وجلس ووضع کفه على أصابع رجلي، وقال: ما ترى؟ هل سکن الوجع منک؟ قلت: أرى خفة وراحة فيما وضعت راحتک عليه، وشدة فيما يعلوه من بدني، فأخذ يرتقي شيئا فشيئا إلى الفوق، إلى أن بلغ موضع القلب من صدري، فرأيت الألم قد انتقل بالمرة من جسدي، وإذا بجسدي جثة ملقاة في ناحية بيتي، وأنا واقف بحذائه انظر إليه مثل المتعجب الحيران، والأهل والأحبة والجيران من حول النعش في الصراخ والعويل يبکون ويندبون ويلتزمون الجسد بأنواع الشجون.
وأنا کلما أقول لهم: ويحکم إنکم کنتم مشغولين عني، والان تندبون وتنوحون علي، وقد ارتفع ما کان بي من ألم، وليس بي والحمد لله من بأس، ولا من سقم، وهم لا يستمعون قولي ولا يصغون إلى نصيحتي. وتابع قصته إلى أن أنزل في القبر فإذا بمناد ينادي: يا عبدي، يا محمد باقر، ماذا أعددت للقاء مثل هذا اليوم؟ وجعلت أعدد له ما صدر مني من الأعمال الحسنة وهو لا يقبل مني، ويعيد علي هذا النداء وأنا مضطرب، فتذکرت أني کنت يوما مارا في السوق الکبير، فرأيت الناس قد اجتمعوا حول رجل من المؤمنين يضربونه ويسبونه ويطالبون منه حقوقهم، وهو لا يقدر على إعطائهم شيئا، ويستمهلهم وهم لا يمهلونه.
فصحت في وجوههم: ويحکم هلموا معي حتى أقضي ما کان لکم عليه
ص: 27
من الدين، وحملته معي إلى المنزل، وأخذت في إعزازه وإجلاله، وقضيت ديونه، عرضت تفصيل ذلک على ربي فتقبله مني، وغفر لي، وسکن النداء، وأمر لي بفتح باب من الرحمة تلقاء وجهي إلى جنات الخلود، يجيئني منه الروح والريحان، وطريق هواء الجنان في کل حين، ووسع لي في مضجعي الذي تراه إلى حيث شاء الله، وانا متنعم منذ ذلک الوقت بأنواع النعم، أستأنس ممن يجئ إلى زيارتي من المؤمنين، وانتفع بدعوات الصالحين، وقراءات المتقين، وأراهم من حيث لا يرونني وأنا في هذا المقام الأمين "فيا أيها السيد الشريف لو لم يکن لي العزة والعظمة في الدنيا، وما رأيت في من النعيم الأوفى، کيف کان يمکنني تأييد مثل ذلک المؤمن الفقير، وتخلصه من أيدي ذلک الخلق الکثير".(1)
اما الآیة التی تلونها في اول المجلس المثقال ای وزن الذرة و الذرّة: ما يرى في شعاع الشمس من الهباء و قيل: الذرة ما يلصق باليد من التراب النّاعم و نبه الله تعالی بقوله: (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) على أن ما فوق الذرة يراه قليلا کان أو کثيرا، و هذا يسمى مفهوم الخطاب، و هو أن يکون المذکور و المسکوت عنه في حکم واحد، بل يکون المسکوت عنه بطریق أولى في ذلک الحکم. قال علي علیه السلام :(2)
«إن للمرء المسلم ثلاثة أخلاء فخليل يقول له أنا معک حيا و ميتا و هو عمله و خليل يقول له أنا معک حتى تموت و هو ماله فإذا مات صار للورثة و خليل يقول له أنا معک إلى باب قبرک ثم أخليک و هو ولده.»
«عن عبدالحميد بن محمود، قال: کنت عند ابن عباس، فأتاه رجل فقال: أقبلنا حجاجا حتى إذا کنا في الصفاح (اسم مکان) توفي صاحب لنا، فحفرنا له فاذا أسود سالخ (اسم أفعی شديد السواد) قد أخذ اللحد کله قال: فحفرنا له قبرا آخر فاذا أيمود سالخ قد أخذ اللحد کله قال: فحفر نا له ثالثأ فاذا أسود سالخ قد أخذ اللحد کله، قال: فترکناه وأتيناک نسألک ماذا تأصرنا به. قال: ذاک عمله الفيى کان يعمله، اذهبوا فادفنوه في بعضها فوالله لو حفرتم له الأرض کلها لوجحتم ذلک قال:
ص: 28
فألقيناه لا قبر منها. فلما قضينا سفرنا أتينا امرأته فسألناها عنه، فقالت: کان يبيع الطعام (الحنطة) فيأخذ قوت أهله کل يوم، ثم يخلط فيه مثله من قصب الشعير، ثم يبيعه فعذب بذلک.» (1)
و عن علي بن يقطين عن الإمام الکاظم علیه السلام قال:(2)
«کان في بني إسرائيل رجل مؤمن و جاره کافر، و کان هذا الجار الکافر يحسن الى جاره المؤمن، فعند ما ارتحل من الدنيا بنى له الله بيتا يمنعه من نار جهنم. و قيل له: ان هذا بسبب حسن سيرتک مع جارک المؤمن» وعن النبي صلی الله علیه و آله قال لعدي بن حاتم الطائي:(3)«رفع
عن أبيک العذاب الشديد بسخاء نفسه».
و خطب علی ابن ابی طالب في البصرة فقال:(4)«المدة
و إن طالت قصيرة(5)
و الماضي للمقيم عبرة (الماضی ای التاریخ، للحاضر عبرة) و الميت للحي عظة (ای موعظة) و ليس لأمس إن مضى عودة و لا المرء من غد على ثقة (لایجود یقین بعیش المرء الی غد) و کل لکل مفارق و کل بکل لاحق ثم قال علیه السلام معاشر شيعتي اصبروا على عمل لا غنى بکم عن ثوابه و اصبروا عن عمل لا صبر لکم على عقابه اعلموا أنکم في أجل محدود و أمل ممدود و نفس معدود و لا بد للأجل أن يتناهى و للأمل أن يطوى و للنفس أن يحصى ثم دمعت عيناه و قرأ «وَ إِنَّ عَلَيْکمْ لَحافِظِينَ*کراماً کاتِبِينَ*يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ(6)»
(وَ إِنَّ عَلَيْکمْ لَحافِظِينَ) رسلا من الملائکة يحفظون ما تعملونه و يسجلونه في صحائف أعمالکم کراماً أي مکرمين عند ربهم کاتبين ما تقولونه و ما تفعلونه يعلمون ما تفعلون يعرفون أعمالکم من خير أو شر فيسجلونها في صحائف أعمالک.
لما رجعوا اهل البیت الحسین من الشام الی المدینة هموا ان یزورا قبر ابی عبدالله ولکن قبل أن يصلوا کان قد سبقهم إلى کربلاء جابر بن عبد
ص: 29
الله الأنصاري زائرا قبر الحسين علیه السلام فعن عطية العوفي قال: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام فلما دخلنا کربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم دنا من القبر و ألمسه ثم قال: يا حسين ثلاثا ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه.
ثم قال: وأنى لک بالجواب، وقد شحطت أوداجک وفرق بين بدنک ورأسک قال عطية: فبينما نحن کذلک وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام، و لما دنا و اذا به زين العابدين علیه السلام زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته، فقال الإمام: أنت جابر فقال: نعم يا ابن رسول الله، فقال: يا جابر، ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا. قالوا: بينما الإمام يتحدث مع جابر وإذا بمنادية تنادي: وا حسيناه، وا أخاه.. وإذا بها الحوراء زينب علیها السلام .
خويه أخبرک راح الحجاب*وطبينا يخويه ديوان الاجناب
وگعدنا بخرابة على التراب*عفا گلبي يخويه اشلون ما ذاب
وضعت يديها على القبر الشریف، فنادت: واحسيناه وا حسيناه.. أخي حسين هل غسلوک أم کفنوک أم بغير کفن دفنوک؟
لو ينکشف يحسين گبرک*أشگ اللحد واتمدد بجنبک
ريت عمري گبل عمرک*وانت اللي تکفني يا لحسين
يخويه نروح کلحنه فداياک*خذنا للگبر يحسين وياک
أهي غيبه يخويه واگعد اتناک*وگول سافر ويومين يرجع
ما حال سکینة، اتگله:
اثاري الابو يا ناس خيمة*يفيي على بناته وحريمة
اجاني العيد ريته لا اجاني
بوية المن اعيد لو اجه العيد*وبعد المن اقبل بوية يا ايد
اجاني العيد واهل العيد غياب*وانا بدمعة يتيم مقابل الباب
ويلي ان صحت بويه يشتموني*وان صحت خويه يضربوني
ومن الضرب ورمن امتوني*ومن البکا عمين اعيوني
أنادي هلي وما يسمعوني
واجتمعت النساء على الإمام السجاد علیه السلام کل تسأله عن قبر فقيدها. فمنهن الرباب أم عبد الله أقبلت إليه والثکل باد عليها منادية: يا بن الحسين أين قبر ولدي الرضيع؟ دلني عليه، فأقبل بها إلى قبر أبيه الحسين علیه السلام وعيناه تمطران دموعا وقال: ها هنا دفنت ولدک وأشار
ص: 30
إلى جانب صدر الحسين، فانکبت على القبر الشريف. وکأني بها علیه السلام تقول مخاطبة الحسين علیه السلام في قبره:
رد لهفتي يا لتسمع انداي*أو فک الگبر بحسين ليه
خافن أوليدي ابنومته هاي*تحت الترب شايف أذيه
درت عله اوليدي ثداياي*أو هوه تحت هاي الوطية
ثم التفتت زينب علیها السلام إلى النساء:
نادت يا الحرم قومن مشنه*لعند لي تکفلنا من أهلنا
نريده يقوم ويردنا لوطنا*ما هو لي جابنا وبينا تکفل
أقبلت الحوراء مع النساء إلى قبر أبي الفضل علیه السلام جلست عنده نادت عباس:
والله نادت يا خوي يا عزنا وقمرنا*هاي المحامل قوم ردنا
لعند المدينة وطن جدنا
يا نازِلِينَ بِکرْبَلا هَلْ عِنْدَکمْ*خَبَرٌ بِقَتْلانا وَما أَعْلامُها
مَا حَالُ جُثَّةِ مَيِّتٍ فِي أَرْضِکم*بَقِيَتْ ثَلاثاً لا يُزارُ مَقامُها
بِاللهِ هَلْ وَارَيْتُمُوها فِي الثَّرى*وَهَل اسْتَقَرَّتْ فِي الُّلحودِ رِمامُها
ص: 31
الموت لا والدا يبقي و لا ولدا*هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا(1)
کان النبي و لم يخلد لأمته*لو خلد الله خلقا قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة*من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
مغرورين مغرورين ايام وسنين وکلنا ميتين(2)
النهاية الموت تالي العمر لو طال*ونرجع للاصل ونصير من طين (مغرورين)
نسينا نعيش طول العمر خطار*وطبع من الضيافة أيام باقين (مغرورين)
يجينا الموت مهما تطول الايام*ويروح النفس منا وتغمض العين (مغرورين)
وتصير جنازة بين الاهل ممدود*ويرحمک من يسبلک الايدين (مغرورين)
ويغسلونک بماي الطهر مرات*ويگمطونک گماط العمر مرتين (مغرورين)
تفارگ خلتک واهلک والاحباب*وشکد عندک قساوة تصير مسکين (مغرورين)
بتابوتک نمت وبصحبة الجناز*مستعجل يشدک بالحبل زين (مغرورين)
وصلت المکبرة وأخر اللحظات*لکيت الگبر جاهز والمفر وين (مغرورين)
وحيد ابقى بلحد ما اشوفن الناس*عواصف واهتزاز وشبحت العين (مغرورين)
اليوم بغربتي اتوسد الگاع*افگدت کل شي الحويته بذيج السنين (مغرورين)
صعبة من رحلت من عتبة الباب*وگضى عمري عبالک رمشة العين (مغرورين)
ص: 32
عفت امي وابوي شموع الايام*ونمت ظلمة ييمة بين ميتين (مغرورين)
مري عله الگبر حرکيلي التراب*ومن اجدامچ اريد الرحمة تنطين (مغرورين)
الام شتخاطب ولدها او اهیه علی الگبر:
(ردتک ما ردت دنيه ولا مال*اتحضرني لو وگع حملي ولا مال
یبنی خابت اضنونی و الامال*وکت الضيج لیش اگطعت بيه
انا ربيت الولد وشگد تعبت عليه*گلت يکبر وليدي وچنت اظنن بيه
يسد عني وحشتي وبيتي يبنيه*واموت وللگبر بيده يوديني)
مري على القبر حرکيلي التراب*ومن حنانچ اريد الرحمة تنطين (مغرورين)
عرفنا الموت حق ولاعذر بيه*مايعرف لاملوک ولاسلاطين (مغرورين)
(يَوْمَ تَجِدُ کلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً(1)
وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً(2))
لا أظن واحدا منکم قد خفيت عليه بعد هذه الساعة، فهي ساعة المنية، وهي ساعة الموت، يوم يبکي الأحباب، ويعجز الأصحاب، ويحار الأطباء، ويطرق العقلاء، ويدرک القوم أن الذي بين أيديهم ليس له نجدة، وليس لرقبته خلاص، ولا لأمره فکاک.
إلا برحمة من الله ثم ما قدمه من عمل صالح. في تلک الساعة يستوي من يموت وقد خلف أموالا طائلة، وربما سعد من مات ولم يخلف درهما ولا دينارا، يستوي من يموت وحوله ولد وزوجه، ومن يموت وحوله حشمه وخدمه، إذ الکل عاجز أن يقدم لهذا الطريح شيئا. نسأل الله لنا ولکم العافية.
اللهم ارزقنا الاستدراک قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات، اللهم ثبتنا على طاعتک إلى أن نلقاک، اللهم لا تمتنا على غفلة، اللهم لا تأخذنا على غرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم
ص: 33
نلقاک، اللهم إنا نسألک عيشة هنيئة، وميتة سوية، ومردا غير مخز ولا فاضح، برحمتک يا أرحم الراحمين، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والاخرة. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم جازهم بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا، وارحمنا اللهم برحمتک إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، وصل اللهم على محمد وعلى اله الطیبین الطاهرین.
الموت إخواني على وضوح شأنه سر من الأسرار تحير به ألو الألباب، وأذهلت به العقول، واندهش له الأطباء. الموت کلمة ترتج لها القلوب، وتقشعر منها الجلود، ما ذکر في قوم فيهم بقية من إيمان إلا ملکتهم الخشية، وأخذتهم العبرة، وأحسوا بالتفريط، وشعروا بالتقصير، فندموا على ما مضى، وأنابوا إلى ربهم.
ألا وإن نسيان الموت وتناسيه، وکراهة ذکره والتشاغل عن أمره بلاء عظيم، وشر مستطير، فما نسي الموت أحد إلا طغى وبغى، وما غفل عن الموت امرؤ إلا غوى، وحري بکل مسلم أن يتذکره، لقوله:(1)«أکثروا من ذکر هادم اللذات فقيل يا رسول الله صلی الله علیه و آله و ما هادم اللذات قال الموت فإن أکيس المؤمنين أکثرهم للموت ذکرا و أحسنهم للموت استعدادا»
وقد جاء جبريل علیه السلام مذکرا إمام الذاکرين رسول الله صلی الله علیه و آله فقال له:(2)«يا
محمد عش ما شئت فإنک ميت، وأحبب من شئت فإنک مفارقه، واعمل ما شئت فإنک مجزي به»
و قال أمير المؤمنين علیه السلام :(3)«کم
من غافل ينسج ثوبا ليلبسه و إنما هو کفنه و يبني بناء ليسکنه و إنما هو موضع قبره و قيل له ما الاستعداد للموت قال علیه السلام أداء الفرائض و اجتناب المحارم و الاشتمال على المکارم ثم لا يبالي أ وقع على الموت أو وقع عليه الموت.»
قال الإمام الصادق علیه السلام :(4)«إن
قوما أتوا نبيا لهم فقالوا ادع لنا ربک يدفع عنا الموت فدعا لهم فرفع الله عنهم الموت و کثروا حتى ضاقت بهم المنازل و کثر النسل و کان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه و أمه و جده و جدته و يوصيهم و يتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش
ص: 34
فأتوا فقالوا سل ربک أن يردنا إلى آجالنا التي کنا عليها فسأل ربه عزوجل فردهم إلى آجالهم.» و روي أنه مر الصادق علیه السلام بقوم و قد مات لهم ميت فوقف عليهم و عزاهم ثم قال لهم يا هؤلاء إن الموت ليس بکم بدأ و لا إليکم انتهى فهل کان ميتکم يسافر قالوا نعم قال فعدوا هذا من بعض أسفاره فإن قدم عليکم و إلا فأنتم قادمون.»
و عن الإمام الصادق علیه السلام :(1)«يقول
إن المؤمن إذا مات أدخل معه في قبره ست مثال فيقول لهن من أنتن فتقول التي بين يديه أنا الصلاة و تقول التي من خلفه أنا الزکاة و تقول التي عن يمينه أنا الصيام و تقول التي عن يساره أنا الحج و تقول عند رجليه أنا بره بإخوانه المؤمنين فيقلن لها من أنت فأنت أحسننا صورة و أطيبنا ريحا فتقول أنا الولاية لمحمد و آل محمد.»
و عن جميل (احد اصحاب الائمة) عن الإمام الصادق علیه السلام :(2)«إن
مما خص الله به المؤمن أن يعرفه بر إخوانه(3) و إن قل فليس البر بالکثرة و ذلک أن الله يقول في کتابه و (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ثم قال (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِک هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(4) و من عرفه الله عزوجل بذلک أحبه الله و من أحبه الله تبارک و تعالى وفاه أجره يوم القيامة بغير حساب ثم قال يا جميل (راوی الحدیث) ارو هذا الحديث لإخوانک فإنه ترغيب في البر.»
ص: 35
من القصص المذکورة في التاریخ ان امرأة دخلت مشلولة يدها على احد ازواج النبی فسألتها عن سبب شلل يدها فقالت: کان أبي يحب الصدقة و المعروف وينفق على الفقراء وأمي تلومه وتبغض الصدقة لن تتصدق في حياتها إلا بقطعة شحم وثوب خلق فرأيت في المنام کأن القيامة قد قامت ورأيت أمي لابسه تلک الثوب الخلق فقط وفي يدها قطعة الشحم تلحسها من شدة العطش فرأتني وطلبت مني ماء فذهبت فرأيت أبي على حافة النهر يسقي الناس فطلبت منه قدحا من ماء فسقيت أمي فسمعت صوتا ينادي شل الله يد من سقى البخيلة فانتبهت منزعجة فرأيت يدي قد شلت کما ترين.
قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(1)
«أهدوا لموتاکم فقلنا يا رسول الله و ما هدية الأموات قال الصدقة و الدعاء. و قال صلی الله علیه و آله: إن أرواح المؤمنين تأتي کل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دورهم و بيوتهم ينادي کل واحد منهم بصوت حزين باکين يا أهلي و يا ولدي و يا أبي و يا أمي و أقربائي اعطفوا علينا يرحمکم الله بالذي کان في أيدينا و الويل و الحساب علينا و المنفعة لغيرنا و ينادي کل واحد منهم إلى أقربائه اعطفوا علينا بدرهم أو برغيف أو بکسوة يکسوکم الله من لباس الجنة.
ثم بکى النبي صلی الله علیه و آله و بکينا معه فلم يستطع النبي صلی الله علیه و آله أن يتکلم من کثرة بکائه ثم قال أولئک إخوانکم في الدين فصاروا ترابا رميما بعد السرور و النعيم فينادون بالويل و الثبور على أنفسهم يقولون يا ويلنا لو أنفقنا ما کان في أيدينا في طاعة الله و رضائه ما کنا نحتاج إليکم فيرجعون بحسرة و ندامة و ينادون أسرعوا صدقة الأموات.
و قال صلی الله علیه و آله: ما تصدقت لميت فيأخذها ملک في طبق من نور ساطع ضوؤها يبلغ سبع سماوات ثم يقوم على شفير الخندق فينادي السلام عليکم يا أهل القبور أهلکم أهدى إليکم بهذه الهدية فيأخذها و يدخل بها في قبره فيوسع عليه مضاجعه.
فقال صلی الله علیه و آله: ألا من أعطف لميت بصدقة فله عند الله من الأجر مثل أحد و يکون يوم القيامة في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظل العرش و حي و ميت نجا بهذه الصدقة.»
ص: 36
وحکي عن أمير خراسان أنه رأى في المنام بعد موته، وهو يقول: ابعثوا إلي ما ترمونه إلى الکلاب فإني محتاج إليه.(1)
و قال العلامة المجلسي رحمه الله:(2) «و ينبغي أن لا ينسى الأموات فإن أيديهم منقطعة من أعمال الخير، و يتأملون من أولادهم و ذويهم و إخوتهم المؤمنين و ينتظرون إحسانهم و خاصة الدعاء في صلاة الليل و بعد صلوات الفرائض و في المشاهد المشرفة، و ينبغي الدعاء للوالدين أکثر من الآخرين و القيام بأعمال الخير من أجلهم. و في الخبر کم من ولد کان في حياة والديه عاقا لهما، و لکنه يصير بارا بعد موتهما بسبب أعمال الخير التي يعملها لهما، و کم من ولد کان بارا لوالديه في حياتهم و لکن يصبح عاقا بعد وفاتهم بسبب ترکه لأعمال الخير التي يجب عليه أن يؤديها لهما و لا يؤديها. و أهم الخيرات للوالدين و سائر الأرحام هو أداء ديونه، و تبرئة ذمته من حقوق الله و الخلق، و السعي في قضاء العبادات التي فاتته بالاستئجار و التبرع. و روي في الحديث الصحيح أن الإمام الصادق علیه السلام کان يصلي رکعتين في کل ليلة لولده، و في کل يوم لوالديه، يقرأ في الأولى منهما سورة القدر، و في الثانية منهما سورة إنا أعطيناک الکوثر.
و روي بسند صحيح عن الإمام الصادق علیه السلام أنه کم من ميت في ضيق و شدة يوسع الله عليه و يرفع عنه ضيقه ثم يقال له إن هذا الفرج الذي حدث لک کان بسبب صلاة أخيک المؤمن فلان من أجلک. سأل الراوي: لي ميتان، هل يمکن أن أشرکهما في رکعتي صلاة، قال: نعم، و قال: إن الميت يفرح و يحصل على الفرج بدعاء الاستغفار الذي يدعى له کما يفرح المؤمن بالهدية ترسل إليه، و قال: إن الصلاة و الصيام و الحج و التصدق و سائر أعمال الخير تدخل إلى قبره، و يکتب ثواب تلک الأعمال لمن قام بها و للميت کليهما. و في حديث آخر قال: من عمل من المسلمين عملا صالحا لميت فإن الله تعالى يضاعف ثوابه و ينتفع الميت بذلک العمل، و ورد في رواية أنه من تصدق بنية ميت أمر الله تعالى جبرئيل أن يذهب هو و سبعون ألف ملک معه عند قبره و بيد کل منهم طبق من النعم الإلهية، و کل منهم يقول له: السلام عليک يا حبيب الله، هذه هدية ذلک المؤمن لک، فينور قبره و يهبه الله تعالى ألف مدينة في الجنة و يزوجه بألف حورية، و
ص: 37
يلبسه ألف حلة، و يقضي له ألف حاجة.
و روي في حديث معتبر أنه يصل المؤمن بعد موته ستة أشياء الأول ولد صالح يستغفر له، و مصحف أو کتاب علم يخلفه ينتفع الناس منه و قليب يحفره، و غرس يغرسه و صدقة ماء يجريه، و سنة حسنة يؤخذ بها بعده.» انتهی کلام المجلسی
أن الحسين علیه السلام أخذ يهيئ نفسه وأهله للرحيل، ومغادرة وطن جده حيث ذکريات النبوة ومهبط الوحي، وبيت فاطمة وعلي، وملاعب الطفولة وأيام الصبا، والأهل والعشيرة والأحبة. وتذکر الأخبار أن طفلة عليلة کانت للحسين علیه السلام تسمى فاطمة وتلقب بالعليلة، منع مرضها الحسين أن يأخذها معه، بل ترکها وديعة عند أم سلمة. فلم تستطع هذه الطفلة تحمل ما سمعت، کيف تترک وحدها ودار أبيها ودور أعمامها وأخوتها خالية موحشة، وأين تتجه وإلى من تشکو حالها وعلتها؟ وکيف تقوى على تحمل فراقهم والتصبر على جمر غربتهم. فأخذت تتوسل بأبيها الحسين أن يأخذها مع أهلها وأحبتها:
بويه خذوني وياکم أخذوني*بعدکم يا أهلي تعمن أعيوني
بويه بوية وحدي غريبة لا تخلوني*بوية خذوني وياکم أسرج الخيل
وأحط فراشکم لو چلچل الليل*ااه ياعمة زينب خادمة ليکم خذوني
عليلة او لا تظيعوني
فحاول الحسين علیه السلام بيان صعوبة السفر عليها وأنهم سيبعثون عليها إذا استقر بهم المقام و ارجعها إلى دارها وخرج من الدار وهي تقول بلسان حالها:
أنا جويعدة وحمل ضعنهم*وچني غريبة وماني منهم
ويحملون وأنا أتفکر إلهم
خرج الرکب ولما رجعت إلى بيت أبيها الحسين، وجدته خاليا موحشا حزينا کئيبا، ينعى نزاله، ويبکي عماره، فهاج بها الحزن، وتحادرت دموعها على خديها وأخذت تبحث عمن يرسل إلى أهلها رسالة منها، بعد أن طال غيابهم، وازدادت فرقتهم.
وين الذي ياخذلي کتاب*بيه البواچي وبيه العتاب
للخلوا عيوني على الباب*ما علي ودوا شنهو الأسباب
ظليت احسب مية حساب*مدري اشصار بهلي الغياب
اترى يعود لي الزمان بقربکم*هيهات ما للقرب من ميعاد
ص: 38
صلى الله عليک يا سيدي ومولاي يا رسول الله. صلى الله عليک وعلى الک المظلومين. لعن الله الظالمين لکم من الأولين والاخرين إلى قيام يوم الدين. صلى الله عليک يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساکبة ويا عبرة کل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتک لک الفدا. يا شهيد کربلاء ويا قتيل العدا ومسلوب العمامة والردا. ما خاب من تمسک بکم وأمن من لجأ إليکم. يا ليتنا کنا معکم سادتي فنفوز والله فوزا عظيما.
أما ان ترکي موبقاتِ الجرائمِ*وتنزيهُ نفسي عن غويٍ واثمِ
واختم أيامي بتوبةِ تائبٍ*يذود بها عقبى ندامةَ نادم
سأمحو بدمعي في قتيل محرمٍ*صحائفَ قد سودتُها بالمحارم
قتيلٌ بکاه المصطفى وابنُ عمِه*عليٌ وأجرى من دم دمعَ فاطم
وأعظمُ خطبٍ لا تقوم بحملِه*متونُ الجبالِ الراسياتِ العظائم
عويلٌ بناتِ المصطفى مذ أتى لها*جوادُ قتيلِ الطفِّ داميْ القوائم
**
یهل الحادی الحدیت الظعن بی وین*اشکر گلبی علی الخوان بی ون
صحت یا ماخذین الاخو بی وین*دریضولی اودعه او های هیه
بعد ما یجتمع شملی و شملاک*او غیرک اشعندی وش املاک
چنت من تگعد اگبالی و شملاک*اشم ریحت هلی البعدو علیه
الیفگعد ابو عیده صبح موتین*و الیفگد اخو ظهره انجسم نصین
او الیفگعد ولد یفگد سواد العین
تمنت النحبهم ما یشیلون*او طول الدهر ویانه یظلون
حسبالی الفرگه یوم یومین*اثاری الفرگه حفنت اسنین
بویه سهم البین وبالدلال ما رد*او من بعد الاخو للعمر مارید
اخونه الطلع من البیت ما رد*عزیز او فرگته تصعب علیه
اثاری الاخو ماینشبع منه*خذاک الموت یل کلک محنه
بعد هیهات ما یرجع النه*شمعتنه انطفت و ظلم نزلنه
فی لیلة الحادی عشر من محرم الناس ایدورن علی الجثث، وحده من النساء عرفة ولدها و هو بدون راس گالتها زینب:
یم الولد ونی وذکریه*شباب البواچی لایگه اعلیه
وسفه اعلی التراب اشلون غاطیه
ص: 39
یا ما تعبنه او کبرینه*او راح الولد من بین ادینه
والهای چنه ما حسبینه
اعاین للولد ما هو ویه الاولاد*و فراگ العزیز ایگطع الفاد
دفناهم بدینه او صارو ابعاد
(وَلَنَبْلُوَنَّکمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِک عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِک هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
الأولاد نعمة من أجل وأفضل النعم على الإنسان لا يحس بها إلا من حرم منها أو فقدها والولد و البنت هبة إلهية ومنحة ربانية، قال الشاعر:
إنما أولادنا أکبادنا*أرواحنا تمشي على الأرض
إن هبت الريح على بعضهم*امتنعت عيني عن الغمض
وفقد الولد مصيبة لا تتحملها إلا نفس المؤمن الصابرة الراضية بقضاء الله تعالى وقدره قال ابن مسعود: ما منکم إلا ضيف، وماله عارية، والضيف مرتحل، والعارية مؤداة إلى أهلها. وقال الشاعر:
وما المال والأهلون إلا ودائع*ولا بد من يوم ترد الودائع
وهذه بشريات عند فقد الولد ومواساة للصابرين عند فقد البنات والبنين فهي بشريات للمواساة والتسلية والتعزية.
البشارة الأولى: تنزیل صلوات الله تعالى و رحمته وهدايته، قال تعالى في وصف المؤمنين الصابرين على البلاء
الراضين بمر القضاء: (وَلَنَبْلُوَنَّکمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِک عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِک هُمُ الْمُهْتَدُونَ) قال أهل التفسير: والصلاة: من الله المغفرة و الرحمة: کشف الکربة وقضاء الحاجة.
عن إسحاق بن عمار(1)
قال لما قبض الإمام الباقر علیه السلام جعلنا نعزي الصادق علیه السلام بابیه فقال بعض من کان معنا في المجلس: رحم الله عبدا و صلى عليه، کان إذا حدثنا قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله، قال: فسکت
ص: 40
الإمام الصادق علیه السلام طويلا و نکت في الأرض(1)
قال: ثم التفت إلينا فقال قال رسول الله صلی الله علیه و آله قال الله تبارک و تعالى إني أعطيت الدنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته لکل واحدة منهن عشرا إلى سبعمائة ضعف و ما شئت، فمن لم يقرض منها قرضا فأخذتها منه قهرا أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائکتي رضوا بها ثم(2) تلا أبو عبد الله علیه السلام قول الله عزوجل الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون أولئک عليهم صلوات من ربهم فهذه واحدة من ثلاث خصال و رحمة اثنتان و أولئک هم المهتدون ثلاث ثم قال أبو عبد الله علیه السلام هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.»
اسکندر لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها وبلغ أرض بابل مرض مرضا شديدا، فعلم أنه مرض الموت وأشفق على نفسه فکتب لأمه معزيا في ذکاء قائلا: يا أماه، إذا جاءک کتابي فاصنعي طعاما واجمعي من قدرت من الناس ولا يأکل طعامک من أصيب بمصيبة، وتسألي هل وجدت لشيء قرارا إني لأرجو أن الذي أذهب إليه خيرا مما أنا فيه.
فلما وصل کتابه صنعت طعاما عظيما وجمعت الناس وقالت: لا يأکل هذا من أصيب بمصيبة. فلم يتقدم أحد من هذا الطعام، فعلمت مراد ابنها فقالت: بني، من مبلغک عني أنک وعظتني فاتعظت وعزيتني فتعزيت فعليک السلام حيا وميتا.
البشارة الثانیة: دخول الجنة، روی عن النبی صلی الله علیه و آله:(3)«أن رجلا کان يجي ء بصبي معه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و أنه مات فاحتبس والده عن رسول الله صلی الله علیه و آله فسأل عنه فقالوا مات صبيه الذي رأيته معه فقال صلی الله علیه و آله هلا آذنتموني فقوموا إلى أخينا نعزيه فلما دخل عليه إذا الرجل حزينا و به کئابة فعزاه فقال يا رسول الله کنت أرجوه لکبر سني و ضعفي فقال رسول الله صلی الله علیه و آله أ ما يسرک أن يکون يوم القيامة بإزائک فيقال له ادخل الجنة فيقول يا رب و أبواي فلا يزال يشفع حتى يشفعه
ص: 41
الله عزوجل فيکم و يدخلکم الجنة جميعا.»
و قيل توفي لداود (ع) ولد فحزن عليه حزنا شديدا فقيل له ما عدله عندک قال مل ء الأرض ذهبا قيل له فإن لک من الأجر مثل ذلک.(1)
البشارة الثالثة: بيت الحمد وهناک خصوصية لمن صبر على فقد الولد بأن يکون له بيت خاص في الجنة يکون علیه علامة وهو بيت الحمد عن الإمام الصادق علیه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا قبض ولد المؤمن و الله أعلم (2)بما
قال العبد قال الله تبارک و تعالى لملائکته قبضتم ولد فلان فيقولون نعم ربنا قال فيقول فما قال عبدي قالوا حمدک و استرجع (3) فيقول الله تبارک و تعالى أخذتم ثمرة قلبه و قرة عينه فحمدني و استرجع ابنوا له بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد.(4)»
و جاء في الحدیث القدسی:(5)
«يقول الله تعالى توسعت على عبادي بثلاث خصال بعث الدابة على الحبة ولولا ذلک لکنزها ملوکهم کما يکنزون الذهب والفضة وتغير الجسد من بعد الموت ولولا ذلک لما دفن حميم حميمه وأسليت حزن الحزين ولولا ذلک لم يکن يسلو» و کل انسان محتاج الی عمل صالح ینفعه في القبر و یوم الحساب. و نقل في ذلک:
نقل الشیخ عباس القمی عن بسنده عن الشيخ بهاء الملة والدين العاملي قدس سرهم:(6)«انه
ذهب في أحد الأيام لزيارة بعض أصحاب الحال، وکان يأوى في مقبرة من مقابر اصفهان، فقال ذلک الشيخ العارف للشيخ: شاهدت قبل هذا اليوم في هذه المقبرة أمرا غريبا. فقد رأيت جماعة جاؤوا بجنازة ودفنوها في هذه المقبرة في الموضع الفلاني. وبعد مضي ساعة شممت رائحة طيبة لم تکن من روائح هذه النشأة، فبقيت متحيرا، فنظرت الى يميني وشمالي لاعرف من أين جاءت هذه الرائحة، فرأيت شابا جميل الصورة في لباس الملوک وهو يذهب الى
ص: 42
ذلک القبر حتى وصل عنده، فتعجبت کثيرا من مجيئه الى ذلک القبر.
فعندما جلس عند ذلک القبر رأيته قد غاب وکأنه صار داخل القبر. فلم يمض زمن من تلک الحادثة حتى شممت رائحة کريهة انتن من کل رائحة، فنظرت فرأيت کلبا يذهب بأثر الشاب حتى وصل الى ذلک القبر واختفى. فتعجبت لذلک وما کاد تعجبي ينقضي حتى خرج ذلک الشاب بحال سيئة وهيئة قبيحة وبدن مجروح، وقد رجع من حيث أتى.
فذهبت وراءه، ورجوته أن يخبرني بحقيقة الأمر فقال: أنا العمل الصالح لهذا الميت، وکنت مأمورا أن اصير معه في قبره، فإذا بذلک الکلب الذي رأيته أتى وهو عمله غير الصالح. فأردت أن اخرجه من القبر لأفي بصحبته فعضني ذلک الکلب بأنيابه، وجرحني ومزق ملابسی کما ترى، ولم يترکني أبقى مع ذلک الشاب، فلم أقدر بعد ذلک أن أبقى معه في قبره، فخرجت، وترکته لوحده.»
ثم قال شیخ عباس القمی بعد هذه الحکایة عن احد العلماء: «ما قلته صحيح. فنحن قائلون بتجسم الأعمال وتصورها بالصورة المناسبة بحسب الأحوال.»(1)وروى
الشيخ الصدوق عن الصادق جعفر بن محمد
ص: 43
علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(1)
«مر عيسى بن مريم علیه السلام بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب فقال يا رب مررت بهذا القبر عام أول فکان صاحبه يعذب ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب فأوحى الله عزوجل إليه يا روح الله إنه أدرک له ولد صالح فأصلح طريقا و آوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه قال و قال عيسى بن مريم علیه السلام ليحيى بن زکريا علیه السلام إذا قيل فيک ما فيک فاعلم أنه ذنب ذکرته فاستغفر الله منه و إن قيل فيک ما ليس فيک فاعلم أنها حسنة کتبت لک لم تتعب فيها.»
نعم الحزن لولا تسلیت الله لم یعدء خصوصا قلب الام اذا فقدت ولدها ساعد الله قلب رمله لمّا نظرت إلى ولدها الوحيد القاسم ابن الحسن مشقوق الهامة مخضباً بدمه ألقت نفسها عليه منادية: واولداه، واقاسماه نعم یا مومنین الله يکون بعون الام الفاقدة ابنها يساعدهن الله ان شالله نادی حق مصاب القاسم لکن اکو قصيدة تفطر القلب عن فقد الام لولادها:
انه أم الشباب الساهريت اليال*وعلى أربات الولد کل حيلي ذبيته
انه الشلته تسعه أمن الشهور أصحاح*أعد أيامي عد بشوگ تانيته
وأجاني امگمط أبني بوجهي فک العين*چنه بسکته يمه يصيح سمعيته
ما ينوصف طعم الفرحة ذاک اليوم*دنيته أعله صدري وحيل ضميته
أساهر للصبح خافن يفز جوعان*وايده مگمطه ومايدل مميته
ربيته بتعب ومحزمتله حزام*وأبني أعله النفس والروح بديته
إبني الملک روحي وماي هاي وهاي*حبه الشگد دليلي وصارملکيته
يا عز الضنه الماينشره بکنوز*تسوه الدنيه کلها وليدي حنيته
أرگع ثوبي بيدي بيوم طگني العوز*ما أتهنه أبد بس إبني هنيته
حرمت النفس من ما تشتهي وتريد*بس کون الولد مرتاح حسيته
إبني الاغله مني وأغله مني هواي*قسم ما يوم إجاني بطلب رديته
چلمه يمه منه تشيل مني الغيض*وبضحکه سنونه الحزن عديته
وکبر گدام عيني بألف يا رحمن*صاحب صار اليه وخوه خاويته
ولو يطلع مسيه أوياه تروح الروح*وبأيدي الکلب لو طلع کضيته
ص: 44
وما تغفالي عين ولا يجيني النوم*إلا بأيدي جسم وليدي غطيته
ولو راد الصبح يطلع أگوم وياه*کبل لا تخطي رجله الباب رشيته
وضلت عيني تربي وتنتظر مشاه*عله خده الولد من طلع حبيته
وذاک اليوم شفته أو وجهه أصفر صار*مو إبني الأعرفه بذيج شخصيته
رايح يمه کلي مودع الله وياج*لباب البيت بالحسرات زتيته
وأحس کلبي نعصر من حبني فوک الرأس*ضل بالشيله يشتم دمعي صبيته
وادعني بوداع المايرد اردود*رفعت أيده بدعا والباري ناجيته
الهي بجاه شوغة زينب أعله حسين*رد الولد لمه وتفرح بجيته
وغاب إبني عليه أمن الصبح لليل*وأحسه يصيح يمه وماني لاگيته
أندگ بابي عليه وجدمي صار خيوط*گمت أندب علي والباب وصليته
وشفت أربع شباب ولازمين أوليد*سابح بالدمه ومخضبه لحيته
يه ابني الولد يالتعباني أرباک*أخرت التعب چاهيچ تاليته
ساعدها قلب مولتنا رمله ام القاسم عندما حمله الحسين علیه السلام وجعل صدر القاسم على صدره، ثم جاء به إلى المخيم وکانت رجلا القاسم تخطان في الأرض خطا (هل کان القاسم طويلا إلى هذا الحد حتى کانت رجلاه تخطان الأرض، أم أن الهموم والرزايا التي انهالت على أبي عبد الله لا سيما مقتل القاسم هدت ظهر الحسين علیه السلام فکان عند حمل ابن أخيه القاسم بن الحسن منحني الظهر) ورد عن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) في زيارة الناحية عند ذکر القاسم ابن الحسن المجتبى علیه السلام : "السلام على القاسم ابن الحسن المضروب على هامته، المسلوب لامته، الذي نادى عمه الحسين فجلى عليه کالصقر فراه يفحص بيديه ورجليه، فقال: يعز والله على عمک أن تدعوه فلا يجيبک أو يجيبک فلا يعينک أو يعينک فلا يغني عنک، بعدا لقوم قتلوک ومن خصمهم يوم القيامة جدک و أبوک، هذا والله يوم کثر واتره وقل ناصره" جاء به الحسین علیه السلام إلى المخيم، وطرحه إلى جانب جثمان ولده علي الأکبر، ثم جلس بينهما، صار ينحني تارة على ولده ينادي: "واولداه واعلياه"، وأخرى على ابن أخيه ينادي: "واقسماه".
جابه ومدده ما بين اخوته*بکى عدهم يويلي وهم موته
بس ما سمعن النسوان صوته*اجت رملة تصيح الله أکبر
فلما سمعت النساء بالخبر، جئن إليه وهن باکيات لاطمات، ومعهن أمه
ص: 45
رملة، فلما وصلن إليه ألقين بأنفسهن عليه، وأمه تنادي: واولداه، واقسماه...
يبني ردتک ما ردت دنيا ولا مال*تحضرني لو وگع حملي ولا مال
يجاسم خابت ظنوني ولا مال*عند الضيق يبني گطعت بيه
يلبيدي افرشلک کنت يبني وأغطيک*نايم عله التربان هسه اولا نفس بيک
لو يرضه مني الموت والله ابروحي أفديک
ومرملٌ مُذْ رَأتْهُ رَملةٌ صَرَخَت*يا مُهجَتِي وَسُرورِي يا ضِيَا بَصَرِي
بُنَي تَقضِي على شَاطِي الفُراتِ ظَماً*والماءَ أشرَبُهُ صَفْواً بِلا کدَرِ
يا الله
ص: 46
ارى الايام تسرع في خطاها*ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﺤﺎﻝِ
فموت ثم قبر ثم بعث*لعمرک انه حق المقالِ
فاين بقائنا فی الارض دهرا*واين العيش في جاه ومالِ
وما الدنیا سوى لعب ولهو*بها نبني قصورا من رمالِ
واين السابقون مضوا جميعا*وذاک بنائهم في الارض خالِ
ملک الموت اجالک والگبر مفتوح*حضر للرحيل امتاع باچر موت
حتى براس عالي اعله الصراط اتفوت*بعدک بالمغيسل جابوا التابوت
جثة بوسط خشبة وشايلينک لوح*وين تروح وين تروح
خلص و نتها التشييع*وامک شبگتک لحظة التوديع
يبني يا تعب التعبته شلون يمه يضيع*وتترک والده يضلم سماها النوح (وين تروح)
باب الحد ضيک والدرب مسدود*يلغمضت عينک لا تضن تعود
يبو خد الترف سير عليک الدود*وانت تخيل تصرخ صرخة المذبوح (وين تروح)
ومن تدخل حفرتک والتراب يهيل*ماتعرف نهارک من سؤاد الليل
يل طخت ثوبک لا تصيح الويل*لسانک صار شاهد بالجنيته يبوح
وين تروح وين تروح
يل تارک صلاتک قصريت بهاي*باچر گلت اصلي وما صفالک راي
ربک گد يسامح لچن الا بهاي*ممنوع العذر وبهاي ما مسموح
وين تروح وين تروح
وين الوجه تنطي وبعد وين تريد*وانت من الحياة طلعت خالي الايد
يل ماصمت يوم شلون تنطر عيد*وهلال الفطر هَيّج عليک جروح
راح اسولفلک الصار بحالي*بالگبر من طلعوا اعمالي
من متت وانگظت ساعات العمر*واصدقائي واهلي نزلوني الگبر
ماطلع اي عمل عندي ينذکر*چفي من مديته شو طلع خالي
طلعوا اعمالي وي طيش الشباب*کلها لنها مسجله بذاک الکتاب
گلت ياروحي بشري بلعذاب*حيل استاهل شما يجرالي
ذکروني بالمعاصي والذنوب*وانه بين النار والحسرة اذوب
ابد ما ينفعني هسه شما اتوب*گلت اسکت احسن او اشوالي
راح اسولفلک الصار بحالي*بالگبر من طلّعوا اعمالي
ص: 47
ماحسبت احساب انه و دنيتي*اعمل الاشيا تفيد بحفرتي
شلون هسه شلون وانه بحيرتي*وهاي ما حاسبها چنت ابالي
گلت فرصه انطوني ارجع للحيات*حتى اتوبن انه وأعمل صالحات
اگظي صومي الفات وأگظيها الصلاة*وارد ازکي اشباقي من اموالي
شلون وانه اشعر بحالي سجين*بين ظلمه ودود مچتوف ورهين
بلايه مال بلايه جاه ولا بنين*مني اخذوا کل عزيز وغالي
حبک ياعلي لکل العلل يبرى*وکسير الجنح دومه البيک يبرى
لا تتبرى مني بيوم يبری*الابو عن ابنه والاخ عن اخيه
(وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)(1)
العمل الصالح هو کل عمل يقصد به فاعله وجه الله تعالي ويکون العمل موافقًا للکتاب الله و احادیث اهل البیت علیه السلام سواء کان عملا تعبديا محضا کالصلاة والصيام، أو عملا له مردود واضح على الخلق يعود بالنفع على الناس في الدنيا أو الآخرة أو في کليهما معا.
مهد الفراش بسطه و سهله، و أصحاب الأعمال الصالحات يفرشون قبورهم و يجهزونها بما يحتاجونه لأمنهم و راحتهم قبل أن ينقلوا اليها تماما کما يجهز البيت في الحياة الدنيا قبل سکناه، و عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام قال:(2)
«إن العمل الصالح ليذهب إلى الجنة، فيمهد لصاحبه، کما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثم قرأ: "وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُون"» ان عمل کل شخص يعرض امامه في يوم الاخرة خيرا کان اوشرا ويکون موجبا لنشوته وسعادته او عذابه
ص: 48
ومعاناته موجبا للفخر والکرامة اوللفضيحة والعار.
وعلى هذا الأساس الأعمال الحسنة لهذا العالم تتغير في ذلک العالم وتتحول إلى: بساتين وحقول نظرة وحدائق غلبا، وأولاد مخلدين، وحور مقصورات في الخيام، وقصور فارهة والعکس صحيح، فإن الأعمال القبيحة تتحول إلى أشياء تناسبها، کالنار و سلاسل الحديد وأنواع العذاب من الغل والضرب والزقوم والمهل يغلي البطون وغير ذلک.
و عن الإمام الصادق علیه السلام :(1) «اذا وضع الميت في قبره مثل له شخص وقال له ياهذا کنا ثلاثة کان رزقک فانقطع بانقطاع اجلک وکان اهلک فخلفوک وانصرفوا عنک وکنت عملک فبقيت معک اما اني کنت اهون الثلاثة عليک» و لذا لازم نعمل بوصایا اهل البیت علیه السلام و الوجبات التی فرضت علینا من هذه الوصایا وصیة رسول الله صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام :(2) «يا علي أوصيک في نفسک بخصال أما الأولى فالصدق لا يخرجن من فيک کذبة أبدا و الثانية الورع لا تجترين على خيانة أبدا و الثالثة الخوف من الله کأنک تراه و الرابعة فالبکاء من خشية الله يبنى لک بکل دمعة بيت في الجنة و الخامسة بذل مالک و دمک دون دينک و السادسة الأخذ بسنتي»
وکان لاحد العلماء ولد بلغ الحادية عشرة وقد حفظ القرآن ولقنه أبوه جانبا کبيرا من الفقه، فمات فلما جاءه بعض المعزين قال إبراهيم: والله لقد کنت على حبي له أشتهي موته، فقال له المعزي: أنت عالم الدنيا تقول ذلک في صبي قد حفظ القرآن، ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم أو يخفى عليک أجر تقديمه؟ (أو کما قال) ثم قال: وفوق ذلک فلقد رأيت في منامي کأن القيامة قامت، وکأن صبيانا بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس، فيسقونهم، وکان اليوم حارا شديد حره، قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء.
قال: فنظر إلي وقال: لست أبي. قال: قلت: من أنتم؟ قال: نحن الصبية الذين متنا، و صبروا اباؤنا طاعة لله و رضا بقضائه و نحن ننتظرهم لنسقيهم، فنسقيهم الماء. قال: فلذلک اشتهيت موته، والحمد لله، وإنا لله
ص: 49
وإنا إليه راجعون.(1)
يا صاحب الهم إن الهم منفرج*أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه*لا تيأسن فإن الکافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة*لا تجزعن فإن الکاشف الله
إذا بليت فثق بالله وارض به*إن الذي يکشف البلوى هو الله
نسأل الله أن يعافي المومنین من کل مکروه وسوء، وأن يرزقنا وإياهم الصبر والرضا. الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، فما الذي جرى للناس؟ ألم يقل طبيب القلوب صلی الله علیه و آله: "أکثروا من ذکر هاذم اللذات"؟ ألم يرو عنه صلی الله علیه و آله: "کفى بالموت واعظا"؟ فمن لم يعظه الموت فمن؟ ومن لم تعظه مشاهد الاحتضار فمن؟ ومن لم تعظه سکرات الموت فمن؟ ومتى العمل؟ يا غفلا عن الموت؟ أعند نزول الموت؟ أمبعد الموت؟ أمفي القبر؟ هيهات هيهات لا إله إلا الله کيف لا نرى حالنا؟ والموت أمامنا والقبر أمامنا، والقيامة موقفنا، وجسر جهنم طريقنا، ولا ندري ما يفعل بنا.
ص: 50
فيا کثير السيئات إن للموت سکرات يا هاتک الحرمات إن للقبر ظلمات يا صاحب الشهوات إن للنار زفرات اسأل نفسک ماذا أعددت لکل هذا؟ حسرات، عبرات، سکرات، قبور موحشات، عظام نخرات، يا أسير الغفلات.
اليوم انت تعزي الناس وغدا يعزى فيک، واليوم تبکي وغدا يبکى عليک. نقل عن الإمام علي ابن ابی طالب علیه السلام في دیوانه:(1)
لا تجزعن من الهزال فإنما*ذبح السمين و عوفي المهزول
و اجعل فؤادک للتواضع منزلا*إن التواضع بالشريف جميل
و إذا وليت أمور قوم ليلة*فاعلم بأنک عنهم مسئول
و إذا حملت إلى القبور جنازة*فاعلم بأنک بعدها محمول
يا صاحب القبر المنقش سطحه*و لعله من تحته مغلول
ما ينفعنه أن يکون منقشا*و عليه من حلق العذاب کبول
لا تغترر بنعيمهم و بملکهم*الملک يفنى و النعيم يزول
إذا کان الموت مصير کل حي ونهاية کل شيء ألا يتعظ العاقل وينزجر الغافل من الغفلة عن المصير، والسؤال عن الکبير والصغير؟ یا مومنین أکثروا من زيارة القبور فإنها تذکرکم بالآخرة اعتبروا بمن صار تحت التراب وانقطع عن الأهل والأحباب اتقوا الله و اعملوا للآخرة، دار لا يموت ساکنها ولا يخرب بنيانها ولا يهرم شبابها يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين قال الله تعالی: (کلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(2).
وما زلنا مع الحديث عن نهايتنا وتعالوا نختم هذا الحدیث بروایات.
منها عن الإمام الصادق علیه السلام :(3)«بادر
بأربع قبل أربع، بشبابک قبل هرمک، وصحتک قبل سقمک، وغناک قبل فقرک، وحياتک قبل موتک» وعن الباقر علیه السلام قال:(4)«لا
يزولُ قدم (قدما) عبد يوم القيامة من بين يدي الله، حتى يسأله عن أربع خصال: عمرک فيما أفنيته، وجسدک فيما أبليته، ومالک من أين اکتسبته واين وضعته، وعن حبنا أهل البيت؟»
ص: 51
«قال جاء رجل إلى علي بن الحسين علیه السلام يشکو إليه حاله فقال مسکين ابن آدم له في کل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن و لو اعتبر لهانت عليه المصائب و أمر الدنيا فأما المصيبة الأولى فاليوم الذي ينقص من عمره قال و إن ناله نقصان في ماله اغتم به و الدرهم يخلف عنه و العمر لا يرده و الثانية إنه يستوفي رزقه فإن کان حلالا حوسب عليه و إن کان حراما عوقب عليه قال و الثالثة أعظم من ذلک قيل و ما هي قال ما من يوم يمسي إلا و قد دنا من الآخرة رحلة لا يدري على الجنة أم على النار. و قال (یعنی قال الإمام السجاد علیه السلام أکبر ما يکون ابن آدم اليوم الذي يلد (يولد) من أمه. (قال الشیخ المفید:) قالت الحکماء ما سبقه إلى هذا أحد.»(1)
قال أمير المؤمنين علیه السلام :(2) «مسکين ابن آدم مکتوم الأجل مکنون(3)
العلل(4)
محفوظ العمل تؤلمه البقة و تقتله الشرقة و تنتنه العرقة ما لابن آدم و الفخر أوله نطفة و آخره جيفة لا يرزق نفسه و لا يدفع حتفه.»
وقال بعض الحکماء: إنّ الانسان مسافر، ومنازله ستة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة: فالتي قطعها: 1) من کتم العدم الى صلب الأب وترائب الأم. 2) رحم الأم. 3) من الرحم الى فضاء الدنيا. وأما التي لم يقطعها: فأولها القبر. وثانيها فضاء المحشر. وثالثها الجنة أو النار. ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدة قطعها مدة عمرنا، فأيامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خطوات. فکم من شخص بقي له فراسخ، وآخر بقي له أميال، وآخر بقي له خطوات.
وما أروع قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له*إن الحياة دقائق وثواني
ص: 52
الإمام علي علیه السلام :(1)«فقد الولد محرق للکبد و فقد الإخوان موهي الجَلَد» یعنی موت الولد یعمی الانسان یحرق کبده و فقد الاخ یوهن الجَلَد یعنی ما تبقی الشاطر السابقة الانسان تذهب نباهته و یصبح مدهوش بفقد اخوه(2)
او های الام من اتضحی بابنه، من تفگد ابنه اشلون حاله، اللیلة حاجتنا یم القاسم بن الحسن بس های الابیات ارید اقراهم للام لسان حال کل ام فاگعدة ولدها (کل شخص فاگعد عزیزة):
خویه جانی العید او یردونی اعاید*اعاید اشلون وانه الحیل باید
غرگان الولد و منین اجیبنه
گالولی غرگ بالمای*رحت ارکض ادورنه
هذا ابنی او عزیزی اشلون اعوفنه
بعد یا عید لاتجبل علیه*اهل العید راحوا من ادیه
انه امن الظیم یا خویه انطر دلیلی*نفرح بیک حسبالی سویه
شتظن یفرح ابعید الراح اخیه*یعید الله بعد لاتمر بیه
شایفین امهاتنه لو تگعد بالمگبره و اتعاتب:
خایب اشلونک یبعد امک اشلونک*بعدک حلو لو خرب لونک
یغیاب الوکت غرب نعشکم*رحتو او ماشبعنه اوداک من کم
یادارنه اشمالچ تطردین*باطل عتبنه ویه الامحملین
یالحملت چادربک امنین
اشلونک بعد ابوبک(3)
اشلون گاضیه*هیچ ابصورتک یومیه اهاچیه
مشه الکله محنه چان راعیه
يقول المؤرخون: نزل الحسين علیه السلام إلى القاسم فاحتمله على صدره، وکانت رجلا القاسم تخطان في الأرض، لماذا؟ لأن مصيبة القاسم هدت رکن الحسين علیه السلام فانحنى ظهر الحسين لمصيبة القاسم، جاء به الإمام علیه السلام وألقاه في خيمة الشهداء من أهل بيته ثم خاطب الشهداء: صبرا على الموت يا بني عمومتي، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم.
جابه ومدده ما بين أخوته*او بچى عدهم يويلي وهم موتى
بس ما سمعن النسوان صوته*اجت رمله تصيح الله أکبر
ص: 53
ساعد الله قلب رمله تجی و تشوف ابنه امدد فاگد الحیات شتگله رمله:
ردتک ما ردت دنيا ولا مال*تحضرني لو وگع حملي ولا مال
يجاسم خابت ظنوني والأمال*عند الضيج يبني اگطعت بيه
مَا کنْتُ آمُلُ أَنْ أَبْقَى وَأَنْتَ عَلَى حَرِّ*الصَّعِيدِ ضَجِيعَ الصَّخْرِ والحَجَرِ
ص: 54
أرى عُمري مؤذناً بالذّهابِ*تمُرُ ليالهِ مرَ السحابِ
فمَن لي إذا حانَ منّي الحِمام*ولم أستطع منهُ دفعاً لما بي
ومَن لي إذا صرتُ فوق السرير*وشيلَ سريري فوق الرقابِ
ومن لي إذا قلّبتني الأکف*وجردني غاسلي عن ثيابِ
ومن لي إذا ما هجرتُ الدّيار*وعوضتُ عنها بدارِ الخرابِ
ومن لي إذا قامَ يومُ النّشور*وقُمت بلا حجة للحسابِ
ومَنْ لي إذا ناولوني الکتاب*ولم أدر ماذا أرى في کتابِ
فهل تحرقُ النار عيناً بکتْ*لرزء القتيلِ بسيف الضُبابِ
وهل تحرقُ النار رِجلاً مَشَت*إلى حرمٍ منهُ سامي القبابِ
**
اصعب موقف علی قلب زینب، حینما وصلت زینب علیها السلام إلى دار الحسين علیه السلام وقد کانت فاطمة العلیة منتظرة وقد نفذ صبرها:
وگفت ابباب الدار زينب والنساوين*وتصيح وين حسين يا دار الميامين
يا دار وين اهل النبوه والرساله*واللي أفاض الله عليهم من جلاله
يا دار وين اهل الرياسه والإمامه*اشمالج امظلمه او وينها ذيچ النشامه
يادار وين حسين او وين عباس*اشبال ابويه اللي على چتف النبي داس
عباس تسمع زينبا تدعوک من*لي يا حماي إذ العدى سلبوني
أو لست تسمع ما تقول سکينة*عماه يوم الأسر من يحميني
«کلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّک ذُو الْجَلالِ وَ الْإِکرامِ»(1)
ای کل ما علی الارض فانی و یبقی وجه الله أي يبقى قدرت ربّک الظاهر بقدرته کظهور الإنسان بوجه. سال الإمام الرضا (علیه السلام ) عن هذه الآیة فقال:(2)
«وجه الله تعالى أنبياؤه و رسله و حججه، هم الذين بهم يتوجه إلى الله عزوجل و إلى دينه و معرفته، و قال الله تعالى: کلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّک»
قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(3)«أهدوا لموتاکم فقلنا يا رسول الله و ما هدية
ص: 55
الأموات قال الصدقة و الدعاء.» قال رسول الله صلی الله علیه و آله:(1)«إن
أرواح المؤمنين تأتي کل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دورهم و بيوتهم ينادي کل واحد منهم بصوت حزين باکين يا أهلي و يا ولدي و يا أبي و يا أمي و أقربائي اعطفوا علينا يرحمکم الله بالذي کان في أيدينا و الويل و الحساب علينا و المنفعة لغيرنا و ينادي کل واحد منهم إلى أقربائه اعطفوا علينا بدرهم أو برغيف أو بکسوة يکسوکم الله من لباس الجنة ثم بکى النبي صلی الله علیه و آله ثم قال أولئک إخوانکم في الدين فصاروا ترابا رميما بعد السرور و النعيم يقولون يا ويلنا لو أنفقنا ما کان في أيدينا في طاعة الله و رضائه ما کنا نحتاج إليکم فيرجعون بحسرة و ندامة و ينادون أسرعوا صدقة الأموات.» البعض رای بعض موتاه في المنام فقالو له یا فلان لو اعطیت فاضل اکلک للدجاج انویها لنا صدقه فانا محتاجین حتی الی هذا هنا.
و قال الإمام الصادق (علیه السلام ):(2) «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره و نفع الله به المیت.» یعنی الاجر یکون ضعفین للعامل و للمیت. و قال الإمام الصادق (علیه السلام ):(3) «ستة يلحقن المؤمن بعد وفاته ولد يستغفر له و مصحف يخلفه و غرس يغرسه و صدقة ماء يجريه و قليب (ای بئر) يحفره و سنة يؤخذ بها من بعده.»
نعم یا مومنین کفى بالموت واعظا و والله لو کان الأمر سينتهي بالموت لهان الأمر، لکنه مع شدته وهوله، أهون مما يليه من القبر وظلمته، وکل ذلک هين إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الکبير المتعال، في موقف ترتج له النفوس، وتنخلع له القلوب.
و هناک صور للخاتمة السيئة أعاذنا الله وإياکم منها، وإن من علاماتها أن يتوفى الله العبد على غير الإسلام أو أن تکون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربه جل وعلا مقيم على ما يسخطه، مضيع ما أوجبه،
ص: 56
وهي تکون لمن إصر على الکبائر وإقدام على العظائم فربما غلب عليه ذلک حتى ينزل به الموت قبل التوبة.
في أحد الطرق کان مجموعة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة البرق، والموسيقى تصيح بصوت مرتفع، وهم فرحون بذلک کحال کثير من شبابنا إلا من رحم الله کان من أبعد ما يفکرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، کانت الامال تطير بهم وهم يتابعون تلک المزامير، وفجأة حدث ما لم يکن بالحسبان..
انقلبت السيارة عدة مرات.. وصلت سيارة الإسعاف، حملت المصابين أحدهم کان مصابا إصابات بليغة علم احد المومنین أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة عرف اسمه من صاحبيه قال له: "يا فلان قل لا إله إلا الله، يا فلان قل لا إله إلا الله".
فيقول (يقصد نفسه): "هو في سقر" ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلا بالله. یا اخي أنظر إلى أصحاب المعاصي کيف کانت حالتهم وکيف کانت خاتمتهم والعياذ بالله المقصود من القصة أخذ العبرة والاستفادة. ومن علامات حسن الخاتمة أيضا أن يموت العبد على عمل صالح من صلاة أو صيام أو قراءة قرآن.
ذکر بعض الفضلاء أن امرأة عجوزا کانت من أهل الصلاة والطاعة، وفي يوم وهي في مصلاها ساجدة، أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع، صاحت بابنها، أجلسها کهيئة السجود، حملها إلى المستشفى، ولکن لا فائدة، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال، قالت: "يا بني خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء"، ولم تزل في صلاة وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحراک، فقبض الله روحها وهي ساجدة، غسولها وهي ساجدة، کفنوها وهي ساجدة، أدخلت إلى قبرها وهي ساجدة، وتبعث يوم القيامة وهي ساجدة ان شالله.
یروی عن أمير المؤمنين (علیه السلام ) انه قال:(1)
«لما دخل المقابر يا أهل التربة و يا أهل الغربة أما الدور فقد سکنت و أما الأزواج فقد نکحت و أما الأموال فقد قسمت فهذا خبر ما عندنا و ليت شعري ما عندکم ثم التفت إلى أصحابه و قال لو أذن لهم في الجواب لقالوا إن خير الزاد التقوى.»
تزود من الدنيا فانک لا تدري*اذا جن ليل هل تعيش الي الفجر
فکم من عروس زينوها لزوجها*وقد أخذت أرواحهم ليلة القدر
ص: 57
وکم من صغار يرجي طول عمرهم*وقد أدخلت أرواحهم ظلمة القبر
وکم من سليم مات من غير علة*وکم من سقيم عاش حينا من الدهر
وکم من فتي يمشي ويصبح لاهيا*وقد نسجت اکفانه وهو لايدري
وکم من ساکن عند الصباح بقصره*وعند المسافر کان من ساکن القبر
فکن مخلصا واعمل الخير دائما*لعلک تحظي بالمثوبة والأجر
وداوم علي تقوي الإله فإنها*أمان من الأهوال في موقف الحشر
روی:(1)
«ان الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بنى أي والد کنت لک فيثنى خيرا فيقول يا بنى انى احتجت الى مثقال ذرة من حسناتک أنجو بها مما ترى، فيقول له ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت و لکنى لا أطيق أن أعطيک شيئا، أتخوف مثل الذي تخوفت (ای من حساب یوم القیامة) فلا استطيع أن أعطيک شيئا، ثم يتعلق بزوجته فيقول: يا فلانة أي زوج کنت لک فتثنى خيرا فيقول لها: فانى اطلب إليک حسنة واحدة تهبها لي لعلى انجو مما ترين، قالت: ما أيسر ما طلبت و لکنى لا اطيق ان اعطيک شيئا اتخوف مثل الذي تخوفت»
و فیها اشارة الی قول الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي(2) وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّکمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّکم بِالله الْغَرُورُ(3))(4)
المحدث النوري کان طفل و ابوه توفی اراد المحدث النوري لیترک مدرسته لیعمل بدل ابوه فلم تسمح له امه و اعالته بغسل الملابس و
ص: 58
الطبخ للناس و صرف اجرتها علیه، حتی کبر و صار عالم کبیر مولف فلما راها في المنام قالها ماحالک قالت انی هنا کلما تکتب کتاب یاتینی هذا الکتاب علی طبق تحمله الملائکة یسطع نوره الی الاعلی و یکون عندی سرور و احتفال لاجل ثواب عملک هذا الذی انا شریکة فیه بجمع الحور و الملائکة حتی تکتب انت کتابک الثاني فیتاون بجدید و هکذا الی الان. و بالواقع الانسان لا یاخذ معه الا ترحم الولد الصالح او عمله الصالح.
ذکر أبو الفرج بن الجوزي في عيون الحکايات: قال الأصمعي: خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق، فقصدناها، فسلمنا، فإذا امرأة ترد علينا السلام، قالت: ما أنتم؟ قلنا: قوم ضالون عن الطريق، أتيناکم فأنسنا بکم فقالت: يا هؤلاء، ولوا وجوهکم عني، حتى أقضي من حقکم ما أنتم له أهل، ففعلنا، فألقت لنا مسحا (قماش کبیر یوضع علیه الاکل) فقالت: اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني، ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وتردها، إلى أن رفعتها، فقالت: أسأل الله برکة المقبل، أما البعير فبعير ابني، وأما الراکب فليس بابني، فوقف الراکب عليها، فقال: يا أم عقيل، أعظم الله أجرک في عقيل، قالت: ويحک مات ابني؟ قال: نعم، قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل، فرمت به في البئر، فقالت: انزل فاقض ذمام القوم، ودفعت إليه کبشا، فذبحه وأصلحه، وقرب إلينا الطعام، فجعلنا نأکل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا، خرجت إلينا وقد تکورت، فقالت: يا هؤلاء، هل فيکم من أحد يحسن من کتاب الله شيئا؟ قلت: نعم.
قالت: اقرأ من کتاب الله ايات أتعزى بها، قلت: يقول الله عزوجل في کتابه: (وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِک عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِک هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(1) قالت: الله، إنها لفي کتاب الله هکذا؟ قلت: الله، إنها لفي کتاب الله هکذا، قالت: السلام عليکم، ثم صفت قدميها، وصلت رکعات، ثم قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب عقيلا، تقول ذلک ثلاثا، اللهم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني.
ص: 59
کان النبي صلی الله علیه و آله، قد أخبر بما يجري على ولده الحسين (علیه السلام ) وأخبر بتلک الأرض وما يجري عليها.(1)
لذلک نرى أن الإمام الحسين (علیه السلام ) لما خرج من مکة، ورکبه يسير، وإذا بجواد الحسين (علیه السلام ) قد وقف عن المسير، فنزل عنه ورکب جوادا غيره، فلم يسر، فبعثه فلم ينبعث، وزجره فلم ينزجر، حتى بدل سبعة أفراس على بعض الروايات، فالتفت إلى أصحابه وقال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض الغاضرية، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمى نينوى و شاطىء الفرات، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمى کربلاء.
فقال (علیه السلام ): أرض کرب و بلاء ثم قال: انزلوا، هاهنا مناخ رکابنا، هاهنا تسفک دماؤنا، هاهنا والله تهتک حريمنا، هاهنا والله تقتل رجالنا، هاهنا والله تذبح أطفالنا، هاهنا والله تزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدي رسول الله، ولا خلف لقوله هذا وزينب تسمع مقالة أخيها الحسين، فخنقتها العبره. (2)
أقول: يا محب، هذا يوم نزلوا في کربلاء، وکان إلى جنب النساء وفخر المخدرات زينب (علیها السلام ) الحسين (علیه السلام ) والعباس (علیه السلام ) وعلي الأکبر والقاسم، لکن ما حال قلب زينب وأخوات زينب يوم عاشوراء وليلة الحادي عشر من المحرم، حيث کانت الحوراء تنادي: أخي حسين، لکنها ما تسمع جوابا، أخي عباس، ما تسمع جوابا، لا ترى إلا من صافح التراب جبينه، وقطع الحمام أنينه ما حال قلب زينب (علیها السلام ) وهي ترى أخاها الحسين جثة بلا رأس، وباقي الشهداء مجزرين کالأضاحي على رمضاء کربلاء، کأني بها نادت: أماه يا زهراء، ليتک حاضرة وترين ولدک الحسين (علیه السلام ):
تعالي تعالي يام حسن يمي تعالي*تعالي وشوفي کربلاء اشسوت بحالي
واشوف اخوتي امجتله اقبالي
بقيت محيره يمه*بوحدي واصفق الکفين
لا عباس يبرالي*يا يمه ولا الحسين
ما بين الصفا ومروة*تسعى بالحجيج الناس
وانا زينب صرت اسعى*بين حسين والعباس
ياهو اللي اصل يمه*واشوف جسمه بلا راس
ص: 60
واصيح بلوعتي وهمي*واصيح بصوت يا ابن امي
واويلي على المظلوم*على المظلوم واويلاه
مثل ما تفتدي الحجاج*تقرب للذبح قربان
انا القربان قدمته*خوي المنذبح عطشان
ظل مرمي تلات تيام*بلا غسل بلايا کفان
واصيح بلوعتي وهمي*واصيح بصوت يا ابن امي
واويلي على المظلوم*على المظلوم واويلاه
کأني بالزهراء (علیها السلام ) تجيبها:
موبعيده انا يمج يايمه مو بعيده*انا شفت حسين من قطعوا وريده
ثلث تيام انا ساکنه البيدا*نوب انهض وادور اصبع ايده
ونوب انهض وادور کف عضيده*يازينب ونتي عليکم شديده
انا ادري بيج ابقيتي وحيده
أَفاطمُ لو خِلْتِ الحُسينَ مُجدَّلا*وقدْ ماتَ عطشانا بشطِّ فُرات
ص: 61
صلى الله عليک يا سيدي ومولاي يا رسول الله. صلى الله عليک وعلى الک المظلومين. لعن الله الظالمين لکم من الأولين والاخرين إلى قيام يوم الدين. صلى الله عليک يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساکبة ويا عبرة کل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتک لک الفدا. يا شهيد کربلاء ويا قتيل العدا ومسلوب العمامة والردا. ما خاب من تمسک بکم وأمن من لجأ إليکم. يا ليتنا کنا معکم سادتي فنفوز والله فوزا عظيما
إذا شئت النجاة فزر حسيناً*غدا تلقى الإله قرير عين
فأن النار ليس تمس جسماً*عليه غبار زوار الحسين(1)-(2)
ص: 62
قد أوهنت جَلدي الدّيار الخالية*من أهلها ما للديار وماليه
ومتى سألتُ الدارَ عن أربابها*يُعدِ الصَّدى منها سؤالي ثانيه
کانت غياثاً للمنوب فأصبحت*لجميعِ أنواعِ النوائب حاويه
ومعالمٌ أضحت ماتمَ لا ترى*فيها سوى ناعٍ يجاوبُ ناعيه
وردَ الحسينُ إلى العراقِ وظنّهم*ترکوا النفاق إذا العراقُ کما هيه
ولقد دعوهُ للعنا فأجابهم*ودعاهُمُ لهدىً فردُّوا داعيه
قسَتِ القلوبُ فلم تملْ لهدايةٍ*تباً لهاتيک القلوب القاسيه
ما ذاق طعمَ فراتهم حتى قضى*عطشاً فغُسِلَ بالدموع الجاریة
يابنَ النبي المصطفى ووصِّيهِ*وأخا الزکيِ ابنَ البتولِ الزاکيه
تبکيک عيني لا لأجل مثوبةٍ*لکنما عيني لأجلک باکيه
تبتلُّ منکم کربلا بدم ولا*تبتلُّ مني بالدموعِ الجاريه
أنْسَتْ رزيتُکم رزايانا التي*سلفت وهوّنت الرزايا الاتيه
وفجائعُ الأيامِ تبقى مدةً*وتزول وهي إلى القيامة باقيه
**
يا دار انشدچ عن اهاليچ*يا دار وين احسين راعيچ
وين العشيره و الزلم ذيچ*وين البطل عباس حاچيچ
و تالی لن اغراب البين ناعيج*يا دار شنهو طبتي ليچ
ص: 63
يا دار عزيني و عزيچ
يحسين يا بن أمي يمذبوح*عليک البچه و الحزن والنّوح
عاري و تظل باشّمس مطروح*وصاويب جسمک بيه و جروح
وللشام زينب عنک تروح*تروح وعليک الطّرف مشبوح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(1)
إن الله کتب الفناء على کل شيء، وحکم بالموت على کل حي، کل نفس يا إخواني لا بد أن تشرب المنون صغيرة أم کبيرة، ملکة أم فقيرة، وزيرة أم حقيرة ستموت فأوصيکم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فهي الزاد في الدنيا والاخرة، وبها النجاة يوم الازفة (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(2)
لا يدري الإنسان متى يفجؤه الأجل ولا أشد وأعظم على الميت وأهله من إتيان الموت له فجأة، وهو في کامل صحته وعنفوان قوته، وتمام نشاطه، ومع تزايد النعم والعيش الرغيد، لم يحسب للموت حسابه ولم يظن أهله أن ينزل عليه الموت، فإذا هم به قد سقط ميتا لا حراک به فکم من صحيح مات من غير علة وکم من سقيم عاش حينا من الدهر، ولهذا من الغفلة أن يلهو الإنسان عن الموت وعن الاستعداد له فيقصر في الواجبات ويقع في السيئات ويأخذ حقوق الناس بغير حق بل بالظلم والبهتان ويتعدى على الغير في مال أو عرض أو نفس، يؤذي المسلمين والجيران، يأکل حقوق الإجراء والخدم، يظلم الزوجة والأولاد، فکم من الناس من نسي الموت ولم يخطر له على بال، بل وتراه في أکمل أحواله صحة ونشاطا وعافية ومالا، فلا يلبث أن يأتيه الموت فجأة فلا يتمکن من تدارک نفسه ومن التوبة إلى الله والتحلل من المظالم.
فربما لقي ربه محملا بالأوزار والاثام، فلنکن إخواني على حذر من
ص: 64
هذا، ولنتدارک النفس قبل فوات الأوان وإن کثيرا من الناس في هذا الزمان استولى عليهم حب المال والجاه والمناصب، حتى ضيعوا حياتهم لهوا ولعبا، وللمال جمعا وحبا، نسوا هادم اللذات ومفرق الجماعات، وربما قصروا في کثير من الواجبات ووقعوا في کثير من المخالفات، وارتکبوا کثيرا من المنهيات والمحرمات.
سفري بعيد وزادي لن يبلغني*وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها*الله يعلمها في السر والعلن
ما أحلم الله عني حيث أمهلني*وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندم*ولا بکاء ولاخوف ولا حزن
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهدا*على المعاصي وعين الله تنظرني(1)
ص: 65
کیف نتحضر لیوم القیامة ارشدونا اهل البیت لذلک کما قيل لأمير المؤمنين ما الاستعداد للموت قال:(1)
«أداء الفرائض و اجتناب المحارم و الاشتمال على المکارم ثم لا يبالي أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه و الله ما يبالي ابن أبي طالب أ وقع على الموت أم وقع الموت
ص: 66
عليه» و عن رسول الله صلی الله علیه و آله (اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ) قرأها ثم قال صلی الله علیه و آله:(1)
«تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره و لو بشق تمر» حيث أن هذه الذخيرة الاخروية تمثل أکبر رأسمال حقيقي للإنسان في مشهد يوم القيامة، لذا فإن هذا النوع من الأعمال الصالحة يلزم إعداده و تهيئته و إرساله مسبقا، و إلا فلا أحد يهتم له بعد وفاته و انقضاء أجله.
نعم الانسان المومن یری نتیجة عمله و هکذا المستهر باحکام الله، قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ کذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَکبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ(2) وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ کذلِک نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ(3)) يعني لا يدخلون الجنة حتى يکون ما لا يکون أبدا من و لوج الجمل الذي لا يلج الا في باب واسع في ثقب الإبرة و الْخِياطِ ما يخاط به، کناية عن استحالة دخولهم إليه و ذکر الجمل لأنه أعظم الحيوان المزاول للإنسان جثة فلا يلج إلا في باب واسع و یقال: جسم الجمال و أحلام العصافير.
ان رجلا «قتل في المعرکة شهيدا فلما دفن أصابوا من قبره رائحة المسک فراه رجل من إخوانه في منامه قال ما صنعت قال خير الصنيع قال إلى ما صرت قال إلى الجنة قال بم قال بحسن اليقين وطول التهجد وظمأ الهواجر(4)
قال فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرک قال تلک رائحة التلاوة والظمأ. قلت: اوصینی قال اوصیک بکل خیر و لایخرج منک یوم عاطل فانی رایت الابرار نالوا البر بالبر»(5)
اهل الایمان کانوا دوما محاربين، و أتباعهم مضطهدين، إلا أنهم لما يصابون من مصائب صابرون، و بما يرميهم الأعداء من نوائب قانعون، بل فرحون بما آتاهم الله من فضله و هم يستبشرون، و للجنة يشتاقون، لما تکشفت في قلوبهم حقائق الإيمان، و تجلت لهم
ص: 67
بدائع آيات الرحمن، و ما أعد لهم من الخيرات في الجنان.
ثم إن البلاء على أنواع و أحوال: فمرة يکون للعقاب و النکال لما اقترفه المرء من الموبقات، فيبتلى بالأمراض و العاهات، أو تلف الأهل و الأولاد، و جار سوء و تنغيص اللذات، أو تسلط سلطان فيفرق الأحباب و يشتت الجماعات، قال أمير المؤمنين (علیه السلام ):(1)
«إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات و حبس البرکات و إغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب و يقلع مقلع و يتذکر متذکر و يزدجر مزدجر و قد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق و رحمة الخلق».
و هنا اشار إلى ما ورد في الذکر الحکيم: (وَ لَنَبْلُوَنَّکمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِي)(2)
و مرة يکون البلاء تمحيصا للذنوب و رفعا للدرجات(3) (وَ لِيُمَحِّصَ(4)
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ(5) الْکافِرِين)(6)
و قد قال الإمام علي (علیه السلام ):(7)
«الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم، لتسلم بها طاعاتهم و يستحقوا عليها ثوابها».
فالأولياء الصالحون لن يکونوا مؤمنين إلا کما وصفهم الإمام الکاظم
ص: 68
(علیه السلام ) مخاطبا: «حتى تعدوا البلاء نعمة، و الرخاء مصيبة، و ذلک أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء» و هذه منزلة من خبر الدنيا و عرف أحوالها، فعلم أنها سوق، ربح فيها قوم يبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة، و خسر آخرون و لهذا کان الإمام الباقر (علیه السلام ) يدعو بهذا الدعاء: «و لا تجعل الدنيا علي سجنا(1)،
و لا تجعل فراقها علي حزنا(2)» و بعض الاوقات تکون المصائب دفع للبلایا ینقل في التاریخ جاء رجل الى النبي سليمان (علیه السلام ).
جاء رجل الى النبي سليمان (علیه السلام ) طلب منه ان يعلمه احدى لغات الحيوانات فقال له النبي: لاتستطيع تحمل ذلک ولکن الرجل توسل بنبي الله وأصر أصرارا شديدا فقال النبي: وأي لغه تريد ان تتعلمها فقال: لغة القطط فأنها تکثر في قريتي ومنزلي فنفخ النبي في اذنه وفعلا تعلم الرجل لغة القطط وفي ذات يوم سمع قطتان تتحدثان فقالت احداهما للأخرى هل عندک طعام فأنني سأموت جوعا فأجابتها الثانيه کلا ولکن في هذا البيت ديک وسمعناه يقول انه مريض وسيموت ونأکله فأصبري قليلا فقال الرجل: لاوالله لن تأکلن ديکي وفي الصباح اخذ الديک الى السوق وباعه وجاءت القطه وسألت هل مات الديک.
فقالت لها کلا لقد باعه صاحب الدار ولکني سمعت الخروف يتمتم ويقول اني متخم وسأموت
انقذوني فأصبري سيموت ونأکل من لحمه فقال
الرجل: لن تأکلن من لحم خروفي ومن الصباح اخذ الخروف وباعه في السوق فجاءت القطه وسألت هل مات الخروف فأجابتها کلا لقد باعه صاحب الدار ولکن علمت من نبي الله سليمان (علیه السلام ) ان الرجل صاحب الدار سيموت وسيضعون الطعام في مأتمه ونأکل فأصبري قليلا فصعق الرجل وذهب مسرعا للنبي وهو يصرخ ويبکي ويتوسل وأخبره بالقصه وانه سمع القطه تقول انه سيموت فما العمل فقال النبي (علیه السلام ): أن الله قد فداک بالديک ولکنک بعته وفداک بالشاة (الخروف) ولکنک بعته ايضا فأما اليوم فأکتب وصيتک فالامر واقع لامحال.
ص: 69
رشید الهجري(1) من کبار اصحاب الإمام علي (علیه السلام ) و کان أمير المؤمنين (علیه السلام ) يسميه رشيد البلايا کان قد ألقى (علیه السلام ) علم البلايا والمنايا(2)
ويقول: فلان يموت بموتة کذا وکذا، وفلان يموت بقتلة کذا وکذا فيکون کما قال و خرج أمير المؤمنين (علیه السلام ) يوما إلى بستان، ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة، فلقطت فأنزل منها رطب فوضع بين أيديهم، قالوا: فقال رشيد الهجري: يا أمير المؤمنين، ما أطيب هذا الرطب فقال: يا رشيد، أما أنک تصلب على جذعها. فقال رشيد: فکنت أختلف إليها طرفي النهار أسقيها. ومضى أمير المؤمنين (علیه السلام ) قال: فجئتها يوما وقد قطع سعفها، قلت: اقترب أجلي، فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (علیه السلام ) فأبى أن يتبرأ منه.
فقال له الدعي: فبأي ميتة قال لک تموت؟ قال: أخبرني خليلي أنک تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرء منه، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، قال: إذا والله نکذبه اقطعوا يده ورجله وأخرجوه. فلما حمل إلى أهله أقبل يحدث الناس بالعظايم، وهو يقول: أيها الناس سلوني فإن للقوم عندي طلبة لم يقضوها، فدخل رجل على ابن زياد فقال له: ما صنعت قطعت يده ورجله وهو يحدث الناس بالعظايم؟ قال: ردوه. وقد انتهى إلى بابه، فردوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه»(3)
ص: 70
قال تعالى في وصف المؤمنين الصابرين على البلاء الراضين بمر القضاء: (وَلَنَبْلُوَنَّکمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِک عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِک هُمُ الْمُهْتَدُونَ) قال أهل التفسير: والصلاة: من الله المغفرة و الرحمة: کشف الکربة وقضاء الحاجة. و عن إسحاق بن عمار قال:(1) لما قبض الإمام الباقر (علیه السلام ) جعلنا نعزي الصادق (علیه السلام ) بابیه فقال بعض من کان معنا في المجلس: رحم الله عبدا(2)
و صلى عليه، کان إذا حدثنا قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله قال: فسکت الإمام الصادق (علیه السلام ) طويلا و نکت في الأرض(3)
قال: ثم التفت إلينا فقال قال رسول الله صلی الله علیه و آله قال الله تبارک و تعالى إني أعطيت الدنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته لکل واحدة منهن عشرا إلى سبعمائة ضعف و ما شئت، فمن لم يقرض منها قرضا فأخذتها منه قهرا أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائکتي رضوا بها ثم(4) تلا الإمام الصادق (علیه السلام ) قول الله عزوجل الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون أولئک عليهم صلوات من ربهم فهذه واحدة من ثلاث خصال و رحمة اثنتان و أولئک هم المهتدون ثلاث ثم قال الإمام الصادق (علیه السلام ) هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.»
الولد مصیبته مصیبه الله ایساعد کل اب فقد ولده الله ایساعد کل ام فجعت بولدها الام اذا اتجابل صورت ابنه و تشاهد و تتذکر الماضی اشلون یکون حالها و اذا الام تتفاجئ بخبر فوت ابنه کل ساعه چان یمها و اذا بالطارش ایگله ام افلان ابنک راح کیف رایح ایکون حالها اتگله:
گالولی غرک بالمای(5)*رحت
ارکض ادورنه
رحل منی غفل یا ناس*مالحگت اوداع منه
ص: 71
(ابهیمه او جفونی احباب گلبی بویه یا بویه)
امضیعینه و ادور اعلیه*عطشانه او ارد اشوفنه
اسمع اشلون الام تحاچی ابنه:
اخوی او صاحبی او بالعوز*ما یجفی اعرفنه
الیصابحنی او یماسینی*بالله اشلون افگعدنه
اشگد چانت لذیذة اویای*یمه(1) اسوالفک حلوة
یناگود الگلب یالبیک*اشمن ریحة الخوة
مو بیدی اوعلی روحی*اهوای الک تهوی
سنک ماکمل عشرین فارگتک*ییمه اوداعتک گوه
رحت یالچنت شوف العین*یبنی او للگلب سلوة
الوالد شیگول اگله:
اولدی یاشیال حملی*انساک او انام اشلون گلی
عگب عینک بعد بالعمر شلی*ظلمنی البین انه من دون حلی
علیش الدهر کومه اهموم ضم لی
و لکن لا یوم کیومک یا اباعبدالله الحسین ولما سقط علی الاکبر من فرسه نادى: عليک مني سلام الله أبه يا حسين، عليک مني السلام أدرکني. فجاءه الحسين (علیه السلام ) ولکن بأية حالة؟ قال بعضهم ممن رأى الحسين (علیه السلام ): إن الحسين کان يمشي تارة ویسقط علی الارض تارة أخرى حتى وصل إليه يقول السيد المقرم: فجعل الحسين (علیه السلام ) صدره على صدر ولده في ساحة المعرکة ونادى: ولدي علي على الدنيا بعدک العفا أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها:(2)
شلي وشلي بحياتي اليوم بعداک*وسهم لصاب گلبک ريت بعداک
على الدنيا العفا يا لولد بعداک*علي يبني شعظم فقدک عليه
جائو به الی المخیم دخلت امه و القت بنفسها علی ولدها اتگله:
ص: 72
ردتک نعشی علی امتونک تشیله*و اتراب الگبر بیدک تهیله
روحتک های یا یمه ثجیله
الدنیه ابعینی من غمظت یا یمه ظلمه*یاهو الکل صباح ایگلی یمه
لیش الگلب من عندک تحرمه*یبنی علی الفراگ اشلون اگدر(1)
انه الربیت تعبی اویاک وینه*و انه علی جیتک رافگت یبنی الضعینه
کل ام الولد سلوت عمرها*و لاجله اتشوف یکبر وی صبرها
تحسب یحفر اب ایده گبره
ربیت الولد و شگد تعبت اعلیه*گلت یکبر اولیدی اوچنت اظنن بیه
یسد عنی وحشتی او بیتی یبنیه*و اموت او للگبر بیدی یودینی
و لا مال ردتک ماردت دنیه و لا مال*اتحضرنی لو وگع حملی و لامال
یبنی خابت اضنونی و الامال*وکت الضیج لیش اگطعت بیه
رَجَوْتُک يَا عَلِيُّ تَعِيشُ بَعْدِي*لِتُوَسِّدَ جُثَّتِي رَمْسَ الُّلحُودِ
وَتَمْشِي بَاکياً مِنْ خَلْفِ نَعْشِي*کمَا يَبْکي الوَلِيدُ عَلَى الفَقِيدِ
ص: 73
صلى الله عليک يا سيدي ومولاي يا رسول الله. صلى الله عليک وعلى الک المظلومين. لعن الله الظالمين لکم من الأولين والاخرين إلى قيام يوم الدين. صلى الله عليک يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساکبة ويا عبرة کل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتک لک الفدا. يا شهيد کربلاء ويا قتيل العدا ومسلوب العمامة والردا. ما خاب من تمسک بکم وأمن من لجأ إليکم. يا ليتنا کنا معکم سادتي فنفوز والله فوزا عظيما.
النفسُ تبکي على الدنيا وقد علمت*أن السعادة فيها ترک ما فيها
لا دار للمرءِ بعد الموت يسکنها*إلا التي کانَ قبل الموتِ بانيها
فإن بناها بخير طاب مسکنه*وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعُها*ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أين الملوک التي کانت متسلطنة*حتى سقاها بکأس الموت ساقيها
فکم مدائن في الافاق قد بنيت*أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها
لا ترکنَنَّ إلى الدنيا وما فيها*فالموت لا شک يُفنينا ويُفنيها
**
ذکرنا ارباچ یا یمه او بچینه*اثاری الوالده خیمه علینه
گعدنه و الگلب یلهج ابطرواچ*او تذکرنه اللیالی الچانت اویاچ
بعد بنفوسنه یا لذت ارباچ*او مثل ارباچ ردنه او مالگینه
التمینه او فرد گعده گعدنه*او تذکرنه الحیات اویاچ یمنه
هل یوم ارید امی الحنینه*راحت و مال الوکت بینه
طال اغیابه او عنت علینه
المگبره اشگد ماخذه اعزاز*اخذتی امی الحنینة و انه ظلیت
و هسه انه ایقنت هل الیوم یاناس*البیت ابلایه ام ما ینحسب بیت
اف یومه یا یمه
اشگد الچ مشتاگه هل الروح*و اترد ذیچ اللیالی اشگد تمنیت
امنه العافیه او یا منبع الطیب*اشما اقدم اظلن الها مدیون
چنه اویاها ابد ما نلمس الگاع*ابکثر ماهیه شالتنه بالعیون
من چانت تلولی اعلینه بحساس*ابد ما یشبه احساس الیلولون
لو شافتنی ندعی تبچی و اتگول*ان ادعیلکم لا لا تتعبون
ابعینی مو نهار الصار بل اللیل*بچیت او دمعی حتی الثوب بلل
یمه اتذکرچ مرات باللیل*و اگولن امی شیرده الیه
ص: 74
انه الحظنچ اتشکر من رعانی*او علی فگدچ الحنضل مراعانی
مر ابچی و نوحن او مره اعانی*او مره علی الوجه الطم بدیه
انه زینب او بیه اجروح یمه*و نوح او یه النعش و انچتل یمه
و الفاگد امه حگه ایگول یمه*او علیها اینوح کل صبح و مسیه
اريد ابچي عليش امن ابچي يابه*ظالم والحقد للباب يايه
صحت لمن عصرني بصوت يابه*انکسر ضلعي يسلطان البريه
الخصم ما عنده امروه ولاذات*او حلت دنياه بعيونه ولاذات
الزهره اختفت من عنده ولاذات*وره الباب او عصرها ابن الدعيه
(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ*وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) (1)
ساعة الاحتضار، هي تلک الساعة التي يکون فيها الإنسان بين الموت والحياة، هذه الساعة إذا جاءت فإن الإنسان يعلم يقينا أنه سيموت، فليس في هذه الساعة کذب، ولا فيها إحساس بإمکان الهروب.
إن الإنسان بما يراه وما يکشف له من الحجب في هذه الساعة، يعرف يقينا أن اخرته قد جاءت لأن الله يکشف عنه غطاء الدنيا، فيرى عالما جديدا، هذا العالم موجود، ولکنه کان محجوبا عنه، فيعرف أن کل ما أخبره به الله من غيب هو حقيقة واقعة وموجودة و اما الآیة التی ذکرناها في ابتداء المجلس يعني نفس المحتضر بلغت الحلقوم، و الجملة کناية عن قرب الاجل و المحتضر متحير لا يدري ما يصير أمره، کما حکي عن احد العلماء حين حضرته الوفاة، فاشتد بکاؤه، فقيل له: ما يبکيک؟ قال: و کيف لا أبکي، و إنما هي ساعة، ثم لا أدري إلى أين يسلک بی.
(وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) ای متحیرین لا تقدرون علی شئ. يقف في الاحتضار ملک الموت حول الميت، ومعه أعوانه ومساعدوه من الملائکة، فإذا اجتمعت روح المؤمن تريد الخروج، يجيء ملک الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج کأطيب رائحة مسک جعلها أحدکم بأنفه، وتسيل کما تسيل القطرة من في السقاء، وتُسلُّ کما تُسلُّ الشعرة من العجين، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعْها الملائکة في يده طرفة عين، حتى يأخذوها
ص: 75
یعرجون بها إلى السماء قال تعالى: (فَأَمَّا إِنْ کانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ(1)*فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ(2)*وَأَمَّا إِنْ کانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ*فَسَلَامٌ لَک مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ(3)*وَأَمَّا
إِنْ کانَ مِنَ الْمُکذِّبِينَ الضَّالِّينَ(4)*فَنُزُلٌ
مِنْ حَمِيمٍ(5)*وَتَصْلِيَةُ
جَحِيمٍ)(6)
و قال زین العابدین بعد ان قرأ هذه الآیات:(7)
«فاعلم ابن آدم أن من وراء هذا ما هو أعظم و أقطع و أوجع للقلوب يوم القيامة»
نعم الروح و الریحان في القبر للمومن اما انتزاع الروح فهی صعبة علی المومن و الکافر يحکى(8) أن إبراهيم (علیه السلام ) قال له الله تعالى: «کيف وجدت الموت يا خليلي؟ قال: کسفود(9)
جعل في صوف رطب، قال: أما إنا هونا عليک. و قال لموسى (علیه السلام ): کيف وجدت الموت؟ قال کعصفور يقلى على المقلى، لا يموت فيستريح، و لا يطير فينجو. و في رواية: کشاة تسلخ من جلدها و هي حية.» یقال:(10)
«ان عزرائیل جاء الی موسی (علیه السلام ) و اراد قبض روحه فطالبه بالطف فیها فناوله نارنجه فطلب منه شمها فلما شمها خرجت روحه. فساله الله تعالى: یا اهون الانبیاء موتا کیف وجدت الموت: قال موسي (علیه السلام ): کشاة تسلخ و هی حیة».
و عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال:(11)
«أربع من کن فيه أوجب الله له
ص: 76
الجنة من کانت عصمته شهادة أن لا إله إلا الله(1)
و من إذا أنعم الله عليه بنعمة قال الحمد لله و من إذا أصاب ذنبا قال أستغفر الله و من إذا أصابته مصيبة قال إنا لله و إنا إليه راجعون» فإن (إِنَّ
الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(2) کم من حبيب ودعناه وکم من قريب دفناه وکم ممن نزلت به سکرات الموت عايناه فتراه ينظر إلى أهله وأولاده وأحبابه وينظرون إليه فيسمعهم ولا ينطق وينظر إليهم ولا يفعل وينظرون إليه وهم عاجزون عن إنقاذه (وَجَاءَتْ
سَکرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِک مَا کنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِک يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ کلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَّقَدْ کنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذَا فَکشَفْنَا عَنک غِطَاءَک فَبَصَرُک الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(3) قال الشاعر:
لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها*وإن توشحت من أثوابها الحسنا
أين الأحبة والجيران ما فعلوا*أين الذين هم کانوا لنا سکنا
سقاهم الموت کأسا غير صافية*فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا
نعم یا إخواني یومان اثنان يجب على کل واحد منا أن يحفر لهما في ذاکرته وأن يجعلهما نصب عينيه یوم في بيته منعمًا سعيدًا مع أهله وأطفاله في صحة جيدة وعيش رغيد فیجب الاستفادة منه و و الاشتغال بالعمل الصالح فیه و یوم یليه حل فيه الضعف محل القوة والحزن محل الفرح والسکرات محل الضحکات فلا القوة تنفع القوي ولا الذکاء ينفع الذکي ولا المال ينفع الغني و ان في قوارع الدهر عبر وفي حوادث الأيام مزدجر وهذه الدنيا إنما هي دار ممر وإن الاخرة لهي الحيوان أي الحياة الدائمة الباقية لو کانوا يعلمون. فعلينا أن نغتنم الأيام والساعات وخاصة هذه الأيام والليالي المبارکة وأن نعمرها بجلائل الأعمال الصالحة ونبتغي فيما اتانا الله الدار الاخرة.
یقول الراوی کنت عند الرضا (علیه السلام ) کان الجواد عنده و هو رافع رأسه إلى السماء فأطال الفکر فقال له الرضا فلم طال فکرک؟ فقال: فکرت فيما صنع بأمي فاطمة... قال فاستدناه فقبل الرضا بين عينيه وقال:
ص: 77
بأبي أنت وأمي لها يعني الإمامة.(1)
هذا إمامنا الجواد (علیه السلام ) أما إمامنا الحجة المنتظر روحي له الفداء فکذلک هو حاله فقد رآه المرحوم السيد باقر الهندي في الرؤيا ليلة الغدير کئيبا باکيا فقال له سيدي الليلة ليلة فرح فداک أبي و أمي مم بکاوک؟ قال نعم ولکن: تذکرت بيت الأحزان فاطمة أقول: إن إمامنا المنتظر نظر إلى مصيبة جدته فاطمة بعين القلب ولم ينظر بعينه إلى بيت الأحزان ولکن ساعد الله قلب سيدتي ومولاتي زینب لما تفگد والدتها او تجی للدار او تلگه الدار خالیه تلگله الدار ظلمه ماکو العزیز ماکو الحبیب تصور زینب بعده طفله صغیره:
یمه جرح دلالی بعد شیهوده*وللی یفگعد امه الله ایساعده آه
بعد یاهو ایحن علیه و یناشده*کلجرح لازم یه وادم یلتئم
و انتی کسرچ بالگلب مو بالعظم*یمه ایساعد الله العایش او ماعنده ام
چنت کلمصباح احبن گصتچ*انه و اشم ریحت الجنه من اشم شیلتچ
وین اتروح زینب بامی و امی اتروح لفراش فاطمه:
رحت لفراش امی اتلمسیته*انه او رشیته ابدمع من افرشیته
ریته ینفرش فد یوم*او یرجع صاحب البیت اعلی بیته
بعد یا زینب:
اجینه المچانچ مالگیناچ*او تمنینه یه یمه نگعد اویاچ
یمه یالوالده یلحلو ملگاچ
گالت یمه موش تبطین علینه موش تبطین*یمه یالوالده یم گلب الحنین
اشحلات الوالده من اتکون یمنه*تظمنه للشمال او نوب یمنه
ترکتینه او رحلتی ابسفر یمنه(2)*الچ رد بعد لو ماهی هیه
يا الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
نسألک اللهم وندعوک باسمک الأعظم الأعز الأجل الأکرم يا محمود بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر السماوات والأرض بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن، يا قديم الإحسان بحق الحسين (علیه السلام ) عجل فرج وليک الحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) وانجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه، الأخوة
ص: 78
الحاضرين تقبل اللهم عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحق محمد وآل محمد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذکر محمد وآل محمد، ارزقهم شفاعة محمد وآل محمد، اغفر لهم بحق محمد وآل محمد واحشرهم مع محمد وآل محمد. ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَکشِفُ السُّوءَ﴾ الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمد وآل محمد.
ص: 79
صلى الله عليک يا سيدي ومولاي يا رسول الله. صلى الله عليک وعلى الک المظلومين. لعن الله الظالمين لکم من الأولين والاخرين إلى قيام يوم الدين. صلى الله عليک يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساکبة ويا عبرة کل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتک لک الفدا. يا شهيد کربلاء ويا قتيل العدا ومسلوب العمامة والردا. ما خاب من تمسک بکم وأمن من لجأ إليکم. يا ليتنا کنا معکم سادتي فنفوز والله فوزا عظيما
يا نفسُ إنْ شئتِ السلامةَ في غَدٍ*فعنِ القائحِ والخطايا فاقْلَعي
وتوسلي عند الإله بأحمدٍ*وبالِه فهمُ الرجا في المفزع
يا نفس مِن هذا الرقادِ تنبَهي*إن الحسين سليل فاطمةٍ نُعي
منعوه شربَ الماءِ لا شَرِبوا غدا*من کفِّ والدهِ البطينِ الأنزع
ولزينبٍ نوحٌ لفقدِ شقيقِها*وتقول يا ابن الزاکياتِ الرکع
اليوم شبَوا نارَهم في منزلي*وتناهبوا ما فيه حتى مِقنعي
اليومَ ساقوني بقيدي يا أخي*والضربُ المني وأطفالي معي
مسلوبةً مضروبةً مسحوبةً*منهوبةً حتى الخمار وبرقعي
**
علیله المرض روحی وین اهله*او حرت بدموع عینی وین اهله(1)
هایه الدار انشدک وین اهله*صدگ امسوا حدر الوطیة
یا گلبی لا تبطل بعد ون عاد*اشنحسب بعد للخوان ون عید
یهل الغایب تعال ارجوک و انعید*هذیچ ایامنه الراحت سویه
مولاتنا زینب (علیها السلام ) اتمر علیها ساعات تتذکر بیها اخوانها:
اعله هونک یا دهر ریض بالاحباب*خذیت اش چم عزیز او جرحی ما طاب
او بعدک منی تاخذ کافل اذعون*مایرهم غفل تاخذهم اشلون
اگول اتروح الی جسد اخیها اتگله:
انطینه وعد یمته تجینه*خویه عاده ابحلم سیر علینه
لیش اشجری علیکم یا زینب (علیها السلام )، اتگله:
طبوا للخيام او فرهدوها*او عزيزات النبوة سلبوها
عگب ما فرهدوا ذيچ الصواوين*شبوا نارهم بخيام الحسين
ص: 80
او طلعت هايمه ذيچ النساوين*يتاماها تعثر بين الصخور
المصايب دارن اعليه لوني*ونين الخنسه ما يوصل لوني
الموت الموت ياخذني لوني*ولا شوفک ذبيح اعلى الوطيه
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيکمْ)(1)
قل أيها النبي صلی الله علیه و آله: إن الموت الذي تهربون منه حبا في الحياة، هو آت إليکم حتما من الجهة التي تفرون منها فکل الانسان لابد له من یوم یومت فیه. إنها الحقيقة الکبرى، کل حي سيفنى، وکل جديد سيبلى.. وما هي إلا لحظة واحدة، في مثل غمضة عين، أو لمحة بصر، تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا العبد في عداد الأموات.
وقد روي أن ملک الموت دخل على داود (علیه السلام ) فقال: من أنت؟ فقال ملک الموت: أنا من لا يهاب الملوک، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذا أنت ملک الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد قال: يا داود، أين فلان قريبک؟ أين فلان جارک؟ قال داود (علیه السلام ): مات، قال: أما کان لک في هؤلاء عبرة لتستعد؟»
و «روى(2)
أن بعض أهل الکوفة اشترى دارا و ناول علی أمير المؤمنين (علیه السلام ) رقا (ای ورقة) و قال له: اکتب لي قبالة (سند البیت) فکتب (علیه السلام ):(3)
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى ميت عن ميت دارا في بلدة المذنبين، و سکنة الغافلين. الحد الأول منها ينتهي إلى الموت، و الثاني إلى القبر، و الثالث إلى الحساب و الرابع إما إلى الجنة و إما إلى النار، ثم کتب في ذيلها هذه الأبيات:
النفس تبکي على الدنيا و قد علمت*أن السلامة منها ترک ما فيها(4)
لا دار للمرء بعد الموت يسکنها*إلا التي کان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسکنها*و إن بناها بشر خاب ثاويها
أين الملوک التي کانت مسلطة*حتى سقاها بکأس الموت ساقيها
لکل نفس و إن کانت على و جل*من المنية امال تقويها
فالمرء يبسطها و الدهر يقبضها*و النفس تنشرها و الموت تطوبها
ص: 81
أموالنا لذوي الميراث نجمعها*و دورنا لخراب الدهر نبنيها
کم من مدائن في الافاق قد بنيت*أمست خرابا و دون الموت أهليها
و هکذا روي عن الصادق (علیه السلام ) نحو هذا الحديث من جهة تحديد الحدود الأربعة کما في کتاب المناقب عن هشام بن الحکم(1) قال:(2)
«کان رجل من ملوک أهل الجبل(3)
يأتي الصادق (علیه السلام ) في حجه کل سنة فينزله أبو عبد الله (علیه السلام ) في دار من دوره في المدينة و طال حجه و نزوله فأعطى أبا عبد الله (علیه السلام ) عشرة آلاف درهم ليشتري له دارا و خرج إلى الحج فلما انصرف قال جعلت فداک اشتريت لي الدار قال نعم و أتى بصک(4)
فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى جعفر بن محمد لفلان بن فلان الجبلي له دار في الفردوس حدها الأول رسول الله صلی الله علیه و آله و الحد الثاني أمير المؤمنين (علیه السلام ) و الحد الثالث الحسن بن علي (علیه السلام ) و الحد الرابع الحسين بن علي (علیه السلام ) فلما قرأ الرجل ذلک قال قد رضيت(5)
جعلني الله فداک قال فقال أبو عبد الله (علیه السلام ) إني أخذت ذلک المال ففرقته
ص: 82
في ولد الحسن (علیه السلام ) و الحسين (علیه السلام ) و أرجو أن يتقبل الله ذلک و يثيبک به الجنة قال فانصرف الرجل إلى منزله و کان الصک معه ثم اعتل علة الموت فلما حضرته الوفاة جمع أهله و حلفهم أن يجعلوا الصک معه ففعلوا ذلک فلما أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا الصک على ظهر القبر مکتوب عليه وفى ولي الله جعفر بن محمد (علیه السلام ).»
أمواتنا في الامس کانوا معنا واليوم لا وجود لهم هنا فهلا من معين يعنهم على ضيق قبرهم وحره فلابد للاحیاء ان یعملو لهم حتی یخففوا علیهم: «فان المیت يفرح بالعمل الصالح له کما يفرح الحي بالهدايا»(1)
1) اداء الديون والحقوق عن الميت: عن الإمام الصادق (علیه السلام ):(2)
(اول شيء يبدأ به من المال الکفن ثم الدين ثم الوصيه ثم الميراث) وکذلک ان يبري ذمته من له حق معنوي على الميت وقضاء العبادات الفائته على الميت من صلوات وصيام ونذورات و....الخ.
2) الصلاة ومنها صلاة الوحشه في اول ليلة الدفن: فقد روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله انه قال:(3) (لا يأتي على الميت اشد من اول ليله، فأرحموا موتاکم بالصدقه فان تجدوا فليصلي احدکم رکعتين يقرأ الاولى الحمد وآية الکرسي، وفي الثانية الحمد والقدر عشرا فاذا سلم قال اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها لفلان، فانه تعالى يبعث من ساعته الف ملک الى قبره من کل ملک ثوب وحلة.)
3) قراءة القرآن عند قبر الميت: قالت فاطمة الزهراء (علیها السلام ) لعلي (علیه السلام ) في وصيتها:(4) (واجلس عند رأسي فأکثر من تلاوة القرآن والدعاء،فانها ساعة يحتاج فيه الميت الى انس الاحياء).
4) الاستغفار للميت و الترحم عليه: عن الصادق (علیه السلام ):(5)
(اذا قال الرجل اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء
ص: 83
منهم وجميع الأموات رد الله عليه بعدد من مضى ومن بقي من کل انسان دعوة).
5) الاکثار من الصلاة على محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله: نقل(1)
أن امرأة رأت أبنتها في المنام وهي معذبة بأنواع العذاب، فانتبهت باکية حزينة عليها، ثم رأتها بعد يوم وليلة في المنام مسرورة فرحة، تت-نزه في روضة من رياض الجنان، فسألتها عن ذلک، فقالت: کنت معذبة للجرائم والعصيان، واليوم مر شخص على المقابر وصلى على محمد و اله صلی الله علیه و آله الطاهرين مرات، قسم ثوابها على أهلها، فانقلب عذاب أهلها إلى الحور والقصور.
6) الزيارة نیابة عن الميت وخصوصا زيارة الإمام الحسين (علیه السلام ) او مجالس الحسین (علیه السلام ): جاء في وصية آية الله المرعشي النجفي لوالده: «و اوصيک ان تستنیب لي رجلا صالحا لزيارة مشاهد اهل البیت و حضور مجالس العزاء واقامة افراح آل محمد عن الميت» لان الشیعة يفرحون لفرح اهل البیت (علیهم السلام ) ويحزنون لحزنهم.
7) الصدقه عن الميت: قال العلامة الحلي في الرسالة السعدية، و ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال:(2)«الصدقة
على خمسة أجزاء جزء الصدقة فيه بعشرة و هي الصدقة على العامة و قال تعالى (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)(3) و جزء الصدقة فيه بسبعين و هي الصدقة على ذوي العاهات و جزء الصدقة فيه بسبعمائة و هي الصدقة على ذوي الأرحام و جزء الصدقة بسبعة آلاف و هي الصدقة على العلماء و جزء الصدقة بسبعين ألفا و هي الصدقة على الموتى»
8) توزيع الکتب الدينيه عن الميت: خصوصا الکتب العلميه التي ينفع بها الطلبه العلوم الدينية والکتب التي تنشر ثقافة اهل البيت (علیهم السلام ) وقال النبي صلی الله علیه و آله المؤمن اذا مات وترک ورقة واحدة عليها علم تکون الورقه يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار وأعطاه الله بکل حرف مکتوب عليها مدينة وأوسع من الدنيا بسبع مرات.
ص: 84
9) العقيقه عن الميت: عن الإمام الصادق (علیه السلام ):(1)
«کل امرئ مرتهن يوم القيامه بعقيقته» و العقيقة: الذبيحة التي تذبح عن المولود، و اذا لم یعق عنه یذبحها الولد اذا کبر و اذا لم یفعل یذبح عقیقته عنه اولاده و الظاهر من الارتهان أنه يطالبها و يمنع عن الثواب.
10) اعمال اخرى: کل شيء تقدمه للميت ينفعه کزيارة قبر الميت وتعاهده بالدعاء وقراءة القرآن عنده وتسبيل الماء وتوزيع الطعام فاخرجوا ولو طبق بسيط مما تطبخونه للفقير او لمحتاج فهو شيء يسير لکنه للميت کبير.
قالوا: لما وصلت السبايا إلى کربلاء توزعت النساء على القبور وأخذت کل واحدة تنوح على قبر قتيلها وهنا تخيل کيف حال بنات رسول الله ونساء أهل البيت کل واحدة عند فقيدها..
زينب تصب دمعات العيون*اگعد وشوف أحوالنه اشلون
بدموع عبره وگلب محزون*وتصيح يالباللحد مدفون
وانظر يتاماک الينوحون
الرباب أم عبد الله أقبلت والثکل باد عليها منادية: سيدي (يا زين العابدين علیه السلام) أين قبر ولدي الرضيع؟ دلني عليه فأقبل بها على قبر أبيه الإمام الحسين (علیه السلام ) وعيناه تمطران دموعا وقال: ها هنا دفنت ولدک وأشار إلى جانب صدر الحسين (علیه السلام ) على القبر الشريف..
يبني بجاه أبوک بجاه جدک*أريد احط خدي اعلى خدک
يبني تفک باب لحدک*أخاف تنام الليل وحدک
رملة عند ولدها القاسم:
يبني أرد افک گبر النمت بيه*يا گبر جاسم عينک اعليه
ما يحمل ابني خاف تاذيه
کون اگبورکم بیبان بیه*چا کل یوم بالعباس الی اجیه
روحی الظیم متکور علیه*بالظیم یالتنشد علیه یالولد یبنی
اموت امن اذکر الماضی و عیده*او زمانی اویای ماخالف وعیده
مشه الکل سنه الیعایدنی و عیده*او من الیجبل العید اشلون بیه
يا نازِلِينَ بِکرْبَلا هَلْ عِنْدَکمْ*خَبَرٌ بِقَتْلانا وَما أَعْلامُها
مَا حَالُ جُثَّةِ مَيِّتٍ فِي أَرْضِکم*بَقِيَتْ ثَلاثاً لا يُزارُ مَقامُها
ص: 85
ص: 86
اذا انت فارقت الذين تحبهم*فذاک لمحتوم الفناء دليل(1)
يود الفتى ان لا يموت خليله*وليس الى ما يبتغيه سبيل
فلا عيش يهنى بعد فقد احبتي*وان بکائي بعدهم لطويل
لکل اجتماع من خليلين فرقة*وکل الذي دون الممات قليل
وان افتقادي فاطما بعد احمد*دليل على ان لا يدوم خليل(2)
مولانه امير المؤمنين (علیه السلام ) بعدما انتهى من دفن جسدها الطاهر (علیه السلام ) جلس عند قبرها الشريف وانشد:
مالي وقفت على القبور مسلما*قبر الحبيب فلم يرد جواب
أحبيب مالک لا ترد جوابنا*أنسيت بعدي خلة الأحباب
حبيب غاب عن سمعي وعيني*وعن قلبي حبيبي لا يغيب(3)
**
الخصم ما عنده امروه ولاذات*او حلت دنياه بعيونه ولاذات
الزهره اختفت من عنده ولاذات*وره الباب او عصرها ابن الدعيه
نتکلم الیوم عن فضائل السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام ) و اسمائها، قال الإمام الصادق (علیه السلام ):(4)«لفاطمة
(علیها السلام ) تسعة أسماء عند الله عز وجل، فاطمة والصديقة والمبارکة والطاهرة والزکية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء»
اسم فاطمة مشتق من الفطم بمعنى الفصل، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع، وقال علي (علیه السلام ):(5)«إنما سميت فاطمة لأن الله فطم من أحبها عن النار»
ص: 87
الصدیقة(1)
بمعنی المبالغة في التصديق أي الکثيرة الصدق، ولأنها لم تکذب قط(2)، و الصدیق یقال ایضا للذي يصدق قوله بالعمل.(3)
قال الإمام الکاظم (علیه السلام ):(4)«إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة.» و فی هذا الحدیث اشارة الی رد قولها فی قضیة مطالبتها بارض فدک و هی الصدیقة، وقد حصل هذا يوم وقفت تحاجج أبا بکر، بشأن ملکيتها في بساتين فدک التي کانت لها أيام حياة أبيها صلی الله علیه و آله فنزعها الخليفة منها.
و الشهيد من قتل من المسلمين فى معرکة القتال المأمور به شرعا، ثم اتسع فاطلق على کل من قتل منهم ظلما کفاطمة (علیها السلام ) اذ قتلوها بضرب الباب على بطنها و هى حامل فسقط حملها فماتت لذلک.
قال الإمام الصادق (علیه السلام ):(5)«وهي
الصديقة الکبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى(6).»
معنى البرکة هي النماء والزيادة و المبارک ما يأتي من قبله الخير الکثير و حيث نجد أن ذرية کل رسول من ولده وخصوصاً الذکور إلا نبينا محمد صلی الله علیه و آله حيث کانت ذريته من ابنته(7)
المبارکة فاطمة (علیها السلام ) ولقد
ص: 88
ورد في تفسير سورة الکوثر (إِنَّا
أَعْطَيْنَاک الْکوْثَرَ) الکوثر هي فاطمة الزهراء (علیها السلام )، والکوثر معناه الخير الکثير.
فهي (علیها السلام ) الطاهرة المطهرة النقية المبرءة من کل الأرجاس الظاهرية والباطنية، قال الإمام الباقر (علیه السلام ):(1)«إنما سميت فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله الطاهرة لطهارتها من کل دنس، وطهارتها من کل رفث، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا.»(2)
وإذا أردنا الوقوف على نص صريح يبين لنا حقيقة السيدة الزهراء (علیها السلام ) کزوجة، فإنه من الطبيعي أن نرجع إلى کلام أمير المؤمنين (علیه السلام ) فقد قال أمير المؤمنين (علیه السلام ) في حق فاطمة (علیها السلام ):(3)
«فوالله ما أغضبتها ولا أکرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا، ولقد کنت أنظر إليها فتنکشف عني الهموم والأحزان».
جاء عن الإمام الباقر (علیه السلام ) أنه قال: (4)«إن
فاطمة (علیها السلام ) ضمنت لعلي (علیه السلام ):
ص: 89
عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت (ای الکنس) وضمن لها علي ما کان خلف الباب: نقل الحطب، وأن يجيء بالطعام.
فقال لها يوما: يا فاطمة، هل عندک شيء؟ قالت: والذي عظم حقک ما کان عندنا منذ ثلاث إلا شيء اثرتک به، قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: کان رسول الله صلی الله علیه و آله نهاني أن أسألک شيئا، فقال: لا تسألين ابن عمک شيئا، إن جاءک بشيء عفوا وإلا فلا تسأليه» وفي رواية أنه قضی بذلک رسول الله صلی الله علیه و آله بخدمة فاطمة (علیها السلام ) دون الباب و داخل البیت، وقضى على علي (علیه السلام ) بما خلف باب البیت. قالت فاطمة (علیها السلام ):(1)«فلا
يعلم ما داخلني من السرور إلا الله، بإکفائي رسول الله صلی الله علیه و آله تحمل رقاب الرجال»
لقد کانت بنت النبي الأکرم تبذل قصارى جهدها فی أداء مهام البيت و الإمام علي (علیه السلام ) و کان یقول فی ذلک:(2)«إنها
استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت(3) يدها، وکسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دکنت ثيابها، فأصابها من ذلک ضرر شديد.»(4)
ص: 90
يقول ابن عباس: لما حضرت رسول الله صلی الله علیه و آله الوفاة بکى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول الله ما يبکيک؟ فقال:«أبکي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي کأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي، وهي تنادي: يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي» فسمعت ذلک فاطمة فبکت، فقال رسول الله: لا تبکين يا بنية فقالت: لست أبکي لما يصنع بي من بعدک، ولکني أبکي لفراقک يا رسول الله فقال لها:«ابشري يا بنت محمد، بسرعة اللحاق بي فإنک أول من يلحق بي من أهل بيتي».(1)
وفعلا کانت مولاتنا فاطمة الزهراء (علیها السلام ) أول من ماتت شهيدا من أهل بيت محمد، بعد أن کانت دائمة الحزن والبکاء على فقد خير الأنبياء ولذا روي عن أمير المؤمنين أنه کان عنده قمیص رسول الله صلی الله علیه و آله «فکانت فاطمة (علیها السلام ) تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما رأيت ذلک غيبته»(2) بعد ان قبض رسول الله ونال فاطمة (علیها السلام ) من القوم ما نالها لزمت الفراش ونحل جسمها وذاب لحمها وجف جلدها على عظمها وصارت کالخيال(3)
وروي أيضا إنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الرکن، باکية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة فکانت (علیه السلام ) کما أخبر أبوها عن يومها ذلک محزونة مکروبة باکية.(4)
و بعد شهادتها بقي أمير المؤمنين جليس البيت حزين کئيب على شهادة فاطمة الزهراء وهو يقول إني فقدت رسول الله بفقد فاطمة أنها کانت لي عزاء وسلوه وکانت إذا أنطقت ملأت سمعي بصوت رسول الله
ص: 91
صلی الله علیه و آله وأني ما أحسست تألم الفراق إلا بفراقها وأعظم مصيبة على علي أمير المؤمنين (علیه السلام ) لما وجد ضلعا من أضلاعها مکسور وهي کانت تخفيه عنه والإمام کان يبکي بکائا شديدا و یقول: (1)
نفسي على زفراتها محبوسة*يا ليتها خرخت مع الزفرات
لا خير بعدک في الحياة وإنما*أبکي مخافة أن تطول حياتي
***
شاف الضلع مظهر الدين*جرت دمعته وزاد الونين
ضلع واحد ياعلي وهد حيلک*چا اضلوع احسين شتسويلک
أقول يا أمير المؤمنين رأيت ضلعا من أضلاع الزهراء مکسور فبکيت عليه طول حياتک إذا لا لوم على الإمام زين العابدين إن صار في حالة احتضار لما رأى جسد حجة الله الإمام الحسين يوم الحادي عشر من محرم على رمضاء کربلاء قد داست الخيل صدره وظهره ورأسه مرفوع على رمحا طويل والدماء تسيل من نحره الشريف(2)..اه..
اه
يا بويه وداعة الله رحت عنک*بحسرة ولاکضيت وداع منک
مروني يبوه عالجستک ولنک*عاري مسلب مطبر معفر
يبويه أنروح کلنه فداياک*أخذنه للکبر يحسين وياک
فلما علمت عمته زينب فقالت: مالي أراک تجود بنفسک يا بقيه جدي وأبي وأخوتي فقال لها وکيف لا أجزع وأنا أرى أبي وأخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم.(3)
و ما هو حال زینب حین رات الاجساد، همت إن ترمي بنفسها من على الناقة هنا ألتفت الإمام زين العابدين (علیه السلام ) إلى عمته قال لها ماذا تفعلين قالت له أريد أن أرمي بنفسي على جسد أبيک الحسين فقال لها الإمام زين العابدين عمه زينب (علیها السلام ) أرحمي حالي أرحمي ضعف بدني فإذا أنت رميت بنفسک فمن يرکبک وأنا مقيد؟ عمه زينب (علیها السلام ) ودعي أخاک وأنت على ظهرالناقة.(4)
فجعلت زينب تطيل النظر إلى جسد أخيها الحسين وهي تقول: يابن أم والله لو خيروني بين المقام عندک أو الرحيل عنک لاخترت المقام
ص: 92
عندک:
يخويه العذر لله أبولية أعداک*لون بيدي يخويه أبگيت وياک
وارد مگطوع أصبعک لعد يمناک*والمک لا يظل جسمک أمطشر
يخويه لا اتگول ما عندج مروه*ولاتگول ضيعتي الأخوة
أنا ماشيه يحسين گوه*تشوف الشمر بيه أسوه
سوط على أمتوني تلو
يا الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
نسألک اللهم وندعوک باسمک الأعظم الأعز الأجل الأکرم يا محمود بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر السماوات والأرض بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن، يا قديم الإحسان بحق الحسين (علیه السلام ) عجل فرج وليک الحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) وانجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه، الأخوة الحاضرين تقبل اللهم عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحق محمد وآل محمد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذکر محمد وآل محمد، ارزقهم شفاعة محمد وآل محمد، اغفر لهم بحق محمد وآل محمد واحشرهم مع محمد وآل محمد. ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَکشِفُ السُّوءَ ﴾ الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله.
ص: 93
لفرط الجوى مهجتي کامته*وعيني بدت بالحيا ساجمه
لقد ظلمت بعد فقد النبي*وأمته أصبحت ظالمه
فلو دعت الله أفنتهم*ولکنها عنهم حالمه
أفاطم يسقط منها الجنين*وتدفع عن حقها راغمه
وتحرق باب فناها الطغام*وتأتي على خدرها هاجمه
فتبت يد کسرت ضلعها*ومدت على وجهها لاطمه(1)
***
غدت تصرخ يفضه صدري انعاب*او حملي سگط مني ابعتبة الباب
اجت فضه او لگتها فوگ التراب*يسيل امن الصدر واضلوعها الدم
اه اکتاب حزني من يفضه*ابد ما يفض نوحي من يفضه
على الصاحت تعالي لي يفضه*الحمل طاح او سگط فوگ الوطيه
تعتبر الأسماء عند أولياء الله ذات أهمية کبرى، لأن الأسماء عندهم تعبر عن حقيقة الشيء و أنها مصداق لتلک الحقيقة، قال الإمام الصادق (علیه السلام ):(2)«لفاطمة
(علیه السلام ) تسعة أسماء عند الله عزوجل، فاطمة والصديقة والمبارکة والطاهرة والزکية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء» و توضیح هذه الاسماء هو مایلی:
الزکاة هي بمعنی النمو والزيادة في الشيء على وجه ما بحيث يکون ذا أثر واضح نتيجة تلک الزيادة التي تطرأ عليه، فالزهراء زکية من جهة أن الله تعالى قد جعل ذرية الرسول الله صلی الله علیه و آله قد ازدادت ونمت عن طريق الزهراء (علیها السلام ).
فمن خلال هذا الاسم يظهر مقام الزهراء (علیها السلام ) العلي حيث أنها کانت راضية عن الله تعالى بکل ما قدر لها من خير وبلاء، فهي کانت راضية بقضاء الله تعالى وکانت شاکرة لله تعالى.
قال علي (علیه السلام ):(3)«فاطمة جرت بالرحى حتى أثر في يدها، واستقت
ص: 94
بالقربة حتى أثر في نحرها، وکنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دکنت ثيابها، وأصابها من ذلک ضر، فأتي النبي صلی الله علیه و آله خدم، فقلت: لو أتيت أباک فسألته خادما. فأتته و قال: اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربک، واعملي عمل أهلک، إن أخذت مضجعلک فسبحي ثلاثا وثلاثين، وکبري أربعا وثلاثين، فتلک مائة، فهي خير لک من خادم. فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله ولم يخدمها»
في معنى کونها مرضية، أحدهما هو کون جميع أعمالها وأفعالها و أقوالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارک وتعالى ورضت عنه، فهي راضية مرضية راضية عن الباري عز وجل و مرضية من جهة أن لها (علیه السلام ) مقام الشفاعة الکبرى(1)
وکما ورد
ص: 95
في أحاديث مجيئها يوم القيامة وکيفية شفاعتها لشيعتها ومحبيها.
معنى هذا الإسم أنها (علیه السلام ) کانت تحدث امها خديجة (علیها السلام ) وکما ورد عندما سئل رسول الله صلی الله علیه و آله من زوجته خديجة اثناء دخوله عليها قائلا لها مع تتحدثين قالت:(1)«الجنين
الذي في بطني يؤنسني ويحدثني» و المعنی الثاني معنى المحدثة هو أنها (علیها السلام ) کانت تحدثها الملائکة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله و الملائکة يمکن أن تتحدث مع غير الانبياء، تأمل فی قوله تعالی: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾.
وعلى هذا الأساس کان مصحف فاطمة (علیها السلام ) حديث الملائکة مع فاطمة و کان یکتبه الإمام علي (علیه السلام )، هذا المصحف الذین یقولون اعداء اهل البیت (علیهم السلام ) أنه قرانا غير القرآن الموجودة حاليا و الصحیح انه کتاب حدیثو سئل الإمام الصادق (علیه السلام ) عن مصحف فاطمة؟ فقال:(2)«إن
الله تبارک وتعالى لما قبض نبيه (علیه السلام ) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل اليها ملکا يسلي عنها غمها ويحدثها، فشکت ذلک إلى أمير المؤمنين (علیه السلام ) فقال لها: إذا أحسست
ص: 96
بذلک وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته، فجعل يکتب کل ما سمع حتى أثبت من ذلک مصحفا. قال: ثم قال: أما إنه ليس الحلال والحرام، ولکن فيه علم ما يکون».
وهو من أشهر أسماءها و سميت بالزهراء لأن نورها کان یزهر ای یشع.
سئل الإمام الحسن العسکري (علیه السلام ) عن فاطمة (علیها السلام ) لم سميت زهراء؟ فقال:(1)
«کان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (علیه السلام ) من أول النهار کالشمس الضاحية و عند الزوال کالقمر المنير و عند الغروب غروب الشمس کالکوکب الدري(2)» و نقل حدیث عن عائشة انها قالت:(3)«أنها
کانت تقول کنت أسلک الخيط في سم الخياط في الليلة المظلمة من نور وجه فاطمة (علیها السلام ) فلذلک لقبت بالزهراء»
يروى أنه (علیه السلام ) کان يأتي إلى قبر السيدة فاطمة (علیها السلام ) ليلا ويجلس عند قبرها وينادي وا حبيبتاه يا حبيبة قلباه فلم يجبه أحد فلما کان بعد ستة
ص: 97
أشهر اشتد شوقه جدا فبکى وجعل يقول:
مالي وقفتُ على القبور مسلما*قبر الحبيب فلم يردَّ جوابي
أحبيبُ
مالک لا تردُّ جوابنا*أنسيت بعدي خلَّةَ الأحباب
حبيب غاب عن سمعي وعيني*وعن قلبي حبيبي لا يغيب(1)
فأجاب عن نفسه وقيل بل أجابه هاتف:
قال الحبيبُ وکيف لي بجوابکم*وأنا رهينُ جنادلٍ وتراب
أکل
الترابُ محاسني فنسيتکم*وحُجبتُ على أهلي وعن أصحابي(2)
وکان (علیه السلام ) يجلس عند قبرها ليلا فيقرأ القرآن بناء على وصيتها وفي ليلة من الليالي قرأ شيئا من القرآن ثم غفا قليلا وإذا بالزهراء (علیها السلام ) تقول له في الرؤيا: شکر الله سعيک يا ابن العم لقد نفذت الوصية يا أبا الحسن ثم قالت: ارجع يا أبا الحسن إلى البيت لأن زينب جلست من نومها ونظرت إلى مکاني فرأته خاليا فأخذت بالبکاء.(3)
يحيدر بالله زينب روح ليها*او مش ادموعها او صبر عليها
اخافن عله ابنيتي من بچيها*تموت او من يباري اعيال الحسين
فلما سمع الإمام (علیه السلام ) کلامها رجع إلى البيت مسرعا فوجد زينب (علیها السلام ) جالسة وهي تنظر إلى مکان أمها الزهراء وعيونها تتحادر دموعا فلما وقع بصرها على أمير المؤمنين صاحت وا ابیتاه این امی الزهراء:(4)
ييمه ابگينه من عگبچ يتامه*ييمه الدهر صوبنه ابسهامه
ييمه الليل کله ما أنامه*واشوف اگبال عيني طولچ ايلوح
دحاچيني ييمه او جاوبيني*ياهو اخلاف عينچ يسليني
يصبرني وينشف دمع عيني*او يداوي اصواب دلالي والجروح
اريد اگعد ونوحن بيک يابيت*على الکسروا ضلها او غصب يابيت
يا ام احسين تبچي اعليچ يابت*اظنها اللي انسبت بالغاضريه
بأبي التي ماتت وما*ماتت مکارمُها السنيَه
بأبي التي دُفنت وعُفِّي*قبرها السامي تقيَه
يا الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم
ص: 98
الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
نسألک اللهم وندعوک باسمک الأعظم الأعز الأجل الأکرم يا محمود بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر السماوات والأرض بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن، يا قديم الإحسان بحق الحسين (علیه السلام ) عجل فرج وليک الحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) وانجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه، الأخوة الحاضرين تقبل اللهم عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحق محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذکر محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله، ارزقهم شفاعة محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله، اغفر لهم بحق محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله واحشرهم مع محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله. ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَکشِفُ السُّوءَ ﴾ الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله.
ص: 99
وروي إن فاطمة (علیها السلام ) ما زالت بعد أبيها لفراقه و لما نال فاطمة (علیها السلام ) من القوم معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الرکن، باکية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة و کانت (علیه السلام ) محزونة مکروبة باکية، و تنشد ابوها رسول الله بهذه الابیات:
ماذا على من شم تربة أحمد*أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها*صبت على الأيام صرن لياليا(1)
إذا مات يوما ميت قل ذکره*وذکر أبي مذ مات والله أزيد
تذکرت لما فرق الموت بيننا*فعزيت نفسي بالنبي محمد
فقلت لها أن المماة سبيلنا*ومن لم يمت في يومه مات في غد(2)
إذا اشتد شوقي زرت قبرک باکيا*أنوح وأشکو لا أراک مجاوبي(3)
علمتني البکاء وذکرک*أنساني جميع المصائب
فإن کنت عني في التراب مغيبا*فما کنت عن قلبي الحزين بغائب(4)
وکان أمير المؤمنين (علیه السلام ) اغتسل النبي صلی الله علیه و آله في قميصه فکانت فاطمة (علیها السلام ) تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها.
عگبک غدت وحشه الليالي*والحزن خيم على اطفالي
وانهدم سوري ال چان عالي*إگعد او شوف اشلون حالي
وشوف السده اعليه او جرالي*مکسورة ضلع يا بوي تالي
والعين حمره اهنا يوالي*او محسن سگط هذا الصفالي
ص: 100
الزهره ابدفعته الظالم ولاها*عصرها إو نکر کل حگ ها ولاها
العدو منه النبي اتبره ولاها*ابسقر طاح الکسر ضلع الزچ يه
إن أئمة أهل البيت (علیهم السلام ) کانوا يهتمون کثيرا بالأسماء، وبالخصوص باسم فاطمة، ويحبون بيت فيه اسم فاطمة، ويحبون البيوت التي تذکر فيها أمهم فاطمة (علیها السلام ) وليست هذه التسمية ارتجالية، بل لأنها مصداق للحقيقة، بل ومناسبة الاسم مع المسمى، و من اسماء فاطمة الزهراء:
معنی التبتل هو الانقطاع، یکون معنی البتول انها المنقطعة عن الدنيا إلى الله تعالى، او لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا و دينا و حسبا او لأنها تبتلت عن دماء النساء(1).
معناها: الشيء الکثير، إن الله تعالى سماها في کتابه العزيز بالکوثر، وجعل أعداء رسول الله صلی الله علیه و آله المقطوعين من النسل والبرکة کما في سورة الکوثر: « إِنَّا أَعْطَيْنَاک الْکوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّک وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَک هُوَ الْأَبْتَرُ (3) »
الحوراء مفرد الحُور و معناها مخلوقة الجنة، لکن الزهراء هي الحوراء الإنسية، لأن نطفتها تکونت من ثمار الجنة کما نقل سلمان عن رسول الله صلی الله علیه و آله:(2)
« قالت بعض أزواج النبي صلی الله علیه و آله يا رسول الله
ص: 101
ما لک تحب فاطمة حبا ما تحبه أحدا من أهل بيتک قال إنه لما أسري بي إلى السماء انتهى بي جبرئيل (علیه السلام ) إلى شجرة طوبى فعمد إلى ثمرة من أثمار طوبى ففرکه بين إصبعيه ثم أطعمنيه ثم مسح يده بين کتفي ثم قال يا محمد إن الله تعالى يبشرک بفاطمة من خديجة بنت خويلد فلما أن هبطت إلى الأرض فکان الذي کان فعلقت خديجة بفاطمة فإذا أنا اشتقت إلى الجنة أدنيتها فشممت ريح الجنة فهي حوراء إنسية»
عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (علیه السلام ):(1)«أخبرني
عن قول رسول الله صلی الله علیه و آله في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين أ هي سيدة نساء عالمها فقال ذاک لمريم کانت سيدة نساء عالمها و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين.»
إن لفاطمة الزهراء (علیها السلام ) کنى عديدة اشهرها:
أم الأئمة: فهي أم الأئمة الأحد عشر (علیه السلام ).
أم المحسن: فهي أم الشهيد الأول المحسن من أولادها.
أم الحسن: فهي أم الشهيد الثاني من أولادها.
أم الحسين: فهي أم الشهيد الثالث من أولادها. و یقال ایضا ام الحسن و الحسین.
أم أبيها: فکانت تحمل هموم أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله دائما، کما تحمل الأم هموم ولدها، وکذلک کانت فاطمة أحب الخلق إلى رسول الله صلی الله علیه و آله کما تکون الأم أحب الخلق إلى الابن، فهي أم أبيها کما عن الإمام الباقر (علیه السلام ) قال: کانت فاطمة تکنى أم أبيها.(2)
وروي أنه لما قبض النبي صلی الله علیه و آله امتنع بلال من الأذان، قال: لا أ أذن لأحد بعد رسول الله صلی الله علیه و آله، وإن فاطمة قالت ذات يوم: «إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي بالأذان» فبلغ ذلک بلالا فأخذ في الأذان، فلما قال: الله أکبر الله أکبر، ذکرت (علیها السلام ) أباها وأيامه، فلم تتمالک من البکاء،
ص: 102
فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمدا رسول الله صلی الله علیه و آله، شهقت فاطمة (علیها السلام ) وسقطت لوجهها وغشي عليها. فقال الناس لبلال: أمسک يا بلال(1).
وهکذا بقيت بنت رسول الله إلى أن دنت منها الوفاة، ولکن بأي حال یغسلها علی (علیه السلام ) ؟ قام أميرالمؤمنين ووضعها على صخره المغتسل ويغسلها من وراء الثياب وأسماء تسکب له الماء وتقول أسماء بينما علي يغسل فاطمة وإذا به يترک الغسل وجلس جانبا يبکي ووجهه إلى الحائط فأقبلت إليه وقلت له سيدي لم ترکت غسلها وقمت تبکي وأنته توصينا بالصبر فقال لها يا أسماء إن الصبر جميل ولاکن على فاطمة ليس بجميل يا أسماء لا تلوميني لقد رأيت ضلعا من أضلاعها مکسورا.
ولما أتم تغسلها وتکفنها وقبل أن يعقد الرداء عليها صاح أمير المؤمنين "يا حسن يا حسين (علیه السلام ) يا زينب (علیها السلام )، هلموا وتزودوا من أمکم فاطمة فهذا الفراق واللقاء في الجنة" فأقبلوا وجلس الحسن (علیه السلام ) في جانب والحسين (علیه السلام ) في جانب و زينب (علیها السلام ) وهم ينادون ويبکون أماه فاطمة کلمينا ثم يقول عليا الحسين کسر خاطري وهو يقول أماه أقسم عليک بجدي رسول الله صلی الله علیه و آله الاما کلميني لقد قطعتي نياط قلبي وهم يقولون أماه يا فاطمة قولي لجدنا: "أنا بقينا بعدک يتيمين غريبين في دار الدنيا".(2)
فقال أمير المؤمنين: أني أشهد الله أنها قد حنت وأنت ومدة يديها وضمتهما إلى صدرها مليا، وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا حسن أرفعهما عنها فلقد أبکيا والله ملائکة السموات فقد أشتاق الحبيب إلى المحبوب فقال أمير المؤمنين رفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء عليها و أنشد بهذه الأبيات:
فراقک أعظم الأشياء عندي*وفقدک فاطم أدهى الثکول
الأ يا عين جودي وأسعدي*فحزني دائم أبکي خليلي(3)
ودموعه جارية على لحيته الشريفة هذا عليا، أما أولاد الزهراء:
يولي من طاحوا على أمهم الزهرة*المسموم ولمگطوع نحره
ص: 103
حنت وگامت تجر حسره*عليهم وضمتهم الحرة
ومن الکفن مدت العشرة
و زينب (علیها السلام ) جالسة عند رجلیها وهي تنظر إلى أمها الزهراء (علیها السلام ) وعيونها تتحادر دموعا و تنادی: وا أماه وا فاطمتاه.
ييمه ابگينه من عگبچ يتامه*ييمه الدهر صوبنه ابسهامه
دحاچيني ييمه او جاوبيني*ياهو اخلاف عينچ يسليني
يصبرني وينشف دمع عيني*او يداوي اصواب دلالي والجروح
اريد اگعد ونوحن بيک يابيت*على الکسروا ضلها او غصب يابت
يا ام احسين تبچي اعليچ يابت*اظنها اللي انسبت بالغاضريه
يا الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
نسألک اللهم وندعوک باسمک الأعظم الأعز الأجل الأکرم يا محمود بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر السماوات والأرض بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن، يا قديم الإحسان بحق الحسين عجل فرج وليک الحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) وانجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه، الأخوة الحاضرين تقبل اللهم عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحق محمد وآل محمد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذکر محمد وآل محمد، ارزقهم شفاعة محمد وآل محمد، اغفر لهم بحق محمد وآل محمد واحشرهم مع محمد وآل محمد. ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَکشِفُ السُّوءَ﴾ الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله.
ص: 104
أنائحة مثلي على العرصة القفرا*تعالي أقاسمک المناحة والذکرى
وخلي حديث الباب ناحية فما*تمثلته الا جرت مقلتي نهرا
بنفسي التي ليلا توارت بلحدها*وکان بعين الله أن دفنت سرا
بنفسي التي أوصت باخفاء قبرها*ولولاهم کانت بأظهاره أحرى
بنفسي التي ماتت وملء برودها*من الوجد ما لم تحوه معه الغبرا
رموها بسهم عن قسي حقودهم*فأصبح فيما بينهم دمها هدرا
**
الماتم على الزهره اليوم ينصاب*او عليها ادموم دمع العين ينصاب
ابنها والضلع بسمار ينصاب*او تغسل من دمه صدر الزچيه
بيت بلايا ام شيصير الغروب*بکل دقت قلب تحس امک وياک
صوت الوالده يهز الشرايين*امک هاي امک غذت الروح
ومايحتاج اگلک بالبراهين
يا يمه يا يمه
حزينه الدار يا يمه بلاياج*والله عليج تنوح کل صبح ومسية
يا يمه يا يمه
صفة وحشة مضلمة بالعين*عقبج يالعزيزه امست خليه
يا يمه يا يمه
عقب عينج يايمه قلبي مجروح*ياريت اصواب ضلعج صار بيه
يا يمه يا يمه
تقلها يايمة قبرج ياريت لمني وياج يايمه وعلى قلبي اوسدج بين اديه
يا يمه يا يمه
يافي الحنان البيه تربية*بعدج من يحن يايمة ليه
يا يمه يا يمه
يمه الوالده خيمه لولدها*اه يايمه منين اجتلج المنيه
ماجت ماجت
تحس الگاع بينا اليوم ماجت*ومدامعنا يداحي الباب ماجت
بويه اجانا الليل امنا اشلون ماجت*مشت لا وين ياحمي الحمية
کانت فاطمة (علیها السلام ) أعبد نساء زمانها، وسأل النبي صلی الله علیه و آله عليا (علیه السلام ):(1)
«
ص: 105
کيف وجدت أهلک قال نعم العون على طاعة الله و سأل فاطمة فقالت خير بعل فقال اللهم اجمع شملهما و ألف بين قلوبهما و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مبارکة و اجعل في ذريتهما البرکة و اجعلهم أئمة يهدون بأمرک إلى طاعتک و يأمرون بما يرضيک».
و عن الإمام الباقر (علیه السلام ) في حديث قال:(1)« بعث رسول الله صلی الله علیه و آله سلمان إلى منزل فاطمة لحاجة. قال سلمان: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، و الرحى تدور من برا، ما عندها أنيس. قال: فعدت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله فقلت: يا رسول الله، رأيت أمرا عظيما فقال: هيه يا سلمان، تکلم بما رأيت و سمعت.
قال: وقفت بباب ابنتک يا رسول الله، و سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، و الرحى تدور من برا ما عندها أنيس قال: فتبسم رسول الله صلی الله علیه و آله و قال: يا سلمان، إن ابنتي فاطمة (علیها السلام ) ملأ الله قلبها و جوارحها إيمانا إلى مشاشها(2)
فتفرغت لطاعة الله عزوجل فبعث الله ملکا اسمه روفائيل فأدار لها الرحى فکفاها الله عز و جل مئونة الدنيا مع مئونة الآخرة»
و ربت السيدة الزهراء (علیها السلام ) أولادها علی حب الثواب و الایمان بالله فعندما ينظر إليها الحسن (علیه السلام ) ويراها تتعبد في محرابها و تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها بشيء يسألها: يا أماه لم لا تدعين لنفسک کما تدعين لغيرک؟ فتقول: "يا بني، الجار ثم الدار(3)".
هذه الأم التي تذکر الروايات أنها في ليالي القدر کانت تقلل لهم طعام
ص: 106
الإفطار، وتطلب منهم أن يناموا في النهار(1)،
ليستعينوا بذلک على إحياء ليالي القدر، وهم في عمر صغير، وتحدثهم عن ثواب وعظمة هذه الليالي وتحثهم على أن يکونوا إلى الله أقرب.(2)
وحضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (علیها السلام ) فقالت:(3)
إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليک أسألک. فأجابتها فاطمة (علیها السلام ) عن ذلک، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الکثرة، فقالت: لا أشق عليک يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (علیها السلام ): هاتي وسلي عما بدا لک، أرأيت من إکترى(4)
يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وکراؤه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت: إکتريت أنا لکل مسألة بأکثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا، فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي صلی الله علیه و آله يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الکرامات، على قدر کثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الکافلون لأيتام ال محمد صلی الله علیه و آله الناعشون(5)
لهم عند إنقطاعهم عن ابائهم، الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتکم والأيتام الذين کفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا.
فيخلعون على کل واحد من أولئک الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من
ص: 107
العلوم حتى أن فيهم(1) لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة وکذلک يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم، ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الکافلين للأيتام، حتى تتموا لهم خلعهم، وتضعفوها، فيتم لهم ماکان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وکذلک من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم. وقالت فاطمة (علیها السلام ): يا أمة الله إن سلکا من تلک الخلع، لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة، وما فضل فإنه مشوب التنغيص والکدر.
فمن حيث خمار رأسها فقد وصف أنه يصل إلى نصف عضدها، کما جاء عن الإمام الباقر (علیه السلام ) أنه قال:(2)«فاطمة
سيدة نساء أهل الجنة و ما کان خمارها إلا هکذا و أومأ بيده إلى وسط عضده و ما استثنى أحدا» ومن عجائب أمرها (علیه السلام ) أنها کانت تتحرج من رؤية الرجل الأعمى، فکيف بالبصير حينئذ قال أمير المؤمنين (علیه السلام ):(3)«إن
فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي صلی الله علیه و آله: لم حجبتيه وهو لا يراک، فقالت: يارسول الله إن لم يکن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح. فقال النبي صلی الله علیه و آله: أشهد أنک بضعة مني»
ومن مظاهر العفة والحشمة التي سجلتها الزهراء (علیها السلام ) سنة تقتدى إلى اليوم، هي أنها عندما اشتکت شکوتها التي قبضت فيها، قالت لاسماء بنت عميس:(4)
«ألا تجعلي لي شيئا يسترني، فإني استقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها» فقالت أسماء: إني رأيت شيئا يصنع بالحبشة، فصنعت لها هيئة النعش، فقالت (علیه السلام ): «اصنعي لي مثله، استريني سترک الله من النار» فکان نعشها أول نعش أحدث في الإسلام، واتخذ بعد ذلک سنة.
وسجلت الزهراء (علیها السلام ) دورا بارزا في الانفاق في سبيل الله من ذلک تصدقها بقوتها ثلاثة أيام(5) على المسکين واليتيم والأسير في جملة
ص: 108
زوجها علي و ولديها الحسن والحسين (علیه السلام )، فأنزل الله تعالى فيهم قرانا يتلى وهو سورة الدهر(1) و ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ قال:(2) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (علیه السلام ).
و شان النزول هکذا: أن رجلا جاء إلى النبي صلی الله علیه و آله فشکا إليه الجوع، فبعث إلى بيوت أزواجه، فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال: من لهذه الليلة؟ فقال علي (علیه السلام ): أنا يا رسول الله فأتى فاطمة (علیها السلام ) فأعلمها، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية، ولکنا نؤثر به ضيفنا فقال علي (علیه السلام ): نومي الصبية، وأنا أطفىء للضيف السراج ففعلت وعشى الضيف، فلما أصبح نزل الله عليهم هذه الاية: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
ومن نماذج الإيثار والسخاء ما روی: أن النبي صلی الله علیه و آله صنع لها قميصا جديدا ليلة عرسها و زفافها، و کان لها قميص مرقوع، و إذا بسائل على الباب، يقول: أطلب من بيت النبوة قميصا خلقا، فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع، فتذکرت قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ فدفعت له الجديد.(3)
ص: 109
ولما فکروا القوم بالهجوم على دار فاطمة الزهراء و أخراج عليا للبيعة فخرج الثاني مع جماعه کثيرة فساروا إلى الدار فاطمة الزهراء ولما وصلوا إلى دارها، وصاح الثاني أفتحوا الباب والله لئن لم تفتحوا لنحرقه بالنار وکان الهجوم على باب دار فاطمة:
قال سليم(1)
قلت يا سليمان*هل دخلوا ولم يک استأذان
فقال إي وعزة الجبار*دخلوا وما على الزهراء من خمار(2)
ص: 110
لا کنها لاذت وراء الباب*رعاية للستر والحجاب
فمن رأوها عصروها عصره*کادت بنفسي أن تموت حسرة
تصيح يا فضه أليی سنيدني*فقد وربي قتلوا جنيني
***
ما قال أبويه بيت أبو الحسنين بيتي*وما قال في الزهراء احفظوني عقب موتي
وخر يا ظالم لا تسمع الناس صوتي*والحطب خلف الباب ليش امجمعينه
قالها باشب النار قالت شبها عليک*وأرحل يا ظالم للنار تصليک
قالها باطب الدار گالت ما أخليک*شافته مصر ولزمت الباب الحزينة
ويلي وبانت أناملها وأخذ سوطه وضربها*وقالها يا زهراء حجرتچ لازم نطبها
وحط قوته بالباب يا شيعة وعصرها*وفاطم تنادي يارسول الله اهتکونا
یا علی، یا رسول الله
وانفتح باب الدار والزهراء بلا خمار*ولأجل الستر لاذات مابينه وبين الجدار
نادی علی أصحابه وهجم بيهم علی الدار*وبالباب لاذت استترت بضعة نبينا
أويلي جاء وعصرها وفوق وجنتها لطمها*وضلعين کسرها ابطنها ولا رحمها
وزينب تشوفه وقامت تدافع عن أمها*وطاحت وطاح الحمل منها
ص: 111
مسقطينه
**
بويه گمت للباب لکن ماعلية احجاب*حس بي الرجس من لذت خلف الباب
بویه عصرنی او سگط المحسن او صدری انعاب
اشلون العل خلک واجب ولاها*انکروها اولا اعرفوا حگها ولاها
بين الباب والحايط ولاها*او کسرمنها الظلع نسل الدعيه
ثم قال الثاني إئتوني بالحطب وجمع الحطب في باب دارها وأمرهم بالنار فلما علم الناس إن في الدار فاطمة تراجعوا فقالوا يا فلان إن في الدار فاطمة فقال لهم وإن تکن فاطمة. (1)
فأخذ النار وهو يصيح بأعلى صوته إحرقوا دارها ومن فيها فنادت فاطمة بأعلى صوتها. يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدک من ابن الخطاب، و ابن أبي قحافة. فلما سمع القوم صوتها وبکاءها إنصرفوا باکين وبقي الثاني ومعه قوم(2)
ودعا بالنار وأضرمها في الباب(3)
ثم أخذت النار بالخشب ودخل الدخان في البيت. (4)
فضرب الثاني الباب برجله فکسره(5)
ولاذت فاطمة خلف الباب فلما أحس بها خلف الباب رکل الباب برجله(6) وعصرها بين الباب والحائط عصرة شديدة قاسية حتى کادت روحها أن تخرج من شدة العصر ونبت المسمار في صدرها(7)
وسال الدم من ثديها(8)
فسقطت على وجهها فصرخت صرخة يا رسول الله أهکذا يصنع بحبيبتک وأبنتک فقالت يا فضة خذيني فقد والله قتل ما في أحشائي.(9)
ص: 112
فأخذ الثاني السوط من قنفذ(1) وضرب به عضدها فإلتوى السوط على يدها حتى صار کالدملج(2) الأسود فسقطت مغشية عليها.
غدت تصرخ يفضه صدري انصاب*او حملي سگط مني ابعتبة الباب
أجت فضة او لگتها فوگ التراب*يسيل امن الصدر واضلوعها الدم
انته وين رحت يه ابوي عني*واتشوف الکسرت أضلوعي أوسگطتني
وامن البچی اعليک امنعتني
ودخل القوم على أمير المؤمنين وأخرجوه من المنزل قهرا فلما أفاقت فاطمة بعد لحظات و علمت ان علیا أخرجوه من الدار، فقامت فاطمة مع ما بها من تلک الالام وخرجت خلف أمير المؤمنين وهي تنادي يا قوم خلوا عن أبن عمي علي فو الله لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري و لأضعن قميص أبي رسول الله على رأسي ولأصرخن إلى الله فما صالح بأکرم على الله من أبي ولا ناقته بأکرم على الله مني ولا الفصيل بأکرم على الله من ولدي. (3)
ثم إلتفت الثاني إلى غلامه قنفذ وقال له ويحک رد فاطمة إلى البيت فرجع إليها قنفذ وجعل يجلد فاطمة بالسياط(4) وهي تنادي يا أبتاه يا رسول الله، و في رواية اخري:(5)
الجاها قنفذ الي عضاده بيتها و دفعها فکسر ضلعا من جنبها فقتل جنينا فی بطنها، فلم تزل صاحبه فراش حتي ماتت من ذلک شهيده.(6)
بويه امر على عبده ضربني*إو من ضربته للگاع ذبني
إولا إنکسر کلبه أو لا رحمني*ومن الناس ما واحد حشمني
بأبي التي ماتت وما*ماتت مکارمُها السنيَهْ
بأبي التي دُفنت وعُفِّي*قبرها السامي تقيَهْ
ص: 113
الله و اکبر فاطمه*على العين سطروهة(1)
من عینها سال الدمة*على العين سطروهة
بچت ملائکت السمه*على العين سطروهة
یا ویلی من اصوابه*على العين سطروهة
زمرة غدر غدروها*على العين سطروهة
یا ویلی من عصروها*على العين سطروهة
یا ویلی عزیزه طاها*على العين سطروهة
يلفظ الباري ابجاها*على العين سطروهة
ابعکب الرمح طگوها*على العين سطروهة
بالبچی و الون خلوها*على العين سطروهة
البسمار منه اتلوعت*على العين سطروهة
بالظلع یا ویلی نبت*على العين سطروهة
لحگیلی یا فضه اصرخت*على العين سطروهة
بالباب من عصروها*على العين سطروهة
فضه ابعجل گومینی*على العين سطروهة
من عندی طاح اجنینی*على العين سطروهة
والله الظلع یاذینی*على العين سطروهة
الزهرا ما رحموه*على العين سطروهة
اتگله ارجع ما رجع*على العين سطروهة
و الباب علی الزهره اندفع*على العين سطروهة
ام الحسن هضموها*على العين سطروهة
ملعون من شب الحطب*علی باب بت النبی
ص: 114
يصادف 10 ربيع الثاني ذکرى وفاة السيدة فاطمة المعصومة (علیها السلام ) بنت الإمام موسى الکاظم (علیه السلام ) فهي بنت إمام وأخت إمام وعمة إمام، کما أنها تحظى بمکانة رفيعة عند الأئمة (علیهم السلام ) وقد ورد فيها روايات تشير إلى ذلک.
و ولدت السيدة فاطمة في المدينة المنورة عام 179ه- وتوفيت في عام 201 ه- في مدينة قم وکانت (علیه السلام ) من أعظم نساء زمانها عبادة وفضلا وأخلاقا وکانت (علیه السلام ) تلقب بالمحدثة لکثرة علمها وتلقب بالمعصومة لشدة إيمانها وکانت تحب أخاها الرضا (علیه السلام ) ولما حمله المأمون إلى خراسان اشتد شوقها إلى أخيها الرضا (علیه السلام ) فخرجت في أثره و توفیت فی الطریق فی مدینة قم.
نقل العلامة المتتبع الشيخ علي أکبر مهدي بور حکاية عن أحد الفضلاء عن المرحوم السيد أحمد المستنبط صاحب کتاب القطرة، عن کتاب کشف اللئالي لابن العرندس الحلي المتوفى عام840ه-، وذکر انه وجدها آية الله العلامة الميرجهاني في نسخة خطية في مکتبة آية الله السماوي صاحب کتاب ابصار العين في أنصار الحسين في النجف الأشرف و کتاب کشف اللئالي للشيخ صالح بن العرندس الحلي کتاب خطي لم یطبع بعد. و الروایة هی:
أن جمعا من الشيعة دخلوا المدينة معاهم عدة من المسائل الدینیة المکتوبة لیسئلوا أهل البيت (علیهم السلام ) عنها وصادف أن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام ) کان في سفر والإمام الرضا (علیه السلام ) کان خارج المدينة.
وحينما عزموا على الرحيل ومغادرة المدينة تأثروا وأصابهم الغم لعدم ملاقاتهم الإمام (علیه السلام ) وعودتهم إلى وطنهم وأيديهم خالية. ولما شاهدت
ص: 115
السيدة المعصومة غم هؤلاء وتأثرهم قامت بکتابة الأجوبة على أسئلتهم وقدمتها لهم علی ورقة.
وغادر أولئک الشيعة المدينة فرحين مسرورين والتقوا بالإمام الکاظم (علیه السلام ) خارج المدينة، فقصوا على الإمام (علیه السلام ) ما جرى معهم وأروه ما کتبته السيدة المعصومة (علیها السلام ) فسر الإمام (علیه السلام ) بذلک وقال: "فداها أبوها"(1).
ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام ) فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا (علیه السلام ) حيث قال: «من زار المعصومة بقم کمن زارني»(2)
وهذه التسمية تدل على أن السيدة فاطمة قد بلغت من الکمال والفضل مرتبة عالیة، فالعصمة تعني: حفظ النفس والوقاية من المعاصي، والمعصوم هو الذی یترک جميع محارم الله و معاصیه.
وهذا لقب اشتهرت به (علیها السلام ) وهناک قصة منقولة عن السيد محمود المرعشي والد المرجع المعروف السيد شهاب الدين المرعشي ورد فيها هذا اللقب وحاصلها: أنه کان يريد معرفة قبر الصديقة الزهراء (علیها السلام ) وقد توسل إلى الله تعالى من أجل ذلک کثيرا، حتى أنه دأب على ذلک أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من کل أسبوع في مسجد السهلة بالکوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصوم (علیه السلام ) فقال له الإمام (علیه السلام ): "عليک بکريمة أهل البيت"، فظن السيد محمود المرعشي أن المراد بکريمة أهل البيت (علیهم السلام ) هي الصديقة الزهراء (علیها السلام ) فقال للإمام (علیه السلام ): جعلت فداک إنما توسلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرف بزيارتها، فقال (علیه السلام ): "مرادي من کريمة أهل البيت قبر السيدة فاطمة المعصومة (علیها السلام ) في قم.." وعلى أثر ذلک عزم السيد محمود المرعشي على السفر من النجف الأشرف إلى قم لزيارة کريمة أهل البيت (علیهم السلام ) (3).
ولمنزلتها العظيمة ومقامها الرفيع عند الله تعالى فقد أعطيت الشفاعة فعن القاضي نور الله التستري في کتاب "مجالس المؤمنين" عن الصادق (علیه السلام ) أنه قال: "إن لله حرما وهو مکة، ألا إن لرسول الله حرما وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الکوفة، ألا وإن قم الکوفة الصغيرة ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي
ص: 116
الجنة بأجمعهم"(1).
کانت السيدة فاطمة بنت الإمام الکاظم (علیه السلام ) عالمة محدثة راوية، حدثت عن ابائها الطاهرين (علیهم السلام )، وحدث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث، و أثبت لها روايات من الفريقين الخاصة والعامة.
روى الحافظ شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي المتوفى سنة 318 ه، بسنده عن بکر بن أحمد القصري، عن فاطمة بنت علي بن موسى الرضا، عن فاطمة وزينب وأم کلثوم بنات موسى بن جعفر (علیه السلام )، قلن حدثتنا فاطمة بنت جعفر (علیه السلام ) بن محمد الصادق (علیه السلام )، حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي، حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين، حدثتني فاطمة وسکينة ابنتا الحسين بن علي، عن أم کلثوم بنت فاطمة بنت النبي صلی الله علیه و آله و رضي عنها قالت: "أنسيتم قول رسول الله صلی الله علیه و آله يوم غدير خم: من کنت مولاه فعلي مولاه، وقوله صلی الله علیه و آله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (علیه السلام )". وبسنده عن بکر بن أحنف قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا قالت: حدثتني فاطمة (المعصومة) و زينب و أم کلثوم بنات موسى بن جعفر (علیه السلام ) قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد (علیها السلام )، قالت: حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي (علیه السلام )، قالت: حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين (علیه السلام )، قالت: حدثتني فاطمة وسکينة ابنتا الحسين بن علي (علیه السلام )، عن أم کلثوم بنت علي (علیه السلام ) عن فاطمة بنت رسول الله (علیه السلام ) قالت: "سمعت رسول الله يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة، وعليها باب مکلل بالدر والياقوت، وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مکتوب على الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وإذا مکتوب على الستر: بخ بخ من مثل شيعة علي.." الی اخر الحديث.
و روى الصدوق في الأمالي عن أحمد بن الحسين المعروف بأبي علي بن عبد ربه، قال: حدثنا الحسن بن علي السکري، قال: حدثنا محمد بن زکريا الجوهري، قال: حدثنا العباس بن بکار، قال: حدثني الحسن بن يزيد، عن فاطمة بنت موسى، عن عمر بن علي بن الحسين، عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت أبي بکر، عن صفية بنت عبد
ص: 117
المطلب، قالت: لما سقط الحسين (علیه السلام ) من بطن أمه وکنت وليتها قال النبي: "يا عمة هلمي إلي ابني"، فقلت: يا رسول الله صلی الله علیه و آله، إنما لم ننظفه بعد، فقال: "يا عمة أنت تنظفيه، إن الله تبارک وتعالى قد نظفه وطهره".(1)
ورد في العديد من الروايات التأکيد على زيارتها (علیه السلام )، وأن الله تعالى قد جعل الجنة ثوابا لمن زارها، ومن تلک الروايات:
اولا: أن عدة من أهل الري دخلوا على أبي عبد الله الصادق (علیه السلام ) فقالوا: نحن من أهل الري، فقال (علیه السلام ): «مرحبا بإخواننا من أهل قم» فقالوا: نحن من أهل الري، فأعاد الکلام، ثم قال (علیه السلام ): «إن لله حرما وهو مکة، وإن للرسول صلی الله علیه و آله حرما وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين (علیه السلام ) حرما وهو الکوفة، وإن لنا حرما وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمي فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة» قال الراوي: وکان هذا الکلام منه (علیه السلام ) قبل أن يولد الکاظم (علیه السلام ) (2).
ثانيا: ما رواه الصدوق بسنده عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السلام ) عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (علیه السلام ) فقال (علیه السلام ): «من زارها فله الجنة»(3)
ثالثا: ما روي عن سعد عن علي بن موسى الرضا (علیه السلام ) قال: قال: «يا سعد عندکم لنا قبر» فقلت: جعلت فداک قبر فاطمة بنت موسى (علیه السلام ) قال: «نعم، من زارها عارفا بحقها فله الجنة»(4)
رابعا: ما روي عنه (علیه السلام ) أيضا، أنه قال: «من زار المعصومة بقم کمن زارني»(5)
خامسا: ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد (علیه السلام ) أنه قال: «من زار قبر عمتي بقم فله الجنة»(6)
ص: 118
ينقل السيد أبو الفضل رضوي زاده وهو أحد خدام السيدة المعصومة (علیها السلام ) عن أحد أصدقائه الخدمة فيقول: في أوائل قدوم اية الله العظمى السيد المرعشي النجفي رحمه الله من النجف الأشرف وتشريفه إلى قم کان قلقا جدا حيث کان يتقدم الخاطبون لابنته بکثرة ولکنه لعسر حاله لم يکن يستطيع تجهيزها(1)،
وفي أحد الأيام يأتي إلى الحرم ويخاطب السيدة المعصومة (علیها السلام ) قائلا: يا سيدتي لماذا لا تتلطفين وتنظرين إلى حالي؟ وبعد ذلک يرى في عالم الرؤيا أحد خدمة السيدة المعصومة (علیها السلام ) يقول له: إن السيدة المعصومة (علیها السلام ) تطلبک.
فيقول المرحوم السيد المرعشي عن حلمه هذا: وفي عالم الرؤيا تشرفت بزيارة السيدة المعصومة (علیها السلام ) وعندما أردت الدخول إلى الحرم المطهر من إيوان الذهب (الإيوان القديم) رأيت سيدتين تقومان بالکنس وکانت إحداهما السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام ) حيث کنت قد رأيتها في منام سابق والأخرى السيدة المعصومة (علیها السلام ) حيث کانت أنحف من السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام ).
وقد قالت لي: يا شهاب إنک تحت رقابتنا وعنايتنا فلا تقلق حيث ما کنت سواء في النجف الأشرف أو في قم. ويقول السيد المرعشي النجفي رحمه الله: وفي النهاية تحسنت أوضاعي ومعيشتي منذ ذلک اليوم أحسن فأحسن.(2)
وکان خروج الإمام الرضا (علیه السلام ) من المدينة سنة 200 ه وشهادته سنة 203 ه(3)،
أما خروجها (علیه السلام ) خلف الإمام الرضا (علیه السلام ) فکان سنة 201 ه- وخرج معها موکب قوامه اثنان وعشرون شخصا من الأخوة وأبنائهم والغلمان(4).
فلما وصل الرکب إلى ساوة حوصر من قبل أزلام المأمون فقتلوا من قدروا عليه وشرد الباقي وجرحوا هارون أخا الإمام الرضا (علیه السلام ) ولم يبق مع فاطمة المعصومة (علیها السلام ) غير أخيها هارون وهو جريح ثم هجموا
ص: 119
عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه(1) وکان ذلک کله بمرأى من السيدة فاطمة المعصومة (علیها السلام ) فقد شاهدت مقتل أخوتها وأبنائهم، ورأت تشرد من بقي منهم، فماذا سيکون حالها انذاک؟
ولذا فقد مرضت (علیه السلام ) وقيل: قد دس إليها السم في ساوة فمرضت بسبب ذلک(2)،
فسألت عن المسافة بينها وبين قم فقيل لها عشرة فراسخ، فأمرت خادما لها أن يحملها إلى قم فلما سمع أهل قم بما جرى عليها وعلى أخوتها وعلموا بمقدمها إلى قم.
ولما أشرفت على قم إذ مر بضعينتها راکب فسئل لمن هذه الضعينة فقيل له: هي لفاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام ) وهي وافدة من الحجاز لغرض اللقاء بأخيها أبي محمد الرضا (علیه السلام ) فأقبل ذلک الرجل إلى مجلس موسى بن خزرج الأشعري وهو من وجوه الشيعة في قم انذاک وکان مجلسه حاشدا بالناس فلما سمع موسى بکى فرحا وقام لاستقبالها مع أصحابه فلما وافى الضعينة تناول يد القائد لناقتها فقبلها وقال: لي إليک حاجة قال وما هي قال أن تشرفني بإعطائي زمام الناقة حتى أکون أنا القائد لنافة هذه الشريفة العفيفة لدى دخولها قم وهکذا سلم إليه زمام الناقة فقادها موسى بيده حتى أنزل السيدة فاطمة في بيته. وبقيت (علیه السلام ) في بيت موسى سبعة عشر يوما معززة مکرمة ثم توفيت (علیه السلام ).(3)
وکان ذلک في اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني وحزن الناس عليها أشد الحزن وأمر موسى بتغسيلها وتکفينها فتولت النساء ذلک ثم صلى عليها موسى في حشد کبير من شيعة أهل البيت (علیهم السلام ) في قم.
نعم یا شیعه السیدة معصومة (علیها السلام ) قطعت المسافة و مشت هذه الجبال و الفیافی لتری اخاها و هی معزز و مکرمة لکن لایوم کیومک یا اباعبدالله ما حال زینب و هی مسبیة الی الشام.
طرت هل الفیافی او جدتي معصومه*بس مو مثل زینب گطعت الحومه
يحسين زينب من عفتها*للشام دولبها وکتها
خويه وعن طفلتک لو ناشدتها*بالشام يبن امي ادفنتها
ص: 120
وشفتکم يخوتي نومه*عنکم رحت مهضومه
عگب ذاک الخدر والعز*اختکم هاي حالتها
زینب (علیها السلام ) شتخاطب ابوها علی ابن ابی طالب (علیه السلام )، تگله:
على احسين ما خلوه تره اثياب*وساده الرمل واکفانه احراب
واعتب واکثر لک بالاعتاب*بناتک سبوهن گوم الاجناب
لا خدر ضل او لا بگه احجاب
يا حرَ قلبي لالِ اللهِ قد حملت*بين
الأجانب فوق الأنُيقِ الهُزُل
وبينها السيدُ السجادُ ممتحنا*قد أوثقوه على عُجفٍ من الإبل
ص: 121
ص: 122
الإمام الحسن (علیه السلام ) و هو أول من سمي بهذا الاسم وحکى أبو الحسين النسابة: «کأن الله عز وجل حجب هذين الاسمين عن الخلق، يعني حسنا وحسينا يسمي بهما ابنا فاطمة (علیها السلام )، فانه لا يعرف أن أحدا من العرب تسمى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما لا من ولد نزار ولا اليمن مع سعة أفخاذهما.»(1)
هو ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام ) وابن سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد سيد المرسلين صلی الله علیه و آله الطاهرين ثاني أئمة أهل البيت ولد الإمام الحسن (علیه السلام ) في الخامس عشر من شهر رمضان سنة ثلاث بعد الهجرة، عاش الإمام الحسن (علیه السلام ) نحو 7 سنوات في کنف جده رسول الله ص، وعاش في کنف والده علي بن ابي طالب (علیه السلام ) إلى حين شهادته في سنة 40ه، ثم تولى الخلافة من بعده أشهر انتهت بالصلح مع معاوية.(2)
ورجع على أثرها إلى مدينة جده بقية عمره الى حين شهادته سنة 50 ه و کان عمره الشريف 47 عاما مدة إمامته 10 سنوات و مدفنه الشريف في البقيع. أشهر ألقابه: المجتبى، الزکي، الناصح، الولي، السبط الأکبر، سيد شباب أهل الجنة، السيد و کنيته: أبو محمد و اجتمع أهل الاسلام على أن النبي صلی الله علیه و آله قال:(3)«الحسن
والحسين إمامان قاما أو قعدا» واجتمعوا أيضا أنه صلی الله علیه و آله قال:(4)«الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة»
کان الإمام علي (علیه السلام ) قد أعطى الراية لولده الحسن (علیه السلام ) في کتيبته في حرب الجمل، فحمل بها على أنصار الجمل حتى زعزع صفوفهم.
ص: 123
ولما رأى أمير المؤمنين علي (علیه السلام ) شجاعة الحسن (علیه السلام ) وبسالته في ميدان القتال وهو لا يبالي بالموت، صاح بمن حوله:(1)«املکوا
عني هذا الغلام لا يهدني، فإني أنفس بهذين(2) على الموت لئلا ينقطع بموتهما نسل رسول الله»
تعتبر صفة الکرم والسخاء من أبرز الصفات التي تميز بها الإمام الحسن (علیه السلام ) وعرف الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام ) بکريم أهل البيت فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرات، نصف يدفعه في سبيل الله ونصف يبقيه له، بل وصل إلى أبعد من ذلک، فقد أخرج ماله کله مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء.
فهو کجده رسول الله صلی الله علیه و آله يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربنا وتعالى:(3) ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِک هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
واية أخرى تحکي لسان حالهم:(4) ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْکينًا وَيَتِيمًا وأسيرا إنما نُطْعِمُکمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنکمْ جَزَاء وَلَا شُکورًا﴾.
فهذا هو الأصل الکريم لإمامنا الحسن (علیه السلام ) الزکي من الشجرة الطيبة التي تؤتي أکلها کل حين، نذکر بعض الشواهد لهذه الصفة:
1) قاسم الله أمواله ثلاث مرات نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له(5)
2) وقد روی عنه أنه ما قال لسائل (لا) قط، وقيل له: لأي شيء لا نراک ترد سائلا؟ فأجاب: "إني لله سائل وفيه راغب، وأنا استحي أن أکون سائلا وأرد سائلا"(6)
ص: 124
3) ومن کرمه وجوده (علیه السلام ) ما روی إن الحسن سمع رجلا يسأل ربه تعالى أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف الحسن إلى منزله فبعث بها إليه. (1)
4) وروري عنه (علیه السلام ): انه اشترى بستانا من الانصار باربعمائة الف درهم فبلغه انهم احتاجوا فرده اليهم. (2)
5) اتاه (علیه السلام ) رجلا يطلب حاجة وهو يستحي من الحاضرين ان يفصح عنها فقال له الإمام "اکتب حاجتک في رقعة وارفعه الينا" فکتب الرجل حاجته ورفعها(3)فضاعفها
الإمام (علیه السلام ) مرتين واعطاه بتواضع کبير فقال له بعض الشاهدين: ما کان اعظم برکة الرقعة عليها يا ابن رسول الله؟ فقال (علیه السلام ): "برکتها الينا اعظم حين جعلنا للمعروف اهلا"
6) روي أن الإمام الحسن (علیه السلام ) خرج مع أخيه الإمام الحسين (علیه السلام ) وعبد الله بن جعفر حجاجا، فجاعوا وعطشوا في الطريق، فمروا بعجوز في خباء لها، فقالوا: هل من شراب؟ فقالت: نعم هذه شاة احلبوها، واشربوا لبنها، ففعلوا ذلک، ثم قالوا لها: هل من طعام؟ فقالت: لا، إلا هذه الشاة، فليذبحها أحدکم حتى أهيئ لکم شيئا تأکلون. فقام إليها أحدهم فذبحها وکشطها، ثم هيأت لهم طعاما فأکلوا، فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش، نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا فإنا صانعون إليک خيرا، ثم ارتحلوا.
وأقبل زوجها، وأخبرته عن القوم والشاة، فغضب الرجل وقال: ويحک، تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم، ثم تقولين: نفر من قريش. ثم بعد مدة ألجأتهم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها، فمرت العجوز في بعض سکک المدينة، فإذا بالحسن (علیه السلام ) على باب داره، فسلمت عليه، فعرفها الإمام (علیه السلام )، وأمر أن يشترى لها ألف شاة، وتعطى ألف دينار.
وأرسل معها غلامه إلى أخيه الحسين (علیه السلام )، فقال: بکم وصلک أخي الحسن؟ فقالت: بألف شاة وألف دينار، فأمر (علیه السلام ) لها بمثل ذلک. ثم
ص: 125
بعث (علیه السلام ) بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر، فقال: بکم وصلک الحسن والحسين (علیه السلام ) ؟ فقالت: بألفي دينار وألفي شاة، فأمر لها عبد الله بن جعفر بمثل ذلک، فرجعت العجوز إلى زوجها بذلک.
7) روي أن رجلا جاء إلى الإمام الحسن (علیه السلام ) وسأله حاجة، فقال (علیه السلام ) له: يا هذا، حق سؤالک إياي يعظم لدي، ومعرفتي بما يجب تکبر علي، ويدي تعجز عن نيلک بما أنت أهله، والکثير في ذات الله عز وجل قليل، وما في ملکي وفاء بشکرک، فإن قبلت مني الميسور، ورفعت عني مؤونة الاحتيال والاهتمام، لما أتکلفه من واجبک فعلت.
فقال: يا بن رسول الله، أقبل القليل، وأشکر العطية، وأعذر على المنع، فدعا الإمام (علیه السلام ) بوکيله، وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها، فقال (علیه السلام ): هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم. فأحضر خمسين ألفا، فقال (علیه السلام ): فما فعل بالخمسمائة دينار؟ قال: هي عندي، فقال: أحضرها، فأحضرها، فدفع (علیه السلام ) الدراهم والدنانير إلى الرجل.
وقال: هات من يحملها. فأتاه بحمالين، فدفع الإمام الحسن (علیه السلام ) إليهم رداءه کأجور الحمل، فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم، فقال (علیه السلام ): لکي أرجو أن يکون لي عند الله أجر عظيم.
8) روي أنه سأل الحسن بن علي (علیه السلام ) رجل فأعطاه خمسين ألف درهم و خمسمائة دينار و قال ائت بحمال يحمل لک فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه(1)
فقال هذا کراء الحمال و جاءه بعض الأعراب فقال أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعها إلى الأعرابي فقال الأعرابي يا مولاي أ لا ترکتني أبوح بحاجتي و أنشر مدحتي فأنشأ الحسن (علیه السلام ) يقول:
نحن أناس نوالنا خضل*يرتع فيه الرجاء والأمل(2)
تجود قبل السؤال أنفسنا*خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا*لغاص من بعد فيضه خجل
ص: 126
9) روي في شرح نهج البلاغة: أن الحسن (علیه السلام ) أعطى شاعرا، فقال له رجل من جلسائه: سبحان الله، أتعطي شاعرا يعصي الرحمن، ويقول البهتان فقال (علیه السلام ): يا عبد الله، إن خير ما بذلت من مالک ما وقيت به عرضک، وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشر. (1)
10) تنازع رجلان، أحدهما أموي يقول: قومي أسمح، والاخر هاشمي يقول: بل قومي أسمح، فقال أحدهما: فاسأل أنت عشرة من قومک، وأنا أسأل عشرة من قومي، يريد أن يسأل کل عطاء عشرة من قومه، فينظروا أي القومين أسخى وأسمح يدا، ثم إذا عرفوا ذلک أرجع کل منهما الأموال إلى أهلها، کل ذلک شريطة أن لا يخبرا من يسألاه بالأمر.
فانطلق صاحب بني أمية فسأل عشرة من قومه فأعطاه کل واحد منهم ألف درهم، وانطلق صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن (علیه السلام ) فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم، ثم أتى إلى الإمام الحسين (علیه السلام ) فقال: هل بدأت بأحد قبلي؟ قال: بدأت بالحسن، قال: ما کنت أستطيع أن أزيد على سيدي شيئا، فأعطاه مائة وخمسين ألفا من الدراهم.
فجاء صاحب بني أمية يحمل عشرة الاف درهم من عشرة أنفس، وجاء صاحب بني هاشم يحمل ثلاثمائة ألف درهم من نفسين، فغضب صاحب بني أمية، حيث رأى فشله في مبادراته القبلية، فرد الأول حسب الشرط ما کان قد أخذه من بني أمية فقبلوه فرحين، وجاء صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن (علیه السلام ) والحسين (علیه السلام ) يرد عليهما أموالهما فأبيا أن يقبلاهما قائلين: ما نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق. (2)
من هذه القصص وغيرها الکثير يتضح لنا کيفية تعامل الإمام الحسن وأهل البيت (علیهم السلام ) مع المال، فهم بتوکلهم على الله حق التوکل، يعطوا عطاء من لا يخاف الفقر، لأن الشيطان عندما يرى المؤمن يريد العطاء يوسوس له ويظهر له قيود کثيرة حتى لا يبذل المال، يقول تعالى:(3)(الشَّيْطَانُ
يَعِدُکمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُکم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُکم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
ص: 127
روی:(1)«أن
الحسن بن علي (علیه السلام ) کان إذا توضأ ارتعدت مفاصله و اصفر لونه فقيل له في ذلک فقال حق على کل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه و ترتعد مفاصله و کان (علیه السلام ) إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه و يقول إلهي ضيفک ببابک يا محسن قد أتاک المسي ء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندک يا کريم.»
و روی:(2)
« إن الحسن بن علي (علیه السلام ) حج خمسا و عشرين حجة ماشيا و قاسم الله تعالى ماله مرتين و في خبر قاسم ربه ثلاث مرات و حج عشرين حجة على قدميه. و قال الإمام الحسن (علیه السلام ):(3)«إني
لأستحيي من ربي أن ألقاه و لم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه.»
و روي:(4)«أنه
دخلت عليه امرأة جميلة و هو في صلاته فأوجز في صلاته ثم قال لها ألک حاجة قالت نعم قال و ما هي قالت قم فأصب مني فإني وفدت و لا بعل لي قال إليک عني لا تحرقيني بالنار و نفسک فجعلت تراوده عن نفسه و هو يبکي و يقول ويحک إليک عني و اشتد بکاؤه فلما رأت ذلک بکت لبکائه فدخل الحسين و رآهما يبکيان فجلس يبکي و جعل أصحابه يأتون و يجلسون و يبکون حتى کثر البکاء و علت الأصوات فخرجت الأعرابية و قام القوم و ترحلوا و لبث الحسين بعد ذلک دهرا لا يسأل أخاه عن ذلک إجلالا فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذ استيقظ و هو يبکي فقال له الحسين ما شأنک قال رؤيا رأيتها الليلة قال و ما هي قال لا تخبر أحدا ما دمت حيا.
قال نعم قال رأيت يوسف فجئت أنظر إليه فيمن نظر فلما رأيت حسنه بکيت فنظر إلي في الناس فقال ما يبکيک يا أخي بأبي أنت و أمي فقلت ذکرت يوسف و امرأة العزيز و ما ابتليت به من أمرها و ما لقيت من السجن و حرقة الشيخ يعقوب فبکيت من ذلک و کنت أتعجب منه فقال يوسف فهلا تعجبت مما فيه المرأة البدوية بالأبواء.»
و «دخل الحسن بن علي الفرات في بردة(5)
کانت عليه قال فقلت له لو
ص: 128
نزعت ثوبک فقال لي يا أبا عبد الرحمن إن للماء سکانا(1).»(2)
اراد معاوية أن يصاهر بني هاشم، فکتب إلى عامله على المدينة مروان بن الحکم أن يخطب ليزيد زينب بنت عبدالله ابن جعفر على حکم أبيها في الصداق، وقضاء دينه بالغا ما بلغ، وعلى صلح الحيين بني هاشم وبني امية، فبعث مروان خلف عبدالله، فلما حضر عنده فاوضه في أمر کريمته، فأجابه عبدالله: إن أمر نسائنا بيد الحسن بن علي فاخطب منه، فأقبل مروان إلى الإمام فخطب منه ابنة عبدالله، فقال (علیه السلام ):«اجمع من أردت» فانطلق مروان فجمع الهاشميين والامويين في صعيد واحد وقام فيهم خطيبا، وبين أمر معاوية له.
فرد الإمام (علیه السلام ) عليه، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: «أما ما ذکرت من حکم أبيها في الصداق فإنا لم نکن لنرغب عن سنة رسول الله صلی الله علیه و آله في أهله وبناته، وأما قضاء دين أبيها فمتى قضت نساؤنا ديون ابائهن؟ وأما صلح الحيين فإنا عاديناکم لله وفي الله فلا نصالحکم للدنيا».
وفي ختام کلمته قال الإمام (علیه السلام ): «وقد رأينا أن نزوجها(3)
من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر، وقد زوجتها منه، وجعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة، وقد أعطاني معاوية بها عشرة الاف دينار» ورفع مروان رسالة إلى معاوية أخبره بما حصل، فلما وصلت اليه قال: «خطبنا اليهم فلم يفعلوا، ولو خطبوا إلينا لما رددناهم»(4)
وتتلخص سبب الصلح وأهدافه فيما يلي:
ص: 129
علة صلح الحسن (علیه السلام ) مع معاویة هو حفظ الشیعة بعد ان خانوه اکثر جنده و في هذا جاء الحدیث حیث دخل علیه حجر بن عدي الطائي «فقال له السلام عليک يا مذل المؤمنين فضحک في وجهه و قال و الله يا حجر هذه الکلمة لأسهل علي و أسر إلى قلبي من کلمتک الأولى(1)فما شأنک؟
أ تريد أن تقول إن خيل معاوية قد أشرفت على الأنبار و سوادها و أتى في مائة ألف رجل في هذين المصرين يريد البصرة و الکوفة، فقال حجر يا مولاي ما أردت أن أقول إلا ما ذکرته، فقال: و الله يا حجر لو أني في ألف رجل لا و الله إلا مائتي رجل لا و الله إلا في سبع نفر لما وسعني ترکه»(2).
و یأید هذا الامر في احادیث اخری من الائمة حیث جاء في حدیث من الإمام الصادق (علیه السلام ) ما هو نصه: «اعلم أن الحسن بن علي (علیه السلام ) لما طعن و اختلف الناس عليه سلم الأمر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة عليک السلام يا مذل المؤمنين فقال (علیه السلام ) ما أنا بمذل المؤمنين و لکني معز المؤمنين إني لما رأيتکم ليس بکم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا و أنتم بين أظهرهم کما عاب العالم السفينة(3)
لتبقى لأصحابها و کذلک نفسي و أنتم لنبقى بينهم»(4)
ص: 130
عن جنادة بن أبي أمية قال:(1) دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) في مرضه الذي توفي فيه و بين يديه طست يقذف عليه الدم و يخرج کبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية فقلت يا مولاي ما لک لا تعالج نفسک فقال يا عبد الله بما ذا أعالج الموت قلت إنا لله و إنا إليه راجعون ثم التفت إلي فقال و الله لقد عهد إلينا رسول الله صلی الله علیه و آله أن هذا الأمر يملکه اثنا عشر إماما من ولد علي و فاطمة ما منا إلا مسموم أو مقتول.
ثم رفعت الطست و بکى قال فقلت له عظني يا ابن رسول الله قال نعم، استعد لسفرک و حصل زادک قبل حلول أجلک و اعلم أنک تطلب الدنيا و الموت يطلبک و لا تحمل هم يومک الذي لم يأت على يومک الذي أنت فيه و اعلم أنک لا تکسب من المال شيئا فوق قوتک إلا کنت فيه خازنا لغيرک و اعلم أن في حلالها حساب و في حرامها عقاب و في الشبهات عتاب.
فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يکفيک فإن کان ذلک حلالا کنت قد زهدت فيها و إن کان حراما لم يکن فيه وزر فأخذت کما أخذت من الميتة و إن کان العتاب فإن العتاب يسير و اعمل لدنياک کأنک تعيش أبدا و اعمل لآخرتک کأنک تموت غدا و إذا أردت عزا بلا عشيرة و هيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزوجل و إذا نازعتک إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانک و إذا خدمته صانک و إذا أردت منه معونة أعانک و إن قلت صدق قولک و إن صلت(2)
شد صولک و إن مددت يدک بفضل مدها و إن بدت عنک ثلمة سدها و إن رأى منک حسنة عدها و إن سألته أعطاک و إن سکت عنه ابتدأک و إن نزلت إحدى الملمات به سائک من لا تأتيک منه البوائق و لا يختلف عليک منه الطرائق و لا يخذلک عند الحقائق و إن تنازعتما منقسما آثرک قال ثم انقطع نفسه و اصفر لونه حتى خشيت عليه.»
ص: 131
و «کان يشتد الوجع بالإمام (علیه السلام ) ويسعر عليه الألم فيجزع، فيلتفت اليه بعض عواده قائلا له: يابن رسول الله، لم هذا الجزع؟ أليس الجد رسول الله صلی الله علیه و آله والأب علي والام فاطمة، وأنت سيد شباب أهل الجنة؟ فأجابه بصوت خافت: أبکي لخصلتين: هول المطلع، وفراق الأحبة»
لم يشک مروان ومن معه من بني امية أنهم سيدفنونه عند رسول الله، فتجمعوا لذلک ولبسوا السلاح، فلما توجه به الحسين (علیه السلام ) إلى قبر جده رسول الله صلی الله علیه و آله ليجدد به عهدا أقبلوا اليهم في جمعهم، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: "ما لي ولکم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا احب"، وجعل مروان يقول: «ايدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي، لا يکون ذلک أبدا وأنا أحمل السيف.»
وکادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني امية فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلی الله علیه و آله لکنا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيته بذلک، ولو کان أوصى بدفنه مع النبي صلی الله علیه و آله لعلمت أنک أقصر باعا من ردنا عن ذلک، لکنه (علیه السلام ) کان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما، کما طرق ذلک غيره ودخل بيته بغير إذنه.
ثم أقبل على عائشة وقال لها: وا سوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل، تريدين أن تطفئي نور الله وتقاتلي أولياء الله، ارجعي فقد کفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين والله منتصر لأهل البيت ولو بعد حين.(1) وقال الحسين (علیه السلام ): «والله لو لا عهد الحسن بحقن الدماء وأن لا اهريق في أمره محجمة دم لعلمتم کيف تأخذ سيوف الله منکم مأخذها وقد نقضتم العهد بيننا وبينکم وأبطلتم ما اشترطنا عليکم لأنفسنا»
ومضوا بالحسن فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.(2)
ص: 132
لما عزم معاوية على قتل الإمام فأرسل الیه غير مرة سما فاتکا حين کان في دمشق فلم ينجح بقتله و کان یشفا من السم في کل مره حتى راسل ملک الروم وطلب منه بإصرار أن يرسل له سما فاتکا، کتب إلى ملک الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة، فوجه إليه ملک الروم بهذه الشربة، التي دس بها إلى الحسن (علیه السلام ) فما ذهبت الأيام، حتى بعث معاوية إلى جعدة بنت الأشعث(1)
بمال جسيم وجعل يمنيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا ويزوجها من يزيد وحمل إليها ذلک السم، لتسقيه الإمام الحسن (علیه السلام ).
وفي بعض الأيام، انصرف الإمام إلى منزله، وکان صائما في يوم حار فأخرجت له وقت الإفطار شربة لبن وقد ألقت فيها ذلک السم فشربها الإمام(2)
(علیه السلام ) ولما أحس الإمام بحرارة السم، قال: "يا عدوة الله قتلتيني، قتلک الله والله، لا تبصرين خيرا ولقد غرک، وسخر منک والله
ص: 133
يخزيک ويخزيه" وبقي (علیه السلام ) يعاني ألم السم وهو يتقيأ دما توضع تحته طست، وترفع أخرى.
وفي مرضه دخل عليه الحسين (علیه السلام ) فبکى بکاء شديدا حتى غشي عليه فلما أفقا قال له الحسن (علیه السلام ) يا أخاه لا تحزن علي فإن مصابک أعظم من مصيبتني ورزئک أعظم من رزئي فإنک تقتل يا أبا عبد الله بشط الفرات بأرض کربلاء عطشانا لهيفا وحيدا فريدا مذبوحا يعلو صدرک أشقى الأمة ويحمحم فرسک ويقول في تحميمه الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها وتسبى حريمک ويؤتم أطفالک ويسيرون حريمک على الأقتاب بغير وطاء ولا فراش ويحمل رأسک يا أخي على رأس الرماح بعد أن تقتل ويقتل أنصارک فيا ليتني کنت عندک أذب عنک کما يذب عنک أنصارک بقتل الأعداء ولکن هذا الأمر يکون وأنت وحيد لا ناصر لک منا" هذا وقد أثر السم في الحسن (علیه السلام ) وکان رأسه في حجر الحسين (علیه السلام ) وهو يقذف بين الحين والاخر أحشاءه في الطشت قطعة قطعة وإذا بالباب يطرق فقال الحسين (علیه السلام ): من الطارق؟ فقالت زينب: أنا أختک. فقال الإمام الحسن لأخيه الحسين: يا أخي ارفع الطشت لکي لا تراه أختنا زينب (علیه السلام ) وباقي بنات أمير المؤمنين.(1)
يحسين شيل الطشت عني*خواتک يبو السجاد اجني
يردن يشبعن شوف مني*او يردن يخويه ايودعني
شيل الطشت خاف الوديعة تشوف چبدي*أخاف تحن ومن بچاها يزيد وجدي
هذه وديعة والدي حيدر وجدي*ما اقدر أشوف دموعها تجري
وإذا بالحسن (علیه السلام ) يقضي نحبه مظلوما مسموما أي وا إماماه وا سيداه وا حسناه.
لکن اقول اتخف الاحزان*مامات مثل حسين عطشان
ولاظل ثلاث ايام عريان*ولا لعبت عليه الخيل ميدان
ولا انسبت له للشام نسوان*ولا وقفن بظلمة الديوان
ص: 134
ولاسبهن يزيد وضحک مروان
أنا لا أدري أي الطشتين أعظم على قلب زينب (علیه السلام ) ؟ هذا الطشت الذي رأت فيه أحشاء أخيها الحسن (علیه السلام ) أم ذلک الطشت الذي رأت فيه رأس أخيها الحسين لا شک أن الطشت الثاني أشد أثرا، لأنها عندما رأت الطشت الأول، کان أهل بيتها إلى جانبها، بينما عندما رأت الطشت الثاني، لم يکن معها من حماتها حمي، ولا من ولاتها ولي، بل کان الأطفال حولها، اليتامى، الأرامل، والأفجع من هذا، أن يزيد (لعنه الله) کان بيده عود خيزران، يضرب به شفتي أبي عبد الله الحسين لما رأت (علیه السلام ) هذا المنظر، صاحت: "وا أخاه وا حسيناه، يا بن مکة ومنى، ويا بن زمزم والصفا أخي، أهکذا يصنع برأسک بعد القتل، يا حبيب رسول الله؟"، فبکى الحاضرون لندبتها.
حوت زينب يبو السجاد طشتين*طشت کبد بو محمد قرة العين
وطشت راسک يا نور العين يا حسين
ص: 135
هو الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) رابع أئمة أهل البيت (علیه السلام ) ولد في المدينة المنورة، سنة ثمان وثلاثين للهجرة على أقوال في يوم ولادته، منها: الخامس من شعبان وأما ألقابه: زين العابدين، والبکاء والسجاد، وذو الثفنات(1)، وأبو الأئمة لان منه تناسل ولد الحسين (علیه السلام ).(2)
وقد ورد في بعض الروايات ما يشير إلى سبب بعض هذه الألقاب قال: قال الإمام الباقر (علیه السلام ):(3)«إن
أبي علي بن الحسين ما ذکر لله عزوجل نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ اية من کتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله عزوجل عنه سوءا يخشاه، أو کيد کائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وکان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد لذلک».
و عن الإمام الباقر (علیه السلام ) قال:(4) «کان لأبي (علیه السلام ) في موضع سجوده اثار ناتئة (ای لحم زائد) وکان يقطعها في السنة مرتين، في کل مرة خمس ثفنات(5)،
فسمي ذا الثفنات لذلک».
والدته: أمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار کسرى، ويقال: إن اسمها شهربانو، وکان أمير المؤمنين (علیه السلام ) ولى حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق، فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن کسرى، فنحل ابنه الحسين (علیه السلام ) شاه زنان منهما، فأولدها زين العابدين (علیه السلام ).(6)
ص: 136
وإنما اختارت الحسين (علیه السلام ) لأنها رأت فاطمة بنت محمد (علیه السلام ) في النوم، وأسلمت قبل أن يأخذها عسکر المسلمين ولها قصة عجيبة وهي أنها قالت: رأيت في النوم، قبل ورود عسکر المسلمين علينا، کأن محمدا رسول الله صلی الله علیه و آله دخل دارنا وقعد، ومعه الحسين (علیه السلام ) وخطبني له، وزوجني أبي منه، فلما کان في الليلة الثانية، رأيت فاطمة بنت محمد، وقد أتتني وعرضت علي الإسلام وأسلمت ثم قالت: إن الغلبة تکون للمسلمين، وإنک تصلين عن قريب إلى ابني الحسين (علیه السلام ) سالمة لا يصيبک بسوء أحد قالت: وکان من الحال أني خرجت إلى المدينة ما مس يدي إنسان.(1)
ويروى أن أمير المؤمنين (علیه السلام ) التفت للحسين (علیه السلام )، فقال له:(2)
"احتفظ بها، وأحسن إليها، فستلد لک خير أهل الأرض في زمانه بعدک، وهي أم الأوصياء، الذرية الطيبة" فولدت علي بن الحسين زين العابدين (علیه السلام ).
وکان يقال لعلي بن الحسين (علیه السلام ): ابن الخيرتين فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس.
و روي أن أبا الأسود الدؤلي(3) قال فيه:
ص: 137
وإن غلاما بين کسرى وهاشم*لأکرم من نيطت عليه التمائم
فضائل محمد و ال محمد صلی الله علیه و آله لا تعد و لا تحصر ابدا و هذه نقطة في بحر فضائل رابع اوصياء سيد الانبياء صلی الله علیه و آله الإمام السجاد (علیه السلام ):
منها:(1) أن هشام بن إسماعيل المخزومي والي المدينة، کان يؤذي علي بن الحسين، ويشتم عليا (علیه السلام ) على المنبر، وينال منه فلما ولي الوليد بن عبد الملک الخلافة، عزله وأمر به أن يوقف للناس.
قال هشام: والله ما أخاف إلا من علي بن الحسين إنه رجل صالح يسمع قوله. فأوصى علي بن الحسين أصحابه ومواليه وخاصته أن لا يتعرضوا لهشام ثم مر على حاجته، فما عرض له فناداه هشام وهو واقف للناس: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
ومنها:(2)
ما عن أبي عبد الله (علیه السلام ) قال: «مر علي بن الحسين (علیه السلام ) على المجذمين، وهو راکب حماره، وهم يتغدون، فدعوه إلى الغداء فقال: أما إني لولا أني صائم لفعلت، فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع،
ص: 138
وأمر أن يتنوقوا(1) فيه، ثم دعاهم فتغدوا عنده، وتغدى معهم»
وعن الصادق (علیه السلام ) قال:(2)«کان
بالمدينة رجل بطال يضحک الناس منه فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحکه، يعني علي بن الحسين قال: فمر السجاد، وخلفه موليان له، قال: فجاء الرجل حتى انتزع ردائه من رقبته، ثم مضى، فلم يلتفت إليه علي (علیه السلام ) فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاؤوا به، فطرحوه عليه، فقال لهم: "من هذا؟" فقالوا: هذا رجل بطال يضحک أهل المدينة، فقال: "قولوا له: إن لله يوما يخسر فيه المبطلون(3)"».
و «استطال رجل عليه فتغافل عنه فقال له الرجل: إياک أعني فقال له علي السجاد (علیه السلام ): "وعنک أغضي"»(4) وعن الإمام الباقر (علیه السلام ):(5)«ولقد
نظر (علیه السلام ) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس، فقال: ويحکم، أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم، إنه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يکون سعيدا»
قال الإمام الباقر (علیه السلام ):(6) ولقد کان (علیه السلام ) يأبى أن يواکل أمه فقيل له: يا ابن رسول الله أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم، فکيف لا تواکل أمک؟ فقال: "إني أکره أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه (فأکون عاقا لها)" و «لقد حج على ناقة له عشرين حجة، فما قرعها بسوط، فلما نفقت، أمر بدفنها لئلا يأکلها السباع(7)».
ص: 139
و قيل:(1)
إن ناقته (علیه السلام ) تلکأت عليه بين جبال رضوى(2)،
فأناخها ثم أراها السوط، ثم قال: لتنطلقن أو لأفعلن، فانطلقت.»
ولقد وسئل خادمة له عنه، فقالت:(3) أطنب أو أختصر؟ فقيل لها: بل اختصري، فقالت: ما أتيته بطعام نهارا قط، وما فرشت له فراشا بليل قط.
«وکان (علیه السلام ) إذا جاءه طالب علم قال: مرحبا بوصية رسول الله صلی الله علیه و آله، ثم يقول:(4)"إن
طالب العلم إذا خرج من منزله، لم يضع رجليه على رطب ولا يابس من الأرض، إلا سبحت له إلى الأرضين السابعة"»
وروي عنه (علیه السلام ) أنه قال:(5)"لأن
أدخل السوق، ومعي دراهم أبتاع به لعيالي لحما وقد قرموا(6)
أحب إلي من أن أعتق نسمة".
وعن الإمام الصادق (علیه السلام ) قال:(7)«کان علي بن الحسين (علیه السلام ) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يکون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه. فسافر مرة مع قوم، فراه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟ قالوا: لا، قال هذا علي بن الحسين (علیه السلام ) فوثبوا إليه، فقبلوا يده ورجله، وقالوا: يا ابن رسول الله، أردت أن تصلينا نار جهنم، لو بدرت منا إليک يد أو لسان، أما کنا قد هلکنا إلى اخر الدهر؟ فما الذي يحملک على هذا؟ فقال: إني کنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول الله صلی الله علیه و آله ما لا أستحق به، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلک، فصار کتمان أمري أحب إلي».
«وکان له ابن عم يأتيه بالليل متنکرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول:
ص: 140
لکن علي بن الحسين لا يواصلني، لا جزاه الله عني خيرا، فيسمع ذلک ويحتمل ويصبر عليه، ولا يعرفه بنفسه، فلما مات علي (علیه السلام ) فقدها، فحينئذ علم أنه هو کان، فجاء إلى قبره وبکى عليه.(1)»
و عن «جارية(2) لعلي ابن الحسين (علیه السلام ) تسکب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فنعست فسقط الإبريق من يد الجارية فشجه، فرفع (علیه السلام ) رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله يقول: ﴿وَالْکاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ قال: کظمت غيظي. قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ قال لها: عفا الله عنک قالت: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال: اذهبي، أنت حرة لوجه الله».
و روي عنه (علیه السلام ):(3)« أنه کان قائما يصلي حتى زحف ابنه محمد و هو طفل الى بئر کانت في داره بعيدة القعر فسقط فيها، فنظرت إليه امه و أقبلت تضرب بنفسها من حوالي البئر و تستغيث به و تقول: يا بن رسول الله غرق و الله ابنک محمد و کل ذلک لا يسمع قولها و لا ينثني عن صلاته، و هي تسمع اضطراب ولدها في قعر البئر في الماء فلما طال عليها ذلک قالت له جزعا على ابنها: ما أقسى قلوبکم يا أهل بيت النبوة.
فأقبل على صلاته و لم يخرج عنها إلا بعد کمالها و تمامها ثم أقبل عليها فجلس على رأس البئر و مد يده الى قعرها، فأخرج ابنه محمدا بيده و هو يناغيه و يضحک و لم يبتل له ثوب و لا جسد بالماء، فقال لها: هاک هو ولدک يا قليلة اليقين بالله. فضحکت بسلامة ولدها و بکت لقوله يا قليلة اليقين بالله. فقال لها: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْکمُ﴾ لو علمت أنني کنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني أ فمن ترى أرحم بعبده منه.
«إن زيد بن اسامة بن زيد لما حضرته الوفاة جعل يبکي، فقال له زين
ص: 141
العابدين (علیه السلام ): ما يبکيک؟ قال: أبکي على أن علي خمسة عشر ألف دينار. فقال له علي: لا تبک فهي علي و أنت منها بري ء(1).»
«کان علي بن الحسين (علیه السلام ) إذا خرج للصلاة يحمل معه جرابا من خبز فيتصدق به فيقول: بلغني أن الصدقة تطفئ غضب الرب(2)»
«وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين (علیه السلام ) و هو ساجد فجعلوا يقولون له: يا بن رسول الله النار النار يا ابن رسول الله، فما رفع رأسه حتى اطفئت، فقيل له: ما الذي ألهاک عنها؟ فقال: ألهتني عنها النار الاخرى(3)»
و « قال (علیه السلام ):(4) إن موت الفجاءة تخفيف على المؤمن و أسف(5)
على الکافر، و إن المؤمن ليعرف غاسله و حامله، فإن کان له عند ربه خير ناشد حملته أن يعجلوا به، و إن کان غير ذلک ناشدهم أن يقصروا به. فقال ضمرة بن سمرة: إن کان کما تقول فأقفز من السرير و ضحک و أضحک فقال (علیه السلام ): اللهم إن ضمرة ضحک و أضحک لحديث رسول الله صلی الله علیه و آله فخذه أخذ أسف.
فمات فجأة فأتى بعد ذلک مولى لضمرة زين العابدين (علیه السلام ) فقال: أصلحک الله إن ضمرة مات فجأة و إني لاقسم لک و الله إني لسمعت صوته و أنا أعرفه کما کنت أعرف صورته في حياته و هو يقول: الويل لضمرة بن سمرة، خلا مني کل حميم، و حللت بنار الجحيم، و بها مبيتي و المقيل. فقال علي بن الحسين (علیه السلام ): الله أکبر هذا جزاء من ضحک و أضحک بحديث رسول الله صلی الله علیه و آله»
«و قيل:(6)دخل الباقر (علیه السلام ) ولده فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه
ص: 142
أحد، فراه قد اصفر لونه من السهر، و رمضت عيناه من البکاء، و دبرت جبهته، و انخرم أنفه من السجود، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام في الصلاة. فقال أبو جعفر (علیه السلام ): فلم أملک حين رأيته بتلک الحال البکاء، فبکيت رحمة له، فاذا هو يفکر، فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلک الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (علیه السلام ). فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ثم ترکها من يده ضجرا و قال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب.»
و قيل:(1)«کان
علي بن الحسين (علیه السلام ) إذا توضأ اصفر لونه، فيقول اهله: ما هذا الذي يغشاک؟ فيقول: أ تدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه.»
و قال زرارة بن أعين:(2)«سمع قائل في جوف الليل يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الاخرة؟ فهتف هاتف من ناحية البقيع يسمع
ص: 143
صوته و لا يرى شخصه: ذاک علي بن الحسين (علیه السلام ).»(1)
و حکى الزمخشري في ربيع الأبرار قال:(2)«لما
وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة أهل المدينة، ضم علي بن الحسين إلى نفسه أربعمائة منافية بحشمهن، يعولهن إلى أن تقوض جيش مسلم، فقالت امرأة منهن: ما عشت و الله بين أبوي بمثل ذلک الشريف.»
قصيدة الفرزدق (3)
لما حج هشام بن عبد الملک، فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام، فنصب له منبر، و جلس عليه، و أطاف به أهل الشام. فبينما هو کذلک، اذ أقبل علي بن الحسين (علیه السلام ) و عليه ازار و رداء من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة کأنها رکبة عنز، فجعل يطوف، فاذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة فقال له شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق: أنا أعرفه و کان حاضرا فقال الشامي: من هو، يا أبا الفراس؟ فأنشأ القصيدة:
يا سائلي أين حل الجود و الکرم*عندى بيان إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته*و البيت يعرفه و الحل و الحرم (4)
ص: 144
هذا ابن خير عباد الله کلهم*هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا علي رسول الله صلی الله علیه و آله والده*أمسى بنور هداه تهتدي الظلم
إذا رأته قريش قال قائلها*إلى مکارم هذا ينتهي الکرم
ينمي إلى ذروة العز التي قصرت*عن نيلها عرب الإسلام و العجم
يکاد يمسکه عرفان راحته*رکن الحطيم إذا ما جاء يستلم(1)
يغضي حياء و يغضى من مهابته*فما يکلم إلا حين يبتسم(2)
ينشق نور الدجى عن نور غرته*کالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم(3)
بکفه خيزران ريحه عبق*من کف أروع في عرنينه شمم(4)
مشتقة من رسول الله نبعته*طابت عناصره و الخيم و الشيم(5)
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا*حلو الشمائل تحلو عنده نعم(6)
هذا ابن فاطمة إن کنت جاهله*بجده أنبياء الله قد ختموا
هذا ابن فاطمة الغراء نسبته*في جنة الخلد يجري باسمه القلم
الله فضله قدما و شرفه*جرى بذلک له في لوحه القلم
من جده دان فضل الأنبياء له*و فضل أمته دانت لها الأمم
عم البرية بالإحسان فانقشعت*عنها الغيابة و الإملاق و الظلم(7)
ص: 145
کلتا يديه غياث عم نفعهما*تستوکفان و لا يعروهما عدم(1)
سهل الخليقة لا تخشى بوادره*يزينه اثنان حسن الخلق و الکرم(2)
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته*رحب الفناء أريب حين يعترم(3)
من معشر حبهم دين و بغضهم*کفر و قربهم منجى و معتصم
يستدفع السوء و البلوى بحبهم*و يستزاد به الإحسان و النعم
مقدم بعد ذکر الله ذکرهم*في کل بدء و مختوم به الکلم
إن عد أهل التقى کانوا أئمتهم*أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم*و لا يدانيهم قوم و إن کرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت*و الأسد أسد الشرى و النار تحتدم(4)
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم*خيم کريم و أيد بالندى هضم(5)
لا ينقص العسر شيئا من أکفهم*سيان ذلک إن أثروا و إن عدموا(6)
ما قال لا قط إلا في تشهده*لو لا التشهد کانت لاءه نعم
أي الخلائق ليست في رقابهم*لأولية هذا أو له نعم
من يعرف الله يعرف أولية ذا*و الدين من بيت هذا ناله الأمم
روى أنه کان عبد الملک بن مروان لما سمع هذا من الفرزدق قال له: «أ و رافضى أيضا أنت فقال الفرزدق: إن کان حب آل محمد صلی الله علیه و آله
ص: 146
رفضا فأنا هذاک، فقال عبد الملک: قل فى مثل ما قلته فيه، و علي أن أضعف عطاءک، فقال الفرزدق: و تجيئنى بأب مثل أبيه و أم بمثل أمه حتى أقول فيک مثل ما قلته فيه؛ أ تقول هذا و لا تستحي من الله عز و جل مر حتى تسقط اسمى من الديوان جملة، فأسقط عطاءه.
فحبسه بمدینة قریبة علی المدينة النبی فبلغ ذلک علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، و قال: اعذرنا يا أبا فراس. فلو کان عندنا أکثر من هذه لوصلناک به، فردها، و قال: يا بن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله و لرسوله، و ما کنت لأرزأ عليه شيئا، فردها عليه. فقال له علي بن الحسين (علیه السلام ): بحقي عليک لما قبلتها، فقد رأى الله مکانک و علم نيتک، فقبلها.
فلما طال الحبس عليه و کان يوعده بالقتل شکا إلى علي بن الحسين (علیه السلام ) فدعا له فخلصه الله فجاء إليه وقال يا ابن رسول الله إنه محا اسمي من الديوان فقال کم کان عطاؤک قال کذا فأعطاه لأربعين سنة و قال (علیه السلام ) لو علمت أنک تحتاج إلى أکثر من هذا لأعطيتک فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة.(1)
و قیل انه سبب اخراجه من السجن ان فرزدق جعل يهجو هشاما، و هو في الحبس، فکان مما جاء به قوله:
أ يحبسني بين المدينة و التي*إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يکن رأس سيد*و عينا له حولاء تبدو عيوبها
فاخبر هشام بذلک فأطلقه.(2)
ص: 147
لما هلک عبد الملک وجلس ابنه الوليد على سرير الخلافة جعل يحتال في قتل إمامنا زين العابدين (علیه السلام ) ولذلک بعث سما قاتلا إلى والي المدينة وأمره أن يقتله بالسم سرا، ففعل الوالي فلما سقي إمامنا زين العابدين السم مرض مرضا شديدا وصار يغشى عليه ساعة بعد ساعة حتى کانت ليلة وفاته غشى عليه في تلک الليلة ثلاث مرات فلما أفاق من غشيته الأخيرة دعا ولده الباقر (علیه السلام ) وأوصى إليه بوصاياه و قال لولده الباقر (علیه السلام ) هذه الليلة هي التي وعدتها فإذا قضيت نحبي فغسلني وحنطني وادفني، ثم مدوا عليه الثوب وفاضت روحه، رحم الله من نادى: وا إماماه، وا مسموماه، وا سيداه. (1)
وعن جابر الجعفي، قال: لما جرد مولاي محمد الباقر مولاي علي بن الحسين ثيابه، ووضعه على المغتسل، وکان قد ضرب دونه حجابا، سمعته ينشج ويبکي، حتى أطال ذلک فأمهلته عن السؤال، حتى إذا فرغ من غسله ودفنه، فأتيت إليه، وسلمت عليه وقلت له: جعلت فداک مم کان بکاؤک، وأنت تغسل أباک؟ أکان ذلک حزنا عليه؟ قال: "لا يا جابر لکن لما جردت أبي ثيابه ووضعته على المغتسل، رأيت اثار الجامعة في عنقه واثار جرح القيد في ساقيه وفخذيه فأخذتني الرقة لذلک، وبکيت".(2)
قام وغسله الباقر بإيده*وشاف الجامعه مأثره بجيده
وشاف الساق بيه شعمل قيده*قعد يبکي وعلى حاله يتحسر
و في کتب التاریخ ان زین العابدین کان یبکى علی الحسین حتى خيف على عينيه وکان إذا أخذ إناء يشرب ماء بکى، حتى يملأها دمعا، فقيل له في ذلک فقال: وکيف لا أبکي؟ وقد منع أبي من الماء، الذي کان مطلقا للسباع و الوحوش.(3)
ص: 148
وعن الإمام الباقر (علیه السلام ): ولقد بکى على أبيه الحسين (علیه السلام ) عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بکى، حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله، أما ان لحزنک أن ينقضي؟ فقال له: إن يعقوب النبي (علیه السلام ) کان له اثنا عشر ابنا، فغيب الله عنه واحدا منهم، فابيضت عيناه من کثرة بکائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغم. وکان ابنه حيا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي، وأخي، وعمي، وسبعة عشر من أهل بيتي، مقتولين حولي، فکيف ينقضي حزني. (1)
روي أنه دخل عليه يوما أبو حمزة الثمالي فوجده حزينا کئيبا، فقال له يا ابن رسول الله أما ان لحزنک أن ينقضي ولبکائک أن يقل؟ سيدي إن القتل لکم عادة وکرامتکم من الله الشهادة، ألم يقتل جدک علي بن أبي طالب بسيف ابن ملجم؟ ألم يقتل عمک الحسن؟ فما هذا البکاء؟ فالتفت إليه الإمام زين العابدين (علیه السلام ) وقال: شکر الله سعيک يا أبا حمزة، هل رأت عيناک أو سمعت أذناک أن علوية سبيت لنا قبل يوم عاشوراء؟ قتل الرجال لنا عادة، ولکن هل سبي النساء لنا عادة؟ هل حرق الخيام لنا عادة؟ والله يا أبا حمزة ما نظرت إلى عماتي وأخواتي إلا وذکرت فرارهن يوم عاشوراء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء ومنادي القوم ينادي، أحرقوا بيوت الظالمين وهن يلذن بعضهن ببعض وينادين: وا جداه وا محمداه. (2)
قلبي يبو حمزة تراه تفطر وذاب*مثل المصيبه اللي دهتني محد انصاب
ذيچ البدور اللي ابمنازلهم يزهرون*والليل کله من العبادة ما يفترون
سبعة وعشرة عاينتهم کلهم اغصون*فوق الوطية مطرحين بحر التراب
وأعظم مصيبة زيدت حزني عليه*داست على جسم العزيز خيول أمية
سلبوا عزنه وسيروا زينب سبيه*حسرى ومن کثر المصايب راسها شاب
يفترن خوات احسين من خيمة لعد خيمة*او کل خيمة تشب ابنار ردن ضربن الهيمه
ينخن وين راحو وين ما ظل بالعده شيمه*والسجاد إجوا سحبوه او
ص: 149
دمعه اعلى الوجن ساله
نعم فأعظم المصائب على قلب مولانا وأوجعها لفؤاده دخولهم الشام، ولذا يقال إنه حينما سئل عن أشد المصائب وأدهاها قال: الشام، الشام.. ويخرج إلى السوق أحيانا، فإذا رأى جزارا يريد أن يذبح شاة أو غيرها، يدنو منه، ويقول: هل سقيتها الماء؟ فيقول له: نعم يا ابن رسول الله، إنا لا نذبح حيوانا حتى نسقيه ولو قليلا من الماء، فيبکي عند ذلک، ويقول: "لقد ذبح أبو عبد الله عطشانا، وا أسفاه عليک أبا عبد الله الشاة لا تذبح حتى تسقى الماء وقد ذبحت إلى جانب الفرات عطشانا.
لا يُذْبَحُ الکبْشُ حَتَّى يُسْقَى مِنْ ظَمَأٍ*ويُذْبَحُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ عَطْشانا
وجاء عنه أنه دخل يوما، فرأى غريبا، فسلم عليه، ودعاه إلى بيته لضيافته وقال له بحضور جمع من الناس: أترى لو أصابک الموت وأنت غريب عن أهلک، هل تجد من يغسلک ويدفنک؟ فقال الناس: يا ابن رسول الله، کلنا يقوم بهذا الواجب فبکى وقال: "لقد قتل أبو عبد الله غريبا، وبقي ثلاثة أيام تصهره الشمس بلا غسل ولا کفن"(1)
يناعي لو شفت شيعه وساد*اخبرهم بالجره علينه وساده
احسين الرمل صاير له وساده*ثلث تيام مرمي اعلى الوطيه
أيَا جَدَّنا هذا الحسينُ على الثّرَى*طَرِيحاً يُخَلَّى عارِياً لا يُغَسَّل
ص: 150
هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) خامس أئمة أهل البيت (علیه السلام ) و ولد في المدينة المنورة سنة 57 للهجرة قبل وقعة الطف بأربع سنين. ومضى (علیه السلام ) بالمدينة سنة 114 للهجرة عن عمر 58 سنة ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه علي بن الحسين (علیه السلام ) أما کنيته فأبو جعفر ولقبه: باقر العلم والشاکر لله والهادي والأمين والشبيه لأنه کان يشبه رسول الله صلی الله علیه و آله.
وأشهر ألقابه هو الباقر و کان يقال له الباقر (علیه السلام ) لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتبقر في العلم وأصل البقر: الشق والفتح والتوسعة بقرت الشيء بقرا: فتحته ووسعته. والدته الصديقة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب(1)
فهو هاشمي من هاشميين علوي من علويين وفاطمي من فاطميين لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين (علیه السلام ).(2)
وعن الباقر (علیه السلام ) قال:(3) «کانت أمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة، فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما أذن الله لک في السقوط، فبقي معلقا في الجو حتى جازته فتصدق أبي عنها بمائة دينار». وذکر أبو عبد الله (علیه السلام ) جدته أم أبيه يوما فقال: (4) «کانت صديقة، لم تدرک في آل الحسن امرأة مثلها»
وفيما يلي نذکر جانبا من منزلته وجلاله: قال رسول الله صلی الله علیه و آله لأحد صحابته الأجلاء وهو جابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر ستعيش حتى تدرک ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: الذي اسمه في التوراة الباقر (علیه السلام ) فإذا کان ذلک فأبلغه سلامي.
ص: 151
وتوفي رسول الله صلی الله علیه و آله وعمر جابر طويلا... فدخل يوما دار الإمام زين العابدين (علیه السلام ) فرأى الإمام الباقر (علیه السلام ) وهو لا يزال طفلا يافعا فقال له: أقبل فأقبل، قال: أدبر فأدبر، وجابر ينظر إليه ويراقب مشيته وحرکاته فقال: انها شمائل النبي ورب الکعبة. ثم التفت إلى الإمام السجاد (علیه السلام ) وسأله: من هو هذا الطفل؟ قال: انه ابني وهو الإمام من بعدي «محمد الباقر» فقام جابر وقبل قدميه.
وقال: فداک نفسي يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله تقبل سلام وتحيات أبيک رسول الله صلی الله علیه و آله فانه بعث إليک بسلامه. فإمتلأت عينا الإمام الباقر (علیه السلام ) بالدموع وقال: السلام على أبي رسول الله صلی الله علیه و آله ما دامت السماوات والأرض وعليک يا جابر بما أبلغتني سلامه.(1)
کان الإمام الباقر (علیه السلام ) کسائر الأئمة يأخذ علمه من منبع الوحي فلم يکن لهم من يعلمهم وهم لا يتعلمون من بشر فکان جابر بن عبد الله يأتيه ويکتسب منه العلم ويقول:(2)
«يا باقر اشهد انک أوتيت العلم صبيا».
يقول عبد الله بن عطاء المکي:(3) «ما رأيت العلماء يتواضعون لأحد کتواضع الحکم بن عتيبة -وکان له عند الناس منزلة علمية رفيعة- بين يدي الإمام الباقر (علیه السلام ) فکأنه طفل بين يدي معلمه. وقد کان سمو شخصيته وعظمة علمه تأخذ بالألباب حتى أن جابر بن يزيد الجعفي کان يقول عنه: «حدثني وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين...».
سأل رجل عبد الله بن عمر عن مسألة فبقي متحيرا في جوابها ثم أشار إلى الإمام الباقر (علیه السلام ) وقال: سل من هذا الغلام وأعلمني بالجواب. فسأل الرجل الإمام عنها وسمع منه جوابا مقنعا، ونقل ذلک لعبد الله بن عمر، فقال عبد الله: «إن هؤلاء أهل بيت جاءهم العلم من عند الله»(4).
ينقل أبو بصير:(5) «إنني کنت برفقة الإمام الباقر (علیه السلام ) فدخلنا مسجد المدينة والناس تروح وتجي، فقال لي الإمام (علیه السلام ): سل الناس هل
ص: 152
يشاهدونني؟ فکنت کلما لقيت رجلا سألته: هل رأيت أبا جعفر، فيجيبني بالسلب، والإمام (علیه السلام ) واقف إلى جانبي وهم لا يرونه. وبينا نحن کذلک إذ دخل علينا أبو هارون وهو أحد أصحاب الإمام المخلصين وقد کان بصيرا(1)،
فقال لي الإمام أسأله أيضا. فسألت أبا هارون: هل رأيت أبا جعفر؟ فأجابني: أليس هو واقفا إلى جنبک؟ قلت: من أين عرفت؟ قال: کيف لا أعرف وهو نور ساطع.»
وينقل أبو بصير أيضا:(2) «إن الإمام الباقر (علیه السلام ) سأل رجلا من أهل أفريقيا عن رجل من شيعته اسمه «راشد» فأجاب: انه بخير ويبلغک سلامه. فقال الإمام (علیه السلام ): يرحمه الله. فقال الرجل متعجبا: أهو قد مات؟ فقال: نعم. فسأل: متى حدث ذلک؟ قال: بعد مغادرتک بيومين. فقال الرجل: انه والله لم يکن مريضا.
فأجاب: وهل کل من يموت فهو عن مرض؟ وعندئذ سأل أبو بصير الإمام (علیه السلام ) عن ذلک الشخص المتوفى. فقال الإمام: انه کان من شيعتنا ومحبينا، أتظن انه ليس لنا عيون بصيرة واذان سميعة معکم، بئس الظن والله ما من شيء من أفعالکم يخفى علينا، فاعلموا إننا معکم وعودوا أنفسکم على فعل الخير وکونوا من أهله حتى تعرفوا به ويصبح علامة عليکم، وإنني لأمر أبنائي وشيعتي بهذا المنهج.»
و يقول أحد الرواة:(3) «کنت في الکوفة اعلم القرآن لإحدى النساء، فلاطفتها يوما، ثم قصدت لقاء الإمام الباقر (علیه السلام ) فلما لقيته بادرني قائلا: إن الله لا يعبأ بمرتکب الذنب حتى في الخفاء، ماذا قلت لتلک المرأة؟ فأخفيت وجهي من الخجل وتبت، فقال لي الإمام (علیه السلام ): لا تعد لمثل هذا.»
کان قد قطن المدينة رجل من أهل الشام وهو يتردد کثيرا على بيت الإمام (علیه السلام ) ويقول له: «ليس على وجه الأرض ابغض إلي منک، ولا أشعر بعداوة مع أحد أشد من العداوة التي أشعر بها لک ولأهل بيتک واعتقد ان الطاعة لله وللنبي ولأمير المؤمنين لا تتم إلا بالعداء لک، وإذا کنت تراني أتردد على بيتک فذلک لأنک خطيب وأديب وذو بيان رائع».
ص: 153
ومع هذا کله کان الإمام (علیه السلام ) يعطف عليه ويحدثه بلين ورفق. ومرت الأيام وابتلي الشامي بالمرض بحيث واجه الموت ويئس من الحياة فأوصى أن يصلي عليه أبو جعفر (الإمام الباقر "ع") بعد موته. وفي منتصف إحدى الليالي لاحظ أهل الرجل انه قد قضى نحبه، فغدا وصيه إلى المسجد صباحا ورأى الإمام الباقر (علیه السلام ) قد فرغ من صلاته وجلس للتعقيب(1)،
وکانت تلک عادته، فقال الوصي للإمام (علیه السلام ): إن ذلک الرجل الشامي قد أسرع للقاء ربه وأوصى ان تقيم الصلاة عليه أنت.
فقال الإمام (علیه السلام ): انه لم يمت... لا تتسرعوا وانتظروني حتى أجي. ثم نهض فجدد وضوءه وصلى رکعتين ورفع يديه بالدعاء ثم سجد واستمر في سجوده حتى أشرقت الشمس، وعندئذ جاء إلى بيت الشامي وجلس عند رأسه وناداه فأجاب، ثم أجلسه الإمام (علیه السلام ) وأسند ظهره إلى الحائط وطلب له شرابا فسقاه إياه وقال لأهله: ناولوه طعاما باردا، ثم عاد إدراجه. ولم يمض وقت طويل حتى استعاد الشامي صحته فجاء إلى الإمام (علیه السلام ) قائلا: اشهد انک حجة الله على الناس»(2). و يقول «محمد بن المنکدر» وهو من صوفي ذلک العصر خرجت من المدينة في يوم شديد الحرارة فرأيت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين (علیه السلام ) عائدا إلى مزرعته من زيارة تفقدية ويرافقه اثنان من غلمانه أو أصحابه فقلت في نفسي: «رجل من کبار قريش وهو في طلب الدنيا في مثل هذا الوقت لابد لي ان أعظه» دنوت منه وسلمت عليه فرد الإمام السلام علي بشدة والعرق يتصبب من رأسه ووجهه.
فقلت له: سلمک الله أرجل من مثلک يسعى وراء الدنيا في هذا الوقت ما هو موقفک لو عاجلک الأجل وانت على هذه الحال؟ فأجابني: والله لو وافاني الأجل وأنا في هذه الحال لکنت في طاعة الله، لأنني بهذه الطريقة اغني نفسي عنک وعن سائر الناس، وأني لأخشى أن يغتالني الأجل وأنا متورط في معصية. قلت: رحمک الله ظننت أنني سوف أعظک لکنک أنت الذي وعظتني وأيقظتني(3).
إن الإمام سواء أعاشر الناس أم اعتزلهم واصبح جليس داره فذلک لا يؤثر على إمامته، لان الإمامة کالرسالة منصب الهي والغاصبون
ص: 154
والظالمون کانوا دائما ينظرون بعين الحسد إلى منصب الإمامة الرفيع. وقد قارن جانب من مرحلة إمامة الإمام الباقر (علیه السلام ) الحکومة الجائرة لهشام بن عبد الملک الأموي.
ففي أحد الأعوام جاء هشام إلى الحج وکان الإمام الباقر والإمام الصادق (علیه السلام ) ضمن الحجاج، فخطب الإمام الصادق (علیه السلام ) يوما في الحجيج قائلا: «الحمد لله الذي بعث محمدا صلی الله علیه و آله بالحق وشرفنا به، فنحن الذين اصطفانا الله من بين خلقه ونحن خلفاء الله في الأرض، وقد افلح من اتبعنا وخاب من خالفنا ونصب لنا العداوة»
يقول الإمام الصادق (علیه السلام ) فيما بعد: فنقلوا قولي لهشام ولکنه لم يتعرض لنا بسوء حتى عاد إلى دمشق وعدنا إلى المدينة، فأوعز إلى واليه في المدينة ان يرسلنا انا وأبي إلى دمشق. فلما وصلنا اليها لم يأذن لنا هشام بالدخول عليه ثلاثة أيام، حتى إذا کان اليوم الرابع دخلنا عليه وهو جالس على عرشه وأصحاب بلاطه مشغولون إمامه بالرمي وأصابة الأهداف.
فنادى هشام والدي باسمه قائلا له: ساهم في الرماية مع کبار قبيلتک. فقال والدي: لقد أصبحت شيخا طاعنا في السن، وانتهى زمان الرماية بالنسبة الي فاعذرني. فأصر هشام وأقسم عليه إلا ان يفعل، وأمر شيخا من بني أمية ان يناوله قوسه، فتناول والدي القوس منه ووضع فيه سهما واطلقه فأصاب عين الهدف، ووضع السهم الثاني فيه واطلقه فغرسه في السهم الأول وشقه إلى نصفين، وهکذا فعل في الثالث حيث غرسه في الثاني، والرابع في الثالث، والتاسع في الثامن، فارتفعت اصوات الحاضرين، واضطرب هشام وصاح: أحسنت يا أبا جعفر، انک خير رماة العرب والعجم فکيف تتصور ان زمان الرماية قد انقضى عنک... وفي نفس ذلک الوقت اتخذ قرارا بقتل والدي فأطرق يفکر ونحن وقوف إمامه، فطال وقت الوقوف، ولذلک فقد استولى الغضب على والدي.
وکان اذا أغضب نظر إلى السماء وبدا الغضب واضحا على محياه الشريف، فأدرک هشام غضبه ودعانا إلى الجلوس معه ونهض من مکانه واحتضن والدي وأجلسه على يمينه ثم عانقنيى وأجلسني على يمين والدي وراح يتحدث مع والدي قائلا: ان قريشا لتفتخر بک على العرب والعجم، سلمت يدک، ممن تعلمت هذه الرماية وکم أنفقت من وقت في تعلمها؟ فأجاب والدي: أنت تعلم ان أهل المدينة يمارسون
ص: 155
الرماية وقد مارستها في فترة أثناء شبابي ثم هجرتها حتى طلبتها مني الان.
فقال هشام: منذ عرفت نفسي ولحد الان لم أر ماهرا في الرماية بهذه الرقة والجودة ولا أظن ان أحدا على وجه الأرض يتقنها أفضل منک، فهل ابنک جعفر يتقن الرماية کما تتقنها أنت؟ قال: اننا نرث الکمال و التمام کما انزلهما الله على نبيه صلی الله علیه و آله حيث قال تعالى: (اَلْيَوْمَ اَکمَلْتُ لَکمْ دِينَکمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْکمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَکمُ الاسْلامَ دِيناً). فالأرض لا تخلو ممن يستطيع النهوض بمثل هذه الأعمال بصورة کاملة.
وبسماع هذه الجمل جحظت عينا هشام واحمر وجهه من الغضب واطرق قليلا ثم رفع رأسه وقال: ألسنا نحن وإياکم من أبناء «عبد مناف» فنحن متساوون في النسبة إليه؟ فقال الإمام: أجل لکن الله سبحانه اختصنا بميزات لم يمنحها للاخرين. فسأل هشام: «ألم يبعث الله النبي من أبناء عبد مناف لکل الناس أجمعين من أبيض واسود وأحمر؟ فمن أين ورثتم هذا العلم بينما لن يأتي نبي بعد نبي الإسلام صلی الله علیه و آله وانتم أيضا لستم أنبياء؟ فأجابه الإمام (علیه السلام ): لقد خاطب الله النبي صلی الله علیه و آله في القرآن الکريم بقوله: (لا تُحَرِّک بِهِ لِسَانَک لِتَعْجَلَ بِهِ، اِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنهُ، فَاذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنهُ).
فالنبي صلی الله علیه و آله الذي تصرح الاية بان لسانه تابع لله قد اختصنا بميزات لم يمنحها للاخرين، ومن هنا فقد أودع عند أخيه علي (علیه السلام ) أسرارا لم يکشفها للاخرين، ويقول الباري جلت آلاؤه في هذا المجال: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ). وقال النبي صلی الله علیه و آله لعلي (علیه السلام ): «لقد طلبت من الله ان يجعلها اذنک» وقال علي بن أبي طالب (علیه السلام ) في الکوفة: «لقد فتح لي رسول الله صلی الله علیه و آله ألف باب من العلم يفتح من کل باب منها ألف باب اخر».
وکما ان الله تعالى اختص النبي صلی الله علیه و آله بکمالات معينة فان النبي صلی الله علیه و آله أيضا اصطفى عليا (علیه السلام ) وعلمه امورا لم يعلمها الاخرين، وعلمنا مکتسب من ذلک المنبع الفياض، ونحن وحدنا الذين ورثنا ذلک دون غيرنا. فقال هشام: ان عليا يدعي العلم بالغيب بينما الله لم يطلع أحدا على الغيب.
فأجاب والدي: لقد انزل الله کتابا على نبيه صلی الله علیه و آله بين فيه کل شيء مما يتعلق بالماضي والمستقبل إلى يوم البعث، فهو عزوجل يقول في ذلک الکتاب: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْک الکتَابَ تِبْياناً لِکلِّ شيْء). وفي اية اخرى يقول تعالى: (وَکلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين). ويقول أيضا: (ما فَرَّطْنَا
ص: 156
فِي الکتَابِ مِن شَيْء). وقد أمر الله سبحانه نبيه الکريم صلی الله علیه و آله أن يعلم عليا (علیه السلام ) أسرار القرآن کلها، وقد قال النبي صلی الله علیه و آله للامة: «علي أقضاکم» فبقي هشام صامتا و غادر الإمام (علیه السلام ) مجلسه.(1)
کان عبد الله بن نافع(2) أحد المعادين لأمير المؤمنين علي (علیه السلام ) وکان يقول: لو وجد شخص على وجه الأرض بحيث يستطيع إقناعي بان الحق کان مع علي في قتل «خوارج النهروان» لقصدته وان کان في المشرق أو المغرب. فقيل له أتظن أن أبناء علي (علیه السلام ) لا يستطيعون أيضا ان يثبتوا لک ذلک؟ فقال: وهل يوجد في ابنائه عالم؟ قالوا: ان هذا نفسه دليل على جهلک وهل يمکن ان لا يکون في أبناء علي (علیه السلام ) عالم؟ فسأل: ومن هو عالمهم في هذا الزمان؟ ودلوه على الإمام الباقر (علیه السلام ) فقصد المدينة مع اصحابه وطلب هناک مقابلة الإمام (علیه السلام ).
وأمر الإمام (علیه السلام ) أحد غلمانه ان ينزله مع متاعه ويخبره بانه سوف يقابل الإمام غدا.وفي صباح اليوم التالي جاء عبد الله وأصحابه إلى مجلس الإمام، وکان (علیه السلام ) قد دعا أبناء وعوائل المهاجرين والأنصار، ولما التأم الجمع بدأ الإمام (علیه السلام ) حديثه وکان يرتدي ثوبا فيه حمرة وبدا کأنه البدر فقال: «الحمد لله الخالق للزمان والمکان والکيفيات، والحمد لله الذي ليس له سنة ولا نوم وله ملک السماوات والأرض... أشهد ان لا اله إلا الله وأشهد ان محمدا عبده المصطفى ونبيه المقرب، الحمد لله الذي شرفنا بنبوته واختصنا بولايته. يا أبناء المهاجرين والأنصار: من کان منکم يتذکر فضيلة لعلي بن أبي طالب (علیه السلام ) فليذکرها. فأخذ کل واحد من الحاضرين يذکر فضيلة له، حتى انتهى الحديث إلى «قضية خيبر» فقالوا: ان النبي صلی الله علیه و آله اثناء الحرب مع يهود خيبر قال: «لاعظين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، کرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه» وفي اليوم التالي
ص: 157
سلم الراية لأمير المؤمنين (علیه السلام ) وقد هزم اليهود في معرکة مهيبة مثيرة وفتح حصنهم الضخم. فالتفت الإمام الباقر (علیه السلام ) لعبد الله بن نافع.
وسأله: ما تقول في هذا الحديث؟ قال: انه حديث صحيح لکن عليا قد کفر بعد ذلک وقتل الخوارج بغير حق. قال الإمام (علیه السلام ): ثکلتک امک هل کان الله حين أحب عليا يعلم انه سوف يقتل الخوارج أو لا يعلم؟ ان قلت ان الله لا يعلم فقد کفرت. قال: کان يعلم. قال الإمام (علیه السلام ): هل کان الله يحبه لانه مطيع له أم لانه عاص ومذنب؟ قال: کان الله يحبه لانه مطيع(1) قال الإمام (علیه السلام ): قم لقد هزمت ولا تملک جوابا. فنهض عبد الله وهو يتلو هذه الاية: «حَتّى يَتَبَيَّنَ لَکمُ الْخَيْطُ الابْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ» إشارة إلى ان الحقيقة قد اتضحت کالصبح، وقال: «اللهُ اَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»(2)
أشار الإمام الباقر (علیه السلام ) على عبد الملک في ضرب الدراهم والدنانير و بهذا خلص المسلمین من هیمنة و التبعية المالیة للإمبراطورية الرومية آنذک. نقل إبراهيم بن محمد البيهقي في کتاب المحاسن والمساوي ما نصه:(3)
«قال الکسائي:(4) دخلت على الرشيد(5)
ذات يوم و هو في إيوانه و بين يديه مال کثير قد شق عنه البدر شقا و أمر بتفريقه في خدم الخاصة و بيده درهم تلوح کتابته و هو يتأمله، و کان کثيرا ما يحدثني، فقال: هل علمت من أول من سن هذه الکتابة في الذهب و الفضة؟ قلت: يا سيدي هذا عبد الملک بن مروان. قال: فما کان السبب في ذلک؟ قلت: لا علم
ص: 158
لي غير أنه أول من أحدث هذه الکتابة. فقال: سأخبرک، کانت القراطيس(1)
للروم و کان أکثر من بمصر نصرانيا على دين الملک ملک الروم، و کانت تطرز بالرومية و کان طرازها أبا و بنا و روحا قديشا(2).
فلم يزل کذلک صدر الإسلام کله يمضي على ما کان عليه إلى أن ملک عبد الملک فتنبه عليه و کان فطنا، فبينا هو ذات يوم إذ مر به قرطاس فنظر إلى طرازه فأمر أن يترجم بالعربية ففعل ذلک فأنکره و قال: ما أغلظ هذا في أمر الدين و الإسلام أن يکون طراز القراطيس و هي تحمل في الأواني و الثياب و هما تعملان بمصر و غير ذلک مما يطرز من ستور و غيرها من عمل هذا البلد على سعته و کثرة ماله و أهله تخرج منه هذه القراطيس فتدور في الافاق و البلاد و قد طرزت بشرک مثبت عليها.
فأمر بالکتاب إلى عبد العزيز بن مروان، و کان عامله بمصر، بإبطال ذلک الطراز على ما کان يطرز به من ثوب و قرطاس و ستر و غير ذلک و أن يأخذ صناع القراطيس بتطريزها بصورة التوحيد: و شهد الله أنه لا إله إلا هو. و هذا طراز القراطيس خاصة إلى هذا الوقت لم ينقص و لم يزيد و لم يتغير. و کتب إلى عمال الافاق جميعا بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم و معاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي منها بالضرب الوجيع و الحبس الطويل.
فلما أثبت القراطيس بالطراز المحدث بالتوحيد و حمل إلى بلاد الروم منها انتشر خبرها و وصل إلى ملکهم فترجم له ذلک الطراز فأنکره و غلظ عليه فاستشاط غضبا و کتب إلى عبد الملک: إن عمل القراطيس بمصر و سائر ما يطرز هناک للروم و لم يزل يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته، فإن کان من تقدمک من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، و إن کنت قد أصبت فقد أخطئوا، فاختر من هاتين الخلتين أيتهما شئت و أحببت، و قد بعثت إليک بهدية تشبه محلک و أحببت أن تجعل رد ذلک الطراز إلى ما کان عليه في جميع ما کان يطرز من أصناف
ص: 159
الأعرق حاجة أشکرک عليها و تأمر بقبض الهدية.
و کانت عظيمة القدر فلما قرأ عبد الملک کتابه رد الرسول و أعلمه أن لا جواب له و لم يقبل الهدية فانصرف بها إلى صاحبه، فلما وافاه أضعف الهدية و رد الرسول إلى عبد الملک و قال: إني ظننتک استقللت الهدية فلم تقبلها و لم تجبني عن کتابي فأضعفت لک الهدية و أنا أرغب إليک في مثل ما رغبت فيه من رد هذا الطراز إلى ما کان عليه أولا.
فقرأ عبد الملک الکتاب و لم يجبه و رد الهدية فکتب إليه ملک الروم يقتضي أجوبة کتبه و يقول: إنک قد استخففت بجوابي و هديتي و لم تسعفني بحاجتي فتوهمتک استقللت الهدية فأضعفتها فجريت على سبيلک الأول و قد أضعفتها ثالثة، و أنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز إلى ما کان عليه أو لامرن بنقش الدنانير و الدراهم، فإنک تعلم أنه لا ينقش شي ء منها إلا ما ينقش في بلادي.
و لم تکن الدراهم و الدنانير نقشت في الإسلام فينقش عليها من شتم نبيک ما إذا قرأته ارفض جبينک له عرقا، فأحب أن تقبل هديتي و ترد الطراز إلى کان عليه و تجعل ذلک هدية بررتني بها و نبقى على الحال بيني و بينک. فلما قرأ عبد الملک الکتاب غلظ عليه و ضاقت به الأرض و قال: احسبني أشأم مولود ولد في الإسلام لأني جنيت على رسول الله، صلی الله علیه و آله، من شتم هذا الکافر ما يبقى غابر الدهر و لا يمکن محوه من جميع مملکة العرب. إذ کانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم و دراهمهم.
و جمع أهل الإسلام و استشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به فقال له روح بن زنباع(1): إنک لتعلم الرأي و المخرج من هذا الأمر و لکنک تتعمد ترکه. فقال: ويحک من؟ قال: الباقر من أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله قال: صدقت و لکنه أرتج علي الرأي فيه. فکتب إلى عامله بالمدينة: أن أشخص إلي محمد بن علي بن الحسين(2)
مکرما و متعه بمائتي ألف درهم لجهازه و بثلاثمائة ألف درهم لنفقته و أزح علته في جهازه و جهاز من يخرج معه من أصحابه و احتبس الرسول قبله إلى
ص: 160
موافاته علي.
فلما وافى أخبره الخبر فقال له علي: لا يعظمن هذا عليک، فإنه ليس بشي ء من جهتين: إحداهما أن الله جل و عز لم يکن ليطلق ما يهددک به صاحب الروم في رسول الله صلی الله علیه و آله، و الأخرى وجود الحيلة فيه. قال: و ما هي؟ قال: تدعو في هذه الساعة بصناع يضربون بين يديک سککا للدراهم و الدنانير و تجعل النقش عليها سورة التوحيد و ذکر رسول الله صلی الله علیه و آله، أحدهما في وجه الدرهم و الدينار و الاخر في الوجه الثاني و تجعل في مدار الدرهم و الدينار ذکر البلد الذي يضرب فيه و السنة التي يضرب فيها تلک الدراهم و الدنانير، و تعمد إلى وزن ثلاثين درهما عددا من الثلاثة الأصناف التي العشرة منها عشرة مثاقيل و عشرة منها وزن ستة مثاقيل و عشرة منها وزن خمسة مثاقيل فتکون أوزانها جميعا واحدا و عشرين مثقالا فتجزئها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل، و تصب سنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة و لا نقصان فتضرب الدراهم على وزن عشرة و الدنانير على وزن سبعة مثاقيل(1).
و کانت الدراهم في ذلک الوقت إنما هي الکسروية التي يقال لها اليوم البغلية لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب، بسکة کسروية في الإسلام مکتوب عليها صورة الملک و تحت الکرسي مکتوب بالفارسية: نوش خر، أي کل هنيئا. و کان وزن الدرهم منها قبل الإسلام مثقالا و الدراهم التي کان وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل و العشرة وزن خمسة مثاقيل هي السميرية الخفاف و الثقال، و نقشها نقش فارس.
ففعل عبد الملک ذلک و أمره محمد بن علي بن الحسين أن يکتب السکک في جميع بلدان الإسلام و أن يتقدم إلى الناس في التعامل بها و أن يتهددوا بقتل من يتعامل بغير هذه السکک من الدراهم و الدنانير و
ص: 161
غيرها و أن تبطل و ترد إلى مواضع العمل حتى تعاد على السکک الإسلامية.
ففعل عبد الملک ذلک و رد رسول ملک الروم إليه يعلمه بذلک و يقول: إن الله جل و عز مانعک مما قدرت أن تفعله. و قد تقدمت إلى عمالي في أقطار الأرض بکذا و کذا و بإبطال السکک و الطراز الرومية. فقيل لملک الروم: افعل ما کنت تهددت به ملک العرب. فقال: إنما أردت أن أغيظه بما کتبت به إليه لأني کنت قادرا عليه و المال و غيره برسوم الروم، فأما الان فلا أفعل لأن ذلک لا يتعامل به أهل الإسلام. و امتنع من الذي قال و ثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين إلى اليوم.» انتهی نقل البیهقي.
تعقیبا علی الکلام الذی مر: توجد ادلة تدل على أن أول من ضرب النقد الإسلامي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام ) أما ما يدل على أن أمير المؤمنين (علیه السلام ) هو أول من ضرب النقد الإسلامي، ما قاله الوزیر العثماني جودت باشا:(1)«إن المسلَّم عند أهل العلم: أن الذي أحدث ابتداء ضرب السکة العربية هو الحجاج بأمر عبد الملک، حين کان والياً على العراق من قبله (75 - 76). و لکن ظهر خلاف هذا عند الکشف الجديد في سنة 1276. و ذلک أن رجلاً إيرانياً اسمه جواد، أتى دار السعادة بسکة فضية عربية، ضربت في البصرة سنة 40 من الهجرة. و الفقير رأيتها بين المسکوکات القديمة عند صبحي بک أفندي، مکتوب على أحد وجهيها بالخط الکوفي: (اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَکنْ لَهُ کفُوًا أَحَدٌ (4)(2)
و في دورتها: (محمد رسول الله، أرسله بالهدى و دين الحق، ليظهره على الدين کله، و لو کره المشرکون). و على الوجه الآخر: (لا إله إلا الله، وحده لا شريک
ص: 162
له) و في دورتها: ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة 40»(1)انتهى. و صبحي باشا هو: أحد الوزراء العثمانيين. و قال الحلواني المدني:(2)«لم يثبت في الرواية الصحيحة: أن أحداً من الخلفاء الاربعة ضرب سکة أصلاً إلا علي بن أبي طالب، فإنه ضرب الدراهم على ما نقله صبحي باشا المورد لي في رسالة له رسم صورة فيها ذلک الدرهم، و عزا ذلک إلى لسان الدين ابن الخطيب في الإحاطة».و في نص آخر:(3)«وفي خلافة علي سنة 37، وکتب فيها ولي الله(4)،
وفي سنة 38 و 39 بسم الله ربي، و في درهم بالخط الکوفي في جانب منها: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَکنْ لَهُ کفُواً أَحَدٌ ﴾. و في دورته: محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين کله، و لو کره المشرکون. و في الجانب الآخر: (لا إله إلا الله، وحده لا شريک له) و في دورته ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة أربعين». و قال الکتاني:(5)«و في مکتبتنا في قسم النقود دراهم مکتوبة بالکوفي عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله). و في آخر الکتابة اسم "علي"، يقطع الناظر المتأمل فيها، و في کتابتها، و نقشها القديم: أنها لعلي بن أبي طالب ».
و نقل السيد الأمين، و الشيخ عباس القمي، عن دائرة المعارف البريطانية(6)،
عند الکلام عن المسکوکات العربية ما ترجمته:(7)«إن أول
ص: 163
من أمر بضرب السکة الإسلامية هو الخليفة علي بالبصرة سنة 40 من الهجرة، الموافقة لسنة 660 مسيحية، ثم أکمل الأمر بعده عبد الملک الخليفة سنة 76 من الهجرة الموافقة لسنة 695 مسيحية»
إذن تحقق لدينا: أن أول من ضرب النقد الإسلامي هو الإمام علي (علیه السلام )، و أن عبد الملک عندما واجه تلک المشکلة مع ملک الروم ما بين سنة 74ﻫ و 77ﻫ. إنما رجع بإشارة أحد أحفاد علي (علیه السلام ) إلى ما کان (علیه السلام ) قد بدأه و أن معاوية قد عاد و ضرب النقود على السکة الکسروية، بمجرد استقلاله بالحکم، و بالذات في سنة 41ﻫ. أي بعد ضرب الإمام علي (علیه السلام ) للسکة الإسلامية بسنة واحدة فقط فإننا نعرف: أن معاوية قد حاول هو و من تبعه من الأمويين و أشياعهم، طمس السکة الإسلامية التي ضربها الإمام علي (علیه السلام )، و إخفاءها ظلماً للحقيقة.
و قد وجد النقد الذي ضربه معاوية، و إذا به قد استبدل ذلک الذي قد سنه علي (علیه السلام ) في النقش على النقد من ذکر الله و رسوله استبدله بنقد نقش عليه تصوير خسرو برويز(1)،مکتوب على جانبه الأيمن داخل
ص: 164
الدائرة بالخط البهلوي(1)"معاوية أمير و رويس نيکان(2)"
أي معاوية أمير المؤمنين و رئیسهم، و خارج الدائرة بالخط الکوفي: "بسم الله" و على جانبه الأيسر بالخط البهلوي أيضاً "فره افزود"(3).
و على الوجه الآخر: تصوير لبيت النار(4)
و على طرفيه الرجلان المراقبان للنار، و قد کتب داخل الدائرة على الجانب الأيمن بالخط البهلوي کلمة: "داراب گرد"، و هي مدينة الضرب، و على الجانب الأيسر: "يه جهل" أي 41 سنة الضرب(5).
و هکذا يتضح أن معاوية قد حاول أن يعجل في محو کل ما هو من آثار تدل علی الإمام علي (علیه السلام ) و لو کان ذلک بالعودة إلى نقش المجوسیة و شعار الحفاظ علیها حیث یرمز نقش الذی کان خلف السکة و هو تصوير بيت النار، و الرجلان المراقبان للنار یرمز الی مذهب الحکومة في الدولة الساسانیة و هو المجوسیة و سعي الدولة آنذاک علی ابقاء نار المجوس مشتعلة.(6)
ص: 165
تربى في مدرسة الإمام باقر العلوم (علیه السلام ) تلامذة بارزون ممتازون نشير إشارة عابرة إلى أسماء بعض منهم:
1) ابان بن تغلب: وقد حضر مجلس ثلاثة من الأئمة هم الإمام زين العابدين (علیه السلام ) والإمام محمد الباقر (علیه السلام ) والإمام جعفر الصادق (علیه السلام ): وقد کان أبان من ابرز الشخصيات العلمية في عصره، وکان متضلعا في علم التفسير والحديث والفقه والقراءة واللغة. وکانت منزلته العلمية رفيعة إلى الحد الذي أمره الإمام الباقر (علیه السلام ) إن يجلس في مسجد المدينة ويفتي الناس، معللا ذلک: بانني أحب ان يرى الناس امثالک بين شيعتنا. وکلما دخل ابان إلى المدينة تبعثرت حلقات الدرس المنعقدة فيها لتجتمع اليه في مسجد المدينة فتترک له منصة الخطابة التي کان يشغلها النبي الأکرم صلی الله علیه و آله.(1)
ولما بلغ الإمام الصادق (علیه السلام ) نبأ وفاته قال: «أما والله لقد الم قلبي موت أبان»(2)
2) زرارة: ان علماء الشيعة يعدون ستة رجال هم أفضل من رباهم الإمامان الباقر (علیه السلام ) والصادق (علیه السلام ) ويعتبر زرارة واحدا من هؤلاء.
يقول الإمام الصادق (علیه السلام ): لو لم يکن "بريد بن معاوية" و "أبو بصير"
ص: 166
و "محمد بن مسلم" و "زرارة" لاندثرت اثار النبوة و علوم الشيعة، فهؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه.
ويقول أيضا: بريد و زرارة و محمد بن مسلم و الاحول هم أحب الناس إلي أحياء وامواتا. وقد کان زرارة في حبه للإمام صامدا وصلبا بحيث اضطر الإمام الصادق (علیه السلام ) للتظاهر بانه يقدح فيه وينال منه حفاظا على حياته، وقد بعث إليه سرا بهذا المضمون: "إنني إنما أقدح فيک للتأمين على حياتک فان الأعداء يبذلون قصارى جهدهم لإيذاء من يحبنا ويتمسک بنا، وقد اشتهر عنک انک من محبينا، ولهذا فقد اضطررت للتظاهر بالانتقاص منک." وقد کان لزرارة حظ وافر من القراءة والفقه والکلام والشعر والأدب العربيين، وکانت علامات الفضيلة والتدين واضحة عليه.(1)
3) الکميت الاسدي: هو الکميت بن زيد الأسدي، لقبه أبو المستهل، نسبه ينتهي إلى مضر. ولد في الکوفة سنة 60 ه- على عهد بني أمية وقضى شطرا من صباه في مسقط رأسه، حيث تغذى فکره بثورة الحسين (علیه السلام )، وقد عرف عنه في مطلع حياته أنه کان يعلم الصبيان في مسجد الکوفة ثم نبغ في الشعر حتى أضحى من فحول الشعراء في عصره، حيث ارتسمت في قصائده صورة العصر وانعکست في مراة أدبه حياة المجتمع من الناحيتين الاجتماعية والسياسية.
و کان عالما بلغات العرب، خبيرا بأيامها، وکان فيه عشر خصال لم تکن في شاعر: کان خطيب بني أسد، فقيها، حافظا للقران، ثبت الجنان، کاتبا حسن الخط، نشابة جدلا، أول من ناظر في التشيع، راميا
ص: 167
لم يکن في بني أسد أرمى منه، فارسا شجاعا، سخيا دينا. وکان معروفا بموالاته لأهل البيت (علیه السلام ) مشهورا بذلک، کما تشهد بذلک القصائد الهاشميات، وهي من جيد شعره ومختاره.
وکان جريئا، مستبسلا في الدفاع عن عقيدته، حتى ولو کلفته حياته، وقد عانى في سبيل ذلک ألم السجن والتشرد والغربة حتى فاز بالشهادة.
روى الأصبهاني في الأغاني بسنده إلى محمد بن علي النوفلي عن أبيه أنه قال: الکميت بن زيد الشاعر کان أول ما قال القصائد الهاشميات فسترها، ثم أتى الفرزدق بن غالب فقال له: يا أبا فراس، إنک شيخ مضر وشاعرها، وأنا ابن أخيک الکميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقت، أنت ابن أخي فما حاجتک؟ قال: نفث على لساني(1)
فقلت شعرا، فأحببت أن أعرضه عليک، فإن کان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن کان قبيحا أمرتني بستره وکنت أولى من ستره علي. فقال له الفرزدق: أما عقلک فحسن، وإني لأرجو أن يکون شعرک على قدر عقلک، فأنشدني ما قلت. فأنشده قوله:(2)
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب*ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب(3)
فقال له: قد طربت إلى شيء ما طرب إليه أحد قبلک.
ولم يلهني دار ولا رسم منزل*ولم يتطربني بنان مخضب(4)
قال: ما يطربک يا ابن أخي ؟ قال:
ولا
أنا ممن يزجر الطير همه*أصاح غراب أم تعرض ثعلب(5)
ص: 168
ولا السانحات البارحات عشية*أمر سليم القرن أم مر أعضب(1)
فقال: أجل لا تتطير. فقال:
ولکن إلى أهل الفضائل والنهى*وخير بني حواء والخير يطلب(2)
قال: من هؤلاء ويحک ؟ فقال:
إلى النفر البيض الذين بحبهم*إلى الله فيما نابني أتقرب(3)
بني هاشم رهط النبي محمد*بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب(4)
خفضت لهم مني جناحي مودة*إلى کنف عطفاه أهل ومرحب(5)
وکنت لهم من هؤلاء وهؤلا*مجنا على أني أذم وأقصب(6)
ص: 169
وأرمى وأرمي بالعداوة أهلها*وإني لأوذى فيهم وأؤنب
فأعجب عند ذلک الفرزدق بشاعرية الکميت قائلا: أذع أذع شعرک يا ابن أخي، أنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي. وعن عکرمة الضبي عن أبيه قال: أدرکت الناس بالکوفة، من لم يرو: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب فليس بشيعي.(1)
وکم من مرة تعرض لهجاء حکام عصره، في سياق مديحه للهاشميين، کما فعل في الميمية المشهورة:(2)
بل هواي الذي أجن وأبدي*لبني هاشم فروع الأنام(3)
الغيوث الليوث إن أمحل الناس*فمأوى حواضن الأيتام(4)
ساسة لا کمن يرى رعية الناس(5)*سواء
ورعية الأنعام(6)
لا کعبد المليک أو کوليد*أو سليمان بعد أو کهشام
من يمت لا يمت فقيرا ومن يحيى*فلا ذو إل ولا ذو ذمام(7)
وقد جرت عليه هذه القصيدة عتابا ووعيدا من هشام الذي أحضره إليه واستجوبه عن الأبيات السالفة، وهنا اضطر الکميت خوفا من القتل صبرا وهو لا يجدي العمل الرسالي الذي نذر الکميت نفسه من أجله، لذلک فقد اصطنع شيئا من المديح الکاذب وبعد أن أجاز له أحد الأئمة ذلک، قائلا له: إن التقية لتحل حفظا للنفس، وصونا لها من الهلاک في
ص: 170
غير موضع مناسب.
وکان الکميت مغرما بحب الإمام الباقر (علیه السلام ) وهو ينسى نفسه تماما في سبيل هذا الحب، وفي أحد الأيام کان ينشد للإمام (علیه السلام ) بعض الشعر الذي نظمه في مدحه، فاتجه الإمام (علیه السلام ) نحو الکعبة وردد ثلاث مرات: اللهم ارحم الکميت، والتفت نحو الکميت قائلا له: لقد جمعت لک من أهل بيتي مائة ألف درهم. فقال الکميت: والله لا أريد ذهبا ولا فضة، وإنما أريد منک ان تمنحني واحدا من ثيابک فاعطاه الإمام ثوبه.(1)
وفي أحد الأيام کان جالسا عند الإمام الباقر (علیه السلام ) فأخذ الإمام (علیه السلام ) يقرأ هذا البيت من الشعر متذمرا من أوضاع زمانه:
ذهب الذين يعاش في اکنافهم*لم يبق إلا شاتم أو حاسد
فأجاب الکميت على الفور:
وبقى على ظهر البسيطة واحد*فهو المراد وانت ذاک الواحد(2)
و حينما ثار زيد بن علي السجاد (علیه السلام ) على هشام، وقف الکميت يؤيد ويدعو للمشارکة في الثورة على حکم بني مروان، مما أثار عليه حکام عصره، فتعرض للأذى مرارا، وسجن، وتشرد وتقضي المقادير أن تفشل ثورة زيد، ويقتل على يدي يوسف بن عمر الثقفي والي العراق، ومضت الأيام، وإذ بالکميت في مجلس حضره يوسف، وکان عنده جنود وقوفا.
وکان يتحين فرصة للتخلص من الکميت، فأشار إليهم أن يضعوا سيوفهم في بطنه، ففعلوا فمات لساعته بعد نزف شديد. يقول المستهل بن الکميت: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه فکان يفتح عينيه قائلا: «اللهم ال محمد، اللهم ال محمد، اللهم ال محمد» ومات شهيدا (رضوان الله عليه) مدافعا عن حق أهل البيت (علیه السلام ) بمنتهى الجرأة والبسالة، باذلا مهجته في سبيل الحق، رافعا لواء الالتزام في الموقف والشعر. فرحمة الله عليه شاعرا شهيدا.
4) محمد بن مسلم: وهو فقيه أهل البيت ومن الأصحاب الأوفياء للإمامين الباقر والصادق (علیه السلام ) ومحمد هو من أهل الکوفه وقد قدم إلى المدينة ليکتسب العلم من الإمام الباقر (علیه السلام ) وبقي في المدينة لهذا الغرض أربع سنين. يقول: عبد الله بن يعفور ذکرت للإمام الصادق (علیه السلام ) إنني في بعض الاحيان اتعرض لاسئلة لا اعرف جوابها ولا سبيل
ص: 171
لي للوصول اليک، فماذا أفعل؟
فدلني الإمام (علیه السلام ) على «محمد بن مسلم» و قال لي: لماذا لا تسأله.(1)
و قال الإمام الصادق (علیه السلام ) يقول: بشر المخبتين بالجنة(2)،
بريد بن معاوية العجلي، و أبو بصير ليث بن البختري المرادي، و محمد بن مسلم، و زرارة، أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله و حرامه، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست (3).
و قال (علیه السلام ): أحب الناس إلى أحياء و أمواتا أربعة، بريد بن معاوية العجلي، و زرارة بن أعين، و محمد بن مسلم، و الأحول، و هم أحب الناس إلى أحياء و أمواتا.(4)
وجاءت امرأة في الکوفة إلى دار محمد بن مسلم ليلا وقالت: له لقد ماتت زوجة ولدي وفي بطنها جنين فکيف أتصرف؟ قال لها محمد بن مسلم: حسب ما أمر به الإمام الباقر (علیه السلام ) لابد من شق بطنها واخراج الوليد ثم تدفن الميتة. ثم التفت إلى المرأة وسألها: من الذي دلک علي؟ فقالت: لقد ذهبت إلى أبي حنيفة استفتيه فاعتذر عن الجواب وأمرني بالذهاب إلى محمد بن مسلم وقال لي: ان افتاک بشيء فأعلميني بالجواب.
وفي أحد الأيام بعد هذه الحاديثة رأى محمد بن مسلم أبا حنيفة في مسجد الکوفة وهو يحدث أصحابه في تلک المسألة ويحاول ان ينسب الإجابة لنفسه. فتنحنح محمد بن مسلم معرضا به ففهم أبو حنيفة مقصوده فقال له: «غفر الله لک لماذا لا تترکنا نعيش»(5)
ص: 172
روي عنه (علیه السلام ) قوله: "قتل جدي الحسين (علیه السلام ) ولي أربع سنين وإني لأذکر مقتله وما نالنا في ذلک الوقت"(1) وکان (علیه السلام ) يروي أحداث کربلاء ويحدث الناس بها فکان يقول عن قتل جده الحسين (علیه السلام ): "لقد قتل بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا ولقد أوطأوه الخيل بعد ذلک"(2)
ويقول: أصيب الحسين بن علي (علیه السلام ) ووجد به ثلاثمائة وبضع وعشرون طعنة برمح أو ضمرة بسيف أو رمية بسهم. و روي أنها کانت کلها في مقدمة الحسین لأنه (علیه السلام ) کان لا يولي الاعداء. (3)
وکان يذکر دخوله الشام على يزيد ويقول: "دخلنا على يزيد، ونحن اثنا عشر غلاما مغللين في الحديد.(4)
وهکذا بقيت أحداث کربلاء تتردد في قلبه الزکي وعلى لسانه الشريف فکان الشعراء يدخلون عليه لرثاء الحسين (علیه السلام ) فيأذن لهم ويبکي
ص: 173
لمصاب جده الحسين (علیه السلام ) فعن الکميت بن أبي المستهل(1)
قال: دخلت على سيدي أبي جعفر محمد بن علي الباقر (علیه السلام ) فقلت: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيکم أبياتا أفتأذن لي في إنشادها فقال: "إنها أيام البيض"(2)
قلت: فهو فيکم خاصة.
قال: "هات"، فأنشأت أقول:
أضحکني الدهر وأبکاني*والدهر ذو صرف وألوان(3)
لتسعة بالطف قد غودروا*صاروا جميعا رهن أکفان
فبکى (علیه السلام ) وبکى أبو عبد الله وسمعت جارية تبکي من وراء الخباء، ثم قال (علیه السلام ): "ما من رجل ذکرنا أو ذکرنا عنده فخرج من عينيه ماء ولو قدر مثل جناح البعوضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة وجعل ذلک حجابا بينه وبين النار".(4)
قال المؤرخون: إن سبب وفاة الإمام الباقر (علیه السلام ) هو سم دسه إليه هشام بن عبد الملک فقد قيل: وضعه له في طعام. وقيل: في شراب. (5)
وقيل: في سرج دابته کما يروى عن الإمام الصادق (علیه السلام ).(6)
ص: 174
فوقع من ذلک السم في فراشه متورم الجسد ثم عاش بعد ذلک ثلاثة أيام فلما کانت ليلة وفاته أوصى إلى ابنه الصادق (علیه السلام ) و أوصى بامواله لتستأجر له نوادب يندبنه في منى أيام منى لعشر سنین. (1)
أيها الموالون: فلما أکمل إمامنا وصيته تهيأ للقاء ربه فغمض عينيه وأسبل يديه ومد رجليه وعرق جبينه وسکن أمينه وفاضت روحه الطيبة، أي وا إماماه، وا سيداه، وا باقراه. (2)
نعم یا شیعة أوصى الباقر (علیه السلام ) لولده جعفر: أوقف لي من مالي کذا وکذا للنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى أقول: و ماهی وصیت الحسين (علیه السلام ) ؟ سمعته ابنته سکينة يوصي شيعته أن تندبه مدى الزمان:
شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذکروني*او سمعتم بغريب او شهيد فاندبوني(3)
فأنا السبط الذي من غير جرم قتلوني*وبجرد الخيل بعد القتل عمدا يحقوني(4)
ليتکم
في يوم عاشورا جميعا تنظروني*کيف استسقي لطفلي فأبوا أن يرحموني
وسقوه سهم بغي بدل الماء المعين(5)
الإمام الصادق (علیه السلام ) غسل ابوه و کفنه و شیعه هو شیعته و دفنوه في البقیع في جوار ابوه السجاد و لکن لا یوم کیومک یا ابا عبدالله مولانا یا باقر العلوم جدک الحسین (علیه السلام ) بلاغسل و لا تکفن:
لکن اقول اتخف الاحزان*مامات مثل حسين عطشان
ولاظل ثلاث ايام عريان*ولا لعبت عليه الخيل ميدان
ص: 175
ولا انسبت له للشام نسوان*ولا وقفن بظلمة الديوان
ولاسبهن يزيد وضحک مروان
و لما عاد الإمام الصادق (علیه السلام ) من دفن ابیه، توجه إلى بيت الإمام الباقر (علیه السلام ) الذي کان يسکنه وقام بإشعال السراج هناک لکن ما حال زینب في ظلالم لیلة الحادی عشر:
على ام الحزن من جلجل الليل*وطلعت تعثر بالمجاتيل
تدور على اخوها السحکته الخيل*خوية يحسين والله تهدم الحيل
هاي الي اهلها دللوها*وبالراية الهواشم حجبوها
شلون وية الشمر تمشي رضوها*معقولة برضاهم فارکوها
معقولة التهوا عنهه ونسوها
زينب بنت علي عداها سبوها*وشافوا طولها من سلبوها
وسمعوا صوتها من لوعوها*وبحبال خشنة جتفوها
وضربوا متنها وشتموها
محتارة وتدير الوجه صوبين*عين على الفرات وعين لحسين
ص: 176
هو الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) سادس أئمة أهل البيت ولد (علیه السلام ) في المدينة المنورة في سنة 83 للهجرة وقبض في المدينة أيضا في سنة 148 للهجرة شهيدا مسموما ودفن في البقيع إلى جنب أبيه وجده وعمه الإمام الحسن (علیه السلام ) و کنيته: فأبو عبد الله ويکنى أيضا بأبي إسماعيل وأبي موسى و ألقابه: الصادق والفاضل والطاهر والقائم والکافل والمنجي.(1)
والدته المکرمة: والدته الماجدة الجليلة المکرمة فاطمة المکناة بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بکر يقول الإمام الصادق (علیه السلام ) في حقها:(2)«و
کانت أمي ممن آمنت و اتقت و أحسنت و الله يحب المحسنين»
الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام ) زانه الله تعالى بعظيم الخلق وأنبل السجايا والصفات، روي أنه کان يأتيه الناس يسألونه عن مسائل الدین فلا يخرج أحد منهم إلا بجواب.(3)
وروي عن أبي هارون مولى ال جعدة أنه قال: کنت أجالس الصادق (علیه السلام ) في المدينة، فانقطعت عن مجلسه أياما، فلما أتيته، قال: "يا أبا هارون کم من الأيام لم أرک فيها" قلت: ولد لي ولد، قال: بارک الله لک فيه، ماذا أسميته؟ قال: محمدا، فلما سمع باسم محمد أطرق إلى الأرض وهو يقول: محمد محمد محمد، حتى کاد وجهه يلتصق بالأرض، ثم قال: روحي وأمي وأبي وأهل الأرض جميعا لک الفداء يا رسول الله، ثم قال: لا تسب هذا الولد ولا تضربه ولا تسيء إليه، واعلم أنه ما من بيت فيه اسم محمد، إلا طهر وقدس کل يوم.(4)
وکان الفضل بن عمر في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله فسمع من ابن أبي
ص: 177
العوجاء بعض کفرياته، فلم يملک غضبه، فقال: يا عدو الله، ألحدت في دين الله، وأنکرت الباري جل قدسه، إلى اخر ما قال له، فقال ابن أبي العوجاء: يا هذا إن کنت من أهل الکلام کلمناک، فإن ثبت لک الحجة تبعناک، وإن لم تکن منهم فلا کلام لک، وإن کنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام ) فما هکذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلک يجادلنا، ولقد سمع من کلامنا أکثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدى في کلامنا، ويصغي إلينا، ويستغرق حجتنا، حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا أنا قد قطعناه أدحض حجتنا بکلام يسير، وخطاب قصير يلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردا، فإن کنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.(1)
وافتقد الإمام الصادق (علیه السلام ) يوما رجلا من أهل مجلسه، فقيل: هو عليل (ای مریض)، فأتاه عائدا فجلس عند رأسه فوجده في حال الاحتضار، فقال له: "أحسن
ظنک بالله".
فقال: ظني بالله حسن، لکن غمي من أجل بناتي، فما أکربني إلا الغصة عليهن، فقال (علیه السلام ): الذي ترجون لتضعيف حسناتک ومحو سيئاتک فارجه لإصلاح بناتک. ألم تعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله روى أنه لما جاوز سدرة المنتهى ليلة المعراج وانتهى إلى أغصانها.. فناداه الله عز وجل: أن يا محمد لقد أنبتناها من هذا المکان الذي هو أعلى الأمکنة لتغذية بنات المؤمنين وأبنائهم من أمتک، فقل لاباء البنات أن لا يضيقوا بقلة ذات اليد، فإني کما خلقتهم أرزقهم.(2)
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: أکلنا مع أبي عبد الله (علیه السلام ) فأتينا بقصعة من أرز(3)
فجعلنا نعذر(4)
فقال: ما صنعتم شيئا، إن أشدکم حبا لنا أحسنکم أکلا عندنا، قال عبد الرحمن: فرفعت کشعة المائدة(5)
فأکلت فقال: نعم الان، ثم أنشأ يحدثنا أن رسول الله صلی الله علیه و آله أهدي له قصعة أرز من ناحية الأنصار، فدعا سلمان والمقداد وأباذر (رحمهم الله) فجعلوا يأکلون أکلا جيدا، ثم قال أبو عبد الله (علیه السلام ): رحمهم الله ورضي الله عنهم
ص: 178
وصلى عليهم.»(1)
و «عن عبد الله بن سليمان الصيرفي قال: کنت عند أبي عبد الله (علیه السلام ) فقدم إلينا طعاما فيه شواء وأشياء بعده، ثم جاء بقصعة من أرز، فأکلت معه، فقال: کل، قلت: قد أکلت، فأکلت معه، فقال: کل، قلت: قد أکلت، قال: کل فإنه يعتبر حب الرجل لأخيه بانبساطه في طعامه.»(2) و «عن ابن أبي يعفور قال: رأيت عند أبي عبد الله (علیه السلام ) ضيفا، فقام يوما في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلک و قام بنفسه إلى تلک الحاجة وقال: نهى رسول الله صلی الله علیه و آله عن أن يستخدم الضيف»(3)
کان رؤوفا بهم، يراعي ضعفهم واستکانتهم، وکان يجازيهم بالإحسان إليهم والرفق بهم، وإن أساؤوا إليه.
ففي حديث أنه لما أعتق أحد عبيده کتب: هذا ما أعتق جعفر بن محمد، أعتق غلامه السندي فلانا على أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريک له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن البعث حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وعلى أنه يوالي أولياء الله، ويتبرأ من أعداء الله، ويحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويؤمن برسل الله، ويقر بما جاء من عند الله، أعتقه لوجه الله لا يريد به منه جزاء ولا شکورا، وليس لأحد عليه سبيل إلا بخير، شهد فلان.»(4)
و «في يوم من الأيام بعث غلاما له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد الله (علیه السلام ) على أثره لما أبطأ، فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتى انتبه، فلما انتبه قال له أبو عبد الله (علیه السلام ): يا فلان، والله ما ذلک لک، تنام الليل والنهار؟ لک الليل ولنا منک النهار.»(5)
ودخل الأشجع السلمي على الصادق (علیه السلام ) فوجده عليلا فجلس وسأل عن علة مزاجه، فقال له الصادق (علیه السلام ): تعد عن العلة واذکر ما جئت له،
ص: 179
فقال:
ألبسک الله منه عافية*في نومک المعتري وفي أرقک
تخرج من جسمک السقام کما*أخرج ذل الفعال من عنقک
فقال (علیه السلام ) لغلامه: يا غلام ما معک؟ قال: أربع مائة، قال: أعطها للأشجع»(1)
و «عن مفضل بن قيس بن رمانة قال: دخلت على الصادق (علیه السلام ) فشکوت إليه بعض حالي وسألته الدعاء، فقال: يا جارية هاتي الکيس الذي وصلنا به أبو جعفر، فجاءت بکيس، فقال: هذا کيس فيه أربعمائة دينار، فاستعن به، قال: قلت: والله جعلت فداک ما أردت هذا، ولکن أردت الدعاء، فقال، ولکن لا تخبر الناس بکل ما أنت فيه فتهون عليهم(2)».
و «عن هشام بن سالم قال: کان أبو عبد الله (علیه السلام ) إذا أعتم وذهب من الليل شطره، أخذ جرابا فيه خبز ولحم ودراهم، فحمله على عنقه، ثم ذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه، فلما مضى أبو عبد الله (علیه السلام ) فقدوا ذلک، فعلموا أنه کان أبو عبد الله (علیه السلام ) »(3) «قال أبو عبد الله (علیه السلام ) لمحمد ابنه: کم فضل معک من تلک النفقة؟ قال: أربعون دينارا، قال: أخرج وتصدق بها، فإن الله (عز وجل) يخلفها، أما علمت أن لکل شيء مفتاحا؟ ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها، ففعل فما لبث أبو عبد الله إلا عشرة حتى جاءه من موضع أربعة الاف دينار، فقال: يا بني أعطينا الله أربعين دينارا فأعطانا الله أربعة الاف دينار»(4)
«وفي حديث أن فقيرا سأل الصادق (علیه السلام ) فقال لغلامه: ما عندک؟ قال: أربعمائة درهم، قال: أعطه إياها فأعطاه، فأخذها وولى شاکرا، فقال لغلامه: أرجعه: فقال: يا سيدي سألت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟ فقال له: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: خير الصدقة ما أبقت غنى، وإنا لم نغنک، فخذ هذا الخاتم، فقد أعطيت فيه عشرة الاف درهم، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة»(5).
«قال إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب: کنت عند أبي عبد الله (علیه السلام ) وعنده المعلى ابن خنيس، إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فقال: يابن
ص: 180
رسول الله أنا من مواليکم أهل البيت، وبيني وبينکم شقة بعيدة، وقد قل ذات اليد ولا أقدر أن أتوجه إلى أهلي إلا أن تعينني، قال: فنظر أبو عبد الله (علیه السلام ) يمينا وشمالا، وقال: ألا تسمعون ما يقول أخوکم؟ إنما المعروف ابتداء، فأما ما أعطيت بعدما سأل فإنما هو مکافأة لمن بذل لک من ماء وجهه ثم قال: فيبيت ليلته متأرقا متململا بين اليأس والرجاء لا يدري أين يتوجه بحاجته، فيعزم على القصد إليک، فأتاک وقلبه يجب (يضطرب) وفرائصه ترتعد، وقد نزل دمه في وجهه، وبعد هذا فلا يدري أينصرف من عندک بکابة الرد أم بسرور النجح، فإن أعطيته رأيت أنک قد وصلته وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وبعثني بالحق نبيا، "لما يتجشم(1)
من مسألته إياک أعظم مما ناله من معروفک"، قال: فجمعوا للخراساني خمسة الاف درهم ودفعوها إليه»(2)
کان (علیه السلام ) يجازي المسيئين بالإحسان، ويعفو عمن أساء إليه ويدعو له. «قال أبو جعفر الخثعمي: أعطاني الصادق (علیه السلام ) صرة فقال لي: ادفعها إلى رجل من بني هاشم ولا تعلمه أني أعطيتک شيئا، قال: فأتيته، قال: جزاه الله خيرا ما يزال کل حين يبعث بها فنعيش بها إلى قابل، ولکني لا يصلني جعفر بدرهم في کثرة ماله»(3).
و «نام رجل من الحجاج في المدينة فتوهم أن هميانه(4)
سرق، فخرج فرأى الصادق (علیه السلام ) مصليا ولم يعرفه، فتعلق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: ما کان فيه؟ قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره ووزن له ألف دينار وعاد إلى منزله، فوجد هميانه، فعاد إلى جعفر (علیه السلام ) معتذرا بالمال، فأبى قبوله وقال: شيء خرج من يدي لا يعود إلي قال: فسأل الرجل عنه، فقيل: هذا جعفر الصادق (علیه السلام ) قال: لا جرم هذا فعال مثله»(5).
ص: 181
وکان بين الإمام وبين بعض بني الحسن حساسية «فوقع بين الإمام الصادق (علیه السلام ) وبين بني عبد الله بن الحسن کلام في صدر يوم، فأغلظه في القول عبد الله بن الحسن، ثم افترقا وراحا إلى المسجد، فالتقيا على باب المسجد، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن الحسن: " کيف أمسيت يا أبا محمد؟" قال: بخير کما يقول المغضب فقال: "يا أبا محمد، أما علمت أن صلة الرحم يخفف الحساب"، فقال: لا تزال تجيء بالشيء لا نعرفه، فقال: "إني أتلو عليک به قرانا قال: وذلک أيضا؟ قال: نعم، قال: فهاته، قال: قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) قال: فلا تراني بعدها قاطعا رحما»(1)
و «روي أن رجلا أتى أبا عبد الله (علیه السلام ) فقال: إن ابن عمک فلانا ذکرک فلم يدع شيئا من سيء القول إلا قاله فيک، فأمر جارية أن تأتيه بوضوئه، فتوضأ وانصرف إلى الصلاة، قال الراوي: فقلت في نفسي: سيدعو عليه، وبعد أن صلى (علیه السلام ) رکعتين، قال: يا رب هو حقي قد وهبته، وأنت أجود مني وأکرم فهبه لي، ولا تؤاخذه بي ولا تقايسه»(2)
عن يعقوب السراج، قال: «کنا نمشي مع أبي عبد الله (علیه السلام ) وهو يريد أن يعزي ذا قرابة له بمولود له، فانقطع شسع نعل أبي عبد الله (علیه السلام ) فتناول نعله من رجله، ثم مشى حافيا، فنظر إليه ابن أبي يعفور، فخلع نعل نفسه من رجلة، وخلع الشسع منها وناولها أبا عبد الله (علیه السلام ) فأعرض عنه کهيئة المغضب، ثم أبى أن يقبله، وقال: لا، إن صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها، فمشى حافيا حتى دخل على الرجل الذي أتاه ليعزيه»(3).
و «عن شعيب قال: تکارينا لأبي عبد الله (علیه السلام ) قوما يعملون في بستان له وکان أجلهم إلى العصر، فلما فرغوا قال لمعتب: أعطهم أجورهم
ص: 182
قبل أن يجف عرقهم»(1)
و «عن معتب قال: قال لي أبو عبد الله (علیه السلام ) وقد تزيد السعر بالمدينة: کم عندنا من طعام؟ قال: قلت: عندنا ما يکفينا أشهرا کثيرة، قال: أخرجه وبعه، قال: قلت له: وليس بالمدينة طعام؟ قال: بعه، فلما بعته قال: اشتر مع الناس يوما بيوم، وقال: يا معتب اجعل قوت عيالي نصفا شعيرا ونصفا حنطة، فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها، ولکني أحب أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة.»(2)
و «عن الشقراني(3) قال: خرج العطاء أيام المنصور، وما لي شفيع، فوقفت على الباب متحيرا، وإذا بجعفر بن محمد (علیه السلام ) قد أقبل، فذکرت له حاجتي، فدخل وخرج، وإذا بعطائي في کمه فناولني إياه وقال: إن الحسن من کل أحد حسن وإنه منک أحسن لمکانک منا، وإن القبيح من کل أحد قبيح، وإنه منک أقبح لمکانک منا.»(4)
(علیه السلام ) رجلا لا یخلو من إحدی ثلاث خصال: إما صائما وإما قائما وإما ذاکرا وکان من عظماء العباد، وأکابر الزهاد الذین یخشون الله عزوجل وکان کثیر الحدیث، طیب المجالسة، کثیر الفوائد.»
قال أبو حنيفة و هو يتحدث عن تتلمذه على يدي الإمام الصادق (علیه السلام ):«لولا السنتان لهلک النعمان»(1) يعني السنتين اللتين حضر فيهما عند درس الإمام الصادق و لخص الاستاذ عبدالحليم الجندي تتلمذ سایر رؤساء المذاهب عند الإمام (علیه السلام ) بقوله:(2)«ولئن کان مجدا لمالک أن يکون اکبر أشياخ الشافعي، أو مجدا للشافعي ان يکون اکبر اساتذة ابن حنبل، أو مجدا للتلميذين أن يتلمذا لشيخيهما هذين، إن التلمذة للامام الصادق قد سربلت فقه المذاهب الاربعة لأهل السنة.»
إن للامام الصادق (علیه السلام ) وراء ما نشر عنه من الأحاديث في الأحکام التي تتجاوز عشرات الالاف، حتي ان الحسن بن علي الوشاء قال: «أدرکت في هذا المسجد(3)
تسعمائة شيخ کل يقول حدثني جعفر بن محمد.»(4)
کان (علیه السلام ) يقول:(5)«حديثي
حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب (علیه السلام )، وحديث علي حديث رسول الله صلی الله علیه و آله وحديث رسول الله قول الله عزوجل»(6)
ص: 184
مع أن الإمام الصادق (علیه السلام ) کان ذا مشاغل علمیة جد کثیرة، وکانت أکثر أوقاته مملوءة بنشر العلم والمعرفة وتربیة أصحابه، إلا أنه کان مع ذلک یقوم بالکسب ویسعی إلی تحصیل الرزق الحلال.
وکان يکد على رزقه ويعمل بيده «عن أبي بصير قال:(1)
سمعت أبا عبد الله (علیه السلام ) يقول: "إني لأعمل في بعض ضياعي حتى أعرق وإن لي من يکفيني ليعلم الله عزوجل أني أطلب الرزق الحلال"»
«یقول عبد الأعلی مولی ال سام: استقبلت أبا عبد الله (علیه السلام ) في بعض طرق المدینة في یوم صائف شدید الحر فقلت: جعلت فداک حالک عند الله عزوجل وقرابتک من رسول الله صلی الله علیه و آله و أنت تجهد نفسک في مثل هذا الیوم؟ فقال: يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق» وعن إسماعیل بن جابر قال: أتیت أبا عبد الله (علیه السلام ) وإذا هو في حائط له بیده مسحاة (اداة لحرث الارض) وهو یفتح بها الماء وعلیه قمیص شبه الکرابیس.»
«وعن أبي عمرو الشیباني قال: رأیت أبا عبد الله (علیه السلام ) وبیده مسحاة وعلیه إزار غلیظ یعمل في حائط له والعرق یتصاب عن ظهره، فقلت: جعلت فداک أعطني أکفک. فقال لي: إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة»
«وعن شعیب قال: تکارینا لأبي عبد الله (علیه السلام ) قوما یعملون في بستان له، وکان أجلهم إلی العصر فلما فرغوا قال لمعتب: إعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم»
و «عن محمد بن عذافر عن أبیه قال: أعطی أبو عبد الله (علیه السلام ) أبي ألفا وسبعمائة دینار فقال له: اتجر لي بها ثم قال: أما إنه ليس لي رغبة في ربحه، وإن کان الربح مرغوبا فيه ولکني أحببت أن يراني الله عزوجل
ص: 185
متعرضا لفوائده قال: فربحت له فیه مائة دینار ثم لقیته فقلت له: قد ربحت لک فیها مائة دینار. قال: ففرح أبو عبد الله (علیه السلام ) بذلک فرحا شدیدا، ثم قال لي: أثبتها في رأس مالي.
قال: فمات أبي والمال عنده، فأرسل إلي أبو عبد الله (علیه السلام ) وکتب: عافانا الله و إياک، إن لي عند أبي محمد (التاجر الذی توفی) ألفا وثمانمائة دينار أعطيته يتجر بها فادفعها إلى عمر بن يزيد قال: فنظرت في کتاب أبي فإذا فیه:(1)
لأبي موسی (أي الصادق "ع") عندي ألف وسبعمائة دینار وأتجر له فیها مائة دینار عبد الله بن سنان وعمر بن یزید یعرفانه.»
کان الإمام الصادق (علیه السلام ) رغم قلة ذات یده وکثرة عیاله یحسن إلی الفقراء وینفق علیهم بما تیسر له روی انه: «وکان (علیه السلام ) يتصدق بالسکر، فقيل له: أتتصدق بالسکر؟ فقال:(2)
نعم إنه ليس شيء أحب إلي منه فأنا أحب أن أتصدق بأحب الأشياء إلي».
و «فعن هشام بن سالم قال(3) کان أبو عبد الله (علیه السلام ) إذا أعتم وذهب من اللیل شطره أخذ جرابا فیه خبز ولحم والدراهم فحمله علی عنقه ثم ذهب إلی أهل الحاجة من أهل المدینة فقسمه فیهم وهم لا یعرفونه، فلما مضی أبو عبد الله (علیه السلام ) فقدوا ذلک فعلموا أنه کان أبو عبد الله صلوات الله علیه».
و «عن معلی بن خنیس قال خرج أبو عبد الله (علیه السلام ) في لیلة قد رشت (ای مطرت) السماء، و هو یرید ظلة بنی ساعدة (الظلة مکان یستظل فیه و کانوا یتجمعون فیه الفقراء) فاتبعته فإذا هو قد سقط منه شيء فقال: "بسم الله اللهم رده علينا قال: فأتیته فسلمت علیه. فقال: معلی؟ قلت: نعم جعلت فداک. فقال لي: إلتمس بيدک فما وجدت من شيء فادفعه إلي قال: فإذا أنا بخبز منتشر، فجعلت أدفع إلیه ما وجدت، فإذا أنا بجراب من خبز فقلت: جعلت فداک أحمله عنک. فقال: لا أنا أولى به منک، ولکن امض معي قال: فأتینا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم
ص: 186
نیام، فجعل یدس الرغیف والرغیفین تحت ثوب کل واحد منهم حتی أتی علی اخرهم، ثم انصرفنا، فقلت: جعلت فداک، یعرف هولاء الحق؟ فقال: لو عرفوا لواسیناهم بالدقة والدقة هي الملح (المراد لساويناهم حتى بالملح)(1)».
و «قال هارون بن عیسی:(2) قال أبو عبد الله (علیه السلام ) لمحمد ابنه: کم فضل معک من تلک النفقة؟ قال: أربعون دینارا قال: أخرج و تصدق بها قال: إنه لم یبق معي غیرها قال: تصدق بها فإن الله عزوجل يخلفها، أما علمت أن لکل شيء مفتاحا ومفتاح الرزق الصدقة فتصدق بها ففعل فما لبث أبو عبد الله (علیه السلام ) إلا عشرة حتی جاءه من موضع أربعة الاف دینار فقال: يا بني أعطينا لله أربعين دينارا فأعطانا الله أربعة الاف دينار».
و «عن أبي الهیاج بن بسطام(3) قال:(4)
کان جعفر بن محمد یطعم حتی لا یبقی لعیاله شيء.» و «عن المفضل بن قیس بن رمانة قال: دخلت علی أبي عبد الله (علیه السلام ) فشکوت إلیه بعض حالي وسألته الدعاء فقال: يا جارية هاتي الکيس الذي وصلنا به أبو جعفر(5)
فجاءت بکیس، فقال: هذا کيس فيه أربعمائة دينار فاستعن به قال: قلت والله جعلت فداک، ما أردت هذا ولکن أردت الدعاء لي. فقال لي: ولأدع الدعاء، ولکن لا تخبر الناس بکل ما أنت فیه، فتهون علیهم»(6).
و «روی أن فقیرا سأل الصادق (علیه السلام ) فقال لعبده:(7)
ما عندک؟ قال:
ص: 187
أربعمائة درهم. قال: أعطه إیاها. فأعطاه فأخذها و ولی شاکرا فقال لعبده: أرجعه. فقال: یا سیدی سأتلک فأعطیت، فماذا بعد العطاء؟ فقال له: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: خیر الصدقة ما أبقت غنی، و إنا لم نغنک، فخذ هذا الخاتم فقد أعطیت فیه عشرة الاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القیمة.».
و «عن عمر بن یزید قال:(1) أتی رجل أبا عبد الله (علیه السلام ) یقتضیه وأنا عنده، فقال له: ليس عندنا اليوم شيء و لکنه يأتينا خطر و وسمة(2)
فيباع ونعطيک إن شاء الله فقال له الرجل: عدني. فقال: کيف أعدک و أنا لما لا أرجو، أرجى مني لما أرجو(3)؟».
و «عن أبي حنیفة سائق الحاج قال: مر بنا المفضل (ابن عمر من اصحاب الإمام الصادق "ع") و أنا و ختنی (اخی) نتشاجر في میراث فوقف علینا ساعة ثم قال لنا: تعالوا إلی المنزل. فأتیناه فأصلح بیننا بأربعة مائة درهم فدفعها إلینا من عنده حتی إذا استوثق کل واحد منا من صاحبه قال: أما إنها لیست من مالي و لکن أبا عبد الله الصادق (علیه السلام ) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بینهما وأفتدیهما من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله (علیه السلام ) (4)».
وقال الفضل بن أبي قرة(5): کان أبو عبد الله (علیه السلام ) یبسط رداءه و فیه صرر الدنانیر فیقول للرسول:(6)«إذهب بها إلى فلان و فلان من أهل بيته، وقل لهم: هذه بعث بها إليکم من العراق قال: فیذهب بها الرسول
ص: 188
إلیهم فیقول ما قال، فیقولون: أما أنت فجزاک الله خیرا بصلتک قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله أما جعفر فحکم الله بیننا وبینه. قال: فیخر أبو عبد الله (علیه السلام ) ساجدا و یقول: اللهم أذل رقبتي لولد أبي».
و «عن یونس أو غیره عمن ذکره عن أبي عبد الله (علیه السلام ) قال قلت له (أي للصادق "ع"): جعلت فداک، بلغني أنک کنت تفعل في غلة عین زیاد شیئا (ای ثمرک من ارض عین زیاد) وأنا أحب أن أسمعه منک. قال: فقال لي: نعم، کنت امر إذا أدرکت الثمرة أن یثلم في حیطانها الثلم لیدخل الناس (ای یفتحون الحائط لیدخل الناس منه) و یأکلوا و کنت امر في کل یوم أن یوضع عشر بنیات (نوع من الطبق یوضع علیه التمر) یقعد علی کل بنیة عشرة، کلما أکل عشرة جاء عشرة أخری یلقی لکل نفس منهم مد (مقداره ثلاثة أرباع الکيلو) من رطب. وکنت امر لجیران الضیعة (ای البستان) کلهم: الشیخ والعجوز والصبي والمریض والمرأة، ومن لا یقدر أن یجيء فیأکل منها لکل إنسان منهم مد، فإذا کان الجذاذ (ای موسم القطع، الحصاد) وفیت القوام والوکلاء والرجال أجرتهم وأحمل الباقي إلی المدینة ففرقت في أهل البیوتات والمستحقین الراحلتین(1)
والثلاثة والأقل والأکثر، علی قدر استحقاقهم وحصل لي بعد ذلک أربعمائة دینار وکان غلتها أربعة الاف دینار»(2)
«عن أبي جعفر الفزاري قال دعا أبو عبد الله (علیه السلام ) مولی له یقال له مصادف فأعطاه ألف دینار وقال له:(3) تجهز حتی تخرج إلی مصر فإن عیالي قد کثروا قال: فتجهز بمتاع وخرج مع التجار إلی مصر، فلما دنوا من مصر استقبلهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدینة؟ وکان متاع العامة(4)،
فأخبروهم أنه لیس
ص: 189
بمصر منه شيء، فتحالفوا وتعاقدوا علی أن لا ینقصوا متاعهم من ربح دینار دینارا فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلی المدینة فدخل مصادف علی أبي عبد الله (علیه السلام ) ومعه کیسان في کل واحد ألف دینار، فقال: جعلت فداک، هذا رأس المال وهذا الاخر ربح. فقال: إن هذا الربح کثير، ولکن ما صنعتم في المتاع. فحدثه کیف صنعوا وکیف تحالفوا. فقال: سبحان الله تحلفون على قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلا بربح الدينار دينارا ثم أخذ أحد الکیسین فقال: هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف(1)
أهون من طلب الحلال».
و «عن معتب قال:(2) قال لي أبو عبد الله (علیه السلام ) وقد تزید السعر بالمدینة: کم عندنا من طعام؟ قال: قلت: عندنا ما یکفینا أشهرا کثیرة. قال: أخرجه وبعه. قال: قلت له: ولیس بالمدینة طعام. قال: بعه. فلما بعته، قال: إشتر مع الناس یوما بیوم وقال: يا معتب، إجعل قوت عيالي نصفا شعيرا ونصفا حنطة فان الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها أي خالصة ولکنني احب أن يرانى الله قد أحسنت تقدير المعيشة» و في هذا الحدیث فوائد هامة لزماننا.
کان الإمام جعفر الصادق (علیه السلام ) یعالج مشکلات الناس، دخل رجل علی
ص: 190
الإمام و قال:(1)« إن في دیوان(2)
النجاشي علي خراجا، وهو مؤمن یدین بطاعتک فان رأیت أن تکتب إلیه کتابا وکان النجاشي(3)
وهو رجل من الدهاقین عاملا علی الأهواز و فارس. قال: فکتب إلیه أبو عبد الله (علیه السلام ) "بسم الله الرحمن الرحيم سر أخاک يسرک الله".
قال: فلما ورد الکتاب علیه دخل علیه وهو في مجلسه فلما خلا ناوله الکتاب وقال: هذا کتاب أبي عبد الله (علیه السلام ) فقبله ووضعه علی عینیه وقال له: ما حاجتک قال: خراج علي في دیوانک. فقال له: وکم هو؟ قال: عشرة الاف درهم. فدعا کاتبه وأمره بأدائها عنه، ثم أخرجه منها، وأمر أن یثبتها له لقابل(4)
ثم قال له: سررتک؟ فقال: نعم جعلت فداک. ثم أمر بمرکب وجاریة وغلام، وأمر له بتخت ثیاب (وعاء فیه ثياب) في کل ذلک یقول: هل سررتک؟ فیقول: نعم جعلت فداک. فکلما قال: نعم زاده حتی فرغ، ثم قال له: إحمل فرش هذا البیت الذي کنت جالسا فیه حین دفعت إلی کتاب مولاي الذي ناولتني فیه وارفع إلي حوائجک. قال: ففعل، وخرج الرجل فصار إلی أبي عبد الله (علیه السلام ) بعد ذلک، فحدثه
ص: 191
بالحدیث علی جهته، فجعل یسر بما فعل. فقال الرجل: یا ابن رسول الله کأنه قد سرک ما فعل بي. فقال: إي والله لقد سر الله ورسوله»
عاصر من الملوک هشام بن عبد الملک و الوليد بن يزيد بن عبد الملک(1)
واستفتح بالقرآن ذات يوم فرأی: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ کلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ*مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ)(2)
فدعا بالمصحف فنصبه غرضا للنشاب وأقبل يرميه وهو يقول:
توعد کل جبار عنيد*إذا ما جئت ربک يوم حشر
فها أنا ذاک جبار عنيد*فقل يا رب خرقني الوليد(3)
وفي أيامه ظهر يحيى بن زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام ) بالجوزجان(4)
ص: 192
من بلاد خراسان منکرا للظلم وما عم الناس من الجور فسار إليه نصر بن سيار في جيش ضخم والتحم الفريقان و استشهد يحيى في هذه المعرکة سنة 125ه.
وعن أبي عبد الله (علیه السلام ) أنه قال:(1)«إن ال أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي (علیه السلام ) فنزع الله ملکهم وقتل هشام زيد بن علي فنزع الله ملکه وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع الله ملکه على قتله ذرية رسول الله صلی الله علیه و آله».
و عاصر اخر خلفاء بني أمية مروان بن الحکم المعروف بمروان الحمار قيل: لأنه کان لا يجف له لبد(2) في محاربة الخارجين عليه کان يصل السير بالسير ويصبر على مکاره الحرب ويقال في المثل: فلان أصبر من حمار في الحروب ولم يتهن بالخلافة لکثرة من خرج عليه من کل جانب إلى أن خرج عليه بنو العباس و انکسر مروان و قتل وبهذا أسدل الستار على الحکم الأموي الذي دام ألف شهر لتنتهي بذلک حقبة مظلمة من تاريخ هذه الأمة.
ليبدأ ثمة حکم جديد يتزعمه بنو العباس الذين خرجوا يستنهضون الأمة بشعار الرضا من ال محمد يعاونهم العلويون حتى استتب لهم الملک و انزل بالعلوین الویلات.(3)
ولهذا نجد أن الإمام کان يحذر بني عمه الإمام الحسن (علیه السلام ) أن يغتروا ببعض هذه الدعوات الکاذبة والخادعة کما أن الإمام الصادق (علیه السلام ) رفض العروض الکثيرة التي کانت تعرض عليه من ذلک عرض وقد کان أبو مسلم(4) بعث کتابين على نسخة واحدة إلى أبي عبد الله جعفر الصادق وإلى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي(5)
ص: 193
ص: 194
ص: 195
ص: 196
ص: 197
ص: 198
يدعو کل واحد
منهما إلى الشخوص إليه فأما الصادق (علیه السلام ) فلقيه الرسول ليلا فأعلمه أنه رسول أبي مسلم ودفع إليه کتابه فقال له أبو عبد الله: "وما أنا وأبو مسلم وهو شيعة لغيري" فقال له: إني رسول فتقرأ کتابه وتجيبه بما
ص: 199
رأيت فوضع کتاب أبي سلمة على السراج حتى احترق وقال: "عرف صاحبک بما رأيت" وتمثل بقول الکميت:(1)
فيا موقدا نارا لغيرک ضوؤها*ويا حاطبا في غير حبلک تحطب
فقال له الرسول وظن أن حرقه له تغطية وستر وصيانة للأمر: هل من جواب؟ فقال (علیه السلام ): الجواب ما قد رأيت.
فخرج الرسول من عنده وأتى عبد الله بن الحسن فقرأ الکتاب وابتهج وجاء في غد ذلک اليوم إلى منزل جعفر بن محمد الصادق فقال: "يا أبا محمد(2) أمر ما أتى بک" قال: نعم وهو أجل من أن يوصف هذا کتاب ابومسلم يدعوني إلى ما قبله وقد تقدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان فقال له أبو عبد الله (علیه السلام ): "يا أبا محمد ومتى کان أهل خراسان شيعة لک؟ أنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان؟ وأنت أمرته بلبس السواد؟ وهؤلاء الذين قدموا العراق أنت کنت سبب قدومهم أو وجهت فيهم؟ وهل تعرف أحدا منهم؟" فنازعه عبد الله الکلام إلى أن قال: إنما يريد القوم ابني محمدا لأنه مهدي هذه الأمة.
فقال أبو عبد الله: "والله ما هو مهدي هذه الأمة ولئن شهر نفسه ليقتلن" فنازعه عبد الله القول حتى قال له: والله ما يمنعک من ذلک إلا الحسد فقال أبو عبد الله: "والله ما هذا إلا نصح مني لک ولقد کتب إلي ابومسلم بمثل ما کتب به إليک فلم يجد عندي رسوله ما وجد عندک ولقد أحرقت کتابه من قبل أن أقرأه.» و بالفعل هکذا کان بویعه لأبو العباس(3) السفاح کاول خلیفة و من بعده کان المنصور الدوانیقی(4)
و ظلموا العلویین حتی قال الشاعر:
تَاللهِ مَا فَعَلَتْ أُمَيَّةُ فِيهِمُ*مِعْشَارَ مَا فَعَلَتْ بَنُو العَبَّاسِ(5)
ص: 200
کان الإمام الصادق (علیه السلام ) یتحلی بالصبر فیما یتحلی به من الخلق الکریم، وفیما یأتي مشاهد من تجلي هذه الخلق: قال قتیبة الأعشی(1)أتیت
أبا عبد الله (علیه السلام ) أعود إبنا له فوجدته علی الباب فإذا هو مهتم حزین فقلت:(2)
«جعلت فداک، کیف الصبي؟ فقال: والله إنه لما به(3)، ثم دخل فمکث ساعة ثم خرج إلینا وقد أسفر وجهه، وذهب التغیر والحزن. قال: فطمعت أن یکون قد صلح الصبي فقلت: کیف الصبي جعلت فداک؟ فقال: لقد مضی لسبیله. فقلت: جعلت فداک، لقد کنت وهو حي مهتما حزینا وقد رأیت حالک الساعة وقد مات غیر تلک الحال، فکیف هذا؟ فقال: إنا أهل بيت إنما نجزع قبل المصيبة فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلمنا لأمره».
و «دخل سفیان الثوري علی الصادق (علیه السلام ) فراه متغیر اللون فسأله عن ذلک، فقال: کنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت فدخلت فإذا جارية من جواريي ممن تربي بعض ولدي قد صعدت في سلم والصبي معها فلما بصرت بي ارتعدت وتحيرت وسقط الصبي إلی الأرض فمات، فما تغیر لوني لموت الصبي وإنما تغیر لوني لما أدخلت علیها من الرعب وکان (علیه السلام ) قال لها: أنت حرة لوجه الله، لا بأس علیک، مرتین».
و «عن العلاء بن کامل قال: کنت جالسا عند أبي عبد الله (علیه السلام ) فصرخت الصارخة من الدار فقام أبو عبد الله (علیه السلام ) ثم جلس فاسترجع (قال إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ای مات احد اولاده) وعاد في حدیثه حتی فرغ منه ثم قال: إنا لنحب أن نعافي في أنفسنا وأولادنا وأموالنا فإذا وقع القضاء فلیس لنا أن نحب ما لم یحب الله لنا(4)»
کان المنصور العباسي شديد العداوة لال محمد صلی الله علیه و آله حيث تتبع اثارهم وقتل الکثير منهم ووضع اخرين منهم في الاسطوانات عندما بنى عاصمته بغداد وأباد جمعا کثيرا من أبناء الحسن (علیه السلام ) وکان يقول: لقد
ص: 201
هلک من أولاد فاطمة (علیه السلام ) مقدار مائة وقد بقي سيدهم وإمامهم فقيل له: من هو؟ قال: جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام ).
و شهادته کانت علی ید المنصور حیث دس إليه سما نقيعا في عنب فأکله (علیه السلام ) فجعل يجود بنفسه وقد اخضر لونه وصار يتقيأ ما في جوفه قطعا قطعا ومرض مرضا شديدا ووقع في فراشه تقول أم حميدة: أبا عبد الله (علیه السلام ) عند الموت فتح عينيه ثم قال: "اجمعوا لي کل من بيني وبينه قرابة". قالت: فلم نترک أحدا إلا جمعناه.
قالت: فنظر إليهم ثم قال: "إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة" ثم اوصی بما اوصی وقال لولده الکاظم (علیه السلام ): "يا بني إذا أنا مت فلا يغسلني أحد غيرک فإن الإمام لا يغسله إلا إمام" ثم عرق جبينه وسکن أنينه وقضى نحبه مسموما شهيدا صابرا محتسبا أي وا إماماه وا سيداه وا صادقاه (1)
لکن اقول اتخف الاحزان*مامات مثل حسين عطشان
ولاظل ثلاث ايام عريان*ولا لعبت عليه الخيل ميدان
ولا انسبت له للشام نسوان*ولا وقفن بظلمة الديوان
ولاسبهن يزيد وضحک مروان
نعم یا موالین الإمام الصادق (علیه السلام ) ربط الناس بجده الحسين (علیه السلام ) من خلال أساليب متعددة کزيارة قبره الشريف والحث عليها وبيان فضلها وحثه الشعراء على رثائه وإنشاد الشعر فيه وإقامة المجالس الحسينية والحث على البکاء والإبکاء عليه وتحديثه الناس بما جرى من المصائب عليه وکان یقول: "الحسين (علیه السلام ) عبرة کل مؤمن"(2)
و کان یطلب الماء لیشرب فیستعبر عند شربه، وتغرورق عيناه بالدموع ویقول: "لعن الله قاتل الحسين (علیه السلام )"(3) و قد کان يدخل عليه الشعراء
ص: 202
فیأمرهم برثاء جده الحسين (علیه السلام ): فلما استأذن عليه في إحدى المرات السيد الحميري رحمه الله، أقعد الإمام (علیه السلام ) حرمه خلف ستر، ودخل السيد فسلم وجلس فاستنشده، فأنشد قوله:
أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الْحُسَيْنِ*فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّکيَّهْ
يَا أَعْظُماً لَا زِلْتِ مِنْ*وَطْفَاء سَاکبَةٍ رَوِيَّهْ
فَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ*فَأَطِلْ بِهِ وَقْفَ الْمَطِيَّهْ
وَابْک الْمُطَهَّرَ لِلْمُطَ-*-هَّرِ وَالْمُطَهَّرَةِ النَّقِيَّهْ
کبُکاءِ مُعْوِلَةٍ أَتَتْ*يَوْماً لِوَاحِدِهَا الْمَنِيَّهْ
قال الراوي: فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدر على خديه، وارتفع الصراخ والبکاء من داره، حتى أمره بالإمساک فأمسک(1).
اخری في واقعة المنصور العباسي أمر عامله على المدينة أن يحرق على أبي عبد الله الصادق (علیه السلام ) داره.
فجاء الوالی وجماعته بالحطب ووضعوه على باب دار الصادق (علیه السلام ) وأضرموا فيه النار فلما أخذت النار ما في الدهليز تصايحن العلويات داخل الدار وارتفعت أصواتهن فخرج الإمام الصادق (علیه السلام ) وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان وجعل يخمد النار ويطفئ الحريق و هو يقول "أنا ابن أعراق الثرى(2) أنا ابن إبراهيم خليل الله (علیه السلام ) ". (3)
ص: 203
حتى قضى عليها فلما کان الغد دخل عليه بعض شيعته يسلونه فوجدوه حزينا باکيا فقالوا: مما هذا التأثر والبکاء ليست هذه هي المرة الأولى التي تحرق فيها دورکم فقال الإمام (علیه السلام ): لما أخذت النار ما في الدهليز نظرت إلى النساء وبناتي يتراکضن في الدار من حجرة إلى حجرة ومن مکان إلى مکان هذا وأنا معهن فتذکرت روعة عيال جدي الحسين (علیه السلام ) يوم عاشوراء لما هجم القوم عليهن والمنادي ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين. (1)
نعم روي أنه لما صرع الحسين (علیه السلام ) تسابق القوم على نهب رحاله وسلب نسائه، وابن سعد ينادي بجيشه أحرقوا بيوت الظالمين، فأضرموا النار في الخيام ففرت النساء والأطفال على وجوههم في البيداء وهم يلوذون بعضهم ببعض ويصرخون: وا جداه وا محمداه وا أبتاه، نعم يقول الرواة: أحرق بالنار من أطفال الحسين ما يقرب من عشرين طفل وطفلة يوم عاشوراء، يقول حميد بن مسلم: رأيت طفلة هاربة من الخيمة والنار تستعر بأطراف ثيابها فلحقت بها واخمدت النار عنه.
لما رأت مني ذلک الصنع الجميل، قالت: يا شيخ أنت لنا أم علينا؟ فقلت لها: بنية أنا لا لکم ولا عليکم، قالت: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم، قالت:يا شيخ هل قرأت قوله تعالى ﴿فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ قلت: نعم قرأته، قالت: يا شيخ والله أنا يتيمة الحسين (علیه السلام )، قلت لها: بنية لا تخافي إني لا أريد السوء بک، بنية هل من حاجة فأقضيها لک؟ قالت: يا شيخ دلني على جسد والدي الحسين، قال: جئت بها إلى الميدان، أوقفتها على مصرع أبي عبد الله، قلت لها: بنية هذا جسد أبيک الحسين، فلما رأته جثة بلا رأس، وقعت عليه تنادي: أبه يا أبه من الذي قطع وريديک، أبه من الذي أيتمني على صغر سني أبه إذا أظلم الليل فمن الذي يحمي حمانا. (2)
يبويه انروح کل احنه فداياک*أخذنه للحرب يحسين وياک
أهي غيبه يبويه واگ-عد أنعاک*واگ-ولن سافر او يومين يسدر
اثاري الابو يا ناس خيمة*يفيي على بناته وحريمة
ص: 204
اجاني العيد ريته لا اجاني
بوية المن اعيد لو اجه العيد*وبعد المن اقبل بوية يا ايد
اجاني العيد واهل العيد غياب*وانا بدمعة يتيم مقابل الباب
تَبْکيْک عَيْنِيْ لَا لِأَجْلِ مَثُوْبَةٍ*لَکنَّمَا عَيْنِيْ لِأَجْلِک بَاکيَهْ
تَبْتَلُّ مِنْکمْ کرْبَلَا بِدَمٍ وَلَا*تَبْتَلُّ مِنِّيْ بِالدُّمُوْعِ الْجَارِيَهْ
ص: 205
يا جنَّةَ الفردوسِ ما بال الحشى*قد بات يَصلى منک ذات وقودِ
جلبوه قسرا من مدينة جدِّه*نحو المدائنِ موثقا بقيودِ
حبسوه في طامورةٍ لم ينفجر*ليل الشِقا عن صبحِها بعمودِ
تبت يدُ الرجسِ الرشيد بفعله*إذ ليس فيما قد جنى برشيدِ
أوحى إلى سنديِهُ ليسُمَه*سما تذوب به صخور البِيدِ
فقضى سميما في السجون مشرَدا*في منزل عمَن يُحبُ بعيدِ
وضعوا على جسر الرصافة نعشَه*وعليه جهرا بالإهانة نودي
**
والسندي فوگ اجنازته ايحوم*او نادى عليه ابلفظ ميشوم
إمام الروافض مات هليوم
گوموا شيعوا ابن جعفر ويانه*املاک البالسمه صاحت ويانه
ولا راح الهله طارش ويانه*غريب اعله الجسر جثته رميه
بنفسي إمامَ الکائناتِ لفقده*أسىً أصبحت تلک العوالم تنعاه
هو الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سابع أئمة أهل البيت ولد (علیه السلام ) في منطقة بين مکة والمدينة سنة 128 للهجرة واستشهد في سنة 183 للهجرة في ببغداد مسموما على يد السندي بن شاهک في حبسه. أما کنيته فأبو الحسن الأول وأبو الحسن الماضي و يعرف بالعبد الصالح و الکاظم والوفي والصابر والأمين والزاهر وسمي بذلک لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وکرمه المضيء التام.(1)
أمه أم ولد يقال لها حميدة المصفاة وعن المعلى بن خنيس أن أبا عبد الله (علیه السلام ) قال:(2)«حميدة
مصفاة من الأدناس، کسبيکة الذهب، ما زالت الأملاک تحرسها حتى أديت إلي کرامة من الله لي والحجة من بعدي».
قال المحدث الشيخ عباس القمي رحمه الله:(3)«أقول:
کانت حميدة من أشراف الأعاجم کما تقدم ذکرها في "حمد" و الظاهر ان أبا عبد الله الصادق (علیه السلام ) کان يأمر النساء بالرجوع اليها في أخذ الأحکام، ففي
ص: 206
"الجواهر" روي عن الصادق (علیه السلام ) انه سأله عبد الرحمن بن الحجاج ان هنا صبيا مولودا فقال: مر أمه تلقى حميدة فتسألها کيف تصنع بصبيانها، فأتتها فسألتها فقالت: اذا کان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه... الخ»
من اسمائه و القابه (علیه السلام ) العبد الصالح، سمی به لعبادته واجتهاده أعبد أهل زمانه فقد روي: أنه کان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس وعن أحمد بن عبد الله، عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: أشرف على هذا البيت وانظر ما ترى؟ فقلت: ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا فتأملت فقلت: رجل ساجد.
فقال لي: تعرفه؟ هو موسى بن جعفر، أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على هذه الحالة إنه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس.(1)
سمی به لصبره وتحمله للأذى وکظمه للغيظ حتى عرف بالکاظم(2)وعفوه
عمن أساء واعتذر و روي أنه أحضر ولده و قال لهم: "يا بني إني موصيکم بوصية من حفظها لم يضع معها إن أتاکم ات فأسمعکم في الأذن اليمنى مکروها ثم تحول إلى الأذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئا فاقبلوا عذره"(3)
ويعرف به لنجح قضاء حوائج السائلين و روي ان کانت في بغداد امرأة تهرول فقيل: إلى أين؟ قالت: إلى موسى بن جعفر فإنه حبس ابني، فقال لها رجل مستهزئا: إنه قد مات في الحبس، فقالت: بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة فإذا بابنها قد أطلق وأخذ ابن
ص: 207
المستهزئ بجنايته.(1)
و کان معروفا باستجابة الدعاء وعن حماد بن عيسى قال:(2)
دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام ) بالبصرة فقلت له: جعلت فداک ادع الله تعالى أن يرزقني دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، والحج في کل سنة، قال: فرفع يده ثم قال: "أللهم صل على محمد وال محمد وارزق حماد بن عيسى دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة" قال حماد: فلما اشترط خمسين سنة علمت أني لا أحج أکثر من خمسين سنة، قال حماد: وقد حججت ثماني وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع کلامي، وهذا ابني، وهذه خادمي وقد رزقت کل ذلک، فحج بعد هذا الکلام حجتين تمام الخمسين، ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي فلما صار في موضع الإحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرق، فمات رحمنا الله وإياه قبل أن يحج زيادة على الخمسين وقبره بسيالة.(3)
وکان (علیه السلام ) شيخا بهيا کريما، أعتق ألف مملوک وکان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة. وکانت صرة موسى إذا جاءت الإنسان استغنى وکان يضرب بها المثل فکان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسى فشکا القلة.(4)
وکان أوصل الناس لأهله ورحمه، وکان يفتقد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم فيه العين(5) والوَرِق(6)
والأدِقة(7)
والتمور، فيوصل إليهم ذلک، ولا يعلمون من أي جهة هو. وکان (علیه السلام ) مع کثرة انفاقه للناس
ص: 208
زاهدا في الدنيا فعن إبراهيم بن عبد الحميد قال:(1)«دخلت
على أبي الحسن الأول (علیه السلام ) في بيته الذي کان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شيء إلا خصفة(2)
وسيف معلق، ومصحف.»
وکان (علیه السلام ) يعمل بکد يمينه وعرق جبينه، روی علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال:(3)«رأيت أبا الحسن (علیه السلام ) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداک أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي، فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله صلی الله علیه و آله وأمير المؤمنين (علیه السلام ) وابائي (علیه السلام ) کلهم کانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين».
و اهل البیت کانوا یعلمون الناس العمل و الترزق من ای شئ حلال و لا یطلبون من احد فمثلا أتى أحد الإمام الصادق (علیه السلام )، فقال: إنني لا أحسن أن أعمل عملا بيدي، و لا أحسن أن أتجر، و أنا محارف (4)
محتاج، فقال: إعمل فاجعل (5) على رأسک و استغن عن الناس، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قد حمل حجرا على عاتقه، فوضعه في حائط له من حيطانه، و إن الحجر لفي مکانه و لا يدري کم عمقه إلا أنه ثمة.(6)
ص: 209
موسی بن المهدی(1) الخلیفة العباسی في زمن الکاظم (علیه السلام ) ضیق علی العلويين وکثر من طلبهم، عزم الشيعة و العلویین إلى الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي ابن ابی طالب "ع") وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن وقالوا له: ترى ما أنت وأهلک وشيعتک فيه من الخوف والمکروه فقال: وإني لا اجد ناصرين فننتصر فبايعه خلق کثير ممن حضر الموسم فما وافاه إلا أقل من خمسمائة.
وبعد أن تغلب الحسين على المدينة خرج قاصدا إلى مکة ومعه من تبعه من أهله ومواليه وأصحابه، وهم زهاء ثلاثمائة، واستخلف رجلا على المدينة، فلما صاروا بفخ(2) تلقتهم الجيوش، فعرض على الحسين الأمان والعفو والصلة، فأبى ذلک أشد الإباء، فالتقوا للقتال يوم التروية وقت صلاة الصبح حتى قتل أکثر أصحاب الحسين.
ص: 210
وجاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس(1)، وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين فلم يسألا أحدا منهم إلا موسى بن جعفر (علیه السلام ) فقالا:(2)هذا رأس حسين؟ قال (علیه السلام ): "نعم إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله مسلما صالحا صواما امرا بالمعروف، ناهيا عن المنکر، ما کان في أهل بيته مثله"(3)
فلم يجيبوه بشيء. وأقامت جثة الحسين ومن قتل معه ثلاثة أيام لم يواروا حتى أکلتهم السباع والطير.(4)
وقد رأينا فيما تقدم موقف الإمام (علیه السلام ) من مقتل الحسين شهيد فخ بالرغم من أنه نأى (علیه السلام ) بنفسه عن الدخول بهذا الأمر لعلمه بما ستؤول إليه الأمور.
هذا من غير أن يخفي حزنه على تلک العصبة العلوية فعن عبد الله بن المفضل مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ، واحتوى على المدينة دعا موسى بن جعفر (علیه السلام ) إلى البيعة فأتاه فقال له: "يا ابن عم لا تکلفني ما کلف ابن عمک(5) عمک أبا عبد الله(6)
فيخرج مني ما لا أريد کما خرج من أبي عبد الله ما لم يکن يريد".
فقال له الحسين: إنما عرضت عليک أمرا فإن أردته دخلت فيه، وإن کرهته لم أحملک عليه والله المستعان، ثم ودعه. فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام ) حين ودعه: "يا ابن عم إنک مقتول فأجد الضراب(7)، فإن القوم فساق، يظهرون إيمانا، ويسرون شرکا، وإنا لله وإنا إليه راجعون أحتسبکم عند الله من عصبة".(8)
ثم خرج الحسين، وکان من أمره ما کان، قتلوا کلهم کما قال (علیه السلام ).(9)
ص: 211
وفي قصيدة دعبل التي أنشدها بمحضر الإمام الرضا (علیه السلام ):
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي*قبور بکوفان وأخرى بطيبة
نجوم سماوات بأرض فلات*وأخرى بفخ نالها صلواتي(1)
وروي عن أبي جعفر الجواد (علیه السلام ) أنه قال:(2)«لم
يکن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» ولما قتل الحسين بن علي صاحب فخ وتفرق الناس عنه حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي يعني به الهادي الخليفة قبل الرشيد و هو أخوه الأکبر وجعل ينال الطالبيين إلى أن ذکر موسى بن جعفر (علیه السلام ) فنال منه وقال: "والله ما خرج حسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله إن أبقيت عليه"(3) و لولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما کان به جعفر من الفضل لنبشت قبره و أحرقته بالنار.
" فقال أبو يوسف القاضي(4):
نساؤه طوالق و عتق جميع ما يملک و عليه المشي إلى بيت الله إن کان مذهب موسى بن جعفر (علیه السلام ) الخروج و لا هو مذهب أحد من ولده، و أما هذه العصابة من الزيدية فقد خرجوا مع حسين و ظفر بهم أمير المؤمنين و لم يزل يرفق به حتى سکن غضبه، و کتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى (علیه السلام ) بصورة الأمر، و کان وقت وصول الخبر عند الکاظم (علیه السلام ) جماعة من أهل بيته، فاخبرهم (علیه السلام ) بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره، فقال لأهل بيته: "ما تشيرون؟" قالوا: نرى أن تتباعد عن هذا الرجل، وأن تغيب شخصک منه، فإنه لا يؤمن شره.
فتبسم أبو الحسن (علیه السلام ) ثم قال:
زعمت سخينة(5)ان ستغلب ربها*وليغلبن مغالب الغلاب
ص: 212
ثم رفع (علیه السلام ) يده إلى السماء، فقال: دعا علیه "سيدي اللهم فخذه بعزتک، وافلل حده عني بقدرتک" قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا إلا لقراءة الکتاب الوارد بموت موسى بن المهدي(1) و البيعة لهارون الرشيد.(2)
هارون الرشيد (3)
بعد مذبحة "الفخ" توعد الخلیفة الهادي، الإمام الکاظم (علیه السلام ) بالتهديدات،
ص: 213
ولکنه مات قبل أن ينفذ تهديداته، فجاء إلى الحکم بعده هارون الرشيد(1)
سنة 170 هجرية، وکان الإمام ينهى الناس عن التعاون مع حکمه لأنه رکون إلى الظلم، وهو حرام. قال الإمام (علیه السلام ) يوما لصفوان الجمال وکان من أصحابه:(2)«يا صفوان کل شي ء منک حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، قلت: أى شي ء؟ قال: اکراؤک جمالک من هذا الرجل(3)
قال: و الله ما أکريته أشرا و لا بطرا و لا لصيد و لا للهو و لکنى أکريته لهذا الطريق(4)
و لا أتولاه بنفسى و لکنى أبعث معه غلمانى، فقال: يا صفوان أيقع کراؤک عليهم؟ قال: نعم، قال أ تحب بقاءهم حتى يخرج کراءک؟ قال: نعم، قال (علیه السلام ): فمن أحب بقاءهم فهو منهم، و من کان منهم کان ورد النار. قال: فذهبت و بعت جمالى عن أخرها فبلغ ذلک الى هارون فدعانى فقال: يا صفوان بلغني انک بعت جمالک،
ص: 214
قال قلت: نعم، فقال: لم؟ قلت أنا شيخ کبير و الغلمان لا يفون بالاعمال، فقال: هيهات أيهات انى لا علم من أشار إليک بهذا، أشار إليک بهذا موسى ابن جعفر، قلت: ما لي و لموسى (علیه السلام )، قال: دع هذا عنک فو الله لو لا حسن صحبتک لقتلک»
کان موقف الإمام (علیه السلام ) عدم التعاون مع الظالمين، ولکنه کان يسمح للبعض أن يشغلوا مناصب في حکومة الرشيد لکي يقدموا بعض العون للمظلومين، کما حصل للوزير "علي بن يقطين" یقول الراوی:(1)«استأذن
علي بن يقطين(2)
مولاي الکاظم (علیه السلام ) في ترک عمل السلطان فلم يأذن له، و قال: لا تفعل فإن لنا بک انسا، ولإخوانک بک عزا، وعسى أن يجبر الله بک کسرا، ويکسر بک نائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي، کفارة أعمالکم الإحسان إلى إخوانکم، اضمن لي واحدة وأضمن لک ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائنا إلاقضيت حاجته وأکرمته، وأضمن لک أن لا يظلک سقف سجن أبدا، ولا ينالک حد سيف أبدا، ولا يدخل الفقر بيتک أبدا، يا علي، من سر مؤمنا فبالله بدأ وبالنبي صلی الله علیه و آله ثنى وبنا ثلث»
ص: 215
و الرشيد سأل الإمام (علیه السلام ) یوما وقال له:(1)«لم
زعمتم أنکم أقرب إلى رسول الله صلی الله علیه و آله منا؟ فقال: لو أن رسول الله أنشر فخطب إليک کريمتک هل کنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله، وکنت أفتخر بذلک على العرب والعجم، فقال: لکنه لا يخطب إلي ولا أزوجه، لأنه ولدنا ولم يلدکم. وقد روى أنه قال: هل کان يجوز أن يدخل على حرمک وهن فقال: لا، فقال: لکنه کان يدخل على حرمي کذلک وکان يجوز له.
وقيل: إنه سأله أيضا: لم قلتم إنا ذرية رسول الله صلی الله علیه و آله وجوزتهم للناس أن ينسبوکم إليه، فيقولون: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما ينسب الرجل إلى أبيه دون جده فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿ وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ کلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَکذلِک نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَکرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ ﴾ وليس لعيسى أب، وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه، وکذلک ألحقنا بذرية النبي صلی الله علیه و آله وأزيدک يا هارون قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ
حَاجَّک فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَک مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَکمْ ﴾ ولم يدع صلی الله علیه و آله عند مباهلة النصارى غير علي (علیه السلام ) وفاطمة (علیه السلام ) والحسن (علیه السلام ) والحسين (علیه السلام ) وهم الأبناء.»
و روی «سمع الکاظم (علیه السلام ) رجلا يتمنى الموت، فقال: هل بينک وبين الله قرابة يحابيک بها؟ قال: لا قال: فهل لک حسنات قدمتها تزيد على سيئاتک؟ قال: لا قال: فأنت إذا تتمنى هلاک الأبد.»(2)
عانى الإمام الکاظم (علیه السلام ) ألوانا قاسية من المحن والخطوب في عهد الطاغية هارون الرشيد، الذي جهد على ظلمه والتنکيل به.
فقد قضى (علیه السلام ) زهرة حياته في ظلمات سجونه محجوبا عن أهله وشيعته. و أن الإمام الکاظم (علیه السلام ) أکثر الأئمة تحملا للسجون والمعانات حتى قضى بالسم في ظلمة السجن ولم يزل ينقل من سجن الى اخر مقيدا بالحديد وعيناه تسيل دموعا وقد عانى الإمام (علیه السلام ) في حبس السندي بن شاهک في بغداد اشد الالام والاذى وکان اذا ضاق نفس
ص: 216
الإمام (علیه السلام ) لضيق الطامورة يأتي الى بابها يستنشق الهواء فإذا راه السندي لطم الإمام (علیه السلام ) على وجهه وارجعه الى داخل الطامورة. (1)
وامر هارون الرشید ان يقدم السندی ابن شاهک الى الإمام (علیه السلام ) سم(2)
و یقتله فأمتثل لأمر الطاغیة وقدم رطب مسموما الى الإمام واجبره على اکله فلما تناول سبع رطبات فأکلها ثم امتنع فقال له السندي: زد على ذلک فرمقه الإمام (علیه السلام ) بطرفه وقال له: حسبک قد بلغت ماتحتاج اليه.(3)
بعد ذلک اخذ السم يسري في بدنه والإمام يعاني اشد الالام في تلک الطامورة وأحاط به الاسى و الحزن حيث لااحد من اهله واحبته عنده ينقل عن علي بن سويد السائي قال: لقد اشتقنا إلى الإمام (علیه السلام ) فأتيت إلى السجن وأعطيت إلى السجانين شيئا حتى أذنوا لي بالدخول على الإمام (علیه السلام ) فلما رأيته ووقع بصري عليه بکيت بکاءا عاليا وقلت سيدي لقد ضاقت صدورنا فمتى الفرج؟ قال لي يبن سويد الفرج قريب قلت متى حدد لنا يوما وموعدا قال الموعد يوم الجمعة ضحى على الجسر ببغداد.
قال ابن سويد فلما ودعته جئت إلى بيوت أهل الإيمان وأنا أقول لهم البشارة البشارة الموعد يوم الجمعة ضحى على الجسر ببغداد فضجت شوارع بغداد فبينما نحن بالانتظار وإذا بجنازة غريب يحملها أربعة من الحمالين.(4)
جاءوا بالجنازة ووضعوها على الجسر ونادى المنادي: هذا إمام الرافضة هذا الذي يزعم الرافضة(5) انه لا يموت فضجت الناس ضجة
ص: 217
واحدا وبکوا بکاءا عاليا فبينا نحن کذلک إذ مر بي طبيب نصراني کانت بيني وبينه صداقة.
فقلت له بالمسيح عليک إلا ما نظرت إلى هذا المسجى هل انه مات حتف أنفه کما يزعمون؟ فقال لي أخرج لي راحة کفه فأخرجت له راحة کفه وقد مالت إلى الخضرة فنظر إليها مليا ثم حرک رأسه وانصرف فأسرعت إليه وقلت له يا هذا ما نفعتني بشيء هل أن الرجل مات حتف أنفه؟ فقال لي يبن سويد أللرجل أهل وعشيرة؟ قلت أجل ولکنهم بالمدينة قال فليطالبوا بدمه انه مات مسموما.
نعم یا موالین الشیعة شیعوا نعش الکاظم و دفنوه لکن أسفي عليک أبا عبدالله بقيت ثلاثة أيام مطروح على رمضاء کربلاء:
لکن اقول اتخف الاحزان*مامات مثل حسين عطشان
ولاظل ثلاث ايام عريان*ولا لعبت عليه الخيل ميدان
ولا انسبت له للشام نسوان*ولا وقفن بظلمة الديوان
ولاسبهن يزيد وضحک مروان
نعم لم تسبی للامام الکاظم (علیه السلام ) نساء الی الشام و ما حال زینب (علیه السلام ) عندما نظرت إلى رأس الحسین (علیه السلام ) عند يزيد وقد وضعه في طشت أمامه وأخذ بيده قضيبا وجعل ينکت به ثنايا أبي عبد الله؟ نعم لم تتمالک نفسها.. أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين يقرع القلوب: يا حسيناه.. يا حبيب رسول الله صلی الله علیه و آله يا بن مکة ومنى يا بن فاطمة الزهراء (علیه السلام )..
يحسين راسک حين شفته*تلعب عصه ايزيد اعله شفته
ذاک
الوکت وجهي لطمته*او صديت له ابحرگه او ندهته
شلت يمينک يالضربته*شتمني او تعدت له شتمته
يا
سلوة الهادي او مهجته*يا أخو المثلک ضيع اخته
(لچن) معذور يالحزوا رگبته
عساني الچتل واروح وياک*ولا شوفتني مخضوب بدماک
اولا شوف الرجس يضرب ثناياک*يريف اليتامه لا عدمناک
ص: 218
الإمام الرضا (علیه السلام ) علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) ثامن الأئمة الاثني عشر ولد (علیه السلام ) في المدينة المنورة سنة ثمان وأربعين ومائة وقبض في صفر في من سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة ومشهده بطوس من خراسان کنيته: أبو الحسن وأما ألقابه الرضا، والصادق، والصابر، والفاضل، وقرة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين والرضي والوفي والصديق وسراج الله ونور الهدى وأمه أم ولد وقد ذکر لها العديد من الأسماء: کالخيزران، سمان وتکتم.(1)
ولما أراد أبو الحسن الرضا صلی الله علیه و آله أن يرحل من نيسابور إلى المأمون، اجتمع إليه أصحاب الحديث و قالوا له اروی لنا حديثا عن ابائک عن جدک، نذکرک به فقال (علیه السلام ):(2)«حدثني أبي موسى بن جعفر الکاظم (علیه السلام )، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام )، قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر (علیه السلام )، قال: حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين (علیه السلام )، قال: حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض کربلا
ص: 219
(علیه السلام )، قال: حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام ) شهيد أرض الکوفة، قال: حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله صلی الله علیه و آله، قال: حدثني جبرئيل (علیه السلام ) قال: سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: کلمة لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي. صدق الله سبحانه، وصدق جبرئيل (علیه السلام ) وصدق رسول الله صلی الله علیه و آله والأئمة (علیه السلام ) فلما مرت الراحلة نادانا: "بشروطها، وأنا من شروطها"».
و «قال المأمون:(1) يا أبا الحسن أخبرني عن جدک علي بن أبي طالب (علیه السلام ) بأي وجه هو قسيم الجنة و النار فقال (علیه السلام ) يا أمير المؤمنين أ لم ترو عن أبيک عن ابائه عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله يقول حب علي إيمان و بغضه کفر فقال بلى قال الرضا (علیه السلام ) فقسمة الجنة و النار إليه فقال المأمون لا أبقاني الله بعدک يا أبا الحسن أشهد أنک وارث علم رسول الله صلی الله علیه و آله قال أبو الصلت الهروي فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت يا ابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين فقال يا أبا الصلت أنا کلمته من حيث هو و لقد سمعت أبي يحدث عن ابائه عن علي (علیه السلام ) قال قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله يا علي أنت قسيم الجنة و النار يوم القيامة تقول للنار هذا لي و هذا لک.»(2)
«وعن إبراهيم بن العباس قال:(3) ما رأيت أبا الحسن الرضا (علیه السلام ) جفا أحدا بکلامه قط، ولا رأيته قطع على أحد کلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتکى بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحدا من مواليه ومماليکه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحکه قط، بل کان ضحکه التبسم، وکان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس على مائدته مماليکه حتى البواب(4) وکان (علیه السلام ) قليل النوم بالليل کثير السهر، يحيي أکثر لياليه من أولها إلى الصبح، وکان کثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: "ذلک صوم الدهر".
وکان (علیه السلام ) کثير المعروف والصدقة في السر، وأکثر ذلک يکون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.» و «وعن اليسع بن حمزة قال:(5)
کنت في مجلس أبي الحسن الرضا (علیه السلام )
ص: 220
أحدثه، وقد اجتمع إليه خلق کثير يسألونه عن الحلال والحرام إذ دخل عليه رجل طوال ادم(1)
فقال: السلام عليک يا ابن رسول الله رجل من محبيک ومحبي ابائک وأجدادک (علیه السلام ) مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي، ولله علي نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنک، فلست موضع صدقة فقال له: "اجلس رحمک الله" وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا فقال: "أتأذنون لي في الدخول"؟ فقال له سليمان: قدم الله أمرک، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج ورد الباب، وأخرج يده من أعلى الباب وقال: "أين الخراساني؟" فقال: ها أنا ذا، فقال: "خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤنتک ونفقتک، وتبرک بها، ولا تصدق بها عني، واخرج فلا أراک ولا تراني"، ثم خرج، فقال له سليمان: جعلت فداک لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهک عنه؟ فقال: "مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول الله صلی الله علیه و آله: المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له(2)".
سجل التاريخ لقاء الشاعر دعبل الخزاعي(3)
بالإمام الرضا (علیه السلام ) فقد يروى عن دعبل الخزاعي أنه قال:(4)« دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا (علیه السلام ) في أيام محرم، فرأيته جالسا جلسة الحزين الکئيب، وأصحابه من حوله، فلما راني مقبلا قال لي: "مرحبا بک يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده ولسانه"، ثم إنه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه، ثم قال لي: "يا دعبل أحب أن تنشدني شعرا، فإن هذه الأيام أيام حزن کانت علينا أهل البيت، وأيام سرور کانت على
ص: 221
أعدائنا، خصوصا بني أمية، يا دعبل، من بکى وأبکى على مصابنا ولو واحدا کان أجره على الله. يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا، وبکى لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله معنا في زمرتنا. يا دعبل، من بکى على مصاب جدي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة".
ثم إنه (علیه السلام ) نهض، وضرب سترا بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبکوا على مصاب جدهم الحسين (علیه السلام ) ثم التفت إلي، وقال لي: "يا دعبل، إرث الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيا، فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت" قال دعبل: فاستعبرت، وسالت عبرتي وأنشأت أقول:
مَدارسُ آياتٍ خَلَتْ عن تلاوة*ومنزل وحيٍ مُقفِرُ العرصاتِ
أَفاطِمُ لَوْ خِلْتِ الحُسَينَ مُجَدَّلاً*وقدْ ماتَ عطشاناً بشَطِّ فُراتِ
إذاً لَلَطَمْتِ الخَدَّ فاطِمُ عِنْدَهُ*وأَجْرَيْتِ دَمْعَ العَيْنِ في الوَجَناتِ
أفاطمُ قُومي يا ابْنَةَ الخيرِ وانْدُبي*نُجومَ سماواتٍ بِأَرْضِ فَلاةِ
قُبورٌ بِکوفانٍ وأُخْرَى بطَيْبَةٍ*وأُخْرَى بفَخٍّ(1) نالَها صَلَواتي
ص: 222
وأخرى بأرضٍ الجوزجانِ(1)
محلها*وَقَبرٌ بباخمرا(2)
لَدَى الْغرَمَاتِ
قُبورٌ بِبَطْنِ النَّهْرِ مِنْ جَنْبِ کرْبلا*مُعَرَّسُهُمْ فيها بِشَطِّ فُراتِ
تُوُفُّوا عُطَاشَى بالعَراءِ فليتني*تُوُفِّيتُ فيهمْ قَبْلَ حِينِ وَفاتي
فلما انتهى إلى قوله:
وقَبْرٌ ببغدادٍ لنفْسٍ زکيَّةٍ*تَضَمَّنَها الرَّحمنُ في الغُرُفاتِ
قال له الرضا (علیه السلام ): "أفلا ألحق لک بهذا الموضع بيتين، بهما تمام قصيدتک؟" فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (علیه السلام ):
وقبرٌ بطُوسٍ يا لها مِنْ مُصيبَة*تَوَقَّدُ بالأَحْشاءِ بالحُرُقاتِ
إِلى الحشْرِ حتّى يبعثَ اللهُ قائماً*يُفَرِّجُ عنّا الهَمَّ والکرُباتِ
فقال دعبل: يا ابن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس، قبر من هو؟ فقال الرضا (علیه السلام ): "قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي و زواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس کان معي
ص: 223
في درجتي يوم القيامة مغفورا له(1) ثم نهض الرضا (علیه السلام ) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة و أمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار فلما کان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له يقول لک مولاي اجعلها في نفقتک فقال دعبل و الله ما لهذا جئت و لا قلت هذه القصيدة طمعا في شي ء يصل إلي و رد الصرة و سأل ثوبا من ثياب الرضا (علیه السلام ) ليتبرک و يتشرف به.
فأنفذ إليه الرضا (علیه السلام ) جبة خز مع الصرة و قال للخادم قل له خذ هذه الصرة فإنک ستحتاج إليها و لا تراجعني فيها فأخذ دعبل الصرة و الجبة و انصرف وفي طريق عودته اعترض قطاع الطرق القافلة التي کان فيها وأخذوا جميع ما کان معه، وجلس اللصوص يقتسمون ما سلبوه من القافلة، فأنشد أحدهم بيتا من القصيدة دعبل.
أَرى فَيئَهُم في غيرهم متقسِّماً*وأيدِيهِمُ من فَيئِهِم صُفُراتِ
فسمعه دعبل فقال له لمن هذا البيت فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي قال فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت فوثب الرجل إلى رئيسهم و کان يصلي على رأس تل و کان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل و قال له أنت دعبل فقال نعم فقال له أنشدني القصيدة فأنشدها فحل کتافه و کتاف جميع أهل القافلة و رد إليهم جميع ما أخذ منهم لکرامة دعبل و سار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع.
فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال و الخلع بشي ء کثير و اتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلک فقالوا له فبعنا شيئا منها بألف دينار فأبى عليهم و سار عن قم فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب و أخذوا الجبة منه فرجع دعبل إلى قم و سألهم رد الجبة فامتنع الأحداث من ذلک و عصوا المشايخ في أمرها فقالوا لدعبل لا سبيل لک إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار فأبى عليهم فلما يئس من ردهم الجبة سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلک و أعطوه بعضها و دفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار و انصرف دعبل إلى وطنه.
فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما کان في منزله فباع المائة الدينار
ص: 224
التي کان الرضا (علیه السلام ) وصله بها فباع من الشيعة کل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم فذکر قول الرضا (علیه السلام ) إنک ستحتاج إلى الدنانير و کانت له جارية لها من قلبه محل فرمدت عينها رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة و قد ذهبت و أما اليسرى فنحن نعالجها و نجتهد و نرجو أن تسلم فاغتم لذلک دعبل غما شديدا و جزع عليها جزعا عظيما ثم إنه ذکر ما کان معه من وصلة الجبة فمسحها على عيني الجارية و عصبها بعصابة منها من أول الليل فأصبحت و عيناها أصح ما کانتا قبل ببرکة أبي الحسن الرضا (علیه السلام ).» (1)
وعن أبي الصلت الهروي أنه قال له:(2)
يا أبا الصلت، غدا أدخل على هذا الفاجر، فإن أنا خرجت مکشوف الرأس فتکلم أکلمک، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تکلمني قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس فجعل في محرابه ينتظر، فبينا هو کذلک إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، وقام ومشى وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون، وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاکهة، ناوله العنقود، وقال: يا بن رسول الله، ما رأيت عنبا أحسن من هذا، فقال له الرضا (علیه السلام ): ربما کان عنبا حسنا يکون من الجنة فقال له: کل منه، فقال له الرضا (علیه السلام ): تعفيني عنه، فقال: لا والله فإنک تسرني إذا أکلت منه لا بد من ذلک وما يمنعک منه، لعلک تتهمنا بشيء فاستعفاه ثلاث مرات، وهو يسأله بمحمد وعلي أن يأکل منه فأکل منه الرضا (علیه السلام ) ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال المأمون: إلى أين؟ فقال (علیه السلام ): إلى حيث وجهتني وخرج مغطى الرأس فلم أکلمه حتى دخل الدار فبينا أنا کذلک، إذ دخل علي شاب حسن الوجه، أشبه الناس بالرضا قلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت، هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا محمد بن علي. ثم مضى دخل علی أبيه فلما نظر
ص: 225
إليه الرضا فعانقه ويساره بشيء لم أفهمه يقول أبو الصلت ثم امتد الرضا (علیه السلام ) وغطاه محمد بالرداء وصار إلى وسط الدار، وقال: يا أبا الصلت عظم الله أجرک في الرضا فقد مضى، أي وا إماماه، وا سيداه واغريباه، وا مسموماه. (1)
لکن لایوم کیومک یا ابا عبدالله، کان الرضا (علیه السلام ) أذا هل المحرم لا يرى ضاکحا وکذلک الأئمة واحدا بعد واحد.
و کان الرضا (علیه السلام ) يجلس في کل عشرة من المحرم کئيبا حزينا ويعقد مجلسا للعزاء ويجلس نساءه وراء الستار وکان إذا دخل عليه أحد من الشعراء يأمره بالإنشاد على جده الحسين (علیه السلام ) کما في قصة دعبل الخزاعي لما دخل عليه وقال له: أنشدني فأنشده التائية التي منها:(2)
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا*وقد مات عطشانا بشط فرات
بل و صارت هذه سيرة في مواليهم وشيعتهم إذا هل عاشوراء اجتمعت عليهم الاحزان والکروب ولعل الخبر يشير إلى ذلک: «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا يصيبهم ما أصابنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا».(3)
و لذا تری الإمام الرضا (علیه السلام ) کان یقول إن المحرم شهر کان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دماؤنا وهتکت فيه حرمتنا
ص: 226
وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا وأضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم ترع لرسول الله صلی الله علیه و آله حرمة في أمرنا. ثم قال (علیه السلام ): إن يوم الحسين اقرح جفوننا "وأسبل دموعنا" واذل عزيزنا
بأرض کرب وبلاء وأورثنا الکرب والبلاء إلى يوم الإنقضاء فعلى مثل الحسين (علیه السلام ) فليبک الباکون فأن البکاء عليه يحط الذنوب العظام. ثم قال الرضا (علیه السلام ): کان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحکا وکانت الکابة تغلب عليه حتى تمضي عشرة ايام فإذا کان يوم العاشر کان ذلک اليوم مصيبته وحزنه وبکائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (علیه السلام ) .(1)
وعن الريان بن شبيب قال: دخلت على مولاي علي بن موسى الرضا (علیه السلام ) في أول يوم من المحرم فقال يا ابن شبيب إن کنت باکيا لشئ فابک على الحسين (علیه السلام ) فأنه ذبح کما يذبح الکبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه لقد بکت السماوات السبع والأرضون السبع لقتله ولقد نزل إلى الأرض من الملائکة أربعة لالاف ملک لنصرته أنهم نزلوا فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم صاحب الأمر فيکونون من أنصاره وشعائرهم: يا لثارات الحسين.(2)
نعم یا شیعة إن من ألقاب إمامنا الرضا (علیه السلام ) غريب الغرباء ولکن غربته لم تکن سوى غربة عن الأهل والأحبة والوطن ولکن بالله أسألکم أيها المؤمنون هل بقي غريب الغرباء بلا غسل ولا کفن ولا دفن وهل قطعت أوصاله قطعا بعد مقتله؟ أم انه غسل وکفن ودفن ولم يصل إليه أحد بمکروه بعد موته؟
لذا أقول لا يوم کيومک يا أبا عبد الله وکما يقول الشاعر:
ليس الغريبُ غريبَ الأهلِ والوطن*بل الغريبُ غريبُ الغسلِ والکفنِ
وکأني بزينب:
تعالوا لبنکم غسلوه*والچفن وياکم دجيبوه
واحسين فوگ الروس شيلوه*او وسط الگبر لمن تنزلوه
بهداي جرحه لا تلچموه
نعم یا موالی اتعلم ماهو اصعب موقف على قلب الحوراء زينب (علیها السلام ) ؟ هو لما أمر عمر بن سعد أن ترض الأجساد بحوافر الخيل، وقفت
ص: 227
عشيرة بني رياح وأحاطوا بجثمان الحر وجردوا سيوفهم، وقالوا: لا والله لا يرض جسد رئيسنا بحوافر الخيول.(1)
فقال ابن سعد لهم: ويلکم لقد خرج على الأمير، قالوا: نعم خرج عليه ساعة من الزمن وأطاعه دهرا من عمره، خاف ابن سعد وقوع الفتنة، فقال: ويحکم احملوا جثمان الحر خارج الميدان. هذا والعقيلة زينب (علیه السلام ) واقفة أمام الخيمة تنظر إلى عشيرة بني رياح يحملون جثمان الحر خارج الميدان، وتنظر إلى جهة أخيها الحسين (علیه السلام ) والحسين قد رضت الخيل صدره وظهره، وهي تنادي: يا قوم أما فيکم مسلم يدفن هذا السليب.(2)
العشيرة شالته بحر الظهيره*الکل منهم عليه شالته الغيره
بس ظلوا لماعدهم عشيره*ضحايه بالشمس من غير تغسيل
لذا وجهت نداءها إلى رسول الله صلی الله علیه و آله:
يابه يجدي تعالوا لبنکم غسلوه*والکفن وياکم دجيبوه
وجيبوا گطن للجرح نشفوه*وعلى اکتافکم لحسين شيلوه
يجدي مات محد وگف دونه*ولا نغار غمضله عيونه
وحيد يعالج او منخطف لونه*ولا واحد بحلگه ماي گطر
يجدي مات محد مدد ايديه*ولا واحد يجدي عدل رجليه
يعالج بالشمس محد گرب ليه*يحطله اظلال يا جدي امن الحر
قوموا غضابا من الأجداث وانتدبوا*واستنقذوا من يد البلوى بقايانا
هذا حسين بلا غسل ولا کفن*عار تجول عليه الخيل ميدانا
إن يبقَ ملقىً بلا دفن فإنّ له*قبرا بأحشاء من ولاه محفورا
ص: 228
هو محمد بن علي الرضا ابن موسى الکاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي السجاد ابن الحسين السبط ابن الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام )، أبو جعفر الثاني الملقب بالجواد و المرتضى و المنتجب و القانع. الإمام التاسع من أئمة أهل البيت أمه تدعى سبيکة، و قيل سکينة النوبية کان (علیه السلام ) أفضل أهل عصره في العبادة و الزهد و التقى، و اکثرهم احاطة بالعلوم و المعارف و الآداب، و اکملهم عقلا، و اکثرهم ذکاء، و أجلهم حکمة و نبوغا.
ولد (علیه السلام ) بالمدينة المنورة، و فقد ابيه و هو لم يبلغ الثامنة من عمره الشريف. تبوأ منصب الإمامة، و عمره يومئذ سبع سنين و اشهرا، بنص و اشارة من أبيه لتکامل فضله و علو کعبه في مدارج العلوم و المعارف. عاصر من ملوک بني العباس کلا من المأمون و المعتصم، و زوجه المأمون من ابنته أم الفضل و کان الإمام يسکن المدينة المنورة حتى ملک المعتصم العباسي فاحضره الى بغداد، فدخلها و لقي بها صنوف العذاب حتى دس له السم و قتله ببغداد في سنة 220 ه، فدفن بها في مقابر قريش عند مرقد جده الإمام الکاظم (علیه السلام ).(1)
لقد کانت والدة الإمام الجواد (علیه السلام ) نوبية من السودان کما تقدم فکان من الطبيعي أن يکون الإمام الجواد (علیه السلام ) اسمر بحيث يقرب من السواد وقد صار هذا الأمر من المحن والابتلاءات التي تعرض لها الإمام الرضا (علیه السلام ) وولده الإمام الجواد (علیه السلام ) حیث شککوا بنسبه اخوت الرضا و عمامه و جاء في الروایة:(2)«قال له إخوته ما کان فينا إمام قط حائل اللون فقال لهم الرضا (علیه السلام ): هو ابني، قالوا: فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قد
ص: 229
قضى بالقافة(1) فبيننا و بينک القافة قال: ابعثوا أنتم إليهم، فأما أنا فلا(2)، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتکونوا في بيوتکم. فلما جاؤوا أقعدونا(3)
في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا (علیه السلام ) وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة(4) وقالوا له: ادخل البستان کأنک تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر (علیه السلام ) فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب ولکن هذا عم أبيه، وهذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يکن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن (علیه السلام ) قالوا: هذا أبوه.
قال علي بن جعفر(5): فقمت فمضضت (6)
ريق أبي جعفر (علیه السلام ) ثم قلت له: أشهد أنک إمامي عند الله، فبکى الرضا (علیه السلام ) ثم قال: يا عم ألم تسمع
ص: 230
أبي و هو يقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: بأبي (1)
إبن خيرة الإماء(2)
إبن النوبية، الطيبة الفم المنتجبة الرحم، و يلهم (3)
لعن الله الاعيبس (4)
و ذريته صاحب الفتنة(5)، و يقتلهم (6)
سنين و شهورا و أياما يسومهم (7) خسفا و يسقيهم کأسا مصبرة(8) و هو الطريد(9)
الشريد الموتور(10)
بأبيه و جده صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلک، أي واد سلک، أفيکون هذا يا عم إلا مني؟ فقلت: صدقت جعلت فداک.
والتقي والزکي والقانع والجواد وکان يعرف بابن الرضا و والدته المقدسة تسمى سبيکة ثم سماها الرضا (علیه السلام ) خيزران(1) وکانت نوبية من النوب وهي بلاد واسعة للسودان و منه حديث وصف الإمام (علیه السلام ): «بأبي ابن النوبية الطيبة». لأن امه کانت نوبية.
و روي أنها کانت من أهل بيت مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله صلی الله علیه و آله وکانت أفضل نساء زمانها وعن الإمام الرضا (علیه السلام ) أنها کانت قدیسة مطهرة یقول الراوی «قلت للرضا (علیه السلام ) ادع الله أن يرزقک ولدا فقال إنما أرزق ولدا واحدا و هو يرثني فلما ولد أبو جعفر (علیه السلام ) قال الرضا (علیه السلام ) لأصحابه قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار و شبيه عيسى ابن مريم قدست أم ولدته قد خلقت طاهرة مطهرة و کان طول ليلته يناغيه(2) في مهده.»(3)
لقد رزق الإمام الرضا (علیه السلام ) بولده الجواد (علیه السلام ) وهو في سن متأخرة نسبيا کان عمره الشريف انذاک حوالي 47 سنة مما فسح المجال أمام بعض المخالفين لإمامته باستغلال هذا الأمر والتشکيک بإمامته. فعن الحسين بن بشار(4)
وهو من الواقفة الذين
ص: 232
وقفوا في الإمامة على الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام ) ولم يقولوا بإمامة الإمام الرضا (علیه السلام ) إلى أبي الحسن (علیه السلام ) کتابا يقول فيه: کيف تکون إماما وليس لک ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا (علیه السلام ) شبه المغضب: "وما علمک أنه لا يکون لي ولد؟ والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذکرا يفرق به بين الحق والباطل" وکان طول ليلته يناغيه في مهده فلما طال ذلک على عدة ليال قلت له: جعلت فداک، قد ولد للناس أولاد قبل هذا فکل هذا تعوذه؟ فقال: "ويحک، ليس هذا عوذة، إنما أغره بالعلم غرا"».
وعن أبي يحيى الصنعاني قال: کنت عند أبي الحسن الرضا (علیه السلام ) فجيئ بابنه أبي جعفر (علیه السلام ) وهو صغير، فقال:(1) «هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم برکة(2)
على شيعتنا منه».
وعن بنان بن نافع أن أبا الحسن (علیه السلام ) قال له:(3)
«يا بن نافع، سلم وأذعن له بالطاعة فروحه روحي و روحي روح رسول الله» وعاش مع أبيه (علیه السلام ) سنوات قليلة إلى أن احضر المأمون أباه الرضا (علیه السلام ) إلى خراسان لولاية العهد.
فمن لقبه (علیه السلام ) يعرف جوده وکرمه کابائه وأجداده (علیه السلام ) وکان أحد الموصوفين بالسخاء ولذلک لقب بالجواد و مما کتب به الإمام الرضا (علیه السلام ) لولده الإمام الجواد (علیه السلام )، یقول الراوی: (4) «قرأت في کتاب أبي
ص: 233
الحسن الرضا إلى أبي جعفر (علیه السلام ): "يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا رکبت أخرجوک من الباب الصغير فإنما ذلک من بخل منهم لئلا ينال منک أحد خيرا وأسألک بحقي عليک لا يکن مدخلک ومخرجک إلا من الباب الکبير، فإذا رکبت فليکن معک ذهب وفضة ثم لا يسألک أحد شيئا إلا أعطيته ومن سألک من عمومتک أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين دينارا والکثير إليک ومن سألک من عماتک فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين دينارا والکثير إليک، إني إنما أريد بذلک أن يرفعک الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتارا"»
و «أتاه (علیه السلام ) رجل فقال له:(1) أعطني على قدر مروتک، فقال: "لا يسعني". فقال: على قدري. قال: "أما ذا فنعم يا غلام، أعطه مئة دينار"» ومن فضله العميم رعايته لشيعته ومحبيه فعن رجل من أهل بست(2)
وسجستان قال:(3)
«رافقت أبا جعفر (علیه السلام ) في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم، فقلت له، وأنا معه على المائدة، وهناک جماعة من أولياء السلطان: إن والينا رجل يتولاکم أهل البيت (علیه السلام ) ويحبکم وعلي في ديوانه خراج فإن رأيت أن تکتب إليه کتابا بالإحسان إلي.
فقال لي: "لا أعرفه(4)"
فقلت: جعلت فداک إنه على ما قلت من محبيکم أهل البيت (علیه السلام ) وکتابک ينفعني عنده فأخذ القرطاس وکتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإن موصل کتابي هذا ذکر عنک مذهبا جميلا وإن ما لک من عملک ما أحسنت فيه(5)،
فأحسن إلى إخوانک، واعلم
ص: 234
أن الله عزوجل سائلک عن مثاقيل الذر(1)
والخردل"، قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد الله النيسابوري وهو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الکتاب فقبله ووضعه على عينيه ثم قال لي: ما حاجتک؟ فقلت: خراج علي في ديوانک قال: فأمر بطرحه عني وقال لي: لا تؤد خراجا ما دام لي عمل. ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلا فما أديت في عمله خراجا ما دام حيا، ولا قطع عني صلته حتى مات.»
ومن مواساته لإخوانه ما رواه ابن مهران قال:(2)
«کتب أبو جعفر الثاني (علیه السلام ) إلى رجل: "ذکرت مصيبتک بعلي ابنک وذکرت أنه کان أحب ولدک إليک وکذلک الله عزوجل إنما يأخذ من الوالد وغيره أزکى ما عند أهله ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة فأعظم الله أجرک وأحسن عزاک وربط على قلبک إنه قدير وعجل الله عليک بالخلف وأرجو أن يکون الله قد فعل، إن شاء الله تعالى.»
ومن دعائه لشيعته ما رواه بکر بن صالح قال: کتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام ):(3)
إن أبي ناصب خبيث الرأي، وقد لقيت منه شدة وجهدا، فرأيک جعلت فداک في الدعاء لي، وما ترى، جعلت فداک؟ أفترى أن أکاشفه أم أداريه؟ فکتب (علیه السلام ): "قد فهمت کتابک وما ذکرت من أمر أبيک، ولست أدع الدعاء لک إن شاء الله، والمداراة خير لک من المکاشفة، ومع العسر يسر، فاصبر فإن العاقبة للمتقين ثبتک الله على ولاية من توليت، نحن وأنتم في وديعة الله الذي لا تضيع ودائعه" قال بکر: فعطف الله بقلب أبيه حتى صار لا يخالفه في شيء.»
ص: 235
1) و بعثوا بعض العباسیین الى يحيى بن اکثم(1)
و اطمعوه في هدايا ان يحتال على ابي جعفر (علیه السلام ) بمسألة لا يدري کيف الجواب فيها عند المأمون اذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا و حضر ابو جعفر. قال المأمون يحيى سل ابا جعفر (علیه السلام ) عن مسألة في الفقه لننظر کيف فقهه. فقال يحيى:(2) يا ابا جعفر ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال ابو جعفر (علیه السلام ): قتله في حل او حرم، عالما او جاهلا، عمدا أو خطأ، عبدا او حرا، صغيرا او کبيرا، مبدئا او معيدا، من ذوات الطير او من غيرها، من صغار الصيد او من کبارها، مصرا عليها او نادما، بالليل في و کرها او بالنهار عيانا، محرما لعمرة او للحج؟ قال: فانقطع يحيى بن اکثم انقطاعا لم يخف على اهل المجلس و اکثر الناس تعجبا من جوابه.
قال المأمون: يا ابا جعفر ان رأيت ان تبين لنا ما الذي يجب على کل صنف من هذه الاصناف التي ذکرت في قتل الصيد؟ اذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمته لأنه في الحرم، و اذا کان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة و کذلک في النعامة، فان لم يقدر فعليه اطعام ستين مسکينا، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، و ان کانت بقرة فعليه بقرة فان لم يقدر فعليه اطعام ثلاثين مسکينا، فمن لم يقدر فليصم تسعة ايام. (و الحدیث طویل) فامر المأمون ان يکتب ذلک کله عن ابي جعفر (علیه السلام ) ثم دعا اهل بيته الذين انکروا تزويجه عليه فقال لهم: هل فيکم احد يجيب بمثل هذا الجواب؟ قالوا: لا و لا القاضي.»
2) سأل احدهم:(3) «تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة و حلت له ارتفاع النهار و حرمت عليه نصف النهار، ثم حلت له الظهر، ثم حرمت عليه العصر، ثم حلت له المغرب، ثم حرمت عليه نصف الليل،
ص: 236
ثم حلت له الفجر، ثم حرمت عليه ارتفاع النهار، ثم حلت له نصف النهار؟ فبقي يحيى و الفقهاء بلسا خرسا فقال المأمون: يا أبا جعفر أ عزک الله بين لنا هذا؟ قال (علیه السلام ): هذا رجل نظر الى مملوکة لا تحل له، اشتراها فحلت له ثم أعتقها فحرمت عليه، ثم تزوجها فحلت له فظاهر منها فحرمت عليه. فکفر الظهار فحلت له، ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه، ثم راجعها فحلت له، فارتد عن الاسلام فحرمت عليه، فتاب و رجع إلى الاسلام فحلت له بالنکاح الأول.»
کان ابن أبي داود القاضي(1)من أزلام المعتصم فصار يحرض المعتصم على قتل الإمام (علیه السلام )، ويستعجله في ذلک.(2)
وهکذا جعل المعتصم يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (علیه السلام ) وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تسمه لأنه وقف على انحرافها عن أبي جعفر وشدة غيرتها عليه لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ولأنه لم يرزق منها ولدا.(3)
فأجابته إلى ذلک وجعلت سما وقدمته في قدح إليه عند الإفطار وکان إمامنا صائما وکان الوقت قائظا شديد الحر فلما جرع من ذلک القدح جرعة ارتعشت يده، وتغير لونه، وصار يشعر، کأن من فمه إلى سرته تقطع بالسکاکين، وتشرح بالمواس من شدة الألم فلما رأته زوجته على هذا الحال، صارت تبکي فالتفت إليها الإمام الجواد، وقال لها: أتبکين وقد قتلتيني؟ قتلک الله، ورماک ببلاء لا ينستر(4)،
وعقر لا ينجبر
ص: 237
فغضبت الخبيثة.
ووقع الإمام على فراش الموت، وقد سرى السم في بدنه، حتى تغير لونه، ولما بلغت روحه التراقي صعد سطح الدار، ورمق السماء بطرفه، وتشهد الشهادتين (عظم الله أجورکم) وغمض عينيه، وأسبل يديه ورجليه، وعرق جبينه، وسکن أنينه، وفارقت روحه الدنيا.. (1)
وا إماماه.. وا سيداه.. واجواداه.. وا غريباه.. وا مظلوماه.. وا مسموماه..
قالوا: وبقي جسد الإمام ثلاثة أيام على سطح الدار..
ثم جاء الإمام الهادي (علیه السلام ) فغسل أباه وکفنه وصلى عليه. ويقال إنه رثاه قائلا: وا أبتاه، وا وحدتاه، وا قلة ناصراه، وا انقطاع ظهراه، ليتني کنت لک الفداء، يا أبتاه من بعدک وا وحشتاه، فراقک قد أعمى عيني، وهيج حزني، وقطع نياط قلبي، يا أبتاه اقرأ اباءک عني السلام، وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان.
ثم حملوا الإمام وشيعوه ودفنوه عند جده الإمام الکاظم (علیه السلام ).
أيها الموالي: رغم عظم تلک المصيبة على إمامنا الجواد (علیه السلام ) لکن بقي جسده سالما، رأسه على جسده، لم يرفع على رأس الرمح، لم تطأ جسده الخيل بحوافرها.. وقد غسل وشيع ودفن بعد ذلک.. لکن أسفي على غريب کربلاء..أسفي عليک أبا عبد الله..
لکن اقول اتخف الاحزان*مامات مثل حسين عطشان
ولاظل ثلاث ايام عريان*ولا لعبت عليه الخيل ميدان
ولا انسبت له للشام نسوان*ولا وقفن بظلمة الديوان
ولاسبهن يزيد وضحک مروان
ساعد الله قلب أخته زينب (علیه السلام )، وهي تراه على تلک الحال.
ويلي نايم أخيي اشلون نومه*اوحر الشمس غير ارسومه
اوفوگ الذبح سلبوا اهدومه
ساعد الله قلبها، ما حالها والنساء قد تفرقن عنها يمينا وشمالا، والأطفال فررن في البيداء بعد هجوم الخيل على الخيام، خرجت زينب (علیه السلام ) تتفقدهم فوجدت طفلين ميتين على الثرى لا يدرى هل ماتا من العطش؟ أم من دهشة خوف العدو؟ (2)
ص: 238
خويه تحيرت والله ابيتاماک*ما ينحمل يحسين فرگاک
والمثل هذا الوکت ردناک
سألت ربع الندى والدمع ينهمل*عن معشر هاهنا عهدي بهم نزلوا
أين استقلوا عن الاوطان وارتحلوا*بالأمس کانوا معي واليوم قد رحلوا
وخلفوا في سويد القلب نيرانا
ص: 239
هو الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) عاشر أئمة أهل البيت (علیه السلام ) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ولد (علیه السلام ) ب-: "صريا"(1) وهي قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام ) على ثلاثة أميال من المدينة المنورة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وفي رواية أنه (علیه السلام ) ولد لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب(2).
وکانت وفاته في سُرَّ مَنْ رأى(3) في داره وفيها دفن وذلک في سنة أربع وخمسين ومائتين. و سامراء بناها المعتصم سبب ذلک أن المعتصم کان قد أکثر من الغلمان الأتراک، و کانوا لا يزال يری الواحد منهم بعد الواحد قتيلا، و ذلک أنهم کانوا جفاة يرکبون الدواب فيرکضونها فى الشوارع، فيصدمون الرجل و المرأة و الصبى فيأخذهم الأبناء عن دوابهم فيضربونهم، و ربما هلک أحدهم ثم إن المعتصم خطب يوم عيد فقام إليه شيخ، فقال له: يا أبا إسحاق لا جزاک الله عن الجوار خيرا، جاورتنا و جئت بهؤلاء العلوج من غلمانک الأتراک، فأسکنتهم بيننا فأيتمت بهم صبياننا، و أرملت نساءنا و قتلت رجالنا و المعتصم يسمع کلامه، و لم ير راکبا بعدها أبدا بل صلى العيد و خرج و لم يرجع إلى بغداد(4).
و کان ابتداء العمارة بسامرا فى سنة إحدى و عشرين و مائتين، و بنيت فى أسرع مدة و هى على شاطئ دجلة، و قيل إنه أنفق على جامعها خمسمائة ألف دينار، و انتقل إليها و جعلها مقر خلافته، و قيل
ص: 240
إنه سماها بهذا الاسم لأنه لما انتقل إليها بعساکره سر کل منهم برؤيتها، فسماها سر من رأى. (1)
و الإمام الهادي (علیه السلام ) قضی شهيدا مسموما سمه المعتز العباسي(2)
وقيل: المعتمد(3)
ولعله شارک في قتله فنسب إليه أو أنه سمه بأمر من المعتز فنسب لکليهما. و کانت أمه أم ولد يقال لها سمانة أو سمانة المغربية وروى علي بن مهزيار، عن أبي الحسن الهادي (علیه السلام ) أنه قال:(4)
«أمي عارفة بحقي، وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها کيد جبار عنيد، وهي مکلوءة (أي محفوظة و مصانة) بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين»
کان يکنى بأبي الحسن(5)وأما ألقابه فکثيرة منها: النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوکل، العسکري. وقال الشيخ الصدوق في معاني أسماء الأئمة (علیه السلام ):(6)
«وسمي الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي (علیه السلام ) العسکريين لأنهما نسبا إلى المحلة التي سکناها بسر من رأى وکانت تسمى عسکرا.»
کان سبب شخوص أبي الحسن (علیه السلام ) إلى سر من رأى:(7)
أن عبد الله بن محمد کان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول ص، فسعى بأبي الحسن (علیه السلام ) إلى المتوکل، وکان يقصده بالأذى فدعاه المتوکل إلى حضور العسکر وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى، فلما وصل إليها تقدم المتوکل بأن يحجب عنه في يومه.
فنزل في خان يعرف بخان الصعاليک(8) الی ان إفرد دار له فانتقل
ص: 241
إليها(1)
و کان يجتهد المتوکل في إيقاع حيلة به، فلا يتمکن من ذلک ففي إحدى المرات سعي إليه أن في منزل الإمام الهادي (علیه السلام ) کتبا وسلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراک، فهجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا ووجدوه في بيت يتلو القرآن. فحمل إلى المتوکل.
وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وکان المتوکل جالسا في مجلس الشرب، فدخل عليه والکأس في يد المتوکل. فلما راه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الکأس التي کانت في يده فقال (علیه السلام ): والله ما يخامر لحمي ودمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال: أنشدني شعرا فقال (علیه السلام ): إني قليل الرواية للشعر فقال: لا بد فأنشده (علیه السلام ) وهو جالس عنده:
بَاتُوْا عَلَىْ قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ*غُلْبُ الرِّجَالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْقُلَلُ
وَاسْتُنْزِلُوْا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ*وَأُسْکنُوْا حُفَراً يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوْا
نَادَاهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمْ*أَيْنَ الْأَسَاوِرُ وَالتِّيْجَانُ وَالْحُلَلُ؟
أَيْنَ الْوُجُوْهُ الَّتِيْ کانَتْ مُنَعَّمَةً*مِنْ دُوْنِهَا تُضْرَبُ الْأَسْتَارُ وَالْکلَلُ
فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عَنْهُمْ حِيْنَ سَاءَلَهُمْ*تِلْک الْوُجُوْهُ عَلَيْهَا الدُّوْدُ تَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَ مَا أَکلُوْا دَهْراً وَقَدْ شَرِبُوْا*وَأَصْبَحُوْا الْيَوْمَ بَعْدَ الْأَکلِ قَدْ أُکلُوْا(2)
ص: 242
قال: فبکى المتوکل حتى بلت لحيته دموع عينيه، وبکى الحاضرون، وقال: فضرب المتوکل بالکأس الأرض ثم أمر برفع الشراب ثم رد الإمام (علیه السلام ) إلى منزله مکرما.(1)
و روي:(2)
«أنه لما کان في يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوکل أمر المتوکل بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه، وإنما أراد بذلک أن يترجل أبو الحسن (علیه السلام ).
فترجل بنو هاشم، وترجل(3) أبو الحسن (علیه السلام ) واتکأ على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميون وقالوا: يا سيدنا ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه ويکفينا الله به تعزز هذا قال لهم أبو الحسن (علیه السلام ): في هذا العالم من قلامة ظفره(4)
أکرم على الله من ناقة ثمود لما عقرت الناقة صاح الفصيل إلى الله تعالى، فقال الله سبحانه: (تَمَتَّعُواْ فِي دَارِکمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِک وَعْدٌ غَيْرُ مَکذُوبٍ)(5) فقتل المتوکل يوم الثالث.(6)
ص: 243
ص: 244
ص: 245
و روي انه قال و قد اجهده المشي: اما انه قد قطع رحمي(1)قطع الله أجله.»
وبعد وفاة المتوکل الذي جرع الإمام الغصص طيلة أربعة عشر عاما، عاش الإمام مع حکام بني العباس، أجبروه على البقاء في سامراء عاش سبعة أعوام مع المنتصر، والمستعين، والمعتز في سامراء.
بقي (علیه السلام ) ملازما بيته، کاظما غيظه، صابرا على ما مسه من الأذى، من حکام زمانه، حتى قضى نحبه، ولقى ربه، مظلوما، شهيدا، متأثرا بسم دسه إليه المعتز العباسي فمرض منه الإمام (علیه السلام ) مرضا کانت فيها وفاته فأحضر ابنه أبا محمد الحسن (علیه السلام ) وأعطاه مواريث الأنبياء ونص عليه وأوصى إليه بمشهد ثقات من أصحابه إلى أن دنت وفاته فأسبل يديه وغمض عينيه ومدد رجليه وتشهد الشهادتين وعرق جبينه وسکن أنينه وفاضت روحه الطاهرة "رحم الله من نادی وا اماماه وا غريبا وا
ص: 246
مظلوما" ثم
غسله الإمام العسکري (علیه السلام ) وحنطه وأدرجه في أکفانه لکن لا یوم کیومک یا اباعبدالله.
شبله يغسله او تتصارخ اعياله*اوشاله اونزله اوفوگه الترب هاله
بس احسين محد غسله أو شاله*ثلث تيام ظل مطروح بالوادي
نعم، اجتمع الناس في دار الإمام الهادي (علیه السلام ) وبينما هم کذلک، وإذ قد فتح باب، وقد خرج منه إمامنا العسکري (علیه السلام ) لکن بأي حال؟ فقد خرج حاسرا مکشوف الرأس مشقوق الثياب کأن وجهه وجه أبيه، کأني به ينادي: وا أبتاه.
أقول: إذا لا تلام سيدتنا زينب (علیه السلام ) لما نظرت إلى رأس أخيها الحسين (علیه السلام ) في طشت، بين يدي يزيد بن معاوية، وبيده السوط، وهو يضرب به ثنايا أبي عبد الله؟ لا تلام حينما نادت بصوت حزين يقرح القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا ابن مکة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء، سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى.
يحسين راسک حين شفته*تلعب عصه ايزيد اعله شفته
ذاک الوگت وجهي لطمته*يا سلوة الهادي او مهجته
يا سلوة الهادي ومهجته*شلت يمينک يلضربته
و کان يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى:
لَيْتَ أَشْياخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا*جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعَ الأَسَل
لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً*ثُمَّ قَالُوا يا يَزيدُ لا تَشَل
قَدْ قَتَلْنا القَرْمَ مِنْ سَادَاتِهِم*وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فاعْتَدَل
لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالمُلْک فَلا*خَبَرٌ جَاء وَلا وَحْيٌ نَزَل
روي عن الإمام علي بن الحسين (علیه السلام ) أنه قال: «لما أرادوا الوفود بنا على يزيد بن معاوية أتونا بحبال وربطونا مثل الأغنام وکان الحبل بعنقي وعنق أم کلثوم، وبکتف زينب وسکينة والبنيات، وساقونا وکلما قصرنا عن المشي ضربونا، حتى أوقفونا بين يدي يزيد، فتقدمت إليه وهو على سرير مملکته، وقلت له: ما ظنک برسول الله لو يرانا على هذه الصفة فأمر بالحبال فقطعت من أعناقنا واکتافنا».(1)
وروي أيضا: أن الحريم لما أدخلن إلى يزيد بن معاوية، کان ينظر إليهن ويسأل عن کل واحدة بعينها وهن مربطات بحبل طويل، وکانت بينهن امرأة تستر وجهها بزندها، لأنها لم تکن عندها ما تستر به
ص: 247
وجهها.(1)
فقال يزيد: من هذه؟ قالوا: سکينة بنت الحسين. فقال: أنت سکينة؟ فبکت واختنقت بعبرتها، حتى کادت تطلع روحها فقال لها: وما يبکيک؟ قالت: کيف لا تبکي من ليس لها ستر تستر وجهها ورأسها، عنک وعن جلسائک؟ و هنا فقام إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية وهو يعنی سکینة بنت الحسین، وکنت بنت وضيئة یعنی فی وجهها نور و جمال فأرعدت سکینة، فأخذت بثياب عمتها: زينب، و قالت يا عمتاه: أوتمت و أستخدم؟(2) (کل من یصیر یتیم یکون خادم عند الناس).(3)
زینب تخاطب الحسین:
خويه يحسين والله حيرتني*أنا حرمة بيتامى کفلتني
يخويه توصيني بالايتام*أنا حرمة وطحت ما بين ظلام
خويه الموت لو يرضى بدالک*ترانا نروح کلنا فداياک
يخويه تحيرت والله بيتاماک*يحسين ما لي حيل فرگاک
والمثل هذا الوگت ردنا*يا ريف اليتامى لا عدمناک
اَلْيَوْمَ أَصْبَغُ فِيْ عَزَاک مَلَابِسِيْ*سُوْداً وَأَسْکبُ هَاطِلَاتِ الْأَدْمُع
ص: 248
الإمام الحادي عشر، ولد بالمدينة سنة 231 من الهجرة، وتوفي ودفن بسامراء مع أبيه سنة 260، وأمه أم ولد، وتسمى سوسن، وأقام مع أبيه 23 سنة وأشهرا، وبعد أبيه خمس سنين وأشهرا. کنيته أبو محمد، ولقبه العسکري، لانه کان يسکن في سامراء بمحلة تعرف بالعسکر(1). و أولاده: ليس له من الولد سوى محمد بن الحسن، وهو الحجة المنتظر. بقي طوال حياته في سامراء تحت الحصار والإقامة الجبرية استمر هذا الحال معه طوال عمره القصير الذي لم يتجاوز 28 سنة.(2)
قال الرواة: کانت أخلاقه کاخلاق جده رسول الله صلی الله علیه و آله في هديه وسکونه وعفافه ونبله وکرمه، وکان على صغر سنة مقدما على العلماء والرؤساء، معظما عند سائر الناس. وقدمنا أن ما جرى لاول الائمة في الفضائل وصفات الکمال يجري لاخرهم، وانهم في ذلک سواء.
دخل العباسيون على صالح بن وصيف، و دخل صالح بن علي و غيره من المنحرفين عن هذه الناحية(3) على صالح بن وصيف عند ما حبس أبا محمد (علیه السلام ) فقال لهم صالح: و ما أصنع؟ قد وکلت به رجلين أشر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام الى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل کله لا يتکلم و لا يتشاغل، و إذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا(4)
و تداخلنا ما لا نملکه من أنفسنا، فلما سمعوا ذلک انصرفوا خائبين.(5)
ص: 249
تلک السنوات التي عاشها تحت الرقابة والحصار، منعته من لقاء الناس، کان يجبر على الخروج ليحضر قصر الحکم مرتين في الأسبوع، وحتى ضمن هذا الطريق کانت الحالة صعبة وحساسة ولذلک روی عن حلبي:(1)«اجتمعنا
بالعسکر و ترصدنا لأبي محمد (علیه السلام ) يوم رکوبه فخرج توقيعه ألا لا يسلمن علي أحد و لا يشير إلي بيده و لا يومئ فإنکم لا تؤمنون على أنفسکم قال و إلى جانبي شاب فقلت من أين أنت قال من المدينة قلت ما تصنع هاهنا قال اختلفوا عندنا في أبي محمد (علیه السلام ) فجئت لأراه و أسمع منه أو أرى منه دلالة ليسکن قلبي و إني لولد أبي ذر الغفاري فبينما نحن کذلک إذ خرج أبو محمد (علیه السلام ) مع خادم له فلما حاذانا نظر إلى الشاب الذي بجنبي فقال أ غفاري أنت قال نعم قال ما فعلت أمک حمدوية فقال صالحة و مر فقلت للشاب أ کنت رأيته قط و عرفته بوجهه قبل اليوم قال لا قلت فينفعک هذا قال و دون هذا».
هکذا کانت ظروف حياته معاناة في الحصار، ومعانة أخرى في السجون. لذلک تجد المعلومات التي يسجلها التاريخ عن الإمام معلومات شحيحة قليلة، أولا لقصر عمره الشريف، وثانيا بسبب هذا الحصار والسجن، وبالتالي فقد حرمت الأمة کثيرا من المعارف والعلوم التي کانت ستکسبها من الإمام. ومع ذلک فقد وصلت إلينا ثروة من توجيهاته ومعارفه.
کان لانتشار الفساد في البلاد أثر في تململ الناس واتساع نقمتهم، وثار العلويون في أماکن عديدة، فقد ثار الحسن بن زيد العلوي(2)
وسيطر
ص: 250
على طبرستان. وفي البصرة اندلعت ثورة الزنج(1)
وادعى قائدها انتسابه إلى أهل البيت، لکن اعلن الإمام (علیه السلام ) قائلا: إن صاحب الزنج ليس منا أهل البيت(2).
تعرض الإمام إلى المضايقات وألقي في السجن مرات عديدة وقد أوکل الخلفاء به سجانين قساة سرعان ما تبهرهم أخلاق الإمام، فيعودوا إلى فطرتهم طيبين. يقول صالح بن وصيف(3): وکلت به رجلين شر من قدرت عليه، ولکنهما بعد أيام بسيطة تحولا إلى عنصرين صالحين،
ص: 251
والتزما بالعبادة والصلاة لأنهما رافقا هذا الإمام العظيم ورأيا حياته وسيرته. مرة أخرى سجن عند علي بن أوتامش(1) وکان شديد العداوة والبغض لأهل البيت (علیه السلام ) لکنه بعد فترة أصبح من أکثر الناس بصيرة، ومن أکثرهم مودة وقربا إلى أهل البيت.
إسحاق الکندي(2) کان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن و شغل نفسه بذلک و تفرد به في منزله و أن بعض تلامذته دخل يوما على الإمام الحسن العسکري فقال له أبو محمد (علیه السلام ) أ ما فيکم رجل رشيد يردع أستاذکم الکندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن فقال التلميذ نحن من تلامذته کيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره فقال له أبو محمد أ تؤدي إليه ما ألقيه إليک قال نعم.
قال فصر إليه و تلطف في مؤانسته و معونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأنسة في ذلک فقل قد حضرتني مسألة أسألک عنها فإنه يستدعي ذلک منک فقل له إن أتاک هذا المتکلم بهذا القرآن هل يجوز أن يکون مراده بما تکلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنک ذهبت إليها فإنه سيقول لک إنه من الجائز لأنه رجل يفهم إذا سمع فإذا أوجب ذلک فقل له فما يدريک لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيکون واضعا لغير معانيه فصار الرجل إلى الکندي و تلطف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة فقال له أعد علي فأعاد عليه فتفکر في نفسه و رأى ذلک محتملا في اللغة و سائغا في النظر فقال أقسمت إليک إلا أخبرتني من أين لک فقال إنه شي ء عرض بقلبي فأوردته عليک فقال کلا ما مثلک من اهتدى إلى هذا و لا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من أين لک هذا فقال أمرني به أبو محمد فقال الآن جئت به و ما کان
ص: 252
ليخرج مثل هذا إلا من ذلک البيت ثم إنه دعا بالنار و أحرق جميع ما کان ألفه.»(1)
«علي بن الحسن بن سابور قال: کان في زمن الحسن الأخير (العسکري "ع") قحط فخرجوا للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يمطر عليهم قال فخرج يوم الرابع بالجاثليق مع النصارى فسقوا فخرج المسلمون يوم الخامس فلم يمطروا فشک الناس في دينهم فأخرج المتوکل الحسن (علیه السلام ) من الحبس و قال أدرک دين جدک يا أبا محمد فلما خرجت النصارى و رفع الراهب يده إلى السماء قال أبو محمد لبعض غلمانه خذ من يده اليمنى ما فيها فلما أخذه کان عظما أسود ثم قال استسق الآن فاستسقى فلم يمطروا و صحت السماء فسأل المتوکل عن العظم قال لعله أخذ من قبر نبي و لا يکشف عظم نبي إلا ليمطر».(2)
و روی «أبو حمزة نصر الخادم قال: سمعت أبا محمد (علیه السلام ) عنه يکلم غلمانه بلغاتهم فيهم ترک و روم و صقالبة(3) فقلت في نفسي هذا ولد بالمدينة و لم يظهر حتى مضى أبو الحسن فکيف هذا فأقبل علي فقال إن الله بين حجته من سائر خلقه و أعطاه معرفة کل شي ء فهو يعرف اللغات و الأنساب و الحوادث و لو لا ذلک لما کان بين الحجة و المحجوج فرق.» (4)
فی التفسير الإمام العسکري (علیه السلام ) نقلا عن جده الإمام الصادق: « علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس و عفاريته، يمنعونهم عن
ص: 253
الخروج على ضعفاء شيعتنا، و عن أن يتسلط عليهم إبليس و شيعته النواصب. ألا فمن انتصب لذلک من شيعتنا کان أفضل ممن جاهد الروم و الترک و الخزر(1)
ألف ألف مرة، لأنه يدفع عن أديان محبينا، و ذلک يدفع عن أبدانهم.»(2)
و في کتاب «تاريخ قم، للحسن بن محمد القمي قال رويت عن مشايخ قم أن الحسين بن الحسن بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (علیه السلام ) کان بقم يشرب الخمر علانية فقصد يوما لحاجة باب أحمد بن إسحاق الأشعري و کان وکيلا في الأوقاف بقم فلم يأذن له و رجع إلى بيته مهموما فتوجه أحمد بن إسحاق إلى الحج فلما بلغ سر من رأى استأذن على أبي محمد الحسن العسکري (علیه السلام ) فلم يأذن له فبکى أحمد لذلک طويلا و تضرع حتى أذن له فلما دخل قال يا ابن رسول الله لم منعتني الدخول عليک و أنا من شيعتک و مواليک قال (علیه السلام ) لأنک طردت ابن عمنا عن بابک فبکى أحمد و حلف بالله أنه لم يمنعه من الدخول عليه إلا لأن يتوب من شرب الخمر.
قال صدقت و لکن لا بد عن إکرامهم و احترامهم على کل حال و أن لا تحقرهم و لا تستهين بهم لانتسابهم إلينا فتکون من الخاسرين فلما رجع أحمد إلى قم أتاه أشرافهم و کان الحسين معهم فلما رآه أحمد وثب إليه و استقبله و أکرمه و أجلسه في صدر المجلس فاستغرب الحسين ذلک منه و استبدعه و سأله عن سببه فذکر له ما جرى بينه و بين العسکري (علیه السلام ) في ذلک فلما سمع ذلک ندم من أفعاله القبيحة و تاب منها و رجع إلى بيته و أهرق الخمور و کسر آلاتها و صار من الأتقياء المتورعين و الصلحاء المتعبدين و کان ملازما للمساجد معتکفا فيها حتى أدرکه الموت و دفن قريبا من مزار فاطمة رضي الله عنهما.»(3)
ص: 254
نتبرک بتوجيهات من الإمام العسکري (علیه السلام ) قال:(1)
« أعرف الناس بحقوق إخوانه، و أشدهم قضاء لها، أعظمهم عند الله شأنا، و من تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصديقين، و من شيعة علي بن أبي طالب (علیه السلام ) حقا».
و الاهتمام بحقوق إخوانک من أهم العبادات کما يقول الإمام الصادق (علیه السلام ): «للمؤمن على المؤمن سبع حقوق واجبة من الله عز وجل: الإجلال له في عينه، والود له في ماله، وأن يحرم غيبته، وأن يعوده في مرضه، وأن يشيع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا».(2)
وورد عن الإمام الکاظم (علیه السلام ) أنه وقف أمام الکعبة ثم قال: «ما أعظم حقک يا کعبة ووالله إن حق المؤمن لأعظم من حقک».(3)
وقال: «إن من طاف بالبيت سبعة أشواط کتب الله له ستة الاف حسنة ومحى عنه ستة الاف سيئة، ورفع له ستة الاف درجة، وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف وطواف حتى عد عشرا».(4)
و قال الإمام حسن العسکري (علیه السلام ) لشيعته:(5)
«أوصيکم بتقوى الله و الورع في دينکم و الاجتهاد لله و صدق الحديث و أداء الأمانة إلى من ائتمنکم من بر أو فاجر و طول السجود و حسن الجوار فبهذا جاء محمد صلی الله علیه و آله صلوا في عشائرهم و اشهدوا جنائزهم و عودوا مرضاهم و أدوا حقوقهم فإن الرجل منکم إذا ورع في دينه و صدق في حديثه و أدى الأمانة و حسن خلقه مع الناس قيل هذا شيعي فيسرني ذلک اتقوا الله و کونوا زينا و لا تکونوا شينا جروا إلينا کل مودة و ادفعوا عنا کل قبيح.»(6)
ص: 255
و قال الإمام حسن العسکري (علیه السلام ):(1)«ما ترک الحق عزيز إلا ذل، ولا أخذ به ذليل إلا عز» و قال:(2)«خصلتان ليس فوقهما شيء: الإيمان بالله ونفع الإخوان» و قال: (3)
«جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في کبره» و قال:(4)«ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون» و قال: «کفاک أدبا تجنبک ما تکره من غيرک» و قال:(5)«جعلت الخبائث في بيت ومفتاحه الکذب»
قال اصحاب التواریخ أن مولانا الحسن بن علي العسکري (علیه السلام ) کان قد أراد قتله الثلاثة ملوک، الذين کانوا في زمانه، وحبسوه عدة دفعات. روی إسماعيل النوبختي، قال: دخلت على أبي محمد العسکري (علیه السلام ) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد يا عقيد اغل ماء بمصطکى(6)
(و هو الدواء) فأغلى له، ثم جاءت به الجارية، أم المهدی (عجل الله فرجه) فلما صار القدح في يديه، وهم بشربه، فجعلت يده ترتعد، حتى ضرب القدح ثنايا الحسن (علیه السلام ) فترکه من يده، وقال لعقيد: ادخل البيت فإنک ترى صبيا ساجدا، فأتني به. قال عقيد: فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد، رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه، فأوجز في صلاته، فقلت: إن سيدي يأمرک بالخروج إليه فلما
ص: 256
مثل الصبي بين يديه، فلما راه الحسن (علیه السلام ) بکى، وقال: يا سيد أهل بيته، اسقني الماء، فإني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطکى بيده، ثم حرک شفتيه، ثم سقاه، فلما شربه.
قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل، فوضأه الصبي واحدة واحدة، ومسح على رأسه وقدميه، فقال له أبو محمد (علیه السلام ): أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه. (1)
أقول: سيدي يا صاحب الزمان، قدمت ماء لأبيک العسکري (علیه السلام ) سيدي لکن جدک الحسين (علیه السلام ) نادى يوم العاشر من محرم: "يا قوم، اسقوني جرعة من الماء، فلقد تفتت کبدي من شدة العطش"، سيدي لم يبلل شفتيه بقطرة ماء... سيدي حرموه الماء وأجابوه: يا حسين، لن تذوق الماء حتى ترد الحامية، فتشرب من حميمها، قال: "أنا أرد الحامية؟ لا والله، بل أرد على جدي رسول الله، فيسقيني بکأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا".
نعم، کانت عنده زينب (علیه السلام )، ساعد الله قلب زينب صلی الله علیه و آله، عز عليها أن تنظر إلى أخيها الحسين (علیه السلام ) عيناه غائرتان في أم رأسه، شفتاه ذابلتان من العطش، لسانه کالخشبة اليابسة، يعز على زينب أن تنظر إلى أخيها بتلک الحالة، تريد أن تقدم الماء إليه، ولکن من أين تأتيه بالماء؟ ساعد
الله قلب زينب، عز عليها أن تنظر إلى أخيها الحسين (علیه السلام ) عيناه غائرتان(2) في أم رأسه، شفتاه ذابلتان من العطش، لسانه کالخشبة اليابسة، يعز على زينب أن تنظر إلى أخيها بتلک الحالة، تريد أن تقدم الماء إليه، ولکن من أين تأتيه بالماء؟ حط اصابیعها علی راسها صاحت:
يا ناس درب المشرعة امنين*ولکم عطشان اخيي يا مسلمين
أنا بعيني لجيب الماي لحسين
خوي أنا ما بعيني دمع واسقيک*يا نور عيني اشبيدي عليک
يلوج من العطش و یصیح*وحق جدي النبي عطشان
یهل الوادم درحمونی*گطرت مای دسگونی
ولکم بعد ما شوف بعیونی
ص: 257
الإمام المهدی (عجل الله فرجه) یقول: السلام علی العیون الغائرات (السلام على الشفاه الذابلات السلام على العيون الغائرات السلام على المرمل بالدماء) بعد ما یرای بعیونه و لذا واحد طیعن بیه بالسیف او واحد بالرمح اویلی یاابو السجاد زینب دارت وجهها الی جدها صاحت يا جداه يا رسول الله، صلى عليک مليک السما، هذا حسينک بالعرا، مرملا بالدما، مسلوب العمامة والردا و بناتک سبایا و الی الله المشتکی.(1)
یجدی احسین چنت اتقبل ایدیه*تعال الکربلا اوشوف اشجره اعلیه
یعالج وحده او یفحص ابرجلیه
یجدی بعد شلی اب حیاتی*یاریت الیوم جدی مماتی
عباتک جیبه او شده ابعباتی*و استر بیه عماتی او خواتی
مالی غیرک یا حبیب امی الزکیه*مالی غیرک یالچنت خیمه علیه
مالی غیرک یا دمع عینی الجریه*مالی غیرک یا غریب الغاضریه
مالی غیرک یا طریح اعلی الوطیه*مالی غیرک خویه اخر شی سبیه
مالی غیرک و الناس تتفرج علیه
بعد ذلک قام إمامنا، وصاحب زماننا (عجل الله فرجه)، بتجهيز أبيه، وصلى على أبيه (علیه السلام ) عظم الله لک الأجر، مولانا يا صاحب الزمان، أنت الذي صليت على جنازة أبيک (علیه السلام ) لکن من الذي صلى على جثمان جدک الحسين (علیه السلام ) ؟
صَلَّتْ عَلَى جِسْمِ الحُسَيْنِ سُيُوفُهُمْ*فَغَدَا لِسَاجِدَةِ الظُّبَا مِحْرَابَا
وبمجرد أن رفعت الجنازة، هجموا على دار إمامنا العسکري (علیه السلام ) انتهبوا أمواله، و سلبوا جواريه أقول: سيدي يا صاحب الزمان، هذه ليست المرة الأولى، التي يهجم فيها على دارکم، نعم، قبل ذلک لما سقط إمامنا الحسين (علیه السلام ) على رمضاء کربلا، هجموا على خيامه، وأحرقوها بالنار، وسلبوا عياله.(2)
هجمت بني أمية على خيام النساوين*هاي سلبوها وذيک لطموها على العين
تستنهض العباس من الامها*وتقول قم واحمي الحمى بالمخذم
ص: 258
هذي أمية أقبلت بخيولها*والنار تحملها لحرق مخيمي
ص: 259
ص: 260
للتسلیم تتوجه نحو مدینة کربلاء و تقول:
«السلام عليک عليک يا سیدی و مولای یا ابا عبداللّه، السلام عليک يابن رسول اللّه، و ابن فاطمه الزهراء، و ابن امير المؤمنين و ابن سيد الوصيين السلام عليک يا ابا عبدلله وعلى الارواح التي حلت بفنائک عليک مني سلام الله ابدا مابقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله اخر العهد مني لزيارتکم السلام علی الحسین وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين السلام علی اخیک أبا الفضل العباس وعلى اختک زينب الحوراء رزقنا الله زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الاخرة»
ثم تتوجه نحو مدینة مشهد التی فیها قبر الإمام الرضا (علیه السلام ) و تقول:
«السلام عليک يا غريب الغربا و يا معين الضعفاء و الفقرا في یوم الجزاء السلطان یا ابا الحسن یا علی بن موسی الرضا ايها المدفون بارض طوس، السلام عليک و علی آبائک السبعة و ابنائک الاربعة و اختک فاطمة المعصومة و رحمة الله و برکاته.»
ثم تتوجه نحو القبلة و تقول: «السلام عليک يا صاحب الزمان و يا شريک القرآن، السلام عليک يا خليفة الرحمن و يا قاطع البرهان، عجل الله فرجک و سهل الله لنا مخرجک و جعلنا من انصارک و اعوانک و المستشهدین بین یدیک الأمان الأمان یا سیدی من جور الزمان، السلام عليک رحمة الله و برکاته.»
الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذى يُطعِمُ و لا يُطعَم و يَرزُقُ و لا يُرزَق هنيئا للاکلين و برکة للباذلين و صحة للجالسين وشفاء لمرضى المؤمنين، زاد الله النعم دفع الله النقم بحق سيد العرب و العجم اللهم تقبل حسنات المحسنين لا سيما هذا الاحسان من هذا المحسن اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الاحياء منهم و الاموات و اغفر لاموات الحاضرين لاسيما اموات صاحب هذا الطعام، رحم الله من قرء الفاتحة مع الصلوات.
التکبیر الاول: اللّه أَکبرْ، أَشهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللّه، وَحدَهُ لاَ شَريک له، إِلهاً واحداً أَحداً صَمَداً فَردْاً حَياً قَيوُّماً دائِماً أَبَداً، وأَشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، أَرسلَهُ بالهُدى ودينِ الحَقِّ ليُظهِرَهُ علَى الدِّينِ کلهِ ولَو کرِهَ
ص: 261
المُشرِکونَ.
التکبیر الثانی: اللّه أَکبَرْ، اللّهمَّ صَلِّ علَى مُحمدٍ وآلِ مُحمد، وبَارِک علَى مُحمدٍ وآلِ مُحمد وارْحمْ مُحمَّداً وآلَ مُحمدٍ، أَفضَلَ ما صليتَ وبارکتَ وتَرحَّمْتَ على إِبراهيمَ وآلِ إبِراهيمَ، إِنک حَميدٌ مَجيدٌ، وصَلِّ على جميعِ الأنبياءِ والمُرسلينَ.
التکبیر الثالث: اللّه أَکبرْ، اللّهم اغفرْ للمؤمنينَ والمُؤمناتِ، والمُسلِمينَ والمُسلِماتِ، الأَحياءِ منهم والأمْواتِ، تابعِ اللّهم بيننا وبينهم بالخيراتِ، إنک على کلِّ شيءٍ قَديرٍ.
التکبیر الرابع: اللّه أکبر، اللّهم إنَّ هذا المُسجَّى قدَّامَنا عبدُک وابنُ عَبدِک وابنُ أَمتک، نَزَل بک وأَنتَ خَيرُ مَنزول به، اللّهم إنَّک قَبْضتَ روحَه إِليک، وقَدِ احتاجَ إلى رَحْمتِک، وأَنت غَنِيٌّ عنْ عَذابِه، اللّهمَّ إنَّا لا نَعلَمُ مِنهُ إلا خَيْراً، وأَنتَ أَعلَمُ بهِ مِنَّا، اللّهمَّ إنْ کانَ مُحسِناً فَزِدْ في إِحسانِه، وإنْ کان مُسيئاً فتَجاوزْ عن سيئاتهِ، واغفرْ لنا وله، اللّهم احشرْهُ معْ منْ يتَولاَّه ويُحبُّه، وأَبعِدْه ممن يتَبرأُ مِنهُ ويُبغِضُه، اللّهم أَلحقْه بنبيِّک وعَرِّفْ بيْنهُ وبيَنه، وارحمنا إذا توفيتَنا يا إِلهَ العالمين، اللّهم اکتُبْه عندک في أعْلى عليين، وأخلُفْ على عقِبهِ في الغابرين، واجعلْه من رُفقاءِ محمدٍ وآلهِ الطاهرين، وارحمْهُ وإِيانا برحمَتک يا أَرحمَ الرَّاحمينَ.) ثم يکبر التکبيرة الخامسة وتنتهي بها الصلاة.
والأولى أن يقول بعد الفراغ من الصلاة: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. ولا بد من ملاحظة أنه بعد التکبيرة الرابعة ينبغي أن يقول إذا کان الميت أنثى: (اللهم إن هذه المسجاة قدامنا عبدتک وابنة عبدک وابنة أمتک) الخ بصيغة المؤنث لا المذکر.
أجمع کلمة في التلقين أن يقول: (اسمع افهم يا فلان بن فلان) ثلاث مرات ذاکرا اسمه واسم ابيه، ثم يقول: (هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريک له، وأن محمدا صلی الله علیه و آله عبده ورسوله وسيد النبيين وخاتم المرسلين، وأن عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام افترض الله طاعته على العالمين، وأن الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن ابن علي والقائم الحجة المهدى (عجل الله فرجه) أئمة المؤمنين وحجج الله على الخلق أجمعين، وأئمتک أئمة هدى بک أبرار، يا فلان
ص: 262
بن فلان إذا أتاک الملکان المقربان رسولين من عند الله تبارک تعالى وسألاک عن ربک وعن نبيک وعن دينک وعن کتابک وعن قبلتک وعن أئمتک فلا تخف ولا تحزن وقل في جوابهما: الله ربي، ومحمد صلی الله علیه و آله نبيي، والإسلام ديني، والقرآن کتابي والکعبة قبلتي، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمامي، والحسن بن علي المجتبي إمامي، والحسين بن علي الشهيد بکربلاء إمامي، وعلي زين العابدين إمامي، ومحمد الباقر إمامي، وجعفر الصادق إمامي، وموسى الکاظم إمامي، وعلي الرضا إمامي، ومحمد الجواد إمامي، وعلي الهادي إمامي، والحسن العسکري إمامي، والحجة المنتظر إمامي، هؤلاء صلوات الله عليهم أجمعين أئمتي وسادتي وقادتي وشفعائي، بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ في الدنيا والاخرة، ثم اعلم يا فلان بن فلان أن الله تبارک وتعالى نعم الرب، وأن محمدا صلی الله علیه و آله نعم الرسول، وأن علي بن أبي طالب (علیه السلام ) وأولاده المعصومين (علیه السلام ) الأئمة الاثني عشر نعم الأئمة، وأن ما جاء به محمد صلی الله علیه و آله حق، وأن الموت حق، وسؤال منکر ونکير في القبر حق، والبعث حق والنشور حق، والصراط حق، والميزان حق، وتطاير الکتب حق وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة اتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور) ثم يقول: (أفهمت يا فلان) وفي الحديث أنه يقول فهمت ثم يقول: (ثبتک الله بالقول الثابت، وهداک الله إلى صراط مستقيم، عرف الله بينک وبين أوليائک في مستقر من رحمته) ثم يقول: (اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليک، ولقه منک برهانا، اللهم عفوک عفوک)
(اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم)
الحمد لله الذی أحل النکاح و حرم السفاح و الزنا، و الف بین القلوب بعد الفراق و الشقاق، و انسهم بالرأفه و الصلاح، ثم الصلوه و السلام علی سیدنا محمد صلی الله علیه و آله والائمه الهداة المهدیین سیما بقیه الله في الارضین روحی له الفداء. ومن بدائع ألطافه أن خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وسلط على الخلق شهوة اضطرهم بها الحراثة جبرا واستبقى بهم نسلهم إقهارا وقسرا ثم عظم أمر الأنساب وجعل لها قدرا فحرم بسببها السفاح وبالغ في تقبيحه ردعا وزجرا وجعل اقتحامه جريمة فاحشة وأمر إمرا وندب إلى النکاح وحث عليه استحبابا وأمرا فسبحان بث بذور النطف في أراضي الأرحام وأنشأ منها خلقا والصلاة
ص: 263
و السلام علی سیدنا محمد صلی الله علیه و آله المبعوث بالإنذار والبشرى وعلى الائمه الهداه المهدیین سیما بقیه الله في الارضین روحی له الفداء صلاة لا يستطيع لها الحساب عدا ولا حصرا وسلم تسليما کثيرا أما بعد فإن النکاح معين على الدين ومهين للشياطين وحصن دون عدو الله حصين وسبب للتکثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين قال صلی الله علیه و آله: (تَنَاکحُوا
تَنَاسَلُوا أُبَاهِي بِکمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) و قال اللهُ تبارک و تعالی: (وَ اَنْکِحُوا آلْاَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ اِمائِکُمْ اِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلیمٌ) (وَمِنْ آیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُم مِّنْ أَنفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذَلِکَ لَآیَاتٍ لِّقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ) و قال رسول الله صلی الله علیه و آله: النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی. و قال صلی الله علیه و آله: (من تزوج فقد أحرز نصف دینه فلیتق الله في النصف الباقی) و قال الإمام الصادق: (رکعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين رکعة يصليها غير متزوج).
هذا و قد تقدم الرجل "احمد بن محمد بن عبدالله"(1) لکریمة قوم و هی "فاطمة
بنت قاسم بن علی" و قد بذل لها من الصداق ملیون و ثلالث مائة من الدنانیر العراقیة السالکة في المعاملة (علی ان تتم دراستها الجامعیة و ان یسمح لها بالعمل بعد الدراسة و ان یفرد لها سکننا لوحدها).(2)
علی کتاب الله و سنة نبیه و علی ولایة علی ابن ابی طالب (علیه السلام ) و الائمة من اولاده المعصومین (علیه السلام ) و علی البرائة من اعدائه و علی محبت الزهرا (علیه السلام ) و علی امساک بمعروف او تسریح باحسان بوکلاة عن موکلی قاسم بن علی (اب الزوجة) و عن کریمته فاطمة بنت قاسم بن علی (الزوجة) زوجتک یا احمد بن محمد (الزوج) علی ما اتفقتم علیه من الصداق و الشروط، قل:(3) قبلت. یقول الزوج: قبلت.
(یقول العاقد) زوجتک نفس الموکلت المذکوره علی المهر المذکور و الشروط المزبورة (یقول الزوج) قبلت.
1) (یقول العاقد) أنکحتُ مُوکِّلَتي مُوکِّلِک علی المهر المعلوم (یقول وکیل الزوج) قبلتُ النّکاحَ لمُوکّلي علی المهر المعلوم
2) (یقول العاقد) زوّجتُ مُوکِّلَتی بمُوکِّلِک علی الصداق المعیَّن (یقول
ص: 264
وکیل الزوج) قبلتُ التزویج والزواج لموکلي علی الصداق المعلوم.
3) (یقول العاقد) متّعتُ مُوکِّلَتي مُوکِّلِک علی الصداق المعلوم (یقول وکیل الزوج) قبلتُ التمتیع لموکلي علی الصداق المعلوم.
4) (یقول العاقد) زوَّجتُها بإذنها و إذن أبیها مُوکِّلَتي لموکلک علی الصداق المعلوم (یقول وکیل الزوج) قبلتُ النکاح و التزویج والزواج و التمتیعَ لموکلي علی المهر المعلوم.
5) (یقول العاقد) أنکحتُ و زوّجتُ مُوکِّلَتي من موکلي علی المهر المعلوم (یقول وکیل الزوج(1))
قبلتُ النکاح و التزویج لموکلي علی المهر المعلوم
6) (یقول العاقد) بإذنها و إذن ابیها أنکحتُ و زوّجتُ و متّعتُ مُوکِّلَتي موکلي علی المهر المعلوم (یقول وکیل الزوج) قبلتُ النکاحَ و التزویجَ و الزِواجَ و التَمتیعَ لموکلي علی المهر المعلوم
7) (یقول العاقد) أنکحتُ و زوّجتُ مُوکِّلَتي بمُوکِّلِي علی المهر المعلوم مع شرائط المذکوره (یقول وکیل الزوج) قبلتُ النکاحَ و التزویجَ والزِواجَ لموکلي علی المهر المعلوم مع شرائط المذکوره.
اللهم عجل لولیک الفرج و العافیه و النصر و اجعلنا من خیر اعوانه و انصاره أللهم احفظ و أید مراجعنا العظام اللهم انصر الاسلام و اهله واخذل الکفر و اهله اللهم على کتابک تزوجتها، وفي أمانتک أخذها، وبکلماتک استحللتها، فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرک شيطان اللهم ألف بینهما کما ألفت بین محمد صلی الله علیه و آله و خدیجه الکبری، اللهم بارک لهما و بارک علیهما و بارک بهما و اللهم ألف بینهما کما ألفت بین علی و فاطمه الزهرا علیهما السلام، اللهم طیب نسلهما واجعلهما ملازمین لمحمد و اله الطیبین الطاهرین و اجعلهما ممن قلت فیهم: (اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُکُمْ تُحْبَرُونَ) اللهم اخلف لهما ولدا صالحا و أوسع في رزقهما إنک واسع علیم. اللهم انی اعیذهما بک و ذریتهما من الشیطان الرجیم بحق محمد و اله الطاهرین.
اللهم اقض حوائج المحتاجین و اکشف هم المکروبین و فرج عن المسجونین و اشف الجرحی و المعملولین اللهم ارجع الاسری و
ص: 265
المبعدین الی اهالیهم سالمین غانمین و اقض حوائجنا و حوائج من سئلنا الدعا یا ارحم الرحمین ببرکة الصلات علی محمد و اله الطیبن الطاهرین.
بسم الله الرحمن الرحیم أنکحتُ و زوّجتُ مُوکِّلَتي (اسم الزوجة) بمُوکِّلِي (اسم الزوج) عَلَى الْمَهْرِ الْمَعْلُومِ... قَبِلْتُ النِّکاحَ و التَّزْوِيجَ والزِواجَ لموکِّلَتی و لِمُوَکلِي عَلَى الْمَهْرِ الْمَعْلُومِ.
بسم الله الرحمن الرحیم أنکحتُ و زوّجتُ مُوکِّلَتي فاطمة(1)
بمُوکِّلِي احمد فِى الْمُدَّه الْمَعْلُومَه عَلَى الْمَهْرِ الْمَعْلُومِ …… قَبِلْتُ النِّکاحَ و التَّزْوِيجَ والزِواجَ لموکِّلَتي و لِمُوَکلِي فِى الْمُدَّه الْمَعْلُومَة عَلَى الْمَهْرِ الْمَعْلُومِ.
الزیان(2)
یقول الخطیب: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) من جملة تقالیدنا مسألة تقدیم هدیة (چسوت) الزیان و هی بالواقع مسحة دمع و تسلیة لاسرة المتوفی و یتقدم الی هذا الامر سماحة الشیخ فلان (اسم مقدم الهدیة) و یقدم الچسوة الی بیت فلان (اسم المتوفي) و اخوته و بنوعمومته و نسأل الله ان یکسو الجمیع من ثیاب الجنة.
ص: 266
حبست ادموع عيني اعليک للشام*خوفي اتشوفني اعيون الشماته
واخنگ عبرتي وادفن بالالام*حرام انچان ساعه الليل اباته
حسين حسين*حسين حسين
على ظهور الهزل دارتنه الأيام*ومشونه ابدرب ما ماشياته
يتفرج علينه الخاص والعام*واحنه اخيالنه ماشايفاته
تدگ اطبولها ويضرب الدمام*سمعونه الحجي الما سامعاته
مرامي اعيونهم امضه من السهام*و اصبح خارجي حسين و خواته
من بلد البلد والروس جدام*و راسک عمه اعيون امدللاته
حسين حسين*حسين حسين
کل خطوه ابجرح ماشيت الاجناب*و کل نظره ابسهم ترميني العيون
وکل يوم اليسر عديته بمصاب*ومابيه جرح بمصيبتي ايهون
ريت ابدال راسک راسي ينشال*گد ما بالحجر چانوا يرامون
هلاهلهم طرب واتگول نشاب*علينه واستحي اشچانو يگولون
حسين حسين*حسين حسين
گدما خوفنه چان اعله الاحجاب*ردنه الگوم بينه ابليل يحدون
دولبنه الزمان اشلون دولاب*ضعنه بالخلگ مثل اليضيعون
طلعت امن الوطن وياک*عاين لي اشصفه ابحالي
نوبة من اطلع ويالگوم*من هيبتي اشيصفالي
انه ام الخدر زينب*المحد شاهد اخيالي
اطب المجلس إبن زياد*وعين الغرب تبرالي
حسين حسين*حسين حسين
رکبت الحرم کلها*عيني اعليک يالوالي
منهو الي يرچبني*الناگه ارچابها عالي
حرمه وگطع بيه الحيل*وأريد الحيل يبگالي
ياخويه الطريج ابعيد*گلي اشلون بالتالي
حسين حسين*حسين حسين
ونظرات الغرب چنهن سچاچين*يا عباس طبينه الدواوين
مو انته اکفلتني والوعد دين*يا عباس طبينه الدواوين
چا وين الکفاله والمکفلين*يا عباس طبينه الدواوين
ص: 267
محتاره عگب عباس وحسين*يا عباس طبينه الدواوين
تتفرج اعداکم ع النساوين*يا عباس طبينه الدواوين
هضمنه امخازر أعيون الملاعين*يا عباس طبينه الدواوين
انه ادريک خويه گلبک احنين*يا عباس طبينه الدواوين
زينب وينهه ووين الدواوين*يا عباس طبينه الدواوين
يصگأر الزلم وکت الميادين*يا عباس طبينه الدواوين
حته الليل انشده کون غافين*يا عباس طبينه الدواوين
مچتوفه ابحبل بت السلاطين*يا عباس طبينه الدواوين
موانته اکفلتني والوعد دين*يا عباس طبينه الدواوين
چم دوب الصبر يبن الميامين*يا عباس طبينه الدواوين
کون اچفوف رايد عندي چفين*يا عباس طبينه الدواوين
رايد عين هاک عيوني الاثنين*يا عباس طبينه الدواوين
ها يه ام عون گليلي اشتريدين*يا عباس طبينه الدواوين
محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
يابوالمرجله والزود*تمنيتک جنت موجود
صاحوا بالخيم فرهود*اخيک سلبوا اعياله
محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
آيا ليلة العاشر*من هجمت الخياله
زينب تکسر الخاطر*من هجمت الخياله
أمشي وية الشمر باچر*من هجمت الخياله
وانه طلابتي اطلابه*محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
دذب چفيتک الخضره*من هجمت الخياله
تاج حسين عالغبره*من هجمت الخياله
بالخيل انسحگ صدره*من هجمت الخياله
وذر متگطعه اوصاله*محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
انساها احچاية الخوه*من هجمت الخياله
بعد متلوگ مو حلوه*من هجمت الخياله
راحت وي ابو النخوه*من هجمت الخياله
ويه ايمينه وشماله*محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
اسولفلک بعد منظر*من هجمت الخياله
ص: 268
ابجثث والينه نتعثر*من هجمت الخياله
عبينه انشگت من الجر*من هجمت الخياله
وانه اطلابتي اطلابه*محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
يمحمد وسف گاعد*من هجمت الخياله
لاخيک ما بگه واحد*من هجمت الخياله
على صدره الشمر صاعد*من هجمت الخياله
الچنت تتنومس ابجاله*محمد مادريت اشصار*من هجمت الخياله
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
حب علي فوز الشيعي غدا*فامدد لي في يوم حسابي يدا(1)
وانقذني من نار جحيم وهل*رمت شفيعا غير إمام الهدى
إن صلاتي ثم صيامي إذا*لم يشفع لي حيدر ضاعت سدى
يشهد ربي أن بروحي له*حبا دوما قلبي فيه شدا
صهر الهادي أنت مرادي علي*صهر الهادي أنت مرادي علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
يلتعيينک خصه الواحد أحد*والگالوا بخ بخ يا أسد
کذابين و زاعو سم الحسد*ينکر ليش الچان بحقک شهد
ليش تبدل يدري الأول علي*ليش تبدل يدري الأول علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
حار بشخصک يا حيدرة البشر*هتفت بمديحک مولاي السِوَر
نورک من أنوار الله انتشر*ملأ الدنيا غطى نور القمر
نفسک نفس الهادي طه الأغر*وبک اکتمل الدين وعم الظفر
ذکرک خالد حبک شاهد علي*ذکرک خالد حبک شاهد علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
سألوا قلبي أي نزيل به*قال حبيب لا يشبهه أحد
حفرت في الشريان حروف اسمه*فهو قريب مهما عني ابتعد
عين لام ياء ملئت دمي*ليوزعها في أنحاء الجسد
فإذا ما أعدائي جرحت يدي*سال ولائي فوق دمائي مدد
هو ينجيني يوم الدين علي*هو ينجيني يوم الدين علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
ص: 269
تشهد خيبر أنت الأجدر بها*لما جبريل نادى لا فتى
غير أبي السبطين علي وهل*کان سواه يذکر في هل أتى
کيف يقارن أي زعيم بمن*نفس الهادي حيث زکى منبتا
ساد الدنيا أهل الظلم فقم*يظهر منک إمام هاد متى
خير العباد بعد الهادي علي*خير العباد بعد الهادي علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
قالوا الرابع قلنا الأول علي*نص عنه في القرآن نزل
تمت فيه النعمة من ربنا*والدين بفضل الکرار اکتمل
فسأل عنه الليل وسوح الوغى*أفهل کان مثل علي بطل
والي قيادي عند الجهاد علي*والي قيادي عند الجهاد علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
وحي الخالق کبر صوت و هتف*بس لحيدر لايک-تاج الشرف
کحل أعيون الشيعة اتراب النجف*و قلبي بحبک يا ابو حسين انشغف
حبک جنة باب الجنة علي*حبک جنة باب الجنة علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
يلتعيينک خصه الواحد أحد*ولقالوا بخ بخ يا أسد
کذابين و زرعوا سم الحسد*ينکر حقک ليش الچان وشهد
ليش تبدل يدري الأول علي*ليش تبدل يدري الأول علي
علي علي مولى*علي علي مولى*علي علي مولى*علي
أنت النبع وناس الما عرفتک*يوم المحشر تسأل لو شافتک
من نورک تتعجب من هيبتک*خسرت کلها والربحت شيعتک
يوم حسابي هذا جوابي علي*يوم حسابي هذا جوابي علي
علي علي مولى علي علي مولى علي علي مولى علي
يوم الغدير بعيد الولاية*نجدد عهدنا لحامل الراية
نعلن ولانا للنذر عمره*لأجل العقيدة و روحه وفايه
من الولادة کرمه الباري*رحب بجيته وعدنا الرواية
يوم الغدير بعيد الولاية*نجدد عهدنا لحامل الراية
تشهد له ساحة الوغى حيدر*قر العيون ونزلت الاية
و من بات بفراش النبي الهادي*حمل رسالة بروحه شراية
يوم الغدير بعيد الولاية*نجدد عهدنا لحامل الراية
نجدد البيعة بکل سنة تمرنا*سيف العدالة الأمل والغاية
ص: 270
نثر الصواني الفرح بالزينة*دار الصميدة نروح مشاية
يا ما تحملنا الألم و الاه*نهجه بعمرنا نعتني عناية
عشقنا المشانق والسجن لأجله*روح الموالي بحبه وداية
منهو اليريد الجنة يضمنها*ایسير على نهجه ويتبع الراية
حب الصميدة ما نزل عنه*لو قطعونا نبقى وفايه
*****
فی الختام الیک بعض الادعیة التی یحتاج الیها الخطیب فی رحلاته التبلیغة:
حديث الکساء (1)
بِسْمِ الله الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
عَنْ فاطِمَهَ الزَهْراء عَلَیْهَا السَلامُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ والِهِ
ص: 271
قالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ اَبى رَسُول اللَّهِ فى بَعْضِ الاْیّامِ فَقالَ السَلامُ عَلَیْکِ یا فاطِمَهُ فَقُلْتُ عَلَیْکَ السَلامُ قالَ اِنّى اَجِدُ فى بَدَنى ضُعْفاً فَقُلْتُ لَهُ اُعیذُکَ بِاللَّهِ یا اَبَتاهُ مِنَ الضُعْفِ فَقالَ یا فاطِمَهُ ایتینى بِالْکِساَّءِ الْیَمانى فَغَطّینى بِهِ فَاَتیْتُهُ بِالْکِساَّءِ الْیَمانى فَغَطَّیْتُهُ بِهِ وصِرْتُ اَنْظُر اِلَیْهِ واِذا وجْهُهُ یَتلاَلَؤُ کَاَنَّهُ الْبَدْر فى لَیْلَهِ تمامِهِ وکَمالِهِ. فَما کانَتْ اِلاّ ساعَهً واِذا بِولَدِىَ الْحَسَنِ قدْ اَقْبَلَ وقالَ السَلامُ عَلَیْکِ یا اُماهُ فَقُلْتُ وعَلَیْکَ السَلامُ یا قُرَهَ عَیْنى وثمَرَهَ فؤ ادى فَقالَ یا اُماهُ اِنّى اَشَمُ عِنْدَکِ راَّئِحَهً طَیِّبَهً کَاَنَّها راَّئِحَهُ جَدّى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ نَعَمْ اِنَّ جَدَّکَ تحْت الْکِساَّءِ فَاَقْبَلَ الْحَسَنُ نَحْو الْکِساَّءِ وقالَ السَلامُ عَلَیْکَ یا جَدّاهُ یا رَسُولَ اللَّهِ اَتاْذَنُ لى اَنْ اَدْخلَ مَعَکَ تحْت الْکِساَّءِ فَقالَ وعَلَیْکَ السَلامُ یا ولَدى ویا صاحِبَ حَوْضى قدْ اَذِنْتُ لَکَ فَدَخَلَ مَعَهُ تحْت الْکِساَّءِ. فَما کانَتْ اِلاّ ساعَهً واِذا بِولَدِىَ الْحسَیْنِ قدْ اَقْبَلَ وقالَ السَلامُ عَلَیْکِ یا اُماهُ فَقُلْتُ وعَلَیْکَ السَلامُ یا ولَدى ویا قُرَهَ عَیْنى وثمَرَهَ فؤ ادى فَقالَ لى یا اُماهُ اِنّىَّ اَشَمُ عِنْدَکِ راَّئِحَهً طَیِّبَهً کَاَنَّها راَّئِحَهُ جَدّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ والِهِ فَقُلْتُ نَعَمْ اِنَّ جَدَّکَ واَخاکَ تحْت الْکِساَّءِ فَدَنَى الْحسَیْنُ نَحْو الْکِساَّءِ وقالَ السَلامُ عَلَیْکَ یا جَدّاهُ اَلسَلامُ عَلَیْکَ یا مَنِ اخْتارَهُ اللَّهُ اَتاْذَنُ لى اَنْ اَکُونَ مَعَکُما تحْت الْکِساَّءِ فَقالَ وعَلَیْکَ السَلامُ یا ولَدى ویا شافِعَ اُمَتى قدْ اَذِنْتُ لَکَ فَدَخَلَ مَعَهُما تحْت الْکِساَّءِ. فَاَقْبَلَ عِنْدَ ذلِکَ اَبُوالْحَسَنِ عَلِىُّ بْنُ اَبى طالِبٍ وقالَ السَلامُ عَلَیْکِ یا بِنْت رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ وعَلَیْکَ السَلامُ یا اَبَا الْحَسَنِ و یا اَمیرَالْمُؤْمِنینَ فَقالَ یا فاطِمَهُ اِنّى اَشَمُ عِنْدَکِ رائِحَهً طَیِّبَهً کَاَنَّها راَّئِحَهُ اَخى وابْنِ عَمى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ نَعَمْ ها هُو مَعَ ولَدَیْکَ تحْت الْکِساَّءِ فَاَقْبَلَ عَلِىُّ نَحْو الْکِساَّءِ وقالَ السَلامُ عَلَیْکَ یا رَسُولَ اللَّهِ اَتاْذَنُ لى اَنْ اَکُونَ مَعَکُمْ تحْت الْکِساَّءِ قالَ لَهُ وعَلَیْکَ السَلامُ یا اَخى یا وصِیّى وخَلیفَتى وصاحِبَ لِواَّئى قدْ اَذِنْتُ لَکَ فَدَخَلَ عَلِىُّ تحْت الْکِساَّءِ. ثُمَ اَتیْتُ نَحْو الْکِساَّءِ وقُلْتُ اَلسَلامُ عَلَیْکَ یا اَبَتاهُ یا رَسُولَ اللَّهِ اَتاْذَنُ لى اَن اَکُونَ مَعَکُمْ تحْت الْکِساَّءِ قالَ وعَلَیْکِ السَلامُ یا بِنْتى ویا بَضْعَتى قدْ اَذِنْتُ لَکِ فَدَخَلْتُ تحْت الْکِساَّءِ. فَلَمَا اکْتمَلْنا جَمیعاً تحْت الْکِساَّءِ اَخَذَ اَبى رَسُول اللَّهِ بِطَرَفَىِ الْکِساَّءِ واَوْمَئَ بِیَدِهِ الْیُمْنى اِلَى السَماَّءِ وقالَ اَللّهُمَ اِنَّ هؤُلاَّءِ اَهْل بَیْتى وخاَّصَّتى وحاَّمَتى لَحْمُهُمْ لَحْمى ودَمُهُمْ دَمى یُؤْلِمُنى ما یُؤْلِمُهُمْ ویَحْزُنُنى ما یَحْزُنُهُمْ اَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَهُمْ وسِلْمٌ لِمَنْ سالَمَهُمْ وعَدُوُّ لِمَنْ عاداهُمْ ومُحِبُ لِمَنْ اَحَبَهُمْ اِنَّهُمْ مِنّى و اَنَا مِنْهُمْ فَاجْعَلْ صَلَواتِکَ وبَرَکاتِکَ ورَحْمَتکَ وغفْرانَکَ ورِضْوانَکَ عَلَىَّ وعَلَیْهِمْ
ص: 272
واَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِجْسَ وطَهِّرْهُمْ تطْهیراً. فَقالَ اللَّهُ عَزَوجَلَّ یا مَلاَّئِکَتى ویا سُکّانَ سَمواتى اِنّى ما خَلَقْتُ سَماَّءً مَبْنِیَّهً ولا اَرْضاً مَدْحِیَّهً ولا قمَراً مُنیراً ولا شَمْساً مُضِیَّئَهً ولا فَلَکاً یَدُور ولا بَحْراً یَجْرى ولا فلْکاً یَسْرى اِلاّ فى مَحَبَهِ هؤُلاَّءِ الْخَمْسَهِ الَّذینَ هُمْ تحْت الْکِساَّءِ فَقالَ الاْمینُ جِبْراَّئیل یا رَبِ ومَنْ تحْت الْکِساَّءِ فَقالَ عَزَوجَلَّ هُمْ اَهْل بَیْتِ النُّبُوَّهِ ومَعْدِنُ الرِسالَهِ هُمْ فاطِمَهُ واَبُوها وبَعْلها وبَنُوها. فَقالَ جِبْراَّئیل یا رَبِ اَتاْذَنُ لى اَنْ اَهْبِطَ اِلَى الاْرْضِ لاِکُونَ مَعَهُمْ سادِساً فَقالَ اللَّهُ نَعَمْ قدْ اَذِنْتُ لَکَ فَهَبَطَ الاْمینُ جِبْراَّئیل وقالَ السَلامُ عَلَیْکَ یا رَسُولَ اللَّهِ الْعَلِىُّ الاَعْلى یُقْرِئُکَ السَلامَ ویَخصُّکَ بِالتَّحِیَّهِ والاکْرامِ ویَقُول لَکَ وعِزَتى وجَلالى اِنّى ما خَلَقْتُ سَماَّءً مَبْنِیَّهً ولا اَرْضاً مَدْحِیَّهً ولا قمَراً مُنیراً ولا شَمْساً مُضَیئَهً ولا فَلَکاً یَدُور ولا بَحْراً یَجْرى ولا فلْکاً یَسْرى اِلاّ لاِجْلِکُمْ ومَحَبَتِکُمْ وقدْ اَذِنَ لى اَنْ اَدْخلَ مَعَکُمْ فَهَلْ تاْذَنُ لى یا رَسُولَ اللَّهِ فَقالَ رَسُول اللَّهِ وعَلَیْکَ السَلامُ یا اَمینَ وحْىِ اللَّهِ اِنَّهُ نَعَمْ قدْ اَذِنْتُ لَکَ فَدَخَلَ جِبْراَّئیل مَعَنا تحْت الْکِساَّءِ فَقالَ لاِبى اِنَّ اللَّهَ قدْ اَوْحى اِلَیْکُمْ یَقُول ﴿اِنَّما یُریدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِجْسَ اَهْلَ الْبَیْتِ و یُطَهِّرَکُمْ تطْهیراً﴾ فَقالَ عَلِىُّ لاَبى یا رَسُولَ اللَّهِ اَخْبِرْنى ما لِجلوسِنا هذا تحْت الْکِساَّءِ مِنَ الْفَضْلِ عِنْدَاللَّهِ فَقالَ النَّبِىُّ والَّذى بَعَثنى بِالْحَقِّ نَبِیّاً واصْطَفانى بِالرِسالَهِ نَجِیّاً ما ذُکِرَ خَبَرنا هذا فى مَحْفِلٍ مِنْ مَحافِلِ اَهْلِ الارْضِ وفیهِ جَمْع مِنْ شَیعَتِنا ومُحِبینا اِلاّ ونَزَلَتْ عَلَیْهِمُ الرَحْمَهُ وحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَّئِکَهُ واسْتغْفَرَتْ لَهُمْ اِلى اَنْ یَتفَرَقُوا فَقالَ عَلِىُّ اِذاً واللَّهِ فزْنا وفازَ شیعَتُنا ورَبِ الْکَعْبَهِ. فَقالَ النَّبِىُّ ثانِیاً یا عَلِىُّ والَّذى بَعَثنى بِالْحَقِّ نَبِیّاً واصْطَفانى بِالرِسالَهِ نَجِیّاً ما ذُکِرَ خَبَرنا هذا فى مَحْفِلٍ مِنْ مَحافِلِ اَهْلِ الارْضِ وفیهِ جَمْع مِنْ شیعَتِنا ومُحِبینا وفیهِمْ مَهْمُومٌ اِلاّ وفَرَجَ اللَّهُ هَمَهُ ولا مَغْمُومٌ اِلاّ وکَشَفَ اللَّهُ غَمَهُ ولا طالِبُ حاجَهٍ اِلاّ وقضَى اللّهُ حاجَتهُ فَقالَ عَلِىُّ اِذاً واللَّهِ فزْنا وسُعِدْنا وکَذلِکَ شیعَتُنا فازُوا وسُعِدُوا فِى الدُّنْیا والاْخِرَهِ ورَبِ الْکَعْبَه.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إني أسألک وأتوجه إليک بنبيک نَبي الرحمة مُحمدٍ صَلى الله عَليهِ والِهِ، يا أبا الْقاسم يا رَسُولَ الله يا إمامَ الرحْمَةِ، يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبا الْحَسَن ِ يا أميرَ المُؤمنينَ يا
ص: 273
عَليَ بْن أبي طالِب يا حجَةَ الله عَلى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا فاطِمَةَ الزَهْراء يا بِنْت مُحَمَد يا قُرَةَ عَينِ الرَسُولِ يا سَيدتنا ومَوْلاتنَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهةً عِنْد الله اشْفَعْي لَنَا عَنْد الله، يا أبا مُحَمد يا حَسَنَ بْنَ عَلي أيُها الْمُجْتبَى يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبا عَبْدِ الله يا حسَيْنَ بْنَ عَلِي أيُها الشَهِيدُ يا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجَةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبا الْحَسَن ِ يا عَلِي بْنَ الحسَيْن يا زَيْنَ العابِدِينَ يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبا جَعْفَر يا مُحَمد بْنَ عَلِي أيُها الباقِر يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجة َ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبَا عَبْدِ الله يا جَعْفَرَ بْن مُحَمد أيُها الصادِقُ يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبَا الحَسَنِ يا مُوسَى بْنَ جَعْفَر أيُها الکاظِمُ يَا ابْنَ رَسُول ش الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبَا الحَسَنِ يا عَلي بْنَ مُوسَى أيُها الرضَا يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبَا جَعْفَر يا مُحَمد بْنَ عَلِي أيُها التقِي الجَوادُ يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبَا الحَسَن ِ يا عَلي بْنَ مُحَمد أيُها الهادِي التقِي يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا أبَا
ص: 274
مُحَمد يا حَسَنَ بْنَ عَلِي أيُها الزَکيُ العَسْکرِي يا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله، يا وصِي الْحَسَن ِ والْخَلَفَ الْحجة َ أيُها القائِمُ المُنْتظَر المَهْدِيُ يَا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حجةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا ومَوْلانَا إنا توجهْنا واسْتشْفَعَنَا وتوسلنا بِک إلى الله وقدَمْناک بَيْنَ يَدَيْ حاجَاتِنا، يا وجِيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله يا سادَتِي ومَوالِي إني توجَهْتُ بِکمْ أَئِمَتِي وعُدَتِي لِيَوْمِ فَقْرِي وحَاجَتِي إلَى الله، وتوسَلْتُ بِکمْ إلَى الله، واسْتشْفَعْتُ بِکمْ إلَى الله، فَاشْفَعُوا لِي عِنْدَ الله، واسْتنْقِذُونِي مِنْ ذُنُوبِي عِنْدَ الله، فَإنَکمْ وسِيلَتِي إلَى الله، وبِحبکمْ وبِقُرْبِکمْ أرْجو نَجاة َ مِنَ الله، فَکونوا عِنْدَ الله رَجائِي يا سَادَتِي يا أوْلِياءَ الله، صَلى الله عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ ولَعَنَ الله أعْدَاءَ الله ظالِمِيهِمْ مِنَ الأولِينَ والاخِرِينَ امِينَ رَبَ الْعالَمِينَ.
ص: 275
مجالس
التأبین و فواتح المؤمنین
المجلس:الأول 1
المحاضرة:الاهتمام بالاهل و الاولاد 2
قصة الامرأة و الفقيه 2
تفسیر الآیة 3
قصة ضیف الإمام الصادق (علیه السلام ) 5
قصة عبد الرحمن بن ملجم 6
نعي:الاب او الاخ 7
المجلس:الثاني 9
قصیدة:النفس تبکي على الدنيا و قد علمت 9
قصیدة:راح اسولفک شصار بحالي 9
المحاضرة:الموت 10
قصة سليمان بن عبد الملک 12
نعي:فراق الام و مصاب السید فاطمة الزهراء 15
کلمة الشکر 16
المجلس:الثالث 18
قصیدة:باچر يسئلونک وتتحاکم 18
المحاضرة:القبر 19
قصة 20
مناداة أمير المؤمنين (علیه السلام ) لأهل القبور 22
نعي:فقد العزیز و رجوع السبایا الی المدینة 22
المجلس:الرابع 24
قصیدة:شلون بيه لو ثقل وزن حسابي 24
المحاضرة:العمل الصالح 25
تفسیر الآیة 28
قصص 28
نعي:رجوع السبایا الی کربلاء 29
المجلس:الخامس 32
ص: 276
قصیدة: مغرورين ايام وسنين وکلنا ميتين 32
المحاضرة: الموت (الثانیة) 33
قصة المرأة البخیلة 36
الثواب للمیت 36
نعي 38
مجلس: السادس 39
المحاضرة: فقد الاحبة 40
قصة 41
حکايه العمل الصالح 42
نعي:الولد 44
قصیدة:انه أم الشباب الساهريت اليال 44
مجلس:السابع 47
قصيدة:وين تروح ملک الموت اجالک والقبر مفتوح 47
المحاضرة:العمل الصالح (الثانیة) 48
تفسیر الآیة 48
موت ولد احد العلماء 49
الفرج قريب 50
موعظة من السجاد (علیه السلام ) 52
نعي:الولد و الاخ 53
مجلس:الثامن 55
محاضرة:الفناء 55
قصة المحدث النوري 58
صبر أم عقيل على موت ولدها 59
نعي 60
مجلس:التاسع 62
المحاضرة:الاستعداد للموت 64
قصة 67
قصة و عبرة 69
قصة صبر رشید الهجري 70
صبر الإمام الصادق (علیه السلام ) 71
نعي: الولد و علی الاکبر 71
ص: 277
المجلس:العاشر 74
المحاضرة:الاحتضار 75
الروح و الریحان 76
نعي: الام و فاطمة الزهراء 77
مجلس: الحادي عشر 80
المحاضرة: عشرة ننفع بها امواتنا وتفرح قلوبهم 81
نعي حال الولد و الاب 85
مجالس أیام الفاطمیة
المجلس الاول (ایام الفاطمیة) 87
المحاضرة:مجلس فضائل فاطمة (علیه السلام ) 87
فاطمة 87
الصديقة 88
المبارکة 88
الطاهرة 89
الزهراء (علیه السلام ) کزوجة 89
عملها فی المنزل 90
نعي:ضلع فاطمة (علیه السلام ) المکسور 91
المجلس الثاني (ایام الفاطمیة) 94
المحاضرة:اسماء فاطمة الزهراء (علیه السلام ) 94
الزکية 94
الراضية 94
المرضية 95
المحدثة 96
الزهراء 97
نعي:خروج أمير المؤمنين إلى قبر الزهراء 97
المجلس الثالث (ایام الفاطمیة) 100
المحاضرة:اسماء فاطمة الزهراء (علیه السلام ) 101
البتول 101
الکوثر 101
الحوراء 101
سيدة نساء العالمين 102
ص: 278
کناها 102
نعي:مجلس تغسیل فاطمه (علیه السلام ) 102
المجلس الرابع (ایام الفاطمیة) 105
المحاضرة: ملامح من حياة الزهراء (علیه السلام ) 105
عبادة الزهراء (علیه السلام ) 105
اخلاقها 107
عفتها و حجابها 108
کرمها 108
نعي:الهجوم علی الدار 110
لطمیة: علی العین سطروها 114
مجلس: السيدة فاطمة المعصومة (علیه السلام ) 115
المعصومة 115
العالمة (فداها أبوها) 115
کريمة أهل البيت (علیه السلام ) 116
فاطمة الشفيعة 116
فاطمة المحدثة 117
فضل زيارتها 118
کرامتها 119
المصیبة 119
مجالس شهادات الائمة (علیه السلام )
مجلس:الإمام الحسن (علیه السلام ) 123
شجاعته 123
کريم أهل البيت 124
عبادته 128
رفضه مصاهرة الأمویین 129
صلح الإمام الحسن (علیه السلام ) 129
وصاياه الأخيرة 131
فتنة دفن الإمام (علیه السلام ) 132
المصیبة 133
لا يوم کيومک، يا أبا عبد الله 134
مجلس: الإمام السجاد (علیه السلام ) 136
ص: 279
فضله ومناقبه 138
قصيدة الفرزدق 144
المصیبة 148
مجلس: الإمام الباقر (علیه السلام ) 151
فضائله و مناقبه 151
علمه 152
أخلاقه 153
الإمام و الأمويون 154
الإمام يحتج على المخالفين 157
ضرب الدراهم الإسلامية بأمر الإمام الباقر (علیه السلام ) 158
علي ابن طالب (علیه السلام ) و ضرب النقود 162
أصحابه 166
المصیبة 173
مجلس:الإمام الصادق (علیه السلام ) 177
أخلاقه مع الاخرین 177
أخلاق الإمام مع ضيوفه 178
أخلاق الإمام مع خدمه 179
أخلاقه مع الفقراء والسائلين 179
أخلاق الإمام مع من أساء إليه 181
من أخلاقه 182
علم الإمام 183
طلبه للرزق الحلال 185
إنفاق الإمام 186
إنصاف الإمام 189
إدخال السرور في قلوب الناس 190
حکام عصره 192
صبر الإمام 201
المصیبة 201
مجلس:الإمام الکاظم (علیه السلام ) 206
العبد الصالح 207
الکاظم 207
ص: 280
باب الحوائج 207
کرم الإمام الکاظم (علیه السلام ) 208
طلب الإمام للرزق 209
محنة شهيد فخ 210
هارون الرشيد 213
المصیبة 216
مجلس:الإمام الرضا (علیه السلام ) 219
أخلاق الإمام 219
حديث سلسلة الذهب 220
دعبل الخزاعي 221
المصیبة 225
مجلس:الإمام الجواد (علیه السلام ) 229
الإمام الجواد (علیه السلام ) ومحنة الولادة 229
کنيته وألقابه 231
مع أبيه الإمام الرضا (علیه السلام ) 232
فضائله ومناقبه 233
قصص من حیاته 236
المصیبة 237
مجلس:الإمام الهادي (علیه السلام ) 240
کنيته وألقابه 241
المصیبة 246
مجلس العسکري (علیه السلام ) 249
مناقبه 249
عبادته 249
ثورات زمانه 250
سجنه 251
علمه 252
فضل علماء الشيعة 253
أسلوبه في التربية 254
توجيهاته 255
المصیبة 256
ص: 281
الملحقات: ما تنفع المبلّغ و الخطیب
التسلیم و الزیارة بعد المجالس 261
دعاء بعد تناول الطعام 261
صلاة المیت 261
تلقین المیت 262
خطبة عقد الزواج 263
الدعا بعد اجراء العقد 265
مختصر اخر لزواج الدائم 266
عقد الازدواج الموقت 266
الزیان 266
لطمیات 267
لطمیة:حبست ادموع عيني اعليک للشام 267
لطمیة:طبينه الدواوين يا عباس 267
لطمیة:محمد مادريت اشصار 268
مولودي:علي علي مولى 269
مولودي:يوم الغدير بعيد الولاية 270
حديث الکساء 271
دعاء التوسل 273
محتویات الکتاب 276
ص: 282